ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الحج

الجزء الخامس

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1408 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

ففی صحیحة زرارة: «العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج، فإن الله تعالی یقول: ﴿وأتموا الحج والعمرة للهO.

وفی صحیحة الفضیل، فی قول الله عز وجل: ﴿وأتموا الحج والعمرةO قال (علیه السلام): هما مفروضان

مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبیلاً﴾((1))، لشمول حجه للعمرة، لکن لا یخفی عدم صراحة الکتاب فی وجوب العمرة، إذ العمرة لم تذکر فی الکتاب إلا فی الآیة الأولی، وفی قوله:﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما﴾((2))، والأولی فی مقام وجوب الإتمام لا أصل وجوبه، ولا تنافی بین عدم الوجوب، ولکن لو شرع وجب، کما فی الیوم الثالث من الاعتکاف وغیره، والآیة الأخیرة لیست فی مقام الوجوب أصلا، نعم الأخبار المفسرة للکتاب أو المستقلة فی الدلالة علی الوجوب کثیرة.

{ففی صحیحة زرارة} بن أعین، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث قال: {«العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالی یقول: ﴿وأتموا الحج والعمرة للهO} وإنما نزلت العمرة بالمدینة»((3)).

{وفی صحیحة الفضیل} أبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام) {فی قول الله عز وجل: ﴿وأتموا الحج والعمرةO} لله {قال (علیه السلام): «هما مفروضان»}((4))، قد

ص:8

وقع فی نسخ الکتاب فی الصحیحة الأولی «فإن الله» مکان «لأن الله»، وفی الثانیة «الفضیل» مکان «الفضل».

وعن معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالی یقول: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ وإنما نزلت العمرة بالمدینة». قلت: فمن تمتع بالعمرة إلی الحج أیجزی عنه، قال: «نعم»((1)).

وعن معاویة بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن یوم الحج الأکبر، فقال: «هو یوم النحر، والأصغر هو العمرة»((2)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «العمرة مفروضة مثل الحج»((3)).

وعن عمر بن أذینة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿ولله علی الناس حج البیت من استطاع إلیه سبیلاO یعنی به الحج دون العمرة، قال: «لا، ولکنه یعنی الحج والعمرة جمیعاً لأنهما مفروضان»((4)).

وعن معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «العمرة واجبة علی

ص:9

ووجوبها بعد تحقق الشرائط فوری کالحج،

الخلق بمنزلة الحج علی من استطاع إلیه سبیلا، لأن الله عز وجل یقول: ﴿وأتموا الحج والعمرة للهO »((1)).

وعن زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «الحج الأکبر الوقوف بعرفة وبجُمَع ورمی الجمار بمنی والحج الأصغر العمرة»((2)).

وعن عبد الرحمان، عنه (علیه السلام) قال: «یوم الحج الأکبر یوم النحر، ویوم الحج الأصغر العمرة»((3)).

وعن عمر بن أذینة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث: وسألته عن قول الله عز وجل: ﴿وأتموا الحج والعمرة للهO، قال: «یعنی بتمامهما أداءها واتقاء ما یتقی المحرم فیهما»((4)).

إلی غیر ذلک من الروایات.

{ووجوبها بعد تحقق الشرائط فوری کالحج} قال فی الحدائق: المشهور بین الأصحاب (رضوان الله علیهم) بل ربما ادعی علیه الإجماع، وجوب الفوریة فی العمرة.

وقال فی المستند: یجب العمرة علی الفور فی العمر مرة بأصل الشرع علی کل مکلف بالشرائط المعتبرة فی الحج، بالکتاب والسنة والإجماع((5)).

وقال فی الجواهر: ولا خلاف أیضاً أجده فی أنها علی الفور، کما صرح

ص:10

به الشیخ والحلی والفاضلان وغیرهم، بل عن السرائر نفی الخلاف فیه، بل عن التذکرة الإجماع علیه((1))، انتهی.

أقول: أما کون عمرة التمتع فوریة فلا إشکال فیه، لارتباطها بالحج الذی هو فوری بلا خلاف للنصوص المتقدمة فی أول الکتاب، مضافاً إلی ما سیأتی فی کیفیة حج التمتع التی منها أن یأتی بالحج وعمرته فی سنة واحدة.

وأما کون عمرة القران والإفراد فوریاً والعمرة المفردة فوریة، فعن کشف اللثام بعد ما حکی عن المبسوط والسرائر وجوب الفوریة قال: لم أظفر بموافق لهم ولا دلیل إلا علی القول بظهور الأمر فیه((2))، انتهی.

وتبعه علی ذلک فی المستمسک، فإنه بعد نقل الإجماع عن التذکرة وعدم الخلاف عن السرائر والجواهر، قال: ودلیله کلیة غیر ظاهر لو لا الإجماع((3))، انتهی.

أقول: أما عدم ظفر کشف اللثام بموافق للمبسوط والسرائر فقد عرفت موافقة المحقق والعلامة، بل عن الثانی الإجماع علیه، وأما جعل المستمسک دلیله منحصراً فی الإجماع، ففیه عدم الانحصار، وذلک لما نبه علیه فی الحدائق وتبعه فی الجواهر بالاستدلال علیه بالأخبار الدالة علی مساواتها للحج فی کیفیة الوجوب

ص:11

فإن صحیح ابن عمار: «العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج»، بضمیمة ما تقدم فی أول الکتاب من الأخبار الدالة علی عدم جواز تسویف الحج، کالصریح فی الفوریة.

هذا مضافاً إلی جعلها فی سیاق الحج فی الاستفادة من الآیة فی الأخبار وکذا الأخبار المبتدئة التی جعلها فی سیاقه فی کونهما مفروضین، وبعد هذا لاحاجة إلی ما تمسک به فی المستمسک بقوله: بناءً علی أن مقتضی اللام وجوب الفوریة، کما تقدم فی مبحث نذر الحج یدل قوله تعالی:﴿وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ﴾ الآیة علی فوریة العمرة، بضمیمة ما ورد فی تفسیر الحج فیها بما یشمل العمرة((1))، انتهی. فإنه قد تقدم عدم دلالة اللام علی ذلک.

وکیف کان، فالفوریة فی المقام لا یراد بها الإتیان فی أول أزمنة الإمکان، بل فی السنة کما هو کذلک فی حج التمتع، منتهی الأمر تقید عمرته بأشهر الحج کما سیجیء إن شاء الله، بخلاف العمرة المقبولة فإنها لا تجب کونها فی أشهر الحج کما سیأتی إن شاء الله، وبهذا یدفع ما ربما یذکر من أنه لو وجبت فوراً لزم للنائی أن یأتی بعمرة مقبولة حین الاستطاعة، ولا یجوز أن یؤخر إلی أشهر الحج حتی یأتی بها مع الحج، ولو بقیت الاستطاعة لزم الإتیان بعمرة أخری وهذا خلاف ما دل علی وجوبها مرة واحدة بأصل الشرع، وهذا کخلاف الضروری، بیان الدفع أن الفوریة لا تکون بمعنی أول أزمنة الإمکان، بل بمعنی الإتیان فی السنة، ویؤیده ما سیأتی من کفایة عمرة التمتع عن المفردة الواجبة.

ص:12

ولا یشترط فی وجوبها استطاعة الحج، بل تکفی استطاعتها فی وجوبها، وإن لم تتحقق استطاعة الحج، کما أن العکس کذلک، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها،

{ولایشترط فی وجوبها استطاعة الحج، بل تکفی استطاعتها فی وجوبها، وإن لم تتحقق استطاعة الحج} مثلا لو علم أنه یموت فی أشهر الحج وکان مستطیعاً فعلاً لزم الإتیان بها.

{کما أن العکس کذلک، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها} مثلا لو علم المفرد بأنه لو حج یمنع من دخول البیت من الیوم العاشر إلی الآخر، أو یموت کذلک، ولم یتمکن من إتیانها قبل ذلک لزم علیه الإتیان بالحج فقط.

وهذا القول هو المشهور کما فی المستند، وقال فی الجواهر عند بیان المصنف (رحمه الله) صورة حج الإفراد، بل صرح غیر واحد من الأصحاب، بأن من استطاع الحج مفرداً دون العمرة وجب علیه الحج دونها، ثم یراعی الاستطاعة لها، ومن استطاعها دونه وجبت هی علیه خاصة، إلی أن قال: فالمسألة لا إشکال فیها من هذه الجهة((1))، انتهی.

وفی المستمسک: إن هذا هو المشهور شهرة عظیمة، کما یقتضیه إطلاق أدلة الوجوب((2))، انتهی.

ص:13

وکیف کان فالدلیل علی ذلک أن الأخبار الدالة بوجوب کل واحد منهما مطلق، ولا دلیل علی ارتباط أحدهما بالآخر فی الوجوب، وفی المستند نسبة هذا الدلیل إلی غیر واحد.

أقول: ولنذکر جملة من الأخبار لتبین الإطلاق، فعن معاویة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «فی القارن لا یکون قران إلا بسیاق الهدی وعلیه طواف بالبیت ورکعتان عند مقام إبراهیم وسعی بین الصفا والمروة وطواف بعد الحج وهو طواف النساء، وأما المتمتع بالعمرة إلی الحج فعلیه ثلاثة أطواف بالبیت وسعیان بین الصفا والمروة»، قال: وقال أبو عبد الله (علیه السلام): «التمتع أفضل الحج وبه نزل القرآن وجرت السنة، فعلی المتمتع إذا قدم مکة طواف بالبیت، ورکعتان عند مقام إبراهیم، وسعی بین الصفا والمروة، ثم یقصر، وقد حل هذا للعمرة وعلیه الحج: طوافان، وسعی بین الصفا والمروة، ویصلی عند طواف بالبیت رکعتین عند مقام إبراهیم، وأما المفرد للحج فعلیه طواف بالبیت، ورکعتان عند مقام إبراهیم، وسعی بین الصفا والمروة، وطواف الزیارة وهو طواف النساء، ولیس علیه هدی ولا أضحیة»((1)).

فإنک تری أن هذه الروایة فی مقام البیان، وقد ذکر العمرة فی حج التمتع لارتباط أحدهما بالآخر، ولم یذکرها فی القران والإفراد، لعدم ارتباط أحدهما بالآخر.

ص:14

والقول باعتبار الاستطاعتین فی وجوب کل منهما وأنهما مرتبطان ضعیف،

وعن الفضیل بن یسار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «القارن الذی یسوق الهدی علیه طوافان بالبیت وسعی واحد بین الصفا والمروة»((1)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إنما نسک الذی یقرن بین الصفا والمروة مثل نسک المفرد لیس بأفضل منه إلا بسیاق الهدی، وعلیه طواف بالبیت وصلاة رکعتین خلف المقام وسعی واحد بین الصفا والمروة وطواف بالبیت بعد الحج»((2)).

إلی غیر ذلک من الأخبار المذکورة فی باب کیفیة أنواع الحج، فإنها تذکر للتمتع ثلاثة أطواف وسعیین ولغیره طوافین وسعی، وقد ذکرنا فی أول المسألة روایات وجوب العمرة، کقوله (علیه السلام): «العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج علی من استطاع إلیه سبیلا»((3))، وغیره مما لایظهر منه إلا وجوبها الاستقلالی.

{و} فی المقام قولان آخران:

الأول: {القول باعتبار الاستطاعتین فی وجوب کل منهما وأنهما مرتبطان} فلو استطاع للحج بدون العمرة أو للعمرة بدون الحج لم یجب، وهذا القول لم نقف علی قائله، کما صرح به فی الجواهر وغیره، وعلی کل فهو {ضعیف}

ص:15

کالقول باستقلال الحج فی الوجوب دون العمرة.

لما عرفت من إطلاق أدلة الوجوب، ولم نعرف لهذا القول دلیلا، کما لم یتعرض أحد ممن ذکره لدلیله، فهو {کالقول باستقلال الحج فی الوجوب دون العمرة} فلو استطاع الحج دون العمرة وجب، ولو استطاع للعمرة دون الحج لم تجب، وهذا القول محکی عن الشهید (رحمه الله) فی الدروس، وقد احتج لهذا القول بأمور:

الأول: الأصل بالنسبة إلی عدم وجوب العمرة إذا لم یستطع للحج، وظهور الآیة بالنسبة إلی وجوب الحج ولو بدون الاستطاعة للعمرة.

الثانی: إنها لو وجبت بدون الاستطاعة للحج لکان من استکمل الاستطاعة لها فمات قبل أدائها وقبل ذی الحجة یجب استیجارها عنه من الترکة، ولم یذکر ذلک فی کتاب ولا خبر.

الثالث: إن المستطیع للحج والعمرة إذا دخل الحرم قبل أشهر الحج یجب أن یأتی بالعمرة بنیة حجة الإسلام، لاحتمال أن یموت أو لا تبقی استطاعته.

لکن فی هذه الأمور ما لا یخفی.

أما الأول: فلأن الأصل مردود بأنه یلزم القول بوجوب العمرة ولو بدون الحج لأدلتها، إذ دلیل الوجوب لا ینحصر فی الآیة، حتی یقال بأنها لا دلالة فیها علی وجوبها، مضافاً إلی أن الأخبار المفسرة للآیة ولآیة ﴿أتموا الحجO کافیة فی دلالة الآیة.

وأما الثانی: فلأنه لا مانع من الالتزام بذلک، وکل من قال بوجوبها مستقلاً یشمل هذا الفرض إطلاق کلامه وکذلک الأخبار فقد ذکر فی الکتب والأخبار،

ص:16

ووجوب القضاء لدلیل «من فاتته فریضة» ونحوه، ولذا قال فی الجواهر: فالمتجه التزام إخراجها من الترکة مع الاستطاعة لها والتمکن من أدائها ولو قبل أشهر الحج((1))، انتهی.

وبعد هذا لا وقع لما ذکره کاشف اللثام فی محکی جوابه عن هذا الدلیل بما لفظه: إن المستطیع لهما فرضه عمرة التمتع أو قسیمیه، ولیس له الإتیان بعمرة الإسلام إلا عند الحج فما قبله کالنافلة قبل فریضة الصبح((2)).

وأما الثالث: فلأنه لا دلیل یدل علی وجوب الفوریة بهذا المقدار، کما تقدم عند قول المصنف (فوری) واحتمال الموت أو عدم التمکن منفی بالأصل فتدبر.

ص:17

وهل تجب علی من وظیفته حج التمتع إذا استطاع لها ولم یکن مستطیعا للحج، المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات وهو الأقوی.

مثل الحج، فإذا أدی المتعة أدی العمرة المفروضة»((1)).

إلی غیر ذلک من الأخبار.

{وهل تجب علی من وظیفته حج التمتع إذا استطاع لها ولم یکن مستطیعاً للحج، المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، وهو الأقوی} ربما یقال إن ذلک للجمع بین طوائف ثلاث من الأدلة.

الأولی: ما دل علی عدم وجوب الحج _ الشامل للحج والعمرة _ فی العمر إلاّ مرة واحدة، کقول الرضا (علیه السلام) فی حدیث ابن شاذان: «إنما أمروا بحجة واحدة لا أکثر»((2)).

وقول الصادق (علیه السلام) فی حدیث ابن سالم((3)): «وکلفهم حجة واحدة وهم یطیقون أکثر من ذلک» إلی غیره، والدلیل علی شمول الحج للأعم من الحج والعمرة بعد وضوح ذلک قول علی (علیه السلام): «لما نزلت ﴿ولله علی الناس حج البیت من استطاع الیه سبیلاO قال المؤمنون: یا رسول الله أفی کل عام، فسکت، فأعادوا علیه مرتین، فقال» الحدیث((4))، بضمیمة ما ورد فی تفسیر الآیة أن المراد به الحج والعمرة.

ص:19

الثانیة: ما دل علی دخول عمرة التمتع فی الحج، وما دل علی انتفاء المتعة أو ذهابها بزوال الشمس یوم الترویة أو عرفة أو غروبها أو لیلة عرفة، والآمرة بجعلها حینئذ حجة مفردة، فإن هاتین الفرقتین من الأخبار وغیرها مما سیأتی فی موضعه إن شاء الله تدل علی لزوم اتحاد سنة الحج والعمرة، بل جملة من الروایات تدل علی لزوم وقوعهما فی أشهر الحج فقط، کما سیأتی تفصیله إن شاء الله.

الثالثة: ما دل علی أن فرض النائی التمتع فقط، فإنه إذا استطاع النائی للعمرة المفردة ولم یستطع للحج فاعتمر ثم بعد سنین استطاع للحج، فالأمر دائر بین القول بالإتیان بالحج تمتعاً والعمرة علی وجه الوجوب، فیلزم منه خلاف الطائفة الأولی من الأخبار، أو علی وجه الندب، فیلزم منه التفکیک فی الوجوب مع استلزامه جواز الترک المستلزم لعدم تداخل العمرة فی الحج، أو بالحج فقط تمتعاً، وهو خلاف التداخل، أو فراداً وهو خلاف ما دل علی أن فرض النائی التمتع لا غیر.

أقول: یلزم الإتیان بالحج والعمرة معاً علی وجه الوجوب، ویکشف ذلک عن عدم وجوب العمرة الأولی التی أتی بها، وبهذا یسقط هذا الدلیل.

واستدل فی المستمسک بوجه حاصله: الشک فی شمول الإطلاقات، فالمرجع أصل البراءة، لکنه ممنوع جداً، کالاستدلال لعدم الوجوب بأن المرکوز فی أذهان المتشرعة أن النائی لا یجب له غیر التمتع، فإنه فی قبال الإطلاقات لا وقع له

ص:20

وعلی هذا فلا تجب علی الأجیر بعد فراغه عن عمل النیابة وإن کان مستطیعا لها وهو فی مکة،

وربما یستدل بالعلة الواردة فی خبر الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «لأن أهل الحرم یقدرون علی العمرة متی أحبوا، وإنما أوسع الله فی ذلک لمن أتی من البلدان، فجعل لهم فی سفرة واحدة حجة وعمرة رحمة من الله بخلفه وإحساناً لهم»((1))، فإنه یکشف عن عدم عمرة مستقلة علیهم.

وفیه: ما لا یخفی، إذ هو فی مقام بیان أن الحج والعمرة إذا وجبا اجتمعا، أما عدم وجوب العمرة بنفسها مستقلة حیث لم یجب الحج، فلا.

ومثله فی الضعف الاستدلال بأن الأخبار الدالة علی وجوب العمرة مستقلة فی سیاق وجوب الحج مستقلا، ومن المعلوم أن النائی لا یجب علیه الحج مستقلا، فکذا العمرة، إذ لا نسلم اتحاد السیاق بعد التصریح فی جملة من تلک الروایات بإجزاء عمرة التمتع عن تلک العمرة التی ظاهرها أن وجوب العمرة عامة، وبهذا کله یظهر أنه لا قوة فی هذا الکلام والأحوط وجوبها بالنسبة إلی النائی أیضاً، والله العالم.

{و} کیف کان فبناءً {علی هذا} الذی اختاره المصنف (رحمه الله) {فلا تجب علی الأجیر بعد فراغه عن عمل النیابة وإن کان مستطیعاً لها وهو فی مکة}، قال فی الجواهر: وبذلک _ أی بما دل علی عدم وجوب المفردة علی النائی _ یتجه عدم وجوب عمرة علی النواب النائین فی سنة النیابة، وإن استطاعوها استطاعة شرعیة((2))، انتهی.

ص:21

وکذا لا تجب علی من تمکن منها ولم یتمکن من الحج لمانع، ولکن الأحوط الإتیان بها.

لکن لا یخفی بناءًَ علی المختار یجب الإتیان علی الأحوط، کما احتاط فیه غیر واحد من المعاصرین ومن قاربنا عصره.

{وکذا لا تجب} علی مختار المصنف (رحمه الله) {علی من تمکن منها ولم یتمکن من الحج لمانع، ولکن الأحوط} استحباباً علی رأیه، ووجوباً علی المختار {الإتیان بها} ویتفرع علیه أنه لو مات المستطیع قبل أشهر الحج لزم أن یقضی عنه.

ص:22

الذی أصابا فیه ما أصابا وعلیه الحج من قابل»((1)). ونحوه غیره، فإن إطلاق المحرم یشمل المحرم بالحج والعمرة، هذا أما لو کان محرماً بعمرة مفردة أو حج مفرد فهل هو کذلک أم لا، الظاهر کون الأمر کذلک فی الحج، لشمول الإطلاق المتقدم.

وأما العمرة فالروایة المتقدمة وشبهها لا تشملها لأن الحکم بوجوب الحج علیه من قابل قرینة علی کونه حاجاً أعم من الحج والعمرة التی فی ضمنها.

نعم یدل علی الحکم فیه بعض الأخبار الخاصة.

کصحیحة أحمد بن أبی علی: فی الرجل اعتمر عمرة مفردة ووطأ أهله وهو محرم قبل أن یفرغ من طوافه وسعیه، قال: «علیه بدنة لفساد عمرته، وعلیه أن یقیم بمکة حتی یدخل شهر آخر، فیخرج إلی بعض المواقیت فیحرم منه ثم یعتمر»((2)).

وقریب منها عن مسمع((3))، وسیأتی الکلام فی ذلک فی الکفارات إن شاء الله.

وقد تحصل بذلک أن العمرة إذا فسدت سواء کانت عمرة مفردة أو متمتع بها، واجبة أو مندوبة، وسواء کان فسادها بفساد نفسها أو فساد حجها، وجب الإتیان بها ثانیا.

ص:24

بقی فی المقام شیء، وهو أن العمرة قد تجب بالفوات.

قال فی الجواهر عند قول المصنف (والفوات) أی فوات الحج: فإن من فاته وجب علیه التحلل بعمرة، ومن وجب علیه التمتع مثلا فاعتمر وفاته الحج فعلیه حج التمتع من قابل وهو إنما یتحقق بالاعتمار قبله((1))، انتهی.

وقال فی المستند: وبفوات الحج فإنه یجب التحلل منه بعمرة مفردة((2))، انتهی.

وقال فی الحدائق: والفوات فإن من فاته الحج یجب علیه أن یتحلل بعمرة مفردة ویقضیه فی العام المقبل إن کان واجباً، وإلا استحب قضاؤه، انتهی.

أقول: ویدل علیه صحیحة حریز، عن رجل مفرد للحج فاته الموفقان جمیعاً، فقال له: «إلی طلوع الشمس یوم النحر، فإن طلعت الشمس من یوم النحر فلیس له حج ویجعلها عمرة، وعلیه الحج من قابل»((3)).

ونحوها الصحیحة الأخری إلا أنه زاد فی آخرها: فقلت: کیف یصنع بإحرامه؟ قال: «یأتی مکة فیطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة»((4)) الحدیث، إلی غیر ذلک.

وأما ما ذکره الجواهر: ومن وجب علیه التمتع إلخ، فهو واضح کما لا یخفی

ص:25

وتجب أیضاً لدخول مکة بمعنی حرمته بدونها فإنه لا یجوز دخولها إلا محرما

وبهذا ظهر النظر فیما یأتی من المصنف (رحمه الله) بقوله: وما عدا ما ذکر مندوب.

{وتجب أیضاً لدخول مکة بمعنی حرمته بدونها فإنه لا یجوز دخولها إلاّ محرما} إجماعاً منقولاً ومحققاً، کما فی المستند، وفی الجواهر عند قول المصنف: کل من دخل مکة وجب أن یکون محرماً بلا خلاف أجده فیه، بل فی المدارک ومحکی الخلاف الإجماع علیه، وإن دخل فی السنة مرتین أو ثلاثاً، کما عن المقنع((1))، انتهی.

ویدل علی ذلک أخبار کثیرة.

ففی صحیح ابن مسلم: سألت أبا جعفر (علیه السلام) هل یدخل الرجل مکة بغیر إحرام، قال: «لا، إلا مریضاً أو به بطن».

وفی صحیحته الأخری، عنه (علیه السلام)((2)) أیضاً: سألته هل یدخل الرجل الحرم بغیر إحرام، قال: «لا، إلاّ أن یکون مریضاً أو من به بطن»((3)).

وفی صحیح عاصم بن حمید، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أیدخل أحد الحرم إلا محرما، قال: «لا، إلا مریض أو مبطون»((4)).

وفی خبر علی بن أبی حمزة: سألت أبا إبراهیم (علیه السلام) عن رجل

ص:26

یدخل مکة فی السنة المرة والمرتین والثلاث کیف یصنع، قال: «إذا دخل فلیدخل ملبیا، وإذا خرج فلیخرج محلا»((1)).

وعن رفاعة بن موسی قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل به بطن ووجع شدید یدخل مکة حلالا، قال: «لا یدخلها إلا محرما»((2))، الحدیث.

وعن وردان، عن أبی الحسن الأول (علیه السلام) قال: «من کان من مکة علی مسیرة عشرة أمیال لم یدخلها إلا بإحرام»((3)).

إلی غیر ذلک من الأخبار التی ستأتی بعضها إن شاء الله.

ثم إنه هل دخول الحرم کدخول مکة فی عدم جواز دخوله بغیر إحرام أم لا، أما لو کان الداخل فیه مریداً دخول مکة فلا إشکال فی وجوب الإحرام، ویدل علیه ما تقدم ویأتی من الأخبار، وأما لو کان الداخل فیه غیر مرید دخول مکة، ففی المستند((4)): مقتضی بعض هذه الأخبار عدم جواز دخول الحرم بغیر إحرام کما حکی الفتوی به عن جمع، وهو الأحوط بل الأظهر، لکن أشکل فی الجواهر فإنه بعد ذکر بعض الأخبار قال: وظاهرها عدم جواز دخول الحرم إلا محرماً فضلا عن دخول مکة، کما عن التذکرة والجامع وفی الوسائل التصریح به، ولکن قد عرفت سابقا عدم وجوب الإحرام علی من لم یرد النسک، بل أراد

ص:27

حاجة فی خارج مکة، بل فی المدارک إجماع العلماء علیه، وحینئذ فیمکن حملها علی داخل الحرم لإرادة دخول مکة الذی لا إشکال فی وجوب الإحرام علیه((1))، انتهی.

لکن لا یخفی أن الإجماع محقق عدمه، وحینئذ فلا بد من الأخذ بظاهر تلک الروایات المصرحة بالحرم، کصحیح محمد بن مسلم الثانیة، وصحیح عاصم، وخبر وردان، فإن الظاهر کون عشرة أمیال لتحدید الحرم لا لأمر آخر، ویؤیده جملة مما رتب حکم الحرم علی مکة.

ففی خبر بشر النبال، عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث فتح مکة: «إن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: إلا أن مکة محرمة بتحریم الله، لم تحل لأحد کان قبلی ولم تحل إلا ساعة من نهار إلی أن تقوم الساعة، لا یختلی خلاها ولا یقطع شجرها ولا ینفر صیدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد»((2)).

ولذا قال فی الجواهر: قد یقال: إن النصوص الدالة علی حرمة مکة یراد بها ما یشمل حرمها، ولذا ذکر فیها عدم تنفیر الصید وغیره مما هو من أحکام الحرم((3))، انتهی.

وعلی هذا فکل ما دل علی حرمة مکة یدل علی حرمة الحرم.

ففی حسن معاویة بن عمار، قال: قال رسول الله (صلی علیه وآله) یوم فتح مکة: «إن الله حرم مکة یوم خلق السماوات والأرض وهی حرام إلی أن تقوم

ص:28

الساعة لم تحل لأحد قبلی ولاتحل لأحد بعدی، ولم تحل لی إلا ساعة من نهار»((1)).

إذ الظاهر أن المراد من تحریمها عدم جواز الدخول إلیها إلا بإحرام.

وفی صحیح سعید الأعرج، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن قریشاً لما هدموا الکعبة وجدوا فی قواعده حجراً فیه کتاب لم یحسنوا قراءته حتی دعوا رجلاً فقرأه فإذا فیه: «أنا الله ذو مکة حرمتها یوم خلقت السماوات والأرض ووضعتها بین هذین الجبلین وحففتها بسبعة أملاک صفا»((2)).

وفی حسن کلیب الأسدی: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) استأذن الله عز وجل فی مکة ثلاث مرات من الدهر، فأذن له فیها ساعة من النهار، ثم جعلها حراماً ما دامت السماوات والأرض»((3)).

إلی غیر ذلک، وأوضح من هذه الجملة فی التأیید مرسل الفقیه، روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) أنه «وجب الإحرام لعلة الحرم»((4)).

ومرسل العباس بن المعروف المروی عن العلل، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «حرم المسجد لعلة الکعبة، وحرم الحرم لعلة المسجد، ووجب الإحرام لعلة الحرم»((5)).

ص:29

ثم إن ما دل علی عدم جواز دخول الحرم أو مکة حتی المریض، کخبر رفاعة المتقدم وغیره لا بد من حمله علی الندب، بقرینة الروایات المجوزة المعمول بها، کما عن الشیخ وغیره، واختاره صاحبا الجواهر والمستند وغیرهم.

وأما الجمع بینهما بحمل المجوز علی غیر المتمکن، والمانع علی المتمکن، بلا شاهد، بل ینفیه ظاهر قوله فی خبر رفاعة: «وجع شدید».

بقی شیء، وهو أن الظاهر کما عرفت إرادة الحرم من مکة، لا أن للحرم حکما مستقلا ولمکة حکما مستقلا، وعلیه یتفرع أن من خرج من مکة ولم یخرج من الحرم ثم أراد العود إلی مکة لم یلزمه الإحرام، کما عن المدارک التصریح به، قال: والظاهر أنه إنما یجب الإحرام لدخول مکة إذا کان الدخول إلیها من خارج الحرم، فلو خرج أحد من مکة ولم یصل إلی خارج الحرم ثم عاد إلیها دخل بغیر إحرام((1))، انتهی.

ویظهر من الجواهر التردد أو الإشکال فیه، تمسکاً بإطلاق النص والفتوی، ولیس فی محله، إذ بعد ما عرفت من کون الحکم واحداً وأنه مرتب علی الحرم لا یکون لإطلاق النص والفتوی وقعاً، مضافاً إلی منع الإطلاق.

ویترتب علی هذه المسألة ما لو اتسعت مکة بحیث صارت إلی خارج الحرم، کما لیس من المستبعد فی هذه الأزمنة، فإنه یجب الإحرام لدخولها إذا قلنا کون مکة عنواناً مقابل عنوان الحرم، ولا یجب علی المختار، اللهم إلا أن یقال: إن المنصرف من مکة هی مقدار زمان صدور الروایات أو قریب منها فلا یلزم القول

ص:30

بلزوم الإحرام لدخول الخارج من الحرم منها حتی علی احتمال الجواهر، فتأمل.

وکیف کان، فقد ظهر مما تقدم أنه لا یجب العمرة علی التعیین، بل ولو کان الإحرام لأجل الحج المفرد فی وقته.

وأما احتمال کفایة مجرد الإحرام وأنه یحل بمجرد الوصول إلی مکة أو بالتقصیر أو بغیر ذلک لا دلیل علیها، کما اعترف به فی محکی المدارک، قال: ویجب علی الداخل فیها أن ینوی بإحرامه الحج أو العمرة، لأن الإحرام عبادة ولا یستقل بنفسه، بل إما أن یکون بحج أو عمرة، ویجب إکمال النسک الذی تلبس به لیتحلل من الإحرام((1))، انتهی.

ولا مورد لما أشکل علیه فی الجواهر بأنه إن کان إجماعا فذاک، وإلا أمکن الاستناد فی مشروعیة نفسه إلی إطلاق الأدلة فی المقام وغیرها، وکونه جزءاً منهما لا ینافی مشروعیته فی نفسه، ثم استدل بمرسلی الفقیه والعباس المتقدمین، وبخبر أبی المعزا عنه أیضاً: «کانت بنو إسرائیل إذا قربت القربان تخرج نار تأکل قربان من قُبل منه وأن الله جعل الإحرام مکان القربان»((2)).

وخبر جابر، عن أبی جعفر (علیه السلام): «أحرم موسی من رملة مصر» قال: «ومر بصفاع الروحاء محرماً یقود ناقته بحطام من لیف علیه عباءتان قطوانیتان یلبی وتجیبه الجبال»((3)).

إلی غیر ذلک مما یمکن الاستدلال به فی مشروعیته فی نفسه،

ص:31

انتهی. لکنه (قدس سره) رجع عن ذلک معترفاً بأن ظاهر الأدلة خلافها، وأنه یمکن القطع بالتوقف علی الإتیان بالحج أو العمرة.

ثم لو أخل الداخل بالإحرام فلم یحرم، فهل یجب قضاؤه، کما عن المسالک الحکم بالقضاء، وعن التذکرة الإجماع علیه فی مسألة تارک الإحرام عمداً، قال فی محکی المسالک: حیث یتعذر رجوعه مع التعمد بطل نسکه ویجب علیه قضاؤه وإن لم یکن مستطیعاً للنسک بل کان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم، فإن ذلک موجب للإحرام، فإن لم یأت به وجب قضاؤه کالمنذور، انتهی.

أو لا یجب قضاؤه، کما عن المنتهی وحاشیة الکرکی والمدارک والجواهر، للأصل وأن الإحرام مشروع لتحیة البقعة فإذا لم یأت به سقط کتحیة المسجد، وأن القضاء فرض مستأنف یتوقف علی الدلیل وهو منتف، وربما حمل کلام الشهید علی وجوب القضاء علی تارک الإحرام من المیقات، ومع ذلک قد دخل الحرم حاجاً ولو بإحرام من دونه.

وکیف کان، فالأحوط الإحرام بالنسبة إلی مرید البقاء، لاحتمال کون لزوم الإحرام حکماً بقائیاً کما ذکروا فی مسألة وجوب إزالة النجاسة المستفاد من حرمة التنجیس، وإن کان یحتمل أنه للاحترام، فإذا دخل بدونه وقع الهتک ولا تدارک له.

وأما من خرج بلا بقاء أو بقی مدة ثم خرج فلا دلیل علی لزوم القضاء، لما تقدم من کون الإحرام شرع لتحیة البقعة.

وأما إطلاق بعض الأدلة بالقضاء، فالظاهر أنه لمرید الأعمال بقرینة بعض

ص:32

إلا بالنسبة إلی من یتکرر دخوله وخروجه کالحطاب والحشاش،

الأخبار الأخر، وسیأتی تفصیلها فی مسألة الإحرام إن شاء الله.

هذا بالنسبة إلی إحرام نفسه، أما أنه لو مات فالظاهر أنه لا إشکال فی عدم وجوب القضاء عنه.

لا یقال: مقتضی المرسل المشهور «من فاتته فریضة» وجوب القضاء مطلقاً حیاً ومیتاً.

لأنا نقول: المنصرف منه الواجب الأصلی لا الشرطی، مثلا تحرم النافلة بدون الطهارة، لکنه لو صلی بدونها لم یجب القضاء قطعاً، وکذلک غیرها من الشرائط، والإحرام واجب شرطی بالنسبة إلی مرید الدخول، کما صرح به فی الحدائق والجواهر وغیرهما.

ثم إنه یستثنی من حرمة الدخول بغیر إحرام أمور:

الأول: ما أشار إلیه المصنف (رحمه الله) بقوله: {إلا بالنسبة إلی من یتکرر دخوله وخروجه کالحطاب والحشاش} فإن لهم الدخول حلالا، نسبه فی الحدائق إلی الأصحاب، وفی الجواهر بلا خلاف أجده فیه، بل عن ظاهر المبسوط والسرائر الاتفاق علیه فی صحیح رفاعة بن موسی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل به بطن ووجع شدید یدخل مکة حلالاً، قال (علیه السلام): «لا یدخلها إلاّ محرما»((1))، وقال: «یحرمون عنه، إن الحطابة والمجتلبة أتوا النبی (صلی

ص:33

الله علیه وآله) فسألوه فأذن لهم أن یدخلوا مکة حلالا»((1)).

ومن المجتلبة فهم الفقهاء العموم.

فقال فی الشرائع: أو یتکرر کالحطاب والحشاش((2)).

وعن کشف اللثام زیادة الراعی وناقل المیرة ومن کان له صنیعة یتکرر دخوله وخروجه إلیها.

وقال فی الحدائق: والظاهر أن المراد بالمجتلبة من یجلب الأشیاء إلی البلد کالحنطة والدقیق والشعیر والحشیش والفواکه ونحوها، والأصحاب قد عبروا هنا بالمتکرر، انتهی.

وقد عرفت أن الجواهر ادعی عدم الخلاف فیما ذکره الشرائع، لکن أشکل فی الحکم صاحب المدارک قال فی محکی کلامه: ومقتضی عبارة المصنف (رحمه الله) وغیره استثناء کل من یتکرر دخوله وإن لم یدخل فی قسم المجتلبة، وهو غیر بعید وإن کان الاقتصار علی مورد النص أولی((3))، انتهی.

وفی المستند اقتصر علی استثناء الحطابین والمجتلبة.

أقول: والأحوط الاقتصار علی مورد النص أخذاً فی غیره بعموم أدلة التحریم، والله العالم.

ولا فرق فی ذلک بین الوقوع فی الشهر مرة أو مرات إذا صدق

ص:34

الاسم، کما أنه إذا لم یصدق لزم الإحرام ولو تکرر فی الشهر مرات، وبعد هذا فلا حاجة إلی النزاع فی کفایة وقوع الخروج والدخول فی الشهر مرة أو یلزم وقوعه مرات، کما فی الجواهر وغیره.

تنبیه: فی الوسائل ذکر لفظ «المجلبة» من باب الإفعال، وفی الحدائق والجواهر من باب الافتعال، کما ذکرنا هنا، وفی المستمسک: «المختلیة» بالخاء المعجمة التی هی بعد الحاء المهملة، لکن الظاهر صحة أحد الأولین.

الثانی: العبید، فعن الشیخ وجماعة تجویز دخولهم مکة بغیر إحرام، وعن المنتهی الاستدلال له بأن السید لم یأذن لهم بالتشاغل بالنسک عن خدمته، ولذا لم تجب علیهم حجة الإسلام، فعدم وجوب الإحرام أولی، واستجود فی الحدائق محکی المدارک وقال: الأول بعد نقل عبارة المنتهی، وهو جید ومرجعه إلی أن الإحرام إنما یجب للنسک والنسک غیر جائز بدون إذن السید فیسقط الإحرام حینئذ، انتهی.

لکن أشکل علیه فی الجواهر بأنه کما تری لا یرجع إلی حاصل صالح لتخصیص الأدلة المزبورة، إلی أن قال: إن مقتضی العموم استثناؤه کالصلاة ونحوها من الواجبات الشرعیة علیه، وکون العبد لا یقدر علی شیء من دون إذن مولاه إنما هو فی غیر الوجبات الشرعیة، وعلی هذا فالمتجه صحة إحرامه للدخول وإن لم یأذن له مولاه((1))، انتهی.

ص:35

أقول: ما ذکره الجواهر فإن العبد لو اضطر إلی دخول الحرم أو أذنه مولاه فی الدخول لا یجوز له الدخول بدون الإحرام للعمومات، وإن نهاه المولی، إذ «لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق»((1))، کما ورد بذلک الروایة عن العیون والدعائم ومعتبر المحقق، کما سبق.

نعم لو تعارض الأمران، بأن قال له المولی: أدخل ولا تحرم، فهل یقدم إطاعة الدخول بمعصیته لا تحرم، أو بالعکس، احتمالان، والتخییر أوجه.

ولو أبق لم یجز له الدخول لا مع الإحرام لعدم الإذن، ولا بدون الإحرام لعدم الجواز شرعاً، ولا وجه لإشکال الجواهر أو کامله فیه.

الثالث: البرید، استثناه بعض علی إشکال، ولعله لأنه أجیر علی عمل قد ینافیه الإحرام مع سبق حق المستأجر، وفیه: إنه لا حق للمخلوق مع تقدم حق الخالق، فلابد له أن لا یدخل أو یحرم.

الرابع: المریض أو الذی به البطن، کما عرفت استثناؤه فی الروایة، ویحمل ما دل علی عدم جواز دخوله إلاّ محرما محمولا، علی الاستحباب لأنه مقتضی الجمع العرفی بین الدلیلین، ولا وجه لما جمع بینهما صاحب الحدائق بقوله: ویمکن الجمع بینهما بحمل الروایة المبیحة للدخول من غیر إحرام علی من لا یتمکن بالإتیان بالمناسک ولو بالحمل، والأخیرین علی من یتمکن، ویحتمل أیضاً ولعله الأقرب حمل خبری رفاعة علی التقیة، فإن مذهب أبی حنیفة علی ما نقله فی المنتهی أنه

ص:36

لا یجوز لأحد دخول الحرم بغیر إحرام إلا من کان من دون المیقات، ولا ریب أن مذهب أبی حنیفة فی زمانه له صیت وشهرة وقوة بخلاف سائر المذاهب، انتهی.

أقول: أما جمعه الأول فلا شاهد له، وأما جمعه الثانی فمضافاً إلی أنه خلاف القواعد إذ ما دام یمکن الجمع الدلالی لا مجال للرجوع إلی المرجحات، أن أبا حنیفة کان مذهبه شائعا فی العراق، وأما فی المدینة التی هی محل صدور الروایات فکان مذهب مالک رائجاً، وعلیه فالعکس أولی، ولا أقل من التکافؤ فلا یمکن حمل أحدهما بعینه علی التقیة، فالعمل بالصحاح الثلاث المتضمنة لسقوط الإحرام عن المریض، کما عن الشیخ فی جملة من کتبه والمحقق فی النافع وغیرهما هو المتعین، ویحمل صحیح رفاعة علی ما حمله الشیخ (رحمه الله) فی التهذیب، وهو الفضیلة والاستحباب.

الخامس: من دخلها لقتال، فإنه یجوز أن یدخلها محلا، کما دخل النبی (صلی الله علیه وآله) وأصحابه عام الفتح، قال فی الحدائق: والحکم بذلک مشهور بین الأصحاب، انتهی.

وعن المنتهی أنه بعد تجویز الدخول للحطابین ونحوهم قال: وکذا من یرید دخولها لقتال سائغ کأن یرتد قوم فیها أو یبغون علی إمام عادل ویحتاج إلی قتالهم، فإنه یجوز لهم دخولها من غیر إحرام، لأن النبی (صلی الله علیه وآله) دخلها عام الفتح وعلیه عمامة سوداء.

لا یقال: إنه کان مختصا بالنبی (صلی الله علیه

ص:37

وما عدا ما ذکر مندوب، ویستحب تکرارها کالحج،

وآله)، لأنه قال (صلی الله علیه وآله) وذکر حدیث معاویة المتقدم، ثم قال: لأنا نقول: یحتمل أن یکون معناه أحلت لی ولمن هو فی مثل حالی((1))، انتهی.

لکن الأقوی المنع، وفاقاً للحدائق والجواهر وغیرهما، لما تقدم من خبر معاویة وکلیب الأسدی والطبرسی فی أعلام الوری، والاحتمال الذی ذکره العلامة خلاف الظاهر.

السادس: من دخلها بعد الإحرام قبل شهر، وسیأتی تفصیل الکلام فیه إن شاء الله فی المسألة الثانیة من مسائل فصل صورة حج التمتع، وقد اختاره هناک ما ادعی علیه الإجماع من عدم لزوم الإحرام، فاللازم کان هنا استثناؤه أیضاً.

{وما عدا ما ذکر مندوب} لکن عرفت أنه قد یجب بالفوات أیضاً {ویستحب تکرارها کالحج}.

فعن معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «اعتمر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ثلاث عمر متفرفات، عمرة ذی القعدة أهل من عسفان وهی عمرة الحدیبیة، وعمرة أهل من الجحفة وهی عمرة القضاء، وعمرة من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنین».

ورواه الصدوق مرسلاً، إلا أنه قال: «ثلاث عمر متفرقات کلهن فی ذی القعدة»((2)).

وعن أبان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «اعتمر رسول الله (صلی الله علیه

ص:38

واختلفوا فی مقدار الفصل بین العمرتین فقیل: یعتبر شهر،

وآله وسلم) عمرة الحدیبیة وقضی الحدیبیة من قابل ومن الجعرانة حین أقبل من الطائف ثلاث عمر کلهن فی ذی القعدة»((1)).

 وعن سماعة قریب منها((2)).

وعن ابن عباس: إن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) اعتمر أربع عمر، عمرة الحدیبیة، وعمرة القضاء من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التی مع حجته»((3)).

إلی غیر ذلک مما یأتی من الروایات إن شاء الله.

{واختلفوا فی مقدار الفصل بین العمرتین، فقیل} والقائل الشیخ فی أحد قولیه، وابن حمزة، والحلبی، وابن زهرة، والمحقق فی النافع، والعلامة فی المختلف، والشهید فی الدروس، وغیرهم: {یعتبر شهر} فلا یجوز الإتیان بعمرة قبل فصل شهر من العمرة السابقة، وذلک لجملة من النصوص:

ففی صحیح عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی کتاب علی (علیه السلام): فی کل شهر عمرة»((4)).

وفی موثق یونس بن یعقوب، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) إن علیاً (علیه السلام) کان یقول: «فی کل شهر عمرة»((5)).

ص:39

وقیل: عشرة أیام،

وفی صحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «کان علی (علیه السلام) یقول: لکل شهر عمرة»((1)).

وصحیح إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «السنة اثنی عشر شهراً یعتمر لکل شهر عمرة»((2)).

وعن ابن أبی نصر، عن الرضا (علیه السلام) قال: «لکل شهر عمرة»((3)).

وعن کتاب حسین بن عثمان، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «فی السنة اثنا عشر عمرة، فی کل شهر عمرة»((4)).

إلی غیر ذلک من الروایات.

{وقیل: عشرة أیام} والقائل الإسکافی، والشیخ فی القول الآخر، والمهذب والجامع، والإصباح والتحریر، والتذکرة والمنتهی، والارشاد وغیرها، وذلک لجملة من النصوص:

ففی خبر علی بن أبی حمزة، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل یدخل مکة فی السنة المرة والمرتین والأربعة کیف یصنع؟ قال (علیه السلام): «إذا دخل فلیدخل ملبیا، وإذا خرج فلیخرج محلا»، قال: «ولکل شهر عمرة»، فقلت: یکون أقل، فقال: «فی کل عشرة أیام عمرة»، ثم قال: «وحقک لقد کان فی عامی

ص:40

والأقوی عدم اعتبار فصل، فیجوز إتیانها کل یوم،

هذه السنة ست عمر»، قلت: ولم ذاک؟ قال: «کنت مع محمد بن إبراهیم بالطائف، وکان کلما دخل دخلت معه»((1)).

وفی روایة الصدوق عنه، عن أبی الحسن موسی (علیه السلام) قال: «لکل شهر عمرة»، قال: قلت: یکون أقل من ذلک، قال: «لکل عشرة أیام عمرة»((2)).

وذکر فی الجواهر روایة أخری عن الصادق (علیه السلام)، واستظهر فی المستمسک أنها روایة علی (علیه السلام).

وهناک قول ثالث اعتبر الفصل بین العمرتین سنة، وحکی الفتوی به عن العمانی، ویمکن أن یستدل له بأخبار:

ففی صحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «العمرة فی کل سنة مرة»((3)).

وفی صحیح حریز، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «ولایکون عمرتان فی سنة»((4)).

وفی صحیح زرارة بن أعین، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «لا یکون عمرتان فی سنة»((5)).

{والأقوی عدم اعتبار فصل، فیجوز إتیانها کل یوم} وهذا هو المحکی عن

ص:41

السید والحلی والدیلمی، والمحقق فی الشرائع، والشهید فی اللمعة، وکشف اللثام، بل فی الجواهر والمستند نسبه إلی کثیر من المتأخرین، بل عن الناصریات نسبته إلی أصحابنا مؤذناً بدعوی الإجماع علیه.

وغایة ما استدل لهذا القول الإطلاقات الآمرة بالاعتمار، فلا یتقید بوقت دون وقت.

قال فی المستند: والإیراد علیه بأن الإطلاقات بالنسبة إلی تحدید المدة بینهما مجملة، غیر واضح الدلالة، وإنما هی مسوقة لبیان الفضیلة، مردود بکفایة الفضیلة، لحسنها فی کل مرة، ولا یحتاج إلی تحدید المدة مع أن المقام مقام الاستحباب المحتمل للمسامحة، فیکفی فیه فتوی الأجلة، فظاهر الإجماع المحکی((1))، انتهی.

وقال فی الجواهر: ولا ینافیه نصوص الشهر والعشر التی أقصاها عدم ترتب الاستحباب المخصوص، أو الکراهة((2))، انتهی.

أقول: أما القول بالسنة المحکی عن العمانی، فإن العبارة المحکیة عنه ظاهرة فی عدم ظفره بأخبار الشهر والعشرة، وأنه لو اطلع لا یقول بها، قال: لا یکون عمرتان فی عام واحد((3))، وقد تأول بعض الشیعة هذا الخبر علی معنی الخصوص، فزعم أنها فی التمتع خاصة، فأما غیره فله أن یعتمر فی أی الشهور

ص:42

شاء وکم شاء من العمرة، فإن یکن ما تأولوه موجوداً فی التوقیف عن لسان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) فمأخوذ به، وإن کان غیر ذلک من جهة الاجتهاد والظن فذلک مردود علیهم، وراجع فی ذلک کله إلی ما قالته الأئمة (علیهم السلام).

هذا مضافاً إلی أنه لا بد إما من طرح الخبرین، لمعارضتهما للأخبار المشهورة المعمول بها الدالة علی العشرة والشهر، أو تأویلهما بما ذکره الشیخ (رحمه الله) من الحمل علی التمتع، أو حملها بقرینة الأخبار الأخر علی الکراهة.

لکن الثانی أقرب بشهادة ما دل علی عدم جواز التمتع فی السنة مرتین، فإن الطرح بعد عدم إمکان الجمع الدلالی، والحمل علی الکراهة ینافی ما صنعه أبو الحسن (علیه السلام) من الاعتمار فی سنة واحدة ست مرات، وإن کان قد سبق منا ما یوجه أعمال الأئمة (علیهم السلام) التی هی مکروهة.

وأما حملهما علی التقیة کما عن المحدث الکاشانی مستنداً إلی أخبار الشهر، وأنه مذهب علی (علیه السلام)، مضافاً إلی ما ربما یؤیده المحکی عن المنتهی، من أنه کره العمرة فی السنة مرتین الحسن البصری وابن سیرین ومالک والنخعی، ففیه ما لا یخفی، لأنه مضافاً إلی عدم وصول النوبة إلیه بعد إمکان الجمع الدلالی، أن جمهور العامة علی اعتبار الشهر، کما عن المنتهی أیضاً، وهؤلاء لم یقولوا إلا بالکراهة، وظاهر الخبرین الحرمة.

وکیف کان، فنرد علم الخبرین إلی أهله.

وأما القول بعدم اعتبار فصل، وهو القول الأخیر المختار فی المتن، فقد عرفت

ص:43

دلیله، لکنه تابع لفهم عدم إرادة التحدید من المقیدات، وهو مشکل جداً، خصوصاً بعد عدم تنزل الإمام (علیه السلام) عن الشهر إلا إلی عشرة أیام، فإنه لو کان المستحب مطلق العمرة ولو بفصل أقل من عشرة، لم یکن لهذا التنزل وجه قریب، ألا تری أنه لو قال المولی: ادخلوا داری ومن دخل داری منکم فله کذا درهماً ونحو ذلک، ثم قال: فی کل سنة مرة، فسأله أحدهم یکون أقل، قال: فی کل شهر مرة، لم یفهم الترخیص إلا بهذا المقدار.

وعلی هذا فیدور الأمر بین الشهر والعشرة، ومقتضی القواعد الثانی، للتصریح به فی الخبرین بعد التنزل عن الشهر، والمناقشة فی سنده فی غیر محله، قال فی المستمسک: وأما القائلون بالعشر فعولوا علی خبر علی بن أبی حمزة لروایة الصدوق له فی الفقیه بسنده إلیه وسنده صحیح، وهو إن کان الثمالی فهو ثقة، وإن کان البطائنی فالظاهر اعتبار حدیثه لروایة جمع کثیر من الأعاظم عنه، وفیهم جمع من أصحاب الإجماع، وجماعة ممن نصوا علی أنهم لا یروون إلا عن ثقة، ولغیر ذلک من القرائن المذکورة فی کتب الرجال((1))، انتهی.

ثم إن الجواهر بعد اختیار جواز التوالی مطلقاً، قال: بل لا یبعد جوازه فی کل یوم، وإن کان قد توهم بعض العبارات أن أقل الفصل یوم، علی معنی أن لکل یوم عمرة، لکن مقتضی ما ذکرنا عدم الفرق بین الیوم وغیره((2))، انتهی. وهو

ص:44

وتفصیل المطلب موکول إلی محله.

جید، إذ لا دلیل علی أنه لا یجوز أقل من یوم.

{و} أما ما دل علی أن المتمتع إن خرج من مکة ورجع فی شهره دخل محلاً، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرماً معللا بأن لکل شهرة عمرة، وکذا ما دل علی أن من أفسد عمرته قضاها فی الشهر الآتی، فهما حکمان لایرتبطان بما نحن فیه.

و{تفصیل المطلب} فیهما {موکول إلی محله} وسیأتی إن شاء الله.

ص:45

ثلاثة وجوه: رجل أفرد الحج وساق الهدی، ورجل أفرد الحج ولم یسق الهدی، ورجل تمتع بالعمرة إلی الحج»((1)).

قال فی الحدائق: وینبغی أن یعلم أن حج التمتع إنما نزل فی حجة الوداع وأن الحج قبل ذلک إنما هو حج قران أو إفراد لحاضری مکة والبعید عنها، وتخصیص هذین الفردین بحاضری مکة والتمتع بالبعید، کما دلت علیه الآیة والروایة إنما وقع بعد نزول حج التمتع یومئذ((2))، انتهی.

ففی الصحیح، عن معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام) قال: «لما فرغ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من سعیه بین الصفا والمروة أتاه جبرئیل عند فراغه من السعی وهو علی المروة فقال: إن الله یأمرک أن تأمر الناس أن یحلوا إلا من ساق الهدی، فأقبل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علی الناس بوجهه فقال: یا أیها الناس هذا جبرئیل _ وأشار بیده إلی خلفه _ یأمرنی عن الله عز وجل أن آمر الناس أن یحلوا إلا من ساق الهدی فآمرهم بما أمر الله به، فقام إلیه رجل فقال: یا رسول الله نخرج من منی ورؤوسنا تقطر من النساء، وقال آخرون: یأمرنا بشیء ویصنع هو غیره، فقال: یا أیها الناس لو استقبلت من أمری ما استدبرت صنعت کما صنع الناس ولکن سقت الهدی، ولا یحل من ساق الهدی حتی یبلغ الهدی محله، فقصر الناس وأحلوا

ص:47

وجعلوها عمرة، فقام إلیه سراقة بن مالک بن جشعم المدلجی، فقال: یا رسول الله، هذا الذی أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد، قال: بل للأبد إلی یوم القیامة، وشبک بین أصابعه((1)) وأنزل الله تعالی فی ذلک قرآنا: ﴿فمن تمتع بالعمرة إلی الحج فما استیسر من الهدیO((2)).

ثم ان الرجل الذی اعترض علی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) هو عمر بالاتفاق، ولا بأس بالإشارة إلی بعض الکلام فیه عن کتاب النص والاجتهاد.

فعن الرازی فی تفسیر آیة المتعة: (إن عمر خطب ذات یوم فقال: متعتان کانتا علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأنا أنهی عنهما وأعاقب علیهما: متعة الحج ومتعة النساء)((3)).

وعن القوشجی أنه قال: أیها الناس ثلاث کن علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأنا أنهی عنهن وأحرمهن وأعاقب علیهن، متعة الحج، ومتعة النساء، وحی علی خیر العمل((4)).

 وعن صحیح مسلم فی باب المتعة بالحج، عن أبی نضرة، قال: کان ابن عباس یأمر بالمتعة وکان ابن الزبیر ینهی عنها، قال: فذکرت ذلک لجابر بن عبد الله، فقال: علی یدی دار الحدیث، تمتعنا مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فلما قام عمر _ أی بأمر الخلافة _ قال: إن الله کان یحل لرسوله ماشاء بما شاء

ص:48

تمتع وقران وإفراد، والأول فرض من کان بعیداً عن مکة،

وأن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة، کما أمرکم الله وأبتوا نکاح هذه النساء فلن أوتی برجل نکح أمرأة إلی أجل إلا رجمته بالحجارة((1)).

وعن مسند أحمد، عن أبی موسی: أن عمر قال: هی سنة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) _ یعنی المتعة _ لکنی أخشی أن یعرسوا بهن تحت الأراک ثم یروحوا بهن حجاجاً.

إلی غیر ذلک من الأخبار.

ولا یخفی أن العامة وإن أخذوا بقول عمر فی متعة النساء، لکنهم لم یأخذوا بقوله فی متعة الحج، فقد أطبقت المذاهب الأربعة علی جوازها والتخییر بینها وبین القران والإفراد، بل عن بعضهم أنها أفضل من الأخیرین، کما لا یخفی علی من راجع (الفقه علی المذاهب الأربعة) وغیره.

وکیف کان، فقد تحقق أن الحج {تمتع} سمی به لما فیه من المتعة أی اللذة بإباحة محظورات الإحرام فی المدة المتخللة بین الإحرامین.

{وقران} یقرن عقد إحرامه بالسیاق، {وإفراد} مفرد عن الأمرین، أو لانفصاله عن العمرة وعدم ارتباطه بها، کما فی الحدائق والمستند وغیرهما.

{والأول فرض من کان بعیداً عن مکة} قال فی المستند: بإجماعنا المحقق والمحکی فی الانتصار والخلاف والغنیة والمنتهی والتذکرة والمعتبر وغیرها.

ص:49

وقال فی الحدائق: أجمع العلماء (رضوان الله علیهم) علی أن فرض من نائی عن مکة هو التمتع لا یجوز لهم غیره إلا مع الضرورة((1)).

وقال فی الجواهر: فهذا القسم فرض البعید عن مکة ممن لم یکن قد حج مع الاختیار بإجماع علمائنا والمتواتر من نصوصنا((2))، انتهی.

ونحوهما عبائر غیرهم.

ثم إن الدلیل علی المطلب الکتاب والسنة، أما الکتاب فهو قوله تعالی: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیَّامٍ فِی الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدیدُ الْعِقابِ﴾((3))، فإن الاشارة ب_ ﴿ذلکO سواء کانت إلی التمتع، کما عن بعض فضلاء العربیة، أو إلی الهدی الملازم مع التمتع یفید اختصاص التمتع بالنائی.

نعم لا یستفاد من الآیة اختصاص النائی بالتمتع، فهو مفیدة لحصر التمتع فی النائی، فلا یکون تکلیف الحاضر لا حصر النائی فی التمتع حتی تفید عدم جواز القران والإفراد للنائی.

ص:50

وأما السنة: فمتواتر، فمنها ما ورد فی تفسیر الآیة، کروایة الأعرج: «لیس لأهل سرف ولا لأهل مر ولا لأهل مکة متعة، یقول الله عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO((1))».

وصحیحة زرارة، قول الله عز وجل فی کتابه: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO قال: «یعنی أهل مکة لیس لهم متعة، کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلا ذات عرق وعسفان کما یدور حول مکة فهو ممن یدخل فی هذه الآیة، وکل من وراء ذلک فعلیهم المتعة»((2)).

وصحیحة علی: لأهل مکة أن یتمتعوا بالعمرة إلی الحج، فقال: «لا یصلح أن یتمتعوا لقول الله عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO((3))»، إلی غیر ذلک.

ومنها: الأخبار الآمرة بحج التمتع مطلقاً، کصحیحة صفوان الواردة فی حج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وفیها: «إن هذا جبرئیل یأمرنی أن آمر من لم یسق منکم هدیاً أن یحل، ولو استقبلت من أمری مثل الذی استدبرت لصنعت مثل ما أمرتکم، ولکنی سقت الهدی ولا ینبغی لسائق الهدی أن یحل حتی یبلغ الهدی محله»، إلی أن قیل له (صلی الله علیه وآله وسلم): فهذا الذی أمرتنا به لعامنا هذا أو لما

ص:51

یستقبل، فقال له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «بل هو للأبد إلی یوم القیامة، ثم شبک أصابعه بعضها إلی بعض، قال: دخلت العمرة فی الحج هکذا إلی یوم القیامة»((1))، الحدیث.

وقریب منها صحیحة الحلبی، وفیها: «وأحرم الناس کلهم بالحج لا ینوون عمرة ولا یدرون ما المتعة، حتی إذا قدم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مکة طاف بالبیت وطاف الناس» إلی أن قال: «فلما قضی طوافه عند المروة قام خطیباً فأمرهم أن یحلوا ویجعلوها عمرة وهو شیء أمر الله عز وجل به، فأحل الناس، إلی أن قیل له: أرأیت هذا الذی أمرتنا به لعامنا هذا أم لکل عام، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا بل للأبد»((2)).

وصحیحة الحلبی: «دخلت العمرة فی الحج إلی یوم القیامة، لأن الله تعالی یقول:﴿فَمَنْ تَمَتَّعَO إلی أن قال: فلیس لأحد إلا أن یتمتع، لأن الله أنزل ذلک فی کتابه وجرت به السنة من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)»((3)).

وصحیحة ابن عمار: «من حج فلیتمتع، إنا لا نعدل بکتاب الله وسنة نبیه (صلی الله علیه وآله وسلم)»((4)).

ص:52

والآخران فرض من کان حاضراً، أی غیر بعید،

وفی أخری: «ما نعلم حجاً لله غیر المتعة، إنا إذا لقینا ربنا قلنا ربنا علمنا بکتابک وسنة نبیک»((1)).

وروایة محمد بن الفضل الهاشمی: إنا نرید الحج وبعضنا صرورة، فقال: «علیک بالتمتع» ثم قال: «فإنا لا نتقی بالعمرة إلی الحج واجتناب المسکر والمسح علی الخفین»((2)).

إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة التی یجدها الطالب فی کتاب الوسائل والمستدرک فی الباب الأول والثانی والثالث من أبواب أقسام الحج.

ووجه دلالة هذه الأخبار ما ذکره فی المستند: إنها دلت علی وجوب التمتع مطلقاً، خرج منه غیر النائی بالإجماع وما مر من الأخبار وما یأتی، فبقی النائی مع أن مورد أکثر تلک الأخبار والمخاطب بها الناؤون عن مکة((3))، انتهی.

لکن ربما یقال: إن الظاهر من الأخبار بعد ضم بعضها إلی بعض، کون النائی تکلیفه التمتع، وغیره تکلیفه القران والإفراد، ففی صورة الشک المفهومی لا یتمسک بعام التمتع، وسیأتی توضیح لهذا إن شاء الله تعالی.

{والآخران فرض من کان حاضراً، أی غیر بعید} بالإجماع کما فی المستند، وعن الغنیة، وحکی عن الشیخ فی المبسوط والخلاف.

وعن یحیی بن سعید فی الجامع القول بجواز العدول إلی التمتع اختیاراً، وسیأتی فی المسألة الثانیة التعرض لکلامهما.

ص:53

وحد البعد الموجب للأول ثمانیة وأربعون میلاً من کل جانب علی المشهور

وکیف کان، فیدل علی کون الفرض ذین الأمرین أخبار کثیرة، ففی صحیح عبید الله الحلبی وسلیمان بن خالد وأبی بصیر کلهم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لیس لأهل مکة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة، وذلک لقول الله عز وجل: ﴿ذالک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO »((1)).

وعن علی بن جعفر قال: قلت لأخی موسی بن جعفر (علیه السلام): لأهل مکة أن یتمتعوا بالعمرة إلی الحج؟ فقال: «لا یصلح أن یتمتعوا، لقول الله عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO »((2)).

إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة التی ذکرناها فی الوسائل فی باب وجوب القران والإفراد عیناً علی أهل مکة إلخ، وسیأتی بعضها.

{وحد البعد الموجب للأول ثمانیة وأربعون میلاً من کل جانب علی المشهور} قال فی الحدائق: المشهور أنه _ أی حد البعد _ ثمانیة وأربعون میلاً من کل ناحیة((3))، وقال فی المستند: حد البعد الموجب للتمتع ثمانیة وأربعون میلاً من کل جانب، وفاقاً للمحکی عن علی بن إبراهیم فی تفسیره، والصدوقین والشیخ فی التهذیب والنهایة والنافع والمعتبر والمختلف والتذکرة والمنتهی والتحریر والمسالک والدروس واللمعة والروضة والمدارک والذخیرة وغیرهم من المتأخرین

ص:54

الأقوی لصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قلت له: قول الله عز وجل فی کتابه: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO، فقال (علیه السلام): «یعنی أهل مکة لیس علیهم متعة، کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلاً ذات عرق وعسفان کما یدور حول مکة فهو ممن دخل فی هذه الآیة، وکل من کان أهله وراء ذلک فعلیه المتعة».

بل عند أکثر الأصحاب کما فی الأخیرین، وفی شرح المفاتیح أنه المشهور، وفی المعتبر أن القول الآخر شاذ نادر، إلی أن قال: خلافاً للسرائر والشرائع والمحکی عن الاقتصاد والمبسوط والبیان ومجمع البیان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود والغنیة والکافی والوسیلة والجامع والإصباح والإشارة والقواعد، فاثنی عشر میلاً ((1))، انتهی.

وفی الجواهر اختار القول الثانی بعد أن ذکر أنه لم تتحقق الشهرة عنده((2)).

وکیف کان، فالقول الأول هو {الأقوی، لصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قلت له: قول لله عز وجل فی کتابه: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO فقال: «یعنی أهل مکة لیس علیهم متعة کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلاً ذات عرق وعسفان کما یدور حول مکة فهو ممن دخل فی هذه الآیة، وکل من کان أهله وراء ذلک فعلیهم المتعة»}((3)).

ص:55

وخبره عنه (علیه السلام)، سألته عن قول الله عز وجل ﴿ذلکO إلخ، قال: «لأهل مکة لیس لهم متعة ولا علیهم عمرة»، قلت: فما حد ذلک؟ قال: «ثمانیة وأربعون میلاً من جمیع نواحی مکة دون عسفان وذات عرق». ویستفاد أیضاً من جملة من أخبار أخر،

{وخبره عنه (علیه السلام)، سألته عن قول الله عز وجل: ﴿ذلکO إلخ، قال: «ذلک لأهل مکة لیس لهم متعة ولا علیهم عمرة»، قال: قلت: فما حد ذلک، قال: «ثمانیة وأربعین میلاً من جمیع نواحی مکة دون عسفان وذات عرق».

ویستفاد أیضاً من جملة من أخبار أخر}((1)) کصحیح الفضلاء المتقدم.

وخبر سعید الأعرج، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «لیس لأهل سرف ولا لأهل مر ولا لأهل مکة متعة، یقول الله تعالی:﴿ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾((2))».

وعن الفقه الرضوی: «ثم قال عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO مکة ومن حولها علی ثمانیة وأربعین میلاً، من کان خارجاً عن هذا الحد فلا یحج إلا متمتعاً بالعمرة إلی الحج، ولا یقبل الله غیره منه»((3)).

وسیأتی بعض الأخبار النافیة لاثنی عشر بلازمها، فیکون مؤیداً لهذه الأخبار بالإجماع المرکب، ولیس مجال للعکس کما لا یخفی.

ص:56

ثم إنه وقعت أسماء محال فی هذه الأخبار لا بأس ببیانها:

الأول: ذات عرق، وهی کما فی کتاب (کیف تحج) للأدیب: قریة تبعد عن مکة المکرمة بمقدار أربعة وتسعین کیلومتراً تقریباً.

أقول: حیث إن الکیلو متراً نصف المیل، والمیل ثلث الفرسخ، تکون ذات عرق علی سبعة وأربعین میلاً من مکة المکرمة، وهذا التحدید تحقیقی کما یظهر ذلک لمن اطلع علی المساحات والتحدیدات الحدیثة المبنیة علی التحقیق لا التقریب، فما عن التذکرة ذات عرق مرحلتان من مکة، بضمیمة أن المرحلتین مسافة یومین، لما عن الفیومی فی المصباح: المرحلة المسافة التی یقطعها المسافر فی نحو یوم، والجمع مراحل.

وعن شمس العلوم: یقال بینهما مرحلة، أی مسیرة یوم، بضمیمة أمر ثان، وهو أن مسافة الیوم ثمانیة فراسخ، المنتج کون ذات عرق علی ستة عشر فرسخاً من مکة، تقریبی لا تحقیقی، بل من الممکن أن تکون المرحلة مختلفة باختلاف بعد المنزل وقربه، ولذا قال الفیومی فی نحو یوم، وذلک لأنهم کانوا یسیرون إلی المنزل فی بیاض یوم، فإذا کان أقل من ثمانیة فراسخ وصلوا قبل تمام الیوم، وإن کان أکثر وصلوا بعده أو جدوا فی السیر.

الثانی: عُسفان، وهو کعثمان علی مرحلتین من مکه کما عن القاموس.

الثالث: سَرِف ککتف، موضع من مکة علی عشرة أمیال، کما عن ابن الأثیر.

الرابع: مر کفلس علی خمسة أمیال من مکة، کما عن الواقدی، لکن

ص:57

عن القاموس أن بطن مر موضع من مکة علی مرحلة.

ومن هذه تعرف أن هذه الحدود کلها داخلة فی ثمانیة وأربعین میلا.

ولکن یبقی شیء، وهو أن صحیح زرارة لا إشکال فیه أصلا، إذ الراوی سأل عن حکم مفهوم الآیة: أی من کان أهله حاضری المسجد الحرام، فأجاب الإمام (علیه السلام) بأن أهل مکة لیس علیهم متعة، ثم بین (علیه السلام) معیار کونه من أهل مکة، دفعاً لتوهم اختصاص الحکم بأهل البلدة فقط، فقال (علیه السلام): «کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلا»_

ثم مثل الدون بذات عرق وعسفان، ثم بین عدم اختصاص دون بهذین المکانین، بل کلما یدور حول مکة بعیداً عنها کبعد ذات عرق وعسفان، فهو ممن دخل فی هذه الآیة، أی منطوقها، وکل من کان أهله وراء ذلک، أی المقدار المذکور الذی هو ثمانیة وأربعین میلا،_ فعلیه المتعة، وهذا فی کمال الوضوح.

وبه یظهر ما فی المستمسک قال: الجهة الثالثة التشویش الواقع فی عبارة الصحیح لقوله (علیه السلام): «فیه ذات عرق وعسفان». فإنه إن جعل تمثیلا للثمانیة والأربعین فهو تفسیر بالأخفی.

أقول: لیس أخفی، لأن القریة المعمورة تقع تمثیلا لحدود المسافة، وذلک أوضح عند العرف کما لا یخفی.

ثم قال: ولا یناسب موضوع الشرطیة، وإن جعل تمثیلاً لما دونها کان مخالفاً لما ذکروه من أن ذات عرق وعسفان علی مرحلتین من مکة، مضافاً إلی أن قوله (علیه السلام): «کما یدور حول مکة» لم یتضح ارتباطه بما قبله((1))، انتهی.

ص:58

وعلی هذا یحمل خبر زرارة المحتمل اتحاده مع الصحیح، فیکون قوله (علیه السلام): «دون عسفان وذات عرق» مثالاً للداخل فی الحد الذی هو ثمانیة وأربعون میلاً مع کونهما أیضاً داخلا، فإن «دون» قد یطلق عرفاً ویراد به المضاف إلیه، فما بعده لمقابلته لفوق الذی هو بعد الحد، کما قد یطلق فوق ویراد به المضاف إلیه، فما بعده والسر فی ذلک أن العرف لا یجعلون الأقسام ثلاثة، الحد وفوقه وتحته، بل یجعلون طرفین الفوق والتحت، مثلا یقال: الزائد عن الکر لا ینجس بالملاقاة مع أن المراد الکر فما فوق، وما دون العشرة تمیزه جمع مجرور مع أن المراد العشرة فما دون.

وبهذا أیضاً یظهر ما فی المستمسک بقوله: وکذا التشویش الواقع فی متن خبر زرارة، فإن قوله (علیه السلام) فیه: «دون عسفان وذات عرق»، ظاهر فی أن الثمانیة والأربعین دون عسفان وذات عرق، مع أن المذکور فی کلماتهم أنهما علی مرحلتین، فلا تکون الثمانیة والأربعون بقول دونهما بل تکون نفسهما»((1))، انتهی.

وبما ذکرنا من عدم التنافی بین صحیح زرارة وخبره یرتفع الإشکال بأن ظاهر خبر زرارة خروجهما عن الحد، ویجب علی أهلهما التمتع، وظاهر صحیحه أنه لیس لأهلهما متعة، ویوافقهما خبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قلت: لأهل مکة متعة، قال: «لا، ولا لأهل بستان، ولا لأهل ذات عرق، ولا لأهل عسفان»((2)).

ص:59

والقول بأن حده اثنی عشر میلاً من کل جانب، کما علیه جماعة، ضعیف لا دلیل علیه إلا الأصل، فإن مقتضی جملة من الأخبار وجوب التمتع علی کل أحد، والقدر المتیقن الخارج منها من کان دون الحد المذکور

فتحصل من جمیع ما ذکرناه أن صحیح زرارة وخبر أبی بصیر صریحان فی دخول ذات عرق وعسفان فی ثمانیة وأربعین میلاً، ولا تشویش فیهما بوجه أصلا، وخبر زرارة وإن لم یکن بهذه الصراحة، إلا أنه لا بد من جعله مسوقاً حسب الکلام العرفی، فیراد بلفظة «دون» المضاف إلیه وما بعده، ویشهد له أمران:

الأول: ما وقع فی صدره من التحدید، وهو نص لا یمکن حمله علی غیر معناه.

الثانی: خبر أبی بصیر، وصحیح زرارة، المحتمل اتحاده مع الخبر.

نعم یبقی شیء، وهو معارضة هذه الأخبار لأخبار التحدید بالمیقات والثمانیة عشر میلاً، وسیأتی التکلم فی ذلک.

{والقول بأن حده اثنی عشر میلاً من کل جانب کما علیه جماعة} تقدمت أسماؤهم {ضعیف، لا دلیل علیه إلا الأصل} أی أصالة العموم اللفظی، لا الأصل العملی.

{فإن مقتضی جملة من الأخبار وجوب التمتع علی کل أحد، والقدر المتیقن الخارج منها من کان دون الحد المذکور} الذی هو اثنی عشر میلا.

{وهو مقطوع بما مر} من الأدلة الدالة علی کون الحد ثمانیة وأربعین میلاً، فإن الخاص مخصص للعام، علی أن فیه إشکالاً آخر نبه علیه المستمسک بقوله:

ص:60

وهو مقطوع بما مر، أو دعوی أن الحاضر مقابل للمسافر، والسفر أربعة فراسخ،

علی أن ثبوت هذا العموم محل إشکال، فإن الظاهر أن الخطابات إنما هی للنائی، ضرورة انقسام الحج إلی الأقسام الثلاثة، ومشروعیة القران والإفراد فی الجملة، فکیف یصح مثل هذا العموم، انتهی((1)).

وإن شئت قلت: إن الحکم فی الأخبار منقسم بانقسام الموضوع، فمن کان دون ثمانیة وأربعین میلاً فهو ممن دخل فی هذه الآیة، ومن کان أهله وراء ذلک فعلیه المتعة کما فی الصحیح زرارة، بل الآیة الکریمة أیضاً کذلک، فمن کان أهله حاضری المسجد الحرام فعلیه غیر المتعة، ومن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرام فعلیه المتعة.

{أو دعوی أن الحاضر مقابل للمسافر، والسفر أربعة فراسخ} وأربعة فراسخ اثنی عشر میلاً، وقد استدل بهذا جماعة مقتصرین علی هذا القدر، وهو الظاهر من البیضاوی فی تفسیر الآیة، قال: وهو من کان من الحرم علی مسافة القصر عندنا، انتهی.

وغایة ما یمکن فی توضیحه ما ذکر فی مجلس درس الوالد (دام ظله) وهو أن الآیة الکریمة فی باب الذبح بمنی حیث قال تعالی: ﴿فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیَّامٍ فِی الْحَجِّ

ص:61

وَسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾((1)) الآیة، فهذا الشخص الحاضر فی منی الذی هو موضوع الکلام، إما حاضر المسجد الحرام، ولا یکون ذلک إلا بالنسبة إلی من بینه وبین المسجد أقل من أربعة فراسخ، أو مسافر بالنسبة إلی المسجد الحرام، ولا یکون إلا بالنسبة إلی من بینه وبین المسجد أکثر من أربعة فراسخ حتی یتحقق السفر الشرعی بذهابه وإیابه، وحینئذ فالآیة تقول: إن الهدی اللازم للتمتع _ إذ لا هدی فی غیره _ لمن لم یکن حاضراً أی المسافر، فمن کان بعد أربعة فراسخ صدق علیه أنه مسافر فعلیه الهدی اللازم للتمتع.

والحاصل: أن الهدی اللازم للتمتع علی غیر الحاضر، وهذا صادق علی کل من کان علی أربعة فراسخ من المسجد فما بعد.

لکن یرد علیه:

أولاً: إن المتبادر من الحاضر فی الآیة لیس مقابل المسافر، بل مقابل الغائب الصادق علی من بعد عن مکة ولو قدر میل، فإنه لا یشک أحد فی عدم صدق حاضر کربلاء علی من یسکن قرب الحر (علیه السلام)، وحاضر النجف علی من یسکن الکوفة، ولو لا تفسیر الأئمة (علیهم السلام) کان المرجع هو المعنی المتبادر العرفی، وحینئذ فالآیة لا یستفاد منها الحد لا اثنی عشر میلاً ولا غیره، بل مع قطع النظر عن الأخبار یظهر منها الحضور مقابل الغیاب، ومع النظر إلیها کانت هی المرجع فی الحد لا الآیة الکریمة بمجردها.

ص:62

وهو کما تری، أو دعوی أن الحاضر المعلق علیه وجوب غیر التمتع أمر عرفی، والعرف لا یساعد علی أزید من اثنی عشر میلا، وهذا أیضاً کما تری.

وثانیاً: وهو العمدة فی حل الإشکال، إذ الاستدلال بنحو ما تقدم علی تقدیر الغض عن الجواب الأول، إنما یتم لو کانت الآیة: ذلک لمن لم یکن حاضر المسجد الحرام، حتی یکون المناط هو حاضر المسجد وعدمه، لکن لیس کذلک، فإن الآیة: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO، فالمناط حضور الأهل أی مکان الشخص وأهله، لا أنه ینظر إلی نفس الشخص الذی هو فعلاً فی منی، وأنه هل هو حاضر أو مسافر.

ومن المعلوم أن الأهل لیس مقسماً للحاضر والمسافر، فإن من أهله فی کربلاء مثلا وسافر هو إلی مکة وحضر منی لا یصدق علیه أن أهله حاضری المسجد الحرام، ولا أن أهله مسافر المسجد الحرام.

{و} من جهة وضوح عدم تمامیة هذا الاستدلال، قال المصنف (رحمه الله): {هو کما تری} من غیر تعرض إلی وجهه أصلاً.

أو دعوی {أن الحاضر المعلق علیه وجوب غیر التمتع أمر عرفی، والعرف لا یساعد علی أزید من اثنی عشر میلاً، وهذا أیضاً کما تری} إذ لا یساعد العرف علی تسمیة من کان خارجاً عن مکة بحاضر المسجد الحرام، اللهم إلا أن یرید الأخذ من العرف بالنسبة إلی الطرف السلبی، والطرف الإیجابی یستفاد من الإجماع، فالخارج من اثنی عشر میلاً لیس بحاضر، والداخل فیه لیس علیه التمتع إجماعاً، لکنه أیضاً غیر تام بعد الأخبار المفسرة للحاضر.

ص:63

کما أن دعوی أن المراد من ثمانیة وأربعین التوزیع علی الجهات الأربع، فیکون من کل جهة اثنی عشر میلاً منافیة لظاهر تلک الأخبار،

{کما أن دعوی} ابن إدریس {أن المراد من} الأخبار الذاکرة {ثمانیة وأربعین التوزیع علی الجهات الأربع، فیکون من کل جهة اثنی عشر میلاً منافیة لظاهر تلک الأخبار}، قال فی الجواهر: وحاول ابن إدریس رفع الخلاف بین الأصحاب بتقسیط الثمانیة والأربعین علی الجوانب، فقال: وحدّه من کان بینه وبین المسجد الحرام ثمانیة وأربعون میلاً من أربع جوانب البیت، من کل جانب اثنی عشر میلاً، ولعله استشعره مما فی محکی المبسوط، وهو: کل من کان بینه وبین المسجد الحرام اثنی عشر میلاً من جوانب البیت، والاقتصار من کان بینه وبین المسجد من کل جانب اثنی عشر میلاً ((1)) إلخ.

ولا یخفی ما فیه، إذ یرد علیه:

أولاً: إن صریح صحیح زرارة ینافیه، لأنه بین أن أهل عسفان وذات عرق لا متعة علیهم، بل المتعة لورائهم.

وثانیاً: إنه لو اعتبر أن کل اثنی عشر ضلع من أضلاع مربع تقع مکة فی وسطه ففیه لزوم الاختلاف، إذ الزاویة أبعد عن الوسط من الضلع، بل وکذا الأقرب إلی الزاویة من نقاط الضلع أبعد عن الوسط من الأبعد عن الزاویة، کما هو بدیهی، والاختلاف مقطوع العدم عند الکل، ولو اعتبر جعل الأربعة والعشرین الذی هو مرکب من الأثنی عشر مرتین، بحیث یقع المسجد فی

ص:64

وأما صحیحة حریز الدالة علی أن حد البعد ثمانیة عشر میلاً فلا عامل بها.

وسطه، ویقاطعه الأربعة والعشرون الثانی علی زوایا قوائم، ففیه مضافاً إلی لزوم نقصان قدر نصف المسجد عن الاثنی عشر میلاً، فمن کان علی اثنی عشر إلا قدر نصف المسجد یلزمه التمتع، وهو خلاف ظواهر کلماتهم، أن الخط الواصل بین رأس الخطین إن کان مستقیماً لزم المحذور السابق اللازم علی فرض جعل الاثنی عشر ضلعاً من لزوم اختلاف البعد، وإن کان علی نحو الاستدارة بأن یکون کل اثنی عشر نصف قطره، فمثل هذا التعبیر الواقع فی الروایة وإرادة هذا المعنی مما لا یکاد یقرب من ذهن الهندسی، فکیف بسائر أهل العرف، ومجمل القول: إن هذا المعنی خلاف الظاهر بدون قرینة تعینه.

{وأما صحیحة حریز} عن أبی عبد الله (علیه السلام) {الدالة علی أن حد البعد ثمانیة عشر میلاً} فی قول الله عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO قال (علیه السلام): «من کان منزله علی ثمانیة عشر میلاً من بین یدیها، وثمانیة عشر میلاً من خلفها، وثمانیة عشر میلاً عن یمینها، وثمانیة عشر میلاً عن یسارها، فلا متعة له، مثل مر وأشباهه»((1))، {فلا عامل بها} فاللازم رد علمها إلی أهلها، لمعارضتها لصحیح زرارة ونحوه مما عمل به العلماء قدیماً وحدیثاً، مضافاً إلی أنها تدل علی وجوب المتعة علی القاطن بعد الثمانیة عشر قبل الثمانیة

ص:65

کما لا عامل بصحیحتی حماد بن عثمان والحلبی الدالتین علی أن الحاضر من کان دون المواقیت إلی مکة،

والأربعین بالمفهوم، وهو لا یقاوم المنطوق، علی أنه یحتمل الغلط فی جعل عشر مکان أربعین، أو المیل مکان الفرسخ، أو أن المراد بالمیل الفرسخ، لوقوع اختلاف فی المیل فی الجملة، وإن لم یصل إلینا هذا النحو من الاختلاف.

وکیف کان، فالاحتیاط الذی لا معدل عنه هو العمل بتلک الروایات التی لا أقل من دخولها فی قوله (علیه السلام): «بکل أخذت من باب التسلیم وسعک» والله العالم.

{کما لا عامل بصحیحتی حماد بن عثمان والحلبی الدالتین علی أن الحاضر من کان دون المواقیت إلی مکة}.

فالأول: عن حماد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حاضری المسجد الحرام، قال: «ما دون المواقیت إلی مکة»((1)).

والثانی: عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: فی حاضری المسجد الحرام، قال: «ما دون المواقیت إلی مکة من حاضری المسجد الحرام، ولیس لهم متعة»((2)).

ومثلهما روایة حماد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فهو حاضری المسجد الحرام، قال (علیه السلام): «ما دون الأوقات»((3)).

قال فی الحدائق بعد نقل الخبرین: وهذان الخبران بحسب ظاهریهما لا یخلوان من الإشکال، لأن ما دون الأوقات أعم من أن یکون ثمانیة والأربعین

ص:66

میلاً أو أزید، ولا قائل بذلک مع ظهور مخالفتهما لصحیحة زرارة المتقدمة وروایته الأخری، وحینئذ فیجب تقییدهما بعد الزیادة علی الثمانیة وأربعین میلاً ((1))، انتهی.

مضافاً إلی أنه لا یستقیم، إذ لو کان المراد ما یصدق علیه أنه دون جمیع المواقیت، فهو خلاف الظاهر عرق عن الحد، وهو مناف لنص تلک الأخبار بأن لا متعة لهم، وإن کان المراد دون أی میقات لزم أن یکون دون ذی الحلیفة الذی یبعد عن مکة مائتان واثنان وثلاثون میلاً، فیدخل وراء عسفان وذات عرق فی الحد، مع أن المصرح به فی تلک الروایات خروج ما ورائهما عن الحد وأن علیهم المتعة، وإن کان المراد دون أی میقات کل بحسب قربه إلی ذلک المیقات، فالقریب إلی ذی الحلیفة اعتباره ببعده، والقریب من ذات عرق اعتباره ببعدها لزم الاختلاف، وهو خلاف جمیع الروایات المحدودة للبعد بقدر معین من کل طرف.

وعن صاحب الذخیرة، وحمل هذه الروایات علی التقیة لموافقتها لمذهب أبی حنیفة، ورده فی الحدائق بأن أبا حنیفة یری أن الحکم بالقران والإفراد عام حتی لأهل المواقیت، والخبران یخصه بما دون المواقیت.

أقول: قد عرفت أن «دون» یطلق علی المضاف إلیه وما بعده، مضافاً إلی أن ظاهر البیضاوی فی تفسیر الآیة حیث نسب إلی أبی حنیفة کون التمتع لمن کان مسکنه وراء المیقات، موافق لما ذکره الذخیرة.

نعم قد یمکن أن یقال: المراد بالمواقیت المعهودة منها وهی قرن المنازل

ص:67

وهل یعتبر الحد المذکور من مکة أو من المسجد، وجهان.

ویلملم، وذات عرق، إذ جمیعها علی حد واحد، أعنی سبعة وأربعین میلاً تقریبا.

ثم إن ما ذکره فی الحدائق من الجمع بین الأخبار الأولی، وخبر التحدید بثمانیة عشر میلاً بقوله: ویمکن الجمع بینه وبین صحیحة زرارة المتقدمة بالحمل علی أن من بعد ثمانیة عشر میلاً کان مخیراً بین الإفراد والتمتع، ومن بعد بالثمانیة والأربعین تعین علیه التمتع((1))، خلاف ظاهر النصوص والفتاوی، مع کونه تبرعاً بالجمع.

فالأجدر هو قول المشهور من التحدید بالثمانیة والأربعین، ورد علم الطائفتین الأخریین إلی أهله، کما تحقق أنه لا دلیل لاثنی عشر أصلا، ومن العجیب جمع صاحب الجواهر بین اثنی عشر میلاً وثمانیة عشر، بأن الثانی من أفراد الأول التقریبیة، وأعجب منه قوله أخیراً: إن بهذا یمکن الجمع بین النصوص کلها.

{وهل یعتبر الحد المذکور من مکة أو من المسجد، وجهان} بل قولان:

فعن المبسوط والاقتصاد والجمل والتحریر وغیرها التحدید بالمسجد.

وعن القواعد والمسالک والروضة والکفایة وغیرها التحدید بمکة.

والجواهر حیث اختار التقریبیة، قال: فلا ریب فی أن الأقوی التحدید بالاثنی عشر مع احتمال التقریبیة منها التی یندرج فیها الثمانیة عشر، فضلاً عن کون مبدأ التحدید مکة

ص:68

أقربهما الأول،

أو المسجد، وأن من کان علی رأسهما فهو من الداخل أو الخارج، ضرورة أن ذلک کله إنما یجیء علی التحقیقی، لا التقریبی الذی یندرج فیه ذلک کله((1))، انتهی.

{أقربهما} الثانی، لأن مکة داخل فی حاضر المسجد الحرام، الذی هو المناط فی کون الفرض القران والإفراد، فالتمتع لغیر الحاضر، وهما للحاضر الصادق علی أهل مکة، ولو کان مبدأ التحدید آخر مکة کان حکم مکة غیر معلوم من الآیة، لا منطوقاً ولا مفهوماً، وهو خلاف الظاهر، ألا تری أنه لو قال حاضر حرم الحسین (علیه السلام) حکمه کذا، ومن لیس حاضره حکمه کذا، ثم فسر الحاضر بمن علی فرسخ لم یشک العرف فی أن بلدة کربلاء داخلة فی الحاضر، وکأنه إلی هذا نظر المستمسک، فالنصوص خالیة عن التعرض لذلک.

نعم صحیح زرارة وخبره لما کان السؤال فیهما عن الآیة الکریمة، وتفسیر المراد من حاضری المسجد الحرام، فالمنسبق من التقدیر أن یکون المبدأ نفس المسجد، ولا ینافی ذلک ما فی خبر زرارة من قوله (علیه السلام): «من جمیع نواحی مکة» فإن مکة أخذ موضوعاً للنواحی لا مبدأ للتقدیر، فلاحظ((2))، انتهی.

وأما قول المصنف: أقربهما {الأول} فلم یعلم له وجه سوی خبر زرارة الذی عرفت الجواب عنه، ونحوه صحیح حریز، مضافاً إلی أنه یرد علیه لزوم الاختلاف بزیادة مکة ونقصانها، وذلک خلاف الظاهر، فإن مکة زیدت فی

ص:69

ومن کان علی نفس الحد فالظاهر أن وظیفته التمتع

بعض أطرافها أکثر من میل فی زماننا، والقول بأن المعیار هو مکة فی زمان صدور الروایات إحالة علی المجهول، والنقض بالزیادة فی المسجد غیر تام، إذ الزیادة قلیلة جداً مع معلومیة حدود المسجد فی زمان نزول الآیة وصدور الروایات، والعمدة ما ذکرنا أولاً.

{ومن کان علی نفس الحد فالظاهر أن وظیفته التمتع} لا یخفی أن موضوع ما ذکر نادر جداً بحیث یلحق بالمعدوم، إذ الحد کما هو بناؤهم کخیط، فذو الخباء الواقع علی هذا الخیط فرضاً یکون حاله کذی الوطنین، لأنه فی خبائه یکون فی هذا الطرف مدة، وفی ذلک الطرف أخری، ولو بالتلفیق.

نعم یمکن فرضه فیمن یکون له خباء یسع شخصه فقط مثلاً، وهو دائماً یجلس وینام ویفعل أفعاله علی نفس الخط، ومثل هذا التدقیق لا بأس به، فقد ورد من قبیله فی باب الحج فی مسألة تأدیب المحرم فی الحرم، فقد روی فی الوسائل فی باب من جنی ثم لجأ إلی الحرم، عن أبی نصر، عن الرضا (علیه السلام)، قال: سأله صفوان وأنا حاضر عن الرجل یؤدب مملوکه فی الحرم، فقال: «کان أبو جعفر (علیه السلام) یضرب فسطاطه فی حد الحرم بعض أطنابه فی الحرم وبعضها فی الحل، فإذا أراد أن یؤدب بعض خدمه أخرجه من الحرم فأدبه فی الحل»((1)).

ص:70

لتعلیق حکم الإفراد والقران علی ما دون الحد، ولو شک فی کون منزله فی الحد أو خارجه وجب علیه الفحص،

وکیف کان فلو تحقق مثل هذا فالظاهر أنه مخیر بین الوظیفتین، لأنه من قبیل ذی الوطنین، وإن کان الأحوط الجمع.

وأما ما ذکره المصنف (رحمه الله) من کون وظیفته التمتع، فقد بین وجهه بقوله: {لتعلیق حکم الإفراد والقران علی ما دون الحد}، ففی الصحیح: «کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلا»((1))، وفیه النقض بأن بعد هذه الفقرة قوله (علیه السلام): «وکل من کان أهله وراء ذلک»، ولا ترجیح لإدخال الحد فی أحد الأمرین، إذ لا یری العرف فرقاً بین تقدیم العبارة الأولی علی الثانی وبین عکسه، والقول بأن مجموع الداخل والخارج خارج غیر تام، إذ هو لیس بداخل ولا خارج، والوجوه الاستحسانیة غیر محقق للظهور الذی هو المناط.

وبهذا یظهر ما فی المستمسک، فإنه إذا تردد التصرف فی الکلامین بین التصرف فی الأول والتصرف فی الثانی یتعین الثانی، لأن الأول بعد استقراره فی الذهن یکون الکلام اللاحق جاریاً علیه((2))، انتهی.

{ولو شک فی کون منزله فی الحد أو خارجه وجب علیه الفحص} لما تقدم فی هذا الکتاب وکتاب الطهارة وغیرهما من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة، خصوصاً هذا القسم منها، مضافاً إلی أن الوجوب فوری فی المقام

ص:71

ومع عدم تمکنه یراعی الاحتیاط، وإن کان لا یبعد القول بأنه یجری علیه حکم الخارج، فیجب علیه التمتع، لأن غیره معلق علی عنوان الحاضر وهو مشکوک، فیکون کما لو شک فی أن المسافة ثمانیة فراسخ أو لا، فإنه یصلی تماما، لأن القصر معلق علی السفر وهو مشکوک.

ولا یمکن الجمع بینهما فی سنة واحدة، کما فی المستمسک، لکن فیه ما لا یخفی، إذ یمکن الجمع بأن یأتی بعمرة ابتداءً بقصد ما فی الذمة من عمرة التمتع أو الاستحبابیة، ثم یأتی بالحج کذلک، ثم بعمرة أخری.

{ومع عدم تمکنه یراعی الاحتیاط} بما تقدم من الإتیان بحجة وسط عمرتین، بقصد ما فی الذمة، لا الإتیان بحجتین لمنافاة ذلک للفوریة {وإن کان لا یبعد القول بأنه یجری علیه حکم الخارج، فیجب علیه التمتع، لأن غیره معلق علی عنوان الحاضر وهو مشکوک، فیکون کما لو شک فی أن المسافة ثمانیة فراسخ أو لا، فإنه یصلی تماما، لأن القصر معلق علی السفر وهو مشکوک}، لکن فیه إشکال من جهات:

الأولی: إنه قد تقدم أن کلا من التمتع وقسیمیه معلق علی عنوان خاص، فلیس أحدهما معلقاً علی عنوان دون الآخر.

الثانیة: إن ذلک إنما یتم فیمن لم یکن له حالة سابقة، وإلا استصحب، کما لو کان منزله سابقاً خارجاً عن الحد ثم اقترب قلیلاً، أو العکس.

الثالثة: إن التنظیر غیر تام، فإن استصحاب الموضوع أو حکم التمام جار فی الشک فی مسافة القصر دون ما نحن فیه.

ص:72

ثم ما ذکر إنما هو بالنسبة إلی حجة الإسلام حیث لا یجزی للبعید إلا التمتع، ولا للحاضر إلا الإفراد أو القران، وأما بالنسبة إلی الحج الندبی فیجوز لکل من البعید والحاضر کل من الأقسام الثلاثة بلا إشکال،

{ثم ما ذکر إنما هو بالنسبة إلی حجة الإسلام، حیث لا یجزی للبعید إلا التمتع، ولا للحاضر إلا الإفراد أو القران، وأما بالنسبة إلی الحج الندبی فیجوز لکل من البعید والحاضر کل من الأقسام الثلاثة بلا إشکال} ولا خلاف، قال فی المستند: اعلم أن ما ذکر من تعیین التمتع للنائی، إنما هو فی حجة الإسلام دون التطوع والمنذور، وصرح الشیخ فی التهذیبین، والمحقق فی المعتبر، والفاضل فی جملة من کتبه، والشهید فی الدروس وغیرهم بأن من أراد التطوع بالحج کان مخیراً بین الأفراد الثلاثة، بل ظاهر الذخیرة عدم الخلاف فیه، حیث قال: إن موضع الخلاف حجة الإسلام دون التطوع والمنذور((1))، انتهی.

وإنما نقول بذلک للأخبار الکثیرة التی یأتی بعضها، ومنها الأخبار الدالة علی إتیان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) بحج القران مع کونه (صلی الله علیه وآله وسلم) من أهل مکة وإن کان فی دلالتها تأمل((2)).

وروی عن علی بن الحسین (علیه السلام) أنه أفرد الحج، فلما نزل بذی طوی أخذ طریق الثنیة إلی منی ولم یدخل مکة.

ص:73

وإن کان الأفضل اختیار التمتع،

وعن عبد الملک بن عمرو، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن المتمتع بالعمرة إلی الحج، فقال (علیه السلام): «تمتع فقضی أنه أفرد الحج فی ذلک العام أو بعده» فقلت: أصلحک الله سألتک فأمرتنی بالتمتع وأراک قد أفردت الحج العام، فقال: «أما والله إن الفضل لفی أمرتک به ولکنی ضعفت فشق علی طوافان بین الصفا والمروة، فلذلک أفردت الحج»((1)).

وعن جمیل، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «ما دخلت قط إلا متمتعاً إلا فی هذه السنة، فإنی والله ما أفرغ من السعی حتی تتقلق أضراسی والذی صنعتم أفضل»((2)).

{وإن کان الأفضل اختیار التمتع}، قال فی الحدائق: وأما المتطوع بالحج والناذر له مطلقا فیتخیر بین الأنواع الثلاثة، وإن کان التمتع أفضل((3))، انتهی.

وقال فی الجواهر: لا خلاف أیضاً فی أفضلیة التمتع علی قسیمیه لمن کان الحج مندوباً بالنسبة إلیه، لعدم استطاعة أو لحصول حج الإسلام منه، والنصوص مستفیضة فیه أو متواترة، بل هو من قطعیات مذهب الشیعة((4))، انتهی.

ص:74

ویدل علیه نصوص مستفیضة، بل متواترة، بل عن المدارک أنها أکثر من أن تحصی، وقد عنونها فی الوسائل والمستدرک بباب الاستحباب اختیار حج التمتع علی القران والإفراد حیث لا یجب قسم بعینه وإن حج ألفا وألفاً، إلخ.

کصحیح البزنطی قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) فی السنة التی حج فیها، وذلک فی سنة اثنتی عشرة ومائتین، فقلت: بأی شیء دخلت مکة مفرداً أو متمتعاً، فقال: «متمتعاً»، فقلت له: أیها أفضل المتمتع بالعمرة إلی الحج، أو من أفرد وساق الهدی، فقال: «کان أبو جعفر (علیه السلام) یقول: المتمتع بالعمرة إلی الحج أفضل من المفرد السائق للهدی، وکان یقول: لیس یدخل الحاج بشیء أفضل من المتعة»((1)).

وصحیح معاویة بن عمار، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) ونحن بالمدینة: إنی اعتمرت فی رجب وأنا أرید الحج فأسوق الهدی أو أفرد الحج أو أتمتع، قال (علیه السلام): «فی کل فضل وکل حسن». قلت: فأی ذلک أفضل؟ فقال: «إن علیاً (علیه السلام) کان یقول: لکل شهر عمرة، تمتع فهو والله أفضل»((2)).

ومکاتبة علی بن حدید قال: کتب إلیه علی بن جعفر یسأله عن رجل اعتمر فی شهر رمضان ثم حضر الموسم أیحج مفرداً للحج أو یتمتع أیهما أفضل، فکتب إلیه: «یتمتع أفضل»((3)).

ص:75

وصحیح عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: إنی سقت الهدی وقرنت، قال: «ولم فعلت ذلک، التمتع أفضل»((1)).

وصحیح حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المتعة والله أفضل، وبها نزل القرآن وجرت السنة»((2)).

وعن صفوان الجمال قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن بعض الناس یقول: جرد الحج، وبعض الناس یقول: أقرن وسق، وبعض الناس یقول: تمتع بالعمرة إلی الحج، وقال: «لو حججت ألف عام لم أقربها إلا متمتعا»((3)).

وعن إبراهیم بن عیسی قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) أی أنواع الحج أفضل، فقال: «المتعة، وکیف یکون شیء أفضل منها ورسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول: لو استقبلت من أمری ما استدبرت فعلت کما فعل الناس»((4)).

وعن صفوان قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): بأبی وأمی إن بعض الناس یقول: أقرن وسق، وبعض یقول: تمتع بالعمرة إلی الحج، فقال: «لو حججت ألفی عام ما قدمتها إلا متمتعا»((5)).

إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

ص:76

وکذا بالنسبة إلی الواجب غیر حجة الإسلام کالحج النذری وغیره.

ثم إنه لا فرق بین الحج عن النفس وعن الغیر فی ذلک، للإطلاقات الدالة علی أن طبیعة التمتع أفضل.

وخصوص ما عن موسی بن القاسم البجلی قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ربما حججت عن أبیک، وربما حججت عن أبی، وربما حججت عن الرجل من إخوانی، وربما حججت عن نفسی فکیف أصنع، فقال: «تمتع»، فقلت: إنی مقیم بمکة منذ عشر سنین، قال (علیه السلام): «تمتع»((1)).

{وکذا بالنسبة إلی الواجب} المطلق {غیر حجة الإسلام کالحج النذری} المطلق {وغیره} کالوصیة بالحج والعهد والقسم والشرط وغیرهما، لما عرفت من إطلاق الأدلة، وقولهم «النائی فرضه التمتع» منصرف إلی حجة الإسلام.

أما إذا کان النذر ونحوه أو الوصیة بالحج مقیداً بقسم خاص، فلا یجوز العدول لعموم أدلة الوفاء بالأمور المذکورة، قال فی المستمسک: وأما الواجب بالإفساد فالظاهر من دلیله لزوم مطابقته للواجب الذی أفسده للتعبیر فیه بالقضاء الظاهر فی مطابقته للمقضی((2))، انتهی. وهو فی محله.

ص:77

کما فی المستند والجواهر، واستدل له فی الأول بعدم سقوط الحج عنه ولا وجوب المتعدد إجماعاً وبطلان الترجیح بلا مرجح.

الثانی: التفصیل بین ما کان سابقاً مکیاً أو آفاقیاً، فإنه یستصحب الحالة السابقة، وبین ما کان من أول عمره کذلک، کما لو فرض کونه یتیماً فی حجر عمین أحدهما مکی والآخر أفاقی فکان یکفله کل واحد منهما ثلاثة أشهر، فإنه لا مجال للاستصحاب حینئذ، ویرجع إلی التخییر، ونحوه فیما لو جهل الحالة السابقة، أما الاستصحاب فیما لو کانت له حالة سابقة معلومة فلأنه یشک فی انقلاب موضوعه إلی ما یخالفه، ولو فرض قطعه بانقلاب الموضوع یجری استصحاب الحکم التعلیقی.

الثالث: القرعة، لأنها لکل أمر مشکل، وهذا منه.

الرابع: الاحتیاط بالجمع بین الوظیفتین.

الخامس: تعین التمتع، لأنه الأصل خرج منه صورة غلبة کونه فی مکة وکونها محله فیبقی الباقی تحت العموم.

لکن یرد علی الأول المحکی عن المشهور أنا وإن سلمنا المقدمتین الأولیین أعنی عدم سقوط الحج عن مثله وعدم وجوب حجین علیه شرعاً، إلا أنا لا نسلم النتیجة المتوقفة المقدمة الثالثة أعنی وجوب أحدهما علیه تخییرا لامتناع الترجیح من غیر مرجح، إذ القاعدة فی مثل هذه الموارد الاحتیاط، فمثله مثل الشاک فی وجوب القصر علیه أو التمام مع عدم استصحاب ونحوه، فإنه یجب علیه الاحتیاط للعلم الإجمالی ولم یقل أحد بالتخییر

ص:79

لأنه لم تسقط عنه الصلاة ولا وجبت علیه صلاتان وترجیح أحدهما بلا مرجح فإذن یتخیر، بل یقولون بما هو مقتضی القاعدة من لزوم الاحتیاط بالجمع بین الصلاتین، وما نحن فیه کذلک، فیجب الجمع بین الوظیفتین التمتع وأحد قسیمیه.

وربما استدل للتخییر فی المستمسک تبعاً للجواهر بوجه آخر، قال: ووجهه إطلاق ما دل علی وجوب الحج الشامل للأنواع الثلاثة والتخصیص بأحدها من دون مخصص، وما دل علی وجوب التمتع بعینه یختص بمن کان منزله نائیاً ، کما أن ما دل علی وجوب القران أو الإفراد فإنه یختص أیضاً بمن کان من أهل مکة، والمورد خارج عنهما فلا مانع من الأخذ بإطلاق دلیل الوجوب المقتضی للتخییر بین الأفراد الثلاثة((1)) إلخ.

وفیه: مضافاً إلی أن الإطلاقات مسوقة لبیان أصل المشروعیة وقد قسمت بانقسام الأشخاص فلا مجال للتمسک بها، أن شمول الإطلاق مفید لوجوب حج علیه فیکون التکلیف مجملا، وفی مثله لا بد من الاحتیاط، ألا تری أنهم فی المجمل یوجبون الاحتیاط لا التخییر، مثلا لو قال المولی: تطهر، وشک فی أن مراده الوضوء أو التیمم لزم الجمع.

هذا مضافاً إلی أنه لو سلم مقدمات استدلال المستند نقول: إن المقام لیس من صغریات الترجیح بغیر مرجح، لاحتمال وجود المرجح وهو أفضیلة التمتع، ودوران الأمر بین التعیین والتخییر یقتضی الرجوع إلی التعیین علی مذاق کثیر من الأصولیین، وإن کنا أشکلنا فیه فی الأصول، وکیف کان فالقول بالتخییر منظور فیه.

ص:80

ویرد علی الثانی: بعدم جریان الاستصحاب الموضوعی بعد معلومیة ذهاب الموضوع، ولا الحکمی بعد عدم الموضوع، والتخییر قد عرفت ما فیه.

وعلی الثالث: إن ما نحن فیه من قبیل الشک فی الحکم، لأنه شبهة حکمیة یلزم استطراق باب الشارع فی حلها، والمعروف أن القرعة لرفع الاشتباه فی الموضوعات لا الأحکام، مضافاً إلی احتیاجها إلی العمل علی المشهور، وإن تأملنا فی ذلک سابقاً.

وعلی الخامس: ما عرفت سابقاً من أنه لا دلیل علی أصالة التمتع بالنسبة إلی غیر الخارج عن الحد، لأن الأدلة قسمت الحج بالنسبة إلی الداخل والخارج فلا أصل من العموم یرجع إلیه عند الشک.

فیبقی الرابع وهو الاحتیاط بالجمع سلیماً عما یرد علی الاحتمالات الأخر.

وربما أورد علیه بأنه خلاف الفوریة الواجبة فی باب الحج.

والجواب أولاً: إنه مما لا بد منه، ودلیل وجوب الفوریة لا یشمل مثله، إذ الظاهر منها مقابل الإرجاء بلا عذر، ألا تری أنه لو وجب علیه الحج ولم یتمکن من الذهاب ثم بعد سنین شک فی أنه هل وجب علیه التمتع أو غیره لزم علیه الجمع، وحیث کان لا بد منه لم یکن فی تأخیر الثانی حرمة.

وثانیاً: إنا لا نقول بالإتیان بحجتین فی سنتین حتی یکون الثانی منافیاً للفوریة، بل نقول بالاحتیاط فی سنة واحدة، بأن یأتی بعمرة قبل الحج وبعمرة بعدها ناویاً بالجمیع ما علیه من التمتع أو الإفراد.

ص:81

لا یقال: إحرام حج التمتع من میقات، وإحرام حج الإفراد من میقات آخر، فلا یمکن الإتیان بإحرام واحد ینوی به التکلیف الفعلی من التمتع أو الإفراد.

لأنا نقول: علی فرض ذلک یأتی بإحرامین من میقاتین، ولا مانع فیه للاحتیاط کالإتیان بصلاتین فی موارد الاحتیاط، إذا کان الخروج عن مکة بعد إحرام التمتع حراماً، وکان میقات الإفراد مستلزماً للخروج عن مکة حرم الخروج حینئذ، فقد یمکن الجمع بین الإحرامین، لکن علی فرض ذلک لا مانع، لأن الخروج محتمل الحرام إذا کانت عمرته الأولی واجبة لکون التمتع علیه واجباً، وإرجاء الحج الثانی إلی العام الثانی أیضاً محتمل الحرام، فیدور الأمر بین حرامین محتملین، ولا ترجیح لأحدهما فیجوز الاحتیاط، فتنقیح المسألة یتوقف علی مسألتین، مسألة الخروج عن مکة بعد الإحرام، ومسألة میقات حج الإفراد، فیحتاج إلی المراجعة، والله العالم.

بقی فی المقام شیء وهو: أن مراد المصنف (رحمه الله) بقوله: فإن کان مستطیعاً من کل منهما إلخ، أنه یتمکن من الحج عن المنزل الآفاقی وعن المنزل المکی، سواء حصلت الاستطاعتان فی أحد المنزلین أو فی الخارج عنهما، بأن کان الشخص جامعاً للشرائط من کل منهما، فلو کان فی منزله الآفاقی یخاطب بالحج، وإن کان فی منزله المکی یخاطب بالحج، مقابل من لم تجتمع الشرائط له من أحد المنزلین، مثلاً لیس عنده حال کونه فی منزله الآفاقی مؤنة الذهاب والإیاب، فإنه لا یخاطب بالحج هنا لعدم اجتماع الشرائط، وحینئذ لو ذهب

ص:82

وإن کان الأفضل اختیار التمتع،

بالمشقة إلی منزله المکی، وکان متمکناً من هناک لم یتخیر، بل یجب علیه القران أو الإفراد، ولیس المراد من العبارة المتقدمة حصول الاستطاعة، وأن العبرة بالمکان الذی حصلت له الاستطاعة فیه، فلو کان فی الآفاق وحصلت له الاستطاعة من المنزلین، لزم علیه التمتع فقط وبالعکس، مثلاً له منزل بمکة وآخر بالعراق وکان هو بالمدینة، فحصلت له الاستطاعة فی کل من منزلیه، بأن بلغ ثمر نخیله فی کل منزل قدر الحج، بحیث لو کان فی الآفاق تمکن، ولو کان فی مکة تمکن.

هذا شرح العبارة، لکن یرد علیه أنه لو لم یکن مستطیعاً من منزله فتسکع إلی الحج، وحین وصوله إلی المنزل الثانی یتمکن من الحج من هنا، والرجوع إلی الآفاق أو إلی محله، فإنه یجری الدلیل السابق الحاکم بالتخییر هنا، کما سیأتی بیانه.

وکیف کان، فالمستطیع من المنزلین علی المشهور مخیر بین الوظیفتین {وإن کان الأفضل اختیار التمتع} وفاقاً للجواهر، بل قال: بل علی القول بجوازه لأهل مکة هو الأحوط((1))، انتهی.

وکیف کان، فأفضلیة التمتع إنما هی لما یستفاد من الأخبار من أفضلیة التمتع مطلقاً، خرج منه صورة تعیین أحد الوظیفتین، وبقی الباقی الذی منه ما نحن فیه، فتأمل.

ص:83

وإن کان مستطیعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.

{وإن کان مستطیعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة}، قال فی الجواهر: هذا کله _ أی التخییر _ مع الاستطاعة من کل منهما ولو کان فی غیرها، أما لو استطاع فی أحدهما لزمه فرضه، کما فی کشف اللثام، لعموم الآیة والأخبار((1))، انتهی.

ومراده بالاستطاعة فی أحدهما إلخ، الاستطاعة من أحدهما، بقرینة قوله السابق: مع الاستطاعة من کل منهما إلخ.

ولما تقدم من أن المناط هو الاستطاعة من المنزل، لا الاستطاعة فی المنزل، وکیف کان ففی المقام أقوال ثلاثة:

الأول: ما ذکره المصنف تبعاً لمن عرفت من أن الفرض یتبع الوطن الذی یستطیع منه.

الثانی: إنه إذا استطاع فی غیر الوطنین تخیر، أما لو استطاع فی أحدهما دون الآخر ففرضه فرض أهله.

الثالث: التخییر، اختاره السید البروجردی، وبین وجهه فی المستمسک بقوله: إنه ولا وجه لتعیین أحد الفرضین فی جمیع ذلک، لأنه بعد أن کان مستطیعاً یکون المرجع إطلاق وجوب الحج علی المستطیع المقتضی للتخییر العقلی بین الأفراد الثلاثة، بعد أن لم یکن ما یقتضی التعیین((2))، انتهی.

وهذا هو مقتضی القاعدة، بناءً علی التخییر فی الفرض الأول، لأنه بعد کونه ذا منزلین والآن

ص:84

فی مکة یستطیع الحج بکل واحد من النحوین، لا وجه لترجیح أحدهما، ومجرد کون الاستطاعة من أحد المنزلین لا یعین قسماً، لأن الاستطاعة من المنزل غیر معتبرة، ولذا ذکرنا فی مبحث الاستطاعة أنه لو تسکع الآفاقی إلی مکة، وکان مستطیعاً للحج من هناک مع سائر الشرائط وجب.

لکن المختار الاحتیاط بالجمع فی هذا الفرض أیضاً، لما تقدم من الإشکال علی القول بالتخییر، والله العالم.

ص:85

واستدلوا بصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن رجل من أهل مکة یخرج إلی بعض الأمصار، ثم یرجع إلی مکة، فیمر ببعض المواقیت، أله أن یتمتع، قال (علیه السلام): «ما أزعم أن ذلک لیس له لو فعل، وکان الإهلال أحب إلی».

ذهب إلیه الشیخ فی جملة کتبه، والمحقق فی المعتبر، والعلامة فی المنتهی والتذکرة وغیرهم((1))، وقال فی المستند: وهل یجوز له التمتع حینئذ أو یحرم للنوع الذی هو فرض المکی، فالأکثر إلی الجواز.

وقال فی الجواهر((2)) عن الشیخ والفاضلین: جواز التمتع له حینئذ، بل فی المدارک نسبته إلی الأکثر، بل فی غیرها إلی المشهور((3)).

{واستدلوا بصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج((4))} المروی فی الکافی {عن أبی عبد الله (علیه السلام)} قال: سألته {عن رجل من أهل مکة یخرج إلی بعض الأمصار ثم یرجع إلی مکة فیمر ببعض المواقیت، أله أن یتمتع، قال (علیه السلام): «ما أزعم أن ذلک لیس له لو فعل، وکان الإهلال أحب إلی»} والمراد بالإهلال الإهلال بالحج فی قبال التمتع((5)).

ص:87

ونحوها صحیحة أخری عنه، وعن عبد الرحمن بن أعین، عن أبی الحسن (علیه السلام).

{ونحوها صحیحة أخری عنه، وعن عبد الرحمن بن أعین، عن أبی الحسن (علیه السلام)} قالا: سألنا أبا الحسن (علیه السلام)  __ موسی (علیه السلام) خ __ عن رجل من أهل مکة خرج إلی بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقیت التی وقت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) له أن یتمتع، فقال: «ما أزعم أن ذلک لیس له، والإهلال بالحج أحب إلی، ورأیت من سأل أبا جعفر (علیه السلام) وذلک أول لیلة من شهر رمضان، فقال له: جعلت فداک إنی قد نویت أن أصوم بالمدینة، قال: تصوم إن شاء الله تعالی، قال له: وأرجو أن یکون خروجی فی عشر من شوال، فقال: تخرج إن شاء الله، فقال له: قد نویت أن أحج عنک أو عن أبیک فکیف أصنع، فقال له: تمتع، فقال له: إن الله ربما منّ علیّ بزیارة رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) وزیارتک والسلام علیک، وربما حججت عنک وربما حججت عن أبیک، وربما حججت عن بعض إخوانی، أو عن نفسی فکیف أصنع، فقال له: تمتع، فرد علیه القول ثلاث مرات، یقول: إنی مقیم بمکة وأهلی بها، فیقول: تمتع»، فسأله بعد ذلک رجل من أصحابنا فقال: إنی أرید أن أفرد عمرة هذا الشهر _ یعنی شوال _ فقال له: «أنت مرتهن بالحج»، فقال له الرجل: إن أهلی ومنزلی بالمدینة ولی بمکة أهل ومنزل وبینهما أهل ومنازل، فقال له: «أنت مرتهن بالحج»، فقال له الرجل: فإن لی ضیاعاً حول مکة

ص:88

وعن ابن أبی عقیل عدم جواز ذلک، وأنه یتعین علیه فرض المکی إذا کان الحج واجباً علیه، وتبعه جماعة لما دل من الأخبار علی أنه لا متعة لأهل مکة،

وأرید أن أخرج حلالا، فإذا کان أبان الحج حججت»((1)).

بل یمکن أن یستدل لذلک بروایة سماعة، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: سألته عن المجاور أله أن یتمتع بالعمرة إلی الحج، قال: «نعم یخرج إلی مهل أرضه فیلبی إن شاء»((2)).

{وعن ابن أبی عقیل عدم جواز ذلک، وأنه یتعین علیه فرض المکی إذا کان الحج واجباً علیه، وتبعه جماعة} کأصحاب الریاض والمنتقی والمستند والحدائق وغیرهم {لما دل من الأخبار علی أنه لا متعة لأهل مکة} کقول الصادق (علیه السلام): «لیس لأهل مکة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة، وذلک لقول الله عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO »((3))، وغیره من الأخبار المتقدمة.

بل یدل علی ذلک فی مورد الکلام روایة حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المجاور بمکة یخرج إلی أهله ثم یرجع إلی مکة بأی

ص:89

وحملوا الخبرین علی الحج الندبی بقرینة ذیل الخبر الثانی،

شیء یدخل، فقال: «إن کان مقامه بمکة أکثر من ستة أشهر فلا یتمتع، وإن کان أقل من ستة أشهر فله أن یتمتع»((1))، بناءً علی أن المراد من ستة أشهر بقصد الاستیطان، أو إلغاء هذه الجهة، ورد علمها إلی أهلها، وأخذ أصل الحکم الذی هو دوران الأمر مدار الإقامة التی قد سبق تحققها بسنتین.

{وحملوا الخبرین علی الحج الندبی بقرینة ذیل الخبر الثانی}، قال فی المستند: ویمکن حملها علی المندوب، بل هو الظاهر من بعضها((2))، وعن المنتقی بعد کلام وبما حررناه یظهر أنه لا دلالة للحدیثین علی الجواز فی حج الإسلام وإنما یدلان علیه فی التطوع((3))، وفی الحدائق: إنها غیر صریحة فی حج الإسلام بل لو ادعی عدم الظهور أیضاً لکان متجها، فإن بقاء المکی بغیر حج الإسلام مدة کونه فی مکة أبعد بعید((4))، انتهی.

وفی الجواهر: إلا أنهما کما تری لا صراحة فیهما بحج الإسلام، خصوصاً مع بعد عدمه من المکی إلی حال الخروج المزبور، بل لعل ظاهر الثانی منهما الذی هو خبر آخر أورد علی أثر الخبر الأول الندب((5))، انتهی.

ص:90

ولا یبعد قوة هذا القول

{ولا یبعد قوة هذا القول} فإن قول الروای: ورأیت من سأل أبا جعفر (علیه السلام) مورده الندب، والخبر الأول یأتی فیه استبعاد صاحب الجواهر.

وفی المقام مضافاً إلی قول المشهور وابن أبی عقیل مع من تبعه قولان آخران:

الأول: التوقف، وهو المحکی عن العلامة فی المختلف، حیث نقل القولین بدون ترجیح.

الثانی: قول المحقق الأردبیلی، فإنه فصل فی المسألة مع تردد، حیث حکم بأنه مع سبق الاستطاعة علی الخروج یجب فرض أهل مکة، ومع تأخره تردد فی المسألة، إلی أن قال: فحکم بعض الأصحاب بجواز التمتع له مطلقاً محل التأمل، انتهی.

أقول: لکن الأقوی فی النظر هو ما ذهب إلیه المشهور، ولا یرد شیء من الإشکالات علی مقالتهم، ولنذکر الإشکالات واحداً واحداً مع جوابها.

الاول: استبعاد عدم حج المجاور المقتضی لحمل الخبرین علی الندب.

وفیه: إنه لا استبعاد فی ذلک للنقض أولاً: بما ذکروه من انتقال فرض المجاور إلی الإفراد والقران بعد السنتین، لصحیحتی زرارة وابن یزید الآتیتین من أن الاستبعاد موجود فیهما، والحل ثانیاً: بأن کثیراً من العمال الذین یتوقف دوران معیشتهم علی عملهم الیومی، کیف یتمکن من التخلف عن العمل ولو یوماً واحداً، فیکف بأیام عرفات ومنی وسائر لوازم الحج، والآن نری أن کثیراً من

ص:91

هذه الطبقة لا یتمکن من زیارة أمیر المؤمنین (علیه السلام) وهو فی کربلاء مع کثرة الوسائل ورخص السفر.

وکیف کان، فتقیید الروایة بالاستبعاد مع قطع النظر عن الجهتین خلاف القاعدة.

الثانی: اشتمال ذیل الصحیحة الثانیة لقرینة الاستحباب.

وفیه: إن الذیل روایة مستقلة ألصقها الراوی بالروایة الأولی، ولا ربط بینهما أصلا، ولذا قال فی المستمسک: إنه لا ینبغی التأمل فی أن ذیل الصحیح مختص بالندب لکنه لا یرتبط بصدره ولا یکون قرینة علیه، لأنه سؤال آخر من سائل آخر((1))، انتهی.

وروایة سماعة المتقدمة کالصریح فی المطلب، إذ السؤال کان عن الحج الواجب، وإلا فالتمتع المندوب لا یخفی علی مثل سماعة جوازه، والخروج إنما کان للتحصل علی المیقات، ولا أقل من إطلاقه الکافی فی المقام.

الثالث: ما ذکره فی المستند بعد حمله الخبرین علی الندب بقوله: ولولاه أیضاً لتعارض فی الواجب مع الأخبار المعینة لغیر التمتع علی المکی بالعموم والخصوص من وجه والترجیح لأخبار المنع عن التمتع لموافقة الکتاب((2))، انتهی.

أقول: لم أعلم وجهاً للعموم من وجه، إلا من جهة أن الصحیحتین أعم من الواجب والمستحب، والأخبار المعینة للقران والإفراد علی المکی أعم من الخارج

ص:92

إلی المیقات وغیره، فمورد الافتراق من طرف الصحیحتین الحج المستحب، ومورد الافتراق من طرف الأخبار المعینة الذی لم یخرج إلی المیقات، وتتعارضان فی الحج الواجب للذی خرج، ولکن فیه: إن بینهما عموم مطلق لا من وجه، إذ الأخبار المعینة للقران والإفراد للمکی أعم من الواجب والمستحب فتکون الصحیحتان أخص مطلق.

لا یقال: الأخبار الآمرة بالقران والإفراد للمکی، والأخبار الدالة علی أنه لا متعة لهم مختصة بالواجب، ولو بقرینة الأخبار الدالة علی أن لهم المتعة المستحبة، وحینئذ فبینهما عموم من وجه کما ذکره المستند.

لأنا نقول: هذا من انقلاب النسبة الذی ذکره شیخنا المرتضی (رحمه الله) وغیره، وذلک غیر جائز، فإن هنا طوائف ثلاث من الأخبار:

الأولی: ما دل علی أنه لا متعة لأهل مکة، الذی هو أعم بحسب إطلاقه من المستحب والواجب.

الثانیة: ما دل علی أن لهم المتعة المستحبة.

الثالثة: ما دل علی أن الخارج إذا مر بمیقات جاز له المتعة، ومن المعلوم أن توارد الطائفتین الأخیرتین علی الطائفة الأولی دفعة واحدة، لأن ظهور الجمیع متکافئة، فلا یصح أن نجعل التعارض بین الأولیین ابتداءً حتی نخرج الثانیة من الأولی، وبعد ذلک نجعل التعارض بین الأولی والثالثة، فتنقلب نسبتهما من العموم المطلق الذی کان قبل التخصیص بالثانیة إلی العموم من وجه، ومن هذا

ص:93

مع أنه أحوط، لأن الأمر دائر بین التخییر والتعیین، ومقتضی الاشتغال هو الثانی،

تعلم الإشکال فیما ذکره فی الجواهر وتبعه فی المستمسک((1)) من الأمر المتفرع علی العموم من وجه، فراجع.

الرابع: ما ذکره فی الریاض وتبعه المصنف (رحمه الله) بقوله: {مع أنه أحوط، لأن الأمر دائر بین التخییر والتعیین، ومقتضی الاشتغال هو الثانی}، وفیه: إن الاحتیاط تبرع بعد قیام الحجة، وفی دوران الأمر بین التخییر والتعیین المختار هو البراءة، للشک فی خصوصیة التعیین الزائدة والمرجع البراءة لا الاشتغال، مضافاً إلی أن الأصل لیس فی أفق الدلیل الاجتهادی الموجود فی المقام.

الخامس: روایة حفص البختری المتقدمة، وفیه: إن المستشکلین لا یلتزمون بمضمونها، لعدم رؤیتهم دوران الأمر مدار ستة أشهر، ولو قیل إن ذلک فی صورة قصد الاستیطان، قلنا إن إطلاقها کإطلاق الصحیحتین فلا بد من حملهما علی الاستحباب، کما صرح بذلک فی قوله (علیه السلام): «والإهلال أحب إلی»((2)).

ثم إن هذا قرینة أخری علی أن مورد السؤال فی الصحیحة هو الحج الواجب، إذ الإهلال بالقران والإفراد فی المستحب لیس أحب من التمتع بعد تواتر النصوص بأحبیة التمتع، وإن حج ألفا وألفاً.

والقول بأن تلک الأخبار تخصص بهذا الخبر لأخصیة مورده، غیر تام لقوة المطلقات جداً، مضافاً إلی أن هذا

ص:94

خصوصا إذا کان مستطیعاً حال کونه فی مکة فخرج قبل الإتیان بالحج، بل یمکن أن یقال: إن محل کلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها، وأما إذا کان مستطیعاً فیها قبل خروجه منها فیتعین علیه فرض أهلها.

الخبر لیس أخص، لأن المفروض أن مرید التمتع من أهل مکة یخرج إلی المیقات فتلک الأخبار تقول بأفضلیة التمتع حینئذ، وهذا الخبر یقول بأحبیة الإهلال فبینهما تدافع، وحمل الأحبیة علی التقیة لا یخفی ما فیه.

ومما تقدم یعلم أن قوله: {خصوصاً إذا کان مستطیعاً حال کونه فی مکة فخرج قبل الإتیان بالحج} محل تأمل، إذ لم یعرف وجه لهذا التخصیص بعد إطلاق النص.

