مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه المجلد 1

اشارة

سرشناسه : بنی فضل، مرتضی، 1312 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه/ تالیف مرتضی بنی فضل؛ تحقیق و نشر موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی قدس سره

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1422ق. = - 1380.

شابک : 20000ریال:(ج.1)

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

عنوان دیگر : کتاب الصلاه

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله علمیه

موضوع : نماز

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30232 1380الف

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 81-15544

ص: 1

مقدّمة التحقيق

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُرى، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، و ذلك على ضوء الدليلين: الاجتهاديّ و الفقاهتيّ، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللَّه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللَّه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

و نظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره على مختلف المستويات و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) على عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

ص: 6

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، و هو شرح لمباحث الصلاة من «التحرير»، تأليف سماحة آية اللَّه الشيخ مرتضى بني فضل دام بقائه. نسأل اللَّه تعالى أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

منهجنا في تحقيق الكتاب

اشارة

أمّا منهجنا في تحقيق الكتاب فهو كما يلي:

(1) تقويم النص و تقطيعه و تزيينه بعلامات الترقيم المناسبة و لم ندمج متن التحرير مع الشرح رغبةً في تسهيل مراجعة القراء الكرام، بل أثبتنا المتن في صدر الصفحة و ذكرنا شرحها في ذيلها. و قد اقتصرنا في عنونة المطالب على العناوين الموجودة في تحرير الوسيلة و لم نضف إليها عناوين أخرى.

(2) تخريج الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة، و قد اكتفينا في تخريج الأحاديث بالوسائل الحديثة لاشتمالها على الإشارة إلى المنابع الأصلية إلّا في صورة عدم تطابق الرواية المذكورة في المتن مع ما في الوسائل، حيث عزوناها إلى مصادرها الأصلية.

(3) تخريج أقوال العلماء التي نقلها المصنّف بلفظها أو ما يقاربها دون ما أشار إليها روماً للاختصار و حذراً من التطويل.

و في الختام تتقدّم المؤسسة بالشكر الجزيل و الثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب راجيةً لهم التسديد و الموفقية في خدمة ديننا الحنيف.

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

ص: 7

مقدّمة المؤلّف

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه أجمعين و آله الطاهرين و بعد، فيقول العبد الفقير الراجي رحمة ربّه الغني، مرتضى بني فضل ابن المرحوم المغفور له الحاجّ سيفعلي: لقد وفّقني اللَّه تعالى للبحث عن المسائل الفقهية في حضور جماعة من الفضلاء، و كان محور أبحاثي كتاب «تحرير الوسيلة» تأليف المحقّق المدقّق، جامع المعقول و المنقول، أُستاذ الأساتذة و كثير من المراجع العظام، قائد الثورة الإسلامية في إيران، الذي عجز القلم و اللسان عن ذكر أوصافه المنحصرة بشخصه بين مراجع الدين، العبد الصالح المخلص للَّه، آية اللَّه العظمى الإمام الخميني، قدّس سرّه الشريف.

و لقد جمعتُ ما وصل إليه نظري القاصر من مدارك مسائله، و اجتنبتُ التطويل محيلًا على المفصّلات، و سمّيته ب «مدارك تحرير الوسيلة» و أرجو من اللَّه تعالى أن يوفّقني لإدامة البحث و التأليف، و يجعله ذخراً ليوم فقري و فاقتي بحقّ محمّد و آله الأطهرين.

و غير خفي: أنّ كتاب «تحرير الوسيلة» أكمل و أجود ما أُلّف في بابه؛ من حيث اشتماله على جميع أبواب الفقه من الاجتهاد و التقليد و الطهارة إلى الديات،

ص: 8

مع إضافة المسائل المستحدثة التي لم تكن لها موضوعات في الأزمنة السابقة.

قال الشهيد آية اللَّه القاضي الطباطبائي (رحمه اللَّه): كنت أقترح على كبار علماء الحوزة في قم و النجف الأشرف أن يقوموا بتأليف كتاب جامع لأبواب الفقه ليكون مورداً لتحشية الأعلام و المراجع في الأزمنة الآتية، و مرجعاً لعلماء الشيعة في الاطّلاع على الفتاوى و الاحتياطات بسهولة، و أكّدت أنّ الموجود في أيدي العلماء للتحشية كتابان: «العروة الوثقى» و «وسيلة النجاة»، و كلاهما ناقص. و أجابوا (رحمهم اللَّه): بأنّ هذا الأمر المقترح من أهمّ الأُمور التي لا بدّ من الإقدام عليها، و أنّه بحاجة إلى صرف وقت طويل و ليست لنا فرصة ذلك.

قال: و مضت الأيّام حتّى لاقاني بعض أصدقائي راجعاً من زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و السلام و كان قد جلب معه كتباً طبعت أخيراً في النجف، فكنت أُلاحظها ليلًا، عندها رأيت مجلّدين باسم «تحرير الوسيلة» و طالعتهما إلى الصبح، فوجدتهما عين ما اقترحته على زعماء الحوزة مع إضافة المسائل المستحدثة.

أقول: و قد وفّق اللَّه تعالى مؤلّفه قدّس سرّه الشريف لتأليفه في المنفي؛ أي بورسا من مدن تركيا، حيث كان محبوساً فيها و تحت المراقبة؛ لقيامه على طواغيت زمانه دفاعاً عن الإسلام.

فجزاه اللَّه أوفر الجزاء، و جعل عواقب أُمورنا خيراً، بحقّ محمّد و آله الأطيبين، آمين يا ربّ العالمين.

مرتضى بنى فضل (17) ربيع الأوّل 1422 عشّ آل محمّد قم المقدّسة

ص: 9

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء محمّد و آله الطاهرين.

و بعد، هذه تعليقةٌ على «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني (رحمه اللَّه) ألّفها العبد الحقير مرتضى بني فضل ابن المرحوم المغفور الحاجّ سيف علي، غفر اللَّه لهما بحقّ محمّد و آله الطاهرين.

ص: 10

ص: 11

كتاب الصلاة

ص: 12

ص: 13

كتاب الصلاة و هي التي تنهى عن الفحشاء و المنكر، و هي عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، و إن رُدّت رُدّ ما سواها (1).

(1) الأخبار الواردة في أهمّية الصلاة متواترة معنىً، و ينبغي ذكر بعضها تيمّناً و تذكاراً:

فمنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال

لا تتهاون بصلاتك؛ فإنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال عند موته: ليس منّي من استخفّ بصلاته، ليس منّي من شرب مسكراً، لا يرد عليّ الحوض لا و اللَّه(وسائل الشيعة 4: 23، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 6، الحديث 1.)

و منها: مرسل «الفقيه» قال: قال الصادق (عليه السّلام)

أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله و إذا ردّت ردّ عليه سائر عمله(وسائل الشيعة 4: 34، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 10.)

و منها: ما عن أبي بصير قال: دخلت على أُمّ حميدة أُعزّيها بأبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فبكت و بكيتُ لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد لو رأيتَ أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عند الموت لرأيتَ عجباً، فتح عينيه ثمّ قال

أجمعوا كلّ من بيني و بينه قرابة

، قالت: فما

ص: 14

تركنا أحداً إلّا جمعناه، فنظر إليهم ثمّ قال

إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة(وسائل الشيعة 4: 26، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 6، الحديث 11.)

و منها: صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): ما بين المسلم و بين أن يكفر أن يترك الصلاة (إلّا ترك الصلاة) الفريضة متعمّداً، أو يتهاون بها فلا يصلّيها(وسائل الشيعة 4: 42، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 6.)

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث عدد النوافل قال

إنّما هذا كلّه تطوّع و ليس بمفروض، إنّ تارك الفريضة كافر و إنّ تارك هذا ليس بكافر(وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 1.)

و منها: موثّق مسعدة بن صدقة قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): ما بال الزاني لا تسمّيه كافراً و تارك الصلاة تسمّيه كافراً؟ و ما الحجّة في ذلك؟ فقال

لأنّ الزاني و ما أشبهه إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة؛ لأنّها تغلبه، و تارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافاً بها؛ و ذلك لأنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلّا و هو مستلذّ لإتيانه إيّاها قاصداً إليها، و كلّ من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذّة، فإذا نفيت اللذّة وقع الاستخفاف، و إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر(وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 2.)

هذه نبذة من الأخبار، و عليك بالمراجعة إلى أبواب متفرّقة من الكتب المعتبرة.

ص: 15

[فصل في مقدّمات الصلاة]

فصل في مقدّمات الصلاة و هي ستّ:

[المقدّمة الاولى: في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها]

المقدّمة الاولى: في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها

[ (مسألة 1): الصلاة واجبة و مندوبة]

(مسألة 1): الصلاة واجبة و مندوبة:

فالواجبة خمس: اليوميّة، و منها الجمعة، و كذا قضاء ولد الأكبر عن والده، و صلاة الآيات، و الطواف الواجب، و الأموات، و ما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما. و في عدّ الأخيرة في الواجب مسامحة؛ إذ الواجب هو الوفاء بالنذر و نحوه، لا عنوان الصلاة (1)


1- قد اختلفت عبارات الفقهاء في تعداد الصلوات الواجبة؛ فعدّها بعضهم و منهم المصنّف (رحمه اللَّه) خمسة، بل عدّها المصنّف (رحمه اللَّه) أربعة حيث اختار: أنّ ما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما ليس واجباً بعنوان الصلاة؛ لأنّ الواجب هو الوفاء بالنذر لا الصلاة في نفسها. و بعضهم عدّها سبعة؛ و منهم الشهيد (رحمه اللَّه) في «اللمعة» و غيرها، قال: الواجب سبع: اليومية و الجمعة و العيدان و الآيات و الطواف و الأموات و الملتزم بنذر و شبهه. و عدّها المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و العلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و «المنتهي» تسعة بجعل الجمعة قسماً مستقلا لا داخلةً في اليومية، و كذا الكسوف و الزلزلة جعلا مقابلين للآيات لا داخلين فيها. فاختلاف الفقهاء في تعدادها إنّما هو باعتبار دخول بعضها في بعض أو خروجه عنه. و كيف كان: فالواجب بأصل الشرع خمس: اليومية، و منها الجمعة، و الآيات، و الطواف الواجب، و الأموات، و قضاء الولد الأكبر عن والديه. أمّا الملتزم بالنذر و أخويه أو بالشرط في ضمن العقد اللازم أو بالإجارة و نحوها فليس واجباً بأصل الشرع؛ فمن نذر صلاة الليل مثلًا يجب عليه الوفاء بالنذر بإتيان صلاة الليل بنية الندب. فالواجب في أصل الشرع هي الصلوات المذكورة، و غيرها ليس واجباً إجماعاً. و أمّا صلاة العيدين فهي واجبة في زمان حضور الإمام المعصوم (عليه السّلام) و بسط يده و مستحبّة في زمان الغيبة. و ما في «المستمسك» من أنّ عدم تعرّض المصنّف (رحمه اللَّه) لذكر العيدين لعلّه لبنائه على دخولها في اليومية كالجمعة، بعيد جدّاً لا يحتمل إرادة دخولها في اليومية كي يحتاج إلى التوجيه و الجواب، كما ارتكبه في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 5: 6.)، فراجع. و قد أدرج العلّامة المحقّق المدقّق الشيخ هادي الطهراني (قدّس سرّه) في كتاب الصلاة كلّ الصلوات الواجبة في اليومية حتّى العيدين و الآيات إلّا صلاة الأموات، و قال: نعم صلاة الأموات نوع و ذات الركوع و السجود نوع آخر. و فيه: أنّ المتبادر في عرف المتشرّعة من اليومية هي الخمسة المعهودة: الصبح و الظهران و العشاءان. ثمّ إنّ كون الفرائض اليومية خمسة معهودة بكيفية خاصّة من الركعات إجماعي من الفريقين، بل من ضروريات الدين.

ص: 16

ص: 17

و المندوبة أكثر من أن تحصى؛ منها الرواتب اليوميّة: و هي ثمان ركعات للظهر قبله، و ثمانٍ للعصر قبله، و أربع للمغرب بعده، و ركعتان من جلوس للعشاء بعده تُعدّان بركعة، تُسمّى بالوتيرة، و يمتدّ وقتها بامتداد وقت صاحبها، و ركعتان للفجر قبل الفريضة، و وقتهما الفجر الأوّل، و يمتدّ إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار أداء الفريضة، و يجوز دسّهما في صلاة الليل قبل الفجر و لو عند نصف الليل، بل لا يبعد أن يكون وقتهما بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها، و لكن الأحوط عدم الإتيان بهما قبل الفجر الأوّل إلّا بالدسّ في صلاة الليل (1)،


1- النوافل الرواتب اليومية أربع و ثلاثون ركعة ضعف الفرائض اليومية، و مجموع الفرائض و الرواتب اليومية إحدى و خمسون ركعة إجماعاً من أصحابنا؛ ففي صحيح فضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة؛ منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة و هو قائم، الفريضة منها سبع عشرة، و النافلة أربع و ثلاثون ركعة(وسائل الشيعة 4: 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 3.). و يدلّ على كون النوافل الرواتب اليومية أربعاً و ثلاثين ركعة الأخبار المستفيضة: منها: رواية البزنطي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع؛ بعضهم يصلّي أربعاً و أربعين، و بعضهم يصلّي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتّى أعمل بمثله؟ فقال أُصلّي واحدة و خمسين ركعة ، ثمّ قال أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية، و أربعاً بعد الظهر، و أربعاً قبل العصر، و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين قبل العشاء الآخرة، و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام، و ثمان صلاة الليل، و الوتر ثلاثاً، و ركعتي الفجر، و الفرائض سبع عشرة، فذلك إحدى و خمسون(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 7.). و ما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) في «عيون الأخبار» عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و الصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، و العصر أربع ركعات، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء الآخرة أربع ركعات، و الغداة ركعتان، هذه سبع عشرة ركعة. و السنّة أربع و ثلاثون ركعة؛ ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، و ثمان ركعات قبل فريضة العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان من جلوس بعد العتمة تعدّان بركعة، و ثمان ركعات في السحر، و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين و ركعتا الفجر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.). و ما رواه في «الخصال» بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال و صلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، و العصر أربع ركعات، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء الآخرة أربع ركعات، و الفجر ركعتان؛ فجملة الصلاة المفروضة سبع عشرة ركعة. و السنّة أربع و ثلاثون ركعة، منها: أربع ركعات بعد المغرب لا تقصير فيها في السفر و الحضر، و ركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة و ثمان ركعات في السحر؛ و هي صلاة الليل، و الشفع ركعتان، و الوتر ركعة، و ركعتا الفجر بعد الوتر، و ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر، و الصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات(وسائل الشيعة 4: 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 25.). و أمّا ما ورد في بعض الروايات من أنّ نافلة العصر أربع ركعات و نافلة المغرب ركعتان، فمحمول على التقية؛ ففي صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ما جرت به السنّة في الصلاة؟ فقال ثمان ركعات الزوال، و ركعتان بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل؛ منها الوتر، و ركعتا الفجر ، قلت: فهذا جميع ما جرت به السنّة؟ قال نعم.(وسائل الشيعة 4: 59، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 14، الحديث 3.) الحديث. قال في «الوسائل»: المراد بالسنّة هنا الاستحباب المؤكّد لما تقدّم، و تكون الزيادة السابقة مستحبّة غير مؤكّدة كتأكيد هذا العدد، انتهى. و قال صاحب «المدارك»: و لا تنافي بين هذه الروايات؛ إذ لا دلالة فيما تضمّن الأقلّ على نفي استحباب الزائد، و إنّما تدلّ على أنّ ذلك العدد آكد استحباباً من غيره. و ربّما كان في قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن سنان لا تصلّ أقلّ من أربع و أربعين إشعار باستحباب الزائد(مدارك الأحكام 3: 12.)، انتهى. و ما دلّ على أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان لا يصلّي بعد العشاء شيئاً حتّى ينتصف الليل مطروح للإجماع على خلافه؛ ففي صحيح زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه و لم يصلّ شيئاً حتّى ينتصف الليل(وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 43، الحديث 1.) ، و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا صلّى العشاء الآخرة آوى فراشه فلا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل؛ لا في شهر رمضان و لا غيره(وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 43، الحديث 4.). و في «الجواهر» بعد أن ادّعى الإجماع و استفاضة الأخبار على كون النوافل أربعاً و ثلاثين ركعة قال: و على هذا استقرّ عمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد؛ فلا يصغي حينئذٍ بعد ذلك إلى ما عارضها و إن صحّ سندها(جواهر الكلام 7: 16.)، انتهى. بقي الكلام في مقامين: أحدهما: أنّ الوتيرة هل يجوز إتيانها قائماً، أو يعتبر فيه الجلوس؟ الثاني: هل يجوز إتيان نافلة الصبح قبل الفجر أو يختص ببعده؟ و متى وقته؟ أمّا المقام الأوّل فنقول: ذهب جماعة من فقهائنا كالشهيدين و المحقّق الثاني و الأردبيلي و السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها إلى أنّه يجوز إتيان الوتيرة جالساً أو قائماً، و القيام هو الأفضل. و استدلّ له بصحيح حارث بن المغيرة النصري قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول صلاة النهار ستّ عشرة ركعة؛ ثمان إذا زالت الشمس، و ثمان بعد الظهر، و أربع ركعات بعد المغرب، يا حارث لا تدعهنّ في سفر و لا حضر، و ركعتان بعد العشاء الآخرة، كان أبي يصلّيهما و هو قاعد و أنا أُصلّيهما و أنا قائم، و كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل(وسائل الشيعة 4: 48، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 9.). لا يخفى: أنّ هذه الرواية صحيحة من طريق الشيخ في «التهذيب» نقلها عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن النعمان عن حارث بن المغيرة، و أمّا عن طريق الكليني فقد وقع فيه علي بن حديد بن حكيم المدائني قد وثّقه ابن قولويه و القمي، و ضعّفه الشيخ (رحمه اللَّه)، و قال بضعفه السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في «معجمة»(معجم رجال الحديث 11: 302.). و كذا استدلّ له بموثّق سليمان بن خالد بن دهقان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، و ستّ ركعات بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين.(وسائل الشيعة 4: 51، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 16.) الخبر. و قد يؤيّد هذا القول بأنّ الباقر (عليه السّلام) كان يصلّي النوافل كلّها و منها الوتيرة قاعداً؛ لكونه ثقيل البدن و كثير السنّ يشقّ عليه القيام، كما ورد في موثّق حنّان بن سدير الصيرفي عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ تصلّي النوافل و أنت قاعد؟ فقال ما أُصلّيها إلّا و أنا قاعد منذ حملتُ هذا اللحم و ما بلغت هذا السنّ(وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 4، الحديث 1.). أقول: حنّان واقفي موثّق، و أبوه سدير الصيرفي ممّن دعاه أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في خلاصه من السجن، قال في «جامع الرواة» عن زيد الشحّام قال: إنّي لأطوف حول الكعبة و كفّي في كفّ أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال و دموعه تجري على خدّيه- يا شحّام ما رأيت ما صنع ربّي إليّ ، ثمّ بكى و دعا، ثمّ قال يا شحّام إنّي طلبت إلى إلهي في سدير و عبد السلام بن عبد الرحمن و كانا في السجن، فوهبهما لي و خلّى سبيلهما ، و هذا حديث معتبر يدلّ على علوّ رتبتهما(جامع الرواة 1: 350.)، انتهى. و هذا النقل يدلّ على مدح سدير، و قد شهد بوثاقته ابن قولويه و علي بن إبراهيم صاحب «التفسير». و الجواب عن هذا القول: أنّه قد قيّدت الوتيرة في عدّة من الروايات بكونها جلوساً و قعوداً، كما في صحيح فضيل بن يسار منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة(وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 2.) ، و صحيح آخر لفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة و هو قائم.(وسائل الشيعة 4: 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 3.) الخبر، و رواية البزنطي المتقدّمة و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 7.) ، و غيرهما من روايات الباب. فالركعتان قائماً بعد العشاء الآخرة مع كون القيام أفضل غير الوتيرة. و قد ورد أنّه (عليه السّلام) كان يصلّي ركعتين بعد العشاء قائماً و ركعتين جالساً، كما في صحيح الحجّال عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: كان أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللَّه و قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 4: 253، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44، الحديث 15.). الخبر. و أمّا صحيح حارث بن المغيرة المتقدّم فالركعتان قائماً فيه غير الوتيرة بقرينة الروايات المقيّدة فيها الوتيرة بالجلوس؛ خصوصاً صحيح الحجّال قد صرّح فيه بأنّ الركعتين المقروّة فيهما مائة آية غير الركعتين جالساً، فالأظهر من الروايات المذكورة: أنّ الوتيرة مشروطة بالجلوس لا يجوز فيها القيام. و موثّق سليمان بن خالد المتقدّم لا دلالة فيها على أنّ الركعتين بعد العشاء المقروّة فيهما مائة آية بعد الحمد وتيرة، بل يمكن أن يدّعى أنّ فيها دلالة على أنّهما غير الوتيرة بقرينة قوله (عليه السّلام) و لا تعدّهما من الخمسين ، هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو كانت الوتيرة عبارة عن هاتين الركعتين مع أفضلية القيام فيهما لما قيّدت في عدّة من الروايات بالجلوس و القعود. و أمّا المقام الثاني: فعن بعض فقهائنا: أنّ وقت ركعتي الفجر يدخل بطلوع الفجر الأوّل و أنّهما خارجتان عن صلاة الليل، نسب هذا القول إلى السيّد المرتضى و الشيخ و المحقّق و العلّامة في بعض كتبه. و نسب إلى المشهور أنّ وقتهما بعد الفراغ عن صلاة الليل قبل الفجر. و عن العلّامة في «التذكرة»: أنّ الأقوى جواز فعلهما بعد صلاة الليل و استحباب تأخيرها إلى طلوع الفجر جمعاً بين الأدلّة(تذكرة الفقهاء 2: 319.)، انتهى. و ينبغي لنا ذكر بعض الروايات: منها: صحيح البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن ركعتي الفجر، فقال احشوا بهما صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 1.) ، و دلالته على جواز إتيان ركعتي الفجر قبل الفجر صريحة. و بعضها يدلّ على أنّ وقتهما قبل الفجر، كصحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 7.). و في بعضها دلالة على أنّهما من صلاة الليل، كصحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 3.) ، و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال نعم(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 4.). و في بعض الروايات دلالة على أنّ وقتها قبل الفجر و أنّ الأمر بإتيانها بعده للتقية، كما في رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): متى أُصلّي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي بعد طلوع الفجر ، قلت له: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) أمرني أن أُصلّيها قبل طلوع الفجر، فقال يا أبا محمّد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ، و أتوني شكّاكاً فأفتيتهم بالتقية(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 2.). و في «وسائل الشيعة»: يعني أنّ عدم جواز تقديم ركعتي الفجر إنّما حكموا به للتقية لا جواز التأخير. و في بعض الروايات دلالة على أنّ وقتهما بعد طلوع الفجر، كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّهما بعد ما يطلع الفجر(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 5.) ، و صحيح يعقوب بن سالم البزّاز قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّهما بعد الفجر، و اقرأ فيهما في الأُولى قل يا أيّها الكافرون و في الثانية قل هو اللَّه أحد(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 6.). و في بعض الروايات دلالة على جواز إتيانها قبل الفجر و عنده و بعده، كصحيح محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر و بعده و عنده(وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 52، الحديث 1.). و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ركعتي الفجر متى أُصلّيهما؟ فقال قبل الفجر و معه و بعده(وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 52، الحديث 2.) ، و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ركعتي الفجر؟ قال صلّهما قبل الفجر و مع الفجر و بعد الفجر(وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 52، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لا كلام و لا خلاف في جواز إتيان ركعتي الفجر قبل الفجر مع دسّهما في صلاة الليل؛ لصحيح البزنطي المتقدّم قال (عليه السّلام) احشوا بهما صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 1.). و صحيح آخر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): و ركعتي الفجر أُصلّيهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال أبو جعفر (عليه السّلام): احش بهما صلاة الليل و صلّهما قبل الفجر(وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 6.). و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدّم قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعده؟ فقال قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 3.). و كذا لا كلام و لا إشكال في جواز إتيانهما بعد طلوع الفجر؛ لصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّم قال صلّهما بعد ما يطلع الفجر(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 5.). و صحيح يعقوب بن سالم البزّاز المتقدّم قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّهما بعد الفجر(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 6.). و إنّما الكلام و الإشكال في جواز إتيانهما قبل الفجر من غير دسّ في صلاة الليل، فهل يجوز إتيانهما بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر مجرّداً عن صلاة الليل، أو بفصل كثير بينهما و بين صلاة الليل؟ فنقول: إنّه لا دليل على جواز إتيانهما قبل طلوع الفجر من غير دسّ في صلاة الليل، و لا يجوز التمسّك في جوازه بإطلاق مثل صحيح زرارة المتقدّم فقال قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 7.) ؛ لتقييده بالأخبار الدالّة على جواز تقديمهما على طلوع الفجر دسّاً في صلاة الليل، و بهذا الاعتبار تعدّان من صلاة الليل، كما هو صريح صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، و لا دليل آخر يدلّ على جواز إتيانهما مستقلا قبل طلوع الفجر؛ فانحصر دليل جواز تقديمهما على طلوع الفجر في صورة الدسّ في صلاة الليل؛ و حينئذٍ فيبقى دليل توقيتهما ببعد طلوع الفجر كصحيحي عبد الرحمن بن الحجّاج و يعقوب بن سالم المتقدّمين سالماً عن المعارض. و لا دليل على حمل هذين الصحيحين على التقية؛ لعدم المعارضة. نعم رواية أبي بصير المتقدّمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) تدلّ على التقية، و لكنّها ضعيفة سنداً بعلي ابن أبي حمزة البطائني. و يجوز إتيانهما قبل طلوع الفجر بقليل؛ لصحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الركعتين قبل الفجر، قال تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة، إنّهما قبل الغداة(وسائل الشيعة 4: 266، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 2.). و السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) على ما في تقريرات بحثه(التنقيح في شرح العروة الوثقى، الصلاة 1: 365.) استدلّ على جواز إتيانهما قبيل الفجر بصحيحي زرارة المتقدّمين عن أبي جعفر (عليه السّلام). و فيه أوّلًا: أنّ الصحيحين إنّما يدلّان على جواز إتيانهما قبل الفجر، و أمّا القبلية بقليل فلا دلالة فيهما عليها كما لا يخفى. و ثانياً: أنّ الصحيح الأوّل صريح في جواز إتيانهما قبل طلوع الفجر دسّاً في صلاة الليل بما أنّهما منها، و هو ممّا لا إشكال فيه.

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

و إحدى عشرة ركعة نافلة الليل؛ صلاة الليل ثمان ركعات، ثمّ ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر (1)،


1- (3) الأخبار في كون صلاة الليل ثمان ركعات في حدّ الاستفاضة: منها: موثّق حنّان بن سدير الصيرفي سماعاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و ثمان صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 6.) ، و كذا رواية البزنطي عن أبي الحسن (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 7.)، و موثّق سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و ثمان ركعات من آخر الليل(وسائل الشيعة 4: 51، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 16.) ، و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) و ثمان ركعات في السحر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا ركعتا الشفع و الوتر فيدلّ على كونهما من نوافل الليل الأخبار فوق حدّ الاستفاضة؛ فقد عبّر عنهما في بعض الروايات بالوتر و أنّه ثلاث ركعات، كما في موثّق حنّان بن سدير المتقدّم و ثلاثاً الوتر ، و رواية البزنطي المتقدّمة و الوتر ثلاثاً ، و موثّق سليمان بن خالد المتقدّم ثمّ الوتر ثلاث ركعات. و عبّر في بعضها بالشفع و الوتر، كرواية الفضل بن شاذان و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلّم بعد الركعتين ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 28

و هي مع الشفع أفضل صلاة الليل (1)، و ركعتا الفجر أفضل منهما (2)،


1- لصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل و هو يخشى أن يفجأه الصبح، يبدأ بالوتر أو يصلّي الصلاة على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال بل يبدأ بالوتر ، و قال أنا كنت فاعلًا ذلك(وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 2.). و صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلّي ركعتي الفجر و يكتب له بصلاة الليل؟!(وسائل الشيعة 4: 258، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 3.). و رواية علي بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و أنا أتخوّف الفجر، قال فأوتر ، قلت: فأنظر فإذن عليّ ليلٌ، قال فصلّ صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 259، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 8.). و رواية يعقوب بن سالم البزّاز قلت له: أقوم قبل طلوع الفجر بقليل فأُصلّي أربع ركعات ثمّ أتخوّف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟ فقال لا، بل أوتر و أخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار(وسائل الشيعة 4: 260، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 47، الحديث 2.). و لا يخفى: أنّ الاستدلال بهذه الروايات مبني على أنّ المراد من الوتر هو الشفع و الوتر كلاهما، و قد أُطلق عليهما في بعض الروايات.
2- يمكن استفادة هذا من صحيح إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال لا(وسائل الشيعة 4: 259، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 6.) ، حيث إنّ نفي الوتر بعد ما يطلع الفجر لأفضلية ركعتي الفجر في ذلك الوقت. و صحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون في بيته و هو يصلّي و هو يرى أنّ عليه ليلًا، ثمّ يدخل عليه الآخر من الباب فقال: قد أصبحت، هل يصلّي الوتر أم لا، أو يعيد شيئاً من صلاته؟ قال يعيد إن صلّاها مُصبحاً(وسائل الشيعة 4: 259، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 7.) ، حيث إنّه (عليه السّلام) لم يُجز له أن يصلّي الوتر؛ لأفضلية ركعتي الفجر حين أصبح الرجل. نعم قد وردت جملة من الروايات تدلّ على جواز إتيان الوتر بعد الفجر دون ركعتي الفجر، كما في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال صلّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمّد ذلك في كلّ ليلة ، و قال أوتر أيضاً بعد فراغك منها(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 1.). و صحيح سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ربّما قمتُ و قد طلع الفجر فأُصلّي صلاة الليل و الوتر و الركعتين قبل الفجر ثمّ أُصلّي الفجر ، قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال نعم، و لا يكن منك عادة(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 3.). و صحيح آخر لعمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أوّل وقتها، و إن بدأت بصلاة الليل و الوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء، فقال ابدأ بصلاة الليل و الوتر، و لا تجعل ذلك عادة(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 5.). و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر و لم أُصلّ صلاة الليل، قال صلّ صلاة الليل و أوتر و صلّ ركعتي الفجر(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 6.). و لا يخفى: أنّ أكثر هذه الأخبار يدلّ على تقديم صلاة الليل و الوتر على ركعتي الفجر لا مطلقاً؛ و لذا نهى (عليه السّلام) عن جعل ذلك عادة. و على سبيل التسليم على تقديمهما عليهما يحكم بالتخيير بين فعل صلاة الليل و الوتر و بين ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر؛ جمعاً بين الفريقين المذكورين من الأخبار. و عن المحقّق في «المعتبر»: أنّ اختلاف الفتوى دليل التخيير(المعتبر 2: 60.).

ص: 29

ص: 30

و يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر، بل على الوتر خاصّة عند ضيق الوقت، و في غيره يأتي به رجاءً (1)، و وقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق (2)،


1- و يدلّ عليه رواية يعقوب البزّاز قال: قلت له: أقوم قبل طلوع الفجر بقليلٍ فأُصلّي أربع ركعات ثمّ أتخوّف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟ فقال لا، بل أوتر و أخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار(وسائل الشيعة 4: 260، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 47، الحديث 2.) ، و حيث إنّ الوتر قد أُطلق في الروايات على الشفع و الوتر كليهما و على خصوص الوتر مقابل الشفع، فجاز إرادة كليهما أو خصوص الوتر من قوله: «أوتر» في الرواية.
2- و يدلّ عليه قبل الإجماع مرسل «الفقيه» عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره(وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 43، الحديث 2.). و موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة، ثمّ إن شاء جلس فدعا و إن شاء نام و إن شاء ذهب حيث يشاء(وسائل الشيعة 6: 495، كتاب الصلاة، أبواب التعقيب، الباب 35، الحديث 2.). نعم يجوز إتيان صلاة الليل قبل نصفها للمسافر و لمن له العذر. و يدلّ عليه صحيح ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أوّل الليل؟ فقال نعم، نِعمَ ما رأيت، و نِعمَ ما صنعت ؛ يعني في السفر، قال: و سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيجعل صلاة الليل و الوتر في أوّل الليل، فقال نعم(وسائل الشيعة 4: 249، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44، الحديث 1.). و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن خشيتَ أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك بردٌ فصلّ و أوتر في أوّل الليل في السفر(وسائل الشيعة 4: 250، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب.

ص: 31

و السحر أفضل من غيره، و الثلث الأخير من الليل كلّه سحر (1)،


1- و يدلّ على أفضلية السحر من غيره قوله تعالى في توصيف العباد وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ(آل عمران( 3): 17.)، و في توصيف المتّقين وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(الذاريات( 51): 18.). و في بعض الروايات وقّتها بالسحر كما في رواية الفضل بن شاذان و ثمان ركعات في السحر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.). و قد ورد في بعض الأخبار: أنّ أفضل ساعات الليل هو الثلث الآخر، كما في صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن ساعات الوتر، قال أحبّها إليّ الفجر الأوّل. و سألته عن أفضل ساعات الليل، قال الثلث الباقي(وسائل الشيعة 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 54، الحديث 4.) ، و في بعض الروايات بعد ثلث الليل، كما في ذيل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام). ثمّ قال لقد كان لكم في رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أُسوة حسنة ، قلت: متى كان يقوم؟ قال بعد ثلث الليل(وسائل الشيعة 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 2.). و ورد في بعض الأخبار: أنّ وقت صلاة الليل آخر الليل، كما في موثّق سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و ثمان ركعات من آخر الليل(وسائل الشيعة 4: 51، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 16.) ، و موثّق عبد اللَّه بن بكير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ما كان يحمد (يجهد) الرجل أن يقوم من آخر الليل فيصلّي صلاته ضربة واحدة ثمّ ينام و يذهب(وسائل الشيعة 4: 271، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 5.) ، و صحيح مرازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: متى أُصلّي صلاة الليل؟ قال صلّها في آخر الليل(وسائل الشيعة 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 54، الحديث 3.).

ص: 32

و أفضله القريب من الفجر (1)،


1- و ذلك لكون القريب من الفجر آخر الليل.

ص: 33

و أفضل منه التفريق كما كان يصنعه النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) (1)،


1- و كان (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يفرّق صلاة الليل أربعاً و أربعاً و ثلاثاً. كما في صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول و ذكر صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال كان يؤتى بطهور فيخمّر عند رأسه و يوضع سواكه تحت فراشه ثمّ ينام ما شاء اللَّه، فإذا استيقظ جلس ثمّ قلّب بصره في السماء ثمّ تلا الآيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ. الآيات، ثمّ يستنّ و يتطهّر، ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه و سجوده على قدر ركوعه؛ يركع حتّى يقال: متى يرفع رأسه؟! و يسجد حتّى يقال: متى يرفع رأسه؟! ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللَّه. ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران، و يقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد و يصلّي الأربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللَّه. ثمّ يستيقظ و يجلس و يتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيوتر و يصلّي الركعتين، ثمّ يخرج إلى الصلاة(وسائل الشيعة 4: 269، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 1.). و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه و سواكه فوضع عند رأسه مخمّراً فيرقد ما شاء اللَّه، ثمّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد ثمّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد؛ حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين ، ثمّ قال لقد كان لكم في رسول اللَّه أُسوة حسنة ، قلت: متى يقوم؟ قال بعد ثلث الليل(وسائل الشيعة 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 2.).

ص: 34

فعدد النوافل بعد عدّ الوتيرة ركعة أربع و ثلاثون ركعة ضعف عدد الفرائض (1)، و تسقط في السفر الموجب للقصر ثمانيةُ الظهر و ثمانيةُ العصر (2)، و تثبت البواقي (3)،


1- قد تقدّم في أوائل هذه المسألة: أنّ الأخبار الدالّة على كون الرواتب اليومية أربعاً و ثلاثين ركعة ضعف الفرائض فوق حدّ الاستفاضة، فراجع.
2- و يدلّ على سقوط ثمانية الظهر و ثمانية العصر في السفر قبل الإجماع صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر، قال لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً(وسائل الشيعة 4: 81، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 1.). و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث(وسائل الشيعة 4: 82، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 3.). و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب؛ فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر.(وسائل الشيعة 4: 83، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 7.) الخبر.
3- و يدلّ على ثبوت نافلة المغرب في السفر كالحضر ذيل صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تدعهنّ في سفر و لا حضر. و صحيح الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهنّ في حضر و لا سفر(وسائل الشيعة 4: 86، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 24، الحديث 1.). و يدلّ على ثبوت صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر صحيح الحارث بن المغيرة في حديث قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر(وسائل الشيعة 4: 90، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 25، الحديث 1.). و موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر(وسائل الشيعة 4: 91، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 25، الحديث 6.).

ص: 35

و الأحوط الإتيان بالوُتَيرة رجاءً (1).


1- اختلف فقهاؤنا في سقوط الوتيرة في السفر و عدمه على قولين؛ فقال جماعة كثيرة بالسقوط، و حكى غير واحد أنّه المشهور، و في «الرياض»: أنّها شهرة كادت تكون إجماعاً، و صرّح في «السرائر» بأنّه إجماعي، و عن «المنتهي» نسبته إلى علمائنا. و استدلّ عليه بإطلاق بعض النصوص، كصحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث ، حيث إنّه (عليه السّلام) نفى كلّ نافلة و منها الوتيرة بعد ركعتي العشاء في السفر. و صحيح أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب؛ فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر. الخبر. و خبر أبي يحيى الحنّاط إمامي مجهول قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة(وسائل الشيعة 4: 82، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 4.). و قال جماعة بعدم سقوطها، و نسب هذا القول إلى الصدوق في «الفقيه» و «العلل» و «العيون» و الشيخ في «النهاية» و أبي العبّاس في «المهذّب». و في «الجواهر»: بل عن «الخلاف»: لا تسقط عن المسافر نوافل الليل إجماعاً، بل عن «الأمالي»: من دين الإمامية أنّه لا يسقط من نوافل الليل شي ء، و قوّاه الشهيدان في «الذكرى» و «الروضة»، بل مال إليه في «الذخيرة»، و استجوده في «المدارك»(جواهر الكلام 7: 48.)، انتهى. و استدلّ عليه برواية الفضل عن الرضا (عليه السّلام) قد رواها في «الفقيه» عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطّار عن علي بن محمّد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال و إنّما صارت العتمة مقصورة، و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها)؛ لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع(وسائل الشيعة 4: 95، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، الحديث 3.). و عبد الواحد في سند الرواية من مشايخ الصدوق (رحمه اللَّه) المعتبرين و هو ثقة عنده (رحمه اللَّه)، و علي بن محمّد بن قتيبة من مشايخ الكشّي قد اعتمد عليه في «رجاله» و كذا اعتمد عليه العلّامة (رحمه اللَّه) في «الخلاصة». و لا يخفى: أنّ إطلاق النصوص الدالّة على سقوط النوافل إلّا نافلة المغرب مقيّدة بالنهار فلا يشمل الوتيرة. بل قد يقال: إنّ الوتيرة ليست نافلة للعشاء، بل هي نافلة مستقلّة وقتها بعد العشاء، وضعها الشارع بدلًا عن الوتر، و بها يتدارك الوتر بالنسبة إلى من لم يدرك الوتر في وقته، أو هي لإكمال العدد كما نطقت به بعض الأخبار: ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر ، قال: قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال نعم، إنّهما بركعة؛ فمن صلّاهما (ها) ثمّ حدثت به حدث مات على وتر، فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل ، فقلت: هل صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) هاتين الركعتين؟ قال لا ، قلت: و لِمَ؟ قال لأنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يأتيه الوحي و كان يعلم أنّه هل يموت في تلك (هذه) الليلة أم لا، و غيره لا يعلم؛ فمن أجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما(وسائل الشيعة 4: 96، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، الحديث 8.). و صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة: منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة و هو قائم، الفريضة منها سبع عشرة، و النافلة أربع و ثلاثون ركعة(وسائل الشيعة 4: 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 3.). إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لو ثبت الشهرة على سقوط الوتيرة في السفر فهو، و إلّا فالمسألة مشكلة جدّاً، و الأحوط إتيانها رجاءً.

ص: 36

ص: 37

ص: 38

[ (مسألة 2): الأقوى ثبوت استحباب صلاة الغفيلة]

(مسألة 2): الأقوى ثبوت استحباب صلاة الغفيلة، و ليست من الرواتب، و هي ركعتان بين صلاة المغرب و سقوط الشفق الغربي على الأقوى، يقرأ في الأُولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية بعد الحمد وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، فإذا فرغ رفع يديه و قال: «اللّهُمَّ إنّي أسألك بمفاتِح الغيبِ التي لا يَعلمُها إلّا أنتَ أن تُصلّيَ على مُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ و أن تفعلَ بي كذا و كذا»، فيدعو بما أراد، ثمّ قال: «اللّهُمَّ أنتَ وليُّ نعمتِي و القادِرُ على طلِبتي تَعلَمُ حاجتي فأسألُكَ بحقّ محمَّدٍ و آلِ محمّدٍ عليهِ و عليهِم السَّلامُ لمَّا قضيتَها لي»، و سأل اللَّه حاجته، أعطاه اللَّه عزّ و جلّ ما سأله إن شاء اللَّه (1).


1- و في «الحدائق»: و تسمّى ركعتي الغفيلة و ركعتي الغفلة و ركعتي ساعة الغفلة(الحدائق الناضرة 6: 68.) انتهى. قيل في وجه تسمية الغفيلة: إنّ المصلّين كان ديدنهم في عصر النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الفصل بين العشاءين بساعة يفعلون فيها ما يشاؤون من أُمورهم العادية من الأكل و الشرب و غيرهما، فلأجل اشتغالهم بأُمور الدنيا فيها و غفلتهم عن ذكر اللَّه سمّيت تلك الساعة ساعة الغفلة. و روى الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه» مرسلًا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تنفّلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين؛ فإنّهما تورثان دار الكرامة. قال: و في خبر آخر دار السلام ؛ و هي الجنّة، و ساعة الغفلة ما بين المغرب و العشاء الآخرة(الفقيه 1: 357/ 1564، وسائل الشيعة 8: 120، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 20، الحديث 1.) و صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بعد نقله هذه الرواية عن الشيخ في «التهذيب» بسنده عن وهب أو السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال: و روى هذه الرواية أيضاً ابن طاوس في كتاب «فلاح السائل» و زاد: قيل: يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): و ما معنى خفيفتين؟ قال تقرأ فيهما الحمد وحدها ، قيل يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): فمتى أُصلّيها؟ قال ما بين المغرب و العشاء(الحدائق الناضرة 6: 69.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الرواية المذكورة لا تدلّ على أنّ المراد من الركعتين الخفيفتين بين العشاءين خصوص صلاة الغفيلة؛ لاحتمال أن يكون المراد منهما أقلّ ما يكتفى به في نافلة المغرب؛ تأكيداً لإتيانها و لو بالاكتفاء على ركعتين خفيفتين؛ بأن يقرأ فيهما الحمد فقط من دون قراءة السورة. و يؤيّد هذا الاحتمال التعبير بكلمة «لو» الوصلية في الرواية. و توهّم أنّ الركعتين اللتين يكتفى فيهما بالحمد وحدها الواقعتين بين العشاءين هما الغفيلة دون نافلة المغرب، مدفوع بأنّ النوافل كلّها يجوز الاقتصار فيها على الحمد في السعة و الضيق. و يدلّ عليه صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 130، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 55، الحديث 1.) ، المراد من قضاء الصلاة فعلها، كما في قوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ(الجمعة( 62): 10.) لا القضاء المصطلح. و بالجملة: لا تثبت برواية الصدوق (رحمه اللَّه) مشروعية صلاة الغفيلة فضلًا عن استحبابها نعم يمكن الاستدلال عليها بما رواه الشيخ في «مصباح المتهجّد» عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأُولى الحمد و وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً. إلى قوله وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية الحمد و قوله وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ. إلى آخر الآية، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال: اللهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بي كذا و كذا، اللهمّ أنتَ وليّ نِعمتي و القادرُ على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد و آله لما قضيتها لي، و سأل اللَّه حاجته أعطاه اللَّه ما سأل(وسائل الشيعة 8: 121، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 20، الحديث 2.)

ص: 39

ص: 40

[ (مسألة 3): يجوز إتيان النوافل الرواتب و غيرها جالساً]

(مسألة 3): يجوز إتيان النوافل الرواتب و غيرها جالساً حتّى في حال الاختيار، لكن الأولى حينئذٍ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتّى في الوتر، فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة (1).


1- و يدلّ على جواز إتيان الرواتب و غيرها من النوافل جالساً في حال الاختيار قبل الإجماع صحيح سهل بن اليسع أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي النافلة قاعداً و ليست به علّة في سفر أو حضر، فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 4، الحديث 2.) و خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّا نتحدّث نقول: من صلّى و هو جالس من غير علّة كانت صلاته ركعتين بركعة و سجدتين بسجدة، فقال ليس هو هكذا، هي تامّة لكم(وسائل الشيعة 5: 492، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 5، الحديث 2.) و وجه أولوية عدّ كلّ ركعتين جلوساً بركعة حتّى في الوتر المأتي بها مرّتين كلّ مرّة بركعة صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى نافلة و هو جالس من غير علّة، كيف تحسب صلاته؟ قال ركعتين بركعة(وسائل الشيعة 5: 494، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 5، الحديث 6.) ، و غيره من روايات الباب، فراجع.

ص: 41

[ (مسألة 4): وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع]

(مسألة 4): وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع أي سبعي الشاخص و العصر إلى الذراعين أي أربعة أسباعه فإذا وصل إلى هذا الحدّ يقدّم الفريضة (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وقت نافلة الظهر و العصر على أقوال: المشهور: أنّ وقت نافلة الظهر من حين الزوال إلى امتداد ظلّ الشاخص إلى ذراع واحد، و نافلة العصر من حين الزوال إلى امتداده إلى ذراعين، و قد يعبّر عن الذراع بقدمين و سبعي الشاخص، و عن الذراعين بأربعة أقدام و أربعة أسباع الشاخص. و قيل: إنّ وقت نافلة الظهر امتداد الظلّ من حين الزوال إلى مثل الشاخص، و وقت نافلة العصر امتداده إلى مثلي الشاخص. و نسب هذا القول إلى الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التبصرة» و المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» و الشهيدين و غيرهم. و قيل: بامتداد وقتها بامتداد وقت الإجزاء للفريضة. و نسب هذا القول إلى الحلبي في «الكافي» و قوّاه السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها. و الأقوى هو القول الأوّل. و يدلّ عليه الأخبار؛ و هي فوق حدّ الاستفاضة: منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ، ثمّ قال إنّ حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان قامة، و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لِمَ جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع؛ فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) و صحيح آخر له عنه (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 20.) و صحيح ثالث له قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قامة؛ فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لا، قال من أجل الفريضة، إذا دخل وقت الذراع و الذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 27.) و موثّق إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قال: قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة لئلّا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 21.) و استدلّ للقول الثاني بوجوه: الأوّل: الإجماع المحكي في «الغنية». و فيه: أنّا نقطع بانتفاء الإجماع؛ لوجود الشهرة القطعية على خلافه و أنّ وقت نافلة الظهر و العصر امتداد الظلّ إلى الذراع و الذراعين. الثاني: إطلاق الأخبار الدالّة على أنّ نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها و نافلة العصر ثمان ركعات قبلها، و لم يقيّد بالذراع و الذراعين، كما في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، و ثمان ركعات قبل فريضة العصر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.) و في رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) و ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر(وسائل الشيعة 4: 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 25.) و كذا إطلاق الأخبار الدالّة على جواز إتيان النافلة من غير تعيين وقت خاصّ لها، كصحيح الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور بن حازم جميعاً: كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أ لا أُنبّئكم بأبين من هذا! إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت(وسائل الشيعة 4: 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 1.) ، لا يخفى: أنّ هذه الرواية صحيحة من طريق الحارث و منصور دون عمر. و صحيح ذريح بن محمّد المحاربي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): متى أُصلّي الظهر؟ فقال صلّ الزوال ثمانية، ثمّ صلّ الظهر، ثمّ صلّ سبحتك، طالت أو قصرت، ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و فيه أوّلًا: أنّ المطلقات المذكورة لم ترد في مقام بيان وقت النافلة بل وردت في بيان أعدادها كخبر الفضل و الأعمش، و الأخبار الدالّة على أنّ بين يدي الفريضة سبحة لا تدلّ على أزيد من بيان وقت الفريضة و أنّها من حين تحقّق الزوال و بين يديها سبحة و بعد إتيان الظهر وقت العصر و قبلها سبحتها. و ثانياً: أنّه على فرض الإطلاق لا وجه لتقييدها بالمثل و المثلين، بل المساعد للإطلاق امتداد وقتها إلى وقت الإجزاء للفريضة؛ و هو القول الثالث في تحديد وقت النافلة. و ثالثاً: أنّه على فرض الإطلاق فيها فلك تقييدها بالروايات المعتبرة المقيّدة فيها وقت نافلة الظهر و العصر بالذراع و الذراعين. الوجه الثالث: خصوص بعض الروايات قد صرّح فيه بنفي اعتبار الأقدام، كمكاتبة محمّد بن أحمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السّلام): روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين، فكتب (عليه السّلام) لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة؛ و هي ثمان ركعات فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة؛ و هي ثماني ركعات إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 134، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 13.) ، حيث إنّه صرّح فيها بنفي اعتبار القدم و القدمين و غيرهما. و فيه أوّلًا: أنّه نفى ظلّ مثلك أيضاً، حيث لم يذكره (عليه السّلام) في الجواب مع ذكره في السؤال. و ثانياً: أنّه من المحتمل أن يكون نفي القدم و القدمين لأجل نفي توهّم أنّ ذلك وقت لا يجوز غيره، و أنّ ذكره في بعض الأخبار على جهة الأفضلية لا التعيينية. و ثالثاً: أنّه تعارضها مكاتبة عبد اللَّه بن محمّد قال: كتبتُ إليه: جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) أنّهما قالا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلّا أنّ بين يديها سبحة إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت ، و روى بعض مواليك عنهما إنّ وقت الظهر على قدمين من الزوال، و وقت العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صلّيت قبل ذلك لم يُجزك ، و بعضهم يقول يُجزي (يجوز) و لكن الأفضل في انتظار القدمين و الأربعة أقدام، و قد أحببتُ جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب (عليه السّلام) القدمان و الأربعة أقدام صواب جميعاً(وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 30.) الوجه الرابع: صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) إنّ حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان قامة، و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) ، و الاستدلال به مبني على أنّ المراد بالقامة هو الذراع، كما ورد في بعض الأخبار كرواية علي بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) القامة و القامتان الذراع و الذراعان في كتاب علي (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 14.) ، و روايتي علي بن أبي حمزة عن أبي (عليه السّلام) قال: سمعته يقول القامة هي الذراع(وسائل الشيعة 4: 145، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 15 و 16.) ، و صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لا، قال من أجل الفريضة، إذا دخل وقت الذراع و الذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 27.) و فيه: أنّ القامة و القامتين و إن فسّرت في بعض الروايات بالذراع و الذراعين، و لكن المدار في صحيح زرارة المتقدّم قامة الإنسان المصلّي بقرينة لفظة «من» التبعيضية في قوله فإذا مضى منه ، و بصريح قوله (عليه السّلام) فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد منع كون حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ذراعاً، قال: و إطلاق لفظ القامة مراداً بها الذراع في بعض الأحوال لا يقتضي حملها عليه و مخالفة ما هو المنساق منها أينما وقعت، ثمّ حكى عن «الذكرى» أنّه قال: و من أين علم أنّ هذه القامة مفسّرة لتلك القامة؟ و الظاهر تغايرهما بدليل قوله فإذا مضى من فيئه ذراع ، و لو كان الذراع نفس القامة لم يكن للفظ «من» هنا معنىً. ثمّ قال (رحمه اللَّه) قلت: بل يأباه خبر إسماعيل الجعفي أيضاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) المسئول فيه عن اختلاف الجدار قصراً و طولًا بعد التحديد بالذراع من فيئه و الذراعين، فقال كان جدار مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يومئذٍ قامة(وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 28.) ، و هو كما ترى بعيد عن حمل القامة على الذراع(جواهر الكلام 7: 175.) انتهى. الوجه الخامس: ما عن الشهيد الأوّل في «الروض» و الشهيد الثاني في «الروضة» من أنّ النبي و الأئمّة المعصومين عليهم الصلاة و السلام و غيرهم من السلف قد فعلوا نافلة العصر متّصلة بالعصر و لم يكونوا يفصلون بينهما؛ و حينئذٍ فلو كان التقدير على الذراع و الذراعين و القدمين و أربعة أقدام لا يجتمع فعل صلاة العصر في وقت فضيلتها الذي هو بعد المثل و فعل النافلة متّصلة بها، بل يقع الانفصال بينهما. و الدليل على فعلهم المزبور رواية رجاء بن أبي الضحّاك في حديث طويل قال: كان الرضا (عليه السّلام) إذا زالت الشمس جدّد وضوءه و قام فصلّى ستّ ركعات. إلى أن قال: ثمّ يؤذّن و يصلّي ركعتين، ثمّ يقيم و يصلّي الظهر. إلى أن قال: قام فصلّى ستّ ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد و قل هو اللَّه أحد و يسلّم في كلّ ركعتين، و يقنت في ثانية كلّ ركعتين قبل الركوع و بعد القراءة، ثمّ يؤذّن و يصلّي ركعتين و يقنت في الثانية، فإذا سلّم أقام و صلّى العصر.(وسائل الشيعة 4: 55، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 24.) الحديث. و فيه أوّلًا: أنّ المستند على فعلهم (عليهم السّلام) نافلة الظهر و العصر متّصلةً بهما، هو رواية رجاء بن أبي الضحّاك، و هي ضعيفة سنداً بتميم بن عبد اللَّه بن تميم القرشي، و لم نجد أباه عبد اللَّه بن تميم و رجاء بن أبي الضحّاك فيما عندنا من كتب الرجال المعتبرة، فعليك بالتتبّع. و ثانياً: أنّ الثابت بالأدلّة المعتبرة فعلهم عليهم الصلاة و السلام فريضة الظهر بعد امتداد الظلّ إلى الذراع و القدمين و فريضة العصر بعد امتداده إلى الذراعين و أربعة أقدام، و قد تقدّم في الاستدلال على القول المشهور ذكر صحاح زرارة و موثّق إسماعيل الجعفي الدالّة على أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كانت عادته فعل الظهر بالقدمين و فعل العصر بأربعة أقدام. و الوجه السادس: أنّ وقت فضيلة الظهر امتداد الظلّ من حين الزوال إلى مثل الشاخص، و وقت فضيلة العصر امتداده من حينه إلى مثليه. و الحكمة في هذا الامتداد هو فعل النافلة في ذلك الوقت. و فيه: أنّه لا ملازمة بين توسعة وقت فضيلة الظهر و العصر إلى امتداد الظلّ إلى المثل و المثلين، و بين فعل النافلة إلى المثل و المثلين؛ لوجود الدليل على توقيت نافلتهما إلى الذراع و الذراعين. و في «الجواهر» في مقام ردّ هذا الدليل: أنّه قول بغير علم و تقوّل على الشارع بغير إذن(جواهر الكلام 7: 177.) انتهى. و استدلّ للقول الثالث بوجوه، عمدتها إطلاق الأخبار الدالّة على أنّ وقت نافلة الظهر و العصر قبلهما. و فيه: أنّ الإطلاق ليس وارداً في مقام بيان وقت النافلة. و على فرض ورود المطلقات في مقام البيان لا بدّ من تقييدها بالأخبار المقيّدة بالذراع و الذراعين. و استدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهدية و الصدقة فجائز إتيانها في كلّ وقت، و في بعضها أنّه يجوز تقديمها على الزوال؛ ففي رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال اعلم أنّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت(وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 3.) و صحيح عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن نافلة النهار، قال ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت، إنّ علي بن الحسين (عليهما السّلام) كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها، فإذا شغلها ضيعة أو سلطان قضاها، إنّما النافلة مثل الهدية متى ما اتي بها قبلت(وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 7.) و صحيح محمّد بن عذافر قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت؛ فقدّم منها ما شئت و أخّر منها ما شئت(وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 8.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال نوافلكم صدقاتكم؛ فقدّموها أنّى شئتم(وسائل الشيعة 4: 234، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 9.) و فيه: أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الأخبار هو أنّ وقت النوافل كلّها موسّع و لا وقت خاصّ لها، و هذا ممّا لم يلتزم به أحد من الأصحاب و معرضٌ عنه عندهم، حيث إنّ الأخبار في توقيتها بأوقات خاصّة في حدّ التواتر.

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

[ (مسألة 5): لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في يوم الجمعة]

(مسألة 5): لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في يوم الجمعة، بل يزاد على عددهما أربع ركعات، فتصير عشرين ركعة، و أمّا في غير يوم الجمعة فعدم الجواز لا يخلو من قوّة (1)،


1- و يدلّ على جواز زيادة أربع ركعات على نافلة النهار في يوم الجمعة صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال إنّما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيماً لذلك اليوم و تفرقةً بينه و بين سائر الأيّام(وسائل الشيعة 7: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 1.) ، و لا يخفى: أنّ الأفضل إتيان عشرين ركعة قبل الزوال. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة وقت الفريضة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال قبل الصلاة(وسائل الشيعة 7: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 3.) و يجوز إتيان أربعة عشر ركعات قبل الجمعة و ستّ ركعات بعد الجمعة قبل العصر. و يدلّ عليه صحيح يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: سألته عن التطوّع في يوم الجمعة، قال إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ستّ ركعات ارتفاع النهار، و ستّ ركعات قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، و ستّ ركعات بعد الجمعة(وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 10.) و صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عن التطوّع يوم الجمعة، قال ستّ ركعات في صدر النهار، و ستّ ركعات قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ستّ ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة(وسائل الشيعة 7: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 6.) و صحيح آخر للبزنطي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال النوافل في يوم الجمعة ستّ ركعات بكرة و ستّ ركعات ضحوة و ركعتين إذا زالت الشمس و ستّ ركعات بعد الجمعة(وسائل الشيعة 7: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 19.) ، هذا كلّه في نافلة النهار في يوم الجمعة. و أمّا في غيره من الأيّام فلا يجوز تقديمها على الزوال على الأقوى؛ لدلالة الأخبار المعتبرة على توقيتها ببعد الزوال كما في صحيح عمر بن أُذينة عن عدّة أنّهم سمعوا أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس، و لا من الليل بعد ما يصلّي العشاء الآخرة حتّى ينتصف الليل(وسائل الشيعة 4: 230، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 36، الحديث 5.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كان عليّ (عليه السّلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل، و لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس(وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 36، الحديث 6.) و في صحيحه الآخر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس، فإذا زال النهار قدر نصف إصبع صلّى ثماني ركعات(وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 36، الحديث 7.)

ص: 51

و مع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما فالأحوط الإتيان بهما رجاءً (1).


1- الأقوى جواز إتيانهما قبل الزوال مع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما. و يدلّ عليه خبر محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجّل من أوّل النهار؟ قال نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها(وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 1.) و سند هذه الرواية و إن كان ضعيفاً بيزيد (بريد) بن ضمرة الليثي لكونه مجهولًا و لكن الرواية مشهورة بين الأصحاب، و بها يقيّد الأخبار الدالّة على تقديمها على الزوال مطلقاً، كالأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت، و رواية إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّي أشتغل، قال فاصنع كما نصنع؛ صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر و اعتدّ بها من الزوال(وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 4.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال ما صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الضحى قطّ ، قال: فقلت له: أ لم تخبرني أنّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال بلى إنّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر(وسائل الشيعة 4: 234، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 10.)

ص: 52

و يجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر و الشابّ الذي يخاف فوتها في وقتها، بل و كلّ ذي عذر كالشيخ و خائف البرد أو الاحتلام، و ينبغي لهم نية التعجيل لا الأداء (1).


1- قد تقدّم منّا في شرح قوله (رحمه اللَّه) في المسألة الأُولى: «و وقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق» ما يدلّ على جواز إتيان نافلة الليل على النصف للمسافر و سائر ذوي الأعذار المذكورة في النصوص التي ذكرها صاحب «وسائل الشيعة» في الباب الرابع و الأربعين من أبواب المواقيت(وسائل الشيعة 4: 249، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44.) فراجع. و حيث إنّه قد ورد في الأخبار المعتبرة توقيت صلاة الليل و أنّه من حين انتصاف الليل فلا يجوز له نية الأداء قبل الانتصاف، بل ينوي التعجيل و فعلها قبل وقتها تعبّداً.

ص: 53

[ (مسألة 6): وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب]

(مسألة 6): وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب، و يختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله، و العصر بآخره كذلك، و ما بينهما مشترك بينهما (1).


1- و يدلّ على كون ابتداء وقت الظهرين هو الزوال مضافاً إلى أنّه إجماعي بين المسلمين، بل من ضروريات الدين قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ(الإسراء( 17): 78.) و الدلوك هو الزوال على ما صرّح به في كتب اللغة، و به فسّر في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال اللَّه تعالى لنبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، و دلوكها زوالها(وسائل الشيعة 4: 10، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، الحديث 1.) و الروايات الدالّة على أنّ وقتهما هو الزوال في حدّ الاستفاضة: منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.) و رواية عبيد بن زرارة بل مصحّحه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً، إلّا أنّ وقت هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) و قد وقع في سند الرواية القاسم بن عروة أبو محمّد مولى أبي أيّوب الخوزي البغدادي، و لم يثبت وثوقه بل و لا مدحه إلّا برواية الفضل بن شاذان عنه على ما حكي عن «رجال» الكشّي في ترجمة الفضل بن شاذان من أنّ عروة ممّن روى عنه الفضل، و معلوم أنّ هذا المقدار لا يكفي في مدحه كما توهّم، و مع هذا فقد وصف السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» الرواية بكونها مصحّحة. و قد يقال بمدحه لرواية جماعة من ثقات أصحابنا عنه، كالحسين بن سعيد و محمّد بن خالد البرقي و العبّاس بن المعروف و الفضل بن شاذان و ابن أبي عمير و علي بن مهزيار و غيرهم. و مرسلة داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7.) ، و غيرها من روايات الباب، هذا. و قد يظهر من بعض الروايات: أنّ وقت الظهرين بعد الزوال بقدمين و أربعة أقدام، كما في صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان(وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1.) و في بعضها: بعد الزوال بذراع و ذراعين، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس ، ثمّ قال إنّ حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان قامة و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) و في بعضها: إلى ذهاب الظلّ قامة و قامة و نصف إلى قامتين، كما في صحيح أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر و العصر، فقال وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 9.) و في بعضها: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، كما في صحيح إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في يوم الجمعة أو في السفر؛ فإنّ وقتها حين تزول(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 11.) و في بعضها: أنّ وقتهما امتداد الظلّ من الزوال إلى المثل و المثلين، كما في موثّق زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أُخبره، فحرجت من ذلك فاقرأه منّي السلام و قل له: إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 13.) و لا يخفى: أنّه لمّا قام الإجماع من الفريقين على كون ابتداء وقت الظهرين هو الزوال فلا بدّ من حمل ما ينافي ظاهره ذلك على وجه يرتفع به المنافاة، كالحمل على وقت الفضيلة كما في الأخبار المتضمّنة للذراع و الذراعين و القدمين و أربعة أقدام. و حمل بعضها على ابتداء وقت الفضيلة على احتمالٍ، كرواية ابن بكير قال: دخل زرارة على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: إنّكم قلتم لنا في الظهر و العصر على ذراع و ذراعين، ثمّ قلتم: أبردوا بها في الصيف، فكيف الإبراد بها؟ و فتح ألواحه ليكتب ما يقول، فلم يجبه أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) بشي ء، فأطبق ألواحه و قال: إنّما علينا أن نسألكم و أنتم أعلم بما عليكم و خرج، و دخل أبو بصير على أبي (عليه السّلام) فقال إنّ زرارة سألني عن شي ء فلم أُجبه و قد ضقت من ذلك، فاذهب أنت رسولي إليه فقل: صلّ الظهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك، و العصر إذا كان مثليك و كان زرارة هكذا يصلّي في الصيف، و لم أسمع أحداً من أصحابنا يفعل ذلك غيره و غير ابن بكير(وسائل الشيعة 4: 149، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 33.) و حمل بعضها الآخر على انتهاء وقت الفضيلة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعين؟ قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة؛ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 20.) ؛ يعني ينتهي وقت الفضيلة بالبلوغ ذراعاً فلا فضيلة بعده. و بعضها ظاهر في أفضلية بعض الأوقات على بعضها، كصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أُناس و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) النصف من ذلك أحبّ إليّ(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 22.) و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد ذكر هذه الأخبار و غيرها في أكثر من صفحتين حملها على إرادة الرخصة للمتنفّل في تأخير الظهر هذا المقدار، و أنّه لا يتوهّم حرمته للنهي عن التطوّع في وقت الفريضة. و أمّا وجه أنّ انتهاء وقت الظهرين هو المغرب فمضافاً إلى الشهرة المحقّقة، بل عدم الخلاف فيه بين الإمامية هو الأخبار المستفيضة: منها: مرسلة الصدوق قال: و قال الصادق (عليه السّلام) لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغرب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و ذلك للمضطرّ و العليل و الناسي(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3.) و ذيل مصحّح عبيد بن زرارة المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبتُ إلى الرضا (عليه السّلام): ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب (عليه السّلام) كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيق.(وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.) الحديث، حيث دلّ على أنّ الغروب انتهاء وقت الظهرين. و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) أحبّ الوقت إلى اللَّه عزّ و جلّ أوّله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 155، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 9، الحديث 12.) و رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تفوّت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.) و غيرها من الأخبار. و ضعف سند بعضها لا يضرّ بعد كون مضامينها مشهوراً، بل إجماعياً. و الدليل على اختصاص الظهر بأوّل الوقت مقدار أدائها بحسب حال المصلّي مضافاً إلى الشهرة المحقّقة، و الإجماع المدّعى من «المنتهي» هو مرسل داود بن فرقد المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات(وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7.) و يدلّ على اختصاص العصر بآخر الوقت صحيح الحلبي في حديث قال: سألته عن رجل نسي الأُولى و العصر جميعاً ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ يصلّ العصر، و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً، و لكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ثمّ ليصلّ الاولى بعد ذلك على أثرها(وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.) وجه الاستدلال: هو أنّ بطلان الظهر في صورة وقوعها في وقت يخاف فوت إحداهما ليس إلّا لأجل وقوعها في وقت مختصّ بالعصر، فهذا الصحيح يدلّ على أنّ آخر الوقت قبل المغرب مختصّ بالعصر. و الدليل على كون ما بين الوقتين المختصّين بالظهر و العصر مشتركاً بينهما مضافاً إلى كونه ممّا لا خلاف فيه هو مصحّح عبيد بن زرارة المتقدّم ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.)

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

و وقت العشاءين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، و يختصّ المغرب بأوّله بمقدار أدائها، و العشاء بآخره كذلك بحسب حاله (1)،


1- الدليل على كون المغرب ابتداء وقت صلاته مضافاً إلى كونه ممّا لا خلاف فيه، و في «الجواهر»: أنّه من ضروريات الدين هو الأخبار المتواترة: منها: صحيح زرارة المتقدّم فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.) و رواية إسماعيل بن مهران المتقدّمة و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء(وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.) و صحيح آخر لزرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). إلى أن قال و صلّى المغرب حين تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 3.) و رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، قال إنّ اللَّه افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها: صلاتان أوّل وقتهما من زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه، و منها: صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.) و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أتى جبرئيل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). إلى أن قال ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا انتهاء وقت العشاءين إلى نصف الليل فهو المشهور شهرة عظيمة. و نسب إلى بعض علمائنا امتداده إلى طلوع الفجر. و إلى المحقّق في «المعتبر» امتداده إلى طلوع الفجر للمضطرّ. و عن «الخلاف»: انتهاء وقت المغرب بذهاب الشفق؛ سواء فيه الحاضر و المسافر. و عن المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «النهاية»: أنّ ذهاب الشفق انتهاء وقته للحاضر، و للمسافر إلى ربع الليل. و نسب إلى بعض: أنّ ذهاب الشفق غاية المغرب للمسافر. و نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و السيّد في «المصباح» و «الإصباح»: أنّ ذهاب الشفق وقت فوتها للمختار، و يجوز تأخيرها إلى ربع الليل للمضطرّ. و الدليل على القول المشهور قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ(الإسراء( 17): 78.) و قد فسّر الغسق في اللغة و الروايات بمعنى انتصاف الليل، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر و غسق الليل هو انتصافه(وسائل الشيعة 4: 10، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، الحديث 1.) و الأخبار الدالّة على القول المشهور في حدّ الاستفاضة و فوقه: منها: رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.) و مصحّح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 186، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 11.) ، و دلالة المصحّح على المطلب بناءً على رواية الشيخ في «التهذيب» حيث زاد إلى نصف الليل(تهذيب الأحكام 2: 27/ 78.) ، و لم تكن هذه الزيادة في نسخة «الكافي»(الكافي 3: 281/ 12.) و مرسلة داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، و إذا يبقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل(وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّا لم نجد قائلًا بالخصوص بامتداد وقت صلاة المغرب للمختار حتّى يبقى بمقدار أربع ركعات إلى طلوع الفجر، و قد نسبه بعض الفقهاء المعاصر على ما في تقريراته إلى بعض علمائنا(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 160.) و كيف كان: فقد استدلّ للقول بانتهاء وقت المغرب إلى ذهاب الشفق بصحيح بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سأله سائل عن وقت المغرب، فقال إنّ اللَّه يقول في كتابه لإبراهيم فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي، و هذا أوّل الوقت، و آخر ذلك غيبوبة الشفق. و أوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل؛ يعني نصف الليل(وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 6.) و صحيح زرارة و الفضيل قالا: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إنّ لكلّ صلاة وقتين، غير المغرب فإنّ وقتها واحد، و وقتها وجوبها، و وقت فوتها سقوط الشفق(وسائل الشيعة 4: 187، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 2.) و صحيح إسماعيل بن جابر الكوفي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت المغرب، قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق(وسائل الشيعة 4: 190، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 14.) و استدلّ للقول بأنّ ذهاب الشفق غاية المغرب للمسافر بصحيح علي بن يقطين قال: سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أ يؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال لا بأس بذلك في السفر، فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئاً(وسائل الشيعة 4: 197، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 15.) و استدلّ للقول بأنّ ذهاب الشفق غاية المغرب للحاضر بالصحاح المزبورة الدالّة على انتهاء وقت المغرب بذهاب الشفق، و أمّا المسافر فانتهاء وقته له بذهاب ربع الليل، لصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل(وسائل الشيعة 4: 194، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 2.) و استدلّ على كون ربع الليل غاية للمضطرّ بصحيح عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت المغرب، فقال إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك و كنت في حوائجك، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل فقال: قال لي هذا و هو شاهد في بلده(وسائل الشيعة 4: 195، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 8.) و صحيح آخر له قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أكون مع هؤلاء و أنصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأُقيمت الصلاة، فإن أنا نزلتُ أُصلّي معهم لم أستمكن (أتمكّن) من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة؟ فقال ائت منزلك و انزع ثيابك، و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ و صلّ؛ فإنّك في وقت إلى ربع الليل(وسائل الشيعة 4: 196، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 11.) و لا يخفى: أنّ الروايات الدالّة على أنّ آخر وقت العشاءين سقوط الشفق أو انتهاء الثلث أو الربع من الليل، ففيها: أوّلًا: أنّها معارض بعضها مع بعض. و ثانياً: أنّه محمول بعضها على وقت الفضيلة كفضيلة المغرب إلى سقوط الشفق و العشاء إلى ربع الليل، و ما دلّ على تأخير المغرب إلى ربع الليل محمول على نفي الكراهة في التأخير إلى ذلك الوقت بالنسبة إلى المسافر و ذي الحاجة. و بهذا يجمع بين الأخبار الدالّة على أنّ غاية وقت العشاءين سقوط الشفق أو ذهاب الثلثين أو الربع، و بين الأخبار الدالّة على امتداد وقتهما إلى نصف الليل. و الدليل على اختصاص وقت المغرب بابتداء الغروب إلى مقدار أدائها، و وقت العشاء بانتهاء الليل بمقدار إتيان أربع ركعات إلى الانتصاف، رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 4.) و يدلّ على اختصاص خصوص المغرب بأوّل الوقت صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها(وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 16.) و مصحّح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين، إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 186، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 11.) و مرسل الصدوق قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) وقت المغرب إذا غاب الشمس(وسائل الشيعة 4: 179، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 18.) و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت المغرب حين تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 28.) و يدلّ على اختصاص العشاء بمقدار أربع ركعات إلى نصف الليل صحيح بكر بن محمّد الأزدي المتقدّم و آخر وقتها إلى غسق الليل(وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 6.) و صحيح معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال آخر وقت العتمة نصف الليل(وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 8.)

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

و ما بينهما مشترك بينهما (1). و الأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل اضطراراً؛ لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها، أو عمداً الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة (2)،


1- و يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.) و مصحّح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه، و إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 181، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 24.) و مرسل داود بن فرقد المتقدّم فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات(وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 4.)
2- قد عرفت: أنّ آخر وقت العشاءين هو انتصاف الليل، و هو بالنسبة إلى المختار ممّا لا إشكال فيه. و أمّا المضطرّ لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من موارد الاضطرار فالأقوى وفاقاً لجماعة من فقهائنا امتداد وقتهما إلى طلوع الفجر. و يدلّ عليه في خصوص النائم و الناسي صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة.(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 3.) الخبر. و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 4.) و قد وردت في خصوص الحائض عدّة من الروايات تدلّ على وجوب إتيانها العشاءين لو طهرت بعد انتصاف الليل و قبل الفجر، بعضها صحيح سنداً: منها: رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر(وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 7.) و رواية عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر، و إن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء(وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 10.) و رواية داود الزجاج عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر و العصر، و إن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 11.) و رواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر(وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 12.) و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في حديث و إذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت الصلاة اليوم، و الليل مثل ذلك(وسائل الشيعة 2: 365، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 13.) ، و المراد من قضاء الصلاة إتيانها لا القضاء المصطلح، كما في قوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ.(الجمعة( 62): 10.) الآية. لا يخفى: أنّه يكفي لنا صحيح منصور بن حازم المزبور في الفتوى بامتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر لخصوص الحائض. و لا يحتاج في الفتوى به إلى تعميم الناسي و النائم في صحيحي أبي بصير و ابن مسكان المتقدّمين لكلّ مضطرّ؛ حتّى يشمل الحائض و سائر المضطرّين في امتداد وقت عشاءيهم إلى طلوع الفجر، كما ارتكبه بعض فقهائنا المعاصر (رحمه اللَّه) السيّد الخوئي في تقريراته(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 187.) نعم يمكن تعميم الحكم لسائر الأعذار غير النوم و النسيان لهاتين الصحيحتين. بقي هنا أمران: الأوّل: أنّه قد ورد في بعض الروايات: أنّ من نام قبل أن يصلّي العتمة و استيقظ بعد نصف الليل فليقضِ صلاته، كما في مرفوعة ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللَّه(وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 5.) ، و حينئذٍ فلا يمتدّ وقت العشاء إلى ما بعد نصف الليل بالنسبة إلى النائم المستيقظ قبل طلوع الفجر. و يمكن حمل القضاء فيها على معنى الإتيان لا القضاء المصطلح، بقرينة ظهور صحيحتي أبي بصير و ابن مسكان المتقدّمتين في امتداد الوقت إلى طلوع الفجر بالنسبة إلى النائم. الثاني: أنّ الأحوط استحباباً للمضطرّين إتيان العشاءين بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر بنية ما في الذمّة؛ لاحتمال عدم مقاومة الصحيحتين المزبورتين بالأخبار الكثيرة الصريحة في أنّ وقت العشاءين إلى انتصاف الليل. و قد جزم صاحب «الرياض» بعدم عمل الأصحاب بالأخبار الدالّة على امتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر. و أمّا العامد في تأخير العشاءين حتّى يبقى مقدارهما من الوقت إلى طلوع الفجر، فلا دليل على امتداد وقت عشاءيه إلى طلوع الفجر، إلّا رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) ، حيث إنّ إطلاقها يشمل العامد في التأخير. و لكن الرواية ضعيفة سنداً؛ لجهالة علي بن يعقوب الهاشمي، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ مقتضى الجمع بين هذه الرواية على فرض الإغماض عن سندها و بين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ امتداد الوقت إلى الفجر إنّما هو بالنسبة إلى ذوي الأعذار هو حمل هذه الرواية أيضاً على صورة العذر.

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

و لو لم يبقَ إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً، و الأحوط قضاؤهما مترتّباً بعد الوقت (1). و ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح (2).


1- إذا بقي من وقت العشاءين بمقدارهما من آخر الليل و لو بمقدار أربع ركعات يأتي بالمغرب أوّلًا ثمّ العشاء الآخرة بلا فصل، بقصد ما في الذمّة في المضطرّ و العامد عند المصنّف (رحمه اللَّه) و جماعة من فقهائنا، و الأقوى عندنا في غير العامد امتداد وقتهما إلى طلوع الفجر. و لو لم يبق من الوقت إلّا بمقدار العشاء فقط و لو ركعة واحدة فالأحوط حينئذٍ إتيان العشاء في ذلك الوقت للمضطرّ بقصد ما في الذمّة عند المصنّف، ثمّ قضاء المغرب و العشاء مرتّباً بعد الوقت. و وجه الاحتياط في إتيان العشاء في ذلك الوقت امتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر، فبإدراك ركعة في الوقت قد أدرك الوقت جميعاً. و وجه الاحتياط في قضائهما مرتّباً بعد الوقت هو امتداد وقتهما إلى انتصاف الليل، و بعده تكون المغرب و العشاء قضاءين و يجب مراعاة الترتيب في قضائهما، و لا يجزي إتيان المغرب بعد العشاء.
2- لا خلاف بين المسلمين في أنّ ابتداء وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، و سيأتي البحث فيما يتحقّق به طلوع الفجر عند التعرّض بوقت فضيلة الصبح. و لا يخفى: أنّ المراد من الفجر الذي هو أوّل وقت صلاة الصبح هو الفجر الصادق المتحقّق باعتراض البياض الحادث في الأُفق المتصاعد في السماء الذي يشابه ذنب السرحان و انتشاره على الأُفق كالقبطية البيضاء، كما في صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) فقلت: متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثمّ يحرم الطعام على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر ، قلت: أ فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ قال هيهات، أين يذهب بك؟! تلك صلاة الصبيان(وسائل الشيعة 4: 209، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 1.) و مرسل «الفقيه» قال: و روى إنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسناً، و أمّا الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذاك الفجر الكاذب، و الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي(وسائل الشيعة 4: 210، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 3.) و القباطي ثياب كتّانية بيضاء. و يدلّ على كون طلوع الفجر ابتداء وقت صلاة الصبح قبل الإجماع صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت الفجر حين ينشقّ الفجر(وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 1.) ، و رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت الفجر حين يبدو حتّى يضي ء(وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 3.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي (عليه السّلام) قال لكلّ صلاة وقتان، و أوّل الوقتين أفضلهما؛ و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً، و لكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام. و وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم، و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر أو من علّة(وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 5.) و هذا الصحيح يدلّ صريحاً على التفصيل بين المختار و أنّه لا ينبغي له تأخير صلاة الصبح عن تجلّل الصبح السماء، و بين المضطرّ بأقسامه و أنّه يجوز له التأخير منه. و مقتضى الجمع بين الروايات حمل الأخبار الدالّة على أنّ انتهاء وقت صلاة الصبح تجلّل الصبح السماء و ظهور الحمرة المشرقية على وقت الفضيلة، و أنّ تأخيرها عنه عمداً مكروه؛ لقوله (عليه السّلام) في صحيح عبد اللَّه بن سنان لا ينبغي تأخير ذلك عمداً. و أمّا قوله (عليه السّلام) في الصحيح و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر أو من علّة فالمستفاد منه عدم جواز جعل آخر الوقتين فقط وقتاً، دون أوّل الوقت، و هو حقّ.

ص: 70

ص: 71

و وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص، كما أنّ منتهى فضيلة العصر المِثلان، و مبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام أي أربعة أسباع الشاخص على الأظهر؛ و إن لا يبعد أن يكون مبدؤها بعد مقدار أداء الظهر (1).


1- قد اختلف الأخبار في وقت فضيلة الظهر و العصر من حيث المبدأ و المنتهى: فمنها: ما يدلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر حين بلوغ الظلّ الحادث إلى القدمين، و وقت فضيلة العصر بلوغه إلى أربعة أقدام؛ فما دام لم يبلغ الظلّ الحادث القدمين أو أربعة أقدام لا يدخل وقت فضيلتهما، كما في صحيح الفضلاء عن الصادقين (عليهما السّلام) أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان(وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1.) و قد يعبّر عن القدمين و أربعة أقدام بالذراع و الذراعين، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس.(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) الحديث. و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال كان حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قبل أن يظلّل قامة، و كان إذا كان الفي ء ذراعاً و هو قدر مربض عنز صلّى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 142، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 7.) و صحيح إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا كان في ء الجدار ذراعاً صلّى الظهر، و إذا كان ذراعين صلّى العصر.(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 10.) الحديث. و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة؛ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 20.) ، و غيرها من روايات الباب. و منها: ما دلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ الحادث قدماً، كما في صحيح إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر، فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها حين تزول الشمس(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 11.) و موثّق سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في السفر(وسائل الشيعة 4: 145، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 17.) و منها: ما دلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ الحادث قدماً، و وقت فضيلة العصر بلوغه قدمين، كما في موثّق ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أُناس و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) النصف من ذلك أحبّ إليّ(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 22.) و منها: ما دلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ إلى قامة، و وقت فضيلة العصر من القامة إلى قامتين من الزوال، كما في رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامةً و هو آخر الوقت، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين(وسائل الشيعة 4: 133، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 6.) ، و الرواية ضعيفة سنداً؛ لأنّ يزيد بن خليفة غير موثّق في كتب الرجال. و صحيح أحمد بن عمر الحلبي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر و العصر، فقال وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 9.) و لا يخفى: أنّه لم يقل أحد بكون وقت فضيلة العصر قامةً و نصف. و يدلّ أيضاً على وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى القامة و في العصر من القامة إلى القامتين من الزوال، صحيح البزنطي قال: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر، فكتب قامة للظهر و قامة للعصر(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 12.) و رواية محمّد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح (عليه السّلام) و هو يقول إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال، و أوّل وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان ، قلت: في الشتاء و الصيف سواء؟ قال نعم(وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 29.) و موثّق معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أتى جبرئيل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح، ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال: ما بينهما وقت(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) و منها: ما دلّ على أنّ ما بين الزوال و صيرورة الظلّ مثل الشاخص وقت فضيلة الظهر من حيث المبدأ و المنتهى، و إلى مثلي الشاخص وقت فضيلة العصر، كما في خبر محمّد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح (عليه السّلام) و هو يقول إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال، و أوّل وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان ، قلت: في الشتاء و الصيف سواء، قال نعم. و حسنة أحمد بن عمر الحلبي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر و العصر، فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين. و موثّقة معاوية بن وهب المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام). و الاستدلال بهذه الروايات على كون وقت فضيلة الظهرين صيرورة الظلّ مثل الشاخص في الظهر و مثليه في العصر، منوط على كون المراد من القامة قامة الإنسان؛ بأن جعل الإنسان قامة نفسه شاخصاً كما تقدّم. و لا يخفى: أنّ مدلول هذه الروايات هو المشهور بين فقهائنا؛ منهم المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و الشهيدان في «الدروس» و «اللمعة» و «الحواشي» و «الروضة» و «المسالك» و المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» و غيرهم. و استشكل عليه بعض المعاصرين السيّد الخوئي بما حاصله: أنّ الأخبار الدالّة على أنّ وقت فضيلة الظهرين القدم و القدمان أو القدمان للظهر و أربعة أقدام للعصر كثيرة جدّاً بحيث لا يبعد دعوى تواترها إجمالًا و أنّها أخبار قطعية صدوراً عنهم (عليهم السّلام)؛ فلا مناص من طرح الروايات الدالّة على كون وقت فضيلة الظهرين من الزوال إلى مثل الشاخص في الظهر و إلى مثليه في العصر؛ لكونها مخالفة للسنّة القطعية أو مرجوحة؛ لكونها موافقة للعامّة(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 216 217.) انتهى ملخّصاً. و فيه: أنّه على فرض ثبوت شهرة مضمون هذه الروايات نقول بها، و إشكاله (رحمه اللَّه) في المسألة مبتن على إشكاله في حجية الشهرة. و لا يخفى أيضاً: أنّه يمكن الجمع بين أخبار القدم و القدمين و بين أخبار القدمين و أربعة أقدام بالحمل على مراتب الفضيلة، و أنّ إتيان الظهر في وقت بلوغ الظلّ قدماً أفضل من إتيانها في وقت بلوغه قدمين، و كذلك في العصر فهي بالنسبة إلى القدمين أفضل من إتيانها في أربعة أقدام. و يدلّ عليه موثّق ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أُناس و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) النصف من ذلك أحبّ إليّ(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 22.) و كذلك يمكن الجمع بين أخبار القدمين و الأربعة أقدام و بين أخبار الذراع و الذراعين بأنّ القدمين و الذراع متساويان مقداراً، و كذلك أربعة أقدام و ذراعين، كما ورد في بعض الأخبار؛ ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان (ع) من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) و أمّا وجه أظهرية كون مبدإ فضيلة العصر أربعة أقدام أي أربعة أقدام الشاخص إذا كان الشاخص قامة إنسان فهو صحيح الفضلاء عن الصادقين (عليهما السّلام) قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان(وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إذا كان ذراعين صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 10.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا وجه عدم البعد في أن يكون مبدأ وقت فضيلة العصر بعد مقدار أداء الظهر فصحيح ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): متى أُصلّي الظهر؟ فقال صلّ الزوال ثمانية، ثمّ صلّ الظهر، ثمّ صلّ سبحتك طالت أو قصرت ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 3.) و رواية مسمع بن عبد الملك قال إذا صلّيت الظهر فقد دخل وقت العصر، إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت(وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 4.) و صحيح محمّد بن أحمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السّلام): روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين، فكتب (عليه السّلام) لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و بين يديها سبحة؛ و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة؛ و هي ثمان ركعات إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 134، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 13.) فهذه الروايات تدلّ على أنّ أفضلية التأخير إلى القدمين و أربعة أقدام بالنسبة إلى المتنفّل. و أمّا من لا يريد التنفّل فالأفضل له إتيان الظهر في أوّل الزوال و فعل العصر بعد الظهر؛ و لذا قال صاحب «المدارك» (رحمه اللَّه): و يستفاد من رواية ذريح و غيرها أنّه لا يستحبّ تأخير العصر عن الظهر إلّا بمقدار ما يصلّي النافلة. و يؤيّده الروايات المستفيضة الدالّة على أفضلية أوّل الوقت. إلى أن قال: إنّ أكثر الروايات يقتضي استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها، من غير اعتبار للإقدام و الأذرع(مدارك الأحكام 3: 45.) انتهى.

ص: 72

ص: 73

ص: 74

ص: 75

ص: 76

ص: 77

ص: 78

و وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق، و هو الحمرة المغربيّة، و هو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث اللّيل (1)،


1- و يدلّ عليه فِعلُ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلاة المغرب يوماً حين سقط القرص و العتمة حين غاب الشفق، و فعله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المغرب في يوم آخر قبل ذهاب الشفق و العتمة حين ذهب ثلث الليل، كما في رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول و صلّى المغرب حتّى تغيب الشمس، فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت العشاء ثلث الليل(وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 3.) و موثّق ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أتى جبرئيل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال: صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر، و صلّ الأُولى إذا زالت الشمس، و صلّ العصر بعيدها و صلّ المغرب إذا سقط القرص، و صلّ العتمة إذا غاب الشفق، ثمّ أتاه من الغد فقال: أسفر بالفجر فأسفر، ثمّ أخّر الظهر حين كان الوقت الذي صلّى فيه العصر و صلّى العصر بعيدها، و صلّى المغرب قبل سقوط الشفق، و صلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل، ثمّ قال: ما بين هذين الوقتين وقت(وسائل الشيعة 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 8.)

ص: 79

فلها وقتا إجزاء: قبل ذهاب الشفق، و بعد الثلث إلى النصف (1). و وقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحُمرة المشرقيّة، و لعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلّل و الإسفار و تنوّر الصُّبح المنصوص بها (2).


1- يعني أنّ للعشاء وقتي إجزاء: أحدهما قبل ذهاب الشفق. و مبدؤه بعد مقدار أداء المغرب في أوّل وقته. و ثانيهما: بعد ثلث الليل إلى النصف.
2- لا إشكال و لا خلاف في كون أوّل وقت فضيلة الصبح هو حين طلوع الفجر الصادق، و أنّ منتهاه حدوث الحمرة في المشرق، و وقت إجزائه من الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. و ليس للصبح وقت مختصّ و لا مشترك؛ لعدم وجود الشريك معه في الوقت المحدود. و لا يخفى: أنّ المذكور في الروايات في بيان آخر وقت فضيلة الصبح هو عنوان التجلّل و الإسفار و التنوير و الإضاءة. و لم يرد في شي ء من الروايات المعتبرة عنوان حدوث الحمرة أو ظهورها، بل المذكور فيها هي العناوين المذكورة، كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام(وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 1.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لكلّ صلاة وقتان، و أوّل الوقتين أفضلهما، و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء.(وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 5.) الحديث. و موثّق ذريح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ أتاه من الغد فقال أسفر بالفجر فأسفر(وسائل الشيعة 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 8.) و موثّق معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) و رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول فإذا طلع الفجر و أضاء صلّى الغداة(وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 3.) و في «المستمسك»: و هذه العناوين لا تخلو من إجمال في نفسها، فضلًا عن ملازمتها لحدوث الحمرة المشرقية(مستمسك العروة الوثقى 5: 64.) انتهى.

ص: 80

[ (مسألة 7): المراد باختصاص الوقت: عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح]

(مسألة 7): المراد باختصاص الوقت: عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح، فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه كصلاة القضاء من ذلك اليوم أو غيره، و كذا لا مانع من إتيان الشريكة فيه؛ إذا حصل فراغ الذمّة من صاحبة الوقت، فإذا قدم العصر سهواً على الظهر، و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، يصحّ إتيان الظهر في ذلك الوقت أداءً، و كذا لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت، فدخل الوقت قبل تمامها، لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها، و لا يجب التأخير إلى مُضيّ مقدار أربع ركعات، بل لو وقع تمام العصر في وقت الظهر صحّ على الأقوى، كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر، ثمّ تبيّن عدم إتيانه؛ و أنّ تمام العصر وقع في الوقت المختصّ بالظهر، لكن لا يُترك الاحتياط فيما لم يُدرك جزءاً من الوقت المشترك (1).


1- قد تقدّم في شرح المسألة السابقة بيان أنّ لكلّ من صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء وقتاً مختصّاً بها و وقتاً مشتركاً بين الظهرين و بين العشاءين، و ذكرنا هناك أيضاً وجه الاختصاص و الاشتراك، فراجع. و المقصود هنا بيان أن ليس المراد من الوقت المختصّ بكلّ من الصلوات أنّه لا يصحّ إتيان غير صاحبة الوقت في الوقت المختصّ أصلًا؛ أيّة صلاة كانت، و لو كانت غير الشريكة بصاحبة الوقت من سائر الصلوات، كما في شهر رمضان حيث لا يصحّ فيه صوم آخر غير صوم شهر رمضان؛ أيّ صوم كان. بل المراد منه: أنّه لا يصحّ إتيان خصوص الشريكة عمداً في الوقت المختصّ بصاحبة الوقت قبل إتيان صاحبة الوقت على وجه صحيح. و أمّا إتيان غير الشريكة من سائر الصلوات كالقضاء و المنذور المطلق مثلًا في ذلك الوقت فلا مانع منه أصلًا، و كذا لا مانع من إتيان الشريكة في وقت صاحبة الوقت إذا حصل فراغ الذمّة من الصاحبة. فلو صلّى العصر قبل صلاة الظهر سهواً في أيّ جزء من أجزاء الوقت و لم يبق من آخر الوقت إلّا بمقدار أربع ركعات، فهذا الوقت و إن كان مختصّاً بالعصر إلّا أنّ صلاة ظهره في فرض المسألة محكوم بالصحّة. و كذا لو صلّى ظهره قبل الزوال بظنّ دخول الوقت فضلًا عن العلم بدخوله و دخل الوقت في أثناء الصلاة قبل تمامها و لو قبل السلام صحّ ظهره، و لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ من الظهر بلا فصل، و إن وقع في الوقت المختصّ بالظهر؛ لأنّه دخل وقت العصر كالظهر بالزوال؛ لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.) و رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) ، و في سند الرواية القاسم بن عروة أبو محمّد مولى أبي أيّوب الخوزي البغدادي قيل: إنّه حسن رواية فضل بن شاذان عنه، و فيه: أنّه لا يثبت مدحه بمجرّد رواية الفضل عنه. و غيرهما من روايات الباب و غيره. و المفروض عدم وقوع تمام الظهر قبل الوقت، بل وقع سلامه في الوقت؛ فلا يكون الظهر الكذائي مشمولًا لحديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ؛ فلا وجه حينئذٍ لوجوب تأخير العصر عن أوّل الزوال إلى مضيّ مقدار أربع ركعات. فالأقوى صحّة العصر الواقع في الوقت المختصّ بالظهر فيما أتى بالظهر قبل الزوال باعتقاد دخول وقته مع وقوع سلامه لا أقلّ في الوقت. و أمّا إذا وقع تمام العصر في الوقت المختصّ بالظهر كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر في وقت الظهر ففي صحّة العصر خلاف: فقال جماعة بالبطلان لعدم صلاحية الوقت المختصّ بالظهر لغيره، و كذا إذا أتى العشاء في الوقت المختصّ بالمغرب. و فيه: أنّ الوقت المختصّ ليس المراد منه أنّه لا يصلح غير صاحبته فيه مطلقاً، بل المراد منه كما تقدّم أنّه لا يصلح إتيان الشريكة فيه عمداً؛ لاشتراط الترتيب بين صاحبة الوقت و الشريكة حال الالتفات و الذكر لا واقعاً. و قد ذكرنا أنّه يدخل وقت الظهرين كليهما بالزوال، كدخول وقت العشاءين بغيبوبة الشمس. فالأقوى: صحّة العصر الواقع في الوقت المختصّ بالظهر عن غير عمد؛ لاقتضاء حديث «لا تعاد» إيّاها مع فرض دخول وقت العصر كالظهر بالزوال، و إن كان الأحوط إعادة العصر بعد إتيان الظهر فيما لم يقع جزء من صلاة عصره في الوقت المشترك.

ص: 81

ص: 82

ص: 83

[ (مسألة 8): لو قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمداً، بطل ما قدّمه]

(مسألة 8): لو قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمداً، بطل ما قدّمه؛ سواء كان في الوقت المختصّ أو المشترك (1)، و لو قدّم سهواً و تذكّر بعد الفراغ، صحّ ما قدّمه، و يأتي بالأُولى بعده (2)،


1- و ذلك لوجوب مراعاة الترتيب بين الظهرين و العشاءين حال الذكر. و يدلّ عليه رواية القاسم بن عروة عن عبيد بن زرارة المتقدّم، و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبتُ إلى الرضا (عليه السّلام): ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيق.(وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.) الحديث، و الرواية و إن كانت ضعيفة بسهل بن زياد و لكن مضمونها ممّا قام به الإجماع القطعي.
2- و ذلك أي صحّة ما قدّمه لحديث «لا تعاد»، و لقول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيح زرارة إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) ، حيث الأمر بنية الأُولى يدلّ على صحّة ما أتى به، و لكن صيرورته ظهراً بالنية معرض عنها عند الأصحاب. و لصحيح الحلبي قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر، قال فليجعل صلاته التي صلّى الاولى ثمّ ليستأنف العصر.(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 4.) الحديث، و هذا الصحيح أيضاً يدلّ على صحّة ما أتى به بنية العصر. ثمّ إنّه هل يحتسب ما أتى بنية العصر ظهراً كما هو صريح الصحيحين المزبورين أو أنّه يحتسب عصراً كما نواه و يأتي بالظهر بعده؟ فيه خلاف بين فقهائنا؛ المشهور أنّ ما أتى به بنية العصر يحتسب عصراً و لا وجه لاحتسابه ظهراً، و كذا لا وجه لنية العدول إلى الظهر بعد العمل غير الصحيحين المذكورين، و هما معرض عنهما؛ لفتوى المشهور على احتساب ما أتاه عصراً و إتيان الظهر بعده. و من قال بعدم حجّية الشهرة أفتى بوجوب العدول عمّا أتاه إلى الأُولى و إتيان العصر ثانياً بنية العصر، و تمسّك في فتواه إلى الصحيحين المزبورين.

ص: 84

و إن تذكّر في الأثناء عدل بنيّته إلى السابقة، إلّا إذا لم يبقَ محلّ العدول، كما إذا قدّم العشاء و تذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة، و الأحوط حينئذٍ الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب ثمّ العشاء، بل بطلان العشاء لا يخلو من قوّة (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أن يتذكّر في أثناء الصلاة الثانية أنّه سهى عن الاولى و لم يأتها مع بقاء محلّ العدول، كما إذا تذكّر قبل تسليم صلاة العصر أو قبل ركوع الركعة الرابعة في العشاء، فحينئذٍ يجب العدول إلى السابقة و إتمامها ظهراً أو مغرباً ثمّ إتيان العصر و العشاء. و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى. إلى أن قال و إن كنت ذكرتها أي المغرب و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) ، حيث إنّ هذا الصحيح معمول به بالنسبة إلى العدول إلى السابقة في الأثناء، من غير فرق بين الوقت المختصّ و المشترك عندنا، و إن كان معرضاً عنه بالنسبة إلى العدول بعد الفراغ. و في بعض الروايات تفصيل بين الظهرين و العشاءين، و أنّه يجب العدول إلى الظهر فيما إذا تذكّر في أثناء العصر، و وجوب إتمام العشاء إذا تذكّر في أثنائها. و وجه التفصيل رواية الحسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي الأُولى حتّى صلّى ركعتين من العصر، قال فليجعلها الاولى و ليستأنف العصر ، قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر، قال فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعدُ المغرب ، قال: قلت له: جعلت فداك قلتَ حين نسي الظهر ثمّ ذكر و هو في العصر يجعلها الاولى ثمّ يستأنف، و قلتَ لهذا يتمّ صلاته بعد المغرب، فقال ليس هذا مثل هذا؛ إنّ العصر ليس بعدها صلاة و العشاء بعدها صلاة(وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.) أقول: الرواية ضعيفة بالحسن بن زياد الصيقل؛ لعدم توثيقه. و في «الوسائل»: هذا محمول على تضييق وقت العشاء دون العصر، انتهى. و يدلّ على هذا الحمل قوله (عليه السّلام) في الرواية ثمّ ليقض بعدُ المغرب ، حيث إنّ الأمر بقضاء المغرب دليل على كون الوقت مختصّاً للعشاء أداءً؛ فلا يجوز في ذلك الوقت العدول إلى المغرب. الثانية: أن يتذكّر في أثناء الصلاة الثانية أنّه سهى عن الاولى مع عدم بقاء محلّ العدول، كما إذا تذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء؛ فإنّه لا محلّ حينئذٍ للعدول إلى المغرب. و هل يحكم بإتمام ما في يده عشاءً، ثمّ إتيان المغرب بعدها، أو يحكم ببطلانه و إتيان المغرب مترتّباً عليه إتيان العشاء؟ المشهور هو بطلان العشاء، و وجهه على ما في «تقريرات» بعض المعاصرين السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) بما حاصله: أنّ الترتيب كما هو معتبر بين أحد الواجبين بأن تقع هذا قبل هذا كذلك يعتبر في أجزاء الواجبين بأن يقع كلّ جزء منهما بعد الواجب الآخر و من حيث إنّ المفروض أنّه أتى ثلاث ركعات ممّا في يده بنية العشاء حال الغفلة عن إتيان المغرب فلا يعتبر الترتيب فيها و تقديمها على المغرب من غير ذكر لا يضرّ. و أمّا الركعة الرابعة فقد تذكّر بعد ركوعها بأنّ ما في يده عشاء، و في الحقيقة تكون الركعة الرابعة من العشاء مقدّمة على المغرب حال الذكر و الالتفات؛ فوجوب مراعاة الترتيب و تقديم المغرب حال الذكر على العشاء يقتضي بطلان العشاء الواقعة ركعتها الأخيرة و لو سلامها قبل المغرب حال الالتفات و الذكر(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 292 293.) انتهى ملخّصاً. و قال السيّد الحكيم و الشاهرودي (قدّس سرّهما) في حاشيتهما على «العروة الوثقى»(مستمسك العروة الوثقى 5: 90، العروة الوثقى 1: 520، الهامش 4.) تبعاً لجماعة منهم كاشف اللثام بصحّة ما في يده و إتمامه عشاء و يأتي بالمغرب بعدها؛ و ذلك لحديث «لا تعاد» حيث إنّه لا يختصّ بما بعد العمل؛ فيشمل ما إذا كان التذكّر في أثناء العمل. فإذا تذكّر نقصان جزء أو شرط فيما تقدّمه من العمل و هو في أثنائه جرى فيه الحديث، كما إذا تذكّر في أثناء الصلاة عدم تستّره في الركعات المتقدّمة مع كونه متستّراً حال ذكره جرى فيه حديث «لا تعاد». أقول: و لو لا الشهرة في بطلان ما في يده لقلنا بصحّته لحديث «لا تعاد»، و لأنّ ما يدلّ على الترتيب ظاهر في وجوب تقديم الاولى على الثانية حال الذكر و الالتفات من ابتداء الصلاة، كما هو المستفاد من قوله (عليه السّلام) إلّا أنّ هذه قبل هذه ، و لكن الشهرة قامت على البطلان. و الأحوط إتمام ما في يده عشاءً ثمّ إتيان المغرب ثمّ العشاء.

ص: 85

ص: 86

ص: 87

[ (مسألة 9): إن بقي للحاضر مقدار خمس ركعات إلى الغروب و للمسافر ثلاث، قدّم الظهر]

(مسألة 9): إن بقي للحاضر مقدار خمس ركعات إلى الغروب و للمسافر ثلاث، قدّم الظهر و إن وقع بعض العصر في خارج الوقت (1)،


1- إذا بقي من وقت الظهرين إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر فإن قدّم صلاة الظهر لزم وقوع ثلاث ركعات منها في الوقت المختصّ بالعصر و وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت، و إن قدّم صلاة العصر وقعت ركعة منها في الوقت المشترك و ثلاث ركعات منها في الوقت المختصّ بها؛ فمقتضى مراعاة الترتيب هو تقديم الظهر و إن وقع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت، و مقتضى اختصاص آخر الوقت بالعصر هو تقديمها على الظهر؛ و حينئذٍ يقع التزاحم بينهما؛ فالواجب تقديم الظهر، و وقوع ركعة من العصر في الوقت، كوقوعها تامّة في الوقت؛ للقاعدة المسلّمة؛ و هي أنّه «من أدرك ركعة من الوقت أدرك الوقت تماماً». و يدلّ على هذه القاعدة ما رواه الشهيد (رحمه اللَّه) في «الذكرى» عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) ، قال: و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس فقد أدرك العصر(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.) و قد وردت بعض الروايات في خصوص صلاة الغداة، و لم يقل أحد بالفصل بينها و بين سائر الصلوات؛ ففي موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ و قد جازت صلاته(وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1.) و رواية الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة(وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.) ، و رواية اخرى لعمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة و قد جازت صلاته، و إن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة و لا يصلّي حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها(وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 3.) و ضعف سند بعض هذه الروايات منجبر بالإجماع القطعي، هذا كلّه في الحاضر. و كذا المسافر إذا بقي له مقدار ثلاث ركعات من الوقت قدّم ظهره.

ص: 88

ص: 89

و إن بقي للحاضر أربع ركعات أو أقلّ، و للمسافر ركعتان أو أقلّ، صلّى العصر (1)، و إن بقي للحاضر إلى نصف الليل خمس ركعات أو أكثر، و للمسافر أربع ركعات أو أكثر، قدّم المغرب، و إن بقي للحاضر و المسافر إليه أقلّ ممّا ذكر قدّم العشاء (2)، و يجب المبادرة إلى إتيان المغرب بعده إن بقي مقدار ركعة أو أزيد، و الظاهر كونه أداءً، و إن كان الأحوط عدم نية الأداء و القضاء (3).


1- لاختصاص الوقت بالعصر، و لا يجوز إتيان الظهر فيه مع عدم إتيان العصر قبلها صحيحاً، و مع إتيان العصر قبل الظهر صحيحاً كما لو أتاها قبلها سهواً جاز له إتيان الظهر في الوقت المختصّ للعصر.
2- و ذلك لعين ما ذكر في الظهرين للحاضر و المسافر، و لا يجوز للحاضر تقديم المغرب إذا بقي إلى نصف الليل بمقدار أربع ركعات، و إن أمكن له إتيان ركعة من العشاء في الوقت قبل انتصاف الليل بعد إتيان المغرب؛ و ذلك لاختصاص الوقت مقدار أربع ركعات إلى نصف الليل بالعشاء؛ فلا يجوز إتيان غيرها فيه. و كذلك المسافر.
3- وجه وجوب المبادرة إلى إتيان المغرب بعد العشاء فيما بقي بمقدار ركعة أو أزيد، هو كون هذا المقدار من الوقت وقتاً للمغرب أيضاً بحسب الأدلّة. و اختصاص هذا الوقت للعشاء و وجوب الترتيب المقتضي لتقديم المغرب إنّما هو فيما لم يأت العشاء قبل المغرب صحيحاً، و بعبارة اخرى: اختصاص آخر الوقت بصاحبته إنّما هو فيما لم يأت صاحبته قبلًا بوجه صحيح لا مطلقاً. و إذا فرض وجوب تقديم العشاء فيما بقي إلى نصف الليل مقدار أقلّ من خمس ركعات للحاضر و أقلّ من أربع ركعات للمسافر و قدّمها فقد أتاها بوجه صحيح، و بعد إتيانها رأى بقاء مقدار ركعة أو أزيد من الوقت وجب المبادرة إلى إتيان المغرب؛ لكون هذا المقدار وقتاً لها. و يجب نيّة الأداء و إن كان الأحوط استحباباً عدم نية القضاء و الأداء.

ص: 90

[ (مسألة 10): يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس]

(مسألة 10): يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر أو المغرب، فتبيّن في الأثناء أنّه صلّاهما، لا يجوز له العدول إلى اللاحقة، بخلاف ما إذا دخل في الثانية بتخيّل أنّه صلّى الاولى، فتبيّن في الأثناء خلافه، فإنّه يعدل إلى الاولى إن بقي محلّ العدول (1).


1- مقتضى اشتراط الترتيب حال الالتفات و الذكر عدم صحّة العصر الواقع قبل الظهر عمداً، و لا صحّة العشاء الواقعة قبل المغرب كذلك. و لا يشترط الترتيب حال الغفلة و السهو؛ فمن صلّى العصر ثمّ التفت و تذكّر أنّه لم يصلّ الظهر يصلّي الظهر بعد العصر، و كذا في العشاءين، هذا إذا تذكّر بعد الفراغ عن العصر و العشاء أنّه لم يصلّ الظهر أو المغرب. و أمّا إذا تذكّر في أثناء إحدى الصلاتين المترتّبتين أنّه لم يصلّ الأُخرى فهل يجوز له العدول ممّا في يده إلى الأُخرى أم لا؟ ففيه صورتان جاز له العدول في إحداهما دون الأُخرى. و قبل ذكر الصورتين لا بدّ أن يعلم أنّ كلّ صلاة يمتاز عمّا سواها بالنية و قصد أمرها و إن كانت مشابهة لصلاة أُخرى، كالظهرين حيث إنّهما حقيقتان مختلفتان تمتاز إحداهما عن الأُخرى بالنية و قصد أمرها. فمقتضى اختلافهما بالحقيقة عدم جواز العدول عن إحداهما إلى الأُخرى؛ لاستلزام العدول انقلاب حقيقة المعدول عنه إلى حقيقة أُخرى. فما شرع فيه بنية الظهر و قصد أمره يتّصف بالظهرية في الواقع، و العدول عنه إلى العصر يستلزم انقلاب حقيقة الظهر إلى حقيقة العصر؛ فلا يجوز العدول إلّا فيما قام الدليل على جوازه تعبّداً. و أمّا الصورتان: فإحداهما العدول من اللاحقة إلى السابقة، و الأُخرى العدول من السابقة إلى اللاحقة، و الأوّل يجوز دون الثاني؛ سواء فيه الظهران و العشاءان. و الوجه في جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع، و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر. إلى أن قال (عليه السّلام) و إن كنت ذكرتها أي صلاة المغرب و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) ، فهذا الصحيح يدلّ صريحاً على جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة في الظهرين و العشاءين. و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاولى، قال فليجعلها الأُولى التي فاتته و يستأنف العصر و قد قضى القوم صلاتهم(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.) ، و هذا يدلّ على جواز العدول من العصر إلى الظهر، و غيرهما من روايات الباب. و لا دليل على جوازه من السابقة إلى اللاحقة، و قد تقدّم البحث في العدول عن اللاحقة بعد إتمامها إلى السابقة في شرح قوله (رحمه اللَّه): «و إن تذكّر في الأثناء عدل بنيته إلى السابقة، إلّا إذا لم يبق محلّ العدول» في ضمن المسألة الثامنة، فراجع.

ص: 91

ص: 92

[ (مسألة 11): لو كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات]

(مسألة 11): لو كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، فشرع في الظهر مثلًا ثمّ نوى الإقامة في الأثناء، بطلت صلاته، و لا يجوز له العدول إلى اللاحقة فيقطعها و يشرع فيها، كما أنّه إذا كان في الفرض ناوياً للإقامة، فشرع في اللاحقة، ثمّ عدل عن نية الإقامة، يكون العدول إلى الأُولى مُشكلًا (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أنّه لو كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات كانت وظيفته تقديم الظهر على العصر يصلّيهما قصراً. و إذا شرع في الظهر بنية القصر و بدا له الإقامة في الأثناء فهو لا يخلو من حالين: إمّا أن يتمّ صلاته ظهراً، و إمّا أن يعدل منه إلى العصر: فالأوّل لا يجوز؛ لأنّه إذا نوى الإقامة صار الوقت بتمامه مختصّاً للعصر؛ فلا يصحّ إتيان الظهر فيه. و الثاني عدول من السابقة إلى اللاحقة، و قد تقدّم أنّه لا دليل على جوازه؛ فيبطل الظهر على أيّ حال، فيقطعه و يشرع في العصر. الثانية: أنّه إذا كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات و نوى الإقامة و شرع في العصر حسب الوظيفة لاختصاص الوقت به ثمّ عدل عن نية الإقامة و بدّلت وظيفته إلى القصر و قد بقي له مقدار أربع ركعات من الوقت ركعتان للظهر قصراً و ركعتان للعصر كذلك فهل يجوز له العدول عمّا دخل فيه عصراً إلى الظهر قصراً ثمّ إتيان العصر كذلك مراعاةً للترتيب بينهما؟ فقال جماعة بجواز العدول؛ لصحيحي زرارة و الحلبي المتقدّمين، و به قال السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين و السيّد الأصبهاني (رحمه اللَّه) في «وسيلة النجاة»، و هو المختار. و استشكل جماعة من فقهائنا و قالوا بأنّه لا يجوز العدول، بل يجب قطع ما بيده و إتيان الصلاتين قصراً بالترتيب و لو بإدراك ركعة من العصر؛ لأنّ مورد العدول في الصحيحين ما إذا كان المكلّف مأموراً في الواقع بصلاتين مترتّبتين كالظهرين مثلًا لكنّه شرع في اللاحقة لنسيان السابقة و تذكّر في الأثناء أنّه لم يأت السابقة، فيعدل نيته من اللاحقة إلى السابقة. و هذا بخلاف مفروض المسألة فإنّ المكلّف القاصد للإقامة وظيفته في الواقع صلاة واحدة و هي العصر أربع ركعات لا صلاتين مترتّبتين نسي سابقتهما و دخل في لاحقتهما حتّى يكون من موارد العدول. نعم إذا عدل عن نية الإقامة في أثناء الصلاة تبدّلت وظيفته من الإتمام إلى القصر لتبدّل عنوان المقيم إلى عنوان المسافر. و بالجملة: مورد النصّ من كان مأموراً واقعاً بتقديم السابقة على اللاحقة؛ فلا يشمل من كان مكلّفاً بتقديم اللاحقة على السابقة؛ لكونه ناوياً للإقامة ثمّ انقلب إلى موضوع آخر و صار مسافراً و وجب عليه تقديم ظهره على عصره؛ فلا بدّ من الحكم ببطلان ما بيده و وجوب الإتيان بالظهر ركعتين و العصر كذلك، هذا خلاصة ما أفاده بعض الأعلام السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في توجيه الاستشكال(التنقيح في شرح العروة الوثقى، الصلاة 1: 312.) و لك أن تقول: إنّ المسافر حال نية الإقامة وظيفته في الواقع صلاة واحدة أربعة ركعات عصراً، و إذا عدل عن نية الإقامة و هو في الصلاة تبدّلت وظيفته من صلاة واحدة أربع ركعات إلى صلاتين ركعتين ركعتين، و يصدق عليه حال العدول عن نية الإقامة أنّه مكلّف واقعاً بصلاتين مترتّبتين و هو شاغل باللاحقة، فله العدول إلى السابقة.

ص: 93

ص: 94

[ (مسألة 12): يجب على الأحوط على ذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أوّل وقتها]

(مسألة 12): يجب على الأحوط على ذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أوّل وقتها مع رجاء زوالها في الوقت، إلّا في التيمّم، فإنّه يجوز فيه البدار إلّا مع العلم بارتفاع العذر فيه، كما مرّ في بابه (1).


1- يجوز لمن أحرز عدم ارتفاع العذر في جميع الوقت إتيان الصلاة في أيّ جزء من أجزاء الوقت المضروب لها. و وجه وجوب تأخير ذوي الأعذار غير التيمّم صلاتهم عن أوّل وقتها مع رجاء زوالها في الوقت، هو أنّ المعذور عن إتيان صلاة كاملة واجدة لجميع الأجزاء و الشرائط لفقد شرط من شرائطها أو جزء من أجزائها مكلّفٌ على إتيان صلاة عذرية في الوقت كلّه فيما أحرز عدم تمكّنه في كلّ جزء من أجزاء الوقت من إتيان الكاملة؛ فلو علم أو ظنّ أو احتمل احتمالًا عقلائياً بزوال عذره و لو في جزء من الوقت وجب تأخيره إلى ذلك الجزء؛ فلا بدّ في جواز إتيان الصلاة العذرية في أوّل الوقت أو وسطه من إحراز بقاء العذر في جميع الوقت؛ فلا يجوز له البدار و إتيانها قبل آخر الوقت ما لم يحرز عجزه عن الصلاة التامّة في تمام الوقت. و بعبارة اخرى: التكليف الاضطراري ثابت في ظرف عذر المكلّف عن التكليف الاختياري، و التكليف الاختياري يسقط عن الفعلية فيما يستمرّ العجز من أوّل الوقت إلى آخره، و لا يكفي في سقوطه و ثبوت التكليف الاضطراري وجود العذر في بعض الوقت. و أمّا التيمّم فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ و قال جماعة بجواز البدار و إن احتمل ارتفاع العذر في آخر الوقت بل أو ظنّ به؛ منهم العلّامة (رحمه اللَّه) في بعض كتبه ك «المنتهى» و «التحرير» و الشهيد في «البيان» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و صاحب «المدارك»، و قوّاه صاحب «الجواهر» و نسبه إلى الصدوق و غيره، و اختاره السيّد اليزدي (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها. و استدلّ لهذا القول بصحيح الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل و قد أجزأه صلاته التي صلّى(وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.) و صحيح ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليمسح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل و قد أجزأته صلاته التي صلّى(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت؟ قال تمّت صلاته و لا إعادة عليه(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.) و موثّق أبي بصير بعثمان بن عيسى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تيمّم و صلّى ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت، فقال ليس عليه إعادة الصلاة(وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 11.) و موثّق يعقوب بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل تيمّم و صلّى ثمّ أصاب الماء و هو في وقت، قال قد مضت صلاته و ليتطهّر(وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 14.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثمّ وجد الماء، قال لا يعيد، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد؛ فقد فعل أحد الطهورين(وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.) و صحيح العيص قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يأتي الماء و هو جنب و قد صلّى، قال يغتسل و لا يعيد الصلاة(وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 16.) و قال جماعة أُخرى بوجوب تأخير الصلاة للمتيمّم إلى آخر الوقت، و نسب هذا القول إلى المشهور مطلقاً أو عند المتقدّمين، و حكي عن «الناصريات» و «الانتصار» و «شرح جمل» القاضي و «الغنية» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بصحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، و ليتوضّأ لما يستقبل(وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.) و مرسل جعفر بن بشير عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل، قال يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة(وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 6.) و صحيح يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماءً أ يتوضّأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ و أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 8.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول إذا لم تجد ماءً و أردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض(وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 1.) و موثّق عبد اللَّه بن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أمَّ قوماً و هو جنب و قد تيمّم و هم على طهور، قال لا بأس، فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض(وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 3.) و موثّقه الآخر قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أجنب فلم يجد ماءً يتيمّم و يصلّي؟ قال لا، حتّى آخر الوقت، إنّه إن فاته الماء لم تفته الأرض(وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 4.) و يمكن الجمع بين هذه الأخبار و بين الأخبار السابقة الدالّة على جواز البدار و التيمّم و الصلاة قبل آخر الوقت، بحمل هذه الأخبار على استحباب الاغتسال أو التوضّي و إعادة الصلاة في الوقت لمن وجد الماء فيه. و يظهر من بعض الأخبار استحباب الإعادة لمن صلّى بالتيمّم و وجد الماء قبل انقضاء الوقت، كما في موثّق منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل تيمّم فصلّى ثمّ أصاب الماء، فقال أمّا أنا فكنت فاعلًا، إنّي كنت أتوضّأ و أُعيد(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 10.) و في ذيل حديث محمّد بن حمران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت(وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 3.) و في «الوسائل»: القرائن ظاهرة في هذه الأحاديث الدالّة على تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لمن وظيفته التيمّم على أنّ المفروض رجاء زوال العذر، فالأخير أي حديث محمّد بن حمران محمول على ذلك أو على الاستحباب بدلالة لفظ «ينبغي»(وسائل الشيعة 3: 385، ذيل الحديث 5.) انتهى. و فصّل جماعة من فقهائنا و قالوا بجواز التقديم مع العلم باستمرار العجز و عدمه مع عدمه، و نسب هذا القول إلى المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «النهاية» و «التذكرة» و «المختلف» و «القواعد» و الشهيد. و «جامع المقاصد» بعد اختيار هذا القول نسبه إلى أكثر المتأخّرين، و في «الروضة»: أنّه الأشهر بين المتأخّرين. و استدلّ على هذا التفصيل بصحيحي زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّمين، و موثّق عبد اللَّه بن بكير المتقدّم؛ فيكون هذا الصحيحان و الموثّق أخصّ مطلقاً ممّا دلّ على عدم وجوب الإعادة؛ فيحمل ما دلّ على عدم وجوب الإعادة بصورة العلم بعدم وجدان الماء. و كذلك يكون الصحيحان و الموثّق أخصّ مطلقاً ممّا دلّ على وجوب الإعادة مطلقاً؛ فيحمل ما دلّ على وجوب الإعادة على صورة رجاء وجدان الماء، و تفصيل الجواب عن هذا القول موكول إلى محلّه.

ص: 95

ص: 96

ص: 97

ص: 98

[ (مسألة 13): الأقوى جواز التطوّع في وقت الفريضة ما لم يتضيّق]

(مسألة 13): الأقوى جواز التطوّع في وقت الفريضة ما لم يتضيّق، و كذا لمن عليه قضاؤها (1).


