مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه المجلد 2

اشارة

سرشناسه : بنی فضل، مرتضی، 1312 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه/ تالیف مرتضی بنی فضل؛ تحقیق و نشر موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی قدس سره

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1422ق. = - 1380.

شابک : 20000ریال:(ج.1)

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

عنوان دیگر : کتاب الصلاه

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله علمیه

موضوع : نماز

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30232 1380الف

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 81-15544

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

[تتمة كتاب الصلاة]

القول في مبطلات الصلاة

اشارة

و هي امور:

أحدها: الحدث الأصغر و الأكبر،

فإنّه مبطل لها أينما وقع فيها؛ و لو عند الميم من التسليم على الأقوى؛ عمداً أو سهواً أو سبقاً، عدا المسلوس و المبطون و المستحاضة على ما مرّ (1).


1- المبطل للطهارة كالبول و الغائط و الجنابة و الحيض مبطل للصلاة إجماعاً إذا وقع في أثناء الصلاة عمداً؛ و لو عند «الميم» من التسليم، و ادّعى بعض فقهائنا أنّه من ضروريات مذهبنا، و حكي عن المجلسي تقوية ما نسب إلى الصدوق رحمه الله من عدم بطلان الصلاة بالحدث عمداً بعد الجلوس من السجدة الثانية من الركعة الرابعة، و أنّه يتوضّأ و يرجع؛ و ذلك للنصوص المعتبرة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال: «ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم. و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.). و موثّق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: «تمّت صلاته، و أمّا التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» (وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 2.). و رواية ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن رجل صلّى الفريضة فلمّا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال: «أمّا صلاتهم (صلاته. ظ) فقد مضت، و أمّا التشهّد فسنّة في الصلاة فليتوضّأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد» (وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 3.). و موثّق آخر لعبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى الفريضة فلمّا فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال: «أمّا صلاته فقد مضت و بقي التشهّد، و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة فليتوضّأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد» (وسائل الشيعة 6: 412، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 4.). قال صاحب «الوسائل»: هذه الأحاديث محمولة على نسيان التشهّد دون التعمّد، و قد تقدّم ما يدلّ على ذلك. و يمكن أن يكون المراد ما زاد عن التشهّد الواجب قاله الشيخ، و يحتمل الحمل على التقية (وسائل الشيعة 6: 411.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ الروايات المذكورة- مضافاً إلى حملها على المحامل المزبورة- معرض عنها عند الأصحاب، و مشتملة على جواز وقوع الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة في أثنائها- و هو الخروج من المسجد و التوضّي و الرجوع إليه للتشهّد- و لم يقل به أحد من علمائنا، إلّا ما حكي عن المجلسي. و يدلّ على القول المشهور من بطلان الصلاة و وجوب الإعادة بمجرّد الحدث في الأثناء موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع، كيف يصنع؟ قال: «إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوؤه، و إن خرج متلطّخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة» (وسائل الشيعة 1: 259، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 5، الحديث 5.). و رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخفق و هو في الصلاة، فقال: «إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا إعادة» (وسائل الشيعة 1: 253، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 3، الحديث 6.). و صحيح أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما كانا يقولان: «لا يقطع الصلاة إلّا أربعة: الخلاء و البول و الريح و الصوت» (وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 2.). و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم أنّ ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال: «يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً» (وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 7.). و روايته الاخرى عن أخيه عليه السلام قال: و سألته عن رجل وجد ريحاً في بطنه فوضع يده على أنفه و خرج من المسجد حتّى أخرج الريح من بطنه ثمّ عاد إلى المسجد فصلّى و لم يتوضّأ، هل يجزيه ذلك؟ قال: «لا يجزيه حتّى يتوضّأ، و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى» (وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 8.). هذا كلّه إذا وقع الحدث في أثناء الصلاة عمداً. و أمّا إذا وقع فيه سهواً أو بغير اختيار فهو أيضاً مبطل للصلاة إجماعاً. نعم حكي عن الشيخ و السيّد المرتضى في «المصباح» القول بعدم البطلان. و فيه- مضافاً إلى أنّ كلام الشيخ في «الخلاف» مورده السبق لا السهو- أنّه رحمه الله اختار القول بالبطلان، قال في «الخلاف»: من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك، لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما- و هي الأحوط- أنّه تبطل صلاته ... إلى أن قال: و الرواية الاخرى: أنّه يعيد الوضوء و يبني (الخلاف 1: 409، المسألة 157.). و قال في «المبسوط» في فصل تروك الصلاة و ما يقطعها: و هذه التروك الواجبة على ضربين: أحدهما: متى حصل عامداً كان أو ناسياً أبطل الصلاة، و هو جميع ما ينقض الوضوء؛ فإنّه إذا انتقض الوضوء انقطعت الصلاة، و قد روي أنّه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء و يبني على صلاته، و الأحوط الأوّل. و القسم الآخر: متى حصل ساهياً أو ناسياً أو للتقية فإنّه لا يقطع الصلاة، و هو كلّ ما عدا نواقض الوضوء (المبسوط 1: 117.)، انتهى. و كلامه في «التهذيب» صريح في نفي الخلاف في وجوب الإعادة، قال: منعت الشريعة للمتوضّي إذا صلّى ثمّ أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته؛ لأنّه لا خلاف بين أصحابنا أنّ مَن أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه (تهذيب الأحكام 1: 205.)، هذا مختار الشيخ رحمه الله في كتبه. و أمّا السيّد فلم يكن «مصباحه» موجوداً عندنا حتّى نلاحظه. هذا كلّه في غير المسلوس و المبطون و المستحاضة، و تفصيل الكلام فيها موكول إلى كتاب الطهارة.

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ثانيها: التكفير

و هو وضع إحدى اليدين على الاخرى نحو ما يصنعه غيرنا. و هو مبطل عمداً على الأقوى، لا سهواً، و إن كان الأحوط فيه الإعادة، و لا بأس به حال التقيّة (1).


1- التكفير هو التكتّف، و هو في اللغة بمعنى الخضوع؛ ففي «المنجد»: كفّر له: خضع بأن يضع يده على صدره و يطأطئ رأسه و يتطأمن تعظيماً له (المنجد: 691.). و اختلف فقهاؤنا في تفسيره؛ فقال جماعة- منهم العلّامة و المحقّق- إنّه عبارة عن وضع اليد اليمنى على اليسرى، و قيّده في «التذكرة» و «المنتهى» بحال القراءة، قال في «التذكرة»: و هو وضع اليمين على الشمال في القراءة (تذكرة الفقهاء 3: 295.). و قال جماعة اخرى: إنّه لا فرق في التكفير بين وضع اليمين على الشمال و العكس، اختاره الشيخ و ابن إدريس و الشهيدان. و في «الجواهر»: لا فرق فيه بين الوضع فوق السرّة و تحتها، كما صرّح به غير واحدٍ، بل لا أجد فيه خلافاً؛ لإطلاق الأدلّة، كما أنّه لا فرق بين وجود الحائل و عدمه، بل و لا بين وضع الكفّ على الكفّ و الذراع و الساعد- أي العضد- و إن استشكل فيه في «التذكرة» قال: من إطلاق اسم التكفير، و من أصالة الإباحة. و لا يخفى عليك ما فيه، بل الظاهر تحقّقه بوضع الذراع على الذراع أيضاً. و في بعض النصوص السابقة تصريح ببعض ذلك، فضلًا عن إطلاق وضع اليد على الاخرى. و الظاهر: أنّ المدار على الهيئة المتعارفة في الخضوع عند مستعمليه من الفُرس و أتباعهم (جواهر الكلام 11: 22.)، انتهى. المشهور في حكم التكفير الحرمة و وجوب تركه في الصلاة، و ذهب ابن الجنيد إلى استحباب تركه، و أبو الصلاح إلى كراهة فعله، و اختاره المحقّق في «المعتبر». و استدلّ على قول المشهور- مضافاً إلى ما ذكره في «التذكرة» من الإجماع، و كونه فعلًا كثيراً فيكون منهياً عنه، و أنّه أحوط؛ لوقوع الخلاف فيه دون الإرسال، و بأنّ أفعال الصلاة توقيفية- بصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصلاة و حكى اليمنى على اليسرى، فقال: «ذلك التكفير، لا يفعل» (وسائل الشيعة 7: 265، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 1.).و مرسل حريز عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «و لا تكفّر، إنّما يصنع ذلك المجوس» (وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 3.). و مرسل الصدوق في «الخصال» عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: «لا يجمع المسلم يديه في صلاته و هو قائم بين يدي اللّٰه- عزّ و جلّ- يتشبّه بأهل الكفر؛ يعني المجوس» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 7.). و حكي عن المحقّق في «المعتبر» أنّه قال: الوجه عندي الكراهة. أمّا التحريم فيشكل؛ لأنّ الأمر بالصلاة لا يتضمّن حال الكفّين؛ فلا يتعلّق بها تحريم. لكن الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلّت عليه الأحاديث عن أهل البيت من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين (المعتبر 2: 257.)، انتهى. و نسب هذا القول إلى الشهيد الثاني في «الروضة» و «المسالك» و المحقّق الأردبيلي في «شرحه على الإرشاد» و النراقي في «مستند الشيعة». و استدلّ عليه بالأصل، و بظهور بعض الأخبار كرواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «إذا كنتَ قائماً في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى و لا اليسرى على اليمنى؛ فإنّ ذلك تكفير أهل الكتاب، و لكن أرسلهما إرسالًا فإنّه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة» (دعائم الإسلام 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 14، الحديث 2.). و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك؛ فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه، و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك و لا بلحيتك و لا تحدث نفسك و لا تتثاءب و لا تتمطّ و لا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس، و لا تلثم و لا تحتفز (و لا) تفرّج كما يتفرّج البعير و لا تقع على قدميك و لا تفترش ذراعيك و لا تفرقع أصابعك؛ فإنّ ذلك كلّه نقصان من الصلاة، و لا تقم إلى الصلاة متكاسلًا و لا متناعساً و لا متثاقلًا؛ فإنّها من خلال النفاق فإنّ اللّٰه سبحانه نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة و هم سكارى؛ يعني سكر النوم، و قال للمنافقين: «وَ إِذٰا قٰامُوا إِلَى الصَّلٰاةِ قٰامُوا كُسٰالىٰ يُرٰاؤُنَ النّٰاسَ وَ لٰا يَذْكُرُونَ اللّٰهَ إِلّٰا قَلِيلًا»» (الكافي 3: 299/ 1.).وجه الدلالة: أنّ قوله عليه السلام: «فإنّ ذلك كلّه نقصان في الصلاة» ظاهر في الكراهة و شامل للتكفير. ثمّ إنّ أكثر القائلين بحرمة التكفير قالوا ببطلان الصلاة، بل هو المشهور عندهم، و هو المختار. و استدلّ عليه بالإجماع المدّعى في كلام جماعة؛ منهم العلّامة في «التذكرة» قال: التكفير مبطل في الصلاة؛ لإجماع الفرقة عليه (تذكرة الفقهاء 3: 295.)، و هذا هو الدليل العمدة على البطلان. و عن الشيخ و السيّد المرتضى تعليل مبطليته بأنّه فعل كثير، و بتوقيفية العبادة أقوالها و أفعالها، و باقتضاء أصل الاشتغال و الاحتياط. و لا يخفى: أنّ الظاهر من رواية «دعائم الإسلام» و صحيح زرارة المذكورين كراهة التكفير، و هو الظاهر أيضاً من صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «و عليك بالإقبال على صلاتك ...» إلى أن قال: «و لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس» (وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 2.) . و رواية علي بن جعفر عن أخيه: و سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدى يديه على الاخرى بكفّه أو ذراعه؟ قال: «لا يصلح ذلك، فإن فعل فلا يعود» (وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 5.) ، و الدلالة في الأخير أوضح بقرينة ظهور «لا يصلح» في الكراهة، و أنّه لو أبطل لأمر بالإعادة. و بالجملة: فهذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في كراهة التكفير و صالحة لصرف صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام و نحوه الظاهر في التحريم، إلّا أنّها معرض عنها عند الأصحاب. قال في «مصباح الفقيه»: فيشكل مع هذه القرائن الكثيرة المشعرة بالكراهة أو الظاهرة فيها الجمود على ظاهر النهي الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم و غيرها من الأخبار المزبورة، إلّا أنّ رفع اليد عن هذا الظاهر المعتضد بالشهرة و الإجماعات المنقولة تعويلًا على مثل هذه الإشعارات التي أعرض عنها المشهور أشكل. فالقول بالحرمة مع أنّه أحوط لا يخلو من قوّة. و قد أشرنا آنفاً إلى أنّ المتبادر من النهي في مثل هذه الموارد- على تقدير تعلّقه بنفس الفعل كما هو الظاهر لا من حيث كونه تشريعاً- إنّما هو إرادة المنع الغيري؛ أي بيان الحكم الوضعي لا محض التكليف (مصباح الفقيه، الصلاة: 402/ السطر 8.)، انتهى. بقي الكلام في أنّ بطلان الصلاة بالتكفير هل هو مختصّ بصورة العمد إليه، أو يعمّ السهو أيضاً؟ فنقول: إن كانت الحرمة و الإبطال لأجل التشريع اختصّ الحكم بصورة العمد؛ لانتفاء التشريع حال السهو؛ لدخالة العمد و القصد في حقيقة التشريع. و إن كانت مستفادة من النصّ- كما هو الظاهر من صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم (وسائل الشيعة 7: 265، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) على ما عرفت- فيعمّ الحكم حال السهو أيضاً. الذي يظهر من جماعة من فقهائنا هو اختصاص الحكم بصورة العمد، و هو ممّا لا خلاف بينهم على ما ادّعاه جماعة منهم. و لو لا نفي الخلاف بل الإجماع على الاختصاص المزبور لأشكل إثباته. قال في «الجواهر»: ثمّ إنّ صريح المصنّف و غيره- بل لا أجد فيه خلافاً، بل ظاهر إرساله إرسال المسلّمات من جماعة من الأصحاب كونه من القطعيات- اختصاص الحكم المزبور بصورة العمد دون السهو؛ فلو كفّر ساهياً عن كونه في الصلاة لم تبطل صلاته. و لعلّ هذا من المؤيّدات لما ذكرناه سابقاً من أنّ الحرمة فيه و الإبطال للتشريع المنفي حال السهو، و إلّا فلم نقف لهم على ما يدلّ على خروج صورة السهو؛ خصوصاً على القول بإجمال العبادة و أنّها للصحيح الجامع للشرائط الفاقد للمانع. و دعوى أنّ الدليل اختصاص ما دلّ على مانعيته بصورة العمد؛ لما فيه من النهي الذي لا يتصوّر توجّهه إلى الساهي، يدفعها ما سمعته منّا غير مرّة من أنّ التحقيق عدم تقييد الحكم الوضعي بالتكليفي و إن استفيد منه؛ سواء في ذلك الشرط و المانع، و العرف أعدل شاهد به؛ فالمتّجه حينئذٍ- إن لم يكن كما ذكرنا- العموم للحالتين، إلّا أن يثبت إجماع، و دون إثباته- مع فرض قطع النظر عن القول بالحرمة التشريعية- خرط القتاد (جواهر الكلام 11: 23.)، انتهى. و ما ذكره رحمه الله من عدم الوقوف على ما يدلّ على خروج صورة السهو مع ما في «الرياض» من الوجه على عموم الحكم لصورة السهو، هو الوجه في الاحتياط بالإعادة في الصورة المذكورة. و لا بأس بالتكتّف في حال التقية؛ لأنّها تجوّز كلّ محذور، بل قد يجب فيما ترتّب عليه مصلحة أهمّ، كحفظ النفس. و لكن لو ترك التقية لا تبطل الصلاة؛ لعدم تعلّق النهي بها.

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ثالثها: الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال،

بل و ما بينهما على وجه يخرج به عن الاستقبال، فإنّ تعمّد ذلك كلّه مبطل لها، بل الالتفات بكلّ البدن بما يخرج به عمّا بين المشرق و المغرب، مبطل حتّى مع السهو أو القسر و نحوهما. نعم لا يبطل الالتفات بالوجه- يميناً و شمالًا- مع بقاء البدن مستقبلًا إذا كان يسيراً، إلّا أنّه مكروه. و أمّا إذا كان فاحشاً؛ بحيث يجعل صفحة وجهه بحذاء يمين القبلة أو شمالها، فالأقوى كونه مبطلًا (1).


1- في المسألة صور: الاولى: الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال. الثانية: الالتفات بكلّ البدن إلى ما بين اليمين و الشمال على وجه يخرج به عن الاستقبال و لم يبلغهما. الثالثة: الالتفات بالوجه يميناً أو شمالًا يسيراً بحيث لا تبلغ صفحة وجهه يمينه أو شماله مع بقاء البدن مستقبلًا. الرابعة: الالتفات بالوجه بحيث تبلغ صفحته يمينه أو شماله مع بقاء البدن مستقبلًا. الخامسة: الالتفات بالوجه إلى الخلف و لو بميل البدن قليلًا بحيث لا يخرج به عن الاستقبال ببدنه. و في «الجواهر»: أنّ الصور المتصوّرة في المقام كثيرة جدّاً، بل ربّما كانت بملاحظة بعض القيود تنتهي إلى ستّمائة أو أزيد، إلّا أنّ الذي يهمّ معرفة الحكم فيها ستّة عشر؛ و ذلك لأنّ الالتفات إمّا عن عمدٍ أو سهوٍ، و على كلّ منهما إمّا أن يقع بالكلّ أو بالوجه، و على كلّ منهما فإمّا إلى الخلف أو اليمين أو اليسار أو ما بينهما بحيث يخرج عن الاستقبال (جواهر الكلام 11: 27.)، انتهى. و قد اختلف تعابير الفقهاء في عنوان المسألة، نذكر بعضها: فقال جماعة: إنّ الالتفات إلى ما ورائه مبطل عمداً، كما في «المبسوط» و «الشرائع» و «النافع»، و في «المنتهى»: أنّ الالتفات يميناً و شمالًا لا ينقص ثواب الصلاة و لا يبطلها، و عليه جمهور الفقهاء. و الالتفات إلى ما ورائه يبطلها؛ أمّا الإبطال بالالتفات بالكلّية فلأنّ الاستقبال شرط صحّة الصلاة و مع الالتفات بالكلّية يفوت الشرط (منتهى المطلب 1: 307/ السطر 29.)، و حكي عن الفقيه أنّه قال: لا تلتفت عن يمينك و لا يسارك، فإن التفت حتّى ترى خلفك فقد وجب عليك إعادة الصلاة (الفقيه 1: 198.). و حكي عن «الأمالي»: أنّ من دين الإمامية أنّ الالتفات حتّى يرى من خلفه قاطع للصلاة. و في «المعتبر»: أنّ الالتفات يميناً و شمالًا ينقص ثواب الصلاة، و الالتفات إلى ما ورائه يبطلها؛ لأنّ الاستقبال شرط صحّة الصلاة، فالالتفات بكلّه تفويت لشرطها. ثمّ حكم بكراهة الالتفات يميناً و شمالًا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلًا (المعتبر 2: 253.). و في «التذكرة»: الالتفات إلى ما ورائه مبطل للصلاة؛ لأنّ الاستقبال شرط و الالتفات بكلّه مفوّت لشرطها ... إلى أن قال: و يكره الالتفات بوجهه يميناً و شمالًا (تذكرة الفقهاء 3: 294.). و في «المسالك»: أنّ الالتفات بكلّه مبطل. و في رسالة صاحب «المعالم»: أنّ تعمّد الالتفات بوجهه مبطل. و في «التهذيب» و «الاستبصار» و «الغنية» و «الدروس» و «جامع المقاصد» و «الروض» و «المدارك» و «كشف اللثام»: أنّ الالتفات إلى ما ورائه مبطل عمداً و سهواً. لكن في «جامع المقاصد» قيّده بكلّ بدنه. ثمّ إنّه لا إشكال و لا خلاف في بطلان الصلاة بالالتفات عن القبلة في الجملة، بل ادّعى غير واحد من فقهائنا الإجماع عليه. و إنّما الخلاف في اعتبار كونه بتمام بدنه و إلى ما ورائه و كان بحيث يرى من خلفه مقيّداً بالتعمّد و عدمه، بل يبطل مطلقاً و لو كان ببعض بدنه و لو لم يصل إلى ورائه، بل لو لم يصل إلى يمينه أو شماله من غير تقييد بالتعمّد. و الأخبار في المسألة مختلفة، و القدر المتيقّن منها و من الفتاوى و المجمع عليه هو الالتفات بتمام البدن إلى ما ورائه عمداً بحيث يرى من خلفه. و بعض الأخبار يدلّ على كون الالتفات المطلق مبطلًا، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، قال: «لا، و لا ينقض أصابعه» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 1.). و استدلّ في «المستمسك» (مستمسك العروة الوثقى 6: 536.) بموثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 245، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) ، على كون الالتفات المطلق مبطلًا. و فيه: أنّ الموثّق صريح في صرف خصوص الوجه عن القبلة لا الالتفات المطلق. و بعضها يدلّ على عدم مبطلية الالتفات المطلق، كرواية عبد الملك قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الالتفات في الصلاة، أ يقطع الصلاة؟ فقال: «لا، و ما احبّ أن يفعل» (وسائل الشيعة 7: 245، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 5.)، و قد حمله الشيخ على من لم يلتفت إلى ما ورائه بل التفت يميناً و شمالًا. و بعضها يدلّ على قطع الالتفات الصلاة إذا كان بكلّه، كصحيح زرارة أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 3.). و بعضها يدلّ على كونه قاطعاً إذا كان فاحشاً، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قال: «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 2.) . و رواية «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، و ينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ بالصلاة بالأذان و الإقامة و التكبير» (وسائل الشيعة 7: 245، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 7.). و بعضها يدلّ على قطع الصلاة بالالتفات إلى خلفه في الفريضة دون النافلة؛ سواء كان ببدنه أو بوجهه على فرض إمكانه، كرواية ابن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب «الجامع» للبزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: «إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به، و إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» (وسائل الشيعة 7: 246، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 8.). و لا يخفى: أنّ الأخبار المطلقة النافية لقاطعية الالتفات الصلاة مطروحة أو مؤوّلة، و المطلقات المثبتة لها منها محمولة على مقيّداتها. و نسبة بعض المقيّدات مع بعض آخر منها عموم و خصوص مطلقاً، كصحيح الحلبي حيث إنّه مع تقييده بالفاحش أعمّ مطلقاً من صحيح زرارة الذي هو أخصّ مطلقاً؛ لتقييده بقوله: «إذا كان بكلّه»، و كذا هو أعمّ مطلقاً من صحيح علي بن جعفر و رواية «السرائر» فإنّهما أخصّان مطلقاً؛ لتقييدهما بالخلف. و حينئذٍ يتعيّن حمل صحيح الحلبي المقيّد بكون الالتفات فاحشاً على صورة الالتفات بكلّه كما هو مقتضى صحيح زرارة، و صورة الالتفات إلى الخلف كما هو مقتضى صحيح علي بن جعفر و رواية «السرائر». ثمّ إنّ النسبة بين صحيح زرارة الدالّة على أنّ الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه، و بين صحيح علي بن جعفر و رواية «السرائر» الدالّين على أنّ الالتفات إلى الخلف مبطل، عموم من وجه؛ مورد اجتماعهما هو الالتفات بكلّه إلى الخلف، و مورد افتراق الأوّل هو الالتفات بكلّه لا إلى الخلف بل إلى اليمين أو اليسار أو ما بينهما، و مورد افتراق الثاني هو الالتفات إلى الخلف لا بكلّه، و لا تنافي في مورد الاجتماع الذي هو القدر المتيقّن من الأخبار و الفتاوى و المجمع عليه كما ذكرنا. و يؤخذ إطلاق كلّ من العامّين من وجه بالنسبة إلى مورد افتراقهما. و في «المستمسك»: و المتحصّل من ذلك قادحية الالتفات بالكلّ مطلقاً و لو كان إلى اليمين أو اليسار، و قادحية الالتفات إلى الخلف مطلقاً و لو كان بوجهه لا بكلّه، و عدم قدح الالتفات بالوجه إذا لم يكن بكلّه و لم يكن إلى خلفه و إن كان فاحشاً، كما هو الظاهر من صحيح ابن جعفر عليه السلام و قال ثالث منهم بالإعادة داخل الوقت دون خارجه؛ ففي «المدارك» قال: (مستمسك العروة الوثقى 6: 537.). بقي الكلام في أنّ الالتفات المبطل هل يختصّ بصورة العمد أو يعمّ السهو و النسيان، بل و الإكراه و الاضطرار أيضاً. و في «مصباح الفقيه»: لا فرق بين الالتفات سهواً أو إكراهاً أو اضطراراً؛ لأنّ البحث في الجميع من وادٍ واحدٍ (مصباح الفقيه، الصلاة: 405/ السطر 3.). قال جماعة من فقهائنا بعدم الفرق بين العمد و السهو. و قال جماعة اخرى منهم بعدم البطلان فيما لو التفت سهواً أو نسياناً أو تقية، كالشيخ و ابني حمزة و إدريس و سلّار و العلّامة و الشهيد، قال في «المبسوط»: و القسم الآخر- أي من التروك الواجبة في الصلاة- متى حصل ساهياً أو ناسياً أو للتقية فإنّه لا يقطع الصلاة، و هو كلّ ما عدا نواقض الوضوء فإنّه متى حصل متعمّداً وجب منه استئناف الصلاة (المبسوط 1: 117.). و قال في «المنتهى»: فرع- لو التفت إلى ما وراءه ناسياً لم يعد صلاته؛ لقوله عليه السلام: «رفع عن امّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه» (منتهى المطلب 1: 308/ السطر 2.) . و حكي عن الشهيد في «البيان»: أنّ ظاهر أكثر الأصحاب عدم بطلان الصلاة بالاستدبار سهواً (البيان: 249.). و في «الدروس»: أنّ المشهور عدم البطلان بالاستدبار (الدروس الشرعية 1: 185.). أمّا لو وقع سهواً فإن كان يسيراً لا يبلغ حدّ اليمين و اليسار لم يضرّ، و إن بلغه و أتى بشي ء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت، و إلّا فلا إعادة (مدارك الأحكام 3: 462.)، انتهى. و القائلون بالإبطال مطلقاً استدلّوا بإطلاق الروايات الدالّة على قاطعية الالتفات و شرطية الاستقبال، و إطلاق حديث: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود» (وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و في خصوص السهو برواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه بركعة، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس، ثمّ ذكر أنّه فاتته ركعة، قال: «يعيد ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة، فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالًا» (وسائل الشيعة 8: 209، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 6، الحديث 2.). و القائلون بالصحّة استدلّوا بالأصل و حديث الرفع، كما حكيناه عن «منتهى» العلّامة، هذا بناءً على رفع تمام الآثار، و بطلان الصلاة الموجب لإعادتها بالاستدبار سهواً من أظهر الآثار فيرفعه الحديث. و إطلاق بعض الأخبار الوارد فيها الأمر بإتمام الصلاة فيما نقص ركعة أو أزيد سهواً، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر و هو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين، قال: «يصلّي ركعتين» (وسائل الشيعة 8: 204، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 19.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: و الرجل يذكر بعد ما قام و تكلّم و مضى في حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين في الظهر و العصر و العتمة و المغرب، قال: «يبني على صلاته، فيتمّها و لو بلغ الصين، و لا يعيد الصلاة» (وسائل الشيعة 8: 204، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 20.). و صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعة من الغداة ثمّ انصرف و خرج في حوائجه ثمّ ذكر أنّه صلّى ركعة، قال: «فليتمّ (يتمّ) ما بقي» (وسائل الشيعة 8: 210، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 6، الحديث 3.). و لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف؛ لأنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و حديث الرفع إنّما يرفع الآثار الشرعية المجعولة بالذات لما صدر سهواً دون ما يترتّب على لوازمه العقلية أو العادية و العرفية. و بطلان الصلاة بترك شرطها- أعني الاستقبال- أثر عقلي لترك الشرط منتزع من اعتبار وجود الشرط؛ فلا يرفعه حديث الرفع. فالحديث في أمثال المقام يرفع المؤاخذة التي هي أثر لترك الشرط الشرعي. و أمّا الأخبار المذكورة فهي محمولة على التقية أو موكول علمها إلى أهله عليهم السلام. نعم الأظهر: أنّه لو التفت سهواً و لم يصل إلى حدّ اليمين أو اليسار بل كان فيما بينهما، فهو غير مبطل و إن كان بكلّ البدن. و إن تجاوز انحرافه عمّا بينهما أعاد في الوقت دون خارجه، و قد تقدّم تفصيل الكلام في المسألة الرابعة من «مسائل القبلة»، فراجع.

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

رابعها: تعمّد الكلام و لو بحرفين مهملين؛

اشارة

بأن استعمل اللفظ المهمل المركّب من حرفين في معنىً كنوعه و صنفه، فإنّه مبطل على الأقوى، و مع عدمه كذلك على الأحوط. و كذا الحرف الواحد المستعمل في المعنى كقوله: «ب»- مثلًا- رمزاً إلى أوّل بعض الأسماء بقصد إفهامه، بل لا يخلو إبطاله من قوّة، فالحرف المفهم مطلقاً- و إن لم يكن موضوعاً- إن كان بقصد الحكاية لا تخلو مبطليّته من قوّة، كما أنّ اللفظ الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية، و كان حرفاً واحداً، لا يبطل على الأقوى، و إن كان حرفين فصاعداً فالأحوط مبطليّته، ما لم يصل إلى حدّ محو اسم الصلاة، و إلّا فلا شبهة فيها حتّى مع السهو (1).


1- لا خلاف بين الأصحاب في كون تعمّد الكلام مبطلًا للصلاة في الجملة، بل ادّعى كثير منهم الإجماع عليه، و به قال جماعة من علماء العامّة. قال في «التذكرة»: فلو تكلّم عامداً بحرفين- و إن لم يكن مفهماً- بطلت صلاته؛ سواء كان لمصلحة الصلاة أو لا، عند علمائنا أجمع. و به قال الشافعي و سعيد بن المسيّب و النخعي و حمّاد بن أبي سليمان، و هو محكي عن عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّٰه بن الزبير و عبد اللّٰه بن عبّاس و أنس بن مالك و الحسن البصري و عطاء و عروة بن الزبير و ابن أبي ليلى (تذكرة الفقهاء 3: 274.)، انتهى. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كموثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 281، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 1.). و مرسل الصدوق قال: و روي: «إنّ من تكلّم في صلاته ناسياً كبّر تكبيرات، و من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه إعادة الصلاة و مَن أنّ في صلاته فقد تكلّم» (وسائل الشيعة 7: 281، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 2.). و صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً، و إن تكلّمت ناسياً فلا شي ء عليك» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 5.). و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصيبه الرعاف، قال: «إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف لوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 6.). و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن تكلّم فليعد صلاته» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 7.). و رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: «و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 8.). و ما دلّ من الأخبار على جواز التكلّم ببعض الكلمات في أثناء الصلاة، كما في رواية أبي جرير عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال: «إنّ الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح، فإذا دعته الوالدة فليقل: لبّيك» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 7.) ، ضعيف سنداً- بعلي بن إدريس- هذا أولًا. و ثانياً: أنّه مطروح أو محمول على النافلة، نعم يجوز الذكر بالتسبيح و غيره من الأذكار، كما سيأتي.و لا يخفى: أنّ أكثر الفقهاء قيّدوا الكلام المبطل بكونه مركّباً من حرفين فصاعداً؛ ففي «الروضة» شرح «اللمعة» قال: و هو- على ما اختاره المصنّف و الجماعة- ما تركّب من حرفين فصاعداً، و إن لم يكن كلاماً لغةً و لا اصطلاحاً، و في حكمه الحرف الواحد المفيد كالأمر من الأفعال المعتلّة الطرفين، مثل «ق» من الوقاية، و «ع» من الوعاية؛ لاشتماله على مقصود الكلام و إن أخطأ بحذف «هاء» السكت، و حرف المدّ؛ لاشتماله على حرفين فصاعداً (الروضة البهية 1: 561.)، انتهى. و حكي عن نجم الأئمّة: أنّ الكلام في اللغة موضوع لجنس ما يتكلّم به؛ سواء كان مهملًا أو مستعملًا، مفيداً أو غير مفيد (شرح الرضي على الكافية 1: 20.). و في «القاموس»: أنّ الكلام القول أو ما كان مكتفياً بنفسه (القاموس المحيط 4: 174.). ثمّ إنّ مقتضى الوضع اللغوي للكلام بطلان الصلاة بالتكلّم بالحرف الواحد كالحرفين فصاعداً، و لكن الإجماع على عدم بطلانها بالحرف الواحد غير المفيد هو الوجه في تقييد الفقهاء الكلام المبطل بكونه مركّباً من حرفين فصاعداً، و هذا الإجماع هو المصرّح به في «المنتهى» و «الذكرى»، و هو المحكي من «الروض» و «المقاصد العلّية»، و في «المدارك»: و قد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف الواحد؛ لأنّه لا يسمّى كلاماً في العرف، بل و لا في اللغة أيضاً؛ لاشتهار الكلام لغةً في المركّب من الحرفين، كما ذكره الرضي- رضوان اللّٰه عليه (مدارك الأحكام 3: 463.)- انتهى. و حكي عن نجم الأئمّة أيضاً، كما في «حاشية الروضة (شرح اللمعة): قلت: ذكر نجم الأئمّة أنّ الكلام في اللغة موضوع لجنس ما يتكلّم به؛ سواء كان كلمة على حرف ك «واو» العطف أو على أكثر من كلمة، و سواء كان مهملًا أو مستعملًا، مفيداً أو غير مفيد. ثمّ قال: و هو في عرف اللغوي- على ما ذكره بعض المحقّقين- المركّب من حرفين فصاعداً (شرح الرضي على الكافية 1: 20.)، انتهى. و في «الحدائق»: قد صرّح بعضهم بأنّ الكلام جنس لما يتكلّم به؛ سواء كان من حرف واحد أو أكثر، إلّا أنّ ظاهر كلام الأصحاب- رضوان اللّٰه عليهم- هنا تقييده بما تركّب من حرفين فصاعداً، و ظاهرهم الإجماع على أنّ الحرف الواحد غير المفهم لا يسمّى كلاماً، نقل الإجماع على ذلك جمع؛ منهم العلّامة في «التذكرة» و الشهيد في «الذكرى» (الحدائق الناضرة 9: 17.)، انتهى. أقول: و لو لا الإجماع المدّعى في كلام جماعة من الفقهاء على عدم بطلان الصلاة بالحرف الواحد المهمل غير المفهم، لأمكن دعوى بطلانها به؛ لصدق الكلام لغةً عليه بالمفهوم الذي نقلناه عن «القاموس» و نجم الأئمّة. و السيّد الخوئي رحمه الله لعدم اعتنائه بالإجماع المنقول الكذائي أفتى على الإبطال بحرف واحدٍ، قال في حاشيته على «العروة الوثقى»: بل بحرفٍ واحد أيضاً على الأظهر (مستند العروة الوثقى 4: 466.). هذا كلّه في الحرف الواحد غير المفهم. و أمّا الحرف الواحد المفهم- سواء كان إفهامه بالوضع اللغوي نحو «ق» من الوقاية، أو العرفي العامّ أو الخاصّ، بل و لو عند المتكلّم مع شخص آخر- فلا ينبغي التوقّف في إبطاله؛ لصدق الكلام اللغوي و العرفي في الجميع، و عدم كونه من معقد الإجماع على عدم الإبطال. و نسب إلى الشهيد و من تأخّر عنه التصريح بكونه كلاماً لغة و عرفاً. و في «الجواهر»: بل هو كلام عند أهل العربية، فضلًا عن اللغة و العرف (جواهر الكلام 11: 46.). و أمّا الحرف الواحد الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية عن معناه الموضوع له فلا يبطل على الأقوى؛ لعدم صدق الكلام عليه و دخوله في معقد الإجماع على عدم البطلان. و أمّا المركّب من حرفين فصاعداً الموضوع لمعنى و لكن لم يقصد حكايته عنه فالأقوى عندنا مبطليته؛ لصدق الكلام عليه. هذا مع عدم وصوله إلى حدّ محو اسم الصلاة، و إلّا فلا شبهة في مبطليته- حتّى مع السهو- و ذلك واضح.

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

و أمّا التكلّم في غير هذه الصورة فغير مبطل مع السهو (1).


1- هذه الصورة إشارة إلى صورة محو اسم الصلاة، و التكلّم في غيرها- من صور إبطال الكلام العمدي- غير مبطل مع السهو بلا خلاف. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلّم، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته؛ تكلّم أو لم يتكلّم، و لا شي ء عليه» (وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 5.) . و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» (وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 9.) ، و في «الوسائل» حكايةً عن الشيخ: المراد أنّه لا شي ء عليه من الإثم و الإعادة؛ لما يأتي من وجوب سجدتي السهو. و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين» (وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) . و موثّق عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل دعاه رجل و هو يصلّي فسها فأجابه بحاجته، كيف يصنع؟ قال: «يمضي في صلاته و يكبّر تكبيراً كثيراً» (وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 2.) . و مرسل الصدوق قال: روي «إنّ من تكلّم في صلاته ناسياً كبّر تكبيرات، و من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه إعادة الصلاة» (وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 3.).

ص: 30

كما أنّه لا بأس بردّ سلام التحيّة، بل هو واجب، و لو تركه و اشتغل بالقراءة و نحوها لا تبطل الصلاة، فضلًا عن السكوت بمقداره، لكن عليه إثم ترك الواجب خاصّة (1).


1- إذا سلّم على المصلّي في أثناء الصلاة يجوز له بل يجب عليه ردّ السلام، بلا خلاف في جوازه بين أصحابنا؛ لعدم مانعية الصلاة- نافلةً كانت أو فريضة- من ردّه. و في «الجواهر»: بل الإجماع بقسميه عليه (جواهر الكلام 11: 100.). و كلمات القدماء خالية عن الدلالة على الوجوب، بل ظاهرة الدلالة على مجرّد الجواز، و قال العلّامة في «التذكرة» بوجوب ردّ السلام قال: إذا سلّم عليه و هو في الصلاة وجب عليه الردّ لفظاً عند علمائنا (تذكرة الفقهاء 3: 281.). و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» حكى عن «التذكرة» نسبة الجواز إلى ظاهر الأصحاب (مستمسك العروة الوثقى 6: 554.)، و لم نجد هذه النسبة في كلام «التذكرة»، و لعلّه اشتبه «الذكرى» ب «التذكرة». و صاحب «الجواهر» نقل النسبة المذكورة عن «الذكرى» قال: و في «الذكرى»: ظاهر الأصحاب مجرّد الجواز (جواهر الكلام 11: 101.). و كيف كان: الإجماع بقسميه منعقد على وجوب ردّ سلام التحية على المصلّي، و التعبير في كلام القدماء بالجواز لبيان شرعيته في مقابل بعض العامّة العمياء كأبي حنيفة القائل بالحرمة و بطلان الصلاة به؛ و لذا قال في «المسالك»- و نعم ما قال- إنّ كلّ من قال بالجواز قال بالوجوب (مسالك الأفهام 1: 231.). و يدلّ على وجوبه الأخبار المستفيضة- لو لم تكن متواترة- كصحيح محمّد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: «السلام عليك» فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمّا انصرف قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ قال: «نعم، مثل ما قيل له» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 1.). و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال: «يردّ سلام عليكم و لا يقل: و عليكم السلام؛ فإنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كان قائماً يصلّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار، فردّ عليه النبي صلى الله عليه و آله» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 2.).و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي»، قال: «تردّ عليه خفيّاً» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 3.). و موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السلام على المصلّي، فقال: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 4.) ، و غيرها من روايات الباب. و في هذه الأخبار دلالة بالتقرير على جواز السلام تحية على المصلّي حال الصلاة. و في قبال هذه الأخبار لا يعتنى بما دلّ على النهي عن السلام على المصلّي معلّلًا بأنّه لا يستطيع أن يردّ السلام، كما في المروي عن «الخصال» عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السلام قال: «لا تسلّموا على اليهود و لا النصارى ...» إلى أن قال: «و لا على المصلّي؛ و ذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام؛ لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع و الردّ فريضة، و لا على آكل الربا، و لا على رجل جالس على غائط، و لا على الذي في الحمّام ...» (وسائل الشيعة 7: 270، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 17، الحديث 1.) الحديث. ثمّ إنّه لو ترك ردّ السلام و اشتغل بالقراءة و نحوها فهل تبطل صلاته، أو لا بل عليه إثم ترك الواجب خاصّة؟ البطلان و عدمه مبنيان على مسألة اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ؛ فمن قال به قال ببطلان الصلاة؛ ففي «المختلف»: لو اشتغل بالقراءة عقيب التسليم عليه بطلت صلاته؛ لأنّه فعل منهي عنه (مختلف الشيعة 2: 219.). و في «التحرير»: و لو ترك المصلّي ردّ السلام مع تعيينه عليه فالوجه بطلان صلاته (تحرير الأحكام 1: 269.). و ابتنى الشهيد في «الذكرى» هذه المسألة على مسألة اجتماع الأمر و النهي، قال: و بالغ بعض الأصحاب في ذلك، فقال: تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار و لما يردّ السلام، و هو من مشرب اجتماع الأمر و النهي في الصلاة كما سبق. و الأصحّ عدم الإبطال بترك ردّه (ذكرى الشيعة 4: 24.). و فيه: أنّه قد ثبت في محلّه عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ، و أنّ المسألة ليست من مشرب اجتماع الأمر و النهي في شي ء من الصلاة؛ لعدم تعلّق النهي به، لو ترك ردّ السلام و سكت بمقدار ردّه ثمّ اشتغل بالقراءة و نحوها فعليه إثم ترك الواجب، و لا وجه لبطلان صلاته؛ حتّى على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ، و القول بكون المسألة القبلية من مشرب اجتماع الأمر و النهي؛ لأنّ المفروض عدم إتيان المصلّي شيئاً من الصلاة في زمان وجوب ردّ السلام حتّى يكون منهياً عنه.

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

(مسألة 1): لا بأس بالذكر و الدعاء و قراءة القرآن- غير ما يوجب السجود- في جميع أحوال الصلاة.

و الأقوى إبطال مطلق مخاطبة غير اللّٰه حتّى في ضمن الدعاء؛ بأن يقول: «غفر اللّٰه لك» و قوله: «صبّحك اللّٰه بالخير» إذا قصد الدعاء، فضلًا عمّا إذا قصد التحيّة به. و كذا الابتداء بالتسليم (1).


1- قد استثني من الكلام المبطل للصلاة كلّ ما كان ذكر اللّٰه سبحانه تسبيحاً أو تحميداً أو تهليلًا أو غيرها من الأذكار، أو دعاءً و طلباً منه تعالى ما هو مباح من امور الدنيا و الآخرة في كلّ حال من أحوال الصلاة- قائماً أو قاعداً، راكعاً أو ساجداً- ما لم يخلّ بشي ء من الصلاة، كالدعاء الطويل. و ادّعى جماعة الإجماع بقسميه على الاستثناء المذكور. و يدلّ عليه الأخبار الكثيرة، كصحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال: «يومئ برأسه و يشير بيده و يسبّح، و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي فتصفق بيديها» (وسائل الشيعة 7: 254، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 2.). و موثّق عمّار بن موسى الساباطي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسمع صوتاً بالباب و هو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه، فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر مَن هو، فقال: «لا بأس به»، و عن الرجل و المرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئاً أ يجوز لهما أن يقولا: سبحان اللّٰه؟ قال: «نعم، و يؤميان إلى ما يريدان، و المرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها و هي في الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 4.). و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب فيسبّح و يرفع صوته و يسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده أنّ على الباب إنساناً، هل يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا بأس، لا يقطع بذلك صلاته» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 6.).و رواية أبي جرير عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال: «إنّ الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح، فإذا دعته الوالدة فليقل لبّيك» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 7.). و صحيح آخر لعلي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته و إلى جانبه رجل راقد، فيريد أن يوقظه، فيسبّح و يرفع صوته لا يريد إلّا ليستيقظ الرجل، هل يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا يقطع ذلك صلاته و لا شي ء عليه» (وسائل الشيعة 7: 257، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 9.).و صحيح علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه، قال: «نعم» (وسائل الشيعة 7: 263، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 1.).و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما ذكرت اللّٰه- عزّ و جلّ- به و النبي صلى الله عليه و آله فهو من الصلاة ...» (وسائل الشيعة 7: 263، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 2.)الحديث. و مرسل حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّ ما كلّمت اللّٰه به في صلاة الفريضة فلا بأس» (وسائل الشيعة 7: 264، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 3.). و صحيح محمّد بن مسلم قال: صلّى بنا أبو بصير في طريق مكّة، فقال و هو ساجد و قد كانت ضلّت ناقته لجمّالهم: اللهمّ ردّ على فلان ناقته، قال محمّد: فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرته فقال: «و فعل؟» فقلت: نعم، قال: «و فعل؟» قلت: نعم، قال: فسكت، قلت: فاعيد الصلاة؟ قال: «لا» (وسائل الشيعة 6: 370، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 1.). و صحيح عبد الرحمن بن سيّابة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدعو و أنا ساجد؟ قال: «نعم فادع للدنيا و الآخرة؛ فإنّه ربّ الدنيا و الآخرة» (وسائل الشيعة 6: 371، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 2.). و استثني أيضاً من الكلام المبطل قراءة القرآن- غير ما يوجب السجود- في جميع أحوال الصلاة. و يدلّ عليه قبل الإجماع إطلاق صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في وصية النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام: و عليك بتلاوة القرآن على كلّ حال» (وسائل الشيعة 6: 186، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 11، الحديث 1.). و رواية عبد اللّه بن سليمان النخعي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من قرأ القرآن قائماً في صلاته كتب اللّٰه له بكلّ حرف مائة حسنة، و من قرأ في صلاته جالساً كتب اللّٰه له بكلّ حرف خمسين حسنة، و من قرأ في غير صلاته كتب اللّٰه له بكلّ حرف عشر حسنات» (وسائل الشيعة 6: 187، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 11، الحديث 4.). و رواية عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائماً إلّا و له بكلّ حرف مائة حسنة، و لا قرأ في صلاته جالساً إلّا و له بكلّ حرف خمسون حسنة، و لا في غير صلاته إلّا و له بكلّ حرف عشر حسنات» (وسائل الشيعة 6: 189، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 11، الحديث 8.) ، و غيرها من روايات الباب. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يؤمّ القوم و أنت لا ترضى به في صلاة تجهر بالقراءة، فقال: «إذا سمعت كتاب اللّٰه يتلى فأنصت له»، فقلت: فإنّه يشهد عليّ بالشرك، فقال: «إن عصى اللّٰه فأطع اللّٰه»، فرددت عليه فأبى أن يرخّص لي، فقلت له: اصلّي إذن في بيتي ثمّ أخرج إليه، فقال: «أنت و ذاك»، قال: «إنّ علياً عليه السلام كان في صلاة الصبح، فقرأ ابن الكوا و هو خلفه: «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ» (الزمر (39): 65.)، فأنصت علي عليه السلام تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمّ عاد في قراءته، ثمّ أعاد ابن الكوا الآية فأنصت علي عليه السلام أيضاً ثمّ قرأ، فأعاد ابن الكوا فأنصت علي عليه السلام، ثمّ قال: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ» (الروم (30): 60.) ثمّ أتمّ السورة ثمّ ركع ...» (وسائل الشيعة 8: 367، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 34، الحديث 2.) الحديث. و في «الوسائل»: ذكر الشيخ أنّه محمول على التقيّة، أو على ما إذا قرأ لنفسه و إن كان منصتاً. و لا يجوز قراءة آية من آيات السجدة الواجبة في أثناء الصلاة، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في مبحث وجوب قراءة السورة بعد قراءة فاتحة الكتاب و أنّ قراءة إحدى العزائم الأربع في الفريضة منهيّ عنها. و أمّا القران بين السورتين فقد تقدّم في شرح المسألة الثالثة من مسائل «القول في القراءة و الذكر» أنّه مكروه؛ جمعاً بين الأخبار، فراجع (تقدّم في الصفحة 91 من الدفتر الثاني و ما بعدها.). و لو قرأ آية من القرآن في أثناء الصلاة لا بقصد حكاية القرآن بل بقصد إفهام الغير، كما إذا وجّه الخطاب إلى شخص مسمّى بيوسف، و قال: «يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هٰذٰا» (يوسف (12): 29.) مريداً لإعراض المخاطب عن الدخول في الدار مثلًا، أو وجّه خطابه إلى شخص مسمّى بموسى و في يده شي ء و أراد أن يعلم أنّه ما هو و قال: «وَ مٰا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰا مُوسىٰ» (طه (20): 17.) و أمثال ذلك، فالظاهر أنّه لا يصدق عليه قراءة القرآن، فهو خارج عن مورد الإجماع و مبطل للصلاة. و يشترط في الدعاء في أثناء الصلاة أن يكون الداعي مخاطباً و مناجياً للّٰه تعالى و لو كان دعاؤه للغير؛ بأن يقول: اللهمّ اغفر لزيد. و أمّا لو كان مخاطباً لغير اللّٰه تعالى فلا يجوز و إن كان دعاءً له؛ بأن يقول مخاطباً لزيد: غفر اللّٰه لك أو صبّحك اللّٰه بالخير أو نحو ذلك، فهو مبطل؛ لعدم كونه من مورد الإجماع. و منه يعلم: أنّه لا يجوز الابتداء بالسلام للغير في حال الصلاة؛ لأنّ التحية ليست كلاماً معه تعالى، بل هو كلام آدمي مخاطبه الآدم.

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

(مسألة 2): يجب ردّ السلام في أثناء الصلاة؛ بتقديم السلام على الظرف

و إن قدّم المسلّم الظرف على السلام على الأقوى. و الأحوط مراعاة المماثلة في التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع و إن كان الأقوى عدم لزومها. و أمّا في غير الصلاة فيُستحبّ الردّ بالأحسن؛ بأن يقول في جواب «سلام عليكم» مثلًا «عليكم السلام و رحمة اللّٰه و بركاته» (1).


1- البحث في هذه المسألة يقع في كيفية ردّ السلام في أثناء الصلاة، قد التزم غير واحد من فقهائنا بأنّه يعتبر المماثلة؛ حتّى في الإفراد و الجمع و التعريف و التنكير. و في «المدارك»: أنّه قطع بذلك الأصحاب. و اختاره صاحب «الحدائق» و نسبه إلى المشهور، إلّا أنّه قيّد السلام الذي يجب ردّه بما إذا وقع السلام بإحدى الصيغ الأربع الواردة في الأخبار: «سلام عليكم» و «عليك» و «السلام عليكم» و «عليك». و نسب إلى السيّد في «الانتصار» و الشيخ في «الخلاف» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بصحيح محمّد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: «السلام عليك»، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمّا انصرف، قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ قال: «نعم، مثل ما قيل له» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 1.) . و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي» قال: «تردّ عليه خفيّاً كما قال» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 3.). و الأقوى وجوب تقديم السلام على الظرف على المصلّي و إن قدّم المسلِّم الظرف على السلام؛ لموثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة؟ قال: «يردّ سلام عليكم و لا يقل: و عليكم السلام؛ فإنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كان قائماً يصلّي، فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار، فردّ عليه النبي صلى الله عليه و آله هكذا» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 2.). و الأحوط مراعاة المماثلة في التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع؛ حتّى في حذف الخبر و ذكره و إلحاق «و رحمة اللّٰه و بركاته» و عدمه، و إن كان الأقوى عدم لزومه؛ لأنّ عبائر كثير من الفقهاء القائلين باعتبار المماثلة بمعزل عن اعتبار المماثلة التامّة، و أنّ الصيغ الأربع المتعارفة في السلام- يعني «سلام عليكم» و «عليك» و «السلام عليكم» و «عليك»- متماثلة، و إنّ غرضهم باعتبار المماثلة الاحتراز عن أن يقول المصلّي: «عليكم السلام» بتقديم الظرف. و وجه الاحتياط في مراعاة المماثلة التامّة هو احتمال الاقتصار على الصيغة المذكورة في الموثّق بتقديم السلام على الظرف لأجل كونها الفرد الشائع الغالب؛ فيشكل حينئذٍ رفع اليد عن إطلاق المماثلة. قد يتراءى التنافي بين صحيحي ابن مسلم و ابن حازم المتقدّمين الدالّين على اعتبار المماثلة التامّة و بين غيرها الدالّ على اعتبار وقوع الردّ في الصلاة بتقديم صيغة السلام على الظرف؛ سواء قدّم المسلّم السلام على الظرف أو بالعكس، كما في موثّق سماعة المتقدّم قال: «يردّ سلام عليكم، و لا يقل: و عليكم السلام». و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة، فقال: «إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) . و رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلّم عليه الرجل، هل يصلح له أن يردّ؟ قال: «نعم، يقول: السلام عليك فيشير إليه بإصبعه» (وسائل الشيعة 7: 269، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 7.). و يمكن رفع التنافي بحمل المثل في الصحيحين على المماثلة في خصوص صيغة «السلام»؛ فلا يجوز الردّ بغير هذه الصيغة. و يحتمل أيضاً أن يكون المقصود من قوله عليه السلام في الصحيحين: «بمثل ما قيل له» أو «كما قال» التعريض على العامّة القائلين بأنّ الواجب في ردّ السلام هو الإشارة و أنّ النطق مبطل على ما حكي عن الشافعي و أبي حنيفة. هذا كلّه في ردّ السلام في أثناء الصلاة. و أمّا في غير الصلاة فيستحبّ الردّ بالأحسن؛ إذ لا خلاف بين فقهائنا في جواز الاكتفاء بالردّ بالمثل.

ص: 40

ص: 41

(مسألة 3): لو سلّم بالملحون- بحيث لم يخرج عن صدق سلام التحيّة- يجب الجواب صحيحاً،

و إن خرج عنه لا يجوز في الصلاة ردّه (1).


1- لو سلّم بالملحون و كان اللحن بحيث لا يخرج السلام عن صدق سلام التحية عليه يجب الجواب؛ لعموم وجوب الردّ في الآية (النساء (4): 86.) و الروايات. و أمّا كون الجواب صحيحاً فغير ظاهر، و جواب السلام ليس من أفعال الصلاة حتّى يعتبر فيه الصحّة. و لو كان اللحن بحيث يخرج سلام التحية عن صدق اسمه لا يجوز في حال الصلاة ردّه إلّا بقصد القرآنية.

ص: 42

(مسألة 4): لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً يجب ردّه،

و الأحوط عدم قصد القرآنيّة، بل عدم جوازه قويّ (1).


1- وجه وجوب الردّ فيما لو كان المسلّم صبياً مميّزاً للتحية من غيرها، هو صدق التحية على تسليمه؛ فيشملها إطلاق التحية و التسليم في الآية و الرواية، من غير فرق بين تمرينية عباداته و شرعيتها. و في «الحدائق»: و وجهه دخوله تحت عموم الآية (الحدائق الناضرة 9: 76.). و أورد عليه الفاضل النراقي في «مستند الشيعة» بقوله: لا؛ لعموم الآية؛ لاتّحاد المرجع في «حُيِّيتُمْ» و «فَحَيُّوا»، و الثاني مخصوص بالمكلّفين و كذا الأوّل (مستند الشيعة 7: 71.)، انتهى. و فيه: أنّ المخاطبين في الصيغتين عبارة عن المكلّفين بلا إشكال، و لكن الفاعل- أي المسلِّم بالتحية- في صيغة «حُيِّيتُمْ» مطلق شامل للمميّز أيضاً. و لا يجوز أن يقصد المصلّي القرآنية أو الدعاء في ردّ السلام إلى المميّز على الأقوى؛ لما ذكرنا من صدق التحية على تسليمه؛ فالاحتياط بقصد القرآنية أو الدعاء كما في «العروة الوثقى» خلاف الاحتياط.

ص: 43

(مسألة 5): لو سلّم على جماعة كان المصلّي أحدهم، فالأحوط له عدم الردّ إن كان غيره يردّه،

و إذا كان بين جماعة فسلّم واحد عليهم، و شكّ في أنّه قصده أم لا، لا يجوز له الجواب (1).


1- لا يخفى: أنّ الظاهر من النصّ و فتاوى الأصحاب كون الردّ واجباً كفائياً فيما لو سُلّم على جماعة و ردّ واحدٌ منهم؛ فيسقط وجوب الردّ عن الكلّ بردّ واحد إذا كان ذلك الواحد داخلًا في المسلَّم عليهم؛ فلا يسقط عنهم بردّ من لم يكن داخلًا فيهم. فإذا كان الردّ واجباً كفائياً فلو سلّم على جماعة و كان المصلّي أحدهم فالأحوط بل الأقوى عدم جواز الردّ له مع ردّ واحد منهم؛ لكون الردّ واجباً كفائياً ساقطاً عن المصلّي بردّ غيره. و الدليل الدالّ على جواز ردّ سلام التحية للمصلّي منصرف إلى مورد وجوب الردّ عليه، و في غير ذلك المورد يكون سلامه ابتدائياً و كلاماً آدمياً؛ فيرجع فيه إلى عموم دليل القادحية. و منه يعلم حكم ما إذا كان المصلّي بين جماعة فسلّم واحدٌ عليهم، و شكّ المصلّي في أنّه مقصود بالسلام أو لا، فلا يجوز له الجواب؛ لأصالة البراءة من تكليف وجوب الردّ، و مع عدم إحراز تكليف وجوب الردّ يكون سلامه كلاماً آدمياً. و استجود الشهيد في «الروض» جوازه و استحبابه للمصلّي؛ لعموم الأوامر؛ إذ لا شكّ أنّه مسلَّم عليه مع دخوله في العموم؛ فيخاطب بالردّ استحباباً إن لم يكن واجباً. و زوال الوجوب بالكفاية لا يقدح في بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة. و يرد عليه ما ذكرناه من انصراف الدليل إلى مورد وجوب الردّ عليه. ثمّ إنّه ادّعى جماعة من فقهائنا الإجماع على الوجوب الكفائي فيما لو سُلّم على جماعة؛ ففي «المدارك»: ردّ السلام واجب على الكفاية في الصلاة و غيرها إجماعاً، حكاه في «التذكرة» (مدارك الأحكام 3: 473.)، انتهى. و في «الجواهر»: ثمّ المعلوم بلا خلاف أجده- كما اعترف به في «الحدائق» نصّاً و فتوى، بل في «التذكرة» الإجماع عليه- كفائية وجوب الردّ لا عينيته، و عليه السيرة القاطعة؛ بمعنى أنّه يجزي الردّ من واحد ممّن هو داخل في السلام، لا أنّه يجزي غيره (جواهر الكلام 11: 106.)، انتهى. و توقّف صاحب «الحدائق» في المسألة و قال: و المسألة محلّ توقّف؛ لأنّ المسألة خالية من النصّ، و قياس حال الصلاة على خارجها قياس مع الفارق (الحدائق الناضرة 9: 76.)، انتهى. و يدلّ على الوجوب الكفائي قبل الإجماع موثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم من القوم واحدٌ أجزأ عنهم، و إذا ردّ واحدٌ أجزأ عنهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 2.) . و مرسل ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم، و إذا سلّم على القوم و هم جماعة أجزأهم أن يردّ واحدٌ منهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 3.). فرع: لو سُلّم على جماعة فهل يسقط الوجوب عنهم بردّ الصبي المميّز الداخل فيهم؟ وجهان بل قولان: الأظهر كفايته و سقوطه عن المكلّفين؛ و ذلك للإطلاق في الخبرين المذكورين حيث إنّ الواحد في قوله: «و إذا ردّ واحدٌ أجزأ عنهم» ، «أجزأهم أن يردّ واحدٌ منهم» مطلق يشمل الصبي المميّز، و هذا الإطلاق حاكم على ظهور الآية و الروايات في وجوبه عيناً على كلّ من سلّم عليه. و قال جماعة من فقهائنا بعدم كفاية ردّ الصبي المميّز عن المكلّفين، و لا يسقط الوجوب عنهم إلّا بردّ أحدهم. اختار هذا القول صاحب «المدارك» و صاحب «الجواهر»، و وجّهه المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بأنّ الخبرين و إن كانا مطلقين شاملين للمميّز أيضاً إلّا أنّ الإطلاق منصرف إلى البالغين، ثمّ قال: و فيه تأمّل بل منع (مصباح الفقيه، الصلاة: 423/ السطر 36.). و قال في «الجواهر»: فهل يسقط وجوب الردّ بردّ الصبي المميّز؟ الظاهر العدم و إن قلنا بشرعية عبادته؛ وفاقاً ل «المدارك» و خلافاً لغيره؛ للأصل السالم عن معارض دليل الكفائية الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقّن- و هو قيام فعل المكلّف عن غيره- مضافاً إلى قاعدة عدم الاجتزاء بالمستحبّ عن الواجب، و إلى ظاهر الأمر بالردّ في الآية و الرواية الذي لم يمتثل أبداً؛ ضرورة ظهوره في الوجوب الذي لا يشمل الصبي، و شرعية عباداته- على القول بها- لا يقتضي اندراجه في هذه الأوامر كما هو واضح (جواهر الكلام 11: 107.)، انتهى.

ص: 44

ص: 45

ص: 46

(مسألة 6): يجب إسماع ردّ السلام في حال الصلاة و غيرها؛

بمعنى رفع الصوت به على المتعارف؛ بحيث لو لم يكن مانع عن السماع لسمعه. و إذا كان المسلّم بعيداً لا يمكن إسماعه الجواب، لا يجب جوابه على الظاهر، فلا يجوز ردّه في الصلاة، و إذا كان بعيداً بحيث يحتاج إسماعه إلى رفع الصوت يجب رفعه، إلّا إذا كان حرجيّاً، فيكتفي بالإشارة مع إمكان تنبّهه عليها على الأحوط. و إذا كان في الصلاة ففي وجوب رفعه و إسماعه تردّد، و الأحوط الجواب بالإشارة مع الإمكان. و إذا كان المسلّم أصمّ فإن أمكن أن ينبّهه على الجواب و لو بالإشارة، لا يبعد وجوبه مع الجواب على المتعارف، و إلّا يكفي الجواب كذلك من غير إشارة (1).


1- الظاهر اعتبار الإسماع تحقيقاً أو تقديراً في حال الصلاة و غيرها. و في «الجواهر»: لا أجد فيه خلافاً إلّا من المقدّس الأردبيلي، و لا ريب في ضعفه (جواهر الكلام 11: 109.)، انتهى. و المراد من الإسماع رفع الصوت به على المتعارف بحيث يسمعه المخاطب المتعارف العرفي بفاصلة متعارفة لو لم يكن مانع عن السماع. و الظاهر اعتبار الإسماع في كلّ من سلام التحية و الجواب؛ إذ لا يصدق التحية و الردّ عرفاً بدون الإسماع، و الآية منصرفة إلى التحية و الردّ الواصلين إلى المخاطب. فالعمدة في الدليل على اعتبار الإسماع هو الإجماع. و يؤيّده رواية ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، و لا يقول: سلّمتُ فلم يردّوا عليّ، و لعلّه يكون قد سلّم و لم يسمعهم، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه، و لا يقول المسلّم: سلّمت فلم يردّوا عليّ»، و قال: «كان علي عليه السلام يقول: لا تَغضبوا و لا تُغضبوا، أفشوا السلام، و أطيبوا الكلام، و صلّوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنّة بسلام، ثمّ تلا عليهم قوله عزّ و جلّ: «السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ»» (الكافي 2: 645/ 7، وسائل الشيعة 12: 65، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 38، الحديث 1.). و خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن معنى التسليم في الصلاة، فقال: «التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة»، قلت: و كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: «كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه، و كانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم، و إن لم يسلّم لم يأمنوه، و إن لم يردّوا على المسلّم لم يأمنهم، و ذلك خُلق في العرب؛ فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة و تحليلًا للكلام و أمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها. و السلام اسم من أسماء اللّٰه- عزّ و جلّ- و هو واقع من المصلّي على ملكي اللّٰه الموكّلين» (وسائل الشيعة 6: 418، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 13.). و في «المستمسك» بعد نقل خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال: المتضمّن التعليل بكون التسليم أماناً من المسلّم؛ إذ لا يحصل الأمن إلّا بالعلم به، لكن من جهة ظهور التعليل في كونه من الآداب فهما- أي خبري الهاشمي و ابن القدّاح- قاصران عن إثبات الوجوب، فضلًا عن إثبات وجوب الإسماع؛ إذ التعليل إنّما يقتضي الإعلام و لو بالإشارة بالإصبع أو غيرها (مستمسك العروة الوثقى 6: 562.)، انتهى. ثمّ إنّ الظاهر من بعض الأخبار وجوب الإخفات في جواب سلام التحية، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي» قال: «تردّ عليه خفياً كما قال» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 3.) . و موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السلام على المصلّي، فقال: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 4.). و يؤيّده صحيح محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة، فقال: «إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) . وجه التأييد: أنّ الإشارة بالإصبع لجهة الإعلام. و لقد أجاب صاحب «الجواهر» رحمه الله بما خلاصته أوّلًا: بأنّه لم أجد من الأصحاب من عمل بالصحيح و الموثّق المزبورين إلّا المصنّف في «المعتبر»، و قد حملهما على الجواز، و هو ليس عملًا بهما. و ثانياً: بأنّ الأولى حملهما على الجهر المنهي عنه في الصلاة، و هو المبالغة في رفع الصوت؛ ضرورة الاكتفاء بالإسماع تحقيقاً أو تقديراً إذا فرض المانع. و ثالثاً: بحملهما على التقية؛ لأنّ المشهور بين العامّة عدم الردّ نطقاً بل بالإشارة، و عليه يحمل صحيح ابن مسلم و رواية علي بن جعفر (جواهر الكلام 11: 109.)، انتهى ملخّصاً منّا. و لو كان المسلّم بعيداً بحيث لا يمكن إسماعه الجواب و لو برفع صوته لا يجب جوابه على الظاهر؛ لظهور ردّ السلام في وصول الجواب إلى المسلّم بسماعه و لو تقديراً. و لا يجوز في حال الصلاة ردّه إلى من لا يمكن إسماعه الجواب لبعده؛ لأنّ الواجب هو الردّ و المفروض عدم إمكانه. و لو كان المسلّم بعيداً بحيث يحتاج الإسماع إلى رفع الصوت يجب رفعه مقدّمة للإسماع، إلّا أن يكون فيه حرج فيسقط وجوب رفع الصوت و الإسماع بالحرج على الأقوى. و إن كان الأحوط الاكتفاء بالإشارة للأمر بها في موثّق عمّار و خبر علي بن جعفر عن أخيه المتقدّمين، و لأنّ المستفاد من التعليل في رواية عبد اللّه بن الفضل الهاشمي المتقدّم أنّ المطلوب إفهام المسلّم و هو يحصل بالإشارة. و لو كان في الصلاة و سلّم عليه و توقّف الإسماع على رفع الصوت أزيد من المتعارف ففي وجوبه و إسماعه تردّد من المصنّف رحمه الله، و الأقوى عدم الوجوب، و الأحوط الجواب بالمتعارف و الإشارة مع الإمكان؛ لما ذكرنا. و لو كان المسلّم أصمّ و أمكن للمصلّي أن ينبّهه على الجواب و لو بالإشارة، لا يبعد وجوب الجواب المتعارف مع التنبّه و الإعلام و لو بالإشارة؛ و ذلك لإطلاق التحية و الردّ في الآية و الروايات.

ص: 47

ص: 48

ص: 49

(مسألة 7): تجب الفوريّة العرفيّة في الجواب،

فلا يجوز تأخيره على وجه لا يصدق معه الجواب و ردّ التحية، فلو أخّره عصياناً أو نسياناً أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط، فلا يجوز في حال الصلاة و لا يجب في غيرها، و لو شكّ في بلوغ التأخير إلى ذلك الحدّ، فكذلك لا يجوز فيها و لا يجب في غيرها (1).


1- تجب الفورية العرفية في جواب سلام التحية حال الصلاة و غيرها. و المراد من الفورية العرفية- على ما في «الذخيرة» و «الكفاية» و «الحدائق»- هو التعجيل في الجواب، بحيث لا يعدّ تاركاً له عرفاً؛ فلا يضرّ إتمام كلمة أو كلام لوقوعه في أثنائهما. و الوجه في الوجوب هي الشهرة المدّعاة في كلام جماعة من فقهائنا. و في «مستند الشيعة»: المشهور بين الأصحاب: أنّ وجوب الردّ في الصلاة و غيرها فوري؛ إذ هو المتبادر من الردّ، و مقتضى «الفاء» الدالّة على التعقيب بلا مهلة في الآية «فَحَيُّوا». و الأوّل ممنوع، و كذا الثاني في «الفاء» الجزائية؛ و لذا توقّف فيه بعضهم. إلّا أنّ المعلوم من سيرة النبي و الأئمّة و أصحابهم و العلماء المسارعة إلى الجواب؛ فالظاهر أنّه إجماعي (مستند الشيعة 7: 72.)، انتهى. و إذا كان واجباً فورياً لا يجوز تأخيره على وجه لا يصدق معه الجواب و ردّ التحية؛ فلو أخّره عصياناً أو نسياناً أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط التكليف به رأساً؛ فلا يجوز في حال الصلاة؛ لأنّه بعد سقوط التكليف يكون كلاماً آدمياً. و لا يجب في غير حال الصلاة؛ لما ذكره في «الجواهر» قال: إذ الظاهر أنّ الردّ ليس من الواجبات التي تبقى في ذمّة المكلّف بعد تقصيره في الأداء في تلك الحال، و إن كان ذلك هو المختار في الواجبات الفورية. لكن التي يستفاد فوريتها من الأوامر- مثلًا- و لو بالقرينة، بخلاف ما نحن فيه فإنّ فوريته من كيفية ردّ التحية عرفاً؛ فهي من أوصاف المأمور به و قيوده لا الأمر؛ فعدم الوجوب حينئذٍ في ثاني الأزمنة و ثالثها لانتفاء كيفية الردّ عرفاً، و للأصل و السيرة القطعية (جواهر الكلام 11: 111.). و في «مصباح الفقيه»: فلو تركه إلى أن مضى زمان يعتدّ به فقد فات محلّه؛ فلو أجابه بعد ذلك يعدّ في العرف مستهزئاً به لا رادّاً لسلامه (مصباح الفقيه، الصلاة: 423/ السطر 26.). ثمّ إنّه لو شكّ في بلوغ التأخير إلى حدّ لا يصدق معه الجواب و ردّه فهل يجب ردّه حال الصلاة و غيرها، أو أنّه لا يجوز في حال الصلاة و لا يجب في غيرها؟ قال جماعة من فقهائنا بالوجوب؛ لاستصحاب وجوب الردّ. و فيه: أنّه لا بدّ في الاستصحاب من إحراز بقاء الموضوع، و الشكّ في بقائه كالعلم بارتفاعه مانع عن جريان الاستصحاب. و فيما نحن فيه يشكّ في كون الجواب معنوناً بعنوان التحية و الردّ فلا يجري الاستصحاب؛ فلا يجوز في الصلاة و لا يجب في غيرها.

ص: 50

ص: 51

(مسألة 8): الابتداء بالسلام مستحبّ كفائيّ، كما أنّ ردّه واجب كفائيّ،

فلو دخل جماعة على جماعة، يكفي- في الوظيفة الاستحبابيّة- تسليمُ شخص واحد من الواردين، و جوابُ شخص واحد من المورود عليهم (1).


1- استحباب الابتداء بالسلام إجماعي، بل هو من القطعيات، و الأخبار فيه في حدّ التواتر؛ ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «البادئ بالسلام أولى باللّٰه و رسوله» (وسائل الشيعة 12: 55، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 32، الحديث 1.) . و صحيح أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: «من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الاقتار، و التوسّع على قدر التوسّع، و إنصاف الناس، و ابتداؤه إيّاهم بالسلام عليهم» (وسائل الشيعة 12: 55، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 32، الحديث 2.) ، و غيرهما من الروايات في الأبواب المتفرّقة من أبواب أحكام العشرة، فراجع. و يدلّ على كون السلام الابتدائي و ردّه كفائيين- قبل الإجماع- موثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم من القوم واحدٌ أجزأ عنهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 2.). و مرسل ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم، و إذا سلّم على القوم و هم جماعة أجزأهم أن يردّ واحدٌ منهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 3.).

ص: 52

(مسألة 9): لو سلّم شخص على أحد شخصين و لم يعلما أنّه أيّهما أراد، لا يجب الردّ على واحد منهما،

و لا يجب عليهما الفحص و السؤال، و إن كان الأحوط الردّ من كلّ منهما إذا كانا في غير حال الصلاة (1).


1- وجه عدم وجوب الردّ على واحد من الشخصين اللذين سلّم على أحدهما قطعاً هو جريان أصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ منهما، كجريانها في حقّ كلّ من واجدي المني في ثوب مشترك بينهما، و هو الوجه في عدم وجوب الفحص و السؤال على واحد منهما عن المسلّم أنّه أيّهما أراد. و الأحوط استحباباً الردّ من كلّ منهما؛ لكون واحد منهما مسلَّماً عليه مع كون الشبهة محصورة. هذا إذا كانا في غير حال الصلاة. و أمّا إذا كانا في حال الصلاة فلا يجوز لهما الردّ؛ لعموم المنع من الكلام؛ لاحتمال عدم إرادة المسلّم إيّاه. و منه يعلم: أنّه لو كان أحدهما في حال الصلاة دون الآخر لا يجوز لمن كان في حالها و لا يجب على الآخر.

ص: 53

(مسألة 10): لو سلّم شخصان كلٌّ على الآخر، يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر؛
اشارة

حتّى من وقع سلامه عقيب سلام الآخر، و لو انعكس الأمر؛ بأن سلّم كلٌّ منهما بعنوان الردّ- بزعم أنّه سلّم عليه- لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر، و لو سلّم شخص على أحد بعنوان الردّ- بزعم أنّه سلّم مع أنّه لم يسلّم عليه- و تنبّه على ذلك المسلَّم عليه، لم يجب ردّه على الأقوى و إن كان أحوط، بل الاحتياط حسن في جميع الصور (1).

هنا مسائل:
الاولى: لو سلّم شخصان كلّ على الآخر يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر؛
الثانية: لو انعكس الأمر بأن صدر السلام من كلّ منهما لا بعنوان التحية
الثالثة: لو سلّم شخص على أحدٍ بعنوان الردّ

1- سواءٌ تقارن سلامهما- بأن تكلّما به دفعة واحدة- أو تقدّم سلام أحدهما على الآخر مع قصد الآخر التحية لا الجواب؛ فحينئذٍ فقد صدر من كلّ منهما سلام التحية و وجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر. فمن صدر عنه السلام ثانياً و لكن بقصد التحية يجب عليه ردّ سلام من صدر عنه أوّلًا تحيةً، و من صدر عنه السلام أوّلًا يجب عليه ردّ سلام من صدر عنه السلام ثانياً و لكن تحيةً. بل بعنوان الردّ و الجواب بزعم كلّ منهما أنّه قد سلّم عليه، فحينئذٍ لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر؛ إذ المفروض أنّه لم يصدر منهما سلام التحية في الواقع. بزعم أنّ ذلك الأحد قد سلّم عليه، و الحال أنّه لم يسلّم، فمع تنبّه ذلك الأحد على اشتباه المسلّم في زعمه لا يجب عليه الردّ على الأقوى؛ إذ لم يصدر من المسلّم سلام التحية حتّى يجب ردّه من المسلّم عليه. و الأحوط في هذه المسألة و كذا في بعض صور المسألتين السابقتين ردّه؛ لاحتمال أن يكون الردّ- غير المسبوق ب «السلام عليك» من الطرف المقابل- تحيةً عند العرف محتاجة إلى ردّها.

ص: 54

خامسها: القهقهة و لو اضطراراً.

نعم لا بأس بالسهويّة، كما لا بأس بالتبسّم و لو عمداً. و القهقهة: هي الضحك المشتمل على الصوت و الترجيع، و يلحق بها حكماً- على الأحوط- المشتمل على الصوت، و لو اشتمل عليه أو على الترجيع- أيضاً- تقديراً، كمن منع نفسه عنه، إلّا أنّه قد امتلأ جوفه ضحكاً و احمرّ وجهه و ارتعش- مثلًا- فلا يبطلها إلّا مع محو الصورة (1).


1- لا خلاف في كون القهقهة مبطلة للصلاة إذا كانت عمداً، و ادّعى جماعة الإجماع عليه، كالعلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» و المحقّق في «المعتبر» و الشهيد في «الذكرى». و لا خلاف في عدم كون التبسّم مبطلًا، بل هو أيضاً إجماعي. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) . و موثّق سماعة قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 2.). و صحيح ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: «إنّ التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 3.). و مرسل الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: «لا يقطع التبسّم الصلاة و تقطعها القهقهة، و لا تنقض الوضوء» (وسائل الشيعة 7: 251، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 4.). و مرسله في «الخصال» عن أبي بصير و محمّد بن مسلم عن الصادق عن آبائه عن علي عليه و عليهم السلام: «لا يقطع الصلاة التبسّم، و تقطعها القهقهة» (الخصال: 629/ 10.). و القهقهة الاضطرارية كالاختيارية في كونها مبطلة؛ لإطلاق النصوص و معاقد الإجماعات، و به قال أكثر العامّة. قال في «التذكرة»: القهقهة تبطل الصلاة إجماعاً منّا، و عليه أكثر العلماء؛ سواء غلب عليه أم لا ... إلى أن قال: و قالت الشافعية: إن غلب عليه لم تبطل صلاته؛ لعدم الاختيار (تذكرة الفقهاء 3: 285.). و حكي عن المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان»: أنّ ظاهر الأخبار و إن كان يعمّ الاضطرار، و لكن لا يبعد التخصيص بحديث الرفع (مجمع الفائدة و البرهان 3: 68.). و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بأنّه لا يعارضها حديث الرفع و إن كان له حكومة على سائر العمومات، كما تقدّمت الإشارة إليه؛ فإنّ شمول الأخبار الواردة في القهقهة للقهري منها أوضح من إرادته بذلك الحديث، بل قد يتأمّل في اندراجه في موضوعه؛ فإنّ إرادة مثله ممّا اضطرّوا إليه أو استكرهوا عليه لا يخلو من خفاء. مضافاً إلى ما تقدّمت الإشارة إليه فيما سبق من أنّ الاستدلال به لنفي قاطعية ما وقع اضطراراً أو سهواً أو إكراهاً لا يخلو من إشكال (مصباح الفقيه، الصلاة: 409/ السطر 35.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ ظاهر الأخبار المذكورة عدم الفرق بين حالتي العمد و السهو، إلّا أنّ الإجماع قائم على عدم البطلان بالقهقهة سهواً، كما عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام» و «الذكرى» و «الروض» و «جامع المقاصد» و غيرها. قال في «التذكرة»: لو قهقه ناسياً لم تبطل صلاته إجماعاً (تذكرة الفقهاء 3: 286.). و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» قال: نعم الصحّة مقتضى حديث «لا تعاد الصلاة» ، كما يقتضيه إطلاقه الشامل للأجزاء و الشرائط و الموانع، و يقتضيه في الجملة استثناء القبلة و الطهور و الوقت (مستمسك العروة الوثقى 6: 577.). ثمّ إنّه اختلفت عبارات أهل اللغة في المراد من «القهقهة»؛ فعن «الصحاح»: أنّه الضحك المتضمّن لصدور قَهْ قَهْ، و عن «القاموس»: قهقه رجع في ضحكه أو اشتدّ ضحكه، و عن «شمس العلوم»: أنّه المبالغة في الضحك و الشدّة فيه، و عن «روض الجنان»: أنّه الترجيع مع الشدّة، و عن الزوزني و البيهقي: أنّها الضحك المشتمل على الصوت مطلقاً، و هو المراد عمّا في «الجمل» و «المقاييس» من أنّها الإعراب في الضحك. و لا إشكال في أنّ المبطل للصلاة عبارة عن القهقهة، و يقابلها التبسّم و هو غير مبطل. إنّما الإشكال في المراد من القهقهة المبطلة؛ فبناءً على تفسيرها بالترجيع في الضحك و شدّته و المبالغة فيه يلزم أن يكون الضحك المشتمل على مجرّد الصوت- من غير ترجيع و لا شدّة و لا مبالغة- غير مبطل. و بناءً على تفسيرها بالضحك المشتمل على الصوت مطلقاً يلزم البطلان به؛ لكونه قهقهة على هذا التفسير. فالمتيقّن من القهقهة المبطلة هو الضحك المشتمل على الصوت مع الشدّة و الترجيع، و المشتمل على مجرّد الصوت لا دليل على كونه مبطلًا، كما أنّه لا دليل على عدم كونه مبطلًا؛ فيرجع فيه إلى البراءة. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الضحك المشتمل على مجرّد الصوت و إن لم يصدق عليه القهقهة إلّا أنّه لاحق بها حكماً بتعميم القهقهة و شمولها للضحك المشتمل على مجرّد الصوت، و ذلك بقرينة مقابلة القهقهة بالتبسّم في الروايات؛ فالتبسّم ضحك بلا صوت، و القهقهة تقابله فتشمل الضحك مع الصوت بلا شدّة و لا ترجيع. قال الحائري رحمه الله في «صلاته»: من الممكن أن يقال: إنّ الضحك المشتمل على الصوت الخارج عن حدّ التبسّم ملحق بالقهقهة حكماً و إن كان غير داخل فيها موضوعاً. بيان ذلك: أنّ السؤال في بعض أخبار الباب عن قاطعية حقيقة الضحك و تفصيل الإمام عليه السلام في الجواب بين التبسّم و القهقهة مع وجود فرد آخر غير داخل فيهما، يقتضي أن يكون النظر إلى تحديد الضحك غير القاطع بالتبسّم- الذي ذكر أوّلًا في جواب السائل- و أمّا قاطعية القهقهة فهي من باب خروجها عن التبسّم، و إنّما خصّت بالذكر من جهة أنّ الغالب في صورة الخروج عن حدّ التبسّم الوصول إلى حدّ القهقهة. أ لا ترى أنّه عليه السلام لو اقتصر في الجواب على قوله: «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة» لكان ظاهراً في أنّ الضحك القاطع هو غير التبسّم، و ذكر القهقهة بعد ذلك لا يصرفه عن هذا الظهور (كتاب الصلاة، المحقّق الحائري: 301.)؟! انتهى.

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

سادسها: تعمّد البكاء بالصوت لفوات أمر دنيويّ،

اشارة

دون ما كان منه للسهو عن الصلاة، أو على أمر اخروي، أو طلب أمر دنيويّ من اللّٰه تعالى، خصوصاً إذا كان المطلوب راجحاً شرعاً، فإنّه غير مبطل. و أمّا غير المشتمل على الصوت فالأحوط فيه الاستئناف؛ و إن كان عدم إبطاله لا يخلو من قوّة. و من غلب عليه البكاء المبطل قهراً فالأحوط الاستئناف، بل وجوبه لا يخلو من قوّة. و في جواز البكاء على سيّد الشهداء- أرواحنا فداه- تأمّل و إشكال، فلا يُترك الاحتياط (1).

هنا امور:
الأوّل: أنّ البكاء على شي ء من امور الدنيا- من فقد ميّت أو تلف مال- مبطل للصلاة،

1- و هو مشهور بين فقهائنا، بل ممّا لا خلاف فيه، و ادّعى جماعة الإجماع عليه. و في «التذكرة»: و البكاء خوفاً من اللّٰه تعالى و خشيةً من عقابه غير مبطل للصلاة و إن نطق بحرفين فصاعداً، و إن كان لُامور الدنيا بطلت صلاته و إن لم ينطق بحرفين عند علمائنا (تذكرة الفقهاء 3: 286.)، انتهى. و يدلّ عليه مرسل الصدوق قال: و روي: «إنّ البكاء على الميّت يقطع الصلاة، و البكاء لذكر الجنّة و النار من أفضل الأعمال في الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 247، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، الحديث 2.) . و رواية النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال: «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميّتاً له فصلاته فاسدة» (وسائل الشيعة 7: 247، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، الحديث 4.). و مورد الروايتين و إن كان هو البكاء لخصوص الميّت إلّا أنّ أكثر فقهائنا عمّموه لكلّ أمر من امور الدنيا، و ضعف سند الروايتين منجبر بالشهرة و الإجماع. و توقّف جماعة في كون البكاء مبطلًا؛ منهم المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان» و السبزواري في «الكفاية» و صاحب «المدارك»، قال في «مجمع البرهان»: الخبر غير صحيح، و الإجماع خفي و المنافاة أخفى (مجمع الفائدة و البرهان 3: 73.). و فيه: أنّ الشهرة محقّقة و لو لم يثبت الإجماع، فضعف الخبر منجبر. و قال الفيض الكاشاني و الشهيد: إنّ البكاء مبطل؛ لكونه فعلًا كثيراً؛ ففي «المفاتيح»: الأولى إلحاقه بالفعل الكثير (مفاتيح الشرائع 1: 173.). و قال في «الذكرى»: الرابعة قد يكون الفعل الكثير مبطلًا و غير مبطل باعتبار القصد و عدمه، كالبكاء فإنّه إن كان لذكر الجنّة أو النار لا يبطل، و إن كان لُامور الدنيا كذكر ميّت له أبطل (ذكرى الشيعة 4: 10.). و فيه: أنّ البكاء لا يعدّ فعلًا كثيراً عرفاً. و في «الجواهر»: و لعلّه للأصل، و حديث الرفع، و ظهور الجواب في النصّ المزبور- مرسل الصدوق و رواية النعمان بن عبد السلام- في العمد، بل من النادر أو الممتنع البكاء سهواً؛ فلا حاجة حينئذٍ لتعميم البطلان للحالين (جواهر الكلام 11: 70.)، انتهى. و في «المستمسك»: و يقتضيه حديث «لا تعاد الصلاة ...» (مستمسك العروة الوثقى 6: 580.). خصوصاً إذا كان المطلوب راجحاً شرعاً- غير مبطل بلا إشكال فيه، و هو مجمع عليه كما نقلناه عن «التذكرة»، بل هو أمر مطلوب ندب إليه الشرع. و النصوص في فضله و الثواب عليه متواترة، ذكر الكليني رحمه الله جملة منها في «اصول الكافي» في باب البكاء، و نكتفي بذكر واحد منها تيمّناً: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لأبي بصير: «إن خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها فابدأ باللّٰه و مجّده و أثن عليه كما هو أهله، و صلّ على النبي صلى الله عليه و آله، وسل حاجتك و تباك و لو مثل رأس الذباب؛ إنّ أبي عليه السلام كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد من الربّ- عزّ و جلّ- و هو ساجد باك» (الكافي 2: 483/ 10.). أو لا بل هو أعمّ من ذلك بحيث يكفي خروج الدمع من العين بلا صوت؟ فيه خلاف بين الأصحاب: قال جماعة بالاختصاص؛ منهم الشهيد الثاني في «الروض» و «الروضة» و صاحب «المدارك» و كاشف اللثام. و قال اخرى بالتعميم. و يظهر من الشهيد في «الروض» (روض الجنان 2: 890.): أنّ احتمال الاختصاص و التعميم مبني على ضبط اللغة بالمدّ و القصر في مصدر «بكى»، قال: اعلم أنّ البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرّد خروج الدمع، مع احتمال الاكتفاء به في البطلان. و وجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة مقصوراً و ممدوداً و الشكّ في إرادة أيّهما من الأخبار، قال الجوهري: «البكاء» يمدّ و يقصر؛ فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها، قال الشاعر: بكت عيني و حقّ لها بكاها و لا يجدي البكاء و لا العويل و نسب إلى «صحاح اللغة» و «مجمع البحرين»: أنّ البكاء يمدّ و يقصر؛ فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها. و صاحب «الحدائق» رحمه الله حكى عن «الروض» اختصاص المبطل بالبكاء المشتمل على الصوت و نسبه إلى الشهرة، و أشكل عليه بأنّ الموجود في النصّ- الذي هو مستند هذا الحكم- إنّما هو بالفعل الشامل للأمرين دون المصدر الذي هو مظهر لكلّ من المعنيين (الحدائق الناضرة 9: 51.). ثمّ إنّ القائلين باختصاص البكاء المبطل بما يشتمل الصوت استندوا بأنّ لفظ البكاء الواقع في النصّ ممدود، و قد صرّح أهل اللغة بأنّ الممدود مشتمل على الصوت. و اورد عليه أوّلًا: بأنّه من المحتمل أن يكون لفظ البكاء في النصّ مقصوراً لا ممدوداً، و في «الجواهر»: و لا نسخ مضبوطة بحيث تقطع النزاع لكلّ منهما؛ لمعروفية تسامح النسّاخ في ذلك (جواهر الكلام 11: 75.)، انتهى. و ثانياً: أنّ لفظ البكاء في النصّ على فرض كونه ممدوداً قد وقع في السؤال لا في جواب المعصوم عليه السلام، و الواقع في الجواب هو الفعل «بكى» و هو مطلق شامل لكلّ من الممدود و المقصور. و ثالثاً: أنّه يمكن منع وجود المادّتين و منع الفرق بينهما على فرض وجودهما؛ و لذا أنكر بعض فقهائنا الفرق بين الممدود و المقصور؛ فعن «مجمع البرهان»: أنّ الظاهر صدق البكاء على مجرّد الدمع من غير اشتراط الصوت عرفاً و لغةً، و إن كان له لغةً معنى آخر أيضاً (مجمع الفائدة و البرهان 3: 73.)، انتهى. و رابعاً: أنّ الفرق بين الممدود و المقصور باشتمال الأوّل على الصوت دون الثاني إنّما هو عند أهل اللغة، و العرف لا يفرق بينهما، و العرف مقدّم على اللغة. و خامساً: أنّه مع قيام الاحتمال و إجمال النصّ يرجع إلى قاعدة الاحتياط؛ فوجب تحصيل اليقين بالبراءة، و لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا لا يشتمل الصوت. و اجيب عن الأوّل: بأنّه على فرض تساوي الاحتمالين في النسخ بالمدّ و القصر و تساقطهما يقتصر في المبطل بالمتيقّن مانعاً- و هو الممدود- و المقصور مشكوك المانعية، و المرجع في الشكّ في المانعية هو البراءة. و عن الثاني: بأنّ الفعل الواقع في كلام المعصوم عليه السلام في رواية النعمان بن عبد السلام المتقدّم (وسائل الشيعة 7: 247، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، الحديث 4.) ليس مطلقاً بل هو مجمل و محتمل لأن يكون فعلًا للممدود أو المقصور، كما أنّ المصدر الواقع في السؤال أيضاً مجمل، و يتساقط الاحتمالان؛ فيرجع في المشكوك المانعية إلى البراءة. و عن الثالث: بأنّه قد صرّح جماعة من أهل اللغة بوجود المادّتين و الفرق بينهما، كما حكي عن «الصحاح» و «مجمع البحرين» و غيرهما، و حكي عن النحويين أيضاً؛ قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو بمعنى الحزن- أي ليس معه صوت- و إذا كان معه نشيج و صياح فهو ممدود. و عن الرابع: بأنّ تقدّم العرف على اللغة مسلّم على فرض تحقّقه، و لم يثبت تحقّق عرف عامّ في عصر صدور الكلام على خلاف ما صرّح به أهل اللغة. و عن الخامس بما اجيب به عن الأوّل. فالقول بعدم بطلان الصلاة بالبكاء بدون الصوت لا يخلو من قوّة، و إن كان الاحتياط إتمام الصلاة و إعادتها. ، أو يعمّ صورة الاضطرار؟ قيل بالاختصاص؛ لدعوى انصراف النصّ إلى البكاء الاختياري و حديث رفع الاضطرار. و صرّح كثير من فقهائنا بالبطلان مع الاضطرار أيضاً، و هو المختار؛ و ذلك لإطلاق النصّ و الفتوى كما في الضحك، و انصراف الإطلاق إلى الاختياري ممنوع. و في «مصباح الفقيه»: و لا ينافيه حديث «رفع ما اضطرّوا إليه»؛ لما أشرنا إليه في نظائر المقام من أنّه لا حكومة لهذا الحديث على إطلاقات أدلّة القواطع (مصباح الفقيه، الصلاة: 413/ السطر 25.)، انتهى. - بل الشهداء عموماً- ليس كالبكاء على موت عزيز من الأعزّة للباكي حتّى يكون لأمر من امور الدنيا و مبطلًا للصلاة. قال صاحب «الجواهر»- و نعم ما قال- بل قد يمنع أيضاً كون البكاء لفقد الميّت من الامور الدنيوية مطلقاً؛ فإنّ البكاء على الحسين عليه السلام و غيره من الأئمّة عليهم السلام بل و العلماء المرضيين و نحوهم ممّن كانت العلقة بينهم و بين الباكي اخروية ليس من الدنيا في شي ء، و ما سمعته من «الميسية»: يبطلها البكاء على الميّت و إن كان لصلاحه، معرض عنه أو ينزّل على غير ذلك. و احتمال عدّ البكاء على الحسين عليه السلام- فضلًا عن غيره- من البكاء لأمر دنيوي- باعتبار أنّ ما وقع بسببه البكاء و كان هو الباعث على البكاء أمرٌ في الدنيا دون الآخرة، و ترتّب الثواب عليه و كونه عبادة لا ينافي بطلان الصلاة به، و ذكر الجنّة و النار في النصّ المزبور مثال لنعيم الآخرة و أهوالها من البرزخ و غيره- واضح الدفع، و إن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك؛ خصوصاً إذا كان البكاء على الحسين عليه السلام من حيث الرحم أو من حيث علقة السيّد و العبد و نحوهما من العلائق؛ فإنّ الأفعال تختلف بالقصد و بالجهة و الاعتبارات، كما هو واضح. و كأنّه لذا قال في «مجمع البرهان»: الظاهر أنّ البكاء لفقد الميّت لا يطلق عليه الأمر الدنيوي إلّا أن ينضمّ إليه شي ء، و يبعد كونه مطلقاً كذلك؛ فإنّه نقل عنه صلى الله عليه و آله البكاء على إبراهيم و كذلك عن الأئمّة عليهم السلام، و يبعد ارتكابهم عليهم السلام أمراً يكون محض دنيوي و لا يحصل عليه الثواب. مع أنّ الأخبار دالّة على حصول الثواب على البكاء و الألم بفقد المحبوب؛ و خصوصاً الولد. نعم لو ضمّ إليه أمر دنيوي- كما يوجد في كثير من الناس حيث يبكى لفقد مُعين له في اموره- فلا يبعد ذلك (جواهر الكلام 11: 73.)، انتهى كلام صاحب «الجواهر» رحمه الله نقلناه بطوله لتحكيم المطلوب.

ص: 59

الثاني: المشهور اختصاص البكاء المبطل بصورة العمد دون السهو.

ص: 60

الثالث: البكاء على أمر اخروي أو طلب أمر دنيوي من اللّٰه تعالى-
الرابع: هل يعتبر الصوت في البكاء المبطل للصلاة،

ص: 61

ص: 62

ص: 63

الأمر الخامس: هل يختصّ البكاء المبطل- أعني المشتمل على الصوت على المختار- بحال الاختيار
السادس: البكاء على الحسين عليه السلام و سائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام

ص: 64

ص: 65

سابعها: كلّ فعل ماحٍ لها مُذهِب لصورتها-

على وجه يصحّ سلب الاسم عنها- و إن كان قليلًا، فإنّه مبطل لها عمداً و سهواً. أمّا غير الماحي لها، فإن كان مفوّتاً للموالاة فيها- بمعنى المتابعة العرفيّة- فهو مبطل مع العمد على الأحوط دون السهو. و إن لم يكن مفوّتاً لها فعمده غير مبطل، فضلًا عن سهوه و إن كان كثيراً، كحركة الأصابع، و الإشارة باليد أو غيرها لنداء أحد، و قتل الحيّة و العقرب، و حمل الطفل و وضعه و ضمّه و إرضاعه، و نحو ذلك ممّا هو غير منافٍ للموالاة و لا ماحٍ للصورة (1).


1- هل المبطل للصلاة هو الفعل بما أنّه كثير أو بما أنّه ماح و مُذهب للصورة الصلاتية المعهودة عند المتشرّعة؟ فقد عبّر كثير من فقهائنا بأنّ المبطل هو الكثير من الفعل الخارج من الصلاة؛ ففي «المبسوط»: و العمل القليل لا يفسد الصلاة وحده ما لا يسمّى في العادة كثيراً، مثل إيماء إلى شي ء أو قتل حيّة أو عقرب أو تصفيق أو ضرب حائط تنبيهاً على حاجة و ما أشبهه (المبسوط 1: 118.). و في «التذكرة» قال: الفعل الذي ليس من أفعال الصلاة إن كان كثيراً أبطلها (تذكرة الفقهاء 3: 288.)، و قال في موضع آخر منه: الفعل الكثير إنّما يبطل مع العمد (نفس المصدر: 290.). و في «القواعد»: و الفعل الكثير عادة ممّا ليس من الصلاة (قواعد الأحكام 1: 281.). و في «المنتهى»: و يجب عليه ترك الفعل الكثير (منتهى المطلب 1: 312/ السطر 16.). و في «الشرائع» في عداد مبطلات الصلاة قال: و أن يفعل فعلًا كثيراً ليس من الصلاة (شرائع الإسلام 1: 81.). و في «الدروس»: و الفعل الكثير عادة لا القليل كقتل الحيّة (الدروس الشرعية 1: 185.)، كذا في «البيان» و «الروضة». و في «المدارك»: لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير و بطلانها به إذا وقع عمداً (مدارك الأحكام 3: 466.). و في «كشف اللثام»: و فعل الكثير عادة ممّا ليس من الصلاة فيبطلها عمداً لا سهواً (كشف اللثام 4: 172.)، و إن لم يمح صورة الصلاة. و لا يخفى: أنّه قد اعترف غير واحد من الفقهاء بعدم الوقوف على نصّ علّق فيه البطلان على الكثير. نعم قد وقع تقييد الفعل بالكثير في معاقد الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. و لعلّ التقييد بالكثير باعتبار انمحاء صورة الصلاة به؛ فالمبطل في الحقيقة هو الفعل الماحي لصورة الصلاة و إن كان قليلًا و لو كان صدوره سهواً؛ و لذا جعل صاحب «المدارك» المدار في الكثرة و عدمها محو الصورة الصلاتية و عدمه، و قال: لم أقف على رواية تدلّ بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير، لكن ينبغي أن يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلّية، كما هو ظاهر اختيار المصنّف في «المعتبر» (مدارك الأحكام 3: 466.)، انتهى. و هذا المعنى هو المستفاد من ظاهر تعليل الحكم في كلام غير واحد منهم بالخروج عن كونه مصلّياً (نفس المصدر 2: 255.)؛ ففي «المعتبر» نسب البطلان إلى العلماء، و علّله بقوله: لأنّه يخرج عن كونه مصلّياً، و في «المنتهى»: فلو فعله عامداً بطلت صلاته، و هو قول أهل العلم كافّة؛ لأنّه يخرج به عن كونه مصلّياً (منتهى المطلب 1: 310/ السطر 18.). ثمّ إنّهم اختلفوا في حدّ الكثير المبطل: فمنهم من أرجعه إلى العرف و العادة، كما في «المبسوط» و «التذكرة» و «الدروس» و غيرها، قال في «المبسوط»: و العمل القليل لا يفسد الصلاة وحده ما لا يسمّى في العادة كثيراً (المبسوط 1: 118.). و قال في «التذكرة»: و الذي عوّل عليه علماؤنا البناء على العادة؛ فما يسمّى في العادة كثيراً فهو كثير و إلّا فلا (تذكرة الفقهاء 3: 288.). و في «الدروس»: و الفعل الكثير عادة (الدروس الشرعية 1: 185.). و استدلّ له بأنّ المرجع هو العرف فيما لم يكن للشارع بيان فيه، و أنّ عادة الشرع إرجاع الناس إلى عرفهم فيما لم يكن له نصّ فيه، كما عن «التذكرة». و صاحب «الحدائق» توهّم: أنّ المراد من الرجوع إلى العرف هو الرجوع إلى العرف العامّ في الأحكام الشرعية، و أورد عليه بقوله: قد عرفت في غير مقام ممّا تقدّم ما في بناء الأحكام الشرعية على الرجوع إلى العرف من الفساد ... إلى أن قال: و أمّا قول العلّامة: و إنّ عادة الشرع ردّ الناس في ما لم ينصّ عليه إلى عرفهم، فهو ممنوع أشدّ المنع (الحدائق الناضرة 9: 41.). و يرد عليه كما في «الجواهر»: أنّه ليس المراد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في الأحكام الشرعية كي يقال: إنّه بمعزل عنها و ليس هو من مدركها، بل المراد أنّه يرجع إليه في حفظ الصورة المتلقّاة من الشرع التي علّق التكليف بها؛ ففي الحقيقة إنّما يرجع إليه في متعلَّق الحكم الشرعي و موضوعه الذي هو وظيفته (جواهر الكلام 11: 46.). و منهم من قال: ما لا يحتاج إلى فعل اليدين معاً كرفع العمامة و حلّ الإزار فهو قليل، و ما يحتاج إليهما معاً كتكوير العمامة و عقد السراويل فهو كثير. و منهم من قال: القليل ما لم يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة، و الكثير ما يسع. و منهم من قال: القليل ما لا يظنّ الناظر إلى فاعله أنّه ليس في الصلاة، و الكثير ما يظنّ به الناظر إلى فاعله الإعراض عن الصلاة. و القول الأخير يمكن إرجاعه إلى الأوّل، و القولان الأوسطان لا دليل لهما. و لو لم يكن الفعل الواقع في أثناء الصلاة موجباً لمحو صورة الصلاة، و حينئذٍ فإن كان موجباً لفوات الموالاة فيها- بمعنى الموالاة العرفية- فهو غير مبطل على الأقوى. نعم الأحوط استحباباً الاجتناب عنه، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في الموالاة. و في «الجواهر»: التحقيق أنّ البطلان بالفعل الكثير إنّما هو لفوات الموالاة بين الأفعال به، و لعلّه المراد بمحو الصورة المذكورة في كلام غير واحد من الأصحاب (جواهر الكلام 11: 62.)، انتهى. و قال بعد ثلاث صفحات: فظهر لك حينئذٍ: أنّ البطلان بالفعل الكثير إنّما هو من حيث تفويته للموالاة؛ فلعلّ من علّله بالخروج عن كونه مصلّياً- كالفاضلين و غيرهما- أراد ذلك (جواهر الكلام 11: 65.)، انتهى. و إن لم يكن موجباً لفوات الموالاة العرفية فعمده غير مبطل- فضلًا عن سهوه- لعدم وجود الدليل على كونه مبطلًا. و قد ورد في بعض الأخبار التصريح بعدم إبطال بعض الأفعال الصادرة حال الاشتغال بالصلاة، و موارد كثيرة من الأخبار هي الأفعال القليلة، كرواية صحيحة رواها الصدوق رحمه الله عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، قال: فقال: «يومئ برأسه و يشير بيده، و المرأة إذا أرادت الحاجة تصفق» (وسائل الشيعة 7: 254، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 1.) . و بإسناده عن الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال: «يومئ برأسه و يشير بيده و يسبّح، و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي فتصفق بيديها» (وسائل الشيعة 7: 254، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 2.) ، و الرواية صحيحة. و بإسناده عن حنّان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام أ يومئ الرجل في الصلاة؟ فقال: «نعم قد أومأ النبي صلى الله عليه و آله في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 3.)، قال حنّان: و لا أعلمه إلّا مسجد بني عبد الأشهل ، و الخبر موثّق. و في ذيل موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و المرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها و هي في الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 4.) . و رواية أبي حبيب ناجية أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ لي رحى أطحن فيها السمسم فأقوم فاصلّي و أعلم أنّ الغلام نائم فأضرب الحائط لأوقظه، فقال: «نعم أنت في طاعة ربّك تطلب رزقك، لا بأس» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 5.). و ذيل صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته، فيستأذن إنسان على الباب فيسبّح و يرفع صوته و يسمع جاريته فتأتيه، فيريها بيده أنّ على الباب إنساناً، هل يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا بأس لا يقطع بذلك صلاته» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 6.) . و رواية محمّد بن بجيل قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي، فمرّ به رجل و هو بين السجدتين فرماه أبو عبد اللّه بحصاة، فأقبل إليه الرجل (وسائل الشيعة 7: 258، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 10، الحديث 1.). و رواية عبد اللّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب و غيره بالحجر، ما عليه؟ قال: «ليس عليه شي ء و لا يقطع ذلك صلاته» (وسائل الشيعة 7: 258، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 10، الحديث 2.) . و صحيح زرارة أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام: رجل يرى العقرب و الأفعي و الحيّة و هو يصلّي، أ يقتلها؟ قال: «نعم، إن شاء فعل» (وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 1.) . و صحيح الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرى الحية و العقرب و هو يصلّي المكتوبة، قال: «يقتلهما» (وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 3.) . و موثّق عمّار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون في الصلاة فيقرأ فيرى حيّة بحياله، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال: «إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها، و إلّا فلا» (وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 4.) ، و هذا الموثّق فيه إشعار بعدم الجواز فيما كان بينه و بينها أزيد من خطوة؛ لكونه من الفعل الكثير، و حمل بعض فقهائنا النهي على الكراهة. و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقتل البقّة و البرغوث و القُمّلة و الذباب في الصلاة، أ ينقض ذلك صلاته و وضوءه، قال: «لا» (وسائل الشيعة 7: 274، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 20، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل تؤذيه الدابّة و هو يصلّي، قال: «يلقيها إن شاء أو يدفنها في الحصى» (وسائل الشيعة 7: 275، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 20، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و موثّق إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنّه قال في رجل يصلّي و يرى الصبي يحبو إلى النار، أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي ء، قال: «فلينصرف و ليحرز ما يتخوّف و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» (وسائل الشيعة 7: 278، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 3.). و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهّد» (وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب. و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يحتك و هو في الصلاة، قال: «لا بأس» (وسائل الشيعة 7: 285، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) . و غيرها من روايات الباب. و من طرف العامّة: أنّ النبي صلى الله عليه و آله حمل أمامة بنت أبي العاص و كان يضعها إذا سجد و يرفعها إذا قام (صحيح مسلم 2: 25/ 543.). و عن الشهيد في «الذكرى» قال: روى البزنطي عن داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام في عدّ الآي بعقد اليد، قال: «لا بأس هو أحصى للقرآن» (وسائل الشيعة 7: 287، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 30، الحديث 2.). و في صحيح عبيد اللّٰه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته أ يمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال: «نعم قد كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب» (وسائل الشيعة 6: 373، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 18، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب. و عن زكريا الأعور قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائماً و إلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحط أبو الحسن عليه السلام و هو قائم في صلاته، فناول الرجل العصا ثمّ عاد إلى صلاته (وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 12، الحديث 1.).