کما أن قوله: {بل یمکن أن یقال: إن محل کلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها، وأما إذا کان مستطیعاً فیها قبل خروجه منها فیتعین علیه فرض أهلها} مناف لکلماتهم فراجع، والله العالم.

ص:95

التوطن أو المجاورة ولو بأزید من سنتین،

التوطن أو المجاورة ولو بأزید من سنتین} لإطلاق النص والفتوی، قال فی الحدائق: إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بین کونها بنیة الدوام أو المفارقة، فإن الحکم تعلق فی النصوص فی بعض علی الإقامة وفی بعض علی المجاورة وفی بعض علی القطون، وهی حاصلة علی جمیع التقادیر، وربما قیل إن الحکم مخصوص بالمجاورة بغیر نیة الإقامة، أما لو کان بنیتها انتقل فرضه من أول سنة، وإطلاق النص یدفعه((1))، انتهی.

أقول: سیأتی الکلام فی نیة الإقامة والاستطان.

وقال فی الجواهر: لا إشکال ولا خلاف فی صیرورة المجاور بعد المدة المزبورة وإن لم تکن بقصد التوطن کالمکی فی نوع الحج.

نعم عن بعض الحواشی تقیید ذلک بما إذا أراد المقام بها أبداً، لکن عن المسالک أنه مخالف للنص والإجماع((2))، انتهی.

وفی المستند: ومقتضی إطلاق النص والفتوی عدم الفرق فی الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بین کونها بنیة الدوام أو المفارقة، کما صرح به جماعة إلخ((3)).

ص:97

وأما إذا لم یکن مستطیعا ثم استطاع بعد إقامته فی مکة فلا إشکال فی انقلاب فرضه إلی فرض المکی فی الجملة، کما لا إشکال فی عدم الانقلاب بمجرد الإقامة،

{وأما إذا لم یکن مستطیعاً ثم استطاع بعد إقامته فی مکة فلا إشکال فی انقلاب فرضه إلی فرض المکی فی الجملة}، قال فی المستند: المجاور بمکة إذا أقامها ثلاث سنین ینتقل فرضه إلی القران أو الإفراد إجماعا((1)).

وقال فی الجواهر: فإن دخل فی الثالثة مقیماً ثم حج انتقل فرضه إلی القران أو الإفراد کما صرح به جماعة، بل نسبه غیر واحد إلی المشهور، بل ربما عزی إلی علمائنا عدا الشیخ((2))، انتهی.

وتخصیصه بالنسبة إلی مقدار البقاء لا أصل الانتقال فی الجملة کما لا یخفی.

{کما لا إشکال فی عدم الانقلاب بمجرد الإقامة}، قال فی محکی المدارک((3)): إنه لا ریب فیه، ویقتضیه إطلاق النصوص الآتیة.

وقال فی الجواهر: لا خلاف نصاً وفتوی فی عدم انتقاله عن فرض النائی بمجرد المجاورة، وإن لم یکن قد وجب علیه سابقا، بل لعله إجماعی أیضاً((4)).

ص:98

وإنما الکلام فی الحد الذی به یتحقق الانقلاب، فالأقوی ما هو المشهور من أنه بعد الدخول فی السنة الثالثة، لصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام): «من أقام بمکة سنتین فهو من أهل مکة ولا متعة له» إلخ، وصحیحة عمر بن یزید، عن الصادق (علیه السلام)

{وإنما الکلام فی الحد الذی به یتحقق الانقلاب، فالأقوی ما هو المشهور من أنه بعد الدخول فی السنة الثالثة}، بل عرفت عن الجواهر نسبته إلی علمائنا عدا الشیخ، لکن سیأتی ما فی النسبة، نعم هو المحکی عن الشیخ فی کتابی الأخبار والفاضلین والشهیدین وغیرهم، بل فی المسالک وغیره _ کما فی المستند _ أنه المشهور بین الأصحاب، وکذا نسب هذا القول إلی الشهرة فی الحدائق قال: اختلف الأصحاب (رضوان الله علیهم) فی المدة التی ینتقل فیها فرض المقیم بمکة إلی فرض أهل مکة، فالمشهور أنه بعد مضی سنتین علیه فی البلد المذکور((1))، انتهی.

{لصحیحة زرارة: عن أبی جعفر (علیه السلام): «من أقام بمکة سنتین فهو من أهل مکة ولا متعة له» إلخ} وقد تقدمت بتمامها فی((2)) المسألة الواحدة المتعرضة لحکم ذی الوطنین.

{وصحیحة عمر بن یزید، عن الصادق (علیه السلام)}، فعن الشیخ بسنده، عن

ص:99

«المجاور بمکة یتمتع بالعمرة إلی الحج إلی سنتین، فإذا جاور سنتین کان قاطنا، ولیس له أن یتمتع»، وقیل بأنه بعد الدخول فی الثانیة لجملة من الأخبار

عمر بن یزید قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): {«المجاور بمکة یتمتع بالعمرة إلی الحج إلی سنتین، فإذا جاور سنتین کان قاطنا، ولیس له أن یتمتع»}((1)).

وهذان الصحیحان کما تراهما نص فی المطلب.

{وقیل} والقائل به الصدوق فی المقنع، وظاهر الدروس أو محتمله، وکاشف اللثام علی ما حکی عنهم {بأنه بعد الدخول فی الثانیة، لجملة من الأخبار} کصحیح الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام): لأهل مکة أن یتمتعوا، قال: «لا»، قلت: فالقاظنین بها، قال: «إذا أقاموا سنة أو سنتین صنعوا کما یصنع أهل مکة، فإذا أقاموا شهراً فإن لهم أن یتمتعوا»((2)).

وصحیحة حماد قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن أهل مکة یتمتعون، قال: «لیس لهم متعة»، قلت: فالقاطن بها، قال: «إذا أقام سنة أو سنتین صنع صنع أهل مکة»، قلت: فإن مکث الشهر، قال: «یتمتع»((3)).

وصحیحة عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المجاور بمکة سنة

ص:100

وهو ضعیف لضعفها بإعراض المشهور عنها،

یعمل عمل أهل مکة یعنی یفرد الحج مع أهل مکة، وما کان دون السنة له أن یتمتع»((1)).

وخبر حریز، عمن أخبره، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «من دخل مکة بحجة عن غیره ثم أقام سنة فهو مکی، فإذا أراد أن یحج عن نفسه أو أراد أن یعتمر بعد ما انصرف من عرفة فلیس له أن یحرم من مکة، ولکن یخرج إلی الوقت وکلما حول رجع إلی الوقت»((2)).

وصحیح محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام): «من أقام بمکة سنة فهو بمنزلة أهل مکة»((3)).

{وهو ضعیف لضعفها بإعراض المشهور عنها}، وقد أجیب عنها بأمور أخر:

الأول: ما عن المدارک من أنه جمع بین الأخبار بالتخییر بعد السنة والسنة أشهر والتحتم بعد السنتین، وتبعه صاحب المستند قال: وخیر بعض بین الفرضین فی الأدون من السنة وهو حسن، بل هو لیس من باب الجمع أو التأویل، بل

ص:101

مع أن القول الأول موافق للأصل، وأما القول بأنه بعد تمام ثلاث سنین فلا دلیل علیه

التأمل فی الأخبار الأخیرة لا یثبت منها سوی الجواز الذی هو معنی التخییر((1))، انتهی.

الثانی: ما فی الحدائق قال: ولا یحضرنی الآن وجه وجیه تحمل علیه هذه الأخبار إلا التقیة، وإن لم ینقل ذلک عن العامة، لما حققناه فی مقدمات الکتاب ((2)).

الثالث: ما فی الجواهر((3)) تبعاً للشهید من الجمع بإرادة الدخول فی الثانیة من السنتین.

الرابع: ما عن کشف اللثام من أنه یراد من سنتی الحج الزمان الذی یمکن فیه وقوع حجتین، کما یراد ذلک فی شهر الحیض.

لکن فی الکل تأمل لا یخفی.

{مع أن القول الأول موافق للأصل} اللفظی، أعنی عموم وجوب التمتع علی کل أحد، خرج منه ما لو بقی سنتین، أو الأصل العملی للشک فی انقلاب التکلیف إذا کان مستطیعاً من قبل، والاستصحاب التعلیقی إذا حدثت الاستطاعة، فتأمل.

{وأما القول بأنه بعد تمام ثلاث سنین} والدخول فی الرابعة، کما عن الشیخ فی المبسوط والنهایة وابن إدریس والإسکافی {فلا دلیل علیه} کما اعترف به غیر

ص:102

إلا الأصل المقطوع بما ذکر، مع أن القول به غیر محقق لاحتمال إرجاعه إلی القول المشهور بإرادة الدخول فی السنة الثالثة، وأما الأخبار الدالة علی أنه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر

واحد، قال فی الحدائق: وأما ما نقل عن الشیخ من الثلاث فلم نقف له علی مستند((1))، وقال فی الجواهر: وقد اعترف غیر واحد بعدم الوقوف لهم علی مستند {إلا الأصل} اللفظی أو العملی {المقطوع بما ذکر} من الأخبار((2))، {مع أن القول به غیر محقق، لاحتمال إرجاعه إلی القول المشهور بإرادة الدخول فی السنة الثالثة} لا تمامیتها، کما هو ظاهر الدروس والجواهر، وناقشهما فی المستمسک((3)) بأن الظاهر من کلام الشیخ فی کتابیه والحلی فی السرائر تمامیة الثلاث سنین لا الدخول فی الثالثة، وکیف کان فلا أهمیة فی تحقیق ذلک.

{وأما الأخبار الدالة علی أنه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر} أو المعلقة علی المجاورة بدون التحدید الصادقة علی أقل من سنتین، کصحیح حفص ابن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المجاور بمکة یخرج إلی أهله ثم یرجع إلی مکة بأی شیء یدخل، قال: «إن کان مقامه بمکة أکثر من ستة أشهر فلا یتمتع، وإن کان أقل من ستة أشهر فله أن یتمتع»((4)).

ص:103

فلا عامل بها مع احتمال صدورها تقیة، وإمکان حملها علی محامل أخر،

ومرسل الحسین بن عثمان وغیره، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من أقام بمکة خمسة أشهر فلیس له أن یتمتع»، وفی بعض النسخ: «خمسة أشهر»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) أنه قال فی قول الله عز وجل: ﴿ذلک لمن لم یکن أهله حاضری المسجد الحرامO قال: «لیس لأهل مکة أن یتمتعوا، ولا لمن أقام بمکة مجاوراً من غیر أهلها»((2)).

وهناک أخبار أخر مجملة {فلا عامل بها} لکن المستند تبعاً لما نقله من میل بعض المتأخرین استحسن التخییر بین الفریضین فی الأدون من السنة وقد تقدمت عبارته، وعن المدارک إمکان الجمع بینها وبین غیرها بالتخییر بعد السنة والستة أشهر، لکن هذا جمع بلا شاهد کما صرح به فی المستمسک((3)).

{مع احتمال صدورها تقیة} کما فی الجواهر، وعن کشف اللثام: إلا أنه لم یعلم موافقتها لمذهب العامة، اللهم إلا أن یراد بذلک ما تقدم عن الحدائق من أن صدورها لمجرد إیقاع الخلاف، فتأمل.

{وإمکان حملها علی محامل أخر}، قال فی الجواهر: ویمکن حملها علی التقیة، بناءً علی اکتفاء العامة فی صیرورته من حاضری المسجد الحرام بالاستیطان

ص:104

و

ستة أشهر أو الدخول فی الشهر السادس أو علی اعتبار مضی ذلک فی إجراء حکم الوطن لمن قصد التوطن، وفی کشف اللثام: أو علی إرادة بیان حکم ذی الوطنین بالنسبة إلی قیام الستة أشهر أو أقل أو أکثر أو غیر ذلک((1))، انتهی.

والأظهر أن الذهاب إلی قول المشهور من باب «بأیهما أخذت من باب التسلیم وسعک»، إذ المرجحات المنصوصة مفقودة، وما ذکره الماتن تبعاً لغیره من المناقشات لا تصلح لرفع الید عن الأخبار الأخر.

{و} کیف کان، فهل الانقلاب بعد سنتین مختص بقاصد التوطن حتی أن من لم یقصد التوطن لم ینقلب تکلیفه وإن بقی أکثر من سنتین، أو مختص بقاصد عدم التوطن حتی أنه لو قصد التوطن انقلب حکمه قبل مرور سنتین، أو یعمهما حتی أن انقلاب الحکم دائر مدار إقامة سنتین سواء قصد التوطن أو لم یقصد، احتمالات وأقوال.

الأقوی الثالث، لإطلاق النص، فإن قوله (علیه السلام): «من أقام بمکة سنتین»، وقوله (علیه السلام): «المجاور بمکة» کما یشمل قاصد التوطن یشمل غیره، فتکون هاتان الصحیحتان مبینتین لموضوع قولهم (علیهم السلام): «لیس لأهل مکة متعة» حتی أنه لولاهما لزم القول بأنه ربما یبقی أقل من سنتین ولامتعة له، کما فی قاصد التوطن، وربما یبقی أکثر من سنتین وله المتعة، کما فی من یرید الخروج کل آن.

وما ذکره فی المستمسک لتوجیه أن الصحیحتین لبیان حکم من لم یقصد التوطن، بقوله: ولأجل أن الظاهر من قوله (علیه السلام)

ص:105

فی الصحیح الأول: «فهو من أهل مکة»، وقوله (علیه السلام) فی الصحیح الثانی «وکان قاطنا»، أنه فی مقام تنزیله منزلة أهل مکة، وأنه محط النظر والمحتاج إلی البیان تکون الروایتان ظاهرتین فی الثانی غیر المتوطن، فإن المتوطن إنما یحتاج إلی بیان حکمه فیما قبل السنتین، وفیه الخروج عن القاعدة کما عرفت، هذا مضافاً إلی الإشکال فی عموم لفظ المجاور للمتوطن((1))، انتهی.

محل منع، إذ کون الصحیحتین فی مقام بیان التنزیل منزلة أهل مکة لا ینافی کونهما للأعم من المتوطن وغیره، فإن الشارع نزل الکائن فی مکة سنتین منزلة أهلها، سواء کان بنظر العرف بمنزلة أهلها أم لا، ولیس الکلام فی الاحتیاج وعدمه، بل الکلام فی مفاد هاتین بعد صدورهما، وإلا فلاحاجة إلی البیان أصلا، إذ أهل مکة الذی هو مدار حکمی القران والإفراد والتمتع من الموضوعات العرفیة التی لا ترتبط بالشارع لو لم یکن تصرف منه فی ذلک.

والحاصل: إنه لو لم تکن الصحیحتان کان المتبع فی الموضوع هو العرف، وبعد الصحیحتین الظاهرتین فی کونهما لإفادة بیان الموضوع فی أخبار المتعة وأخویهما لا یبقی مجال للعرف، وقوله (علیه السلام): «فهو من أهل مکة» و«کان قاطنا» لا ظهور لهما فی غیر المتوطن أصلا.

وأما الإشکال فی عموم لفظ المجاور للمتوطن فلا یخفی ما فیه، فهو مثل

ص:106

الظاهر من الصحیحین اختصاص الحکم بما إذا کانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو کانت بقصد التوطن فینقلب بعد قصده من الأول، فما یظهر من بعضهم من کونها أعم لا وجه له، ومن الغریب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا کانت بقصد التوطن

الإشکال فی عموم لفظ المجاور لغیر المتوطن.

وبهذا کله تعرف أن {الظاهر من الصحیحین} الأعم من قصد المجاورة وعدمها، کما أنهما أعم من الکائن جبراً کالمحبوس وغیره، کما نقول بذلک فی من أقام ببلد جبراً عشرة أیام بالنسبة إلی الصلاة والصیام.

وأما القول ب_ {اختصاص الحکم بما إذا کانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو کانت بقصد التوطن فینقلب بعد قصده من الأول} کما ذهب إلیه الماتن تبعاً لبعض آخر فلا وجه له.

{فما یظهر من بعضهم} کصاحب الجواهر، وعن المدارک ناسباً له إلی إطلاق النص وکلام الأصحاب {من کونها أعم} هو الأقوی، وإن کان بنظر المصنف {لا وجه له}.

وفی المستند: ومقتضی إطلاق النص الفتوی عدم الفرق فی الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بین کونها بنیة الدوام أو المفارقة، کما صرح به جماعة((1))، انتهی.

{ومن الغریب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا کانت بقصد التوطن}

ص:107

ثم الظاهر أن فی صورة الانقلاب یلحقه حکم المکی بالنسبة إلی الاستطاعة أیضاً، فیکفی فی وجوب الحج الاستطاعة من مکة، ولا یشترط فیه حصول الاستطاعة من بلده،

قال فی الجواهر: نعم عن بعض الحواشی تقیید ذلک بما إذا أراد المقام بها أبداً، لکن عن المسالک أنه مخالف للنص والإجماع((1))، انتهی.

وقد تحصل من ذلک أن الأقوال فی المقام ثلاثة:

الأول: إنه أعم من قاصد التوطن وعدمه.

الثانی: اختصاصه بغیر قاصد التوطن.

الثالث: اختصاصه بقاصد التوطن.

وقد ذکر فی الریاض والجواهر والمستند مسألة التعارض، لکنه غیر محتاج إلیه کما لا یخفی.

{ثم الظاهر أن فی صورة الانقلاب یلحقه حکم المکی بالنسبة إلی الاستطاعة أیضاً، فیکفی فی وجوب الحج الاستطاعة من مکة، ولا یشترط فیه حصول الاستطاعة من بلده}، وذلک لإطلاق الآیة وغیرها مما دل علی وجوب الحج علی المستطیع، والمفروض أن هذا مستطیع، فلا وجه للحکم بعدم وجوب الحج علیه إذا لم یکن مستطیعاً من بلده، بل الظاهر أن الحکم کذلک فی صورة عدم الانقلاب أیضاً، کما صرح به بعض المعاصرین فقال: یکفی استطاعته من مکة فی وجوب الحج علیه إذا کان فیها، وإن کان الواجب بها هو التمتع.

ص:108

فلا وجه لما یظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائی فی وجوبه لعموم أدلتها، وأن الانقلاب إنما أوجب تغییر نوع الحج، وأما الشرط فعلی ما علیه فیعتبر بالنسبة إلی التمتع، هذا

نعم یعتبر حینئذ استطاعته لحج التمتع، ولا یکفی استطاعته لحج المکی دونه، انتهی. وهو جید.

{فلا وجه لما یظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائی فی وجوبه لعموم أدلتها، وأن الانقلاب إنما أوجب تغییر نوع الحج، وأما الشرط فعلی ما علیه، فیعتبر بالنسبة إلی التمتع، هذا} قال فی الجواهر: لا إشکال ولا خلاف فی صیرورة المجاور بعد المدة المزبورة، وإن لم تکن بقصد التوطن، کالمکی فی نوع الحج، إلی أن قال: وأما بالنسبة إلی غیر ذلک من أحکام الحج فقد احتمله بعضهم، فلا یشترط فی وجوب الحج علیه الاستطاعة المشروطة له، ولو إلی الرجوع من بلده، بل یکفی استطاعة أهل مکة، لإطلاق الآیة وکثیر من الأخبار، بل ربما احتمل جریان غیر أحکام الحج من أحکام أهل مکة حتی الوقوف والنذور ونحوهما، لما سمعته مما فی النصوص هو من أهل مکة وهو مکی وبمنزلة أهل مکة، إلا أن الجمیع کما تری مع عدم قصد التوطن، ضرورة إرادة انسیاق إرادة نوع الحج خاصة من الجمیع، فیبقی عموم أدلة استطاعة النائی بحاله، وکذا استصحابها((1))، انتهی.

ص:109

وحاصله أن مطلقات الاستطاعة فی الآیة والأخبار فسرت بالزاد والراحلة، فلا مجال للتمسک بالمطلقات، والمتیقن من انقلاب الحکم إنما هو بالنسبة إلی النوع لا الشرط، فیبقی الشرط بحاله.

وفیه: ما تقدم سابقاً من أن اشتراط الزاد والراحلة بقرینة بعض الأخبار إنما هو فی المحتاج إلیهما.

أما من سافر إلی المیقات متسکعاً یجب علیه الحج إذا کان جامعاً لسائر الشرائط، وحینئذ فتقیید أدلة الشروط للاستطاعة لیس تقییداً مطلقاً حتی بالنسبة إلی غیر المحتاج، بل مقدر بقدره، فالمرجع فی الباقی عموم الاستطاعة.

هذا بالنسبة إلی الزاد والراحلة المحتاج إلیهما فی الذهاب، أما المحتاج إلیهما فی الإیاب فقد تقدم أیضاً أنه إن کان عازماً علی الإیاب شاقاً علیه البقاء بحیث لو صرف النفقة فی الحج بقی معطلا بالنسبة إلی إیابه لم یجب لعدم الاستطاعة، وإلا وجب علی التفصیل المذکور هناک، فراجع المسألة السادسة والتاسعة من أول الکتاب فی الشرط الثالث الذی هو الاستطاعة.

وإلی ما ذکرنا أشار فی المستمسک((1)): أن الفرق بین الاستطاعة من البلد والاستطاعة من مکة أو الموضع القریب من وجهین.

أحدهما: من حیث الابتداء، وقد تقدم أنه لا یعتبر فی الاستطاعة أن تکون من البلد، إلی أن قال:

وثانیهما: من حیث الانتهاء، وقد تقدم أیضاً إنه إذا کان منصرفاً عن الرجوع

ص:110

ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة فی مکة لکن قبل مضی السنتین فالظاهر أنه کما لو حصلت فی بلده فیجب علیه التمتع، ولو بقیت إلی السنة الثالثة أو أزید، فالمدار علی حصولها بعد الانقلاب،

إلی بلده لا یعتبر فی وجوب حج الإسلام الاستطاعة إلیه، إلخ.

ثم إن ما ذکره الجواهر من الإشکال فی جریان حکم المکی علی هذا الشخص بالنسبة إلی غیر الحج من أحکام النذور ونحوها لیس فی محله، إذ الظاهر من النصوص أن انقلاب الحکم إنما هو لانقلاب الموضوع، فإن قوله (علیه السلام): «من أقام بمکة سنتین فهو من أهل مکة ولا متعة له»، ظاهر فی أن عدم المتعة من متفرعات کونه من أهل مکة.

وکذا قوله: «فاذا جاوز سنتین کان قاطناً ولیس له أن یتمتع».

{ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة فی مکة، لکن قبل مضی السنتین، فالظاهر أنه کما لو حصلت فی بلده فیجب علیه التمتع، ولو بقیت إلی السنة الثالثة أو أزید، فالمدار علی حصولها بعد الانقلاب} لأن العبرة مجال الاستطاعة التی کلف فیها بالحج، والمفروض أنه کلف بالحج فی حال کان الواجب علیه التمتع، فانقلابه یحتاج إلی دلیل.

لکن الأقوی کون العبرة بحال الفعل لا بحال الاستطاعة، لما عرفت من أن مقتضی المطلقات الحاکمة بالانقلاب بعد سنتین أن الحکم القران والإفراد، ولو کانت الاستطاعة قبل ذلک.

وإن شئت قلت: إن النص أدار الحکم مدار السنتین، لا مدار الاستطاعة،

ص:111

فالعبرة بالبقاء سنتین وإن حصلت الاستطاعة قبلهما.

ومنه یعلم حال التفصیل الذی ذکره السید البروجردی بقوله: هذا إذا کان الحج الواجب بها علی فرض المبادرة إلیه یقع قبل التجاوز عن السنتین، وأما إذا کان یقع بعد السنتین لا محالة فالظاهر وجوب القران والإفراد، وإن کان قد وجب بالاستطاعة الحاصلة قبلهما((1))، انتهی.

ثم إن الظاهر لو وقع بعض الفعل فی السنة الثانیة، وبعضها فی السنة الثالثة، کما لو تخرج الثانیة بیوم الأضحی کان التکلیف التمتع، لأنه قبل تمام السنتین والانقلاب إنما یأتی بعدهما.

کما أن الظاهر عدم العبرة بالعمرة المتقدمة علی خروج السنتین إذا کان الحج بعدهما، والعمرة المتأخرة عنهما فی القران والإفراد إذا کان الحج قبلهما، وذلک لأن الظاهر من الأدلة اعتبار السنتین بالنسبة إلی الحج الذی معظمه أفعاله، لا العمرة وحدها.

وعلی هذا فلو ینتهی سنته الثانیة بدخول ذی الحجة لا یصح له الإتیان بعمرة التمتع قبل ذلک، کما أنه لو کان انتهاء السنتین یوم الخامس عشر من ذی الحجة لم یکن له الإتیان بحج الإفراد مع تأخیر عمرته إلی السادس عشر مثلا، ولو کان الانتهاء فی العید أو نحوه فالظاهر لزوم التمتع، لوجوب الحج علیه قبل ذلک، ولا یمکن أن یکون إفراداً أو قراناً لعدم کونه مکیاً، والله العالم.

ص:112

وأما المکی إذا خرج إلی سائر الأمصار مقیماً بها فلا یلحقه حکمها فی تعیین التمتع علیه، لعدم الدلیل وبطلان القیاس، إلا إذا کانت الإقامة فیها بقصد التوطن وحصلت الاستطاعة بعده، فإنه یتعین علیه التمتع بمقتضی القاعدة ولو فی السنة الأولی، وأما إذا کانت بقصد المجاورة أو کانت الاستطاعة حاصلة فی مکة فلا،

{وأما المکی إذا خرج إلی سائر الأمصار مقیماً بها فلا یلحقه حکمها فی تعیین التمتع علیه} بعد السنتین {لعدم الدلیل} علی الانقلاب {وبطلان القیاس} علی غیر المکی المقیم بمکة الذی هو مورد النص.

قال فی الجواهر: ولو انعکس الفرض بأن أقام المکی فی غیرها لم ینتقل فرضه ولو سنین للأصل وغیره بعد حرمة القیاس، إلا أن یکون بنیة الاستیطان فینتقل من أول سنة لصدق النائی علیه حینئذ کما هو واضح((1)).

وقال فی المستند: ولو انعکس الفرض فأقام المکی فی الآفاق لم ینتقل فرضه مطلقاً ما لم یخرج عن المکیة بنیة الدوام، للأصل وحرمة القیاس((2))، انتهی.

وعن المدارک ذلک أیضاً.

{إلاّ إذا کانت الإقامة فیها بقصد التوطن وحصلت الاستطاعة بعده، فإنه یتعین علیه التمتع بمقتضی القاعدة ولو فی السنة الأولی، وأما إذا کانت بقصد المجاورة أو کانت الاستطاعة حاصلة فی مکة فلا}.

أقول: الظاهر أن الحکم دائر مدار

ص:113

کونه ممن یصدق علیه النائی عرفاً، فکلما لم یصدق علی شخص أنه حاضر المسجد الحرام وأنه من أهل مکة، أو أهل ما دون الحد الملازم لصدق کونه نائیاً، لزم علیه التمتع، سواء قصد التوطن فی مکان أم لا، ومع عدم القصد سواء جاور مکاناً أم لا، وذلک لأن الحکم دائر مدار صدق کونه من حاضری المسجد الحرام ونحوه، ولا اعتبار للتوطن للأخبار حتی ندیر الحکم مداره.

وعلی هذا فلا یفرق فی جریان حکم النائی علیه بین کون خروجه عن مکة ستة أشهر أم لا، مثلاً لو باع داره فی مکة وانتقل إلی العراق وتزوج فیه وکان بناؤه علی عدم العود إلی مکة وإن لم یبن علی البقاء فی العراق، صدق أنه لیس من حاضری المسجد الحرام، وأنه لیس من أهل مکة، وإن لم یمض من خروجه من مکة ستة أشهر، ولو شک فی الصدق العرفی کان المرجع استصحاب الموضوع.

لا یقال: إن الظاهر من صحیحة زرارة ونحوها أن السنتین هی المقدار العرفی الموجب لصدق کونه من أهل مکة، وحینئذ فیفهم منها أن المقدار الموجب للانقلاب هو السنتین، فاللازم القول بهذا المقدار فی العکس أعنی الإقامة فی غیر مکة وحدودها، وهذا لیس من القیاس.

لأنا نقول: بل الظاهر منها کون ذاک المقدار تحدیداً شرعیاً، وإلا فمن المقطوع أن قبل سنتین بیوم کالسنتین فی نظر العرف، وکذا بعدها بیوم، فالتحدید المذکور لیس إلا شرعیاً محضاً لا ینسحب فی غیر المورد المنصوص.

ثم إن ما ذکره (رحمه الله) من اشتراط حصول الاستطاعة بعد قصد التوطن لم

ص:114

نعم الظاهر دخوله حینئذ فی المسألة السابقة، فعلی القول بالتخییر فیها کما عن المشهور یتخیر،

یعلم له وجه، إذ الحکم فی الأخبار دائر مدار حضور المسجد الحرام وعدمه، فکلما کان حاضراً کان حکمة القران والإفراد، وإن حصلت الاستطاعة قبل ذلک، ومن مصادیق الحضور من أقام سنتین، وکلما لم یکن حاضراً کان حکمه التمتمع وإن کانت الاستطاعة حاصلة قبل الانقلاب، ومجرد توجه التکلیف فی حال لو عمل به کان کذا لا یوجب بقاؤه، إذ لا تلازم عقلاً کما هو واضح، ولا شرعاً کما هو معلوم فی القصر والتمام بالنسبة إلی من حضر فی وسط الوقت، أو سافر فی وقته ولم یصل إلا بعد تبدل حاله، والاستصحاب لا مجال له بعد إطلاق دلیل أن الحاضر حکمه کذا، وغیر الحاضر حکمه کذا.

ومن ما ذکرنا یعلم النظر فی کلام المصنف (رحمه الله) حیث علق الحکم بالتمتع علی قصد التوطن وحصول الاستطاعة بعده، بل الحکم دائر مدار عدم صدق کونه من حاضری المسجد الحرام ونحوه الملازم لصدق النائی ونحوه، سواء قصد الاستیطان أو المجاورة أم لا، وسواء حصلت الاستطاعة قبل انقلاب الموضوع أم لا.

{نعم الظاهر دخوله} أی هذا المجاور فی غیر مکة {حینئذ} أی حین خروجه من مکة للإقامة فی سائر الأمصار {فی المسألة السابقة} أی مسألة من کان من أهل مکة وخرج إلی بعض الأمصار ثم رجع إلیها.

{فعلی القول بالتخییر فیها کما عن المشهور یتخیر} بین التمتع وبین أخویه

ص:115

وعلی قول ابن أبی عقیل یتعین علیه وظیفة المکی.

{وعلی قول ابن أبی عقیل یتعین علیه وظیفة المکی} لکن فیه نظر لا یخفی، إذ أدلة تلک المسألة ظاهر فی أن الشخص من أهل مکة ابتداءً واستدامة، وإنما خرج إلی بعض الأمصار لحاجة، لا أنه خرج بقصد الإقلاع عن مکة.

ومما ذکر یعلم أن تفصیل المستمسک بین الصورة الأولی والثانیة لیس فی محله.

ص:116

لخبر سماعة، عن أبی الحسن (علیه السلام) سألته عن المجاور أ له أن یتمتع بالعمرة إلی الحج، قال (علیه السلام): «نعم یخرج إلی مهل أرضه فلیلب إن شاء»، المعتضد بجملة من الأخبار الواردة فی الجاهل والناسی الدالة علی ذلک

{لخبر سماعة، عن أبی الحسن (علیه السلام)، سألته عن المجاور أ له أن یتمتع بالعمرة إلی الحج، قال: «نعم یخرج إلی مهل أرضه فلیلب إن شاء»((1))، المعتضد بجملة من الأخبار الواردة فی الجاهل والناسی الدالة علی ذلک} کما فی الحدائق والمستند والجواهر وغیرها من الاستدلال لهذا القول بهذه الأخبار، وإن اشکلوا بعضهم علی هذا الاستدلال.

ففی صحیحة الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ترک الإحرام حتی دخل الحرم، فقال: «یرجع إلی میقات أهل بلاده الذی یحرمون منه، فإن خشی أن یفوته الحج فلیحرم من مکانه، فإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج»((2)).

وصحیحته الأخری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل نسی أن یحرم حتی دخل الحرم، قال: قال أبی (علیه السلام): «أن یخرج إلی میقات أهل أرضه

ص:118

بدعوی عدم خصوصیة للجهل والنسیان، وأن ذلک لکونه مقتضی حکم التمتع،

فإن خشی أن یفوته الحج أحرم من مکانه، وإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج ثم لیحرم»((1)).

وصحیحة معاویة بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة کانت مع قوم فطمثت، فأرسلت إلیهم فسألتهم، قالوا ما ندری أعلیک إحرام أم لا وأنت حائض، فترکوها حتی دخلت الحرم، فقال (علیه السلام): «إن کان علیها مهلة فترجع إلی الوقت فلتحرم منه، وإن لم یکن علیها وقت فلترجع إلی ما قدرت علیه بعد ما تخرج من الحرم»((2)).

{بدعوی عدم خصوصیة للجهل والنسیان، وأن ذلک لکونه مقتضی حکم التمتع} قال فی الحدائق: وجه التقریب فیها أنها قد اشترکت فی الدلالة علی أن هؤلاء یجب علیهم الرجوع إلی میقات أهل بلادهم، وما ذاک إلا من حیث إن الواجب علی الآفاقی الخروج إلی مهلّ أهل أفقه. والظاهر أن خصوصیة الجهل والنسیان غیر معتبرة وإن وقع السؤال عن ذلک((3))، انتهی.

ویرد علیه مضافاً إلی أن الصحیحة الثالثة لا دلالة فیها علی مهل الأهل، بل

ص:119

وبالأخبار الواردة فی توقیت المواقیت، وتخصیص کل قطر بواحد منها، أو من مر علیها، بعد دعوی أن الرجوع إلی المیقات غیر المرور علیه

علی إحدی المواقیت أن استظهار عدم الخصوصیة لا وجه له، بعد الفرق بأن الذی فی مکة لم یمر علی المیقات، ومن فی الصحاح مروا علیها، فلعل أن الرجوع لتدارک ما فات من وجوب الإحرام لمن یرید الدخول فی الحرم.

{وبالأخبار الواردة فی توقیت المواقیت، وتخصیص کل قطر بواحد منها، أو من مر علیها، بعد دعوی أن الرجوع إلی المیقات غیر المرور علیه} ذکره فی الحدائق وغیره، قال: ویدل علی ذلک أیضاً الأخبار الدالة علی تقسیم المواقیت وتخصیص کل أفق بمیقات علی حدة، فإنه یجب بمقتضی ذلک علی أهل کل أرض الإحرام من المیقات المعین لهم والمخصوص بهم، سواء کان بالمرور علیه أو الرجوع إلیه، خرج منه من توطن مکة المدة الموجبة لانتقال حکمه، ومن مر علی غیر میقاته وبقی الباقی((1))، انتهی.

وإنما قیده المصنف (رحمه الله) بقوله: بعد دعوی إلخ، لئلا یتوهم أنه إذا رجع المکی إلی میقات غیر مهل أرضه فقد عبر علیها، وذلک یقتضی جواز الإحرام منها، لقوله (علیه السلام): «ولمن أتی علیها من غیر أهلها».

لکن فیه: إنه (علیه السلام) قال: «لمن أتی»، والإتیان غیر المرور، فیشمل الراجع من مکة، والقول بأن الظاهر

ص:120

ثانیها: إنه أحد المواقیت المخصوصة مخیراً بینها، وإلیه دهب جماعة أخری، لجملة أخری من الأخبار

من الإتیان، الإتیان من الخارج لا من طرف مکة، یرده مضافاً إلی بدویة هذا الظهور أنه علی هذا یکون ظاهر قوله (علیه السلام): «وقت المواقیت لأهلها» أیضاً ذلک، فلا یمکن الاستدلال بهذه الروایة لقول أصلاً، لا لمن یعین مهل الأرض ولا لمن یخیر بین المواقیت، إذ الروایة علی هذا ناظرة إلی من یأتی من الخارج.

لا یقال: إذا سقطت هذه الروایة عن الدلالة، فالمرجع أخبار التوقیت غیر المشتملة علی حکم من مر بمیقات وجب الإحرام منها.

لأنا نقول: بعد ورود هذه الأخبار یفهم من تلک الأخبار عدم الخصوصیة لهذه المواقیت، بل إن توقیتها لمن فی طرفها لیس إلا لغلبة مرورهم علیها وکونهم فی طرفها، وعلی هذا فالاستدلال لهذا القول بأخبار المواقیت ضعیف أیضاً.

{ثانیها: إنه أحد المواقیت المخصوصة مخیراً بینها، وإلیه ذهب جماعة أخری} کالصدوق فی المقنع والشیخ فی المبسوط والمحقق فی ظاهر الشرائع وأصحاب الإرشاد والقواعد والنهایة والدروس والمسالک والروضة وغیرهم.

{لجملة أخری من الأخبار}، کمرسل حریز، عمن أخبره، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «من دخل مکة بحجة عن غیره ثم أقام سنة فهو مکی، فإذا أراد أن یحج عن نفسه أو أراد أن یعتمر بعد ما انصرف من عرفة فلیس له أن یحرم من مکة ولیکن یخرج إلی الوقت وکلما حول رجع إلی الوقت»((1)).

ص:121

مؤیدة بأخبار المواقیت، بدعوی عدم استفادة خصوصیة کل بقطر معین.

وموثق سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من حج معتمراً فی شوال وفی نیته أن یعتمر ویرجع إلی بلاده فلا بأس بذلک، وإن هو أقام إلی الحج فهو یتمتع، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة من اعتمر فیهن وأقام إلی الحج فهی متعة، ومن رجع إلی بلاده ولم یقم إلی الحج فهی عمرة، وإذا اعتمر فی شهر رمضان أو قبله وأقام الحج فلیس بمتمتع، وإنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن یتمتع فی أشهر الحج بالعمرة إلی الحج فلیخرج منها حتی یجاوز ذات عرق أو یجاوز عسفان، فیدخل متمتعاً بالعمرة إلی الحج، فإن هو أحب أن یفرد الحج فلیخرج إلی الجعرانة فلیلبی منها»((1)).

وخبر إسحاق بن عبد الله، سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن المقیم بمکة، یجرد الحج أو یتمتع مرة أخری، قال: «یتمتع أحب إلی، ولیکن إحرامه من مسیرة لیلة أو لیلتین»((2)).

{مؤیدة بأخبار المواقیت، بدعوی عدم استفادة خصوصیة کل بقطر معین} فإن قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «هن لهن ولمن أتی علیهن من غیر أهلهن»((3)).

وقول الرضا (علیه السلام): «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقت المواقیت لأهلها، ومن أتی علیها من غیر أهلها»((4))، ونحوهما یشمل کل أحد یرید

ص:122

ثالثها: إنه أدنی الحل، نقل عن الحلبی وتبعه بعض متأخری المتأخرین لجملة ثالثة من الأخبار،

دخول الحرم، والقول بأن ظاهر «أتی علیهن النائی» العابر، لیس فی محله، ألا تری أنه لو کان مقام أحد فی نفس مسجد الشجرة لا یشک فی أنه لو أراد الإحرام لزم الإحرام من هذا المیقات أو سائر المواقیت، وکذا لو کان أحد فی نفس وادی العقیق، ولیس ذاک إلا لأجل أن الظاهر من هذه الأخبار أن المرید لدخول الحرم یلزم علیه الإحرام من أحد هذه المواقیت.

{ثالثها: إنه أدنی الحل، نقل عن الحلبی، وتبعه بعض متأخری المتأخرین} فعن الأردبیلی أنه استظهره، وعن المدارک أنه یحتمل قویاً، وعن الکفایة أنه استحسنه، وفی المستند مال إلیه {لجملة ثالثة من الأخبار}.

کصحیح الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) لأهل مکة أن یتمتعوا، قال: «لا»، قلت: فالقاطنین بها، قال: «إذا أقاموا سنة أو سنتین صنعوا کما یصنع أهل مکة، فإذا أقاموا شهراً فإن لهم أن یتمتعوا»، قلت من أین، قال: «یخرجون من الحرم»، قلت: من أین یهلون بالحج، قال: «من مکة نحواً ممن یقول الناس»((1)).

وروایة حماد: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن أهل مکة أ یتمتعون، قال:

ص:123

والأحوط الأول وإن کان الأقوی الثانی، لعدم فهم الخصوصیة من خبر سماعة،

«لیس لهم متعة»، قلت: فالقاطن بها، قال: «إذا أقام بها سنة أو سنتین صنع صنع أهل مکة»، قلت: فإن مکث الشهر، قال: «یتمتع»، قلت: من أین یحرم، قال: «یخرج من الحرم»((1)).

وصحیح عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحدیبیة أو ما أشبهها»((2))، بناءً علی إطلاق العمرة علی ما یشمل التمتع أیضاً.

ومرسل المقنعة، قال (علیه السلام): «ینبغی للمجاور بمکة إذا کان صرورة وأراد الحج أن یخرج إلی خارج الحرم فیحرم من أول یوم من العشر، وإن کان مجاوراً ولیس بصرورة فإنه یخرج أیضاً من الحرم، ویحرم فی خمس تمضی من العشر»((3)).

{والأحوط الأول} الذی هو مهلّ أرضه، وذلک لأن فیه جمعاً بین الأقوال، وأنه موجب للبراءة الیقینیة، {وإن کان الأقوی} بنظر المصنف (رحمه الله) {الثانی} الذی هو أحد المواقیت {لعدم فهم الخصوصیة من خبر سماعة} المعین لمهل

ص:124

وأخبار الجاهل والناسی، وأن ذکر المهل من باب أحد الأفراد،

الأرض، لأن الجمع العرفی بین «أحرم عن مهل أرضک»، وبین «أحرم من الوقت» الظاهر فی الإطلاق، و«فلیخرج حتی یجاوز ذات عرق وعسفان»، هو ذلک.

وأشکل علی خبر سماعة بأنه ضعیف السند بمعلی، وضعیف الدلالة لقوله (علیه السلام): «إن شاء» الظاهر فی عدم الوجوب.

وأجیب عن الأول بالانجبار، مضافاً إلی کونه من روایات الکافی الذی قد عرفت المختار فی روایاته، وأنها یعمل بها ما لم یدل علی خلافها دلیل معتبر، لضمانه (رحمه الله) ذلک.

وعن الثانی بما فی المستند، أن الظاهر أن متعلق المشیة التمتع بالعمرة دون الخروج إلی مهل أرضه.

{وأخبار الجاهل والناسی، وإن ذکر المهلّ} لکن یرد علیها مضافاً إلی ما تقدم من أن حمل ما نحن فیه علیها قیاس، أن تعیین المهل {من باب أحد الأفراد}، ویدل علی ذلک قوله (علیه السلام) فی صحیحة معاویة المتقدمة: «فلترجع إلی المیقات فتحرم منه»((1))، مضافاً إلی ما دل علی أن من أتی علیهن من غیر أهلهن کان حکمه الإحرام من ذلک المیقات الشامل لما نحن فیه.

وقوله (علیه السلام): «من دخل المدینة فلیس له أن یحرم إلا من المدینة»((2))، وإن کان ظاهر جملة من الأخبار خصوصیة میقات أهله، کصحیحتی الحلبی المتقدمتین

ص:125

ومنع خصوصیة للمرور فی الأخبار العامة الدالة علی المواقیت.

وأما أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقیدة بأخبار المواقیت، أو محمولة علی صورة التعذر

وخبر علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام): «یرجع إلی میقات أهل بلاده الذی یحرمون به فیحرم»((1)).

وسیأتی الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

{ومنع خصوصیة للمرور فی الأخبار العامة الدالة علی المواقیت}، لما عرفت من أنها لم تشتمل إلا علی لفظة «أتی»، وهی غیر ظاهرة فی من یأتی من الخارج، بل یشمل من أتی علیها ولو من الداخل، بل ومن کان سکناه فیها.

{وأما أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقیدة بأخبار المواقیت} لأن تلک الأخبار تقول بالخروج عن الحرم، وهذه الأخبار تقول بالإحرام من المیقات، فهما من قبیل المطلق والمقید، فلا بد من حمل الأول علی الثانی.

{أو محمولة علی صورة التعذر} بقرینة الأخبار الواردة فی تارک الإحرام، کقوله (علیه السلام) فی مسألة الحائض، التی مرت علی المیقات بلا إحرام: «إن کان علیها مهلة فترجع إلی الوقت فلتحرم منه، فإن لم یکن علیها وقت فلترجع إلی ما قدرت علیه بعد ما تخرج من الحرم بقدر لا یفوتها»، إلی غیر ذلک، بناءً علی عدم فهم الخصوصیة، وأن هذا حکم کل من کان دون الوقت من أهل الآفاق، ولم تتمکن من الرجوع إلی الوقت.

هذا ولکن الأقوی فی النظر هو القول الثالث.

ص:126

أما ندرة القائل به فغیر مضر بعد ما عرفت غیر مرة من أن الإجماع المحتمل الاستناد غیر صالح للاعتماد، فکیف بالشهرة وهی غیر معلومة التحقق ههنا.

وأما ما ذکره (قدس سره) من التقید بأخبار المواقیت، ففیه: إنها غیر صالحة للتقیید، إذ الجمع بین المطلق والمقید لیس إلا لأظهریة المقید، بحیث یری العرف تقدمه علی المطلق، أما لو لم یکن کذلک لا بد من حمل المقید علی الاستحباب، ولهذا اشتهر بین الأصولیین أن المطلق والعام لو کانا ذا دلالة قویة لم یحملا علی الخاص والمقید، کما ذکره شیخنا المرتضی (رحمه الله) فی أواخر الرسائل علی ما ببالی وغیره، والمقام من هذا القبیل إذ أقرب المواقیت إلی مکة مرحلتان، ومن المعلوم أن بین الحرم وبین أقرب المواقیت أکثر من یوم بالراحلة کما هو المتعارف فی تلک الأزمنة، فإطلاق یخرج من الحرم وإرادة أقرب میقات خلاف الجمع العرفی، فیکف بإرادة میقات أهله الموجب لمسیر أیام إذا کان من أهل المدینة، کما هو مقتضی القول الأول، فإنه من قبیل أن یقول: من أراد زیارة الحسین (علیه السلام) من مجاوری کربلاء یخرج من کربلاء ویغتسل ثم یزور، ویرید بذلک الخروج إلی الکاظمیة علی الأقل والاغتسال فیها.

والحاصل: إن الروایات الدالة علی کفایة الخروج من الحرم مع کونها فی مقام البیان أبیة عن الحمل علی الذهاب إلی المیقات أقربها فکیف بأبعدها، فاللازم حمل روایة «مهلّ أرضه» ونحوها علی الاستحباب.

ویدل علی المختار خبر إسحاق المتقدم فی أدلة القول الثانی أیضاً، إذ لا ینطبق مسیر لیلة إلا علی خارج الحرم، فإنها لا تصل إلی المیقات قطعاً، فذکرها من أدلة القول الثانی

ص:127

ثم الظاهر أن ما ذکرنا حکم کل من کان فی مکة وأراد الإتیان بالتمتع ولو مستحباً،

فی غیر محله.

هذا مضافاً إلی أن موثق سماعة مجمل، إذ عسفان لیس من المواقیت، وذات عرق وإن کانت منها، إلا أنه لا یلزم تجاوزها الذی هو نص الروایة، فلم یبق للقول الثانی إلا مرسل حریز، والعمل به مشکل، إذ لم یصرح فیه بالتمتع، بل قال: «أن یحج أو یعتمر»، ومن المعلوم أن حج المکی قران أو افراد، والعمرة أعم، فیحتمل أن یراد من الوقت مثل التنعیم والجعرانة.

فالقول الثانی إذاً لا دلیل علیه أصلا، والقول الأول قد عرفت حال دلیله، فلم یبق إلا القول الثالث، وقد أطال فی الحدائق والجواهر الکلام والنقض والإبرام، وفیما ذکرناه غنیة، فلا نتعرض لمواقع النظر فیهما.

وقد مال المستمسک إلی المختار أیضاً، فقال: وأما القول الثالث فالعمدة فیه الصحیح، فإن لم یکن موهوناً بالإعراض کان المتعین الأخذ به، وحمل خبر سماعة الأول علی الاستحباب، کما هو الغالب فی المتعارضین فی الأقل والأکثر، وإن کان موهوناً بالإعراض لم یصح الاعتماد علیه((1))، فتأمل.

{ثم الظاهر أن ما ذکرنا حکم کل من کان فی مکة وأراد الإتیان بالتمتع ولو مستحبا} أما کون ذلک حکم القاطنین فواضح، لأن النصوص إما عامة أو خاصة، وأما بالنسبة إلی أهل مکة إذا أرادوا التمتع استحباباً أو وجوباً بنذر ونحوه، فهل یکون الحکم هکذا أم لا، یحتمل اعتبار أحد المواقیت، لما تقدم

ص:128

هذا کله مع إمکان الرجوع إلی المواقیت، وأما إذا تعذر فیکفی الرجوع إلی أدنی الحل، بل الأحوط الرجوع إلی ما یتمکن من خارج الحرم مما هو دون المیقات وإن لم یتمکن

فی المسألة الثانیة من فصل أقسام الحج بعد ما عرفت من عدم خصوصیة للخروج إلی بعض الأمصار، بل یکفی الخروج ولو إلی المیقات، هذا مضافاً إلی صدق «لمن أتی علیهن من غیر أهلهن».

ویحتمل أن یکون إحرامه من دویرة أهله، بناءً علی أن ما دل علی أن من کان منزله دون المیقات أحرم من منزله، یعم ما نحن فیه، لکن فی المستمسک الظاهر التسالم علی خلافه.

ویحتمل أن یکون إحرامه من أدنی الحل، لصحیح عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر أحرم من الجعرانة أو الحدیبیة أو ما أشبههما»((1))، الحدیث. بناءً علی شموله لعمرة التمتع.

والمسألة مشکلة، والأحوط الإحرام من المیقات وتجدید النیة من أدنی الحل.

{هذا کله مع إمکان الرجوع إلی المواقیت، وأما إذا تعذر} بناءً علی تعین مهل أرضه، أو إحدی المواقیت {فیکفی الرجوع إلی أدنی الحل، بل الأحوط الرجوع إلی ما یتمکن من خارج الحرم مما هو دون المیقات، وإن لم یتمکن

ص:129

من الخروج إلی أدنی الحل أحرم من موضعه، والأحوط الخروج إلی ما یتمکن

من الخروج إلی أدنی الحل أحرم من موضعه، والأحوط الخروج إلی ما یتمکن}، عن المدارک أنه مقطوع به.

وقال فی المستند: هذا مع الإمکان، وأما مع التعذر فیحرم من أدنی الحل علی المشهور، بل المقطوع به فی کلام الأصحاب کما قیل، بل ادعی بعضهم الاتفاق علیه، ودلیله واضح مما مر، فإنه لا شذوذ حینئذ حتی یرفع الید عن دلیله، ولو تعذر فی أدنی الحل أحرم من مکة بلا خلاف أیضاً، ویدل علیه ما دل علی ثبوت الحکم فی غیر ما نحن فیه((1))، انتهی.

وقال فی الحدائق: قد قطع الأصحاب (رضوان الله علیهم) بأن المجاور فی مکة (شرفها الله تعالی) مدة لم تنتقل حکمه وفرضه عن حکم الآفاقی لو أراد حج الإسلام، فإنه یجب علیه الخروج إلی المیقات والإحرام بعمرة التمتع منه، وإن تعذر خرج إلی أدنی الحل، فإن تعذر أحرم من مکة، وظاهر کلامهم أن الحکم إجماعی لم یظهر فیه مخالف((2))، انتهی.

لکن لنا فی ذلک تأمل، إذ لو کان الحج مستحباً أو نحوه کالنذر الموسع وغیره، فما الدلیل الذی یدل علی کفایة الإحرام من مکة لمن لا یتمکن الخروج

ص:130

إلی أدنی الحل، وحمله علی الحج الواجب المعین یتوقف علی القطع بالمناط المفقود، وللمسألة شقوق وتفاریع تحتاج إلی ملاحظة أخبار المواقیت.

نعم ربما یقال إن إطلاق مثل صحیح صفوان «فلا تجاوز المیقات إلا من علة» یشمل ما نحن فیه، بتقریب أنه دال علی جواز الإحرام من غیر المیقات مطلقا إذا کانت علة تمنع عن الإحرام من المیقات، والله العالم((1)).

ص:131

الوقوف بعرفة، والأفضل إیقاعه یوم الترویة، ثم یمضی إلی عرفات فیقف بها من الزوال إلی الغروب، ثم یفیض ویمضی منها إلی المشعر فیبیت فیه، ویقف به بعد طلوع الفجر إلی طلوع الشمس، ثم یمضی إلی منی فیرمی جمرة العقبة، ثم ینحر أو یذبح هدیه ویأکل منه، ثم یحلق أو یقصر، فیحل من کل شیء إلا النساء والطیب، والأحوط اجتناب الصید أیضاً، وإن کان الأقوی عدم حرمته علیه من حیث الإحرام.

ثم هو مخیر بین أن یأتی إلی مکة لیومه فیطوف طواف الحج ویصلی رکعتیه ویسعی سعیه فیحل له الطیب، ثم یطوف طواف النساء ویصلی رکعتیه

الوقوف بعرفة، والأفضل إیقاعه یوم الترویة، ثم یمضی إلی عرفات فیقف بها من الزوال إلی الغروب} من یوم عرفة.

{ثم یفیض ویمضی منها إلی المشعر فیبیت فیه ویقف به بعد طلوع الفجر إلی طلوع الشمس} من یوم العید {ثم یمضی إلی منی فیرمی جمرة العقبة، ثم ینحر أو یذبح هدیه ویأکل منه، ثم یحلق أو یقصر} کل ذلک یوم العید {فیحل من کل شیء إلا النساء والطیب، والأحوط اجتناب الصید أیضاً، وإن کان الأقوی عدم حرمته علیه من حیث الإحرام} بل الحرمة من حیث الحرم فقط {ثم هو مخیر بین أن یأتی إلی مکة لیومه فیطوف طواف الحج ویصلی رکعتیه} خلف المقام. {ویسعی سعیه فیحل له الطیب، ثم یطوف طواف النساء ویصلی رکعتیه}

ص:133

فتحل له النساء، ثم یعود إلی منی لرمی الجمار فیبت بها لیالی التشریق وهی الحادی عشر والثانی عشر والثالث عشر، ویرمی فی أیامها الجمار الثلاث.

وأن لا یأتی إلی مکة لیومه، بل یقیم بمنی حتی یرمی جماره الثلاث یوم الحادی عشر ومثله یوم الثانی عشر ثم ینفر بعد الزوال إذا کان قد اتقی النساء والصید، وإن أقام إلی النفر الثانی وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لکن بعد الرمی جاز أیضاً.

ثم عاد إلی مکة للطوافین والسعی ولا إثم علیه فی شیء من ذلک علی الأصح، کما أن الأصح الاجتزاء بالطواف والسعی تمام ذی الحجة.

والأفضل الأحوط هو اختیار الأول بأن یمضی إلی مکة یوم النحر، بل لا ینبغی التأخیر لغده فضلا عن أیام التشریق إلا لعذر.

کذلک { فتحل له النساء، ثم یعود إلی منی لرمی الجمار فیبت بها لیالی التشریق وهی} لیلة الیوم {الحادی عشر والثانی عشر والثالث عشر، ویرمی فی أیامها الجمار الثلاث، و} بین {أن لا یأتی إلی مکة لیومه، بل یقیم بمنی حتی یرمی جماره الثلاث یوم الحادی عشر، ومثله یوم الثانی عشر ثم ینفر} فیه {بعد الزوال، إذا کان قد اتقی النساء والصید، وإن أقام إلی النفر الثانی وهو الثالث عشر ولو} نفر {قبل الزوال لکن بعد الرمی جاز أیضاً، ثم عاد إلی مکة للطوافین} وصلاتیهما {والسعی ولا إثم علیه فی شیء من ذلک علی الأصح، کما أن الأصح ألاجتزاء بالطواف والسعی تمام ذی الحجة، والأفضل الأحوط هو اختیار الأول بأن یمضی إلی مکة یوم النحر، بل لا ینبغی التأخیر لغده فضلاً عن أیام التشریق إلاّ لعذر} وسیأتی تفصیل کل ذلک إن شاء الله تعالی.

ص:134

ویشترط فی حج التمتع أمور، أحدها: النیة بمعنی قصد الإتیان بهذا النوع من الحج حین الشروع فی إحرام العمرة، فلو لم ینوه أو نوی غیره أو تردد فی نیته بینه وبین غیره لم یصح

{ویشترط فی حج التمتع أمور، أحدها: النیة} وقد اختلفوا فی المراد بها ههنا، فبعضهم فسرها بالخلوص والقربة، وبعض بنیة کل من الحج والعمرة، وبعض بنیة کل من أفعالهما المتفرقة، وبعض بنیة الإحرام خاصة، وبعض بینة المجموع جملة.

وأشکل بعض علی آخر فی تفسیره، لکن الأظهر أنها {بمعنی قصد الإتیان بهذا النوع من الحج حین الشروع فی إحرام العمرة، فلو لم ینوه أو نوی غیره أو تردد فی نیته بینه وبین غیره لم یصح}، وبهذا المعنی فسرها فی المستند قال: المراد منه خصوص التمتع لیتمیز عن القسمین الأخیرین، أو عن العمرة المفردة کما أوجبها فی المختلف وغیره((1))، انتهی.

بل هو ظاهر الجواهر أیضاً، قال: ولعله لذا کان الأولی إرادة نیة حج التمتع بجملته((2))، انتهی.

وکیف کان، فالنزاع فی هذا لا طائل تحته، إذ النیة بهذا المعنی المذکور فی المتن شرط لتمیز المنوی وقد دل علیه الأخبار الکثیرة.

ففی صحیحة أحمد، کیف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: «لب بالحج وانو المتعة، فإذا دخلت مکة طف بالبیت»((3))، الحدیث.

ص:135

وصحیحة أبان، بأی شیء أهل، فقال: «لا تسم حجاً ولا عمرة واضمر فی نفسک المتعة، فإن أدر کت متمتعاً وإلا کنت حاجا»((1)).

وصحیحة البزنطی، عن رجل متمتع کیف یصنع، قال: «ینوی المتعة ویحرم بالحج»((2)).

وموثقة إسحاق بن عمار: إن أصحابنا یختلفون فی وجهین من الحج، یقول بعضهم: أحرم بالحج مفرداً، وبعضهم یقول: أحرم وأنو المتعة بالعمرة إلی الحج، أی هذین أحب إلیک، قال: «انو المتعة»((3)).

بل والأخبار المتضمنة لمثل قولک: «اللهم إنی أرید أن أتمتع بالعمرة إلی الحج علی کتابک وسنة نبیک»، وأخبار حجة الوداع((4)) فی الجملة، حیث أمرهم (صلی الله علیه وآله وسلم) أن یحلوا ویجعلوها عمرة، إلی غیر ذلک من الأخبار.

وقد یقال بمنافاة ذلک لما دل علی جواز تجدید النیة إلی وقت التحلل إن فات((5))، وما دل علی إهلال علی (علیه السلام) بما أهل به النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) بالمناط، إذ لا فرق بین التمتع والقران والإفراد فی وجوب نیته علی القاعدة، لکن الظاهر عدم التنافی.

ص:136

نعم فی جملة من الأخبار أنه لو أتی بعمرة مفردة فی أشهر الحج جاز أن یتمتع بها، بل یستحب ذلک إذا بقی فی مکة إلی هلال ذی الحجة، ویتأکد

قال فی المستند: ولا ینافی ذلک جواز تجدید النیة إلی وقت التحلل إن فات، کما لا یضر فی اشتراط الصوم بالنیة جواز تجدیدها إلی الزوال إن فات أول الوقت، وکذا لا ینافیه قضیة إهلال علی (علیه السلام) بما أهل به النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لأنها قضیة فی واقعة لا عموم لها فیمکن أن یکون عالماً بکیفیة إهلاله((1)) إلخ، والسر فی عدم التنافی أن جواز التأخیر لدلیل مخصص لعموم الإدلة، وإهلال علی (علیه السلام) مجمل جداً، إذ فی بعض الروایات أنه ساق وفی بعضها أنه لم یسق، ومن المعلوم أن القران لا یتحقق إلا بالسوق فکیف أهل (علیه السلام) کإهلاله مع عدم السوق، بناءً علی تلک الأخبار، مضافاً إلی إمکان أن یکون عالماً بإهلال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، وأن یکون معذوراً لعدم الوجوب مع عدم العلم.

وکیف کان، فهذه الأخبار لا تصلح لرفع الید عن القاعدة والأخبار المتقدمة والله العالم.

{نعم فی جملة من الأخبار أنه لو أتی بعمرة مفردة فی أشهر الحج جاز أن یتمتع بها، بل یستحب ذلک إذا بقی فی مکة إلی هلال ذی الحجة، ویتأکد

ص:137

إذا بقی إلی یوم الترویة، بل عن القاضی وجوبه حینئذ، ولکن الظاهر تحقق الإجماع علی خلافه.

إذا بقی إلی یوم الترویة، بل عن القاضی وجوبه حینئذ، ولکن الظاهر تحقق الإجماع علی خلافه} ففی المقام أمران:

الأول: جواز العدول عن العمرة المفردة إلی التمتع، وهذا علی تقدیر ثبوته یکون مخصصاً لما دل علی وجوب النیة.

الثانی: إنه مستحب مطلقاً أم یجب فی الجملة، فنقول: فلا إشکال فی جواز ذلک فی الجملة، قال المحقق فی الشرائع: ومن أحرم بالمفردة ودخل مکة جاز أن ینوی التمتع بها ویلزمه دم، انتهی.

وفی الجواهر((1)) عند ذلک کما صرح به غیر واحد، بل لا أجد فیه خلافاً، وفی موضع آخر بلا خلاف أجده، بل الإجماع محکی صریحاً وظاهراً علیه فی جملة من الکتب کالخلاف والمعتبر والمنتهی، انتهی.

وفی الحدائق: المعروف فی کلام الأصحاب (رضوان الله تعالی علیهم) أن من دخل مکة بعمرة مفردة فی غیر أشهر الحج فلیس له أن یتمتع بها، وإن کان فی أشهر الحج فإن له أن یتمتع بها، وإن شاء ذهب حیث شاء، والأفضل أن یقیم حتی یحج ویجعلها متعة، ثم نقل عن ابن البراج الوجوب إذا بقی إلی یوم الترویة.

وفی المستند من أحرم بالعمرة المفردة فی أشهر الحج ودخل مکة جاز

ص:138

ففی موثق سماعة عن الصادق (علیه السلام): «من حج معتمراً فی شوال ومن نیته أن یعتمر ورجع إلی بلاده فلا بأس بذلک، وإن هو أقام إلی الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن اعتمر فیهن فأقام إلی الحج فهی متعة، ومن رجع إلی بلاده ولم یقم إلی الحج فهی عمرة، وإن اعتمر فی شهر رمضان أو قبله فأقام إلی الحج فلیس بمتمتع، وإنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن یتمتع فی أشهر الحج بالعمرة إلی الحج، فلیخرج منها حتی یجاوز ذات عرق أو یتجاوز عسفان متمتعاً بعمرته إلی الحج فإن هو أحب أن یفرد الحج فلیخرج إلی الجعرانة

أن ینوی بها عمرة التمتع ویحج بعدها ویلزمه دم الهدی حینئذ إلخ.

ویدل علی الحکم المذکور روایات کثیرة.