1- في جواز التطوّع في وقت الفريضة و عدمه قولان: ذهب جماعة إلى الجواز؛ منهم الشهيدان في «الذكرى» و «الدروس» و «المسالك» و الكركي في «جامع المقاصد» و المحقّق الأردبيلي في «مجمع الفائدة» و صاحب «المدارك» و غيرهم، و في «الدروس»: أنّه الأشهر. و ذهب جماعة أُخرى إلى المنع؛ منهم الشيخان المفيد و الطوسي و العلّامة في بعض كتبه، و في «الذكرى»: أنّه المشهور بين متأخّري الأصحاب، و في «المعتبر»: أنّ المنع مذهب أصحابنا. و استدلّ للأوّل: بإطلاق الأمر بالنافلة قبل الفريضة، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثمّ اقض ما شئت(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) و استدلّ أيضاً بالنصوص الواردة في جواز قضاء النوافل في وقت الفريضة، كموثّق أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إن فاتك شي ء من تطوّع الليل و النهار فاقضه عند زوال الشمس، و بعد الظهر عند العصر، و بعد المغرب و بعد العتمة و من آخر السحر(وسائل الشيعة 4: 277، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 57، الحديث 10.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل نسي صلاة الليل و الوتر فيذكر إذا قام في صلاة الزوال، فقال يبدأ بالنوافل (بالزوال)، فإذا صلّى الظهر صلّى صلاة الليل و أوتر ما بينه و بين العصر أو متى أحبّ(وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 49، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام)) عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حقّ اللَّه، ثمّ ليتطوّع ما شاء، ألا هو (الأمر) موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلّا أن يخاف فوت الفريضة، و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت(وسائل الشيعة 4: 226، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 1.) و صحيح عمر بن يزيد من طريق عمرو بن عثمان لا من طريق محمّد بن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال صلّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمّد ذلك في كلّ ليلة و قال أوتر أيضاً بعد فراغك منها(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 1.) و صحيح سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ربّما قمتُ و قد طلع الفجر فأُصلّي صلاة الليل و الوتر و الركعتين قبل الفجر، ثمّ أُصلّي الفجر ، قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال نعم، و لا يكون منك عادة(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 3.) و رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أوّل وقتها، و إن بدأت بصلاة الليل و الوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء، فقال ابدأ بصلاة الليل و الوتر، و لا تجعل ذلك عادة(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 5.) ، و في سند الرواية وقع المرزبان بن عمران و هو إمامي لم يثبت وثاقته و لا مدحه، نعم نقل هو نفسه أنّه سأل عن الرضا (عليه السّلام) كونه من شيعتهم و أنّ اسمه مكتوب عندهم (عليهم السّلام)، و نقله لا يثبت حسنه. و حسن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر و لم أُصلّ صلاة الليل، قال صلّ صلاة الليل و أوتر و صلّ ركعتي الفجر(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و في «الجواهر»: و لكثير من النصوص المتفرّقة في الأبواب و كتب الأدعية في خصوص بعض نوافل في أوقات الفرائض، مثل الصلوات الواردة بين الظهرين؛ خصوصاً يوم الجمعة، و بين المغرب و العشاء مطلقاً كالغفيلة و غيرها ممّا عرفت، أو في بعض الأزمنة كشهر رمضان، و ليالي الجمع و غيرها، كثرة يعسر استقصاؤها. و يبعد معها دعوى اختصاصها ككثير من النصوص المتقدّمة سابقاً في الرواتب(جواهر الكلام 7: 241.) انتهى. و استدلّ للقول الثاني بموثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 3.) و موثّق زياد بن أبي عتاب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا تضرّك أن تترك ما قبلها من النافلة(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 4.) و صحيح نجية قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): تدركني الصلاة و يدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام) لا، و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 5.) ، نجية بالنون و الجيم و الياء المشدّدة أو المخفّفة، أو بخية بالباء و الخاء و الياء، أو نجبة بالنون و الجيم و الباء، قال الكشّي: إنّ حمدويه نقل عن محمّد بن عيسى أنّ نجبة بن الحرث شيخ صادق كوفي صديق علي بن يقطين(اختيار معرفة الرجال: 452.) و رواية أديم بن الحرّ قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة قال: و قال إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 6.) و صحيح عبد اللَّه بن محمّد أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) قال إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 7.) و رواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب حريز بن عبد اللَّه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا تصلّ من النافلة شيئاً في وقت الفريضة فإنّه لا تقضي نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت فريضة فابدأ بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 8.) ، و غيرها من روايات الباب. و قد يستدلّ أيضاً بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟! فابدأ بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 3.) و صحيح آخر له عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها. إلى أن قال و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 3.) و ما رواه الشهيد في «الذكرى» بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة.(وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 6.) الحديث. و الجواب عن هذا القول: أنّ أكثر الروايات المذكورة المستدلّ بها للقول الثاني و إن كان صحيحاً سنداً إلّا أنّ المنع فيها محمولة على المرجوحية و أنّ النافلة في وقت الفريضة أي وقت فضيلتها مرجوحة؛ أي أقلّ ثواباً، هذا بناءً على كون النهي عن النافلة في ذلك الوقت ذاتياً. و يمكن أن يكون النهي عنها عرضيا للإرشاد إلى أهمّية مصلحة الفريضة؛ و حينئذٍ فإن تنفّل في وقت فضيلة الفريضة فقد فاتت عنه ما هو أهمّ من مصلحة الفريضة، فلا تكون كراهة في التنفّل في وقت فضيلة الفريضة، بل هو تفويت مصلحة أهمّ من مصلحة النافلة. و لا يخفى: أنّ في جملة من الأخبار المذكورة أمراً بقضاء النافلة بعد الفريضة، و الأمر بقضائها بعدها يدلّ على أنّ للنافلة وقتاً مخصوصاً بما قبل الفريضة بحيث إذا دخل وقت الفريضة و لم تؤت النافلة قبلها تكون النافلة قضاء، فهي تدلّ على مشروعية إتيان النافلة قبل الفريضة؛ و حينئذٍ فلا مجال للقول بعدم جواز إتيان النافلة في وقت الفريضة قبلها. بل لنا أن نقول: إنّه بالزوال مثلًا يدخل وقت الظهرين، و للمكلّف أن يتنفّل بنافلة الظهر إلى المثل و بنافلة العصر إلى المثلين؛ فقد كان تنفّله في وقت الظهرين و قبل وقت فضيلتهما. و بهذا البيان يجمع بين الأخبار المتمسّك بها من القائلين بالقولين المذكورين.و أمّا وجه جواز التطوّع لمن عليه قضاء الفريضة هو إطلاق الأمر بالنافلة حتّى في وقت الفريضة؛ سواء كانت نافلة الرواتب أو غيرها، و سواء كان عليه قضاء اليومية أو لا. و يشهد له رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) ، رواه السيّد ابن طاوس في كتاب «غياث سلطان الورى».

ص: 99

ص: 100

ص: 101

ص: 102

ص: 103

ص: 104

[ (مسألة 14): لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى]

(مسألة 14): لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى، أو عوّل على أمارة معتبرة كشهادة العدلين، فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، و إن وقع بعضها فيه و لو قليلًا منها صحّت (1).


1- من صلّى اعتقاداً جازماً بدخول الوقت أو اعتماداً على أمارة معتبرة شرعاً كشهادة العدلين فبان له وقوع تمام الصلاة قبل الوقت مثلًا بطلت صلاته. و يدلّ عليه قبل الإجماع بكلي قسميه حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة، الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم لغير الوقت، قال يعيد(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 3.) و صحيح آخر له قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 4.) و صحيح ثالث له عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل صلّى الغداة بليل، غرّه من ذلك القمر و نام حتّى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل، قال يعيد صلاته(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 5.) و صحيح الحسن بن زياد العطّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لئن أُصلّي الظهر في وقت العصر أحبّ إليّ من أن أُصلّي قبل أن تزول الشمس؛ فإنّي إذا صلّيتُ قبل أن تزول الشمس لم تحسب لي، و إذا صلّيت في وقت العصر حسبت لي(وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 8.) و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى في غير وقت فلا صلاة له(وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 7.) و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى في غير وقت فلا صلاة له(وسائل الشيعة 4: 169، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 10.) ، قد وقع في سند الرواية سلمة بن الخطّاب الراوستاني و كان ضعيفاً في حديثه، كما عن «خلاصة» العلّامة و النجاشي. و صحيح رابع لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً(وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.) و أمّا من صلّى باعتقاد دخول الوقت جازماً أو اعتماداً على الأمارة المعتبرة، و بان وقوع بعض صلاته و لو قليلًا منها حتّى السلام في الوقت صحّت صلاته. و في «الجواهر»: لم يعد على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل لا أعرف فيه خلافاً إلّا من المرتضى و تبعه بعض متأخّري المتأخّرين و الفاضل في «المختلف» في أوّل كلامه و تردّد (رحمه اللَّه) في آخره(جواهر الكلام 7: 276.) انتهى. و استدلّ عليه برواية إسماعيل بن رياح بالياء أو الباء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك(وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.) ، و الرواية و إن كانت ضعيفة سنداً بإسماعيل بن رياح حيث لم يوثق و لم يرد فيه مدح لكنّها مشهورة بين الفقهاء إلّا أن يعتمد برواية ابن أبي عمير عنه؛ و لذا قال في «التعليقة»: إنّه يروي عنه ابن أبي عمير في الصحيح، و كيف كان: فسند الرواية على فرض ضعفه منجبر بالشهرة. و استدلّ أيضاً بأصالة البراءة إذا ظهر له الحال بعد الفراغ عن الصلاة. و قد يستدلّ بقاعدة الإجزاء، و لا يخفى: أنّ القاعدة تجري في صورة حصول الظنّ بدخول الوقت في مفروض المسألة، و قد أمر الشارع بوجوب العمل بالظنّ الحاصل من طريق معتبر على دخول الوقت أو بالبيّنة؛ فالمكلّف إذا ظنّ بدخول الوقت فهو مأمور بالعمل بظنّه المعتبر و يجزيه و لا إعادة عليه، خرج منه ما لو وقع تمام صلاته خارج الوقت بالدليل و هي النصوص المتقدّمة و أمّا جريان القاعدة في صورة حصول القطع بدخول الوقت مع إتيان الصلاة و وقوع بعضها في الوقت فمشكل. و في «الجواهر»: و لعلّ مقتضى القاعدة العدم؛ إذ لا أجزاء؛ ضرورة كونه من تخيّل الأمر لا أمر حقيقة(جواهر الكلام 7: 277.) انتهى. نعم يمكن أن يقال: إنّ لفظ «ترى» في رواية إسماعيل بن رياح يشمل الظنّ بدخول الوقت و القطع به كليهما، فهو في صورتي الظنّ بدخول الوقت و القطع بدخوله مأمور بالصلاة. فإذا صلّى و يرى أنّه في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و هو في الصلاة فقد أجزأ عنه و لا إعادة. و حينئذٍ فلا يختصّ الإجزاء بصورة الظنّ بدخول الوقت فقط.

ص: 105

ص: 106

ص: 107

[ (مسألة 15): لو مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها]

(مسألة 15): لو مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها، كالطهارة المائيّة أو الترابيّة و غيرها على حسب حاله، ثمّ حصل أحد الأعذار كالجنون و الحيض، وجب عليه القضاء (1)،


1- إذا تمكّن في أوّل الوقت من أداء الصلاة مع تحصيل مقدّماتها بحسب حاله و لم يأتها و عرض عليه أحد الأعذار كالجنون و الحيض و الإغماء مثلًا، وجب عليه القضاء. و هذه المسألة ممّا قام به الإجماع، و في «مستند الشيعة»: إجماعاً كما صرّح به بعض الأجلّة، و في «الجواهر»: بلا خلاف و لا إشكال(مستند الشيعة 2: 475، جواهر الكلام 7: 257.) و يدلّ عليه في خصوص الحيض حسن الفضل بن يونس عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) في حديث قال و إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر؛ لأنّ وقت الظهر دخل عليها و هي طاهر، و خرج عنها وقت الظهر و هي طاهر؛ فضيّعت صلاة الظهر، فوجب عليها قضاؤها(وسائل الشيعة 2: 359، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 1.) و موثّق يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهر فأخّرت الصلاة حتّى حاضت، قال تقضي إذا طهرت(وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 4.) و مضمر عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصلّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 5.)

ص: 108

و إلّا لم يجب (1).


1- لو مضى من أوّل الوقت أقلّ من مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها لم يجب عليه القضاء؛ حتّى فيما وسع الوقت للصلاة دون مقدّماتها. و في «الجواهر»: على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل المجمع عليه نقلًا إن لم يكن تحصيلًا(جواهر الكلام 7: 257.) انتهى. و قد أشكل بعض فقهائنا فيه و قالوا بوجوب القضاء فيما مضى من الوقت مقدار الصلاة و إن لم يتمكّن فيه من شي ء من مقدّماتها؛ لصدق الفوت حينئذٍ مع التمكّن من تحصيل الشرائط قبل الوقت. و في حاشية السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) على «العروة الوثقى»: الأقرب كفاية مضيّ مقدار الصلاة لا غير(العروة الوثقى 2: 289، الهامش 1( ط مؤسسة النشر الإسلامي).) ثمّ إنّه لا فرق في وجوب القضاء فيما مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها و لم يأتها و عدم وجوبه فيما مضى منه أقلّ من المقدار المذكور، بين أوّل الوقت و أثنائه في المجنون و المغمى عليه مثلًا؛ بمعنى أنّه لو أفاق المجنون مثلًا في الأثناء ثمّ جنّ أو أُغمي عليه في الوقت اعتبر في وجوب القضاء عليه اتّساع زمن الإفاقة لإدراك الصلاة و الطهارة و سائر الشرائط. و لعلّ ذكر مضيّ خصوص أوّل الوقت في كلام جماعة من الفقهاء من باب المثال أو لاختصاص خصوص الحيض به.

ص: 109

نعم لو كانت المقدّمات حاصلة أوّل الوقت، كفى فيه مقدار أدائها حسب حاله و تكليفه الفعلي (1)، و إن ارتفع العذر في آخر الوقت فإن وسع الطهارة و الصلاتين وجبتا، أو الطهارة و صلاة واحدة وجبت صاحبة الوقت، و كذا الحال في إدراك ركعة مع الطهور، فإن بقي مقدار تحصيل الطهور و إدراك ركعة أتى بالثانية، و إن زاد عليها بمقدار ركعة مع تحصيل الطهور وجبتا معاً (2).


1- و ذلك لأنّ المفروض وجود الشرائط كلّها حين دخول الوقت مع مضيّ مقدار أربع ركعات منه؛ و حينئذٍ فقد توجّه إليه التكليف بالصلاة و تنجّز و لم يأتها في وقتها مع صدق الفوت المقتضي بوجوب القضاء.
2- لو بقي من الوقت بعد ارتفاع العذر بمقدار تحصيل الطهارة و ركعة واحدة صلّى الثانية فقط لفوت الاولى حال العذر و لا قضاء عليه، و قد أدرك من الثانية ركعة فيعمّها حديث من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) و لو بقي مقدار خمس ركعات وجبت الاولى و الثانية معاً: أمّا الأُولى فقد تقدّم أنّ وقت الظهر يمتدّ إلى بقاء مقدار ركعة إلى آخر الوقت و سقوط القرص، و أمّا الثانية فالمفروض إدراك ركعة منها في وقتها؛ فتندرج تحت عموم حديث: «من أدرك».

ص: 110

[ (مسألة 16): يعتبر لغير ذي العذر العلمُ بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة]

(مسألة 16): يعتبر لغير ذي العذر العلمُ بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة، و يقوم مقامه شهادة العدلين إذا كانت شهادتهما عن حسّ كالشهادة بزيادة الظلّ بعد نقصه (1)،


1- لا خلاف و لا إشكال في بطلان الصلاة قبل الوقت؛ لحديث «لا تعاد»، و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى في غير وقت فلا صلاة له(وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 7.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا اشتراط العلم بدخول الوقت فقد استدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة المعتضدة بالشهرة العظيمة بوجوب البراءة عمّا اشتغلت عليه الذمّة، و لا تحصل إلّا بالعلم بدخوله. و برواية عبد اللَّه بن عجلان قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إذا كنت شاكّاً في الزوال فصلّ ركعتين، فإذا استيقنت أنّها قد زالت بدأت بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 279، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 1.) و رواية إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) في حديث طويل إنّ اللَّه إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلًا على أوقات الصلاة فموسّع عليهم تأخير الصلوات ليتبيّن لهم الوقت بظهورها و يستيقنوا أنّها قد زالت(وسائل الشيعة 4: 279، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 2.) و رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال الفجر هو الخيط الأبيض المعترض؛ فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تتبيّنه؛ فإنّ اللَّه سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا؛ فقال وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ(وسائل الشيعة 4: 280، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 3.) و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا، غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع، قال لا يجزيه حتّى يعلم أنّه قد طلع(وسائل الشيعة 4: 280، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 4.) و مرفوعة محمّد بن عيسى عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً و شمالًا كأنّه يطلب شيئاً، فلمّا رأيت ذلك تناولت عوداً فقلت: هذا تطلب؟ قال نعم ، فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس، ثمّ قال إنّ الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلًا، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول، فإذا زالت زادت، فإذا استبنت فيه الزيادة فصلّ الظهر ثمّ تمهّل قدر ذراع و صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 162، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 11، الحديث 1.) ، و ضعف سند الروايات منجبر بالشهرة. و لا يكفي الظنّ بدخول الوقت عند المشهور شهرة عظيمة، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام جماعة؛ لأصالة الحرمة في العمل بالظنّ إلّا ما خرج بالدليل، و لرواية علي بن جعفر عن أخيه المتقدّمة. و يظهر من الشيخين (رحمهما اللَّه) الاجتزاء بالظنّ؛ قال في «المقنعة»: و لا يصلّ أحدٌ فرضاً حتّى يتيقّن الوقت و يعمل فيه على الاستظهار(المقنعة: 94.) انتهى. و قال في «النهاية»: و لا يجوز لأحدٍ أن يدخل في الصلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول الوقت، أو أن يغلب على ظنّه ذلك(النهاية: 62.) انتهى. و حمل صاحب «الجواهر» كلامهما على حال عدم التمكّن من العلم. أقول: يكفي في عدم كفاية الظنّ الشهرة العظيمة. و يجوز الاعتماد على شهادة العدلين المستندة إلى الحسّ، كالشهادة بزيادة الظلّ بعد نقصه؛ وفاقاً لظاهر أكثر الأصحاب. و الوجه فيه عموم حجّية البيّنة في الموضوعات، و هذا العموم يستفاد من تضاعيف مسائل في أبواب مختلفة نشير إلى بعضها: منها: ما ورد في النكاح من مضمرة يونس قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان فسألها: لكِ زوجٌ؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمّ إنّ رجلًا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال هي امرأته إلّا أن يقيم البيّنة(وسائل الشيعة 20: 300، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الباب 23، الحديث 3.) و منها: ما ورد في إثبات النسب و المواريث من صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث(وسائل الشيعة 20: 97، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 43، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّما جعلت البيّنة في النكاح من أجل المواريث(وسائل الشيعة 20: 99، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 43، الحديث 6.) و منها: ما ورد في الطلاق عن محمّد بن الفضيل قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السّلام) لأبي يوسف القاضي إنّ اللَّه أمر في كتابه بالطلاق و أكّد فيه بشاهدين و لم يرض بهما إلّا عدلين، و أمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود؛ فأثبتّم شاهدين فيما أهمل، و أبطلتم الشاهدين فيما أكّد(وسائل الشيعة 20: 98، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 43، الحديث 5.) ، و قد ورد في الكتاب الكريم وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ(الطلاق( 65): 2.) و صحيح بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال إن طلّقها للعدّة أكثر من واحدة، فليس الفضل على الواحدة بطلاق، و إن طلّقها للعدّة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق، و لا يجوز فيه شهادة النساء(وسائل الشيعة 22: 26، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق، الباب 10، الحديث 2.) ، و غيره من روايات الباب، فراجع. و منها: ما ورد في رؤية الهلال من صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا أُجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين(وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب، فراجع. و قد ورد في خصوص الجبن الذي وضعت فيه الإنفحة إنّ كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً(وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.) ، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة في مختلف أبواب الفقه؛ فيستفاد من الموارد المذكورة و غيرها مع كثرتها قاعدة كلّية؛ و هي حجّية البيّنة في الموضوعات كلّها؛ و منها دخول الوقت.

ص: 111

ص: 112

ص: 113

ص: 114

و لا يكفي الأذان و لو كان المؤذّن عدلًا عارفاً بالوقت على الأحوط (1). و أمّا ذو العذر: ففي مثل الغيم و نحوه من الأعذار العامّة يجوز له التعويل على الظنّ به،


1- اختلف فقهاؤنا في الاعتماد على أذان المؤذّن العارف في دخول الوقت؛ فقال جماعة بالاعتماد عليه؛ منهم المحقّق في «المعتبر» و أبو العبّاس في «الموجز»، قال في «المعتبر»: لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلّده؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤذّن مؤتمن»، و لأنّ الأذان مشروع للإعلام بالوقت؛ فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به(المعتبر 2: 63.) انتهى. و عن العلّامة في «التذكرة» و الشهيد في «الذكرى» و جماعة من المتأخّرين عدم كفاية الأذان و إن كان المؤذّن عارفاً عدلًا، اختار هذا القول المصنّف و أشكل فيه بعض المحشّين ل «العروة الوثقى». و استدلّ على الكفاية بصحيح ذريح المحاربي قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّ الجمعة بأذان هؤلاء؛ فإنّهم أشدّ شي ء مواظبةً على الوقت(وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 1.) و رواية عيسى بن عبد اللَّه الهاشمي عن أبيه عبد اللَّه بن محمّد عن جدّه محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي (عليه السّلام) قال المؤذّن مؤتمن، و الإمام ضامن(وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 2.)و رواية محمّد بن خالد القسري قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخاف أن نصلّي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس، فقال إنّما ذلك على المؤذّنين(وسائل الشيعة 5: 379، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 3.) و رواية عبد اللَّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن عبد اللَّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو في بيت و أذّن المؤذّن، و قعد و أطال الجلوس حتّى شكّ فلم يدر هل طلع الفجر أم لا؟ فظنّ أنّ المؤذّن لا يؤذّن حتّى يطلع الفجر، قال أجزأه أذانهم(وسائل الشيعة 5: 379، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 4.) و عن بلال في حديث قال: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول المؤذّنون أُمناء المؤمنين على صلاتهم(وسائل الشيعة 5: 380، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 7.) و رواية سعيد الأعرج قال: دخلت على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و هو مغضب و عنده جماعة من أصحابنا، و هو يقول تصلّون قبل أن تزول الشمس؟! قال: و هم سكوت، قال: فقلت: أصلحك اللَّه ما نصلّي حتّى يؤذّن مؤذّن مكّة، قال فلا بأس، أما إنّه إذا أذّن فقد زالت الشمس(وسائل الشيعة 5: 380، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 9.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال و كان لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مؤذّنان: أحدهما بلال و الآخر ابن أُمّ مكتوم، و كان ابن أُمّ مكتوم أعمى و كان يؤذّن قبل الصبح، و كان بلال يؤذّن بعد الصبح؛ فقال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إنّ ابن أُمّ مكتوم يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال، فغيّرت العامّة هذا الحديث عن جهته و قالوا: إنّه قال: إنّ بلالًا يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان ابن أُمّ مكتوم(وسائل الشيعة 5: 389، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 8، الحديث 2.) و استدلّ للقول الثاني برواية علي بن جعفر المتقدّمة(وسائل الشيعة 4: 280، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 4.) الدالّة على عدم كفاية الأذان المفيد للظنّ بدخول الوقت حتّى يعلم أنّه قد طلع، و ادّعى في «الجواهر» اعتضادها باتّفاق الأصحاب نقلًا إن لم يكن تحصيلًا(جواهر الكلام 7: 267.) أقول: مقتضى الجمع بين الروايات الاكتفاء بالأذان المفيد للعلم. قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي»: السادس لو سمع الأذان من ثقة عارف بالوقت فإن كان متمكّناً من العلم بالوقت لم يعوّل عليه لما تقدّم، و إن لم يكن جاز التعويل على قوله(منتهى المطلب 1: 213/ السطر 20.) قال في «مفتاح الكرامة»: نعم لو فرض إفادة أذان الثقة العلم بدخول الوقت كما قد يتّفق كثيراً في أذان الثقة الضابط الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت إذا لم يكن هناك مانع من العلم جاز التعويل عليه قطعاً، و قطع بعضٌ بأنّ الأعمى يقلّد العدل العارف، و كذا العامّي الذي لا يعرف الوقت و الممنوع من عرفانه بحبس أو غيره. ذكر ذلك في «التذكرة» و «الذكرى» و غيرهما(مفتاح الكرامة 2: 44/ السطر 15.) انتهى. و يجوز الاكتفاء بالأذان أيضاً فيما لم يتمكّن من تحصيل العلم، كالاكتفاء على صياح الديك كما في موثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر، فقال تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق، يقال لها الديكة؟ قال: نعم، قال إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصلّه(وسائل الشيعة 3: 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 1( ط مكتبة الإسلامية).) و صحيحة أو موثّقة الحسين بن المختار القلانسي قال: قلت للصادق (عليه السّلام): إنّي مؤذّن، فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت، فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاءً فقد زالت الشمس و دخل وقت الصلاة(وسائل الشيعة 4: 170، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح أبي عبد اللَّه الفرّاء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال له رجل من أصحابنا: ربّما اشتبه الوقت علينا في يوم الغيم، فقال تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ فقلت: نعم، فقال إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصلّه(وسائل الشيعة 4: 171، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 5.) و لا يبعد الاكتفاء بخبر الثقة أيضاً عند عدم إمكان تحصيل العلم. قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي»: الخامس لو أخبره عدل بدخول الوقت فإن كان الإخبار عن علم و لم يكن للمخبَر طريق سواه بني على خبره؛ لأنّه يثمر ظنّاً فيصار إليه مع عدم طريق إلى غيره(منتهى المطلب 1: 213/ السطر 17.) انتهى. أقول: و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل صلّى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر و نام حتّى طلعت الشمس، فأُخبر أنّه صلّى بليل، قال يعيد صلاته(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 5.) ، وجه الدلالة: أنّه لو لم يكتف بخبر الثقة لقيّد الإمام (عليه السّلام) الحكم بإعادة الصلاة بما إذا كان قول المخبر مفيداً للعلم. ثمّ لا يخفى: أنّ اشتراط المعرفة في المؤذّن بناءً على كفاية الأذان يستفاد من بعض الروايات، كموثّقة عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفاً لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 26، الحديث 1.) و يمكن استئناسه من بعض الروايات أيضاً، كمرسلة الصدوق (رحمه اللَّه) قال: و قال الصادق (عليه السّلام) في المؤذّنين إنّهم الأُمناء(وسائل الشيعة 5: 379، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 6.) ، و رواية بلال في حديث قال: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول المؤذّنون أُمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم، لا يسألون اللَّه عزّ و جلّ شيئاً إلّا أعطاهم و لا يشفعون في شي ء إلّا شفعوا(وسائل الشيعة 5: 380، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 7.) و أمّا اشتراط العدالة فلا دليل يدلّ عليه، بل الظاهر من بعض الروايات عدم اشتراطها، كما في صحيح ذريح المحاربي المتقدّم(وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 1.) حيث إنّ هؤلاء إشارة إلى المخالفين، و أيّ فسق أعظم من عدم الإيمان. و نسب صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) إلى المحقّق و الخراساني في «الذخيرة» أنّهما يريدان من الثقة في المؤذّن الموثوق به لا العدل الشرعي؛ لعدم نصبه للأذان في تلك الأزمان غالباً، ثمّ أمر (رحمه اللَّه) بالتأمّل(جواهر الكلام 7: 268.)

ص: 115

ص: 116

ص: 117

ص: 118

ص: 119

و أمّا ذو العذر الخاصّ كالأعمى و المحبوس، فلا يترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخوله (1).


1- يجوز لذوي الأعذار بعذر عامّ كالغيم و نحوه الاعتماد على الظنّ بدخول الوقت و الشروع في الصلاة. و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً، بل عن «التنقيح» و غيره دعوى الإجماع عليه. و استدلّ عليه قبل الإجماع المدّعى و الشهرة القطعية بموثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و لا القمر و لا النجوم، قال اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك(وسائل الشيعة 4: 308، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 2.) و الاستدلال بها مبني على أنّ الاجتهاد مأمور به في الوقت و القبلة كليهما، لا في خصوص القبلة كما قيل. و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث أنّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال ليس عليه قضاء(وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 2.) و رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذن الشمس لم تغب، فقال قد تمّ صومه و لا يقضيه(وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 3.) و في سند الرواية محمّد بن الفضيل و هو مشترك بين الضبي و هو ثقة و بين الأزدي الصيرفي و هو ضعيف يرمى إلى الغلوّ. و الاستدلال بصحيحة زرارة و رواية الكناني مبني على القول بعدم الفرق بين الصوم و الصلاة، و جواز الإفطار و الدخول في الصلاة بمجرّد الظنّ بدخول الوقت. و هذا لا ينافي التفصيل بين الصلاة و الصوم بالإعادة في الصلاة و مضيّ الصوم، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً(وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.) و وجه عدم المنافاة: هو أنّ التفصيل بينهما إنّما هو بعد استكشاف الخلاف و إحراز وقوع الصلاة قبل الوقت، فهو لا ينافي جواز فعلهما مع الظنّ بدخول الوقت، كما هو ظاهر جواب المعصوم (عليه السّلام). و قد يستدلّ عليه أيضاً بالروايات الدالّة على الاعتماد على أذان العارف الثقة و صياح الديك التي هي من أضعف الأمارات، و قد تقدّم ذكر هذه الروايات فراجع، هذا. و لا يخفى: أنّ مقابل قول المشهور هو عدم الاعتماد بالظنّ فيما لم يتمكّن من تحصيل اليقين بدخول الوقت، بل يجب عليه التأخير حتّى يحصل اليقين بدخوله. و المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) بعد ذكر القول المشهور قال: خلافاً لابن الجنيد فقال على ما حكي عنه: ليس للشاكّ يوم الغيم و لا غيره أن يصلّي إلّا عند تيقّنه الوقت، و صلاته في آخر الوقت مع اليقين خيرٌ من صلاته مع الشكّ(مصباح الفقيه، الصلاة: 71/ السطر 2.) انتهى. أقول: إنّ قول ابن الجنيد مورده الشاكّ في دخول الوقت؛ فلا يجوز له الدخول في الصلاة بلا خلاف و لا إشكال. و مورد الخلاف بين المشهور و غيره في المسألة صورة الظنّ بدخول الوقت، و لعلّ مراد ابن الجنيد من الشاكّ: «ليس للشاكّ يوم الغيم.» إلى آخره، هو غير المتيقّن؛ فيشمل الظانّ بدخول الوقت.

ص: 120

ص: 121

ص: 122

[المقدّمة الثانية: في القبلة]

المقدّمة الثانية: في القبلة (1)


1- قد أهمل المصنّف (رحمه اللَّه) تبعاً للسيّد الأصبهاني (رحمه اللَّه) في «وسيلة النجاة» البحث عن ماهية القبلة و ذكر الأمارات المحصّلة للظنّ بها عند عدم إمكان العلم بها، و نحن نقتصر ببيان حقيقتها، و أنّه يظهر من جماعة من فقهائنا أنّ القبلة هي المكان الذي وقع فيه البيت شرّفه اللَّه تعالى من تخوم الأرض إلى عنان السماء للناس كافّة القريب و البعيد، لا خصوص البنية. فالقبلة هي المكان الواقع فيه البيت لا نفس البنية؛ و لذا لو أُزيلت البنية من مكانها و نقلت إلى مكان آخر وجب استقبال فضاء ذلك المكان، و لا تصحّ الصلاة إلى البنية المنتقلة إلى مكان آخر. فالقبلة هي الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، كما يدلّ عليه موثّق عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأله رجل قال: صلّيتُ فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزي ذلك و الكعبة تحتي؟ قال نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء(وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 18، الحديث 1.) و قد وقع في سند الحديث علي بن محمّد بن الزبير القرشي، فهو في أعلى الحسن إن لم يكن ثقة، و علي بن الحسن الجرمي الطاطري و هو واقفي موثّق، و محمّد بن أبي حمزة الثمالي ثقة فاضل. و نسب إلى الشيخين و جماعة من فقهائنا القدماء و المتأخّرين: أنّ الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم لمن خرج عن الحرم. قال في «الشرائع»: و هي الكعبة لمن كان في المسجد، و المسجد لمن كان في الحرم، و الحرم لمن خرج عنه على الأظهر، و نسبه الشهيد في «الذكرى» إلى أكثر الأصحاب، و يظهر من «الخلاف» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بمرسل عبد اللَّه بن محمّد الحجّال عن بعض رجاله عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ اللَّه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا(وسائل الشيعة 4: 303، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 1.) و رواية بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) قال: سمعته يقول البيت قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة للناس جميعاً(وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 2.) و مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) إنّ اللَّه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا(وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 3.) و رواية أبي غرّة قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) البيت قبلة المسجد، و المسجد قبلة مكّة، و مكّة قبلة الحرم، و الحرم قبلة الدنيا(وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 4.) و لا يخفى ما في الاستدلال بهذه الروايات من ضعف السند بالإرسال في بعضها، و جهالة الراوي في بعضها الآخر، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّها مع الغضّ عن سندها محمولة على اتّساع جهة المحاذاة و تسهيل الأمر، و أنّ النائي لو كلّف باستقبال عين الكعبة بحيث لو خرج خطّ مستقيم من بين قدميه وصل إلى عينها لصعب الأمر عليه؛ فمن باب تسهيل الأمر قد وسّع عليه بحيث إذا توجّه إلى الحرم أو المسجد فقد توجّه إلى الكعبة. و يؤيّده قول المفيد (رحمه اللَّه) في «المقنعة»: المسجد قبلة من نأى عنه؛ لأنّ التوجّه إليه توجّه إليها. إلى أن قال: و من كان نائياً عنها خارجاً عن المسجد الحرام توجّه إليها بالتوجّه إليه، كما أمر اللَّه تعالى بذلك نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حيث هاجر إلى المدينة و كان بذلك نائياً عنها(المقنعة: 95.) انتهى. أشار (رحمه اللَّه) إلى قوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ(البقرة( 2): 149.) و بالجملة: كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين. و في حاشية «المدارك»: أنّ كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين و المذهب؛ حتّى أنّ الإقرار به يلقّن به الأموات فضلًا عن الأحياء كالإقرار باللَّه تعالى(حاشية مدارك الأحكام، ضمن مدارك الأحكام: 151( ط الحجري).) انتهى. فالقبلة هي الكعبة عيناً للمتمكّن من العلم بها من غير مشقّة شديدة عادة و جهةً لغيره من البعيد و نحوه.

ص: 123

ص: 124

[ (مسألة 1): يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض]

(مسألة 1): يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض؛ يوميّة كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز، و في النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار، و أمّا حال المشي و الركوب و في السفينة فلا يعتبر فيها (1).


1- وجوب الاستقبال في مطلق الصلاة مع العلم بجهة القبلة إجماعي من المسلمين، بل من ضروريات الدين، إلّا ما استثني من الصلوات الواجبة حال الضرورة و النوافل حال الركوب و في السفينة. و أمّا حال المشي فسيجي ء الكلام فيها. و يدلّ على وجوب الاستقبال قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ*. و الأخبار الواردة في وجوب الاستقبال في الصلاة فوق حدّ التواتر، ذكر أكثرها صاحب «الوسائل» (رحمه اللَّه) في الباب الثاني من أبواب القبلة، فراجع(وسائل الشيعة 4: 297، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2.) و إطلاق بعضها يشمل كلّ صلاة؛ واجبة كانت أو نافلة، يومية أو غيرها، أداءً أو قضاءً، و توابعها من صلاة الاحتياط للشكوك و قضاء الأجزاء المنسية؛ أمّا صلاة الاحتياط فلإطلاق الصلاة عليها، و أمّا الأجزاء المنسية فلكونها جزء الصلاة؛ فقضاؤها كأدائها في وجوب الاستقبال فيها. و لا دليل على وجوب الاستقبال في سجدتي السهو، نعم هو أحوط. و يجب الاستقبال في صلاة الميّت أيضاً؛ لإطلاق الصلاة عليه في الأخبار. و لا يخفى: أنّ الاستقبال واجب مع الإمكان، فإن لم يتمكّن منه في جميع صلاته استقبل بما أمكن من صلاته و لو بتكبيرة الإحرام أو بالسلام مثلًا و لو لم يتمكّن من ذلك أجزأته الصلاة من غير قبلة، بلا خلاف في المسألة. و يدلّ عليه صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة و يصفّ رجليه فإذا دارت و استطاع أن يتوجّه إلى القبلة، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به، و إن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ يصلّي(وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة، فإذا دارت فاستطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به قال فإن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ ليصلّ(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 13.) و يدلّ على وجوب الاستقبال في الفريضة للمتمكّن منه و عدم وجوبه في النافلة كلّها في السفينة و المحمل صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الصلاة في السفر في السفينة و المحمل سواء؟ قال النافلة كلّها سواء تومئ إيماءً أينما توجّهت دابّتك و سفينتك، و الفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض إلّا من خوف، فإن خفتَ أومأتَ. و أمّا السفينة فصلّ فيها قائماً و توخّ القبلة بجهدك؛ فإنّ نوحاً (عليه السّلام) قد صلّى الفريضة فيها قائماً متوجّهاً إلى القبلة و هي مطبقة عليهم ، قال: قلت: و ما كان علمه بالقبلة، فيتوجّهها و هي مطبقة عليهم؟ قال كان جبرئيل (عليه السّلام) يقومه نحوها ، قال: قلت: فأتوجّه نحوها في كلّ تكبيرة؟ قال أمّا النافلة فلا، إنّما تكبّر على غير القبلة اللَّه أكبر ، ثمّ قال كلّ ذلك قبلة للمتنفّل، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ(وسائل الشيعة 4: 324، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 17.) و قد عقد صاحب «الوسائل» (رحمه اللَّه) باباً بعنوان باب «جواز صلاة النافلة على الراحلة و في المحمل إيماءً لعذر و غيره و لو إلى غير القبلة سفراً و حضراً»(وسائل الشيعة 4: 328، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15.) و نكتفي بنقل بعض رواياته كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو على دابّته حيث ما توجّهت به، قال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 328، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 1.) و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا (عليه السّلام) عن صلاة النافلة على البعير و الدابّة، فقال نعم حيث كان متوجّهاً، و كذلك فعل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و رواه الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان مثله، و زاد: قلت: على البعير و الدابّة؟ قال نعم، حيث ما كنت متوجّهاً قلت: أستقبل القبلة إذا أردتُ التكبير؟ قال لا، و لكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً، و كذلك فعل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 4: 329، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 6 و 7.) و غيرهما من روايات الباب. و ليعلم: أنّه لم يرد في الروايات جواز ترك الاستقبال في النافلة حال المشي. نعم قد ورد فيها جواز فعل النافلة حال المشي مطلقاً حتّى حال الاختيار كما في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمّ مشى(وسائل الشيعة 4: 334، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 1.) و موثّق الحسين بن المختار عن أبي (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي و هو يمشي تطوّعاً؟ قال نعم(وسائل الشيعة 4: 335، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 6.) و يدلّ على جواز ترك الاستقبال في الفريضة حال الضرورة الأخبار الواردة في الخائف عن اللصّ و السبُع، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يلقي السبُع و قد حضرت الصلاة و لا يستطيع المشي مخافة السبع، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه و سجوده السبُع و السبُع أمامه على غير القبلة، فإن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه الأسد، كيف يصنع؟ قال: فقال يستقبل الأسد و يصلّي و يومئ برأسه إيماءً و هو قائم، و إن كان الأسد على غير القبلة(وسائل الشيعة 8: 439، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3، الحديث 2.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال الذي يخاف اللصوص و السبُع يصلّي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته ، قال: قلت: أ رأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال ليتيمّم من لبد سرجه أو معرفة (عرف) دابّته؛ فإنّ فيها غباراً، و يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابّته، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه(وسائل الشيعة 8: 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3، الحديث 8.)

ص: 125

ص: 126

ص: 127

ص: 128

[ (مسألة 2): يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة]

(مسألة 2): يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة، و تقوم البيّنة مقامه على الأقوى مع استنادها إلى المبادئ الحسّيّة (1)،


1- لمّا كانت الاستقبال من شرائط الصلاة فلا بدّ من العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة؛ لوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عمّا اشتغلت الذمّة عليه، و هل يجوز الاكتفاء بشهادة العدلين مع استنادهما على المبادئ الحسّية فيما أمكن تحصيل العلم بها؟ فيه خلاف بين فقهائنا، و أشكل الأمر على بعضهم كالسيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» قال: و في كفاية شهادة العدلين مع إمكان تحصيل العلم إشكال، و مع عدمه لا بأس بالتعويل عليها إن لم يكن اجتهاده على خلافها، و إلّا فالأحوط تكرار الصلاة(العروة الوثقى 1: 540.) و قال السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك»: وجهه أنّ دليل حجّية البيّنة و إن كان شاملًا للمقام على ما عرفت من إمكان استفادة عموم الحجّية من رواية مسعدة بن صدقة إلّا أنّ في شمولها للإخبار عن حدس تأمّلًا؛ لقرب دعوى انصرافها إلى الإخبار عن حسّ أو ظهورها فيه(مستمسك العروة الوثقى 5: 183.) أقول: إنّ حجّية البيّنة مطلقاً منوطة بما إذا كانت الشهادة مستندة إلى الأُمور الحسّية، و إنّ شرط حجّيتها الاستناد إلى الحسّ؛ فلا اعتبار لها مع الاستناد إلى الحدس و الاجتهاد؛ فالأقوى عدم وجوب تحصيل العلم بالقبلة تعييناً بحيث لا يكتفى بالبيّنة أصلًا، بل يجوز الاكتفاء بالبيّنة مع إمكان تحصيل العلم، كما هو المستفاد من موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة(وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.)

ص: 129

و مع تعذّرهما يبذل تمام جهده و يعمل على ظنّه (1)،


1- إذا لم يتمكّن من تحصيل العلم و فقدت البيّنة القائمة مقام العلم، يجب على المكلّف بذل تمام جُهده في تحصيل الظنّ بالقبلة من أيّة آية حصل؛ حتّى الضوء الكثير آخر النهار في طرف من السماء في يوم الغيم فإنّه يفيد الظنّ بأنّه جانب المغرب و القبلة في طرف يسار الضوء، و إذا كان الضوء الكثير في أوّل النهار فإنّه يفيد الظنّ بأنّه جانب المشرق و القبلة في طرف يمينه. و كذا الرياح لمن عرف مهبّها فإنّه يستنبط من مهبّها الجوانب الأربع المشرق و المغرب و الجنوب و الشمال؛ فيستدلّ من ذلك على جانب القبلة. و يدلّ على الاعتماد على الظنّ صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة(وسائل الشيعة 4: 307، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 1.) ، و موثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و القمر و لا النجوم، قال اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك(وسائل الشيعة 4: 308، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 2.)

ص: 130

و مع تعذّره و تساوي الجهات صلّى إلى أربع جهات إن وسع الوقت (1)،


1- الصلاة إلى أربع جهات مع تعذّر الظنّ بالقبلة لتحصيل اليقين بما بين المشرق و المغرب بذلك الذي هو قبلة عند الخطأ، فإذا صلّى كذلك فقد صلّى إلى ما بين المغرب و المشرق، و لا ضرر فيه إذا كان بغير تقصير. و هذا القول مشهور بين القدماء و المتأخّرين شهرة عظيمة، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه كما في «الغنية» و «التذكرة» و «المنتهي» و «المعتبر» و غيرها. و يدلّ عليه مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال: روي فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أنّه يصلّي إلى أربعة جوانب(وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 1.) و مرسل الكليني (رحمه اللَّه) قال: و روى أيضاً إنّه أي المتحيّر يصلّي إلى أربع جوانب(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 4.) و مرسل خداش (خراش) بن إبراهيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: جعلت فداك إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 5.) و إرسال هذه الروايات منجبر بالشهرة و الإجماع المدّعى. و نسب إلى ابن أبي عقيل القول بأنّه لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلّى حيث شاء، و لا إعادة عليه إذا علم بعد ذهاب وقتها أنّه صلّى لغير القبلة، و هو الظاهر من ابن بابويه، و نفى عنه البعد العلّامة (رحمه اللَّه) في «المختلف»، و مال إليه الشهيد في «الذكرى» و المقدّس الأردبيلي و صاحب «المدارك» و «الحدائق»، و في حاشية «العروة الوثقى» للسيّد الخوئي (رحمه اللَّه): أنّه لا تبعد كفاية الصلاة إلى جهة واحدة. و استدلّ لهذا القول بصحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال يجزي المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 2.) و مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قبلة المتحيّر، فقال يصلّي حيث يشاء(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّ هذا القول مع قطع النظر عن المناقشة في رواياته سنداً و دلالةً مخالف للمشهور. و نسب إلى السيّد بن طاوس في المسألة القول بوجوب الصلاة إلى الجهة المتعيّنة بالقرعة. و فيه: أنّ القرعة في كلّ أمر مشكل، و لا مشكل مع وجود الأخبار المذكورة، هذا. مضافاً إلى أنّه مخالف للإجماع المركّب، و أنّه لم يعهد من أحد من علمائنا استعمال القرعة في تعيين الحكم الشرعي. ثمّ إنّه يعتبر أن يكون التكرار على وجه يحصل معه اليقين بالاستقبال في إحداها، كأن تكون الجهات الأربع على خطّين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر بحيث يحدث عنهما زوايا قائمة، و هو المتبادر من النصّ حيث إنّ المتبادر من أربع جهات يمين المصلّي و يساره و قدّامه و خلفه، و هو مقتضى الاحتياط؛ لعدم العلم ببراءة الذمّة بغير ذلك. و قيل بكفايتها كيفما اتّفق؛ لأنّ الغرض إصابة جهة القبلة لا عينها و هو حاصل، و هو مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى و أصل البراءة. و اشترط في «البيان» التباعد بين كلّ اثنين بحيث لا تعدّان قبلة واحدة لقلّة الانحراف.

ص: 131

ص: 132

و إلّا فبقدر ما وسع (1)،


1- لو ضاق الوقت و لم يسع للصلاة إلى أربع جهات، فهل يجب الإتيان بقدر ما وسع من الثلاث فنازلًا، أولا يجب إلّا واحدة؟ فيه وجهان بل قولان: نسب ثانيهما إلى «المقنعة» و «جمل» السيّد و «المبسوط» و «الوسيلة» و «السرائر»؛ لقولهم بأنّه إن لم يقدر على الأربع فليصلّ إلى أيّ جهة شاء، و لعلّ مرادهم صورة عدم القدرة إلّا على واحدة من الأربع؛ فلا خلاف حينئذٍ. و كيف كان: فوجه الأوّل و هو المختار أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بإتيان المقدار الممكن، و أنّ استصحاب التكليف بما أمكن فيما إذا تقدّمت الحيرة على الضيق يقتضي أداءه به، و أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و وجه الثاني: أصالة عدم وجوب الزائد على الواحدة بعد سقوط التكليف بالأربعة بضيق الوقت. و فيه: أنّه لا مجال للبراءة مع استصحاب الاشتغال.

ص: 133

و لو ثبت عدمها في بعض الجهات بعلم و نحوه، صلّى إلى المحتملات الأُخر، و يعوّل على قبلة بلد المسلمين في صلاتهم و قبورهم و محاريبهم إذا لم يعلم الخطأ (1).


1- هذه المسألة إجماعية، و ادّعى في «الجواهر»: أنّ الاعتماد على قبلة بلاد المسلمين ممّا جرت به السيرة القطعية في جميع الأعصار و الأمصار، و أنّ استمرار عملهم من أقوى العلامات المفيدة للقبلة. قال (رحمه اللَّه): و منها المحاريب المنصوبة في جوارهم التي يغلب مرورهم عليها أو في قرية صغيرة نشأت قرون منهم فيها. و لا فرق في ذلك بين أن يكون متمكّناً من مراعاة الأمارات الشرعية أو لا، بل و سواء كان متمكّناً من العلم بالجهة كما إذا كان فيها محراب معصوم أو لا. فما في «المنتهي» من أنّ البصير في الحضر يتبع قبلة أهل البلد إذا لم يتمكّن من العلم، لا يخلو من نظر(جواهر الكلام 7: 394.) انتهى.

ص: 134

[ (مسألة 3): المتحيّر الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة]

(مسألة 3): المتحيّر الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان، فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاولى، كما أنّ الأحوط أن يتمّ جهات الاولى ثمّ يشرع في الثانية؛ و إن كان الأقوى جواز إتيان الثانية عقيب الاولى في كلّ جهة (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أنّه هل يجوز لمن كان عليه صلاتان كالظهرين و العشاءين و كان متحيّراً في القبلة، أن تكون جهات صلاته الثانية إلى غير جهات صلاته الاولى، كأن تكون الجهات الثمان على خطوط أربعة مستقيمة و صلّى أربعة ظهره على الزوايا القائمة على خطّين مستقيمين، و أربعة عصره على الزوايا الأُخرى القائمة على خطّين مستقيمين آخرين، كما في هذا الجدول: ظ ع ع ظ ظ ع ع ظ أو لا يجوز إلّا أن تكون جهات صلاته الثانية عين جهات صلاته الاولى؟ قولان: المختار هو الأوّل، و وجهه إطلاق أربع جهات؛ حيث إنّ المفروض وقوع كلّ من الصلاتين إلى أربع جهات و وقوع كلّ منهما إلى القبلة يقيناً بناءً على أنّ قبلة المتحيّر جزءً ممّا بين المشرق و المغرب، هذا. مضافاً إلى أنّ الأصل عدم وجوب إتيان الصلاة الثانية إلى عين جهات الاولى. و وجه الثاني: العلم إجمالًا بمخالفة إحدى صلاتية للقبلة الواقعية، بل قد يعلم تفصيلًا ببطلان الثانية. و سيأتي الإشارة إليه في المسألة الثانية. و فيه: أنّه لا منشأ للعلم الإجمالي المذكور؛ إذ من المحتمل أن تكون القبلة إلى غير الجهات الثمان التي صلّى إليها، و من الواضح أنّ قبلة المتحيّر ما بين المشرق و المغرب و كلٌّ مِن صلاتية قد وقع إلى جهات أربعة يقيناً. المسألة الثانية: هل يجب للمتحيّر في القبلة فيما وجبت عليه الصلاتان المترتّبتان كالظهرين إيقاع الثانية إلى أربع جهات بعد تمام أربعة الأُولى بحيث لا يجوز له الشروع في العصر قبل الفراغ من تمام جهات الظهر، أو لا كما في الثوبين المشتبه طاهرهما بنجسهما؟ قولان، نسب الأوّل إلى ابن فهد و الشهيد الثاني و الصيمري، و الثاني إلى «نهاية الإحكام» و العلّامة الطباطبائي و صاحب «الجواهر». و في «الجواهر»: أحوطهما أوّلهما إن لم يكن أقواهما(جواهر الكلام 7: 416.) انتهى. وجه الأوّل: لزوم الجزم في النية بقدر الإمكان، و لا يحصل الجزم في نية الشروع في العصر مترتّباً على الظهر إلّا بإتمام جهات الظهر كلّها. و سقوط اعتبار الجزم في النية من جهة اشتباه القبلة لا يوجب سقوطه من حيث شرطية الترتيب، بل يعلم تفصيلًا بطلان العصر؛ إمّا لفوات الاستقبال أو لفوات الترتيب فيما كان جهات صلاة العصر إلى غير جهات صلاة الظهر.و وجه الثاني: أنّ إحراز الترتيب كما يحصل بإتيان العصر بعد الفراغ من الظهر إلى تمام جهاتها كذلك يحصل بإتيانها بعد كلّ ظهر إلى الجهة التي صلّى الظهر، و على أيّ من التقديرين يحصل الترتيب و وقوع العصر بعد الظهر. و المختار هو القول الثاني؛ لعدم الدليل على اعتبار الجزم في النية، و لا علم ببطلان الصلاة الثانية؛ لا تفصيلًا و لا إجمالًا بعد البناء على أنّ قبلة المتحيّر ما بين المشرق و المغرب.

ص: 135

ص: 136

[ (مسألة 4): من صلّى إلى جهة بطريق معتبر، ثمّ تبيّن خطؤه]

(مسألة 4): من صلّى إلى جهة بطريق معتبر، ثمّ تبيّن خطؤه، فإن كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين و الشمال، صحّت صلاته (1)،


1- هنا مسائل: الاولى: من صلّى إلى جهة باعتقاد أنّها قبلة و لو سهواً أو نسياناً، ثمّ تبيّن خطؤه و كان انحرافه عن القبلة إلى ما بين اليمين و الشمال، صحّت صلاته على المشهور. و يدلّ عليه قبل الشهرة المحقّقة و الإجماع المحكي عن العلّامة و المحقّق صحيح معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.) و رواية الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 5.) و في «الحدائق»(الحدائق الناضرة 6: 434.) : و يعضده أيضاً صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا صلاة إلّا إلى القبلة ، قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 2.) ، انتهى. و يظهر من كثير من قدماء أصحابنا وجوب الإعادة في الوقت مطلقاً أي و لو كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين و اليسار إذا صلّى إلى غير القبلة مع اعتقاده قبلة؛ ففي «المقنعة»: و من أخطأ القبلة أو سها عنها ثمّ عرف ذلك و الوقت باقٍ أعاد الصلاة، و إن عرفه بعد خروج الوقت لم يكن عليه إعادة فيما مضى. اللهمّ إلّا أن يكون قد صلّى مستدبر القبلة؛ فيجب عليه حينئذٍ إعادة الصلاة؛ كان الوقت باقياً أو متقضّياً، و على كلّ حال(المقنعة: 97.) انتهى. و في «المبسوط»: و إذا صلّى البصير إلى بعض الجهات ثمّ تبيّن أنّه صلّى إلى غير القبلة و الوقت باقٍ أعاد الصلاة(المبسوط 1: 80.) انتهى. و يظهر من «الخلاف» الإجماع على الإعادة في الوقت فإنّه بعد قوله بأنّ من اجتهد في القبلة و صلّى إلى واحدة من الجهات ثمّ بان له أنّه صلّى إلى غيرها و الوقت باقٍ أعاد الصلاة. قال: دليلنا على أنّ الوقت إذا كان باقياً عليه الإعادة، إجماع الفرقة(الخلاف 1: 303/ المسألة 51.) انتهى. و استدلّ له بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا صلّيت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنّك صلّيت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد، و إن فاتك الوقت فلا تعد(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح يعقوب بن يقطين قال: سألت عبداً صالحاً عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت، أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ و إن كان قد تحرّى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه(وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك(وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة: إمّا حمل الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة على ما تجاوز انحراف المصلّي عمّا بين المشرق و المغرب، أو حمل الأخبار الدالّة على نفي الإعادة على ما علم انحرافه في خارج الوقت. و لا يخفى: أنّ الشهرة بل الإجماع المدّعى من الفاضلين على المسألة و أنّه لا تعاد الصلاة مطلقاً حتّى في الوقت فيما كان انحرافه إلى ما بين المشرق و المغرب، يقتضي الجمع الأوّل.

ص: 137

ص: 138

و إن كان في أثنائها مضى ما تقدّم منها و استقام في الباقي؛ من غير فرق بين بقاء الوقت و عدمه (1).


1- هذه هي المسألة الثانية، و هي ممّا لا خلاف فيه بل ادّعي عليها الإجماع، و في «مستند الشيعة»: بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم، و هو الحجّة فيه(مستند الشيعة 4: 213 214.) انتهى. و يدلّ عليه خبر القاسم بن الوليد قال: سألته عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال يستقبلها إذا ثبت ذلك، و إن كان فرغ منها فلا يعيدها(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 3.) ، الخبر ضعيف بالقاسم بن الوليد القُرشي العُماري المجهول الحال، مضافاً إلى أنّه مضمر، و الدلالة تامّة بناءً على عود الضمير في «يستقبلها» إلى القبلة. و موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.) ثمّ إنّ عدم بقاء الوقت فيما تبيّن الخطأ في القبلة في أثناء الصلاة مفروض فيما بقي من الوقت مقدار ركعة و دخل في الصلاة و أدرك ركعة منها في الوقت، و بعد إدراك ركعة منها في الوقت علم بانحرافه عن القبلة و هو في الصلاة؛ و حينئذٍ يستقيم أي يستقبل في باقي الصلاة مع خروج وقتها.

ص: 139

و إن تجاوز انحرافه عمّا بينهما، أعاد في الوقت دون خارجه و إن بان استدباره (1)،


1- هذه هي المسألة الثالثة، و هي: أنّه بعد ما فرغ عن الصلاة علم أنّ انحرافه عن القبلة تجاوز عمّا بين اليمين و الشمال فيعيد في الوقت، و إذا علمه في خارج الوقت فلا قضاء عليه مطلقاً؛ أي حتّى فيما كان انحرافه حدّ الاستدبار. أمّا وجوب الإعادة في الوقت فقد يستدلّ عليه مضافاً إلى أنّه ممّا لا خلاف فيه بأنّه قد أخلّ الشرط للواجب و هو الاستقبال و الوقت باقٍ؛ فليعد. و أمّا عدم وجوب القضاء خارج الوقت فيما تجاوز انحرافه عن القبلة عمّا بين اليمين و الشمال و لم يبلغ حدّ الاستدبار فلصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّم فإن فاتك الوقت فلا تعد(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح يعقوب بن يقطين المتقدّم فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه(وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ثمّ يضحى فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة، كيف يصنع؟ قال إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده(وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 6.) و غيرها من روايات الباب. فإطلاق هذه الروايات يقتضي عدم وجوب القضاء فيما بان استدباره القبلة.

ص: 140

إلّا أن الأحوط القضاء مع الاستدبار بل مطلقاً (1).


1- أي حتّى فيما تجاوز انحرافه عمّا بين اليمين و اليسار و لم يبلغ حدّ الاستدبار.وجه الاحتياط خبر معمّر بن يحيى بن سام قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل صلّى على غير القبلة ثمّ تبيّنت القبلة و قد دخل وقت صلاة أُخرى، قال يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها(وسائل الشيعة 4: 313، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 5.) ، هذا الخبر ضعيف سنداً لوقوع علي بن محمّد القرشي في طريق الشيخ (رحمه اللَّه). و وجه الاحتياط بالقضاء خارج الوقت فيما استدبر القبلة مضافاً إلى إطلاق خبر معمّر مرسل الشيخ في «النهاية» قال: قد رويت رواية أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ، و هذا هو الأحوط و عليه العمل(وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 10.) انتهى.

ص: 141

و إن انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بينهما، فإن وسع الوقت حتّى لإدراك ركعة قطع الصلاة و أعادها مستقبلًا، و إلّا استقام للباقي، و صحّت على الأقوى و لو مع الاستدبار، و الأحوط قضاؤها أيضاً (1).


1- وجه قطع الصلاة و إعادتها مستقبلًا فيما انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بين اليمين و الشمال مع سعة الوقت حتّى لإدراك ركعة هو إخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته و إمكان إتيانه و لو بإدراك ركعة، هذا. مضافاً إلى أنّه قد وجبت الإعادة في الوقت بعد الفراغ عن الصلاة مع انحرافه عمّا بينهما، و كذلك في أثنائها قبل الفراغ عنها؛ لأنّ ما يفسد الكلّ يفسد الجزء، بناءً على عدم القول بالفصل في داخل الوقت بين الأثناء و بعد الفراغ. و أمّا لو لم يسع الوقت حتّى لإدراك ركعة من آخر الوقت بحيث لو استأنف كان قضاءً فهل يستقيم للباقي و يتمّ صلاته مطلقاً و لو مع الاستدبار، أو يقطع صلاته و يستأنف؟ الأقوى عند المصنّف (رحمه اللَّه) وفاقاً لجماعة من فقهائنا؛ منهم صاحب «المدارك» و «الذخيرة» و «الرياض» و صاحب «الجواهر» هو الأوّل، و نسبه صاحب «المدارك» إلى الشهيدين و قال: لا لما ذكراه من استلزام القطع القضاء المنفي لانتفاء الدلالة على بطلان اللازم، بل لأنّه دخل دخولًا مشروعاً و الامتثال يقتضي الإجزاء، و الإعادة إنّما تثبت إذا تبيّن الخطأ في الوقت على ما هو منطوق روايتي عبد الرحمن و سليمان بن خالد(مدارك الأحكام 3: 154.) انتهى. و لا يترك الاحتياط بالاستقامة للباقي و القضاء خارج الوقت مطلقاً؛ أي مع انحرافه إلى اليمين و الشمال و مع الاستدبار؛ لأنّ النصوص النافية للقضاء على فرض إطلاق بعضها الشامل لصورة التبيّن في الأثناء مقيّدة بما كان متوجّهاً إلى ما بين المشرق و المغرب؛ فلا يشمل ما كان متجاوزاً عمّا بينهما، كما في موثّقة عمّار المتقدّمة(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.) ففيما كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة مطلقاً أي و لو لم يسع الوقت لإدراك ركعة و على فرض معارضة إطلاق موثّقة عمّار بإطلاق النصوص الدالّة على نفي الإعادة في غير الوقت يرجع إلى أدلّة الشرطية. و ليعلم: أنّ المراد من دبر القبلة ما يشمل المشرق و المغرب، بقرينة مقابلته بما بين المشرق و المغرب. و لا بأس بنقل كلام السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» لتضمّنه وجه الاحتياط، قال: نعم يشكل حال الالتفات في الأثناء إذا كان في آخر الوقت بحيث لو استأنف كان قضاء، فهل يستقيم و يتمّ صلاته؟ كما عن «المدارك» و «الذخيرة» و «الرياض»، و اختاره في «الجواهر»، بل عن الأوّل حكايته عن الشهيدين؛ إمّا لاستفادته من النصوص النافية للقضاء المتقدّمة فيما لو تبيّن الخطأ بعد الفراغ؛ إمّا لإطلاق بعضها الشامل لصورة التبيّن في الأثناء، أو للأولوية؛ لأنّ فوات الاستقبال في بعض الصلاة أولى بنفي القضاء من فواته في جميعها؛ و إمّا لأنّ فوات الوقت أولى من مراعاة الاستقبال. أو يقطع صلاته و يستأنف؟ إمّا لمنع الإطلاق في النصوص المتقدّمة، و كذا الأولوية؛ فيكون المرجع إمّا إطلاق موثّق عمّار على تقدير تماميته، أو إطلاق أدلّة الشرطية و حديث «لا تعاد». و إمّا لتسليم الإطلاق في النصوص المتقدّمة مع البناء على معارضته بإطلاق موثّق عمّار؛ فيكون المرجع الأدلّة الأوّلية(مستمسك العروة الوثقى 5: 234.) انتهى موضع الحاجة.

ص: 142

ص: 143

ص: 144

[المقدّمة الثالثة: في الستر و الساتر]

المقدّمة الثالثة: في الستر و الساتر

[مسألة 1): يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها]

(مسألة 1): يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها، كالركعة الاحتياطيّة، و قضاء الأجزاء المنسيّة على الأقوى، و سجدتي السهو على الأحوط، و كذا في النوافل، دون صلاة الجنازة و إن كان أحوط فيها أيضاً، و لا يترك الاحتياط في الطواف (1).


1- يجب ستر العورة عن الناظر المحترم حتّى في غير حال الصلاة، و يجب سترها حال الصلاة اختياراً و لو لم يكن هناك ناظر محترم أو كان و لكن لا ينظرها و لو لظلمة مثلًا و لا يجب سترها في الخلوة إلّا في الصلاة. و اشتراط سترها حال الصلاة ممّا قام به الإجماع، و به قال أكثر العامّة، إلّا بعض الشافعية فقال بوجوبها حال الذكر. و يدلّ على اشتراطه في الصلاة قبل الإجماع صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال يصلّي إيماءً، و إن كانت امرأة جعلت يداها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما ، قال و إن كانا في ماء أو بحر لجيّ لم يسجدا عليه، و موضوع عنهما التوجّه فيه يوميان في ذلك إيماءً، رفعهما توجّه و وضعهما(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و وجه اشتراطه في قضاء الأجزاء المنسية كالسجدة الواحدة و التشهّد هو كونها أجزاءً واقعية للصلاة؛ فكما يعتبر الستر في كلّ جزء من الأجزاء أداءً و كذا يعتبر فيها قضاءً بعد الفراغ عن الصلاة. و أمّا في سجدتي السهو فلا يترك الاحتياط و مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة؛ من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها من الشرائط و سائر الموانع عن الصلاة. و وجه الاحتياط ورود الأمر بهما قبل الكلام، و المستفاد منه المنع من فعل المنافيات مطلقاً فيما بينهما و بين الصلاة، و إن كان مقتضى أصل البراءة و إطلاق أدلّته عدم اعتبار شي ء منها. و أمّا اشتراطه في النوافل فممّا لا خلاف فيه. و يدلّ عليه إطلاق الأدلّة. و أمّا صلاة الجنازة فالأقوى عدم اشتراطه فيها، كالطهارة من الحدث و الخبث؛ للأصل، و عدم كونها صلاة حقيقة. و في «مستند الشيعة»: قيل يعتبر و هو ضعيف(مستند الشيعة 4: 238.) انتهى. و أمّا اعتباره في الطواف فمحلّ خلاف بين فقهائنا؛ فنسب إلى جماعة منهم الشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «القواعد» وجوبه فيه. و استدلّ عليه برواية الصدوق بإسناده عن ابن عبّاس في حديث إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعث علياً ينادي: لا يحجّ بعد هذا العام مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان.(وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 1.) الحديث. و رواية محمّد بن الفضيل عن الرضا (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أمرني عن اللَّه أن لا يطوف بالبيت عريان و لا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام(وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 2.) و غيرهما من روايات الباب. و ذهب جماعة إلى عدم الوجوب فيه؛ فعن العلّامة في «المختلف»: و للمانع أن يمنعه، و الرواية غير مستندة من طرقنا فلا حجّة فيها(مختلف الشيعة 4: 215.) و أورد عليه في «كشف اللثام»: أنّ الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا و طريق العامّة(كشف اللثام 5: 408.) و الأقوى وجوب الستر في الطواف لاعتبار بعض الأخبار المذكورة في الباب الثالث و الخمسين من أبواب الطواف، فراجع(وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 53.) و البحث موكول إلى محلّه.

ص: 145

ص: 146

[ (مسألة 2): لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة و هو لا يعلم]

(مسألة 2): لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة و هو لا يعلم فالصلاة صحيحة، لكن يبادر إلى الستر إن علم في الأثناء (1)،


1- وجه صحّة الصلاة فيما لو كانت العورة مستورة من أوّل الصلاة و بدت في الأثناء لريح أو غفلة، و فيما لو كانت منكشفة من أوّل الصلاة و هو لا يعلم، هو صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا علم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 4: 404، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 27، الحديث 1.) ، و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين انكشاف جميع العورة أو بعضها، و بين انكشافها في تمام الصلاة أو بعضها حتّى فرغ منها. و لا مخالف من أحد من أصحابنا في المسألة. نعم احتمل العلّامة في «التحرير» الإعادة فيما إذا علم في الأثناء و سترها لبقية الصلاة؛ فإنّه (رحمه اللَّه) بعد ما أفتى بالصحّة قال: و لو قيل بعدم الاجتزاء بالستر كان وجهاً؛ لأنّ الستر شرط و قد فات(تحرير الأحكام 1: 32/ السطر 1.) و ضعّفه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) و قال: إنّه كالاجتهاد في مقابلة النصّ(جواهر الكلام 8: 181.) و أمّا وجوب المبادرة إلى الستر فيما لو علم في الأثناء فممّا قام به الإجماع، و أنّه من القطعيات كما في «الجواهر». و صحّة الصلاة حينئذٍ مشهورة بين الأصحاب شهرة عظيمة، و في «الجواهر»: لم أجد فيه مخالفاً صريحاً في ذلك(نفس المصدر: 179.)

ص: 147

و الأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف (1)، و كذا لو نسي سترها في الصورتين (2).


1- وجه الاحتياط فتوى بعض فقهائنا بعدم الاجتزاء لفوات الشرط، و احتمله العلّامة (رحمه اللَّه) في «التحرير».
2- أي من أوّل الصلاة أو بعد التكشّف في الأثناء. و في المسألة أقوال: الصحّة مطلقاً، نسب إلى «المدارك» و «الرياض» و «شرح الوحيد». البطلان مطلقاً، نسب إلى الشهيد و غيره، و حكي عن ظاهر «التذكرة» و «المنتهي» و «المعتبر» الإجماع عليه. و التفصيل بين النسيان ابتداءً و بينه بعد التكشّف في الأثناء بالصحّة في الثاني دون الأوّل، نسبه في «المدارك» إلى الشهيد في «الذكرى» و «البيان» و استحسنه. و التفصيل بين الوقت و خارجه بالإعادة في الأوّل دون الثاني، نسب إلى ابن الجنيد. و استدلّ على الصحّة تارة بحديث لا تعاد الصلاة إلّا عن خمس: الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 1.) و أُخرى بحديث رفع النسيان مطلقاً؛ أي سواءٌ نسيه ابتداءً أو بعد التكشّف في الأثناء، بناءً على عدم اختصاص المرفوع بالمؤاخذة. و ثالثة بصحيح علي بن جعفر المتقدّم(وسائل الشيعة 4: 404، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 27، الحديث 1.) باعتبار أنّ قوله لا يعلم به يشمل حال النسيان. و فيه: أنّ عدم العلم عبارة عن حال الغفلة؛ و لذا جعل النسيان مقابل «ما لا يعلمون» في حديث الرفع. و أمّا القول بالبطلان حال النسيان فلم يتّضح لنا دليل عليه إلّا كون الستر شرطاً على الإطلاق كالطهارة و الوقت. و التفصيلان المذكوران مثل القول بالبطلان مطلقاً في الضعف.

ص: 148

[ (مسألة 3): عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر]

(مسألة 3): عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر و هي: الدُّبُر و القضيب و الأُنثيان (1)،


1- اختلف فقهاؤنا في عورة الرجل؛ المشهور بينهم شهرة عظيمة أنّها عبارة عن القبل و الدبر، و المراد بالقبل الذكر و الأُنثيان، و الدبر عبارة عن الحلقة التي هي المخرج، و الأليان خارجان عنه. و نسب إلى القاضي ابن البرّاج: أنّها عبارة عمّا بين السرّة و الركبة، و حكي عن أبي حنيفة أيضاً. و عن أبي الصلاح: أنّها عبارة عن السرّة إلى نصف الساق، و نسب هذا إلى مالك و الشافعي أيضاً. و قد حكي الإجماع عن «التحرير» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» على خروج الركبة و السرّة عن العورة، و قول القاضي و أبي الصلاح متروك عند الأصحاب. و في بعض الأخبار تصريح بقول المشهور؛ ففي مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال العورة عورتان: القبل و الدبر، و الدبر مستور بالأليتين؛ فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة(وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 4، الحديث 2.) و في بعض الروايات صرّح بعدم كون الفخذ من العورة؛ روى الصدوق (رحمه اللَّه) عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال الفخذ ليس من العورة(وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 4، الحديث 4.) ، كذا رواه في «التهذيب»(تهذيب الأحكام 1: 374/ 1150.) و ما دلّ عليه بعض الأخبار من أنّ العورة ما بين السرّة و الركبة ضعيف من حيث السند أوّلًا، و محمول على التقية ثانياً؛ لموافقته للعامّة. و معرض عنه عند الأصحاب ثالثاً. و بعضها محمول على الاستحباب؛ ففي خبر الحسين بن علوان إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلى عورتها، و العورة ما بين السرّة و الركبة(وسائل الشيعة 21: 148، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 44، الحديث 7.) و خبر بشير النبّال في حديث: أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) دخل الحمّام فاتّزر بإزار و غطى ركبتيه و سرّته، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلّى ما كان خارجاً من الإزار، ثمّ قال اخرج عنّي ثمّ طلّى هو ما تحته بيده، ثمّ قال هكذا فافعل(وسائل الشيعة 2: 67، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 31، الحديث 1.) و خبر «الخصال» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث الأربعمائة قال إذا تعرّى أحدكم (الرجل) نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم(وسائل الشيعة 5: 23، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 10، الحديث 3.) و لعلّ إطلاق اسم العورة على ما بين السرّة و الركبة أو إلى نصف الساق لشدّة الرجحان في ستره حتّى في غير حال الصلاة كما تشير إليه جملة من الأخبار. بل يدلّ على استحباب ستر باقي البدن قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(الأعراف( 7): 31.) و النبوي إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه؛ فإنّ اللَّه أحقّ أن يتزيّن له(كنز العمّال 7: 331/ 19120.) و بعض الأخبار يدلّ على كراهة كشف غير العورة كالمروي عن «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر سأل أخاه عن الرجل: هل يصلح له أن يصلّي في سراويل واحد و هو يصيب ثوباً؟ قال لا يصلح(وسائل الشيعة 4: 453، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 53، الحديث 7.) ، و غيره ممّا ذكره صاحب «الجواهر» من أخبار الباب الثالث و الخمسين من أبواب لباس المصلّي و غيره.

ص: 149

ص: 150

و الأحوط ستر الشبح الذي يُرى من خلف الثوب من غير تميّز للونه (1).


1- لا إشكال في وجوب ستر العورة بحجمها أي شبحها الذي يرى من خلف الثوب لرقّته مع تميّز لونه، و أمّا بدون تميّز لونه ففيه خلاف بين فقهائنا؛ نسب إلى «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «فوائد القواعد» الوجوب؛ لقاعدة الاحتياط و تبادره من أدلّة وجوب ستر العورة، و لمرفوعة أحمد بن حمّاد إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تصلّ فيما شفّ أو وصف(وسائل الشيعة 4: 388، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 21، الحديث 4.) ، قال في «الذكرى» في بيان معنى الحديث: معنى «شفّ» لاحت منه البشرة و «وصف» حكى الحجم. و نسب إلى العلّامة و المحقّق و ابن فهد و الصيمري و الشهيد في «الذكرى» و صاحب «المدارك» و غيرهم عدم الوجوب؛ للأصل و تحقّق الستر بستر لون العورة، و لتجويز الصلاة في قميص واحد إذا كان كثيفاً أي ساتر اللون كما في صحيح محمّد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال إذا كان كثيفاً فلا بأس به، و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفاً؛ يعني إذا كان ستيراً(وسائل الشيعة 4: 387، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 21، الحديث 1.) هذا كلّه في حجم العورة و شبحها. و أمّا شكلها الذي يُرى مع الثوب حال لفّه به فهو لا يمنع؛ لتحقّق الستر قطعاً؛ إذ قد يُرى الشكل حتّى مع لفّه بثوب أغلظ كالجلد. و من بياننا هذا قد علم: أنّ الحجم هو الشبح لا الشكل، و السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» قابل الشبح بالحجم و فسّر الحجم بالشكل؛ فقال: و الأحوط ستر الشبح الذي يُرى من خلف الثوب من غير تميّز لونه، و أمّا الحجم أي الشكل فلا يجب ستره(العروة الوثقى 1: 551.) و كيف كان: فلا يترك الاحتياط بستر الشبح بالمعنى الذي ذكرنا مع عدم تميّز لونه.

ص: 151

ص: 152

و عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتّى الرأس و الشعر، ما عدا الوجه الذي يجب غسله في الوضوء، و اليدين إلى الزندين، و القدمين إلى الساقين، و يجب عليها ستر شي ء من أطراف المُستَثنيات مقدّمة (1).


1- يجب على المرأة ستر جميع بدنها حتّى الرأس و الشعر، عدا ما استثني في المتن. و قد أجمع علماؤنا على أنّ بدن المرأة كلّه عورة؛ ففي «التذكرة» و «المختلف» و «المعتبر»: عورة المرأة الحرّة جميع بدنها، إلّا الوجه بإجماع علماء الإسلام. و قد ورد في بعض الأخبار: أنّ المرأة تصلّي في ثلاثة أثواب، كما في صحيح ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار و درع و خمار، و لا يضرّها بأن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما و تقنّع بالآخر ، قلت: فإن كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال لا بأس إذا تقنّعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولًا(وسائل الشيعة 4: 406، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 8.) و في بعضها: أنّها تكفي بالدرع و المقنعة، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفاً؛ يعني ستيراً(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 3.) و في بعضها: أنّها تكفي بالدرع و الملحفة، كما في رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي في درع و ملحفة ليس عليها إزار و لا مقنعة، قال لا بأس إذا التفّت بها، و إن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولًا(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 5.) و في بعضها: أنّها تكفي ملحفة واحدة إذا التفّت بها، كما في صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال تلتفّ فيها و تغطّي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 2.) فالمستفاد من مجموع هذه الروايات و غيرها وجوب ستر جميع البدن حتّى الرأس و الشعر و لو بثوب واحد على المرأة. و يدلّ على وجوب ستر خصوص الرأس و الشعر و الأُذنين صحيح الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال صلّت فاطمة (سلام اللَّه عليها) في درع و خمارها على رأسها، ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أُذنيها(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 1.) ، و تضعيف صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) سند رواية الفضيل في غير محلّه؛ لأنّ رجال الصدوق (رحمه اللَّه) إلى الفضيل عبارة عن محمّد بن موسى بن المتوكّل و هو ثقة عن علي بن الحسين السعدآبادي ظاهر جمع من الأصحاب اعتباره، و قد وقع في طريق «كامل الزيارات» لابن قولويه عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي هو أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، ثقة عن جماعة من الرجاليين كالنجاشي و الشيخ في «الفهرست» و العلّامة في «الخلاصة» و ابن داود، و عن ابن الغضائري أنّه طعن عليه القميون و ليس الطعن فيه، و إنّما الطعن فيمن يروي عنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أُذينة و هو ثقة عن الفضيل بن يسار، قال الصادق (عليه السّلام) في حقّه هو منّا أهل البيت. و أمّا استثناء الوجه و عدم وجوب ستره على المرأة فيدلّ عليه مضافاً إلى الأصل و الإجماع و السيرة القطعية موثّق سماعة قال: سألته عن المرأة تصلّي متنقّبة؟ قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل(وسائل الشيعة 4: 421، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 33، الحديث 1.) ؛ (يقال أسفرت المرأة؛ أي كشفت عن وجهها). و أمّا استثناء الكفّين إلى الزندين و كذا القدمين إلى الساقين فممّا قام به الإجماع من الفريقين، و ادّعى الشهيد في «الذكرى» إجماع علماء الإسلام إلّا أحمد و داود، بل يمكن الاستدلال على استثنائهما من الروايات المذكورة في الباب الثامن و العشرين من أبواب لباس المصلّي من «الوسائل»(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28.) ممّا دلّ على جواز صلاة المرأة بالدرع و الخمار الدرع قميص المرأة تلبسه في بيتها، و الخمار ما تغطّي المرأة به رأسها بناءً على أنّ الغالب عدم ستر الكفّين و القدمين بالدرع. و لا فرق في القدمين بين ظاهرهما و باطنهما، كما صرّح به جماعة من فقهائنا. و لعلّ الاقتصار على ظاهرهما من بعضهم كالعلّامة في «القواعد» و «التحرير» و الشهيد في «البيان» و غيرهما باعتبار استتار باطنهما بالأرض حال القيام و بالثياب في غيرها. و استدلّ بعض فقهائنا كصاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) في مطاوي كلماته على استثناء الوجه و الكفّين و القدمين بالأخبار الآمرة بالقناع و المقنعة و الدرع و الخمار و نحوها، بناءً على عدم تعارف ستر الوجه بالمقنعة و الخمار، و عدم تعارف ستر الكفّين و القدمين بالدرع. قال الحائري شيخ أساتيذنا مؤسّس الحوزة العلمية بقم صانها اللَّه عن الحدثان في كتاب الصلاة: و أمّا عدم وجوب ستر ما ذكرنا من الأُمور الوجه و الكفّين و القدمين فيكفي فيه عدم دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب؛ لعدم الملازمة بين لبس الدرع و الخمار و الإزار و ستر ما ذكرنا، بل المتعارف في حال لبس الثياب المذكورة عدم ستر ما ذكرنا(الصلاة، المحقق الحائري: 44.) انتهى. و أمّا ستر شي ء من أطراف المستثنيات فليس واجباً بالأصالة، بل لأجل تحصيل اليقين بستر ما هو عورة من بدنها.

ص: 153

ص: 154

ص: 155

[ (مسألة 4): يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها]

(مسألة 4): يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها حتّى المقدار الذي يُرى منه عند اختمارها على الأحوط (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب ستر العنق على المرأة؛ فقال جماعة منهم صاحب «المدارك» و النراقي في «مستند الشيعة» بعدم وجوب ستر رقبتها و هي العنق و استدلّ عليه صاحب «المدارك» بصحيح الفضيل بن يسار المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أُذنيها(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 1.) ، و استشهد أيضاً بصحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة، قال درع و ملحفة، فتنشرها على رأسها و تجلّل بها(وسائل الشيعة 4: 407، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 9.) و لم نفهم موضع الاستشهاد منه، بل الاستشهاد به على العكس أولى؛ لأنّ التجلّل بالملحفة عبارة عن التغطّي بها و لو لا استثناء الوجه لوجب تغطّيه أيضاً. و قال المشهور بوجوب ستر العنق، و الدليل عليه الأخبار الآمرة بالخمار، بناءً على أنّ المتعارف في الخمار ستر الرأس و الشعر المنسدل. و قال صاحب «الرياض» و نعم ما قال و أمّا ستر الشعر و العنق فظنّي كونه مجمعاً عليه و إن تأمّل فيه نادر؛ لشذوذه و مخالفته لإطلاق النصوص و الفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة، و قد مرّ دعوى جماعة الإجماع عليه من العلماء كافّة من غير استثناء لهما بالمرّة، و إن استثنوا غيرهما كما عرفته. و المراد من البدن ما يعمّ الشعر؛ لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر جدّاً، و لو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه لستر الشعر جلد الرأس جدّاً، فكأنّ فيه غنى عن الخمار الساتر قطعاً. و مع ذلك النصوص به مستفيضة كادت تبلغ التواتر، بل لعلّها متواترة بلزوم سترهما عن الأجنبي، بل في الصلاة أيضاً كما مرّ في أخبار الخمار فإنّ خمور نساء الأعراب اللواتي هنّ موردها تستّرهما قطعاً، و ليس الأمر بسترهما عن الأجنبي إلّا لكونهما من العورة المأمور بسترها في الصلاة بإجماع العلماء كافّة(رياض المسائل 3: 239.) انتهى. و أمّا وجوب ستر المقدار الذي يرى من الذقن عند اختمارها و عدم وجوبه فهو منوط بكون ذلك المقدار من الوجه و عدمه؛ فعلى الأوّل لا يجب ستره و على الثاني يجب. الظاهر: أنّ المقدار المرئي منه للرائي المقابل لها يعدّ من الذقن الذي هو عضو الوجه فلا يجب ستره.

ص: 156

ص: 157

[ (مسألة 5): الأَمَة و الصبيّة كالحرّة و البالغة]

(مسألة 5): الأَمَة و الصبيّة كالحرّة و البالغة، إلّا أنّه لا يجب عليهما ستر الرأس و الشعر و العنق (1).


1- كلّما دلّ من الأدلّة على وجوب ستر المرأة جميع بدنها سوى ما استثني من الوجه و الكفّين و القدمين، يدلّ بإطلاقه على عدم الفرق بين الحرّة و الأمة، إلّا في الرأس و الشعر و العنق فلا يجب سترها على الأمة إجماعاً بقسميه. و يدلّ على جواز كشف الرأس على الأمة صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: الأمة تغطّي رأسها إذا صلّت؟ فقال ليس على الأمة قناع(وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 1.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث قال ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة(وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و يستفاد من الصحيحين المزبورين أيضاً جواز كشف الشعر و العنق لها حيث إنّ سترهما يتحقّق بالقناع و الخمار المنفيين عنها. و رواية عبد اللَّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 10.) و أمّا الصبية الغير البالغة فيجب عليها ستر جميع بدنها كالبالغة، و الوجوب شرطي لا تكليفي حتّى على القول بكون عباداتها تمرينية لا شرعية و حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها و شعرها و رقبتها. و يدلّ عليه قبل الإجماع المحقّق بقسميه مصحّح يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال نعم ، قال: قلت: فالمرأة؟ قال لا، و لا يصلح للحرّة إذا حاضت إلّا الخمار، إلّا أن لا تجده(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 4.) و رواية أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) قال إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلّا بخمار(وسائل الشيعة 4: 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 13.) ، أبو البختري هو وهب بن وهب القرشي المدني، عامّي المذهب و كان كذّاباً. و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال على الصبي إذا احتلم الصيام، و على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار، إلّا أن تكون مملوكة فإنّه ليس عليها خمار، إلّا أن تحبّ أن تختمر و عليها الصيام(وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 3.) و الاستدلال بهذه الروايات على جواز كشف الصبية رأسها و شعرها و عنقها منوط على إرادة البلوغ من الحيض.

ص: 158

[ (مسألة 6): لا يجب التستّر من جهة التحت]

(مسألة 6): لا يجب التستّر من جهة التحت. نعم لو وقف على طرف سطح أو شبّاك يتوقّع وجود ناظر تحته؛ بحيث تُرى عورته لو كان هناك ناظر فالأحوط بل الأقوى التستّر من جهته أيضاً و إن لم يكن ناظر فعلًا، و أمّا الشبّاك الذي لا يتوقّع وجود الناظر تحته كالشبّاك على البئر فلا يجب على الأقوى إلّا مع وجود ناظر فيه (1).


1- يجب التستّر من الجوانب الأربعة و الفوق دون التحت؛ فمن لبس قميصاً طويلًا كان بحيث لو نظر أحدٌ من التحت يرى العورة كفاه؛ للإجماع، و لتحقّق الستر به عرفاً، و عدم ثبوت أزيد منه من الأخبار، و مورد الإجماع حيث إنّه اكتفي في الأخبار بالدرع و القميص مثلًا و هما لا يستران من التحت. نعم لو وقف في طرف السطح أو على الشبّاك و كان تحتهما محلّ العبور و الوقوف بحسب المتداول وجب التستّر من التحت أيضاً و إن لم يكن ناظر فعلًا؛ لعدم تحقّق الستر حينئذٍ عرفاً. و أمّا الشبّاك التي لا يتوقّع وجود ناظر تحتها بحسب المعمول المتعارف كالتي تجعل على الآبار فلا يجب عليه التستّر من التحت لو وقف عليها و صلّى، إلّا مع وجود ناظر فيها بالفعل. فرع: هل يجب على المصلّي الستر عن نفسه بحيث لو صلّى في ثوب واسع و أزراره محلولة و يرى عورته حال الركوع بطلت صلاته، أو لا يجب إلّا الستر عن الغير؟ صرّح العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي» في ذيل الفرع الحادي عشر بعدم الوجوب، و قال: و لو كان الجيب واسعاً تظهر له عورته لو ركع لم يجب ستر ذلك عن نفسه و كانت صلاته ماضية؛ لأنّ المقصود تحريم نظر غيره إلى عورته(منتهى المطلب 1: 239/ السطر 22.) انتهى. و قال المحقّق في «المعتبر»: و لو كان جيبه واسعاً بحيث لو ركع بانت له عورته لم يجب ستر ذلك و كانت صلاته ماضية، و قد روى ذلك رجل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)(المعتبر 2: 106.) انتهى. و الرواية إشارة إلى ما رواه الشيخ في «التهذيب» عن الحسن بن علي بن فضّال عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّ الناس يقولون: إنّ الرجل إذا صلّى و أزراره محلولة و يداه داخلة في القميص إنّما يصلّي عرياناً، قال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 394، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 23، الحديث 4.) و عن الشهيد في «الذكرى»: لو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذٍ، و لو برزت للمصلّي لا لغيره فالأقرب البطلان إذا قدّر رؤية الغير لو حاذى الموضع. و أطلق في «المعتبر» الصحّة إذا بانت له حال الركوع. و الأقرب الاكتفاء بكثافة اللحية المانعة للرؤية(ذكرى الشيعة 3: 19.) انتهى. و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه): التحقيق عندي في هذا المقام: هو أنّه لمّا قام الدليل من خارج على وجوب ستر العورة في الصلاة و المتبادر في جميع واجباتها من قيام و قعود و ركوع و سجود و نحو ذلك، فالواجب حمل هذه الأخبار على ما تجتمع به مع تلك الأدلّة، و لا معنى لاستثناء رؤية المصلّي نفسه دون غيره؛ إذ وجوب ستر العورة ليس باعتبار وجود الناظر بالفعل و إنّما هو باعتبار أنّه لو كان ثمّة ناظر لكان يراها، و إلّا لكان المصلّي في الظلام أو في بيت يغلق عليه تصحّ صلاته، و ليس كذلك إجماعاً(الحدائق الناضرة 7: 31.) انتهى موضع الحاجة. و وافق «الحدائق» السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، و هو المختار عندي. و وجهه: أنّ الظاهر من الأدلّة وجوب ستر العورة في نفسه بحيث لا تكون مرئية لغيره أو لنفسه، كان هناك ناظر أو لا، على ما أشار إليه صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه)، خرج عنه صورة عدم العلم به و النسيان للدليل، و قد تقدّم تفصيله في شرح المسألة الثانية. و لذا قال جماعة منهم السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها إنّ الأقوى وجوب الستر، و الأحوط البطلان.

ص: 159

ص: 160

ص: 161

[ (مسألة 7): الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر]

(مسألة 7): الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر؛ و لو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء؛ حتّى أنّه يكفي الأليتان في ستر الدُّبُر. و أمّا الستر في الصلاة فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار. و أمّا الستر بالورق و الحشيش و القطن و الصوف غير المنسوجين، فالأقوى جوازه مطلقاً و إن لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأوّلين، و الأقوى لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتّى مثل الحشيش و الورق جواز إتيان صلاة فاقد الساتر؛ و إن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه و بين واجده (1).


1- فرق في الساتر بين الستر الواجب في نفسه عن الناظر المحترم و بينه حال الصلاة، حيث إنّ الساتر عن النظر هو المانع الحائل عنه بأيّ وسيلة كانت و لو باليد أو الطليّ بالطين أو الولوج في الماء أو التواري خلف الجدار أو في الحفرة و غير ذلك؛ لأنّ الغرض استتار العورة عن النظر حال تحقّقه من الغير، و قد ورد سترها باليد و الأليتين في مرسل «الكافي» قال في رواية أُخرى فأمّا الدبر فقد سترته الأليتان، و أمّا القبل فاستره بيدك(وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 4، الحديث 3.) و أيضاً قد ورد سترها بالنورة؛ ففي رواية عبيد اللَّه المرافقي في حديث: أنّه دخل حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يدخله فيبدأ فيطلّي عانته و ما يليها، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليله و يدعوني فاطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيّام: إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته، قال كلّا إنّ النورة سترة (ستره)(وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 18، الحديث 1.) و رواية محمّد بن عمر عن بعض من حدّثه أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلّا بمئزر ، قال: فدخل ذات يوم الحمّام فتنوّر، فلمّا أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت و أُمّي إنّك لتوصينا بالمئزر و لزومه و لقد ألقيته عن نفسك؟! فقال أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة؟!(وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 18، الحديث 2.) ، هذا كلّه في الساتر عن الناظر المحترم. و أمّا الساتر حال الصلاة فهل يكتفى فيه بغير الثوب مطلقاً؛ حتّى في حال الاختيار، أو لا يكتفى به مطلقاً؛ حتّى في حال الاضطرار؟ ففي المسألة أقوال: التخيير بين الثوب و الحشيش و الورق و الطين، و ليس شي ء منها مقيّداً بحال الاضطرار. نَسب المجلسي (رحمه اللَّه) هذا القول إلى الشيخ و ابن إدريس و العلّامة و المحقّق و الشهيد في «البيان»، و اختاره شيخ أساتيذنا الحائري (رحمه اللَّه) في كتاب «الصلاة» مع تقييده بحال الاضطرار، و قال في ذيل كلامه: ثمّ إنّه على فرض عدم الاكتفاء بالطين و نحوه حال الاختيار لا ينبغي الإشكال في الاكتفاء به حال الاضطرار؛ لقوله (عليه السّلام) في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته ، المفهوم منه أنّه لو وجد شيئاً يستر به عورته يصلّي صلاة المختار(الصلاة، المحقّق الحائري: 68.) انتهى. و نسب صاحب «الذخيرة» إلى الفقهاء المذكورين وجوب تقديم الثوب ثمّ التخيير بين الحشيش و الورق و الطين، و هو القول الثاني في المسألة. و القول الثالث: وجوب الستر بالثوب، و مع تعذّره فكلّ ما يستر العورة و لو بالحشيش و ورق الشجر، و مع تعذّره فبالطين. و ذهب إليه الشهيد (رحمه اللَّه) في «الدروس» قال: و يجوز الاستتار بكلّ ما يستر العورة و لو بالحشيش و ورق الشجر مع تعذّر الثوب، و لو تعذّر ذلك فطيّن العورة(الدروس الشرعية 1: 148.) و القول الرابع: التخيير بين الثوب و الحشيش و الورق، فإن تعذّر فبالطين. ذهب إليه الشهيد في «الذكرى» و صاحب «جامع المقاصد» و اختاره صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) حيث إنّه بعد القول بنفي دلالة صحيح علي بن جعفر على اشتراط جواز الستر بالحشيش و الورق و نحوهما بانتفاء الثوب، قال: نعم في جوازه اختياراً بالطين و الجصّ و نحوهما قولان. إلى أن قال: و قد يقوى في النظر العدم. إلى أن قال: نعم لو فرض إمكان التستّر به على وجه يساوي التستّر بالحشيش و نحوه في الانفصال و شبهه أمكن الصحّة(جواهر الكلام 8: 189.) انتهى. و القول الخامس: ما ذهب إليه الشهيد في «المسالك» قال: مفهوم الشرط أي في عبارة «الشرائع»: و إذا لم يجد ثوباً سترهما بما وجده و لو بورق الشجر توقّف الإجزاء بالورق على فقد الثوب، و هو كذلك. و في حكم الورق الحشيش الذي يمكن شدّه على العورة و لو بغيره، و لو تعذّر جميع ذلك استتر بالطين الساتر للّون و الجسم، فإن تعذّر فبالوحل الساتر للّون خاصّة، ثمّ بالماء الكدر إن تمكّن من استيفاء الأفعال فيه، و لو لم يتمكّن و وجد حفيرة يتمكّن فيها منه قدّمها عليه(مسالك الأفهام 1: 167.) إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لا إشكال و لا خلاف في عدم كفاية مطلق ما ذكر في الستر النظري في الستر الصلاتي؛ و ذلك لأنّ ما ورد في النصوص من عناوين الثوب و الدرع و القميص و الملحفة كان من باب المثال الشامل للورق و الحشيش و نحوهما كالقطن و الصوف الغير المنسوجين، و كان اختصاصها بالذكر في النصوص لغلبتها و تعارفها في اللُّبس لا لإرادة عدم جواز الصلاة في غير سنخها حتّى لا يشمل الورق و الحشيش و نحوهما؛ و حينئذٍ فلا يكون ما ذكر في الستر عن النظر مشمولًا للنصوص. و بعبارة اخرى: الشكّ في الاكتفاء بالحشيش و الورق منشؤه الشكّ في اعتبار هيئة مخصوصة للساتر الصلاتي، لا الشكّ في جواز التستّر بمادّتهما؛ فيرجع الشكّ في الحقيقة إلى الشكّ في شرطية الهيئة اللباسية من أيّ مادّة كانت؛ فالمرجع حينئذٍ البراءة. و الشكّ في الاكتفاء بالطين و غيره ممّا يكتفى به في الستر النظري حال الصلاة حال الاختيار منشؤه الشكّ في تعيين ما عدا الطين من أنواع الساتر؛ فيرجع إلى الشكّ في تعيين ما عدا الطين من أنواع الساتر و التخيير بينهما؛ فالمرجع الاحتياط. و أمّا وجه الاحتياط في ترك الستر بالورق و الحشيش فلاحتمال أن يكون ذكر الدرع و الثوب و القميص و الملحفة و اللباس و نحوها في النصوص مثالًا لصنفها مادّةً و هيئةً أو هيئةً لا مادّةً؛ فلا يشمل الورق و الحشيش. و أمّا وجه القوّة في جواز إتيان صلاة فاقد الساتر لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتّى مثل الحشيش و الورق فصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.) و أمّا وجه الاحتياط بالجمع بين صلاة واجد الستر و فاقده لمن يجد ما يطلّي به، فيمكن استفادته من الصحيح المزبور حيث إنّ مفهوم قوله و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أنّه إن أصاب شيئاً يستر به عورته يصلّي صلاة الواجد، و المفروض أنّ الطليّ بالطين و الجصّ و نحوهما ساتر، و من حيث إنّه ساتر عن النظر و لا سنخية بينه و بين ما ذكر في النصوص من العناوين يصلّي صلاة الفاقد.

ص: 162

ص: 163

ص: 164

ص: 165

[ (مسألة 8): يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي أُمور]

(مسألة 8): يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي أُمور:

[الأوّل: الطهارة إلّا فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً]

الأوّل: الطهارة إلّا فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كما تقدّم (1).


1- تقدّم البحث عن ذلك في الأمر الثالث ممّا يعفى عنه من النجاسات في الصلاة. و اشتراط الطهارة في الساتر بل في مطلق لباس المصلّي إجماعي، و الأخبار فيه متواترة. و يدلّ عليه صحيح ميسر بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأُصلّي فيه فإذن هو يابس، قال أعد صلاتك أمّا إنّك لو كنتَ غسلتَ أنت لم يكن عليك شي ء(وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 18، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن المني يصيب الثوب، قال اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه؛ قليلًا كان أو كثيراً(وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 19، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ وجوب غسل الثوب إنّما هو لأجل الصلاة. و الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة على من علم نجاسة الثوب و نسيها و صلّى فيه ثمّ ذكرها، قد ذكرت في الباب العشرين و الأربعين من أبواب النجاسات، فراجع. و صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال إن كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى(وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 43، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي (عليه السّلام) قال إن أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله، و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك(وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 43، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و إن دبغ سبعين مرّة(وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 1.) و يدلّ عليه أيضاً الأخبار الواردة في وجوب طرح الثوب النجس مع الإمكان و الصلاة بالإيماء و لو عارياً، كموثّق سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس له إلّا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال يتيمّم و يصلّي عرياناً قاعداً يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب و غيره من الأبواب المتفرّقة. و وجه استثناء ما لا تتمّ الصلاة فيه صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكّة و الجورب(وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 1.) و مرسل حمّاد بن عثمان عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي أصابه القذر، فقال إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس(وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 2.) و مرسل عبد اللَّه بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكّة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك(وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.) ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 166

ص: 167

[الثاني: الإباحة]

الثاني: الإباحة، فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصبيّة، فلو لم يعلم بها صحّت صلاته (1)،


1- عدم جواز الصلاة في الثوب المغصوب إجماعي في الجملة، حكاه غير واحد من علمائنا؛ فعن العلّامة في «نهاية الإحكام»: لا تصحّ الصلاة في الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية عند علمائنا أجمع(نهاية الإحكام 1: 378.) انتهى. فلو لم يعلم به صحّت صلاته؛ لحديث الرفع و حديث «لا تعاد». و لا فرق بين الساتر و غيره، و هو ظاهر إطلاق عبارات أكثر الأصحاب، و به صرّح العلّامة (رحمه اللَّه) في بعض كتبه، قال في «المنتهي»: فروع: الأوّل لا فرق بين أن يكون الثوب المغصوب ساتراً أو غير ساتر؛ بأن يكون فوق الساتر أو تحته على إشكال(منتهى المطلب 1: 229/ السطر 33.) انتهى. و في «التحرير» بعد دعوى الإجماع على بطلان الصلاة في الثوب المغصوب قال: و لا فرق بين أن يكون ساتراً أو غيره(تحرير الأحكام 1: 30/ السطر 21.) و نسب إلى الفضل بن شاذان من خواصّ أصحاب الرضا (عليه السّلام) جواز الصلاة في الثوب المغصوب كالمكان المغصوب، حيث قال في مقام الردّ على العامّة القائلين بصحّة طلاق الحائض قياساً له على صحّة العدّة مع خروج المعتدّة من بيت زوجها ما هذا لفظه: و إنّما قياس الخروج و الإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلّى فيها فهو عاصٍ في دخوله الدار، و صلاته جائزة؛ لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة؛ لأنّه منهي عن ذلك صلّى أو لم يصلّ و كذلك لو أنّ رجلًا غصب من رجل ثوباً أو أخذه فلبسه بغير إذنه فصلّى فيه لكانت صلاته جائزةً و كان عاصياً في لبسه ذلك الثوب؛ لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنّه منهيّ عن ذلك صلّى أو لم يصلّ(راجع الكافي 6: 94.) انتهى. و فصّل جماعة منهم المحقّق في «المعتبر» و صاحب «المدارك» بين الساتر و غيره، قال في «المعتبر»: اعلم أنّه لم أقف على نصّ من أهل البيت (عليهم السّلام) بإبطال الصلاة، و إنّما هو شي ء ذهب إليه المشايخ الثلاثة و أتباعهم. و الأقرب: أنّه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة؛ لأنّ جزء الصلاة يكون منهياً عنه و تبطل الصلاة بفواته، أمّا لو لم يكن كذلك لم تبطل و كان كلبس خاتم مغصوب(المعتبر 2: 92.) و استدلّ على اشتراط الإباحة و بطلان الصلاة في المغصوب مع العلم بالغصبية بوجوه: منها: ما حكي عن السيّد المرتضى في «الناصريات» من عدم الدليل على صحّة الصلاة في المغصوب. و فيه: أنّه يكفي في صحّتها عدم الدليل على اشتراط عدم كون اللباس مغصوباً. و منها: ما حكي عن الشيخ في «الخلاف» من أنّ التصرّف في الثوب الذي لا يرضى مالكه بالتصرّف فيه قبيح محرّم، و معه لا تتمشّى نية القربة. و فيه: أنّ القربة معتبرة في خصوص الصلاة و هي متحقّقة بالفرض، و لُبس الثوب ليس من أفعال الصلاة؛ فلا تعتبر القربة في خصوص اللُّبس. و منها: أنّ اشتغال الذمّة بالصلاة يقتضي البراءة منها، و لا تحصل فيما كان لباس المصلّي مغصوباً. و فيه: أنّ اشتغال الذمّة اليقيني تعلّق بخصوص الصلاة، و قد تحقّقت، و لا يقين للاشتغال بكونها في غير المغصوب، و مقتضى الأصل انتفاؤه. و منها: أنّ نزع الثوب مأمور به؛ لحفظه لمالكه و الردّ إليه، و الأمر به يقتضي النهي عن ضدّه و لو كان خاصّاً؛ فالصلاة منهي عنها فتفسد. و فيه أوّلًا: أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه بوجه من وجوه الاقتضاء. و ثانياً: أنّ النهي غيري لا يقتضي الفساد، على ما قرّر في محلّه. و منها: رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم اللَّه فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، و لو أخذوا ما نهاهم اللَّه عنه فأنفقوه فيما أمرهم اللَّه به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ و ينفقوه في حقّ(وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) و فيه: أنّ الرواية ظاهرة في الإنفاقات المالية الصادرة من الأشخاص في الخيرات أو المنكرات، و لا ربط لها بما نحن فيه. و العمدة في الاستدلال على اشتراط إباحة اللباس في الصلاة و بطلانها في المغصوب رواية «تحف العقول» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وصيته لكميل حيث قال يا كميل انظر في ما تصلّي و على ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول(وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) ، و الاستدلال بها مبني على استلزام عدم القبول لعدم الإجزاء المقتضي للفساد. و فيه: أنّ الاستلزام المذكور يحتاج إثباته إلى الدليل، و ضعف سند الرواية منجبر بعمل الأصحاب. و قد استدلّ النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة» بأنّ الحركات الواقعة فيه و الحاصلة له بواسطة الركوع و السجود و القيام و الجلوس من القبض و البسط و النزول و الصعود و غيرها تصرّفات في المغصوب منهي عنها، و كلّ منها أجزاء للصلاة فيفسد؛ فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها. و القول بأنّ النهي إنّما يتوجّه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة؛ فالنهي تعلّق بأمر خارج عنها، مردود بأنّه إذا كان متلبّساً بلباس مغصوب في حال الركوع مثلًا فلا شكّ في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرّمة؛ لكونها محرّكة للشي ء المغصوب؛ فلا يكون مأموراً بها. و اعتبار الجهتين غير نافع كما بيّن في موضعه(مستند الشيعة 4: 363 364.) انتهى.

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

و كذا مع النسيان إلّا في الغاصب نفسه، فلا يُترك الاحتياط بالإعادة (1).


1- يعني الناسي مطلقاً أي سواء كان ناسياً لأصل الغصب أو ناسياً لحكمه الشرعي أو الوضعي كالجاهل، فهو معذور؛ لحديث الرفع، و لعدم قدرة الناسي حال النسيان على التستّر بالساتر المباح، فلا نهي حينئذٍ يعارض الإجزاء الحاصل بامتثال الأمر بالصلاة متستّراً. و لا يخفى: أنّ هذا الوجه مشترك بين الغاصب نفسه و غيره؛ و لذا لم يفرّق جماعة من فقهائنا بينهما. و وجه احتياط المصنّف (رحمه اللَّه) ذهاب جماعة منهم إلى وجوب الإعادة في داخل الوقت و خارجه على خصوص الغاصب، كالعلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و المحكي عن «نهاية الإحكام» و «الإيضاح» و «روض الجنان» و غيرهم، و هو مقتضى إطلاق الفتاوى بالإعادة. و استدلّوا عليه بأنّ هذا الستر كالعري و كالتستّر بالظلمة و باليد و بالنجس، و بأنّه مفرّط بالنسيان؛ لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا أخلّ به كان مفرّطاً، و لأنّه لمّا علم بالغصب كان حكمه المنع من الصلاة و الأصل بقاء ذلك و لم يعلم زواله بالنسيان. و يرد عليهم: أنّ قياس الستر بالساتر المغصوب المنسي على العرى و التستّر بالظلمة و نحوها قياس مع الفارق، و أنّ المفرّط في النسيان كغير المفرّط من غير فرق بينهما في عدم المؤاخذة عليهما حال النسيان و رفع آثار النسيان، و أنّه لا مجال لاستصحاب حكم حال العلم في حال النسيان بعد إحراز أنّ ملاك البطلان و عدم الإجزاء هو النهي، و هو منفي في مفروض المسألة لأجل النسيان الذي هو عذر قطعاً.

ص: 172

[ (مسألة 9): لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعته أو متعلَّقاً لحقّ الغير]

(مسألة 9): لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعته أو متعلَّقاً لحقّ الغير كالمرهون، و من الغصب عيناً ما تعلّق به الخمس أو الزكاة؛ مع عدم أدائهما و لو من مال آخر (1).

[ (مسألة 10): أن صُبِغ الثوب بصبغ مغصوب]

(مسألة 10): أن صُبِغ الثوب بصبغ مغصوب، فمع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به و الباقي هو اللون فقط تصحّ الصلاة فيه على الأقوى، و أمّا لو بقي عينه فلا تصحّ على الأقوى. كما أنّ الأقوى عدم صحّتها في ثوب خيط بالمغصوب و إن لم يمكن ردّه بالفتق، فضلًا عمّا يمكن. نعم لا إشكال في الصحّة فيما إذا أُجبر الصبّاغ أو الخيّاط على عمله، و لم يُعطَ أُجرته، مع كون الصبغ و الخيط من مالك الثوب. و كذا إذا غسل الثوب بماء مغصوب أو أُزيل وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء عين منهما فيه، أو اجبر الغاسل على غسله و لم يُعطَ أُجرته (2).


1- وجه عدم الفرق: هو أنّ ملاك حرمة التصرّف في عين مال الغير موجود في المنفعة بل المنفعة مال حقيقة و الحقوق القابلة للنقل و الانتقال كحقّ الرهانة؛ لأنّ استيفاء الحقّ من العين المرهونة لا يجوز لغير المرتهن؛ حتّى للمالك الراهن. و أمّا بطلان الصلاة فيما تعلّق به الخمس أو الزكاة فلكونهما مال مستحقّيهما؛ فلا يجوز التصرّف فيهما مع عدم أدائهما من مال آخر.
2- وجه صحّة الصلاة في الثوب الذي صبغ بصبغ مغصوب مع عدم بقاء عين الصبغ، هو أنّ لون الصبغ و إن كان تابعاً للصبغ و أنّ مالك الصبغ هو مالك اللون، و لكنّه لمّا كانت مالية الصبغ و رغبة العرف و العقلاء فيه باعتبار لونه فالغاصب يضمن عين الصبغ ما دام موجودة و قابلة للانتفاع به، فإذا صبغ الغاصب ثوبه بالصبغ الغصبي فقد أتلفه، فلمالكه مطالبة قيمة الصبغ. و إذا أدّى الغاصب قيمة الصبغ فقد برئت ذمّته. و ليس لمالك الصبغ مطالبة أزيد من قيمته و إن زادت مالية الثوب بالصبغ المغصوب. و وجه عدم صحّة الصلاة مع بقاء عين الصبغ في اللباس و إن لم يكن لها قيمة، هو تحرّكه بحركات الصلاة و سكونه بسكوناتها، فهو تصرّف في ملك الغير بدون إذنه و منهي عنه. و منه يعلم وجه بطلانها في ثوب خيط بالمغصوب؛ سواء يمكن ردّه إلى مالكه بالفتق أو لا. و وجه صحّتها فيما كان الصبغ و الخيط ملكاً لمالك اللباس و لكن أجبر الصبّاغ و الخيّاط على خياطة اللباس و صبغه بخيط مالكه و صبغه، هو أنّ مالك اللباس ضامن للخيّاط و الصبّاغ اجرة عملهما، و لا وجود لشي ء من ملك الصبّاغ و الخيّاط في لباس المصلّي. و مثله غسل الثوب النجس بماء مغصوب و إزالة وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء جزئه في لباسه، أو إجبار الغاسل على غسله مع عدم إعطاء أُجرته.

ص: 173

[الثالث: أن يكون مذكّى من مأكول اللحم]

الثالث: أن يكون مذكّى من مأكول اللحم، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المذكى، و لا في سائر أجزائه التي تحلّه الحياة؛ و لو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة كالسمك على الأحوط (1)،


1- هذا الشرط لا دخالة له في أنّ الميتة نجسة و النجاسة مانعة عن الصلاة؛ إذ قد تقدّم اشتراط الطهارة في لباس المصلّي، و البحث هنا يقع في أنّ التذكية في أجزاء مأكول اللحم شرط في لباس المصلّي، أو أنّ الميتة مانعة و إن كانت طاهرة كأجزاء السمك الميتة في الماء، ذهب إلى كلّ فريقٌ. و يظهر من الأخبار أيضاً؛ فبعضها ظاهر في اشتراط التذكية من الحيوان المأكول لحمه، كموثّق عبد اللَّه بن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله ، ثمّ قال يا زرارة هذا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد؛ ذكّاه الذبح أو لم يذكّه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبا الحسن (عليه السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قال: قلت: أ و ليس الذكي ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) و رواية «تحف العقول» عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال و كلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه، و كلّ شي ء يحلّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه و صوفه و شعره و وبره، و إن كان الصوف و الشعر و الريش و الوبر من الميتة و غير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك و الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 8.) و يظهر من بعض الأخبار عدم كونه من أجزاء الميتة، كصحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميّت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و لو دبغ سبعين مرّة(وسائل الشيعة 4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الميتة قال لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع(وسائل الشيعة 4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 2.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و لا يصلّى في جلود الميتة، و لا في جلود السباع(وسائل الشيعة 4: 355، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 6، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. و إذ قد عرفت: أنّ الشرط في بعض الأخبار هو التذكية و في بعضها عدم كونه ميتة؛ فحينئذٍ إن كان التقابل بين الميتة و المذكّى تقابل العدم و الملكة كما هو الظاهر من النصوص الواردة في استعمال الجلود و في بعض شرائط التذكية فلا تنافي بين الأخبار التي ذكرناها؛ فما دلّ على بطلان الصلاة في أجزاء الميتة يراد منه أنّ بطلانها لفقد التذكية. و في «المستمسك»: نعم لو كان التقابل بينهما تقابل الضدّين أشكل الأمر في المراد من مجموع النصوص، و هل هو كون التذكية شرطاً حينئذٍ و يكون النهي عن الصلاة في الميتة عرضيا فيتصرّف في ظاهر الطائفة الأُولى، أو أنّ الموت مانع و يكون الأمر بالصلاة في المذكّى عرضيا فيتصرّف في الثانية، أو تكون التذكية شرطاً و الموت مانعاً فيؤخذ بظاهر كلّ من الطائفتين؟ فعلى الثاني يكون مقتضى الأصل الصحّة؛ لأصالة عدم الموت. و على الأوّل يكون مقتضى الأصل الفساد؛ لأصالة عدم التذكية. و كذا على الأخير، و لا يعارضها أصالة عدم الموت؛ لعدم التنافي بينهما؛ إذ لا علم إجمالي منجّز بكذب إحداهما كي ينافيانه معاً فيسقطان بالمعارضة. و لو سلّم التساقط فلا أصل يحرز التذكية التي هي الشرط الذي لا بدّ من إحرازه. و يشهد بجريان أصالة الصحّة موثّق سماعة عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت؟ فقال (عليه السّلام) لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة(وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 12.) ، و نحوه غيره. و يشهد لأصالة الفساد ما تقدّم من رواية ابن بكير، لكن لما عرفت من أنّ التقابل تقابل العدم و الملكة فلا بدّ من حمل الموثّق و نحوه على صورة وجود أمارة على التذكية من سوق و غيره كما يشير إليه بعض النصوص الآتية(مستمسك العروة الوثقى 5: 297.) انتهى كلامه رفع مقامه.

ص: 174

ص: 175

ص: 176

و تجوز فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه كالصوف و الشعر و الوَبَر و نحوها (1).


1- و يدلّ عليه صحيح يونس عنهم (عليهم السّلام) قالوا خمسة أشياء ذكية ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر، و لا بأس بأكل الجبن كلّه ما عمله مسلم و غيره، و إنّما كره أن يؤكل سوى الإنفحة ممّا في آنية المجوس و أهل الكتاب؛ لأنّهم لا يتوقّون الميتة و الخمر(وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.) و صحيح حريز قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لزرارة (عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه لزرارة خ) و محمّد بن مسلم اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة فهو ذكي و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه(وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.) و مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السنّ و الإنفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض(وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 9.) و صحيح الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: سأله أبي عن الإنفحة تكون في بطن العناق أو الجدي و هو ميّت، قال لا بأس به ، قال: و سأله أبي و أنا حاضر عن الرجل يسقط سنّه فيأخذ سنّ إنسان ميّت فيجعله مكانه، قال لا بأس ، و قال: عظام الفيل تجعل شطرنجاً، قال لا بأس بمسّها ، و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) العظم و الشعر و الصوف و الريش كلّ ذلك نابت لا يكون ميّتاً ، قال: و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة، قال لا بأس بأكلها(وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.)

ص: 177

و أمّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شي ء منه و إن ذُكّي؛ من غير فرق بين ما تحلّه الحياة منه أو غيره (1)،


1- و يدلّ عليه موثّق عبد اللَّه بن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله. ثمّ قال يا زرارة هذا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فاحفظ ذلك، يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ و قد ذكّاه الذبح. و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد؛ ذكّاه الذبح أم لم يذكّه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبا الحسن (عليه السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قال: قلت: أ و ليس الذكي ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) و رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4.) و رواية محمّد بن إسماعيل بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه؛ لأنّ أكثرها مسوخ(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.) و قد ورد في عدّة من الروايات عدم جواز الصلاة في أوبار الثعالب و الأرانب، ضعف بعضها منجبر بفتوى المشهور، و بعضها معتبر كصحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب، من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب (عليه السّلام) لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 3.) و أمّا ما ورد فيها من نفي البأس من الصلاة في جلود الثعالب الذكية فمحمول على التقية، كصحيح جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصلاة في جلود الثعالب، فقال إذا كانت ذكية فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 9.)

ص: 178

ص: 179

بل يجب إزالة الفضلات الطاهرة منه، كالرطوبة و الشعرات الملتصقة بلباس المصلّي و بدنه (1).


1- هذه المسألة مشهورة بين فقهائنا. و يدلّ على وجوب إزالة الفضلات الطاهرة من غير مأكول اللحم، كريقه و عرقه حتّى شعرة واحدة واقعة على لباس المصلّي و بدنه قوله (عليه السّلام) في موثّق ابن بكير المتقدّم فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) ، حيث إنّ إطلاق الوبر و الشعر يشمل وبراً واحداً و شعرة واحدة. و الاستدلال به مبني على أن يراد من كلمة «في» في قوله في وبره الملابسة به في حال الصلاة؛ فتشمل الظرفية و المعية و المحمولية بقرينة قوله بوله و روثه حيث إنّ الصلاة في بوله و روثه لا يعقل بنحو الظرفية بل هو بنحو المعية، و كذلك في العرق و الرطوبة و الشعرة الواحدة الملتصقة باللباس و البدن. و يشهده مرسل عبد اللَّه بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّى فيه، و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكّة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك(وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.) و يدلّ على وجوب إزالة الوبر و الشعر عن اللباس أيضاً رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبتُ إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4.) ، وجه الاستدلال كما تقدّم في موثّق ابن بكير، و ضعف سند الرواية بعمر بن علي بن عمر بن يزيد منجبر بفتوى المشهور. و قد يعارض موثّق ابن بكير المتقدّم الدالّ على بطلان الصلاة في شي ء ممّا لا يؤكل لحمه و إن كان ذكيا بصحيح محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللَّه(وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 4.) ، فهذا الصحيح يدلّ على جواز الصلاة في وبر الأرنب المذكّى. و وجه الجمع بينهما: أنّ هذا الصحيح محمول على التقية بقرينة صحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 3.) ، هذا. مضافاً إلى أنّ صحيح محمّد بن عبد الجبّار موافق للعامّة فيترك، و لا يحتاج في الجمع بين الموثّق و الصحيح المزبورين إلى ما تكلّف به السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» من حمل الذكي في الصحيح على ما كان من محلّل الأكل بقرينة رواية علي بن أبي حمزة المتقدّمة حيث إنّ الذكي فيها قد فسّر بما إذا كان ممّا يؤكل لحمه.

ص: 180

ص: 181

نعم لو شكّ في اللباس أو فيما عليه في أنّه من المأكول أو غيره، أو من الحيوان أو غيره، صحّت الصلاة فيه (1)، بخلاف ما لو شكّ فيما تحلّه الحياة من الحيوان أنّه مذكّى أو ميتة، فإنّه لا يصلّي فيه حتّى يُحرز التذكية.