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

ص: 71

ص: 72

ص: 73

ثامنها: الأكل و الشرب

و إن كانا قليلين على الأحوط. نعم لا بأس بابتلاع ذرّات بقيت في الفم أو بين الأسنان، و الأحوط الاجتناب عنه. و لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن إمساك السكر و لو قليلًا في الفم- ليذوب و ينزل شيئاً فشيئاً- و إن لم يكن ماحياً للصورة و لا مفوّتاً للموالاة (1).


1- مبطلية الأكل و الشرب للصلاة في الجملة إجماعي ادّعاه الشيخ في «الخلاف». و حكي عن «المهذّب البارع» أنّ الأقوال في ذلك ثلاثة: الأوّل الإبطال بالمسمّى و هو ما يبطل الصوم، الثاني الإبطال بالكثرة فلا تبطل باللقمة الصغيرة، و الثالث الإبطال بمنافاة الخشوع فتبطل باللقمة الصغيرة، و اختار الأخير (المهذّب البارع 1: 394.). و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد أن فرّق بين الأكل المنافي للصوم و المنافي للصلاة بالإجماع المدّعى في «المنتهى» الصريح في أنّ الصلاة ليست كالصوم تبطل بمطلق المسمّى، قال: و ليس هذا قولًا منّا بأنّ القليل من الأكل و الشرب غير مبطل للصلاة؛ فيكونان حينئذٍ كسائر الأفعال التي يبطل كثيرها دون قليلها، بل المراد بيان أنّه و إن قلنا بأنّ الأكل و الشرب مطلقاً مبطلان للصلاة لحصول اسم المحو أو لثبوت المنافاة في أذهان المتشرّعة أو لإجماع الشيخ أو لغير ذلك، فليس المراد أنّه يقدح في الصلاة ما يقدح منه في الصوم؛ إذ المدار ما عرفت، و هو لا يقضي بذلك قطعاً (جواهر الكلام 11: 79.)، انتهى. الظاهر من عدّ الأكل و الشرب من المبطلات في كلام الفقهاء و جعلهما في مقابل الفعل الكثير هو القليل منهما، حيث إنّ الكثير منهما يدخل في الفعل الكثير. و في «الجواهر»: بل لعلّ المراد منه القليل خاصّة؛ للاستغناء بذكر الكثير سابقاً عن كثيرهما، فعطفهما حينئذٍ عليه من المصنّف و غيره لو لا احتمال التخصيص للاستثناء كالصريح في ذلك (جواهر الكلام 11: 77.)، انتهى. و مراده من قوله احتمال التخصيص للاستثناء، أنّ الأكل و الشرب يحتمل أن يكونا داخلين في عموم الفعل الكثير المبطل، و لا حاجة حينئذٍ لتخصيصهما بالذكر من العموم في كلام الفقهاء إلّا لاستثناء نافلة الوتر. و يرد عليه: أنّ التخصيص بالذكر إن كان لأجل الاستثناء لزم الاكتفاء بخصوص الشرب؛ لأنّه هو مورد النصّ في دعاء الوتر، و حينئذٍ فلا وجه لذكر الأكل في كلامهم. و كيف كان: فعن جماعة من فقهائنا أنّ المبطل هو الكثير من الأكل و الشرب لا مطلقاً؛ و لذا علّل في «التذكرة» البطلان بمطلق الأكل و الشرب بكونهما فعلًا كثيراً، قال: لأنّ تناول المأكول و مضغه و ابتلاعه أفعال متعدّدة، و كذا المشروب. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بإمكان دعوى أنّ الغالب في الشرب- بل و الأكل- القلّة؛ ضرورة خروج المقدّمات عن مسمّاهما. و اختار المحقّق في «المعتبر» هذا القول، و طالب الدليل ممّن قال بالمنع مطلقاً. و صاحب «المدارك» بعد نقل قول المحقّق استحسنه. و قال الشهيد في «الذكرى»: أمّا الأكل و الشرب فالظاهر أنّهما لا يبطلان بمسمّاهما بل بالكثرة. و صاحب «الحدائق» بعد ذكر كلام جماعة من القائلين بعدم بطلان الصلاة بمسمّى الأكل و الشرب قال: و بالجملة فإنّ من نازع في أصل الحكم إنّما بنى فيه على حصول الكثرة و عدمها؛ فجعل الإبطال و عدمه دائراً مدار الكثرة و عدمها، و إلّا فالأكل و الشرب من حيث هما غير مبطلين، و هو الأظهر في المسألة (الحدائق الناضرة 9: 55.). و عن بعض فقهائنا: أنّ إبطال الأكل و الشرب الصلاة لمنافاتهما الخشوع، حكي هذا القول عن «المهذّب البارع». و عن بعضهم: الاقتصار على الإيذان بالإعراض. و عن بعضهم: أنّه إن آذنا بالإعراض أو نافيا بالخشوع فيبطلان. و عن المحقّق الشيخ هادي الطهراني في «صلاته»: و أمّا الأكل و الشرب فالمبطل منهما ما ينافي هيئة الخضوع و التمحّض للحضور عند المولى على وجه التذلّل. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد نقل إجماع الشيخ في «الخلاف» على مبطلية الأكل و الشرب قال: و يؤيّده- مضافاً إلى ذلك- فحوى سياق الخبر الآتي في الرخصة في شرب الماء في الوتر المشعر بمعلومية منافاة الشرب للصلاة و محو اسم الصلاة بحصول المتعارف من كلّ منهما، لا ما تقدّم و نحوه، أو علم المتشرّعة منافاتهما للصلاة المرادة كما أوضحناه في الفعل الكثير. و لعلّ ذلك و نحوه مأخذ إجماع الشيخ؛ إذ لا ريب في حصول البطلان بمحو الاسم. و لا ريب في حصوله بهما و إن لم يكثرا كما هو الغالب فيهما؛ إذ أطفال المتشرّعة يعلمون أنّ الصلاة لا يجتمع معها الأكل و الشرب، كما هو واضح بأدنى تأمّل، فتوقّف كثير من الأصحاب في هذا الحكم- حتّى أنّ المصنّف منهم ردّ على الشيخ إجماعه و تبعه غيره، و جعلوا المدار في البطلان بهما على الكثرة تبعاً للمحكي عن «السرائر»- في غير محلّه (جواهر الكلام 11: 78.)، انتهى. بقي في المقام شي ء؛ و هو أنّ ابتلاع ذرّات من الطعام بقيت في الفم أو بين الأسنان حال الصلاة لا يبطلها، و كذا لا يبطلها فيما لو أمسك في فيه شيئاً و لو قليلًا من السكّر و نحوه ليذوب و ينزل شيئاً فشيئاً حال الصلاة؛ و ذلك لعدم صدق الأكل عليه. و هذا بخلاف ما لو تناول قليلًا من الطعام و وضعه في فيه و ابتلعه حال الصلاة فإنّه يصدق عليه الأكل حال الصلاة، و يبطلها و لو كان قليلًا؛ لمحو صورة الصلاة. و لعلّ وجه احتياط المصنّف في الموردين احتمال صدق الأكل فيهما، و هو كما ترى؛ فلا وجه للاحتياط أصلًا. قال في «المنتهى»: لو ترك في فيه شيئاً يذوب كالسكّر فذاب فابتلعه لم تفسد صلاته عندنا، و عند الجمهور تفسد؛ لأنّه يسمّى أكلًا. أمّا لو بقي بين أسنانه من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تبطل صلاته قولًا واحداً؛ لأنّه لا يمكن التحرّز عنه، و كذا لو كان في فيه لقمة و لم يبتلعها إلّا في الصلاة؛ لأنّه فعل قليل (منتهى المطلب 1: 312/ السطر 16.)، انتهى. ثمّ إنّه لا فرق في مبطلية الأكل و الشرب بين العمد و السهو فيما كانا موجبين لمحو صورة الصلاة بحيث صحّ سلب اسم الصلاة عنه. و لو كانا موجبين لتفويت الموالاة فعمدهما مبطل دون سهوهما. و في «المنتهى»: لو أكل أو شرب في الفريضة ناسياً لم تبطل صلاته عندنا قولًا واحداً (منتهى المطلب: 312/ السطر 14.).

ص: 74

ص: 75

ص: 76

ص: 77

و لا فرق في جميع ما سمعته من المبطلات بين الفريضة و النافلة، إلّا الالتفات في النافلة مع إتيانها حال المشي، و في غيرها الأحوط الإبطال (1).


1- و الوجه في عدم الفرق في المبطلات بين الفريضة و النافلة هو الإطلاقات الواردة في النصوص و معاقد الإجماعات. و أمّا استثناء الالتفات في النافلة من المبطلات فقد ورد في جملة من الروايات جواز إتيان النافلة حال الركوب على المحمل و الدابّة أينما توجّه، و في بعضها تصريح بسقوط الاستقبال في تلك الحال؛ ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو على دابّته حيث ما توجّهت به، قال: «لا بأس» (وسائل الشيعة 4: 328، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 1.). و رواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: إنّي أقدر أن أتوجّه نحو القبلة في المحمل، فقال: «هذا لضيق، أ ما لكم في رسول اللّٰه اسوة؟!» (وسائل الشيعة 4: 329، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 2.). و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة النافلة على البعير و الدابّة، فقال: «نعم حيث كان متوجّهاً، و كذلك فعل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله». و رواه الكليني عن محمّد بن سنان مثله، و زاد: قلت: على البعير و الدابّة؟ قال: «نعم حيث ما كنت متوجّهاً»، قلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: «لا، و لكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً» (وسائل الشيعة 4: 329، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 6 و 7.). و أمّا استثناء الالتفات فيها حال المشي فلم يرد نصّ بالخصوص يدلّ عليه، نعم قد ورد في بعض الروايات جواز إتيان النافلة حال المشي، كما في موثّق الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي و هو يمشي تطوّعاً؟ قال: «نعم» (وسائل الشيعة 4: 335، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 6.). و يظهر من بعض الأخبار مراعاة التوجّه إلى القبلة في النافلة مع إتيانها حال المشي، كما في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمّ مشى» (وسائل الشيعة 4: 334، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 1.). و يمكن حمل الجملة الخبرية: «يتوجّه إلى القبلة» في هذا الصحيح على الاستحباب؛ لما في «المنتهى» من نفي الخلاف في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة حال المشي. و يمكن أن يستفاد من الروايات الواردة في جواز النافلة حال المشي عدم اعتبار الاستقبال فيها، حيث إنّ الغالب انحراف المصلّي عن القبلة يميناً و يساراً و استدباراً في أثناء الصلاة في تلك الحال، بل تمكن دعوى أنّه قلّما يتّفق الاستقبال من أوّل الصلاة إلى آخرها حال المشي؛ فحينئذٍ يكون عدم التعرّض لذكر الاستقبال حال المشي دليلًا على عدم اعتباره. و وجه الاحتياط من المصنّف رحمه الله في إبطال الالتفات النافلة في غير حال المشي هو احتمال تحقّق الشهرة على اشتراط الاستقبال في النافلة حال الاستقرار. و الأقوى عندي- وفاقاً ل «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها- الإبطال؛ للشهرة المدّعاة في «كشف اللثام»، و في «مفتاح الكرامة»: و به صرّح في جميع كتب الأصحاب إلّا ما قلّ، و لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة»، قال: قلت: و أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب كلّه» (وسائل الشيعة 4: 300، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 9.).

ص: 78

ص: 79

و إلّا العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم؛ إن خشي مفاجأة الفجر، و كان الماء أمامه، و احتاج إلى خطوتين أو ثلاث، فإنّه يجوز له التخطّي و الشرب حتّى يروي؛ و إن طال زمانه لو لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلّا يستدبر القبلة. و الأقوى الاقتصار على خصوص شرب الماء، دون الأكل و دون شرب غيره و إن قلّ زمانه. كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل. و لا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء، فيلحق بها غيرها من أحوالها و إن كان الأحوط الاقتصار عليها. و أحوط منه الاقتصار على ما إذا حدث العطش بين الاشتغال بالوتر. بل الأقوى عدم استثناء من كان عطشاناً، فدخل في الوتر ليشرب بين الدعاء قبيل الفجر (1).


1- الدليل على استثناء العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم الخائف مفاجأة الفجر من الشرب المبطل، هو خبر سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أبيت و اريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان و أمامي قُلّة بيني و بينها خطوتان أو ثلاثة، قال: «تسعى إليها و تشرب منها حاجتك و تعود في الدعاء» (وسائل الشيعة 7: 279، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 23، الحديث 1.). فهذا الخبر يدلّ على جواز التخطّي إلى ثلاث خطوات و الشرب بمقدار رفع العطش، و لو كان كثيراً و زمان الشرب طويلًا، بشرط أن لا يفعل غير الشرب من منافيات الصلاة؛ و منها الاستدبار. فيجب عليه بعد الشرب العود إلى مكانه قهقرى إذا أراد العود لئلّا يستدبر القبلة. و جواز الشرب كثيراً و إن طال زمانه يستفاد من قوله عليه السلام في الرواية «حاجتك». و صاحب «الجواهر» منع من كثير الشرب في النافلة- و منها الوتر- لاستلزامه الفعل الكثير و هو مبطل، قال: فيجب حينئذٍ الاقتصار على مورد الرواية و عدم التعدّي ممّا فيها إلى الرخصة في الفعل الكثير إذا توقّف الشرب عليه (جواهر الكلام 11: 81.). و الأقوى: الاقتصار على خصوص الشرب دون الأكل للاقتصار عليه في النص. و أمّا الاقتصار على شرب خصوص الماء دون المائعات الاخر فيمكن استفادته من انصراف الشرب إلى شرب الماء، و من كلمة «قُلّة» في الرواية؛ فإنّها معدّة لخصوص الماء، هذا. و لك أن تقول: إنّ الشرب كان لرفع العطش، و هو يحصل بكلّ مائع رافع للعطش. و الأحوط لو لم يكن الأقوى: الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل؛ و ذلك لذكره بالخصوص في النصّ. و الاقتصار على الوتر المندوب لا الواجب بالنذر و نحوه؛ و ذلك للانصراف. و لا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء؛ لأنّ المعيار حدوث العطش بين الاشتغال بالوتر و رفعه بالشرب قبل إتمامه؛ لأنّ في الانتظار إلى الإتمام خوف طلوع الفجر، و إن كان الأحوط الاقتصار على حال الدعاء؛ لكونه مذكوراً في كلام السائل. و منه يعلم عدم استثناء من كان عطشاناً قبل الشروع في الوتر؛ فلا يجوز له الشرب بعد الشروع في الوتر و في أثناء الدعاء. و في «الجواهر» بعد نسبة عدم الفرق بين الشرب القليل و الكثير إلى «التحرير» و «فوائد الشرائع» و المحكي عن «المهذّب» و غيره، قال: للإطلاق و ترك الاستفصال. و منه يعلم: أنّه لا فرق بين الصوم الواجب و المندوب، بل قيل: و لا بين الوتر الواجب بالنذر أو غيره و المندوب، و إن كان الأخير لا يخلو من نظر (جواهر الكلام 11: 82.)، انتهى.

ص: 80

ص: 81

تاسعها: تعمّد قول «آمين» بعد إتمام الفاتحة إلّا مع التقيّة،

فلا بأس به كالساهي (1).


1- المشهور بين القدماء و المتأخّرين من أصحابنا حرمة قول «آمين» عمداً بعد إتمام الفاتحة من غير تقية أو سهو، و بطلان الصلاة به. و نسبه جماعة منهم إلى علمائنا، بل ادّعى جماعة منهم الإجماع عليه، كما حكي عن «الغنية» و «الانتصار» و «الخلاف» و «نهاية الإحكام» و «التذكرة»، و حكاه في «المعتبر» عن المفيد رحمه الله، بل عن «الأمالي»: أنّ مِن دين الإمامية الإقرار به، و في «الجواهر»: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه؛ إذ لم نجد فيه مخالفاً (جواهر الكلام 10: 2.). و يدلّ عليه صحيح جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها، فقل أنت: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و لا تقل: آمين» (وسائل الشيعة 6: 67، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 1.) . و صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أقول آمين إذا قال الإمام: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضّٰالِّينَ»، قال: «هم اليهود و النصارى، و لم يجب في هذا» (وسائل الشيعة 6: 67، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 2.) . و في «الوسائل»: عدوله عن الجواب للتقية دليل على عدم الجواز لا الكراهة، و إلّا لأفتى بالرخصة. و في «المستمسك»: فإنّ ترك الجواب عن السؤال و التعرّض لأمر آخر غير مسئول عنه ظاهر في الخوف في الجواب، و لا خوف في الجواب في الرخصة؛ لأنّها مذهب العامّة (مستمسك العروة الوثقى 6: 590.). و رواية محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أقول: إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: «لا» (وسائل الشيعة 6: 67، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 3.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك: آمين، فإن شئت قلت: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» (وسائل الشيعة 6: 68، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 4.). و صحيح آخر لجميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين، قال: «ما أحسنها»، و أخفض الصوت بها (وسائل الشيعة 6: 68، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 5.). و الاستدلال بهذا الصحيح مبني على كون كلمة «ما» في قوله: «ما أحسنها» نافية مع كون الفعل بصيغة المتكلّم، أو استفهامية إنكارية، و كون الجملة «و أخفض الصوت بها» كلام الراوي؛ أي قال الراوي: إنّ الإمام عليه السلام أخفض صوته حين تكلّم بقوله: «ما أحسنها». و لا يخفى: أنّه لو كانت الجملة كلام الراوي لكان الفعل فيها بصيغة الماضي المجرّد، لا المزيد فيه و من باب الإفعال. و يحتمل في الرواية- كما في «الجواهر» و غيرها- أن تكون كلمة «ما» في قوله: «ما أحسنها» للتعجّب و صيغة «اخفض» فعل أمر من المجرّد؛ و حينئذٍ يكون هذا الصحيح دليلًا على الجواز و معارضاً للأخبار الدالّة على المنع. و علاج المعارضة بحمل هذا الصحيح على التقية، كما فعله الشيخ. و الأمر بالخفض للتقية حيث حكي استحباب الخفض بها عند العامّة العمياء. و نسب إلى بعض فقهائنا القول بكراهة قول «آمين» بعد الحمد، كالكاشاني في «المفاتيح» و الأردبيلي في «مجمع البرهان». و استجوده في «المدارك» و قال: الأجود التحريم دون البطلان. و احتمله المحقّق في «المعتبر» و قال بما حاصله: و يمكن أن يقال بالكراهة جمعاً بين صحيح جميل المتقدّم الدالّ على الجواز- بناءً على احتمال كون كلمة «ما» في «ما أحسنها» للتعجّب و صيغة «اخفض» ماضياً- و بين سائر الروايات الدالّة على المنع، هذا على فرض تساوي روايتي الجواز و المنع متساويين في الصحّة، و على هذا الفرض يجوز الجمع بينهما أيضاً بحمل رواية المنع على المنفرد و المبيحة على الجماعة. و يرد عليه أوّلًا: أنّ صحيح جميل من حيث احتمال كون كلمة «ما» للتعجّب أو للنفي أو الاستفهام مجمل؛ فيسقط عن الحجّية؛ فلا يعارض الأخبار المانعة. و ثانياً: أنّ الصحيح على فرض ثبوت كون كلمة «ما» لخصوص «التعجّب» فقط مرجوح؛ لكونه مخالفاً لإجماع الإمامية، بل مخالفاً لضروريهم على ما في «الأمالي»، و موافقاً للعامّة القائلين بالجواز و الاستحباب، و لم يقل أحدٌ من علمائنا بالاستحباب؛ فتكون الأخبار المانعة راجحة و مقدّمة عليه. و حمل بعضهم أخبار المنع على المنفرد، و صحيح جميل على الجماعة. و يرد عليه: أنّ الصحيح الآخر لجميل من بين الأخبار المانعة صريح في المأموم. و قد يخدش في دلالة الروايات المانعة بأنّ النهي فيها ظاهر في نفي مشروعية قول «آمين» بعد الحمد بقرينة السؤال فيها عن الحكم الشرعي و الجواز كما يعتقده العامّة، و ليس السؤال عن مانعيته ليكون ظاهر النهي الإرشاد إليها كي يكون دليلًا على البطلان. و بالجملة: الحرمة التشريعية لا تنافي صحّة الصلاة؛ و لذا قال صاحب «المدارك» في مقام الجواب عن دلالة الروايات على البطلان: إنّما تضمّنتا النهي عن هذا اللفظ فيكون محرّماً. و لا يلزم من ذلك كونه مبطلًا للصلاة؛ لأنّ النهي إنّما يفسد العبادة إذا توجّه إليها أو إلى جزء منها أو شرط لها، و هو هنا إنّما توجّه إلى أمر خارج عن العبادة؛ فلا يقتضي فسادها (مدارك الأحكام 3: 373.). و أجاب صاحب «الجواهر» عن الخدشة المذكورة بأنّ هذه النواهي تنحلّ إلى النهي عن الصلاة أو جزئها مقارنة لهذا المنهي عنه (جواهر الكلام 10: 5.). و يمكن أن يجاب عنها بأنّه سلّمنا كون النهي في الأخبار المذكورة ظاهراً في نفي المشروعية، و لكن الإجماع المدّعى في كلام جماعة قائم على البطلان. و قال الحائري رحمه الله في «صلاته» في مقام الجواب عن الخدشة: اللهمّ إلّا أن يقال بعد تحقّق عنوان التشريع به إنّه داخل في مصداق الماحي؛ لأنّه قول محرّم، و قد مضى في بعض الأبحاث السابقة أنّه لا يبعد كون القول المحرّم إذا اتي به في أثناء الصلاة ماحياً للهيئة الصلاتية في أذهان المتشرّعة كالوثبة و السكوت الطويل، و منها يمكن القول بالإبطال في الدعاء لطلب الحرام؛ فإنّ طلب المحرّم من المولى يعدّ قبيحاً عند العقلاء؛ فلا يبعد كونه داخلًا في عنوان الماحي (الصلاة، المحقّق الحائري: 308.)، انتهى. و قد يستدلّ على البطلان أيضاً بأنّ قول «آمين» من كلام الآدميين، و عمده مبطل. و في «الخلاف»: و روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «أنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شي ء من كلام الآدميين» و قول «آمين» من كلام الآدميين (الخلاف 1: 334، المسألة 84.). و في «كشف اللثام»: و هو- أي كلام «الخلاف»- مبني على أنّه ليس دعاءً كما هو المشهور المروي عن النبي صلى الله عليه و آله، و مرفوعاً في «معاني الأخبار» عن الصادق عليه السلام، و إنّما هو كلمة يقال أو يكتب للختم، كما روي أنّها خاتم ربّ العالمين، و قيل: إنّها تختم بها براءة أهل الجنّة و براءة أهل النار و إن كان من أسماء اللّٰه تعالى، كما أرسل في «معاني الأخبار» عن الصادق عليه السلام، أو على أنّه لما نهي عنه كان من كلام الآدميين الخارج عن المشروع و إن كان دعاءً أو ذكراً، و بناه ابن شهرآشوب على أنّه ليس قرآناً و لا دعاءً أو تسبيحاً مستقلًاّ، قال: و لو ادّعوا أنّه من أسماء اللّٰه تعالى لوجدنا في أسمائه و لقلنا: «يا آمين»، و في «التحرير»: أنّه ليس قرآناً و لا دعاءً، بل اسم للدعاء و الاسم غير المسمّى، و هو مبني على أنّ أسماء الأفعال أسماء لألفاظها، و التحقيق خلافها (كشف اللثام 4: 16.)، انتهى كلام «كشف اللثام». لو سلّمنا كون «آمين» اسم فعل و معناه معنى «استجب» أو «اللهمّ استجب» لا أنّهما معنيان للفظ «آمين»، أمكن أن يقال بالبطلان أيضاً؛ لأنّ المعروف عند العرف ورود قول «آمين» بعد الدعاء، و المفروض وروده بعد قراءة القرآن؛ فلا يكون دعاءً حقيقة. و في «الجواهر»: و دعوى كونها ذكراً يمكن منعها بظهور غير ذلك منه عرفاً (جواهر الكلام 10: 7.)، انتهى. ثمّ إنّه قد قيّد في كلام كثير من فقهائنا حرمة «آمين» بكونه بعد الحمد، كما صرّح به في بعض الروايات المتقدّمة. و التحقيق أن يقال: إنّ الدليل على الحرمة و البطلان إن كان هو الأخبار فالحرمة و البطلان يقيّد بوقوعه بعد الحمد؛ و لذا أفتى جماعة بجوازه بقصد الدعاء فيما إذا وقع في سائر المواقع من الصلاة، قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء (العروة الوثقى 1: 720.). و إن كان الدليل عليه كونه من كلام الآدميين فلا وجه لتقييده به؛ و لذا قال العلّامة في «التحرير»: قول «آمين» حرام تبطل به الصلاة؛ سواء جهر بها أو أسرّ، في آخر الحمد أو قبلها، إماماً كان أو مأموماً، و على كلّ حال، و إجماع الإمامية عليه؛ للنقل عن أهل البيت عليهم السلام (تحرير الأحكام 1: 249.)، انتهى. و الشيخ في «الخلاف» بعد دعوى الإجماع على حرمة قول «آمين» قال: سواء كان ذلك سرّاً أو جهراً، في آخر الحمد أو قبلها، للإمام و المأموم على كلّ حال (الخلاف 1: 332، المسألة 84.)، انتهى. و يقرب من هذا كلامه في «المبسوط». و أمّا تخصيص الحرمة و البطلان بخصوص المنفرد دون الجماعة- كما في «المعتبر»- فلا وجه له إلّا الجمع بين الأخبار، و قد مرّ الكلام فيه.

ص: 82

ص: 83

ص: 84

ص: 85

ص: 86

ص: 87

عاشرها: الشكّ في عدد غير الرباعيّة من الفرائض، و الاوليين منها؛

على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى (1).

حادي عشرها: زيادة جزء أو نقصانه مطلقاً إن كان ركناً، و عمداً إن كان غيره.

اشارة

حادي عشرها: زيادة جزء أو نقصانه مطلقاً إن كان ركناً، و عمداً إن كان غيره (2).


1- سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- في مبحث «الشكّ في عدد ركعات الفريضة» تفصيل البحث في الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة.
2- سيأتي البحث فيه في مبحث «الخلل الواقع في الصلاة».

ص: 88

(مسألة 11): يُكره في الصلاة- مضافاً إلى ما سمعته سابقاً- نفخُ موضع السجود

إن لم يحدث منه حرفان، و إلّا فالأحوط الاجتناب عنه، و التأوّه و الأنين و البصاق بالشرط المذكور و الاحتياط المتقدّم، و العَبَث و فرقعة الأصابع و التمطّي و التثاؤب الاختياري، و مدافعة البول و الغائط ما لم تصل إلى حدّ الضرر، و إلّا فيجتنب و إن كانت الصلاة صحيحة مع ذلك (1).


1- قد تقدّم من المصنّف رحمه الله في ضمن بعض المباحث المتقدّمة ذكر بعض ما يوجب كراهة الصلاة؛ كقراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة و الإقعاء في التشهّد و الالتفات يميناً و شمالًا بالوجه إذا كان يسيراً مع بقاء البدن مستقبلًا. و ذكر رحمه الله في المسألة العشرين من مسائل «مكان المصلّي» جملة من أسباب الكراهة، فراجع. و الأخبار في نفخ موضع السجود مختلفة: بعضها يدلّ على المنع كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال: «لا» (وسائل الشيعة 6: 350، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 1.) . و رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث «المناهي» قال: «و نهى أن ينفخ في طعام أو شراب و أن ينفخ في موضع السجود» (وسائل الشيعة 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 5.). و بعضها يدلّ على الجواز، كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحداً» (وسائل الشيعة 6: 350، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 2.) . و مرسل إسحاق بن عمّار عن رجل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المكان يكون عليه الغبار أ فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال: «لا بأس» (وسائل الشيعة 6: 350، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 3.) . و مرسل الصدوق قال: و روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّما يكره ذلك خشية أن يؤذي من إلى جانبه» (وسائل الشيعة 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 4.) . و صحيح أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يصلّي فينفخ في موضع جبهته، قال: «ليس به بأس، إنّما يكره ذلك أن يؤذي من إلى جانبه» (وسائل الشيعة 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 6.). و مقتضى الجمع بين الأخبار الكراهة، و تشتدّ الكراهة مع الإيذاء إلى من بجانبه. و الروايات المجوّزة لنفخ موضع السجود و إن كانت مطلقة شاملة لما يتولّد منه حرفان، و لكنّها تقيّد بالدليل الدالّ على بطلان الصلاة بالكلام الصادق على حرفين فصاعداً. و أمّا التأوّه و الأنين: فقد أفتى جماعة بالكراهة، و لعلّه لكونهما قريبين من الكلام. و في رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنّه قال: «مَن أنّ في صلاته فقد تكلّم» (وسائل الشيعة 7: 281، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 4.) ، و الرواية محمولة على الكراهة. و أمّا البصاق: فقد ورد النهي عنه المحمول على الكراهة إجماعاً؛ ففي صحيح حمّاد و أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا تبزق عن يمينك و لا (عن) يسارك و لا بين يديك» (وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1 و 9.). و أمّا العبث و فرقعة الأصابع و التمطّي و التثاءب: فقد ورد النهي عنها في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تعبث فيها بيديك و لا برأسك و لا بلحيتك، و لا تحدّث نفسك، و لا تتثاءب و لا تتمطّ» (وسائل الشيعة 5: 463، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) و أمّا مدافعة البول و الغائط: فقد ورد النهي عنها المحمول على الكراهة إجماعاً، كما في مرسل أحمد بن محمّد المرفوع إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: ثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة: العبد الآبق حتّى يرجع إلى سيّده، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و تارك الوضوء، و الجارية المدركة تصلّي بغير خمار، و إمام قوم يصلّي بهم و هم له كارهون، و الزبين، فقيل: يا رسول اللّٰه و ما الزبين؟ قال: الرجل يدافع البول و الغائط، و السكران، فهؤلاء الثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة» (وسائل الشيعة 7: 252، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 8، الحديث 6.) و غيره من روايات الباب.

ص: 89

ص: 90

(مسألة 12): لا يجوز قطع الفريضة اختياراً.

و تُقطع للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به و نحو ذلك. بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال، لكن لو عصى فلم يقطعها أَثِم و صحّت صلاته، و الأحوط عدم جواز قطع النافلة أيضاً اختياراً، و إن كان الأقوى جوازه (1).


1- حرمة قطع الفريضة اختياراً ممّا لا خلاف فيه، كما في كلام جماعة من فقهائنا، و في «كشف اللثام»: الظاهر الاتّفاق (كشف اللثام 4: 184.)، و في المحكي عن «شرح المفاتيح»: أنّه من بديهيات الدين (مصابيح الظلام 8: 498.). و استدلّ عليه بقوله تعالى: «وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ» (محمّد (47): 33.). و بنصوص التحريم و التحليل: «تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» (وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 1 و 8.) الظاهرة في حرمة المنافيات للصلاة إلى حصول المحلّل؛ و هو التسليم. و بصحيح زرارة و أبي بصير قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه، قال: «يعيد»، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: «يمضي في شكّه»، ثمّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ»، قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع؛ فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.). و بالأخبار الواردة في الرعاف المتضمّنة للأمر بالإتمام و النهي عن قطعها، كصحيح عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال: «إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة» قال: «و القيئ مثل ذلك» (وسائل الشيعة 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة، فقال: «إن قدر على ماء عنده يميناً و شمالًا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (وسائل الشيعة 7: 239، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 6.) و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال: «لو أنّ رجلًا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فقال (فمال) برأسه فغسله، فليبن على صلاته و لا يقطعها» (وسائل الشيعة 7: 241، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 11.). و بالأخبار الواردة عن فعل المنافي في أثناء الصلاة، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته؟ قال: «لا، و لا ينقض أصابعه» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 1.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال له: «استقبل القبلة بوجهك، و لا تقلّب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ...» (وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 3.) الحديث. و بمفهوم صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق أو غريماً لك عليه مال أو حيّة تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصلاة و اتبع غلامك أو غريمك و اقتل الحيّة» (وسائل الشيعة 7: 276، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 1.). و كذا مفهوم موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يكون قائماً في الصلاة الفريضة فينسي كيسه أو متاعاً يتخوّف ضيعته أو هلاكه، قال: «يقطع صلاته و يحرز متاعه ثمّ يستقبل الصلاة»، قلت: فيكون في الفريضة فتغلب عليه دابّة أو تغلب دابّته فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت، فقال: «لا بأس بأن يقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» (وسائل الشيعة 7: 277، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 2.) . وجه الاستدلال بهذا الصحيح و الموثّق: أنّ جواز القطع فيهما منوط على خوف الضرر على النفس أو تلف المال، و في الحقيقة الحكم دائرٌ مدار العلّة، و ينتفي عند انتفائها. و الجواب عن الاستدلال بالآية: أنّها مجملة؛ لاحتمال أن يكون المراد الإبطال بالكفر و الارتداد، كما يشهده سياق الآية و قبلها، و أنّه لو كان المراد منها قطع جميع الأعمال في أثنائها- كما هو مقتضى دلالة الجمع المعرَّف- لزم منه التخصيص المستهجن؛ لأنّ الخارج منه أكثر من الباقي. و الجواب عن نصوص التحريم و التحليل: أنّها محمولة على التحريم و التحليل الوضعيين؛ فتشمل الفريضة و النافلة. و لو كان المراد منهما تكليفيين لزم تخصيص النصوص بالفريضة؛ لجواز قطع النافلة في أثنائها. و عن صحيح زرارة و أبي بصير: أنّه لا دلالة فيه على كون المنهي عنه خصوص قطع الواجبة. و في «الجواهر»: أنّه إنّما يدلّ على عدم إطماع الشيطان في الطاعة و الانقياد لإرادته من نقض الصلاة الذي لا يتفاوت فيه بين كونه محرّماً أو جائزاً؛ فإنّ مراده عدم إتمام المصلّي ما اشتغل فيه من الصلاة (جواهر الكلام 11: 124.)، انتهى. و عن الأخبار الواردة في الرعاف أنّها ظاهرة في الإرشاد إلى أنّه لا تنقطع الصلاة بالرعاف، و أنّ من تمكّن من غسل الرعاف إن غَسله و بنى على صلاته صحّت و لا يجب استئنافها. و في «الجواهر»: و ليس المراد منه الوجوب لحرمة القطع (جواهر الكلام 11: 125.)، انتهى. و عن الأخبار الواردة في المنع عن فعل المنافي في أثناء الصلاة، فقد أجاب عنها في «الجواهر»: بأنّ جميع النواهي عن المنافيات- كالكلام و نحوه- لا يراد منها إلّا بيان المانعية و بطلان الصلاة بها و حرمة الاجتزاء بالصلاة المشتملة على شي ء منها، لا أنّ المراد منها حرمة القطع للفريضة (نفس المصدر.)، انتهى. و عن صحيح حريز و موثّق سماعة: أنّهما قد وردا في جواز قطع الصلاة لأجل ما يترتّب عليه من المصالح الدنيوية، و الحديثان ليسا في صدد تشريع حرمة القطع في غيرها؛ فلا مفهوم لهما. ثمّ إنّه يجوز قطع الصلاة للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به أو نحو ذلك، بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال، كما إذا توقّف حفظ نفسه أو نفس محترمة أو مال يتوقّف عليه حفظ نفسه أو عرضه عليه. و يدلّ عليه صحيح حريز و موثّق سماعة المتقدّمين، هذا إذا توقّف حفظها على قطع الصلاة. و لا يجوز قطعها إذا حصل دفع ما يتخوّف منه بفعل قليل غير ماحٍ للصورة الصلاتية. و قد يستحبّ قطعها لاستدراك الأذان و الإقامة، و مثّل بعض فقهائنا لاستحباب القطع بقطعها لاستدراك الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة. و فيه: أنّه ليس من قبيل قطع الصلاة، بل هو من قبيل العدول من سورة شرعها إلى سورة الجمعة و المنافقين. و قد يكره القطع، كما في إحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته. و قد يباح، كما في دفع الضرر المالي الذي لا يضرّه تلفه. و لا يبعد في الأخير أن يكون مكروهاً. و لو عصى فيما وجب له قطع الصلاة و لم يقطع و استمرّ بها صحّت؛ لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ، و لكون النهي عنه عرضياً ليس ناشئاً عن مفسدة في متعلّقه. بقي الكلام في جواز قطع النافلة اختياراً و عدمه، مقتضى إطلاق كلام جماعة من فقهائنا بل أكثرهم- كما في «الرياض»- هو عدم الجواز؛ ففي «الشرائع»: لا يجوز قطع الصلاة اختياراً (شرائع الإسلام 1: 82.). و التحقيق: أنّه إن كان الدليل على حرمة القطع هي الآية و الأخبار المذكورتين فلا تبعد دعوى إطلاقهما، و إن كان الدليل هو الإجماع فالمتّجه الاقتصار على المتيقّن. و يمكن حمل المطلقات على خصوص الصلاة الواجبة. و في «الجواهر»: كما أنّه يمكن دعوى انسياق اليومية (جواهر الكلام 11: 126.). و يشهد على هذا الحمل تقييد الصلاة بالفريضة في صحيح حريز و موثّق سماعة المتقدّمين. و صاحب «الرياض» بعد نسبة القول بالاختصاص بالفريضة إلى العلّامة و الشهيد الثاني و غيرهما قال: لمفهوم بعض الصحاح المتقدّمة؛ و خصوصاً ما مرّ من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة، و هو غير بعيد؛ لاعتبار هذه الأدلّة؛ فتصلح أن تكون للإطلاقات مقيّدة، نعم يكره لشبهة الخلاف الناشئ عن الإطلاق (رياض المسائل 3: 518.)، انتهى.

ص: 91

ص: 92

ص: 93

ص: 94

ص: 95

ص: 96

ص: 97

القول في صلاة الآيات

(مسألة 1): سبب هذه الصلاة كسوف الشمس و خسوف القمر و لو بعضهما،

و الزلزلة و كلّ آية مخوّفة عند غالب الناس؛ سماويّة كانت، كالريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء غير المعتادة، و الظلمة الشديدة و الصيحة و الهدّة، و النار التي قد تظهر في السماء، و غير ذلك، أو أرضيّة- على الأحوط فيها- كالخسف و نحوه، و لا عبرة بغير المخوّف و لا بخوف النادر من الناس.

نعم لا يعتبر الخوف في الكسوفين و الزلزلة، فيجب الصلاة فيها مطلقاً (1).


1- وجوب صلاة الآيات إجماعي، بل من الضروريات. و سببية كسوف الشمس و خسوف القمر لوجوب صلاة الآيات إجماعي. و يدلّ عليه الأخبار، و قد قام الإجماع على سببية بعضهما له، و هو مقتضى إطلاق الأخبار. و كذا قام الإجماع على سببية الزلزلة لوجوبها و إن لم يحصل بها خوف. و يدلّ عليه خبر سليمان الديلمي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزلزلة ما هي؟ فقال: «آية»، ثمّ ذكر سببها ... إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: «صلّ صلاة الكسوف»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف، الباب 2، الحديث 3.) ، و ضعفه منجبر بعمل الأصحاب. و يظهر من بعض الأخبار الفزع إلى المساجد عند الزلزلة، و هو أعمّ من الصلاة، و ليس واجباً بل هو مندوب كما في خبر محمّد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «إنّ الزلازل و الكسوفين و الرياح الهائلة من علامات الساعة؛ فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكّروا قيام الساعة و أفزعوا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) و يمكن أن يقال: المراد من الفزع إلى المساجد الصلاة، و يشهده ما رواه المفيد رحمه الله في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد، و لكنّهما آيتان من آيات اللَّه؛ فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) و أمّا سببية الآيات المخوّفة السماوية، فيدلّ عليها التعليل في صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات اللَّه، لا يدرى أ لرحمةٍ ظهرت أم لعذابٍ، فأحبّ النبي صلى الله عليه و آله أن تفزع امّته إلى خالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرّها و يقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس عليه السلام حين تضرّعوا إلى اللَّه عزّ و جلّ»(وسائل الشيعة 7: 483، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 1، الحديث 3.) وجه الدلالة: أنّ عموم التعليل: «لأنّه من آيات اللَّه» يشمل كلّ آية. و يستفاد من سياق الرواية كون الآية مخوّفة؛ إذ من المعلوم أنّ فزع الامّة إلى خالقها و راحمها لصَرف الشرّ عنهم و حفظهم عن المكروه لا يكون إلّا في موارد الخوف. و يمكن أن يستدلّ أيضاً بصحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح و الظلَم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح بريد بن معاوية و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت و احتسب بما مضى»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.) و رواية المفيد في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام المتقدّمة. و ما رواه في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «يصلّى في الرجفة و الزلزلة و الريح العظيمة و الآية تحدث و ما كان مثل ذلك، كما يصلّى في صلاة الكسوف للشمس و القمر سواء»(دعائم الإسلام 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 165، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 2.) و يظهر من بعض فقهائنا استحباب صلاة الآيات في غير الكسوفين و الزلزلة من أخاويف السماء. و المحقّق في «الشرائع» بعد ذكر الكسوفين و الزلزلة، قال: و هل تجب لما عدا ذلك؛ من ريح مظلمة و غيرها من أخاويف السماء؟ قيل: نعم و هو المروي، و قيل: لا بل يستحبّ، و قيل: تجب للريح المخوّفة و الظلمة الشديدة حسب(شرائع الإسلام 1: 92.) ، انتهى. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد تقوية القول بالتعميم و نسبته إلى المشهور و نقل إجماع «الخلاف» عليه، قال: بل مقتضى كثير من الفتاوى و ما سمعته من الأدلّة عدم الفرق بين أخاويف السماء و غيرها كالخسف و نحوه(جواهر الكلام 11: 407.) و أمّا سببية الآيات الأرضية كالخسف و نحوه فيمكن استفادتها من عموم التعليل في صحيحة الفضل بن شاذان و خبر عمارة و غيرهما من الروايات المتقدّمة، حيث إنّ مدار الصلاة على حدوث آية من آيات اللَّه الموجبة للخوف و الرعب لا مطلق الآية؛ ضرورة عدم وجوب الصلاة في غير المخوّفة من الآيات. و العلّامة الطباطبائي في «منظومته» بعد التمثيل على المخوّف بعاصف من الرياح و ظلمة شديدة و صاعقة و صيحة و هدّة و نار تظهر في السماء أو اوار، قال: و نحو ذاك من أخاويف السماءكما من النصّ الصحيح علما و ما يعدّ آية في العرف منها و لو في الأرض مثل الخسف و مقتضى العموم في الروايةفرض الصلاة عند كلّ آية(الدرّة النجفية: 175.) و قال «شارح المنظومة» في تقريب ما ذكره الناظم: أنّ تعليل وجوب صلاة الكسوف بكونه من الآيات صريح أو كالصريح في أنّ المقتضى للوجوب الآيية حيثما وجدت، و العلّة المنصوصة حجّة، انتهى. و استشكل صاحب «الجواهر» رحمه الله على الناظم بقوله: لم أعرف القائل بالثاني و إن حكاه في «المفاتيح» أيضاً(جواهر الكلام 11: 407.) ، انتهى. مراده من الثاني ما يعدّ آية في العرف. ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار اشتراط الخوف في الآية الموجبة لصلاة الآيات في غير الكسوفين و الزلزلة؛ فلا عبرة بغير المخوّف من الآيات، و مقتضى الأصل عدم الوجوب. و أمّا الكسوفان و الزلزلة فهي موجبة للصلاة و إن لم يحصل منها خوف؛ و ذلك للإطلاق في النصوص و معاقد الإجماع. و المراد من الخوف خوف غالب الناس، و لا اعتبار بخوف النادر؛ لانصراف الإطلاقات إلى ما لا يشمل النادر.

ص: 98

ص: 99

ص: 100

ص: 101

(مسألة 2): الظاهر أنّ المدار في كسوف النيّرين صدق اسمه؛

و إن لم يستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض و القمر، فيكفي انكسافهما ببعض الكواكب الاخر أو بسبب آخر. نعم لو كان قليلًا جدّاً؛ بحيث لا يظهر للحواسّ المتعارفة؛ و إن أدركه بعض الحواسّ الخارقة، أو يدرك بواسطة بعض الآلات المصنوعة، فالظاهر عدم الاعتبار به و إن كان مستنداً إلى أحد سببيه المتعارفين، و كذا لا اعتبار به لو كان سريع الزوال، كمرور بعض الأحجار الجوّية عن مقابلهما؛ بحيث ينطمس نورهما عن البصر و زال بسرعة (1).


1- اختلف فقهاؤنا في أنّ الموجب للصلاة هل هو خصوص كسوف النيّرين، أو يعمّ كسف بعض الكواكب بعضاً؟ و في أنّ المراد من كسوف النيّرين كسوفهما المستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض و القمر أو مطلقاً؛ أي و لو كان ببعض الكواكب الاخر، أو بسبب آخر؟ قال العلّامة في «التذكرة»: هل تجب هذه الصلاة في كسف بعض الكواكب بعضاً أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب، كما قال بعضهم: إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ من عدم التنصيص و خفائه؛ إذ الحسّ لا يدلّ عليه و إنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم، و من كونه آية مخوفة فيشارك النيّرين في الحكم، و الأوّل أقوى(تذكرة الفقهاء 4: 195.) ، انتهى. و في «الجواهر»: فالمدار في الوجوب تحقّق المصداق المزبور- أي مصداق الكسوف- من غير مدخلية لسببه من حيلولة الأرض أو بعض الكواكب أو غيرها؛ لإطلاق النصوص و الفتاوى، و عدم مدخلية شي ء من ذلك في المفهوم لغةً و عرفاً و شرعاً. نعم قد يتوقّف في غير المنساق منه عرفاً كانكساف الشمس ببعض الكواكب الذي لم يظهر إلّا لبعض الناس؛ لضعف الانطماس فيه؛ فالاصول حينئذٍ بحالها. فما في «كشف اللثام» من أنّه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما و إن كان لحيلولة بعض الكواكب، جيّد إن كان الحاصل و المتعارف ممّا يتحقّق به صدق اسم الانكساف عرفاً(جواهر الكلام 11: 401.) ، انتهى كلام «الجواهر». و المختار عندنا- وفاقاً لجماعة من فقهائنا- إناطة الحكم بكسوف خصوص النيّرين اللذين ورد بهما النصّ مطلقاً- أي و لو كان سببه غير حيلولة الأرض و القمر من بعض الكواكب أو سبب آخر- فلا اعتبار بكسوف غير النيّرين من الكواكب إلّا أن يكون آية مخوّفة. و لو كان انكساف النيّرين قليلًا جدّاً بحيث لا يظهر للحواسّ المتعارفة و إن أدركه بعض الحواسّ الخارقة أو يدرك ببعض الآلات المصنوعة، فالظاهر عدم الاعتبار به و إن كان مستنداً إلى أحد سببيه المتعارفين؛ و ذلك لإناطته في النصّ بالرؤية المحمولة على المتعارفة لمتعارف غالب الناس، كما في مرسل المفيد في «المقنعة» قال: روي عن الصادقين عليهما السلام: «إنّ اللَّه إذا أراد تخويف عباده و تجديد زجره لخلقه كسف الشمس و خسف القمر، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى اللَّه بالصلاة»(المقنعة: 208، وسائل الشيعة 7: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 1، الحديث 5.) و مرسله الآخر عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد، و لكنّهما آيتان من آيات اللَّه؛ فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) . و خبر عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «إنّ الزلازل و الكسوفين و الرياح الهائلة من علامات الساعة؛ فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكّروا قيام الساعة و افزعوا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) و كذا لا اعتبار بانطماس نور النيّرين بسبب مرور بعض الأحجار الجوّية عن مقابلهما بحيث ينطمس نورهما عن البصر و زال بسرعة؛ و ذلك للشكّ في صدق اسم الكسوف، و مقتضى الأصل البراءة.

ص: 102

ص: 103

ص: 104

(مسألة 3): وقت أداء صلاة الكسوفين من حين الشروع إلى الشروع في الانجلاء،

اشارة

و لا يُترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء، و لو أخّر عنه أتى بها لا بنية الأداء و القضاء بل بنيّة القُربة المطلقة (1).


1- لا خلاف في أنّ ابتداء وقت صلاة الكسوف من حين الشروع في الكسوف، و إنّما الخلاف في انتهائه؛ فقال جماعة من المتقدّمين و أكثر المتأخّرين و متأخّريهم: إنّه حين انتهاء انجلائه. و نسب إلى جلّ السلف أنّه حين الشروع في الانجلاء، و اختاره المصنّف رحمه الله و هو منسوب إلى المشهور، بل في «التذكرة» نسبته إلى علمائنا مشعراً بدعوى الإجماع عليه. و استدلّ للقول الأوّل بأصالة البراءة من وجوب المبادرة قبل الشروع في الانجلاء، و بإطلاق بعض النصوص الدالّ على وجوب الصلاة بالكسوف و فعلها حين الكسوف، كصحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها»(وسائل الشيعة 7: 488، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 2.) ، حيث إنّه يصدق الكسوف ما دام لم يتمّ الانجلاء. و بصحيح الرهط- و هم الفضيل و زرارة و بريد و محمّد بن مسلم- عن كليهما عليهما السلام، و منهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام ... إلى أن قال: قال: «صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها»(وسائل الشيعة 7: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 4.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «إن صلّيت صلاة الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر فتطوّل في صلاتك؛ فإنّ ذلك أفضل»(وسائل الشيعة 7: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 5.) . و صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 8، الحديث 1.) . و ما رواه في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه سئل عن الكسوف و الرجل نائم أو لم يدرِ به أو اشتغل عن الصلاة في وقته، هل عليه أن يقضيها؟ قال: «لا قضاء في ذلك، و إنّما الصلاة في وقته؛ فإذا انجلى لم تكن صلاة»(دعائم الإسلام 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 174، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الآيات، الباب 9، الحديث 2.) و استدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله على هذا القول بصحيح محمّد بن مسلم و زرارة قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 1.) و قال رحمه الله: المراد منه- على الظاهر- بيان مشروعية الصلاة من ابتداء حصول الآية حتّى تسكن، نحو قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»(الإسراء( 17): 78.) ؛ للقطع بعدم وجوب التطويل و التكرار؛ فليس الغاية إلّا بالنسبة إلى ذلك. و لو اريد من «حتّى» فيه التعليل كان وجه الدلالة فيه: أنّه إذا كان العلّة فيه السكون فقبل حصوله تشرع الصلاة؛ لوجود علّتها، بل منه ينقدح الاستدلال بالتعليل في النصوص السابقة(جواهر الكلام 11: 410.) و اورد على الاستدلال المذكور: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل في المسألة. و أنّ صحيح جميل لا إطلاق له؛ لعدم وروده في مقام بيان آخر وقت صلاة الكسوف، و إنّما ورد في مقام بيان نفي كراهة صلاة الكسوف عند طلوع الشمس و عند غروبها، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّه على فرض الإطلاق فيه يقيّد بصحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكروا انكساف القمر و ما يلقي الناس من شدّته، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى»(وسائل الشيعة 7: 488، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 3.) و أنّ صحيح الرهط و موثّق عمّار غاية مدلولهما جواز إطالة الصلاة إلى كمال انجلاء كسوفهما و عدم وجوب الفراغ منها قبل الشروع في الانجلاء. و أمّا جواز التأخير في الصلاة إلى حين الشروع في الانجلاء أو ما بعده إلى كمال الانجلاء و وجوب الفعل لو علم به حينئذٍ فلا يدلّان عليه. و أنّ صحيح معاوية بن عمّار و رواية «دعائم الإسلام» يحتمل أن يكون المراد من الانجلاء فيهما هو الشروع فيه تنزيلًا له منزلة الانجلاء التامّ، كما صرّح به في صحيح حمّاد المتقدّم: «إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى». و أمّا استدلال صاحب «الجواهر» رحمه الله على القول الأوّل بصحيح محمّد بن مسلم و زرارة، فيرد عليه أوّلًا: أنّا نسلّم مشروعية الصلاة من ابتداء حصول الآية إلى انتهاء الغاية، و لكن هذا مختصّ بخصوص الآيات السماوية المخوّفة، لا مطلقاً حتّى الكسوفين. و المراد من الصحيح ظاهراً أمران: أحدهما: أنّ صلاة الآيات في أخاويف السماء واجبة و كيفيتها نحو صلاة الكسوف، ثانيهما: أنّ انتهاء وقتها سكون الآيات. و ثانياً: أنّ الكسوف بما أنّه كسوف موجب للصلاة، لا بما أنّه آية مخوّفة كي يستدلّ ببقاء الآية على بقاء وقت صلاتها. و استدلّ للقول الآخر بأنّ الأحوط في كون صلاته أداءً وقوعها إلى حين الشروع في الانجلاء، و بأنّ الغرض من الصلاة عند الكسوف ردّ النور، و هو حاصل بالأخذ في الانجلاء، و بصحيح حمّاد المتقدّم حيث إنّه كما ينقضي الوقت بإتمام الانجلاء كذا ينقضي بانجلاء شي ء من الكسوف. و أورد عليه صاحب «الجواهر»: أنّ الاحتياط المذكور معارض بمثله. و فيه: أنّ الاحتياط المعارض لا وجه له أصلًا، بل مخالف للاحتياط؛ إذ في تأخير الصلاة عن الأخذ في الانجلاء احتمال تأخيرها عمداً عن وقتها في الواقع. و أمّا كون الغرض من الصلاة ردّ النور، فيمكن أن يدّعى أنّها لردّ تمام النور لا مجرّد الأخذ في الانجلاء، كذا في «الجواهر». و يرد على الاستدلال و الجواب: أنّ كلًاّ منهما ادّعاء بلا دليل. و أجاب في «الجواهر» عن الاستدلال بصحيح حمّاد بأنّه لا صراحة، بل و لا ظهور في إرادة تنزيل انجلاء البعض منزلة الكلّ في سقوط الصلاة و عدم مشروعيتها؛ خصوصاً و الذي كان يتذاكرون فيه غير الصلاة من الشدّة، لا السقوط الذي لم يعرف في النصوص ترتّبه على الانجلاء، و أنّه من أحكامه؛ كي ينساق من إطلاق المنزلة شموله(جواهر الكلام 11: 411.) ، انتهى. و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «فإذا انجلى منه شي ء فقد انجلى» صريح في أنّ مجرّد الشروع الانجلاء و صرف وجوده انجلاء و منزّل منزلة كمال الانجلاء في سقوط الصلاة و عدم مشروعيتها أداءً، لا مطلقاً. و تظهر ثمرة القولين في موارد: منها: نية الأداء و القضاء بناءً على وجوبهما في العبادات الموقّتة؛ فبناءً على القول الأوّل تجب نية الأداء بعد الشروع في الانجلاء و قبل تمامه، و على القول الآخر تجب نية القضاء. و منها: أنّه بناءً على القول الأوّل لا يسقط التكليف عمّن علم بالكسوف حال الأخذ في الانجلاء فيما لم يحترق تمام القرص مع التمكّن من إتيان الصلاة بركعتيها، و مع عدم إتيانها في ذلك الوقت وجب عليه القضاء. و على القول الآخر يسقط التكليف عنه أداءً و كذا قضاءً بناءً على عدم وجوب القضاء على الجاهل حتّى يخرج الوقت. و منها: أنّه بناءً على القول الأوّل يثبت التكليف بالصلاة فيما وسع الوقت من حين الكسوف إلى تمام الانجلاء و إن لم يسع إلى حين الأخذ في الانجلاء، و على القول الآخر يسقط التكليف عنه؛ لامتناع التكليف بفعل في وقت يقصر عنه. و المختار عندنا: أنّ المتيقّن من آخر وقتها أداءً هو الأخذ في الانجلاء؛ لصدق الانجلاء بمجرّد الأخذ فيه و إن لم يتمّ، و هو الأحوط. و نسبه جماعة إلى المشهور عند القدماء، و لا يترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء؛ لما ذكر. و لو أخّر عنه أتى بها قبل تمام الانجلاء بقصد القربة المطلقة، لا بنية الأداء لانقضاء وقته بالأخذ في الانجلاء، و لا القضاء لاحتمال أن يكون آخر وقتها تمام الانجلاء على ما هو المشهور عند المتأخّرين و متأخّريهم. الأوّل: أنّه اختلف فقهاؤنا في وجوب صلاة الآيات في الكسوف الذي لم يتّسع وقته للصلاة المقتصر فيها على أقلّ الواجب؛ فقال جماعة- منهم المحدّث البحراني- بالوجوب. ففي «الحدائق» بعد أن احتمل كون الكسوفين و سائر الآيات من قبيل السبب كالزلزلة فتكون الصلاة حينئذٍ واجبة و إن قصر الوقت، قال: و بالجملة فالظاهر هو الرجوع إلى ما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام من هذا المكان و غيره من الأحكام. و لعلّ ظاهر الأخبار- حيث وردت بوجوب الصلاة بالكسوف على الإطلاق، من غير تقييد بقصر المدّة و طولها- مشعر بكون الكسوف سبباً للإيجاب لا وقتاً، و غيره بالطريق الأولى؛ لا سيّما مع اشتراكها معه في إطلاق أخبارها أيضاً. و من تأمّل في مضامين الأخبار التي قدّمناها لا يخفى عليه قوّة ما ذكرناه، مثل قولهما عليهما السلام في صحيحة محمّد بن مسلم و بريد: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ...»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.) الحديث، و نحوها غيرها ممّا علّق فيه وجوب الصلاة على مجرّد حصول تلك الآية، من غير تقييد فيها بقصر و لا طول(الحدائق الناضرة 10: 309.) ، انتهى. و يمكن أن يستدلّ أيضاً بفقرة من صحيح زرارة و محمّد بن مسلم الوارد في كيفية صلاة الآيات؛ و هي قوله عليه السلام: «و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد (فأعد) و ادع اللَّه حتّى ينجلي، فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) و أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: قد لا يتناول محلّ الفرض الذي حصل فيه الانجلاء أو الأخذ فيه- على القولين- قبل حصول مسمّى الركعة مع الاقتصار على أقلّ المجزي، لا مورد الخبر المزبور المشتمل على جملة من المندوبات كالقنوت و تطويله و نحوهما المنبئ عن سعة الوقت واقعاً لتمام الفعل واقعاً، فضلًا عن الركعة؛ فالمراد حينئذٍ: أنّه لو فعل ذلك معتمداً على الاستصحاب- مثلًا- فانجلى قبل الفراغ أتمّ ما بقي؛ لحصول التكليف الجامع للشرائط- التي منها سعة الوقت واقعاً لأقلّ الواجب(جواهر الكلام 11: 412.) - انتهى. و قال جماعة بعدم الوجوب، كالمحقّق في «الشرائع» و صاحب «المدارك» و صاحب «الجواهر» و غيرهم، و هذا القول هو المختار؛ لما ذكروه من القاعدة المسلّمة؛ و هي امتناع تكليف الحكيم بفعل في وقت يقصر عنه؛ ضرورة كونه من التكليف بالمحال. قال في «المدارك»: وقت الكسوف إذا لم يتّسع لأخفّ الصلاة لم تجب؛ لاستحالة التكليف بعبادة موقّتة في وقت لا يسعها، و مقتضى ذلك أنّ المكلّف لو اتّفق شروعه في الصلاة في ابتداء الوقت و تبيّن ضيقه عنها وجب القطع؛ لانكشاف عدم الوجوب(مدارك الأحكام 4: 130.) ، انتهى. و قال في «الجواهر» مزجاً بالمتن: فإن لم يتّسع الوقت للصلاة المقتصر فيها على أقلّ الواجب لم تجب، بلا خلاف أجده فيه بين من تأخّر عنه، إلّا ممّن ستسمعه- و هو صاحب «الحدائق»- للقاعدة السابقة(جواهر الكلام 11: 412.) الثاني: لو وسع وقت الكسوف بمقدار ركعة فهل تجب صلاة الآيات أو لا؟ قال جماعة بالوجوب تنزيلًا لإدراك ركعة من الوقت منزلة إدراك الوقت. قال العلّامة في «المنتهى»: الخامس- لو تضيّق وقت الكسوف حتّى لا يدرك ركعة لم يجب، و لو أدركها فالوجه الوجوب؛ لأنّ إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصلاة(منتهى المطلب 1: 354/ السطر 12.) و قال الأكثر بعدم الوجوب، و هو المختار عندنا؛ للقاعدة السابقة. و أمّا النبوي المشهور: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) و كذا القاعدة المعروفة في الكتب الفقهية من أنّ «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» فموردهما خصوص اليومية فلا يشملان غيرها. و على سبيل التسليم و شمولهما غير اليومية فموردهما الواجب الموسّع، و هو المتبادر من عبارة «من أدرك من الوقت». فإدراك ركعة من الوقت لا يصدق إلّا مع سعة الوقت؛ فيشملان صلاة الكسوف فيما كان وقتها موسّعاً و لكن المكلّف أخّرها بسوء الاختيار أو لعذر إلى أن لم يدرك منه إلّا ركعة، و يجب إتمامها أداءً. و عليه يحمل صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي» ، بخلاف ما كان وقته بمقدار ركعة.

ص: 105

ص: 106

ص: 107

ص: 108

ص: 109

هنا فرعان:

ص: 110

ص: 111

ص: 112

و أمّا في الزلزلة و نحوها- ممّا لا تسع وقتها للصلاة غالباً كالهدّة و الصيحة- فهي من ذوات الأسباب لا الأوقات، فتجب حال الآية، فإن عصى فبعدها طول العمر، و الكلّ أداء (1).


1- اختلف فقهاؤنا في غير الزلزلة من الرياح و الأخاويف في أنّها واجبات موقّتة أو أنّها أسباب: المشهور بين القائلين بالوجوب أنّها واجبات موقّتة كالكسوفين فيمتنع تعلّق التكليف بها عند قصور وقتها عن وقت إتيان الركعتين، و إليه ذهب المحقّق في «الشرائع». و عن العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الدروس» و كثير من متأخّري المتأخّرين: أنّها من قبيل الأسباب، و نسب هذا القول إلى أكثر القدماء و أكثر المتأخّرين. و عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام» القول بالتفصيل بين ما يقصر زمانه غالباً عن مقدار الصلاة و بين ما لا يقصر غالباً؛ فجعل الأوّل من قبيل الأسباب و الثاني كالكسوفين من قبيل الواجبات الموقّتة. الظاهر من الأخبار و إن كان اختصاص وجوب الصلاة بحال وجود الآية فتكون من الواجبات الموقّتة، كما في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 1.) ؛ سواء اريد بقوله عليه السلام: «حتّى يسكن» التوقيت أو التعليل، حيث إنّه بناءً على إرادة التوقيت يكون صريحاً فيه، و كذا لو اريد منه التعليل؛ لأنّ انتفاء العلّة يقتضي انتفاء المعلول؛ ضرورة سقوط مطلوبية الفعل بحصول غايته التي علّل بها. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الغاية في الصحيح «حتّى يسكن» من قبيل حكمة التشريع لصلاة الآيات في الأخاويف السماوية لا أنّها علّة غائية؛ للإجماع على ثبوت مشروعية الصلاة مع العلم بعدم السكون أو مع العلم بالسكون و لو لم يصلّ بعد. و ليست هي من قبيل القيد للمادّة؛ للإجماع على عدم وجوب الاستمرار في الصلاة بنحو الإطالة أو التكرار إلى أن يحصل السكون، و لا من قبيل القيد للهيئة؛ للإجماع على سقوط التكليف بالامتثال قبل السكون. و في «المستمسك»: و حمله على أنّه قيد للوقت المقدّر للوجوب أو الصلاة- يعني يجب عليك في وقت محدود بالسكون أن تصلّي، أو يجب عليك أن تصلّي في وقت محدودٍ بالسكون- خلاف الظاهر(مستمسك العروة الوثقى 7: 11.) ، انتهى. و بالجملة: بناءً على الاحتمالات المذكورة في قوله «حتّى يسكن» يكون الصحيح مجملًا غير قابل للتمسّك به في إثبات التوقيت في الآيات المخوّفة؛ فتكون هي من قبيل الأسباب كالزلزلة و الصيحة و الهدّة. نعم تجب المبادرة إلى الإتيان بها بمجرّد حصولها، و نسبه في «الذكرى» إلى الأصحاب(ذكرى الشيعة 4: 204.) في خصوص الزلزلة. و يمكن استفادته من بعض النصوص، كصحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام المتقدّم الصريح في الفزع إلى خالق الآيات و راحمها عند ذلك بالصلاة(وسائل الشيعة 7: 483، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 1، الحديث 3.) و رواية سليمان الديلمي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزلزلة ما هي؟ فقال: «آية» ثمّ ذكر سببها ... إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: «صلّ صلاة الكسوف»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 3.) و في «المستمسك»: فإنّ الظاهر من قوله فيه «فما أصنع» يعني في تلك الساعة لا مدّة العمر(مستمسك العروة الوثقى 7: 11.) ، انتهى. و رواية عمارة عن أبيه عن الصادق عليهما السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) ، حيث إنّ الفزع إلى المساجد علّق على رؤية شي ء من الآيات و حين حصولها لا مدّة العمر. و صحيح بريد و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.) ، حيث إنّه لو لا وجوب المبادرة إلى فعل صلاة الآيات لم يكن وجه لتقديمها على الفريضة مع سعة وقت الفريضة. و كذا تجب المبادرة في الكسوفين لبعض ما ذكر من النصوص، كصحيح بريد و محمّد بن مسلم. و مرسل الصدوق رحمه الله قال: قال النبي صلى الله عليه و آله: «إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللَّه يجريان بتقديره و ينتهيان إلى أمره، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد، فإن انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 2.) و رواية المفيد رحمه الله في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد و لكنّهما آيتان من آيات اللَّه، فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) و مكاتبة علي بن الفضل الواسطي قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام: إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، قال: فكتب إليّ: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه»(وسائل الشيعة 7: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 11، الحديث 1.) ، حيث إنّه لو لم تجب المبادرة لما جازت صلاتها على الراحلة- لفوات بعض الواجبات فيها- بل أمر بإتيانها بعد التمكّن من النزول عن دابّته و ما دام العمر. ثمّ إنّه على تقدير وجوب المبادرة إلى الصلاة عند حصول الآيات لو أخّر عصى و وجب بعده إلى آخر العمر؛ و ذلك لاستصحاب الوجوب و الإجماع على عدم سقوطها بالعصيان. و أمّا كونه أداءً مهما أتى بها ما دام العمر فلكون صلاتها غير موقّتة و القضاء مترتّب على فوتها في الوقت؛ فلا وقت لها و لا قضاء.

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

(مسألة 4): يختصّ الوجوب بمن في بلد الآية، فلا تجب على غيرهم.

نعم يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد (1).


1- لعلّ وجه اختصاص وجوب صلاة الآيات بمن في بلد الآية هو إناطة الحكم بالرؤية في خبر عمارة المتقدّم: «فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكّروا قيام الساعة و افزعوا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) و مرسل المفيد في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام: «فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) و وجه القوّة في إلحاق المكان المتّصل ببلد الآية هو عدّهما معاً كالمكان الواحد عرفاً.

ص: 117

(مسألة 5): تثبت الآية- و كذا وقتها و مقدار مكثها- بالعلم و شهادة العدلين،

بل و بالعدل الواحد على الأحوط، و بإخبار الرصديّ الذي يُطمأنّ بصدقه- أيضاً- على الأحوط لو لم يكن الأقوى (1).

(مسألة 6): تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف،

و الأقوى سقوطها عن الحائض و النُّفَساء، فلا قضاء عليهما في الموقّتة، و لا يجب أداء غيرها. هذا في الحيض و النفاس المستوعبين، و أمّا غيره ففيه تفصيل، و الاحتياط حسن (2).


1- لا خلاف و لا إشكال في ثبوت الآية و وقتها و مقدار مكثها بالعلم و شهادة العدلين. و في ثبوتها بشهادة العدل الواحد مطلقاً و لو لم يطمئنّ بصدقه إشكال، نعم تثبت بشهادته و بإخبار الرصدي مع الاطمئنان بصدقهما على الأحوط بل الأقوى؛ لحجّية شهادة أهل الخبرة و خبرٍ يطمئنّ بصدق مخبره عند العقلاء.
2- لا خلاف و لا إشكال في وجوب صلاة الآيات على كلّ مكلّف؛ من رجل أو امرأة، حرّ أو عبد، حاضر أو مسافر، سالم أو مريض، أعمى أو مبصر. فليست هذه الصلاة كالجمعة و العيدين المشروط وجوبها بالذكورة و الحرّية و الحضر و السلامة من العمى و المرض و عدم كونه شيخاً كبيراً. و يدلّ على وجوبها على النساء خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن النساء هل على من عرف منهنّ صلاة النافلة و صلاة الليل و الزوال و الكسوف ما على الرجال؟ قال: «نعم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 3، الحديث 1.) و الأقوى سقوطها عن الحائض و النفساء كاليومية، هذا في الموقّتة كالكسوفين، حيث إنّ الحيض و النفاس الحادثين في وقت حصول الكسوف مانعان من تعلّق التكليف في ذلك الوقت؛ فلا تكليف بالأداء أصلًا، و القضاء تابع. هذا في الحيض و النفاس المستوعبين لتمام الوقت. و أمّا غير المستوعبين ففيه تفصيل بين من أدركت مقدار الصلاة أو ركعة منها- على القولين في مسألة وجوبها فيما كان الكسوف بمقدار إدراك ركعة- في الوقت فتجب، و بين غيرها فلا تجب. و أمّا غير الموقّتة فلا تجب عليهما أداؤها؛ لوجود المانع عن توجّه التكليف إليهما حين تحقّق أسبابها. و العلّامة الطباطبائي قال بوجوبها عليهما في غير الموقّتة، قال: أمّا التي تمتدّ طول العمرفإنّها تلزم بعد الطهر(الدرّة النجفية: 181.) و علّله «شارح المنظومة» بقوله: إذ هو قضية إطلاق السببية؛ فيجب الإتيان بالمسبّب بعد رفع المانع. و ناقش فيه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: و فيه- مضافاً إلى ما عرفت سابقاً من المراد بالتوقيت طول العمر- أنّه يمكن منع التسبيب في مثلهما أيضاً بعد أن جعل الشارع الحيض و النفاس مانعاً من التكليف بالصلاة، فهما حينئذٍ كالجنون و عدم البلوغ و نحوهما في ذلك. و الفرق بينهما بقابلية الحائض للخطاب بالفعل و لو فيما بعد الحيض، بخلاف الجنون و نحوه- بل ليس الحيض و نحوه إلّا من موانع صحّة الفعل في ذلك الحال لا أصل التكليف- غير مجدٍ بعد أن استظهرنا من الأدلّة كون التسبيب على الكيفية المزبورة، فتأمّل(جواهر الكلام 11: 472.) ، انتهى. و أمّا وجه الاحتياط بقضاء صلاة الآيات بعد الطهر و الطهارة، فقد ذكره السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بقوله: لعدم العموم فيما دلّ على أنّهما لا تقضيان لهما؛ لانصرافه إلى اليومية؛ لكونها الشائعة. مضافاً إلى الإشكال في ثبوت التوقيت في هذه الصلاة الموجب للإشكال في صدق القضاء المنفي في النصوص عن الحائض(مستمسك العروة الوثقى 7: 42.) ، انتهى موضع الحاجة.

ص: 118

ص: 119

(مسألة 7): من لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء، و لم يحترق جميع القرص، لم يجب عليه القضاء.

أمّا إذا علم به و تركها و لو نسياناً، أو احترق جميع القرص، وجب القضاء. و أمّا في سائر الآيات فمع التأخير متعمّداً أو لنسيان يجب الإتيان بها ما دام العمر، و لو لم يعلم بها حتّى مضى الزمان المتّصل بالآية، فالأحوط الإتيان بها؛ و إن لا يخلو عدم الوجوب من قوّة (1).


1- من لم يعلم بالكسوف حتّى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء أو الأخذ فيه- على القولين- و لم يحترق جميع القرص ثمّ علم به لم يجب عليه القضاء. و خالف فيه جماعة منهم المفيد رحمه الله قال في «المقنعة»: إنّه إذا احترق قرص القمر كلّه و لم يكن علمت به حتّى أصبحت صلّيت صلاة الكسوف له جماعة، و إن احترق بعضه و لم تعلم بذلك حتّى أصبحت صلّيت القضاء فرادى(المقنعة: 211.) و عن علي بن بابويه أنّه قال: و إذا انكسف الشمس أو القمر و لم تعلم فعليك أن تصلّيها إذا علمت به، و إن تركتها متعمّداً حتّى تصبح فاغتسل و صلّها، و إن لم يحترق القرص كلّه فاقضها و لا تغتسل(انظر مختلف الشيعة 2: 292.) و عن أبي علي: أنّ قضاءه إذا احترق القرص كلّه ألزم منه إذا احترق بعضه(نفس المصدر.) و حكي في «المختلف» و «الذكرى» عن «المقنع» أنّه قال: و إذا انكسف الشمس و القمر و لم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت، و إن احترق القرص كلّه فصلّها بغسل، و إن احترق بعضها فصلّها بغير غسل(المقنع: 144.) و يظهر من بعض الفقهاء وجوب القضاء على التقديرين؛ فعن «الانتصار»: ممّا انفردت به الإمامية القول بوجوب صلاة الكسوف و الخسوف، و يذهبون إلى أنّ من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها(الانتصار: 173.) و لا يخفى: أنّ القول بعدم وجوب القضاء مشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و لا يعتنى بخلاف من ذكر. و لو احترق بعض القرص و علم به و تركها و لو نسياناً أو احترق جميع القرص وجب القضاء. و الدليل على وجوب القضاء في الفرض المزبور، و على عدم وجوبه مع عدم احتراق جميعه و عدم علمه حين الكسوف إلى الانجلاء، هو صحيح الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: «إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، و إن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه»(وسائل الشيعة 7: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 1.) . و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 2.) . و ذيل ما رواه الكليني في رواية اخرى: «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 3.) . و خبر حريز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتّى أصبحت ثمّ بلغك فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 4.) و ما دلّ من الأخبار على نفي القضاء مطلقاً يقيّد بالأخبار المذكورة و يحمل على ما لم يحترق كلّه، كموثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «انكسفت الشمس و أنا في الحمّام، فعلمتُ بعد ما خرجت فلم أقض»(وسائل الشيعة 7: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 8.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ثمّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، و إن أعلمك أحدٌ و أنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها»(وسائل الشيعة 7: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 10.) و كذا ما دلّ من الأخبار على وجوب القضاء مطلقاً يقيّد بها و يحمل على ما احترق جميع القرص، كرواية أبي بصير قال: سألته عن صلاة الكسوف، قال: «عشر ركعات و أربع سجدات ...» إلى أن قال: «فإذا غفلها أو كان نائماً فليقضها»(وسائل الشيعة 7: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 6.) ثمّ إنّه يجب القضاء على من علم بالكسوف و تركها نسياناً. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- صدر مرسل الكليني المتقدّم: «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء». و كذا يجب على من علم به و تركها عمداً. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- مرسل حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 5.) . و ذيل موثّق عمّار المتقدّم: «و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها». هذا كلّه في الكسوفين. و أمّا في غيرهما من الآيات: فلو علم به و تركها عمداً أو نسياناً وجب الإتيان بها ما دام العمر، و هو المشهور شهرة عظيمة، بل المحكي عن «المنتهى» الإجماع عليه، و هو مقتضى الاستصحاب. و لو لم يعلم به حين وقوعه حتّى مضى الزمان المتّصل به ثمّ علم به فالمشهور عدم الوجوب، و حكي عن غير واحد عدم وجود المخالف فيه. نعم حكي عن «الذخيرة» نفي البُعد عن الوجوب، و عن الوحيد البهبهاني الجزم به، و قال الشهيد في «الروضة»: و لو قيل بالوجوب مطلقاً- أي علم به أو لم يعلم- في غير الكسوفين و فيهما مع الاستيعاب كان قوياً؛ عملًا بالنصّ في الكسوفين و بالعمومات في غيرهما. و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» علّل عدم الوجوب بقوله: و كأنّه لفحوى سقوطه في الكسوفين اللذين هما أقوى في الوجوب قطعاً. و استشكل عليه باستصحاب وجوب القضاء عن جماعة و قال: البناء على الوجوب أنسب بالقواعد، و إن صعب على النفس الركون إليه اتّكالًا على ما ذكر في الكسوفين(مستمسك العروة الوثقى 7: 29.) ، انتهى ملخّصاً. و فيه: أنّ الركن الأوّل في الاستصحاب غير محقّق؛ لعدم اليقين بوجوبه حال عدم العلم بوقوع الآية حتّى يستصحب في حال الشكّ.

ص: 120

ص: 121

ص: 122

ص: 123

ص: 124

(مسألة 8): لو أخبر جماعة غير عدول بالكسوف، و لم يحصل له العلم بصدقهم،

و بعد مُضيّ الوقت تبيّن صدقهم، فالظاهر إلحاقه بالجهل، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص. و كذا لو أخبر شاهدان و لم يعلم عدالتهما ثمّ ثبتت عدالتهما بعد الوقت. لكن الأحوط القضاء خصوصاً في الصورة الثانية، بل لا يُترك فيها (1).


1- لا يخفى: أنّ وجوب صلاة الكسوف منوط بالعلم بالكسوف، و قد صرّح به في بعض الأخبار: كما في صحيح الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم المتقدّم: «أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟». و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء». و رواية الكليني المتقدّمة: «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه». و موثّق عمّار المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ثمّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها». فالمناط في وجوب القضاء هو حصول العلم به و البيّنة و خبر العادل، بل خبر الثقة تقوم مقام العلم؛ فلا يجب القضاء فيما أخبر جماعة غير عدول بالكسوف مع عدم العلم بصدقهم حين الكسوف و إن تبيّن صدقهم بعد مضيّ الوقت؛ و حينئذٍ فإخبارهم لاحق بالجهل في عدم وجوب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص. و كذا لا يجب القضاء فيما لو أخبر به شاهدان و لم يعلم عدالتهما حين الشهادة بالكسوف مع عدم حصول الوثوق به- و لو من إخبار أحدهما- ثمّ ثبت عدالتهما. و علّله في «المستمسك» بقوله: فإنّ الظاهر من دليل الحجّية اختصاصها بالبيّنة الواصلة، لا مطلق الوجود الواقعي(مستمسك العروة الوثقى 7: 44.) ، انتهى. ففي الحقيقة لم تقم حجّة شرعية على الكسوف و لم يتوجّه عليه تكليف بالأداء؛ فلا قضاء عليه. و الأحوط استحباباً القضاء في الصورتين.

ص: 125

(مسألة 9): صلاة الآيات ركعتان في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات،

اشارة

فيكون المجموع عشرة. و تفصيله: بأن يُحرم مع النية كما في الفريضة، ثمّ يقرأ الفاتحة و سورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يقرأ الحمد و سورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ، و هكذا حتّى يُتمّ خمساً على هذا الترتيب، ثمّ يسجد سجدتين بعد رفع رأسه من الركوع الخامس، ثمّ يقوم و يفعل ثانياً كما فعل أوّلًا، ثمّ يتشهّد و يسلّم، و لا فرق في السورة بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة (1).


1- و يدلّ على التفصيل المذكور في المتن صحيح الرهط- و هم الفضيل و زرارة و بريد و محمّد بن مسلم- عن كليهما عليهما السلام، و منهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام: «إنّ صلاة كسوف الشمس و القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات و أربع سجدات، صلّاها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها». و رووا: «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء، و أشدّها و أطولها كسوف الشمس، تبدأ فتكبّر بافتتاح الصلاة، ثمّ تقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الثانية ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الثالثة ثمّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الرابعة ثمّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللَّه لمن حمده ثمّ تخرّ ساجداً فتسجد سجدتين، ثمّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الاولى ...»(وسائل الشيعة 7: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 1.) الحديث. و يستفاد من هذا الحديث و نحوه من الأحاديث: أنّه متى أتمّ السورة وجب قراءة الحمد قبلها، و هذا هو المشهور شهرة عظيمة. و حكي عن ابن إدريس القول باستحباب قراءة الحمد فيما أتمّ السورة جمعاً بين الأخبار الدالّة على قراءة الحمد و بين ما يظهر منه عدم وجوب قراءة الحمد، كما في رواية ابن سنان المروية في «الذكرى» عن الصادق عليه السلام قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فصلّى ركعتين، قام في الاولى فقرأ سورة ثمّ ركع فأطال الركوع، ثمّ رفع رأسه فقرأ سورة ثمّ ركع فأطال الركوع، ثمّ رفع رأسه فقرأ سورة ثمّ ركع فأطال الركوع، ثمّ رفع رأسه فقرأ سورة ثمّ ركع، فعل ذلك خمس ركعات قبل أن يسجد ثمّ سجد سجدتين، ثمّ قام في الثانية ففعل مثل ذلك؛ فكان له عشر ركعات و أربع سجدات»(ذكرى الشيعة 4: 209.) و الجواب: أنّ هذه الرواية- مع قطع النظر عن سندها- مطروحة؛ لمخالفته الشهرة بل الإجماع. و أجاب في «الذكرى» بأنّ تلك الروايات- أي الروايات الدالّة على وجوب قراءة الحمد- أكثر و أشهر و عمل الأصحاب بمضمونها؛ فتحمل هذه الرواية على أنّ الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به؛ لتوافق تلك الروايات الاخرى. ثمّ إنّه لا فرق في السورة المقروءة بعد الحمد بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة؛ و ذلك لإطلاق السورة في النصوص. و دعوى: أنّ المستفاد من بعض الروايات تغايرها، كما في ذيل صحيح الرهط المتقدّم: «فإن قرأ خمس سور فمع كلّ سورة امّ الكتاب» ؛ فإنّ التعبير ب «خمس سور» و «كلّ سورة» منصرف إلى سور متغايرة، و هذا كما يقال: أقرأ خمس سور أو كلّ سورة من القرآن؛ فلا يقال لمن قرأ سورة الكوثر- مثلًا- خمس مرّات أنّه قرأ خمس سور، و ذلك واضح. و كذا تستفاد المغايرة من رواية «السرائر» نقلًا من جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: «إذا ختمت سورة و بدأت باخرى فاقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 7: 497، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 13.) ، حيث إنّ توصيف السورة بالاخرى لا يكون إلّا فيما كانت غير الاولى. مدفوعة: بأنّ الظاهر أنّ المراد السورة الكاملة قبل كلّ ركوع بقرينة المقابلة بتبعيضها، و أنّه عليه السلام في صدد بيان كيفية صلاة الآيات و أنّه يجوز قبل كلّ ركوع قراءة سورة كاملة مع الحمد؛ أيّ سورة كانت، و كذا يجوز تفريق سورة كاملة للركوعات الخمسة مع الاكتفاء بحمد واحد. و يشهده صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن صلاة الكسوف كسوف الشمس و القمر، قال: «عشر ركعات و أربع سجدات، يركع خمساً ثمّ يسجد في الخامسة، ثمّ يركع خمساً ثمّ يسجد في العاشرة. و إن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة، فإذا قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف اخرى، و لا تقل: سمع اللَّه لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلّا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 7.)

ص: 126

ص: 127

ص: 128

و يجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة من كلّ ركعة، فيقرأ بعد تكبيرة الإحرام الفاتحة، ثمّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ بعضاً آخر من تلك السورة؛ متّصلًا بما قرأه منها أوّلًا، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ بعضاً آخر منها كذلك، و هكذا إلى الركوع الخامس حتّى يُتمّ سورة ثمّ يركع الخامس ثمّ يسجد، ثمّ يقوم إلى الثانية، و يصنع كما صنع في الركعة الاولى، فيكون في كلّ ركعة الفاتحة مرّة مع سورة تامّة متفرّقة، و يجوز الإتيان في الركعة الثانية بالسورة المأتيّة في الاولى و بغيرها، و لا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة.

ص: 129

كما أنّه في صورة تفريق السورة على الركوعات، لا تشرع الفاتحة إلّا مرّة واحدة في القيام الأوّل، إلّا إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث مثلًا، فإنّه تجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة الفاتحة ثمّ سورة أو بعضها، و هكذا كلّما ركع عن تمام السورة وجبت الفاتحة في القيام منه، بخلاف ما لو ركع عن بعضها، فإنّه يقرأ من حيث قطع، و لا يُعيد الحمد كما عرفت. نعم لو ركع الركوع الخامس عن بعض السورة فسجد ثمّ قام للثانية، فالأقوى وجوب الفاتحة ثمّ القراءة من حيث قطع. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالركوع الخامس عن آخر السورة و افتتاح سورة في الثانية بعد الحمد (1).

هنا ستّ مسائل:
الاولى: أنّه يجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة

1- في كلّ من الركعتين بالكيفية المذكورة في المتن، و كذا يجوز تفريق سورة على بعض الركوعات اثنين أو ثلاثة أو أربعة و قراءة سورة كاملة في الخامسة. و يدلّ عليه- مضافاً إلى نفي الخلاف فيه- ذيل صحيح الرهط المتقدّم قلت: و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها (ففرّقها) بينها؟ قال: «أجزأه امّ القرآن في أوّل مرّة»(وسائل الشيعة 7: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 1.) ، حيث إنّ السائل سأل عن جواز تفريق سورة واحدة بين الركعات و لم يردعه المعصوم عليه السلام عنه. و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) . و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 7.) و لا يجب في صورة التقسيط قراءة خصوص النصف من السورة في ركعة من الركعات- أي الركوعات- لصراحة صحيح الرهط في تقسيم سورة واحدة في الخمس؛ فالمراد بيان جواز التقسيط و عدم وجوب قراءة سورة كاملة. فلا تجب قراءة آية كاملة في واحدٍ من الركعات، بل يجوز قراءة بعض من الآية الواحدة في ركعة من الخمسة و بعضها الآخر في ركعة بعدها؛ و ذلك لإطلاق النصوص الواردة في جواز التفريق. و سيأتي في المسألة السادسة البحث في أنّه بعد أن أكمل السورة إلى الركوع الرابع هل يجوز له الركوع الخامس عن بعض السورة بحيث تجب عليه بعد القيام عن سجدتي الركعة الاولى الفاتحة ثمّ قراءة السورة من حيث قطع، أو لا بل يجب عليه أن يكون الركوع الخامس عن آخر السورة و افتتاح سورة في الركعة الثانية بعد الحمد. وجبت قراءة بعض آخر من تلك السورة متّصلًا بما قرأه منها أوّلًا، و لا يجوز الفصل بين الآيتين المتّصلتين بالثالثة مثلًا. و يدلّ عليه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام: «فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت». و ذلك لإطلاق النصوص، و قد صرّح في صحيح الرهط المتقدّم بجواز أن يصنع في الركعة الثانية مثل ما صنعه في الركعة الاولى: «ثمّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الاولى». و إن زاد عليها فلا بأس. و لا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة، و هو المشهور بين فقهائنا. و في «الحدائق»: ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب وجوب إتمام سورة في الخمس؛ لصيرورتها بمنزلة ركعة فتجب الحمد و سورة(الحدائق الناضرة 10: 333.) ، انتهى. و ما في «كشف اللثام» من النظر في وجوب إتمام السورة في كلّ ركعة الناشي من النظر في وجوب سورة في ركعة كلّ صلاة واجبة، مخالف للمشهور لا يعتنى به. ثمّ إنّه لا بأس بالزيادة على سورة واحدة في كلّ ركعة في صورة توزيع السورة؛ بأن يوزّع السورة على ركوعين أو ثلاثة مثلًا، و يوزّع سورة اخرى على بقية الركوعات مع قراءة الحمد قبل الشروع في السورة الزائدة، كما سيأتي في المسألة السادسة. و في «الجواهر»: و حينئذٍ يجوز له أن يقرأ في الخمس سورة و بعض اخرى مثلًا(جواهر الكلام 11: 442.) ، انتهى. من الركعة في صورة تفريق السورة على الركوعات؛ لصحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت و لا تقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) . و صحيح الحلبي المتقدّم: «و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف اخرى»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 7.) و صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام: «و إن قرأت سورة في الركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتّى تختم السورة»(وسائل الشيعة 7: 497، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 13.) نعم إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث- مثلًا- وجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة الفاتحة ثمّ الشروع في السورة، مخيّراً في السورة بين إتمامها و تقسيطها؛ فإن ركع عن تمام السورة وجبت قراءة الحمد في القيام من هذا الركوع؛ لصحيح البزنطي: «إذا ختمت سورة و بدأت باخرى فاقرأ فاتحة الكتاب»، و إن ركع عن بعضها فلا تشرع الفاتحة بل يقرأ من حيث قطع، و الوجه فيه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم: «فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب»، و صحيح البزنطي: «و إن قرأت سورة في الركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتّى تختم السورة»، هذا كلّه فيما لو ركع عن بعض السورة في الركوعات قبل الخامس. و أمّا الركوع الخامس فيجوز أن يركعه عن بعض السورة، و إذا قام للركعة الثانية فالأقوى وجوب الفاتحة ثمّ قراءة السورة من حيث قطع. و الوجه فيه إطلاق صحيح الحلبي: «و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف اخرى». و قال الشهيد في «الألفية»: يتمّها- أي السورة- في الخامس و العاشر(رسائل الشهيد الأوّل: 178.) و لعلّه لانصراف الإطلاق في صحيح الحلبي إلى غير الخامس و العاشر، و هو الوجه في احتياط جماعة من فقهائنا بإتمام السورة في الخامس. و في «الجواهر» بعد نقل كلام «الألفية» قال: لكن عن «المقاصد العلية»: أنّ في بعض نسخها بعد قوله: «يتمّها»، «إن لم يكن أتمّ سورة»، و هو قيد حسن(جواهر الكلام 11: 442.) ، انتهى. و العلّامة رحمه الله في «التذكرة» بعد أن أفتى بوجوب قراءة الفاتحة في الركعة الثانية مع جواز قراءة سورة كاملة و بعض اخرى في الركعة الاولى، احتمل أن يقرأ في القيام إلى الركعة الثانية من حيث قطع من غير أن يقرأ الحمد ثمّ استدركه بوجوب قراءته، قال: الأقرب جواز أن يقرأ في الخمس سورة و بعض اخرى، فإذا قام إلى الثانية ابتدأ بالحمد وجوباً؛ لأنّه قيام عن سجود فوجب فيه الفاتحة، ثمّ يبتدئ بسورة من أوّلها، ثمّ إمّا أن يكملها أو يقرأ بعضها. و يحتمل أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أوّلًا من غير أن يقرأ الحمد، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين معاً(تذكرة الفقهاء 4: 171.) ، انتهى.

ص: 130

الثانية: يجوز قراءة آية واحدة أو أكثر في كلّ من الركعات الخمسة في كلّ من الركعتين؛

ص: 131

الثالثة: إذا قرأ آية من سورة و ركع و رفع رأسه من الركوع
الرابعة: يجوز أن يقرأ في الركعة الثانية بالسورة المقروءة في الركعة الاولى و غيرها؛
الخامسة: يجب إتمام سورة كاملة في كلّ ركعة من ركعتي صلاة الآيات،

ص: 132

السادسة: لا تجوز قراءة الحمد إلّا مرّة واحدة في القيام الأوّل

ص: 133

ص: 134

(مسألة 10): يعتبر في صلاة الآيات ما يعتبر في الفرائض اليومية؛

من الشرائط و غيرها و جميع ما عرفته و تعرفه؛ من واجب و ندب في القيام و القعود و الركوع و السجود، و أحكام السهو و الشكّ في الزيادة و النقيصة بالنسبة إلى الركعات و غيرها. فلو شكّ في عدد ركعتيها بطلت، كما في كلّ فريضة ثنائيّة، فإنّها منها و إن اشتملت ركعتها على خمسة ركوعات، و لو نقص ركوعاً منها أو زاده عمداً أو سهواً بطلت لأنّها أركان، و كذا القيام المتّصل بها، و لو شكّ في ركوعها يأتي به ما دام في المحلّ، و يمضي إن خرج عنه، و لا تبطل إلّا إذا بان بعد ذلك النقصانُ أو الزيادة أو رجع شكّه فيه إلى الشكّ في الركعات، كما إذا لم يعلم أنّه الخامس، فيكون آخر الركعة الاولى، أو السادس فيكون أوّل الركعة الثانية (1).


1- و الوجه في اعتبار كلّ ما يعتبر في الفرائض اليومية من الشرائط و غيرها في صلاة الآيات على ما أشار إليه في «الجواهر»، هو اندراجها في اسم الصلاة ضرورةً؛ فيعتبر فيها- حينئذٍ- ما يعتبر فيها من الأجزاء و الشرائط و الأذكار الواجبة و المندوبة في القيام و القعود و الركوع و السجود. و يجري فيها أيضاً أحكام السهو و الشكّ في الزيادة و النقيصة في الأجزاء الركنية- حتّى الركوعات- و غير الركنية؛ فتبطل بزيادة ركوع و نقصه عمداً و سهواً، و كذا القيام المتّصل بالركوع في كلّ من الركوعات العشرة. و الشكّ في عدد ركعتيها مبطل، كما في كلّ فريضة ثنائية كالجمعة. كما في موثّقة سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة، فقال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 8.) حيث إنّ العلّة تعمّ كلّ فريضة ثنائية. و لا ينافي كونها ركعتين اشتمال كلّ ركعة منها على خمس ركوعات. و الشكّ في عدد الركوعات حكمها حكم أجزاء اليومية في أنّه يأتي بها إن لم يتجاوز المحلّ؛ لقاعدة الاشتغال و استصحاب عدم فعل المشكوك. و إن تجاوز محلّ المشكوك بنى على الإتيان؛ لقاعدة التجاوز، إلّا إذا تبيّن بعد تجاوز المحلّ نقصانه أو زيادته فإنّه مبطل قطعاً. و كذا تبطل لو رجع الشكّ في الركوع إلى الشكّ في الركعتين؛ بأن أتى الركوع و شكّ في أنّه الخامس فيكون آخر الركعة الاولى و يسجد ثمّ يقوم للركعة الثانية، أو أنّه السادس فيكون أوّل الركعة الثانية.

ص: 135

(مسألة 11): يستحبّ فيها الجهر بالقراءة

ليلًا أو نهاراً حتّى صلاة كسوف الشمس، و التكبير عند كلّ هُويٍّ للركوع و كلّ رفع منه، إلّا في الرفع من الخامس و العاشر، فإنّه يقول: «سمع اللَّه لمن حمده» ثمّ يسجد. و يستحبّ فيها التطويل خصوصاً في كسوف الشمس،

ص: 136

و قراءة السور الطوال ك «يس» و «الروم» و «الكهف» و نحوها، و إكمال السورة في كلّ قيام، و الجلوس في المصلّى مشتغلًا بالدعاء و الذكر إلى تمام الانجلاء، أو إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل تمام الانجلاء. و يستحبّ فيها في كلّ قيام ثانٍ بعد القراءة قنوت، فيكون في مجموع الركعتين خمسة قنوتات، و يجوز الاجتزاء بقنوتين: أحدهما قبل الركوع الخامس، لكن يأتي به رجاءً، و الثاني قبل العاشر، و يجوز الاقتصار على الأخير منها (1).


1- و يدلّ على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الآيات كلّها- حتّى الكسوف الواقع في النهار- صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و تجهر بالقراءة»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) ، و الجملة الخبرية الواردة مورد الإنشاء و إن كانت ظاهرة في الوجوب و لكن الإجماع قائم على عدم الوجوب، كما عن «الخلاف» و «المنتهى»؛ فتحمل الجملة على الندب. و عن الشافعي و المالك و أبي حنيفة أنّهم قالوا بالإسرار في خسوف الشمس، و استندوا برواية سمرة بن جندب قال: بينما أنا و غلام من الأنصار نرمي غرضين لنا حتّى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الافق اسودّت حتّى آضت كأنّها تنُّومةٌ، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد فو الله ليُحدثنّ شأن هذه الشمس لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه (و آله) و سلّم- في امّته حدثاً، قال: فدفعنا، فإذاً هو بارزٌ، فاستقدم فصلّى، فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قطّ لا نسمع له صوتاً، قال: ثمّ ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قطّ لا نسمع له صوتاً، ثمّ سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قطّ لا نسمع له صوتاً ...(سنن أبي داود 1: 379/ 1184.) الحديث. و استدلّ على الإسرار أيضاً بأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر. و يظهر من العلّامة في «التذكرة» الميل إلى هذا القول، قال: و هذا القول عندي لا بأس به؛ لقول الباقر عليه السلام في حديث صحيح: «و لا تجهر بالقراءة»(تذكرة الفقهاء 4: 176.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ العبارة المضبوطة في نسخ «الكافي»(الكافي 3: 463/ 2.) و «التهذيب»(تهذيب الأحكام 3: 156/ 335.) في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم ما ذكرناه: «و تجهر بالقراءة» ، بسقوط كلمة «لا»؛ فالقول باستحباب الإسرار في الكسوف مخالف للإجماع؛ ففي «منظومة» العلّامة الطباطبائي: و القول بالكسوف بالإسراريضعف بالإجماع و الأخبار(الدرّة النجفية: 181.) و يستحبّ في صلاة الآيات أيضاً التكبير لكلّ ركوع و لكلّ رفع منه، إلّا في الرفع من الخامس و العاشر فإنّه يقول: «سمع اللَّه لمن حمده». و يدلّ عليه قوله عليه السلام في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و تركع بتكبيرة، و ترفع رأسك بتكبيرة، إلّا في الخامسة التي تسجد فيها، و تقول: سمع اللَّه لمن حمده». و الصحيح المذكور يدلّ أيضاً على استحباب تطويل صلاة الآيات؛ خصوصاً في كسوف الشمس: «و صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر». و يدلّ عليه أيضاً رواية عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «إن صلّيت صلاة الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر فتطوّل في صلاتك فإنّ ذلك أفضل»(وسائل الشيعة 7: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 5.) و يستحبّ أيضاً قراءة السور الطوال. و يدلّ عليه خبر أبي بصير قال: سألته عن صلاة الكسوف، فقال: «عشر ركعات و أربع سجدات؛ يقرأ في كلّ ركعة مثل يس و النور ...»(وسائل الشيعة 7: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 2.) الخبر. و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم قال: «و كان يستحبّ أن يقرأ فيها بالكهف و الحجر». و رواية المفيد رحمه الله في «المقنعة» قال: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه صلّى بالكوفة صلاة الكسوف فقرأ فيها بالكهف و الأنبياء، و ردّدها خمس مرّات، و أطال في ركوعها حتّى سال العرق على أقدام من كان معه، و غشي على كثير منهم(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 9، الحديث 3.) و يستحبّ أيضاً إكمال السورة في كلّ قيام. و هذا يستفاد من صحيح الرهط حيث إنّ المذكور في كيفيتها خصوص قراءة الحمد و السورة الكاملة في كلّ من الركوعات الخمسة في كلّ من الركعتين، و إنّ جواز تقسيط السورة من باب الإجزاء عن الكيفية المزبورة. و يستحبّ أيضاً الجلوس في المصلّى مشتغلًا بالدعاء و الذكر إلى تمام الانجلاء فيما لو أتمّ الصلاة قبل الانجلاء. و يدلّ عليه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد (فأعد) و ادع اللَّه حتّى ينجلي». و أمّا استحباب إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل الانجلاء فيدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 8، الحديث 1.) و يدلّ على استحباب القنوت فيها خمس مرّات صحيح الرهط المتقدّم: «و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة، ثمّ تقنت في الرابعة مثل ذلك، ثمّ في السادسة، ثمّ في الثامنة، ثمّ في العاشرة»(وسائل الشيعة 7: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 1.) و مرسل عمر بن اذينة أنّه روى: «إنّ القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع، ثمّ في الرابعة، ثمّ في السادسة، ثمّ في الثامنة، ثمّ في العاشرة»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 8.) و أمّا جواز الاجتزاء بقنوتين: أحدهما قبل الركوع الخامس و الآخر قبل العاشر، فيمكن استفادته من صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و تقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع». و يحتمل أن يكون المراد من الركعتين في الصحيح الركوعين، و يؤيّده صحيح الرهط و مرسل ابن اذينة المتقدّمان. و وجه جواز الاقتصار على القنوت قبل الركوع العاشر فقط بعض الروايات الواردة في استحباب القنوت في الركعة الثانية من كلّ فريضة أو نافلة قبل الركوع إلّا الجمعة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع»(وسائل الشيعة 6: 266، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 3، الحديث 1.)

ص: 137

ص: 138

ص: 139

ص: 140

(مسألة 12): يُستحبّ فيها الجماعة،

و يتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة كما في اليوميّة، دون غيرها من الأفعال و الأقوال. و الأحوط للمأموم الدخول في الجماعة قبل الركوع الأوّل- أو فيه- من الركعة الاولى أو الثانية حتّى ينتظم صلاته (1).


1- استحباب الجماعة في صلاة الآيات كاليومية ممّا لا إشكال فيه من أحد، بل هو المشهور بين الفقهاء، و ادّعى جماعة منهم الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح الرهط المتقدّم: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صلّى بأصحابه صلاة الكسوف». و روايات الباب التاسع من أبواب صلاة الكسوف و الآيات(وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 9.) تدلّ عليه أيضاً. و لا فرق في استحبابها جماعة بين القضاء و الأداء، و بين احتراق تمام القرص أو بعضه. نعم الاستحباب في احتراق تمام القرص آكد، كما في رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس و القمر فانكسف كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنّه يجزي الرجل يصلّي وحده»(وسائل الشيعة 7: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 12، الحديث 2.) . فلا وجه لتفصيل الصدوقين بين احتراق تمام القرص و بعضه، بالجماعة في الأوّل و الفرادى في الثاني، و كذا لا وجه لتفصيل المفيد رحمه الله بينهما في القضاء. و يتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة- كما في اليومية- دون غيرها من الأفعال و الأقوال، و هذا ممّا لا خلاف فيه من أحد. و يدلّ عليه إطلاق خبر الحسين بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 1.) . و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) و علّله في «المستمسك» بقوله: للإطلاق المقامي لنصوص المقام؛ فإنّ بيانها لمشروعية الجماعة فيها- مع إهمالها لكيفيتها- يقتضي الاتّكال على بيانها في اليومية؛ فإذا كان الإمام هناك يتحمّل القراءة فكذا هنا(مستمسك العروة الوثقى 7: 34.) ، انتهى. ثمّ إنّ المأموم إذا أدرك الإمام في الركعة الاولى قبل الركوع الأوّل أو في أثنائه ينوي الائتمام، و كذا إذا أدركه في الركعة الثانية فينوي الائتمام قبل الركوع أو في أثنائه؛ و يتمّ حينئذٍ ركعة مع الإمام و ينفرد بعد السلام أو قبله، و يأتي الركعة الثانية كما في اليومية. و أمّا إذا أدرك الإمام في غير الأوّل من ركوعات الركعة الاولى، فقال جماعة بوجوب الصبر إلى الركعة الثانية حتّى يدرك الإمام قبل الركوع الأوّل من الركعة الثانية أو في أثنائه و المنع من الدخول بعد الركوع الأوّل، و نسبه في «الجواهر» إلى المشهور، و علّله بأصالة عدم تحمّل الإمام عن المأموم؛ فيقتصر منه على المتيقّن(جواهر الكلام 11: 446.) و علّل جماعة المنع بلزوم اختلال النظم في صلاة المأموم، حيث إنّه إذا أدرك الإمام في غير الركوع الأوّل و اقتداه إلى أن سجد الإمام بعد الركوع الخامس، و حينئذٍ إن تابع الإمام في السجدة لزمه ترك بعض الركوعات مع عدم تحمّل الإمام ما فات عن المأموم من بعض الركوعات، و إن أتى الركوع الخامس ثمّ السجدتين غير السجدتين المأتيتين مع الإمام لزم زيادة السجدتين و الاختلال في نظم الجماعة بالانفراد، و إن لم يتبع الإمام في السجدة بل أتمّ الركوعات ثمّ سجد منفرداً لزم أيضاً اختلال نظم الجماعة، هذا. و لا يخفى: أنّ مقتضى الإطلاق المقامي في نصوص انعقاد الجماعة في صلاة الآيات مع عدم التعرّض فيها لكيفية خاصّة، هو جواز الاقتداء قبل أيّ ركوع من الركوعات الخمسة في أيّ ركعة من الركعتين و ثبوت ما ثبت في اليومية. قال في «التذكرة»: لو أدرك المأموم الإمام راكعاً في الأوّل فقد أدركه الركعة، و لو أدركه في الركوع الثاني أو الثالث فالوجه أنّه فاتته تلك الركعة. و به قال الشافعي؛ لأنّ الركوع ركن فيها، و لا يتحمّل الإمام شيئاً سوى القراءة لا فعل الركوع؛ فحينئذٍ ينبغي المتابعة حتّى يقوم في الثانية؛ فيستأنف الصلاة معه، فإذا قضى صلاته أتمّ هو الثانية. و يجوز الصبر حتّى يبتدئ بالثانية. و تحتمل المتابعة بنية صحيحة، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم، فإذا ركع الإمام أوّل الثانية ركع معه عن ركعات الاولى، فإذا انتهى الخامس بالنسبة إليه سجد ثمّ لحق الإمام و يتمّ الركعات قبل سجود الثانية. و الوجه: الأوّل(تذكرة الفقهاء 4: 185.) ، انتهى. و قال صاحب «الجواهر»: و الظاهر جواز نية الائتمام بالبعض فيها من أوّل الأمر؛ بأن يعزم على مفارقة الإمام في الأثناء، أو كان عالماً بعروض ما يمنع من الاقتداء به قبل الفراغ؛ إذ الجماعة كما أنّها مستحبّة في الكلّ مستحبّة في البعض؛ و لذا كان الأقوى جواز الانفراد اختياراً. فحينئذٍ جاز له الائتمام بما بقي من الركوعات ثمّ ينفرد عنه عند إرادة السجود، كما صرّح به في «جامع المقاصد»(جواهر الكلام 11: 446.) ، انتهى موضع الحاجة.

ص: 141

ص: 142

ص: 143

ص: 144

ص: 145

القول في الخلل الواقع في الصلاة

(مسألة 1): من أخلّ بالطهارة من الحدث بطلت صلاته مع العمد و السهو و العلم و الجهل،

اشارة

بخلاف الطهارة من الخبث، كما مرّ تفصيل الحال فيها و في غيرها من الشرائط كالوقت و الاستقبال و الستر و غيرها (1).

و من أخلّ بشي ء من واجبات صلاته عمداً- و لو حركة من قراءتها و أذكارها الواجبة- بطلت.


1- بطلان الصلاة بالاخلال بالطهارة من الحدث عمداً أو سهواً مع العلم أو الجهل من الضروريات. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»، ثمّ قال عليه السلام: «القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و التكبير سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة»(وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.) و أمّا الطهارة من الخبث في اللباس و البدن فهي شرط حال العمد و العلم؛ فلا تبطل بالإخلال بها سهواً أو جهلًا بالحكم أو الموضوع إلى الفراغ من الصلاة. و الوجه في عدم البطلان بالإخلال بها سهواً هو حديث «لا تعاد» و قد مرّ تفصيل البحث في ذلك في بيان بعض الشرائط، كالوقت و الاستقبال و الستر و غيرها، فراجع.

