موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 24

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الصلاة

الجزء الثامن

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1408 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

کتاب الصلاة

اشارة

کتاب الصلاة

الجزء الثامن

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

فصل فی الجماعة

مسألة ١٤ نقل نیة الإیتمام من إمام إلی إمام

مسألة _ 14 _ الأقوی والأحوط عدم نقل نیته من إمام إلی إمام آخر اختیاراً، وإن کان الآخر أفضل أو أرجح، نعم لو عرض للإمام ما یمنعه من إتمام صلاته

{مسألة _ 14 _ الأقوی والأحوط عدم نقل نیته من إمام إلی إمام آخر اختیاراً} کما هو المشهور، خلافاً لما عن التذکرة والنهایة من الجواز {وإن کان الآخر أفضل أو أرجح} خلافا لما عن الذکری من أنه احتمل الجواز إذا کان المنتقل إلیه أفضل.

ویدل علی المشهور: إن الجماعة توقیفیة فالأصل عدم جواز ذلک، ولا دلیل فی البین یدل علی الجواز، ولا إطلاق من هذه الجهة، فالانتقال لا یصح کما لا یصح نقل النیة من الانفراد إلی المأمومیة، وکما لا یصح أن ینقل الإمام نیته إلی المأمومیة، والمأموم نیته إلی الإمامة.

استدل للقائل بالجواز بالإطلاق، وبأن الصلاة حقیقة واحدة، وبالروایات الآتیة فی مسألة موت الإمام ونحوه.

واستدل للقائل بالعدول إلی الأفضل، بالمناط فی قوله (علیه السلام): «إن الله یختار احبهما إلیه»((1)).

وفی الکل ما لا یخفی، إذ لا إطلاق _ کما عرفت _ وکون الصلاة حقیقة واحدة لا یلازم وحدة الأحکام، والروایات لا یتعدی عنها إلی المقام إلا مع القطع بالمناط ولا قطع، ومناط «إن الله یختار أحبهما» غیر مقطوع به، مضافاً إلی النقض بالعدول من الانفراد إلی الجماعة أو من المأمومیة إلی الإمامة لأن الإمامة أفضل، لما ورد من أنه یعطی بقدر ثواب المأمومین جمیعهم.

{نعم لو عرض للإمام ما یمنعه من إتمام صلاته} بل وکذا إذا رفع الید عن

ص:7


1- الوسائل: ج5 ص457 الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح10

من موت أو جنون أو إغماء أو صدور حدث، بل ولو لتذکر حدث سابق جاز للمأمومین تقدیم إمام آخر وإتمام الصلاة معه،

صلاته اختیاراً، أو عرض شیء آخر یمنع من الاقتداء، مثل الحیلولة وما أشبه {من موت أو جنون أو إغماء أو صدور حدث، بل ولو لتذکر حدث سابق، جاز للمأمومین تقدیم إمام آخر وإتمام الصلاة معه} بلا إشکال ولا خلاف، بل إجماعاً متواتراً فی کلماتهم _ فی المسألة فی الجملة _ فیجوز للمأموم الاقتداء بإمام آخر والانفراد بلا إشکال ولا خلاف، بل عن التذکرة الإجماع علیه، وما لم یذکر فی الروایات من الصور التی ذکرناها أو لم نذکرها محکوم بما ذکر، وذلک لوحدة المناط عرفاً، وللعلة فی بعض الروایات:

مثل صحیح ابن جعفر الوارد فی إمام أحدث، من قوله (علیه السلام): «لا صلاة لهم إلاّ بإمام».((1))

وکیف کان، فیدل علی الحکم متواتر الروایات:

کصحیحة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه سئل عن رجل أمّ قوماً فصلی بهم رکعة ثم مات؟ قال: «یقدمون رجلا آخر ویعتدون بالرکعة ویطرحون المیت خلفهم ویغتسل من مسه».((2))

ومکاتبة الحمیری إلی الحجة (علیه السلام)، کتب إلیه: أنه روی لنا عن العالم أنه سئل عن إمام قوم صلی بهم بعض صلاتهم وحدثت علیه حادثة کیف یعمل

ص:8


1- الوسائل: ج5 ص474 الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- الوسائل: ج5 ص440 الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة ح1

من خلفه؟ فقال (علیه السلام): «یؤخر ویتقدم بعضهم ویتم صلاتهم ویغتسل من مسه» التوقیع: «لیس علی من نحاه إلاّ غسل الید، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم».((1))

وخبر طلحة بن زید، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام) قال: سألته عن رجل أم قوماً فأصابه رعاف بعد ما صلی رکعة أو رکعتین فقدم رجلا ممن قد فاته رکعة أورکعتان؟ قال: «یتم بهم الصلاة ثم یقدم رجلا فیسلم بهم ویقوم هو فیتم صلاته».((2))

وظاهر هذه الروایة الاستنابة فی خصوص التسلیم، وأنه لا یختص الحکم بما إذا عرض للإمام ما یمنع عن أصل الصلاة، بل الحکم جار فیما إذا عرض له عارض عن إمامته لهم فیما بقی من صلاتهم.

وعن الصدوق، قال أمیر المومنین (علیه السلام): «ما کان من إمام یقدم فی الصلاة وهو جنب ناسیاً أو أحدث حدثاً أو رعافاً أو أذی فی بطنه فلیجعل ثوبه علی أنفه ثم لینصرف ولیأخذ بید رجل فلیصل مکانه ثم لیتوضأ ولیتم ما سبقه به من الصلاة، وإن کان جنبا فلیغتسل ولیصل الصلاة کلها».((3))

وروایة حفص، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إن علیاً (علیه السلام) کان یقول: لا یقطع الصلاة الرعاف ولا القیء ولا الدم، فمن وجد أذی فلیأخذ بید رجل من

ص:9


1- الاحتجاج: ص482
2- الوسائل: ج5 ص438 الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح5
3- الفقیه: ج1 ص261 الباب 56 فی صلاة الجماعة ح102

القوم من الصف فلیقدمه یعنی إذا کان إماماً».((1))

وصحیحة علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه (علیه السلام)، عن إمام أحدث فانصرف ولم یقدم أحداً، ما حال القوم؟ قال (علیه السلام): «لا صلاة لهم إلاّ بإمام فلیتقدم بعضهم فلیتم بهم ما بقی منها، وقد تمت صلاتهم».((2))

وموثقة البقباق، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا یؤم الحضری المسافر، ولا المسافر الحضری، فإذا ابتلی بشیء من ذلک فأم قوماً حاضرین فإذا أتم الرکعتین سلّم ثم أخذ بید بعضهم فقدمه فأمهم».((3))

وصحیحة جمیل بن دراج، عن الصادق (علیه السلام)، فی رجل أم قوماً علی غیر وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم یدر المقدم ما صلی الإمام قبله؟ قال (علیه السلام): «یذکّره من خلفه».((4))

وخبر زرارة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن إمام أم قوماً فذکر أنه لم یکن علی وضوء فانصرف وأخذ بید رجل وأدخله وقدمه ولم یعلم الذی ما صلی القوم؟ قال: «یصلی بهم فإن أخطأ سبح القوم به وبنی علی صلاة الذی کان قبله».((5)) إلی غیر ذلک.

وهذه الروایات وإن لم تشتمل إلاّ علی موت الإمام، وحدثه وإصابته الرعاف

ص:10


1- الوسائل: ج4 ص1245 الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح8
2- الوسائل: ج5 ص474 الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة ح1
3- الوسائل: ج5 ص403 الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح6
4- الوسائل: ج5 ص437 الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح2
5- الوسائل: ج5 ص438 الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح4

بل الأقوی ذلک لو عرض له ما یمنعه من إتمامها مختاراً، کما لو صار فرضه الجلوس حیث لا یجوز البقاء علی الاقتداء به، لما یأتی من عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد.

ودخوله فی الصلاة محدثاً، وکونه مسافراً، إلاّ أن القرائن الخارجیة والداخلیة تدل علی تعمیم الحکم لکل موجب لانفصال الإمام عن الصلاة، کما عممه الفقهاء، بل عن الذکری الإجماع علی جریان الحکم فی مطلق الحکم.

ولذا قال المصنف: {بل الأقوی ذلک لو عرض له ما یمنعه من إتمامها مختاراً کما لو صار فرضه الجلوس حیث لا یجوز البقاء علی الاقتداء به لما یأتی من عدم جواز ایتمام القائم بالقاعد} وکذا إذا کانوا جماعة جالسین فاضطر الإمام إلی التمدد إلی غیر ذلک.

ولا یخفی أنه لا فرق بین أن یستخلف الإمام أو المأمومون أو بعضهم أو یخلف هو بنفسه للإطلاق والمناط، کما لا فرق بین أول الصلاة ووسطها وآخرها، ولا فرق بین أن یراه کل المأمومین عادلا، أو یراه بعضهم کذلک، وحینئذ فلمن لا یراه عادلاً أن یختار إماماً آخر، بل لهم إن یختاروا من أول الأمر إمامین أو أکثر، ولا فرق بین أن یکون المستخلف مأموماً أو أجنبیاً عن الصلاة بأن یدخل فی الصلاة، کما دل علیه بعض النصوص السابقة.

وعلیه فالظاهر صحة أن یکون مأموماً لإمام آخر فیقدم إماما لهذه الجماعة، أو أن یکون إماماً لجماعة أخری فیقتدی به هؤلاء.

ولا بأس بتراعی الأئمة بأن یحدث للإمام الثانی حدث فیستخلف.

نعم لا یصح أن یتأخر المستخلف لیکون مأموماً ثانیاً، ویتقدم مأموم آخر لیکون إماماً حتی إذا جاء الإمام بعد زوال عذره وشرع فی الصلاة من جدید، وذلک

ص:11

لأصالة عدم العدول من إمام إلی إمام اختیاراً.

ثم إنه إذا دخل أجنبی فی الصلاة إماماً لهم، فإن کان صلاته معهم فلا کلام، أما إذا کانوا فی الرکوع أو السجود أو التشهد مثلا، فإنه لا یدخل فی ذلک رأساً بل یأتی بالرکعة حتی یصل إلی موضع المأمومین فیلتحقون به ولا یضرهم هذا المقدار من الوقوف بلا إمام مربوط بهم، کما لا یضرهم الانتظار لمجیء الإمام إذا أرادوا الدخول مع الأجنبی، فإذا تمکن إمامهم السابق من رفع عذره بحیث لا یوجب فوات الموالاة فی صلاتهم، ثم الدخول معهم بصلاة جدیدة له، جاز لإطلاق الأدلة.

والظاهر إن الإمام الجدید لو کان مأموماً معهم قرأ ما بقی فلا یلزم إعادة القراءة من أوله، أما إذا کان أجنبیاً فإنه یقرأ من أول الحمد، إذ لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب، فلیس له أن یقرأ من موضع قطع الإمام السابق، أما إذا التحقوا بمأموم إمام آخر أو بإمام آخر، فالظاهر إن المأموم یقرأ موضع قطع إمامه إذا کان قطع إمامهم یوافق قطع إمامهم، أو کان قطع إمامه بعد موضع قطع إمامهم، وإلا فإن کان قطع إمامهم من «مالک یوم الدین» وقطع إمامه من «الرحمن الرحیم» مثلاً، لزم علی الإمام الجدید أن یقرأ من قطع إمامه، وإلا کانت حمده ناقصة.

وکیف کان، فاللازم مراعاة الإمام الجدید والمأمومین فی أن تکون الحمد کاملة لکلیهما، وإذا اقتدوا بإمام آخر کان له جماعة وکان قرأ إلی موضع متأخر من موضع قطع إمامهم کفی لهم إتمام الإمام، لأنه یتحمل عنهم، فلا حاجة إلی إعادة الإمام بعض الحمد لتکون حمد المأمومین کاملة، ولا فرق بین أن یکون

ص:12

الإمام الجدید یصلی بهم نفس صلاتهم أو صلاة أخری، کأن کانوا یصلون هم الظهر ویصلی هو العصر، إلی غیر ذلک.

کما أنه إذا أراد الإمام السابق استخلاف إمام وأرادوا هم استخلاف غیره کان المتبع من استخلفوه، لأنه تابع لنیتهم، فلا شأن للإمام الذی استخلفه بخلاف إرادتهم، وفی المقام مسائل کثیرة نکتفی منها بهذا المقدار.

ص:13

مسألة ١٥ عدم جواز عدول المنفرد إلی الإیتمام

مسألة _ 15 _ لا یجوز للمنفرد العدول إلی الائتمام فی الأثناء.

{مسألة _ 15 _ لا یجوز للمنفرد العدول الایتمام فی الأثناء} لأن العبادة توقیفیة ولم یدل علی جواز ذلک دلیل، کما تقدم.

ولا یخفی إن صور مسألة العدول ستة، لأنه إما فرادی أو جماعة، إماماً أو مأموماً، وکل یعدل إلی الآخرین.

ص:14

مسألة ١٦ العدول عن الإیتمام إلی الإنفراد

مسألة _ 16 _ یجوز العدول من الائتمام إلی الانفراد _ ولو اختیاراً _ فی جمیع أحوال الصلاة علی الأقوی،

{مسألة _ 16 _ یجوز العدول من الایتمام إلی الانفراد _ ولو اختیاراً _ فی جمیع أحوال الصلاة علی الأقوی} کما هو المشهور، بل عن المدارک والحدائق أنه المعروف من کلام الأصحاب، وعن الریاض نفی الخلاف فیه إلاّ من المبسوط، وعن الخلاف والمنتهی والتذکرة والنهایة وإرشاد الجعفریة الإجماع علیه، واستشکل فی الحکم أصحاب المدارک والاثنی عشریة والذخیرة والحدائق، ومال إلی المنع المصابیح _ علی ما حکی عنهم _ وعن ناصریات السید الحکم بالبطلان إذا تعمد سبق الإمام إلی التسلیم.

لکن الأقوی هو المشهور للأصل، فإن مقتضی الأصل فی المستحب جواز رفع الید عنه وعدم صیرورته واجباً بالشروع، فیه سواء کان المستحب مستقلا، مثل قراءة القرآن، أو فی ضمن واجب أو مستحب، مثل صلاة الجماعة فی الیومیة أو فی الاستسقاء.

لا یقال: إن العبادة متلقاة من الشارع، ولا یصلح خلاف المتلقاة، هذا بالإضافة إلی أن الجماعة من مقومات الصلاة، فالعدول عنها خلاف الأصل، فإنه مثل العدول من النافلة إلی الفریضة.

لأنه یقال: لا شک فی أن العبادة متلقاة، لکن لا یوجب ذلک بقاء الاستمرار، ألیست النافلة متلقاة ومع ذلک لا یوجب التلقی الاستمرار فیها، أما کون الجماعة مقومة فهو أول الکلام، بل الظاهر کما ذکره الفقیه الهمدانی وغیره أنها من قبیل الخصوصیات الموجبة لتأکید المطلوبیة للفرد کإیقاع الصلاة فی المسجد ونحوه، فرفع الید عنها أو الإخلال بها لا یوجب خللا فی أصل الصلاة، ولا یلازم

ص:15

جواز رفع الید عن الجماعة جواز الانتقال إلی الجماعة من الفرادی، إذ الأصل خلاف العدول عن الفرادی إلیها بخلاف الانتقال من الجماعة، فإن الأصل جوازه.

ومما ذکرنا یظهر أن جواز رفع الید إنما هی فی الجماعة المستحبة، أما فی مثل الجمعة والعیدین _ فی حال الوجوب _ فلا یجوز ذلک، والعدول یوجب البطلان، إذ المستفاد من النص والفتوی کون الجماعة مقومة للصلاتین.

نعم لو عدل فی الیومیة المنذورة ونحوها لم یضر ذلک بالصلاة، إلاّ أنه حنث، إذ قد عرفت فی هذا الشرح مکرراً أن النذر لا یوجب تقیید حکم الشارع حتی تخرج سائر الأفراد للمطلق أو العام عن الفردیة، فإذا نذر أن یصلی الیومیة فی المسجد أو مع الجماعة فلم یصلها کذلک، بل صلاها فرادی أو فی الدار، صحت صلاته وإن حنث بمخالفة النذر.

ومما تقدم من بیان الأصل یظهر الإشکال فی رد المستمسک للأصل الذی ذکره الجواهر استدلالا علی جواز العدول، حیث قال: الأصل إنما یقتضی جواز الانفراد تکلیفا، وعدم استحقاق العقاب علیه لا جوازه وضعاً، بمعنی صیرورته منفرداً بحیث یجری علیه حکم المنفرد من جواز ترک المتابعة، لو قیل بجوازها علی المأموم، ووجوب إعمال قواعد الشک لو حصل له، ولا یرجع إلی الإمام الذی انفرد عنه، وغیر ذلک من أحکام المنفرد((1))، انتهی.

ص:16


1- المستمسک: ج7 ص192

إذ یرد علیه إن الجماعة من الأعمال القصدیة، فإذا رفع الید عنه انتفی، وما فی یده بعد إلغاء نیة الجماعة مشمول لمطلقات الانفراد الموجب لترتب أحکام المنفرد علیه.

ثم إنه یؤید الأصل المذکور جملة من الشواهد مما یصح جعل بعضها دلیلا أیضاً _ حسب الفهم العرفی _ مثل فعل النبی (صلی الله علیه وآله)، حیث إنه صلی بطائفة یوم ذات الرقاع رکعة، ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة، وما ورد من جواز مفارقة الإمام عند إطالة التشهد، والأخبار المستفیضة المجوزة للتسلیم قبل الإمام، وظهور أدلة مشروعیة الجماعة فی استحبابها ابتداءً واستدامة، مثل ما ورد أن الرکعة مع الإمام کذا له من الثواب والأجر، وما دل علی الالتحاق بالإمام فی بعض الرکعات، مما یدل علی أن الجماعة قابلة للتبعیض، إلی غیر ذلک.

ومما تقدم یظهر وجه الإشکال فی کلام المانع الذی منع عن العدول إلی الانفراد مطلقا، کالمحکی عن المبسوط وإن کان ناقش فی الحکایة غیر واحد بأن کلامه فی المبسوط لا یدل علی المنع، بالإضافة إلی أن الشیخ بنفسه ادعی فی الخلاف الإجماع علی جواز العدول، أو منعه فی الجملة کالسید فی الناصریات حیث إنه ذکر أن تعمد سبق الإمام إلی التسلیم موجب لبطلان الصلاة، فإنه بالإضافة إلی ما تقدم من عدم مساعدة الدلیل علی البطلان خلاف النصوص الواردة فی مسألة السبق بالتسلیم، ولذا قالوا بأن فتوی السید بذلک خلاف النص والفتوی، کما یظهر وجه الإشکال فی کلام السید الحکیم، حیث ذکر إن

ص:17

وإن کان ذلک من نیته فی أول الصلاة لکن الأحوط عدم العدول إلاّ لضرورة

المنع عن العدول لا بأس به لو لا أن الحکم مظنة الإجماع، إذ قد عرفت أن الجواز مقتضی القاعدة، بالإضافة إلی أن مظنة الإجماع لا تنفع مستنداً للحکم المخالف للادلة، حسب نظره.

وکذا یظهر وجه الإشکال فی کلام السیدین البروجردی والجمال، حیث أشکلا فی العدول، بل قال الأول منهما: إن المسألة فی غایة الإشکال فی غیر موارد الضرورة.((1))

{وإن کان ذلک من نیته فی أول الصلاة} لما عرفت من الأصل وبعض الأدلة، خلافاً للسید الوالد فقد یستشکل فی ذلک، وکأنه للشک فی صحة انعقاد الجماعة حینئذ، والأصل عدم الانعقاد، وفیه إنه لا وجه للشک فی الانعقاد بعد وحدة حقیقة الجماعة والفرادی، وأن الجماعة من الخصوصیات الموجبة لتأکد المطلوبیة، کما تقدم.

{لکن الأحوط عدم العدول إلا لضرورة} فإنه یجوز العدول فی حال الضرورة بلا إشکال، بل عن المنتهی والمدارک والذخیرة والحدائق الإجماع علیه، وهو یکفی فی الخروج عن القاعدة الأولیة، لو قیل بأن مقتضی القاعدة عدم العدول.

أما الاستدلال لذلک بدلیل «الضرورات تبیح المحظورات» فلیس بتام، إذ الضرورة إنما تبیح إذا کانت ممتدة إلی آخر الوقت وإلاّ فهو مثل الاضطرار

ص:18


1- تعلیق البروجردی: ص59 القسم 6

ولو دنیویة خصوصاً فی الصورة الثانیة.

فی أثناء الصلاة، إلی الحدث ونحوه، إذ الضرورة تدل علی جواز ذلک لا علی صحة الصلاة _ بناءً علی عدم جواز العدول _.

ثم الظاهر إن مرادهم بالضرورة، هی الرافعة للتکلیف من عسر أو حرج أو ما أشبه ذلک، ولعل هذا هو مراد شارح المفاتیح حیث قال _ فی محکی کلامه _ إن المراد بالعذر هنا خصوص المواضع التی ورد فی الشرع جواز المفارقة فیها، وإلا فهو خلاف منصرف کلماتهم.

{ولو دنیویة} لأنها ضرورة أیضاً، فتشملها أدلة استثناء الضرورة {خصوصاً فی الصورة الثانیة} أی ما لو کان من نیته العدول من أول الأمر، وحیث إن الاحتیاط استحبابی لا یستشکل علی المصنف بأن مقتضی الاحتیاط عدم الایتمام من أول الأمر لا أن ینوی الایتمام فی بعض الصلاة.

ص:19

مسألة ١٧ نیة الإنفراد أثناء قراءة الإمام أو بعدها

مسألة _ 17 _ إذا نوی الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول فی الرکوع لا یجب علیه القراءة، بل لو کان فی أثناء القراءة یکفیه بعد نیة الانفراد قراءة ما بقی منها،

{مسألة _ 17 _ إذا نوی الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول فی الرکوع لا یجب علیه القراءة} کما هو المشهور، خلافا لمن أوجب القراءة وهو المحکی عن الذکری.

والأقوی الأول، لإطلاق الأدلة الدالة علی ضمان الإمام، فإن قراءته کقراءة المأموم، فإذا قرأ الإمام فکأن المأموم قرأ، ولذا یصح الاقتداء به فی حالة الرکوع أو فی أثناء قراءته مع أن المأموم لم یحضر من أول القراءة.

استدل للقول الثانی: بأنه «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» خرج منه صورة البقاء مع الإمام إلی حالة الرکوع، فإنه القدر المتیقن من سقوطها عن المأموم، فالمرجع فی مفروض المتن إطلاق «لا صلاة»، وفیه إنه لا وجه للتمسک بالقدر المتیقن بعد أن کان مقتضی إطلاق الضمان عدم الفرق بین البقاء إلی حد الرکوع وبین عدمه.

{بل لو کان} نوی الانفراد {فی أثناء القراءة یکفیه _ بعد نیة الانفراد _ قراءة ما بقی منها} کما ذکره غیر واحد، واختاره الجواهر، وهنا قول آخر باستیناف السورة التی فارق فیها، وهو المحکی عن التذکرة وتعلیق الإرشاد والمسالک ونهایة الأحکام والعزیة، بل عن بعض استیناف القراءة مطلقا، ولا وجه لهما کما عرفت.

نعم ما احتمله الجواهر من کفایة قراءة البقیة فیما انفرد فی أثناء الکلمة الواحدة فضلا عن غیرها محل نظر، ولذا قال هو: إلاّ أن الانصاف أن للتأمل

ص:20

وإن کان الأحوط استینافها خصوصاً إذا کان فی الأثناء.

فیه، وفیما بمنزلة الواحدة مجالا((1)).

أقول: وجه الکفایة صدق قراءة المأموم بقراءة الإمام، ووجه العدم أصالة عدم الکفایة فی مثل المقام وهذا أحوط.

ثم إنه یجوز قراءة المأموم العادل کل السورة، بل من أول الحمد، إذ یجوز قراءة القرآن فی الصلاة، والمنع عن القرآن منصرف عن مثل المقام، ولذا جازت له القراءة إذا لم یسمع صوت الإمام وهل له أن یعدل عن سورة الإمام إذا کانت جحداً أو توحیداً، أو جاز النصف أم لا؟ کما هو ظاهر محکی المسالک، الظاهر الأول لما عرفت من انصراف الأدلة عن مثله، ولعله إلی ذلک أشار الجواهر((2)) بقوله _ رداً علی کلام المسالک _ وفیه بحث، نعم إذا أراد قراءة بقیة السورة لم یکن له إأن یقرأ من سورة أخری، إذ لا دلیل علی کفایة نصفی السورة، إلاّ علی القول بجواز ذلک اختیاراً.

{وإن کان الأحوط استینافها خصوصاً إذا کان فی الأثناء} لما عرفت، ثم الظاهر لزوم الصاق المأموم قراءته بقراءة الإمام، لئلا تفوت الموالاة المعتبرة بین الحمد والسورة، أو بین أجزاء السورة الواحدة.

ص:21


1- الجواهر: ج14 ص27
2- الجواهر: ج14 ص28

م

مسألة ١٨ العدول إلی الإنفراد اختیارا

مسألة _ 18 _ إذا أدرک الإمام راکعاً یجوز له الائتمام والرکوع معه، ثم العدول إلی الانفراد اختیاراً وإن کان الأحوط ترک العدول حینئذ،

{مسألة _ 18 _ إذا أدرک الإمام راکعاً یجوز له الایتمام والرکوع معه} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه جملة من النصوص:

مثل مارواه الفقیه وغیره، عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت الإمام قد رکع فکبرت قبل أن یرفع رأسه فقد أدرکت الرکعة، فإن رفع رأسه قبل أن ترکع فقد فاتتک الرکعة».((1))

وعن الرضوی (علیه السلام)، عن العالم (علیه السلام) مثله.((2))

وعن الکافی، عن سلیمان بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فی الرجل إذا أدرک الإمام وهو راکع فکبر وهو مقیم صلبه ثم رکع قبل أن یرفع الإمام رأسه فقد أدراک».((3))

وعن الفقیه، عن أبی أسامة أنه سأل الصادق (علیه السلام) عن رجل انتهی إلی الإمام وهو راکع؟ قال: «إذا کبر وأقام صلبه ثم رکع فقد أدرک».((4))، إلی غیرها من الروایات.

{ثم العدول إلی الانفراد اختیاراً} لما تقدم من جواز العدول مطلقا {وإن کان الأحوط ترک العدول حینئذ} کأنه لعدم صدق الجماعة بهذا المقدار.

ص:22


1- الفقیه: ج1 ص254 الباب 56 من الجماعة ح59
2- فقه الرضا: ص10 س34
3- الکافی: ج3 ص382 باب الرجل یدرک مع الإمام بعض صلاته ح6
4- الفقیه: ج1 ص254 باب 56 فی الجماعة 60

خصوصاً إذا کان ذلک من نیته أولا.

{خصوصاً إذا کان ذلک من نیته أولاً} لما سبق من الاحتیاط بعدم نیة العدول من أول الصلاة.

ص:23

مسألة ١٩ الإنفراد والالتحاق فی الرکوع

مسألة _ 19 _ إذا نوی الانفراد بعد قراءة الإمام وتمّ صلاته فنوی الاقتداء به فی صلاة أخری قبل إن یرکع الإمام فی تلک الرکعة أو حال کونه فی الرکوع من تلک الرکعة جاز، ولکنه خلاف الاحتیاط.

{مسألة _ 19 _ إذا نوی الانفراد بعد قراءة الإمام وتم صلاته فنوی الاقتداء به فی صلاة أخری قبل أن یرکع الإمام فی تلک الرکعة أو حال کونه فی الرکوع من تلک الرکعة جاز} لما سبق من جواز العدول مطلقا، ویتصور مفروض المتن بما إذا أطال الإمام الرکوع، أو لم یرکع لضرورة أو ما أشبه، وأما جواز الاقتداء به فی الصلاة الأخری فهو بدیهی بلا إشکال لإطلاق أدلة الاقتداء بالإمام قبل الرکوع وفی الرکوع.

{ولکنه} أی العدول قبل الرکوع {خلاف الاحتیاط} لما تقدم من الاحتیاط بعدم العدول مطلقا.

ص:24

مسألة ٢٠ عدم جواز العدول فی الأثناء

مسألة _ 20 _ لو نوی الانفراد فی الأثناء لا یجوز له العود إلی الائتمام،

{مسألة _ 20 _ لو نوی الانفراد فی الأثناء لا یجوز له العود إلی الایتمام} هذه المسألة من صغریات مسألة العدول من الفرادی إلی الجماعة، وقد اختلفوا فیها، فعن الشیخ فی الخلاف التصریح بالجواز مستدلاً علیه بالإجماع والأخبار، وعن التذکرة أنه لیس بعیداً عن الصواب، وعن الذکری المیل إلیه، ولکن عن آخرین المنع عنه.

استدل للأول: بالإجماع المدعی، وبإطلاقات أخبار الجماعة، خصوصاً ما یدل منها علی الفضیلة فی الجماعة فی أبعاض الصلاة، وبأن الجماعة والفرادی حقیقة واحدة، فکما یصح العدول من الجماعة إلی الفرادی کذلک یجوز العکس، فهو مثل أن ینتقل من المسجد إلی خارجه، أو من خارجه إلی المسجد فی أثناء الصلاة، وبالمناط المستفاد من العدول من إمام إلی إمام فی أثناء الصلاة، فإنه تکون الصلاة فرادی آناً ما، وبما تقدم من صحیحة علی بن جعفر (علیه السلام) من قوله (علیه السلام): «لا صلاة لهم إلاّ بإمام»، فإن المستفاد منه استحباب إدراک الجماعة فی بقیة الصلاة، فینسحب الحکم منه إلی کل من أراد إدراک فضیلة الجماعة فی بقیة صلاته.

استدل المانعون: بالأصل بعد توقیفیة العبادة، ولم یرد فی الشرع ما یجوز ذلک، ویؤیده بل یدل علیه ما ورد من نقل الفریضة إلی النافلة إذا اتفقت الجماعة، إذ لو جاز العدول لما ارتکب ذلک من أجل إدراک الجماعة، فإن المفهوم منه عرفاً أنه لا یصح الانتقال، فلا یرد علیه إشکال الشیخ المرتضی (رحمه الله) حیث قال: إلاّ أن

ص:25

نعم لو تردد فی الانفراد وعدمه ثم عزم علی عدم الانفراد صح، بل لا یبعد جواز العود إذا کان بعد نیة الانفراد بلا فصل، وإن کان الأحوط عدم العود مطلقا.

یقال إنه لإدراک أول الصلاة جماعة.

أما ما استدل به المجوز، فالإجماع منقول ومناقش فیه صغری وکبری((1))، والأخبار التی ذکرها الشیخ لم نظفر بها إن أراد أخباراً خاصة وإن أراد أخبار الجماعة _ کما لیس بالبعید _ فلا دلالة فیها، ووحدة الجماعة والفرادی لا تستلزم جواز العدول بعد کونه خلاف الأصل، والمناط غیر مقطوع به، کما لا دلالة فی الصحیحة، وعلی هذا فالأحوط إن لم یکن أقرب عدم العدول، نعم لا بأس بالعدول رجاءً مع الإتیان بکل وظائف المنفرد.

{نعم لو تردد فی الانفراد وعدمه ثم عزم علی عدم الانفراد صح} لاستصحاب البقاء بعد الشک فی أن الانفراد هل هو من قبیل الإیقاع المحتاج إلی النیة، نظیر عزل الوکیل والولی والوصی ونحوهم، فإنه لا یحصل بالتردد، وهنا أیضاً لا یحصل الخروج عن صدق کونه مأموماً بالتردد، أو هو من قبیل الصوم الذی قالوا بالإشکال فیه بمجرد التردد، فتأمل.

{بل لا یبعد جواز العود إذا کان بعد نیة الانفراد بلا فصل} لما عرفت فی وجه مجوز العدول مطلقا {وإن کان الأحوط} والأقرب {عدم العود مطلقا} إلاّ بما تقدم من الإتیان بکل وظائف المنفرد.

ص:26


1- کتاب الصلاة: ص388

مسألة ٢١ الشک فی العدول إلی الإنفراد

مسألة _ 21 _ لو شک فی أنه عدل إلی الانفراد أم لا، بنی علی عدمه.

{مسألة _ 21 _ لو شک فی أنه عدل إلی الانفراد أم لا بنی علی عدمه} لأصالة عدم العدول فیرتب آثار الجماعة علی ما بیده، من الرجوع إلی الإمام وعدم ضرر زیادة الرکوع والسجود للمتابعة، إلی غیر ذلک.

ثم لا یخفی إن ما تقدم من عدم جواز العدول من الفرادی إلی الجماعة إنما هو فی المأموم کما هو واضح، أما الإمام فیتحقق فیه انقلاب صلاته إلی الجماعة من الفرادی إذا لم یکن أحد خلفه ثم اقتدی به، ولذا یمکن تکرار أن تکون صلاته جماعة وفرادی، فإذا صارت جماعة کانت لها أحکام الجماعة، من الرجوع إلی المأموم فی الشک وغیره، وإذا صارت فرادی کانت لها أحکام المفرد کما هو واضح.

وفیما إذا مات الإمام مثلا ثم اختاروا إماماً آخر هل فترة ما بین الموت وما بین الاختیار صلاة المأموم محکومة بأنها فرادی أو جماعة؟ احتمالان، وإن کان لا یبعد کونها محکومة بأحکام الفرادی لعدم دلیل علی تنزیلها منزلة الجماعة مع أنها حقیقة فرادی.

ص:27

مسألة ٢٢ عدم اعتبار قصد القربة فی الجماعة

مسألة _ 22 _ لا یعتبر فی صحة الجماعة قصد القربة من حیث الجماعة، بل یکفی قصد القربة فی أصل الصلاة، فلو کان قصد الإمام من الجماعة الجاه أو مطلب آخر دنیوی، ولکن کان قاصداً للقربة فی أصل الصلاة صح،

{مسألة _ 22 _ لا یعتبر فی صحة الجماعة قصد القربة من حیث الجماعة، بل یکفی قصد القربة فی أصل الصلاة} أما قصد القربة فی أصل الصلاة فلما تقدم فی مبحث النیة، وأما عدم قصد القربة فی الجماعة _ أی الصفة _ ففی الإمام لا یعتبر أصل قصد الجماعة، بل یمکن جهله بها، کما تقدم.

نعم لو قصد بالجماعة غرضاً دنیویاً، لا ما إذا کان علی نحو الداعی إلی الداعی أشکل الحکم بصحة الصلاة، کما أشکل فیها کل من السادة البروجردی والجمال والاصطهباناتی وغیرهم.

فقول المصنف: {فلو کان قصد الإمام من الجماعة الجاه أو مطلب آخر دنیوی، ولکن کان قاصداً للقربة فی أصل الصلاة صح} محل نظر، إذ ظاهر الأدلة ترتب آثار الجماعة علی الصلاة الخالصة فکیف ترتب الآثار علی ما لیس لله سبحانه.

هذا بالإضافة إلی إن المسألة داخلة فی مسألة الضمائم الموجب لبطلان أصل الصلاة إذا کانت الضمیمة ریاءً ونحوه.

وما ذکره المستمسک تعلیلا لکلام المصنف من عدم اعتبار نیة للجماعة فضلا عن نیته القربة، انتهی.((1)) غیر تام، إذ عدم العلم بالجماعة لا یخل بخلاف ما إذا کانت الجماعة لغیر الله فإنه مخل، ومثله

ص:28


1- المستمسک: ج7 ص198

وکذا إذا کان قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر علیه أو الفرار من الوسوسة أو الشک أو من تعب تعلم القراءة أو نحو ذلک من الأغراض الدنیویة صحت صلاته

ما لو لم یعلم أن صلاته فی المسجد، فإنه یترتب علیها ثواب المسجد، أما إذا صلی فی المسجد بنیة إراءة الناس فإنه یوجب البطلان وإن کانت أصل الصلاة لله سبحانه، وکذا إذا صلی أول الوقت لأجلهم.

والحاصل: إن کل ذلک مشمول لقوله تعالی: «فأدخل فیه رضی أحد غیری».

أما فی المأموم فإنه یشترط فیه قصد الجماعة _ علی ما ذکروا _ والمنصرف من الأدلة إن آثار الجماعة مترتبة علی ما کان لله سبحانه فکیف ترتب الآثار علی ما لیس له تعالی، بالإضافة إلی مسألة الضمائم الآتیة هنا أیضا، وما ذکره المستمسک من تعلیل الصحة بظهور تسالم الأصحاب علیه غیر تام، إذ لم یظهر لنا تسالماً منهم، فهل یقولون بأنه إذا کان یحضر الجماعة لأجل أن یثق به الإمام فینال من دین الإمام صحت جماعته، وکذا إذا حضر لیثق به أب البنت فیزوجه بنته مثلا.

أما ما ذکره المصنف من الأمثله بقوله: {وکذا إذا کان قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر علیه أو الفرار من الوسوسة أو الشک أو من تعب تعلم القراءة أو نحو ذلک من الأغراض الدنیویة صحت صلاته} فإنها من الضمائم المباحة التی لا تضر بقصد القربة، إذ أدلة قصد القربة لیست دالة علی مضرة مثل هذه الأمور، فهی مثل إن یقرأ إخفاناً لئلا یسمع حسه الحیوان المؤذی فیأتی إلیه

ص:29

مع کونه قاصداً للقربة فیها نعم لا یترتب ثواب الجماعة إلاّ بقصد القربة فیها.

لأذیته، أو یصلی فی المسجد لبرودة المکان فی الصیف، أو حرارته فی الشتاء، إلی غیر ذلک، وقد تقدم الکلام فیه فی الضمائم المباحة.

والحاصل: فرق بین مثل الریاء فی الجماعة إماماً أو مأموماً، وبین مثل السهولة ونحوها، فالجمع بینهما فی الحکم غیر خال عن الإشکال، فالأغراض الضمیمیة {مع کونه قاصداً للقربة فیها} _ غیر الریاء ونحوه _ لیست مبطلة.

{نعم لا یترتب ثواب الجماعة إلاّ بقصد القربة فیها} الظاهر ترتب الثواب إذا قصد القربة، وإن کان لها ضمیمة أیضاً، لأن الضمیمة لا تضر بالقربة کما عرفت، وما تضر من الضمیمة کطلب الجاه، یوجب بطلان أصل الصلاة، والمسألة _ بعدُ _ بحاجة إلی التتبع والتأمل، والله العالم.