1- مفروض المسألة أن يشكّ في أنّ اللباس أو فيما على اللباس من المأكول لحمه أو غيره مع العلم بأنّه من الحيوان و أنّه ممّا لا تحلّه الحياة، كالوبر و الشعر و نحوهما. و قد اختلف فقهاؤنا في صحّة الصلاة في المشكوك المذكور: نسب الصحّة إلى جماعة؛ منهم المحقّق الأردبيلي و المحقّق الخوانساري و المحدّثان المجلسي و البحراني و النراقيان في «المعتمد» و «المستند» و غيرهم، و إليه ذهب السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و المحشّين لها. و نسب إلى المشهور عدم الصحّة، و يظهر من «الجعفرية» و «شرحها» أنّ عدم الصحّة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، و قد اشتبه الأمر على السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» و زعم أنّ صاحب «الجواهر» و كذا صاحب «المدارك» ممّن ادّعى نفي الخلاف في المسألة و قال (رحمه اللَّه): و في «الجواهر» بعد قول ماتنه في مبحث الخلل: إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه و صلّى أعاد، قال (رحمه اللَّه): بلا خلاف معتدّ به أجده، بل في «المدارك»: هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب(مستمسك العروة الوثقى 5: 327.) انتهى. و فيه: أنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) و إن صرّح بعدم وجدان الخلاف المعتدّ به لكنّه (رحمه اللَّه) قال في الجلد المشكوك كونه ممّا يؤكل لحمه، قال (رحمه اللَّه) في مبحث الخلل الواقع في الصلاة مزجاً بالمتن الثالث: إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى كأن لم يعلم كونه جلد مأكول اللحم أو لا، أو حريراً أو لا و صلّى أعاد الصلاة، بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل في «المدارك» هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب؛ لاستصحاب شغل الذمّة و عدم العلم بتحقّق الساتر المعتبر شرعاً، و الشكّ في الشرط شكّ في المشروط(جواهر الكلام 12: 234.) انتهى. و كذا صاحب «المدارك» (رحمه اللَّه) قال بعد عبارة «الشرائع»: الثالث إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه و صلّى أعاد، هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. و استدلّ عليه في «المنتهي» بأنّ الصلاة مشروطة بستر العورة بما يصلّى فيه، و الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط. و يمكن المناقشة فيه بالمنع من ذلك؛ لاحتمال أن يكون الشرط ستر العورة بما لا يعلم تعلّق النهي به، و لو كان الملبوس غير ساتر كالخاتم و نحوه فأولى بالجواز(مدارك الأحكام 4: 214.) انتهى. و أمّا في مسألتنا و هي الصلاة فيما شكّ في كونه من مأكول اللحم أو غيره مع كونه ممّا لا تحلّه الحياة، كالوبر و الشعر فقد قال صاحب «المدارك» بعدم البطلان، حيث حكاه عن العلّامة و لم يردّه، و عدم الردّ دليل الرضا به، فعليك بعبارته قال: الثالثة ذكر العلّامة في «المنتهي»: أنّه لو شكّ في كون الشعر أو الصوف أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه؛ لأنّها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه، و الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط. و يمكن أن يقال: إنّ الشرط ستر العورة، و النهي إنّما تعلّق بالصلاة في غير المأكول؛ فلا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك. و يؤيّده صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه ، و لا ريب الأحوط التنزّه عنه(مدارك الأحكام 3: 167.) انتهى. و كيف كان: فالقائلون بعدم جواز الصلاة في اللباس المشكوك كونه من مأكول اللحم مبناهم على اشتراط كون اللباس من مأكول اللحم و أنّه لا بدّ من إحراز الشرط في صحّة الصلاة و إجزائها، و مع الشكّ فيه يتعيّن الاحتياط بترك الصلاة في المشكوك كونه من مأكول اللحم؛ للعلم باشتغال الذمّة الموجب للعلم بحصول الامتثال، و لا يحصل إلّا بإحراز كونه من مأكول اللحم. و القائلون بجوازها فيه مبناهم على مانعية كونه من محرّم الأكل، و مع الشكّ فيه يكون الشكّ في مانعية اللباس المشكوك، و الأصل عدمه. ثمّ إنّ كلّا من الفريقين اعتمد في مبناه على جملة من الروايات المعتبرة بعضها: فالقائلون بشرطية كون اللباس من مأكول اللحم تمسّكوا بموثّق ابن بكير المتقدّم، حيث إنّ قوله (عليه السّلام) لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله ، و كذا قوله (عليه السّلام) فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) ، ظاهر في شرطية كونه ممّا يؤكل لحمه؛ لجواز الصلاة. و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبا الحسن (عليه السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قال: قلت: أ و ليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) و رواية أبي تمامة قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السّلام): إنّ بلادنا بلاد باردة، فما تقول في لبس هذا الوبر؟ فقال البس منها ما أُكل و ضمن(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 3.) و مفهوم مرفوعة محمّد بن إسماعيل بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه؛ لأنّ أكثرها مسوخ(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.) و القائلون بمانعية كونه ممّا يحرم أكله استندوا بقوله (عليه السّلام) في موثّق ابن بكير المتقدّم إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد ، وجه الاستناد: أنّ المانع قد عرف بما يلزم من وجوده العدم؛ فعدم صحّة الصلاة لأجل كون اللباس من محرّم الأكل. و كذا قوله (عليه السّلام) في ذيل الموثّق المذكور و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد ، حيث يلزم من كون اللباس ممّا حرم أكله فساد الصلاة. و استندوا أيضاً برواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبتُ إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4.) ، حيث إنّ عدم جواز الصلاة مترتّب على كون الساقط على الثوب وبر و شعر ما لا يؤكل لحمه. و منطوق مرفوعة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة حيث دلّت على ترتّب عدم جواز الصلاة على كون اللباس من شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه. و تعليل عدم الصحّة بكونها مسوخاً صريح في المانعية. و يمكن الاستناد أيضاً بالروايات الواردة في النهي عن الصلاة في وبر الأرانب، كصحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب (عليه السّلام) لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح أحمد بن إسحاق الأبهري قال: كتبتُ إليه: جعلت فداك عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب (عليه السّلام) لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 5.) و الاستناد في إثبات المانعية إلى رواية حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السّلام) في وصية النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لعليّ (عليه السّلام) قال يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 6.) ، و الروايات الواردة في الثعالب و الأرانب و السمور و الفنك و السباع(وسائل الشيعة 4: 350، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 4 و 6 و 7.) كما عن «المستمسك» في غير محلّه؛ لأنّ موردها هو الجلد و كلامنا فيما لا تحلّه الحياة. و لا يخفى: أنّ النصوص الدالّة على المانعية أقوى دلالةً من الأخبار الدالّة على الشرطية، هذا. مضافاً إلى أنّ ما ظاهره الاشتراط كموثّق ابن بكير لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله ، مرجعه إلى المانعية و أنّ عدم قبول تلك الصلاة لوجود المانع فيها؛ و هو وقوعها فيما لا يؤكل لحمه. ثمّ إنّه استدلّ على بطلان الصلاة فيما شكّ في كونه من مأكول اللحم كما عن «المنتهي» بأنّ الشكّ في الشرط و كان منشأ الشكّ التردّد في أنّه من مأكول اللحم أو غيره، أو أنّ الحيوان الذي هذا اللباس منه هل هو مأكول اللحم أم لا يوجب الشكّ في المشروط. و محصّل هذا الدليل: أنّ الصلاة مشروطة بعدم كون ما يصلّى فيه ممّا لا يحلّ أكله؛ فلا بدّ في مقام الامتثال من الجزم بإتيانها كذلك، و لا يكفي الاحتمال. و أورد عليه صاحب «المدارك» بأنّ الشرط ستر العورة و النهي إنّما تعلّق بالصلاة في غير المأكول، و لا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك. و يؤيّده صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ شي ء يكون فيه حرام و حلال فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه(وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.) ، انتهى؛ يعني أنّ النهي تكليف، فيختصّ اعتباره بما إذا تنجّز الخطاب بالاجتناب عنه، و هو لا يكون إلّا مع العلم. و أُجيب عن صاحب «المدارك» بأنّه إنّما هو فيما يتضمّن النهي، و لكن قوله (عليه السّلام) في الموثّقة إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله. إلى قوله فاسد لا تقبل تلك الصلاة إخبار عن الواقع، و ليس أمراً و لا نهياً، و لا مدخلية للمعلومية، و لا يحصل البراءة اليقينية إلّا بالصلاة فيما علم أنّه ليس ممّا يؤكل. ثمّ إنّ النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة» قال: إنّ الجواب عن إيراد صاحب «المدارك» إنّما يتمّ لولا المعارض للموثّقة، و لكن يعارضها الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين و فيما يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة، و تعارضهما بالعموم من وجه، و الأصل مع الجواز؛ فهو الأظهر(مستند الشيعة 4: 316.) و فيه: أنّ موارد وجود الأمارات الشرعية خارجة عن موضوع البحث. و الأولى في الاستدلال على جواز الصلاة في اللباس المشكوك كونه من وبر و شعر مأكول اللحم أو غيره التمسّك بقوله (عليه السّلام) الناس في سعة ما لا يعلمون(مستدرك الوسائل 18: 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 12، الحديث 4.) ، و قوله (عليه السّلام) كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه(وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.) و في «المستند» للنراقي (رحمه اللَّه): و يؤيّده بل يدلّ عليه عمل الناس، بل إجماع المسلمين حيث إنّه لم يعلم كون أكثر الثياب المعمولة من الصوف و الوبر و الشعر من الفراء و ما عمل لغمد السيف و السكّين ممّا يؤكل جزماً، و مع ذلك يلبسها و يصاحبها الناس من العوام و الخواص في جميع الأمصار و الأعصار و يصلّون فيه من غير تشكيك أو إنكار، بل لولاه لزم العسر و الحرج في الأكثر. إلى أن قال: بل لنا أن نقول: إنّ قوله في الموثّقة كلّ شي ء حرام أكله يتضمّن الحكم التكليفي؛ فيقيّد بالعلم قطعاً؛ أي كلّ شي ء علمت حرمة أكله؛ إذ لا حرمة مع عدم العلم، بل نقول: إنّ ما حرم أكله ليس إلّا ما علمت حرمته؛ لحلّية ما لم يعلم حرمته، كما يأتي في بحث المطاعم(مستند الشيعة 4: 317.) انتهى.

ص: 182

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

ص: 187

ص: 188

نعم ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين؛ مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه، أو مع سبق يده مع احتمال أنّ المسلم الذي بيده تفحّص عن حاله؛ بشرط معاملته معه معاملة المذكى على الأحوط محكوم بالتذكية، فتجوز الصلاة فيه (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أمارية يد المسلم و سوق المسلمين على الطهارة و التذكية و الحلّية. و يدلّ عليه مضافاً إلى قيام السيرة القطعية العملية من المسلمين المتديّنين الملتزمين بالشريعة على اعتبارهما صحيح عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يُهدى إليه البختج من غير أصحابنا، فقال إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه(وسائل الشيعة 25: 292، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح معاوية بن عمّار عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال (عليه السّلام) لا تشربه ، قلت: رجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه أنّه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال (عليه السّلام) نعم(وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 4.) و صحيح العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشترى من نصراني فلا يصلّ فيه حتّى يغسله(وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه(وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 2.) و صحيح البزنطي قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ فقال نعم ليس عليكم المسألة؛ إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنَّ الدين أوسع من ذلك(وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 3.) و رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يُسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه(وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 7.) و صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدري أذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري؟ أ يصلّي فيه؟ قال نعم، أنا أشتري الخفّ من السوق و يصنع لي و أُصلّي فيه، و ليس عليكم المسألة(وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ يد المسلم أمارة على التذكية مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليها، فمع سبق يد الكافر يحكم بعدم التذكية. نعم مع سبق يد الكافر يحكم على التذكية فيما احتمل أنّ المسلم الذي بيده الجلد تفحّص عن حاله و أحرز تذكيته و وضع يده عليه. و الأحوط استحباباً في الحكم بالتذكية مع هذا الاحتمال مراعاة معاملة المسلم مع الجلد المتّخذ من يد الكافر معاملة المذكّى بأن يصلّي فيه.

ص: 189

ص: 190

[ (مسألة 11): لا بأس بالشمع و العسل و الحرير الممتزج]

(مسألة 11): لا بأس بالشمع و العسل و الحرير الممتزج، و أجزاء مثل البقّ و البرغوث و الزنبور، و نحوها ممّا لا لحم لها، و كذلك الصدف (1).


1- الشمع و العسل من فضلات النحل و الحرير الممتزج و هو ريق دود القزّ و أجزاء مثل البقّ و البرغوث و الزنبور و نحوها ممّا لا لحم لها لا بأس بها في لباس المصلّي أو بدنه؛ فإنّ ما يخلّ بالصلاة وجود جزء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه في اللباس و البدن، و الحيوانات المذكورة لا لحم لها؛ فلا تكون فضلاتها و لا أجزاؤها مانعة من صحّة الصلاة؛ فهي خارجة عن موضوع موثّق ابن بكير المتقدّم ممّا قد نهيت عن أكله. و قد ادّعي الإجماع على جواز الصلاة مع الحرير الممتزج و دم البقّ و البراغيث و القمل. و في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال لا و إن كثر، فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله(وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.)و أمّا الصدف فيظهر من النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة» عدم جواز الصلاة فيه؛ لكونه ممّا لا يؤكل لحمه، ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال: و سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال (عليه السّلام) ذلك لحم الضفادع، لا يحلّ أكله(وسائل الشيعة 24: 146، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 16، الحديث 1.) ، و قال السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك»: و ما في صحيح علي بن جعفر لا يدلّ على أنّه جزء من الحيوان، بل الظاهر أنّه خارج عنه ظرف لتولّده فيه، و مجرّد انعقاد الحيوان فيه لا يستلزم جزئيته له كما هو ظاهر(مستمسك العروة الوثقى 5: 313.) انتهى. و في «المنجد»: الصدفيات حيوانات رخوة لا عظام لها تعيش في الماء، و في «القاموس»: الصدَف غشاء الدرّ، كذا في «مجمع البحرين». و لا يخفى: أنّه إن ثبت كون الصدف لحماً فالصلاة فيه لا تجوز إلّا أن يقوم إجماع أو شهرة على الجواز.

ص: 191

[ (مسألة 12): استثني ممّا لا يؤكل الخزُّ]

(مسألة 12): استثني ممّا لا يؤكل الخزُّ، و كذا السنجاب على الأقوى، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الثاني، و ما يسمّونه الآن بالخزّ و لم يُعلم أنّه منه و اشتبه حاله، لا بأس به و إن كان الأحوط الاجتناب عنه (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في استثناء وبر الخزّ الخالص من وبر الثعالب و الأرانب و نحوهما ممّا لا يؤكل؛ فتجوز الصلاة في الخالص منه. و قد ادّعى صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) أنّ عليه الإجماع بقسميه. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن جعفر الجعفري أنّه قال: رأيت الرضا (عليه السّلام) يصلّي في جبّة خزّ(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السّلام) يصلّي الفريضة و غيرها في جبّة خزّ طاروي و كساني جبّة خزّ، و ذكر أنّه لبسها على بدنه و صلّى فيها و أمرني بالصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 2.) و صحيح زرارة قال: خرج أبو جعفر (عليه السّلام) يصلّي على بعض أطفالهم و عليه جبّة خزّ صفراء و مطرف خزّ أصفر(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الصلاة في الخزّ، فقال صلّ فيه(وسائل الشيعة 4: 360، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 5.) و رواية إسماعيل بن علي عن أبيه أخي دعبل بن علي عن الرضا (عليه السّلام) في حديث أنّه خلع على دعبل قميصاً من خزّ و قال له احتفظ بهذا القميص؛ فقد صلّيتُ فيه ألف ليلة كلّ ليلة ألف ركعة، و ختمتُ فيه القرآن ألف ختمة(وسائل الشيعة 4: 99، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 30، الحديث 7.) و أمّا الخزّ المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب و نحوها فلا تجوز الصلاة فيها، و يدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من الروايات الدالّة على عدم جوازها في وبر ما لا يؤكل لحمه مرفوع أيّوب بن نوح قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به، فأمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه(وسائل الشيعة 4: 361، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب، و ضعف سند الخبر منجبر بفتوى الأصحاب. و ما دلّ على الجواز كمضمرة بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الخزّ يغشّ بوبر الأرانب، فكتب (عليه السّلام) يجوز ذلك(وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 9، الحديث 2.) ، ضعيفٌ سنداً أوّلًا للإضمار و لجهالة داود الصرمي و بشير، و مخالفٌ لفتوى الأصحاب ثانياً، و محمول على التقية ثالثاً. هذا كلّه في وبر الخزّ. و أمّا جلده: فنسب إلى المشهور جواز الصلاة فيه. و يدلّ عليه ترك الاستفصال في صحيح الحلبي قال: سألته عن لبس الخزّ، فقال لا بأس به، إنّ علي بن الحسين (عليه السّلام) كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدّق بثمنه، و كان يقول: إنّي لأستحيي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللَّه فيه(وسائل الشيعة 4: 366، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 13.) و صحيح معمّر بن خلّاد المتقدّم. و أوضح منهما دلالةً عليه رواية ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل من الخزّازين، فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخزّ؟ فقال لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل: جعلت فداك إنّه ميّت و هو علاجي و أنا أعرفه؟ فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أنا أعرف به منك ، فقال له الرجل: إنّه علاجي و ليس أحدٌ أعرف به منّي، فتبسّم أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ قال له أ تقول إنّه دابّة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فإنّك تقول: إنّه دابّة تمشي على أربع، و ليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال له الرجل: أي و اللَّه هكذا أقول، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فإنّ اللَّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 4.) ، وجه الدلالة على أنّ جلد الخزّ هو موضوع المسألة: أنّ قوله (عليه السّلام) و جعل ذكاته موته ناظر إلى ما تحلّه الحياة لا إلى وبره. و أصرح من ذلك دلالة صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال ليس بها بأس ، فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي (في بلادي) و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال ليس به بأس(وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح سعد بن سعد الأشعري القمي عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن جلود الخزّ، فقال هو ذا نحن نلبس ، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال إذا حلّ وبره حلّ جلده(وسائل الشيعة 4: 366، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 14.) ، وجه الاستدلال: أنّ لبس وبر الخزّ في الصلاة حلال نصّاً و إجماعاً، و كذا جلده بمقتضى الإطلاق. و إنّ معهودية المنع عن الصلاة في غير المأكول في الشريعة يوجب صرف السؤال عن الجلود إلى لبسها حال الصلاة؛ خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السّلام) هو ذا، نحن نلبس فإنّه و إن كان دالّاً على جواز اللبس إلّا أنّ اتّخاذه (عليه السّلام) لباساً من جلد الخزّ بطور الاستمرار المدلول عليه بلفظ «هو ذا» يقتضي عادةً الصلاة فيه. و المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» بعد تقوية جواز الصلاة في جلد الخزّ، قال: بل قد يستفاد من خبر ابن يعفور الجواز في باقي أجزائه، و لعلّ عدم ذكر الأصحاب ذلك لعدم تعارف استعمال ما عداهما؛ فالقول به لا يخلو عن قوّة. بل ربّما يظهر من الخبر المزبور كونه ممّا يحلّ أكله، و لكنّه يشكل الاعتماد على هذا الظاهر؛ لمخالفته للمشهور بل المجمع عليه فإنّه لم ينقل الالتزام به عن أحد(مصباح الفقيه، الصلاة: 129/ السطر 25.) انتهى. و أمّا السنجاب: فالمشهور بين المتأخّرين جواز الصلاة فيه، و إليه ذهب جماعة من القدماء، و عن الشيخ (رحمه اللَّه) في «المبسوط»: أنّه ممّا لا خلاف فيه(المبسوط 1: 82.) و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سأله عن أشياء منها الفراء و السنجاب، فقال لا بأس بالصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 1.) و رواية مقاتل بن مقاتل قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعلب، فقال لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم(وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 2.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه و أبا الحسن (عليهما السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قلت: أ و ليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم، و ليس هو ممّا نهى عنه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)؛ إذ نهى عن كلّ ذي ناب و مخلب(وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 3.) و رواية بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أُصلّي فيه لغير تقية؟ قال: فقال صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور(وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 4.) و صحيح أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما تقول في الفراء أيّ شي ء يصلّى فيه؟ قال أيّ الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور، قال فصلّ في الفنك و السنجاب، فأمّا السمور فلا تصلّ فيه(وسائل الشيعة 4: 349، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 5.) ، و غيرها من الروايات. و أمّا الاحتياط في السنجاب: فلما روي عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه سئل عن فرو الثعلب و السنور و السمور و السنجاب و الفنك و القاقم(الفنك بفتحتين نوع من الثعلب الرومي.) و السمور كتنور دابّة تشبه السنّور( الهرّة).) القاقم حيوان يشبه الفأرة، إلّا أنّه أطول منه و يأكل الفأرة.) و الحواصل جمع الحوصل و هو طير كبير يتّخذ منه الفرو له حوصلة عظيمة، و الحوصلة من الطير كالمعدة للإنسان يجتمع فيه الطعام المأكول.) قال يلبس و لا يصلّى فيه(مستدرك الوسائل 3: 199، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 4، الحديث 1.) و في «الفقه الرضوي» و لا يجوز الصلاة في سنجاب و سمور و فنك، فإذا أردت الصلاة فانزع عنك، و قد أروى فيه رخصة(مستدرك الوسائل 3: 199، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 4، الحديث 2.) و لما في كتاب «العلل» لمحمّد بن علي بن إبراهيم من قوله: و العلّة في أن لا يصلّى في السنجاب و السمور و الفنك قول رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المتقدّم؛ أي قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا تصلّ في ثوب ما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه(مستدرك الوسائل 3: 197، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 5.) و لما روي عن أبي حمزة الثمالي قال: سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليهما السّلام) عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: إنّ السنجاب يأوي الأشجار، فقال إن كان له سبلة كسبلة السنور و الفأر فلا يؤكل لحمه و لا تجوز الصلاة فيه ، ثمّ قال أمّا أنا فلا آكله و لا احرّمه(وسائل الشيعة 24: 192، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 41، الحديث 1.) و لمعارضة ما دلّ على جواز الصلاة في السنجاب بموثّق عبد اللَّه بن بكير المتقدّم(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) الدالّ على فسادها فيما لا يؤكل لحمه. و لا يخفى: أنّ ما ذكر من الوجوه عدا الموثّق المزبور لا تقاوم الأخبار الصحاح الدالّة على الجواز المعتضدة بالشهرة. و أمّا الموثّق فيخصّص بالأخبار الدالّة على الجواز في الخزّ و السنجاب. بقي الكلام فيما يسمّونه الآن بالخزّ و لم يعلم أنّه منه و اشتبه حاله، و هل يجري عليه حكم ما علم كونه خزّاً؟ الأقوى جواز الصلاة فيه؛ لأصالة عدم النقل. و يكفي في إحراز أنّه الخزّ إخبار أهل الخبرة في كلّ زمان، و الظاهر من الأخبار الرخصة في الصلاة في وبر الخزّ و جلده المتلقّى من أيدي التجار و الخزّازين، هذا كلّه بناءً على تحقّق موته بالخروج من الماء كالحيتان. و أمّا بناءً على أنّه يرعى في البرّ و يعيش في الماء فيشكل الالتزام بالحكم فيه، و لا يترك الاحتياط فيه. و لا ينبغي ترك الاحتياط فيما يسمّون الآن بالخزّ. و حكي عن المجلسي (رحمه اللَّه) في «البحار»: أنّ في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخزّ إشكالًا؛ للشكّ في أنّه هل هو الخزّ المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) أم لا؟ بل الظاهر أنّه غيره؛ لأنّه يظهر من الأخبار أنّه مثل السمك يموت بخروجه من الماء و ذكاته إخراجه منه، و المعروف بين التجار أنّ الخزّ المعروف الآن دابّة تعيش في البرّ و لا تموت بالخروج من الماء(بحار الأنوار 80: 220.) و فيه ما عرفت، و حاصله: أنّه مع الشكّ لا مانع من جريان أصالة عدم النقل و إجراء حكم المعلوم كونه خزّاً عليه.

ص: 192

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

[ (مسألة 13): لا بأس بفضلات الإنسان كشعره و ريقه و لبنه]

(مسألة 13): لا بأس بفضلات الإنسان كشعره و ريقه و لبنه؛ سواء كان للمصلّي أو لغيره، فلا بأس بالشعر الموصول بالشعر؛ سواء كان من الرجل أو المرأة (1).


1- و يدلّ على جواز الصلاة في خصوص شعر الإنسان و ظفره صحيح علي بن الريّان بن الصلت أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن الرجل يأخذ من شعره و أظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه، فقال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 382، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 18، الحديث 1.) و صحيح آخر عنه قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السّلام): هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع يجوز(وسائل الشيعة 4: 382، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 18، الحديث 2.) و خبر الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما السّلام) إنّ عليّاً (عليه السّلام) سئل عن البصاق يصيب الثوب، قال: لا بأس به(وسائل الشيعة 3: 427، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 6.) و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهد(وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة و ولدها إلى جنبها يبكي و هي قاعدة، هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها و تسكته و ترضعه؟ قال لا بأس(وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 2.) وجه الاستدلال بهذين الخبرين: أنّ الصبي حين المصّ يصيب ريقه بدن امّه و لباسها. و استدلال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) على المسألة بروايات وصل المرأة شعور غيرها بشعرها(جواهر الكلام 8: 70.) لا يخلو من مناقشة، قال (رحمه اللَّه): كإطلاق خبر سعد الإسكاف قال: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) سئل عن القرامل التي تصنعها النساء في رؤوسهنّ يصلنه بشعورهنّ، قال لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها(وسائل الشيعة 20: 187، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 101، الحديث 2.) و في خبر آخر عن الصادق (عليه السّلام) كره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها(وسائل الشيعة 20: 187، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 101، الحديث 1.) ، و لعلّه على ذلك يحمل ما في ثالث إذا كان صوفاً فلا بأس، و إن كان شعراً فلا خير فيه(وسائل الشيعة 17: 132، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 5.) ، انتهى. وجه المناقشة: أنّ هذه الروايات واردة في أصل الوصل و أنّه يجوز للمرأة الزينة على زوجها، و لا ربط لها بجوازه في الصلاة، و لا ملازمة بين جواز الوصل للزينة و جوازه في الصلاة، كما أنّ لبس أجزاء الحيوان المذكّى الغير المأكول لحمه جائز في نفسه دون حال الصلاة. و يمكن أن يجاب عن المناقشة بأنّ إطلاق نفي البأس في الروايات المذكورة مع غلبة وقوع الصلاة في الشعر الموصول على شعره، يدلّ على المطلوب، و لو لم يدلّ عليه لا أقلّ من كونها من المؤيّدات. و قد يستدلّ على المسألة بالسيرة و الطريقة القائمة على مصّ ريق الزوجة و مباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع و غيره. بقي الكلام في اللباس المنسوج من شعر الإنسان و أنّه يجوز أن يلبس به حال الصلاة؛ خصوصاً أن يكون ساتراً؟ قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: نعم لو اتّخذ لباساً من شعر الإنسان فيه إشكال؛ سواء كان ساتراً أو غيره، بل المنع قوي؛ خصوصاً الساتر(العروة الوثقى 1: 56/ المسألة 15.) و لعلّ وجه القوّة عنده (رحمه اللَّه) ظهور موثّق ابن بكير المتقدّم في اشتراط كون ما يصلّى فيه ممّا يؤكل لحمه فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) ، و الإنسان على فرض خروجه عمّا لا يؤكل لحمه ليس ممّا يؤكل لحمه أيضاً. و يرد عليه: أنّ الموثّق و إن كان يدلّ على جواز الصلاة في أجزاء ما يؤكل لحمه و عدم جوازها فيما لا يؤكل، و لكنّه منصرف عن الإنسان إلى سائر الحيوانات؛ فالموثّق يدلّ على أنّ لباس المصلّي إن كان من أجزاء الحيوان غير الإنسان فليكن من أجزاء مأكول اللحم فقط دون غير المأكول منه، فأجزاء الإنسان خارج عن المأكول و غير المأكول انصرافاً. و الأقوى في المسألة: جواز اتّخاذ اللباس المنسوج من شعر الإنسان ساتراً كان أو غيره و ذلك لأصالة جواز التلبّس و التستّر بكلّ شي ء إلّا ما خرج بالدليل، و لم يرد دليل بالخصوص مانع عن شعر الإنسان. و التمسّك في الجواز بإطلاق صحيح علي بن الريّان المتقدّم قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السّلام): هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع يجوز(وسائل الشيعة 4: 382، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 18، الحديث 2.) ، لا يخلو من إشكال؛ لأنّ مورد السؤال هو وقوع الشعر في لباس المصلّي، و أين هو من الدلالة على كون نفس اللباس من شعر الإنسان؟!

ص: 199

ص: 200

ص: 201

[الرابع: أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة]

الرابع: أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة و لو كان حُليّا كالخاتم و نحوه، بل يحرم عليهم في غيرها أيضاً (1).


1- بطلان صلاة الرجل في اللباس المنسوج من الذهب و إن لم يكن ساتراً بل فيما لا تتمّ فيه الصلاة أيضاً ممّا لا خلاف معروف فيه، إلّا عن المحقّق في «المعتبر» في الخاتم قال: لو صلّى و في يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردّد، أقربه أنّه لا تبطل؛ لما قلناه في الخاتم المغصوب(المعتبر 2: 92.) و ما قدّمه في المغصوب عبارة عن أنّ النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصلاة و لا من شرط من شروطها. و يدلّ على المسألة موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه؛ لأنّه من لباس أهل الجنّة(وسائل الشيعة 4: 413، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 4.) و رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الحديد إنّه حلية أهل النار، و الذهب إنّه حلية أهل الجنّة، و جعل اللَّه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 414، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 5.) ، و الرواية ضعيفة بالإرسال. و رواية جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول ليس على النساء أذان. إلى أن قال و يجوز للمرأة لُبس الديباج الحرير في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد. و يجوز أن تتختّم بالذهب و تصلّي فيه، و حرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد(وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 6.) و وجه حرمة لبس الذهب للرجال مطلقاً و في غير حال الصلاة النهي الوارد في عدّة من الروايات: منها: موثّقة روح بن عبد الرحيم الكوفي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأمير المؤمنين (عليه السّلام): لا تختم بالذهب فإنّه زينتك في الآخرة(وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 1.) و منها: حسنة جرّاح المدائني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب(وسائل الشيعة 4: 413، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 2.) و منها: موثّق عمّار المتقدّم لا يلبس الرجل الذهب. هنا فروع: الأوّل: أنّه لا فرق في الذهب بين أن يكون خالصاً أو ممزوجاً مع صدق الذهب على الممزوج؛ فيحرم حينئذٍ لبسه و تبطل الصلاة فيه. و في «مستند الشيعة»: و هل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه؛ فلا يحرم إلّا لباس كان سداه و لحمته ذهباً، أو لا بل يحرم و لو لم يكن محضاً؟ فيه إشكال حيث إنّ ما لبسه ليس ذهباً، و ما هو ذهب لم يلبس بل لبس ما يشمل عليه. إلى أن قال: فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب(مستند الشيعة 4: 358.) الثاني: أنّه اختلف فقهاؤنا في جواز الصلاة في اللباس الملحم بالذهب و المذهّب تمويهاً أو غيره. فقال جماعة بالجواز مع الكراهة؛ قال في «الغنية»: تكره الصلاة في المذهّب و الملحم بالذهب بدليل الإجماع المشار إليه. و عن الحلبي: و تكره الصلاة في الثوب المصبوغ، و أشدّ كراهيةً الأسود ثمّ الأحمر المشبع و المذهّب و الموشّح و الملحم بالحرير و الذهب. و اختار هذا القول بحر العلوم في «منظومته». و قال جماعة منهم العلّامة و الشهيدان و المحقّق الثاني و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر» و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» و غيرهم بعدم الجواز و بطلان الصلاة فيها، و هو المختار. و في «الجواهر»: و لعلّه لإطلاق النصوص السابقة؛ خصوصاً في المنسوج الذي هو جزء لباس، بل قد يدّعى أنّ المراد من النهي في النصوص أمثال ذلك؛ لعدم تعارف لباس ساتر مثلًا منه خالص. فالمراد حينئذٍ ما تعارف اتّخاذه منه من حليّ أو نسج أو تمويه أو نحو ذلك. إلى أن قال: و من هنا جزم الأُستاد في «كشفه» بالبطلان، فقال: الشرط الثالث أن لا يكون هو أو جزؤه و لو جزئياً أو طليه ممّا يعدّ لباساً أو فيما يعدّ لباساً أو لبساً و لو مجازاً بالنسبة إلى الذهب من الذهب؛ إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب؛ إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه؛ فلبسه إمّا بالمزج أو التذهّب أو التحلّي أو التزيين بخاتم و نحوه. و إن كان لا يخلو من مناقشة في الجملة لكن لا ريب في أنّه أحوط إن لم يكن أقوى(جواهر الكلام 8: 112.) انتهى. و في «مصباح الفقيه»: لا يبعد أن يقال: إنّ المنساق إلى الذهن من تفريع حرمة لبسه على الرجال في خبر النميري على أنّ اللَّه جعله في الدنيا زينة النساء، إرادة مطلق التحلّي و التزيّن به و إن لم يتحقّق معه صدق اسم اللبس حقيقة، و لكنّه لا يخلو عن تأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 144/ السطر 23.) و كيف كان: فالمنع مطلقاً إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط. الثالث: يجوز حمل السيوف و الخناجر و نحوهما المحلّات بالذهب مطلقاً و في حال الصلاة؛ لعدم عدّها لباساً و لا حلية للشخص. و يدلّ عليه صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس بتحلية السيف بأس بالذهب و الفضّة(وسائل الشيعة 5: 104، كتاب الصلاة، من أبواب أحكام الملابس، الباب 64، الحديث 1.) و رواية داود بن سرحان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس بتحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضّة بأس(وسائل الشيعة 5: 105، كتاب الصلاة، من أبواب أحكام الملابس، الباب 64، الحديث 3.)

ص: 202

ص: 203

ص: 204

[ (مسألة 14): لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب]

(مسألة 14): لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب، بل و لا بجعله غلافاً لها أو بدلًا منها في الصلاة بل مطلقاً. نعم في مثل الثنايا ممّا كان ظاهراً و قصد به التزيين، لا يخلو من إشكال، فالأحوط الاجتناب، و كذا لا بأس بجعل قاب الساعة منه و استصحابها فيها.

ص: 205

نعم إذا كان زنجيرها منه و علّقه على رقبته أو بلباسه يُشكل الصلاة معه، بخلاف ما إذا كان غير معلّق و إن كان معه في جيبه فإنّه لا بأس به (1).


1- و يدلّ على جواز شدّ الأسنان بالذهب صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث أنّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب(وسائل الشيعة 4: 416، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 31، الحديث 1.) و رواية الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب «مكارم الأخلاق» عن الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الثنية تنفصم، أ يصلح أن تشبّك بالذهب؟ و إن سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال نعم إن شاء فليضع مكانها ثنية شاة ليشدّها بعد أن تكون ذكية(وسائل الشيعة 4: 416، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 31، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل ينفصم سنّه أ يصلح له أن يشدّها بالذهب؟ و إن سقطت أ يصلح أن يجعل مكانها سنّ شاة؟ قال نعم إن شاء ليشدّها بعد أن تكون ذكية(وسائل الشيعة 4: 417، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 31، الحديث 3.) ، و في «الحدائق»: و لعلّ اشتراط الذكاة في السنّ في الخبرين المذكورين من جهة ما يصاحبها غالباً من اللحم عند قلعها من موضعها، و إلّا فالاشتراط مشكل(الحدائق الناضرة 7: 103.) انتهى. و أمّا جعل الذهب غلافاً للأسنان أو جعله موضعها بعد سقوطها بدلًا عنها فجائز مطلقاً و في حال الصلاة؛ لعدم صدق اللبس و عدم كونه تزييناً. نعم في الأسنان المرئية عند فتح الفم مع قصد التزيين لا يترك الاحتياط؛ لإطلاق النهي عن التزيين بالذهب. و أمّا قاب الساعة فلا بأس بكونه ذهباً و جعلها فيه و حمله في جيبه؛ لعدم صدق اللبس حينئذٍ. نعم إذا كان زنجيرها ذهباً و علّقه على عنقه أو لباسه يحرم و تبطل الصلاة فيه؛ لصدق اللبس على تعليق الزنجير على العنق، مضافاً إلى كونه تزييناً. و لا بأس به إذا لم يعلّقه على العنق أو اللباس بل جعله في جيبه أو شدّه في باطن اللباس.

ص: 206

[الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجال]

الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجال، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً؛ و إن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كالتكّة و القلنسوة و نحوهما على الأحوط. و المراد به ما يشمل القزّ. و يجوز للنساء و لو في الصلاة، و للرجال في الضرورة و في الحرب (1).


1- قام الإجماع من الفريقين على عدم جواز لبس الحرير للرجال، و عدم جواز الصلاة فيه إجماعي عند الأصحاب، و به قال بعض العامّة من غير فرق بين الساتر و غيره، قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي»: ذهب علماؤنا أجمع إلى بطلان الصلاة في الحرير المحض. و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا(وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 1.) و مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله: هل يصلّي في قلنسوة حرير أو قلنسوة ديباج(الديباج: ثوب كان سداه و لحمته حريراً.) ؟ فكتب (عليه السّلام) لا تحل الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) و رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال لعلي (عليه السّلام): إنّي أُحبّ لك ما أُحبّ لنفسي و أُكره لك ما أُكره لنفسي؛ فلا تختم بخاتم ذهب. إلى أن قال و لا تلبس الحرير فيحرق اللَّه جلدك يوم تلقاه(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 5.) و ما دلّ على الجواز كصحيح إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في الثوب الديباج، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 10.) ، مطروح لمخالفته الإجماع على المنع، أو يحمل على التقية أو على إرادة غير الخالص أو على حال الضرورة. هذا كلّه فيما تتمّ فيه الصلاة. و أمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة: كالتكّة و القلنسوة و نحوهما فهل يجوز لبسه و الصلاة فيه أو لا؟ فيه قولان: الأوّل: أنّه يجوز مع الكراهة، ذهب إليه الشيخ و العلّامة في «التذكرة» و المحقّق و الشهيدان و الكركي و الميسي و بحر العلوم و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر» و غيرهم. و عن كاشف الغطاء: أنّه الظاهر من المفيد في «المقنعة»، قال في «المبسوط»: و يكره الصلاة في القلنسوة و التكّة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه، و كذلك يكره إذا كان من حرير محض(المبسوط 1: 84.) و عن العلّامة في «التذكرة»: الأقوى جواز مثل التكّة و القلنسوة من الحرير المحض؛ لقول الصادق (عليه السّلام) كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكّة الإبريسم و القلنسوة و الخفّ و الزنّار يكون في السراويل و يصلّى فيه(وسائل الشيعة 4: 376، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 2.) و في رواية محمّد بن عبد الجبّار: و قد كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام): هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) ، و تحمل على الكراهة(تذكرة الفقهاء 2: 473.) انتهى. و في «الشرائع»: و فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكّة و القلنسوة تردّد، و الأظهر الكراهة(شرائع الإسلام 1: 59.) الثاني: المنع، ذهب إليه الصدوق و ابن الجنيد و ابن سعيد في «الجامع» و العلّامة في «المنتهي» و «المختلف» و الشهيد في «البيان» و المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان» و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة» و جماعة من محشّيها و منهم المصنّف (رحمه اللَّه) حيث وافق متن «العروة» و أفتى بعدم جواز كون ما لا تتمّ فيه الصلاة حريراً، و لكنّه (رحمه اللَّه) احتاط فيه هنا. و كيف كان: فقد بالغ الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه» و قال: و لا تجوز الصلاة في تكّة رأسها من إبريسم(الفقيه 1: 172، ذيل الحديث 810.) و استدلّ للقول الأوّل بالأصل، و برواية الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه. و في «الجواهر»: و المناقشة في سنده بأحمد بن هلال يدفعها أوّلًا ما قيل من أنّ ابن الغضائري لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب؛ لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث. و ثانياً: أنّ التأمّل في كلام الأصحاب هنا حتّى بعض المانعين يرشد إلى عدم الإشكال في حجّيته؛ ضرورة كونهم بين عامل به و بين متوقّف متردّد من جهته و بين مرجح لغيره عليه، و الجميع فرع الحجّية. بل في جملة القائلين به من لا يعمل إلّا بالقطعيات، كابن إدريس و غيره ممّن حكي عنه(جواهر الكلام 8: 123.) انتهى كلامه. ثمّ إنّ القائلين بالجواز حملوا ما دلّ على المنع على الكراهة جمعاً بينه و بين رواية الحلبي؛ ففي مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السّلام) لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) و في مكاتبته الأُخرى قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللَّه(وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 4.) و صاحب «الجواهر» بعد النظر بل المنع عن دعوى شهرة المنع عن الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة من الحرير قال: و إطلاق حرمة اللبس يمكن صرفه إلى غير ذلك ذلك إشارة إلى ما لا تتمّ فيه الصلاة و لو بقرينة باقي النصوص المصرّحة بالثوب و نحوه ممّا لا يشمل ما نحن فيه. بل يمكن منه دعوى إرادة الثوب و نحوه من الحرير في الصحيحين إن لم نقل إنّه المنساق منه إلى أن قال: بل قيل: إنّ الحرير المحض لغةً هو الثوب المتّخذ من الإبريسم؛ أي مع الإطلاق. إلى أن قال (رحمه اللَّه): فيكون بناءً على ذلك جواب السؤال متروكاً فيه. و لعلّ تركه لإشعار الحكم بالصحّة فيه بالبطلان في غيره، و هو منافٍ للتقية؛ إذ الصلاة صحيحة عندهم و إن حرم اللبس، من غير فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره. فعدل الإمام (عليه السّلام) إلى بيان حرمة الصلاة فيه المسلّمة عندهم، و إن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم. بل ربّما كان في التعبير بالحلّ إيماء إلى ذلك، و لعلّ السبب في التجائه (عليه السّلام) إلى ذلك زيادة على ما عرفت هو إشعار السؤال أيضاً بما ينافي التقية من مفروغية عدم الصلاة في غير التكّة و القلنسوة، و الفرض أنّها مكاتبة و شدّة التقية فيها مطلوب(جواهر الكلام 8: 124 125.) انتهى موضع الحاجة. و النصوص المصرّحة بالثوب في كلامه (رحمه اللَّه) مذكورة في «الوسائل»: منها: صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا(وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 1.) و منها: صحيح أبي الحارث قال: سألت الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال لا(وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 7.) ، أبو الحارث هو يونس بن عبد الرحمن، و قد يكنّى به كثير بن كَلثَم من أصحاب الباقر (عليه السّلام)، و محمّد بن عبد الرحمن بن المغيرة من أصحاب الصادق (عليه السّلام)، و يبعد بقاء كثير إلى زمان الرضا (عليه السّلام)، و محمّد بن عبد الرحمن قد مات سنة سبع و خمسين بعد مائة و لا يمكن روايته عن الرضا (عليه السّلام). و منها: موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: و عن الثوب يكون علمه ديباجاً، قال لا يصلّى فيه(وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 8.) و منها: صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في الثوب الديباج، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 10.) و رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الثوب يكون فيه الحرير، فقال إن كان فيه خلط فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 4.) ، و الرواية ضعيفة للإرسال. و صحيح صفوان عن يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريراً، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال(وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 6.) و استدلّ للقول الثاني بالمكاتبتين المتقدّمتين لمحمّد بن عبد الجبّار الدالّتين على المنع. و رواية الحلبي المتقدّمة الدالّة على الجواز غير صالحة للتعارض حتّى يجمع بينهما و بينها بحملهما على الكراهة؛ لأنّ أحمد بن هلال مشهور بالغلو و اللعنة و كان متّهماً في دينه، و ينبغي ذكر بعض ما ذكر في حقّه؛ فعن الصدوق في «كمال الدين» نقلًا عن شيخه شيخ القميين محمّد بن الحسن بن أحمد القمي و أنّه سمع عن شيخه سعد بن عبد اللَّه أنّه يقول: ما رأينا و لا سمعنا بمتشيّع رجع عن تشيّعه إلى النصب إلّا أحمد بن هلال، و كانوا يقولون: إنّ ما تفرّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله. و عن الشيخ في «التهذيب»: و ما يختصّ بروايته لا نعمل عليه. و في «الاستبصار»: لا يلتفت إلى حديثه فيما يختصّ بنقله. و العلّامة (رحمه اللَّه) بعد نقل التوقّف عن ابن الغضائري في أحاديث أحمد بن هلال إلّا ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب «المشيخة» و محمّد بن أبي عمير في «نوادره» قال: و عندي أنّ روايته غير مقبولة. و حكي عن الشيخ (رحمه اللَّه) في «العدّة» في بحث الخبر الواحد التفصيل بين ما يرويه حال استقامته و ما رواه بعدها. و عن النجاشي: أنّه صالح الرواية يعرف منها و ينكر. و قد وقع الرجل في طريق ابن قولويه في «كامل الزيارات» في الباب الثاني و السبعين في ثواب زيارة أبي عبد اللَّه الحسين صلوات اللَّه و سلامه عليه في النصف من شعبان. و كذا وقع في أسناد علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ(يونس( 10): 101.) إلى غير ذلك ممّا قيل في حقّه. و المختار عندنا في المسألة: عدم جواز اللبس و بطلان الصلاة؛ لمكاتبتي محمّد بن عبد الجبّار المتقدّمتين. و أمّا رواية الحلبي فلا نعتمد عليها لوقوع أحمد بن هلال في طريقها، و إن اعتمد عليه كلّ من قال بجواز الصلاة، كالمحقّق في «المعتبر» قال: وجه الجواز ما رواه الحلبي، و ذكر الرواية المذكورة. و في «جامع المقاصد»: و فيما لا تتمّ فيه الصلاة قولان؛ أقربهما الكراهة لرواية الحلبي. و الوجه في ذلك عدم ثبوت صدور هذه الرواية عنه حال استقامته. و لعلّ وقوعه في طريق «كامل الزيارات» و «تفسير القمي» باعتبار روايته حال استقامته لا مطلقاً. و قياس حاله على حال جماعة من العامّة كما في «المستمسك»، و هو الظاهر من السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في «المعجم» قياسٌ مع الفارق؛ لأنّ أصحابنا قد عملوا بروايات جماعة من الفطحية و الواقفية و غيرهم من المخالفين الذين كان بناء الأصحاب على العمل برواياتهم، و لم يحضرني الآن ورود الطعن عن المعصومين (عليهم السّلام) في حقّ أحدٍ منهم كما ورد في حقّ أحمد بن هلال؛ فعن الكشّي عن أحمد بن إبراهيم أبي حامد المراغي قال: ورد على القاسم بن العلاء من أهل آذربايجان، كان وكيله (عليه السّلام) في الناحية نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، و كان ابتداء ذلك أن كتب (عليه السّلام) إلى نوّابه (قوّامه) بالعراق احذروا الصوفي المتصنّع ، قال: و كان من شأن أحمد بن هلال أنّه كان قد حجّ أربعاً و خمسين حجّة، عشرون منها على قدميه، قال: و قد كان رواة أصحابنا بالعراق لقوه و كتبوا منه فأنكروا ما ورد في مذمّته، فحملوا القاسم بن العلاء كان من أهل آذربايجان وكيل الناحية و ممّن رأى الحجّة و قد خرج التوقيع على يده في لعن أحمد بن هلال على أن يراجع في أمره، فخرج إليه قد كان أمرنا نفذ إليه في المتصنّع ابن هلال لا رحمه اللَّه بما قد علمت و لم يزل، لا غفر اللَّه له ذنبه و لا أقاله عثرته، يداخل في أمرنا بلا إذن منّا و لا رضى، يستبدّ برأيه فيتحامى من ديوننا (من ذنوبه)، لا يمضي من أمرنا إيّاه إلّا بما يهواه و يريده أراده اللَّه بذلك في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّى بتر اللَّه بدعوتنا عمره، و كنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا في أيّامه لا رحمه اللَّه و أمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاصّ من موالينا، و نحن نبرأ إلى اللَّه من ابن هلال، لا رحمه اللَّه و لا من لا يبرأ منه. و أعلِم الإسحاقي سلّمه اللَّه هو أحمد بن إسحاق القمي روى عن أبي جعفر الثاني و أبي الحسن (عليهما السّلام)، و كان خاصّة أبي محمّد (عليه السّلام)، و عن الشيخ: أنّه رأى صاحب الزمان (عليه السّلام) و أهل بيته ممّا أعلمناك من حال هذا الفاجر و جميع من كان سألك و يسألك عنه من أهل بلده و الخارجين و من كان يستحقّ أن يطّلع على ذلك.(اختيار معرفة الرجال: 535، معجم رجال الحديث 2: 356.) إلى آخر التوقيع. فمن كان حاله كذلك كيف يعتمد على روايته مع عدم القرينة على كون روايته صادرة حال استقامته؟! ثمّ إنّ المحرّم على الرجال هو الحرير المحض؛ فلا بأس على الممزوج. و يدلّ على التقييد بالمحض مكاتبتا محمّد بن عبد الجبّار المتقدّمتان، فكتب (عليه السّلام) لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2، و الباب 14، الحديث 4.) و صحيح البزنطي قال: سأل الحسين بن قياما أبا الحسن (عليه السّلام) عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن و القزّ أكثر من النصف، أ يصلّى فيه؟ قال لا بأس ، قد كان لأبي الحسن (عليه السّلام) منه جبّات(وسائل الشيعة 4: 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 2.) و رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الثوب يكون فيه الحرير، فقال إن كان فيه خلط فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 4.) ، و الرواية ضعيفة بالإرسال. و موثّق موسى بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن، و إنّما يكره الحرير المحض للرجال و النساء(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 5.) و الرواية معرض عنها بالنسبة إلى النساء. و يجوز لبس الحرير للنساء. و يدلّ عليه رواية أبي داود يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ، قال و ما بال الخزّ؟ قلت: و سداه إبريسم، قال و ما بال الإبريسم؟ قال لا تكره أن يكون سدا الثوب إبريسم و لا زرّه و لا علمه، إنّما يكره المُصْمَت من الإبريسم للرجال و لا يكره للنساء(وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 1.) و مرسل ابن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال النساء يلبس (يلبسن) الحرير و الديباج إلّا في الإحرام(وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 3.) ، و غيرهما من روايات الباب، و ضعف سند بعض هذه الروايات منجبرة بعمل الأصحاب. و في بعض النصوص قصّر السؤال على الرجل، و ليس ذلك إلّا لأجل كون جواز اللبس للنساء أمراً مسلّماً، كما في صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا(وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 1.) و في «الجواهر»: يجوز لبسه للنساء من حيث كونه لبساً إجماعاً أو ضرورةً من المذهب بل الدين، بل مطلقاً في حال الصلاة و غيرها على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً(جواهر الكلام 8: 119.) انتهى. و لم يخالف أحد في جواز الصلاة في الحرير المحض للنساء، إلّا الصدوق (رحمه اللَّه) قال في «الفقيه»: قد وردت الأخبار بالنهي عن لبس الديباج و الحرير و الإبريسم المحض و الصلاة فيه للرجال، و وردت الرخصة في لبس ذلك للنساء، و لم يرد بجواز صلاتهنّ فيه؛ فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال و النساء حتّى يخصّهنّ خبر بالإطلاق لهنّ في الصلاة فيه، كما خصّهنّ بلبسه(الفقيه 1: 171، ذيل الحديث 58.) و مال إليه المقدّس الأردبيلي (رحمه اللَّه) و الشيخ البهائي (رحمه اللَّه). و خلاف هؤلاء لا يقدح في الجواز؛ لقيام الشهرة العظيمة على خلافهم. و أمّا موثّق موسى بن بكر الواسطي عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 5.) فهو على فرض تمامية دلالته على الحرمة مطروح بالنسبة إلى النساء بالشهرة القائمة على خلافه. و يجوز للرجال لبس الحرير في الحرب و في الضرورة: أمّا في الحرب: فيدلّ عليه موثّق إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في الحرب(وسائل الشيعة 4: 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 1.) و مرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلّا في الحرب(وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 2.) و موثّق سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن لباس الحرير و الديباج، فقال أمّا في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل(وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 3.) و أمّا في الضرورة: فيدلّ عليه مضافاً إلى حديث الرفع(وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.) الأخبار الدالّة على رفع الحرمة عن المضطرّ و المعذور الواردة في بعض موارد الاضطرار و العذر: منها موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة أربعين يوماً أو أقلّ أو أكثر، فيمتنع من الصلاة إلّا إيماءً و هو على حاله، فقال لا بأس بذلك، و ليس شي ء ممّا حرّم اللَّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه(وسائل الشيعة 5: 482، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 6.) و صحيح علي بن مهزيار أنّه سأله يعني أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن هذه المسألة أي عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلوات فقال لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة، و كلّما غلب اللَّه عليه فاللَّه أولى بالعذر(وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.) و ينبغي في ذيل البحث الإشارة إلى المراد من قول المصنّف (رحمه اللَّه) في هذه المسألة: «و المراد به ما يشمل القزّ»؛ يعني أنّ الحرير و إن كان عبارة عن الإبريسم الذي يعمل من القزّ الذي يسوّى منه الإبريسم و يقال له في الفارسية: «پيله» لكنّه يراد به ما يشمل القزّ، و ليس المراد منه خصوص المعمول من القزّ.

ص: 207

ص: 208

ص: 209

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

ص: 215

ص: 216

ص: 217

[ (مسألة 15): الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير]

(مسألة 15): الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير، فلا بأس بالافتراش و الركوب عليه و التدثّر به أي التغطّي به عند النوم و لا بزرّ الثياب و أعلامها و السفائف و القياطين الموضوعة عليها، كما لا بأس بعصابة الجروح و القروح و حفيظة المسلوس،

ص: 218

بل و لا بأس بأن يرقّع الثوب به، و لا الكفّ به؛ لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير (1)،


1- المستفاد من الروايات تحريم لبس الحرير بما أنّه لبس؛ فلا يحرم سائر استعمالاته غير اللبس. و يدلّ على جواز الافتراش بالحرير و الركوب عليه مضافاً إلى أنّه المشهور بين الأصحاب صحيح علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الفراش الحرير و مثله من الديباج و المصلّى الحرير، هل يصلح للرجل النوم عليه و التكأة عليه و الصلاة؟ قال يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه(وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 15، الحديث 1.) و في «الجواهر»: و عدم ذكر التكأة في الجواب غير قادح بعد تنقيح المناط و عدم القول بالفصل(جواهر الكلام 8: 128.) و خبر مسمع بن عبد الملك البصري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه(وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 15، الحديث 2.) و أمّا التدثّر بالحرير أي التغطّي به عند النوم ففي «المدارك»: أنّ الأظهر تحريمه؛ لصدق اسم اللبس عليه(مدارك الأحكام 3: 180.) و فيه: أنّه ما الفرق بين الالتحاف و بين التدثّر به، مع أنّه (رحمه اللَّه) جعل الالتحاف به و التوسّد عليه في حكم الافتراش؟! و أمّا زرّ الثياب و أعلامها و السفائف جمع السفيفة: بطان عريض يشدّ به الرحل و القياطين الموضوعة عليها، فعدم البأس بكونها حريراً مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة. و أمّا ما دلّ على عدم جواز الصلاة في ثوب يكون أعلامه ديباجاً، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: و عن الثوب يكون علمه ديباجاً، قال لا يصلّى فيه(وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 8.) ، فمضافاً إلى أنّه معرض عنه عند الأصحاب، معارض بمعتبرة يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريراً، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال(وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 6.) ، و يوسف بن إبراهيم و إن كان مجهولًا إلّا أنّ الراوي عنه صفوان بن يحيى و هو من أصحاب الإجماع. و أمّا عصابة الجروح و القروح و حفيظة المسلوس و رقعة الثوب و الكفّ بالحرير يقال كفّ الثوب: أي خاط حاشيته فعدم البأس بها لعدم صدق لبس الحرير على استعمالها. و في «الجواهر»: أنّ المتّجه إن لم ينعقد إجماع على خلافه جواز كلّ ما لم يكن ملبوساً كالمحمول و الموضوع على اللباس و الجزء كالأعلام و الرقاع ما لم تكثر حتّى تبعث على الاسم، و الملفوف و المشدود كخرق الجبيرة و عصائب الجروح و القروح و حفيظة المسلوس و المبطون. و الموضوع في البواطن كخرقة المستحاضة و غير ذلك، فاللبنة و الكفّ بالأزيد من الأربع و غيرهما على حدٍّ سواء في الجواز، بل لو نسج ثوب طرائق أو لفق من قطع متعدّدة من حرير و غيره صحّ لبسه و الصلاة فيه(جواهر الكلام 8: 133.) انتهى.

ص: 219

ص: 220

و إن كان الأحوط في الكفّ أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً (1).

[ (مسألة 16): قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض]

(مسألة 16): قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض؛ أي الخالص الذي لم يمتزج بغيره، فلا بأس بالممتزج. و المدار على صدق مسمّى الامتزاج، الذي يخرج به عن المحوضة و لو كان الخليط بقدر العشر،


1- وجه الاحتياط في الكفّ و الرقاع بأن لا يزيدا على أربع أصابع مضمومة فتوى جماعة من أصحابنا بالمنع عن الزائد، كالمحقّق و الشهيد الثاني و الفاضل الميسي و غيرهم، و نسبه في «مجمع البرهان» إلى الشهرة. و عن شرح الشيخ نجيب الدين نسبة ذلك إلى الأصحاب. و في «المدارك» في شرح قول المصنّف: «و تجوز الصلاة في ثوب مكفوف به» قال: بأن يجعل في رؤوس الأكمام و الذيل و طول الزيق، و أُلحق به اللبنة؛ و هي الجيب. و قدّر نهاية عرض ذلك بأربع أصابع مضمومة من مستوى الخلقة. و اعلم: أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام المتأخّرين، و استدلّ عليه في «المعتبر» بما رواه العامّة عن عمر: أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى عن الحرير إلّا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع(مدارك الأحكام 3: 180.) انتهى. و في «المستدرك» عن ابن أبي جمهور في «درر اللآلي» عن العلّامة (رحمه اللَّه) قال: نهى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع(مستدرك الوسائل 3: 209، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 15، الحديث 1.)

ص: 221

و يشترط في الخليط من جهة صحّة الصلاة فيه كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وَبَر ما لا يؤكل لحمه؛ و إن كان كافياً في رفع حرمة اللبس. نعم الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه، كما لا تصحّ الصلاة فيه (1).


1- قد تقدّم في ضمن البحث عن المسألة الخامسة عشرة وجه تقييد الحرير بالمحض في حرمة لبسه و عدم جواز الصلاة فيه، و أنّ التقييد بالمحض قد نصّ عليه في الأخبار المعتبرة، فراجع. و المقصود هنا: أنّ المدار في الحكم على صدق الحرير المحض عرفاً؛ فإن كان الخليط مستهلكاً بحيث كان مقداراً يسيراً يصدق مع وجوده الحرير المحض لم يجز لبسه و لا الصلاة فيه، و إن كان بمقدار يخرجه عن اسم الحرير المحض فلا بأس به، و لا يبعد كفاية العشر، بل الأقلّ منه في الإخراج عن الاسم. و يدلّ عليه صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 2.) ، حيث إنّ سدى اللباس و لحمته لا يكون بمقدار عشر تمام اللباس، و مع ذلك يخرجه عن صدق اسم الحرير المحض عليه. ثمّ إنّ الخليط المخرج للحرير عن المحوضة على قسمين: قسم يجوز لبسه و لا يجوز الصلاة فيه كوبر و شعر ما لا يؤكل لحمه، و قسم لا يجوز لبسه و لا الصلاة فيه كالمفتول بالذهب. فالقسم الأوّل ينفع في جواز لبس الحرير فقط؛ لخروجه بالخلط عن كونه محضاً. و القسم الثاني لا ينفع أصلًا؛ لأنّ الحرير و إن خرج بالخلط بالذهب عن المحوضة لكنّه مخلوط بما لا يجوز لبسه، و ما لا يجوز لبسه بما أنّه لبس لا تجوز الصلاة فيه.

ص: 222

[ (مسألة 17): لبس لباس الشهرة]

(مسألة 17): لبس لباس الشهرة و إن كان حراماً على الأحوط، و كذا ما يختصّ بالنساء للرجال و بالعكس على الأحوط، لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة (1).


1- يحرم لباس الشهرة بأن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو سائر خصوصياته فهو حرام على الأقوى. و يدلّ عليه صحيح أبي أيّوب الخزّاز و هو إبراهيم بن عثمان أو ابن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ اللَّه يبغض شهرة اللباس(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 1.) و مرسل عبد اللَّه بن مسكان عن رجل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره أو يركب دابّة تشهره(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 2.) و مرسل عثمان بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الشهرة خيرها و شرّها في النار(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 3.) و رواية أبي سعيد عن الحسين (عليه السّلام) قال من لبس ثوباً يشهره كساه اللَّه يوم القيامة ثوباً من النار(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 4.) و أمّا لبس ما يختصّ للرجال على النساء و بالعكس: فقد استدلّ على حرمته برواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و أبي الحسن (عليه السّلام) في الرجل يجرّ ثيابه، قال إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء(وسائل الشيعة 5: 25، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 13، الحديث 1.) و عن أبي عبد اللَّه عن آبائه (عليهم السّلام) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء، و ينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها(وسائل الشيعة 5: 25، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 13، الحديث 2.) و رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في حديث: لعن اللَّه المحلّل و المحلّل له، و من تولّى غير مواليه، و من ادّعى نسباً لا يعرف، و المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال(وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 87، الحديث 1.) و رواية زيد بن علي عن آبائه عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه رأى رجلًا به تأنيث في مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فقال له اخرج من مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يا من لعنه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ، ثمّ قال عليّ (عليه السّلام) سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول: لعن اللَّه المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال(وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 87، الحديث 2.) و بهذا الاسناد عن علي (عليه السّلام) قال كنت مع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جالساً في المسجد حتّى أتاه رجل به تأنيث، فسلّم عليه، فردّ عليه السلام ثمّ أكبّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلى الأرض يسترجع ثمّ قال: مثل هؤلاء في أُمّتي أنّه لم يكن مثل هؤلاء في أُمّة إلّا عذّبت قبل الساعة(وسائل الشيعة 17: 285، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 87، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ هذه الروايات على فرض تمامية سندها و دلالتها إنّما تدلّ على حرمة التشبّه لا على حرمة مجرّد لبس أحدهما لباس الآخر بما أنّه لبس؛ فلا تدلّ على بطلان صلاة أحدهما في لباس الآخر.

ص: 223

ص: 224

[ (مسألة 18): لو شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره]

(مسألة 18): لو شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه و الصلاة فيه، و كذا ما شكّ أنّه حرير أو غيره و منه ما يُسمّى بالشعري لمن لا يعرف حقيقته، و كذا لو شكّ في أنّه حرير محض أو ممتزج و إن كان الأحوط الاجتناب عنه (1).

[ (مسألة 19): لا بأس بلبس الصبيّ الحرير]

(مسألة 19): لا بأس بلبس الصبيّ الحرير، فلا يحرم على الوليّ إلباسه، و لا يبعد صحّة صلاته فيه أيضاً (2).


1- إذا شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه و الصلاة فيه؛ لأصالة البراءة عن وجوب الاجتناب عنه، و أصالة عدم المانع عنه في الصلاة و كذا إذا شكّ في ثوب أنّه حرير محض أو غيره جاز لبسه و الصلاة فيه؛ لأصالة البراءة و أصالة عدم المانع. إن قلت: إنّ الشكّ في أنّه حرير محض أو غيره شكّ في عروض الامتزاج و الاختلاط، و الأصل عدمه؛ ففي الحقيقة يعلم: أنّ اللباس حرير و الشكّ في عروض الامتزاج، و مقتضى الأصل عدمه. قلت: إنّ المانع هو الحرير بقيد المحوضة، و لا حالة سابقة له حتّى يستصحب، و عدم الامتزاج و إن كانت له حالة سابقة قابلة للاستصحاب بناءً على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي و لكن استصحابه لترتّب المانعية على اللباس بواسطة حكم العقل بكونه محضاً مثبت. و الوجه في الاحتياط بالاجتناب عنه احتمال كون اللباس حريراً في الواقع.
2- الصبي ليس مكلّفاً كي يحرم عليه لبس الحرير، و لا يحرم على وليه تمكينه من لبسه، بل و لا إلباسه؛ لاختصاص أدلّة التحريم بالمكلّفين؛ حتّى قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في رواية «عوالي اللآلي» عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مشيراً إلى الذهب و الحرير هذان محرّمان على ذكور أُمّتي(مستدرك الوسائل 3: 209، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 1.) ، حيث إنّ «الذكور» و إن كان يصدق على الصبي لكن قوله محرّمان قرينة على اختصاصه بالمكلّفين. و لبس الحرير لم يثبت كونه من الأفعال التي هي مبغوضة للشارع بوجودها الخارجي كالسرقة و تنجيس المسجد و عمل الخشب صليباً و صنماً و نحوها ممّا يحرم على الولي تمكين الصبي من إيجادها؛ فيجوز على الولي إلباس الحرير للصبي و تمكينه منه؛ لأصالة البراءة السالمة عن المعارض. و ما يظهر من بعض الروايات من منع وجوده في الخارج للرجال حتّى الصبيان كما في رواية جابر: «كنّا ننزعه من الصبيان و نتركه على الجواري»(انظر جواهر الكلام 8: 122، سنن أبي داود 2: 448/ 4059.) فهو محمول على التنزّه و المبالغة في التورّع، هذا كلّه بالنسبة إلى لبس الصبي الحرير و إلباسه. و أمّا صلاته فيه بناءً على كونها شرعية فلا يبعد صحّتها؛ لانصراف إطلاق أدلّة المانعية، كقوله (عليه السّلام) لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) إلى اللبس المحرّم، و هو مختصّ بالمكلّفين. و في «الجواهر» بعد اختيار عدم حرمة تمكين الولي الصبي من لبس الحرير، قال: لكن لا تصحّ صلاته فيه بناءً على شرعيتها؛ ضرورة كون المعتبر فيها ما يعتبر في صلاة المكلّف؛ و لذا جعلوا مورد البحث في التشريع و التمرين ما لو جاء بها جامعة للشرائط فاقدةً للموانع التي تراد من المكلّف(جواهر الكلام 8: 122.) انتهى.

ص: 225

ص: 226

[ (مسألة 20): لو لم يجد المصلّي ساتراً]

(مسألة 20): لو لم يجد المصلّي ساتراً حتّى الحشيش و الورق يصلّي عرياناً قائماً على الأقوى إن كان يأمن من ناظر محترم، و إن لم يأمن منه صلّى جالساً، و في الحالين يومئ للركوع و السجود، و يجعل إيماءه للسجود أخفض، فإن صلّى قائماً يستر قُبُله بيده، و إن صلّى جالساً يستره بفخذيه (1).


1- لو لم يجد المصلّي ساتراً حتّى الحشيش و الورق، و حتّى الطين أو الوحل أو الماء الكدر أو حفرة يلج فيها و يتستّر بها و نحو ذلك ممّا يحصل ستر العورة به على القول به و أمن من ناظر محترم يصلّي عرياناً قائماً. و إن لم يأمن منه يصلّي جالساً. و في الحالين يومئ للركوع و السجود بمقدار لا تبدو عورته. وجه وجوب الصلاة قائماً مع الإيماء للركوع و السجود صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب و ليس عليه إلّا ثوب فأجنب فيه و ليس يجد الماء، قال يتيمّم و يصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 3.) و في بعض الروايات: أنّه يصلّي قائماً بدون ذكر الإيماء، كما في صحيح عبد اللَّه بن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل عريان ليس معه ثوب، قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائماً(وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 2.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال في حديث و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّي قائماً(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 4.) و وجه وجوب الصلاة جالساً مع الإيماء للركوع و السجود صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال يصلّي إيماءً، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما قال و إن كانا في ماء أو بحر لجيّ لم يسجدا عليه و موضوع عنهما التوجّه فيه يوميان في ذلك إيماءً، رفعهما توجّه و وضعهما(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قوم قطع عليهم الطريق و أُخذت ثيابهم فبقوا عراتاً و حضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماءً بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) و رواية وهب بن وهب أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) أنّه قال من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّ الأخبار المذكورة بعضها دالّ على وجوب الصلاة قائماً لفاقد الساتر، و بعضها دالّ على وجوبها جالساً، و مقتضى الجمع بينها هو أنّ وجوبها قائماً لمن يأمن من ناظر محترم و جالساً لمن لا يأمن منه. و يدلّ على هذا الجمع بعض الأخبار المذكورة، كصحيح عبد اللَّه بن مسكان المتقدّم قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائماً ، و بعض ما لم يذكر من الأخبار كمرسلة ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة، قال يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 3.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال: و روى في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة إنّه يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 5.) هكذا قيل في وجه الجمع. و الروايات المذكورة صريحة في وجوب الصلاة قائماً لمن لا يراه أحد، و وجوبها جالساً لمن يراه أحد. و احتمل المحقّق (رحمه اللَّه) في «المعتبر» تخيير العاري بين الصلاة قائماً مومئاً و جالساً كذلك؛ لتعارض أخبارهما و عدم الشاهد على الجمع بينها بحمل الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة قائماً على من يأمن من النظر، و حمل الدالّة على وجوبها جالساً على من لا يأمن منه؛ قائلًا بأنّ الشاهد على الجمع المذكور مرسلة الصدوق و مرسلة ابن مسكان المتقدّمتان و صحيح عبد اللَّه بن مسكان المتقدّم. أمّا المرسلتان فليستا حجّتين، و أمّا صحيح ابن مسكان فقد قيل في ترجمته: إنّه قليل الرواية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و حكي عن يونس أنّه لم يرو عن الصادق (عليه السّلام) إلّا حديثاً واحداً في الحجّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ(انظر مستمسك العروة الوثقى 5: 398، المعتبر 2: 105.) و فيه: أنّ المرسلة المنجبرة بعمل المشهور حجّة، و رواية ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) على ما في رجال السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) تبلغ خمسة و ثلاثين مورداً في الكتب الأربعة، و صرّح في بعض تلك الروايات بأنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أنّه سمع أبا عبد اللَّه (عليه السّلام). و في حاشية «الوسائل»(وسائل الشيعة 3: 327، الهامش 7،( ط مكتبة الإسلامية).) : و إسناد الخبر أي صحيح عبد اللَّه بن مسكان المتقدّم إلى أبي جعفر (عليه السّلام) اشتباه؛ لأنّ ابن مسكان لا يروي عن أبي جعفر (عليه السّلام)، فالصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) كما تقدّم سابقاً، بل روايته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيضاً لا يخلو عن إشكال؛ فالقويّ إرسال الخبر و اتّحاده مع ما تقدّم تحت رقم (3)، انتهى كلامه. مراده ممّا تقدّم تحت رقم (3) مرسل ابن مسكان عن بعض أصحابه المتقدّم. و في المسألة احتمالات بل أقوال أُخر: أحدها: وجوب الصلاة قائماً مطلقاً؛ لترجيح أخبارها على أخبار الصلاة جالساً. ثانيها: الصلاة جالساً مطلقاً؛ لترجيح أخبارها. ثالثها: صلاة المختار إذا كان المصلّي بحيث لا يراه أحد فيركع و يسجد بوجهه لا مومئاً، ذهب إليه ابن زهرة و ادّعى عليه الإجماع، و قوّاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه)، و استدلّ عليه بالأصل، و مرسل أيّوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 2.) ، و موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّم و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) ، و بالإجماع المنقول عن ابن زهرة. و أُجيب عنه بأنّ الأصل لا مجال له مع الدليل؛ حتّى لو كان المراد به إطلاق دليل وجوب الركوع و السجود فإنّه مقيّد بالصحيح. و مرسل أيّوب بن نوح مختصّ بخصوص الحفيرة، مضافاً إلى أنّه ضعيف بالإرسال الغير المنجبر. و موثّق إسحاق بن عمّار مورده المأمومون لا المنفرد. و الإجماع معلومٌ عدم تحقّقه. و الوجه في جعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع ما ادّعاه الشهيد (رحمه اللَّه) في «الذكرى» من نسبته للأصحاب، و لعلّه لرواية أبي البختري المتقدّم يجعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.) ، و في «الجواهر»: و لتحصيل الفرق بينهما بالمناسب الذي يمكن استفادة اعتباره مع التمكّن منه من النصوص في المريض و غيره(جواهر الكلام 8: 201.) انتهى. و النصوص إشارة إلى ما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) مرسلًا قال و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): المريض يصلّي قائماً، فإن لم يستطع صلّى جالساً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماءً و جعل وجهه إلى القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) و نحوه مرسل آخر له (رحمه اللَّه) في الباب(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 16.) و في موثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة في السفر. إلى أن قال و ليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلًا، و إن كان راكباً فليصلّ على دابّته و هو راكب، و لتكن صلاته إيماءً، و ليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 4: 331، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 14.) و وجه ستر قُبله بيده فيما إذا صلّى قائماً صحيح زرارة المتقدّم و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) و أمّا ستر قبله بفخذيه فلعلّه لأدلّة وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم. و وجوب سترها عنه لا يختصّ بحال الصلاة، بل يمكن أن يقال: إنّ ستر القُبل باليد حال القيام أيضاً كذلك؛ فالستر باليد و بالفخذ ستر نظري لا صلاتي. و العجب من المصنّف (رحمه اللَّه) حيث أفتى في المسألة السابعة من مسائل «الستر و الساتر» بأنّ الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر و لو باليد و أنّ الستر الصلاتي لا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار، و أفتى هنا بوجوب ستر القُبل باليد للمصلّي قائماً و بالفخذين له جالساً.

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

ص: 231

[ (مسألة 21): يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر]

(مسألة 21): يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر، و احتمل وجوده في آخره، و لكن عدم الوجوب لا يخلو من قوّة (1).


1- يجب على المصلّي تحصيل الساتر مع الإمكان كغيره من الشرائط المعتبرة في الصلاة، و لو فقده في أوّل الوقت مع العلم أو الظنّ بوجدانه في آخره وجب عليه التأخير. و يجوز له البدار و إتيانها في أوّل الوقت عارياً مع العلم أو الظنّ بفقدانه إلى آخره. و هل يجوز له البدار إلى فعلها عارياً مع سعة الوقت و احتمال وجدانه في الأثناء أو آخر الوقت، أو لا يجوز؟ ذهب جماعة من فقهائنا منهم المصنّف (رحمه اللَّه) إلى أنّه يجوز البدار و إن كان الأحوط التأخير إلى آخر الوقت؛ و ذلك لإطلاق أدلّة البدلية المقتضية لجواز البدار لذوي الأعذار، و لإطلاق أدلّة صلاة العاري و أنّه إذا حضر وقت الصلاة يصلّي عارياً و لا يجب عليه الانتظار. و خبر أبي البختري الدالّ بظاهره على تأخيرها إلى آخر الوقت لا يعارض إطلاق صلاة العاري؛ لضعفها سنداً بأبي البختري العامّي أكذب البرية، و دلالةً لأنّ لفظة «لا ينبغي» ظاهرة في استحباب التأخير. و قال جماعة منهم السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بوجوب التأخير إلى آخر الوقت؛ لأنّ البدل الاضطراري يجزي عن المأمور به الواقعي الاختياري ما دام لم ينكشف الخلاف في الوقت، فالتكليف بالصلاة عارياً لفاقد الساتر تكليف عذري يتوقّف صحّته على استيعاب العذر للوقت. و المختار هو القول الأوّل، و وجهه مضافاً إلى إطلاق أدلّة صلاة العاري صحيح علي بن جعفر و موثّق إسحاق بن عمّار و مرسل ابن مسكان المتقدّمة حيث ذكرت فيها لفظة «حضرت الصلاة» «فتدركه الصلاة»، و هي ظاهرة في دخول وقت الصلاة؛ فلو كان التأخير واجباً لكان عليه سلام اللَّه عليه البيان، و مع ذلك فالاحتياط بالتأخير حسن.

ص: 232

ص: 233

[المقدّمة الرابعة: في المكان]

المقدّمة الرابعة: في المكان

[ (مسألة 1): كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلّا المغصوب عيناً أو منفعة]

(مسألة 1): كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلّا المغصوب عيناً أو منفعة، و في حكمه ما تعلّق به حقّ الغير، كالمرهون، و حقّ الميّت إذا أوصى بالثلث و لم يُخرج بعدُ، بل ما تعلّق به حقّ السبق؛ بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة مثلًا و لم يُعرض عنه على الأحوط (1).


1- لا يجوز الصلاة في مكان مغصوب عينه أو منفعته، كما إذا كان المكان في إجارة شخص فمنفعته مال للمستأجر، و لا يجوز لغيره مزاحمته و الصلاة فيه حتّى للمالك و مأذونه. و كذا لا يجوز في مكان تعلّق به حقّ الغير، كالمكان المرهون فإنّه و إن كان ملكاً للراهن إلّا أنّ الإجماع قام على حرمة تصرّف الراهن في ملكه المرهون المتعلّق به حقّ المرتهن بدون إجازة المرتهن. و لا يجوز أيضاً فيما تعلّق به حقّ الميّت، كالمال الموصى به؛ فلا يجوز التصرّف فيه أيّ تصرّف كان و منه الصلاة فيه؛ لكونه باقياً على ملك الميّت ما لم يخرج بعد، هذا إذا تعلّقت الوصية بعين الموصى به أو بها بنحو الإشاعة. و أمّا إذا تعلّقت بها بنحو الكلّي في المعيّن كإحدى قطعات الأرض المتساوية مثلًا فيجوز التصرّف فيها كلّها حتّى تبقى واحدة؛ فلا يجوز التصرّف في الإحدى الباقية منها. و أمّا ما تعلّق به حقّ السبق من الأمكنة العامّة كالمسجد و غيره ففي بطلان صلاة الغاصب فيه و عدمه وجهان بل قولان، مبنيان على أنّ المكان المذكور قد تعلّق به حقّ الغير بواسطة السبق فالمتصرّف فيه متصرّف في حقّ الغير عدواناً فتبطل صلاته. و أنّ المكان المذكور و إن كان قد تعلّق به حقّ السابق و لكن لا يختصّ به، بل فيه حقّ لكلّ من صلّى فيه؛ فالمسبوق الذي أخذ المكان من السابق إليه قهراً له حقّ التصرّف فيه أيضاً كغيره، و لكنّه آثم بمزاحمته للسابق. و في «الجواهر» قوّى عدم البطلان، و علّله بأصالة عدم تعلّق الحقّ للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه؛ سواء كان هو الدافع أو غيره و إن أثم بالدفع المزبور؛ لأولويته إذ هي أعمّ من ذلك قطعاً. و ربّما يؤيّده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة. مضافاً إلى ما دلّ على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق المزبور؛ إذ عدم جواز المزاحمة أعمّ من ذلك، فتأمّل(جواهر الكلام 8: 286.) انتهى. الأقوى: هو البطلان؛ لأنّ كونه فيه و إن كان ينطبق عليه عنوان استيفاء حقّه المشترك و لكنّه مزاحمة مبغوضة للشارع و لا يصلح للتقرّب به إلى المولى جلّ شأنه. مضافاً إلى أنّ البطلان مشهور بين الفقهاء. و يؤيّده مرسل محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: نكون بمكّة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربّما خرج الرجل يتوضّأ فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه و ليله(وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 56، الحديث 1.) و رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): سوق المسلمين كمسجدهم؛ فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل، و كان لا يأخذ على بيوت السوق كراء(وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 56، الحديث 2.) ثمّ إنّ جماعة من فقهائنا استدلّوا على اشتراط إباحة مكان المصلّي و بطلان الصلاة في المغصوب بامتناع اجتماع الأمر و النهي في شي ء واحد و إن كان ذا جهتين: فعن الشهيد في «الذكرى»: أنّ الحركات و السكنات أجزاء حقيقية من الصلاة و هي منهيّ عنها(ذكرى الشيعة 2: 77.) و في «المدارك»: أجمع العلماء كافّة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار، و أطبق علماؤنا على بطلانها أيضاً؛ لأنّ الحركات و السكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض؛ فلا تكون مأموراً بها؛ ضرورة استحالة كون الشي ء الواحد مأموراً به و منهياً عنه(مدارك الأحكام 3: 217.) انتهى. و حاصل استدلالهم على البطلان: أنّ العبادة لا بدّ فيها من قصد امتثال أمرها، و لا أمر بها مع تعلّق النهي بها و لو بجزئها؛ لاستحالة كون الشي ء المنهي عنه مأموراً به. و فيه: أنّ مجرّد استحالة اجتماع الأمر بشي ء مع النهي لا يكفي في بطلان الصلاة؛ لإمكان حصول التقرّب بملاك العبادة و محبوبيتها الذاتية و كونها ذا مصلحة، حيث إنّ بعض القائلين بامتناع الترتّب في مسألة اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه قائل بصحّة العبادة إذا زاحمها الضدّ الأهمّ؛ لبنائه على إمكان التقرّب بالملاك مع اعتقاده بعدم معقولية الأمر بالضدّين المتزاحمين. و الأولى في الاستدلال على البطلان كما أشرنا إليه فيما تعلّق به حقّ الغير أنّه لا بدّ في العبادة من نية القربة، و لا يحصل التقرّب بما هو منهي عنه و مبغوض للمولى. قال المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه»: إنّ عمدة المستند إنّما هي استحالة التعبّد بما يوجب استحقاق العقاب عليه و يتحقّق به المعصية، و حيث إنّه يعتبر في الصلاة وقوعها بنية التقرّب فلا بدّ من أن لا يتّحد شي ء من أفعالها مع ماهية الغصب، و إلّا فيفسد ذلك الجزء و يبطل لأجله الصلاة(مصباح الفقيه، الصلاة: 173/ السطر 10.) انتهى.

ص: 234

ص: 235

ص: 236

و إنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالماً بالغصبيّة و كان مختاراً؛ من غير فرق بين الفريضة و النافلة، أمّا الجاهل بها و المضطرّ و المحبوس بباطل فصلاتهم و الحالة هذه صحيحة (1)،


1- لا يخفى: أنّ بطلان الصلاة في المغصوب ليس إلّا لأجل كونها منهيّاً عنها مبغوضة للمولى جلّ شأنه و لا يتمشّى قصد القربة بها مع العلم بالغصبية و الالتفات و العمد و الاختيار، و متى لم يلتفت إلى الجهة المقبّحة و كونه غصباً للجهل به قصوراً أو لم تكن اختيارية كالمضطرّ و منه المحبوس بباطل لم تبطل صلاته؛ لعدم اتّصافها حينئذٍ إلّا بالجهات المحسّنة. و أمّا المحبوس في مكان مغصوب مع استحقاقه الحبس فتبطل صلاته؛ لأنّ الحبس و إن كان غير اختياري له إلّا أنّ ارتكابه للخلاف الموجب للحبس كان اختيارياً، و ما ينتهي بالأخرة إلى الاختيار لا ينافي الاختيار. و أمّا الجاهل المقصّر فهو كالعامد في اتّصاف فعله بالقبح و صحّة المؤاخذة عليه؛ فلا يقع عبادة. ثمّ إنّ الوجه في عدم الفرق في بطلان الصلاة في المغصوب بين الفريضة و النافلة، إطلاق كلام الأصحاب و أنّه مع العلم و الاختيار لا يتمشّى قصد القربة بالنافلة كالفريضة فيما كان الفعل مبغوضاً للمولى. و نسب إلى المحقّق (رحمه اللَّه) جواز النافلة في المغصوب معلّلًا بأنّ الكون فيها ليس جزءً منها و لا شرطاً فيها. و قال كاشف اللثام في توجيه كلام المحقّق: يعني أنّها تصحّ ماشياً مومئاً للركوع و السجود؛ فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به. و الحقّ: أنّها تصحّ أن فعلها كذلك، لا أن قام و ركع و سجد فإنّ هذه الأفعال و إن لم يتعيّن عليه فيها لكنّها أحد الأفراد الواجب فيها. و قطع في «التذكرة» و «نهاية الإحكام» بتساوي الفرائض و النوافل في البطلان، و كأنّه يريد إذا قام و ركع و سجد لا إذا مشى و أومأ و هو خارج(كشف اللثام 3: 274.) انتهى. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بما ملخّصه: أنّ النافلة ليست مجرّد النية و الخطور القلبي للصلاة، بل لا بدّ فيها من التلفّظ بالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و التشهّد و التسليم، و بالتلفّظ و إن كان يحرّك فمه في ملك الغير، لكنّه لا يعدّ عرفاً تصرّفاً في ملك الغير، و قوّاه كاشف الغطاء في «كشفه»، فيتمّ القول بصحّة النافلة في المغصوب بمعنى فعل غير ذات الكون(جواهر الكلام 8: 287 288.)

ص: 237

و كذا الناسي لها إلّا الغاصب نفسه، فإنّ الأحوط بطلان صلاته (1)،


1- قد تقدّم في بيان اشتراط الإباحة في لباس المصلّي في شرح قول المصنّف (رحمه اللَّه): «و كذا مع النسيان، إلّا في الغاصب نفسه فلا يترك الاحتياط بالإعادة» أنّ الناسي مطلقاً معذور؛ لحديث الرفع و عدم توجّه النهي إليه حال النسيان، من غير فرق بين الغاصب نفسه و غيره. و الاحتياط للغاصب نفسه بالإعادة بعد زوال النسيان لا ينبغي تركه؛ لفتوى جماعة ببطلان صلاة ناسي الغصب، كالعلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و المحكي عن «نهاية الإحكام» و «الإيضاح» و «روض الجنان» و غيرها.

ص: 238

و صلاة المضطر كصلاة غيره بقيام و ركوع و سجود (1).

[ (مسألة 2): الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها]

(مسألة 2): الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها، و يرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي، و لا تجوز أيضاً في الأرض المشتركة إلّا بإذن جميع الشركاء (2).


1- يعني أنّ المضطرّ إلى الكون في مكان مغصوب يصلّي صلاة المختار في مكان مباح بقيام و ركوع و سجود؛ لأنّ الضرورة تبيح المحذور؛ فلا تتّصف صلاته بالقبح الناشي من ناحية النهي المفروض عدم توجّهه إليه بالاضطرار الذي هو عذر عقلًا و شرعاً.
2- بطلان الصلاة في الأرض المغصوبة المجهول مالكها لعين ما ذكر في المغصوبة المعلوم مالكها من عدم تحقّق قصد التقرّب، و رجوع أمر الأرض المجهول مالكها إلى الحاكم الشرعي لولايته على المال المجهول مالكه. و الأرض المشتركة مشاعاً كالأرض المختصّة لمالك خاصّ. فلو رضي الشركاء كلّهم بالصلاة فيها إلّا واحد منهم بطلت الصلاة فيه؛ لعين ما ذكر سابقاً من كون الفعل منهياً عنه مبغوضاً للمولى، فلا يصلح لأن يتقرّب به إليه.

ص: 239

[ (مسألة 3): لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب]

(مسألة 3): لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، و في الخيمة المغصوبة، و الصهوة و الدار التي غصب بعض سؤرها إذا كان ما يصلّي فيه مباحاً؛ و إن كان الأحوط الاجتناب في الجميع (1).


1- اختلف فقهاؤنا في صحّة الصلاة تحت السقف المغصوب و في الخيمة المغصوبة و الصهوة البرج في أعلى الجبل و الدار التي غصب بعض سورها مع كون مكان المصلّي مباحاً غير مغصوب؛ فعن الشهيدين في «البيان» و «الروض» القول بالصحّة، و قوّاه صاحب «الجواهر» و أكثر المحشّين ل «العروة الوثقى». و علّله في «الجواهر» بقوله: للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة و بين كون الصلاة نفسها تصرّفاً منهياً عنه، و المتحقّق في الفرض الأوّل؛ إذ الأكوان من الحركات و السكنات في الفضاء المحلّل، و يقارنها الانتفاع حالها بالمحرّم، و هو أمر خارج عن تلك الأكوان لا أنّها أفراده؛ ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلّي في أفراده. ثمّ إنّه (رحمه اللَّه) حكى عن بعض الأعيان القول بأنّه يعتبر في المكان الإباحة بحيث لا يتوجّه إليه منع التصرّف أو الانتفاع بوجه من الوجوه في أرض أو فضاء أو فراش أو خيمة أو صهوة أو أطناب أو حبال أو أوتاد أو خفّ أو نعل أو مركوب أو سرجه أو وطأه أو رحله أو نعله أو باقي ما اتّصل به أو بعض منها مع الدخول في الاستعمال و إن قلّ، أو سقف أو جدار أو بعض منهما و لو حجر واحد. و إباحة البيت مع إحاطة جدار الدار المغصوب لا يخرجه من حكم المغصوب، بخلاف سور البلد(جواهر الكلام 8: 291.) انتهى. و حكى أيضاً القول المذكور عن علماء البحرين و أنّهم أضافوا على المذكورات جدران سور البلد. و أجاب عنهم بوضوح الفرق بين الانتفاع بالشي ء حال الصلاة و بين كون الصلاة نفسها استعمالًا و تصرّفاً في الشي ء، و أنّ الموجب لبطلان الصلاة هو الثاني. و قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: إذا كان المكان مباحاً و كان عليه سقف مغصوب فإن كان التصرّف في ذلك المكان يعدّ تصرّفاً في السقف بطلت الصلاة فيه، و إلّا فلا. فلو صلّى في قبّة سقفها أو جدرانها مغصوب و كان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار، أو كان عسراً و حرجاً كما في شدّة الحرّ أو شدّة البرد بطلت الصلاة، و إن لم يعدّ تصرّفاً فيه فلا. و ممّا ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة؛ فإنّها تبطل إذا عدّت تصرّفاً في الخيمة، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً كما هو الغالب إذ في الغالب يعدّ تصرّفاً فيها، و إلّا فلا(العروة الوثقى 1: 576، المسألة 3.) انتهى. و قال الحائري (رحمه اللَّه) مؤسّس حوزة قم بعدم البطلان تحت السقف المغصوب، و تردّد في البطلان تحت الخيمة المغصوبة فقال: و لو صلّى تحت الخيمة المغصوبة فهل يحكم بصحّة صلاته أو البطلان؟ من أنّه كمن صلّى تحت سقف مغصوب و لم يكن لبطلان صلاته موجب بعد كون الأرض التي يتصرّف فيها مباحة، و من ظهور الفرق بينهما بأنّ التصرّف في الخيمة عبارة عن التعيّش تحت فيئها بخلاف التصرّف في السقف؛ فالدليل الدالّ على حرمة التصرّف في مال الغير يدلّ على حرمة الكون تحت الخيمة المغصوبة. نعم لو كان بعض أطنابها أو أوتادها مغصوباً لا يوجب حرمة الكون تحتها، كما إذا غصب بعض جدار الدار(الصلاة، المحقّق الحائري: 83.) انتهى. و الحقّ ما اختاره صاحب «الجواهر» من أنّ الصلاة تحت الخيمة كالصلاة تحت السقف لا يطلق عليها عرفاً أنّه تصرّف في الخيمة أو السقف، بل يقال عرفاً: إنّه انتفع بهما؛ حتّى في الفرض الذي ذكره السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» من أنّه لا يمكنه الصلاة في المكان المباح بدون السقف و الخيمة؛ إذ لا يصدق عرفاً أنّه صلّى في المغصوب و إن كان السقف و الخيمة مغصوبين.

ص: 240

ص: 241

[ (مسألة 4): لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة]

(مسألة 4): لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة، تبطل الصلاة فيها، إلّا إذا جعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد، و كذا لا يجوز التصرّف مطلقاً في تركة الميّت، المتعلَّقة للزكاة و الخمس و حقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه. و كذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة، بل و غير المستغرق، إلّا مع رضا الديّان، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين. و الأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضاً (1).


1- هنا فروع: الأوّل: أنّه إذا اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة يكون الشراء بالنسبة إلى مقدار الخمس و الزكاة فضولياً، فإن أجازه من له ولاية على أهل الخمس و الزكاة تكون الدار مشتركة بينه و بين السادة و الفقراء، و لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في مال الشركة بدون إذن الشريك الآخر فتبطل صلاته، إلّا إذا جعل حقّهم في ذمّته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد. و إن لم يجزه يكون الشراء باطلًا و كانت الدار باقية على ملك مالكها الأوّل، و صحّة الصلاة فيها منوطة بإذنه. الثاني: إذا تعلّق بماله الخمس أو الزكاة أو حقوق الناس كالمظالم بنحو الإشاعة و مات لا يجوز للورثة و لا لغيرهم التصرّف في ذلك المال أيّ تصرّف كان و لو كان بإذن الورثة، فتبطل الصلاة فيه قبل أداء حقّ الغير؛ لما ذكرنا مراراً من تعلّق النهي على التصرّف في مال الغير. الثالث: إذا كان للميّت دين مستغرق للتركة كلّها أو غير مستغرق فلا يجوز للورثة و لا لغيرهم التصرّف في التركة المستغرقة؛ لكونها كلّها للديّان، و كذا في الغير المستغرقة؛ لكونها مشتركة بين الورثة و الغرماء؛ فلا يجوز تصرّف أحدهما بدون رضا الآخر. و وجه الاحتياط في الاسترضاء من ولي الميّت مع رضا الديّان على التصرّف في تركة الميّت هو وجود القول على بقاء المقدار المساوي للدين و الوصية من مال الميّت على ملك الميّت ما دام لم يؤدّ إلى مورده و زمام أمره بيد ولي الميّت؛ فكما أنّ جواز التصرّف فيه موقوف على إذن الديّان و الموصى له كذلك يحتاج إلى إذن ولي الميّت أيضاً. و نسب إلى «جامع المقاصد» الفرق بين المستغرق لتمام التركة و غير المستغرق؛ بالمنع عن التصرّف في الأوّل دون الثاني. و قد يستشهد للفرق بصحيح البزنطي أنّه سئل عن رجل يموت و يترك عيالًا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال إن استيقن أنّ الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فينفق عليهم من وسط المال(وسائل الشيعة 19: 332، كتاب الوصايا، الباب 29، الحديث 1.) ، و مثله موثّق عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 19: 332، كتاب الوصايا، الباب 29، الحديث 2.) الرابع: أنّه لا يجوز التصرّف في مال الميّت لا للورثة و لا لغيرهم فيما لو كان بعض الورثة قصيراً أو غائباً أو نحو ذلك. و وجهه يعلم ممّا ذكرنا من أنّ المال مشترك لا يجوز التصرّف فيه لأحد من الشركاء إلّا برضا الآخرين.

ص: 242

ص: 243

[ (مسألة 5): المدار في جواز التصرّف و الصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه]

(مسألة 5): المدار في جواز التصرّف و الصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه و طيب نفسه و إن لم يأذن صريحاً؛ بأن علم ذلك بالقرائن و شاهد الحال، و ظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانيّاً لا يُعتنى باحتمال خلافه، و ذلك كالمضائف المفتوحة الأبواب و الحمّامات و الخانات و نحو ذلك (1).


1- لا يخفى: أنّ جواز التصرّف في ملك الغير و الصلاة فيه دائر مدار إحراز رضاه علماً أو ظنّاً معتبراً، كالبيّنة و خبر الثقة بناءً على اعتباره في الإخبار عن الموضوعات كالإخبار عن الأحكام و لا يشترط فيه الإذن الصريح من المالك، و إن صرّح به في بعض الأخبار كالتوقيع الشريف المفصّل الوارد عن صاحب الدار (عليه السّلام) إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللَّه روحه في جواب مسائله المربوط بعضها بأموالهم و الأنفال و التصرّف فيها بغير إذنهم (عليهم السّلام)، فوقّع (عليه السّلام) فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه(وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.) و الوجه في عدم اشتراط الإذن الصريح من المالك: هو أنّ الإذن معتبر بما أنّه طريق إلى إحراز رضا المالك و طيب نفسه؛ فالمعتبر في الحقيقة رضا المالك و طيب نفسه، و الإذن أحد الطرق إليه. و يدلّ عليه موثّق سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه(وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.) بقي في المقام شي ء: و هو أنّ المضائف المفتوحة الأبواب و الحمّامات و الخانات و نحو ذلك يجوز التصرّف فيها لا لكلّ من ورد فيها و لو لغير استيفاء ما هو المقصود منها، بل لخصوص الضيوف و من يستفيد من الحمّامات و الخانات في مقابل الأُجرة، و قد يعترض على من ورد فيها و لا يستفيد منها استفادة مناسبة لها إلّا الصلاة فيها، و يقال له: إنّ هذا المكان ليس مسجداً و معدّاً لصلاتك، فيشكل حينئذٍ صلاته من غير استئذان.

ص: 244

[ (مسألة 6): يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة]

(مسألة 6): يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة، كالصحاري و المزارع و البساتين التي لم يُبنَ عليها الحيطان، بل و سائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة، كالاستطراقات العاديّة غير المضرّة، و الجلوس و النوم فيها و غير ذلك، و لا يجب التفحّص عن ملّاكها؛ من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار و المجانين. نعم مع ظهور الكراهة و المنع عن ملّاكها و لو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها، يشكل جميع ما ذكر و أشباهها فيها إلّا في الأراضي المتّسعة جدّاً، كالصحاري التي من مرافق القرى و توابعها العرفيّة و مراتع دوابّها و مواشيها، فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة و المنع (1).


1- لا يخفى: أنّ العمدة في جواز التصرّف بتصرّفات يسيرة و منها الصلاة في الأراضي المتّسعة هي السيرة القطعية التي ادّعاها جماعة كثيرة من فقهائنا، و جزم كاشف الغطاء بعدم مراعاة إذن المالك فيما يلزم العسر و الحرج و الضرر. و ناقش فيه تلميذه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعدم اقتضاء نفي الحرج و الضرر حلّ أموال المسلمين المحرّمة في الكتاب و السنّة و فطرة العقل مجّاناً بلا عوض. و فيه: أنّ أدلّة نفي الحرج و الضرر تبيح التصرّف في مال الغير بمقدار دفع الضرر و الحرج عن المتصرّف فيما لم يوجب التصرّف فيه ضرراً و حرجاً للغير. و وجه تقييد الأراضي المتّسعة بعدم بناء الحيطان عليها هو أنّ بناء الحيطان قرينة واضحة على كون الأرض حريماً لا يجوز الدخول فيها بدون إذن مالكها، فضلًا عن التصرّفات و الصلاة فيها. و المختار عندنا في المسألة: أنّه يجوز التصرّف في الأراضي المتّسعة جدّاً بتصرّفات يسيرة غير مضرّة و الصلاة فيها فيما لم يعلم كراهة مالكها، و لا يجب التفحّص عن وجود مالكها. و أمّا مع العلم بكراهته و عدم طيب نفسه لا يجوز التصرّف فيه؛ لقوله (عليه السّلام) لا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، و المفروض هو العلم بكراهته و عدم طيب نفسه من غير فرق بين كون مالك الأرض المتّسعة كاملًا أو قاصراً مع العلم بكراهة وليه.

ص: 245

[ (مسألة 7): المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه، ما استقرّ عليه المصلّي]

(مسألة 7): المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه، ما استقرّ عليه المصلّي و لو بوسائط على إشكال فيه، و ما شغله من الفضاء في قيامه و ركوعه و سجوده و نحوها، فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة، و قد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح، و كالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة (1).


1- اختلف عبارات الفقهاء في تعريف مكان المصلّي باعتبار إباحته؛ فعن «الإيضاح»: أنّه في عرف الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي و لو بوسائط، و ما يلاقي بدنه و ثيابه، و ما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من مواضع الصلاة كما يلاقي مساجده و يحاذي بطنه و صدره. و أورد عليه في «جامع المقاصد» و «المدارك» و «الروض» و غيرها بأنّه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب، و كذا واضع الثوب المغصوب الذي لا هواء له بين الركبتين و الجبهة؛ و لذا عدل إلى تعريفه بأنّه الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي أو يستقرّ عليه و لو بوسائط. و عرّفه الشهيد الثاني في «شرح اللمعة» بأنّ المراد به هنا ما يشغله من الحيّز أو يعتمد عليه و لو بواسطة أو وسائط. و قال المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» و نعم ما قال و هو عرفاً موضعه؛ أي محلّه الذي يستقرّ عليه حال تشاغله بأفعال الصلاة من القيام و القعود و الركوع و السجود و غيرها، و لكن المراد به في المقام ما يعمّ الفضاء الذي يشغله المصلّي. إلى أن قال: و كيف كان فلا يترتّب على شرح مفهومه عرفاً أو لغة أو اصطلاحاً فائدة مهمّة؛ لأنّ الأحكام اللاحقة له التي يقع البحث عنها في هذا المبحث بأسرها معلّقة بحسب أدلّتها على موضوعات لا تتوقّف معرفة شي ء منها على صدق مفهوم المكان(مصباح الفقيه، الصلاة: 169/ السطر 22.) انتهى. و إشكال المصنّف (رحمه اللَّه) فيما استقرّ عليه بوسائط يفرض فيما كان الفضاء مباحاً للمصلّي دون رقبة الأرض، و لم يكن استقراره على نفس الأرض؛ أي لا يكون بدنه ملاصقاً عليها، بل على سرير مثلًا و استقرّ السرير على الأرض، و كان تصرّفه في نفس السرير مباحاً، هذا. و قد تأمّل صاحب الجواهر (رحمه اللَّه) في البطلان فيما لم يكن ما استقرّ عليه المصلّي غصباً، حيث إنّه (رحمه اللَّه) بعد نسبة البطلان فيما لم يكن ما استقرّ عليه المصلّي غصباً إلى القيل، قال: و الحقّ أنّ الهواء لا يملك، نعم لصاحب الدار أولوية بالفضاء المقابل، و قال في «الشافية» تارة أُخرى: الرابع الرواشن و الأجنحة الخارجة إلى حيث يكون ما تحتها ملك غيره، و كذا الحفائر العميقة بحيث يكون ما فوقها ملك غيره مع عدم الضرر، فإن قلنا: إنّه لا يملك إلّا ما جرت به العادة و كانت هذه خارجة عنه جازت الصلاة فيها، و إن قلنا: إنّه يملك إلى عنان السماء و تخوم الأرض احتمل الصحّة في نحو الأجنحة أيضاً؛ لأنّ المغصوب إنّما هو الهواء، و هو ملاصق للمصلّي؛ فلا يقدح في الصحّة كالحائط و السقف المغصوبين(جواهر الكلام 8: 278.) انتهى.

ص: 246

ص: 247

[ (مسألة 8): الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة]

(مسألة 8): الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة، لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع، و بالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما، لكن الأحوط ترك ذلك. و لا فرق فيه بين المحارم و غيرهم، و لا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين، بل يعمّ الحكم الزوج و الزوجة أيضاً. و ترتفع الكراهة بوجود الحائل و بالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد، و الأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه؛ و إن لا تبعد كفاية مطلقهما (1).


1- قد أفتى جماعة من فقهائنا بأنّ من شرائط المصلّي أن لا يصلّي الرجل و المرأة في مكان واحد بحيث تكون المرأة مقدّمة على الرجل أو مساوية له إلّا مع الحائل أو بفاصلة عشرة أذرع بذراع اليد. و في «الجواهر» مزجاً بالمتن: و لا يجوز أن يصلّي الرجل و إلى جانبه امرأة محاذية له و لم يحصل ما تسمعه من الحائل و نحوه، تصلّي، عند الشيخين و الحلبيين و ابني حمزة و البرّاج و الفاضل في «تلخيصه» و الحلّي، مع التقييد بالعمد على ما حكي عن البعض، أو أمامه كما نصّ عليه الشيخ و ابن حمزة و ابن زهرة و الحلبي في «الإشارة»، بل لعلّه مراد الجميع و إن لم يتعرّضوا له لمعلومية أولويته. إلى أن قال (رحمه اللَّه): و كيف كان: فقد نسب عدم الجواز إلى أكثر القدماء، بل العلماء، بل المشهور، بل في «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه(جواهر الكلام 8: 302.) انتهى. و أفتى جماعة منهم بالجواز مع الكراهة، و هو المختار عندنا، و اختاره السيّد المرتضى و ابن إدريس و أكثر المتأخّرين عدا المحدّث البحراني، و نسب إلى العلّامة في «تلخيصه»؛ ففي «الشرائع»: و قيل ذلك مكروه و هو الأشبه، و في «القواعد»: و الأقرب الكراهية، و في «المدارك»: فيه قولان أظهرهما الجواز على كراهة. و القائلون بالمنع استدلّوا بروايات مستفيضة نذكر بعضها: منها: صحيح إدريس بن عبد اللَّه القمي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً، فقال إن كانت قاعدة فلا يضرّك، و إن كانت تصلّي فلا(وسائل الشيعة 5: 121، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، الحديث 1.) و منها: معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و المرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره، فقال لا بأس به إذا كانت لا تصلّي(وسائل الشيعة 5: 121، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، الحديث 2.) ، و تعبير السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» عن هذه المعتبرة بخبر عبد الرحمن لعلّه لأجل ما ذكره النجاشي في معلّى بن محمّد البصري من أنّه مضطرب الحديث و المذهب، و لما قاله ابن الغضائري من أنّه يعرف حديثه و ينكر و يروي عن الضعفاء. و فيه: أنّ اضطراب الحديث لا يكون مانعاً عن وثاقته فيما يروي عن مقبول الحديث مثل حسن بن علي بن زياد الوشّاء من وجوه هذه الطائفة، و اضطراب مذهبه لم يثبت أوّلًا، و لا يمنع عن قبول روايته مع وثاقته ثانياً. فالرواية لا أقلّ حسنة لوقوع معلّى في طريق «كامل الزيارات» في الباب الخمسين في كرامة اللَّه تبارك و تعالى لزوّار الحسين بن علي (عليهما السّلام)، و لكونه من شيوخ الإجازة كما صرّح به المجلسي (رحمه اللَّه). و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعاً، قال لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 2.) و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل، فقال لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره(وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 2.) و منها: موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، و إن كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه، و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 1.) و منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) و الاستدلال به مبني على أنّ صلاة المرأة فاسدة تجب إعادتها، و أنّ فسادها مبني على تقدّمها على صفّ الرجال و محاذاتها للإمام. و فيه أوّلًا: أنّه من المحتمل صحّة صلاتها و استحباب إعادتها. و ثانياً: يحتمل أن يكون بطلان صلاتها لأجل اختلاف الفريضتين، و قد أفتى به والد الصدوق (رحمه اللَّه)، أو لعدم تحقّق شرط صحّة الائتمام و هو تقدّم الإمام على المأموم أو غير ذلك ممّا احتمله في «الوسائل». و القائلون بالجواز استدلّوا بجملة من الأخبار: منها صحيح جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي؛ فإنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يصلّي و عايشة مضطجعة بين يديه و هي حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد(وسائل الشيعة 5: 122، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، الحديث 4.) ، و في «الجواهر»: و لا يقدح في دلالته التعليل المحتمل إرادة الاستدلال به بطريق الأولوية؛ أي إذا جازت الصلاة مع اضطجاعها بين يديه و هي حائض فبالأولى الجواز حال صلاتها محاذية له(جواهر الكلام 8: 306.) انتهى. و منها: ذيل صحيح ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أُصلّي و المرأة إلى جنبي (جانبي) و هي تصلّي، قال لا، إلّا أن تقدّم هي أو أنت، و لا بأس أن تصلّي و هي بحذاك جالسة أو قائمة(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 5.) و منها: مرسل ابن فضّال عمّن أخبره عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، قال لا بأس(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 6.) ، و في «الجواهر»: و إرساله بعد انجباره بالعمل ممّن عرفت خصوصاً و فيهم من لا يعمل بالقطعيات كالسيّد و ابن إدريس غير قادح(جواهر الكلام 8: 305.) و منها: صحيح الفضيل المروي عن «العلل» قال إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك و لا بأس بذلك، و إنّما يكره في سائر البلدان(وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 10.) ، و هذا الصحيح صريح في الجواز و نفي البأس بلا كراهة في مكّة و مع الكراهة في غيرها. و في «الجواهر» في مقام دفع توهّم كون الكراهة بمعنى الحرمة و تأييد إرادة المصطلح من لفظ «الكراهة» قال: يمكن الاستدلال بالنصّ فيه على رفع المنع عن ذلك في مكّة متمّماً بعدم القول بالفصل(جواهر الكلام 8: 306.) انتهى. ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المانعة و المجوّزة هو حمل المانعة على الكراهة، و ذلك واضح. ثمّ لا يخفى: أنّ الكراهة و كذا المنع و البطلان على القول به تثبت لكلّ من الرجل و المرأة مع تقارنهما في الشروع في الصلاة؛ لظهور الأخبار في المنع عن صلاة من يتحقّق به المحاذاة، و كذا بالنسبة إلى استقرار المرأة أمام الرجل و شروعهما معاً في الصلاة؛ فلو اقترنا و شرعا في الصلاة معاً فهما سواءٌ في تحقّق المحاذاة و استقرار المرأة أمام الرجل بهما معاً. و لو سبق أحدهما بالصلاة و شرع فيها ثمّ جاء الآخر و استقرّ في محاذي الأوّل أو أمامه إذا كان السابق الرجل، أو خلفه إذا كان السابق المرأة كان الآخر منهياً دون السابق؛ لاستناد المحاذاة مثلًا إليه، و صحيح علي بن جعفر المتقدّم لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) صريح في عدم فساد صلاة القوم السابقة شروعاً على صلاة المرأة، و إلى هذا القول ذهب الشهيد الثاني في «المسالك» و ابن فهد في «الموجز» و صاحب «المدارك» و كاشف اللثام و السيّد بحر العلوم في «منظومته» و المحقّق الثاني و غيرهم. و يظهر من جماعة من فقهائنا اشتراط صلاة كلّ منهما بعدم المحاذاة بالآخر و بعدم تقدّم المرأة على الرجل، فبالمحاذاة و تقدّمها عليه تبطل صلاة كلّ منهما، من غير فرق بين اقتران الصلاتين و عدمه، و استقربه الشهيد في «الدروس»، و قوّاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) و استدلّ عليه بمعلومية قاعدة أنّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض، و بظاهر ذيل صحيحي ابني مسلم و أبي يعفور و خبر أبي بصير و ظهور باقي النصوص و إن كان فيها الجملة الحالية(جواهر الكلام 8: 318.) و فيه: أنّ الأخبار المذكورة و غيرها الشاملة على الجملة الحالية ظاهرة في المنع عن صلاة اللاحق المستندة إليه المحاذاة الموجب لتحقّق تقدّم المرأة. و لا يخفى أيضاً: أنّ المدار في بطلان صلاتهما فيما شرعا فيها معاً و بطلان صلاة خصوص اللاحق على الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة أو تقدّم المرأة دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع إذ مع فساد صلاتهما أو أحدهما من ناحية فقد الشرط أو وجود المانع لا معنى للمنع من جهة المحاذاة أو تقدّم المرأة. بقي في المقام أُمور: الأوّل: أنّ الاحتياط الاستحبابي ترك الصلاة للمحاذي و لمن كانت المرأة أمامه؛ و ذلك لترجيح القائلين بالمنع أخباره على أخبار الجواز. الثاني: أنّه لا فرق بين المحارم و غيرهم في حكم المسألة، بل يعمّ الحكم الزوج و الزوجة أيضاً. و وجه عدم الفرق إطلاق الرجل و المرأة في الروايات، و في بعضها قد عبّر بامرأة المصلّي و بنته؛ ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و امرأته، أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الأُخرى، قال لا ينبغي ذلك، فإن كان بينهما شبر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 123، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: قلت له: المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال تصلّي بإزاء الرجل إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً(وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 13.) و رواية محمّد الحلبي قال: سألته يعني أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الأُخرى، قال لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) و السند ضعيف بأبي جميلة المفضّل بن صالح، قيل في حقّه: إنّه كذّاب يضع الحديث. و صحيح علي بن جعفر المتقدّم عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) الثالث: هل يختصّ المنع عن المحاذاة بالمكلّفين، أو لا بل يعمّ غير البالغين؟ نسب الشهيد (رحمه اللَّه) في «الروض» القول بالاختصاص للبالغين إلى المشهور، قال: المراد بالمرأة البالغ؛ لأنّه المتعارف، و لأنّها مؤنّث المرء، يقال: مرء و مرأة و امرأ و امرأة، و المرء هو الرجل كما نصّ عليه أهل اللغة؛ فلا يتعلّق الحكم بالصغيرة و إن قلنا: إنّ عبادتها شرعية؛ لعدم المقتضي له، و كذا القول في الصبي. و اختار هذا القول صاحب «الحدائق»، و ذهب إليه السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، و استدلّ عليه في «الحدائق» بعد أن حكى عن الصحاح أنّ الرجل هو الذكر من الإنسان بأنّ الأخبار قد اشتملت على لفظ «الرجل» فمتى صحّ إطلاقه على غير البالغ لغة صحّ ما ذكره الشهيد (رحمه اللَّه)، إلّا أنّ المستفاد من إطلاق العرف العامّ و الخاصّ أعني عرفهم (عليهم السّلام) إنّما هو البالغ خاصّة، و متى أُريد غيره عبّر بلفظ الصبي و نحوه(الحدائق الناضرة 7: 193.) و ذهب جماعة إلى عدم الفرق بين المكلّفين و غيرهم، و هو المختار. و استدلّ عليه بأنّ مقتضى الإطلاق المقامي في أدلّة مشروعية عبادات الصبي مثل قوله (عليه السّلام) مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين(مستدرك الوسائل 14: 288، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 99، الحديث 2.) ، هو اعتبار كلّ ما اعتبر في صلاة المكلّفين من الأجزاء و الشرائط و الموانع؛ فالشارع إذا أمرنا بأمر صبياننا بالصلاة و سائر العبادات و لم يذكر كيفية خاصّة في صلاتهم و سائر عباداتهم نعلم بأنّهم مأمورون بما أُمر به المكلّفون في صلاتهم و سائر عباداتهم من مراعاة جميع الشرائط و الأجزاء، و من الشرائط ترك المحاذاة و تقدّم المرأة، هذا كلّه بناءً على شرعية عبادات الصبي. و أمّا بناءً على كون عباداته تمرينية فيشكل ثبوت الإطلاق المقامي؛ لأنّ متعلّق موضوع الحكم في المسألة في لسان الأدلّة هو الرجل و المرأة، و لا يعمّان الصبي و الصبية؛ لا بالإطلاق اللفظي و لا بالإطلاق المقامي؛ لعدم تمامية مقدّمات الحكمة بالنسبة إليهما. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد حكاية نسبة اختصاص الحكم في أصل المسألة بالمكلّفين إلى المشهور عن «الروض» و ذكر وجهه بقوله: لعلّه لأنّ الموجود في النصوص لفظ الرجل و المرأة الذي لا يشمل غير المكلّفين قال: لكن قد يقال: إنّه يتّجه بالنسبة إلى صلاة كلّ من الرجل و المرأة؛ بمعنى أنّه لا يفسدهما محاذاتهما و لا تقدّم الصبية. بل و لا يفسد صلاة الصبي محاذاة الصبية أو تقدّمها كالعكس. أمّا بالنسبة إلى صلاتهما حال تقدّم المرأة على الصبي أو محاذاتها و تقدّم الصبية على الرجل و محاذاتها فقد يتّجه الفساد بناءً على الشرعية التي من المعلوم كون المراد بها المشروعة للبالغ؛ فكلّ شرط لصلاة الرجل مثلًا هو شرط في صلاة الصبي، و كلّ شرط لصلاة المرأة هو شرط لصلاة الصبية؛ فتفسد صلاة الصبي حينئذٍ بتقدّم المرأة و محاذاتها كصلاة الرجل، و صلاة الصبية بتقدّمها على الرجل و محاذاتها له كالامرأة. و لا ينافي ذلك كون الرجل و المرأة مورد النصوص؛ إذ الشرائط جميعها أو أكثرها كذلك كالحرير و غيره؛ ضرورة عدم إرادة شمول الخطابات للصبيان، بل المراد في موضوع عبادة الصبي الجامعة للشرائط عدا البلوغ، كما هو معلوم في ذلك. و لعلّه إلى هذا أومأ الشهيد بما في المحكي عن حواشيه من أنّ الصبي و الصبية يقرب حكمهما من الرجل و المرأة(جواهر الكلام 8: 329.) الرابع: يرتفع المنع حرمةً و كراهةً على القولين في المسألة بوجود الحائل و بالبعد بينهما. و الأخبار في بيان حدّ ذلك مختلفة: فبعضها صريح في كفاية الفصل بينهما بشبر، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) فإن كان بينهما شبرٌ أجزأه(وسائل الشيعة 5: 123، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها و هو وحده فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 7.) و بعضها صريح في الاكتفاء بالشبر أو الذراع، كما في رواية أبي بصير عنه (عليه السّلام) قال لا، إلّا أن يكون بينهما شبر أو ذراع(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 3.) و في رواية أُخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا، حتّى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 4.) و بعضها صريح في قدر الخطوة أو قدر عظم الذراع، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا كان بينها و بينه ما يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 8.) ، و المراد ب «ما يتخطّى» في الرواية قدر الخطوة، و قد ضبط في «الجواهر» و «المستمسك» ب «ما لا يتخطّى»، و هو اشتباه من ناسخهما و منشأه نقل الرواية من «وسائل الشيعة»، و قد ضبط في «من لا يحضره الفقيه» ب «ما يتخطّى»، كذا ضبطه في «الحدائق». و بعضها صريح في الفصل بأكثر من عشرة أذرع، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 1.) و بعضها صريح في الاكتفاء بعشرة أذرع، كما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي ضحى و أمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع، قال لا بأس ليمض في صلاته(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 2.) و بعضها صريح في كفاية الحاجز بينهما، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المرأة تصلّي عند الرجل، قال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 2.) و بعضها صريح في كفاية الستر بينهما، كما في رواية محمّد الحلبي فإن كان بينهما ستر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) و في بعضها اكتفي بموضع رحل، كما في صحيح حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال إذا كان بينهما موضع رجل (رحل) فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 11.) و في بعضها اكتفي بكون سجودها مع ركبتيه، كما في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 9.) و في بعضها اكتفي بتقدّم الرجل بمقدار يكون سجودها مع ركوعه، كما في مرسل ابن فضّال عمّن أخبره عن جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي و المرأة بحذاه أو إلى جنبيه، قال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 3.) ، و كما في مرسل ابن بكير عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه أو إلى جانبه، فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 5.) في بعضها اكتفي بمقدار تقدّم الرجل عليها بصدره، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل، فقال لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره(وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ تفاوت أكثر المقادير المذكورة بعضها مع بعض كالشبر و الذراع و سجودها مع ركوعه و موضع رحل و نحوها يسير جدّاً. و مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة المختلفة من حيث المقدار الفاصل بين الرجل و المرأة بمقدار فاحش كالشبر و عشرة أذرع مثلًا هو اعتبار الحائل أو عشرة أذرع في صورة تقدّم المرأة على الرجل أو المحاذاة. و أمّا اعتبار أزيد من عشرة أذرع كما في موثّق عمّار المتقدّم فممّا لم يقل به أحد من علمائنا، و اعتبار عظم الذراع أو الذراع و الشبر و نحوها فيما تقدّم الرجل عليها. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) قد استدلّ باختلاف هذه الأخبار على القول بالجواز مع الكراهة في المسألة، حيث إنّه بعد ذكر الأخبار المختلفة في تقدير البعد و التقدّم المقتضيين لرفع المنع قال: قد يقرّر دلالتها أي دلالة النصوص على المطلوب بأنّ هذا الاختلاف فيها لا يصلح له إلّا الكراهة المختلفة باختلاف هذه المراتب شدّة و ضعفاً، كما لا يخفى على الخبير الممارس؛ لما وقع منهم (عليهم السّلام) في بيان المندوبات و المكروهات من منزوحات البئر و غيرها(جواهر الكلام 8: 308.) انتهى. الخامس: الأحوط في الحائل أن يكون بحيث يمنع المشاهدة. وجه الاحتياط فتوى الشهيد الثاني و سبطه صاحب «المدارك» به، و مثّل في «المدارك» على الحائل بالحائط و الستر و هما مانعان من الرؤية؛ ففي خبر محمّد الحلبي قال لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) ؛ فالاحتياط المذكور حسن. و الأقوى جواز رؤية أحدهما الآخر؛ لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى ((كوى: الكَوّ و الكَوَّة و الكُوّة، جمعها كِواء و كُوى و كَوّات و كُوّات، بمعنى الخرق في الحائط، يقال: خرق خرقاً في البناء، أي فتح فيه نافذة.) ) كلّه قبلته و جانباه و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه، قال لا بأس(وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي و هو يراها و تراه؟ قال إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 4.) السادس: قد علم ممّا تقدّم في الأمر الرابع: أنّه يكفي في تأخّر المرأة عن الرجل بمقدار سجودها مع ركوعه أو صدره أو ركبتيه؛ فيكفي مطلق التأخّر، و لا يجب أن يكون موضع صلاتها حتّى مسجدها خلف الرجل. نعم الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه. و لعلّ وجه الاحتياط ما نسبه في «الجواهر» إلى ظاهر «النافع» و «فوائد الشرائع» و «حاشية الإرشاد» من تقدير تأخّر المرأة بمقدار مسقط الجسد، و أنّ المراد من التأخّر بهذا المقدار تأخّرها عنه تماماً بحيث لا يحاذي جزءٌ منها جزءً منه، و نسبه إلى صريح الشهيد الثاني و المحكي عن الميسي؛ و ذلك لموثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس، و إن كانت تصيب ثوبه.(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 1.) الحديث، و لصدق اليمين و الجنب و نحوهما على غير المتأخّر تماماً.