ص: 146

و كذا إن زاد فيها جزءاً متعمّداً قولًا أو فعلًا من غير فرق بين الركن و غيره، بل و لا بين كونه موافقاً لأجزائها أو مخالفاً و إن كان الحكم في المخالف- بل و في غير الجزء الركني- لا يخلو من تأمّل و إشكال (1).

و يعتبر في تحقّق الزيادة- في غير الأركان- الإتيان بالشي ء بعنوان أنّه من الصلاة أو أجزائها، فليس منها الإتيان بالقراءة و الذكر و الدعاء في أثنائها إذا لم يأتِ بها بعنوان أنّها منها، فلا بأس بها ما لم يحصل بها المحو للصورة.


1- بطلان الصلاة بالإخلال عمداً بشي ء من واجباته- و لو حركة من قراءتها و أذكارها الواجبة- إجماعي. و تبطل الصلاة إن زاد فيها جزءاً متعمّداً؛ قولًا أو فعلًا، ركناً أو غيره، موافقاً لأجزائها أو مخالفاً لها. و يدلّ على بطلانها بالزيادة مطلقاً- مضافاً إلى كونها تشريعاً محرّماً- صحيح زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً» ، كذا في نسخة «التهذيب»(تهذيب الأحكام 2: 194/ 763.) و في «الكافي» في باب السهو في الركوع قد نقل المتن المذكور عن زرارة، و زاد فيه كلمة «ركعة»(الكافي 3: 348/ 3.) و صاحب «الوسائل» نقل الحديث المذكور بزيادة كلمة «ركعة» عن زرارة و بكير ابني أعين(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.) و يدلّ عليه أيضاً صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) و عموم التعليل في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.) و التعليل في خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: «و التقصير في ثمانية فراسخ، و هو بَريدان، و إذا قصّرت أفطرت، و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته؛ لأنّه قد زاد في فرض اللَّه عزّ و جلّ»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 8.) ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله تأمّل و أشكل في البطلان في زيادة المخالف و غير الجزء الركني. و لعلّ وجه الإشكال في البطلان بزيادة المخالف ما ذكره في «مستند الشيعة» قال: و يشترط أن يكون المزيد من أجزائها؛ لأنّه معنى ذلك المركّب: فإنّه لا يقال لمن امر ببناء معيّن على نحو معيّن- كوضع خمس لبنات و تطيينه إلى ذراعين أنّه زاد في البناء، إلّا إذا زاد في اللبنة أو الجصّ و نحوهما، و لا يقال إنّه زاد فيه لو قرأ حين البناء شعراً، أو فعل فعلًا آخر؛ فيلزم أن يكون المزيد من أجزاء الصلاة لو زاد. هذا. ثمّ إنّ ما يزاد فيه شي ء: إمّا يعرف ما منه و ما ليس منه عرفاً، فالمناط ما كان منه عارفاً- كالبناء- فلو أدخل فيه خشباً يكون قد زاد فيه. أمّا ما يتوقّف معرفة ما منه و ليس منه على التوقيف الشرعي، فلا بدّ في معرفة كون الزائد من الصلاة أو ليس منها من الرجوع إلى الشرع، و هي إنّما تتحقّق بالتطبيق على الأجزاء المعلومة أنّها من الصلاة قطعاً، فزيادة مثلها تكون زيادة في الصلاة، و ما ليس منها لا يكون زيادة فيها. فلو حرّك يده في الصلاة- مثلًا- لم يكن زيادة في الصلاة، انتهى(مستند الشيعة 7: 82.) و أمّا وجه الإشكال في زيادة غير الجزء الركني، فلما يستظهر من عبارة «الشرائع»(شرائع الإسلام 1: 87.) و نحوه: «و كذا لو زاد في صلاته ركعة أو ركوعاً أو سجدتين أعاد سهواً و عمداً» من اختصاص البطلان بزيادة الركن. و في «مصباح الفقيه»: و أمّا بطلان الصلاة بزيادة ما عداهما- الركوع و السجدتين- من أجزاء الصلاة عمداً، فهو المشهور بين المتأخّرين، بل ربّما يستظهر من كلماتهم كونه من المسلّمات، عكس ما يشعر به عبارة المصنّف و غيره، حيث اقتصروا على ذكر زيادة الركوع و السجدتين عمداً و سهواً، و لم يتعرّضوا لحكم زيادة ما عدا الأركان عمداً؛ لا هاهنا، و لا في مبحث القواطع؛ فإنّه مشعر بعدم كونها لديهم من حيث هي من المبطلات، و إلّا لصرّحوا به أو بوجود الخلاف فيه(مصباح الفقيه، الصلاة: 538/ السطر 26.) انتهى.

ص: 147

ص: 148

ص: 149

كما لا بأس بتخلّل الأفعال المباحة الخارجيّة كحكّ الجسد و نحوه لو لم يكن مفوّتاً للموالاة أو ماحياً للصورة، كما مرّ سابقاً (1). و أمّا الزيادة السهوية: فمن زاد ركعة، أو ركناً من ركوع، أو سجدتين من ركعة، أو تكبيرة الإحرام- سهواً- بطلت صلاته على إشكال في الأخير. و أمّا زيادة القيام الركني فلا تتحقّق إلّا مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام. و أمّا النيّة فبناءً على أنّها الداعي لا تتصوّر زيادتها، و على القول بالإخطار لا تضرّ. و زيادة غير الأركان سهواً لا تبطل و إن أوجبت سجدتي السهو على الأحوط، كما سيأتي (2).

هنا مسائل:
الاولى: أنّ بطلان الصلاة بزيادة الركعة سهواً ممّا لا خلاف فيه.

1- زيادة غير الأركان من أجزاء الصلاة مبطلة فيما لو أتى بها بعنوان أنّها منها و من أجزائها؛ بأن يكرّر إحدى آيات الفاتحة- مثلًا- بقصد أنّ المكرّر أيضاً جزء من الصلاة. و أمّا إذا أتى بها بقصد قراءة القرآن و كذا الذكر و الدعاء في أثنائها، فلا بأس بها ما لم يحصل بها المحو للصلاة. و قد تقدّم في البحث عن المسألة الاولى من مسائل «القول في مبطلات الصلاة» ذكر روايات تدلّ على أفضلية قراءة القرآن في أثناء الصلاة، فراجع. و لا بأس أيضاً بتخلّل الأفعال المباحة الخارجة من الصلاة، كحكّ الجسد و نحوه لو لم يكن مفوّتاً للموالاة أو ماحياً للصورة، كما مرّ سابقاً في ضمن البحث عن سابع مبطلات الصلاة، فراجع.
2- و الدليل عليه- مضافاً إلى الروايات المتقدّمة الدالّة على البطلان بمطلق الزيادة- هو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه قد زاد في الصلاة المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، و استقبل الصلاة استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 1.). و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.). و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ، فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللَّه، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.). و موثّق زيد الشحّام قال: سألته عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات؟ قال: «إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستّاً فليعد»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 3.). و يظهر من جماعة من فقهائنا صحّة صلاة من جلس بمقدار التشهّد بعد سجدتي الركعة الرابعة، ثمّ قام ساهياً عن التسليم و صلّى ركعة خامسة كما حكي عن ابن الجنيد، و الشيخ في «التهذيب»، و المحقّق في «المعتبر»، و العلّامة في «التحرير» و «المختلف» و «المنتهى» و موضع من «القواعد»، و نسب إلى جماعة من المتأخّرين.و استندوا في ذلك بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى خمساً؟ فقال: «إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 4.). و رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمساً؟ قال: «و كيف استيقن؟» قلت: علم، قال: «إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامّة، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة و سجدتين، فتكونان ركعتين نافلة و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 5.). قد وقع في سند الرواية محمّد بن عبد اللّه بن هلال، و هو مع كونه مجهول الحال قد وقع في سند «كامل الزيارات» في الباب الخامس من زيارة حمزة عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الشهداء. و موثّق جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في رجل صلّى خمساً: «أنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 6.). و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى الظهر خمساً؟ قال: «إن كان لا يدري جلس في الرابعة، أم لم يجلس، فليجعل أربع ركعات منها الظهر، و يجلس و يتشهّد، ثمّ يصلّي و هو جالس ركعتين و أربع سجدات، و يضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة»(وسائل الشيعة 8: 233، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 7.).و يرد عليهم: أنّ الأخبار المزبورة و إن كان أكثرها صحيحاً سنداً و تامّاً دلالةً، و لكنّها معارضة بالأخبار السابقة الدالّة على بطلان صلاة من زاد عليها ركعة، الراجحة بالشهرة بين القدماء و بمخالفة العامّة، حيث حكى التفصيل بين الجلوس بعد سجدتي الرابعة و عدمه عن سفيان الثوري و أبي حنيفة القائلين بالصحّة في الأوّل دون الثاني. و استقرب السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» في رواية محمّد بن مسلم و صحيحه المتقدّمين، حمل الجلوس في الرابعة على الجلوس مع التشهّد و التسليم، و قال: بل لعلّ ذلك متعيّن فيهما؛ لأنّه لا يمكن الأخذ بإطلاق الجلوس و لو آناً ما؛ فإمّا أن يحمل على الجلوس المعهود في الصلاة- و هو المشتمل على التشهّد و التسليم- أو يحمل على الجلوس بقدر التشهّد، كما يراه الجماعة المتقدّمة. لكن حمل المطلق على المعهود الذهني أولى من تقييده عرفاً عند الدوران بينهما. و عليه يسهل حمل الأوّلين- أي صحيح زرارة و صحيح جميل المتقدّمين- على الجلوس مع التشهّد، فيكون المراد من «قدر التشهّد» التشهّد الفعلي الخارجي الصادر من المكلّف مع التسليم، لتكون الركعة الزائدة بعد الفراغ من الصلاة(مستمسك العروة الوثقى 7: 392.)، انتهى. و يدلّ عليه- قبل الإجماع المدّعى في «تعليق الإرشاد» و «مجمع البرهان» و «المدارك»- صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ، فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللَّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و الاستدلال بهذين الحديثين مبني على كون المراد من الركعة فيهما هو الركوع، بقرينة المقابلة بالسجدة، و إن كان مطلق الركعة محمولًا على ما يشمل الركوع و السجدتين، كما في رواية محمّد بن مسلم و صحيحه المتقدّمين، و غيرهما من الروايات الواردة في الشكّ في الركعات مثلًا. و يدلّ عليه صحيح زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»(الكافي 3: 354/ 2.) . و مورده- بحسب الظاهر- هو السهو، و لا يتناول زيادة غير الأركان؛ للإجماع على عدم البطلان بزيادته سهواً. من بطلان التكبيرة الافتتاحية الثانية و كونها مبطلة للُاولى. و محلّ الكلام إنّما هو فيما لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح به حقيقة، لا مجرّد الإتيان بصورته. و قد تقدّم في ضمن البحث عن «القول في تكبيرة الإحرام» نقل كلام جماعة ممّن أشكل في بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الافتتاح؛ منهم صاحب «المدارك» و صاحب «الحدائق»، و قد قلنا: إنّ المشهور المختار هو البطلان. و في «مصباح الفقيه»: و يمكن الاستدلال له بأنّ التكبيرة الثانية هي في حدّ ذاتها لا يصحّ وقوعها افتتاحاً لصلاته، لا لحرمتها من حيث التشريع فيمتنع وقوعها عبادة- كي يتوجّه عليه بعض ما عرفت- بل لأنّ صحّتها موقوفة على وقوعها امتثالًا لأمرها، و لا أمر بها حين فعلها؛ لأنّ أمرها سقط بفعل الاولى؛ فيمتنع وقوع الثانية أيضاً صحيحة ما دامت الاولى باقية بصفة الصحّة؛ إذ لا امتثال عقيب الامتثال. فالثانية تقع باطلة جزماً؛ سواءٌ صدرت عمداً أو غفلة عن الاولى، و هي تبطل سابقتها أيضاً؛ فإنّها لا تقع بقصد الافتتاح إلّا بعد رفع اليد عن الاولى و العزم على استئناف الصلاة. و هذا العزم و إن لم نقل بكونه من حيث هو موجباً لبطلان الأجزاء السابقة- و إلّا لاتّجه صحّة الثانية- كما سنشير إليه، و لكن اقترانه بما يقتضيه هذا العزم من استئناف الصلاة مانع عن بقاء الهيئة الاتّصالية المعتبرة في الصلاة بين التكبيرة الاولى و بين ما بعدها بنظر العرف- إلى أن قال:- بخلاف ما لو كان ما تلبّس به صادراً لا مع هذا العزم؛ فإنّه قد لا يؤثر في رفع الهيئة الاتّصالية، كما لا يخفى على المتأمّل. إلى أن قال: فما ذكره المشهور- من بطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الإحرام- إن لم يكن أقوى، فلا ريب في أنّه أحوط، و لكن قضية الاحتياط- خصوصاً لو وقعت الثانية غفلة عن الاولى- إنّما هو إتمام الفريضة ثمّ الإعادة(مصباح الفقيه، الصلاة: 250/ السطر 5.)، انتهى. لأنّ القيام من حيث هو من واجبات الصلاة و من جملة أفعالها، و الركن منه هو المقارن لتكبيرة الإحرام و ما يكون متّصلًا بالركوع، لا مطلقاً. و قد تقدّم البحث فيه في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في القيام». و لا يخفى: أنّه لا أثر لزيادة القيام الركني في بطلان الصلاة؛ لأنّه ما لم تتحقّق زيادة تكبيرة الإحرام أو الركوع لا يتحقّق القيام الركني، فبزيادة أحدهما تبطل الصلاة. فبطلان الصلاة في الحقيقة مترتّب على زيادة أحدهما، لا على زيادة القيام الركني. و أنكر بعض فقهائنا ركنية القيام؛ حتّى القيام المتّصل بالركوع. قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»: ينبغي الجزم بعدم بطلان الصلاة بزيادة القيام أصلًا- حتّى المتّصل منه بالركوع- ما لم يستلزم الإخلال من جهة اخرى، كفوات الموالاة بين الأجزاء، أو حصول الفعل الكثير الماحي للصورة، أو زيادة الركوع و نحوه. و كفاك شاهداً لذلك وجوب تدارك القراءة و السجدة المنسيتين ما لم يركع؛ فإنّه يجب عليه ذلك، و إن هوى إلى الركوع و لم يبلغ حدّه. مع أنّه لم يدع في الفرض شيئاً من القيام المعتبر في الركعة إلّا و قد أتى به، و عند تدارك السجدة المنسية تتحقّق زيادة جميعه- حتّى القيام المتصل بالركوع- فإنّ عدم اتّصافه بالاتّصال بالركوع نشأ من رجوعه قبل إلحاق الركوع به، لا من تركه للقيام. و دعوى: أنّ الركن هو القيام المتّصل بالركوع، فلا يعقل زيادته بلا ركوع، فرجوعه قبل الركوع في مثل الفرض مانع عن حصول صفة الاتّصال بالركوع- التي هي من مقوّمات ركنيته- مدفوعة بأنّه لا دليل على اعتبار هذا الوصف قيداً في القيام الواجب في الصلاة كي يعقل أن يكون دخيلًا في ركنيته، بل الواجب نصّاً و فتوى هو القيام الواقع قبل الركوع حال القراءة و التكبير. و اتّصاله بالركوع ليس شرطاً في صحّة القيام؛ إذ لا دليل عليه، بل هو شرط في صحّة الركوع حيث اعتبر فيه كونه عن قيام، فليتأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 255/ السطر 20.)، انتهى. و لكن لا بمعناه المصطلح- و هو ما كان زيادته و نقصه عمداً و سهواً موجباً للبطلان- فإنّ زيادة النيّة إمّا غير معقولة، بناءً على كونها عبارة عن الداعي إلى الفعل؛ خصوصاً على القول بكونها شرطاً، حيث إنّ الزيادة لا تكون إلّا في الأجزاء الخارجية. و إمّا غير قادحة، بناءً على كونها عبارة عن الإخطار و القصد إلى الفعل بإحضار صورته في الذهن تفصيلًا و بجميع مشخّصاته. لعموم الحديث: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...» للزيادة و النقيصة سهواً. نعم هي توجب سجدتي السهو، بناءً على وجوبها في كلّ زيادة و نقيصة. و يدلّ عليه مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.) . و الخبر مرسل و مشتمل سنده على مجهول الحال- و هو سفيان.

ص: 150

ص: 151

ص: 152

الثانية: أنّه تبطل الصلاة بزيادة الركوع سهواً.

ص: 153

الثالثة: تبطل الصلاة بزيادة السجدتين من ركعة سهواً.
الرابعة: تبطل الصلاة بزيادة تكبيرة الافتتاح على المشهور

ص: 154

ص: 155

الخامسة: أنّ زيادة القيام الركني لا تتحقّق إلّا مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام،

ص: 156

السادسة: أنّ النيّة ركن في الصلاة،
السابعة: زيادة غير الأركان سهواً لا تبطل الصلاة؛

ص: 157

(مسألة 2): من نقص شيئاً من واجبات صلاته سهواً و لم يذكره إلّا بعد تجاوز محلّه،

فإن كان ركناً بطلت صلاته، و إلّا صحّت و عليه سجود السهو على تفصيل يأتي في محلّه. و قضاء الجزء المنسيّ بعد الفراغ منها؛ إن كان المنسيّ التشهّد أو إحدى السجدتين، و لا يقضي من الأجزاء المنسيّة غيرهما، و لو ذكره في محلّه تداركه- و إن كان رُكناً- و أعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده (1).


1- من أخلّ بشي ء من واجبات صلاته سهواً و لم يذكره إلّا بعد تجاوز محلّه، فإن كان ركناً بطلت صلاته إجماعاً، و إن كان غير ركن صحّت صلاته إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...»(وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.) و وجبت عليه سجدتا السهو في بعض الواجبات، على تفصيل يأتي في محلّه. و وجب عليه أيضاً قضاء الجزء المنسي بعد الفراغ من الصلاة إن كان المنسي هو التشهّد أو إحدى السجدتين. و وجوب قضاء التشهّد المنسي قد ادّعي عليه الإجماع في كلمات جماعة من فقهائنا، كالشيخ في «الخلاف» و أبي المكارم في «الغنية» و الشهيد الثاني في «المقاصد العلّية». و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف؟ فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه»، و قال: «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) و قد يستدلّ أيضاً بصحيح حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر بعد ذلك؟ فقال: «يقضي ذلك بعينه»، فقلت: أ يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و يرد على الاستدلال بصحيح حكم: أنّ ظاهره وجوب قضاء كلّ منسي، و هو مخالف للإجماع. و أورد في «المستمسك» على الاستدلال بخبر علي بن أبي حمزة بقوله: فإنّ مقتضى الجمع بينه و بين النصوص المذكورة، حمل التشهّد فيه على تشهّد السجدتين، كما قد يقتضيه عطفه على السجدتين المناسب لكونه من توابع السجدتين، لا من توابع الصلاة؛ و لا سيّما مع بناء القائلين بقضائه على فعله قبل السجدتين(مستمسك العروة الوثقى 7: 413.) ، انتهى موضع الحاجة. و ذهب بعض فقهائنا المعاصرين- آية اللَّه الحجّة الكوه كمري في حاشيته على «العروة الوثقى»- تبعاً للشيخ المفيد رحمه الله في رسالته و الصدوق في «المقنع» و «الفقيه» إلى أنّ التشهّد بعد السجدتين مجزٍ عن التشهّد المنسي. و قد استدلّ له بالأصل و موثّق سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد؟ قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و خبر الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع، فيذكر و هو راكع؟ قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد ثمّ يقوم فيتمّ»، قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟! قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و يؤيّده أيضاً خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان عن الأمر بقضاء التشهّد، مع الاقتصار فيها على الأمر بالسجدتين فقط، كما في صحيح فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما؟ قال: «فليجلس ما لم يركع و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و في «الفقه الرضوي»: «و إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك و تشهّد ما لم تركع. فإن ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو فتشهّد فيهما و تأتي ما قد فاتك»(فقه الرضا عليه السلام: 118.) و يرد على الاستدلال المزبور: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل. و أمّا الأخبار المذكورة: فغاية ما تدلّ عليه هو عدم وجوب قضاء التشهّد المنسي مع تجاوز محلّه، و تعارضها الأخبار الدالّة على وجوب قضائه. و الشهرة العظيمة المسلّمة قائمة على وجوب القضاء، و أنّ محلّه قبل سجدتي السهو و أمّا وجوب قضاء السجدة الواحدة المنسية فهو المشهور بين فقهائنا، بل ادّعي عليه الإجماع من جماعة، و ادّعي الإجماع أيضاً على عدم بطلان الصلاة بالإخلال بالسجدة الواحدة سهواً. و يدلّ عليه صحيح حكم بن حكيم المتقدّم فقال: «يقضي ذلك بعينه»، فقلت: أ يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت، فاقض الذي فاتك سهواً»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 7.) و صحيح إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها؛ فإنّها قضاء»، قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- أنّه سأله عن رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع؟ قال: «يمضي في صلاته و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته»، قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و رواية أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم؟ قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يذكر أنّ عليه السجدة يريد أن يقضيها و هو راكع في بعض صلاته، كيف يصنع؟ قال: «يمضي في صلاته، فإذا فرغ سجدها»(وسائل الشيعة 6: 367، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 8.) و حكي عن العماني و الكليني القول ببطلان الصلاة المنسية فيها سجدة واحدة. و لعلّ الوجه فيه رواية معلّى بن خنيس قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء»(وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 5.) و لا يخفى ضعف هذا القول؛ لمخالفته المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و الرواية ضعيفة سنداً، و معارضة بالروايات الدالّة على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة. و يمكن حملها على صورة نسيان السجدة بالمرّة و معاً؛ لكون السجدة للجنس. و في «الجواهر»: فلا مانع من حمله على الاستحباب أو غيره(جواهر الكلام 12: 293.) ، انتهى. و نسب إلى المفيد و الشيخ القول بوجوب إعادة الصلاة إذا كان ترك السجدة الواحدة سهواً من الركعتين الأوّلتين. و الوجه فيه صحيح البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يصلّي ركعتين، ثمّ ذكر في الثانية و هو راكع أنّه ترك السجدة في الاولى؟ قال: كان أبو الحسن عليه السلام يقول: «إذا ترك السجدة في الركعة الاولى فلم يدرِ واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان، و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 3.) و في «الجواهر»: بل يؤيّده ما دلّ على اشتراط سلامة الصلاة بسلامة الأوّلتين، و قوله عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...»(جواهر الكلام 12: 294.) و هذا القول أيضاً ضعيف؛ لعدم مقاومة صحيح البزنطي الأخبار المتقدّمة الدالّة على المضيّ في الصلاة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع المدّعى على صحّة الصلاة. ثمّ إنّه لا يقضي من الأجزاء المنسية غير التشهّد و السجدة الواحدة إجماعاً. هذا كلّه فيما ذكر المنسي بعد تجاوز محلّه. و أمّا فيما ذكره في محلّه، فوجب تداركه و إن كان ركناً، و أعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده؛ لاشتغال الذمّة، و لا تحصل البراءة إلّا بالامتثال بإتيانه في محلّه ثمّ إعادة ما فعله؛ لوجوب مراعاة الترتيب. فرع: لا تجب سجدتا السهو فيما لو نسي التشهّد أو السجدة الواحدة و ذكر قبل فوات المحلّ و تداركه. و الوجه فيه- مضافاً إلى الأصل- رواية محمّد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة، فينسى التشهّد؟ قال: «يرجع فيتشهّد»، قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 4.) و خبر أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم؟ قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و لا يعارض هذا الخبر خبر معلّى بن خنيس المتقدّم الدالّ على وجوب سجدتي السهو على من ذكر السجدة قبل ركوعه و سجدها؛ لما ذكره في «الجواهر» من قوله: و يمكن كون المراد سجود السهو؛ لما وقع من زيادة القيام و نحوه لما تسمعه- إن شاء اللَّه- في الخاتمة من وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة(جواهر الكلام 12: 290.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: لإمكان حمله على الاستحباب، كما يؤيّد ذلك أمره بإعادة الصلاة لو ذكرها بعد الركوع، مع أنّها لا تجب جزماً نصّاً و فتوى(مصباح الفقيه، الصلاة: 549/ السطر الأخير.) ، انتهى.

ص: 158

ص: 159

ص: 160

ص: 161

ص: 162

ص: 163

ص: 164

و المراد بتجاوز المحلّ الدخول في رُكن آخر بعده، أو كون محلّ إتيان المنسي فعلًا خاصّاً و قد جاوز محلّ ذلك الفعل، كالذكر في الركوع و السجود إذا نسيه، و تذكّر بعد رفع الرأس منهما (1): فمن نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية، أو نسي السجدتين حتّى دخل في الركوع من الركعة اللاحقة، بطلت صلاته. بخلاف ما لو نسي الركوع و تذكّر قبل أن يدخل في السجدة الاولى، أو نسي السجدتين و تذكّر قبل الركوع، رجع و أتى بالمنسيّ، و أعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مترتّب عليه.


1- لا يخفى اختلاف موارد التجاوز عن المحلّ: ففي بعضها يعتبر الدخول في الركن، كما لو نسي ركناً و دخل في ركن آخر؛ فمن نسي السجدتين- مثلًا- و دخل في التشهّد، أو تشهّد ثمّ قام للركعة اللاحقة، فما دام لم يدخل في ركوعها يصدق أنّه في المحلّ و لم يتجاوز عنه، و إذا دخل في الركوع فقد تجاوز عن محلّ السجدتين. و يعتبر الدخول في الركن أيضاً في تجاوز المحلّ فيما لو نسي القراءة- في الركعتين الأوّلتين- أو الذكر- في الركعتين الأخيرتين- أو السجدة الواحدة، أو التشهّد؛ فما دام لم يدخل في الركوع لم يتجاوز محلّها. و في بعضها يصدق التجاوز بمجرّد الفراغ عن الفعل المشروطة فيه كيفية خاصّة، كالجهر في موضع الإخفات، و بالعكس في القراءة. فمن أخفت سهواً في قراءة الجهرية أو جهر في الإخفاتية في تمام القراءة أو بعضها، فبمجرّد تمامية القراءة أو أبعاضها تجاوز محلّها، و إن لم يدخل بعد في جزء آخر، فلا يجب تداركهما، و إن ذكره قبل الركوع، بل و إن ذكره في الأثناء. بل لو قرأ كلمة إخفاتاً في موضع الجهر- مثلًا- و ذكر قبل الشروع في كلمة بعدها فقد جاوز محلّه. و الوجه في ذلك اختصاص وجوبهما بحال العمد و الالتفات على ما يظهر من دليله، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه، و قد تمّت صلاته»(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 26، الحديث 1.) و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في المسألة السادسة من مسائل «القول في القراءة و الذكر»، و قلنا إنّ الأقوى عدم وجوب الإعادة فيما لو تذكّر في الأثناء أو بعد القراءة و قبل الركوع؛ لإطلاق الصحيح المزبور. و إنّ الأحوط الإعادة؛ خصوصاً إذا تذكّر في الأثناء؛ لاحتمال اختصاص عدم وجوب الإعادة بصورة الالتفات بعد الفراغ عن القراءة. و المصنّف رحمه الله يذكر موارد كثيرة لتجاوز المحلّ في المسألة، فراجع.

ص: 165

ص: 166

و لو نسي الركوع و تذكّر بعد الدخول في السجدة الاولى، فالأحوط أن يرجع و يأتي بالمنسي و ما هو مترتّب عليه، و يعيد الصلاة بعد إتمامها (1).


1- الوجه في بطلان الصلاة فيما لو نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية هو صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم؟ قال: «يستقبل»(وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.) . وجه الدلالة: أنّ قوله «يسجد و يقوم» ظاهر في وقوع السجدتين. و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) . وجه الدلالة: أنّ المراد من الركعة في قوله «ترك ركعة» هو الركوع، لا الركعة المصطلحة، بقرينة قوله «و قد سجد سجدتين». و قد استدلّ أيضاً- كما في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 7: 396- 398.) - بموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى أن يركع؟ قال: «يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.) و خبر أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي أن يركع؟ قال: «عليه الإعادة»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ الموثّقة و خبر أبي بصير ساكتان عن الدلالة على المسألة، و أنّ الالتفات كان بعد الدخول في السجدة الثانية، و عليك بالتأمّل. هذا كلّه فيما تذكّر بالركوع بعد الدخول في السجدة الثانية. و أمّا لو ذكره بعد الدخول في السجدة الاولى، فقد أفتى جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها- بصحّة الصلاة، و احتاطوا بإتيان الركوع و إتمام الصلاة ثمّ الإعادة. و قال المشهور بالبطلان. و ممّن قال بالبطلان صاحب «الجواهر» رحمه الله تبعاً للمحقّق رحمه الله، و استدلّ له بالروايات المذكورة- صحيحي رفاعة و أبي بصير، و موثّقة إسحاق بن عمّار، و رواية أبي بصير- و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.) ، إلى أن يقال رحمه الله: و ما في البعض- أي بعض الروايات المذكورة- من الضعف على تقدير وجوده- كخبر أبي بصير باعتبار وقوع محمّد بن سنان في سنده- منجبر بالشهرة المحصّلة و المنقولة، بل في المنقول عن «الغنية» الإجماع عليه، بل قد يستدلّ بما عن «النجيبية» أيضاً: «أنّ من سها عن ركن من الأركان الخمسة أعاد إجماعاً». و بما في «السرائر» من الإجماع على أنّ الركوع ركن، متى أخلّ به ساهياً أو عامداً حتّى فات وقته و أخذ في حالة اخرى بطلت صلاته. إلى أن أجاب رحمه الله عن دعوى: أنّها- أي الروايات المستدلّ بها على البطلان- ليست دالّة على الإخلال بمجرّد الدخول في السجود، على أنّه على تقدير سجوده سجدة واحدة لا يحصل بالتدارك إلّا زيادة سجدة واحدة، و هي غير قادحة، و لم يقم إجماع على عدم جواز التلافي بمجرّد الدخول في ركن آخر. بقوله: إذ- مع أنّه لا قائل بالفصل في المقام- يكفي في ذلك إطلاق جملة من المعتبرة المتقدّمة، مع إطلاق إجماع «الغنية» أيضاً، بل قد يقال: و إجماع «النجيبية» و «السرائر» المتقدّمين، بل هو مقتضى القاعدة أيضاً، و عدم البطلان بزيادة السجدة مع عدم ترك الركوع لا يلزم منه صحّة ما نحن فيه، و القياس لا نقول به، فحينئذٍ لا يشمله قول أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل استيقن أنّه زاد سجدة، «لا يعيد الصلاة من سجدة» ؛ لأنّ الظاهر أنّ المراد منه زيادة سجدة خاصّة، لا ما إذا كانت الزيادة مع نسيان الركوع، بل هو من التخريج الذي لا نقول به(جواهر الكلام 12: 243.) ، انتهى موضع الحاجة ملخّصاً، ذكرناه بطوله لجودته في إثبات البطلان. و في «الرياض»: و حيث لا قائل بالفرق بينه- أي بين السهو عن الركوع إلى أن يسجد سجدتين- و بين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة، عمّ- أي المصنّف- الحكم لهما، مع اعتضاده بالقاعدة من أنّه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه؛ فيبقى تحت العهدة، و لا يتيقّن الخروج عنها إلّا باستئناف الصلاة من أوّلها(رياض المسائل 4: 205.)، انتهى. و لا يخفى: أنّه لم يعلم لنا وجه دلالة صحيحة زرارة و بكير ابني أعين على بطلان الصلاة بمجرّد الدخول في السجدة، ثانية كانت أو اولى. و استدلّ للقول بالصحّة: بأنّ غاية ما يدلّ على البطلان بالدخول في السجدة الاولى هو الإطلاق في خبر أبي بصير المتقدّم: «نسي أن يركع»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) ، حيث إنّه شامل لصورة تذكّر الركوع المنسي بعد الدخول في السجدة الاولى. و لكن الإطلاق- مضافاً إلى أنّه ضعيف؛ لظهور قوله: «نسي أن يركع» في استمرار النسيان إلى تمامية محلّ العمل البعدي بالدخول في السجدة الثانية- مقيّد بصحيحي رفاعة و أبي بصير، المقيّدين بتذكّر الركوع بعد السجدتين، على ما قرّرناه في وجه دلالتهما. و القائلون بالصحّة أجابوا عن القاعدة التي تمسّك بها القائلون بالبطلان- من أنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه؛ فيبقى تحت العهدة، و لا يتيقّن الخروج عنها إلّا باستئناف الصلاة من أوّلها- بأنّ الامتثال يتحقّق بالإتيان بالركوع ثمّ السجود؛ فلا يتعيّن الاستئناف للخروج عن العهدة. و حينئذٍ: فمقتضى القاعدة صحّة الصلاة؛ لعدم قدح زيادة السجدة الواحدة سهواً. و الأقوى في المسألة هو بطلان الصلاة؛ للشهرة المحقّقة، و الإجماع المحكي عن جماعة. و صحيحا رفاعة و أبي بصير لا يقيّدان إطلاق خبر أبي بصير المنجبر ضعفه- على فرضه- بالشهرة. مع عدم وجود القول بالفصل بين السجدة الواحدة و السجدتين. و ذكر السجدتين في صحيح أبي بصير: «و قد سجد سجدتين» من قبيل و من نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما، و ذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع، تدارك ما نسيه، و أعاد ما هو مترتّب عليه (8). التنصيص على أحد الأفراد، لا من باب اختصاص الحكم بخصوصه. و الأحوط أن يرجع و يأتي بالمنسي و ما هو مترتّب عليه، و يعيد الصلاة بعد إتمامها. بقي الكلام فيما لو نسي السجدتين و لم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية، فتبطل الصلاة؛ لأنّه لو لم يتدارك السجدتين لزم ترك الركن، و هو مبطل عمداً و سهواً، و لو تدارك لزمه زيادة الركن؛ لوجوب إعادة ما فعله، و من جملته ركوع الركعة اللاحقة، فمع نسيان السجدتين يمتنع أن يكون الركوع المتأخّر عنهما رتبةً السابق عليهما نسياناً جزءاً من الصلاة فيكون باطلًا قطعاً، فإذا أعاد الركوع في الركعة اللاحقة لزمت زيادة الركن. و حكي عن الشيخ أنّ السجدتين المنسيتين إن كانتا من الركعتين الأخيرتين حذف الركوع اللاحق و بني على الركوع السابق. و فيه: أنّه مجرّد دعوى يحتاج إثباته إلى دليل. (8)- وجوب تدارك المنسي من القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب بين الحمد و السورة فيما ذكرها قبل أن يصل إلى حدّ الركوع إجماعي. و تدلّ على وجوب تدارك القراءة المنسية قبل فوات محلّها جملة من الأخبار: كرواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي امّ القرآن؟ قال: «إن كان لم يركع فليعد امّ القرآن»(وسائل الشيعة 6: 88، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال: «فليقل: أستعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم إنّ اللَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*، ثمّ ليقرأها ما دام لم يركع؛ فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات؛ فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 6: 89، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 2.) و مفهوم موثّق منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي صلّيت المكتوبة، فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها؟ فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلى، قال: «قد تمّت صلاتك إذا كان (كانت) نسياناً (ناسياً)»(وسائل الشيعة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 2.) . و أمّا ما دلّ على عدم وجوب مراعاة الترتيب بين الحمد و السورة فلم يعمل به أحد من الأصحاب، كخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل افتتح الصلاة، فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب، ثمّ ذكر بعد ما فرغ من السورة؟ قال: «يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»(وسائل الشيعة 6: 89، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 4.) . و ذكره صاحب «الوسائل» على ما ذكر بعد الفراغ.

ص: 167

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

و من نسي القيام أو الطمأنينة في القراءة أو الذكر، و ذكر قبل الركوع، فالأحوط إعادتهما بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة (1).


1- قد تقدّم في مبحث القيام: أنّه لا خلاف في وجوب القيام في الصلاة حال القراءة و الذكر. و في كونه جزءاً للصلاة أو شرطاً للقراءة و الذكر وجهان: من ظهور بعض النصوص- كصحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: «و قم منتصباً، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) - و كلمات الأصحاب في الجزئية. و من ظهور أكثر النصوص في الشرطية، كما في صحيح حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصباً»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا قمت في الصلاة ...»(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، و غيرهما من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة من أبواب أفعال الصلاة و القيام. فبناءً على كون القيام جزءاً من الصلاة لا يجب استئناف القراءة و الذكر فيما لو نسي القيام و قرأهما حال الجلوس؛ لفوات محلّه بالفراغ عن القراءة و الذكر. و بناءً على كونه شرطاً تعيّن استئنافهما؛ لعدم إتيانهما على ما هما عليه من الشرط مع بقاء المحلّ إلى أن يركع. و لا يخفى: أنّ النصوص الدالّة على الجزئية أظهر، و هي الظاهرة من كلمات الأصحاب؛ فلا يجب استئنافهما. و لكن الأحوط استحباباً الاستئناف بقصد القربة المطلقة، لا الجزئية؛ لاحتمال كونها شرطاً. و لو كان المنسي الطمأنينة حال القيام في القراءة أو الذكر فلا يجب استئنافهما؛ لاحتمال كون الطمأنينة واجبة حال القيام لا شرطاً فيه، و إن كان الاحتياط في إعادتهما.

ص: 172

ص: 173

نعم لو نسي الجهر أو الإخفات في القراءة، فالظاهر عدم وجوب تلافيهما، و إن كان الأحوط التدارك، سيّما إذا تذكّر في الأثناء، فإنّه لا ينبغي له ترك الاحتياط بالإتيان بقصد القُربة المطلقة (1). و من نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة فيه، و ذكر قبل الدخول في السجود، انتصب مطمئنّاً، لكن بقصد الاحتياط و الرجاء في نسيان الطمأنينة، و مضى في صلاته (2).


1- قد مرّ في بيان اختلاف موارد التجاوز عن المحلّ الإشارة إلى وجه عدم وجوب تلافي الجهر في موضع الإخفات و بالعكس بمجرّد الفراغ عن القراءة و الذكر، و لو عن أبعاضهما- و هو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) ، فراجع- و قلنا: إنّ الأحوط الإعادة بقصد القربة المطلقة؛ لاحتمال كونه قيداً في القراءة؛ خصوصاً إذا تذكّر في الأثناء؛ لاحتمال اختصاص عدم وجوب الإعادة بصورة الالتفات بعد الفراغ.
2- من نسي الانتصاب من الركوع و ذكره قبل الدخول في السجود، يعود إلى الانتصاب حتّى يكون سجوده من الانتصاب بعد الركوع؛ و ذلك لكونه واجباً مع عدم فوات محلّه. و من نسي الطمأنينة في الانتصاب بعد الركوع و ذكرها قبل الدخول في السجود، احتمل فوات محلّها؛ لاحتمال كونها واجبة في حال الانتصاب، فلا يعود إلى الانتصاب مطمئنّاً، و يحتمل كونها شرطاً للانتصاب. و لا يترك الاحتياط بالعود إلى الانتصاب مطمئنّاً برجاء المطلوبية. و يظهر من المحقّق في «الشرائع»(شرائع الإسلام 1: 105.) : أنّه لو نسي الطمأنينة حال رفع الرأس من الركوع و ذكره بعد السجود فلا يعود، و أمّا لو ذكره قبل السجود قام مطمئنّاً. و علّله في «الجواهر» بقوله: «لأنّه ممكن، فيجب للاستصحاب». ثمّ ناقش فيه بقوله: «و لكن قد يناقش باستلزام زيادة قيام لو كان المنسي الطمأنينة خاصّة. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّها شرط فيه، فلا يكون الأوّل صحيحاً. و لكن لا يخلو من نظر؛ لاحتمال كونها واجباً حاله، و الفرض أنّه قد فات»(جواهر الكلام 12: 276.)، انتهى.

ص: 174

و من نسي الذكر في السجود أو الطمأنينة فيه أو وضع أحد المساجد حاله، و ذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود، أتى بالذكر، لكن في غير نسيان الذكر يأتي به بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة (1). و لو ذكر بعد رفع الرأس فقد جاز محلّ التدارك فيمضي في صلاته.


1- من نسي الذكر في السجود و ذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود أتى بالذكر بلا خلاف؛ لبقاء محلّه. و من نسي الطمأنينة حال الذكر في السجود و ذكرها قبل أن يخرج عن مسمّى السجود، أتى بالذكر مطمئنّاً، بقصد القربة المطلقة من الذكر لتدارك الطمأنينة، لا بقصد الجزئية؛ لاحتمال كفاية الذكر أوّلًا في غير حال الطمأنينة مع تجاوز محلّه. و من نسي وضع أحد المساجد حال الذكر مطمئنّاً و ذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود أتى بالذكر مطمئنّاً بقصد القربة المطلقة، لا الجزئية مع وضع ما هو المنسي من المساجد؛ لكونه من الواجب في الواجب، فوجب تداركه. هذا كلّه فيما ذكر المنسي- ذكراً كان، أو طمأنينة، أو وضع أحد المساجد- في السجود قبل رفع الرأس منه. و لو ذكره بعد الخروج عن مسمّاه فقد جاز محلّ التدارك، فيمضي في صلاته إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه و سجوده؟ قال: «لا بأس بذلك»(وسائل الشيعة 6: 320، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 15، الحديث 2.)

ص: 175

و من نسي الانتصاب من السجود الأوّل أو الطمأنينة فيه، و ذكر قبل الدخول في مسمّى السجود الثاني، انتصب مطمئنّاً و مضى فيها، لكن في نسيان الطمأنينة يأتي رجاءً و احتياطاً. و لو ذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فقد جاز محلّ التدارك فيمضي فيها (1). و من نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو بعضه، و ذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو قبل التسليم- إن كان المنسيّ السجدة الأخيرة أو التشهّد الأخير- يتدارك المنسي و يعيد ما هو مترتّب عليه (2).


1- و يعلم وجه هذه المسألة ممّا ذكرناه فيمن نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة في الانتصاب و ذكر قبل الدخول في السجود و بعد الدخول فيه.
2- قد مرّ الكلام فيمن نسي السجدة أو التشهّد مع تجاوز محلّهما، و أنّه يمضي في صلاته مع قضائهما و سجدتي السهو. و أمّا من نسي السجدة الواحدة من ركعة و ذكرها قبل ركوع الركعة اللاحقة، تدارك السجدة المنسية و يعيد ما هو مترتّب عليها. و الوجه في وجوب التدارك- مضافاً إلى الإجماع، و أصالة بقاء التكليف بالمنسي- هو صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد، ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم، ثمّ يسجد، فإنّها قضاء»، قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) و رواية أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم؟ قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و الوجه في إعادة ما هو مترتّب عليها هو وجوب وضع كلّ واجب في موضعه ما دام لم يتجاوز محلّه، فجزئية كلّ واجب في الحقيقة مقيّدة بكونه واقعاً موقعه و في محلّه. و من نسي السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة و ذكرها قبل التسليم، وجب عليه تداركها لبقاء محلّها، و يعيد ما هو مترتّب عليه لما ذكر. و من نسي التشهّد أو بعضه في الركعة الثانية و ذكر قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة يتداركه، و يعيد ما هو مترتّب عليه. و من نسيه أو بعضه في الركعة الأخيرة و ذكره قبل التسليم، يتداركه و يعيد ما هو مترتّب عليه.

ص: 176

ص: 177

و لو نسي سجدة واحدة أو التشهّد من الركعة الأخيرة و ذكر بعد التسليم، فإن كان بعد فعل ما يبطل الصلاة عمداً و سهواً كالحدث، فقد جاز محلّ التدارك، و إنّما عليه قضاء المنسي و سجدتا السهو. و إن كان قبل ذلك، فالأحوط في صورة نسيان السجدة الإتيان بها من دون تعيين للأداء و القضاء، ثمّ بالتشهّد و التسليم احتياطاً، ثمّ سجدتي السهو احتياطاً، و في صورة نسيان التشهّد الإتيان به كذلك، ثمّ بالتسليم و سجدتي السهو احتياطاً؛ و إن كان الأقوى فوت محلّ التدارك فيهما بعد التسليم مطلقاً، و عليه قضاء المنسيّ و سجدتا السهو (1). و من نسي التسليم و ذكره قبل حصول ما يبطل الصلاة عمداً و سهواً تداركه، فإن لم يتداركه بطلت صلاته، و كذا لو لم يتدارك ما ذكره في المحلّ على ما تقدّم.


1- لو نسي سجدة واحدة أو التشهّد من الركعة الأخيرة و ذكر بعد التسليم و بعد فعل ما يبطل الصلاة- كالحدث و الاستدبار- فقد جاز محلّ التدارك. و حينئذٍ يمتنع وضع المنسي في موضعه و فعله في محلّه و إعادة ما هو مترتّب عليه. و يجب عليه قضاء المنسي مع حفظ جميع شرائط الصلاة عند قضائه، ثمّ الإتيان بسجدتي السهو. و لو ذكر المنسي بعد التسليم و قبل فعل ما يبطل الصلاة، فالأقوى فوت محلّ التدارك بالتسليم الحاصل به الخروج عن الصلاة و الانصراف، فحينئذٍ يجب عليه قضاء المنسي و سجدتا السهو، و كان التسليم الواقع في الركعة الأخيرة واقعاً في محلّه، و ليس من قبيل التسليم الواقع في غير محلّه، كالتسليم في الركعة الاولى من الثنائية، و في الركعة الثانية من الثلاثية و الرباعية، و في الثالثة من الرباعية؛ فإنّ التسليم في هذه الموارد واقع في غير محلّه. و يدلّ عليه صحيح العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع؟ قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 8.) و موثّق عمّار في حديث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات، و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث؟ قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) و الأحوط في صورة نسيان السجدة الأخيرة و ذكرها بعد التسليم و قبل فعل المنافي، الإتيان بها بقصد ما في الذمّة- أي من غير تعيين الأداء أو القضاء- ثمّ يأتي بالتشهّد و التسليم، ثمّ يسجد سجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة؛ أي من غير قصد تعيين أنّ سجدتي السهو لخصوص نسيان السجدة أو لزيادة السلام. و في صورة نسيان التشهّد الإتيان به بقصد ما في الذمّة، ثمّ التسليم، ثمّ سجدتي السهو بقصد ما في الذمّة؛ أي إمّا للتشهّد المنسي، بناءً على كون التسليم في محلّه، و إمّا لزيادة التسليم، بناءً على وقوعه في غير محلّه. و الحاصل: أنّه بعد إتيان المنسي- سواء كان السجدة الأخيرة أو التشهّد-يسجد سجدتي السهو بقصد ما في الذمّة؛ لأنّ السبب إمّا نسيان السجدة الأخيرة أو التشهّد حتّى تجاوز المحلّ، و إمّا زيادة السلام و وقوعه في غير محلّه. و في بعض حواشي «العروة» فرق بين نسيان السجدة الأخيرة و نسيان التشهّد؛ بأنّه يأتي سجدتي السهو مرّتين في نسيان السجدة، مرّة بقصد ما في الذمّة، و مرّة اخرى لاحتمال وقوع التسليم في غير محلّه. و في نسيان التشهّد يسجد سجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة. و فيه: أنّ إتيان سجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة مجزٍ على أيّ حال؛ لأنّ السبب- كما ذكرنا- إمّا نسيان السجدة الواحدة، أو التشهّد، أو زيادة السلام، فلا وجه على إتيانهما مرّتين في نسيان السجدة الواحدة.

ص: 178

ص: 179

(مسألة 3): من نسي الركعة الأخيرة- مثلًا- فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام و أتى بها،

و لو ذكرها بعده قبل فعل ما يبطل سهواً قام و أتمّ أيضاً، و لو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس؛ من غير فرق بين الرباعية و غيرها، و كذا لو نسي أكثر من ركعة، و كذا يستأنف لو زاد ركعة قبل التسليم بعد التشهّد أو قبله (1).


1- من نسي الركعة الأخيرة- مثلًا- فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام و أتى بها؛ لبقاء محلّها. و حكم التشهّد الواقع قبل التسليم: أنّه إن وقع في غير محلّه- بأن تشهّد بعد الركعة الاولى في الثنائية، أو تشهّد بعد الثالثة في الرباعية- أوجب سجدتي السهو، بناءً على وجوبه في كلّ زيادة سهوية. و قوله: «مثلًا» للإدراج في المسألة من قام بعد سجدتي الركعة الاولى إلى الركعة الثالثة باعتقاده و أتى بالتسبيحات و الركوع و السجدتين و تشهّد، ثمّ ذكر أنّه نسي الركعة الثانية، فيجعل ما بيده ركعة ثانية و قام للركعة الثالثة و يتمّ صلاته. و من نسي الركعة الأخيرة و ذكرها بعد التسليم و قبل فعل ما يبطل الصلاة سهواً قام و أتمّ أيضاً؛ لبقاء المحلّ، و يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة السلام في غير محلّه. و يدلّ عليه موثّق عمّار المتقدّم. و لو ذكرها بعد التسليم و بعد فعل ما يبطل الصلاة استأنف الصلاة من رأس، من غير فرق بين الرباعية و غيرها. و من نسي أكثر من ركعة واحدة فحكمه حكم من نسي ركعة واحدة فيما ذكر. و من زاد على صلاته ركعة قبل التسليم بطلت صلاته؛ سواء كانت الزيادة بعد التشهّد أو قبله. و من زاد ركعة بعد التسليم فلا أثر له في صلاته.

ص: 180

(مسألة 4): لو علم إجمالًا- قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به،

و قبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه- إمّا بفوات سجدتين من الركعة السابقة، أو القراءة من هذه الركعة، يكتفي بالإتيان بالقراءة على الأقوى. و كذا لو حصل له ذلك بعد الشروع في تكبير القنوت، أو بعد الشروع فيه أو بعده، فيكتفي بالقراءة على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة (1).


1- لو علم إجمالًا أنّ الفائت أحد الأمرين: إمّا السجدتان من الركعة السابقة، و إمّا القراءة من هذه الركعة، و كان حصول العلم قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به، أو قبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدم إتيان تكبير الركوع، فالأقوى الاكتفاء بالإتيان بالقراءة من غير لزوم الإعادة. و الوجه فيه: أنّ الشكّ في إتيان القراءة شكّ في المحلّ، فيجب إتيانها، و الشكّ في فوات السجدتين شكّ بعد تجاوز المحلّ، فالعلم الإجمالي في الحقيقة ينحلّ إلى العلم التفصيلي بتجاوز المحلّ بالنسبة إلى الشكّ في فوات السجدتين بعد أن دخل في قيام الركعة الثانية، و عدم تجاوزه بالنسبة إلى الشكّ في فوات القراءة، فيعمل بمقتضى العلم التفصيلي و يكتفى بالإتيان بالقراءة. و كذا يكتفى بالإتيان بالقراءة فيما لو حصل له العلم الإجمالي المذكور بعد الشروع في تكبير القنوت، أو بعد الشروع في القنوت، أو بعد الفراغ عنه و قبل الركوع، لا لأنّ الشكّ في السجدتين بعد الدخول في القنوت شكّ فيهما بعد تجاوز المحلّ؛ لأنّ القنوت ليس جزءاً من الصلاة، بل لأجل أنّ الشكّ في السجدتين بعد الدخول في قيام الركعة الثانية شكّ بعد تجاوز المحلّ يقيناً، فلا يعتنى به، و الشكّ في القراءة قبل ركوع الركعة الثانية شكّ في المحلّ يقيناً، فيعتنى به و يؤتى بالقراءة، فينحلّ العلم الإجمالي المذكور إلى العلم التفصيلي، هذا. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة؛ لاحتمال نقيصة السجدتين في الواقع. لا يخفى: أنّ تقييد المصنّف رحمه الله حصول العلم الإجمالي بفوات السجدتين من الركعة السابقة أو القراءة من هذه الركعة، بقوله: «قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به، و قبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه» لا وجه له؛ إذ لا أثر للتلبّس بتكبير الركوع على فرض إتيانه، و لا للهويّ إلى الركوع قبل أن يركع-سواءٌ كبّر للركوع أو لا- في انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي المذكور؛ لبقاء محلّ القراءة- على أيّ حال- ما لم يركع، كما لا أثر للدخول في القنوت و الفراغ عنه. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- في المسألة السادسة عشرة من المسائل المتفرّقة في ختام فصل الشكوك- لو علم قبل أن يدخل في الركوع، أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة، أو ترك القراءة، وجب عليه العود لتداركهما و الإتمام، ثمّ الإعادة. و يحتمل الاكتفاء بالإتيان بالقراءة و الإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت، بدعوى: أنّ وجوب القراءة عليه معلومٌ؛ لأنّه إمّا تركها أو ترك السجدتين، فعلى التقديرين يجب الإتيان بها و يكون الشكّ بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الذي هو القنوت(العروة الوثقى 2: 70.) ، انتهى موضع الحاجة. حكمه رحمه الله بوجوب تدارك السجدتين و القراءة لأجل تعارض قاعدة التجاوز فيهما، و تساقطهما، و الرجوع إلى أصالة عدم الإتيان، و قاعدة الاشتغال في كلّ من طرفي العلم الإجمالي، و مقتضى الأصلين تدارك الطرفين معاً، فإذا تداركهما لزم أحد الأمرين: إمّا زيادة السجدتين الموجبة لإعادة الصلاة. و إمّا زيادة القراءة الموجبة لسجدتي السهو؛ و لذا يحكم بالإعادة. و فيه: أنّ قاعدة التجاوز لا تجري بالنسبة إلى القراءة؛ لكون الشكّ فيها شكّاً في المحلّ ما لم يدخل في الركوع.

ص: 181

ص: 182

ص: 183

(مسألة 5): لو علم بعد الفراغ أنّه ترك سجدتين و لم يدرِ أنّهما من ركعة أو ركعتين،

اشارة

فالأحوط أن يأتي بقضاء سجدتين، ثمّ بسجدتي السهو مرّتين، ثمّ أعاد الصلاة. و كذا لو كان في الأثناء لكن بعد الدخول في الركوع. و أمّا لو كان قبل الدخول فيه فله صور لا يسع المجال بذكرها (1).

هنا مسائل ثلاث:
الاولى: أن يحصل العلم بعد الفراغ عن الصلاة بترك سجدتين،

1- مع الشكّ في أنّه من ركعة أو ركعتين. و هذا يتصوّر في كلّ من الصلوات الخمس، و يكون أطراف العلم الإجمالي ثلاثة؛ لاحتمال أن يكون الفائت السجدتين كلتيهما من الركعة السابقة، أو كلتيهما من الركعة اللاحقة، أو إحداهما من السابقة و الاخرى من اللاحقة. و الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله أن يأتي بقضاء السجدتين؛ لاحتمال أن يكون الفائت سجدة واحدة من كلّ من الركعتين، فيقضيهما، ثمّ يسجد سجدتي السهو مرّتين، ثمّ يعيد الصلاة؛ لاحتمال أن يكون الفائت السجدتان، إمّا من الركعة السابقة أو اللاحقة، من غير فرق بين فعل المنافي بعد التسليم، و بين عدمه. و الأقوى: أنّ حصول العلم إن كان قبل فعل المنافي يكون الشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية شكّاً في المحلّ، فيأتي بالمشكوك، و بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى شكّاً بعد تجاوز المحلّ و لا يعتنى به، و يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة التسليم في غير محلّه. و إن كان بعد فعل المنافي فمقتضى قاعدة الفراغ صحّة الصلاة، و مقتضى العلم الإجمالي بترك السجدتين قضاءهما مع سجدتي السهو مرّتين.مع الشكّ المزبور في المسألة الاولى. و هذا يتصوّر في الثلاثية و الرباعية، دون الثنائية. فالأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله إتمام الصلاة؛ لاحتمال أن يكون الفائت السجدة الواحدة من كلّ من الركعتين، ثمّ قضاء السجدتين، و سجود السهو مرّتين، ثمّ إعادة الصلاة؛ لبطلانها قطعاً على احتمال فوتهما من ركعة واحدة؛ سابقة كانت أو لاحقة. و الأقوى: الاكتفاء بقضاء السجدتين و سجود السهو مرّتين؛ و ذلك لاشتغال الذمّة يقيناً على السجدة الثانية من كلّ من الركعتين؛ لعدم سقوط أمره يقيناً. و منشأ اليقين إمّا بطلان الصلاة على فرض فوت السجدتين من ركعة واحدة، و إمّا كون الفائت خصوص الثانية من كلّ من الركعتين؛ فلا يسقط أمرها على أيّ حالٍ. و أمّا السجدة الاولى من كلّ من الركعتين فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز فيها. و في «المستمسك»: إذ لا علم بكذب إحداهما- أي إحدى السجدتين الثانيتين من الركعتين- لاحتمال فوت الثانية فقط من كلّ من الركعتين، و لازم ذلك إتمام الصلاة و قضاء السجدتين(مستمسك العروة الوثقى 7: 616.)، انتهى. أو من كلّ واحدة منهما واحدة- و كان حصول العلم قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، فله صور نذكر بعضها: منها: أن يحصل العلم المذكور حال الجلوس للتشهّد قبل أن يتشهّد، فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى بمجرّد القيام للركعة الثانية، فضلًا عن حال الجلوس للتشهّد فيها. و الشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية شكّ في المحلّ، فيتداركهما و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. نعم، الأحوط استحباباً إعادة الصلاة؛ لاحتمال أن يكون الفائت في الواقع السجدتين من الركعة الاولى. و أحوط منه تدارك السجدتين و إتمام الصلاة، ثمّ قضاء سجدة واحدة؛ لاحتمال كون الفائت سجدة واحدة من كلّ من الركعتين، و سجود السهو مرّة، ثمّ إعادة الصلاة. و منها: أن يحصل العلم المذكور في حال التشهّد، فلا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة الثانية من الركعة الثانية؛ لاشتغال الذمّة بها يقيناً، و عدم سقوط أمرها؛ إمّا لأجل بطلان الصلاة على فرض كون الفائت السجدتين كلتيهما من الركعة الاولى، أو عدم امتثال أمرها على فرض كون الفائت سجدة واحدة من كلّ من الركعتين أو سجدتين من الركعة الثانية. و تجري القاعدة بالنسبة إلى السجدة الاولى من الركعة الاولى بلا معارض. و كذا تجري بالنسبة إلى السجدة الثانية من الركعة الاولى. و السجدة الاولى من الركعة الثانية يجب الرجوع فيها إلى قاعدة الشكّ في المحلّ، فيلزم تدارك سجدتي الثانية- الاولى منها لقاعدة الشكّ في المحلّ، و الثانية منها لما ذكر من اشتغال الذمّة بها يقيناً- و الإتمام. نعم، الاحتياط المذكور في الصورة السابقة حسن هنا أيضاً.

ص: 184

الثانية: أن يحصل العلم بترك سجدتين بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة،
الثالثة: لو علم بترك السجدتين- إمّا من الركعة الاولى، أو من الثانية،

ص: 185

ص: 186

(مسألة 6): لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد،

و لا يدري أنّه ترك السجدة- أيضاً- أم لا، فلا يبعد جواز الاكتفاء بالتشهّد، و الأحوط إعادة الصلاة مع ذلك (1).


1- وجه عدم الاعتناء بالشكّ في ترك السجدة هو كون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً فيها بعد الدخول في الغير- الذي هو القيام إلى الثالثة- لأنّ الغير أعمّ من أن يكون واقعاً في محلّه، أو يكون لغواً زائداً و واقعاً في غير محلّه، كما في المسألة. فلا يعتنى بالشكّ المزبور و يكتفى بالتشهّد فقط. و مع ذلك فالأحوط عند المصنّف رحمه الله و من وافقه إعادة الصلاة؛ لاحتمال نقصان السجدة واقعاً. و فيه: أنّ الظاهر من الغير في أخبار قاعدة التجاوز، ما يكون من الصلاة واقعاً في محلّه لو فرض عدم فوات المشكوك، كما لو شكّ في إتيان التشهّد مع الدخول في قيام الثالثة، فإنّ هذا القيام واقع في محلّه و يكتفى به على فرض عدم فوات التشهّد واقعاً، فبقاعدة التجاوز يحكم بإتيان التشهّد تعبّداً؛ فيكون قيام الثالثة واقعاً في محلّه. و ما نحن فيه ليس كذلك؛ لأنّ المفروض ترك التشهّد يقيناً، فيكون القيام للثالثة لغواً و زائداً قطعاً، و يجب عليه الجلوس. فإذا جلس وجب عليه إتيان السجدة؛ لكون شكّه فيها من قبيل الشكّ قبل تجاوز المحلّ، و لا تجب عليه إعادة الصلاة؛ لعدم حصول العلم بزيادة السجدة. نعم، الاحتياط بإعادة الصلاة بعد إتمامها حسن لأجل احتمال زيادة السجدة في الواقع.

ص: 187

القول في الشكّ

و هو إمّا في أصل الصلاة، و إمّا في أجزائها، و إمّا في ركعاتها:

(مسألة 1): من شكّ في الصلاة فلم يدرِ أنّه صلّى أم لا،

و هو إمّا في أصل الصلاة، و إمّا في أجزائها، و إمّا في ركعاتها (1):

(مسألة 1): من شكّ في الصلاة فلم يدرِ أنّه صلّى أم لا،

فإن كان بعد مُضيّ الوقت لم يلتفت و بنى على الإتيان بها، و إن كان قبله أتى بها، و الظنّ بالإتيان و عدمه هنا بحكم الشكّ (2).


1- و زاد في «العروة الوثقى»: الشكّ في شرائطها(العروة الوثقى 2: 12.)
2- الوجه في البناء على إتيان الصلاة و عدم الالتفات على الشكّ في إتيانها بعد مضيّ الوقت هو صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في حديث، قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها، صلّيتها. و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و هذا الصحيح هو الوجه أيضاً في وجوب الاعتناء بالشكّ و لزوم الإتيان بها إذا كان شكّه في الوقت. و لا يخفى أنّ مقتضى الأصل في الشكّ بعد مضيّ الوقت- مع قطع النظر عن النص المزبور- هو سقوط التكليف الثابت في الوقت بعد خروج الوقت؛ حيث إنّ التكليف بالقضاء منوط بثبوت الفوت و هو مشكوك فيه، فيرجع في نفي التكليف بالقضاء إلى أصالة البراءة. و استصحاب عدم إتيان المشكوك في وقته لإثبات الفوت الموجب للقضاء مثبت. هذا بالنسبة إلى الشكّ بعد مضي الوقت، و أمّا الشكّ في الوقت فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الإتيان بالفعل بل استصحاب عدم إتيان الفعل يقتضي وجوب إتيانه، و حينئذٍ يرتفع الشكّ واقعاً تعبّداً، و مع ارتفاع الشكّ لا يبقى مورد لجريان قاعدة الاشتغال لكونها محكوماً عليها للاستصحاب. ثمّ إنّه لا اعتبار بالظنّ بالإتيان و عدمه هنا، فلو ظنّ في الوقت بإتيان الصلاة أتى بها، كما أنّه لو ظنّ بعدم إتيانها بعد مضيّ الوقت لم يعتن به و بنى على الإتيان بها؛ و ذلك لأنّ المراد من الشكّ في النصّ المزبور هو خلاف اليقين الشامل للظنّ أيضاً، و ليس المراد منه خصوص الشكّ المصطلح، و هو تساوي الطرفين.

ص: 188

(مسألة 2): لو علم أنّه صلّى العصر، و لم يدرِ أنّه صلّى الظهر أيضاً أم لا،

فالأحوط- بل الأقوى- وجوب الإتيان بها؛ حتّى فيما لو لم يبقَ من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر (1).


1- لو علم أنّه صلّى العصر و شكّ في داخل الوقت في أنّه صلّى الظهر أيضاً أم لا، ففي وجوب إتيان الظهر و عدمه وجهان؛ الأحوط لو لم يكن الأقوى هو الأوّل. وجه الوجوب صحيح زرارة و الفضيل المتقدّم: «.. . أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... صلّيتها». بل الأقوى وجوب الإتيان بالظهر؛ حتّى فيما لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر؛ لأنّ آخر الوقت بمقدار أربع ركعات، بل بمقدار ركعة واحدة، و إن كان مختصّاً بصلاة العصر- بحيث لا يصحّ إتيان الظهر في ذلك الوقت عمداً- و لكن اختصاص ذلك الوقت بالعصر إنّما هو فيما اشتغلت ذمّته بها و لم يصلّها. و أمّا فيما علم بإتيانها صحيحة و تيقّن بفراغ الذمّة منها- كما هو مفروض المسألة- فلا يجوز له إخلاء ذلك الوقت عن صلاة الظهر. و قد تقدّم- في ضمن البحث عن المسألة السابعة من مسائل المقدّمة الاولى «في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها»- ما ينفعك هنا، فراجع. و وجه عدم الوجوب صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضي الحائل و الشكّ جميعاً، فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت، إلّا أن يستيقن؛ لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 2.) و في «المستمسك»: و لا مجال لمعارضته بمثل مصحّح الفضيل و زرارة المتقدّم- الدالّ على وجوب الفعل مع الشكّ في الوقت- و إن كان بينهما عموم من وجه؛ لأنّ ظاهر الثاني كون الحكم لحيثية الشكّ في الوقت، و ظاهر الأوّل كون الحكم لحيثية الشكّ بعد فعل الحائل، و هما لا يتنافيان؛ لأنّ الأوّل من قبيل اللامقتضي، و الثاني من قبيل المقتضي(مستمسك العروة الوثقى 7: 424.) أقول: و مورد اجتماعهما هو الشكّ في الوقت في إتيان الظهر بعد أن يصلّي العصر، و مورد افتراق الأوّل- أي صحيح زرارة- هو الشكّ في الظهر خارج الوقت بعد أن يصلّي العصر، و مورد افتراق الثاني- أي مصحّح زرارة و الفضيل- هو الشكّ في الوقت في إتيان الظهر قبل أن يصلّي العصر. و قد يوجّه عدم وجوب إتيان الظهر أيضاً بقاعدة التجاوز المثبتة لوجود المشكوك المتجاوز عنه تعبّداً، و إن كان الشكّ بعد الفراغ من العصر. و مثله ما لو شكّ في التسليم و قد فرغ من التعقيب.

ص: 189

ص: 190

نعم لو لم يبقَ إلّا هذا المقدار، و علم بعدم الإتيان بالعصر، و كان شاكّاً في الإتيان بالظهر، أتى بالعصر و لم يلتفت إلى الشكّ. و أمّا لو شكّ في إتيان العصر في الفرض فيأتي به، و الأحوط قضاء الظهر. و كذا الحال فيما مرّ بالنسبة إلى العشاءين (1).


1- إذا لم يبق من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر و تيقّن في ذلك الوقت بعدم إتيان العصر، وجب عليه إتيانه. و إن كان شاكّاً في ذلك الوقت في إتيان الظهر لم يلتفت إلى شكّه؛ لكون الشكّ بالنسبة إليه شكّاً بعد الوقت. و لو شكّ في وقت اختصاص العصر في إتيان الظهر و العصر معاً كان شكّه بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت؛ فلا يعتنى به، و بالنسبة إلى العصر شكّاً في الوقت أتى به. و وجه الاحتياط في قضاء الظهر هو اشتراك صلاة الظهر و العصر في جميع الوقت- من أوّل الزوال إلى استتار القرص- إلّا أنّ هذه قبل هذه؛ فيكون الشكّ في ذلك الوقت شكّاً في الوقت بالنسبة إلى الظهر أيضاً. ثمّ إنّ العشاءين كالظهرين في تمام الأحكام المذكورة في المسألة الثانية من المتن؛ لوحدة الملاك. فرع إذا شكّ في فعل الصلاة و قد بقي من الوقت مقدار ركعة، فهل ينزل منزلة تمام الوقت، أو لا؟ وجهان مبنيان على أنّ المراد من الوقت في قوله عليه السلام: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة» هل هو الأعمّ من الوقت الحقيقي- أي كان الوقت مقدار تمام الصلاة- و التنزيلي- أي كان مقدار ركعة منها- حيث إنّ إدراك ركعة من الصلاة في الوقت بمنزلة إدراك تمام الصلاة فيه؛ للأخبار المعتبرة؛ منها النبوي المشهور: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(ذكرى الشيعة 2: 352.) وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) . أو خصوص الوقت الحقيقي؛ لانصراف الوقت في قوله عليه السلام: «شككت في وقت فريضة» إليه؟ فعلى الأوّل يعتنى بالشكّ، دون الثاني. و لا يخفى: أنّ الوجه الأوّل أظهر، و هو الأقوى، فيحمل النصّ: «وقت فريضة» عليه. و على فرض تساوي الاحتمالين يكون النصّ مجملًا غير قابل للاستدلال به، فيرجع إلى استصحاب شغل الذمّة في الوقت التنزيلي، و مقتضاه الاعتناء بالشكّ في ذلك الوقت. هذا كلّه فيما إذا بقي من الوقت مقدار ركعة. و أمّا لو بقي منه أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج؛ لعدم صدق وقت الفريضة عليه، لا حقيقة و لا تنزيلًا، بل يصدق عليه خروج الوقت بقسميه؛ فلو شكّ في ذلك الوقت في إتيان الصلاة لا يعتنى به. و في «المستمسك»: اللهمّ إلّا أن يكون المراد منه الشكّ بعد خروج تمام الوقت، لكنّه غير ظاهر(مستمسك العروة الوثقى 7: 427.)

ص: 191

ص: 192

(مسألة 3): إن شكّ في بقاء الوقت و عدمه يلحقه حكم البقاء.

(مسألة 3): إن شكّ في بقاء الوقت و عدمه يلحقه حكم البقاء (1).

(مسألة 4): لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا،

فإن كان في وقت الاختصاص بالعصر بنى على الإتيان بالظهر، و إن كان في وقت المشترك بنى على عدم الإتيان بها، فيعدل إليها (2).


1- الوجه في الحكم المذكور هو استصحاب بقاء الوقت.
2- وجه البناء على الإتيان بالظهر فيما لو شكّ و كان حدوث شكّه في أثناء صلاة العصر الواقعة في الوقت المختصّ بها، هو كون شكّه شكّاً بعد خروج الوقت. و أمّا فيما إذا كان شكّه في أثناء العصر الواقعة في الوقت المشترك فيبني على عدم إتيان الظهر؛ فيشمله قوله عليه السلام في صحيح الفضيل و زرارة المتقدّم: «أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... صلّيتها» ، هذا. مضافاً إلى أنّ مقتضى استصحاب شغل الذمّة بالظهر هو البناء على عدم الإتيان بها، فكان بمنزلة من تذكّر في أثناء العصر أنّه لم يفعل الظهر، فوجب عليه العدول من العصر إلى الظهر.

ص: 193

(مسألة 5): لو علم أنّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر، و لم يدرِ المعيّن منهما،

فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر يأتي به، و الأحوط قضاء الظهر، و إن كان في الوقت المشترك أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة (1).


1- لو علم أنّه صلّى إحدى الظهرين و لم يدر المعيّن منهما، فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر ففي الحقيقة يحصل له شكّان: أحدهما بالنسبة إلى خصوص الظهر، فهو شكّ بعد الوقت فلا يعتني به، و الآخر بالنسبة إلى خصوص العصر، و هو شكّ في وقتها فيعتني به و يأتي بها. و وجه الاحتياط في قضاء الظهر: احتمال أن تكون المأتي بها المردّدة بين الظهر و العصر هي العصر واقعاً، و بإتيانها في الوقت المختصّ بها تكرّر هي، و تفوت الظهر في الوقت فيقضيها. و لا يخفى: أنّ الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر- في أنّ المأتي بها هل هي الظهر، أم هي العصر- يصلح أن يكون شكّاً في الوقت بالنسبة إلى الظهر، بناءً على الاحتمال المذكور- و أنّ المأتي بها المردّدة هي العصر واقعاً- كما أنّه يصلح أن يكون شكّاً بعد الوقت، بناءً على احتمال عدم إتيان العصر واقعاً. و بالجملة: يحتمل كون الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر شكّاً في الوقت بالنسبة إلى الظهر، كما يحتمل كونه شكّاً بعد الوقت بالنسبة إليها. و الاحتمالان متساويان؛ فيرجع إلى قاعدة الاشتغال، و مقتضاها وجوب إتيان أربع ركعات مردّدة بين الظهر و العصر. و في «المستمسك»: نعم يمكن إثبات الاختصاص بالعصر بأصالة عدم فعلها. و لا يعارض بأصالة عدم فعل الظهر؛ لأنّه لا ينفي ذلك- أعني الاختصاص بالعصر- بل إذا ثبت اختصاص الوقت بالعصر كانت قاعدة الشكّ بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر حاكمة على أصالة عدم الإتيان بها؛ فيمتنع التعارض بينهما(مستمسك العروة الوثقى 7: 429.) ، انتهى. هذا كلّه إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر. و لو كان في الوقت المشترك أو في خارج الوقت، أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، و به يحصل فراغ الذمّة، و لم تشتغل ذمّته بأزيد من ذلك.

ص: 194

و لو علم أنّه صلّى إحدى العشاءين، ففي الوقت المختصّ بالعشاء يأتي به و يقضي المغرب احتياطاً، و في الوقت المشترك يأتي بهما (1).

(مسألة 6): إنّما لا يعتني بالشكّ في الصلاة بعد الوقت،

و يبني على إتيانها فيما إذا كان حدوثه بعده. فإذا شكّ فيها في أثناء الوقت، و نسي الإتيان بها حتّى خرج الوقت، وجب قضاؤها (2).


1- الكلام في هذه المسألة، هو الكلام في المسألة السابقة حرفاً بحرف، إلّا أنّه في الوقت المختصّ بالعشاء يأتي بها و يقضي المغرب احتياطاً، و في الوقت المشترك أو في خارج الوقت يأتي بالعشاءين؛ لأنّ الفراغ اليقيني لا يحصل إلّا بذلك، بخلاف المسألة السابقة فقد يكفي فيها إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة؛ لكون الصلاتين متّحدتين في الركعات.
2- المراد من الشكّ بعد الوقت- الذي لا يعتنى به، بل يبنى على إتيان الصلاة- هو الشكّ الحادث بعد الوقت واقعاً. و على هذا: فلو شكّ في أثناء الوقت و كانت وظيفته الإتيان بالصلاة، و نسي و لم يأت بها في الوقت و تذكّر بعد الوقت، فهو و إن كان شاكّاً في خارج الوقت في إتيان الصلاة في وقتها؛ لكنّه يعتني بشكّه؛ لكون شكّه حادثاً في أثناء الوقت، و يجب عليه قضاؤها لاستصحاب شغل الذمّة.

ص: 195

(مسألة 7): لو شكّ في الإتيان و اعتقد أنّه خارج الوقت،

ثمّ تبيّن بعده أنّ شكّه كان في أثنائه، قضاها. بخلاف العكس؛ بأن اعتقد حال الشكّ أنّه في الوقت، فترك الإتيان بها عمداً أو سهواً، ثمّ تبيّن أنّه كان خارج الوقت، فليس عليه القضاء (1).

(مسألة 8): حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة و عدمه حكم غيره،

فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت و خارجه. و أمّا الوَسواسيّ فالظاهر أنّه لا يعتني بالشكّ و إن كان في الوقت (2).


1- يجب القضاء فيما لو شكّ في الإتيان و اعتقد أنّه خارج الوقت و لم يعتنِ بشكّه، ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان في أثناء الوقت؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال، حيث إنّ الاعتبار بزمان حدوث الشكّ، و هو أثناء الوقت في الواقع، و لا اعتبار بما اعتقده مع كشف خلافه.
2- سيأتي تعريف كثير الشكّ في المسألة الاولى من مسائل «القول في الشكوك التي لا اعتبار بها». و يجري في كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة و عدمه التفصيل بين كونه في الوقت و خارجه. فالشاكّ بالشكّ المتعارف لا يعتني بشكّه إذا كان في خارج الوقت، و كذا كثير الشكّ. و أمّا في أثناء الوقت فلا فرق بين كثير الشكّ و الشاكّ المتعارف في اعتناء كلّ منهما بشكّه في إتيان الصلاة و عدمه ما دام لم يبلغ شكّه حدّ الوسواس. و هذا القول هو المشهور بين فقهائنا. و يدلّ عليه إطلاق دليل وجوب الاعتناء بالشكّ في وقت الفريضة، خرج منه كثير الشكّ الذي كان متعلّق شكّه أجزاء الصلاة- ركعة كانت أو غيرها- كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا؟ و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟ فقال: «لا يسجد و لا يركع، و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً ...»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) الحديث، فمورد هذا الموثّق هو كثير الشكّ في الأجزاء- كالركوع و السجود- فلا يشمل كثير الشكّ في نفس الصلاة؛ فيبقى هو تحت عموم صحيح الفضيل و زرارة المتقدّم: «أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... صلّيتها»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و ذهب النراقي رحمه الله في «المستند»- تبعاً لبعض مشايخه- إلى عدم التفات كثير الشكّ إلى شكّه في أصل صلاته و المضيّ فيها. قال: لو شكّ كثير الشكّ في أصل فعل الصلاة لا يلتفت إليه و يبني على الفعل، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين. و تدلّ عليه العلّة المتقدّمة(مستند الشيعة 7: 200.) ، انتهى. مراده من العلّة المتقدّمة، ما ورد في بعض الروايات من عدم تعويد الشيطان، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك؛ فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح زرارة و أبي بصير جميعاً قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: «يعيد»، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال: «يمضي في شكّه»، ثمّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ»، قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.) و أجاب عنه في «المستمسك»: بأنّه يتوقّف على إحراز كون كثرة الشكّ هنا من الشيطان، و هو غير ظاهر مطلقاً. و كونه من الشيطان إذا كان يؤدّي إلى نقض الصلاة، لا يلزم كونه كذلك في غيره(مستمسك العروة الوثقى 7: 431.) ، انتهى. ثمّ إنّ التفات كثير الشكّ في أصل صلاته إلى شكّه في الوقت إنّما هو فيما لم يبلغ حدّ الوسواس، فإذا بلغ ذلك الحدّ فالظاهر أنّه لا يلتفت إلى شكّه، بل يبني على الإتيان؛ للإجماع على حرمة العمل عليه.

ص: 196

ص: 197

ص: 198

القول في الشكّ في شي ء من أفعال الصلاة

(مسألة 1): من شكّ في شي ء من أفعال الصلاة: فإن كان قبل الدخول في غيره
اشارة

ممّا هو مترتّب عليه وجب الإتيان به، كما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل في القراءة حتّى الاستعاذة، أو في الحمد قبل الدخول في السورة، أو فيها قبل الأخذ في الركوع، أو فيه قبل الهويّ إلى السجود، أو فيه قبل القيام أو الدخول في التشهّد (1).


1- وجه إتيان ما شكّ فيه من أفعال الصلاة إذا كان قبل الدخول في غيره كالأمثلة المذكورة في المتن- مضافاً إلى استصحاب عدم إتيان المشكوك و اشتغال الذمّة به- هو صحيح عمران بن علي الحلبي قال: قلت: الرجل يشكّ و هو قائم، فلا يدري أركع أم لا؟ قال: «فليركع»(وسائل الشيعة 6: 315، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ و هو قائم، فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال: «يركع و يسجد»(وسائل الشيعة 6: 316، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، الحديث 2.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل رفع رأسه عن السجود، فشكّ قبل أن يستوي جالساً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»، قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»(وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 6.) و قد يستدلّ أيضاً بمفهوم الشرط في بعض النصوص، كذيل صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه»(وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 4.) و يظهر من بعض الأخبار وجوب إتيان المشكوك مطلقاً، كما في صحيح أبي بصير و الحلبي جميعاً في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع؟ قال: «يركع»(وسائل الشيعة 6: 316، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، الحديث 4.) و صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل سها، فلم يدرِ سجدة سجد أم ثنتين؟ قال: «يسجد اخرى، و ليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 368، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 1.) و صحيح زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل شُبّه عليه، فلم يدرِ واحدة سجد أو ثنتين؟ قال: «فليسجد اخرى»(وسائل الشيعة 6: 368، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 2.) . و غيره من بعض روايات الباب الخامس عشر من أبواب السجود من «الوسائل». هذه الروايات و إن كانت مطلقة، لكنّها تحمل على ما لم يدخل في الغير، بقرينة الصحاح المتقدّمة المقيّدة بعدم الدخول في الغير. و يظهر من بعض الأخبار أيضاً المضيّ في الصلاة و عدم الاعتناء بالشكّ فيما لو شكّ في الركوع و هو قائم، كما في صحيح الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أستتمّ قائماً، فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: «بلى قد ركعت، فامض في صلاتك، فإنّما ذلك من الشيطان»(وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 3.) و أجاب عنه الشيخ في «التهذيب» و قال: فليس بمنافٍ لما ذكرناه؛ لأنّه إنّما أراد عليه السلام إذا استتمّ قائماً من الركعة الرابعة؛ فلا يدري أركع في الثالثة أم لا، فحينئذٍ يجب عليه المضيّ في صلاته؛ لأنّه صار من القسم الثاني الذي قدّمناه، و هو أنّه إذا شكّ في الركوع و قد دخل في حالة اخرى يمضي في صلاته(تهذيب الأحكام 2: 151/ ذيل الحديث 592.) ، انتهى. و أجاب صاحب «الوسائل» رحمه الله بقوله: و يمكن الحمل على كثير السهو بقرينة آخره، انتهى. أقول: آخره قرينة على حمله على صورة الوسواس.

ص: 199

ص: 200

ص: 201

و إن كان بعد الدخول في غيره ممّا هو مترتّب عليه- و إن كان مندوباً- لم يلتفت و بنى على الإتيان به؛ من غير فرق بين الأوّلتين و الأخيرتين، فلا يلتفت إلى الشكّ في الفاتحة و هو آخذ في السورة، و لا فيها و هو في القنوت، و لا في الركوع أو الانتصاب منه و هو في الهويّ للسجود، و لا في السجود و هو قائم أو في التشهّد، و لا فيه و هو قائم، بل و هو آخذ في القيام على الأقوى. نعم لو شكّ في السجود في حال الأخذ في القيام يجب التدارك (1).


1- وجه عدم الالتفات إلى الشكّ و البناء على الإتيان فيما كان بعد الدخول في الغير، هو صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة و قد ركع؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع و قد سجد؟ قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة، إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيح إسماعيل بن جابر المتقدّم، فراجع. و صحيح حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشكّ و أنا ساجد، فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: «امض»(وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع؟ قال: «يمضي في صلاته»(وسائل الشيعة 6: 318، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 5.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أهوى إلى السجود، فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال: «قد ركع»(وسائل الشيعة 6: 318، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 6.) هل هو خصوص الجزء الواجب من أجزاء الصلاة، أو أعمّ منه و من الأجزاء المستحبّة، كما لو شكّ في التكبير و قد دخل في الاستعاذة، أو شكّ في القراءة و قد دخل في القنوت. الأقوى هو الثاني؛ و ذلك لإطلاق لفظ «الغير» في النصوص. و حكي عن «الذكرى» و «إرشاد الجعفرية» و «الروض» و «الروضة»: أنّه يعتني بالشكّ و يلزم التدارك فيما كان الغير من المندوبات. و فيه: أنّ تقييد المطلق يحتاج إلى دليل، و هو مفقود. بين الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين، و هذا هو المشهور بين الأصحاب، و هو الأقوى. و الدليل عليه إطلاق نصوص المسألة، و خصوص صحيح زرارة المتقدّم: «رجل شكّ في التكبير و قد قرأ»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) ، و هو صريح في الركعة الاولى. و ذهب جماعة من القدماء- كالشيخين و ابن حمزة و العلّامة- إلى الاختصاص بالركعتين الأخيرتين. و أمّا في الركعتين الأوّلتين فيعتني بشكّه. و استدلّوا بأخبار كثيرة ذكرها الشيخ في «التهذيب» في الباب العاشر- باب أحكام السهو في الصلاة و ما يجب منه إعادة الصلاة- و هو رحمه الله عنون كلام الشيخ المفيد رحمه الله بهذه العبارة: «و كلّ سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأوّلتين من فرائضه فعليه إعادة الصلاة»(تهذيب الأحكام 2: 176، الباب 10.) و نحن نذكر بعض تلك الأخبار: منها: صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه تعالى على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم، يعني سهواً، فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و منها: موثّق سماعة قال: قال عليه السلام: «إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين من الظهر و العصر، فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 191، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 17.) ، و غيرهما من روايات الباب. و منها: رواية «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: «لا يكون السهو في خمس: في الوتر، و الجمعة، و الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة مكتوبة، و في الصبح، و في المغرب»(وسائل الشيعة 8: 197، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 14.)و اجيب: بأنّ هذه الروايات و إن كانت صريحة في وجوب الالتفات إلى الشكّ في الركعتين الأوّلتين، و لكنّها محمولة على ما إذا كان الشكّ في عدد الركعات. و هذا ممّا لا ينكر من أحدٍ، و ليس محلّ البحث. و موضوع البحث هو الشكّ في إتيان جزء من أجزاء الصلاة مع الدخول في غيره؛ فإنّه لا يلتفت إلى الشكّ فيه و يمضي في الصلاة، و إن كان ذلك الجزء من الأجزاء في الركعتين الأوّلتين؛ حتّى تكبيرة الإحرام، كما هو صريح صحيح زرارة المتقدّم: «رجل شكّ في التكبير و قد قرأ». المترتّب على المشكوك فيه، أو الأعمّ منه و ممّا هو مقدّمة للجزء، كالهويّ للسجود و النهوض للقيام و الأخذ فيه؟ نسب الثاني إلى المشهور، و هو الأقوى؛ لإطلاق لفظ «الغير» في النصوص. فلو شكّ في الركوع حال الهويّ للسجود فلا يلتفت إليه و يمضي في صلاته. و كذا لو شكّ في التشهّد حال النهوض إلى القيام فلا يعتني به. نعم، لو شكّ في السجود حال النهوض إلى قيام الركعة اللاحقة وجب التدارك؛ و ذلك للنصّ الخاصّ؛ و هو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل رفع رأسه عن السجود، فشكّ قبل أن يستوي جالساً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»، قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»(وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 6.) و لا يلحق به- أي بالشكّ في السجود- الشكّ في التشهّد حال النهوض إلى القيام، و الفارق النصّ. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: نعم لو شكّ في السجود- و هو آخذ في القيام- وجب عليه العود. و في إلحاق التشهّد به في ذلك وجه، إلّا أنّ الأقوى خلافه. فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت. و الفارق النصّ الدالّ على العود في السجود؛ فيقتصر على مورده و يعمل بالقاعدة في غيره(العروة الوثقى 2: 15.) ، انتهى. و وجه إلحاق التشهّد بالسجود هو أنّ المراد من «الغير» في النصوص ما كان من أفعال الصلاة، و النهوض ليس منها، بل هو مقدّمة للقيام، و في الحقيقة لم يتحقّق التجاوز إلى الغير. كما أنّ الهويّ إلى السجود أيضاً ليس منها، بل هو مقدّمة للسجود، و لذا أفتى جماعة من محشّي «العروة الوثقى» بأنّه لو شكّ في الركوع حال الهويّ إلى السجود، أو في السجود أو التشهّد حال النهوض إلى القيام، رجع. و حينئذٍ: يكون خروج المقدّمات عن الغير من باب التخصّص. و فيه: أنّ «الغير» في النصوص مطلق يشمل المقدّمات أيضاً، إلّا أنّه خرج خصوص الشكّ في السجود حال النهوض إلى القيام بالنصّ؛ فتكون القاعدة مخصّصة بالدليل، و يبقى الباقي تحت القاعدة. أو الأعمّ منه و من المستحبّ؟ الأقوى هو الثاني؛ فلو شكّ في الأذان و الإقامة بعد الدخول في التكبيرة، و في الاستعاذة بعد الدخول في القراءة، و في قوله: «بسم اللَّه و باللَّه» بعد الدخول في التشهّد، و هكذا، فلا يعتني به. و الدليل عليه هو إطلاق لفظ «الشي ء» في النصوص، كما في صحيح زرارة المتقدّم «إذا خرجت من شي ء» و غيره، هذا. مضافاً إلى أنّ الصحيح صريح في عدم الالتفات إلى الشكّ في الأذان و الإقامة بعد الدخول في تكبيرة الإحرام.

ص: 202

بقي الكلام هنا في امور:
الأوّل: أنّ المراد من الغير في قاعدة التجاوز
الثاني: لا فرق في عدم الالتفات إلى الشكّ فيما دخل في الغير

ص: 203

ص: 204

الثالث: المراد من «الغير» في قاعدة التجاوز هل هو خصوص الجزء

ص: 205

الرابع: هل المراد من المشكوك فيه في قاعدة التجاوز هو خصوص الواجب،

ص: 206

(مسألة 2): الأقوى في البناء على الإتيان- و عدم الاعتناء بالشكّ- بعد الدخول في الغير،

عدمُ الفرق بين أن يكون الغير من الأجزاء المستقلّة- كالأمثلة المتقدّمة- و بين غيرها، كما إذا شكّ في الإتيان بأوّل السورة و هو في آخرها، أو أوّل الآية و هو في آخرها، بل أوّل الكلمة و هو في آخرها؛ و إن كان الأحوط الإتيان بالمشكوك فيه بقصد القُربة المطلقة (1).


1- المراد من «الشي ء» المتجاوز عنه و «الغير» المتجاوز إليه- في صحيحي زرارة و إسماعيل بن جابر المتقدّمين: «إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره» ، و «كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره» - هل هو خصوص الأجزاء المستقلّة، أو الأعمّ منها و من غير المستقلّة؟ فيه خلاف. و المراد من الأجزاء المستقلّة، هو الأجزاء المفردة بالتبويب، كالتكبير، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهّد- مثلًا- كما مثّل بها في النصوص. و المراد من غير المستقلّة أبعاض الأجزاء، كالحمد و السورة بالنسبة إلى القراءة، و الآيات بعضها بالنسبة إلى بعض، و كذا الجملات و الكلمات و حروفها. و يتفرّع عليه: أنّه بناءً على الاختصاص بخصوص الأجزاء المستقلّة يلزم الالتفات إلى الشكّ فيما لو شكّ في قراءة الحمد بعد أن دخل في السورة- مثلًا- لعدم كون إحداهما غيراً بالنسبة إلى الاخرى، و كذا لو شكّ في آية بعد الدخول في آية اخرى، فضلًا عمّا لو شكّ في جملة بعد الدخول في جملة اخرى، أو في كلمة بعد كلمة اخرى، أو حرف بعد حرف آخر. و بناءً على كون «الشي ء» و «الغير» أعمّ يلزم عدم الالتفات إلى الشكّ و وجوب المضيّ في الصلاة. مقتضى إطلاق لفظ «الشي ء» و «الغير» الواقعين في الصحيحين، شمولهما لأبعاض الأجزاء؛ حتّى أبعاض الأبعاض. و الاكتفاء في النصوص بالأبعاض المستقلّة إنّما هو من باب المثال. و مقتضى الاحتياط هو الإتيان بالمشكوك فيه بقصد القربة المطلقة في الأجزاء الغير المستقلّة. و لا يترك الاحتياط فيما شكّ في إتيان كلمة بعد الدخول في كلمة اخرى، فضلًا عمّا لو شكّ في حرف بعد الدخول في حرف آخر؛ فيلتفت إلى الشكّ؛ و ذلك للشكّ في صدق الخروج عن شي ء و الدخول في غيره.

ص: 207

(مسألة 3): لو شكّ في صحّة ما وقع و فساده- لا في أصل الوقوع- لم يلتفت و إن كان في المحلّ؛

و إن كان الاحتياط في هذه الصورة بإعادة القراءة و الذكر بنيّة القُربة، و في الرُّكن بإتمام الصلاة ثمّ الإعادة مطلوباً (1).


1- وجه عدم الالتفات إلى شكّه فيما دخل في غيره- مع كون الشكّ في صحّة المأتي به لا في أصل وقوعه- هو شمول قاعدة التجاوز لموارد الشكّ في صحّة الموجود، باعتبار رجوعه إلى الشكّ في وجود الصحيح مع التجاوز عن محلّه. و إن أبيت عن جريان قاعدة التجاوز إلّا فيما شكّ في أصل وجود الشي ء فقط، فنقول: الوجه في عدم الالتفات إلى شكّه في المسألة، و كذا فيما لم يدخل في غيره، هو جريان قاعدة الفراغ فيه؛ لأنّ موضوعها الشكّ في صحّة الموجود، فيشملهما موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.) ؛ سواءٌ دخل في غيره أم لا. و لا إشكال في حسن الاحتياط بالتدارك و إعادة ما شكّ في صحّته فيما لم يكن ركناً، كالقراءة في الركعتين الأوّلتين، و الذكر في الركعتين الأخيرتين، و غيرهما كالتشهّد. و الاحتياط فيما كان مشكوك الصحّة من الأركان بإتمام الصلاة و إعادتها. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قال بصحّة ما وقع. و استدلّ بأصالة الصحّة في كلّ ما يقع من المسلم(جواهر الكلام 12: 325.) ثمّ إنّ السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» استثنى تكبيرة الإحرام من موارد التدارك، و ألحقها بالأفعال في الإتمام و الإعادة و قال: و إن كان الأحوط الإتمام و الاستئناف إن كان من الأفعال، و التدارك إن كان من القراءة أو الأذكار، ما عدا تكبيرة الإحرام(العروة الوثقى 2: 6.) و الظاهر: أنّه لا وجه للإلحاق إلّا كون التكبيرة من الأركان، كالركوع، و السجود. و فيه: أنّه يمكن تدارك التكبيرة بنية الذكر و قصد القربة المطلقة. و التكبير بقصد الذكر أمره دائر بين تكبيرة الإحرام على فرض فساد تكبيره أوّلًا، و بين الذكر المطلق الذي هو حسن في كلّ حال على فرض صحّته؛ فلا حاجة في الاحتياط بالنسبة إلى التكبيرة إلى الإتمام و الإعادة.

ص: 208

ص: 209

(مسألة 4): لو شكّ في التسليم لم يلتفت إن كان قد دخل فيما هو مترتّب على الفراغ من التعقيب و نحوه،

أو في بعض المنافيات أو نحو ذلك ممّا لا يفعله المصلّي إلّا بعد الفراغ (1)،


1- لو شكّ في التسليم و كان قبل الدخول فيما يفعل بعد الفراغ عن الصلاة، فلا إشكال و لا خلاف في الالتفات إلى شكّه و وجوب التسليم عليه؛ لكونه من قبيل الشكّ في المحلّ، فيعتني به؛ لاستصحاب عدم إتيان المشكوك، و قاعدة الاشتغال. و لو كان الشكّ فيه بعد الدخول فيما هو مترتّب على الفراغ من الصلاة- كالتعقيب و قراءة القرآن و بعض منافيات الصلاة و لو كان صلاة اخرى- لم يلتفت إلى شكّه؛ و ذلك لقاعدة التجاوز، حيث إنّه لا يشترط فيها كون المتجاوز عنه و المتجاوز إليه- المعبّر عنهما في النصوص ب «الشي ء» و «الغير»- مركّباً، بل يشمل ما لم يكن المتجاوز إليه- الغير- من أجزاء ما قبله. و بعبارة واضحة: لا يشترط في قاعدة التجاوز كون الغير من ضمائم ما قبله، بل تجري و لو كان الغير المدخول فيه فعلًا من الأفعال و مستقلًاّ في نفسه، و لكن كان مترتّباً على التسليم، كالأمثلة المذكورة في المتن. و نظيره الشكّ في الأذان أو جزئه الأخير بعد أن دخل في الإقامة، و الشكّ في الجزء الأخير من الإقامة بعد أن كبّر. و بالجملة: أنّ التسليم قد اعتبر له محلّ خاصّ؛ و هو قبل تحقّق ما ينافيه، و قد شكّ في إتيانه بعد أن دخل في الغير؛ سواء كان ذلك الغير تعقيباً أو قراءة قرآن أو صلاة اخرى أو فعلًا من المنافيات. و من هذا البيان يظهر ما فيما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله القائل بوجوب الاعتناء بالشكّ في التسليم بعد الدخول في التعقيب؛ لعدم جريان قاعدة التجاوز. و علّله بقوله: إذ ليس للتسليم محلّ خاصّ بالإضافة إلى التعقيب؛ لعدم كونه مشروطاً بالسبق و التقدّم ليصدق التجاوز، و إنّما التعقيب ملحوظ فيه التأخّر، و قد عرفت: أنّ العبرة بالأوّل دون الثاني. إلى أن قال رحمه الله: و يزيدك وضوحاً: أنّها لو كانت جارية في المقام كان اللازم جريانها لو شكّ حال التعقيب في أصل الصلاة؛ لوحدة المناط؛ إذ التعقيب كما أنّه مترتّب على التسليم، مترتّب على الصلاة أيضاً(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 145- 146.) ، انتهى موضع الحاجة. و فيه أوّلًا: أنّ محلّ التسليم إنّما هو قبل الدخول في التعقيب، و التعقيب مترتّب عليه. و في «المستمسك» علّل جريان قاعدة التجاوز في التسليم بعد الدخول في التعقيب بقوله: إذ التعقيب لمّا كان مرتّباً على التسليم، كان الشكّ في التسليم بعد الدخول فيه موضوعاً لقاعدة التجاوز(مستمسك العروة الوثقى 7: 444.) ، انتهى. و ثانياً: أنّ قياس ما نحن فيه على الشكّ في أصل الصلاة حال التعقيب مع الفارق، حيث إنّ المانع من جريان قاعدة التجاوز في المقيس عليه موجود- و هو كون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في الوقت- و لذا لو دخل في صلاة العصر و شكّ في الظهر و كان في الوقت المشترك لا تجري قاعدة التجاوز، بل عدل إلى الظهر.

ص: 210

ص: 211

كما أنّ المأموم لو شكّ في التكبير مع اشتغاله بفعل مترتّب عليه- و لو كان بمثل الإنصات المستحبّ في الجماعة و نحو ذلك- لم يلتفت (1).

(مسألة 5): ما شكّ في إتيانه في المحلّ فأتى به، ثمّ ذكر أنّه فعله، لا يُبطل الصلاةَ

إلّا أن يكون رُكناً. كما أنّه لو لم يفعله مع التجاوز عنه فبان عدم إتيانه، لم يبطل ما لم يكن ركناً و لم يمكن تداركه؛ بأن كان داخلًا في ركن آخر، و إلّا تداركه مطلقاً (2).


1- الوجه في عدم التفات المأموم إلى شكّه في التكبير مع اشتغاله بما يترتّب عليه من المستحبّات للمأموم حال قراءة الإمام بعد انعقاد الجماعة- كالذكر و الإنصات- هو جريان قاعدة التجاوز. و في «الجواهر»: و لو كان المكلّف على هيئة المصلّي، كما لو كان منصتاً أو مشغولًا بتسبيح حال قراءة الإمام و شكّ في التكبير- مثلًا- فيمكن القول بعدم الالتفات؛ لأنّ هذه الأحوال غيرٌ بالنسبة للتكبير، و كذلك في المنفرد. نعم لو كان في حال ليس مترتّباً بعد التكبير يلتفت(جواهر الكلام 12: 322.)، انتهى.
2- لو شكّ في إتيان جزء من أجزاء الصلاة و لم يتجاوز محلّه كانت وظيفته الإتيان به، و بعد ما أتى به تيقّن أنّه قد فعله، فكان المأتي به ثانياً- حسب الوظيفة- زائداً. و حينئذٍ: فإن كان ركناً- كالركوع و السجدتين- كانت الصلاة باطلة؛ لزيادة الركن، و إن لم يكن ركناً فلا تبطل الصلاة بتلك الزيادة؛ لأنّ الزيادة وقعت حسب الوظيفة، و مبطلية الزيادة السهوية مختصّة بالركن. نعم تجب عليه سجدتا السهو للزيادة، بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة. و لا فرق في زيادة غير الركن بين السجدة الواحدة و غيرها من واجبات الصلاة؛ فلو شكّ في سجدة واحدة و لم يتجاوز محلّها أتى بها، و إذا ذكر أنّه قد فعلها مضى في صلاته؛ لعدم كونها وحدها ركناً. و يدلّ عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ، فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللَّه، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و لو شكّ في إتيان جزء من أجزاء الصلاة و قد تجاوز محلّه و لم يلتفت إلى شكّه حسب الوظيفة و لم يفعله، ثمّ تبيّن عدم إتيانه، فحينئذٍ: فإن كان محلّ تداركه باقياً تداركه مطلقاً- ركناً كان أو غيره- و إن فات محلّ تداركه بالدخول في الركن فإن كان ركناً بطلت الصلاة؛ لنقصان الركن سهواً، و إن كان غير ركن صحّت. و النقيصة السهوية في غير الركن غير مبطلة. نعم هي توجب سجدتي السهو بناءً على وجوبهما في كلّ نقيصة سهوية.

ص: 212

ص: 213

(مسألة 6): لو شكّ و هو في فعل أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة عليه سابقاً أم لا

؟ لا يعتني به، و كذلك لو شكّ في أنّه هل سها كذلك أم لا؟ نعم لو شكّ في السهو و عدمه و هو في محلّ تدارك المشكوك فيه يأتي به (1).


1- لو شكّ بعد تجاوز محلّ فعل في عروض الشكّ له سابقاً في ذلك الفعل- كأن يشكّ حال قراءة السورة في أنّه هل شكّ سابقاً في قراءة الحمد أم لا- لا يعتني به؛ لرجوع شكّه الفعلي في الحقيقة إلى الشكّ في القراءة مع تجاوز محلّه، و حدوث الشكّ سابقاً مشكوك فعلًا، و الأصل عدمه. و لو شكّ فعلًا- و في حال الاشتغال بفعل- في أنّه هل سها سابقاً في بعض الأفعال المتقدّمة أم لا؟ كما إذا شكّ حال القيام في أنّه هل سها عن السجدة أم لا؟ لا يعتني بشكّه؛ لكونه في الحقيقة شكّاً بعد الدخول في الغير، و حدوث السهو سابقاً مشكوك فعلًا، و الأصل عدمه. و لو شكّ في السهو و عدمه و هو في محلّ تدارك المشكوك فيه، يأتي به؛ لأنّه في الحقيقة شكّ في الفعل الذي شكّ في السهو فيه، فيأتي به مع عدم الدخول في الغير. و نظيره ما لو شكّ في الشكّ في إتيان فعل و عدمه، و هو في محلّ التدارك فيأتي به؛ لما ذكر في الشكّ في السهو.

ص: 214

القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة

(مسألة 1): لا حكم للشكّ المزبور بمجرّد حصوله إن زال بعد ذلك،
اشارة

و أمّا لو استقرّ فهو مفسد للثنائيّة و الثلاثيّة و الاوليين من الرباعيّة، و غير مفسد- بل له علاج- في صور منها بعد إحراز الاوليين منها، الحاصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة، و أمّا مع إكمال الذكر الواجب فيها، فالأحوط البناء و العمل بالشكّ ثمّ الإعادة؛ و إن كان الأقوى لزوم الإعادة و مفسديّته (1).