{ففی موثق سماعة} أو صحیحه الذی رواه الصدوق {عن الصادق (علیه السلام): «من حج معتمراً فی شوال ومن نیته أن یعتمر ورجع إلی بلاده فلا بأس بذلک، وإن هو أقام إلی الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن اعتمر فیهن فأقام إلی الحج فهی متعة، ومن رجع إلی بلاده ولم یقم إلی الحج فهی عمرة، وإن اعتمر فی شهر رمضان أو قبله فأقام إلی الحج فلیس بمتمتع، وإنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن یتمتع فی أشهر الحج بالعمرة إلی الحج فلیخرج منها حتی یجاوز ذات عرق أو یتجاوز عسفان فیدخل متمتعاً بعمرته إلی الحج، فإن هو أحب أن یفرد الحج فلیخرج إلی الجعرانة

ص:139

فیلبی منها».

وفی صحیحة عمر بن یزید، عن أبی عبد الله : «من اعتمر عمرة مفردة فله أن یخرج إلی أهله إلا أن یدرکه خروج الناس یوم الترویة».

وفی قویة عنه (علیه السلام): «من دخل مکة معتمراً مفرداً للحج فیقضی عمرته کان له ذلک، وإن أقام إلی أن یدرکه الحج کانت عمرته متعة»، قال (علیه السلام): «ولیس تکون متعة إلا فی أشهر الحج».

وفی صحیحة عنه (علیه السلام): «من دخل

فیلبی منها»} ((1)).

{وفی صحیحة عمر بن یزید} التی رواها الصدوق أیضاً {عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من اعتمر عمرة مفردة فله أن یخرج إلی أهله إلا أن یدرکه خروج الناس یوم الترویة»((2))، وفی قویة} التی رواها الشیخ (رحمه الله) {عنه (علیه السلام): «من دخل مکة معتمراً مفرداً للحج فیقضی عمرته کان له ذلک، وإن أقام إلی أن یدرکه الحج کانت عمرته متعة، قال (علیه السلام): ولیس تکون متعة إلا فی أشهر الحج»((3)).

{وفی صحیحة} التی رواها الشیخ (رحمه الله) أیضاً {عنه (علیه السلام): «من دخل

ص:140

مکة بعمرة فأقام إلی هلال ذی الحجة فلیس له أن یخرج حتی یحج مع الناس».

وفی مرسل موسی بن القاسم: «من اعتمر فی أشهر الحج فلیتمتع»، إلی غیر ذلک من الأخبار.

مکة بعمرة فأقام إلی هلال ذی الحجة فلیس له أن یخرج حتی یحج مع الناس»((1))}.

{وفی مرسل موسی بن القاسم: «من اعتمر فی أشهر الحج فلیتمتع»}((2))، لکن فی الحدائق قال: وما رواه الشیخ عن موسی بن القاسم قال: أخبرنی بعض أصحابنا (رحمه الله) أنه سأل أبا جعفر (علیه السلام) فی عشر من شوال فقال: إنی أرید أن أفرد عمرة هذا الشهر، فقال له: «أنت مرتهن بالحج»، فقال: إن المدینة منزلی ومکة منزلة ولی بینهما أهل وبینهما أموال، فقال له: «أنت مرتهن بالحج»، فقال له الرجل: «فإن لی ضیاعاً حول مکة واحتاج إلی الخروج إلیها» فقال: «تخرج حلالا وترجع حلالا إلی الحج»((3)).

{إلی غیر ذلک من الأخبار} کصحیح یعقوب بن شعیب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المعتمر فی أشهر الحج، قال (علیه السلام): «هی متعة»((4)).

وخبر علی _ کما فی الحدائق _ قال: سأله أبو بصیر وأنا حاضر عمن أهلّ بالعمرة

ص:141

وقد عمل بها جماعة، بل فی الجواهر لا أجد فیه خلافا،

فی أشهر الحج له أن یرجع، قال: «لیس فی أشهر الحج عمرة یرجع منها إلی أهله ولکنه یحتبس بمکة حتی یقضی حجه لأنه إنما أحرم لذلک»((1)).

وصحیح عبد الله بن سنان، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن المملوک یکون فی الظهر یرعی وهو یرضی أن یعتمر ثم یخرج، فقال: «إن کان اعتمر فی ذی القعدة فحسن، وإن کان فی ذی الحجة فلا یصلح إلا الحج»((2)).

وخبر عبد الرحمن بن أبی عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «العمرة فی العشر متعة»((3)).

إلی غیر ذلک مما ذکره فی الحدائق وغیره.

{وقد عمل بها جماعة، بل فی الجواهر لا أجد فیه خلافاً}، وقد تقدمت عبارته وعبارتی الحدائق والمستند، فلیس فی أصل ذلک فی الجملة إشکال، وإنما فی القرینة الموجبة لحملها علی الاستحباب کما هو المشهور، خلافاً لابن البراج.

وما یمکن أن یستدل به لذلک أمور:

الأول: الإجماع، وفیه: المناقشة صغری وکبری.

الثانی: ما دل علی عدم وجوب أزید من حجة واحدة، وفیه: إنه إنما دل علی عدم الوجوب بلا سبب، أما بسبب فلا، ومن الأسباب ما ذکر فی هذه الروایات، کما أن من الأسباب النذر والعهد والیمین والإفساد والإجارة وغیرها.

ص:142

الثالث: خروج الحسین (علیه السلام) یوم الترویة بعد ما کان اعتمر بعمرة مفردة.

وفیه:

أولاً: إن فی خروجه (علیه السلام) اختلاف کما ستعرف.

وثانیاً: إنه کان مجبوراً کما لا یخفی، والکلام فی المختار.

الرابع: جملة من الروایات:

کصحیح عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا بأس بالعمرة المفردة فی أشهر الحج»((1)).

وصحیح إبراهیم بن عمر الیمانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنه سئل عن رجل خرج فی أشهر الحج معتمراً ثم رجع إلی بلاده، قال: «لا بأس إن حج فی عامه ذلک وأفرد الحج فلیس علیه دم، فإن الحسین بن علی (علیهما السلام) خرج قبل الترویة بیوم إلی العراق، وقد کان دخل معتمراً»، هکذا عن الکافی.

وعن التهذیب: «خرج یوم الترویة»((2)).

وعن معاویة بن عمار، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): من أین افترق المتمتع والمعتمر، فقال: «إن المتمتع مرتبط بالحج، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حیث شاء، وقد اعتمر الحسین (علیه السلام) فی ذی الحجة ثم راح یوم الترویة إلی العراق والناس یروحون إلی منی، ولا بأس بالعمرة فی ذی الحجة لمن لا یرید الحج»((3)).

ص:143

والظاهر أن هذا الخبر کاف فی حمل تلک الأخبار علی الاستحباب، وکذا ما قبله بقرینة استدلال الإمام (علیه السلام) بفعل الحسین (علیه السلام)، والإیراد بأنه کان مجبوراً غیر وارد، فإنه لم یکن مجبوراً فی أصل العمرة، ولا فی الخروج یوم الترویة، لا قبله علی تقدیر خروجه ذلک الیوم.

وأما صحیح عبد الله بن سنان، فلا یمکن الاستدلال به فی قبال أخبار ابن البراج، لإمکان تقییده بغیر الباقی إلی یوم الترویة.

ومثله فی ضعف الدلالة من هذا الحیث حسن نجیة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا دخل المعتمر مکة غیر متمتع فطاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة وصلی الرکعتین خلف مقام إبراهیم (علیه السلام) فلیلحق بأهله إن شاء»، وقال: «إنما نزلت العمرة المفردة والمتعة، إلا أن المتعة دخلت فی الحج ولم تدخل العمرة فی الحج»((1)).

ومن الغریب ما فی الحدائق: إن ظاهر الخبر المذکور عدم جواز الدخول فی حج التمتع بالعمرة المفردة وإن کانت فی أشهر الحج، ولهذا حمله الشیخ علی العمرة المفردة فی غیر أشهر الحج، انتهی.

إذاً معنی دخولها فی الحج وجوب إیقاعها فی أشهر الحج، کما صرح بذلک فی خبر فضل بن عیاض، عن الصادق (علیه السلام) وفیه: «فقال (صلی الله علیه وآله وسلم): دخلت العمرة فی الحج هکذا إلی یوم القیامة، وشبک بین أصابعه، یعنی فی أشهر الحج»((2))، الحدیث.

ص:144

وعلی هذا فمعنی خبر نجیة أن المتعة یلزم کونها فی أشهر الحج، دون العمرة فإنها لا یلزم أن تقع فی أشهره.

وکیف کان، ففی ما تقدم من خبری إبراهیم ومعاویة کفایة فی الدلالة علی القول المشهور، مضافاً إلی المؤیدات التی قد عرفتها، وقد عرفت من بعض الأخبار المتقدمة وجه قول المصنف (رحمه الله) ویتأکد إذا بقی إلی یوم الترویة.

ثم إنه حکی عن المسالک تقیید الانقلاب بما إذا لم تکن العمرة المفردة متعینة علیه بسبب من الأسباب، ونوقش فیه بأن مقتضی إطلاق الأدلة خلافه، ودفعه فی الجواهر((1)) بأن مراد المسالک ما إذا کان هناک سبب یقتضی تعین المفردة علی وجه لا یکفی فی امتثاله المتمتع بها، وفیه: إن الظاهر من کلام الشهید والمناقش کون البحث حول مثل العمرة المفردة الواجبة مطلقاً، لا مثل ما ذکره کما لو کان نذر أن یعتمر مفردة لا تنقلب إلی المتعة.

وکیف کان، فإطلاق الإدلة شاملة للعمرة المفردة المتأخرة عن حجة الإفراد والقران فی سنة أخری، والمفردة الواجبة باستقلالها للاستطاعة لها دون حجها، والواجبة بالنذر والعهد والیمین، ولو قیدها بما لم تنقلب لم تکف إذا أتی بها فی أشهر الحج علی القول بالانقلاب القهری، وهل تنقلب علیه فیما لو قدمها فی سنة واحدة علی الإفراد والقران بناءً علی المختار من جواز ذلک فیه تردد، والله العالم.

ص:145

ومقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حین إتیان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنه یصیر تمتعاً قهراً من غیر حاجة إلی نیة التمتع بها بعدها،

{ومقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حین إتیان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنه یصیر تمتعاً قهراً من غیر حاجة إلی نیة التمتع بها بعدها}، فإن قوله (علیه السلام) فی الموثق: «فهو متمتع». وفی القویة: «کانت عمرته متعة». وفی صحیح یعقوب: «هی متعة»، وفی خبر عبد الرحمان: «العمرة فی العشر متعة» ونحوها نص فی الانقلاب القهری.

وقد صرح بذلک الجواهر قائلا: کما أن المتجه إرادة التمتع بها بالنیة لا أنها تکون قهراً، وإن لم ینو وإن أفاده بعض النصوص السابقة، إلا أنا لم نجد قائلا به، بل الأصل یقتضی خلافه أیضاً ((1))، انتهی.

أقول: لکن ظاهر المستند العمل بذلک، لأنه بعد ذکر صحیحة عمر بن یزید قال: بل مقتضی الصحیحة جواز إیقاع حج التمتع بعدها وإن لم ینو بها التمتع، انتهی((2)).

وأما ما ذکره من مخالفة الأصل فلا یمنع بعد ورود النص، کما أن عدم وجدان القائل بعد عدم تعرض کثیر منهم للمسألة غیر ضائر، وأید مضافاً إلی أن الانقلاب لو کان قهریاً کان الإتمام واجباً، ولم یجز الخروج إلی أهله، وهو خلاف النص والفتوی، وأیضاً لا یصح له حج الإفراد وهو خلاف صریح خبر الیمانی، انتهی.

ص:146

بل یمکن أن یستفاد منها أن التمتع هو الحج عقیب عمرة وقعت فی أشهر الحج بأی نحو أتی بها، ولا بأس بالعمل بها،

وفیه نظر، فإن الانقلاب إنما یحصل إذا حج بعده حجة بنیة التمتع، کما هو مقتضی الجمع بین دلیل الانقلاب ودلیل جواز الخروج وعدم الحج ودلیل صحة حج الإفراد له.

وفی الدعائم، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) أنه قال: «ومن دخل مکة بعمرة فی شهور الحج ثم أقام بها إلی أن یحج فهو متمتع، وإن انصرف فلا شیء علیه وهی عمرة مفردة»((1)).

ثم إنه لا ینافی ما ذکرنا من الانقلاب القهری ما رواه الصدوق (رحمه الله)، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «العمرة مفروضة مثل الحج، فاذا أدی المتعة فقد أدی العمرة المفروضة، ومن اعتمر فی أشهر الحج عمرة مفردة فإن شاء ذهب حیث شاء، وإن شاء دخل بها فی الحج وجعلها عمرة تمتع»((2)).

فإن الجعل إنما هو بالدخول فی الحج بنیة التمتع کما لا یخفی.

{بل یمکن أن یستفاد منها أن التمتع هو الحج عقیب عمرة وقعت فی أشهر الحج بأی نحو أتی بها} فإن مضمرة أبی بصیر المتقدمة وغیرها کالصریح فی ذلک.

{ولا بأس بالعمل بها} ولا ینافیه خبر الیمانی، لأنه فی فرض الخروج من مکة

ص:147

لکن القدر المتیقن منها هو الحج الندبی ففیما إذا وجب علیه التمتع فأتی بعمرة مفردة ثم أراد أن یجعلها عمرة التمتع یشکل الاجتزاء بذلک عما وجب علیه، سواء کان حجة الإسلام أو غیرها مما وجب بالنذر أو الاستیجار

ولا الإجماع علی اعتبار النیة فی حج التمتع بعد الاضطرار الذی عرفت فی تفسیرهم للنیة المعتبرة، وکونه معلوم الاستناد المسقط لحجیته علی فرض حجیة الحدس منه.

نعم فیه نظر من جهة أخری، وهی أن المستفاد من الروایات أن ما لا یحتاج إلی نیة التمتع هی العمرة المتقدمة لا الحج الواقع بعدها، فالأقوی احتیاج الحج إلی النیة للأخبار المتقدمة، فإنه لا مخصص لعمومها.

نعم المستفاد من بعض الأخبار کون العمرة الواقعة فی أشهر الحج، أو فی العشر بنفسها متعة، وإن نوی غیرها، وهذا غیر الانقلاب، ففی العمرة احتمالات ثلاث:

الأول: إنها تنقلب بالنیة.

الثانی: إنها تنقلب بلا نیة.

الثالث: إنها لا تقع إلاّ متعة. وهذا هو الأقرب.

هذا فی العمرة، أما فی الحج فلا بد من النیة.

{لکن القدر المتیقن منها هو الحج الندبی، ففیما إذا وجب علیه التمتع فأتی بعمرة مفردة ثم أراد أن یجعلها عمرة التمتع یشکل الاجتزاء بذلک عما وجب علیه، سواء کان حجة الإسلام أو غیرها مما وجب بالنذر أو الاستیجار} لکن

ص:148

الثانی: أن یکون مجموع عمرته وحجه فی أشهر الحج، فلو أتی بعمرته أو بعضها فی غیرها لم یجز له أن یتمتع بها،

الأقرب العموم، لعدم ما یدل علی التقیید، ومجرد أنه فرد تنزیلی غیر ضائر، بل قد عرفت أن بعض النصوص مصرح بأنه لا عمرة إلا المتعة الموجبة لکونها من الأول کذلک، والقدر المتیقن إنما یکون فی ما کان الخطاب مجملاً، ولیس المقام منه، والله العالم.

ثم إنه یجوز للمفرد العدول إلی التمتع، کما سیأتی فی موضعه، وهذا تخصیص آخر لأدلة النیة.

{الثانی} مما یشترط فی حج التمتع: {أن یکون مجموع عمرته وحجه فی أشهر الحج، فلو أتی بعمرته أو بعضها فی غیرها لم یجز له أن یتمتع بها}، عن المدارک هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب، وفی الجواهر بلا خلاف، بل الإجماع بقسمیه علیه، وفی المستند ثم ما ذکرناه من اشتراط کون المجموع فی أشهر الحج مما وقع علیه الإجماع، ونقله علیه فی کلماتهم متکرر، ثم نقل الإجماع عن بعض.

ولم أجد فی الحدائق دعوی عدم الخلاف علی هذا الشرط وإنما ادعاه علی الشرط الثالث الذی هو أن یأتی بالحج والعمرة فی عام واحد، قال: وهو مما لا خلاف فیه بینهم.

وکأن ما فی المستمسک من نقله عدم الخلاف عنه فی هذه المسألة فی غیر محله، وأن النظر إنما وقع علی الشرط الثالث.

وکیف کان، فما یدل علی هذا الشراط نصوص مستفیضة، کصحیح عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث، وقال:

ص:149

«لیس تکون متعة إلا فی أشهر الحج»((1)).

وصحیحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الذی یلی المفرد للحج فی الفضل، فقال: «المتعة»، فقلت: وأما المتعة، فقال: «یهلّ بالحج فی أشهر الحج، فإذا طاف بالبیت وصلی رکعتین خلف المقام وسعی بین الصفا والمروة وقصر وأحل، فإذا کان یوم الترویة أهل بالحج»((2))، الحدیث.

وروایة سعید الأعرج، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «من تمتع فی أشهر الحج ثم أقام بمکة حتی یحضر الحج فعلیه شاة، ومن تمتع فی غیر أشهر الحج ثم جاور حتی یحضر الحج فلیس علیه دم إنما هی حجة مفردة»((3)).

وموثقة سماعة بن مهران، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «من حج معتمراً فی شوال ومن نیته أن یعتمر ویرجع إلی بلاده فلا بأس بذلک، وإن هو أقام إلی الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن اعتمر فیهن وأقام إلی الحج فهی متعة»((4)) _ الحدیث، إلی غیر ذلک.

{وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه علی الأصح} وهو المحکی، عن الإسکافی والصدوق والشیخ فی النهایة والمفید فی الأرکان

ص:150

وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه علی الأصح، لظاهر الآیة وجملة من الأخبار کصحیحة معاویة بن عمار وموثقة سماعة وخبر زرارة،

والقاضی فی شرح الجمل، وابن إدریس والشرائع ووافقهم المستند، بل حکی عن الأکثر، بل عن کافة المتأخرین، {لظاهر الآیة} وهی قوله تعالی:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾((1))، فإن الأشهر ظاهر فی تمامها.

{وجملة من الأخبار کصحیحة معاویة بن عمار}، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن الله تعالی یقول:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فیهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ﴾، وهی شوال وذو القعدة وذو الحجة»((2)).

{وموثقة سماعة} المتقدمة فی المتن فی الشرط الأول.

{وخبر زرارة} الذی رواه الکلینی، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة، لیس لأحد أن یحرم بالحج فی سواهن»((3)).

وصحیح أبان، المروی عن الصدوق، عنه، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی قول الله عز وجل: ﴿الحج أشهر معلوماتO قال: «شوال وذو القعدة وذو الحجة، ولیس لأحد أن یحرم بالحج فیما سواهن»((4)).

ص:151

وخبری معاویة بن عمار الحسن والقوی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فی قول الله عز وجل: ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فیهن الحجO والفرض التلبیة والإشعار والتقلید، فأی ذلک فعل فقد فرض الحج، ولا یفرض الحج إلا فی هذه الشهور التی قال الله عز وجل: ﴿الحج أشهر معلوماتO وهی شوال وذو القعدة وذو الحجة»((1)).

ومرسل الصدوق، وقال (علیه السلام): «ما خلق الله بقعة أحب إلیه من الکعبة ولا أکرم علیه منها، ولها حرم الله عز وجل الأشهر الحرم الأربعة فی کتابه یوم خلق السماوات والأرض ثلاثة منها متوالیة للحج وشهر مفرد للعمرة رجب»((2)).

أقول: الأشهر الحرم هنا بمعنی آخر غیر المعنی المشهور لدخول شوال وخروج المحرم، والمعنی المشهور بالعکس.

وفی الدعائم، عن أبی جعفر محمد بن علی (علیهما السلام) أنه قال: فی قول الله عز وجل: ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فیهن الحجO الآیة قال: «الأشهر المعلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة ولا یفرض الحج فی غیرها»((3)).

إلی غیر ذلک من الأخبار.

ص:152

فالقول بأنها الشهران الأولان مع العشر الأول من ذی الحجة کما عن بعض، أو مع ثمانیة أیام کما عن آخر، أو مع تسعة أیام ولیلة یوم النحر إلی طلوع فجره کما عن ثالث، أو إلی طلوع شمسه کما عن رابع، ضعیف، علی أن الظاهر أن النزاع لفظی،

{فالقول بأنها الشهران الأولان مع العشر الأول من ذی الحجة کما عن بعض}: الحسن والتبیان والجواهر وروض الجنان والسید والعمانی والدیلمی، کما حکی عنهم الجواهر والمستند، ویدل علیه ما رواه الکلینی (رحمه الله)، عن علی بن إبراهیم بإسناده، قال: «أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشرة من ذی الحجة».

{أو مع ثمانیة أیام کما عن آخر}: ابن زهرة فی الغنیة، لأنه جعلها الشهرین وتسع لیال فیخرج التاسع.

وعن الکافی: «وثمان لیال فیخرج الثامن».

{أو مع تسعة أیام ولیلة یوم النحر إلی طلوع فجره، کما عن ثالث}: الخلاف والمبسوط والوسیلة والجامع، وظاهر جمل العلم والعمل، والمصباح ومختصره ومجمع البیان ومتشابه القرآن، لأنه عبر فیها بأنها الشهران وعشر من ذی الحجة بالتأنیث الظاهر فی أن المراد اللیالی فیخرج الیوم العاشر.

{أو إلی طلوع شمسه کما عن رابع}: ابن إدریس فی موضع.

ولا یخفی التخالف بین المستند وغیره فی نسبة الأقوال، والظاهر وقوع الخلط فی الجملة.

{ضعیف} لما عرفت من أن النصوص علی خلافها، والمرسل الذی هو مستند القول الأول لا یقاومها، {علی أن الظاهر أن النزاع لفظی} کما اعترف به العلامة فی محکی المنتهی والمختلف، وکذا غیره، قال فی المستند: ولا فائدة فی

ص:153

فإنه لا إشکال فی جواز إتیان بعض الأعمال إلی آخر ذی الحجة، فیمکن أن یکون مرادهم أن هذه الأوقات هی آخر الأوقات التی یمکن بها إدراک الحج.

هذا النزاع، بل فی الحقیقة هو لفظی للاتفاق علی خروج وقت بعض الأفعال بمضی العشرة، وبقاء وقت البعض إلی ما بعدها أیضاً.

وکذا لا تنافی بین الأخبار المستفیضة المصرحة بأنها الثلاثة کملا، والنادر المتضمن للأولین والعشر، إذ لیس المراد فی الأولی أنه یصح وقوع جمیع الأفعال فی کل وقت من الثلاثة، ولا أنه یجب إیقاعها فی المجموع من حیث المجموع، ولا المراد فی الثانی أن الأولین مع العشر هی الأشهر((1)) إلخ، وقریب منه فی الجواهر.

وعن الدروس: إن الخلاف فیها لعله مبنی علی الخلاف الآتی فی فوات وقت المتعة، وفیه ما فی الجواهر من أنه لا یتم فی بعضها,

وکیف کان فمن حدد بثمان لیال ونحوه فالمراد آخر وقت فوت حج التمتع الذی یفوت بفوات وقت عمرته التی تفوت بیوم الترویة، ونحوه بناءً علی الأقوال فی تلک المسألة، فما فی المستمسک من أن جعل ذلک آخر الوقت غیر صحیح، محل نظر.

وعلی کل حال {فإنه لا إشکال فی جواز إتیان بعض الأعمال إلی آخر ذی الحجة، فیمکن أن یکون مرادهم أن هذه الأوقات هی آخر الأوقات التی یمکن بها إدراک الحج} وسیأتی وجه ذلک فی موضعه إن شاء الله.

ص:154

اختار الأول لخبر الأحول، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی رجل فرض الحج فی غیر أشهر الحج، قال: «یجعلها عمرة».

وقد یستشعر ذلک من خبر سعید الأعرج، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «من تمتع فی أشهر الحج ثم أقام بمکة حتی یحضر الحج من قابل فعلیه شاة، وإن تمتع فی غیر أشهر الحج ثم جاور حتی یحضر الحج فلیس علیه دم، إنما هی حجة مفردة، إنما الأضحی علی أهل الأمصار».

وهم من تقدم ذکرهم، {اختار الأول لخبر الأحول، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل فرض الحج فی غیر أشهر الحج؟ قال: «یجعلها عمرة»}.

{وقد یستشعر ذلک من خبر سعید الأعرج، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «من تمتع فی أشهر الحج ثم أقام بمکة حتی یحضر الحج من قابل فعلیه شاة، وإن تمتع فی غیر أشهر الحج ثم جاور حتی یحضر الحج فلیس علیه دم، إنما هی حجة مفردة، إنما الأضحی علی أهل الأمصار»}((1)).

ولا ینافی هذین الأخبار الدالة علی عدم صحة ذلک، کخبر زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة، لیس لأحد أن یحرم بالحج فیما سواهن»((2)).

وخبره الثانی((3)) کذلک.

ص:156

وخبر ابن اذینة قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «من أحرم بالحج فی غیر أشهر الحج فلا حج له، ومن أحرم دون المیقات فلا إحرام له»((1)).

إذ لا منافاة بین عدم کونه حجاً مع صیرورته عمرة، کما أنه لا إشکال فیهما من جهة الدلالة، إذ ظاهر خبر الأحول أنه أحرم بالحج، لا أنه یرید الإحرام بالحج، حتی یکون المعنی أن من أراد فرض الحج فی غیر أشهر الحج ثم جاور حتی یحضر الحج لا یقع حجه صحیحاً، بل ینبغی أن یجعل النسک الذی یرید فعله عمرة، والحمل علی ذلک یحتاج إلی قرینة مفقودة، والقول بأنه فی من فرض الحج، والکلام فیمن فرض العمرة متعة مردود، إذ فرض الحج أعم من فرض عمرة التمتع وفرض حج القران والإفراد، فإنه یطلق علیهما إطلاقاً لغویاً وشرعیاً وعرفیاً، ولا مجاز.

قال تعالی: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فیهِنَّ الْحَجَّ﴾((2)).

وقال تعالی: ﴿وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ﴾((3)) إلی غیر ذلک.

وأما خبر سعید فهو أصرح فی کون المراد عمرة التمتع.

ویؤید الخبرین خبر معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) ونحن بالمدینة: إنی اعتمرت فی رجب، وأنا أرید الحج فأسوق الهدی أو أفرد الحج أو أتمتع، قال: «فی کل فضل وکل حسن»، قلت: فأی ذلک أفضل؟ فقال: «إن علیاً کان

ص:157

ومقتضی القاعدة وإن کان هو ما ذکره صاحب المدارک، لکن لا بأس بما ذکره ذلک البعض للخبرین.

الثالث: أن یکون الحج والعمرة فی سنة واحدة، کما هو المشهور المدعی علیه

یقول: لکل شهر عمرة تمتع فهو والله أفضل»((1)) الحدیث، فالأقرب ما ذکره المصنف (رحمه الله).

{و} هو أن {مقتضی القاعدة وإن کان هو ما ذکره صاحب المدارک، لکن لا بأس بما ذکره ذلک البعض للخبرین} والله العالم.

ثم إنه یأتی فی الشرط الثالث الاضطراب الواقع فی الروایة بالنسبة إلی لفظة «فی القابل».

{الثالث} من شرائط حج التمتع: {أن یکون الحج والعمرة فی سنة واحدة}.

قال فی المستند: الثالث: أن یأتی بالحج وعمرته فی سنة واحدة بلا خلاف یعلم، کما فی الذخیرة، ومطلقا کما فی المدارک والمفاتیح وشرحه، بل بالاتفاق کما عن التذکرة((2))، انتهی.

وفی الجواهر: بلا خلاف فیه بین العلماء کافة، کما اعترف به فی المدارک وغیرها((3)) _ انتهی.

وفی الحدائق: وهو مما لا خلاف فیه بینهم {کما هو المشهور المدعی علیه

ص:158

الإجماع، لأنه المتبادر من الأخبار المبینة لکیفیة حج التمتع، ولقاعدة توقیفیة العبادات، وللأخبار الدالة علی دخول العمرة فی الحج وارتباطها به، والدالة علی عدم جواز الخروج من مکة بعد العمرة قبل الإتیان بالحج،

الإجماع} وذلک {لأنه المتبادر من الأخبار المبینة لکیفیة حج التمتع} التی منها أخبار حجة الوداع، بیانه أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أمر أصحابه بأخذ المناسک عنه، وقد کانت الکیفیة المأخوذة هی الجمع بینهما فی عام واحد، لأنه (صلی الله علیه وآله وسلم) أمرهم بالإحرام للحج فی تلک السنة التی اعتمروا فیها بالانقلاب.

وعلیه فکل کیفیة عدا تلک الکیفیة المأخوذة تحتاج إلی دلیل، ولیس فی المقام دلیل علی جواز الإتیان بالعمرة فی سنة، والحجة فی سنة أخری، فالقول بالتفکیک بینهما کالقول بالتفکیک بین وقوف عرفات ووقوف مشعر فی سنتین، فتأمل.

{ولقاعدة توقیفیة العبادات} ولم یرد إلا حجهم (علیهم السلام) فی سنة واحدة، فغیره یحتاج إلی دلیل، ویمکن أن یکون الفرق أن ظاهر أخبار کیفیة الحج ذلک، وفعلهم (علیهم السلام) أیضاً کذلک، کأخبار حجة الوداع، فتدبر.

{وللأخبار الدالة علی دخول العمرة فی الحج وارتباطها به، والدالة علی عدم جواز الخروج من مکة بعد العمرة قبل الإتیان بالحج}.

ص:159

کقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «دخلت العمرة فی الحج هکذا وشبک بین أصابعه»((1)).

والصحیح أو الحسن، عن حماد بن عیسی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «من دخل مکة متمتعاً فی أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضی الحج»((2))، الحدیث.

وروایة معاویة بن عمار، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): من أین افترق المتمتع والمعتمر، فقال: «إن المتمتع مرتبط بالحج، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حیث شاء»((3))، الحدیث.

وصحیح صفوان، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا دخل المعتمر مکة غیر متمتع فطاف بالبیت، وسعی بین الصفا والمروة، وصلی رکعتین خلف مقام إبراهیم (علیه السلام) فلیلحق بأهله إن شاء»، وقال: «إنما نزلت العمرة والمتعة لأن المتعة دخلت فی الحج، ولم تدخل العمرة فی الحج»((4)).

وخبر أبان، عمن أخبره، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المتمتع محتبس لا یخرج من مکة حتی یخرج إلی الحج، إلا أن یأبق غلامه، أو تضل راحلته، فیخرج محرما ولا یجاوز إلا علی قدر ما لا تفوته عرفة»((5)).

ص:160

وصحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قلت له: کیف أتمتع، قال: «تأتی الموقف فتلبی»، إلی أن قال: «ولیس لک أن تخرج من مکة حتی تحج»((1)).

وصحیحته الأخری، عنه (علیه السلام) قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): کیف أتمتع، فقال: «تأتی الموقف فتلبی بالحج، فإذا أتی مکة طاف وسعی وأحلّ من کل شیء وهو محتبس، لیس له أن یخرج من مکة حتی یحج»((2)).

وحسن معاویة، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنهم یقولون فی حجة متمتع حجته مکیة وعمرته عراقیة، فقال: «کذبوا، أو لیس هو مرتبطاً بحجته لا یخرج منها حتی یقضیه»((3)).

وخبر سعید بن المسیب: «کان أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) یعتمرون فی أشهر الحج، فإذا لم یحجوا من عامهم ذلک لم یهدوا»((4)).

وأشکل فی هذه الروایات فی محکی کاشف اللثام، بأن دلالة الجمیع ظاهرة الضعف، وکذلک فی المستند، قال: ولا یخفی ما فی جمیع تلک الأدلة من قصور الدلالة، وعدم التمامیة((5))، وتبعهما فی المستمسک.

أقول: وذلک لأن قوله (صلی الله علیه وآله وسلم) معناه أن الحج والعمرة

ص:161

فی أشهر الحج، کما تقدم من تفسیر الإمام (علیه السلام) له.

وصحیح حماد وما سیق مساقه إنما یمنع عن الخروج، أما من یعتمر ویبقی إلی السنة القابلة فلا.

ومادل علی ارتباطهما لا یدل علی أزید من أن أحدهما لا ینفک عن الآخر فی الوجوب والإتیان، بخلاف الإفراد والقران، حتی یجب أحدهما دون عمرته، ویمکن أن یأتی بأحدهما مستحباً دون عمرته، أو بالعکس.

وخبر سعید معناه أنهم إذا اعتمروا عمرة مفردة لم یهدوا، وذلک لعدم الهدی للعمرة المفردة، ولا یرید أنهم إذا اعتمروا للتمتع وأخروا الحج إلی العام القابل حتی یدل علی أنه ینقلب حینئذ إلی حج الإفراد غیر المحتاج إلی الهدی.

هذا ولکن الإنصاف أن العرف یفهمون من هذه الأخبار جملة الارتباط السنوی لا الارتباط بالمعنی المذکور فقط، ألا تری أنه لو قال المولی لعبده: اشتر لنا کذا وکذا فی شهر رمضان، وذان الأمران مرتبط أحدهما بالآخر، لم یکد یشک العرف فی أنه لا یصح أن یشتری أحدهما فی رمضان هذه السنة والآخر فی رمضان السنة الأخری، وهذه الدلالة وإن لم تکن لفظیة لکنها دلالة سیاقیة وکفی بها حجة، ولذا قال فی الجواهر بعد نقله عن کشف اللثام الإشکال فی الدلالة ما لفظه:

لا یخلو من نظر، خصوصا بالنسبة إلی بعضها الذی هو کالصریح فی أن عمرة التمتع مع حجه فی تلک السنة کالعمل الواحد، بل ظاهرها أنه لا یجوز له الاقتصار علی العمرة وجعلها مفردة بعد أن دخل متمتعاً بها، فإنه بذلک یکون مرتبطاً ومحتبسا

ص:162

بل وما دل من الأخبار علی ذهاب المتعة بزوال یوم الترویة أو یوم عرفة ونحوها،

بحج تلک السنة معها إلا مع الضرورة کما اعترف به فی المدارک حاکیاً له عن صریح الشیخ وجمع من الأصحاب((1))، انتهی.

{بل وما دل من الأخبار علی ذهاب المتعة بزوال یوم الترویة أو یوم عرفة ونحوها} مما یأتی فی المسألة الثالثة من هذا الفصل.

قال فی المستند: یدل علیه الأخبار المتکثرة المصرحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس یوم الترویة أو عرفة أو غروبها أو لیلة عرفة، والآمرة بجعلها حینئذ حجة مفردة المتقدمة أکثرها فی المسألة الثانیة، ولو لم یعتبر فی المتعة اتحاد سنة النسکین لم یصح ذلک النفی والحکم بالذهاب والأمر بالعدول علی الإطلاق، بل مطلقاً، والتقیید بمن أراد الحج فی سنة العمرة أو من لم یتمکن من البقاء إلی آخر عام تقیید بلا دلیل مع أن فی جواز التقیید بالإرادة من أصله نظراً((2))، انتهی.

وأشکل علیه فی المستمسک بأنها واردة فی العدول من عمرة التمتع إلی الإفراد لضیق الوقت، لا فی أن من أتم عمرته وضاق وقته عن إدراک الحج بطلت متعته((3))، انتهی.

ص:163

ولا ینافیها خبر سعید الأعرج المتقدم، بدعوی أن المراد من القابل فیه العام القابل، فیدل علی جواز إیقاع العمرة فی سنة والحج فی أخری، لمنع ذلک، بل المراد منه الشهر القابل

لکن الظاهر أن المستمسک لم یعط الحجة حقها من النظر، فإنه لو لم یکن الواجب الإتیان بحج التمتع فی هذه السنة لم یکن وجه للعدول عن عمرة التمتع إلی حج الإفراد، بل کان اللازم أن یتم العمرة ویؤخر حج التمتع إلی السنة الثانیة أو الثالثة ونحوها.

{ولا ینافیها خبر سعید الأعرج المتقدم} فی الشرط الثانی، وبین وجه المنافاة بقوله: {بدعوی أن المراد من القابل فیه العام القابل، فیدل علی جواز إیقاع العمرة فی سنة والحج فی أخری} وإنما قلنا بعدم المنافاة {لمنع ذلک، بل المراد منه الشهر القابل} کما احتمله فی الوسائل، قال: المراد من قابل الشهر لا السنة، لئلا ینافی ما تقدم، انتهی.

والذی یهون الخطب اضطراب النسخة، فإن الشیخ رواه بحذف کلمة «من قابل»، کما نقله عنه فی الوسائل، فیکون الحدیث ناظراً إلی الفرق بین المعتمر فی أشهر الحج، وإن کان فصل بین عمرته وحجه فإن علیه الدم لأنه تمتع، وبین المعتمر فی غیر أشهر الحج، فإنه لو حج لا دم علیه، أما الهدی فلأنه لیس بمتمتع، وأما الأضحیة فلأنها علی أهل الأمصار، بل فی الحدائق فی باب الهدی نقل الروایة عن الکافی بدون لفظة «من قابل»، وإن رواه عنه فی الحدائق فی شرائط حج

ص:164

علی أنه لمعارضة الأدلة السابقة غیر قابل، وعلی هذا فلو أتی بالعمرة فی عام وأخر الحج إلی العام الآخر لم یصح تمتعاً، سواء أقام فی مکة إلی العام القابل، أو رجع إلی أهله ثم عاد إلیها، وسواء أحل من إحرام عمرته أو بقی علیه إلی السنة الأخری، ولا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة فی هذه الصورة،

التمتع، وفی الوسائل عن الکافی مع تلک اللفظة، وعلی کل حال فهذا الاضطراب موجب للسقوط عن الحجیة بالنسبة إلی هذه الجهة.

{علی أنه لمعارضة الأدلة السابقة غیر قابل، وعلی هذا} فالأقوی هو مختار المشهور المدعی علیه الإجماع.

{فلو أتی بالعمرة فی عام وأخر الحج إلی العام الآخر لم یصح تمتعاً، سواء أقام فی مکة إلی العام القابل، أو رجع إلی أهله ثم عاد إلیها، وسواء أحل من إحرام عمرته، أو بقی علیه إلی السنة الأخری}، کل ذلک لإطلاق الأدلة الدالة علی هذا الشرط، کإطلاق الفتاوی.

{لا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة فی هذه الصورة} بقوله: أو أتی بالحج فی السنة القابلة فلیس بمتمتع.

نعم لو بقی علی إحرامه بالعمرة من غیر إتمام الأفعال إلی القابل احتمل الإجزاء، انتهی.

لکن فیه مضافاً إلی ما تقدم، أنه مناف للشرط الثالث الذی هو وقوع الحج والعمرة فی أشهر الحج، فإنه وقع بعض الإحرام فی غیر أشهره، إذ ظاهر أدلة

ص:165

ثم المراد من کونهما فی سنة واحدة أن یکونا معاً فی أشهر الحج من سنة واحدة، لا أن لا یکون بینهما أزید من اثنی عشر شهراً، وحینئذ فلا یصح أیضاً لو أتی بعمرة التمتع فی أواخر ذی الحجة وأتی بالحج فی ذی الحجة من العام القابل.

الرابع: أن یکون إحرام حجه من بطن مکة مع الاختیار، للإجماع

الوقوع فی أشهر الحج الوقوع بتمام خصوصیاته.

{ثم المراد من کونهما فی سنة واحدة أن یکونا معاً فی أشهر الحج من سنة واحدة، لا أن لا یکون بینهما أزید من اثنی عشر شهراً} لأن الأدلة دلت علی الأول لا علی الثانی {وحینئذ فلا یصح أیضاً لو أتی بعمرة التمتع فی أواخر ذی الحجة، وأتی بالحج فی ذی الحجة من العام القابل} وقد علم بذلک أیضاً أن عمرة التمتع یفوت وقتها من الیوم العاشر قطعاً، بل وقبله فی الجملة علی الاختلاف الآتی.

نعم العمرة المفردة تصح فی هذه الأوقات.

{الرابع} من شرائط حج التمتع: {أن یکون إحرام حجه من بطن مکة مع الاختیار، للإجماع}.

قال فی المستند: بلا خلاف کما قیل، بل بإجماع العلماء کما فی المدارک والمفاتیح وشرحه وغیرها((1))، انتهی.

ص:166

والأخبار

وقال فی الحدائق: وقد أجمع علماؤنا کافة علی أن میقات حج التمتع مکة((1))، انتهی.

وقال فی الجواهر: بلا خلاف أجده فیه نصاً وفتوی، بل فی کاشف اللثام الإجماع علیه((2))، انتهی.

{والأخبار} کصحیحة عمرو بن حریث الصیرفی، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): من أین أهلّ بالحج، قال: «إن شئت من رحلک، وإن شئت من الکعبة، وإن شئت من الطریق»((3)).

وفی بعض الروایات: «من المسجد»((4)) بدل «من الکعبة».

وهذه الصحیحة الصریحة کافیة فی المقام بعد کونها فی مقام البیان، مضافاً إلی غیرها.

کصحیحة معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا کان یوم الترویة إن شاء الله تعالی فاغتسل، ثم البس ثوبیک وادخل المسجد حافیاً، وعلیک السکینة والوقار، ثم صلّ رکعتین عند مقام إبراهیم (علیه السلام) أو فی الحجر، ثم اقعد حتی تزول الشمس، فصلّ المکتوبة ثم قل فی دبر صلاتک کما قلت حین أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج»((5)).

وصحیحة الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) لأهل مکة أن یتمتعوا،

ص:167

قال: «لا»، قلت: فالقاطنین بها، قال: «إذا أقاموا سنة أو سنتین صنعوا کما صنع أهل مکة، فإذا أقاموا شهراً فإن لهم أن یتمتعوا»، قلت: من أین، قال (علیه السلام): «یخرجون من الحرم»، قلت: من أین یهلون بالحج، فقال (علیه السلام): «من مکة نحواً ممن یقول الناس»((1)).

وصحیحته الأخری: عن الرجل یتمتع بالعمرة إلی الحج یرید الخروج إلی الطائف، قال: «یهل بالحج من مکة»((2))، الحدیث.

وصحیحة حماد، وفیها: فإن مکث شهراً، قال (علیه السلام): «یتمتع»، قلت: من أین، قال: «یخرج من الحرم»، قلت: أین یهل بالحج، قال: «من مکة نحواً مما یقول الناس»((3)).

وخبر دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) أنه قال فی المتمتع بالعمرة إلی الحج: «إذا کان یوم الترویة اغتسل ولبس ثوب إحرامه وأتی المسجد الحرام»، إلی أن قال: «ثم یحرم کما یحرم من المیقات» قال (علیه السلام): «وأهل مکة کذلک یحرمون للحج من مکة، وکذلک من أقام بها من غیر أهلها»((4)).

إلی غیر ذلک من الروایات، هذا مضافاً إلی الأخبار المعینة للمسجد ونحوه، بعد عدم الخصوصیة.

ص:168

ثم إنهم إنما قیدوا الإحرام بکونه من بطن مکة حتی یصدق الإحرام من مکة الذی هو مورد جملة من تلک الروایات، فإن المراد بالبطن ما کان علیه شیء من بنائها الصادق حتی علی السطح الخالی عن الحائط.

وعلی هذا فیتسع موضع الإحرام باتساع مکة، ویضیق بضیقها، واحتمال أن یکون المراد مکة التی فی زمن صدور الروایات مردود، بأن الحکم معلق علی العنوان، فیدور مداره، فهل مثل أن یقال أکرم العالم فإنه یدور مدار العلم، سواء کان فی زمن الصدور وغیره، فلو لم یکن عالما ثم صار أُکرم، ولو انعکس لم یُکرم.

وکیف کان، فیخرج الظهر الذی هو خارج البنیان إلا أن یحتمل کفایة حد الترخص وهو بعید.

أما علی نفس البنیان کما أحرم علی السور، فالظاهر صدق مکة علیه وإن لم یصدق علیه بطن مکة فتدبر.

وهل جو مکة محکوم بحکمها، فلو أحرم فی الطائرة المحلقة علی سمائها کفی، فیه تأمل، وإن کان لا یبعد التفصیل بین السماء القریب والبعید، فیکفی الأول دون الثانی.

وأما العمارات المرتفعة کاثنتی عشرة طبقة ونحوها مما هو المعمول الآن فالمقطوع کفایته، ومثل السماء فی الحکم البئر فإن کان قرارها قریباً وأحرم منه کفی، وإن کان بعیداً جداً بحیث لم یصدق علیه مکة لم یکف.

ثم إنه لا یتوقف صدق مکة علی البنیان، بل لو کان له متصلاً بداره الواقعة

ص:169

وما فی خبر إسحاق، عن أبی الحسن (علیه السلام) من قوله: «کان أبی مجاوراً هاهنا فخرج یتلقی بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم بالحج»، حیث إنه ربما یستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غیر مکة، محمول علی محامل أحسنها أن المراد بالحج عمرته، حیث إنها أول أعماله،

فی آخر مکة حدیقة له بدون سیاج صح الإحرام منها، لصدق مکة علیها، وأما صدقها علی البساتین التابعة ونحوها ففیه تأمل، والله العالم.

{وما فی خبر إسحاق} الصحیح الذی رواه عنه صفوان، {عن أبی الحسن (علیه السلام) من قوله} الآتی، حیث قال:

سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن المتمتع یجیء فیقضی متعته ثم تبدو له الحاجة فیخرج إلی المدینة وإلی ذات عرق، أو إلی بعض المعادن، قال (علیه السلام): «یرجع إلی مکة بعمرة إن کان فی غیر الشهر الذی تمتع فیه، لأن لکل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج»، قلت: فإن دخل فی الشهر الذی خرج فیه، قال (علیه السلام): {«کان أبی مجاوراً هاهنا فخرج یتلقی بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل هو محرم بالحج»((1))، حیث إنه ربما یستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غیر مکة} لأنه فی جواب من فعل عمرته ویرید الحج.

{محمول علی محامل أحسنها أن المراد بالحج عمرته، حیث إنها أول أعماله}، وإطلاق الحج علیها شائع عرفاً وشرعاً.

لکن هذا غیر تام، لأن السؤال إنما وقع عن الذی أتی بعمرة

ص:170

التمتع وهو یرید الحج، ولو کان مراد الإمام (علیه السلام) الإحرام بالعمرة لم یکن جواباً عن السؤال، وهو خلاف الظاهر.

وأما المحامل الأخر، فقد قال فی الجواهر بعد الإشکال المذکور:

لکن قد یدفع بإرادة العمرة من الحج فیه، بناءً علی جواز عمرتین فی شهر، أو بإرادة التعبد هنا بالإحرام به من غیرها، ثم تجدیده بها، إلی أن قال: أو بالعدول إلی الإفراد والقران، أو بجواز أن لا یکون السؤال عن المتمتع، بل عمن خرج فعاد فی شهر خروجه، علی أن یعود ضمیر «فإنه» إلی الرجل ونحوه، ثم احتمل إعراض الإمام (علیه السلام) عن الجواب وأجاب بأن له الإحرام بعمرة، إلی غیر ذلک من کلماته (رحمه الله) ((1))، انتهی.

وربما احتمل الحمل علی التقیة.

وفی الکل ما تری، خصوصاً الحمل علی التقیة، فإن فعل أبیه (علیه السلام) تقیة لا یوجب بیانه (علیه السلام) فی مقام إعطاء الحکم، والأقرب تخصیص الأدلة الأُول بهذا الصحیح، وأنه إنما یجب الإحرام بحج التمتع من مکة إذا لم یخرج. وأما إذا خرج ومر بذات عرق، فإنه یجوز له الإحرام منها.

 وإنما لم نقل بالوجوب، جمعاً بین هذا الصحیح وبین حسن حماد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من دخل مکة متمتعاً فی أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضی الحج، فإذا عرضت له حاجة إلی عسفان أو إلی الطائف أو إلی ذات عرق، خرج محرماً ودخل ملبیا بالحج فلا یزال علی إحرامه، فإن رجع إلی مکة

ص:171

رجع محرماً ولم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس إلی منی». قلت: فإن جهل فخرج إلی المدینة أو نحوها بغیر إحرام، ثم رجع إبان الحج فی أشهر الحاج یرید الحج أیدخلها محرما أو بغیر إحرام، فقال: «إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرما»((1))، الحدیث.

ونحوه فی هذه الجهة غیره، فإن صریحه أن من تمتع بالعمرة ثم خرج وأراد الدخول فی الشهر دخل محلاً، والصحیح الأول یدل علی الدخول محرماً بالحج، والجمع بینهما یقتضی جواز الأمرین.

ولذا قال فی محکی الدروس: ولو رجع فی شهره دخلها محلاً، فإن أحرم فیه من المیقات بالحج، فالمروی عن الصادق (علیه السلام) أنه فعله من ذات عرق وکان قد خرج من مکة إلیها.

وفی محکی التذکرة: لو خرج من مکة بغیر إحرام وعاد فی الشهر الذی خرج فیه استحب له أن یدخلها محرما بالحج، ویجوز له أن یدخلها بغیر إحرام علی ما تقدم.

وفی المستمسک: ولو أمکن تخصیص الأدلة الأُول بهذا _ أی بصحیح إسحاق _ وإخراج مورده منها کان هو المتعین((2))، انتهی.

وقد عرفت أنه أحد احتمالات

ص:172

نعم یکفی أی موضع منها کان، ولو فی سککها للإجماع، وخبر عمرو بن حریث، عن الصادق (علیه السلام): من أین أهل بالحج، فقال: «إن شئت من رحلک، وإن شئت من المسجد، وإن شئت من الطریق»،

الجواهر، لکن ما ذکره من التجدید لا دلیل علیه.

{نعم یکفی أی موضع منها کان، ولو فی سککها، للإجماع، وخبر عمرو بن حریث((1))} المتقدم {عن الصادق (علیه السلام)، من أین أهل بالحج، فقال: «إن شئت من رحلک، وإن شئت من المسجد، وإن شئت من الطریق»} واحتمال الجواز من الرحل الخارج من مکة، والطریق کذلک خلاف الظاهر.

ثم إن ما فی الفقه الرضوی: «فإذا کان یوم الترویة وجب أن یأخذ المتمتع من شاربه»، إلی أن قال: «ویدخل البیت ویحرم منه أو من الحجر، فإن الحجر من البیت وإن خرج من غیر ما وصفت من رحله، أو من المسجد، أو من أی موضع شاء یجوز أو من الأبطح»((2))، انتهی.

إن أرید بالأبطح خارج مکة کما هو الظاهر.

قال فی مجمع البحرین: فی الحدیث أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) صلی بالأبطح، یعنی مسیل وادی مکة، وهو مسیل واسع فیه دقاق الحصی أوله عند منقطع الشعب بین وادی منی، وآخره متصل بالمقبرة التی تسمی بالمعلی عند

ص:173

وأفضل مواضعها المسجد،

أهل مکة ویجمع علی الأباطح والبطاح بالکسر علی غیر القیاس((1))، انتهی.

فلابد من عدم العمل به لمنافاته لما تقدم من النص والإجماع، اللهم إلا أن یرید آخره المتصل بالمقبرة الداخل فی مکة.

{وأفضل مواضعها المسجد} اتفاقاً کما فی الحدائق، قال: وقد وقع الاتفاق علی أفضلیته من المسجد((2))، انتهی.

وعن المدارک وعن غیرهما أیضاً ذلک کما فی المستند.

ویدل علیه الأمر المتکرر به فی النصوص، بعد عدم تعیینه اتفاقاً کما عن التذکرة، مضافا إلی ما عرفت.

ففی روایة إبراهیم بن میمون، وفیها: «فإنک متمتع فی أشهر الحج وأحرم یوم الترویة من المسجد الحرام».

وفی صحیحة ابن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا کان یوم الترویة إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبیک وادخل المسجد»، إلی أن قال: «ثم صلّ رکعتین عند مقام إبراهیم (علیه السلام)، أو فی الحجر ثم أحرم بالحج»((3)).

وموثقة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا أردت أن تحرم یوم الترویة فاصنع کما صنعت حین أردت أن تحرم»، إلی أن قال: «ثم ائت

ص:174

وأفضل مواضعه المقام أو الحجر، وقد یقال: أو تحت المیزاب،

المسجد الحرام فصل فیه ست رکعات قبل أن تحرم وتقول: اللهم إنی أرید الحج»، إلی أن قال: «أحرم لک شعری وبشری ولحمی ودمی»((1))، الحدیث.

وفی خبر الدعائم المتقدم، عن الصادق (علیه السلام): «وأتی المسجد الحرام»، إلی أن قال: «وأحرم کما یحرم من المیقات»((2)).

وفی روایة عمر بن یزید: «إذا کان یوم الترویة فاصنع کما صنعت بالشجرة ثم صل رکعتین خلف المقام ثم أهل بالحج، فإن کنت ماشیاً فلب عند المقام وإن کنت راکباً فإذا نهض بعیرک»((3)).

وعن الدعائم فی سیاق حج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «ثم أحرموا للحج من المسجد الحرام»((4)).

وفی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث، فقال: «أما عملت أن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إنما أحرموا من المسجد، فقلت: إن أولئک کانوا متمتعین فی أعناقهم الدماء»((5)) الحدیث، إلی غیر ذلک من الأخبار.

{وأفضل مواضعه المقام أو الحجر، وقد یقال: أو تحت المیزاب}، قال فی

ص:175

المستند: وأفضله مقام إبراهیم أو الحجر مخیراً بینهما، وفاقاً للهدایة والمقنع والفقیه والمدارک لصحیحة ابن عمار المتقدمة، ولا ینافیها الأمر بالمقام فی روایة عمر بن یزید، لأنه لا یفید هنا أزید من الرجحان الإضافی، أو أحد فردی المستحب، لأنهما أیضاً من المجازات المحتملة بعد عدم إرادة الحقیقة بالإجماع، وفی النافع وعن الکافی والغنیة والجامع والتحریر والمنتهی والتذکرة والدروس وموضع من القواعد التخییر بین المقام وتحت المیزاب، وفی الشرائع وعن النهایة والمبسوط والمصباح ومختصره والمهذب والسرائر والمختلف الاقتصار علی المقام، وفی الإرشاد علی تحت المیزاب((1))، انتهی.

أقول: أما التخییر بین المقام والحجر فیدل علیه صحیح ابن عمار المتقدمة: «ثم صل رکعتین عند مقام إبراهیم أو فی الحجر»، الحدیث.

وأما ما دل علی المقام بالخصوص، فهو صحیح عمر بن یزید المتقدم، وفیه: «ثم صل رکعتین خلف المقام ثم أهلّ بالحج»((2)).

والرضوی: «وإذا کان یوم الترویة فاغتسل والبس ثوبیک اللذین للإحرام وادخل المسجد حافیاً وعلیک السکینة والوقار وصلّ عند المقام الظهر والعصر واعقد إحرامک دبر العصر وإن شئت دبر الظهر»((3))، الحدیث.

ص:176

ولو تعذر الإحرام من مکة أحرم مما یتمکن،

استدل به فی الحدائق، لکن فیه: إنه للمفرد بقرینة قوله بعد ذلک: «بالحج مفرداً».

وأما ما دل علی الحجر بالخصوص فهو ما تقدم فی الرضوی: «ویدخل البیت ویحرم منه أو من الحجر فإن الحجر من البیت».

هذا ومنه یعلم أن ما عن الشیخ من قوله: وأفضل المواضع التی یحرم منها المسجد وفی المسجد عند المقام، کما عن ابن إدریس وابن بابویه والمفید والعلامة فی المختلف والدروس قائلا: والأقرب إن فعله فی المقام أفضل من الحجر تحت المیزاب، کما حکاه عنهم فی الحدائق وغیره، غیر تام، بل هما علی السواء، کما أن تخصیص تحت المیزاب لم یظهر له دلیل، کما صرح بذلک الحدائق والجواهر وغیرهما.

ثم إن مما تقدم یعلم عدم التنافی بین ما دل علی أفضلیة الحجر أو المقام، وما دل علی المسجد مطلقاً، کموثق یونس بن یعقوب، سألت أبا عبد الله (علیه السلام) من أی المسجد أحرم یوم الترویة، قال: «من أی المسجد شئت»((1)).

ونحوه غیره.

ثم إن من خصص تحت المیزاب قبال الحجر کأنه أراد به أنه أفضل أمکنة الحجر، وإلا فهو من الحجر کما لا یخفی.

{ولو تعذر الإحرام من مکة أحرم مما یتمکن} بلا إشکال، لصحیحة علی

ص:177

ابن جعفر، عن أخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن رجل نسی الإحرام فذکره وهو بعرفات ما حاله، قال: یقول: «اللهم علی کتابک وسنة نبیک فقد تم إحرامه، فإن جهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلده إن کان قضی مناسکه کلها فقد تم حجه»((1)).

قال فی الحدائق: لو تعذر الاستیناف من مکة فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه یستأنف حیث أمکن ولو بعرفة إن لم یتعمد ذلک، بمعنی أنه إن تعمد الإحرام من غیر مکة مع إمکان الإحرام منها، فإنه یبطل إحرامه، وإن أحرم من غیرها جهلاً أو نسیاناً فإنه یجب علیه أن یستأنفه حیث أمکن ولو بعرفة((2))، انتهی.

وقال فی المستند: لو أحرم بحج التمتع من غیر مکة عمداً اختیاراً لم یجزه ویستأنفه منها لتوقف الواجب علیه، ولا یکفی دخولها محرماً، ولا بد من الاستیناف منها علی المعروف من مذهب الأصحاب لما مر، ولو نسی الإحرام منها یعید إلیها وجوباً للإحرام مع المکنة، ولو تعذر العود إلیها لخوف أو ضیق وقت أو غیرهما أحرم من موضعه ولو بعرفات((3))، انتهی.

أقول: تارک الإحرام بمکة، إما أن یتمکن من العود إلی مکة والإحرام منها بدون فوت شیء من الواجبات أم لا، فإن تمکن وجب للنصوص المتقدمة

ص:178

الدالة علی وجوب الإحرام من مکة من غیر فرق بین أن أحرم من غیرها أم لا، للإطلاق، وإن لم یتمکن فإما أن یکون ترکه عمداً أو نسیاناً أو جهلاً أو عذراً أو غیرها، کما لو کان مغمی علیه فأحضر فی الموقف بلا إحرام، فإن کان عمداً فالظاهر البطلان، لعدم دلیل علی الصحة فی هذه الصورة، لا بإحرام من هناک ولا بدون إحرام، وقد یحتمل الصحة لصحیحة الحلبی الواردة فی إحرام العمرة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ترک الإحرام حتی دخل الحرم، فقال: «یرجع إلی میقات أهل بلاده الذین یحرمون عنه فیحرم، فإن خشی أن یفوته الحج فلیحرم من مکانه، فإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج»((1)).

بناءً علی عدم فهم الخصوصیة، لکن فیه ما لا یخفی.

وإن کان نسیاناً فالصحة بلا إشکال، لصحیحة علی بن جعفر المتقدمة.

والظاهر عدم الفرق بین الذکر بعرفات وغیرها لما یفهم من الذیل، کما أنه لو لم یذکر إلی الآخر صح أیضاً لذلک، ثم إن الظاهر أنه إنما یکتفی بالإحرام من عرفات إذا لم یتمکن من الرجوع بلا فوت شیء من الواجبات، فإن الصحیحة لا إطلاق لها بعد معلومیة استلزام الرجوع الفوت فی تلک الأزمنة، وإن کان حضرها قبل الظهر، وإن کان جهلا فهو کالنسیان علی الأصح، لمرسل جمیل، عن أحدهما (علیهما السلام) فی رجل نسی أن یحرم أو جهل وقد شهد المناسک کلها وطاف وسعی؟ قال:

ص:179

«یجزیه نیته إذا کان قد نوی ذلک فقد تم حجه وإن لم یهل»((1)).

وصحیح علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن رجل کان متمتعا خرج إلی عرفات وجهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلاده، قال: «إذا قضی المناسک کلها فقد تم حجه»((2)).

بناءً علی أن المستفاد من الروایتین تساوی الجهل للنسیان، ویدل علیه أیضاً عموم قوله (علیه السلام): «أیما امرئ رکب أمراً بجهالة فلا شیء علیه»((3)).

وإن کان عذراً کما لو ألجأ إلی الخروج ولم یکن له وقت الإحرام، کما لو کان آخر بلدة مکة فدفع إلی خارجها قسراً، ولا یبعد أن یکون حکمه حکم الناسی والجاهل للعلة فی مرسل جمیل وصحیح ابن جعفر.

وإن کان لإغماء ونحوه فهو أیضاً کذلک للعلة.

ومرسل جمیل، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «فی مریض أغمی علیه حتی أتی الوقت؟ فقال: یحرم عنه»((4)).

ومرسله الآخر فی مریض أغمی علیه فلم یعقل حتی أتی الوقت، فقال: «یحرم عنه رجل»((5)).

فإن الظاهر أن المراد إنه یفعل به فعل المحرم فإذا کان ذلک کان

ص:180

ولو أحرم من غیرها اختیاراً متعمداً بطل إحرامه، ولو لم یتدارکه بطل حجه، ولا یکفیه العود إلیها بدون التجدید، بل یجب أن یجدده لأن إحرامه من غیرها کالعدم، ولو أحرم من غیرها جهلاً أو نسیاناً وجب العود إلیها، والتجدید مع الإمکان،

فعله بنفسه کافیاً لعدم فهم الخصوصیة، مضافاً إلی قوله (علیه السلام): «ما غلب الله علیه فهو أولی بالعذر»((1)).

ومما ذکرنا یعلم وجه قوله: {ولو أحرم من غیرها اختیاراً متعمداً بطل أحرمه، ولو لم یتدارکه} بالرجوع إلی مکة والإحرام منها {بطل حجه، ولا یکفیه العود إلیها بدون التجدید} إذ مجرد دخول مکة بهیئة الإحرام غیر کاف، لأنه لیس بإحرام.

قال فی الجواهر: لا إشکال، بل ولاخلاف محقق فی فساد الإحرام لحج التمتع من غیر مکة مع الاختیار، فلا یجدیه حینئذ المرور فیها ما لم یجدد الإحرام منها له کما هو واضح، انتهی((2)).

{بل یجب أن یجدده لأن إحرامه من غیرها کالعدم} بل عدم، ومن هنا یعلم أن تسمیته تجدیداً مجاز للمشاکلة.

{ولو أحرم من غیرها جهلاً أو نسیاناً وجب العود إلیها، والتجدید مع الإمکان} لما عرفت من کونه مقتضی القاعدة.

ص:181

ومع عدمه جدده فی مکانه.

الخامس: ربما یقال إنه یشترط فیه أن یکون مجموع عمرته وحجه من واحد وعن واحد، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن میت

{ومع عدمه جدده فی مکانه} لأن الإحرام السابق باطل، وقد اختاره هذا فی الشرایع وتبعه الجواهر والمستند وغیرهما، خلافاً للمحکی عن الشیخ وکشف اللثام والتذکرة حیث اکتفوا بالإحرام السابق للأصل ومساواة ما فعله لما یستأنفه فی الکون من غیر مکة.

أقول: لا یبعد التفصیل بأنه إن أحرم أولاً من غیر مکة فی وقت ما کان یسعه الرجوع إلی مکة لو أراد، فالصحة وعدم الاحتیاج إلی التجدید للعلة المتقدمة المؤیدة بالعلة فی موثقة زرارة الواردة فی الحائض التارکة للإحرام جهلا من قوله (علیه السلام): «إنها تحرم من مکانها قد علم نیتها»((1)).