ص:30

مسألة ٢٣ الاقتداء بصلاة لا یجوز الاقتداء به

مسألة _ 23 _ إذا نوی الاقتداء بمن یصلی صلاة لا یجوز الاقتداء فیها سهواً أو جهلا، کما إذا کانت نافلة أو صلاة الآیات مثلا، فإن تذکر قبل الإتیان بما ینافی صلاة المنفرد عدل إلی الانفراد وصحت، وکذا تصح إذا تذکر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد وإلا بطلت.

{مسألة _ 23 _ إذا نوی الاقتداء بمن یصلی صلاة لا یجوز الاقتداء فیها} وکان اقتداؤه به {سهواً أو جهلاً} بأنه لا یجوز الاقتداء.

{کما إذا کانت} صلاة الإمام {نافلة أو صلاة الآیات مثلا} إذا قلنا بعدم جواز الاقتداء فیها {فإن تذکر قبل الإتیان بما ینافی صلاة المنفرد عدل إلی الانفراد}، بل ظهر له أنها انفراد {وصحت} إذ قصد الجماعة لا یضر إذا لم یکن علی وجه التقیید، کما تقدم شبیه ذلک فی بعض المسائل السابقة، فهی ابتدأت انفراداً وإن زعم أنها جماعة.

نعم لو کان جاء بها بقصد التقیید بطلت، من جهة عدم النیة بالنسبة إلی ما بیده من الصلاة، کما سبق الکلام فیه فی المسألة الثانیة عشرة.

{وکذا تصح إذا تذکر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد} مخالفة توجب البطلان عمداً وسهواً، کزیادة الرکوع مثلا، وإلا فعدم قراءة الحمد ونحوه لا یوجب البطلان إذا وقع سهواً، کما تقدم الکلام فیه فی تلک المسألة.

{وإلاّ بطلت} ولکن ربما یقال بأنه لا وجه للبطلان أیضا، لما سیأتی فی المسألة الرابعة والثلاثین من فصل أحکام الجماعة من الروایات التی یشمل مناطها المقام، حسب الفهم العرفی.

ص:31

مسألة ٢٤ إدراک الإمام فی الرکوع، وعدمه

مسألة _ 24 _ إذا لم یدرک الإمام إلاّ فی الرکوع أو أدرکه فی أول الرکعة أو فی أثنائها أو قبل الرکوع فلم یدخل فی الصلاة إلی إن رکع جاز له الدخول معه، وتحسب له رکعة،

{مسألة _ 24 _ إذا لم یدرک الإمام إلاّ فی الرکوع أو أدرکه فی أول الرکعة أو أثنائها أو قبل الرکوع فلم یدخل فی الصلاة إلی أن رکع، جاز له الدخول معه، وتحسب له رکعة} کما هو المشهور، بل فی السرائر أنه مذهب ما عدا الشیخ من الفقهاء، وعن مجمع الفائدة إن الشیخ عدل إلی مذهب المشهور، بل عن الخلاف والمنتهی الإجماع علیه، خلافاً لما عن الشیخین والقاضی، فإنهم اعتبروا إدراک تکبیرة الرکوع وأنه إذا أدرک الإمام فی الرکوع فقد فاتت الرکعة، والأقوی هو المشهور، ویدل علیه متواتر الأخبار:

مثل صحیحة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «إذا أدرکت الإمام وقد رکع فکبرت ورکعت قبل أن یرفع رأسه فقد أدرکت الرکعة، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن ترکع فقد فاتتک الرکعة».((1))

وصحیحة سلیمان بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فی الرجل إذا أدرک الإمام وهو راکع فکبر الرجل وهو مقیم صلبه ثم رکع قبل أن یرفع الإمام رأسه فقد أدرک الرکعة».((2))

وعن أبی أسامة، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل انتهی إلی الإمام وهو راکع؟ قال (علیه السلام): «إذا کبر وأقام صلبه ثم رکع فقد أدرک».((3))

ص:32


1- الوسائل: ج5 ص441 الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- الوسائل: ج5 ص441 الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة ح1
3- المصدر: ص442 ح3

وعن دعائم الإسلام، عن أبی جعفر محمد بن علی (علیه السلام) وأبی عبد الله (علیه السلام) أنهما قالا: «إذا أدرک الرجل الإمام قبل أن یرکع أو وهو فی الرکوع وأمکنه أن یکبر ویرکع قبل أن یرفع الإمام رأسه وفعل ذلک فقد أدرک تلک الرکعة، وإن لم یدرکه حتی رفع من الرکوع فلیدخل معه ولا یعتد بتلک الرکعة».((1))

إلی غیرها من الروایات، مثل أخبار زید وشریح وغیرهما، ویدل علی الحکم أیضا طوائف أخر من الروایات، مثل الروایات الدالة علی أن من خاف أن یرفع الإمام رأسه جاز له إن یرکع فی مکانه ویمشی راکعاً حتی یلتحق بالإمام، والروایات الدالة علی استحباب إطالة الإمام للرکوع إذا أحس بمن یرید الاقتداء به، والروایات الدالة علی أنه إذا جاء الإنسان مبادراً والإمام راکع أجزأته تکبیرة واحدة لدخوله فی الصلاة والرکوع.

فمن الأولی: روایة البصری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: إذا دخلت المسجد والإمام راکع فظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه قبل أن تدرکه فکبر وارکع، وإذا رفع رأسه فاسجد مکانک، فإن قام فالحق بالصف وإن جلس فاجلس مکانک، فإذا قام فالحق بالصف».((2))

ومن الثانیة: ما رواه جابر الجعفی قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): إنی أؤم قوما فأرکع فیدخل الناس وأنا راکع فکم أنتظر؟ قال (علیه السلام): «ما أعجب ما تسأل عنه یا جابر تنظر مثلی رکوعک، فإن انقطعوا وإلا فارفع رأسک».((3))

ص:33


1- الدعائم: ج1 ص192 فی ذکر صلاة المسبوق
2- الوسائل: ج5 ص443 الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح3
3- الوسائل: ج5 ص450 الباب 50 من أبواب صلاة الجماعة ح1

ومن الثالثة: ما رواه معاویة بن شریح قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إذا جاء الإمام مبادراً والإمام راکع أجزأه تکبیرة واحدة لدخوله فی الصلاة والرکوع».((1))

وستأتی أخبار هذه المسائل فی مواضعها إن شاء الله.

أما من قال بأن إدراک الرکعة إنما هو بإدراک التکبیر قبل الرکوع، فقد استدل بجملة من الأخبار:

مثل صحیح ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت التکبیرة قبل أن یرکع الإمام فقد أدرکت الصلاة».((2))

وفی صحیحته الأخری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا لم تدرک تکبیرة الرکوع فلا تدخل فی تلک الرکعة».((3))

وصحیحه الثالث، عن أبی جعفر (علیه السلام): «إذا لم تدرک القوم قبل أن یکبر الإمام للرکعة فلا تدخل معهم فی تلک الرکعة».((4))

وصحیحه الرابع، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «لا تعتد بالرکعة التی لم تشهد تکبیرها مع الإمام».((5))

وصحیح الحلبی: «فی الجمعة إذا أدرکت الإمام قبل أن یرکع الرکعة الأخیرة فقد أدرکت الصلاة، فإن أنت أدرکته بعد ما رکع فهی الظهر أربع رکعات».((6))

ص:34


1- المصدر: ص449 الباب 49 ح6
2- المصدر: ص440 الباب 44 ح1
3- المصدر: ص441 الباب نفسه ح4
4- المصدر: ص441 الباب نفسه ح2
5- المصدر نفسه ح3
6- المصدر: ص41 الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة ح3

وفیه: إن هذه الروایات لابد أن تحمل علی الکراهة جمعاً بینها وبین الأخبار السابقة، وأما صحیح الحلبی فالجواب عنه من وجوه:

الأول: اختصاص الحکم بالجمعة.

الثانی: إن المراد بقوله: «بعد ما رکع» بعد أن رفع رأسه من الرکوع، وهذا لا بعد فیه بعد النظر إلی الأخبار السابقة، ویشهد له ما عن کتاب القمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت الإمام قبل أن یرکع الآخرة فقد أدرکت الصلاة، فإذا أدرکت بعد ما رفع رأسه فهی أربع رکعات بمنزلة الظهر».((1))

الثالث: ترجیح الروایات السابقة علی هذه بالشهرة وغیرها.

هذا ولکن المستحب أکیداً أن یدخل فی الجماعة من أولها عند تکبیرة الإمام، فعن جامع الأخبار، عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «التکبیرة الأولی مع الإمام خیر من الدنیا وما فیها».((2))

وعن ابن مسعود أنه فاتته تکبیرة الافتتاح یوماً فأعتق رقبة وجاء إلی النبی (صلی الله علیه وآله) فقال: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله) فاتتنی تکبیرة الافتتاح یوماً فأعتقت رقبة هل کنت مدرکا فضلها؟ فقال (صلی الله علیه وآله): «لا». فقال ابن مسعود: ثم أعتق أخری هل کنت مدرکاً فضلها؟ فقال: «لا، یا ابن مسعود ولو اأنفقت ما فی الأرض جمیعاً لم تکن مدرکا فضلها».((3))

ص:35


1- الوسائل: ج5 ص41 الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- جامع الأخبار: ص90 الفصل 36
3- المصدر نفسه

وهو منتهی ما تدرک به الرکعة فی ابتداء الجماعة علی الأقوی، بشرط أن یصل إلی حد الرکوع قبل رفع الإمام رأسه، وإن کان بعد فراغه من الذکر علی الأقوی

وفی روایة أبی سعید قال (علیه السلام): «یا محمد، تکبیرة یدرکها المؤمن مع الإمام خیر له من ستین ألف حجة وعمرة، وخیر من الدنیا وما فیها سبعین ألف مرة» ((1))، إلی غیرها من الروایات.

{وهو منتهی ما تدرک به الرکعة فی ابتداء الجماعة علی الأقوی} وسیأتی إدراک الجماعة أیضاً بغیر ذلک بما لا ینافی هذا الکلام.

{بشرط أن یصل إلی حد الرکوع قبل رفع الإمام رأسه، وإن کان بعد فراغه من الذکر علی الأقوی} کما هو المشهور، ویقتضیه إطلاق الأدلة السابقة، خلافا للمحکی عن التذکرة ونهایة الأحکام فاشترطا إدراک المأموم ذکراً قبل رفع الإمام، وکان مستندهما خبر الحمیری المروی فی الاحتجاج، عن صاحب الزمان (علیه السلام)، أنه کتب إلیه یسأله عن الرجل یلحق الإمام وهو راکع فیرکع معه، ویحتسب بتلک الرکعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم یسمع تکبیرة الرکوع فلیس له أن یعتد بتلک الرکعة؟ فأجاب (علیه السلام): «إذا لحق مع الإمام من تسبیح الرکوع تسبیحة واحدة اعتد بتلک الرکعة، وإن لم یسمع تکبیرة الرکوع».((2))

وفیه: إن صحیحتی الحلبی وسلیمان أقوی فی الدلالة علی الکفایة بمجرد

ص:36


1- جامع أحادیث الشیعة: ج6 ص482 الباب 34 من أبواب الجماعة ح7
2- الاحتجاج: ج2 ص488

فلا یدرکها إذا أدرکه بعد رفع رأسه، بل وکذا لو وصل المأموم إلی الرکوع بعد شروع الإمام فی رفع الرأس، وإن لم یخرج بعدُ عن حده علی الأحوط،

الوصل إلی حد الرکوع من دلالة هذه علی عدم الکفایة، فلابد أن تحمل هذه علی بعض مراتب الفضل، أو تحمل علی ما ذکره الفقیه الهمدانی (رحمه الله) من جریان هذه الروایة مجری العادة من عدم حصول الجزم بإدراکه راکعاً فی الغالب، إلاّ فی مثل الفرض، أو أرید به التمثیل بالفرد الواضح الذی لا یتطرق إلیه شبهة عدم اللحوق المانعة عن الاعتداد به((1)) _ انتهی. هذا مضافا إلی ضعف هذا الخبر سنداً وإعراض المشهور عنه.

{فلا یدرکها إذا أدرکه بعد رفع رأسه} ولو کان رفع الإمام بدون اختیاره، فإن الرفع هو المعیار {بل وکذا لو وصل المأموم إلی الرکوع بعد شروع الإمام فی رفع الرأس، وإن لم یخرج بعدُ عن حده علی الأحوط} وهذا هو الذی اختاره غیر واحد کالروض والمسالک والمدارک وجامع المقاصد وغیرهم، وتبعهم الفقیه الهمدانی، خلافاً لآخرین حیث قالوا بالکفایة إذا لم یخرج الإمام عن حد الراکع، وتبعهم المستمسک، وهذا هو الأقرب، لأن الظاهر من الرفع، الرفع عن حد الرکوع الشرعی، لا عن حد شخص الرکوع الذی جاء به الإمام.

واستدلال الأولین بأن المنصرف من الرفع الرفع الفعلی المحقق بالنهوض، وإن لم یخرج عن حد الرکوع الشرعی، غیر تام، وإلا لزم عدم الکفایة إذا نهض قلیلا ثم توقف، وهذا ما لا یظن أنهم یلتزمون به.

ص:37


1- مصباح الفقیه: ج2 ص627 س18

وبالجملة إدراک الرکعة فی ابتداء الجماعة یتوقف علی إدراک رکوع الإمام قبل الشروع فی رفع رأسه، وأما فی الرکعات الأخر فلا یضر عدم إدراک الرکوع مع الإمام بأن رکع بعد رفع رأسه، بل بعد دخوله فی السجود أیضاً،

{وبالجملة إدراک الرکعة فی ابتداء الجماعة یتوقف علی إدراک رکوع الإمام قبل الشروع فی رفع رأسه} رفعاً یخرج عن حد الرکوع، وإلا فالرفع الذی لم یخرج بعد لا یضر.

{وأما فی الرکعات الأخر فلا یضر عدم إدراک الرکوع مع الإمام بأن رکع بعد رفع رأسه، بل بعد دخوله فی السجود أیضاً} وذلک لاستصحاب بقاء الایتمام، بل ربما یقال بأنه لا دلیل إلاّ علی لزوم صدق المتابعة فی الصلاة من حیث المجموع، والتأخر بهذا المقدار لا یضر بذلک، فلا حاجة إلی الاستصحاب، بل دلیل الجماعة بإطلاقه یشمله، وتفصیل الکلام فی المقام إنه یجب علی المأموم المتابعة بعدم التأخر، ویدل علی ذلک أمور:

الأول: إن التأخر الفاحش مناف للمتابعة المعتبرة فی مفهوم الایتمام، ومفهوم الجماعة عرفاً، کما صرح بذلک الشیخ المرتضی (رحمه الله) والفقیه الهمدانی وغیرهما.

الثانی: الإجماع علی وجوب المتابعة ویضر بها التأخر الفاحش.

الثالث: النبویان المرویان عن مجالس الصدوق وغیره من کتب الأصحاب المنجبران بالشهرة المحققة، أحدهما قوله (صلی الله علیه وآله): «إنما جعل

ص:38

الإمام إماماً لیؤتم به، فإذا رکع فارکعوا وإذا سجد فاسجدوا».((1)) وعن بعض طرق العامة مثله بإضافة: «فإذا کبر فکبروا وإذا رکع» _ الحدیث.((2)) والثانی: «أما یخشی الذی یرفع رأسه والإمام ساجد أن یحول الله رأسه رأس حمار»، وظاهر الحدیثین الوجوب، خصوصاً الثانی الذی فیه تهدید بالمسخ الذی لا یکون إلا لمرتکب أبشع المحرمات.((3))

الرابع: الروایات الدالة علی لزوم العود أو رفع المأموم رأسه قبل الإمام من الرکوع أو السجود، فإنها تدل علی لزوم متابعة الإمام مما یکون لازمه العرفی عدم التأخر عنه أیضاً.

الخامس: ما دل علی لزوم انتظار الإمام لو فرغ المأموم عن القراءة بالتقریب المذکور فی الرابع.

السادس: ما دل علی إلغاء السورة، بل بعض الحمد لإدراک الإمام فی الرکوع، مثل ما رواه الدعائم، عن الباقر (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت الإمام وقد صلی رکعتین فاجعل ما أدرکت معه أول صلاتک فاقرأ لنفسک بفاتحة الکتاب وسورة إن أمهلک الإمام، أو ما أدرکت أن تقرأ» ((4)) فإن ظاهره جواز قطع الحمد أیضاً إذا لم یمهله الإمام.

ص:39


1- المستدرک: ج1 ص495 الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة
2- انظر: السنن الکبری: ج2 ص18 وج3 ص79
3- انظر: کتاب الصلاة، للأنصاری: ص298
4- الدعائم: ج1 ص192 باب ذکر صلاة المسبوق

ومثله الروایات الأخر الآتیة فی موضعها، إلی غیر ذلک من الأمور التی تصلح دلیلا أو مؤیداً لوجوب المتابعة بحیث لا یفارق الإمام لا بالتقدم علیه ولا بالتأخر عنه.

بقی أمران:

الأول: إنه لا یستفاد من الأدلة المذکورة منافاة التقدم والتأخر القلیل بالجماعة ولو کانت هذه الاستفادة بمعونة تعارف ذلک عند رکوع وسجود الإمام، حیث إن المأموم کثیراً ما یصل إلی الرکوع أو السجود قبل وصول الإمام.

أما ما رواه الصدوق من أن «من المأمومین من لا صلاة له، وهو الذی یسبق الإمام فی رکوعه وسجوده ورفعه، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له فی ذلک، ومنهم من له أربع وعشرون رکعة وهو الذی یتبع الإمام فی کل شیء ویرکع بعده ویسجده بعده»، فإنه بعد ضعف السند محمول علی الفاحش من التقدم ولو بمعونة ما ذکرناه من القرینة حیث إن التأخر بالدقة لو کان واجباً لزم التنبیه الأکید، وکان ذلک من الواضحات لدی الفقهاء والمتشرعة بینما المعروف عدم ضرر الإخلال بالمتابعة، بل عن الذکری نسبة عدم الضرر إلی المتأخرین وعن جماعة نسبته إلی الأصحاب.

الثانی: فی الإخلال الفاحش سهواً أو عمداً، کما فی المفروض المتن.

احتمالات:

الأول: کونه مبطلا للصلاة.

الثانی: کونه مبطلا للجماعة.

ص:40

الثالث: عدم کونه مبطلا لا للصلاة ولا للجماعة، وإنما یوجب الإخلال الإثم فقط، لأن المتابعة واجب مستقل.

وظاهر المحکی عن المبسوط الأول، حیث قال: لو فارق الإمام لا لعذر بطلت صلاته، کما إن ظاهر آخرین بطلان الجماعة فقط.

أما القول الثالث: فهو المنسوب إلی المشهور، بل عن ظاهر الشهید فی الذکری الإجماع علیه، قال: ولو سبق الإمام المأموم أتی بما علیه ولحق بالإمام سواء فعل ذلک عمداً أو سهواً أو لعذر، وقد مر نظیره فی الجمعة، ولا یتحقق فوات القدوة بفوات رکن أو أکثر عندنا، وفی التذکرة توقف فی بطلان القدوة بالتأخر برکن، والمروی بقاء القدوة، رواه عبد الرحمان، عن أبی الحسن (علیه السلام): «فیمن لم یرکع ساهیا حتی انحط الإمام للسجود» ((1)) انتهی.

أقول: ولا یبعد قول المشهور، فإنه لا وجه لبطلان أصل الصلاة بعد أن التخلف لو أوجب شیئاً فإنما یوجب بطلان الجماعة، وقد عرفت ضعف ما أرسله الصدوق (رحمه الله) سنداً، هذا مع أنه نوقش فی صحة نسبة هذا القول إلی الشیخ، کما لا وجه لبطلان الجماعة بعد أن الظاهر من الادلة _ ولو بقرینة الفهم العرفی _ لزوم کون المأموم مع الإمام فی المجموع من حیث المجموع، ویؤیده فهم المشهور ذلک، کما یؤیده ما ورد فی باب صلاة الجمعة مما ظاهر عدم بطلان الأسوة بالتخلف.

ص:41


1- الذکری: ص276 المسألة الخامسة

فعن حفص قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: رجل أدرک الجمعة وقد ازدحم الناس فکبر مع الإمام ورکع ولم یقدر علی السجود وقام الإمام والناس فی الرکعة الثانیة، وقام هذا معهم، فرکع الإمام ولم یقدر هذا علی الرکوع فی الرکعة الثانیة من الزحام وقدر علی السجود کیف یصنع؟ فقال (علیه السلام): «أما الرکعة الأولی فهی إلی عند الرکوع تامة، فلما لم یسجد لها دخل فی الرکعة الثانیة لم یکن له ذلک، فلما سجد فی الثانیة إن کان نوی أن هذه السجدة للرکعة الأولی فقد تمت له الأولی، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعة» ((1)) الحدیث.

فإن ظاهره بقرینة لزوم جلوسه إلی سلام الإمام أنه بعدُ فی الجماعة، واختصاص الحکم بالجمعة أو بصورة الزحام _ بدون صدق أن یکون جماعة شرعاً _ خلاف الظاهر، وعلیه فقول المشهور بصحة الجماعة فی محله.

ثم إنه لو کان ذلک التأخیر سهواً أو بلا اختیار لم یکن آثماً، أما إذا کان باختیاره فمقتضی القاعدة الإثم _ کما ذکره المشهور _ وذلک لأنه مقتضی الأمر بالمتابعة ألا تری أنه لو قال المولی لولده: اعمل کما یعمل زید، فتأخر الولد عن بعض الأعمال بأن عملها متأخراً عن زید، رأی العقلاء استحقاقه للعقاب، وإن کان مطیعاً للأب فی الجملة فی إتیانه بمثل ما عمله زید.

والحاصل: إن العرف یفهم وجوب العمل ووجوب المتابعة، فإذا تخلف فی الثانی أثم بدون أن یکون ذلک ساریاً إلی أصل العمل وموجباً لفساده، ومنه یعلم أن ما ذکره الفقیه الهمدانی مستشکلا علی المشهور بقوله: إن استحقاق

ص:42


1- الوسائل: ج5 ص33 الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح2

هذا إذا دخل فی الجماعة بعد رکوع الإمام، وأما إذا دخل فیها من أول الرکعة أو فی أثنائها واتفق أنه تأخر عن الإمام فی الرکوع فالظاهر صحة صلاته وجماعته،

الإثم علی الإخلال بالمتابعة بتقدم أو تأخر لا ینفک غالباً عن وقوع الفعل الذی حصل به الإخلال کالرکوع مثلاً منهیاً عنه فیفسد ویترتب علی فساده فساد الکل، لأنه إن اقتصر علیه لزم منه بطلان صلاته من حیث النقیصة، ولو تدارکه فمن حیث الزیادة العمدیة((1)) _ انتهی. محل تأمل، إذ عدم المتابعة لا تسری حرمتها إلی حرمة الفعل، فإن الفعل والمتابعة واجبان.

وکیف کان، فالذی یظهر من مجموع الأدلة أن التخلف عن المتابعة قد یکون قلیلا فذلک لا یبطل الجماعة ولا یوجب إثما، وقد یکون کثیراً فذلک غیر مبطل للجماعة أیضاً لکنه مع العمد موجب للإثم، وقد یکون متفاحشاً وهذا یوجب بطلان الجماعة مع بقاء الصلاة بحالها فرادی.

{هذا إذا دخل فی الجماعة بعد رکوع الإمام، وأما إذا دخل فیها من أول الرکعة أو فی أثنائها واتفق أنه تأخر عن الإمام فی الرکوع فالظاهر صحة صلاته وجماعته} أما صحة صلاته فواضح، وأما صحة جماعته فلما عرفت من الصدق عرفاً، بل الظاهر أنه داخل فی معقد إجماع التذکرة والمدارک وغیرهما حیث ادعوا الإجماع علی إدراک الرکعة بإدراک الإمام قبل الرکوع، ویدل علیه صحیح ابن الحجاج، عن أبی الحسن (علیه السلام)، فی رجل صلی فی جماعة یوم

ص:43


1- مصباح الفقیه: ج2 ص648 س12

فما هو المشهور من أنه لا بد من إدراک رکوع الإمام فی الرکعة الأولی للمأموم فی ابتداء الجماعة، وإلا لم تحسب له رکعة، مختص بما إذا دخل فی الجماعة فی حال رکوع الإمام أو قبله بعد تمام،

الجمعة فلما رکع الإمام ألجأه الناس إلی جدار أو أسطوانة فلم یقدر علی أن یرکع _ ثم یقوم فی الصف _ ولا یسجد حتی رفع القوم رؤوسهم أیرکع ثم یسجد ویلحق بالصف وقد قام القوم أم کیف یصنع؟ قال (علیه السلام): «یرکع ویسجد، لا بأس بذلک».((1))

ونحوه خبره الآخر، فإن الظاهر أن بقاء الجماعة لیس لأجل الضرورة حتی یکون الخبر استثناء عن الاتباع، بأن یکون مقتضی القاعدة عدم الجماعة، لکن الشارع استثنی هذا المورد، کما أن الظاهر أنه لا خصوصیة للجمعة فی هذا الحکم، بل قد عرفت أن العرف الملقی إلیه الکلام فی باب الجماعة یری بقاءه بالمخالفة غیر الفاحشة، وإن کان یراه آثماً إذا صدر ذلک عنه عن عمد.

وعلی هذا {فما هو المشهور من أنه لابد من إدراک رکوع الإمام فی الرکعة الأولی للمأموم فی ابتداء الجماعة وإلا لم تحسب له رکعة} بل تکون صلاته فرادی أو ینظر حتی یلتحق بالإمام فی الرکعة الثانیة أو ینویها نافلة ویقطعها ثم یشرع من جدید، {مختص بما إذا دخل فی الجماعة فی حال رکوع الإمام أو قبله بعد تمام

ص:44


1- الوسائل: ج5 ص32 الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح1

القراءة لا فیما إذا دخل فیها من أول الرکعة أو أثنائها، وإن صرح بعضهم بالتعمیم ولکن الأحوط الإتمام حینئذ والإعادة.

القراءة لا فیما إذا دخل فیها من أول الرکعة أو أثنائها}، فإن ظاهر النصوص السابقة إدراک التکبیر قبل الرکوع أو إدراک الرکوع، ولذا قال فی الجواهر: لا إشکال فی عدم اعتبار رکوع المأموم مع الإمام فی الانعقاد بعد فرض اقتدائه فی أثناء القراءة أو ابتدائها.((1))

وقال الفقیه الهمدانی: إن حال الرکوع الأول بعد فرض تحقق الایتمام قبله علی الظاهر لیس إلا کمال سائر الرکوعات.((2))

أقول: ویدل علیه صحیح ابن الحجاج المتقدم.

{وإن صرح بعضهم} کالموجز وکشف الالتباس وغیرهما کما حکی عنهم {بالتعمیم} وأنه کما لم یدرک الرکوع لم تحسب له رکعة، وعن ظاهر نهایة الأحکام والتذکرة وجامع المقاصد الإشکال فی احتساب الرکعة إذا لم یدرک الرکوع مطلقا، وتفصیل الکلام فی ذلک کله فی باب صلاة الجمعة.

{ولکن الأحوط الإتمام حینئذ} لأنه مقتضی الاستصحاب {والإعادة} لاحتمال عدم إدراک الرکعة، أو الانفراد فی غیر مثل الجمعة، أو العدول إلی النافلة، ثم قطعها أو إتمامها، فما ذکره المصنف من الاتمام، أحد أفراد صورة الاحتیاط.

ص:45


1- الجواهر:ج 4 ص29
2- مصباح الفقیه: ج2 ص627

مسألة ٢٥ الرکوع بتخیل إد ا رک الإمام راکعا

مسألة _ 25 _ لو رکع بتخیل إدراک الإمام راکعا ولم یدرک، بطلت صلاته، بل وکذا لو شک فی إدراکه وعدمه،

{مسألة _ 25 _ لو رکع بتخیل إدراک الإمام راکعاً ولم یدرک بطلت صلاته} عند المصنف، وذلک لأنه إن اعتبر هذا الرکوع من الصلاة کان فی صلاته نقص القراءة عمداً وهو مبطل، وإن لم یعتبر هذا الرکوع من الصلاة فقام وقرأ ثم رکع لزم زیادة الرکوع عمداً وهو مبطل أیضاً.

لکن الظاهر الصحة، وذلک باختیار الشق الأول، ونقص القراءة لیس عمداً، فیشمله حدیث «لا تعاد»، فإنه لم یترک القراءة إلاّ لزعمه أنه جماعة، فیکون حاله حال ما إذا ترکها بزعم أنه فی الجماعة ثم تبین عدم صحة الجماعة لمحذور فی الإمام، أو فی تحقق الجماعة کالبعد ونحوه.

ثم إن الظاهر أنه (رحمه الله) أراد بالتخیل مقابل الشک، فیشمل صورة اطمینان الإدراک وصورة الظن بإدراکه، والسید الوالد فی مجلس الدرس کان یرجع عدم البطلان فی صورة الاطمینان بالإدراک، وهذا هو ما اختاره السید الحکیم، وأضاف الجواز مع الاحتمال المعتد به، لکن لابد من تعمیم الصحة إلی صورة الظن أیضاً، لوحدة العلة فیهما، وسیأتی فی المسألة التالیة جواز الدخول فی الجماعة حتی مع الشک فی اللحوق.

{بل وکذا لو شک فی إدراکه وعدمه}، لا یخفی أنه لا وجه للإضراب بلفظ: «بل» فإن صورة الشک أضعف فی الصحة من صورة التخیل، فلو عکس فقدم الشک علی التخیل کان أولی، هذا إن کان (کذا) عطفاً علی (بتخیل) أما إذا کان عطفاً علی (لم یدرک) کان للإضراب وجه وجیه، لکنه (رحمه الله) أراد الثانی بقرینة

ص:46

(بل) وقوله: (والأحوط).

وکیف کان ففی المقام مسألتان:

الأولی: إنه لو شک أو ظن بعدم الإدراک، ثم کبر ورکع ولم یلحق، فهل تبطل صلاته أم لا؟

الثانیة: إنه لو اطمأن الإدراک ثم شک فی الإدراک، هل تبطل صلاته أم لا؟

أما المسألة الثانیة: فقد ظهر من الفرع السابق صحة الصلاة، بل الصحة فی صورة الشک فی الإدراک أولی من الصحة فی صورة العلم بعدم الإدراک، ثم الظاهر إن الایتمام فی هذه الصورة غیر صحیح فلا جماعة، إذ ظاهر النصوص السابقة المعبرة بالإدراک احتیاج الایتمام إلی إحزار الإدراک وهو مشکوک فیه، ومجرد استصحاب بقاء الإمام راکعاً، ورکوع المأموم مقارناً له لا یثبت الإدراک إلاّ علی القول بالأصل المثبت، وعلیه فالصلاة تکون فرادی، وله الإتمام کذلک، أو العدول إلی النافلة وقطعها ثم الالتحاق بالرکعة الثانیة مثلا.

وأما المسألة الأولی: فالظاهر صحة صلاته فرادی لاستصحاب بقاء الإمام راکعا الذی لا یزاحمه الظن بعدم اللحوق أو الشک فیه، ومن الآثار الشرعیة للاستصحاب عدم القراءة، کما إذا کان داخلا فی الجماعة ثم شک فی أن الإمام بقی علی شرائطه أو شک فی بقاء الجماعة أو انقطاعها بحائل ونحوه، فإن عدم قراءته مستنداً إلی استصحاب بقاء الجماعة یبرر صحة صلاته، وإن ظهر بعد ذلک بطلان الاستصحاب بخروج الإمام عن الأهلیة أو انتفاء الجماعة بفقد بعض شرائطها.

ص:47

والأحوط فی صورة الشک الإتمام والإعادة، أو العدول إلی النافلة والإتمام ثم اللحوق فی الرکعة الأخری.

{والأحوط فی صورة الشک الإتمام والإعادة} فإذا کان أدرک واقعاً صحت جماعته، وإذا لم یکن أدرک _ وکانت الصلاة باطلة واقعاً _ فقد أعادها صحیحة.

{أو العدول إلی النافلة والإتمام} هذا لا یکون احتیاطا، بناءً علی ما اختاره من بطلان الصلاة فی صورة الشک فی الإدراک، لأنه إن کان أدرک واقعاً صحت صلاته جماعة، وإن لم یدرک واقعاً بطلت صلاته، وفی کلا الأمرین لا مجال للعدول _ کما نبه علیه المستمسک _((1)) بل لا مجال للاحتیاط بذلک، علی ما اخترناه أیضا من صحة الصلاة فرادی، لأنه إن أدرک فهی جماعة، وفی الجماعة لا یجوز العدول إلی الفرادی.

نعم یصح العدول إذا لم یکن أدرک واقعاً وصحت صلاته فرادی، فلا یکون العدول احتیاطاً علی کلا التقدیرین.

{ثم اللحوق فی الرکعة الأخری} أو بعدها فی الرکعة الثالثة أو الرابعة مثلا.

ص:48


1- المستمسک: ج7 ص205

مسألة ٢٦ عدم الدخول فی الجماعة إلاّ مع الإطمئنان بإدراک الرکوع

مسألة _ 26 _ الأحوط عدم الدخول إلاّ مع الاطمئنان بإدراک رکوع الإمام، وإن کان الأقوی جوازه مع الاحتمال، وحینئذ فإن أدرک صحت وإلا بطلت.

{مسألة _ 26 _ الأحوط عدم الدخول} فی الجماعة {إلا مع الاطمینان بإدراک رکوع الإمام} إذ یعتبر القصد إلی الفعل الصحیح فی الدخول فی العبادة فإذا لم یعلم أن الله یرید هذه العبادة أم لا، کیف یمکن أن یقصد القربة.

{وإن کان الأقوی جوازه مع الاحتمال} لاستصحاب بقاء الإمام راکعاً مما یجعل قصده إلی الفعل الصحیح، بالإضافة إلی إن العبادة لا یلزم فیها الجزم بل المعتبر فیها صدورها عن قصد تنفیذ أمر المولی، سواء کان الأمر مقطوعاً به أو محتملا، ولذا صح الاحتیاط مع عدم قطع الفاعل بأنه فعل صحیح، ولذا قال فی مصباح الفقیه: الأقوی فی مثله جواز التلبس بالعمل برجاء وقوعه مطابقا لأمره، کما یؤیده فی خصوص المقام السیرة القطعیة.((1))

{وحینئذ فإن أدرک صحت} صلاة وجماعة {وإلاّ بطلت} جماعة، وصحت صلاة کما عرفت وجهه فی المسألة السابقة.

ص:49


1- مصباح الفقیه: ج2 ص628

مسألة ٢٧ لو نوی وکبر فرفع الإمام رأسه قبل إن یرکع

مسألة _ 27 _ لو نوی وکبر فرفع الإمام رأسه قبل أن یرکع أو قبل أن یصل إلی حد الرکوع لزمه الانفراد، أو انتظار الإمام

{مسألة _ 27 _ لو نوی وکبر فرفع الإمام رأسه قبل أن یرکع أو قبل أن یصل إلی حد الرکوع} وإن هوی بعض الشیء {لزمه الانفراد} بل هو انفراد قهری، إذ قد تحقق سابقا أن کل ما لیس بجماعة _ مع صحة الصلاة _ فهو انفراد، وهنا احتمالان آخران:

الأول: بقاؤه علی الجماعة، وفیه: إن ظاهر أدلة إدراک الإمام بالرکوع عدم تحقق الجماعة بمجرد التکبیر بقصد اللحوق بالإمام.

الثانی: إن صلاته باطلة، لأن ما قصده من الجماعة لم یتحقق، والانفراد لم یکن مقصوداً، وفیه: إن الجماعة والانفراد حقیقة واحدة، کما سبق فی بعض المسائل فلا وجه للبطلان.

نعم إن قصد التقیید بطلت صلاته، لأنه لم یقصدها علی تقدیر عدم کونه جماعة.

{أو انتظار الإمام} کما عن المبسوط والروض والروضة والمسالک والفوائد الملیة وغیرها.

ویدل علیه: موثق عمار((1)): عن رجل أدرک الإمام وهو جالس بعد الرکعتین؟ قال (علیه السلام): «یفتتح الصلاة ولا یقعد مع الإمام حتی یقوم فإن ظاهره عدم الخصوصیة للإدراک فی هذه الصورة، واحتمال أنه فرق بین قعود الإمام وبین

ص:50


1- الوسائل: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح4

کونه قبل السجدتین، لأن المسافة الزمنیة بین تکبیر المأموم ولحوق الإمام به فی الثانیة فی الأول أقل من المسافة فی الثانی، فلا ینسحب حکم الأول إلی الثانی فی غیر مورده بعد کون العرف لا یری فرقاً بین الأمرین، ولیس المراد العرف العام حتی یقال إن المخترعات الشرعیة لا مدخلیة فیها للعرف، بل عرف المتشرعة، ویؤید عدم ضرر هذه المسافة الزمنیة الروایات الواردة فیمن منعه الزحام عن الرکوع والسجود مع الإمام.

مثل ما رواه عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یکون فی المسجد إما فی یوم الجمعة وإما غیر ذلک من الأیام فیزحمه الناس، إما إلی حائط وإما إلی استوانة، فلا یقدر علی أن یرکع ولا یسجد حتی یرفع الناس رؤوسهم، فهل یجوز له أن یرکع ویسجد وحده ثم یستوی مع الناس فی الصف؟ فقال (علیه السلام): «نعم لا بأس بذلک».((1))

وقد یستدل لانتظار الإمام بخبر عبد الرحمان: «إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مکانک حتی یرفع رأسه، وإن کان قاعداً قعدت، وإن کان قائما قمت».((2))

فإن الظاهر أنه یدخل فی الصلاة ولا یسجد، بل یثبت مکانه قائماً بقرینة «قعدت» و«قمت» حیث إن ظاهرهما أنه یکبر ویقوم معه أو یقعد، وما فی المستند من احتمال کون «أثبت» ماضیاً لا یخفی ما فیه، مع أنه لا یضر بالاستدلال.