1- لا يخفى: أنّ الشكّ لا يترتّب عليه أثر و لا حكم له بمجرّد حصوله؛ فلا تبطل الصلاة بصرف تحقّقه و وجوده، و ليس حاله كحال الحدث في كونه مبطلًا بحيث لا يجدي زواله بعد تحقّقه، بل إن زال بعد ذلك مضى في صلاته قبل فعل المنافي في موارد جواز المضي. و بالجملة: المعيار في الشكّ الذي له أثر و حكم، هو الشكّ المستمرّ. و في «الجواهر»: بل قد يدّعى أنّ مثل العبارة المتقدّمة- إذا شككت في الفجر فأعد- ظاهرة في استمرار الشكّ، لا إذا زال(جواهر الكلام 12: 305/ السطر الأخير.) ، انتهى. و لا يخفى أيضاً: أنّ ظاهر بعض الأخبار و إن كان بطلان الصلاة بمجرّد حصول الشكّ، كما في رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد»(وسائل الشيعة 8: 193، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 1.) ، و صحيح العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال: «يعيد»، قلت: المغرب؟ قال: «نعم، و الوتر و الجمعة»، من غير أن أسأله(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 7.) و لكن الظاهر من أخبار اخر اعتبار تحصيل اليقين بالفجر و المغرب، و كذا الركعتين الاوليين من الرباعية؛ لوجوب حفظهما عن الزيادة و النقصان، و عدم جواز المضي فيها على الشكّ. و لا بأس بذكر بعضها: كصحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و صحيحه الآخر عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في المغرب؟ قال: «يعيد حتّى يحفظ، إنّها ليست مثل الشفع»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و موثّق الفضيل قال: سألته عن السهو؟ فقال: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 9.) فهذه الأخبار الدالّة على اعتبار اليقين بالفجر و المغرب تكون حاكماً على تلك الأخبار الدالّة بظاهرها على بطلان الصلاة و وجوب إعادتها بمجرّد الشكّ فيها، فيكون المراد: أنّه لا بدّ في صحّتهما من حفظهما و التيقّن بهما، و مع عدم حفظهما بالاستمرار على الشكّ أعاد. و الوجه في كون الشكّ مفسداً في الثنائية و الثلاثية- مضافاً إلى ما ذكرناه من الروايات- هو موثّق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ فقال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 8.) ثمّ إنّه لا فرق في مبطلية الشكّ في الثنائية بين الفجر و الجمعة و العيدين و صلاة السفر و الآيات. و حكي الإجماع عليه عن جماعة. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر». و إطلاق صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يعيد»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 6.) و عموم التعليل في ذيل موثّق سماعة المتقدّم: «لأنّها ركعتان» ، فيستفاد منه: أنّ الشكّ في كلّ صلاة ذات ركعتين موجب للإعادة. و حكي عن جماعة من الأصحاب في صلاة الآيات: أنّه إن تعلّق الشكّ بعددها- أي أنّه في الركعة الاولى أو الثانية أو أزيد- بطلت، و إن تعلّق بركوعاتها فإن كان لم يتجاوز المحلّ أتى بالمشكوك فيه، و إن تجاوز المحلّ لم يلتفت إلى شكّه، إلّا إذا تعلّق شكّه في الركوع بما يرجع إلى الشكّ في الركعات، كما إذا شكّ في أنّه في الركوع الخامس أو السادس، فإن كان في الخامس كان في الركعة الاولى، و إن كان في السادس كان في الثانية. فيرجع شكّه- حينئذٍ- إلى الشكّ في أنّه في الركعة الاولى أو في الركعة الثانية؛ فتبطل صلاته. و نسب إلى الصدوق رحمه الله القول بعدم بطلان المغرب بالشكّ فيه. و استدلّ له بموثّق عمّار الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال: «يتشهّد و ينصرف، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعاً، و إن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة»، قلت: فصلّى المغرب، فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: «يتشهّد و ينصرف، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان صلّى ثلاثاً كانت هذه تطوّعاً، و إن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة، و هذا و اللَّه ممّا لا يقضى أبداً»(وسائل الشيعة 8: 196، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 12.) و هذا الموثّق يدلّ على عدم بطلان الفجر بالشكّ أيضاً. و استدلّ أيضاً بما روي في «المقنع»: إذا شككت في المغرب و لم تدر واحدة صلّيت أم اثنتين فسلّم، ثمّ قم فصلّ ركعة(المقنع: 101.) و فيه أوّلًا: أنّ الصدوق رحمه الله ليس مخالفاً لقاطبة الأصحاب في مبطلية الشكّ في المغرب؛ لأنّه أفتى أوّلًا بالبطلان و وجوب الإعادة، حيث قال قبل نسبة عدم البطلان إلى الرواية: «و إذا شككت في الفجر فأعد، و إذا شككت في المغرب فأعد». و ثانياً: أنّه رحمه الله نسب في كتابه «الأمالي» القول بوجوب الإعادة في الشكّ في المغرب إلى دين الإمامية. و ثالثاً: أنّ القول بعدم البطلان شاذّ مخالف للشهرة العظيمة، كالخبرين المزبورين. و الوجه في كون الشكّ في الاوليين من الرباعية مفسداً، الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، نذكر بعضها: كصحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم- يعني سهواً- فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و مرسل يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 8.) و رواية عبد اللّه بن سليمان العامري عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لمّا عرج برسول اللَّه صلى الله عليه و آله نزل بالصلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين، فلمّا ولد الحسن و الحسين عليهما السلام زاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبع ركعات ...» إلى أن قال: «و إنّما يجب السهو فيما زاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فمن شكّ في أصل الفرض الركعتين الأوّلتين استقبل صلاته»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و رواية الحسن بن علي الوشّاء قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام: «الإعادة في الركعتين الأوّلتين و السهو في الركعتين الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و صحيح الفضل بن عبد الملك قال: قال لي: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 13.) و موثّق عنبسة بن مصعب قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا شككت في الركعتين الأوّلتين فأعد»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 14.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتّى تثبتهما»(وسائل الشيعة 8: 191، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 15.) و موثّق سماعة قال: قال: «إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين من الظهر و العصر فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 191، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 17.) و الشكّ في غير الاوليين من الرباعية غير مبطل للصلاة، بل له علاج في صور منها بعد إحراز الاوليين منها و اليقين بسلامتهما. و الوجه في علاج الشكّ المزبور بعض ما ذكرناه من الأخبار، كما في ذيل صحيح زرارة المتقدّم: «و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم». ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا فيما يحصل به إكمال الركعتين الاوليين من الرباعية و إحرازهما على أقوال: الأوّل: أنّه يحصل برفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية. و نسب هذا القول إلى المشهور. و استدلّ له بأنّ المتبادر من الركعة عبارة عن مجموع الأفعال؛ من القيام و القراءة و الذكر و الركوع و السجدتين إلى رفع الرأس من السجدة الثانية، و أنّ الأصل بقاء الركعة ما لم يرفع رأسه من السجدة الثانية؛ فلا يخرج من الركعة بمجرّد تحقّق السجدة الثانية أو بإتمام ذكرها قبل رفع رأسه منها. فلو شكّ بعد إتمام الذكر و قبل رفع رأسه منها فحكمه الإبطال؛ استصحاباً لحكم الشكّ قبل الذكر، و حكم الشكّ حال الذكر. و استدلّ له في «الجواهر» بقوله: و لعموم الأمر بإعادة الصلاة بالشكّ بين الثنتين و الثلاث، و الثنتين و الأربع، بل بمطلق الشكّ المتعلّق بالثنتين، كما يستفاد من حصر الصحّة في بعض المعتبرة في الشكّ بين الثلاث و الأربع، خرج عنه الشكّ بعد الرفع؛ فيبقى غيره(جواهر الكلام 12: 338.) ، انتهى. الثاني: أنّه يحصل بإكمال الذكر الواجب في السجدة الأخيرة، و إن لم يرفع رأسه منها. و قوّاه الشيخ الأنصاري رحمه الله في صلاته، و قال بما خلاصته: و في تحقّقه بإكمال الذكر الواجب فيها وجه قوي؛ و هو صدق تحقّق الركعتين و تيقّنهما، الذي هو مناط الصحّة(أحكام الخلل في الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 9: 299.) ، انتهى. و فيه: أنّ الصحّة منوطة بإكمال الركعتين؛ فما دام لم يرفع رأسه من السجدة الثانية لا يصدق أنّه أكمل الركعتين. و في «الجواهر»: و خروجه- أي رفع الرأس- عن السجود لا ينافي توقّف إكماله عليه، كما عرفت؛ فإنّه فعل واحد مستمرّ لا ينتهي إلّا به(جواهر الكلام 12: 340.) ، انتهى. الثالث: تحقّقه بالدخول في الركوع. و استدلّ له بإطلاق الركعة على الركوع، كما في صحيح حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر؟ فقال: «يقضي ذلك بعينه»، فقلت: أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و استدلّ أيضاً بما ورد في صلاة الآيات من إطلاق الركعات على الركوعات، كما في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الكسوف كم هي ركعة؟ و كيف نصلّيها؟ فقال: «هي عشر ركعات و أربع سجدات ...»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) ، الحديث. و بأنّ معظم أجزاء الركعة يحصل بالركوع، فيجتزئ به تنزيلًا للأكثر منزلة الجميع. و يرد على الاستدلالات المذكورة: أنّ إطلاق الركعة على الركوع مسامحة، و المتبادر من الركعة في عرف المتشرّعة مجموع الأفعال من أوّلها إلى رفع الرأس من السجدة الثانية، بل لها حقيقة شرعية في المجموع المذكور. الرابع: تحقّقه بوضع الجبهة على الأرض في السجدة الثانية، و إن لم يتشاغل بالذكر؛ لكمال الركعة بمسمّى هذه السجدة، حيث إنّ الذكر ليس من مقوّمات السجدة، بل هو من واجباتها. و فيه: أنّ المعيار تمامية الركعتين، و لا تتحقّق إلّا بتحقّق تمامية السجدة الثانية من الركعة الثانية. و تمامية السجدة إنّما هي برفع رأسه منها؛ فما دام شاغلًا بها و لم يرفع رأسه منها لا يصدق عليه أنّه أكمل السجدة، أو أنّه أكمل الركعتين، بل يقال: إنّه شاغل بها. ثمّ إنّ المختار من الأقوال المذكورة، هو القول الأوّل المشهور. و يترتّب عليه: أنّه لو شكّ بعد إكمال الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية و قبل رفع رأسه منها، كان شكّه مبطلًا للصلاة، و لزمت الإعادة، و إن كان الأحوط البناء على الأكثر و العمل بالشكّ ثمّ إعادة الصلاة.

ص: 215

ص: 216

ص: 217

ص: 218

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

الصورة الاولى: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين،

فيبني على الثلاث و يأتي بالرابعة و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، و الأحوط الأولى الجمع بينهما مع تقديم الركعة من قيام، ثمّ استئناف الصلاة (1).


1- الشكّ بين الاثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين مبطل للصلاة، بلا إشكال، و قد عرفت اعتبار حفظ الركعتين الأوّلتين و التيقّن بهما. و أمّا الشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين، فقد وقع الخلاف فيه بين فقهائنا على أقوال: الأوّل: البناء على الثلاث و إتيان الرابعة و إتمام الصلاة، ثمّ إتيان صلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. و هذا القول مشهور بين أصحابنا. و استدلّ له- مضافاً إلى الشهرة العظيمة، بل الإجماع المدّعى في كلام جماعة، بل عن «الأمالي»: أنّه من دين الإمامية- بموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و موثّقه الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن في هذه عليك شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و موثّقه الثالث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر»، قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) و صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: قلت له: رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ فقال: «إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الاخرى و لا شي ء عليه و يسلّم»(وسائل الشيعة 8: 214، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 1.) . قال صاحب «الوسائل»: قوله: «مضى في الثالثة» يعني: يبني على الثلاث و يتمّ الصلاة. و قوله: «ثمّ صلّى الاخرى» يعني: ركعة الاحتياط بعد الفراغ، بقرينة لفظ «ثمّ»، انتهى. الثاني: ما حكي عن الصدوق رحمه الله من تجويز البناء على الأقلّ في فرض المسألة. و استدلّ له بصحيح العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صلّى ركعتين و شكّ في الثالثة؟ قال: «يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد و قام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن»(وسائل الشيعة 8: 215، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 2.) و الاستدلال بهذا الصحيح لهذا القول مبني على كون المراد من اليقين هو القدر المتيقّن، و هو الأقلّ. و يرد عليه أوّلًا: أنّ القول المذكور شاذّ لا يعتنى به في مقابل القول المشهور؛ فالصحيح المذكور- على فرض تمامية دلالته- معرض عنه عند الأصحاب. و ثانياً: أنّ المراد من اليقين هو اليقين على صحّة الصلاة و فراغ الذمّة، و هو لا يحصل إلّا بالبناء على الأكثر؛ ففي «الجواهر»: قد عرفت أنّ اليقين بصحّة الصلاة يحصل بالبناء على الأكثر، بل لا يحصل بالأقلّ؛ لما فيه من احتمال زيادة الركعة المبطلة للصلاة سهواً و عمداً، بخلاف الأوّل؛ إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محلّه، الذي هو غير قادح؛ لجريانه مجرى السهو(جواهر الكلام 12: 334.) ، انتهى. الثالث: ما نسب إلى الصدوق رحمه الله في كتاب «المقنع» من القول بالإبطال متى عرض الشكّ المزبور، حيث قال: و سئل الصادق عليه السلام عمّن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: «يعيد الصلاة»، قيل: و أين ما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الفقيه لا يعيد الصلاة»؟ قال: «إنّما ذلك في الثلاث و الأربع»(المقنع: 101.)، انتهى. قد نقل الشيخ رحمه الله في «التهذيب» هذا الحديث بسند صحيح عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام(تهذيب الأحكام 2: 193/ 760.) و في «الوسائل»: حمله الشيخ على الشكّ في المغرب، و الأقرب حمله على الشكّ قبل إكمال السجدتين، فتبطل لعدم سلامة الأوّلتين؛ لأنّه قد صار شكّاً في الواحدة و الثنتين(وسائل الشيعة 8: 215، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 3.) الرابع: ما نسب إلى السيّد في «الناصريات» من لزوم البناء على الأقلّ. و لعلّ وجهه خبر محمّد بن سهل عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل لا يدري أثلاثاً صلّى أم اثنتين؟ قال: «يبني على النقصان و يأخذ بالجزم و يتشهّد بعد انصرافه تشهّداً خفيفاً، كذلك في أوّل الصلاة و آخرها»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 6.) و فيه: أنّ الرواية- مضافاً إلى ضعف سندها بمحمّد بن سهل بن اليسع الأشعري الغير الثابت وثاقته- محمولة على التقية؛ لموافقتها العامّة. الخامس: ما نسب إلى والد الصدوق رحمه الله من التخيير بين البناء على الأقلّ و البناء على الأكثر. و لعلّ وجهه الجمع بين أخبار البناء على الأقلّ و أخبار البناء على الأكثر. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: و هو- بعد تسليم أنّ مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، بل ينتقل إليه من اللفظ، و الغضّ عن دلالة الثانية، بل هي خالية عن الأمر بالتشهّد في كلّ ركعة، بل فيها الأمر بالسجود الخالي منه كلامه- فرع التكافؤ المفقود من وجوه(جواهر الكلام 12: 335.) ، انتهى. و هذان القولان نظير سابقيهما في الضعف و الشذوذ و مخالفة الشهرة. ثمّ إنّه بعد البناء على الثلاث في مفروض المسألة يأتي بالرابعة و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيّراً بينهما. و التخيير بينهما مشهور عند الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل حكي الإجماع عليه في «الخلاف» و «الغنية» و «الاستبصار». و يدلّ عليه مرسل جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً، و وهمه في ذلك سواء؟ قال: فقال: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار؛ إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس»(وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 2.) ، الحديث. و ضعف الخبر منجبر بالشهرة. و عن محمّد بن مسلم أنّه روى: «إن ذهب وهمك إلى الثالثة فصلّ ركعة و اسجد سجدتي السهو بغير قراءة، و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار؛ إن شئت صلّيت ركعة من قيام، و إلّا ركعتين من جلوس، فإن ذهب وهمك مرّة إلى ثلاث و مرّة إلى أربع فتشهّد و سلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت قاعد، تقرأ فيهما بامّ القرآن»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 9.) و التخيير بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً و إن كان مورده الشكّ بين الثلاث و الأربع، و لكنّه لا قائل بالفصل بينه و بين ما نحن فيه من الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، كما حكاه في «الجواهر» عن «الرياض»(جواهر الكلام 12: 336.) و نسب إلى ابن أبي عقيل و الجعفي- هو الشيخ أبو الفضل محمّد بن أحمد المعروف في كتب الرجال بالصابوني، و بأبي الفضل الصابوني، و بين الفقهاء مشهور بالجعفي و صاحب الفاخر، و روى عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين و ابن قولويه و من في طبقته بلا واسطة- تعيّن الركعتين من جلوس في كلا الموردين. و استدلّ له بصحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس البقباق جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً» إلى أن قال: «و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع»، و في الاثنتين و في الأربع بتلك المنزلة، و من سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: «يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثمّ قرأ فسجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه الثنتين نهض فصلّى ركعتين و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ مقتضى الأخبار الدالّة على التخيير في صلاة الاحتياط بين الركعتين جالساً، و بين ركعة قائماً في الصورتين المذكورتين من الشكّ- أي الشكّ بين الثنتين و الثلاث، و بين الثلاث و الأربع- و كذا مقتضى فتوى المشهور على طبق تلك الأخبار، هو حمل الأخبار الدالّة على تعيّن ركعة قائماً أو ركعتين من جلوس على أحد فردي الواجب التخييري. بقي الكلام في وجه الاحتياط في صلاة الاحتياط بالجمع بين ركعة من قيام و ركعتين جالساً مع تقديم ركعة من قيام ثمّ استئناف الصلاة: أمّا الجمع بينهما، فهو مبني على العمل بكلّ من القولين المخالفين للمشهور. و أمّا تقديم ركعة من قيام، فلكونها تتمّة للصلاة، على تقدير كونها ناقصة في الواقع. و في «المستمسك»: و أمّا الاحتياط بتقديم الركعة- حينئذٍ- فوجهه الفرار عن لزوم الفصل بين الصلاة و صلاة الاحتياط، التي هي أوفق بظاهر النصوص(مستمسك العروة الوثقى 7: 458.) ، انتهى. و أمّا وجه استئناف الصلاة، فلفتوى الصدوق في «المقنع» بالبطلان؛ استناداً إلى صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: «يعيد»(وسائل الشيعة 8: 215، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 2.) ، حيث إنّ عادته رحمه الله في الكتاب المذكور الإفتاء بمتون الأخبار، كسليقته في كتابه «الفقيه».

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

الثانية: الشكّ بين الثلاث و الأربع في أيّ موضع كان،

فيبني على الأربع، و حكمه كالسابق حتّى في الاحتياط، إلّا في تقديم الركعة من قيام (1).


1- وجه البناء على الأربع في الشكّ المزبور في أيّ موضع كان؛ أي سواء كان قبل إكمال السجدتين و لو في القراءة، أو بعد إكمالهما- مضافا إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه- طائفتان من الأخبار: الاولى: العمومات الدالّة على البناء على الأكثر الشاملة لما نحن فيه، كما في موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين، متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و موثّقة اخرى لعمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و موثّقة ثالثة لعمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر»، قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) الثانية: خصوص الأخبار الواردة فيما نحن فيه، كصحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً» إلى أن قال: «و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. ثمّ إنّه بعد البناء على الأربع في الشكّ المذكور يتمّ صلاته و يأتي بصلاة الاحتياط مخيّراً فيها بين ركعة من قيام و ركعتين جالساً، و الأحوط الأولى الجمع بينهما مع تقديم الركعتين من جلوس، ثمّ استئناف الصلاة. و وجه الاحتياط بالجمع بينهما و استئناف الصلاة ما ذكرناه في الصورة الاولى. و وجه الاحتياط في تقديم الركعتين من جلوس على ركعة من قيام في هذه الصورة على عكس الاحتياط في الصورة الاولى، هو كثرة النصوص الواردة في الركعتين من جلوس الموجبة لأقوائية احتمال تعيّنهما من احتمال ركعة من قيام. ثمّ إنّه قد نسب إلى ابن الجنيد و الصدوق رحمهما الله القول بالتخيير بين البناء على الأكثر و البناء على الأقلّ في الشكّ بين الثلاث و الأربع. و لعلّ مستند هذا القول هو الجمع بين الأخبار المذكورة الدالّة على البناء على الأكثر، و بين صحيح محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع، و في الاثنتين و الأربع بتلك المنزلة»، و من سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: «يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثمّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه الثنتين نهض فصلّى ركعتين و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) ، حيث إنّ صدر هذا الصحيح ظاهر في البناء على الأقلّ و إتمام الصلاة و الاحتياط بركعتين جالساً. و فيه: أنّ الجمع بين الأخبار المتعارضة فرع تكافؤها، و التكافؤ مفقود؛ لشذوذ الصحيح المزبور، و اشتهار الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر.

ص: 231

ص: 232

ص: 233

الثالثة: الشكّ بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين،

فيبني على الأربع و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام (1).


1- الشكّ المزبور إن كان قبل إكمال السجدتين فمبطل بلا إشكال؛ لاشتراط إحراز الاوليين في اعتبار الشكّ في الرباعية. و إن كان بعد الإكمال فالمشهور هو البناء على الأربع و إتمام الصلاة، ثمّ صلاة الاحتياط بركعتين من قيام. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الشهرة العظيمة، بل الإجماع المدّعى في كلام جماعة، بل حكي عن «أمالي» الصدوق: أنّه من دين الإمامية- عموم الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر عند الشكّ. و خصوص صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً، و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات، تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً؟ قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين، و قد أحرز الثنتين؟ قال: «يركع ركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهّد، و لا شي ء عليه ...»(وسائل الشيعة 8: 220، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 3.) الحديث. و غيرها من روايات الباب. و في المسألة قولان آخران: أحدهما: قول الصدوق رحمه الله بالبطلان، قال في «المقنع»: فإن لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً فأعد الصلاة. و روي: «سلّم ثمّ قم فصلّ ركعتين و لا تتكلّم، و تقرأ فيهما بامّ الكتاب، فإن كنت صلّيت أربع ركعات كانتا هاتان نافلة، و إن كنت صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ركعات، و إن تكلّمت فاسجد سجدتي السهو»(المقنع: 102.) ، انتهى. و الوجه في قوله بالبطلان، صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً؟ قال: «يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 221، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 7.) و يرد عليه: أنّ قوله شاذّ لا يعبأ به، و الصحيح المزبور معرض عنه عند الأصحاب؛ فالمتعيّن طرحه أو توجيهه. قال صاحب «الوسائل» بعد نقل الحديث: حمله الشيخ على المغرب و الغداة، و يمكن حمله على الشكّ قبل إكمال السجدتين. و في «الجواهر»: فالمتّجه طرح الصحيح المزبور، أو حمله على غير الرباعية، أو وقوع الشكّ قبل إحراز الركعتين، أو غير ذلك(جواهر الكلام 12: 347.) ، انتهى. ثانيهما: ما حكي عن الشهيد في «الذكرى» و العلّامة في «النهاية» من التخيير بين البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و ركعتي الاحتياط قائماً، و بين الإعادة. و مستند هذا القول هو الجمع بين الأخبار المذكورة المصرّحة بالبناء على الأكثر، و بين الصحيح المزبور الدالّ على الإعادة. و يرد عليه- مضافاً إلى ما ورد على سابقه من الشذوذ- أنّ الجمع بين المتعارضين فرع التكافؤ المفقود. و المحقّق الهمداني رحمه الله- بعد حكاية القول بالتخيير عن الشهيد و العلّامة- قال: و هو في محلّه لو لم نقل بحرمة قطع الصلاة؛ فالمانع عن الالتزام بجواز الاستئناف هو دليل حرمة القطع، لا الأخبار الآمرة بالبناء على الأكثر، و من الواضح: أنّ دليل حرمة الإبطال لا يصلح معارضاً للنصّ الخاصّ المصرّح بالإعادة. فتلخّص ممّا ذكر: أنّ قضية الجمع بين الأخبار هو الالتزام بما احتمله العلّامة و الشهيد من جواز الإعادة و كون البناء على الأكثر من باب الرخصة. و لكن يشكل الاعتماد على الصحيح المزبور بعد شذوذه و إعراض الأصحاب في ظاهر كلماتهم عنه، مع ما فيه من الإضمار؛ فما هو ظاهر المشهور من كون البناء على الأكثر عزيمة لا رخصة، إن لم يكن أقوى، فلا ريب في أنّه أحوط(مصباح الفقيه، الصلاة: 566/ السطر 33.) ، انتهى. و يرد عليه: أنّ إضمار أمثال محمّد بن مسلم غير مخلّ بالرواية؛ لأنّهم لا يسألون الأحكام و حلّ مشكلاتهم عن غير المعصوم عليه السلام.

ص: 234

ص: 235

ص: 236

الرابعة: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين،

فيبني على الأربع و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و الأحوط- بل الأقوى- تقديم الركعتين من قيام (1).


1- الشكّ المزبور مبطل فيما كان قبل إكمال السجدتين. و أمّا فيما كان بعد إكمالهما- في أيّ موضع كان- فيبني على الأربع و يتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و هذا مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة. و ادّعى السيّدان في «الانتصار»(الانتصار: 156.) و «الغنية»(غنية النزوع 1: 112.) الإجماع عليه. و يدلّ عليه عموم الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر. و خصوص صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال: «يصلّي ركعة (ركعتين) من قيام، ثمّ يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 1.) و الاستدلال به مبني على نسخة «الوافي» و بعض نسخ «الفقيه» المضبوطة بلفظ «ركعتين». و في بعض نسخ «الفقيه» و كذا نسخة «الوسائل» «ركعة» بدل «الركعتين»، و على هذه النسخة يشكل الاستدلال بالصحيح المزبور على المطلوب. و الصحيح نسخة «الركعتين»؛ لأنّ الصدوق رحمه الله في «الفقيه» بعد ذكر الصحيح المزبور و رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشكّ فلا يدري أ واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً تلتبس عليه صلاته؟ فقال: «كلّ ذا» فقلت: نعم، قال: «فليمض في صلاته، و ليتعوّذ باللَّه من الشيطان الرجيم؛ فإنّه يوشك أن يذهب عنه»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 4.) و رواية سهل بن يسع في ذلك عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم و يتشهّد تشهّداً خفيفاً» ، قال: و قد روي: «أنّه يصلّي ركعة من قيام و ركعتين و هو جالس (من جلوس . خ)»، و ليست هذه الأخبار بمختلفة. و صاحب السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ فهو مصيب(الفقيه 1: 230/ 1023 و 1024.) ، انتهى كلام الصدوق رحمه الله. و لا يخفى: أنّ المرسلة من هذه الروايات المذكورة في ذيل عبارة الصدوق غير قابلة للاعتماد؛ لإرسالها و عدم انجبارها و لقيام الشهرة على خلافها. و رواية سهل بن اليسع و إن كانت صحيحة، و لكنّها لموافقتها للعامّة محمولة على التقية. و رواية علي بن أبي حمزة لا يعتمد عليها لضعفه، حيث إنّه واقفي كذّاب متّهم، مضافاً إلى أنّ موردها كثير الشكّ؛ لصراحة ذيلها- و ليتعوّذ باللَّه من الشيطان- في ذلك، و لعدم جواز المضيّ لغير كثير الشكّ، مع كون أحد أطراف الشكّ واحدة؛ أي الركعة الاولى. و حينئذٍ: يتعيّن العمل بصحيح ابن الحجّاج بنسخة «ركعتين» بقرينة مقابلته بالمرسلة المتضمّنة لركعة من قيام. و يدلّ على حكم الشكّ في الصورة الرابعة أيضاً مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.) ثمّ إنّ الأحوط بل الأقوى تقديم ركعتي الاحتياط قائماً على الركعتين جالساً؛ و ذلك لاشتمال الصحيح و المرسل المزبورين على كلمة «ثمّ» و هي تدلّ على الترتيب؛ فلا يجوز العكس.

ص: 237

ص: 238

ص: 239

الخامسة: الشكّ بين الأربع و الخمس،

و له صورتان: إحداهما: بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع و يتشهّد و يسلّم، ثمّ يسجد سجدتي السهو. ثانيتهما: حال القيام، و هذه مندرجة تحت الشكّ بين الثلاث و الأربع حال القيام؛ و لم يدرِ أنّه ثلاثاً صلّى أو أربعاً، فيبني على الأربع، و يجب عليه هدم القيام و التشهّد و التسليم و صلاة ركعتين جالساً أو ركعة قائماً. و كذا الحال في جميع صور الهدم، فإنّه لا يوجب انقلاب الشكّ، بل هو مقدّمة للتسليم بعد صدق الشكّ بين الركعات حال القيام (1).


1- الشكّ بين الأربع و الخمس له صورتان: الاولى: الشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع و يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتي السهو. و هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، كادت تكون إجماعاً. و عن الشهيد الثاني في «المقاصد العليّة» الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 1.) و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و حكي عن الصدوق القول بوجوب ركعتين جالساً احتياطاً بعد التسليم. قال في «المقنع»: و إن لم لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أو زدت أو نقصت فتشهّد و سلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت جالس بعد تسليمك(المقنع: 103.) و لا يخفى شذوذ هذا القول، و لعلّ وجهه مضمرة زيد الشحّام قال: سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات؟ قال: «إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستّاً فليعد، و إن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر و هو جالس، ثمّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمّ يتشهّد ...»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 5.) ، الحديث. و فيه- مضافاً إلى ضعف سنده بالإضمار و وقوع أبي جميلة المفضّل بن صالح في السند، و هو و إن وقع في أسناد «كامل الزيارات» و لكنّه معارض بما حكي عن النجاشي من أنّ ضعف المفضّل بن صالح كان من المتسالم عليه عند الأصحاب- أنّه من المحتمل أن يكون الحديث ناظراً إلى صورة الشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، و أنّ شكّه مؤلّف من الشكّ بين الثلاث و الأربع، و الشكّ بين الأربع و الخمس، و حكمها البناء على الأربع و إتمام الصلاة و إتيان ركعتين جالساً احتياطاً بعد التسليم لتدارك النقص المحتمل، ثمّ الاحتياط بإعادة الصلاة؛ لاحتمال زيادة الركعة. و صاحب «الوسائل» بعد نقل الحديث قال: المفروض في آخر الحديث أنّه شكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، فيبني على الأربع ثمّ يصلّي ركعتين جالساً، انتهى. و حكي عن الشيخ القول بالبطلان في المسألة، و هو أيضاً شاذّ، و لم يعلم لقوله وجه. الصورة الثانية: الشكّ بين الأربع و الخمس حال القيام؛ سواء كان قبل الذكر أو بعده، قبل الهويّ إلى الركوع أو بعده و لمّا يصل إلى حدّه، فيهدم القيام و يجلس و يرجع شكّه إلى ما بين الثلاث و الأربع، فيتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام. فهذه الصورة مندرجة تحت الشكّ بين الثلاث و الأربع حال القيام و لم يدر أنّه ثلاثاً صلّى أو أربعاً. و بعبارة اخرى: هذه الصورة تشملها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بامّ الكتاب ...»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.)، الحديث. وجه شمولها لها: أنّه و إن كان شاكّاً في أنّ الركعة التي بيده هل هي الرابعة أم الخامسة، إلّا أنّه بالأخرة يشكّ في أنّه دخل في الرابعة أم في الخامسة، و هو عين الشكّ في أنّه هل صلّى ثلاثاً أم أربعاً؛ لأنّه على فرض الدخول في الرابعة فقد صلّى ثلاثاً، و على فرض الدخول في الخامسة فقد صلّى أربعاً، فهو ممّن لا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً، فيندرج في مورد الصحيحة المزبورة حقيقةً، و يكون قيامه زائداً، و يلزم عليه هدمه، فتجب عليه صلاة الاحتياط- ركعتان من جلوس أو ركعة من قيام- ثمّ يسجد سجدتي السهو لزيادة القيام. ثمّ إنّه قد ناقش جماعة من فقهائنا في حكم الصورة الثانية- و هو هدم القيام و العمل بوظيفة الشاكّ بين الثلاث و الأربع- و قالوا: إنّه لا دليل على الهدم و قلب الشكّ، بل لا بدّ من تشخيص حكم الموضوع حال حدوث الشكّ. و بالجملة: لا اطمئنان للنفس بكون الحكم الشرعي فيما لا نصّ فيه ما ذكر، بل فيما لا نصّ فيه من الشكوك يحكم ببطلان الصلاة بمجرّد الشكّ، مع كون الأصل في الشكّ الفساد؛ إمّا لقاعدة الاشتغال، أو لصحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء فأعد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) ، حيث دلّت بإطلاقها على بطلان كلّ صلاة بكلّ شكّ من الشكوك المتعلّقة بالركعات، خرج ما خرج بالنصوص الخاصّة، و بقي الباقي تحت الإطلاق. و الجواب عن المناقشة المذكورة قد علم ممّا ذكرناه من اندراج الصورة المذكورة- صورة الشكّ بين الأربع و الخمس حال القيام- في الشكّ بين الثلاث و الأربع؛ حتّى حال القيام و قبل هدمه؛ إذ يصدق عليه أنّه لا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً. و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» قد اختار ابتناء حكم الصورة المذكورة على اندراجها في موضوع مسألة الشكّ بين الثلاث و الأربع، و علّله بقوله: لأنّه حال كونه شاكّاً في أنّ ما بيده رابعة أو خامسة يصدق عليه أنّه لا يدري أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً؛ فعليه أن يتشهّد و يسلّم و يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس؛ لعموم ما دلّ عليه. و تخصيصه بخصوص الشكّ الحادث قبل التلبّس بالخامسة يحتاج إلى دليل. و دعوى انصراف الأدلّة إليه بخصوصه قابلة للمنع. مع إمكان أن يقال بأنّه يكفي دليلًا لجواز الهدم العمل بما يرجع إليه شكّه بعد الهدم، خبر حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما أعاد الصلاة فقيه قطّ حتّى يحتال لها و يدبّرها حتّى لا يعيدها»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 29، الحديث 1.) ؛ إذ المتبادر منه إرادة المعالجة بإرجاعها إلى موضوع لا يجب معه الإعادة، كما في المقام(مصباح الفقيه، الصلاة: 569/ السطر 8.) ، انتهى. و الشيخ الأنصاري رحمه الله في «كتاب الصلاة»(الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 9: 303.) منع من ابتناء المسألة- الشكّ بين الأربع و الخمس حال القيام- على انقلاب الشكّ فيها إلى الشكّ بين الثلاث و الأربع، و قال بدخولها في عمومات البناء على الأكثر. و مقتضى تلك العمومات البناء على أنّها خامسة، و حيث لم يدخل في ركوعها فعليه أن يرفع اليد عنها و يتمّ صلاته على الأربع. و لكنّه حيث يحتمل مع هذا البناء نقصاً في صلاته وجب عليه أن يأتي بعد التسليم صلاة الاحتياط ركعة قائماً، أو ركعتين جالساً. و أجاب عنه في «مصباح الفقيه»: بأنّ المقصود من الشكّ في تلك الأخبار- أي أخبار البناء على الأكثر- بحسب الظاهر هو الشكّ في عدد الركعات المعتبرة في الصلاة، لا في زيادة شي ء عليها، فالشكّ بين الأربع و الخمس خارج عن موردها، كما يفصح عن ذلك ما فيها من تفريع الإتيان بما يظنّ نقصه على بنائه على الأكثر(مصباح الفقيه، الصلاة: 569/ السطر 6.)، انتهى.

ص: 240

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

السادسة: الشكّ بين الثلاث و الخمس حال القيام،

و هو مندرج في الشك بين الاثنتين و الأربع، فيجلس و يتمّ الصلاة و يعمل عمل الشكّ (1).


1- الواجب على الشاكّ بين الثلاث و الخمس حال القيام هدم القيام و الجلوس، فيرجع شكّه إلى الشاكّ ما بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين، و يعمل عمل ذلك الشكّ، فيتشهّد و يسلّم ثمّ يصلّي ركعتين قائماً احتياطاً. فيندرج الشكّ بين الثلاث و الخمس- حينئذٍ- في موضوع صحاح الحلبي و ابن أبي يعفور و زرارة المتقدّمة(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1 و 2 و 3.) و يصدق على شاكّه أنّه لا يدري اثنتين صلّى أم أربعاً.

ص: 245

السابعة: الشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام،

و هو راجع إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيجلس و يتمّ صلاته و يعمل عمله (1).

الثامنة: الشكّ بين الخمس و الستّ حال القيام،

و هو راجع إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، فيجلس و يتمّ و يسجد سجدتي السهو مرّتين: مرّة وجوباً للشكّ المزبور، و مرّة احتياطاً لزيادة القيام، و إن كان عدم وجوبها لزيادته لا يخلو من قوّة (2).


1- الشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام يرجع إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين، فيجلس و يتمّ صلاته و يعمل عمله؛ أي يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، مع تقديم الركعتين من قيام. ففي الحقيقة يندرج الشكّ المزبور في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال: «يصلّي ركعتين من قيام، ثمّ يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين و هو جالس»(الفقيه 1: 230/ 1021، وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 1.) و مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صلّى، فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.)
2- الشكّ بين الخمس و الستّ حال القيام حكمه وجوب هدم القيام، و يرجع شكّه إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، و يبني على الأربع و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو مرّة وجوباً للشكّ بين الأربع و الخمس، كما تقدّم في الصورة الاولى من صورتي الخامسة، فراجع. و مرّة لزيادة القيام، و سيأتي البحث مفصّلًا عن وجوب سجدتي السهو لزيادة القيام و عدمه في المسألة الاولى من مسائل «القول في سجود السهو». و في «العروة الوثقى»: و يسجد سجدتي السهو مرّتين إن لم يشتغل بالقراءة أو التسبيحات، و إلّا فثلاث مرّات، و إن قال: «بحول اللَّه» فأربع مرّات: مرّة للشكّ بين الأربع و الخمس، و ثلاث مرّات لكلّ من الزيادات؛ من قوله: «بحول اللَّه» و القيام و القراءة أو التسبيحات(العروة الوثقى 2: 20.) ، انتهى. هذا منه رحمه الله مبني على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة وقعت في غير محلّها؛ حتّى المستحبّات.

ص: 246

و الأحوط في الصور الأربع المتأخّرة استئناف الصلاة مع ذلك (1).


1- ذلك إشارة إلى الوظائف المقرّرة في تلك الصور؛ من وجوب سجدتي السهو في بعضها، و ركعتين جالساً، أو ركعة قائماً في بعضها الآخر، و ركعتين قائماً مع ركعتين جالساً في الصورة الثالثة منها و هي الصورة السابعة من الكلّ. و وجه الاحتياط في استئناف الصلاة فيها، احتمال كونها ناقصة عن أربع ركعات في الواقع- كما في الثلاثة الاول من الصور الأربعة الأخيرة- أو زائدة عليها- كما في الرابعة منها- مع عدم كونها كلّها بصورتها من موارد الشكوك المنصوصة. و في «المستمسك» علّل إعادة الصلاة بقوله: لاحتمال عدم دخولها في الشكوك المنصوصة، فيكون الحكم فيها البطلان؛ لأصالة البطلان في الشكوك، أو لأنّ الهدم و التسليم جاريان على خلاف مقتضى أصالة عدم الزيادة- كما في الثلاثة الاول من الأربعة الأخيرة- إذ مقتضاها المضي و عدم الاعتناء باحتمال الزيادة على المتيقّن(مستمسك العروة الوثقى 7: 468.)، انتهى.

ص: 247

(مسألة 2): لو شكّ بين الثلاث و الأربع، أو بين الثلاث و الخمس، أو بين الثلاث و الأربع و الخمس- في حال القيام-

و علم أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة التي قام منها، بطلت صلاته؛ لأنّه راجع إلى الشكّ بين الاثنتين و الزائدة قبل إكمال السجدتين (1).

(مسألة 3): في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين لو شكّ في الإكمال و عدمه،

فإن كان في المحلّ- أي حال الجلوس قبل القيام أو التشهّد- بطلت صلاته، و إن كان بعد التجاوز عنه ففيه إشكال؛ لا يترك الاحتياط بالبناء و العمل بالشكّ و الإعادة (2).


1- و علّل البطلان في «العروة الوثقى» بقوله: لأنّه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسية، فيرجع شكّه إلى ما قبل الإكمال(العروة الوثقى 2: 22.) و لا يخفى: أنّه تبطل الصلاة حال القيام حين حصول العلم بترك السجدة من الركعة السابقة قبل أن يهدم القيام؛ لصيرورة الشكّ في الموارد المذكورة في المتن من قبيل الشكّ قبل إكمال السجدتين حال القيام، فلا معنى لوجوب هدم القيام لتدارك السجدة المنسية مع الشكّ المزبور.
2- وجه بطلان الصلاة فيما لو كان شكّه في إكمال السجدتين شكّاً في المحلّ- بأن كان محلّه حال الجلوس قبل القيام، أو قبل الشروع في التشهّد- هو عدم إحراز إكمال السجدتين، و إحرازه شرط في اعتبار الشكّ و البناء على صحّة الصلاة، بل مقتضى استصحاب عدم إتيان السجدة و قاعدة الاشتغال بها و مفهوم قاعدة التجاوز هو عدم إكمال السجدتين تعبّداً، فتبطل صلاته فيما كان الشكّ في إكمال السجدتين شكّاً في المحلّ. و أمّا فيما كان الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ- بأن شكّ فيه بعد الدخول في التشهّد، أو بعد الدخول في القيام- فمقتضى قاعدة التجاوز هو الحكم بإتيان السجدة تعبّداً، فيكون شكّه- في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين- شكّاً بعد إحراز إكمال السجدتين تعبّداً من ناحية العمل بقاعدة التجاوز، و يبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و يعمل عمل الشكّ بالنسبة إلى كلّ صورة من الصور المتقدّمة. فلا وجه لإشكال المصنّف رحمه الله في المسألة بعد جريان قاعدة التجاوز و الحكم بإتيان السجدة شرعاً، و لا وجه لتقييد إحراز إكمال السجدتين بصورة العلم الوجداني به. كما لا وجه للاحتياط بالإعادة و إن كان حسناً لمجرّد إدراك الواقع المحتمل فواته. قال في «العروة الوثقى»: و لا فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أو تقدّم أحدهما على الآخر، و الأحوط الإتمام و الإعادة، خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة(العروة الوثقى 2: 22.)، انتهى. وجه عدم الفرق بين الصور الثلاث- مقارنة حدوث الشكّين، تقدّم الشكّ في الركعة على الشكّ في إكمال السجدتين، و العكس- اشتراكها فيما هو مناط اعتبار الشكّ؛ و هو إحراز إكمال السجدتين- و لو تعبّداً- من ناحية قاعدة التجاوز. و لا أثر لتقدّم أحد الشكّين على الآخر؛ لأنّ المفروض بقاء أحدهما حين حدوث الآخر، فيحرز الإكمال بقاعدة التجاوز، و يكون الشكّ في الركعة بعد إحراز إكمال السجدتين، فلا تبطل الصلاة. نعم، الأحوط مع ذلك إتمام الصلاة و العمل بالشكّ و الإعادة لمجرّد إدراك الواقع المحتمل فواته. و وجه خصوصية الصورتين- صورة مقارنة الشكّين و صورة تقدّم الشكّ في الركعة- في الاحتياط بالإعادة، أنّه لم يحرز إكمال السجدتين حين حدوث الشكّ في الركعة؛ لأنّ إحراز الإكمال يتحقّق بالتعبّد من ناحية حكم الشارع بجريان قاعدة التجاوز، فما دام لم يحدث الشكّ في الإكمال لم يتحقّق التعبّد المذكور، فلم يحرز الإكمال حين حدوث الشكّ في الركعة؛ فيحكم بالبطلان. و بعبارة أوضح: إحراز الإكمال منوط بجريان قاعدة التجاوز، و هو منوط بحدوث الشكّ في الإكمال، فما دام لم يتحقّق الشكّ في الإكمال لا تجري القاعدة المزبورة، فلا يحرز الإكمال على فرض تأخّر الشكّ فيه عن الشكّ في الركعة أو مقارنته له. و هذا بخلاف ما لو تقدّم الشكّ في الإكمال؛ فإنّه بمجرّد الشكّ فيه تجري القاعدة و يحرز الإكمال تعبّداً حين حدوث الشكّ في الركعة. و بالجملة: قاعدة التجاوز جارية في كلّ من الصور الثلاث المذكورة، فالشكّ في الركعة يبنى عليه مطلقاً؛ حتّى مع تأخّر الشكّ في الإكمال و مقارنتهما؛ إذ المعيار بقاء الشكّ لا مجرّد حدوثه، و المفروض بقاء الشكّ في الركعة إلى زمان حدوث الشكّ في الإكمال، و إن كان متقدّماً حدوثاً. نعم الاحتياط بالإعادة حسن في كلّ منها لمجرّد إدراك الواقع المحتمل فواته. و فصّل بعض فقهائنا- السيّد المدقّق آية اللَّه الحجّة الكوه كمري رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»- بين الدخول في التشهّد و الدخول في القيام، و قال: عدم البطلان في صورة الشكّ بين الاثنتين و الثلاث مع الدخول في التشهّد لا يخلو عن إشكال؛ فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة، انتهى. و وجه تفصيله: أنّه إذا شكّ بين الاثنتين و الثلاث مع الدخول في القيام و شكّ حال القيام في إكمال السجدتين، كان شكّه في الإكمال بعد تجاوز محلّ السجدة و الدخول في الغير المأمور به المترتّب على السجدة، فيبني على الثلاث و يتمّ صلاته و يعمل عمل الشكّ؛ لإحراز إكمال السجدتين تعبّداً ببركة قاعدة التجاوز. و هذا بخلاف ما إذا شكّ في إكمال السجدتين مع الدخول في التشهّد. فمع البناء على الثلاث تلزم زيادة التشهّد؛ إذ لا تشهّد في الثالثة البنائية كالأصلية؛ فلا تجري القاعدة حينئذٍ؛ لعدم تجاوز محلّ السجدة، حيث لم يدخل في الغير المأمور به المترتّب على السجدة؛ إذ المفروض زيادة التشهّد بالبناء على الأكثر؛ فتبطل الصلاة حينئذٍ. و فيه: أنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث حال التشهّد قد تجاوز عن محلّ سجدتي الركعة الثانية بالدخول في التشهّد؛ لأنّ ما بيده من الركعة إمّا ركعة ثانية في الواقع و نفس الأمر، و إمّا ثالثة كذلك؛ فإن كانت ثانية فالتشهّد واقع موقعه و مترتّب على السجدتين، و إن كانت ثالثة فالتشهّد و إن كان زائداً و لكن قد تجاوز عن محلّ سجدتي الركعة الثانية و دخل في قيام الثالثة و ما بعد القيام من الأجزاء إلى أن بلغ التشهّد الزائد، فهو حال التشهّد قد تجاوز عن محلّ السجدة، و دخل في الغير المترتّب عليها في الواقع؛ أي دخل إمّا في تشهّد الثانية، و إمّا في التشهّد الزائد بعد قيام الثالثة و ما بعده من الأجزاء؛ فلا إشكال في جريان قاعدة التجاوز و صحّة الصلاة.

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

(مسألة 4): الشكّ في الركعات- ما عدا الصور المزبورة- موجب للبطلان

و إن كان الطرف الأقلّ الأربع و كان بعد إكمال السجدتين، أو كان الشكّ بين الأربع و الأقلّ و الأكثر بعد إكمالهما، كالشكّ بين الثلاث و الأربع و الستّ (1).


1- الوجه في بطلان الصلاة في الشكّ في الركعات فيما عدا الصور المذكورة الثمانية، بل التسعة؛ لكون الخامسة صورتين في الحقيقة- مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل في الشكّ الفساد- هو عدم كون ما عداها من الموارد المنصوصة المصرّح فيها بعلاج الشكّ، و لا من الموارد المرجوعة إلى الموارد المنصوصة. مثلًا: الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين معتبر، و الشكّ بينهما قبل إكمالهما مبطل؛ لخروجه عن مورد النصّ، و إن كان الطرف الأقلّ- الذي صحّ البناء عليه- موجوداً فيه- و هو الأربع- و كذا يبطل فيما كان فيه الطرف الأقلّ و الأكثر- اللذان يصحّ البناء عليهما و إتمام الصلاة- موجوداً، كالشكّ بين الثلاث و الأربع و الستّ، فلا يجوز البناء على الثلاث اعتماداً على أصالة عدم الزائد، و لا البناء على الأربع عملًا بعمل الشكّ بين الثلاث و الأربع، و ليس ذلك إلّا لكونه خارجاً عن موارد النصّ. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد القول ببطلان الصلاة بالشكّ في الركعات فيما عدا الصور التسعة، قال: لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقلّ صحيحاً و الأكثر باطلًا- كالثلاث و الخمس، و الأربع و الستّ، و نحو ذلك- البناء على الأقلّ و الإتمام، ثمّ الإعادة. و في مثل الشكّ بين الثلاث و الأربع و الستّ يجوز البناء على الأكثر الصحيح- و هو الأربع- و الإتمام، و عمل الشكّ بين الثلاث و الأربع، ثمّ الإعادة، أو البناء على الأقلّ- و هو الثلاث- ثمّ الإتمام، ثمّ الإعادة(العروة الوثقى 2: 20.) ، انتهى.

ص: 252

(مسألة 5): لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث و عمل عمل الشكّ،

و بعد الفراغ عن صلاة الاحتياط، شكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده، يبني على الصحّة، و لا يعتني بشكّه. و أمّا لو شكّ في ذلك في أثناء الصلاة أو بعدها، و قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها، فالأحوط البناء و عمل الشكّ، ثمّ إعادة الصلاة (1).


1- الوجه في البناء على الصحّة و عدم الاعتناء بالشكّ في شكّه السابق فيما كان بعد الفراغ عن صلاة الاحتياط، هو جريان قاعدة الفراغ، حيث إنّ شكّه في الحقيقة شكّ في صحّة صلاته و بطلانها بعد أن فرغ عن الصلاة و ما اشتغلت ذمّته به من صلاة الاحتياط، التي هي تمام الصلاة على فرض نقصها في الواقع. و كذا تجري القاعدة إذا كان شكّه المذكور- الشكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- بعد الفراغ من الصلاة، فضلًا عن أن يكون في أثناء صلاة الاحتياط. و الأحوط عند المصنّف البناء و عمل الشكّ ثمّ إعادة الصلاة. و لعلّه للإشكال في جريان قاعدة الفراغ قبل تمام صلاة الاحتياط، أو للإشكال في شمول دليل الشكّ بعد الفراغ، الفراغ البنائي. و اورد على الاستدلال بقاعدة الفراغ: بأنّ موردها الشكّ في صحّة الفعل المأتي به مع العلم بتعلّق الأمر به؛ فلا تجري مع الشكّ في توجّه الأمر إليه، حيث لم يحرز وجود الأمر من الشارع و تعلّقه بالصلاة المأتي بها؛ لاحتمال عروض الشكّ في الركعات قبل إكمال السجدتين. و هذا نظير الشكّ في صحّة الصلاة و عدمها بعد الفراغ منها من أجل الشكّ في كونها إلى القبلة و عدمه، أو في دخول الوقت و عدمه؛ ففي هذه الموارد لم يحرز وجود الأمر بالصلاة، و لذا احتاط بعض فقهائنا بالإعادة. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» قال بالبناء على الصحّة و عدم الاعتناء بالشكّ المزبور- الشكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- سواء حدث بعد الفراغ من الصلاة، أو حدث في أثناء الصلاة بعد أن دخل في فعل آخر- كالتشهّد- أو في ركعة اخرى(العروة الوثقى 2: 24.) و قد يوجّه البناء على الصحّة باستصحاب عدم عروض الشكّ المذكور قبل إكمال السجدتين، فمقتضى الاستصحاب انتفاء ما يوجب البطلان، فيبني على الصحّة؛ سواء حدث الشكّ في الشكّ المذكور في أثناء الصلاة، أو بعد الفراغ منها. و يرد عليه: أنّ استصحاب عدم عروض الشكّ المذكور قبل إكمال السجدتين؛ لإحراز حدوث الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مثبت. و يمكن أن يقال في دفع الإيراد: إنّه يكفي في البناء على الصحّة- في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و كذا سائر الشكوك المعتبرة المنصوصة- أمران: حدوث الشكّ في الركعات، و عدم كونه قبل إكمال السجدتين. أمّا الأمر الأوّل فالمفروض تحقّقه في أثناء الصلاة يقيناً، و أمّا الثاني فلأنّ مقتضى الاستصحاب هو عدم حدوث الشكّ قبل إكمال السجدتين، فليس مقتضاه حدوث الشكّ فيها بعد إكمال السجدتين حتّى يورد عليه أنّه مثبت.

ص: 253

ص: 254

(مسألة 6): لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه كان موجباً لركعة أو ركعتين،

فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة (1). و كذا لو لم يدرِ أنّه أيّ شكّ من الشكوك الصحيحة، فإنّه يعيدها بعد العمل بموجب الجميع؛ و يحصل ذلك بالإتيان بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس و سجود السهو (2).


1- مفروض المسألة تحقّق الشكّ المعتبر في أثناء الصلاة يقيناً، و حينئذٍ لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة في أنّ شكّه الواقع في أثنائها كان موجباً لركعة- كالصورة الاولى و الثانية، و ثانية الصورة الخامسة من الصور الثمانية المعتبر فيها الشكّ- أو ركعتين- كالثالثة و السادسة منها- فمقتضى العلم الإجمالي المنجّز للتكليف هو العمل بكلتا الوظيفتين؛ أي ركعة قائماً و ركعتين كذلك، و هما متباينان كالقصر و الإتمام، ثمّ إعادة الصلاة احتياطاً بعد إتيان صلاتي الاحتياط. و وجه الاحتياط بالإعادة هو احتمال أن يكون الواجب ما فعله ثانياً من صلاة الاحتياط، و يكون ما فعله أوّلًا فصلًا بين الفريضة و صلاة الاحتياط، بناءً على كون مثل هذا الفصل قادحاً. و هذا الاحتمال جارٍ في كلّ من صلاتي الاحتياط.
2- مفروض المسألة تحقّق الشكّ المعتبر في الأثناء يقيناً؛ مع العلم بكونه أحد الشكوك الصحيحة، و لكن لم يدرِ أنّه أيّ شكّ منها، فمقتضى العلم الإجمالي الإتيان بموجب الجميع؛ و هو ركعتان قائماً و ركعتان من جلوس، و سجود السهو، و مقتضى الاحتياط إعادة الصلاة؛ لما ذكرناه. و زاد بعض المحشّين «للعروة الوثقى» ركعة من قيام على موجب الجميع، و لعلّه للاحتياط في الصورة الاولى و الثانية من الشكوك الصحيحة؛ فإنّ مقتضاه الجمع بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً.

ص: 255

و كذا لو لم ينحصر المحتملات في الشكوك الصحيحة، بل احتمل بعض الوجوه الباطلة، فإنّ الأحوط العمل بموجب الشكوك الصحيحة ثمّ الإعادة (1).


1- وجه الاحتياط هو كون كلّ واحد من الشكوك الصحيحة و بعض الوجوه الباطلة طرفاً للعلم الإجمالي مع انحصار أطراف الشبهة؛ فمقتضى العلم الإجمالي بالنسبة إلى كلّ من الشكوك الصحيحة العمل بموجبه؛ فيأتي بموجب الجميع، و بالنسبة إلى بعض الوجوه الباطلة إعادة الصلاة. و قد يقال بلزوم رعاية احتمالات الصحّة و انتفاء احتمالات البطلان بقاعدة الفراغ. و قد يقال بانحلال العلم الإجمالي بعد الفراغ من الصلاة إلى العلم التفصيلي بوجوب الإعادة؛ لقاعدة الاشتغال. و إلى الشكّ البدوي في وجوب صلاة الاحتياط مطلقاً و سجود السهو، و الأصل عدمه؛ فتجب الإعادة فقط. و السيّد الخوئي رحمه الله قال بالانحلال بنحو آخر؛ و هو الاكتفاء بالإعادة فقط عملًا بقاعدة الاشتغال، و جواز رفع اليد عن صلاة الاحتياط رأساً أو بالإبطال في الأثناء، و صلاة الاحتياط غير نافعة على مسلكه فيها من كونها جزءاً متمّماً على تقدير كون الفريضة ناقصة في الواقع. و وجه كونها غير نافعة في مفروض المسألة- إتيان موجب جميع الوجوه الصحيحة- هو احتمال وجود الفصل القادح بين صلاة الاحتياط و بين الصلاة الأصلية بما فعله أوّلًا(مستند العروة الوثقى، كتاب الصلاة 6: 232.) و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» قال باستئناف الصلاة فيما احتمل بعض الوجوه الباطلة مع بعض الوجوه الصحيحة. و علّله: بأنّه لم يدر كم صلّى؟ قال: و إن لم ينحصر في الصحيح، بل احتمل بعض الوجوه الباطلة، استأنف الصلاة؛ لأنّه لم يدرِ كم صلّى(العروة الوثقى 2: 24.)؟ و اورد عليه: بأنّ تعليله عليل، حيث إنّ مورد العلّة هو الشكّ في أثناء الصلاة، فلا يشمل الشكّ بعد الفراغ عنها.

ص: 256

(مسألة 7): لو عرض له أحد الشكوك و لم يعلم الوظيفة،

فإن لم يسع الوقتُ أو لم يتمكّن من التعلّم في الوقت، تعيّن عليه العمل بالراجح من المحتملات لو كان، أو أحدها لو لم يكن، و يُتمّ صلاته و يُعيدها احتياطاً مع سعة الوقت (1).


1- لو عرض له أحد الشكوك و لم يعلم الوظيفة من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها، و لم يسع الوقت لتعلّم وظيفته، يحرم عليه قطع الصلاة. و حينئذٍ: فإن كان أحد المحتملات راجحاً تعيّن عليه العمل؛ و ذلك لحكم العقل بالعمل على ما هو أقرب إلى الواقع من بين المحتملات عند تعذّر العمل بالواقع و ما هو وظيفته جزماً أو احتياطاً، على ما هو المقرّر من حجّية الظنّ المطلق عند انسداد باب العلم. و إن لم يكن راجح في البين يتخيّر عقلًا في العمل بأيّها شاء و يتمّ صلاته، و يعيدها احتياطاً مع سعة الوقت؛ لتحصيل البراءة اليقينية عمّا اشتغلت به ذمّته يقيناً؛ إذ لا يرضى العقل بالإطاعة المحتملة مع إمكان تحصيل اليقين بالبراءة.

ص: 257

و لو تبيّن بعد ذلك أنّ عمل الشكّ مخالف للواقع، يستأنف الصلاة لو لم يأتِ بها في الوقت (1). و إن اتّسع الوقت و تمكّن من التعلّم فيه، يقطع و يتعلّم و إن جاز له إتمام العمل على طبق بعض المحتملات ثمّ التعلّم، فإن كان موافقاً اكتفى به، و إلّا أعاد، و إن كان الأحوط الإعادة حتّى مع الموافقة (2).


1- و ذلك لأنّ حكم العقل بالعمل على الراجح أو التخيير بين المحتملات منوط بعدم كشف الخلاف، و بعد كشف الخلاف يستأنفها أداءً أو قضاءً لو لم يأت بها في الوقت، و لو احتياطاً.
2- إن اتّسع وقت الفريضة و تمكّن من التعلّم في الوقت يقطع صلاته، و يتعلّم بحيث لا تنمحي صورة الصلاة، و يبني على وظيفته المقرّرة، و يتمّ صلاته و يعمل عمل الشكّ على حسب ما تعلّمه. و يجوز له إتمام الصلاة على طبق بعض المحتملات، ثمّ التعلّم؛ فإن كان عمله موافقاً لفتوى مجتهده اكتفى به؛ لكون المأتي به موافقاً لما اشتغلت به ذمّته، و إلّا أعاد؛ لعدم الدليل على كون ما أتاه وظيفته المقرّرة عليه شرعاً. و الأحوط الإعادة، حتّى مع الموافقة. و علّله في «المستمسك» بقوله: لاحتمال عدم إجزاء الإطاعة الاحتمالية مع إمكان تحصيل الإطاعة الجزمية(مستمسك العروة الوثقى 7: 484.) ، انتهى.

ص: 258

(مسألة 8): لو انقلب شكّه بعد الفراغ إلى شكّ آخر،

كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع، و بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث و الأربع، أو شكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فانقلب إلى الثلاث و الأربع، فلا يبعد لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل و أشباهه، و لزوم عمل الشكّ الثاني في أشباه الفرع الثاني؛ أي الثلاثيّ الأطراف الذي خرج أحد الأطراف عن الطرفيّة. هذا إذا لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة كالمثالين المذكورين (1).


1- لو انقلب شكّه الواقع في أثناء الصلاة إلى شكّ آخر حدث بعد الفراغ من الصلاة- كما إذا شكّ في الأثناء بين الاثنتين و الأربع فانقلب بعد الفراغ إلى الثلاث و الأربع، أو شكّ في الأثناء بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فانقلب بعد الفراغ إلى الثلاث و الأربع- فقال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: الأقوى عدم وجوب شي ء عليه؛ لأنّ الشكّ الأوّل قد زال، و الشكّ الثاني بعد الصلاة فلا يلتفت إليه؛ سواء كان ذلك قبل الشروع في صلاة الاحتياط، أو في أثنائها، أو بعد الفراغ منها(العروة الوثقى 2: 26.) و المصنّف رحمه الله يقول: بأنّه لا يبعد البناء على الأكثر و لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل- و هو الشكّ بين الاثنتين و الأربع في الأثناء فانقلب بعد الفراغ إلى الثلاث و الأربع- و أشباهه، و لزوم عمل الشكّ الثاني في أشباه الفرع الثاني- و هو الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع في الأثناء فانقلب إلى الثلاث و الأربع بعد الفراغ- أي الثلاثي الأطراف الذي خرج أحد الأطراف عن الطرفية بالشكّ بعد الفراغ. و لعلّ الوجه في لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل و أشباهه ما ذكره في ذيل المسألة الخامسة من مسائل «القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة» قال رحمه الله: و أمّا لو شكّ في ذلك- أي في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- في أثناء الصلاة أو بعدها و قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها، فالأحوط البناء و عمل الشكّ ثمّ إعادة الصلاة، انتهى. و بالجملة: جريان قاعدة الفراغ قبل الفراغ عن صلاة الاحتياط في أمثال المورد مشكل عنده رحمه الله. و الوجه في لزوم عمل الشكّ الثاني المنقلب إليه في أشباه الفرع الثاني، هو عدم زوال الشكّ السابق الحادث في أثناء الصلاة بالمرّة، بل الزائل منه أحد أطرافه الثلاثة- الاثنتين- و بقي الشكّ بين طرفيه الآخرين- الثلاث و الأربع- بحاله، و هذا الباقي هو عين الشكّ بعد الفراغ، و لا يغايره أصلًا، بل هو في الحقيقة ليس شكّاً جديداً حادثاً بعد الفراغ. و قد عبّر جماعة من فقهائنا عن الشكّ ذي الأطراف الثلاثة بالشكّ المركّب؛ لرجوعه إلى التركيب من شكّين؛ ففي «مستند العروة الوثقى»: و نعني بالمركّب كون طرف الشكّ أكثر من اثنين الراجع إلى تركيبه من شكّين(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 248.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الشكّ الذي له أطراف ثلاثة مركّب من شكوك ثلاثة. مثلًا: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع ينحلّ إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و بين الاثنتين و الأربع، و بين الثلاث و الأربع. و بانتفاء كلّ واحدٍ من الأطراف يزول شكّان منها و يبقى واحد. هذا كلّه فيما إذا لم ينقلب الشكّ في الأثناء إلى ما يعلم معه بالنقيصة، كالمثالين المذكورين في المتن، حيث إنّ أحد طرفي الشكّ المنقلب إليه في المثالين هو الأربع، فمع احتمال الأربع لا يعلم بالنقيصة، و ذلك واضح.

ص: 259

ص: 260

و أمّا إذا انقلب إلى ذلك، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع، ثمّ انقلب بعد السلام إلى الاثنتين و الثلاث، فلا شكّ في أنّ اللازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه؛ لتبيُّن كونه في الصلاة، و أنّ السلام وقع في غير محلّه، فيضيف إلى عمل الشكّ الثاني سجدتي السهو للسلام في غير محلّه (1).

(مسألة 9): إن شكّ بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث،

ثمّ شكّ بين الثلاث البنائي و الأربع، فالظاهر انقلاب شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيعمل عمله (2).


1- إذا انقلب شكّه إلى ما يعلم معه بالنقيصة- كما إذا شكّ في الأثناء بين الاثنتين و الأربع، و بنى على الأربع و سلّم و انقلب شكّه بعد السلام إلى الاثنتين و الثلاث- فعلى هذا الشكّ الفعلي المنقلب إليه يحصل العلم بالنقيصة، و إنّ الركعة الرابعة لم يأتها قطعاً؛ لعدم كونها طرف الشكّ الفعلي. و حينئذٍ: فاللازم العمل بالشكّ المنقلب إليه بالبناء على الثلاث و إتيان الركعة الرابعة و صلاة الاحتياط ركعة قائماً أو ركعتين جالساً. و وجه العمل بالشكّ المنقلب إليه تبيّن أنّه لم يفرغ من صلاته، و أنّ السلام قد وقع بعد الركعة الثالثة و في غير محلّه فيضيف إلى عمل الشكّ الفعلي سجدتي السهو للسلام في غير محلّه.
2- و السيّد رحمه الله بعد طرح المسألة في «العروة الوثقى» قال: فهل يجري عليه حكم الشكّين، أو حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع؟ وجهان، أقواهما الثاني(العروة الوثقى 2: 28.) ، انتهى. فعلى القول بجريان حكم الشكّين وجبت عليه صلاة الاحتياط مرّتين؛ مرّةً ركعة قائماً أو ركعتين جالساً للشكّ الأوّل، و مرّةً اخرى كذلك للشكّ الثاني. و على القول بجريان حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع وجبت عليه ركعتان قائماً و ركعتان جالساً. وجه الأوّل- جريان حكم كلّ من الشكّين- وجود المقتضي له؛ فكلّ من الشكّين يقتضي حكمه؛ فيجري حكم كلّ من الشكّين. و وجه الثاني- جريان حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- كون كلّ واحد من الثلاثة طرفاً للشكّ، بل كان الشكّ السابق الواقع بين الاثنتين و الثلاث باقياً بحاله، إلّا أنّه زاد عليه طرف ثالث- و هو الرابع- و صار شكّه ذا أطراف ثلاثة؛ فيجري حكمه. ذهب جماعة من فقهائنا- و منهم المصنّف رحمه الله- إلى الثاني. و استدلّوا له بأنّ الظاهر من أدلّة أحكام الشكوك كون موضوعها الشكّ في الركعات الواقعية، لا ما يعمّ البنائية. و أوردوا على وجه القول الأوّل: بأنّه ليس بالفعل و في الزمان اللاحق شكّان مستقلّان يتعلّق كلّ منهما بطرفين، حتّى يجري حكم كلّ منهما، و هذا القول أقرب إلى الصواب. و الأحوط بعد عمل الشكّ إعادة الصلاة. و استشكل الحائري رحمه الله في «صلاته» على الأوّل بما حاصله بتوضيح منّا: أنّ مفاد أدلّة البناء على الأكثر تتميم الصلاة مع إحراز الطرف الآخر بالقطع أو بطريق يقتضي تحقّقه، و الحال أنّ الثالثة ليست محرزة في الشكّ الثاني؛ لاحتمال كونها ثانية في الواقع، حيث إنّ المفروض كونها بنائية. نعم في الشكّ الأوّل قد احرزت الثانية. و بالجملة: لا يجوز البناء على الأكثر في الشكّ الثاني؛ لعدم إحراز الثالثة بطور الجزم؛ لأنّ المفروض كونها بنائية. و استشكل على الثاني أيضاً بما خلاصته: أنّ الركعة البنائية مردّدة بين كونها ثانية أو ثالثة، فلا يحتمل كونها رابعة في حال حدوث الشكّ الثاني. و بالجملة: لا ريب في أنّ البناء على الأكثر إنّما يكون في مورد يكون الأقلّ مقطوعاً به، و في المثال ليس الأقلّ مقطوعاً به، بل حكم بالبناء عليه، فالشكّ المفروض ليس من الشكوك التي حكم بالبناء عليه في النصوص، فالأحوط في المثال إعادة الصلاة بعد العمل بمقتضى الشكّين(كتاب الصلاة، المحقّق الحائري: 376.) ، انتهى. و لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة بعد العمل بمقتضى كلّ من القولين في المسألة؛ لما اشير إليه في كلامه رحمه الله من أنّ البناء على الأكثر إنّما يكون في مورد يكون الأقلّ مقطوعاً به، و الأقلّ- الثالثة- في المثال ليس مقطوعاً به، بل حكم بالبناء عليه، و يحتمل أن تكون ثانية. و بالجملة: يحتمل أن يكون الشكّ المفروض في المسألة غير داخل في المنصوص؛ فتكون الصلاة باطلة؛ فتجب الإعادة.

ص: 261

ص: 262

ص: 263

(مسألة 10): لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث،

فلمّا أتى بالرابعة تيقّن أنّه حين الشكّ لم يأتِ بالثلاثة، لكن يشكّ أنّه في ذلك الحين أتى بركعة أو ركعتين، يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي إلى الاثنتين و الثلاث، فيعمل عمله (1).


1- صورة المسألة: أنّه لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث، فبنى على الثلاث و أتى بالرابعة، و بعد إتيان الرابعة تيقّن أنّه حين الشكّ لم يأتِ بالثالثة، و لكن يشكّ فعلًا في أنّه في ذلك الحين- أي حين الشكّ بين الاثنتين و الثلاث- أتى بركعة أو ركعتين. و بعبارة اخرى: كان متعلّق شكّه في الزمان اللاحق و فعلًا الواحدة و الاثنتين قبل إتيان الركعة البنائية، فيرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي، إلى الاثنتين و الثلاث، فيبني على الثلاث و يأتي بركعة رابعة و يتمّ صلاته، و يأتي بصلاة الاحتياط ركعة قائماً أو ركعتين جالساً. فهو في الزمان السابق كان شاكّاً بين الاثنتين و الثلاث، و في الزمان الفعلي و إن كان شاكّاً في أنّه حين الشكّ الأوّل هل أتى بركعة أو ركعتين؟ إلّا أنّه فعلًا و حين حدوث الشكّ قد أتى بركعة اخرى، فهو في الزمان الفعلي قد أحرز الركعتين، و لم يكن شاكّاً في الركعة الثانية؛ لا في زمان الشكّ الأوّل؛ لأنّ المفروض كون شكّه في ذلك الزمان بين الاثنتين و الثلاث، و لا في الزمان الثاني؛ لأنّ المفروض حدوثه بعد إتيان ركعة اخرى، هذا. و لكن لا يخفى: أنّه و إن كان آتياً بركعة اخرى حين حدوث الشكّ الثاني، إلّا أنّه يشكّ وجداناً في أنّه أتى سابقاً بركعة أو ركعتين. و بالجملة: متعلّق شكّه الركعة و الركعتان، و مقتضاه البطلان؛ فالأحوط- وفاقاً لبعض المحشّين «للعروة الوثقى» و «وسيلة النجاة»- إعادة الصلاة بعد عمل الشكّ بين الاثنتين و الثلاث.

ص: 264

(مسألة 11): من كان عاجزاً عن القيام و عرض له أحد الشكوك الصحيحة،

فالظاهر أنّ صلاته الاحتياطيّة القياميّة بالتعيين تصير جلوسيّة، و الجلوسيّة بالتعيين تبقى على حالها، و تتعيّن الجلوسيّة التي هي إحدى طرفي التخيير (1)،


1- من كان عاجزاً عن القيام و عرض له أحد الشكوك الصحيحة، ففي حكمه أقوال: الأوّل: أنّ وظيفته عين وظيفة القادر على القيام؛ فيتخيّر- في موضع التخيير بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً- بين ركعة جالساً بدلًا عن الركعة قائماً، و ركعتين جالساً بما أنّه أحد فردي الواجب التخييري. الثاني: تعيّن اختيار الركعتين جالساً، فلا تجوز له ركعة جالساً بدلًا عن الركعة قائماً. الثالث: تعيّن إتيان ما يحتمل نقصه من الصلاة، ففي بعض الشكوك يحتمل نقص ركعة واحدة- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع- فتتعيّن ركعة جالساً. و في بعضها يحتمل نقص ركعتين منها- كما في الشكّ بين الاثنتين و الأربع- فتتعيّن ركعتان جالساً، و في بعضها الآخر يحتمل نقص كلّ من ركعتين جالساً و ركعة كذلك- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- فتتعيّن ركعتان جالساً و ركعة كذلك، و هذا القول هو الأوجه. وجه القول الأوّل: أنّ أدلّة تخيير المكلّف بين الركعة و الركعتين لها إطلاق شامل للمتمكّن من القيام و العاجز عنه، و كذا أدلّة بدلية الجلوس عن القيام لها إطلاق شامل للركعة و الركعتين، و مقتضى الجمع بين الإطلاقين هو التخيير بين ركعة جالساً بدلًا عن الركعة قائماً للعجز، و ركعتين جالساً بما أنّه أحد فردي الواجب التخييري. و وجه الثاني: أنّ أدلّة التخيير بين الركعة و الركعتين و إن كان لها إطلاق يشمل العاجز عن القيام، إلّا أنّ إطلاق بدلية الجلوس عن القيام ممنوع؛ لأنّ الواجب التخييري يتعيّن في أحد فرديه بتعذّر فرد آخر؛ فبتعذّر الركعة قائماً يتعيّن التكليف في الركعتين جالساً. و حينئذٍ: فلا مجال للرجوع إلى إطلاق أدلّة بدلية الجلوس؛ لاختصاصها بصورة تعيّن الصلاة قائماً، و لا يشمل صورة التخيير اختياراً بينه و بين الجلوس. و وجه الثالث: المنع من إطلاق أدلّة التخيير بين الركعة و الركعتين و شمولها للمقام؛ لاختصاصها بالمتمكّن من أداء الصلاة قائماً، فمن يتمكّن من القيام يتخيّر في صلاته الاحتياطية بين ركعة من قيام و ركعتين جالساً. فالركعة من قيام و الركعتان من جلوس بالنسبة إليه متساويان في تدارك النقص المحتمل في الفريضة. فأدلّة التخيير بين الركعة قائماً و الركعتين جالساً لا تشمل غير المتمكّن من القيام؛ لانصرافها عنه. و حينئذٍ فغير المتمكّن من القيام يدور أمره بين بطلان صلاته، من جهة أنّ مطلق الشكّ في الصلاة موجب للبطلان، خرجت منه الصور المخصوصة بالنصوص- و هي مختصّة بالمتمكّن من القيام- و بين صحّتها و علاج الشكّ بالبناء على الأكثر، و عمل الشكّ بتتميم ما يحتمل نقصه، مع مراعاة المطابقة بين ما يحتمل نقصه و بين صلاته الاحتياطية في الكيفية. فإن كان ما يحتمل نقصه ركعة- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع- يجبره بركعة، و إن كان ركعتين- كما في الشكّ بين الاثنتين و الأربع- يجبره بركعتين، و إن كان كلّ من ركعتين و ركعة- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- يجبره بركعتين و ركعة. و يمكن الاستدلال لصحّة صلاته مع علاج الشكّ، بتتميم ما يحتمل نقصه بموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) . و نظيره موثّق آخر لعمّار عنه عليه السلام. وجه الاستدلال: أنّ إطلاقه يشمل العاجز عن القيام؛ فلا يختصّ بمن كانت وظيفته الصلاة قائماً. نعم قد يظهر من بعض الأخبار اختصاص تتميم ما يحتمل نقصه بمن كانت وظيفته الصلاة قائماً، كما في موثّق ثالث لعمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) ، هذا. مضافاً إلى أنّه يمكن تقييد إطلاق موثّقي عمّار بالموثّق الثالث المزبور، و بالأخبار الدالّة على الاختصاص بالصلاة قائماً؛ و لذا يحتاط بإعادة الصلاة في جميع صور الشكّ بعد عمل الشكّ.

ص: 265

ص: 266

ص: 267

ففي الشكّ بين الاثنتين و الثلاث أو بين الثلاث و الأربع، تتعيّن عليه الركعتان من جلوس (1)، و في الشكّ بين الاثنتين و الأربع يأتي بالركعتين جالساً بدلًا عنهما قائماً (2)، و في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع يأتي بالركعتين جالساً بدلًا عنهما قائماً ثمّ الركعتين جالساً لكونهما وظيفته؛ مقدّماً للركعتين بدلًا على ما هما وظيفته (3). و الأحوط الأولى في الجميع إعادة الصلاة بعد العمل المذكور (4).


1- هذا مثال لتعيّن الجلوسية التي هي إحدى طرفي التخيير.
2- هذا مثال لصيرورة صلاته الاحتياطية القيامية بالتعيين جلوسيةً.
3- قد لفّق في هذا المثال ما بين الجلوسية البدلية و الجلوسية التعيينية الوظيفية، و قد تقدّم وجه تقديم الركعتين بدلًا على الركعتين وظيفةً في ذيل البحث عن الصورة الرابعة من صور الشكوك الصحيحة، فراجع.
4- قد علم وجه الاحتياط من مطاوي ما ذكرناه في البحث عن وجه القول الثالث في المسألة. فرع لو صلّى جالساً اضطراراً و عرض له أحد الشكوك الصحيحة، ثمّ تمكّن من القيام حال صلاة الاحتياط، فيعمل كما كان يعمل في الصلاة قائماً؛ لكونه فعلًا ممّن يتمكّن من القيام؛ فتجري في حقّه أدلّة التخيير بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً. و في «المستمسك»: لا مجال لأدلّة بدلية الجلوس كي تجي ء الوجوه المتقدّمة(مستمسك العروة الوثقى 7: 491.)

ص: 268

(مسألة 12): لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة و استئنافها،

بل يجب العمل على طبق وظيفة الشاكّ. نعم لو أبطلها يجب عليه الاستئناف، و صحّت صلاته و إن أثم للإبطال (1).


1- وجه عدم جواز قطع الصلاة في الشكوك الصحيحة- مضافاً إلى الأمر الوارد في الأخبار بالبناء على الأكثر و إتمام الصلاة- ما دلّ على حرمة قطعها في سائر الموارد. فلو أبطلها بفعل المنافي كان آثماً؛ لتركه الوظيفة من البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و عمل الشكّ، و وجب عليه استئناف الصلاة؛ لاشتغال ذمّته بها، و صحّت صلاته؛ لكونها مأموراً بها، مع عدم تعلّق النهي بها أصلًا. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- بعد القول بعدم جواز قطع الصلاة في الشكوك الصحيحة و استئنافها- قال: كما لا يجوز ترك صلاة الاحتياط- بعد إتمام الصلاة- و الاكتفاء بالاستئناف، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان. نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة، و إن كان آثماً في الإبطال. و لو استأنف بعد التمام- قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط- لم يكف و إن أتى بالمنافي أيضاً، و حينئذٍ: فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط أيضاً و لو بعد حين(العروة الوثقى 2: 29.) ، انتهى. الوجه في عدم جواز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة، كونها مأموراً بها. و الوجه في بطلان الصلاة الاولى فيما لو استأنف الصلاة قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء، ظاهر حيث إنّه كان موظّفاً بإتمام صلاته الأصلية. ففي الحقيقة قد أخلّ في صلاته الأصلية بزيادة عمدية في أثنائها، و الزيادة العمدية في الأثناء- و لو كانت صلاة أو أجزاءها- مبطلة. و الوجه في بطلان الصلاة المستأنفة، كونها منهياً عنها لأجل كونها قطعاً للصلاة الأصلية، فلا تصلح أن تكون مأموراً بها، فتبطل، هذا. مضافاً إلى أنّ المصلّي ما دام مصلّياً و في أثناء الصلاة- ما لم يأت بالمنافي كما هو المفروض- لا يتمشّى منه قصد القربة إلى صلاة مستأنفة. نعم لو أبطل الصلاة الاولى في الأثناء بفعل المنافي كان آثماً بإبطالها- بناءً على حرمته، كما هو المختار- و صحّت المستأنفة؛ لعدم توجّه النهي إليها أصلًا مع كونها مأموراً بها، و اشتغال الذمّة بأصل الصلاة يقيناً المقتضي للبراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا باستئنافها. و لو استأنف الصلاة بعد تمام الاولى البنائية، و قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط فله صورتان: الاولى: أن يستأنفها قبل إتيان المنافي، ففي هذه الصورة لا تكفي المستأنفة؛ إذ لا أمر لها مع وجود الأمر بصلاة الاحتياط حين فرغ من الصلاة الأصلية. الثانية: أن يستأنفها بعد إتيان المنافي، فقال السيّد رحمه الله بعدم كفاية المستأنفة أيضاً، بل تجب صلاة الاحتياط بعد الفراغ عن المستأنفة المتخلّلة بين الأصلية و صلاة الاحتياط. و تخلّل المنافي غير قادح عنده؛ و ذلك لكون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة موظّفة بعد سقوط أمر الصلاة الأصلية بإتمامها امتثالًا. و الأقوى- وفاقاً لأكثر محشّي «العروة الوثقى»- عدم وجوب صلاة الاحتياط، و كفاية الصلاة المستأنفة، بل وجوبها؛ تحصيلًا لليقين بالبراءة و عدم سقوط أمرها بتخلّل المنافي بينها و بين صلاة الاحتياط. و الأحوط الأولى إتيان صلاة الاحتياط بعد فعل المنافي، ثمّ استئناف أصل الصلاة؛ حذراً عن الشبهات.

ص: 269

ص: 270

(مسألة 13): في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه و أتمّ صلاته، ثمّ تبيّن له موافقتها للواقع،

ففي الصحّة و عدمها وجهان، أوجههما الصحّة في غير الشكّ في الاوليين، فإنّ الأحوط فيه الإعادة (1).


1- وجه الصحّة: أنّ الصلاة المأتي بها موافقة للمأمور بها في الواقع، و لم يعلم من أدلّة الشكوك انقلاب التكليف بالمأمور به الواقعي إلى الوظائف المقرّرة للشاكّ، بل المعلوم منها كون الوظائف المقرّرة مجعولة لتحصيل العلم بالفراغ في مرحلة الامتثال؛ و لذا لو غفل عن شكّه في الشكوك الصحيحة و أتمّ صلاته ثمّ انكشفت تماميتها، صحّت صلاته. و ليعلم: أنّ المبطل في الشكوك الباطلة ليس صرف حدوث الشكّ، فليس الشكّ كالحدث حتّى يكون مبطلًا بمجرّد حدوثه، بل المبطل هو المضيّ على الشكّ بعد حدوثه. و لا يصدق المضيّ عليه إلّا بالتوجّه و الالتفات إليه، فمع الغفلة عن الشكّ لا يصدق المضيّ عليه. و حينئذٍ فلا موجب للبطلان إلّا قاعدة الاشتغال، و هي غير جارية بعد حصول القطع بموافقة المأتي به للمأمور به؛ فلا يبقى شكّ حتّى تجري قاعدة الاشتغال. و وجه البطلان: أنّه حين الغفلة و إن لم يكن متوجّهاً و ملتفتاً إلى شكّه، و لكن الشكّ لم يرتفع في الواقع، بل هو موجود واقعاً و وجداناً، بحيث لو التفت إليه لوجده باقياً بحاله. ففي الواقع قد مضى على شكّه الواقعي، و إن لم يلتفت إليه، و هو كافٍ في البطلان، هذا. و الذي يظهر من الأخبار اعتبار الحفظ و اليقين و الدراية في ركعات الثنائية و الثلاثية و الاوليين من الرباعية، كما في صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ ...»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و صحيحه الآخر عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في المغرب؟ قال: «يعيد حتّى يحفظ، إنّها ليست مثل الشفع»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و موثّق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ قال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 8.) و مضمر الفضيل قال: سألته عن السهو؟ فقال: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 9.) و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم- يعني سهواً- فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الاوليين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح الفضل بن عبد الملك أبي العبّاس البقباق قال: قال لي: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 13.) فالمستفاد من هذه الأخبار: أنّه لا يكفي في صحّة الصلاة- مع الشكّ في الثنائية أو الثلاثية أو الأوّلتين من الرباعية- مجرّد مطابقتها للواقع، بل لا بدّ فيها من حفظ ركعاتها، فتبطل صلاة الغافل عن شكّه المبطل و إن كانت مطابقة للواقع؛ لعدم دراية الركعات و حفظها و اليقين بها. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ حفظ الركعات و اليقين بها فيها ليس من قبيل ما له دخل في صحّة الصلاة، بل اعتباره فيها من أجل أنّ الشكّ فيها ليس كالشكوك المعتبرة حتّى يعالجه بما هو وظيفته كالبناء على الأكثر في موارده و المضيّ في الصلاة، فلم يمكن المضيّ فيها إلّا أن يحفظها، فإذا غفل و أتمّ و تيقّن مطابقة صلاته بالمأمور به الواقعي وقعت صحيحة؛ فلا وجه للبطلان. و مع هذا كله: لا يترك الاحتياط بالإعادة مطلقاً، خصوصاً فيما كان الشكّ في الثنائية أو الثلاثية أو الأوّلتين من الرباعية.

ص: 271

ص: 272

ص: 273

(مسألة 14): لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى القصر،

و شكّ في الركعات، فلا يبعد تعيّن العمل بحكم الشكّ و لزوم العلاج؛ من غير حاجة إلى نيّة العدول، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالشكّ بعد نيّة العدول و إعادة الصلاة (1).


1- لو كان المسافر في أحد مواضع التخيير فنوى القصر و شكّ بعد إكمال السجدتين بين الاثنتين و الثلاث- مثلًا- ففي المسألة أقوال: الأوّل: الحكم بالبطلان. الثاني: أنّه يتعيّن عليه العدول من القصر إلى التمام و البناء على الأكثر و العمل بحكم الشكّ. الثالث: تعيّن البناء على الأكثر و العمل بحكم الشكّ، من غير حاجة إلى نية العدول إلى التمام. و هذا القول هو المختار. الرابع: التخيير بين العدول إلى التمام و العمل بحكم الشكّ و بين الإعادة. وجه القول الأوّل: أنّ صلاته ثنائية، و الشكّ في الثنائية مبطل. إن قلت: يحرم إبطال العمل و يجب إتمامه بقدر الإمكان، فيجب عليه العدول من القصر إلى التمام، و يعود شكّه إلى الشكّ في الرباعية و يبني على الأكثر و يعمل عمل الشكّ، فتصحّ صلاته. قلنا: أدلّة جواز العدول قاصرة الشمول لمثل المقام؛ فإنّ موردها العدول من صلاة إلى اخرى بحيث كانت المعدول عنها صحيحة مع قطع النظر عن العدول، كما في العدول عن الحاضرة إلى الفائتة، و عن القصر إلى التمام، و بالعكس ما دام محلّ العدول باقياً. و هذا بخلاف المقام؛ فإنّ الصلاة المنوية قصراً تبطل بالشكّ مع قطع النظر عن العدول. فحكم المقام حكم مَن شكّ في صلاة الصبح بعد إكمال السجدتين بين الثنتين و الثلاث، أو بين الثنتين و الأربع، و حين الشكّ قد ذكر فوات العشاء، فإنّه لا يجوز له العدول من صلاة الصبح- المحكومة بالبطلان بالشكّ- إلى العشاء الفائتة لتصحيح الصلاة المعدول عنها. و كذا من شكّ بعد إكمال السجدتين في صلاة المغرب بين الاثنتين و الثلاث و ذكر فوات عصره، فلا يجوز له العدول. و بالجملة: العدول من صلاة إلى اخرى يجوز فيما لو كانت المعدول عنها صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن العدول. و يرد على هذا القول- مضافاً إلى حرمة إبطال الصلاة و وجوب إتمامها صحيحاً بقدر الإمكان- أنّ أدلّة بطلان الثنائية بالشكّ ناظرة إلى المجعولة ركعتين من جانب الشارع، كالصبح و الجمعة و غيرهما، و صلاة المسافر في مواضع التخيير ليست ممّا جعله الشارع ركعتين. و وجه القول الثاني: أنّه يحرم إبطال العمل و يجب إتمامه بقدر الإمكان، و لا يحصل إلّا بالبناء على الأكثر و عمل الشكّ بعد العدول من نية القصر إلى نية التمام. و هذا الوجه وجيه، و لكنّه لا حاجة إلى نية العدول؛ لما سيأتي في وجه القول الثالث. و وجه الثالث: ما ذكر للقول الثاني، إلّا أنّه لا يجب عليه العدول في النية؛ لأنّ القصر و التمام في مواضع التخيير فردان للواجب التخييري- أعني عنوان الظهر مثلًا- فلا تجب نية خصوص القصر، و لا التمام. و كلّ من الخصوصيتين غير مأخوذ في متعلّق الأمر، فيجوز في مقام امتثال الأمر قصد عنوان الظهر، فكلّما وجد من العمل من التكبير إلى التشهّد يصلح أن يكون مصداقاً للثنائية و الرباعية. و قصد المصلّي الخصوصية لا يوجب التعيين في شي ء حتّى يحتاج البناء على الأكثر إلى العدول في النية؛ فلا يتعيّن القصر بالنية. فيجوز له- حين عرض الشكّ- البناء على الأكثر و عمل الشكّ، فتصحّ صلاته، من غير حاجة إلى نية العدول من القصر إلى التمام. و وجه القول الرابع: أنّ التخيير بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة استمراري- كما سيأتي البحث فيه في صلاة المسافر- و مقتضاه جواز البناء على الأكثر و إتمامها رباعية مع العمل بحكم الشكّ، أو الإعادة بناءً على إتمامها على ما نواه من القصر، فيتخيّر حين عروض الشكّ بين البناء على الأكثر و عمل الشكّ، و بين الإعادة. و فيه: أنّ حرمة قطع الصلاة مرجّحة لجانب البناء على الأكثر. و الأحوط نية العدول من القصر إلى التمام و البناء على الأكثر و عمل الشكّ، ثمّ إعادة الصلاة.

ص: 274

ص: 275

(مسألة 15): لو شكّ و هو جالس- بعد السجدتين- بين الاثنتين و الثلاث،

و علم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة، فالأقوى وجوب المُضِيّ بعد البناء على الثلاث و قضاء التشهّد بعد الصلاة (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أنّ من شكّ- في حال الجلوس و بعد السجدتين- بين الاثنتين و الثلاث و علم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة، فالواجب عليه البناء على الأكثر؛ لإطلاق النصوص الشامل للمقام. و إنّما الكلام في التشهّد المعلوم عدم إتيانه، فهل يجب إتيانه فعلًا، أم يجب المضيّ في صلاته و قضاؤه بعد صلاة الاحتياط؟ فيه وجهان: قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: لا يبعد عدم الوجوب، بل وجوب قضائه بعد الفراغ: إمّا لأنّه مقتضى البناء على الثلاث، و إمّا لأنّه لا يعلم بقاء محلّ التشهّد، من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية و كونه فيها مشكوك، بل محكوم بالعدم(العروة الوثقى 2: 65.) ، انتهى. يعني: أنّ الركعة التي بيده إن كانت ثانية في الواقع وجب التشهّد فعلًا؛ لعدم التجاوز عن محلّه، و إن كانت ثالثة كذلك وجب المضيّ في الصلاة؛ لتجاوز محلّه. و إذا فرض شكّه حال الجلوس و بعد السجدتين بين الاثنتين و الثلاث كان الواجب عليه البناء على الثلاث. و مقتضى البناء على الثلاث- كما هو مقتضى إطلاق دليله الشامل للمقام- المعاملة مع الركعة الثالثة البنائية، معاملة الثالثة الواقعية من جميع الجهات، حتّى من جهة تجاوز محلّ التشهّد، فكما أنّه لو كانت ما بيده ركعة ثالثة واقعاً وجب عليه المضيّ في الصلاة و قضاء التشهّد بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، كذلك الركعة الثالثة البنائية، هذا. مضافاً إلى أنّ وجوب التشهّد عليه فعلًا منوط على إحراز بقاء محلّه- و هو كونه في الركعة الثانية- و هو مشكوك البقاء، بل محكوم بالعدم تعبّداً للبناء على الأكثر. قد يقال: إنّ أدلّة البناء على الأكثر ناظرة إلى جهة العدد فقط؛ أي إلى كون ما بيده طرف الأكثر تعبّداً، لا من جميع الجهات؛ حتّى من جهة تجاوز محلّ التشهّد. فبالنسبة إلى التشهّد يرجع إلى استصحاب عدم الإتيان به أو قاعدة الاشتغال و وجب فعله؛ و لذا احتاط بعض المحشّين «للعروة الوثقى» بإتيان التشهّد فعلًا و قضائه بعد الصلاة. و فيه أوّلًا: أنّ إطلاق أدلّة البناء على الأكثر يقتضي المعاملة مع الركعة البنائية معاملة الركعة الواقعية من جميع الجهات، لا من جهة العدد فقط. و مع هذا الإطلاق لا مجال لجريان استصحاب عدم إتيان التشهّد، و لا قاعدة الاشتغال. و ثانياً: أنّه يلزم من إتيان التشهّد بطلان الصلاة؛ إمّا لأجل زيادة التشهّد عمداً على تقدير كون ما بيده من الركعة ثالثة واقعاً، و إمّا لأجل نقصان ركعة من صلاته؟ على تقدير كونها ثانية واقعاً. و ثالثاً: أنّه يلزم الالتزام بوجوب التشهّد على من شكّ بين الاثنتين و الثلاث و علم أنّه على تقدير كون صلاته ثلاث ركعات قد تشهّد، و على تقدير كونها ثنتين لم يتشهّد، و الظاهر عدم التزام أحد به.

ص: 276

ص: 277

و كذا لو شكّ و هو قائم بين الثلاث و الأربع؛ مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد، فيبني على الأربع و يمضي و يقضي التشهّد بعدها (1).


1- إن شكّ بين الثلاث و الأربع في حال القيام مع العلم بعدم إتيان التشهّد، فمقتضى إطلاق البناء على الأكثر هو البناء على الأربع و المضيّ في الصلاة و عمل الشكّ و قضاء التشهّد بعد صلاة الاحتياط. فكما أنّه لو كان في الرابعة الواقعية و علم بعدم إتيان التشهّد في محلّه لوجب المضيّ في صلاته و قضاء التشهّد بعد الصلاة، كذلك فيما كان في الرابعة البنائية. كلّ ذلك ببركة إطلاق أدلّة البناء على الأكثر. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» علّل حكم المضيّ في الصلاة و قضاء التشهّد بعد السلام بقوله: لأنّ الشكّ بعد تجاوز المحلّ(العروة الوثقى 2: 66.) و أورد عليه غير واحد من المحشّين بأنّه لا مجرى لقاعدة التجاوز بعد فرض العلم بترك التشهّد؛ فلا محلّ لتدارك التشهّد بعد الحكم بالبناء على الأكثر. و قد يقال في هذا الفرض بلزوم هدم القيام و إتيان التشهّد؛ لعدم تجاوز محلّه مع العلم بعدم إتيانه و قضائه بعد الصلاة في هذا الفرض أيضاً. و لكنّه إذا هدم القيام و جلس للتشهّد يرجع شكّه إلى الاثنتين و الثلاث. و يرد عليه: ما اورد على الفرض الأوّل؛ من أنّه قد تجاوز محلّ التشهّد بالبناء على الأكثر، فلا مورد لإتيان التشهّد.

ص: 278

ص: 279

القول في الشكوك التي لا اعتبار بها

و هي في مواضع:
منها: الشكّ بعد تجاوز المحلّ، و قد مرّ.

منها: الشكّ بعد تجاوز المحلّ، و قد مرّ (1).

و منها: الشكّ بعد الوقت، و قد مرّ أيضاً.

و منها: الشكّ بعد الوقت، و قد مرّ أيضاً (2).


1- قد مرّ تفصيل البحث فيه في ضمن المسألة الاولى من مسائل «القول في الشكّ في شي ء من أفعال الصلاة»، فراجع.
2- قد مرّ البحث فيه في ضمن المسألة الاولى من مسائل «القول في الشكّ»، فراجع. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» عمّم الشكّ بعد الوقت و قال: سواء كان في الشروط أو الأفعال أو الركعات أو في أصل الإتيان(العروة الوثقى 2: 51.) ، انتهى. و ينبغي ذكر فروع هنا تفصيلًا، و إن سبقت الإشارة إلى بعضها إجمالًا في البحث عن المسألة الاولى و الثانية من مسائل «القول في الشكّ»: الأوّل: أنّه لا فرق في الشكّ في الوقت و في الشكّ بعد مضيّ الوقت، بين أن يكون في صلاة واحدة أو في صلاتين؛ و ذلك لإطلاق الفريضة في صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة ...»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) الثاني: لو علم أنّه صلّى الظهر و شكّ في أنّه صلّى العصر أم لا؟ وجب الاعتناء بالشكّ و إتيان العصر فيما كان الشكّ في الوقت، و لا يعتني به فيما كان الشكّ بعد خروج الوقت، و كذلك المغرب و العشاء؛ و ذلك لإطلاق صحيح زرارة و الفضيل. الثالث: لو علم بإتيان العصر و شكّ في إتيان الظهر قبله، فإن كان الشكّ بعد خروج الوقت فلا يعتني به، و إن كان في الوقت فله صورتان: الاولى: أن يفرض الشكّ في الوقت المشترك. و الثانية: أن يفرض في الوقت المختصّ بالعصر. أمّا الصورة الاولى: فيجب فيها الإتيان بالظهر؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال، بل استصحاب عدم الإتيان بها. و لا يحتاج إلى إعادة العصر؛ لكون الترتيب ذكرياً. و لا يشترط في صحّة الظهر تقدّمه على العصر، و لا في صحّة العصر تأخّره عن الظهر إلّا حال الذكر. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» احتمل جواز البناء على إتيان الظهر في هذه الصورة، قال: فيحتمل جواز البناء على أنّه صلّاها(العروة الوثقى 2: 12.) ، انتهى. و السيّد الحكيم رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى» قال: له وجه وجيه، و إن كان الأحوط خلافه، انتهى. و استدلّ له بوجهين: الأوّل: ما رواه ابن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب حريز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضي الحائل و الشكّ جميعاً؛ فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت، إلّا أن يستيقن؛ لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 2.) الثاني: قاعدة التجاوز، بناءً على جريانها في الأعمال المستقلّة أيضاً، التي اعتبر لها محلّ معيّن في الشرع؛ و لذا تمسّك بها فيما لو شكّ في الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو شكّ فيهما بعد الدخول في الصلاة(مستمسك العروة الوثقى 7: 424.) و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة و قد ركع؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع و قد سجد؟ قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و اورد على الأوّل: أنّ الرواية في حكم المرسلة لا يعتمد عليها؛ لجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز. و على الثاني: أنّا سلّمنا جريان قاعدة التجاوز في الأعمال المستقلّة - كجريانها في الأجزاء- و لكنّها إنّما تجري فيما كان للمشكوك محلّ معيّن يشكّ في التجاوز عن ذلك المحلّ، كما إذا شكّ في إتيان الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو شكّ في إتيان الإقامة بعد الدخول في الصلاة، حيث إنّ محلّ الأذان قبل الإقامة، و محلّ الإقامة قبل الصلاة. فإذا شكّ في إتيان الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو شكّ في إتيان الإقامة بعد الدخول في الصلاة، تجري القاعدة، كجريانها في الشكّ في إتيان جزء من الصلاة بعد الدخول في جزء آخر منها؛ أيّ جزء كان منها. و أمّا إذا لم يكن للمشكوك محلّ معيّن فلا تجري فيه القاعدة، كما في الواجبين المترتّبين، كالظهرين و العشاءين، حيث إنّه لا محلّ معيّن؛ لا للظهر و لا للمغرب. و المحلّ المعيّن إنّما هو للعصر و العشاء؛ فمحلّ العصر بعد الظهر، و محلّ العشاء بعد المغرب. و ليس محلّ الظهر قبل العصر، و لا محلّ المغرب قبل العشاء، يعني: أنّه لا يعتبر في صحّة الظهر و المغرب كونهما قبل العصر و العشاء، بل المعتبر في صحّة العصر كونه بعد الظهر، و في صحّة العشاء كونها بعد المغرب؛ و لذا لو صلّى العصر بانياً على ترك الظهر عصياناً لا يصحّ عصره، عكس ما لو صلّى الظهر بانياً على ترك عصره عمداً؛ فإنّه يصحّ ظهره بلا إشكال. فلو تاب يجب إتيان العصر بعد فعل الظهر، بخلاف العكس؛ إذ يجب عليه فعل العصر فقط. و ليس ذلك إلّا لاشتراط البعدية في صحّة العصر، و عدم اشتراط القبلية في صحّة الظهر. و توهّم: أنّ للظهر أيضاً محلّاً معيّناً- و هو كونه قبل العصر، كما يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر و العصر؟ فقال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس»(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) - مدفوع بأنّ المراد من قوله عليه السلام: «إلّا أنّ هذه قبل هذه» وجوب كون العصر بعد الظهر، فالعبارة ناظرة إلى بعدية العصر. و أمّا الصورة الثانية- و هي الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر في إتيان الظهر مع العلم بإتيان العصر قبل الوقت المختصّ به- فقد قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: بل و كذلك لو لم يبق إلّا مقدار الاختصاص بالعصر و علم أنّه أتى بها، و شكّ في أنّه أتى بالظهر أيضاً أم لا، فإنّ الأحوط الإتيان بها، و إن كان احتمال البناء على الإتيان بها و إجراء حكم الشكّ بعد مضيّ الوقت هنا أقوى من السابق(العروة الوثقى 2: 12.) ، انتهى. مراده من «السابق» حدوث الشكّ في إتيان الظهر في الوقت المشترك. و وجه الأقوائية هنا من السابق، قوّة احتمال كون الوقت المختصّ بالعصر خارجاً بالنسبة إلى الظهر، فيكون الشكّ فيه بمثابة الشكّ في خارج الوقت؛ فلا يعتنى به، هذا. و لكن الأقوى في فرض المسألة هو الاعتناء بالشكّ و وجوب إتيان الظهر في الوقت المختصّ بالعصر بنية الأداء؛ و ذلك لما ذكرناه في مباحث «أوقات الصلوات اليومية» من أنّ المستفاد من النصوص صلاحية تمام الوقت- من زوال الشمس إلى المغرب مثلًا- لكلّ من الصلاتين، غير أنّ مقتضى وجوب الترتيب بينهما حال الذكر تقديم الظهر على العصر، و أنّ المراد من اختصاص الوقت عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم إتيان صاحبتها بوجه صحيح. و لا مانع من إتيان الشريكة فيه إذا حصل فراغ الذمّة من صاحبة الوقت. فإذا أتى بالعصر في الوقت المشترك اعتقاداً بإتيان الظهر قبله، ثمّ عرض له الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر في أنّه هل أتى بالظهر أيضاً أم لا؟ فلا مانع من إتيان الظهر المشكوك فيه في ذلك الوقت، بل يجب؛ لقاعدة الاشتغال؛ فإنّه من الشكّ في الوقت لا خارجه كي لا يعتني به، بل للاستصحاب. الرابع: لو شكّ في الوقت المختصّ بالعصر في إتيان الظهر، فإمّا أن يعلم بعدم إتيان العصر، و إمّا أن يشكّ في إتيانه و عدمه. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر و علم بعدم الإتيان بها، أو شكّ فيه، و كان شاكّاً في الإتيان بالظهر، وجب الإتيان بالعصر، و يجري حكم الشكّ بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر. لكن الأحوط قضاء الظهر أيضاً(العروة الوثقى 2: 12.) ، انتهى. لو شكّ في الوقت المختصّ بالعصر في إتيان الظهر قبله فلا إشكال في وجوب إتيان العصر في ذلك الوقت مع العلم بعدم إتيانه قبل هذا الوقت؛ و ذلك لاشتغال الذمّة به يقيناً. و اختصاص الوقت به يقتضي عدم جواز المزاحمة بالظهر على فرض العلم بعدم الإتيان بالظهر، فضلًا عن الشكّ في إتيانه. فالشكّ في الظهر في الوقت المختصّ بالعصر مع العلم بعدم إتيان العصر شكّ بعد مضيّ الوقت، فلا يعتنى به؛ إذ مع فرض العلم بعدم الإتيان بالعصر و اختصاص الوقت به لا تجوز المزاحمة؛ فلا يجوز إتيان الظهر في ذلك الوقت للمزاحمة، و لا يجب قضاؤه خارج الوقت؛ لعدم ثبوت فوته. و إن أبيت عن كون الشكّ في الظهر من قبيل الشكّ بعد مضيّ الوقت لأجل كون تمام الوقت وقتاً للصلاتين كلتيهما- كإبائك عن جريان قاعدة التجاوز؛ لعدم المحلّ المعيّن للظهر على ما تقدّم سابقاً- فلا مجال لوجوب الظهر؛ لا أداءً لمزاحمته العصر، و لا قضاءً لأنّ وجوب القضاء فرع ثبوت الفوت في الوقت، و لم يثبت؛ للشكّ فيه، و استصحاب عدم الإتيان لترتّب وجوب القضاء عليه مثبت، و مقتضى الأصل البراءة من وجوب القضاء. هذا كلّه مع العلم بعدم إتيان العصر. و مع الشكّ في إتيانه قبل الوقت المختصّ به يجب الاعتناء بالشكّ و إتيانه فيه؛ للاشتغال، بل الاستصحاب. و مقتضى الاحتياط قضاء الظهر؛ لاحتمال إتيان العصر قبل الوقت المختصّ به، فتكون الوظيفة- حينئذٍ- إتيان الظهر في الوقت المختصّ بالعصر، و قد ترك، فلا يترك الاحتياط بقضاء الظهر في صورة الشكّ في إتيان العصر.

ص: 280

ص: 281

ص: 282

ص: 283

ص: 284

ص: 285

و منها: الشكّ بعد الفراغ من الصلاة؛

سواء تعلّق بشروطها أو أجزائها أو ركعاتها؛ بشرط أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة، فلو شكّ في الرباعيّة أنّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس، و في الثلاثيّة أنّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس، و في الثنائيّة أنّه صلّى اثنتين أو أزيد أو أقلّ، بنى على الصحيح في الكلّ (1)،


1- يقع البحث هنا في امور: الأوّل: أنّ الوجه في عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من الصلاة صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته؟ قال: فقال: «لا يعيد، و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.) و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 2.) و صحيح ثالث له عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا شكّ الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً، و كان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ، لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 3.) الثاني: أنّه لا يعتنى بالشكّ بعد الفراغ من الصلاة مطلقاً- أي سواء تعلّق بشروطها أو أجزائها أو ركعاتها- و ذلك للعموم في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم: «كلّما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد». الثالث: يشترط في عدم الاعتناء بالشكّ المزبور أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة؛ سواء في ذلك الرباعية و الثلاثية و الثنائية. فلو شكّ في الرباعية في أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، و في الثلاثية في أنّه صلّى اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، أو صلّى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، و في الثنائية في أنّه صلّى اثنتين أو أزيد أو أقلّ، بنى على الصحيح في الكلّ.

ص: 286

ص: 287

بخلاف ما إذا شكّ في الرباعيّة بين الثلاث و الخمس، و في الثلاثيّة بين الاثنتين و الأربع، فإنّ صلاته باطلة في نظائرهما (1).


1- لو شكّ في الرباعية- بعد الفراغ- بين الثلاث و الخمس، أو بين الاثنتين و الخمس، و في الثلاثية بين الاثنتين و الأربع، و في الثنائية بين الواحدة و الثلاثة، بطلت صلاته في الكلّ؛ إمّا بنقص ركعة أو بزيادتها. كذا علّل السيّد رحمه الله البطلان في «العروة الوثقى» و قال: و أمّا لو شكّ بين الاثنتين و الخمس، و الثلاث و الخمس بطلت؛ لأنّها إمّا ناقصة ركعة أو زائدة(العروة الوثقى 2: 51.) و علّل السيّد الخوئي رحمه الله(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 3.) البطلان في فرض الشكّ- بعد الإيراد على تعليل المتن، بقوله: لا لأجل النقص أو الزيادة، ليقال بإمكان تتميم النقص بركعة و دفع الزيادة المحتملة بالأصل- بقوله: بل لأجل نفس الشكّ بين الثلاث و الخمس غير المنصوص على صحّته، فيشمله إطلاق قوله عليه السلام في صحيحة صفوان: «إذا كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء، فأعد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) ، انتهى. و يرد عليه: أنّ كلّ واحد من الشكوك المذكورة- التي أحد طرفي الشكّ فيها الصحّة- غير منصوص على صحّته، فيلزم اندراجها في إطلاق صحيحة صفوان، و هو كما ترى. و الأولى أن يقال: إنّ الشكوك التي كان أحد طرفي الشكّ فيها الصحّة داخلة في الصحيح الثالث المتقدّم لمحمّد بن مسلم: «و كان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 3.) ؛ فيلزم على المصلّي أن يبني يقينه بالإتمام حين انصرف، و أنّه قد أتمّ الصلاة أربعاً في الرباعية، و ثلاثاً في الثلاثية، و اثنتين في الثنائية. و لا يعتني بالشكّ ما لم يحصل له العلم بعدم الإتمام أربعاً في الرباعية، و ثلاثاً في الثلاثية، و اثنتين في الثنائية؛ إمّا بنقص ركعة أو زيادتها. فلا حاجة في الحكم بالبطلان فيما لم يكن أحد طرفي الشكّ الصحّة إلى إدراجه في إطلاق صحيحة صفوان. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: و لو شكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين و الثلاث بنى على الثلاث، و لا يسقط عنه صلاة الاحتياط؛ لأنّه بعد في الأثناء، حيث إنّ السلام وقع في غير محلّه. فلا يتوهّم: أنّه يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط؛ لأنّه مقتضى عدم الاعتبار بالشكّ بعد السلام(العروة الوثقى 2: 51.) ، انتهى. هذا الكلام منه رحمه الله دفع لتوهّم أن يقال: إنّ الشكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين و الثلاث مبطل للصلاة؛ لعدم كون أحد طرفي الشكّ الصحّة، أو يقال: إنّه يبني على الثلاث عملًا بوظيفة الشكّ، و يأتي بالركعة الرابعة متّصلة؛ للعلم الحاصل بعد السلام بعدم فعلها، من غير حاجة إلى صلاة الاحتياط؛ لاقتضاء عدم الالتفات إلى الشكّ بعد السلام عدمها. و حاصل الدفع: أنّ الشكّ المزبور شكّ في أثناء الصلاة؛ للجزم- بعد هذا الشكّ- بزيادة السلام و وقوعه في غير محلّه، و في الحقيقة لم يحصل الفراغ من الصلاة. و حكمه البناء على الثلاث و إتيان الركعة الرابعة متّصلة، ثمّ إتيان صلاة الاحتياط ركعة قائماً و سجود السهو لزيادة السلام. فالشكّ المزبور ليس مبطلًا، و لا ممّا لا يلتفت إليه، بل هو في الحقيقة شكّ في الأثناء.