هذا مضافاً إلی أنه حینئذ لیس مکلفاً بالرجوع إلی مکة، لاستلزامه فوت الحج المفروض أن الشارع لا یریده، وإن کان التجدید أحوط، وإن أحرم فی وقت کان یسعه الرجوع بالبطلان لأنه ما کان مکلفاً بذلک والأصل الفساد والمساواة قیاس، والله العالم.

{الخامس} من شرائط حج التمتع: {ربما یقال: إنه یشترط فیه أن یکون مجموع عمرته وحجه من واحد وعن واحد، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن میت

ص:182

أحدهما لعمرته والأخری لحجه لم یجز عنه، وکذا لو حج شخص وجعل عمرته عن شخص وحجه عن آخر لم یصح،

أحدهما لعمرته والأخری لحجه لم یجز عنه}، إذ هو مناف لاشتراط کونه من واحد.

{وکذا لو حج شخص وجعل عمرته عن شخص وحجه عن آخر لم یصح} إذ هو مناف لاشتراط کونه عن واحد.

قال فی الجواهر: وظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غیر الشرائط الأربعة أو الثلاثة فی حج التمتع، لکن عن بعض الشافعیة اشتراط أمر آخر وهو کون الحج والعمرة عن شخص واحد، فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص والعمرة عن آخر تبرعاً مثلاً لم یصح، ویمکن أن یکون عدم ذکر أصحابنا لذلک اتکالا علی معلومیة کون التمتع عملاً واحداً عندهم، ولا وجه لتبعیض العمل الواحد، فهو فی الحقیقة مستفاد من کون حج التمتع قسماً مستقلاً، ویمکن أن لا یکون ذلک شرطاً عندهم، لعدم الدلیل علی الوحدة المزبورة، ثم استدل بالخبر الآتی إلی أن قال: وأما الوقوع عن شخص واحد فلم أجد فی کلام أحد التعرض له، بمعنی أنه لو فرض إلتزامه بحج التمتع بنذر وشبهه فاعتمر عمرته ومات مثلا فهل یجزی نیابة أحد عنه مثلا یحج عن مکة، وإن کان الذی یقوی عدم الإجزاء إن لم یکن دلیل خاص((1))، انتهی.

ص:183

ولکنه محل تأمل، بل ربما یظهر من خبر محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) صحة الثانی، حیث قال: سألته عن رجل یحج عن أبیه أیتمتع؟ قال: نعم المتعة له والحج عن أبیه.

{ولکنه محل تأمل، بل ربما یظهر من خبر محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) صحة الثانی، حیث قال: سألته عن رجل یحج عن أبیه أیتمتع؟ قال: «نعم المتعة له، والحج عن أبیه»}((1)).

ومثله فی الدلالة خبر الحرث بن المغیرة الذی رواه الشیخ والصدوق، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل تمتع عن أمه وأهلّ بحجة عن أبیه؟ قال (علیه السلام): «إن ذبح فهو خیر له، وإن لم یذبح فلیس علیه شیء لأنه إنما تمتع عن أمه وأهلّ بحجة عن أبیه»((2)).

وظاهر الخبرین التفکیک فی من عنه الحج، والاحتمالات التی ذکرها المستمسک خلا ما ذکر خلاف الظاهر، کما أن قوله: والإنصاف أنه علی تقدیر الظهور لا مجال للأخذ به فی مقابل النصوص الدالة علی الارتباط((3))، انتهی.

ممنوع، إذ الارتباط لا ینافی کون ذین عن نفرین، فالأقرب جواز ذلک بالنسبة إلی من عنه، ولا وجه لحمل الوسائل الخبر الثانی علی حج الإفراد، بقوله: العمرة هنا محمولة علی المفردة والحج علی الإفراد ووجه المجاز تقدم العمرة علی الحج((4))، انتهی.

کما لا وجه لما فی حاشیته

ص:184

من الحمل علی ذلک، وأن وجه المجاز مقارنتهما زماناً ظاهراً، فإن ذلک خلاف الظاهر ولا وجه لارتکابه ما لم تکن قرینة والفرض فقدها فی المقام.

وأما جواز التفکیک بالنسبة إلی الفاعل بأن یأتی شخص العمرة والآخر الحج، فالأقوی عدمه لأنه خلاف کون المعتمر مرتهن بالحج، ودخول العمرة فی الحج، وغیرهما مما تقدم من أدلة الارتباط، والله العالم.

ص:185

وذلک لجملة من الأخبار الناهیة للخروج، والدالة علی أنه مرتهن ومحتبس بالحج، والدالة علی أنه لو أراد الخروج خرج ملبیا بالحج، والدالة علی أنه لو خرج محلا فإن رجع فی شهره دخل محلا، وإن رجع فی غیر شهره دخل محرماً،

کما عن الحلی والفاضلین فی بعض کتبهما((1))، انتهی.

{وذلک لجملة من الأخبار الناهیة عن الخروج، والدالة علی أنه مرتهن ومحتبس بالحج، والدالة علی أنه لو أراد الخروج خرج ملبیاً بالحج، والدالة علی أنه لو خرج محلاً فإن رجع فی شهره دخل محلاً، وإن رجع فی غیر شهره دخل محرماً}، کصحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قلت له: کیف أتمتع؟ قال (علیه السلام): «تأتی الوقت فتلبی»، إلی أن قال: «ولیس لک أن تخرج من مکة حتی تحج»((2)).

وصحیح حماد بن عیسی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من دخل مکة فی أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضی الحج، فإن عرضت له حاجة إلی عسفان، أو إلی الطائف، أو إلی ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبیاً بالحج فلا یزال علی إحرامه، فإن رجع إلی مکة رجع محرماً ولم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس إلی منی». قلت: فإن جهل فخرج إلی المدینة أو إلی نحوها

ص:187

بغیر إحرام ثم رجع فی إبان الحج فی أشهر الحج یرید الحج فیدخلها محرما أو بغیر إحرام، قال (علیه السلام): «إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرماً». قلت: فأی الإحرامین والمتعتین متعته الأولی أو الأخیرة، قال (علیه السلام): «الأخیرة هی عمرته وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته». قلت: فما فرق بین المفردة وبین عمرة المتعة إذا دخل فی أشهر الحج، قال: «أحرم بالحج وهو ینوی العمرة ثم أحل منها ولیس علیه دم ولم یکن محتبساً لأنه لا یکون ینوی الحج»((1)).

وصحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «تمتع فهو والله أفضل»، ثم قال: «إن أهل مکة یقولون إن عمرته عراقیة وحجته مکیة، کذبوا ألیس هو مرتبطاً بالحج لا یخرج حتی یقضیه»((2)).

وصحیح الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یتمتع بالعمرة إلی الحج یرید الخروج إلی الطائف، قال (علیه السلام): «یهل بالحج من مکة وما أحب أن یخرج منها إلاّ محرماً، ولا یتجاوز الطائف إنها قریبة من مکة»((3)).

وخبر علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه موسی بن جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن رجل قدم متمتعاً ثم أحل قبل یوم الترویة أله الخروج؟ قال: «لا

ص:188

یخرج حتی یحرم بالحج ولا یجاوز الطائف وشبهها»((1)).

ومرسل موسی بن القاسم، عن بعض أصحابنا، إنه سأل أبا جعفر (علیه السلام) فی عشر من شوال فقال: إنی أرید أن أفرد عمرة هذا الشهر، فقال: «أنت مرتهن بالحج». فقال له الرجل: إن المدینة منزلی ومکة منزلی ولی بینهما أهل وبینهما أموال، فقال: «أنت مرتهن بالحج». فقال له الرجل: فإن لی ضیاعاً حول مکة وأحتاج إلی الخروج إلیها، فقال (علیه السلام): «تخرج حلالاً وترجع حلالاً إلی الحج»((2)).

وصحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): کیف أتمتع، فقال (علیه السلام): «تأتی الوقت وتلبی بالحج، فإذا أتی مکة طاف وسعی وأحل من کل شیء وهو محتبس ولیس له أن یخرج من مکة حتی یحج»((3)).

وصحیح حفص البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل قضی متعته وعرضت له حاجة أراد أن یمضی إلیها، قال: فقال: «فلیغتسل للإحرام ولیهل بالإحرام بالحج ولیمض فی حاجته، فإن لم یقدر علی الرجوع إلی مکة مضی إلی عرفات»((4)).

ص:189

والأقوی عدم حرمة الخروج وجوازه محلاً، حملا للأخبار علی الکراهة، کما عن ابن إدریس وجماعة أخری بقرینة التعبیر بلا أحب فی بعض تلک الأخبار، وقوله (علیه السلام) فی مرسلة الصدوق (رحمه الله): «إذا أراد المتمتع الخروج من مکة إلی بعض المواضع فلیس له ذلک،

وخبر علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام) قال: وسألته عن رجل قدم مکة متمتعا فأحل أیرجع، قال: «لا یرجع حتی یحرم بالحج ولا یجاوز الطائف وشبهها مخافة أن لا یدرک الحج، فإن أحب أن یرجع إلی مکة رجع، وإن خاف أن یفوته الحج مضی علی وجهه إلی عرفات»((1)).

إلی غیر ذلک من الأخبار التی تأتی جملة أخری منها أیضاً.

{والأقوی عدم حرمة الخروج وجوازه محلاً، حملاً للأخبار علی الکراهة، کما عن ابن إدریس وجماعة أخری} کالشیخ فی ظاهر التهذیب وموضع من النهایة والمبسوط والفاضلین فی النافع والمنتهی والتذکرة وموضع من التحریر.

{بقرینة التعبیر بلا أحب فی بعض تلک الأخبار} کما فی صحیح الحلبی: «وما أحب أن یخرج منها إلا محرما»((2)).

{وقوله (علیه السلام) فی مرسلة الصدوق (رحمه الله)} فی الفقیه، قال الصادق (علیه السلام): {«إذا أراد المتمتع الخروج من مکة إلی بعض المواضع فلیس له ذلک

ص:190

لأنه مرتبط بالحج حتی یقضیه، إلا أن یعلم أنه لا یفوته الحج» ونحوه الرضوی، بل وقوله (علیه السلام) فی مرسل أبان: «ولا یتجاوز إلا علی قدر ما لا تفوته عرفة»، إذ هو وإن کان بعد قوله: فیخرج

لأنه مرتبط بالحج حتی یقضیه إلا أن یعلم أنه لا یفوته الحج} وإن علم وخرج وعاد فی الشهر الذی خرج فیه دخل مکة محلا، وإن دخلها فی غیر ذلک الشهر دخلها محرماً»((1)).

{ونحوه الرضوی}: «فإذا أراد المتمتع الخروج من مکة إلی بعض المواضع فلیس له ذلک، لأنه مرتبط بالحج حتی یقضیه إلا أن یعلم أنه لا یفوته الحج، فإن علم وخرج ثم رجع فی الشهر الذی خرج فیه دخل مکة محلا، وإن رجع فی غیر ذلک الشهر دخلها محرما»((2)).

وعن بعض نسخه، عن أبیه، أنه قال: «المعتمر لا یخرج حتی یقضی حجه»((3)).

{بل وقوله (علیه السلام) فی مرسل أبان} بن عثمان، عمن أخبره، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المتمتع محتبس لا یخرج من مکة حتی یخرج إلی الحج إلا أن یأبق غلامه أو تضل راحلته فیخرج محرما»((4)).

{ولا یتجاوز إلا علی قدر ما لا تفوته عرفة، إذ هو وإن کان بعد قوله: «فیخرج

ص:191

محرماً، إلا أنه یمکن أن یستفاد منه أن المدار فوت الحج وعدمه،

محرماً»} وهو بظاهره مناف لما نریده من جواز الخروج بغیر إحرام، {إلا أنه یمکن أن یستفاد منه أن المدار فوت الحج وعدمه}.

ونحوه فی الدلالة خبر علی بن جعفر المتقدم، بل یدل علیه أیضاً صحیح إسحاق المتقدم، فإنه لو لم یکن الخروج جائزاً إلا لضرورة لزم تنبیه الإمام (علیه السلام)، إذ مجرد الحاجة غیر کاف إذا لم یبلغ حد الضرورة، مضافاً إلی أنه یلزم علیه حینئذ الإحرام، لأن الاضطرار إلی الخروج لا إلی ترک الإحرام.

ومثله ترک الإمام (علیه السلام) الإحرام کما یظهر من إحرامه (علیه السلام) من المیقات، بل ومرسل موسی بن القاسم أیضاً فی الجملة، إذ الإضطرار إلی الخروج لا ینافی الإحرام للحج.

وبعد هذه الجملة من الأخبار لا بد من حمل تلک النواهی علی الکراهة، وما أکثر النواهی الواردة فی الشریعة التی یراد بها التنزه لا التحریم.

والقول بعدم حجیة مرسل الصدوق لإرساله، وعدم تمامیة دلالته لاحتمال استناده إلی الاجتهاد، فی غیر محله، إذ مراسیل الفقیه بعد ضمانه فی حکم المسانید، واحتمال الاجتهاد خلاف الظاهر.

ومثله القول بعدم دلالة «ما أحب» علی الجواز لأنه یستعمل فی الحرام، کقوله تعالی:﴿لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾((1)) ونحوه، إذ مجرد الاستعمال غیر صارف للظاهر.

ومن ذلک یظهر دفع الإشکال فی نحو «مخافة أن لا یدرک الحج»، وجه الإشکال أنه حکمة التشریع لا علة الحکم حتی یدور مدارها، فهو من قبیل «لو لا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک» فخوف المولی أوجب تحریم الخروج وإن لم یخف العبد، بل تیقن

ص:192

بل یمکن أن یقال: إن المنساق من جمیع الأخبار المانعة أن ذلک للتحفظ عن عدم إدراک الحج وفوته لکون الخروج فی معرض ذلک، وعلی هذا فیمکن دعوی عدم الکراهة أیضاً مع علمه بعدم فوات الحج منه،

عدمه، وجه الدفع إنالم نذکر هذا إلاّ مؤیداً، وبعد حمل النهی علی استحباب بقرینة روایة الفقیه وغیرها لا یضرنا حمل المخافة ونحوها علی الحکمة، ومن هنا اختار غیر واحد من المعاصرین ما اختاره المصنف (رحمه الله) تبعاً لمن عرفت من الشیخ والحلی والفاضلین وغیرهم.

{بل یمکن أن یقال: إن المنساق من جمیع الأخبار المانعة أن ذلک} النهی عن الخروج {للتحفظ عن عدم إدراک الحج وفوته، لکون الخروج فی معرض ذلک} فإن قوله: «ولا یجاوز الطائف إنها قریبة من مکة»، وقوله: «ولا یجاوز الطائف وشبهها»، وقوله: «فإن لم یقدر علی الرجوع إلی مکة مضی إلی عرفات»، وقوله: «مخافة أن لا یدرک الحج» إلی غیر ذلک من قرائن الإرشاد.

ولذا رفع (علیه السلام) الید عن النهی إذا علم أنه لا یفوته الحج فی روایة الفقیه، وخصصه بما إذا لم یعلم الفوت وعدمه أو علم الفوت، ولو کان النهی مولویا بحکمة معرضیة الفوت لم یکن فرق بین علم المکلف بعدم الفوت وبین غیره.

{وعلی هذا فیمکن دعوی عدم الکراهة أیضاً} کعدم التحریم {مع علمه بعدم فوات الحج منه} لکن الظاهر أنه علی هذا یکون العلم طریقیاً لا موضوعیاً، کما هو الشأن فی سائر الأوامر والنواهی الإرشادیة.

ص:193

نعم لا یجوز الخروج لا بنیة العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج، ثم الظاهر إن الأمر بالإحرام إذا کان رجوعه بعد شهر إنما هو من جهة أن لکل شهر عمرة، لا أن یکون ذلک تعبداً، أو لفساد عمرته السابقة، أو لأجل وجوب الإحرام علی من دخل مکة،

{نعم لا یجوز الخروج لا بنیة العود، أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج} بناءً علی الإرشادیة لا یکون الخروج فی الصورتین حراماً، بل المحرم هو ترک الحج إذا صادف ذلک.

نعم فی الخروج حینئذ تجرٍ، لکن الإنصاف أن النفس غیر مطمئنة بالإرشادیة، فالأقرب هو حمل النواهی علی الکراهة حملاً للأصل فی الأوامر والنواهی الذی هو المولویة، والله العالم.

{ثم الظاهر} لدی المصنف {إن الأمر بالإحرام إذا کان رجوعه بعد شهر إنما هو من جهة أن لکل شهر عمرة، لا أن یکون ذلک تعبداً، أو لفساد عمرته السابقة، أو لأجل وجوب الإحرام علی من دخل مکة} وذلک لأن التعبد بعید، والفساد لا وجه له بعد وقوعها علی وجه الشرعی، ووجوب الإحرام علی من دخل مکة وإن احتمله الشهید حیث قال: هل هذه عمرة التمتع حقیقة أو لضرورة الدخول إلی مکة لمکان الإحرام احتمالان، انتهی. إلا أن الأخبار الدالة علی أنها عمرته لا الأولی تنافی ذلک فتدبر.

مضافاً إلی أنه قد لا یکون خرج عن الحرم مع أنه

ص:194

بل هو صریح خبر إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن المتمتع یجیء فیقضی متعته ثم تبدو له حاجة فیخرج إلی المدینة أو إلی ذات عرق أو إلی بعض المنازل، قال (علیه السلام): یرجع إلی مکة بعمرة إن کان فی غیر الشهر الذی تمتع فیه، لأن لکل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج إلخ، وحینئذ فیکون الحکم بالإحرام إذا رجع بعد شهر علی وجه الاستحباب لا

خرج عن مکة، فإنه إذا کان الإحرام لدخول الحرم لم یجب، مع إطلاق النص بالإحرام المقتضی لوجوبه علیه أیضاً.

{بل هو صریح خبر إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن المتمتع یجیء فیقضی متعته ثم تبدو له حاجة فیخرج إلی المدینة أو إلی ذات عرق أو إلی بعض المنازل، قال (علیه السلام): «یرجع إلی مکة بعمرة إن کان فی غیر الشهر الذی تمتع فیه، لأن لکل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج»((1)) إلخ} فإن التعلیل للاعتمار بأن لکل شهر عمرة ظاهر فی استحباب هذه العمرة، إذ عمرة کل شهر مستحبة، فهو مثل أن یقول صلّ بعد المغرب رکعتین، لأن ذلک یوجب سعة الرزق.

{وحینئذ فیکون الحکم بالإحرام إذا رجع بعد شهر علی وجه الاستحباب

ص:195

الوجوب، لأن العمرة التی هی وظیفة کل شهر لیست واجبة، لکن

لا الوجوب، لأن العمرة التی هی وظیفة کل شهر لیست واجبة، لکن} الأقوی وجوب العمرة، لأن الأخبار ظاهرة فی الوجوب وأنها عمرة التمتع، ولا تنافی بینها وبین التعلیل، إذ لعل التعلیل لدفع توهم التنافی بین العمرتین، وإلا فلو أخذ بظاهر التعلیل نافی کون الثانی عمرة التمتع المفروضة مرتبطة بالحج بحیث لا یتأتی إلا من المعتمر قبلا.

والحاصل: إن الأمر دائر بین رفع الید عن ظاهر التعلیل، وبین رفع الید عما دل علی أن الثانیة متعته وهی المرتبطة بالحج، والأول أقرب فی الجمع العرفی، إذ لا یبقی مجال للثانی لو أخذ بظاهر الأول.

ومنه یعلم أن التکلیف بالعمرة الثانیة لیس محض التکلیف حتی أنه إذا لم یأت بها خالف حکما شرعیا فقط، بل له وضع أیضاً حتی أنه إذا أتی بالحج من دونها لم یقع تمتعاً، فلیست الثانیة لأجل وجوب الإحرام علی من دخل مکة ولا لفساد السابقة، إذ لا تنافی بین عدم ارتباطها بالحج بعد کون الدخول فی غیر شهر الخروج وبین صحتها، ولا تعبداً محضاً بمعنی أنه لم یشر إلی وجهه الأخبار، بل لأن الشارع جعل الدخول فی غیر شهر الخروج منافیاً للارتباط.

ومنه یعلم النظر فی کلام السید البروجردی حیث قال: استحبابها من حیث هی لا ینافی عروض ما تصیر واجبة بسببه، وهو لزوم دخول الحرم بغیر إحرام لولاها فی غیر موارد الاستثناء((1))، انتهی.

إذ هذا صریح فی أن وجه الوجوب

ص:196

فی جملة من الأخبار کون المدار علی الدخول فی شهر الخروج أو بعده، کصحیحتی حماد وحفص

دخول الحرم ولیس کذلک کما عرفت، وإن قلنا إنه أیضاً سبب آخر للوجوب.

والحاصل من ما تقدم وما یأتی أمور:

الأول: إن الخروج بلا إحرام لیس بحرام.

الثانی: إنه مکروه علی الأقرب.

الثالث: لو أحرم وخرج، فإذا رجع لا یحتاج إلی شیء آخر.

الرابع: لو لم یحرم وخرج، فإذا رجع فی غیر شهر الخروج وجب علیه عمرة أخری وهی المرتبطة بالحج.

الخامس: إنه لو لم یحرم وخرج ورجع فی شهر الخروج کانت العمرة الأولی هی المرتیطة بالحج، وهل یجوز له إحرام آخر أم لا، فیه تردد.

السادس: إنه لو خرج بلا إحرام ورجع فی شهر الخروج یخیر بین الإحرام للحج من المیقات، والدخول محلا ثم الإحرام من مکة.

السابع: إنه لو خرج بلا إحرام وأراد الرجوع بعد شهر الخروج لم یجز له الإحرام بالحج من المیقات.

الثامن: لو رجع بعد شهر الخروج بلا عمرة وحج لم یقع تمتعا.

إذا عرفت ذلک فلنرجع إلی شرح الکتاب فنقول:

{فی جملة من الأخبار کون المدار علی الدخول فی شهر الخروج أو بعده، کصحیحتی حماد وحفص

ص:197

ابن البختری ومرسلة الصدوق والرضوی وظاهرها الوجوب

ابن البختری} أما صحیحة حماد فقد تقدمت، وأما صحیحة حفص فهی ما رواه الشیخ عنه.

وعن أبان بن عثمان، عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یخرج فی الحاجة من الحرم، قال: «إن رجع فی الشهر الذی خرج فیه دخل بغیر إحرام، وإن دخل فی غیره دخل بإحرام»((1))، وقد سماها فی الحدائق صحیحة، وتبعه المصنف (رحمه الله).

نعم له صحیحة أو حسنة أخری لا ترتبط بما نحن فیه، وهی عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل قضی متعته وعرضت له حاجة أراد أن یمضی إلیها؟ فقال (علیه السلام): «فلیغتسل ولیهلّ بالحج ولیمض فی حاجته، فإن لم یقدر علی الرجوع إلی مکة مضی إلی عرفات»((2)).

وکیف کان فدلالة روایة حفص علی کون المدار علی شهر الخروج أصرح من دلالة روایة حماد.

{و} مثلهما فی الدلالة {مرسلة الصدوق((3)) والرضوی} وقد تقدمتا {وظاهرها الوجوب} وحینئذ لا مجال لحکومة التعلیل المتقدم علی ظاهرها لاختلاف مورد التعلیل مع موردها، إذ ظاهر التعلیل کون المناط فصل شهر وعدمه، سواء کان

ص:198

إلا أن تحمل علی الغالب من کون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لکنه بعید، فلا یترک الاحتیاط بالإحرام إذا کان الدخول فی غیر شهر الخروج،

الخروج فی شهر الدخول أم لا، وظاهرها کون المناط الرجوع فی شهر الخروج وعدمه سواء فصل شهر أم لا.

{إلا أن تحمل} تلک الروایات الأربع {علی الغالب من کون الخروج بعد العمرة بلا فصل} حتی ینطبق موردها علی مورد التعلیل، فتحمل لأجله علی الاستحباب، {لکنه بعید} مضافاً إلی أنه یبقی مورد التخالف علی هذا التقدیر أیضاً، إذ لو قلنا إن المدار الأشهر الهلالیة _ کما هو الظاهر _ لا ثلاثین یوماً، فلو اعتمر آخر یوم من شوال وخرج أول لیلة من ذی القعدة ثم رجع فی نفس ذی القعدة، فإن الدخول وإن کان فی شهر الخروج، لکن «لکل شهر عمرة» یقول بوجوب العمرة علیه، وخبر حفص وأبان یقول بعدم وجوب العمرة علیه، لأنه رجع فی الشهر الذی خرج فیه، بل وکذا لو قلنا بأن المراد بالشهر ثلاثون یوماً، فإن لو اعتمر فی آخر یوم شوال وخرج فی لیلة أول ذی القعدة ورجع فی آخر یوم منه فقد فصل بین العمرتین شهر أیامی کما فصل شهر هلالی.

ومن هذا کله تحقق محذور آخر لحمل الأخبار الآمرة بالعمرة علی الاستحباب بقرینة التعلیل {فلا یترک الاحتیاط بالإحرام إذا کان الدخول فی غیر شهر الخروج}.

ولا یخفی أن هذا مختص بما إذا لم یحرم للحج حین الخروج، فما ذکره الخونساری (رحمه الله) فی تعلیقته بقوله: الظاهر وجوب الإحرام إذا کان رجوعه فی غیر الشهر الذی خرج فیه محرماً کان أو غیر محرم عصیاناً، انتهی. ممنوع جداً.

ص:199

بل القدر المتیقن من جواز الدخول محلا صورة کونه قبل مضی شهر من حین الإهلال، أی الشروع فی إحرام العمرة والإحلال منها، ومن حین الخروج،

ثم هل المعیار فی اختلاف شهر الدخول والخروج حین الإحلال من العمرة السابق أو لا، {بل} من حین الإهلال لها، احتمالان.

ذهب المصنف (رحمه الله) إلی أن {القدر المتیقن من جواز الدخول محلا صورة کونه قبل مضی شهر من حین الإهلال، أی الشروع فی إحرام العمرة والإحلال منها، ومن حین الخروج}، فلو أهل بإحرام العمرة فی خامس عشر شوال وأحل منها فی العشرین منه وخرج فی الخامس والعشرین، فبناءً علی اعتبار الإهلال یجب علیه الإحرام لو أراد الرجوع فی سادس عشر ذی العقدة لفصل شهر بناءً علی کون المراد منه ثلاثین یوماً، وبناءً علی اعتبار الإحلال أو الخروج لا یجب.

ثم بناءً علی اعتبار الإحلال یجب علیه الإحرام لو أراد الرجوع فی الواحد والعشرین من ذی القعدة، ولا یجب بناء علی الإحلال، وبناءً علی الخروج لا یجب إلا إذا أراد الرجوع فی السادس والعشرین من ذی القعدة کما هو واضح، فجواز دخوله بلا إحرام إنما یکون المتیقن منه فیما لو رجع قبل السادس عشر من ذی القعدة، لعدم فصل شهر لا من الإهلال، ولا من الإحلال، ولا من الخروج.

ص:200

إذ الاحتمالات فی الشهر ثلاثة وثلاثین یوماً من حین الإهلال، وثلاثین من حین الإحلال بمقتضی خبر إسحاق بن عمار، وثلاثین من حین الخروج بمقتضی هذه الأخبار، بل من حیث احتمال کون المراد من الشهر فی الأخبار هنا والأخبار الدالة علی أن لکل شهر عمرة الأشهر الاثنی عشر المعروفة، لا بمعنی ثلاثین یوماً، ولازم ذلک أنه إذا کانت عمرته فی آخر شهر من هذه الشهور فخرج ودخل فی شهر آخر، أن یکون علیه عمرة، الأولی مراعاة الاحتیاط من هذه الجهة أیضاً.

وظهر مما ذکرنا أن الاحتمالات ستة: کون المدار علی الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج، وعلی التقادیر الشهر بمعنی ثلاثین یوماً، أو أحد الأشهر المعروفة،

{إذ الاحتمالات فی الشهر ثلاثة وثلاثین یوماً من حین الإهلال، وثلاثین من حین الإحلال بمقتضی خبر إسحاق بن عمار، وثلاثین من حین الخروج بمقتضی هذه الأخبار، بل من حیث احتمال کون المراد من الشهر فی الأخبار هنا والأخبار الدالة علی أن لکل شهر عمرة الأشهر الاثنی عشر المعروفة، لا بمعنی ثلاثین یوماً} یکون وجه الاحتیاط أضیق {و} وذلک لأن {لازم ذلک أنه إذا کانت عمرته فی آخر شهر من هذه الشهور فخرج ودخل فی} أول {شهر آخر أن یکون علیه عمرة} ثانیة، وحینئذ ف_ {الأولی مراعاة الاحتیاط من هذه الجهة أیضاً، و} کیف کان فقد {ظهر مما ذکرنا أن الاحتمالات ستة:

کون المدار علی الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج، وعلی التقادیر الشهر بمعنی ثلاثین یوماً أو أحد الأشهر المعروفة}.

ص:201

فالکلام حینئذ فی مواضع ثلاث:

الأول: إن المراد من الشهر فی أخبار المقام الأشهر المعروفة أم ثلاثون یوماً.

الثانی: إن المراد من الشهر فی أخبار لکل شهر عمرة ما ذا، وهل أن المراد من الشهر فی المقامین واحد أم لا.

الثالث: إن الاعتبار فی المقام بالإحلال أو الإهلال أو الخروج.

فنقول: أما المقام الثالث فالظاهر أن الاعتبار بالخروج، للتصریح بذلک فی الأخبار المتقدمة.

ففی مرسل الصدوق: «وعاد فی الشهر الذی خرج فیه»((1)).

وفی الرضوی: «ثم رجع فی الشهر الذی خرج فیه»((2)).

وفی خبر حفص وأبان: «إن رجع فی الشهر الذی خرج فیه»((3)).

وفی صحیح حماد: «إن رجع فی شهره»((4)).

لکن یعارضها خبر إسحاق: «یرجع إلی مکة بعمرة إن کان فی غیر الشهر الذی تمتع فیه» إلخ.

ومن المعلوم التفکیک بینهما، فلو تمتع فی شوال وخرج ودخل فی ذی القعدة فإنه بمقتضی تلک الأخبار لا تجب علیه العمرة، وبمقتضی خبر إسحاق تجب، لکن یمکن الجمع بینهما بحمل خبر إسحاق علی الاستحباب بقرینة التعلیل، وتلک الأخبار علی الوجوب، ولا تنافی بین کون المدار فی الوجوب الدخول فی شهر الخروج، وکون المناط

ص:202

فی الاستحباب الرجوع فی شهر التمتع، لکن الأقوی عدم التنافی، وأن ما فی خبر إسحاق «فی غیر الشهر الذی تمتع فیه» إما تصحیف، والأصل: فی غیر الشهر الذی خرج فیه، وإما أن یکون المفروض وقوع الخروج بعقب التمتع حتی اتحدا فی الشهر، وذلک بقرینة ذیل نفس الخبر، قلت: فإن دخل فی الشهر الذی خرج فیه إلخ، فإنه یظهر منه أن الکلام ومدار الحکمین هو هذا لا شهر المتعة.

وأما المقام الثانی: فالظاهر أن العبرة فی استحباب العمرة لکل شهر الأشهر الهلالیة، لأنها المتبادر من إطلاقها.

ففی الصحیح، عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی کتاب علی (علیه السلام): فی کل شهر عمرة»((1)).

وفی موثق یونس بن یعقوب، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: ان علیاً (علیه السلام) کان یقول: «فی کل شهر عمرة»((2)).

وفی صحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: کان علی (علیه السلام) یقول: «فی کل شهر عمرة»((3)).

ص:203

وفی موثق إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «السنة اثنی عشر شهراً یعتمر لکل شهر عمرة»((1)).

ونحو هذا الخبر رواه فی الجواهر، قال الصادق (علیه السلام): «السنة اثنا عشر شهراً یعتمر لکل شهر عمرة»، قال: فقلت له: أیکون أقل من ذلک، قال: «لکل عشرة أیام عمرة»((2)).

وفی خبر أحمد بن محمد بن أبی نصر، عن الرضا (علیه السلام) أنه قال: «لکل شهر عمرة»((3)).

وهذه الأخبار کما تراها کالصریح فی الأشهر الهلالیة، ولا تنافیها الروایات المشتملة علی العشرة، کخبر علی بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل یدخل مکة فی السنة المرة والمرتین والأربع کیف یصنع، قال: «إذا دخل فلیدخل ملبیاً، وإذا خرج فلیخرج محلا»، قال: «ولکل شهر عمرة». فقلت: یکون أقل، فقال: «فی کل عشرة أیام عمرة»، ثم قال: «وحقک لقد کان فی عامی هذا السنة ستة عمر»، قلت: ولم ذاک، قال: «کنت مع محمد بن إبراهیم بالطائف، فکان کلما دخل دخلت معه»((4)).

ص:204

وخبره الآخر، عن أبی الحسن موسی (علیه السلام) قال: «فی کل شهر عمرة»، قال: قلت: یکون أقل من ذلک؟ قال: «لکل عشرة أیام عمرة»((1)).

إذ لا یرتفع ظهور الشهر فی الهلالیة بظهور العشرة فی الأیام، ألا تری أنه لو قال المولی لعبده: اشتر لی فی کل شهر کذا، ثم قال: وإن شئت فی کل عشرة أیام، کان ظهور الأول فی الهلالی باقیاً حتی أنه لو اشتری فی آخر یوم من الشهر الأول وأول یوم من الشهر الثانی لم یکن مخالفا.

کما أنه لا ینافی أخبار الشهر والعشرة ما دل علی اعتبار السنة.

کصحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «لایکون عمرتان فی سنة واحدة»((2)).

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «العمرة فی کل سنة مرة»((3)).

إذ لا بد من حمل ذلک علی عمرة التمتع، بقرینة تلک الأخبار الصحیحة الصریحة، والحمل علی الکراهة إنصافاً بعید جداً.

ومن الکلام فی هذا المقام یظهر الکلام فی المقام الأول، إذ المنصرف من الشهر هو الهلالی لا الأیامی، وحینئذ فیتحد المراد من الشهر فی البابین، والله العالم.

وقد أطال فی الجواهر وغیره الکلام فی المقام، وفی ما ذکرناه کفایة، ثم إن فی عبارة المصنف (رحمه الله) خللا کما لا یخفی.

ص:205

وعلی أی حال إذا ترک الإحرام مع الدخول فی شهر آخر _ ولو قلنا بحرمته _ لا یکون موجباً لبطلان عمرته السابقة، فیصح حجه بعدها،

{وعلی أی حال إذا ترک الإحرام مع الدخول فی شهر آخر _ ولو قلنا بحرمته _ لا یکون موجباً لبطلان عمرته السابقة، فیصح حجه بعدها} وفاقاً للجواهر حیث قال: لیس فی کلامهم تعرض لما لو رجع حلالاً بعد شهر ولو آثماً، فهل له الإحرام بالحج بانیاً علی عمرته الأولی، أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهراً، ولکن الذی یقوی فی النظر الأول لعدم الدلیل علی فسادها((1))، انتهی.

أقول: لکن الأقوی عدم قابلیة تلک العمرة للاتصال بالحج، لا من جهة بطلانها لعدم الدلیل علی البطلان، ولا من جهة انقلابها مفردة حتی یتفرع علیه فروع العمرة المفردة من طواف النساء ونحوه، بل من جهة أن النص دل علی أن الثانیة متعته.

قال فی الحدائق: مقتضی صحیحة حماد المتقدمة أن عمرته هی الثانیة، وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته((2))، انتهی.

وقال فی المستند: وإن رجع بعده أحرم بالعمرة ثانیاً ودخل مکة محرماً وأتی بمناسک العمرة ثم یحرم بالحج ویکون عمرته المتمتع بها الأخیرة((3))، انتهی.

وکذلک اختار المستمسک، قال بعد کلامه وبالجملة مقتضی النصوص ینبغی

ص:206

ثم إن عدم جواز الخروج علی القول به إنما هو فی غیر حال الضرورة، بل مطلق الحاجة، وأما مع الضرورة أو الحاجة مع کون الإحرام بالحج غیر ممکن أو حرجاً علیه فلا إشکال فیه، وأیضاً الظاهر اختصاص المنع علی القول به بالخروج إلی المواضع البعیدة فلا بأس بالخروج إلی فرسخ أو فرسخین، بل یمکن أن یقال باختصاصه

أن یکون عدم الاجتزاء بعمرته الأولی((1))، انتهی.

ویؤید النص ما بنوا علیه من أن الأوامر والنواهی فی مثل هذه المقامات تقتضی الوضع لا التکلیف فقط، فالأمر بالعمرة دال علی الوضع کما سبق إلیه الإشارة منا.

{ثم إن عدم جواز الخروج علی القول به إنما هو فی غیر حال الضرورة، بل مطلق الحاجة، وأما مع الضرورة أو الحاجة مع کون الإحرام بالحج غیر ممکن أو حرجاً علیه فلا إشکال فیه} للنص والفتوی، کصحیح إسحاق المتقدم، خصوصاً ذیله الدال علی خروج الإمام (علیه السلام) بلا إحرام.

ومرسل موسی بن القاسم: «تخرج حلالا وترجع حلالا إلی الحج»((2)).

ومنه یعلم أن الحکم لیس تابعاً لقاعدة الحرج حتی یقال إنها رافعة للتکلیف ولا تفید رفع الوضع.

{وأیضاً الظاهر اختصاص المنع علی القول به بالخروج إلی المواضع البعیدة، فلا بأس بالخروج إلی فرسخ أو فرسخین، بل یمکن أن یقال باختصاصه

ص:207

بالخروج إلی خارج الحرم، وإن کان الأحوط خلافه

بالخروج إلی خارج الحرم، وإن کان الأحوط خلافه}، فی المسألة أقوال أربعة:

الأول: إطلاق المنع من الخروج.

الثانی: التفصیل بین الخروج إلی المسافة فلا یجوز، والخروج إلی ما دونها فیجوز.

الثالث: التفصیل بین الخروج إلی خارج الحرم فلا یجوز، والخروج من مکة داخل الحرم فیجوز.

الرابع: ما ذکر المصنف من التفصیل بین المواضع البعیدة وغیرها.

أما مطلق المنع فهو ناظر إلی إطلاقات الأخبار کقوله (علیه السلام) فی صحیح زرارة: «لیس لک أن تخرج من مکة حتی تحج»((1)).

وأما الثانی: فکأنه ینظر ما ذکره فی المستمسک قال: وأشکل من ذلک ما فی بعض الحواشی من التحدید بالمسافة فیجوز الخروج إلی ما دونها، إذ لا مأخذ له لا فی النصوص ولا فی الفتاوی((2))، نعم فی صحیحة أبی ولاد الواردة فی المقیم عشرة أیام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة تماماً: إنه یتم إلی أن یخرج((3))، والمراد من الخروج فیه السفر، لکن مقایسة المقام به غیر ظاهرة، انتهی.

ص:208

ثم الظاهر أنه لا فرق فی المسألة بین الحج الواجب والمستحب، فلو نوی التمتع مستحباً ثم أتی بعمرته یکون مرتهناً بالحج، ویکون حاله فی الخروج محرماً أو محلاً والدخول کذلک، کالحج الواجب،

وأما الثالث: فلأنه المستفاد من إیجاب الإحرام إذا خرج لحاجة، إذ میقات إحرام العمرة إحدی المواقیت التی کلها خارجة عن الحرم.

وأما الرابع: فکأنه ینظر إلی قوله (علیه السلام) فی خبر علی بن جعفر: «ولا یجاوز الطائف وشبهها».

وقوله (علیه السلام) فی صحیحة الحلبی: «ولا یتجاوز الطائف إنها قریبة من مکة»، بضمیمة تجویزه (علیه السلام) الخروج إلی حوالی مکة فی مرسل موسی بن القاسم.

والظاهر عدم تمامیة غیر القول الأول، لما عرفت من إطلاق أدلة المنع من الخروج عن مکة، وما ذکر فی أدلة سائر الأقوال المفصلة لا یصلح لتقییده، وهذا هو مختار غیر واحد من المعاصرین، والله العالم.

{ثم الظاهر أنه لا فرق فی المسألة بین الحج الواجب والمستحب، فلو نوی التمتع مستحبا ثم أتی بعمرته یکون مرتهناً بالحج، ویکون حاله فی الخروج محرماً أو محلاً والدخول کذلک، کالحج الواجب} وذلک لإطلاق النصوص والفتاوی، ولا ینافی الاستحباب الابتدائی الوجوب بعد ذلک، کما أن من دخل فی الاعتکاف یجب علیه الإتمام بعد الیوم الثانی، بل ومن دخل فی حج أو عمرة وجب علیه إتمامها، لقوله تعالی:﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾((1)).

کما أن الظاهر

ص:209

ثم إن سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلاً ودخل قبل شهر مختص بما إذا أتی بعمرة بقصد التمتع، وأما من لم یکن سبق منه عمرة فیلحقه حکم من دخل مکة فی حرمة دخوله بغیر الإحرام إلا مثل الحطاب والحشاش ونحوهما،

عدم الفرق فی الواجبی بین الإسلامی والنذری ونحوه والاستیجاری ونحوه، وفی الاستحبابی بین کونه لنفسه أو غیره لما ذکر.

{ثم إن سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلاً ودخل قبل شهر مختص بما إذا أتی بعمرة بقصد التمتع، وأما من لم یکن سبق منه عمرة فیلحقه حکم من دخل مکة فی حرمة دخوله بغیر الإحرام إلا مثل الحطاب والحشاس ونحوهما} علی ما سبق فی فصل العمرة، کما أن من أراد الدخول قبل الشهر إنما یسقط منه الإحرام إذا کان فی حین یدرک الحج، أما لو أراد الرجوع فی الیوم الحادی عشر مثلا، فإنه یجب علیه الإحرام لأنه خارج عن مورد تلک النصوص والفتاوی.

ثم إن جماعة من المعاصرین قیدوا ذلک بما إذا کانت وظیفته التمتع، وإلا یکفی مطلق العمرة ولو کانت مفردة، وربما استفید ذلک من صحیح إسحاق المتقدم لمکان التعلیل المقتضی لأعمیة الحکم من المورد الذی هو التمتع، بل یستفاد ذلک من أدلة انقلاب العمرة المفردة إلی المتعة إذا وقعت فی أشهر الحج کما تقدم مفصلا، فمن اعتمر مفردة فی أشهره ثم أراد الحج وخرج انقلبت عمرته متعة، ویأتی فیه ما قلنا فی المعتمر بعنوان التمتع، لکن المسألة تحتاج إلی التأمل.

ص:210

وأیضاً سقوطه إذا کان بعد العمرة قبل شهر إنما هو علی وجه الرخصة بناءً علی ما هو الأقوی من عدم اشتراط فصل شهر بین العمرتین، فیجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أیضاً، ثم إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتع هی العمرة الأولی أو الأخیرة، مقتضی حسنة حماد أنها الأخیرة المتصلة بالحج، وعلیه لا یجب فیها طواف النساء،

{وأیضاً سقوطه إذا کان} الرجوع {بعد العمرة قبل شهر إنما هو علی وجه الرخصة، بناءً علی ما هو الأقوی من عدم اشتراط فصل شهر بین العمرتین، فیجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أیضاً} لکن لنا فی ذلک تأمل من جهة احتمال مضرة مثل هذا الفصل بین الحج والعمرة والتمتع بها، إذ الثانیة لا تقع متعة، وحینئذ فاتصال ما قبلها بما بعدها مع کون ذلک خلاف الطریقة الواردة من الشرع محل نظر، وهذا لیس من الشک فی الشرطیة ونحوها حتی یرفع بالأصل، بل من جهة أن الکیفیة الواردة من الشرع التی هی عدم الفصل بین الحج والعمرة بعمرة أخری تقتضی عدم جواز ذلک، والمسألة تحتاج إلی التمعن.

نعم قد تقدم جواز الإحرام بالحج إذا أراد الرجوع قبل شهر.

{ثم إذا دخل بإحرام} للعمرة فی المورد الذی یجوز ذلک {فهل عمرة التمتع هی العمرة الأولی أو الأخیرة، مقتضی حسنة حماد أنها الأخیرة المتصلة بالحج} کما عن غیر واحد، بل ربما ادعی الاتفاق علیه.

{وعلیه لا یجب فیها طواف النساء} علی الأصح من عدم طواف النساء فی عمرة التمتع، کما یأتی إن شاء الله تعالی.

ص:211

وهل یجب حینئذ فی الأولی أو لا، وجهان أقواهما نعم

{وهل یجب حینئذ فی الأولی أو لا، وجهان أقواهما} عند المصنف {نعم} وفاقاً للحدائق، قال: وعلی هذا فالعمرة الأولی صارت عمرة مفردة، والأشهر الأظهر وجوب طواف النساء فیها، ومقتضی إفرادها هو وجوب ذلک فیها إلا أنی لم أقف علی قائل بذلک((1)).

قال فی الدروس: وفی استدراک طواف النساء فی الأولی احتمال.

وقال فی المدارک: وهل تفتقر الأولی إلی استدراک طواف النساء، وجهان من أن مقتضی إفرادها ذلک، ومن تحقق الخروج من أفعال العمرة سابقاً وحل النساء منها بالتقصیر التحریم، ولعل الثانی أرجح((2)). ثم قال الحدائق: والمسألة محل توقف((3))، لکن فی المستند وهل یحتاج إلی طواف النساء حینئذ للأولی أم لا، الأرجح هو الثانی، انتهی.

أقول: وهو الأقوی لما عرفت سابقاً من عدم التلازم بین عدم صلاحیة العمرة الأولی للاتصال بالحج وصیرورتها مفردة، بل هی عمرة متعة سقطت من قابلیة الاتصال، ویؤید ذلک عدم الإشارة فی هذه الأخبار المستفیضة إلی الاحتیاج إلی طواف النساء، وهذا هو الذی اختاره فی الجواهر قائلا: والظاهر عدم طواف النساء علیه، وإن احتمله بعضهم لأنه حل منها بالتقصیر، وربما أتی

ص:212

والأحوط الإتیان بطواف مردد بین کونه للأولی أو الثانیة، ثم الظاهر أنه لا إشکال فی جواز الخروج فی أثناء عمرة التمتع قبل الإحلال منها.

النساء قبل الخروج، ومن البعید جداً حرمتهن علیه بعده من غیر موجب((1))، انتهی.

{و} من ذلک یعلم أنه لا مجال لقوله (رحمه الله): {الأحوط الإتیان بطواف مردد بین کونه للأولی أو الثانیة} فإن الثانیة عمرة التمتع ولا طواف للنساء فیها، والأولی لم یکن فیها طواف للنساء، وبعد ذلک لم تنقلب إلی المفردة لعدم دلیل علیه.

{ثم الظاهر أنه لا إشکال فی جواز الخروج فی أثناء عمرة التمتع قبل الإحلال منها} لعدم دلیل علی النهی عنه وإن لم أر من تعرض للمسألة، والله العالم.

ص:213

نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک الحج جاز له نقل النیة إلی الإفراد، وأن یأتی بالعمرة بعد الحج بلا خلاف ولا إشکال، وإنما الکلام فی حد الضیق المسوغ لذلک واختلفوا فیه علی أقوال:

أحدها: خوف فوات الاختیاری من وقوف عرفة.

بأن ینشئ الإحرام للتمتع أولاً ثم یعدل إلی الإفراد.

{نعم لو ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک الحج جاز له نقل النیة إلی الإفراد، وأن یأتی بالعمرة بعد الحج بلا خلاف ولا إشکال}، کما فی المستند والحدائق، بل فی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه، بل نقل الاتفاق عن جماعة أخری، ویدل علی ذلک الأخبار الآتیة فی بیان حد الضیق، فإنها علی اختلافها تدل علی الأمر الجامع الذی هو العدول.

{وإنما الکلام فی حد الضیق المسوغ لذلک، واختلفوا فیه علی أقوال} سبعة علی ما ذکره المصنف (رحمه الله):

{أحدها: خوف فوات الاختیاری من وقوف عرفة} قال فی المستمسک: لم یتضح لی وجود القائل بذلک، نعم فی الدروس: وفی صحیح زرارة اشتراط اختیارها، وهو أقوی((1))، انتهی. وظاهر العبارة اشتراط إدراک تمام الواجب الاختیاری فتأمل، انتهی کلام المستمسک.

أقول: لکن یحتمل أن یکون ناظراً إلی رابع الأقوال التی ذکرها فی المستند، قال:

ص:215

الثانی: فوات الرکن من الوقوف الاختیاری، وهو المسمی منه.

الثالث: فوات الاضطراری منه.

الرابع: إنه إذا خاف فوات اختیاری عرفة من غیر تحدید له بزمان حتی لو لم یخف منه لم یجز العدول، ولو کان بعد زوال الشمس من یوم عرفة، حکی عن الغنیة والمختلف والدروس، واختاره أیضاً بعض شیوخنا المعاصرین، بل هو ظاهر التهذیب والاستبصار((1))، إلخ.

لکن لا یخفی ما فیه، إذ لا مائز حینئذ بینه وبین الثانی.

{الثانی: فوات الرکن من الوقوف الاختیاری وهو المسمی منه} قال فی الجواهر: ففی القواعد وعن الحلبیین وابنی إدریس وسعید یحصل التمتع بإدراک مناسک العمرة، تجدید إحرام الحج، وإن کان بعد زوال الشمس یوم عرفة، إذ علم إدراک الوقوف بها، وحینئذ فحد الضیق خوف فوات اختیاری الرکن من وقوف عرفة، ولعله یرجع إلیه ما عن المبسوط والنهایة والوسیلة والمهذب من الفوات بزوال الشمس من یوم عرفة قبل إتمام العمرة، بناءاً علی تعذر الوصول غالباً إلی عرفة بعد هذا الوقت لمضی الناس عنه((2))، انتهی.

أقول: ویمکن أن یکون «أحدها» من المصنف إشارة إلی هذا القول، بناءً علی الجمود علی ظاهر کلامهم.

{الثالث: فوات الاضطراری منه} قال فی المستند: وهو مذهب الحلی فی

ص:216

الرابع: زوال یوم الترویة.

الخامس: غروبه.

السادس: زوال یوم عرفة.

السابع: التخییر بعد زوال یوم الترویة بین العدول والإتمام إذا لم یخف الفوت

السرائر، وحکی عن محتمل الحلبی((1)).

{الرابع: زوال یوم الترویة} حکاه فی المستند عن والد الصدوق، وعن السرائر، وعن المفید.

{الخامس: غروبه} حکاه فی المستند عن الصدوق فی المقنع والمفید فی المقنعة.

{السادس: زوال یوم عرفة}، قال فی المستند: إنه إذا زالت الشمس من یوم عرفة ولم یتحلل من المتعة فقد فاتت العمرة، اختاره الشیخ فی المبسوط والنهایة، وحکی عن الإسکافی والقاضی فی المهذب وابن حمزة فی الوسیلة، واختاره فی المدارک والوسیلة وکشف اللثام((2)).

{السابع: التخییر بعد زوال یوم الترویة بین العدول والإتمام إذا لم یخف الفوت} قال فی الجواهر: وربما ظهر من بعض متأخری المتأخرین

ص:217

الجمع بین النصوص بالتخییر بین التمتع والإفراد إذا فات زوال یوم الترویة أو تمامه((1))، انتهی.

أقول: وقبل الشروع فی الاستدلال لا بد من ذکر الأخبار، وهی طوائف:

الأولی: ما دل علی الفوت بهلال ذی الحجة.

الثانیة: ما دل علی الفوت بصلاة الصبح من یوم ترویة.

الثالثة: ما دل علی الفوت بزوال یوم الترویة.

وهذه الثلاثة مجتمعة فی صحیح ابن بزیع، قال: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السلام) عن المرأة تدخل مکة متمتعة فتحیض قبل أن تحل حتی تذهب متعتها، قال (علیه السلام): «کان جعفر (علیه السلام) یقول: زوال الشمس یوم الترویة. وکان موسی (علیه السلام) یقول: صلاة الصبح من یوم الترویة»، فقلت: جعلت فداک عامة موالیک یدخلون یوم الترویة ویطوفون ویسعون ثم یحرمون بالحج، فقال (علیه السلام): «زوال الشمس» فذکرت له روایة عجلان بن صالح((2)) فقال (علیه السلام): «إذا زالت الشمس ذهبت المتعة»، فقلت: فهی علی إحرامها أو تجدد إحرامها للحج، فقال (علیه السلام): «لا هی علی إحرامها»، قلت: فعلیها هدی، قال (علیه السلام): «لا إلا أن تحب أن تتطوع» ثم قال: «أما نحن فإذا رأینا هلال ذی الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة»((3)).

ص:218

أقول: والمراد من قوله فی الصحیحة فقال: «لا» بعد ذکر الراوی روایة عجلان، یعنی لیس مطلق یوم الترویة، وإنما هو زوال شمسه.

وعن جمیل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مکة یوم الترویة، قال (علیه السلام): «تمضی کما هی إلی عرفات فتجعلها حجة»((1))، الحدیث.

الرابعة: ما دل علی الفوت بغروب الشمس یوم الترویة.

کصحیح العیص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المتمتع یقدم مکة یوم الترویة صلاة العصر تفوته المتعة، قال (علیه السلام): «لا، ما بینه وبین غروب الشمس، وقد صنع ذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله)»((2)).

أقول: یمکن أن یکون المراد بصنع رسول الله (صلی الله علیه وآله) أمره بذلک، کما یمکن أن یکون ذلک قبل حجة الوداع، فإنه (صلی الله علیه وآله) حج عشرین مرة، کما تقدم فی الروایات.

وخبر إسحاق بن عبد الله قال: سألت أبا الحسن موسی (علیه السلام) عن المتمتع یدخل مکة یوم الترویة، فقال: «لیتمتع ما بینه وبین اللیل»((3)).

ص:219

وروایة عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا قدمت مکة یوم الترویة، وقد غربت الشمس، فلیس لک متعة، أمض کما أنت بحجک»((1)).

وروایته الأخری، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إذا قدمت مکة یوم الترویة وأنت متمتع فلک ما بینک وبین اللیل أن تطوف بالبیت وتسعی وتجعلها متعة»((2)).

وخبر إسحاق بن عبد الله، عن أبی الحسن (علیه السلام): «المتمتع إذا قدم لیلة عرفة لیس له متعة، یجعلها حجة مفردة، إنما المتعة إلی یوم الترویة»((3)).

وخبر موسی بن عبد الله، عن المتمتع یقدم مکة یوم عرفة، قال (علیه السلام): «لامتعة له، یجعلها حجة مفردة، ویطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة، ویخرج إلی منی ولا هدی علیه، إنما الهدی علی المتمتع»((4)).

وخبر علی بن یقطین: سألت أبا الحسن موسی (علیه السلام) عن الرجل والمرأة یتمتعان بالعمرة إلی الحج، ثم یدخلان مکة یوم عرفة، کیف یصنعان، قال: «یجعلانها حجة مفردة، وحدّ المتعة إلی یوم الترویة»((5)).

إلی غیر ذلک من الروایات.

الخامسة: ما دل علی امتداد وقتها إلی السحر من لیلة عرفة، إما صریحاً

ص:220

کصحیح محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إلی متی یکون للحاج عمرة؟ قال: «إلی السحر من لیلة عرفة»((1)).

أو بالدلالة علی الجواز إلی لیلة عرفة، کالمرسل المروی عن التهذیب والاستبصار، روی لنا الثقة من أهل البیت (علیهم السلام) عن أبی الحسن موسی (علیه السلام) أنه قال: «أهل بالمتعة بالحج یوم الترویة إلی زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ما بین ذلک کله واسع»((2)).

وما عن ابن أبی عمیر، عن هشام بن سالم ومرازم وشعیب کلهم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل المتمتع یدخل لیلة عرفة فیطوف ویسعی ثم یحرم فیأتی منی، فقال (علیه السلام): «لا بأس»((3)).

ونحوه صحیح ابن أبی عمیر المروی عن الکافی، الا أن فیه: «ثم یحل ثم یحرم»((4)).

وعن الحلبی، عن أحدهما (علیهما السلام).

وعن حماد، عن محمد بن میمون، قال: قدم أبو الحسن (علیه السلام) متمتعاً لیلة عرفة فطاف وأحل وأتی جواریه ثم أحرم بالحج وخرج((5)).

ص:221

وخبر زکریا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن المتمتع إذا دخل یوم عرفة، قال (علیه السلام): «لا متعة له یجعلها عمرة مفردة»((1)).

السادسة: ما دل علی امتداد وقتها إلی حیث یمکن إدراک الناس بمنی، کصحیح أبی بصیر: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المرأة تجیء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبیت فیکون طهرها لیلة عرفة، فقال (علیه السلام): «إن کانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبیت وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنی فلتفعل»((2)).

ومرسل ابن بکیر، عن بعض أصحابنا، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن المتعة متی تکون، قال: «یتمتع ما ظن أنه یدرک الناس بمنی»((3)). قلت: أی ذاهبین إلی عرفة.

ومرسل أبی بصیر، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المرأة تجیء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبیت فیکون طهرها لیلة عرفة، فقال (علیه السلام): «إن کانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبیت، وتحل من إحرامها وتلحق بالناس، فلتفعل»((4)).

وخبر العقرقونی، قال: خرجت أنا وحدید فانتهینا إلی البستان یوم الترویة، فتقدمت إلی حماد، فقدمت مکة فطفت وسعیت وأحللت من تمتعی، ثم أحرمت

ص:222

بالحج، وقدم حدید من اللیل، فکتبت إلی أبی الحسن (علیه السلام) أستفتیه فی أمره، فکتب إلی: «مره یطوف ویسعی ویحل من متعته ویحرم بالحج، ویلحق الناس بمنی، ولا یتبین بمکة»((1)).

وخبر الحلبی، عن الصادق (علیه السلام): «المتمتع یطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة ما أدرک الناس بمنی»((2)).

وخبر مرازم بن حکم، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المتمتع یدخل لیلة عرفة مکة، أو المرأة الحائض متی تکون لهما المتعة، فقال (علیه السلام): «ما أدرکوا الناس بمنی»((3)).

إلی غیر ذلک.

السابعة: ما دل علی أن المناط خوف فوت عرفة.

ففی روایة یعقوب بن شعیب المحاملی، المرویة عن الکافی، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «لا بأس للمتمتع إن لم یحرم من لیلة الترویة متی ما تیسر له ما لم یخف فوت الموقفین»((4)).

وروایة محمد بن مسرور، المرویة عن الشیخ الذی قال فی المنتقی إنه ابن حزک، والغلط من الناسخین، قال: کتبت إلی أبی الحسن الثالث (علیه السلام): ما تقول فی رجل متمتع بالعمرة إلی الحج وافی غداة عرفة، وخرج الناس من

ص:223

منی إلی عرفات، أعمرته تامة أو قد ذهبت منه، إلی أی وقت عمرته تامة إذا کان متمتعاً بالعمرة إلی الحج، فلم یواف یوم الترویة ولا لیلة الترویة فیکف یصنع، فوقع (علیه السلام): «ساعة یدخل مکة إن شاء الله یطوف ویصلی رکعتین ویسعی ویقصر ویخرج (ویحرم خ ل) بحجته، ویمضی إلی الموقف، ویفیض مع الإمام»((1)).

وصحیحة الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جمیعاً، ثم قدم مکة والناس بعرفات، فخشی إن هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف، قال (علیه السلام): «یدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع کما صنعت عائشة، ولا هدی علیه»((2)).

بناءً علی ما هو المتبادر من جواز العمرة مع عدم الخشیة.

ومرسل محمد بن أبی حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبی بصیر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المرأة تجیء متمتعة، فتطمث قبل أن تطوف بالبیت فیکون طهرها یوم عرفة، فقال (علیه السلام): «إن کانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبیت وتحل من إحرامها وتلحق بالناس فلتفعل»((3)).

وصحیح جمیل، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «المتمتع له المتعة إلی زوال

ص:224

والمنشأ اختلاف الأخبار فإنها مختلفة أشد الاختلاف، والأقوی أحد القولین الأولین، لجملة مستفیضة من تلک الأخبار، فإنها یستفاد منها علی اختلاف ألسنتها أن المناط فی الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة، منها قوله (علیه السلام) فی روایة یعقوب بن

الشمس من یوم عرفة، وله الحج إلی زوال الشمس من یوم النحر»((1)).

بل والأخبار الکثیرة الصحیحة الدالة علی کفایة اضطراری عرفة.

کصحیحة ابن عمار: رجل أدرک الإمام وهو بجمع، فقال: «إن ظن أنه یأتی عرفات فیقف بها قلیلا، ثم یدرک جمعاً قبل طلوع الشمس فلیأتها، وإن ظن أنه لا یأتیها حتی یفیض الناس من جمع فلا یأتها، ولیقم بجمع فقد تم حجه»((2)).

ونحوها غیرها، لکن فیها إشکال یأتی.

{و} إذا عرفت شطراً من الأخبار عرفت أن {المنشأ} فی اختلاف الفتاوی {اختلاف الأخبار، فإنها} کما رأیت {مختلفة أشد الاختلاف، والأقوی أحد القولین الأولین} من الفوت بفوت اختیاری عرفة، أو فوت الرکن منه، {لجملة مستفیضة من تلک الأخبار} وهی ما ذکرناه بعنوان الطائفة السابعة.

{فإنها یستفاد منها علی اختلاف ألسنتها أن المناط فی الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة} إذ قد عرفت أن {منها: قوله (علیه السلام) فی روایة یعقوب بن

ص:225

شعیب المیثمی: «لا بأس للمتمتع إن لم یحرم من لیلة الترویة متی ما تیسر له ما لم یخف فوات الموقفین»، وفی نسخة: «لا بأس للمتمتع أن یحرم لیلة عرفة» إلخ.

وأما الأخبار المحددة بزوال یوم الترویة أو بغروبه أو بلیلة عرفة

شعیب المیثمی}((1)) أو المحاملی: {«لا بأس للمتمتع إن لم یحرم من لیلة الترویة متی ما تیسر له ما لم یخف فوات الموقفین»، وفی نسخة: «لا بأس للمتمتع أن یحرم لیلة عرفة» إلخ} فإن الظاهر منها أن المناط خوف فوت عرفة، لا أن المراد المجموع من حیث المجموع الصادق علی إدراک المشعر فقط.

وما فی المستمسک من قوله: لکن فی کون الروایة فیما نحن فیه تأمل ظاهر لاحتمال کون المراد أن المتمتع إذا فرغ من متعته لا تجب علیه المبادرة إلی الإحرام بالحج لیلة الترویة لأنه لا یجب علیه العدول»((2)) انتهی.

إذ لا منافاة بین هذه الإرادة وبین کون المناط خوف فوت الموقفین الموجب للتعدی عنه إلی غیره، ألا تری أنه لو قال: لا بأس للمکلف إن لم یصل العصر متی ما تیسرت له ما لم یخف ذهاب الوقت، استفید منه عدم الفرق بین مصلی الظهر وغیره.

وکیف کان فدلالة الروایة ظاهرة لا غبار علیها.

{وأما الأخبار المحددة} فوت المتعة {بزوال یوم الترویة} کالطائفة الثالثة {أو بغروبه} کالطائفة الرابعة {أو بلیلة عرفة} لیست هذه أخبار تقابل الطائفة الرابعة کما لا یخفی.

ص:226

أو سحرها فمحمولة علی صورة عدم إمکان الإدراک إلا قبل هذه الأوقات فإنه مختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص، ویمکن حملها علی التقیة إذا لم یخرجوا مع الناس یوم الترویة، ویمکن کون الاختلاف لأجل التقیة کما فی أخبار الأوقات للصلوات، وربما

{أو سحرها} کالطائفة الخامسة {فمحمولة علی صورة عدم إمکان الإدراک إلا قبل هذه الأوقات فإنه مختلف باختلاف الأوقات} کالشتاء والصیف مثلاً {والأحوال} کالشاب والهرم {والأشخاص} کالسریع والبطیء، وقد ذکر هذا الحمل فی الجواهر قال: أو علی اختلاف أوقات التمکن إلی الوصول إلی عرفات باختلاف الناس((1))، انتهی.