ص:51


1- الوسائل: ج5 ص33 الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة ح3
2- المصدر: ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح5

قائماً إلی الرکعة الأخری، فیجعلها الأولی له إلاّ إذا أبطأ الإمام بحیث یلزم الخروج عن صدق الاقتداء

وعلی هذا فیقف المأموم {قائماً إلی الرکعة الأخری، فیجعلها الأولی له} ولا یحق له أن یأتی بالرکعة فرادی ثم یلتحق بالجماعة فی الرکعة التالیة للإمام، إذ لا دلیل علی صحة الجماعة کذلک {إلا إذا أبطأ الإمام بحیث یلزم الخروج عن صدق الاقتداء} فی عرف المتشرعة، وذلک لانصراف ما ذکرناه من الأدلة کالموثق وخبر عبد الرحمان، عن الإبطاء الخارج عن المتعارف.

ثم الظاهر إن للمسألة عدلا ثالثاً، کما یظهر من المستند والمستمسک وغیرهما، وهو أن یسجد مع الإمام بدون الرکوع ویکون سجوده ذلک عملا للمتابعة، فلا یضر بالصلاة، وإنما یکون أول صلاته من الرکعة التالیة للإمام.

ویدل علیه روایة المعلی، عن الصادق (علیه السلام): «إذا سبقک الإمام برکعة فأدرکته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها».((1)) فإنه لا فرق عرفاً بین أن یکون الإدراک فی حال کون الإمام راکعاً أو بعد الرکوع.

وروایة معاویة بن شریح: «ومن أدرک الإمام وهو ساجد کبر وسجد معه ولم یعتد بها» ((2)).

وروایة ربعی والفضیل: «ومن أدراک الإمام وقد رفع رأسه من الرکوع فلیسجد معه ولا یعتد بذلک السجود».((3))

ص:52


1- الوسائل:ج 5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- المصدر:ح 6
3- انظر: الوسائل: ج5 ص447 الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح1

ولو علم قبل أن یکبر للإحرام عدم إدراک رکوع الإمام، لا یبعد جواز دخوله وانتظاره إلی قیام الإمام للرکعة الثانیة، مع عدم فصل یوجب فوات صدق القدوة، وإن کان الأحوط عدمه.

والظاهر الاعتداد بذلک التکبیر فلا یکون ملغی، بأن یکون ذلک عملاً خارجاً عن الصلاة، وإنما یکبر للصلاة بعد أن قام الإمام.

{ولو علم قبل أن یکبر للإحرام عدم إدراک رکوع الإمام لا یبعد جواز دخوله} فی الصلاة {وانتظاره إلی قیام الإمام للرکعة الثانیة} للمناط المستفاد من موثق عمار وخبر عبد الرحمان، بل ولأخبار الزحام، فإنه لا فرق بین أن یعلم بالزحام ومنعه عن الکون مع الإمام فی رکوعه وسجوده من أول التکبیر، أو بعد أن کبر.

وعن العلامة فی المختلف الإشکال فی ذلک، بما ورد فی صحیح ابن مسلم من النهی عن الدخول فی الرکعة عند فوات تکبیرها، کما تقدم فی المسألة الرابعة والعشرین.

وفیه: إن الظاهر من الصحیح عدم الاعتداد بتلک الرکعة، ولو بقرینة صحیحته الرابعة، ومنه یعلم أنه لا حاجة إلی ما ذکره المستمسک فی رد الصحیح، بأنه یجب رفع الید عنه أخذاً بظاهر الأخبار الدالة علی جواز الدخول حال رکوع الإمام وإدراک الرکعة بذلک _ انتهی.

{مع عدم فصل یوجب فوات صدق القدوة} کما تقدم وجهه فی الفرع السابق {وإن کان الأحوط عدمه} لعدم نص صریح فی ذلک، وقد عرفت إشکال العلامة فیه مما یوجب الاحتیاط خروجاً من خلافه (رحمه الله).

ص:53

مسألة ٢٨ إدراک الإمام فی التشهد الأخیر

مسألة _ 28 _ إذا أدرک الإمام وهو فی التشهد الأخیر یجوز له الدخول معه

{مسألة _ 28 _ إذا أدرک الإمام وهو فی التشهد الأخیر یجوز له الدخول معه} علی الشهور _ کما فی المستند _ بل الشهرة فیه عظیمة جداً، بل المشهور عدم اختصاص التشهد الأخیر بذلک، بل حال التشهد الثانی أیضا کذلک، وهذا هو الظاهر فلا فرق بین التشهدین.

ویدل علی الحکم موثق عمار، عن الصادق (علیه السلام)، عن الرجل یدرک الإمام وهو قاعد یتشهد ولیس خلفه إلاّ رجل واحد عن یمینه؟ قال (علیه السلام): «لا یتقدم الإمام ولا یتأخر الرجل ولکن یقعد الذی یدخل معه خلف الإمام فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته».((1))

وروایة عمار _ المرویة فی التهذیب _ قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أدرک الإمام وهو جالس بعد الرکعتین؟ قال: «یفتتح الصلاة ولا یقعد _ إلاّ. خ ل _  مع الإمام حتی یقوم».((2))

وروایة الفقیه، عن عبد الله بن المغیرة قال: کان منصور بن حازم یقول: إذا أتیت الإمام وهو جالس قد صلی رکعتین فکبر ثم اجلس فإذا قمت فکبر.((3))

وروایة عبد الرحمان المتقدمة من قوله (علیه السلام): «وإن کان قاعداً قعدت».((4))

ومن هذه الروایات تعرف وجه الإطلاق الذی ذکرناه بالنسبة إلی التشهدین

ص:54


1- الوسائل: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- التهذیب: ج3 ص274 ح113
3- الفقیه: ج1 ص260 الباب 56 فی الجماعة ح94
4- الوسائل: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح5

بأن ینوی ویکبر

کما أنه لا وجه لتوقف الحدائق من جهة ما یترائی من تعارض موثقتی عمار هذه وذلک لاضطراب نسخة الموثقة الثانیة لوجود نسخة «إلا» _ کما فی جامع أحادیث الشیعة _ وربما یقال بأن هذه الروایات تعارض صحیح ابن مسلم السابق الناهی عن الدخول فی الرکعة عند فوات تکبیرها، وقد عرفت جوابه فی المسألة السابقة کما أن هذه الروایات لا تعارض صحیح ابن مسلم: متی یکون یدرک الصلاة مع الإمام؟ قال (علیه السلام): «إذ أدرک الإمام وهو فی السجدة الأخیرة من صلاته فهو مدرک لفضل الصلاة مع الإمام».((1)) إذ الجمع بین الروایتین یقتضی التفاوت بین مراتب الفضل، ویدل علیه صریحاً قوله (علیه السلام) فی روایة ابن شریح: «ومن أدرک وقد رفع رأسه من السجدة الأخیرة وهو فی التشهد فقد أدرک الجماعة»((2))، فما عن المدارک من جعل أقصی ما به تدرک الجماعة إدراک السجدة الأخیرة محل نظر.

ثم لا یبعد استحباب أن یکبر ویجلس إذا وجد الإمام جالساً فی السلام لإطلاق بعض الروایات السابقة، ولأنه عمل لا یضر فهو نوع من رجاء إدراک فضل الجماعة {بأن ینوی ویکبر} بلا إشکال، بل ظاهرهم الإجماع علیه حیث أرسلوه إرسال المسلمات، أما احتمال أن یجلس بدون التکبیر حفظاً لصورة الجماعة فهو خلاف الظاهر من قول (علیه السلام): «فأتم» وقوله: «یفتتح» وقوله: «فکبر».

ومنه یعلم أن ما فی الدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «ثلاث لا یدعهن

ص:55


1- الوسائل: ج5 ص448 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ص449 ح6

ثم یجلس معه ویتشهد، فإذا سلم الإمام یقوم فیصلی من غیر استیناف للنیة والتکبیر،

إلاّ عاجز، رجل سمع مؤذناً لا یقول کما قال، ورجل لقی جنازة لا یسلم علی أهلها ویأخذ بجوانب السریر، ورجل اأدرک الإمام ساجداً لم یکبر ویسجد ولا یعتد بها»((1))، لابد وأن یحمل علی بعض مراتب الفضل تسامحاً فی أدلة السنن.

ومنه یعلم أن ما یظهر من المستند من التوقف فی التکبیر أو المیل إلی عدمه محل نظر.

{ثم یجلس معه ویتشهد} کما عن المعتبر والمنتهی والتذکرة وغیرها: إن شاء تشهد معه وإن شاء سکت، لکن الأظهر ما قاله المصنف من لزوم التشهد، لأنه مقتضی الاقتداء، ولا حاجة إلی التصریح به فی النص أو الکلمات بعد الانصراف المذکور، فإنه کما إذا قال: رکع مع الإمام أو سجد معه، إذ المنصرف عنه مع الإتیان بذکرهما.

ومنه یعلم وجه الإشکال فیما ذکره المستمسک بقوله: قد یشکل فعله بعنوان الخصوصیة لخلو النص ککثیر من کلماتهم من التصریح به((2)) _ انتهی.

کما أن الظاهر کون الجلوس علی النحو المتعارف لا التجافی، لأنه المنصرف من الجلوس التشهدی.

{فإذا سلم الإمام} کل سلاماته، لأنه المنصرف من السلام، لا السلام الأول المستحب، ولا الأول الواجب، وإن جاز له أن یقوم قبل ذلک.

{یقوم فیصلی من غیر استیناف للنیة والتکبیر} بلا إشکال ولا خلاف إلاّ

ص:56


1- الدعائم: ج1 ص145 فی ذکر الأذان والإقامة
2- المستمسک: ج7 ص210

ویحصل له بذلک فضل الجماعة وإن لم یحصل له رکعة.

من محکی النافع، وعن الذکری والروض ادعاء القطع بعدم الاستیناف، وعن المهذب البارع ومفتاح الکرامة الإجماع علیه.

ویدل علی المشهور جملة من الروایات السابقة المشتملة علی «فأتم» و«یفتتح» و«فکبر»، ویدل علی کلام النافع روایتی منصور فی ذیلها والدعائم، لکنهما لا یقاومان غیرهما مما ذهب إلیه المشهور، وعلیه فلو استأنف التکبیر کان داخلا فی مسألة من کبر تکبیرتین للإحرام.

{ویحصل له بذلک فضل الجماعة} کما هو المشهور، بل عن مجمع البرهان عدم الخلاف فیه، لکن عن العلامة وولده فی القواعد والنهایة والتذکرة والایضاح الاستشکال فی إدراکه فضل الجماعة، بل عن الکتابین الأخیرین أنه لا یحصل له فضیلة الجماعة، ولعل المراد الفضیلة الکاملة لا الفضیلة فی الجملة، وإلا کان کلامهما معارضاً لما تقدم من موثق عمار وخبر ابن شریح، ولعل نظرهما إلی صحیح ابن مسلم المتقدم: «إذا أدرک الإمام وهو فی السجدة الأخیرة من صلاته فهو مدرک لفضل الصلاة مع الإمام»، إلاّ أنه مفهوم اللقب وهو لیس بحجة.

{وإن لم یحصل له رکعة} کما صرح بذلک النص والفتوی کما تقدم.

ص:57

مسألة ٢٩ إدراک الإمام فی سجدة الرکعة الأخیرة

مسألة _ 29 _ إذا أدرک الإمام فی السجدة الأولی أو الثانیة من الرکعة الأخیرة وأراد إدراک فضل الجماعة نوی وکبر وسجد معه السجدة أو السجدتین وتشهد

{مسألة _ 29 _ إذا أدرک الإمام فی السجدة الأولی أو الثانیة من الرکعة الأخیرة}، قد أطلق بعض الفقهاء السجدة فیشمل الحکم حتی السجود فی الرکعة الأولی، وهذا الإطلاق هو مقتضی إطلاق النص.

{وأراد إدراک فضل الجماعة، نوی وکبر وسجد معه السجدة أو السجدتین وتشهد} کما هو المشهور، ویدل علیه جملة من الروایات المتقدمة:

مثل روایة المعلی: «إذا سبقک الإمام برکعة فأدرکته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها».((1))

وروایة ربعی والفضیل: «ومن أدرک الإمام وقد رفع من الرکوع فلیسجد معه ولا یعتد بذلک السجود».((2))

وروایة شریح: «ومن أدرک الإمام وهو ساجد سجد معه ولم یعتد بهما».((3))

وروایة الدعائم: «وإن لم یدرکه حتی رفع من الرکوع فلیدخل معه ولا یعتد بتلک الرکعة».((4))

وما رواه ابن الشیخ فی الأمالی، بسنده إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله)

ص:58


1- الوسائل: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- انظر: الوسائل: ج5 ص447 الباب 48 ح1
3- الوسائل: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح6
4- الدعائم: ج1 ص192

قال: «إذا جئتم إلی الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شیئاً، ومن أدرک الرکعة فقد أدرک الصلاة».((1))

وهذه الروایات کما تراها مطلقة، فتقییدها بالرکعة الأخیرة، غیر ظاهر الوجه إلاّ ادعاء الانصراف.

وصحیحة محمد: متی یکون یدرک الصلاة مع الإمام؟ قال: «إذا أدرک الإمام وهو فی السجدة الأخیرة من الصلاة فهو یدرک لفضل الصلاة مع الإمام».((2))

وفیه: إن الانصراف لا وجه له، والصحیحة لا دلالة فیها، قال فی المستند:((3)) یمکن أن یکون المعنی أنه إذا بادر أحد إلی الصلاة الجماعة ولم یبلغها فله فضل الجماعة وإن أدرک الإمام فی السجدة الأخیرة، کما أنک قد عرفت سابقا أن ما دل علی أن الإدراک لا یکون إلاّ بالدخول فی الرکوع یراد به إدراک الرکعة، لا إدراک فضل الجماعة.

ثم إن ظاهر الروایات السابقة ولو بقرینة الانصراف أنه یکبر إذا أراد السجود، وهذا هو المشهور خلافاً لبعض حیث قال: إنه یدخل فی السجود بدون النیة والتکبیر، واستدل له بإطلاق الروایات السابقة، وبما تقدم من إن إدراک الصلاة إنما هو بإدراک الرکوع، ولروایة الدعائم السابقة: «رجل أدرک الإمام ساجداً لم یکبر ویسجد ولا یعتد بها».

ص:59


1- الوسائل: ج5 ص450 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح7
2- المصدر: ص448 ح1
3- المستند: ج1 ص550 س7

ثم یقوم بعد تسلیم الإمام ویستأنف الصلاة

وفیه: أما الروایات فقد عرفت انصرافها، وأما ما دل علی أن إدراک الإمام یکون بإدراک الرکوع، فقد تقدم أن المراد به إدراک الرکعة، وأما روایة الدعائم فهی علی التکبیر أدل، لأن معناه العاجز هو الذی أدرک الإمام ساجداً فلم یکبر ویسجد، ومعناه أنه یستحب له إن یکبر ویسجد.

{ثم یقوم} ویکون مع الإمام إن کان اقتداؤه فی غیر الرکعة الأخیرة، وإن کان اقتداؤه فی الرکعة الأخیرة قام {بعد تسلیم الإمام} لأنه المنصرف من النصوص، ولو بقرینة الروایات السابقة الواردة فیمن أدرک الإمام فی حال الجلوس، وقد عرفت هناک أنه یجلس إلی آخر سلام الإمام.

{ویستأنف الصلاة} سواء کان اقتدی بالسجدة فی الرکعة الأخیرة _ کما ذکره المصنف _ أو فی الرکعات السابقة کما ذکرناه، والاستئناف هو الذی علیه الأکثر، کما فی المستند والمحکی عن المدارک وغیره، خلافا للمحکی عن المبسوط والنهایة والسرائر ومیل الأردبیلی، وقد قربه الجواهر وقواه، وجعل المستمسک القول بالصحة قربیاً جداً، وهذا هو الأقرب، لأن ظاهر الأدلة المتقدمة أنه دخول فی الصلاة علی غرار دخول الملحق بالرکوع وبالجلوس.

استدل للقول بالاستیناف بأنه مقتضی أصالة عدم الدخول فی الصلاة، وللتصریح به فی خبر ابن المغیرة المتقدم: «فإذا قمت فکبر»، ولما فی المستند من عدم ثبوت التعبد للصلاة بمثل ذلک، ولأنه قد حصلت الزیادة فی الصلاة وهی السجدة أو السجدتان، ولأنه نهی عن الاعتداد بما فعل فی خبری المعلی وابن شریح، وفی روایة الدعائم المتقدمة «ولا یعتد بها»، وفی الکل ما لا یخفی،

ص:60

ولا یکتفی بتلک النیة والتکبیر، ولکن الأحوط إتمام الأولی بالتکبیر الأول، ثم الاستئناف بالإعادة.

إذ الأصل مرفوع بظاهر الدلیل، کما ذکرنا أنه الظاهر من الأدلة. وخبر ابن المغیرة إنما هو فی مورد الجلوس ولا یقول به المشهور، مع أنه غیر مستند إلی الإمام (علیه السلام)، ولعله کان اجتهاداً من ابن حازم، والتعبد ثابت بالروایات، والزیادة للمتابعة لا بأس بها، مضافا إلی النص الخاص الظاهر فی عدم الضرر _ کما عرفت _، وظاهر النهی عن الاعتداد إنما هو بالرکعة فی قبال الاعتداد بها فیما إذا أدرک الرکوع.

ویدل علیه ما فی روایة ربعی والفضیل: «ومن أدرک الإمام وقد رفع من الرکوع فلیسجد معه ولا یعتد بذلک السجود».

ومما فی روایة الدعائم: «وإن لم یدرکه حتی رفع من الرکوع فلیدخل معه ولا یعتد بتلک الرکعة».

{و} کیف کان، فالأقوی أنه {لا} یکون ما عمله خارجاً عن الصلاة، بل {یکتفی بتلک النیة والتکبیر} ویتم صلاته {ولکن الأحوط إتمام الأولی بالتکبیر الأول} خروجاً من خلاف من اکتفی.

{ثم الاستیناف بالإعادة} موافق للمنسوب إلی الأکثر، وأحوط منه أنه إذا قام کبر تکبیراً بنیة ما فی ذمته من تکبیرة الإحرام أو تکبیرة الذکر المطلق، ویترتب علی ما یأتی به حینئذ أحکام الجماعة بلا إشکال.

ثم إن المصنف ذکر أنه إذا أدرک الإمام فی السجدة کبر وسجد، لکن المحکی عن الشهید الثانی وبعض العلماء الآخرین التخبیر بین أن یسجد وبین أن

ص:61

یقف مکانه جمعاً بین ما تقدم وبین روایة البصری: «وإذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مکانک حتی یرفع رأسه».((1))

وقد اختار التخییر المستند وهو لیس ببعید، قال: وترجیح الأول _ أی السجدة مع الإمام _ بالشهرة، بل بالإجماع، وصحة المستند ضعیف لمنع الإجماع، بل الشهرة لعدم تعرض الأکثر لخصوص السجدة، ولو سلمت فلا یصلح للترجیح، وتکافؤ المسندین کما عرفت،((2)) انتهی.

ثم لا یخفی أنه لو زاد سجدة المتابعة اشتباهاً عند ما سجد مع الإمام لم تضر، لإطلاق أدلة سجدة المتابعة.

ص:62


1- انظر: الوسائل: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح5
2- المستند: ج1 ص550 س29

مسألة ٣٠ مشی المأموم فی صلاة الجماعة

مسألة _ 30 _ إذا حضر المأموم الجماعة فرأی الإمام راکعاً وخاف أن یرفع الإمام رأسه إن التحق بالصف، نوی وکبر فی موضعه ورکع، ثم مشی فی رکوعه

{مسألة _ 30 _ إذا حضر المأموم الجماعة فرأی الإمام راکعاً وخاف أن یرفع الإمام رأسه إن التحق بالصف، نوی وکبر فی موضعه ورکع، ثم مشی فی رکوعه} حتی یلتحق بالإمام بلا إشکال ولا خلاف، بل عن الخلاف والمنتهی والتذکرة والذکری وغیرها الإجماع علیه، ویدل علیه متواتر الروایات:

مثل ما رواه البصری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا دخلت المسجد والإمام راکع فظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه قبل أن تدرکه فکبر وارکع، وإذا رفع رأسه فاسجد مکانک، فإن قام فالحق بالصف، وإن جلس فاجلس مکانک، فإذا قام فالحق بالصف».

ومثله ما رواه عبد الرحمان بن أبی عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام).

وعنه أیضاً قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إذا دخلت المسجد والإمام راکع وظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه فکبر، فکبر وارکع، فإذا رفع رأسه فاسجد مکانک، فإذا قام فالحق بالصف، وإن جلس فاجلس مکانک، فإذا قام فالحق بالصف».((1))

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أدخل المسجد وقد رکع الإمام فأرکع برکوعه وأنا وحدی، وأسجد فإذا رفعت رأسی أی شیء

ص:63


1- الوسائل: ج5 ص443 الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح3

أو بعده أو فی سجوده أو بعده أو بین السجدتین أو بعدهما،

أصنع؟ فقال (علیه السلام): «قم فاذهب إلیهم فإن کانوا قیاماً فقم معهم، وإن کانوا جلوساً فاجلس معهم».((1))

وعن معاویة بن وهب، قال: رأیت أبا عبد الله (علیه السلام) یوماً وقد دخل المسجد الحرام فی صلاة العصر فلما کان دون الصفوف رکعوا فرکع وسجد السجدتین، ثم قام فمضی حتی لحق الصفوف.((2))

وعن محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) أنه سئل عن الرجال یدخل المسجد فیخاف أن تفوته الرکعة؟ فقال (علیه السلام): «یرکع قبل أن یبلغ القوم فیمشی وهو راکع حتی یبلغهم».((3))

وفی روایة الشیبانی، قال (علیه السلام): «إذا دخلت من باب المسجد فکبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشیت إلی الصلاة أجزأک ذلک».((4))

وفی جملة من أحادیث باب القواطع وباب استحباب إقامة الصفوف ما یدل علی جواز المشی حال الصلاة للالتحاق بالصف، وأما أصل المشی فی الصلاة فیدل علی جوازه فی الصلاة مشی النبی (صلی الله علیه وآله) بابن طاب وغیره.

{أو بعده أو فی سجوده} الأول أو الثانی {أو بعده، أو بین السجدتین أو بعدهما} لا یخفی أنه لا موقع لقوله: (أو بعده) إذ بعده، إما بعد السجدة

ص:64


1- الوسائل: ج5 ص444 الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح6
2- التهذیب: ج3 ص281 الباب 25 فی فضل المساجد ح149
3- الوسائل: ج5 ص443 الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح1
4- المصدر: ج4 ص636 الباب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح9

أو حال القیام للثانیة إلی الصف، سواء کان لطلب المکان الأفضل أو للفرار عن کراهة الوقوف فی صف وحده

الأولی أو بعد الثانیة، وقد ذکرهما، ولعله غلط من الناسخ وصحیحه (أو قبله) أی فی حال الجلوس قبل أن یسجد.

{أو حال القیام للثانیة} والظاهر أنه لا یصح التأخیر إذا أمکن الالتحاق قبل ذلک، فقول المصنف: (أو) للتفریع لا للتخییر، وذلک لأن الحکم بذلک الضطراری ولذا لا یصح فی حال الاختیار، والضرورات تقدر بقدرها، ومنه یعلم أن ما فی بعض الروایات من الالتحاق فی غیر الرکوع محمول علی ذلک. ویدل علی جواز کل ذلک أن بعضها مصرح به فی النص، وبعضها الآخر مستفاد من الفحوی أو المناط.

أما إذا کان ملحقا بالصف وأراد المشی لطلب مکان أحسن أو نحوه فلا بأس بذلک فی حال عدم تحمل الإمام القراءة عنه، لما دل علی جواز المشی فی الصلاة، والأصل عدم ضرره بالجماعة، کما أن الظاهر أنه یجوز المشی فی السجود إذا لم یستلزم ذلک رفع الرأس للمناط کما عرفت.

وهل یصح ذلک المشی إذا لم تکن جماعة، بل کان إنسان یصلی فرادی فأراد الالتحاق به للجماعة به، الظاهر ذلک للمناط.

کما إن الظاهر جواز المشی إذا أراد أن یصیر إماماً لهم، کما فی الجماعة التی مات إمامهم.

{إلی الصف} متعلق بقوله: (مشی) {سواء کان لطلب المکان الأفضل} لما عرفت من ما دل علی جواز المشی فی الصلاة، أما روایات المسألة فلا تدل علیه لأنها فی مقام إرادة الالتحاق بالصف.

{أو للفرار عن کراهة الوقوف فی صف وحده} لأنه مکروه کما سیأتی

ص:65

أو لغیر ذلک، وسواء کان المشی إلی الأمام أو الخلف أو أحد الجانبین، بشرط أن لا یستلزم الانحراف عن القبلة،

{أو لغیر ذلک} مثل سد الفرج {وسواء کان المشی إلی الأمام أو الخلف أو أحد الجانبین} وذلک لإطلاق الأدلة، واحتمال انصرافها إلی المشی إلی الأمام غیر تام، إذ لو سلم الانصراف فهو بدوی، ویدل علیه بالإضافة إلی ذلک ما دل علی جواز المشی فی الصلاة إذا لم یستلزم فعلاً کثیراً أو محواً لصورة الصلاة.

وموثقة سماعة: «لا یضرک أن تتأخر وراءک إذا وجدت ضیقا فی الصف فتتأخر إلی الصف الذی خلفک، وإن کنت فی صف فأردت أن تتقدم قدامک فلا بأس أن تمشی إلیه».((1))

فإن الروایة وإن لم تکن فی مسألتنا التی هی مسألة المشی للالتحاق بالصف، بل فی مسألة تقدم المصلی من مکانه لأمر شرعی أو غیره، مثل الفرار عن صاحب سوء معه فی الصف مثلا، إلاّ أنها تدل علی المقام بالفحوی أو المناط، ولذلک یحمل صحیحة علی علی الکراهة ونحوها، سأله (علیه السلام) عن القیام خلف الإمام ما حده؟ قال (علیه السلام): «إقامة ما استطعت، فإذا قعدت فضاق المکان فتقدم وتأخر فلا بأس».((2))

{بشرط أن لا یستلزم الانحراف عن القبلة} کما هو المشهور، وذلک لإطلاق أدلة القبلة، وروایات المقام ناظرة إلی جهة البعد، والمراد فی کلام المصنف

ص:66


1- الوسائل: ج5 ص471 الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- المصدر: ح1

وأن لا یکون هناک مانع آخر من حائل أو علو أو نحو ذلک.

نعم لا یضر البعد الذی لا یغتفر حال الاختیار علی الأقوی،

الانحراف المضر، أما غیر المضر کالیسیر المغتفر فلا بأس به، کما أنه لا یلزم أن یکون اتجاه المأموم اتجاه الإمام، ففی المسجد الحرام یجوز أن یلتحق بالجماعة ولو کان اتجاهه منحرفاً عن اتجاه الإمام کثیراً.

نعم إذا کان اتجاهه ضد الإمام، کما إذا صلی وخلفه خلف الإمام، أشکلت الصحة فی مسألة الالتحاق، کما تشکل الجماعة إذا صلی متصلاً بالإمام لکن کان وجهه علی خلاف وجه الإمام.

{وأن لا یکون هناک مانع آخر من حائل أو علو أو نحو ذلک} کما صرح به المستند وغیره، وذلک لإطلاق أدلة مانعیة هذه الأمور، وأخبار المسألة إنما هی ناظرة إلی جهة البعد کما عرفت، أما ذکر المسجد فی الروایات فالظاهر أنه لا خصوصیة له، ولذا أجمعوا علی الصحة فی غیر المسجد أیضاً.

{نعم لا یضر البعد الذی لا یغتفر حال الاختیار علی الأقوی} کما هو ظاهر المشهور، وفی المستند صرح بنسبة ذلک إلی المشهور، وذلک لإطلاق الروایات بل انصرافها إلی ذلک، خلافاً لما عن التذکرة والذکری والبیان والروض والمسالک وجامع المقاصد، بل عن مفتاح الکرامة نسبته إلی الأصحاب من تقیید المسألة بما إذا لم یکن بُعد یمنع الایتمام.

وبما ذکرناه من الدلیل یظهر وجه الإشکال فی دلیل هؤلاء من لزوم وجود شرائط الجماعة التی منها عدم البعد الضار بالجماعة.

ومما ذکرناه یظهر أنه یجوز الاقتداء وإن کان البعد مفرطاً إذا أمکنه اللحوق

ص:67

إذا صدق معه القدوة وإن کان الأحوط اعتبار عدمه أیضاً، والأقوی عدم وجوب جر الرجلین حال المشی،

بما ذکر فی الروایات، مثل ما بعد الرکوع أو ما بعد السجدتین أو ما أشبه ذلک، أما إذا کان أبعد من ذلک فلا یصح الالتحاق، سواء أمکنه الالتحاق بوسیلة إلیه، کما إذا کان بعده مقدار ألف متر مثلا، ویلتحق بالإمام فی سیارة ونحوها، أو لم یمکنه الالتحاق، لأن کلا الأمرین خلاف النص، فاللازم العمل فیهما بمقتضی الأصل. والظاهر أن حال التحاق المأموم بنفسه حال التحاق الإمام، کما إذا علم أن الإمام یتأخر، وحال الاتصال بالصف، کما إذا کانا فی سفینتین بینهما بعد، لکنهما تقتربان فی حال السجود مثلا، أو علم بأن الناس یقفون بینه وبین الإمام فیقتدون به.

{إذا صدق معه القدوة} صدقا فی عرف المتشرعة الذین هم المیزان فی فهم ما تلقوه من ألفاظ الشارع. وفی المستمسک((1)): وظاهر عدم اشتراط ذلک، ولعل مراد المصنف أن هذا القدر هو المنصرف من الأخبار، ففی الأزید من ذلک المرجع الأصل.

{وإن کان الأحوط اعتبار عدمه} أی عدم البعد الذی لا یغتفر حال الاختیار {أیضا} خروجاً عن خلاف من عرفت من مشترطی عدم البعد.

{والأقوی عدم وجوب جر الرجلین حال المشی} کما هو المشهور، لظهور الروایات فی المشی العادی، خلافاً لما عن العزیة وفوائد الشرائع وتعلیق النافع من وجوب جر الرجلین، وعن الموجز وجامع المناصد والمسالک عده من

ص:68


1- المستمسک: ج7 ص215

بل له المشی متخطیا علی وجه لا تنمحی صورة الصلاة، والأحوط ترک الاشتغال بالقراءة والذکر الواجب أو غیره مما یعتبر فیه الطمأنینة حاله

الشروط، لمرسل الفقیه((1))، روی «أنه یمشی یجر رحلیه ولا یتخطی» لکن المرسلة لضعفها لا تصلح لتقیید الظواهر المتقدمة بعد قوتها فی الدلالة علی المشی العادی، ولذا ذهب الدروس والمستند وغیرهما علی استحباب الجر، وکأنه لذلک أفتی الثانی منهما باستحباب الجر فی مسألة المشی فی الصلاة، وإن کان مشیه لأجل سعة المکان ونحوها من موارد المسألة الثانیة.

{بل له المشی متخطیاً علی وجه لا تنمحی صورة الصلاة} بأن لا یکون قفزاً أو رکضاً أو ما أشبه، لانصرف الأدلة عن ذلک، فالمتبع فیه الأدلة الأولیة.

{والأحوط ترک الاشتغال بالقراءة والذکر الواجب أو غیره مما یعتبر فیه الطمأنینة حاله} کما عن الشهیدین الفتوی بذلک، خلافا للمستند وغیره فأجازوا المشی حال القراءة والذکر الواجب تمسکاً بإطلاق الأدلة، وللتنظیر بما إذا کان الإمام فی حال القراءة مع أن الاطمینان واجب للمأموم حال قراءة الإمام، وهذا هو الأقرب.

استدل للمنع بعدم إطلاق فی نصوص المشی یقتضی جوازه، فدلیل الطمأنینة فی الأمور المذکورة محکم _ کذا فی المستمسک بعد أن قوی مذهب الشهیدین _ لکن فیه أنه لا وجه لمنع الإطلاق.

ص:69


1- الوسائل: ج5 ص444 الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح4

ولا فرق فی ذلک بین المسجد وغیره.

ثم الظاهر أنه یجوز المشی فی حال الجلوس أیضاً لوحدة المناط فقراءة التشهد فی حال المشی لا بأس به أیضاً.

{ولا فرق فی ذلک بین المسجد وغیره} لوضوح أنه لا خصوصیة للمسجد وإن ذکر فی نصوص الباب، ولذا لم یقیده بالمسجد أحد فی ما وجدته من کلماتهم.

ثم الظاهر إن حال صلاة الإمام الجالس بالنسبة إلی المأموم الجالس هو حال صلاة الإمام القائم.

کما أنه لو تبین بعد الصلاة عدم صحة إمامة هذا الإمام لفسق أو نحوه لم یضر ذلک بصلاة المأموم، کما ذکر حکمه فی مسألة فسق الإمام.

ولا فرق فی جواز المشی بین إدراک الإمام فی صلاة أخری، کما إذا کان للمأموم العصر فقط، فإذا لم یلحق بالإمام فی ظهره لم یضره لإمکان التحاقه بعصر الإمام أم لا، ولا بین الأداء والقضاء، وإن کان قضاؤه أقل، کما إذا لم یلحق فی قضائه الصبح بالأولی من ظهر الإمام أمکنه الالتحاق به فی ثانیة الإمام، کل ذلک للإطلاق والمناط.

ص:70

فصل شرائط صلاة الجماعة

اشارة

فصل

یشترط فی الجماعة مضافا إلی ما مر فی المسائل المتقدمة أمور:

أحدها: أن لا یکون بین الإمام والمأموم حائل

{فصل}

{یشترط فی الجماعة مضافاً إلی ما مر فی المسائل المتقدمة أمور} إذا لم تراع لم تنعقد الجماعة.

{أحدها: أن لا یکون بین الإمام والمأموم حائل} بلا إشکال ولا خلاف، کما صرح به جملة من العلماء، وقول الفقیه الهمدانی: بلا خلاف فیه علی الظاهر((1))، بإضافة کلمة علی الظاهر، مما لم یظهر وجهه.

وکیف کان، فقد ادعی غیر واحد من الفقهاء کالشیخین والفاضلین والشهید والمحقق الثانی وغیرهم الإجماع علیه، وفی المستند بالإجماع المصرح به فی کلمات جمع من الأواخر والأوائل، ویدل علیه صحیحة زرارة المرویة فی الکافی والفقیه والتهذیب، وروی قطعة منها السرائر، وهی عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام،

ص:71


1- مصباح الفقیه: ج2 ص628 س23

وأی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام وبینهم وبین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة، فإن کان بینهم سترة أو جدار فلیست تلک لهم بصلاة إلاّ من کان حیال الباب». قال: وقال (علیه السلام): «هذه المقاصیر لم تکن فی زمان أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون، لیست لمن صلی خلفها مقتدیاً بصلاة من فیها صلاة». قال: وقال أبو جعفر (علیه السلام): «ینبغی أن تکون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلی بعض ولا یکون بین صفین ما لا یتخطی یکون قدر ذلک مسقط جسد الإنسان».((1))

وهذه الروایة رواها فی الفقیه بتقدیم وتأخیر.

أقول: المقصورة _ أی الحجرة _ أحدثها معاویة خوفاً علی نفسه من أن یضرب فی الصلاة کما ضرب أمیر المؤمنین (علیه السلام)، أو کما رمی الحسن (علیه السلام)، ثم صارت سنة عندهم إلی الیوم، وقوله (علیه السلام): «أحد من الناس» کأنه إشارة إلی الخلفاء الثلاثة، وإلا فعدم کونها فی زمن الرسول (صلی الله علیه وآله) وعلی (علیه السلام) کان واضحاً، ویرید الإمام أن یبین أن الأمویین خالفوا حتی کبرائهم، ولا معارض لهذه الروایة إلا موثق أبی الجهم _ المروی فی التهذیب _ عن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یصلی بالقوم فی مکان ضیق ویکون بینهم وبینه ستراً یجوز أن یصلی بهم؟ قال (علیه السلام): «نعم».((2))

ویرد علیه أولا: الإعراض القطعی عنه.

ص:72


1- الکافی: ج3 ص385 باب الرجل یخطو إلی الصف ح 4
2- التهذیب: ج3 ص276 باب فضل المساجد ح124

یمنع عن مشاهدته، وکذا بین بعض المأمومین مع الآخر ممن یکون واسطة فی اتصاله بالإمام،

ثانیاً: ما عن بعض النسخ من لفظ «شبر» بالشین، والباء مکان «ستر» بالسین والتاء، وهذا غیر بعید، لمناسبة صدر الروایة، ولظهور خبر الدعائم فی کراهته، فقد روی عن الباقر (علیه السلام) أنه قال: «ینبغی للصفوف أن تکون تامة متواصلة بعضها إلی بعض ویکون بین کل من صفین قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة الإمام وبینهم وبین الصف الذی یقدمهم أقل من ذلک فلیس تلک الصلاة لهم بصلاة».((1))

{یمنع عن مشاهدته} مشاهدة عادیة فلا ینفع المشاهدة بواسطة المرایا ونحوها، ثم إن هذا التعبیر لیس فی الروایة، وإنما إضافه الفقهاء لما سیأتی فی بعض المسائل من إخراج الحائط الزجاجی والشبابیک ونحوهما.

{وکذا بین بعض المأمومین مع الآخر، ممن یکون واسطة فی اتصاله بالإمام} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن المتنهی والذکری وغیرهما الإجماع علیه، ویدل علیه الصحیح المتقدم، بل یمکن أن یستفاد ذلک من المناط أیضاً، إذ العرف لا یری للإمام خصوصیة، کما لا یری خصوصیة بین الصفین، فإذا کان حائل بین من فی الصف الأول بأن کان الاتصال منحصراً بنفر بینهم وبینه ستر أو جدار کان ذلک ضاراً بجماعته، ومعه لا مجال للتمسک بإطلاق أدلة الجماعة.