ص: 288

ص: 289

و منها: شكُّ كثير الشكّ؛
اشارة

سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط، فيبني على وقوع ما شكّ فيه و إن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدمه (1).


1- عدم اعتبار شكّ كثير الشكّ ممّا لا خلاف فيه. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 1.) . هذا الصحيح له إطلاق يشمل الشكّ في الركعات و الأفعال و الشرائط. و منها: صحيح زرارة و أبي بصير جميعاً قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى، و لا ما بقي عليه؟ قال: «يعيد»، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال: «يمضي في شكّه»، ثمّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ»، قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.) . و مورد هذا الصحيح هو الشكّ في الركعات. و منها: صحيح ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 3.) ، و مورد هذا الصحيح أيضاً مطلق شامل للركعات و الأفعال و الشروط. و منها: موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع، فلا يدري أركع أم لا؟ و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟ فقال: «لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً ...»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) ، الحديث. و مورد هذا الموثّق هو الشكّ في الأفعال. و منها: مرسل الصدوق قال: قال الرضا عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك و لا تعد»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 6.) . و مورد هذا المرسل أيضاً مطلق. و المراد بالمضيّ في الصلاة و المتبادر من الأمر به في هذه الروايات، هو البناء على الصحّة و عدم الالتفات إلى الشكّ. و لا فرق في ذلك بين أن يكون في الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية، و لا بين أن يكون شكّه من الشكوك المعتبرة، أو من الشكوك التي حكمها بطلان الصلاة، أو ممّا يوجب سجود السهو. فيبني على وقوع ما شكّ فيه و إن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدم وقوعه. فلو شكّ بين الثلاث و الأربع يبني على الأربع. و لو شكّ بين الأربع و الخمس يبني على الأربع أيضاً. و لو شكّ في الثلاثية بين الاثنتين و الثلاث أو بين الثلاث و الأربع، بنى على الثلاث. و كذا لو شكّ في الثنائية بين الواحدة و الاثنتين، أو بين الاثنتين و الثلاث، بنى على الاثنتين. و لو شكّ في أنّه ركع أم لا بنى على أنّه ركع. و لو شكّ بين أنّه ركع ركوعين أم واحداً بنى على عدم الزيادة. و لا يخفى: إن شكّ كثير الشكّ بين الأربع و الخمس له صور ثلاث: الاولى: أن يشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين. الثانية: أن يكون الشكّ قبل الإكمال، كما في حال الركوع، أو بين الركوع و السجود، أو حال السجدة الاولى أو الثانية أو بينهما. الثالثة: أن يكون في حال القيام. ففي الصورة الاولى: يتشهّد و يسلّم و ينصرف و ليس عليه سجود السهو اللازم للشاكّ العادي. و في الصورة الثانية: يبني على أنّ الركعة التي بيده رابعته، فيكمّلها بالسجود و يتشهّد و يسلّم و لا شي ء عليه. و في الصورة الثالثة: أيضاً يبني على أنّ الركعة التي بيده هي الرابعة، و بعد ذكر التسبيحات الأربعة حال القيام يركع و يسجد و يتشهّد و يسلّم. و رفعت عنه وظيفة الشاكّ العادي بين الأربع و الخمس حال القيام من الجلوس بعد هدم القيام و التشهّد و التسليم، ثمّ صلاة الاحتياط و سجود السهو. و قال السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»: إنّ البناء على الأربع متّجه في الصورة الاولى و الثانية، بخلاف الصورة الثالثة؛ إذ لازم البناء المزبور فيها تتميم الركعة التي بيده و الإتيان بالركوع و السجدتين، و هذا كما ترى كلفة محمولة على كثير الشكّ، نشأت من الاعتناء بالشكّ، فلا يناسب المضيّ في الصلاة و عدم الاعتناء المأمور بهما. بل المناسب أن يرفع عنه ما هو الموضوع في حق الشاكّ العادي في هذه الصورة، فإنّ وظيفته في هذه الصورة بعد هدم القيام و عود الشكّ إلى ما بين الثلاث و الأربع و الإتيان بركعة الاحتياط، ثمّ سجود السهو للقيام الزائد و لكلّ ما تلفّظ به من تسبيح و نحوه، بناءً على وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة. فهذه الأحكام مرفوعة عن كثير الشكّ، فيبني بعد الهدم على الأربع، من غير حاجة إلى ركعة الاحتياط، و لا إلى سجدة السهو. فإن أراد السيّد اليزدي رحمه الله من البناء على الأربع ما يعمّ الصورة الأخيرة، ففيه ما عرفت و لا يمكن المساعدة عليه بوجه. و إن أراد خصوص الاوليين دون الأخيرة- التي هي في الحقيقة من الشكّ بين الثلاث و الأربع؛ لرجوعه إلى الشكّ في أنّه هل أكمل الثلاث و قد قام إلى الرابعة، أم الأربع، و هذا قيام زائد نحو الخامسة- فنعم الوفاق؛ فإنّه لدى التحليل من البناء على الأربع في الشكّ بين الثلاث و الأربع، لا في الشكّ بين الأربع و الخمس، كما لا يخفى(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 9.) ، انتهى. و فيه: أنّ تتميم الركعة التي بيده و الإتيان بالركوع و السجدتين ليس كلفة زائدة محمولة على كثير الشكّ، بل هو لازم البناء على الصحّة، و أنّ قيامه المشغول به قيام للرابعة. فكثير الشكّ في حال القيام بين الأربع و الخمس، كالملتفت إلى أنّ ما بيده ركعته الرابعة في وجوب ذكر التسبيحات الأربع ثمّ الركوع و السجود، إلى أن يسلّم و ينصرف. و قد التزم رحمه الله في الصورة الثانية- و هي أن يكون الشكّ بين الأربع و الخمس قبل إكمال السجدتين، كما في حال الركوع- بالبناء على الأربع، فإذا بنى على أنّه في ركوع الركعة الرابعة لزم عليه إتيان السجدتين إلى أن يسلّم، و لا شي ء عليه. و بالجملة: فلا فرق بين الصورة الثانية و الثالثة في تتميم الركعة التي بيده؛ سواء حدث شكّه حال القيام قبل الركوع، أو بعد الركوع و قبل السجدتين. ثمّ إنّه قد يتراءى التهافت في الصحيح المتقدّم عن زرارة و أبي بصير، حيث إنّه عليه السلام قد أجاب عن سؤال السائل عن كثرة الشكّ تارةً بالإعادة، و اخرى بالمضيّ في الشكّ و عدم نقض الصلاة. و أجاب عنه صاحب «الحدائق» بقوله: الظاهر أنّ المراد بالكثرة هنا كثرة أطراف الشكّ و محتملاته، و إن كان شكّاً واحداً، كأن يشكّ لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً، و من ثمّ أمره بالإعادة. و ليس المراد به كثرة أفراد الشكّ الذي هو محلّ البحث؛ فإنّه لا إعادة معه اتفاقاً نصّاً و فتوى، إلّا ما سيظهر لك- إن شاء اللَّه تعالى- في المقام من بعض الأعلام. ثمّ إنّه لمّا راجعه السائل و قال: «إنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ» أمره بما هو الحكم في كثير الشكّ من المضيّ في شكّه و عدم الالتفات؛ فإنّه بكثرة ذلك عليه قد دخل تحت كثير الشكّ، فوجب عليه ما ذكرناه من حكمه(الحدائق الناضرة 9: 289.) ، انتهى. و السيّد الخوئي رحمه الله لم ينكر ظهور الصحيح فيما ذكره صاحب «الحدائق»، و لكنّه حمله على ما هو أظهر منه عنده، و قال بما ملخّصه: إنّ الأظهر أن يراد في الأوّل: «الرجل يشكّ كثيراً في صلاته» من يكثر عدد شكّه بالإضافة إلى أفراد العاديين، و إن لم يبلغ مرتبة كثير الشكّ. و في الثاني «يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ» من يكثر عدد شكّه بحيث كلّما أعاد شكّ و يصدق عليه كثير الشكّ اصطلاحاً. فالمراد بالكثرة في أحد السؤالين غير ما هو المراد بها في السؤال الآخر. إلى أن قال: بل يمكن أن يقال بخروج الصحيح عمّا نحن فيه؛ إذ مورده دائم الشكّ؛ لقوله: «كلّما أعاد شكّ»، و هو غير كثير الشكّ بالمعنى الاصطلاحي. و حكمه عدم الاعتناء بالشكّ بحكم العقل، من غير حاجة إلى التماس دليل شرعي(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 5- 7.) ، انتهى. و نسب إلى المحقّق الأردبيلي رحمه الله القول بتخيير كثير الشكّ بين المضيّ في الصلاة و عدم الالتفات إلى الشكّ و بين العمل بالشكّ بالبناء على الأكثر في الشكوك المعتبرة المنصوصة. و نقض الصلاة و الإعادة في الشكوك الباطلة. و سجود السهو فيما يوجبه مستنداً إلى أنّه عليه السلام أمر أوّلًا بالإعادة، ثمّ لمّا بالغ السائل في الكثرة، أمره بعدم الالتفات إليه. و أجاب عنه في «الحدائق» بما استظهره من الصحيح من حمل الكثرة في صدر الخبر على كثرة أطراف الشكّ و محتملاته، كما هو مورد سؤال السائل «لا يدري كم صلّى، و لا ما بقي عليه»، و حملها في ذيل الخبر على كثرة أفراد الشكّ. فمورد الشكّين مختلف و يختلف حكمهما، فحكم الأوّل الإعادة، و حكم الثاني وجوب المضيّ و عدم الالتفات إلى الشكّ(الحدائق الناضرة 9: 290.) ، انتهى بتلخيص منّا.

ص: 290

ص: 291

ص: 292

ص: 293

ص: 294

ص: 295

و لو كان كثير الشكّ في شي ء خاصّ أو صلاة خاصّة يختصّ الحكم به، فلو شكّ في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشكّ (1).


1- من كان كثير الشكّ في فعل خاصّ من أفعال الصلاة أو في صلاة خاصّة، فهل يختصّ الحكم به فقط بحيث لو شكّ في غيره لا يعدّ كثير الشكّ، بل بالنسبة إلى ذلك الغير يكون من العاديين و يعمل عمل الشكّ، أو يعدّ كثير الشكّ بالنسبة إلى الغير أيضاً؟ فيه خلاف بين أصحابنا: ذهب جماعة- منهم صاحبي «المدارك» و «الرياض» و «مستند الشيعة»- إلى الثاني. قال في «المدارك»: و لو تعلّقت الكثرة بفعل بعينه بنى على فعله، و لو شكّ في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضاً؛ لصدق الكثرة، كما نبّه عليه في «الذكرى»(مدارك الأحكام 4: 272.) ، انتهى. و في «الرياض»: و لو كثر شكّه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشكّ مطلقاً فيبني في غيره على فعله أيضاً، أم يقتصر على ذلك؟ وجهان، أجودهما الأوّل وفاقاً لجمع؛ للإطلاق المؤيّد بالتعليل الوارد في النصوص بأنّ ذلك من الشيطان، و هو عامّ(رياض المسائل 4: 250.) ، انتهى. و في «مستند الشيعة»: لو كثر شكّه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة في غيره أيضاً؛ لصدق الكثرة، و إطلاق الأدلّة، و جريان العلّة. نعم يشترط أن يكون الفعلان جزأي عبادة واحدة، كالوضوء أو الصلاة. أمّا مع تغاير نوع العبادة فلا. فكثير الشكّ في الصلاة لا يرفع اليد عن حكم الشكّ في الوضوء، و بالعكس؛ لعدم دليل على هذا التعميم؛ فإنّ الأخبار منحصرة في الصلاة. نعم يستفاد التعميم من التعليل، و دلالة عمومه على مثل ذلك غير معلومة. و لو سلّمت فمفهوم الشرط فيه مرسلة «الفقيه» المتقدّمة: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض في صلاتك و لا تعد» ، يخصّص، و يثبت الحكم في غير موردها بالإجماع المركّب(مستند الشيعة 7: 195.) ، انتهى. و ذهب الآخرون إلى الأوّل، و هو المختار؛ لأنّ المتبادر من إطلاقات الأدلّة ترتّب الحكم و المضيّ على خصوص ما كثر فيه الشكّ؛ سيّما بملاحظة التعليلات الواردة في بعضها الظاهرة في أنّ كثرة الشكّ من الشيطان. و العجب من استدلال القائلين بالإطلاق بتلك التعليلات على مختارهم! فكيف يحكم على من كثر شكّه في خصوص صلاة الصبح فقط- مثلًا- و اتّفق له الشكّ في صلاة الظهر، أنّه كثير الشكّ بالنسبة إلى شكّه الاتّفاقي؟! و يلزم عليهم أن يلتزموا بعدم التفات من هو كثير الشكّ في شكّ لا حكم له- كالشكّ بعد الفراغ مثلًا- إلى شكّه الاتّفاقي الحاصل في أثناء الصلاة، و هو كما ترى. و على القول المختار يعمل بالشكّ الاتّفاقي الحاصل لكثير الشكّ مطلقاً؛ أي سواء كان شكّه من الشكوك المعتبرة، أو الشكوك الباطلة، أو الشكوك التي لا يلتفت إليها.

ص: 296

ص: 297

(مسألة 1): المرجع في كثرة الشكّ إلى العرف،

و لا يبعد تحقّقه فيما إذا لم تخلُ منه ثلاث صلوات متوالية (1).


1- قال المحقّق في «الشرائع»: و يرجع في الكثرة إلى ما يسمّى في العادة كثيراً. و قيل: أن يسهو ثلاثاً في فريضة. و قيل: أن يسهو مرّة في ثلاث فرائض، و الأوّل أظهر(شرائع الإسلام 1: 108.) ، انتهى. و قد حكي عن ابن حمزة القول بأنّ حدّ كثير الشكّ أن يسهو ثلاث مرّات متوالية. و هو بظاهره أعمّ من أن يسهو في فريضة واحدة أو فرائض متوالية. و عن ابن إدريس القول بأنّ حدّه أن يسهو في شي ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات، أو في أكثر الخمس؛ أي الثلاث منها. و الوجه في الرجوع إلى العرف و العادة في تحقّق مسمّى الكثرة هو أنّه المحكّم فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، و لا تعيين من اللغة. نعم، قد ورد في بعض الروايات تحديده بالثلاث، كما في صحيح محمّد بن أبي حمزة أنّ الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 7.) و في «الجواهر»: قد قيل: إنّ أظهر ما يراد منه أن لا يسلّم من سهوه ثلاث صلوات متتالية، و هو غير منافٍ للعرف، بل لعلّه بيان له و ليس حصراً. لكن فيه: أنّ مجرّد تحقّق السهو في ثلاث لا يتحقّق به الكثرة مع اختلاف المحلّ، فلعلّ الأولى إرادة السهو في كلّ شي ء من جزء أو غيره ثلاث مرّات؛ أي بأن يسهو في الركوع- مثلًا- ثلاث مرّات، و لو في ضمن ثلاث صلوات، مع احتمال الاقتصار على الفريضة الواحدة، لكن الأقوى خلافه(جواهر الكلام 12: 422.) ، انتهى. و النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»- بعد اختيار أنّ المرجع في معرفة الكثرة العرف، و أنّه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع و لا تعيين من اللغة- قال: و أمّا صحيحة ابن أبي حمزة: «و إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو» ، فليست فيها مخالفة للعرف؛ إذ كلّ من لا يسلّم كل ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفاً قطعاً(مستند الشيعة 7: 194.) ، انتهى. و اورد على الصحيح المزبور بأنّه مجمل؛ لاحتمال أن يكون المراد من الثلاث، الصلوات، أو الفرائض، أو الركعات، أو الأفعال مطلقاً. و أجاب عنه النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» بما ملخّصه: أنّ الحديث ظاهر، و المراد به أنّ كلّ من لا يسلّم كلّ ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفاً قطعاً. ثمّ قال: و المراد بعدم خلوّ كلّ ثلاث كونه كذلك أيضاً عرفاً؛ أي يقال في العرف: إنّه يسهو في كلّ ثلاث، لا كلّ ثلاث من أيّام تكليفه أو حياته، أو من شهر أو سنة أو غير ذلك ممّا يتصوّر؛ فلا إجمال فيه من هذه الجهة أيضاً. فهو ممّا يبيّن أحد المصاديق العرفية، و له مصداقات اخر أيضاً. و الظاهر صدقه على من يسهو في كلّ من صلوات خمس من يوم، أو أكثرها من يومين أو أكثر، و على من يسهو خمساً أو أكثر في صلاة واحدة، بل لا يبعد صدقه بالسهو ثلاثاً في صلاة واحدة أو في ثلاث صلوات متتالية فرائض أو نوافل(مستند الشيعة 7: 194.) ، انتهى. ثمّ إنّه على تقدير تخصيص الكثرة بالثلاث، فهل الحكم و عدم الاعتناء بالشكّ يتعلّق بالشكّ الثالث أو الرابع؟ فيه خلاف. فقال جماعة بتعلّقه بالرابع؛ ففي «مستند الشيعة»: فيعمل في الرابعة بعمل كثير السهو دون الثالثة؛ إذ الظاهر عدم صدق الكثرة إلّا بالسهو الرابع(مستند الشيعة 7: 195.) ، انتهى. و استدلّ القائلون بتعلّقه بالرابع بأنّ الثلاث سبب لتحقّق حكم الكثرة، و السبب مقدّم على المسبّب؛ فلا يجري حكم المسبّب على السبب. و أورد عليه في «الحدائق» بأنّ تقدّم السبب ذاتي، و لا تنافيه المعية الزمانية. مع أنّ التقدّم الزماني لا يخلّ هنا بالمقصود(الحدائق الناضرة 9: 301.) ، انتهى. و يظهر من المحقّق الأردبيلي رحمه الله تعلّق الحكم بالشكّ الثالث، قال: و يمكن أن يكون معنى رواية محمّد بن أبي عمير عن محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام: أنّ السهو في كلّ واحدة واحدة من أجزاء الثلاث بحيث يتحقّق في جميعه موجب لصدق الكثرة، و أنّه لا خصوصية له بثلاث دون ثلاث، بل في كلّ ثلاث تحقّق، تحقّق كثرة السهو، فتزول بواحدة أو اثنتين أيضاً، فيتحقّق حكمها في المرتبة الثالثة، فيكون التحقّق و زوال حكم الشكّ معاً(مجمع الفائدة و البرهان 3: 144.) ، انتهى كلامه. و نسب إلى الشهيد في «الذكرى» حصول الكثرة بالثانية؛ لصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(وسائل الشيعة 8: 243، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) و أجاب عنه صاحب «الحدائق» بقوله: قد قدّمنا أنّ الأظهر في معنى هذه العبارة: «و لا على الإعادة إعادة» هو أنّه لو صدر منه شكّ أو سهو موجب لإعادة الصلاة، ثمّ حصل في الصلاة المعادة ما يوجب الإعادة أيضاً، فإنّه لا يعيد و لا يلتفت إليه، بل يتمّ صلاته. و لا منافاة بينه و بين التحديد الواقع في صحيحة محمّد بن أبي عمير؛ إذ لا يلزم أن يكون عدم الإعادة في الصلاة المعادة، إنّما هو لحصول الكثرة، بل هما حكمان شرعيان بينهما عموم و خصوص من وجه؛ إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر فيما كان سبباً للإعادة. و السهو في المعادة لا يستلزم كثرة السهو، و إن اجتمع الحكمان في بعض الموارد، و لا تنافي بينهما(الحدائق الناضرة 9: 301.) ، انتهى. و أنكر النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» دلالة صحيح حفص على التحديد بالاثنين.

ص: 298

ص: 299

ص: 300

ص: 301

و يعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض؛ من خوف أو غضب أو همّ و نحو ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ (1).

(مسألة 2): لو شكّ في أنّه حصل له حالة كثرة الشكّ أم لابنى على عدمها،

و لو شكّ كثير الشكّ في زوال تلك الحالة بنى على بقائها؛ لو كان الشكّ من جهة الامور الخارجيّة لا الشبهة المفهوميّة، و إلّا فيعمل عمل الشكّ (2).


1- و ذلك لانصراف النصوص الدالّة على عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه إلى الشكّ المستند إلى الشيطان. فكثرة الشكّ الناشئة من الجهات الخارجية العارضة لغالب الناس- كالخوف و الغضب و غيرهما ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ- ليست من الشيطان، فالواجب فيها الاعتناء بالشكّ.
2- مقتضى الاستصحاب البناء على بقاء ما كان كما كان من عدم حصول حالة الكثرة فيما كان الشكّ في حدوثها، و من بقائها فيما كان الشكّ في زوالها. و لا يخفى: أنّ الاستصحاب يجري فيما علم بالحالة السابقة و شكّ في بقائها، و كان الشكّ من جهة الامور الخارجية أي كانت الشبهة موضوعية. و لا يجري فيما كانت الشبهة مفهومية، كأن يشكّ في مفهوم الكثرة و أنّها تتحقّق بالثلاث أو الأربع. فلا مجال للاستصحاب فيما كان الشكّ في مفهوم الكثرة؛ إذ مع الشكّ في المفهوم لم يكن في السابق حدّ متيقّن حتّى يستصحب. فالوظيفة فيما كان المفهوم مشتبهاً مجملًا مردّداً بين الأقلّ و الأكثر هو الأخذ بالمتيقّن- و هو الأربع في المقام- و الرجوع فيما عداه إلى إطلاقات أدلّة الشكوك السالمة عمّا يصلح للتقييد.

ص: 302

(مسألة 3): لا يجوز لكثير الشكّ الاعتناء بشكّه،

فلو شكّ في الركوع و هو في المحلّ لا يجوز أن يركع، و لو ركع بطلت صلاته. و الأحوط ترك القراءة و الذكر و لو بقصد القُربة لمراعاة الواقع رجاءً، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة (1).


1- نسب إلى المشهور القول بعدم جواز اعتناء كثير الشكّ بشكّه، و أنّ وظيفته المقرّرة له من جانب الشارع المضيّ في صلاته، بحيث لو اعتنى بشكّه و أتى بالمشكوك بطلت صلاته؛ للزوم الزيادة العمدية فيما كانت الزيادة- حتّى الصورية منها- قادحة كما في الشكّ في الركوع و السجود، فإنّ مقتضى وظيفته الظاهرية تركهما، فإتيانهما مبطل. و كذا تبطل فيما كانت الزيادة بقصد الجزئية، كما في الشكّ في القراءة و الذكر، فإنّه لا بأس بإتيانهما بقصد القربة المطلقة لمراعاة الواقع رجاءً ما لم يبلغ حدّ الوسواس المنهي عنه، و إن كان الأحوط تركهما. و نسب إلى الشهيد في «الذكرى» احتمال التخيير بين عدم الاعتناء بالشكّ و المضيّ في الصلاة، و بين العمل بالشكّ. و حكي عن الأردبيلي رحمه الله القول بتخيير كثير الشكّ، و أنّه يجوز له الاعتناء بشكّه و العمل به، كما يجوز له ترك الاعتناء به. و استدلّ للقول بالتخيير بصحيح زرارة و أبي بصير(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.) ، حيث سئل عليه السلام عن كثير الشكّ مرّتين، و أجاب عليه السلام تارة بالإعادة، و اخرى بالمضيّ في الصلاة، و مقتضى الجمع بينهما حمل الأمر على التخيير. و أجاب عنه في «الحدائق» بما ملخّصه: أنّ مورد السؤالين مختلف؛ فمورد السؤال الأوّل كثرة أطراف الشكّ مع كون نفس الشكّ واحداً: «لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه»، فأجاب عليه السلام بالإعادة. و مورد السؤال الثاني كثرة نفس الشكّ: «كلّما أعاد شكّ» فأجاب بالمضيّ فيها. فمع اختلاف مورد السؤالين في الصحيح المزبور لا وجه لحمل الأمر على التخيير(الحدائق الناضرة 9: 290.) و أجاب عنه السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى» بما ملخّصه أوّلًا: أنّ مورد السؤالين مختلف، حيث إنّ كثرة الشكّ في السؤال الأوّل محمول على مرتبة لم تبلغ حدّاً موجباً لعدم الاعتناء به، و في السؤال الثاني محمول على المرتبة البالغة ذلك الحدّ. و ثانياً: أنّ تعليل عدم الاعتناء بالشكّ بعدم تطميع الشيطان إنّما يناسب الإلزام و وجوب المضيّ و عدم الاعتناء بالشكّ، دون الجواز و التخيير(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 25.) و قد يستدلّ أيضاً للقول بالتخيير بأنّ الأمر بالمضيّ في النصوص الواردة في كثير الشكّ غير ظاهر في الوجوب؛ لوروده مورد توهّم الحظر، حيث يتوهّم حرمة المضيّ على الشكّ؛ لقاعدة الاشتغال و اقتضاء أدلّة الشكوك وجوب العمل بها. و حينئذٍ فلا يدلّ الأمر على وجوب المضيّ و ترك الاعتناء بالشكّ لزوماً، بل غايته الدلالة على الجواز و الرخصة أو مطلق رفع الحظر. و يرد عليه: أنّ الأمر الوارد في مورد توهّم الحظر و إن لم يكن ظاهراً في الوجوب في حدّ نفسه، لكنّه إذا اقترن عليه قرينة موجبة للوجوب يحمل عليه، و قد علّل الأمر بالمضيّ في الأخبار الواردة في كثير الشكّ بأنّه من الشيطان، فالتعليل بأنّه من الشيطان إنّما يناسب الإلزام بعدم الاعتناء بالشكّ، و يمنع حمل الأمر بالمضيّ على الرخصة. ثمّ إنّ هنا فروعاً ذكرها السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»، و المصنّف رحمه الله تركها تبعاً للسيّد الأصفهاني رحمه الله في «وسيلة النجاة»، و لا بأس بذكرها بترتيب مسائلها التي رتّبها السيّد رحمه الله و الإشارة إلى ملاكاتها: قال: «مسألة 3- إذا لم يلتفت إلى شكّه و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه و أنّ مع الشكّ في الفعل الذي بنى على وقوعه لم يكن واقعاً، أو أنّ ما بنى على عدم وقوعه كان واقعاً، يعمل بمقتضى ما ظهر، فإن كان تاركاً لركن بطلت صلاته، و إن كان تاركاً لغير ركن مع فوت محلّ تداركه وجب عليه القضاء فيما فيه القضاء، و سجدتا السهو فيما فيه ذلك. و إن بنى على عدم الزيادة فبان أنّه زاد يعمل بمقتضاه من البطلان أو غيره من سجود السهو»(العروة الوثقى 2: 52.) يعني: أنّ كثير الشكّ إذا شكّ و لم يعتن بشكّه و بنى على جانب الصحّة و مضى في صلاته، و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه، يعمل بمقتضى ما ظهر، فإن شكّ في ترك شي ء و بنى على إتيانه، ثمّ بان الخلاف و أنّه لم يأتِ به، و حينئذٍ: فإن كان محلّ التدارك باقياً أتى به، و إن لم يكن باقياً بطلت صلاته إن كان ركناً، و إن كان غير ركن قضاه إن كان ممّا يقضى- كالسجدة الواحدة و التشهّد- و أتى بسجدتي السهو، و إن لم يكن ممّا فيه القضاء- كالقراءة و الذكر- فلا شي ء عليه. و إن شكّ في زيادة شي ء و بنى على عدم الزيادة ثمّ بان الخلاف، فإن كان من قبيل الركن بطلت صلاته، و إن كان غير ركن وجبت عليه سجدتا السهو، بناءً على وجوبها لكلّ زيادة و نقيصة، و إلّا فلا شي ء عليه. ففي جميع ذلك يعمل بمقتضى ما ظهر له من خلاف ما بنى عليه. و الوجه في البناء على خلاف ما بنى عليه، هو أنّ الظاهر من أدلّة كثير الشكّ كون الحكم بعدم اعتنائه بشكّه حكماً ظاهرياً، و هو يجزي ما دام لم ينكشف خلافه، فإذا انكشفت مخالفته للواقع وجب ترتيب أثر فوات الواقع فقد تجب الإعادة، و قد يجب تدارك الفائت، و قد يجب قضاؤه مع سجدتي السهو، و قد لا يجب عليه شي ء ... إلى غير ذلك من أحكام الخلل. قال رحمه الله: «مسألة 5- إذا شكّ في أنّ كثرة شكّه مختصّ بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقاً، اقتصر على ذلك المورد»(العروة الوثقى 2: 53.) فرض المسألة: أنّ كثير الشكّ مع قطعه بكونه كثير الشكّ في شي ء- كالركوع مثلًا- قد يشكّ في أنّ كثرة شكّه هل هي مختصّة بذلك المورد المعيّن فقط، أو لا تختصّ به، بل هي حاصلة في غيره أيضاً؟ فحكمه الاقتصار على ذلك المورد المتيقّن، و في غيره يجري استصحاب عدم الكثرة، و يعمل فيه عمل الشكّ. قال رحمه الله: «مسألة 6- لا يجب على كثير الشكّ و غيره ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو نحو ذلك، و إن كان أحوط فيمن كثر شكّه»(العروة الوثقى 2: 53.) لا خلاف في أنّه لا يجب على كثير الشكّ ضبط صلاته بنصب قيّم أو بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو التخفيف في صلاته، كلّ ذلك للسدّ من حدوث الشكّ. و في «الجواهر»: حتّى لو علم أنّه يعرض له ذلك في صلاة يريد أن يشرع بها لم يجب ذلك(جواهر الكلام 12: 421.) ، انتهى. وجه عدم الوجوب أصالة البراءة، و إطلاق النصوص الواردة في كثرة الشكّ. نعم، قد ورد في بعض الأخبار الأمر بإحصاء الصلاة و حفظها بالحصى، و في بعضها نفي البأس عن حفظها و عدّها بالخاتم، و في بعضها أمر بإدراج الصلاة؛ أي تخفيفها. كما في رواية حبيب الخثعمي قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام كثرة السهو في الصلاة، فقال: «أحصِ صلاتك بالحصى»، أو قال: «احفظها بالحصى»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) و رواية الصدوق عن حبيب بن المعلّى أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: إنّي رجل كثير السهو، فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي احوّله من مكان إلى مكان؟ فقال: «لا بأس به»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 28، الحديث 2.) و صحيح عبد اللّه بن المغيرة عنه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 28، الحديث 3.) و موثّق الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، قلت: فإنّه يكثر عليّ، فقال: «أدرج صلاتك إدراجاً»، قلت: و أيّ شي ء الإدراج؟ قال: «ثلاث تسبيحات في الركوع و السجود»(وسائل الشيعة 8: 236، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 22، الحديث 3.) لكن الأمر في هذه الأخبار محمول على الاستحباب؛ للقرينة الواردة في بعضها من نفي البأس، و التعبير بكلمة «ينبغي» في رواية عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو»(وسائل الشيعة 8: 236، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 22، الحديث 2.) ثمّ إنّ السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى» قد عبّر عن رواية الخثعمي المتقدّمة بالمعتبرة(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 28.) ، و قال في «معجم رجال الحديث»: فالرجل- حبيب الخثعمي- ثقة؛ لشهادة النجاشي له بلا معارض. و طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و بابن بطّة(معجم رجال الحديث 5: 204.) ، انتهى. و لعلّ تعبيره رحمه الله عن الرواية بالمعتبرة باعتبار رواية الشيخ إيّاها في «التهذيب» بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل السرّاج عن حبيب الخثعمي(تهذيب الأحكام 2: 348/ 1444.) ، و أنّ طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح. و سائر رجال السند بعد الحسين بن سعيد كلّهم معتبر؛ و هم محمّد بن إسماعيل بن بزيع- كان من صالحي الطائفة الإمامية و ثقاتهم و كثير العمل- و أبو إسماعيل السرّاج- هو عبد اللّه بن عثمان بن عمرو الفزاري، قد وثّقه النجاشي و العلّامة في «الخلاصة»- و حبيب الخثعمي المدائني؛ و هو على ما في «رجال النجاشي» و «خلاصة» العلّامة ثقة ثقة، قد روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن و الرضا عليهم السلام. و يرد عليه: أنّ تعبيره عن رواية الخثعمي بالمعتبرة لا يساعده كلامه في ترجمته من أنّ طريق الشيخ إليه ضعيف.

ص: 303

ص: 304

ص: 305

ص: 306

ص: 307

ص: 308

و منها: شكّ كلّ من الإمام و المأموم في الركعات مع حفظ الآخر،
اشارة

فيرجع الشاكّ منهما إلى الآخر. و جريان الحكم في الشكّ في الأفعال أيضاً لا يخلو من وجه (1).


1- إذا شكّ كلّ من الإمام و المأموم في الركعات لم يلتفت إلى شكّه، بل عوّل كلّ منهما على صلاة الآخر إذا حفظ عليه؛ فيرجع الشاكّ منهما إلى الآخر بلا خلاف فيه. و في «المدارك» نسبه إلى قطع الأصحاب(مدارك الأحكام 4: 269.) و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) و أورد الكليني رحمه الله تمام الحديث في «فروع الكافي»: «و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(الكافي 3: 359/ 7.) و مرسل يونس عن رجل أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (بإيقان) منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة؛ فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم»(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) و قد ورد في بعض الأخبار عدم اعتناء خصوص المأموم بشكّه، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و سألته عن رجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة، فلم يقل شيئاً و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهّد حتّى يسلّم؟ فقال: جازت صلاته، و ليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو؛ لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 5.) ثمّ إنّه اختلف علماؤنا في أنّه هل يختصّ هذا الحكم- رجوع كلّ من الإمام و المأموم في شكّه إلى الآخر- بعدد الركعات، أم يعمّ الأفعال أيضاً؟ فنسب إلى جماعةٍ القول بالتعميم؛ ففي «مفتاح الكرامة» و في «فوائد الشرائع» و «الميسيّة» و «الروض» و «الذخيرة» و «الكفاية» و «المدارك»: أنّه لا فرق بين الأفعال و الركعات، و في الأخير نسبته إلى الأصحاب. و إليه ذهب صاحب «الحدائق» قال: و لا خلاف في رجوع كلّ من الإمام و المأموم عند عروض الشكّ إلى الآخر مع حفظه له في الجملة؛ سواء كان الشكّ في الركعات أو الأفعال(الحدائق الناضرة 9: 269.) ، انتهى. و اختاره النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»، قال: و مقتضى عموم الأخبار رجوع الشاكّ منهما إلى المتيقّن مطلقاً؛ سواء كان الشكّ في الركعات أو الأفعال(مستند الشيعة 7: 214.) ، انتهى. و صرّح المصنّف رحمه الله بجريان الحكم في الشكّ في الأفعال أيضاً و أنّه لا يخلو من وجه. و ذهب جماعة اخرى إلى اختصاص الحكم بالشكّ في الركعات دون الأفعال. و صاحب «الجواهر» رحمه الله تأمّل في التعميم و قال- بعد نسبة عدم الفرق في الحكم بين الأفعال و الركعات إلى صاحب «المدارك» و بعض من تأخّر عنه-: و هو لا يخلو من تأمّل؛ للشكّ في شمول الأدلّة له(جواهر الكلام 12: 411.) ، انتهى. و المختار: هو القول بالاختصاص بالركعات. و استدلّ للقول بالتعميم بإطلاق صحيح حفص بن البختري المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) ، حيث إنّه شامل لما إذا كان الشكّ في الركعات أو الأفعال، و خبر أبي الهذيل- سيف بن عبد الرحمن المجهول الحال- عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتّكل على عدد صاحبه في الطواف، أ يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: «نعم، أ لا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه فهو مثله»(وسائل الشيعة 8: 242، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 9.) و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بعد نفي المنع عن التمسّك بإطلاق صحيح حفص للقول بالتعميم، قال: لو لا دعوى أنّ امتناع الأخذ بإطلاقه الأحوالي و الأفرادي يناسب أن يكون وارداً في مقام إثبات الحكم في الجملة لا مطلقاً، فيمتنع التمسّك به في المقام(مستمسك العروة الوثقى 7: 573.) ، انتهى. و قال العلّامة رحمه الله في «المنتهى»- في مقام الجواب عن الاستدلال بالتعميم بالأخبار- و الجواب عن الأوّل- أي الخبر الأوّل؛ و هو صحيح حفص- أنّه محمول على السهو في العدد و الشكّ فيه؛ لأنّ الإمام كافيه في ذلك، لا في أفعال الصلاة، كالنية و تكبيرة الإحرام و غيرهما(منتهى المطلب 1: 413/ السطر 2.) ، انتهى. و يعجبني نقل كلام المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» في المقام؛ فإنّه متضمّن للاستدلال على القول المختار و الجواب عن استدلال القائلين بالتعميم، حيث إنّه استجود تأمّل صاحب «الجواهر» رحمه الله في شمول حكم شكّ الإمام و المأموم للأفعال، و قال في وجهه: فإنّ عمدة الدليل عليه هو الإجماع و الأخبار المزبورة: أمّا الإجماع فلم يتحقّق بالنسبة إلى محلّ الكلام. و أمّا الأخبار فهي أيضاً لا تخلو من قصور: أمّا رواية البختري فهي في حدّ ذاتها متشابهة، و غاية ما يمكن استفادته منها ببعض القرائن الداخلية و الخارجية إنّما هو إرادة الشكّ في الركعات، كما عرفته في المسألة السابقة. و أمّا ما عداها- و هي مرسلة يونس و صحيحة علي بن جعفر- فموردهما الشكّ في الركعات. و الجواب الوارد في المرسلة و إن كان مطلقاً- فالعبرة بإطلاقه لا بخصوصية المورد- و لكن ذكره في عداد الأمثلة التي لم يرد منها إلّا الشكّ في عدد الركعات يصرفه عن الظهور في العموم(مصباح الفقيه، الصلاة: 579/ السطر 30.)، انتهى.

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

و لا يرجع الظانّ إلى المتيقّن، بل يعمل على طبق ظنّه، و يرجع الشاكّ إلى الظانّ على الأقوى (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في رجوع كلّ من الإمام و المأموم في شكّه إلى الآخر المتيقّن، و هو القدر المتيقّن من النصوص الواردة في شكّ الإمام و المأموم. و إنّما الإشكال و الخلاف في مقامين: أحدهما: رجوع الشاكّ منهما إلى الآخر الظانّ. ثانيهما: رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن. يظهر من الشهيد الثاني جواز الرجوع في كلا المقامين، قال في «المسالك»: ثمّ إن كان الحافظ عالماً رجع إليه الآخر، و إن كان ظانّاً بخلافه. و إن كان الحافظ بانياً على ظنّ رجع الآخر إليه مع الشكّ خاصّة(مسالك الأفهام 1: 298.) ، انتهى. و إليه ذهب صاحب «المدارك» و قال: و كما يرجع الشاكّ من الإمام و المأموم إلى المتيقّن، كذا يرجع الظانّ إلى المتيقّن و الشاكّ إلى الظانّ(مدارك الأحكام 4: 270.) ، انتهى. و قد أشكل الأمر في كلّ من المقامين على جماعة من فقهائنا، كصاحبي «الحدائق» و «الرياض» و «الجواهر» و غيرهم. ففي «الحدائق»: بعد نقل قول صاحب «المدارك» قال: ما ذكروه من رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن و الشاكّ إلى الظانّ، و إن كان ظاهر الأصحاب في هذا الباب، إلّا أنّه لا يخلو من الإشكال عند التأمّل بعين الحقّ و الصواب، و ذلك فإنّ غاية ما يستفاد من الدليل هو رجوع الشاكّ منهما إلى المتيقّن، و أمّا رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن ففيه ما ذكره بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين من عدم ثبوت الدليل عليه، مع أنّه متعبّد بظنّه. و كون اليقين أقوى من الظنّ غير نافع هنا؛ لأنّ قوّة اليقين الموجبة للترجيح مختصّة بمن حصل له اليقين لا غيره. نعم إن حصل له ظنّ أقوى بسبب يقين الغير كان عليه العمل بمقتضاه، إلّا أنّه خارج عن محلّ المسألة(الحدائق الناضرة 9: 270.)، انتهى. و في «الرياض» قال: و المتبادر من الحفظ و عدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع، كما يدلّ عليه لفظ «الإيقان» في بعض النسخ- نسخة «الكافي» و «التهذيب»- فالحكم برجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ مشكل، و كذا الظانّ إلى المتيقّن(رياض المسائل 4: 255.) ، انتهى. و في «الجواهر»: أمّا إذا كان ظانّاً فيشكل اعتماده على غيره، مع أنّه موهوم عنده ... إلى أن قال: و ممّا تقدّم لك سابقاً يظهر لك الإشكال في رجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ إذا لم يحصل له ظنّ(جواهر الكلام 12: 405- 406.) ، انتهى. و قال في موضع آخر: و الحاصل أنّ الصور في المقام ثلاثة ... إلى أن قال: الثالثة رجوع الشاكّ إلى الظانّ، و قد عرفت الإشكال فيه أيضاً، و إن كان قد يقوى رجوعه، إلّا أنّ الاحتياط لا ينبغي تركه(جواهر الكلام 12: 407.) ، انتهى. و فصّل النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» بين رجوع الشاكّ إلى الظانّ، و رجوع الظانّ إلى المتيقّن، و قال: و هل يرجع الشاكّ إلى الظانّ أو الظانّ إلى المتيقّن، أم لا؟ الظاهر في الأوّل: لا، و في الثاني: نعم(مستند الشيعة 7: 214.) ، انتهى. و هذا التفصيل اختاره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها؛ ففي «العروة الوثقى»: الظانّ منهما أيضاً يرجع إلى المتيقّن، و الشاكّ لا يرجع إلى الظانّ إذا لم يحصل له الظنّ(العروة الوثقى 2: 53.) ، انتهى. و ذهب شيخ أساتيذنا الحائري رحمه الله في «صلاته» إلى عكس قول النراقي رحمه الله و قال: و هل يرجع الظانّ إلى القاطع، أم لا؟ الظاهر الثاني؛ لظهور الأخبار في أنّ موردها من كان وظيفته الرجوع إلى قواعد الشكّ لو لا هذا الحكم، فلاحظ. و هل يرجع الشاكّ إلى الظانّ، أم لا؟ قيل: بالثاني؛ لأنّ مفاد الأخبار الإرجاع إلى الحافظ، و الحفظ التامّ يساوق العلم. و فيه: أنّ دليل حجّية الظنّ يجعل الظانّ كالحافظ(الصلاة، للمحقّق الحائري: 418.) ، انتهى. و هذا التفصيل- الذي ذهب إليه الحائري رحمه الله- مختار المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين «للعروة الوثقى». و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»: جوّز رجوع الشاكّ إلى الظانّ و أشكل في تعويل الظانّ إلى المتيقّن، و قال: فالأظهر رجوع الشاكّ إلى الحافظ مطلقاً؛ سواء حصل له الظنّ أم لا. و أمّا الظانّ بالخلاف فيشكل إلغاء ظنّه و التعويل على حفظ الآخر(مصباح الفقيه، الصلاة: 578/ السطر 25.) ، انتهى. و استدلّ لرجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن بوجوه: الأوّل: إطلاق صحيح حفص بن البختري المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) ، حيث إنّ المراد من السهو فيه ليس خصوص الشكّ، بل هو الأعمّ منه و من الظنّ. و يدلّ على كون السهو أعمّ و شاملًا للظنّ صحيح محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع، و في الاثنتين و (في) الأربع بتلك المنزلة»، و من سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: «يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد، ثمّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض فصلّى ركعتين و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) ، حيث إنّ أكثرية الوهم إلى الأربع أو الثنتين عبارة عن ظنّهما. الثاني: أنّ المراد من الوهم في بعض روايات المسألة يشمل الظنّ أيضاً، كما في رواية محمّد بن سهل بن اليسع الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: «الإمام يحمل أوهام من خلفه، إلّا تكبيرة الافتتاح»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 2.) ، حيث إنّ الوهم يطلق على الظنّ شرعاً، بل لغةً، كما في «مصباح المنير» و «لسان العرب». و مورد الرواية و إن كان رجوع المأموم إلى الإمام في أوهامه- فلا يدلّ على رجوع الإمام على المأموم فيها- و لكن الحكم يثبت في الإمام بالإجماع المركّب؛ لعدم القول بالتفصيل. الثالث: أنّ المستفاد من مرسلة يونس المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) : إنّه ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق، و إن كان الإمام مائلًا مع أحدهما، و المراد من ميل الإمام مع أحدهما كونه ظانّاً، و ذلك بقرينة مقابلته بمعتدل الوهم. و الجواب عن الوجه الأوّل: أنّ إطلاق «السهو» على الظنّ أو على معنى أعمّ من الشكّ و الظنّ غير معهود في الاستعمالات. و قد استعمل «السهو» في اللغة بمعنى النسيان و الغفلة و عدم الالتفات؛ ففي «القاموس»: سها في الأمر سهواً و سُهُوّاً: نسيه و غفل عنه و ذهب قلبه إلى غيره(القاموس المحيط 4: 346.) ، انتهى. و السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى» أنكر شمول السهو لغةً للشكّ، فضلًا عن الظنّ، و قال بإطلاقه على الشكّ كثيراً في لسان الأخبار بضرب من العناية باعتبار الجهل بالواقع(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 40.) ، انتهى. و أمّا «السهو» في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم فلم يستعمل في الظنّ، بل هو مستعمل في معناه اللغوي- الغفلة و عدم الالتفات- فمعنى قوله: «و من سها» أي: من غفل و لم يلتفت و لم يدرِ كم صلّى؟ فهو إمّا معتدل شكّه، أو يكثر وهمه إلى أحد الطرفين، فأين هذا من استعمال لفظ السهو في الظنّ؟! و عن الوجه الثاني: أنّ الوهم في اللغة عبارة عن خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردّد- كما في «القاموس»- و استعماله في الظنّ بعناية يحتاج إلى القرينة. والوهم في رواية محمّد بن سهل لم يستعمل في الظنّ. و قال السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»: إنّ المنسبق إلى الذهن من هذه الرواية- خصوصاً بقرينة استثناء تكبيرة الإحرام- إرادة المنسيات من الأوهام، و يكون حاصل المعنى- حينئذٍ- ضمان الإمام لكلّ خلل يستطرق صلاة المأموم نسياناً بعد تحقّق الائتمام منه بالدخول في تكبيرة الافتتاح(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 43.) ، انتهى. و عن الوجه الثالث: أنّ السائل سأل عن صورة اختلاف المأمومين و اعتقاد بعضهم بأنّهم صلّوا ثلاثاً و بعضهم الآخر بأنّهم صلّوا أربعاً، و كان الإمام مائلًا بأحدهما، و الصادق عليه السلام تعرّض في الجواب لبيان أحكام كلّية؛ من جملتها: أنّه لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه باتّفاق منهم»، فهو عليه السلام لم يتعرّض لجواب سؤال السائل عن صورة اختلاف المأمومين مع ظنّ الإمام بأحد الطرفين، بل جوابه عليه السلام عن صورة اختلاف المأمومين مطلق شامل لصورة كون الإمام مائلًا مع أحدهما، و صورة كونه معتدل الوهم، كلتيهما، حيث قال عليه السلام: «فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم». و في «مستند العروة الوثقى»: و لعلّ المراد العمل بمقتضى الشكّ من الإعادة إن كان من الشكوك الباطلة، و الأخذ بالجزم بالبناء على الأكثر إن كان من الصحيحة(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 42.) ، انتهى. و استدلّ لرجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ بإطلاق صحيح حفص المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) وجه الاستدلال: أنّ كلّاً من الإمام و المأموم يرجع في شكّه إلى الآخر فيما لا يكون الآخر شاكّاً؛ لانصراف الصحيح عن صورة مشاركتهما في الشكّ. ففي صورة المشاركة في الشكّ لا يرجع أحدهما إلى الآخر؛ لقبح الترجيح بلا مرجّح. فالشاكّ منهما يرجع إلى غير الشاكّ؛ سواء كان غير الشاكّ متيقّناً أو ظانّاً، هذا. مضافاً إلى أنّ المفروض حجّية ظنّ الظانّ؛ فظنّه حجّة شرعية و بمنزلة العلم في الكشف عن الواقع. و بهذا الاعتبار يكون حافظاً تعبّداً و جاز للشاكّ الرجوع إليه. و المختار- تبعاً لجماعة- عدم جواز رجوع الظانّ إلى المتيقّن، و جواز رجوع الشاكّ إلى الظانّ. أمّا الأوّل: فلأنّ اللازم على الظانّ العمل بظنّه؛ لأنّ المفروض حجّية ظنّه و وجوب الاعتماد عليه- كما في أعداد الركعات- فلا يجوز له الاعتماد على الآخر المتيقّن؛ لعدم حجّية يقينه عليه. مع أنّ قطع المتيقّن موهون عند الظانّ. و أمّا الثاني: فلما ذكر في الأوّل من أنّ المفروض حجّية ظنّ الظانّ، فظنّه حجّة شرعية و بمنزلة العلم في الكشف عن الواقع، بل أدلّة حجّية الظنّ توجب كون الظانّ ممّن يدري لا ممّن لا يدري، و بهذا الاعتبار يكون حافظاً تعبّداً و جاز للشاكّ الرجوع إليه.

ص: 313

ص: 314

ص: 315

ص: 316

ص: 317

ص: 318

ص: 319

و لو كان الإمام شاكّاً و المأمومون مختلفين في الاعتقاد لم يرجع إليهم. نعم لو كان بعضهم شاكّاً و بعضهم متيقّناً يرجع إلى المتيقّن منهم، بل يرجع الشاكّ منهم بعد ذلك إلى الإمام لو حصل له الظنّ، و مع عدم حصوله فالأقوى عدم رجوعه إليه و يعمل عمل شكّه (1).


1- لو كان الإمام شاكّاً و المأمومون متّفقين متيقّنين، رجع الإمام إليهم بلا إشكال. و كذا رجع الإمام الشاكّ إلى المأمومين المتّفقين الظانّين، بناءً على جواز رجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ. و لو اختلف المأمومون- بأن كان بعضهم شاكّاً و بعضهم متيقّناً- رجع الإمام الشاكّ إلى المتيقّن منهم بلا إشكال. و حينئذٍ: إن حصل للإمام ظنّ بما بنى عليه رجع المأموم الشاكّ إلى الإمام الظانّ، و إن لم يحصل للإمام ظنّ به فلا يرجع المأموم الشاكّ إليه، بل يعمل عمل شكّه. و لو كان الإمام شاكّاً و بعض المأمومين ظانّاً و بعضهم الآخر متيقّناً، رجع الإمام إلى المتيقّن، و يعمل الظانّ بظنّه. و لو كان الإمام شاكّاً و بعض المأمومين ظانّاً و بعضهم الآخر شاكّاً، رجع الإمام إلى الظانّ، و المأموم الشاكّ يعمل عمل شكّه إن لم يحصل للإمام ظنّ، و إلّا رجع إلى الإمام. و قد ذكر صاحب «الحدائق» رحمه الله في المقام خمس عشرة صورة(الحدائق الناضرة 9: 272.) ، فراجع.

ص: 320

(مسألة 4): لو عرض الشكّ لكلّ من الإمام و المأموم، فإن اتّحد شكّهما عمل كلٌّ منهما عمل ذلك الشكّ،
اشارة

كما أنّه لو اختلف و لم يكن بين الشكّين رابطة- كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس- ينفرد المأموم، و يعمل كلٌّ عمل شكّه (1).


1- لو عرض الشكّ لكلّ من الإمام و المأموم و اتّحدا في نوع الشكّ- كأن شكّ كلّ منهما بين الثلاث و الأربع مثلًا- عمل كلّ منهما عمل ذلك الشكّ، و لا مورد لرجوع أحدهما على الآخر. و لو عرض الشكّ لكلّ منهما، و اختلف نوع شكّهما، و لم تكن بين الشكّين رابطة- أي لم يشتركا في شي ء من طرفي الشكّ؛ لكونهما متباينين بحيث يتيقّن كلّ منهما بخطإ الآخر في طرفي شكّه، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس- فلا مورد أيضاً لرجوع أحدهما إلى الآخر، بل ينفرد المأموم، و يعمل كلّ منهما بوظيفته في شكّه؛ من صلاة الاحتياط على الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث، و سجدتي السهو على الشاكّ بين الأربع و الخمس.

ص: 321

و أمّا لو كان بينهما رابطة و قدر مشترك- كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الثلاث و الأربع- ففي مثله يبنيان على القدر المشترك، كالثلاث في المثال؛ لأنّ ذلك قضيّة رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ؛ حيث إنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث معتقد بعدم الأربع و شاكّ في الثلاث، و الشاكّ بين الثلاث و الأربع معتقد بوجود الثلاث و شاكّ في الأربع، فالأوّل يرجع إلى الثاني في تحقّق الثلاث، و الثاني يرجع إلى الأوّل في نفي الأربع، فينتج بناءهما على الثلاث (1)،


1- لو كان بين شكّي الإمام و المأموم رابطة و قدر مشترك انحلّ شكّ كلّ منهما- بملاحظة شكّ الآخر و بالنسبة إليه- إلى الشكّ من جهة، و إلى الحفظ و الجزم من جهة اخرى، كما في مثال المتن، حيث إنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث شاكّ في الثلاث و جازم بنفي الأربعة، و الشاكّ بين الثلاث و الأربع شاكّ في الأربع و جازم بوجود الثلاث؛ فكل منهما يرفع اليد عن مورد شكّه و يرجع إلى جزم الآخر و حفظه. فالشاكّ بين الاثنتين و الثلاث يبني على الثلاث الذي جزم به الآخر، كما أنّ الشاكّ بين الثلاث و الأربع يبني على نفي الأربعة الذي جزم به الآخر. فرجوع كلّ منهما إلى ما جزم به الآخر ينتج في المثال بناءهما معاً على الثلاث و إتمام الصلاة. و نظير مثال المتن ما لو شكّ أحدهما بين الثلاث و الأربع، و الآخر بين الأربع و الخمس، فهما مشتركان في الشكّ في الأربع، و الأوّل منهما جازم بنفي الخمس، و الآخر جازم بوجود الأربع؛ فيرجع كلّ منهما بما جزم به الآخر؛ فينتج ذلك بناءهما معاً على الأربع. و الوجه في بناء كلّ منهما إلى ما جزم به الآخر في المثالين، و بنائهما على مورد الاشتراك بينهما، هو إطلاق صحيح حفص المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) ، حيث إنّ كلّاً منهما حافظ واقعاً في مورد شكّ الآخر، فيرجع كلّ منهما في جهة شكّه إلى جهة حفظ الآخر. و اورد عليه: أنّ الصحيح منصرف إلى ما إذا كان الآخر حافظاً مطلقاً؛ فلا يشمل ما لو كان حفظه من جهة و سهوه من جهة اخرى، كما في كلّ مورد من موارد وجود القدر المشترك بين شكّي الإمام و المأموم. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد استظهار جريان حكم الرابطة في الفرائض التي تبطل بنفس الشكّ، كالمغرب فإنّه إذا شكّ الإمام بين كونها ثانية أو ثالثة، و المأموم شكّ بين كونها ثالثة أو رابعة، لم يلتفت كلّ منهما إلى شكّه؛ لمكان يقين الآخر، و بنيا على الثالثة، و كذلك في الصبح لو شكّ أحدهما بين كونه واحدة أو ثانية و الآخر بين كونها ثانية أو ثالثة. قال: لكن لا يخفى أنّ ذلك كلّه محلّ للنظر و التأمّل؛ لما فيه من تخصيص أدلّة الشكّ إبطالًا و حكماً بتخريج غير ظاهر من النصوص و الفتاوى، بل الظاهر من قولهم عليهم السلام: «إذا لم يسه الإمام» و «إذا حفظ عليه من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) ، حفظ عدد الصلاة غير غافل عنها، لا أنّه حافظ قدراً مشتركاً و إن كان ساهياً بالنسبة إلى شي ء آخر. بل بناء الإمام على الثالثة في المثال لم يكن ليقين منه، و لا ليقين من المأموم، فكونها ثالثة غير محفوظ منهما، و كذلك غيره، فكيف يسوغ له البناء عليها مع عدم الاحتياط؟! و يجتزي على تخصيص تلك الأدلّة المحكمة بها، لا أقل من الشكّ(جواهر الكلام 12: 409.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه. و ملخّصه: أنّ أدلّة رجوع الشاكّ من الإمام و المأموم إلى الحافظ منهما منصرف إلى ما إذا كان الآخر حافظاً مطلقاً؛ فلا تشمل ما كان حافظاً بالنسبة إلى شي ء و ساهياً بالنسبة إلى شي ء آخر، كما في المثالين. و أجاب عنه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بقوله: و دعوى انصراف أدلّة المقام عن مثل ذلك ممنوعة؛ و لا سيّما بملاحظة الارتكاز العرفي، فيكون المقام نظير ما لو كان الإمام شاكّاً في الأفعال و حافظاً للركعات، و المأموم بالعكس؛ فإنّه لا ينبغي التأمّل في رجوع كلّ منهما إلى الآخر، بناءً على رجوع الشاكّ في الأفعال إلى الآخر(مستمسك العروة الوثقى 7: 578.)، انتهى.

ص: 322

ص: 323

ص: 324

و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة.

نعم يُكتفى- في تحقّق الاحتياط في الأوّل- البناء على الثلاث و الإتيان بصلاة الاحتياط إذا عرض الشكّ بعد السجدتين (1).


1- لعلّ وجه الاحتياط ما ذكرناه من انصراف أدلّة رجوع الشاكّ من الإمام و المأموم إلى الآخر عن الحافظ بالنسبة، و مع الرجوع فعليه الإعادة. و لا يخفى: أنّ الاحتياط بالإعادة مطلقاً لكلّ من الطرفين في المثالين لا وجه له: أمّا في المثال الأوّل- كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الثلاث و الأربع- فلأنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث وظيفته البناء على الثلاث و ضمّ ركعة رابعة و إتمام الصلاة. و لا شي ء عليه بناءً على صحّة رجوعه إلى الآخر؛ لإطلاق صحيح حفص المتقدّم. و أمّا بناءً على عدم صحّة رجوعه إليه- للانصراف المزبور- فوظيفته هو البناء على الثلاث أيضاً و ضمّ ركعة رابعة و إتمام الصلاة ثمّ إتيان صلاة الاحتياط. فمقتضى الاحتياط للشاكّ بين الاثنتين و الثلاث إتيان ركعة الاحتياط، لا إعادة الصلاة. هذا فيما إذا عرض له الشكّ بعد إكمال السجدتين. و أمّا إذا عرض قبل اكمالهما فالاحتياط بالإعادة. نعم مقتضى الاحتياط للشاكّ بين الثلاث و الأربع إعادة الصلاة؛ لأنّه بناءً على عدم صحّة رجوعه إلى الآخر كان وظيفته البناء على الأربع و إتمام الصلاة ثمّ إتيان صلاة الاحتياط. فبناؤه على الثلاث يوجب ضمّ ركعة رابعة متّصلة محتملة لأن تكون خامسة في الواقع و موجبة للبطلان، فمقتضى الاحتياط له الإعادة. و أمّا في المثال الثاني- كما إذا شكّ أحدهما بين الثلاث و الأربع، و الآخر بين الأربع و الخمس- فلأنّ الشاكّ بين الثلاث و الأربع وظيفته البناء على الأربع و إتمام الصلاة؛ سواءٌ صحّ رجوعه إلى الآخر أم لم يصحّ. و لكنّه بناءً على صحّة الرجوع لا شي ء عليه بعد إتمام الصلاة، و بناءً على عدم صحّة الرجوع يأتي بصلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة. فالاحتياط له يكون بصلاة الاحتياط، لا الإعادة. و كذلك الشاكّ بين الأربع و الخمس، حيث إنّ وظيفته البناء على الأربع و إتمام الصلاة، و لا شي ء عليه بناءً على صحّة رجوعه إلى الآخر. و بناءً على عدم صحّة رجوعه إليه كان وظيفته البناء على الأربع أيضاً، و لكنّه يسجد سجدتي السهو بعد الصلاة، و حينئذٍ: فالاحتياط له بناءً على صحّة الرجوع يكون بسجدتي السهو لا الإعادة؛ فلا وجه للاحتياط بالإعادة لهما. و اعتقد بعضهم أنّ ما بيده ركعة ثالثة، و بعضهم الآخر أنّه ركعة رابعة، لم يرجع إليهم ما لم يحصل له الظنّ من الرجوع إلى أحد الطرفين، و مع حصول الظنّ يعمل بظنّه، لا لأجل الرجوع إلى قولهم، بل لكون ظنّه حجّة. و وجه عدم رجوعه إلى قولهم- مضافاً إلى أنّ جواز الرجوع مقيّد بما إذا اتّفق المأمومون، كما في مرسل يونس المتقدّم قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق»(الفقيه 1: 231/ 1028، وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) ، بناءً على نسخة «الفقيه»، و أنّ وظيفة الإمام و المأموم في صورة اختلاف المأمومين الاحتياط و الأخذ بالجزم، كما في ذيل المرسل: «فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم» - هو أنّه إن رجع إلى قولهم: فإمّا أن يرجع إلى كلا الفريقين المختلفين، أو إلى أحدهما المعيّن، أو غير المعيّن، و الرجوع إلى كلّ منهما يستلزم نفي الآخر؛ فيلزم من الرجوع إلى كليهما التعبّد بالمتناقضين، و هو ممتنع. و الرجوع إلى المعيّن منهما ترجيح بلا مرجّح، و غير المعيّن لا وجود له في الخارج. من غير فرق بين كونه رجلًا او امرأة، عادلًا أو فاسقاً، واحداً أو متعدّداً؛ و ذلك لإطلاق صحيح حفص المتقدّم. و في «مستند الشيعة»: بل و كذا لو كان صبياً مميّزاً؛ لإطلاق قوله: «من خلفه»(مستند الشيعة 7: 216.) و في «الجواهر»: و ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى عدم الفرق بين كون المأموم متّحداً أو متعدّداً، ذكراً أو انثى، عدلًا أو فاسقاً. بل عن «الدرّة» نسبة الأخير إلى الأصحاب، بل قد يقال بشموله للصبي المميّز، بناءً على شرعية عبادته، على إشكال؛ لكونه من الأفراد الخفية، و عدم قبول خبره، مع إمكان منع الخفاء، على أنّ الرواية مشتملة على العموم اللغوي، و عدم الاعتماد على خبره في غير ذلك لا يقضي بعدمه هنا، كما في الفاسق. و الفرق بين الفاسق و الصبي بالتكليف و عدمه، و بأنّ الفاسق مصدّق بالنسبة إلى فعله، فهو في الحقيقة مخبر عن فعله، و الإمام يعتمد على فعله لا على إخباره عن فعل الإمام، يدفعه: أنّ العمدة في المقام النصّ الذي قد عرفت شموله، كإطلاق الفتاوى الجابرة له. فما عن بعض المتأخّرين- من عدم الجواز في الصبي، إلّا إذا أفاد ظنّاً؛ فحينئذٍ يعتمد على ظنّه، و ربّما نقل عن بعضهم، بل عن آخر عدم التعويل عليه و إن أفاد ظنّاً- ضعيف جدّاً؛ خصوصاً الأخير. و أضعف منه ما عن ثالث من الإشكال إذا كان المأموم امرأة(جواهر الكلام 12: 404.) ، انتهى. مراده من العموم اللغوي كلمة «من» الموصولة.

ص: 325

هنا فرعان:
الأوّل: إذا شكّ الإمام بين الثلاث و الأربع- مثلًا- و اختلف المأمومون،

ص: 326

الثاني: يجوز للإمام الرجوع في شكّه إلى المأموم مطلقاً،

ص: 327

و منها: الشكّ في ركعات النافلة؛

سواء كانت ركعة كالوتر أو ركعتين، فيتخيّر بين البناء على الأقلّ أو الأكثر، و الأوّل أفضل، و إن كان الأكثر مفسداً يبني على الأقلّ (1).


1- البحث هنا يقع في امور: الأوّل: أنّه لا خلاف بين فقهائنا في تخيير الشاكّ في ركعات النافلة بين البناء على الأكثر و البناء على الأقلّ. و عن المحقّق في «المعتبر» دعوى الإجماع عليه. و نسب إلى «الأمالي»: أنّه عدّ من دين الإمامية أن لا سهو في النافلة، فمن سها فيها بنى على ما شاء. و في «الرياض»: إجماعاً على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً. و عن العلّامة في «المنتهى»: استحباب البناء على الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن. و عن «التذكرة»: لا حكم للسهو في النافلة، فلو شكّ في عددها بنى على الأقلّ استحباباً، و إن بنى على الأكثر جاز. و لا يجبر سهو بركعة. و في «الشرائع»: من شكّ في عدد النافلة بنى على الأكثر، و إن بنى على الأقلّ كان أفضل. و عن «المعتبر»: الإجماع عليه صريحاً؛ عملًا بالمتيقّن، و أخذاً بالأشقّ، و للمرسلة المروية عن «الكافي»: «أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقلّ»(الكافي 3: 359/ 9، وسائل الشيعة 8: 230، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 18، الحديث 2.) الثاني: لا فرق في حكم الشكّ في ركعات النافلة بين كونها ذات ركعة- كالوتر- و بين كونها ذات ركعتين و أزيد. فلو شكّ في الوتر بين كونها ركعة و ركعتين بنى على الركعة، و لا تبطل إجماعاً. حكاه العلّامة الطباطبائي في «المصابيح». نعم قد ورد في بعض الأخبار الأمر بإعادة الوتر، كما في صحيح العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال: «يعيد»، قلت: المغرب؟ قال: «نعم، و الوتر و الجمعة» من غير أن أسأله(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 7.) و في «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام- في حديث الأربعمائة- قال: «لا يكون السهو في خمس: في الوتر، و الجمعة، و الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة مكتوبة، و في الصبح، و في المغرب»(وسائل الشيعة 8: 197، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 14.) و في معتبرة العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل صلّى الفجر، فلا يدري صلّى ركعة أو ركعتين؟ قال: «يعيد»، فقال له بعض أصحابنا و أنا حاضر: و المغرب؟ فقال: «و المغرب»، فقلت له أنا: و الوتر؟ قال: «نعم، و الوتر و الجمعة»(وسائل الشيعة 8: 197، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 15.) . قد وقع في طريق الحديث محمّد بن خالد الطيالسي الواقع في طريق «كامل الزيارات» كما في الباب الواحد و السبعين في ثواب من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، الحديث الثامن. و أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: و ينبغي حملها على الوجوب بالعارض، أو على إعادتها بالشكّ بين الاثنتين و الثلاث في الثلاثة المفصولة؛ فإنّه- حينئذٍ- شكّ في وقوع المفردة، فتعاد كما يعاد غيرها من النوافل بالشكّ في الوقوع ... إلى أن قال: نعم لا فرق في الحكم المزبور بين النوافل كلّها؛ ثنائيها كما هو المعظم منها، و ثلاثيها كالوتر- على القول بأنّها ثلاث ركعات يجوز فيها الوصل- و رباعيها كما في صلاة الأعرابي، بل و صلاة جعفر عليه السلام على ما ارسل عن بعض القول به فيهما، بل عن الشيخ: أنّه روي في «المصباح» في صلاة ليلة الجمعة، صلاة أربع ركعات لا يفرق بينها و إحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة، و إن كان في ذلك منع ليس ذا محلّه ... إلى أن قال: فيندرج هنا في النافلة، حيث كان المراد بها ما قابل الفريضة بالنسبة للتخيير المذكور صلاة العيد، مع اختلال شرائط الوجوب ... إلى أن قال: بل في «المصابيح» التصريح باندراج المعادة ندباً بإدراك الجماعة، أو احتمال الخلل، أو وجود المخالف، أو غيرها من الأسباب المخصوصة المقتضية لاستحباب الإعادة في مواردها المنصوصة؛ يومية كانت أو غيرها. كالكسوف المعادة قبل الانجلاء في حكم النافلة أيضاً، بل قال فيها- في «المصابيح»- «و كذلك الصلوات المتبرّع بها عن الأموات و الواقعة بالمعاطاة من غير لزوم»، و لعلّه لإطلاق النصّ و الفتوى؛ فإنّها في جميع ذلك نافلة و ليست بفريضة ... إلى أن قال: لكن لا يخفى عليك أنّ ذلك جميعه محلّ للنظر و التأمّل؛ خصوصاً اليومية منها، و خصوصاً التبرّعية و الاحتياطية منها؛ و للشكّ في تناول الإطلاق لها(جواهر الكلام 12: 426.) ، انتهى. الثالث: يجوز البناء على الأكثر في الشكّ في ركعات النافلة ما لم يستلزم فسادها، كما لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث، فبيني على الأقلّ؛ لأنّ البناء على الأكثر يستلزم فسادها. و في «الرياض»: و هل المراد بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقاً- حتّى لو استلزم فساد النافلة- كما يقتضيه إطلاق العبارة- أي عبارة المتن «و لو سها في النافلة تخيّر في البناء»- و غيرها، أو إذا لم يستلزم فسادها، و إلّا فالبناء على الأقلّ يكون متعيّناً؟ وجهان: أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النصّ و الفتاوى، و إلّا فهو أظهرهما؛ سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختياراً(رياض المسائل 4: 260.)، انتهى.

ص: 328

ص: 329

ص: 330

ص: 331

و أمّا الشكّ في أفعال النافلة، فهو كالشكّ في أفعال الفريضة يأتي بها في المحلّ، و لا يعتني به بعد التجاوز، و لا يجب قضاء السجدة المنسيّة و لا التشهّد المنسي، و لا يجب سجود السهو فيها لموجباته (1).


1- يقع البحث هنا في امور: الأوّل: اختلف فقهاؤنا في أنّ الشكّ في أفعال النافلة هل هو كالشكّ في ركعاتها في عدم الالتفات إليه، أو هو كالشكّ في أفعال الفريضة، فيلتفت إليه ما لم يتجاوز المحلّ، و لا يعتنى به بعد تجاوز المحلّ؟ نسب إلى جماعة- منهم الأردبيلي و صاحب «الرياض»- القول بعدم الالتفات إلى الشكّ في الأفعال كالشكّ في الركعات: ففي «مجمع البرهان»: الظاهر نفي جميع أحكام السهو المتقدّمة في الفريضة، كأنّها رخصة في سقوط الأحكام عن النافلة؛ و يرتّب الثواب المطلوب عليها مع ذلك، فلا تبطل بالشكّ إذا كان ركعة أو ركعتين أو أكثر و إن كان في الأوّليتين، و عدم الالتفات في الشكّ مع تجاوز المحلّ و بدونه و عدم سجود السهو(مجمع الفائدة و البرهان 3: 195.)، انتهى. و في «الرياض»- بعد اختيار تخيير الشاكّ في النافلة بين البناء على الأقلّ، و البناء على الأكثر، و الاستدلال له بصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في النافلة؟ فقال: «ليس عليك شي ء» ، قال: و عمومه، أي السهو فيهما؛ أي في الصحيح و غيره، سيّما الأوّل، يشمل الشكّ في الأفعال أيضاً مطلقاً؛ أركاناً كانت أو غيرها، كان الشكّ قبل تجاوز محلّها أو بعده(رياض المسائل 4: 259.)، انتهى. و احتمله السبزواري رحمه الله في «الذخيرة» و قال: يحتمل أن يكون قوله عليه السلام: «ليس عليك سهو» رفع أحكام السهو بالكلّية(ذخيرة المعاد: 379/ السطر 20.) ، انتهى. المضبوط في نسخة «وسائل الشيعة» «شي ء»، بدل «سهو». و ذهب جماعة إلى أنّ الشكّ في أفعال النافلة كالشكّ في أفعال الفريضة، فيأتى بها في المحلّ، و لا يعتنى به بعد التجاوز عن المحلّ: ففي «المدارك»: لا فرق في مسائل السهو و الشكّ بين الفريضة و النافلة، إلّا في الشكّ بين الأعداد؛ فإنّ الثنائية من الفريضة تبطل بذلك، بخلاف النافلة، و في لزوم سجود السهو؛ فإنّ النافلة لا سجود فيها؛ بفعل ما يوجبه في الفريضة(مدارك الأحكام 4: 274.) ، انتهى. المختار: مساواة النافلة، الفريضة في الشكّ في الأفعال، فيتدارك مع بقاء المحلّ؛ لأصالة عدم الإتيان، و لمفهوم ذيل صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و قال صاحب «الجواهر» في وجهه: تحكيماً للقاعدة المستفادة من الأخبار فيه، المؤيّدة في الجملة بالاعتبار، المحكمة غاية الإحكام، الظاهرة في عدم الفرق فيه بين النافلة و الفريضة، بل و غيرهما من العبادات و غيرها، إلّا ما خرج بالدليل- كالوضوء- على نفي السهو في الصحيح المتقدّم و نحوه لو قلنا بشموله لنحو المقام(جواهر الكلام 12: 428- 429.) ، انتهى. و حاصله: أنّ صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم و إن كان ظاهره نفي السهو في النافلة مطلقاً- حتّى في الأفعال- و لكن قاعدة التجاوز المستفادة من الأخبار حاكمة عليه. الثاني: لو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد في النافلة، لا يجب قضاؤهما؛ لعدم الدليل عليه. و سيأتي البحث تفصيلًا في «القول في الأجزاء المنسية»: أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب قضاء التشهّد و السجدة المنسيّين مختصّة بالفريضة. و في «الجواهر»: ينبغي الجزم بنفي مشروعية قضاء ما يقضى في الفريضة فيها من السجدة و التشهّد المنسيّين، بل يتداركهما مع الإمكان، و لا يلتفت مع عدمه(جواهر الكلام 12: 430.) ، انتهى. الثالث: لا يجب سجود السهو لموجباته في النوافل؛ و ذلك لاختصاص دليل وجوبه بالفريضة في جميع الواجبات: أمّا في الكلام السهوي: فإنّ دليل وجوبه فيه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم؟ فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) ؛ حيث إنّ مورده الجماعة، و لا جماعة في النافلة. و أمّا في السلام في غير موقعه، فالدليل على وجوبه موثّق عمّار في حديث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث؟ قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) وجه الاستدلال على أنّ مورده الفريضة، كونها رباعية. و أمّا في الشكّ بين الأربع و الخمس بعد رفع الرأس من السجدة الثانية، فكون مورده الفريضة الرباعية ممّا لا ريب فيه، فلا يشمل النافلة. و أمّا التشهّد المنسي الموجب لسجود السهو: فهو التشهّد الأوّل الذي لا يكون إلّا في الفريضة الثلاثية أو الرباعية.

ص: 332

ص: 333

ص: 334

(مسألة 5): النوافل التي لها كيفيّة خاصّة أو سورة مخصوصة- كصلاة ليلة الدفن و الغفيلة-

إذا نسي فيها تلك الكيفيّة، فإن أمكن الرجوع و التدارك يتدارك، و إن لم يمكن أعادها. نعم لو نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر، قضاه متى تذكّر في حالة اخرى من حالات الصلاة، و لو تذكّر بعد الصلاة يأتي به رجاءً (1).


1- يقع البحث هنا في أمرين: الأوّل: أنّ النوافل التي لها كيفية خاصّة أو سورة مخصوصة أو دعاء مخصوص- كصلاة ليلة الدفن و الغفيلة و صلاة ليلة عيد الفطر- إذا اشتغل بها و نسي فيها تلك الكيفية، فإن أمكن الرجوع و التدارك، يتدارك و إن استلزم زيادة الركن، كما لو تذكّر بعد الدخول في الركوع نسيان شي ء من المذكورات؛ لما عرفت من دلالة بعض الأخبار على جواز تدارك المنسي بعد الخروج عن المحلّ. و إن لم يمكن التدارك- كما لو تذكّر بعد الفراغ من النافلة، أو بعد إتمام الركعة بحيث لو رجع و تدارك المنسي و أتى بالركوع و السجود بعد التدارك لزم زيادة ركعة تامّة- أعادها. و علّل الإعادة في «العروة الوثقى» بقوله: لأنّ الصلاة و إن صحّت، إلّا أنّها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة. و قد أورد عليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بما حاصله و توضيحه: أنّ الجمع بين الإعادة و صحّة الصلاة مشكل، إلّا أن يكون ناوياً لأصل الصلاة مع نية الكيفية الخاصّة بنحو تعدّد المطلوب، فحينئذٍ تصحّ الصلاة باعتبار أصل نية الصلاة النفلية المطلقة، و تعاد باعتبار عدم تحقّق الكيفية الخاصّة التي لها دخل في تحقّق عنوان الغفيلة مثلًا(مستمسك العروة الوثقى 7: 588.) ، انتهى. و قد يقال بإمكان الجمع بين الصحّة و الإعادة على فرض وحدة المطلوب أيضاً، حيث إنّ القصد الارتكازي إلى طبيعي الصلاة موجود في ضمن القصد إلى فردها الخاصّ بإحدى الخصوصيات و الكيفيات المذكورة الداعية إلى إيجاد الطبيعي، بحيث لو لا الخصوصية المقصودة لم يتمشّ القصد إلى ايجاد أصل الطبيعي، فيحكم بصحّة الصلاة المأتي بها؛ لانطباق طبيعيها عليها، و إعادتها لعدم كونها الفرد الخاصّ بخصوصيته المعهودة. الثاني: لو نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر عليه السلام قضاه متى تذكّر في حالة اخرى من حالات الصلاة. و يدلّ عليه ما رواه الطبرسي رحمه الله في كتاب «الاحتجاج» قال: ممّا ورد من صاحب الزمان عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري في جواب مسائله، حيث سأله عن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، و ذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره، أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع: «إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكره في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره»(وسائل الشيعة 8: 61، كتاب الصلاة، أبواب صلاة جعفر، الباب 9، الحديث 1.) و لو نسي بعض التسبيحات أو كلّها و تذكّر بعد الصلاة، يأتي به رجاءً لا بنية القضاء؛ إذ لا دليل عليه سوى ما يتوهّم من دلالة رواية أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «من كان مستعجلًا يصلّي صلاة جعفر مجرّدة، ثمّ يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه»(وسائل الشيعة 8: 60، كتاب الصلاة، أبواب صلاة جعفر، الباب 8، الحديث 1.) و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت مستعجلًا فصلّ صلاة جعفر مجرّدة، ثمّ اقض التسبيح»(وسائل الشيعة 8: 60، كتاب الصلاة، أبواب صلاة جعفر، الباب 8، الحديث 2.) وجه الاستدلال: أنّه يجوز ترك التسبيحات كلّها أو بعضها حال الاختيار؛ للاستعجال الذي هو عذر، و النسيان أولى بالعذر. و فيه: أنّ الروايتين- على فرض تمامية دلالتهما- ضعيفتان سنداً؛ الاولى منهما بمحسن بن أحمد القيسي الذي لم يثبت وثوقه، و الثاني بعلي بن أبي حمزة.

ص: 335

ص: 336

ص: 337

القول في حكم الظنّ في أفعال الصلاة و ركعاتها

(مسألة 1): الظنّ في عدد الركعات مطلقاً- حتّى فيما تعلّق بالركعتين الأوّلتين من الرباعيّة أو بالثنائيّة و الثلاثيّة- كاليقين،

فضلًا عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعيّة، فيجب العمل بمقتضاه و لو كان مسبوقاً بالشكّ (1).


1- الظنّ في عدد الركعات بحكم اليقين؛ سواء تعلّق بالركعتين الاوليين من الرباعية، أو بالثنائية و الثلاثية، أو بالأخيرتين من الرباعية؛ و ذلك لحجّية الظنّ في باب الركعات، و هو ظنّ خاصّ و بحكم اليقين. و يدلّ عليه إطلاق مفهوم صحيح صفوان، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء، فأعد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) ، حيث إنّ المراد من «الوهم» في المقام هو خصوص الظنّ، و إطلاق منطوق الصحيح يدلّ على وجوب إعادة الصلاة فيما إذا لم يدرِ كم صلّى، و لم يحصل له الظنّ بشي ء من ركعاتها، و كان شاكّاً، فيجب على الشاكّ الإعادة مطلقاً، خرج منه موارد الشكوك الصحيحة المنصوصة، و مفهومه أنّه إذا حصل الظنّ بشي ء من الركعات- في أيّ صلاة كان- وجب البناء و العمل بمقتضاه و إن كان مسبوقاً بالشكّ، فلو شكّ بين الثلاث و الأربع مثلا، و بنى على الأربع حسب الوظيفة، ثمّ ظنّ بالثلاث، بني على الثلاث و يضمّ الرابعة، و يتمّ الصلاة، و لا شي ء عليه. و بالجملة: مفهوم الصحيح له إطلاق يدلّ على العمل بالظنّ المتعلّق بشي ء من الركعات في أيّ صلاة كان. و قد صرّح في بعض النصوص المعتبرة باعتبار الظنّ في خصوص الركعتين الأخيرتين، و ذلك في موردين: الأوّل: فيما إذا كان الشكّ بين الثلاث و الأربع، كما في صحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ ثلاثاً صلّيت أو أربعاً و وقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع، فابن على الأربع، فسلّم و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 211، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ هذا الصحيح متضمّن لحكم حالتين للمصلّي؛ الاولى: أن يحصل له الظنّ بأحد الطرفين، فيبني عليه، و يسلّم و ينصرف، و لا شي ء عليه. الثانية: أن يحصل له الوهم؛ أي الشكّ المتساوي الطرفان، فيبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و يأتي بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً. و الثاني: فيما إذا كان الشكّ بين الاثنتين و الأربع، كما في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً، و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ المفهوم من صدره أنّه إذا ذهب وهمك إلى شي ء من الطرفين، فابنِ عليه، و تشهّد و سلّم، و لا شي ء عليك. و لا يخفى: أنّ قول المصنّف رحمه الله: «الظنّ في عدد الركعات مطلقاً ... كاليقين، فضلًا عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعية» دفع لتوهّم اختصاص حجّية الظنّ بما تعلّق بالركعتين الأخيرتين دون الاوليين، كما حكي عن ابن إدريس، و اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله نظراً إلى اعتبار اليقين و الحفظ في الاوليين، كما في صحيح زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم» يعني سهواً «فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ، و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري أ واحدة صلّى أم ثنتين، قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 7.) و توضيح الدفع: أنّ اليقين و الحفظ و إن كان معتبراً في الركعتين الاوليين من الرباعية، و في الثنائية، و الثلاثية، و لكنّه ليس على نحو الوصفية؛ أي ليس موضوع الحكم هو اليقين بوصف اليقينيّة و بما هو يقين حتّى لا يقوم الظنّ مقامه، بل بما أنّه حجّة و طريق إلى الواقع، و حينئذٍ يقوم الظنّ مقامه؛ لكونه حجّة شرعية و طريقاً إلى الواقع. نعم الأحوط العمل بالظنّ، ثمّ إعادة الصلاة. ثمّ إنّه يظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار الظنّ في الركعات؛ و أنّه يجري عليه حكم الشكّ، كما في رواية الكليني، عن محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع و في الاثنتين و في الأربع بتلك المنزلة، و من سها فلم يدرِ ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم، و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم، ثمّ قرأ فاتحة الكتاب، و ركع و سجد، ثمّ قرأ و سجد سجدتين، و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض و صلّى ركعتين، و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) وجه الدلالة: أنّ ذيله صريح في أنّ من شكّ بين الثلاث و الأربع و أكثر وهمه إلى الأربع- أي غلب وهمه و ظنّ بالأربع- وجب عليه البناء على الأربع و إتمام الصلاة، و إتيان ركعتي الاحتياط جالساً. و اورد عليه أوّلًا: بأنّ صدر الحديث مشتمل على حكم مخالف للإجماع و النصوص المعتبرة؛ حيث إنّه يدلّ على أنّ من شكّ بين الثلاث و الأربع يبني على الثلاث، و يقوم و يأتي بالركعة الرابعة و يتمّ صلاته، ثمّ يأتي بركعتي الاحتياط جالساً، فالحكم بالبناء على الأقلّ مخالف لما عليه الأصحاب. و لما تظافرت به الأخبار من البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة. و ثانياً: أنّ الحكم بصلاة الاحتياط لا يناسب البناء على الأقلّ؛ لأنّ الحكمة في صلاة الاحتياط- على ما صرّح به في الأخبار- جبران النقص المحتمل في الواقع بالبناء على الأكثر، كما في خبر عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة، فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و كما في رواية الصدوق رحمه الله في «المقنع» عن أبي بصير: أنّه روى فيمن لم يدرِ ثلاثاً صلّى أم أربعاً: «إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصلّ ركعتين و أربع سجدات جالساً، فإن كنت صلّيت ثلاثاً كانتا هاتان تمام صلاتك، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة لك»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 8.) و كذيل صحيح الحلبي المتقدّم: «فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 8.) و ثالثاً: أنّ دلالته على إلحاق الظنّ بالشكّ في الحكم و إن كانت تامّة، و لكنّه لم يثبت كونه كلام المعصوم عليه السلام إذ من المحتمل قوياً أن يكون كلام ابن مسلم و فتواه. و من الأخبار الدالّة على عدم اعتبار الظنّ في الركعات و إلحاقه بالشكّ، موثّق أبي بصير قال: سألته عن رجل صلّى فلم يدرِ أ في الثالثة هو أم في الرابعة؟ قال: «فما ذهب وهمه إليه، إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء، سلّم بينه و بين نفسه، ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 7.) وجه الدلالة: أنّه حكم عليه بوظيفة الشاكّ بين الثلاث و الأربع؛ و هو البناء على الأربع و إتمام الصلاة، و إتيان ركعتي الاحتياط، مع أنّه رأى- أي غلب وهمه و ظنّ- أنّه في الثالثة. و فيه: أنّ هذا الموثّق لا يقاوم الأخبار الكثيرة المعتبرة المتقدّم ذكرها الدالّة على اعتبار الظنّ في عدد الركعات، كاليقين به و على فرض المقاومة كان الترجيح مع تلك الأخبار؛ لكونها موافقة للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً حيث لا خلاف بين الأصحاب في حجّية الظنّ في عدد الركعات، عدا ما ينسب إلى الصدوق رحمه الله من إلحاقه بالشكّ و قوله- على فرض صحّة النسبة إليه- شاذّ لا يعبأ به. و قد أجاب صاحب «الحدائق» رحمه الله عن الاستدلال بالموثّق بقوله: «و يمكن تأويله بحمل جوابه عليه السلام على التفصيل بين ما ذهب إليه وهمه، فيبني عليه، و بين ما لم يكن كذلك، فيعمل فيه بموجب الشكّ في المسألة. و قوله: «إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء» بمعنى مساواته لما رآه في الثالثة، فيحمل على الشكّ الموجب لتساوي الطرفين»(الحدائق الناضرة 9: 230.) ، انتهى. و قد يستدلّ أيضاً على عدم اعتبار الظنّ في عدد الركعات و إلحاقه بالشكّ بمرسل الصدوق في «المقنع» المتقدّم. و يرد عليه:- مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال- أنّه مخالف لما عليه الأصحاب من عدم وجوب صلاة الاحتياط مع الظنّ بالرابعة، إلّا أن يحمل على الاستحباب.

ص: 338

ص: 339

ص: 340

ص: 341

ص: 342

ص: 343

فلو شكّ أوّلًا ثمّ ظنّ بعد ذلك فيما كان شاكّاً فيه كان العمل على الأخير. و كذا لو انقلب ظنّه إلى الشكّ أو شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير، فلو شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع، فلمّا رفع رأسه من السجود- مثلًا- انقلب شكّه إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، عمل عمل الشكّ الثاني و هكذا.

و الأحوطُ فيما تعلّق الظنّ بغير الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة، العملُ على الظنّ ثمّ الإعادة (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أنّه إذا حدثت للمصلّي حالتان وجب عليه العمل بالثانية؛ سواء كانتا من نوع واحد، كاليقينين، و الظنّين، و الشكّين، أو مختلفتين، فمن تيقّن أنّ ما في يده هي الثالثة مثلًا ثمّ تيقّن أنّها الرابعة، بنى على الرابعة. و من ظنّ أنّها الثالثة ثمّ ظنّ كونها رابعة بنى على الرابعة، و من شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع، و بعد رفع رأسه من السجدة الثانية انقلب شكّه إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، عمل عمل الشكّ الثاني، أي يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، و الحال أنّ وظيفته في الشكّ السابق كانت إتيان صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة. و من تيقّن أنّ ما بيده ركعة ثالثة مثلًا، و كان عليه ضمّ الرابعة، و قبل إتيان الرابعة ظنّ بأنّها رابعة، يجب عليه إتمام الصلاة، و من تيقّن أو ظنّ أنّ ما بيده ثالثة مثلًا، كان له البناء عليها، ثمّ لو شكّ في أنّها ثالثة أو رابعة بنى على الرابعة، و أتى بصلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة. ففي هذه الموارد كلّها و غيرها تزول الحالة الاولى، و تنقلب إلى الحالة الثانية المماثلة لها فيما إذا كانتا من نوع واحد، أو المضادّة لها فيما إذا كانتا مختلفتين، و يعمل عمل الثانية حتّى فيما لو انقلب شكّه الصحيح إلى الشكّ الفاسد أو بالعكس؛ و ذلك لكون المدار على مرحلة البقاء و الحالة التي يتمّ عليها الصلاة. و يمكن أن يستشهد عليه ببعض الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر، كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار، أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و كخبر آخر لعمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة، فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و كموثّقة اخرى له قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر» قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) وجه الاستشهاد بالأخبار المذكورة: أنّ إتمام ما ظنّ نقصه بعد الفراغ من الصلاة، ظاهر في أنّ الاعتبار إنّما هو بالحالة الثانية التي يتمّ الصلاة عليها، لا على الحالة الاولى الزائلة. ثمّ إنّ وجه الاحتياط في العمل بالظنّ مع إعادة الصلاة فيما تعلّق الظنّ بالركعتين الاوليين من الرباعية أو بالثنائية و الثلاثية، هو اعتبار اليقين و الحفظ في لسان الأخبار، فيحتمل اعتبارهما وصفاً.

ص: 344

ص: 345

و أمّا الظنّ في الأفعال ففي اعتباره إشكال، فلا يترك الاحتياط فيما لو خالف الظنّ مع وظيفة الشكّ- كما إذا ظنّ بالإتيان و هو في المحلّ- بإتيان مثل القراءة بنيّة القُربة المطلقة و إتيان مثل الركوع ثمّ الإعادة، و كذا إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك. و مع تجاوز محلّه أيضاً يُتمّ الصلاة، و يعيدها في مثل الركوع (1).


1- اختلف فقهاؤنا في أنّ الظنّ المتعلّق بأفعال الصلاة هل هو كاليقين بها في كونه حجّة، أو هو لاحق بالشكّ؟ المشهور شهرة عظيمة إلحاقه باليقين، و نسب إلى المحقّق الثاني نفي الخلاف فيه، و ذهب جماعة من المتأخّرين إلى إلحاقه بالشكّ. و أشكل الأمر على جماعة منهم المصنف رحمه الله و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جمع من المحشّين لها، فقالوا بلزوم مراعاة الاحتياط فيما لو خالف الظنّ وظيفة الشكّ. و تظهر ثمرة القولين فيما إذا ظنّ بالإتيان و هو في المحلّ، فبناءً على القول بكون الظنّ حجّة كاليقين يمضي في صلاته، و بناءً على كونه كالشكّ يرجع و يتدارك. و يتحقّق الاحتياط في غير الأركان- مثل القراءة- بأن يأتي بها بنيّة القربة المطلقة، لا بقصد خصوص الجزئية، و في الأركان- كالركوع- بإتيانه و إعادة الصلاة. و كذا فيما إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك؛ أي ما لم يدخل في الركن، فبناءً على كون الظنّ حجّة كاليقين يجب التدارك؛ ركناً كان أو غير ركن، و بناءً على كونه كالشكّ لا يعتنى بشكّه؛ لقاعدة التجاوز. و يتحقّق الاحتياط في الظنّ في إتيان مثل الركوع، بالمضيّ في صلاته و إعادتها بعد الإتمام. بقي الكلام في وجه حجّية الظنّ في أفعال الصلاة و إلحاقه باليقين، و هو امور: منها: أنّه المشهور شهرة عظيمة، بل عن المحقّق الثاني دعوى نفي الخلاف فيه. و منها: الخبران النبويّان: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب؛ فليبنِ عليه»(انظر ذكرى الشيعة 4: 54، السنن الكبرى، البيهقي 2: 330، صحيح مسلم 2: 43/ 90.) و: «إذا شكّ أحدكم فليتحرّ الصواب»(صحيح مسلم 2: 43/ 89، سنن أبي داود 1: 333/ 1020، سنن ابن ماجة 1: 383/ 1212.) . و قد ادّعي ضعفهما بالشهرة المدعاة و نفي الخلاف المحكي عن المحقّق الثاني. و منها: فحوى ما دلّ على حجّية الظنّ في الركعات؛ حيث إنّ الظنّ في الركعة- مع كونها ذات كثرة، و مركّبةً من الأقوال و الهيئات- إذا كان حجّة، ففي جزءٍ منها بطريق أولى، فإنّ الكلّ أعظم بمراتب من الجزء. و اورد على الوجوه المزبورة: بأنّ الشهرة عند القدماء غير ثابتة؛ لعدم طرح المسألة في كلامهم، و الشهرة عند المتأخّرين ليست بمثابتها عند القدماء، و أنّ نفي الخلاف بمجرّده لا يكون حجّة ما لم يرجع إلى فتوى كلّ الفقهاء؛ أي الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام و حينئذٍ يبقى النبويان بلا انجبار. و أمّا الأولوية فهي ممنوعة؛ لكونها مجرّد استحسان لا يصلح للاستناد إليه في الحكم الشرعي. و قد استدلّ أيضاً بامور اخر أشار إليها مع أجوبتها السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 7: 590.) ثمّ إنّ وجه الإشكال في إلحاق الظنّ في أفعال الصلاة باليقين، هو أنّ المستفاد من الأخبار هو الاعتناء بالشكّ و إتيان المشكوك به فيما إذا كان الشكّ في المحلّ، و عدم الاعتناء به و المضي في الصلاة فيما إذا كان بعد تجاوز المحلّ، و أنّ المراد من «الشكّ» خلاف اليقين، فيشمل الظنّ أيضاً. و بعبارة اخرى: إذا شكّ في شي ء من أفعال الصلاة و كان في المحلّ، يجب الإتيان به ما لم يستيقن بإتيانه و لو كان ظانّاً به، و مع تجاوز المحلّ لا يجب إتيانه ما لم يستيقن بعدم إتيانه و لو كان ظانّاً بعدم الإتيان. فمن تلك الأخبار: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته، فقال: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، و لكن كيف يستيقن؟!»(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 2.) حيث إنّ قوله: «و لكن كيف يستيقن؟!» المتضمّن لكلمة الاستدراك و الاستفهام في مقام التعجّب، قرينة على إرادة اليقين بما هو يقين و بوصف اليقينية، فلا يشمل الظنّ، بل الظنّ يندرج فيما لم يستيقن. و منها: مفهوم صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع، استأنف الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) . و المراد من «الركعة» هو الركوع بقرينة قوله: «و قد سجد سجدتين و ترك الركوع». وجه الاستدلال: أنّه يدلّ بمنطوقه على أنّ من أيقن بعد إتيان السجدتين أنّه ترك الركوع، استأنف الصلاة، و مفهومه أنّ غير المتيقن مطلقاً و لو كان ظانّاً بتركه، لا يستأنفها ما لم يستيقن بترك الركوع. و منها: مفهوم رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ فلم يدرِ سجدة سجد أم سجدتين، قال: «يسجد حتّى يستيقن أنّهما سجدتان»(وسائل الشيعة 6: 368، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 3.) و دلالتها كدلالة سابقتها، و لكنّها ضعيفة بمحمّد بن سنان.

ص: 346

ص: 347

ص: 348

ص: 349

(مسألة 2): لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ-

كما قد يتّفق- ففيه إشكال لا يُترك الاحتياط بالعلاج؛ أمّا في الركعات فيعمل على طبق أحدهما و يعيد الصلاة، و الأحوط العمل على طبق الشكّ ثمّ الإعادة، و أمّا في الأفعال فمثل ما مرّ (1).


1- لو حصلت للمصلّي حالة و لم يعلم أنّها ظنّ أو شكّ و تردّد فيها، فهل يبني على أنّها ظنّ و يعمل به، أو يعمل بوظيفة الشكّ؟ ففي «العروة الوثقى»: «أنّه كان ذلك شكّاً»(العروة الوثقى 2: 23.) ؛ أي يعمل عمل الشكّ مطلقاً، أي سواء كان في الشكوك الباطلة أو الصحيحة: أمّا في الشكوك الباطلة- كما لو حصل الترديد بين الاولى و الثنتين، أو بين الثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين، أو بين الرابعة و الخامسة في حال الركوع، أو بعد الركوع و قبل السجدتين، و لم يعلم أنّ حاله ظنّ أو شكّ- فلأنّ المستفاد من النصوص الواردة فيها، كون متعلّق وجوب الإعادة «من شكّ» أو «لا يدري حتّى يحفظ و يكون على يقين» ، كما في صحيح زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه تعالى على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم» يعني سهواً «فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و كما في صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و كصحيح آخر لمحمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في المغرب، قال: «يعيد حتّى يحفظ؛ إنّها ليست مثل الشفع»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و ليعلم أنّه ليس المراد من «الشكّ» و «الوهم» خصوص المتساوي طرفاه، بل المراد منه خلاف اليقين الشامل لحال التردّد بين الظنّ و الشكّ. و بالجملة: المستفاد من الأخبار المذكورة و نحوها، أنّ صحّة الصلاة منوطة باليقين و الحفظ لعدد الركعات من الثنائية و الثلاثية، و الاوليين من الرباعية، و قد ثبت أنّ الظنّ بعدد الركعات- حتّى في الثنائية، و الثلاثية، و الاوليين من الرباعية، فضلًا عن الأخيرتين من الرباعية- قائم مقام الحفظ و اليقين، و حالة التردّد بين الظنّ و الشكّ، لاحقة بحالة الشكّ في الحكم ببطلان الصلاة في موارد الشكوك الباطلة و البناء على الأكثر في موارد الشكوك الصحيحة، إلّا في الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع، و يسجد سجدتي السهو. و أمّا في الشكوك الصحيحة، فالروايات الدالّة على وجوب البناء على الأكثر مختلفة، فإنّ وجوب البناء على الأكثر في بعضها مشروط بعنوان وجودي؛ أعني اعتدال الوهم و تساوي طرفي الشكّ، كما في صحيح الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع، سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس؛ يقصّر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و في بعضها مشروط بعنوان عدمي؛ أعني عدم ذهاب الوهم إلى أحد طرفي الشكّ، كما في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة، و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم، ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و كما في صحيح آخر للحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً، و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و في بعضها مشروط بكلّ من الأمرين، كما في صحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ ثلاثاً صلّيت أو أربعاً و وقع رأيك على الثلاث، فابنِ على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فابنِ على الأربع، فسلّم و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 211، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) حيث إنّ منطوق صدره يدلّ على وجوب البناء على ما وقع عليه الرأي؛ فإن كان ثلاثاً يبني على الثلاث، و إن كان أربعاً يبني على الأربع، فما وقع عليه الرأي خارج عن عموم وجوب البناء على الأكثر فيما إذا كان الشكّ بين الأقلّ و الأكثر، و مفهومه- أي إذا لم يقع رأيك على الثلاث أو على الأربع- أمر عدمي يندرج تحت ذلك العموم، فصدر الصحيح متضمّن للعنوان العدمي، و ذيله مقيّد بالعنوان الوجودي؛ و هو اعتدال الوهم. و بعبارة واضحة: إنّ وجوب البناء على الأكثر بالنسبة إلى مفهوم صدر الصحيح المزبور، مقيّد بعنوان عدمي؛ أعني عدم وقوع الرأي على الثلاث أو على الأربع، و بالنسبة إلى ذيله مقيّد بعنوان وجودي؛ أعني اعتدال الوهم، فالمستفاد من مجموع الأخبار المذكورة، هو أنّ وجوب البناء على الأكثر مقيّد بأحد العنوانين الوجودي و العدمي المذكورين، و هما متلازمان في الخارج. و تظهر الثمرة بينهما في أنّه مع الشكّ في الاعتدال- عند التردّد في أنّ الحالة الحاصلة ظنّ أو شكّ- يستصحب عدمه، فلا يبني حينئذٍ على الأكثر، و مع الشكّ في وقوع الوهم على شي ء من الطرفين- الأقلّ أو الأكثر- يستصحب عدمه و يبني على الأكثر. و لا يخفى: أنّ البناء على الأكثر يترتّب على العنوان العدمي، و العنوان الوجودي معرّف له و طريق إليه، فالمصلّي إن ذهب وهمه إلى شي ء من الركعات فقد أحرز الواقع بقيام الطريق- و هو الظنّ- إليه، فيبني عليه، و إن لم يذهب وهمه إلى شي ء منها يبني على الأكثر. و في «مستند العروة الوثقى»: فالاعتبار بقيام الحجّة و عدمه، و لازم ذلك أن يكون الحكم بالبناء على الأكثر لدى اعتدال الوهم؛ من أجل انتفاء الحجّة و فقد الطريق على أحد طرفي الترديد؛ لا لخصوصيته للاعتدال في حدّ نفسه. و بعبارة اخرى: الجاهل بعدد الركعات إمّا أن تقوم عنده حجّة عليها، أو لا، فالأوّل يعمل على طبق الحجّة، و الثاني إنّما يبني على الأكثر لكونه فاقداً للحجّة و غير محرز للواقع، فأيّ أثر لاعتدال الوهم بعدئذٍ؟! و عليه فمع الشكّ في قيام الحجّة و حصول الظنّ يبني على أصالة العدم»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 233.) ، انتهى. و بالجملة: من لم يذهب وهمه إلى شي ء من الركعات يبني على الأكثر مطلقاً؛ أي سواء اعتدل وهمه، أو تردّد بين الشكّ و الظنّ، فالمتردّد بين الشكّ و الظنّ يعمل عمل الشكّ؛ لعدم قيام الحجّة عنده على شي ء من الركعات. و هذا القول اختاره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و بعض المحشّين لها. و أشكل عليه المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين(العروة الوثقى 2: 23.) و وجه الإشكال ما أشار إليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»: «من أنّ كلًا من الشكّ و الظنّ على خلاف الأصل، فلا يمكن إثبات أحدهما بعينه بالأصل، بل الواجب الرجوع إلى قواعد العلم الإجمالي»(مستمسك العروة الوثقى 7: 478.) ، انتهى. ثمّ إنّ التردّد بين الشكّ و الظنّ إن كان في الركعات، فالأحوط أن يعمل على طبق أحدهما مخيّراً بينهما مع إعادة الصلاة، و أحوط منه العمل بالشكّ، ثمّ إعادة الصلاة، و إن كان في الأفعال فالأحوط ما ذكره المصنّف رحمه الله في ذيل المسألة الاولى: من أنّه إن كان في المحلّ و كان الفعل مثل القراءة، فالاحتياط في إتيانه بقصد القربة المطلقة، و إن كان مثل الركوع فالاحتياط في إتيانه، ثمّ الإعادة، و إن كان بعد تجاوز المحلّ يتمّ الصلاة، و يعيدها في مثل الركوع.

ص: 350

ص: 351

ص: 352

ص: 353

ص: 354

نعم لو كان مسبوقاً بالظنّ أو الشكّ و شكّ في انقلابه، فلا يبعد البناء على الحالة السابقة (1).


1- لو تردّد فعلًا في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ و قد حصل له سابقاً- أي قبل حالة التردّد- الظنّ أو الشكّ و شكّ في انقلابه، فلا يبعد جريان الاستصحاب و البناء في حالة التردّد على الحالة السابقة؛ إن كانت ظنّاً فظنّ، و إن كانت شكّاً فشكّ.

ص: 355

القول في ركعات الاحتياط

(مسألة 1): ركعات الاحتياط واجبة،
اشارة

فلا يجوز تركها و إعادة الصلاة من الأصل، و تجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة، كما أنّه لا يجوز الفصل بينها و بين الصلاة بالمنافي، فإن فعل ذلك فالأحوط الإتيان بها و إعادة الصلاة، و لو أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط، ثمّ تبيّن له تماميّة صلاته، لا تجب إعادتها (1).

هاهنا مسائل:
المسألة الاولى: لا إشكال و لا خلاف في وجوب صلاة الاحتياط.