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

ص: 252

ص: 253

ص: 254

ص: 255

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ص: 259

ص: 260

[ (مسألة 9): الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم (عليه السّلام)، بل و مقدّماً عليه]

(مسألة 9): الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم (عليه السّلام)، بل و مقدّماً عليه، و لكن هو من سوء الأدب، و الأحوط الاحتراز منهما. و يرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم و المحاذاة؛ و يخرج عن صدق وحدة المكان، و كذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، و الظاهر أنّه ليس منه الشُّبّاك و الصندوق الشريف و ثوبه (1).


1- هنا مسائل: الاولى: أنّه اختلف فقهاؤنا في حكم الصلاة محاذياً لقبر المعصوم (عليه السّلام)؛ فنسب إلى بعض متأخّري المتأخّرين القول بالحرمة مستنداً إلى صحيح الحميري قال: كتبت إلى الفقيه (عليه السّلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟ و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسختُ و أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الأمام، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه؛ لأنّ الإمام لا يتقدّم، و يصلّي عن يمينه و شماله(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 1.) وجه الدلالة: أنّ قوله (عليه السّلام) و أمّا الصلاة فإنّها خلفه ظاهر في الحصر، و لا ينافيه ما في ذيل الحديث من قوله و يصلّي عن يمينه و شماله ؛ لاحتمال أن يكون المراد عن اليمين و الشمال غير صورة المحاذاة؛ فيكون المراد من الخلف ما يقابل التقدّم و المحاذاة. و في «احتجاج» الطبرسي عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السّلام) مثل المكاتبة المزبورة، إلّا أنّه قال و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره؛ لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه و لا يساوي(نفس المصدر، ذيل الحديث 1.) و يرد على القائلين بالحرمة أوّلًا: بأنّ الحصر ليس حقيقياً بل بالنسبة إلى التقدّم بقرينة المقابلة بالنفي و الإثبات. و ثانياً: أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) فأمّا الصلاة فإنّها خلفه بضميمة قوله في ذيل الحديث لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه هو اختصاص المنع بصورة التقدّم. و قال الآخرون بالجواز مع عدم الكراهة، و هو المختار. و يدلّ عليه حسن جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال صلّ عند رأس قبر الحسين (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 14: 519، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 69، الحديث 5.) و رواية الثمالي عن الصادق (عليه السّلام) قال إذا أردت السير إلى قبر الحسين (عليه السّلام) و ساق الآداب و الزيارات. إلى أن قال ثمّ تأتي قبر الحسين (عليه السّلام) ثمّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (عليه السّلام) و صلّ عند رأسه ركعتين.(مستدرك الوسائل 10: 327، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 52، الحديث 3.) الحديث. و في خبر صفوان ثمّ قم فصلّ ركعتين عند الرأس(بحار الأنوار 98: 200.) ، و في خبره الآخر ثمّ صلّ عند الرأس ركعتي الزيارة(نفس المصدر: 260.) و موثّق ابن فضّال قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) و هو يريد أن يودّع للخروج إلى العمرة فأتى القبر من موضع رأس رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعد المغرب فسلّم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و لزق بالقبر ثمّ أتى المنبر و انصرف حتّى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلّي و ألصق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الأُسطوانة التي دون الأُسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). الحديث(وسائل الشيعة 14: 359، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 15، الحديث 3.) و ضعف سند بعض الروايات المذكورة منجبر بفتوى الأصحاب. الثانية: في الصلاة مقدّماً على قبر المعصوم (عليه السّلام) بحيث وقع قبره خلف المصلّي؛ فنسب إلى جماعة من فقهائنا منهم الشيخ البهائي و المجلسي و الفيض الكاشاني و بعض المتأخّرين منهم القول بالمنع مع عدم الحائل المانع. و استدلّ عليه بصحيح محمّد بن عبد اللَّه الحميري المتقدّم و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الأمام، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه؛ لأنّ الإمام لا يتقدّم. و خبر هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث طويل قال: أتاه رجل فقال له: يا بن رسول اللَّه هل يزار والدك؟ قال نعم و يصلّى عنده ، و قال يصلّى خلفه و لا يتقدّم عليه(وسائل الشيعة 5: 162، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 7.) و في سند الخبر عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي، قال النجاشي في حقّه: إنّه ضعيف ليس بشي ء، أقول: قد وقع الراوي المذكور في أسناد «كامل الزيارات»، فتضعيف النجاشي يعارض توثيق ابن قولويه؛ فلا يعتمد على رواياته. و العمدة في دليل المسألة هو صحيح الحميري، و هو على فرض تمامية دلالته على وجوب كون الصلاة خلف القبر مخالف للمشهور القائلين بالكراهة. و يدلّ على الجواز في المسألة و هو المختار عندنا الأصل، و إطلاق الأدلّة. و قوله (عليه السّلام) في صحيح الحميري المتقدّم و لا يجوز أن يصلّي بين يديه ، و إن كان ظاهراً في المنع لكنّه محمول على الكراهة. و في «الجواهر»: بل لعلّ سكوت المعظم عن ذكر ذلك مع ظهور استقصائهم في المندوبات و المكروهات كالصريح في ذلك، على أنّه لم نجد في الدلالة ما يقتضيه سوى النهي. إلى أن قال: لكن التعويل عليه في قطع ما عرفت من عدم البطلان بعد ظهور إعراض الأساطين عنه إذ هم كما ستعرف بين رادّ للخبر من أصله و بين حامل له على الكراهة ممّا لا يلائم أُصول المذهب؛ خصوصاً مع ظهور التعليل فيه في غير الواجب من الأدب إن كان المراد من الإمام فيه المعصوم (عليه السّلام)؛ إذ حرمة التقدّم عليه في المكان الذي هو غير منافٍ للاحترام الواجب في زمن الحياة غير معلومة، فضلًا عمّا بعد الموت، و فضلًا عن كونه شرطاً في صحّة الصلاة، بل معلوم عدمها(جواهر الكلام 8: 362.) انتهى موضع الحاجة. الثالثة: يرتفع المنع حرمةً و كراهةً بالبُعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم و المحاذاة و يخرج عن صدق وحدة المكان، و كذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، و به قطع الأصحاب؛ إذ معه يخرج عن مفهوم التقدّم على القبر و المساواة له عرفاً. و قد ورد في بعض الروايات مقدار البعد بعشرة أذرع، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن الرجل يصلّي بين القبور، قال لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه و بين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه و عشرة أذرع من خلفه و عشرة أذرع عن يمينه و عشرة أذرع عن يساره، ثمّ يصلّي إن شاء(وسائل الشيعة 5: 159، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، الحديث 5.) الرابعة: أنّ شبابيك القبر و الصندوق الشريف الحاوي للقبر و كذلك الثوب النفيس المطروح على القبر لا تعدّ حائلًا عرفاً؛ فلا يرتفع بحيلولتها المنع. و في «الجواهر»: و عليه قد يقال بعدم البطلان في هذه الأزمنة لوجود الحائل من الصندوق و الثياب و الشبابيك و نحوها، و احتمال سريان حكم القبر إليها باعتبار معاملتها معاملته في التعظيم و غيره لا تساعده الأدلّة(جواهر الكلام 8: 363.) انتهى. فرع: الصلاة خلف قبر المعصوم بحيث كان القبر أمام المصلّي و بين يديه فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ حكي عن الصدوق و المفيد و أبي الصلاح و المحقّق في «المعتبر» و غيرهم القول بالحرمة، و استدلّ عليه بصحيح معمّر بن خلّاد عن الرضا (عليه السّلام) قال لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتّخذ القبر قبلة(وسائل الشيعة 5: 159، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، الحديث 3.) و حديث يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى أن يصلّى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، الحديث 8.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال قال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجداً؛ فإنّ اللَّه عزّ و جلّ لعن اليهود حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد(وسائل الشيعة 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 3.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: الصلاة بين القبور، قال بين خللها، و لا تتّخذ شيئاً منها قبلة؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى عن ذلك و قال: لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجداً فإنّ اللَّه عزّ و جلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد(وسائل الشيعة 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 5.) و ذهب جماعة من فقهائنا إلى الجواز مستدلّين عليه بصحيح الحميري المتقدّم و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الإمام(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 1.) و رواية محمّد بن البصري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث زيارة الحسين (عليه السّلام) قال من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللَّه تعالى لقي اللَّه تعالى يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كلّ شي ء يراه.(وسائل الشيعة 5: 162، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 6.) الحديث. و رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث طويل قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللَّه هل يزار والدك؟ قال نعم، و يصلّى عنده ، و قال يصلّى خلفه و لا يتقدّم عليه(وسائل الشيعة 5: 162، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 7.) و رواية الحسن بن عطية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا فرغت من السلام على الشهداء فأت قبر أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فاجعله بين يديك ثمّ صلّ ما بدا لك(وسائل الشيعة 14: 517، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 69، الحديث 1.)و رواية أبي اليسع قال: سأل رجل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا أسمع قال: إذا أتيتُ قبر الحسين أجعله قبلة إذا صلّيتُ؟ قال تنحّ هكذا ناحية(وسائل الشيعة 14: 519، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 69، الحديث 6.) قد يقال: إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة حمل المانعة على الكراهة بقرينة أفضلية الصلاة عند رأس القبر، كما في رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق (عليه السّلام) ثمّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (عليه السّلام)، و صلّ عند رأسه ركعتين. إلى أن قال و إن شئت صلّيت خلف القبر، و عند رأسه أفضل(مستدرك الوسائل 10: 327، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 52، الحديث 3.) أقول: الأخبار الناهية عن الصلاة خلف قبورهم (عليهم السّلام) على فرض تمامية دلالتها على الحرمة مع قطع النظر عن المعارض محمولة على صورة المعاملة مع قبورهم معاملة الكعبة و جعلها قبلة، كما هو المستفاد من مرسل الصدوق و صحيح زرارة المتقدّمين؛ فالقول بعدم الكراهة حينئذٍ متّجه.

ص: 261

ص: 262

ص: 263

ص: 264

ص: 265

ص: 266

[ (مسألة 10): لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي]

(مسألة 10): لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي، إلّا مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن. نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اشتراط طهارة مكان المصلّي؛ فذهب السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) إلى اعتبار طهارته. و استدلّ عليه بنهي النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن الصلاة في المجزرة و هي المواضع التي تذبح فيها الأنعام و المزبلة و الحمّامات(سنن ابن ماجة 1: 246/ 746 و 747.) و هي مواطن النجاسة. و فيه: أنّ النهي على فرض ثبوت وروده بطريق معتبر تنزيهي من جهة الاستقذار و أنّ الاستقرار في أمثال هذه الأمكنة منهيّ لمهانة من يستقرّ فلا يلزم التحريم. و حكي عن أبي الصباح اشتراط طهارة مواضع المساجد السبعة، و لم ينقل على هذا القول دليل من أحد. و القول الثالث في المسألة عدم اشتراط الطهارة في مكان المصلّي؛ فتجوز الصلاة في المكان النجس مع عدم تعدّي النجاسة الغير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن، و هذا القول هو المشهور المختار. و يدلّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) سأله عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال نعم(وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليه؟ قال إذا يبست فلا بأس(وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 2.) و موثّق عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر، هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها(وسائل الشيعة 3: 454، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 5.) نعم يشترط الطهارة في خصوص مسجد الجبهة، و الظاهر أنّه موضع وفاق من الأصحاب، و قد نقل الإجماع عليه جماعة كالعلّامة في «المنتهي» و «المختلف» و الشهيد في «الذكرى» و ابن زهرة في «الغنية». و في «الجواهر»: ربّما زادت حكايته على اثنى عشر كتاباً في المقام، و في كتاب الطهارة و في بحث ما يسجد عليه. بل في «التذكرة» منها أنّه إجماع كلّ من يحفظ عنه العلم، بل يمكن دعوى تحصيله(جواهر الكلام 8: 331.) انتهى. و عن «الذخيرة» بعد نقل الإجماع في المسألة أنّه قال: لكن لا يخفى أنّه قد مرّ في كتاب الطهارة أنّ المحقّق نقل عن الراوندي و صاحب «الوسيلة»: أنّهما ذهبا إلى أنّ الأرض و البواري و الحصر إذا أصابها البول و جفّفتها الشمس لا تطهر بذلك، و لكن يجوز السجود عليها. و استجوده المحقّق. و على هذا فدعوى الإجماع كلّية محلّ تأمّل(ذخيرة المعاد: 239/ السطر 26.) انتهى. و لا يخفى: أنّ المحكي عن بعض نسخ «المعتبر» هكذا: و قيل لا تطهر و يجوز الصلاة عليها، و به قال الراوندي منّا و صاحب «الوسيلة»، و هو جيّدٌ. و المحكي عن بعض نسخ «الذخيرة» هكذا: و ذهب صاحب «الوسيلة» إلى أنّها لا تطهر بذلك، و لكن يجوز الصلاة عليها إذا لم يلاق شيئاً منها بالرطوبة دون السجود عليها. فهذه العبارة ظاهرة في جواز الصلاة عليها مع استثناء موضع السجود، و حينئذٍ ينحصر المخالف في المسألة في الراوندي، و خلافه لا يقدح في الإجماع. و في «الجواهر»(جواهر الكلام 8: 331 332.) : يمكن استفادة اشتراط الطهارة في محلّ السجود من غير الإجماع ببعض النصوص المشتملة على اشتراط الصلاة على البارية أو السطح بتجفيف الشمس، بناءً على إرادة ما يشمل السجود عليها من الصلاة فيها؛ ضرورة كون المفهوم حينئذٍ عدم جواز السجود عليها إذا لم تجففها الشمس و إن جفّت بغيرها، بل قد يستفاد من الصحيح عن الرضا (عليه السّلام) كون الحكم مفروغاً عنه: كتب إليه يسأله عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليه إنّ الماء و النار قد طهّراه(وسائل الشيعة 3: 527، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 81، الحديث 1.) ، انتهى. و النصوص المشتملة على اشتراط الصلاة على البارية أو السطح بتجفيف الشمس مذكورة في الباب التاسع و العشرين من أبواب النجاسات(وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29.)

ص: 267

ص: 268

ص: 269

كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً، و الأفضل التربة الحسينيّة التي تخرق الحجب السبع، و تنوّر إلى الأرضين السبعة على ما في الحديث (1)،


1- الدليل على اعتبار كونه أرضاً أو نباتاً مضافاً إلى الإجماع المستفيض نقلًا و تحصيلًا من القدماء و المتأخّرين صحيح هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل أو لبس ، فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال لأنّ السجود خضوع للَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل و يلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها.(وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 1.) الحديث. و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل أو لبس(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 2.) و خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض، إلّا المأكول و القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 3.) و رواية أبي العباس البَقْباق الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 6.) و تجوز السجدة على القرطاس. و يدلّ عليه قبل الإجماع المحكي عن «التذكرة» و «المسالك» و «كشف اللثام» و «المدارك» و غيرها صحيح صفوان الجمّال قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في المحمل يسجد على القرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح علي بن مهزيار قال: سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السّلام) عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 2.) و صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(وسائل الشيعة 5: 356، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 3.) فكراهته لأجل الكتابة في القرطاس؛ فيجوز بلا كراهة في القرطاس بلا كتابة. و أمّا أفضلية السجود على التربة الحسينية: فيدلّ عليها مضافاً إلى الإجماع بقسميه مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) السجود على طين قبر الحسين (عليه السّلام) ينوّر إلى الأرضين السبعة، و من كانت معه سبحة من طين قبر الحسين (عليه السّلام) كتب مسبّحاً و إن لم يسبّح بها(وسائل الشيعة 5: 365، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 16، الحديث 1.) و في «مصباح» الشيخ بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: كان لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته و سجد عليه، ثمّ قال (عليه السّلام) إنّ السجود على تربة أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يخرق الحجب السبع(وسائل الشيعة 5: 366، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 16، الحديث 3.) و في «إرشاد» الديلمي قال: كان الصادق (عليه السّلام) لا يسجد إلّا على تربة الحسين (عليه السّلام) تذلّلًا للَّه و استكانة إليه(وسائل الشيعة 5: 366، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 16، الحديث 4.) ثمّ إنّ اشتراط كون مسجد الجبهة أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً إنّما هو في حال الاختيار؛ فيجوز السجود بغيرها حال الاضطرار و التقية.

ص: 270

ص: 271

و لا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن، كالذهب و الفضّة و الزجاج و القير و نحو ذلك، و كذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد (1).


1- هذه المسألة ممّا قام به الإجماع منّا. و يدلّ على عدم جواز السجود على الذهب و الفضّة رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تسجد على الذهب و لا على الفضة(وسائل الشيعة 5: 361، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 12، الحديث 2.) و على عدم جوازه في الزجاج خبر محمّد بن الحسين: إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج، قال: فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرتُ و قلتُ: هو ممّا أنبتت الأرض و ما كان لي أن أسأل عنه، قال: فكتب إليّ لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، و لكنّه من الملح و الرمل و هما ممسوخان(وسائل الشيعة 5: 360، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 12، الحديث 1.) و يدلّ على عدم جواز السجود على القير و غيره من المعدنيات مع عدم صدق اسم الأرض عليه صحيح محمّد بن عمرو بن سعيد الزيّات عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال لا تسجد على القير و لا على القفر و لا على الصاروج(وسائل الشيعة 5: 353، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 6، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و ما دلّ على جواز السجود على القير و غيره من المعدنيات محمول على التقية أو الضرورة، كصحيح معاوية بن عمّار قال: سأل المعلّى بن خنيس أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا عنده عن السجود على القفر و على القير، فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 354، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 6، الحديث 4.) ، و غيره من روايات الباب. و في «مجمع البحرين» في بيان معنى القفر: كأنّه رديّ القير المستعمل مراراً، و في عبارة بعض الأفاضل القفر شي ء يشبه الزفت و رائحته كرائحة القير، انتهى. و في موضع آخر منه: الزفت كالقير، و قيل: هو نوع منه. و كذا لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم النبات كالرماد؛ فلا يجوز السجود عليه؛ لخروجه عن اسم النبات بصيرورته رماداً مع عدم صدق اسم الأرض عليه. و في «كشف اللثام»: كأنّه لا خلاف في أنّه لا يسجد على النبات إذا صار رماداً.

ص: 272

ص: 273

و الأقوى جوازه على الخزف و الآجر و النورة و الجِصّ و لو بعد الطبخ (1)، و كذا الفحم (2)،


1- أمّا الخزف و الآجر فيجوز السجود عليهما؛ لصدق اسم الأرض عليهما عرفاً، و الطبخ لا يمنع من السجود ما لم يخرجا عن صدق اسم الأرض عليهما. و أمّا النورة و الجصّ فهما و إن كانا من أقسام المعادن و لكن المعدن بما أنّه معدن لم يرد في نصّ من النصوص عدم جواز السجود عليه. فجواز السجود عليها منوط على صدق اسم الأرض عليها؛ فكلّما صدق عليه مفهوم الأرض جاز السجود عليه؛ فالنورة و الجصّ ممّا يصدق عليه اسم الأرض و لو بعد الطبخ، هذا. مضافاً إلى ما ورد في خصوص الجصّ من صحيح الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الجصّ توقد عليه العذرة و عظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب (عليه السّلام) إليّ بخطّه إنّ الماء و النار قد طهّراه(وسائل الشيعة 5: 358، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 10، الحديث 1.) ، حيث إنّ جواز السجود على الجصّ حتّى بعد الطبخ كان من المسلّمات عند السائل، و كان سؤاله عن جواز السجود عليه لأجل شبهة النجاسة العارضة من إيقاد النجاسة عليه لا لأجل كونه معدناً أو لكونه خارجاً عن صدق اسم الأرض بالطبخ.
2- أي يجوز السجود عليه عند المصنّف (رحمه اللَّه). و قال في «الجواهر»: و إن كان قد يقوى الجواز فيه؛ للأصل و عدم طهارة المتنجّس بالاستحالة إليه(جواهر الكلام 8: 416.) و مراده من الأصل استصحاب جواز السجود أو استصحاب كونه ممّا يصحّ عليه السجود.و فيه: أنّ شرط الاستصحاب بقاء الموضوع، و العرف يرى الفحم مغايراً للنبات و الشجر، و ذلك واضح. و أنّ النجاسة ترتفع بالاستحالة و صيرورة طبيعة الشي ء طبيعة أُخرى بحيث يعدّان شيئان متغايران ذاتاً و صفةً، كصيرورة الخمر خلّا أو دبساً، و صيرورة الحطب رماداً. فالأقوى عدم جواز السجود على الفحم؛ لخروجه عن اسم النبات مع عدم صدق اسم الأرض عليه.

ص: 274

و كذا يجوز على طين الأرمني و حجر الرحى، و جميع أصناف المرمر، إلّا ما هو مصنوع و لم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها (1). و يعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول و الملبوس، فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل و الملابس، كالمخبوز و المطبوخ و الحبوب المعتاد أكلها من الحنطة و الشعير و نحوهما، و الفواكه و البقول المأكولة، و الثمرة المأكولة و لو قبل وصولها إلى زمان الأكل (2).


1- أمّا طين الأرمني فيصدق عليه مفهوم الأرض، و حمرة لونه كحمرة حجر الرحى غير مانع عن صدق الأرض. و أمّا حجر المرمر بأقسامه فهو ممّا يصدق عليه الأرض؛ حتّى ما يصدق عليه أنّه معدني؛ إذ قد عرفت أنّ مجرّد كون الشي ء معدنياً غير مانع. نعم لو شكّ في بعض مصاديقه أنّه ممّا يصدق عليه الأرض لا يصحّ السجود عليه.
2- وجه اشتراط جواز السجود على النبات بكونه غير المأكول و الملبوس مضافاً إلى عدم الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى ضروريته عند متشرّعة الإمامية، فضلًا عن علمائها(جواهر الكلام 8: 418.) صحيح هشام بن حكم المتقدّم أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلّا ما أُكل أو لبس(وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ المتبادر عرفاً من المأكول المنهي عن السجود عليه ما كان في العرف و العادة صالحاً للأكل و لو بالقوّة، كالحنطة و الشعير و سائر الحبوبات التي لا يؤكل بالفعل إلّا بالعلاج و الطبخ مثلًا. و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى صدقه على المحتاج أكله إلى البقاء مدّة؛ فيشمل حينئذٍ سائر الثمار قبل أوان أكلها. و أيّده بتعليق الحكم على الثمرة في الروايات، كمرسل «تحف العقول» عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال و كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه و لا السجود، إلّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولًا، فإذا صار غزلًا فلا تجوز الصلاة عليه إلّا في حال ضرورة(وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 11.) و خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا بأس بالصلاة على البوريا و الخصفة و كلّ نبات، إلّا الثمرة(وسائل الشيعة 5: 345، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 9.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أسجد على الزفت؛ يعني القير؟ فقال لا، و لا على الثوب الكرسف، و لا على الصوف، و لا على شي ء من الحيوان، و لا على طعام، و لا على شي ء من ثمار الأرض، و لا على شي ء من الرياش(وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 1.) ، و قال (رحمه اللَّه): فإنّه قد يدّعى صدقها عليه قبل الوصول إلى أوان الأكل، بل يكفي فيها تحقّق المبدأ؛ فطلع النخل و غيره الذي يؤول إلى الثمرة لا يجوز السجود عليه(جواهر الكلام 8: 418.) انتهى. فالمراد من المأكول ما في أيدي الناس من المآكل، لا ما يعتاد به فإنّه يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال؛ فربّ شي ء يكون مأكولًا عند جماعة دون جماعة أُخرى، و في زمان دون زمان آخر، أو في نقطة من الأقطار دون اخرى، و هكذا. فعدم جواز السجود يعمّ ما لم يكن معتاداً عند قوم أو في قطر أو في زمان؛ لكونه ممّا خلق للأكل و استعدّ له و إن لا يأكله عدّة و جماعة من الناس. قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «التذكرة»: لو كان معتاداً عند قوم دون آخرين عمّ التحريم. و قال في «جامع المقاصد»: المراد بالمأكول ما صدق عليه اسم المأكول عرفاً؛ لكون الغالب أكله و لو في بعض الأقطار.

ص: 275

ص: 276

و لا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها، دون المتّصل بها إلّا مثل قشر التفّاح و الخيار؛ ممّا هو مأكول و لو تبعاً أو يؤكل أحياناً، أو يأكله بعض الناس (1)، و كذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط.


1- لا يجوز السجود على قشور الحبوب و الأثمار المنفصلة فيما كان المتعارف أكلها معها و لو تبعاً أو أحياناً، كقشر التفاح و الخيار و نحوهما؛ فهي داخلة في المستثنى في صحيح هشام إلّا ما أُكل.

ص: 277

نعم لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول (1)، و مع عدم مأكوليّة لبّه و لو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً، كما لا بأس بغير المأكول كالحنظل و الخرنوب و نحوهما (2)، و كذلك لا بأس بالتبن و القصيل و نحوهما (3). و لا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه (4).


1- لا يخفى: أنّ قشور الحبوب إن كانت مأكولة عادة حتّى مع الانفصال عن الحبوب فلا يجوز السجود عليها؛ فيكون كقشر الخيار و التفاح. و أمّا القشور الغير القابلة للأكل كقشر الرمّان فلا يجوز السجود عليها حال اتّصالها؛ لصدق الثمرة حينئذٍ. نعم يجوز السجود عليها حال الانفصال. و كذا يجوز السجود على قشور نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول؛ لدخولها في المستثنى منه في الصحيح. و أمّا الجوز و اللوز و نحوهما من الأثمار المأكول لبّها فيجوز السجود على قشورها منفصلةً دون متّصلة.
2- يجوز السجود على قشر النواة التي لا يؤكل لبّها و لو بالعلاج؛ حتّى مع الاتّصال باللبّ فضلًا عن الانفصال عنه، كما يجوز على نفس اللبّ الغير المأكول. و لا بأس بالسجود على الثمرة الغير المأكولة طبعاً كالحنظل و الخرنوب و نحوهما؛ لدخولها في المستثنى منه في صحيح هشام.
3- و كذلك لا بأس بالتبن و القصيل و نحوهما؛ لكونهما ممّا أنبتت الأرض مع كونهما غير مأكولين للإنسان.
4- لأنّ نفس التتن ليس ممّا يؤكل بوجه أصلًا. و كذلك يجوز السجود على ورق الشاي فإنّ نفس الورق ليس ممّا يؤكل عادة. و أمّا الترياك و القهوة فهما ممّا يؤكل عادة و لو بعنوان الدواء لبعض الأشخاص.

ص: 278

و الأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة و الشعير، و كذا على قشر البطّيخ و نحوه (1)، و لا يبعد الجواز على قشر الأرز و الرُّمّان بعد الانفصال. و الكلام في الملبوس كالكلام في المأكول، فلا يجوز على القُطن و الكتان و لو قبل وصولهما إلى أوان الغَزل. نعم لا بأس على خشبتهما و غيرها، كالورق و الخوص و نحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتّخاذ الملابس المعتادة منها، فلا بأس حينئذٍ بالسجود على القبقاب و الثوب المنسوج من الخوص مثلًا، فضلًا عن البوريا و الحصير و المروحة و نحوها. و الأحوط ترك السجود على القنب (2)،


1- حكم السجود على نخالة الحنطة و الشعير و غيرهما من الحبوب دائر مدار تعارف أكلها و لو عند بعض الناس، المعروف عدم كونها من المأكولات المتعارفة و لو عند بعض الناس. نعم قد يشكل في خصوص نخالة الحنطة لترغيب الأطبّاء أكلها لتقوية المعدة. و أمّا قشر البطّيخ و نحوه فالأقوى عدم جواز السجود عليه حال اتّصاله لكونه من الثمرة، و يجوز بعد الانفصال لعدم كونه ممّا يؤكل و لو لبعض الناس.
2- لا يجوز السجود على القطن و الكتّان و لو قبل وصولهما إلى أوان الغزل على الأشهر، كما في «الشرائع»، بل المشهور شهرة عظيمة كما عن غير واحد من علمائنا، بل عن «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية» و «المختلف» و «الروض» و «البيان» و غيرها الإجماع عليه. و يدلّ عليه قبل الإجماع مضافاً إلى عموم «ما لبس» في صحيح هشام المتقدّم خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض، إلّا المأكول و القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 3.) و رواية أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض، إلّا القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 6.) و صحيح زرارة المتقدّم و لا على الثوب الكرسف(وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 1.) ، بناءً على كون «الكرسف» عبارة عن القطن كما في «القاموس» و «مجمع البحرين». و ما دلّ على الجواز في القطن و الكتّان محمول على التقية أو الضرورة، كرواية الحسن بن علي بن كيسان الصنعائي قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) أسأله عن السجود على القطن و الكتّان من غير تقية و لا ضرورة، فكتب إليّ ذلك جائز(وسائل الشيعة 5: 348، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 7.) و رواية داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن الثالث (عليه السّلام): هل يجوز السجود على القطن و الكتّان من غير تقية؟ فقال جائز(وسائل الشيعة 5: 348، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 6.) ، و داود الصرمي و إن وقع في طريق «كامل الزيارات» إلّا أنّ طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و ابن بطّة. و لا بأس بالسجود على ورق القطن و الكتّان و خوصهما؛ لعدم صلاحيتهما للباس المعتاد؛ فلا بأس حينئذٍ على القبقاب و هو النعل المتّخذ من الخشب و على الثوب المنسوج من الخوص مثلًا، فضلًا عن البوريا و الحصير و المروحة و نحوها؛ فيجوز السجود عليها و على اللباس المنسوج منها؛ لعدم ملبوسيته عادة. و في «الجواهر»: و لذا سجد النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام) و الصحابة و التابعون على الخمرة من الخوص(جواهر الكلام 8: 421.) انتهى (الخمرة هي السجّادة للصلاة). و لا يترك الاحتياط في القُنَّب، و في «القاموس»: أنّه نوع من الكتّان، و في «المجمع»: أنّه نبات يؤخذ لحاؤه ثمّ يفتل حبالًا. و لعلّ منشأ الاحتياط ما عن الشهيد في «الذكرى»: أنّ الظاهر القطع بالمنع؛ لأنّه معتاد اللبس في بعض البلدان.

ص: 279

ص: 280

كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات، كالمتّخذ من الحرير و الإبريسم، و إن كان الأقوى الجواز مطلقاً (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في جواز السجود على القرطاس المتّخذ ممّا يجوز السجود عليه. و في جوازه في المتّخذ ممّا لا يجوز السجود عليه كالقطن و الكتّان و الحرير خلاف بين أصحابنا: فقال جماعة بالمنع؛ ففي «الدروس»: و لو اتّخذ القرطاس من القطن أو الكتّان أو الحرير لم يجز(الدروس الشرعية 1: 157.) و قيّد بعضهم جوازه بالمتّخذ من النبات؛ ففي «قواعد» العلّامة (رحمه اللَّه): و يجوز على القرطاس إن اتّخذ من النبات(قواعد الأحكام: 29/ السطر الأخير.) و في «كشف اللثام»: إنّما يجوز إذا اتّخذ من النبات و إن أطلق الخبر و الأصحاب؛ لما عرفت من النصّ و الإجماع على أنّه لا يجوز إلّا على الأرض أو نباتها(كشف اللثام 3: 347.) و قيّد بعض هؤلاء بما إذا كان من جنس ما يسجد عليه. و قال جماعة أُخرى بالجواز مطلقاً، كما في «الروضة» و «المدارك» و «الذخيرة»، و في «منظومة» بحر العلوم: و الإذن في القرطاس عمّ ما صنع من الحرير و النبات الممتنع و في «المفاتيح»: يجوز قولًا واحداً و إن تركّب ممّا لا يصحّ عليه(مفاتيح الشرائع 1: 144.) و في «الجواهر»: إنّ القرطاس حقيقة أُخرى و أنّه استحال بالنورة و نحوها إلى حقيقة غير المتّخذ منه و إن كان نباتاً، كما أنّه يؤيّده عدم صدق كونه من النبات عرفاً على معنى البعضية لا على إرادة الاتّخاذ منه(جواهر الكلام 8: 431.) انتهى. و لا يخفى ما فيه من دعوى الاستحالة و أنّه من قبيل صيرورة حقيقة إلى حقيقة أُخرى، كالخمر و الخل أو الخشب و الرماد. نعم قد تبدّل اسم النبات باسم القرطاس، و مجرّد تبدّل الاسم لا يكفي في الاستحالة. و كيف كان: فقد استدلّ القائلون بالجواز بصحيح صفوان الجمّال قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في المحمل يسجد على القرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح علي بن مهزيار قال: سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السّلام) عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 2.) و صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(وسائل الشيعة 5: 356، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 3.) بناءً على كون الكراهة بمعناها المصطلح. و قد تأمّل السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» في إطلاق صحيح صفوان بإجمال القرطاس. و في صحيح ابن مهزيار بأنّه وارد مورد السؤال عن مانعية الكتابة عن جواز السجود على ما يصحّ السجود عليه من أنواع القرطاس، لا في مقام تشريع جواز السجود على القرطاس(مستمسك العروة الوثقى 5: 504.) و فيه: أنّ لفظ القرطاس واضح الدلالة على مفهومه العرفي، و أنّ أصل جواز السجود على القرطاس كان من المسلّمات عند السائل، و كان سؤاله عن مانعية الكتابة؛ لاحتمال كونها من الأجرام الحائلة بين الجبهة و القرطاس. و لقائل أن يقول: إنّ الأخبار المذكورة و إن كانت مطلقة إلّا أنّ صحيح هشام و الإجماع يدلّان على انحصار جواز السجود في الأرض و ما أنبتته إلّا ما أُكل أو لبس؛ فحينئذٍ يكون القرطاس تابعاً للمتّخذ منه؛ إن حريراً فحريرٌ و إن نباتاً فنباتٌ. و لك أن تقول: نعم و لكن إطلاق نصوص القرطاس و الفتاوى أقوى من ظهور صحيح هشام في اشتراط كون ما أنبتته الأرض ممّا يسجد عليه؛ حتّى في المتّخذ منه كالقرطاس، و ذلك بقرينة ذكر القرطاس مستقلا عن ذكر النبات، فيكون ذكره مستقلا قرينة على إرادة الأعمّ منه. و مع ذلك كلّه فالاحتياط في ترك السجود على المتّخذ من غير النبات.

ص: 281

ص: 282

[ (مسألة 11): يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه]

(مسألة 11): يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه، فلا يجوز على الوَحل غير المتماسك، بل و لا على التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه،

ص: 283

و مع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين و إن لصق بجبهته، لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً، و لو لم يكن عنده إلّا الطين غير المتماسك، سجد عليه بالوضع من غير اعتماد (1).


1- وجه اعتبار إمكان تمكين الجبهة على ما يسجد عليه مع الاختيار توقّف صدق حقيقة السجدة عليه، حيث إنّه لا يصدق أنّه سجد على الأرض و وضع جبهته عليها بدون التمكين المزبور؛ فلا يجوز على الوحل غير المتماسك، و كذا على الطين و التراب اللذين لا تتمكّن الجبهة عليهما؛ ففي موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض(وسائل الشيعة 5: 143، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 9.) و في الأخبار الدالّة على الإيماء للسجدة فيما لا يقدر عن السجود على الأرض أو الموضع الجافّ دلالة على ذلك، كما في موثّق عمّار الآخر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته: الرجل يصيبه المطر و هو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعاً جافّاً، قال يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماءً و هو قائم، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة، و يتشهّد و هو قائم و يسلّم(وسائل الشيعة 5: 142، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 4.) ، و غيره من روايات الباب. و أمّا الطين المتماسك فلا بأس بالسجود عليه؛ لحصول تمكّن الجبهة و الاعتماد عليه و إن لصق بجبهته. لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً؛ إذ حينئذٍ لا يصدق وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه في السجدة الثانية. و لو لم يكن عنده إلّا الطين غير المتماسك فقد اختار المصنّف (رحمه اللَّه) و السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها جواز السجود عليه بالوضع من غير اعتماد، و لعلّه لقاعدة الميسور و عدم الدليل على الإيماء بدلًا عن وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه. و لكن موثّق عمّار المتقدّم ظاهر في وجوب الإيماء في مفروض المسألة، حيث إنّ الطين غير المتماسك ممّا تغرق الجبهة فيه.

ص: 284

[ (مسألة 12): إن كانت الأرض و الوحل بحيث لو جلس للسجود و التشهّد يتلطّخ بدنه و ثيابه]

(مسألة 12): إن كانت الأرض و الوحل بحيث لو جلس للسجود و التشهّد يتلطّخ بدنه و ثيابه، و لم يكن له مكان آخر، يصلّي قائماً مومئاً للسجود و التشهّد على الأحوط الأقوى (1).


1- و لعلّه لموثّق عمّار بن موسى المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته: الرجل يصيبه المطر و هو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعاً جافّاً، قال يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومِ بالسجود إيماءً و هو قائم، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة، و يتشهّد و هو قائم و يسلّم ، حيث إنّ المراد من عدم القدرة على السجدة من الطين هو العرفي لأجل تلطّخ ثيابه بالطين، لا العقلي؛ أي الغير المتمكّن من السجود على الطين. و من المحتمل أن يكون المراد منه هو العقلي؛ فلو قدر عليه عقلًا و لكن يتلطّخ ثيابه سجد عليه مع عدم الضرر و الحرج. فالأقوى مع الضرر و الحرج و مع عدم القدرة عقلًا هو وجوب الإيماء للسجود و التشهّد و التسليم قائماً، و الأحوط مع عدم الضرر و الحرج و عدم القدرة العرفية لأجل تلطّخ ثيابه هو الجمع بين صلاة المختار و بين الإيماء للسجود و التشهّد و التسليم قائماً.

ص: 285

[ (مسألة 13): إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه]

(مسألة 13): إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه، أو كان و لم يتمكّن من السجود عليه لعذر من تقيّة و نحوها سجد على ثوب القُطن أو الكتّان، و مع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما، و مع فقده سجد على ظهر كفّه، و إن لم يتمكّن فعلى المعادن (1).


1- وجه جواز السجود على ثوب القطن و الكتّان فيما لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه أو عند عدم التمكّن منه لعذر من تقية و نحوها صحيح منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه؟ قال لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئاً قطناً أو كتّاناً(وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 7.) ، و صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض و هو في الصلاة و لا يقدر على السجود، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتاناً؟ قال إذا كان مضطرّاً فليفعل(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 9.) و وجه جواز السجود على مطلق الثوب مع فقد ما يصحّ السجود عليه مضافاً إلى عدم الخلاف في كونه بدلًا اضطرارياً عمّا يصحّ السجود عليه خبر عيينة بيّاع القصب قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أُصلّي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال نعم ليس به بأس(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 1.) ، قد وقع عيينة في أسناد «كامل الزيارات» و عبّر عنه النجاشي بعيينة بن ميمون، و طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و القاسم بن إسماعيل. و صحيح القاسم بن الفضيل قال: قلت للرضا (عليه السّلام): جعلت فداك الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ و البرد؟ قال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 2.) و خبر أحمد بن عمر الحلّال قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ و البرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه، فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 3.) ، الحلّال بمعنى بائع الحلّ؛ أي الشيرج، و قد وثّقه الشيخ (رحمه اللَّه) في رجاله، و لكن طريقه إليه ضعيف بمحمّد بن علي الكوفي. و صحيح آخر للقاسم بن الفضيل بن يسار قال: كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السّلام): هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ و البرد و من الشي ء يكره السجود عليه؟ فقال نعم، لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح أبي بصير أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل يصلّي في حرّ شديد فيخاف على جبهته من الأرض، قال يضع ثوبه تحت جبهته(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 8.) و وجه جواز السجود على كفّه مع تعذّر السجود على الثوب ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال تسجد على بعض ثوبك ، فقلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله، قال اسجد على ظهر كفّك فإنّها إحدى المساجد(وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 5.) و روايته الأُخرى قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل و لا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه، قال يسجد على ظهر كفّه فإنّها إحدى المساجد(وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 6.) و وجه جواز السجود على المعادن مع عدم التمكّن من السجود على ما ذكر في المتن بالترتيب، هو الأخبار المجوّزة له على الذهب و الفضّة و القير و القفر و الصاروج و الزجاج، و قد تقدّم منّا أنّ عنوان المعدن لم يذكر في نصّ من النصوص. و لا يخفى: أنّ الوجه في تقديم السجود على القطن و الكتّان على السجود على ثوبه من غير جنسهما فيما لم يمكن السجود على ما يصحّ السجود عليه، هو الجمع بين صحيح منصور بن حازم و صحيح علي بن جعفر المتقدّمين الدالّين على تعيّن السجود على القطن و الكتّان، و بين الأخبار النافية للبأس عن السجود على مطلق الثوب؛ فمقتضى الجمع بينهما هو تقييد الأخبار النافية للبأس عنه بالصحيحين. و لا يخفى أيضاً: أنّه لا دليل على تقدّم السجود على مطلق الثوب و الكفّ على المعادن المذكورة المنصوصة، إلّا الضرورة حيث إنّه لا يجوز السجود عليها إلّا في الضرورة، و لا ضرورة مع التمكّن عن السجود على الثوب و الكفّ بالترتيب.

ص: 286

ص: 287

[ (مسألة 14): لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة]

(مسألة 14): لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت، و في الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم (1).


1- لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة مع التمكّن من تحصيله في ذلك الوقت و إعادة الصلاة فيه قطعها، و لا يجوز له حينئذٍ السجود على ثوبه أو غيره ممّا لا يجوز السجود؛ لعدم مشروعيته حال الاختيار. و هذا ليس من موارد قطع الصلاة المحرّم، بل الصلاة تكون بنفسها باطلة. و لا يجوز له السجود على ثوبه أو كفّه مع التمكّن المذكور؛ لصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) المتقدّم قال إذا كان مضطرّاً فليفعل(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 9.) و لو لم يتمكّن من تحصيله في ذلك الوقت مع إمكانه في آخر الوقت بحيث لو قطعها و انتظر إلى آخر الوقت تمكّن من السجود على ما يصحّ السجود عليه فهل يجب عليه قطعها و الانتظار إلى أن يجد ما يصحّ السجود عليه، أو يحرم عليه القطع بل يجب عليه السجود على ثوبه أو كفّه بالترتيب المتقدّم؟ الذي يظهر من النصوص هو الثاني؛ ففي رواية عيينة بيّاع القصب قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أُصلّي على الحصى فأبسط ثوبي، فأسجد عليه؟ قال نعم ليس به بأس(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل يصلّي في حرّ شديد فيخاف على جبهته من الأرض، قال يضع ثوبه تحت جبهته(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 8.) ، و غيرهما من روايات الباب، حيث إنّ شدّة الحرارة و الرمضاء إنّما تكون في وسط النهار و أوائل وقت الظهرين، و مع ذلك نفى البأس عن السجود على ثوبه و لم يأمر بالانتظار إلى آخر الوقت و السجود على ما يصحّ السجود عليه. و في ضيق الوقت يسجد على ما لا يصحّ السجود عليه بالترتيب المتقدّم، كمن فقده في ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة.

ص: 288

ص: 289

[ (مسألة 15): يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً]

(مسألة 15): يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً غير مضطرب، فلو صلّى اختياراً في سفينة أو على سرير أو بَيدر، فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته، و إن حصل بحيث يصدق أنّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته و إن كانت في سفينة سائرة و شبهها كالطيّارة و القطار و نحوهما، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال و نحوه. هذا كلّه مع الاختيار (1).


1- لا يخفى: أنّ اشتراط الاستقرار في مكان المصلّي لم يرد في نصّ من النصوص، نعم قد ورد الأمر بالتمكّن في الصلاة، كما في خبر سليمان بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماشٍ و لا راكب و لا مضطجع، إلّا أن يكون مريضاً، و ليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة(وسائل الشيعة 5: 404، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 13، الحديث 12.) ، و السند ضعيف بصالح بن عقبة فإنّه إمامي مجهول الحال. و العمدة في الاستدلال على اشتراطه هو الإجماع. و يمكن استفادة اشتراطه فيه من بعض الأخبار الدالّ على عدم جواز فعل الصلاة الواجبة على الدابّة مع فوت بعض ما يعتبر فيها، كالاستقبال و القيام و الطمأنينة و غيرها، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة، و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء، و يومئ في النافلة إيماءً(وسائل الشيعة 4: 325، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 1.) و رواية عبد اللَّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أ يصلّي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال لا، إلّا من ضرورة(وسائل الشيعة 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 4.) ، و الرواية ضعيفة بأحمد بن هلال المتّهم في دينه بغلوة، و سيأتي البحث في اشتراط الاستقرار مفصّلًا عند التعرّض لاعتبار الانتصاب و الاستقرار في القيام و غيره من أفعال الفريضة. فبناءً على اشتراط كون مكان المصلّي قارّاً غير مضطرب؛ فلو صلّى اختياراً في سفينة أو سرير أو بيدر بطلت صلاته فيما فات الاستقرار المعتبر، و صحّت فيما حصل الاستقرار؛ فالسفينة و الطيّارة و القطار و نحوها تجوز الصلاة فيها حال الاختيار حال سيرها مع حفظ استقرار المصلّي في جميع حالات الصلاة و حفظ سائر ما يعتبر في الصلاة من القيام و الاستقبال و غيرهما من الشرائط. و استدلّ عليه بصحيح جميل بن درّاج أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): تكون السفينة قريبة من الجدّ (الجدد) فأخرج و أُصلّي؟ قال صلّ فيها، أما ترضى بصلاة نوح (عليه السّلام)؟!(وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 3.) و حسن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الفرات و ما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة، فقال إن صلّيت فحسن، و إن خرجت فحسن(وسائل الشيعة 4: 321، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 5.) و حسن الرواية بالحكم بن مسكين المكفوف الذي روى عنه ابن أبي عمير، و الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع على قول و غيرهما من الأجلّة على القول بكفاية نقل أمثالهم في الاعتبار. و موثّق المفضل بن صالح قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة، قال إن صلّيت فحسن، و إن خرجت فحسن(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 11.) و حسنة إبراهيم بن ميمون أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في جماعة في السفينة، فقال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 12.) ، و إبراهيم بن ميمون و إن لم يرد فيه مدح و لا توثيق إلّا أنّه روى عنه جماعة من الثقات مع الواسطة كابن أبي عمير و فضالة بواسطة حمّاد بن عثمان، و صفوان بواسطة ابن مسكان، و جماعة بلا واسطة كعلي بن رئاب و عيينة و عقبة بن مسلم و معاوية بن عمّار، و غيرها من روايات الباب. و ما دلّ على عدم جواز الصلاة في السفينة حال الاختيار محمول على صورة عدم إمكان مراعاة الشرائط المعتبرة حال الاختيار، كصحيح حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يسأل عن الصلاة في السفينة، فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا، فإن لم يقدروا فصلّوا قياماً، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً و تحرّوا القبلة(وسائل الشيعة 4: 323، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 14.)

ص: 290

ص: 291

و أمّا مع الاضطرار فيصلّي ماشياً و على الدابّة و في السفينة غير المستقرّة و نحوها؛ مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته، و ينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلّا في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه، و إن لم يتمكّن منه أصلًا سقط،

ص: 292

لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب. و كذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة، فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله، و يسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه (1).


1- لا خلاف في جواز الصلاة ماشياً و على الدابّة و في السفينة غير المستقرّة و نحوها حال الاضطرار و عدم إمكان إتيان الصلاة في تلك الحال بجميع شرائطها المعتبرة فيها حال الاختيار و لو كان الاضطرار لأجل ضيق الوقت للخروج عن السفينة و نحوها أو المطر و الوحل و غيرها، و يستقبل القبلة بما أمكنه من صلاته و لو في تكبيرة الإحرام، و إلّا سقط الاستقبال. و كذا يسقط كلّما تقتضي الضرورة سقوطه من القيام و الجلوس للتشهّد و التسليم و الطمأنينة و غيرها ممّا يعتبر في الصلاة حال الاختيار. و يدلّ عليه صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة و يصفّ رجليه، فإذا دارت و استطاع أن يتوجّه إلى القبلة، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به، و إن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ يصلّي(وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة، فإذا دارت فاستطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به ، قال فإن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ ليصلّ(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 13.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة، و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء و يومئ في النافلة إيماءً(وسائل الشيعة 4: 325، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 1.) و رواية محمّد بن عذافر في حديث قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها و لا السجود عليها من كثرة الثلج و الماء و المطر و الوحل، أ يجوز له أن يصلّي الفريضة في المحمل؟ قال نعم، هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائماً و إلّا قاعداً، و كلّ ما كان من ذلك فاللَّه أولى بالعذر(وسائل الشيعة 4: 325، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أ يصلّي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال لا، إلّا من ضرورة(وسائل الشيعة 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 4.) ، و هذان الخبران ضعيفان سنداً بأحمد بن هلال. و صحيح عبد اللَّه بن جعفر الحميري قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السّلام): روى جعلني اللَّه فداك مواليك عن آبائك أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّى الفريضة على راحلة في يوم مطير، و يصيبنا المطر و نحن في محاملنا و الأرض مبتلّة و المطر يؤذي، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة إن شاء اللَّه؟ فوقّع (عليه السّلام) يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة(وسائل الشيعة 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 5.) و رواية مندل بن علي قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) على راحلته الفريضة في يوم مطير(وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 8.) ، و الرواية ضعيفة سنداً بمصبح بن هلقام العجلي المجهول الحال، و مندل العتري (العنزي) قد وثّقه النجاشي، و قال البرقي: إنّه عامّي.و صحيح ابن درّاج قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الفريضة في المحمل في يوم وحل و مطر(وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 9.) و صحيح آخر للحميري عن صاحب الزمان (عليه السّلام) أنّه كتب إليه يسأله عن رجل يكون في محمله و الثلج كثير بقامة رجل فيتخوّف أن نزل الغوص فيه و ربّما يسقط الثلج و هو على تلك الحال، و لا يستوي له أن يلبد شيئاً منه لكثرته و تهافته، هل يجوز أن يصلّي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أيّاماً، فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب لا بأس به عند الضرورة و الشدّة(وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 11.)

ص: 293

[ (مسألة 16): يستحبّ الصلاة في المساجد]

(مسألة 16): يستحبّ الصلاة في المساجد، بل يُكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر، خصوصاً لجار المسجد؛ حتّى ورد في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد». و أفضلها المسجد الحرام، ثمّ مسجد النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ مسجد الكوفة و الأقصى، ثمّ مسجد الجامع، ثمّ مسجد القبيلة، ثمّ مسجد السوق. و الأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ، و الأفضل بيت المخدع. و كذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة (عليهم السّلام)، خصوصاً مشهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) و حائر أبي الحسين (عليه السّلام).

ص: 294

[ (مسألة 17): يُكره تعطيل المسجد]

(مسألة 17): يُكره تعطيل المسجد، و قد ورد أنّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى اللَّه عزّ و جلّ يوم القيامة، و الآخران عالم بين جهّال، و مصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه، و ورد «إنّ من مشى إلى مسجد من مساجد اللَّه، فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، و محي عنه عشر سيّئات، و رفع له عشر درجات».

[ (مسألة 18): من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد]

(مسألة 18): من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد، و فيه أجر عظيم و ثواب جسيم، و قد ورد أنّه قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه اللَّه بكلّ شبر منه أو قال: بكلّ ذراع منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب و فضّة و درّ و ياقوت و زُمُرّد و زَبَرجَد و لُؤلؤ» الحديث.

ص: 295

[ (مسألة 19): عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً]

(مسألة 19): عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً؛ بأن يقول: «وقفتها مسجداً قربة إلى اللَّه تعالى»، لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً؛ مع قصد القربة، و صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني، فتصير مسجداً (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً؛ نسب إلى المشهور اعتباره، و الشهرة غير ثابتة. و الأقوى عدم اشتراطه، بل يكفي البناء بقصد كونه مسجداً مع قصد القربة. و يدلّ عليه صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنّة ، قال أبو عبيدة: فمرّ بي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في طريق مكّة و قد سوّيت بأحجار مسجداً، فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال نعم(وسائل الشيعة 5: 203، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح آخر عنه عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى اللَّه له بيتاً في الجنّة ، قال أبو عبيدة: و مرّ بي و أنا بين مكّة و المدينة أضع الأحجار، فقلت: هذا من ذاك؟ قال نعم(وسائل الشيعة 5: 204، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 8، الحديث 2.) و رواية أحمد بن داود المزني عن هاشم الحلّال قال: دخلتُ أنا و أبو الصباح على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال أبو الصباح: ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاجّ في طريق مكّة؟ فقال بخ بخ، تيك أفضل المساجد، من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى اللَّه له بيتاً في الجنّة(وسائل الشيعة 5: 205، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 8، الحديث 6.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بنى مسجده بالسميط، ثمّ إنّ المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فزيد فيه و بناه بالسعيدة، ثمّ إنّ المسلمين كثروا، فقالوا: يا رسول اللَّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأُنثى و الذكر، ثمّ اشتدّ عليهم الحرّ فقالوا: يا رسول اللَّه لو أمرت بالمسجد فظلّل، فقال: نعم، فأمر به فأُقيمت به سواري من جذوع النخل، ثمّ طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر، فعاشوا فيه حتّى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكفّ عليهم، فقالوا: يا رسول اللَّه لو أمرت بالمسجد فطيّن، فقال لهم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): لا عريش كعريش موسى (عليه السّلام)، فلم يزل كذلك حتّى قبض (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و كان جداره قبل أن يظلّل قامة، و كان إذا كان الفي ء ذراعاً، و هو قدر مربض عنز صلّى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر ، و قال: «و السميط: لبنة لبنة، و السعيدة: لبنة و نصف، و الذكر و الأُنثى: لبنتان مختلفتان»(وسائل الشيعة 5: 205، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 9، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بنى المسجد ابتداءً ثمّ زاد عليه مرّات و اكتفى في المسجدية في كلّ مرّة بالبناء، و لم يتعرّض في الرواية و كذا في الروايات السابقة لحكاية الوقفية بالصيغة، و لو كان ذلك شرطاً في تحقّق المسجدية لكان أولى بالحكاية. و عن الشهيد في «الذكرى»: إنّما تصير البقعة مسجداً بالوقف إمّا بصيغة: «وقفتُ» و شبهها، و إمّا بقوله: «جعلته مسجداً» و يأذن بالصلاة فيه، فإذا صلّى فيه واحد تمّ الوقف. و لو قبضه الحاكم أو أذن في قبضه فالأقرب أنّه كذلك؛ لأنّ له الولاية العامّة. و لو صلّى فيه الواقف فالأقرب الاكتفاء بعد العقد. و لو بناه بنية المسجد لم يصر مسجداً. نعم لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثمّ صلّوا أمكن صيرورته مسجداً؛ لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة. و قال الشيخ في «المبسوط»: إذا بنى مسجداً خارج داره في ملكه فإن نوى به أن يكون مسجداً يصلّي فيه كلّ من أراده زال ملكه عنه، و إن لم ينو ذلك فملكه باقٍ عليه؛ سواء صلّى فيه أو لم يصلّ. و ظاهره الاكتفاء بالنية. و أولى منه إذا صلّى فيه، و ليس في كلامه دلالة على التلفّظ، و لعلّه الأقرب. و قال ابن إدريس: إن وقفه و نوى القربة و صلّى فيه الناس و دخلوه زال ملكه عنه(ذكرى الشيعة 3: 133.) انتهى كلام الشهيد (رحمه اللَّه).

ص: 296

ص: 297

ص: 298

[ (مسألة 20): تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه]

(مسألة 20): تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه، و في المزبلة و المجزرة و المكان المتّخذ للكنيف و لو سطحاً متّخذاً مبالًا و بيت المسكر، و في أعطان الإبل. و في مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر و مرابض الغنم، و الطرق إن لم تضرّ بالمارة، و إلّا حرمت، و في قُرى النمل و مجاري المياه و إن لم يتوقّع جريانها فيها فعلًا، و في الأرض السبخة، و في كلّ أرض نزل فيها عذاب، و على الثلج، و في معابد النيران، بل كلّ بيت أُعدّ لإضرام النار فيه، و على القبر و إليه و بين القبور. و ترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل، و ببعد عشرة أذرع. و لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة (عليهم السّلام) و عن يمينها و شمالها، و إن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام (عليه السّلام). و كذا تكره و بين يديه نار مُضرَمة أو سراج أو تمثالُ ذي روح، و تزول في الأخير بالتغطية. و تكره و بين يديه مصحف أو كتاب مفتوح، أو مقابله باب مفتوح، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها، و ترتفع بستره. و الكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر، و الأمر سهل (1).


1- المشهور شهرة عظيمة كراهة الصلاة في الحمّام، بل ادّعى عليه الإجماع في «الغنية» و «الخلاف». و يدلّ عليه مرسل عبد اللَّه بن الفضل عمّن حدّثه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال عشرة مواضع لا يصلّى فيها: الطين و الماء و الحمّام و القبور و مسان الطريق و قرى النمل و معاطن الإبل و مجرى الماء و السبخ و الثلج(وسائل الشيعة 5: 142، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 6.)وجه الاستدلال على كراهة الصلاة حتّى في مسلخ الحمّام: أنّ الحمّام مطلق شامل للمسلخ، فللحمّام داخل و هو محلّ الغَسل و خارج و هو المسلخ و أمّا بيت الحمّام المصرّح بنفي البأس عن الصلاة فيه إذا كان نظيفاً فيحتمل أن يكون غير المسلخ؛ فلا كراهة للصلاة فيه؛ لعدم صدق الحمّام عليه. و من المحتمل أن يكون المراد منه هو المسلخ، كما فسّره به الصدوق (رحمه اللَّه). و لا ينافي نفي البأس الكراهة؛ ففي صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الصلاة في بيت الحمّام، فقال إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 176، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، الحديث 1.) ؛ يعني المسلخ. و موثّق عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في بيت الحمّام، قال إذا كان موضعاً نظيفاً فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 177، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، الحديث 2.) و ينبغي لنا ترك التعرّض للبحث في سائر موارد كراهة الصلاة فيها، و عليك بالرجوع إلى الروايات الواردة فيها المذكورة في «وسائل الشيعة».

ص: 299

ص: 300

[المقدّمة الخامسة: في الأذان و الإقامة]

المقدّمة الخامسة: في الأذان و الإقامة

[ (مسألة 1): لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس]

(مسألة 1): لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس؛ أداءً و قضاءً، حضراً و سفراً، في الصحّة و المرض، للجامع و المنفرد، للرجال و النساء؛ حتّى قال بعض بوجوبهما (1)،


1- لا خلاف بين المسلمين في مشروعية الأذان و الإقامة في الصلوات الخمس اليومية، كما لا خلاف بينهم في عدم مشروعيتهما في غيرها من الصلوات. و اختلف فقهاؤنا في حكمهما: فالأكثر على أنّهما مستحبّان مطلقاً؛ أداءً و قضاءً، حضراً و سفراً، في الصحّة و المرض، للجامع و المنفرد، للرجال و النساء، بل هو المشهور، و نسبه في «الحدائق» إلى المشهور بين المتأخّرين. و نسب إلى الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و ابني البرّاج و حمزة القول بوجوبهما في صلاة الجماعة، و اختاره السيّد المرتضى في المسائل «الناصريات». و نسب إلى السيّد المرتضى في «الجمل» القول بوجوبهما في صلاة الجماعة على الرجال دون النساء. و نسب إليه قول ثالث؛ و هو وجوبهما على الرجال في السفر و الحضر في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة. و قول رابع و هو وجوب الإقامة خاصّة على الرجال في كلّ فريضة دون الأذان. و نسب إلى ابن الجنيد وجوبهما على الرجال جماعة و فرادى حضراً و سفراً في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة. و نسب إلى أبي الصباح وجوبهما في الجماعة، من غير تقييد بكون الوجوب على الرجال. و نسب إلى ابن أبي عقيل أنّه من ترك الأذان و الإقامة متعمّداً بطلت صلاته، إلّا الأذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة؛ فإنّ الإقامة مجزية عنه و لا إعادة عليه في تركه. و أمّا الإقامة فإن تركها متعمّداً بطلت صلاته و عليه الإعادة. و منشأ هذه الأقوال و غيرها ما يتراءى من الاختلاف في الروايات، و ينبغي ذكر بعضها: ففي بعضها ورد الأمر بكليهما، و ظاهره وجوب كليهما مطلقاً كموثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت إلى الصلاة فريضة فأذّن و أقم، و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح(وسائل الشيعة 5: 397، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 11، الحديث 4.) و في بعضها: أنّه يجزي الإقامة في السفر؛ ففي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال يجزي في السفر إقامة بغير أذان(وسائل الشيعة 5: 384، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم و الفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما السّلام) قال يجزيك إقامة في السفر(وسائل الشيعة 5: 385، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 7.) و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول يقصّر الأذان في السفر، كما تقصّر الصلاة، تجزي إقامة واحدة(وسائل الشيعة 5: 385، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 9.) و في بعضها ورد إجزاء الإقامة في السفر و الحضر؛ ففي صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل هل يجزيه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال نعم، لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 384، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 3.) و في بعضها دلالة على وجوب الأذان و الإقامة في الغداة و المغرب و الترخيص في سائر الصلوات بالإقامة و أفضلية الأذان؛ ففي موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تصلّي الغداة و المغرب إلّا بأذان و إقامة، و رخّص في سائر الصلوات بالإقامة، و الأذان أفضل(وسائل الشيعة 5: 384، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 5.) و بعضها يدلّ على اعتبار الأذان و الإقامة في الظهر و المغرب و الإجزاء في بقية الصلوات على الإقامة؛ ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان و إقامة، و تفتتح النهار بأذان و إقامة، و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان(وسائل الشيعة 5: 386، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 6، الحديث 1.)

ص: 301

ص: 302

و الأقوى استحبابهما مطلقاً و إن كان في تركهما حرمان عن ثواب جزيل (1).


1- وجه استحبابهما مطلقاً هي الشهرة العظيمة. و يدلّ عليه ذيل صحيح صفوان بن مهران الجمّال عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الأذان مثنى مثنى، و الإقامة مثنى مثنى، و لا بدّ في الفجر و المغرب من أذان و إقامة في الحضر و السفر؛ لأنّه لا يقصر فيهما في حضر و لا سفر، و تجزيك إقامة بغير أذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة، و الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل(وسائل الشيعة 5: 386، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 6، الحديث 2.) و يدلّ على استحبابهما أيضاً و أنّ في تركهما حرمان عن ثواب جزيل الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ من صلّى مع أذان و إقامة صلّى خلفه الملائك، و نذكر بعضها تيمّناً: عن محمّد بن الحسن في «المجالس و الأخبار» بإسناده عن أبي ذر عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في وصيته له قال يا أبا ذر إنّ ربّك ليباهي ملائكته بثلاثة نفر: رجل يصبح في أرض قفراء فيؤذّن ثمّ يقيم ثمّ يصلّي، فيقول ربّك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلّي و لا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلّون وراءه و يستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. إلى أن قال يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قيّ يعني قفراء فتوضّأ أو تيمّم ثمّ أذّن و أقام و صلّى أمر اللَّه الملائكة فصفّوا خلفه صفّاً لا يراه (يرى) طرفاه يركعون لركوعه و يسجدون بسجوده و يؤمّنون على دعائه. يا أبا ذر من أقام و لم يؤذّن لم يصلّ معه إلّا ملكاه اللذان معه(وسائل الشيعة 5: 383، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 4، الحديث 9.)

ص: 303

[ (مسألة 2): يسقط الأذان في العصر و العشاء إذا جمع بينهما و بين الظهر و المغرب]

(مسألة 2): يسقط الأذان في العصر و العشاء إذا جمع بينهما و بين الظهر و المغرب؛ من غير فرق بين موارد استحباب الجمع، مثل عصر يوم الجمعة و عصر يوم عرفة و عشاء ليلة العيد في المُزدَلِفة؛ حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة و بين غيرها. و يتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين، و بفعل النافلة الموظّفة بينهما على الأقوى، فبإتيان نافلة العصر بين الظهرين و نافلة المغرب بين العشاءين، يتحقق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان (1).


1- سقوط الأذان في العصر إذا جمع بينه و بين الظهر، و كذا في العشاء إذا جمع بينه و بين المغرب ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، بل ادّعى عليه الإجماع في «الغنية» و «السرائر» و «المنتهي». و استدلّ عليه بصحيح عبد اللَّه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد و إقامتين(وسائل الشيعة 4: 220، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 32، الحديث 1.) و صحيح عمر بن أُذينة عن رهط منهم الفضيل و زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين(وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 36، الحديث 2.) و يدلّ على سقوطه عن العصر يوم الجمعة خبر حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة(وسائل الشيعة 7: 400، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 49، الحديث 2.) ، و ضعف سنده منجبر بعدم الخلاف من أحد من الأصحاب. و يدلّ على سقوطه عن عصر يوم عرفة مضافاً إلى الإجماع المدّعى عن جماعة صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن و يقيم للظهر، ثمّ يصلّي، ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة(وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 36، الحديث 1.) و مرسل الصدوق عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الظهر و العصر بعرفة ثمّ قال بين المغرب و العشاء بجمع(وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 36، الحديث 3.) و يدلّ على سقوطه عن عشاء ليلة العيد بمزدلفة صحيح ابن سنان المتقدّم و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة. و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئاً ، و قال هكذا صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحج، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، الحديث 3.) ، المراد من الجمع هو المزدلفة، و قد صرّح به الصدوق (رحمه اللَّه) في المرسلة عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام) أنّه إنّما سمّيت المزدلفة جمعاً؛ لأنّه يجمع فيها بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين(وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحج، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، الحديث 6.) لا يخفى: أنّ اختصاص سقوط الأذان عن العصر و العشاء بصورة الجمع بينهما و بين الظهر و المغرب مستفاد من صحاح عبد اللَّه بن سنان و عمر بن أُذينة و منصور بن حازم المتقدّمة؛ فيخصّص بتلك الصحاح عمومات استحباب الأذان؛ فلا يسقط مع الفصل بينهما بزمان طويل. و كذا لا يسقط مع فصل نافلة العصر بين الظهرين و فصل نافلة المغرب بين العشاءين؛ لانتفاء الجمع الموجب لسقوطه حينئذٍ. و يدلّ على انتفاء الجمع بفصل النافلة بينهما موثّق محمّد بن حكيم الخثعمي قال: سمعت أبا الحسن (عليه السّلام) يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع، فإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع(وسائل الشيعة 4: 224، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 33، الحديث 3.)

ص: 304

ص: 305

و الأقوى أنّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة و عشاء ليلة العيد بمزدلفة، عزيمة؛ بمعنى عدم مشروعيّته، فيحرم إتيانه بقصدها، و الأحوط الترك في جميع موارد الجمع (1).


1- اختلف فقهاؤنا في أنّ سقوط الأذان في موارد الجمع مطلقاً أو خصوص عصري الجمعة و عرفة و عشاء مزدلفة عزيمةٌ بمعنى عدم مشروعيته و حرمة فعله أو رخصة؛ فذهب بعضهم منهم العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي» إلى أنّه عزيمة في خصوص عصر الجمعة و عرفة و عشاء المزدلفة، قال في «المنتهي»: هل الأذان الثاني بدعة؟ أمّا في يوم الجمعة فبلى، و أمّا في الموضعين فالأظهر أنّه كذلك؛ لرواية ابن سنان. و قال صاحب «المدارك» بالعزيمة في خصوص عصر عرفة و عشاء المزدلفة، و اختاره المصنّف (رحمه اللَّه). و عن الشهيد في «الذكرى» الجزم بانتفاء التحريم في المواضع الثلاثة المذكورة، و التوقّف في كراهته فيها أوّلًا، و الحكم بنفي الكراهة ثانياً. و قال في «الدروس»: و يسقط استحباب الأذان في عصر عرفة و عشاء مزدلفة و عصر الجمعة، و ربّما قيل بكراهيته في الثلاثة؛ و خصوصاً الأخيرة، و بالغ من قال بالتحريم. و اختار في «البيان»: أنّ الأقرب أنّ الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيته، و توقّف في غيرها. و كيف كان: فالقائلون بالرخصة استدلّوا بأنّ الأذان ذكر اللَّه و لا وجه لسقوطه أصلًا، بل سقوطه تخفيف. و فيه: أنّه و إن كان في نفسه ذكر اللَّه إلّا أنّه إذا انطبق عليه عنوان البدعة يحرم. فالأقوى أنّ سقوطه في خصوص عصر عرفة و عشاء المزدلفة عزيمة و فعله حرام؛ لأنّ فعله مخالفة للسنّة؛ فيكون بدعة. و قد ورد في الصحيح عن الصادقين (عليهما السّلام) ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(وسائل الشيعة 8: 45، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 1.) و لأنّ العبادات توقيفية مبنية على التوظيف من الشارع، و لم يعلم منه الأذان للثانية في صورة الجمع، و المعلوم من الأخبار أنّه لا أذان فيها. و قد تقدّم في صحيحي عبد اللَّه بن سنان و عمر بن أُذينة عن رهط: أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الصلاتين بإسقاط الأذان، و أنّ إسقاطه كان سنّة كما في صحيح ابن سنان المتقدّم؛ فيكون فعله خلاف السنّة و بدعة، و الأحوط وجوباً تركه في موارد الجمع مطلقاً.

ص: 306

ص: 307

[ (مسألة 3): يسقط الأذان و الإقامة في مواضع]

(مسألة 3): يسقط الأذان و الإقامة في مواضع: منها: الداخل في الجماعة التي أذّنوا و أقاموا لها؛ و إن لم يسمعهما و لم يكن حاضراً حينهما (1).


1- و استدلّ عليه بموثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: سئل عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده، فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال لا و لكن يؤذّن و يقيم(وسائل الشيعة 5: 432، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 27، الحديث 1.) ، وجه الاستدلال: أنّ سؤال السائل عن اكتفاء الداخل على أذان و إقامة الرجل الذي نوى الصلاة وحده ظاهر في أنّ اكتفاء الداخل على أذان الإمام و إقامته كان مسلّماً و مفروغاً عنه عنده. و خبر أبي مريم الأنصاري قال: صلّى بنا أبو جعفر (عليه السّلام) في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة، فلمّا انصرف قلت له: عافاك اللَّه صلّيت بنا في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة؟ فقال إنّ قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون على إزار و لا رداء، و إنّي مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك(وسائل الشيعة 5: 437، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 30، الحديث 2.) و خبر معاوية بن شريح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جاء الرجل مبادراً و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع، و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتدّ بها، و من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهّد فقد أدرك الجماعة و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة(وسائل الشيعة 8: 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 6.) ، و الخبران ضعيفان بصالح بن عقبة بن قيس؛ فقد قيل في حقّه: إنّه كذّاب غالٍ، و معاوية بن شريح المجهول الحال، و ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب.

ص: 308

و منها: من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق؛ سواء قصد الإتيان إليها أم لا، و سواء صلّى جماعة إماماً أو مأموماً أم منفرداً، فلو تفرّقت، أو أعرضوا عن الصلاة و تعقيبها و إن بقوا في مكانهم، لم يسقطا عنه، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان و إقامة؛ و لو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير (1)،


1- سقوط الأذان و الإقامة ممّن دخل في مكان انعقدت فيه الجماعة و لم تتفرّق ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، و في «الجواهر»: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(جواهر الكلام 9: 41.) و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة المنجبر ضعف بعضها بعمل الأصحاب: منها موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم، أ يؤذّن و يقيم؟ قال إن كان دخل و لم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرّق الصفّ أذّن و أقام(وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 2.) و خبر زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السّلام) قال: دخل رجلان المسجد و قد صلّى الناس، فقال لهما علي (عليه السّلام) إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم(وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 3.) ، و في السند حسين بن علوان عامّي شديد المحبّة على أهل البيت، و قيل: إنّه كان مستوراً فلم يثبت توثيقه. و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول إذا دخل رجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 4.) و معتبرة أبي علي الحرّاني قال: كنّا عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّيتُ في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن، فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع ، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال يقومون في ناحية المسجد و لا يبدأ (يبدو) بهم إمام(وسائل الشيعة 8: 415، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 65، الحديث 2.) و في «الجواهر»: و أبو علي الحرّاني يحتمل أن يكون هو سلام بن عمرو الثقة، فيكون الخبر صحيحاً في طريقيه إن لم يكتف في صحّة الخبر بصحّة سنده إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و إلّا فلا تقدح جهالته؛ لأنّ في أحد طريقيه ابن أبي عمير و في الآخر الحسين بن سعيد عنه، و هما معاً ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما(جواهر الكلام 9: 42.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الاكتفاء بسقوط الأذان في رواية أبي علي و في صحيح أبي بصير فقال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم، قال ليس عليه أن يعيد الأذان، فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان(وسائل الشيعة 5: 429، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 1.) لعلّه لأجل إرادة ما يشمل الإقامة؛ إذ لا قائل في موارد السقوط بسقوط الأذان فقط دون الإقامة. و أمّا الأخبار الدالّة على عدم سقوطهما حين إدراك الجماعة و قد سلّم الإمام، فهي قاصرة عن المعارضة بالأخبار المستفيضة المتقدّمة الدالّة على سقوطهما المعتضدة بنفي الخلاف بل تحصيل الإجماع؛ ففي موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال عليه أن يؤذّن و يقيم و يفتتح الصلاة(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 5.) و ذيل خبر معاوية بن شريح المتقدّم و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة. و في «وسائل الشيعة» بعد ذكر موثّق عمّار قال: هذا محمول على الجواز أو الاستحباب من غير تأكّد، أو على تفرّق الصفوف. و في «الجواهر»: و أولى منهما طرحهما أو حملهما خصوصاً الثاني منهما على إرادة بيان انتهاء الدخول في الجماعة بحيث تحصل له فضيلة الجماعة، فكنّى حينئذٍ بالأذان و الإقامة عن عدم مشروعية الدخول فيها و الاستغناء عن الأذان و الإقامة من حيث إدراك الصلاة جماعة، من غير تعرّض لباقي الحيثيات التي منها عدم تفرّق الجماعة حتّى ينافي ما سمعت(جواهر الكلام 9: 43.) انتهى. و لا يخفى أيضاً: أنّ سقوط الأذان و الإقامة في المسألة لا يختصّ بالجماعة بل يعمّها و المنفرد؛ لظهور النصوص السابقة و صريح بعضها، حيث اكتفي فيها بدخول الرجل، و المفرد المعرَّف و كذا المنكّر يدلّ على الفرد الواحد و لا يطلق على الجماعة. و كذا لا يختصّ الحكم في مورد البحث بالمسجد، كما صرّح به جماعة من أصحابنا؛ و ذلك لإطلاق النصوص. و ذكر المسجد في بعضها كخبر أبي علي المتقدّم و غيره محمول على الغالب من وقوع الجماعة في المسجد، كما سيأتي. بقي الكلام في اعتبار عدم التفرّق في سقوط الأذان و الإقامة عن الداخل على الجماعة، الذي يستفاد من الأخبار اعتبار عدم التفرّق في السقوط؛ ففي موثّق أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذّن و يقيم؟ قال إن كان دخل و لم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرّق الصفّ أذّن و أقام ، و هو المفهوم من الشرط في ذيل صحيح أبي بصير المتقدّم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان ، و الأخبار الدالّة على السقوط مطلقاً أي و إن تفرّق الجماعة تقيّد بهذين الخبرين الموثّق و الصحيح. و هل المدار في السقوط و عدمه على تفرّق الجميع بحيث لا يسقط مع بقاء الواحد، أو على بقاء الجميع بحيث يسقط مع مضيّ واحد، أو على الأكثر تفرّقاً فلا يسقط و بقاءً فيسقط، أو على العرف في صدق التفرّق و عدمه؟ أقوال، ذكرها في «مفتاح الكرامة»(مفتاح الكرامة 3: 267.) المنساق عرفاً من التفرّق زوال هيئة الجماعة و لو بمضيّ بعضها و بقاء بعضها الآخر، و يختلف باختلاف الموارد؛ ففيما كانت الجماعة منعقدة باثنين يصدق التفرّق بذهاب أحدهما، و فيما كانت أكثر يصدق بذهاب عدّة كثيرة، و إن بقي القليل منهم و لو أزيد من واحد و اثنين. و لا يعتبر في تحقّق التفرّق الخروج من المسجد و إن عبّر به؛ فيكفي في تحقّقه الإعراض عن الصلاة و تعقيبها، و التعبير عنه بالخروج عن المسجد باعتبار الغالب، هذا كلّه فيما كانت للجماعة السابقة أذان و إقامة. و لو لم يكن لهم أذان و إقامة؛ بأن انعقدت بلا أذان و إقامة أو اكتفوا بسماعهما أو بأذان و إقامة جماعة انعقدت قبل تلك الجماعة، فلا يسقطان حينئذٍ عن الجماعة اللاحقة؛ و ذلك لظهور النصوص المتقدّمة حيث قيّد فيها سقوط الأذان و الإقامة عن اللاحقة بأذان و إقامة السابقة. و وجه الظهور إضافة الأذان و الإقامة إلى الجماعة الأُولى صلّى بأذانهم و إقامتهم.

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

و كذا فيما إذا كانت باطلة؛ من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به أو من جهة أُخرى، و كذا مع عدم اتّحاد مكان الصلاتين عرفاً؛ بأن كانت إحداهما داخل المسجد و الأُخرى على سطحه، أو بعدت إحداهما عن الأُخرى كثيراً (1).


1- لا يسقط أذان و لا إقامة الداخل على الجماعة إذا كانت الجماعة باطلة من جهة فسق الإمام فيما علم المأمومون بفسقه أو من جهة أُخرى، و هو الظاهر من الروايات، حيث إنّ الظاهر من حال المصلّين جماعة صحّة جماعتهم، و مع فرض بطلان صلاتهم لا تنعقد الجماعة؛ فلا صلاة لهم جماعة حتّى يسقط أذانها و إقامتها الأذان و الإقامة عن الداخل عليهم. و أمّا اعتبار اتّحاد مكان الصلاتين و اشتراطه في السقوط فهو الظاهر من بعض نصوص المسألة. كما في صحيح أبي بصير المتقدّم، حيث إنّ انتهاء الرجل إلى الإمام حين يسلّم الإمام، و كذا دخوله معهم في أذانهم لا يكون إلّا مع وحدة مكانهم. و كذا في موثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول إذا دخل الرجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 4.) ، حيث إنّ الرجل دخل للصلاة في مسجد في حال قد صلّى أهل ذلك المسجد، فمكان الصلاتين واحد. و لا يخفى: أنّ داخل المسجد و سطحه يعدّان مكانين عرفاً، و كذا المسجد و صحنه. و أمّا إذا كان المكان وسيعاً جدّاً كالمساجد الكبار و انعقدت الجماعة في ناحية منه و دخل رجل للصلاة في ناحية أُخرى منه و بعدت إحدى الصلاتين عن الأُخرى كثيراً، فالظاهر أنّه يعدّ مكاناً واحداً، و يسقط الأذان عن الداخل و يكفيه أذان الجماعة و إقامتهم.

ص: 313

و هل يختصّ الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضاً؟ محلّ إشكال، فلا يُترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد و غيره، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد (1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا كالمحقّق (رحمه اللَّه) في «المعتبر» و «النافع» و صاحبي «المدارك» و «الحدائق» إلى اختصاص الحكم بالمسجد؛ لوروده في النصوص المتقدّمة، فالخروج عن ذلك و تعميم الحكم لغير المسجد يحتاج إلى دليل؛ فيقتصر في ترك ما علم استحبابه بالأدلّة القاطعة على المتيقّن؛ و هو المسجد. و قال الشهيد الثاني في «المسالك»: و لا فرق بين كون الصلاة في مسجد و غيره، كما يقتضيه إطلاق العبارة، لكن النصّ هنا إنّما ورد في المسجد. و قال (رحمه اللَّه) في «الروضة» شرح «اللمعة»: و يظهر من فحوى الأخبار أنّ الحكمة في ذلك مراعاة جانب الإمام السابق في عدم تصوير الثانية بصورة الجماعة و مزاياها، انتهى.

ص: 314

و كذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيّتين؛ بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائيّة عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة (1)، و كذا فيما لم تشتركا في الوقت، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً و هو يريد أن يصلّي المغرب (2)،


1- أي لا يترك الاحتياط بترك الأذان و الإقامة فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيتين؛ بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو الغير تبرّعاً أو من جهة الإجارة. و في «الحدائق»: هل يختصّ الحكم بالفريضة المؤدّاة أو يعمّ ما دخل الداخل و أراد أن يصلّي قضاءً؟ إشكال ينشأ من أنّ إطلاق النصوص بصلاة الداخل شامل للأداء و القضاء، و من أنّ قرائن الحال من قصد المسجد و المسارعة إلى الدخول مع الإمام و نحو ذلك إنّما ينصرف إلى الأداء(الحدائق الناضرة 7: 389.) انتهى. و يقوى الانصراف في خصوص موثّق السكوني المتقدّم بقرينة قوله و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة.
2- أي لا يترك الاحتياط بالترك فيما لم تشترك صلاته مع الجماعة في الوقت، كما إذا كانت الجماعة في آخر الوقت عصراً و هو يريد أن يصلّي المغرب. و هذه المسألة كالسابقة مشكلة من جهة الإطلاق في النصوص، و من جهة انصرافها إلى الوقت المشترك. و في «المستمسك»: مضافاً إلى عدم مشروعية الأذان قبل الوقت و عدم الاجتزاء به؛ فإنّ غاية ما تفيده أدلّة السقوط في المقام أن يفرض أذان الجماعة أذاناً له، فإذا كان أذانه قبل الوقت لا يجزؤه فكيف يجزؤه أذان غيره(مستمسك العروة الوثقى 5: 568.) ؟! و فيه: أنّ القدر المسلّم عدم مشروعية أذان نفسه قبل الوقت. و أمّا أذان الغير لصلاة الجماعة في وقتها فلم يثبت عدم مشروعيته لصلاة الداخل الواقعة في وقت آخر، فأذانهم للجماعة في وقت لا يعدّ أذاناً لصلاة الداخل في وقت آخر حتّى يكون أذاناً قبل الوقت و غير مشروع، بل أذانهم مسقط لأذانه.

ص: 315

و الإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءً لا بأس به (1).


1- و ذلك لأنّ الحرمة إن كانت فهي من باب التشريع، و هو منتفٍ بإتيانهما رجاءً.

ص: 316

[المقدّمة السادسة ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها و أفعالها]

المقدّمة السادسة ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها و أفعالها، فإنّه لا يُحسب للعبد من صلاته إلّا ما أقبل عليه، و معناه الالتفات التامّ إليها و إلى ما يقول فيها، و التوجّه الكامل نحو حضرة المعبود جلّ جلاله، و استشعار عظمته و جلال هيبته، و تفريغ قلبه عمّا عداه، فيرى نفسه متمثّلًا بين يدي ملك الملوك عظيم العظماء، مخاطباً له مناجياً إيّاه، فإذا استشعر ذلك وقع في قلبه هيبة يهابه، ثمّ يرى نفسه مقصّراً في أداء حقّه فيخافه، ثمّ يلاحظ سعة رحمته فيرجو ثوابه، فيحصل له حالة بين الخوف و الرجاء، و هذه صفة الكاملين، و لها درجات شتّى و مراتب لا تُحصى على حسب درجات المتعبّدين، و ينبغي له الخضوع و الخشوع، و السكينة و الوقار، و الزيّ الحسن و الطيب و السواك قبل الدخول فيها و التمشيط، و ينبغي أن يصلّي صلاة مودّع، فيجدّد التوبة و الإنابة و الاستغفار، و أن يقوم بين يدي ربّه قيام العبد الذليل بين يدي مولاه، و أن يكون صادقاً في مقالة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ؛ لا يقول هذا القول و هو عابد لهواه، و مستعين بغير مولاه. و ينبغي له أيضاً أن يبذل جهده في التحذّر عن موانع القبول؛ من العُجب و الحسد و الكبر و الغيبة و حبس الزكاة و سائر الحقوق الواجبة؛ ممّا هو من موانع القبول.

ص: 317

[فصل في أفعال الصلاة]

فصل في أفعال الصلاة و هي واجبة و مسنونة. و الواجب أحد عشر: النية، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و الركوع، و السجود، و القراءة، و الذكر، و التشهّد، و التسليم، و الترتيب، و الموالاة. و سيأتي أنّ بعض ما ذكر ركن تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهواً، لكن لا يتصوّر الزيادة في النية بناء على الداعي، و بناء على الإخطار غير قادحة، و غير الركن من الواجبات لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصانه سهواً دون عمد (1).


1- قد تعرّض المصنّف (رحمه اللَّه) بذكر بعض مستحبّات الصلاة في ضمن بيان واجباتها. و قد عرّف الركن بما تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهواً، و يتصوّر الزيادة في الأجزاء الركنية في الصلاة بتكرارها، هذا في غير النية. و أمّا فيها فلا يتصوّر التكرار فيها بناءً على الداعي، و هو الباعث للمكلّف على الفعل الاختياري المنبعث عن تصوّره و التصديق بفائدته سواء كان الداعي هو الأمر المتوجّه إليه من المولى أو الرجحان الذاتي للفعل أو المصلحة الموجودة فيه أو التقرّب إلى المولى فلا يتصوّر الزيادة في النية بناءً على الداعي؛ خصوصاً على القول بشرطية النية للصلاة، حيث إنّ الزيادة لا تكون إلّا في الأجزاء الخارجية. و أمّا بناءً على الإخطار بالبال فزيادته غير قادحة بلا إشكال، و حينئذٍ فمعنى ركنية النية في العبادة أنّه لو أخلّ بها و تركها عامداً أو ناسياً لم تنعقد العبادة، و في «التذكرة»: النية ركن بمعنى أنّ الصلاة تبطل مع الإخلال بها عمداً و سهواً. بقي الكلام في كون النية جزء من الصلاة أو شرطاً لصحّتها؟ ذهب إلى كلّ فريقٌ، و تردّد جماعة في كونها جزءً أو شرطاً؛ منهم النراقي في «مستند الشيعة»، و قبله الشهيد الثاني في «المسالك»، و يظهر من المصنّف (رحمه اللَّه) كونها جزءً حيث عدّها من أفعالها. و في «جامع المقاصد»: أنّ الذي يختلج في خاطري أنّ خاصّة الشرط و الجزء معاً قد اجتمعا في النية؛ فإنّ تقدّمها على جميع الأفعال حتّى التكبير الذي هو أوّل الصلاة يلحقها بالشروط، و لا يقدح في ذلك مقارنتها له أو لشي ء منه؛ لأنّها تتقدّمه و تقارنه، و هكذا يكون الشرط. و اعتبار ما يعتبر في الصلاة فيها بخلاف باقي الشروط لأنّ تحقّق ذلك يلحقها بالأجزاء؛ و حينئذٍ فلا تكون على نهج الشروط و الأجزاء، بل تكون متردّدة بين الأمرين و إن كان شبهها بالشرط أكثر(جامع المقاصد 2: 217.) انتهى. و ممّن قال بكونها جزء الشهيد في «الذكرى»، و استدلّ عليه بأنّها مقارنة للتكبير الذي هو جزء و ركن؛ فتكون جزءً؛ خصوصاً عند من أوجب بسطها عليه أو حضورها من أوّله إلى آخره، و بقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(البيّنة( 98): 5.) و هو مشعر باعتبار العبادة حال الإخلاص، و هو المراد بالنية. و لا نعني بالجزء إلّا ما كان منتظماً مع الشي ء بحيث يشمل الكلّ حقيقة واحدة(ذكرى الشيعة 3: 244.) و فيه: أنّ مجرّد المقارنة لا توجب الجزئية؛ إذ المراد بالجزء ما توقّف صدق اسم الكلّ عليه، و نفي اسم الصلاة عن فاقد النية عند الصحيحي لفقد الشرط كفاقد الطهارة و الستر. و أمّا اعتبار الإخلاص في العبادة على ما دلّ عليه الآية المزبورة فهو مسلّم، و لكن لا دلالة فيه على كون الإخلاص جزءً للعبادة. و القائلون بالشرطية استدلّوا بوجوه: منها: أنّ الشرط ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر، أو ما يتوقّف عليه صحّة الفعل، و المعنيان موجودان في النية. و منها: أنّ أوّل الصلاة التكبير، و النية مقارنة أو سابقة عليها؛ فلا تكون جزءً. و منها: أنّها لو كانت جزءً لافتقرت إلى نية أُخرى، و يتسلسل. و منها: أنّ النية تتعلّق بالصلاة؛ فلو كانت جزءً منها لتعلّق الشي ء بنفسه. و منها: أنّ قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الأعمال بالنيات(وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الصلاة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 6.) يدلّ على مغايرة العمل للنية. و بعض هذه الوجوه لا يخلو عن خدشة، و لمّا كان البحث في النية من جهة الجزئية و الشرطية قليل الفائدة لبطلان الصلاة بتركها عمداً و سهواً، جزءً كان أو شرطاً كان الإعراض عنه أولى، و القول بكونها شرطاً لا يخلو من قوّة.

ص: 318

ص: 319

ص: 320

[القول في النية]

القول في النية

[ (مسألة 1): النية: عبارة عن قصد الفعل]

(مسألة 1): النية: عبارة عن قصد الفعل، و يعتبر فيها التقرّب إلى اللَّه تعالى و امتثال أمره، و لا يجب فيها التلفّظ؛ لأنّها أمر قلبيّ، كما لا يجب فيها الإخطار؛ أي الحديث الفكري و الإحضار بالبال؛ بأن يرتّب في فكره و خزانة خياله؛ مثلًا: أُصلّي صلاة فلانيّة امتثالًا لأمره، بل يكفي الداعي: و هو الإرادة الإجماليّة المؤثّرة في صدور الفعل، المنبعثة عمّا في نفسه من الغايات؛ على وجه يخرج به عن الساهي و الغافل، و يدخل فعله في فعل الفاعل المختار، كسائر أفعاله الإراديّة و الاختياريّة، و يكون الباعث و المحرّك للعمل الامتثال و نحوه (1).


1- هنا مطالب: الأوّل: أنّ لفظ النية ليس كألفاظ الصلاة و الصوم و الحج و نحوها ممّا له حقيقة شرعية أو متشرّعية على الخلاف فيها بل هو حقيقة لغة و عرفاً و شرعاً في إرادة الشي ء و العزم عليه و القصد إليه؛ سواء كان الشي ء المنوي عبادة أو غيرها. الثاني: يعتبر في نية الصلاة و غيرها من العبادات التقرّب إلى اللَّه تعالى و امتثال أمره، و بنية التقرّب إليه تعالى تمتاز العبادة عمّا سواها من التوصّليات. الثالث: لا يعتبر في النية التلفّظ؛ للأصل، و لكونها أمراً قلبياً لا مدخلية للّفظ فيها. و يظهر من العلّامة في «التذكرة» الإجماع عليه، و عنه (رحمه اللَّه) في مبحث نية الوضوء في «التذكرة» قال: و لا اعتبار باللفظ، نعم ينبغي الجمع؛ فإنّ اللفظ أعون له على خلوص القصد. و لو تلفّظ بلسانه و لم ينو بقلبه لم يجزئه، و بالعكس يجزي(تذكرة الفقهاء 1: 140.) انتهى. و صرّح جماعة من علمائنا كالشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التحرير» و «التذكرة» بعدم استحباب التلفّظ بالنية. و في «المدارك»: لا يبعد أن يكون التلفّظ بالنية تشريعاً محرّماً. و في «البيان»: الأقرب كراهته؛ لأنّه إحداث شرع و كلام بعد الإقامة. و فيه: أنّ إحداث الشرع يلائم الحرمة لا الكراهة. و في «كشف اللثام»: و الواجب القصد، و هو حقيقة النية، لا اللفظ كما يتوهّم وجوبه بعض العامّة، بل التلفّظ بآخر أجزائها ممّا يوقع الشكّ في قطع همزة «اللَّه» من التكبير أو الوصل، فالاحتياط تركه. و في «الخلاف» أيضاً: أنّ أكثر أصحاب الشافعي استجود التلفّظ، و قال بعضهم يجب، و خطّأه أكثر أصحابه، انتهى. الرابع: اختلف فقهاؤنا في أنّ الواجب في النية هو الإخطار؛ أي إحضار صورة الفعل في الذهن تفصيلًا و بجميع مشخّصاته؟ فعن الشهيد في «الدروس»: و لمّا كان القصد مشروطاً بعلم المقصود وجب إحضار ذات الصلاة و صفاتها الواجبة من التعيين و الأداء و القضاء و الوجوب أو الندب، ثمّ القصد إلى هذا المعلوم لوجوبه قربة إلى اللَّه مقارناً لأوّل التكبير مستديماً له إلى آخر التكبير فعلًا، ثمّ إلى آخر الصلاة حكماً(الدروس الشرعية 1: 166.) انتهى. أو أنّه لا يجب الإخطار بل يكفي الداعي القلبي؛ و هو الإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس التي بها يكون الفعل اختيارياً؟ ينبغي لنا نقل جملة من كلام بعض علمائنا الأعلام لتقريب المرام في هذا المطلب: قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه): ربّما كان نوع غموض في المراد من الداعي في كلامهم، و ربّما انساق إلى الذهن منه العلّة الغائية، و كون النية عبارة عنها كما ترى، و الظاهر أنّ مرادهم به الإرادة المسمّاة بالباعث في لسان الحكماء المؤثّرة في وجود الفعل من الفاعل المختار المنبعثة عن تصوّر الغاية و الإذعان بها. إلى أن قال: و الباعث يسمّى إرادة، و هي المعبّر عنها عند الأصحاب بالداعي؛ لأنّها هي التي تدعو لوقوع الفعل و وجوده في الخارج، بل ربّما كانت العلّة التامّة فيه باعتبار أنّها جزء أخير، و المحرّك للأعضاء قدرة. إلى أن قال: إنّما المراد بيان أنّ الداعي عبارة عن تلك الإرادة المؤثّرة في وجود الفعل المنبعثة عن تصوّر غاية الفعل، و بها يكون الفعل منوياً. إلّا أنّه إذا كان عبادة اعتبر فيها كونها منبعثة عن إرادة قصد الامتثال و ما تصوّر له من الغايات و أذعن بها، و لا يتوقّف ذلك على خطور الغاية في الذهن عند الفعل، بل يكفي وجودها في الخزانة، بل لا يتوقّف على تصوّر الفعل حين الفعل بل تصوّره السابق مجزٍ، بل تعيينه السابق حيث يكون متعدّداً أيضاً كافٍ. إلى أن قال: فظهر من ذلك: أنّه لا يتوقّف في كون الفعل منوياً مقصوداً به الامتثال على أزيد من مقارنته أوّل الفعل لتلك الإرادة المنبعثة عن ما عرفت، و لا يحتاج إلى خطور غيرها، فضلًا عن الاستحضار الذي هو في الحقيقة علم بالخطور و التفات آخر للقلب إلى ما حصل فيه من تلك الإرادة، كباقي المعاني التي تحصل للإنسان من الفرح و الهمّ و الغمّ و الجوع و الشبع و نحوها؛ فإنّ حصولها شي ء و العلم بحصولها شي ء آخر، و من الواضح عدم توقّف حصولها على تصوّره و الالتفات إليه و العلم به. فحينئذٍ حصول القصد إلى الفعل غير محتاج إلى الاستحضار المزبور و الإخطار؛ إذ لا يكاد يخفى على ذي مسكة وقوع الأفعال من الفاعلين على وجه يعدّون به من المختارين غير الغافلين و الساهين، من دون تصوّر القصد المتعلّق بها و بلا التفات للنفس إلى ذلك. و العلم بوجود المكلّف به واقعاً أو شرعاً أمرٌ آخر لا مدخلية له فيما نحن فيه؛ إذ يكفي فيه حصوله و لو بعد الفراغ من الفعل، فضلًا عن حال النية(جواهر الكلام 9: 170 172.) انتهى. و صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بعد نقل قول العلّامة في «التذكرة» بوجوب اقتران النية بالتكبير بأن يأتي بكمال النية قبله ثمّ يبتدئ بالتكبير بلا فصل قال: و في البال إنّي وقفتُ منذ مدّة على كلام للعلّامة رضي اللَّه عنه الظاهر أنّه في أجوبة مسائل السيّد مهنّا بن سنان المدني في المقارنة، قال (رحمه اللَّه) حكايةً عن نفسه: إنّي أتصوّر الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها، ثمّ أقصد إليها فاقارن بها النية. و الكتاب لا يحضرني الآن لأحكي صورة عبارته، و لكن في البال أنّ حاصله ذلك. أقول: لا يخفى عليك بعد تأمّل معنى النية و معرفة حقيقتها أنّ جملة هذه الأقوال بعيدة عن جادة الاعتدال؛ فإنّها مبنية على أنّ النية عبارة عن هذا الحديث النفسي و التصوير الفكري، و هو ما يترجمه قول المصلّي مثلًا: «أُصلّي فرض الظهر أداءً لوجوبه قربةً إلى اللَّه» و المقارنة بها بأن يحضر المكلّف عند إرادة الدخول في الصلاة ذلك بباله و ينظر إليه بفكره و خياله، ثمّ يأتي بعد الفراغ من تصويره بلا فصل بالتكبير كما هو المجمع على صحّته عندهم، أو يبسط ذلك على التلفّظ بالتكبير و يمدّه بامتداده كما هو القول الآخر، أو يجعله بين الألف و الراء كما هو القول الثالث، و كلّ ذلك محض تكلّف و شطط و غفلة عن معنى النية أوقع في الغلط(الحدائق الناضرة 2: 174.) انتهى موضع الحاجة من كلام «الحدائق». و عرّفها المصنّف (رحمه اللَّه) و جماعة بأنّها عبارة عن قصد الفعل.

ص: 321

ص: 322

ص: 323

ص: 324

[ (مسألة 2): يعتبر الإخلاص في النية]

(مسألة 2): يعتبر الإخلاص في النية، فمتى ضمّ إليها ما ينافيه بطل العمل، خصوصاً الرياء، فإنّه مفسد على أيّ حال؛ سواء كان في الابتداء أو الأثناء، في الأجزاء الواجبة أو المندوبة، و كذلك في الأوصاف المتّحدة مع الفعل، ككون الصلاة في المسجد أو جماعة و نحو ذلك. و يحرم الرياء المتأخّر و إن لم يكن مبطلًا، كما لو أخبر بما فعله من طاعة رغبة في الأغراض الدنيويّة من المدح و الثناء و الجاه و المال، فقد ورد في المرائي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك، و بطل أجرك، و لا خلاص لك اليوم، التمس أجرك ممّن كنت تعمل له» (1).


1- يعتبر الإخلاص في النية؛ و هو أن يكون الفعل صادراً عن قصد امتثال أمر المولى و مجرّد التقرّب إليه؛ فمتى ضمّ إليها ما ينافيه يبطل العمل؛ بأن يقصد من القيام كونه جزءً للصلاة و احتراماً للشخص الوارد عليه، و يقصد من الانحناء إلى حدّ الركوع كونه ركوعاً ركنياً جزءً للصلاة و احتراماً و تواضعاً للشخص. و يدلّ على اعتبار الإخلاص في النية مضافاً إلى الإجماع إطلاق موثّق أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) من زاد في صلاته فعليه الإعادة(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) و الاستدلال به مبني على أمرين: أحدهما كون مطلق الزيادة العمدية مبطلًا، و يأتي البحث فيه مفصّلًا إن شاء اللَّه في القول في الخلل الواقع في الصلاة. و ثانيهما كون النية جزءً للصلاة لا شرطاً للصحّة. و يدلّ عليه أيضاً موثّق السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث: و بالإخلاص يكون الخلاص(وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 2.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ حَنِيفاً مُسْلِماً، قال خالصاً مخلصاً لا يشوبه شي ء(وسائل الشيعة 1: 60، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 7.) و رواية علي بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول قال اللَّه عزّ و جلّ أنا خير شريك؛ من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلّا ما كان لي خالصاً(وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 9.) و ذيل رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و كلّ عمل تعمله للَّه فليكن نقيّاً من الدنس(وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 10.) و رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال سئل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن تفسير قول اللَّه عزّ و جلّ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً، فقال: من صلّى مراءاة الناس فهو مشرك. إلى أن قال و لا يقبل اللَّه عمل مراءٍ(وسائل الشيعة 1: 68، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 13.) و رواية جرّاح المدائني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللَّه، إنّما يطلب تزكية النفس (الناس خ. ل) يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه ، ثمّ قال ما من عبد أسرّ خيراً فذهبت الأيّام أبداً حتّى يظهر اللَّه له خيراً، و ما من عبد يسرّ شرّاً فذهبت الأيّام حتّى يظهر اللَّه له شرّاً(وسائل الشيعة 1: 71، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 6.) و رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول يجاء بالعبد يوم القيامة قد صلّى، فيقول: يا ربّ قد صلّيت ابتغاء وجهك، فيقال له: بل صلّيت ليقال: ما أحسن صلاة فلان، اذهبوا به إلى النار ، ثمّ ذكر مثل ذلك في القتال و قراءة القرآن و الصدقة(وسائل الشيعة 1: 72، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 10.) و غيرها من روايات الباب الدالّة على بطلان العمل الذي دخل فيه الرياء و كونه شركاً، كصحيح زرارة و حمران عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لو أنّ عبداً عمل عملًا يطلب به وجه اللَّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحدٍ من الناس كان مشركاً(وسائل الشيعة 1: 67، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 11.) و الضعيف من الأخبار المذكورة منجبر بالشهرة العظيمة، بل الإجماع؛ إذ لم يكن مخالف في المسألة إلّا السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) في «الانتصار»، و الأصحاب (رحمهم اللَّه) قد ضعّفوا قوله؛ ففي «الجواهر»: فما يظهر من المرتضى (رحمه اللَّه) في «الانتصار»: من عدم بطلان العبادة بالرياء بل هي مجزية مسقطة للقضاء لكن لا ثواب عليها، في غاية الضعف؛ خصوصاً لو كان يريد ما يشمل استقلال الرياء بلا ضمّ قربة معه؛ ضرورة رجوعه حينئذٍ إلى عدم اشتراط القربة في العبادة المعلوم فساده عقلًا و نقلًا، بل لعلّه ضروري. و من هنا يجب تنزيل كلامه على صورة ضمّ الرياء إلى القربة(جواهر الكلام 9: 189.) انتهى. ثمّ لا يخفى: أنّ الرياء مبطل مطلقاً؛ سواء كان في تمام العمل أو جزئه، واجباً كان الجزء أو مندوباً كالقنوت و الدعاء و الذكر إذا اتي بها بقصد الجزئية، و في الأوصاف المتّحدة مع الفعل ككون الصلاة في المسجد أو جماعة. و الوجه في ذلك النصوص المتقدّمة الدالّة على كون العمل و العبادة خالصاً غير مشوب، فيصدق على الصلاة التي تقع رياءً و لو بجزئها المندوب أنّها غير خالصة فتبطل، و كذلك الصلاة الواقعة في المسجد أو جماعة رياءً يصدق عليها أنّها عبادة غير خالصة. و أمّا الرياء المتأخّر عن العمل فهو و إن كان حراماً إلّا أنّه لا دليل على كونه مبطلًا للعمل بعد فرض صدوره خالصاً. و الأدلّة المتقدّمة تدلّ على بطلان العمل الصادر على وجه الرياء. و أمّا مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال الإبقاء على العمل أشدّ من العمل قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للَّه وحده لا شريك له فكتبت له سرّاً، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها فتمحى و تكتب له رياءً(وسائل الشيعة 1: 75، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 14، الحديث 2.) ، فهو ضعيف سنداً بالإرسال و بسهل بن زياد.

ص: 325

ص: 326

ص: 327

ص: 328

[ (مسألة 3): غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة؛ إن كانت مقصودة تبعاً]

(مسألة 3): غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة؛ إن كانت مقصودة تبعاً، و كان الداعي و الغرض الأصلي امتثال الأمر الصلاتي محضاً، فلا إشكال، و إن كان بالعكس بطلت بلا إشكال، و كذا إذا كان كلٌّ منهما جزءاً للداعي؛ بحيث لو لم ينضمّ كلٌّ منهما إلى الآخر لم يكن باعثاً و محرّكاً، و الأحوط بطلان العمل في جميع موارد اشتراك الداعي؛ حتّى مع تبعيّة داعي الضميمة، فضلًا عن كونهما مستقلّين (1).


1- قد يضمّ إلى نية قصد التقرّب و امتثال الأمر في العبادة قصد أمر مباح أو راجح، كما لو واقعها تحت السقف في الحرّ الشديد للتبريد، أو صلّاها حيال الشمس في البرد الشديد، أو صلّى صلاة الليل بقصد التقرّب إلى اللَّه تعالى و ضمّ إليها قصد ازدياد الرزق لتوسعة العيال مثلًا، و نحو هذه الأمثلة؛ فحينئذٍ يتصوّر صور: الاولى: أن يكون الداعي و الغرض الأصلي هو امتثال أمر المولى و كانت الضميمة المباحة أو الراجحة الحاصلة في نفس المصلّي مقصودة تبعاً. ففي هذه الصورة تصحّ العبادة بلا إشكال؛ لأنّ الفعل في الواقع مستند إلى داعي الطاعة، و لا أثر للضميمة فيه؛ لكون داعيها ضعيفاً. الثانية: أن يكون الداعي إليها و الغرض الأصلي هو الأمر النفساني بحيث كان قصد امتثال الأمر تبعياً ضعيفاً. فتبطل الصلاة في هذه الصورة؛ لاستناد الفعل في الواقع إلى الداعي النفساني و انعزال داعي الطاعة عن التأثير؛ لضعفه بحيث لو كان الشخص في السعة لا تخطر صلاة الليل في مخيّلته، فضلًا عن القيام إليها بقصد الطاعة. الثالثة: أن يكون كلّ من قصد التقرّب و الأمر النفساني دخيلًا في تحقّق العبادة؛ بأن يكون كلّ منهما ناقصاً بحيث لا يصلح كلّ منهما للتأثير في تحقّق العمل، بل المؤثّر فيه مجموعهما؛ فتبطل العبادة لأنّها لا تسمّى طاعة للمولى و لا صادرة عن قصد التقرّب. الرابعة: أن يكون كلّ منهما مستقلا في التأثير شأناً، و لمّا كان المورد غير قابل لتأثير كلّ منهما في الخارج فعلًا سقط كلّ واحدٍ منهما عن الاستقلال، و إلّا لزم عدم التمام و الاستقلال، و هو خلف كما حقّق في محلّه. و الأقوى في هذه الصورة الصحّة إذا كان تحقّقه بداعي امتثال الأمر، و المفروض كون هذا الداعي مؤثّراً تامّاً في تحقّق الفعل العبادي. و الأحوط البطلان في جميع الصور.

ص: 329

[ (مسألة 4): لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير]

(مسألة 4): لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير، لم تبطل الصلاة بعد ما كان أصل إتيانهما بقصد الامتثال. و كذلك لو أوقع صلاته في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة؛ بحيث يكون أصل الإتيان بداعي الامتثال، و كان الداعي على اختيار ذلك المكان أو الزمان لغرض كالبرودة و نحوها (1).


1- رفع الصوت بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لا يوجب البطلان إذا كان المقصود الأصلي من إتيانهما التقرّب و امتثال الأمر و كان القصد إلى الإعلام تبعاً، و يوجب البطلان إذا كان بالعكس. و هذه المسألة في الحقيقة مندرجة في المسألة الثالثة؛ لكون رفع الصوت في الذكر و القراءة للإعلام، و كذا إيقاع الصلاة في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة من الضمائم التي لو قصدت بالأصالة توجب البطلان، و لا توجبه إذا كانت مقصودة بالتبع.

ص: 330

[ (مسألة 5): يجب تعيين نوع الصلاة التي يأتي بها في القصد و لو إجمالًا]

(مسألة 5): يجب تعيين نوع الصلاة التي يأتي بها في القصد و لو إجمالًا؛ بأن ينوي مثلًا ما اشتغلت به ذمّته إذا كان متّحداً، أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلًا أو ثانياً إذا كان متعدّداً (1).


1- وجوب تعيين نوع الصلاة في القصد و لو إجمالًا هو المشهور بل المجمع عليه، كما في «التذكرة» و «المدارك». و وجهه: أنّ قصد التقرّب بامتثال أمر المولى لا يحصل و لا يتحقّق بدون تعيين المأمور به، و لو كان متّحداً؛ فيجوز الاكتفاء بالتعيين الإجمالي بأن يقصد إلى ما اشتغلت به ذمّته و ينوي أربع ركعات مشغولة بها ذمّته إمّا ظهراً أو عصراً. و يظهر من جماعة اعتبار قصد التعيين فيما أمكن وقوع الفعل على وجوه متعدّدة؛ ففي «المدارك»: أنّ الفعل إذا كان ممّا يمكن وقوعه على وجوه متعدّدة افتقر اختصاصه بأحدها إلى نية التعيين، و إلّا لكان صرفها إلى بعض دون بعض ترجيحاً من غير مرجّح(مدارك الأحكام 3: 310.) و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني (رحمه اللَّه): فالذي يعتبر في المقام إنّما هو تعيين القسم الخاصّ من الصلاة كالظهر و العصر أو نافلتهما أو الآيات أو صلاة جعفر أو الاستسقاء أو العيد أو غير ذلك و إيقاعه امتثالًا لأمره؛ فإنّ هذه الصلوات حقائق مختلفة و إن اتّحد بعضها مع بعض صورةً، كما يكشف عن ذلك اختلاف آثارها بل ظهور أدلّتها في كون كلّ منها نوعاً من الصلاة؛ فلا بدّ من تعيينه بالقصد. و لا يكفي في متّحدي الصورة الإتيان بصورتهما المشتركة و تخصيصها بإحداهما بعد الوقوع، كفعل ركعتين صالحتين لأن ينوى بهما فريضة الصبح أو نافلتها؛ إذ لا بدّ في إطاعة أمرٍ من القصد إلى إيجاد متعلّقه حين صدوره، و النية اللاحقة لا تجدي في صيرورته كذلك، كما هو واضح(مصباح الفقيه، الصلاة: 233/ السطر الأخير.)

ص: 331

[ (مسألة 6): لا يجب قصد الأداء و القضاء]

(مسألة 6): لا يجب قصد الأداء و القضاء، بعد قصد العنوان الذي يتّصف بصفتي القضاء و الأداء كالظهر و العصر مثلًا و لو على نحو الإجمال، فلو نوى الإتيان بصلاة الظهر الواجبة عليه فعلًا، و لم يشتغل ذمّته بالقضاء يكفي. نعم لو اشتغلت ذمّته بالقضاء أيضاً لا بدّ من تعيين ما يأتي به، و أنّه فرض لذلك اليوم أو غيره، و لو كان من قصده امتثال الأمر المتعلّق به فعلًا، و تخيّل أنّ الوقت باقٍ، فنوى الأداء، فبان انقضاء الوقت، صحّت و وقعت قضاءً، كما لو نوى القضاء بتخيّل خروج الوقت فبان عدم الخروج، صحّت و وقعت أداءً (1).


1- لو لم يشتغل ذمّته فعلًا إلّا بصلاة واحدة أداءً أو قضاءً كفى قصد عنوانها من غير تقييد بالأدائية أو القضائية؛ فمن لم يكن عليه إلّا الظهر الأدائي تكفيه نية عنوان الظهر المنطبق قهراً بالأداء، و لا يحتاج إلى نية خصوص الأدائية و كذلك القضائية. و على هذا: لو فرض اشتغال ذمّته واقعاً بالظهر الأدائي فقط و اعتقد بقاء الوقت فقصد إلى عنوان الظهر و اتّفق انقضاء الوقت صحّت و وقعت قضاءً، كما أنّه لو اعتقد خروج الوقت و نوى عنوان الظهر فبان عدم خروج الوقت صحّت و وقعت أداءً. و لو اشتغلت ذمّته فعلًا بكلّ من الأداء و القضاء و صلح الفعل لكلّ منهما فلا بدّ من قصد تعيين ما يأتي به أنّه أداء أو قضاء؛ فإنّ الظهر الأدائي له أمر مستقلّ و موضوعه أربع ركعات مقيّدة بكونها في وقتها المحدود، و الظهر القضائي أيضاً له أمر مستقلّ متعلّق بأربع ركعات مقيّدة بكونها في غير وقتها، و حينئذٍ فإن قصد أصل صلاة الظهر من غير تعيين و تقييد بكونها أداءً أو قضاءً فلا يكون امتثالًا لأحدهما و بطلت.

ص: 332

[ (مسألة 7): لا يجب نية القصر و الإتمام في موضع تعيّنهما]

(مسألة 7): لا يجب نية القصر و الإتمام في موضع تعيّنهما، بل و لا في أماكن التخيير، فلو شرع في صلاة الظهر مثلًا مع الترديد و البناء على أنّه بعد التشهّد الأوّل: إمّا يسلّم على الركعتين، أو يلحق بهما الأخيرتين، صحّت. بل لو عيّن أحدهما لم يلتزم به على الأظهر، و كان له العدول إلى الآخر. بل الأقوى عدم التعيّن بالتعيين، و لا يحتاج إلى العدول، بل القصر يحصل بالتسليم بعد الركعتين، كما أنّ الإتمام يحصل بضمّ الركعتين إليهما خارجاً من غير دخل القصد فيهما (1)،


1- من كانت وظيفته التمام كالمتوطّن و القاصد إقامة عشرة أيّام في السفر مثلًا فالواجب عليه نية عنوان الظهر مثلًا، و لا يجب عليه قصد التمامية؛ لانطباق صلاته بالتمام قهراً. و كذا من كانت وظيفته القصر فقط يكفيه نية ذلك العنوان، و لا يلزمه قصد كونه قصراً. و قد ادّعى صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) عدم وجود الخلاف في عدم اعتبار نية القصر و التمام مع عدم التعدّد في الذمّة و التخيير(جواهر الكلام 9: 165.) انتهى. و في «المدارك»: و قد قطع الأصحاب بأنّه لا يعتبر في النية قصد القصر أو الإتمام(مدارك الأحكام 3: 311.) انتهى. قلت: بل لو نوى الخلاف جهلًا و لكن أتى ما وجب عليه واقعاً كفى و صحّ، مثلًا لو نوى القصر في وطنه أو في السفر بعد قصد إقامة العشرة غفلة و لكنّه صلّى أربعاً صحّت، و لو نوى في السفر الذي لم يقصد فيه إقامة العشرة تماماً غفلة و لكنّه صلّى قصراً صحّت. و من كانت وظيفته التخيير بين القصر و الإتمام كما في الأماكن الأربعة فهل يجب عليه قصد تعيين أحدهما حين الشروع، أو لا يجب؟ نسب إلى المحقّق الثاني و الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «الموجز» وجوب قصد التعيين، قال في «الدروس»: و لا يشترط تعيين الأفعال مفصّلة و لا عدد الركعات، إلّا في مواضع التخيير على الأقرب(الدروس الشرعية 1: 166.) انتهى. و لعلّه لكون القصر و الإتمام حقيقتين مختلفتين؛ فلا بدّ من قصد تعيين أحدهما، كمن كان عليه قضاء قصراً و تماماً و من اشتبه عليه القصر بالتمام إذا أراد قضاه. و المشهور بين فقهائنا عدم الوجوب؛ فيجوز للمكلّف في أماكن التخيير نية الظهر مطلقاً من غير تعيين خصوص أحد فردي التخيير، بل يجوز له أن ينوي الظهر مردّداً بين كونه قصراً أو تماماً بانياً على أحدهما بعد التشهّد الأوّل؛ إمّا قصراً بالتسليم على الركعتين أو تماماً بإلحاق الركعتين الأخيرتين بالأُوليين. بل لا يتعيّن أحدهما بتعيينه في النية كما في «المدارك»؛ فلو عيّن أحدهما ابتداء لم يلتزم بما نواه و كان له العدول إلى غير ما نواه أوّلًا ما لم يتجاوز محلّ العدول، بل ليس هو من قبيل العدول؛ لأنّ مورد العدول ما يكون المنوي المأتي به غير المأمور به، فيعدل في أثناء المأتي المنوي إلى المأمور به، و سيأتي ذكر موارده عن قريب. و ما نحن فيه ليس منها، بل الحكم الأوّل باقٍ، و ليس ذلك إلّا لكون المأمور به حقيقة واحدة واقعاً؛ و هو عنوان الظهر، و له الفردان: القصر و التمام، و الاختلاف بينهما اختلاف في الخصوصيات الفردية. و في «الجواهر»: و القصرية و التمامية من الأحكام اللاحقة لها، بل هما عند التأمّل الجيّد كالقنوتية مثلًا في الصلاة و عدمها(جواهر الكلام 9: 165.) فيجوز في الأماكن الأربعة التخيير ابتداءً و في الأثناء؛ لإطلاق دليل التخيير الشامل للتخيير الابتدائي و الاستمراري، و للأصل السالم عن معارضة ما يدلّ على التزام ما عزم عليه ابتداءً.

ص: 333

ص: 334

فلو نوى القصر فشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين، يبني على الثلاث، و يعالج صلاته عن الفساد من غير لزوم نية العدول، بل لا يبعد أن يتعيّن العمل بحكم الشكّ. و لا ينبغي ترك الاحتياط بنية العدول في أشباهه ثمّ العلاج ثمّ إعادة العمل (1).


1- ثمرة المسألة: أنّه لو كان القصر و الإتمام في أماكن التخيير حقيقتين مختلفتين و كان المكلّف مخيّراً ابتداءً و نوى القصر و شكّ بعد إكمال السجدتين بين الثلاث و الاثنين بطلت صلاته؛ لعدم جواز المضيّ على الشكّ في الثنائية، و العدول إلى التمام يحتاج إلى دليل، و لو كانا فردين من حقيقة واحدة و كان مخيّراً في الأثناء كالابتداء تعيّن عليه اختيار التمام بعد الشكّ المزبور؛ تجنّباً عن إبطال الصلاة في الأثناء لحرمته. و في «الجواهر»: و لأنّه كتعذّر أحد فردي المخيّر عليه؛ فيتعيّن عليه الفرد الآخر، بل قد يقال ذلك فيما كان من نيته القصر و شكّ؛ لما عرفت من عدم التعيّن بنيته عليه بحيث يكون عدولًا منه لو اختار التمام بعد ذلك(جواهر الكلام 9: 166.) انتهى. و لا ينبغي ترك الاحتياط بالعدول إلى التمام و البناء على الثلاث و إتمام الصلاة و فعل ركعة الاحتياط ثمّ إعادة العمل قصراً أو تماماً. و ممّا ذكرنا يظهر عدم صحة قياس مَن وظيفته التخيير في الأماكن الأربعة على من كان عليه قضاء قصراً و إتماماً أو على من اشتبه عليه القصر بالتمام إذا أراد قضاه في وجوب التعيين؛ إذ فرق بينه و بينهما، حيث إنّه يجب عليه كلّ من القصر و الإتمام في الموردين؛ فلذا يجب التعيين، بخلاف من وظيفته التخيير فإنّ الواجب عليه عنوان الظهر مثلًا.

ص: 335

[ (مسألة 8): لا يجب قصد الوجوب و الندب]

(مسألة 8): لا يجب قصد الوجوب و الندب، بل يكفي قصد القربة المطلقة، و الأحوط قصدهما (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب قصد الوجوب و الندب و عدمه، و ذهب جماعة كثيرة منهم الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و السيّد أبو المكارم في «الغنية» و ابن إدريس في «السرائر» و المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في كتبه، و الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «اللمعة» و غيرها، و الشهيد الثاني في كتبه و غيرهم إلى الوجوب. و يظهر من العلّامة الإجماع على قصد الوجه. و الظاهر: أنّ مراد فقهائنا من قصد الوجه هو قصد الوجوب و الندب. قال في «مفتاح الكرامة»: و في الكتب الكلامية أنّ مذهب العدلية أنّه يشترط في استحقاق الثواب على واجب أن يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه، نقل ذلك عنهم جماعة كثيرون، و ظاهرهم أنّهم مجمعون على ذلك، و لمّا كان وجه الوجوب غير ظاهر تعيّن قصد الوجوب. و في «الروض» و «الروضة» و «الكفاية» نسبة اعتبار الوجه إلى المشهور(مفتاح الكرامة 2: 321/ السطر 16.) انتهى. و في «الروضة» شرح «اللمعة»: و يكون قصده لوجوبه إشارة إلى ما يقوله المتكلّمون من أنّه يجب فعل الواجب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما من الشكر أو اللطف أو الأمر أو المركّب منها أو من بعضها على اختلاف الآراء. و وجوب ذلك أمر مرغوب عنه؛ إذ لم يحقّقه المحقّقون، فكيف يكلّف به غيرهم(الروضة البهية 1: 591.) ؟! انتهى. و كيف كان: فقد استدلّ على اشتراط قصد الوجوب بوجوه، عمدتها: أنّ الامتثال بالمأمور به لا يتحقّق إلّا بالإتيان به على وجهه المطلوب، و هذا لا يحصل إلّا بقصد الوجوب في الواجب و بقصد الندب في المندوب، و كلّ ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية؛ فينوي الظهر مثلًا لوجوبه لتميّزه عن إيقاعها ندباً، كمن صلّى الظهر منفرداً ثمّ أدرك الجماعة. و فيه: أنّ الامتثال يحصل بنية الظهر المطلق قربة إليه تعالى؛ واجباً كان أو مندوباً، من غير تقييده بأحدهما؛ فإنّ من يصلّي الفريضة ابتداءً و فرادى لا تكون صلاته إلّا واجبة، و من أعادها ثانياً لا تقع إلّا مندوبة. فصلاة الظهر مثلًا لا يمكن وقوعها من المكلّف في وقت واحد على وجهي الوجوب و الندب حتّى يعتبر تميّز أحدهما عن الآخر بنية وجوبه أو ندبه، و الأحوط استحباباً قصدهما؛ لفتوى جماعة كثيرة به.