ص:73


1- الدعائم: ج1 ص156 فی ذکر الجماعة والصفوف

کمن فی صفه من طرف الإمام أو قدامه إذا لم یکن فی صفه من یتصل بالإمام، فلو کان حائل ولو فی بعض أحوال الصلاة من قیام أو قعود أو رکوع أو سجود بطلت الجماعة،

نعم لا إشکال فی الصلاة حول الکعبة وإن کانت الکعبة فاصلة بین الإمام والمأمومین المستدیرین حولها، لانصراف أدلة ضرر الحائل عن مثلهم، بالإضافة إلی الدلیل الخاص الوارد فی صحة مثل هذه الصلاة، فإذا کان المصلی {کمن فی صفه من طرف الإمام أو قدامه إذا لم یکن فی صفه من یتصل بالإمام} لم تصح جماعته، ثم إن ضرر الحائل بالجماعة لیس خاصاً ببعض أحوال الصلاة، بل اللازم أن یکون کل الصلاة بلا حائل.

{فلو کان حائل ولو فی بعض أحوال الصلاة من قیام أو قعود أو رکوع أو سجود بطلت الجماعة} من وقت تحقق الحائل، وذلک لأن ظاهر النص والفتوی لزوم کون عدم الحائل فی جمیع أحوال الصلاة، فحال اشتراط عدم الحائل حال اشتراط القبلة والطهارة بالنسبة إلی أصل الصلاة، وحال عدم علو الإمام وعدم البعد بالنسبة إلی الجماعة ظاهره الاشتراط فی کل جزء جزء من الصلاة، فما عن الشیخ المرتضی (رحمه الله) من انصرف النص إلی الدخول مع الحائل محل تأمل، ولذا قال فی المستمسک:((1)) إن الانصراف المذکور ممنوع، قال فی المستند: ویستفاد من بعض الکلمات عدم البأس بوجود الحائل التام فی بعض الأحوال دون بعض _ إلی إن قال _ إنه غیر سدید، لأنه تقیید للإطلاق

ص:74


1- المستمسک: ج7 ص223

من غیر فرق فی الحائل بین کونه جداراً أو غیره ولو شخص إنسان لم یکن مأموماً.

المذکور بلا مقید.((1))

أقول: ومنه یعلم عدم صحة التمسک باستصحاب بقاء الجماعة إذا حصل الحائل فی الأثناء، إذ لا مجال للأصل مع وجود الدلیل.

{من غیر فرق فی الحائل بین کونه جداراً أو غیره} لإطلاق النص والفتوی {ولو شخص إنسان لم یکن مأموماً} یعنی لهذا الإمام، ولو کان مأموماً لإمام آخر، کما إذا تداخل صفا إمامین، واستدل لمانعیة الإنسان بما تقدم من الصحیح فإن السترة شاملة له، وفیه: إن الظاهر انصراف السترة عن مثل الإنسان، فإن السترة الظاهرة فی القماش ونحوه، ولذا لا یصح أن یقال کان بینی وبین زید سترة إذا کان بینهما إنسان إلاّ بنحو المجاز.

نعم إذا کان الإنسان الفاصل بین الصفین فإنه یضر من جهة البعد الضار، کما أنه إذا کان فی الصف الأول عدة أفراد غیر مقتدین، فإن ذلک ضار من جهة أنه خلاف الطریقة المتلقاة من الشرع، أما التمسک للمنع بأصالة عدم الجماعة إذا شک فی شرط ونحوه فهو غیر تام، بل الأصل المستفاد من الإطلاقات ومن أصالة البراءة الصحة إلاّ إذا علم الشرط، کما هو کذلک فی کل عبادة أو معاملة شک فی اعتبار شرط بعد الصدق العرفی لدی العرف العام فی المعاملة، ولدی المتشرعة فی العبادة.

ص:75


1- المستند: ج1 ص530 س6

نعم إنما یعتبر ذلک إذا کان المأموم رجلا، أما المرأة فلا بأس بالحائل بینها وبین الإمام أو غیره من المأمومین مع کون الإمام رجلا، بشرط أن تتمکن من المتابعة بأن تکون عالمة بأحوال الإمام من القیام والرکوع والسجود ونحوها،

{نعم إنما یعتبر ذلک} عدم الحائل {إذا کان المأموم رجلا} للدلیل السابق {أما المرأة} إذا کانت مأمومة للرجل {فلا بأس بالحائل بینها وبین الإمام أو غیره من المأمومین} الرجال {مع کون الإمام رجلا} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن التذکرة نسبته إلی علمائنا، خلافا للمحکی فعمم الشرط المذکور للنساء أیضا، والمشهور هو الأقوی لموثق عمار، سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل یصلی بالقوم وخلفه دار فیها نساء هل یجوز لهن أن یصلین خلفه؟ قال (علیه السلام): «نعم إن کان الإمام أسفل منهن». قلت: فإن بینهن وبینه حائطاً أو طریقاً؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس».((1))

والمفهوم من هذه الروایة عدم الفرق فی الفصل بالحائط ونحوه أن یکون بین الإمام وبینهن أو بینهن وبین المأمومین، لقوله یصلی بالقوم، أما الحلی فکأنه استضعف الروایة فأخذ بدلیل المشارکة، ولا وجه له بعد کونها موثقة مشهورة قدیماً وحدیثاً.

{بشرط أن تتمکن من المتابعة بأن تکون عالمة بأحوال الإمام من القیام والرکوع والسجود ونحوها} کما ذکره المستند، إذ تتوقف الجماعة علی

ص:76


1- الوسائل:ج 5 ص461 الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة ح1

مع أن الأحوط فیها أیضا عدم الحائل هذا. وأما إذا کان الإمام امرأة أیضا فالحکم کما فی الرجل.

علم المأموم، وهذا شرط عام لا خصوصیة له بالمرأة، وإنما ذکر هنا لأن الحائل قد یوجب عدم العلم مما یسبب البطلان للجماعة.

{مع أن الأحوط فیها أیضا عدم الحائل} خروجاً من خلاف الحلی، ولا یخفی ضعف هذا الاحتیاط.

{هذا} کله إذا کان الإمام رجلا {وأما إذا کان الإمام امرأة أیضا فالحکم کما فی الرجال} کما ذکره غیر واحد، بل عن العزیة الإجماع علیه، وکأنه لقصور الموثق عن شمول المرأة، فالمرجع فیه عموم ما دل علی عدم الحائل، ومقابل ذلک احتمال الاغتفار فی المرأة مطلقا ولو کان إمامها امرأة أیضاً، لأن الصحیح السابق ظاهر فی کون الإمام رجلاً فلا یشمل ما إذا کان الإمام امرأة، فالمرجع فیها أصالة عدم الاشتراط، وهذا وإن لم یکن بعیداً فی نفسه إلاّ أن المشهور هو الأقرب.

ثم الخنثی فی حکم الرجل، لما تقدم مکرراً فی هذا الشرح من لزوم الاحتیاط علیها لعلمها الإجمالی بأنها إما رجل أو امرأة، فاللازم علیها الاحتیاط بالتکلیفین فإذا کان المأموم خنثی فاللازم عدم الحائل، وکذلک إذا کان کل من الإمام والمأموم خنثی، وإن کان ربما یحتمل عدم تکلیف الخنثی إلاّ بالتکالیف المشترکة بین الجنسین، وذلک لأنه لا حرج فی الدین ولزوم احتیاطها فی کل التکالیف یوجب أکبر حرج علیها، فتأمل.

ص:77

الثانی: أن لا یکون موقف الإمام أعلی من موقف المأمومین

{الثانی: أن لا یکون موقف الإمام أعلی من موقف المأمومین} کما هو المشهور، بل عن التدکرة الإجماع علیه، خلافا لمحکی الخلاف فقال بالکراهة مدعیاً علیه إجماع الطائفة، واختاره المدارک، وتردد فی الحکم المعتبر والشرائع والنافع والکفایة والذخیرة.

استدل المشهور بمفهوم موثق عمار السابق: «إن کان الإمام أسفل منهن» فإنه وإن کان المفهوم البأس فی الأعلی والمساوی إلاّ أن جواز المساوی خارج بالنص والإجماع فیبقی الأعلی محذوراً، وبموثق عمار المروی فی الکافی والفقیه، ورواه التهذیب أیضاً عن الصادق (علیه السلام) عن الرجل یصلی بقوم وهم فی موضع أسفل من موضعه الذی یصلی فیه؟ فقال (علیه السلام): «إن کان الإمام علی شبه الدکان أو علی موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن کان أرفع منهم بقدر إصبع أو أکثر أو أقل إذا کان الارتفاع منهم بقدر شبر، فإن کان أرضاً مبسوطة وکان فی موضع منها ارتفاع فقام الإمام فی الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلاّ أنهم فی موضع منحدر؟ قال (علیه السلام): «لا بأس».((1))

وقد اضطربت هذه الروایة اضطراباً کثیراً، قال فی المستمسک عند کلمة «إذا کان الارتفاع منهم» ما لفظه: فی الکافی «ببطن مسیل»، وکذا عن بعض نسخ التهذیب، وعن أخری «یقطع میلا»، وعن ثالثة «بقدر شبر»، وعن رابعة «بقدر یسیر»، وعن الفقیه «یقطع سبیلا»، وعن التذکرة «بقدر شبر»، وعن الذکری

ص:78


1- التهذیب: ج3 ص53 باب أحکام الجماعة ح97

«ولو کان أرفع منهم بقدر إصبع إلی شبر فإن کان»،((1)) انتهی.

ویؤیده بل یدل علیه: ما عن التهذیب، عن محمد بن عبد الله، عن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الإمام یصلی فی موضع والذین خلفه یصلون فی موضع أسفل منه، أو یصلی فی موضع والذین خلفه فی موضع أرفع منه؟ فقال (علیه السلام): «یکون مکانهم مستویا». قال: قلت: فیصلی وحده فیکون موضع سجوده أسفل من مقامه؟ فقال (علیه السلام): «إذا کان وحده فلا بأس».((2))

واستدل للحکم أیضاً فی محکی الذکری بما روی من أن عماراً (رحمه الله) تقدم لصلاة علی دکان والناس أسفل منه فقدم حذیفة فأخذ بیده حتی أنزله، فلما فرغ من صلاته قال له حذیفة: ألم تسمع رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول: «إذا أم الرجل القوم فلا یقومن فی مکان أرفع من مقامهم»، قال عمار: فلذلک اتبعتک حین أخذت علی یدی.

قال: وروی أن حذیفة أمّ علی دکان بالمدائن فأخذ عبد الله بن مسعود بقمیصه فجذبه فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم کانوا ینهون عن ذلک؟ قال: بلی فذکرت حین جذبتنی.((3))

وربما استدل للحکم بصحیحة زرارة الدالة علی المنع عن أن یکون بین الإمام والمأمومین أو بین الصفین ما لا یتخطی، بدعوی شموله للمقام.

وقد ناقش فی الکل من قال بالکراهة.

ص:79


1- المستمسک: ج7 ص224
2- التهذیب: ج3 ص282 فی فضل المساجد 155
3- الذکری: ص273

علواً معتداً

أما الموثقة الأولی فقد أشکل علیه المدارک بضعف السند وتهافت المتن وقصور الدلالة، وأما خبر محمد فبأنه محمول علی الکراهة، بقرینة السیاق حیث إن صلاة المأموم أرفع من الإمام مکروه.

وأما خبرا الذکری فقد رمیا بالعامیة، وإن احتمل فی الحدائق کونهما من الأصول التی وصلت إلی الشهید ولم تصل إلینا، وأما الصحیحة فبما فی مصباح الفقیه من ظهورها فی البعد المبسوط علی الأرض، والظاهر أن العمدة فی المستند هو روایة عمار المضطربة، واضطرابها یؤثر فی الاعتماد علیها إلاّ إذا أیدت بالشهرة القطعیة، فالحکم أقرب إلی کونه احتیاطا من کونه فتوی.

نعم ربما یستدل لذلک بالتلقی من الشارع بعد قوله (صلی الله علیه وآله): «صلوا کما رأیتمونی أصلی».((1)) وهذا یصلح أن یکون مؤیداً أیضاً ویقّوی جانب الاحتیاط.

{علواً معتمداً به} کما عن الشرائع والقواعد واللمعة.

والقول الثانی إحالته إلی العرف والعادة کما نقله المستند عن الحلی وجماعة، بل الأکثر.

والقول الثالث تقدیره بما لا یتخطی کما عن النهایة والتذکرة والدروس والبیان والمسالک والروض.

والقول الرابع تقدیره بشبر، کما حکی عن جماعة.

استدل للأول: بإطلاق الروایة بعد عدم المبالاة بقوله (علیه السلام): «وإن کان أرفع منهم». لاختلاف نسخ الکافی والتهذیب والفقیه وغیرها فیه اختلافاً کثیراً، فاللازم حمل إطلاقها علی المعتد به، إذ هو المنصرف عنها.

ص:80


1- العوالی: ج3 ص85 ح76

به دفعیاً کالأبنیة ونحوها، لا انحداریاً علی الأصح

وللثانی: بأن عرف المتشرعة هو المرجع، حیث لا تقدیر فی الشرع، ولا تقدیر فی المقام.

وللثالث: بأنه المقدر فی صحیحة زرارة السابقة.

وللرابع: بأنه المقدر فی الموثقة.

ولعل الأقرب الأول، أما الإحالة إلی عرف المتشرعة ففیها إنه لا شیء واضح لدیهم فی هذا الباب، کیف وکبراء المتشرعة وهم الفقهاء اختلفوا فی التقدیر، وصحیحة زرارة قد تقدم أنها ظاهرة فی البعد المبسوط علی الأرض، وقد عرفت اضطراب الموثقة بما لا یمکن الاعتماد علی بعض نسخها.

{دفعیاً کالأبنیة ونحوها، لا انحداریاً علی الأصح}، وذلک لأن المنصرف من النص والفتوی المنع عن الدفعی، ولوضوح أن المسلمین کانوا یصلون فی الصحاری وهی کثیراً ما تکون انحداریة، ولم ینقل تقیدهم لعدم علو الإمام فی الانحداری، وربما احتمل المنع عن الانحداری أیضاً، لأنه علو أیضاً والانصراف ممنوع، لکن عن الریاض أنه لا خلاف فی جواز العلو الانحداری، وفی المستند نسب عدم الخلاف فی الحکم إلی القیل ثم استدل له بذیل الموثقة الأخیرة: «وإن کان أرضاً مبسوطة وکان فی موضع منها ارتفاع مقام الإمام فی الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلاّ أنهم فی موضع منحدر فلا بأس».

وکیف کان فالحکم هو عدم البأس إلاّ أنه یلزم تقییده بعدم کون الانحدار کثیراً یشبه الدفع

ص:81

من غیر فرق بین المأموم الأعمی والبصیر والرجل والمرأة، ولا بأس بغیر المعتد به مما هو دون الشبر، ولا بالعلو الانحداری حیث یکون العلو فیه تدریجیا علی وجه لا ینافی صدق انبساط الأرض.

وأما إذا کان مثل الجبل

{من غیر فرق بین المأموم الأعمی والبصیر} بلا خلاف إلاّ من أبی علی، فإنه أجاز ارتفاع الإمام إذا کان المأموم أعمی، استدل المشهور بإطلاق النص والفتوی، واستدل لأبی علی بأن فرض البصراء الاقتداء بالنظر، وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع، وفیه ما لا یخفی.

{والرجل والمرأة} کما هو المشهور، بل لم أجد خلافاً فی المسألة، ووجهه قاعدة الاشتراک، خلافاً لاحتمال عدم الضرر بالنسبة إلی المأموم المرأة، فإنه کما لا یضر الحائل لا یضر ارتفاع الإمام، وفیه: إنه قیاس بلا دلیل، ومنه یعلم عدم الفرق بین أن یکون المأموم بالغاً أو غیر بالغ للإطلاق المذکور.

{ولا بأس بغیر المعتد به مما هو دون الشبر} کما تقدم الکلام فیه، وکأن المصنف أراد الجمع بین الانصراف من النص، وبین التحدید الوارد فی بعض النسخ.

{ولا بالعلو الانحداری} کما تقدم وجهه {حیث یکون العلو فیه تدریجیاً علی وجه لا ینافی صدق انبساط الأرض} فیتحقق أکثر من شبر بین الإمام وبین المأمومین فی الصفوف المتأخرة.

{وأما إذا کان مثل الجبل} مما کان الانحدار شبه الدفعی _ علی ما تقدم _

ص:82

فالأحوط ملاحظة قدر الشبر فیه، ولا بأس بعلو المأموم علی الإمام ولو بکثیر.

{فالأحوط ملاحظة قدر الشبر فیه} بل جعله المستمسک متعیناً، واستدل له بالأصل، لکنک قد عرفت أن الأصل عدم اعتبار الشرط المشکوک وعدم مانعیة الشیء المشکوک مانعیته.

{ولا بأس بعلو المأموم علی الإمام ولو بکثیر} حکی الإجماع علی ذلک صریحاً أو ظاهراً فی الخلاف والتنقیح والمنتهی والمدارک والذخیرة والریاض والمفاتیح والمستند وغیرها، وذلک للأصل، ولذیل الموثق المتقدم: وسأل فإن قام الإمام من موضع من یصلی خلفه؟ قال (علیه السلام): «لا بأس» قال: «وإن کان الرجل فوق بیت أو غیر ذلک دکاناً کان أم غیره، وکان الإمام یصلی علی الأرض أسفل منه جاز للرجل أن یصلی خلفه ویقتدی بصلاته وإن کان أرفع منه بشیء کثیر».((1))

وما رواه علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل هل یحل له أن یصلی خلف الإمام فوق دکان؟ قال: «إذا کان مع القوم فی الصف فلا بأس».((2))

وفی روایة عمار: هل یجوز لهن أن یصلین خلفه؟ قال (علیه السلام): «نعم إن کان الإمام أسفل منهن».((3))

أما ما تقدم من روایة محمد بن عبد الله((4))، عن الرضا (علیه السلام) حیث قال:

ص:83


1- الوسائل: ج5 ص463 الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ص464 ح4
3- المصدر: ص463 ح2
4- المصدر: ح3

الثالث: أن لا یتباعد المأموم عن الإمام

یکون مکانهم مستویاً فهو محمول علی الفضل، بقرینة تلک الروایات، وقد ظهر من إطلاق بعض الروایات، وتصریح الموثقة عدم البأس بالعلو الکثیر، وهذا هو المشهور، بل عن العزیة والتذکرة الإجماع علی صحة صلاة المأموم، وإن کان علی شاهق.

أما ما عن جماعة من تقییده بما لم یؤد إلی علو مفرط، بل عن النجیبیة الإجماع علیه، فکأنه لأجل أن ذلک خلاف ارتکاز المتشرعة، ولا إطلاق فی الروایات لانصرافها إلی مثل الدکان ونحوه، وفی کلیهما نظر، فما اختاره المصنف هو الأقرب، علیه تصح صلاة المصلی فی سطح الکشوانیة أو سطح الحرم الشریف فی کربلاء المقدسة وغیرها فیما اقتدی بالإمام الذی یکون فی الصحن الشریف.

ثم إنه لا فرق بین أن یکون العلو مع اتصال کالأبنیة، أو مع الانفصال کما إذا صلی جماعة فی طائرة واقفة فی الجو.

{الثالث: أن لا یتباعد المأموم عن الإمام} بلا إشکال ولا خلاف فی الجملة، بل عن التذکرة والمدارک والذخیرة والمفاتیح الإجماع علیه، واستدل له بالأصل وبتوقیفیة العبادة بعد أن کانت الجماعة المتلقاة من الشارع بدون الفصل، وقد قال (صلی الله علیه وآله): «صلوا کما رأیتمونی أصلی»((1))، وبالإجماع، وبصحیحة زرارة السابقة: «إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام وبینهم وبین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة» _ إلی أن قال: _ وقال أبو جعفر

ص:84


1- العوالی: ج3 ص85 ح76

(علیه السلام): «أن تکون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلی بعض لا یکون بین الصفین ما لا یتخطی، یکون قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد»، قال: وقال (علیه السلام): «وأیما امرأة صلت خلف إمام وبینها وبینه ما لا یتخطی فلیس لها تلک بصلاة». قال: قلت: فإن جاء إنسان یرید أن یصلی کیف یصنع وهی إلی جانب الرجل؟ قال: «یدخل بینها وبین الرجل وتنحدر هی شیئاً».((1))

وبصحیحة عبد الله بن سنان،((2)) عن الصادق (علیه السلام) قال: «أقل ما یکون بینک وبین القبلة مربض غنم، وأکثر ما یکون مربض فرس». بناءً علی أن المراد بالقبلة الصف الذی قبلک، أو الإمام الذی تقتدی به، إذ من المحتمل أن یراد بالقبلة الحائط الذی یکون أمام المصلی حین الصلاة ولو کان فرادی، وأن یراد محل السجدة، فالحدیث إشارة إلی أن لا یمتد الإنسان کثیراً فی السجود، ولا أن یمتد قلیلا.

وبما رواه الجعفریات، بإسناده إلی علی (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لا یتباعد أحدکم من القبلة فیکون بینه وبین القبلة فرجة فیتخذه الشیطان طریقاً»، قیل: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله): نبئنا عن ذلک؟ قال (صلی الله علیه وآله): «کمربض الثور».((3))

وبروایة الدعائم عن الباقر (علیه السلام) أنه قال: «ینبغی للصفوف أن تکون

ص:85


1- الوسائل: ج5 ص462 الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- المصدر: ح3
3- الجعفریات: ص41

تامة متواصلة بعضها إلی بعض، ویکون بین کل صفین قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة الإمام وبینهم وبین الصف الذی یقدمهم أقل من ذلک فلیس تلک الصلاة لهم بصلاة».((1))

وأشکل علی کل هذه الأدلة، أما الأصل فقد عرفت بأن الأصل یقتضی البراءة من الشرطیة المشکوکة إذا کان إطلاق أو تحقق الصدق عند المتشرعة. وأما توقیفیة العبادة فلا إشکال فیها، إلاّ أن عدم تحقق الجماعة بعدم تحقق المقدار الذی عیّنوه للفاصل أول الکلام بعد حصول صدق الجماعة، ألا تری أنه لو کانت صفوف کل صف ینفصل عن الآخر بمقدار خمسة أذرع _ مثلا _ صدقت الجماعة.

وأما الإجماع فهو محتمل الاستناد ولذا کان اللازم البحث حول مستنده.

وأما الصحیحة فلا یبعد حملها علی الاستحباب لقوله (علیه لاسلام): «لا ینبغی»، الذی هو أظهر فی مفاده من قوله (علیه السلام): «فلیس تلک لهم بصلاة»، وقوله: «فلیس ذلک الإمام لهم بإمام».

وربما أشکل علی الصحیحة بعدم معلومیة المراد بقوله (علیه السلام): «ما لا یتخطی» وهل إن المراد به ما لا یتخطییمن حیث العلو، أو من حیث المسافة أو من حیث الحائل، وبأنه علی تقدیر ظهورها بالمسافة لا بد من حملها علی الندب من جهة أنه لا إشکال فی عدم لزوم التصاق رؤوس الصف المتأخر بأقدام الصف المتقدم، کما هو مقتضی قوله (علیه السلام): «مسقط جسد الإنسان». لکن کلا الإشکالین غیر وارد، إذ ظاهر قوله (علیه السلام): «ما لا یتخطی» المسافة

ص:86


1- الدعائم: ج1 ص156 فی ذکر الجماعة والصفوف

بما یکون کثیراً فی العادة إلاّ إذا کان فی صف متصل بعضه ببعض، حتی ینتهی إلی القریب، أو کان فی صف لیس بینه وبین الصف المتقدم البعد المزبور،

_ کما تقدم _ وتؤیده قرینتان وهما قوله (علیه السلام): «مسقط جسد الإنسان» وقوله (علیه السلام): «وتنحدر هی» کما إن ظاهر أن یکون بین الصفین قدر جسد الانسان أن یکون بین قدم الصف المتقدم وبین رأس الصف المتأخر هذا المقدار، لا أن یکون بین قدم المتأخر وقدم المتقدم فی حال السجود هذا المقدار، ویؤیده أن ما لا یتخطی المعتبر بین الصفین _ الذی هو عبارة أخری عن مسقط الجسد _ إنما یکون بین الرأس والقدم للصفین، لا بین قدمیهما.

وأما صحیحة ابن سنان فلابد أن تحمل علی الاستحباب بقرینة قوله (علیه السلام): «أقل ما یکون» مع أنه مستحب قطعاً، فوحدة السیاق توجب إفادة «الأکثر» فیها، للاستحباب، وکذا ظاهر روایة الجعفریات الاستحباب للتعلیل الموجود فیها.

وأما روایة الدعائم فهی ضعیفة السند، وفیها قرائن الاستحباب، وعلیه فلا دلیل علی لزوم ذلک إلاّ ما تقدم من ما کان البعد بمقدار یوجب عدم صدق الجماعة فی عرف المتشرعة، وهو أوسع مما ذکره جماعة منهم، وإن کان الظاهر من آخرین ما ذکرناه.

ولذا قال المصنف: {بما یکون کثیراً فی العادة} هذا {إلا إذا کان فی صف متصل بعضه ببعض، حتی ینتهی إلی القریب} فإنه من الضروری عدم اشتراط القرب إلی الإمام بالنسبة إلی کل واحد من المأمومین.

{أو کان فی صف لیس بینه وبین الصف المتقدم البعد المزبور} فإنه من الضروری

ص:87

وهکذا حتی ینتهی إلی القریب، والأحوط احتیاطا لا یترک أن لا یکون بین موقف الإمام ومسجد المأموم أو بین موقف السابق ومسجد اللاحق أزید من مقدار الخطوة التی تملأ الفرج،

أیضاً عدم اشتراط القرب إلی الإمام بالنسبة إلی الصفوف المتأخرة.

{وهکذا} فالمعیار هو القرب إلی الإمام أو إلی من یکون فی الجماعة {حتی ینتهی إلی القریب} إلی الإمام {والأحوط احتیاطاً لا یترک} عند المصنف {أن لا یکون بین موقف الإمام ومسجد المأموم أو بین موقف السابق ومسجد اللاحق أزید من مقدار الخطوة التی تملأ الفرج} فإن فی المسألة أقوالا أربعة:

الأول: ما حکاه المدارک عن الشیخ فی المبسوط من جواز البعد بثلاثمائة ذراع، ولعله یری صدق الجماعة علی هذا المقدار.

وفیه: أولاً: إنه إن أراد الصدق عند العرف فهو کما إذا سافر جماعة أو أکل جماعة، مع فاصل بینهم بهذا المقدار، حیث یصدق عرفاً أنهم جماعة أو أکلوا جماعة، ففیه: إن الصدق العرفی وإن کان مسلماً إلاّ أن الموضوعات المخترعة لا یرجع فی تحدیدها إلی العرف، وإن أراد الصدق عند المتشرعة بما تلقوه من الشارع ففیه: إنه وإن صح مراجعتهم فی أمثال ذلک إلاّ أن عرف المتشرعة لا یرون صدق جماعة الصلاة بهذا المقدار، وإن رأوا صدق جماعة الحرب فی قوله:﴿إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذینَ یُقاتِلُونَ فی سَبیلِهِ صَفًّا﴾.((1))

وثانیاً: إن المعیار لو کان الصدق لم یکن وجه لهذا التحدید بالذات،

ص:88


1- سورة الصف: الآیة 4

وأحوط من ذلک مراعاة الخطوة المتعارفة،

فإن ثلاثمائة وخمسة أذرع مثلا حالها الثلاثمائة فی الصدق.

ثم إنه ربما أشکل علی المدارک بعدم قول الشیخ بذلک، وفیه إن ظاهر کلامه فی المبسطوط موافق لما نقله المدرک فراجع.

الثانی: مقابل هذا القول وهو قول الحدائق، وذلک بأن یصل رأس المتأخر عند سجوده بقدم المتقدم، وفیه ما ذکره الفقیه الهمدانی (رحمه الله) بأنه مما لا یمکن الالتزام بوجوبه لوضوح مخالفته للسیرة الجاریة بین المسلمین.

أقول: بل لا وجه للقول باستحبابه أیضاً، إذ لا دلیل علیه.

الثالث: اعتبار ما لا یتخطی وهو الذی ذهب إلیه السیدان المرتضی وابن زهرة والحلّی وغیرهم، بل عن الثانی منهم دعوی الإجماع علیه، وفیه: إن مستنده ما عرفت من الأدلة التی کلها لا تفی بالوجوب فاللازم حمله علی الأفضلیة.

الرابع: ما اخترناه من عدم البعد الکثیر عادة، وإن کان أکثر مما لا یتخطی وذلک لصدق الجماعة عند المتشرعة، وإطلاق الأدلة وعدم ما یصلح للتقیید مما ذکروه، ولو فرض وصول النوبة إلی الأصل فالأصل عدم الاشتراط، وإن أصر المستمسک فی کون الأصل الاشتغال فی کل مورد شک فی شرط أو مانع، فإن ما ذهب إلیه غیر واضح الوجه، وإن أطال الکلام فی تشییده وتأییده.

ثم إن کلام المصنف (تملأ الفرج) من باب حمل «ما لا یتخطی» علی ما لا یمکن تخطیه، لا علی عدم الخلوة المتعارفة، ولا یبعد أن یکون المنصرف من لا یتخطی بین الأمرین.

{وأحوط من ذلک مراعاة الخطوة المتعارفة} وهی ثلاثة أقدام، أو ثلاثة

ص:89

والأفضل بل الأحوط أیضاً، أن لا یکون بین الموقفین أزید من مقدار جسد الإنسان إذا سجد. بأن یکون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل.

الرابع: أن لا یتقدم المأموم علی الإمام فی الموقف،

أشبار، لأن کل قدم شبر، وذلک لاحتمال أن یراد بما لا یختطی الخطوة المتعارفة.

{والأفضل بل الأحوط أیضاً، أن لا یکون بین الموقفین أزید من مقدار جسد الإنسان إذا سجد} لما تقدم من صحیحة زرارة من قوله (علیه السلام): «یکون قدر ذلک مسقط الإنسان إذا سجد».

{بأن یکون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل} کما نقلنا لزومه عن صاحب الحدائق، لکنک قد عرفت أن المستفاد من الصحیحة أن هذا القدر یکون بین مسجد اللاحق وموقف السابق، لا بین الموقفین، فإن قوله (علیه السلام): «وأن لا یکون بین الصفین ما لا یتخطی». ثم تفسیره ذلک بمسقط الجسد، ظاهر فی المعنی الذی ذکرناه، لأن الصفین ظاهره فی جمیع حالات الصلاة لا فی حالة وقوفهما، ألا تری أنه لو قال بین الدارین أو بین الملعبین کان ظاهره انتهاء الدار إلی ابتداء الدار الثانیة، وانتهاء محل اللعب إلی ابتداء الملعب الثانی لا أول الدارین وأول الملعبین، فجعل المعتبر هذا المقدار من الفاصل أفضل محل نظر.

{الرابع: أن لا یتقدم المأموم علی الإمام فی الموقف} بلا إشکال ولا خلاف،

ص:90

فلو تقدم فی الابتداء أو الأثناء بطلت صلاته إن بقی علی نیة الائتمام

بل عن الفاضلین والشهیدین والمحقق الثانی وغیرهم الإجماع علیه، وفی المستند بالإجماع المحقق والمحکی مستقیضاً، ویدل علیه السیرة المستمرة، والطریقة المتلقاة من الشارع، بضمیمة أن العبادات توقیفیة، والأخبار الواردة فی قیام المأموم جنب الإمام أو خلفه، فالمسألة مما لا ینبغی الإشکال فیها.

أما فی المسجد الحرام حول الکعبة، فقد دل الدلیل علی صحة الجماعة المستدیرة إذا کان الإمام أقرب إلی الکعبة منهم أو مساویاً لهم، فلا یکون ذلک منافیاً لما ذکرناه، فإنه من باب التخصیص أو التخصص.

{فلو تقدم فی الابتداء أو الأثناء بطلت} جماعته لما صرح به غیر واحد کالشهید والشیخ المرتضی وغیرهما، وذلک لما سبق فی بعض المسائل من أن بطلان الجماعة لا یوجب بطلان الصلاة، وهذا مقابل ما ذکره المصنف بقوله: بطلت {صلاته إن بقی علی نیة الایتمام} وما ذکره غیره من إطلاق البطلان، وإن احتمل إرادتهم بطلان الجماعة، أو إرادتهم ما ذکره المصنف، أو إرادتهم ما إذا خالف المأموم وظیفته مطلقا، أو خالف فیما یوجب البطلان عمداً أو سهواً، کزیادة الرکوع تبعاً.

أقول: أما إذا فعل ما یوجب البطلان علی کل حال، فالبطلان حسب القاعدة، وأما إذا لم یفعل ذلک، فالبطلان للصلاة لا وجه له وإن زاد ونقص، لأنه داخل فی حدیث «لا تعاد» إذا لم یصدر منه الزیادة والنقیصة عمداً، أی مع الالتفات إلی بطلان جماعته.

أما القول بالبطلان مطلقا، فقد استدل له بأن ما نواه لم یکن، وما کان لم ینوه

ص:91

والأحوط تأخره عنه وإن کان الأقوی جواز المساواة

وفیه: إن ما نواه من أصل الصلاة کان، وإنما أخطأ فی زعمه أنه جماعة، والخطأ فی التطبیق لا یوجب البطلان.

کما استدل للمصنف بأن البطلان هو مقتضی شرطیة عدم التقدم أمثال الحدث والقبلة ونحوهما.

وفیه: إن الشرط للجماعة لا لأصل الصلاة، بخلاف القبلة والطهارة، فهما شرط الصلاة.

ثم الظاهر بطلان الجماعة وإن حدث ذلک لحظة، لفقد شرط الجماعة، وقد سبق أن الانفراد لا یتبدل إلی الجماعة، لو أراد أن ینقل إلی الجماعة بعد أن انفرد.

{والأحوط تأخره عنه وإن کان الأقوی جواز المساواة} علی المشهور کما فی المستند، بل بلا خلاف إلاّ من الحلی کما عن الریاض، بل إجماعاً کما عن التذکرة، وعن مفتاح الکرامة قال:((1)) وقد یظهر من جمل العلم والعمل موافقة الحلی فی المنع.

ویدل علیه الأصل والإطلاق، وما دل علی وقوف المأموم الواحد عن یمین الإمام وما دل علی وقوف المأموم حذاء الإمام إذا لم یجد مکاناً فی الصف، وما دل علی قیام المرأة إذا کانت إماماً وسط الصف ولا تبدو، وما دل علی أنه إذا صلی اثنان، وقال کل واحد منهما کنت إماماً، فإن ذلک لا یکون _ غالباً _ إلاّ بکونهما متساویین، وما دل علی التساوی فی إمامة العراة، وما دل علی أن جماعة إذا جاؤوا إلی المسجد قبل أن یتفرق جمیع من فیه وأرادوا أن یصلوا جماعة فلیقوموا فی ناحیة المسجد ولا یبدوا بهم إمام.

وخبر الحسین بسنده إلی علی (علیه السلام): «الرجلان صف، فإذا کانوا ثلاثة

ص:92


1- انظر: مفتاح الکرامة: ج3 ص417

تقدم الإمام».((1))

کما أنه استدل لذلک بما رواه التهذیب، عن محمد بن عبد الله قال: کتبت إلی الفقیه أسأله عن الرجل یزور قبور الأئمة هل یجوز أن یسجد علی القبر أم لا؟ وهل یجوز لمن صلی عند قبورهم أن یقوم وراء القبر ویجعله قبلة ویقوم عند رأسه ورجلیه؟ وهل یجوز أن یتقدم القبر ویصلی ویجعله خلفه أم لا؟ فأجاب، وقرأت التوقیع ومنه نسخت: «وأما السجود علی القبر فلا یجوز فی نافلة ولا فریضة ولا زیادة، بل یضع خده الأیمن علی القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه ویجعله الإمام، ولا یجوز أن یصلی بین یدیه لأن الإمام لا یتقدم ویصلی عن یمینه وشماله».((2)) فإن جعله (علیه السلام) القبر بمنزلة الإمام وإجازة الصلاة عن یمینه وشماله، دلیل علی جواز صلاة الجماعة عن یمین الإمام وشماله.

ولا یعارضه ما رواه الحمیری عن صاحب الزمان _ کما فی الاحتجاج _ مثله، إلاّ أنه قال: «ولا یجوز أن یصلی بین یدیه ولا عن یمینه ولا عن شماله، لأن الإمام لا یتقدم ولا یساوی».((3)) إذ هذا الخبر لضعف سنده لا یقاوم الخبر السابق، وإن احتمل أنهما خبر واحد.

وقد نوقش فی جمیع الأدلة المذکورة إلاّ أن أغلب المناقشات لیس فی موردها، کما یظهر من الکتب المفصلة مناقشة وجواباً عنها، فإنه لو کان فی حقیقة الجماعة تأخر المأموم کان کل تلک الموارد التی ذکرناها تخصیصاً، وهذا فی غایة البعد

ص:93


1- انظر: ج5 ص414 الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- التهذیب: ج2 ص228 فی ما یجوز الصلاة... ح106
3- الاحتجاج: ج2 ص490

ولا بأس بعد تقدم الإمام فی الموقف أو المساواة معه بزیادة المأموم علی الإمام فی رکوعه وسجوده لطول قامته ونحوه،

فهی کاشفة عن أنه لیس فی حقیقتها التأخر، بالإضافة إلی الأصل والإجماع والإطلاق وروایة الحمیری التی ذکرناها.

أما الحلی فقد استدل له بأصالة الشرط عند الشک فی الشرطیة، وبالسیرة من فعل النبی والائمة (علیهم السلام) والمسلمین إلی هذا الیوم، وبما تقدم من خبر الاحتجاج، وبصحیحة محمد بن مسلم: عن الرجل یتقدم الرجلین؟ قال (علیه السلام): «یتقدمهما ولا یقوم بینهما»((1))، وبما ورد فی صلاة العراة من أنه یتقدمهم برکبتیه، وفی روایة إسحاق فی صلاة العراة یتقدمهم إمامهم فیجلس ویجلسون خلفه، وما دل علی تقدیم إمام لو مات الإمام السابق.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الأصل البراءة لا الاشتغال، والسیرة محمولة علی الفضل، إذ الفعل لا یدل علی أکثر من ذلک، خصوصاً مع فتوی المشهور _ باستثناء نفرین فقط _ بجواز التساوی، وخبر الاحتجاج قد عرفت عدم مقاومته لخبر التهذیب الذی هو أوثق منه، واختلاف الطائفتین فی أخبار صلاة العراة دلیل علی عدم لزوم التقدم، وعلی ما ذکرناه یحمل روایة ابن مسلم، وروایات تقدیم الإمام فی صورة موت الإمام وما أشبه علی الاستحباب، وعلی هذا فقول المشهور هو المتعین.