1- و يدلّ عليه الأمر الوارد بها في الأخبار الكثيرة المتواترة، و قد تقدّم ذكر بعضها بمناسبة مسائل الشكّ، و نذكر هنا جملة منها: ففي صحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و إن اعتدل وهمك فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 211، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) و في موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و في خبر له عنه عليه السلام: «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و في موثّق آخر له عنه عليه السلام: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و في صحيح الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم، و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس؛ يقصّر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و في موثّق أبي بصير- بناءً على توجيه صاحب «الحدائق» بأنّه ناظر إلى صورة الشكّ المتساوي طرفاه- قال: سألته عن رجل صلّى، فلم يدرِ أ في الثالثة هو أم في الرابعة، قال: «فما ذهب وهمه إليه؛ إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء سلّم بينه و بين نفسه، ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 7.) و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و مثلها غيرها من الروايات المذكورة في الباب العاشر و الحادي عشر و غيرهما من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من «الوسائل». ثمّ إنّه إذا كانت صلاة الاحتياط واجبة حرم تركها، و حرمت إعادة الصلاة الأصلية: أمّا حرمة تركها فلكونه تركاً للمأمور بها. و أمّا حرمة إعادة الصلاة الأصلية، فلعدم كونها مأموراً بها. و في «العروة الوثقى»: «لا يجوز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة و الاكتفاء بالاستئناف، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان. نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة و إن كان آثماً في الإبطال»(العروة الوثقى 2: 29.) ، انتهى. أقول: إذا كان الواجب على الشاكّ- بالشكوك الصحيحة- البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و إتيان صلاة الاحتياط، حرم عليه رفع اليد عن صلاة الاحتياط و استئناف الصلاة قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء، و بطلت كلتا الصلاتين. أمّا الأصلية، فللزيادة العمدية في أثنائها بالصلاة المستأنفة؛ على فرض إتمام الأصلية بعد سلام المستأنفة بلا فصل. و قد علّل السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بطلان الأصلية بفوات الموالاة بين أجزائها؛ بناءً على اعتبارها فيها بنحو ينافيها فعل الصلاة المذكورة(مستمسك العروة الوثقى 7: 491.) ، انتهى. و أمّا المستأنفة، فلكونها علّة لقطع الصلاة المحرّم، فتكون محرّمة باطلة. نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء- أي بعد الصلاة الأصلية و قبل صلاة الاحتياط- صحّت المستأنفة و إن كان آثماً في فعل المنافي، و وجه الصحّة عدم توجّه النهي إليها؛ لعدم كونها موجبة لبطلان الصلاة، بل هي مأمور بها، و النهي متوجّه إلى فعل المنافي الموجب لبطلان الصلاة الأصلية. بعد الفراغ من الصلاة الأصلية. و يدلّ عليه الأخبار، كموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و نحوه الخبر و الموثّق الآخر لعمّار(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3 و 4.) ، و نحوه أيضاً غيره من الأخبار الواردة في الباب العاشر و الحادي عشر من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من «الوسائل». وجه الاستدلال ما أشار إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله في مقام إثبات بطلان الصلاة الأصلية بالفصل بينها و بين صلاة الاحتياط بالمنافي؛ و أنّ صلاة الاحتياط واجب موقّت و فوري، حيث قال: «بل ينبغي القطع بلزوم وجوب الفور ...» إلى أن قال: «بل قد يستفاد من بعض أدلّة الفورية- زيادة على وجوبها- صفة شرطيتها أيضاً؛ إذ هي ليس دليلها منحصراً بالإجماع، بل الأخبار كادت تكون صريحة في ذلك، خصوصاً المشتمل منها على «الفاء» المقتضية للتعقيب بلا مهلة، بل و على لفظ «إذا» الظاهر في أنّ وقت فعلها عند الفراغ، و غير ذلك. و لا ريب في ظهورها باشتراط صحّتها بالتعقيب المزبور؛ إذ بدونه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه. على أنّه لو سلّم عدم ظهورها بذلك، فلا إشكال في كون المستفاد منها خصوص هذا الفرد دون غيره، فيكفي في فساده عدم الدليل على صحّته؛ حتّى إطلاقات الأوامر بعد فرض إرادة الفورية منها و انسياق التعقيب من مساقها ...» إلى أن قال: «بل قد يؤيّد ذلك كلّه بعدم عدّ الاحتياط فريضة على حدة غير اليومية، و العيدين، و الآية، و الملتزم بالنذر، و ما ذاك إلّا للتعريض المزبور»(جواهر الكلام 12: 380- 382.)، انتهى. حدثاً كان أو غيره- و اقتصار جماعة على الحدث لإرادة المثال منه؛ لاشتراك الجميع من حيث الدليل- أو لا؟ فقال جماعة بعدم الجواز؛ و أنّ الصلاة تبطل و يسقط الاحتياط، و ربما نسب هذا القول إلى الأكثر، بل إلى المشهور، و هو المختار. و قال آخرون بعدم بطلان الصلاة، و إليه ذهب ابن إدريس، و العلّامة في «الإرشاد» و الشهيدان، و نسب هذا القول إلى متأخّري المتأخّرين، و قوّاه الشيخ الأنصاري في كتاب «الصلاة». استدلّ للقول بعدم الجواز: بأنّ صلاة الاحتياط معرّضة لأن تكون تماماً؛ أي جزءاً من الصلاة الأصلية و متمّماً لها على تقدير النقص، كما يفصح عن ذلك موثّق عمّار المتقدّم: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) ، و غيره من الأخبار. فمقتضى كون صلاة الاحتياط تتمّة للصلاة الأصلية، حصول الحدث و سائر المنافيات في الأثناء. و قد يستشهد له أيضاً: بأنّه قد امر بسجدتي السهو فيما لو تكلّم بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط، كما في صحيح ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و اورد عليه: أنّه لا شاهد على إرادة التكلّم بين الصلاتين، و يحتمل أن يكون المراد به التكلّم حين عروض الشكّ في أثناء الصلاة، و يحتمل أن يكون المراد به التكلّم سهواً في أثناء صلاة الاحتياط؛ و أنّها بحكم الصلاة الأصلية في كون التكلّم في أثنائها موجباً لسجود السهو. و هذا الاحتمال أوفق بظاهر الصحيح، و لكنّ الالتزام به مشكل؛ لقوله عليه السلام: «لا سهو في سهو»(وسائل الشيعة 8: 243، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 2 و 3.) ، إلّا أن يحمل على الاستحباب. و قد استدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد اختيار القول بعدم الجواز، و بطلان الصلاة الأصلية، و سقوط صلاة الاحتياط- بوجوه: منها: أنّها معرّضة لأن تكون تماماً، و الحدث مثلًا يمنع من ذلك. و منها: قوله «و لإشعار وجوب المبادرة- المجمع عليه، كما عرفت- بمراعاة حكم الجزئية؛ ضرورة أنّها لو كانت صلاة منفردة ما روعي فيها حكم ذلك، لم يكن لوجوب المبادرة وجه؛ إذ احتمال التعبّدية المحضة للإجماع بعيد، أو باطل، بل في المحكي عن «المصابيح»: أنّه لم يدّع أحد الإجماع على تحريم فعل المنافي بينهما تعبّداً من غير مدخلية البطلان أصلًا؛ لأنّ الفقهاء- غير ابن إدريس- حكموا بالمنع؛ لكون الاحتياط معرضة لتماميته، كما هو صريح أدلّتهم و فتاويهم في غاية الوضوح، فلذا نسب الخلاف إلى ابن إدريس، نعم وافقه العلّامة في خصوص «الإرشاد»، انتهى. بل ينبغي القطع بلزوم وجوب الفور للمختار؛ بناءً على مساواة الواجب فوراً للموقّت في فواته بفوات وقته، كما هو أحد الوجهين فيه إن لم يكن أقواهما»(جواهر الكلام 12: 380.) ، انتهى. و استدلّ للقول بعدم بطلان الصلاة الأصلية بالأصل، و إطلاق الأخبار غير المقيّدة بلزوم الفورية و التوقيت بكون صلاة الاحتياط عقيب الصلاة الأصلية بلا فصل، و استدلّ أيضاً بظهور الأدلّة في كونها صلاة منفردة، و بالأمر بإتمام الصلاة الأصلية- على فرض نقصها في الواقع- بصلاة الاحتياط في موثّق عمّار المتقدّم، كناية عن فعل المتمّم بصلاة مبتدئة يجب فيها الافتتاح، و تتعيّن الفاتحة، و يجوز الجلوس فيها، فهي ليست بجزء حقيقي لتلك الصلاة؛ بحيث يصدق معه وقوع الحدث في الأثناء، بل هي بدل من النقص بحكم الشارع تعبّداً، و كونها بدلًا لا يوجب مساواتها للمبدل في كلّ حكم. و من هنا حكي عن فخر المحقّقين اختيار قول ثالث في المسألة حكى عن والده أنّه ذكره له مذاكرة؛ و هو التمامية من وجه و الانفراد من وجه آخر جمعاً بين الأدلّة. و أورد عليه في «الجواهر»: «بأنّه لا محصّل له؛ إذ البحث هنا في أنّ ما نحن فيه من أيّ وجه؛ على أنّ كونه تماماً من وجه يقتضي مراعاة الجزئية مهما تيسّر، فالتفصيل حينئذٍ بذلك لا وجه له»(جواهر الكلام 12: 383.) ، انتهى. و قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»- بعد نقل القولين في المسألة و ذكر استدلالهما-: «إنّ الشارع لم يعتبر الاتصال في هذا الجزء، بل أوجب الإتيان به بعد الانصراف عن صلاة الأصل بتحريم مستأنف، فيكون افتتاحها لصلاة الاحتياط بمنزلة الرجوع إلى تلك الصلاة التي وقع النقص بعد خروجه منها، فالزمان المتخلّل بين التسليم و التحريم لا يعدّ من أكوان الصلاة، فالحدث الواقع فيه يقع في خارج الصلاة، لا في أثنائها ...». إلى أن قال: «و المسألة محلّ إشكال و إن كان القول بالجواز لا يخلو من قوّة. و لكن الأحوط- إن لم يكن أقوى- ترك إيجاد المنافي عمداً، و على تقدير حصوله قهراً أو سهواً فالجمع بين فعل الاحتياط و إعادة الصلاة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 572/ السطر 35.) ، انتهى. ثمّ إنّ الأحوط فيما لو أتى بالمنافي بين الصلاة الأصلية و الاحتياط عمداً أو سهواً، الإتيان بصلاة الاحتياط، ثمّ إعادة الصلاة؛ عملًا بكلا القولين في المسألة. المسألة الرابعة: من كانت وظيفته صلاة الاحتياط فأتى بالمنافي عمداً قبل الشروع فيها، ثمّ علم بكون صلاته تامّة، لا تجب إعادتها؛ لأنّ المفروض صحّة صلاته واقعاً. و لا مقتضي لإتيان صلاة الاحتياط؛ لأنّه على فرض الحاجة إليها لجبران النقص المحتمل، و المفروض انكشاف تمامية الأصلية. نعم هو متجرّ بالنسبة إلى فعل المنافي و ترك صلاة الاحتياط الفورية.

ص: 356

ص: 357

ص: 358

المسألة الثانية: لا خلاف و لا إشكال في وجوب المبادرة إلى صلاة الاحتياط

ص: 359

المسألة الثالثة: هل يجوز الفصل بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط بالمنافي؛

ص: 360

ص: 361

ص: 362

ص: 363

(مسألة 2): لا بدّ في صلاة الاحتياط من النيّة و تكبيرة الإحرام و قراءة الفاتحة

- و الأحوط الإسرار بها و بالبسملة أيضاً- و الركوع و السجود و التشهّد و التسليم. و لا قنوت فيها و إن كانت ركعتين، كما أنّه لا سورة فيها (1).


1- تجب في صلاة الاحتياط النيّة و تكبيرة الافتتاح بلا خلاف، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه، فلا يكتفى بنيّة الصلاة الأصلية و تكبيرتها: أمّا وجوب النيّة بمعنى قصد العمل؛ فلأنّ امتياز الأعمال بعضها عن بعض إنّما هو بالقصد إليها. و أمّا وجوبها بمعنى قصد التقرّب؛ فلأنّ عبادية العبادة لا تكون إلّا به. و أمّا وجوب تكبيرة الافتتاح، فهو المشهور المتسالم عليه عند الأصحاب، بل ممّا لا خلاف فيه، عدا ما حكي عن القطب الراوندي من وجود المخالف فيه من الأصحاب، و لكنّه لم يعرف بشخصه. قال صاحب «الحدائق» رحمه الله- بعد نسبة وجوب تكبيرة الإحرام إلى ظاهر الأصحاب-: «بل كاد أن يكون اتفاقاً بينهم، إلّا أنّ بعض متأخّري أصحابنا نقل عن القطب الراوندي في «شرح النهاية الطوسية» أنّه قال: من أصحابنا من قال: إنّه لو شكّ بين الاثنتين و الأربع أو غيرهما من تلك الأربعة، فإذا سلّم قام ليضيف ما شكّ فيه إلى ما يتحقّق، قام بلا تكبيرة الإحرام، و لا تجديد نيّة، و يكتفي في ذلك بعلمه و إرادته، و يقول: لا تصحّ نيّة متردّدة بين الفريضة و النافلة على الاستئناف، و إنّ صلاة واحدة تكفيها نيّة واحدة، و ليس في كلامهم ما يدلّ على خلافه، و قيل: ينبغي أن ينوي أنّه يؤدّي ركعات الاحتياط قربة إلى اللَّه، و يكبّر ثمّ يصلّي، انتهى. و هذا القول و إن لم يشتهر نقله من الأصحاب، إلّا أنّ إطلاق الأخبار المتقدّمة في الأمر بالاحتياط يعضده؛ فإنّ أقصى ما تضمّنته تلك الأخبار، أنّه يقوم و يركع ركعة أو ركعتين من قيام أو جلوس، و ليس فيها- على تعدّدها و كثرتها- تعرّض لذكر تكبيرة الإحرام، كما لا يخفى على من راجعها، مع اشتمالها على قراءة الفاتحة و التشهّد و التسليم، و المقام فيها مقام البيان؛ لأنّها مسوقة لتعليم المكلّفين، فلو كان ذلك واجباً لذكر في بعض، كما ذكر غيره ممّا أشرنا إليه. و الذي وقفت عليه من عبائر جملة من المتقدّمين و جلّ المتأخّرين خالٍ عن ذكر التكبير أيضاً. نعم، روى الشيخ في «التهذيب» عن زيد الشحّام قال: سألته عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات، قال: «إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستّاً فليعد، و إن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر و هو جالس، ثمّ ليركع ركعتين، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته، ثمّ يتشهّد»(تهذيب الأحكام 2: 352/ 1461، وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 5.) فإنّ ظاهره أنّ هاتين الركعتين إنّما هما للاحتياط؛ و إن كان الاحتياط هنا غير مشهور في كلام الأصحاب، إلّا أنّ ظاهر الصدوق في «المقنع» القول بذلك، و قد تقدّم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة، و حينئذٍ: فيمكن أن تخصّص تلك الأخبار بهذا الخبر. و كيف كان: فالاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور»(الحدائق الناضرة 9: 302- 303.) ، انتهى كلام صاحب «الحدائق». و يمكن استفادة وجوب تكبيرة الافتتاح من الأخبار؛ حيث ورد الأمر بصلاة الاحتياط فيها، و من الواضح أنّ الصلاة أوّلها التكبير، و آخرها التسليم، و قد ورد فيها التشهّد و التسليم، و سيجي ء البحث فيه. و قد يتوهّم عدم وجوب تكبيرة الإحرام؛ لعدم تعرّض الأخبار لها. مضافاً إلى أنّ صلاة الاحتياط في معرض الجزئية للصلاة الأصلية، و التكبير ينافيه؛ لاستلزامه زيادة الركن. و يرد عليه: أنّ الأخبار و إن لم يصرّح فيها بوجوب التكبيرة، و لكن قد ورد فيها الأمر بصلاة الاحتياط، و من الواضح أنّ أوّل الصلاة التكبير، و كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً للصلاة الأصلية، لا ينافي وجود تكبيرة الافتتاح؛ لاستفادتها من الأخبار و أنّها تعبّد من الشارع. و قد أجاب السيّد الخوئي رحمه الله عن التوهّم المزبور بقوله: «و يردّه أنّ الأخبار و إن كانت خالية عن ذكر التكبير صريحاً، إلّا أنّ ذلك يستفاد منها بوضوح؛ لأجل الترديد فيها بين التتميم على تقدير، و النفل على التقدير الآخر، فلا بدّ من الإتيان بها على وجه تصلح لوقوعها نافلة. و من المعلوم أنّ هذه الصلاحية موقوفة على اشتمالها على تكبيرة الافتتاح؛ إذ لا صلاة من دون افتتاح، فإنّ أوّلها التكبير، كما أنّ آخرها التسليم؛ من غير فرق بين الفريضة و النافلة»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 274.) ، انتهى. و فيه: أنّ الترديد في صلاة الاحتياط بين كونها متمّمة للأصلية على تقدير النقص و بين كونها نافلة على تقدير التمامية، كما يقتضي إتيانها على وجه تصلح لوقوعها نافلة- بأن تشتمل حتماً على تكبيرة الافتتاح؛ إذ لا صلاة إلّا بالتكبيرة- كذلك يقتضي إتيانها على وجه تصلح لأن تكون جزءاً، و لا تصلح للجزئية و المتمّمية مع التكبيرة، و لذا حكي عن القطب الراوندي نسبة انتفاء التكبيرة فيها إلى بعض الأصحاب. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ صلاة الاحتياط بما أنّها صلاة و أوّلها التكبير و آخرها التسليم- مع جميع ما يعتبر فيها من الأجزاء و الشرائط، إلّا القيام في بعض أقسامها- متمّم، كما نسب إلى الشهيد و من تأخّر عنه أنّه يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة- عدا القيام في البعض- من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها، بل و التشهّد و التسليم. و في «الجواهر»: «و لا ينافيه تكبيرة الافتتاح و إن كان هو ركناً تفسد زيادته، لكنّه اغتفره الشارع هنا، كما اغتفره في غير المقام ...» إلى أن قال: «على أنّه قد يمنع إفساد زيادته هنا لو صادف النقص؛ من حيث القصد به إلى افتتاح صلاة جديدة، فلا يكون زيادة ركن في تلك الصلاة، كما أشرنا سابقاً إلى نظيره، كما أنّه قد يقال: إنّ المراد كونها صلاة جعلها الشارع معرضاً لكلّ منهما، و لا تكون صلاة إلّا بالافتتاح بالتكبير»(جواهر الكلام 12: 371.) ، انتهى. و أمّا وجوب قراءة الفاتحة، فيدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتواترة، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: «تقرأ فيهما بامّ الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح الحسين بن أبي العلاء: «و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و موثّق أبي بصير: «ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 7.) . و غيرها من أخبار الباب، و أكثر أخبار الباب الحادي عشر من أبواب الخلل في الصلاة من «الوسائل». و الظاهر من الأخبار تعيّن الفاتحة، فلا يكفي التسبيح، و هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع. و في «الجواهر»: «هو المشهور نقلًا و تحصيلًا شهرةً كادت تكون إجماعاً؛ لما قد عرفت من التعريض المزبور القاضي بمراعاة الصحيح على كلا التقديرين، و ليس هو إلّا بالفاتحة؛ ضرورة توقّف صحّتها- لو كانت نافلة واقعاً- عليها، إذ «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» و للأمر بها في النصوص السابقة المشعرة بما قلنا أيضاً. مضافاً إلى ظهور الأدلّة- إن لم يكن صراحتها- في أنّها صلاة منفردة و إن كانت معرضة لما سمعت، و لا صلاة إلّا بها»(جواهر الكلام 12: 372.) ، انتهى. و استدلّ النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» للقول بتعيّن الفاتحة- مضافاً إلى أنّها صلاة منفردة، كما يظهر من الأخبار، و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» - بأصالة الاشتغال؛ «فإنّ وجوب أحد الأمرين من الفاتحة و التسبيح ثابت قطعاً، فلا يحصل البراءة اليقينية إلّا بالإتيان بما يوجب البراءة يقيناً، و هو الفاتحة»(مستند الشيعة 7: 251.) ، انتهى. و نسب إلى ابن إدريس القول بالتخيير بين الفاتحة و التسبيح، و استدلّ ابن إدريس على التخيير- على ما حكي عنه- بأنّ الاحتياط قائم مقام الركعتين الأخيرتين، فيثبت فيه ما ثبت في مبدله. و في «الشرائع»- حكايةً عن القائلين بالتخيير-: «لأنّها قائمة مقام ثالثة أو رابعة، فيثبت فيها التخيير. كما يثبت في المبدل»(شرائع الإسلام 1: 108.) و يرد عليهم أوّلًا: أنّ التخيير مخالف لظاهر الأخبار المصرّح فيها بخصوص قراءة فاتحة الكتاب. و ثانياً: أنّ التخيير- على فرض ثبوته- يكون بين قراءة الفاتحة و تركها، لا بينها و بين التسبيح. و ثالثاً: أنّه مخالف لاحتمال كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة،و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب». و أمّا وجوب الإخفات بالفاتحة، فهو المستفاد من قوله عليه السلام في موثّق عمّار: «فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني رحمه الله: «أنّه لا بدّ من الإتيان بصلاة الاحتياط على وجه يصلح وقوعها تتمّة للنقص؛ بأن يراعى فيها الشرائط المعتبرة في الأخيرتين من الفريضة؛ من الاستقبال، و الاستقرار، و الإخفات بالقراءة و نحوها، عدا ما ثبت الرخصة في مخالفته، مثل الإتيان بركعتين من جلوس بدلًا من الركعة من قيام»(مصباح الفقيه، الصلاة: 572/ السطر 20.) ، انتهى. و أمّا الإخفات بالبسملة، فقد تقدّم في ضمن البحث عن المسألة السابعة عشرة من مسائل «القول في القراءة و الذكر» أنّ الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله الإخفات بالبسملة في القراءة في الركعتين الأخيرتين، و أنّ الاحتياط استحبابي عندنا، فراجع. و يجب في صلاة الاحتياط الركوع و السجود و التشهّد و السلام إجماعاً، و للأخبار المستفيضة، بل المتواترة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات؛ يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) . و لا قنوت في صلاة الاحتياط حتّى فيما إذا كانت ركعتين قائماً، فضلًا عن كونها جالساً أو ركعة قائماً؛ لأنّ مشروعيته إنّما هو في الثانية من الاوليين في الفريضة، و النافلة، و في الوتر، و لا يجوز في غيرها بقصد الورود، نعم لا بأس به بعنوان الدعاء. و في «العروة الوثقى»: «و ليس فيها أذان و لا إقامة»(العروة الوثقى 2: 32.) ؛ لأنّهما إنّما شرّعتا في خصوص الفرائض اليومية، فهما في غيرها بدعة حتّى في صلاة الاحتياط؛ سواء كانت جزءاً، أو صلاة مستقلّة، أو نافلة. و أمّا السورة فلا تشرّع في صلاة الاحتياط؛ لعدم ورودها في شي ء من الأخبار، بل المستفاد من الأمر الوارد فيها بإتمام ما ظنّ نقصه، إتيانها على نحو ما نقص على تقدير النقص في الواقع؛ من غير فرق بين كون صلاة الاحتياط جزءاً من الصلاة الأصلية، و بين كونها صلاة مستقلّة.

ص: 364

ص: 365

ص: 366

ص: 367

ص: 368

ص: 369

ص: 370

(مسألة 3): لو نسي رُكناً من ركعات الاحتياط أو زاده فيها بطلت،

فلا يترك الاحتياط باستئناف الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة (1).


1- الوجه فيه هو الوجه في بطلان سائر الصلوات الواجبة- بنقص ركن من أركانها أو زيادته عمداً أو سهواً- من المطلقات، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود ...»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) ، الحديث. و خصوص الأخبار الواردة في تكبيرة الافتتاح و الركوع و السجود. و في «المستمسك»: «لعدم الفرق بينها و بين الصلاة في ذلك؛ لاطّراد أدلّة البطلان فيهما بنحو واحد. نعم من محتملات قوله عليه السلام: «لا سهو في سهو» عدم البطلان بزيادة الركن هنا سهواً. لكن في «مفتاح الكرامة» لعلّه لم يخالف في البطلان أحد»(مستمسك العروة الوثقى 7: 515.) و وجه الاحتياط باستئناف صلاة الاحتياط، هو العمل بالقول بكون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة، فإذا بطلت بزيادة الركن أو نقصه فالواجب إعادتها، كسائر الصلوات الواجبة. كما أنّ وجه الاحتياط في استئناف أصل الصلاة، هو العمل بالقول بكونها جزءاً متمّماً للصلاة الأصلية.

ص: 371

(مسألة 4): لو بان الاستغناء عن صلاة الاحتياط قبل الشروع فيها لا يجب الإتيان بها،

و إن كان بعد الفراغ منها وقعت نافلة، و إن كان في الأثناء أتمّها كذلك. و الأحوط إضافة ركعة ثانية لو كانت ركعة من قيام (1).


1- وجه عدم وجوب صلاة الاحتياط فيما لو تبيّن تمامية الصلاة قبل الشروع فيها، هو أنّ تشريع صلاة الاحتياط لأجل إتمام ما ظنّ نقصه، فإذا فرض انكشاف الواقع و أنّ الصلاة وقعت تامّة، فلا مورد لوجوبها، بل لا مشروعية في إتيانها. و لو تبيّن تمامية الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، تحسب صلاة الاحتياط نافلة، كما هو المستفاد من صريح الروايات، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و في صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و في مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.) و لو تبيّن في أثناء صلاة الاحتياط تمامية صلاته جاز له قطعها، كما يجوز له إتمامها نافلة فيما إذا كانت ذات ركعتين. و إن كانت ركعة واحدة من قيام جاز له ضمّ ركعة اخرى إليها حتّى تقع نافلة؛ لأنّ النافلة إنّما تقع ركعتين ركعتين إلّا ما ثبت بالدليل، كالوتر، فليس له الإتمام على الركعة الواحدة نافلة.

ص: 372

ص: 373

و لو تبيّن نقص الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، فإن كان النقص بمقدار ما فعله من الاحتياط- كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و أتى بركعة قائماً، فتبيّن كونها ثلاثاً- تمّت صلاته، و الأحوط الاستئناف. لكن ذلك فيما إذا كان ما فعله أحد طرفي الشكّ من النقص، كالمثال المذكور. و أمّا مجرّد موافقة ما فعله للنقص في المقدار ففي جبره إشكال، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، و بنى على الأربع و أتى بركعة قائماً عوض ركعتي الاحتياط اشتباهاً، فتبيّن أنّ النقص بركعة، فالأحوط في مثله الإعادة (1).


1- اذا تبيّن بعد الفراغ من صلاة الاحتياط نقص صلاته، فهذا على أقسام ثلاثة: الأوّل: أن يكون النقص بمقدار ما فعله من صلاة الاحتياط. الثاني: أن يكون أزيد منه. الثالث: أن يكون أقلّ منه. أمّا الأوّل فهو على نوعين: الأوّل: أن يكون ما فعله من صلاة الاحتياط أحد طرفي الشكّ من النقص؛ أي كان ما فعله من صلاة الاحتياط ما هو وظيفته منها؛ أعني طرف النقص من طرفي الشكّ، كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و أتى بصلاة الاحتياط ركعة قائماً، ثمّ انكشف كون صلاته ثلاث ركعات، فإنّه حينئذٍ يكون كلّ من الناقص من صلاته الأصلية و ما أتى به من صلاة الاحتياط و ما هو وظيفته المقرّرة في الشكّ المزبور من صلاة الاحتياط، ركعةً واحدةً، فعليه تمّت صلاته. و يدلّ عليه خبر عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و الأحوط استحباباً استئناف الصلاة. و لعلّه لأجل جبر صلاة الاحتياط النقص المحتمل. و ما دام لم ينكشف النقص واقعاً، فإذا انكشف الواقع أعادها. و يظهر من بعض فقهائنا- كصاحب «الموجز»- وجوب الإعادة فيما إذا كانت صلاة الاحتياط مخالفةً للنقص، كما لو صلّى ركعتين من جلوس فيما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، حيث إنّ النقص المحتمل في صلاته الأصلية ركعة قائماً، و صلاة الاحتياط ركعتان جالساً. الثاني: أن يكون ما فعله من صلاة الاحتياط موافقاً للنقص بحسب الواقع، و مخالفاً لأحد طرفي الشكّ من النقص، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، و بنى على الأربع، و أتى بصلاة الاحتياط ركعة قائماً اشتباهاً، و تبيّن أنّ النقص كان ركعة واحدة، فقد وافق ما أتى به من صلاة الاحتياط النقص الواقعي، و لكن خالف النقص الذي هو أحد طرفي شكّه؛ أعني الركعتين، و حينئذٍ يشكل جبر ما أتى به النقص الذي احتمله، فالأحوط وجوباً إعادة الصلاة.

ص: 374

و لو كان النقص أزيد منه- كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، فبنى على الأربع، و صلّى صلاة الاحتياط، فتبيّن كونها ركعتين- تجب عليه الإعادة بعد الإتيان بركعة أو ركعتين متّصلة (1).


1- هذا هو القسم الثاني من الأقسام الثلاثة؛ و هو أن يكون نقص الصلاة أزيد من صلاة الاحتياط، كما لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و صلّى صلاة الاحتياط ركعة قائماً، و تبيّن أنّ صلاته كانت ركعتين، و كان الناقص أزيد من صلاة الاحتياط بركعة، و الظاهر عدم كفاية صلاة الاحتياط و الحال هذه، بل تجب عليه إعادة الصلاة بعد أن يضمّ إلى ركعة الاحتياط ركعة اخرى، و يكون السلام بين ركعتي الاحتياط زائداً نسياناً، أو بعد أن يأتي بركعتين متصلة، و حينئذٍ تكون الركعة الواحدة المأتية قبلهما من صلاة الاحتياط، زائدة غير مخلّة. و وجه ضمّ ركعة اخرى إلى ركعة الاحتياط أو إتيان ركعتين متصلة، هو عموم أدلّة تدارك النقص بصلاة الاحتياط، للتدارك بهذه الكيفية أيضاً. و وجه إعادة الصلاة، ظهور أدلّة التدارك في الاختصاص بالتدارك بما هو المقرّر في صريح الأخبار و مرتكز في عرف المتشرّعة بكيفية خاصّة في كلّ من الشكوك المعتبرة الواجبة فيها صلاة الاحتياط.

ص: 375

و كذا لو كان أقلّ منه، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع، فبنى على الأربع، و أتى بركعتين من قيام، ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات، فيأتي بركعة متّصلة ثمّ يعيد الصلاة (1).


1- هذا هو القسم الثالث؛ و هو أن يكون النقص أقلّ من مقدار صلاة الاحتياط، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، فبنى على الأربع، و أتى بركعتين من قيام، ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات فيأتي بركعة متصلة؛ لما ذكر من عموم أدلّة تدارك النقص، ثمّ يعيد الصلاة؛ للظهور المذكور في القسم الثاني.

ص: 376

و لو تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط، فالأقوى الاكتفاء بما جعله الشارع جبراً؛ و لو كان مخالفاً في الكمّ و الكيف لما نقص من صلاته، فضلًا عمّا كان موافقاً له، فمن شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و شرع في الركعتين جالساً، فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات، أتمّهما و اكتفى بهما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مطلقاً بالإعادة، خصوصاً في صورة المخالفة. و أمّا في غير صورة ما جعله جبراً- كما لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و اشتغل بصلاة ركعتين جالساً، فتبيّن كونها ثنتين- فالأحوط قطعها و جبر الصلاة بركعتين موصولتين ثمّ إعادتها (1).


1- إذا تبيّن نقصان الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط، ففيه صور أربع: الاولى: أن يكون ما بيده من صلاة الاحتياط، موافقاً للناقص من صلاته كمّاً و كيفاً، كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعة قائماً، و تبيّن في أثناء صلاة الاحتياط أنّ صلاته كانت ثلاث ركعات، فكلّ من الناقص من صلاته و صلاة الاحتياط، ركعة واحدة قائماً. الثانية: أن يكون ما بيده مخالفاً للناقص كمّاً و كيفاً، كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ثلاث ركعات، فالناقص كان ركعة قائماً، و صلاة الاحتياط ركعتان جالساً، فهما متخالفان كمّاً و كيفاً. الثالثة: أن يكونا متوافقين في الكيف، و متخالفين في الكمّ، كما إذا شكّ بين الثنتين و الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بركعتين قائماً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ثلاث ركعات، فالناقص من صلاته ركعة قائماً، و صلاة الاحتياط ركعتان كذلك، فهما متوافقان في الكيف، و متخالفان في الكمّ. و كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بركعة الاحتياط قائماً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ركعتين، فالناقص ركعتان، و صلاة الاحتياط ركعة، و هما متوافقان كيفاً، و متخالفان كمّاً. الرابعة: عكس الثالثة، كما لو شكّ بين الثنتين و الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً؛ بناءً على جواز تقديمهما على الركعتين قائماً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ركعتين، فالناقص من صلاته و ما اشتغل به من صلاة الاحتياط، كلاهما ركعتان، و لكنّهما متخالفتان في الكيف. و كما لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً، و تبيّن كون صلاته ركعتين، فكلّ من صلاة الاحتياط و الناقص من صلاته، ركعتان مختلفتان في الكيف. و الأقوى في الصور المذكورة كلّها، الاكتفاء بما جعله الشارع جبراً و لو كان مخالفاً في الكمّ و الكيف لما نقص من صلاته، فضلًا عمّا كان موافقاً له فيهما؛ و ذلك لأنّ المستفاد من الأخبار أنّ صلاة الاحتياط إنّما شرعت لجبر النقص؛ على فرض تحقّق النقصان في الواقع، كما في خبر عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) ، فمن شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و شرع في الركعتين جالساً، فتبيّن في أثناء صلاة الاحتياط كون صلاته ثلاث ركعات، أتمّ الركعتين جالساً، و اكتفى بهما؛ لأنّ الشارع جعل ركعتي الاحتياط جالساً، جابراً للناقص من صلاته الأصلية؛ و هي الركعة قائماً. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة مطلقاً- أي حتّى فيما كان الناقص موافقاً لصلاة الاحتياط كمّاً و كيفاً- لما تقدّم سابقاً من احتمال اختصاص أدلّة التدارك بصورة استمرار الشكّ؛ و عدم انكشاف النقص واقعاً، و خصوصاً في صورة المخالفة كمّاً، أو كيفاً، أو فيهما معاً؛ عملًا بما حكيناه سابقاً عن «الموجز» من البطلان مع المخالفة. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد ذكر الصور الأربع المذكورة: «فيحتمل إلغاء صلاة الاحتياط في جميع الصور و الرجوع إلى حكم تذكّر نقص الركعة، و يحتمل الاكتفاء بإتمام صلاة الاحتياط في جميعها، و يحتمل وجوب إعادة الصلاة في الجميع، و يحتمل التفصيل بين الصور المذكورة، و المسألة محلّ إشكال، فالأحوط الجمع بين المذكورات بإتمام ما نقص، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط، ثمّ إعادة الصلاة. نعم إذا تذكّر النقص بين صلاتي الاحتياط في صورة تعدّدها- مع فرض كون ما أتى به موافقاً لما نقص في الكمّ و الكيف- لا يبعد الاكتفاء به، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و بعد الإتيان بركعتين قائماً تبيّن كون صلاته ركعتين»(العروة الوثقى 2: 35.) ، انتهى. و مراده من التفصيل بين الصور المذكورة، هو التفصيل بين موافقة صلاة الاحتياط للناقص من صلاته في الكمّ و الكيف، فيكتفى بصلاة الاحتياط، و بين مخالفتهما، فلا يكتفى بها. و لا بأس بذكر وجوه الاحتمالات المذكورة في عبارة «العروة»: أمّا وجه الاحتمال الأوّل و عدم كفاية صلاة الاحتياط في جميع الصور، فهو قصور أدلّة الاكتفاء بها عن صورة التذكّر في الأثناء، و اختصاصها بصورة بقاء الشكّ إلى ما بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، و المتعيّن حينئذٍ الرجوع إلى حكم تذكّر نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط، و حكمه إتمام ما نقص من صلاته، و سجدتا السهو؛ للسلام في غير محلّه إذا لم يأتِ بالمنافي، و إلّا فاللازم إعادة الصلاة. و وجه الثاني: عموم أدلّة وجوب البناء على الأكثر و كفاية صلاة الاحتياط بعد زوال الشكّ أيضاً. و وجه الثالث: الإشكال في وجه الأوّل و الثاني و عدم الدليل على ثبوتهما، فتتعيّن إعادة الصلاة مطلقاً و في جميع الصور. و وجه الرابع: أنّه مع موافقة صلاة الاحتياط مع الناقص من صلاته كمّاً و كيفاً، لا مانع من صحّة صلاته إلّا زيادة تكبيرة الافتتاح، و هي غير قادحة بعد أن صدرت بإذن من الشارع حتّى بناءً على القول بجزئية صلاة الاحتياط، و أمّا مع المخالفة فالاكتفاء بصلاة الاحتياط يحتاج إلى دليل مفقود. ثمّ إنّ لصاحب «الجواهر» رحمه الله كلاماً طويلًا في بيان أحكام موارد تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط، لا بأس بنقله بتلخيص منّا، قال: «لو تذكّر النقص في أثنائه فإن كان هو المطابق كمّاً و كيفاً- كما لو ذكر نقصان الاثنتين في الشكّ بينهما و الثلاث و الأربع مثلًا في أثناء ركعتي الاحتياط من قيام، أو ذكر نقصان الواحدة في الشكّ بين الثلاث و الأربع في أثناء الركعة الاحتياطية من قيام-فالأقوى عدم الالتفات، و يتمّ احتياطه، و تصحّ صلاته، وفاقاً لجماعة إن لم يكن المشهور؛ استصحاباً لصحّة الصلاة المجبورة، و لصحّة الصلاة الاحتياطية المؤيّد بكون الصلاة على ما افتتحت عليه، بل للأمر المقتضي للإجزاء. مضافاً إلى إطلاق الأدلّة، و التعريض المذكور، بل قد يستأنس له بخبر عمّار السابق، و بما عرفت من الصحّة مع الذكر بعده، بل لا مانع يتخيّل سوى زيادة التكبير الذي قد عرفت اغتفار الشارع له هنا، بل قد سمعت احتمال أنّها ليست من الزيادة المبطلة؛ للقصد بها افتتاح صلاة اخرى ...». إلى أن قال: «و كذا يقوى في النظر الصحّة لو تذكّر النقص في أثناء احتياطه المخالف بالكيف دون الكمّ، كما لو ذكر الثلاث في أثناء ركعتي الجلوس؛ لإقامة الشارع إيّاهما مقام ركعة من قيام، فيجري حينئذٍ ما سمعته، و احتمال البطلان لاختلال النظم هنا، مزاحمة للشارع فيما يرجع أمره إليه». ثمّ نقل القول بالتفصيل في المخالف بالكم: «و هو أنّه إن لم يتجاوز القدر المطابق- بأن لم يكن قد شرع في الركعة الثانية- تشهّد و سلّم و اجتزأ بها، و إن تجاوز و كان قبل الركوع هدم، و كان كالسابق، و إلّا بطل احتياطه، و وجب عليه حكم تذكّر النقص». ثمّ قال: «إنّ الذي يقوى في النظر القاصر بطلان الاحتياط مطلقاً؛ تجاوز أو لم يتجاوز، و الرجوع إلى حكم تذكّر النقص: أمّا الأوّل: فلفرض ظهور النقص الذي لم يجعل الشارع هذا الاحتياط معرضاً لجبره؛ إذ عرضه للنافلة، أو جبر نقص الاثنتين خاصّة. و أمّا الثاني: فلعدم قدح مثل هذا الفصل و إن كان بأركان كثيرة. لكنّ الاحتياط هنا- باستئناف الصلاة- ممّا لا ينبغي تركه ...». إلى أن قال: «و من ذلك كلّه يتضح لك فساد الحكم بالصحّة و الاجتزاء لو فرض ذكر الثلاث بعد إتمام الركعتين؛ إذ الفرض ظهور كون ما امتثل به ليس ممّا عرضه الشارع جبراً لما ظهر، بل جعل له كيفية اخرى غير هذه الكيفية ...». إلى أن قال: و ممّا ذكرنا يتضح لك أولوية الفساد أيضاً و الرجوع إلى حكم تذكّر النقص لو ذكر الاثنتين في أثناء الركعتين من جلوس بناءً على جواز تقديمهما على ركعتي القيام؛ ضرورة ظهور عدم صلاحية ذلك لجبر ما ظهر فواته، إذ الشارع عرضه لجبر الواحدة الفائتة خاصّة»(جواهر الكلام 12: 373- 377.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رحمه الله ملخصاً.

ص: 377

ص: 378

ص: 379

ص: 380

ص: 381

و إذا تبيّن النقص قبل الدخول في صلاة الاحتياط، كان له حكم من نقص من الركعات من غير عمد؛ من التدارك الذي قد عرفته، فلا تكفي صلاة الاحتياط، بل اللازم- حينئذٍ- إتمام ما نقص و سجدتا السهو للسلام في غير محلّه (1).


1- وجه عدم كفاية صلاة الاحتياط فيما إذا تبيّن نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط، هو أنّ صلاة الاحتياط إنّما شرعت لجبر النقص المحتمل مع بقاء الشكّ إلى الفراغ من صلاة الاحتياط، فلا تشمل أدلّة الاكتفاء بصلاة الاحتياط صورة العلم بالنقص، فمع انكشاف الواقع يتعيّن حكم تذكّر النقص بعد التسليم؛ من التدارك بإتمام ما نقص ما لم يأتِ بالمنافي؛ فإنّ التسليم الصادر يكون بحكم السهو، و واقعاً في غير محلّه، فلا يكون مفرّغاً، بل يسجد سجدتي السهو، و مع فعل المنافي تلزمه إعادة الصلاة.

ص: 382

(مسألة 5): لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط، فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه.

و إن كان في الوقت، فإن لم يدخل في فعل آخر، و لم يأتِ بالمنافي، و لم يحصل الفصل الطويل، بنى على عدم الإتيان. و مع أحد الامور الثلاثة فللبناء على الإتيان بها وجه، و لكن الأحوط الإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة (1).


1- إذا علم بوجوب صلاة الاحتياط و شكّ في إتيانها، فإمّا أن يكون شكّه بعد خروج الوقت، أو في الوقت: فان كان بعد الوقت فلا يعتني بشكّه؛ لعموم أدلّة عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت، فصلاة الاحتياط- كسائر الفرائض الموقّتة- محكومة بعدم الالتفات إلى الشكّ في إتيانها. و لا يخفى: أنّ عدم الالتفات إلى الشكّ في إتيان صلاة الاحتياط، يختصّ بما إذا كانت واجبة في وقت الفريضة، و شكّ بعد خروج وقت الفريضة في إتيانها في ذلك الوقت. و أمّا لو كانت واجبة في خارج وقت الفريضة- كما فيمن صلّى فريضته في آخر الوقت، و شكّ بين الثلاث و الأربع مثلًا، و بنى على الأربع، و خرج الوقت عند التسليم، فكان وقت صلاة الاحتياط خارج وقت الفريضة- فحينئذٍ فلو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط وجب إتيانها؛ لعدم جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت. و إن كان شكّه في الوقت فهو على قسمين: الأوّل: أن يكون عروض شكّه في حالة شبيهة بهيئة المصلّي؛ أي و لم يدخل بعدُ في فعل آخر، و لم يأتِ بالمنافي، و منه الفصل الطويل بين تسليمه و بين عروض الشكّ في إتيان صلاة الاحتياط، فحينئذٍ يلتفت إلى شكّه، و يبني على عدم الإتيان، و يأتي بها؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال، أو استصحاب عدم الإتيان بها؛ بناءً على جريان الاستصحاب في موارد جريان قاعدة الاشتغال. الثاني: أن يكون عروض شكّه في حالة الاشتغال بفعل آخر غير منافٍ للصلاة، كالتعقيب مثلًا، أو بعد ارتكاب المنافي للصلاة، كالاستدبار مثلًا، أو بعد فصل طويل بين تسليم الصلاة و بين عروض الشكّ، و حينئذٍ فلعدم الالتفات إلى شكّه و البناء على الإتيان بها وجه؛ و هو جريان قاعدتي التجاوز و الفراغ. و يشكل جريان قاعدة التجاوز في المقام فيما إذا كان المدخول به من قبيل المنافي؛ إذ يعتبر في جريان قاعدة التجاوز أن يكون المدخول به ممّا يترتّب على المشكوك، و المنافي- و منه الفصل الطويل- ليس ممّا يترتّب عليه. نعم لا مانع من جريانها فيما كان المدخول به من قبيل التعقيب و الذكر. و كذا يشكل جريان قاعدة الفراغ أيضاً بناءً على اختصاص مجراها بالفراغ الحقيقي؛ فإنّ الفراغ في المقام ليس حقيقياً، لعدم إحراز المضيّ حقيقة؛ لأنّ الشكّ في أصل وجود صلاة الاحتياط و تحقّقها، لا في تمامية الموجود. نعم، بناءً على جريانها في موارد الفراغ البنائي، تجري في المقام بناءً على كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً للصلاة البنائية، و يكون الشكّ في تمامية الموجود. و لا يترك الاحتياط في المسألة بإتيان صلاة الاحتياط؛ بناءً على عدم جريان القاعدتين، ثمّ إعادة الصلاة؛ لاحتمال بطلانها بالامور المشتغل بها.

ص: 383

ص: 384

(مسألة 6): لو شكّ في فعل من أفعالها أتى به لو كان في المحلّ،

و بنى على الإتيان لو تجاوز كما في أصل الصلاة.

و لو شكّ في ركعاتها فالأقوى وجوب البناء على الأكثر، إلّا أن يكون مبطلًا فيبني على الأقلّ، لكن الأحوط مع ذلك إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة (1).


1- الوجه في الاعتناء بالشكّ في فعل من أفعال صلاة الاحتياط فيما إذا كان الشكّ في المحلّ، هو عموم قاعدة الشكّ في المحلّ؛ من غير فرق بين القول بكون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً من الصلاة الأصلية، أو صلاةً مستقلّة. كما أنّ الوجه في عدم الاعتناء بالشكّ فيه و البناء على الإتيان به فيما إذا كان الشكّ بعد تجاوز المحلّ، هو عموم قاعدة التجاوز. و كذا تجري قاعدة الفراغ فيما لو شكّ في التسليم بعد الدخول في الغير المترتّب عليه، كالذكر و التعقيب مثلًا. و أمّا الشكّ في ركعاتها فهل يبني على الأكثر إلّا أن يكون مبطلًا، فيبني على الأقلّ، أو يبني على الأقلّ مطلقاً؛ أي و لو كان جانب الأكثر صحيحاً؟ وجهان: المشهور هو الأوّل، و هو المختار، و استدلّ له بالأخبار النافية للسهو في السهو، كما فيما رواه الصدوق رحمه الله بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره: أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما، أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (بإيقان) منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة، و الأخذ بالجزم»(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) و كصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(وسائل الشيعة 8: 243، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) و كمرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «لا سهو في سهو»(وسائل الشيعة 8: 245، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 25، الحديث 2.) وجه الاستدلال بهذه الأخبار: أنّ المراد من «السهو» فيها هو الشكّ في خصوص الركعات؛ بقرينة وحدة السياق في رواية الصدوق، حيث إنّ نفي السهو عن الإمام مع حفظ المأموم و بالعكس و في المغرب و الفجر و الركعتين الأوّلتين من الرباعية، إنّما هو بالنسبة إلى الشكّ في الركعات، و في السهو في غير الركعات من أفعال الصلاة، يأتي بها إن لم يتجاوز محلّها في غير الأركان، و في الأركان ما لم يدخل في ركن آخر بلا إشكال. و المراد من نفي السهو في ركعات الاحتياط عدم الالتفات به، و هو ملازم للبناء على الفعل المشكوك فيه؛ أي الأكثر، كما صرّح به جماعة من فقهائنا، ففي «المنتهى»: «و معنى قول الفقهاء: «و لا سهو في السهو» أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو، كمن شكّ بين الاثنتين و الأربع، فإنّه يصلّي ركعتين احتياطاً، فلو سها فيهما و لم يدرِ صلّى واحدة أو ثنتين، لم يلتفت إلى ذلك. و قيل: معناه أنّ من سها فلم يدرِ هل سها أم لا؟ لا يعتدّ به، و لا يجب عليه شي ء، و الأوّل أقرب»(منتهى المطلب 1: 411/ السطر 21.) و في «الحدائق»: «و الظاهر أنّ مراده»- أي العلّامة- «بعدم الالتفات إلى ذلك، البناء على الفعل المشكوك فيه، كما هو ظاهر المحقّق في «المعتبر» فإنّه يحذو في «المنتهى» حذوه في الأكثر، حيث قال في «المعتبر»: و لا حكم للسهو في السهو؛ لأنّه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانياً، فلا يتخلّص من ورطة السهو؛ و لأنّ ذلك حرج، فيسقط اعتباره، و لأنّه شرع لإزالة حكم السهو، فلا يكون سبباً لزيادته»(الحدائق الناضرة 9: 259.) ، انتهى. و للسيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» حول جملة «لا سهو في السهو» كلام جامع، حيث إنّه تعرّض لإطلاق كلمة «السهو» على السهو بالمعنى المقابل للشكّ، و على الشكّ، و على ما يعمهما، فتكون محتملات كلّ من السهو الأوّل و الثاني ثلاثة، فتكون محتملات الجملة- بلحاظ ضرب محتملات الأوّل في محتملات الثاني- تسعة. ثمّ ذكر: «أنّه لا ريب في كون المراد من «السهو» الأوّل موجبه. أمّا «السهو» الثاني فيحتمل أن يكون المراد نفسه، و يحتمل أن يكون المراد موجبه، فتكون محتملات الجملة ثمانية عشر». ثمّ قال: «فيكون المتحصّل من الروايات- بعد ضمّ بعضها إلى بعض- هو عدم الاعتناء بالشكّ في موجب الشكّ. و إطلاقه و إن كان يقتضي عدم الاعتناء بالشكّ في الوجود، و الشكّ في الأجزاء و الشرائط، و الشكّ في عدد الركعات، إلّا أنّ الذي يستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في عدد الركعات، أنّ للسهو معنى آخر غير المعنى العرفي و اللغوي؛ و هو خصوص الشكّ في الركعات. و كأنّ الوجه فيه مزيد الاهتمام بتلك الأحكام، و كثرة التعرّض لها في لسان المتشرّعة، فصار كأنّه معنى عرفي شرعي، فلاحظ من النصوص ما ورد في الشكوك المبطلة، و الشكوك الصحيحة، و ما ورد في كثرة الشكّ، و ما ورد في ضبط عدد الركعات بالحصى و غيرها، و غير ذلك ممّا هو كثير جدّاً، فإنّ من البعيد جدّاً أن يكون المراد به المعنى العرفي الذي هو الغفلة و عزوب الشي ء عن الذهن. لا أقلّ من احتمال ذلك الموجب لإجمال المراد و وجوب الاقتصار على المتيقّن، فيتعيّن الرجوع في الشكّ في الاوليين إلى قواعد اخر، كما عرفت في المسألة الحادية عشرة و الثالثة عشرة. ثمّ إنّ عدم الاعتناء بالشكّ في عدد ركعات الاحتياط، ملازم للبناء على الأكثر؛ لأنّ البناء على الأقلّ اعتناء بالشكّ»(مستمسك العروة الوثقى 7: 517.) ، انتهى. هذا كلّه فيما إذا لم يكن البناء على الأكثر مبطلًا، و إلّا كان اللازم البناء على الأقلّ. و مقابل القول المشهور ما نسب إلى الأردبيلي رحمه الله من المناقشة في قول المشهور، و القول بالبناء على الأقلّ و وجوب الإتيان بالمشكوك فيه فيما كان الشكّ قبل تجاوز المحلّ. و استدلّ له بأصالة بقاء شغل الذمّة، و عموم ما ورد في الرجوع لتدارك المشكوك فيه قبل تجاوز المحلّ. و فيه: أنّ هذا القول و إن كان لا يخلو من وجه بالنسبة إلى الشكّ في الأفعال في صلاة الاحتياط، و لكنّه لم يقل به أحدٌ من الأصحاب في الشكّ في الركعات، و لذا نسب إلى المجلسي أنّ القول بالبناء على الأقلّ لا يخلو من قوّة، و لكن لم يوجد القائل به من الأصحاب. و المختار هو قول المشهور؛ و أنّه لا ينبغي ترك الاحتياط بالبناء على الأكثر و إتمام صلاة الاحتياط، ثمّ إعادتها و إعادة أصل الصلاة.

ص: 385

ص: 386

ص: 387

ص: 388

(مسألة 7): لو نسيها و دخل في صلاة اخرى- من نافلة أو فريضة- قطعها و أتى بها،

خصوصاً إذا كانت الثانية مترتّبة على الاولى، و الأحوط مع ذلك إعادة أصل الصلاة. هذا إذا كان ذلك غير مخلٍّ بالفوريّة، و إلّا فلا يبعد وجوب العدول إلى أصل الصلاة إن كانت مترتّبة، و الأحوط إعادتها بعد ذلك أيضاً، و مع عدم الترتّب يرفع اليد عنها و يعيد أصل الصلاة، و الأحوط الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة (1).


1- الوجه في قطع الصلاة الاخرى و إتيان صلاة الاحتياط، هو إمكان تتميم الصلاة الأصلية بصلاة الاحتياط من غير محذور؛ حيث إنّ ما صدر منه سهواً، غير قادح في صحّة صلاة الاحتياط و لو قلنا بعدم جواز الفصل بالمنافي بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط؛ لأنّ التلبّس بصلاة اخرى ليس من المنافي، كما فيمن نسي ركعة من صلاته و دخل في صلاة اخرى و لو كانت مترتّبة، حيث يجب عليه قطع تلك الصلاة، و ضمّ ركعة منسية إلى صلاته، و سجدتا السهو؛ للسلام في غير محلّه. و وجه الخصوصية فيما إذا كانت الثانية مترتّبة، توقّف صحّتها على الفراغ من الاولى صحيحة. و الوجه في الاحتياط في إعادة أصل الصلاة، احتمال كون الفصل المتخلّل قادحاً. و الوجه في وجوب العدول إلى أصل الصلاة فيما إذا كان الفصل بين صلاة الاحتياط و أصل الصلاة موجباً للإخلال بالفورية و كانت الثانية مترتّبة على الاولى، هو أنّه مع الإخلال بفورية صلاة الاحتياط، لا يمكن تتميم الصلاة الأصلية بها، و يكون المقام من صغريات ما لو دخل في الصلاة المترتّبة، و تذكّر في أثنائها بطلان الصلاة السابقة، فإنّه يجب العدول إلى السابقة، و حينئذٍ فلا وجه لقطع الصلاة المترتّبة. و وجه الاحتياط في إعادة أصل الصلاة بعد إتمامها بالعدول إليها من الصلاة المترتّبة، هو مخالفة العدول للأصل، و وجوب الاقتصار فيه على موارد ثبتت بالدليل، و المقام ليس منها. و لا وجه لرفع اليد عن الصلاة الثانية فيما لو كان الفصل بين صلاة الاحتياط و أصل الصلاة، مخلّاً بالفورية مع عدم كون الصلاة الثانية مترتّبة، و كذا لا وجه للاحتياط في الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة في فرض المسألة إلّا الاستحباب. ثمّ إنّ لجماعة من فقهائنا كلاماً نافعاً في هذا المقام، فقد قال الشهيد في «الذكرى»: «لو صلّى قبل الاحتياط غيره بطل؛ فرضاً كان أو نفلًا، ترتّب على الصلاة السابقة أو لا؛ لأنّ الفورية تقتضي النهي عن ضدّه، و هو عبادة، هذا إذا كان متعمّداً. و لو فعل ذلك سهواً و كانت نافلة بطلت، و كذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها إمّا لاختلاف نوعها، كالكسوف، و إمّا لتجاوز محلّ العدول. و يحتمل الصحّة بناءً على أنّ الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة. و إن أمكن العدول احتمل قويّاً صحّته، كما يعدل إلى جميع الصلوات»(ذكرى الشيعة 4: 83.) ، انتهى. و في «الجواهر»: «لو صلّى عمداً قبلهما»؛ أي قبل السجدة و التشهّد المنسيين، أو «قبل صلاة الاحتياط بناءً على المختار فيها» مختاره في صلاة الاحتياط كونها واجباً فورياً موقّتاً «بطل و أبطل؛ للنهي عن الفصل بالمنافي، بل و سهواً؛ إذ هي كالصلاة الواقعة في أثناء الصلاة سهواً في بطلان كلّ منهما بزيادة الركن و نحوه؛ بناءً على كون ذلك منه، و إلّا فحيث يقع منه فعل كثير، و بالوقوع في وقت و حال لا يصلح لها، بل لا خطاب بها فيه. بل و كذا يتّجه البطلان مع العمد بناءً على الثاني من عدم الفساد بتخلّل المنافي؛ و إن حرم إن قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضدّ. أمّا مع السهو فلا حتّى إذا ذكرها في الأثناء، و كان ممّا يحرم إبطالها. نعم قد يحتمل العدول إلى الاحتياط مع إمكانه، و فيه بعد؛ لقصور الدليل عن تناوله»(جواهر الكلام 12: 387.) و في «مصباح الفقيه»: «فإن لم يتدارك الاحتياط و مضى في صلاته، فإن كانت مرتّبة على الاولى بطلت؛ لعدم إحراز شرطها، و هو فراغ الذمّة من سابقتها، و إلّا بني على مسألة الضدّ، و المختار فيها الصحّة. بل قد يشكل الحكم بالبطلان في المترتّبتين أيضاً؛ نظراً إلى أنّ الترتّب شرط لدى التذكّر، فمتى شرع في اللاحقة بزعم الفراغ من سابقتها و لم يتفطّن إلّا بعد الفراغ أو بعد تجاوز محلّ العدول، لم تبطل اللاحقة، و فيما نحن فيه بعد أن بنينا على عدم جواز العدول، فهو بحكم ما لو لم يتذكّر إلّا بعد تجاوز محلّه، بل قد يشكل جواز رفع اليد عنها لتدارك الاحتياط؛ لما فيه من قطع الفريضة اختياراً. و لا يعارضه أنّ الإخلال بالاحتياط أيضاً إخلال بالسابقة التي هي متقدّمة عليها في الرتبة؛ لأنّ مانعية هذه الصلاة عن فعل الاحتياط الذي يتدارك به النقص الذي يحتمله في السابقة، غير معلومة. و أشكل من ذلك ما لو كانت الثانية فريضة غير مترتّبة على السابقة، كالخسوفين، بل قد يقوى هاهنا وجوب المضي فيها و تدارك الاحتياط بعدها؛ و إن كان الأقوى خلافه؛ فإنّ ما دلّ على حرمة قطع الصلاة، لا يتناول ما إذا اشتغلت ذمّته بواجب مضيّق، كما عرفته في محلّه، و الاحتياط واجب مضيّق؛ إذ لا خلاف على الظاهر في وجوبه فوراً، كما لعلّه هو المنساق من أدلّته، فلا يعارضه حرمة قطع الصلاة، فوجوب رفع اليد عن الثانية و تدارك الاحتياط- خصوصاً في المترتّبتين- إن لم يكن أقوى فهو أحوط»(مصباح الفقيه، الصلاة: 575/ السطر 5.)، انتهى.

ص: 389

ص: 390

ص: 391

ص: 392

القول في الأجزاء المنسيّة

(مسألة 1): لا يقضي من الأجزاء المنسيّة في الصلاة، غيرَ السجود و التشهّد على الأحوط في الثاني،
اشارة

فينوي أنّهما قضاء المنسيّ مقارناً للنيّة لأوّلهما (1)؛

المقام الأوّل: في حكم نسيان السجدة

1- يقع البحث هنا في مقامين: لو نسي السجدة الواحدة و تذكّر قبل تجاوز المحلّ- أي ما لم يدخل في الركوع- تداركها، و لو تذكّر بعد تجاوز المحلّ قضاها بعد التسليم؛ لصحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم، ثمّ يسجدها؛ فإنّها قضاء» قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمضِ، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمضِ»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) و لموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: أنّه سأله عن رجل نسي سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و خبر أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و هذا الخبر رواه الصدوق رحمه الله في «الفقيه»(الفقيه 1: 228/ 1008.) بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام. و صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يذكر أنّ عليه السجدة؛ يريد أن يقضيها و هو راكع في بعض صلاته، كيف يصنع؟ قال: «يمضي في صلاته، فإذا فرغ سجدها»(وسائل الشيعة 6: 367، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 8.) ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في أنّ الواجب هل هو قضاء السجدة المنسيّة من غير الأخيرة، كالأُولى في الثنائية، و الاوليين من الثلاثية، و مع الثالثة في الرباعية، أو مطلقاً حتّى من الأخيرة، أو من الأخيرتين فقط؟ ذهب جماعة إلى أنّ المستفاد من الأخبار المذكورة، اختصاصها بغير الأخيرة؛ لأنّ السجدة المنسية من الركعة الأخيرة لو ذكرها قبل التسليم تداركها، و يأتي بما يترتّب عليها من التشهّد و السلام، و لا شي ء عليه، و لو ذكرها بعد التسليم و قبل فعل المنافي تداركها أيضاً، و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو؛ للسلام في غير محلّه، لا للسجدة المنسية، ففي الحقيقة لم تكن السجدة المنسية المأتي بها بعد التسليم و قبل فعل المنافي مقضية، بل مأتيّاً بها بما أنّها جزء من الصلاة يتدارك في محلّه. و في «الجواهر»: «نعم قد يقال هنا- إن لم يكن إجماع- بوجوب التلافي، لا القضاء؛ لبقاء المحلّ، و وقوع التسليم منه لا يخرجه عن الصلاة، بل هو من قبيل من سلّم ساهياً في غير محلّه. بل قد يقال بوجوب التلافي ما دام باقياً على هيئة المصلّي و لم يطل الفصل و لم يحصل ما يفسد الصلاة و إن كان الفائت السجدتين؛ لتوقّف الخروج عن المحلّ على الشروع في ركن آخر، و لم يحصل، كما يرشد إلى ذلك كلّه حكم ناسي الركعة»(جواهر الكلام 12: 287.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ ما ذكره رحمه الله- من كون السجدة المنسيّة من الركعة الأخيرة المأتي بها بعد السلام تلافياً، لا قضاءً- مبني على عدم كون التسليم مفرّغاً، و أمّا بناءً على كونه مفرّغاً فتكون السجدة المأتي بها بعده قضاءً، و تجب سجدتا السهو لأجلها، لا للتسليم؛ لكونه في محلّه. و ذهب جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»(العروة الوثقى 2: 39.) و جماعة من محشّيها- إلى وجوب قضاء السجدة المنسيّة مطلقاً حتّى من الأخيرة أيضاً فيما إذا ذكرها بعد السلام، و هو الظاهر من إطلاق عبارة المصنّف رحمه الله و هو المختار. قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»- بعد نقل أخبار المسألة-: «إطلاق هذه الأخبار يقتضي عدم الفرق بين أن تكون السجدة من الركعتين الأوّلتين، أو الأخيرتين»(مصباح الفقيه، الصلاة: 550/ السطر 22.) ، انتهى. و يمكن الاستدلال لهذا القول بإطلاق صحيح حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر بعد ذلك، فقال: «يقضي ذلك بعينه» فقلت: أ يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة- ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً- ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سهواً»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ إطلاق «السجدة» في الصحيحين يشمل السجدة من الركعة الأخيرة أيضاً. و لا يخفى: أنّ الصحيح الأوّل و إن كان غير معمول به بالنسبة إلى عموم «الشي ء منها» و كذا الصحيح الثاني بالنسبة إلى قضاء الركوع و التكبير، إلّا أنّه لا يمنع من الاعتماد عليهما بالنسبة إلى إطلاق «السجدة». و في «الجواهر»: «و شمولها لكثير ممّا لا يقول به الأصحاب، لا يخرجها عن الحجّية فيما بقي، بل قيل: إنّه لا يقدح و إن كان الخارج أكثر من الداخل؛ لأنّ منع ذلك مختصّ بالعموم اللغوي، دون الإطلاقي، بل الاتفاق واقع على جواز التقييد فيه إلى الواحد»(جواهر الكلام 12: 287.)، انتهى. و قد ذهب السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» إلى إمكان استفادة حكم السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة من النصوص المتقدّمة بإلغاء خصوصية موردها(مستمسك العروة الوثقى 7: 522.) و حكي عن الشيخ في «التهذيب»: أنّه إن كان الإخلال بالسجدة من الركعتين الاوليين أعاد الصلاة و استدلّ له بما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يصلّي ركعتين، ثمّ ذكر في الثانية و هو راكع أنّه ترك سجدة في الاولى، قال: «كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الاولى فلم تدرِ واحدة أو ثنتين، استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان، و إذا كنت في الثالثة أو الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع، أعدت السجود»(تهذيب الأحكام 2: 154/ 604.) و فيه: أنّه- على فرض تمامية دلالة هذا الصحيح على المدعى- قاصر عن معارضة الأخبار المستفيضة المتقدّمة الدالّة على وجوب قضاء السجدة المنسيّة من غير فرق بين الاوليين و الأخيرتين. و في «الحدائق»: «أنّ هذا الخبر» أي الصحيح الذي استدلّ به الشيخ رحمه الله «لا يخلو من الإجمال، بل الإشكال الموجب لضعف الاستناد إليه في الاستدلال؛ و ذلك أنّ قوله عليه السلام في الخبر المذكور: «و لم تدرِ واحدة أو ثنتين» محتمل لأن يكون المراد الركعة أو الركعتين؛ أي شككت مع ترك السجدة بين الركعة و الركعتين، و على هذا فلا إشكال فيما ذكره عليه السلام من الحكم بالاستقبال، إلّا أنّه لا ينطبق حينئذٍ الجواب المذكور على ما ذكره من السؤال. و يحتمل أن يكون المراد السجدة و السجدتين، و المعنى أنّه ترك سجدة، و شكّ في أنّه هل سجد شيئاً أم لا؟ و على هذا يدلّ على مراد الشيخ في الجملة؛ إذ الشكّ بعد تجاوز المحلّ لا عبرة به، فيكون البطلان إنّما هو لترك السجدة. و يحتمل أن يكون الواو في قوله: «و لم تدرِ واحدة أو ثنتين» بمعنى «أو» و أنّ الأصل إنّما هو «أو» و يكون قد سقطت الهمزة من قلم النسّاخ، و على هذا فيحتمل الوجه الأوّل؛ أعني الحمل على الركعة و الركعتين، و الثاني؛ أي السجدة و السجدتين، فعلى الوجهين يدلّ على ما ذهب إليه الشيخ في السجود. و على الثاني يدلّ على ما قدّمنا نقله عن الشيخين من إبطال مطلق الشكّ في الأوّلتين. و حينئذٍ فمع هذا الإجمال و تعدّد الاحتمال، يشكل العمل به في مقابلة تلك الأخبار الصحيحة الصريحة الدلالة في عدم الفرق بين الأوّلتين و الأخيرتين»(الحدائق الناضرة 9: 147.) ، انتهى. و نسب إلى ابن أبي عقيل و المفيد رحمهما الله وجوب إعادة الصلاة بترك السجدة مطلقاً من الأوّلتين و الأخيرتين، و استدلّ له برواية المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء»(وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 5.) و فيه:- مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال، و عدم معارضتها للأخبار المتقدّمة- أنّها محمولة على من ترك السجدتين معاً، كما عن الشيخ في «التهذيب» و قد حملها المحقّق الهمداني رحمه الله على الاستحباب. و الكلام فيه يقع في موضعين: الموضع الأوّل: في وجوب قضائه و عدمه، و المشهور المختار وجوب القضاء، و عن «الخلاف» الإجماع عليه و نسب إلى الشيخ المفيد رحمه الله في «المسائل العزية» و الصدوقين الاجتزاء بالتشهّد الذي في سجدتي السهو عن القضاء. و استدلّ للمشهور بصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه» و قال: «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) و في «الوسائل»: «المراد بالسنّة ما علم وجوبه من جهة السنّة لا من القرآن، لما تقدّم و يأتي، و يحتمل التقيّة». و رواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع، فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و استدلّ للقول بالاجتزاء بالتشهّد الذي في سجدتي السهو عن القضاء بالأخبار الدالّة على وجوب سجدتي السهو في نسيان التشهّد من غير تعرّض لقضائه و عدمه. كما في صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلّم (و سلّم و سجد) و ليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و موثّق سُماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و حسن الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر، ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع و يذكر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد، ثمّ يقوم فيتمّ» قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟» قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و قد اختار صاحب «الحدائق» رحمه الله القول بالاجتزاء بالتشهّد الذي في سجدتي السهو، و قال: «و التحقيق و الصواب- و إن لم يهتدِ إليه أحد من متأخّري الأصحاب- أنّ اولئك الجماعة إنّما عوّلوا في هذا المقام على كتاب «الفقه الرضوي» حيث قال عليه السلام: «و إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة، فأرسل نفسك و تشهّد ما لم تركع، فإن ذكرت بعد ما ركعت فامضِ في صلاتك، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو و تشهّدت فيهما ما قد فاتك» انتهى. و بهذه العبارة عبّر الصدوق في «الفقيه» فقال: و إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية و ذكرته في الثالثة، فأرسل نفسك و تشهّد ما لم تركع، فإن ذكرت بعد ما ركعت فامضِ في صلاتك، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو و تشهّدت فيهما التشهّد الذي قد فاتك. و هذا القول هو الظاهر عندي؛ لظاهر خبر الكتاب المعتضد بتلك الأخبار الصحيحة الصريحة، فإنّها- على كثرتها- إنّما تضمّنت مجرّد سجود السهو، مع أنّها واردة في مقام البيان، فلو كان قضاء التشهّد واجباً لذكر و لو في بعضها»(الحدائق الناضرة 9: 153.) ، انتهى كلام صاحب الحدائق. و لا يخفى: أنّ الاستدلال المذكور و كلام صاحب «الحدائق» و إن كان متيناً، و لكنّه خلاف المشهور. و في «مصباح الفقيه»: «الإنصاف أنّ القول بالاجتزاء عن القضاء بتشهّد السجدتين، لا يخلو من قوّة من حيث المستند، إلّا أنّ الالتزام به- مع شذوذه- لا يخلو من إشكال، فما ذهب المشهور من وجوب قضائه مستقلّاً إن لم يكن أقوى، فلا ريب في أنّه أحوط»(مصباح الفقيه، الصلاة: 552/ السطر 7.) ، انتهى. الموضع الثاني: اختلف فقهاؤنا في أنّ وجوب قضاء التشهّد المنسي، هل يختصّ بالتشهّد الأوّل، أو يعمّ الثاني أيضاً؟ ذهب جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»(العروة الوثقى 2: 39.) و جماعة من المحشّين- إلى التعميم، و هو المختار، و استدلّوا له- مضافاً إلى الشهرة- بإطلاق صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم: «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف» ... إلى آخره(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) و في «الجواهر»: «أمّا التشهّد فالظاهر أنّ نسيانه في الآخر مقتضٍ لقضائه لا لتداركه باعتبار كون التسليم محلّه بعد تمام الركعة الرابعة، فهو في حال النسيان في محلّه، فيقتضي الخروج، فيتعيّن القضاء»(جواهر الكلام 12: 290.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: «صرّح بعض بعدم الفرق بين التشهّد الأوّل و الأخير، بل ربما استظهر من كلماتهم عدم القائل بالفرق بينهما»(مصباح الفقيه، الصلاة: 551/ السطر 19.) و ذهب جماعة اخرى إلى اختصاص وجوب القضاء بالتشهّد الأوّل؛ و أنّ التشهّد الأخير المنسي يؤتى به بعد التسليم قبل فعل المنافي بعنوان التلافي لا القضاء، و يسلّم بعد التشهّد، و يسجد سجدتي السهو؛ للسلام في غير محلّه. و استدلّ له بصحاح سليمان بن خالد و ابن أبي يعفور و الحلبي المتقدّمة. وجه الاستدلال بها: أنّ ذكر التشهّد بعد الدخول في الركوع، لا يعقل إلّا في صورة نسيان التشهّد الأوّل. و فيه: أنّ الصحاح المذكورة و إن كانت ناظرة إلى التشهّد الأوّل، و لكنّه لا دلالة فيها على وجوب قضائه أصلًا، بل غاية ما تدلّ عليه وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهّد الأوّل بعد تسليم الصلاة. نعم، في بعضها دلالة على وجوب التشهّد بعد سجدتي السهو فيما إذا نسي التشهّد مطلقاً؛ من غير تقييد بالأوّل أو الأخير، كما في موثّق أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و في بعضها دلالة على وجوبه فيما إذا نسي خصوص التشهّد الأوّل، كما في حسن الحسن الصيقل قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكر بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و لكن لا دلالة فيه على كون التشهّد الواقع بعد سجدتي السهو قضاءً عن التشهّد المنسي. ثمّ إنّ مقتضى كون المنسي- سجدة كان أو تشهّداً- عبادة، هو لزوم النيّة و مقارنتها للجزء الأوّل منه.

ص: 393

ص: 394

ص: 395

ص: 396

ص: 397

ص: 398

المقام الثاني: في حكم نسيان التشهّد

ص: 399

ص: 400

ص: 401

ص: 402

ص: 403

محافظاً على ما كان واجباً فيهما حال الصلاة، فإنّهما كالصلاة في الشرائط و الموانع، بل لا يجوز الفصل بينهما و بين الصلاة بالمنافي على الأحوط، فلو فصل به يأتي بهما مع الشرائط، و الأحوط إعادة الصلاة، خصوصاً في الترك العمدي، و إن كان الأقوى عدم وجوبها (1).


1- تجب في قضاء السجدة و التشهّد المنسيين، المحافظة على جميع ما يشترط في سجود الصلاة و تشهّدها؛ من الطهارة، و الاستقبال، و ستر العورة، و نحوها. و كذا الذكر و الشهادتان، و الصلاة على محمّد و آل محمّد صلى الله عليه و آله؛ لأنّهما كالصلاة في الشرائط و الموانع، خصوصاً على القول بكونهما جزءاً من الصلاة. و في جواز الفصل بينهما و بين الصلاة بالمنافي وجهان، بل قولان، أحوطهما وجوباً عدم الجواز، و الأحوط استحباباً إعادة الصلاة، خصوصاً في الترك العمدي. و لصاحب «الجواهر» رحمه الله في المسألة كلام جيّد طويل يعجبني نقله؛ لتضمّنه وجه القولين، حيث إنّه ذكر القولين في بطلان الصلاة بفعل ما يبطل الصلاة قبل صلاة الاحتياط و عدمه و قوّى القول بالبطلان مستدلّاً عليه و مؤيّداً له بوجوه عديدة، و ضعّف القول بعدم البطلان، ثمّ قال: «و الأجزاء المنسية كالركعات الاحتياطية في بادئ النظر بالنسبة إلى بطلان الصلاة بتخلّل الحدث و نحوه، بل ربما قيل: إنّها أولى بذلك؛ للقطع بجزئيتها، كما هو ظاهر الأخبار إن لم يكن صريحها؛ حيث إنّ السجود عدّ في الأخبار جزءاً من الصلاة، و عبّر فيها عن التشهّد المقضي بأنّه التشهّد الذي فات، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة- ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ...» و رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «... ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 1 و 2.) . و لذا وجب الإتيان بها فوراً، كما عن «الذكرى» الإجماع عليه، بل هو المنساق من الأدلّة. و منه يظهر بطلان التمسّك بإطلاق الأمر بالقضاء على الصحّة؛ و إن تخلّل الحدث. كما أنّه يظهر ممّا قدّمنا سابقاً، إمكان جريان الاستدلال بأكثر ما سمعته هناك على ما هنا؛ حتّى ما ذكرناه من كون الفورية المزبورة ليست هي إلّا موالاة لحوق الأجزاء بعضها ببعض، لا فورية تعبّدية نحو سجدتي السهو التي لا ربط لهما بالصلاة؛ بحيث لو تركهما عمداً لم تبطل صلاته و إن أثم ...». إلى أن قال: «نعم، قد يقال بإشعار موثّق عمّار عن الصادق عليه السلام بخلاف ذلك كلّه، سأله عن الرجل نسي سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك، قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 8: 245، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 4.) إذ هو ظاهر في أنّه إن لم يذكرها إلّا بعد حين، قضاها وقت الذكر، و تمّت صلاته و إن انمحت صورة الصلاة، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه» و قال: «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) بل في صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام ما يستفاد منه عدم بطلان الصلاة بترك قضاء التشهّد المنسي عمداً؛ معلّلًا له بأنّه «سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة» قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»، ثمّ قال: «القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 5.) إلى أن قال: «و بالجملة قد يقال بعدم بطلان الصلاة لو كان قد ذكر المنسي بعد أن تخلّل المنافي، بل قد يشعر به إطلاق ما دلّ على عدم بطلان الصلاة بنسيانهما؛ ضرورة كون الفرض من أفراده، بل قد ينتقل منه إلى عدم البطلان مطلقاً، كما هو خيرة «اللمعة» و «البيان» و «الدروس» و «الروضة» و «الموجز» و «المدارك» و عن «العزية» لظهوره حينئذٍ في عدم بقاء حكم الجزئية لها(الظاهر« لهما» بدل« لها».) ، كظهور عدم بطلان الصلاة بتخلّل باقي أركانها بينهما في ذلك أيضاً. اللهمّ إلّا أن يفرّق بالدليل الذي- مع التأمّل فيه- يقتضي أنّ هذه الأجزاء لها تدارك للمتذكّر قبل أن يدخل في ركن و بعده بعد السلام؛ من غير فرق في جزئيته للصلاة في الحالين. و بذلك و غيره ممّا تقدّم سابقاً بان: أنّ له حكم الجزئية حقيقة، بل هو في الصلاة ما لم يأتِ به بعد السلام الذي هو آخر الصلاة في غير الفرض، أمّا فيه فآخرها الجزء المنسي، و لذا يكون سجود السهو بعده، لا قبله. و المراد بعدم البطلان بنسيانه من حيث كونه نسياناً، لا من جهة تخلّل الحدث في أثناء الصلاة و نحوه، فتأمّل جيّداً؛ فإنّ المسألة لا تخلو من إشكال، و إن كان الاحتياط طريق السلامة»(جواهر الكلام 12: 383- 387.) ، انتهى كلامه ملخّصاً.

ص: 404

ص: 405

ص: 406

و الأقوى عدم وجوب قضاء أبعاض التشهّد حتّى الصلاة على النبيّ و آله (1).


1- يقع الكلام هنا في مقامين: الأوّل: في وجوب قضاء أبعاض التشهّد المنسيّة؛ و هي الشهادة بالتوحيد، و الشهادة بالرسالة. و الثاني: في وجوب قضاء الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام و قد وقع الخلاف في كلا المقامين: أمّا المقام الأوّل: فذهب جماعة- منهم صاحب «الرياض» و النراقي في «مستند الشيعة» و صاحب «الجواهر»- إلى الوجوب، و استدلّ له بإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، كصحيحي حكم بن حكيم(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و عبد اللَّه بن سنان(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) و في «الجواهر»: «و أبعاض التشهّد تقضى، كالصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله كما نصّ عليه بعضهم، بل حكي عن ظاهر «البيان» و «الموجز الحاوي» و «كشف الالتباس» أو صريحه و صريح «الجعفرية» و شرحها و تعليق الإرشاد، لعموم خبر حكم السابق(جواهر الكلام 12: 292.)، انتهى.و يمكن الاستدلال له أيضاً ببعض الوجوه المستدلّ بها على وجوب قضاء الصلاة على النبي و آله المنسية، و سيأتي ذكرها مع الجواب عنها. و يرد على الاستدلال بإطلاق الأخبار: أنّ التشهّد عبارة عن مجموع الشهادتين، و لا يطلق على أبعاضه، و قد تقدّم أنّ عموم صحيح حكم بن حكيم «الشي ء منها» غير معمول به. و ذهب جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى»- إلى عدم الوجوب، و هو المختار و إن كان الأحوط قضاؤه، و الدليل عليه هو الأصل. و العجب من النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» حيث أوجب قضاء أبعاض التشهّد، و استدلّ له بإطلاق صحيحي حكم و ابن سنان، و مع ذلك ضعّف قول من فرّق بين إحدى الشهادتين و بين أبعاضها، و حكم بقضاء إحدى الشهادتين؛ لصدق الشهادة عليه. و إليك عين عبارته، قال: «تقضى أبعاض التشهّد أيضاً؛ لإطلاق الصحيحين. و من المتأخّرين من فرّق بين إحدى الشهادتين و بين أبعاضها؛ فحكم بالقضاء في الأوّل، إذ تصدق عليه الشهادة، دون الأخير؛ للأصل، و ضعفهما ظاهر»(مستند الشيعة 7: 122.) ، انتهى. و أمّا المقام الثاني: فقد نسب إلى الشيخ و جماعة من الأصحاب وجوب قضاء الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام و نسبه في «الحدائق» إلى المشهور، و صرّح في «الخلاف» بكونه إجماعياً، قال: «من ترك التشهّد و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله ناسياً قضى ذلك بعد التسليم، و سجد سجدتي السهو، و قال الشافعي: يجب عليه قضاء الصلاة. دليلنا إجماع الفرقة»(الخلاف 1: 371، المسألة 129.) و استدلّ له بوجوه: منها: أنّها مأمور بها، و لم يأتِ بها، فتبقى في عهدة التكليف إلى أن يخرج منه بفعلها. و منها: أنّ التشهّد يقضى بالنصّ، فكذا أبعاضه؛ تسوية بين الكلّ و الجزء. و منها: أنّ مقتضى الأصل بطلان الصلاة بنسيان كلّ من أبعاض التشهّد؛ لقاعدة انتفاء الكلّ بانتفاء جزئه، و لكن ثبت بالإجماع صحّتها مع القضاء، فالصلاة الخالية عنها و عن قضائها لم يعلم كونها مبرئة للذمّة، فمقتضى الأصل حينئذٍ وجوب القضاء بقاعدة الاشتغال و تبعية القضاء للأداء. و منها: أنّ المفهوم عرفاً من الأمر بقضاء التشهّد- بملاحظة أنّ أبعاضه عبادة مستقلّة- مطلوبية أبعاضه أيضاً كمطلوبية جملته، فهو من قبيل تعدّد المطلوب، فلا تفوت مطلوبيتها بفوات محلّها. و منها: عموم صحيح حكم بن حكيم المتقدّم؛ حيث إنّ «الشي ء منها» يشمل أبعاض التشهّد. و يرد على الوجه الأوّل: أنّ عهدة التكليف بالصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله كانت في المكان الخاصّ من الصلاة، و المفروض أنّه قد خرج منها، و القضاء فرض مستأنف يتوقّف على الدليل، و المفروض انتفاؤه. و على الثاني: أنّه على فرض تسليم جزئية الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله من التشهّد، نمنع ترتّب جميع أحكام الكلّ على الجزء؛ حيث إنّ الصلاة الفائتة تقضى، و لا تقضى أجزاؤها الفائتة إلّا ما خرج بالدليل. و على الثالث: أنّ قاعدة انتفاء الكلّ بانتفاء الجزء لا كلّية لها في الصلاة؛ لدلالة صحيح زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) على عدم بطلان الصلاة بنسيان أبعاض التشهّد و غيرها من سائر أبعاض الصلاة؛ حتّى نفس التشهّد ما عدا الأركان، فلا يجب قضاء الأجزاء المنسية إلّا ما ثبت بالدليل، و لا دليل على وجوب قضاء خصوص أجزاء التشهّد. فلا مورد لاشتغال الذمّة، بل مقتضى الأصل براءة الذمّة من وجوب قضائها، و هو العمدة دليلًا على عدم الوجوب، و أمّا تبعية القضاء للأداء فلم تثبت، بل القضاء فرض جديد قد أمر به في موارد خاصّة، و أبعاض التشهّد ليست منها. و على الرابع: أنّ مطلوبية أبعاض التشهّد- كمطلوبية نفس التشهّد و سائر أجزاء الصلاة- مسلّمة، و لكن لها محلّ خاصّ؛ بحيث تفوت مطلوبيتها بفوات محلّها، إلّا ما خرج بالدليل، و لم يقم دليل على عدم فوات أبعاض التشهّد بفوات محلّها. و على الخامس: أنّه قد تقدّم أنّ عموم صحيح حكم، غير معمول به. و الأحوط قضاء الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله للشهرة المظنون تحقّقها المدعاة في كلام صاحب «الحدائق». و قال ابن إدريس بعدم مشروعية قضاء الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام و مال إليه صاحب «الحدائق» مع نسبته الوجوب إلى المشهور، حيث قال: «و الظاهر في هذه المسألة هو قول ابن إدريس؛ لما عرفت من كلام السيّد السند قدس سره(قال السيّد السند في« المدارك»: إنّ الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم إنّما تجب في التشهّد، و قد فات، و القضاء فرض جديد مستأنف، فيتوقّف على الدليل، و هو منتفٍ.) فإنّ دعوى إثبات الأحكام الشرعية بهذه التعليلات العليلة(إشارة إلى الوجوه الخمسة التي ذكرناها.) ، مجرّد مجازفة في أحكامه سبحانه. نعم يمكن الاستدلال على القول المشهور بإطلاق صحيحتي عبد اللّه بن سنان و حكم بن حكيم و رواية الحلبي، إلّا أنّك قد عرفت أنّه لا قائل بذلك من الأصحاب سوى ما نقله في «الذكرى» عن ظاهر ابن طاوس في «البشرى»(الحدائق الناضرة 9: 145.) ، انتهى كلام صاحب «الحدائق». فرع: لو نسي الصلاة على الآل عليهم السلام لا يجب قضاؤها؛ لعدم الدليل عليه. و على القول بوجوب قضائها فهل يجب إعادة ما يتمّ به ممّا قبله أو لا؟ فيه قولان. قال في «الجواهر»: «و لو نسي الصلاة على الآل عليهم السلام فقط، فهل يجب على تقدير القضاء إعادة ما يتمّ به ممّا قبله و إن لم يكن نسيه، كما في «الذخيرة» أو لا يجب، كما هو الأقوى، كما هو مقتضى خبر حكم، و لأنّ قضاءه من حيث كونه جزء صلاة، لا أنّه خطاب تراد دلالته. و لعلّه أشار إلى ذلك في «الذكرى» بقوله: و وجوب قضاء الصلاة وحدها، مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان»(جواهر الكلام 12: 292.)

ص: 407

ص: 408

ص: 409

ص: 410

ص: 411

(مسألة 2): لو تكرّر نسيان السجدة و التشهّد يتكرّر قضاؤهما بعدد المنسيّ،

و لا يشترط التعيين و لا ملاحظة الترتيب. نعم لو نسي السجدة و التشهّد معاً، فالأحوط تقديم قضاء السابق منهما في الفوت، و لو لم يعلم السابق احتاط بالتكرار، فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً (1).


1- المنسي قد يكون متعدّداً، و المتعدّد تارة: يكون من سنخ واحد، كسجدتين من ركعتين، و تشهّدين، و اخرى: يكون من سنخين، كسجدة واحدة و تشهّد، و على كلا الفرضين يجب تكرار القضاء بعدد المنسي؛ بحيث لو كان المنسي كلًا من التشهّدين و سجدة واحدة من كلّ ركعة من الرباعية مثلًا، وجب قضاء التشهّدين و أربع سجدات. فإذا كان المنسي المتعدّد من سنخ واحد، لم يجب في القضاء التعيين، و لا ملاحظة الترتيب: أمّا عدم وجوب التعيين؛ فلأنّ وجوبه فرع ثبوت التعيّن، و لا تعيّن في خصوصيات أفراد النوع الواحد، كما في قضاء صيام أيّام من شهر رمضان، و كما فيما إذا وجبت صلاة الآيات أكثر من واحدة مع اختلاف أسبابها، و مفروض المسألة من هذا القبيل، حيث إنّ السجدات المقضية مثلًا واجبات متحدة حقيقة. و أمّا عدم وجوب ملاحظة الترتيب بينها؛ فلأنّ الترتيب بين أجزاء الصلاة و إن كان معتبراً، و لكنّه مختصّ بما إذا وقعت في محلّها على الكيفية المعتبرة في الصلاة، و لا دليل على اعتباره في خارج الصلاة، و الأصل البراءة. و أمّا إذا كان المنسي من سنخين- كالسجدة و التشهّد- فالأحوط عند المصنّف رحمه الله تقديم السابق منهما في الفوات على اللاحق مع العلم بسبق أحدهما على الآخر. و لو لم يعلم السابق منهما فالأحوط عنده التكرار، فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً. وجه الاحتياط احتمال اعتبار الترتيب في قضاء الأجزاء الفائتة، كالمأتية في محلّها، و لعلّ منشأ هذا الاحتمال هو وجود الترتيب بين الأمرين المتوجّهين إلى قضاء المنسيين؛ حيث إنّ الأمر بقضاء المنسي الأوّل حادث قبل حدوث الأمر بقضاء المنسي الثاني. و فيه: أنّ اعتبار الترتيب بين الأجزاء في المحلّ من المسلّمات، و لكنّه لا يستلزم اعتباره في خارجه، و مجرّد الترتيب بين الأمرين المتوجّهين بالمنسيين- بسبق أحدهما على الآخر حدوثاً- لا يستلزم الترتيب بينهما في مقام الامتثال، و مع جريان أصالة البراءة في المسألة لا مورد للاحتياط المذكور، كما أنّه لا مورد للاحتياط بالتكرار فيما إذا لم يعلم بالسابق من المنسيين، نعم الاحتياط حسن على كلّ حال. فرعان: الأوّل: لو علم نسيان أحد الجزءين إمّا التشهّد أو السجدة الواحدة و لم يعلم المعيّن منهما، وجب عليه قضاء كليهما؛ للعلم الإجمالي الموجب لاشتغال الذمّة المقتضي للبراءة اليقينية. الثاني: لو علم نسيان أحد الأجزاء إمّا غير السجدة و التشهّد من الأجزاء الغير الموجبة للقضاء أو أحدهما الموجبة له، لم يجب عليه شي ء؛ لانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بعدم وجوب القضاء بالنسبة إلى غير السجدة و التشهّد من الأجزاء، و الشكّ البدوي بالنسبة إليهما.

ص: 412

ص: 413

(مسألة 3): لا يجب التسليم في التشهّد القضائي، كما لا يجب التشهّد و التسليم في السجدة القضائية.

نعم لو كان المنسيّ التشهّد الأخير، فالأحوط إتيانه بقصد القُربة المطلقة- من غير نيّة الأداء و القضاء- مع الإتيان بالسلام بعده، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو (1).


1- لا وجه لوجوب التسليم في التشهّد القضائي، و كذا لا وجه لوجوب التشهّد و التسليم في السجدة القضائية، و مقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب. نعم، لو كان المنسي التشهّد الأخير، فالأحوط الإتيان به بعد التسليم بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء و القضاء، مع إتيان التسليم بعده، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو بعد التسليم. وجه الاحتياط في إتيان التشهّد الأخير المنسي بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء و القضاء، هو وجود قولين في وجوب نيّة قضاء التشهّد المنسي؛ و أنّه هل يختصّ بالتشهّد الأوّل، كما ذهب إليه جماعة، أو يعمّ التشهّد الأخير أيضاً، كما ذهب إليه جماعة كثيرة، منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها؟ فعلى القول الأوّل: يأتي به بنيّة الأداء؛ لعدم تجاوز محلّه، ثمّ يسلّم، ثمّ يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة التسليم في غير محلّه، و على القول الثاني تجب نيّة القضاء؛ لخروجه عن الصلاة بالتسليم، و مقتضى الاحتياط هو الجمع بين القولين بإتيان التشهّد المنسي بقصد القربة المطلقة من غير نيّة خصوص الأداء أو القضاء، ثمّ التسليم بعد التشهّد، ثمّ إتيان سجدتي السهو؛ لاحتمال كون التسليم في غير محلّه. و لو كان المنسيّ السجدة من الركعة الأخيرة، فالأحوط إتيانها كذلك مع الإتيان

ص: 414

بالتشهّد و التسليم و سجدتي السهو؛ و إن كان الأقوى كونها قضاءً و وقوع التشهّد و التسليم في محلّهما، و لا يجب إعادتهما (1).

(مسألة 4): لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما،

ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ، فالأحوط وجوب القضاء؛ و إن كان الأقوى عدمه (2).


1- وجه الاحتياط في إتيان السجدة المنسية من الركعة الأخيرة بقصد القربة المطلقة، هو وجود قولين في وجوب قضاء تلك السجدة و عدمه، حيث قال جماعة بأنّ الواجب قضاء السجدة المنسية من غير الركعة الأخيرة. و أمّا في المنسيّة من الركعة الأخيرة مع ذكرها بعد التسليم، فالواجب إتيانها بقصد التلافي و التدارك في المحلّ، ثمّ التشهّد و التسليم و سجدتا السهو: للسلام في غير محلّه، و قال جماعة اخرى بعدم الفرق بين الركعة الأخيرة و غيرها، فيؤتى بها قضاء، و مقتضى الاحتياط هو الجمع بين القولين بإتيان السجدة المنسية بعد التسليم بنيّة القربة المطلقة، ثمّ التشهّد و التسليم و سجدتي السهو. نعم، الأقوى إتيانها بنيّة القضاء؛ لما ذكرناه سابقاً من الاستدلال- للقول بوجوب قضاء السجدة المنسية من الركعة الأخيرة- بإطلاق صحيحي حكم بن حكيم و عبد اللَّه بن سنان، و حينئذٍ فلا تجب إعادة التشهّد و التسليم بعد قضاء السجدة المنسية؛ لوقوعهما في محلّهما، و تجب سجدتا السهو بعد قضاء السجدة المنسية.
2- لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما، ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ في أنّه هل نسي السجدة أو التشهّد أو لا؟ فالأقوى عدم وجوب القضاء؛ لأنّ الموجب للقضاء هو اعتقاد النسيان، و قد زال بعروض الشكّ في حدوثه، و مجرّد حدوثه قبل انقلاب اعتقاد النسيان إلى الشكّ، غير مؤثّر في وجوب القضاء، بل القضاء مترتّب على بقائه، و المفروض زواله، و لذا لو حدث و زال أو شكّ في زواله في أثناء الصلاة، لم يجب القضاء بعد الفراغ من الصلاة، فمع الشكّ بعد الفراغ من الصلاة في حدوث النسيان، لا وجه لوجوب القضاء، بل مقتضى جريان قاعدة التجاوز هو عدم وجوب القضاء. و لا تجري هنا قاعدة الفراغ؛ لكون موردها الشكّ في الصحّة و الفساد، و المفروض عدم احتمال فساد الصلاة أصلًا. و وجه الاحتياط في القضاء احتمال الفوات في الواقع؛ حيث إنّ الشكّ لا ينافيه.

ص: 415

(مسألة 5): لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الأقل.

(مسألة 5): لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الأقل (1).


1- لأنّه قد علم في مفروض المسألة بفوات سجدة واحدة من ركعة، و هو المتيقّن، و شكّ في فوات سجدة اخرى من ركعة اخرى، و حينئذٍ يأخذ بالمتيقّن، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى المشكوك؛ من غير فرق بين حدوث العلم و الشكّ المزبورين في أثناء الصلاة، أو بعد الفراغ منها، فمن دخل في ركوع الركعة الثالثة، و علم بفوات سجدة واحدة من الركعة الثانية، و شكّ في فوات سجدة من الركعة الاولى أو العكس- أي علم بفواتها من الركعة الاولى، و شكّ في فواتها من الثانية بعد أن دخل في ركوع الثالثة- أخذ بالمتيقّن؛ و هو قضاء سجدة واحدة، و ما زاد عليه من قضاء المشكوك، منفي بقاعدة التجاوز، و ذلك واضح.

ص: 416

(مسألة 6): لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد، و تذكّر بعد الدخول في صلاة اخرى، قطعها إن كانت نافلة،

و أمّا إن كانت فريضة ففي قطعها إشكال، خصوصاً إذا كان المنسيّ التشهّد (1).


1- لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد و تذكّر بعد الدخول في صلاة اخرى و كانت نافلة، جاز قطعها؛ لجواز قطع النافلة عمداً و في حال الاختيار، فضلًا عن قطعها لحاجة؛ و هي المبادرة إلى قضاء المنسي، و جاز له إتيان المنسي في أثناء النافلة، ثمّ إتمامها؛ إذ لا مانع من الزيادة العمدية في النافلة، كما أنّه لو قرأ آية السجدة أو أصغى إليها في أثنائها عمداً، سجد في تلك الحال. و أمّا لو تذكّر بعد الدخول في الفريضة ففي جواز قطعها و عدمه وجهان: وجه الجواز- بل قال جماعة بوجوب القطع، خصوصاً فيما إذا كانت الفريضة مترتّبة على السابقة- أنّه لا أمر بالفريضة مع الأمر بالمبادرة إلى قضاء الجزء المنسي، كما هو الظاهر من موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: أنّه سأله عن رجل نسي سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و في «مستند العروة الوثقى»: «نعم، بناءً على وجوب المبادرة إليها- كما اختاره في المتن، و هو الظاهر من قوله عليه السلام في موثّق عمّار: «يقضي ما فاته إذا ذكره» - تعيّن القطع و الإتيان بها، ثمّ استئناف الصلاة. و دليل حرمة القطع لا يشمل صورة المزاحمة مع واجب فوري»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 334.)، انتهى. و وجه عدم الجواز، هو شمول دليل حرمة قطع الفريضة لمفروض المسألة، و هو نظير ما لو اشتغل بالفريضة و اتفقت الزلزلة في أثنائها، حيث إنّه لا يجوز قطع الفريضة مع سعة وقتها؛ لأجل فورية صلاة الآيات للزلزلة. و أمّا وجه الخصوصية في إشكال قطع الفريضة فيما إذا كان المنسي التشهّد، فلما ذهب إليه جماعة من فقهائنا من عدم وجوب قضاء التشهّد المنسي، و الاجتزاء عنه بالتشهّد الذي في سجدتي السهو، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في المقام الثاني من شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في الأجزاء المنسية».

ص: 417

(مسألة 7): لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر و ضاق وقت العصر،

فإن لم يدرك منها لو أتى به حتّى ركعة، قدّم العصر و قضى الجزء بعدها، و إن أدرك منها ركعة فلا يبعد وجوب تقديم العصر أيضاً (1).


1- من كان عليه قضاء السجدة أو التشهّد المنسيين في صلاة الظهر مثلًا، و كان الوقت وسيعاً- بحث لو أتى بقضاء المنسي لم يخلّ بوقت العصر- وجب عليه قضاؤه، ثمّ إتيان العصر. و أمّا لو ضاق وقت العصر بحيث لو أتى بقضاء المنسي لم يبقَ وقت للعصر حتّى بمقدار ركعة، قدّم العصر قطعاً، و قضى الجزء المنسي بعدها؛ و ذلك لأهمّية العصر، أو لاختصاص الوقت بها و عدم جواز مزاحمة الغير معها حتّى أنّه لو تذكّر في ذلك الوقت عدم إتيان أصل الظهر، وجب تقديم العصر أيضاً بلا إشكال. و لو ضاق وقت العصر إلى أن يبقى مقدار ركعة بعد قضاء المنسي، فهل يقدّم العصر أيضاً، أو يجب تقديم قضاء المنسي؟ وجهان، بل قولان: ذهب جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و بعض المحشّين ل «العروة الوثقى»- إلى وجوب تقديم العصر، و هو المختار؛ و ذلك لأنّ الواجب إيقاع تمام أجزائها في الوقت ما دام لم يضطرّ إلى إيقاع بعضها خارج الوقت، مع عدم ثبوت كون المنسي جزءاً للصلاة، و لا شرطاً لصحّتها. و قد حكينا عن صاحب «الحدائق» رحمه الله- في حكم نسيان التشهّد في ضمن شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في الأجزاء المنسية»- القول بعدم وجوب قضاء التشهّد المنسي، و الاجتزاء بالتشهّد بعد سجدتي السهو. و بالجملة: الناسي للسجدة أو التشهّد قد فرغ من صلاته، و قد أمره الشارع بالمضي فيها و الانصراف بالتسليم، و لم يبقَ له من الوقت الاختياري إلّا مقدار أداء العصر، و لا يجوز له التأخير عمداً إلى أن يبقى له الوقت الاضطراري؛ و هو مقدار ركعة. و ذهب جماعة اخرى- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر المحشّين- إلى وجوب تقديم قضاء الجزء المنسي؛ رعاية للترتيب، خصوصاً بناءً على كون المقضي متمّماً للصلاة. و في صلاة استاذ الأساتذة الحائري رحمه الله: «فإن بنينا على أنّ المقضي متمّم للصلاة الاولى يقدّم، و إن بنينا على استقلاله، فإن قلنا بالفورية من جهة الإجماع يمكن أن يقال: إنّ المتيقّن منه غير هذه الصورة، فيأتي بالعصر في الوقت الاختياري، ثمّ يأتي بالجزء الفائت، و إن قلنا بالفورية من جهة ظهور الأدلّة، فمقتضى القاعدة الإتيان بالجزء الفائت أوّلًا، ثمّ إدراك العصر ركعة من الوقت؛ لأنّ إيجاب قضاء الجزء فوراً محقّق للاضطرار، فيدخل من جهته في موضوع قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الوقت ...» إلى آخره. و للتأمّل في جميع ما ذكرنا مجال واسع؛ لأنّك قد عرفت آنفاً عدم كون السجدة المنسية و التشهّد المنسي جزءاً للصلاة، و لا شرطاً لصحّتها، فالناسي للسجدة أو التشهّد قد فرغ من صلاته، و لم يبقَ له إلّا مقدار أداء اللاحقة في الوقت الاختياري، و المفروض عدم جواز التأخير عمداً إلى الوقت الاضطراري. نعم، لو كان مكلّفاً بواجب مضيّق يوجب مراعاته تأخّر زمان الصلاة اللاحقة إلى الوقت الاضطراري، يضطرّ إلى التأخير إلى إدراك الوقت الاضطراري، كمن لم يبقَ له إلّا خمس ركعات، و لم يصلّ الظهرين، و فيما نحن فيه لو كانت الفورية المستفادة من الأدلّة على نحو يفوت الواجب مع عدم مراعاتها، لصحّ أن يقال: إنّ المكلّف يضطرّ إلى إتيان ذلك الواجب و تأخير صلاته إلى الوقت الاضطراري، و المفروض أنّه ليس كذلك؛ فإنّ قضاء السجدة و التشهّد لو ترك سهواً لم يفت الواجب، بل يجب عليه إتيانه متى تذكّر، فحينئذٍ لو لوحظ مراعاة الوقت الاختياري المجعول للعمل، تحقّق موضوع الاضطرار إلى ترك القضاء المنسي في أوّل الوقت، و لو لوحظ مراعاة فورية القضاء، تحقّق الاضطرار إلى تأخير الصلاة اللاحقة إلى الوقت الاضطراري، و أيّ ترجيح للثاني؟! بل يمكن القول بأولوية مراعاة الصلاة في الوقت الاختياري»(الصلاة، المحقّق الحائري: 407.) ، انتهى.

ص: 418

ص: 419

و لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر و ضاق وقت العصر، فإن أدرك منها ركعة

ص: 420

قدّم صلاة الاحتياط، و إلّا قدّم العصر، و يحتاط بإتيان صلاة الاحتياط بعدها و إعادة الظهر (1).


1- لو كانت عليه صلاة الاحتياط للظهر، و ضاق وقت العصر، فإن أدرك منها ركعة بعد صلاة الاحتياط قدّم صلاة الاحتياط قطعاً لكونه واجباً موقّتاً فورياً، كما هو المستفاد من الأخبار(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8.) قد حكينا عن صاحب «الجواهر» رحمه الله في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في ركعات الاحتياط»: «أنّ الأخبار كادت تكون صريحة في ذلك، خصوصاً المشتمل منها على «الفاء» المقتضية للتعقيب بلا مهلة، بل و على لفظ «إذا» الظاهر في أنّ وقت فعلها عند الفراغ، و غير ذلك. و لا ريب في ظهورها باشتراط صحّتها بالتعقيب المزبور؛ إذ بدونه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه»(جواهر الكلام 12: 381.) ، انتهى موضع الحاجة، فبعد صلاة الاحتياط يأتي بالعصر، و المفروض بقاء وقتها بمقدار ركعة. و لو ضاق وقت العصر بحيث لو أتى بصلاة الاحتياط لم يبقَ وقت للعصر أصلًا حتّى بمقدار ركعة، لا يجوز له حينئذٍ إتيان صلاة الاحتياط؛ لكونه مفوّتاً للوقت الاضطراري للعصر، بل يجب عليه تقديم العصر؛ لأهمّية مراعاة الوقت، و بعد إتيان العصر يأتي بصلاة الاحتياط للظهر، ثمّ يعيد الظهر احتياطاً. وجه الاحتياط بإتيان صلاة الاحتياط، احتمال كونها صلاة مستقلّة، كما هو أحد القولين فيها، لا جزءاً متمّماً للصلاة الأصلية على تقدير نقصها واقعاً. و وجه الاحتياط بإعادة الظهر، احتمال كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً، كما هو القول الآخر في صلاة الاحتياط، و على هذا الاحتمال لا تكفي صلاة الاحتياط الغير الصالحة للانضمام إلى الصلاة الأصلية؛ لتخلّل العصر بينهما، ففي الحقيقة لم يحرز براءة الذمّة من الاشتغال بالظهر؛ للفصل بينها و بين ركعة الاحتياط بالعصر، فتجب إعادتها.

ص: 421

ص: 422

القول في سجود السهو

(مسألة 1): يجب سجود السهو للكلام ساهياً و لو لظنّ الخروج.

(مسألة 1): يجب سجود السهو للكلام ساهياً و لو لظنّ الخروج (1).


1- يجب سجود السهو للكلام ساهياً في أثناء الصلاة- و لو لظنّ الخروج- إذا كان غير قرآن، أو ذكر، أو دعاء، و هو المشهور بين فقهائنا شهرة عظيمة، و في «الجواهر»: «على المشهور بين الأصحاب قديماً و حديثاً نقلًا و تحصيلًا»(جواهر الكلام 12: 431.) ، بل حكي عن جماعة دعوى اتفاق أصحابنا عليه، و في «المنتهى»: «و لو تكلّم سهواً لم تبطل، و يسجد للسهو، و عليه علماؤنا أجمع، خلافاً لأبي حنيفة»(منتهى المطلب 1: 417/ السطر 5.) و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة؛ يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) وجه الدلالة: أنّ الموجب لسجود السهو، هو الكلام في أثناء الصلاة بقوله: «أقيموا صفوفكم». و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات؛ يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و موثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً، فقال: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و قد ناقش المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد نقل موثّق عمّار: «بأنّه يحتمل قوياً أن يكون المراد بالتكلّم في هذا الخبر، الأذكار التي هي من أفعال الصلاة التي من شأنها الإتيان بها بعد القيام أو القعود، فتنهض الرواية حينئذٍ شاهدة للقول بثبوتهما لكلّ زيادة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 589/ السطر 28.) ، فليتأمّل. و لعلّ التأمّل في كلامه رحمه الله للإشارة إلى أنّ «التكلّم» و «الكلام» لم يعهد إطلاقهما على القراءة و التسبيح و الأذكار في شي ء من الأخبار؛ و إن كانت هي من مصاديق الكلام حقيقةً. و قد يستدلّ أيضاً على وجوب سجدتي السهو للكلام ساهياً بجملة من الروايات: منها: صحيح سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثمّ سلّم في ركعتين، فسأله من خلفه: يا رسول اللَّه، حدث في الصلاة شي ء؟ فقال: و ما ذلك؟ قال: إنّما صلّيت ركعتين، فقال: أ كذلك يا ذا اليدين؟ و كان يدعى: ذو الشمالين، فقال: نعم، فبنى على صلاته، فأتمّ الصلاة أربعاً ...» إلى أن قال: «و سجد سجدتين؛ لمكان الكلام»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 16.) و يرد عليه أوّلًا: أنّ أمثال هذه الرواية غير قابلة للاعتماد عليها؛ لمخالفتها لُاصول مذهبنا، حيث نسب فيها السهو إلى النبي صلى الله عليه و آله، فلا بدّ من ضربها على الجدار، أو حملها على التقيّة، كما أشار إليه الشيخ رحمه الله في «التهذيب»(تهذيب الأحكام 2: 351، ذيل الحديث 1454.) و ثانياً: أنّها معارضة بصحيح زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: هل سجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سجدتي السهو قطّ؟ قال: «لا، و لا يسجدهما فقيه»(وسائل الشيعة 8: 202، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 13.) و في «الوسائل»: «قال الشيخ: الذي افتي به ما تضمّنه هذا الخبر، فأمّا الأخبار التي قدّمناها- من أنّه سها و سجد- فهي موافقة للعامّة، و إنّما ذكرناها لأنّ ما تضمّنه من الأحكام معمول بها»(وسائل الشيعة 8: 202، ذيل الحديث 13.) و ثالثاً: أنّه- مع الغضّ عمّا ذكر- من المحتمل أن يكون سجوده للسهو للسلام في غير محلّه، لا للكلام السهوي؛ حيث إنّ الروايات المتضمّنة لسجود النبي صلى الله عليه و آله للسهو، مهملة لم يتعرّض فيها أنّه كان للكلام السهوي أو للسلام السهوي. نعم صحيح الأعرج صريح في كون سجوده صلى الله عليه و آله للكلام سهواً. و نسب إلى بعض فقهائنا- كالصدوق، و والده، و السبزواري في «الذخيرة»- القول بعدم وجوب سجدتي السهو للكلام ساهياً، و استدلّ له بالأخبار المعتبرة سنداً، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلّم، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم، و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 5.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته، و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 9.) و صحيح الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أكون في الصلاة، فأجد غمزاً في بطني، أو أذىً، أو ضرباناً، فقال: «انصرف ثمّ توضّأ و ابنِ على ما مضى من صلاتك؛ ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً، و إن تكلّمت ناسياً فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسياً» قلت: و إن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم، و إن قلّب وجهه عن القبلة»(وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و اجيب عن الاستدلال بالصحاح المذكورة بحملها على نفي الإعادة أو الإثم؛ جمعاً بينها و بين الأخبار المتقدّمة المصرّحة بسجود السهو. هذا مضافاً إلى أنّ صحيح الفضيل، مشتمل على مضامين مخالفة للإجماع.