أقول: لا یبعد ذلک، إذ الأئمة (علیهم السلام) کثیراً ما کانوا یلاحظون الظروف فی بیان الأحکام، خصوصاً بالنسبة إلی الأزمنة السابقة التی ما کانت تتهیؤ الوسائل للسفر إلی عرفات بعد مضی الناس لخطر الطریق سیما فی الحج، کما یظهر من التواریخ، وهذا الحمل وإن کان لا شاهد له من الأخبار إلا أن العرف بالقرینة الحالیة تجمع بینها بما ذکر.

نعم لا یستقیم هذا مع ما فی بعض النصوص، سیما خبر موسی المذکور فی الطائفة الرابعة، ثم إن هذا حمل فی قبال الطرح الذی لا بد منه عند الدوران.

{ویمکن حملها علی التقیة} بالنسبة إلی المکلفین {إذا لم یخرجوا مع الناس یوم الترویة} کما فی الحدائق، قال: والأظهر عندی فی اختلاف هذه الأخبار

ص:227

تحمل علی تفاوت مراتب أفراد المتعة فی الفضل بعد التخصیص بالحج المندوب، فإن أفضل أنواع التمتع أن تکون عمرته قبل ذی الحجة، ثم ما تکون عمرته قبل یوم الترویة، ثم ما یکون قبل یوم عرفة

إنما هو الحمل علی التقیة علی الوجه الذی قدمنا ذکره فی المقدمة الأولی من مقدمات الکتاب، من أنهم کثیراً ما یلقون الاختلاف بین الشیعة فی الأحکام، لما یرونه من المصلحة التی تقدمت الإشارة إلیها فی المقدمة المذکورة، وإن لم یکن شیء منها مذهباً للعامة((1))، انتهی.

أقول: وربما یؤید الحمل علی التقیة ما تقدم فی خبر العقرقونی من قوله (علیه السلام): «ولا یتبین بمکة»((2))، وکذا یمکن الحمل علی التقیة بالنسبة إلی نفس المعصوم (علیه السلام)، ویؤیده صحیح ابن بزیع وغیره.

لکن کل ذلک مشکل کما لا یخفی، وإن کان مثله واردا، {کما فی أخبار الأوقات للصلوات، وربما تحمل علی تفاوت مراتب أفراد المتعة فی الفضل بعد التخصیص بالحج المندوب، فإن أفضل أنواع التمتع أن تکون عمرته قبل ذی الحجة، ثم ما تکون عمرته قبل یوم الترویة، ثم ما یکون قبل یوم عرفة} کما عن الشیخ فی التهذیب، قال:

المتمتع بالعمرة إلی الحج تکون عمرته تامة ما أدرک الموقفین، سواء کان ذلک یوم الترویة أو لیلة عرفة، إلی بعد زوال الشمس، فإذا زالت الشمس من یوم عرفة فقد فاتت المتعة، لانه لا یمکنه أن یلحق الناس بعرفات، والحال علی ما

ص:228

وصفناه، إلا أن مراتب الناس تتفاضل بالفضل والثواب، فمن أدرک یوم الترویة عند زوال الشمس یکون ثوابه أکثر ومتعته أشمل ممن لحق باللیل، ومن أدرک باللیل یکون ثوابه دون ذلک، وفوق من یلحق یوم عرفة إلی بعد الزوال، والأخبار التی وردت أن من لم یدرک یوم الترویة فقد فاتت المتعة، المراد بها فوات الکمال الذی یرجوه بلحوقه یوم الترویة، وما تضمنت من قولهم (علیهم السلام) ویجعلها حجة مفردة، فالإنسان بالخیار فی ذلک بأن یمضی المتعة وبین أن یجعلها حجة مفردة إذا لم یخف فوات الموقفین، وکانت حجته غیر حجة الإسلام التی لا یجوز فیها الإفراد مع الإمکان حیثما بیناه، وإنما یتوجه وجوبها والحتم علی أن تجعل حجة مفردة، لمن غلب علی ظنه أنه إن اشتغل بالطواف والسعی والإحلال ثم الإحرام بالحج یفوته الموقفان((1))، انتهی.

لکن فیه: إن ذلک جمع بلا شاهد، فالقول بجواز العدول عن التمتع بعد الإحرام لعمرته إلی حج الإفراد مع السعة خلاف الأصل، مضافاً إلی أن صحیح ابن الحجاج المتقدم فی التحدید بیوم الترویة مورده صیرورة النساء فیکون حجهن ظاهراً فی حجة الإسلام، علی أن عدة من النصوص المتقدمة لسانها آبیة عن الحمل علی الأفضل، وبهذا کله تعرف ما فی هذه المحامل من الإشکال.

ص:229

مع أنا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدة اختلافها وتعارضها نقول مقتضی القاعدة هو ما ذکرنا، لأن المفروض أن الواجب علیه هو التمتع، فما دام ممکنا لا یجوز العدول عنه، والقدر المسلم من جواز العدول صورة عدم إمکان إدراک الحج

{مع أنا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدة اختلافها وتعارضها نقول مقتضی القاعدة هو ما ذکرنا، لأن المفروض أن الواجب علیه هو التمتع، فما دام ممکنا لا یجوز العدول عنه، والقدر المسلم من جواز العدول صورة عدم إمکان إدراک الحج}، وفیه ما ذکره فی المستمسک بقوله: لکن الإشکال فی الإغماض عن الأخبار، لأنها إذا کانت متعارضة ولم یمکن الجمع العرفی بینهما فاللازم إما التخییر مع عدم المرجح، أو الأخذ بالراجح مع وجود المرجح، وحینئذ لا مجال للرجوع إلی القواعد((1))، انتهی.

ثم جمع هو بثلاثة أنحاء أخر:

الأول: أخذ قول المشهور بموافقة الکتاب والأصل.

الثانی: إرجاع نصوص التحدید بزوال عرفة إلی نصوص المشهور، فتکون أکثر عدداً، فتکون أولی بالأخذ.

الثالث: إن جمیع الطوائف غیر معمول بها، إلا ما حدد بزوال الترویة أو بغروبها، وهما خلاف المشهور، فاللازم أخذ المشهور، انتهی.

وأنت خبیر بما فی هذه الثلاثة، إذ لیس للکتاب إلا عموم یمکن تخصیصه، والأصل یرجع إلیه حیث لا دلیل، والإرجاع والترجیح بأکثریة العدد فیهما ما لا یخفی، وعدم العمل

ص:230

واللازم إدراک الاختیاری من الوقوف، فإن کفایة الاضطراری منه خلاف الأصل، یبقی الکلام فی ترجیح أحد القولین الأولین ولا یبعد رجحان أولهما بناءً علی کون الواجب استیعاب تمام ما بین الزوال والغروب بالوقوف، وإن کان الرکن هو المسمی،

غیر تام، والترجیح بمثل هذه الشهرة المستند إلی الاجتهاد علی تقدیر تسلیمها غیر مستقیم، فلم یبق إلا أن یقال إنها أخبار متعارضة لم یعلم ترجیح بعضها، فالمتیقن جواز العمل بالطائفة الأخیرة، إما من جهة الاستصحاب، وإما من جهة موافقة الکتاب، وإما من جهة أنها أحد مصادیق «بأیهما أخذت من باب التسلیم وسعک»، والله العالم.

{و} کیف کان، فإذ قد عرفت أن الأقوی أحد القولین الأولین فنقول: القدر المسلم من جواز العدول صورة عدم إمکان إدراک الحج، {واللازم إدراک الاختیاری من الوقوف فإن کفایة الاضطراری منه خلاف الأصل} الموافق لجمیع النصوص المتقدمة المحددة للمتعة بإدراک الاختیاری، وعلی هذا فلیس مجال للقول بمعارضة أصالة عدم جواز العدول لهذا الأصل.

{یبقی الکلام فی ترجیح أحد القولین} الأولین {ولا یبعد رجحان أولهما} فجواز المتعة مختص بصورة إدراک الوقوف الاختیاری بعرفة من أوله إلی آخره، فإن ظاهر النص المسوغ للعدول عند خوف فوت الموقفین أن المسوغ للعدول فوات الواجب من الوقوف لا الرکن منه فقط {بناءً علی کون الواجب استیعاب تمام ما بین الزوال والغروب بالوقوف وإن کان الرکن هو المسمی} کما عن الدروس، واللمعة، والروضة، بل عن الذخیرة نسبته إلی غیر واحد من عبارات الأصحاب، لکن لا یخفی أن الأقرب

ص:231

کما سیأتی عدم وجوب الاستیعاب من أول الوقت، وفاقاً للمحکی عن الفقیه والنهایة والمبسوط ورسالة الدیلمی والسرائر والمنتهی والذخیرة وغیرها، لجملة من الأخبار:

کصحیحة ابن عمار، المتضمنة لصفة حج النبی (صلی الله علیه وآله): «ثم غدا والناس معه»، إلی أن قال: «حتی انتهی إلی نمرة وهو بطن عرنة بحیال الأراک فضرب قبته وضرب الناس أخبیتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلی الله علیه وآله) ومعه قریش، وقد اغتسل وقطع التلبیة حتی وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم صلی الظهر والعصر بأذان وإقامتین، ثم مضی إلی الموقف فوقف به»((1))، الحدیث.

وفی صحیحة أبی بصیر: «لما کان یوم الترویة قال جبرئیل لآدم (علیه السلام): ترو من الماء، فسمیت التروبة، ثم أتی منی فأباته بها، ثم غدا به إلی عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرفة فبنی مسجداً بأحجار بیض، وکان یعرف أثر مسجد إبراهیم حتی أدخل فی هذا المسجد الذی بنمرة حیث یصلی الإمام یوم عرفة، فصلی بها الظهر والعصر، ثم عمد به إلی عرفات، فقال: هذه عرفات فاعرف بها مناسکک واعترف بذنبک، فسمی عرفات»((2)).

وفی موثقة ابن عمار: «وإنما تعجل العصر وتجمع بینهما لتفرغ نفسک للدعاء

ص:232

ولکن مع ذلک لا یخلو عن إشکال، فإن من جملة الأخبار مرفوع سهل عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی متمتع دخل یوم عرفة، قال: «متعته تامة إلی أن یقطع الناس تلبیتهم»، حیث إن قطع التلبیة بزوال یوم عرفة، وصحیحة جمیل: «المتمتع له المتعة إلی زوال الشمس من یوم عرفة وله الحج إلی

فإنه یوم دعاء ومسألة»((1))، ثم تأتی الموقف إلی غیر ذلک، بضمیمة أن عرنة ونمرة لیستا من عرفات.

{ولکن مع ذلک لا یخلو عن إشکال} لاحتمال کفایة إدراک الرکن {فإن من جملة الأخبار مرفوع سهل} الذی رواه فی الکافی، عن العدة، عن سهل بن زیاد، رفعه {عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی متمتع دخل یوم عرفة، قال: «متعته تامة إلی أن یقطع الناس تلبیتهم»((2))}، فإنه لو جاز له المتعة إلی الظهر {حیث إن قطع التلبیة بزوال یوم عرفة} یتأخر قهراً وصوله إلی عرفات بمقدار أربع ساعات علی الأقل فی أزمنة صدور الروایة لبعد عرفات عن مکة هذا المقدار، فیکون مدرکاً للرکن من عرفات، فیکون مقتضاه القول الثانی.

{وصحیحة جمیل} بن دراج التی رواها الشیخ بسنده عنه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المتمتع له المتعة إلی زوال الشمس من یوم عرفة وله الحج إلی

ص:233

زوال الشمس من یوم النحر». ومقتضاهما کفایة إدراک مسمی الوقوف الاختیاری، فإن من البعید إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة وإدراک الناس فی أول الزوال بعرفات، وأیضا یصدق إدراک الموقف إذا أدرکهم قبل الغروب إلا أن یمنع الصدق فإن المنساق منه إدراک تمام الواجب ویجاب عن المرفوعة والصحیحة بالشذوذ کما ادعی

زوال الشمس من یوم النحر»}((1)).

بل وخبر محمد بن مسرور المتقدم، حیث سأل عن الإمام (علیه السلام): إنه وافی غداة عرفة، فوقع (علیه السلام): «ساعة یدخل مکة إن شاء الله یطوف ویصلی رکعتین ویسعی ویقصر ویخرج _ یحرم خ _ بحجته ویمضی إلی الموقف ویفیض مع الإمام»((2))، إذ الظاهر منه کفایة إدراک الإمام فی الموقف، مضافاً إلی أن الغداة الصادقة علی ساعتین بعد الشمس ونحوها إذا ورد مکة فطوافه وسعیه وتقصیره وإحرامه الثانی، خصوصا مع مقدماته، یوجب کون الفراغ قریب الظهر الملازم للوصول إلی عرفات قبیل الساعة العاشرة ونحوها.

{ومقتضاهما} کمقتضی خبر محمد بن مسرور {کفایة إدراک مسمی الوقوف الاختیاری، فإن من البعید إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة، وإدراک الناس فی أول الزوال بعرفات، وأیضاً یصدق إدراک الموقف إذا أدرکهم قبل الغروب، إلا أن یمنع الصدق فإن المنساق منه إدراک تمام الواجب، ویجاب عن الموفوعة والصحیحة} والخبر {بالشذوذ کما ادعی} لکن هذا خلاف ما یظهر

ص:234

وقد یؤید القول الثالث وهو کفایة إدراک الاضطراری من عرفة بالأخبار الدالة علی أن من یأتی بعد إفاضة الناس من عرفات وأدرکها لیلة النحر تمّ حجه، وفیه إن موردها غیر ما نحن فیه وهو عدم الإدراک من حیث هو، وفیما نحن فیه یمکن الإدراک، والمانع کونه فی أثناء العمرة فلا یقاس بها.

من کلماتهم لما قد عرفت من ذهاب جمع کثیر إلی هذا القول، فیکف یکون شاذاً کما صرح به فی المستمسک.

{وقد یؤید القول الثالث، وهو کفایة إدراک الإضطراری من عرفة، بالأخبار الدالة علی أن من یأتی بعد إفاضة الناس من عرفات وأدرکها لیلة النحر تم حجه} کصحیح ابن عمار المتقدم وغیره مما هو مذکور فی مسألة کفایة إدراک اضطراری عرفة.

{وفیه} أولا: {إن موردها غیر ما نحن فیه، و} ذلک لأن موردها {هو عدم الإدراک من حیث هو } بعد فرض الإتیان بالعمرة فی التمتع ولا ربط له بانقلاب عمرة التمتع إلی الحج.

{وفیما نحن فیه یمکن الإدراک، والمانع کونه فی أثناء العمرة فلا یقاس بها}.

وثانیاً: إنه لو فرض عمومیة تلک الأخبار لما نحن فیه لزم تخصیص ما نحن فیه عن تلک العمومات، لتصریح أخبار هذه المسألة بأنه إنما لا یعدل إلی الإفراد إذا أدرک الإمام بعرفات، کما فی خبر محمد بن مسرور، وأنه إذا خشی أن یفوته الموقف یدع العمرة، کما فی صحیح الحلبی، بل قد عرفت أن جملة من الأخبار

ص:235

نعم لو أتم عمرته فی سعة الوقت ثم اتفق أنه لم یدرک الاختیاری من الوقوف کفاه الاضطراری، ودخل فی مورد تلک الأخبار، بل لا یبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتم عمرته ثم بان کون الوقت مضیقاً فی تلک الأخبار،

تحتم العدول بقدوم لیلة عرفة ونحوها، ثم یرد النقض علی هذا القائل بأنه لو عملنا بتلک الأخبار لزم العمل بها حتی فی کفایة إدراک المشعر فقط، لما دل علی أن إدراک المشعر کاف.

{نعم لو أتم عمرته فی سعة الوقت ثم اتفق أنه لم یدرک الاختیاری من الوقوف کفاه الاضطراری ودخل فی مورد تلک الأخبار، بل لا یعبد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتم عمرته ثم بان کون الوقت مضیقاً فی تلک الأخبار} بل یشمله قول الصادق (علیه السلام) فی خبر عبد الصمد المذکور: فی من کان لبس قمیصه فی حال الأحرام وأفتاه أصحاب أبی حنیفة بفساد حجه، «أی رجل رکب أمراً بجهالة فلا شیء علیه»((1)).

بل یدل علیه الأخبار الکثیرة التی أدارت الحکم مدار العلم ونحوه، کصحیح أبی بصیر: «إن کانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبیت وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنی فلتفعل»((2)).

ومرسل ابن بکیر، قال: «یتمتع ما ظن أنه یدرک الناس بمنی»((3)).

ص:236

ومرسل أبی بصیر کصحیحه، إلا أن فیه: «وتلحق بالناس فلتفعل»((1)).

وروایة یعقوب بن شعیب: «للمتمتع أن یحرم من لیلة الترویة متی ما تیسر له ما لم یخف فوت الموقفین»((2)).

ومفهوم صحیحة الحلبی: «فخشی إن هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف، قال (علیه السلام): یدع العمرة»((3)).

ومرسل محمد کمرسل أبی بصیر، إلی غیر ذلک.

وعلی هذا فالأقوی ما ذکره المصنف، لما یظهر من هذه الأخبار من کونها مقیدة بالملتفت، ومنه یظهر ما فی المستمسک من قوله: هذا یتوقف علی کون النصوص واردة فی الملتفت، ولکن دعوی ذلک غیر ظاهرة، فإنه خلاف إطلاق النصوص((4)).

نعم یمکن البناء علی صحة حجه حینئذ من باب حج الإفراد، ثم یعتمر بعد ذلک ویکون إتمامه للعمرة غیر مجزئ عنها، بل هو باق علی إحرامه ولا یحل بالتقصیر ولا بغیره حتی یدرک الحج ولو بإدراک المشعر الاختیاری لدخوله حینئذ فی النصوص جمیعها، ولا تتوقف صحة حجه علی إدراک اختیاری عرفة ولا اضطراریها، انتهی.

ص:237

ثم إن الظاهر عموم حکم المقام بالنسبة إلی الحج المندوب وشمول الأخبار له، فلو نوی التمتع ندباً وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک الحج جاز له العدول إلی الإفراد، وفی وجوب العمرة بعده إشکال، والأقوی عدم وجوبها، ولو علم من وظیفته التمتع ضیق الوقت عن إتمام العمرة وإدراک الحج قبل أن یدخل فی العمرة هل یجوز له العدول من الأول إلی الإفراد؟

وکذا سکت غیر واحد من المعاصرین علی المتن.

ثم إنه لا فرق فی اعتقاد سعة الوقت بین کونه من معتقداته الشخصیة أو النوعیة، کما لو لم یثبت الهلال فظنه الناس یوم الترویة ثم ثبت عند الحاکم الشرعی أنه یوم عرفة وهو قد اعتمر بعد الظهر أو نحو ذلک.

{ثم الظاهر عموم حکم المقام بالنسبة إلی الحج المندوب، وشمول الأخبار له فلو نوی التمتع ندباً وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک الحج جاز له العدول إلی الإفراد} بل قد تقدم عن الشیخ (رحمه الله) حمل نصوص التحدید لغیر الضیق علی خصوص المندوب، وإن کان قد عرفت أنه حمل لا شاهد له.

{وفی وجوب العمرة بعده إشکال} من أن الأخبار المتقدمة نصت علی الاعتمار بعد الحج، ومن أنها إرشاد إلی ما هو بدل حج التمتع حینئذ، ولیست فی مقام کونها واجبة أو مندوبة فتکون العمرة تابعة للمبدل منه، إن واجباً فواجبة، وإلا فمندوبة.

{و} علیه ف_ {الأقوی عدم وجوبها} فیما لم تکن واجبة بالأصل أو بعارض.

{ولو علم من وظیفته التمتع ضیق الوقت عن إتمام العمرة وإدراک الحج قبل أن یدخل فی العمرة، هل یجوز له العدول من الأولی إلی الإفراد} بأن یحرم

ص:238

فیه إشکال وإن کان غیر بعید

بالحج ابتداءً أم لا، {فیه إشکال} لأن ظاهر النصوص والفتاوی العدول فی الأثناء، فالعدول من الابتداء یحتاج إلی دلیل، والقول بأنه یلزم منه سقوط الحج فی هذه السنة، وذلک مناف لأدلة الفوریة لا محصل له، إذ ما هو تکلیفه غیر قادر علیه، وما هو قادر علیه لیس بتکلیفه بعد فرض عدم شمول الأدلة، فیکون کمن وصل حیث لا یتمکن إلا من العمرة المفردة، فهل نقول بانقلاب تکلیفه، والمناط إنما یفید للقاطع.

{وإن کان} جواز العدول ابتداءً {غیر بعید} لکنه محتاج إلی التتبع والتأمل فی غیر الحج الاستحبابی ونحوه.

نعم قد یستشعر ذلک من بعض الأخبار، کمفهوم المرسل المتقدم عن التهذیب والاستبصار: «أهل بالمتعة بالحج یوم الترویة»((1)) إلخ، إذ مساق هذا الخبر مساق غیره من الأخبار الذی یقول بأنه لو لم یتمکن فی هذه الأوقات یفرد الحج، منتهی الأمر تلک فی مورد ما أهل بالعمرة، وهذا فی ما لم یهل، فتأمل.

وروایة الشیخ فی التهذیب المتقدمة فی المسألة الرابعة والعشرین من فصل النیابة، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلی هلال المحرم واعتمر فأجزأت عنه مکان عمرة المتعة».

ص:239

ولو دخل فی العمرة بنیة التمتع فی سعة الوقت وأخر الطواف والسعی متعمداً إلی ضیق الوقت ففی جواز العدول وکفایته إشکال، والأحوط العدول وعدم الاکتفاء إذا کان الحج واجباً علیه.

{ولو دخل فی العمرة بنیة التمتع فی سعة الوقت وأخر الطواف والسعی متعمداً إلی ضیق الوقت ففی جواز العدول وکفایته إشکال} من اختصاص النصوص والفتاوی بغیر هذه الصورة کما قیل، ومن کون المناط واحداً، لکن الأقوی الثانی لعدم اختصاص النصوص بالمذکور، بل إطلاقها کالفتاوی یشمل ما نحن فیه، فراجع.

وبه یظهر أن ما ذکره فی المستمسک((1)) ابتداءً من أن اللازم الرجوع إلی القواعد المقتضیة لوجوب إتمام العمرة والاجتزاء فی فعل الحج بإدراک المشعر، لعموم من أدرک الوقوف بالمشعر فقد تم حجه إلخ غیر تام، ولهذا أضرب هو عنه بقوله: هذا بناءً علی اختصاص نصوص المقام بغیر الفرض، لکنه غیر ظاهر فلاحظ النصوص تجدها کغیرها من موارد الأبدال الاضطراریة شاملة للعامد وغیره، وأن العامد آثم فی التأخیر.

{و} علی هذا {فالأحوط} إن لم یکن أقوی {العدول} وحینئذ فلا وجه لقوله: {وعدم الاکتفاء إذا کان الحج واجباً علیه} بل یکتفی بذلک وإن أثم بالتأخیر کسائر من أوقع نفسه فی الاضطرار.

ص:240

وصحیح ابن بزیع المقتدم فی المسألة السابقة، وفیه:

فقال (علیه السلام): «إذا زالت الشمس ذهبت المتعة». فقلت: فهی علی إحرامها أو تجدد إحراماً للحج، فقال (علیه السلام): «لا هی علی إحرامها». قلت: فعلیها هدی، قال: «لا، إلا أن تحب أن تتطوع»((1))، الحدیث.

بل ومرسلة إسحاق بیاع اللؤلؤ الصحیحة، عمن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح منه، عمن سمع أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «المرأة المتمتعة إذا طافت بالبیت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامة»((2)). فإنها دلت بالمفهوم علی أنها قبل أربعة أشواط لا یکون متعتها تامة.

ومرسلة إبراهیم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد الله (علیه السلام)، «عن امرأة طافت بالبیت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامة، وإن هی لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلی الجعرانة أو إلی التنعیم فلتعتمر»((3)).

والفقه الرضوی: «إذا حاضت المرأة قبل أن تحرم فعلیها أن تحتشی إذا بلغت المیقات وتغتسل وتلبس ثیاب إحرامها فتدخل مکة وهی محرمة ولا تقرب المسجد الحرام، فإن طهرت ما بینها وبین یوم الترویة قبل الزوال فقد أدرکت متعتها

ص:242

الثانی: ما عن جماعة من أن علیها ترک الطواف والإتیان بالسعی ثم الإحلال وإدراک الحج وقضاء طواف العمرة بعده فیکون علیها الطواف ثلاث مرات، مرة لقضاء طواف العمرة ومرة للحج ومرة للنساء، ویدل علی ما ذکروه أیضاً جملة من الأخبار.

فعلیها أن تغتسل وتطوف بالبیت وتسعی بین الصفا والمروة وتقضی ما علیها من المناسک، وإن طهرت بعد الزوال یوم الترویة فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة»((1)).

لکن سیأتی دلالتها علی القول الرابع بضمیمة باقیها.

{الثانی: ما عن جماعة} کعلی بن بابویه وأبی الصلاح والحلبی وابن زهرة والإسکافی وغیرهم، بل عن الغنیة الإجماع علیه، {من أن علیها ترک الطواف والإتیان بالسعی ثم الإحلال وإدراک الحج وقضاء طواف العمرة بعده، فیکون علیها الطواف ثلاث مرات، مرة لقضاء طواف العمرة، ومرة للحج} وهو طواف الزیارة {ومرة للنساء، ویدل علی ما ذکروه أیضاً جملة من الأخبار}، منها صحیح العلاء بن صبیح، وعبد الرحمن بن الحجاج وعلی بن رئاب وعبید الله بن صالح، کلهم یروونه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المرأة المتمتعة إذا قدمت مکة ثم حاضت تقیم ما بینها وبین الترویة، فإن طهرت طافت بالبیت وسعت وإن

ص:243

لم تطهر إلی یوم الترویة اغتسلت واحتشت ثم سعت بین الصفا والمروة ثم خرجت إلی منی، فإذا قضت المناسک وزارت البیت طافت بالبیت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلک فقد أحلت من کل شیء یحل منه المحرم إلاّ فراش زوجها فإذا طافت أسبوعاً حل لها فراش زوجها»((1)).

وخبر عجلان أبی صالح، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): متمتعة قدمت مکة فرأت الدم کیف تصنع، قال (علیه السلام): «تسعی بین الصفا والمروة وتجلس فی بیتها، فإن طهرت طافت بالبیت، وإن لم تطهر فإذا کان یوم الترویة أفاضت علیها الماء وأهلت بالحج وخرجت إلی منی فقضت المناسک کلها، فإذا قدمت مکة طافت بالبیت طوافین ثم سعت بین الصفا والمروة، فإذا فعلت ذلک فقد حل لها کل شیء ما عدا فراش زوجها». قال: وکنت أنا وعبد الله بن صالح سمعنا هذا الحدیث فی المسجد، فدخل عبید الله علی أبی الحسن (علیه السلام) فخرج إلی فقال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن روایة عجلان، فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عجلان((2)).

وروایة عجلان الأخری، أنه سمع أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إذا اعتمرت المرأة ثم اغتسلت قبل أن تطوف، قدّمت السعی وشهدت المناسک، فإذا طهرت

ص:244

وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء ثم أحلت من کل شیء»((1)).

وروایته الثالثة، سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن متمتعة دخلت مکة فحاضت، قال (علیه السلام): «تسعی بین الصفا والمروة ثم تخرج مع الناس حتی تقضی طوافها بعده»((2)).

وروایة یونس بن یعقوب، عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن امرأة متمتعة طمثت قبل أن تطوف فخرجت مع الناس إلی منی، فقال: «أو لیس هی علی عمرتها وحجتها فلتطف طوافاً للعمرة وطوافاً للحج»((3)).

وصحیحة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لیس علی النساء حلق وعلیهن التقصیر ثم یهللن بالحج یوم الترویة وکانت عمرة وحجة، فإن اعتللن کن علی حجهن ولم یضررن بحجهن»((4)).

وصحیحة الکاهلی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن النساء فی إحرامهن، فقال: «یصلحن ما أردن أن یصلحن»، إلی أن قال: «فإذا قضین طوافهن وسعیهن قصرن وجازت متعة ثم أهللن یوم الترویة بالحج فکانت عمرة وحجة، وإن اعتللن کن علی حجهن ولم یفردن حجهن»((5)).

ص:245

الثالث: ما عن الإسکافی وبعض متأخری المتأخرین من التخییر بین الأمرین للجمع بین الطائفتین بذلک.

{الثالث: ما عن الإسکافی} نقله عنه فی المستند کما نقل القول الثانی عنه أیضاً، ومن المحتمل اختلاف کلماته یحتمل الاشتباه فی النقل.

{وبعض متأخری المتأخرین} لعله یرید به صاحب المدارک، کما فی المستمسک {من التخییر بین الأمرین للجمع بین الطائفتین} المتقدمتین الآمرة بتأخیر الطواف والآمرة بالعدول {بذلک} التخییر، قال فی محکی المدارک بعد نقل صحیحة علاء:

والجواب إنه بعد تسلیم السند والدلالة یجب الجمع بینها وبین الروایات السابقة المتضمنة للعدول إلی الإفراد بالتخییر بین الأمرین ومتی ثبت ذلک کان العدول أولی لصحة مستنده وصراحة دلالته وإجماع الأصحاب علیه((1))، انتهی.

قال فی الحدائق بعد نقله عن المدارک ما ذکر:

أقول: لا أعرف فی مناقشته فی سند الروایة ودلالتها هنا وجهاً غیر مجرد التسجیل وهو قد نقل السند فی کتابه بهذه الصورة: الکلینی (رحمه الله)، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن عیسی، عن محمد ابن أبی عمیر، عن حفص ابن البختری، عن الجماعة المتقدم ذکرهم، ولیس فی السند من یتوقف فی شأنه إلا العلاء بین صبیح وعبد الله بن صالح، وهما مشترکان فی النقل مع علی بن رئاب وعبد الرحمن بن الحجاج المتفق علی توثیقهما، وأما الدلالة فهی أظهر من أن تنکر((2))، انتهی.

ص:246

الرابع: التفصیل بین ما إذا کانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل، أو کانت طاهراً حال الشروع فیه ثم طرأ الحیض فی الأثناء فتترک الطواف وتتم العمرة وتقضی بعد الحج، اختاره بعض بدعوی أنه مقتضی الجمع بین الطائفتین، بشهادة خبر أبی بصیر، سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: فی المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهی طاهر ثم حاضت قبل أن تقضی متعتها سعت ولم تطف حتی تطهر ثم تقضی طوافها وقد قضت عمرتها، وإن أحرمت وهی حائض لم تسع ولم تطف حتی تطهر.

{الرابع: التفصیل بین ما إذا کانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل، أو کانت طاهراً حال الشروع فیه ثم طرأ الحیض فی الأثناء فتترک الطواف وتتم العمرة وتقضی بعد الحج، اختاره بعض} هو صاحب الحدائق تبعاً للکاشانی فی محکی الوافی والمفاتیح {بدعوی أنه مقتضی الجمع بین الطائفتین، بشهادة خبر أبی بصیر} المروی فی الکافی قال: سألت {سمعت} خ ل {أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «فی المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهی طاهر ثم حاضت قبل أن تقضی متعتها سعت ولم تطف حتی تطهر ثم تقضی طوافها وقد قضت عمرتها وإن أحرمت وهی حائض لم تسع ولم تطف حتی تطهر»}((1)).

ص:247

وفی الرضوی: «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم» إلی قوله (علیه السلام): «وإن طهرت بعد الزوال یوم الترویة فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة، وإن حاضت بعد ما أحرمت سعت بین الصفا والمروة وفرغت من المناسک کلها إلاّ الطواف بالبیت فإذا طهرت قضت الطواف بالبیت وهی متمتعة بالعمرة إلی الحج وعلیها طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء، وقیل فی توجیه الفرق بین الصورتین إن فی الصورة الأولی لم تدرک

{وفی الرضوی: «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم» إلی قوله (علیه السلام): «وإن طهرت بعد الزوال یوم الترویة فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة وإن حاضت بعد ما أحرمت سعت بین الصفا والمروة وفرغت من المناسک کلها إلا الطواف بالبیت فإذا طهرت قضت الطواف بالبیت وهی متمتعة بالعمرة إلی الحج وعلیها طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء»((1))}.

وبهذا ظهر أن الاستدلال بجزئه الأول للقول الأول کما سبق لیس فی محله، فهو کالاستدلال بجزئه الثانی للقول الثانی.

{وقیل فی توجیه الفرق بین الصورتین أن فی الصورة الأولی لم تدرک

ص:248

شیئاً من أفعال العمرة طاهراً فعلیها العدول إلی الإفراد، بخلاف الصورة الثانیة فإنها أدرکت بعض أفعالها طاهراً فتبنی علیها وتقضی الطواف بعد الحج، وعن المجلسی (قدس سره) فی وجه الفرق ما محصله: إن فی الصورة الأولی لا تقدر علی نیة العمرة لأنها تعلم أنها لا تطهر للطواف وإدراک الحج، بخلاف الصورة الثانیة فإنها حیث کانت طاهرة وقعت منها النیة والدخول فیها.

الخامس: ما نقل عن بعض

شیئاً من أفعال العمرة طاهراً فعلیها العدول إلی الإفراد، بخلاف الصورة الثانیة فإنها أدرکت بعض أفعالها طاهراً، فتبنی علیها وتقضی الطواف بعد الحج} وهذا قول مجهول القائل ضعیف غایته، کما لا یخفی.

{وعن المجلسی} الأول {قدس سره} فی شرحه علی الفقیه {فی وجه الفرق ما محصله: إن فی الصورة الأولی لا تقدر علی نیة العمرة، لأنها تعلم أنها لا تطهر للطواف وإدراک الحج، بخلاف الصورة الثانیة فإنها حیث کانت طاهرة وقعت منها النیة والدخول فیها}، وفیه أیضاً ما لا یخفی من النقض بما إذا علمت بطهرها فی الصورة الأولی ثم امتد الحیض، أو علمت بوقوع حیضها قبل الطواف فی الصورة الثانیة ثم لم تحض، هذا مضافاً إلی أن مثل هذا العلم لیس منشأً للأثر، إذ یکفی فی صحة وقوع النیة العلم بإتیان بعض الأعمال کالسعی والتقصیر.

{الخامس: ما نقل عن بعض}، حکاه فی الجواهر عن بعض الناس، وجعله

ص:249

من أنها تستنیب للطواف ثم تتم العمرة وتأتی بالحج، لکن لم یعرف قائله.

والأقوی من هذه الأقوال هو القول الأول للفرقة الأولی من الأخبار التی هی أرجح من الفرقة الثانیة، لشهرة العمل بها دونها، وأما القول الثالث وهو التخییر فإن کان المراد منه الواقعی بدعوی کونه مقتضی الجمع بین الطائفتین ففیه إنهما یعدان من المتعارضین، والعرف لا یفهم التخییر منهما والجمع الدلالی فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرین ذلک

فی المستند قولاً خامساً {من أنها تستنیب للطواف ثم تتم العمرة وتأتی بالحج لکن لم یعرف قائله} ولا دلیله کما فی الجواهر والمستند بالنسبة إلی الدلیل.

{والأقوی من هذه الأقوال هو القول الأول} القائل بالعدول {للفرقة الأولی من الأخبار التی هی أرجح من الفرقة الثانیة، لشهرة العمل بها دونها}، وفیه: إن شهرة العمل لیست من المرجحات، وإنما المرجح شهرة الروایة، والمفروض عدمها فی المقام.

{وأما القول الثالث وهو التخییر، فإن کان المراد منه الواقعی} فقیل هذا الطرف مرة وذاک أخری {بدعوی کونه مقتضی الجمع بین الطائفتین} فإن العرف یفهم من ذکر طرف مرة وذکر آخر أخری أنهما فی حد سواء بنظر الآمر {ففیه إنهما یعدان من المتعارضین والعرف لا یفهم التخییر منهما، والجمع الدلالی فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرین ذلک} والقول إنهما لیسا متعارضین إذ موضوع کل واحد منهما غیر موضوع الآخر بشهادة روایة أبی بصیر والرضوی، فی غیر محله کما ستعرف.

ص:250

وإن کان المراد التخییر الظاهری العملی فهو فرع مکافئة الفرقتین، والمفروض أن الفرقة الأولی أرجح من حیث شهرة العمل بها

{وإن کان المراد التخییر الظاهری العملی} المترتب علی التعارض وعدم المرجح من باب «إذاً فتخیر» من غیر فرق بین القول بکون التخییر استمراریاً حتی یوافق التخییر الواقعی عملاً، أو ابتدائیاً {فهو فرع مکافئة الفرقتین، والمفروض أن الفرقة الأولی أرجح من حیث شهرة العمل بها}, لکن عرفت ما فیه، وفی المستند استوجه سقوط أخبار القول الثانی، بقوله: لا یخفی أن أدلة قول الثانی برمتها خالیة عن التصریح فی الوجوب، لأنها بین جملة خبریة أو محتملة لها.

وأما قوله فی مرسلة یونس: «فلتطف» فإنما هو بعد کونها علی عمرتها، ولکن لا دلالة فیها علی وجوب الکون علی العمرة، فإذن فالقول الثانی المتضمن لتعین الکون علی العمرة خال عن الدلیل بالمرة، ساقط عن درجة العبرة((1))، إلخ.

وفیه: إن ذلک إنما یتم علی مبنی کون الجملة الخبریة لا تدل علی الوجوب، وهو خلاف التحقیق، کما عرفت فی الأصول.

وربما أشکل علیه بإعراض الأصحاب، وفیه: إن الإعراض علی تقدیر تمامیته فی المقام، وموهنیته فی نفسه لا یضر فی المقام، لاحتمال الاستناد إلی الوجوه المذکورة ونحوها من المرجحات، کما هو المعلوم من کلام غیر واحد ممن تعرض للترجیح بین الطائفتین، کما أن الإشکال علی الأخبار والأدلة بکونها تتضمن التحدید بزوال الترویة، ولا نقول

ص:251

وأما التفصیل المذکور فموهون بعدم العمل، مع أن بعض أخبار القول الأول ظاهر فی صورة کون الحیض بعد الدخول فی الإحرام، نعم لو فرض کونها حائضاً حال الإحرام وعلمت بأنها لا تطهر لإدراک الحج

بذلک، فی غیر محله بعد خلو صحیح إسحاق عن التحدید، واشتمال غیره علیه، منزل علی تلک الأوقات التی لا یدرک الشخص الناس إذا أخر عن الزوال، مع الاحتیاج إلی إدراکهم لعدم أمن الطرق وغیره.

وقد تقدم الجمع بین الأخبار بهذا النحو فی المسألة السابقة فراجع.

{وأما التفصیل المذکور فموهون بعدم العمل} لکنه موهون بعدم الضرر فی ذلک {مع أن بعض أخبار القول الأول ظاهر فی صورة کون الحیض بعد الدخول فی الإحرام} فلا یمکن حملها علی ما کانت حائضاً حال الإحرام، مثلا صحیح ابن بزیع: «عن المرأة تدخل مکة متمتعة فتحیض»((1)).

وصحیح ابن عمار: «تجیء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبیت»((2))، الحدیث.

صریح أو کالصریح فی عروض الحیض بعد الإحرام.

وهذا هو السر فی رفع الید عن خبر أبی بصیر ونحوه لعدم مقاومته لتلک الأخبار، وعلی هذا فمقتضی القاعدة التخییر وإن کان الأحوط هو القول الأول.

{نعم لو فرض کونها حائضاً حال الإحرام وعلمت بأنها لا تطهر لإدراک الحج

ص:252

یمکن أن یقال یتعین علیها العدول إلی الإفراد من الأول، لعدم فائدة فی الدخول فی العمرة ثم العدول إلی الحج، وأما القول الخامس فلا وجه له ولا له قائل معلوم.

یمکن أن یقال یتعین علیها العدول إلی الإفراد من الأول لعدم فائدة فی الدخول فی العمرة ثم العدول إلی الحج}، وفیه: إنه لم یعلم أن الشارع اعتد بعلمها، فلعله حکم الشارع بذلک حتی مع علمها لما یمکن فی الواقع من کون علمها جهلاً مرکباً.

والحاصل: إن إطلاقات وجوب حج التمتع علی النائی تشملها، والمخصص إنما هو فی صورة الاستمرار إلی حیث تفوت عرفة، فاللازم الاقتصار علی قدره، مضافاً إلی أنه یلزم أن یقول بذلک فیما علمت أنها تحیض بعد الإحرام ویمتد الحیض إلی وقت الوقوف، فإنه أی فرق بین الصورتین، مع أن إطلاق صحیح ابن بزیع الدال علی أن المتعة تذهب بزوال الترویة یشمله، وفی بعض النسخ «أو علمت» لکنه غیر تام، وإن شمل الصورة الثانیة أعنی ما أوردنا علیه بقولنا مضافاً، إلخ.

وکیف کان فلا وجه لهذا التفصیل أیضاً، مع أنه إحداث لقول سادس موهون بعدم ذهاب أحد إلیه فعلی مبناه (رحمه الله) لا یتمکن الالتزام به.

{وأما القول الخامس فلا وجه له ولا له قائل معلوم} فلا یرفع الید عن الأخبار لأجله، کما أن کونه احتیاطاً أیضاً کما فی بعض المناسک غیر تام.

بقی فی المقام شیء، وهو أن مقتضی ما تقدم من الأخبار فی المسألة السابقة، وفی هذه

ص:253

المسألة بعد ضم بعضها إلی بعض هو أن حکم الحائض والنفساء حکم من ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک عرفة، فالمناط فی عدولهما هو ضیق الوقت عن إدراک العمرة والإحرام بعدها للحج والحضور فی عرفات.

ویظهر من صاحب المستند کون اتحاد المسألتین من هذه الجهة إجماعی، قال: المناط للحائض والنفساء أیضاً ما مر فی حق من ضاق وقته من عدم إدراکه زوال الشمس من یوم عرفة کما سبق دلیله، وقد أختار صاحب الذخیرة فیهما زوال الشمس من یوم الترویة بعد اختیاره فی من ضاق وقته ما اخترناه، والظاهر أنه خرق للإجماع المرکب، ونسبة هذا القول فیهما إلی علی بن بابویه والمفید لا یفید، لأنهما قالا بذلک فیه أیضاً((1))، انتهی.

ولا حاجة إلی إطالة الکلام فی ما استدل به الذخیرة، ورده.

ص:254

ورواه الشیخ مرسلاً، عمن سأل أبا عبد الله (علیه السلام)، ومسنداً عن إبراهیم ابن أبی إسحاق، عن سعید الأعرج((1)).

وروی أیضاً فی الصحیح، عن ابن مسکان، عن أبی إسحاق صاحب اللؤلؤ، حدثنی من سمع أبا عبد الله (علیه السلام) یقول فی المرأة المتمتعة: «إذا طافت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة، وتقضی ما فاتها من الطواف بالبیت وبین الصفا والمروة، وتخرج إلی منی قبل أن تطوف الطواف الآخر»((2)).

ورواه الکلینی (رحمه الله) إلی قوله: «فمتعتها تامة».

ویؤیده ما رواه الکلینی (رحمه الله)، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا حاضت المرأة وهی فی الطواف، أو بین الصفا والمروة، فجازت النصف علّمت ذلک الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقیة طوافها من الموضع الذی علّمته، وإن هی قطعت طوافها فی أقل من النصف فعلیها أن تستأنف الطواف من أوله»((3)).

وما رواه أیضاً عن أحمد بن عمر الحلال، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط فاعتلت، قال: «إذا حاضت المرأة وهی فی الطواف بالبیت أو بالصفا والمروة، وجاوزت النصف علّمت ذلک الموضع

ص:256

الذی بلغت، فإذا هی قطعت طوافها فی أقل من النصف فعلیها أن تستأنف الطواف من أوله»((1)).

وفی الفقه الرضوی: «إذا حاضت المرأة وهی فی الطواف خرجت من المسجد، فإن کانت طافت ثلاثة أشواط فعلیها أن تعید، وإن کانت طافت أربعة أقامت علی مکانها، فإذا طهرت بنت وقضت ما علیها ولا تجوز علی المسجد حتی تتیمم وتخرج منه، وکذلک الرجل إذا أصابه علة وهو فی الطواف لم یقدر علی إتمامه أعاد بعد ذلک طوافه إن لم یجز نصفه، فإن جاز نصفه فعلیه أن یبنی علی ما طاف»((2)).

استدل الصدوق لمذهبه بصحیح محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلک ثم رأت دماً، قال: «تحفظ مکانها، فإذا طهرت طافت بقیته واعتدت بما مضی»((3)).

وفیه: إنه مطلق فلا بد أن یحمل علی الطواف المستحب، بقرینة الروایات الدالة علی التفصیل بین الواجب والمستحب، کروایة أبان بن تغلب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجل طاف شوطاً أو شوطین ثم خرج مع رجل فی حاجة، قال: «إن کان طواف نافلة بنی علیه، وإن کان طواف فریضة لم یبن»((4)).

ص:257

ومرسل ابن أبن عمیر، عن أحدهما (علیهما السلام) فی حدیث: «إن کان طاف الشوط والشوطین وإن کان طواف فریضة ثم خرج فی حاجة مع رجل لم یبن»((1)).

إلی غیر ذلک، وبها یقید مطلق الطرفین، أعنی ما دل علی عدم البناء مطلقاً، وما دل علی البناء مطلقاً، کما سیأتی فی محله إن شاء الله.

ولهذا حمل الشیخ خبر محمد بن مسلم علی طواف النافلة، وتبعه الحدائق وغیره، وبما تقدم ظهر ما فی کلام الصدوق حیث إنه بعد ذکر خبر محمد بن مسلم قال:

وبهذا الحدیث أفتی دون الحدیث الذی رواه ابن مسکان عن إبراهیم عن إسحاق عمن سأل أبا عبد الله (علیه السلام)، ثم ساق الخبر المتقدم ثم قال: لأن هذا الحدیث إسناده منقطع، والحدیث الأول رخصة ورحمة، وأسناده متصل، انتهی.

إذ فیه: إن إسناد هذا الخبر وإن کان منقطعاً بناءً علی ما نقله، إلا أنه بناءً علی ما نقله الشیخ متصل کما عرفت، مضافاً إلی اعتضاده بالأخبار الواردة فی المقام والأخبار الواردة فی الطواف والشهرة المحققة.

وأما مذهب ابن إدریس فقد استدل له فی محکی کلامه بقوله: والذی تقتضیه الأدلة أنه إذا جاء الحیض قبل جمیع الطواف فلا متعة لها، وإنما ورد بما قاله شیخنا أبو جعفر خبران مرسلان فعمل علیهما، وقد بینا أنه لا یعمل بأخبار الآحاد وإن کانت مسندة فکیف بالمراسیل، انتهی.

وقواه صاحب المدارک قائلا: وهذا القول لا یخلو من قوة، لامتناع إتمام العمرة المقتضی لعدم وقوع التحلل

ص:258

وحینئذ فإن کان الوقت موسعاً أتمت عمرتها بعد الطهر، وإلا فلتعدل إلی حج الإفراد وتأتی بعمرة مفردة بعده، وإن کان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف وبعد الطهر تأتی بالثلاثة الأخری وتسعی وتقصر مع سعة الوقت

ویشهد له صحیحة محمد بن إسماعیل المتقدمة حیث قال فیها: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السلام) عن المرأة تدخل مکة متمتعة فتحیض قبل أن تحل متی تذهب متعتها((1))، انتهی.

وفیه: إن الخبر لیس مرسلا وهو حجة، بل صحیح، وخبر محمد بن إسماعیل مطلق، فلا بد من تقییده بما ذکر، ولا مجال للأصل فی المقام.

{وحینئذ} فإذا بطل الطواف {فإن کان الوقت موسعاً أتمت عمرتها بعد الطهر} لأنه مقتضی وجوب العمرة قبل الحج، وإنما الخارج من العمومات صورة عدم التمکن، ولیس ما نحن فیه منه، {وإلا فلتعدل إلی حج الإفراد وتأتی بعمرة مفردة بعده} لما تقدم من لزوم العدول علیها فی هذه الصورة.

{وإن کان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف} وتعلّم الموضع من کونها علی الحجر أو بعده، إذ قد یکون ذلک بین الشوط الرابع والخامس.

{وبعد الطهر تأتی بالثلاثة الأخری} أو ما بقی ولو أقل منها وتصلی {وتسعی وتقصر مع سعة الوقت} ثم تحرم للحج، لا أنها تحرم للحج قبل تمام الطواف فی صورة السعة ثم تطوف البقیة، ولا أنها تکتفی بالأربعة فقط، ولا أنها حتی فی حال

ص:259

ومع ضیقه تأتی بالسعی وتقصر ثم تحرم للحج وتأتی بأفعاله ثم تقضی بقیة طوافها قبل طواف الحج أو بعده، ثم تأتی ببقیة أعمال الحج، وحجها صحیح تمتعا

السعة تعدل إلی الإفراد لأن ذلک کله مخالف للقواعد، وإن کان ربما قیل باستفادة بعضها من کلام القواعد، لکن فیه ما فیه.

{ومع ضیقه تأتی بالسعی وتقصر، ثم تحرم للحج وتأتی بأفعاله ثم تقضی بقیة طوافها} للعمرة {قبل طواف الحج أو بعده} لعدم دلیل علی تعیین أحدهما {ثم تأتی ببقیة أعمال الحج وحجها صحیح تمتعاً}.

وبهذا کله ظهر أن صور المسألة أربعة:

لأنها إما تحیض قبل الأربعة أو بعدها، وعلی کل حال فإما أن یسع وقتها لإتیان بقیة الطواف قبل الحج أم لا.

فإن حاضت قبل الأربعة ووسع الوقت استأنفت الطواف وتأتی بسائر الأعمال مرتبا.

وإن لم یسع الوقت جعلت عمرتها حجة مفردة وأتت بالحج، وبعده تأتی بعمرة مفردة.

وإن حاضت بعد الأربعة ووسع الوقت أتت بالأعمال مرتبة، فتأتی ببقیة الطواف بعد الطهر، ثم السعی والتقصیر، ثم الإهلال بالحج إلی آخر الأعمال.

وإن لم یسع الوقت سعت وقصرت وأحرمت بالحج وأتت ببقیة الطواف بعد الطهر قبل طواف الحج أو بعده.

ثم لو تمکنت من السعی والتقصیر فی حال الحیض ثم تطهر بمقدار بقیة الطواف فقط فیما أتت بالأربعة، فهل لها تقدیم بقیة الطواف قبل الحج أم لا، الظاهر الأول، وذلک لأن ما دل علی تأخیر بقیة الطواف لا یدل علی تأخیرها بعد الحج فیجوز تقدیمها قبله.

ص:260

وکذا الحال إذا حدث الحیض بعد الطواف وقبل صلاته.

{وکذا الحال إذا حدث الحیض بعد الطواف وقبل صلاته} کما عن العلامة وغیره، بل هو الاشهر کما فی المستند، واستدل علیه فی محکی المنتهی بما رواه الشیخ، عن أبی صباح الکنانی، سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة طافت بالبیت فی حج أو عمرة ثم حاضت قبل أن تصلی الرکعتین، قال: «إذا طهرت فلتصل رکعتین عند مقام إبراهیم (علیه السلام)، وقد قضت طوافها»((1)).

ولکن المدارک أشکل فی دلالة الروایة علی ذلک، وکأن نظره إلی أن الروایة لا تدل علی جواز فعل مناسک الحج قبل صلاة الرکعتین، فلا یمکن الخروج عن مقتضی القواعد الحاکمة بالترتیب، ولکن فیه إن الإطلاقات تشمل ذلک بالأولویة.

نعم لو کان له سعة تتمکن من فعل الصلاة قبل بقیة مناسک العمرة لزم تحفظاً علی الترتیب، قال فی الجواهر: نعم لا دلالة فیهما علی جواز فعل بقیة أفعال العمرة، ثم الإحلال فیها، ثم قضاء الرکعتین بعد ذلک مع السعة((2))، انتهی.

بقی فی المقام شیء، وهو أنه لو حصل الحیض بعد الطواف وصلاة الرکعتین صحت المتعة قطعاً، ووجب علیها السعی والتقصیر، لعدم توقفهما علی الطهارة، وللأخبار المستفیضة من الصحاح وغیرها، کما تقدم بعضها، وصرح بذلک فی المستند، وعلیه فلا بد من حمل روایة أبی بصیر المتقدمة العاطفة للسعی علی

ص:261

الطواف علی ضرب من الاستحباب، لاستحباب السعی مع الطهارة، أو علی الزیادة فی الکلام من الراوی أو غیره، ولذا کان بقیة الروایة ظاهرة فی الاختصاص بالطواف، فتأمل.

ثم إن حال النفاس حال الحیض، کما یستفاد من کلماتهم للمناط القطعی، وحال وقوعهما فی أثناء الصلاة حال وقوعهما قبلها، وکما لا دلیل علی الاستنابة فی الطواف لا دلیل علی الاستنابة فی الصلاة.

وفی المقام فروع کثیرة لا یسعها المقام.

ص:262

منها فی جملة من الأخبار خمسة

الشیء یوقته ووقته تقیة: إذا بین حده، ثم اتسع فیه فأطلق علی المکان فقیل الموضع میقات، وهو مفعال منه، وأصله موقات فقلبت الواو یاءً لکسرة المیم.

وقال الفیومی فی کتاب المصباح المنیر أیضاً: الوقت مدار من الزمان مفروض لأمرما، وکل شیء قدرت له حیناً فقد وقته توقیتاً، وکذلک ما قدرت له غایة، والجمع أوقات، والمیقات الوقت والجمع مواقیت/ وقد استعیر الوقت للمکان، ومنه مواقیت الحج موضع الإحرام، انتهی.

وفی مجمع البحرین قوله: إن یوم الفصل کان میقاتاً، المیقات هو الوقت المحدود للفعل واستعیر للمکان، ومنه مواقیت الحج لمواضع الإحرام، إلی أن قال: والوقت مثل المیقات، ومنه الحدیث تأتی الوقت فتلبی((1))، انتهی.

ویمکن أن یکون وجه الاستعارة محدودیة المکان المجعول وقتاً، کمحدودیة الزمان المجعول وقتاً.

وکیف کان، فالإحرام الذی هو أول أفعال الحج والعمرة، قد جعل له الشارع مکاناً خاصاً.

{والمذکور منها فی جملة من الأخبار خمسة} کصحیحة الحلبی، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «الإحرام من مواقیت خمسة وقّتها رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا ینبغی لحاج ولا لمعتمر أن یحرم قبلها ولا بعدها، وقت لأهل المدینة

ص:264

ذا الحلیفة وهو مسجد الشجرة یصلی فیه ویفرض الحج، ووقت لأهل الشام الجحفة، ووقت لأهل نجد العقیق، وقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل الیمن یلملم، ولا ینبغی لأحد أن یرغب عن مواقیت رسول الله (صلی الله علیه وآله)» ((1)).

وصحیحة أبی أیوب الخزار، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أوقت وقّته رسول الله (صلی الله علیه وآله) أو شیء صنعه الناس، فقال: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة، ووقت لأهل المغرب الجحفة، وهی عندنا مکتوبة مهیعة، لأهل الیمن یلملم، لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل نجد العقیق وما أنجدت»((2)).

أقول: «وما أنجدت» أی إذا دخلت نجد وأرادت الحج منه، یقال: أنجد وأعرق إذا دخل النجد والعراق.

ویدل علیه روایة الفقیه عن رفاعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) العقیق لأهل نجد، وقال: هو وقت لما أنجدت الأرض وأنتم منهم، ووقت لأهل الشام الجحفة، ویقال: لها المهیعة»((3)).

وروایة عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «وقت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل المشرق العقیق نحواً من برید ما بین برید البعث إلی

ص:265

وفی بعضها ستة

عمرة، ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل الیمن یلملم»((1))، ونحوها غیرها، وفی بعض الروایات أقل من خمسة کهذه الروایة.

وصحیح علی بن رئاب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الأوقات التی وقتها رسول الله (صلی الله علیه وآله) للناس، فقال: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهی الشجرة، ووقت لأهل الشام جحفة، ووقت لأهل الیمن قرن المنازل، ووقّت لأهل نجد العقیق»((2)).

وغیرهما من الأخبار.

{وفی بعضها ستة} کصحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقیت التی وقّتها رسول الله (صلی الله علیه وآله)، لا تجاوزها إلا وأنت محرم فإنه وقّت لأهل العراق ولم یکن یومئذ عراق بطن العقیق من قبل أهل العراق، ووقت لأهل المغرب الجحفة وهی مهیعة، ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة، ومن کان منزله خلف هذه المواقیت مما یلی مکة فوقته منزله»((3)).

وفی الفقه الرضوی: «فإذا بلغت أحد المواقیت التی وقتها رسول الله (صلی الله علیه وآله)، فإنه وقت لأهل العراق العقیق، وأوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره

ص:266

ولکن المستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع التی یجوز الإحرام منها عشرة.

أحدها: ذو الحلیفة، وهی میقات أهل المدینة، ومن یمر علی طریقهم

ذات عرق، وأوله أفضل، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهی مسجد الشجرة، ووقت لأهل الیمن یلملم، ووقت لأهل الشام المهیعة، وهی الجحفة، ومن کان منزله دون هذه المواقیت ما بینها وبین مکة فعلیه أن یحرم من منزله»((1)) إلخ.

{ولکن المستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع التی یجوز الإحرام منها عشرة}، وکذا ما یستفاد من فتاوی الفقهاء، وإن کانوا مختلفین فی العدد عند تعداد المواقیت أولا، فمنهم من جعلها خمسة کالمنتهی والتحریر، ومنهم من قال: إنها ستة کالقواعد وغیرها، ومنهم من حصرها فی سبعة، ومنهم من قال: إنها عشرة کالدروس، وذلک لملاحظة بعض الجهات فی العدد، مثلا من قال: إنها خمسة نظر إلی ما عینه رسول الله (صلی الله علیه وآله)، ومن قال: إنها ستة لاحظ ما فی صحیح ابن عمار من إضافة خلف المیقات، ومن قال: إنها سبعة نظر إلی میقات التمتع، بالاضافة إلیها، ومن قال: إنها عشرة نظر إلی جمیعها.

أقول: وهناک مواقیت أخری زائدة علی العشرة، کما سیأتی إن شاء الله.

{أحدها: ذو الحلیفة، وهی میقات أهل المدینة ومن یمر علی طریقهم} کما

ص:267

عن المقنعة والناصریات وجمل العلم والعمل والنافع والشرائع والإرشاد والقواعد والکافی والإشارة، والغنیة والسرائر والمعتبر والمنتهی والتحریر والمهذب والمبسوط والخلاف والنهایة، بل جمیع کتب الشیخ والصدوق والقاضی والدیلمی والتذکرة، بل فی الجواهر والمستند والحدائق والمستمسک وغیرها، بل الإجماع من جملة منهم علی ذلک مستفیضة، ویدل علی ذلک الأخبار المتواترة التی بعضها بلفظ مسجد الشجرة.

کصحیحة ابن عمار، وفیها: «فخرج رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی أربع بقین من ذی القعدة، فلما انتهی إلی ذی الحلیفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتی أتی المسجد الذی هو عند الشجرة فصلی فیه الظهر ثم عزم علی الحج مفرداً وخرج حتی إلی البیداء عند المیل الأول نصف الناس له سماطین فلبی بالحج مفردا»((1))، الحدیث.

وصحیحة ابن سنان الواردة فی حج رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وفیها: «فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد فی إزار ورداء»((2))، الحدیث.

وصحیحة ابن وهب: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) ونحن بالمدینة عن التهیؤ للإحرام، فقال: «أطل بالمدینة وتجهز بکل ما تردید واغتسل، وإن شئت استمتعت

ص:268

بقمیصک حتی تأتی مسجد الشجرة»((1)).

ومرسلة الکافی: «یحرم من الشجرة ثم یأخذ من أی طریق شاء»((2)).

وروایة رباح وفیها: «ولو کان کما یقولون لم یتمتع رسول الله (صلی الله علیه وآله) بثیابه إلی الشجرة»((3)).

ونحوها روایة أبی بصیر((4)).

ومرسلة النضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلی وأحرم ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن یلبی أن ینقض ذلک بمواقعة النساء أله ذلک؟ فکتب: «نعم، ولابأس به»((5)).

وقریبة منها مرسلة جمیل، وروایة علی بن عبد العزیز، وصحیحتا ابن عمار والحلبی، وصحیحة البجلی: «إذا صلیت فی مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد فی دبر الصلاة قبل أن تقوم ما یقول المحرم، ثم قم فامش حتی تبلغ المیل وتستوی بک البیداء، فإذا استوت بک فلبه»((6)).

وصحیحة عمر بن یزید: «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن کنت ماشیاً لبیت من مکانک إلی المسجد»((7))، الحدیث.

ص:269

وروایة قرب الإسناد: «ولأهل المدینة ومن یلیها الشجرة»((1)).

وفی العلل: لأی علة أحرم رسول الله (صلی الله علیه وآله) من مسجد الشجرة ولم یحرم من موضع دونه، فقال: «لأنه لما أسری به إلی السماء»((2))، الحدیث.

وبعضها بلفظ ذی الحلیفة، کصحیحة أبی أیوب وفیها: «وقت لأهل المدینة ذا الحلیفة»((3)).

ونحوها صحیحة ابن عمار وخبر علی بن جعفر: «وأهل المدینة»، وعمر بن یزید: «ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة».

وعلی بن جعفر: «أهل العراق من العقیق ومن ذی الحلیفة».

إلی غیر ذلک((4)).

وبعضها((5)) بالحج بینهما، وجعل أحدهما تفسیر الآخر، کصحیحتی الحلبیین: «ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهی الشجرة»((6)).

وصحیحة علی بن رئاب: «وقت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهی الشجرة»((7)).

وخبر الأمالی: «وقت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهو مسجد الشجرة»((8)).

ص:270

وهل هو مکان فیه مسجد الشجرة أو نفس المسجد، قولان، وفی جملة من الأخبار أنه هو الشجرة وفی بعضها أنه مسجد الشجرة

وخبر المقنع: «ولأهل المدینة ذا الحلیفة وهو مسجد الشجرة»((1)).

إلی غیر ذلک.

وبهذا تحقق أن التعبیر فی الروایات علی ثلاثة أقسام: ذو الحلیفة، ومسجد الشجرة، والشجرة.

{و} حینئذ ف_ {هل} المیقات {مکان فیه مسجد الشجرة} أوسع من المسجد حتی یصح الإحرام من خارج المسجد، {أو نفس المسجد} فلا یصح الإحرام من خارجه، {قولان} فمن تقدم اسمه علی الإشارة جعلوا الوقت المسجد علی ما فی المستند، وبعض آخر کجملة من تأخر أسمه عنها والدروس واللمعة الوسیلة والمحقق الثانی وغیرهم جعلوه ذا الحلیفة، بل عن الأخیر أن جواز الإحرام من الموضع کله مما لا یکاد یدفع.

وعن المعتبر والمهذب وکتب الشیخ والصدوق والقاضی وسلار وابنی زهرة وادریس وجملة من کتب العلامة أنه ذو الحلیفة وأنه مسجد الشجرة.