{ولا بأس بعد تقدم الإمام فی الموقف أو المساواة معه بزیادة المأموم علی الإمام فی رکوعه وسجوده لطول قامته ونحوه} کما إذا کان سمیناً فیتقدم بطنه علی الإمام فی حال الوقوف، وذلک لعدم المحذور فی ذلک بعد حصول التأخر

ص:94


1- الوسائل: ج5 ص413 الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح7

وإن کان الأحوط مراعاة عدم التقدم فی جمیع الأحوال حتی فی الرکوع والسجود والجلوس، والمدار علی الصدق العرفی.

أو التساوی فی الوقوف، وهذا هو المشهور کما یظهر من کلماتهم، بل عن المدارک أنه نسب إلی الأصحاب الاکتفاء بالتساوی فی الموقف بالعقب وإن تقدم المأموم بالأصابع.

{وإن کان الأحوط مراعاة عدم التقدم فی جمیع الأحوال} بل هو الأقرب لأن الظاهر من معقد الإجماع بعدم تقدم المأموم، ومن قوله (علیه السلام): «لا یتقدم» عدم التقدم فی جمیع الأحوال وبکل الأجزاء، لا للأصل الذی ذکره المستمسک، إذ قد عرفت أن الأصل البراءة.

أما الاستدلال للمسألة بما تقدم من تقدم إمام العراة برکبتیه، فلا یخفی ما فیه، إذ قد عرفت أن ذلک علی سبیل الاستحباب.

وعلی ما ذکرناه فاللازم عدم تقدم المأموم علی الإمام فی کل الأحوال {حتی فی الرکوع والسجود والجلوس، والمدار} فی التقدم وعدم التقدم {علی الصدق العرفی} لا الدقة العقلیة، لأن الأحکام ألقیت علی العرف الذین فهمهم المدار فی التطبیق، کما ذکرناه غیر مرة فی هذا الشرح، خلافاً لغیر واحد من المتأخرین الذین لا یجعلون العرف معیاراً فی التطبیق.

ص:95

مسألة ١ الحائل القصیر

مسألة _ 1 _ لا بأس بالحائل القصیر الذی لا یمنع من المشاهدة فی أحوال الصلاة وإن کان مانعاً منها حال السجود کمقدار الشبر بل أزید أیضاً.

نعم إذا کان مانعاً حال الجلوس فیه إشکال لا یترک معه الاحتیاط.

{مسألة _ 1 _ لا بأس بالحائل القصیر الذی لا یمنع من المشاهدة فی أحوال الصلاة وإن کان مانعاً منها حال السجود} فی الجواهر ادعی عدم الخلاف والإشکال فیه، لعدم کونه من الجدار والسترة المذکورین فی النص، لکن ربما أشکل فیه من جهة کونه «ما لا یتخطی»، ولأن المنصرف من الجدار والسترة ما کان ساتراً ولو فی بعض أحوال الصلاة فکما لا تصح الحائل فی بعض أزمنة الصلاة کذلک لا یصح فی بعض أحوال الصلاة فهو مثل ما إذا کان الساتر فی جهة فوق الجسم فیراه فی حال الرکوع والسجود ولا یراه فی حال القیام وهذا غیر بعید، فاللازم الاحتیاط، ولذا کان المحکی عن المصابیح أن الصحة لا تخلو من إشکال، وفی المستند الفتوی بالمنع عن الحائل ولو کان فی بعض أحوال الصلاة.

نعم إذا کان {کمقدار الشبر بل أزید أیضا} إذا لم یکن ساتراً کل السجود فالظاهر أنه لا بأس به لعدم صدق الحائل والسترة، ولعل المصنف أراد ذلک لا مطلق الساتر حال السجود.

{نعم إذا کان مانعاً حال الجلوس فیه إشکال لا یترک معه الاحتیاط} بل الإشکال أقوی، واحتمال عدم الإشکال کما عن بعض، لأن السترة والحائط منصرفان إلی کل أحوال الصلاة ممنوع، إذ الانصراف لو کان فهو بدوی، فهل یقول القائل بذلک بما إذا کان الساتر من فوقه إلی سرته، أو إلی عورته مثلا.

ص:96

مسألة ٢ الحائل المثقوب

مسألة _ 2 _ إذا کان الحائل مما یتحقق معه المشاهدة حال الرکوع لثقب فی وسطه مثلا، أو حال القیام لثقب فی أعلاه، أو حال الهوی إلی السجود لثقب فی أسفله فالأحوط والأقوی فیه عدم الجواز، بل وکذا لو کان فی الجمیع لصدق الحائل معه أیضا.

{مسألة _ 2 _ إذا کان الحائل مما یتحقق معه المشاهدة حال الرکوع لثقب فی وسطه مثلا، أو حال القیام لثقب فی أعلاه، أو حال الهوی إلی السجود لثقب فی أسفله، فالأحوط والأقوی فیه عدم الجواز} لما تقدم من لزوم عدم ستر کل الجسد فی کل أحوال الصلاة، إلاّ إذا کان بعضاً غیر معتد به، مما یوجب أن لا یقال بأنه صلی خلف سترة أو جدار، ومن المعلوم أن الحائل الذی له ثقب فی أعلاه أو وسطه أو أسفله، یصدق علیه عرفاً الحائط والسترة، واحتمال انصرافه إلی غیر المثقوب غیر تام، إذ لو سلم الانصراف فهو بدوی.

{بل وکذا لو کان} الثقب {فی الجمیع لصدق الحائل} أی الجدار {معه أیضاً} إذ من الجدار ما هو مثقوب، ومنه ما هو غیر مثقوب، وإنما فسرنا (الحائل) بالجدار، لأنه لیس فی النص (الحائل) ولم نذکر مع (الجدار) السترة، لأنه ربما یقال إن المنصرف من السترة ما یستر والمثقوب لا یستر.

ثم إنهم اختلفوا فی الجدار المثقوب سواء کان من البناء أو من الحدید ونحوه، فقال الشیخ ومن تبعه بمانعیة الشبابیک، وقال آخرون بعدم المانعیة، بل نسبه المستند إلی الأکثر، استدل الشیخ بالإجماع وبصحیحة زرارة المتقدمة حیث فیها لفظ «ما لا یتخطی» وأضاف آخرون علی الدلیلین أصل الاشتغال والسیرة

ص:97

فإن الصلاة المتلقاة من الشارع لم یکن کذلک، وصدق الجدار علی المشبک.

أما من قال بعدم المانع فقد استدل بالأصل، وبأن المانع إنما هو من جهة کون الحائط موجباً لانفصال المصلین بعضهم عن بعض بنحو لا یصدق عرفاً اجتماعهم فی الصلاة، ومع وجود الثقوب لا یتحقق الانفصال ویصدق الاجتماع.

کما رد هؤلاء أدلة المانع، بأن الإجماع غیر محقق، والصحیحة تمنع عن بعد المسافة کما تقدم، لا عن الحائط ونحوه، والأصل البراءة مع صدق الجماعة عند المتشرعة، لا الاشتغال. والسیرة لا تدل علی المنع عن الحائط المثقب، إذ هی تدل علی الإیجاب لا علی السلب، والمنصرف من الجدار غیر المثقب ولو بقرینة عده فی سیاق السترة فی الروایة.

وفی ما ذکروه نظر، وإن کان بعضها صحیحاً، فإن صدق الجدار علی المشبک غیر خاف، خصوصاً إذا کانت الثقوب قلیلة.

نعم إذا کانت کثیرة جداً بحیث ینصرف اسم الجدار عنه کان عدم کونه مانعاً أقرب، وما ذکره المستمسک من کون المانع انفصال المصلین إلخ غیر ظاهر، إذ لم یعلم الوجه فی المنع، ومجرد الاستیناس لا یجعله علة یدور مدارها الحکم إیجاباً وسلباً، فما ذکره المصنف تبعاً لمن عرفت أقرب، وإن کان الأظهر أن الشبابیک الواسعة الموجبة لانصراف (الجدار) الوارد فی الروایة عنها، لا بأس بها فلا تکون مانعة.

ص:98

مسألة ٣ الزجاج

مسألة _ 3 _ إذا کان الحائل زجاجاً یحکی من ورائه فالأقوی عدم جوازه للصدق.

{مسألة _ 3 _ إذا کان الحائل زجاجاً یحکی من ورائه، فالأقوی عدم جوازه للصدق} أی صدق الجدار علیه، وعن کشف الغطاء جوازه لتحقق المشاهدة فیه، وکأنه (رحمه الله) یری الحکم دائراً مدار المشاهدة، لکن فیه إنه لم یرد ذلک فی النص، واستظهاره غیر مقطوع به، فما ذکره المصنف وتبعه علیه الشارح والمعلقون هو الأقرب.

ص:99

مسألة ٤ الظلمة والغبار

مسألة _ 4 _ لا بأس بالظلمة والغبار ونحوهما، ولا تعد من الحائل، وکذا النهر والطریق إذا لم یکن فیهما بُعد ممنوع فی الجماعة.

{مسألة _ 4 _ لا بأس بالظلمة} بلا إشکال ولا خلاف، بل هو من البدیهیات التی لا تحتاج إلی الاستدلال، بالإضافة إلی صدق الجماعة وصلاة النبی (صلی الله علیه وآله) وغیره من الأئمة (علیهم السلام) فی الظلمة، إلی غیر ذلک.

{والغبار} بلا إشکال أیضاً {ونحوهما} کالمطر والضباب والدخان والثلج المتساقط {ولا تعد من الحائل} ضرورة، {وکذا النهر والطریق إذا لم یکن فیها بعد ممنوع فی الجماعة} نسبه فی محکی الذخیرة إلی المشهور، وذلک لأنهما لیسا من الجدار والسترة، وقد تقدم فی موثق عمار عدم منع الثانی عن جماعة المرأة.

لکن عن أبی الصلاح وابن زهرة المنع عن فصل النهر، بل عن ثانیهما دعوی الإجماع علی المنع، وعن المدارک أنه جید جداً إذا کان مما لا یتخطی، وکأنه لصحیحة زرارة المتقدمة.

وربما یستدل للمنع: بعدم الفرق فی الحیلولة بین الجدار وبین النهر، ومثلهما الهوة السحیقة کطرفی البئر ونحوها، وذلک لعدم صدق الجماعة الواحدة، ولأنه خلاف الجماعة المتلقاة بعد توقیفیة العبادة، ولأصالة الاشتغال.

وفی الکل ما لا یخفی، فإن الإجماع محقق العدم، وما لا یتخطی ظاهره من جهة المسافة کما تقدم، وعدم الفرق أول الکلام، وعدم صدق الجماعة ممنوع، والجماعة المتلقاة لا تنفیه، فالإطلاقات محکمة، وقد عرفت غیر مرة بأن الأصل البراءة لا الاشتغال.

نعم لو کان الفاصل طریقاً مسلوکاً بحیث یکون السالکون کالجدار لکثرتهم، وکذا إذا کانت السیارات السالکة بمنزلة الجدار لم تتحقق الجماعة لأنهما بمنزلة السترة والجدار عرفاً لوحدة المناط.

ص:100

مسألة ٥ الشباک

مسألة _ 5 _ الشباک لا یعد من الحائل، وإن کان الأحوط الاجتناب معه، خصوصا مع ضیق الثقب، بل المنع فی هذه الصورة لا یخلو عن قوة لصدق الحائل معه.

{مسألة _ 5 _ الشباک لا یعد من الحائل} إذا کان واسعاً بحیث لا یری العرف أنه من الجدار _ کما تقدم _ ولذا کان إطلاقه (رحمه الله) غیر واضح الوجه، إلاّ إذا کان أراد بالشباک هو الواسع فقط، کما أنه لو أرید بالشباک ما یمنع من المشاهدة، حیث إنه فی اللغة ما یعمل من القصب ونحوه علی نحو عمل الحصیر والبواری من تشبیک القضبان ونحوها بعضها فی بعض _ کما فی المستند ونسبه إلی المبسوط _ فلا إشکال فی المنع، لأنه من السترة، وعلیه فالنزاع بین المشهور المجوزین للشبابیک، والشیخ وابن زهرة والحلبی المانعین عنها لفظی.

{وإن کان الأحوط الاجتناب معه} لاحتمال إرادة «ما لا یتخطی» فی النص لمعنی أعم من المسافة، ولاحتمال شمول دعوی الشیخ الإجماع علی المنع عنه حتی للشباک الواسع.

{خصوصا مع ضیق الثقب} أو کثرة الفواصل بین الثقب {بل المنع فی هذه الصورة لا یخلو عن قوة لصدق الحائل} أی السترة {معه}، ثم إن من الضروری عدم البأس بالعمی، وهو من المجمع علیه کما ذکروا، وکذا لا بأس بفصل القبر المحفور قبل طمه وبعد طمه، إذا لم یکن حائلا، ولو بعض أحوال الصلاة، علی ما تقدم.

ص:101

مسألة ٦ حیلولة المأمومین

مسألة _ 6 _ لا یقدح حیلولة المأمومین بعضهم لبعض، وإن کان أهل الصف المتقدم الحائل لم یدخلوا فی الصلاة إذا کانوا متهیئین لها.

{مسألة _ 6 _ لا یقدح حیلولة المأمومین بعضهم لبعض} إذا کانوا أتباع جماعة واحدة، بلا إشکال ولا خلاف، بل هو من الضروریات التی لا تحتاج إلی الاستدلال، کما أنه لو کان الصف الفاصل لجماعة أخری کان موجباً لانفصال الجماعة، لأنه مثل السترة والجدار، وإن لم یکن مانعاً من جهة البعد، وهذا أیضاً مما لا ینبغی الإشکال فیه.

{وإن کان أهل الصف المتقدم الحائل} أو الذین علی یمین الإنسان أو یساره فی الصف الاول، ممن اتصاله بسببهم.

{لم یدخلوا فی الصلاة إذا کانوا متهیئین لها} وذلک للسیرة القطعیة المدعاة فی الجواهر وغیرها، ولقوله (صلی الله علیه وآله):((1)) «إنما جعل الإمام إماماً لیؤتم به» _ کما سبق _ فإن الظاهره عدم انتظار الآخرین فی التأسی بالإمام فی کل أعماله، فکما أنه إذا رکع الإمام أو سجد لم یحتج إلی رکوع وسجود من تقدمه، أو کان علی جنبه ممن اتصاله بسببه، فکذلک إذا کبر الإمام، واحتمال الفرق بأن فی الرکوع والسجود الوسط داخل فی الجماعة، فالاتصال حاصل بخلاف تکبیرة الإحرام، فإنه بدون تکبیرة الوسط لم یکن داخلاً فی الجماعة فهو حائل، مردود بعدم شمول أدلة السترة والجدار لمثلهم قطعا، ودعوی

ص:102


1- العوالی: ج2 ص225 ح42

القطع بالمناط فیها ما لا یخفی.

ومنه یعلم أن کلام المستمسک بأنه لو فرض قصور أدلة قدح البعد والحائل عن شمول الصف المتقدم، فاحتمال اعتبار توالی الافتتاح فی صحة الاقتداء یوجب الرجوع إلی الأصل الموجب لإجراء حکم المنفرد، محل نظر، إذ قد عرفت أن أدلة البعد لا تشمل المقام، والأصل البراءة لا الاشتغال، وعلیه فلا وجه لتقیید بعضهم بالتهیؤ القریب، بل لا یبعد صحة الاقتداء وإن کان الوسط جالساً ونحوه، کما لا یضر أنه لو انفرد ثم قام وصلی ثانیا بما لم یعد کالسترة والجدار، هذا ولکن المسألة بعد تحتاج إلی التتبع والتأمل.

ص:103

مسألة ٧ عدم مشاهدة بعض أهل الصف

مسألة _ 7 _ لا یقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصف الأول أو أکثره للإمام، إذا کان ذلک من جهة استطالة الصف، ولا أطولیة الصف الثانی _ مثلا _ من الأول.

{مسألة _ 7 _ لا یقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصف الأول، أو أکثره للإمام إذا کان ذلک} من غیر جهة السترة ونحوها، بل {من جهة استطالة الصف} وذلک من الواضحات، ویشمله إطلاق أدلة الجماعة، بل لا دلیل علی المشاهدة وعدمها، ولم یرد ذکرها فی النص، وإنما ذکرها بعض الفقهاء تعبیراً آخر عن عدم الحائل.

{ولا أطولیة الصف الثانی _ مثلا _ من الأول} وکذا بالنسبة إلی سائر الصفوف.

ص:104

مسألة ٨ کون الإمام فی مح ا رب داخل فی جدار

مسألة _ 8 _ لو کان الإمام فی محراب داخل فی جدار ونحوه، لا یصح اقتداء من علی الیمین أو الیسار ممن یحول الحائط بینه وبین الإمام، ویصح اقتداء من یکون مقابلا للباب لعدم الحائل بالنسبة إلیه،

{مسألة _ 8 _ لو کان الإمام فی محراب داخل فی جدار ونحوه لا یصح اقتداء من علی الیمین والیسار ممن یحول الحائط بینه وبین الإمام} بأن کان صف واحد فی وسط الإمام وکان طرفاه جدار، وطرفا الجدار المأمومون، ووجه بطلان الجماعة حیلولة الحائط بین الطرفین وبین الإمام، وهذا ما لا شک فی بطلان جماعتهم نصاً وإجماعاً.

أما مسألة صحة أصل الصلاة انفراداً، فهی کما تقدم من أنه لو أتی المأموم بما یوجب البطلان عمداً وسهواً بطلت صلاته، ولو أتی بما یوجب البطلان عمداً لا سهواً، فإن کان فی إتیانه لذلک _ کترک القراءة _ عامداً بطلت صلاته، وإلا صحت صلاته لدلیل «لا تعاد» ونحوه.

وأما قوله (علیه السلام) فی صحیحة زرارة المتقدمة: «فإن کان بینهم وبینه سترة أو جدار، فلیست تلک لهم بصلاة»((1))، فالمراد صلاة الجماعة التی هی محل الکلام فی الروایة، أو تحمل علی ما إذا تعمدوا ذلک ولم یأتوا بوظیفة المنفرد.

{ویصح اقتداء من یکون مقابلا للباب} فی الصف الثانی بلا إشکال ولا خلاف، بل إجماعاً، وقد تقدم التصریح بذلک فی صحیحة زرارة. {لعدم الحائل بالنسبة إلیه} والمفروض عدم البطلان من سائر الجهات.

ص:105


1- الکافی: ج3 ص385 باب الرجل یخطو إلی الصف ح4

بل وکذا من علی جانبیه ممن لا یری الإمام، لکن مع اتصال الصف علی الأقوی،

{بل وکذا من علی جانبیه ممن لا یری الإمام، لکن مع اتصال الصف علی الأقوی} وهذا هو المشهور المنسوب إلی الشیخ والوسیلة والمنتهی والذکری والجعفریة والمسالک والمدارک وغیرهم.

وعن الکفایة إن الحکم المذکور لا أجد فیه خلافا، وعن الریاض لا یکاد یوجد فیه خلاف إلا من بعض من تأخر، وعن الذخیرة الاستشکال فی الحکم المذکور إن لم یثبت إجماع علیه، مما ظاهره أنه مظنة الإجماع.

وفی مصباح الفقیه: لم یظهر فی المسألة مخالف إلی زمان المحقق الوحید البهبهانی، هذا خلافاً للوحید وبعض من تبعه من الإشکال فی صحة جماعة من علی طرفی من کان بحیال الباب، والأقوی هو القول الأول لإطلاقات الجماعة والأصل، ولأنه لا فرق بین أن یکون الإمام فی الصف حیث تصح جماعة من فی طرفیه مع أنهم لا یشاهدوه إلاّ من طرف عینهم، وبین أن یکون المأموم الذی بحیال الباب فی الصف، فإنه حینئذ بمنزلة الإمام، وحیلولة الجدار بین الإمام وبین من فی طرفی المأموم لا یضر، لأن اتصال من فی الطرفین بالمأموم الذی فی حیال الباب لا بالإمام، فهو مثل عدم اتصال الصفوف المتأخرة بالإمام، فإن ذلک لا یضر ما دام أنهم متصلون بمن یتصل بالإمام.

هذا کله بالإضافة إلی صحیحة الحلبی((1)) عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال:

ص:106


1- الوسائل: ج5 ص460 الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة ح2

«لا أری بالصفوف بین الأساطین بأساً» مع وضوح حیلولة الأساطین بین المأمومین، فإن الأساطین القدیمة کانت ضخمة کما هو المشاهد إلی الآن فی المساجد القدیمة، فإن حیلولة الأساطین غیر ضارة، حیث إن المأمومین متصل بعضهم ببعض من الجهات الأخری.

أما من استشکل فی جماعة من علی جانبی من بحیال الباب، فقد استدل بصحیحة زرارة السابقة: «فإن کان بینهم سترة أو جدار فلیست تلک لهم بصلاة إلاّ من کان بحیال الباب»، حیث إن ظاهره صحة صلاة من کان قبال الباب دون من کان علی جانبیه.

وفیه: إن هذا الظهور بدوی یرتفع بعد الالتفات إلی المناسبة المقتضیة للحکم، وهو انقطاع علاقة الارتباط بحیلولة السترة والجدار، فمورد البطلان ما إذا لم یکن بحیال الباب أحد فلم یکن اتصال بین من فی جانبیه، لأنهم لا یتصلون بالإمام، ولا بمن یتصل بالإمام، أو کان بحیال الباب أحد، ولکن الجانبین لم یتصلوا به، بل بعدوا عنه، أو کان الصف فی جانبی نفس الإمام، حیث یحول بینهم وبین الإمام حائط، غایة الأمر أن تکون الروایة مجملة لم یعلم هل أن المراد بها بطلان صلاة جانبی جدار المقصورة، فی قبال الصف بحیال الباب، ف_ «من» یراد به الصف، لا الفرد، أو إن المراد بها بطلان صلاة من علی جانبی من بحیال الباب فالمراد ب_ «من» الفرد، فهی ساقطة عن الدلالة علی بطلان صلاة من فی جانبی من بحیال الباب، فیؤخذ بقاعدة السترة لبطلان صلاة من فی جانبی المقصورة، وبإطلاقات الجماعة لصحة صلاة من علی جانبی من بحیال الباب،

ص:107

وإن کان الأحوط العدم.

وکذا الحال إذا زادت الصفوف إلی باب المسجد فاقتدی من فی خارج المسجد مقابلا للباب ووقف الصف من جانبیه، فإن الأقوی صحة صلاة الجمیع، وإن کان الأحوط العدم بالنسبة إلی الجانبین.

وقد أطال الفقهاء الکلام حول هذه المسألة، ومن أراد التفصیل فلیرجع إلی المفصلات.

{وإن کان الأحوط العدم} لما عرفت من احتمال النص ومن فتوی الوحید.

{وکذا الحال} فی صحة الصلاة جماعة {إذا زادت الصفوف إلی باب المسجد فاقتدی من فی خارج المسجد مقابلاً للباب، ووقف الصف من جانبیه، فإن الأقوی صحة صلاة الجمیع} جماعة من قبال الباب إجماعاً، ومن فی طرفیه علی المشهور.

{وإن کان الأحوط العدم بالنسبة إلی الجانبین} ویمکن أن یعمل بالاحتیاط بأن یتأخر الإمام فی المحراب الداخل، أو یتقدم المأموم فی باب المسجد، بحیث یکون الصف الأول خلفه، وکذا إذا تقدم المأموم بحیال الباب حتی یکون بعضه داخل المحراب ویکون الصف الأول خلفه، کما احتاط بذلک الوالد، فإنه حینئذ خارج عن مورد الإشکال فی صحیحة زرارة کما هو واضح.

ص:108

مسألة ٩ إقتداء من بین الإسطوانات

مسألة _ 9 _ لا یصح اقتداء من بین الأسطوانات مع وجود الحائل بینه وبین من تقدمه، إلاّ إذا کان متصلا بمن لم تحل الأسطوانة بینهم، کما أنه یصح إذا لم یتصل بمن لا حائل له لکن لم یکن بینه وبین من تقدمه حائل مانع.

{مسألة _ 9 _ لا یصح اقتداء من بین الأسطوانات مع وجود الحائل بینه وبین من تقدمه} فیکون مقطوعاً اتصاله بالإمام، لأنه بین أسطوانتین فلا اتصال له من طرفیه، کما أن المفروض أن اتصاله لیس من یتصل بسببه.

نعم لو کانت الأسطوانة ضعیفة لا تمنع الاتصال لم یضر ذلک.

ولا یخفی أن الاتصال إنما یکون من الإمام أو من الجانبین، فلا اتصال من الخلف، وذلک إذ إطلاق دلیل مانعیة السترة والجدار یشمل صورة ما إذا کان متصلا من خلفه فیما کان الجدار أمامه وفی جانبیه.

{إلا إذا کان متصلا بمن لم تحل الأسطوانة بینهم} ولو من أحد جانبیه {کما أنه یصح إذا لم یتصل بمن لا حائل له، لکن لم یکن بینه وبین من تقدمه حائل مانع} لاتصاله بمن أمامه، وکل الصور المذکورة فی هذه المسألة جوازاً ومنعاً ظاهرة مما مر، فلا حاجة إلی تکرار الدلیل.

ص:109

مسألة ١٠ تجدد الحائل فی الأثناء

مسألة _ 10 _ لو تجدد الحائل فی الأثناء فالأقوی بطلان الجماعة ویصیر منفرداً.

{مسألة _ 10 _ لو تجدد الحائل فی الأثناء فالأقوی بطلان الجماعة ویصیر منفرداً} کما ذکره الفقیه الهمدانی وغیره، وذلک لأنه ظاهر الشرطیة المستفادة من الأدلة کسائر الشرائط، خلافاً لما عن الشیخ المرتضی (رحمه الله) حیث قال: بأن الدلیل منصرف إلی المنع عن الدخول مع الحائل، وفیه: منع الانصراف واحتمال أن تکون المانعیة لما إذا وقع الحائل فی مجموع الصلاة، فحیث لم یقع فی المجموع فلا بطلان خلاف الظاهر.

ص:110

مسألة ١١ بطلان الصلاة مع وجود الحائل

مسألة _ 11 _ لو دخل فی الصلاة مع وجود الحائل، جاهلا به لعمی أو نحوه لم تصح جماعة، فإن التفت قبل أن یعمل ما ینافی صلاة المنفرد أتم منفرداً وإلا بطلت.

{مسألة _ 11 _ لو دخل فی الصلاة مع وجود الحائل، جاهلا به} موضوعاً {لعمی أو نحوه} کالظلمة {لم تصح جماعة} کما صرح بذلک الشیخ المرتضی (رحمه الله) وغیره، لفقد الشرط الموجب لفقد المشروط.

{فإن التفت قبل أن یعمل ما ینافی صلاة المنفرد} عمداً وسهواً، مثل زیادة الرکوع بتوهم المتابعة {أتم منفرداً} لما سبق من أنه کلما لم تتحقق الجماعة فهی فرادی، إذا لم یکن قد قصد التقیید، وقصد التقیید نادر، کما لا یخفی.

{وإلا} بأن فعل ما ینافی صلاة المنفرد {بطلت} لعموم دلیل مبطلیة ذلک الشیء، وتوهم الجماعة لا یغیر الواقع.

ثم إنه ربما یتوهم بطلان أصل الصلاة إذا فعل ما ینافی صلاة المنفرد ولو عمداً، مثل ترک القراءة، لقوله (علیه السلام) فی الصحیح المتقدم: «فلیس تلک لهم بصلاة».

وفیه: إن الظاهر أن المراد عدم کونها جماعة، بقرینة أن الکلام فی الجماعة بالإضافة إلی حکومة دلیل «لا تعاد» علی ذلک.

ثم إن الأحسن أن یعبر المصنف هکذا: (فإن عمل ما ینافی صلاة المنفرد کانت باطلة وإلا کانت صحیحة) إذ لا فرق فی البطلان وعدمه بین الالتفات فی الأثناء أو بعدها وبین عدم الالتفات.

ص:111

مسألة ١٢ الحائل غیر المستقر

مسألة _ 12 _ لا بأس بالحائل غیر المستقر کمرور شخص من إنسان أو حیوان أو غیر ذلک، نعم إذا اتصلت المارة لا یجوز، وإن کانوا غیر مستقرین، لاستقرار المنع حینئذ.

{مسألة _ 12 _ لا بأس بالحائل غیر المستقر} کما نص علیه الفقیه الهمدانی (رحمه الله) وغیره {کمرور شخص من إنسان أو حیوان أو غیر ذلک} لعدم صدق السترة والجدار الوارد فی النص والفتوی علیه، بالإضافة إلی السیرة المستمرة.

نعم یشکل ما إذا حدث ستر فی آن، فإنه مثل أن یحدث الحدث فی آن، اللهم إلاّ أن یقال بانصراف النص عن مثل ذلک، فإن ظاهر التسرة والجدار ما إذا کان فی زمان معتد به.

{نعم إذا اتصلت المارة لا یجوز} فتبطل الجماعة {وإن کانوا غیر مستقرین} واحتمال انصراف السترة والجدار إلی المستقر منهما لا وجه له، إذ لو کان فهو انصراف بدوی یرتفع بملاحظة أن المستفاد من القرائن وحدة الجماعة التی لا تحصل إذا کان ستر أو جدار.

{لاستقرار المنع حینئذ} مراده أن المانع لیس آناًما حتی یقال بانصراف النص عنه.

ص:112

مسألة ١٣ الشک فی حدوث الحائل فی أثناء الصلاة

مسألة _ 13 _ لو شک فی حدوث الحائل فی الأثناء بنی علی عدمه، وکذا لو شک قبل الدخول فی الصلاة فی حدوثه بعد سبق عدمه، وأما لو شک فی وجوده وعدمه _ مع عدم سبق العدم _ فالظاهر عدم جواز الدخول إلاّ مع الاطمئنان بعدمه.

{مسألة _ 13 _ لو شک فی حدوث الحائل فی الأثناء بنی علی عدمه} للأصل، لکن الظاهر لزوم الفحص، فإذا لم یتمکن منه أو فحص ولم یجد بنی علی عدمه، وذلک لما ذکرناه فی هذا الشرح من لزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة إلا ما خرج بالدلیل، ولیس المقام من المستثنی.

{وکذا لو شک قبل الدخول فی الصلاة فی حدوثه بعد سبق عدمه} لاستصحاب العدم، لکن ذلک أیضا یحتاج إلی الفحص.

{وأما لو شک فی وجوده وعدمه، مع عدم سبق العدم} ولا سبق الوجود الموجب لاستصحاب وجوده، وکان علیه (رحمه الله) أن یذکر ذلک أیضاً.

{فالضاهر عدم جواز الدخول} للزوم إحراز عدم المانع، ولا أصل محرز لذلک، إلاّ استصحاب العدم الأزلی، وقد اختلفوا فیه {إلا مع الاطمینان بعدمه} فإنه علم عادی والعلم حجة کما حقق فی محله، ولو علم حدوث الحائل وزیادة ما یضر زیادته عمداً وسهواً، فهی داخلة فی مسألة الحادثین بأقسامه الأربعة، من الجهل بالتاریخین أو بأحدهما أو العلم بهما.

ص:113

مسألة ١٤ المنتفی عند القیام أو الرکوع أو السجود

مسألة _ 14 _ إذا کان الحائل مما لا یمنع عن المشاهدة حال القیام، ولکن یمنع عنها حال الرکوع أو حال الجلوس، والمفروض زواله حال الرکوع أو الجلوس هل یجوز معه الدخول فی الصلاة؟ فیه وجهان والأحوط کونه مانعا من الأول،

{مسألة _ 14 _ إذا کان الحائل مما لا یمنع عن المشاهدة حال القیام} أی کان حائلا نصفیاً مثلا، وإلا فالمشاهدة لیست مذکورة فی النص، اللهم إلاّ أن یقال باستفادتها من لفظ السترة.

{ولکن یمنع عنها حال الرکوع أو حال الجلوس، والمفروض زواله حال الرکوع أو الجلوس هل یجوز معه الدخول فی الصلاة؟ فیه وجهان} من أنه فی کل حال من أحوال الصلاة یشاهد الإمام أو الواسطة بینه وبین الإمام فلا بأس بمثله، ومن أن المشاهدة لیست معیاراً کما تقدم، وظاهر الدلیل عدم الحائل النصفی وما أشبه لصدق الجدار علیه ففیه البأس.

{والأحوط} بل الأقرب {کونه مانعاً من الأول} واحتمال انصراف السترة والجدار إلی الکلی لا النصفی والاستشهاد لذلک بأنه إذا قال: اجعل بین العائلتین سترة أو جداراً کان المنصرف منه الجدار الکامل، والسترة الکاملة غیر تام، إذ الظاهر لزوم وحدة الجماعة _ حسب ما یستفاد من القرائن _ وهی غیر محققة، وإن کانت السترة أو الجدار غیر کاملین، والقیاس بسترة العائلة غیر صحیح، إذ قرینة إرادة الستر هناک تؤید عدم کفایة الستر فی الجملة، والقرینة فی المقام بالعکس.

ص:114

وکذا العکس لصدق وجود الحائل بینه وبین الإمام.

{وکذا العکس لصدق وجود الحائل بینه وبین الإمام} ولا دلیل علی الاکتفاء بالمشاهدة، لما عرفت من أنها لم تؤخذ معیاراً فی النص.

ص:115

مسألة ١٥ الصفوف المتقدمة والمتأخرة

مسألة _ 15 _ إذا تمت صلاة الصف المتقدم وکانوا جالسین فی مکانهم أشکل بالنسبة إلی الصف المتأخر لکونهم حینئذ حائلین غیر مصلین، نعم إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام فی صلاة أخری لا یبعد بقاء قدوة المتأخرین.

{مسألة _ 15 _ إذا تمت صلاة الصف المتقدم} أو بطلت، وکذا بالنسبة إلی من فی طرف المأموم ممن کان هو واسطة اتصاله بالإمام أو واسطة الواسطة.

{وکانوا جالسین فی مکانهم أشکل بالنسبة إلی الصف المتأخر} من جهة البُعد، إذا کان الصف المتقدم أوجب بُعد الصف المتأخر، وکذا بالنسبة إلی من فی طرف المأموم ممن کان واسطة اتصاله، و{لکونهم حینئذ حائلین غیر مصلین} وإن لم یکن بعد، إذ قد تقدم أن الحائل شامل للإنسان، ولما إذا کان حائلا فی بعض الأحوال، وربما یقال بانصراف لفظ الجدار والسترة الوارد فی النص عن مثله، لکن فیه: إن المناط موجود، بل الانصراف لو سلم فهو بدوی، فتأمل.

أما بالنسبة إلی الواسطة فی الصف الأول ونحوه، فالظاهر عدم ضرر انفراده ونحو الانفراد، بالنسبة إلی صلاة من بعده، لإطلاق دلیل الجماعة بعد الصدق لدی المتشرعة، وعدم شمول مثل السترة والجدار له.

نعم إذا حصل البعد بسبب انفراد الواسطة بطلت الجماعة من جهة البعد.

{نعم إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل} أو نحو الإتمام {ودخلوا مع الإمام فی صلاة أخری} أو نفس تلک الصلاة، فیما إذا بطلت {لا یبعد بقاء قدوة المتأخرین}

ص:116

فإنه من قبیل الحائل غیر المستقر، کما أن البعد آناً مّا غیر ضار لانصراف الدلیل إلی غیره، ولو شک فالاستصحاب یقتضی البقاء _ کما فی المستمسک _ خلافاً لبعض المعلقین حیث قالوا ببطلان الجماعة لفقد الشرط ولو آناً مّا فهو کالحدث آناً مّا.

وفیه: إن المستفاد من دلیل موت الإمام أو حدثه، أن الانفصال عن الجماعة آناً مّا لیس کالحدث، کما أن المستفاد من دلیل الاقتداء من بعید _ إذا خاف رفع الإمام رأسه من الرکوع _ أن البعد فی الجملة لیس کالحدث، لکن مع ذلک کله فمراعاة الاحتیاط أولی، والله سبحانه العالم.

ص:117

مسألة ١٦ الثوب الرقیق حائل

مسألة _ 16 _ الثوب الرقیق الذی یری الشبح من ورائه حائل لا یجوز معه الاقتداء.

{مسألة _ 16 _ الثوب الرقیق الذی یری الشبح من ورائه حائل لا یجوز معه الاقتداء} کأنه لصدق السترة علیه_ إلاّ إذا کان رقیقاً جداً لا یصدق معه السترة، فلا وجه لمنعه ولا دلیل علی مانعیة الحائل لعدم وروده فی النص.

ص:118

مسألة ١٧ الفواصل بین الصفوف

مسألة _ 17 _ إذا کان أهل الصفوف اللاحقة _ غیر الصف الأول _ متفرقین، بأن کان بین بعضهم مع البعض فصل أزید من الخطوة التی تملأ الفرج، فإن لم یکن قدامهم من لیس بینهم وبینه البعد المانع ولم یکن إلی جانبهم _ أیضاً متصلا بهم _ من لیس بینه وبین من تقدمه البعد المانع، لم یصح اقتداؤهم، وإلا صح، وأما الصف الأول فلا بد فیه من عدم الفصل بین أهله،

{مسألة _ 17 _ إذا کان أهل الصفوف اللاحقة _ غیر الصف الأول _ متفرقین بأن کان بین بعضهم مع البعض فصل أزید من الخطوة التی تملأ الفرج} أو البعد الذی یوجب عدم تحقق الجماعة فی عرف المتشرعة، کما تقدم أنه هو المیزان لا الخطوة.

{فإن لم یکن قدامهم من لیس بینهم وبینه البعد المانع، ولم یکن إلی جانبهم _ أیضاً متصلاً بهم _ من لیس بینه وبین من تقدمه البعد المانع} عن الاتصال، والحاصل أنه لم یکن فی أحد جوانبه الثلاثة القدام والطرفین مقتد قریب یصح الاتصال به {لم یصح اقتداؤهم} من جهة البعد المانع عن انعقاد الجماعة {وإلا صح} لحصول الاتصال من جانب واحد الموجب لدخوله فی إطلاق دلیل الجماعة.

أما الاتصال من الخلف، فقد تقدم أنه لا ینفع، لأن ظاهر النص والفتوی اعتبار الاتصال من الإمام أو أحد الجانبین.