ص: 336

ص: 337

[ (مسألة 9): لا يجب حين النية تصوّر الصلاة تفصيلًا]

(مسألة 9): لا يجب حين النية تصوّر الصلاة تفصيلًا، بل يكفي الإجمال (1).

[ (مسألة 10): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها]

(مسألة 10): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها، أو الإتيان بالقاطع مع الالتفات إلى منافاته للصلاة، فإن أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت، و كذا لو أتى ببعض الأجزاء، ثمّ عاد إلى النية الأُولى و اكتفى بما أتى به. و لو عاد إلى الأُولى قبل أن يأتي بشي ء لم يبطل، كما أنّ الأقوى عدم البطلان مع الإتمام أو الإتيان ببعض الأجزاء في تلك الحال؛ لو لم يلتفت إلى منافاة ما ذُكر للصلاة. و الأحوط على جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة (2).


1- قد تقدّم البحث في هذه المسألة منّا في المطلب الرابع في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في النية»، و لا نطيل بالإعادة، فراجع.
2- هنا مسائل أربع: الأُولى: إذا دخل في الصلاة واجداً لجميع الشرائط و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع بها مع الالتفات إلى أنّ نية قطعها و كذا نية إتيان القاطع منافٍ للصلاة و مع ذلك أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت صلاته؛ و ذلك لوجوب استمرار حكم النية إلى آخر الصلاة؛ بمعنى أن لا ينقضها بنية القطع، و هو ممّا أجمع عليه أصحابنا. و علّله في «التذكرة» بأنّ العزم على فعل المحرّم محرّم، و بأنّ نية القطع تبطل النية السابقة؛ فيكون ما بعدها من الأفعال واقعاً بغير نية؛ فلا يكون معتبراً في نظر الشارع. الثانية: إذا دخل في الصلاة و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع و أتى بعض أجزائها حال النية الثانية ثمّ عاد إلى النية الأُولى و اكتفى بما أتى به من غير أن يعيده بعد العود إلى النية الأُولى، بطلت. و يظهر وجه هذه المسألة ممّا ذكرناه في المسألة الأُولى حيث إنّ بعض الصلاة وقع بلا نية. الثالثة: إذا دخل في الصلاة و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع و عاد إلى نية الصلاة بلا فصل أي قبل أن يأتي شيئاً منها في تلك الحال بل أتى بقية العمل أيضاً بالنية الأُولى، ففي صحّة الصلاة و بطلانها خلاف بين الأصحاب؛ ذهب جماعة منهم الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» و الفيض في «المفاتيح» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و الشهيد في «البيان» و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر» إلى الصحّة. قال في «المبسوط»: و استدامة حكم النية واجبة، و استدامتها معناه أن لا ينقض نيته و لا يعزم على الخروج من الصلاة قبل إتمامها، و لا على فعل ينافي الصلاة؛ فمتى فعل العزم على ما ينافي الصلاة من حدث أو كلام أو فعل خارج عنها و لم يفعل شيئاً من ذلك فقد أثم و لم تبطل صلاته؛ لأنّه لا دليل على ذلك(المبسوط 1: 102.) و في «الخلاف» أفتى أوّلًا بعدم البطلان، ثمّ قوّى البطلان، قال: إذا دخل في صلاته ثمّ نوى أنّه خارج منها، أو نوى أنّه سيخرج منها قبل إتمامها أو شكّ هل يخرج منها أو يتمّها فإنّ صلاته لا تبطل، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي في «الأُمّ» و نصّ عليه: أنّه تبطل صلاته، و يقتضيه مذهب مالك. دليلنا: أنّ صلاته قد انعقدت صحيحة بلا خلاف، فإبطالها يحتاج إلى دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ عليه. و أيضاً: فقد روي نواقض الصلاة و قواطعها، و لم ينقل في جملة ذلك شي ء ممّا حكيناه. و يقوى في نفسي أيضاً: أنّها تبطل؛ لأنّ من شرط الصلاة استدامة حكم النية، و هذا ما استدامها. و أيضاً: قوله (عليه السّلام) إنّما الأعمال بالنيات(وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 7.) ، و قول الرضا (عليه السّلام) لا عمل إلّا بالنية(وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 9.) يدلّ عليه، و هذا عمل بغير نية، و لأنّه يبعد أن تكون الصلاة صحيحة إذا نوى الدخول فيها ثمّ نوى فيما بعد في حال القيام و الركوع و السجود إلى آخر التسليم أنّه يفعل هذه الأفعال لا للصلاة؛ فتكون صلاته صحيحة. فهذا المذهب أولى و أقوى و أحوط(الخلاف 1: 307/ المسألة 55.) و ذهب جماعة أُخرى إلى البطلان، نسب هذا القول إلى العلّامة في «الإرشاد» و «نهاية الإحكام» و «المختلف»، و به قال الشهيد في «الذكرى» و «الدروس»، و الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروض» و «جامع المقاصد» و غيرها. و فصّل العلّامة في «القواعد» و «التحرير» بين نية القطع و الخروج من الصلاة فقوّى البطلان، و بين ما لو نوى ما ينافي الصلاة و لم يفعل فأفتى بعدم البطلان. و كيف كان: فقد استدلّ للقول بالصحّة بما حكيناه عن «المبسوط» من أنّه لا دليل على البطلان، و بالأصل أعني استصحاب الصحّة و بالإطلاقات؛ خصوصاً مثل قوله (عليه السّلام) لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و بأنّه لا يتصوّر مانع عن الصحّة عدا فقد النية، و المفروض العود إلى النية الأُولى قبل أن يأتي شيئاً من الصلاة، و وقوع جميع أجزاء الصلاة مع النية. و استدلّ للقول بالبطلان بوجوه عديدة، نذكر بعضها: منها: أنّه يشترط في نية الصلاة مقارنتها للجزء الأوّل، و النية الثانية لا تكون مقارنة له. و أُجيب عنه بأنّ الجزء الأوّل من العمل مقارن للنية إلّا أنّها زالت ثمّ عادت، و المفروض وقوع كلّ جزء من أجزاء العبادة بنية القربة و داعي امتثال أمر المولى. و منها: أنّ نية القطع أو إتيان القاطع يوجب عدم قابلية انضمام بقية أجزاء العمل للأجزاء السابقة. و فيه: أنّه أوّل الكلام، بل المقتضي لقابلية الانضمام موجود؛ و هو العود إلى النية الأُولى. و منها: قيام الإجماع على اعتبار الاستدامة في النية، و هي منتفية بنية الخروج أو إتيان القاطع. و فيه: أنّ المراد من الاستدامة في النية صدور كلّ جزء من أجزاء العمل بداعي امتثال أمره لا بداعٍ آخر. قال في «الجواهر» مزجاً بالمتن: لا إشكال في وجوب الاستدامة، لكن بمعنى عدم خلوّ جزء من الصلاة عنها؛ فلو نوى الخروج حينئذٍ من الصلاة بعد أن حصلت النية الصحيحة منه ثمّ رفض ذلك قبل أن يقع منه شي ء من أفعال الصلاة و عاد إلى النية الأُولى لم تبطل الصلاة على الأظهر؛ وفاقاً للمحكي عن «الخلاف» و غيره، و اختاره شيخنا في «كشفه». إلى أن قال: فالاستدلال حينئذٍ على البطلان بأنّ الاستمرار على حكم النية السابقة واجب إجماعاً كما تقدّم، و مع نية الخروج يرتفع الاستمرار غير متّجه، بل ردّه في «المدارك» بأنّ وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقيقة الصلاة؛ فلا يكون فوته مقتضياً لبطلانها؛ إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النية كيف حصلت(جواهر الكلام 9: 177 179.) انتهى. و منها: اشتراط وجود النية في جميع آنات العمل، و هو الظاهر من قوله (عليه السّلام): و لا عمل إلّا بنية. و فيه: منع كون الظاهر منه ما ذكر، بل الظاهر منه تحقّق أجزاء العمل كلّها بنية القربة، و المفروض تحقّقها. الرابعة: إذا دخل في الصلاة و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع، و لم يفعل ما نواه بل أتمّها أو أتى بعض الأجزاء في تلك الحال من غير التفات إلى منافاة ما ذكر للصلاة، فالأقوى عدم البطلان؛ و ذلك لأنّه مع عدم الالتفات إلى المانعية و القاطعية لم ينو عدم الصلاة. قال في «كشف اللثام»: إذا قصد أن يفعل المنافي للصلاة فإن كان متذكّراً للمنافاة لم ينفكّ عن قصد الخروج، و إن لم يكن متذكّراً لها لم تبطل إلّا معه على إشكال(كشف اللثام 3: 410.) انتهى. و قد عرفت من «المبسوط» عدم البطلان مع العزم على ما ينافي الصلاة مع عدم فعله، هذا مع الالتفات إلى المنافاة فكيف مع عدم الالتفات؟! فلا يبطل. و الأحوط في جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة؛ لفتوى جماعة بقادحية مجرّد نية الخروج و إتيان القاطع في صحّة الصلاة.

ص: 338

ص: 339

ص: 340

ص: 341

[ (مسألة 11): لو شكّ فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً]

(مسألة 11): لو شكّ فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصرا، و يدري أنّه لم يأتِ بالظهر، ينويها ظهراً في غير الوقت المختصّ بالعصر (1)،


1- سيأتي حكم الشك فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً في الوقت المختصّ بالعصر مع العلم بعدم إتيان الظهر و أنّه يرفع اليد عنه و استأنف العصر إن أدرك ركعة من الوقت. و أمّا وجه نية ما في يده ظهراً في فرض المسألة: فهو أنّ المفروض عدم إتيان الظهر قطعاً، و حينئذٍ فإن كان ما بيده ظهراً واقعاً مع الغفلة عنه ثمّ شكّ في كونه ظهراً يتعيّن للظهرية طبعاً، و إن كان في الواقع عصراً مع فرض العلم بعدم إتيان الظهر قبلًا وجب العدول إليه. و دعوى اختصاص ذلك في المعلوم أنّه العصر لا المشكوك فيه يدفعها وضوح أولوية المقام منه. فرع: لو فرغ عن الرباعية و شكّ في أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً بنى على الصحّة؛ إذ الواقع إمّا ظهر أو عصر، و كلّ منهما صحيح؛ فيبرأ حينئذٍ قطعاً برباعية مردّدة بين الظهر و العصر.

ص: 342

و كذا لو شكّ في إتيان الظهر على الأقوى (1). و أمّا في الوقت المختصّ به، فإن علم أنّه لم يأتِ بالعصر، رفع اليد عنها و استأنف العصر إن أدرك ركعة من الوقت، و قضى الظهر بعده. و إن لم يُدرك رفع اليد عنها و قضى الصلاتين. و الأحوط الذي لا يُترك إتمامها عصراً مع إدراك بعض الركعة ثمّ قضاؤهما (2).


1- و ذلك لاستصحاب عدم إتيان الظهر فينوي ما بيده ظهراً، كمن شرع في العصر و شكّ في أثنائه في إتيان الظهر فإنّه يجب عليه العدول إليه ثمّ استئناف العصر.
2- إذا شرع في الصلاة الرباعية في الوقت المختصّ بالعصر و شكّ في أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً وجب قطعها و رفع اليد عنها، و لا تصلح لنية الظهر في الأثناء لاختصاص الوقت بالعصر، و لا لنية العصر لاشتراط مقارنة النية لأوّل جزء من العمل؛ فالواجب رفع اليد عمّا بيده و استئناف العصر مع إدراك ركعة منه في الوقت و قضاء الظهر بعده. و مع عدم إدراك ركعة يرفع اليد عنه و يقضي الصلاتين، و الأحوط وجوباً إتمام ما بيده مع إدراك بعض الركعة في الوقت المختصّ بالعصر؛ و ذلك لأنّ المفروض أنّه شرع في الصلاة في الوقت المختصّ بالعصر مع تحقّق النية مقارناً للجزء الأوّل منها، و من المحتمل أنّه نواها عصراً و أنّ بعض الركعة تتمّة العصر واقعاً و يكون رفع اليد عنه محرّماً.

ص: 343

و إن لم يدرِ إتيان الظهر فلا يبعد جواز عدم الاعتناء بشكّه، لكن الأحوط قضاؤه أيضاً (1). و لو علم بإتيان الظهر قبل ذلك يرفع اليد عنها و يستأنف العصر (2). نعم لو رأى نفسه في صلاة العصر، و شكّ في أنّه من أوّل الأمر نواها أو نوى الظهر، بنى على أنّه من أوّل الأمر نواها (3).


1- مفروض المسألة: أن يدخل في الصلاة في الوقت المختصّ بالعصر و شكّ في أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً مع الشكّ في إتيان الظهر. لا يبعد أن يقال بجواز عدم الاعتناء بشكّه و البناء على كون ما بيده عصراً، و لا يلزمه قضاء الظهر؛ لقاعدة الشكّ بعد الوقت، و الأحوط استحباباً قضاء الظهر، و يأتي البحث فيه في مسائل «القول في الشكّ في الصلاة».
2- إذا شكّ فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً و علم بإتيان الظهر قبل ذلك لا يجوز له نية العصر حين الشكّ في الأثناء؛ لما تقدّم من اشتراط مقارنة النية لأوّل جزء من العمل، بل يرفع اليد عنها و يستأنف؛ سواء كان في الوقت المختصّ بالعصر أو في الوقت المشترك.
3- يعني أنّه لا يشكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر؛ لعلمه بإتيان الظهر و أنّ ما بيده عصرٌ قطعاً، إلّا أنّه يشكّ في أنّه نوى العصر حين الشروع في الصلاة أو نوى الظهر؛ فيرجع شكّه في الحقيقة إلى الشكّ في صحّة الجزء الأوّل من الصلاة من جهة الشكّ في مقارنة نية العصر بذلك الجزء؛ فيجري قاعدة التجاوز. و من بياننا هذا يظهر دفع ما استشكل في «المستمسك» و بعض حواشي «العروة» بأنّ صدق عنوان الشكّ بعد التجاوز يتوقّف على أن يكون للمشكوك فيه محلّ موظّف له بحيث يكون تركه فيه تركاً لما ينبغي أن يفعل، و ذلك غير حاصل مع الشكّ في النية(مستمسك العروة الوثقى 6: 43.) انتهى.

ص: 344

[ (مسألة 12): يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى في مواضع]

(مسألة 12): يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى في مواضع:

منها: في الصلاتين المرتّبتين كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الاولى سهواً أو نسياناً، فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء و لم يتجاوز محلّ العدول. بخلاف ما إذا تذكّر بعد الفراغ، أو بعد تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء، فتذكّر ترك المغرب، فلا عدول، بل يصحّ اللاحقة، فيأتي بعدها بالسابقة في الفرض الأوّل أي التذكّر بعد الفراغ بل في الفرض الثاني أيضاً لا يخلو من قوّة؛ و إن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب و العشاء مترتّباً (1).


1- مقتضى الأصل عدم جواز العدول من صلاة إلى أُخرى، و أنّ الصلاة على ما نويت لا تنقلب إلى غيرها بالنية، و الأمر المتعلّق بإحداهما غير الأمر المتعلّق بالأُخرى، و لا بدّ في كلّ منهما من قصد امتثال أمره، و لا يسقط بإتيان إحداهما مع قصد أمرها امتثال أمر الأُخرى. و كذا في أبعاض الصلاة؛ فالبعض المنوي من صلاة المأتي به لا يكفي في سقوط الأمر الضمني القائم بالبعض المماثل من صلاة أُخرى. نعم يجوز العدول في موارد خاصّة بدليل خاصّ: منها الصلاتان المرتّبتان، كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الاولى سهواً أو نسياناً؛ فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء. و يدلّ على وجوب العدول من العصر إلى الظهر صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاولى، قال فليجعلها الأُولى التي فاتته و يستأنف العصر، و قد قضى القوم صلاتهم(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.) و معتبرة الحسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي الأُولى حتّى صلّى ركعتين من العصر، قال فليجعلها الاولى و ليستأنف العصر.(وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.) الحديث، و الحسن بن زياد الصيقل و إن كان مجهول الحال لكن رواياته عن المعصوم أو عن الموثوق به معتبرة؛ لنقل أصحاب الإجماع عنه، كيونس بن عبد الرحمن و أبان بن عثمان و حمّاد بن عثمان. و يدلّ على العدول من العشاء إلى المغرب صحيح زرارة المتقدّم و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة. و ذيل صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أُخرى، فقال إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن كان ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ معلّى بن محمّد في سند الحديث قد وثّقه ابن قولويه و الصدوق حيث وقع في طريق «كامل الزيارات» في الباب الخمسين في كرامة اللَّه تبارك و تعالى لزوّار الحسين بن علي (عليهما السّلام)، و في طريق «من لا يحضره الفقيه». و لا ينافي وثاقته قول النجاشي في حقّه: إنّه مضطرب المذهب و الحديث؛ لأنّ الاضطراب في مذهبه على فرض ثبوته لا ينافي الوثاقة، كأبناء فضّال و غيرهم من الموثّقين. و الاضطراب في الحديث أيضاً لا ينافيها؛ لأنّ الاضطراب في الحديث معناه أنّه قد يروي ما يعرف و قد يروي ما ينكر، و رواية ما ينكر لا ينافي الوثاقة. و كذا لا ينافي وثاقته قول ابن الغضائري في حقّه: إنّه يروي عن الضعفاء؛ لأنّ الاعتماد إنّما هو على الروايات التي يرويها عن الثقات لا مطلقاً. ثمّ إنّ في ذيل معتبرة الحسن بن زياد الصيقل ما يدلّ على وجوب إتمام العشاء و عدم جواز العدول منها إلى المغرب. قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر، قال فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب. الحديث، و لكن هذا محمول على تضيّق وقت العشاء، مضافاً إلى أنّه معرض عنه عند الأصحاب. و لا يخفى: أنّ العدول من اللاحقة إلى السابقة إنّما هو إذا تذكّر في الأثناء و لم يتجاوز محلّ العدول. و أمّا إذا تذكّر بعد الفراغ صحّت اللاحقة و يأتي بعدها السابقة؛ و ذلك لإطلاق حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و الترتيب بينهما شرط ذكرى لا واقعي. و كذا صحّت اللاحقة إذا تذكّر في الأثناء و قد تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء؛ فيصحّ ما بيده عشاء و لا يعيدها و يأتي بعدها المغرب؛ و ذلك لإطلاق حديث لا تعاد و شموله صورة الذكر في الأثناء. و قد أفتى السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بالبطلان فيما تذكّر في الأثناء بعد تجاوز المحلّ، و هو الظاهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) في مبحث قضاء الصلوات، و لعلّه لاختصاص سقوط الترتيب في النصوص بما كان الذكر بعد الفراغ. و فيه: أنّ الاختصاص المذكور لا ينافيه شمول إطلاق حديث لا تعاد للذكر في الأثناء، و الأحوط استحباباً إتمام ما بيده عشاءً ثمّ الإتيان بالمغرب و العشاء مترتّباً عملًا لكلا القولين في المسألة. ثمّ إنّ السيّد (رحمه اللَّه) قال في «العروة الوثقى»: إنّ الأظهر في العصر المقدّم على الظهر سهواً صحّتها و احتسابها ظهراً إن كان التذكّر بعد الفراغ؛ لقوله (عليه السّلام) إنّما هي أربع مكان أربع في النص الصحيح، انتهى(العروة الوثقى 1: 520.) مراده من النصّ الصحيح هو صحيح زرارة المتقدّم قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر؛ فإنّما هي أربع مكان أربع(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) أقول: الذي يسهّل الأمر هو أنّ الصحيح المذكور معرض عنه عند الأصحاب بالنسبة إلى الذكر بعد الفراغ، كإعراضهم عن صحيح الحلبي المتّحد مضموناً مع صحيح زرارة بالنسبة إلى الذكر بعد الفراغ، قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر، قال فليجعل صلاته التي صلّى الاولى ثمّ ليستأنف العصر(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 4.) ؛ حتّى أنّ السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى» قال بإعراض الأصحاب عن الصحيح المزبور، مع قوله (رحمه اللَّه) بعدم حجّية الشهرة قبال الخبر الصحيح.

ص: 345

ص: 346

ص: 347

ص: 348

و كذا الحال في الصلاتين المقضّيتين المترتّبتين، كما لو فات الظهران أو العشاءان من يوم واحد، فشرع في قضائهما مقدّماً للثانية على الاولى فتذكّر. بل الأحوط لو لم يكن الأقوى أنّ الأمر كذلك في مطلق الصلوات القضائيّة (1).

و منها: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً، فإنّه يستحبّ أن يعدل إليه مع بقاء المحلّ إلّا إذا خاف فوت وقت فضيلة ما بيده، فإنّ في استحبابه تأمّلًا، بل عدمه لا يخلو من قوّة (2).


1- العمدة في دليل جواز العدول من صلاة إلى أُخرى في مطلق الصلوات القضائية خصوصاً فيما كان الترتيب معتبراً في أدائها كالظهرين و العشاءين من يوم واحد هو الإجماع. و أمّا النصوص فموردها العدول من الحاضرة إلى الحاضرة أو من الحاضرة إلى الفائتة، كما في صحيحي زرارة و عبد الرحمن بن أبي المتقدّمين؛ فلا يتمّ الاستدلال بها على جواز العدول من الفائتة إلى الفائتة إلّا بإلغاء خصوصية المورد أو بالأولوية.
2- هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه، و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم: و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها ركعتين ثمّ تسلّم ثمّ تصلّي المغرب. إلى أن قال (عليه السّلام) و إن كنت ذكرتها أي العشاء و أنت في الركعة الأُولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه المتقدّم و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ جواز العدول من الحاضرة إلى الفائتة مبني على القول بعدم وجوب الفور في قضاء الفائتة و عدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، و إلّا يكون العدول واجباً. و إنّ استحباب العدول من الحاضرة إلى الفائتة منوط على استحباب تقديم الفائتة على الحاضرة و عدم فوت وقت فضيلة الحاضرة.

ص: 349

و منها: العدول من الفريضة إلى النافلة، و ذلك في موضعين:

أحدهما: في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة الجمعة، و قرأ سورة أُخرى، و بلغ النصف أو تجاوز (1).


1- هنا مسألتان: الأُولى: يجوز العدول من الفريضة إلى النافلة لمن دخل في ظهر يوم الجمعة في صلاة الظهر أو الجمعة و نسي قراءة سورة الجمعة و قرأ سورة أُخرى؛ وفاقاً للأكثر بل المشهور، و في «الجواهر»: بل لا أجد فيه خلافاً. و يدلّ عليه صحيح صباح بن صبيح قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ، قال يتمّ ركعتين ثمّ يستأنف(وسائل الشيعة 6: 159، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 72، الحديث 2.) الثانية: يجوز العدول من سورة إلى سورة أُخرى ما لم يبلغ النصف، عدا سورة التوحيد و الجحد فإنّه لا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، بل من إحداهما إلى الأُخرى بمجرّد الشروع فيهما و لو بالبسملة. نعم يجوز العدول منهما إلى سورة الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة و في الجمعة؛ فإذا نسي فيهما سورة الجمعة أو المنافقين و قرأ سورة أُخرى أيّ سورة كانت يعدل منها إليهما مطلقاً أي و لو بلغ النصف، بل و لو تجاوز النصف إلّا في التوحيد و الجحد؛ فإنّه يعدل منهما إليهما ما لم يبلغ النصف، و يأتي تفصيل الكلام في هذه المسألة في مبحث القراءة إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 350

ثانيهما: فيما إذا كان متشاغلًا بالصلاة و أُقيمت الجماعة و خاف السبق، فيجوز له العدول إلى النافلة و إتمامها ركعتين ليلحق بها (1).


1- و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة، قال فليصلّ ركعتين ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام، و ليكن الركعتان تطوّعاً(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلها تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلّي ركعة أُخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع؛ فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه(وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّه يجوز العدول من الفريضة إلى النافلة مطلقاً و إن لم يخف سبق الجماعة عليه، بل مع حصول الاطمئنان بإتمام صلاته قبل إقامة الجماعة؛ و ذلك لإطلاق الصحيح و الموثّق المزبورين.

ص: 351

[ (مسألة 13): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض]

(مسألة 13): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض، و لا من النفل إلى النفل حتّى فيما كان كالفرائض في التوقيت و السبق و اللحوق. و كذا لا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة، فلو دخل في فائتة ثمّ ذكر في أثنائها أنّ الحاضرة قد ضاق وقتها، قطعها و أتى بالحاضرة، و لا يجوز العدول عنها إليها (1).


1- عدم جواز العدول في الموارد المذكورة في المتن إنّما هو لأصالة المنع منه، و ليس في شي ء من النصوص إشارة إلى جوازه فيها، بل يتعيّن له قطع ما بيده و استئناف ما يقصده من الصلاة على قول قوي. و قد تقدّم أنّ الأفعال إنّما تشخّص بالنية، و المفروض أنّ ما مضى من الفعل قد وقع بنية مشخّصة للمنوي، فقلبه إلى آخر محتاج إلى دليل. و نسب إلى «المفاتيح» جواز النقل من النفل إلى الفرض مطلقاً، و إلى الشيخ جوازه للصبي البالغ في أثناء الصلاة. و أورد عليه في «الجواهر» بأنّه يمكن أن لا يكون من العدول و إن كان يجب عليه أن يجدّد نية الفرض في الباقي على قول؛ إذ معناه جعل الجميع ما مضى منه و ما بقي على ذلك الوجه(جواهر الكلام 9: 197.) انتهى.

ص: 352

و كذا لا يجوز في الحاضرتين المرتّبتين من السابقة إلى اللاحقة، بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانه، فبان في الأثناء إتيانه، لم يجز له العدول إلى العصر (1)، و إذا عدل في موضع لا يجوز العدول، لا يبعد القول بصحّة المعدول عنه لو تذكّر قبل الدخول في ركن، فعليه الإتيان بما أتى بغير عنوانه بعنوانه (2).


1- قد تقدّم: أنّه يجوز العدول من الحاضرة اللاحقة إلى السابقة حاضرةً كانت السابقة أو فائتة لكونه منصوصاً، و أنّه لا يجوز العدول من الحاضرة السابقة إلى اللاحقة، كما لو دخل في الظهر بتخيّل أنّه لم يصلّها فبان في الأثناء أنّه فعلها لم يجز له العدول منها إلى العصر؛ لما ذكر من أصالة المنع منه و عدم الإشارة إلى جوازه في النصوص.
2- في المسألة قولان: الأوّل: بطلان كلتا الصلاتين المعدول عنها و المعدول إليها: أمّا بطلان المعدول عنها فلفوات نيتها بالعدول عنها، و فوات النية موجب للبطلان. و أمّا بطلان المعدول إليها فلأنّ المفروض كون العدول من موارد عدم النصّ على جوازه، فيبقى على أصالة المنع. الثاني: صحّة المعدول عنها لو تذكّر قبل الدخول في الركن؛ إذ ليس فيه إلّا فعل بعض أجزاء المعدول إليها في الأثناء سهواً، و هو غير قادح إذا وقع سهواً و لم يكن ركناً. و فيه: أنّ انتفاء النية في المعدول عنها كافٍ في بطلانها؛ فالقول الأوّل لا يخلو من قوّة.

ص: 353

[ (مسألة 14): لو دخل في ركعتين من صلاة الليل]

(مسألة 14): لو دخل في ركعتين من صلاة الليل مثلًا بقصد الركعتين الثانيتين، فتبيّن أنّه لم يصلّ الأوّلتين، صحّت و حُسبت له الأوّلتان قهراً. و ليس هذا من باب العدول و لا يحتاج إليه؛ حيث إنّ الأوّليّة و الثانويّة لا يعتبر فيها القصد، بل المدار على ما هو الواقع (1).


1- و في «العروة الوثقى»: و كذا في نوافل الظهرين، و كذا إذا تبيّن بطلان الأوّلتين. و ليس هذا من باب العدول، بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أوّلتين أو ثانيتين؛ فتحسب على ما هو الواقع، نظير ركعات الصلاة حيث إنّه لو تخيّل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلًا فبان أنّها الاولى أو العكس أو نحو ذلك لا يضرّ و يحسب على ما هو الواقع(العروة الوثقى 1: 626.) انتهى.

ص: 354

[القول في تكبيرة الإحرام]

القول في تكبيرة الإحرام و تسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً (1)، و صورتها «اللَّه أكبر»، و لا يجزي غيرها و لا مرادفها من العربيّة، و لا ترجمتها بغير العربية (2). و هي ركن تبطل الصلاة بنقصانها عمداً و سهواً، و كذا بزيادتها، فإذا كبّر للافتتاح ثمّ زاد ثانية له أيضاً بطلت الصلاة و احتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها برابعة احتاج إلى خامسة و هكذا (3).


1- تسميتها بتكبيرة الافتتاح مستفادة من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة من أبواب تكبيرة الإحرام، و يستفاد منها أنّ التكبير أوّل جزء من الصلاة و أنّ الصلاة تفتح به، و القيام و إن كان مقارناً للتكبير لكنّه على القول بكونه جزءً يكون متأخّراً عنه رتبة؛ لكونه واجباً حال التكبير.
2- و العمدة في الدليل على كون صورة تكبيرة الإحرام هي لفظة «اللَّه أكبر» و أنّ غيرها لا يجزي هو الإجماع، و أنّ الصورة المعهودة هي المتعارفة من التكبير، و هي المنقولة من صاحب الشرع و التابعين له. و في مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللَّه أكبر بسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11.)
3- الدليل على بطلان الصلاة بنقصان تكبيرة الإحرام عمداً و سهواً مضافاً إلى الإجماع المنقول المستفيض، بل المحصّل هو الأخبار المستفيضة. كصحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل ينسي تكبيرة الافتتاح، قال يعيد(وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح ذريح بن محمّد المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل ينسي أن يكبّر حتّى قرأ، قال يكبّر(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 4.) و صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة، قال يعيد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 3.) و صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل ينسي أن يفتتح الصلاة حتّى يركع، قال يعيد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 5.) و موثّق عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل سهى خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال يعيد الصلاة، و لا صلاة بغير افتتاح(وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.) ، و غيرها من روايات الباب. و يعارض هذه الأخبار ما ورد من الأمر بالمضيّ في الصلاة لمن نسي التكبير و دخل في الصلاة؛ ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة، فقال أ ليس كان من نيته أن يكبّر؟ قلت: نعم، قال فليمض في صلاته(وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 9.) و موثّق أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبّر فبدأ بالقراءة، فقال إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبّر، و إن ركع فليمض في صلاته(وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 10.) و صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع، فقال أجزأه(وسائل الشيعة 6: 16، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 3، الحديث 2.) و في «الوسائل»: حمله الشيخ على الشكّ دون اليقين، و فيه: أنّ الحمل المذكور على فرض إمكانه في صحيح الحلبي و البزنطي لا يمكن القول به في موثّق أبي بصير، حيث إنّ الظاهر منه التذكّر و اليقين بتركه كما لا يخفى. و الأولى أن يقال: إنّ الأخبار الآمرة بالمضيّ مطروحة؛ لكونها مخالفة للإجماع و موافقة لمذهب بعض العامّة القائلين بالاكتفاء بنية التكبير و إن لم يتلفّظ به. بقي الكلام في بطلان الصلاة بزيادة التكبير بنية الافتتاح و عدمه: ظاهر كلام صاحب «المدارك» و صاحب «الحدائق» عدم البطلان مطلقاً، قال في «المدارك»: و يمكن المناقشة في هذا الحكم أعني البطلان بزيادة التكبير إن لم يكن إجماعياً؛ فإنّ أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمداً و سهواً، و هو لا يستلزم البطلان بزيادته(مدارك الأحكام 3: 322.) انتهى. و صاحب «الحدائق» بعد نقل نفي الخلاف عن الأصحاب في بطلان الصلاة بالتكبير الثاني بنية الافتتاح بعد التكبير الأوّل المنوي فيه الافتتاح قال: و هذا الحكم مبني على أنّ زيادة الركن موجبة للبطلان كنقصانه، و هو على إطلاقه مشكل. و أخبار هذه المسألة قد دلّت على البطلان بترك التكبير عمداً أو سهواً، و أمّا بطلانها بزيادة فلم نقف له على نصّ. و كون الركن تبطل الصلاة بزيادته و نقيصته عمداً و سهواً مطلقاً و إن اشتهر ظاهراً بينهم إلّا أنّه على إطلاقه مشكل؛ لتخلّف جملة من الموارد عن الدخول تحت هذه الكلّية، كما يأتي بيانه كلّه في محلّه(الحدائق الناضرة 8: 31.) انتهى. و في «المستمسك»: بل قد لا تتصوّر الزيادة عمداً فيها بناءً على المشهور من بطلان الصلاة بنية الخروج؛ فإنّ قصد الافتتاح بها أي بالتكبيرة الثانية مستلزم لنية الخروج عمّا مضى من الصلاة؛ فتبطل الصلاة في رتبة سابقة على فعلها. اللهمّ إلّا أن يبنى على عدم الاستلزام المذكور أو على أنّ المبطل نية الخروج بالمرّة لا في مثل ما نحن فيه(مستمسك العروة الوثقى 6: 54.) انتهى. و عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: أنّ بطلان الصلاة بالتكبيرة الثانية لأجل كونها منهياً عنها؛ فتكون باطلة و مبطلة. و عن الشيخ الأنصاري: أنّها تشريع و هو محرّم؛ فيكون باطلة و مبطلة. و يرد عليهما: أنّه لم يثبت كونها منهياً عنها و تشريعاً. و بالجملة: فلم يقم دليل معتنى به على بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الافتتاح، و حينئذٍ فإن قام الإجماع على البطلان بالزيادة فهو، و إلّا فلا تبطل. و الظاهر تحقّق الشهرة العظيمة على البطلان، و المختار هو البطلان.

ص: 355

ص: 356

ص: 357

و يجب في حالها القيام منتصباً، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت (1)،


1- و يدلّ على وجوب القيام حال التكبير مضافاً إلى الإجماع الأخبار المعتبرة المتضمّنة لفعل المعصوم (عليه السّلام)، حيث إنّه كبّر قائماً منتصباً؛ ففي صحيح حمّاد بن عيسى فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة، فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و هذا الحديث شامل لجملة من الأقوال و الأفعال الغير الواجبة و عدم وجوب تلك الجملة ثبت بالدليل. و يدلّ عليه أيضاً صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ، قال الصحيح يصلّي قائماً، و قعوداً: المريض يصلّي جالساً، و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً(وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 2.) و مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، قال النحر: الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره.(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 3.) الحديث. صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 1.) و ذيل موثّق عمّار بن موسى الساباطي، قال: سألت أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتّى قام و افتتح الصلاة و هو قائم ثمّ ذكر، قال يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتدّ بافتتاحه و هو قاعد(وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال له استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك؛ فإنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول لنبيه في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ*(البقرة( 2): 150.) و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه في صلاته فلا صلاة له، و اخشع ببصرك للَّه عزّ و جلّ و لا ترفعه إلى السماء، و ليكن حذاء وجهك في موضع سجودك(وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 3.) ثمّ إنّ الأخبار المذكورة بعضها يدلّ على وجوب القيام في الصلاة و تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة فيجب فيها، و بعضها يدلّ على وجوبه حال الانتصاب في خصوص التكبير.

ص: 358

ص: 359

بل لا بدّ من تقديمه عليها مقدّمة (1)؛


1- و في «الجواهر»: بل قد يظهر منه أي من موثّق عمّار كغيره أيضاً اعتبار سبق القيام على التكبير كما هو مقتضى المقدّمية أيضاً فلا يكفي مقارنة التكبير لأوّل مصداق القيام حينئذٍ(جواهر الكلام 9: 223.) انتهى. وجه الظهور: أنّ «الفاء» في قوله (عليه السّلام) و يقوم فيفتتح للترتيب باتّصال.

ص: 360

من غير فرق في ذلك بين المأموم الذي أدرك الإمام راكعاً و غيره، بل ينبغي التربّص في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّاً قائماً منتصباً (1). و الأحوط أنّ الاستقرار في القيام كالقيام في البطلان بتركه عمداً أو سهواً، فلو ترك الاستقرار سهواً أتى بالمنافي احتياطاً، ثمّ كبّر مستقرّاً، و أحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّاً (2).


1- و في «الجواهر»: بل مقتضى المقدّمة التربّص للمأموم في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّاً معه، انتهى(نفس المصدر: 225.) و الأحوط بل الأقوى لزوم التربّص في الجملة بعد التكبير للمأموم الذي يدرك الإمام في الركوع؛ و ذلك لمكان «ثمّ» في صحيح سليمان بن خالد المتقدّم كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثمّ ركع.
2- قال في «المستمسك»: و في «الجواهر»: الإجماع متحقّق على اعتباره فيه(مستمسك العروة الوثقى 6: 62.) و لم نجد في «الجواهر» عين العبارة المذكورة، نعم الظاهر منه قبول الإجماع على اعتبار الاستقرار و الطمأنينة حال القيام في تكبيرة الإحرام، قال: فمن إطلاق النصوص و أكثر الفتاوى و صريح البعض يستفاد أنّه لا فرق في ذلك بين العمد و النسيان، و لا بين المنفرد و المأموم، بل لا خلاف أجده فيه كأصل الحكم الذي نقل الإجماع عليه في المحكي من «إرشاد الجعفرية» و غيره، إلّا ما يحكى عن الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» من أنّه إن كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته، و لا ريب في ضعفه(جواهر الكلام 9: 224.) انتهى. و وجه الاحتياط في الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّاً الجمع بين فتوى الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» بصحّة الصلاة فيما أتى ببعض التكبير منحنياً في الجماعة و فتوى غيره بالإعادة مطلقاً.

ص: 361

[ (مسألة 1): الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء]

(مسألة 1): الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء ليحذف الهمزة من «اللَّه»، و الظاهر جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة، فيظهر إعراب راء «أكبر»، و الأحوط تركه أيضاً. كما أنّ الأحوط تفخيم اللام و الراء، و إن كان الأقوى جواز تركه (1).


1- اختلف فقهاؤنا في جواز وصل تكبيرة الإحرام بما قبلها من تهليل الإقامة و بعض الأدعية الواردة بالخصوص؛ فقال جماعة منهم الشهيد في «الذكرى» و «الروض» و صاحب «جامع المقاصد» و النراقي في «مستند الشيعة» و غيرهم بعدم جوازه و أنّ الوصل يوجب بطلان التكبيرة. و عن الشهيد في «الذكرى» و «الروض»: أنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع إنّما كان بقطع الهمزة. و استدلّوا بأنّ المعلوم من الشرع هو أنّ المأمور به هو خصوص اللفظ المعهود بحروفها المعلومة «اللَّه أكبر» بلا زيادة و لا نقيصة، و مقتضى الوصل نقصانه بسقوط همزة الوصل في الدرج؛ فالواجب الوقوف بعد التهليل و الدعاء ثمّ الابتداء بالتكبير، و يقطع حينئذٍ بفراغ الذمّة من المأمور به؛ إذ لو أتى بصورة أُخرى غير معلومة يشكّ في البراءة بعد القطع باشتغال الذمّة. و فيه: أنّا نسلّم ما ذكروه لو ثبت بدليل معتبر أنّ المنقول من صاحب الشرع قطع الهمزة، و أنّ المتيقّن هو التلفّظ بهمزة «اللَّه»، و أنّى لهم بإثباته؟! و في «الجواهر»: قلت: الشأن في إثبات وجوب القطع في الشرع؛ إذ دعوى أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لم يأت بها إلّا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها، لو سلّمنا دلالة مثله و لم نقل: إنّه لا ينافي ما دلّ على عدم اعتبار غير الجريان على القانون العربي فيها و في غيرها من الأذكار الصلاتية. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المتيقّن من فعل النبي و الصحابة و التابعين ذلك؛ فالاقتصار عليه هو المناسب للاحتياط؛ خصوصاً مع عدم معروفية المخالف بخصوصه، بل نفاه في «المفاتيح»(جواهر الكلام 9: 206.) انتهى موضع الحاجة. و قال جماعة كثيرة من فقهائنا بجواز الوصل بما قبلها. و استدلّوا عليه بأنّ همزة «اللَّه» وصلٌ و مقتضى القاعدة العربية سقوطها في الدرج، و أنّ الأصل البراءة من مانعية الوصل. و لا يترك الاحتياط بالتلفّظ بالهمزة؛ لكون الاجتزاء به من القدر المتيقّن حيث تردّد الأمر بين أن يكون الواجب هو تعيّن التلفّظ بالهمزة و عدم إسقاطها بالوصل بما قبلها، و بين أن يكون هو إتيان تكبيرة الإحرام و لو بغير الصورة المعهودة بحذف همزة «اللَّه»، و المرجع في التردّد المزبور هو الاحتياط. ثمّ لا يخفى ما في كلام صاحب «الحدائق» من التهافت؛ فقال في الأمر الثاني من فروع المسألة الثانية من مسائل «الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام» ببطلان الصلاة بزيادة حرف أو نقصانه قال: الثاني التكبير الواجب المنقول عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أئمّة الهدى (عليهم السّلام) بصيغة «اللَّه أكبر»؛ فيتعيّن الإتيان بها؛ لأنّها عبادة مبنية على التوقيف، و هذا هو الذي ورد فيها، فلو زاد حرفاً أو نقص حرفاً أو عوّض كلمة مكان كلمة أو نحو ذلك ممّا يتضمّن الخروج عن هذه الصيغة بطلت صلاته اتّفاقاً، إلّا من ابن جنيد فإنّه نقل عنه في «الذكرى» القول بانعقادها بلفظ «اللَّه الأكبر»(الحدائق الناضرة 8: 31.) انتهى. و في الأمر الرابع قد ردّ أدلّة القائلين بعدم جواز حذف همزة «اللَّه» بالوصل بما قبلها، و طالب عن القائلين به دليلهم عليه و قال: ما ذكروه من أنّ المنقول عن صاحب الشرع قطع الهمزة لا أعرف له مستنداً و لا به رواية.(نفس المصدر: 34.) إلى آخر ما ذكره. هذا، و يمكن أن يكون مراده من الحرف في الأمر الثاني: «فلو زاد حرفاً أو نقص حرفاً»، غير همزة «اللَّه»؛ و حينئذٍ يرتفع التهافت. و أمّا وصل تكبيرة الإحرام بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة فجائز؛ لأصالة البراءة من قادحيته. و وجه الاحتياط في ترك الوصل بما بعدها ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من أنّه قال التكبير جزم(انظر ذكرى الشيعة 3: 261، سنن الترمذي 1: 183/ 296.)و أمّا تفخيم «اللام» من «اللَّه» و «الراء» من «أكبر» فليس شرطاً لصحّة القراءة في التكبير حتّى يجب، بل هو من محسّنات القراءة، و سيأتي البحث فيه في مبحث القراءة.

ص: 362

ص: 363

ص: 364

[ (مسألة 2): يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام]

(مسألة 2): يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام قبلها أو بعدها أو بالتوزيع، و الأحوط الأوّل، فيجعل الافتتاح السابعة. و الأفضل أن يأتي بالثلاث وِلاءً، ثمّ يقول: «اللّهُمَّ أنتَ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ، لا إلهَ إلّا أنتَ سُبحانَكَ إنّي ظلمتُ نفسي، فاغفِر لي ذنبي؛ إنَّهُ لا يغفِرُ الذنُوبَ إلّا أنتَ»، ثمّ يأتي باثنتين فيقول: «لبّيكَ و سعديكَ، و الخيرُ في يديكَ، و الشَّرُّ ليسَ إليكَ، و المهدِيُّ من هديتَ، لا ملجأَ منكَ إلّا إليكَ، سبحانكَ و حنانيكَ، تباركتَ و تعاليتَ، سُبحانكَ ربَّ البيتِ»، ثمّ كبّر تكبيرتين، ثمّ يقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ،- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ،- حَنِيفاً مُسْلِماً- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ،- إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المُسلمينَ»، ثمّ يشرع في الاستعاذة و القراءة (1).


1- لا خلاف بين الأصحاب في استحباب زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام، إنّما الخلاف في أنّ تكبيرة الإحرام الواجبة يجعلها الاولى، أو السابعة، أو أنّه يجوز أن يجعل أيّاً من السبعة تكبيرة الإحرام؟ ذهب إلى كلّ فريقٌ، المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة: أنّ المصلّي بالخيار في التكبيرات السبع أيّها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح، بل يظهر من بعضهم نفي الخلاف فيه، و من بعضهم دعوى الإجماع عليه، و مقتضى أصالة البراءة أيضاً جواز تقديم الستّ عليها و تأخيره عنها و بالتوزيع. و وجه الاحتياط في تقديم الستّ على تكبيرة الإحرام هو الاحتراز عن مخالفة الإجماع المدّعى في «الغنية»، و ما حكي عن «فقه الرضا» (عليه السّلام) اعلم أنّ السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة الافتتاح، و بها تحريم الصلاة(الفقه المنسوب للإمام الرضا( عليه السّلام): 105.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتمّ الناس صلاةً و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللَّه أكبر بسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11.) و في «الجواهر»: و لذا ربّما ظنّ أنّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لم يكن يكبّر إلّا تكبيرة واحدة لسرّه الستّ، كما أومأ إليه بعض النصوص الآتية في المسنونات(جواهر الكلام 9: 214.) انتهى. و «بعض النصوص» في عبارته (رحمه اللَّه) إشارة إلى رواية الحسن بن راشد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن تكبيرة الافتتاح، فقال سبع ، قلت: روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه كان يكبّر واحدة، فقال إنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يكبّر واحدة يجهر بها و يسرّ ستّاً(وسائل الشيعة 6: 33، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 12، الحديث 2.) و وجه أفضلية ما ذكر في المتن من التكبيرات الثلاث ولاءً إلى آخر ما ذكر في المتن صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمّ ابسطهما بسطاً ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات، ثمّ قل: اللهمّ أنت المَلِك الحقّ لا إله إلّا أنت، سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، ثمّ تكبّر تكبيرتين، ثمّ قل: لبّيك و سعديك و الخير في يديك و الشرّ ليس إليك و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلّا إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت، ثمّ تكبّر تكبيرتين ثمّ تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ- حَنِيفاً مُسْلِماً- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، ثمّ تعوذ من الشيطان الرجيم، ثمّ اقرأ فاتحة الكتاب(وسائل الشيعة 6: 24، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 8، الحديث 1.) ثمّ إنّ بعض القائلين بكون تكبيرة الإحرام هي السابعة، استدلّوا عليه بظاهر صحيح الحلبي المتقدّم، حيث إنّ دعاء التوجّه وجّهت وجهي. إلى آخره واقع بعد التكبيرة السابعة و قبل الاستعاذة أو البسملة. و فيه: أنّه ظاهر في استحباب الدعاء بعد التكبيرات بالترتيب المذكور، و لا تعرّض فيه أصلًا لكون تكبيرة الإحرام هي الأخيرة أو غيرها. نعم حديث «فقه الرضا» (عليه السّلام) المتقدّم يدلّ بظاهره على مدّعاهم، لكن الشهرة العظيمة قائمة على خلافهم. و القائلون بكونها الاولى استدلّوا ببعض الأخبار و ادّعوا ظهوره فيه، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 8.) في الرجل ينسي أوّل تكبيرة من الافتتاح بناءً على إرادة تكبيرة الإحرام منه. و صحيح حفص عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان في الصلاة و إلى جانبه الحسين بن علي (عليه السّلام)، فكبّر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلم يُحر الحسين بالتكبير، ثمّ كبّر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلم يحر الحسين التكبير، فلم يزل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يكبّر و يعالج الحسين (عليه السّلام) التكبير فلم يحر؛ حتّى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسين (عليه السّلام) التكبير في السابعة ، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فصارت سنّة(وسائل الشيعة 6: 20، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال خرج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلى الصلاة و قد كان الحسين (عليه السّلام) أبطأ عن الكلام حتّى تخوّفوا أنّه لا يتكلّم و أن يكون به خرس، فخرج به حامله على عاتقه و صفّ الناس خلفه فأقامه على يمينه، فافتتح رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الصلاة فكبّر الحسين (عليه السّلام)، فلمّا سمع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تكبيره عاد فكبّر، فكبّر الحسين (عليه السّلام)؛ حتّى كبّر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) سبع تكبيرات و كبّر الحسين (عليه السّلام)، فجرت السنّة بذلك(وسائل الشيعة 6: 21، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 4.) و صدر صحيح الحلبي المتقدّم إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمّ أبسطهما بسطاً ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات ، بناءً على أنّ المراد من الافتتاح تكبيرة الإحرام. و صحيح ثالث لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) وارد في صلاة الخوف الذي يخاف اللصوص و السبع يصلّي صلاة المواقفة. إلى أن قال و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابّته، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه(وسائل الشيعة 8: 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف، الباب 3، الحديث 8.) و يردّ استدلالهم بأنّ هذه الأخبار على فرض تمامية دلالتها على كون تكبيرة الإحرام هي الأُولى معارضة مع الأخبار المستدلّ بها على كونها هي الأخيرة، و مخالفة للمشهور.

ص: 365

ص: 366

ص: 367

[ (مسألة 3): يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام]

(مسألة 3): يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع من خلفه، و الإسرار بالستّ الباقية (1).


1- هذه المسألة مشهورة عند علمائنا، و في «المنتهي»: و لا نعرف فيه خلافاً. و يدلّ عليه صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أخفّ ما يكون من التكبير في الصلاة، قال ثلاث تكبيرات، فإن كانت قراءة قرأت بقل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون، و إن كنت إماماً فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر بها و تسرّ ستّاً(وسائل الشيعة 6: 33، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 12، الحديث 1.)

ص: 368

[ (مسألة 4): يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الأُذنين]

(مسألة 4): يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الأُذنين، أو إلى حِيال وجهه، مبتدئاً بالتكبير بابتداء الرفع و منتهياً بانتهائه. و الأولى أن لا يتجاوز الأُذنين، و أن يضمّ أصابع الكفّين، و يستقبل بباطنهما القبلة (1).


1- استحباب رفع اليدين إلى أُذنيه مشهور بين الأصحاب، و لا خلاف فيه بينهم بل بين علماء الإسلام، كما في «جامع المقاصد»، و حكي عن «انتصار» السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) القول بوجوبه في تكبيرة الإحرام و سائر التكبيرات مدّعياً عليه الإجماع، و في «الجواهر»: و لعلّه أراد به شدّة الاستحباب بقرينة نقله الإجماع عليه(جواهر الكلام 9: 229.) حيث لا قائل بالوجوب غيره. و يدلّ على المسألة صحيح صفوان الجمّال قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتّى يكاد يبلغ أُذنيه(وسائل الشيعة 6: 26، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 1.) و في بعض الأخبار دلالة على رفع اليدين إلى حيال وجهه؛ ففي صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يصلّي يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح(وسائل الشيعة 6: 26، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 3.) و موثّق منصور بن حازم بل صحيحه قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه، و استقبل القبلة بباطن كفّيه(وسائل الشيعة 6: 27، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 6.) و بعض الأخبار يدلّ على رفعهما إلى أسفل من الوجه قليلًا؛ ففي صحيح معاوية بن عمّار قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلًا(وسائل الشيعة 6: 26، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 2.) و في «الجواهر»: و بالجملة إن لم يرجع جميع ما في هذه النصوص إلى شي ء واحد كان المتّجه التخيير مع تفاوت مراتب الاستحباب أو بدونه عملًا بالجميع؛ لعدم المنافاة و عدم ثبوت التكليف بكيفية واحدة للرفع؛ فأعلاها الرفع إلى الأُذنين، و أسفلها النحر(جواهر الكلام 9: 232.) و أمّا الابتداء بالتكبير بابتداء الرفع و انتهائه بانتهائه فيستفاد من لفظ «إذا» و «حين» و «عند» الواقعة في بعض روايات الباب التاسع من أبواب تكبيرة الإحرام من «وسائل الشيعة»، فراجع. و أمّا أولوية عدم تجاوز رفع اليدين عن الأُذنين فيدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك، و لا تجاوز بكفّيك أُذنيك ؛ أي حيال خدّيك(وسائل الشيعة 6: 31، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 10، الحديث 2.) و غيره من روايات الباب. و أمّا ضمّ أصابع الكفّين فيدلّ عليه صحيح حمّاد المتقدّم: «فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضمّ أصابعه»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و أمّا استقبال القبلة بباطنهما فيدلّ عليه صحيح منصور بن حازم المتقدّم و استقبل القبلة بباطن كفّيه.

ص: 369

ص: 370

[ (مسألة 5): إذا كبّر ثمّ شكّ و هو قائم في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع]

(مسألة 5): إذا كبّر ثمّ شكّ و هو قائم في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع، بنى على الأوّل (1).


1- إذا شكّ بعد التكبير و هو قائم في أنّ تكبيرة تكبيرة الإحرام أو تكبير الركوع بنى على الأوّل. و في الحقيقة يرجع شكّه إمّا إلى الشكّ في نية تكبيرة الإحرام بعد تجاوز محلّه فيبني على إتيانها، و إمّا إلى الشكّ في القراءة و هو في المحلّ فيقرأ الفاتحة. قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: إذا شكّ في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان، و إن شكّ بعد إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا بنى على العدم، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثمّ استئنافها، و إن شكّ في الصحّة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحّة(العروة الوثقى 1: 631، المسألة 16.) انتهى. أمّا وجه البناء على العدم فيما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام و كان شكّه قبل الدخول فيما بعدها، فلكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في المحلّ، و مقتضى الاستصحاب وجوب الإتيان. و أمّا وجه البناء على الإتيان فيما كان شكّه في إتيانه بعد الدخول فيما بعدها، فلقاعدة التجاوز؛ و هي قاعدة مسلّمة مستفادة من صحيح زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال يمضي(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و قال السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»: يشكل ذلك قبل الدخول في القراءة، و لا بأس بالإتيان به رجاءً(العروة الوثقى 1: 631، الهامش 9.) انتهى. و فيه: أنّ الصحيح المزبور و إن قيّد فيه الشكّ بحال القراءة لكن المعيار المضيّ عمّا شكّ فيه، كما في موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.) و أمّا البناء على العدم فيما إذا شكّ بعد إتمامها في أنّه أتى بها صحيحة أو لا، فلكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في المحلّ؛ فمقتضاه عدم الإتيان. و الأقوى عندنا جريان أصالة الصحّة في المورد، و عليها المعوّل في كلّ ما يشكّ في صحّته و فساده من العقود و الإيقاعات و العبادات. و يدلّ عليه أيضاً الموثّق المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام). و لا وجه للاحتياط بإبطالها بأحد المنافيات ثمّ استئنافها، بل يحرم إبطالها مع البناء على الصحّة.

ص: 371

ص: 372

[القول في القيام]

القول في القيام

[ (مسألة 1): القيام ركن في تكبيرة الإحرام]

(مسألة 1): القيام ركن في تكبيرة الإحرام التي تقارنها النية، و في الركوع، و هو الذي يقع الركوع عنه، و هو المعبّر عنه بالقيام المتّصل بالركوع، فمن أخلّ به في هاتين الصورتين عمداً أو سهواً بأن كبّر للافتتاح و هو جالس، أو صلّى ركعة تامّة من جلوس، أو ذكر حال الهُويّ إلى السجود تَركَ الركوع و قام منحنياً بركوعه، أو ذكر قبل الوصول إلى الركوع و قام متقوّساً و غير منتصب و لو ساهياً بطلت صلاته. و القيام في غيرهما واجب ليس بركن؛ لا تبطل الصلاة بنقصانه إلّا عن عمد، كالقيام حال القراءة، فمن سها و قرأ جالساً ثمّ ذكر و قام فصلاته صحيحة، و كذا بزيادته، كمن قام ساهياً في محلّ القعود (1).


1- حكي عن الشهيد (رحمه اللَّه) أنّه قال: إنّ القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء: فالقيام في النية شرط كالنية، و القيام في التكبير تابع له في الركنية، و القيام في القراءة واجب غير ركن، و القيام المتّصل بالركوع ركن؛ فلو ركع جالساً بطلت صلاته و إن كان ناسياً، و القيام من الركوع واجب غير ركن؛ إذ لو هوى من غير رفع و سجد ناسياً لم تبطل صلاته، و القيام في القنوت تابع له في الاستحباب، انتهى. ثمّ إنّه لا خلاف و لا إشكال في وجوب القيام في الصلاة في الجملة. و يدلّ عليه الكتاب العزيز و الأخبار: أمّا الكتاب فقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً(آل عمران( 3): 191.) و في صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ، قال الصحيح يصلّي قائماً، و قعوداً: المريض يصلّي جالساً، و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً(وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 1.) و أمّا الأخبار: فمنها صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 2.) و الدليل العمدة في ركنية قيام تكبيرة الإحرام و بطلان الصلاة بالإخلال به عمداً و سهواً هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. و قد يستدلّ عليه أيضاً بموثّق عمّار عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود، فنسي حتّى قام و افتتح الصلاة و هو قائم ثمّ ذكر، قال يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و لا يعتدّ بافتتاحه الصلاة و هو قائم، و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يقتدي (و لا يعتدي) بافتتاحه و هو قاعد(وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 13، الحديث 1.) و أورد على هذا الاستدلال بأنّ بطلان تكبيرة الافتتاح مستند إلى ترك القيام حال التكبير نسياناً، و من المحتمل أن يكون القيام شرطاً واقعياً لتكبيرة الافتتاح يوجب فواته بطلان المشروط، كشرطية الطهارة للصلاة. و أمّا ركنية القيام المتّصل بالركوع فدليله منحصر في الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. ثمّ إنّ القيام حال القراءة في الركعتين الأُوليين و حال الذكر في الركعتين الأخيرتين واجب بلا خلاف. و في كونه جزءً للصلاة و واجباً نفسياً أو شرطاً للقراءة و الذكر وجهان: من ظهور بعض النصوص في الجزئية، كصحيح زرارة المتقدّم قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له. و كذا ظهور كلمات الأصحاب، حيث إنّهم عدّوا القيام من أجزاء الصلاة و واجباتها. و من ظهور أكثر النصوص في كونه شرطاً للقراءة و الذكر، كما في صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا قمت في الصلاة.(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) إلى آخره، و غيره من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة من أبواب أفعال الصلاة و القيام، فراجع. فبناءً على الجزئية لا يجب استئناف القراءة و الذكر من رأس فيما لو نسي القيام و قرأهما حال الجلوس؛ و ذلك لفوات محلّهما بالفراغ عنهما، و المفروض صحّة القراءة و الذكر في نفسهما. و بناءً على الشرطية تعيّن استئنافهما؛ لعدم إتيانهما على ما هما عليه من الشرط مع بقاء المحلّ.

ص: 373

ص: 374

ص: 375

[ (مسألة 2): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام و الانتصاب]

(مسألة 2): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام و الانتصاب بحسب حال المصلّي، فلو انحنى أو مال إلى أحد الجانبين بحيث خرج عن صدقه بطل. بل الأحوط الأولى نصب العنق؛ و إن كان الأقوى جواز إطراق الرأس (1). و لا يجوز الاستناد إلى شي ء حال القيام مع الاختيار (2).


1- و يدلّ على وجوب الاعتدال و الانتصاب في القيام بحسب حال المصلّي مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، قال النحر: الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره ، و قال لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس، و لا تلثم و لا تحتفز و لا تقع على قدميك و لا تفترش ذراعيك(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 3.) و إقامة النحر ليست مأخوذة في مفهوم القيام قطعاً، نعم هو الأحوط الأولى؛ لما حكي عن الصدوق من الفتوى ببطلان الصلاة بإطراق الرأس. و يدلّ عليه أيضاً صحيح زرارة المتقدّم قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له. و صحيح أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له.
2- في المسألة قولان: أحدهما: وجوب الإقلال و عدم الاستناد إلى شي ء على وجه الاعتماد حال الاختيار، و هذا القول هو المشهور المختار، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه، و هو مقتضى قاعدة الاشتغال، و أنّ براءة الذمّة لا تحصل إلّا به. و يدلّ عليه قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) و صحيح حمّاد بن عيسى: فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تمسك بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلّا أن تكون مريضاً(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 2.) و الخمر بفتحتين ما وراءك من شجر و نحوه. و المروي عن «قرب الإسناد» عن عبد اللَّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكّئاً على عصا أو حائط، فقال لا، ما شأن أبيك و شأن هذا؟! ما بلغ أبوك هذا بعد(وسائل الشيعة 5: 487، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 20.) و مفهوم المروي عن القطب الراوندي في «دعواته» فإن لم يتمكّن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة و ليصلّ قائماً، فإن لم يتمكّن فليصلّ جالساً(مستدرك الوسائل 4: 117، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 7.) و القول الثاني: جواز الاعتماد على شي ء على كراهة، و حكي هذا القول عن أبي الصلاح، و نفى عنه البعد صاحب «المدارك»، و اختاره صاحب «الحدائق». و استدلّ عليه بصحيح الصدوق عن علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علّة؟ فقال لا بأس ، و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوّلتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علّة؟ فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 499، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 1.) و رواية سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التكأة في الصلاة على الحائط يميناً و شمالًا، فقال لا بأس(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 3.) و موثّق ابن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي متوكّئاً على عصا أو على حائط، قال لا بأس بالاتّكاء على عصا و الاتّكاء على حائط(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 4.) ثمّ إنّ القائلين بهذا القول حملوا النهي عن الاعتماد في صحيح ابن سنان المتقدّم على الكراهة. و فيه: أنّ الحمل على الكراهة جمع مقبول على فرض التكافؤ في التعارض، و الحال أنّ الأخبار الدالّة على جواز الاعتماد حال الاختيار معرض عنها عند الأصحاب و الشهرة قائمة على خلافها. مضافاً إلى ما حكي عن فخر المحقّقين من حمل الأخبار المجوّزة على التقية؛ لكون مضمونها موافقاً للعامّة.

ص: 376

ص: 377

نعم لا بأس به مع الاضطرار، فيستند إلى إنسان أو غيره (1).


1- يجب الاستناد إلى شي ء مع الاضطرار إليه، و يقدّم على القعود بلا خلاف بين الأصحاب، من غير فرق فيما يستند إليه بين الإنسان و غيره. و في «الجواهر»: لصدق القيام و الصلاة و عدم سقوط الميسور بالمعسور، و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، و لأنّه المستطاع من المأمور به إشارة إلى قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فإذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عنه فاجتنبوه و لأنّ اللَّه قد أحلّ كلّ شي ء قد اضطرّ إليه ممّا قد حرّمه عليه، و هو أولى بالعذر في كلّما غلب اللَّه عليه، و لظهور الصحيح السابق فيه. إلى أن قال (رحمه اللَّه): و لقول أبي الحسن (عليه السّلام) في صحيح ابن يقطين يقوم و إن حنى ظهره في صاحب السفينة الذي لم يقدر أن يقوم فيها أ يصلّي و هو جالس يومئ أو يسجد(جواهر الكلام 9: 250.) انتهى.

ص: 378

و لا يجوز القعود مستقلا مع التمكّن من القيام مستنداً (1).

[ (مسألة 3): يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين]

(مسألة 3): يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين؛ بحيث يخرج عن صدق القيام، بل و عدم التفريج غير المتعارف و إن صدق عليه القيام على الأقوى (2).


1- و ذلك لأنّ جواز القعود مختصّ بغير المتمكّن من القيام، و المفروض أنّه متمكّن من القيام مستنداً. و يدلّ عليه صحيح ابن سنان المتقدّم، حيث إنّه يدلّ على وجوب الاستناد على المريض؛ فلم يكلّف المريض على الصلاة قاعداً، بل كلّف على الصلاة قائماً مستنداً، و هو الظاهر من المروي عن قطب الراوندي المتقدّم حيث إنّ الصلاة جالساً مفروض فيما لم يتمكّن من القيام معتمداً على حائط أو عكازة.
2- إذا كان التفريج الفاحش بين الرجلين موجباً للخروج عن صدق القيام الواجب شرعاً فقد أخلّ بالواجب و بطلت صلاته. و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى، و دع بينهما فصلًا إصبعاً أقلّ ذلك إلى شبر أكثره، و أسدل منكبيك و أرسل يديك، و لا تشبّك أصابعك، و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، و ليكن نظرك إلى موضع سجودك، فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و لا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس(وسائل الشيعة 5: 511، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 17، الحديث 2.) و الاستدلال بهذه الصحيحة على وجوب الاكتفاء في التفريج بمقدار الشبر كما ترى؛ لاشتمالها على المستحبّات؛ فهي ظاهرة في بيان السنن لا الأجزاء و الشرائط الواجبة. و إذا كان التفريج غير فاحش و لكن كان غير متعارف بأن كان إحدى رجليه مقدّماً على الأُخرى مثلًا بطلت صلاته؛ للإخلال على القيام المتعارف في الصلاة.

ص: 379

[ (مسألة 4): لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد]

(مسألة 4): لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد. نعم يجب الوقوف على القدمين على الأقوى؛ لا على قدم واحدة، و لا على الأصابع، و لا على أصلهما (1).


1- ليس المراد من التسوية بين الرجلين في الاعتماد تساويهما في الوقوف على كليهما قبال الوقوف على إحداهما، بل المراد منها مساواتهما في طرح الثقل عليهما، و في «المستمسك»: بأن يكون الاعتماد على كلّ منهما لا على إحداهما مع مجرّد مماسّة الأُخرى للموقف(مستمسك العروة الوثقى 9: 109.) و في المسألة قولان: ذهب الشهيد في «الذكرى» و «الروض» و السبزواري في «الذخيرة» و صاحب «جامع المقاصد» و «المدارك» و «كشف اللثام» و غيرهم إلى الوجوب. و استدلّ عليه بأُمور: منها التأسّي بصاحب الشرع. و منها أنّه المتبادر. و منها أنّه بها يحصل الاستقرار المعتبر في القيام، و ينتفي بانتفائها. و لا يخفى ضعف هذه التعليلات. و في «مفتاح الكرامة»: نعم لو رفع إحدى رجليه عن الأرض بالكلّية و اقتصر على وضع واحدة و اعتمد عليها فلا إشكال في البطلان؛ لما ذكروه. و يمكن تنزيل كلامهم أي القائلين بوجوب التسوية بين الرجلين عليه(مفتاح الكرامة 2: 305/ السطر 14.) انتهى. و القول الآخر في المسألة عدم وجوب التسوية؛ لإطلاق أدلّة اعتبار القيام المعتبر في الصلاة، و صدق القيام فيما طرح الثقل على إحدى القدمين. و هنا مسألة أُخرى: و هي أنّه هل يجب الوقوف على القدمين أو أنّه يجوز الوقوف على إحداهما أو على أصابع كلتيهما أو على أصلهما؟ في المسألة قولان: الأوّل: وجوب الوقوف على القدمين؛ فلو وقف على إحداهما أو على أصابعهما أو على أصلهما بطلت الصلاة، ذهب إليه جماعة من فقهائنا؛ منهم المصنّف (رحمه اللَّه) تبعاً للشهيد في «الذكرى» و «الدروس» و كاشف اللثام و صاحب «الحدائق» و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر». و استدلّ عليه بأنّ اشتغال الذمّة يقيناً لا يحصل البراءة منه إلّا بالوقوف على القدمين، و بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) ، و أنّه المتبادر المعهود، و أنّ الاستقرار يحصل به. و بما روي عن «قرب الإسناد» عن عبد اللَّه بن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلّي و هو قائم و رفع إحدى رجليه حتّى أنزل اللَّه تعالى طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فوضعها(وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 3، الحديث 4.) و لا يخفى ما في هذه الوجوه من الضعف. و القول الآخر في المسألة جواز الوقوف على إحدى القدمين أو على أصابعهما أو أصلهما مع التمكّن من الوقوف على كليهما؛ و ذلك لإطلاق نصوص اعتبار القيام، و أنّ الأصل البراءة. و الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الاجتزاء بالوقوف على إحدى القدمين أو على أصابعهما أو أصلهما، فضلًا عن أصابع أو أصل إحداهما؛ لأنّ القيام المتعارف في الصلاة و غيرها ما حصل بالوقوف على كلا القدمين، و إطلاق القيام ينصرف إليه.

ص: 380

ص: 381

[ (مسألة 5): إن لم يقدر على القيام أصلًا]

(مسألة 5): إن لم يقدر على القيام أصلًا؛ و لو مستنداً أو منحنياً أو متفرّجاً و بالجملة لم يقدر على جميع أنواع القيام؛ حتّى الاضطراري منه بجميع أنحائه صلّى من جلوس (1).


1- إذا لم يقدر على القيام أصلًا حتّى بعضاً، و حتّى الاضطراري منه بجميع أنحائه صلّى من جلوس؛ فلو قدر على القيام منحنياً بقدر الركوع قدّم على الصلاة من جلوس. و قد ورد في بعض الروايات: أنّ من لم يقدر على القيام يصلّي جالساً، كمرسل الصدوق و الكليني (رحمهما اللَّه) قال: و قال الصادق (عليه السّلام) يصلّي المريض قائماً، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالساً، فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً يكبّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثمّ يتشهّد و ينصرف(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 13.) و مرسله الآخر عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال المريض يصلّي قائماً، فإن لم يستطع صلّى جالساً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أُومئ إيماءً، و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) و رواية عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عن آبائه (عليهم السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائماً فليصلّ جالساً، فإن لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 5: 486، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 18.) ، و الرواية ضعيفة بعيسى بن مهران المجهول الحال. و موثّق زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن حدّ المريض الذي يفطر فيه الصيام و يدع الصلاة من قيام، فقال بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، هو أعلم بما يطيقه(وسائل الشيعة 5: 495، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 6، الحديث 2.) و صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعداً؟ فقال إنّ الرجل ليوعك و يحرج، و لكنّه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم(وسائل الشيعة 5: 495، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 6، الحديث 3.) و صحيح الحلبي في حديث أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة، فقال إن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ يصلّي(وسائل الشيعة 5: 504، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 1.) و رواية سليمان بن خالد قال: سألته عن الصلاة في السفينة، فقال يصلّي قائماً، فإن لم يستطع القيام فليجلس و يصلّي و هو مستقبل القبلة، فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على ذلك، فإن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه و ليتحرّ القبلة بجهده ، و قال يصلّي النافلة مستقبل صدره السفينة، و هو مستقبل القبلة إذا كبّر، ثمّ لا يضرّه حيث دارت(وسائل الشيعة 5: 506، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 10.) ، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن سنان و بالإضمار. و صحيح حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول كان أهل العراق يسألون أبي عن الصلاة في السفينة، فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فافعلوا، فإن لم تقدروا فصلّوا قياماً (فإن لم تقدروا فصلّوا قعوداً) و تحرّوا القبلة(وسائل الشيعة 5: 507، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 12.) و يدلّ على تقدّم القيام و لو بانحناء ظهره على الصلاة جالساً صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلّي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد؟ قال يقوم و إن حنى ظهره(وسائل الشيعة 5: 505، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 5.)

ص: 382

ص: 383

ص: 384

و يعتبر فيه الانتصاب و الاستقلال، فلا يجوز فيه الاستناد و التمايل مع التمكّن من الاستقلال و الانتصاب، و يجوز مع الاضطرار (1).


1- يظهر من صاحب «الحدائق» اعتبار الاستقلال في القعود؛ قال في «الحدائق»: لو عجز عن القعود مستقلا فإنّه يقعد معتمداً أو منحنياً(الحدائق الناضرة 8: 75.) و يظهر من صاحب «الجواهر» اعتبار الانتصاب و الاستقلال و الاستقرار في القعود، و مع العجز ينتقل إلى أنحاء الاضطرار من الاعتماد و الانحناء و غيرهما. قال: و إذا عجز عن القعود مستقلا و معتمداً مستقرّاً و مضطرباً منحنياً و منتصباً إذ الظاهر جريان جميع ما سمعته في القيام فيه، كما يومئ إليه في الجملة المرسل الآتي، و لأنّه بدله و بعض قيام، و إن كان لا يخلو من بحث؛ لاختصاصه بالدليل دونه صلّى مضطجعاً(جواهر الكلام 9: 264.) انتهى موضع الحاجة من كلامه. و المرسل عبارة عمّا رواه في «الفقيه» قال: و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المريض يصلّي قائماً، فإن لم يستطع صلّى جالساً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومئ إيماءً، و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) ، هذا. و لكن لا يخفى: أنّ المرسل المزبور لا يدلّ على أزيد من وجوب الانتقال إلى القعود لغير المتمكّن من القيام و أنّ القعود من المتمكّن منه لا ينتقل إلى الاضطجاع، و لا دلالة فيه على اعتبار الانتصاب و الاستقلال و الاستقرار فيه و تقدّمه على الانحناء و الاعتماد و الاضطراب. نعم يمكن الاستدلال على الانتصاب في القعود بصحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 2.) وجه الاستدلال: أنّ هذين الصحيحين يدلّان على اعتبار الانتصاب في الصلاة مطلقاً؛ سواء كان في القيام أو في القعود. و كذا يمكن الاستدلال على اعتبار الاستقلال في القعود بما دلّ على اعتباره في الصلاة مطلقاً، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تمسك بخمرك و أنت تصلّي و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلّا أن تكون مريضاً(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 2.) و يمكن الاستدلال أيضاً باعتبار الاستقرار في القعود بإطلاق معاقد الإجماعات القائمة على وجوبه في أفعال الصلاة كلّها، من غير فرق فيها بين حال القيام و حال القعود.

ص: 385

و مع تعذّر الجلوس رأساً صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كالمدفون، فإن تعذّر منه فعلى الأيسر عكس الأوّل، فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر (1).


1- وجوب الصلاة مضطجعاً مع تعذّرها جالساً قد ادّعى عليه الإجماع جماعة؛ منهم الفاضلان و كاشف اللثام و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و «الجواهر» و غيرهم. و يدلّ عليه قوله عزّ و جلّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ(آل عمران( 3): 191.) و موثّق سماعة قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزي عنه، و لم يكلّف اللَّه ما لا طاقة له به(وسائل الشيعة 5: 482، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 5.) و ما رواه السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) في رسالة «المحكم و المتشابه» بإسناده عن علي (عليه السّلام) في حديث قال و أمّا الرخصة التي هي الإطلاق بعد النهي، فمنه قوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ(البقرة( 2): 238.) فالفريضة منه أن يصلّي الرجل صلاة الفريضة على الأرض بركوع و سجود تامّ، ثمّ رخّص للخائف فقال سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً(البقرة( 2): 239.) و مثله قوله عزّ و جلّ فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ(النساء( 4): 103.) و معنى الآية: أنّ الصحيح يصلّي قائماً، و المريض يصلّي قاعداً، و من لم يقدر أن يصلّي قاعداً صلّى مضطجعاً و يومئ بإيماء، فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة(وسائل الشيعة 5: 487، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 22.) و يدلّ على تقديم جانب الأيمن مع التمكّن منه موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعداً كيف قدر صلّى؛ إمّا أن يوجّه فيومئ إيماءً و قال يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده، و ينام على جانبه (جنبه) الأيمن ثمّ يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثمّ يومئ بالصلاة إيماءً(وسائل الشيعة 5: 483، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 10.) و يدلّ على تقديم الاضطجاع على الجنب الأيمن على الأيسر و الأيسر على الاستلقاء مرسل الصدوق المتقدّم(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) فلاحظ. و لا يخفى: أنّ بعض الأخبار يدلّ على وجوب الصلاة مستلقياً على من عجز عن الصلاة جالساً، كمرسل الصدوق و الكليني المتقدّم فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 13.) و رواية عبد السلام الهروي المتقدّم عن الرضا (عليه السّلام) فإن لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً(وسائل الشيعة 5: 486، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 18.) و مقتضى الجمع بين هذين الخبرين على فرض اعتبار سندهما و بين الأخبار السابقة الدالّة على تقديم الصلاة مضطجعاً على الصلاة مستلقياً، هو تقييد مورد هذين الخبرين بصورة التعذّر عن الاضطجاع، أو حملهما على التقية كما عن المجلسي في «البحار» و صاحب «الذخيرة». و نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» و «النافع» و العلّامة في «الإرشاد» و «التذكرة» التخيير بين الاضطجاع على الجانب الأيمن و الجانب الأيسر.و عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي»: أنّ العاجز عن القعود صلّى على جانبه الأيمن، و إن عجز صلّى مستلقياً، و لم يذكرا جانب الأيسر. و عن «نهاية» العلّامة: أنّ الأيمن أفضل.

ص: 386

ص: 387

ص: 388

[ (مسألة 6): لو تمكّن من القيام و لم يتمكّن من الركوع قائماً]

(مسألة 6): لو تمكّن من القيام و لم يتمكّن من الركوع قائماً، صلّى قائماً ثمّ جلس و ركع جالساً. و إن لم يتمكّن من الركوع و السجود أصلًا؛ و لا من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالساً، صلّى قائماً و أومأ للركوع و السجود. و الأحوط فيما إذا تمكّن من الجلوس أن يكون إيماؤه للسجود جالساً، بل الأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته إن أمكن (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: إذا تمكّن عن القيام و لم يتمكّن من الركوع قائماً أصلًا حتّى بالانحناء يسيراً صلّى قائماً ثمّ جلس للركوع و ركع جالساً، و سيأتي من المصنّف (رحمه اللَّه) في مباحث الركوع أنّه لا بدّ في الركوع من الانحناء المتعارف، و مع عدم التمكّن منه أتى بالممكن منه و لا ينتقل إلى الجلوس و إن تمكّن منه جالساً؛ و ذلك لقاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور». الثانية: إذا لم يتمكّن من الركوع و السجود أصلًا لا بمراتبهما الاختيارية و لا الاضطرارية من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالساً صلّى قائماً و أومأ للركوع و السجود. و لا خلاف بين أصحابنا في وجوب الإيماء للركوع و السجود. و يشهد له رواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلأ و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال ليؤم برأسه إيماءً، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماءً(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 11.) قد وقع في سند هذه الرواية محمّد بن خالد الطيالسي و إبراهيم بن أبي زياد الكرخي؛ أمّا الطيالسي فقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السّلام)، و وقع في سند «كامل الزيارات» في ثواب من زار الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء، و وقع في طريق الشيخ إليه أحمد بن محمّد بن يحيى و هو لم يوثق. و أمّا الكرخي فقد روى عنه جماعة من أصحاب الإجماع، كابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب، و للصدوق إليه طريق. الثالثة: إذا لم يتمكّن من الركوع و السجود جالساً و لكن تمكّن من الجلوس صلّى و أومأ للركوع قائماً و جلس و أومأ للسجود. و لا يخفى: أنّ وجوب الجلوس ليس للإيماء للسجود؛ لأنّ السجود الواجب و هو وضع الجبهة على الأرض إذا تعذّر تبدّلت وظيفته إلى الإيماء؛ فلا وجه حينئذٍ للجلوس للإيماء، بل وجوبه لأجل إتيان ما هو الواجب في السجود؛ و هو الجلوس بين السجدتين مطمئنّاً معتدلًا. ثمّ إنّ مسألة وجوب الإيماء بالرأس أو بالعينين، و كذا مسألة وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته سيأتي البحث فيهما في المسألة الثامنة من مسائل «القول في السجود».

ص: 389

[ (مسألة 7): لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع]

(مسألة 7): لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع، وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس، ثمّ إذا قدر على القيام قام و هكذا (1).


1- لو قدر على القيام في بعض الركعات دون بعض فلا يخلو من أنّه إمّا أن يقدر عليه في الأوّل دون الآخر أو العكس؛ فلا كلام حينئذٍ إذ يتعيّن عليه ما يقدره، و إمّا أن يقدر على أحدهما على البدل أي كان بحيث يقدر عليه إمّا في الأوّل أو في الآخر فمقتضى وجوب القيام في كلّ ركعة على البدل هو التخيير، و لكن الظاهر تقديم الأوّل بالقيام لقدرته عليه فعلًا؛ فيجب عليه للعمومات. و إذا طرأ العجز بعده يعمل بوظيفته؛ و هو الجلوس. و بعبارة اخرى: أنّ القدرة على القيام ليست شرطاً عقلياً كي يكون المكلّف مخيّراً بين القيام أوّلًا و بينه آخراً، بل هي شرط شرعي في كلّ جزء في محلّه، و المفروض وجودها في أوّل الصلاة و انتفاؤها في آخرها؛ فالواجب إتيان الركعة الأُولى مثلًا قائماً، و في أيّ جزء طرأ العجز عن القيام يأتيه جالساً. و يظهر من «نهاية الإحكام»: أنّه إذا قدر على القيام زماناً لا يسع القراءة و الركوع فالأولى القيام قارئاً ثمّ الركوع جالساً؛ لأنّه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه؛ فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزاً. و في «كشف اللثام»: يعني و يحتمل الابتداء بالجلوس ثمّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع حتّى يركع عن قيام(كشف اللثام 3: 399.) أقول: و يحتمل أن يكون الأولى في عبارة «نهاية الإحكام» بمعنى المتعيّن، بقرينة التعليل في العبارة: «لأنّه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه» حيث إنّ غير العاجز يجب عليه القيام.

ص: 390

ص: 391

[ (مسألة 8): يجب الاستقرار في القيام و غيره من أفعال الفريضة]

(مسألة 8): يجب الاستقرار في القيام و غيره من أفعال الفريضة كالركوع و السجود و القعود، فمن تعذّر عليه الاستقرار، و كان متمكّناً من الوقوف مضطرباً، قدّمه على القعود مستقرّاً، و كذا الركوع و الذكر و رفع الرأس، فيأتي بكلٍّ منها مضطرباً، و لا ينتقل إلى الجلوس و إن حصل به الاستقرار (1).


1- لا يخفى: أنّ أكثر فقهائنا لم يذكروا اشتراط الاستقرار في القيام، و لا عقدوا له فصلًا مستقلا. نعم ذكره العلّامة الطباطبائي في «المنظومة»: لا تصلح الصلاة في اختيار إلّا من الثابت ذي القرار و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود. إلى آخره. و العمدة في الدليل على اعتبار الاستقرار في جميع حالات الصلاة هو الإجماع.

ص: 392

[القول في القراءة و الذكر]

القول في القراءة و الذكر

[ (مسألة 1): يجب في الركعة الأُولى و الثانية من الفرائض قراءة الفاتحة و سورة كاملة عقيبها]

(مسألة 1): يجب في الركعة الأُولى و الثانية من الفرائض قراءة الفاتحة و سورة كاملة عقيبها. و له ترك السورة في بعض الأحوال، بل قد يجب مع ضيق الوقت و الخوف و نحوهما من أفراد الضرورة. و لو قدّمها على الفاتحة عمداً استأنف الصلاة، و لو قدّمها سهواً و ذكر قبل الركوع، فإن لم يكن قرأ الفاتحة بعدها أعادها بعد أن يقرأ الفاتحة، و إن قرأها بعدها أعادها دون الفاتحة (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: يجب في الركعة الأُولى و الثانية من الفرائض قراءة الفاتحة، و وجوبها إجماعي، بل من ضروريات المذهب، و الأخبار به مستفيضة بل متواترة. و استدلّ عليه من الكتاب العزيز بقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ(المزّمّل( 73): 20.) بعد العلم بعدم الوجوب في غير الصلاة. و فيه: أنّه مع فرض العلم بعدم وجوب قراءة القرآن في غير الصلاة يحمل الأمر في الآية على الاستحباب. و يتمسّك في وجوبها في الصلاة على النصوص المعتبرة: منها صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ، قلت: أيّما أحبّ إليك إذا كان خائفاً أو مستعجلًا؛ يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال فاتحة الكتاب(وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. إلى أن قال فليقرأها ما دام لم يركع فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) أنّه قال أُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجوراً مضيّعاً و ليكون محفوظاً مدروساً؛ فلا يضمحلّ و لا يجهل، و إنّما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنّه ليس شي ء من القرآن و الكلام فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد؛ و ذلك أنّ قوله عزّ و جلّ الْحَمْدُ لِلَّهِ إنّما هو أداء لما أوجب اللَّه عزّ و جلّ على خلقه من الشكر.(وسائل الشيعة 5: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) الحديث. و في «عوالي اللآلي» عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب(مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) فرع: المشهور بين أصحابنا أنّ الفاتحة ليست ركناً في الصلاة؛ فتركها نسياناً لا يوجب بطلان الصلاة، بل عن «الخلاف» الإجماع عليه، و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى تحصيله؛ لعدم معلومية المخالف، و إن نسب إلى ابن حمزة، لكن قيل: إنّه لم يكن له في «الوسيلة» ذكر، نعم عن «المبسوط» حكايته عن بعض أصحابنا، و مثله لا يقدح في تحصيل القطع الناشي من اتّفاق مَن وصل إلينا فتاويهم من الأصحاب(جواهر الكلام 9: 285.) انتهى. و يدلّ على المشهور و هو المختار صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال إنّ اللَّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود و القراءة سنّة؛ فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما مثل صحيح زرارة، إلّا أنّه قال و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته و لا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 2.) و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال إن كان متعمّداً فلا صلاة له، و إن كان نسي فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 88، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 5.) و موثّق منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال قد تمّت صلاتك إذا كان (كانت) نسياناً (ناسياً)(وسائل الشيعة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوّلتين، فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرأ، قال أتمّ الركوع و السجود؟ قلت: نعم، قال إنّي اكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها(وسائل الشيعة 6: 92، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 30، الحديث 1.) و استدلّ على القول بالركنية بصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات. و فيه: أنّ الأصحاب حملوه على صورة تعمّد ترك القراءة جمعاً بينه و بين الروايات المعتبرة الدالّة على صحّة الصلاة في صورة تركها نسياناً. المسألة الثانية: هل تجب قراءة السورة عقيب الفاتحة أم لا؟ المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً هو الوجوب، بل حكي عن بعض أصحابنا الإجماع عليه و أنّه من دين الإمامية، و هذا القول هو المختار عندنا. و ذهب جماعة إلى عدم وجوبها؛ منهم الشيخ في «النهاية» و ابن الجنيد و سلّار و الفاضلان في «المنتهي» و «المعتبر» و صاحب «المدارك» و السبزواري في «الذخيرة» و غيرهما من بعض متأخّري المتأخّرين. و استدلّ للقول بالوجوب بصحيح منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا أكثر(وسائل الشيعة 6: 43، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة، فقال لا، لكلّ ركعة سورة(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 3.) و مفهوم صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و مفهوم رواية الحسن بن زياد الصيقل قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنتُ مستعجلًا أو أعجلني شي ء؟ فقال لا بأس(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و مفهوم صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء الصلاة التطوّع بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 5.) ، و لا يخفى: أنّ لهذا الصحيح مفهومين: أحدهما أنّ الصحيح لا يجوز أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ثانيهما: أنّه لا يجوز للصحيح في قضاء الصلاة الفريضة أن يقرأها وحدها. و مفهوم صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون مستعجلًا يجزيه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال لا بأس(وسائل الشيعة 6: 41، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 6.) ، و غيرها من الروايات المستدلّ بها على وجوب السورة في الكتب المفصّلة. و لقد أُورد على الاستدلال بها أوّلًا: بأنّ بعضها ظاهر في النهي عن تبعيض السورة، و بعضها يحتمل للحمل على عدم تأكّد الاستحباب في حقّ المريض و المستعجل، و بعضها يناسب الاستحباب، و بعضها ظاهر في أصل تشريع السورة في كلّ ركعة من الصلاة قبال توظيف السورتين، من غير إشعار بوجوب السورة فيه كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) المتقدّم؛ و لذا قال جماعة من الأصحاب باستحباب قراءة السورة. و ثانياً: بأنّها على فرض تمامية دلالتها على الوجوب معارضة بصحيحي علي بن رئاب و الحلبي الآتيين الدالّين على جواز الاقتصار على الفاتحة و ترك السورة، و مقتضى الجمع العرفي بينها حمل تلك الأخبار على الاستحباب، و لكن الشهرة العظيمة قائمة على الوجوب، و هو الأحوط. و استدلّ للقول بالاستحباب بصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة(وسائل الشيعة 6: 39، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و الشيخ (رحمه اللَّه) في «التهذيب» بعد ذكر هذين الصحيحين حملهما على حال الضرورة بقرينة الأخبار الدالّة على أنّه لا يجوز الاقتصار على سورة الحمد مع الاختيار(تهذيب الأحكام 2: 71، ذيل الحديث 260.) و احتمل صاحب «الحدائق» فيهما التقية، قال: فاحتمال التقية فيهما ممّا لا ريب فيه و لا مرية تعتريه(الحدائق الناضرة 8: 116.) انتهى. المسألة الثالثة: بعد البناء على وجوب السورة بعد الحمد، هل الواجب السورة الكاملة أو يكفي بعضها؟ الظاهر من بعض الأخبار هو وجوب سورة كاملة، و هو المشهور المختار. و يدلّ عليه صحيح منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر(وسائل الشيعة 6: 43، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح علي بن يقطين في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن تبعيض السورة، فقال اكره و لا بأس به في النافلة(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 4.) ، و الكراهة هنا بمعنى الحرمة بقرينة نفي البأس في النافلة؛ ففي التبعيض في الفريضة بأس. و ما دلّ من الأخبار على جواز تقسيم السورة فمحمول على التقية أو على النافلة؛ ففي مرسلة أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته هل يقسّم السورة في ركعتين؟ قال نعم اقسمها كيف شئت(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 5.) و صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة، هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ فقال يقرأ الحمد ثمّ يقرأ ما بقي من السورة(وسائل الشيعة 6: 45، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 6.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل قرأ سورة في ركعة فغلط، أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحوّل منها إلى غيرها؟ فقال كلّ ذلك لا بأس به، و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع(وسائل الشيعة 6: 45، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 7.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن السورة أ يصلّي بها الرجل في ركعتين من الفريضة؟ قال نعم، إذا كانت ستّ آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الأُولى و النصف الآخر في الركعة الثانية(وسائل الشيعة 6: 46، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 5، الحديث 2.) و رواية سليمان بن أبي عبد اللَّه قال: صلّيت خلف أبي جعفر (عليه السّلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آي من البقرة فجاء أبي فسأل، فقال يا بنيّ إنّما صنع ذا ليفقّهكم و يعلّمكم(وسائل الشيعة 6: 46، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 5، الحديث 3.) و هذه الرواية تدلّ على الحمل على التقية. و يدلّ عليه أيضاً صحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: صلّى بنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبو جعفر (عليه السّلام)، فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة، فلمّا سلّم التفت إلينا فقال أما إنّي أردت أن أُعلّمكم(وسائل الشيعة 6: 46، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 5، الحديث 1.) و صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بعد نقل الأخبار الدالّة بظاهرها على جواز تبعيض السورة قال: و هذه الأخبار و إن دلّت بحسب ما يتراءى منها على ما ذكروه، إلّا أنّ باب الاحتمال فيها مفتوح؛ فإنّ إطلاق جملة منها قابل للحمل على النافلة، و ما هو صريح في الفريضة أو ظاهر فيها فحمله على التقية أقرب قريب. و بالجملة: فإنّ اتّفاق العامّة على استحباب السورة و جواز تبعيضها ممّا أوهن الاستناد إليها و أضعف الاعتماد عليها(الحدائق الناضرة 8: 118.) انتهى. المسألة الرابعة: يجوز ترك السورة في بعض الأحوال، بل قد يجب مع ضيق الوقت و الخوف و نحوهما من أفراد الضرورة، كالمرض و عدم إمكان التعلّم و عدم الاختيار. و يدلّ على جواز تركها عند الاستعجال لحاجة و الخوف عن شي ء صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و سقوطها في سائر موارد الضرورة إجماعي. و يدلّ على جواز تركها في خصوص المرض صحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدّم قال يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 5.) المسألة الخامسة: يجب الترتيب بين الحمد و السورة. و يدلّ على الترتيب بينهما موثّق سماعة المتقدّم فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح الفضل بن شاذان المتقدّم و إنّما بدأ بالحمد دون سائر السور(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، فلو بدأ بالسورة دون الحمد عمداً بطلت الصلاة على المشهور، و هو المختار، و به صرّح العلّامة و الشهيدان و المحقّق الثاني و غيرهم. و يظهر من المحقّق و صاحب «المدارك» عدم البطلان، قال في «الشرائع»: و لو قدّمها على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد(شرائع الإسلام 1: 72.) و صاحب «المدارك» بعد نقل عبارة «الشرائع» قال: إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد و الناسي، و هو كذلك(مدارك الأحكام 3: 351.) انتهى. قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: فلو قدّمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانياً(العروة الوثقى 1: 643.) انتهى. الظاهر: أنّه لو لم يقرأها ثانياً بطلت من جهة الزيادة العمدية، حيث إنّ السورة قبل فاتحة الكتاب ليست مأموراً بها في الصلاة؛ فيصدق عليها أنّها زيادة عمدية، و من جهة ترك السورة بعد الحمد عمداً؛ فترك الواجب عمداً مبطل. و العجب من صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) حيث قال في أوّل كلامه بوجوب الترتيب و أنّه لو أخلّ أعاد السورة بعدها أو غيرها، و لازم هذا أنّه تصحّ صلاته بقراءة السورة ثانياً بعد الحمد، و بعد نقل قول القائلين بالبطلان قال: و بالجملة فالظاهر أنّه المشهور. و قال النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة»: و التحقيق أنّه يجب بناء المسألة على مسألة القِران بين السورتين؛ فإن حرّمناه مطلقاً بطلت الصلاة و إلّا فلا(مستند الشيعة 5: 99.) و فيه: أنّ الظاهر من القِران بين السورتين اقترانهما؛ فلا يشمل ما يفصّل بينهما الحمد. و كيف كان: المشهور هو بطلان الصلاة لو قدّم السورة على الحمد، و هو العمدة في الدليل على البطلان، و في «الجواهر»: بل لم أعرف أحداً صرّح بالصحّة قبل الأردبيلي فيما حكي عن «مجمعه» و بعض أتباعه(جواهر الكلام 9: 338.) انتهى. المسألة السادسة: لو قدّم السورة على الحمد سهواً فلا تبطل الصلاة قطعاً، و حينئذٍ فإن تذكّر في الركوع أو بعده مضى فلا شي ء عليه؛ لكون الترتيب شرطاً ذكريا و لا محلّ للجبران بإعادة السورة، و إن ذكر قبل الركوع أعاد السورة أو غيرها؛ لبقاء محلّ الجبران.

ص: 393

ص: 394

ص: 395

ص: 396

ص: 397

ص: 398

ص: 399

ص: 400

ص: 401

[ (مسألة 2): يجب قراءة الحمد في النوافل كالفرائض]

(مسألة 2): يجب قراءة الحمد في النوافل كالفرائض؛ بمعنى كونها شرطاً في صحّتها. و أمّا السورة فلا تجب في شي ء منها و إن وجبت بالعارض بنذر و نحوه (1).


1- وجوب قراءة الحمد في النوافل مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل إجماعي. و يمكن استفادة وجوبها فيها من الأخبار النافية للصلاة الفاقدة لفاتحة الكتاب، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات قلت: أيّما أحبّ إليك إذا كان خائفاً أو مستعجلًا يقرء سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال (عليه السّلام) فاتحة الكتاب(وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. إلى أن قال فليقرءها ما دام لم يركع فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 2.) ، وجه الاستدلال: أنّ الصلاة مطلق شامل للنافلة أيضاً. و قد يستدلّ أيضاً بأنّ الفرائض و النوافل مشتركة في الأقوال و الهيئات إلّا فيما دلّ الدليل على التفاوت، و لم يوجد دليل على تفاوتهما في قراءة الحمد. و عن العلّامة (رحمه اللَّه) في «التحرير»: أنّه لا يتعيّن الحمد في النوافل وجوباً، بل ندباً. و كذا يستحبّ السورة بعدها فيها(تحرير الأحكام 1: 38/ السطر 30.) و في «التذكرة»: و هل تجب الفاتحة في النافلة؟ الأقوى عندي عدم الوجوب، خلافاً للشافعي(تذكرة الفقهاء 3: 130.) انتهى. و نسب القول بعدم الوجوب إلى ابن أبي عقيل أيضاً. و قد يستشهد لقول العلّامة برواية علي بن أبي حمزة البطائني قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزيه في النافلة؟ قال ثلاث تسبيحات في القراءة، و تسبيحة في الركوع، و تسبيحة في السجود(وسائل الشيعة 6: 42، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 3، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ الرواية ضعيفة بالبطائني، و القول بعدم وجوب الحمد في النافلة شاذّ لا يعبأ به. و أمّا السورة فلا تجب في شي ء من النوافل بلا خلاف نصّاً و فتوى، و ادّعى النراقي في «مستند الشيعة» الإجماع عليه. و يدلّ عليه ذيل صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و يجوز للصحيح في قضاء الصلاة التطوّع بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 5.) ، بناءً على أنّ المراد من القضاء هو الفعل و الإتيان، لا معناه الاصطلاحي كما في قوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ(النساء( 4): 103.) أو بناءً على عدم القول بالفصل بين الأداء و القضاء في النافلة بالنسبة إلى ترك السورة. و كما يجوز ترك السورة في النافلة كذا يجوز تبعيضها فيها. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن تبعيض السورة، فقال اكره، و لا بأس به في النافلة(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 4.) فرع: لو نذر قراءة السورة في النافلة وجبت، و مع ذلك لو تركها كان عاصياً بحنث النذر بترك السورة، و لكن تصحّ نافلته بدون السورة.

ص: 402

ص: 403

نعم النوافل التي وردت في كيفيّتها سور خاصّة يعتبر في تحقّقها تلك السور، إلّا أن يعلم أنّ إتيانها بتلك السور شرط لكمالها، لا لأصل مشروعيّتها و صحّتها (1).


1- النوافل التي وردت في كيفيتها سور خاصّة كنوافل ليالي شهر رمضان و أوّل الشهور و غيرها من الأوقات الخاصّة يعتبر في تحقّق تلك النوافل قراءة تلك السور؛ لأنّ مشروعية صلاة في وقت خاصّ و بكيفية خاصّة لا تتحقّق إلّا إذا وقعت بتلك الكيفية؛ فلو صلّى بغير تلك الكيفية كانت صلاته نافلة مطلقة لا المطلوبة في وقت خاصّ المقيّدة بكيفية خاصّة. إلّا أن يعلم أنّ إتيانها بسور خاصّة لتحصيل كمال تلك الصلاة لا أنّ السورة الخاصّة دخيلة في مشروعيتها. و لكن ذلك لم يعلم من الدليل، بل ظاهر أدلّة تلك النوافل مشروعيتها بكيفية خاصّة و كون صحّتها مشروطة بها.

ص: 404

[ (مسألة 3): الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة]

(مسألة 3): الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة على كراهية، بخلاف النافلة فلا كراهة فيها. و الأحوط تركها في الفريضة (1).


1- ينبغي أوّلًا نقل كلام صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) قال: لا يجوز أن يقرن بين السورتين في قراءة ركعة واحدة عند كثير من القدماء بل مشهورهم، و بعض المتأخّرين و متأخّريهم، بل عن الصدوق (رحمه اللَّه) أنّه من دين الإمامية، كما عن المرتضى في «الانتصار»: أنّه ممّا انفردت به عن مخالفيهم، بل عن بعضهم التصريح بالبطلان معه. و قيل و القائل أكثر المتأخّرين يجوز؛ للأصل أو الأُصول، و عموم قراءة القرآن، و إطلاق أوامر الصلاة و أنّها لا تعاد إلّا من أُمور مخصوصة(جواهر الكلام 9: 354.) انتهى موضع الحاجة. ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار النهي و البأس عن القرآن بين السورتين في الركعة، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة، فقال لا، لكلّ سورة ركعة(وسائل الشيعة 6: 50، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و موثّق ابن بكير عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أمّا النافلة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 50، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و رواية المفضّل بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و أ لم نشرح و أ لم تر كيف و لإيلاف قريش(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) و ورد في بعضها نفي البأس عن القرآن بين السورتين، كصحيح ابن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن القرآن بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال لا بأس(وسائل الشيعة 6: 52، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 9.) و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل ما دلّ على البأس و النهي على الكراهة، و حينئذٍ فلا يقال: إنّ الأخبار الناهية مشهورة بين القدماء؛ فتقدّم على الأخبار المجوّزة، فالأقوى هو الجواز مع الكراهة في الفريضة. و يدلّ على الكراهة في الفريضة ما رواه في «السرائر» نقلًا من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة في ركعة فإنّه أفضل(وسائل الشيعة 6: 52، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 11.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل قرأ سورتين في ركعة، قال إذا كانت نافلة فلا بأس، و أمّا الفريضة فلا يصلح(وسائل الشيعة 6: 53، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 13.) و أمّا القرآن بين السورتين في النافلة فيجوز بلا كراهة، و في «مستند الشيعة»: لا ريب في جواز القرآن في النوافل، و عليه اتّفقت كلمات الأفاضل، و استفاضت أخبار الأطائب(مستند الشيعة 5: 111.) و يدلّ عليه ذيل موثّق ابن بكير عن زرارة المتقدّم فأمّا النافلة فلا بأس. و رواية القروي (الهروي) عن أبان عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقرأ سورتين في ركعة؟ قال نعم ، قلت: أ ليس يقال: أعط كلّ سورة حقّها من الركوع و السجود؟ فقال ذاك في الفريضة، فأمّا النافلة فليس به بأس(وسائل الشيعة 6: 51، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 5.) و صحيح عبد اللَّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت(وسائل الشيعة 6: 51، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 7.)

ص: 405

ص: 406

[ (مسألة 4): لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال]

(مسألة 4): لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال، فإن فعله عامداً بطلت صلاته على إشكال، و إن كان سهواً عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، و إن ذكر بعد الفراغ منها و قد فات الوقت أتمّ صلاته (1).


1- عدم جواز قراءة ما يفوت الوقت بفواته من السور الطوال ممّا لا خلاف معتدّ به فيه، كما في «الجواهر» و غيره. و في «الحدائق» نسبه إلى الأصحاب قال: قد صرّح الأصحاب بأنّه لا يجوز أن يقرأ من السور ما يفوت بفواته الوقت(الحدائق الناضرة 8: 125.) انتهى. و علّله في «المنتهي» بأنّه يلزم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتّى يخرج الوقت عمداً، و ذلك غير جائز(منتهى المطلب 1: 277/ السطر 3.) و قد يستشهد عليه بحسنة عامر بن عبد اللَّه الأزدي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول من قرأ شيئاً من (آل حم) في صلاة الفجر فاته الوقت(وسائل الشيعة 6: 111، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 44، الحديث 1.) و حسنة عبد اللَّه بن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث لا تقرأ في الفجر شيئاً من (آل حم)(وسائل الشيعة 6: 111، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 44، الحديث 2.) وجه الاستشهاد: أنّ الظاهر كون النهي لفوات الوقت. و يحتمل في رواية عامر بن عبد اللَّه أن يكون الوقت الفائت وقت فضيلة صلاة الفجر لا وقت الإجزاء. و في حسنة الحضرمي أن يكون النهي عن قراءة (آل حم) مخصوصاً لصلاة الفجر و إن لم يوجب فوات الوقت؛ و حينئذٍ يكون الخبران مجملين. و العمدة في دليل المسألة عدم وجود الخلاف فيها. و أمّا بطلان الصلاة بقراءة السورة الطويلة فهو المشهور بين الأصحاب، و هو المختار. و في «الرياض»: و لا خلاف في هذا الحكم إلّا من بعض متأخّري المتأخّرين، بل يظهر من صاحب «الحدائق»: أنّه إجماعي، قال: قالوا: فإنّه إذا كان عامداً تبطل صلاته، و علّله في «الرياض» باستلزام ذلك تعمّد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعاً فتوًى و نصّاً كتاباً و سنّة؛ فيكون منهياً عنه و لو ضمناً(رياض المسائل 3: 395.) انتهى. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد الإشكال على «الرياض» بأنّه من مسألة الضدّ التي يقوى فيها عدم النهي عن الأضداد، قال: نعم يقوى البطلان في المقام لو فرض تشاغله بسورة طويلة في الفريضة حتّى خرج الوقت و لم يحصل له ركعة؛ لأنّها افتتحها أداءً و لم تحصل، و انقلابها قضاءً في الأثناء لا تساعد عليه أدلّة القضاء؛ ضرورة ظهورها في المفتتحة عليه أو التي كانت في الواقع كذلك، و إن لم يعلم المكلّف. إلى أن قال: أمّا لو كان قد أدرك ركعة و كان تشاغله بالسورة مفوّتاً لما عداها فقد يقوى الصحّة، و إن فعل محرّماً بتفويت الوقت الاختياري، كما أنّه يمكن الصحّة لو فرض تشاغله بها حتّى ضاق الوقت عن قراءة سورة فركع بدونها؛ لما سمعته من سقوطها في الضيق الذي لا يتفاوت الحال فيه بين ما يكون بسوء اختيار المكلّف و غيره(جواهر الكلام 9: 352.) انتهى. و إشكال المصنّف (رحمه اللَّه) في البطلان لعلّه لما ذكره أُستاذه الحائري (رحمه اللَّه) في كتاب «الصلاة» من أنّه لو أتى بها بقصد رجحانها الذاتي فيمكن القول بصحّة العمل؛ سواء أدرك ركعة أم لا؛ فإنّ الصلاة الواقع بعضها في الوقت و الباقي خارج الوقت راجحة. و يفهم رجحانها من دليلي الأداء و القضاء، فهذه الصلاة وقعت عبادة و إن قارنت عصيان المولى بتركه الصلاة في الوقت المضروب لها(الصلاة، المحقّق الحائري: 162.) انتهى. هذا كلّه فيما كان عامداً في قراءة السور الطوال. و أمّا إذا قرأها سهواً فإن ذكرها في أثنائها عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، و مع ضيق الوقت يترك بقيتها حتّى يدرك الوقت و لو بمقدار ركعة. و إن ذكر بعد الفراغ من السورة و قد فات الوقت أتمّ صلاته و لا شي ء عليه. فرع: لو ظنّ سعة الوقت و شرع في سورة طويلة ثمّ تبيّن في الأثناء ضيقه وجب العدول إلى غيرها من السور القصار ليدرك الوقت و لو ركعةً. و مع عدم الوسع له يترك بقية السورة كما في صورة السهو.

ص: 407

ص: 408

ص: 409

و كذا لا يجوز قراءة إحدى السور العزائم في الفريضة (1)،


1- عدم جواز قراءة إحدى السور العزائم في الفرائض مشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعاً، بل نقل عليه الإجماع عن جماعة، كالسيّد في «الانتصار» و الشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «النهاية». و لم يوجد في المسألة مخالف إلّا ابن الجنيد، فقال: لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد، و إن كان في فريضة أومأ، فإذا فرغ قرأها و سجد، و مال إليه صاحب «المدارك». و خلافهما لا يعتدّ به و لا يقدح في الإجماع. و يدلّ على المشهور مضافاً إلى الإجماع المستفيض رواية القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد. إلى أن قال و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوّع(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 2.) و ذيل خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها، أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع، و ذلك زيادة في الفريضة، و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة(وسائل الشيعة 6: 106، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 4.) ، حيث إنّ الظاهر من قوله لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة هو التحريم. و صدره و إن كان ظاهراً بقرينة السؤال في جواز قراءة العزائم في الفريضة، لكنّه يمكن حمله على صورة النسيان أو التقية كما في «الحدائق». و يمكن أن يوجّه بعدم الجواز في المكتوبة؛ لأنّه يوجب الزيادة في المكتوبة فهي مبطلة. و فيما جاز قراءته كالنافلة يوجب السجدة في أثناء الصلاة. كذا وجّهه المحقّق الهمداني، قال (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه»: سوق السؤال في هذه الرواية يقضي بكون جواز قراءة العزائم في الصلاة لدى السائل من الأُمور المسلّمة المفروغ عنها بحيث لم يكن يتوهّم المنع عن أصل القراءة في الفريضة، فسأل عن أنّه عند قراءتها سورة النجم التي يكون آية السجدة في آخرها، و ليس بعدها قراءة هل يترك سجدة العزيمة و يركع عن هذه القراءة، أم يسجد للعزيمة ثمّ يقوم فيقرأ غيرها و يركع؟ فأجاب الإمام (عليه السّلام) أوّلًا عمّا كان محطّ نظره في السؤال من بيان ما هو وظيفته عند قراءة العزيمة في الصلاة التي يجوز قراءتها فيها. ثمّ نبّه على أنّ خصوص المورد ليس ممّا يجوز فيه ذلك؛ لأنّ ذلك زيادة في الفريضة؛ فلا يعود يقرأ فيها بسجدة(مصباح الفقيه، الصلاة: 290/ السطر الأخير.) انتهى. و يظهر من بعض الأخبار جواز قراءتها: منها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع و يسجد(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 1.) و رواية أبي البختري وهب بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه قال إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 3.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال يسجد إذا ذكر، إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 104، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 39، الحديث 1.) و ذيل موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): و عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، فقال إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها، و إن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع التي فيها السجدة، فيرجع إلى غيرها.(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 3.) الحديث. و صحيح علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع، و ذلك زيادة في الفريضة، و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة(وسائل الشيعة 6: 106، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 4.) و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل الأخبار المجوّزة على جوازها في النافلة أو على التقية؛ إذ الجواز مذهب جمهور أهل الخلاف. و الشيخ الأنصاري (رحمه اللَّه) بعد اختياره عدم جواز قراءة سورة من العزائم، قال ما محصّله: أنّ الأخبار المخالفة محمولة على التقية؛ لإطباق العامّة على الجواز، كما عن جماعة. بل يجب حملها في أنفسها على النافلة أو على النسيان أو التقية؛ لاختصاص أخبار المنع بغير هذه؛ فالميل إلى الجواز و حمل أخبار المنع على الكراهة ضعيف(الصلاة، الشيخ الأنصاري: 131.) انتهى. ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في بطلان الصلاة بقراءة العزيمة؛ فقال جماعة ببطلانها، و هو المختار. و استدلّ له عمدةً بظاهر الأخبار الناهية عن قراءتها، و النهي مقتضٍ للفساد؛ إمّا في الصلاة و إمّا في الجزء؛ أعني السورة. و بعبارة اخرى: المتبادر من الأخبار الناهية عن قراءة العزائم في الصلاة كغيرها من النواهي المتعلّقة بكيفيات العبادة إرادة الحكم الوضعي أعني مانعية ما تعلّق به النهي أو شرطية عدمه لا محض الحكم التكليفي. و بأنّ قراءة العزيمة توجب السجود في أثناء الصلاة، و هو زيادة عمدية مبطلة للصلاة، كما صرّح بها في بعض النصوص المتقدّمة. و ادّعى في «التنقيح» الإجماع على بطلان الصلاة بالسجود عمداً. و استدلّ صاحب «الرياض» مضافاً إلى ما ذكر بأنّ مقتضى كون العبادة توقيفية لزوم الاقتصار فيها بحكم التأسّي الثابت بالأصل و النصّ على الثابت منها في الشريعة من غير زيادة و لا نقيصة. و ذهب جماعة إلى عدم بطلان الصلاة بقراءتها. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد الخدشة في أدلّة القائلين بالبطلان بما حاصله بتوضيح منّا بأنّ إبطال الصلاة بزيادة السجدة محلّ نظر. و دعوى إطلاق نصوص الزيادة من زاد في صلاته فعليه الإعادة(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) بحيث يشمل ذلك، ممنوعة أوّلًا لظهور تلك النصوص في إرادة زيادة الركعات أو الركوعات لا مطلقاً. و ثانياً لدلالة نصوص أُخر على أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة، و إنّما تعاد من ركعة، و ظاهرها عدم الفرق بين العمد و النسيان كما في موثّق منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، قال لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال لا و اللَّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة ، و قال لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و بأنّه يتمّ بناءً على عدم جواز القِران بين السورتين، و لا يتمّ بناءً على المختار من كراهة القرآن. و بأنّه لا دلالة في الخبر المعلّل أزيد من النهي عن القراءة الموجبة للسجود الذي هو زيادة في الصلاة، من غير تعرّض للإبطال و عدمه. بل مقتضى التدبّر في النصوص؛ خصوصاً خبر علي بن جعفر، و قوله (عليه السّلام) و ذلك زيادة في الفريضة حرمتها لا إبطالها. قال: فالمتّجه حينئذٍ في جميع النصوص الحرمة لا الإبطال(جواهر الكلام 9: 346 348.) انتهى كلامه. و لا يخفى: أنّه على فرض تسليم إيراد خدشته في أدلّة القائلين بالبطلان بما ذكره، نقول: إنّ دلالة النهي عن قراءة العزائم في الصلاة و دلالة النهي على فساد العبادة مسلّم، فتبطل الصلاة بها. ثمّ إنّ المحرّم هو قراءة مجموع السورة من العزائم بناءً على وجوب قراءة سورة كاملة، فتبطل الصلاة بمجرّد الشروع في السورة مع قصد إتمامها؛ لما ذكرنا من النهي المقتضي للفساد، و لأنّ العزم على قراءة المجموع بعنوان الجزئية و امتثال الأمر بقراءة سورة كاملة يحرم من حيث التشريع، و هذا دليل آخر على بطلان الصلاة.

ص: 410

ص: 411

ص: 412

ص: 413

ص: 414

فلو قرأها نسياناً إلى أن قرأ آية السجدة، أو استمعها و هو في الصلاة، فالأحوط أن يومئ إلى السجدة و هو في الصلاة، ثمّ يسجد بعد الفراغ؛ و إن كان الأقوى جوازَ الاكتفاء بالإيماء في الصلاة، و جوازَ الاكتفاء بالسورة (1).


1- لو قرأها نسياناً و ذكر قبل إتمامها يجب عليه العدول إلى غيرها؛ حتّى لو ذكرها بعد قراءة آية السجدة، بل لو ذكرها قبل إتمامها و قبل الركوع. و علّله في «الجواهر» بظهور النهي عن العزيمة في عدم كونها ممّا يتحقّق به الخطاب بالسورة؛ ضرورة كونه من المطلق و المقيّد، انتهى. و حكي عن الشهيد في «البيان» و المحقّق الثاني الجزم به. اللهمّ إلّا أن يقال بعدم الخلاف في صحّة صلاة من قرأ سورة العزيمة سهواً كما عن «الجواهر»، أو ظهور الاتّفاق على صحّتها كما في «المستمسك». بل لا يبعد الاكتفاء بها فيما لو قرأها و سجد للتلاوة سهواً؛ لعدم الزيادة العمدية. ثمّ إنّ استماع آية السجدة و إن كان يوجب وجوب السجدة عليه فوراً و لكنّه لا تبطل الصلاة بمجرّد الاستماع، بل تبطل بفعل السجدة الموجبة للزيادة. نعم يحرم الاستماع مطلقاً؛ لأنّه يوجب إبطال الصلاة لو سجد في الأثناء، و مع تركها في الأثناء و إتيانها بعد الصلاة يلزم تأخير الواجب الفوري.

ص: 415

[ (مسألة 5): البسملة جزء من كلّ سورة]

(مسألة 5): البسملة جزء من كلّ سورة فيجب قراءتها عدا سورة البراءة (1).


1- و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال نعم ، قلت: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من السبع المثاني؟ قال نعم، هي أفضلهنّ(وسائل الشيعة 6: 57، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إذا قمتُ للصلاة أقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال نعم ، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 58، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 11، الحديث 5.) ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار جواز ترك البسملة في السورة، كما في صحيح عبد اللَّه و محمّد ابني علي الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال نعم إن شاء سرّاً و إن شاء جهراً ، فقالا: أ فيقرؤها مع السورة الأُخرى؟ فقال لا(وسائل الشيعة 6: 61، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 2.) و بعضها يدلّ على الاكتفاء بالبسملة في فاتحة الركعة الأُولى، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أو يقرأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم؟ قال نعم إذا استفتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح، ثمّ يكفيه ما بعد ذلك(وسائل الشيعة 6: 61، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 3.) و صحيح مسمع بن عبد الملك البصري قال: صلّيت مع أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ثمّ قرأ السورة التي بعد الحمد، و لم يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم، ثمّ قام في الثانية فقرأ الحمد و لم يقرأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، ثمّ قرأ بسورة أُخرى(وسائل الشيعة 6: 62، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 4.) و بعضها يدلّ على جواز تركها بالمرّة حتّى في حمد الركعة الأُولى كصحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يكون إماماً فيستفتح بالحمد و لا يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم، فقال لا يضرّه و لا بأس به(وسائل الشيعة 6: 62، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 5.) قال في «وسائل الشيعة»: ذكر الشيخ و غيره أنّ هذه الأحاديث محمولة على التقية و القرائن في بعضها ظاهرة، أو على عدم الجهر بها في محلّ الإخفات، أو على عدم سماع الراوي لها لبعده، أو على النافلة لجواز تبعيض السورة فيها بل تركها، انتهى.

ص: 416

[ (مسألة 6): سورة الفيل و الإيلاف سورة واحدة]

(مسألة 6): سورة الفيل و الإيلاف سورة واحدة، و كذلك و الضحى و أَ لَم نشرَح، فلا تُجزي واحدة منها، بل لا بدّ من الجمع مرتّباً مع البسملة الواقعة في البين (1).