{و} قد عرفت أنه {فی جملة من الأخبار أنه هو الشجرة، وفی بعضها أنه مسجد الشجرة} وقد جمع بینهما وبین أخبار ذی الحلیفة فی المستند بحمل المطلق علی المقید، قال: وبذلک یجمع بین الأخبار وکذلک بین فتاوی من أطلق المسجد، أو ذا الحلیفة، إلا أن بعض هؤلاء صرح بأفضلیة المسجد وأحوطیته، ویدفعه ما سبق ذکره من تصریح الصحیحین وغیرهما بأن ذا الحلیفة هو مسجد الشجرة

ص:271

وعلی أی حال فالأحوط الاقتصار علی المسجد، إذ مع کونه هو المسجد فواضح، ومع کونه مکاناً فیه المسجد فاللازم حمل المطلق علی المقید

والأمر فی طائفة من الأخبار المتقدمة بالإحرام منها((1))، إلخ.

وقریب منه فی الجواهر، فإنه بعد کلام طویل والاستشهاد بالأخبار وکلمات الأصحاب علی کون المیقات المسجد فقط، نقل عن الدروس والکرکی التعمیم، وأنه لعله لإطلاق أکثر النصوص قال: ولکن فیه ما عرفت من أن مقتضی الجمع بینها تعین المسجد((2))، انتهی.

ونحوهما الحدائق حیث إنه بعد ذکر الاختلاف بین الفقهاء الناشی من اختلاف الأخبار قال: وحینئذ فیجب تقیید إطلاق تلک الأخبار بهذه((3))، وبذلک یظهر ضعف القول الأول.

{وعلی أی حال فالأحوط الاقتصار علی المسجد إذ مع کونه هو المسجد} کما هو الظاهر من شرح الإرشاد حیث قال فی محکی کلامه: ویقال لمسجد الشجرة ذو الحلیفة، وکان قبل الإسلام اجتمع فیه أناس وتحالفوا.

ونحوه عن التنقیح {فواضح} بل هو المتعین حینئذ لا الأحوط.

{ومع کونه مکاناً فیه المسجد} أوسع منه {فاللازم حمل المطلق علی المقید} وهذا وإن لم یکن من المطلق والمقید الاصطلاحی، الذَین یقالان علی الکلی والجزئی، إذ ما نحن فیه من باب الجزء والکل، إلا أنه من المطلق والمقید اللغوی

ص:272

لکن مع ذلک الأقوی جواز الإحرام من خارج المسجد ولو اختیارا، وإن قلنا إن ذا الحلیفة هو المسجد وذلک

الموجود فیه مناط الاصطلاحی، ولذا لو قال المولی: اذهب وقف فی الدار، ثم قال: قف فی الغرفة الفلانیة منها، فهم العرف أن التکلیف الواحد هو الثانی لا أنه أحد أفراده والأمر للاستحباب.

ولیس مجال لأن یقال: ما نحن فیه من قبیل المثبتین الذی قد تقرر فی الأصول عدم حمل المطلق فیه علی المقید.

لأنا نقول الروایات فی مقام التحدید الموجب للمفهوم، وإنما لا یحمل مطلق المثبتین علی المقید فی غیر مقام التحدید.

هذا بالإضافة إلی ما تقدم من الأخبار المفسرة لذی الحلیفة، بأنه مسجد الشجرة، فإنا وإن قلنا بعدم حمل المطلق علی المقید فی نحو المقام، لکن لا بد من القول به فی المقام بهذه القرینة.

{لکن مع ذلک الأقوی جواز الإحرام من خارج المسجد ولو اختیاراً، وإن قلنا إن ذا الحلیفة هو المسجد، وذلک} لأن فی جملة من الأخبار دلالة علی عدم انحصار المیقات فی المسجد.

کصحیحة الحلبی التی رواها الشیخ والصدوق، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، وفیها: «ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة، وهو مسجد الشجرة یصلی فیه ویفرض الحج، فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البیداء حین یحاذی المیل الأول أحرم»((1))، فإن الظاهر من أحرم عقد الإحرام هناک، وإن کان فی المسجد فرض الحج من التجرید عن اللباس والصلاة ونحوهما.

والقول بالعکس بأن المراد

ص:273

من الفرض الإحرام، ومن الإحرام التلبیة خلاف الأظهر بالظاهر، مضافاً إلی أنه لو لبی فی المسجد لم یصدق علیه أحرم بعد ذلک، وبمثل ما نفهم من هذه الصحیحة فهم صاحب الذخیرة، خلافاً للمستند، فإنه عکس بدعوی أنه لو أرید ما ذکرناه لزم کونه منافیاً لصدره.

أقول: لم یعلم وجه المنافاة، بل قد عرفت أن ما ذکرنا تحکیم للأظهر علی الظاهر.

وأصرح منها صحیحة معاویة بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن التهیؤ للإحرام، فقال: «فی مسجد الشجرة، فقد صلی فیه رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وقد تری أناساً یحرمون فلا تفعل حتی تنتهی إلی البیداء، حیث المیل فتحرمون کما أنتم فی محاملکم، تقول: لبیک اللهم لبیک»((1))، الحدیث.

فإن الإمام (علیه السلام) أمره باتباع النبی من التهیؤ فی المسجد والإحرام من البیداء، وأنه یخالف الناس الذین یحرمون فی نفس المسجد، وبها یظهر صحة ما ذکرناه من المعنی فی صحیحة الحلبی، ومن الغریب جداً أخذ المستند هذه الصحیحة دلیلاً لنفسه، وأغرب منه جعلها شاهدة علی دعواه العکس فی الصحیحة الأولی فراجع.

وفی صحیحة ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إن رسول

ص:274

الله (صلی الله علیه وآله) لم یکن یلب حتی یأتی البیداء»((1)).

وفی صحیحة الأخری: هل یجوز للمتمتع بالعمرة إلی الحج أن یظهر التلبیة فی مسجد الشجرة، فقال: «نعم، إنما لبی رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی البیداء، لأن الناس لم یکونوا یعرفون التلبیة، فأحب أن یعلمهم کیفیة التلبیة»((2))، فإن المراد ابتداء النبی (صلی الله علیه وآله) بالتلبیة لا إظهارها بعد الابتداء بها، إذ لا ینافی تعلیم الناس ذلک.

بل هو الظاهر من خبر هشام بن حمید، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) لما انتهی إلی البیداء حیث المیل قربت له ناقة فرکبها، فلما انبعثت به لبی بالأربع، فقال: لبیک، اللهم لبیک، لبیک لا شریک لک لبیک، إن الحمد والنعمة والملک لک لا شریک لک _ لبیک خ _ ثم قال: ههنا یخسف بالأخابث((3))، الحدیث.

وصحیة منصور ابن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا صلیت عند الشجرة فلا تلب حتی تأتی البیداء، وحیث یقول الناس یخسف بالجیش»((4)).

وصحیحة ابن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «صل المکتوبة ثم أحرم أو بالمتعة، وأخرج بغیر تلبیة حتی تصعد إلی أول البیداء إلی أول

ص:275

میل عن یسارک، فإذا استوت بک الأرض راکباً کنت أو ماشیاً فلب»((1))، بضمیمة أن قبل التلبیة لا ینعقد الإحرام، کما سنذکر بعض الأدلة علیه.

ومثله خبر أبی بصیر، سألت أبا الحسن الرضا (علیه السلام)، کیف أصنع إذا أردت الإحرام، قال: «أعقد الإحرام فی دبر الفریضة حتی إذا استوت بک البیداء فلب»((2))، الحدیث.

بل یظهر من جملة من الروایات المنع عن التلبیة فی المسجد، وعلیه فیکون التلبیة المساوقة لعقد الإحرام من خارج المسجد مستحبة.

ففی خبر علی بن جعفر، عن أخیه موسی بن جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل یحل لمن أحرم عندها أن لا یلبی حتی یعلوا البیداء، قال: «لا یلبی حتی یأتی البیداء عند أول میل، فأما عند الشجرة فلا یجوز التلبیة»((3))، لکنها محمولة علی الکراهة بقرینة الروایة السابقه.

ونحوه خبر المقنعة، قال (علیه السلام): «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فلا تلب حتی تنتهی إلی البیداء»((4)).

إلی غیر ذلک.

وأما ما یدل علی أنه قبل التلبیة غیر محرم، وإن عقد الإحرام، فهی روایات کثیرة.

ص:276

کصحیحة عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یقع علی أهله بعد ما یعقد الإحرام ولم یلب، قال (علیه السلام): «لیس علیه شیء»((1)).

وصحیحه الآخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه صلی رکعتین فی مسجد الشجرة وعقد الإحرام، ثم خرج فأتی بخبیص فیه زعفران، فأکل قبل أن یلبی منه((2)).

وخبر جمیل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیهما السلام) فی رجل صلی فی مسجد الشجرة وعقد الإحرام وأهل بالحج ثم مس الطیب وأصاب طیراً أو وقع علی أهله؟ قال (علیه السلام): «لیس بشیء حتی یلبی»((3)).

أقول: المراد بالإهلال قراءة الدعاء الوارد بعد الصلاة قبل التلبیة، کما لا یخفی.

وعن ابن مروان قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام): ما تقول فی رجل تهیأ للإحرام، وفرغ من کل شیء إلا الصلاة، وجمیع الشروط إلا أنه لم یلب، أله أن ینقض ذلک ویواقع النساء، فقال: «نعم»((4)).

ص:277

لأنه مع الإحرام من جوانب المسجد یصدق الإحرام منه عرفاً، إذ فرق بین الأمر بالإحرام من المسجد

وعن النضر، عن بعض أصحابه، قال: کتبت إلی أبی إبراهیم (علیه السلام): رجل دخل مسجد الشجرة فصلی وأحرم، وخرج من المسجد فبدا له قبل أن یلبی أن ینقض ذلک بمواقعة النساء، أله ذلک، فکتب: «نعم، لا بأس به»((1)).

وعن الحفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فیمن عقد الإحرام فی مسجد الشجرة ثم وقع علی أهله قبل أن یلبی، قال: «لیس علیه شیء»((2)).

إلی غیر ذلک من متواتر الروایات، وبهذا کله تحقق أن المستحب تأخیر التلبیة المساوقة لعقد الإحرام الموجبة لتحریم محرمات الإحرام عن المسجد إلی خارجه.

وأما أخبار مسجد الشجرة، فهی کأخبار الشجرة، للإشارة إلی موضع ذی الحلیفة فلا تقید تلک الأخبار المطلقة، وکذا الأخبار المفسرة فهی من قبیل فلان فی کربلاء مدفن الحسین (علیه السلام).

هذا کله بالإضافة إلی أخبار الحائض والنفساء الآتیة فی المسألة الثالثة.

ثم إن ما ذکره المصنف (رحمه الله) من وجه التعمیم بقوله: {لأنه مع الإحرام من جوانب المسجد یصدق الإحرام منه عرفاً، إذ فرق بین الأمر بالإحرام من المسجد} الظاهر فی کونه مبدأً للإحرام، وإن کان من خارجه نحو سرت من

ص:278

أو بالإحرام فیه، هذا مع إمکان دعوی أن المسجد حد للإحرام فیشمل جانبیه مع محاذاته، وإن شئت فقل المحاذاة کافیة ولو مع القرب من المیقات.

البصرة الظاهر فی کون مبدأ السیر البصرة، الصادق علی ما لو کان السیر من خارجها، {أو بالإحرام فیه هذا} المتعین کونه فی داخله، لا یخفی مافیه، إذ لا نسلم أن )من) یشمل الخارج من المدخول، فإن الخارج من البصرة لولم تصدق علیه البصرة لا یصح أن یقال: سرت من البصرة إلا مجازاً، فإنهم وإن اختلفوا فی کون الغایة داخلة فی المغیی أم لا، لکن لم یظهر من أحد الاختلاف فی کون المبدأ داخلاً فی ذی المبدء أم لا، ألا تری أنه لو قال: جئت من دار زید لم یفهم العرف إلا کون المبدأ داخل الدار، إلا أن تکون هناک قرینة المجاز، کأن یقول: سرت فی هذا الشارع من دار زید إلی دار عمرو، حیث إن الظاهر حینئذ أن مبدأ السیر جدار الدار کمنتهاه.

هذا مضافاً إلی أنه لو سلم ذلک لزم الاقتصار علی الحدود الملاصقة لا من جوانبه البعیدة، إذ لا یکون الابتداء حینئذ من المسجد، کما أن قوله: {مع إمکان دعوی أن المسجد حد للإحرام فیشمل جانبیه مع محاذاته وإن شئت فقل المحاذاة کافیة ولو مع القرب من المیقات} لإطلاق الإحرام مع المحاذاة لمسجد الشجرة فی صحیح ابن سنان الآتی، ولو وجب الإحرام من نفس المسجد لم تکف المحاذاة، فیه نظر، إذ مورد الصحیح من أخذ من طریق آخر، ومن المعلوم أن العرف لا یفهم التعدی منه إلی من أخذ من نفس ذلک الطریق، فهو من قبیل التعدی

ص:279

عن قول المولی: ادخل کل یوم حرم الحسین (علیه السلام) وزره بکذا، وإذا کنت فی بلد بعید فاصعد علی السطح وزره بکذا، إلی زیارته (علیه السلام) فی کربلا من السطح بدون الذهاب إلی حرمه المقدس، ولا أظن ان المصنف (رحمه الله) یلتزم بکفایة المحاذاة فی سائر المواقیت مع القرب.

ثم إنه ربما یؤید القول بالتوسعة مؤیدان ظنیان:

أحدهما: إن عقد الإحرام بالقران یجوز أن یکون بالإشعار ودخول البعیر فی المسجد وإشعاره فیه من المستعبدات، وعدم صحة هذا القسم من هذا المیقات أبعد، وکذا یستغرب إدخال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لها فی المسجد، فتأمل.

الثانی: إن هذا الخلق الکثیر الذین کانوا مع النبی (صلی الله علیه وآله) کیف یسعهم المسجد حتی أنهم دخلوا جمیعاً فیه ولبوا منه.

ویقرب هذا التأیید بل یدل علیه صحیح ابن عمار المتقدم الوارد فی حج رسول الله (صلی الله علیه وآله): «ثم خرج (صلی الله علیه وآله) حتی أتی المسجد الذی هو عند الشجرة فصلی فیه الظهر، ثم عزم علی الحج مفرداً وخرج حتی انتهی إلی البیداء عند المیل الأول فصف الناس له سماطین فلبی بالحج»((1))، الحدیث.

ومما یستأنس به للتوسعة کون جمیع المواقیت وسیعة تشمل ألوف الناس،

ص:280

فکیف صار هذا الوقت من بینها بهذا الضیق، وکیف کان فالأقوی ما ذکرناه من التوسعة.

نعم الأحوط وجوباً عدم کون التلبیة العاقدة للأحرام من قبل المسجد إلی المدینة.

تتمة: اختلفوا فی ذی الحلیفة فی أنه علی ستة أمیال من المدینة، أو سبعة أو أربعة، أو نحو مرحلة أو ثلاثة أمیال أو خمسة ونصف؟

وفی أن الحلیفة تصغیر حَلَفة بفتحات واحدة الحلفاء وهو النبات المعروف، سمی به ذلک الموضع لکونه فیه، أو لتحالف جمع فیه قبل الإسلام؟

وفی أن ذا الحلیفة أوسع من المسجد أم لا؟

وإن کان الظاهر الأول، ویدل علیه خبر محمد بن المثنی الحضرمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن معرس رسول الله (صلی الله علیه وآله) بذی الحلیفة؟ فقال: «عند المسجد ببطن الوادی حیث یعرس الناس»((1)).

لکن کل ذلک لا طائل تحته بعد معلومیة المکان والجهة والموضع بالتواتر القطعی إلی یومنا هذا.

نعم حدود ذی الحلیفة غیر معلومة، کما أن سعة ذلک المسجد فی زمان النبی (صلی الله علیه وآله) کان بهذا القدر أم لا، غیر معلوم.

نعم یظهر من صحیحة ابن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «ومسجد ذی الحلیفة الذی کان خارجاً من السقائف عن صحن المسجد ثم

ص:281

الیوم لیس شیء من السقائف منه»((1))، تغیر فی الجملة فی تلک الأزمنة.

کما یظهر من صحیح ابن سنان عن الصادق (علیه السلام): «فلیکن إحرامه من مسیرة ستة أمیال فیکون حذاء الشجرة من البیداء»((2))، أن مسجد الشجرة علی ستة أمیال من المدینة.

بل یظهر ذلک من خبر عبد الله بن عطا، عن أبی جعفر (علیه السلام) وفیه: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان من أهل المدینة ووقته من ذی الحلیفة، وإنما کان بینهما ستة أمیال»((3))، الحدیث.

ص:282

الشجرة فأرادوا أن یأخذوا منها إلی ذات عرق فیحرموا منها، قال (علیه السلام): «لا، _ وهو مغضب _ من دخل المدینة فلیس له أن یحرم إلا من المدینة»((1)).

وخبر أبی بصیر، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): خصال عابها علیک أهل مکة، قال: «وما هی»، قلت: قالوا: أحرم من الجحفة ورسول الله (صلی الله علیه وآله) أحرم من الشجرة، فقال: «الجحفة أحد الوقتین فأخذت بأدناهما وکنت علیلا»((2)).

وخبر أبی بکر الحضرمی، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «إنی خرجت بأهلی ماشیاً فلم أهل حتی أتیت الجحفة، وقد کنت شاکیاً، فجعل أهل المدینة یسألون عنی فیقولون لقیناه وعلیه ثیابه وهم لا یعلمون وقد رخص رسول الله (صلی الله علیه وآله) لمن کان مریضاً أو ضعیفاً أن یحرم من الجحفة»((3)).

وخبر معاویة قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن معی والدتی وهی وجعة؟ قال: «قل لها: فلتحرم من آخر الوقت، فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة، ولأهل المغرب الجحفة». قال: فأحرمت من الجحفة((4)).

وخبر عبد الحمید بن سعید، قال: دخل سفیان الثوری علی أبی عبد الله (علیه السلام) فقال: أصلحک الله بلغنی أنک صنعت أشیاء خالفت فیها النبی (صلی الله علیه وآله)؟ قال: «وما هی»، قال: بلغنی أنک أحرمت من الجحفة، وأحرم رسول

ص:284

الله (صلی الله علیه وآله) من الشجرة، إلی أن قال: قال (علیه السلام): «قد فعلت» قال: فقال: وما دعاک إلی ذلک، قال: فقال (علیه السلام): «رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقّت الجحفة للمریض والضعیف فکنت قریب العهد بالمرض فأحببت أن آخذ برخص الله تعالی»((1)).

وعن الرضوی، عن أبی بصیر أنه قال لأبی عبد الله (علیه السلام): جعلت فداک إن أهل مکة أنکروا علیک ثلاثة أشیاء صنعتها، قال: «وما هی»، قال: أحرمت من الجحفة، وقد علمت أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) أحرم من ذی الحلیفة، فقال: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) جعل ذلک وقتاً وهذا وقت، إنا أحرمنا ثم ضمّنا أنفسنا الله، إن المسلم ضمانه علی الله لا یصیبه نصب ولا یلوحه شمس إلا کتب له وما لا یعلم أکثر»((2)).

وعن الجعفی وابن حمزة: جعل الجحفة میقاتاً مطلقاً ولو بغیر مرض ونحوه((3))، ومال إلی ذلک الجواهر أولاً بعض المیل((4)).

فقال بعد ذکر خبری الحضرمی وأبی بصیر: بل قد یظهر من الخبرین المزبورین جوازه اختیاراً، کما عن ظاهر الجعفی وابن حمزة، بل هو مقتضی إطلاق نفی البأس عن الإحرام منها فی صحیح آخر،

ص:285

وکونها میقاتاً لأهل المدینة فی خبر آخر أیضاً، ثم جمع بین الأخبار بالتقیید المشهور، انتهی.

أقول: وربما یستشهد لهذا القول بعدة أخبار:

کصحیح علی بن جعفر (علیه السلام) الوارد فی مواقیت الإحرام: «وأهل المدینة من ذی الحلیفة والجحفة»((1)).

وصحیح معاویة بن عمار، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل من أهل المدینة أحرم من الجحفة، فقال (علیه السلام): «لا بأس»((2)).

وصحیح الحلبی: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) من أین یحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال (علیه السلام): «من الجحفة ولا یجاوز الجحفة إلا محرماً»((3)).

وخبر أبی بصیر المتقدم: «الجحفة أحد الوقتین»((4)).

وخبره الآخر المتقدم عن الرضوی: «جعل ذلک وقتاً وهذا وقت».

ولکن لا ریب فی لزوم تقیید هذه الأخبار بعد تمامیة دلالتها بالأخبار الأول مع أنه لا دلالة لبعضها کما لا یخفی، فإن صحیح علی یدل علی الجمع بینهما، مع أنه خلاف المقطوع، فاللازم حمله علی الترتیب بقرینة تلک الأخبار.

ص:286

وخبر أبی بصیر الأول سیاقه سیاق: «التراب أحد الطهورین»، والثانی مجمل محمول علی ذلک، مضافاً إلی ما فی ذیله: «وکنت علیلا».

وصحیحتا معاویة والحلبی لیستا فی مقام الجواز الابتدائی، بل إنه لو فعل الشخص هکذا لم یبطل إحرامه، وهذا لا ینافی الإثم، ولذا قال فی محکی المدارک: ینبغی القطع بصحة الإحرام من الجحفة وإن حصل الإثم بتأخیره من ذی الحلیفة((1))، انتهی.

وعن الدروس التصریح بذلک، ووافقهما الجواهر، قال: بل الظاهر جواز الإحرام منها أیضاً لو أخر عنه بعد المرور علیه إلی میقات آخر اختیاراً، وإن أثم بذلک للنهی عن مجاوزة المیقات بلا إحرام من غیر علة، وفاقاً لصریح جماعة لصدق الإحرام من المیقات الذی هو وقت لکل من یمر علیه، وإن کان اثماً بعدم إحرامه أولاً عند المرور علی الأول، إلا أن ذلک لا یخرجه عن صدق اسم المرور علی الثانی((2))، انتهی.

ومن ذلک یظهر أنه لا وجه لتفصیل المستند بقوله: علی ما ذکرنا لو عصی من لا ضرورة له، وترک الإحرام من الشجرة هل یصح له الإحرام حینئذ من الجحفة کما عن الدروس والمدارک، أو لا کما یظهر من بعض، الوجه التفصیل

ص:287

بالإمکان وعدم المانع فیبطل، والا فیصح((1)) انتهی.

کما ظهر النظر فیما ذهب إلیه الحدائق من عدم الصحة، لأن ما دل علی أن من مر علی میقات غیر بلده جاز له الإحرام منه، إنما هو من لم یمر علی میقات بلده، ثم قال: ومما یؤید ما ذکرناه صحیحة الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ترک الإحرام حتی دخل الحرم، فقال: «یرجع إلی میقات أهل بلاده الذی یحرمون منه فیحرم، وإن خشی أن یفوته الحج فلیحرم من مکانه»((2))، انتهی.

إذ التقیید فی قوله (صلی الله علیه وآله): «ولمن أتی علیهن من غیر أهلهن»((3)) لا وجه له، والروایة مضافاً إلی أن موردها من دخل الحرم بغیر إحرام فلا تعارض الصحیحتین الدالتین علی الکفایة فی غیر من دخل الحرم، ما تقدم من عدم لزوم رجوع الشخص إلی میقات أهل بلده لو دخل الحرم، وحملنا الصحیحة علی الاستحباب ونحوه فراجع.

ولا یعارض ذلک خبر إبراهیم بن عبد الحمید، إذ هو فی مقام الحکم التکلیفی، وأخبار المقام تدل علی الحکم الوضعی ونحن نلتزم بهما.

وکیف کان، فهل جواز التأخیر خاص بصورة الضعف والمرض، أو یعم أیضاً، الظاهر الثانی لعموم قوله (علیه السلام) فی صحیح صفوان المتقدم: «فلا یجاوز

ص:288

لکن خصها بعضهم بخصوص المرض والضعف لوجودهما فی الأخبار، فلا یلحق بهما غیرهما من الضرورات، والظاهر إرادة المثال، فالأقوی جوازه مع مطلق الضرورة.

المیقات إلا من علة»((1)).

والرضوی: «ولا یجوز تأخیره علی المیقات إلا لعلة أو تقیة»((2)).

{لکن خصها بعضهم} کظاهر الجواهر {بخصوص المرض والضعف لوجودهما فی الأخبار} کخبر الحضرمی وأبی بصیر وغیرهما {فلا یلحق بهما غیرهما من الضرورات، و} لکن ذکرهما فقط فی هذا الباب لیس فی مقام التحدید حتی یعارض المطلقات، بل {الظاهر إرادة المثال}، ولذا أطلق الأصحاب ولم یقیدوا الضرورة بهما {فالأقوی جوازه مع مطلق الضرورة} والله العالم.

ص:289

بل یجوز أن یعدل عنه من غیر رجوع، فإن الذی لا یجوز هو التجاوز عن المیقات محلا، وإذا عدل إلی طریق آخر لا یکون مجاوزاً، وإن کان ذلک وهو فی ذی الحلیفة، وما فی خبر إبراهیم بن عبد الحمید من المنع عن العدول إذا أتی المدینة مع ضعفه منزل علی الکراهة

علی المیقات بغیر إحرام، وهذا لم یعبر.

{بل یجوز أن یعدل عنه من غیر رجوع} کما لو ذهب إلی أن وصل إلی ذی الحلیفة ثم أخذ نحو الشرق إلی ذات عرق أو قرن المنازل أو یلملم {فإن الذی لا یجوز هو التجاوز عن المیقات محلا} لمن یرید الحج.

{وإذا عدل إلی طریق آخر} أو رجع {لا یکون مجاوزاً، وإن کان ذلک} الرجوع أو العدول {وهو فی ذی الحلیفة، وما فی خبر إبراهیم بن عبد الحمید} المتقدم {من المنع عن العدول إذا أتی المدینة مع ضعفه} لما عن المدارک من أن إبراهیم واقفی وجعفر مجهول {منزل علی الکراهة} کما تقدم عن الجواهر.

أقول: أما کون إبراهیم واقفیا فغیر ضار بعد کونه ثقة کما عن الفهرست((1))، ولذا قال فی المستمسک: غیر قادح مع الوثاقة((2))، انتهی.

لکن یظهر لمن راجع رجال المامقانی (رحمه الله) أن توثیقه نشأ من ظن اتحاده مع إبراهیم بن عبد الحمید

ص:291

آخر، والحال أن لیس کذلک، بل أحدهما من أصحاب الموسی (علیه السلام) وهو واقفی، والآخر من أصحاب الصادق (علیه السلام) وهو ثقة لیس بواقفی.

وکیف کان فإن إبراهیم هذا لم یظهر لنا کونه ثقة مع ظهور کونه واقفیاً، فلا یمکن الاحتجاج بروایته.

وأما جعفر بن محمد بن حکیم فقد ضعفه المجلسی، والمدارک، والوجیزة، وجعله المامقانی من الحسان، لکن الظاهر من کلمات أرباب الرجال أنه مجهول، وهذا مانع آخر عن العمل بهذه الروایة، وعلی هذا فلا نرفع الید عن القاعدة الأولیة بهذه الروایة.

وأما القول بأنه (منزل علی الکراهة) فهو تبرع لعدم الإسقاط، ولا دلیل علی مثله إلا من باب التسامح فی أدلة السنن.

نعم یبقی فی المقام أمران:

الأول: إن هذه الروایة ولو قلنا بعدم حجیتها، لکنها تصلح تأییداً، لما یظهر من الأخبار الدالة علی أنه لا یجوز لأهل المدینة الإحرام من الجحفة إلا من علة، إذ لو کان جاز ذلک فی من لم یمر علی طریق ذی الحلیفة لم یکن وجه للإطلاق، بل لکان اللازم التفصیل بین من یمشی من هذا الطریق فلا یجوز التأخیر، وبین غیره فیجوز.

وفیه: إن الظاهر من تلک الروایات المرور علی مسجد الشجرة، إذ الطریق المتعارف هو ذلک.

ص:292

نعم فی هذه الأزمنة لا یمر الحاج علی الجحفة أصلا، فهی خارجة عن الجادة.

الثانی: إن الظاهر من روایة المحاذاة لزوم الإحرام من مسجد الشجرة أو محاذاته، فکل من خرج من طریق لزم أن یحرم، فلا یبقی مجال للإحرام من میقات آخر، إذ الخارج إما أن یمر بالمسجد أو بما یحاذیه، وعلی هذا فما تداول فی هذه الأزمنة من رکوب الطائرة من المدینة إلی جدة بغیر إحرام، مناف لمقتضی ما دل علی لزوم الإحرام من المحاذی للشجرة.

وفیه: إنه سیأتی فی مسألة المحاذاة اختصاص ذلک بمن خرج من نفس الطریق المنتهی إلی الشجرة، لکن لا إلیها بل من طرفها البعید عنها. نعم نقول بوجوب الإحرام من المحاذی حینئذ.

لکن هذا غیر الکلیة التی هی محل الکلام، من أن کل من خرج من المدینة من أی طریق کان لزم أن یحرم من الشجرة.

وبهذا کله تحقق التفصیل فی المسألة، وأنه لو خرج إلی مسجد الشجرة أو حذائه لزم علیه الإحرام منه، لصحیحتی عدم جواز العبور عن المیقات بدون إحرام، ووجوب الإحرام من المحاذی، ولو خرج من طریق آخر لا یمر بالشجرة ولا محاذیها، کما لو خرج إلی شمال المدینة ثم ذهب إلی یلملم مثلاً، لم یجب الإحرام من المدینة.

نعم یستحب ذلک للتسامح فی أدلة السنن، لخبر إبراهیم المتقدم، ومنه یعلم حال الخارجین فی هذه الأزمنة إلی المطار بغیر إحرام، والله العالم.

ص:293

ویدل علیه مضافاً إلی ما مر، مرسلة یونس فی کیفیة إحرامها، ولا تدخل المسجد وتهل بالحج بغیر صلاة، وأما علی القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمکان صبرها إلی أن تطهر تدخل المسجد وتحرم فی حال الاجتیاز إن أمکن،

قال بالانحصار لزم القول بذلک بالنسبة إلی الحائض، واحتمال اجتیازها بعید جداً، خصوصاً وخبر الصدوق ذکر غالب الخصوصیات ولم یذکر هذه الجهة، ومن هذا تبین أن روایات المقام مؤیدة لعدم انحصار المیقات فی المسجد، کما سبقت الإشارة إلیه.

وأما {مرسلة یونس فی کیفیة إحرامها} التی رواها فی الکافی مسندة، عن محمد بن یحیی، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن یونس بن یعقوب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الحائض ترید الإحرام، قال (علیه السلام): «تغتسل وتستثفر وتحتشی بالکرسف، وتلبس ثوباً دون ثیاب إحرامها، وتستقبل القبلة» {ولا تدخل المسجد وتهل بالحج بغیر صلاة} فإنها حیث تحتمل أن تکون فی باب الإحرام بالحج من مکة کما ربما یشعر به قوله (علیه السلام): «تهل بالحج»((1))، فیکون المراد بالمسجد، المسجد الحرام لا یصح التمسک بها للمقام.

{وأما علی القول بالاختصاص بالمسجد، فمع عدم إمکان صبرها إلی أن تطهر تدخل المسجد وتحرم فی حال الاجتیاز إن أمکن} بأن کان للمسجد بابان، أو قلنا بجواز الدخول والخروج من باب واحد، وحینئذ فلا حاجة إلی الصبر

ص:295

وإن لم یمکن لزحم أو غیره أحرمت خارج المسجد وجددت فی الجحفة أو محاذاتها.

وإن أمکن، إذ الاجتیاز جائز ولو فی غیر حال الضرورة، {وإن لم یمکن لزحم أو غیره أحرمت خارج المسجد} فقط، کما عن الشهید الثانی والمدارک والذخیرة، لوجوب قطع المسافة من المسجد إلی مکة محرماً.

أو تؤخر إلی الجحفة لکون العذر ضرورة مبیحة للتأخیر، وهی میقات، بخلاف خارج المسجد، واختاره فی المستند والمستمسک.

أو یفصّل بین من تعلم بابتلائها بالحیض، فلا یجوز لها الإتیان من هذا المیقات، وکذا إذ أتت وتمکنت من الرجوع إلی میقات آخر، بناءً علی جواز ذلک، وبین من لا تعلم ولا تتمکن من الرجوع، أو قلنا بحرمته فیأتی الاحتمالان.

أو نقول بالجمع بین الإحرام خارج المسجد {وجددت فی الجحفة أو محاذاتها} إن لم تمر بالجحفة، وقلنا بکفایة محاذاة کل میقات.

احتمالات، لا دلیل علی شیء منها بالخصوص، إلا القواعد الأولیة، وإن کان الأقوی الأول، للأخبار المتقدمة فی نفاس أسماء بمحمد بن أبی بکر.

ص:296

وهو میقات أهل نجد والعراق ومن یمر علیه من غیرهم

من ذات عرق، قبلها بمرحلة أو مرحلتین، وکل مسیل شقه السیل فوسعه فهو عقیق((1))، انتهی.

وکیف کان فهو أحد المواقیت مما لا خلاف فیه، بل نقل علیه الإجماع مستفیضاً، کما فی المستند، وإجماعاً ونصاً کما فی الجواهر، وإجماعاً محققاً حکاه جماعة کثیرة من الأصحاب کما فی المستمسک، {وهو میقات أهل نجد والعراق ومن یمر علیهم من غیرهم} ویدل علی ذلک مستفیض النصوص أو متواترها.

کصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «ووقّت لأهل نجد العقیق»((2)).

وصحیح الخزاز، عنه (علیه السلام): «ووقّت لأهل نجد العقیق وما أنجدت»((3)).

ونحوه صحیح عبید الله بن علی الحلبی، وخبر الدعائم عن الصادق (علیه السلام): «ولأهل نجد العقیق»((4)).

وصحیح علی بن رئاب: «ولأهل نجد العقیق»((5)).

وصحیح رفاعة: «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل نجد العقیق، وقال: وهو وقت لما أنجدت الأرض وأنت منهم»((6)).

ص:298

وصحیح ابن عمار، عن الصادق (علیه السلام): «وقت لأهل العراق، ولم یکن یومئذ عراق بطن العقیق من قبل أهل العراق»((1)).

وصحیح علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام): «أما أهل الکوفة وخراسان وما یلیهم فمن العقیق»((2)).

وصحیح عمر بن یزید، عنه (علیه السلام): «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل العراق العقیق نحواً من بریدین ما بین برید البعث إلی غمرة»((3)).

وخبر علی بن جعفر: «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل العراق من العقیق»((4)).

ومرسلة النهایة: «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل العراق العقیق»((5)).

ونحوها الرضوی((6)).

ومرسلة الهدایة: «ولأهل العراق العقیق»((7)).

ومرسلة الغوالی: «وقت لأهل المشرق العقیق»((8)).

ص:299

وأوله المسلخ،

ومرسلة المناقب: «ووضع غمرة والمسلخ وبطن العقیق میقاتاً لأهل العراق ولا عراق یومئذ»((1)).

إلی غیر ذلک من الأخبار.

وبهذا یظهر الخلل فی مرسلة الغوالی: فقیل لأهل العراق؟ قال: «لم یکن عراق یومئذ»((2)).

ومن المحتمل التقیة فیه، لما عن المعتبر أنهم رووا عن ابن عمر، أنه لما فتح العراق أتوا عمر فقالوا: یا أمیر إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) جعل لأهل نجد قرن المنازل، وإنا إذا أردنا قرن المنازل: شق علینا؟ قال: فانظروا حدودها فحد لهم ذات عرق((3))، انتهی.

وأما کون العقیق میقاتاً لمن یمر علیه ولو من غیر أهل العراق، فذلک واضح للعمومات نصاً وفتویً، کما سیأتی فی المسألة الخامسة.

وأما ما ورد فی صحیح عمر بن یزید: «ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة، ولأهل نجد قرن المنازل»((4))، فلا بد من توجیهه بأن لنجد طریقین أحدهما یمر بالعقیق کما ربما یستفاد من بعض النصوص، والآخر یمر بقرن المنازل، کما أشار إلی ذلک المستند وغیره، وأما الحمل علی التقیة لوجود ذلک فی روایاتهم فبعید.

{وأوله المسلخ} بفتح المیم وکسرها، ثم بالخاء المعجمة، کما عن الشهید الثانی حکایته عن بعض الفقهاء، أی موضع النزع، سمی به لأنه ینزع فیه الثیاب

ص:300

للإحرام، ومقتضی ذلک تأخیر التسمیة عن وضعه میقاتاً.

أو بالحاء المهملة کما عن فخر المحققین والتنقیح، أی الموضع العالی أو مکان أخذ السلاح ولبس لامة الحرب، ویناسبه تسمیته ببرید البعث، لما عن الوافی من أن البعث بالموحدة ثم المهلمة ثم المثلثة، أول العقیق، وهو بمعنی الجیش کأنه بعث الجیش من هناک، انتهی.

قال فی مجمع البحرین: وفی الحدیث أول العقیق برید البعث، بالباء والعین والثاء المثلثة فی المشهور، وهو مکان دون المسلخ بستة أمیال، مما یلی العراق وبینه وبین غمرة علی ما قیل أربعة وعشرون میلاً بریدان، وفسر المسلح بالسین والحاء المهملتین، اسم مکان أخذ السلاح، ولبس لامة الحرب، وهذا یناسب تفسیر البعث بالجیش، وضبطه بعض العلماء بأنه واحد المسالح، وهی المواضع العالیة، وضبطه البعض بالخاء المعجمة لنزع الثیاب، ویحکی ضبطه عن العلامة (رحمه الله) ببرید النغب بالنون قبل الغین المعجمة والباء الموحدة أخیراً، وهو خلاف وما اشتهرت به الروایة((1))، انتهی.

وکیف کان، فالظاهر صحة الإطلاقین، وإن کان الأظهر کونه بالحاء المهملة.

{وأوسطه غمرة} بالمعجمة، ثم المیم الساکنة، وقیل المکسورة، ثم المهملة، منهلة من مناهل طریق مکة، وهی فصل ما بین نجد وتهامة، کما عن الأزهری والقاموس، سمیت بها لزحمة الناس فیها، کما عن الفخر.

ص:301

وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق،

{وآخره ذات عرق} بالمهملة المکسورة ثم المهملة الساکنة، وهو الجبل الصغیر سمیت به لأنه کان بها عرق من الماء، أی قلیل، وقیل: إنها کانت قریة فخربت.

ثم إن أول العقیق المسلخ، قد اختلفت فیه الأخبار.

ففی مرسلة الصدوق فی الفقیه: «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل العراق العقیق، وأوله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوله أفضل»((1)).

ونحوها الرضوی((2)).

وفی خبر أبی بصیر، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «حد العقیق أوله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق»((3)).

وقریب منه خبره الآخر((4)).

ولکن فی صحیحة ابن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «أول العقیق برید البعث، وهو دون المسلخ بستة أمیال مما یلی العراق، وبینه وبین غمرة أربعة وعشرون میلا بریدان»((5)).

ویؤیده صحیحة ابن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «آخر العقیق برید أوطاس»، وقال: «برید البعث دون غمرة ببریدین»((6)).

ویدل علیه أیضاً مرسلة الصدوق، قال الصادق (علیه السلام): «أول العقیق برید

ص:302

البعث، وهو برید من دون برید غمرة»((1))، وظاهرها تقدم مبدأ العقیق علی المسلخ بستة أمیال.

أقول: والأحوط لزوماً الاقتصار من المسلخ، لأن الصحیحة خلاف المشهور من کلمات الأصحاب، وخبر أبی بصیر والمرسلتین، وإن کان مقتضی القاعدة الأولیة العمل بصحیحة عمر بن یزید: «وقّت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل العراق العقیق نحواً من بریدین ما بین برید البعث إلی غمرة»((2)).

وفی المستند: ویمکن الجمع بأن المراد فی الصحیحة مطلق العقیق، وفی باقی الأخبار المیقات من العقیق، وقیل إن هذه الستة أمیال وإن کانت من العقیق ولکنها خارجة عن بطنه الذی هو المیقات، کما نص علیه فی صحیحة ابن عمار الأولی، وکیف کان فلا یجوز تقدیم الإحرام علی المسلح، وکأنه لا خلاف فیه، بل الظاهر أنه إجماعی، وادعی بعضهم الإجماع علیه أیضاً((3))، انتهی.

لکن فیه: إن صحیحة عمر بن یزید بصدد بیان میقات الإحرام، فلا یأتی فیها احتمال کونها بصدد بیان نفس العقیق لا المیقات، والمراد بالبطن مقابل الخارج کبطن مکة، لا مقابل الرأس، حتی یخرج بعض العقیق بعنوان أنه لیس من بطنه، ولا یمکن إسقاط الصحیحة بمرسلة الفقیه، أو الرضوی، أو الخبر، أو بأن المسألة کأنه

ص:303

والمشهور جواز الإحرام من جمیع مواضعه اختیاراً

لا خلاف فیه ونحوه، بل لو حصلنا اتفاق الفقهاء لم یمکن الاستناد إلیه بعد قوة احتمال استنادهم فی ذلک إلی المرسلتین والخبر، هذا مضافاً إلی احتمال أن فی تلک الأخبار أطلق المسلخ علی جمیع هذا الموضع الشامل لبرید البعث مجازاً، فتأمل.

{والمشهور جواز الإحرام من جمیع مواضعه} حتی ذات عرق {اختیاراً}، بل قیل: کاد أن یکون إجماعاً، بل عن جماعة نسبته إلی الأصحاب، وإلی المعروف بینهم مشعرین بدعوی الإجماع علیه، بل عن الخلاف والناصریات والغنیة الإجماع علیه لمرسلة الفقیه والرضوی.

وخبر أبی بصیر المتقدمة المؤیدة بروایة مسمع، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: «إذا کان منزل الرجل دون ذات عرق من مکة فلیحرم من منزله»((1))، بضمیمة الروایات الدالة علی أن من کان منزله دون المیقات کان حکمه ذلک.

وخبر محمد بن المثنی الحضرمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن المحرم هل یحتجم، قال: «نعم إذا خشی الدم»، فقلت: إنما یحرم من العقیق وإنما هی لیلتین، قال: «إن الحجامة تختلف»((2))، بناءً علی أن ذات عرق تبعد عن مکة مرحلتین، والمسلخ ثلاث.

قال فی مجمع البحرین: وذات عرق الموضع الذی وقّت لأهل العراق

ص:304

سمی بذلک لأن فیه عرقا، وهو الجبل الصغیر، وقیل العرق من الأرض سبخة تنبت الطرفاء، وذات عرق أول تهامة وآخر العقیق، وهو عن مکة نحو مرحلتین((1)).

وفی موضع آخر من الرضوی: «فإذا جئت المیقات وأنت ترید مکة علی طریق المدینة فأت الشجرة وهی ذی الحلیفة، أحرمت منها، وإن أخذت علی طریق الجادة، أحرمت من ذات عرق»((2)).

وقد تقدم فی حدیث إسحاق بن عمار، عن أبی الحسن (علیه السلام): «کان أبی مجاوراً ههنا فخرج یتلقی بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم بالحج»((3)).

{و} کذا المشهور {أن الأفضل الإحرام من المسلخ، ثم من غمرة} لمرسل الفقیه: «وأوله أفضله»، والرضوی ذلک.

وموثقة یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «سألته عن الإحرام من أی العقیق أحرم، قال: «من أوله وهو أفضل»((4)).

وموثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الإحرام من غمرة، قال: «لیس به بأس، وکان برید العقیق أحب إلی»((5)).

ص:305

وأن الأفضل الإحرام من المسلخ، ثم من غمرة، والأحوط عدم التأخیر إلی ذات عرق إلا لمرض أو تقیة، فإنه میقات العامة،

أقول: المراد ببرید العقیق البرید الذی فی أوله، وقد تقدم فی مرسلة الصدوق: «أول العقیق برید البعث وهو برید من دون برید غمرة»((1)).

وأما کون الأفضل بعد ذلک غمرة، فلمرسلة الکافی، عن بعض أصحابنا، قال: «إذا خرجت من المسلخ فأحرم عند أول برید یستقبلک»((2)). بناءً علی أن المراد من أول برید بعد المسلخ هو برید غمرة.

قال فی المستند: وقد یقال إن أفضل مواضع العقیق برکة الشریف، وهی برکة مربعة فی یمین من یذهب من العراق إلی مکة، فی حوالیها أشجار الشوک الکثیرة، ولا دلیل علی تلک الأفضلیة، واحتمل بعضهم أن یکون ذلک مبنیة علی أفضلیة أول کل من المسلخ والغمرة وذات العرق، وکونها فی أول المسلخ، ولکن لم یظهر لی ذلک بعد الفحص ((3))، انتهی.

{والأحوط عدم التأخیر إلی ذات عرق} وفاقاً لما عن الشیخ فی النهایة، ووالد الصدوق، بل عن الصدوق فی المقنع والهدایة، والشهید فی الدروس، وصاحب المدارک حیث أفتوا بعدم جواز التأخیر عن الغمرة {إلا لمرض أو تقیة فإنه میقات العامة} لصحیحة عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «وقت

ص:306

رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأهل المشرق العقیق نحواً من بریدین ما بین برید البعث إلی غمرة»((1))، الحدیث.

وروایة أبی بصیر، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «حد العقیق ما بین المسلخ إلی عقبة غمرة»((2)).

وصحیحة ابن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «أول العقیق برید البعث، وهو دون المسلخ بستة أمیال، مما یلی العراق وبینه وبین غمرة أربعة وعشرون میلاً بریدان»((3))، بناءاً علی أن الظاهر منها کون غمرة آخر المیقات، وإلا لکانت ذات عرق أولی بالذکر.

وخبر الاحتجاج، الذی رواه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، فی جملة من کتبه، إلی صاحب الزمان (علیه وعلی آبائه الکرام أفضل الصلاة والسلام) أنه کتب إلیه یسأله عن الرجل یکون مع بعض هؤلاء، ویکون متصلاً بهم یحج ویأخذ عن الجادة، ولا یحرم هؤلاء من المسلخ، فهل یجوز لهذا الرجل أن یؤخر إحرامه إلی ذات عرق، فیحرم معهم لما یخاف من الشهرة، أم لا یجوز أن یحرم إلا من المسلخ؟ فکتب إلیه فی الجواب: «یحرم من میقاته، ثم یلبس الثیاب ویلبی فی نفسه، فإذا بلغ إلی میقاتهم أظهره».

والرضوی: «ولا یجوز الإحرام قبل بلوغ المیقات، ولا یجوز تأخیره عن المیقات إلا لعلة أو تقیة، فإذا کان الرجل

ص:307

لکن الأقوی ما هو المشهور،

علیلا أو اتقی فلا بأس بأن یؤخر الإحرام إلی ذات عرق»((1)).

وموثقة سماعة: «إن المجاور إن أحب أن یتمتع فی أشهر الحج بالعمرة إلی الحج فلیخرج منها حتی یجاوز ذات عرق»((2))، الحدیث. فإنها لو کانت میقاتا لم یلزم التجاوز.

{لکن الأقوی ما هو المشهور} من جواز الإحرام من ذات عرق اختیاراً، وإن کان غیرها أفضل، وذلک لعدم مقاومة الطائفة الثانیة من الأخبار للطائفة الأولی فإنها علی صحة سندها أعرض عنها المشهور، مضافاً إلی بعض الإیرادات الأخر، فرفع الید عن روایات المشهور لا وجه له.

هذا ولکن الإنصاف أن ذلک بمجرده بعد وجود شاهد التقیة محل تردد، فالأحوط الاقتصار علی ما قبل ذات عرق إلا لمرض أو تقیة.

قال فی المستند: إن الشذوذ المخرج عن الحجیة غیر ثابت بعد فتوی مثل الصدوقین والشیخ والشهید، بل الکلینی أیضاً، حیث اقتصر فی التحدید علی روایة أبی بصیر الثانیة _ أی «حد العقیق ما بین المسلخ إلی عقبة غمرة» _ وصحیحة ابن عمار، فیبقی دلیل الطرفین متکافئتین، فیجب الرجوع إلی أصل الاشتغال، ولذا لم یجترئ أکثر المتأخرین المرجحین لأدلة المشهور علی الفتوی به، وجعلوا

ص:308

ویجوز فی حال التقیة الإحرام من أوله قبل ذات عرق سراً من غیر نزع ما علیه من الثیاب إلی ذات عرق ثم إظهاره ولبس ثوبی الإحرام هناک، بل هو الأحوط، وإن أمکن تجرده ولبس الثوبین سراً ثم نزعهما ولبس ثیابه إلی ذات عرق ثم التجرد ولبس الثوبین فهو أولی

للأخیر أحوط، وهو کذلک لو لم یکن أظهر، مع أنه الأظهر أیضاً، لمامر فتدبر((1))، انتهی.

{ویجوز فی حال التقیة الإحرام من أوله قبل ذات عرق سراً من غیر نزع ما علیه من الثیاب إلی ذات عرق، ثم إظهاره ولبس ثوبی الإحرام هناک، بل هو الأحوط} لکن هذا بناءً علی عدم کون لبس الثوبین من مقومات انعقاد الإحرام، مضافاً إلی أن الظاهر من التوقیع الإحرام الکامل من میقاته حتی لبس ثوبیه، لقوله (علیه السلام): «یحرم من میقاته ثم یلبس الثیاب»((2))، فإن ظاهره أنه بعد الإحرام الکامل ینزع ثوب إحرامه ویلبس ثیابه، بل المحتمل أن یلبس ثوبی الإحرام تحت الثیاب فلا ینزعهما.

{وإن أمکن تجرده ولبس الثوبین سراً ثم نزعهما ولبس ثیابه إلی ذات عرق ثم التجرد ولبس الثوبین فهو أولی}، ثم إن المراد من التلبیة فی النفس قولها سراً، إذ لا تنافی بین ذلک وبین التقیة.

ص:309

الثالث: الجحفة

وکیف کان، فقد تحصل کون الأحوط الإحرام بین برید البعث إلی غمرة، ومع التقیة یحرم هناک سراً، ثم یلبس الثیاب ویظهر الإحرام فی ذات عرق، ثم الظاهر عدم لزوم الفداء للبس الثیاب لعدم تعرض خبر الاحتجاج له، واحتمال أن یکون المراد بالثیاب فیه ثوبی الإحرام خلاف المتفاهم عرفاً.

وفی تعلیقة السید البروجردی علی قوله: ویجوز إلخ، ما لفظه: إن فرض تحقق خصوصیة موجبة لها، وإلا فهم متفقون علی جواز الإحرام قبل المیقات، انتهی.

وفیه حیث إنهم یعلمون أن الشیعة یحرمون قبل ذات عرق بخلافهم، کما هو السیرة إلی هذه الأزمنة یکون الإحرام قبلها أمارة التشیع کالإسبال فی الصلاة.

{الثالث} من المواقیت: {الجحفة} بالمعجمة ثم المهملة ثم الفاء ثم التاء، علی وزن غرفة، قال فی مجمع البحرین: الجحفة بضم الجیم، هی مکان بین مکة والمدینة محاذیة لذی الحلیفة إلی الجانب الشامی، قریب من رافع بین بدر وخلیص، سمیت بذلک لأن السیل أجحف بأهلها، أی ذهب بهم، وکان اسمها قبل ذلک مهیعة، ویسمی ذلک السیل الجحاف بالضم، یقال سیل جحاف إذا أجرف کل شیء وذهب به((1))، انتهی.

وهی معروفة إلی الحال، فلا فائدة فی التعرض إلی أنها علی سبع مراحل من المدینة وثلاث من مکة، أو علی اثنین وثلاثین

ص:310

وهی لأهل الشام ومصر ومغرب

میلاً من مکة بینها وبین البحر ستة أمیال أو میلان علی الاختلاف المذکور فی کتب اللغة والفقه، ثم إن المهیعة بفتح المیم وسکون الهاء وفتح الیاء المثناة من تحت وفتح العین المهملة معناها المکان الواسع.

{وهی} میقات {لأهل الشام ومصر ومغرب} بلا خلاف ولا إشکال، بل الإجماع فی الجملة، ویدل علیه صحیح ابن رئاب: «ووقّت لأهل الشام الجحفة»((1)).

وصحیح رفاعة: «ووقّت لأهل الشام المهیعة وهی الجحفة»((2)).

وصحیح الخزاز: «ووقّت لأهل المغرب الجحفة، وهی عندنا مکتوبة مهیعة»((3)).

وصحیح معاویة: «ووقّت لأهل المغرب الجحفة وهی مهیعة»((4)).

وصحیح الحلبی: «ووقّت لأهل الشام الجحفة»((5)).

وصحیح علی بن جعفر: «وأهل الشام ومصر من الجحفة»((6)).

وصحیح عمر بن یزید: «ولأهل الشام الجحفة»((7)).

وصحیح علی: «ولأهل الشام ومن یلیها من الجحفة»((8)).

ص:311

ومن یمر علیها من غیرهم إذا لم یحرم من المیقات السابق علیها.

وخبر الأمالی: «ووقّت لأهل الشام المهیعة وهی الجحفة»((1)).

وخبر المقنع: «ولأهل الشام المهیعة وهی الجحفة»((2)).

وخبر الدعائم: «ولأهل الشام الجحفة»((3)).

والرضوی: «ووقت لأهل الشام المهیعة وهی الجحفة»((4)).

وفی نسخة أخری: «ولأهل الشام من الجحفة»((5)).

وخبر العوالی: «ومهل لأهل الشام مهیعة وهی الجحفة»((6)).

وخبر المناقب: «والجحفة لأهل الشام ولیس به من یحج یومئذ»((7)).

إلی غیر ذلک.

{ومن یمر علیها من غیرهم إذا لم یحرم من المیقات السابق علیها} لقوله (صلی الله علیه وآله): «هن لهن ولمن أتی علیهن من غیر أهلهن»((8)).

وقول الرضا (علیه السلام) فی صحیح صفوان: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقّت المواقیت لأهلها، ومن أتی علیها من غیر أهلها، وفیها رخصة لمن کانت به علة، فلا تجاوز المیقات إلاّ من علة»((9))، وقد تقدمت الإشارة إلی ذلک، کما أنه تقدم

ص:312

الرابع: یلملم، وهو لأهل الیمن.

الخامس: قرن المنازل، وهو لأهل الطائف.

إن من لم یحرم عمداً من مسجد الشجرة أثم وصح إحرامه من الجحفة، وسیأتی تفصیل ذلک إن شاء الله.

{الرابع} من المواقیت: {یلملم} بفتح الیاء واللامین وسکون المیمین((1)).

قال فی مجمع البحرین: ویلملم وألملم موضع، وهو میقات أهل الیمن، انتهی.

وقد یقال یرمرم بالراء مکان اللام، وقد اختلفوا فی أنه واد أو جبل، وهو علی مرحلتین من مکة، {وهو لأهل الیمن} بلا خلاف، ویدل علیه صحیح الخزاز: «ولأهل الیمن یلملم»((2)).

وصحیح ابن عمار: «ووقت لأهل الیمن یلملم»((3)).

وصحیح الحلبی: «ووقت لأهل الیمن یلملم»((4)).

إلی آخر ما تقدم.

{الخامس} من المواقیت: {قرن المنازل} بفتح القاف وسکون الراء اسم جبل أو واد، وقد کثر الکلام حوله لکنه غیر مهم، فلا وجه للتعرض له، وهو علی مرحلتین من مکة کیلملم.

{وهو لأهل الطائف} بلا خلاف، ویدل علیه صحاح الخزاز ومعاویة والحلبی وغیرها.

ص:313

السادس: مکة، وهی لحج التمتع.

السابع: دویرة الأهل أی المنزل، وهی لمن کان منزله دون المیقات إلی مکة.

{السادس} من المواقیت: {مکة} المکرمة {وهی لحج التمتع} بلا خلاف، کما فی الجواهر والمستند، بل فی الحدائق وعن کشف اللثام والمدارک والمفاتیح وشرحه الإجماع علیه.

وقد تقدم الکلام فی ذلک فی الرابع من شرائط حج التمتع، وأنه یجوز له الإحرام بالحج من ذات عرق إذا خرج بعد العمرة، لفعل الصادق (علیه السلام) ذلک.

{السابع} من المواقیت: {دویرة الأهل، أی المنزل، وهی لمن کان منزله دون المیقات إلی مکة}، قال فی الجواهر: بلا خلاف أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه، بل عن المنتهی أنه قول أهل العلم کافة إلا مجاهداً((1))، وفی المستند بلاخلاف یعرف کما فی الذخیرة، وفی المدارک أنه مجمع علیه بین الأصحاب((2)) إلخ، وفی الحدائق نسبته إلی أکثر الأصحاب.

وکیف کان فیدل علیه غیر واحد من النصوص:

ففی صحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من کان منزله دون الوقت إلی مکة فلیحرم من منزله»((3)).

ص:314

وفی محکی التهذیب بعد ما روی ذلک: وفی حدیث آخر: «إذا کان منزله المیقات إلی مکه فلیحرم من دویرة أهله»((1)).

وفی صحیحه الآخر الذی رواه الکلینی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «ومن کان منزله خلف هذه المواقیت مما یلی مکة فمیقاته منزله»((2)).

وصحیح عبد الله بن مسکان، قال: حدثنی أبو سعید قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عمن کان منزله دون الجحفة إلی مکة، قال (علیه السلام): «یحرم منه»((3)).

وصحیح مسمع، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إذا کان منزل الرجل دون ذات عرق إلی مکة فلیحرم من منزله»((4)).

وعن ریاح بن أبی نصر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): یروون أن علیاً (صلوات الله علیه) قال: من تمام حجک إحرامک من دویرة أهلک، فقال: «سبحان الله لو کان کما یقولون لم یتمتع رسول الله (صلی الله علیه وآله) بثیابه إلی الشجرة، وإنما دویرة أهله من کان أهله وراء المیقات إلی مکة»((5)).

وعن الکلینی (رحمه الله)، عن ریاح، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنا نروی بالکوفة أن علیاً (علیه السلام) قال: من تمام الحج والعمرة أن یحرم الرجل من

ص:315

دویرة أهله، فهل قال هذا علی (علیه السلام)؟ فقال: «قد قال ذلک أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمن کان منزله خلف المواقیت، لو کان کما یقولون ما کان یمنع رسول الله (صلی الله علیه وآله) أن لا یخرج بثیابه إلی الشجرة»((1)).

وعن الصدوق، عن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنا نروی بالکوفة أن علیاً (علیه السلام) قال: إن من تمام حجک إحرامک من دویرة أهلک، فقال: «سبحان الله لو کان کما یقولون لما تمتع رسول الله (صلی الله علیه وآله) بثیابه إلی الشجرة»((2)).

قال الصدوق (رحمه الله): وسئل عن رجل منزله خلف الجحفة من أین یحرم، قال: «من منزله»((3)).

وفی خبر آخر: «من کان منزله دون المواقیت ما بینها وبین مکة فعلیه أن یحرم من منزله»((4)).

وعن معانی الأخبار، عن عبد الله بن عطا، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام): إن الناس یقولون إن علی بن أبی طالب (علیه السلام) قال: إن أفضل الإحرام أن تحرم من دویرة أهلک، قال: فأنکر ذلک أبو جعفر (علیه السلام) وقال: «إن رسول الله (صلی

ص:316

الله علیه وآله) کان من أهل المدینة ووقته من ذی الحلیفة، وإنما کان بینهما ستة أمیال، ولو کان فضلاً لأحرم رسول الله (صلی الله علیه وآله) من المدینة، ولکن علیاً (علیه السلام) کان یقول: تمتعوا من ثیابکم إلی وقتکم»((1)).

وهذا الخبر وإن لم یکن شاهداً للمسألة، إلا أنه فی سیاق تکذیب النسبة إلی علی (علیه السلام)، ولذلک نقلناه تبعاً للحدائق.

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) قال: «من کان منزله أقرب إلی مکة من المواقیت فلیحرم من منزله ولیس علیه أن یمضی إلی المیقات»((2)).

وقال: قال علی (علیه السلام): «من تمام الحج أن تحرم من دویرة أهلک، هذا لمن کان دون المیقات إلی مکة»((3)).

وعن الرضوی: «ومن کان منزله دون هذه المواقیت ما بینها وبین مکة فعلیه أن یحرم من منزله»((4)).

ثم إنک قد عرفت نصوصیة جملة من هذه الأخبار فی کون المعتبر القرب إلی مکة، خلافاً للمحقق فی محکی المعتبر فاعتبر القرب إلی عرفات، ولکن أشکل فی صحة النسبة فی الحدائق، وللشهید الأول فی اللمعة فاعتبر القرب

ص:317

بل لأهل مکة أیضاً علی المشهور الأقوی وإن استشکل فیه بعضهم

إلی عرفات فی حج الإفراد، بل فی المستند حکایة ذلک عن جماعة، وفیه ما لا یخفی، ولذا قال فی المدارک بعد نقل ذلک عن المعتبر: والأخبار تدفعه، وقال فی المسالک: لولا النصوص أمکن اختصاص القرب فی العمرة بمکة وفی الحج بعرفة، إذ لا یجب المرور علی مکة فی إحرام الحج من المواقیت، وقال فی الجواهر: هو کالاجتهاد فی مقابلة النص((1))، وقال فی المستند: لا دلیل علیه((2)).

{بل لأهل مکة أیضاً علی المشهور الأقوی وإن استشکل فیه بعضهم} أی صاحب الذخیرة، قال فی المستند: ثم الحکم یعم أهل مکة أیضاً علی المشهور بین الأصحاب، بل نفی بعضهم الخلاف فیه((3))، انتهی.

وعن الریاض نحوه قال: بل زاد بعضهم فنفی الخلاف فیه بینهم مشعراً بدعوی الإجماع علیه، کما حکاه فی الذخیرة عن التذکرة، انتهی.

وفی الجواهر: عن صریح ابنی حمزة وسعید وظاهر الأکثر الإحرام منها بالحج((4))، انتهی.

وفی الحدائق نسبته إلی الإجماع.

والذی یستدل به لهذا القول، مضافاً إلی الإجماع المحکی المرسل فی الفقیه: عن رجل منزله خلف الجحفة من

ص:318

أین یحرم؟ قال (علیه السلام): «من منزله»((1)).

والنبوی: «فمن کان دونهن فمهلّه من أهله»((2)).

وخبر الرباح: «قال ذلک أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمن کان منزله خلف المواقیت»((3))، بل هو الظاهر من سائر الأخبار المعبرة بقوله إلی مکة، إذ المنصرف من (إلی) فی مثل هذه الموارد دخول ما بعدها فی حکم ما قبلها، فلو قال: سرت إلی البصرة، أو خذ ممن کان بعد خان النصف إلی النجف کذا، لم یفرق العرف بین ما قبل (إلی) وما بعدها.

لکن فی الحدائق عن الفاضل الخراسانی فی الذخیرة الإشکال فی ذلک، لأن فی حدیثین صحیحین ما یخالف المشهور:

أحدهما: ما رواه الکلینی (رحمه الله) عن أبی الفضل سالم الحناط فی الصحیح قال: کنت مجاوراً بمکة فسألت أبا عبد الله (علیه السلام) من أین أحرم بالحج، فقال: «من حیث أحرم رسول الله (صلی الله علیه وآله) من الجعرانة، أتاه فی ذلک المکان فتوح فتح الطائف وفتح حنین والفتح». فقلت: متی أخرج، فقال: «إن کنت صرورة فإذا مضی من ذی الحجة یوم، وإن کنت قد حججت قبل ذلک فإذا مضی من الشهر خمس»((4)).

ص:319

وثانیهما: ما رواه الکلینی (رحمه الله)، عن عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنی أرید الجوار فکیف أصنع، فقال: «إذا رأیت الهلال هلال ذی الحجة فاخرج إلی الجعرانة فأحرم منها بالحج»((1))، الحدیث.