{وأما الصف الأول فلابد فیه من عدم الفصل بین أهله} إذ لا صف أمامهم، فالاعتبار فیه بأحد الجانبین فقط، أو بالاتصال بالإمام.

ص:119

فمعه لا یصح اقتداء من بعد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الإمام بالبعد المانع.

{فمعه} أی مع الفصل {لا یصح اقتداء من بعد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الإمام بالبعد المانع}، ثم لا یخفی أن الاتصال من الأمام بالإمام، أو الصف المتقدم یحصل ولو کان المتصل عن یمینه أو عن شماله، ولا یلزم أن یکون محاذیاً له، إذ لا دلیل علی المحاذاة.

ص:120

مسألة ١٨ تجدد البعد أثناء الجماعة

مسألة _ 18 _ لو تجدد البعد فی أثناء الصلاة بطلت الجماعة وصار منفرداً، وإن لم یلتفت وبقی علی نیة الاقتداء، فإن أتی بما ینافی صلاة المنفرد من زیادة رکوع مثلا للمتابعة أو نحو ذلک بطلت صلاته وإلا صحت.

{مسألة _ 18 _ لو تجدد البعد فی أثناء الصلاة بطلت الجماعة وصار منفرداً} إذ ظاهر دلیل الشرطیة عدم الفرق بین الحدوث والاستمرار فهو شرط إلی آخر الصلاة.

نعم قد عرفت أنه یمکن أن یقال بعدم البطلان إذا لم یلزم البعد، بأن حصل القرب الکافی بعد فترة قصیرة.

{وإن لم یلتفت وبقی علی نیة الاقتداء، فإن أتی بما ینافی صلاة المنفرد} عمداً وسهواً {من زیادة الرکوع} أو سجدتین فی رکعة {مثلاً للمتابعة أو نحو ذلک بطلت صلاته وإلا صحت} کما تقدم بیان ذلک فی مسألة الحائل وغیرها.

ثم إنه لو توهم حصول البعد المانع فقصد الانفراد، فالظاهر أنه لا یتمکن من الالتحاق ثانیاً إذا ظهر له بطلان وهمه، لما سبق فی مسائل العدول من أنه لا یمکن العدول من الانفراد إلی الجماعة.

ص:121

مسألة ١٩ بطلان اقتداء المتأخر للبعد

مسألة _ 19 _ إذا انتهت صلاة الصف المتقدم من جهة کونهم مقصرین أو عدلوا إلی الانفراد، فالأقوی بطلان اقتداء المتأخر للبعد، إلاّ إذا عاد المتقدم إلی الجماعة بلا فصل، کما أن الأمر کذلک من جهة الحیلولة أیضا علی ما مر.

{مسألة _ 19 _ إذا انتهت صلاة الصف المتقدم من جهة کونهم مقصرین أو عدلوا إلی الانفراد} أو اقتدوا فی صلاة العشاء للإمام بصلاة المغرب لهم أو ما أشبه ذلک {فالأقوی بطلان اقتداء المتأخر للبعد} الحاصل بینه وبین الإمام، إذا حصل هذا البعد وإلاّ فلا، کما إذا کان الصف المتقدم بمنزلة الجناح للإمام، بحیث کان الصف المتأخر غیر بعید عن الإمام بعداً مانعاً، بل قد عرفت أنه لا دلیل علی ضرر هذا القدر من البعد الذی یتعارف بین الإمام وبین الصف الثانی، هذا ثم إن بطلان جماعة الصف المتأخر له وجه آخر وهو حیلولة الصف المتقدم إذا بقوا فی أماکنهم حائلین کما تقدم.

{إلا إذا عاد المتقدم إلی الجماعة بلا فصل} کما ذکرناه {کما أن الأمر کذلک} مانعاً إذا دام حائلا، وعدم مانع إذا لم تدم الحیلولة {من جهة الحیلولة أیضا علی ما مر} ولعل أحکام مسائل ارتفاع الإمام فی الأثناء کذلک أیضا، کما إذا کانا فی سفینتین فارتفعت سفینة الإمام فی الأثناء، فإنه إن لم یدم لم تبطل الجماعة، لانصراف أدلة المنع عن الارتفاع فی فترة قصیرة، وإن دام بطلت الجماعة، بناءً علی اشتراط عدم ارتفاعه.

ص:122

مسألة ٢٠ التهیء فی حکم الاتصال

مسألة _ 20 _ الفصل لعدم دخول الصف المتقدم فی الصلاة لا یضر بعد کونهم متهیئین للجماعة، فیجوز لأهل الصف المتأخر الإحرام قبل إحرام المتقدم، وإن کان الأحوط خلافه، کما أن الأمر کذلک من حیث الحیلولة علی ما سبق.

{مسألة _ 20 _ الفصل} بین الصف المتأخر وبین الإمام {لعدم دخول الصف المتقدم فی الصلاة لا یضر} وادعی فی المستند أنه ظاهر الأکثر {بعد کونهم متهیئین للجماعة} لما تقدم من أن التهیؤ کاف فی الاتصال، لما ورد عنه (صلی الله علیه وآله): «إنما جعل الإمام إماماً لیؤتم به»، ولأن حال تکبیرة الإحرام حال سائر الأفعال، حیث لا یلزم انتظار الصفوف المتوسطة فی إتیان الصف اللاحق بذلک الفعل، بل إذا فعله الإمام جاز أن یفعله الصف المتأخر، وإن لم یفعله الصف المتقدم، بل قد عرفت أن التهیؤ لا دلیل علیه بعد شمول إطلاق أدلة الجماعة له، وعدم شمول دلیل البعد و(السترة) لمثل الصفوف، لانصراف دلیلهما عن الصفوف، ولذا قال فی المستند: ولا یشترط فی صدق الصف دخول أهله فی الصلاة، بل اللازم صفهم للصلاة جماعة _ إلی إن قال: _ ولم یثبت توقف صدقه علی شیء آخر،((1)) انتهی.

{فیجوز لأهل الصف المتأخر الإحرام قبل إحرام المتقدم، وإن کان الأحوط خلافه} لاحتمال کون الصف الوسط موجباً للبعد، فیشمله دلیل «ما لا یتخطی».

{کما أن الأمر کذلک من حیث الحیلولة علی ما سبق} فیحتمل أن یکون الصف

ص:123


1- المستند: ج1 ص531 س18

الوسط حائلا فیشمله دلیل السترة، إلاّ أن فی کلا الاحتمالین ما عرفت من ضعفها، فالاحتیاط لو کان فهو استحبابی، بل لعل الاحتیاط ضعیف جداً بالنسبة إلی التهیؤ القریب، إذ لو کان اللازم تأخیر الصف المتأخر لتکبیرة الإحرام لبان ذلک، حیث إنه لم ینقل أن جماعة الرسول (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) کانوا ینتظرون من تقدمهم، ولکان الواجب التنبیه، ومثل الکلام فی الصف المتأخر الکلام فی البعید عن الإمام فی الصف الأول، بالنسبة إلی من بسببه یتصل بالإمام.

ص:124

مسألة ٢١ حکم بطلان صلاة الصف المتأخر

مسألة _ 21 _ إذا علم بطلان صلاة الصف المتقدم تبطل جماعة المتأخر من جهة الفصل أو الحیلولة، وإن کانوا غیر ملتفتین للبطلان.

نعم مع الجهل بحالهم تحمل علی الصحة ولا یضر، کما لا یضر فصلهم إذا کانت صلاتهم صحیحة بحسب تقلیدهم، وإن کانت باطلة بحسب تقلید الصف المتأخر.

{مسألة _ 21 _ إذا علم بطلان صلاة الصف المتقدم تبطل جماعة المتأخر من جهة الفصل أو الحیلولة} أی إن أحد الأمرین کاف فی الإبطال، کما هو الحال بالنسبة إلی فقد الشرائط المتعددة.

{وإن کانوا غیر ملتفتین للبطلان} لأن ظاهر الشرط کونه واقعیاً لا علمیاً، کما هو الشأن فی کل الشرائط والأجزاء والموانع إلاّ ما خرج بدلیل خاص، ولیس المقام من المستثنی.

{نعم مع الجهل بحالهم تحمل علی الصحة} لإطلاق دلیل حمل فعل المسلم علی الصحة {ولا یضر} فصلهم وبُعده عن الإمام، ولو شک فی أنهم یصلون حقیقة أو صورة، حمل علی أنهم یصلون، لأن المناط فی الحمل عی الصحة «الأمر» الحاصل فی المقام، فلا حاجة إلی «الفعل» کما ذکرناه فی کتاب التقلید وغیره.

قال (علیه السلام): « ضع أمر أخیک»((1))، والأمر أعم من الفعل.

{کما لا یضر فصلهم} وبعده {إذا کانت صلاتهم صحیحة بحسب تقلیدهم} أو اجتهادهم {وإن کانت باطلة بحسب تقلید الصف المتأخر} أو اجتهاده، ولنفرض

ص:125


1- الوسائل: ج8 ص614 الباب 161 من أبواب أحکام العشرة ح3

المسألة أن مجتهدین کان أحدهما واسطة للآخر فی الجماعة، فکان أحدهما وراء الإمام والثانی وراءه واختلفا اجتهاداً، فقد یری الثانی بطلان صلاة الأول واقعاً وإن کان سبب إتیانه بهذه الصلاة اجتهاده، وقد یری بطلانه حسب اجتهاده لا بطلان صلاته واقعاً، مثلا قد یری الواسطة عدم بطلان الوضوء بسبب النوم جالساً، والثانی یری بطلانه قطعاً، وفی هذه الحالة فالظاهر عدم صحة الاقتداء، إذ یری الثانی بطلان صلاته، ومجرد الصحة فی نظر الواسطة لا توجب الصحة الواقعیة، کما لا دلیل علی أن الانحدار بالنسبة إلی الواسطة کاف فی صحة جعله واسطة فی الصلاة.

أما فی الصورة الثانیة وهی بطلان صلاة الواسطة حسب اجتهاد الثانی، فالظاهر جواز جعله واسطة، لأن الثانی لا یعلم بطلان صلاة الواسطة، ولا دلیل علی لزوم علمه بصحة صلاة الواسطة، فإطلاقات أدلة الجماعة شاملة للمقام.

وحیث إن الصفین من المأمومین المقلدین لا یحصل علم الصف الثانی ببطلان صلاة الصف الأول، فلا یضر خلافهم فی التقلید فی جواز جعل الصف الثانی الصف الأول واسطة، بل یمکن أن یقال فی صورة عدم العلم الثانی ببطلان صلاة الواسطة یمکن إجراء أصالة الصحة، وإن کان الثانی یری بطلان صلاة الواسطة اجتهاداً أو تقلیداً.

ص:126

مسألة ٢٢ الفصل بالصبی الممیز

مسألة _ 22 _ لا یضر الفصل بالصبی الممیز ما لم یعلم بطلان صلاته.

{مسألة _ 22 _ لا یضر الفصل بالصبی الممیز ما لم یعلم بطلان صلاته} لمشروعیة عبادات الصبی، سواء قلنا إنها مشروعة کالکبار، أو قلنا إنها مشروعة لأجل التمرین، وذلک لشمول إطلاق الأدلة لصلاته، وقد تقدم فی المسألة الثامنة من أول المبحث روایة أبی البختری: إن علیاً (علیه السلام) قال: «الصبی عن یمین الرجل فی الصلاة إذا ضبط الصف جماعة».((1))

نعم الصبی غیر الممیز والمجنون والمرأة لا تکون صلاتهم صحیحة حتی لا یضر فصلهم، إلاّ إذا کانت المرأة واسطة للمرأة، فإن من الواضح عدم صحة أن یکون واسطة الرجل إلی الإمام امرأة.

ص:127


1- الوسائل: ج5 ص380 الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة ح8

مسألة ٢٣ الشک فی حدوث البعد

مسألة _ 23 _ إذا شک فی حدوث البعد فی الأثناء بنی علی عدمه، وإن شک فی تحققه من الأول وجب إحراز عدمه، إلاّ إن یکون مسبوقاً بالقرب، کما إذا کان قریبا من الإمام الذی یرید أن یأتم به فشک فی أنه تقدم عن مکانه أم لا.

{مسألة _ 23 _ إذا شک فی حدوث البُعد فی الأثناء بنی علی عدمه} لاستصحاب العدم، والظاهر لزوم الفحص إن أمکن، لما تقدم من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة.

{وإن شک فی تحققه من الأول وجب إحراز عدمه} للزوم إحراز الشرط وعدم المانع فی الاقتداء، وأصالة عدم البعد غیر جاریة، کما سبق بیانه.

{إلا إن یکون مسبوقاً بالقرب، کما إذا کان قریباً من الإمام الذی یرید أن یأتم به فشک فی أنه تقدم عن مکانه أم لا} فإن استصحاب القرب کاف فی البناء علیه.

لکن فیه: أولاً: إن الأصل مثبت.

وثانیاً: ما تقدم من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة، وکذا الحکم فی استصحاب عدم الحائل وعدم علو الإمام، وعدم تقدم المأموم علی الإمام.

ص:128

مسألة ٢٤ تقدم المأموم علی الإمام فی أثناء الصلاة

مسألة _ 24 _ إذا تقدم المأموم علی الإمام فی أثناء الصلاة سهواً أو جهلاً أو اضطراراً صار منفرداً، ولا یجوز له تجدید الاقتداء نعم لو عاد بلا فصل لا یبعد بقاء قدوته.

{مسألة _ 24 _ إذا تقدم المأموم علی الإمام فی أثناء الصلاة سهواً أو جهلاً أو اضطراراً صار منفرداً} فإن الدلیل الدال علی لزوم عدم تقدم المأموم علی الإمام مطلق شامل للابتداء والأثناء کما لا یخفی.

{ولا یجوز} أی لا یصح {له تجدید الاقتداء} لما سبق من أن العدول من الانفراد إلی الجماعة خلاف الأصل.

{نعم لو عاد بلا فصل لا یبعد بقاء قدوته} لما سبق نظیره فی الحائل والبعد فی الأثناء لفترة قصیرة، حیث إن الأدلة المانعة لا تشمل مثل هذه الفترة القصیرة.

ص:129

مسألة ٢٥ جواز الجماعة بالاستدارة حول الکعبة

مسألة _ 25 _ یجوز علی الأقوی الجماعة بالاستدارة حول الکعبة، والأحوط عدم تقدم المأموم علی الإمام بحسب الدائرة،

{مسألة _ 25 _ یجوز علی الأقوی الجماعة بالاستدارة حول الکعبة} المقدسة کما عن الإسکافی والشهیدین والمحقق الثانی، والمشهور بین المتأخرین، بل فی المستند عن الذکری الإجماع علیه، خلافاً للعلامة فی جملة من کتبه، فأوجب وقوف المأموم فی الناحیة التی فیها الإمام، واستشکل فی جواز الاستدارة المدارک والذخیرة وغیرهما.

استدل المشهور بالإجماع والأصل والإطلاقات بعد انصراف دلیل المنع عن التقدم علی الإمام عن مثله، وثبوت السیرة علیه فی عصر المعصومین (علیهم السلام) من دون نکیر منهم، کما أشار إلیه فی الذکری، کذا فی المستمسک.((1))

أما المانع فقد استدل له بأصالة الاشتغال، وبما دل علی تأخر المأموم عن المأموم أو مساواته له، قال: والإجماع غیر محقق، والإطلاق منصرف عن هذه الصورة، والأصل لا مجال له بعد وجود الدلیل، والسیرة غیر ثابتة، والمسألة بحاجة إلی التتبع والتأمل، وإن کان الأشبه الجواز، لکن یشترط أن یکون الصف دائریاً حول الکعبة لا دائریاً خارج المسجد، وإن کان المحتمل جواز ذلک أیضاً، کما أنه یشکل الصف الدائری داخل الکعبة أو علی سطحها بأن یکون وجوه أهل الدائرة إلی المعقّر وإمامهم فی وسطهم، أما إذا کان وجوههم إلی المحدب فهو أشکل.

{والأحوط عدم تقدم المأموم علی الإمام بحسب الدائرة} کما ذکره

ص:130


1- المستمسک: ج7 ص249

وأحوط منه عدم أقربیته مع ذلک إلی الکعبة، وأحوط من ذلک تقدم الإمام _ بحسب الدائرة _ وأقربیته مع ذلک إلی الکعبة.

الجواهر علی نحو الاحتیاط الاستحبابی، وکأنه لصدق التقدم علی الإمام الممنوع، ووجه عدم الإشکال أنه لا یصدق التقدم، فإن أدلة المنع عن التقدم منصرف عن مثله، والمسألة بحاجة إلی التأمل.

{وأحوط منه عدم أقربیته مع ذلک إلی الکعبة} فإن الإمام إذا وقف أمام أحد الأضلاع الأربعة للکعبة یکون المأموم المواجه للزوایا فی نفس الدائرة أقرب إلی الکعبة من الإمام، فاللازم أن یتأخر المأموم الواقف أمام الزاویة عن خط الدائرة _ بناءً علی هذا الاحتیاط _ ووجه هذا الاحتیاط أن المنصرف من عدم تقدم المأموم علی الإمام عدم أقربیته إلی الکعبة، فاللازم مراعاة هذا حتی بالنسبة إلی المصلی حول الکعبة.

ووجه کون الاحتیاط استحبابیاً أن دلیل المنع عن التقدم منصرف عن مثل هذا الاقتراب إلی الکعبة، فالذی یراعی هو عدم تقدم المأموم علی الإمام.

{وأحوط من ذلک تقدم الإمام _ بحسب الدائرة _ وأقربیته مع ذلک إلی الکعبة} بأن لا یکون المأموم مساویاً للإمام لا بالنسبة إلی الدائرة، ولا بالنسبة إلی الکعبة، وکان هذا الاحتیاط لأجل توهم اختصاص جواز المساواة بغیر مثل هذه الجماعة، لانصرافه إلی الجماعات فی سائر الأماکن، لکن فیه نظر، والله العالم.

ص:131

ص:132

فصل فی أحکام الجماعة

مسألة ١ وظیفة المأموم فی الرکعتین الأولیین والأخیرتین

فصل

فی أحکام الجماعة

مسألة _ 1 _ الأحوط ترک المأموم القراءة فی الرکعتین الأولیین من الإخفاتیة إذا کان فیهما مع الإمام،

{فصل

فی أحکام الجماعة}

{مسألة _ 1 _} فی حکم القراءة خلف الإمام، وفیه مسائل أربع: لأنه إما فی القراءة فی الأولیین من الإخفاتیة، أو فی الإولیین من الجهریة، أو فی الإخیرتین من الإخفاتیة، أو فی الإخیرتین من الجهریة.

وقد اختلف الفقهاء فی هذه المسائل اختلافاً کبیراً، حتی أن صاحب المدارک((1)) ذکر أن جده الشهید (رحمه الله) فی روض الجنان قال: إنه لم یقف فی الفقه علی خلاف فی مسألة تبلغ ما فی هذه المسألة من الأقوال.

والمصنف بالنسبة إلی المسألة الأولی علی أنه {الأحوط ترک المأموم القراءة فی الرکعتین الأولیین من الإخفاتیة} الظهر والعصر {إذا کان فیهما مع الإمام} بخلاف ما إذا لم یکن مع الإمام، کما إذا کان ثالثة ورابعة الإمام أولی وثانیة المأموم، فإنه یقرأ فیهما بلا کراهة، کما سیأتی.

ص:133


1- المدارک: ص229 س3

وإن کان الأقوی الجواز مع الکراهة

{وإن کان الأقوی الجواز مع الکراهة}، وهذا القول هو المنسوب إلی جماعة من الفقهاء، بل عن الدروس نسبة إلی الأشهر، وفی المستند لا تجب القراءة فی أولیی الصلاة الإخفاتیة إجماعاً محققاً ومحکیاً، إلی إن قال: وفی حرمتها کأکثر من قال بها فی الجهریة، أو کراهتها کأکثر من قال بها فیها، أو إباحتها کما حکی عن بعضهم، أو استحبابها بالحمد خاصة کما نسب إلی النهایة والمبسوط وجماعة، أقوال أقواها ثانیها ((1)) انتهی.

ویدل علی ما ذهب إلیه المصنف الجمع بین ما دل علی النهی وما دل علی الجواز.

فمن الطائفة الأولی: صحیح ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إذا کنت خلف الإمام فی صلاة لا یجهر فیها بالقراءة حتی تفرغ وکان الرجل مأموناً علی القرآن فلا تقرأ خلفه فی الأولتین».((2))

وصحیح ابن الحجاج، عنه (علیه السلام) قال: «وأما الصلاة التی لا تجهر فیها بالقراءة فإن ذلک جعل إلیه فلا تقرأ خلفه»((3)).

وصحیحة الأزدی، قال (علیه السلام): «إنی لأکره للمؤمن أن یصلی خلف الإمام فی صلاة لا یجهر فیها بالقراءة فیقوم کأنه حمار» قال: قلت: جعلت فداک فیصنع ماذا؟ قال (علیه السلام): «یسبح» ((4))، فإن ظاهرها عدم القراءة.

ص:134


1- المستند: ج1 ص536 س3
2- الوسائل: ج5 ص423 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح9
3- المصدر: ص422 ح5
4- المصدر: ص425 الباب 32 ح1

وإطلاق صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر (علیه السلام): «کان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول: من قرأ خلف إمام یأتم به فمات بعث علی غیر الفطرة».((1))

وصحیح علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل خلف إمام یقتدی به فی الظهر والعصر یقرأ؟ قال (علیه السلام): «لا، ولکن یسبح ویحمد ربه ویصلی علی نبیه» ((2))، إلی غیر ذلک.

ومن الطائفة الثانیة: خبر المرافقی والبصری، عن الصادق (علیه السلام)((3)): أنه سئل عن القراءة خلف الإمام؟ فقال (علیه السلام): «إن کنت خلف إمام تتولاه وترضی به فإنک یجزیک قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فیما یخافت فیه، فإذا جهر فانصت، قال الله تعالی:﴿وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ﴾.((4))».

وضعف سند هذا الخبر مجبور بالشهرة المحققة وسائر القرائن.

وصحیح علی بن یقطین قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرکعتین اللتین یصمت فیهما الإمام أیقرأ بالحمد وهو إمام یقتدی به؟ قال (علیه السلام): «إن قرأت فلا بأس، وإن سکت فلا بأس».((5))

والظاهر إن المراد ب_ «یصمت» أولیی الإخفاتیة، لا الثانیتین، إذ لا وجه

ص:135


1- المصدر: ص422 الباب 31 ح4
2- المصدر: ص425 الباب 32 ح3
3- الوسائل: ج5 ص424 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح15
4- سورة الأعراف: الآیة 204
5- الوسائل: ج5 ص424 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح13

للسکوت فیها، خلافا للفقیه الهمدانی (رحمه الله) وغیره، حیث استظهروا کون المراد بهما الثانیتین.

بل وصحیح سلیمان بن خالد، عن الصادق (علیه السلام)، أیقرأ الرجل فی الأولی والعصر خلف الإمام وهو لا یعلم أنه یقرأ؟ فقال (علیه السلام): «لا ینبغی له أن یقرأ، یکله إلی الإمام».((1))

فإن ظاهر «لا یعلم» أنه «لا یسمع» بقرینة «یکله إلی الإمام» وبقرینة سؤاله عن الأولی والعصر، فإن المراد من الخبر الاجتزاء بقراءته، لا مجرد إیکال أمر القراءة إلیه وإن لم یقرأ.

وما فی خبر زرارة من أنه یبعث علی غیر الفطرة، إما یحمل علی الجهریة، أو یراد به الفطرة الکاملة الباعثة علی الواجبات والمستحبات، ویؤید الخیار ما أرسله السرائر قال: روی «أنه بالخیار فیما خافت فیه الإمام»((2))، وکذا أرسله السید المرتضی (رحمه الله) فی جمل العلم والعمل.

ومما تقدم ظهر ضعف القول بالمنع، کما عن المقنع والغنیة والتبصرة والمسالک وغیرهم، وهذا هو سبب احتیاط المصنف بالترک، والظاهر أن المراد بالترک کراهة القراءة بمعنی الحزازة ونحوها لا بمعنی أقلیة الثواب، کما أن الظاهر أن کلا من الحمد والسورة مکروهة القراءة، أما أبعاضهما ففی شمول المنع لها تردد.

ص:136


1- المصدر: ص423 ح8
2- السرائر: ص61 س28

ویستحب مع الترک أن یشتغل بالتسبیح والتحمید والصلاة علی محمد وآله.

وأما فی الأولیین من الجهریة، فإن سمع صوت الإمام ولو همهمة

{ویستحب مع الترک} للقراءة {أن یشتغل بالتسبیح والتحمید والصلاة علی محمد وآله} کما هو المشهور، ویدل علیه ما تقدم من صحیحة الأزدی، وصحیحة علی بن جعفر إلی غیرهما.

وأما القولان الآخران فلعل مستند الإباحة تعارض النصوص فی الأمر والنهی المقتضی للرجوع إلی أصل الإباحة، لکن لو سلم التعارض لزم الرجوع إلی أصل استحباب قراءة القراءة، فإنه لا إباحة فی العبادات کما ذکروا.

ولعل مستند الثانی ما عن الجعفریات، عن علی (علیه السلام): «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) صلی بالناس الظهر فلما فرغ انصرف، قال (صلی الله علیه وآله): أیکم کان ینازعنی سورتی التی کنت أقرؤها. فقام رجل فقال: یا رسول الله أنا کنت أقرأ خلفک سبح اسم ربک الأعلی؟ فقال النبی (صلی الله علیه وآله): هی السورة التی کنت أقرؤها، ولقد وجدت ثقلها علی لسانی إنما یکفی أحدکم خلف الإمام أن یقرأ فاتحة الکتاب».((1))

ثم الظاهر من التسبیح فی المقام کل ما کان ذکر الله سبحانه، ولو مثل «لا حول ولا قوة إلاّ بالله»، والآیات التی فیها التسبیح والتمجید، مثل «یسبح لله»، ومثل «فسبح باسم ربک»، بل الظاهر شمول التسبیح لمثل الدعاء، ولو بالمناط.

{وأما فی الأولیین من الجهریة، فإن سمع صوت الإمام ولو همهمة} وهی

ص:137


1- الجعفریات: ص38

وجب علیه ترک القراءة

الصوت التی تسمع، ولکن لا تمیز بین الجمل والکلمات والحروف {وجب علیه ترک القراءة} وإلا جاز أن یقرأ بل یستحب _ کما یأتی _ هذا هو رأی المصنف تبعاً لآخرین.

وتفصیل الکلام فیه، أنه إذا سمع صوت الإمام فی الأولی الجهریة، فالکلام فی ثلاثة مواضع:

الأول: فی أنه لا قراءة واجبة علیه.

الثانی: فی أنه لا قراءة مستحبة علیه.

الثالث: فی أنه هل القراءة محرمة علیه أم مکروهة.

أما الموضع الأول فلا إشکال ولا خلاف فی عدم وجوب القراءة علی المأموم، بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهی والتذکرة وغیرهم الإجماع علیه، ویدل علیه بالإضافة إلی الأصل والسیرة القطعیة متواتر الروایات.

فعن صحیح الحلبی، قال (علیه السلام): «إذا صلیت خلف إمام یؤتم به، فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع».((1))

وفی صحیحته الثانیة مثله، إلاّ أنه زاد: «إلاّ أن تکون صلاة تجهر فیها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ».((2))

وصحیحة عمر بن یزید، عن إمام لا بأس به؟ قال (علیه السلام): «لا تقرأ خلفه ما لم یکن عاقاً».((3))

ص:138


1- الوسائل: ج5 ص424 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح12
2- المصدر: ص422 ح1
3- المصدر: ص392 الباب 11 ح1

وصحیحة البجلی، قال (علیه السلام): «أما الصلاة التی لم تجهر فیها بالقراءة فإن ذلک جعل إلیه فلا تقرأ خلفه، وأما الصلاة التی تجهر فیها فإنما أمر بالجهر لینصت من خلفه، فإن سمعت فانصت، وإن لم تسمع فاقرأ».((1))

وصحیحة زرارة، قال (علیه السلام): «من قرأ خلف إمام یؤتم به فمات بعث علی غیر الفطرة».((2))

وصحیحته الثانیة، قال (علیه السلام): «وإن کنت خلف إمام فلا تقرأن شیئاً فی الأولیین وانصت لقراءته، ولا تقرأن شیئاً فی الأخیرتین إن الله عزوجل یقول للمؤمنین و﴿إذا قُرِئَ الْقُرْآنُ‚ _ یعنی فی الفریضة خلف الإمام _ ƒفَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‚((3))، والأخیرتان تبع للأولین».((4))

أقول: تفسیر الإمام (علیه السلام) للآیة، کأنه أراد بذلک أظهر مصادیقها، وإلا فالآیة شاملة، کما أن معنی تبعیة الأخیرتین للأولیین، أنه لا قراءة واجبة فیهما.

وروایة المرافقی وأبی أحمد: «إذا کنت خلف إمام تولاه وتثق به فإنه یجزیک قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فیما تخافت فیه، فإذا جهر فانصت، قال الله سبحانه: فانصتوا».((5))

وروایة القصیر، قال (علیه السلام): «إذا کان الرجل تعرفه یؤم الناس فقرأ

ص:139


1- انظر: المصدر: ص422 الباب 31 ح5
2- الوسائل: ج5 ص422 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح4
3- سورة الأعراف: الآیة 204
4- الوسائل: ج5 ص422 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح3
5- المصدر: ص425 ح15

القرآن فلا تقرأ واعتد بصلاته».((1))

وخبر ابن بشیر، سأله (علیه السلام) عن القراءة خلف الإمام؟ قال (علیه السلام): «لا، الإمام ضامن ولیس الإمام یضمن صلاة الذین خلفه وإنما یضمن القراءة».((2))

وموثقة یونس، قال (علیه السلام): «من رضیت به فلا تقرأ خلفه».((3))

وموثقة سماعة: عن الرجل یؤم الناس فیسمعون صوته ولا یفهمون ما یقول؟ قال (علیه السلام): «إذا سمع صوته فهو یجزیه، وإذا لم یسمع صوته قرأ لنفسه».((4))

وصحیحة ابن سنان: «إن کنت خلف الإمام فی صلاة لا یجهر فیها حتی یفرغ وکان الرجل مأموناً علی القراءة فلا تقرأ فی الأولیین». قال (علیه السلام): «ویجزیک التسبیح فی الأخیرتین». قلت: أی شیء تقول أنت؟ قال: «اقرأ فاتحة الکتاب».((5))

وصحیحة قتیبة: «إذا کنت خلف إمام ترضی به فی صلاة تجهر فیها فلا تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسک، وإن کنت تسمع أنت الهمهمة فلا تقرأ».((6))

وروایة عبید: «إن سمع الهمهمة فلا یقرأ».((7))

ص:140


1- المصدر: ص396 الباب 12 ح4
2- انظر: المصدر: ص421 الباب 30 ح3
3- المصدر: ص424 الباب 31 ح14
4- المصدر: ح10
5- المصدر: ص423 ح9
6- الوسائل:ج 5 ص423 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح7
7- المصدر: ص422 ح2

ومرسلة الدیلمی: «ترک القراءة فی صلاة الجهر خلف الإمام واجب».

إلی غیرها من الروایات.

ومن الکلام فی الموضع الأول ظهر وجه الکلام فی الموضع الثانی، وهو عدم استحباب القراءة للنواهی المذکورة، قال فی المستند: لا قراءة راجحة فی الأولیین من الجهریة للمأموم مع سماع الصوت للإجماع، ونسبه فی التذکرة إلی علمائنا أجمع، بل الظاهر عدم الخلاف فی مرجوحیتها أیضاً، کما حکی عن التنقیح والروض ((1))، انتهی.

ثم إن ظاهر النص والفتوی أن الحکم بعدم الوجوب وعدم الرجحان إنما هو من جهة قراءة الإمام، فلو سمع المأموم قراءة غیر الإمام، من إمام آخر أو منفرد أو مأموم، لم یکن الحکم عدم الرجحان، بل هو داخل فی حکم عدم سماع قراءة الإمام، والاستدلال بالآیة فی کلام الإمام (علیه السلام) لا یکون دلیلا علی المرجوحیة مطلقاً لمن سمع صوت القرآن من الإمام أو غیره، إذ قرینة الکلام صارفة لهذا الإطلاق، ومنه یعلم أن الحکم بالحرمة للقراءة عند سماع قراءة الإمام _ إذا قلنا بالحرمة _ إنما هو فی الجهریة.

أما فی الاخفاتیة _ أی أولیی الظهرین _ إذا سمع صوت الإمام لارتفاع قراءته _ وإن کانت إخفاناً _ فلا حرمة، لوجود القرائن علی أن الحرمة فی الجهریة، ولیس المقام منه، فتأمل.

وأما الموضع الثالث، وهو هل أن القراءة محرمة علی المأموم أو مکروهة

ص:141


1- المستند: ج1 ص534 س8

علیه إذا سمع صوت الإمام فی الجهریة، فقد اختلفوا فیه علی قولین:

الأول: الحرمة کما عن المقنع والمبسوط والنهایة والتهذیب والاستبصار والوسیلة والغنیة، وآیات الرواندی، وابن نما، والمسائل المهنائیة للعلامة، والتحریر والمختلف والمدارک والذخیرة، وظاهر السید والخلاف والواسطة لابن حمزة، والقاضی والحلی والقواعد والتبصرة وکشف الرموز والروض والروضة وغیرهم، بل عن المشهور فی الطبقة الثالثة.

الثانی: الکراهة، کما عن الدیلمی والمعتبر والشرائع والنافع والإرشاد والموجز والمحرر والبیان واللمعة والنفلیة وغیرها، بل عن الدروس والروضة وغایة المراد دعوی الشهرة علیها، وقد توقف فی المسألة جماعة، کما عن ظاهر نهایة الفاضل والمنتهی والتذکرة وشرح الإرشاد لابنه والشهید فی جملة من کتبه.

استدل الأولون بجملة من الروایات الناهیة المتقدمة، وظاهر النهی الحرمة، وبالأمر بالإنصات المنافی للقراءة، وبما دل علی أن القراءة موجبة للبعث علی غیر الفطرة، وهو أکبر شیء من العذاب الموجب لکون فعله أکبر المحرمات، وبما تقدم فی مرسلة الدیلمی من أن ترک القراءة واجب ففعلها حرام، إذ ترک الواجب حرام، وبأن الإمام ضامن فلا مجال لقراءة المأموم، وبأدلة الاحتیاط، وبالسیرة المستمرة بعدم القراءة.

ویرد علی المذکورات، أما السیرة فلا تحقق لها، کیف وعرفت ذهاب أعاظم الفقهاء إلی الکراهة حتی ادعی أنها المشهور، والاحتیاط لا مجال له بعد کون الشک موجباً للبراءة، ومرسلة الدیلمی ضعیفة السند، والبعث علی غیر الفطرة مجمل، قال الفقیه الهمدانی: «إن هذه الروایة

ص:142

غیر آبیة عن الحمل علی الکراهة، بل قد یدعی أن وقوع هذا اللعن _ أی الابتعاد عن رحمة الله، الملازم للبعث علی غیر الفطرة _ أو هذا النوع من التهدیدات فی عرف أهل البیت (علیهم السلام) من أمارات الکراهة، وهو لیس بالبعید. ویحتمل أن یکون المراد بالروایة القراءة بقصد التعیین واللزوم، کما حکی عن جماعة من العامة، فلا یبعد أن یکون الموصول إشارة إلی نفس هؤلاء الذین لا شبهة فی أنهم یبعثون علی غیر الفطرة،((1)) انتهی.

وأما الروایات الناهیة المتضمنة بعضها للأمر بالإنصات، ففیه: إن الأمر بالإنصات فیها دلیل علی جواز القراءة بحمل النهی علی غیر معنی السکوت، ویدل علیه قرینتان:

الأولی: إن المشهور أن الإنصات لیس بواجب، بل ادعی الإجماع علی ندبیة الإنصات إلاّ من ابن حمزة، کما عن ظاهر التنقیح والنجیبیة، ولعل فهمهم الندبیة مع أن ظاهر الأمر الوجوب لأمرین:

الأول: قوله تعالی:﴿لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ﴾((2))، فإن التعریض للرحمة لیس بواجب وإن کان الفرار من العذاب والنقمة واجباً.

الثانی: جریان السیرة علی عدم الإنصات، ولو کان ذلک واجباً لکان من أوضح البدیهیات لکثرة الابتلاء.

القرینة الثانیة: ما ورد من الروایات علی جواز عدم السکوت حال الإنصات وهی بذلک موافقة للغة.

ص:143


1- مصباح الفقیه: ج2 ص639 س3
2- سورة الأعراف: الآیة 204

ففی المستند، عن الثعلبی فی تفسیره قال: وقد یسمی الرجل منصتاً وهو قارئ أو مسبح إذا لم یکن جاهراً به، ألا تری أنه قیل للنبی (صلی الله علیه وآله) ما تقول فی إنصاتک؟ قال: «أقول: اللهم اغسلنی من خطایای»، انتهی.((1))

وفی صحیحة زرارة أو حسنته، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «إذا کنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح فی نفسک»((2))، فإن ظاهره التسبیح اللفظی بدون الجهر.

وفی خبر أبی المعزا، قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام) فسأله حفص الکلبی فقال: أکون خلف الإمام وهو یجهر بالقراءة فأدعو وأتعوذ؟ قال (علیه السلام): «نعم فادع».((3))

وصحیحة الحلبی قال: سألته عن الرجل یکون مع الإمام فیمر بالمسألة وبآیة فیها ذکر جنة أو نار؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس أن یسأل عند ذلک، ویتعوذ من النار، ویسأل الله الجنة».((4))

ویدل علی عدم منافاة الإنصات للقراءة سراً، ما ورد من سؤال الجنة والتعوذ من النار عند سماع الآیة التی فیها أحد الأمرین، وما ورد من استحباب خفض الصوت عند قراءة القرآن.

ص:144


1- المستند: ج1 ص534
2- الوسائل: ج5 ص426 الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح4
3- المصدر: ص425 ح2
4- الوسائل: ج4 ص453 الباب 18 من أبواب القراءة فی الصلاة ح3

ففی وصیة النبی (صلی الله علیه وآله) لأبی ذر قال: «یا أباذر اخفض صوتک عند الجنائز، وعند القتال، وعند القرآن» ((1))، إلی غیر ذلک.