1- اختلف فقهاؤنا في كون سورة الفيل و لإيلاف سورة واحدة، و كذلك و الضحى و أ لم نشرح؛ فالمشهور بين القدماء وحدتهما فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها الأُخرى في كلّ ركعة، و نسبها في «البحار» و «الذكرى» و «جامع المقاصد» إلى الأكثر، و يظهر من جماعة أنّها متّفق عليها عند الأصحاب، و حكي عن السيّد في «الانتصار» أنّ وجوب الجمع بين أ لم تر و لإيلاف في ركعة واحدة إجماعي، و أنّه ممّا انفردت به الإمامية، و عن «الأمالي»: أنّ من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجوز التفرقة بينهما في ركعة. و المشهور بين المتأخّرين تعدّدها و عدم اتّحاد كلّ منها مع صاحبتها؛ قال صاحب «المدارك»: ما ذكره المصنّف من رواية الأصحاب: أنّ «الضحى» و «أ لم نشرح» سورة واحدة و كذا «الفيل» و «لإيلاف»، لم أقف عليه في شي ء من الأُصول و لا نقله ناقل في كتب الاستدلال، و الذي وقفتُ عليه في ذلك روايتان: روى إحداهما زيد الشحّام في الصحيح قال: صلّى بنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة، و الأُخرى رواها المفضل قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و أ لم نشرح، و سورة الفيل و لإيلاف ، و لا دلالة لهما على ما ذكروه من الاتّحاد، بل و لا على وجوب قراءتهما في الركعة: أمّا الأُولى فظاهر؛ لأنّها إنّما تضمّنت أنّه (عليه السّلام) قرأهما في الركعة، و التأسّي فيما لم يعلم وجهه مستحبّ لا واجب. و أمّا الثانية فلأنها مع ضعف سندها إنّما تضمّنت استثناء هذه السور من النهي عن الجمع بين السورتين في الركعة، و النهي هنا للكراهة على ما بيّناه فيما سبق؛ فيكون الجمع بين هذه السور مستثنى من الكراهة، و انتفاء الكراهة أعمّ من الوجوب. و الذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لإثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السور(مدارك الأحكام 3: 377.) انتهى موضع الحاجة من كلامه. و المختار عندنا هو المشهور بين القدماء، و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع المدّعى مستفيضاً صحيح زيد الشحّام قال: صلّى بنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الفجر فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة(وسائل الشيعة 6: 54، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 1.) و ما رواه الشيخ الطبرسي في «مجمع البيان» قال: روى أصحابنا أنّ الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، و كذا سورة أ لم تر كيف و لإيلاف قريش(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) و رواية المفضل بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول لا تجمع بين سورة في ركعة واحدة، إلّا الضحى و أ لم نشرح و أ لم تر كيف و لإيلاف قريش(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و رواية أبي العبّاس عن أحدهما (عليهما السّلام) قال أ لم تر كيف فعل ربّك و لإيلاف قريش سورة واحدة(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و ما رواه المحقّق في «الشرائع» قال: روى أصحابنا أنّ الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، و كذا الفيل و لإيلاف(شرائع الإسلام 1: 73.) و ما رواه الصدوق في «الهداية» مرسلًا عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال و موسّع عليك أيّ سورة في فرائضك، إلّا أربع، و هي: و الضحى و أ لم نشرح في ركعة لأنّهما جميعاً سورة واحدة، و لإيلاف و أ لم تر كيف في ركعة لأنّهما جميعاً سورة واحدة، و لا ينفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة(انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 315/ السطر 18، الهداية: 135.) ، و غيرها من الروايات. و ضعافها منجبرة بالشهرة المحقّقة بين القدماء. و في «الرياض»: و ضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى و الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة. و القائلون بتعدّدها و عدم اتّحاد كلّ منها مع صاحبتها استدلّوا بصحيح آخر لزيد الشحّام قال: صلّى أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فقرأ في الأُولى الضحى و في الثانية أ لم نشرح لك صدرك(وسائل الشيعة 6: 54، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 3.) و لزيد الشحّام صحيح ثالث قال: صلّى بنا أبو (عليه السّلام) فقرأ بنا بالضحى و أ لم نشرح(وسائل الشيعة 6: 54، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 2.) و هذا الصحيح محتمل لقراءته (عليه السّلام) بالضحى و أ لم نشرح في ركعة واحدة، و محتمل أيضاً لقراءته أُولاهما في الركعة الأُولى و الثانية في الثانية من باب التبعيض للتقية أو في النافلة. و استدلّوا أيضاً بخبر داود الرقّي ابن كثير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: فلمّا طلع الفجر قام فأذّن و أقام و أقامني عن يمينه، و قرأ في أوّل ركعة الحمد و الضحى و في الثانية بالحمد و قل هو اللَّه أحد، ثمّ قنت ثمّ سلّم ثمّ جلس(وسائل الشيعة 6: 56، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 10.) و الجواب عن استدلالهم بصحيح زيد الشحّام: أنّ الصحيح لا ينفي كون السورتين سورة واحدة كي يتحقّق المعارضة بينه و بين الأخبار الدالّة على كونهما سورة واحدة؛ لإمكان أن يكون اكتفاء الإمام (عليه السّلام) بقراءة الضحى في الركعة الأُولى و أ لم نشرح في الثانية من باب التبعيض في السورة للتقية. و في «الوسائل»: حمله الشيخ على النافلة، و لا يخفى أنّ الحمل على النافلة صحيح بناء على نسخة «التهذيب» و «الاستبصار» و بعض نسخ «الوسائل» طبع آل البيت حيث لم يذكر فيها كلمة بنا بعد قوله صلى و موهون بناء على بعض النسخ الآخر من الوسائل طبع مكتبة الإسلامية حيث إنّ المذكور فيه صلى بنا ، و وجه الوهن أنّ الصلاة كانت جماعة و لا تجوز الجماعة في النافلة.و أمّا خبر داود الرقّي فيحتمل أن يكون المراد من الضحى هي مع أ لم نشرح تسمية لهما باسم أُولاهما، كما يحتمل التبعيض للتقية. بقي الكلام في مقامين: الأوّل: وجوب الترتيب بين الضحى و أ لم نشرح؛ بأن يقرأ الضحى أوّلًا ثمّ يقرأ أ لم نشرح، فلو عكس لم يجز. و كذا بين أ لم تر كيف و لإيلاف قريش. و الثاني: في وجوب قراءة البسملة بين السورتين. أمّا المقام الأوّل: فالظاهر وجوب التقديم؛ لصحيحي زيد الشحّام المتقدّمين المتضمّنين لفعل المعصوم (عليه السّلام) و تقديم الضحى على أ لم نشرح. و أمّا المقام الثاني: فقال جماعة من فقهائنا بالوجوب، و هو المختار، لثبوتها في المصاحف المعروفة التي بأيدي المسلمين من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، و لأنّ الشكّ في جزئيتها يكفي في لزوم الإتيان بها تحصيلًا للجزم بقراءة السورة الواجبة في الصلاة، و إلى هذا القول ذهب الأكثر. و في «مجمع البرهان»: الظاهر إجماعهم على أنّ البسملة جزء من كلّ منهما(مجمع الفائدة و البرهان 2: 244.) و في «السرائر»: تجب البسملة بينهما لإثباتها في المصاحف، و لا خلاف في عدد آياتهما؛ فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما؛ فلم يكن قد قرأهما جميعاً(السرائر 1: 221.) انتهى. و المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» بعد أن قال: إنّه قد يقوى في النظر ما رجّحه في المتن من عدم الافتقار إلى البسملة بين السورتين وفاقاً لغير واحد من الأصحاب، قال: و لكن مع ذلك كلّه: الأحوط بل الأقوى الافتقار إليها، كما حكي عن جماعة، بل عن «المقتصر» نسبته إلى الأكثر؛ لثبوتها في المصاحف المعروفة بين المسلمين من صدر الإسلام، و عدم التنافي بينه و بين كون المجموع سورة واحدة، بل قد يغلب على الظنّ أنّ وقوع البسملة في أثنائها عند نزولها هو الذي أوقع الناس في شبهة التعدّد(مصباح الفقيه، الصلاة: 316/ السطر 6.) انتهى. و ذهب بعض فقهائنا إلى عدم وجوب البسملة بينهما؛ منهم الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار» و يحيى بن سعيد في «الجامع» و المحقّق في «الشرائع» و «النافع»، و عن «البحار»: أنّ الأكثر على ترك البسملة بينهما، و يظهر من «التهذيب» الاتّفاق على تركها حيث قال: و عندنا لا يفصّل بينهما بالبسملة في الفرائض، و الشيخ في «تفسير التبيان» بعد أن روى عن الأصحاب كون الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، قال: و لم يفصّلوا بينهما ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، كذا في «مجمع البيان». و في «المعتبر»: الوجه أنّهما إن كانتا سورتين فلا بدّ من إعادة البسملة، و إن كانت سورة واحدة كما ذكر علم الهدى و المفيد و ابن بابويه فلا إعادة؛ للاتّفاق على أنّها ليست آيتين من سورة. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد ذكر أدلّة القول بعدم وجوب البسملة بينهما، قال: و هو لا يخلو من قوّة. و لا يخفى: أنّ القول بعدم وجوبها لا دليل عليه غير الإجماع، و هو معارض بالإجماع المدّعى على الوجوب، و يبقى دليل القول بوجوبها بلا معارض. نعم المحكي عن مصحف ابيّ بن كعب عدم الفصل بين السورتين بالبسملة، و لكنّها فاصلة بينهما في سائر المصاحف المعروفة.

ص: 417

ص: 418

ص: 419

ص: 420

ص: 421

ص: 422

[ (مسألة 7): يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة]

(مسألة 7): يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة على الأقوى. و لو عيّن سورة ثمّ عدل إلى غيرها تجب إعادة البسملة للمعدول إليها. و إذا عيّن سورة عند البسملة، ثمّ نسيها و لم يدرِ ما عيّن أعاد البسملة مع تعيين سورة معينة. و لو كان بانياً من أوّل الصلاة على أن يقرأ سورة معيّنة، فنسي و قرأ غيرها، أو كانت عادته قراءة سورة فقرأ غيرها، كفى و لم يجب إعادة السورة (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: هل يجب تعيين السورة الخاصّة و قصدها عند الشروع في قراءة البسملة بحيث يجب عليه تعيين البسملة للسورة الخاصّة، أو يجوز أن يكون في حال قراءة البسملة مردّداً بين سورتين أو أزيد؛ فله أن يقرأ البسملة مطلقة من دون تعيين أنّها لسورة خاصّة، بل بعد قراءة البسملة يختار ما يشاء من السور؟ فيه خلاف بين فقهائنا، المشهور بين الأصحاب على ما ادّعاه جماعة من فقهائنا وجوب التعيين، و هو المختار عندنا. قال العلّامة في «التحرير»: و يجب أن يقرأها بنية أنّها من سورة معيّنة؛ فلو قرأها من غير نية، تعيّن عليه إعادتها عند قراءة السورة(تحرير الأحكام 1: 38/ السطر 18.) و استدلّ عليه على ما ذكره النراقي في «مستند الشيعة» بوجوه: منها: أنّ البراءة اليقينية تتوقّف عليه. و منها: أنّ الواجب هو قراءة سورة كاملة، و البسملة لا تصير جزء منها في نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها؛ لبطلان التخصيص بلا مخصّص.و منها: أنّ المتبادر ممّا دلّ على قراءة السورة أن يقرأ جميع كلماتها المشتركة بقصد كونها منها. و منها: أنّ حصول الامتثال يتوقّف على قصد التعيين كتوقّفه على قصد القربة. و منها: أنّ المأمور به قراءة سورة معيّنة، و لا تتعيّن إلّا بتعيّن جميع أجزائها لها، و لا يتعيّن جميع أجزائها المشتركة في الواقع و نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها. ثمّ أجاب (رحمه اللَّه) عن الاستدلال بالوجوه المذكورة بما لا يخلو عن الإشكال في بعضها(مستند الشيعة 5: 122.) و العمدة في الاستدلال على قول المشهور هو أنّ القرآن مشتمل على مائة و أربعة عشر سورة، و لكلّ سورة بسملة معيّنة مشخّصة ما عدا سورة البراءة. و البسملة في كلّ سورة جزء مستقلّ منها؛ فكلّ سورة مع بسملتها الخاصّة بها موجود مغاير لما عداه من السور في عالم الكتابة و التلفّظ و الذهن. فقراءة بسملة كلّ سورة هو التلفّظ بها بقصد حكاية خصوص البسملة النازلة معها؛ فالواجب قراءة بسملة خاصّة لسورة مخصوصة. فلو قرأ البسملة التي قصد بها حكاية بسملة سورة التوحيد مثلًا لا يصدق عليها قراءة جزء سورة الجحد أو غيره من السور؛ فلو بدا له بعد قراءة بسملة التوحيد أن يقرأ سورة الجحد لا يجديه ضمّ سورة الجحد في صيرورة البسملة التي قرأها بقصد جزئيتها لسورة التوحيد جزءً لسورة الجحد. و بعبارة اخرى: أنّ كلّ سورة من سور القرآن مركّب من آيات مخصوصة، و من جملة آياته البسملة الشخصية الواقعة في رأس كلّ سورة على حدة، و لا يصدق على البسملة جزء السورة المخصوصة إلّا أن يقصد حين قراءتها كونها جزءً منها. فلقصد الفاعل و لحاظه دخالة في جزئية البسملة الشخصية من سورة مخصوصة. و يتفرّع على هذا: أنّه لو قلنا بأنّ قراءة العزيمة مطلقاً حتّى بسملتها مبطلة للفريضة و قرأ البسملة بقصد العزيمة تبطل صلاته و إن بدا له بعد قراءة البسملة أن يجعلها جزءً من سورة أُخرى. و بالجملة: الواجب قراءة السورة المخصوصة بجميع آياتها حتّى بسملتها بقصد كونها جزء من تلك السورة؛ فلا يكفي قراءة البسملة المطلقة أو البسملة بقصد كونها من سورة خاصّة ثمّ ضمّ سورة أُخرى إليها؛ و ذلك لأنّ قراءة السورة الخاصّة عبارة عن التكلّم بألفاظها بقصد حكاية ذلك الكلام الشخصي، فإن أراد قراءة سورة التوحيد مثلًا فلا بدّ أن يأتي بما يحكي عن تمام تلك القطعة الشخصية من القرآن التي أوّلها البسملة الخاصّة بها، فإذا قرأ البسملة من دون تعيين بسملة سورة التوحيد فما قرأ ما يحكي عن البسملة التي هي جزء للتوحيد. و إذا قرأ بعد ذلك باقي السورة بقصد حكاية الألفاظ الشخصية المنزّلة يصدق أنّه قرأ سورة التوحيد بلا بسملتها؛ لأنّ ما قرأه لم يكن جزء التوحيد، و جزء التوحيد لم يقرأ؛ فيؤول الأمر إلى قراءة سورة ناقصة؛ فتبطل صلاته. و القول الآخر في المسألة: جواز قراءة البسملة قبل تعيين السورة، ذهب إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين؛ منهم النراقي في «مستند الشيعة» و صاحب «الجواهر» و السيّد في «العروة الوثقى». و استدلّ عليه بالأصل و صدق الامتثال. و فيه: أنّه بعد ثبوت أنّ لكلّ سورة بسملة شخصية و أنّه يجب قراءة سورة كاملة و أنّه لا تتحقّق قراءتها إلّا بقصد بسملتها الشخصية، لا بدّ من قصد السورة المعيّنة قبل قراءة بسملتها الشخصية؛ و حينئذٍ فلا يبقى مجال لجريان البراءة. و منه يظهر ضعف الاستدلال بصدق الامتثال، بل مقتضى الأصل عدم حصول الامتثال إلّا بقصد سورة خاصّة قبل الشروع في بسملتها. الثانية: لو عيّن سورة و قرأ بسملتها ثمّ عدل إلى غير تلك السورة تجب إعادة البسملة للمعدول إليها؛ و ذلك لأنّ البسملة المقروّة قد كانت جزءً للسورة المعدول عنها، و إذا عدلت إلى غير تلك السورة لا يجوز له الاكتفاء بالبسملة المقروّة؛ لأنّها بعد كونها جزءً للسورة المعدول عنها كيف تكون جزءً للمعدول إليها؟! فلا بدّ بعد العدول إلى سورة أُخرى من قراءة بسملتها الخاصّة الشخصية، و إلّا لزم قراءة سورة غير كاملة لفقد جزئها. الثالثة: إذا عيّن سورة حين قراءة البسملة ثمّ نسي ما عيّنه من السورة أعاد البسملة لأيّ سورة أراد قراءتها. و لا يكفي بالبسملة المقروّة و إن احتمل أن تكون السورة التي أراد قراءتها عين السورة المنسية؛ و ذلك لاحتمال أن تكون السورة التي أراد قراءتها غير ما نسيه من السورة التي عيّنها و قرأ بسملتها؛ فتكون البسملة المقروّة للسورة المنسية واقعاً و تكون السورة التي أراد قراءتها بلا بسملة؛ فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادة البسملة. الرابعة: لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو في أثناء الركعة على أن يقرأ سورة معيّنة فنسي و قرأ غيرها كفى؛ لأنّ الواجب هو قراءة السورة مع بسملتها الشخصية الخاصّة بالسورة التي أراد قراءتها، و المفروض تحقّقها و كونها مقصودة لها حال الإتيان ببسملتها. و البناء من أوّل الصلاة على قراءة سورة معيّنة مع الغفلة عنه و النسيان لا يوجب خللًا و لا نقصاً في المأمور به، بل يكون كأن لم يكن شيئاً مذكوراً. و كذا لو كان عادته قراءة سورة معيّنة فغفل عن العادة و قرأ سورة غيرها مع القصد إليها قبل الإتيان ببسملتها كفى؛ لإتيان ما هو المأمور به من قراءة سورة كاملة معيّنة قبل الشروع في بسملتها.

ص: 423

ص: 424

ص: 425

ص: 426

[ (مسألة 8): يجوز العدول اختياراً من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف]

(مسألة 8): يجوز العدول اختياراً من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف، عدا التوحيد و الجحد، فإنّه لا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، و لا من إحداهما إلى الأُخرى بمجرّد الشروع. نعم يجوز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة، و في الجمعة على الأقوى إذا شرع فيهما نسياناً ما لم يبلغ النصف (1).


1- جواز العدول اختياراً من سورة إلى أُخرى عدا التوحيد و الجحد مشهور بين فقهائنا كما في «الحدائق». و في «الجواهر»: أنّه ممّا لا خلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(جواهر الكلام 10: 57.) و في «مستند الشيعة» حاكياً عن شرحي «القواعد» و «الإرشاد»: أنّه إجماعي. و يدلّ عليه صحيح عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون، فقال يرجع من كلّ سورة، إلّا من قل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 6: 99، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 35، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل قرأ في الغداة سورة قل هو اللَّه أحد، قال لا بأس، و من افتتح سورة ثمّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس، إلّا قل هو اللَّه أحد و لا يرجع منها إلى غيرها، و كذلك قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 6: 99، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 35، الحديث 2.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها، هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم ما لم تكن قل هو اللَّه أحد أو قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 6: 100، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 35، الحديث 3.) و موثّق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، قال له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 2.) و رواية محمّد بن مكّي الشهيد في «الذكرى» نقلًا من كتاب البزنطي عن أبي العبّاس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أُخرى، قال يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. ثمّ إنّه يقع البحث في محلّ العدول و تحديده و أنّه قبل البلوغ إلى النصف بحيث لا يجوز إذا بلغ النصف و قرأه، أو أنّه إلى النصف بحيث تدخل الغاية في المغيّا و لا يجوز بعد التجاوز عن النصف. و عن كاشف الغطاء في «كشفه» جواز العدول بعد تجاوز النصف إلى الثلثين، و قد نسب القول بجوازه ما لم يبلغ النصف إلى ابني إدريس و الجنيد و الصدوق في «الفقيه» و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» و «الروض» و صاحب «جامع المقاصد»، و نسب القول بجوازه ما لم يتجاوز النصف إلى الشيخين و الفاضلين في «المعتبر» و «المنتهي» و غيرهم من الأصحاب، و حكي عن «ذخيرة» السبزواري و «بحار» المجلسي أنّ القول بجوازه ما لم يتجاوز النصف هو المشهور. و في «الجواهر»: الإجماع بقسميه على جوازه قبل بلوغ النصف، كما أنّ الظاهر تحقّق الإجماع أيضاً على عدم جوازه بعد تجاوز النصف(جواهر الكلام 10: 60.) انتهى. الذي يستفاد من الأخبار: أنّ جملة منها مطلقة دالّة على جواز العدول من سورة إلى أُخرى من غير تصريح فيها على محلّ العدول. و بعضها يدلّ على أنّ محلّه النصف، كما في صحيح علي بن جعفر المتقدّم: هل يصلح أن يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم. و رواية الشهيد في «الذكرى» المتقدّمة قال يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف. و صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي و أبي الصباح الكناني و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثمّ ينسي فيأخذ في أُخرى حتّى يفرغ منها، ثمّ يذكر قبل أن يركع، قال يركع و لا يضرّه(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 4.) و بعضها يدلّ على اعتبار ما لم يبلغ النصف، كما في «الفقه الرضوي» قال: و قال العالم لا تجمع بين السورتين في الفريضة(مستدرك الوسائل 4: 163، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 6، الحديث 5.) ، و سئل عن رجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثمّ ينسي فيأخذ في الأُخرى حتّى يفرغ منها، ثمّ يذكر قبل أن يركع، قال لا بأس به(مستدرك الوسائل 4: 201، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) و في «الفقه الرضوي» أيضاً و تقرأ في صلواتك كلّها يوم الجمعة و ليلة الجمعة سورة الجمعة و المنافقين و سبّح اسم ربّك الأعلى، و إن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، و إن لم تذكرها إلّا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك(الفقه المنسوب للإمام الرضا( عليه السّلام): 130، مستدرك الوسائل 4: 223، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 53، الحديث 1.) و ما رواه في «دعائم الإسلام» قال: روينا عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثمّ رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأُخرى، إلّا أن يكون بدأ بقل هو اللَّه أحد فإنّه لا يقطعها، و كذلك سورة الجمعة و سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما، و إن بدأ بقل هو اللَّه أحد فقطعها و رجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة(دعائم الإسلام 1: 161، مستدرك الوسائل 4: 200، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.) و بعضها يدلّ على أنّ محلّ العدول أن يقرأ ثلثي السورة، كما في موثّق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، قال له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 2.) و نقول في علاج الأخبار المذكورة: أنّ الأخبار الدالّة على كون محلّ العدول هو نصف السورة أكثرها معتبرة؛ فيخصّص بها الأخبار المطلقة. و لا يعارضها موثّقة عبيد بن زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ الاعتبار في محلّ العدول على ثلثي السورة؛ لكونها معرضاً عنها عند الأصحاب. و أمّا خبر «الفقه الرضوي» و «دعائم الإسلام» الدالّ على اعتبار ما لم يبلغ النصف، ففيه: أنّه لم يثبت اعتبار كتاب «الفقه الرضوي»، و خبر «الدعائم» مرسل؛ فلا دليل معتبر على اعتبار ما لم يبلغ النصف. اللهمّ إلّا أن يقال بكونه مشهوراً، و إثباته على مدّعيه، كما ادّعاه صاحب «الجواهر» قال: أمّا النصف ففي «الذكرى» عن الأكثر اعتبار عدم بلوغه في جواز العدول. و قد يشهد التتبّع بخلافه و أنّ الأكثر على اعتبار عدم مجاوزة النصف في جواز العدول، و مقتضاه الجواز معه. و الإنصاف أنّهما معتبران مشهوران(جواهر الكلام 10: 60.) انتهى. و الأقوى عندنا هو القول بكون محلّ العدول هو النصف، و الدليل عليه مضافاً إلى الاستصحاب هو الأخبار المعتبرة المتقدّمة المقيّدة بقراءة نصف السورة. ثمّ إنّ الظاهر إرادة النصف بالنسبة إلى حروف السورة دون الآيات و الكلمات؛ لأنّ الآيات مختلفة بالطول و القصر. و كذا الكلمات؛ فبعضها لا تركيب فيها بل يكون على حرف واحد، و بعضها يكون مركّباً من حرفين، و بعضها مركّب من أزيد من حرفين ثلاثة أو أربعة أو أكثر إلى تسعة؛ فربّ آية تكون كلمة واحدة ك مُدْهامَّتانِ و أُخرى تكون مركّبة من أزيد من مائة و خمسين كلمة، كآية اثنين و ثمانين بعد مائتين من سورة البقرة. و في «الجواهر»: نعم لا يبعد اعتبار التخمين في ذلك؛ لتعذّر العلم و اليقين في هذا الحال، أو تعسّرها مع ظهور التحديد به في النصوص في تفسيره (تيسيره خ. ل) بل لا يبعد أيضاً عدم تحقّق التجاوز بمثل الحرف و الحرفين و نحوهما. و لعلّ تعبير بعض الأصحاب بالنصف و آخر بتجاوزه مبني على التسامح لا أنّه خلاف في المسألة(نفس المصدر: 63.) انتهى. هذا كلّه في غير التوحيد و الجحد من السور. و أمّا هما فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، و لا من إحداهما إلى الأُخرى؛ فيحرم العدول عنهما إلى غيرهما، بل يجب المضيّ فيهما بمجرّد الشروع و لو بالبسملة و هو المشهور بين فقهائنا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و لا يعتدّ بخلاف المحقّق في «المعتبر» و من تبعه من بعض متأخّري المتأخّرين القائلين بالكراهة. و قول المشهور هو المختار. و يدلّ عليه إطلاق صحاح عمرو بن أبي نصر و الحلبي و علي بن جعفر المتقدّمة، نعم يجوز العدول منهما إلى سورة الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة و في صلاة الجمعة. و يدلّ على جواز العدول منهما إليهما صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللَّه أحد، قال يرجع إلى سورة الجمعة(وسائل الشيعة 6: 152، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع، إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أُخرى، قال فليرجع إلى السورة الأُولى، إلّا أن يقرأ بقل هو اللَّه أحد ، قلت: رجل صلّى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو اللَّه أحد، قال يعود إلى سورة الجمعة(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 3.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و إن أخذت في غيرها و إن كان قل هو اللَّه أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليها(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 4.) و مورد هذه الأخبار و إن كان خصوص سورة التوحيد إلّا أنّ التعدّي منه إلى الجحد إمّا لعدم القول بالفصل بين التوحيد و الجحد في جواز العدول منهما إلى سورة الجمعة و المنافقين، و إمّا للأولوية المستفادة من صحيح علي بن جعفر المتقدّم، حيث إنّ الظاهر من ذكر «إن» الوصلية في قوله و إن كان قل هو اللَّه أحد هو أنّ لسورة قل هو اللَّه أحد خصوصية تقتضي إتمامها دون سائر السور، فإذا جاز العدول عنها إلى سورة الجمعة و المنافقين جاز عن غيرها بطريق أولى، و إن كان سورة الجحد. خلافاً لصاحب «الحدائق» قال: إنّ الأظهر عدم جواز العدول عن سورة الجحد مطلقاً؛ لا إلى هاتين السورتين و لا إلى غيرهما. و يؤيّده: أنّه الأوفق بالاحتياط(الحدائق الناضرة 8: 218.) انتهى. ثمّ إنّ هنا أُموراً: الأوّل: أنّه هل يعتبر في جواز العدول من التوحيد و الجحد إلى الجمعة و المنافقين أيضاً التحديد بعدم تجاوز النصف كما نسب إلى المشهور، أم لا يعتبر فيهما ذلك بل يجوز العدول عنهما إليهما مطلقاً كما صرّح به جماعة من فقهائنا؟ مقتضى فحوى إطلاق فتوى الفقهاء و إجماعاتهم المحكية على عدم جواز العدول عمّا عداهما بعد تجاوز النصف إلى سورة أُخرى الشامل للعدول إلى الجمعة و المنافقين هو الأوّل، و مقتضى إطلاقات أدلّة جواز العدول عنهما إلى الجمعة و المنافقين هو الثاني، و الثاني هو الأوجه؛ لسلامة هذه الإطلاقات عن التقييد، و لا يصلح تقييدها بالفحوى المذكورة؛ لكونها غير قطعية. الثاني: أنّ المنساق إلى الذهن من إطلاق النصوص و الفتاوى هو العدول من سورة التوحيد و الجحد إلى سورة الجمعة في الركعة الأُولى و إلى المنافقين في الركعة الثانية على حسب المعهودية في الشريعة المقدّسة في صلاة الجمعة و صلاة الظهر في يوم الجمعة. الثالث: هل يختصّ جواز العدول من التوحيد و الجحد إلى سورة الجمعة و المنافقين بخصوص صلاة الجمعة، أم يعمّ الظهر في يوم الجمعة، أم مع العصر أيضاً، أم مطلق الصلاة في يوم الجمعة حتّى الصبح؟ ذهب إلى كلّ عدا الأخير فريقٌ: ذهب إلى الأوّل جماعة؛ منهم صاحب «الحدائق» و قال: مورد الأخبار المتعلّقة بهذا المقام هو صلاة الجمعة، و ليس فيها ما ربّما يوهم خلاف ذلك إلّا قوله في الرواية السادسة إلّا أن تكون في يوم الجمعة ، و يجب حمله على صلاة الجمعة كما صرّحت به بقيّة أخبار المسألة حمل المطلق على المقيّد. إلى أن قال: فيجب الاقتصار في التخصيص على مورد النصوص و المتيقّن بالخصوص؛ و هو صلاة الجمعة خاصّة(الحدائق الناضرة 8: 221.) انتهى. و فيه: أنّ حمل المطلق على المقيّد واجب مع التعارض، و لا تنافي بينهما في المقام. و القول بعمومه لصلاة الجمعة و صلاة الظهر في يوم الجمعة هو المشهور بين فقهائنا، و هو المختار. و عن «البحار»: الظاهر اشتراك الحكم عندهم بين الظهر و الجمعة بلا خلاف في عدم الفرق بينهما، و الأخبار إنّما وردت بلفظ «الجمعة» و الظاهر أنّها تطلق على ظهر يوم الجمعة مجازاً أو هي مشتركة بين الجمعة و الظهر اشتراكاً معنوياً(بحار الأنوار 82: 18.) انتهى. و فيه: أنّ كون اللفظ موضوعاً للجامع يحتاج إثباته إلى الدليل. و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) قال: لا يبعد دعوى انصرافها إلى الجمعة، و لكن لا إلى خصوصها بل أعمّ منها و من الظهر، في مقابل صلاة الصبح و العصر. بل لا يبعد أن يدّعى أنّ الظهر هي القدر المتيقّن من موردها؛ إذ الظاهر أنّه لم يكن الحلبي و لا غيره من أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام)، بل و لا الأئمّة (عليهم السّلام) كانوا يؤمّون الناس في صلاة الجمعة كي يحسن أن يوجّه إليه الخطاب بقوله إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد. الحديث، بل الظاهر أنّ هذا هو المراد بالجمعة الواردة في سائر أخبار الباب؛ لما أشرنا إليه من عدم ابتلاء أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) بإمامة الجمعة التي وظيفته قراءة السورتين. إلى أن قال: مع أنّ الشائع في الأخبار و كلمات أصحابهم إنّما هو إطلاق الجمعة على صلاة الظهر من يومها أعمّ من كونها جمعةً أو ظهراً على وجه يشكل دعوى انصرافها إلى خصوص الأوّل إلّا بالقرائن. بل قد يظهر منها: أنّه لا مغايرة بينهما ذاتاً و إنّما هي باختلاف أحوال المصلّي، فإن صلّاها جماعة مع اجتماع شرائطها من الحضور و الجماعة و سبق الخطبتين و غير ذلك ممّا ذكر في محلّه يصلّيها ركعتين، و إلّا فأربعاً(مصباح الفقيه، الصلاة: 324/ السطر 16.) انتهى. و قد نسب الاختصاص بالظهر إلى الصدوق و ابن إدريس و المحقّق و العلّامة، قال في «المنتهي»: مسألة يجوز للمصلّي أن يعدل من سورة إلى أُخرى ما لم يتجاوز نصفها، إلّا سورة الكافرون و الإخلاص فإنّه لا ينتقل عنهما إلّا في صلاة الظهر يوم الجمعة(منتهى المطلب 1: 280/ السطر 20.) انتهى. كذا في «التحرير»(تحرير الأحكام 1: 39/ السطر 21.) و لا يخفى: أنّ ما ذكره المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) من تعليل كون الظهر هو القدر المتيقّن بعدم ابتلاء الأئمّة (عليهم السّلام) و أصحابهم بإمامة الجمعة لا يخلو من إشكال، وجه الإشكال: أنّه ليس المراد من المخاطب في قوله (عليه السّلام) إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد هو خصوص الحلبي، بل المراد منه كلّ من يصلح لإمامة الجمعة و إن كان لا يتمكّن من إقامته في أزمنة حكومة الجائرين و سلطتهم، و من المعلوم أنّ أمثال هذه العبارة صادرة من المعصومين (عليهم السّلام) في مقام بيان الحكم الكلّي من غير ملاحظة مخاطب خاصّ أو زمان خاصّ. و القول بعمومه لصلاة العصر يوم الجمعة أيضاً ذهب إليه العلّامة في «التذكرة» و الشهيد الثاني في «الروض» و صاحب «جامع المقاصد»، قال في «التذكرة»: مسألة يجوز العدول من سورة إلى أُخرى ما لم يتجاوز نصفها، إلّا في سورة الجحد و الإخلاص فإنّه لا ينتقل عنهما إلّا إلى سورة الجمعة و المنافقين في الجمعة و ظهريها(تذكرة الفقهاء 3: 150.) انتهى. و لعلّ الوجه في التعميم للعصر أيضاً تحكيم إطلاق يوم الجمعة في صحيح الحلبي المتقدّم على عموم الروايات الدالّة على تحريم العدول عن الجحد و التوحيد إلى غيرهما؛ حتّى إلى سورة الجمعة و المنافقين في كلّ صلاة؛ حتّى صلاة العصر في يوم الجمعة؛ فيشمل إطلاق صحيح الحلبي صلاة العصر في يوم الجمعة، خرج منه صلاة الصبح؛ لكونه مخالفاً للشهرة المحقّقة. و يرد عليه: أنّه يمكن دعوى انصراف الإطلاق المذكور عن العصر كالصبح؛ لما نقلناه عن «مصباح الفقيه». الرابع: هل يجوز العدول من سورة الجمعة و المنافقين إلى غيرهما اختياراً في صلاة الجمعة و الظهر في يوم الجمعة أو لا؟ فيه وجهان؛ أوجههما الأوّل؛ لإطلاق النصوص الدالّة على جواز العدول من سورة إلى أُخرى، و قد تقدّم ذكرها. و وجه الثاني: أنّه إذا كان العدول من سورة التوحيد و الجحد إلى غيرها غير جائز إلّا إلى سورة الجمعة و المنافقين في خصوص صلاة الجمعة و الظهر في يوم الجمعة، فعدم الجواز من سورة الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في الصلاتين بطريق أولى، هذا. مضافاً إلى خبر «دعائم الإسلام» المتقدّم الصريح في عدم جواز العدول منهما إلى غيرهما، و كذلك سورة الجمعة و سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما. و فيه أنّ الأولوية غير ثابتة، و خبر «الدعائم» غير قابل الاعتماد؛ لكونه مرسلًا غير منجبر. الخامس: المحكي عن المحقّق و الشهيد الثانيين اختصاص جواز العدول من التوحيد و الجحد إلى سورة الجمعة و المنافقين للناسي؛ أي من كان مريداً لقراءة سورة الجمعة و المنافقين في صلاة الجمعة أو ظهر يوم الجمعة فنسيهما و قرأ سورة التوحيد و الجحد، أو كان غير ملتفت إلى سورة الجمعة و المنافقين أصلًا، فقرأ التوحيد و الجحد غفلةً و توجّه في الأثناء فعدل منهما إليهما. و الوجه في الاختصاص هو الاقتصار على مورد النصّ في مخالفة عموم الأخبار الناهية عن العدول من سورة التوحيد و الجحد، و مورد النصّ هو الناسي كما في صحيحي ابن مسلم و الحلبي و موثّق عبيد بن زرارة المتقدّمات(وسائل الشيعة 6: 152، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 1 3.) حيث إنّ قوله: «يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللَّه أحد» قيدٌ في الكلام ظاهرٌ في حال النسيان.و فيه أوّلًا: أنّ إرادة قراءة سورة الجمعة أوّلًا ثمّ قراءة قل هو اللَّه أحد لا يختصّ بحال النسيان، بل يعمّ صورة الالتفات و العمد أيضاً، بحيث كان باقياً على إرادته و حين الشروع في القراءة انصرف عمّا أراد أوّلًا و قرأ غيره. و ثانياً: أنّه على فرض تسليم اختصاصها صورة النسيان نقول: إنّ القيد في تلك الروايات وارد مورد الغالب و العادة، و لا مدخلية له في سببية الحكم و انحصاره فيه. مع أنّ رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) المتقدّمة(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 4.) مطلقة تعمّ حالتي النسيان و العمد.

ص: 427

ص: 428

ص: 429

ص: 430

ص: 431

ص: 432

ص: 433

ص: 434

ص: 435

ص: 436

ص: 437

[ (مسألة 9): يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر]

(مسألة 9): يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر، و يجب على الرجال الجهر بها في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء، فمن عكس عامداً بطلت صلاته. و يُعذر الناسي، بل مطلق غير العامد و الجاهل بالحكم من أصله غير المتنبّه للسؤال، بل لا يعيدون ما وقع منهم من القراءة بعد ارتفاع العذر في الأثناء. أمّا العالم به في الجملة الذي جهل محلّه أو نساه، و الجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال عنه، فالأحوط لهما الاستئناف؛ و إن كان الأقوى الصحّة مع حصول نية القربة منهما (1).


1- وجوب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر و وجوب الجهر بها على الرجال في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و لم يوجد فيه خلاف إلّا من ابن الجنيد و السيّد المرتضى في «المصباح» فقالا بعدم الوجوب، بل باستحباب الجهر و الإخفات في مواردهما. و مال إليه صاحب «المدارك»، و نفى عنه البعد السبزواري في «الكفاية»، و قوّاه المجلسي في «البحار». و لا يقدح خلافهم في الشهرة العظيمة، بل في تحصيل الإجماع؛ لمعلومية نسبهم. و قد استدلّ على وجوب الجهر في مواضعه و وجوب الإخفات في مواضعه بما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه» و «العلل» بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث أنّه ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض إنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة، فإن أراد أن يصلّي صلّى؛ لأنّه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع. و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة، فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع(وسائل الشيعة 6: 82، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) و ما رواه أيضاً في «الفقيه» و «العلل» بإسناده عن محمّد بن عمران (حمران) أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة و صلاة الغداة، و سائر الصلوات (مثل) الظهر و العصر لا يجهر فيهما؟ إلى أن قال: فقال لأنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا أسرى به إلى السماء كان أوّل صلاة فرض اللَّه عليه الظهر يوم الجمعة، فأضاف اللَّه عزّ و جلّ إليه الملائكة تصلّي خلفه و أمر نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أن يجهر بالقراءة ليتبيّن لهم فضله، ثمّ فرض عليه العصر و لم يضف إليه أحداً من الملائكة، و أمره أن يخفي القراءة؛ لأنّه لم يكن وراءه أحد، ثمّ فرض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة فأمره بالإجهار، و كذلك العشاء الآخرة، فلمّا كان قرب الفجر نزل ففرض اللَّه عليه الفجر فأمره بالإجهار ليبيّن للناس فضله كما بيّن للملائكة، فلهذه العلّة يجهر فيها(وسائل الشيعة 6: 83، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 2.)وجه الاستدلال: أنّه قد عبّر في الرواية الأُولى بلفظ وجب فوجب أن يجهر فيها ، و بلفظ لا يجهر بالنسبة إلى الظهرين. و عبّر في الرواية الثانية بمادّة الأمر و أمر نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أن يجهر بالقراءة ، و كذا قوله و أمره أن يخفي القراءة. و فيه: أنّه مع قطع النظر عن سند الروايتين يحتمل أن يكون قوله: «وجب» بمعنى ثبت، كما في قوله البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، و إذا افترقا وجب البيع(راجع وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3 و 4.) ؛ أي ثبت البيع. و على فرض كون «وجب» بمعناه الاصطلاحي كمادّة «الأمر» الموضوعة للوجوب نقول: إنّ سوق الكلام يأبى عن التشريع و كون المتكلّم في مقام بيان الحكم الكلّي، و ذلك بقرينة العلّة المصرّحة بها في الروايتين ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة و ليتبيّن لهم فضله ؛ فليست العلّة في الروايتين علّة حقيقية للحكم حتّى يدور الحكم مداره، بل هي من قبيل الحكمة. و العمدة في الدليل على المسألة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) و مفهوم صحيح حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) حيث دلّ بمفهومه على وجوب الإعادة على من فعل عامداً. و قد استدلّ أيضاً بأنّ عمل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أصحابه و الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) كان دائماً على الجهر في مواضعه و الإخفات في مواضعه؛ فلو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان، و قد قال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) إن قلت: إنّ لفظ «ينبغي» الواقع في الصحيحين المذكورين يوجب وهن الدلالة على وجوب الجهر و الإخفات في موضعهما؛ فلا يدلّان على بطلان صلاة من عكس؛ أي أجهر في موضع الإخفات و أخفت في موضع الجهر، و كذا التعبير بنقص صلاته في الصحيحة الأُولى بناءً على كونه بالصاد المهملة مشعر بالكراهة. قلت: أوّلًا: أنّ لفظ «ينبغي» في السؤال مشترك بين الوجوب و الاستحباب، و قوله (عليه السّلام) في الصحيحة الأُولى و عليه الإعادة الدالّ على الوجوب قرينة على حمل ينبغي على الوجوب. و منه يعلم: أنّ نقصان الصلاة ليس بمعنى كراهتها و كونها أقلّ ثواباً، بل بمعنى بطلانها بقرينة وجوب الإعادة. و ثانياً: أنّ الظاهر من السؤال كون الرجل جاهلًا بالحكم من حيث الوجوب و الاستحباب، و التعبير بلفظ «ينبغي» كان مناسباً بحال الجاهل بالحكم في مقام السؤال. و القائلون بعدم وجوب الجهر و الإخفات في مواضعهما استدلّوا بالأصل، و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل(وسائل الشيعة 6: 85، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 6.)و يرد على الاستدلال بالأصل أوّلًا: أنّ المورد مجرى أصالة الاشتغال لا البراءة. و ثانياً: أنّ الأصل يجري فيما لم يكن دليل على الحكم، و قد عرفت دلالة صحيحي زرارة على المسألة. و أمّا صحيح علي بن جعفر فهو لا يعارض صحيحي زرارة؛ لشذوذه و إعراض الأصحاب عنه و موافقته للعامّة. بقي الكلام فيما لو تذكّر الناسي أو الجاهل في الأثناء أو بعد القراءة و قبل الركوع، فهل يجب عليه الإعادة أو لا؟ الأقوى عدم وجوب الإعادة؛ لإطلاق صحيحي زرارة و إطلاق حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمس(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و إن كان الأحوط الإعادة؛ خصوصاً إذا تذكّر في الأثناء. و وجه الاحتياط احتمال اختصاص تمامية الصلاة و عدم وجوب الإعادة بصورة الالتفات بعد الفراغ أو بعد تجاوز المحلّ؛ فيكون المرجع فيما تذكّر في الأثناء أو قبل الدخول في الركوع ما دلّ على وجوب التدارك قبل تجاوز المحلّ. و ينبغي الاحتياط أيضاً للعالم في الجملة الذي جهل محلّه أو نسيه، و كذا للجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال و لم يسأل؛ و ذلك لاحتمال اختصاص عدم الإعادة للجاهل المحض الغير المتنبّه للسؤال.

ص: 438

ص: 439

ص: 440

ص: 441

و لا جهر على النساء، بل يتخيّرنَ بينه و بين الإخفات مع عدم الأجنبي، و يجب عليهنّ الإخفات فيما يجب على الرجال، و يُعذَرنَ فيما يُعذَرون فيه (1).


1- عدم وجوب الجهر على النساء في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء إجماعي نقلًا و تحصيلًا. و يدلّ عليه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: و سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها(وسائل الشيعة 6: 95، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 31، الحديث 3.) ، و ضعف السند بعبد اللَّه بن الحسن منجبر بالإجماع على مضمونه. و ذيل الحديث و إن دلّ على وجوب الجهر عليها حال الإمامة و لكنّه لم يفت به أحد من فقهائنا. و وجه تخييرهنّ بين الجهر و الإخفات وجود الدليل على نفي وجوب الجهر مع عدم قيام الدليل على وجوب الإخفات، هذا مع عدم سماع الأجنبي صوتها. و أمّا مع وجود الأجنبي و سماعه صوتها ففي وجوب الإخفات عليها و عدمه خلاف، صرّح غير واحد من فقهائنا منهم الشهيد في «الذكرى» و صاحب «جامع المقاصد» و النراقي في «مستند الشيعة» بأنّه لو جهرت المرأة بالقراءة و سمعها الأجنبي فالأقرب الفساد. و في «البحار» و «الحدائق»: أنّ هذا القول هو المشهور. و قد يستدلّ عليه بأنّ صوتها عورة يحرم إسماعه و استماعه؛ فتكون القراءة التي يتحقّق بها الاستماع منهياً عنها؛ فيمتنع وقوعها عبادة. و أُورد عليه كما في «الجواهر» بإمكان منع حرمة الإسماع و السماع مع عدم الفتنة و التلذّذ؛ للأصل و السيرة المستمرّة و ظاهر الكتاب و السنّة و معروفية قصّة فاطمة عليها آلاف التحية و السلام و غيرها و نحو ذلك(جواهر الكلام 9: 383.) انتهى. و قد أُجيب أيضاً بمنع صيرورة القراءة من حيث هي منهياً عنها؛ ضرورة كون النهي متعلّقاً بأمر خارج عن ماهية القراءة؛ فلا يلزم الفساد. و لا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن؛ ضرورة أنّ الجهر و الإخفات من كيفيات الصوت الذي به يتحقّق القراءة لا أمراً خارجياً مغايراً له في الوجود، و الأحوط مع سماع الأجنبي صوتها الإخفات، و إن كان الأقوى جواز الجهر بها للأصل.

ص: 442

ص: 443

[ (مسألة 10): يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين]

(مسألة 10): يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة، كما أنّه يستحبّ لهم الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أنّ استحباب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة مشهور بين أصحابنا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و نسبه في «التذكرة» و «المعتبر» إلى علمائنا، و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و ادّعى في «الخلاف» الإجماع عليه صريحاً، و عن الشهيد في «الذكرى»: أنّ من شعائر الشيعة الجهر بالبسملة. و يقابل قول المشهور قول أبناء إدريس و الجنيد و البرّاج و أبي الصلاح؛ فقال الأوّل باستحباب الجهر بها في الركعتين الأوّلتين من الظهرين، و أمّا الركعتان الأخيرتان فلا يجوز الجهر فيهما. و قال الثاني باختصاص ذلك بالإمام. و قال الثالث بوجوب الجهر بها فيما يخافت فيه في الركعات كلّها. و قال أبو الصلاح بوجوب الجهر بها في أوّلتي الظهر و العصر للحمد و السورة. و اختلف العامّة في المسألة؛ فقال الشافعي باستحباب الجهر فيما يخفت فيه بالقراءة، و قال أبو حنيفة و أحمد بن حنبل بوجوب إخفاتها، و قال مالك باستحباب ترك البسملة و افتتاح القراءة ب «الحمد للَّه ربّ العالمين». و يدلّ على قول المشهور في المسألة صحيح صفوان الجمّال قال: صلّيتُ خلف أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّاماً، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، و كان يجهر في السورتين جميعاً(وسائل الشيعة 6: 74، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 1.) و رواية حنّان بن سدير قال: صلّيتُ خلف أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّاماً فتعوّذ بإجهار ثمّ جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 75، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 3.) و الرواية ضعيفة بعبد الصمد بن محمّد القمي الإمامي المجهول الحال. و مرسلة صباح بن صبيح الحذّاء عن رجل عن أبي حمزة قال: قال علي بن الحسين (عليهما السّلام) يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول: هل ذكر ربّه؟ فإن قال: نعم ذهب و إن قال: لا، ركب على كتفيه، فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا ، قال: فقلت: جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن؟ قال بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي، إنّما هو الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 75، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 4.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و الإجهار ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة(وسائل الشيعة 6: 76، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 6.) و رواية رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا (عليه السّلام) أنّه كان يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في جميع صلاته بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 76، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 7.) و ضعف سند ضعاف هذه الروايات منجبر بالشهرة. و يدلّ على قول المشهور في المسألة أيضاً الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ الجهر بالبسملة من علامات المؤمن، روى محمّد بن الحسن بسنده عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) أنّه قال علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين و زيارة الأربعين و التختّم في اليمين و تعفير الجبين و الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 14: 478، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.) و استدلّ للقول بوجوب إخفات البسملة في الركعتين الأخيرتين و هو قول ابن إدريس بأنّه لا خلاف في وجوب الإخفات في الركعتين الأخيرتين؛ فمن ادّعى الجهر في بعضها و هو البسملة فعليه إقامة الدليل. و فيه: أنّ الأدلّة المتقدّمة الدالّة على استحباب الجهر بالبسملة مطلقة شاملة للأوّلتين و الأخيرتين، و بالمطلقات ترفع اليد عن قاعدة الاحتياط. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط. و استدلّ لقول ابن الجنيد بأنّ البسملة جزء الركعة؛ فالركعة الإخفاتية يجب فيها إخفات تمام أجزائها حتّى البسملة خرج منه الإمام بالنصّ و الإجماع، و بقي المنفرد. و فيه: أنّ كلّية الكبرى و وجوب الإخفات في تمام أجزاء الركعة الإخفاتية غير ثابتة، بل الثابت بالدليل استثناء البسملة منها. و استدلّ للقول بوجوب جهرها بفعل المعصومين (عليهم السّلام) و أنّهم كانوا يداومون على الجهر بالبسملة، و لو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان. و فيه: أنّهم (عليهم السّلام) كانوا يداومون على المندوبات كمداومتهم على الواجبات؛ فمداومتهم على فعل لا تدلّ على الوجوب. المسألة الثانية: أنّ الجهر في القراءة في ظهر يوم الجمعة جائز على الأقوى. و يدلّ عليه صحيح عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات، أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال نعم، و القنوت في الثانية(وسائل الشيعة 6: 160، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القراءة في الجمعة إذا صلّيتُ وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال نعم ، و قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة(وسائل الشيعة 6: 160، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 3.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال لنا صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و اجهروا بالقراءة ، فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال اجهروا بها(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 6.) و رواية محمّد بن مروان الكلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السفر؟ فقال تصلّيها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهراً(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 7.) و وجه الاحتياط في الإخفات في قراءة الظهر يوم الجمعة صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 8.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر، فقال تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة(وسائل الشيعة 6: 162، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 9.) و بهذين الصحيحين تحمل الأخبار الظاهرة في وجوب الجهر في المسألة على جوازه. و صاحب «الوسائل» بعد أن حكى عن الشيخ حمل هذين الحديثين على التقية و الخوف قال: و يحتمل أن يكون المراد نفي تأكّد الاستحباب في الظهر و إثباته في الجمعة.

ص: 444

ص: 445

ص: 446

ص: 447

[ (مسألة 11): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه]

(مسألة 11): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه، لا سماع من بجانبه و عدمه. و لا يجوز الإفراط في الجهر كالصياح، كما أنّه لا يجوز الإخفات بحيث لا يسمع نفسه مع عدم المانع (1).


1- قد اختلفت عبارات فقهائنا في بيان حدّ الجهر و الإخفات؛ حكي عن ابن إدريس: أنّ حدّ الإخفات أعلاه أن تسمع أُذناك القراءة، و ليس له حدّ أدنى، بل إن لم تسمع أُذناه القراءة فلا صلاة له، و إن سمع مَن عن يمينه و شماله صار جهراً، فإذا فعله عامداً بطلت صلاته. و عن الشيخ في «التبيان»: و حدّ أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره، و المخافتة بأن يسمع نفسه(التبيان 6: 534.) و في «النهاية»: و إذا جهر لا يرفع صوته عالياً بل يجهر متوسّطاً، و إذا خافت فلا يخافت دون إسماعه نفسه(النهاية: 80.) و في «التذكرة»: أقلّ الجهر أن يسمع غيره القريب تحقيقاً أو تقديراً، و حدّ الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعاً بإجماع العلماء؛ و لأنّ ما لا يسمع لا يعدّ كلاماً و لا قراءة؛ لقول الباقر (عليه السّلام) لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه(وسائل الشيعة 6: 96، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 33، الحديث 1.) ، انتهى(تذكرة الفقهاء 3: 153.) كذا في «القواعد» و «التحرير» و «كشف اللثام» و غيرها. و في «المنتهي»: أقلّ الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً، بلا خلاف بين العلماء. و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعاً، و هو وفاق؛ لأنّ الجهر هو الإعلان و الإظهار، و هو يتحقّق بسماع الغير القريب فيكتفى به، و الإخفات السرّ، و إنّما حدّدنا بما قلناه لأنّ ما دونه لا يسمّى كلاماً و لا قراناً، و ما زاد عليه يسمّى جهراً. و يؤيّده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه السّلام) قال لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه. و في الصحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه، فقال لا بأس بذلك إذا أسمع أُذنيه الهمهمة(وسائل الشيعة 6: 97، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 33، الحديث 4.) و عن سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن قوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، قال المخافة دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً(وسائل الشيعة 6: 96، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 33، الحديث 2.) ، انتهى موضع الحاجة(منتهى المطلب 1: 277/ السطر 14.) و صاحب «الرياض» بعد نقل الإجماع عن الشيخ و الفاضلين على تعريف الجهر و الإخفات بما ذكر: الجهر أن يسمع غيره، و الإخفات أن يسمع نفسه قال: فإن تمّ و إلّا فالأقوى ما عليه المحقّق الثاني و الشهيد الثاني و جملة ممّن تأخّر عنهما من الفضلاء من الرجوع فيهما إلى العرف؛ لأنّه المحكّم فيما لم يرد به توظيف من الشرع. و لا ريب أنّ إسماع الغير لا يسمّى فيه جهراً ما لم يتضمّن صوتاً. و محصّل تعريفهما على هذا: أنّ أقلّ الجهر أن يسمعه من قرب منه صحيحاً مع اشتماله على الصوت الموجب لتسميته جهراً عرفاً، و أكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط، و أقلّ السرّ أن يسمع نفسه صحيحاً أو تقديراً، و أكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر. و يعضد العرف ما في الصحاح: جهر بالقول: رفع الصوت به(رياض المسائل 3: 403.) انتهى. و لقد أجاد الشهيد الثاني في «المسالك» و صاحب «المدارك» و غيرهما حيث توجّهوا على ورود الإشكال على تعريف الجهر و أنّ أقلّه أن يسمع غيره، بأنّه يلزم منه تصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد كالإسماع للغير ببعض مراتب الإخفات؛ و لذا عدلوا عن تعريف القوم و أوكلوا تعريفهما إلى العرف؛ قال في «المسالك»: بعد ذكر تعريف «الشرائع»: و أقلّ الجهر أن يسمعه الصحيح القريب و لا بدّ مع ذلك من اشتمال الصوت على جهرية و إظهار ليتحقّق الفرق بينه و بين السرّ عرفاً بحيث لا يجتمعان في مادّة؛ إذ هما كما ذكره جماعة من الأصحاب حقيقتان متضادّتان و الحوالة فيها على العرف(مسالك الأفهام 1: 206.) انتهى. و صاحب «المدارك» بعد ذكر تعريف «الشرائع» قال: هذا الضابط ربّما أوهم بظاهره تصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد، و هو معلوم البطلان؛ لاختصاص الجهر ببعض الصلوات و الإخفات ببعضٍ وجوباً أو استحباباً. و الحقّ: أنّ الجهر و الإخفات حقيقتان متضادّتان يمتنع تصادقهما في شي ء من الأفراد، و لا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شي ء زائد على الحوالة على العرف(مدارك الأحكام 3: 358.) انتهى. ثمّ إنّ الوجه في عدم جواز الإفراط في الجهر كالصياح هو النهي الوارد في الكتاب الكريم عن الجهر بقوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ(الإسراء( 17): 110.) المفسَّر في موثّق سماعة المتقدّم برفع الصوت شديداً، و النهي في الآية ظاهرٌ في الإرشاد إلى المانعية عن صحّة الصلاة، و على فرض كون النهي مولوياً تكون القراءة جهراً بالمعنى المذكور محرّمة و لا تقع مقرّبة؛ فتكون باطلة.

ص: 448

ص: 449

ص: 450

[ (مسألة 12): يجب أن تكون القراءة صحيحة]

(مسألة 12): يجب أن تكون القراءة صحيحة، فلو أخلّ عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك بطلت صلاته (1).


1- و الدليل على وجوب كون القراءة صحيحة و بطلان الصلاة بالإخلال في القراءة عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) ، و قد حكى في «الجواهر» عن «فوائد الشرائع» القول بأنّه لا ريب أنّ رعاية المنقول في صفات القراءة و التسبيح و التشهّد من حركات و سكنات للإعراب و البناء و غير ذلك ممّا يقتضيه النهج العربي، كالإدغام الصغير على ما صرّح به شيخنا الشهيد في «البيان» و المدّ المتّصل واجبة. و مع الإخلال بشي ء من ذلك تبطل الصلاة. و لا نعرف في ذلك كلّه خلافاً. و يحصل ترك التشديد إمّا بحذف الحرف المدغم مثلًا أو بتحريكه أو بفكّ الإدغام(جواهر الكلام 9: 287.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الإخلال عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك مبطل للصلاة مطلقاً و إن لم يكن مغيّراً للمعنى. قال في «الرياض»: و لا فرق فيه بين كونه مغيّراً للمعنى و عدمه على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة أصحابنا، عدا المرتضى في بعض رسائله فيما حكي عنه؛ فخصّ البطلان بالأوّل تبعاً لبعض العامّة العمياء، و هو شاذّ. بل عن الماتن على خلافه الإجماع و هو الحجّة، مضافاً إلى ما عرفته. مع عدم وضوح حجّة له عدا ما يستدلّ له من أنّ من قرأ الفاتحة على هذا الوجه يصدق عليه المسمّى عرفاً. و الظاهر: أنّ أمثال تلك التغييرات ممّا يقع فيه التسامح و التساهل في الإطلاقات العرفية، و المناقشة فيه واضحة(رياض المسائل 3: 380.) انتهى. و قال في «المنتهي»: و تبطل الصلاة لو أخلّ بحرف واحد من الحمد أو السورة إن قلنا بوجوبها أجمع عمداً، بلا خلاف في الحمد؛ لأنّ الإتيان بها واجب؛ لقوله (عليه السّلام) لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب(مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) ، و وجودها أجمع يتوقّف على وجود أجزائها؛ فمع الإخلال بحرف منها يقع الإخلال بها. و كذا الإعراب لو أخلّ به عامداً بطلت صلاته؛ سواءٌ أتى بحركات مضادّة لحركات الإعراب أو حرف الإعراب و سكن الحرف، و سواء اختلّ المعنى باللحن كما لو كسر كاف «إيّاك» أو ضمّ تاء «أنعمت»، أو لم يغيّر كما لو ضمّ هاء «اللَّه»، خلافاً لبعض الجمهور. لنا: أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّى بالإعراب المتلقّى عنه (عليه السّلام) و قال صلّوا كما رأيتموني أُصلّي ، و لأنّه يقال: وصف القرآن بكونه عربيا؛ فما ليس بعربي فليس بقرآن(منتهى المطلب 1: 273/ السطر 12.) انتهى. و لا يخفى ما فيه من أنّ وصف القرآن بكونه عربيا لا يثبت وجوب صحّة القراءة و أنّ الصلاة باطلة فيما أخلّ بالحركة مثلًا.

ص: 451

ص: 452

و من لا يحسن الفاتحة أو السورة يجب عليه تعلّمهما (1).

[ (مسألة 13): المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها]

(مسألة 13): المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها؛ على نحو يَعُدّه أهل اللسان مؤدّياً للحرف الفلاني دون حرف آخر، و مراعاة حركات البِنية و ما له دَخل في هيئة الكلمة، و الحركات و السكنات الإعرابيّة و البنائيّة على وفق ما ضبطه علماء العربيّة، و حذف همزة الوصل في الدرج


1- لا يخفى: أنّ وجوب التعلّم لمن لا يحسن قراءة الفاتحة أو السورة مع عدم ضيق الوقت إن كان نفسياً فإثباته يحتاج إلى دليل، و لا دليل عليه سوى الإجماع المحكي عن «المعتبر» قال: أمّا وجوب التعلّم فعليه اتّفاق علماء الإسلام ممّن أوجب القراءة، و لكن ذيل كلامه ظاهر في الوجوب الغيري قال: و لأنّ وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلّم تحصيلًا للواجب(المعتبر 2: 169.) انتهى. و في «الرياض»: و يجب التعلّم لما لا يحسنه ما أمكن إجماعاً من كلّ من أوجب القراءة، كما في «المنتهي»؛ لتوقّفها عليه؛ فيجب من باب المقدّمة(رياض المسائل 3: 383.) انتهى. فوجوب التعلّم مشروط بوجوب القراءة؛ و حينئذٍ فإن كانت القراءة واجبة تخييرية بينها و بين الائتمام فلا يكون التعلّم واجباً أصلًا؛ لإمكان تحصيل الواجب و هي الصلاة الصحيحة بالائتمام، و إن كانت واجبة تعيينية تكون مشروطة بعدم المسقط لها كالائتمام، فإذا كان وجوب القراءة مشروطاً بعدم المسقط كان وجوب التعلّم أيضاً كذلك.

ص: 453

كهمزة «أل» و همزة «اهدِنَا» على الأحوط، و إثبات همزة القطع كهمزة «أَنعَمتَ». و لا يلزم مراعاة تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف، فضلًا عمّا يرجع إلى صفاتها؛ من الشّدّة و الرخوة و التفخيم و الترقيق و الاستعلاء و غير ذلك. و لا الإدغام الكبير؛ و هو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل له مع كونهما في كلمتين، مثل يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بإدراج الميم في الميم، أو مقارب له و لو في كلمة واحدة ك يَرْزُقُكُمْ و زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ بإدراج القاف في الكاف و الحاء في العين. بل الأحوط ترك مثل هذا الإدغام، خصوصاً في المقارب بل و لا يلزم مراعاة بعض أقسام الإدغام الصغير، كإدراج الساكن الأصلي فيما يقاربه، ك مِنْ رَبِّكَ* بإدراج النون في الراء. نعم الأحوط مراعاة المدّ اللازم، و هو ما كان حرف المدّ و سبباه أي الهمزة و السكون في كلمة واحدة، مثل «جاء» و «سوء» و «جي ء» و «دابّة» و «ق» و «ص». و كذا ترك الوقف على المتحرّك، و الوصل مع السكون، و إدغام التنوين و النون الساكنة في حروف «يرملون»؛ و إن كان المترجّح في النظر عدم لزوم شي ء ممّا ذكر (1).


1- وجه وجوب إخراج الحروف من مخارجها الذي هو المدار في صحّة القراءة مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا هو أنّ اختلاف الحروف إنّما هو باختلاف المخارج و صدق كلّ حرف بخصوصه عرفاً باعتبار خروجه من مخرجه الخاصّ؛ فيجب أداؤها بحيث لو سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف. فالعجم لا يميّز في التكلّم بين حروف الذال و الزاء و الضاد و الظاء في كلمات مثل «ذلّ» و «زلّ» و «ضلّ» و «ظلّ»، و كذا لا يميّزون بين الثاء و الصاد و السين في مثل «النثر» و «النصر» و «النسر» مع تغيّر معانيها بسبب اختلاف مخارجها؛ فلا بدّ في صحّة القراءة من خروج كلّ حرف من مخرجه الخاصّ بحيث لو سمعها العرب حكم بأنّه أيّها. و الوجه في وجوب مراعاة حركات و سكنات بنية كلمة أي غير ما في أواخر الكلمات كفتح حاء «الحمد» و عين «أنعمت» و سكون ميمهما و كذا الحركات و السكنات الإعرابية و البنائية على وفق ما ضبطه علماء العربية، هو الإجماع. مضافاً إلى أنّ القرآن و الفاتحة مثلًا ليسا اسماً للأجزاء المادّية أي الحروف فقط، بل للمركّب منها و من الجزء الصوري الذي هو الهيئة. و أمّا تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف فلا دليل على لزوم مراعاتها، مع أنّ الأصل عدم وجوبها؛ لأنّ القدر الثابت شرعاً ليس إلّا وجوب أداء اللفظ المنزّل مع أداء حروفها من مخارجها بحيث لو سمعها العرب يحكم بكونها عربيا. و أمّا وجوب أدائها على نحو أداء العرب و لهجته و كيفيته فلا دليل عليه أصلًا. فلا يجب مراعاة أوصاف الحروف أيضاً من الشدّة و الرخوة و التفخيم و الترقيق و الاستعلاء و الإمالة و الإخفاء و الغنّة و الإطباق و المدّ المتّصل و المنفصل و الإدغام الصغير و هو إدغام حرفين متجانسين أو متناسبين أوّلهما ساكن في كلمة أو كلمتين في الآخر، مثل «هل لك» و «من ربّك» و الكبير و هو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل أو مجانس له مع كونهما في كلمتين، مثل يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بإدراج الميم في الميم، أو مقارب له و لو في كلمة واحدة ك يَرْزُقُكُمْ* بإدراج القاف في الكاف و غيرها من اصطلاحات التجويد. و أمّا مراعاة المدّ اللازم و ترك الوقف على المتحرّك و الوصل مع السكون و إدغام التنوين و النون الساكنة في حروف «يرملون»، فلا دليل على وجوبها. مع أنّ الأصل عدم الوجوب و أنّ القراءة لا تخرج عن العربية و القرآنية فيما لو تركت مراعاتها، نعم ينبغي الاحتياط في مراعاتها. ثمّ لا بأس بذكر أقسام المدّ إجمالًا و تعريف الوقف على المتحرّك و الوصل مع السكون: فالمدّ اللازم فيما كان بعد أحد حروف المدّ و هي الواو المضموم ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها، و الألف المفتوح ما قبلها همزة، مثل «سوء» و «جي ء» و «جاء». أو كان بعد أحدها سكون لازم، مثل «الضالّين» و «دابّة» و «ق» و «ص». و لو كان بعد أحدها سكون جائز يسمّى المدّ جائزاً، مثل «العالمين» و «الرحيم» و «الدين» و «نستعين». و المدّ المتّصل هو أن يجتمع حرف المدّ و الهمزة الساكنة في كلمة واحدة. و إن كانا في كلمتين يسمّى مدّاً منفصلًا. و معنى الوقف على المتحرّك أن يتكلّم القارئ بحركة حرف من آخر الكلمة و يفصّل فصلًا ما بينه و بين كلمة بعده، مثل أن يكسر ميم «الرحيم» في الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و يقف على الكسرة فيقرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. و معنى الوصل مع السكون أن يسكن آخر الكلمة و يتّصل بما بعده، مثل أن يسكن ميم «الرحيم» و يتّصل الميم الساكن ب «مالك يوم الدين».

ص: 454

ص: 455

[ (مسألة 14): الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع]

(مسألة 14): الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع. كما أنّ الأحوط عدم التخلّف عمّا في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين؛ و إن كان التخلّف في بعض الكلمات مثل مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ و كُفُواً أَحَدٌ غير مضرّ، بل لا يبعد جواز القراءة بإحدى القراءات (1).


1- القراءات السبع للقرّاء السبعة المعروفين، و هم: نافع بن أبي نعيم المدني، و عبد اللَّه بن كثير المكّي، و أبو عمرو بن العلاء البصري، و عبد اللَّه بن عامر الدمشقي، و عاصم بن أبي النجود، و حمزة بن حبيب الزيات، و علي بن حمزة النحوي، و قد زيدت عليها قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع، و يعقوب بن إسحاق الحضرمي، و خلف بن هشام البزّار؛ فكانت القراءات عشرة. ثمّ إنّه اختلف علماؤنا في أنّ الواجب القراءة بإحدى القراءات السبع بحيث لا تكفي قراءة غيرها، أو أنّه يجوز الاكتفاء بها و غيرها من القراءات؟ قد نسب إلى أكثرهم أنّ الواجب الاكتفاء بها و لا يجوز غيرها. و استدلّ له بأنّ القراءات السبع متواترة، و عليها اتّفاق المسلمين. و اليقين بفراغ الذمّة يحصل بإحداها، و غير تلك السبع من القراءات مختلف فيه فلا يحصل اليقين بالفراغ به. و استدلّ له أيضاً بصحيحة سالم أبي سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللَّه على حدّه و أخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السّلام).(وسائل الشيعة 6: 162، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 74، الحديث 1.) الحديث، سالم أبو سلمة هو سالم بن مكرم عبد اللَّه أبو خديجة، و يقال له أبو سلمة الكناسي، و إنّ أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) قد كنّاه بأبي سلمة، هو ثقة ثقة و له كتاب. و مرسل محمّد بن سليمان عن بعض أصحابه قال: قلت له: جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال لا، اقرؤوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم(وسائل الشيعة 6: 163، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 74، الحديث 2.) و رواية الصدوق في «الخصال» بسنده عن عيسى بن عبد اللَّه الهاشمي عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاني آتٍ من اللَّه فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أُمّتي، فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن (على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أُمّتي، فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن) على سبعة أحرف(وسائل الشيعة 6: 164، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 74، الحديث 6.) و قد حكي عن الشهيد الثاني في «المقاصد العلّية» أنّ كلّا من القراءات السبع من عند اللَّه تعالى نزّل به روح الأمين على قلب سيّد المرسلين صلّى اللَّه عليه و آله و سلم الطاهرين تخفيفاً على الأُمّة و تهويناً على أهل هذه الملّة. و يرد على الاستدلال المذكور: أنّ تواتر القراءات إن كان المراد به تواترها عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فغير ثابت، و قد أنكره جماعة من الخاصّة و العامّة. و في «الجواهر»: بل لعلّ المعلوم عندنا خلافه؛ ضرورة معروفية مذهبنا بأنّ القرآن نزّل بحرف واحد على نبي واحد، و الاختلاف فيه من الرواة، كما اعترف به غير واحد من الأساطين(جواهر الكلام 9: 294.) انتهى. و حكي عن الشيخ في «التبيان»: أنّ المعروف من مذهب الإمامية و التطلّع في أخبارهم و رواياتهم أنّ القرآن نزّل بحرف واحد على نبي واحد، غير أنّهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء و أنّ الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ(التبيان 1: 7.) و عن الطبرسي في «مجمع البيان»: أنّ الظاهر من مذهب الإمامية أنّهم أجمعوا على القراءة المتداولة بين القرّاء و كرهوا تجريد قراءة مفردة، و الشائع في أخبارهم أنّ القرآن نزّل بحرف واحد(مجمع البيان 1: 79.) و حكي عن الزمخشري: أنّ القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إنّما هي في صفتها، و إنّما هي واحدة، و المصلّي لا تبرأ ذمّته من الصلاة إلّا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كلّ الوجوه، ك «ملك» و «مالك»، و «صراط» و «سراط»(انظر مفتاح الكرامة 2: 392/ السطر 31.) و قال الوحيد البهبهاني (رحمه اللَّه) أُستاذ صاحب «مفتاح الكرامة» و صاحب «الجواهر» في «حاشية المدارك» رادّاً على الشهيد الثاني ما نصّه: لا يخفى أنّ القراءة عندنا نزلت بحرف واحد من عند الواحد و الاختلاف جاء من قبل الرواية. فالمراد بالتواتر ما تواتر صحّة قراءته في زمان الأئمّة (عليهم السّلام) بحيث كانوا يجوّزون ارتكابه في الصلاة و غيرها؛ لأنّهم (عليهم السّلام) كانوا راضين بقراءة القرآن على ما هو عند الناس، بل ربّما كانوا يمنعون من قراءة الحقّ و يقولون هي مخصوصة بزمان ظهور القائم عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف(نفس المصدر: 393/ السطر 4.) انتهى. و لا يخفى أنّه إن كان المراد بتواتر القراءات أنّها بحكم التواتر عملًا و أنّ المسلمين في الصدر الأوّل كانوا يقرءون بتلك القراءات، ففيه: أنّ القرّاء السبعة المعروفين متأخّرون زماناً عن زمن المسلمين الذين كانوا في الصدر الأوّل؛ فقد قيل: إنّ نافع مات في سنة تسع و ستّين و مائة من الهجرة، و ابن كثير في عشرين و مائة، و ابن العلاء في أربع أو خمس و خمسين و مائة، و ابن عامر في ثمان عشرة و مائة، و عاصم في سبع أو ثمان أو تسع و عشرين و مائة، و حمزة في ثمان أو أربع و خمسين و مائة، و الكسائي في تسع و ثمانين و مائة، و من المسلّم أنّ المسلمين كانوا يقرءون بقراءة ما قبل أن يشتهر القرّاء السبعة. و في «مفتاح الكرامة»: قد كان الناس بمكّة على رأس المائتين على قراءة ابن كثير، و بالمدينة على قراءة نافع، و بالكوفة على قراءة حمزة و عاصم، و بالبصرة على قراءة أبي عمرو و يعقوب، و بالشام على قراءة ابن عامر. و في رأس الثلاث مائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي و حذف يعقوب و لم يتركوا بالكلّية ما كان عليه غير هؤلاء كيعقوب و أبي جعفر و خلف، و من هنا كانوا عشرة(مفتاح الكرامة 2: 392/ السطر 1.) انتهى. و الجواب عن الاستدلال بصحيح سالم أبي سلمة المرسل على وجوب القراءة بإحدى القراءات السبع هو أنّ الصحيح و كذا المرسل المذكورين لا يدلّان أصلًا على وجوب القراءة بخصوص إحدى القراءات السبع فقط، و كذا لا يدلّان على أنّها القدر المتيقّن في فراغ الذمّة فقط بحيث لا يكتفى بغيرها. و يمكن أن نقول بجواز العمل بإحدى القراءات السبع و بغيرها لعدم تواترها، و قد ورد في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة(الكافي 2: 630/ 12.) و صحيح الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال كذبوا أعداء اللَّه، و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد(الكافي 2: 630/ 13.) و صحيح عبد اللَّه بن فرقد و معلّى بن خنيس قالا: كنّا عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و معنا ربيعة الرأي، فذكرنا فضل القرآن، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضالّ فقال ربيعة: ضالّ؟! فقال نعم ضالّ ، ثمّ قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أمّا نحن فنقرأ على قراءة أُبيّ(الكافي 2: 634/ 27.) لا يخفى: أنّ هذه الصحيحة تدلّ على أنّ قراءة أُبيّ بن كعب أصحّ القراءات عندهم (عليهم السّلام). ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد أن أجاب بأجوبة أربعة عن استدلال القول بوجوب القراءة بإحدى القراءات السبع، قال: و بالجملة من أنكر التواتر منّا و من القوم خلق كثير، بل ربّما نسب إلى أكثر قدمائهم تجويز العمل بها و بغيرها. إلى أن قال بعد صفحتين: و من ذلك كلّه و غيره ممّا يفهم ممّا ذكر بان لك ما في دعوى الإجماع على التواتر. على أنّه لو اغضي عن جميع ذلك فلا يفيد نحو هذه الإجماعات بالنسبة إلينا إلّا الظنّ بالتواتر، و هو غير مجدٍ؛ إذ دعوى حصول القطع به من أمثال ذلك مكابرة واضحة، كدعوى كفاية الظنّ في حرمة التعدّي عنه إلى غيره ممّا هو جائز و موافق للنهج العربي و أنّه متى خالف بطلت صلاته؛ إذ لا دليل على ذلك، بل لعلّ إطلاق الأدلّة يشهد بخلافه و احتمال الاستدلال عليه بالتأسّي أو بقاعدة الشغل كما ترى. و أمّا الإجماع المدّعى على وجوب العمل بالقراءات السبع أو العشر كقراءة ابن عامر قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ(الأنعام( 6): 137.) و قراءة حمزة تَسَائلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ(النساء( 4): 1.) بالجرّ و أنّه لا يجوز التعدّي منها إلى غيرها و إن وافق النهج العربي، ففيه: أنّ أقصى ما يمكن تسليمه منه جواز العمل بها. و ربّما يقال: و إن خالفت الأفشى و الأقيس في العربية. أمّا تعيين ذلك و حرمة التعدّي عنه فمحلّ منع، بل ربّما كان إطلاق الفتاوى و خلوّ كلام الأساطين منهم عن إيجاب مثل ذلك في القراءة أقوى شاهدٍ على عدمه(جواهر الكلام 9: 295 و 297.) انتهى موضع الحاجة بطوله. و بعد الإحاطة بما ذكرناه و نقلناه عن أكابر فقهائنا لا يصغي بدعوى جماعةٍ الإجماع على تواترها. و مع ذلك كلّه: لا ينبغي ترك الاحتياط بقراءة إحدى القراءات السبع، و كذا لا ينبغي ترك الاحتياط بقراءة ما في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين؛ لتداوله بينهم زمناً بعد زمن حتّى ينتهي إلى زمان المعصومين (عليهم السّلام). و لكن يحتمل أن يكون الموجود في المصاحف في بعض الأزمنة هو «ملك» دون «مالك»؛ و حينئذٍ فلا يكون وجه للاحتياط. و الوجه في عدم إضرار قراءة «ملك» مكان «مالك» و «كفواً» مكان «كفؤا» هو أنّ ستّاً من القرّاء العشرة قرأ «ملك»؛ و هم غير عاصم و الكسائي و خلف و يعقوب، و أنّ غير الحفص قرؤوا «كفؤا» بالهمزة، بعضهم بسكون الفاء و بعضهم الآخر بضمّها.

ص: 456

ص: 457

ص: 458

ص: 459

ص: 460

ص: 461

[ (مسألة 15): يجوز قراءة مالِكِ يَوْمِ الدّينِ و مَلِكِ يَوم الدّينِ]

(مسألة 15): يجوز قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ و مَلِكِ يَوم الدّينِ، و لا يبعد أن يكون الأوّل أرجح، و كذا يجوز في الصِّراطَ أن يقرأ بالصاد و السين، و الأرجح بالصاد. و في كُفُواً أَحَدٌ وجوه أربعة: بضمّ الفاء و سكونه مع الهمزة أو الواو، و لا يبعد أن يكون الأرجح بضمّ الفاء مع الواو (1).


1- الوجه في جواز القراءة ب «مالك» و «ملك» هو ثبوت القراءة بكليهما؛ فقد قرأ عاصم و الكسائي و خلف و يعقوب «مالك» و الباقون من العشرة قرؤوا «ملك»، و لعلّ الوجه في أرجحية «مالك» عند المصنّف (رحمه اللَّه) هو أنّه المرسوم في المصاحف الموجودة في أيدينا و أيدي من تقدّمنا. و فيه أوّلًا: أنّ المحكي عن جماعة منهم شارح «الشاطبية» في كتابه «سراج القارئ» هو أنّ المرسوم في المصاحف كان «ملك» بحذف الألف. و ثانياً أنّ قرّاء «ملك» أكثر عدداً من قرّاء «مالك». و أمّا قراءة «صراط» بالصاد فهو أرجح من قراءة «سراط» بالسين؛ لقراءة أكثر القرّاء أي غير يعقوب الحضرمي بالصاد. و أمّا قراءة «كفواً» ففي «مجمع البيان»: قرأ إسماعيل عن نافع و حمزة و خلف و رويس «كفؤا» ساكنة الفاء مهموزة، و قرأ حفص «كفواً» مضمومة الفاء مفتوحة الواو، و قرأ الباقون بالهمزة و ضمّ الفاء. و لم ينقل من أحدٍ من القرّاء القراءة بالواو مع سكون الفاء؛ و لذا قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: و إن كان الأحوط ترك الأخيرة. و لعلّ الوجه في أرجحية القراءة بضمّ الفاء مع الواو عند المصنّف كونه المرسوم في المصاحف الموجودة.

ص: 462

[ (مسألة 16): من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف]

(مسألة 16): من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف، و لا يستطيع أن يتعلّم أجزأه ذلك، و لا يجب عليه الائتمام و إن كان أحوط، و من كان قادراً على التصحيح و التعلّم و لم يتعلّم، يجب عليه على الأحوط الائتمام مع الإمكان (1).


1- من لا يقدر على التعلّم؛ إمّا لعدم انطلاق لسانه بأداء كلمة صحيحةً مع التكلّم بجميع حروفها صحيحة في لغته، و إمّا لأجل نقصان في لسانه كمن يبدّل بعض الحروف ببعض، أو ليس له مخرج بعض الحروف كالفأفأ و هو الذي يتردّد في الفاء إذا تكلّم و التمتام و هو الذي يتردّد في التاء و الألثغ و هو الذي يصير الراء غيناً أو لاماً أجزأه ما يقدره، و لا يجب عليه الائتمام. و به صرّح الشهيد في «الذكرى»، و هو الظاهر من «المنتهي» و «جامع المقاصد»، و عن «مستند» النراقي: بل لعلّه إجماعي. و استدلّ له بالحديث المشهور إنّ سين بلال عند اللَّه شين(مستدرك الوسائل 4: 278، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 23، الحديث 3.) و رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته(وسائل الشيعة 6: 221، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 30، الحديث 4.) و رواية مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) يقول إنّك قد ترى من المحرَّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح؛ و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهّد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح(وسائل الشيعة 6: 136، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 59، الحديث 2.) و مقتضى إطلاق هذه الأخبار الاجتزاء بها؛ حتّى مع إمكان الائتمام. و ضعف سند هذه الأخبار منجبر بالإجماع المدّعى. هذا كلّه في من لا يقدر على التعلّم. و من قدر عليه يجب عليه التعلّم؛ لتوقّف القراءة الصحيحة عليه، هذا مع عدم التمكّن من الائتمام. و من تمكّن منه يمكن القول بعدم وجوب التعلّم عليه تعييناً، بل يتخيّر بينه و بين الائتمام. و قد تقدّم تفصيل هذا في شرح قوله (رحمه اللَّه): «و من لا يحسن الفاتحة أو السورة يجب عليه تعلّمهما»، فراجع.

ص: 463

[ (مسألة 17): يتخيّر فيما عدا الركعتين الأُوليين من الفريضة بين الذكر و الفاتحة]

(مسألة 17): يتخيّر فيما عدا الركعتين الأُوليين من الفريضة بين الذكر و الفاتحة، و لا يبعد أن يكون الأفضل للإمام القراءة، و للمأموم الذكر، و هما للمنفرد سواء،

ص: 464

و صورته: «سبحانَ اللَّهِ و الحمدُ للَّهِ و لا إلهَ إلّا اللَّهُ و اللَّهُ أكبر». و تجب المحافظة على العربيّة. و يجزي مرّة واحدة، و الأحوط الأفضل التكرار ثلاثاً، و الأولى إضافة الاستغفار إليها. و يجب الإخفات في الذكر و القراءة حتّى البسملة على الأحوط. و لا يجب اتّفاق الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة (1).


1- لا خلاف بين الفقهاء الإمامية في تخيير المصلّي بين قراءة الفاتحة و الذكر فيما عدا الركعتين الأُوليين من الفريضة، بل هو ممّا قام به الإجماع بقسميه مستفيضاً بل متواتراً. و إنّما وقع الخلاف بينهم في الأفضل منهما على أقوال: منها: أفضلية التسبيح مطلقاً، ذهب إليه ابن أبي عقيل و الصدوقان و ابن إدريس، و اختاره صاحب «الحدائق». و منها: أفضلية القراءة مطلقاً، ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي، و اختاره الشهيد في «اللمعة» و مال إليه صاحب «المدارك». و منها: أفضلية القراءة للإمام و التخيير بين القراءة و التسبيح لغير الإمام؛ سواء كان مأموماً أو منفرداً، و هو مختار الشيخ في «الاستبصار» و المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «القواعد» و الشهيد في «البيان» و الأردبيلي في «شرح الإرشاد». و منها: أفضلية القراءة للإمام و التسبيح للمنفرد مع عدم التعرّض لما هو أفضل للمأموم، و هو مختار الشهيد في «الدروس». و منها: أفضلية التسبيح للإمام إذا تيقّن أن ليس معه مسبوق، و أفضلية القراءة إذا تيقّن دخول مسبوق أو جوّزه، و القراءة للمأموم و التخيير للمنفرد، نسب هذا القول إلى ابن جنيد. و القول بالتخيير مطلقاً من غير تفصيلٍ و تعرّضٍ للأفضل، هو مذهب الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الجمل» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «الإرشاد» و «المختلف». و يدلّ على هذا القول صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال تسبّح و تحمد اللَّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء(وسائل الشيعة 6: 107، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 1.) و موثّق علي بن حنظلة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللَّه فهو سواءٌ ، قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال هما و اللَّه سواء؛ إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 3.) قال صاحب «الوسائل»: المراد التساوي في الإجزاء؛ لما يأتي من الترجيح للتسبيح، انتهى. و لا يخفى ما فيه حيث إنّ السائل سأل عمّا هو أفضل بعد ما سأل عمّا يصنع، فأجاب (عليه السّلام) عن سؤاله الأوّل بالتساوي في الإجزاء و عن سؤاله الثاني بالتساوي في الأفضلية؛ فيحمل الأخبار الدالّة على ترجيح التسبيح على القراءة على زيادة فضيلة التسبيح على القراءة. و يدلّ على أفضلية القراءة للإمام و الذكر للمأموم و السواء للمنفرد، صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، و إن شئت فسبّح(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 2.) و صورة الذكر: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر»، و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر و تكبّر و تركع(وسائل الشيعة 6: 109، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 5.) و العمدة في وجه وجوب المحافظة على العربية في ذكر الركعتين الأخيرتين هي السيرة القطعية من فعل المسلمين في كلّ زمن حتّى ينتهي إلى زمن المعصومين (عليهم السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و الأقوى الاكتفاء بالمرّة في الذكر وفاقاً لأكثر فقهائنا، و في «الجواهر»: أنّه قد صرّح به فيما يقرب من خمسين كتاباً(جواهر الكلام 10: 35.) و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر و تكبّر و تركع ، حيث إنّ أمره (عليه السّلام) بالتكبير الاستحبابي و الركوع بعده يدلّ على كفاية المرّة في الذكر؛ فلو كان الواجب ثلاث مرّات لم يأمر بالركوع بعد التسبيح مرّة واحدة، و لم يأمر أيضاً بالتكبير المستحبّ بعد التسبيح الواجب. نعم الأحوط الأفضل ثواباً التكرار ثلاثاً، و هو مقتضى الجمع بين الصحيح المزبور و صحيحه الآخر المروي في أوّل «السرائر» عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئاً؛ إماماً كنت أو غير إمام ، قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال إذا كنت إماماً أو وحدك فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر ثلاث مرّات، ثمّ تكبّر و تركع(وسائل الشيعة 6: 123، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 51، الحديث 2.) و رواية رجاء بن أبي الضحّاك أنّه صحب الرضا (عليه السّلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأُخراوين يقول: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاث مرّات ثمّ يركع(وسائل الشيعة 6: 110، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 8.) و وجه أولوية إضافة الاستغفار إلى التسبيحات صحيح عبيد بن زرارة المتقدّم و تستغفر لذنبك. و وجه وجوب الإخفات في الذكر هو الشهرة العظيمة و الإجماع المدّعى الذي حكاه جماعة؛ ففي «الرياض»: ظاهرهم الاتّفاق عليه، و في «الحدائق»: ربّما ادّعى بعضهم الإجماع عليه. و قد استدلّ له أيضاً بأُمور لا يخلو من ضعف: منها: التسوية بين الذكر و القراءة، حيث إنّه يجب عليه الإخفات لو قرأ في ثالثة المغرب و الأخيرتين من الظهرين و العشاء، و التسوية بينهما مستفادة من موثّق ابن حنظلة المتقدّم حيث حكم (عليه السّلام) بمساواتهما فهو سواء. و فيه: أنّ التسوية بينهما إنّما هو في الإجزاء و الفضيلة كما هو المفروض في سؤالي السائل. و منها: إطلاق الأخبار الواردة في وجوب الإخفات في صلاة النهار، كمرسل ابن فضّال عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السنّة في صلاة النهار بالإخفات، و السنّة في صلاة الليل بالإجهار(وسائل الشيعة 6: 77، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 22، الحديث 2.) و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث: أنّه ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض إنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة؛ فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة، فإن أراد أن يصلّي صلّى؛ لأنّه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع. و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة؛ فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع(وسائل الشيعة 6: 82، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) ، حيث إنّ مقتضى إطلاقها الإخفات في تسبيحها كقراءتها؛ فيلحق تسبيح غيرها به؛ لعدم القول بالفصل. و فيه: أنّه على فرض الإطلاق في هذه الأخبار و شموله للتسبيح يعارضه ما دلّ على وجوب الجهر في الصلوات الليلية بضميمة عدم القول بالفصل. و في «الحدائق»: أنّ المتبادر الظاهر من الأخبار الدالّة على الإخفات إنّما هو بالنسبة إلى القراءة لا ما يشمل التسبيح، بل القراءة في الأُوليين أيضاً لا الأخيرتين. و انقسام الفريضة إلى جهرية و إخفاتية إنّما هو بالنظر إلى القراءة في الأُوليين(الحدائق الناضرة 8: 437.) انتهى. و منها: ما رواه المحقّق في «المعتبر» من أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يجهر في هذه المواضع أي في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء و يسرّ ما عداها(المعتبر 2: 176.) و فيه: أنّ استمرار النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و كذا الأئمّة (عليهم السّلام) لا يدلّ على الوجوب؛ لمداومتهم على المندوبات. و منها: صحيح الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه عن أبيه في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال إن قرأ فلا بأس، و إن سكت فلا بأس(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 13.) ، بناءً على أنّ المراد من «الصمت» هو الإخفات، و أنّ المراد من الركعتين هما الأخيرتان. و فيه: المنع من إرادة الإخفات من الصمت، بل المراد منه معناه الحقيقي بمعنى السكوت؛ فيكون إشارة إلى مذهب أبي حنيفة حيث ذهب إلى الصمت فيهما. و في «المستمسك»: الظاهر من الركعتين في الصحيح الأوّلتين من الإخفاتية بقرينة تخيير المأموم بين القراءة و تركها(مستمسك العروة الوثقى 6: 265.) انتهى. هذا مبني على مختاره (رحمه اللَّه) في جواز قراءة المأموم في الركعتين الأوّلتين من الإخفاتية إذا كان فيهما مع الإمام على كراهة، و يأتي البحث فيه إن شاء اللَّه. و وجه وجوب الإخفات في القراءة بدل الذكر هو الشهرة العظيمة كادت تكون إجماعاً. و في «الجواهر»: المعلوم من مذهب الإمامية بطلان الجهر بالقراءة في الأخيرتين(انظر جواهر الكلام 9: 375.) و قد يستدلّ أيضاً على وجوب الإخفات في القراءة بفعل المسلمين زمناً بعد زمن؛ حتّى ينتهي إلى زمن الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)؛ فيكشف ذلك عن أنّ الإخفات في القراءة ممّا ينبغي؛ فيدخل في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.)و فيه: أنّ استمرارهم (عليهم السّلام) على فعل لا يدلّ على وجوبه. و أمّا الجهر في بسملة القراءة في الركعتين الأخيرتين و ثالثة المغرب فقد تقدّم البحث فيه مفصّلًا في شرح المسألة العاشرة من «القول في القراءة و الذكر»، و قد قلنا هناك: إنّه لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات. و وجه عدم وجوب الاتّفاق في الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة إطلاق نصوص التخيير، كصحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال تسبّح و تحمد اللَّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء(وسائل الشيعة 6: 107، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 1.) و موثّق علي بن حنظلة عن أبي (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللَّه فهو سواء ، قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال هما و اللَّه سواء؛ إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 3.)

ص: 465

ص: 466

ص: 467

ص: 468

ص: 469

ص: 470

[ (مسألة 18): لو قصد التسبيح مثلًا فسبق لسانه إلى القراءة]

(مسألة 18): لو قصد التسبيح مثلًا فسبق لسانه إلى القراءة من غير تحقّق القصد إليها و لو ارتكازاً فالأقوى عدم الاجتزاء بها، و مع تحقّقه فالأقوى الصحّة. و كذا الحال لو فعل ذلك غافلًا من غير قصد إلى أحدهما، فإنّه مع عدمه و لو ارتكازاً فالأقوى عدم الصحّة، و إلّا فالأقوى الصحّة (1).


1- يعتبر في عبادية العبادة و إجزائها من القصد إليها و لو إجمالًا و ارتكازاً؛ فحينئذٍ لو قصد التسبيح فسبق لسانه إلى القراءة من دون قصد إليها و لو ارتكازاً فلا يجتزي بها، و يجب عليه إمّا إعادة التسبيح أو القراءة مع قصدها.و أمّا لو تحقّق القصد إليها و لو ارتكازاً؛ بأن قصد من أوّل الأمر و قبل الشروع في أحدهما ما هو وظيفته من فعل أحدهما فالأقوى حينئذٍ الصحّة؛ لتحقّق القصد إليه ارتكازاً. و كذا لا يجتزي بالقراءة لو فعلها غفلة؛ أي من غير قصد إليها، و لا إلى التسبيح لا تفصيلًا و لا ارتكازاً، و يجتزي بكلّ واحد منهما فيما إذا أتاه غفلة مع القصد إليه و لو ارتكازاً. و بالجملة: الاجتزاء بالمأتي به منوط على تحقّق القصد إليه و لو ارتكازاً، و لا تخلّه الغفلة العارضة بعد تحقّق القصد إليه.

ص: 471

[ (مسألة 19): لو قرأ الفاتحة بتخيّل أنّه في الأُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزي بها]

(مسألة 19): لو قرأ الفاتحة بتخيّل أنّه في الأُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزي بها. و كذا لو قرأها بتخيّل أنّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الأُوليين (1).


1- لو قرأ الفاتحة باعتقاد أنّه في الأُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين فلا يخلو من أنّه إمّا أن يكون قاصداً لقراءة الفاتحة بخصوصها أي بحيث كان مرتكزاً في ذهنه أنّه لا يجتزي غيرها ثمّ تبيّن كونه في الأخيرتين فحينئذٍ لا يجتزي بما قرأه من الفاتحة؛ لعدم كونها مصداقاً للمأمور به الواقعي. و إمّا أن يكون قاصداً لها من غير تقييد بخصوصها، بل بما أنّها مأمور بها فيجتزي بها؛ لكون المأتي به مأموراً به في الواقع، و تخيّل كونه في الأوّلتين غير مخلّ. و كذا لو قرأها بتخيّل أنّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الأوّلتين؛ لما ذكرنا من انطباق المأمور به الواقعي على المأتي به. نعم لو أتى بالتسبيحات بتخيّل أنّه في الأخيرتين ثمّ تبيّن قبل الركوع كونه في إحدى الأُوليين يجب عليه قراءة الحمد. و أمّا سجدتا السهو على زيادة التسبيحات فغير واجب، و سيأتي البحث فيه في مبحث الخلل.

ص: 472

[ (مسألة 20): الأحوط أن لا يزيد على ثلاثة تسبيحات]

(مسألة 20): الأحوط أن لا يزيد على ثلاثة تسبيحات إلّا بقصد الذكر المطلق (1)

[ (مسألة 21): يستحبّ قراءة عَمَّ يتَساءلون أو هل أتى أو الغاشية أو القيامة و أشباهها في صلاة الصبح]

(مسألة 21): يستحبّ قراءة عَمَّ يتَساءلون أو هل أتى أو الغاشية أو القيامة و أشباهها في صلاة الصبح، و قراءة سبّح اسم أو و الشمس في الظهر و إذا جاءَ نصرُ اللَّهِ و ألهاكُمُ التَّكاثُر في العصر و المغرب. و الأولى اختيار قراءة «الجمعة» في الركعة الاولى من العشاءين، و «الأعلى» في الثانية منهما في ليلة الجمعة، و قراءة سورة «الجمعة» في الركعة الاولى، و «المنافقين» في الثانية في الظهر و العصر من يوم الجمعة، و كذا في صبح يوم الجمعة، أو يقرأ فيها في الأُولى «الجمعة»، و «التوحيد» في الثانية، و في المغرب في ليلة الجمعة في الأُولى «الجمعة»، و في الثانية «التوحيد». كما أنّه يستحبّ في كلّ صلاة قراءة سورة «القدر» في الاولى و «التوحيد» في الثانية (2)


1- لا يجوز أن يزيد على ثلاثة تسبيحات بقصد الجزئية و كون الزائد مأموراً به و لو مندوباً، و لو فعله تبطل صلاته؛ للزيادة العمدية، و للتشريع. نعم لا بأس بالزيادة على الثلاث بقصد الذكر المطلق.
2- و يدلّ على استحباب قراءة السور المذكورة جملة من الروايات ذكرها صاحب «الوسائل» في أبواب القراءة في الصلاة الباب الثامن و الأربعين و التاسع و الأربعين و الخمسين و السادس و الستّين و السبعين و الأحد و السبعين و غيرها، فراجع(وسائل الشيعة 6: 116 157، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 48 و 49 و 50 و 66 و 70 و 71.) و لم يعرف من أحدٍ من علمائنا المعروفين من القدماء و المتأخّرين القول بوجوب قراءة سورة خاصّة في صلاة من الصلوات، و نسب في «الشرائع» القول بوجوب قراءة سورة الجمعة و المنافقين في الظهرين يوم الجمعة إلى بعض، و لكنّه لم يعرف القائل به. و ليس لذلك القول دليل إلّا الأمر بقراءتهما فيهما، كما في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القراءة في الجمعة إذا صلّيتُ وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال نعم ، و قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة(وسائل الشيعة 6: 160، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 3.) أو الأمر بالإعادة على من صلّى الجمعة بغير سورة الجمعة و المنافقين، كما في صحيح عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) من صلّى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر(وسائل الشيعة 6: 159، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 72، الحديث 1.) أو الأمر بالإتمام ثمّ الاستئناف، كما في صحيح صباح بن صبيح الحذّاء قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقل هو اللَّه أحد، قال يتمّ ركعتين ثمّ يستأنف(وسائل الشيعة 6: 159، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 72، الحديث 2.) أو نفي صلاة من صلّى بغيرهما، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ اللَّه أكرم بالجمعة المؤمنين، فسنّها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بشارة لهم، و المنافقين توبيخاً للمنافقين، و لا ينبغي تركهما؛ فمن تركهما متعمّداً فلا صلاة له(وسائل الشيعة 6: 154، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 70، الحديث 3.)و لكن الأصحاب لم يفتوا بوجوب قراءتهما فيها؛ فيحمل الأخبار الآمرة بقراءتهما فيها على تأكّد الاستحباب، هذا. مضافاً إلى أنّ جملة من الأخبار قد صرّح فيها بجواز قراءة غيرهما فيها، كما في صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّداً، قال لا بأس بذلك(وسائل الشيعة 6: 157، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 71، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب.

ص: 473

ص: 474

[ (مسألة 22): قد عرفت أنّه يجب الاستقرار حال القراءة و الأذكار]

(مسألة 22): قد عرفت أنّه يجب الاستقرار حال القراءة و الأذكار، فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء لغرض، يجب تركهما حال الحركة، لكن لا يضرّ مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين و إن كان الترك أولى. و لو تحرّك حال القراءة قهراً فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة (1).


1- قد عرفت في شرح المسألة الثامنة من مسائل «القول في القيام»: أنّ الدليل العمدة على اعتبار الاستقرار في جميع حالات الصلاة هو الإجماع؛ فيجب الاستقرار حال القراءة و الأذكار. فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء من مكانه الذي استقرّ فيه لغرض من الأغراض المجوّزة للانتقال من حال إلى أُخرى يجب تركهما حال الحركة و فعلهما مستقرّاً بعد الحركة. و يدلّ عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال في الرجل يصلّي في موضع ثمّ يريد أن يتقدّم قال يكفّ عن القراءة في مشيه حتّى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثمّ يقرأ(وسائل الشيعة 6: 98، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 34، الحديث 1.) و أمّا تحريك اليد أو أصابع الرجلين فلا ينافي الاستقرار و لا يضرّان بالقراءة.و لو تحرّك حال القراءة قهراً و بغير اختيار فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة و إن كان الأقوى الاجتزاء به.

ص: 475

[ (مسألة 23): لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة]

(مسألة 23): لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة، يجب إعادتها إذا لم يتجاوز، و يجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز، و لو شكّ ثانياً أو ثالثاً لا بأس بالتكرار ما لم يكن عن وسوسة، و إلّا فلا يعتني بشكّه (1).


1- وجه وجوب إعادة الآية أو الكلمة المشكوكة في صحّة قراءتهما هو استصحاب شغل الذمّة بالواجب؛ أي القراءة الصحيحة. هذا مع عدم تجاوز محلّهما و عدم الدخول فيما بعدهما، كما لو شكّ في صحّة قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قبل أن يشرع في قراءة إِيَّاكَ نَعْبُدُ، هذا بناءً على عدم جريان قاعدة الفراغ في أجزاء العمل. و ذهب بعض فقهائنا إلى جريانه فيها؛ ففي «المستمسك»: نعم لو بني على جريان قاعدة الفراغ في الأجزاء كما هو الظاهر لعموم دليلها اقتضت البناء على الصحّة و لو لم يتجاوز(مستمسك العروة الوثقى 6: 291.) انتهى. و لو شكّ في صحّتهما بعد تجاوز محلّهما و الدخول في غيرهما لا يعتني بشكّه، بل يبني على الصحّة؛ لقاعدة التجاوز. نعم يجوز الإعادة احتياطاً مع تجاوز محلّهما. و الاحتياط مطلوب على كلّ حال. و لو شكّ ثانياً أو ثالثاً أي شكّ في صحّة ما أتاه ثانياً أو ثالثاً يجب إعادته مع عدم تجاوز محلّه ما لم يكن عن وسوسة، و إلّا فلا يعتني بشكّه. و لا يخفى ما في عبارة المصنّف: «لا بأس بالتكرار» حيث إنّه يوهم جواز ترك التكرار.

ص: 476

[القول في الركوع]

القول في الركوع

[ (مسألة 1): يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليوميّة ركوع واحد]

(مسألة 1): يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليوميّة ركوع واحد، و هو ركن تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهواً، إلّا في الجماعة للمتابعة بتفصيل يأتي في محلّه. و لا بدّ فيه من الانحناء المتعارف بحيث تصل يده إلى ركبته، و الأحوط وصول الراحة إليها، فلا يكفي مسمّى الانحناء (1).


1- الركوع لغة هو الانحناء كما في «القاموس»، و شرعاً انحناء مخصوص. و يجب الركوع في كلّ ركعة من الفرائض و كذا النوافل إجماعاً من الفريقين، و تواترت عليه الأخبار، بل وجوبه من ضروريات الدين. و القول بركنيته في كلّ ركعة هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و قال الشيخ في «المبسوط»: الركوع ركن من أركان الصلاة، مَن تركه عامداً أو ناسياً بطلت صلاته إذا كان في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة، و كذلك إن كان في الثالثة من المغرب، و إن كان في الركعتين الأخيرتين من الرباعية إن تركه متعمّداً بطلت صلاته و إن تركه ناسياً و سجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة و قام فركع و تمّم صلاته(المبسوط 1: 109.) انتهى. و هذا القول لا اعتبار به لشذوذه، و نفيه في الحقيقة ركنية السجود بمعنى عدم بطلان الصلاة بزيادة السجود سهواً، و هو مخالف للإجماع. و في «الدروس» و «المدارك»: أنّه لو فسّر الركن بما تبطل الصلاة بتركه سهواً بالكلّية لم يكن منافياً لقول الشيخ؛ لأنّ الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة. و في «مفتاح الكرامة»: و نقل عن أبي علي و علي بن بابويه: إنّ الصلاة تبطل بتركه سهواً في الركعة الأُولى دون الثانية و الثالثة و الرابعة(مفتاح الكرامة 2: 414/ السطر 24.) انتهى. و يدلّ على ركنيته من الأخبار صحيح رفاعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ينسي أن يركع حتّى يسجد و يقوم، قال يستقبل(وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل ينسي أن يركع، قال يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) و صحيح آخر لأبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يركع، قال عليه الإعادة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) ثمّ إنّه يجب في الركوع الانحناء المتعارف؛ أي بقدر ما تصل يداه إلى ركبتيه و يتمكّن من وضعهما عليهما. أمّا وجوب الانحناء فهو إجماعي، بل ضروري لأنّ الركوع كما عرفت-عبارة عن الانحناء لغة و شرعاً. و أمّا التحديد بالقدر المذكور فقد ادّعى عليه إجماع كافّة العلماء في «المنتهي» و «المعتبر» و «الذكرى» و غيرها، إلّا الحنفية فإنّهم قالوا بكفاية مسمّى الانحناء؛ ففي كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: الحنفية قالوا بحصول الركوع بطأطأة الرأس؛ بأن ينحني انحناءً يكون إلى حال الركوع أقرب، فلو فعل ذلك صحّت صلاته. أمّا كمال الركوع فانحناء الصلب حتّى يستوي الرأس بالعجز(الفقه على المذاهب الأربعة 1: 231.) انتهى. و لا خلاف بين أصحابنا في عدم وجوب وضع اليد على الركبة حال الركوع و الانحناء بالمقدار المتعارف. و إنّما وقع الخلاف في القدر المعتبر في وصول اليد إلى الركبة؛ و أنّه يكفي مجرّد وصول اليد إليها بوصول رؤوس الأصابع، أو لا يكفي مجرّد ذلك حتّى يصل كفّ اليد إليها؟ و قد حكي عن المجلسي في «البحار»: أنّ المشهور في الانحناء أن تصل الأصابع إلى الركبتين، و هو الواجب، و الزائد عليه مستحبّ. و في «المنتهي»: أن تبلغ يداه إلى ركبتيه، كذا في «الذكرى»، و هو ظاهر في الاكتفاء بوصول جزء من اليد و لو بوصول رؤوس الأصابع إلى الركبة. و عن «نهاية الإحكام» و «التذكرة» و «الإرشاد» و «الروض» وضع راحتيه على ركبتيه. و في «المعتبر»: إجماع أهل العلم كافّةً على وصول كفّيه إليهما. و في «جمل» السيّد (رحمه اللَّه) يملأ كفّيه من ركبتيه. و عن الشهيد في «البيان»: أنّ الأقرب وجوب الانحناء إلى أن يبلغ معه الكفّان ركبتيه، و لا يكفي بلوغ أطراف الأصابع. و عن الشهيد الثاني في «الروضة»: أنّ المعتبر وصول جزء من باطنه لا جميعه و لا رؤوس الأصابع. و في «الروض»: الراحة الكفّ. و عن الفيّومي في «السامي»: الراحة ما فوق الأصابع. و في «مفتاح الكرامة» بعد نقل عبارة جماعة من الفقهاء القائلين باعتبار وصول الكفّ إلى الركبة في الانحناء للركوع، قال: و ما صرّح به في هذه الكتب قد تطابقت على معنى واحد؛ و هو اعتبار وصول جزء من باطن الكفّ و أنّه لا يكتفى برؤوس الأصابع، كما صرّح به في «البيان» و «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «الروض» و «الروضة»، بل في «جامع المقاصد»: لم أقف في كلام لأحد يعتدّ به على الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع في حصول الركوع، انتهى. قلت: هذا يدلّ على أنّه لم يفهم من إجماعي «المنتهي» و «الذكرى» ما لعلّه يفهم منهما من الاجتزاء بذلك. سلّمنا الظهور، لكن الإجماعات الأُخر توجب الصرف عن هذا الظاهر و توجب حمل قوله (عليه السّلام) في الخبر الذي رواه في «المعتبر» فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك(المعتبر 2: 193.) على أنّ المراد الوصول إلى مجموع عين الركبة؛ لأنّ من الأصابع الإبهام و باقي الأصابع بينها تفاوت؛ فإذا وصلت أطراف الكلّ إلى مجموع عين الركبة دخل جزء من باطن الكفّ، كما أشار إلى ذلك الأُستاذ أدام اللَّه حراسته في «حاشية المدارك»، أو يحمل على أنّ المراد بالأطراف الأطرافُ التي تلي الكفّ(مفتاح الكرامة 2: 416/ السطر 5.) انتهى موضع الحاجة من عبارة «مفتاح الكرامة». و العمدة في المسألة قولان: أحدهما: كفاية وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين في الانحناء، و عدم وجوب وصول كفّيه إليهما. و الثاني: وجوب وصولهما إليهما. و الأقوى هو الأوّل، و إن كان الثاني أحوط. و الدليل على الأوّل مضافاً إلى أصالة البراءة بالنسبة إلى الزائد عن وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين هو ذيل صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال و إذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أُحبّ إلى أن تمكّن كفّيك من ركبتيك(وسائل الشيعة 6: 334، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 28، الحديث 1.) و استدلّ للثاني بقاعدة الاشتغال، و الروايات الظاهرة أو الصريحة في وصول الكفّين إلى الركبتين، كصحيح حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ثمّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و تمكّن راحتيك من ركبتيك(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، و مثله صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) و النبوي المنقول عن «المعتبر» إذا ركعت فضع كفّيك على ركبتيك(المعتبر 2: 193.) و فيه: أنّ الشكّ في المقام في وجوب الزائد على وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين، و المرجع فيه البراءة، و أنّ الروايات المذكورة الدالّة على وصول الكفّين إلى الركبتين يشكل الاستدلال بها على الوجوب؛ لتضمّنها خصوصاً صحيح حمّاد جملة كثيرة من المستحبّات.

ص: 477

ص: 478

ص: 479

ص: 480

ص: 481

[ (مسألة 2): من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد]

(مسألة 2): من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد، فإن لم يتمكّن و لو بالاعتماد أتى بالممكّن منه، و لا ينتقل إلى الجلوس و إن تمكّن منه جالساً. نعم لو لم يتمكّن من الانحناء أصلًا انتقل إليه، و الأحوط صلاة أُخرى بالإيماء قائماً. و إن لم يتمكّن من الركوع جالساً أجزأ الإيماء حينئذٍ، فيومئ برأسه قائماً، فإن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع، و فتحهما للرفع منه. و يتحقّق ركوع الجالس بانحنائه بحيث يساوي وجهه ركبتيه، و الأفضل الأحوط الزيادة على ذلك بحيث يحاذي مسجده (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: يجب الركوع بالمقدار المتعارف بوصول أطراف الأصابع إلى الركبة مع التمكّن منه اختياراً بغير اعتماد على شي ء، و إذا لم يتمكّن منه إلّا بالاعتماد أتى به مع الاعتماد و لا ينتقل إلى الركوع جالساً؛ لكونه متمكّناً من الركوع قائماً مستنداً، و لا خلاف فيه على الظاهر، و عن «المعتبر» دعوى الإجماع عليه. و يشمله عموم قاعدة: «الميسور لا يسقط بالمعسور»؛ لأنّ المدار في جريانها في بعض الموارد كون المأمور به شيئاً ذا مراتب بنظر العرف بحيث يعدّ المأتي به عند العرف أحد مراتبه، كما فيما نحن فيه حيث إنّ الركوع عرفاً عبارة عن الانحناء و له مراتب، و إذا لم يتمكّن من مرتبة خاصّة اعتبرها الشارع للمتمكّن منه و تمكّن من مرتبته الأُخرى، أتى بها؛ لأنّ الانحناء الغير البالغ إلى الحدّ المعتبر شرعاً مصداق حقيقي للركوع العرفي. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد الاستدلال على المسألة بنفي الخلاف فيها و بإجماع «المعتبر»، قد نفى دلالة قاعدة الميسور عليها و قال: لا عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه؛ إذ هو لا يتمّ إلّا على تقدير كون الركوع مجموع الانحناء، أو أنّ الانحناء واجب في الصلاة و وصوله إلى حدّ الركوع واجب آخر، و الكلّ يمكن منعه؛ إذ الذي يقوى في النظر أنّه مقدّمة لتحصيل الركوع كهويّ السجود؛ لحصر واجبات الصلاة نصّاً و فتوى في غيرها، و لانسياق ذلك إلى الذهن لو فرض الأمر به للركوع و السجود؛ فالأصل براءة الذمّة من وجوبهما لأنفسهما في الصلاة و من وجوب القصد بهما للركوع و السجود؛ فليس هما إلّا مقدّمة خارجية(جواهر الكلام 10: 76.) انتهى. و فيه: أنّ الانحناء ليس مقدّمة للركوع، و لا يقاس على هويّ السجود؛ لأنّ حقيقة الركوع هو الانحناء لغة و شرعاً، و لكن الشرع اعتبر مرتبة خاصّة منه لمن تمكّن منها؛ فلا يكون الانحناء مقدّمة له. بخلاف الهويّ للسجود فإنّ السجود وضع الجبهة على الأرض، و الهويّ غيره. و مراده (رحمه اللَّه) من نحو عدم سقوط الميسور بالمعسور قاعدة: «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» و قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم(عوالي اللئالي 2: 235، السنن الكبرى، البيهقي 4: 326.) ، بناءً على كون «من» للتبعيض. المسألة الثانية: لو لم يتمكّن من الانحناء في الركوع أصلًا هل وظيفته الإيماء للركوع قائماً، أو يجب عليه الركوع جالساً مع التمكّن منه؟ ذهب إلى الأوّل جماعة؛ منهم الشيخ (رحمه اللَّه) في «المبسوط» و العلّامة (رحمه اللَّه) في «التذكرة» و «القواعد» و «التحرير» و «المنتهي» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و الشهيدان و صاحب «كشف اللثام» و «المدارك» و «الحدائق» و «مستند الشيعة» و «الرياض» و «الجواهر» و «مصباح الفقيه» للهمداني (رحمه اللَّه) و السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى». قال العلّامة في «التذكرة»: و لو تعذّر أومأ؛ لأنّه القدر الممكن فيقتصر عليه. و استدلّ لهذا القول برواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلأ و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال ليؤم برأسه إيماءً، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءً(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 11.) ، و الكرخي ممّن روى عنه ابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب، و للصدوق (رحمه اللَّه) إليه طريق. و ذهب إلى الثاني جماعة أُخرى؛ منهم السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها، و منهم المصنّف (رحمه اللَّه)، و مال إليه العلّامة الطباطبائي في «منظومته» و قال: و في انحناء من جلوس مطلقا دار مع الإيماء وجه ذو ارتقا(الدرة النجفية: 125.) و علّله في «الجواهر» بقوله: و لعلّه لأولوية إبدال القيام بالجلوس من الركوع بالإيماء(جواهر الكلام 10: 80.) انتهى. و لعلّ الوجه في تقديم الركوع جالساً على الركوع إيماءً قائماً ما ذكره السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «مستمسك العروة الوثقى» من كونه الميسور عرفاً، و أنّه أقرب إلى الصلاة التامّة من الإيماء قائماً. و ما دلّ على بدلية الإيماء عن الركوع قاصر عن شمول الفرض للقدرة على الركوع جالساً(مستمسك العروة الوثقى 6: 309.) انتهى. المسألة مشكلة جدّاً؛ من احتمال رجحان القيام الركني أعني المتّصل بالركوع فهذا يوجب الإيماء للركوع قائماً و يقدّم على الركوع جالساً، و من احتمال تقديم الركوع جالساً على الإيماء قائماً؛ لكونه ميسوراً لا يترك بالمعسور. و لا يترك الاحتياط بإتيان صلاتين: إحداهما بالركوع جالساً و الأُخرى بالإيماء للركوع قائماً. المسألة الثالثة: إن لم يتمكّن من الركوع أصلًا حتّى جالساً بأنحائه أجزأ الإيماء حينئذٍ، فيومئ برأسه قائماً إن تمكّن منه، و إن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع و فتحهما للرفع منه، بلا خلاف في المسألة. و يدلّ عليه خبر الكرخي المتقدّم. و السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» بعد القول بأنّه المعروف بين الأصحاب قال: بل في «المنتهي»: لو أمكنه القيام و عجز عن الركوع قائماً أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام، بل يصلّي قائماً و يومئ للركوع ثمّ يجلس و يومئ للسجود، و عليه علماؤنا(مستمسك العروة الوثقى 6: 309.) انتهى. و كأنّه (رحمه اللَّه) توهّم من كلام «المنتهي» قيام الإجماع على وجوب الإيماء للركوع قائماً على من لم يتمكّن من الركوع أصلًا، كما هو مفروض المسألة. و فيه: أنّ مورد الإجماع في كلام «المنتهي» وجوب الإيماء للركوع على العاجز من الركوع قائماً، لا أصلًا حتّى جالساً. المسألة الرابعة: في مقدار الانحناء للركوع جالساً، قال في «مفتاح الكرامة»: حكايةً عن الذكرى و كشف الالتباس و جامع المقاصد و الروض و المدارك إنّ لكيفيّته وجهين: الأوّل أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب، كالراكع قائماً بالنسبة إلى القائم المنتصب. الثاني: أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل ركوعه و أدناه؛ فإنّ أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره مع مدّ عنقه؛ فتحاذي جبهته موضع سجوده. و أدناه انحناؤه إلى أن تصل كفّاه إلى ركبتيه؛ فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من الأرض؛ و لا يبلغ محاذاة موضع السجود. فإذا روعيت هذه النسبة في حال السجود كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته مسجده، و أدناه محاذاة وجهه ما قدام ركبتيه(مفتاح الكرامة 2: 310/ السطر 3.) انتهى. و صاحب «الجواهر» بعد حكاية الوجهين في كيفية الانحناء للركوع من غير واحد من الأصحاب قال: إنّ الانحناء في الركوع لا بدّ منه، و لمّا لم يمكن تقديره ببلوغ الكفّين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعيّن الرجوع إلى أمر آخر به تتحقّق المشابهة للركوع من قيام. و فيه: أنّه متّجه لو لم يمكن له هيئة عرفية ينصرف إليها الذهن عند إطلاق الأمر به من جلوس؛ فالأولى حينئذٍ إناطته بذلك كما عن الأردبيلي(جواهر الكلام 9: 263.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الجبهة لا تحاذي موضع سجوده، لا في أكمل ركوع الجالس و لا في أكمل ركوع القائم، بل تحاذي من الأرض بما يقرب شبراً من مسجده و يبعد شبراً من ركبتيه في أكمل ركوع القائم و الجالس. و بعبارة اخرى: تحاذي جبهته من الأرض بما يقرب شبراً من مسجده في القائم و تحاذي بما بين مسجده و ركبتيه في الجالس، و هذا المقدار يتحقّق بالاختبار.

ص: 482

ص: 483

ص: 484

ص: 485

ص: 486

[ (مسألة 3): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع]

(مسألة 3): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع، فلو انحنى بقصد وضع شي ء على الأرض مثلًا لا يكفي في جعله ركوعاً، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء له (1).


1- لو انحنى لا بقصد الركوع كما لو هوى لسجدة العزيمة في النافلة أو لقتل موذٍ أو لقضاء حاجة و انتهى إلى حدّ الركوع فهل يكفي أن ينوي و يجعله ركوعاً، أو لا بل لا بدّ من القيام و الانتصاب ثمّ الانحناء له؟ ففي المسألة قولان، ذهب إلى كلّ جماعةٌ من فقهائنا: فعن العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: أنّه لا بدّ أن لا ينوي بالانحناء غير الركوع؛ فلو قرأ آية سجدة في النافلة فهوى ليسجد فلمّا بلغ حدّ الركوع بدا له أن يجعل ركوعاً لم يجزِ، بل يجب أن ينتصب ثمّ يركع. و وافقه الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «الذكرى» و كاشف اللثام و صاحب «الحدائق» و النراقي في «مستند الشيعة»، و يظهر من صاحب «الرياض» الميل إليه حيث اكتفى بذكر هذا القول و دليله، و إليه ذهب السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و المحشّون لها، و هذا القول هو المختار. و لا يخفى: أنّه لا يلزم على هذا القول زيادة ركوع في الصلاة و إن زاد ركوعاً لغوياً، و لكنّه غير مضرّ إذ ليس هو زيادة في الصلاة. و قد ادّعى في «الحدائق» أنّه أي كون زيادة الركوع اللغوي غير مضرّ ممّا لا خلاف فيه. و قد يستدلّ لكونه غير مضرّ برواية زكريا الأعور قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يصلّي قائماً و إلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحطّ أبو الحسن (عليه السّلام) و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمّ عاد إلى صلاته(وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 12، الحديث 1.) و بإطلاق موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهّد(وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) و استدلّ العلّامة في «التذكرة» للقول المذكور بأنّ الركوع هو الانحناء، و لم يقصده(تذكرة الفقهاء 3: 168.) يعني أنّ الأعمال بالنيات، و إنّما يتميّز الانحناء الركوعي من غيره بالنية و المفروض عدم قصد الركوع. و ذهب جماعة إلى كفايته؛ منهم العلّامة الطباطبائي في «منظومته» قال: و لو هوى لغيره ثمّ نوى صحّ كذا السجود بعد ما هوى إذ الهويّ فيهما مقدّمة خارجة لغيرها ملتزمة(الدرّة النجفية: 123.) و استجوده صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) قال: لو هوى غافلًا لا بقصد الركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حيّة أو عقرب ثمّ بدا له الركوع أو السجود صحّ، و علّله بأصالة البراءة من وجوب الهويّ لنفسه و من وجوب القصد به للركوع؛ لكونه مقدّمة خارجية(جواهر الكلام 10: 77.)

ص: 487

[ (مسألة 4): من كان كالراكع خِلقةً أو لعارض]

(مسألة 4): من كان كالراكع خِلقةً أو لعارض إن تمكّن من الانتصاب و لو بالاعتماد لتحصيل القيام الواجب ليركع عنه وجب، و إن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ فلا بدّ منه في الجملة و ما هو أقرب إلى القيام. و إن لم يتمكّن أصلًا،

ص: 488

وجب أن ينحني أزيد من المقدار الحاصل إن لم يخرج بذلك عن حدّ الركوع. و إن لم يتمكّن منه بأن لم يقدر على زيادة الانحناء، أو كان انحناؤه بالغاً أقصى مراتب الركوع؛ بحيث لو زاد خرج عن حدّه نوى الركوع بانحنائه، و لا يُترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضاً، و مع عدم تمكّنه من الإيماء، يجعل غمض العينين ركوعاً و فتحهما رفعاً على الأحوط، و أحوط منه أن ينوي الركوع بالانحناء مع الإيماء و غمض العين مع الإمكان (1).