ولکن أشکل علیه صاحب الحدائق بأنه حکم المجاور إذا أراد الحج مستحباً دون أهل مکة.

أقول: عدم فهم العرف الخصوصیة فی المقام للمجاور مقابل أهلها، خصوصاً والمجاور یطلق علی الأهل کثیراً، یساوی عدم فهمهم الخصوصیة لمن بین مکة والمیقات، بل ربما یبعد هذا الإلحاق التصریح فی بعض الأخبار المتقدمة: «ما بینها وبین مکة»، فکما أن أهل المواقیت خارجون عن هذا الحکم فکذلک أهل مکة.

وعلی هذا فإلحاق أهل مکة بمن دون المیقات لیس بأولی من إلحاقهم بمجاور مکة، والمنصرف من المرسل والنبوی والخبر غیر أهل مکة، بل سکان البادیة.

هذا مضافاً إلی أن تخصیص الحدائق الحکم بالحج الاستحبابی خلاف الظاهر من صحیح الحناط، لتعرضه لحکم الصرورة بعد الحکم بالخروج إلی الجعرانة.

وکیف کان، فالذی ینبغی التفصیل فی المسألة، وأنه إن کان مجاوراً بمکة لزم علیه الخروج إلی الجعرانة بمقتضی الصحیحین سواء کان صرورة أم لا، ولا یعارض ذلک هذه الأخبار، لعدم مقاومتها لهما سنداً أو دلالةً.

ص:320

فإنهم

أما الإحرام من ذات عرق لموثق إسحاق المتقدم الحاکی لفعل الصادق (علیه السلام) فلیس مما نحن فیه، لأنه (علیه السلام) أحرم بحج التمتع، والکلام الآن فی حج القران والإفراد، وإن کان من أهل مکة فالأحوط الجمع لعدم ترجیح فی أحد الإلحاقین، والشهرة ونحوها بعد استنادها إلی ما بأیدینا غیر مفیدة للترجیح، مضافاً إلی أن الشهرة الروائیة مرجحة لا الفتوائیة.

وأما ما ذکره فی الجواهر بقوله: أو یحمل علی الأفضل _ أی الصحیحان _ لبعد المسافة، فالمراد بالإحرام من المنزل رخصة لا عزیمة، ولذا کان المحکی عن الکافی والغنیة والإصباح أن الأفضل لمن منزله أقرب الإحرام من المیقات، وفی کشف اللثام وجهه ظاهر لبعد المسافة وطول الزمان((1))، انتهی.

فقریب من التبرع إن لم یکن هو نفسه، مضافاً إلی أن الاستشهاد بمن ذکر إنما یصح بتنقیح المناط، إذ کلامهم بین المنزل والمیقات _ کما یظهر من الجواهر _ وکلامه (رحمه الله) بین المنزل والجعرانة.

وکیف کان، فما ذکرناه من التفصیل إنما هو فیما إذا لم یخرج إلی أحد المواقیت، وإلا جاز الإحرام منه، لما عرفت سابقاً من صدق «ولمن أتی علیهن من غیر أهلهن» علی ذلک.

ومما ذکرنا نعرف مواقع النظر فی قول المصنف (رحمه الله): {فإنهم} أی أهل

ص:321

یحرمون لحج القران والإفراد من مکة، بل وکذا المجاور الذی انتقل فرضه إلی فرض أهل مکة، وإن کان الأحوط إحرامه من الجعرانة وهی أحد مواضع أدنی الحل، للصحیحین الواردین فیه، المقتضی إطلاقهما عدم الفرق بین من انتقل فرضه أو لم ینتقل، وإن کان القدر المتیقن الثانی، فلا یشمل ما نحن فیه، لکن الأحوط ما ذکرنا عملا بإطلاقهما، والظاهر أن الإحرام من

مکة {یحرمون لحج القران والإفراد من مکة، بل وکذا المجاور الذی انتقل فرضه إلی فرض أهل مکة، وإن کان الأحوط إحرامه من الجعرانة وهی أحد مواضع أدنی الحل، للصحیحین الواردین فیه، المقتضی إطلاقهما عدم الفرق بین من انتقل فرضه أو لم ینتقل، وإن کان القدر المتیقن الثانی، فلا یشمل ما نحن فیه، لکن الأحوط ما ذکرنا عملا بإطلاقهما} مضافاً إلی أنه لا مجال للأخذ بالمتیقن فی مقام وجود الإطلاق المفروض وجوده فی المقام، کما یعترف هو (قدس سره) به، علی أن ذیل الصحیح الثانی ظاهر فیما بعد السنتین((1))، کما صرح به فی المستمسک: ثم إن تخصیص الحکم بحج القران والإفراد لا وجه له، بل إطلاق النصوص السابقة ککثیر من کلمات الفقهاء التی ظفرت بها عموم الحکم للتمتع، فلو أراد من کان بین المیقات وبین مکة التمتع أحرم بالعمرة من منزله، والله العالم.

{والظاهر} من ضمیمة أخبار الباب بأخبار المواقیت {أن الإحرام من

ص:322

المنزل للمذکورین من باب الرخصة، وإلا فیجوز لهم الإحرام من أحد المواقیت، بل لعله أفضل، لبعد المسافة وطول زمان الإحرام.

المنزل للمذکورین من باب الرخصة، وإلا فیجوز لهم الإحرام من أحد المواقیت، بل لعله أفضل، لبعد المسافة وطول زمان الإحرام}، و«أفضل الأعمال أحمزها»، لا لدلیل فی المقام أو جمع یفهمه العرف کما هو الظاهر من عبارة بعض.

نعم ربما یستفاد ذلک من خبر الدعائم: «ولیس علیه أن یمضی إلی المیقات»((1))، بتقریب أن الظاهر من «لیس علیه» تجویز ذلک، والله العالم.

بقی فی المقام شیء، وهو أن کون دویرة الأهل میقاتاً لمن بعد المیقات هل یعم من بین المیقاتین، کما لو کان منزله بین الشجرة والجحفة، أم لا، حتی یکون اللازم علی مثله الإحرام من المیقات الثانی، فیه تردد من ظهور بعض الأخبار فی کون المناط بعدیة المیقات الصادقة علی مثله، کقوله (علیه السلام): «من کان منزله دون الوقت إلی مکة».

ونحوه غیره، فمقتضی کون إحرامه من منزله ومن ظهور بعضها الآخر فی کون المناط عدم میقات فی طریقه کقوله (علیه السلام): «دون المواقیت».

إذ لیس المراد دون جمیع المواقیت قطعاً، وإلاّ لم یکن وجه لإطلاق الإحرام من دویرة الأهل لمن بعد الجحفة فی بعض الأخبار المتقدمة، فإن الجحفة علی ثلاث مراحل، وبعض المواقیت کقرن المنازل مثلاً، هذا مضافاً إلی أنه ربما یفهم من سیاق أخبار دویرة الأهل أن ذلک شرّع لعدم وجود میقات فی

ص:323

البین، بخلاف ما لو کان هناک میقات.

وکیف کان، فالمسألة لخلوها عن النص والفتوی حسب اطلاعی مشکلة، والأحوط فی مثله الإحرام من دویرة أهله ثم تجدیده من المیقات، وإن کان لو أخر الإحرام إلی المیقات فأحرم منه کان کافیاً، لما تقدم من صحة الإحرام وضعاً حتی فیما کان التکلیف الإحرام من میقات آخر.

ثم لو أحرم من کان تکلیفه الإحرام من دویرة الأهل من منزله وبعد ذلک اتفق مروره بمیقات، لم یلزم الإحرام ثانیاً، لموافقة الأمر المقتضی للإجزاء، کما لو انعکس وخرج إلی بعض البلاد ثم مر بمیقات وأحرم منه وبعد ذلک مر بمنزله لم یلزم التجدید منه.

ولو کان له منزلان، أحدهما بعد المیقات والآخر قبله، فهل یلزم الإحرام من المیقات مطلقاً، أو من منزله مطلقاً، أم یفصل بین لو أراد الحج من منزله الخارج فالإحرام من المیقات، أو من منزله الداخل فالإحرام من منزله؟ احتمالات، والأحوط الإحرام من المیقات مطلقاً لصدق «هن لهن، ولمن أتی علیهن من غیر أهلهن»، والشک فی شمول نصوص دویرة الأهل لمثله، ولو کان منزله محاذیاً للمیقات، فالظاهر عدم صحة الإحرام من منزله، لعدم شمول نصوص دویرة الأهل له.

نعم یصح من جهة المحاذاة فی کل مورد قلناها، وهل ینتقل الحکم بمجرد الانتقال، فلو کان من أهل الخارج فهاجر إلی ما بعد المیقات ولم یمض إلاّ

ص:324

الثامن: فخ

أسبوع مثلاً أو العکس، کان حکمه حکم ذلک المنزل، أم یتوقف علی الصدق العرفی، أم علی الاستیطان الشرعی؟ احتمالات، والظاهر الأوسط لتعلیق الحکم فی أخبار المنزل علی کونه منزله دون الوقت، وذلک أمر عرفی لم یعلم تصرف الشارع فیه.

ثم لو کان له منزل بین میقاتین، أحدهما قبله والآخر بعده، فهل تعتبر حاله من المیقات الذی قبله حتی یکون مهلّه منزله، أم الذی بعده حتی یکون مهلّه المیقات؟ فیه تردد، والأحوط الإحرام من منزله وتجدیده من المیقات الذی بعده.

وصاحب المنزل الذی بعضه داخل فی المیقات وبعضه خارج إلی طرف مکة کذی المنزلین.

ثم لا فرق فی المنزل بین أقسامه من العمارة والخباء والبستان، بل والأرض القفرة إذا فرض نزوله فیها بلا ساتر ونحوه، والله تعالی هو العالم.

{الثامن} من المواقیت: {فخ} وهو بفتح الفاء وتشدید الخاء المعجمة من فوق، بئر علی نحو فرسخ من مکة، أو موضع بمکة، أو موضع عند مکة، أو موضع علی رأس فرسخ من مکة، کما عن کشف اللثام والقاموس والنهایة الأثیریة والسرائر، لکن الظاهر رجوع الجمیع إلی واحد، کما فی الجواهر والمستند، وموضعه علی نحو فرسخ من مکة معروف إلی الآن، وفیه قبر الحسین بن علی بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علی أمیر المؤمنین (علیهم السلام) الذی أشار إلیه دعبل فی قصیدته: (وأخری بفخ نالها صلواتی) لکنه فعلاً مهدوم هدمه الوهابیون کسائر قبور الأئمة (علیهم السلام) وغیرهم من الصلحاء والطلحاء

ص:325

وهو میقات الصبیان فی غیر حج التمتع عند جماعة، بمعنی جواز تأخیر إحرامهم إلی هذا المکان، لا أنه یتعین ذلک، ولکن الأحوط ما عن آخرین من وجوب کون إحرامهم من المیقات، لکن لا یجردون إلا فی فخ،

الکائنة فی المدینة المنورة وغیرها من ربوع الوهابیین.

{وهو میقات الصبیان فی غیر حج التمتع}، أما حج التمتع فمیقاته مکة کغیره کما صرح فی المستند {عند جماعة بمعنی جواز تأخیر إحرامهم إلی هذا المکان لا أنه یتعین ذلک، ولکن الأحوط ما عن آخرین من وجوب کون إحرامهم من المیقات، لکن لا یجردون إلا فی فخ} قال فی المستند: وبکونه میقاتاً أفتی فی المعتبر والمنتهی والتحریر والدروس والمسالک، وجعل الأخیر الإحرام من المیقات أولی.

وتبعه فی الجواز جملة من المتأخرین، ونسبه بعضهم إلی الأکثر، بل ظاهر کلام المفاتیح بعدم الخلاف فیه، إلی أن قال: وقیل هو المیقات، وإن جاز تأخیر نزع المخیط والثیاب عنه إلی فخ، وهو المنقول عن الحلی والمحقق الثانی، وجعله فی التنقیح مراد المصنف (رحمه الله) ((1)).

أقول: ففی المقام إحتمالات ثلاثة:

الأول: کون المیقات فخ متعیناً.

الثانی: التخییر بینه وبین أحد المواقیت.

الثالث: تعین أحد المواقیت، وإنما یجوز تأخیر التجرید إلی فخ.

ص:326

والأصل فی الحکم المذکور صحیح أیوب بن الحر، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) من أین تجرد الصبیان، قال (علیه السلام): «کان أبی یجردهم من فخ»((1)).

وصحیح علی بن جعفر، عن أخیه موسی (علیه السلام): من أین یجرد الصبیان، قال (علیه السلام): «کان أبی یجردهم من فخ»((2)).

فهذان الصحیحان إن أرید بهما الکنایة عن الإحرام، فهما دلیل لجواز تأخیر إحرامهم إلی هذا الموضع، وإن أرید بهما ظاهرهما فلا دلالة فیهما إلا علی جواز تأخیر التجرید فی فخ، أما میقات إحرامهم فیکون کغیرهم.

والإنصاف أنه لا ظهور لهما فی أحد الأمرین، فتبقی أدلة حج الصبی بإطلاقه المقتضیة لکون جمیع خصوصیاتهم کخصوصیات الکبار محکمة، وحینئذ فالمتیقن من الصحیحین تأخیر التجرید فقط إلی فخ.

ثم إن هنا جملة من النصوص تدل علی وقت إحرامهم.

ففی صحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «انظروا من کان معکم من الصبیان فقدموه إلی الجحفة أو إلی بطن مر، ثم یصنع بهم ما یصنع بالمحرم»((3)).

وقریب منه الرضوی.

وفی خبر یونس بن یعقوب، عن أبیه، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن معی

ص:327

صبیة صغاراً وأنا أخاف علیهم البرد من أین یحرمون، قال (علیه السلام): «ایت بهم العرج فلیحرموا منها فإنک إذا أتیت بهم العرج وقعت فی تهامة» ثم قال: «فإن خفت علیهم فأت بهم الجحفة»((1)).

قال فی مجمع البحرین: والعرج بفتح العین وسکون الراء قریة من أعمال الفرع علی أیام من المدینة، إلی أن قال: وفی الحدیث: «فإن خاف علی الصبیان البرد أتی بهم العرج فلیحرموا منها»((2)).

وفی الفقیه: «فإن أتیت العرج وقعت فی تهامة»((3))، انتهی.

وکیف کان، فالإقوی صحة إحرامهم من المیقات وتغنیها فی غیر طریق مدینة لأدلة المواقیت التی لا مخصص لها فی غیر طریق المدینة، والروایات الواردة فی طریق مدینة لا تدل علی عدم صحة إحرامهم من مسجد الشجرة حتی تکون حاکمة علی ما دل علی الإحرام من مسجد الشجرة، وأما طریق مدینة فیجوز من ذی الحلیفة لأدلة المواقیت ومن الجحفة أو بطن مر مخیراً بینهما، لصحیح معاویة والرضوی، وبهما یقید أدلة تعین الشجرة، ولا یقیدان بخبر یونس لظهوره فی کون الحکم تخفیفیاً لا تعیینیاً حتی یکون له مفهوم.

نعم یجوز تأخیر التجرید إلی فخ للصحیحین، وبهذا یجمع بین النصوص

ص:328

ثم إن جواز التأخیر علی القول الأول إنما هو إذا مروا علی طریق المدینة، وأما إذا سلکوا طریقاً لا یصل إلی فخ فاللازم إحرامهم من میقات البالغین.

التی حاصلها جواز إحرامهم من کل من الشجرة والجحفة وبطن مر، مع جواز تأخیر التجرید إلی فخ.

وأما العرج فإنه وإن اشتمل علیه خبر یونس، إلا أن اللازم الاقتصار علی مورده، أعنی خوف البرد، بخلاف الجحفة، لإطلاق صحیح ابن عمار فی مقام البیان.

ولا یخفی ان مر علی وزن فلس، علی خمسة أمیال من مکة، کما عن الواقدی، أو أن بطن مر علی مرحلة کما فی القاموس، فلیس من المواقیت، فما فی الجواهر بناءً علی أن بطن مر غیر خارج من المیقات إلخ محل منع، ولذا أضرب بقوله: ولعله لخروج بطن مر عن المیقات((1)).

ثم لو أخر تجریدهم إلی فخ لم یلزم الفداء للبس المخیط، لسکوت الصحیحین عن ذلک فی مقام البیان.

ومما ذکرنا یظهر لک النظر فی کلام الجواهر والمستند والمستمسک، کما ظهر أن المسألة لا إشکال فیها، خلافاً للریاض حیث جعلها قویة الإشکال.

{ثم إن جواز التأخیر علی القول الأول إنما هو إذا مروا علی طریق المدینة، وأما إذا سلکوا طریقا لا یصل إلی فخ فاللازم إحرامهم من میقات البالغین} کما صرح بذلک غیر واحد.

ص:329

قال فی الحدائق: ویؤید ما ذکرنا تخصیص التأخیر إلی فخ بمن کان علی طریق المدینة، فلو حج بهم علی غیرها وجب الإحرام بهم من المیقات البتة، وبذلک صرح العلامة (رحمه الله) فی القواعد فقال: ویجرد الصبیان من فخ إن حجوا علی طریق المدینة، وإلا فمن موضع الإحرام، انتهی.

وفی الجواهر: علی أن فخ إنما هو علی طریق المدینة، أما لو کان غیره فلا رخصة لهم فی تجاوز المیقات بلا إحرام الذی صرح فی النص بأن الإحرام من غیره کالصلاة أربعاً فی السفر((1))، انتهی.

أقول: لکن هذا إنما یتم إذا أراد الحج، حیث یشترط کون إحرامه من المیقات، أما لو لم یرد فلا دلیل علی لزوم إحرامه لرفع القلم عن الصبی.

والحاصل: إن أراد بعدم الرخصة الوجوب الشرطی کما یظهر من ذیل کلامه (رحمه الله) فهو، وإلا ففیه نظر بل منع.

وکیف کان، فالدلیل علی ذلک ما عن کشف اللثام حیث إنه بعد أن نقل ذلک عن السرائر قال: وجهه ظاهر وذلک لاختصاص الدلیل به فیرجع فی غیره إلی الأدلة العامة المقتضیة للإحرام من المیقات، انتهی.

نعم ربما احتمل کون فخ مثالاً لأدنی الحل، وعلیه فیجوز تأخیر إحرامهم

ص:330

التاسع: محاذاة أحد المواقیت الخمسة، وهی میقات من لم یمر علی أحدها.

إلی أدنی الحل من کل جهة، لکن هذا خلاف ظاهر نصوص تعیین المواقیت، فلا یمکن رفع الید عنها باستحسان أن الملحوظ فی جهة الصبیان عدم تحملهم للحر والبرد وذلک عام، ولذا قال فی الجواهر: واحتمال حمل أدنی الحل من سائر الطرق علی فخ الذی هو أدناه فی طریقها، بل قیل إنه یعطیه کلام التذکرة واضح الضعف((1))، انتهی.

{التاسع} من {المواقیت: محاذاة أحد المواقیت الخمسة، وهی میقات من لم یمر علی أحدها} قال فی الحدائق: صرح جملة من الأصحاب بأن من حج علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت المتقدمة فإنه یحرم إذا غلب علی ظنه محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة، وصرح آخرون بأنه یحرم عند محاذاة أحد المواقیت وهو ظاهر فی التخییر بین الإحرام من محاذاة أیها شاء((2))، ثم نقل عن المنتهی والتذکرة اعتبار المیقات الذی هو أقرب إلی طریقه إلخ.

وفی الجواهر مازجاً: ولو حج علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت قیل والقائل جمع من الأصحاب کما فی المدارک یحرم إذا غلب علی ظنه محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة((3))، انتهی.

ص:331

والدلیل علیه صحیحتا ابن سنان، ولا یضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالیة منهما، وعدم القول بالفصل،

وفی المستند: الثامن محاذاة المیقات وهو میقات من حج علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت، ومنه طریق البحر، وکونها میقاتا لمن ذکر مشهور بین الأصحاب، بل نسبه بعضهم إلی الشهرة العظیمة((1))، انتهی.

وفی المستمسک: المخالف فی أصل الحکم غیر ظاهر، نعم استشکل فیه فی المدارک والذخیرة والحدائق وغیرها تبعاً لما فی مجمع البرهان((2)).

{والدلیل علیه صحیحتا ابن سنان}:

الأولی: ما رواها فی الکافی، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: «من أقام بالمدینة شهراً وهو یرید الحج ثم بدا له أن یخرج فی غیر طریق أهل المدینة الذی یأخذونه فلیکن إحرامه من مسیرة ستة أمیال، فیکون حذاء الشجرة من البیداء»((3)).

والثانیة: ما رواها فی الفقیه بأسناده عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من أقام بالمدینة وهو یرید الحج شهراً أو نحوه ثم بدا له أن یخرج فی غیر طریق المدینة، فإذا کان حذاء الشجرة والبیداء مسیرة ستة أمیال فلیحرم منها»((4)).

{ولا یضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالیة منهما، وعدم القول بالفصل} بل فی المستند ادعی الإجماع المرکب، لکن أنت

ص:332

ومقتضاهما محاذاة أبعد المیقاتین إلی مکة إذا کان فی طریق یحاذی اثنین،

خبیر بعدم فهم المثال بعد الخصوصیات المذکورة فی الروایة فی کلام الإمام (علیه السلام) من بقائه فی المدینة شهراً، وکون طریقه من البیداء، کما یستفاد ذلک من قوله (علیه السلام) من البیداء، والإجماع المرکب بعد معلومیة استناده إلی ما ذکر کما یظهر من کلمات القائلین والمستشکلین لا یمکن الاستناد إلیه، مضافاً إلی الإشکال فی الصغری والکبری، ولذا احتمل فی محکی مجمع البرهان الاقتصار فی العمل بالروایة علی من دخل المدینة وجاور فیها شهراً.

وقال فی الحدائق: وأنت خبیر بأن مورد الروایة مسجد الشجرة، فحمل سائر المواقیت علیها لا یخلو من الإشکال((1)) _ انتهی.

وأما ما ربما یذکر من معارضتهما لخبر عبد الحمید((2)) المتقدم الدال علی أن من دخل المدینة فلیس له أن یحرم إلا من میقات أهل المدینة، ومرسلة الکلینی((3)) التی رواها بعد الصحیحة السابقة بقوله: وفی روایة یحرم من الشجرة ثم یأخذ أی طریق شاء، فلا وجه له، إذ الصحیحة حاکمة علی الخبر، والمرسلة مجملة الدلالة باعتبار عدم معلومیة السؤال فیها، مضافا إلی الإشکالات الأخر فیهما.

{ومقتضاهما محاذاة أبعد المیقاتین إلی مکة إذا کان فی طریق یحاذی اثنین}

ص:333

فلا وجه للقول بکفایة أقربهما إلی مکة،

کما عن الأکثر، ومنهم العلامة فی المنتهی والتذکرة، واختاره المستند، وذلک لأن الصحیحة تضمنت محاذاة الشجرة التی هی أبعد المواقیت، من غیر تفصیل بین المرور من محاذی جحفة وعدمه، مع أن الغالب محاذاته.

{فلا وجه للقول بکفایة أقربهما إلی مکة} کما عن القواعد، وذکره فی الشرائع قولا، واستجوده فی محکی المدارک.

واستدل لذلک بالبراءة لأنه شک فی الزائد عن محاذاة أقرب المواقیت، فإنه لا إشکال فی حرمة تجاوز محاذی أقرب المواقیت، أما الزائد علیه فهو مشکوک والأصل عدمه.

لکن الاستدلال بالأصل فی قبال الدلیل غیر تام، کما أن ما حکی عن ابن إدریس من کفایة محاذاة أحد المواقیت مطلقاً غیر تام لذلک، وإن کان ربما استدل له بأن حکم المحاذی حکم المیقات، فکما یجوز الإحرام من أی میقات اتفق، کذلک یجوز من محاذاة أی میقات، وفیه: إن الإحرام من أی میقات له دلیل، أما من محاذاة أی میقات فلیس له دلیل.

ثم هل المعیار فی المحاذاة المربع أو المدور من جهة مکة أو من جهة المدینة، احتمالات أربع:

الأول: المربع من جهة مکة، بأن یُخط خط مستقیم یمر بالمیقات مع ملاحظة مکة المکرمة، فیکون المیقات أقرب إلی مکة من سائر نقاط محاذیه، کما هو الشأن فی کل مربع لو خط فی وسطه نقطة، فإن الخط المستقیم الخارج من وسط الضلع إلی النقطة الواقعة فی الوسط أقصر من سائر الخطوط المستقیمة الخارجة من سائر نقاط الضلع إلی النقطة.

ص:334

وتتحقق المحاذاة بأن یصل فی طریقه إلی مکة إلی موضع یکون بینه وبین مکة باب، وهی بین ذلک المیقات ومکة بالخط المستقیم،

الثانی: المدور من جهة مکة، بأن تفرض دائرة مرکزها مکة تمر بالمیقات، فیکون نقاط المحاذاة کلها متساویة القرب إلی مکة مع المیقات.

الثالث: المربع من جهة المدینة، وهذا الاحتمال کلاحقه خاص بها، بأن یفرض مربع وسطه المدینة وأحد أضلاعه یمر بذی الحلیفة، والأضلاع الباقیة یکون بُعدها عن المدینة کبعد هذا الضلع عنها.

الرابع: المدور من جهة المدینة، فتفرض دائرة مرکزها المدینة مارة بذی الحلیفة.

إذا عرفت هذا قلنا: الظاهر من المحاذاة التربیعیة لا الاستداریة، فاللازم القول بها دون الاستداریة، والمستفاد من نص المحاذاة کون العبرة بالمدینة لا مکة، لأنه جعل العبرة بالبعد ستة أمیال عن المدینة المساویة لبعد ذی الحلیفة عنها، لکن لا یخفی أن الظاهر من النص اختصاص الحکم بالخارج من طریق البیداء لا من کل جهة من أطراف المدینة، فلا یتفاوت التربیع والاستدارة من مکة أو المدینة تفاوتاً کثیراً ینافی الصدق العرفی، وعلی هذا فاللازم الاقتصار فی ذلک علی مورد النص، أعنی ستة أمیال من طریق البیداء.

إذا عرفت هذا فلنرجع إلی شرح المتن فنقول: {وتتحقق المحاذاة بأن یصل فی طریقه إلی مکة إلی موضع یکون بینه وبین مکة باب، وهی} کما {بین ذلک المیقات ومکة بالخط المستقیم}، والظاهر وقوع غلط فی العبارة، والصواب: جعل (کما) مکان (باب وهی) وهذا ینطبق علی الاحتمال الثانی أعنی جعل دائرة

ص:335

وبوجه آخر أن یکون الخط من موقفه إلی المیقات أقصر الخطوط فی ذلک الطریق، ثم إن المدار علی صدق المحاذاة عرفاً،

تمر بالمیقات وبهذا الشخص مرکزها مکة، وبهذا تحقق أن جعل بعض المحشین المحاذاة التربیعیة أولی من هذه فی غیر محله، إذ التربیعیة مباینة للدائریة إلا فی بعض النقاط، فاللازم القول بهذه أو تلک، اللهم إلا أن یرید الأولویة التعینیة فتأمل، کما أن ما ذکره فی المستمسک من الإشکال علی المتن لم نعرف له محصلا.

وعلی ما فسرنا عبارة المصنف الذی هو ظاهره لا ینطبق علیه قوله: {وبوجه آخر أن یکون الخط من موقفه إلی المیقات أقصر الخطوط فی ذلک الطریق}، إذ لو فرض أن الطریقین أی المار بالمیقات والذی سلکه هذا الشخص مستقیمان إلی مکة إلا أن أقصر الخطوط من الطریق المسلوک إلی المیقات عبارة أخری عن المحاذاة التربیعیة، وهی تخالف المحاذاة الدائریة، فإن فی الدائریة تقع قوس من الدائرة بین المیقات وبین الطریق المسلوک، ومن المعلوم أن القوس بین نقطتین تخالف الخط المستقیم، فإن الفرق بینهما طول ضلع من مثلث أحد أضلاعه الخط المستقیم الواقع علی المیقات، والضلع الآخر الطریق المسلوک، والضلع الثالث قوس من الدائرة المارة بالمیقات، وبالطریق المسلوک التی مرکزها مکة فی المثال.

نعم لو کان مکان المیقات فی المتن (مکة) وکان المراد مثل أقصر الخطوط التی بین میقات ومکة لکان منطبقاً علی التعریف الأول.

{ثم إن المدار علی صدق المحاذاة عرفاً}، ولا یلزم المحاذاة الحقیقة، إذ المحاذاة إذا وقعت فی لسان الشارع المخاطب للعرف کان المراد منها المفهوم

ص:336

فلا یکفی إذا کان بعیداً عنه، فیعتبر فیها المسامتة کما لا یخفی،

العرفی المتسامح فیه، وإلا لزم علیه البیان، والمفروض عدمه خصوصاً وفی لفظ الروایة «مسیرة ستة أمیال»، ومن البدیهی أن ستة أمیال مما لا یضبطها العرف تحقیقاً، بل قریب ربع میل أو أکثر یختلف حسب التقریبات العرفیة، وفتواهم فی هذا المقام بالعرفیة مما یؤید ما بنینا علیه فی الأصول من کون جمیع التحدیدات کذلک، بحجة أنهما ملقاة علی العرف وهو لا یفهم أزید مما جرت علیه سیرته من التسامح، ولکن الفقهاء والأصولیین فی کثیر من الموارد یضیقون دائرة الحد فلا یسامحون فیه أبداً بحجة أن العرف مرجع فی المفهوم لا فی التسامح.

وکیف کان، فبناؤهم فی کثیر من الموارد بعدم التسامح ینافی بناءهم فی موارد أخر التی منها ما نحن فیه علی التسامح.

ثم إنا لو قلنا بالتعدی عن مورد النص إلی غیره، فاللازم الاقتصار علی المحاذی القریب.

{فلا یکفی إذا کان بعیداً عنه، فیعتبر فیها المسامتة کما لایخفی} ولذا قال فی المستمسک: لا دلیل ظاهراً علی الاکتفاء بالمحاذاة مطلقاً، فإن الدلیل إنما ورد فی مورد خاص وهو المحاذاة للشجرة بمسیرة ستة أمیال عن المدینة، والمحاذاة الحاصلة من ذلک إنما تکون مع قرب المسافة بین الشخص والشجرة، فالتعدی إلی مطلق المحاذاة العرفیة محتاج إلی دلیل.

ومما یعضد ما ذکرنا وجوب إحرام أهل العراق ونحوهم من وادی العقیق مع محاذاتهم علی الظاهر لمسجد الشجرة قبل وادی العقیق، ولیس ذلک إلا لعدم الاعتناء بالمحاذاة إذا کانت علی بُعد، وکذا أهل المغرب والشام عند مجیئهم إلی الجحفة، فإنهم یحاذون مسجد الشجرة قبل الجحفة، انتهی.

ص:337

واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمکن، وإلا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة، ومع عدمه أیضاً فاللازم الذهاب إلی المیقات أو الإحرام من أول موضع

{واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمکن، وإلا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة}، أقول: الظاهر إن الظن الحاصل من قول أهل الخبرة فی عداد العلم، فلا وجه لجعله بعده، إذ قاعدة الاشتغال الموجبة للبراءة الیقینیة ترفع بکل أمارة التی منها قول أهل الخبرة.

نعم الظن غیر المستند إلی أمارة لا دلیل علی اعتباره.

فما فی الجواهر من قوله: نعم قد یقال إن المتجه اعتبار العلم بالمحاذاة لکن صرحوا بکفایة الظن، ولعله للحرج والأصل وانسباق إرادة الظن فی أمثال ذلک((1))، انتهی.

محل نظر، فإنه لو أراد الظن غیر المستند فلا اعتبار له أصلا، والأدلة المذکورة غیر تامة، وإن أراد الظن المستند فلیس مقابلاً للعلم المعتبر فی المقام.

ومثله ما فی المستند قالوا: ویکفی الظن بالمحاذاة لعدم حصول غیر الظن، إما مطلقا أو غالباً، فلا یکون متعلق التکلیف إلا الظن((2))، انتهی.

ومن ذلک یظهر حال ما حکی عن المبسوط والجامع والتحریر والمنتهی والتذکرة والدروس من کفایة الظن.

{ومع عدمه أیضاً فاللازم الذهاب إلی المیقات أو الإحرام من أول موضع

ص:338

احتماله واستمرار النیة والتلبیة إلی آخر مواضعه، ولا یضر احتمال کون الإحرام قبل المیقات حینئذ، مع أنه لا یجوز، لأنه لا بأس به إذا کان بعنوان الاحتیاط،

احتماله، واستمرار النیة والتلبیة إلی آخر مواضعه} کما فی المستند، قال: ومن لم یکن له سبیل إلی الظن أیضاً یحرم من أول موضع یحتمل المحاذاة ویجدد النیة إلی آخر موضع کذلک((1)).

{ولا یضر احتمال کون الإحرام قبل المیقات حینئذ، مع أنه لا یجوز}، لما یأتی من عدم جواز الإحرام قبل المیقات {لأنه لا بأس به إذا کان بعنوان الاحتیاط} فیکون کالصلاة فی ثوبین أو بماءین أو إلی أربع جوانب أو غیر ذلک، مع أن الصلاة فی النجس أو بلا وضوء أو إلی غیر القبلة محرمة.

لکن یرد علیه أنه لو فرض حرمة الإحرام قبل المیقات فلا مجوز لارتکابه فی غیر موضع الضرورة، إذ الاحتیاط المستحسن عقلاً وشرعاً لیس إلا فیما کان طرف العلم غیر محرم کالوضوء بماءین أحدهما مضاف، أما الاحتیاط بارتکاب شیئین أحدهما محرم فلا دلیل علی جوازه فکیف بحسنه، ولا نقول بجواز الصلاة فی ثوبین أحدهما نجس، أو بوضوءین أحدهما بماء نجس، أو إلی الجوانب فی غیر مورد الاضطرار، أما فی مورد الاضطرار فاللازم ملاحظة الأهم من الواجب والحرام، فإن دل دلیل علی أهمیة الواجب، کما یدل علی ذلک ما ورد فی الصلاة إلی أربع جوانب قلنا به، وإلا کان للتوقف والإشکال مجال.

هذا کله فیما کان للعلم طرفان، أما لو

ص:339

ولا یجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلی المحاذاة أو أصالة عدم وجوب الإحرام، لأنهما لا یثبتان کون ما بعد ذلک محاذاة، والمفروض لزوم کون إنشاء الإحرام من المحاذاة، ویجوز لمثل هذا الشخص أن ینذر الإحرام قبل المیقات فیحرم فی أول موضع الاحتمال

کان شیء واحد محتملاً للوجوب والحرمة، کما لو کان ماء یحتمل الإباحة والغصبیة الموجب لتردد المکلف بین وجوب استعماله للصلاة وحرمته کما نحن فیه، حیث إن موضع التردد محتمل لکونه قبل المیقات المحرّم فیه الإحرام، وکونه محاذیاً له الواجب فیه، فإن کان هناک أصل موضوعی أو حکمی أخذ به، وإلاّ فإن أمکن التخلص بالتوضؤ بماء مباح أو الإحرام من المیقات لزم، وإلا کان الحکم تابعاً للأهمیة، إذ لا وجه لتقدیم محتمل الوجوب علی محتمل الحرمة فتدبر.

ومما ذکرناه یعرف النظر فیما عن المنتهی والتحریر من أنه لو لم یعرف حذو المیقات علماً ولا ظناً احتاط، وأحرم من بعد بحیث یتیقن أنه لم یجاوز المیقات إلاّ محرماً، ولذا أشکل علی ذلک بأنه کما یمتنع تأخیر الإحرام عن المیقات کذا یمتنع تقدیمه علیه.

{ولا یجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلی المحاذاة، أو أصالة عدم وجوب الإحرام، لأنهما لا یثبتان کون ما بعد ذلک محاذاةً. والمفروض لزوم کون إنشاء الإحرام من المحاذاة} والاشتغال الیقینی یحتاج إلی البراءة الیقینیة.

{ویجوز لمثل هذا الشخص أن ینذر الإحرام قبل المیقات، فیحرم فی أول موضع الاحتمال

ص:340

أو قبله علی ما سیأتی من جواز ذلک مع النذر، والأحوط فی صورة الظن أیضاً عدم الاکتفاء به، وإعمال أحد هذه الأمور، وإن کان الأقوی الاکتفاء، بل الأحوط عدم الاکتفاء بالمحاذاة مع إمکان الذهاب إلی المیقات، لکن الأقوی ما ذکرنا من جوازه مطلقاً، ثم إن أحرم فی موضع الظن بالمحاذاة ولم یتبین الخلاف فلا إشکال، وإن تبین بعد ذلک کونه قبل المحاذاة ولم یتجاوزه أعاد الإحرام،

أو قبله علی ما سیأتی} فی المسألة الأولی من أحکام المواقیت {من جواز ذلک مع النذر}، ومما تقدم تعرف مواقع النظر فی قوله: {والأحوط فی صورة الظن أیضاً عدم الاکتفاء به، وإعمال أحد هذه الأمور، وإن کان الأقوی الاکتفاء، بل الأحوط عدم الاکتفاء بالمحاذاة مع إمکان الذهاب إلی المیقات، لکن الأقوی ما ذکرنا من جوازه مطلقا}، وقد تحصل مما اخترناه عدم الإحرام من المحاذاة إلا بالنسبة إلی مسجد الشجرة من طریق البیداء، ومع الشک فی المحاذاة المتحققة ببعد ستة أمیال یلزم النذر أو الذهاب إلی المیقات.

{ثم إن أحرم فی موضع الظن} المعتبر {بالمحاذاة ولم یتبین الخلاف فلا إشکال، وإن تبین بعد ذلک کونه قبل المحاذاة ولم یتحاوزه أعاد الإحرام} کما عن الدروس والمسالک، وفی الجواهر والمستمسک وغیرها، وذلک لتبین البطلان إذا الحکم دائر مدار المحاذاة لا الظن بها، بل وکذا لو تیقن

ص:341

وإن تبین کونه قبله وقد تجاوز، أو تبین کونه بعده فإن أمکن العود والتجدید تعین، وإلا فیکفی فی الصورة الثانیة

المحاذاة ثم تبین العدم {وإن تبین کونه قبله وقد تجاوز، أو تبین کونه بعده، فإن أمکن العود والتجدید تعین} لعدم کفایة الإحرام قبل المیقات وبعده اختیاراً، ولا دلیل علی الکفایة فی صورتی الیقین أو الظن، ومنه یظهر النظر فیما ذکره فی الجواهر بقوله: بل لا یبعد الاجتزاء به لو تبین فساد ظنه، لقاعدة الإجزاء((1)).

نعم لو تبین ظنه بتقدم الإحرام علی محل المحاذاة وکان لم یتجاوزه أعاد حینئذ، لکن أطلق فی الدروس والمسالک الإعادة لو ظهر التقدم، وعدمها لو ظهر التأخر، وهو مشکل إن لم ینزل علی ما ذکرنا لإطلاق قاعدة الإجزاء، انتهی.

{وإلا} یمکن العود والتجدید ولو إلی میقات {فیکفی فی الصورة الثانیة} لما سیأتی فی المسألة الثانیة من الفصل الآتی من کفایة الرجوع إلی حیث أمکن والإحرام من ذلک الموضع، والمفروض أنه أحرم من حیث أمکن، لکن فیه: مضافاً إلی أنه ربما أحرم بعد المیقات بمسافة کثیرة کفرسخین مثلا، والحال أنه متمکن من الرجوع إلی حیث بینه وبین المیقات فرسخ، فإنه یلزم علیه الرجوع بمقتضی تلک الأخبار الدالة علی الخروج إلی حیث أمکن، وعلیه فیشکل إطلاق المصنف بالکفایة أن الأخبار الآتیة فی تلک المسألة لا تشمل مثل هذا الإحرام، بل إنها وردت فی الناسی والجاهل ونحوهما، کما لا یخفی.

ص:342

ویجدد الإحرام فی الأولی فی مکانه، والأولی التجدید مطلقاً، ولا فرق فی جواز الإحرام فی المحاذاة بین البر والبحر

{و} علی هذا یکون حال الصورة الثانیة حال الصورة الأولی ف_ {یجدد الإحرام فی الأولی}، وفی الثانیة {فی مکانه} إن لم یمکن الرجوع، وإلا رجع إلی حیث تمکن، لما یستفاد من الأخبار الآتیة فی المسألة الثانیة من الفصل الآتی، من أن المناط فی الإحرام فی المکان عدم تمکن الرجوع إلی المیقات، أو إلی حیث لا یفوته الحج، فتأمل.

{و} لذا قال (رحمه الله) {الأولی التجدید مطلقاً}، ثم إنه بناءً علی کفایة الإحرام من محاذاة کل میقات من غیر فرق بین ذی الحلیفة {و} غیرها {لا فرق فی جواز الإحرام فی المحاذاة بین البر والبحر} کما صرح به فی الشرائع، وقرره فی الجواهر، وحکی عن القواعد وغیره، بل فی الحدائق أنه المشهور بین الأصحاب، بل فی المستمسک أن ظاهر الشراح عدم الخلاف فیه إلاّ من ابن إدریس، فذکر أن میقات أهل مصر ومن صعد البحر جدة، انتهی.

أقول: أما أهل مصر فقد عرفت النص والفتوی علی أن میقاتهم الجحفة، وأما من صعد البحر فقد قال فی الحدائق: رده جملة من تأخر عند بعدم الوقوف له علی دلیل، ثم وجهه بقوله: نعم إن کانت محاذیة لأقرب المواقیت صح الإحرام منها لذلک لا لخصوصیتها((1))، وتبعه فی الجواهر بأن ذلک بناءً علی أنها تحاذی أحدها، لا أنها میقات بخصوصها، انتهی.

ص:343

ثم إن الظاهر أنه لا یتصور طریق لا یمر علی میقات، ولا یکون محاذیاً لواحد منها، إذ المواقیت محیطة بالحرم من الجوانب، فلا بد من محاذاة واحد منها،

وکیف کان فجدة لیست میقاتاً ولا محاذیة، فإن الخارطات الحدیثة المبنیة علی التحقیق حددت بُعد جدة عن مکة المکرمة بخمس وسبعین کیلومتراً، ولم تحدد أحداً من المواقیت بهذا المقدار، کما لا یخفی علی من راجعها، وحیث إنا قد أشکلنا فی محاذاة المیقات فی غیر ذی الحلیفة لا طائل فی تحقیق ذلک، کما لا طائل فی تحقیق أن راکبی البحر ما هو تکلیفهم بالنسبة إلی العلم بالمحاذاة وأنه هل یصح الاعتماد علی قول الربان وإن کان نصرانیاً ونحوه، أم لا، فإن اللازم علیهم علی المختار الإحرام بالنذر، أو الذهاب إلی میقات بعد خروجهم عن البحر، ومنه یعرف الحال فی راکب الطائرة النازلة فی جدة.

{ثم الظاهر إنه لا یتصور طریق لا یمر علی میقات، ولا یکون محاذیاً لواحد منها، إذ المواقیت محیطة بالحرم من الجوانب، فلا بد من محاذاة واحد منها} کما صرح به فی الجواهر، قال: لا یخلو طریق منها بالنسبة إلی محاذاة میقات منها، لأنها محیطة بالحرم((1))، انتهی.

لکن أشکل علیه السید البروجردی بأنه لیس کذلک، ولیس الحلیفة والجحفة کلیهما فی شمال الحرم علی خط واحد تقریباً، وقرن المنازل فی المشرق منه، والعقیق بین الشمال والمشرق، فتبقی یلملم وحدها

ص:344

ولو فرض إمکان ذلک فاللازم الإحرام من أدنی الحل

لثلاثة أرباع الدورة المحیطة بالحرم، وبینها وبین قرن المنازل أکثر من ثلاثة أثمان الدورة، ومنها إلی الجحفة قریب من ذلک، انتهی.

وتبعه علی ذلک بعض المحشین، وهو الظاهر من بعض الخرائط الحدیثة المبنیة علی التحقیق، وعلیه فلا ینفع ما ذکره فی المستمسک لتصحیح ذلک بأن الجحفة ما بین الشمال والمغرب، ومسجد الشجرة فی جهة الشمال، ووادی العقیق بین الشمال والمشرق، وقرن المنازل فی المشرق تقریباً، ویلملم فی جنوب مکة، انتهی.

خصوصاً بعد ما عرفت من اعتبار القرب فی المحاذاة، علی القول بکفایة المحاذاة مطلقاً وعدم التخصیص بذی الحلیفة.

{ولو فرض إمکان ذلک} بل هو الواقع کما عرفت {فاللازم الإحرام من أدنی الحل} اختاره العلامة فی القواعد، وولده فی شرحه، واستحسنه فی المدارک، واختاره فی المستند، واحتمله فی المسالک.

واستدلوا لذلک بما بینه فی الجواهر، وأوضحه فی المستمسک بقوله: لإطلاق ما دل علی عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام، ولزوم الخروج عنه فیمن مر بالمیقات أو من حاذاه، لما دل علی وجوب الإحرام من المیقات أو مما یحاذیه، لا یقتضی خروج غیره من الأفراد، والأصل البراءة عن وجوب الإحرام قبله، کما ذکر الجماعة، واحتمال دخل المیقات فی صحة الإحرام منفی بأصل البراءة من الشرطیة، کما فی سائر العبادات الشرعیة((1))، انتهی.

ص:345

وعن بعضهم أنه یحرم من موضع یکون بینه وبین مکة بقدر ما بینها وبین أقرب المواقیت إلیها وهو مرحلتان، لأنه لا یجوز لأحد قطعه إلاّ محرماً، وفیه: إنه لا دلیل علیه، لکن الأحوط الإحرام منه وتجدیده فی أدنی الحل.

{وعن بعضهم} وهم جمع من الأصحاب، کما عن المدارک {أنه یحرم من موضع یکون بینه وبین مکة بقدر ما بینها وبین أقرب المواقیت إلیها وهو مرحلتان} أی ثمانیة وأربعون میلاً {لأنه لا یجوز لأحد قطعه إلاّ محرماً}، قال فی الشرائع: ولو حج علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت، قیل یحرم إذا غلب علی ظنه محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة((1))، انتهی.

وتوقف فی الحکم صاحب الحدائق بعد رد الأول بأن ثبوت التکلیف یقتضی الیقین بتحصیل البراءة، والثانی بأن ذلک إنما ثبت مع المرور علی المیقات لا مطلقا، وإلیه أشار المصنف (رحمه الله) بقوله: {وفیه إنه لا دلیل علیه، لکن الأحوط الإحرام منه وتجدیده فی أدنی الحل}، لکن حیث عرفت عدم الدلیل علی المحاذاة مطلقا، ولم یتم ما ذکر للقول الأول أعنی أدنی الحل، إذ المستفاد من النصوص بعد ضم بعضها إلی بعض عدم جواز الإحرام فی محل قبل المواقیت، ولا فی محل بعد المواقیت، وإن کان الحاج لا یمر بالمیقات أصلاً، فإن قول الصادق (علیه السلام) فی صحیحة الحلبی: «الإحرام من مواقیت خمسة وقتها رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا ینبغی لحاج ولا معتمر أن یحرم قبلها ولابعدها»((2))، کالصریح فی ذلک، وإلا فیرد النقض بمن یحرم قبل

ص:346

العاشر: أدنی الحل وهو میقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الإفراد،

المیقات کالبصرة إذا لم یمر بالمیقات، بتقریب ما ذکروه هناک، والقول بأن ما دل علی عدم جواز تقدیم الإحرام مطلق یشمل حتی من لم یمر بمیقات، تسلیم لإطلاق ما دل علی عدم جواز الإحرام بعد المیقات، فیشمل حتی من لم یمر بالمیقات، کان اللازم الإحرام من أحد المواقیت أو الإحرام بالنذر، کما سیأتی تفصیله إن شاء الله.

{العاشر} من المواقیت: {أدنی الحل، وهو میقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الإفراد} بلا خلاف عن التذکرة والمنتهی، وفی المستند وغیره.

وفی الجواهر: قد ذکر غیر واحد من الأصحاب اعتبار الخروج إلی أدنی الحل فی العمرة المفردة للقارن والمفرد بعد الحج، بل فی کشف اللثام لا نعلم بذلک خلافاً، بل حکی عن المنتهی نفی الخلاف فی ذلک أیضاً((1))، انتهی.

واستدل له بجملة من الروایات:

کصحیح عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر أحرم من الجعرانة أو الحدیبیة أو ما أشبههما، قال: «وإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) اعتمر ثلاث عمر متفرقات، کلها فی ذی القعدة، عمرة أهلّ فیها من عسفان وهی عمرة الحدییة، وعمرة القضاء أحرم فیها من الجحفة

ص:347

وعمرة أهلّ فیها من الجعرانة، وهی بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنین»((1)).

وصحیح جمیل بن دراج: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مکة یوم الترویة، قال (علیه السلام): «تمضی کما هی إلی عرفات، فتجعلها حجة، ثم تقیم حتی تطهر، فتخرج إلی التنعیم، فتحرم فتجعلها عمرة». قال ابن أبی عمیر: کما صنعت عائشة((2)).

وصحیح حریز، عمن أخبره، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «من دخل مکة بحجة عن غیره ثم أقام سنة فهو مکی، فإذا أراد أن یحج عن نفسه أو أراد أن یعتمر بعد ما انصرف من عرفة فلیس له أن یحرم من مکة، ولکن یخرج إلی الوقت، وکلما حول رجع إلی الوقت»((3)).

وصحیح معاویة بن عمار، الوارد عن الصادق (علیه السلام) فی کیفیة حج النبی (صلی الله علیه وآله) وفیه: فقالت عائشة: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله) ترجع نساؤک بحجة وعمرة معاً وأرجع بحجة، فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرحمن بن أبی بکر إلی التنعیم فأهلت بعمرة ثم جاءت وطافت بالبیت وصلت رکعتین عند مقام إبراهیم (علیه السلام) وسعت بین الصفا والمروة ثم أتت النبی (صلی الله علیه وآله)((4)).

ونحوه غیره.

ص:348

بل لکل عمرة مفردة،

وهذه الروایات بضمیمة توقیفیة العبادة تدل علی الوجوب، فلا مجال لإشکال بعض المعاصرین بعدم دلالتها علی الوجوب.

{بل} أدنی الحل میقات {لکل عمرة مفردة} قال فی الحدائق: میقات العمرة هو میقات الحج لمن کان خارجاً عن حدود المواقیت المتقدمة إذا قصد مکة، وأما غیره مما کان داخلاً بینها وبین مکة أو من أهل مکة أو مجاوراً بمکة وأراد العمرة فإنه یخرج إلی أدنی الحل وأفضله من أحد المواقیت التی وقتها رسول الله (صلی الله علیه وآله) ثمة وهی الحدیبیة وجعرانة وعسفان وتنعیم((1))، انتهی.

وفی المستند بعد ذکر صحیح عمر بن یزید السابق قال: وغیر ذلک من الأخبار وإطلاقها یشمل کل من أراد العمرة المفردة من مکة أیضاً، وإن لم یکن مفرداً أو قارناً، بل أراد التقرب بالعمرة والتحلل من الحج الفاسد وهو کذلک((2))، انتهی.

وفی الجواهر: بل لولا الإجماع ظاهراً علی اختصاص العمرة المزبورة بذلک لأمکن القول باعتبار ذلک فی کل عمرة لإطلاق بعض النصوص((3))، انتهی.

أقول: ویدل علی الإطلاق، مضافاً إلی صحیحی عمر وحریز المتقدمین

ص:349

جملة من النصوص الأخر:

کصحیح عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال فیه: «واعتمر رسول الله (صلی الله علیه وآله) ثلاث عمر متفرقات کلها فی ذی القعدة، عمرة أهلّ فیها من عسفان وهی عمرة الحدیبیة، وعمرة القضاء أحرم فیها من الجحفة، وعمرة أهلّ فیها من الجعرانة وهی بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنین»((1)).

وصحیح معاویة بن عمار، عنه (علیه السلام) مثله((2)).

وصحیح عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، لما قال له سفیان: ما یحملک علی أن تأمر أصحابک یأتون الجعرانة فیحرمون منها، فقلت له: «هو وقت من مواقیت وقتها رسول الله (صلی الله علیه وآله)» فقال: وأی وقت من مواقیت رسول الله (صلی الله علیه وآله) هو، فقلت له: «أحرم منها حین قسم غنائم حنین مرجعه من الطائف»((3)).

إذا عرفت هذا قلنا: لا ینبغی الإشکال فی لزوم خروج من فی مکة إلی أدنی الحل لإحرام العمرة، لما تقدم من النص والفتوی، وإنما الکلام فی أمرین:

الأول: إنه هل لزوم الإحرام من أدنی الحل عام یشمل من لیس فی مکة

ص:350

بأن کان منزله فی الحرم خارج مکة، أو بین أدنی الحل والمواقیت، أم هؤلاء یکلفون بالإحرام من منازلهم؟

أحمل الثانی فی المستمسک، فإنه بعد الإشکال فی دلالة صحیحی جمیل وعمر قال: وحینئذ یجوز له الإحرام من منزله، لما دل علی أن من کان منزله دون المیقات أحرم من منزله کما اختاره فی الجواهر((1))، انتهی.

لکن الظاهر تخصیص الحکم بالإحرام من أدنی الحل بغیر من کان منزله دون المیقات إلی مکة إذا أراد العمرة من منزله، لا ما إذا ذهب إلی الحج وأراد العمرة من مکة، وذلک لأن ما دل علی الإحرام من أدنی الحل لا عموم بحیث یشمل من کان منزله دون الوقت وأراد العمرة منه کما لا یخفی، فیبقی إطلاق أدلة الإحرام من المنزل بالنسبة إلی ما نحن فیه سلیماً عن المعارض.

الثانی: إن الإحرام من أدنی الحل، هل هو عام یشمل کل أحد یرید العمرة حتی لو أتی من الآفاق، کالمدنی إذا أراد العمرة، أم خاص بمن یرید العمرة وهو فی مکة ونحوها.

ظاهر بعض المطلقات من العبائر الأول. نعم فی عبارة الحدائق المتقدمة تنصیص علی الثانی.

والظاهر الأول، لأن ما دل علی عدم جواز عبور قاصد مکة من المواقیت إلاّ محرما مخصص بفعل النبی (صلی الله علیه وآله)، وعلی هذا فإحرام العمرة المفردة مطلقاً من أدنی الحل

ص:351

والأفضل أن یکون من الحدیبیة أو الجعرانة أو التنعیم فإنها منصوصة،

بشرط أن لا یکون منزل مرید الإحرام بعد المواقیت وإلا أحرم من منزله، سواء کان فی الحل أو فی الحرم إذا أراد الاعتمار من منزله، وسیأتی لهذا مزید توضیح فی المسألة الرابعة من أحکام المواقیت.

ثم هل من أراد العمرة وهو فی مکة یلزم علیه الإحرام من أدنی الحل بحیث لا یجوز له الإتیان إلی المیقات، أم یجوز ذلک؟ اختار فی الجواهر الثانی، قال: وعلی کل حال لا یجب من واحد منها، أی من الجعرانة وأختیه، علی التعیین بحیث لا یجوز من الأخری، بلا خلاف أجده ولا من أحد المواقیت کما عساه یتوهم من محکی المراسم، وإن کان الظاهر الجواز، بل لعله أفضل لطول المسافة والزمان، وحینئذ فأدنی الحل رخصة لا عزیمة، نعم لا یجوز الإحرام بها من مکة والحرم((1))، انتهی.

لکن لنا فی ذلک تأمل، لظهور الأمر فی صحیح عمر، نعم لو أتی إلی المیقات أحرم منه لزوماً، لعموم ما دل علی عدم جواز تجاوز المیقات إلاّ محرماً، والله العالم.

{والأفضل أن یکون من الحدیبیة أو الجعرانة أو التنعیم فإنها منصوصة} کما عرفت فی النصوص المتقدمة، لقاعدة التأسی فعلاً وأمراً.

قال فی الجواهر: ولکن یستحب أن یکون من الجعرانة أو من الحدیبیة

ص:352

أو من التنعیم((1))، انتهی.

وقد تقدم عبارة الحدائق بإضافة عسفان، والظاهر إضافة الجحفة أیضاً لفعل النبی (صلی الله علیه وآله).

وکیف کان فهذا لا إشکال فیه، وإنما الإشکال فی الترتیب فی الفضل الذی ذکره فی الدروس، حیث قال فی محکی کلامه: وأفضل الجعرانة لإحرام النبی (صلی الله علیه وآله) منها ثم التنعیم لا مرد بذلک ثم الحدیبیة لاهتمامه بها، انتهی.

وعن کشف اللثام قال: وفی التذکرة ینبغی الإحرام من الجعرانة، فإن النبی (صلی الله علیه وآله) اعتمر منها، فإن فاتته فمن التنعیم لأنه (صلی الله علیه وآله) أمر عائشة بالإحرام منه، فإن فاتته فمن الحدیبیة لأنه لما قفل من حنین أحرم بالجعرانة، ولعل هذا دلیل تأخیر الحدیبیة والتنعیم عن الجعرانة فضلاً، وتفصیل لما ذکره أولاً من اعتماره منه((2))، انتهی.

أقول: کأن الدروس أشار بقوله: لاهتمامه (صلی الله علیه وآله) بها إلی ما عن درر اللئالی لابن أبی جمهور قال: وفی الحدیث إن النبی (صلی الله علیه وآله) أحرم من الجعرانة وأراد الإحرام من الحدیبیة وأمر أسامة بن زید بالإحرام من التنعیم((3)).

لکن أشکل فی الترتیب المذکور فی الحدائق قائلا: الظاهر أن إحرامه (صلی الله علیه وآله) یومئذ من الجعرانة إنما هو من حیث کونها فی طریقه

ص:353

وهی من حدود الحرم علی اختلاف بینها فی القرب والبعد، فإن الحدیبیة بالتخفیف أو التشدید بئر

بعد رجوعه من الطائف إلی مکة، فلا یدل علی خصوصیة توجب الفضل علی غیرها، وقد أهل أیضاً من عسفان فی بعض عمره((1))، انتهی.

وتبعه علی ذلک الجواهر والمستمسک.

أقول: لکن ربما یستفاد أفضلیة الجعرانة من أمر الصادق (علیه السلام) أصحابه بذلک، کما تقدم فی صحیح عبد الرحمن بن الحجاج، والله العالم.

ثم إن قولهم (أدنی الحل) لا یراد به المتصل بالحرم حتی لا یکفی البعید بقدر ما، بل یراد به مقابل المیقات کما لا یخفی، وهذا إنما یستفاد من تعدد المواضع المجاز الإحرام منها بعد القطع بعدم الخصوصیة، مضافاً إلی قوله (علیه السلام) فی صحیحة عمر بن یزید المتقدمة أو ما أشبههما، فلا یرد هذه أن المواضع المذکورة لیست متصلة بالحرم، فتسمیتها أدنی الحل کالتعدی عنها إلی مطلق أدنی الحل لیس فی محله.

{و} هذه المواضع المذکورة {هی من حدود الحرم علی اختلاف بینها فی القرب والبعد، فإن الحدیبیة} بضم الحاء المهملة وسکون الیاء المثناة التحتانیة وکسر الباء الموحدة و{بالتخفیف} للیاء الثانیة المفتوحة {أو التشدید} لها {بئر

ص:354

بقرب مکة علی طریق جدة دون مرحلة، ثم أطلق علی الموضع، ویقال: نصفه فی الحل ونصفه فی الحرم، والجعرانة بکسر الجیم والعین وتشدید الراء، أو بکسر

بقرب مکة علی طریق جدة دون مرحلة، ثم أطلق علی الموضع، ویقال: نصفه فی الحل ونصفه فی الحرم}، أقول: قد اختلفوا فی هذا المیقات فی أمور:

الأول: إنها بالتخفیف أو بالتشدید، وقد نسب الأول إلی أهل اللغة، والثانی إلی أصحاب الحدیث، لکن الظاهر من تصفح کلماتهم أن الأول أولی أو أفصح أو متعین.

الثانی: إنها اسم بئر، أو اسم شجرة، ثم سمیت بها قریة هناک.

الثالث: إنها من الحل أو من الحرم، أو أنها بعضها من الحل وبعضها من الحرم، لکن الظاهر من تطابق الفقهاء علی کونها من الحل وأنه لا یصح إحرام العمرة إلا منه الأول.

الرابع: إنها دون مرحلتین من مکة أو نحو مرحلة أو تسعة أمیال من المسجد الحرام.

وکیف کان، فبعد معلومیة أعلام الحرم من ناحیة جدة، کمعلومیتها من سائر النواحی بالنسبة إلی أدنی الحل الذی یجب الخروج إلیه، وأما بالنسبة إلی الفضل فالمتعین الرجوع إلی أهل الخبرة هناک، فعلاً لا داعی إلی إطالة الکلام حول التحدید.

{والجعرانة بکسر الجیم والعین وتشدید الراء} المهملة المفتوحة، {أو بکسر

ص:355

الجیم وسکون العین وتخفیف الراء: موضع بین مکة والطائف علی سبعة أمیال.

والتنعیم: موضع قریب من مکة وهو أقرب أطراف الحل إلی مکة، ویقال: بینه وبین مکة أربعة أمیال، ویعرف بمسجد عائشة، کذا فی مجمع البحرین، وأما المواقیت الخمسة فعن العلامة فی المنتهی أن أبعدها من

الجیم وسکون العین وتخفیف الراء}، أو بفتح الجیم وکسر العین وتشدید الراء، کما عن ابن إدریس (رحمه الله).

{موضع بین مکة والطائف علی سبعة أمیال} وعن بعض أنها علی ثمانیة عشر میلا، وعن آخر أن الحرم من جهتها تسعة أمیال أو برید، فالقول بأنها علی سبعة سهو، وقد عرفت عدم الفائدة فی تحقیق ذلک.

{والتنعیم} وزن مصدر باب التفعیل {موضع قریب من مکة، وهو أقرب أطراف الحل إلی مکة، ویقال: بینه وبین مکة أربعة أمیال}، وقیل ثلاثة، وقیل علی فرسخین علی طریق المدینة.

{ویعرف بمسجد عائشة، کذا فی مجمع البحرین}((1))، وذلک لإحرامها من ذلک المکان کما تقدم، وهناک مسجد أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ومسجد الإمام زین العابدین (علیه السلام) علی ما عن کشف اللثام.

{وأما المواقیت الخمسة} المتقدمة {فعن العلامة (رحمه الله) فی المنتهی أن أبعدها من

ص:356

مکة ذو الحلیفة، فإنها علی عشرة مراحل من مکة، ویلیه فی البعد الجحفة، والمواقیت الثلاثة الباقیة علی مسافة واحدة بینها وبین مکة لیلتان قاصدتان، وقیل: إن الجحفة علی ثلاث مراحل من مکة.

مکة ذو الحلیفة، فإنها علی عشرة مراحل من مکة، ویلیه فی البعد الجحفة، والمواقیت الثلاثة الباقیة علی مسافة واحدة، بینها وبین مکة لیلتان قاصدتان، وقیل: إن الجحفة علی ثلاث مراحل من مکة}، وقد ضبطها الفاضل محمد الحسین الأدیب فی کتابه کیف تحج، بأن ذا الحلیفة علی بعد أربعمائة وأربعة وستین کیلومتراً، والجحفة علی اثنین وعشرین، وکلاً من قرن المنازل ویلملم وذات عرق علی أربعة وتسعین.

أقول: الکیلومتر نصف میل، لکن الظاهر وقوع الاشتباه فی الجحفة، وحیث إن هذا المحال معلومة بالتواتر إلی یومنا هذا، فلیس فی تحقیقها ونقل الاختلاف مزید فائدة.

ص:357