ومنه یعلم أن الأمر بوجوب الإنصات محمول علی شدة الندب، ومنه ما فعله علی (علیه السلام) کما فی صحیحة معاویة بن وهب: «إن علیاً (علیه السلام) کان فی صلاة الصبح فقرأ ابن کوا وهو خلفه آیة، فأنصت علی (علیه السلام) تعظیماً للقرآن حتی فرغ من الآیة ثم عاد فی قراءته، ثم عاد ابن کوا فأنصت علی (علیه السلام) أیضاً، ثم قرأ فأعاد ابن کوا فأنصت علی (علیه السلام)((2))، فإن فعله (علیه السلام) لا دلالة فیه علی الوجوب، بالإضافة أن الجهر ینافی الإنصات، فإن القراءة لما کانت جهریة لصلاة الصبح کانت منافیة للاستماع، وإذ تحقق أن الإنصات مستحب أولاً، وأنه لا ینافی القراءة بإخفات ثانیاً، تحقق أن النهی عن القراءة خلف الإمام فی الصلاة الجهریة معللاً لوجوب الإنصات یراد به الندب أیضاً، لأن المعلق علی المندوب مندوب، فهو مثل أن یقول: زر الحسین (علیه السلام) لأن زیارته تحصل لک الثواب، فإن التعلیل یدل علی الندب، إذ لا یعقل أن یسبب المستحب واجباً، فإن فاقد الشیء لا یعطیه.

والحاصل من کل ذلک: أنه لا دلیل علی حرمة القراءة خلف الإمام، ولذا استدل القائلون بعدم حرمة القراءة بالأصل، وبإطلاق أدلة قراءة القرآن فی الصلاة، هذا بالإضافة إلی الشواهد الدالة علی الجواز، مثل موثقة سماعة المتقدمة:

ص:145


1- المصدر: ص858 الباب 23 من أبواب قراءة القرآن ح3
2- المصدر: ج5 ص430 الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح2

بل الأحوط والأولی الإنصات وإن کان الأقوی جواز الاشتغال بالذکر ونحوه.

«إذا سمع صوته فهو یجزیه، وإذا لم یسمع صوته قرأ لنفسه»((1))، ومثل إطلاق الروایات الناهیة عن القراءة خلف الإمام الشاملة بإطلاقها للإخفاتیة مع کراهة القراءة فی الإخفاتیة، فإن وحدة النهی مع کون النهی فی الإخفاتیة علی سبیل الکراهة شاهد أن القراءة فی الجهریة أیضاً علی سبیل الکراهة، ومثل أن أخبار الناهیة، حیث وردت فی مقام توهم الوجوب، فلا ظهور فیها _ فی نفسها _ فی الحرمة، بل ولا فی الکراهة، ألا تری إلی قوله (علیه السلام) فی روایة عبد الرحیم _ من باب أنه لا یجوز الصلاة إلاّ خلف من تثق بدینه _: «فلا تقرأ واعتد بصلاته»((2))، فإن ظاهره أنه فی قبال وجوب القراءة خلف من لا یثق بدینه.

إلی غیر ذلک من القرائن التی یجدها المتتبع، فالأقرب کون القراءة علی سبیل الکراهة، وإن کان الاحتیاط ترکها، هذا حاصل الکلام فی المسألة، ومن أراد التفصیل فلیرجع إلی المفصلات.

{بل الأحوط والأولی الإنصات} کما تقدم الأمر به فی جملة من الروایات، لکن عرفت عدم الوجوب، إجماعاً إلاّ عن ابن حمزة، وسیرةً.

{وإن کان الأقوی جواز الاشتغال بالذکر ونحوه} کالصلوات علی محمد وآله، والدعاء، للأصل ولجملة من الروایات المتقدمة التی منها صحیح أبی المعزاء، وصحیح زرارة أو حسنه، وصحیح الحلبی وروایة الثعلبی، عن النبی

ص:146


1- الوسائل: ج5 ص424 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح10
2- المصدر: ص396 الباب 12 ح4

وأما إذا لم یسمع حتی الهمهمة جاز له القراءة، بل الاستحباب قوی،

(صلی الله علیه وآله).

{وأما إذا لم یسمع حتی الهمهمة جاز له القراءة} فی الجواهر ادعاء عدم الخلاف فیه، إلاّ من الحلی، وعن الریاض أطبق الکل علی الجواز بالمعنی الأعم. وفی المستمسک نفی أن یکون الحلی مخالفاً، قال: ولا یبعد أنه وهم من الحاکی((1)).

لکن فی المستند قال: والحق المشهور، بل نسب إلی الکل عدا الحلبی _ إلی إن قال: _ خلافاً لظاهر المقنع والخلاف والحلی والتبصرة، حیث أطلقوا عدم جوازها فی الجهریة ((2))، انتهی.

وکیف کان فقد استدل المشهور بجملة من الروایات المتقدمة، کصحاح الحلبی والبجلی وقتیبة وموثقة سماعة وروایة عبید.

والرضوی قال (علیه السلام):((3)) «إذا صلیت خلف إمام یقتدی به فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أم لم تسمع، إلاّ أن تکون صلاة یجهر فیها فلم تسمع فاقرأ».

{بل الاستحباب قوی} قال فی المستند: وهل هو _ أی القراءة إذا لم یسمع حتی الهمهمة _ علی الوجوب، کما هو ظاهر السید والمبسوط والنهایة والوسیلة والواسطة، وصریح التهذیب والاستبصار، ومحتمل جمع آخر، أو الاستحباب کالمعتبر والمختلف والتذکرة والنهایة والتحریر والإرشاد والبیان والموجز

ص:147


1- المستمسک: ج7 ص256
2- المستند: ج1 ص535 س19
3- المستدرک: ج1 ص493 الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة ح1

والمحرر وشرح الإرشاد لفخر المحققین، والنفلیة، ومحتمل بعض آخر، أو الإباحة کما هو ظاهر الراوندی وابن نما، وعن القاضی، ومحتمل طائفة أخری، أو الکراهه کما عن الدیلمی((1)). انتهی.

أقول: استدل للوجوب بظاهر الأوامر المتقدمة، فی صحیح الحلبی: «ولم تسمع فاقرأ». وصحیح ابن الحجاج: «وإن لم تسمع فاقرأ». وموثق سماعة: «وإذا لم یسمع قرأ لنفسه». وخبر قتیبة: «فاقرأ لنفسک»، إلی غیرها.

واستدل للاستحباب بحمل هذه الظواهر علی الرجحان، بقرینة صحیح علی بن یقطین، سألت أبا الحسن الأول عن الرجل یصلی خلف إمام یقتدی به فی صلاة یجهر فیها بالقراءة فلا یسمع القراءة؟ قال (علیه السلام): لا بأس إن صمت وإن قرأ((2)).

واستدل للقول بالإباحة بالصحیحة، بضمیمة أن الأخبار الآمرة بالقراءة إنما هی فی مقام توهم الحظر، فلا دلالة فیها علی الرجحان.

واستدل للقول بالکراهة بالأخبار الناهیة عن القراءة خلف الإمام، فإن إطلاقها شامل للمقام، وأخبار المقام لا دلالة فیها علی الرجحان، لأنها فی مقام نفی توهم الحظر.

والظاهر ما اختار المصنف، إذ الوجوب لا وجه له بعد الصحیحة الحاکمة علیها، والإباحة لا معنی لها فی باب العبادات، والکراهة لا وجه لها بعد أن أخبار المقام أخص مطلقا من الأخبار الناهیة.

ص:148


1- المستند: ج1 ص535 س28
2- الوسائل: ج5 ص424 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح11

لکن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنیة الجزئیة، وإن کان الأقوی الجواز بقصد الجزئیة أیضاً، وأما فی الأخیرتین من الإخفاتیة أو الجهریة فهو کالمنفرد فی وجوب القراءة أو التسبیحات مخیراً بینهما،

{لکن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنیة الجزئیة} خروجاً من شبهة الحلی الذی أشکل فی مشروعیتها، وحیث إن ظاهر الحلی عدم المشروعیة بقصد الجزئیة لم یکن بأس بالقراءة بقصد القربة المطلقة.

لکن لا یخفی ضعف هذا الاحتیاط {وإن کان} أفتی الحلی بالخلاف، إذ الفتیا الظاهرة المستند لا تندب احتیاطا، ف_ {الأقوی الجواز بقصد الجزئیة أیضاً} هذا تمام الکلام فی الأولیین، الإخفاتیة والجهریة.

{وأما فی الأخیرتین من الإخفاتیة أو الجهریة فهو کالمنفرد فی وجوب القراءة أو التسبیحات مخیراً بینهما} قال فی مصباح الفقیه: قد اختلف _ فی هذه المسألة _ کلمات الأصحاب غایة الاختلاف، فعن الحلی أنه لا شیء علیه فی الأخیرتین من کل صلاة جهریة کانت أو إخفاتیة لا القراءة ولا التسبیح وأن سقوطهما عزیمة، وعن ظاهر غیر واحد من القدماء أیضاً القول بسقوطهما، ولکن علی سبیل الجواز لا اللزوم، واختاره صریحاً بعض متأخری المتأخرین، وعن ظاهر غیر واحد القول بحرمة خصوص القراءة مطلقاً، أو فی خصوص الجهریة مع استحباب التسبیح أو لزومه، وصرح غیر واحد بعدم السقوط وبقاء حکم المنفرد من التخییر بین القراءة والتسبیح((1))، انتهی.

ص:149


1- مصباح الفقیه: ج2 ص642 س17

أقول: الذاهب إلی عدم وجوب شیء علی المأموم لا القراءة ولا التسبیح هم السید المرتضی وابن إدریس وابن حمزة وابن سعید والعلامة فی المنتهی والمستند ونقله عن بعض الأجلة، واستدلوا له بأمور:

الأول: عموم الأخبار الناهیة عن القراءة خلف الإمام.

الثانی: عموم الأخبار الدالة علی أن الإمام ضامن، کقوله (صلی الله علیه وآله): «الأئمة ضمناء»((1))، وقول الصادق (علیه السلام) فی خبر عمار: «لأن الإمام ضامن لصلاة من صلی خلفه».((2))

وخبر عیسی بن عبد الله، فقال (علیه السلام): «والإمام ضامن»((3))، إلی غیر ذلک.

الثالث: ما رواه المعتبر عن ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا کان مأموناً علی القراءة فلا تقرأ خلفه فی الأخیرتین».((4))

وصحیح زرارة: «وإن کنت خلف إمام فلا تقرأن شیئاً فی الأولتین وانصت لقراءته ولا تقرأن شیئاً فی الأخیرتین _ إلی إن قال: _ فالأخیرتان تبعان للأولتین».((5))

وصحیح ابن خالد: أیقرأ الرجل فی الأولی والعصر خلف الإمام وهو لا یعلم أنه یقرأ؟ فقال (علیه السلام): «لا ینبغی له أن یقرأ، یکله إلی الإمام».((6))

ص:150


1- العوالی: ج2 ص216 ح8
2- الفقیه: ج1 ص264 الباب 56 فی الجماعة ح114
3- الوسائل: ج4 ص618 الباب 3 من أبواب الأذان ح2
4- المعتبر: ص240 س2
5- الوسائل: ج5 ص422 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح3
6- المصدر: ص423 ح8

وصحیح ابن یقطین، عن الرکعتین اللتین یصمت فیهما الإمام أیقرأ فیهما بالحمد وهو إمام یقتدی به؟ فقال (علیه السلام): «إن قرأت فلا بأس، وإن سکت فلا بأس».((1))

وصحیح زرارة: «لا تقرأن فی الرکعتین الأخیرتین من الأربع رکعات المفروضات شیئاً، إماماً کنت أو غیر إمام»؟ قلت: فما أقول؟ قال: «إن کنت إماماً أو وحدک فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله تکمله تسع تسبیحات»((2))، فإن مفهومه عدم شیء علی المأموم.

الرابع: مرسلة السید المرتضی فی جمل العلم والعمل، روی «أنه بالخیار فیما خافت فإما الأخرتان فالأولی أن یقرأ المأموم أو یسبح فیهما» وروی أنه لیس علیه ذلک.

ومرسلة الحلی فی السرائر قال: فأما الرکعتان الأخیریان فقد روی أنه لا قراءة فیهما ولا تسبیح، وروی أنه یقرأ فیهما أو یسبح والأول أظهر((3)).

وقد أشکل علی کل الاستدلالات المذکورة.

أما الأول: فبأن عموم الأخبار الناهیة، إما منصرفة إلی الأولتین أو مخصصة بما دل علی لزوم قراءة المأموم أو تسبیحه فی الأخیرتین.

وأما الثانی: فبأن المراد بضمان الإمام القراءة فی الأولتین بدلیل ما دل

ص:151


1- الوسائل: ج5 ص424 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح13
2- المصدر: ج4 ص791 الباب 51 من أبواب القراءة فی الصلاة ح1
3- المصدر: ج5 ص427 الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح10

علی عدم ضمان الإمام، مثل ما رواه زرارة، عن أحدهما (علیهما السلام)، عن الإمام یضمن صلاة القوم؟ قال (علیه السلام): «لا».((1))

وما رواه أبو بصیر، عن الصادق (علیه السلام)، قلت له: أیضمن الإمام الصلاة؟ قال (علیه السلام): «لیس بضامن»((2)).

 وأما الثالث: فقد أجاب الجواهر عن روایة المعتبر بأن المظنون أنه عین صحیحة ابن سنان المتقدم، أی قول الصادق (علیه السلام): «إذا کنت خلف الإمام فی صلاة لا یجهر فیها بالقراءة حتی تفرغ وکان الرجل مأموناً علی القرآن فلا تقرأ خلفه فی الأولتین»((3))، ویکون السهو من المحقق فی روایته کذلک.

لکن فیه: إن نسبة السهو إلی مثل المحقق بالأخص فی کتابه المعتبر من أبعد الأمور، وربما أشکل علی الروایة بأن المراد ب_ «لا تقرأ» عدم قراءة القرآن، فلا تدل الروایة علی عدم التسبیح، وبأن الروایة ضعیفة السند، وفی کلیهما نظر إذ الظاهر من حذف المتعلق لا تقرأ شیئاً، فإن حذف المتعلق یفید العموم، وما فی المعتبر معتبر بعد أن کان دیدن المحقق عدم ذکر غیر المعتبرات فیه.

أما بالنسبة إلی صحیحة زرارة، فقد أجاب المستمسک عنه بأن موردها الجهریة، بقرینة ذکر الإنصات، فالتعدی منها إلی الإخفاتیة غیر ظاهر، وفیه إنها صریحة فی أن حکم الأخیرتین عدم قراءة شیء، وکونها فی الجهریة غیر

ص:152


1- المصدر: ص421 الباب 30 ح4
2- المصدر: ح2
3- الوسائل: ج5 ص423 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح9

ضار بعد اتحاد حکم الأخیرتین فی کل من الجهریة والإخفاتیة.

وأما بالنسبة إلی صحیح ابن خالد ففیه إجمال الروایة، وعدم إمکان الاعتماد علیها، إذ من المحتمل أن یکون المراد ب_ «لا یعلم» لا یسمع بقرینة ذکر الظهرین، إذ لو کان المراد الأخیرتین لم یکن وجه لتخصیص الکلام بالظهرین، فتأمل.

وأما بالنسبة إلی صحیحة ابن یقطین، فقد أجاب عنه مصباح الفقیه، بأنه لا وثوق بإرادتها الأخیرتین من الرباعیات، لقوة احتمال إرادة الأولیین من الإخفاتیة، مع أنه یحتمل قویاً أن یکون المراد بقوله: وإن شاء سکت، بقرینة المقابلة هو السکوت عن القراءة، أی ترکها لا السکوت علی الإطلاق کی ینافیه وجوب التسبیح، بل یتعین صرفه إلی ذلک، لو لم نقل بانصرافه إلیه، جمعاً بینه وبین ما سیأتی مما ظاهره وجوب التسبیح ((1))، انتهی.

وفیه: أولا: إن المنصرف من الروایة إرادة الأخیرتین، لا أولی الظهرین.

وثانیاً: إن الظاهر من لفظ «سکت» السکوت المطلق، لا السکوت عن قراءة القرآن.

وثالثاً: إن ظهور هذا فی عدم وجوب شیء أقوی من ظهور ما سیأتی فی وجوب التسبیح، فاللازم حمل ما سیأتی علی الاستحباب.

وأما صحیح زرارة فقد أجیب عنه بأنه لا یزید علی استشعاره علی عدم شیء علی المأموم من جهة عدم تعرضه لحکمه، ولیس الاستشعار بحد الدلالة، وفیه:

ص:153


1- مصباح الفقیه: ج2 ص643 س9

إن ذکر «وحدک» فی ذیله بدل «غیر إمام» ظاهر فی العنایة، فإنه لو کان حکم المأموم مثل حکمها لم یکن وجه لعدم ذکره، بعد أن الصدر یشمل الثلاثة، حیث قال: «إماماً کنت أو غیر إمام».

وهناک أجوبة أخری عن الصحیح هی أشبه بالمناقشات العلمیة من کونها ردوداً واقعیة ولذا ترکناها.

والمرسلتان فقد أجابوا عنهما بضعف السند، والمقدار الموافق لهما من الفتاوی لم تکن بحد الشهرة حتی تکون جابرة، ولا استناد حتی مع فرض الشهرة.

ثم إنه حیث تسقط الصحاح المذکورة أدلة القول بوجوب قراءة شیء فی الأخیرتین من باب الجمع الدلالی فمجال عمومات عدم قراءة المأموم شیئاً، وعمومات ضمان الإمام _ کما ذکرا فی الدلیلین الأولین لهذا القول _ واسع.

استدل القائلون بوجوب قراءة شیء علی المأموم من تسبیح أو حمد بجملة من الروایات:

مثل صحیح ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا کنت خلف الإمام فی صلاة لا یجهر فیها بالقراءة حتی تفرغ، وکان الرجل مأموناً علی القرآن، فلا تقرأ خلفه فی الاولتین». وقال: «یجزیک التسبیح فی الأخیرتین». قلت: أی شیء تقول أنت؟ قال (علیه السلام): «أقرأ فاتحة الکتاب».((1))

وهذه الروایة تدل علی التخییر، کما ذهب إلیه ابن زهرة والحلبی والأردبیلی، فیما نسب إلی ظواهر کلماتهم، وتبعهم جملة من الفقهاء کالفقیه الهمدانی وغیره، قالوا: وهذه الروایة بالإضافة إلی مطلقات أدلة التخییر تکون جامعة بین الروایات

ص:154


1- الوسائل: ج5 ص423 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح9

الدالة علی لزوم القرآن، والدالة علی لزوم التسبیح.

مثل صحیحة أبی خدیجة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا کنت إمام قوم فعلیک أن تقرأ فی الرکعتین الأولیین، وعلی الذین خلفک أن یقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر، وهم قیام، فإذا کان فی الرکعتین الأخیرتین فعلی الذین خلفک أن یقرؤوا فاتحة الکتاب، وعلی الإمام أن یسبح مثل ما یسبح القوم فی الرکعتین الأخیرتین».((1))

وصحیحة معاویة بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عما یقرأ الإمام فی الرکعتین فی آخر الصلاة؟ فقال (علیه السلام): «الإمام یقرأ بفاتحة الکتاب، ومن خلفه یسبح فإذا کنت وحدک فاقرأ فیهما، وإن شئت فسبح».((2))

بل وروایة جمیل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عما یقرأ الإمام فی الرکعتین فی آخر الصلاة؟ فقال (علیه السلام): «الإمام یقرأ بفاتحة الکتاب، ولا یقرأ من خلفه، ویقرأ الرجل فیهما إذا صلی وحده بفاتحة الکتاب».((3))

بضمیمة أن المراد بها عدم قراءة المأموم الحمد، لا عدم القراءة مطلقا.

ویرد علی الکل فی الجملة: إن دلالة النصوص السابقة علی عدم لزوم شیء علی المأموم أقوی من دلالة هذه النصوص علی اللزوم، إذ تلک نص وهذه ظاهرة، فاللازم حمل الظاهر علی النص بالقول بالاستحباب لقراءة شیء سواء

ص:155


1- الوسائل: ج5 ص426 الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح6
2- المصدر: ح5
3- المصدر: ج4 ص782 الباب 42 من أبواب القراءة فی الصلاة ح4

کان حمداً أو تسبیحاً.

بالإضافة إلی أنه یرد علی صحیح ابن سنان إجماله، إذ زیادة لفظ: «وقال» بضمیمة قول: «أی شیء تقول أنت» تدل علی أنه جملة مستأنفة، ولیس الکلام مربوطاً بسابقه، إذ لو کان جزءاً من الکلام السابق لم یحتج إلی «وقال» ولم یکن وجه للسؤال «أی شیء تقول أنت»، إذ الإمام (علیه السلام) لا یکون مأموماً لأحد إلاّ لأبیه وجده، فمن المحتمل قریباً أن یکون قوله: «وقال» إلخ کلاماً مستأنفاً، وهو بیان حکم الأخیرتین لا فی الجماعة، بل فی صلاة الفرادی فلا ربط له بحمل کلامنا.

هذا بالإضافة إلی عدم وضوح «حتی تفرغ» و«اقرأ» لماذا جیء بالجملة الأولی؟ وهل إن «اقرأ» علی صیغة المتکلم أو الأمر، وأما مطلقات التخییر فهی مقیدة بروایات المقام.

وأما صحیحة أبی خدیجة فهی محمولة علی الاستحباب، بقرینة صدرها «وعلی الذین خلفک أن یقولوا سبحان الله» مع أنها محتملة الشذوذ والطرح _ کما فی المستند _ ومحتملة لعدم ارتباطها بما نحن فیه بأن یکون المراد إن کانت إمامتک للقوم فی الأخیرتین، فعلی المأموم حینئذ القراءة، لکونهما أولیین بالنسبة إلیه، کما فی مصباح الفقیه.

وأما صحیحة معاویة فهی محمولة علی الفضل بقرینة «الإمام یقرأ بفاتحة الکتاب» إذ لا وجوب علیه بذلک، فقوله (علیه السلام): «ومن خلفه یسبح» أیضاً محمول علی الفضل.

وأما روایة جمیل فظاهرها عدم قراءة المأموم أی شیء، لا عدم قراءته الحمد،

ص:156

سواء قرأ الإمام فیهما أو أتی بالتسبیحات، سمع قراءته أو لم یسمع.

وعلی هذا فروایات التخییر کروایات التعیین، غیر خالیة عن الإشکال، وإن کان بعض الإشکالات المذکورة علی هذه الروایات محل نظر.

وعلی هذا فمقتضی الأدلة عدم وجوب شیء علی المأموم، وإن کان الاحتیاط فی القول الذی اختاره المصنف من وجوب الحمد أو التسبیحات تخییراً، أما سائر الأقول فلضعف أدلتها لم نتعرض لها، ومن شاء الاطلاع علیها فعلیه بالمفصلات.

{سواء قرأ الإمام فیهما أو أتی بالتسبیحات، سمع قراءته أو لم یسمع} لإطلاق النص کما عرفت، وسماع القراءة إما لاشتباه الإمام فقرأ جهراً، أو سمع صوته الاخفاتیة، أو کان لمرض ونحوه یقرأ جهراً، وکأنه قال ذلک لئلا یتوهم أنه لو قرأ الإمام وسمع المأموم صوته کان داخلا فی الأدلة الدالة علی لزوم الإنصات.

إذ یرد علیه أولاً: انصراف تلک الأدلة إلی الأولیین.

وثانیاً: ما تقدم من عدم المنافاة بین القراءة أو التسبیح إخفاتاً وبین الإنصات والاستماع.

ص:157

مسألة ٢ عدم الفرق فی عدم السماع بین البعد والأصم

مسألة _ 2 _ لا فرق فی عدم السماع بین أن یکون من جهة البعد أو من جهة کون المأموم أصم، أو من جهة کثرة الأصوات أو نحو ذلک.

{مسألة _ 2 _ لا فرق فی عدم السماع} فی المسألة السابقة {بین أن یکون من جهة البعد أو من جهة کون المأموم أصم، أو من جهة کثرة الأصوات أو نحو ذلک} کما نص علیه الشیخ المرتضی (رحمه الله) والفقیه الهمدانی (رحمه الله) وغیرهما، وذلک لإطلاق النص _ کما فی المستمسک _ والفتوی بل ظاهر إطلاقهم بدون التقیید أنه متسالم علیه.

ص:158

مسألة ٣ سماع بعض قراءة الإمام

مسألة _ 3 _ إذا سمع بعض قراءة الإمام فالأحوط الترک مطلقا.

{مسألة _ 3 _ إذا سمع بعض قراءة الإمام فالأحوط الترک مطلقاً} بناءً علی المنع عن القراءة عند السماع، وقد تقدم الکلام فیه.

وفی المسألة احتمالات: إلحاقه بالمسموع تماماً، وعدم الإلحاق، وإلحاق المسموع بالمسموع وغیر المسموع بغیر المسموع، ذکرها الجواهر، وجعل أقواها أخیرها.

وجه الأول: إطلاق النص بعدم القراءة عند السماع، وهذا یسمی سماعاً کما أن رؤیة وجه الإنسان فقط تسمی رؤیة له، ویؤیده ما علق فیه النهی علی سماع الهمهمة الذی لا یکون فی الغالب إلا سماع البعض، فالمطلوب الترک مطلقا، ولو کان السماع فی الجملة.

ووجه الثانی: ادعاء انصراف الأخبار الناهیة عن القراءة مع السماع إلی سماع الکل، فإذا لم یسمع الکل شمله إطلاق أدلة استحباب القراءة، ویؤیده العرف، فإن الإنسان إذا جلس تحت المنبر ولم یسمع البعض یقال عرفاً إنه لا یسمع کلام الخطیب.

ووجه الثالث: الأخذ بظهور السببیة فی أن السماع سبب المنع، ففی ما یسمع سبب المنع موجود، وفی ما لا یسمع سبب المنع غیر موجود، وهذا هو مختار الفقیه الهمدانی وهو غیر بعید، إذ المنع لأجل الاستماع والإنصات، ولا یتحققان مع عدم سماع البعض، وظاهر الهمهمة المانعة الهمهمة بالنسبة إلی الکل أو ما أشبه.

نعم ینبغی أن یقال: إنه إذا سمع الآیة الأولی ولم یسمع الآیة الثانیة مثلا جاز

ص:159

له أن یقرأ الآیتین کما اختاره المستمسک، وذلک لأنه لا دلیل علی عدم جواز قراءة ما سمعه، فإطلاقات أدلة القراءة تشمله.

ص:160

مسألة ٤ القراءة بتخیل أن المسموع غیر صوت الإمام

مسألة _ 4 _ إذا قرأ بتخیل أن المسموع غیر صوت الإمام، ثم تبین أنه صوته، لا تبطل صلاته، وکذا إذا قرأ سهواً فی الجهریة.

{مسألة _ 4 _ إذا قرأ بتخیل أن المسموع غیر صوت الإمام، ثم تبین أنه صوته، لا تبطل صلاته} لا ینبغی الإشکال فی ذلک، لحدیث «لا تعاد» وغیره.

{وکذا إذا قرأ سهواً فی الجهریة} مع سماعه صوت الإمام ولو قرأ الإمام فی الأخیرتین جهراً، فلا إشکال فی جواز قراءة المأموم إذا کانت قراءة الإمام تسبیحاً، أما إذا کانت قراءته حمداً، ففی جواز قراءة المأموم احتمالان، من العلة فی الروایات المتقدمة، فإن قوله تعالی﴿إذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا﴾((1)) یشمل حتی الأخیرتین. ومن أن الظاهر من الأدلة کون ذلک بالنسبة إلی الأولیین، وهذا هو الأقرب، هذا کله إن قلنا بعدم جواز قراءة المأموم مع سماع صوت الإمام، أما إذا قلنا بالجواز فلا کلام.

ص:161


1- سورة الأعراف: الآیة 204

مسألة ٥ الشک فی المسموع أنه صوت الإمام أو لا

مسألة _ 5 _ إذا شک فی السماع وعدمه أو أن المسموع صوت الإمام أو غیره فالأحوط الترک وإن کان الأقوی الجواز.

{مسألة _ 5 _ إذا شک فی السماع وعدمه، أو أن المسموع صوت الإمام أو غیره} أو أنه قراءته أو قنوته مثلا {فالأحوط الترک} لأن الترک لا بأس به علی کل حال، أما القراءة ففیها بأس علی تقدیر کونه صوت الإمام فی قراءة الحمد والسورة.

{وإن کان الأقوی الجواز} لأصالة عدم سماع صوت الإمام المانع عن قراءته، لکن الأظهر وجوب الفحص إن تمکن لما ذکرناه مکرراً من لزومه فی الشبهات الموضوعیة إلاّ ما خرج، ولیس المقام من المستثنی، نعم إذا لم یمکنه الفحص جازت له القراءة.

ص:162

مسألة ٦ عدم وجوب الطمأنینة حال قراءة الإمام

مسألة _ 6 _ لا یجب علی المأموم الطمأنینة حال قراءة الإمام، وإن کان الأحوط ذلک، وکذا لا تجب المبادرة إلی القیام حال قراءته، فیجوز أن یطیل سجوده ویقوم بعد أن یقرأ الإمام فی الرکعة الثانیة بعض الحمد.

{مسألة _ 6 _ لا یجب علی المأموم الطمأنینة حال قراءة الإمام} أما بالنسبة إلی ما یقرأ المأموم کالأخیرتین فلا ینبغی الإشکال فی ذلک، إذ لا دلیل علی الطمأنینة بالنسبة إلی المأموم، والأصل عدمه. ولیس هذا محل الکلام.

وأما بالنسبة إلی الأولیین فوجه العدم الأصل {وإن کان الأحوط ذلک} إذ معنی کون الإمام ضامناً أنه ضامن للقراءة فقط، لا فی سائر الشؤون التی منها الطمأنینة، کما أن منها عدم جلوس المأموم وطهارته وسترته واستقباله وغیرها، فکما لا یجوز ترک تلک الشرائط بمجرد ضمان الإمام، کذلک لا یجوز ترک هذا الشرط، اللهم إلاّ أن یقال إن الثابت من دلیل الطمأنینة لزومها حال قراءة الإنسان نفسه فلا دلیل علیها حال قراءة الإمام، وعلی هذا فالاحتیاط فی المسألة لزومی، ولذا قیده غیر واحد کالسید البروجردی ب_ (لا یترک).

{وکذا لا تجب المبادرة إلی القیام حال قراءته، فیجوز أن یطیل سجوده ویقوم بعد أن یقرأ الإمام فی الرکعة الثانیة بعض الحمد} لأصالة عدم وجوب المتابعة وتحقق صدق الجماعة.

ص:163

نعم یلزم أن لا یطیل حتی یکون ذلک منافیاً للصدق، وقوله (صلی الله علیه وآله): «إنما جعل الإمام إماماً لیؤتم به»((1))، لا یدل علی لزوم أکثر من الصدق العرفی، ولذا جاز التأخیر فی الرکوع والسجود وما أشبه کما تقدم، واحتمال أن یکون ضمان الإمام فیما إذا کان المأموم واقفاً فی حال قراءته، مخدوش بإطلاق دلیل الضمان، وإنما الحکم تابع للصدق، ولذا لا یبعد أن یجوز جلوس الإمام فی أثناء قراءة الإمام لقتل حیة، أو حمل طفل، أو ما أشبه، فإنه لا ینافی الصدق العرفی وإن کان الأحوط الترک، أما إذا اضطر إلی التأخیر فی القیام أو الجلوس فی الأثناء فلا إشکال، إذا لم یوجب ذلک انتفاء الصدق، والله سبحانه هو العالم.

ص:164


1- العوالی: ج2 ص225 ح42

مسألة ٧ عدم جواز تقدم المأموم علی الإمام فی الأفعال

مسألة _ 7 _ لا یجوز أن یتقدم المأموم علی الإمام فی الأفعال،

{مسألة _ 7 _ لا یجوز أن یتقدم المأموم علی الإمام فی الأفعال} بمعنی الجواز الشرطی، وأنه إن فعل ذلک بطلت جماعته، وإن لم تبطل صلاته، کما هو مقتضی بطلان الجماعة فی کل تخلف شرط، وقد تقدم عدم بطلان الصلاة بمخالفة الجماعة.

ثم إن عدم جواز التقدم هو المشهور، بل عن الذخیرة وفی المستمسک أنه لا خلاف فیه ولا إشکال، وقد نقل علیه الإجماع عن جماعة کالفاضلین والشهیدین وسید المدارک والمفاتیح وشرحه، وفی المستند إجماعاً محققاً ومحکیاً، واستدلوا لذلک بأمور:

الأول: الأصل.

الثانی: السیرة.

الثالث: الإجماع المتقدم.

الرابع: توقف صدق الایتمام والقدوة علی ذلک.

الخامس: النبویان المرویان عن مجالس الصدوق وغیره من کتب الأصحاب المنجبران بالعمل والاشتهار، أحدهما: «إنما جعل الإمام إماماً لیؤتم به، فإذا کبر فکبروا، وإذا رکع فارکعوا، وإذا سجد فاسجدوا».((1))

وثانیهما: «أما یخشی الذی یرفع رأسه والإمام ساجد أن یحول الله رأسه رأس حمار».((2))

ص:165


1- انظر: الجواهر: ج13 ص201
2- انظر: مصباح الفقیه: ج2 ص646 س31

ومثلهما ما رواه الغوالی، عن فخر المحققین، عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «إنما جعل الإمام إماماً لیؤتم به، فإذا کبر فکبر».((1))

وفی روایة أبی سعید، عنه (صلی الله علیه وآله): «وإذا قال إمامکم الله أکبر فقولوا الله أکبر، وإذا رکع فارکعوا».((2))

وفی روایة عبد الرحمان فی باب صلاة الخوف، ففرق (صلی الله علیه وآله) أصحابه فرقتین أقام فرقة بإزاء العدد، وفرقة خلفه، فکبر وکبروا، فقرأ وأنصتوا، ورکع فرکعوا، وسجد فسجدوا»((3)).

وسیأتی بعض الروایات الأخر الدالة علی ذلک فی الجملة، أما ما رواه فی المستدرک من روایات العامة، فلا یمکن التمسک بها بعد عدم صحة السند.

السادس: جملة من الروایات المشعرة بذلک، مثل الأخبار الآمرة بالعود لو رفع رأسه قبل الإمام من الرکوع أو السجدة، ومثل ما دل علی انتظار الإمام لو فرغ المأموم عن القراءة إلی غیر ذلک.

هذا ولکن لا یبعد عدم ضرر التقدم الیسیر کما هو المتعارف فی أمثال القیام والرکوع والسجود، خصوصاً بالنسبة إلی الأئمة الذین یضعفون عن السرعة فی القیام والرکوع والسجود، فإن الغالب أنه إذا کبر مکبر الإمام یصل کثیر من المأمومین إلی الرکوع والسجود والقیام قبل وصول الإمام إلیها، والأدلة المذکورة لا تمنع عن ذلک، فإن الأصل البراءة

ص:166


1- العوالی: ج2 ص225 ح42
2- البحار: ج77 ص301 باب ثواب إسباغ الوضوء ح2
3- الوسائل: ج5 ص479 الباب 2 من أبواب صلاة الخوف ح1

لا الاشتغال، کما ذکرناه غیر مرة. ولا سیرة فی المقام، بل السیرة علی خلاف ذلک، کما لا یخفی علی من لاحظ الجماعات من غیر نکیر، والإجماع معقده منصرف إلی التقدم الفاحش الذی ینافی صدق الجماعة، بالإضافة إلی أنه محتمل الاستناد، وصدق الایتمام لا یتوقف إلاّ علی عدم التقدم الفاحش، ولذا یری عرف المتشرعة مثل من ذکرناه مؤتماً، والنبوی لا یدل إلاّ علی ما یدل علیه العرف، ویفهم من (الجماعة)، وقد عرفت أنه لا یفهم أکثر من عدم التقدم الفاحش، کما لا یفهم إلاّ عدم التأخر الفاحش، فإن استفادة الأمرین من النبوی علی سیاق وأحد، والأخبار المشعرة لا ربط لها بالمقام کما لا یخفی.

وأما ما رواه جامع الأخبار، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «رجل یصلی فی جماعة ولیس له صلاة، ورجل یصلی فی جماعة فله صلاة واحدة ولا حظ له فی الجماعة، ورجل یصلی فی جماعة فله سبعون صلاة، ورجل یصلی فی جماعة فله مائة صلاة، ورجل یصلی فی جماعة فله خمسمائة صلاة»، فقام جابر بن عبد الله الأنصاری فقال: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله) فسر لنا هذا؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «رجل یرفع رأسه قبل الإمام ویضع قبل الإمام فلا صلاة له، ورجل یضع رأسه مع الإمام ویرفع مع الإمام فله صلاة واحدة ولا حظ له فی الجماعة، ورجل یضع رأسه بعد الإمام ویرفعه بعد الإمام فله أربعة وعشرون صلاة، ورجل دخل المسجد فرأی الصفوف مضیقة فقام وحده وخرج رجل من الصف یمشی القهقری وقام معه فله مع من معه خمسون صلاة، ورجل یصلی بالسواک فله سبعون صلاة، ورجل کان مؤذناً یؤذن فی أوقات الصلاة فله مائتا

ص:167

بل یجب متابعته بمعنی مقارنته أو تأخره عنه

صلاة، ورجل کان إماماً فیقوم فیؤدی حق الإمامة فله خمسائة صلاة».((1))

فیرد علیه، بالإضافة إلی ضعف السند بالإرسال، وإلی أن بطلان الجماعة لا یوجب بطلان الصلاة کما تقدم، مما یوجب حمل الخبر علی بعض مراتب الندب، أن من المحتمل أن یراد بالوضع قبل الإمام أن یهوی إلی السجود قبل هوی الإمام، مع أن المشهور لا یقولون بالإشکال فی الجماعة إذا لم یتقدم علی الإمام، وإنما قارن معه، وإنما ظاهر الخبر المحذور فی المقارنة، حیث إن معنی أن له صلاة واحدة عدم فائدة فی جماعته کما صرح هو بذلک فقال: «لا حظ له فی الجماعة»، فتأمل.