1- من كان منحنياً ظهره و كان كالراكع خلقةً أو لعارض من كبر أو مرض إن تمكّن من الانتصاب التامّ و لو بالاعتماد على شي ء وجب عليه ذلك لتحصيل القيام الواجب حال القراءة و القيام المتّصل بالركوع، و هذا ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف. و إن لم يتمكّن من الانتصاب للقراءة بل تمكّن منه للركوع فقط فيقوم و ينحني للركوع لما ذكر. و إن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ و لكن تمكّن من الانتصاب في الجملة و ما هو أقرب إلى القيام و هو القيام الناقص وجب؛ لقاعدة الميسور. و إن لم يتمكّن من الانتصاب أصلًا و لكن تمكّن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حدّ الركوع وجب؛ لأنّ من كان قيامه بهيئة الانحناء مع عدم بلوغه حدّ الركوع لا يصدق عليه أنّه ركع إلّا بأن يزيد انحناؤه و لو يسيراً يبلغ معه حدّ الركوع، و لا وجه لوجوب الإيماء، كما عن السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، و لعلّه لتوهّم أنّ ركوعه لا يحدث عن القيام. و فيه: أنّ هيئته الكذائية قيامه و انحناؤه الزائد حاصل من قيامه. و إن لم يتمكّن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل، أو تمكّن منه و لكن لو انحنى و فعل الأزيد لخرج عن حدّ الركوع، فهل يجب الأزيد أو لا؟ فيه قولان؛ ذهب المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «القواعد» إلى وجوبه؛ تحصيلًا للفرق بين حالتي القيام و الركوع. و ذهب الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و صاحب «المسالك» و «المدارك» و «كشف اللثام» إلى عدم الوجوب و أنّ القائم على هيئة الراكع لا يجب عليه زيادة الانحناء اليسير لتحقّق حقيقة الركوع، و إنّما المنتفي هيئة القيام، و لا دليل على وجوب التفرقة عليه، و هذا القول هو المختار. و في «مستند الشيعة» بعد نقل القولين وجوب الانحناء يسيراً و عدم وجوبه في المسألة قال: و لا يخفى أنّ الركوع لو كان مطلق الهويّ و لو من انحناء لكان للقول الأوّل وجه، و لكنّه ليس كذلك بل هو الانحناء من الانتصاب؛ و على هذا فالركوع المأمور به لمثل هذا الشخص غير ممكن؛ فالتكليف به ساقط. و تحصيل الفرق خالٍ عن الدليل و إن استحبّ لفتوى «الفقيه». و لو قلنا بوجوب الإيماء بالرأس عليه لصدق عدم إمكان الركوع لم يكن بعيداً، و لو جمع بينه و بين يسير انحناء كان أحوط(مستند الشيعة 5: 197.) انتهى. و لا يترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضاً، و مع عدم تمكّنه منه يومئ بغمض العينين ركوعاً و فتحهما رفعاً على الأحوط؛ لاحتمال دخوله فيمن لا يمكنه الركوع الذي كان الواجب عليه الإيماء بدلًا عن الركوع، كما عن كاشف الغطاء. و أحوط منه أن ينوي الركوع بانحنائه؛ لكون انحنائه ركوعه، كما عن «التذكرة»؛ لأنّه حدّ الركوع و أن يومئ برأسه و غمض العين مع الإمكان. و أحوط من الأحوط تكرار الصلاة بالركوع جالساً أيضاً إن تمكّن منه.

ص: 489

ص: 490

[ (مسألة 5): لو نسي الركوع فهوى إلى السجود]

(مسألة 5): لو نسي الركوع فهوى إلى السجود، و تذكّر قبل وضع جبهته على الأرض، رجع إلى القيام ثمّ ركع، و لا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع، و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى، أو بعد رفع الرأس منها، فالأحوط العود إلى الركوع كما مرّ و إتمام الصلاة ثمّ إعادتها (1).


1- وجه وجوب الرجوع إلى القيام ثمّ الركوع عنه فيما لو نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكّر قبل وضع جبهته على الأرض و عدم كفاية القيام منحنياً إلى حدّ الركوع، هو وجوب تحصيل القيام المتّصل بالركوع؛ إمّا لكونه ركناً، و إمّا لكون الركن هو الركوع الحادث بالهويّ عن قيام. و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى أو بعد رفع الرأس منها فهل يوجب ذلك بطلان الصلاة و وجوب الإعادة أو لا؟ نسب القول بالبطلان إلى المفيد و السيّد المرتضى و سلّار و ابن إدريس و أبي الصلاح و ابن البرّاج و ابن أبي عقيل و جمهور المتأخّرين، و في «الحدائق»: أنّه المشهور. و استدلّ له بصحيح رفاعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم، قال يستقبل(وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل ينسى أن يركع، قال يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.) و رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يركع، قال عليه الإعادة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) و ذهب جماعة منهم السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و كثير من المحشّين لها إلى عدم بطلان الصلاة و أنّه يقوم و يركع من القيام ثمّ يسجد السجدتين، و زيادة الواجب أعني السجدة الواحدة غير مبطلة، كما لو وقع سهواً. و أمّا الأخبار المذكورة فهي مقيّدة بما تذكّر بعد السجدتين، كما في صحيح صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) و هو الظاهر من صحيح رفاعة المتقدّم حيث إنّ مورد السؤال القيام بعد السجدة، و هو ظاهر في إكمال السجدتين قبل الركوع. و لا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة لما ذكر، و إعادة الصلاة لما عن «الحدائق» من فتوى المشهور بالبطلان.

ص: 491

[ (مسألة 6): لو انحنى بقصد الركوع]

(مسألة 6): لو انحنى بقصد الركوع، و لمّا وصل إلى حدّه نسي و هوى إلى السجود، فإن تذكّر قبل أن يخرج من حدّه، بقي على تلك الحال مطمئنّاً و أتى بالذكر. و إن تذكّر بعد خروجه من حدّه، فإن عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آناً ما، فالأقوى السجود بلا انتصاب و إلّا فلا يترك الاحتياط بالانتصاب ثمّ الهُوِيّ إلى السجود و إتمام الصلاة و إعادتها (1).


1- في المسألة صور: الاولى: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود و كان النسيان قبل الوصول إلى حدّ الركوع انتصب قائماً ثمّ ركع، و لا يكفي الانتصاب إلى الحدّ الذي عرض فيه النسيان ثمّ الركوع؛ و ذلك لاعتبار كون الركوع متّصلًا بالقيام و حادثاً عن قيام، و المفروض انقطاع الاتّصال بالانحناء الغير المقصود للركوع و الفاصل بين القيام و الركوع. الثانية: لو انحنى بقصد الركوع و عرض النسيان بعد الوصول إلى حدّ الركوع و تذكّر قبل أن يخرج من حدّه وجب عليه البقاء على تلك الحال مطمئنّاً و أتى بالذكر و صحّ ركوعه؛ لأنّ المفروض كون ركوعه عن قيام و أنّ النسيان عرض في حال الركوع و زال قبل أن يخرج من حدّه. و في «المستمسك»: و لا ينافي ذلك الفصل بينه و بين مسمّى الركوع الحاصل قبل طروّ النسيان. إذ لا دليل على قدح مثله، و الأصل البراءة من قادحيته(مستمسك العروة الوثقى 6: 319.) انتهى. الثالثة: إذا انحنى من القيام بقصد الركوع و عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آناً ما و تذكّر بعد خروجه من حدّه ففي المسألة وجوه: أحدها: وجوب العود إلى حدّ الركوع و الإتيان بالذكر مطمئنّاً. ثانيها: العود إلى القيام و استئناف الركوع عن قيام، كمن هوى من القيام إلى السجود و تذكّر قبل السجود. ثالثها: القيام بقصد الرفع عن الركوع ثمّ الهويّ إلى السجود. و الأخير هو الأقوى؛ لأنّ المفروض إتيان الركوع متّصلًا بالقيام، و لكن لا يترك الاحتياط بالعود إلى القيام و استئناف الركوع من قيام و إتمام الصلاة ثمّ إعادتها. الرابعة: إذا انحنى بقصد الركوع و نسي بعد الخروج عن حدّه فالأحوط إتمام الصلاة إمّا بالعود إلى القيام ثمّ الانحناء للركوع؛ و ذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع. و في «المستمسك»: هذا الاحتمال يبتني على كون الركوع الانحناء المنتهى بين الحدّين؛ فمع فرض توالي الهويّ و عدم انتهاء الانحناء لم يتحقّق الركوع؛ فلا بدّ من تداركه بالانتصاب ثمّ الانحناء عنه إلى أن ينتهي بين الحدّين(مستمسك العروة الوثقى 6: 319.) انتهى. و إمّا بالقيام بقصد رفع الرأس من الركوع ثمّ الهويّ للسجود؛ و ذلك لاحتمال كونه من باب نسيان الذكر و الطمأنينة، و هو لا يقدح في الصحّة، و بعد إتمام الصلاة بأحد الوجهين يعيدها.

ص: 492

ص: 493

[ (مسألة 7): يجب الذكر في الركوع]

(مسألة 7): يجب الذكر في الركوع، و الأقوى الاجتزاء بمطلقه، و الأحوط كونه بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى، كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من الصغرى، و هي «سبحانَ اللَّه» أو الكبرى الواحدة، و هي «سُبحانَ ربّيَ العظيمِ و بحمدِهِ»، و الأحوط الأولى اختيار الأخيرة، و أحوط منه تكرارها ثلاثاً (1).


1- الوجه في وجوب الذكر في الركوع هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة كثيرة من فقهائنا، كالشيخ في «الخلاف» قال: التسبيح في الركوع و السجود واجب. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة. و العلّامة في «التذكرة» قال: و يجب فيه الذكر عند علمائنا أجمع، و قريب منه عبارته في «المنتهي». و في «المدارك»: أجمع الأصحاب على وجوب الذكر في الركوع، و وافقنا من العامّة أحمد و قال: إذا تركه عمداً لا تبطل الصلاة، و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك بعدم الوجوب.و لا يخفى: أنّ التعبير في بعض الروايات بالفريضة يدلّ على وجوب الذكر، كما في حسنة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال تقول في الركوع سبحان ربّي العظيم، و في السجود سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة و السنّة ثلاث و الفضل في سبع(وسائل الشيعة 6: 299، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 1.) و هل يجب ذكر مخصوص، أو يكفي مطلق الذكر من التسبيح أو التحميد أو التهليل أو التكبير أو غيرها ممّا يتضمّن الثناء على اللَّه تعالى؟ نسب إلى الأكثر بل المشهور بين القدماء تعيّن التسبيح، بل في «الغنية» و عن «الانتصار» و «الخلاف» و «الوسيلة» الإجماع عليه. و قال جماعة بالاجتزاء بمطلق الذكر، كما عن الشيخ في «المبسوط» و «العلّامة» في جملة من كتبه، بل عن «السرائر» نفي الخلاف عنه. و القائلون بتعيّن التسبيح اختلفوا في الاجتزاء بمطلق التسبيح و أنّه مخيّر بين الواحدة الصغيرة و الأكثر و الكبرى كما هو ظاهر «الغنية» و «الانتصار»، أو هو مخيّر بين التسبيحة الكبرى و ثلاث صغريات كما هو ظاهر ابني بابويه و الشيخ في «التهذيب»، و عن «نهاية» الشيخ إيجاب خصوص التسبيحة الكبرى، و نسب العلّامة في «التذكرة» إلى بعض علمائنا القول بوجوب ثلاث كبريات. و الأقوى تبعاً لجماعة كثيرة من فقهائنا الاجتزاء بمطلق الذكر. و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إله إلّا اللَّه و الحمد للَّه و اللَّه أكبر؟ فقال نعم، كلّ هذا ذكر اللَّه(وسائل الشيعة 6: 307، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 7، الحديث 1.) حيث إنّ الجواب صريح في أنّ المجزي هو ذكر اللَّه؛ أيّ ذكر كان.و مثله صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و قال: سألته يجزي عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 307، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 7، الحديث 2.) و استدلّ في «المستمسك» على كفاية مطلق الذكر بحسن مسمع أبي سيّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلًا، و ليس له و لا كرامة أن يقول: سبّح سبّح سبّح(وسائل الشيعة 6: 302، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 5، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّه يدلّ على الاجتزاء بمطلق الذكر غير التسبيح، و لكنّه بمقدار ثلاث تسبيحات؛ فلا دلالة فيه على الاجتزاء بمطلقه و لو بتسبيحة واحدة أو مقدارها من غيرها. و الأحوط كون الذكر بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى. كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من التسبيحة الصغرى؛ و هي «سبحان اللَّه». و يدلّ عليه موثّق سماعة قال: سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن؟ قال نعم، قول اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا ، قلت: كيف حدّ الركوع و السجود؟ فقال أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان اللَّه سبحان اللَّه سبحان اللَّه ثلاثاً(وسائل الشيعة 6: 303، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 5، الحديث 3.) أو اختيار التسبيحة الكبرى الواحدة. و يدلّ عليه حسن هشام بن سالم المتقدّم فقال تقول في الركوع سبحان ربّي العظيم ، و هو الدليل على أنّ الأحوط تكرار التسبيحة الكبرى ثلاثاً. و يدلّ على تكرارها ثلاثاً أيضاً خبر أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) تدري أيّ شي ء حدّ الركوع و السجود؟ فقلت: لا، قال سبّح في الركوع ثلاث مرّات سبحان ربّي العظيم و بحمده، و في السجود سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبّح فلا صلاة له(وسائل الشيعة 6: 301، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 7.)

ص: 494

ص: 495

ص: 496

[ (مسألة 8): يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب]

(مسألة 8): يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب، فإن تركها عمداً بطلت صلاته، بخلافه سهواً؛ و إن كان الأحوط الاستئناف معه أيضاً. و لو شرع في الذكر الواجب عامداً قبل الوصول إلى حدّ الركوع، أو بعده قبل الطمأنينة، أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن اسمه أو بعده، لم يجز الذكر المزبور قطعاً، و الأقوى بطلان صلاته، و الأحوط إتمامها ثمّ استئنافها، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً؛ لو جاء به كذلك بقصد الخصوصيّة، و إلّا فلا إشكال. و لو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت، لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع، و يجب أيضاً رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً مطمئنّاً، فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت صلاته (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: وجوب الطمأنينة حال ذكر الركوع إجماعي محصّلًا و منقولًا، قد ادّعاه أكثر علمائنا في المسألة؛ قال في «التذكرة»: و يجب فيه بعد الانحناء الطمأنينة، و معناها السكون بحيث تستقرّ أعضاؤه في هيئة الركوع و ينفصل هويّه عن ارتفاعه منه عند علمائنا أجمع، كذا في «المنتهي». و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّه المنقول من فعل النبي و الأئمّة المعصومين، عليه و عليهم الصلاة و السلام المرسل المروي في «الذكرى» ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعاً، ثمّ ارفع رأسك حتّى تعتدل قائماً، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً، ثمّ ارفع حتّى تستوي قائماً(ذكرى الشيعة 3: 363.) و كذا المروي في «قرب الإسناد» فإذا ركع فليتمكّن(وسائل الشيعة 4: 35، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 14.) ، و ضعف سند الروايتين منجبر بالإجماع. و قد يستدلّ أيضاً على وجوب الطمأنينة حال الذكر في الركوع بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: بينا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جالس في المسجد إذا دخل رجل فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه و لا سجوده، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني(وسائل الشيعة 6: 298، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 3، الحديث 1.) و رواية عبد اللَّه بن ميمون القدّاح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أبصر علي بن أبي طالب (عليه السّلام) رجلًا ينقر صلاته، فقال: منذ كم صلّيت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل: منذ كذا و كذا، فقال: مثلك عند اللَّه مثل الغراب إذا نقر، لو متّ متّ على غير ملّة أبي القاسم محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ قال عليّ (عليه السّلام): إنّ أسرق الناس مَن سرق من صلاته(وسائل الشيعة 4: 36، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 9، الحديث 2.) و النبوي المحكي عن «الذكرى» لا تجزي صلاة الرجل حتّى يقيم ظهره في الركوع و السجود(ذكرى الشيعة 3: 367.) و يرد على الاستدلال المزبور: أنّ عدم إتمام الركوع يحتمل أن يكون لأجل عدم الانحناء بالقدر الواجب المقرّر في الشرع، أو لأجل عدم إتمام الذكر في الركوع و السجود، أو لعدم الانتصاب بعدهما. و في «مستند الشيعة»: و أمّا التشبيه بالنقر الظاهر في عدم الإتيان بالطمأنينة فيحتمل أن يكون في السجود خاصّة، بل هو الظاهر؛ فتفيد في إثبات الطمأنينة فيه(مستند الشيعة 5: 200.) انتهى. أجاب في «المستمسك» عن الاستدلال بصحيح زرارة و رواية القدّاح بقوله: لكنّه إنّما يدلّ على وجوب الاستمرار راكعاً بمقدار الذكر و لو كان بحيث يتمايل عن أحد الجانبين إلى الآخر، في قبال الاستعجال برفع الرأس الذي به يكون ركوعه كنقر الغراب، و لا يرتبط بما نحن فيه(مستمسك العروة الوثقى 6: 303.) انتهى. هذا كلّه في الجواب عن الاستدلال بصحيح زرارة و رواية القدّاح. و أمّا الجواب عن الاستدلال بالنبوي المحكي عن «الذكرى»: فيحتمل أن يكون المراد من إقامة الظهر في الركوع اعتداله مقابل تقوّسه؛ فيكون إشارة إلى ما في صحيح حمّاد: «و ردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل؛ لاستواء ظهره»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) فلا يرتبط بالطمأنينة. و قد يستدلّ أيضاً على وجوب الطمأنينة في حال ذكر الركوع بتوقّف الذكر الواجب فيه عليها. و فيه: أنّ التوقّف ممنوع؛ لجواز الانحناء في الركوع زائداً على القدر المتعارف و الذكر في أثنائه بدون الطمأنينة؛ و ذلك لصحيح إسماعيل بن بزيع قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يركع ركوعاً أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، و كان إذا ركع جنح بيديه(وسائل الشيعة 6: 323، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 1.) المسألة الثانية: إذا كانت الطمأنينة في حال ذكر الركوع واجبةً كان تركها عمداً موجباً لبطلان الصلاة؛ للإخلال العمدي بالواجب. و اختلف فقهاؤنا في كونها ركناً؛ فنسب إلى الشيخ في «الخلاف» القول بركنيتها و دعوى الإجماع عليها. و فيه: أنّ القدر المتيقّن من معقد الإجماع بطلانها مع الترك العمدي؛ لأنّ المشهور لو لم يكن مجمعاً عليه هو عدم بطلان الصلاة بالإخلال بالطمأنينة في الركوع سهواً. نعم بناءً على كون الطمأنينة جزءً من الركوع أو شرطاً شرعاً في الركوع يكون تركها سهواً موجباً لبطلان الصلاة؛ أمّا بناءً على الجزئية فلانتفاء الركن الركوعي بانتفاء جزئه، و أمّا بناءً على الشرطية فلأنّ الركن هو الركوع الصحيح شرعاً فلا يصحّ مع ترك شرطه و لو سهواً. و لكن جزئيتها غير ثابتة؛ لأنّ حقيقة الركوع الشرعي عبارة عن الانحناء بالمقدار المقرّر فهو الواجب. و أمّا شرطيتها فلو قلنا بظهور الأخبار المتقدّمة في كونها شرطاً للركوع لا واجباً مستقلا كالذكر فيه فقضية ما في بعضها من الإطلاق شموله لحال السهو كسائر المطلقات المسوقة لبيان الحكم الوضعي؛ فيتّجه حينئذٍ الالتزام ببطلان الصلاة بترك الطمأنينة سهواً. و لكن فتوى المشهور و لو لا الإجماع بعدم البطلان مع تركها سهواً تكشف عن كونها واجباً مستقلا حال الركوع كالذكر. قد يقال ببطلان الصلاة التي تركت الطمأنينة في ركوعها سهواً بناءً على كونها شرطاً له؛ و ذلك لحديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمس: الوقت و القبلة و الطهور و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) و فيه: أنّ الحديث ظاهر في تركه أصلًا، لا جزءً أو شرطاً مع إتيان أصله. و مع الشكّ في صحّة الصلاة التي تركت الطمأنينة في ركوعها سهواً فالمرجع البراءة. و في «المستمسك»: و كذا لو شكّ في دخولها في مفهوم الركوع عرفاً؛ إذ مع إجمال المفهوم أيضاً يرجع إلى أصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 6: 305.) و الأحوط إتمام الصلاة ثمّ استئنافها؛ لفتوى الشيخ و دعواه الإجماع على ركنية الطمأنينة. و في «الجواهر»: نعم لا محيص عن القول بالركنية بناءً على وجوب الاحتياط في العبادة و أنّ الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني؛ خصوصاً لو قلنا بالوضع الشرعي في الركوع؛ إذ يكفي الشكّ في حصول مسمّاه حينئذٍ أو الصحيح منه؛ لأنّه يكون حينئذٍ كباقي ألفاظ العبادة موضوعاً للصحيح أيضاً؛ فلا يحصل اليقين بالبراءة حينئذٍ إلّا بالركوع المشتمل على الطمأنينة(جواهر الكلام 10: 85.) انتهى. ثمّ إنّ مقتضى وجوب الطمأنينة حال الذكر بطلان الصلاة فيما إذا شرع في الذكر الواجب عامداً قبل الوصول إلى حدّ الركوع، أو بعده و قبل الطمأنينة، أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن مسمّى الركوع؛ بأن كان منحنياً للركوع أزيد من الحدّ المتعارف؛ و حينئذٍ يكون إتمام الذكر في حال الركوع و لكن رافعاً لا مطمئنّاً، و كذا لو أتمّه حال الرفع بعد الخروج عن مسمّى الركوع. فيبطل الصلاة في جميع هذه الصور لأجل ترك الواجب عمداً، و الواجب هو إتيان تمام الذكر في حال الركوع مطمئنّاً.و الأحوط استحباباً إتمام الصلاة ثمّ استئنافها. و وجه الاحتياط ما ذكره صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) من أنّ الظاهر إرادته أي الشيخ من الإجماع على ركنية الطمأنينة في الركوع مسمّاها لا الممتدّة بقدر ما يؤدّي واجب الذكر مع القدرة. و ربّما مال إليه الشهيد في «الذكرى» قال: و كان الشيخ يقصر الركن منها على استقرار الأعضاء و سكونها، و الحديث دالّ عليه؛ و لأنّ مسمّى الركوع لا يتحقّق يقيناً إلّا به، أمّا الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها(جواهر الكلام 10: 84.) انتهى. هذا كلّه في الطمأنينة حال الذكر الواجب. و أمّا الطمأنينة حال الذكر المستحبّ فلو جاء به بقصد الذكر المستحبّ في الركوع يعتبر فيه الطمأنينة بحيث لو تركها عمداً بطلت صلاته على الأقوى، و الأحوط إتمامها ثمّ استئنافها. و وجه البطلان هو الإجماع المدّعى في كلام العلّامة الطباطبائي و صاحب «الجواهر» على اعتبار الاستقرار في جميع أفعال الصلاة و أذكارها، بل في حال القنوت و الأذكار المستحبّة، قال العلّامة الطباطبائي في «منظومته»: و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود يعمّ حال فرض تلك الأربعة الندب بالإجماع في فرض السعة و هو بمعنى الشرط في المندوب فلا ينافي عدم الوجوب(الدرّة النجفية: 95.) و أمّا إذا جاء بالذكر المستحبّ بما أنّه ذكر مطلق لا بقصد خصوصية الذكر المستحبّ في خصوص الركوع فلا إشكال في عدم بطلان الصلاة بترك الطمأنينة؛ لحسن الذكر في كلّ حال من حالات الصلاة. المسألة الثالثة: لو لم يتمكّن من الطمأنينة لعذر من مرض أو غيره سقطت عنه، كما لو كان العذر في أصل الركوع؛ و ذلك لامتناع التكليف بالمحال، فيركع بلا طمأنينة؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور. و لا ينتقل من الركوع قائماً بدون الطمأنينة إلى الركوع جالساً حتّى مع المشقّة التي لا تتحمّل إذ لا دليل على البدلية، بل تسقط الطمأنينة. و يجب ذكر الركوع بتمامه في حدّ الركوع مع القدرة؛ حتّى أنّه يجب عليه زيادة الهويّ كي يبتدئ بالذكر في أوّل حدّ الراكع و ينتهي بانتهاء الهويّ؛ فلا يسقط وجوب الذكر في حدّ الركوع مع إمكانه بتعذّر الطمأنينة. فلو أتى القادر بالذكر حال الركوع قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو أتمّه حال الرفع لم يجتزي بالذكر قطعاً. و عن «جامع المقاصد»: أنّه تبطل صلاته، خلافاً للشهيد فقد حكي عنه في «الذكرى»: أنّه لو تعذّرت الطمأنينة أجزء زيادة الهويّ و يبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حدّ الراكع و ينتهي بانتهاء الهويّ. و هل يجب هذا الهويّ لتحصيل الذكر في حدّ الراكع؟ الأقرب لا؛ للأصل، فحينئذٍ يتمّ الذكر رافعاً رأسه(ذكرى الشيعة 3: 367.) و فيه: أنّ ما دلّ على وجوب الذكر أوجبه في الركوع لا حال الرفع، و سقوط شرطية الطمأنينة للعذر لا يقتضي ارتفاع شرطية كون الذكر بتمامه في حال الركوع؛ فهو واجب زائداً على وجوب الطمأنينة حال الذكر، و ميسور له فلا يسقط بالمعسور. المسألة الرابعة: يجب رفع الرأس من الركوع بعد إتمام الذكر في حال الركوع. و الدليل على وجوبه هو الإجماع المعبّر عنه في كلمات فقهائنا بعبارات مختلفة؛ ففي «المعتبر»: هو مذهب علمائنا، و في «المنتهي»: ذهب إليه علماؤنا، و في «الخلاف» و «الوسيلة» و «الغنية» و «التذكرة» و «الذكرى» و «جامع المقاصد» و «المدارك» و «المفاتيح» و «كشف اللثام» عبّروا بلفظ الإجماع. و لا يعتنى بما حكي عن العلّامة في «نهاية الإحكام» من أنّه لو ترك الاعتدال في الركوع و السجود في صلاة النفل لم تبطل؛ لأنّه ليس ركناً في الفرض، فكذا في النفل؛ لندرته و مخالفته للإجماع المدّعى في كلام نفسه في «التذكرة» و «المنتهي». و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع النصوص المستفيضة: منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه(وسائل الشيعة 6: 321، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 16، الحديث 2.) و في رواية أُخرى عنه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتّى ترجع مفاصلك(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و صحيح حمّاد: «ثمّ استوى قائماً»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و ضعف سند بعض الروايات منجبر بالإجماع.

ص: 497

ص: 498

ص: 499

ص: 500

ص: 501

ص: 502

ص: 503

[ (مسألة 9): يستحبّ التكبير للركوع و هو قائم منتصب]

(مسألة 9): يستحبّ التكبير للركوع و هو قائم منتصب، و الأحوط عدم تركه. و يستحبّ رفع اليدين حال التكبير، و وضع الكفّين مُفرّجات الأصابع على الرُّكبتين حال الركوع، و الأحوط عدم تركه مع الإمكان. و كذا يستحبّ ردّ الرُّكبتين إلى الخلف و تسوية الظهر و مدّ العنق و التجنيح بالمِرفَقين،

ص: 504

و أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين، و اختيار التسبيحة الكبرى، و تكرارها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بل أزيد، و رفع اليدين للانتصاب من الركوع، و أن يقول بعد الانتصاب: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ»، و أن يكبّر للسجود و يرفع يديه له. و يكره أن يطأطئ رأسه حال الركوع، و أن يضمّ يديه إلى جنبيه، و أن يُدخل يديه بين ركبتيه (1).


1- المستحبّات و المكروهات المذكورة في هذه المسألة كلّها مشهورة عند فقهائنا، و أكثرها مجمع عليها. و قد ورد استحباب التكبير للركوع و هو قائم منتصب في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللَّه أكبر، ثمّ اركع(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمّ اركع و اسجد(وسائل الشيعة 6: 296، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 1.) ، و هذا الصحيح يدلّ أيضاً على استحباب رفع اليدين حال التكبير للركوع. و الأحوط عدم ترك التكبير للركوع؛ و ذلك لفتوى جماعة على وجوبه كابن أبي عقيل و سلّار الديلمي، و نسب إلى السيّد المرتضى القول بالوجوب و دعوى الإجماع عليه. و استدلّوا بظاهر الأمر الوارد به في النصوص. و يرد عليهم: أنّ الأمر محمول على الاستحباب بقرينة الشهرة العظيمة على الاستحباب. و استدلّ على استحبابه برواية أبي بصير قال: سألته عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير، قال تكبيرة واحدة(وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 5.) و فيه: أنّه يحتمل أن يكون المراد من تكبيرة واحدة تكبيرة الافتتاح. و خبر الفضل في «العلل» و «عيون الأخبار» عن الرضا (عليه السّلام) قال إنّما ترفع اليدان بالتكبير لأنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتّل و التضرّع، فأحبّ اللَّه عزّ و جلّ أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتّلًا متضرّعاً مبتهلًا، و لأنّ في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال. و زاد في «العلل» و قصد؛ لأنّ الفرض من الذكر إنّما هو الاستفتاح، و كلّ سنّة فإنّما تؤدّى على جهة الفرض، فلمّا أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحبّ أن يؤدّوا السنّة على جهة ما يؤدّى الفرض(وسائل الشيعة 6: 29، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 11.) و يدلّ على استحباب وضع الكفّين مفرّجات الأصابع على الركبتين حال الركوع صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) و الأحوط عدم ترك وضع الكفّين على الركبتين؛ و ذلك للأمر الوارد به في بعض الأخبار، كالنبوي المرسل ضع كفّيك على ركبتيك(مسند الإمام أحمد بن حنبل 1: 287/ السطر 13.) و فيه: أنّ غير واحد من علمائنا ادّعوا الإجماع على عدم اعتبار وضع الكفّين على الركبتين في الركوع؛ فيكون الأمر في النبوي و غيره محمولًا على إرادة الانحناء المعتبر في الركوع بمقدار يمكنه ذلك. و يدلّ على ردّ الركبتين إلى الخلف و تسوية الظهر و مدّ العنق صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «و ردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره؛ حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل؛ لاستواء ظهره و تردّد ركبتيه إلى خلفه و نصب عنقه»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال و أقم صلبك و مدّ عنقك(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و يدلّ على التجنيح بالمرفقين صحيح إسماعيل بن بزيع قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يركع ركوعاً أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، و كان إذا ركع جنح بيديه(وسائل الشيعة 6: 323، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 1.) و تدلّ على اختيار التسبيحة الكبرى و تكرارها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بل أزيد أحاديث يدلّ بعضها على بعض المذكورات، كرواية هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: لأيّ علّة يقال في الركوع: «سبحان ربّي العظيم و بحمده»؟ و يقال في السجود: «سبحان ربّي الأعلى و بحمده»؟ فقال يا هشام إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا اسري به و صلّى و ذكر ما رأى من عظمة اللَّه ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده، فلمّا اعتدل من ركوعه قائماً نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه و هو يقول: سبحان ربّي الأعلى و بحمده، فلمّا قالها سبع مرّات سكن ذلك الرعب؛ فلذلك جرت به السنّة(وسائل الشيعة 6: 328، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 21، الحديث 2.) و حسنة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة و السنّة ثلاث و الفضل في سبع(وسائل الشيعة 6: 299، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 1.) و موثّق حمزة بن حمران و الحسن بن زياد العطّار قالا: دخلنا على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عنده قوم فصلّى بهم العصر و قد كنّا صلّينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربّي العظيم أربعاً أو ثلاثاً و ثلاثين مرّة(وسائل الشيعة 6: 304، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 6، الحديث 2.) و في «الوسائل» بعد ذكر الحديث هكذا و قال أحدهما أي حمزة و الحسن في حديثه: و بحمده في الركوع و السجود. و يدلّ على رفع اليدين للانتصاب من الركوع صحيح معاوية بن عمّار قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود، و إذا أراد أن يسجد الثانية(وسائل الشيعة 6: 296، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 2.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال هي العبودية(وسائل الشيعة 6: 297، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 3.) و يدلّ على تكبيرة للسجود و رفع يديه له صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمّ اركع و اسجد(وسائل الشيعة 6: 296، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 1.) و خبر أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال لمّا نزلت على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال: يا محمّد إنّها ليست نحيرة و لكنّها رفع الأيدي في الصلاة(وسائل الشيعة 6: 29، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 13.) و في «مجمع البيان» و لكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع و إذا سجدت؛ فإنّه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، و إنّ لكلّ شي ء زينة و إنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة(مجمع البيان 10: 837.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و يدلّ على كراهة طأطأة الرأس أي خفضها و سترها حال الركوع بحيث لا يساوي ظهره مرفوع القاسم بن سلام عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إنّه نهى أن يدبح الرجل في الصلاة كما يدبح الحمار(وسائل الشيعة 6: 323، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 3.) قال: و معناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتّى يكون أخفض من ظهره. و رواية علي بن عقبة قال: رآني أبو الحسن (عليه السّلام) بالمدينة و أنا أُصلّي و أُنكّس برأسي و أتمدّد في ركوعي، فأرسل إليّ لا تفعل(وسائل الشيعة 6: 325، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 19، الحديث 1.) و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ علياً (عليه السّلام) كان يعتدل في الركوع مستوياً؛ حتّى يقال: لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك، و كان يكره أن يحدر رأسه و منكبيه في الركوع، و لكن يعتدل(وسائل الشيعة 6: 325، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 19، الحديث 3.)و أمّا كراهة ضمّ اليدين إلى جنبيه حال الركوع فلم يدلّ عليه دليل بالخصوص، و في «المستمسك»: و كأنّه مستفاد ممّا دلّ على استحباب التجنيح(مستمسك العروة الوثقى 6: 341.) انتهى. و أمّا إدخال يديه بين ركبتيه المعبّر عنه بالتطبيق فقد عدّه في «الذكرى» من مكروهات الركوع، و قال: لا يحرم على الأقرب، و هو قول أبي الصلاح و الفاضلين. و ظاهر «الخلاف» و ابن الجنيد التحريم؛ و حينئذٍ يمكن البطلان للنهي عن العبادة كالتكتّف و يمكن الصحّة لأنّ النهي عن وصف خارج(ذكرى الشيعة 3: 372.) انتهى. و لم يرد في الأخبار نهي عن ذلك، و الأحوط اجتنابه؛ لحكاية الشهيد الفتوى عن ظاهر «الخلاف» و ابن الجنيد على الحرمة.

ص: 505

ص: 506

ص: 507

ص: 508

ص: 509

ص: 510

[القول في السجود]

القول في السجود

[مسائل]

[ (مسألة 1): يجب في كلّ ركعة سجدتان، و هما معاً ركن]

(مسألة 1): يجب في كلّ ركعة سجدتان، و هما معاً ركن؛ تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في الركعة الواحدة و نقصانهما كذلك عمداً أو سهواً، فلو أخلّ بواحدة زيادةً أو نقصاناً سهواً فلا بطلان. و لا بدّ فيه من الانحناء و وضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه. و هذا مدار الركنيّة و الزيادة العمديّة و السهويّة (1).


1- السجدة في اللغة لها معانٍ: منها الخضوع و الإذلال، و في اصطلاح الشرع و المتشرّعة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتته ممّا لا يؤكل و لا يلبس بقصد التعظيم. و هي على أقسام: السجدة للصلاة و تشمل قضاء السجدة المنسية و سجدة السهو و التلاوة و الشكر و التذلّل و التعظيم. و يجب في كلّ ركعة من الصلوات فريضةً كانت أو نافلة سجدتان إجماعاً، و قيل: هو من ضروريات الدين، و الأخبار الدالّة عليه فوق حدّ التواتر. و هما معاً ركن في الصلاة إجماعاً، و تبطل بزيادتهما معاً في كلّ ركعة عمداً أو سهواً، و نقصانهما كذلك إجماعاً أيضاً. و أمّا زيادة السجدة الواحدة فإن كان عمداً فتبطل الصلاة بلا خلاف، و نقصانها عمداً موجب للبطلان بلا كلام. و في نقصانها سهواً خلاف بين الأصحاب؛ فنسب إلى جماعة البطلان؛ منهم ثقة الإسلام الكليني (رحمه اللَّه) في «الفتاوى السبع عشر»، و السيّد في «الجمل»و «الحلبيات» و ابن إدريس في «السرائر» و غيرهم، و نسب إلى «الغنية» دعوى الإجماع عليه. و استدلّ عليه بقاعدة الشغل، و إطلاق حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة.(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) بناءً على شمولها لصورتي الزيادة و النقيصة. و في خصوص الزيادة بإطلاق صحيح أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام) قال من زاد في صلاته فعليه الإعادة(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) و فيه مضافاً إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً على الصحّة أنّه قد ورد في بعض الأخبار أنّه لا تعاد الصلاة بزيادة سجدة واحدة سهواً؛ ففي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، قال لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال لا و اللَّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة ، و قال لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و ورد في بعضها الآخر أنّه يمضي في صلاته إذا نسي سجدة واحدة؛ ففي صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها؛ فإنّها قضاء ، قال: و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض.(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) الحديث. و موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث أنّه سئل عن رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع، قال يمضي في صلاته و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته ، قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال يقضي ما فاته إذا ذكره(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّه لا بدّ في صدق السجدة من الانحناء و وضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه، و أنّ ركنية السجود للصلاة تدور مدار وضع الجبهة على تلك الوجه، فتحصل الزيادة و النقيصة به دون سائر المساجد؛ فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة، كما أنّه لو وضع سائرها و لم يضع الجبهة يصدق تركها.

ص: 511

ص: 512

و يُعتبر فيه أُمور أُخر لا مدخلية لها في ذلك:

منها: السجود على ستّة أعضاء: الكفّين و الرُّكبتين و الإبهامين. و المعتبر باطن الكفّين، و الأحوط الاستيعاب العرفي، هذا مع الاختيار. و أمّا مع الاضطرار فيُجزي مسمّى الباطن، و لو لم يقدر إلّا على ضمّ الأصابع إلى كفّه و السجود عليها يجتزي به، و مع تعذّر ذلك كلّه يجزي الظاهر، و مع عدم إمكانه أيضاً لقطع و نحوه ينتقل إلى الأقرب من الكفّ (1).


1- يجب في السجدة وضع المساجد السبعة المعروفة على الأرض؛ و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و الإبهامان من الرِّجلين إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاماً. أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن ميمون القدّاح عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه و رجليه و ركبتيه و جبهته(وسائل الشيعة 6: 345، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 8.) و صحيح حمّاد: «و سجد على ثمانية أعظم: الجبهة و الكفّين و عيني الركبتين و أنامل إبهامي الرجلين و الأنف؛ فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنّة، و هو الإرغام»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و هل يعتبر وضع باطن الكفّين بحيث لا يجزي وضع ظاهرهما على الأرض؟ و قد عبّر في بعض الروايات باليدين، و اليد تشمل الظاهر و الباطن كما في صحيح زرارة المتقدّم، و كذا رواية عبد اللَّه بن ميمون المتقدّم، و عبّر في بعضها الآخر بالكفّين كما في صحيح إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) أنّه قال إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض، لعلّ اللَّه يدفع عنه الغلّ يوم القيامة(وسائل الشيعة 6: 344، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 6.) و في «الجواهر»: يجب حمل اليد عليهما؛ سيّما مع كونه المعهود من أهل الشرع عند فعل السجود. إلى أن قال: ثمّ إنّ المنساق إلى الذهن و المتعارف في الوضع عند السجود الموافق للاحتياط هو الباطن من الكفّين، بل نسب في «الذكرى» وجوب ذلك إلى أكثر الأصحاب تأسّياً بالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أهل بيته (عليهم السّلام)، بل في المحكي عن «نهاية الإحكام» و «التذكرة»: أنّ ظاهر علمائنا وجوب تلقّي الأرض ببطون راحته(جواهر الكلام 10: 138.) انتهى. فالمعتبر باطن الكفّين؛ لما ذكر من التأسّي بالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أهل بيته (عليهم السّلام)، و هو المتعارف في سجدة المتشرّعة، و لأنّ المرجع أصالة التعيين عند الشكّ في التعيين و التخيير. و الأحوط لزوماً استيعاب باطن الكفّين عرفاً مع الاختيار، و لا تكفي السجدة على الأصابع فقط بدون الكفّ؛ لعدم صدق السجود على باطن الكفّ حينئذٍ. و مع الاضطرار يجزي مسمّى الباطن. و لو لم يقدر إلّا على ضمّ الأصابع إلى كفّه و السجود عليها يجتزى به، و لا ينتقل إلى السجود على الظاهر؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و مع تعذّر ذلك كلّه ينتقل إلى السجدة على الظاهر، و مع عدم إمكانه لقطع و نحوه ينتقل إلى الأقرب من الكفّ فالأقرب من الذراع و العضد؛ لإطلاق اليد عليه.

ص: 513

ص: 514

و أمّا الركبتان فيجب صدق مسمّى السجود على ظاهرهما و إن لم يستوعبه. و أمّا الإبهامان فالأحوط مراعاة طرفيهما (1).


1- المراد من الركبة موصل ما بين أطراف الفخذ و الساق، قال في «الجواهر»: الظاهر أنّهما أي الركبتين بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين؛ فينبغي حال السجود وضع عينيهما و لو بالتمدّد في الجملة في السجود، كما فعله الصادق (عليه السّلام) في تعليم حمّاد كي يعلم حصول الامتثال(جواهر الكلام 10: 139.) انتهى. قيل: و المراد من عين الركبة موضع العظم المستدير الواقع على الموصل. و فيه: أنّه مجرّد ادّعاء بلا دليل. و الظاهر: أنّ المراد من عين الركبة هو المفصل بين عظمي الفخذ و الساق، و موضع المفصل منخفض؛ و لذا عبّر عنه بالعين. و يمكن أن يستشهد عليه بما ورد في الأخبار المتقدّمة في الركوع، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و تمكّن راحتيك من ركبتيك و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) ، حيث إنّ الظاهر منه: أنّ عين الركبة أسفل من موضع العظم المستدير المرتفع؛ فالواجب وضع مسمّى الركبة على الأرض. و أمّا استيعاب الركبة بطرفي عظمي الفخذ و الساق كليهما فلا دليل على وجوبه كي يتوقّف على التمدّد و رفع الفخذين، و إن كان هو الأحوط؛ فيكفي مسمّى وضع الركبتين و إن لم يستوعبهما. و تقييد مسمّى السجود بظاهرهما في كلام المصنّف (رحمه اللَّه) يوهم عدم جوازه بباطنهما، و الحال أنّ السجود بباطنهما ممّا لا يمكن عادة، و الركبة ليست كاليد حتّى يكون لها ظاهر و باطن؛ فلا حاجة في الكلام إلى التقييد المزبور؛ و لذا كان عبارات الأصحاب خالية عنه. و أمّا الإبهامان: فقد نسب القول بوجوب وضع طرفيهما أي رأسهما إلى المفيد في كتاب «أحكام النساء» و أبي المكارم في «الغنية» و الشيخ في «المبسوط» بل في سائر كتبه و أبي الصلاح في «الكافي» و ابن فهد في «الموجز»، و ادّعى في «الغنية» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بما في صحيح حمّاد من أنّه (عليه السّلام) سجد على أنامل إبهامي الرجلين(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و فيه: أنّ فعله (عليه السّلام) المحكي عنه في الصحيح و أمثاله لا يدلّ على الوجوب؛ لاشتماله على المندوبات الكثيرة. و نسب إلى جماعة؛ منهم المحقّق و الشهيد الثانيان و صاحب «المدارك» القول بعدم وجوب وضع الرؤوس و الاجتزاء بأيّ جانب منهما؛ ظاهرهما و باطنهما. و في «كشف اللثام»: الأقرب كما في «المنتهي» تساوي ظاهرهما و باطنهما. و حكي عن «خلاف» الشيخ التعبير بوضع القدمين. و لا يخفى: أنّ المذكور في الروايات كلّها عبارة الإبهامين، إلّا في رواية عبد اللَّه بن ميمون القدّاح المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 345، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 8.) فإنّ المذكور فيه الرجلان. و الظاهر كفاية ظاهر الإبهامين و باطنهما، و إن كان الأحوط وضع الطرف منهما.

ص: 515

ص: 516

و لا يجب الاستيعاب في الجبهة، بل يكفي صدق السجود على مسمّاها، و يتحقّق بمقدار رأس الأنمُلة، و الأحوط أن يكون بمقدار الدرهم، كما أنّ الأحوط كونه مجتمعاً لا متفرّقاً؛ و إن كان الأقوى عدم الفرق، فيجوز على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنمُلة (1).


1- الجبهة: ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى طولًا و بين الجبينين عرضاً. و الجبين على ما في «مجمع البحرين»: فوق الصدغ، و هو جبينان عن يمين الجبهة و شمالها، يتصاعدان من طرف الحاجبين إلى قصاص الشعر؛ فتكون الجبهة بين الجبينين. و في «الروض»: أنّ حدّها قصاص الشعر من مستوى الخلقة و الحاجب. و في «كشف الغطاء» في تعريف الجبهة: أنّها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين، و من الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد، و من الأسفل بطرف الأنف الأعلى و الحاجبين. و في «مصباح الفقيه» بعد ذكر كلمات جماعة من اللغويين و الفقهاء في تعريف الجبهة و الجبين قال: و هذه العبائر و إن لا يخلو بعضها عن إجمال إلّا أنّ مراد الجميع بحسب الظاهر هو مجموع العضو المستوي الواقع بين الحاجبين لا خصوص جزئه الواقع فيما بينهما إلى الناصية. إلى أن قال: و إنّ حدّها أي الجبهة قصاص الشعر و الحاجب، كما نصّ عليه في «الروض». و يدلّ عليه جملة من الأخبار الواردة في تحديد الجبهة مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن حدّ السجود، قال ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك(وسائل الشيعة 6: 355، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 2.) و عنه أيضاً في الصحيح عن أحدهما قال: قلت له: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه(وسائل الشيعة 6: 355، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 1.) و عنه أيضاً في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود؛ فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 5.) و هذه الروايات ظاهرها كعبارة «الروض» و «مجمع البحرين» و «كشف الغطاء»: أنّ مجموع ما بين القصاص و الحاجب جبهة، إلّا أنّ المنساق إلى الذهن من مثل هذه العبائر بواسطة معروفية الجبهة إجمالًا ليس إلّا إرادة المستوي الواقع بينهما لا طرفاه المائلان إلى الصدغ الواقعان بين منتهى الحاجبين و القصاص؛ فإنّهما بحسب الظاهر خارجان عن حدّ الجبهة، بل هما الحرفان اللذان فسّر بهما الجبينان في عبارة «القاموس» و غيره(مصباح الفقيه، الصلاة: 340/ السطر 18.) انتهى. ثمّ إنّ المستفاد من الأخبار المذكورة أمران: الأوّل: أنّ حدّ الجبهة ما بين قصاص الشعر و الحاجب، و لا ينافي هذا التحديد ما في بعض الأخبار من تحديدها بما بين القصاص إلى طرف الأنف، كرواية بريد عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الجبهة إلى الأنف، أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كلّه أفضل(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 3.) ، و السند ضعيف بموسى بن عمر بن يزيد. و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 4.) وجه عدم المنافاة: أنّ المقصود بهذين الخبرين تحديدها في الطول؛ فلا ينافي كونها من حيث العرض إلى منتهى الحاجبين. الثاني: أنّه لا يجب الاستيعاب في الجبهة، بل يكفي مسمّى السجود عليها و لو بوضع شي ء منها على الأرض بحيث يصدق عرفاً اسم السجود على الجبهة على المشهور. و ادّعى بعض فقهائنا الإجماع عليه. و يدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة، كرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 5.) و رواية بريد عن أبي جعفر (عليه السّلام) أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك. و قال ابنا جنيد و إدريس بكفاية مقدار الدرهم لمن بجبهته علّة، و هو يشعر بلزوم الاستيعاب للصحيح. و فيه: أنّه مخالف للمشهور و للروايات المذكورة النافية للاستيعاب. و نسب إلى الصدوق في «الفقيه» و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» القول باعتبار مقدار الدرهم، و نسب في «الذكرى» هذا القول إلى كثير من الأصحاب. و احتجّ عليه بصحيح زرارة المتقدّم فأيّما سقط من ذلك. إلى آخره حملًا للمطلق من الأخبار و كلمات الأصحاب على المقيّد. و فيه: أنّ الصحيح المزبور لا يحصر المجزي في مقدار الدرهم فقط، بل عطف عليه مقدار طرف الأنملة، و هو دون الدرهم بكثير قطعاً. و في «مصباح الفقيه»: فتخصيص مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة بلحاظ أنّه أقلّ ما يتّفق حصوله عادة عند وضع الجبهة على الأرض لا أنّه لو اتّفق حصوله بأقلّ من ذلك لا يجزي. اللهمّ إلّا أن يتأمّل في كفايته من حيث صدق السجود على الأرض؛ فإنّ صدقه على الأقلّ من طرف الأنملة بل على هذا المقدار أيضاً لولا التصريح به في الرواية لا يخلو عن خفاء(مصباح الفقيه، الصلاة: 341/ السطر 16.) انتهى. و وجه الاحتياط في اعتبار مقدار الدرهم ما روي عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال أقلّ ما يجزي أن تصيب الأرض من جبهتك قدر درهم(مستدرك الوسائل 4: 458، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 1.) و في «مصباح الفقيه» حكايةً عن «الفقه الرضوي» أنّه قال و يجزيك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم(الفقه المنسوب للإمام الرضا( عليه السّلام): 114.) و لا يخفى ضعف هذين الخبرين سنداً؛ فلا ينهضان دليلًا إلّا للاستحباب تسامحاً في أدلّة السنن، و هو مقتضى الجمع بينهما على فرض اعتبار سندهما و بين صحيح زرارة المتقدّم الدالّ على كفاية طرف الأنملة الذي هو أقلّ من الدرهم بكثير قطعاً. و لا يخفى أيضاً أنّ العبارة المذكورة المنسوبة إلى «الفقه الرضوي» ليست موجودة فيه، و قد حكاها الصدوق (رحمه اللَّه) في موضعين من كتاب «الفقه» عن رسالة أبيه إليه. ثمّ إنّه لا يعتبر في صدق مسمّى السجود بمقدار الدرهم، بل بمقدار رأس الأنملة أن يكون مجتمعاً، و يجزي كونه متفرّقاً مع تقارب الأجزاء؛ فيجوز السجود على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنملة. و يمكن أن يستشهد عليه بصحيح حمران عن أحدهما (عليهما السّلام) قال كان أبي (عليه السّلام) يصلّي على الخُمرة يجعلها على الطنفسة و يسجد عليها، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد(وسائل الشيعة 5: 347، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 2.) و رواية الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفّاً من حصى فجعله على البساط ثمّ سجد(وسائل الشيعة 5: 347، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 3.) ، فيجوز السجود على السبحة مع تقارب أجزائها. و أمّا مع تفرّقها و تباعدها فيشكل الاجتزاء بها.

ص: 517

ص: 518

ص: 519

ص: 520

ص: 521

و لا بدّ من رفع ما يمنع من مباشرتها لمحلّ السجود من وسخ أو غيره فيها أو فيه؛ حتّى لو لصق بجبهته تربة أو تراب أو حصاة و نحوها في السجدة الأُولى، تجب إزالتها للثانية على الأحوط لو لم يكن الأقوى (1).


1- الأحوط بل الأقوى اعتبار مباشرة الجبهة لما يصحّ السجود عليه و رفع ما يمنع من مباشرة الجبهة لمحلّ السجود أيّ مانع كان من وسخ أو غيره سواء كان وجود المانع في الجبهة أو في محلّ السجود؛ حتّى أنّه لو لصق بجبهته ما يسجد عليه من تربة أو تراب أو حصاة و نحوها في السجدة الأُولى تجب إزالتها للثانية؛ و ذلك لعدم صدق السجدة شرعاً؛ إذ مع وجود أحد المذكورات في جبهته لا يصدق في السجدة الثانية أنّه وضع جبهته على ما يصحّ السجود عليه، بل وضع ما على جبهته على ما يصحّ السجود عليه، و وضع ما على الجبهة و إن كان ممّا يجوز السجود عليه كالتربة على الأرض ليس سجدةً شرعاً. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض، قال لا يجزيه ذلك حتّى تصل جبهته إلى الأرض(وسائل الشيعة 5: 362، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه قال: قلت له: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال إذا مسّ شي ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه(وسائل الشيعة 5: 363، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 14، الحديث 2.) هنا فرعان: الأوّل: إذا لصق بجبهته تراب يسير لا يعدّ في العرف حائلًا بين بشرته و ما يسجد عليه فلا بأس به؛ لتحقّق مباشرة الجبهة لمحلّ السجود. و في «المستمسك» بعد التوجيه بما ذكرنا قال: أو لأنّه لا يحجب تمام الجبهة، بل يبقى منها مقدار خالياً عنه(مستمسك العروة الوثقى 6: 365.) و فيه: أنّ وضع المقدار الخالي من الجبهة لا كلام و لا إشكال من أحدٍ في صحّته، و إنّما البحث في وضع المقدار الذي فيه تراب يسير. الثاني: لا يعتبر في غير الجبهة من سائر المساجد المباشرة للأرض إجماعاً، و الأخبار الدالّة عليه فوق حدّ الاستفاضة. و في «الجواهر»: بل ضرورة من المذهب أو الدين. و يدلّ عليه صحيح حمران عن أحدهما (عليهما السّلام). و رواية الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) المتقدّمان. و رواية اخرى عن الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي على البساط و الشعر و الطنافس، قال لا تسجد عليه، و إن قمت عليه و سجدت على الأرض فلا بأس، و إن بسطت عليه الحصير و سجدت على الحصير فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 347، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 4.) ، حيث إنّ هذه الروايات تدلّ على وجوب وضع خصوص الجبهة فقط على ما يصحّ عليه السجود. و بعضها صريح في جعل الحصى حيث يسجد و كان سائر أعضائه (عليه السّلام) على البساط و الطنفسة و الشعر.

ص: 522

و المراد بالجبهة هنا: ما بين قصاص الشعر و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولًا، و ما بين الجبينين عرضاً (1).


1- قد تقدّم البحث في المراد بالجبهة مفصّلًا قبيل هذا، و لعلّ قول المصنّف (رحمه اللَّه): «المراد بالجبهة هنا» إشارة إلى أنّ الجبهة في التيمّم أعمّ من الجبهة هنا، حيث إنّها هناك تشمل الجبينين بخلافها هنا. و في «الجواهر» بعد أن أورد كلمات جماعة من اللغويين و الفقهاء الدالّة على أنّ الجبهة بين الجبينين و أنّ الجبينين خارجان عنها، قال: لكن هذه النصوص كما ترى لا صراحة فيها بإخراج الجبينين، و بالاقتصار على الخطّ المتوهّم من طرف كلّ من الحاجبين المتّصل بطرف الأنف الأعلى مصعداً إلى الناصية بحيث لا يجزي السجود على غيره. و قد اعترف بعضهم في مسألة الدمل بدلالة بعضها على ما يشمل الجبينين؛ فحينئذٍ لولا الإجماع أمكن التوسعة في محلّ السجود بدعوى شمول اسم الجبهة عرفاً لما هو أعمّ من ذلك. إلى أن قال: فالإجماع هو العمدة في التقييد المزبور(جواهر الكلام 10: 138.) انتهى.

ص: 523

[ (مسألة 2): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة]

(مسألة 2): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة، فلا يجزي مجرّد المماسّة، و لا يجب مساواتها فيه. كما لا تضرّ مشاركة غيرها معها فيه، كالذراع مع الكفّين، و سائر أصابع الرجلين مع الإبهامين (1).


1- الأحوط لو لم يكن الأقوى وجوب الاعتماد حال السجود على الأعضاء السبعة؛ بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها لا مجرّد المماسّة متحاملًا عنها؛ فلو اعتمد على غيرها مع مجرّد مماسّتها لم يجز. و استدلّ له بعدم حصول تمام المراد من الخشوع إلّا بالاعتماد عليها، و بأنّ الطمأنينة في السجود لا تحصل إلّا بذلك. و لا يخفى ما في هذين الدليلين من الوهن؛ لعدم توقّف حصول تمام المراد من الخشوع و الطمأنينة على الاعتماد عليها. و استدلّ أيضاً بصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال: سألته عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال ثلاثة، و تجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض(وسائل الشيعة 6: 300، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 3.) و رواية علي بن جعفر قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض، قال يحرّك جبهته حتّى يتمكّن فينحي الحصى عن جبهته، و لا يرفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 3.) و فيه: أنّ الصحيح و الرواية على فرض تمامية دلالتهما يدلّان على وجوب الاعتماد في خصوص الجبهة. و الأولى الاستدلال على المطلب بالأخبار المتقدّمة الواردة في السجدة على سبعة أعظم، حيث إنّ المتبادر من الأمر بالسجود على سبعة أعظم الاعتماد عليها حال السجود. و في «الحدائق»: فلو سجد على مثل الصوف و القطن وجب أن يعتمد عليه حتّى تثبت الأعضاء إن أمكن، و إلّا فلا يصلّي عليه إلّا أن يتعذّر غيره(الحدائق الناضرة 8: 279.) انتهى. و لا يجب مساواة الأعضاء السبعة في مقدار الاعتماد؛ للأصل. و علّله في «الجواهر» بعسره أو تعذّره(جواهر الكلام 10: 147.) و هل يجب استقلال الأعضاء السبعة في الاعتماد بأن لا يشاركها غيرها كبطنه و ذراعه و سائر أصابع رجليه مع الإبهامين أو لا؟ وجهان ينشئان من دعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعاً ثقله على الأعضاء السبعة، و من إمكان منع هذا الظهور و ادّعاء أنّ المتبادر منها ليس إلّا اعتبار الاعتماد على هذه السبعة، و أنّه لا بدّ منها فيه بحيث لا يبقى واحد منها في الوضع، و هذا لا ينافي بوضع غيرها و الاعتماد عليه أيضاً. فرع: لو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحاً أي منكبّاً على وجهه لم يجز و لا يجزي في غير حال الضرورة؛ سواءٌ جافى بطنه بحيث استقلّ المواضع السبعة بحمل ثقله أو لا؛ فإنّه خلاف ما هو المتعارف المعهود من السجود على سبعة أعظم، و المتبادر من الأمر بالسجود عليها ما هو المتعارف. و في «مصباح الفقيه»: و أمّا لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد و وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة فيها، فالظاهر صحّته بناءً على عدم وجوب استقلال المساجد في الاعتماد أو كانت الملاصقة أي ملاصقة البطن مجرّد المماسّة التي لا ينافيها استقلال المساجد(مصباح الفقيه، الصلاة: 343/ السطر 18.) انتهى.

ص: 524

ص: 525

و منها: وجوب الذكر على نحو ما تقدّم في الركوع، و التسبيحة الكبرى هاهنا: «سُبْحانَ ربّيَ الأَعلى و بِحَمْدِهِ» (1).

و منها: وجوب الطمأنينة حال الذكر الواجب نحو ما سمعته في الركوع (2).


1- قد تقدّم تفصيل البحث في ذكر الركوع من حيث الخلاف في الاجتزاء بمطلق الذكر و عدمه، و الاستدلال من الجانبين، و المختار هنا هو المختار هناك، فراجع.
2- وجوب الطمأنينة حال الذكر إجماعي. و يدلّ عليه المرسل المروي في «الذكرى» ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً(ذكرى الشيعة 3: 363.) ، و كذا المروي في «قرب الإسناد» عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و إذا سجد فلينفرج و ليتمكّن(وسائل الشيعة 4: 35، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 14.) ، و الانفراج حال السجدة غير واجب بالإجماع، و ضعف سند الروايتين منجبر بالإجماع. و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال بينا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جالس في المسجد إذا دخل رجل فقام يصلّي، فلم يتمّ ركوعه و لا سجوده، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني(وسائل الشيعة 6: 298، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 3، الحديث 1.) ، حيث إنّ التشبيه بالنقر ظاهر في عدم الإتيان بالطمأنينة في السجود، و قد تقدّم في مسألة وجوب الطمأنينة في الركوع ما ينفعك في هذه المسألة، فراجع.

ص: 526

و منها: وجوب كون المساجد السبعة في محالّها حال الذكر، فلا بأس بتغيير المحلّ فيما عدا الجبهة أثناء الذكر الواجب حال عدم الاشتغال، فلو قال: «سُبحانَ اللَّه»، ثمّ رفع يده لحاجة أو غيرها و وضعها، و أتى بالبقيّة، لا يضرّ (1).


1- يجب كون المساجد السبعة في محالّها إلى تمام الذكر إجماعاً؛ فلو رفع بعضها حال الذكر بطل الذكر؛ لوقوعه على غير وجهه، و أبطل إن كان عمداً؛ للزيادة العمدية في الصلاة. و أمّا في غير حال الذكر فلا مانع من رفع ما عدا الجبهة عمداً لغرض كحكّ جسده مثلًا أو بدون الغرض. قال صاحب «الجواهر»: أمّا غيرها فلا أرى به بأساً عمداً، فضلًا عن السهو؛ لأنّه من الأفعال القليلة و لا زيادة فيه بعد أن يكون وضعها الثاني مقدّمة للمأمور به؛ ضرورة كون المراد بالزيادة ما يفعل بعنوان الجزء من الصلاة، و هو خارج عنها حتّى يكون تشريعاً محرّماً، بخلاف المقام الذي هو مأمور بوضع يده فيه؛ فلا تشمله أدلّة الزيادة قطعاً. مع أنّ استقصاء ما ورد في القيام و الجلوس و غيرهما من أفعال الصلاة يشرف الفقيه على القطع بعدم قدح أمثال هذه الأُمور؛ و منها رفع الرِّجل في حال القيام ثمّ إعادتها و الجلوس ثمّ القيام و بالعكس و غير ذلك. مضافاً إلى خصوص المروي عن «قرب الإسناد» في المقام عن عبد اللَّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون راكعاً أو ساجداً فيحكّه بعض جسده، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكّه ممّا حكّه؟ قال لا بأس إذا شقّ عليه أن يحكّه، و الصبر إلى أن يفرغ أفضل(وسائل الشيعة 6: 330، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 23، الحديث 1.) فما نسمعه في هذه الأعصار عن بعض المشايخ من التوقّف في ذلك و الجزم بالبطلان في غير محلّه(جواهر الكلام 10: 164.) انتهى موضع الحاجة.

ص: 527

و منها: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه على ما مرّ في مبحث المكان (1).

و منها: رفع الرأس من السجدة الأُولى و الجلوس مطمئنّاً معتدلًا (2).


1- قد مرّ تفصيل البحث في وجوب كون مسجد الجبهة ممّا يصحّ السجود عليه في شرح المسألة العاشرة من مسائل «المقدّمة الرابعة في المكان» فراجع.
2- وجوب رفع الرأس من السجدة الأُولى إجماعي، حكاه غير واحد من علمائنا كما في «الوسيلة» و «الغنية» و «المنتهي» و «التذكرة» و غيرها. و في «خلاف» الشيخ: رفع الرأس من السجود ركن، و الاعتدال جالساً مثل ذلك لا يتمّ الصلاة إلّا بهما. و فيه: أنّ الركنية بالمعنى المصطلح ممّا لم يقم عليه دليل. و علّله في «الجواهر» بتوقّف صدق السجدة الثانية غالباً عليه، و بأنّه المعلوم من الشرع قولًا و فعلًا(جواهر الكلام 10: 168.) و خالف أبو حنيفة في وجوب رفع الرأس من السجدة و قال: القدر الذي يجب أن يرفع ما يقع عليه اسم الرفع؛ فلو رفع رأسه بمقدار ما يدخل السيف بين وجهه و بين الأرض أجزأه. و عن بعض العامّة: أنّ الرفع لا يجب أصلًا؛ فلو سجد و لم يرفع حتّى حفر تحت جبهته حفيرة فحبط جبهته إليها أجزأه. و أمّا الجلوس مطمئنّاً معتدلًا بعد رفع الرأس من السجدة الأُولى فهو إجماعي أيضاً. و يدلّ عليه مضافاً إلى السيرة القطعية من زماننا إلى زمن المعصومين (عليهم السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كان في الركعة الأُولى و الثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتمّ جالساً حتّى ترجع مفاصلك(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و استدلّ أيضاً كما في «الجواهر» و غيره بصحيح حمّاد(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و حديث المعراج(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) المتضمّنين لتعليم الصادق (عليه السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كمّية الصلاة و كيفيّتها، و من جملتها رفع الرأس من السجود و الجلوس بعده مطمئنّاً. و فيه: أنّ الصحيح و الحديث مشتملان على جملة كثيرة من المندوبات؛ فلا يتمّ الاستدلال بهما على الوجوب.

ص: 528

ص: 529

و منها: أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضعُ جبهتِهِ موقِفَه، فلو ارتفع أحدهما على الآخر لا تصحّ، إلّا أن يكون التفاوت بينهما قدر لبنة موضوعة على سطحها الأكبر في اللبن المتعارفة، أو أربع أصابع كذلك مضمومات. و لا يعتبر التساوي في سائر المساجد لا بعضها مع بعض، و لا بالنسبة إلى الجبهة، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّاه (1).


1- وجوب الانحناء للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه مشهور بين فقهائنا شهرة عظيمة. و نسب في كلام جماعة من فقهائنا إلى علمائنا، كما في «المعتبر» قال: لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلّي بما يعتدّ به مع الاختيار، و عليه علماؤنا. و نسب في «جامع المقاصد» إلى جميعهم قال: لا بدّ أن يكون موضع جبهته مساوياً لموقفه أو زائداً عليه بمقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها، لا أزيد عند جميع أصحابنا. و قدّر الشيخ و العلّامة حدّ الجواز بلبنة، و منعا عمّا زاد على اللبنة. و يدلّ على المسألة مضافاً إلى الشهرة و الإجماع خبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ السؤال وقع عن جواز السجود على الأرض المرتفعة، فأجاب (عليه السّلام) بنفي البأس فيما كان موضع الجبهة مرتفعاً عن الموقف بمقدار اللبنة؛ فيفهم من التحديد بمقدار اللبنة المنع عن الزائد عنه. و قد نوقش في سند الرواية باشتراك النهدي بين جماعة لم يثبت توثيق بعضهم، كمحمّد بن أحمد بن خاقان النهدي أبي جعفر القلانسي المعروف بحمدان، قال النجاشي: إنّه مضطرب، و قال ابن الغضائري: إنّه كوفي ضعيف يروي عن الضعفاء، و قال الأردبيلي في «رجاله»: و توقّف العلّامة في «الخلاصة» في روايته؛ لقول هذين الشخصين. و أجاب صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) عن المناقشة في السند بأنّ الظاهر كونه الهيثم بن أبي المسروق بقرينة رواية محمّد بن محبوب عنه، و هو ممدوح في كتب الرجال، و له كتاب يرويه عنه جملة من الأجلّاء؛ منهم محمّد بن علي و سعد و الصفّار. فحديثه إن لم يكن صحيحاً بناءً على الظنون الاجتهادية، و إلّا فهو في مرتبة من الحسن(جواهر الكلام 10: 151.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الهيثم المذكور و إن كان معتبراً و لكن طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و ابن بطّة. نعم ضعف السند منجبر بالشهرة بل الإجماع. و نوقش أيضاً في دلالتها بقراءة «يديك» بالياءين المثنّاتين، كما في نسخة من «التهذيب» و «كشف اللثام» بدل «بدنك»؛ فحينئذٍ لا تدلّ الرواية على تساوي موضع جبهته موقفه. و أجاب صاحب «الجواهر» عن المناقشة بأنّ ظاهر استدلال الأصحاب بهذه الرواية على وجوب تساوي موضع الجبهة موقفه و فتواهم بمضمونها يشرف الفقيه على القطع بعدم النسخة المتضمّنة لقراءة «يديك»، و إن وجد في بعض النسخ فهو من النسّاخ قطعاً. و يشهد على نسخة «بدنك» سؤال عبد اللَّه بن سنان في الصحيح عن كون موضع الجبهة أرفع من مقامه، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال لا، و ليكن مستوياً(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) و يشهدها أيضاً مرسل الكليني في السجود على الأرض المرتفعة، قال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 359، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 3.) ، انتهى ملخّصاً منّا(جواهر الكلام 10: 151 152.) هذا. مضافاً إلى أنّ قراءة «يديك» على فرض اعتبارها توجب حمل الرواية على تساوي موضع الجبهة موضع اليدين، و هو ممّا لم يعرف القائل به. و في «الجواهر»: مع أنّه على تقديرها أي نسخة «يديك» يمكن الاستدلال بالفحوى؛ ضرورة أولوية الموقف من اليدين بذلك قطعاً. و فيه: أنّه لا وجه على الأولوية؛ لأنّه بناءً على تلك النسخة يكون الحكم بالتساوي بين موضع الجبهة و موضع اليدين تعبّداً محضاً؛ فمن أين يحكم قطعاً بأولوية الموقف من اليدين بوجوب التساوي؟! و نوقش ثالثاً في دلالتها بأنّ البأس و إن كان ثابتاً فيما كان موضع الجبهة مرتفعاً زائداً على قدر اللبنة من موقفه، و لكن البأس أعمّ من المنع. و أجاب صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بأنّه من المعلوم إرادة المنع منه هنا. لفتوى الأصحاب؛ إذ من شكّ منهم شكّ في جواز هذا العلوّ لا الأزيد، و لأنّ عبد اللَّه نفسه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في الصحيح عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ قال لا، و لكن ليكن مستوياً ، انتهى(نفس المصدر: 152.) و أجاب في «المستمسك» بأنّ إطلاق البأس يقتضي المنع؛ إذ هو النقص المعتدّ به، كما يظهر من ملاحظة المشتقّات مثل البائس و البأساء و البؤس و البئيس و بئس و غيرها؛ و لا سيّما بملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال عن الجواز حسب ما هو المنسبق إلى الذهن(مستمسك العروة الوثقى 6: 353.) انتهى. و أمّا التقدير بأربع أصابع مضمومات فهو و إن لم يرد في النصوص و لكنّ الأصحاب قدّروا اللبنة الواردة فيها بذلك تقريباً. و في «الحدائق»: و قدّرها الأصحاب بأربع أصابع تقريباً. و يؤيّده اللبن الموجود الآن في أبنية بني العبّاس في سرّ من رأى؛ فإنّ الآجر الذي في أبنيتها بهذا المقدار تقريباً(الحدائق الناضرة 8: 283.) انتهى. هذا كلّه في وجوب التساوي بين موضع الجبهة و موقف المصلّي. و أمّا التساوي في سائر المساجد بالنسبة إلى موضع الجبهة أو بعضها مع بعض فمقتضى الأصل و إطلاق الأدلّة عدم وجوبه، إلّا إذا خرج بعدم التساوي بينها عن مسمّى السجود. و حكي عن الشهيد في «الذكرى» و العلّامة في «نهاية الإحكام» و بعض من تأخّر عنهما التساوي في باقي المساجد. و لعلّ مستندهم استظهاره من رواية عبد اللَّه بن سنان المتقدّم؛ نظراً إلى أنّ موضع البدن حال السجود هو جميع مواضع السجود؛ فيكون المستفاد من الرواية أن لا يكون موضع الجبهة أرفع من سائر مواضع السجود بأزيد من مقدار اللبنة. و في «الجواهر»: و على كلّ حال فأقصى ما يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك في باقي المساجد أنّ خبر عبد اللَّه بن سنان المتقدّم سابقاً الذي هو الأصل في التفصيل باللبنة ظاهر في اعتبار عدم علوّ الجبهة بالأزيد عن محلّ تمام البدن حال السجود، و ليس هو إلّا مواضع المساجد جميعها(جواهر الكلام 10: 156.) انتهى. و رواية إسماعيل بن مسلم الشعيري المعروف بالسكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) إنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه؛ فإنّهما يسجدان كما يسجد الوجه(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 3.) ، و الرواية ضعيفة سنداً بموسى بن يسار المنقري المجهول حاله. و يمكن الجواب عن استظهارهم برواية عبد اللَّه بن سنان بأنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية منطوقاً و مفهوماً أنّ ارتفاع موضع الجبهة عن موضع البدن إن كان بمقدار لبنة فلا بأس به، و إن كان أزيد من مقدار اللبنة ففيه بأس؛ فلا دلالة فيها بالنسبة إلى ارتفاع بعض البدن عن بعضه الآخر لا منطوقاً و لا مفهوماً. و أمّا رواية الشعيري فلا اعتبار بها سنداً؛ لما ذكرنا من جهالة المنقري.

ص: 530

ص: 531

ص: 532

ص: 533

[ (مسألة 3): المراد بالموقف]

(مسألة 3): المراد بالموقف الذي يجب عدم التفاوت بينه و بين موضع الجبهة بما تقدّم الركبتان و الإبهامان على الأحوط، فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من جبهته بأزيد ممّا تقدّم، بطلت صلاته على الأحوط و إن ساوى موضعُ رُكبتيه موضعَ جبهته (1).


1- قد اختلفت عبارات الفقهاء في المراد من الموقف الذي يجب عدم التفاوت بينه و بين موضع الجبهة بمقدار أزيد من أربع أصابع: يظهر من جماعة أنّ المراد منه موضع الرجلين؛ فعن «السرائر»: أنّه ينبغي أن يكون موضع سجوده مساوياً في العلوّ و الهبوط لموضع قيامه. و في «الوسيلة» في مباحث التروك التي يقطع الصلاة فعلها، عدّ السجود على موضع ارتفع عن موضع القيام بأكثر من حجم المخدّة. و في «مفتاح الكرامة»: أنّه لا يجوز أن يكون موضع جبهته أعلى من موضع رجليه بأزيد من لبنة. و حكي عن كاشف الغطاء: أنّ المراد من الموقف موضع القيام للصلاة؛ فلو قام للصلاة في موضع و في حال السجود صعد على دكّة مستوية فسجد عليها بطلت صلاته؛ لكون مسجد الجبهة أعلى من موضع وقوفه. و يدلّ على القول المذكور صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال لا، و ليكن مستوياً(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد، فقال إنّي أُحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي و كرهه(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 2.) و صحيح صفوان عن محمّد بن عبد اللَّه عن الرضا (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأله عمّن يصلّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال إذا كان وحده فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 4.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن المريض أ يحلّ له أن يقوم على فراشه و يسجد على الأرض؟ قال: فقال إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض، و إن كان أكثر من ذلك فلا(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 2.)و القول الآخر: إنّ المراد من الموقف هو الموقف حين الجلوس أعني موضع الركبتين و الإبهامين و يمكن استظهار هذا القول من خبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.) ، حيث إنّ الظاهر من موضع البدن موضعه حين السجود أو حين الجلوس، و هو من الركبتين إلى الإبهامين. ففي «صلاة» الحائري (رحمه اللَّه): ثمّ إنّ الظاهر كون المراد من موضع البدن موضعه حين الجلوس أو حين السجود؛ فلا بأس بكون موضعه حين القيام أخفض من مسجد جبهته بأزيد من المقدار المزبور إذا انتقل عند الجلوس إلى ما يساوي موضع الجبهة أو أخفض بالمقدار المذكور؛ لما قلنا من أنّ الظاهر من الرواية تحديد الانحناء اللازم للسجود، و هو يتحقّق بملاحظة موضع الجبهة مع الموقف حين الجلوس(الصلاة، المحقّق الحائري: 247.) انتهى. و لكن الموجود في بعض النسخ «يديك» بالياءين المثنّاتين بدل «بدنك» في الرواية؛ و حينئذٍ فلا تدلّ على أنّ الموقف هو الركبتان و الإبهامان. إلّا أن يقال: إنّ نسخة «يديك» على فرض وجودها في بعض النسخ من غلط الناسخ؛ ففي «الجواهر»: بل ظاهر استدلال الأصحاب به أي بحديث ابن سنان و الفتوى بمضمونه على اختلاف طبقاتهم و نسخهم و فيهم المثبت غاية التثبّت ك «كشف اللثام» و غيره يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة، و أنّه و إن وجد في بعض الكتب فهو من النسّاخ قطعاً(جواهر الكلام 10: 151.) انتهى. فلا يترك الاحتياط بمراعاة التساوي بين موضع الجبهة و موضع الركبتين و الإبهامين؛ فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من موضع جبهته بأزيد من أربع أصابع بطلت صلاته على الأحوط، و إن ساوى موضع ركبتيه موضع جبهته. و كذا تبطل لو وضع ركبتيه على مكان أخفض أو أعلى من موضع جبهته بأزيد ممّا ذكر، و إن ساوى موضع إبهاميه موضع جبهته.

ص: 534

ص: 535

ص: 536

[ (مسألة 4): لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر]

(مسألة 4): لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر، فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً، فالأحوط الأولى رفعها و وضعها على المحلّ الجائز، و يجوز جرّها أيضاً، و إن كان بمقدار يصدق معه السجود عرفاً فالأحوط الجرّ إلى الأسفل، و لو لم يمكن فالأحوط الرفع و الوضع، ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها (1).


1- قد فرض صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) المسألة فيما وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر سهواً لا عمداً، قال: إنّه ظهر لك ممّا قدّمناه سابقاً جواز رفع الرأس له لو اتّفق أنّه وضعه على مرتفع بأزيد من لبنة سهواً(جواهر الكلام 10: 159.) انتهى. و الحائري (رحمه اللَّه) في «صلاته» جعل مورد النزاع في تعيّن الجرّ عليه و عدم تعيّنه، بل جواز رفع الرأس له، ما يصدق معه السجود عرفاً، و إنّ ما لا يصدق عليه السجود العرفي لا إشكال في جواز رفعه. و كيف كان: فلو وضع جبهته على مكان مرتفع غير مغتفر و كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً يجوز له أن يرفع رأسه و يسجد على موضع مساوٍ، و لا يتحقّق به زيادة السجدة المبطلة؛ لأنّ السجدة المجعولة من قبل الشارع جزءً للصلاة قد اعتبر فيها حدّ معيّن من الانحناء أعني ما كان موضع الجبهة و الموقف مساوياً فما لم يصل إلى هذا الحدّ لا تتحقّق السجدة. فما أتى به أوّلًا لا يكون مسقطاً للأمر بالسجدة؛ لعدم موافقته ما هو المأمور به؛ فإذا أتى به ثانياً موافقاً لأمره صحّ و كان ما أتى به أوّلًا زائداً غير مبطل. و ما دلّ على مبطلية الزيادة لا يتناول مثل هذه الزيادة؛ فكما جاز رفع رأسه و الوضع على موضع مساوٍ للموقف كذلك جاز له جرّ الجبهة على الموضع المأمور به أيضاً. و في «مستند الشيعة» قال بوجوب الجرّ و عدم جواز رفع الرأس، إلّا إذا كان الارتفاع كثيراً لا يصدق معه السجود لغةً؛ إذ بالرفع يزيد في سجود الصلاة. و كون السجود باطلًا لا ينفع في تجويز الرفع؛ إذ السجود واجب و الوضع على الموضع الغير المرتفع أو ما يصحّ السجود عليه واجب آخر؛ فعدم تحقّق أحدهما لا يجوّز زيادة الآخر، و لا تتحقّق زيادة السجود بالجرّ؛ لأنّ السجود هو الوضع المسبوق بالرفع فلا تلزم من الوضع على موضع بجرّة من موضع آخر زيادة سجود و إن تحقّق تجدّد وضع(مستند الشيعة 5: 274 275.) انتهى. هذا كلّه فيما كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً. و أمّا فيما كان بمقدار يصدق معه السجود عرفاً فالأحوط الجرّ إلى الأسفل إن أمكن، و لا يجوز الرفع و الوضع؛ لكونه موجباً للزيادة؛ لأنّ المفروض صدق السجدة عرفاً على المأتي به أوّلًا، و مع عدم إمكان الجرّ فالأحوط الرفع و الوضع؛ لعدم كون ما أتاه أوّلًا سجوداً شرعاً، ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها احتياطاً؛ لاحتمال كون الوضع ثانياً زيادة مبطلة فعليه إعادة الصلاة. قال العلّامة في «المنتهي»: لو وقعت جبهته على المرتفع جاز له أن يرفع رأسه و سجد على المساوي؛ لأنّه لم يحصل بحال السجود فيجوز العود لتحصيل التكميل. و يؤيّده ما رواه الشيخ عن الحسين بن حمّاد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال ارفع رأسك ثمّ ضعه(وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 4.) ، و لا يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 1.) و عن حسين بن حمّاد قال: قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع، أحول وجهي إلى مكان مستوٍ؟ فقال نعم جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 2.) ، و عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض، قال يحرّك جبهته حتّى يتمكّن فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 3.) ؛ لأنّا نحمل هذه الأخبار على ما إذا كان المقدار المرتفع لبنة فما دون؛ فلو رفع رأسه حينئذٍ لزمه أن يزيد سجدة متعمّداً و هو غير سائغ(منتهى المطلب 1: 288/ السطر 6.) انتهى.

ص: 537

ص: 538

[ (مسألة 5): لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود]

(مسألة 5): لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود، عليه جرّها عنه إلى ما يجوز السجود عليه، و تصحّ صلاته، و ليس له رفعها عنه.

ص: 539

و لو لم يمكن إلّا الرفع المستلزم لزيادة السجود، فالأحوط إتمام صلاته ثمّ استئنافها من رأس؛ سواء كان الالتفات إليه قبل الذكر الواجب أو بعده. نعم لو كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود كفاه الإتمام (1).


1- الوجه في عدم جواز رفع الرأس عمّا لا يصحّ السجود عليه و الوضع ثانياً على ما يصحّ السجود عليه هو استلزامه زيادة السجدة عمداً، و هي مبطلة. و لا تلزم الزيادة من جرّ الجبهة و وضعها على ما يصحّ السجود عليه؛ لأنّ تعدّد السجدة يحصل بوضع الجبهة مرّتين مع تخلّل انفصالها عن الأرض بينهما. فالواجب حينئذٍ جرّ الجبهة إلى ما يجوز السجود عليه؛ حذراً من محذور زيادة السجدة المبطلة. و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بوجوب رفع الرأس و وضعه ثانياً على ما يصحّ السجود عليه، و نسبه إلى الأصحاب، قال: الثالثة المفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف إلّا من صاحب «المدارك» و من تبعه كالفاضل الخراساني أنّه لو وقعت جبهته حال السجود على ما لا يصحّ السجود عليه ممّا هو أزيد من لبنة ارتفاعاً أو انخفاضاً أو غيره ممّا لا يصحّ السجود عليه؛ فإنّه يرفع رأسه و يضعه على ما يصحّ السجود عليه. إلى أن قال: و بالجملة فما ذكره الأصحاب هو الأظهر؛ لأنّه متى كان السجود باطلًا بأن يكون على موضع مرتفع بأزيد من لبنة، أو كان على شي ء لا يصحّ السجود عليه فإنّه لا يعتبر به و لا يعدّ سجوداً شرعياً. فرفع الرأس منه إلى ما يصحّ السجود عليه غير ضائر و لا مانع منه شرعاً، بخلاف ما لو وقعت جبهته على ما يصحّ السجود عليه فإنّه بالرفع عنه و السجود مرّة ثانية يلزم زيادة سجدة في الصلاة و يكون موجباً لبطلانها(الحدائق الناضرة 8: 287 289.) انتهى.و اختاره السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى» و قال بوجوب إعادة السجدة؛ حتّى فيما كان الالتفات بعد رفع الرأس. هذا كلّه مع إمكان الجرّ. و مع عدم إمكانه فمقتضى قاعدة شرطية وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه للسجدة و إن كان وجوب التدارك برفع رأسه و وضعه ثانياً على ما يصحّ السجود عليه و إن استلزم زيادة سجدة فإنّها لا تقدح إذا كانت سهواً و لكن تسقط الشرطية في صورة غير العمد، كما لو رفع رأسه و ذكر أنّه سجد على ما لا يصحّ السجود عليه، و كما لو نسي الذكر أو الطمأنينة أو وضع أحد المساجد عدا الجبهة؛ و حينئذٍ يكتفي بما أتاه من السجود على ما لا يصحّ السجود عليه. و لا يندرج ما أتاه في السجدة السهوية الغير القادحة؛ ضرورة تحقّقه و حصوله عن قصد، و مع ذلك فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة ثمّ استئنافها؛ حتّى فيما كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) ذكر وجهين في المسألة: أحدهما سقوط اشتراط وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه و الاكتفاء بما أتاه. ثانيهما عدم سقوطه و وجوب تداركه بالوضع ثانياً. و هو (رحمه اللَّه) مع تقويته الوجه الأوّل قال بأنّ التدارك و إن استلزم زيادة السجدة سهواً ممّا لا خلاف فيه؛ فعليك بعين عبارته:. أو يتداركه و إن استلزم زيادة سجدة لكن سهواً فلا تقدح كما سمعته من ابن فهد، بل وافقه عليه هنا غيره، بل لا أجد فيه خلافاً، بل يشهد له أيضاً المروي عن كتاب «الغيبة» و «احتجاج» الطبرسي عن محمّد بن أحمد بن داود القمي قال: كتب محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدّسة يسأل عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلّط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ بها؟ فوقّع (عليه السّلام) ما لم يستو جالساً فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة(وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 6.) و إن كان هو في النافلة و لم يجبه عن الاعتداد و عدمه، و لم يظهر وجه التقييد فيه بالاستواء جالساً و غير ذلك؟ وجهان: أقواهما الأوّل(جواهر الكلام 10: 162.) انتهى.

ص: 540

ص: 541

[ (مسألة 6): من كان بجبهته علّة كالدمل]

(مسألة 6): من كان بجبهته علّة كالدمل، فإن لم تستوعبها و أمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض و لو بحفر حفيرة و جعل الدمل فيها وجب. و إن استوعبتها، أو لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض، سجد على أحد الجبينين، و الأولى تقديم الأيمن على الأيسر، و إن تعذّر سجد على ذقنه، و إن تعذّر فالأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدّم رأسه على الأرض، و مع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته (1).


1- وجه وجوب وضع الموضع السليم من الجبهة على الأرض على من كان بجبهته علّة غير مستوعبة لتمام الجبهة، هو أنّه ممّا لا خلاف فيه بين العلماء كما في «المدارك»، و في «منظومة» الطباطبائي: أنّ عليه فتوى العلماء، و في «الجواهر»: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. و يدلّ عليه خبر مصادف قال: خرج بي دمل فكنتُ أسجد على جانب، فرأى أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أثره فقال ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل، فإنّما أسجد منحرفاً، فقال لي لا تفعل ذلك، و لكن احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض(وسائل الشيعة 6: 359، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 12، الحديث 1.) و المحكي عن «فقه الرضا (عليه السّلام)» فإن كان في جبهتك علّة لا تقدر على السجود أو دمّل فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمل فيها. و إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذّر عليه فعلى قرنك الأيسر، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفّك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك، يقول اللَّه تبارك و تعالى إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً(مستدرك وسائل الشيعة 4: 459، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) هذا كلّه فيما كانت العلّة غير مستوعبة لتمام الجبهة. و إن استوعبها أو لم تستوعبها و لكن لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض سجد على أحد الجبينين من غير خلاف، بل ادّعى عليه الإجماع صريحاً أو ظاهراً في كلام جماعة من فقهائنا. و إن تعذّر على الجبينين سجد على ذقنه. و بالإجماع المذكور يقيّد ما دلّ على وجوب السجود على الذقن على من بجبهته علّة لا يقدر على السجود، كما في مرسل على بن محمّد بإسناد له قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها، قال يضع ذقنه على الأرض، إنّ اللَّه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً(وسائل الشيعة 6: 360، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 12، الحديث 2.) و لا يجب تقديم الجبين الأيمن على الأيسر و إن كان أحوط؛ لما ذكر في المحكي عن «فقه الرضا (عليه السّلام)»، و لم يفت أحد من فقهائنا بوجوب تقديم الجبين الأيمن على الأيسر إلّا الصدوقان. و إن تعذّر السجود على الذقن أيضاً فالأحوط عند المصنّف (رحمه اللَّه) تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدم رأسه على الأرض، و مع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئة السجود، و لعلّه لاقتضاء قاعدة الميسور.و في «مصباح الفقيه» استشكل على القائلين بانتقال التكليف بالإيماء على من تعذّر السجود على الذقن، قال: صرّح غير واحد أنّه لو تعذّر السجود على الذقن أيضاً ينتقل تكليفه إلى الإيماء، بل ربّما يستشعر من كلماتهم كونه من المسلّمات. و هو لدى التمكّن من السجود على الأنف أو الحاجبين أو جزء آخر من وجهه مشكل؛ فإنّ مقتضى القاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور، و ما هو المفروض في المقام من أظهر مجاريها؛ فالأقوى أنّه لدى تعذّر هذه المراتب لا يسقط أصل السجود مع الإمكان(مصباح الفقيه، الصلاة: 356/ السطر 13.) انتهى. و لا يخفى ما فيه؛ فإنّ وضع شي ء من الوجه ليس ميسور السجدة التي هي شرعاً عبارة عن وضع الجبهة على الأرض نعم قد يستفاد من بعض الروايات أنّ موضع السجدة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف، كما في موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 4.) و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) اختار الإيماء مع تعذّر مراتب السجود على الحفيرة و الجبينين و الذقن، و قال: و كيف كان: فإن تعذّر ذلك كلّه فقد صرّح غير واحد بالاقتصار على الإيماء، و مرادهم به على الظاهر ما يشمل الانحناء الممكن، كما صرّح به العلّامة الطباطبائي. إلى أن قال: بل لا يبعد حفر الحفيرة مع فرض نقصان انحنائه بما يزيد على اللبنة لذلك أيضاً، بل إن أمكنه استقرار رأسه على حواشيها و إن لم يماسّ شي ء من جبهته أو جبينه شيئاً حافظ عليه، ثمّ يترتّب الانحناء إلى أن يصل إلى حدّ الإيماء. إلى أن قال: لكن ينبغي عدم ترك السجود على الأنف أو الحاجب مع فرض تمكّنه(جواهر الكلام 10: 208.) انتهى. و قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: فإن تعذّر اقتصر على الانحناء الممكن، و اختاره المحشّون لها، إلّا المصنّف (رحمه اللَّه) فإنّه قال بالاحتياط بتحصيل هيئة السجود بوضع بعض الوجه أو مقدم الرأس على الأرض، و مع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته.

ص: 542

ص: 543

ص: 544

[ (مسألة 7): لو ارتفعت جبهته من الأرض قهراً و عادت إليها قهراً]

(مسألة 7): لو ارتفعت جبهته من الأرض قهراً و عادت إليها قهراً، فلا يبعد أن يكون عوداً إلى السجدة الأُولى، فيحسب سجدة واحدة؛ سواء كان الارتفاع قبل القرار أو بعده، فيأتي بالذكر الواجب، و مع القدرة على الإمساك بعد الرفع يحسب هذا الوضع سجدة واحدة مطلقاً؛ سواء كان الرفع قبل القرار أو بعده (1).


1- إذا وضع جبهته على الأرض عن اختيار بقصد السجدة ثمّ ارتفعت قهراً و لم يقدر على الإمساك و حفظ رأسه و عادت إليها قهراً، فيحتمل قوياً عدم كون الوقوع الثاني الاضطراري سجدة أُخرى؛ لاعتبار القصد في صدق مفهوم السجدة، و المفروض عدم تحقّقها عن قصد، بل يحسب مجموع الوضعين سجدة واحدة عرفاً. و يجب تدارك ما وجب عليه من آداب السجود على فرض فوتها في الوضع الأوّل؛ لتمكّنه منها مع كونه في محلّها. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الارتفاع قبل قرار الجبهة في الأرض أو بعده. و يشكل بأنّ تخلّل الارتفاع بين الوضعين يوجب التعدّد، و أنّ محلّ الذكر كما هو الوضع الأوّل و قد فات بالاضطرار و عن غير اختيار، و سقط وجوبه، و الوضع الثاني غير مضرّ بالصلاة؛ لعدم كونه من الزيادة العمدية، و ليس أحد العناوين المبطلة للصلاة. و فيه: أنّ العرف يحسب الوضعين المذكورين سجدة واحدة. و يمكن أن يستشهد عليه بما روي عن محمّد بن أحمد بن داود القمي المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 6.) نقله عن كتاب «الغيبة» و «احتجاج» الطبرسي، حيث إنّ الظاهر من السؤال أنّه هل يجب الاعتداد بالوضع الأوّل بحيث لا يجوز رفع رأسه إلّا للتهيّؤ للسجدة الثانية مثلًا، أو يجوز رفع رأسه لطلب الخمرة من غير زيادة سجدة مخلّة؟ و الظاهر من التوقيع جواز رفع الرأس لطلب الخمرة ما لم يستو جالساً من غير إخلال بالسجدة. هذا كلّه مع عدم القدرة على الإمساك بعد رفع الرأس. و مع القدرة عليه يحسب ما أتاه أوّلًا من وضع الجبهة على الأرض بقصد السجدة سجدة واحدة و يعتدّ به، و إن لم تستقرّ جبهته في الأرض؛ أي كان ارتفاع الرأس قبل القرار في الأرض، و يسقط وجوب الذكر لفوات محلّه اضطراراً، و يجلس للتهيّؤ للسجدة الأُخرى إن كانت الاولى، و يكتفى بها إن كانت الثانية.

ص: 545

[ (مسألة 8): من عجز عن السجود]

(مسألة 8): من عجز عن السجود، فإن أمكنه تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة، يجب محافظاً على ما عرفت وجوبه؛ من وضع المساجد في محالّها مع التمكّن و الاعتماد و الذكر و الطمأنينة و نحوها، فإذا تمكّن من الانحناء فعل بمقدار ما يتمكّن، و رفع المسجد إلى جبهته واضعاً لها عليه؛ مراعياً لما تقدّم من الواجبات، و إن لم يتمكّن من الانحناء أصلًا أومأ إليه

ص: 546

برأسه، و إن لم يتمكّن فبالعينين، و الأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه، و مع عدم تحقّق الميسور من السجود لا يجب وضع المساجد في محالّها و إن كان أحوط (1).


1- يجب تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة على من عجز عن السجود الاختياري؛ لقاعدة الميسور. و يجب المحافظة على جميع ما يجب حال السجدة الاختيارية من وضع سائر المساجد في محالّها مع التمكّن منه و الاعتماد و الاستقرار و الذكر و الطمأنينة لأنّ المفروض تمكّنه منها في السجدة الميسورة؛ فيجب المحافظة عليها. و من عجز عن ميسور السجدة و لكن تمكّن من الانحناء بمقدار لا تصل جبهته إلى الأرض وجب عليه الانحناء بذلك المقدار و رفع المسجد إلى جبهته واضعاً لها عليه مراعياً لما تقدّم من الواجبات المذكورة حال السجدة بلا خلاف. و يدلّ على رفع المسجد إلى جبهته خبر إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال ليؤم برأسه إيماءً و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءً(وسائل الشيعة 6: 375، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 20، الحديث 1.) و إن لم يتمكّن من الانحناء أصلًا أومأ إيماءً برأسه إجماعاً. و إن لم يتمكّن من الإيماء برأسه فبغمض العينين، كما في مرسلة المشايخ الثلاثة عن الصادق (عليه السّلام) فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمّ سبّح(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 13.)و وجه الاحتياط في رفع المسجد مع الإيماء بالرأس أو العينين إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه رواية الكرخي المتقدّمة. ثمّ إنّه إذا لم يتمكّن من السجدة مطلقاً حتّى ميسورها و كانت وظيفته الإيماء فلا يجب حينئذٍ وضع المساجد في محالّها؛ لأنّ وضعها فيها من الآداب المعتبرة في السجدة لا في بدلها، نعم هو أحوط.

ص: 547

[ (مسألة 9): يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع]

(مسألة 9): يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع للأخذ في السجود و للرفع منه (1)، و السبق باليدين إلى الأرض عند الهُوِيّ إليه (2)، و استيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه (3)،


1- و يدلّ عليه صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ثمّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه و سجد»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و يظهر من بعض الأخبار استحباب التكبير حال الهويّ إلى السجود منكبّاً إليه، كما في رواية معلّى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول كان علي بن الحسين (عليه السّلام) إذا أهوى ساجداً انكبّ و هو يكبّر(وسائل الشيعة 6: 383، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 24، الحديث 2.) و هو مخالف للمعروف بين الأصحاب.
2- و يدلّ عليه صحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجداً و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معاً(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.)
3- و يدلّ عليه موثّق بريد عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الجبهة إلى الأنف؛ أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كلّه أفضل(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 3.)

ص: 548

و الإرغام بمسمّاه بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه، و الأحوط عدم تركه (1)،


1- استحباب الإرغام بالأنف على ما يصحّ السجود عليه إجماعي. و يدلّ عليه صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و وضع الأنف على الأرض سنّة؛ و هو الإرغام(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاماً. أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 2.) و يظهر من بعض الأخبار وجوب الإرغام بالأنف، كما في موثّق عمّار عن جعفر عن أبيه قال قال علي (عليه السّلام): لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين(وسائل الشيعة 6: 344، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح عبد اللَّه بن المغيرة عمّن سمع أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه(وسائل الشيعة 6: 345، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 7.) ، و هو الوجه في احتياط المصنّف (رحمه اللَّه) في عدم ترك الإرغام بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه. و لكن يجب صرف الخبرين عن ظاهرهما بالقرينة؛ و هي الإجماع على الاستحباب، و الأخبار الصريحة بكونه سنّة، و الدالّة على كون الفرض من السجود على سبعة أعظم و الإرغام بالأنف سنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كصحيح زرارة المتقدّم، و ما دلّ على نفي السجود على الأنف كخبر محمّد بن مصادف (مضارب) قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إنّما السجود على الجبهة، و ليس على الأنف سجود(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 1.)

ص: 549

و تسوية موضع الجبهة مع الموقف، بل جميع المساجد (1)، و بسط الكفّين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الأُذُنين موجّهاً بهما إلى القبلة (2)،


1- قد تقدّم في ذكر واجبات السجدة وجوب الانحناء حتّى يساوي موضع جبهته موقفه و أنّ الواجب أن لا يكون موضع الجبهة أعلى أو أخفض من مقدار اللبنة؛ فيكون الأمر بتساويهما محمولًا على الاستحباب، كصحيح ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال لا، و ليكن مستوياً(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) و أمّا مساواة سائر المساجد غير الجبهة مع الموقف ففي «الجواهر»: قيل: و يستحبّ أيضاً في باقي المساجد، و لعلّه لأنّه أقوم للسجود، و لاحتمال عود الضمير في قوله «و ليكن» في صحيح ابن سنان إلى مكان السجود جميعه لا خصوص المسجد، و لغير ذلك ممّا يمكن استفادته ممّا ذكرناه في الواجب الثالث(جواهر الكلام 10: 174.)
2- و يدلّ على بسط الكفّين على الأرض مضمومتي الأصابع صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ثمّ سجد و بسط كفّيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه»(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 2.)

ص: 550

و التجافي حال السجود؛ بمعنى رفع البطن عن الأرض (1)، و التجنيح: بأن يرفع مرفقيه عن الأرض؛ مفرّجاً بين عضديه و جنبيه، مبعّداً يديه عن بدنه جاعلًا يديه كالجناحين (2)،


1- و يدلّ عليه خبر حفص الأعور عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كان علي (عليه السّلام) إذا سجد يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر ؛ يعني بروكه(وسائل الشيعة 6: 341، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 3، الحديث 1.) و ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) إذا صلّت المرأة فلتحتفز؛ أي تتضامّ إذا جلست و إذا سجدت، و لا تتخوّى كما يتخوّى الرجل(وسائل الشيعة 6: 342، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 3، الحديث 5.) ، يقال احتفز: أي استوى جالساً على ركبتيه أو على وركيه، و يقال: خوّى البعير: أي بعّد بطنه عن الأرض في بروكه، و في «القاموس»: خوّى في سجوده تخوية: أي تجافى و فرّج ما بين عضديه و جنبيه.
2- و يدلّ عليه صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «و كان مجنّحاً و لم يضع ذراعيه على الأرض»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و لا تفترش ذراعيك افتراش الأسد (السبع) ذراعيه و لا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك و فخذيك، و لكن تجنح بمرفقيك(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و ما روي عن «جامع» البزنطي إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبُع ذراعيه، و لكن اجنح بهما؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يجنح بهما حتّى يساوي بياض إبطيه(مستدرك الوسائل 4: 452، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 3، الحديث 2.)

ص: 551

و الدعاء بالمأثور قبل الشروع في الذكر و بعد رفع الرأس من السجدة الأُولى (1)، و اختيار التسبيحة الكبرى و تكرارها، و الختم على الوتر (2)، و الدعاء في السجود أو الأخير منه بما يريد من حاجات الدنيا و الآخرة، سيّما طلب الرزق الحلال؛ بأن يقول: «يا خَيرَ المسئولينَ و يا خيرَ المُعطِينَ ارزُقني و ارزُق عيالي من فَضلِكَ فإنّك ذُو الفضلِ العظيم» (3)،


1- و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا سجدت فكبّر و قل: اللهمّ لك سجدتُ و بك آمنتُ و لك أسلمتُ و عليك توكّلت، و أنت ربّي، سجد وجهي للّذي خلقه و شقّ سمعه و بصره، الحمد للَّه ربّ العالمين، تبارك اللَّه أحسن الخالقين. ثمّ قل: سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات، فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهمّ اغفر لي و ارحمني و أجرني و ارفع عنّي (و عافني) إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير تبارك اللَّه ربّ العالمين(وسائل الشيعة 6: 339، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 2، الحديث 1.)
2- و يدلّ عليه صحيح هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة و السنّة ثلاث و الفضل في سبع(وسائل الشيعة 6: 299، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 1.)
3- و يدلّ على استحباب الدعاء في السجود مطلقاً صحيح عبد الرحمن بن سيّابة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أدعو و أنا ساجد؟ قال نعم، فادع للدنيا و الآخرة فإنّه ربّ الدنيا و الآخرة(وسائل الشيعة 6: 371، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن هلال قال: شكوت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): تفرّق أموالنا و ما دخل علينا، فقال عليك بالدعاء و أنت ساجد؛ فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللَّه و هو ساجد ، قال: قلت: فأدعو في الفريضة و أُسمّي حاجتي؟ فقال نعم، قد فعل ذلك رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم، و فعله علي (عليه السّلام) بعده(وسائل الشيعة 6: 371، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 3.) و يدلّ على استحباب الدعاء بما ذكر في المتن صحيح زيد الشحّام عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد: يا خير المسئولين.(وسائل الشيعة 6: 372، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 4.) إلى آخره. و في «المستمسك»: و الذي عثرتُ عليه من النصوص خالٍ عن ذكر السجود الأخير(مستمسك العروة الوثقى 6: 393.) انتهى. نعم في بعض الروايات قد ذكر دعاء مخصوص في كلّ من السجدات الأربعة، كما في صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول و هو ساجد أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا بدّلت سيّئاتي حسنات و حاسبتني حساباً يسيراً، ثمّ قال في الثانية: أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا كفيتني مئونة الدنيا و كلّ هول دون الجنّة، و قال في الثالثة: أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا غفرت لي الكثير من الذنوب و قبلت من عملي اليسير، ثمّ قال في الرابعة: أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا أدخلتني الجنّة و جعلتني من سكّانها و لمّا نجّيتني من سفعات النار برحمتك، و صلّى اللَّه على محمّد و آله(وسائل الشيعة 6: 340، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 2، الحديث 2.)

ص: 552

ص: 553

و التورّك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما؛ بأن يجلس على فخذه الأيسر جاعلًا ظهر القدم اليمنى على بطن اليسرى، و أن يقول بين السجدتين: «أستغفِرُ اللَّه ربّي و أتُوبُ إليه» (1)،


1- استحباب التورّك في الجلوس بين السجدتين إجماعي. و يدلّ على استحباب التورّك و الاستغفار بين السجدتين صحيح حمّاد المتقدّم «ثمّ رفع رأسه من السجود، فلمّا استوى جالساً قال: اللَّه أكبر ثمّ قعد على جانبه الأيسر و وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى و قال: أستغفر اللَّه ربّي و أتوب إليه(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و يدلّ على استحباب التورّك بعد السجدتين حال التشهّد صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئاً، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و ما دلّ على النهي عن التورّك مطروح أو مؤوّل، كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و لا تورّك؛ فإنّ قوماً قد عذّبوا بنقض الأصابع و التورّك في الصلاة(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 9.)

ص: 554

و وضع اليدين حال الجلوس على الفخذين؛ اليمنى على اليمنى، و اليسرى على اليسرى، و الجلوس مطمئنّاً بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم، و هو المسمّى بالجلسة الاستراحة، و الأحوط لزوماً عدم تركها (1)،


1- استحباب الجلوس مطمئنّاً بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم مشهور بين الأصحاب، و في «المنتهي»: أنّه مذهب الأصحاب إلّا السيّد المرتضى (رحمه اللَّه). و يدلّ عليه خبر الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئنّ ثمّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) إنّما يفعل ذلك أهل الجفا من الناس، إنّ هذا من توقير الصلاة(وسائل الشيعة 6: 347، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 5.) و قال السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) بوجوب جلسة الاستراحة و ادّعى الإجماع عليه. و نسب إلى السيّد أبي المكارم في «الغنية» و المفيد في «المقنعة» و سلّار في «المراسم» و ابن إدريس في «السرائر» و ابن جنيد. و يظهر من صاحب «الحدائق» اختياره. و يظهر من «كشف اللثام» الميل إليه حيث إنّه بعد نقل القول بالوجوب عن السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) قال: و قد يعضده التأسّي و الأمر في موثّق أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام) قال إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأُولى حين تريد أن تقوم فاستو جالساً ثمّ قم(وسائل الشيعة 6: 346، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 3.) و ما روي عن أصل زيد النرسي عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثمّ نهض للقيام(مستدرك الوسائل 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 1.) و في ذلك الأصل أيضاً قال: سمعت أبا الحسن (عليه السّلام) يقول إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة ثمّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك و ابسط يديك بسطاً و اتّك عليهما ثمّ قم؛ فإنّ ذلك وقار المرء المؤمن الخاشع لربّه، و لا تطيش من سجودك مبادراً إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم(مستدرك الوسائل 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 2.) و صحيح عبد الحميد بن عوّاض عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأُولى جلس حتّى يطمئنّ ثمّ يقوم(وسائل الشيعة 6: 346، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 1.) و ما رواه الصدوق في «الخصال» عن أبي بصير و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم ثمّ قوموا؛ فإنّ ذلك من فعلنا(مستدرك الوسائل 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 4.) ثمّ إنّ منشأ احتياط المصنّف (رحمه اللَّه) و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى» في عدم ترك جلسة الاستراحة هو وجود القول بوجوبها مع ملاحظة دعوى الإجماع من السيّد (رحمه اللَّه) و الأخبار المذكورة الدالّة بظاهرها على الوجوب، و لكن الإجماع غير ثابت، و ادّعى جماعة الشهرة على الاستحباب، و لا يترك الاحتياط بعدم تركها.

ص: 555

و أن يقول إذا أراد النهوض إلى القيام: «بِحولِ اللَّهِ و قوّتِه أقُومُ و أقعُد» (1)،


1- الأخبار في ذلك مختلفة؛ ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قام الرجل من السجود قال: بحول اللَّه أقوم و أقعد(وسائل الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 2.) و في صحيح رفاعة بن موسى النخّاس قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول كان علي (عليه السّلام) إذا نهض من الركعتين الأوّلتين قال: بحولك و قوّتك أقوم و أقعد(وسائل الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 4.) و في صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت من السجود قلت: اللهمّ بحولك و قوّتك أقوم و أقعد و أركع و أسجد(وسائل الشيعة 6: 362، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 6.) نعم الذكر المذكور في المتن: «بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد» وارد في القيام من التشهّد إلى الركعة الثالثة، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعتين الأُوليين فتشهّدت ثمّ قمت فقل: بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد(وسائل الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 3.)

ص: 556

و أن يعتمد على يديه عند النهوض من غير عجن بهما؛ أي لا يقبضهما، بل يبسطهما على الأرض (1).


1- و يدلّ عليه رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك يعني تعتمد عليهما و هي مقبوضة، و لكن ابسطهما بسطاً و اعتمد عليهما(مستدرك الوسائل 4: 465، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 16، الحديث 2.)

ص: 557

[ (مسألة 10): تختصّ المرأة في الصلاة بآداب]

(مسألة 10): تختصّ المرأة في الصلاة بآداب: الزينة بالحليّ و الخضاب، و الإخفات في قولها، و الجمع بين قدميها حال القيام، و ضمّ ثدييها بيديها حاله، و وضع يديها على فخذيها حال الركوع، غير رادّة ركبتيها إلى ورائها، و البدأة للسجود بالقعود، و التضمّم حاله لاطئةً بالأرض فيه غير متجافية، و التربّع في جلوسها مطلقاً (1).


1- و يدلّ على اختصاص المرأة باستحباب آداب الزينة بالحليّ رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السّلام) قال لا تصلّي المرأة عطلًا(وسائل الشيعة 4: 459، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 58، الحديث 1.) ، و في «منجد اللغة»: العطلاء من النساء: التي لا حليّ عليها. و قد ذكر في «مستدرك الوسائل» ما يدلّ على كراهة صلاة المرأة بغير حليّ و لا خضاب بالحنّاء: «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: لا تصلّينّ امرأة إلّا عليها من الحليّ، أدناه خرص فما فوقه، إلّا أن لا تجده. و روينا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه كره للمرأة أن تصلّي بلا حليّ. و روينا عن علي (عليه السّلام) قال قال لي رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): مر نسائك لا يصلّين معطّلات، فإن لم يجدن فليعقدن في أعناقهنّ و لو السير، و مرهنّ فليغيّرن أكفّهنّ بالحناء و لا يدعنها لكيلا تتشبّهن بالرجال(مستدرك الوسائل 3: 229، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 40، الحديث 1.) و أمّا الإخفات في قولها، ففي «المستمسك»: لا يحضرني عاجلًا ما يدلّ عليه، و إن كان هو أنسب بالستر المطلوب منها.و يدلّ على الجمع بين قدميها حال القيام إلى آخر ما ذكره المصنّف (رحمه اللَّه) صحيح زرارة قال إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرّج بينهما، و تضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى أليتيها، ليس كما يجلس الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين ثمّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلّت انسلالًا لا ترفع عجيزتها أوّلًا(وسائل الشيعة 5: 462، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 4.)

ص: 558

ص: 559

[القول في سجدتي التلاوة و الشكر]

القول في سجدتي التلاوة و الشكر

[ (مسألة 1): يجب السجود عند تلاوة آيات أربع في السور الأربع]

(مسألة 1): يجب السجود عند تلاوة آيات أربع في السور الأربع: آخر «النجم» و «العلق»، و لا يستكبرون في الم تَنزِيل و تعبدون في حم فُصّلَتْ، و كذا عند استماعها دون سماعها على الأظهر، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط (1).


1- سجدات القرآن خمس عشرة: أربعة منها واجبة، و إحدى عشر مسنونة بلا خلاف. و الدليل على حصر العزائم في الأربعة المعهودة صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الذي خلق و النجم و تنزيل السجدة و حم السجدة(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 7.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال العزائم: الم تنزيل و حم السجدة و النجم و اقرأ باسم ربّك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون و ليس بمفروض(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 9.) ، و غيرهما من روايات الباب. و يدلّ على وجوب السجود عند تلاوة الآيات الأربعة مضافاً إلى الإجماع بقسميه النصوص المعتبرة، كصحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربعة: حم السجدة و تنزيل و النجم و اقرأ باسم ربّك(وسائل الشيعة 6: 239، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا قرأت السجدة فاسجد و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 3.) و يدلّ على وجوبها عند استماعها صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل سمع السجدة تقرأ، قال لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها أو يصلّي بصلاته، فأمّا أن يكون يصلّي في ناحية و أنت تصلّي في ناحية أُخرى فلا تسجد لما سمعت(وسائل الشيعة 6: 242، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 1.) و أمّا سماعها من غير استماع: فقد اختلف فيه أصحابنا؛ ذهب جماعة كثيرة إلى عدم الوجوب، كالشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «المنتهي» و «التذكرة». و الدليل عليه مضافاً إلى الأصل صحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدّم. و قال جماعة بالوجوب؛ منهم ابن إدريس و ادّعى عليه الإجماع، و مال إليه الشهيد في «الذكرى»، و في «الحدائق»: و عليه الأكثر من الأصحاب، و هو الأقرب. و استدلّ له برواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال إذا قرئ بشي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنباً، و إن كانت المرأة لا تصلّي. و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 2.) و مرسل علي بن جعفر قال: و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة فقال يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع، ثمّ يقوم فيتمّ صلاته، إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً(وسائل الشيعة 6: 243، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 4.)و فيه أوّلًا: أنّ رواية أبي بصير ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة سالم البطائني، و خبر علي بن جعفر مرسل غير منجبر. و ثانياً: أنّهما موافقان لمذهب العامّة حيث ذهب أبو حنيفة و ابن عمرو النخعي إلى الوجوب. و ثالثاً: يحتمل حمل السماع فيهما على الاستماع. و مع ذلك كلّه: لا ينبغي ترك الاحتياط للسامع الغير المستمع.

ص: 560

ص: 561

و السبب مجموع الآية، فلا يجب بقراءة بعضها؛ و لو لفظ السجدة منها و إن كان أحوط (1)،


1- و الدليل على كون مجموع الآية سبباً لوجوب السجدة مضافاً إلى أصالة البراءة من وجوبها بقراءة بعضها هو بعض الأخبار، كموثّق سماعة قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع ، قال و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع.(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 2.) الحديث. و موثّق آخر له قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد. إلى أن قال و لا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوّع(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 2.) وجه الاستدلال: أنّ ختم السورة لا يتحقّق إلّا بختم الآية الأخيرة؛ فالمعيار الآية التي فيها السجدة و بها تختم السورة. و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): و ربّما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها، فكيف يصنع؟ قال لا يسجد(وسائل الشيعة 6: 243، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 2.) و رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ أبي علي بن الحسين ما ذَكَر للَّه نعمةً عليه إلّا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللَّه فيها سجدة إلّا سجد. إلى أن قال فسمّي السجّاد لذلك(وسائل الشيعة 6: 244، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 44، الحديث 1.) و في «الجواهر»: بل الظاهر أنّه المراد من السجدة المعلّق على قراءتها السجود في كثير من النصوص، بل لعلّه المراد من العزائم التي علّق عليها ذلك في بعض آخر(جواهر الكلام 10: 214.) انتهى. أقول: كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع و يسجد(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 104، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 39، الحديث 1.) و وجه الاحتياط في السجود بسبب قراءة لفظ السجدة من آياتها هو فتوى جماعة بالوجوب؛ قال صاحب «الحدائق»: لا يخفى أنّ ظواهر الأخبار التي قدّمناها هو السجود عند ذكر السجدة؛ لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها، و المتبادر منها هو لفظ السجدة، و الحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات؛ بأن يراد سماع آية السجدة إلى آخرها. إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنّ محلّ السجود بعد تمام الآية. إلى أن قال (رحمه اللَّه): لا ريب في قوّة هذا القول بالنظر إلى ما ذكرناه من التقريب، إلّا أنّ الخروج عمّا ظاهرهم الاتّفاق عليه مشكل(الحدائق الناضرة 8: 334.) انتهى موضع الحاجة.

ص: 562

ص: 563

و وجوبها فوريّ لا يجوز تأخيرها، و إن أخّرها و لو عصياناً يجب إتيانها و لا تسقط (1).


1- قد ادّعي الإجماع بقسميه على وجوب الفور في سجدة التلاوة. و يدلّ عليه الأخبار الناهية عن قراءة سور العزائم في الفريضة، حيث علّل في بعضها النهي بأنّ القراءة فيها توجب السجدة، و هي زيادة عمدية مبطلة في المكتوبة، كما في صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.) ، و لو لم تكن السجدة واجبة فورية لجاز تأخيرها و لم تلزم الزيادة العمدية. و موثّق سماعة قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع ، قال و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع.(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 2.) الحديث، حيث إنّ الأمر بالإيماء قبل الركوع دليل على فوريتها.و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربّك الذي خلق أو شيئاً من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماءً، و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة(وسائل الشيعة 6: 103، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 38، الحديث 1.) ، حيث إنّه لو لم تكن السجدة واجبة فورية لم يكن وجه لإيجاب الإيماء. ثمّ إنّ هنا أمرين: الأوّل: أنّ الفورية ليست قيداً للوجوب و لا للواجب حتّى ينتفي الوجوب أو الواجب بالعصيان و تركها فوراً، بل هي مطلوبة مستقلّة لا يوجب فواتها سقوط الوجوب أو انتفاء الواجب، كالحجّ في أوّل عام الاستطاعة. و كذا لا يسقط بنسيانها؛ و ذلك لاستصحاب شغل الذمّة. و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 104، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 39، الحديث 1.) الثاني: أنّ وجوبها الفوري لا يوجب كونها قضاء بعد انقضاء زمان الفور بالعصيان أو النسيان؛ ضرورة عدم كون السجدة الواجبة فوراً من قبيل الواجب الموقّت، بل هي كصلاة الزلزلة الواجبة فوراً المأتية أداءً فيما لم يأتها فوراً، و الحجّ الواجب في أوّل عام الاستطاعة المأتي أداءً في العام الثاني و الثالث، و هكذا لو أخّرها عن أوّل عامها. و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده الشهيد في «الذكرى»، قال: و هل ينوي القضاء؟ ظاهره ذلك؛ لصدق حدّ القضاء عليها. و في «المعتبر»: ينوي الأداء لعدم التوقيت. و فيه منع؛ لأنّها واجبة على الفور، فوقتها وجود السبب؛ فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها، و لا نعني بالقضاء إلّا ذلك(ذكرى الشيعة 3: 472.) انتهى كلام «الذكرى».

ص: 564

ص: 565

[ (مسألة 2): يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب و تخلّل السجود]

(مسألة 2): يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب و تخلّل السجود قطعاً، و هو مع التعاقب بلا تخلّله لا يخلو من قوّة، و مع عدم التعاقب لا يبعد عدمه (1).


1- يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع تعاقب السببين و تخلّل السجود بينهما قطعاً؛ لأنّ السجدة المتخلّلة بين السببين واجبة عن السبب الأوّل، و السبب الثاني موجب مستقل لسجدة اخرى غير مرتبطة بالسبب الأوّل، و هذا ممّا لا كلام و لا إشكال فيه. و كذا يتكرّر بتكرّر السبب مع تعاقب السببين بلا تخلّل السجود بينهما؛ لأصالة عدم تداخل الأسباب في المسبّبات، إلّا فيما دلّ دليل شرعي تعبّدي على التداخل و اكتفاء الشارع بفعل واحد، كما في الأغسال. و لا يتعدّى عنها إلى غيرها؛ لبطلان القياس في مذهبنا. و يدلّ على التكرّر بتكرّر السبب بلا تخلّل السجود صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد، قال (عليه السّلام) عليه أن يسجد كلّما سمعه، و على الذي يعلّمه أيضاً أن يسجد(وسائل الشيعة 6: 245، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 45، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا قرأت السجدة فاسجد و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 40، الحديث 3.) و قال صاحب «الحدائق» بتداخل الأسباب هنا كالأغسال، و تمسّك فيه بالأخبار الدالّة على أنّه إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك حقّ واحد، كما في صحيح زرارة قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة. إلى أن قال: ثمّ قال و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها(وسائل الشيعة 2: 261، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 43، الحديث 1.) و أنكر (رحمه اللَّه) دلالة صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم على التكرّر و قال: غاية ما يدلّ عليه: أنّه متى قرأ السجدة وجب عليه السجود تحقيقاً للفورية التي لا خلاف فيه. و أمّا أنّه لو قرأ مراراً متعدّدة من غير تخلّل السجود فهل الواجب عليه سجدة واحدة أو سجدات متعدّدة بعدد القراءة؟ فلا دلالة في الخبر عليه(الحدائق الناضرة 8: 340 341.) انتهى. و اختاره الفقيه النراقي في «مستند الشيعة». فرعان: الأوّل: إذا قرأها جماعة دفعة واحدة بحيث كان الاستماع دفعة واحدة فالأقوى وجوب سجدة واحدة؛ لأنّ السبب الذي هو الاستماع في الحقيقة واحد. كما أنّ الأقوى تكرّر السجدة فيما استمع عن شخص حين قراءته نفسه؛ فإنّ السبب في الحقيقة متعدّد فيتكرّر المسبّب. و العجب من المصنّف (رحمه اللَّه) حيث قال هنا بأنّه مع عدم التعاقب لا يبعد عدم تكرّر السجود، و قال في حاشيته على «العروة الوثقى»: الأقوى في الفرض الأخير هو التكرّر و مراده من الفرض الأخير تكرّر السبب في زمان واحدٍ؛ بأن قرأها شخص حين قراءته. الثاني: قراءة بعض الآية و سماع بعضها الآخر لا يوجب السجود؛ لأنّ المتبادر من الأدلّة كون كلّ من قراءة مجموع الآية و استماعه سبباً مستقلا، و لا دليل على كون المركّب منهما سبباً. و مقتضى الأصل البراءة، و الاحتياط حسن.