ص: 423

ص: 424

ص: 425

ص: 426

و نسيان السجدة الواحدة إن فات محلّ تداركها (1)،


1- وجوب سجدتي السهو لنسيان السجدة الواحدة مع فوات محلّ تداركها- بأن دخل في الركوع و ذكر فواتها من الركعة السابقة- مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و عن العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» دعوى الإجماع عليه، و نسب إلى ابن أبي عقيل و ابني بابويه و الشيخ المفيد في «المسائل الغرية» الخلاف في ذلك. و استدلّ للقول بالوجوب بصحيح جعفر بن بشير، قال: سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأوّلتين إلّا سجدة و هو في التشهّد الأوّل، قال: «فليسجدها ثمّ لينهض، و إذا ذكره و هو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمّ يسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 6: 367، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 7.) و فيه: أنّ هذا الصحيح غير قابل للاعتماد عليه؛ لشموله على حكم مخالف للإجماع؛ حيث حكم فيها بوجوب إتيان السجدتين المنسيتين من الركعتين الأوّلتين حين ذكر في حال التشهّد الثاني قبل أن يسلّم، و هذا الحكم مخالف للإجماع و صريح الروايات الدالّة على وجوب قضاء السجدة المنسية- فيما إذا فات محلّ تداركها- بعد الفراغ من الصلاة. و قد يستدلّ أيضاً بالأخبار المستدلّ بها على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة، و سيأتي ذكرها و البحث في مقدار دلالتها. و قال جماعة من فقهائنا بعدم وجوب سجدتي السهو في نسيان السجدة، و إليه ذهب صاحب «الحدائق» رحمه الله قال: «و بالجملة فالظاهر عندي من الأخبار، هو القول الثاني و إن كان الاحتياط في العمل بالقول المشهور»(الحدائق الناضرة 9: 151.) ، انتهى. و هذا القول غير مشهور. و استدلّ لهذا القول- مضافاً إلى أصالة البراءة- بجملة من الروايات التي صحاحها معرض عنها، كصحيح أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و رواية محمّد بن منصور- المجهول الحال- قال: سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية، أو شكّ فيها، فقال: «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة، فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة، و تضع وجهك مرّة واحدة، و ليس عليك سهو»(وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 6.) و موثّق عمّار- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى الركوع، أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: «لا، قد أتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 238، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 5.)

ص: 427

ص: 428

و السلام في غير محلّه (1)،


1- وجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه مشهور بين الأصحاب، حكاه في «الحدائق» و «الجواهر» و حكي عن غيرهما أيضاً، و قد صرّح في كلام جماعة من فقهائنا بكونه إجماعياً، و في «المنتهى»: «و قد اتفق علماؤنا على إيجاب سجدتي السهو فيمن سها عن السجدة، و ذلك بعد الركوع، و من تكلّم ناسياً، و من سلّم في غير موضعه»(منتهى المطلب 1: 417/ السطر 30.) ، انتهى. و استدلّ لهذا القول بصحيح العيص، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 8.) و موثّق عمّار- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) و في «فقه الرضا عليه السلام»: و كنت يوماً عند العالم عليه السلام و رجل سأله عن رجل سها فسلّم في ركعتين من المكتوبة ثمّ ذكر أنّه لم يتمّ صلاته، قال: «فليتمّها، و ليسجد سجدتي السهو»(مستدرك الوسائل 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ سهو الرجل كان في التسليم على الركعتين، حيث ذكر أنّه لم يتمّ صلاته، فكان التسليم في غير محلّه، و وجبت سجدتا السهو لأجله. و قد أورد المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» على الاستدلال بالأخبار المذكورة على وجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه: «بأنّه لا شاهد فيها على إرادته لخصوص التسليم، فلعلّه لأجل حصول القعود في موضع القيام، أو لأجل زيادة التشهّد، أو لأجل زيادة السلام من حيث كونها زيادة سهوية، لا لخصوصية السلام ...». إلى أن قال: «فالإنصاف قصور الأخبار المزبورة عن إفادة المدّعى، و لذا مال بعض المتأخّرين- وفاقاً لما عن صريح الكليني رحمه الله و الصدوقين، و ظاهر غيرهم، كالعمّاني، و السيّد، و الديلمي، و ابني حمزة و زهرة- إلى القول بعدم الوجوب، كما ربّما يؤيّده أيضاً صحيحتا زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّمتان المصرّحتان بأنّه «لا شي ء عليه». و لكنّك عرفت: أنّ الاعتماد على ظاهر هذين الخبرين- بعد إعراض المشهور عنهما، و إمكان حملهما على نفي الإعادة- لا يخلو من إشكال، كما أنّ مخالفة المشهور في مسألة السلام أيضاً كذلك؛ لإمكان أن يدعى أنّه يستفاد من مجموع الأخبار الواردة في الكلام و غيره و لو بمعونة الشهرة، أنّ مطلق الكلام الخارجي الذي يكون عمده قاطعاً للصلاة، سهوه موجب للسجدتين، و قد عرفت في محلّه أنّ السلام في غير محلّه مندرج في ذلك»(مصباح الفقيه، الصلاة: 590/ السطر 30.) ، انتهى. و استدلّ أيضاً لوجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه: بأنّه ليس سلاماً للصلاة، بل هو من قبيل كلام الآدميين، و كلام الآدميين تجب فيه سجدتا السهو، ففي «المختلف»: «و تجب به» أي بالتسليم في غير محلّه «سجدتا السهو؛ لأنّه في غير موضعه كلام غير مشروع صدر نسياناً من المصلّي، فيدخل تحت مطلق الكلام»(مختلف الشيعة 2: 419.) ، انتهى. و استدلّ له أيضاً: بأنّ السلام في غير محلّه زيادة في الصلاة، و كلّ زيادة و نقيصة في الصلاة موجبة لسجدتي السهو. و اورد عليه: بأنّ الكبرى غير ثابتة، و سيأتي البحث فيه. ثمّ إنّه قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «و المدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين، و أمّا السلام عليك أيّها النبي ... إلى آخره، فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام، نعم يوجبه من حيث إنّه زيادة سهوية، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك، و إن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ السلام للصدق، بل قيل: إنّ حرفين منه موجب، لكنّه مشكل إلّا من حيث الزيادة»(العروة الوثقى 2: 45.) ، انتهى. و وجه كون المدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين، هو أنّ المستفاد من النصوص هو السلام الذي يحصل به الفراغ من الصلاة، كما صرّح به في صحيح العيص المتقدّم «حتّى فرغ منها» فلا يشمل «السلام عليك أيّها النبي ...» إلى آخره من حيث إنّه سلام؛ إذ لا يحصل به الفراغ من الصلاة. و في كونه موجباً لسجدتي السهو من حيث كونه زيادة سهوية أو لا، بحث سيأتي إن شاء اللَّه. و من هنا يعلم: أنّ زيادة أبعاض إحدى الصيغتين سهواً- حتّى لفظ السلام من حيث إنّه سلام- لا يوجب سجدتي السهو؛ لأنّ الموجب لهما هو السلام المخرج، و لفظ «السلام» مجرّداً ليس مخرجاً. نعم يوجبه من حيث صدق الكلام السهوي عليه، بل الكلام السهوي يصدق على حرفين من السلام. و في حاشية السيّد الخوئي رحمه الله على «العروة الوثقى»: «لا يبعد ذلك؛ لأنّه كلام بغير ذكر و دعاء و قرآن»(العروة الوثقى 2: 45، الهامش 13.)

ص: 429

ص: 430

ص: 431

و نسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه على الأحوط فيهما (1)،


1- وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهّد هو المشهور بين الأصحاب، و عن «الخلاف» و «الغنية» دعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة؛ حتّى إذا فرغ فليسلّم (و سلّم و سجد) و ليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و موثّق سماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و ذيل حسن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر، ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع و يذكر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد، ثمّ يقوم فيتمّ» قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما»؟ قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: «فليجلس ما لم يركع و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمضِ في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد، و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و لعلّ الوجه في عدم إفتاء المصنّف رحمه الله بوجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه و نسيان التشهّد، هو ذهاب جماعة من القدماء إلى عدم الوجوب لهما، و عدم ثبوت شهرة قطعية على الوجوب فيهما عنده رحمه الله.

ص: 432

ص: 433

و الشكّ بين الأربع و الخمس (1).


1- وجوب سجدتي السهو للشكّ بين الأربع و الخمس مشهور بين الأصحاب، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و يظهر من جماعة من فقهائنا عدم وجوب سجدتي السهو في الشكّ بين الأربع و الخمس، و هو ضعيف؛ لقيام الشهرة و الأخبار المعتبرة على خلافه، و في «الجواهر»: «فما عساه يظهر من حصر بعضهم موجبات السجود في غيره أو كالحصر من عدم الوجوب فيما نحن فيه، ضعيف جدّاً»(جواهر الكلام 12: 434.) ، انتهى. و صرّح الشيخ المفيد رحمه الله في «المسائل الغرية» بحصر موجبات السجود في مواضع غير الشكّ بين الأربع و الخمس، فقال: «لو نسي التشهّد الأوّل و ذكره بعد الركوع مضى في صلاته، فإذا سلّم من الرابعة سجد سجدتي السهو. و كذلك إن تكلّم ناسياً في صلاته فليسجد بعد التسليم سجدتي السهو. و إن لم يدرِ أزاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعاً أو نقص ركوعاً و لم يتيقّن ذلك و كان الشكّ له فيه حاصلًا بعد تقضّي وقته و هو في الصلاة، سجد سجدتي السهو» قال: «و ليس لسجدتي السهو موضع في الشكّ في الصلاة إلّا في هذه الثلاثة المواضع، و الباقي بين مطّرح، أو متدارك بالجبران، أو فيه إعادة»(انظر مختلف الشيعة 2: 416.) ، انتهى. و صرّح الشيخ في «الخلاف» بحصرها في أربعة مواضع: «أحدها: إذا تكلّم في الصلاة ناسياً، و الثاني: إذا سلّم في غير موضع التسليم ناسياً، و الثالث: إذا نسي سجدة واحدة و لا يذكر حتّى يركع في الركعة التي بعدها، و الرابع: إذا نسي التشهّد الأوّل و لا يذكر حتّى يركع في الثالثة، فإنّ هذه المواضع يجب عليه المضي في الصلاة، ثمّ سجدتا السهو بعد التسليم، و قد مضى ما يدلّ عليه. و أمّا ما عدا ذلك فهو كلّ سهو يلحق الإنسان، و لا يجب عليه سجدتا السهو؛ فعلًا كان أو قولًا، زيادة كانت أو نقصاناً، متحقّقة كانت أو متوهّمة»(الخلاف 1: 459.)، انتهى.

ص: 434

ص: 435

و الأحوط إتيانه لكلّ زيادة و نقيصة في الصلاة لم يذكرها في محلّها؛ و إن كان الأقوى عدم وجوبه لغير ما ذكر (1)،


1- ذهب بعض فقهائنا إلى وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة مع فوات محلّ تداركها، فقد قال العلّامة رحمه الله في «المختلف»: «من شكّ فلا يدري زاد أو نقص تجب عليه السجدتان؛ لأنّهما مع الزيادة تجبان، و كذا مع النقصان، فتجبان مع الشكّ بينهما؛ لعدم الانفكاك منهما»(مختلف الشيعة 2: 421.) ، انتهى. و قال في «التحرير»: «قال ابن بابويه: يجب لكلّ نقيصة أو زيادة سهواً؛ عملًا برواية الحلبي الصحيحة عن الصادق عليه السلام و هو الأقوى عندي»(تحرير الأحكام 1: 50/ السطر 18.) ، انتهى. و قد اختار هذا القول الشهيد في «الذكرى». و قال في «الدروس» بعد أن حكى عن الشيخ نسبة وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة إلى بعض الأصحاب: و لم نظفر بقائله و لا بمأخذه إلّا رواية الحلبي السالفة، و هي ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و ليست صريحة في ذلك، لاحتمالها الشكّ في زيادة الركعات و نقصانها، أو الشكّ في زيادة فعل أو نقصانه، و ذلك غير المدّعى. إلّا أن يقال بأولوية المدعى على المنصوص»(الدروس الشرعية 1: 207.) ، انتهى. و في «الجواهر» شارحاً لمتن «الشرائع»: «و قيل- و القائل بعض أصحابنا، كما في «الخلاف»- تجب سجدتا السهو في كلّ زيادة في الصلاة و نقيصة منها إذا لم يكن مبطلًا، إلّا أنّا لم نعرف قائله صريحاً قبل المصنّف»(جواهر الكلام 12: 434.) ، انتهى. و قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد نقل كلام «الدروس»: «فكأنّه أراد بعدم الظفر بقائله من القدماء الذين تعرّض الشيخ لنقل أقوالهم، و إلّا فهو بنفسه على ما حكي عنه، نقله في كتاب «الذكرى»- الذي صنّفه قبل «الدروس»- عن الفاضل و اختاره، كما أنّه هو مختاره أيضاً في «اللمعة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 591/ السطر 8.) ، انتهى. و كيف كان: فقد استدلّ للقول بالوجوب بمرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.) و اورد عليه: بأنّ سنده ضعيف بالإرسال، و جهالة سفيان بن السمط. و اجيب: بأنّ الإرسال غير مضرّ بعد كون المرسل مثل ابن أبي عمير الذي قيل في حقّه: «إنّه لا يرسل إلّا عمّن يثق به» و «إنّ مراسيله كمسانيده». و أمّا جهالة سفيان، فهي مرتفعة برواية ابن أبي عمير عنه بلا واسطة في كتاب «الزي و التجمّل و المروءة» من «فروع الكافي» في باب غسل الرأس، فعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تقليم الأظفار، و الأخذ من الشارب، و غسل الرأس بالخطمي، ينفي الفقر، و يزيد في الرزق»(الكافي 6: 504/ 1، وسائل الشيعة 2: 60، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 25، الحديث 1.) ، حيث إنّ روايته عنه توثيق؛ لأنّه لا يروي إلّا عن ثقة. هذا مضافاً إلى أنّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع، و المشهور جواز العمل بما يصحّ عنهم و عدم النظر فيمن بعدهم. و قد ادّعى الكشّي الاتفاق على تصحيح ما يصحّ عن أصحاب الإجماع، فلا يخلّ في السند الإرسال، و لا جهالة من رووا عنه بلا واسطة، أو مع الواسطة. و نوقش في الجواب أوّلًا: بأنّ ابن أبي عمير قد روى عن جماعة ضعّفهم الشيخ و النجاشي و غيرهما، كالحسين بن أحمد المنقري، و علي بن أبي حمزة سالم البطائني، و علي بن حديد المدائني الأزدي الساباطي، و يونس بن ظبيان، حيث إنّ الشيخ في رجاله عدّ الحسين بن أحمد من أصحاب الباقر و الكاظم عليهما السلام و ضعّفه. و قال في الكلام على الواقفة: «فروى الثقات: أنّ أوّل من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، و زياد بن مروان القندي، و عثمان بن عيسى الرواسي؛ طمعوا في الدنيا، و مالوا إلى حطامها، و استمالوا قوماً، فبذلوا لهم شيئاً ممّا اختانوه من الأموال» ثمّ ذكر رواية الكليني بإسناده إلى أن بلغ إلى يونس بن عبد الرحمن، قال: «مات أبو إبراهيم عليه السلام و ليس من قوّامه أحد إلّا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار»(الغيبة، الطوسي: 63.) و قال في «الاستبصار»- بعد نقل خبر مرسل عن علي بن حديد ظاهر الدلالة على عدم وجوب النزح فيما إذا وقعت الفأرة في البئر-: «فأوّل ما في هذا الخبر أنّه مرسل، و راويه ضعيف؛ و هو علي بن حديد، و هذا يضعّف الاحتجاج بخبره»(الاستبصار 1: 40.) و قال أيضاً في باب النهي عن بيع الذهب بالفضّة نسية: «و أمّا خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا بأس أن يبيع الرجل الدينار نسيّة بمائة و أقلّ و أكثر» فالطريق إليه علي بن حديد، و هو ضعيف جدّاً»(الاستبصار 3: 95.) و أمّا يونس بن ظبيان فقد عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام و وصفه بالكوفي، و لم يوثّقه(رجال الطوسي: 323/ 46.) ، و قال النجاشي في حقّه: «إنّه ضعيف جدّاً لا يلتفت إلى ما رواه، كلّ كتبه تخليط»(رجال النجاشي: 448/ 1210.) و عن الكشّي في حديث عن يونس بن عبد الرحمن قال: سمعت رجلًا من الطيّارة يحدّث أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يونس بن ظبيان أنّه قال: كنت في بعض الليالي و أنا في الطواف، فإذا نداء من فوق رأسي: يا يونس، إنّي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، فرفعت رأسي فإذا «ج»، فغضب أبو الحسن عليه السلام غضباً لم يملك نفسه، ثمّ قال للرجل: «اخرج عنّي، لعنك اللَّه، و لعن من حدّثك، و لعن يونس بن ظبيان ألف لعنة، يتبعها ألف لعنة، كلّ لعنة منها تبلغك قعر جهنّم، أشهد ما ناداه إلّا شيطان، أما أنّ يونس مع أبي الخطّاب في أشدّ العذاب مقرونان، و أصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون و آل فرعون في أشدّ العذاب ...»(اختيار معرفة الرجال: 363/ 673.) إلى آخر الحديث. و بالجملة: فإذا ثبتت رواية ابن أبي عمير عن جماعة قد علم ضعفهم بالوجدان، فلا يعتمد على رواياته عن المجهول الحال، و لا على مراسيله؛ لاحتمال كون المروي عنه من الضعاف. اللهمّ إلّا أن يقال أنّ روايته عن المجهول و كذا ارساله الخبر توثيق منه للمروي عنه فيعتمد عليها إلّا ما علم ضعف راويه. و ثانياً: أنّ كون ابن أبي عمير و أمثاله من أصحاب الإجماع، لا يثبت تصحيح الرواية من حيث صدورها عن المعصوم عليه السلام فليس المراد من تصحيح ما يصحّ عنهم، تصحيح الرواية إلى المعصوم عليه السلام حتّى يكون توثيقاً لكلّ من وقع في السند؛ لعدم ثبوت كون التصحيح المزبور معقداً لإجماع العصابة، بل المراد منه تصديق ابن أبي عمير و أمثاله فيما يخبرون، و لا يتأمّل في تصديقهم في الأخبار عن الراوي الذي ينقلون عنه؛ لعظم شأنهم و جلالتهم و معلومية عدالتهم، و هذا هو المراد من معقد إجماع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عنهم. و بعبارة أوضح: معقد إجماع الأصحاب هو تصحيح روايتهم عن الراوي، لا عن المعصوم عليه السلام و هذا المقدار لا يدلّ على تصحيح الرواية نفسها بتوثيق من وقع في السند. ثمّ إنّه لو اغمض عن المناقشة المذكورة، و سلّم كون مرسلات ابن أبي عمير كمسنداته و مسندات غيره، و سلّم أيضاً أنّ معقد إجماع الأصحاب تصحيح نفس الرواية و صدورها عن المعصوم عليه السلام فنقول: إنّ هذه المرسلة كانت معرضاً عنها عند الأصحاب إلى زمان العلّامة و الشهيد، و لم يفتِ أحد منهم على طبقها، فهي مهجورة غير معمول بها، و لذا لم يتمسّك الشهيد بها في «الدروس» في مقام الاستدلال على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة، بل تمسّك بصحيحة الحلبي على احتمال. و استدلّ على الوجوب أيضاً بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و الاستدلال بها يتمّ بناءً على جعل قوله: «أم نقصت أم زدت» عطفاً على فعل الشرط؛ و هو قوله: «لم تدرِ» لا على معموله و هو قوله: «أربعاً» و يكون التقدير حينئذٍ هكذا: إذا نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين. و كذا يتمّ الاستدلال بناءً على عطف جملة «نقصت» و «زدت» على المعمول، و يكون التقدير حينئذٍ هكذا: إذا لم تدرِ نقصت أم لا أو لم تدرِ زدت أم لا فاسجد سجدتين، و في الحقيقة يكون وجوب السجدتين في صورة الشكّ في الزيادة و عدمها و الشكّ في النقيصة و عدمها، فإذا وجب سجود السهو في صورة الشكّ في الزيادة أو النقيصة، وجب في صورة العلم بطريق أولى. و يرد على الاستدلال ما أورده الشهيد في «الدروس»: من أنّ الصحيحة ليست صريحة في ذلك؛ لاحتمالها الشكّ في زيادة الركعات و نقصانها، و هذا الاحتمال مبني على كون العطف تفسيرياً؛ يعني إذا لم تدرِ أنّه هل زدت- بأن صلّيت خمساً- أم نقصت عنه؛ بأن صلّيت أربعاً، و حينئذٍ تكون الصحيحة مجملة ساقطة عن قابلية الاستدلال بها. هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من الصحيح- كصحيح الفضيل الآتي- إناطة الحكم بنفس الشكّ في الزيادة و النقيصة، كما في الشكّ بين الأربع و الخمس، لا بذات الوصفين كي يدّعى أنّ القطع بتحقّقهما سهواً، أولى بالسببية لسجود السهو من احتمال تحقّقهما، فلا يقاس أحدهما بالآخر، فضلًا عن أن يكون أولى. و استدلّ أيضاً بصحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح الفضيل بن يسار: أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، فقال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدرِ أزاد في صلاته أم نقص منهما»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 6.) و موثّق عمّار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال: «إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبّح فقرأت، فعليك سجدتا السهو، و ليس في شي ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو ...»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) الحديث. و مورد هذا الموثّق و إن كان خصوص زيادة القيام موضع القعود و العكس، و زيادة التسبيح موضع القراءة و العكس، و لكنّه- بضميمة عدم القول بالفصل- يتمّ الاستدلال به على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة من الأفعال و الأقوال. و وجه الاستدلال بهذه الأخبار، ما ذكرناه في الاستدلال بصحيح الحلبي من أولوية المتيقّن من المشكوك. و يرد على الاستدلال بصحيح زرارة و الفضيل، ما أورده الشهيد في «الدروس» على الاستدلال بصحيح الحلبي: من أنّه من المحتمل أن يكون المراد الشكّ في زيادة الركعات و نقصانها. و أمّا موثّق عمّار، فهو و إن كان ظاهراً في وجوب سجدتي السهو في موارد الزيادة فعليةً كانت أو قولية، و لكنّه معارض بما وقع فيه- بعد هذا السؤال و الجواب- من قوله: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً، فقال: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء» و مقتضى الجمع هو حمل قوله: «فعليك سجدتا السهو» على الاستحباب. كذا قيل. ثمّ إنّ الأخبار المذكورة المستدلّ بها على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة- على فرض تمامية دلالتها- كلّها معارضة بالأخبار الدالّة على عدم الوجوب: منها: ذيل موثّق عمّار المتقدّم: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء» . كما ذكرناه. و منها: صحيح أبي بصير الوارد في نسيان السجدة، قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) حيث يلزم من تدارك السجدة زيادة القيام في موضع القعود سهواً. و منها: صحيح الحلبي الوارد في نسيان التشهّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين- من ظهر أو غيرها- فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد، و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) حيث يلزم من تدارك التشهّد زيادة القيام سهواً في موضع القعود. و منها: رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة، فينسى التشهّد، قال: «يرجع فيتشهّد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 4.) و السند ضعيف بمحمّد بن سنان. و منها: قول الصادق عليه السلام في موثّق عمّار المتقدّم: «و ليس في شي ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و منها: صحيح الفضيل بن يسار المتقدّم: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 6.) حيث إنّ إتمام الصلاة و تداركها بعد التذكّر و حفظ السهو، يستلزم كون القيام زائداً سهواً. ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة في مسألتنا، حمل الأخبار المثبتة على الاستحباب، كذا ذكره في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 368.) و لا يخفى ما فيه؛ لأنّه لا تعارض بين الأخبار المثبتة و النافية كي يجمع بينهما بحمل المثبتة على الاستحباب، و ذلك لأنّ الأخبار النافية لوجوب سجدتي السهو، موردها السهو فيما يتدارك به، و بتداركه تتمّ صلاته، كما لو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو القراءة أو غيرها، و تذكّرها قبل فوات محلّ التدارك و تداركها، فليس عليه سجدتا السهو، فهي ساكتة عن حكم ما يستلزمه التدارك من زيادة القيام مثلًا، حيث إنّ الإمام عليه السلام لم يكن بصدد بيانه، كما أشار إليه صاحب «الحدائق» رحمه الله(الحدائق الناضرة 9: 327.) و الأقوى عندي عدم الوجوب، و هو المشهور عند القدماء، و لا ينبغي ترك الاحتياط. ثمّ إنّ هنا فرعين: الفرع الأوّل: أنّ جماعة من فقهائنا قالوا بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة في الصلاة؛ و لو كانت من الأجزاء المستحبّة، فقد قال الشيخ في «المبسوط»: «و قد بيّنا أنّ سجدتي السهو لا يجبان إلّا في خمس مواضع، و في أصحابنا من قال: تجبان في كلّ زيادة و نقصان، فعلى هذا تجبان في كلّ زيادة على أفعال الصلاة أو هيئاتها؛ فرضاً كان أو نفلًا، و كذلك في كلّ نقصان؛ فعلًا كان أو هيئة، نفلًا كان أو فرضاً؛ إلّا أنّ الأوّل أظهر في الروايات و المذهب(المبسوط 1: 124.) و نسب إلى العلّامة رحمه الله تخصيصه بالواجبات، و اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله و قال: «ثمّ إنّ الظاهر استثناء المندوبات- كالقنوت و نحوه- ممّا عرفت، فلا تجب سجود السهو بنسيانه بعد العزم على فعله، كما نصّ عليه الفاضل و الشهيدان، بل قد سمعت ما حكاه في «غاية المرام» اقتصاراً فيما خالف الأصل على المنساق المتيقّن من النقص»(جواهر الكلام 12: 440.)، انتهى. و عن ابن الجنيد وجوبهما في خصوص ترك القنوت سهواً. و عن أبي الصلاح: «أنّ من جملة موجباتهما لحن القراءة سهواً». و الوجه في تعميم الزيادة للأجزاء المستحبّة و وجوب سجدتي السهو لها، هو شمول الإطلاق في مرسلة ابن ابي عمير المتقدّمة لها. و هذا مبني على القول بكون المستحبّات أجزاء حقيقية من ماهية الصلاة، و هو أوّل الكلام، بل الظاهر من الأخبار كونها اموراً مستحبّة واقعة في الصلاة، فالصلاة ظرف لتحقّقها، فلا يصدق على المستحبّ الواقع في غير محلّه من الصلاة عنوان الزيادة في الصلاة، و في «المستمسك»: «فإذا جاء بها في غير محلّها- على النحو الموظّف في المحلّ- لم تكن منه زيادة، و لا توجب البطلان لو كانت عن عمد أو جهل بالحكم»(مستمسك العروة الوثقى 7: 546.) ، انتهى. الفرع الثاني: اختلف فقهاؤنا في وجوب سجدتي السهو للشكّ في الزيادة أو النقيصة في الصلاة، فنسب إلى جماعة القول بالوجوب؛ فممّن نسب إليه هذا القول الصدوق رحمه الله في «الفقيه» حيث إنّه اكتفى في مقام الفتوى- كما هو دأبه في كتاب «الفقيه»- على نقل صحيح الفضيل بن يسار، حيث سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو فقال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدرِ أزاد في صلاته أم نقص منها»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 6، الفقيه 1: 230/ 1018.) و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة؛ فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و إنّما تصحّ نسبة هذا القول إلى الصدوق رحمه الله بناءً على كون المراد الزيادة و النقصان في أجزاء الصلاة، دون ركعاتها. و نسب هذا القول أيضاً إلى العلّامة رحمه الله في «المختلف» قال: «من شكّ فلا يدري زاد أو نقص تجب عليه السجدتان؛ لأنّهما مع الزيادة تجبان، و كذا مع النقصان فتجبان مع الشكّ بينهما؛ لعدم الانفكاك منهما»(مختلف الشيعة 2: 421.) و فيه: أنّ كلامه ظاهر في وجوب سجدتي السهو في صورة العلم الإجمالي بالزيادة أو النقيصة لا صورة الشكّ في الزيادة و عدمها، أو الشكّ في النقصان و عدمه، كما هو مورد البحث. و استدلّ لهذا القول بصحيح زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و بصحيحي الفضيل و الحلبي المتقدّمين. و بموثّق سماعة قال: قال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنّما السهو على من لم يدرِ أزاد أم نقص منها»(وسائل الشيعة 8: 239، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 8.) وجه الاستدلال بهذه الأخبار: أنّ مفادها- عند القائلين بالوجوب- أنّه تجب سجدتا السهو على من شكّ في أنّه زاد في صلاته أم لا، أو شكّ في أنّه نقص فيها أم لا. و يرد عليه أوّلًا: أنّ هذه الأخبار لا تصلح للاستدلال بها؛ لاحتمال أن تكون الزيادة و النقيصة بالنسبة إلى ركعات الصلاة، كما يحتمل أن تكونا بالنسبة إلى أجزائها، فتكون مجملة ساقطة عن الاعتبار. و ثانياً: أنّ الأخبار المذكورة موردها صورة العلم الإجمالي المتعلّق بأحد أمرين: إمّا الزيادة، أو النقيصة، فهو يعلم بتحقّق أحدهما، و لكنّه شاكّ و مردّد في خصوصية أحدهما، فليس موردها الشكّ البدوي المتعلّق بالزيادة أو عدمها، أو المتعلّق بالنقيصة و عدمها، و حينئذٍ تكون الأخبار المذكورة ظاهرة في وجوب سجدتي السهو في صورة العلم الإجمالي بتحقّق أحد أمرين: إمّا الزيادة، أو النقيصة. و هذا القول هو الظاهر من عبارة العلّامة رحمه الله في «المختلف»، و احتمله السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» و قال: «نعم احتمال وجوبهما مع العلم الإجمالي- كما هو ظاهر النصوص المذكورة- غير بعيد»(مستمسك العروة الوثقى 7: 548.) و قوّاه السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 373.)

ص: 436

ص: 437

ص: 438

ص: 439

ص: 440

ص: 441

ص: 442

ص: 443

ص: 444

ص: 445

ص: 446

ص: 447

ص: 448

ص: 449

بل عدم وجوبه في القيام موضع القعود و بالعكس لا يخلو من قُوّة، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط (1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا- منهم الصدوق، و المرتضى، و سلّار، و أبو الصلاح، و أبناء البرّاج و حمزة و إدريس، و العلّامة- إلى وجوب سجدتي السهو للقيام في موضع القعود و بالعكس، و نذكر كلمات بعضهم: قال في «الفقيه»: «و لا تجب سجدتا السهو إلّا على من قعد في حال قيامه، أو قام في حال قعوده، أو ترك التشهّد، أو لم يدرِ زاد أو نقص»(الفقيه 1: 225.) و قال العلّامة في «المختلف»: «السابع من قام في حال قعود، أو قعد في حال قيام فتلافاه، وجب عليه السجدتان؛ لأنّه زاد في صلاته، و كلّ من زاد في صلاته سجد السجدتين؛ أمّا الصغرى فظاهرة، و أمّا الكبرى فلأنّ الشكّ في الزيادة يقتضي وجوب السجدتين؛ لما تقدّم، فاليقين لها أولى»(مختلف الشيعة 2: 422.) و استدلّ له- مضافاً إلى الشهرة المدعاة في كلام بعض فقهائنا و الإجماع المحكي في «الغنية» و «الرياض» و غيرهما- بصحيح معاوية بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: «يسجد سجدتين بعد التسليم، و هما المرغمتان؛ ترغمان الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال: «إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبّح فقرأت، فعليك سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و فيه أوّلًا: أنّ الإجماع غير ثابت؛ لذهاب كثير من فقهائنا إلى عدم الوجوب، و قد ذكر صاحب «مفتاح الكرامة» جماعة منهم، كالعماني، و الإسكافي، و الشيخ، و المفيد، و الكليني، و علي بن بابويه، و ابني سعيد، و جماعة من متأخّري المتأخّرين، كصاحب «المجمع» و «الذخيرة» و «الرياض». و ثانياً: أنّ الأخبار المثبتة، تعارضها الأخبار الكثيرة المتظافرة الظاهرة في عدم الوجوب: منها: ذيل موثّق عمّار: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً، فقال: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء»(نفس المصدر.) ، حيث يدلّ على نفي سجدتي السهو للقيام موضع القعود. و منها: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: «فليجلس ما لم يركع، و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمضِ في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و نحوه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين- من ظهر أو غيرها- فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) وجه دلالة الصحيحين: أنّه قد فصّل فيهما بين التذكّر قبل الركوع، و التذكّر بعد الركوع، فحكم بوجوب سجدتي السهو في الثاني فقط، فلو كان واجباً فيما إذا تذكّر قبل الركوع أيضاً- مع تحقّق القيام موضع القعود فيه سهواً- لكان التفصيل بينهما لغواً. و منها: رواية اخرى للحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة؛ فينسى التشهّد، قال: «يرجع فيتشهّد»؛ قلت: ليسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 4.) وجه الدلالة: أنّها صريحة في نفي سجود السهو، و إطلاقها يشمل ما لو نسي التشهّد الأوّل و قام و تذكّر قبل الركوع، فلو كان القيام موضع القعود سهواً موجباً لسجدتي السهو، لكان عليه عليه السلام البيان. و منها: صحيح أبي بصير- بطريق «الفقيه» إلّا أنّه ضعيف بطريق الشيخ في «التهذيب» لوقوع محمّد بن سنان في سنده- قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) وجه الدلالة: أنّه قد قام قبل أن يسجد السجدة الأخيرة، فحكم عليه السلام بنفي سجدتي السهو. و قد يقال: مقتضى الجمع بين الأخبار المثبتة و النافية، حمل المثبتة على الاستحباب، كما في «مستند العروة الوثقى» قال: «فيكون الحكم» أي وجوب سجدتي السهو «مبنيّاً على الاحتياط؛ حذراً عن مخالفة المشهور»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 361.) و فيه: أنّ هذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في نفي سجود السهو فيما إذا تذكّر حال القيام و قبل الركوع، نسيان السجدة الواحدة أو التشهّد، لكنّه من المحتمل أن يكون مورد نفي سجود السهو، هو نسيان السجدة أو التشهّد مع التذكّر قبل الركوع، لا القيام موضع القعود. و بعبارة اخرى: إنّ نسيان السجدة الواحدة أو التشهّد له صورتان: إحداهما: تذكّره قبل الركوع، و الاخرى: تذكّره بعد الركوع، و الموجب لسجدتي السهو هو نسيانه و تذكّره بعد الركوع، دون نسيانه و تذكّره قبل الركوع، و حينئذٍ فلا دلالة للأخبار النافية لنفي سجدتي السهو، على القيام موضع القعود حتّى تكون معارضة للأخبار المثبتة؛ كي يجمع بينهما بحمل المثبتة على الاستحباب. و أمّا القعود موضع القيام، فالظاهر من موثّق عمّار المتقدّم: «أو أردت أن تقوم فقعدت»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) ، و إن كان وجوب سجدتي السهو، و لكنّه معارض بذيله: «و ليس في شي ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو» و حينئذٍ يكون الموثّق مجملًا غير صالح للاستدلال به، أو محمولًا على الاستحباب. نعم، صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 1.) ، ظاهر في وجوب سجدتي السهو للقعود موضع القيام سهواً و بالعكس، فالأحوط- لو لم يكن الأقوى- وجوب سجدتي السهو في كلا الموضعين؛ حذراً من احتمال مخالفة تحقّق الشهرة على الوجوب.

ص: 450

ص: 451

ص: 452

ص: 453

و للكلام سجدتا سهو و إن طال إن عُدّ كلاماً واحداً. نعم إن تعدّد- كما لو تذكّر في الأثناء ثمّ سها بعده فتكلّم- تعدّد السجود (1).


1- اختلف فقهاؤنا في تعدّد سجود السهو بتعدّد سببه و عدمه على أقوال: الأوّل: أنّه يتعدّد بتعدّده سواء اتحد الجنس أو اختلف، مثال اتحاد الجنس ما لو تكلّم ساهياً فتذكّر، ثمّ سها ثانياً و تكلّم أيضاً، و اختلاف الجنس كما لو تكلّم ساهياً و سلّم في غير محلّه سهواً. و قد ذهب إلى هذا القول العلّامة رحمه الله في بعض كتبه، و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» و غيرهما. قال في «التذكرة»: «إذا تعدّد السهو في الصلاة الواحدة، تعدّد جبرانه سواء اختلف أو تجانس؛ لأنّ كلّ واحد سبب تامّ في وجوب السجدتين» فكذا حالة الاجتماع؛ لأنّ الاجتماع لا يخرج الحقيقة عن حقيقتها، و لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه و آله: «لكلّ سهو سجدتان»(تذكرة الفقهاء 3: 365.)، انتهى. و قال في «التحرير»: «لا يتداخل سجود السهو لو تعدّد السبب؛ اتّفق أو اختلف»(تحرير الأحكام 1: 50/ السطر 24.) و قال في «المختلف»: «الأقرب عدم التداخل مطلقاً»(مختلف الشيعة 2: 423.) و قال الشهيد في «الذكرى»: «و الأقرب عدم التداخل؛ لقيام السبب، و اشتغال الذمّة، و لما روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لكلّ سهو سجدتان»(ذكرى الشيعة 4: 90.) الثاني: أنّه لا يتعدّد سجود السهو بتعدّد الموجب مطلقاً، و تتداخل الأسباب- متحدةً كانت أو مختلفة- في المسبّب الواحد، و هو مختار الشيخ و جمع من المتأخّرين، منهم السبزواري في «الذخيرة» و صاحب «الحدائق»، ففي «المبسوط»: من سها سهوين أو أكثر منهما ممّا يوجب سجدتي السهو، فليس عليه أكثر من سجدتي السهو؛ لأنّ زيادته نحتاج إلى دلالة، و إن قلنا: إنّ كلّ ما كان منه فيه سجدتا السهو إذا اجتمع مع غيره لا يتداخل و وجب سجدتا السهو لكلّ واحدة من هذه- لعموم الأخبار- كان أحوط»(المبسوط 1: 123.) الثالث: التفصيل بين الأسباب المتحدة جنساً و المختلفة، ذهب إليه ابن إدريس، حيث قال في «السرائر»: «إن تجانس اكتفي بالسجدتين؛ لعدم الدليل، و لقولهم عليهم السلام: «من تكلّم في صلاته ساهياً تجب عليه سجدتا السهو» و لم يقولوا: دفعة واحدة، أو دفعات، فأمّا إذا اختلف الجنس فالأولى عندي- بل الواجب-الإتيان عن كلّ جنس بسجدتي السهو؛ لعدم الدليل على تداخل الأسباب، بل الواجب إعطاء كلّ جنس ما تناوله اللفظ؛ لأنّه قد تكلّم و قام في حال قعود. و قالوا عليهم السلام: «من تكلّم يجب عليه سجدتا السهو» و «من قام في حال قعود يجب عليه سجدتا السهو» و هذا قد فعل الفعلين، فيجب عليه امتثال الأمر، و لا دليل على التداخل؛ لأنّ الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف من محقّق»(السرائر 1: 258.) ، انتهى. و القول الأوّل هو المختار، و وجهه أنّ إطلاق دليل السبب يقتضي كونه مؤثّراً في وجود سببه؛ سواءٌ وجد سبب آخر أو لا، و سواء اتحد الجنس أو اختلف، فإذا تعدّد السبب تعدّد المسبّب بتعداد سببه، فمقتضى الإطلاق عدم تداخل الأسباب إلّا ما خرج بالدليل. و استدلّ صاحب «الجواهر» على عدم التداخل في أسباب السجود مطلقاً بالأصل، و توقّف البراءة اليقينية عليه، و لأنّ كلّ واحد- أي منفرداً عن غيره- سبب تامّ، فكذا مع الاجتماع؛ لأنّه لا يخرج الحقيقة عن مقتضاها، فالتداخل يستلزم خرق الإجماع، أو تخلّف المعلول عن علّته التامّة لغير مانع، أو تعدّد العلل التامّة مع تشخّص المعلول، أو الترجيح بلا مرجّح، أو عدم تساوي المتساويات في اللوازم، و الكلّ محال»(جواهر الكلام 12: 444.) ، انتهى. و المراد من الأصل إطلاق دليل السبب، كما ذكرنا. و به صرّح صاحب «مستند العروة الوثقى» و قال: «مقتضى القاعدة تكرار السجود بتكرار الموجب؛ سواء كان من نوع واحد، كما لو تكلّم ساهياً في الركعة الاولى، ثمّ تكلّم ساهياً أيضاً في الركعة الثانية، أو من نوعين، كما لو سلّم سهواً في غير محلّه، و شكّ أيضاً بين الأربع و الخمس؛ و ذلك لأصالة عدم التداخل المستفادة من إطلاق دليل السبب»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 374.) ، انتهى. و للعلّامة رحمه الله في «المختلف» في مقام الاستدلال على عدم التداخل في الأسباب مطلقاً، كلام جامع لا بأس بنقله، قال: «لنا أنّ التداخل ملزوم لأحد محالات ثلاثة: و هو إمّا خرق الإجماع، أو تخلّف المعلول عن علّته التامّة لغير مانع، أو تعدّد العلل المستقلّة على المعلول الواحد الشخصي، و كلّ واحد منها محال، فالملزوم محال. بيان الملازمة: أنّ السهو الأوّل إمّا أن لا يوجب السجدتين، أو يوجبهما، فإن كان الأوّل لزم خرق الإجماع، و إن كان الثاني فالثاني»- أي السهو الثاني- إمّا أن لا يوجب شيئاً، و هو خرق الإجماع، و قول بالترجيح من غير مرجّح؛ لتساوي الأوّل و الثاني فرضاً، و المتساويان يتشاركان في الأحكام و اللوازم، و قول بمخالفة الاستصحاب. و قد ثبت كونه دليلًا؛ لإفادته الظنّ، و هو واجب العمل به في الشرعيات، فإنّ الثاني قبل وجود الأوّل قد كان سبباً، فيستصحب الحكم بعد وجود الثاني، و قول بكون الأوصاف العرضية- أعني كون الثاني بعد الأوّل- مزيلًا للصفات اللازمة للماهية من الإيجاب، و كلّ ذلك محال، و إمّا أن يوجب، فإن كان هو ما أوجبه الأوّل لزم استناد المعلول الشخصي إلى علّتين مستقلّتين بالتأثير، و هو محال فيبقى أن يكون الثاني غير الأوّل، و هو المطلوب»(مختلف الشيعة 2: 423.)، انتهى. و استدلّ للقول بالتداخل بامور: الأوّل: الخبر الدالّ على أنّه إذا اجتمع عليك حقوق اللَّه أجزأك عنها حقّ واحد، كما في صحيح زرارة قال: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة، و الحجامة، و عرفة، و النحر، و الحلق، و الذبح، و الزيارة، فإذا اجتمعت عليك حقوق (اللَّه) أجزأها عنك غسل واحد» قال: ثمّ قال: «و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها، و غسلها من حيضها وعيدها»(وسائل الشيعة 2: 261، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 43، الحديث 1.) الثاني: أنّ وجوب الزائد على سجدتي السهو يحتاج إلى دليل، و هو مفقود. الثالث: أنّ العلل الشرعية ليست من قبيل العلل العقلية الحقيقية؛ حتّى يدور الحكم مدارها وجوداً و عدماً، بل هي معرّفات، فقد يثبت الحكم الشرعي مع فقد العلّة أيضاً، كما في لزوم عدّة الطلاق على المطلّقة مع الجزم باستبراء رحمها من الولد؛ لمفارقة زوجها لها أزيد من مدّة العدّة، أو عدم دخوله بها في تلك المدّة مثلًا، ففي صحيح محمّد بن سليمان- بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبي طاهر الزراري، ثقة عين- عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك، كيف صارت عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، و صارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر و عشراً؟ فقال: «أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد ...»(وسائل الشيعة 22: 235، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 30، الحديث 2.) الحديث. و كما في استحباب غسل الجمعة لرفع الرائحة الكريهة عن البدن، فعن الصدوق رحمه الله في «الفقيه»: و قال الصادق عليه السلام في علّة غسل يوم الجمعة: «إنّ الأنصار كانت تعمل في نواضحها و أموالها، فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فتأذّى الناس بأرواح آباطهم و أجسادهم، فأمرهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالغسل، فجرت بذلك السنّة»(وسائل الشيعة 3: 315، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المندوبة، الباب 6، الحديث 15.) الرابع: أنّ الأمر بالسجود في كلّ واحد من موارده، مطلق غير مقيّد بكونه مغايراً للآخر، مثلًا الأمر بالسجود للكلام سهواً لم يقيّد بكونه مغايراً للسجود للسلام في غير محلّه مثلًا، فيحصل الامتثال بفرد واحد من المأمور به. الخامس: موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة، و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) وجه الاستدلال كما في «الحدائق»: «أنّه جلس في موضع قيام، و هو أحد موجبات سجود السهو، كما تقدّم و دلّت عليه جملة من الأخبار، و تشهّد و هو أحد الموجبات؛ بناءً على القول بالزيادة و النقصان، و سلّم و هو كذلك، فهذه موجبات ثلاثة للسجود، مع أنّه عليه السلام لم يأمره إلّا بسجود واحد»(الحدائق الناضرة 9: 343.) ، انتهى. و الجواب عنها يعلم ممّا ذكرنا في مطاوي الاستدلال على القول الأوّل المختار: من أنّ مقتضى الأصل عدم التداخل في الأسباب، و هذا الأصل هو الدليل على وجوب الزائد على سجدتي السهو، إلّا ما خرج بالدليل، كالأغسال، و ثبوت الحكم مع زوال العلّة كما في المثالين المذكورين- لزوم عدّة الطلاق مع الجزم ببراءة الرحم من الولد، و استحباب غسل الجمعة مع نظافة البدن- يكشف عن أنّ علّة الحكم ليست علّة حقيقية، بل هي حكمة في تشريع الحكم، و علّل المندوبات و كذا المكروهات، من هذا القبيل غالباً. و أمّا موثّق عمّار، فالظاهر أنّ وجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه، كما هو مورد السؤال.

ص: 454

ص: 455

ص: 456

ص: 457

ص: 458

ص: 459

(مسألة 2): التسليم الزائد لو وقع مرّة واحدة- و لو بجميع صيغه- سجد له سجدتي السهو مرّة واحدة،

و إن تعدّد سجد له متعدّداً. و الأحوط تعدّده لكلّ تسليم. و كذا الحال في التسبيحات الأربع (1).


1- المعيار في وجوب سجدتي السهو مرّة واحدة أو مرّات للسلام في غير محلّه- و لو كان بجميع صيغه- وحدة السهو و تعدّده، و لا عبرة بتعدّد متعلّق السهو و كثرته مع وحدة نفس السهو، فلو سلّم بجميع صيغ السلام و كان ناشئاً من سهو واحد، كفت سجدتا السهو مرّة واحدة. و هو الظاهر من النصوص، كصحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 8.) و كموثّق عمّار- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة، و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) حيث إنّ موردها صورة الفراغ من الصلاة بالتسليم، و هو قد يكون بجميع صيغه الثلاث، و قد يكون باثنتين، و قد يكون بواحدة، و يكون أحياناً مع التشهّد أيضاً. نعم التسليم على النبي صلى الله عليه و آله لا يوجب سجدتي السهو من حيث كونه سلاماً؛ لعدم حصول الفراغ من الصلاة به، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه سابقاً. و المعيار المذكور جارٍ في التسبيحات الأربع أيضاً بناء على القول بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة؛ حيث إنّ نقصانها عن ثلاث مرّات مرّاتها سهواً، موجب لسجدتي السهو مرّة واحدة، كما أنّ زيادتها كذلك موجب للمرّة. و وجه الاحتياط في تعدّد سجدتي السهو فيما لو سلّم بأزيد من صيغة واحدة و كذا في زيادة التسبيحات الأربع و نقصانها، هو احتمال كون المعيار في تعدّد سجدتي السهو، تعدّد متعلّق السهو، و لذا قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بتعدّد سجدتي السهو بزيادة امور في الصلاة، مع كونها ناشئة من سهو واحد، قال: «مسألة 3- إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الاولى مثلًا، و قام و قرأ الحمد و السورة، و قنت و كبّر للركوع، فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع، وجب العود للتدارك، و عليه سجود السهو ستّ مرّات: مرّة لقوله: «بحول اللَّه» و مرّة للقيام، و مرّة للحمد، و مرّة للسورة، و مرّة للقنوت، و مرّة لتكبير الركوع، و هكذا يتكرّر خمس مرّات لو ترك التشهّد و قام و أتى بالتسبيحات و الاستغفار بعدها، و كبّر للركوع فتذكّر»(العروة الوثقى 2: 48.)

ص: 460

ص: 461

(مسألة 3): لو كان عليه سجود سهو و قضاء أجزاء منسيّة و ركعات احتياطيّة،

أخّر السجود عنهما، و الأحوط تقديم الركعات الاحتياطيّة على قضاء الأجزاء، بل وجوبه لا يخلو من رُجحان (1).


1- لو كان عليه سجود السهو و قضاء أجزاء منسية و ركعة الاحتياط، فالأقوى وجوب تقديم ركعة الاحتياط على سجود السهو و قضاء الأجزاء المنسية، ثمّ تقديم الأجزاء المنسية على سجود السهو. و الوجه في تقديم ركعة الاحتياط على الأجزاء المنسية، ظهور الأخبار في أنّ محلّ قضاء الأجزاء المنسيّة هو خارج الصلاة و بعد الفراغ منها. و من المعلوم أنّه قبل إتيان ركعة الاحتياط لم تستكمل الصلاة، و لم يحصل الفراغ منها واقعاً؛ لاحتمال كونها ناقصة في الواقع، و تماميتها تتحقّق بانضمام ركعة الاحتياط إلى صلاة الاحتياط بلا فصل. و قد عبّر عن صلاة الاحتياط بتمام الصلاة في بعض الروايات. كما في موثّق عمّار بن موسى الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة، فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في رجل صلّى فلم يدرِ اثنتين صلّى، أم ثلاثاً، أم أربعاً، قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.) و ممّا ذكرنا يعلم وجه تقديم ركعة الاحتياط على سجود السهو؛ حيث إنّه صرّح في بعض الأخبار بكون محلّ سجود السهو بعد تمامية الصلاة، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) و في بعض الأخبار أنّ محلّه بعد التسليم، كما في ذيل صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: سجدتا السهو قبل التسليم هما، أم بعد؟ قال: «بعد»(وسائل الشيعة 8: 207، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 1.) و موثّق عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «سجدتا السهو بعد التسليم و قبل الكلام»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 3.) وجه الدلالة: أنّه ما لم يأتِ بصلاة الاحتياط لم يتمّ صلاته، فلا يؤتى بسجود السهو قبل إتمام صلاته بانضمام صلاة الاحتياط إليها. و هذا بناءً على كون صلاة الاحتياط جزءاً من الصلاة الأصلية و متمّمةً لها على تقدير النقص، كما هو المختار. و بعبارة اخرى: الشاكّ بين الأقلّ و الأكثر و إن كان موظّفاً بالبناء على الأكثر و إتمام صلاته بالتسليم، و لكنّه مع ذلك لم يحرز له الخروج عن الصلاة إلّا بركعة الاحتياط الواجب فيها التشهّد و التسليم، فكان المخرج عن الصلاة في الحقيقة هو تسليم ركعة الاحتياط، و التسليم في الركعة البنائية كان واجباً تعبّداً لا مخرجاً، و لذا كان الحدث الواقع بعد تسليم الصلاة الأصلية و قبل الشروع بصلاة الاحتياط، من قبيل الحدث الواقع في أثناء الصلاة، و به تبطل الصلاة، و تسقط صلاة الاحتياط. و قد تقدّم تفصيل البحث في كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً أو صلاة منفردة في ضمن البحث عن المسألة الاولى من مسائل «القول في ركعات الاحتياط». و أمّا وجه تقديم الأجزاء المنسية على سجود السهو؛ فلأنّ محلّ سجود السهو بعد الفراغ من الصلاة و تماميّتها، و لا تتحقّق تماميّتها إلّا بتمامية جميع أجزائها التي منها قضاء الجزء المنسي، فما دام لم يؤتَ بقضاء الجزء المنسي، لم تتحقّق تمامية الصلاة حتّى يؤتى بسجود السهو.

ص: 462

ص: 463

ص: 464

(مسألة 4): تجب المبادرة في سجود السهو بعد الصلاة،

و يعصي بالتأخير و إن صحّت صلاته، و لم يسقط وجوبه بذلك و لا فوريّته فيسجد مبادراً، كما أنّه لو نسيه- مثلًا- يسجد حين الذكر فوراً، فلو أخّر عصى (1).


1- وجوب المبادرة إلى سجود السهو بعد الصلاة هو المشهور بين الأصحاب، كما ادعاه صاحب «الحدائق» و غيره، و في «الذخيرة» و «الكفاية» نسبته إلى الأصحاب، و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و لا يخفى: أنّه ليس المراد من المبادرة الفورية العقلية؛ بمعنى عدم الفصل - حتّى آناً ما- بين التسليم و بين سجود السهو؛ إذ لا دليل عليه أصلًا، بل المراد منها الفورية العرفية، كما في «الجواهر» و «مصباح الفقيه» و غيرهما، ففي «الجواهر»: «نعم لا يقدح فيها التأخّر في الجملة ممّا لا ينافي الفورية عرفاً، و لا التأخّر لتحصيل شرائطها من الطهارة و الستر و نحوهما؛ إذ الاشتغال بمقدّماته اشتغال به، فلا تنافي الفورية»(جواهر الكلام 12: 456.) ، انتهى. و استدلّ لوجوب الفور: بأنّ الأمر للفور. و اجيب عنه: بأنّ الأمر لا يدلّ على أزيد من طلب طبيعة الفعل، و لا دلالة فيه على الفور أصلًا. و استدلّ أيضاً بالأخبار، و هي على طوائف، حيث إنّ بعضها صريح أو ظاهر في أنّ محلّ سجدتي السهو بعد التسليم، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟ قال: «بعد»(وسائل الشيعة 8: 207، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 207، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 2.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة، و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم، ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح سهل بن اليسع، عن الرضا عليه السلام في ذلك أنّه قال: «يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، و يتشهّد تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 2.) و موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: عن الرجل ينسى سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: و إن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 8: 245، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 4.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: سألته عن الرجل يسهو؛ فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: «يسجد سجدتين بعد التسليم، و هما المرغمتان؛ ترغمان الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 1.) و بعضها صريح في أنّ محلّهما بعد التسليم و هو جالس، كما في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم و اركع ركعتين، ثمّ سلّم و اسجد سجدتين و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 221، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 8.) و موثّق بكير بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل شكّ فلم يدرِ أربعاً صلّى أم اثنين و هو قاعد، قال: «يركع ركعتين و أربع سجدات و يسلّم، ثمّ يسجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 8: 221، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 9.) و بعضها صريح في كونهما حال الجلوس، كصحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و بعضها صريح في أنّ محلّهما بعد التسليم و قبل الكلام، كما في موثّق عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «سجدتا السهو بعد التسليم و قبل الكلام»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 3.) و التعبير عن الرواية بصحيحة القدّاح- كما في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 381.) - اشتباه؛ لوقوع الحسن بن علي بن فضّال في سندها. و كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين- من ظهر أو غيرها- فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد، و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و بعضها صريح في أنّ محلّهما بعد إتمام الصلاة و هو جالس قبل أن يتكلّم، كما في صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ الأخبار المذكورة و إن لم تكن صريحة الدلالة على اعتبار الفورية في سجدتي السهو، و لكنّ المتفاهم من مجموعها- خصوصاً صحيح ابن أبي يعفور- هو أنّ محلّهما بعد التسليم و قبل أن يشتغل بالفعل المنافي، أو يتحوّل من مكانه، و هو مساوق للفورية العرفية. و ذكر خصوص الكلام في بعض الروايات، باعتبار أنّه أحد الأفراد المحقّقة غالباً بعد الصلاة بلا فصل. و في «الحدائق»: «المتبادر من كونه بعد السلام و قبل الكلام- كما اشتمل عليه بعض الأخبار، مع حمل البعدية على البعدية القريبة، كما هو المتبادر من الإطلاق- هو الفورية به»(الحدائق الناضرة 9: 344.) و نوقش في الاستدلال بالروايات المذكورة على الفورية: بأنّها معارضة بذيل موثّق عمّار: و عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتّى يصلّي الفجر، كيف يصنع؟ قال: «لا يسجد سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) ؛ حيث يدلّ على تأخير سجدتي السهو إلى أن يذهب شعاع الشمس بعد طلوعها. و اجيب عن المناقشة كما في «الحدائق»: «بأنّ الظاهر أنّه لا قائل به من الأصحاب»(الحدائق الناضرة 9: 339.) ، و بأنّ مورده وقوع السهو في صلاته السابقة، كالمغرب أو العشاء، و نسيان سجود السهو و عدم تذكّره حتّى يصلّي الفجر، فهو أجنبي عمّا نحن فيه. و في «مصباح الفقيه»: «لو لا إعراض الأصحاب عن الموثّقة، لاتّجه العمل بها في خصوص موردها بعد حملها على الكراهة، كما يؤيّد ذلك الأخبار المستفيضة الناهية عن الصلاة في هذا الوقت؛ لما فيها من التشبّه بعبدة الشمس، حيث يسجدون لها في هذا الوقت، كما في بعض تلك الأخبار الإشارة إلى هذه العلّة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 597/ السطر 19.) ثمّ إنّه لو أخّر سجدتي السهو عن زمان الفور عامداً عصى، و هل يسقط وجوبه أو تجب المبادرة فوراً ففوراً؟ المختار هو الثاني، و هو المشهور. و لو نسيه أتى به إذا تذكّر؛ لموثق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: و عن الرجل إذا سها في الصلاة؛ فينسى أن يسجد سجدتي السهو، قال: «يسجد متى ذكر»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و لو تركه أصلًا كان آثماً، و لم تبطل صلاته، و هو المشهور شهرة عظيمة؛ و ذلك لظهور الأمر الوارد بسجدتي السهو في الوجوب النفسي، لا الغيري المستفاد منه الشرطية للصلاة. و يؤيّده: أنّ المصلّي قد فرغ من الصلاة بالتسليم، فلو كان لسجدتي السهو دخل في صحّة الصلاة لم يفرغ منها، بل حكم ببطلان الصلاة، كما في بعض الأجزاء المنسية و ركعة الاحتياط. و يؤيّده أيضاً: أنّ السجدتين قد سمّيتا ب «المرغمتين» فوجوبهما لمحض إرغام الشيطان، لا لدخالتهما في نفس الصلاة. و نسب إلى جماعة- منهم الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» و الوحيد البهبهاني في «شرح المفاتيح»- القول بأنّ وجوبهما شرطي، فهما شرط متأخّر لصحّة الصلاة. و أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: «و لا ريب في ضعفه؛ للأصل بناءً على التحقيق من جريانه في العبادة، و ظهور الأدلّة في تمامية الصلاة أجزاءً و شرائط، و عدم توقّف صحّتها بعد على شي ء آخر و إن وجب السجدتان إرغاماً لأنف الشيطان، و إطلاق ما دلّ على صحّة الصلاة مع الكلام نسياناً، أو القيام في محلّ القعود، أو غير ذلك من موجبات السجود؛ سجد أو لم يسجد ...»(جواهر الكلام 12: 457.) إلى آخره. و نسب إلى ابن الجنيد: «أنّه إن كان السهو للزيادة، كان محلّ سجدتي السهو بعد التسليم، و إن كان للنقصان كان قبل التسليم» و قد استدلّ له بصحيح سعد بن سعد الأشعري، قال: قال الرضا عليه السلام في سجدتي السهو: «إذا نقصت قبل التسليم، و إذا زدت فبعده»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 4.) و صحيح صفوان بن مهران الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو، فقال: «إذا نقصت فقبل التسليم، و إذا زدت فبعده»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 6.) و هذا القول كسابقه مخالف للمشهور، و قد حمل الصدوق و الشيخ رحمهما الله هذين الصحيحين على التقيّة. و عليها يحمل ما دلّ على أنّ محلّهما قبل التسليم مطلقاً، كما في رواية ضعيفة عن أبي الجارود زياد بن المنذر، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: متى أسجد سجدتي السهو؟ قال: «قبل التسليم؛ فإنّك إذا سلّمت فقد ذهبت حرمة صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 5.)

ص: 465

ص: 466

ص: 467

ص: 468

ص: 469

ص: 470

ص: 471

(مسألة 5): تجب في السجود المزبور النيّة مقارناً لأوّل مسمّاه،

(مسألة 5): تجب في السجود المزبور النيّة مقارناً لأوّل مسمّاه (1)،


1- وجوب النيّة في سجود السهو مشهور بين الأصحاب، و في «الجواهر»: «بل لا أجد فيه خلافاً، كما اعترف به في «الرياض»(جواهر الكلام 12: 442.) ، انتهى. و عدم تعرّض كثير من فقهائنا لوجوب النيّة، ليس لعدم وجوبها عندهم. بل لكونه من الواضحات التي لا تحتاج إلى ذكرها؛ فإنّ من المسلّمات عندهم أنّ سجود السهو عبادة، و العبادة لا بدّ فيها من النيّة و قصد التقرّب و التعبّد، لا مجرّد حصول صورة الفعل في الخارج كيفما اتفقت و لو رياءً، كما في الواجبات التوصّلية. هذا مضافاً إلى أنّ السجود للَّه تعالى عبارة عن وضع الجبهة على الأرض، و له أقسام متباينة، مثل السجود الصلاتي الأدائي، و القضائي، و سجود الشكر، و سجود التلاوة، و سجود السهو. فإذا كان له أقسام و اريد تمييز بعضها من بعض، فلا بدّ في امتثال أمر كلّ منها من القصد إليه و نيّته بالخصوص، كما في سائر العبادات المتحّدة صورة، و المشتركة في الخصوصيات الخارجية، كالظهرين مثلًا. ثمّ إنّه تجب مقارنة النيّة لأوّل مسمّى السجود؛ لأنّ مقتضى كونه عبادة عبادية جميع أجزائه. و لا تجب النيّة من حين الهوي؛ لعدم كون الهوي جزءاً من السجود، بل يكفي قصد امتثال أمره حين وضع جبهته على الأرض. و لا يخفى ما في تعبير المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» من المسامحة، حيث عبّر بكلمة «بعد» و قال: «و هل يجب قصد السجود من حين الهوي، أم يكفي قصد امتثال أمره بعد وضع جبهته على الأرض؟»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 14.) ، فإنّ هذا التعبير يستلزم كون أوّل جزء منه بلا نيّة.

ص: 472

ص: 473

و لا يجب فيه تعيين السبب و لو مع التعدّد (1)،


1- لا يجب في سجود السهو نيّة تعيين سببه؛ و أنّه للكلام سهواً مثلًا، سواء كان السبب واحداً أو متعدّداً، و سواء كان المتعدّد من نوع واحد أو نوعين، فإذا كان السبب واحداً، فالواجب عليه قصد سجود السهو من غير تقييد بكونه من سبب كذا؛ لأنّ الواجب هو طبيعة سجود السهو، و إذا كان السبب متعدّداً وجب عليه إيجاد طبيعة سجود السهو بمقدار تعدد السبب، و لا دليل على تقييد تعيينه بسببه في كلّ واحدٍ. و إلى ما ذكرنا أشار صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: «لإطلاق الأدلّة، و صدق الامتثال»(جواهر الكلام 12: 443.) نعم، الكلّي إذا كان له أفراد متفاوتة الحقيقة، و اعتبرت في كلّ واحد منها خصوصية يمتاز بها عن غيره، لزم في مقام امتثال أمر كلّ منها، اعتبار التعيين و قصد الخصوصية للتمييز عمّا عداه، كما في الظهرين مثلًا، حيث إنّ الأربع ركعات الإخفاتية يدور أمرها بين عناوين الظهرية و العصرية، و الأدائية و القضائية، فلا بدّ فيها من قصد تعيين الخصوصية؛ ليمتاز كلّ واحد منها عمّا عداها بتلك الخصوصية المنويّة. و ذهب العلّامة في «النهاية» و الشهيد في «الذكرى» و المحقّق الكركي و ولده الشيخ عبد العالي في تعليقهما على «الإرشاد» إلى وجوب تعيين السبب، و لعلّه لتوقّف صدق الامتثال على ملاحظة ذلك، كما في «الجواهر». و فيه: أنّ الواجب هو طبيعة سجود السهو بمقتضى إطلاق أدلّته، و يحصل الامتثال بقصده مطلقاً بدون قصد تعيينه بسببه. ثمّ إنّه لو نوى سجود السهو و عيّن سبباً خاصّاً كالكلام مثلًا، و انكشف مخالفته للواقع، و كان سببه في الواقع السلام في غير محلّه، ففي «الجواهر»: «الأقوى في النظر عدم الفرق بينهما، و أنّ التعيين في الواقع كافٍ و إن لغي في نيّة الخلاف سهواً؛ إذ الكلام مثلًا مسبّب للسجدتين، لا أنّه قيد للمأمور به. نعم قد يقدح في ذلك العمد، لانحلاله إلى عدم النيّة حينئذٍ و عدم الإتيان بالمأمور به»(جواهر الكلام 12: 443.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: «لو عيّن سبباً فسجد بداعي امتثال أمره، فانكشف مخالفته للواقع، فقد يقوى في النظر البطلان؛ حيث إنّ الأمر الذي دعاه إلى فعله لم يكن له تحقّق، و ما كان محقّقاً لم ينوِ امتثاله»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 3.) انتهى.

ص: 474

كما لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى (1)،


1- إذا تحقّق سببان وجب عليه سجدتا السهو مرّتين، و يكفي في كلّ مرّة قصد امتثال أمره مطلقاً من غير تقييد المرّة الاولى بالسبب الأوّل، و الثانية بالسبب الثاني، بل يجوز له أن يسجد أوّلًا للسهو الصادر ثانياً، و يسجد ثانياً للسهو الصادر أوّلًا؛ و ذلك لما ذكرناه في وجه عدم وجوب قصد تعيين السبب؛ من أنّ الواجب عليه قصد إيجاد طبيعة سجود السهو، فنقول هنا: إنّ الواجب قصد إيجادها مرّتين، و لا دليل على تقييده بكون المرّة الاولى للسبب الأوّل، و الثانية للثاني. و نسب إلى المحقّق الكركي وجوب الترتيب بين سجودات السهو للأجزاء المنسية، و في «الجواهر»: «و لعلّه لأنّ الذمّة قد اشتغلت بإيقاع سجود السهو بعد الصلاة فوراً بمجرّد صدور السبب الأوّل، و الثاني لمّا صدر على ذمّة مشغولة بذلك فتشتغل الذمّة حينئذٍ بإيقاعه بعد تفريغها من الأوّل»(جواهر الكلام 12: 445.)، انتهى.

ص: 475

و لا يجب فيه التكبير و إن كان أحوط (1).


1- لا يجب التكبير قبل سجدتي السهو؛ و ذلك للأصل، و إطلاق الأخبار؛ حيث إنّها- مع كثرتها- لم يصرّح في واحدٍ منها بالتكبير، بل صرّح في بعضها بنفي التكبير، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام، كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين»(وسائل الشيعة 8: 235، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 3.) و نسب إلى الشيخ القول بوجوب التكبير، قال في «المبسوط»: «فإذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح بالتكبير، و سجد عقيبه ...» إلى آخره(المبسوط 1: 125.) و في «الحدائق»: «المشهور في كلام الأصحاب استحباب التكبير فيهما»(الحدائق الناضرة 9: 331.) و لا يخفى: أنّه لا دليل معتبر على الوجوب، و لا على الاستحباب، بل الموثّق المذكور على نفي كلّ من الوجوب و الاستحباب أدلّ، نعم هو ظاهر الدلالة على الاختصاص بالإمام عند وضع رأسه و رفع رأسه؛ لإعلام من خلفه، لا للسجود، و أين هذا من استحبابه للمنفرد أو المأموم؟! و في «مصباح الفقيه»: «فالأولى الاستدلال له» أي للاستحباب «بفتوى المشهور من باب المسامحة؛ بناءً على اندراج مثلها في موضوع أدلّة التسامح، كما ليس بالبعيد. و لا ينافيه ما في الخبر المزبور من نفي التكبير؛ لجواز حمله على إرادة نفي الوجوب، فلا ينافيه الاستحباب»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 21.)، انتهى. و وجه الاحتياط في سجود السهو بالافتتاح بالتكبير، فتوى الشيخ رحمه الله في «المبسوط» بوجوبه، فلا بأس بإتيانه احتياطاً و رجاءً، لا بقصد امتثال الأمر.

ص: 476

و الأحوط مراعاة جميع ما يجب في سجود الصلاة، خصوصاً وضع المساجد السبعة، و إن كان عدم وجوب شي ء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه، لا يخلو من قوّة. نعم لا يُترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس و المأكول (1).


1- قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة فيه؛ من الطهارة من الحدث و الخبث، و الستر، و الاستقبال، و غيرها من الشرائط و الموانع التي للصلاة، كالكلام، و الضحك في الأثناء و غيرهما، فضلًا عمّا يجب في خصوص السجود؛ من الطمأنينة، و وضع سائر المساجد، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، و الانتصاب مطمئنّاً بينهما؛ و إن كان في وجوب ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود و تعدّده نظر»(العروة الوثقى 2: 49.) ، انتهى. و في المسألة أقوال نذكر بعضها: ذهب جماعة من فقهائنا إلى وجوب مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة من الشرائط و الموانع؛ منهم الشهيدان، و المحقّق الكركي في «حاشيته على الألفية» و صاحب «المعالم» في رسالته. و ذهب بعضهم إلى وجوب خصوص وضع المساجد السبعة، و الجلوس مطمئنّاً بينهما، كالعلّامة رحمه الله في «القواعد». و ذهب بعض آخر منهم إلى عدم وجوب شي ء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه؛ و إن كان الأحوط عندهم مراعاته، لفتوى جماعة بالوجوب. و هذا القول هو المختار. و استدلّ للقول بوجوب مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة: بأنّ المتبادر من أمر المصلّي بسجدتي السهو لتدارك سهوه، إرادة الإتيان بهما على حسب ما هو المعهود المتعارف في سجود الصلاة، فالظاهر إرادة السجود الصلاتي. و أورد عليه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: «لكنّ الإنصاف أنّ للتوقّف أو المنع فيما زاد على ما يتحقّق به مسمّى السجود عرفاً أو شرعاً- لعدم ظهور أو انصراف معتدّ به في شي ء من الأدلّة، فيبقى الإطلاق سليماً- مجالًا»(جواهر الكلام 12: 449.) انتهى. و استدلّ له أيضاً بقاعدة الاشتغال؛ حيث اشتغلت الذمّة به يقيناً، و لا يحصل اليقين بالبراءة إلّا بالفرد الجامع لجميع الشرائط المعهودة للسجود الصلاتي. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بقوله: «إنّ المرجع لدى الشكّ في الشرطية و الجزئية، هو قاعدة البراءة، لا الاشتغال، خصوصاً في مثل المقام الذي يمكن التمسّك لنفي اعتبار ما شكّ في اعتباره، بإطلاق أدلّة السجود»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 32.) ، انتهى. و استدلّ للقول بعدم وجوب شي ء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه، بإطلاق الأخبار الآمرة بسجود السهو، و مع الشكّ في الوجوب تجري البراءة؛ و إن كان الأحوط مراعاة جميع ذلك، لما ذكرناه من فتوى جماعة بالوجوب، و الاحتياط لا ينبغي تركه. و وجه عدم جواز ترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس و المأكول عند المصنّف رحمه الله لعلّه لاحتمال اعتبار صدق الأرض في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»(وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2.)

ص: 477

ص: 478

و الأحوط فيه الذكر المخصوص، فيقول في كلّ من السجدتين: «بِسمِ اللَّهِ و باللَّهِ، و صَلّى اللَّه على محمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ» أو يقول: «بسمِ اللَّه و باللَّهِ، اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ و آل محمّدٍ» أو يقول: «بسمِ اللَّهِ و باللَّهِ، السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ و رحمةُ اللَّهِ و بركاتُه». و الأحوط اختيار الأخير، لكن عدم وجوب الذكر- سيّما المخصوص منه- لا يخلو من قوّة (1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا إلى وجوب الذكر في سجدتي السهو، منهم الصدوق، و المفيد في «المقنعة»، و السيّد المرتضى، و الشيخ، و يظهر من العلّامة في «التذكرة» الميل إليه، و نسبه في «الذكرى» و «الحدائق» إلى المشهور. و ذهب المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و العلّامة في «المنتهى» و «المختلف» و ابن فهد في «المهذّب البارع» و الأردبيلي في «مجمع البرهان»- حيث قال باستحبابه- إلى عدم الوجوب، و قوّاه السبزواري في «الكفاية» و «الذخيرة» و تردّد المحقّق في «الشرائع». و القائلون بالوجوب بين قائل بوجوب الذكر المطلق، كالشيخ في «المبسوط» و العلّامة في «التحرير» و قائل بوجوب الذكر المعيّن، و قد نسبه في «الرياض» إلى الأكثر. و القائلون بوجوب الذكر المعيّن اختلفوا على فرق: منهم: من اقتصر على ذكر «بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» كما في «جمل» الشيخ و «المراسم» و «الغنية». و منهم: من اقتصر على ذكر «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و آله» في السجدة الاولى، و «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» في الثانية، كما حكي عن المحقّق الثاني في «حاشية النافع». و منهم: من قال بجواز الاجتزاء بذكر «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد» أو «بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» أو «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» أو بإضافة الواو قبل «السلام» كما في «الرياض»، حيث إنّه بعد ذكر هذه الصور الأربع قال: «و الكلّ حسن»(رياض المسائل 4: 269.) و منهم: من قال بجواز الاجتزاء بالصور الخمس؛ و هي الصور الأربع المذكورة بإضافة ذكر «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و على آل محمّد» كما في «الروضة» شرح «اللمعة» حيث إنّه بعد ذكر الصور الخمس قال: «و الجميع مروي مجزئ»(الروضة البهية 1: 706.) و ينبغي نقل الرواية المتضمّنة للذكر المعيّن في سجدتي السهو؛ و هي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(وسائل الشيعة 8: 234، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 1.) التي رواها المشايخ الثلاثة باختلاف المتن في كتب الحديث؛ فقد رواها في «الكافي» بهذا النحو: قال: «تقول في سجدتي السهو: بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»، قال: و سمعته مرّة اخرى يقول: «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»(الكافي 3: 356/ 5.) و رواها الصدوق في «الفقيه» هكذا: أنّه قال: يقول في سجدتي السهو: «بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» قال: و سمعته مرّة اخرى يقول: «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»(وسائل الشيعة 8: 334، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 1.) و في نسخة اخرى من «الفقيه»: «و صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد» بدل قوله: «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»(الفقيه 1: 226/ 997.) و رواها الشيخ في «التهذيب» هكذا: قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السهو: «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و على آل محمّد» و قال: و سمعته مرّة اخرى يقول فيهما: «بسم اللَّه و باللَّه، و السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»(تهذيب الأحكام 2: 196/ 773.) ثمّ إنّه استدلّ للقول بوجوب الذكر المطلق: بأنّ الأمر بسجود السهو منصرف إلى ما هو المتبادر؛ أعني سجود الصلاة الذي لا يتعيّن فيه ذكر خاصّ عند جماعة من فقهائنا، بل يكفي فيه الذكر مطلقاً، و صحيح الحلبي- المتقدّم نقله- و إن كان مشتملًا على الذكر الخاصّ، لكنّه قاصر الدلالة على الوجوب؛ لاضطرابه متناً باختلاف نسخ «الفقيه» و «الكافي» و «التهذيب». و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بقوله: «و أمّا ادّعاء أنّ المتبادر من الأمر بالسجود هو السجود المشتمل على الذكر- كما في سجود الصلاة- فممّا لا شاهد عليه»(مصباح الفقيه، الصلاة: 596/ السطر 28.) ، انتهى. و استدلّ لوجوب الذكر المعيّن بلفظ مخصوص، بصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم. و اجيب بموثّق عمّار: عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام، كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين»(وسائل الشيعة 8: 235، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 3.) ، حيث إنّه ظاهر في نفي وجوب الذكر؛ أيّ ذكر كان، و أنّه غير مشروع. و نوقش في الجواب أوّلًا: بأنّ الموثّق محمول على التقيّة؛ لموافقته العامّة، حيث إنّهم- على ما قيل- قائلون بعدم وجوب الذكر. و ثانياً: بأنّ الترجيح مع الصحيحة؛ حيث إنّها من الروايات المشهورة، فقد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم، و عمل بها الأصحاب المتقدّمون منهم و المتأخّرون. و في «مستند العروة الوثقى»: «و في روايات عمّار كلام، حيث إنّه- على ما قيل- كثير الخطأ و الاشتباه، فتطرح و يردّ علمها إلى أهله، فيتعيّن العمل بالصحيحة»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 390.) ، انتهى. و لعلّ قوله رحمه الله: «على ما قيل» إشارة إلى ما ذكره العلّامة العلياري في رجاله «بهجة الآمال في شرح زبدة المقال» حكاية عن جدّه أنّه قال: «و الذي يظهر من أخبار عمّار أنّه كأنّه ينقل بالمعنى مجتهداً في معناه، و كلّ ما وقع في خبره فمن فهمه الناقص»(بهجة الآمال في شرح زبدة المقال 5: 566.) ثمّ إنّ بعض القائلين بوجوب الذكر الخاصّ، قال بالتخيير بين الوجوه الخمسة المذكورة الحاصلة من اختلاف نسخ الكتب في صحيح الحلبي؛ بناءً على أنّ اختلاف النسخ في نقل الرواية، بمنزلة أخبار مختلفة صادرة من المعصوم عليه السلام. و في «الجواهر»: «الأقوى» على القول بوجوب الذكر «التخيير بين الجميع؛ بناءً على أنّ اختلاف النسخ كاختلاف الأخبار»(جواهر الكلام 12: 455.) و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بقوله: «و فيه ما لا يخفى بعد وضوح كونها رواية واحدة، و قد وقع الاختلاف في نقلها؛ فإنّ من الواضح أنّ وقوع الاختلاف في نقل الرواية، لا يوجب تعميم موضوع الحكم الذي تضمّنته، فمقتضى قاعدة الشغل إمّا اختيار الصورة الثانية؛ أي المشتملة على التسليم؛ لاتفاق رواة الصحيح عليها، إلّا بزيادة الواو التي ينبغي الجزم إمّا بزيادتها، أو كونها عاطفة على القول، فكأنّه قال: سمعته مرّة اخرى ذكر البسملة مع التسليم، لا الصلاة، و إمّا الجمع بين صورتي الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله، اللهمّ إلّا أن يرجّح رواية «الكافي» بالأوثقية، كما ليس ببعيد»(مصباح الفقيه، الصلاة: 597/ السطر 3.) ، انتهى. و استدلّ للقول بعدم وجوب الذكر في سجدتي السهو بالإطلاقات؛ حيث إنّ الأخبار الواردة في سجدتي السهو- مع كثرتها- خالية عن التعرّض للذكر، فلو كان واجباً لتعرّض له؛ لكونها صادرة في مقام البيان، و بموثّق عمّار المتقدّم، حيث صرّح فيه بانحصار الوظيفة في السجدتين من غير تكبير و تسبيح، و الموثّق المذكور و إن كان صريحاً في نفي خصوص التسبيح من بين الأذكار، و لكن يمكن استفادة نفي وجوب الذكر المطلق من قوله: «فقط» فيكون المستفاد منه أنّ الواجب في سجدتي السهو هو خصوص السجدتين بما أنّهما سجدتان، فلا يجب فيهما التسبيح، و لا غيره من الأذكار، و لا شي ء آخر. و أمّا صحيح الحلبي المتقدّم الظاهر في اعتبار الذكر الخاصّ، فقد أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: «و لكن لا يخفى على الفقيه الممارس، قصور مثل هذه الدلالة- مع هذا الاضطراب- عن إثبات الوجوب، فضلًا عن أن يعارض تلك الإطلاقات و الموثّق المعتضد بالأصل و غيره، مع صراحة دلالته أو ظهوره ظهوراً قريباً إلى الصراحة. و دعوى الانجبار بالشهرة، يدفعها أنّه لا صراحة في كلماتهم بالوجوب على وجه تتحقّق به شهرة معتدّ بها، فلا بأس بالعمل بها على وجه الاستحباب»(جواهر الكلام 12: 454.) و التحقيق في المسألة: أنّ الأخبار الكثيرة الواردة في سجدتي السهو و إن كانت مطلقة غير مقيّدة باعتبار الذكر فيهما، و لكن تلك المطلقات- على فرض انعقاد الإطلاق فيها؛ أي كونها في مقام البيان و التعرّض لكيفية سجود السهو- مقيّدة بصحيحة الحلبي المتقدّمة الظاهرة في وجوب الذكر الخاصّ، و لا يعارضها موثّق عمّار المتقدّم الظاهر في عدم وجوب الذكر؛ لما ذكرنا من أنّ الترجيح مع الصحيحة، لكونها مخالفة للعامّة، و مشهورة بين القدماء و المتأخّرين. هذا مضافاً إلى أنّ وجوب الذكر مشهور بين الأصحاب، كما ادعاه الشهيد و صاحب «الحدائق» و غيرهما. و الأحوط الاقتصار على ذكر صيغة التسليم بدون الواو «السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»: أمّا الاكتفاء بصيغة التسليم، فلاتفاق كلّ من نسخ «الفقيه» و «الكافي» و «التهذيب» عليه، بخلاف صيغة الصلاة، فإنّها مختلف فيها في النسخ، فرواها في «الكافي» بصورة «اللهمّ صلّ ...» و في «الفقيه» و «التهذيب» بصورة «و صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد» و لا مورد للتخيير بين صورتي الصلاة؛ لعدم تعدّد الرواية، بل لا بدّ إمّا من الجمع بين صورتي الصلاة، و إمّا تركهما و اختيار صيغة التسليم. و أمّا كونه بدون الواو، فلأنّ الواو مضبوط في نسخة «التهذيب» فقط، و نسخة «الكافي» و «الفقيه» خالية منه. و الترجيح مع نسختهما؛ لما ذكره في «الحدائق»: «من أنّ تطرّق السهو إلى زيادة هذه الواو في رواية الشيخ غير بعيد؛ لما علم من عدم محافظته على ضبط الأخبار، فالأحوط أن لا يؤتى بها»(الحدائق الناضرة 9: 334.)، انتهى.

ص: 479

ص: 480

ص: 481

ص: 482

ص: 483

ص: 484

ص: 485

و يجب بعد السجدة الأخيرة التشهّد و التسليم، و الواجبُ من التشهّدِ المتعارَفُ منه في الصلاة، و من التسليم «السلام عليكم» (1).


1- يقع البحث هنا في امور: الأوّل: في وجوب التشهّد و التسليم بعد السجدتين و عدمه: المشهور بين الأصحاب وجوبهما، و هو المختار، و صرّح جماعة بكونه إجماعياً. و تدلّ على وجوب التشهّد بعدهما الأخبار المستفيضة: منها: موثّق سماعة عن أبي بصير، قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و منها: رواية الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر، ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع، فيذكر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد، ثمّ يقوم فيتمّ» قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو، بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما»؟ قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و منها: رواية سهل بن اليسع، عن الرضا عليه السلام في ذلك أنّه قال: «يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، و يتشهّد تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 2.) و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة؛ يتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و منها: صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أم (أو) اثنتين أو ثلاثاً، قال: «يبني على الجزم، و يسجد سجدتي السهو، و يتشهّد تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 6.) و يدلّ على وجوب التسليم بعدهما بعض الأخبار: منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 1.) و منها: صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ خمساً صلّيت أم أربعاً، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و ذهب بعض فقهائنا إلى عدم وجوب التشهّد و التسليم بعد سجدتي السهو، و استدلّ له بالأصل، و الأخبار الواردة في مقام البيان مع خلوّها عن التقييد بالتشهّد و التسليم، بل قد صرّح في بعضها بأنّ التشهّد المأتي بعد سجدتي السهو هو التشهّد المنسي، كما في رواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع، فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و في بعضها تصريح بعدم اعتبار شي ء غير السجدتين؛ و أنّهما عبارة عن السجدتين فقط، و أنّه لا تشهّد فيهما بعد السجدتين، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام، كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين»(وسائل الشيعة 8: 235، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 3.) و قال العلّامة رحمه الله في «المختلف» بالاستحباب جمعاً بين الأخبار المقيّدة و الموثّق، و قوّاه السبزواري في «الذخيرة» و أيّده صاحب «المدارك» بقوله: «و يؤيّده انتفاء الأمر بالتسليم في الرواية الاولى؛ و هي صحيحة الحلبي، و التشهّد في الثانية؛ و هي صحيحة ابن سنان، مع ورودهما في مقام البيان»(مدارك الأحكام 4: 283.) و يرد على الاستدلال المزبور: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل على المسألة، فمع وجود الروايات المعتبرة في المسألة لا مجال لجريان الأصل. و الأخبار المطلقة يجب تقييدها بالأخبار المقيّدة باعتبار التشهّد و التسليم. و موثّق عمّار الظاهر في عدم وجوب شي ء في سجدتي السهو، لا يقاوم الأخبار المقيّدة؛ لاشتهارها و مخالفتها العامّة. و أمّا الجمع بين الأخبار المقيّدة و الموثّق بحملها على الاستحباب- كما فعله العلّامة في «المختلف»- فقد أجاب عنه المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بقوله: «و ارتكاب التأويل في الجميع- بإخراج كلّ منها عن ظاهره من غير شاهد خارجي- خلاف ما يقتضيه قاعدة التراجيح؛ إذ لو بني على ارتكاب مثل هذا الجمع في الأخبار المتناقضة صورة، قلّما يوجد للأخبار العلاجية الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات عند تعارض الأخبار مورد، فالأظهر في مثل المقام إعمال قاعدة التراجيح لا الجمع، و من الواضح عدم صلاحية الموثّقة- التي قد ترمى بالشذوذ- لمعارضة المعتبرة المستفيضة المشهورة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 595/ السطر 21.)، انتهى. الثاني: في بيان المراد بالتشهّد الخفيف: قد قيّد التشهّد في بعض الأخبار ب «الخفيف» و المراد به التشهّد المتعارف الواجب في الصلاة الخالي من الأذكار المستحبّة؛ و هو الشهادتان، و الصلاة على النبيّ و آله، و ليس المراد به مجرّد الشهادتين خالياً عن الصلاة على النبيّ و آله؛ لأنّ الصلاة على النبيّ و آله و إن لم تندرج في مفهوم لفظ «الشهادة» لغةً و في العرف العامّ، و لكنّها مندرجة فيها بحسب ارتكاز عرف المتشرّعة، و لذا عدّت من أجزاء التشهّد، كالشهادتين، و ادعى المحقّق في «المعتبر» الإجماع على وجوبها، و قال: «الواجب السجدتان، و الشهادتان، و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و التسليم، و على ذلك علماؤنا أجمع»(المعتبر 2: 400.) ، انتهى. الثالث: في بيان المراد من التسليم بعد سجدتي السهو: إنّ المراد به هو التسليم الذي يخرج به عن الصلاة، بل الظاهر خصوص «السلام عليكم» لانصراف إطلاق الأمر بالتسليم إلى المخرج منه. و لكن حكي عن أبي الصلاح أنّه قال: «و ينصرف عنهما بالتسليم على محمّد و آله» و لعلّه لإطلاق التسليم عليه، كإطلاقه على الصيغتين الأخيرتين. و فيه ما عرفت من انصراف الإطلاق إلى المخرج من التسليم.

ص: 486

ص: 487

ص: 488

ص: 489

ص: 490

(مسألة 6): لو شكّ في تحقّق موجبه بنى على عدمه،
اشارة

و لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب الإتيان به، و لو علم بالموجب و تردّد بين الأقلّ و الأكثر بنى على الأقلّ.

و لو شكّ في فعل من أفعاله فإن كان في المحلّ أتى به، و إن تجاوز لا يعتني به.

و إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدة بنى على الأقلّ، إلّا إذا كان شكّه بعد الدخول في التشهّد. و لو علم بأنّه زاد سجدة أو علم أنّه نقص واحدة أعاد (1).

هنا مسائل ستّ:
الاولى: لو شكّ في تحقّق موجب سجود السهو-
الثانية: لو شكّ في إتيان سجود السهو بعد العلم بوجوبه-
الثالثة: لو علم بالموجب و تردّد بين الأقلّ و الأكثر،
الرابعة: لو شكّ في فعل من أفعاله،

1- أيّ موجب كان- بني على عدمه؛ و ذلك لاستصحاب عدم تحقّقه، فلا يجب عليه سجود السهو. للعلم بتحقّق موجبه- وجب الإتيان به؛ و ذلك لاقتضاء الاشتغال اليقيني بالسجود، اليقين بالبراءة، و لا يحصل إلّا بإتيانه، فيجب الإتيان به، أو لاستصحاب عدم إتيانه المقتضي لوجوب اتيانه. بني على الأقلّ؛ و ذلك لأنّ الأقلّ متيقّن، و حدوث الزائد عليه مشكوك، و مع الشكّ في تحقّق الزائد يجري استصحاب عدم تحقّقه. فإن كان في المحلّ أتى به، و إن تجاوز فلا يعتنى؛ و ذلك لقاعدة الشكّ في المحلّ المقتضية لوجوب الإتيان بالمشكوك ببركة قاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان المشكوك، و لقاعدة التجاوز. و أتى بالاخرى؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان المشكوك. نعم لو شكّ في ذلك بعد الدخول في التشهّد لا يعتني به، لقاعدة التجاوز. و في «العروة الوثقى»: «و كذا إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو ثلاث سجدات»(العروة الوثقى 2: 50.) أي لا يعتني بهذا الشكّ؛ لأنّ وجود السجدتين متيقّن و ما زاد عليهما مشكوك، فينفى بأصالة عدم الزيادة. و الوجه فيه انتفاء الترتيب- اللازم مراعاته بمقتضى دلالة «الفاء» في قوله «فتشهّد» - بين التشهّد و السجدة الثانية بالفصل بينهما بالسجدة الزائدة. و لو علم بنقص واحدة تداركها ما لم تفت الموالاة العرفية، و مع فواتها يعيد السجدتين.

ص: 491

الخامسة: إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدة بنى على الأقلّ،
السادسة: لو علم أنّه زاد سجدة على السجدتين أعادهما،

ص: 492

ص: 493

ختام فيه مسائل متفرّقة

(مسألة 1): لو شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر،
اشارة

فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده (1)،

الصورة الاولى: أن يشكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً مع العلم بإتيان الظهر،

1- في هذه المسألة صور كثيرة ربّما تبلغ ستّاً و ثلاثين، و المصنّف رحمه الله قد تعرّض لتفصيل جملة منها هنا و في تأليفه المسمّى ب «الرسائل العشرة»(الرسائل العشرة، الإمام الخميني قدس سره: 99.) و حكمها البطلان، و الوجه فيه أنّ المفروض إتيان الظهر صحيحةً قبلًا، و سقط أمرها بالامتثال قطعاً، فما بيده لا يصلح لكونه ظهراً بالعدول إليها، و لا يصلح لكونه عصراً أيضاً؛ لعدم إحراز نيّتها. و قد استثنى المحقّق الحائري رحمه الله- بعد القول ببطلان ما بيده في الصورة المزبورة- ما يعلم من ظاهر حاله الدخول في الصلاة بقصد إتيان ما في الذمّة، فقال: «فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده؛ لأنّه لا يعلم أنّه في الصلاة الثانية بعنوان أنّها عصر أو ظهر إلّا أن يعلم من حاله أنّه حال دخوله في الصلاة كان عازماً لأداء ما في الذمّة، فيصحّ ما بيده مطلقاً و إن قصده ظهراً في نفس الأمر؛ لأنّه من قبيل الخطأ في التطبيق»(الصلاة، المحقّق الحائري: 421.) ، انتهى. و اورد عليه بعدم الدليل على اعتبار ظاهر الحال في غير الموارد الخاصّة التي قام الدليل فيها على اعتبار الظنّ(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 107.) و قد يتمسّك في تصحيح ما بيده عصراً بقاعدة التجاوز، بتقريب أن يقال: إنّه يشكّ فعلًا و في أثناء الصلاة في نيّة الخلاف حين الشروع فيها، فيبني على الدخول فيها بنيّة صحيحة- و هي نيّة العصر- بمقتضى قاعدة التجاوز، فيصحّ ما بيده عصراً. و أورد عليه في «المستمسك» بقوله: «و لا مجال لإحرازها» أي النيّة «بقاعدة التجاوز؛ لأنّ صدق التجاوز يتوقّف على إحراز العنوان، و هو موقوف على النيّة»(مستمسك العروة الوثقى 7: 596.)، انتهى.

ص: 494

و إن كان لم يُصلِّها، أو شكّ في أنّه صلّاها أو لا، فإن كان لم يُصلِّ العصر، و كان في الوقت المشترك، عدل به إلى الظهر (1).

الصورة الثانية: أن يشكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً، و يعلم بعدم إتيان الظهر،

1- أو يشكّ في أنّه صلّى الظهر أو لا، و علم بعدم إتيان العصر أيضاً، و كان في الوقت المشترك، فحينئذٍ يصحّ ما بيده بالعدول إلى الظهر. و وجه الصحّة ما أشار إليه المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته من: «أنّه لو كان ظهراً من أوّل الأمر فهو، و لو كان عصراً يجب العدول إلى الظهر»(الصلاة، المحقّق الحائري: 421.) و لا يخفى: أنّ هذه الصورة ليست من موارد العدول الحقيقي؛ لأنّه يكون فيما إذا احرز عنوان المعدول عنه، كما إذا دخل في العصر مثلًا جزماً، و توجّه في أثنائها إلى عدم إتيان الظهر، فيعدل عمّا بيده- و هو عنوان العصر جزماً- إلى الظهر، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ ما بيده يحتمل كونه عصراً، كما يحتمل كونه ظهراً، فلم يحرز كونه عصراً جزماً كي يعدل عنها حقيقةً إلى الظهر، فالعدول فيه تقديري؛ بمعنى جعل ما بيده ظهراً و إتيان بقية أجزائه بعنوان الظهر؛ للعلم بأنّه لو كان ظهراً من أوّل الأمر لوجب عليه إتيان البقيّة بما أنّها أجزاء الظهر، و لو كان عصراً وجب عليه العدول.

ص: 495

و كذا إن كان في الوقت المختصّ بالعصر؛ لو كان الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر و إدراك ركعة من العصر (1)،

الصورة الثالثة: و هي عين الصورة الثانية، و لكنّه كان في الوقت المختصّ بالعصر،

1- و كان الوقت وسيعاً؛ بحيث يمكن إتيان بقيّة ما بيده ظهراً مع إدراك ركعة من العصر في الوقت، حيث إنّه لو اتفق في هذا الفرض إحراز كون ما بيده عصراً جزماً و توجّه في الأثناء إلى إتيان الظهر، وجب عليه العدول إلى الظهر قطعاً مع إدراك ركعة من العصر في الوقت. و كذلك الحال فيما إذا شكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً، فيعدل عنه إلى الظهر عدولًا تقديرياً، و يأتي ببقيّة الأجزاء بعنوان أنّها من الظهر، و بعد إتمامها يأتي بالعصر.

ص: 496

و مع عدم السعة فإن كان الوقت واسعاً لإدراك ركعة من العصر، ترك ما بيده و صلّى العصر و يقضي الظهر (1)، و إلّا فالأحوط إتمامه عصراً و قضاء الظهر و العصر خارج الوقت؛ و إن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه. و في المسألة صور كثيرة ربما تبلغ ستّاً و ثلاثين (2).

الصورة الرابعة: أن يشكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً، و يعلم بعدم إتيان الظهر،
الصورة الخامسة: و هي الصورة الرابعة بعينها، و لكنّ الوقت لم يكن واسعاً لإدراك ركعة من الوقت،

1- أو يشكّ في إتيانها و عدمه. مع العلم بعدم إتيان العصر أيضاً، و كان في الوقت المختصّ بالعصر، و لكن لم يكن الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر و إدراك ركعة من العصر، بل بقي من الوقت بمقدار إدراك ركعة من العصر فقط، فحينئذٍ يجب ترك ما بيده و الشروع في العصر؛ لاختصاص الوقت بها، و لا يجوز الدخول في غيرها في الوقت المختصّ بها، و يقضي الظهر بعدها.
2- بل كان بمقدار أقلّ من إدراك ركعة، فالأحوط إتمام ما بيده عصراً؛ لأنّ المفروض بقاء الوقت بمقدار أقلّ من ركعة، و هو مختصّ بالعصر، فيلزم إتمامه عصراً، ثمّ قضاء الظهر و العصر خارج الوقت؛ أمّا قضاء الظهر فلعدم صلاحية جعل ما بيده ظهراً أداءً، و المفروض عدم إتيانها قبلًا، فوجب قضاؤها، و أمّا قضاء العصر فلعدم كفاية إدراك أقلّ من ركعة من الوقت في الاجتزاء بما بيده عصراً أداءً؛ لأنّ المستفاد من مثل قوله عليه السلام: «من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) ، هو الاجتزاء أداءً فيما أدرك ركعة من الوقت، لا مطلقاً، فيجب قضاؤها. و لعلّه هو الوجه في جواز رفع اليد عمّا بيده؛ حيث إنّ الوقت المزبور لا يصلح لجعل ما بيده ظهراً أداءً؛ لاختصاصه بالعصر، و لا عصراً كذلك؛ لعدم إحراز نيّتها، و عدم إمكان إدراك ركعة منه في الوقت.

ص: 497

و ممّا ذكر ظهر حال ما إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء. نعم موضع جواز العدول هاهنا فيما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة (1).

(مسألة 2): لو علم بعد الصلاة أنّه ترك سجدتين من ركعتين-

سواء كانتا من الأوّلتين أو الأخيرتين- صحّت، و عليه قضاؤهما و سجدتا السهو مرّتين، و كذا إن لم يدرِ أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأنّهما من ركعتين، و كذا إن علم في أثنائها بعد فوت محلّ التدارك (2).


1- هذا الفرض متحد ملاكاً مع المسألة السابقة في جميع صورها المذكورة، لكن موضع جواز العدول هاهنا ما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة، و مع الدخول في ركوعها يبطل ما بيده في صورة العلم بعدم إتيان المغرب، و كذا في صورة الشكّ.
2- لو علم بترك سجدتين من ركعة واحدة مع فوات محلّ التدارك، بطلت الصلاة؛ لنقص الركن. و لو علم بتركهما من ركعتين فتارةً: يحصل العلم به بعد الصلاة، و اخرى: يحصل في أثنائها قبل الفراغ منها، و قد حكم المصنّف و السيّد رحمهما الله هنا و في «العروة الوثقى»(العروة الوثقى 2: 59- 60.) بصحّة الصلاة و وجوب قضاء السجدتين و سجدتي السهو مرّتين مطلقاً؛ أي سواءٌ علم بكونهما من الركعتين الأوّلتين، أو الأخيرتين، أو لم يدرِ أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بكونهما من ركعتين. و هذا القول هو المختار؛ و ذلك لإطلاق الأخبار الدالّة على وجوب قضاء السجدة المنسيّة، و وجوب تكرّر سجدتي السهو بتكرّر نسيان السجدة الواحدة أو غيرها من الأسباب الموجبة لسجود السهو. و قد يفصّل(راجع المستند في شرح العروة الوثقى 19: 113.) بين ما إذا حصل العلم بعد الفراغ من الصلاة بترك السجدتين، و بين ما إذا حصل في أثنائها و قبل الفراغ منها، فيقع الكلام في موضعين: الموضع الأوّل: و فيه صور ثلاث: الاولى: العلم بترك سجدتين سهواً من غير الأخيرة. الثانية: العلم بترك إحداهما من الأخيرة، و الاخرى من غيرها. الثالثة: الشكّ في كون إحداهما من الأخيرة. أمّا الصورة الاولى: فيجب فيها قضاء السجدتين المنسيتين و سجود السهو مرّتين. و أمّا الصورة الثانية: ففيها فرضان: الأوّل: أن يكون حصول العلم بترك السجدتين بعد التسليم و قبل تحقّق المنافي للصلاة، فيتدارك السجدة المنسية من الركعة الأخيرة؛ لعدم فوات محلّها، و يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة السلام الواقع في غير محلّه سهواً، و يقضي السجدة المنسية من غير الأخيرة، و يسجد سجدتي السهو لنسيانها. الثاني: أن يحصل العلم بعد تحقّق المنافي للصلاة، كالحدث، و الاستدبار، و الفصل الطويل، فيخرج من صلاته بالتسليم، و يكون حال السجدة المنسيّة من الأخيرة- كالمنسية من غيرها- في وجوب قضائها؛ لعدم إمكان تداركها بتحقّق المنافي، و وجوب سجدتي السهو لها. و أمّا الصورة الثالثة: ففيها أيضاً فرضان: الأوّل: أن يحصل الشكّ في كون إحدى السجدتين المنسيتين من الركعة الأخيرة بعد ارتكاب المنافي للصلاة، فحكمها وجوب قضاء السجدتين و سجدتي السهو مرّتين؛ لخروجه من صلاته بالتسليم، و فوات محلّ تدارك سجدة الركعة الأخيرة على فرض العلم بكونها منها، فضلًا عن الشكّ فيه. الثاني: أن يحصل الشكّ المزبور قبل ارتكاب المنافي للصلاة، و حينئذٍ يحصل له العلم التفصيلي بترك إحدى السجدتين من إحدى الركعات السابقة على الأخيرة، و العلم الإجمالي بترك السجدة الاخرى إمّا من الركعة الأخيرة، أو من إحدى الركعات السابقة. و بعبارة اخرى: إحدى السجدتين المنسيتين معلوم كونها من غير الأخيرة، و الاخرى مردّدة بين كونها من إحدى الركعات السابقة أيضاً، و بين كونها من الأخيرة؛ بحيث لو كانت من الأخيرة فقد وجب إتيانها بعد السلام تداركاً، و لو كانت من غير الأخيرة يؤتى بها قضاءً، فأمرها دائر بين التدارك و القضاء، فيأتي بها بقصد ما في الذمّة من غير تعيين أنّه بعنوان التدارك أو بعنوان القضاء، و يتشهّد و يسلّم بعد السجدة احتياطاً، و يسجد سجدتي السهو مرّةً للسجدة المعلوم تركها نسياناً من غير الأخيرة، و اخرى إمّا لزيادة السلام بناءً على التدارك، و إمّا لنسيان السجدة الاخرى بناءً على كونها من غير الأخيرة أيضاً. الموضع الثاني: و هو ما إذا حصل العلم في أثناء الصلاة بترك سجدتين، و فيه صور: الاولى: أن يعلم بكون إحدى السجدتين المنسيتين من الركعة التي هي بيده، فيرجع و يتداركها، و بعد الفراغ من الصلاة يقضي المنسية من الركعة السابقة، و يسجد سجدتي السهو مرّة. الثانية: أن يعلم بتركهما من الركعتين السابقتين، و يكون التذكّر بعد الدخول في الركن ممّا بيده، كمن دخل في ركوع الرابعة مثلًا و تذكّر ترك سجدتين من ركعتين سابقتين على الرابعة، فيمضي في صلاته، و بعد الفراغ منها يقضي السجدتين، و يسجد سجدتي السهو مرّتين. الثالثة: أن يعلم بترك إحدى السجدتين من إحدى الركعات السابقة، و يشكّ في أنّ السجدة الاخرى ممّا بيده، أو من ركعة اخرى من الركعات السابقة، و يكون شكّه قبل أن يدخل في الجزء المترتّب على السجدة الأخيرة، كالتشهّد، و القيام، فحينئذٍ يرجع و يتدارك سجدة الركعة التي هي بيده؛ عملًا بقاعدة الشكّ في المحلّ مع عدم فوات محلّ التدارك، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركعة الاخرى التي هي طرف شكّه، و بعد الفراغ من الصلاة يقضي السجدة المعلوم فواتها من إحدى الركعات السابقة، و يسجد سجدتي السهو لها. و لو كان شكّه المزبور بعد الدخول فيما يترتّب على السجدة الأخيرة، فلا تجري قاعدة التجاوز في شي ء من الطرفين؛ لسقوطها بالتعارض، بل المرجع حينئذٍ هو قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الركعة التي هي بيده، فيرجع و يتدارك سجدتها؛ لبقاء محلّها، و المرجع هو البراءة بالنسبة إلى الركعة الاخرى التي هي الطرف الآخر للشكّ؛ لفوات محلّ تداركها على فرض فوات السجدة منها، فينحلّ العلم الإجمالي بجريان قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الركعة التي هي بيده، فيرجع و يأتي بسجدتها، و بجريان قاعدة البراءة بالنسبة إلى الركعة التي هي طرف شكّه، و ليس عليه شي ء بعد الفراغ من الصلاة إلّا قضاء السجدة المعلوم تفصيلًا فواتها من إحدى الركعات السابقة و سجدتا السهو مرّة. و لا يخفى: أنّ الرجوع إلى أصالة الاشتغال و البراءة في المسألة، مبنيٌّ على عدم جريان استصحاب عدم إتيان السجدة في كلّ من طرفي الشكّ لمخالفته للمعلوم بالإجمال؛ حيث إنّ المعلوم إجمالًا ترك السجدة الواحدة- غير السجدة المعلوم فواتها تفصيلًا من إحدى الركعات السابقة- إمّا ممّا بيده، أو من إحدى الركعات السابقة، و أمّا بناءً على جريانه في أمثال المقام ممّا لم تكن المخالفة للعلم الإجمالي مخالفة عملية، فالواجب عليه ثلاث سجدات؛ واحدة حين التذكّر تداركاً، و ثنتان بعد الفراغ من الصلاة قضاءً؛ إحداهما: عمّا علم فواته تفصيلًا، و الاخرى: عمّا فات بمقتضى الاستصحاب. و لا يمكن هنا إتيان السجدة المردّدة بين كونها من الأخيرة أو من ركعة اخرى من الركعات السابقة بقصد ما في الذمّة- كما كان ممكناً فيما تقدّم؛ أي فيما كانت إحدى السجدتين المنسيتين مردّدة بين كونها من الركعة الأخيرة، أو من ركعة اخرى من الركعات السابقة، و كان محلّ التذكّر فيه بعد الفراغ من الصلاة، و قبل فعل المنافي- للفرق بينهما؛ حيث إنّ السجدة المأتية هناك محلّها بعد الفراغ من الصلاة، و قبل فعل المنافي، فتصلح لكونها تداركاً، كصلاحيتها لكونها قضاءً، فلا مانع من قصد ما في الذمّة هناك، بخلاف ما نحن فيه؛ لأنّ السجدة المأتية فيه محلّها أثناء الصلاة، فهي لا تصلح إلّا لإتيانها تداركاً فقط، و لا تصلح لكونها قضاء؛ لكون محلّ القضاء بعد الفراغ من الصلاة.