ص: 566

ص: 567

[ (مسألة 3): إن قرأها أو استمعها في حال السجود]

(مسألة 3): إن قرأها أو استمعها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع، و لا يكفي البقاء بقصده، و لا الجرّ إلى مكان آخر، و كذا فيما إذا كان جبهته على الأرض لا بقصد السجدة، فسمع أو قرأ آية السجدة (1).

[ (مسألة 4): الظاهر أنّه يعتبر في وجوبها على المستمع، كون المسموع صادراً بعنوان التلاوة]

(مسألة 4): الظاهر أنّه يعتبر في وجوبها على المستمع، كون المسموع صادراً بعنوان التلاوة و قصد القرآنيّة، فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصدها لا تجب بسماعها، و كذا لو سمعها من صبيّ غير مميّز أو نائم أو من حبس صوت، و إن كان الأحوط ذلك، خصوصاً في النائم (2).


1- وجه وجوب رفع الرأس من السجود ثمّ الوضع و عدم كفاية البقاء بقصده و لا الجرّ إلى مكان آخر فيما كان جبهته على الأرض بقصد سجدة التلاوة، و كذا فيما كان عليها لا بقصد السجدة، هو أنّ الواجب إحداث السجود عند حدوث سببه لا مجرّد كون جبهته على الأرض، كما هو الظاهر المستفاد من أدلّته.
2- لعلّ وجه اعتبار صدور المسموع بعنوان التلاوة و قصد القرآنية في وجوب السجدة هو توقّف صدق قراءة القرآن على القصد إليها، و هو الظاهر من نسبة فعل القراءة إلى الفاعل، كقوله: يقرأ إنسان السجدة. و لكن متعلّق الحكم في بعض النصوص هو استماع السجدة من أيّ إنسان كان و لو من صبي غير مميّز بل و لو سمعها من صندوق حبس الصوت كما في موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يسمع السجدة. الحديث(وسائل الشيعة 6: 243، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 2.) فلا يترك الاحتياط بالسجود في جميع الموارد المذكورة في المتن.

ص: 568

[ (مسألة 5): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات]

(مسألة 5): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات، فلا يكفي سماع الهمهمة و إن كان أحوط (1).

[ (مسألة 6): يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه النية و إباحة المكان]

(مسألة 6): يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه النية و إباحة المكان (2) و الأحوط وضع المواضع السبعة، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه؛ و إن كان الأقوى عدم اللزوم. نعم الأحوط ترك السجود على المأكول و الملبوس، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه (3)،


1- وجه اعتبار تمييز الحروف و الكلمات في السماع الموجب للسجود و عدم كفاية الهمهمة: أنّ الموجب للسجود هو سماع الآية المقروّة، و حقيقة الآية عبارة عن الحروف و الكلمات المركّبة بتركيب خاصّ، و لا تصدق على همهمتها قراءة الآية و لا على استماعها استماع الآية. و يمكن أن يقال: إنّ سامع الهمهمة لو ميّز بسهولة و بمجرّد السماع أنّها همهمة آية السجدة، فحينئذٍ لا يبعد وجوب السجود، و لا يترك الاحتياط.
2- وجه اعتبار النية في سجود التلاوة كونه عبادة و العبادة لا بدّ فيها من قصد القربة، على ما مرّ تفصيله في نية الصلاة. و وجه اعتبار إباحة المكان هنا هو الوجه في اعتبارها في الصلاة و أنّها عبادة لا يتمشّى قصد التقرّب مع وقوعها منهياً عنها و مبغوضاً للمولى؛ لكونها تصرّفاً في ملك الغير عدواناً؛ فلا بدّ من وقوعها في مكان مباح حتّى يتقرّب بها. و كذا يعتبر فيها إباحة اللباس، بناءً على اعتبارها في الصلاة.
3- أمّا اعتبار وضع غير الجبهة من مواضع السجود في سجود التلاوة، فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ نسب إلى العلّامة في «التحرير» القول بأنّ الأقرب اشتراط السجود على الأعضاء السبعة، و حكي عن الشهيد في «البيان»: أنّ الأقرب اشتراط السجود على السبعة، و عن السبزواري في «الكفاية»: أنّه لا يبعد الاشتراط، و في «مستند الشيعة» للنراقي: أنّ القول بالاشتراط قوي، و عن العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: الإشكال في وجوب ما عدا الجبهة، و عن «المدارك»: فيه نظر، و عن «جامع المقاصد»: أنّ فيه وجهين، و عن المحقّق في «المعتبر» القول بعدم اعتبار وضع غير الجبهة، و تبعه بعض من تأخّر عنه، و اختاره صاحب «الحدائق». و اختلفوا أيضاً في اعتبار وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه و اعتبار عدم علوّ المسجد عن الموقف أزيد من مقدار اللبنة في سجدة التلاوة. و القائلون بالاعتبار في الموارد الثلاثة وضع المواضع السبعة، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، و عدم علوّ المسجد عن الموقف تمسّكوا بإطلاق الأخبار و أنّها غير مقيّدة باعتبارها في خصوص سجود الصلاة. و لا بأس بذكر بعض الروايات الواردة في الموارد المذكورة؛ ففي صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين و ترغم بأنفك إرغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السجود على ما أنبتت الأرض، إلّا ما أُكل أو لُبس(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.) ؛ فالسجود في هذه الروايات و غيرها غير مقيّد بكونه في الصلاة. و القائلون بعدم الاعتبار ادّعوا انصراف السجود في أمثال الروايات المذكورة إلى النحو المتعارف المعهود في الصلاة؛ حتّى في الرواية التي يمكن دعوى استفادة مطلق السجود من عموم التعليل الواقع فيها. كما في صحيح هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلّا ما أُكل أو لبس ، فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال لأنّ السجود خضوع للَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل و يلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها.(وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 1.) الحديث. و صاحب «الحدائق» أجاب عن هذا الحديث الصحيح بأنّ مورده أيضاً إنّما هو سجود الصلاة و ما تضمّنه من العلّة لا يخفى أنّه ليس من قبيل العلل الحقيقية التي يدور المعلول مدارها وجوداً و عدماً و يجب اطّرادها؛ فإنّ هذه العلل إنّما هي معرّفات و بيان حكمة شرعية أو مناسبة جلية للتقريب للإفهام. و بالجملة: فأصالة البراءة أقوى دليل في المقام(الحدائق الناضرة 8: 337.) انتهى. و لا يخفى: أنّ المسألة مشكلة جدّاً، و لا يترك الاحتياط في الموارد المذكورة كلّها.

ص: 569

ص: 570

ص: 571

و لا يعتبر فيه الاستقبال، و لا الطهارة من الحدث و الخبث، و لا طهارة موضع الجبهة، و لا ستر العورة (1).


1- لا دليل على اعتبار شي ء ممّا ذكر في المتن في شي ء من النصوص، و الأصل البراءة. و في «الجواهر»: للأصل و إطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات. نعم قد ورد الأمر بالاستقبال في مرسل «الدعائم» عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السّلام) أنّه قال إذا قرأت السجدة و أنت جالس فاسجد متوجّهاً إلى القبلة، و إذا قرأتها و أنت راكب فاسجد حيث توجّهت؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يصلّي على راحلته و هو متوجّه إلى المدينة بعد انصرافه من مكّة؛ يعني النافلة ، قال في ذلك قول اللَّه عزّ و جلّ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ(مستدرك الوسائل 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 1.) ، و لكنّه مضافاً إلى إرساله لم يوجد من الأصحاب من يعمل به(جواهر الكلام 10: 228.) و أمّا الطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر فقد دلّ الدليل على نفي اشتراطها، كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال إذا قرئ بشي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنباً، و إن كانت المرأة لا تصلّي. و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 2.) و صحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من قرأ السجدة و عنده رجل على غير وضوء، قال يسجد(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 5.) و صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال يسجد إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 6.) نعم في حدث الحيض قد اختلف الأخبار، و ورد في بعضها الأمر بالسجود على الحائض، كرواية أبي بصير المتقدّمة، و موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة(وسائل الشيعة 6: 103، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 38، الحديث 1.) ، و صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الطامث تسمع السجدة، فقال إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها(وسائل الشيعة 2: 340، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، الحديث 1.) و بعضها يدلّ على النهي عن السجدة على الحائض، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال لا تقرأ و لا تسجد(وسائل الشيعة 2: 341، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، الحديث 4.) ، و في بعض النسخ تقرأ بدل لا تقرأ. و صحيح غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السّلام) قال لا تقضي الحائض الصلاة و لا تسجد إذا سمعت السجدة(وسائل الشيعة 2: 342، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، الحديث 5.) قال صاحب «الوسائل» قال الشيخ: أمرها بالسجود محمول على الاستحباب، و نهيها عنه محمول على جواز الترك. و قال صاحب «المنتقى»: الأمر مخصوص بالعزائم، و النهي عامّ؛ فيخصّ بغيرها. أقول: و يحتمل الإنكار أيضاً(وسائل الشيعة 2: 341، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، ذيل الحديث 4.) انتهى كلام صاحب «الوسائل». و الأولى حمل أخبار النهي على التقية؛ لموافقته أكثر العامّة القائلين بالمنع. و نسب إلى الشهيد في حواشيه الجزم بوجوب الستر في سجدة التلاوة، و لعلّه لتعليل النهي عن سجود العاري في الصلاة بمخافة ظهور سوأته، كما في صحيح زرارة قال؛ قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال يصلّي إيماءً، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً، و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما ، قال و إن كانا في ماء أو بحر لجّي لم يسجدا عليه و موضوع عنهما التوجّه فيه، يوميان في ذلك إيماءً، رفعهما توجّه و وضعهما(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) و يرد عليه: أنّ مورد النهي خصوص سجود الصلاة، و أنّ خوف ظهور السوأة يوجب وجوب الستر عن ناظر محترم في كلّ حال من الحالات؛ حتّى في غير الصلاة و في سجود التلاوة و الشكر و غيرها.

ص: 572

ص: 573

[ (مسألة 7): ليس في هذا السجود تشهّد و لا تسليم و لا تكبيرة افتتاح]

(مسألة 7): ليس في هذا السجود تشهّد و لا تسليم و لا تكبيرة افتتاح. نعم يستحب التكبير للرفع عنه، و لا يجب فيه الذكر، بل يستحبّ، و يكفي مطلقه، و الأولى أن يقول: «لا إلهَ إلّا اللَّهُ حقّا حقّا، لا إلهَ إلّا اللَّهُ إيماناً و تصديقاً، لا إلهَ إلّا اللَّه عُبودِيَّةً و رِقّاً، سَجَدتُ لَكَ يا ربّ تعبُّداً و رِقّاً، لا مُستنكِفاً و لا مُستكبراً، بل أنا عبدٌ ذليلٌ خائفٌ مستجيرٌ» (1).


1- لا خلاف بين أصحابنا في عدم مشروعية التشهّد و التسليم في سجدة التلاوة. و يدلّ عليه خبر «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال من قرأ السجدة أو سمعها سجد أيّ وقت كان ذلك؛ ممّا تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز، عند طلوع الشمس و عند غروبها. و يسجد و إن كان على غير طهارة. و إذا سجد فلا يكبّر و لا يسلّم إذا رفع، و ليس في ذلك غير السجود، و يسبّح و يدعو في سجوده بما تيسّر من الدعاء(مستدرك الوسائل 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 35، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ هذا الخبر و إن كان صريحاً في نفي خصوص التسليم دون التشهّد و لكن نفي التسليم يستلزم نفي التشهّد؛ لأنّ وجوب التشهّد بدون التسليم ممّا لم يقل به أحد من الفريقين. و حكي عن أكثر العامّة القول بوجوبهما. و أمّا التكبير قبلها فهو أيضاً ممّا لا خلاف بيننا في عدم وجوبه، بل عدم مشروعيته للنهي عنه في أخبارنا. و قال أكثر العامّة بوجوبه. نعم يستحبّ بعد رفع الرأس منها؛ للأمر به في صحيح ابن سنان أنّ أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربعة: حم السجدة و تنزيل و النجم و اقرأ باسم ربّك(وسائل الشيعة 6: 239، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 1.) و ما رواه المحقّق في «المعتبر» نقلًا عن جامع البزنطي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) فيمن يقرأ السجدة من القرآن من العزائم فلا يكبّر حين يسجد، و لكن يكبّر حين يرفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 242، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 10.) و الظاهر من هذين الخبرين و إن كان هو وجوب التكبير بعد رفع الرأس من سجدة التلاوة كما نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و الشهيد في «الذكرى» و «البيان» و لكن مقتضى النهي عنه في بعض الأخبار كما في رواية عمّار قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود(وسائل الشيعة 6: 246، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 46، الحديث 3.) ، و مرسل «دعائم الإسلام» المتقدّم و إذا سجد فلا يكبّر و لا يسلّم إذا رفع حمل الأمر فيهما على الاستحباب، كذا قيل. و لكن لا يخفى ضعف رواية عمّار بعلي بن خالد العاقولي الغير الثابت وثوقه، و توصيف الرواية بالموثّقة كما في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 6: 425.) لا وجه له، و رواية «دعائم الإسلام» ضعيفة؛ فلا تصلحان للمعارضة مع صحيح ابن سنان و رواية «المعتبر» كي يعالج التعارض بحمل الأمر على الاستحباب. و الأولى أن يقال: إنّ الوجوب معرض عنه عند الأصحاب، و الاستحباب مشهور بينهم. بقي الكلام في ذكر سجدة التلاوة و الدعاء فيها و أنّه واجب أو مندوب: فقد ورد الأمر به في بعض الأخبار، كما في صحيح أبي عبيدة الحذّاء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده: سجدتُ لك تعبّداً و رقّاً لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً و لا مستعظماً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير(وسائل الشيعة 6: 245، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 46، الحديث 1.) و ما روي عن الصدوق في «الفقيه» و من قرأ شيئاً من العزائم الأربع فليسجد فليقل: إلهي آمنّا بما كفروا و عرفنا منك ما أنكروا و أجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو(الفقيه 1: 200/ 922.) ، و غيرهما من الأخبار الواردة فيها أذكار مختلفة.و ظاهرها و إن كان هو الوجوب و لكنّه محمول على الندب؛ لأنّ وجوب الكلّ و جميع الأذكار بنحو الوجوب التعييني مقطوع عدمه، و بنحو الوجوب التخييري مضافاً إلى أنّه لم يقل به أحدٌ ينفيه سياق كلّ واحد من الأخبار الواردة في الأذكار؛ فحينئذٍ يتعيّن حمل الأمر فيها على الندب المجمع عليه عند الأصحاب. و يكفي مطلق الذكر، و يدلّ عليه خبر عمّار المتقدّم إذا سجدت قلت ما تقول في السجود و الأولى أن يقال: «لا إله إلّا اللَّه حقّا حقّا.» إلى آخر الذكر.

ص: 574

ص: 575

ص: 576

[ (مسألة 8): السجود للَّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات]

(مسألة 8): السجود للَّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات، و قد ورد فيه: «أنّه ما عُبد اللَّه بمثله»، و «أقرب ما يكون العبد إلى اللَّه و هو ساجد»، و يستحبّ أكيداً للشكر للَّه عند تجدّد كلّ نعمة، و دفع كلّ نقمة، و عند تذكّرهما، و للتوفيق لأداء كلّ فريضة أو نافلة، بل كلّ فعل خير حتّى الصلح بين اثنين. و يجوز الاقتصار على واحدة، و الأفضل أن يأتي باثنتين؛ بمعنى الفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين، و يكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النية، و الأحوط فيه وضع المساجد السبعة، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، بل اعتبار عدم كونه ملبوساً أو مأكولًا لا يخلو من قوّة، كما تقدّم في سجود التلاوة. و يستحبّ فيه افتراش الذراعين و إلصاق الجؤجؤ و الصدر و البطن بالأرض. و لا يشترط فيه الذكر؛ و إن استُحبّ أن يقول: «شكراً للَّهِ» أو «شُكراً شُكراً» مائة مرّة، و يكفي ثلاث مرّات، بل مرّة واحدة. و أحسن ما يقال فيه ما ورد عن مولانا الكاظم (عليه السّلام): «قل و أنت ساجد: اللّهُمَّ إنّي أُشهِدُكَ، و أُشهِدُ ملائِكتَكَ و أنبياءَكَ و رُسُلكَ، و جميعَ خلقِكَ:

ص: 577

أنّكَ أنتَ اللَّه ربّي، و الإسلامَ ديني، و مُحمّداً نبيّي و عَليّاً و الحسَنَ و الحُسينَ تعدّهم إلى آخرهم أئمَّتي بهم أتوَلّى، و مِن أعدائِهم أتبرّأ.

اللّهُمَّ إنّي أَنشدُكَ دمَ المظلوم ثلاثاً اللّهمَّ إنّي أَنشدُك بإيوائِكَ على نفسِكَ لأعدائِكَ لتُهلكنَّهُم بأيدينا و أيدي المُؤمِنين.

اللهمَّ إنّي أَنشدُك بإيوائِكَ على نفسك لأوليائِك لَتُظفرَنَّهُم بعدوّك و عدوّهم، أن تُصلّي على مُحمَّدٍ و على المُستحفظينَ من آلِ محمّد ثلاثاً اللهُمَّ إنّي أسألُكَ اليُسر بعد العُسر؛ ثلاثاً. ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض و تقول: يا كَهفي حينَ تُعييني المذاهِبُ، و تضيقُ عليَّ الأرضُ بِما رَحُبَت، يا بارئَ خَلقي رَحمَةً بي و قَد كُنتَ عن خلقِي غنيّاً، صلّ عَلى مُحمّدٍ و عَلى المُستَحفظينَ من آلِ محمّدٍ.

ثمّ تضع خدّك الأيسر و تقول: يا مُذِلَّ كُلّ جبَّارٍ و يا مُعِزَّ كُلّ ذَلِيلٍ قد وَ عِزَّتِكَ بَلَغَ مجهودِي ثلاثاً ثمّ تقول: يا حنّانُ يا مَنّانُ يا كاشِفَ الكُربِ العِظامِ ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة: شُكراً شُكراً، ثمّ تسأل حاجتك تُقضى إن شاء اللَّه» (1).


1- و يعجبني نقل حديث في ثواب سجدة الشكر؛ ففي صحيح مرازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم تتمّ بها صلاتك و ترضي بها ربّك و تعجب الملائكة منك، و إنّ العبد إذا صلّى ثمّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و بين الملائكة فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي و أتمّ عهدي ثمّ سجد لي شكراً على ما أنعمتُ به عليه، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربّنا رحمتك، ثمّ يقول الربّ تبارك و تعالى ثمّ ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا جنّتك، فيقول الربّ تعالى: ثمّ ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا كفاية مهمّه، فيقول الربّ تعالى: ثمّ ماذا؟ فلا يبقى شي ء من الخير إلّا قالته الملائكة، فيقول اللَّه تعالى: يا ملائكتي ثمّ ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا لا علم لنا، فيقول اللَّه تعالى لأشكرنّه كما شكرني و أقبل إليه بفضلي و أُريه رحمتي(وسائل الشيعة 7: 6، كتاب الصلاة، أبواب سجدتي الشكر، الباب 1، الحديث 5.)

ص: 578

ص: 579

[القول في التشهّد]

القول في التشهّد

[ (مسألة 1): يجب التشهّد في الثنائيّة مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة]

(مسألة 1): يجب التشهّد في الثنائيّة مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، و في الثلاثيّة و الرباعيّة مرّتين: الاولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية، و الثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة. و هو واجب غير ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً لا سهواً حتّى يركع و إن وجب عليه قضاؤه، كما يأتي في الخلل (1).


1- وجوب التشهّد في كلّ ثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية و مرّتين في الثلاثية و الرباعية بعد الركعة الثانية و الأخيرة إجماعي بقسميه. و في «الجواهر»: بل المحكي منهما متواتر و في أعلى درجات الاستفاضة كالنصوص، بل لعلّه من ضروريات مذهبنا(جواهر الكلام 10: 246.) انتهى. و من العامّة من يقول بوجوب التشهّد في الأخير فقط كعمر و ابنه و الشافعي و الحنابلة، و قال أبو حنيفة و مالك بعدم وجوب الثاني أيضاً، و عن أبي حنيفة وجوب الجلوس فيهما بقدر التشهّد. و يدلّ على وجوبه بعد الركعة الثانية و الرابعة صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله. إلى أن قال فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه، الحمد للَّه، و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله.(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما يجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال أن تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له ، قلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 396، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح أبي نصر البزنطي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك التشهّد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 3.) و يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب التشهّد و أنّه سنّة في الصلاة، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته(وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال تمّت صلاته، و أمّا التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد(وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 2.) و موثّقه الآخر عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى الفريضة، فلمّا فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال أمّا صلاته فقد مضت و بقي التشهّد، و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة فليتوضّأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد(وسائل الشيعة 6: 412، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 4.) ، و غيرها من روايات الباب. و فيه أوّلًا: أنّ المخرج عن الصلاة عند الإمامية هو السلام المعبّر عنه ب «تحليلها التسليم». و ثانياً: أنّ الحدث في أثناء الصلاة في أيّ جزء كان مبطل إجماعاً. و ثالثاً: أنّ هذه الأخبار محمولة على صورة نسيان التشهّد دون التعمّد. و رابعاً: أنّها محمولة على التقية؛ لموافقته مذهب أكثر العامّة. و الدليل على كون التشهّد واجباً غير ركن، و أنّه يجب إتيانه ما لم يركع، هو صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس و تشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و موثّق سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسي أن يتشهّد، قال يسجد سجدتين يتشهّد فيهما(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.)

ص: 580

ص: 581

ص: 582

و الواجب فيه أن يقول: «أشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللَّهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، و أشهَدُ أنَّ مُحمّداً عبدهُ و رسولُهُ، اللّهُمَّ صَلّ على مُحمّدٍ و آلِ مُحمدٍ» و يستحبّ الابتداء بقوله: «الحمدُ للَّه» أو «بِسمِ اللَّه و باللَّهِ، الحمدُ للَّهِ، و خيرُ الأسماءِ للَّهِ أو الأسماءُ الحسنى كلّها للَّه» و أن يقول بعد الصلاة على النبي و آله: «و تقبَّل شفاعتَهُ في أُمَّتهِ و ارفع درَجَتَهُ». و الأحوط عدم قصد التوظيف و الخصوصيّة به في التشهّد الثاني. و يجب فيه اللفظ الصحيح الموافق للعربية، و من عجز عنه وجب عليه تعلّمه (1).


1- وجوب الشهادتين في التشهّد مشهور بين الأصحاب، بل ممّا لا خلاف فيه بينهم، بل ادّعى عليه الإجماع في كلام كثير من فقهائنا. و يدلّ عليه خبر عبد الملك بن عمرو الأحول عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال التشهّد في الركعتين الأوّلتين: الحمد للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته في أُمّته و ارفع درجته(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) ، و سند الخبر و إن كان ضعيفاً بعبد الملك الغير الثابت حسنه فضلًا عن وثاقته إلّا برواية نفسه دعاء الصادق (عليه السّلام) له، و برواية ابن أبي عمير و نظائره عنه إلّا أنّ مضمون الخبر مجمع عليه، و عبّر في «مصباح الفقيه» عن هذا الخبر بالموثّق. و يدلّ عليه أيضاً خبر سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أدنى ما يجزي من التشهّد، قال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 398، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 6.) ، و سند الحديث ضعيف بيحيى بن طلحة النهدي المجهول حاله، و سورة بن كليب قد وقع في أسناد «تفسير علي بن إبراهيم». و صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات، قال مرّتين قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف ، قال: قلت: قول العبد: التحيّات للَّه و الطيّبات (و الصلوات) للَّه، قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) و يشعر به أيضاً ما رواه الصدوق في «العيون» و «العلل» بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال و إنّما جعل التشهّد بعد الركعتين لأنّه كما قدّم قبل الركوع و السجود من الأذان و الدعاء و القراءة، فكذلك أيضاً أخّر بعدها التشهّد و التحية و الدعاء(وسائل الشيعة 6: 395، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 6.) وجه الإشعار: أنّ ما يقدّم على الركوع و السجود من الأذان عبارة عن الشهادتين، فهو المعتبر المجعول في التشهّد بعد الركعتين؛ فالواجب في التشهّد الشهادتان المعروفتان كلتاهما. و يظهر من بعض الأخبار أنّ الشهادتين واجبتان في الركعة الأخيرة، و أمّا بعد الركعتين الأوّلتين فالواجب هو التشهّد الأوّل فقط، كما في صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما يجزي من التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال أن تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له ، قلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 396، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 1.) و فيه أوّلًا: أنّ هذا الصحيح من الأخبار الشاذّة التي يجب ردّ علمها إلى أهله؛ فلا يصلح للمعارضة مع الأخبار المذكورة الدالّة على أنّ الواجب الشهادتان. و ثانياً: أنّه محمول على التقية. و ثالثاً: أنّه يحتمل أن يراد به كفاية نفس الشهادة مجرّدة عمّا يذكر قبلها من التحميد و التحيات و الأذكار و الأدعية التي كانت متعارفة في تلك الأعصار و نطقت بها الأخبار و الآثار، كما أنّه يراد بفقرتها الأخيرة بيان أنّه لا يعتبر في التشهّد الأخير أيضاً عدا محض الشهادة، من غير تعقيبه بالتحيات و الأذكار، كما ورد في صحيح أبي بصير بعد الشهادة بالرسالة بقوله أرسله بالحق بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمّداً نعم الرسول(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) و يشهد لهذا الاحتمال خبر البزنطي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك التشهّد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 3.) وجه الاستشهاد أنّه لو كان التشهّد الذي في الثانية عبارة عن خصوص الشهادة بالتوحيد فقط لم يكن ذلك مجزياً في الرابعة بنصّ صحيح زرارة المتقدّم، حيث صرّح فيه بأنّ المجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين الشهادتان. و يظهر من بعض الأخبار أيضاً الاجتزاء في التشهّد ببعض المستحبّات فيه، كما في رواية بكر بن حبيب الأعمشي البجلي الكوفي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أيّ شي ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال قل: يا حسن (بأحسن) ما علمت؛ فإنّه لو كان موقّتاً لهلك الناس(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 1.) و رواية حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (يقول) إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللَّه أجزأه(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 2.) و في رواية أُخرى عن بكر بن حبيب قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن التشهّد، فقال لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا، إنّما كان القوم يقولون: أيسر ما يعلمون إذا حمدت اللَّه أجزأ عنك(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 3.) و يرد على هذه الروايات أوّلًا: أنّها ضعيفة سنداً حيث إنّ بكر بن حبيب قد عدّه الشيخ من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و هو مجهول الحال، و وقع في سند رواية حبيب الخثعمي سعد بن بكر المجهول الحال. و ثانياً: أنّه ليس المراد منها نفي اعتبار الشهادتين المتعارفتين، بل الظاهر منها نفي اعتبار التحيات و الأذكار و الأدعية الطويلة التي يشقّ على العباد حفظها و إتيانها. و ثالثاً: سلّمنا أنّ المراد منها نفي اعتبار الشهادتين و لكنّها محمولة على التقية، كما حملها الشيخ عليها. و حكي عن الصدوق في «المقنع»: أنّ أدنى ما يجزي في التشهّد أن تقول: بسم اللَّه و باللَّه. و يظهر من بعض الأخبار الاكتفاء بقوله: «بسم اللَّه» فقط، كما في موثّقة عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال: بسم اللَّه فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 7.) و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل ترك التشهّد حتّى سلّم كيف يصنع؟ قال إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد و عليه سجدتا السهو، و إن ذكر أنّه قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه أو بسم اللَّه أجزأه في صلاته، و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير حتّى يسلّم أعاد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 8.) و يردّ قول الصدوق بأنّه مخالف للإجماع. و يرد على الخبرين: أنّهما وردا في ناسي التشهّد و أنّه لا يعيد الصلاة بمجرّد نسيان التشهّد مع تذكّره و التلفّظ ببسم اللَّه؛ فلا يدلّ على جواز الاكتفاء ببسم اللَّه لمن ترك التشهّد عمداً. و حكي في «الوسائل» عن الشيخ أنّه قال: المراد جازت صلاته و لا يعيدها و يقضي التشهّد، و إذا لم يذكر شيئاً أعاد الصلاة إذا كان تركه عمداً(وسائل الشيعة 6: 404، ذيل الحديث 7.) انتهى. و لا يخفى: أنّ إعادة الصلاة فيما نسي التشهّد حتّى سلّم ممّا لم يفت به أحدٌ من أصحابنا؛ فيجب طرح الخبرين و ردّ علمهما إلى أهله. ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في صورة الشهادتين؛ فقال جماعة منهم: إنّ صورتهما: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه»: فعن المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر»: و صورتهما «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه». و عن العلّامة في «القواعد»: و الواجب «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»، و لو أسقط الواو في الثاني أو اكتفى به أو أضاف الآل أو الرسول إلى المضمر فالوجه الإجزاء. و عن «المنتهي»: و صورة التشهّد الواجب: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه» و ما زاد عليه فهو مندوب. و في «المدارك»: المشهور بين الأصحاب انحصار الواجب من التشهّد فيما ذكره المصنّف (رحمه اللَّه)، و أنّه لا يجب ما زاد عنه و لا يجزي ما دونه. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد نقل عبارة «الشرائع» المتقدّمة قال: و الظاهر إرادة الاجتزاء بذلك لا تعيينه بحيث يقدح فيه الزيادة؛ للقطع بعدمه؛ ضرورة زيادة أكثر النصوص «وحده لا شريك له» في الأُولى «و عبده» قبل «الرسول» مع إبدال الظاهر بالمضمر في الثانية، و إجزاؤهما بهذه الصورة مجمع عليه تحصيلًا و نقلًا في «المدارك» و غيرها؛ فلا ريب في عدم إرادة تعيين الصورة المزبورة(جواهر الكلام 10: 264.) انتهى. و قال جماعة أُخرى منهم: إنّه لا يجزي الصورة المذكورة، بل يجب زيادة «وحده لا شريك له» في الشهادة الأُولى، و التعبير عن الشهادة الثانية بقوله: «أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله». و استدلّ للقول الأوّل بأنّ الأصل عدم وجوب الزائد على الشهادتين، و بإطلاق بعض الأخبار الدالّة على كفاية الشهادتين، كخبر سورة بن كليب المتقدّم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أدنى ما يجزي من التشهّد، قال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 398، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 6.) و صحيح زرارة المتقدّم قلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 396، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح الفضلاء الثلاث الفضيل و زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 5.) ، و غيرها من الروايات. و استدلّ للقول الثاني بخبر عبد الملك بن عمرو الأحول عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال التشهّد في الركعتين الأوّلتين: الحمد للَّه أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته و ارفع درجته(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله. إلى أن قال (عليه السّلام) فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله.(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. لا يخفى: أنّ اشتمال هذا الحديث و غيره على جملة من المستحبّات في التشهّد لا يقدح في الاستدلال؛ لأنّ استحباب المستحبّات قد علم بالدليل الخارجي. و صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات، قال مرّتين ، قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف.(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) الخبر. و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل مطلقاتها على مقيّداتها، مع احتمال كون الزيادة من المندوبات؛ فالأحوط لو لم يكن الأقوى تعيّن الصورة الواردة في الأخبار المقيّدة. كما أنّ الأقوى أيضاً القول بوجوب تكرار «أشهد» مع «واو» العطف؛ لكونهما مذكورين في الروايات المقيّدة، هذا. مضافاً إلى أنّ صدق الشهادتين يتوقّف على تكرار لفظ «أشهد»؛ إذ مع حذف لفظ «أشهد» من الثانية و الاكتفاء بالعطف لا تتحقّق الشهادتان. بل تكون في الحقيقة شهادة واحدة على أمرين، و الحال أنّه لا بدّ في التشهّد من الشهادتين. و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى توقّف صدق الشهادتين على المتكرّر فيهما لفظ الشهادة؛ ضرورة مراعاة اللفظ في التسمية كالتسبيح و التكبير و التهليل، و ليس العطف بمنزلة ذكر اللفظ مطلقاً؛ خصوصاً مع إمكان دعوى تعارف الشهادتين في المتكرّر فيهما اللفظ في الأذان و غيره. و لعلّ عدم الذكر في خبر أبي بصير للسهو من الرواة أو النسّاخ(جواهر الكلام 10: 266.) انتهى. قد تقدّم نقل صحيح أبي بصير و لم يذكر فيه «أشهد» في الشهادة الثانية في تشهّد الركعة الثانية. فرع: يعتبر الترتيب في الشهادتين بتقديم الشهادة بالتوحيد على الشهادة بالرسالة؛ لظاهر الأخبار، فلو عكس عمداً بطل. بقي الكلام في الصلاة على النبي و آله في التشهّد، و البحث فيه يقع في جهات: الاولى: أنّ الصلاة على النبي و آله واجبة في التشهّد بلا خلاف فيه، بل ادّعي الإجماع عليه في كلام جماعة من فقهائنا، و لم يحك الخلاف فيه إلّا عن الصدوق و والده و ابن الجنيد، حيث إنّه لم يكن في كتب الصدوق؛ خصوصاً كتابه «الفقيه» أثر من ذكر الصلاة على النبي و آله في التشهّد. نعم قد روى في «الفقيه» في باب الفطرة عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير و زرارة قالا: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة؛ يعني الفطرة، كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، إنّ اللَّه عزّ و جلّ قد بدأ بها قبل الصوم (الصلاة. خ) قال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(الفقيه 2: 119/ 515، وسائل الشيعة 6: 407، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 2.) و حكي عنه في «الأمالي»: أنّ من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجزي في التشهّد الشهادتان و الصلاة على النبي و آله، انتهى. و لعلّ تركه ذكر الصلاة على النبي و آله في التشهّد في سائر كتبه خصوصاً «الفقيه» في مبحث التشهّد لوضوحه و أنّه كان من المسلّمات عند الإمامية. و كيف كان: فقد قال بوجوبها جماعة من العامّة؛ ففي «الخلاف» مسألة (128): الصلاة على النبي فرض في التشهّدين و ركن من أركان الصلاة، و به قال الشافعي في التشهّد الأخير، و به قال ابن مسعود و أبو مسعود البدري الأنصاري و اسمه عقبة بن عمرو بن عمر و جابر و أحمد و إسحاق، و قال مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه: إنّه غير واجب(الخلاف 1: 369/ المسألة 128.) و قال في المسألة (132): الصلاة على آل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في التشهّد واجبة، و قال أكثر أصحاب الشافعي: سنّة، و قال البويحي (التربجي) من أصحابه: هي واجبة(الخلاف 1: 373/ المسألة 132.) انتهى. الجهة الثانية: في الدليل على وجوب الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و يدلّ عليه من طريق العامّة ما روي عن عائشة قالت: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا تقبل صلاة إلّا بطهور و بالصلاة عليّ(سنن الدارقطني 1: 355/ 4.) و عن ابن مسعود عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا تشهّد أحدكم في صلاة فليقل: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(السنن الكبرى، البيهقي 2: 379.) و عن جابر الجعفي عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من صلّى صلاة و لم يصلّ فيها عليّ و على أهل بيتي لم تقبل منه(سنن الدارقطني 1: 355/ 6.) و من طريق الخاصّة ما رواه في «التهذيب» عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير و زرارة جميعاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إن (إذا) تركها متعمّداً، و من صلّى و لم يصلّ على النبي و ترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له؛ إنّ اللَّه تعالى بدأ بها (قبل الصلاة)؛ فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(وسائل الشيعة 6: 407، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 2.)( لم يرد الحديث في كتب الشيخ بهذا السند و إنّما ورد بهذا السند في الفقيه 2: 119/ 515).) و رواية محمّد بن هارون عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنّة ، قال و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللَّه ، قال و قال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنّة(وسائل الشيعة 6: 408، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 3.) و الرواية ضعيفة بمفضل بن صالح أبي جميلة الأسدي فإنّه كذّاب يضع الحديث، و بجهالة محمّد بن هارون. و قصور سند أكثر هذه الأخبار بوقوع الضعاف في طريقها، و دلالتها من حيث عدم تعيين موضع الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أنّه التشهّد أو غيره، غير قادح بعد انجبار سندها بالإجماع المدّعى عن جماعة، و دلالتها بمعهودية أنّ موضعها في الشريعة التشهّد بعد الشهادتين و قبل التسليم. الجهة الثالثة: الدليل على وجوب الصلاة على آل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مضافاً إلى الإجماع المصرّح في مورده بها هو عدم القول بالفصل بين النبي و آله، و معهودية الوصل بينهما في الشريعة، و عدم الفصل بينهما من شعائر الشيعة. و استدلّ له أيضاً برواية عبد الملك بن عمرو الأحول المتقدّم، حيث إنّ المذكور فيها بعد الشهادتين اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) ، و صحيح أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث إنّ الصلاة على النبي و آله قد ذكر في موضعين من الحديث أي بعد الركعة الثانية و بعد الركعة الرابعة بقوله (عليه السّلام) اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) و اشتمال الروايتين على جملة من المندوبات لا ينافي الاستدلال بهما على وجوب الصلاة على النبي و آله؛ لقيام الدليل الخارجي على خصوص المندوبات، و يبقى غيرها تحت الظهور في الوجوب. و استدلّ له أيضاً بما رواه الصدوق في «العلل» بسنده عن الصبّاح المُزني و سدير الصيرفي و محمّد بن النعمان مؤمن الطاق و عمر بن أُذينة كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث طويل. إلى أن قال و ذهبت أن أقوم، فقال: يا محمّد اذكر ما أنعمت عليك و سمّ باسمي، فألهمني اللَّه أن قلتُ: بسم اللَّه و باللَّه لا إله إلّا اللَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، فقال لي: يا محمّد صلّ عليك و على أهل بيتك، فقلت: صلّى اللَّه عليّ و على أهل بيتي(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و بما روى في «العلل» أيضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار في حديث طويل قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام). إلى أن قال ثمّ قال له: ارفع رأسك ثبّتك اللَّه و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنّ محمّداً رسول اللَّه، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(وسائل الشيعة 5: 468، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 11.) الجهة الرابعة: في صورة الصلاة على النبي و آله: فقال جماعة بكفاية قوله: «صلّى اللَّه عليه و آله» ففي «المقنعة» في مبحث كيفية الصلاة قال: و يتشهّد فيقول: «بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، صلّى اللَّه عليه و آله الطاهرين» و يسلّم تجاه القبلة تسليمة واحدة، يقول: «السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته». ثمّ ذكر (رحمه اللَّه) بعد ستّ صفحات في التشهّد في الركعة الرابعة من الظهر و العصر و العشاء و في التشهّد الثاني من الثالثة في المغرب و في الثانية من الغداة: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ، و أنّ محمّداً نعم الرسول، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»(المقنعة: 107 و 113.) انتهى. و عن العلّامة في «نهاية الإحكام» بعد حكمه بوجوب «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» عقيب الشهادتين، قال: و لو قال: «صلّى اللَّه على محمّد و آله»، أو قال: «صلّى اللَّه عليه و آله»، أو «صلّى اللَّه على رسوله و آله»، فالأقرب الإجزاء(نهاية الإحكام 1: 500.) انتهى. و في «الجواهر»: فلا ريب في أنّ الأقوى إجزاء مطلق مسمّى الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و إن كان الأحوط الاقتصار على اللفظ المخصوص(جواهر الكلام 10: 264.) انتهى. و استدلّ للقول الأوّل بإطلاق أدلّة وجوب الصلاة على النبي و آله، و بما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) في «العلل» بسنده المتقدّم الحاكي لكيفية صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في المعراج فقال لي: يا محمّد صلّ عليك و على أهل بيتك، فقلت: صلّى اللَّه عليَّ و على أهل بيتي. و بمضمرة سماعة على ما نقل عن نسخة «الوافي» قال: سألته عن رجل كان يصلّي. إلى أن قال و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله صلّى اللَّه عليه و آله(الوافي 8: 1249/ 8173، وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) ، و لم يذكر في كثير من النسخ قوله صلّى اللَّه عليه و آله. و يحتمل أن يكون ثبوته في نسخة «الوافي» من آداب الكاتب، كما هو دأب الكاتبين من كتابة جملة «صلّى اللَّه عليه و آله» بعد كتابة كلمة «النبي» و «الرسول» و اسمه و كنيته، و كذلك كان دأبهم على كتابة جملة «عليه السلام» بعد ذكر أسماء كلّ واحد من الأئمّة المعصومين سلام اللَّه عليهم أجمعين فعلى هذا الاحتمال لا تكون جملة «صلّى اللَّه عليه و آله» من متن الحديث. و استدلّ للقول الثاني بما روي من طرق العامّة عن ابن مسعود عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال إذا تشهّد أحدكم في صلاة فليقل: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(السنن الكبرى، البيهقي 2: 379.) ، و ضعف السند يجبر بعمل الأصحاب و استدلالهم على وجوب الصلاة المذكورة به. و بما رواه عبد الملك بن عمرو الأحول(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) المتقدّمين. و لا يخفى: أنّ الأحوط بل الأقوى الاكتفاء بقوله: «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»؛ لكونه المتيقّن في الإجزاء بالصلاة على النبي و آله، و هو المطابق للسيرة المستمرّة، و لم يقل أحدٌ من فقهائنا بعدم الاجتزاء به. ثمّ إنّه ينبغي البحث في الصلاة عليه و آله في غير الصلاة في ضمن أُمور: الأوّل: هل تجب الصلاة عليه حيثما جرى ذكره للمتكلّم أو السامع، أو لا بل تستحبّ؟ نسب الفاضل الخراساني في «الذخيرة» القول بالوجوب إلى ابن بابويه و الفاضل المقداد في «كنز العرفان» و الشيخ البهائي. و عن صاحب «الكشّاف» بعد القول بأنّ الصلاة على رسول اللَّه واجبة، قال: و قد اختلفوا: فمنهم من أوجبها كلّما جرى ذكره، و منهم من قال: تجب في كلّ مجلس مرّة و إن تكرّر ذكره، و منهم من أوجبه في العمر مرّة، و الذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كلّ ذكر؛ لما ورد من الأخبار(الكشاف 3: 557.) انتهى ملخّصاً. و صاحب «المدارك»(مدارك الأحكام 3: 428.) بعد قوله: بأنّه لا ريب في رجحان الصلوات على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في جميع الأحوال، قال: بل لا يبعد وجوبها إذا ذكر؛ لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال و صلّ النبي و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان و غيره(وسائل الشيعة 5: 451، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 42، الحديث 1.) و إليه ذهب صاحب «الحدائق» فإنّه بعد ذكر الأخبار المدّعى دلالتها على الوجوب، قال: القول بالوجوب في المقام ممّا لا يعتريه غشاوة الإبهام؛ لصحّة جملة من هذه الأخبار. إلى أن قال: فالإنكار بعد ذلك مكابرة صرفة(الحدائق الناضرة 8: 463.) انتهى. و نسبه إلى المحدّث الكاشاني في «الوافي»، و المحقّق المدقّق المازندراني في شرحه على «أُصول الكافي» و شيخه المحدّث الصالح الشيخ عبد اللَّه بن صالح البحراني، و به قال صاحب «الوسائل» (رحمه اللَّه). و قال جماعة من فقهائنا باستحبابها، و هو المشهور. و عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي» دعوى الإجماع عليه. و القائلون بالوجوب استدلّوا بالأمر الوارد في الآية الشريفة إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً(الأحزاب( 33): 56.) و الروايات المستفيضة: منها صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يجزيك من الأذان إلّا ما أسمعت نفسك أو فهمته و افصح بالألف و الهاء، و صلّ على النبي و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره، و كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر و كان أجرك في ذلك أعظم(الفقيه 1: 184/ 875.) و رواية محمّد بن هارون المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللَّه(وسائل الشيعة 6: 408، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات الذي ذكرها في «الحدائق». و القائلون بالاستحباب استدلّوا بأصالة عدم الوجوب و الشهرة و الإجماع المدّعى عن جماعة؛ منهم المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي»، و أنّ الأخبار محمولة على تأكّد الاستحباب. قال المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»: كفى شاهداً لنفي الوجوب عدم اشتهاره بين المسلمين؛ لقضاء العادة بأنّ مثل هذا التكليف الذي يعمّ به الابتلاء لو كان ثابتاً في الشرع لصار من ضروريات الدين، مع أنّ المشهور بين الخاصّة و العامّة لو لم يكن مجمعاً عليه عندهم عدمه؛ فلا ينبغي التأمّل فيه. و إنّ الروايات الواردة في الحثّ عليها إنّما قصد بها تأكّد الاستحباب(مصباح الفقيه، الصلاة: 369/ السطر 12.) انتهى. أقول: لولا مخالفة الشهرة في المسألة لقلنا بالوجوب في المسألة. الثاني: هل يختصّ وجوب الصلاة على النبي أو استحبابه بذكر اسمه المعروف «محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)»، أو لا يختصّ به بل يجري الحكم فيما ذكر بغير الاسم المذكور من أسمائه و أوصافه و كنيته كأبي القاسم و أحمد و المختار و خير الخلق و خير البرية و النبي و الرسول و غيرها؟ ذهب إلى كلٍّ فريق، و فصّل صاحب «الحدائق» بين الاسم العلمي و ما اشتهر به من الكنى و الألقاب كالرسول و النبي و أبي القاسم فأوجبها فيها، و بين ما ليست كذلك مثل خير الخلق و خير البرية و المختار و نحو ذلك فقال: بعدم الوجوب فيها، و قال: و الظاهر أنّ الضمير من قبيل الثاني(الحدائق الناضرة 8: 464.) و أورد عليه المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» بأنّ الحكم دائر مدار ذكره (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بأيّ عبارة يكون، و ليس دائراً مدار اسمه العلمي و ما الحق به(مصباح الفقيه، الصلاة: 370/ السطر 6.) أقول: و ما ذكره المحقّق الهمداني هو الظاهر من روايات المسألة، و هو الأحوط. الثالث: أنّ ذكر النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) سبب للصلاة عليه و آله وجوباً أو استحباباً على القولين و مقتضى إطلاق السببية تكرار المسبّب بتكرّر السبب؛ حتّى مع عدم تخلّل الصلاة بين الذكرين. و أمّا ذكره في ضمن الصلاة عليه و آله ابتداءً فلا يوجب صلاة أُخرى بالنسبة إلى نفس الذاكر المصلّي؛ لكونه خارجاً عن منصرف الأدلّة. و أمّا بالنسبة إلى السامع فتشمله الأدلّة؛ فتجب عليه الصلاة كلّما سمعه. و كذا ذكره في الصلاة التي يأتي بها لأجل ذكره نفسه اسمه أو سماعه اسمه عن الغير لا يوجب الصلاة عليه، و إلّا يلزم التسلسل. الرابع: أنّه لا تتمّ الصلاة عليه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا بضمّ آله إليه، و الأخبار به مستفيضة من طرق العامّة و الخاصّة: فعن طريق العامّة قد روى علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي الصوفي المعروف بالخازن في تفسيره المسمّى ب «لباب التأويل في معاني التنزيل» في تفسير آية إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً(الأحزاب( 33): 56.) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: أ لا أهدي لك هدية؟ إنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و سلّم) خرج علينا فقلنا: يا رسول اللَّه قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد و على آل محمّد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد(انظر صحيح مسلم 1: 386/ 406.) و روى أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و سلّم) مِن سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت؛ فليقل اللهمّ صلّ على محمّد النبي الأُمّي و أزواجه أُمّهات المؤمنين و ذرّيته و أهل بيته، كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد(انظر السنن الكبرى، البيهقي 2: 151.) ، انتهى كلام الخازن. و عن ابن حجر في «الصواعق المحرقة» أنّه روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ فقال تقولون: اللهمّ صلّ على محمّد و تمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(انظر الحدائق الناضرة 8: 465، الصواعق المحرقة: 146.) و من طريق الخاصّة ما رواه الكليني بسنده الصحيح عن ابن القدّاح عبد اللَّه بن ميمون عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سمع أبي رجلًا متعلّقاً بالبيت، و هو يقول: اللهمّ صلّ على محمّد، فقال له أبي (عليه السّلام): لا تبترها لا تظلمنا حقّنا، قل: اللهمّ صلّ على محمّد و أهل بيته(وسائل الشيعة 7: 202، كتاب الصلاة، أبواب الذكر، الباب 42، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن الحسن بن علي، عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من قال: صلّى اللَّه على محمّد و آله قال اللَّه جلّ جلاله: صلّى اللَّه عليك، فليكثر من ذلك. و من قال: صلّى اللَّه على محمّد و لم يصلّ على آله لم يجد ريح الجنّة، و ريحها يوجد من مسير خمسمائة عام(وسائل الشيعة 7: 203، كتاب الصلاة، أبواب الذكر، الباب 42، الحديث 6.) و غيرهما من روايات الباب. الخامس: إذا سمع اسم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في أثناء الصلاة و لم يصلّ عليه و آله حين سمعه و اشتغل بإتمام الصلاة فهل تبطل صلاته بناءً على القول بالوجوب، أولا تبطل بل أثم بترك الصلاة عليه و آله؟ قيل بالبطلان؛ للقاعدة المعروفة؛ و هي أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه، و فيما كان الضدّ من قبيل العبادة يفسد. و فيه: أنّ القاعدة على فرض تسليمها مسلّمة فيما كان النهي متوجّهاً إلى ذات العبادة و لو بجزئها أو شرطها كالصلاة في دار مغصوبة و التوضّي بماء مغصوب، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. السادس: يظهر من بعض الأخبار وجوب الفور في الصلاة على النبي و آله بناءً على القول بوجوبها؛ فلو أهمل الفور أثم و لا يسقط الوجوب؛ و ذلك لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدّم صلّ على النبي كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره.

ص: 583

ص: 584

ص: 585

ص: 586

ص: 587

ص: 588

ص: 589

ص: 590

ص: 591

ص: 592

ص: 593

ص: 594

ص: 595

ص: 596

ص: 597

ص: 598

ص: 599

ص: 600

ص: 601

[ (مسألة 2): يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بأيّ كيفيّة كان]

(مسألة 2): يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بأيّ كيفيّة كان. و يُكره الإقعاء؛ و هو أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض، و يجلس على عقبيه، و الأحوط تركه. و يستحبّ فيه التورّك، كما يستحبّ ذلك بين السجدتين و بعدهما، كما تقدّم (1).


1- هنا أُمور: الأوّل: يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بمقدار ذكره الواجب، و قد ادّعي عليه الإجماع بقسميه في كلام جماعة من فقهائنا، و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني (رحمه اللَّه): و لا يبعد أن يكون اختصاص شرعيته بحال الجلوس لدى التمكّن منه من الضروريات(مصباح الفقيه، الصلاة: 365/ السطر الأخير.) انتهى. و يدلّ عليه موثّق أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله. إلى أن قال فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله.(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. و صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات؟ قال مرّتين ، قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف ، قال: قلت: قول العبد: التحيات للَّه و الطيّبات (و الصلوات) للَّه؟ قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسي فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال فليجلس ما لم يركع و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس و تشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و رواية علي بن حمزة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال من نسي أن يجلس في التشهّد الأوّل و قام في الثالثة فذكر أنّه لم يجلس قبل أن يركع جلس فتشهّد، فإذا سلّم سجد سجدتي السهو، و إن لم يذكر إلّا بعد أن ركع مضى في صلاته و سجد سجدتي السهو(مستدرك الوسائل 5: 13، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 6، الحديث 1.) الثاني: أنّه يكفي حال التشهّد الجلوس بأيّ كيفية كان؛ و ذلك لإطلاق الجلوس و القعود في النصوص و الفتاوى، و الأصل عدم وجوب كيفية خاصّة من كيفياته. الثالث: الإقعاء، قد اختلف فقهاؤنا في حكمه، و هو على ما عرّفه الفقهاء أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه. فذهب جماعة إلى جوازه بدون الكراهة، كما عن الشيخ في «المبسوط»، و نسب إلى السيّد المرتضى أيضاً، قال في «المبسوط»: و الأفضل أن يجلس متورّكاً، و إن جلس بين السجدتين و بعد الثانية مقعياً كان جائزاً(المبسوط 1: 113.) انتهى. و قال بعد خمس صفحات في عداد التروك المسنونة: و لا يقعي بين السجدتين، انتهى. و ذهب ابن إدريس و العلّامة في «المختلف» و «النهاية» و الشهيدان إلى شدّة كراهة الإقعاء في التشهّد. قال ابن إدريس في «السرائر»: لا بأس بالإقعاء بين السجدتين من الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة، و تركه أفضل و يكره أشدّ من تلك الكراهة في حال الجلوس للتشهّدين. و قد يوجد في بعض كتب أصحابنا: و لا يجوز الإقعاء في حال التشهّدين، و ذلك يدلّ على تغليظ الكراهة لا الحظر؛ لأنّ الشي ء إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز، و يعرف ذلك بالقرائن(السرائر 1: 227.) انتهى. و عن الشيخ في «النهاية» و الصدوق عدم جواز الإقعاء، قال في «النهاية»: و لا بأس أن تقعد متربّعاً أو تقعي بين السجدتين، و لا يجوز ذلك في حال التشهّد(النهاية: 72.) قال في «الفقيه»: و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين؛ لأنّ المقعي ليس بجالس، إنّما يكون بعضه قد جلس على بعض (بعضه. خ)(الفقيه 1: 206/ 930.) و اختار هذا القول صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) قال: و لا يخفى أنّ ما ذكره الأصحاب من جواز الإقعاء على كراهة في جلوس الصلاة مطلقاً مع تفسيرهم الإقعاء بالجلوس على عقبين معتمداً على صدور قدميه، ظاهرٌ في صحّة الصلاة بجلوسه على هذه الكيفية. و هو مشكل؛ فإنّ صدق الجلوس شرعاً أو عرفاً على هذه الكيفية لا يخلو من بُعد؛ سيّما مع تصريح الخبر بأنّ المقعي ليس بجالس. و الظاهر: أنّ ما ذكره في «الفقيه» و صرّحت به رواية عمرو بن جميع من عدم الجواز مراد به ظاهره لا المبالغة في الكراهة، كما صرّح به ابن إدريس؛ لما عرفت من أنّ الجالس على عقبيه مع اعتماده على صدور رِجليه لا يصدق عليه أنّه جالس، كما صرّحت به الرواية. و حينئذٍ يجب حمل لفظ «لا ينبغي» في رواية «السرائر» على معنى التحريم، و هو أكثر كثير في الأخبار(الحدائق الناضرة 8: 319.) انتهى كلام «الحدائق». أقول: لا يخفى شذوذ القول بعدم جواز الإقعاء، و أخبار المنع يحمل على الكراهة، و لفظ «لا ينبغي» له ظهور قوي في الكراهة إلّا أن تقوم قرينة على الحرمة. و لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة في الإقعاء، كرواية محمّد بن إدريس في «مستطرفات السرائر» نقلًا من كتاب حريز بن عبد اللَّه عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّد، إنّما التشهّد في الجلوس و ليس المقعي بجالس(وسائل الشيعة 6: 391، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 1، الحديث 1.) و رواية عمرو بن جميع الأزدي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين و بين الركعة الأُولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة، و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين إلّا من علّة؛ لأنّ المقعي ليس بجالس، إنّما جلس بعضه على بعض. و الإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهّديه. فأمّا الأكل مقعياً فلا بأس به؛ لأنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قد أكل مقعياً(وسائل الشيعة 6: 349، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 6، الحديث 6.) و عمرو بن جميع مجهول الحال، لكن يونس بن عبد الرحمن و عثمان بن عيسى من أصحاب الإجماع قد رويا عنه. الرابع: يستحبّ التورّك حال الجلوس في التشهّد. و فسّر في كلام الفقهاء بأن يجلس على وركه الأيسر و يخرج رجليه جميعاً من تحته و يجعل رجله اليسرى على الأرض و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى و يفضي بمقعدته على الأرض. و ادّعى العلّامة في «التذكرة» الإجماع على استحبابه، و حكي عن ابن جنيد في تورّك التشهّد أنّه قال: يلزق ألييه جميعاً و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض، و لا يجزيه غير ذلك، انتهى. و قوله شاذّ لا يعبأ به. و يدلّ على المسألة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث طويل قال و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئاً، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى و أليتاك على الأرض و أطراف (طرف) إبهامك اليمنى على الأرض(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، و الأمر محمول على الاستحباب بقرينة الإجماع المدّعى في المسألة.

ص: 602

ص: 603

ص: 604

ص: 605

ص: 606

ص: 607

[القول في التسليم]

القول في التسليم

[ (مسألة 1): التسليم واجب في الصلاة]

(مسألة 1): التسليم واجب في الصلاة، و جزء منها ظاهراً، و يتوقّف تحلّل المنافيات و الخروج عن الصلاة عليه. و له صيغتان: الاولى: «السَّلامُ علَينا و على عِبادِ اللَّه الصّالحِينَ»، و الثانية: «السَّلامُ عليكُم» بإضافة «و رحمَةُ اللَّه و بركاتُهُ» على الأحوط؛ و إن كان الأقوى استحبابه، و الثانية على تقدير الإتيان بالأُولى جزء مستحبّ، و على تقدير عدمه جزء واجب على الظاهر. و يجوز الاجتزاء بالثانية، بل بالأُولى أيضاً؛ و إن كان الأحوط عدم الاجتزاء بها. و أمّا «السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ و رحمةُ اللَّهِ و بركاتُهُ»، فهي من توابع التشهّد لا يحصل بها تحلّل، و لا تبطل الصلاة بتركها عمداً و لا سهواً، لكن الأحوط المحافظة عليها، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدّماً للأُولى (1).


1- يقع البحث في هذه المسألة في أُمور: الأمر الأوّل: اختلف فقهاؤنا في وجوب التسليم و عدمه؛ فقال جماعة بكونه واجباً؛ منهم الصدوق و السيّد المرتضى و أبناء حمزة و زهرة و طاوس و العلّامة في «المنتهي» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و الشهيد في كتبه «الذكرى» و «البيان» و «الدروس» و «اللمعة» و «الألفية» و «قواعده» و الفيض الكاشاني و المحدّث البحراني في «الحدائق» و النراقيان. و في «الجواهر»: لعلّه هو الذي استقرّ عليه المذهب في عصرنا و ما راهقه، كما أنّه في المحكي عن «الروض» نسبته إلى أكثر المتأخّرين، بل عن «الأمالي» نسبته إلى دين الإمامية(جواهر الكلام 10: 278.) انتهى. و قال جماعة بكونه سنّة؛ قال المفيد في «المقنعة»: و السلام في الصلاة سنّة و ليس بفرض تفسد الصلاة بتركه(المقنعة: 139.) و قال الشيخ في «الخلاف»: الأظهر من مذهب أصحابنا أنّ التسليم في الصلاة مسنون، و ليس بركن و لا واجب. و منهم من قال: هو واجب، و قال الشافعي: لا يخرج من الصلاة إلّا بشي ء معيّن؛ و هو التسليم لا غير، و هو ركن منها. و به قال الثوري، و قال أبو حنيفة: الذي يخرج به منها غير معيّن، بل يخرج بأمر يحدثه، و هو ما ينافيها من كلام أو سلام أو حدث من ريح أو بول، و لكن السنّة أن يسلّم؛ لأنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) به كان يخرج منها(الخلاف 1: 376.) و قال في «النهاية»: و التسليم سنّة و ليس بفرض، من تركه متعمّداً كان مضيّعاً فضيلته و لم تفسد صلاته، و من تركه ناسياً كانت صلاته تامّة(النهاية: 89.) و إلى هذا القول ذهب العلّامة (رحمه اللَّه) في جملة من كتبه، قال في «التذكرة»: و قال الشيخان و من تبعهما بالاستحباب، و به قال أبو حنيفة، و هو الأقوى عندي(تذكرة الفقهاء 3: 243.) انتهى. و قال في «التحرير»: الأظهر عندي أنّ التسليم غير واجب، و يستحبّ مرّة في آخر الصلاة بعد التشهّد، و به يخرج من الصلاة لا غير إن قلنا بوجوبه(تحرير الأحكام 1: 41/ السطر 26.) و قال في «القواعد»: الأقوى عندي استحباب التسليم بعد التشهّد(قواعد الأحكام 1: 35/ السطر 10.) و قال في «جامع المقاصد»: ذهب أجلّاء الأصحاب إلى الندب(جامع المقاصد 2: 326.) و نسبه في «الذكرى» إلى أكثر القدماء(ذكرى الشيعة 3: 432.) و في «المدارك» إلى أكثر المتأخّرين(مدارك الأحكام 3: 429.) و استدلّ للقول بالوجوب بجملة من الأخبار: منها: ما ورد و صرّح فيها بكون التسليم تحليلًا، كرواية القدّاح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم(وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 8.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال إنّما جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر لأنّه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين في الكلام أوّلًا بالتسليم(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 10.) و رواية المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال لأنّه تحليل الصلاة. إلى أن قال: قلت: فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنّه تحيّة الملكين، و في إقامة الصلاة بحدودها و ركوعها و سجودها و تسليمها سلامة للعبد من النار، و في قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله؛ فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله، و إن لم تسلم صلاته و ردّت عليه ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 11.) و رواية اخرى عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال تحليل الصلاة التسليم(وسائل الشيعة 6: 418، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 12.) و رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال و يقال في افتتاح الصلاة: تعالى عرشك، و لا يقال: تعالى جدّك، و لا يقال في التشهّد الأوّل: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين؛ لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم، و إذا قلت هذا فقد سلّمت(وسائل الشيعة 7: 286، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 29، الحديث 2.) و رواية أبي حازم المروية عن «مناقب» ابن شهرآشوب قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السّلام): ما افتتاح الصلاة؟ قال (عليه السّلام) التكبير ، قال: ما تحريمها؟ قال التكبير ، قال: ما تحليلها؟ قال التسليم(مستدرك الوسائل 5: 21، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 1.) و سند هذه الروايات و إن كان غير معتبر بالإرسال أو ضعف الراوي و لكن مضمونها تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم المروي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مقبول عند الخاصّة و العامّة؛ فلا مجال للمناقشة في السند. قال السيّد الحكيم في «المستمسك»: و عن جماعة كثيرة من القدماء و المتأخّرين إرسال خبر تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم عن النبي. و في «المنتهي»: أنّ هذا الخبر تلقّته الأُمّة بالقبول، و نقله الخاصّ و العامّ، و مثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد يجبر روايته الاعتماد، انتهى. و عن «المختلف» و «جامع المقاصد»: أنّه من المشاهير. و عن «الروض»: أنّه مشهور. و بعد ذلك كلّه: لا مجال للمناقشة في سنده، كما عن «المدارك» تبعاً لشيخه (قدّس سرّهما)؛ و لا سيّما بملاحظة اعتماد الأصحاب عليه و استدلالهم به، و فيهم من لا يعمل إلّا بالقطعيات كالسيّدين (قدّس سرّهما)، انتهى كلام «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 6: 453.) و منها: الأخبار المصرّح فيها بأنّ آخر الصلاة التسليم، كموثّقة بل صحيحة علي بن أسباط عنهم (عليهم السّلام) قال فيما وعظ اللَّه به عيسى (عليه السّلام): يا عيسى أنا ربّك و ربّ آبائك. و ذكر الحديث بطوله إلى أن قال ثمّ أُوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيّد المرسلين و حبيبي، فهو أحمد. إلى أن قال يسمّي عند الطعام، و يفشي السلام، و يصلّي و الناس نيام، له كلّ يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، و يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم(وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 2.) و موثّقة أبي بصير بل صحيحته قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف، قال فليخرج فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته؛ فإنّ آخر الصلاة التسليم(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 4.) و الظاهر من هذه الصحيحة كون السلام معتبراً في ماهية الصلاة وجوباً؛ لأنّ الأمر بالرجوع و إتمام الصلاة بالسلام و تعليله بأنّ آخر الصلاة التسليم ظاهر في وجوب التسليم. و منها: الأخبار الدالّة على أنّ الفراغ من الصلاة و الانصراف عنها يتحقّق بالتسليم، كرواية عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن معنى التسليم، فقال التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة. إلى أن قال (عليه السّلام) فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة(وسائل الشيعة 6: 418، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 13.) و موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد فرغ من صلاته(وسائل الشيعة 6: 423، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ ما ذكرت اللَّه عزّ و جلّ به و النبي فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.) و رواية أبي كهمس هيثم بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد، فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، انصراف هو؟ قال لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فهو الانصراف(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و منها: الأخبار الوارد فيها الأمر بالتسليم، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، فقال يسلّم مَن خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 6.) و صحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا كنت في الصفّ (صفّ) فسلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك؛ لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك. و إذا كنت إماماً فسلّم تسليمة و أنت مستقبل القبلة(وسائل الشيعة 6: 419، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 1.) و صحيحة منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الإمام يسلّم واحدة، و من وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحدٌ يسلّم واحدة(وسائل الشيعة 6: 420، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 4.) و صحيح أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: إنّي أُصلّي بقوم فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9.) و صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يسلّم تسليمة واحدة؛ إماماً كان أو غيره(وسائل الشيعة 6: 420، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 5.) و منها: الأخبار الواردة في باب الشكّ في عدد الركعات المتضمّنة للأمر بالتسليم بعد التشهّد، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و غيره من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة من أبواب الخلل الواقع في الصلاة. و استدلّ أيضاً على وجوب التسليم بقاعدة أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية الغير الحاصلة إلّا بالتسليم، و باستصحاب الاشتغال و حرمة المنافيات و عدم إيجاد المخرج من الصلاة إلى أن يسلّم. و فيه: أنّ المرجع في المقام على فرض عدم الدليل هو البراءة، و الاستصحابات المذكورة محكومة عليها بالنسبة إلى أصالة عدم وجوب التسليم و عدم وجوب إيجاد المخرج. و استدلّ على القول باستحباب التسليم بأنّ الوجوب زيادة تكليف و الأصل عدمه، و بالأخبار الدالّة على جواز الانصراف عن الصلاة بعد ذكر التشهّد، كما في صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات؟ قال مرّتين ، قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف.(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) الخبر. و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول الإمام بالتشهّد، فيأخذ الرجل البول أو يتخوّف على شي ء يفوت أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال يتشهّد هو و ينصرف و يدع الإمام(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 2.) و صحيحة الفضلاء الفضيل و زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 5.) وجه الاستدلال بصحيحة الفضلاء: أنّه إذا كان مضيّ صلاته بالفراغ من الشهادتين كان التسليم مستحبّاً، و في «المدارك»: و المراد بالإجزاء الإجزاء في حصول الفضيلة و الكمال، كما يقتضيه أوّل الخبر(مدارك الأحكام 3: 430.) و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بأنّ هذه الصحيحة أي صحيحة الفضلاء من أقوى الأدلّة على وجوب التسليم؛ فإنّ قوله (عليه السّلام) فإن كان مستعجلًا. إلى آخره ظاهر في وجوب التسليم؛ حتّى في مقام الضرورة و الاستعجال. و تفريعه على ما سبق بمنزلة التفسير لما أراده من مضيّ صلاته؛ فإنّه كاشف عن أنّ المراد به أنّه لم يبق عليه من صلاته عدا السلام الذي يؤتى به في آخر الصلاة. فإطلاق المضيّ بلحاظ مضيّ معظمها لا مضيّ جميعها حقيقة. مع إمكان أن يقال: إنّ السلام و إن كان جزءً من الصلاة إلّا أنّه ليس في عرض سائر الأجزاء، بل هو بمنزلة التوديع و التسليم الذي يؤتى به في آخر المحاورات و المكاتبات علامة لانقضاء مطالبها؛ فيصحّ بهذه الملاحظة نفي جزئيته عن الصلاة؛ بمعنى أنّه ليس من الأجزاء المعتبرة في الصلاة من حيث هي صلاة و مناجاة مع الخالق. فمعنى قد مضت صلاته انقضت المناجاة مع الربّ؛ فعليها الانصراف بالتسليم الذي هو بمنزلة التوديع. إلى أن قال: فيظهر من ذلك: أنّ الانصراف هو التسليم، كما يشهد لذلك مضافاً إلى ذلك ظهور بعض الأخبار في معروفية إطلاق الانصراف على التسليم، كإطلاق الافتتاح على التكبير، كخبر أبي كهمس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلستُ للتشهّد، فقلت و أنا جالس: «السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» انصراف هو؟ قال لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فهو الانصراف(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و في صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّما ذكرت اللَّه عزّ و جلّ به و النبي فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.) ، انتهى كلام «مصباح الفقيه»(مصباح الفقيه، الصلاة: 377/ السطر 15.) أقول: و من هذا الجواب يظهر الجواب عن الاستدلال على الندب بسائر الروايات الدالّة على حصول الانصراف عن الصلاة أو مضيّها و تماميتها بالتشهّد. و يمكن أن يجاب أيضاً بأنّ المراد من التشهّد ما يعمّ الصيغة الاولى من التسليم أي السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين لا خصوص الشهادتين. و سيأتي أنّ إطلاق التشهّد عليه معروف بين الفقهاء و شائع في النصوص و الفتاوى. و قد يستدلّ على استحباب التسليم أيضاً بصحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم على نبينا و آله و عليه السلام فصلّ ركعتين، و اجعله أماماً، و اقرأ في الأُولى منهما سورة التوحيد قل هو اللَّه أحد، و في الثانية قل يا أيّها الكافرون، ثمّ تشهّد و أحمد اللَّه و أثن عليه و صلّ على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أسأله أن يتقبّل منك.(وسائل الشيعة 13: 423، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 71، الحديث 3.) الحديث. وجه الاستدلال: أنّ هذا الحديث و إن كان وارداً في صلاة الطواف و ظاهره عدم وجوب التسليم فيها، و لكن الحكم يجري في غيرها بعدم القول بالفصل. و فيه: أنّ التشهّد يطلق مسامحة على مجموع التشهّد و السلام؛ واجباتهما و مستحبّاتهما، و الأذكار المستحبّة قبل الشهادتين و بعد الشهادتين. و حينئذٍ يكون الحمد و الثناء للَّه تعالى و الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعد السلام. و في «المستمسك»: مع أنّ الوجه في ترك التسليم عدم كونه في مقام بيانه كالركوع و السجود و غيرهما من الواجبات(مستمسك العروة الوثقى 6: 457.) و فيه: أنّ قوله (عليه السّلام) فصلّ ركعتين بيان لكلّ واجب فيهما من التكبير و القراءة و الركوع و السجود و غيرها. و قد يستدلّ أيضاً برواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته يعني أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلا يعيد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد(وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 6.) و ذيل صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال ينصرف فيتوضّأ؛ فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته(وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.) و صدر صحيحه الآخر عنه (عليه السّلام) قال: سأله عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته، و إن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه و قام فقد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 6: 424، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 2.) و موثّق غالب بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي المكتوبة فينقضي صلاته و يتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته، و إن كان رعافاً غسله ثمّ رجع فسلّم(وسائل الشيعة 6: 425، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 6.) و صحيح الحلبي عن أبي (عليه السّلام) في حديث قال: قال إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد(وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 2.) و الجواب عن الاستدلال بهذه الروايات: أنّ بعضها ضعيف سنداً. و بعضها ظاهر في عدم وجوب الصلاة على النبي و آله؛ فلا بدّ من حمله على التقية. و بعضها شامل على ما لا يقول به أحد من الأصحاب؛ من عدم قادحية الخلل المبطل من الحدث الواقع قبل التشهّد، و أنّه بالحدث يخرج من الصلاة كما يقوله أبو حنيفة؛ فلا بدّ من حمله على التقية. و بعضها صريح في تمامية الصلاة فيما لو نام بعد التشهّد و قبل السلام، كما في موثّق غالب بن عثمان: و يتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته ؛ فلا بدّ من تأويله بأن يراد من قوله: «يتشهّد» ما يعمّ السلام الأوّل؛ أعني «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» و يكون المراد من قوله «يسلّم» التسليم بالسلام الآخر؛ و ذلك لشيوع هذا الإطلاق في النصوص و الفتاوى، كما نبّه عليه غير واحد من فقهائنا، حيث إنّ صاحب «المدارك» بعد حكاية استدلال المحقّق في كتبه على وجوب إحدى صيغتي السلام تخييراً بعموم قوله (عليه السّلام) و تحليلها التسليم ، ضعّفه بقوله: لأنّ التعريف يعني الألف و اللام في قوله (عليه السّلام) تحليلها التسليم للعهد، و المعروف منه بين الخاصّة و العامّة: «السلام عليكم» كما يعلم من تتبّع الأحاديث حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة و «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» ثمّ يقال: و يسلّم(مدارك الأحكام 3: 436.) انتهى. و قال في «الذكرى»: إنّ الشيخ في جميع كتبه جعل التسليم الذي هو خبر التحليل «السلام عليكم»، و إنّ «السلام علينا» قاطع للصلاة و ليس تسليماً(ذكرى الشيعة 3: 428.) انتهى. الأمر الثاني: أنّه بناءً على وجوب التسليم هل الواجب هو التسليم الأوّل أعني «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» أو الثاني، أو أحدهما تخييراً؟ ذهب إلى كلّ فريق. و قد يقال بوجوب الجمع بينهما. و ذهب بعضهم إلى أنّ الواجب هو التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) منضمّاً إلى أحد التسليمين. و الأقوى وجوب التسليمين تخييراً. و استدلّ للقول بوجوب التسليم الأوّل برواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمّ تؤذّن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين مثل ما سلّمت و أنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلم على من على يمينك و شمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 8.) و موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد فرغ من صلاته(وسائل الشيعة 6: 423، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ ما ذكرت اللَّه عزّ و جلّ به و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.) و رواية أبي كهمس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فهو الانصراف(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و استدلّ على وجوب التسليم الثاني بتسليم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) به في صلاته في المعراج فقال لي: يا محمّد سلّم، فقلت: السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و موثّق أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: إنّي أُصلّي بقوم، فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9.) و رواية عبد اللَّه بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة، قال يقول: السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 11.) و قد ذكر التسليم الثاني في بعض الأخبار، و لكن لم يظهر منها كونه تحليلًا و واجباً تعييناً، كما في رواية المفضل بن عمر في حديث قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام). إلى أن قال: قلت: فلِمَ لا يقال: السلام عليك، و الملك على اليمين واحد، و لكن يقال: السلام عليكم؟ قال ليكون قد سلّم عليه و على من على اليسار.(وسائل الشيعة 6: 422، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 15.) الحديث. و موثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام) صلّيتُ بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثمّ قمت و نسيت أن أُسلّم عليهم، فقالوا ما سلّمت علينا، فقال أ لم تسلّم و أنت جالس؟ قلت: بلى، قال فلا بأس عليك، و لو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت: السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 425، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 5.) و مرسلة «الفقيه» قال: قال رجل لأمير المؤمنين (عليه السّلام): ما معنى قول الإمام: السلام عليكم؟ فقال إنّ الإمام يترجم عن اللَّه عزّ و جلّ و يقول في ترجمته لأهل الجماعة: أمان لكم من عذاب اللَّه يوم القيامة(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 9.) و القائل بوجوب التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) منضمّاً إلى أحد التسليمين استند إلى رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) السلام، و تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمّ تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم.(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 8.) الحديث. و موثّقة أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: إنّي أُصلّي بقوم، فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9.) و فيه: أنّ الإجماع قائم على خلاف هذا القول. قال في «المستمسك» في مقام الإشكال على هذا القول: و فيه: أنّه مخالف لصحيح الحلبي و خبر أبي كهمس المتقدّمين أيضاً، و كذا حديث ميسر و مرسل «الفقيه»، بل لا يبعد ذلك في خبر أبي بصير فيكون حجّة عليه لا له(مستمسك العروة الوثقى 6: 466.) انتهى. و فيه: أنّ خبر أبي بصير صريح في كون السلام على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تسليماً و أنّ التسليم منحصر فيه و في «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» بحكم أداة الحصر، هذا. و لكن الذي يسهّل الأمر أنّ الخبر معرض عنه عند الأصحاب بالنسبة إلى التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)؛ فالإجماع قائم على خلافه. و الأقوى: أنّ التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ليس من صيغ السلام المحلّل المخرج من الصلاة، و لا يتحقّق به الانصراف عنها و انقطاعها، و هذا ممّا قام به الإجماع. و قد صرّح في خبر أبي كهمس المتقدّم بنفي الانصراف عن الصلاة به، و ضعف سنده منجبر بالإجماع. و ظهور بعض الأخبار بل صريحه في كونه تسليماً كما في خبري أبي بصير و أبي بكر الحضرمي المتقدّمين لا يعتنى به؛ لإعراض الأصحاب عنه. و لا تبطل الصلاة بتركه عمداً، فضلًا عن تركه سهواً. و الأحوط استحباباً المحافظة عليه، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدّماً للأُولى؛ عملًا بجميع النصوص و الفتاوى. و الأحوط استحباباً عدم تركه؛ لوجود القائل بوجوبه. و استدلّ للقول بوجوب التسليمين كليهما على ما حكي عن «الذكرى» بأنّ السلام الأوّل يستفاد وجوبه من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، كصحيح الحلبي و رواية أبي كهمس المتقدّمين، و السلام الثاني وجوبه إجماعي من الأُمّة. و أورد عليه في «الذكرى» بأنّ هذا القول لم يقل أحد فيما علمته(ذكرى الشيعة 3: 432.) و ردّه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بأنّه لم ينعقد إجماع على وجوب التسليم الثاني، بل هو على الخروج كظاهر النصوص؛ فالقول بوجوبهما معاً في غاية الضعف، بل النصوص و الإجماع بقسميه تشهد بخلافه(جواهر الكلام 10: 323.) انتهى. و استدلّ للقول بالتخيير بأنّ الأخبار المعتبرة المتقدّمة تدلّ على حصول الانصراف عن الصلاة و الخروج منها بصيغة «السلام علينا»؛ و ذلك لاعتبار اندراج هذه الصيغة في التسليم في قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تحليلها التسليم لا لخصوصية فيها. و لا ريب في حصول الانصراف عنها و الخروج منها بصيغة «السلام عليكم» أيضاً؛ لكونها أيضاً تحليلًا للصلاة، و ليس ذلك إلّا لكون القضية في قوله عليه الصلاة و السلام تحليلها التسليم طبيعية، و الطبيعة تصدق و تتحقّق بوجود فردها؛ أيّ فردٍ كان، و خرج الفرد الخاصّ أعني السلام على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من الطبيعة بالإجماع و بقي الباقي. و ليعلم: أنّه لا يعقل أن يكون كلّ من صيغتي التسليم تحليلًا مستقلا و موجباً للانصراف فيما اجتمعا، و إلّا يلزم التناقض، حيث إنّ مقتضى كون «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» تحليلًا و موجباً للانصراف عن الصلاة، هو عدم خروج المكلّف عنها ما دام لم يسلّم بهذا التسليم، و الحال أنّه يخرج منها ب «السلام عليكم»، و هكذا يقال في «السلام عليكم»، تأمّل. الأمر الثالث: أنّ المتبادر من نصوص التسليم كونه جزءً من الصلاة و مطلوباً لها لا لذاته، و هو الظاهر من أخبار التحليل تحليلها التسليم. بل بعضها صريح في أنّ التسليم آخر الصلاة، كما في صحيح علي بن أسباط المتقدّم الوارد في كيفية صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم(وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 2.) و موثّق أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف، قال فليخرج فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته؛ فإنّ آخر الصلاة التسليم(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 4.) و موثّقه الآخر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، فقد فرغ من صلاته(وسائل الشيعة 6: 423، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 1.) و ذهب جماعة إلى كون التسليم واجباً خارج الصلاة، لا أنّه جزء منها، و استندوا إلى الأخبار الدالّة على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث قبل التسليم و بعد التشهّد، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته(وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: سأله عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته.(وسائل الشيعة 6: 424، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. و استندوا أيضاً بالأخبار الدالّة على وجوب السلام بعد الفراغ من الصلاة فيمن نسي التشهّد في الركعتين الأوّلتين، كما في صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين، فقال إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة؛ حتّى إذا فرغ فليسلّم (و سلم و سجد) و ليسجد سجدتي السهو(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال يتمّ صلاته ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و فيه أوّلًا: أنّ عدم بطلان الصلاة بالحدث الواقع قبل التسليم الواجب المحلّل لم يقل به أحدٌ من علمائنا؛ فيحمل الأخبار الدالّة على عدم بطلانها به على التقية. و ثانياً: أنّه قد تقدّم أنّ التشهّد يعمّ ما يشمل السلام الأوّل؛ أعني «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين»، و أنّ إطلاق السلام على خصوص السلام الأخير كان شائعاً في النصوص و الفتاوى؛ و حينئذٍ فالحدث الواقع قبل السلام الأخير و بعد التشهّد التامّ المشتمل على السلام الأوّل غير مبطل. و أمّا وجوب التسليم بالسلام المحلّل بعد إتمام الصلاة كما في صحيحي سليمان بن خالد و ابن أبي يعفور فممّا لم يقل به أحدٌ من أصحابنا. الأمر الرابع: أنّ الجمع بين صيغتي السلام بالكيفية المعهودة من ضروريات الدين؛ فحينئذٍ لو بدأ ب «السلام علينا» كان السلام الأخير مستحبّاً. و في كونه من الأجزاء المستحبّة للصلاة أو المستحبّات المستقلّة عقيب الصلاة وجهان: من ظهور بعض الأخبار في الجزئية خصوصاً إطلاق أخبار التحليل و من ظهور بعضها في كونه خارجاً من الصلاة؛ لحصول الانصراف عن الصلاة و الخروج و الفراغ منها قبله ب «السلام علينا». و لو بدأ بالسلام الثاني اقتصر عليه، و لا دليل على استحباب إيقاع الأوّل بعد الثاني أو لم يرد في أحاديثنا عكس الكيفية المعهودة. نعم المصرّح به في كتب المحقّق و العلّامة استحبابه؛ قال في «الشرائع»: و بأيّهما بدأ كان الثاني مستحبّاً، كذا في «التحرير». و في «المنتهي»: و بأيّهما بدأ كان الآخر مستحبّاً و كان الخروج بالأوّل لقوله (عليه السّلام) و تحليلها التسليم ، و ذلك يتناول كلّ واحد منهما؛ فيحصل التحليل و الخروج من الصلاة به، انتهى. الأمر الخامس: هل الواجب في السلام الاكتفاء ب «السلام علينا» أو «السلام عليكم» أو يجب إضافة «و على عباد اللَّه الصالحين» على السلام الأوّل، و إضافة «و رحمة اللَّه» أو «و رحمة اللَّه و بركاته» على السلام الثاني؟ فيه خلاف بين أصحابنا: قال العلّامة في «المنتهي»: إن سلّم بالعبارة الأُولى وجب أن يأتي بها على صورتها؛ و هو «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين». إلى أن قال: لو سلّم بقوله: «السلام عليكم و رحمة اللَّه» جاز، و إن لم يقل «و بركاته» بلا خلاف. و إن يقتصر على قوله: «السلام عليكم» الأقرب عندي الجواز(منتهى المطلب 1: 296/ السطر 30.) انتهى. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه): لو اقتصر على «السلام علينا» أو «السلام عليكم» أجزأ؛ لصدق التسليم حينئذٍ(جواهر الكلام 10: 321.) انتهى. و نسب إلى ابن زهرة: أنّ الواجب هو مجموع «السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته»، و هو المحكي عن الشهيد في «الألفية» و «البيان»، و المحقّق الثاني في «فوائد الشرائع» و «تعليق النافع»، و الشهيد الثاني في «المسالك»، و الفاضل المقداد في «التنقيح»، و الأردبيلي في «مجمع البرهان». و عن أبي الصلاح: أنّ الواجب أن يقول: «السلام عليكم السلام عليكم». الأقوى وفاقاً للأكثر جواز الاجتزاء ب «السلام عليكم» و عدم وجوب إضافة «و رحمة اللَّه و بركاته»، و هو الظاهر من النصوص المتقدّمة، كموثّق أبي بكر الحضرمي، و روايتي عبد اللَّه بن أبي يعفور و المفضل بن عمر(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9 و 11 و 15.) و موثّق يونس بن يعقوب(وسائل الشيعة 6: 425، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 5.) نعم قد وردت زيادة: «و رحمة اللَّه و بركاته» في صحيح ابن أُذينة الحاكي عن صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في المعراج(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و في بعض الأخبار زيادة «و رحمة اللَّه» مع تكرير التسليم، كما في صحيح علي بن جعفر قال: رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمّداً بني جعفر (عليه السّلام) يسلّمون في الصلاة عن اليمين و الشمال: «السلام عليكم و رحمة اللَّه السلام عليكم و رحمة اللَّه»(وسائل الشيعة 6: 419، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 2.) و رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال فإذا قضيت التشهّد فسلّم عن يمينك و عن شمالك تقول: السلام عليكم و رحمة اللَّه السلام عليكم و رحمة اللَّه(مستدرك الوسائل 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و فيه: أنّ حديث المعراج شامل لكثير من المستحبّات؛ فلا يستدلّ به على الوجوب. و صحيح علي بن جعفر يحتمل فيه أن يكون «و رحمة اللَّه» مستحبّاً كاستحباب التسليم عن اليمين و الشمال، و لم يقل أحد من علمائنا بوجوب تكرار «السلام عليكم و رحمة اللَّه». و يرد على رواية «دعائم الإسلام» مضافاً إلى ضعف سنده ما ورد على صحيح علي بن جعفر. ثمّ لا يخفى: أنّه يحتمل أن يكون قوله (عليه السّلام) السلام عليكم في النصوص المتقدّمة للإشارة إلى السلام المتعارف المعهود؛ أعني «السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته». و لعلّ هذا الاحتمال هو الوجه في وجوب الاحتياط بإضافة: «و رحمة اللَّه و بركاته»، كما عن جماعة من فقهائنا السادة المحشّين على «العروة الوثقى» كالسيّد البروجردي و الشاهرودي و الآغا جمال و الإصطهباناتي، طاب ثراهم. و لكن لا يعتنى بهذا الاحتمال مع ظهور الأخبار المذكورة الخالية عن ذكر «و رحمة اللَّه و بركاته» المعتضدة بالشهرة العظيمة على الاجتزاء ب «السلام عليكم» فقط.

ص: 608

ص: 609

ص: 610

ص: 611

ص: 612

ص: 613

ص: 614

ص: 615

ص: 616

ص: 617

ص: 618

ص: 619

ص: 620

ص: 621

ص: 622

ص: 623

ص: 624

ص: 625

ص: 626

ص: 627

ص: 628

[ (مسألة 2): يجب في التسليم بكلٍّ من الصيغتين العربيّة و الإعراب]

(مسألة 2): يجب في التسليم بكلٍّ من الصيغتين العربيّة و الإعراب، و يجب تعلّم إحداهما مع الجهل، كما أنّه يجب الجلوس حالته مطمئنّاً، و يستحبّ فيه التورّك (1).


1- الوجه في وجوب العربية و الإعراب في التسليم بكلّ من الصيغتين هو أنّ التسليم بغير العربية أو بالعربية الغير الصحيحة كلام غير مشروع في الصلاة، فهو مع العمد مبطل. و وجه وجوب تعلّم أحدهما مع الجهل هو توقّف أداء الصحيح من الصيغتين عليه. و وجه وجوب الجلوس مطمئنّاً حال التسليم هو الإجماع، قال النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة»: المستفاد من الأخبار لزوم مراعاة جميع الشرائط المذكورة من الاستقبال و الطهور و ترك المنافيات؛ حتّى السكوت الطويل(مستند الشيعة 5: 363.) و الوجه في استحباب التورّك حال الجلوس للتسليم هو الإجماع. و في «المستمسك»: كأنّه لتبعيته للتشهّد في ذلك(مستمسك العروة الوثقى 6: 473.) و فيه: أنّه لا دليل على التبعية في ذلك.

ص: 629

[القول في الترتيب]

القول في الترتيب (مسألة): يجب الترتيب في أفعال الصلاة، فيجب تقديم تكبيرة الإحرام على القراءة، و الفاتحة على السورة، و هي على الركوع، و هو على السجود و هكذا، فمن صلّى مقدّماً للمؤخّر و بالعكس عمداً بطلت صلاته، و كذا سهواً لو قدّم ركناً على ركن. أمّا لو قدّم ركناً على ما ليس بركن سهواً كما لو ركع قبل القراءة فلا بأس، و يمضي في صلاته. و كذا لو قدّم غير ركن على ركن سهواً كما لو قدّم التشهّد على السجدتين فلا بأس، لكن مع إمكان التدارك يعود إلى ما يحصل به الترتيب، و تصحّ صلاته. كما أنّه لا بأس بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهواً، فيعود أيضاً إلى ما يحصل به الترتيب مع الإمكان و تصحّ صلاته (1).


1- لم يصرّح أحد من فقهائنا بنفي وجوب الترتيب في أفعال الصلاة و أقوالها؛ فلا إشكال و لا خلاف من أحدٍ في وجوبه. و الدليل على وجوبه صحيح حمّاد بن عيسى الحاكي لكيفية صلاة الإمام الصادق (عليه السّلام) في مقام تعليم حمّاد(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) حيث عبّر ب «ثمّ» في كلّ مورد انتقل منه إلى مورد آخر. و كذا في صحيح عمر بن أُذينة الحاكي لصلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في المعراج(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) فراجع و لاحظ الصحيحين. و الوجه في نفي البأس فيما لو قدّم ركناً على ما ليس بركن سهواً كما لو ركع قبل القراءة هو أنّ وجوب غير الأركان من الأفعال و الأذكار ذكرى؛ فيجب إتيانها في موضعها فيما ذكره قبل أن يدخل في الركن؛ فلو سهى عنها و دخل في الركن يمضي في صلاته و لا يقضيها إلّا فيما قام الدليل على قضائها، كالسجدة الواحدة المنسية و التشهّد المنسي كلّه أو بعضه. و كذا لا بأس لو قدّم غير ركن على الركن سهواً، كما لو قدّم التشهّد على السجدتين؛ فحينئذٍ إن أمكن تدارك التشهّد بعد السجدتين كما لو لم يدخل في ركوع الركعة الثالثة فيجلس مطمئنّاً و يتشهّد ثمّ يقوم للركعة الثالثة، و إن لم يمكن تداركه بعدهما كما لو دخل في ركوع الثالثة يمضي في صلاته و لا يقضي التشهّد؛ لكونه مأتياً قبل السجدتين. و لا بأس أيضاً بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهواً، كما لو قدّم السورة على فاتحة الكتاب؛ فحينئذٍ إن تذكّر قبل الدخول في الركوع يقرأ السورة بعد فاتحة الكتاب و يحصل الترتيب، و إن كان بعد الدخول في الركوع يمضي في صلاته؛ لكون الترتيب بينهما ذكريا. ثمّ إنّه قد تقدّم في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في القراءة و الذكر» وجوب مراعاة الترتيب بين فاتحة الكتاب و السورة، و أنّه لو قدّم السورة على الفاتحة عمداً استأنف الصلاة، و يأتي في مبحث الخلل بعض ما يرتبط بالمقام.

ص: 630

ص: 631

[القول في الموالاة]

القول في الموالاة

[ (مسألة 1): يجب الموالاة في أفعال الصلاة]

(مسألة 1): يجب الموالاة في أفعال الصلاة: بمعنى عدم الفصل بين أفعالها على وجه تنمحي صورتها؛ بحيث يصحّ سلب الاسم عنها، فلو ترك الموالاة بالمعنى المزبور عمداً أو سهواً بطلت صلاته. و أمّا الموالاة بمعنى المتابعة العرفيّة فواجبة أيضاً على الأحوط، فتبطل الصلاة بتركها عمداً على الأحوط، لا سهواً (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في وجوب الموالاة في أفعال الصلاة؛ بمعنى وصل أجزائها بعضها ببعض بحيث تحصل به صورة خاصّة، بها قوام مفهوم الصلاة و بها يصدق اسم الصلاة عليها في عرف المتشرّعة، و بفقد تلك الصورة بحصول الفصل بين أجزائها إلى أن ينتهي إلى انمحاء الصورة الصلاتية يصحّ سلب اسم الصلاة عنها؛ ضرورة أنّ الصلاة ذات هيئة ملحوظ فيها اتّصال أفعالها من الأقوال و الكيفيات المعهودة فيها و نظمها، و ليست هي مجرّد الأفعال كيفما اتّفقت بلا لحاظ اتّصالها و نظمها؛ فترك الموالاة بالمعنى المزبور عمداً أو سهواً يوجب بطلان الصلاة بلا خلاف فيه. و حكى العلّامة في «التذكرة» عن الشافعي في ضمن المسألة الثانية من مسائل أحكام السهو أنّه قال: أركان الصلاة خمسة عشر، و عدّ منها الموالاة بين الأفعال؛ حتّى لو فرّقها لم تصحّ(تذكرة الفقهاء 3: 305.) انتهى. و أمّا الموالاة بمعنى المتابعة العرفية بحيث لا يحصل الفصل بين أفعالها و لو بقليل مخلّ عرفاً مع عدم صحّة سلب اسم الصلاة عنه، فالأحوط عند المصنّف (رحمه اللَّه) وجوبها؛ فتبطل الصلاة بتركها عمداً. و لعلّ وجه الاحتياط: أنّ النصوص الحاكية لفعل المعصوم (عليه السّلام) في صلاته و كذا الأوامر الواردة فيها المتعلّقة بأفعال الصلاة منصرفة إلى خصوص الصلاة المراعاة فيها الموالاة العرفية. و فيه: أنّ فعل المعصوم (عليه السّلام) فيما كان مشتملًا على الواجبات و المستحبّات لا يدلّ على الوجوب، و من المحتمل أن تكون الموالاة العرفية مراعاةً من المعصوم استحباباً، و مع الشكّ في وجوبها فالمرجع البراءة. نعم الأحوط استحباباً مراعاتها.

ص: 632

[ (مسألة 2): كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض]

(مسألة 2): كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض، كذلك تجب في القراءة و التكبير و الذّكر و التسبيح بالنسبة إلى الآيات و الكلمات، بل و الحروف، فمن تركها عمداً في أحد المذكورات الموجب لمحو أسمائها، بطلت صلاته فيما إذا لزم من تحصيل الموالاة زيادة مبطلة، بل مطلقاً على الأحوط (1)،


1- وجه بطلان الصلاة مع ترك الموالاة في القراءة و غيرها من المذكورات في المتن، هو أنّ تركها في أحدها يوجب كون المتلفّظ به غلطاً عند المتشرّعة، و هو زيادة عمدية حيث إنّ الفصل بين كلمتي تكبيرة الإحرام بمقدار ينتهي إلى محو اسم تكبيرة الإحرام يوجب غلطية الجملة؛ فلا تكون التكبيرة الكذائية تكبيرة الصلاة في عرف المتشرّعة؛ فلا تكون محرّمة. و هكذا في غير التكبير من المذكورات في المتن مع محو أسمائها بترك الموالاة.

ص: 633

و إن كان سهواً فلا بأس، فيعيد ما تحصل به الموالاة إن لم يتجاوز المحلّ. لكن هذا إذا لم يكن فوات الموالاة المزبورة في أحد المذكورات موجباً لفوات الموالاة في الصلاة بالمعنى المزبور، و إلّا فتبطل و لو مع السهو (1).


1- ترك الموالاة سهواً في أحد المذكورات في المتن يوجب بطلان خصوص ما ترك فيه الموالاة؛ فمع بقاء المحلّ تجب إعادته، و مع تجاوز محلّه يمضي في صلاته. فيكون ترك الموالاة في أحد المذكورات كنسيانها؛ إن ذكرها مع بقاء المحلّ يعيد ما تحصل به الموالاة، و مع تجاوزه يمضي في صلاته، هذا إذا لم يكن فوات الموالاة موجباً لمحو اسم الصلاة، و إلّا بطلت الصلاة مع السهو أيضاً. بقي أمران: القنوت و التعقيب

ص: 634

[القول في القنوت]

القول في القنوت

[ (مسألة 1): يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة]

(مسألة 1): يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة، و يتأكّد في الجهريّة، بل الأحوط عدم تركه فيها. و محلّه قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة، و لو نسي أتى به بعد رفع الرأس من الركوع، ثمّ هوى إلى السجود، و إن لم يذكره في هذا الحال و ذكره بعد ذلك، فلا يأتي به حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به حينئذٍ، و إن لم يذكره إلّا بعد انصرافه أتى به متى ذكره و لو طال الزمان. و لو تركه عمداً فلا يأتي به بعد محلّه. و يستحبّ أيضاً في كلّ نافلة ثنائيّة في المحلّ المزبور؛ حتّى نافلة الشفع على الأقوى، و الأولى إتيانه فيه رجاءً. و يستحبّ أكيداً في الوتر، و محلّه ما عرفت قبل الركوع بعد القراءة (1).


1- لا إشكال و لا خلاف بين المسلمين في مشروعية القنوت في الصلاة في الجملة، و المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً استحباب القنوت، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: القنوت سنّة و ليس بفرض عند علمائنا أجمع(تذكرة الفقهاء 3: 260.) و في «المعتبر»: اتّفق الأصحاب على استحباب القنوت في كلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلًا مرّة، و هو مذهب علمائنا كافّة(المعتبر 2: 238.) و نسب إلى الصدوق (رحمه اللَّه) القول بوجوبه و أنّه قال: القنوت سنّة واجبة، من تركه عمداً أعاد؛ لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ(البقرة( 2): 238.) و روى ذلك ابن أُذينة عن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: القنوت في الجمعة و العشاء و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له(وسائل الشيعة 6: 265، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 2.) و حكى عنه (رحمه اللَّه) في «الهداية» في باب فريضة الصلاة أنّه قال الصادق (عليه السّلام) حين سئل عمّا فرض اللَّه تعالى من الصلاة، فقال الوقت و الطهور و التوجّه و القبلة و الركوع و السجود و الدعاء، و من ترك القراءة في صلاته متعمّداً فلا صلاة له، و من ترك القنوت متعمّداً فلا صلاة له(الهداية: 126.) و نسب هذا القول إلى ابن أبي عقيل و الحلبي أيضاً. و يمكن حمل قولهم على إرادة شدّة الاستحباب، كما حمله العلّامة (رحمه اللَّه) في «التذكرة» قال: القنوت سنّة و ليس بفرض عند علمائنا. و قد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب و القصد شدّة الاستحباب(تذكرة الفقهاء 3: 260.) انتهى. و لا يخفى: أنّ خبر ابن أُذينة قد صدر تعريضاً على العامّة الذين يرغبون عن هذه السنّة؛ فهو لا يدلّ على حرمة ترك القنوت من حيث هو، و نفي الصلاة معلّق على ترك القنوت على سبيل الرغبة و الإعراض عنه. و قد يستدلّ على وجوبه برواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و القنوت سنّة واجبة في الغداة و الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 4.) و رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال و القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 6.) و موثّقة ابن بكير عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال اقنت فيهنّ جميعاً ، قال: و سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذلك عن القنوت، فقال لي أمّا ما جهرت به فلا تشكّ (شكّ)(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 7.) و ذيل موثّقة عمّار عن أبي (عليه السّلام) قال إن نسي الرجل القنوت في شي ء من الصلاة حتّى يركع فقد جازت صلاته و ليس عليه شي ء، و ليس له أن يدعه متعمّداً(وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 15، الحديث 3.) و موثّقة اخرى لابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال القنوت في كلّ الصلوات(وسائل الشيعة 6: 265، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 4.) و فيه: أنّ الأخبار المذكورة محمولة على شدّة الندب جمعاً بينها و بين الأخبار الدالّة على جواز تركها؛ فإنّ الجمع بينهما أولى من طرح الأخبار الدالّة على جواز الترك أو حملها على التقية. و يدلّ على القول باستحبابه مضافاً إلى الشهرة، بل الإجماع المدّعى في كلام جماعة الأخبار الدالّة على جواز تركه بملاحظة الجمع المذكور، كصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال قال أبو جعفر (عليه السّلام) في القنوت: إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت ، قال أبو الحسن (عليه السّلام) و إذا كانت التقية فلا تقنت و أنا أتقلّد هذا(وسائل الشيعة 6: 269، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 4، الحديث 1.) و ذيل موثّقة سماعة قال: سألته عن القنوت في الجمعة، فقال أمّا الإمام فعليه القنوت في الركعة الأُولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود. إلى أن قال و من شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع، و إن شاء لم يقنت، و ذلك إذا صلّى وحده(وسائل الشيعة 6: 272، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 8.) و رواية عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قنوت الجمعة في الركعة الأُولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع؟ فقال لي لا قبل و لا بعد(وسائل الشيعة 6: 272، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 9.) ، و الفصل بين الجمعة و غيرها قول بالفصل. و يمكن أن يستدلّ أيضاً بصحيح عمر بن أُذينة عن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّم حيث إنّ نفي الصلاة المتروك فيها القنوت إنّما هو لأجل الرغبة و الإعراض عنه لا لمجرّد الترك؛ فيدلّ على جواز تركه في نفسه لا للإعراض عنه. ثمّ إنّ هنا أُموراً: الأوّل: أنّه يتأكّد استحباب القنوت في الجهرية من الصلوات. و يدلّ عليه ذيل موثّقة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال اقنت فيهنّ جميعاً ، قال: و سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذلك عن القنوت، فقال لي أمّا ما جهرت به فلا تشكّ (شكّ)(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 7.) و موثّق سماعة قال: سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت(وسائل الشيعة 6: 264، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلّها، أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ قال ليس القنوت إلّا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب(وسائل الشيعة 6: 265، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 6.) الثاني: محلّ القنوت قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع(وسائل الشيعة 6: 266، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 3، الحديث 1.) و بعض روايات الباب الثالث من أبواب القنوت يدلّ على أنّ القنوت قبل الركوع و بعد القراءة من غير تقييد بالركعة الثانية، و لكن إطلاقها يقيّد بصحيح زرارة المقيّدة بالركعة الثانية. الثالث: لو نسي القنوت و هوى إلى الركوع و تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع قام و أتى به. و يدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل ينسي القنوت في الوتر أو غير الوتر، فقال ليس عليه شي ء ، و قال إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الركبتين فليرجع قائماً و ليقنت ثمّ ليركع، و إن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي ء(وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 15، الحديث 2.) الرابع: لو نسيه و ذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع جاز له إتيانه بعد رفع الرأس من الركوع. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم و زرارة بن أعين قالا: سألنا أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل ينسي القنوت حتّى يركع، قال يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر فلا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 287، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 18، الحديث 1.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل ذكر أنّه لم يقنت حتّى ركع، قال: فقال يقنت إذا رفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 288، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 18، الحديث 3.) الخامس: لو نسي القنوت و لم يذكره حين رفع رأسه من الركوع فلا يأتي به بعده حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به بعد الصلاة. و يدلّ عليه صحيح أبي بصير قال: سمعته يذكر عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف و هو جالس(وسائل الشيعة 6: 287، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 16، الحديث 2.) السادس: لو نسيه و لم يذكره حتّى انصرف عن صلاته أتى به متى ذكره و إن طال الزمان. و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل نسي القنوت فذكره و هو في بعض الطريق، فقال يستقبل القبلة ثمّ ليقله ثمّ قال إنّي لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أو يدعها(وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 16، الحديث 1.) و هذان الصحيحان مجموعهما ظاهر في أولوية إتيان القنوت بعد الصلاة حال الجلوس مستقبلًا. السابع: لو تركه في محلّه عمداً فلا يأتي به قضاءً أصلًا؛ لا بعد الركوع و لا بعد الصلاة؛ لأنّ موارد القضاء في النصوص صورة النسيان؛ فلا تشمل الترك عمداً. الثامن: يستحبّ القنوت في كلّ نافلة ثنائية في محلّه أي الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال القنوت في كلّ الصلوات(وسائل الشيعة 6: 261، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال القنوت في كلّ ركعتين في التطوّع و الفريضة(وسائل الشيعة 6: 261، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن القنوت، فقال في كلّ صلاة فريضة و نافلة(وسائل الشيعة 6: 263، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 8.) و رواية الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع(وسائل الشيعة 6: 263، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 9.) ، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الأزدي أبي جعفر الأزرق؛ فإنّه و إن وقع في أسناد «كامل الزيارات» و عدّه الشيخ المفيد (رحمه اللَّه) في «رسالته العددية» من الفقهاء و الرؤساء الأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال و الحرام، إلّا أنّ الشيخ (رحمه اللَّه) قد ضعّفه و نسبه إلى الغلوّ؛ فلا يثبت وثاقته. التاسع: يستحبّ القنوت في الركعة الثانية من الشفع. و الدليل عليه مضافاً إلى عموم الأخبار الدالّة على أنّ القنوت في الركعة الثانية من كلّ صلاة؛ فريضة كانت أو نافلة هو خبر رجاء بن أبي الضحّاك في حديث طويل في كيفية صلاة الرضا (عليه السّلام). إلى أن قال: «يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة منهما الحمد مرّة و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات، و يقنت في الثانية بعد القراءة و قبل الركوع، فإذا سلّم قام و صلّى ركعة الوتر (يتوجّه فيها) يقرأ فيها الحمد مرّة و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات، و قل أعوذ بربّ الفلق مرّة واحدة، و قل أعوذ بربّ الناس مرّة واحدة، و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة»(وسائل الشيعة 4: 55، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 24.) و حكي عن الشيخ البهائي (رحمه اللَّه) في حواشي «مفتاح الفلاح» أنّه قال: القنوت في الوتر إنّما هو في الثالثة، و أمّا الأُوليان المسمّيان بالشفع فلا قنوت فيهما، و استدلّ عليه بصحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال القنوت في المغرب في الركعة الثانية و في العشاء و الغداة مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة(وسائل الشيعة 6: 267، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 3، الحديث 2.) و فيه: أنّ ظاهر هذا الصحيح موهون بإعراض الأصحاب عنه و عملهم بالعمومات الدالّة على استحباب القنوت في كلّ ثنائية من النوافل، و لا حاجة إلى التمحّل فيه بتخصيص العمومات بهذا الصحيح أو حمله على التقية أو على صورة وصل الوتر بالشفع تقيةً و كون مجموعهما صلاة واحدة، و غيرها من المحامل.

ص: 635

ص: 636

ص: 637

ص: 638

ص: 639

ص: 640

ص: 641

[ (مسألة 2): لا يعتبر في القنوت قول مخصوص]

(مسألة 2): لا يعتبر في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه كلّ ما تيسّر من ذكر و دعاء، بل يجزي البسملة مرّة واحدة، بل «سبحان اللَّه» خمس أو ثلاث مرّات، كما يجزي الاقتصار على الصلاة على النبي و آله، و الأحسن ما ورد عن المعصوم (عليه السّلام) من الأدعية، بل و الأدعية التي في القرآن. و يستحبّ فيه الجهر؛ سواء كانت الصلاة جهريّة أو إخفاتيّة، إماماً أو منفرداً، بل أو مأموماً إن لم يسمع الإمام صوته (1).


1- وجه عدم اشتراط الذكر المخصوص في القنوت و كفاية ما تيسّر من الذكر و الدعاء حتّى البسملة مرّة واحدة هو صحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القنوت و ما يقال فيه، قال ما قضى اللَّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقّتاً(وسائل الشيعة 6: 277، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سأله عن القنوت فيه قول معلوم؟ فقال أثن على ربّك و صلّ على نبيّك و استغفر لذنبك(وسائل الشيعة 6: 278، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 4.) و مرفوع محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقّت: الصلاة على الجنائز و القنوت و المستجار و الصفاء و المروة و الوقوف بعرفات و ركعتا الطواف(وسائل الشيعة 6: 278، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 5.) و وجه استحباب خمس تسبيحات في القنوت رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أدنى القنوت، فقال خمس تسبيحات(وسائل الشيعة 6: 273، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 6، الحديث 1.) و وجه استحباب ثلاث تسبيحات فيه رواية أبي بكر بن أبي سمّاك عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات(وسائل الشيعة 6: 274، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 6، الحديث 3.) و وجه استحباب الجهر بالقنوت حتّى في الإخفاتية صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) القنوت كلّه جهار(وسائل الشيعة 6: 291، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 21، الحديث 1.) و رواية أبي بكر بن أبي سمّاك قال: صلّيتُ خلف أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) الفجر، فلمّا فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحواً ممّا كان يقرأ، قال اللهمّ اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعفُ عنّا في الدنيا و الآخرة إنّك على كلّ شي ء قدير(وسائل الشيعة 6: 291، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 21، الحديث 2.) و الوجه في استحباب الجهر للمأموم فيما إذا لم يسمع الإمام صوته صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي من خلفه أن يسمعوا شيئاً ممّا يقول(وسائل الشيعة 8: 396، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 52، الحديث 3.)

ص: 642

ص: 643

[ (مسألة 3): لا يعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال]

(مسألة 3): لا يعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال، فالأحوط عدم تركه (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اعتبار رفع اليدين في القنوت و عدمه، المشهور المختار هو الثاني، و قد حكي عن «كنز العرفان» أنّه قال: القنوت هو رفع اليدين بالدعاء في الصلاة في عرف الفقهاء، و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني: الظاهر كون رفع اليدين مأخوذاً في مفهوم القنوت، انتهى. و في بعض الأخبار دلالة عليه، كرواية عمّار الساباطي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخاف أن أقنت و خلفي مخالفون، فقال رفعك يديك يجزي؛ يعني رفعهما كأنّك تركع(وسائل الشيعة 6: 282، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 12، الحديث 2.) و رواية علي بن محمّد بن سليمان قال: كتبتُ إلى الفقيه (عليه السّلام) أسأله عن القنوت، فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، و قل ثلاث مرّات: بسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 282، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 12، الحديث 3.) و في «مصباح الفقيه» بعد نقل رواية عمّار قال: و كيف كان فالاجتزاء برفع اليدين في مقام التقية كاشف عن أنّه من مراتبه الميسورة التي لا تسقط بمعسوره. إلى أن قال: و الحاصل أنّه يستشعر من مثل هذه الأخبار أنّه لم يكن المقصود بالقنوت في عرف الأئمّة (عليهم السّلام) إلّا ما هو المتعارف عندنا الذي هو منافٍ للتقية و هو العمل الخاصّ المشتمل على الدعاء و رفع اليدين، لا مطلق الدعاء أو الذكر؛ و لذا لم يطلق اسمه في مورد على سائر الأذكار و الأدعية التي ليس فيها رفع اليدين. و قد أشرنا آنفاً إلى أنّ المتبادر من إطلاقه في عرف المتشرّعة أيضاً ليس إلّا ذلك، بل يصحّ عندهم سلب اسمه عن الدعاء بلا رفع اليدين. و لكن ظاهر الأصحاب حيث جعلوه من مستحبّات القنوت بل صريح غير واحد منهم عدم اعتباره في ماهية القنوت، بل هو كرفع اليدين حال التكبير من آدابه. و يشكل ذلك بأنّهم لا يطلقون اسم القنوت إلّا على الدعاء بالكيفية المعهودة المشتملة على رفع اليدين. إلى أن قال: و الذي يغلب على الظنّ: أنّ مفهوم القنوت في عرف الفقهاء أيضاً ليس إلّا هذا العمل المركّب من الدعاء و الرفع، و لكن الرفع عندهم ليس من مقوّمات مطلوبيته، فهو و إن كان فصلًا للقنوت مميّزاً له عمّا عداه من الأدعية، و لكنّه جزء مستحبّي بلحاظ مطلوبيته. بل ظاهر قولهم: «يستحبّ فيه» كنظائره ممّا وقع فيه مثل هذا التعبير ليس إلّا إرادة كونه جزءً مستحبّياً له، لا مستحبّاً خارجياً له(مصباح الفقيه، الصلاة: 391/ السطر 16.) انتهى كلامه (رحمه اللَّه). و ما ذكره (رحمه اللَّه) هو الوجه في الاحتياط في عدم ترك رفع اليدين في القنوت.

ص: 644

[ (مسألة 4): يجوز الدعاء في القنوت و في غيره بالملحون]

(مسألة 4): يجوز الدعاء في القنوت و في غيره بالملحون مادّة أو إعراباً إن لم يكن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى، و كذا الأذكار المندوبة، و الأحوط الترك مطلقاً. أمّا الأذكار الواجبة فلا يجوز فيها غير العربيّة الصحيحة (1).


1- وجه جواز الدعاء في القنوت و غيره من الأذكار المندوبة بالملحون مادّة أو إعراباً إذا لم يكن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى، هو صدق اسم الدعاء عليه مع قصد اللاحن من الملحون نفس الدعاء المخصوص لا بمعنى آخر. نعم لو كان اللحن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى بحيث لا يعدّ ذلك الدعاء عند من سمعه اتّجه البطلان. و الأحوط الترك مطلقاً و إن لم يكن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى؛ لانصراف الدعاء في القنوت و التشهّد و غيرهما إلى الدعاء بالصحيح مادّة و هيئة. و أمّا الأذكار الواجبة كذكر الركوع و السجود فيشترط فيها العربي الصحيح، و العربي الملحون كغير العربي كلام آدمي مبطل إذا كان عمداً. فرع: اختلف فقهاؤنا في جواز الدعاء في القنوت بالفارسية و غيرها من اللغات غير العربية: قال الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه»: و ذكر شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضى اللَّه عنه) عن سعد بن عبد اللَّه أنّه كان يقول: لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسية، و كان محمّد بن الحسن الصفّار يقول: إنّه يجوز، و الذي أقول به: إنّه يجوز؛ لقول أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي ربّه عزّ و جلّ ، و لو لم يكن هذا الخبر لكنتُ أُجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال كلّ شي ء مطلق حتّى يرد فيه نهي ، و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد للَّه(الفقيه 1: 208/ ذيل الحديث 935.) انتهى. و اختار الجواز كثير من القدماء، بل نسبه المحقّق الثاني إلى المشهور، و قال بتلخيص منّا: إنّ الأصحاب نقل عن سعد بن عبد اللَّه من فقهائنا عدم جوازه مع القدرة، و هو المتّجه؛ لأنّ كيفية العبادة متلقّاة من الشارع كالعبادة، و لم يعهد مثل ذلك، إلّا أنّ الشهرة بين الأصحاب مانعة من المصير إليه(جامع المقاصد 2: 322.) انتهى. و صاحب «الحدائق» اختار قول سعد بن عبد اللَّه. و اكتفى جماعة بنقل القولين في المسألة، كصاحب «المدارك» و «الذخيرة» و الشهيد في «الذكرى». و استدلّ على القول بالمنع مضافاً إلى ما ذكره المحقّق الثاني بأنّ المتبادر من إطلاق الدعاء و الثناء في القنوت هو العربي، و هو المتعارف المعهود من الشارع. و فيه: أنّ القنوت دعاء، و الدعاء لا اختصاص له بلغة دون لغة. و استدلّ على المشهور بصحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القنوت و ما يقال فيه، قال ما قضى اللَّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقّتاً(وسائل الشيعة 6: 277، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القنوت في الوتر، هل فيه شي ء موقّت يتّبع و يقال؟ فقال لا، أثن على اللَّه عزّ و جلّ و صلّ على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و استغفر لذنبك العظيم ، ثمّ قال كلّ ذنب عظيم(وسائل الشيعة 6: 277، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و يشهد على الجواز الأخبار المستفيضة الدالّة على جواز مناجاة الربّ بكلّ شي ء، كصحيح علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي ربّه عزّ و جلّ؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال أبو جعفر الثاني (عليه السّلام) لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه عزّ و جلّ(وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 2.) و مرسله الآخر قال: قال الصادق (عليه السّلام) كلّ ما ناجيتَ به ربّك في الصلاة فليس بكلام(وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 4.) و رواية بكر بن حبيب قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أيّ شي ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال قل بأحسن ما علمت؛ فإنّه لو كان موقّتاً لهلك الناس(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 1.) ثمّ إنّ عموم هذه الأخبار يشمل كلّ دعاء و مناجاة بأيّ لغة كانت؛ فالجواز لا يختصّ بخصوص الفارسية. و لا يخفى: أنّه من المحتمل أن يكون المراد ممّا قضى اللَّه على لسان الداعي في القنوت و من كلّ شي ء يناجي المناجي به ربّه في الروايات المذكورة ما هو المركوز في النية من حوائجه الدنيوية و الأُخروية؛ يعني أنّه يجوز في القنوت استدعاء كلّ حاجة مشروعة من غير توقيت بشي ء خاصّ؛ فحينئذٍ لا تكون الروايات ناظرة إلى جواز القنوت بلغات مختلفة. و العمدة في الدليل على الجواز بغير العربية هي الشهرة القطعية، بل في كلام المحقّق الثاني: أنّه لا يعلم قائل بالمنع، سوى سعد بن عبد اللَّه. و الأحوط استحباباً ترك الدعاء بغير العربي و لو في غير القنوت.

ص: 645

ص: 646

ص: 647

ص: 648

[القول في التعقيب]

القول في التعقيب

[ (مسألة 1): يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة و لو نافلة]

(مسألة 1): يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة و لو نافلة، و في الفريضة آكد، خصوصاً في الغداة، و المراد به الاشتغال بالدعاء و الذكر و القرآن و نحو ذلك.

[ (مسألة 2): يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلًا بالفراغ من الصلاة]

(مسألة 2): يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلًا بالفراغ من الصلاة؛ على وجه لا يشاركه الاشتغال بشي ء آخر يذهب بهيئته عند المتشرّعة كالصنعة و نحوها، و الأولى فيه الجلوس في مكانه الذي صلّى فيه، و الاستقبال و الطهارة. و لا يعتبر فيه قول مخصوص، و الأفضل ما ورد عنهم (عليهم السّلام) ممّا تضمّنته كتب الأدعية و الأخبار.

و لعلّ أفضلها تسبيح الصديقة الزهراء سلام اللَّه عليها و كيفيّته على الأحوط: أربع و ثلاثون تكبيرة، ثمّ ثلاث و ثلاثون تحميدة، ثمّ ثلاث و ثلاثون تسبيحة. و لو شكّ في عددها يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ، فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره، رفع اليد عن الزائد، و بنى على الأربع و ثلاثين أو الثلاث و ثلاثين، و الأولى أن يبني على نقص واحدة، ثمّ يكمل العدد بها في التكبير و التحميد دون التسبيح.

و من التعقيبات: قول: «لا إلهَ إلّا اللَّه وحدَهُ وحدَهُ أنجَزَ وعدَهُ، و نصرَ عبدَهُ، و أعزَّ جندَهُ، و غلبَ الأحزابَ وحدهُ، فلَهُ المُلكُ و لهُ الحمدُ، يُحيي و يُميتُ، و هوَ على كُلّ شي ءٍ قدير».

و منها: قول: «اللّهُمَّ صَلّ على مُحمّدٍ و آل محمّدٍ، و أجرني من النارِ،

ص: 649

و ارزقني الجنَّةَ، و زوّجني منَ الحورِ العينِ».

و منها: قول: «اللّهُمَّ اهدِني من عِندكَ، و أفِض عليَّ من فَضلِكَ، و انشر عليَّ من رحمتِكَ، و أنزِل عليَّ من بركاتِكَ».

و منها: قول: «أعوذُ بوجهِكَ الكريم، و عزَّتِك التي لا تُرامُ، و قدرتِكَ الّتي لا يَمتَنِعُ منها شي ءٌ، من شرّ الدنيا و الآخرة، و من شرّ الأوجاعِ كُلّها، و لا حولَ و لا قُوَّةَ إلّا باللَّه العليّ العظيمِ».

و منها: قول: «اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ من كُلّ خيرٍ أحاطَ بهِ علمكَ، و أعوذُ بِكَ من كُلّ شرٍّ أحاطَ بهِ عِلمُكَ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ عافيتَكَ في أُموري كُلّها، و أعوذُ بِكَ من خزي الدُّنيا و عذَابِ الآخرةِ».

و منها: قول: «سُبحانَ اللَّه و الحمدُ للَّهِ و لا إلهَ إلّا اللَّه و اللَّهُ أكبرُ» مائة مرّة أو ثلاثين.

و منها: قراءة آية الكرسي و الفاتحة و آية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. و آية قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ.

و منها: الإقرار بالنبي و الأئمّة عليهم الصلاة و السلام.

و منها: سجود الشكر، و قد مرَّ كيفيّته سابقاً.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.