ص: 498

ص: 499

ص: 500

ص: 501

ص: 502

(مسألة 3): لو كان في الركعة الرابعة- مثلًا- و شكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين و الثلاث،

كان قبل إكمال السجدتين أو بعده، فالأحوط الجمع بين البناء و عمل الشكّ و إعادة الصلاة، و كذلك إذا شكّ بعد الصلاة (1).

(مسألة 4): لو شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر، أو أنّه أتمّها

و هذه أوّل العصر، فإن كان في الوقت المشترك جعلها آخر الظهر،


1- قد تعرّض المصنّف رحمه الله لهذه المسألة سابقاً في ضمن المسألة الخامسة من مسائل «القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة» و أفتى هناك بالبناء على الصحّة و عدم الاعتناء بشكّه فيما إذا حدث شكّه الثاني- أي الشكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، و حكم بالاحتياط بالبناء على الأكثر و عمل الشكّ ثمّ إعادة الصلاة؛ فيما إذا كان شكّه الثاني في أثناء الصلاة، أو بعدها و قبل إتيان صلاة الاحتياط، أو في أثنائها(تحرير الوسيلة 1: 192.) و الوجه فيه: أنّ قاعدة الفراغ تجري قطعاً و بلا إشكال فيما إذا حدث الشكّ الثاني بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، و كذا تجري بعد الفراغ من أصل الصلاة؛ سواءٌ حدث الشكّ الثاني قبل الشروع في صلاة الاحتياط، أو في أثنائها، أو بعد الفراغ منها. و هذا مبنيّ على كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة، لا متمّمةً للصلاة الأصلية، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه هناك.

ص: 503

و إن كان في الوقت المختصّ بالعصر، فالأقوى هو البناءُ على إتيان الظهر و رفعُ اليد عمّا بيده؛ و إتيانُ العصر إن وسع الوقت لإدراك ركعة منه، و مع عدم السعة له فالأحوط إتمامه عصراً و قضاؤه خارج الوقت؛ و إن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه (1).


1- الوجه في جعل الركعة التي هي بيده آخر الظهر فيما إذا كان شكّه في الوقت المشترك، هو قاعدة الاشتغال؛ حيث يشكّ في فراغ ذمّته من الظهر. بل مقتضى استصحاب عدم تمام الظهر أو كونه في الظهر، هو وجوب إتمام ما بيده ظهراً. و وجه قوّة البناء على إتيان الظهر فيما إذا كان شكّه في الوقت المختصّ بالعصر، كون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً بعد الوقت، فلا يعتنى به. و وجه رفع اليد عمّا بيده و عدم جواز جعله عصراً، هو عدم إحراز النيّة؛ لكونه مشكوك الدخول فيها. و وجه وجوب إتيان العصر مع سعة الوقت لإدراك ركعة منها فيه، هو اشتغال ذمّته بها يقيناً المقتضي للبراءة اليقينية. و وجه الاحتياط في إتمام ما بيده عصراً مع عدم سعة الوقت لإدراك ركعة منه فيه، هو احتمال كونه أوّل العصر واقعاً، و مع ذلك يجب قضاؤه خارج الوقت؛ لعدم إحراز النيّة، لكونه مشكوك الدخول فيها، و هو الوجه في جواز رفع اليد عنه رأساً.

ص: 504

(مسألة 5): لو شكّ في العشاء بين الثلاث و الأربع،

و تذكّر أنّه لم يأتِ بالمغرب، بطلت صلاته، و إن كان الأحوط إتمامها عشاءً و الإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب (1).


1- وجه البطلان عدم صلاحية ما بيده لكونه عشاءً بالبناء على الأكثر و إتمامه و ضمّ ركعة الاحتياط إليه؛ و ذلك لفوات الترتيب المعتبر بين المغرب و العشاء، و المفروض تذكّره في الأثناء أنّه لم يأتِ بالمغرب. و لا يصلح أيضاً لكونه مغرباً بالعدول عمّا بيده إليها؛ لاستلزامه وقوع الشكّ في ركعات المغرب، و هو مبطل. و وجه الاحتياط بإتمامها عشاءً و الإتيان بركعة الاحتياط، ما أشار إليه بعض المحشّين «للعروة الوثقى» من أنّ الظاهر من اعتبار الترتيب بين الواجبين المترتّبين، هو اعتبار ترتيب المجموع على المجموع، لا الترتيب في جميع الأجزاء اللاحقة بحيث وقعت بأجمعها بعد السابقة، و حينئذٍ فيسقط الترتيب، و يتمّ ما بيده عشاءً ببركة حديث «لا تعاد ...»(الفقيه 1: 181/ 857 و 225/ 991، تهذيب الأحكام 2: 152/ 597، وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) و يأتي بصلاة الاحتياط، ثمّ يأتي بالمغرب. و وجه الاحتياط بإعادة العشاء بعد الإتيان بالمغرب، احتمال اشتراط الترتيب بالنسبة إلى كلّ جزء؛ بحيث وقع جميع أجزاء اللاحقة بعد السابقة، و المفروض عدم وقوع بقية الأجزاء بعد السابقة، بل تقع البقيّة قبل السابقة عامداً(العروة الوثقى 2: 61، الهامش 3.)

ص: 505

(مسألة 6): لو تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة،

فالأقوى رفع اليد عن العصر و إتمام الظهر ثمّ الإتيان بالعصر، بل لإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر وجه. و الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمام الظهر، و أحوط منه إعادتهما. هذا في الوقت المشترك، و في المختصّ تفصيل (1).


1- وجه رفع اليد عن العصر بقطعها فيما إذا تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك ركعة من الظهر، هو اعتبار الترتيب و تأخّر العصر عن جميع أجزاء الظهر، فما دام لم يأتِ بالركعة الأخيرة من الظهر و لم يفرغ عنها، لا تصحّ العصر. و وجه إتمام الظهر بضمّ الركعة بعد رفع اليد عن العصر، هو أنّ ما أتى به بعنوان العصر ليس زيادة مبطلة؛ لأنّ الزيادة إنّما تبطل فيما إذا كانت مأتية بعنوان الجزئية من الصلاة، فلا تبطل الظهر بوقوع مقدار من العصر في أثنائها سهواً، و لمّا سلّم في الظهر على النقص وجب التدارك بمقدار النقص. و وجه إتمام العصر التي شرع فيها و توجّه في أثنائها إلى ترك ركعة من الظهر، ما ذكرناه في ضمن البحث عن المسألة السابقة: من أنّ المعتبر ترتيب المجموع على المجموع، لا الترتيب في جميع أجزاء اللاحقة؛ بحيث تقع اللاحقة بجميع أجزائها بعد السابقة، و حينئذٍ يتمّ عصره، ثمّ يأتي بالظهر بعد عصره. و وجه الاحتياط بإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر ثمّ إعادة العصر بعد إتيان الظهر، هو العمل بكلا الوجهين في اعتبار الترتيب. و أمّا كون إعادة الصلاتين أحوط من الأحوط فيما إذا رفع اليد عن العصر و أتمّ الظهر بضمّ ركعة إليها ثمّ أتى بالعصر، فلاحتمال عدم جواز الاجتزاء بما أتى به بالكيفية المزبورة؛ حيث إنّ مقتضى اعتبار ترتيب المجموع على المجموع، إتمام عصره، فإذا رفع اليد عنها و أتمّ ظهره بضمّ ركعة إليها، تكون ظهره باطلة، و بطلان الظهر يستلزم بطلان العصر؛ لفوات الترتيب، فبطلانهما يقتضي إعادتهما. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد اختيار القول بقطع صلاة العصر و إتمام الظهر ثمّ إعادة الصلاتين: «و يحتمل العدول إلى الظهر بجعل ما بيده رابعة لها؛ إذا لم يدخل في ركوع الثانية»(العروة الوثقى 2: 62- 63.) و قال السيّد الخوئي رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»: «إنّ العدول هو الظاهر، بل لو دخل في ركوع الركعة الثانية فبما أنّ الظهر المأتي بها لا يمكن تصحيحها، يعدل بما في يده إليها فيتمّها، ثمّ يأتي بالعصر بعدها، و لا حاجة إلى إعادة الصلاتين في كلا الفرضين»(نفس المصدر: 63/ الهامش 1.) و لا يخفى: أنّ احتمال العدول ضعيف؛ لأنّ العدول خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل معتبر، و لا دليل معتبر عليه. نعم قد ورد به خبر شاذّ ضعيف؛ و هو مرسل الطبرسي في «الاحتجاج»، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان عليه السلام: أنّه كتب إليه يسأله عن رجل صلّى الظهر و دخل في صلاة العصر، فلمّا صلّى من صلاة العصر ركعتين، استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟ فأجاب: «إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة، أعاد الصلاتين، و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر، و صلّى العصر بعد ذلك»(وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 12، الحديث 1.) هذه كلّه في الوقت المشترك. و أمّا في الوقت المختصّ بالعصر- بأن تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة- ففيه تفصيل؛ و هو أنّه إن بقي من الوقت مقدار إدراك ركعة من العصر بعد إتمام الظهر بضمّ ركعتها إليها، رفع اليد عن العصر، و أتمّ الظهر، و بعد إتمامها يأتي بالعصر، و إلّا أتمّ ما بيده عصراً، و بعد إتمامها قضى الظهر.

ص: 506

ص: 507

(مسألة 7): لو صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة- مثلًا- من إحداهما من غير تعيين،

فإن كان مع الإتيان بالمنافي بعد كلّ منهما، فإن اختلفا في العدد أعادهما، و إلّا أتى بواحدة بقصد ما في الذمّة (1).


1- وجه وجوب إعادة كلتا الصلاتين المختلفتين في عدد الركعات فيما إذا فرغ منهما و علم بنقصان ركعة مثلًا من إحداهما من غير تعيين مع إتيان المنافي بعد كلّ من الصلاتين، هو وجود العلم الإجمالي ببطلان إحداهما، مع عدم وجود المصحّح لهما في البين؛ لتعارض قاعدة الفراغ من الطرفين، فمقتضى الاشتغال اليقيني بتكليف إحداهما البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بإعادتهما معاً. و أمّا الصلاتان المتحدتان في العدد كالظهرين، فاللازم الإتيان بواحدة بقصد ما في الذمّة، فإن كان ما في ذمّته ظهراً فيحسب ظهراً، و إن كان عصراً فعصراً، و لا يجب إعادة العصر مراعاةً للترتيب الواقعي؛ لسقوط الترتيب ببركة حديث «لا تعاد ...». و لا يخفى: أنّ الاكتفاء بواحدة بقصد ما في الذمّة، مبنيّ على ما تقدّم في مبحث مواقيت اليومية؛ من أنّ المشهور أنّه لا وجه للعدول من العصر إلى الظهر بعد الفراغ من الصلاة فيما إذا أتى بالعصر و فرغ منها قبل الظهر سهواً، بل ما أتى به عصراً عصره واقعاً، و يأتي بعدها بالظهر؛ و ذلك لسقوط الترتيب. و أمّا على القول الغير المشهور- أي جواز العدول من العصر بعد الفراغ منها إلى الظهر، ثمّ إتيان العصر بعد ذلك- فلا يكفي إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة، بل يجب عليه إتيانها بنيّة العصر رعايةً للترتيب؛ حيث إنّ الناقص من الصلاتين إن كان هو العصر فقد أتى بها ثانيةً تماماً، و إن كان هو الظهر فقد جعل ما أتى به تماماً ظهراً بالعدول إليها بعد عمل الصلاتين، و أتى بالعصر بعد ذلك، و حصل الترتيب بهذه الكيفية.

ص: 508

و إن كان قبل المنافي في الثانية مع الإتيان بالمنافي بعد الاولى، ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان ثمّ أعاد الاولى (1). و مع عدم الإتيان به بعدهما لا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة. هذا في الوقت المشترك.


1- إذا علم بنقصان ركعة مثلًا من إحدى الصلاتين، و كان قبل ارتكاب المنافي عقيب الثانية، ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان، ثمّ أعاد الاولى؛ و ذلك للعلم الإجمالي بنقص إحداهما، حيث إنّ الناقص لو كان هي الصلاة الثانية، وجب إتمامها بضمّ ما تتمّ به، ثمّ إعادة الاولى؛ لعدم قابليتها لضمّ الركعة إليها- على القول بجواز الإقحام- لإتيان المنافي بعدها المانع من ضمّ الركعة إليها، مع تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إليها المقتضي للإعادة.

ص: 509

و أمّا في المختصّ بالعصر فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية، و عدم وجوب إعادة الاولى (1).


1- إذا علم بعد الصلاتين بنقصان ركعة مثلًا من إحداهما مع عدم إتيان المنافي بعدهما، فلا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متصلة بقصد ما في الذمّة. فإن كان الناقص العصر تكون الركعة المتصلة بها متمّمة لها، و إن كان الظهر تكون متمّمة لها. و هذا مبنيّ على جواز إقحام الصلاة في الصلاة؛ و أنّه لا يوجب البطلان. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة؛ للعلم الإجمالي بصحّة إحدى الصلاتين في الواقع، مع كونهما متجانستين. و في «المستمسك»: «فيجب عليه ذلك فراراً من لزوم الإبطال المحتمل»(مستمسك العروة الوثقى 7: 606.) و أمّا بناءً على عدم جواز الإقحام في الصلاة، فالواجب في فرض المسألة ضمّ ركعة متصلة إلى الثانية و إعادة الاولى، و حينئذٍ تكون الثانية صحيحةً؛ إمّا لكونها أربع ركعات في الواقع، و إمّا لضمّ ركعة متصلة إليها قبل فعل المنافي بعد التسليم على فرض كونها ناقصة في الواقع، و الاولى باطلةً لفعل الثانية. هذا كلّه في الوقت المشترك. و أمّا في الوقت المختصّ بالعصر، فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية، و عدم وجوب إعادة الاولى، و لعلّه لكون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً بعد الوقت.

ص: 510

(مسألة 8): لو شكّ بين الثلاث و الاثنتين أو غيره من الشكوك الصحيحة،

ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط، يتمّها بقصد ما في الذمّة، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط، و لا تجب عليه إعادة الصلاة. هذا إذا كانت صلاة الاحتياط المحتملة ركعة واحدة. و أمّا إذا كانت ركعتين- كالشكّ بين الاثنتين و الأربع- فالأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (1).


1- لو شكّ بين الثلاث و الاثنتين- مثلًا- و بنى على الثلاث و مضى في صلاته، ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط، يتمّها بقصد ما في الذمّة؛ و ذلك لصلاحية ما بيده لأن تكون الركعة الأخيرة، كصلاحيتها لكونها ركعة الاحتياط، فإن كان قد أتمّ صلاته الأصلية في الواقع و فرغ من عهدتها، كان ما بيده ركعة الاحتياط، و إن لم يتمّها كان ما بيده آخر صلاته، و قد أتى بها بقصد ما في الذمّة، و فرغ من عهدتها يقيناً، و مقتضى اشتغال الذمّة بصلاة الاحتياط هو الفراغ منها، و لا يحصل إلّا بإتيانها بعد الفراغ عمّا بيده، و لا تجب عليه إعادة الصلاة؛ إذ لا وجه للإعادة. و لا يخفى: أنّ ما ذكرنا من إتمام ما بيده بقصد ما في الذمّة ثمّ إتيان صلاة الاحتياط، إنّما يتمّ فيما إذا كانت صلاة الاحتياط ركعتين أيضاً، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع و بنى على الأربع، ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته الأصلية، أو الثانية من ركعتي الاحتياط، فيتمّها بقصد ما في الذمّة؛ لما ذكر من صلاحيتها لكونها آخر صلاته الأصلية، كصلاحيتها لكونها الركعة الثانية من صلاة الاحتياط، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط ركعتين. و لكنّ المصنّف رحمه الله قد احتاط بإعادة الصلاة بعد إتيان صلاة الاحتياط، و لم نفهم وجهه. و قد ذهب السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»- بعد اختيار قول السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و هو جعل ما بيده آخر الصلاة(العروة الوثقى 2: 64.) - إلى عدم وجوب إعادة الصلاة مطلقاً؛ أي سواء كانت صلاة الاحتياط ركعة واحدة، أو ركعتين، حيث قال: «و نحوها» أي الصورة الاولى التي يكون ما عليه من صلاة الاحتياط ركعة واحدة «الصورة الثانية»؛ و هي ما إذا كانت صلاة الاحتياط ذات ركعتين، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، و شكّ في أنّ ما بيده هل هي الركعة الأخيرة من الصلاة الأصلية، أم الركعة الثانية من صلاة الاحتياط، فإنّه يجري فيه ما مرّ حرفاً بحرف؛ إذ لا يلزم من البناء على الأوّل زيادة شي ء أصلًا»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 140.)، انتهى.

ص: 511

(مسألة 9): لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب،

أو أنّه سلّم على الثلاث و هذه اولى العشاء، فإن كان بعد الركوع بطلت، و وجبت عليه إعادة المغرب، و إن كان قبله يجعلها من المغرب و يجلس و يتشهّد و يسلّم، و لا شي ء عليه (1).


1- وجه بطلان الصلاة فيما لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب، أو أنّه سلّم على الثلاث، و هذه أولى العشاء، و كان شكّه بعد الدخول في الركوع؛ هو عدم إمكان تصحيحها أصلًا، لا بعنوان المغرب؛ لأنّ المفروض دخوله في الركوع، فلا يمكن المضي فيها؛ إذ لا رابعة للمغرب، و لا يمكن هدم القيام و الجلوس و التشهّد و التسليم؛ لفوات محلّ التدارك، و لا بعنوان العشاء؛ لعدم إحراز نيّتها حين الدخول فيها، و لفقد الترتيب المعتبر فيها؛ حيث لم يأتِ بالمغرب قبلها. و وجه وجوب إعادة المغرب هو اشتغال الذمّة بالتشهّد و التسليم، أو استصحاب عدم إتيانهما المقتضيان لوجوب إتيانهما، و لا يمكن تداركهما مع الدخول في الركوع، فتبطل قهراً، و تجب إعادتها. و الوجه في جعل ما بيده من المغرب فيما إذا كان شكّه المذكور قبل الدخول في الركوع، هو اشتغال الذمّة يقيناً بالمغرب و استصحاب عدم الفراغ منها، المقتضيان لإتمامها مغرباً بهدم القيام و الجلوس للتشهّد و السلام. و لا يجب عليه سجود السهو لأجل القيام و غيره من الزيادات- على فرض صدورها- لعدم العلم بحصول زيادتها في المغرب؛ إذ من المحتمل أنّه فرغ من المغرب بلا زيادة عليها، و أنّ ما بيده اولى العشاء، و اشتغال الذمّة بالمغرب و كذا استصحاب عدم الفراغ منها و إن كانا يستلزمان الزيادة المزبورة، لكنّهما مثبتان بالنسبة إلى وجوب سجدتي السهو لها.

ص: 512

(مسألة 10): لو شكّ و هو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين و الثلاث،

و علم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة، يبني على الثلاث و يقضي التشهّد بعد الفراغ (1).


1- وجه البناء على الثلاث فيما إذا شكّ حال الجلوس بعد السجدتين بين الاثنتين و الثلاث و علم بعدم إتيان التشهّد بعد السجدتين، هو إطلاق أدلّة البناء على الثلاث الشامل لفرض المسألة. و وجه وجوب قضاء التشهّد المعلوم عدم الإتيان به، هو أنّه قد فات محلّ تداركه تعبّداً بالبناء على الثلاث؛ حيث إنّ الركعة البنائية يعامل معها معاملة الركعة الواقعية من جميع الجهات، فكما أنّه لو كان في الركعة الثالثة واقعاً و علم بعد سجدتيها بعدم إتيان التشهّد في محلّه، يجب عليه قضاؤه بعد الصلاة؛ لفوات محلّ تداركه وجداناً، فكذا في الثالثة البنائية؛ لفوات محلّ تداركه تعبّداً. و في «العروة الوثقى»: «لا إشكال في أنّه يجب عليه أن يبني على الثلاث، لكن هل عليه أن يتشهّد أم لا؟ وجهان، لا يبعد عدم الوجوب، بل وجوب قضائه بعد الفراغ؛ إمّا لأنّه مقتضى البناء على الثلاث، و إمّا لأنّه لا يعلم بقاء محلّ التشهّد من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية، و كونه فيها مشكوك، بل محكوم بالعدم»(العروة الوثقى 2: 65- 66.)، انتهى. و لعلّ وجه وجوب التدارك ما أشار إليه استاذ الأساتذة المحقّق الحائري رحمه الله في كتاب «الصلاة»: «فهل يستفاد من أنّ أدلّة وجوب البناء على الأكثر، مضي وقت التدارك فيجب عليه القضاء بعد الصلاة مثلًا، أم ليست متعرّضة إلّا لجهة عدد الركعات، و لا يثبت بها مضي محلّ التدارك للتشهّد، و يترتّب على الثاني وجوب الإتيان بالتشهّد في الصلاة و قضاؤه بعدها؛ للعلم الإجمالي بأحد الأمرين، و لكنّ الظاهر الأوّل»(الصلاة، المحقّق الحائري: 422- 423.)، انتهى. و مراده من الثاني تعرّض الأدلّة لجهة عدد الركعات فقط، و مراده من الأوّل تعرّضها لمضيّ محلّ التدارك للتشهّد مضافاً إلى جهة عدد الركعات.

ص: 513

ص: 514

و كذا لو شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد (1).


1- لو شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع مع علمه بعدم إتيان التشهّد في محلّه، بنى على الأربع، و مقتضى إطلاق الأدلّة الدالّة على البناء على الأكثر، المعاملة مع الرابعة البنائية معاملة الرابعة الواقعية في جميع الجهات، فيحكم حال القيام بتجاوز محلّ تدارك التشهّد، فيجب قضاؤه بعد الصلاة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «و أمّا لو شكّ و هو قائم بين الثلاث و الأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد في الثانية، فحكمه المضي و القضاء بعد السلام؛ لأنّ الشكّ بعد تجاوز محلّه»(العروة الوثقى 2: 66.) و أورد عليه في «المستمسك» بأنّه: «إن كان المراد أنّ الشكّ في التشهّد شكّ بعد التجاوز، فلا يلتفت إليه لقاعدة التجاوز، فالتشهّد ليس مشكوكاً، و إنّما هو معلوم الانتفاء»(مستمسك العروة الوثقى 7: 609.)، انتهى. و أجاب عنه في «مستند العروة الوثقى» بقوله: «و يندفع بأنّ مراده قدس سره إجراء القاعدة بالإضافة إلى الركعة التي قام عنها بخصوصها؛ و أنّه هل أتى بوظيفته المقرّرة فيها أم لا؟ فإنّها إن كانت الثانية فقد أخلّ، و إلّا لم يخلّ، و لا منافاة بين هذا الشكّ و بين العلم بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 147.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ للمصلّي حال القيام شكّين: شكّ بين الثلاث و الأربع، و شكّ في بقاء محلّ التشهّد و عدمه، و حكم الشارع بالبناء على الأربع تعبّد منه بعدم الاعتناء بالشكّ الثاني؛ لتجاوز محلّه تعبّداً، لما ذكرنا من المعاملة مع الركعة البنائية معاملة الركعة الواقعية من جميع الجهات، فكما أنّه لو كان في الركعة الرابعة و علم بعدم الإتيان بالتشهّد مضى في صلاته، و قضاه بعد الفراغ، فكذا الحال فيما إذا شكّ حال القيام بين الثلاث و الأربع و علم بعدم الإتيان بالتشهّد، فإنّه حال القيام كان شاكّاً في بقاء محلّ إتيان التشهّد، و بالبناء على الأكثر قد تجاوز محلّ إتيانه تعبّداً، و وجب قضاؤه.

ص: 515

(مسألة 11): لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة، فالظاهر بطلان صلاته.

(مسألة 11): لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة، فالظاهر بطلان صلاته (1).


1- إذا شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع، و علم إجمالًا بأنّه إن كان في الركعة الثالثة كان قيامه بعد الركوع، و إن كان في الرابعة كان قبل الركوع، فعلى الأوّل يجب عليه بعد السجدتين القيام إلى الرابعة، و على الثاني يجب عليه الركوع و إتمام صلاته. و مقتضى العلم الإجمالي بطلان صلاته؛ لأنّ طريق صحّتها منحصر في قاعدة البناء على الأكثر، و إتمام الصلاة، و جبر النقص المحتمل بركعة الاحتياط، و هي لا تجري في مفروض المسألة؛ لأنّه إذا بنى على الأربع و أتى بالركوع- بمقتضى قاعدة الشكّ في المحلّ- و مضى في صلاته و أتمّ، يحصل له العلم ببطلان صلاته هذه: إمّا من أجل عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط؛ بناءً على كون ما بيده رابعة في الواقع، كما هو أحد طرفي العلم الإجمالي بأنّه بعد الركوع من الثالثة، أو قبل الركوع من الرابعة، و الحال أنّ لصلاة الاحتياط دخالة في صحّة الصلاة الأصلية بعد البناء على الأكثر و إتمام الصلاة؛ حيث إنّ مقتضى القاعدة المستفادة من الأخبار(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15.) ، بطلان صلاة من شكّ في عدد الركعات و لم يغلب على ظنّه شي ء، إلّا في موارد منصوصة تتوقّف صحّة الصلاة فيها- بعد البناء على الأكثر و إتمام الصلاة- على ضمّ صلاة الاحتياط إليها، و المفروض في المسألة عدم الحاجة إليها. و إمّا من أجل زيادة الركوع بناءً على كون ما بيده ثالثة في الواقع، كما هو الطرف الآخر من العلم الإجمالي المذكور، فبعد فرض كون قيامه بعد الركوع من الثالثة يكون الركوع زائداً. و بالجملة: بطلان الصلاة بالبناء على الأكثر و إتيان الركوع و المضي في الصلاة و إتمامها، إمّا لأجل عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط التي لها دخالة في صحّة الصلاة الأصلية؛ بناءً على كون قيامه قبل الركوع من الرابعة، و إمّا لأجل زيادة الركوع بناءً على كون قيامه بعد الركوع من الثالثة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها: «إذا شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة، بنى على الثاني؛ لأنّه شاكّ بين الثلاث و الأربع، و يجب عليه الركوع؛ لأنّه شاكّ فيه مع بقاء محلّه. و أيضاً هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة»(العروة الوثقى 2: 66.)، انتهى. و يرد عليه ما ذكرنا من العلم بالبطلان اللازم إمّا من لغوية صلاة الاحتياط، أو من زيادة الركوع.

ص: 516

ص: 517

و لو انعكس؛ بأن كان شاكّاً في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة، فيبني على الأربع و يأتي بالركوع ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ، لكن الأحوط إعادة الصلاة أيضاً (1).


1- إذا شكّ حال القيام بين الثلاث و الأربع، و علم إجمالًا أنّه إن كان في الركعة الثالثة كان قيامه قبل الركوع، و إن كان في الرابعة كان بعد الركوع، فقد أفتى المصنّف رحمه الله بأنّه يبني على الأربع، و يأتي بالركوع، ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ، لكنّ الأحوط إعادة الصلاة أيضاً. و لعلّ مدرك فتواه ما أشار إليه استاذه المحقّق الحائري رحمه الله في كتاب «الصلاة»: «من أنّ مقتضى ما ذكرنا من عدم تعرّض أدلّة البناء لإيجاد الجزء و عدمه، وجوب إتيانه أيضاً؛ لأنّه شكّ في الشي ء قبل تجاوز المحلّ»(الصلاة، المحقّق الحائري: 423.)، انتهى. و فيه: أنّ البناء على الأكثر و العمل بوظيفة الشاكّ، يصحّح الصلاة المحتمل نقصها فيما لم يعرض الصلاة البطلان من جهة اخرى، كما التزم رحمه الله به في أصل الفرض و قال بالبطلان، إمّا لأجل عدم الحاجة إلى ركعة الاحتياط و لغويتها مع دخالتها في صحّة الصلاة، و إمّا لأجل زيادة الركوع على ما ذكرناه تفصيلًا. و يلزم في العكس أيضاً العلم ببطلان الصلاة؛ حيث إنّ صلاة الاحتياط إنّما تجبر النقص- على تقدير كون صلاته ثلاث ركعات في الواقع- بشرط كونها صحيحة على تقدير كونها أربع ركعات في الواقع، و المفروض بطلانها على هذا التقدير؛ لزيادة الركوع. و في «مستند العروة الوثقى»: «و بعبارة اخرى: يعلم حينئذٍ» أي حين البناء على الأكثر و إتمام الصلاة «أنّه عند التشهّد و التسليم لا أمر بهما جزماً؛ إمّا لوقوعهما في الثالثة، أو لكون الصلاة باطلة في نفسها؛ فإنّ التقدير الأوّل إنّما يكون مورداً للجبر فيما إذا احتمل وقوع التسليم على الرابعة الصحيحة غير المتحقّق فيما نحن فيه؛ للجزم بالبطلان لو كانت رابعة»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 157.) و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- بعد احتمال وجوب البناء على الأربع بعد الركوع في عكس فرض المسألة-: «لكن لا يبعد بطلان صلاته؛ لأنّه شاكّ في الركوع من هذه الركعة، و محلّه باقٍ، فيجب عليه أن يركع، و معه يعلم إجمالًا أنّه إمّا زاد ركوعاً، أو نقص ركعة، فلا يمكن إتمام الصلاة مع البناء على الأربع و الإتيان بالركوع مع هذا العلم الإجمالي»(العروة الوثقى 2: 67.) و أجاب عنه السيّد الخوئي رحمه الله: «بأنّ نقصان الركعة متى كان طرفاً للعلم الإجمالي، فلا أثر له بعد تداركها بركعة الاحتياط و كونها جابرة للنقص حتّى واقعاً و جزءاً متمّماً واقعياً لدى الحاجة إليها، و لا بدّ في تنجيز العلم الإجمالي من فرض أثر مترتّب على الواقع على كلّ تقدير، و هو منفيّ في المقام؛ إذ لا أثر في البين عدا احتمال زيادة الركوع المدفوعة بالأصل من غير معارض»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 155.)

ص: 518

ص: 519

(مسألة 12): لو كان قائماً و هو في الركعة الثانية من الصلاة،

و يعلم أنّه أتى فيها بركوعين، و لا يدري أنّه أتى بهما في الاولى، أو أتى فيها بواحد و أتى بالآخر في هذه الركعة، فالظاهر بطلان صلاته (1).


1- وجه البطلان- مضافاً إلى أنّ قاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان الركوع، يقتضيان وجوب إتيانه، و معه تلزم زيادته قطعاً، فتبطل الصلاة- ما ذكره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» من أنّه شاكّ في ركوع هذه الركعة، و محلّه باقٍ، فيجب عليه أن يركع. مع أنّه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته، و لا يجوز له أن لا يركع مع بقاء محلّه، فلا يمكنه تصحيح الصلاة»(العروة الوثقى 2: 67- 68.) و اورد عليه: «بأنّ قاعدة الشكّ في المحلّ لا تجري بالنسبة إلى الركوع؛ للعلم بسقوط أمر الركوع إمّا بالامتثال و إتيانه في محلّه، أو ببطلان الصلاة بإتيان الركوعين في ركعة واحدة. و كذا لا تجري قاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان الركوع؛ لأنّ موضوعهما الشكّ في حصول الامتثال و بقاء الأمر بالركوع، و مع العلم بسقوط أمر الركوع- إمّا بالامتثال، و إمّا ببطلان الصلاة بزيادة الركوع- لا يحتمل بقاء الأمر به، فينتفي موضوعهما». و قد يستدلّ على بطلان الصلاة أيضاً بقاعدة الاشتغال في أصل الصلاة، حيث يشكّ في براءة الذمّة من الصلاة المأمور بها مع الشكّ في وقوع ركوع كلّ ركعة في محلّه، و مع عدم التمكّن من تداركه في المحلّ- لاستلزامه زيادة الركن- فالاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بإعادة الصلاة. و قال جماعة من فقهائنا في حواشيهم على «العروة الوثقى»: «بأن يأتي بالسجدتين بلا ركوع، و يتمّ صلاته، ثمّ يعيدها». و لعلّ الوجه فيه دوران الصلاة بين الصحّة على تقدير وقوع كلّ من الركوعين في محلّه، فيجب إتمامها، و هذا مبنيّ على حرمة قطع الصلاة، و بين البطلان على تقدير وقوعهما في الركعة الاولى، فيجب إعادتها. و فيه: أنّ حرمة قطع الصلاة لو سلّمت، فإنّما تسلّم فيما إذا كانت الصلاة في نفسها صالحة لإتمامها- بجميع أجزائها و شرائطها- صحيحةً و سقوط أمرها بالامتثال، و حينئذٍ فلا يجوز قطعها، و ما نحن فيه ليس كذلك؛ إذ مع احتمال وقوع الركوعين في ركعة واحدة لا يمكن إتمامها صحيحةً حتّى يحرم قطعها. و قد أشكل السيّد الخوئي رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى» على السيّد رحمه الله بقوله: «كيف يكون باقياً مع العلم بعدم الأمر بالركوع إمّا للإتيان به، و إمّا لبطلان الصلاة؟!» ثمّ قال: «و عليه فلا يبعد الحكم بصحّة الصلاة؛ لجريان قاعدة الفراغ في الركوع الثاني الذي شكّ في صحّته و فساده من جهة الشكّ في ترتّبه على السجدتين في الركعة الاولى و عدمه»(العروة الوثقى 2: 68/ الهامش 1.) ، انتهى. و هذا منه رحمه الله مبني على مختاره في جريان قاعدة الفراغ عند الشكّ في صحّة الموجود و فساده و لو كان جزءاً من أجزاء المركّب، كفاية مجرّد الفراغ عمّا يشكّ في صحّته و فساده من غير اعتبار الدخول في الجزء المترتّب عليه، بخلاف قاعدة التجاوز، حيث يعتبر فيها الشكّ في أصل الوجود بعد الدخول في الجزء المترتّب عليه، و المصلّي عالم بوجود الركوع الثاني و الفراغ منه. و لكنّه يشكّ في صحّته و فساده، و مقتضى قاعدة الفراغ الجارية في نفس الركوع، البناء على وقوعه صحيحاً، و لا يقع صحيحاً إلّا إذا وقع في الركعة الثانية. و ليس هذا من اللوازم العقلية لإجراء القاعدة حتّى تكون من الاصول المثبتة، لأنّ التعبّد بوقوع الركوع في محلّه، مفاد القاعدة و مؤدّاها بلا واسطة. هذا خلاصة ما أفاده مقرّره رحمهما الله في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 162- 165.)

ص: 520

ص: 521

(مسألة 13): لو علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه ترك سجدتين، و لم يدرِ أنّهما من ركعة واحدة،

أو من ركعتين، فالأحوط قضاء السجدة مرّتين، و كذا سجود السهو مرّتين، ثمّ إعادة الصلاة. و كذا إذا كان في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّي، و أمّا مع بقائه فالأقوى الإتيان بهما، و لا شي ء عليه (1).


1- العلم الإجمالي بترك سجدتين من ركعتين، يتصوّر على وجوه كثيرة نذكر بعضها: منها: أن يعلم بعد الفراغ من الصلاة بتركهما، و لكن لم يدرِ أنّهما من ركعتين، أو من ركعة سابقة، أو من ركعة لاحقة، فبناءً على كون التسليم مخرجاً عن الصلاة و مانعاً عن تدارك الفائت- كالدخول في الركن- يلزم الاحتياط عند المصنّف رحمه الله بإتمام الصلاة، و قضاء السجدتين، و سجود السهو مرّتين؛ لاحتمال كون المتروك السجدة الواحدة في كلّ من الركعتين، ثمّ إعادة الصلاة؛ لاحتمال تركهما من إحدى الركعتين. و لا يخفى: أنّه لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة السابقة؛ لتعارضها بجريانها في الركعة اللاحقة، و تساقطهما. نعم تجري القاعدة بالنسبة إلى السجدة الاولى من كلّ من الركعتين من غير تعارض بينهما؛ لعدم التكاذب، لاحتمال ترك السجدة الثانية فقط من كلّ من الركعتين، و حينئذٍ فلا يبعد صحّة الصلاة؛ لانحلال العلم الإجمالي تعبّداً، و يجزي قضاء السجدتين و سجود السهو مرّتين من غير حاجة إلى الإعادة؛ و إن كانت الإعادة أحوط، لاحتمال تركهما من إحدى الركعتين في الواقع. هذا كلّه بناءً على مخرجية التسليم. و بناءً على القول بعدم كون التسليم مخرجاً، فمع عدم وجود المنافي بعد التسليم فالواجب إتيان السجدتين؛ لكون الشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الأخيرة شكّاً في المحلّ، و بالنسبة إلى سجدتي الركعة السابقة تجري قاعدة التجاوز بلا معارض. و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما من ركعتين، و يحصل العلم به في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّي، و لم يدرِ أنّهما من ركعتين، أو من الاولى، أو من الثانية، فحكم هذه الصورة حكم السابقة. و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما، و يكون في الأثناء، مع بقاء المحلّ الشكّي، كما لو جلس في الثانية مثلًا، و شكّ قبل الدخول في التشهّد، في أنّه ترك سجدتين من ركعتين، أو من الاولى، أو من الثانية، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بالشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى، و الحكم بتحقّقهما فيها، و لا تجري القاعدة بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية؛ لكون الشكّ فيها شكّاً في المحلّ، فيأتي بهما، و لا شي ء عليه. و في «المستمسك»: «بل يمتنع جريانها في الثانية منهما» أي من سجدتي الركعة الثانية «للعلم بعدم سقوط أمرها؛ إمّا للبطلان على تقدير تركهما من الاولى، أو لعدم الإتيان بها على تقدير المحتملين الآخرين؛ إذ مع العلم المذكور يمتنع التعبّد بالوجود، بل المرجع في اولى سجدتي الثانية قاعدة الشكّ في المحلّ الموجبة للتدارك، و مقتضى العلم بعدم سقوط أمر الاخرى هو ذلك أيضاً، فيتداركهما معاً في المحلّ، و يتمّ صلاته، و يكتفي بها»(مستمسك العروة الوثقى 7: 614.) و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما إمّا من الركعة الاولى، أو من الثانية، و لا يحتمل تركهما من الركعتين، و يكون شكّه في المحلّ، كما لو جلس في الثانية، و شكّ في فواتهما معاً من الاولى، أو من الثانية، فحكمه أن يأتي بسجدتي الركعة الثانية؛ لكون الشكّ بالنسبة إليهما شكّاً في المحلّ، حيث جلس و لم يدخل بعد في التشهّد، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى بلا معارض، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. و قد علّل السيّد الحكيم رحمه الله تدارك سجدتي الثانية: «بأنّه يعلم بعدم امتثال أمر سجدتي الثانية؛ إمّا للبطلان، أو لعدم الإتيان، فلا يمكن جريان الاصول المفرّغة فيهما. مضافاً إلى قصورها ذاتاً؛ لكون الشكّ في المحلّ، لا بعد التجاوز، و لا بعد الفراغ، و عليه فتجري في سجدتي الاولى بلا معارض»(نفس المصدر: 617.) و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما إمّا من الاولى، أو من الثانية، و يكون شكّه بعد تجاوز المحلّ، كما لو دخل في التشهّد في الثانية، أو قام في الثالثة، و حصل له العلم المذكور، و الحكم فيه كما في الرابعة، فيأتي بسجدتي الركعة الثانية، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه؛ حيث إنّه لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية، للعلم بعدم امتثال أمرهما؛ إمّا لبطلان الصلاة بتركهما من الركعة الاولى، أو لعدم إتيانهما في الركعة الثانية، و تجري بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى بلا معارض.

ص: 522

ص: 523

ص: 524

(مسألة 14): لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية- مثلًا- أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع،

فالظاهر صحّة صلاته. و كذا لو حصل الشكّ بعد الفراغ من صلاته. و لو شكّ في الفرضين في أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة، تجب عليه الإعادة بعد الاحتياط بإتمام الصلاة و قضاء السجدة و سجدتي السهو (1).


1- قد تعرّض المصنّف رحمه الله هنا لمسائل ثلاث: الاولى: لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلًا أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع، فالظاهر صحّة صلاته؛ لجريان قاعدة التجاوز في الركوع، و لا تجري بالنسبة إلى القراءة؛ لعدم معارضتها بجريانها في الركوع، حيث إنّه لا أثر لنقص القراءة- الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي- في البطلان، و حينئذٍ فالمرجع في القراءة أصالة عدم الإتيان، و أثرها وجوب سجود السهو بناءً على القول بوجوبه لكلّ زيادة و نقيصة، فينحلّ العلم الإجمالي بجريان قاعدة التجاوز في الركوع و أصالة عدم الإتيان في القراءة، و يحكم بصحّة الصلاة و وجوب سجود السهو على القول به. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بوجوب إعادة الصلاة، و لكن الأحوط استحباباً إتمام الصلاة، و سجود السهو، ثمّ إعادة الصلاة(العروة الوثقى 2: 69- 70.) و لعلّ وجه وجوب الإعادة، هو سقوط قاعدة التجاوز في القراءة و الركوع بالمعارضة، و الرجوع إلى استصحاب عدم الإتيان بالركوع المقتضي للإعادة. و لا يعارضه استصحاب عدم إتيان القراءة لإثبات وجوب سجود السهو؛ لأنّ هذا الأثر يترتّب عليه فيما لو كانت الصلاة محكومةً بالصحّة، و المفروض بطلانها؛ لاستصحاب عدم الإتيان بالركوع. و فيه: أنّ الرجوع إلى هذا الاستصحاب لإثبات وجوب الإعادة، فرع جريان قاعدة التجاوز في كلّ من الركوع و القراءة و تساقطهما، و قد ذكرنا أنّها لا تجري بالنسبة إلى القراءة. الثانية: لو علم بعد الفراغ من صلاته أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع، فالحكم كما في المسألة الاولى؛ لتساويهما في عدم جواز الرجوع لتدارك الركوع- الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي- بعد فرض الدخول في السجدة الثانية. الثالثة: لو شكّ بعد ما دخل في السجدة الثانية أو بعد الفراغ من الصلاة؛ في أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة، أو الركوع من هذه الركعة، فقد حكم المصنّف رحمه الله هنا بوجوب الإعادة عليه بعد الاحتياط بإتمام الصلاة و قضاء السجدة و سجدتي السهو. و لعلّه لتعارض قاعدة التجاوز في الطرفين، و حينئذٍ فيرجع إلى مقتضى العلم الإجمالي؛ و هو الاحتياط بإتمام الصلاة، و قضاء السجدة، و سجدتي السهو، ثمّ إعادة الصلاة. و لا يخفى: أنّه لا فرق بين هذا الفرض؛ و هو كون أحد طرفي العلم الإجمالي ترك إحدى السجدتين، و بين الفرض السابق- و هو كون أحدهما ترك القراءة- في جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركوع، و عدم جريانها بالنسبة إلى الطرف الآخر من العلم الإجمالي، و المرجع في كلّ من الفرضين أصالة عدم الإتيان، فيجب سجود السهو على الفرض الأوّل؛ بناءً على وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة، و قضاء السجدة و سجود السهو على الفرض الثاني.

ص: 525

ص: 526

(مسألة 15): لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة،

فمع بقاء المحلّ الشكّي فالأقوى الاكتفاء بإتيان القراءة. و كذا في كلّ علم إجماليّ مشابه لذلك، و مع التجاوز عن المحلّ لزوم العود لتداركهما مع بقاء محلّ التدارك (1).


1- لو قام من الركعة الاولى، و علم حال القيام قبل أن يدخل في الركوع؛ أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة الاولى، أو ترك القراءة من الركعة التي هي بيده، فحينئذٍ إن كان شكّه في المحلّ فالأقوى إتيان القراءة؛ لكون الشكّ فيها شكّاً في المحلّ، و يكتفى بها. و لا يعتني بالشكّ في السجدتين؛ لأنّ الشكّ فيهما بعد تجاوز المحلّ. و كذا الحال في كلّ علم إجمالي مشابه لذلك. و إن كان شكّه بعد تجاوز المحلّ- كما لو دخل في السورة، و شكّ في أنّ المتروك هو الحمد، أو السجدتان، أو دخل في القنوت، و شكّ في أنّ المتروك هو القراءة، أو السجدتان- فالأقوى لزوم العود و تدارك كلّ من السجدتين و القراءة؛ لتنجّز العلم الإجمالي، و عدم جريان قاعدة التجاوز في شي ء من الطرفين؛ لتعارضهما. و في صلاة الحائري رحمه الله: «و يحتمل وجوب العود إلى القراءة فقط؛ فإنّ وجوبها معلوم على كلّ تقدير، لأنّه إن ترك السجدتين فالقراءة وقعت في غير محلّها، و إن ترك القراءة فيجب إتيانها، فوجوب القراءة ثابت على أيّ حال، فيكون الشكّ بالنسبة إلى ترك السجدتين بدويّاً»(الصلاة، المحقّق الحائري: 425- 426.) ، انتهى. هذا كلّه مع بقاء محلّ التدارك. و مع فواته- كما دخل في الركوع، و علم أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة الاولى، أو قراءة الركعة الثانية التي هي بيده- فمقتضى العلم الإجمالي إتمام الصلاة؛ لاحتمال كون المتروك هو القراءة، و سجود السهو؛ بناءً على وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة، ثمّ إعادة الصلاة؛ لاحتمال ترك السجدتين مع عدم إمكان تداركهما.

ص: 527

(مسألة 16): لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد و شكّ في أنّه ترك السجدة أيضاً أم لا

فالأقوى الاكتفاء بإتيان التشهّد (1).


1- الوجه في الاكتفاء بإتيان التشهّد و عدم وجوب السجدة في مفروض المسألة؛ هو أنّه حال القيام قد علم بترك التشهّد، فوجب تداركه، و السجدة المشكوكة قد تجاوز محلّها، فلا يجب تداركها. و لا يرد عليه: أنّه بعد هدم القيام و الجلوس للتشهّد، يكون شكّه بالنسبة إلى السجدة شكّاً في المحلّ، فيجب إتيانها؛ و ذلك لوضوح حدوث الشكّ في إتيان السجدة حال القيام قبل حالة الجلوس، و المعيار في الشكّ زمان حدوثه. و المعتبر عند المصنّف رحمه الله في قاعدة التجاوز، هو التجاوز عن محلّ المشكوك و إن لم يدخل في الغير المترتّب عليه(الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 329.) ، و القائلون باعتبار الدخول في الغير المترتّب على المشكوك فيه في قاعدة التجاوز، لا يكتفون في مفروض المسألة بإتيان التشهّد فقط، بل يلتزمون بإتيان السجدة و التشهّد معاً و إتمام الصلاة من غير حاجة إلى الإعادة، فالتزامهم بإتيان السجدة لأجل كون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً في المحلّ؛ إذ لم يدخل بعد في الغير المترتّب على المشكوك فيه؛ لأنّه مع العلم بترك التشهّد يكون القيام ملغًى، لا مترتّباً عليه، و في الحقيقة يكون شكّه في ترك السجدة بعد القيام الزائد الملغى- مع العلم بترك التشهّد- شكّاً في المحلّ من حين حدوثه، و قبل أن يهدم القيام. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد احتمال كفاية الإتيان بالتشهّد في مفروض المسألة-: «و الأحوط الإعادة بعد الإتمام؛ سواء أتى بهما، او بالتشهّد فقط»(العروة الوثقى 2: 72.)، انتهى. و هذا الاحتياط الذي ذكره رحمه الله مبني على المبنيين في قاعدة التجاوز؛ من اعتبار الدخول في الغير المترتّب عليه، و عدم اعتباره، حيث إنّه تحتمل الزيادة العمدية إذا أتى بكلّ من السجدة و التشهّد؛ بناءً على عدم اعتبار الدخول في الغير المترتّب على المشكوك فيه في القاعدة، كما أنّه تحتمل النقيصة العمدية إذا اكتفى بالتشهّد فقط؛ بناءً على اعتبار الدخول في الغير المترتّب عليه، و حينئذٍ فيلزم الاحتياط جمعاً بين المبنيين المذكورين في قاعدة التجاوز.

ص: 528

ص: 529

(مسألة 17): لو علم إجمالًا أنّه أتى بأحد الأمرين- من السجدة و التشهّد- من غير تعيين،

و شكّ في الآخر، فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتنِ بشكّه، و إن كان في المحلّ الشكّي فالظاهر جواز الاكتفاء بالتشهّد، و لا شي ء عليه (1).


1- وجه عدم الاعتناء بالشكّ فيما لو علم بعد الدخول في القيام بإتيان أحد الأمرين- من السجدة و التشهّد- من غير تعيين و شكّ في إتيان الآخر منهما، هو جريان قاعدة التجاوز في كلّ من السجدة و التشهّد بلا تعارض، بل تجري القاعدة حتّى مع الشكّ حال القيام في إتيان كلّ من السجدة و التشهّد. و هذا ممّا لا كلام و لا إشكال فيه. و إنّما الإشكال فيما لو كان شكّه قبل تجاوز المحلّ، كما لو شكّ حال الجلوس في إتيان أحدهما مع العلم بإتيان الآخر، و حينئذٍ فالواجب هو الإتيان بالتشهّد؛ لكون الشكّ بالنسبة إليه شكّاً قبل تجاوز المحلّ، و أمّا السجدة فالظاهر عدم وجوبها؛ لأنّ المأتي به في الواقع إن كان هو السجدة، فقد سقط أمرها بالامتثال. و إن كان التشهّد فيكون الشكّ في السجدة شكّاً بعد تجاوز المحلّ، فلا يعتنى به. و بالجملة: لا يجب إتيان السجدة إمّا للإتيان بها واقعاً، أو للإتيان بها تعبّداً ببركة قاعدة التجاوز، فيكتفي بالتشهّد، و لا شي ء عليه. قد يقال- كما عن السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها-: إنّه لا يجب عليه إتيان السجدة أيضاً لأنّه شاكّ في كلّ منهما مع بقاء المحلّ، و لا يجب الإعادة بعد الإتمام و إن كان أحوط(العروة الوثقى 2: 72- 73.) و فيه: أنّ الإتيان بهما معاً يوجب العلم بالزيادة العمدية الموجبة للبطلان؛ لأنّ المفروض العلم بإتيان أحدهما في الواقع، فإتيانه ثانياً- في ضمن إتيانهما معاً- زيادة عمدية.

ص: 530

(مسألة 18): لو علم أنّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة،

فإن كان جالساً أتى بالتشهّد و أتمّ الصلاة، و لا شي ء عليه.

و إن نهض إلى القيام- أو بعد الدخول فيه- فشكّ، فالأقوى وجوب العود لتدارك التشهّد و الإتمام و قضاء السجدة و سجود السهو، و كذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا علم أنّه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة (1).


1- الوجه في إتيان التشهّد و الاكتفاء به و إتمام الصلاة- من غير حاجة إلى إتيان السجدة قضاءً بعد الفراغ من الصلاة- فيما إذا علم أنّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة، أو التشهّد من هذه الركعة التي هي بيده مع كونه جالساً، هو كون الشكّ بالنسبة إلى التشهّد شكّاً في المحلّ، و بالنسبة إلى السجدة شكّاً بعد تجاوز المحلّ، فحينئذٍ ينحلّ العلم الإجمالي. و الوجه في وجوب العود لتدارك التشهّد و إتمام الصلاة و قضاء السجدة و سجود السهو؛ فيما إذا نهض إلى القيام أو دخل فيه، و علم بترك السجدة من الركعة السابقة، أو التشهّد من هذه الركعة، هو استصحاب عدم إتيان كلّ من السجدة و التشهّد بعد تساقط قاعدة التجاوز من الطرفين بالتعارض، فيلزم العود لتدارك التشهّد، و قضاء السجدة بعد الفراغ من الصلاة، و سجود السهو مرّتين؛ مرّة لنسيان السجدة، و اخرى لزيادة القيام على فرض الدخول فيه و القول بالوجوب فيها. هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى العلم الإجمالي، هو العود إلى التشهّد و قضاء السجدة بعد الفراغ من الصلاة و سجدتا السهو لنسيانها؛ لأنّه يعلم إجمالًا بوجوب أحد الأمرين، و لا حاجة إلى إعادة الصلاة. و هذا الوجه يجري في نظائر المسألة أيضاً حرفاً بحرف، كما إذا علم أنّه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة، أو من هذه الركعة، فإن كان الشكّ قبل الدخول في التشهّد يأتي بسجدة هذه الركعة، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه، و إن كان بعد الدخول في التشهّد يأتي بسجدة هذه الركعة، و يتمّ صلاته، و يقضي سجدة الركعة السابقة، و يأتي بسجود السهو. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «و إن كان حال النهوض إلى القيام أو بعد الدخول فيه، مضى و أتمّ الصلاة، و أتى بقضاء كلّ منهما مع سجدتي السهو، و الأحوط إعادة الصلاة أيضاً»(العروة الوثقى 2: 73.) و لعلّ وجه المضيّ في الصلاة و إتمامها، جريان قاعدة التجاوز في كلّ من سجدة الركعة السابقة و تشهّد هذه الركعة. و العلم الإجمالي في المقام ليس منجّزاً حتّى يجب العود لتدارك التشهّد؛ لعدم فعلية المعلوم بالإجمال بالنسبة إلى كلّ من طرفيه، لأنّ المتروك إن كان هو التشهّد فهو مأمور به فعلًا، و أمّا إن كان هو السجدة فهي غير مأمورٍ بقضائها فعلًا؛ لحدوث الأمر بقضائها بعد الفراغ من الصلاة. و اورد عليه(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 197- 198.) أوّلًا: أنّه لا يشترط في تنجيز العلم الإجمالي فعلية طرفيه كليهما، بل لو كان الحكم في أحد الطرفين فعلياً في الحال، و في الطرف الآخر فعلياً في الاستقبال، كان كافياً في التنجيز. و ثانياً: أنّه قد امر فعلًا و حين حدوث العلم الإجمالي، بقضاء السجدة بعد الفراغ من الصلاة، فيجب عليه في الحال قضاء السجدة بعد الفراغ، كالواجب التعليقي، و حينئذٍ فقاعدة التجاوز تجري في الطرفين، و تسقط بالتعارض، فيرجع إلى استصحاب عدم إتيان السجدة و التشهّد كليهما، و يعود و يتدارك التشهّد، و يقضي السجدة بعد الفراغ من الصلاة، و يسجد سجدتي السهو مرّتين، كما ذكرنا.

ص: 531

ص: 532

(مسألة 19): لو تذكّر و هو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية

- مثلًا- أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الاولى و ترك- أيضاً- ركوع هذه الركعة، جعل السجدة أو السجدتين للركعة الاولى، و قام و قرأ و قنت و أتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. و كذا الحال في نظير المسألة بالنسبة إلى سائر الركعات (1).


1- إذا كان في السجدة الاولى أو الثانية أو بعدهما من الركعة الثانية مثلًا، و تذكّر أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة الاولى نسياناً، و ترك ركوع الركعة الثانية أيضاً كذلك، جعل السجدة أو السجدتين- المأتي بها بعنوان سجدة الركعة الثانية- للركعة الاولى، و في الحقيقة قد بقي محلّ التدارك لسجدة الركعة الاولى؛ حيث لم يدخل في ركوع الركعة الثانية، فكان قيامه و قراءته و قنوته زوائد لا تخلّ بالصلاة. نعم هي توجب سجود السهو بناءً على القول بوجوبه لكلّ زيادة و نقيصة. لو كان المنسي من الركعة الاولى سجدة واحدة و أتى بسجدتين في الركعة الثانية، جعل إحداهما للركعة الاولى، و تكون الاخرى زائدة، و بعد أن جعل السجدة- المأتي بها بعنوان الركعة الثانية- للركعة الاولى يقوم إلى الركعة الثانية، و يتمّ صلاته.

ص: 533

(مسألة 20): لو صلّى الظهرين، و قبل أن يسلّم للعصر علم إجمالًا أنّه إمّا ترك ركعة من الظهر،

و التي بيده رابعة العصر، أو أنّ ظهره تامّة و هذه الركعة ثالثة العصر، يبني على أنّ الظهر تامّة، و بالنسبة إلى العصر يبني على الأكثر و يتمّ و يأتي بصلاة الاحتياط، و يحتمل جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة. و كذلك الحال في المغرب و العشاء (1).


1- وجه البناء على تمامية الظهر في مفروض المسألة، جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليها، و بالنسبة إلى العصر تجري قاعدة البناء على الأكثر، و إتيان صلاة الاحتياط لكونه شاكّاً بين الثلاث و الأربع قبل أن يفرغ من الصلاة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- بعد أن ذكر أنّ مقتضى قاعدة الفراغ تمامية الظهر، و مقتضى قاعدة البناء على الأكثر الحكم بكون ما بيده رابعة العصر و إتيان صلاة الاحتياط بعد إتمامها-: «إلّا أنّه لا يمكن إعمال القاعدتين معاً؛ لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة، و إن كان ما بيده رابعة فلا تكون الظهر تامّة، فيجب إعادة الصلاتين؛ لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين. نعم الأحوط الإتيان بركعة اخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين؛ لاحتمال كون قاعدة الفراغ من الأمارات»(العروة الوثقى 2: 77- 78.)، انتهى. يعني أنّه يلزم من إعمال القاعدتين مخالفة قطعية؛ للجزم بكون إحدى الصلاتين ثلاث ركعات، و حينئذٍ فإن كانت الظهر في الواقع تامّةً، لم تكن العصر مورداً لقاعدة البناء على الأكثر؛ إذ يلزم إتيان ركعة متصلة لا مفصولة، و إن كانت العصر تامّة لم تكن الظهر مورداً لقاعدة الفراغ، فتتعارض القاعدتان، و حيث لا ترجيح لإحداهما على الاخرى فتتساقطان، و حينئذٍ تجب إعادة الصلاتين. و فيه: أنّ نقصان الظهر تدفعه قاعدة الفراغ، حيث تجعلها تامّة تعبّداً، و النقص المحتمل في العصر يتدارك بصلاة الاحتياط ببركة قاعدة البناء على الأكثر. و أمّا احتمال الاكتفاء بركعة متصلة بما في يده بقصد ما في الذمّة، فقد أشار المصنّف رحمه الله إلى وجهه في حاشيته على «العروة الوثقى» بقوله: «للعلم بنقصان ركعة إمّا من الظهر، أو من العصر، فيأتي بركعة متصلة لجبر الناقص بعد ما قوّينا من عدم إبطال إقحام صلاة في صلاة نسياناً، و كون الترتيب للماهيّتين، لا لأجزائهما»(العروة الوثقى 2: 77/ الهامش 3.)، انتهى. و قال المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته: «و يمكن أن يقال: إنّ دليل وجوب البناء على الأكثر لا يشمل مثل المقام، فتبقى قاعدة الشكّ بعد الفراغ بالنسبة إلى السابقة، سليمةً عن المعارض؛ فإنّه لو بنى في الفرض على الأربع و يتشهّد و يسلّم، يقطع بعدم صحّة ذلك التشهّد و التسليم؛ فإنّهما إمّا واقعان في الركعة الثالثة، أو واقعان على خلاف الترتيب المعتبر في الثانية، و مقتضى ذلك الحكم بصحّة السابقة؛ للشكّ بعد الفراغ، و بطلان الثانية؛ لعدم العلاج»(الصلاة، المحقّق الحائري: 430- 431.)، انتهى. و هذا القول مبني على اعتبار الترتيب في جميع أجزاء الواجبين المترتّبين.

ص: 534

ص: 535

(مسألة 21): لو صلّى الظهرين ثماني ركعات و العشاءين سبع ركعات،

لكن لم يدرِ أنّه صلّاها صحيحة، أو نقص من إحدى الصلاتين ركعة و زاد في قرينتها، صحّت و لا شي ء عليه (1).

(مسألة 22): لو شكّ- مع العلم بأنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات- قبل السلام من العصر؛

في أنّه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر، أو صلّاها خمساً فالتي بيده ثالثة العصر، يبني على صحّة صلاة ظهره، و بالنسبة إلى العصر يبني على الأربع و يعمل عمل الشكّ. و كذا الحال في العشاءين إذا شكّ- مع العلم بإتيان سبع ركعات- قبل السلام من العشاء في أنّه سلّم في المغرب على الثلاث أو على الأربع (2).


1- هذه المسألة ممّا لا إشكال فيها، فتجري قاعدة الفراغ في كلّ من الصلاتين بلا مانع.
2- وجه البناء على صحّة صلاة الظهر في مفروض المسألة، جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليها؛ لكون الشكّ فيها شكّاً بعد السلام، فلا يعتنى به، و الشكّ بالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث و الأربع، فيبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و يأتي بركعة الاحتياط. و لو شكّ في مفروض المسألة في أنّه صلّى الظهر ثلاث ركعات و التي بيده خامسة العصر، فبالنسبة إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ، و بالنسبة إلى العصر يكون شكّه شكّاً بين الأربع و الخمس، فيبني على الأربع؛ إذا كان بعد إكمال السجدتين، فيتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو. و كذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السلام بإتيان سبع ركعات، و شكّ في أنّه سلّم من المغرب على ثلاث، فالتي بيده رابعة العشاء، أو سلّم على الأربع، فالتي بيده ثالثة العشاء، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى المغرب، و شكّه بالنسبة إلى العشاء شكّ بين الثلاث و الأربع، فيبني على الأربع، و بعد إتمام الصلاة يأتي بركعة الاحتياط. و لو شكّ في أنّه سلّم في المغرب على الاثنتين و التي بيده خامسة العشاء، يكون شكّه بالنسبة إلى المغرب شكّاً بعد السلام، فلا يعتني به، و بالنسبة إلى العشاء شكّاً بين الأربع و الخمس، فيبني على الأربع، و يتمّ صلاته، و يسجد سجدتي السهو لأجل الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين.

ص: 536

(مسألة 23): لو علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات، و لم يدرِ أنّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر،

فإن كان بعد السلام من العصر، وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمّة. و إن كان قبل السلام، فإن كان قبل إكمال السجدتين، فالظاهر الحكم ببطلان الثانية و صحّة الاولى، و إن كان بعده عدل إلى الظهر و أتمّ الصلاة و لا شي ء عليه (1).


1- وجه وجوب إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة- فيما لو صلّى الظهرين تسع ركعات، و كان بعد السلام، و لم يدرِ أنّه زاد ركعة في الظهر أو العصر- العلم الإجمالي بفساد إحدى الصلاتين و صحّة الاخرى. و المفروض تساقط قاعدة الفراغ في الصلاتين بالتعارض، فإذا كانت الفاسدة واحدة مردّدة بين الصلاتين المتجانستين، كانت الذمّة مشغولة بها، فيأتي بها بنيّة ما في الذمّة. و لو كان علمه المفروض في المسألة قبل السلام و قبل إكمال السجدتين، فالظاهر الحكم ببطلان الثانية و صحّة الاولى؛ أمّا بطلان الثانية فللقطع به، إمّا لزيادة الركعة على تقدير كونها خمس ركعات في الواقع، أو لفقد الترتيب على تقدير كون صلاة الظهر خمساً في الواقع، و أمّا صحّة الاولى فلكون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً بعد الفراغ، فتجري فيها قاعدة الفراغ بلا معارض. و لو كان شكّه قبل السلام و بعد إكمال السجدتين، فحكمه و إن كان البناء على الأربع و إتمام الصلاة و سجود السهو، إلّا أنّ هذا الحكم لا يجري في العصر؛ للقطع ببطلانها؛ إمّا لزيادة الركعة، أو لفقد الترتيب. و حينئذٍ فيعدل عمّا بيده إلى الظهر، و يتمّ الصلاة ظهراً، و لا شي ء عليه بالنسبة إلى الظهر، و يحصل له اليقين بإتيان ظهر صحيحة مردّدة بين الاولى على تقدير الزيادة في الثانية، و بين الثانية على تقدير الزيادة في الاولى، فتتعيّن عليه إعادة العصر فقط.

ص: 537

(مسألة 24): لو علم أنّه صلّى العشاءين ثماني ركعات، و لا يدري أنّه زاد الركعة في المغرب أو العشاء،

وجبت إعادتهما مطلقاً إلّا فيما كان الشكّ قبل إكمال السجدتين، فإنّ الظاهر الحكم ببطلان الثانية و صحّة الاولى (1).


1- وجه وجوب إعادة الصلاتين فيما إذا كان الشكّ بعد الفراغ من العشاء، تساقط قاعدة الفراغ بالتعارض من الطرفين، و الجزم بفساد إحدى الصلاتين المختلفتين في عدد الركعات، و مقتضى العلم الإجمالي إعادتهما. و يجوز له العدول عمّا بيده إلى المغرب ما دام لم يدخل في ركوع الركعة التي هي بيده، فيهدم القيام و يجلس، و يتمّ صلاته، و يقطع بحصول مغرب صحيحة؛ إمّا بما أتى به أوّلًا على فرض كون الزيادة فيما بيده، و إمّا بالعدول على فرض كون الزيادة فيما أتى به أوّلًا، و حينئذٍ فيعيد العشاء فقط. و أمّا بعد الدخول في الركوع- سواءٌ كان قبل إكمال السجدتين، أو بعده- فلا تصلح ما بيده للصحّة؛ للقطع بفساده، إمّا للزيادة، و إمّا لفقد الترتيب على فرض فساد المغرب بالزيادة، و حينئذٍ فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى المغرب، فيعيد العشاء.

ص: 538

(مسألة 25): لو صلّى صلاة ثمّ اعتقد عدم الإتيان بها و شرع فيها،

و تذكّر قبل السلام أنّه كان آتياً بها، لكن علم بزيادة ركعة- إمّا في الاولى أو الثانية- له أن يكتفي بالاولى و يرفع اليد عن الثانية (1).


1- وجه الاكتفاء بالاولى و رفع اليد عن الثانية في مفروض المسألة، جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الاولى بلا معارض، فإذا صحّت الاولى تعبّداً ببركة القاعدة تكون الصلاة الثانية لغواً. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «له أن يتمّ الثانية و يكتفي بها؛ لحصول العلم بالإتيان بها إمّا أوّلًا، أو ثانياً، و لا يضرّه كونه شاكّاً في الثانية بين الثلاث و الأربع- مع أنّ الشكّ في ركعات المغرب موجب للبطلان- لما عرفت سابقاً من أنّ ذلك إذا لم يكن هناك طرف آخر يحصل معه اليقين بالإتيان صحيحاً»(العروة الوثقى 2: 83.)، انتهى. يعني أنّ الشكّ ليس في ركعات المغرب حتّى يكون مبطلًا، و إنّما الشكّ في أنّ المغرب هل هي الاولى أو الثانية مع الجزم بصحّة إحداهما.

ص: 539

(مسألة 26): لو شكّ في التشهّد و هو في المحلّ الشكّي- الذي يجب الإتيان به- ثمّ غفل و قام،

ليس شكّه بعد تجاوز المحلّ، فيجب عليه الجلوس للتشهّد. و لو كان المشكوك فيه الركوع ثمّ دخل في السجود، يرجع و يركع و يُتمّ الصلاة و يُعيدها احتياطاً، و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته. و لو كان المشكوك فيه غير ركن، و تذكّر بعد الدخول في الركن، صحّت و أتى بسجدتي السهو إن كان ممّا يوجب ذلك (1).


1- لو جلس بعد إكمال السجدتين و شكّ حال الجلوس في إتيان التشهّد، كانت وظيفته الإتيان. و لو غفل عن إتيانه و قام فالظاهر عدم جريان حكم الشكّ بعد المحلّ عليه؛ لأنّ هذا الشكّ لم يحدث حال القيام، بل قد حدث في المحلّ، و هو باقٍ بحاله و لم يزل بالغفلة، و هو كمن نسي التشهّد و قام و تذكّر حال القيام نسيان التشهّد، فيجب عليه الجلوس للتشهّد. و لو شكّ في الركوع حال القيام وجب عليه الركوع، فلو غفل عن إتيان الركوع و دخل في السجود، وجب عليه الرجوع و تدارك الركوع؛ لحدوث الشكّ في الركوع حال القيام قبل الهوي إلى السجود، و لعلّ وجه الاحتياط بإعادة الصلاة احتمال زيادة الركوع. و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته؛ لعدم إمكان الرجوع لتدارك الركوع بعد الدخول في الركن. و لو كان المشكوك فيه غير ركن، و تذكّر بعد الدخول في الركن، و كان ممّا يوجب سجدتي السهو، كما لو شكّ في السجدة الأخيرة قبل الدخول في التشهّد، و غفل عن إتيان السجدة، أو شكّ في التشهّد حال الجلوس، و غفل عن إتيانه و قام حتّى دخل في الركوع، ثمّ تذكّر عدم إتيان السجدة أو التشهّد، فحينئذٍ تصحّ صلاته، و يأتي بسجدة السهو. و لو لم يكن ممّا يوجب سجدتي السهو فلا شي ء عليه، كمن شكّ في الحمد قبل أن يشرع في السورة، حيث تجب عليه قراءة الحمد، أو شكّ في القراءة قبل أن يركع، فإنّه تجب عليه القراءة، فلو غفل و لم يقرأ حتّى دخل في الركوع يمضي في صلاته و يتمّها، و لا شي ء عليه.

ص: 540

(مسألة 27): لو علم نسيان شي ء قبل فوات محلّ المنسيّ، و وجب عليه التدارك،

فنسي حتّى دخل في ركن بعده، ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّاً، يحكم بالصحّة إن كان ذلك الشي ء رُكناً، و بعدم وجوب القضاء و سجدتي السهو فيما يوجب ذلك. هذا إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّي، و أمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال و إن لا يخلو من قرب (1).


1- لو نسي شيئاً من الصلاة- ركناً كان أو غير ركن- و التفت إلى نسيانه قبل فوات محلّ المنسيّ، وجب عليه التدارك، فلو نسي التدارك حتّى دخل في ركن بعده، ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّاً، فهل تجري قاعدة التجاوز و البناء على الإتيان و الحكم بصحّة الصلاة إن كان المشكوك ركناً، و عدم وجوب القضاء و سجدتي السهو فيما كان سجدة واحدة أو تشهّداً، و عدم وجوب شي ء عليه فيما لو كان غير ذلك، أو لا تجري القاعدة، بل يلزم عليه اتباع وظيفته التي كانت قبل انقلاب علمه بالنسيان شكّاً؛ أي وجوب إعادة الصلاة؛ لبطلانها فيما إذا كان ما كلّف بتداركه ركناً، لعدم إمكان التدارك بعد الدخول في ركن آخر، و وجوب إتمام الصلاة و قضاء المنسي و سجدتي السهو فيما إذا كان سجدة واحدة أو تشهّداً، و وجوب سجدتي السهو فقط فيما إذا كان غير ذلك؛ بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة؟ وجهان: وجه جريان قاعدة التجاوز حدوث الشكّ بعد تجاوز المحلّ، فيشمله عموم دليل قاعدة التجاوز. و مجرّد حصول العلم بالنسيان سابقاً الموجب لترتيب الآثار المذكورة- من بطلان الصلاة، و وجوب القضاء، و سجدتي السهو- غير مجدٍ؛ لزواله و انقلابه بالشكّ. و وجه عدم جريانها سبق العلم بالنسيان، و آنذاك كان مكلّفاً بالتدارك، فتبطل الصلاة فيما كان ما كلّف بتداركه ركناً؛ لعدم إمكانه بعد الدخول في ركن آخر، و يجب القضاء و سجدتا السهو فيما كان سجدة واحدة أو تشهّداً، أو لم يجب شي ء، كما في غيرها. و الظاهر هو جريان القاعدة؛ لأنّ العلم بالنسيان قد زال حقيقة و انقلب إلى الشكّ بعد أن دخل في الركن، فيعامل معاملة الشكّ بعد تجاوز المحلّ، فلا يعتني به، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه، هذا كلّه فيما إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّي. و أمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال، و وجه الإشكال ما أشار إليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بقوله: «أمّا إذا كان قد حصل العلم بعدم فعل الجزء و هو في محلّه، فنسي حتّى دخل في الجزء الذي بعده، فتبدّل علمه بالشكّ، ففي عموم القاعدة له منع؛ لانصراف دليلها عن ذلك»(مستمسك العروة الوثقى 7: 650- 651.)، انتهى. و في بعض الحواشي «للعروة»: «و أمّا لو علم بالنسيان قبل ذلك- كما لو علم بنسيان التشهّد أو السجدة في حال الجلوس مثلًا، و غفل عن الإتيان حتّى دخل في ركن آخر- ثمّ شكّ فيشكل إجراء قاعدة الشكّ بعد المحلّ؛ لعدم كونه حين العمل أذكر»(العروة الوثقى 3: 368/ الهامش 2( ط- مؤسسة النشر الإسلامي).)

ص: 541

ص: 542

(مسألة 28): لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي- عمداً أو سهواً- نقصان الصلاة،

و شكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيبني على الأكثر و يأتي بركعة، و يأتي بصلاة الاحتياط و يسجد سجدتي السهو لزيادة السلام احتياطاً. و كذا لو تيقّن نقصان ركعة، و بعد الشروع فيها شكّ في ركعة اخرى. و على هذا إذا كان ذلك في صلاة المغرب يحكم ببطلانها (1).


1- لو تيقّن بعد السلام و بعد فعل المنافي- و لو سهواً- نقصان صلاته و لو ركعةً، بطلت و يعيدها؛ سواء علم تفصيلًا بمقدار الناقص، أو شكّ فيه بين ركعة و ركعتين. و لو تيقّن بعد السلام و قبل فعل المنافي- عمداً أو سهواً- نقصانها، و شكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان، فهل يكتفي بالركعة الواحدة موصولة؛ للقطع بزيادة السلام، و تجري قاعدة الشكّ بعد الفراغ بالنسبة إلى الركعة المشكوكة، أو يتعامل مع هذه الصلاة معاملة الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيبني على الثلاث، و يأتي بركعة اخرى موصولة، و بعد الفراغ يأتي بصلاة الاحتياط، و يسجد سجدتي السهو لزيادة السلام؟ في المسألة وجهان: و الوجهان جاريان فيما إذا تيقّن بعد السلام و قبل إتيان المنافي، بنقصان ركعة واحدة، فيجب عليه إتيانها موصولة، ثمّ شكّ بعد الشروع فيها في ركعة اخرى، ففي الرباعية يرجع شكّه أيضاً إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و وظيفته البناء على الأكثر و الإتيان بالركعة الرابعة التي هي بيده و شرع فيها موصولةً، و إتمام الصلاة، و إتيان ركعة الاحتياط، و سجدتي السهو لزيادة السلام. وجه الأوّل: أنّ الركعة الواحدة متيقّن تركها، فيجب إتيانها موصولةً، و لا يعتنى بالشكّ في الركعة الاخرى؛ لكونه شكّاً بعد السلام. و وجه الثاني: أنّ نقصان ركعة جزماً، يقتضي كون السلام زائداً و واقعاً في غير محلّه، و حينئذٍ يكون الشكّ في الزائدة على الركعة الواحدة، شكّاً في الأثناء بين الاثنتين على فرض كون الناقص ركعتين في الواقع، و بين الثلاث على فرض كونه ركعةً؛ فمقتضى القاعدة البناء على الثلاث و الإتيان بركعة موصولة، و إتمام الصلاة، ثمّ الإتيان بركعة الاحتياط و سجدتي السهو؛ للسلام في غير محلّه. و المختار هو الوجه الثاني، و الوجه الأوّل ضعيف غايته، بل لا تجري قاعدة الشكّ بعد السلام؛ لأنّ موردها ما إذا كان فارغاً من الصلاة بالسلام الواقع في محلّه، و المفروض في المسألة زيادة السلام بالجزم بنقص ركعة واحدة، فهو إذن في أثناء الصلاة، و لم يفرغ منها بعدُ. و تظهر ثمرة الوجهين المزبورين فيما إذا حصل هذا الشكّ في صلاة المغرب، فبناءً على جريان قاعدة التجاوز يحكم بالصحّة، و بناءً على كونه من قبيل الشكّ في الركعات تبطل الصلاة؛ لوقوع الشكّ فيها قبل الفراغ، و هو موجب للبطلان في المغرب.

ص: 543

ص: 544

(مسألة 29): لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي نقصان ركعة،

مّ شكّ في أنّه أتى بها أم لا، يجب عليه الإتيان بركعة متّصلة. و لو كان ذلك الشكّ قبل السلام فالظاهر جريان حكم الشكّ من البناء على الأكثر في الرباعيّة، و الحكم بالبطلان في غيرها (1).


1- إذا سلّم و تيقّن قبل فعل المنافي بنقصان ركعة، ثمّ شكّ في إتيانها، فهل يجب عليه إتيانها موصولة، أو يجري عليه حكم الشكّ في عدد الركعات، فيبني على الأربع، و يتمّ صلاته، و يأتي بركعة الاحتياط؟ وجهان: وجه الأوّل هو استصحاب عدم الإتيان بها و قاعدة الاشتغال المقتضية للبراءة اليقينية. و وجه الثاني عموم دليل قاعدة البناء على الأكثر و شموله للمسألة. و المختار هو الأوّل؛ لما ذكرنا من الاستصحاب و قاعدة الاشتغال، فيجزي الإتيان بركعة متصلة، و يحصل القطع ببراءة الذمّة، و يأمن من الزيادة و النقيصة؛ لأنّه على تقدير الإتيان بالركعة المقطوع تركها و المشكوك إتيانها واقعاً، يكون ما أتى به ثانياً لغواً؛ لوقوعها بعد تمامية الركعة الواجبة بتسليمها، لا زيادةً في الصلاة، و على تقدير عدم الإتيان بها واقعاً يكون ما أتى به متصلًا تمام الصلاة. هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ في الإتيان بعد السلام. و أمّا لو كان قبل السلام، فالظاهر جريان حكم الشكّ؛ أي البناء على الأكثر في الرباعية، لكونه من مصاديقه، حيث إنّه يشكّ بين الثلاث و الأربع، مع فرض الشكّ في إتيان الركعة و عدمه، مع القطع بعدم التسليم، فيبني على الأربع، و يأتي بصلاة الاحتياط ركعة، و لكن يحكم بالبطلان في المغرب و الصبح. و في المسألة احتمال ثالث قد دفعه السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» حيث قال: «و أمّا احتمال جريان حكم الشكّ بعد السلام عليه فلا وجه له؛ لأنّ الشكّ بعد السلام لا يعتنى به إذا تعلّق بما في الصلاة و بما قبل السلام، و هذا متعلّق بما وجب بعد السلام»(العروة الوثقى 2: 85- 86.)، انتهى.

ص: 545

(مسألة 30): لو علم أنّ ما بيده رابعة، لكن لا يدري أنّها رابعة واقعيّة أو رابعة بنائيّة،

و أنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين و الثلاث، فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة، يجب عليه صلاة الاحتياط (1).


1- في المسألة قولان: قول بوجوب صلاة الاحتياط. و قول بعدم وجوب شي ء عليه بعد إتمام الصلاة. و المختار هو الأوّل، و وجهه أنّه شاكّ فعلًا و في الواقع في أنّ ما بيده ثالثة، أو رابعة، و شكّه هذا لا ينافي علمه بكونه رابعة؛ إذ من المحتمل أن يكون ما بيده ثالثة واقعية و رابعة بنائية، حيث إنّ الشكّ بين الاثنتين و الثلاث كان أحد طرفي شكّه؛ لأنّه لا يدري أنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين و الثلاث و بنى على الثلاث، أو لم يشكّ، فإذا شكّ فعلًا في أنّ ما بيده ثالثة أو رابعة فيبني على الأربع، و يصلّي صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة، و يقطع ببراءة ذمّته. و في صلاة الحائري رحمه الله: «فالأولى أن يقال بلزوم إتمام ما بيده و الإتيان بوظيفة الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيقطع حينئذٍ بفراغ ذمّته؛ فإنّه إمّا أتى بأربع ركعات واقعاً، أو كان شاكّاً بين الاثنتين و الثلاث و أتى بوظيفة الشكّ المفروض»(الصلاة، المحقّق الحائري: 435.) ، انتهى. و وجه الثاني: أنّ المفروض علمه فعلًا بكون ما بيده رابعة، و يشكّ فعلًا في حدوث الشكّ بين الاثنتين و الثلاث سابقاً، و مقتضى الاستصحاب عدم حدوث الشكّ سابقاً، و حينئذٍ فيجب عليه إتمام صلاته من غير وجوب شي ء عليه. و اورد على هذا الوجه- كما في «المستمسك»- أوّلًا: «بأنّ استصحاب عدم حدوث الشكّ سابقاً- لإثبات كون ما بيده رابعة واقعية- مثبت. و ثانياً: بأنّ «المدار على الحال الفعلي، و لا أثر للحال السابق، فإذا كان فعلًا شاكّاً بين الثلاث و الأربع، جرى عليه حكمه؛ سواءٌ كان شاكّاً سابقاً، أم لم يكن»

ص: 546

(مسألة 31): لو تيقّن- بعد القيام إلى الركعة التالية- أنّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهّداً،
اشارة

ثمّ شكّ في أنّه هل رجع و تدارك ثمّ قام، أو هذا هو القيام الأوّل؟ فالظاهر وجوب العود و التدارك. و لو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ ثمّ أتى بها نسياناً، فالظاهر بطلان صلاته.

و لو شكّ فيما يوجب زيادته سجدتي السهو- بعد تجاوز محلّه- ثمّ أتى به نسياناً، فالأحوط وجوب سجدتي السهو عليه (1).

هنا مسائل ثلاث:
اشارة

1- (مستمسك العروة الوثقى 7: 653- 654.) و شكّ في تلك الحال في أنّه رجع و تدارك ثمّ قام؛ حتّى يكون قيامه هذا قياماً ثانياً، و كان قيامه الأوّل زائداً، أو لم يرجع و لم يتدارك بعدُ، و قيامه هذا هو القيام الأوّل الزائد، فهل يجب عليه الرجوع و التدارك و سجدتا السهو للقيام موضع القعود؛ بناءً على القول بوجوبه، أو تجري قاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ؟ الظاهر وجوب العود و التدارك؛ و ذلك لاستصحاب عدم إتيان ما تركه يقيناً نسياناً. و استدلّ لجريان قاعدة التجاوز: بأنّه يكفي في جريانها مجرّد الدخول فيما يحتمل كونه من الغير الذي هو مترتّب على المشكوك فيه، فالقيام في مفروض المسألة، يحتمل أن يكون هو القيام المترتّب على الجزء المنسي من السجدة و التشهّد بعد الرجوع و التدارك، و العلم بزيادة قيام في الواقع لا يمنع عن جريان القاعدة؛ لما ذكر من كفاية مجرّد الدخول فيما يحتمل كونه مترتّباً على المشكوك فيه. و أجاب عنه المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته بقوله: «و احتمال جريان قاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ فاسد؛ فإنّه بالنسبة إلى المحلّ الأوّلي الذي جعل له الشارع معلوم العدم، و بالنسبة إلى المحلّ الثانوي بملاحظة النسيان لم يتجاوز عنه»(الصلاة، المحقّق الحائري: 435.) و قد أجاب القائلون بلزوم الدخول في الغير عن الاستدلال المزبور: بأنّه لا بدّ في جريان القاعدة من إحراز الدخول في الغير المترتّب على المشكوك فيه، و لم يحرز بعدُ في المسألة؛ لأنّ القيام الأوّل زائدٌ باطل قطعاً، و لا يتحقّق التجاوز بالدخول فيه، و لم يحرز الدخول في القيام الثاني؛ لكونه مشكوك الوجود، لاحتمال كونه القيامَ الأوّل الزائد المحكوم بهدمه للرجوع و التدارك. فهل تبطل صلاته، أو لا؟ كمن شكّ في السجدتين بعد القيام إلى الركعة التالية، فالواجب عليه- حسب الوظيفة المقرّرة- عدم الاعتناء بالشكّ و البناء على الإتيان، فلو أتى بهما نسياناً هل يكون من قبيل زيادة الركن؟ الظاهر بطلان الصلاة. و في صلاة المحقّق الحائري رحمه الله: «لو شكّ في الركوع و قد تجاوز عن محلّه، فمقتضى القاعدة البناء على وجوده في محلّه، و المضيّ على صلاته بإتيان باقي الأجزاء و القيود المعتبرة فيها، و ممّا اعتبر فيها- عدا الركوع- عدم ركوع آخر و لو سهواً، و حيث تحقّق ركوع آخر نسياناً سوى الركوع المشكوك فيه الذي حكم بتحقّقه شرعاً، فلازمه بطلان الصلاة في الظاهر»(الصلاة، المحقّق الحائري: 436.)، انتهى. و يحتمل عدم البطلان؛ لأصالة عدم الزيادة من جهة عدم العلم بها في الواقع، و قاعدة التجاوز لا تثبت زيادة الركن المأتي به نسياناً كي تكون الصلاة باطلة، و الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة. كما لو شكّ حال القيام في السلام بعد التشهّد الأوّل- فلا يعتني بشكّه، و لا شي ء عليه. و لو غفل عن شكّه و نسيه و أتى به سهواً وجب عليه سجدتا السهو؛ لصدق زيادة السلام في غير محلّه.

ص: 547

الاولى: إذا تيقّن حال القيام أنّه ترك سجدة أو سجدتين، أو التشهّد،

ص: 548

الثانية: لو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ، ثمّ أتى به نسياناً،
الثالثة: لو شكّ فيما يوجب زيادته سجدتي السهو بعد تجاوز محلّه-

ص: 549

(مسألة 32): لو كان في التشهّد فذكر أنّه نسي الركوع، و مع ذلك شكّ في السجدتين أيضاً،

فالظاهر لزوم العود إلى التدارك ثمّ الإتيان بالسجدتين؛ من غير فرق بين سبق تذكّر النسيان و بين سبق الشكّ في السجدتين، و الأحوط إعادة الصلاة أيضاً (1).


1- في المسألة احتمالات ثلاث: الأوّل: بطلان الصلاة. الثاني: لزوم العود و تدارك الركوع، ثمّ الإتيان بالسجدتين. و هذا هو الأوجه. الثالث: التفصيل بين سبق تذكّر النسيان، فيحكم بالصحّة، و بين سبق الشكّ في السجدتين، فيحكم بالبطلان. و لا يترك الاحتياط بالعود و تدارك الركوع و الإتيان بالسجدتين و إتمام الصلاة، ثمّ إعادتها؛ لاحتمال بطلان الصلاة بزيادة السجدتين في الواقع. وجه الأوّل: أنّ الشكّ في السجدتين قد تجاوز محلّه؛ لدخوله في التشهّد، و مقتضى الشكّ بعد تجاوز المحلّ البناء على إتيان السجدتين تعبّداً، و حينئذٍ يتعذّر العود إلى تدارك الركوع المنسي، حيث فات محلّه بالدخول في الركن. و وجه الثاني: أنّ قاعدة التجاوز لا تجري في مفروض المسألة مطلقاً؛ سواءٌ سبق تذكّر النسيان، أو سبق الشكّ في السجدتين؛ لأنّ التشهّد الواقع قبل إتيان الركوع لغو زائد، و لم يقع بعد في محلّه، و من المعلوم أنّ قاعدة التجاوز إنّما شرّعت لعدم الاعتناء بالشكّ و البناء على إتيان المشكوك تعبّداً بما هو موظّف و مأمور به، و السجدتان في المسألة ليستا مأموراً بهما؛ لوقوعهما- على فرض جريان قاعدة التجاوز- قبل الركوع. و قد علّل السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» صحّة الصلاة بقوله: «إمّا لعدم شمول قاعدة التجاوز في مورد يلزم من إجرائها بطلان الصلاة، و إمّا لعدم إحراز الدخول في ركن آخر، و مجرّد الحكم بالمضي لا يثبت الإتيان»(العروة الوثقى 2: 87- 88.) و وجه الثالث: أنّ سبق تذكّر نسيان الركوع حال التشهّد، يوجب الرجوع و تدارك الركوع، و تتعيّن عليه هذه الوظيفة قبل أن يحدث الشكّ في السجدتين في تلك الحال، و لا أثر للشكّ في السجدتين بعد ذلك، و تصحّ صلاته، بخلاف ما إذا سبق الشكّ في السجدتين؛ إذ بمجرّد حدوث هذا الشكّ يحكم بإتيان السجدتين تعبّداً، فيكون في حكم من تذكّر نسيان الركوع بعد السجدتين، فتبطل صلاته.

ص: 550

(مسألة 33): لو شكّ بين الثلاث و الأربع- مثلًا- و علم أنّه على فرض الثلاث ترك رُكناً،

أو عمل ما يوجب بطلان صلاته، فالظاهر بطلان صلاته، و كذا لو علم ذلك على فرض الأربع. و لو علم أنّه على فرض الثلاث أو أربع أتى بما يوجب سجدتي السهو، أو ترك ما يوجب القضاء، فلا شي ء عليه (1).


1- وجه بطلان الصلاة فيما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع مثلًا، و علم أنّه على فرض الثلاث ترك ركناً، أو عمل ما يوجب بطلان الصلاة؛ هو العلم الإجمالي بوجود مبطل مردّد بين ترك الركن، أو فعل ما يوجب بطلان صلاته. و لا يمكن تصحيح الصلاة و إتمامها بالبناء على الأكثر؛ لأنّ شمول أدلّة البناء على الأكثر للمقام، موقوف على احتمال صحّة الصلاة في حدّ نفسها، فمع العلم الإجمالي بالبطلان لا يحتمل الصحّة. و هذا الوجه يجري بعينه فيما لو علم بترك الركن أو فعل ما يوجب بطلان الصلاة على فرض كونها أربع. و لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و علم أنّه على فرض الثلاث أو الأربع أتى بما يوجب سجدتي السهو، او ترك ما يوجب القضاء، فيبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه؛ لأنّه بعد البناء على الأكثر- حسب الوظيفة- تكون ما بيده رابعةً تعبّداً، و حينئذٍ تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الثلاث لنفي وجوب القضاء و سجود السهو. و مجرّد البناء على الأكثر لا يثبت إتيان ما يوجب سجدتي السهو أو ترك ما يوجب القضاء؛ حتّى يجب عليه القضاء و سجدتا السهو.

ص: 551

(مسألة 34): لو علم- بعد القيام أو الدخول في التشهّد- نسيانَ إحدى السجدتين و شكّ في الاخرى،

فالأقرب العود إلى تدارك المنسي، و يجري بالنسبة إلى المشكوك فيه قاعدة التجاوز. و كذا الحال في أشباه ذلك (1).


1- إذا تذكّر بعد القيام أو الدخول في التشهّد أنّه ترك إحدى السجدتين نسياناً، و شكّ في الاخرى أنّه أتى بها أو تركها، ففي المسألة قولان: الأوّل: الاكتفاء بإتيان السجدة المنسية فقط دون المشكوكة. الثاني: وجوب الإتيان بهما معاً. وجه الأوّل جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة المشكوك فيها. و وجه الثاني- كما عن السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها- أنّه إذا رجع إلى تدارك السجدة المنسية يعود محلّ الشكّ أيضاً، و يكون الشكّ بالنسبة إلى السجدة المشكوك فيها شكّاً في المحلّ، فيجب إتيانها أيضاً»(العروة الوثقى 2: 90- 91.) و اورد عليه: «بأنّ الشكّ قد حدث حال القيام أو حال التشهّد وجداناً، و الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه، فالشكّ الحادث بعد القيام مثلًا لا يتّصف بكونه حادثاً قبل القيام». و لأجل هذا الإيراد قال جماعة في توجيه وجوب إتيان السجدة المشكوك فيها: «إنّ الشكّ فيها شكّ في المحلّ، و لم يتجاوز بعد؛ و ذلك لأجل لغوية القيام أو التشهّد الزائدين، لوقوعهما في غير محلّهما». و قد يتمسّك في وجوب إتيان السجدة المشكوكة- بعد نفي جريان قاعدة التجاوز- بالاستصحاب و قاعدة الاشتغال». قال المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته: «إنّ المشكوك في أمثال ما ذكر و إن تجاوز محلّه، و لكنّ المنساق من الأدلّة ما إذا أمكن احتساب ما هو فيه من الصلاة، و أمّا إذا وجب رفع اليد عنه- لتحقّقه في غير محلّه- فليس مشمولًا للأدلّة، فيجب العود إلى المشكوك بمقتضى الأصل، و الأحوط إعادة الصلاة أيضاً»(الصلاة، المحقّق الحائري: 299.) ، انتهى. و لعلّ وجه الاحتياط بإعادة الصلاة احتمال الزيادة العمدية.

ص: 552

ص: 553

(مسألة 35): لو دخل في السجود من الركعة الثانية، فشكّ في ركوع هذه الركعة و في السجدتين من الاولى،

يبني على إتيانهما. و على هذا لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشكّ في ركوع التي بيده و في السجدتين من السابقة، يكون من الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد الإكمال، فيعمل عمل الشكّ و صحّت صلاته. نعم لو علم بتركهما مع الشكّ المذكور بطلت صلاته (1).


1- لو دخل في السجود من الركعة الثانية، فشكّ في ركوع هذه الركعة و في السجدتين من الركعة الاولى، فهل يبني على إتيان كلّ من الركوع و السجدتين و لا يعتني بالشكّ فيها، أو يحكم ببطلان الصلاة؟ وجهان: و الأوجه هو الأوّل، و هو المختار؛ و ذلك لجريان قاعدة التجاوز في كلّ من سجدتي الركعة الاولى و ركوع الركعة الثانية بلا مانع في البين، حيث إنّ شكّه في سجدتي الركعة الاولى وقع بعد الدخول في قيام الركعة الثانية، فقد تمّت ركعتها الاولى بتحقّق جميع أجزائها إلى سجدتيها وجداناً، و تحقّقت سجدتاها تعبّداً بجريان قاعدة التجاوز بعد الدخول في قيام الركعة الثانية، و كذلك الشكّ في ركوع الركعة الثانية قد وقع بعد الدخول في سجودها، فتجري قاعدة التجاوز، و يبني على إتيانه. و قد يتوهّم بطلان الصلاة في فرض المسألة؛ لاستلزام الشكّ المزبور- أي الشكّ في إتيان الركوع من الركعة التي بيده و السجدتين من الركعة الاولى- الشكّ في أنّ ما بيده هي الركعة الاولى أو الثانية؛ لأنّه على تقدير عدم إتيان السجدتين من الركعة الاولى و الركوع من الركعة التي هي بيده، تحسب الركعتان ركعةً واحدةً زائداً فيها القيام و القراءة، فيؤول شكّه في فرض المسألة إلى الشكّ بين الواحدة و الاثنتين، فتبطل صلاته. و يدفع التوهّم المزبور: بأنّه لا مجال للشكّ في كون ما بيده الركعة الاولى أو الثانية؛ بعد جريان قاعدة التجاوز في كلّ من سجدتي الركعة السابقة و ركوع الركعة التي هي بيده. و في صلاة المحقّق الحائري رحمه الله: «لكنّه مدفوع بأنّ الشكّ و إن كان بين الواحدة و الاثنتين، إلّا أنّه مسبّب عن الشكّ في الجزء؛ أعني السجدتين من الركعة السابقة، و الركوع من هذه الركعة، و قد دلّ الدليل على عدم الاعتناء، فتتمّ الركعتان شرعاً»(الصلاة، المحقّق الحائري: 437.) ، انتهى. ثمّ إنّه يتفرّع على جريان قاعدة التجاوز في سجدتي الركعة السابقة و ركوع هذه الركعة، أنّه لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين، يبني على الثلاث، و لا يعتني بالشكّ في ركوع الركعة التي بيده و سجدتي الركعة السابقة؛ لتجاوز محلّ الركوع بالدخول في السجدة من الركعة التي بيده، و تجاوز محلّ سجدتي الركعة السابقة بالدخول في قيام الركعة اللاحقة، و ببركة جريان قاعدة التجاوز لا يؤول شكّه بين الاثنتين و الثلاث إلى الاولى و الثانية، بل يبقى شكّه على حاله، و بعد البناء على الثلاث يأتي بالركعة الرابعة، و يتمّ صلاته، ثمّ يأتي بركعة الاحتياط. نعم، لو علم بترك السجدتين من الركعة السابقة و الركوع من الركعة التي هي بيده مع الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، يرجع شكّه إلى الشكّ بين الواحدة و الاثنتين؛ لعلمه حينئذٍ باحتساب ركعتيه بركعة.

ص: 554

ص: 555

(مسألة 36): لا يجري حكم كثير الشكّ في أطراف العلم الإجمالي،

فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالًا، يجب عليه مراعاته و إن كان شاكّاً بالنسبة إلى كلّ منهما (1).

(مسألة 37): لو علم أنّه إمّا ترك سجدة من الاولى أو زاد سجدة في الثانية، فلا يجب عليه شي ء،
اشارة

و لو علم أنّه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً، وجب على الأحوط الإتيان بقضائهما و سجدتي السهو مرّة (2).

هنا مسألتان:
الاولى: لو علم أنّه إمّا ترك سجدة واحدة من الاولى أو زاد سجدة في الثانية،

1- و مثّل له السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «بما لو علم حال القيام أنّه إمّا ترك التشهّد، أو السجدة، أو علم إجمالًا أنّه إمّا ترك الركوع، أو القراءة ... و هكذا، أو علم بعد الدخول في الركوع أنّه إمّا ترك سجدة واحدة، أو تشهّداً، فيعمل في كلّ هذه الفروض حكم العلم الإجمالي المتعلّق به، كما في غير كثير الشكّ»(العروة الوثقى 2: 92.)، انتهى. لا خلاف و لا إشكال في تنجيز العلم الإجمالي كالتفصيلي؛ ما دام موجوداً و لم ينحلّ بعد، فالواجب في موارده هو العمل بالعلم، لا العمل بوظيفة الشاكّ، فيكون كثير الشكّ- كغيره- موظّفاً بالعمل بالعلم الإجمالي، فيتدارك ما يمكن تداركه، و يقضي ما يجب قضاؤه، و يسجد سجدتي السهو فيما يجب سجود السهو له.
2- فلا يجب عليه شي ء عند المصنّف، و أمّا سجود السهو- لاحتمال زيادة السجدة في الثانية- فالأقوى عنده رحمه الله عدم وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة؛ و إن كان الأحوط وجوبه عندنا، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في سجود السهو»، فراجع. فإذا لم يجب سجود السهو بالنسبة إلى احتمال زيادة السجدة في الثانية، فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى احتمال ترك سجدة من الاولى، فيبني على إتيانها تعبّداً، فلا يجب عليه شي ء عنده رحمه الله. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» في مفروض المسألة: «وجب عليه قضاء السجدة، و الإتيان بسجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة؛ من كونهما للنقيصة أو الزيادة»(العروة الوثقى 2: 94.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه بناءً على وجوب سجود السهو لكلّ زيادة و نقيصة و لو احتياطاً، يعلم بوجوبه تفصيلًا إمّا للزيادة، أو للنقيصة، و حينئذٍ فتبقى قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدة الركعة الاولى سليمة عن المعارض، فلا يجب عليه القضاء. و قال المحقّق الحائري رحمه الله في مفروض المسألة: «فمقتضى العلم الإجمالي وجوب سجدة السهو؛ لأنّه معلوم تفصيلًا، و البراءة عن قضاء السجدة، و لكن مقتضى الأصل العملي وجوب قضاء السجدة و سجدتي السهو لها عملًا بالاستصحاب في كلا الشكّين، أو عملًا بالاستصحاب في خصوص ترك السجدة، و أمّا زيادتها فيكفي في عدم ترتّب الأثر لها عدم إحرازها»(الصلاة، المحقّق الحائري: 438.)، انتهى. فمع فوات محلّ التدارك يجب قضاء كليهما و سجود السهو مرّة؛ أمّا وجوب قضائهما فللعلم الإجمالي المنجّز للتكليف بعد سقوط قاعدة التجاوز في كلّ من السجدة و التشهّد، و أمّا سجود السهو مرّة؛ فلأنّ المنسيّ في الواقع أحدهما، فينوي ما في الذمّة. و مع عدم فوات محلّ التدارك، فإن كان في حال الجلوس وجب الإتيان بالتشهّد، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة، و إن كان حال القيام وجب هدم القيام و تدارك التشهّد؛ لوجوبه على كلّ حال، إمّا لعدم إتيانه، و إمّا لوقوعه في غير محلّه، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة بلا معارض.

ص: 556

الثانية: لو علم أنّه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً،

ص: 557

(مسألة 38): لو كان مشغولًا بالتشهّد أو بعد الفراغ منه، و شكّ في أنّه صلّى ركعتين و أنّ التشهّد في محلّه،

أو ثلاث ركعات و أنّه في غير محلّه، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و ليس عليه سجدتا السهو و إن كان الأحوط الإتيان بهما (1).


1- لا إشكال في جريان حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث في مفروض المسألة، فيجب البناء على الثلاث، و إتمام الصلاة، و ركعة الاحتياط؛ لكونه من موارد البناء على الأكثر، فيشمله إطلاق أدلّته. و إنّما الإشكال في وجوب سجدتي السهو لزيادة التشهّد كلّاً فيما إذا فرغ منه، أو بعضاً فيما إذا كان مشغولًا به، و في عدم وجوبهما: وجه الوجوب: أنّه يلزم من البناء على الثلاث زيادة التشهّد في الركعة الثالثة، و ذلك واضح. و وجه عدم الوجوب: أنّ أدلّة لزوم البناء على الأكثر، لا تثبت وقوع التشهّد في غير محلّه واقعاً، و قد تقدّم أنّ غاية دلالة تلك الأدلّة، البناء على كون ما بيده هو الأكثر تعبّداً، و لا دلالة فيها على إثبات اللوازم العقلية و العادية أصلًا. هذا مضافاً إلى أصالة البراءة من وجوب سجود السهو. نعم، الأحوط الإتيان به؛ لاحتمال زيادة التشهّد في الواقع.

ص: 558

(مسألة 39): لو صلّى من كان تكليفه الصلاة إلى أربع جهات، ثمّ بعد السلام من الأخيرة علم ببطلان واحدة منها،

بنى على صحّة صلاته، و لا شي ء عليه (1).

(مسألة 40): لو قصد الإقامة و صلّى صلاة تامّة، ثمّ رجع عن قصده و صلّى صلاة قصراً- غفلة أو جهلًا-

ثمّ علم ببطلان إحداهما، يبني على صحّة صلاته التامّة، و تكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية (2).


1- لعلّ وجه البناء على صحّة صلاته- مع أنّ مقتضى العلم الإجمالي وجوب إعادة الصلاة إلى أربع جهات- هو جواز الاكتفاء بالصلاة الواقعة إلى حدّ ما بين المشرق و المغرب، كما ورد في بعض الأخبار، ففي صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه»(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 2.) ، و نحوه غيره من روايات الباب، ففي مفروض المسألة قد وقعت إحدى الصلوات الثلاث الصحيحة- الواجدة لجميع الأجزاء و الشرائط- إلى ذلك الحدّ يقيناً، و حينئذٍ فلا حاجة إلى الإعادة أصلًا.
2- وجه البناء على صحّة صلاته التامّة، جريان قاعدة الفراغ فيها بلا معارض؛ لعدم جريانها في الصلاة التي صلّاها قصراً غفلة أو جهلًا؛ لعدم احتمال الصحّة فيها، للعلم التفصيلي ببطلانها، لما سيأتي في المسألة الثالثة من مسائل «فصل في أحكام صلاة المسافر» من أنّه لو قصّر من كانت وظيفته التمام بطلت صلاته مطلقاً؛ حتّى المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام، و هو المشهور شهرة عظيمة، بل ادّعي عليه الإجماع، كما في كلام صاحب «الجواهر» رحمه الله(جواهر الكلام 14: 346.) ، فإذا كانت صلاته التامّة صحيحة ببركة قاعدة الفراغ، يكون تكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية بلا كلام. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها في المسألة الخامسة من مسائل «فصل في أحكام صلاة المسافر»: «إذا قصّر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد، إلّا في المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام»(العروة الوثقى 2: 162.) و لعلّ مستندهم صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلًا فليس عليه إعادة»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 3.) فالجاهل بالحكم إذا قصّر صحّت صلاته عندهم، و على مبناهم لو قصد الإقامة و صلّى صلاة تامّة، ثمّ رجع عن قصده و صلّى صلاةً قصراً غفلةً أو جهلًا، ثمّ علم ببطلان إحداهما، فالواجب عليه إعادة صلاته قصراً؛ لعدم إحراز إتيان صلاة تامّة صحيحة حال قصد الإقامة، و المفروض رجوعه عن قصده، و تكليفه القصر أيضاً بالنسبة إلى الصلوات الآتية.

ص: 559

ص: 560

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.