{بل یجب متابعته بمعنی مقارنته أو تأخره عنه} أما التأخر فلا إشکال فیه ولا خلاف، بل هو من الضروریات، وأما المقارنة فهو المحکی عن العلامة والشهیدین وغیرهم، بل نسب إلی ظاهر المشهور، وعن شرح الإرشاد للفخر والمفاتیح الإجماع علیه، واستدلوا لذلک بصدق المتابعة والجماعة بذلک فی عرف المتشرعة الذین هم المتلقون للأحکام، بل هو کذلک فی العرف العام، فإن حرکة نفرین أحدهما تابع والآخر متبوع یوجب صدق تبعیة التابع للمتبوع، وإن تقارنا فی الزمان، وربما أشکل علی ذلک بأن ظاهر (الفاء) فی النبوی (صلی الله علیه وآله) المتقدم إأن یکون عمل المأموم بعد عمل الإمام، لأن الفاء للترتیب، وفیه: إن المفهوم من الروایة لا یکون عمل المأموم قبل عمل الإمام، بقرینة قوله (صلی الله علیه وآله): إنما جعل الإمام إماماً، وظاهر العلة مقدم علی

ص:168


1- جامع الأخبار: ص92 الفصل 36

ظاهر المعلول، ویؤیده قوله (صلی الله علیه وآله) فی بعض الروایات: «وإذا قرأ فأنصتوا»((1))، ولیس الفاء للترتیب الخارجی مطلقا، بل یأتی للترتیب الواقعی _ غیر المنافی مع المقارنة _ أیضاً، ومنه:﴿وَإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾((2))، وقوله:﴿وَإذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَبَیْنَ الَّذینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾((3))، إلی غیر ذلک.

ومنه یعلم أن إشکال الحدائق فی المقارنة، لأن المتبادر عن العرف واللغة من المتابعة التأخر، وإشکال إرشاد الجعفریة، حیث فسر المتابعة بالتأخر، وإشکال المستمسک لعدم تحقق الائتمام بالاقتران، لأن الإمامیة والمأمومیة لا تکونان بعنایة الترتیب بالعلیة مطلقاً بحیث یکون فعل الإمام داعیاً إلی فعل المأموم، إذ علیه یجوز التقدم کالتأخر، بل تکونان بعنایة ذلک مع الترتیب الزمانی وهو لا یکون إلاّ مع التأخر((4))، انتهی. محل نظر.

إذ یرد علی الأول: إن لفظ المتابعة لم ترد فی النص، بالإضافة إلی إأن العرف لا یأبی من إطلاق المتابعة مع المقارنة، کما نص علیه الفقیه الهمدانی. بل مع التقدم أیضاً إذا کان فعل الإمام داعیاً.

وعلی الثانی: بأن المتابعة لا تلازم التأخر کما عرفت.

ص:169


1- الوسائل: ج5 ص479 الباب 2 من أبواب صلاة الخوف ح1
2- سورة الأعراف: الآیة 204
3- سورة الإسراء: الآیة 45
4- المستمسک: ج7 ص265

تأخراً غیر فاحش، ولا یجوز التأخر الفاحش.

وعلی الثالث: بأن المتبادر العلیة، ولذا أجزنا التقدم الیسیر المتعارف فی الجماعات، هذا بالإضافة إلی أن عدم جواز التقدم بإجماع أو ما أشبه لا یوجب رفع الید عن ظاهر الدلیل _ عرفاً _ الشامل للمقارنة أیضاً.

هذا، وربما یؤید صحة المقارنة قول (علیه السلام): «لا یکبر إلا مع الإمام»، الظاهر فی جواز المقارنة مع قوله (صلی الله علیه وآله): «وإذا کبر فکبروا»، فإن هذه الفرقة فی سیاق «وإذا رکع فارکعوا» فکما لا ینافی (الفاء) مع المقارنة فی التکبیر _ کما فی الروایة _ کذلک لا ینافی (الفاء) مع المقارنة فی الرکوع.

{تأخراً غیر فاحش، ولا یجوز التأخر الفاحش} کما صرح به غیر واحد، وذلک لما فاته عرفاً للإتمام، وما فی المستند من تعلیله باحتمال إخلال ذلک عرفاً بصدق الاقتداء محل نظر، إذ لیس ذلک احتمالاً بل قطع.

وقال فی مصباح الفقیه: کلما دل علی وجوب المتابعة من الإجماعات المتقدمة والنبوی المتقدم یدل علی ذلک ((1))، انتهی.

مضافاً إلی جملة من الروایات الدالة علی ترک المأموم القراءة للالتحاق بالإمام.

مثل صحیح معاویة، عن الصادق (علیه السلام): عن الرجل یدرک آخر صلاة الإمام وهی أول صلاة الرجل فلا یمهله حتی یقرأ فیقضی القراءة فی آخر صلاته؟ قال (علیه السلام): «نعم».((2))

ص:170


1- مصباح الفقیه: ج2 ص647 س26
2- الوسائل: ج5 ص446 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح5

وصحیح زرارة الوارد فی المسبوق، حیث قال الباقر (علیه السلام): «قرأ فی کل رکعة مما أدرک خلف الإمام فی نفسه بأم الکتاب وسورة، فإن لم یدرک السورة تامة أجزأه أم الکتاب».((1))

وخبر الدعائم، عن الباقر (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت الإمام وقد صلی رکعتین فاجعل ما أدرکت معه أول صلاتک فاقرأ لنفسک بفاتحة الکتاب وسورة إن أمهلک الإمام أو ما أدرکت أن تقرأ».((2))

هذا کله بالإضافة إلی ما قیل من أصالة الاشتغال.

لکن ربما أشکل فی الکل إذ الأصل البراءة بعد صدق الجماعة، والمنافاة عرفاً غیر ضارة بعد ورود الدلیل الآتی، والنبوی ظاهره عدم التقدم، وصحیح معاویة ظاهر فی الرکوع الأول المتوقف انعقاد الجماعة علیه، وهو غیر محل البحث، وصحیح زرارة ظاهر فی کون إعجال الإمام عذراً فی ترک السورة کسائر الضرورات العرفیة والشرعیة، وخبر الدعائم ضعیف.

وإذ سقطت الأدلة المذکورة فظاهر بعض الروایات عدم البأس بالتأخیر الفاحش، مثل ما دل علی من منعه الزحام قال السائل: فلا یقدر علی أن یرکع ولا یسجد حتی یرفع الناس رؤوسهم فهل یجوز له أن یرکع ویسجد وحده ثم یستوی مع الناس فی الصف؟ فقال (علیه السلام): «نعم لا بأس بذلک»((3)).

ومثل ما دل علی إن من سها ولم یرکع حتی رفع الإمام رأسه لم یکن به بأس ویلتحق بالإمام، قال السائل: وسها الرجل وهو خلفه لم یرکع حتی رفع الإمام رأسه وانحط للسجود _ إلی أن

ص:171


1- المصدر: ص445 ح4
2- الدعائم: ج1 ص192 فی ذکر صلاة المسبوق
3- الوسائل: ج5 ص34 الباب 16 من أبواب صلاة الجمعة ح3

قال : _  قال (علیه السلام): «یرکع ثم ینحط ویتم صلاته معهم ولا شیء علیه».((1))

وفیه: إن هذه الروایات مختصة بالاضطرار، فلا تکون دلیلا علی جواز التأخر الفاحش فی حالة الاختیار، الذی هو خلاف أدلة الجماعة الظاهرة فی وجوب المتابعة عرفاً.

ص:172


1- المصدر: ص464 الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح1

مسألة ٨ وجوب المتابعة تعبدی

مسألة _ 8 _ وجوب المتابعة تعبدی ولیس شرطا فی الصحة، فلو تقدم أو تأخر فاحشاً عمداً أثم ولکن صلاته صحیحة، وإن کان الأحوط الإتمام والإعادة، خصوصاً إذا کان التخلف فی رکنین، بل فی رکن، نعم لو تقدم أو تأخر علی وجه تذهب به هیئة الجماعة بطلت جماعته.

{مسألة _ 8 _ وجوب المتابعة تعبدی ولیس شرطا فی الصحة، فلو تقدم أو تأخر فاحشاً عمداً، أثم ولکن صلاته صحیحة} کما تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة الرابعة والعشرین.

{وإن کان الأحوط الإتمام والإعادة} خروجاً عن خلاف من قال ببطلان الصلاة {خصوصاً إذا کان التخلف فی رکنین} لاحتمال عدم صدق الجماعة بذلک الموجب لبطلان الجماعة.

{بل فی رکن} لما عن العلامة فی التذکرة من التوقف فی بطلان القدوة بالتأخیر برکن.

{نعم لو تقدم أو تأخر علی وجه تذهب به هیئة الجماعة بطلت جماعته} لأن الهیئة متلقاة من الشرع، فإذا ذهبت ذهبت الجماعة، ومما تقدم ظهر أنه بالتقدم والتأخر، ربما لا تبطل الصلاة ولا الجماعة، وربما تبطلان، وربما تبطل الجماعة دون الصلاة مع الإثم، وربما بدون الإثم.

ص:173

مسألة ٩ رفع المأموم رأسه من الرکوع أو السجود قبل الإمام

مسألة _ 9 _ إذا رفع رأسه من الرکوع أو السجود قبل الإمام سهواً، أو لزعم رفع الإمام رأسه وجب علیه العود والمتابعة،

{مسألة _ 9 _ إذا رفع رأسه من الرکوع أو السجود قبل الإمام سهواً، أو لزعم رفع الإمام رأسه وجب علیه العود والمتابعة} کما هو المشهور، ویدل علیه جملة من الروایات:

کصحیحة علی بن یقطین قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) فی الرجل یرکع مع إمام یُقتدی به ثم یرفع رأسه قبل الإمام؟ قال: «یعید رکوعه معه».((1))

وصحیحة ربعی والفضیل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن رجل صلی مع إمام یأتم به ثم رفع رأسه من السجود قبل أن یرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال (علیه السلام): «فلیسجد»((2)).

وموثقة محمد بن علی بن فضال، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: قلت له: أسجد مع الإمام وأرفع رأسی قبله أعید؟ قال (علیه السلام): «أعد واسجد»((3)).

وخبر محمد بن سهل الأشعری، عن أبیه، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: سألته عمن یرکع إمام یقتدی به ثم یرفع رأسه قبل الإمام؟ قال (علیه السلام): «یعید رکوعه معه»((4)).

وفی روایة شداد: «فأطالها (صلی الله علیه وآله) _ أی أطال الرسول (صلی

ص:174


1- الوسائل: ج5 ص477 الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- المصدر: ح1
3- المصدر: ص448 ح5
4- المصدر: ص447 ح2

الله علیه وآله) السجدة _ فرفعت رأسی من بین الناس فإذا النبی (صلی الله علیه وآله) ساجد، وإذا الصبی علی ظهره فرجعت فی سجودی».((1))

لکن فی موثق غیاث بن إبراهیم ما ینافی ذلک، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یرفع رأسه من الرکوع قبل الإمام أیعود فیرکع إذا أبطأ الإمام ویرفع رأسه معه؟ قال (علیه السلام): «لا».((2))

والجمع العرفی بینهما یقتضی حمل الأخبار السابقة علی جواز الإعادة، وحمل هذا الخبر علی عدم وجوبها، کما ذکره غیر واحد. ولأجله اختار العلامة فی محکی التذکرة ونهایة الأحکام استحباب الإعادة، ومال إلیه المدارک، وربما قیل بأن الشهرة مسقطة لخبر غیاث، لکن فیه إنه لم یثبت إعراض المشهور بحیث یقدح فی حجیة الخبر بعد حملهم للخبر علی صورة العمد _ کما فی المستمسک _.

وبذلک یظهر أن الجمع بین الخبرین بحمل الطائفة الأولی علی السهو، والثانیة علی العمد _ کما عن الشیخ وغیره _ لیس جمعاً عرفیاً، وإن کان ربما أید ذلک بأن الشهرة والإجماع شاهدان علی ذلک، إذ الفتوی لا تکون شاهدة للجمع، ولذا قال الفقیه الهمدانی: إن فتوی الأصحاب بخلاف ظاهر الروایة لا یکشف عن أنه لم یرد من هذه الروایة إلاّ ما یوافق فتوی الأصحاب، أی إرادة خصوص العمد ((3)) انتهی.

ص:175


1- جامع أحادیث الشیعة: ج5 ص532 الباب 30 فی القواطع ح2
2- الوسائل: ج5 ص448 الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح6
3- مصباح الفقیه: ج2 ص651 س31

ولا یضر زیادة الرکن حینئذ، لأنها مغتفرة فی الجماعة فی نحو ذلک، وإن لم یعد أثم وصحت صلاته،

وربما یستدل لتقدیم الطائفة الأولی بقوله (صلی الله علیه وآله): «إنما جعل الإمام إماماً»، کما أنه ربما یستدل لتقدیم الثانیة بأن زیادة الرکن مبطلة، وفی کلا الاستدلالین ما لا یخفی، إذ المطلق قابل للحمل علی المقید.

{ولا یضر زیادة الرکن حینئذ، لأنها مغتفرة فی الجماعة فی نحو ذلک} لأن مطلقات أدلة زیادة الرکن مقیدة بهذه الأدلة، وعلیه فلا فرق بین أن یزید رکوعاً أو سجدتین وإن کانتا فی سجدة واحدة للإمام.

نعم الظاهر لزوم کون الزیادة بالقدر المتعارف، لأن أدلة الاستثناء لا تدل علی أکثر من ذلک، ففی غیر المستثنی المرجع عمومات أدلة مبطلیة الزیادة، کما إذا رفع رأسه من الرکوع أو السجود مرات بزعم رفع الإمام رأسه کل مرة.

ثم الظاهر أنه لو أعاد لم یلزم إعادة الذکر، إذ الأصل العدم.

نعم لو لم یذکر فی الرکوع أو السجود الأول اشتباهاً أو نحو ذلک وجب الذکر، لإطلاق أدلة وجوب الذکر، وعلیه فهل تجب إعادة الرکوع والسجود إذا لم یذکر فی الرکوع والسجود الأول؟ احتمالان، من أنه واجب وهو قادر علیه، ومن إطلاق خبر غیاث، لکن الأحوط الأول للشک فی الإطلاق من هذه الجهة.

{وإن لم یعد} بناءً علی وجوب العود {أثم وصحت صلاته} کما عن الهلالیة والمیسیة والروضة، وجه الإثم مخالفة الأمر الموجبة له، ووجه الصحة إطلاق أدلة الجماعة، ومثل هذا التخلف لا یضر بها، کما سبق من أن المخالفة القلیلة لا تضر بهیئة الجماعة لدی أذهان المتشرعة، وربما احتمل بطلان الصلاة لظهور

ص:176

لکن الأحوط إعادتها بعد الإتمام بل لا یترک الاحتیاط إذا رفع رأسه قبل الذکر الواجب ولم یتابع مع الفرصة لها

الأمر فی أمثال هذه الموارد من المرکبات فی الوجوب الشرطی بمعنی کون المأمور به معتبراً فی مهیة الصلاة.

وفیه: أولاً: لو کان شرطا لم یوجب إلاّ بطلان الجماعة، کما تقدم سابقاً من أن بطلان الجماعة لا یلازم بطلان الصلاة.

وثانیاً: إن مخالفة الأمر إن کانت بحیث تضر هیئة الجماعة کانت موجبة لبطلان الجماعة، وحیث إن مثل هذه المخالفة لا توجب ضرراً بهیئة الجماعة لم یکن وجه لبطلان الجماعة أیضاً.

{لکن الأحوط إعادتها بعد الإتمام} خروجاً من خلاف من أوجب، فقد حکاها الشهید قولاً، وعن المدارک أنه أظهر، لکنک عرفت عدم الوجوب، فالاحتیاط استحبابی، أما ما عن الذخیرة والکفایة من وجوب الإعادة فی الوقت وفی القضاء نظر، فلم یظهر وجه لهذا التفصیل إلاّ التمسک بکون الوقت حائلا، ومن المعلوم أنه لو اقتضی الدلیل البطلان لم یکن الوقت الحائل دلیلا علی العدم، ولذا قال المستمسک: لا یخلو کلامه من نظر.((1))

{بل لا یترک الاحتیاط إذا رفع رأسه قبل الذکر الواجب ولم یتابع مع الفرصة لها} وذلک للإتیان بالذکر الواجب الذی هو قادر علیه، أما ما فی الجواهر من أنه لا ریب فی عدم البطلان، فکأنه لأن الذکر فات محله بالرفع، والأصل عدم وجوبه بعد ذلک، لأن الرکوع الثانی واجب مستقل، لکن فیه إن المتبادر من

ص:177


1- المستمسک: ج7 ص270

ولو ترک المتابعة حینئذ سهواً، أو لزعم عدم الفرصة لا تجب الإعادة، وإن کان الرفع قبل الذکر هذا، ولو رفع رأسه عامداً لم یجز له المتابعة،

الأمر بالرجوع هو إرادة إلغاء الزائد والعود إلی ما کان، لا أنه تکلیف مستقل، کما ذکره الفقیه الهمدانی.

{ولو ترک المتابعة حینئذ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا تجب الإعادة، وإن کان الرفع قبل الذکر} لحدیث «لا تعاد» {هذا ولو رفع رأسه عامداً} ففیه احتمالات:

الأول: بطلان الصلاة.

الثانی: بطلان الجماعة.

الثالث: الإثم فقط.

أما الأول: فلأن هذا الجزء وهو الرفع وقع منهیاً عنه، والنهی فی العبادة یقتضی الفساد، وفیه: إن نهایة الأمر أنه یقتضی الانفراد، ولا وجه لفساد الصلاة.

وأما الثانی: فلأنه انفصل عن الجماعة بعدم المتابعة، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه. وفیه: إن إطلاقات أدلة الجماعة تشمله بعد ما تقدم من أن الهیئة لا تفقد بأمثال هذه الأمور.

وأما الثالث: فلأنه فعل خلاف الواجب علیه من المتابعة، فهو مستلزم للإثم، وهذا هو الأقرب.

ثم إنه إذا رفع رأسه عمداً، فهل یجوز له المتابعة، کما عن المدارک والکاشانی والسبزواری والحدائق أم {لم یجز له المتابعة} کما عن المشهور، بل عن المدارک أنه مذهب الأصحاب، لا أعلم فیه مخالفاً صریحاً، احتمالان، والأقرب الاول، لإطلاق أدلة الجماعة، وإطلاق ما تقدم من الصحاح

ص:178

وغیرها فی المتابعة، بل نسب إلی المفید فی المقنعة وجوب العود لإطلاق الأدلة وإن نوقش فی النسبة، قال الفقیه الهمدانی: إن المدارک اشتبه فی نسبة الوجوب إلی المفید، وإنما من قال بالوجوب هو الشیخ فی التهذیب، لکن یرد علی القول بالوجوب أن الانفصال عن الإمام بغیر المقدار الضار بهیئة الجماعة لا یکون محظوراً.((1))

نعم لا إشکال فی رجحان العود _ بناءً علی عدم الحرمة _ وهذا هو الذی اختاره المستمسک.

وکیف کان فقد استدل للمشهور، بإطلاق روایة غیاث، خرج منه صورة الرفع سهواً، وبأنه لا دلیل علی جواز رکوعین أو سجودین فی حال الرفع عمداً، بعد منع إطلاق الصحاح وغیرها بتقییدها بصورة الرفع سهواً بإجرائها مجری الغالب من عدم رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمداً، بل خطاءً بزعم أنه رفع رأسه.

وفیه: إن الجمع بین موثق غیاث وغیرها یقتضی ما سبق ذکره، فلا إطلاق له _ کما قالوا _ ولا وجه لمنع إطلاق الصحاح والغلبة _ لو سلمت _ لا توجب إلاّ الانصراف البدوی الذی یزول بملاحظة أن کثیراً من المأمومین یرفعون رؤوسهم جهلاً بالمسألة، أو لأجل ملاحظة علة تأخیر الإمام فی الرفع کما یتفق کثیراً ذلک للإمام لسعال أو نحوه، کما رفع شداد رأسه عمداً لیری وجه إبطاء رسول الله (صلی الله علیه وآله) کما تقدم فی الحدیث، فالذی اختاره من تقدم هو الأقرب.

ص:179


1- مصباح الفقیه: ج2 ص651

وإن تابع عمداً بطلت صلاته للزیادة العمدیة، ولو تابع سهواً فکذلک إذا کان رکوعاً أو فی کل من السجدتین، وأما فی السجدة الواحدة فلا.

ومن ذلک تعرف وجه النظر فی باقی ما ذکره المصنف فی المسألة من الأحکام بقوله: {وإن تابع عمداً بطلت صلاته للزیادة العمدیة} أما التمسک للبطلان بروایة غیاث فقد عرفت ما فیه.

{ولو تابع سهواً فکذلک إذا کان رکوعاً} لأدلة زیادة الرکن {أو فی کل من السجدتین} من رکعة أو فی سجود واحد، لکن اتفق له ذلک مرتین.

{وأما فی السجدة الواحدة فلا} بطلان، کما أنه لو اتفق فی سجدتین من رکعتین لقاعدة «لا تعاد» وغیرها، فإن زیادة السجدة الواحدة فی الرکعة لا توجب بطلانا إذا کانت سهواً.

ص:180

مسألة ١٠ زیادة الرکن من غیر أن تکون لمتابعة

مسألة _ 10 _ لو رفع رأسه من الرکوع قبل الإمام سهواً ثم عاد إلیه للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلی حد الرکوع فالظاهر بطلان الصلاة لزیادة الرکن من غیر أن یکون للمتابعة واغتفار مثله غیر معلوم،

{مسألة _ 10 _ لو رفع رأسه من الرکوع قبل الإمام سهواً ثم عاد إلیه للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلی حد الرکوع} فإن تمکن رجع قبل أن یصل إلی الرکوع، ولا إشکال فی صحة الصلاة، إذ مقدمات الرکوع لیست بالرکوع المبطل، وإن لم یتمکن أو لم یلتفت حتی رکع {فالظاهر} صحة صلاته لإطلاق أدلة العود مع کثرة اتفاق رفع الإمام قبل وصول المأموم.

وأما ما ذکره المصنف من استظهار {بطلان صلاته لزیادة الرکن من غیر أن یکون للمتابعة واغتفار مثله غیر معلوم} لحمل نصوص المقام علی صورة وصول المأموم إلی الرکوع قبل رفع الإمام رأسه، ففیه ما عرفت من أنه لا وجه لهذا الحمل، وما ذکره السید الحکیم وجهاً لکلام المصنف من ظهور التسالم علیه، ومن الصحیح الوارد فی المنع عن قراءة العزیمة، معللا بأن السجود زیادة فی المکتوبة لا یخفی ما فیه، إذ لم یتعرض المسألة إلاّ النادر فکیف یقال بالتسالم علیه، والصحیح أجنبی عن المقام، لأنه فی ما سجد عمداً، والکلام فیما لو سجد بزعم الأمر، ولذا لم یقل المصنف ولا السید الحکیم بالبطلان فیما إذا زاد السجدة الواحدة کذلک.

ص:181

وأما فی السجدة الواحدة إذا عاد إلیها ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان، لعدم کونه زیادة رکن ولا عمدیة، لکن الأحوط الإعادة بعد الإتمام.

{وأما فی السجدة الواحدة إذا عاد إلیها ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان، لعدم کونه زیادة رکن ولا عمدیة} ولإطلاق أدلة العود التی قد عرفت شمولها لمثل المقام، ومنه یعلم أنه لا بطلان إذا کرر زیادة السجدة فی الرکعة الواحدة أیضاً {لکن الأحوط الإعادة بعد الإتمام} لاحتمال کونه من الزیادة العمدیة، وفیه ما لا یخفی.

ص:182

مسألة ١١ رفع الرأس من السجود ورؤیة الإمام فی السجود

مسألة _ 11 _ لو رفع رأسه من السجود فرأی الإمام فی السجدة فتخیل أنها الأولی فعاد إلیها بقصد المتابعة فبان کونها الثانیة حسبت ثانیة، وإن تخیل أنها الثانیة فسجد أخری بقصد الثانیة فبان أنها الأولی حسبت متابعة، والأحوط إعادة الصلاة فی الصورتین بعد الإتمام.

{مسألة _ 11 _ لو رفع رأسه من السجود فرأی الإمام فی السجدة فتخیل أنها الأولی فعاد إلیها بقصد المتابعة فبان کونها الثانیة حسبت ثانیة} إذا لم یکن علی وجه التقیید _ کما هو الغالب إذ المقصود الإتیان بالتکلیف _ فهو من الخطأ فی التطبیق، وإشکال المستمسک بأن سجوده المتابعة لم یقصد به الجزئیة فلا یغنی عن السجود الجزء، ولا ینطبق أحدهما علی الآخر غیر وارد، إذ لا یشترط قصد الجزئیة فی تحقق الجزء، کما لا یشترط قصد الشرطیة فی تحقق الشرط، بل المحقق لهما قصد أمرهما، والمفروض أنه حاصل لأنه قصد التکلیف الواقعی، وإن توهم أنه متابعی من جهة الخطأ فی التطبیق.

{وإن تخیل أنها الثانیة فسجد أخری بقصد الثانیة فبان أنها الأولی حسبت متابعة} لما تقدم من أنه من باب الخطأ فی التطبیق.

{والأحوط إعادة الصلاة فی الصورتین بعد الإتمام} کأنه لما تقدم فی المستمسک، وفیه أنه لا وجه معتد به لهذا الاحتیاط، ومما تقدم یعلم حکم ما إذا رفع رأسه بزعم أن الإمام رفع رأسه من السجدة الأولی فبان أنه رفع رأسه من الثانیة فإنه

ص:183

لا یضر، بل الحکم هنا أسهل، ثم إن حکم إعادة الرکوع والسجود المتابعی فی حال الاختیار، آت فیهما فی حال الاضطرار إذا کانا بإشارة الرأس لوحدة الملاک فی المقامین کما هو واضح.

ص:184

مسألة ١٢ الرکوع أو السجود قبل الإمام

مسألة _ 12 _ إذا رکع أو سجد قبل الإمام عمداً لا یجوز له المتابعة لاستلزامه الزیادة العمدیة، وأما إذا کانت سهواً وجبت المتابعة

{مسألة _ 12 _ إذا رکع أو سجد قبل الإمام عمداً لا یجوز له المتابعة} کما هو المشهور، بل الشهرة فیه عظیمة کما ذکروا {لاستلزامه الزیادة العمدیة} لأنه إذا رکع أو سجد مع الإمام ثانیاً فقد أتی برکوع زائد أو سجود زائد وکلاهما مبطلان.

ویرد علیه: أولا: إن المتابعة من حیث هی لا تستلزم زیادة، فإنه إذا رفع رأسه منهما ثم لم یتابع الإمام فی رکوعه وسجوده لم یکن زاد شیئاً وإنما کان آثماً بترک المتابعة فقط، ولم تبطل صلاته ولا جماعته لما تقدم فی بعض المسائل السابقة من عدم البطلان للصلاة أو الجماعة بأمثال هذه الأمور، اللهم إلاّ أن یقال إن مراده بالمتابعة لیس فی رفع الرأس فقط بل فی ما بعده أیضاً أی الرکوع والسجود مع الإمام ثانیاً، کما هو المنصرف من المتابعة.

وثانیاً: إنه لا وجه للبطلان إذا تابع فی رکوعه وسجوده لما یفهم من عکس المسألة وهو ما لو رفع رأسه قبل الإمام عمداً، حیث تقدم أنه یرکع ویسجد ثانیاً للمتابعة، وذلک لعدم الفصل بین الهوی والرفع کما عن جماعة، ولیس ذلک إلاّ لفهم عدم المناط عرفاً، نعم الأحوط إتمام الصلاة والإعادة.

{وأما إذا کانت سهواً وجبت المتابعة} وذلک للمناط فی الأدلة السابقة، ولخصوص موثق ابن فضال: کتبت إلی أبی الحسن الرضا (علیه السلام) فی الرجل کان خلف إمام یأتم به فرکع قبل أن یرکع الإمام وهو یظن أن الإمام قد رکع فلما رآه لم یرکع رفع رأسه ثم أعاد رکوعه مع الإمام، أیفسد ذلک علیه صلاته

ص:185

بالعود إلی القیام أو الجلوس ثم الرکوع أو السجود معه، والأحوط الإتیان بالذکر فی کل من الرکوعین أو السجودین بأن یأتی بالذکر ثم یتابع، وبعد المتابعة أیضا یأتی به،

أم تجوز الرکعة؟ فکتب: «تتم صلاته بما صنع ولا تفسد صلاته».((1))

وحیث إن العرف لا یری فرقاً بین الظن وغیره من سائر الأعذار فلا فرق فی المناط المستفاد من الروایة.

ثم إن فی وجوب المتابعة أو استحبابه الکلام الذی سبق فی عکس المسألة أی الرفع قبل الإمام، وقد عرفت هناک أن المتابعة مستحبة ولیست بواجبة، وإن کان الأحوط المتابعة، فیجوز له فی صورتی العمد والسهو أن یبقی فی الرکوع والسجود حتی یلحقه الإمام فلا یجب علیه أن یتابع {بالعود إلی القیام أو الجلوس ثم الرکوع أو السجود معه}، علی ما ذکره المصنف.

{و} الأقوی أنه لا یجب علیه الذکر إلاّ فی أحد الرکوعین أو السجودین لأنهما واحد عرفاً، فلا یجب فیهما إلاّ ذکر واحد، وإن کان {الأحوط الإتیان بالذکر فی کل من الرکوعین أو السجودین بأن یأتی بالذکر ثم یتابع، وبعد المتابعة _ أیضا _ یأتی به} أما فی الأول: فلتحقق الرکوع به، فاللازم أن یأتی فیه بالذکر، وأما فی الثانی فلأنه رکوعه الحقیقی فیجب فیه الذکر، لکن الاحتیاط فی الثانی أشد، لأن الأول یحسب زیادة خصوصاً بعد أن کان مأموراً بالمتابعة وجوباً أو استحباباً مما تنافی بقائه فیهما _ أی فی الرکوع والسجود _ بقدر الذکر عرفاً، ولذا فجعل المستمسک الذکر فی أولهما دون ثانیهما محل

ص:186


1- الوسائل: ج5 ص447 الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح4

ولو ترک المتابعة عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته وإن أثم فی صورة العمد، نعم لو کان رکوعه قبل الإمام فی حال قراءته فالأحوط البطلان مع ترک المتابعة

نظر، فإن الذکر فی ثانیهما أقوی حسب القاعدة، ولو جعلنا الذکر فی الثانی وجوباً أو استحباباً ولم یمهله الإمام لأنه رفع رأسه قبل أن یأتی بالذکر بقی فی رکوعه وسجوده إلی أن یتم ذکره لعدم ضرر هذا المقدار من التأخیر بالمتابعة، کما سبق فی بعض المسائل المتقدمة.

{ولو ترک المتابعة عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته} کما صرح به الفقیه الهمدانی وغیره، وذلک لأن الجماعة لا تذهب هیئتها المتلقاة من الشرع بمثل هذه المخالفة _ کما تقدم مکررا _ فإطلاق أدلة الجماعة یشمله، أما توهم بطلان الصلاة رأساً أو الجماعة، کما احتمله بعض فلا وجه لهما، کما سبق بیانه.

{وإن أثم فی صورة العمد} لأنه مأمور بالمتابعة وقد فعل خلاف الأمر.

{نعم لو کان رکوعه قبل الإمام فی حال قراءته فالأحوط البطلان مع ترک المتابعة} لا إشکال فی الصحة مع المتابعة، لإطلاق مکاتبة ابن فضال المتقدمة، ولحدیث «لا تعاد»، واحتمال وجوب أن یقرأ مقدار ما فاته من قراءة الإمام، بل وما بعده إذا کانت قراءته تفوت الموالاة بینها وبین قراءة الإمام، غیر تام، إذ لا دلیل علی لزوم أن یکون المأموم فی حال القیام فی تمام قراءة الإمام، ولذا یصح إذا اتصل بالجماعة فی أثناء القراءة أو بعدها، وعلیه یصح أن یجلس فی أثناء قراءة الإمام لحاجة أو نحوها وإن کان الأحوط تتمیم القراءة لاحتمال اشتراط قیامه حال قراءة الإمام إلاّ ما خرج بالدلیل.

ص:187

اما إذا لم یتابع فی حال قراءة الإمام عمداً، فعن التذکرة ونهایة الأحکام والذکری والبیان والدروس وحواشی القواعد للشهید، والموجز لأبی العباس، وکشف الصیمری وابن هلال والمحقق الثانی وغیرهم أنهم قیدوا الصحة مع السبق إلی الرکوع بما إذا لم یکن قبل فراغ الإمام من القراءة، وإلاّ فسدت الصلاة، بل عن الذکری التصریح بالبطلان حتی فیما إذا کان قد قرأ المأموم بنفسه فی صورة یستحب له ذلک، بناءً علی عدم إجزاء الندب عن الفرض، وعللوه بأنه تعمد فی عدم القراءة، والإمام لیس بضامن فی هذه الصورة، مع أنه «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب»، بالإضافة إلی القاعدة العامة من أن ترک الجزء أو الشرط عمداً موجب للبطلان.

وفی الجواهر قال: وهو _ أی التفصیل _ جید إن لم یثبت ضمان الإمام لها علی جمیع أحوال المأموم، کما لعله الظاهر من إطلاق الأدلة والفتاوی فی المقام وغیره فلا یعتبر فی المأموم حینئذ ما یعتبر فی القارئ حال القراءة من الطمأنینة والانتصاب ونحوهما ((1)) انتهی.

أقول: الوجوه التی ذکروها لأجل البطلان إذا لم یتابع فی حال قراءة الإمام هی:

أولا: ما تقدم بقولنا: (وعللوه).

وثانیاً: إن القیام قدر القراءة من أجزاء الصلاة، فإذا رکع قبل انتهاء القراءة فقد أخل بالقیام المعتبر، فإذا لم یرجع عمداً بطلت صلاته لتعمد ترک الجزء.

وثالثاً: ما ذکره الفقیه الهمدانی من عدم تنجز التکلیف بالرکوع فی حق المأموم ما لم یفرغ الإمام من قراءته، لأن مرتبة الرکوع بعد القراءة وفعل الإمام

ص:188


1- الجواهر: ج13 ص218

کما أنه الأقوی إذا کان رکوعه قبل الإمام عمداً فی حال قراءته، لکن البطلان حینئذ إنما هو من جهة ترک القراءة وترک بدلها وهو قراءة

مسقط لها عن المأموم فما لم یفرغ الإمام عنها لم یسقط التکلیف بها عن المأموم، ولذا لو نوی الانفراد فی أثناء القراءة وجب علیه الإتیان بما بقی ((1)) انتهی.

وهذا لا بعد فیه، وإن کان یرد علی الدلیل الأول: بأن الرکوع قبل تمام القراءة سهواً حاله حال الرکوع قبل تمامها فی صلاة المنفرد، فإن ترک القراءة اشتباها لا یضر بعد حدیث «لا تعاد» وغیره.

وعلی الدلیل الثانی: بأن القیام الذی هو جزء لیس محدوداً بقدر خاص.

نعم فی حال عدم السهو یلزم أن یکون بقدر قراءة نفسه أو قدر قراءة الإمام إذا اقتدی فی أول القراءة، أو قدر بعض قراءة الإمام إذا اقتدی فی أثناء قراءة الإمام.

ومما تقدم یظهر الجواب عن الجواهر، فإن الدلیل الثالث للمفصل باق علی حاله، فإن الجواهر لم یجب عنه.

نعم لو قرأ المأموم وصحت قراءته ورکع لم یکن وجه للبطلان، وما ذکره الشهید (رحمه الله) من عدم إجزاء الندب عن الواجب غیر تام، إذ ضمان الإمام عدم کفایة قراءة المأموم فی هذه الصورة أول الکلام.

{کما أنه} أی البطلان {الأقوی إذا کان رکوعه قبل الإمام عمداً فی حال قراءته} أی حال قراءة الإمام _ بدون أن کان المأموم قرأ بنفسه _ کما عرفت وجهه.

{لکن البطلان حینئذ إنما هو من جهة ترک القراءة وترک بدلها وهو قراءة

ص:189


1- مصباح الفقیه: ج2 ص652

الإمام کما أنه لو رفع رأسه عامدا قبل الإمام وقبل الذکر الواجب بطلت صلاته من جهة ترک الذکر.

الإمام} وترک الجزء عمداً یوجب البطلان، واحتمال أن المأموم ساقط عنه القراءة مطلقا حتی إذا لم یقرأ الإمام سهواً مثلا وعلم المأموم بذلک، فلا قراءة علی المأموم فی المقام فلا یکون رکوعه العمدی رکوعاً قبل القراءة المفروضة غیر تام، إذ ظاهر الأدلة أن الإمام ضامن لقراءته فقراءة الإمام بدل.

{کما أنه لو رفع رأسه عامداً قبل الإمام وقبل الذکر الواجب بطلب صلاته من جهة ترک الذکر} بل اللازم القول بالبطلان حتی فی صورة رفع رأسه مع الإمام بدون أن کان أتی بالذکر الواجب _ ولم یکن الترک سهواً _ لوضوح أن الإمام لیس بضامن لذکر الرکوع، وکذا ذکر السجود، فیکون المقام من ترک الجزء عمداً وهو موجب للبطلان.

ص:190

مسألة ١٣ تأخر المأموم أو مقارنته مع الإمام فی الأقوال

مسألة _ 13 _ لا یجب تأخر المأموم أو مقارنته مع الإمام فی الأقوال، فلا تجب فیها المتابعة،

{مسألة _ 13 _ لا یجب تأخر المأموم أو مقارنته مع الإمام فی الأقوال، فلا تجب فیها المتابعة} کما عن الأکثر، بل المشهور، خلافاً لما عن الدروس والبیان والجعفریة وإرشادها وکشف الالتباس من وجوب المتابعة فی الأقوال، بل ربما نسب هذا القول إلی کل من أطلق وجوب المتابعة.

والأقوی مختار المشهور، ویدل علیه الأصل والسیرة، فإنه لا یتقید أحد من المأمومین بالتأخر أو المقارنة لأقوال الإمام، وإطلاقات أدلة الجماعة بعد الصدق فی عرف المتشرعة ولو تقدم علی الإمام، والمناط فی خبر علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یصلی أله أن یکبر قبل الإمام؟ قال: «لا یکبر إلا مع الإمام فإن کبر قبله أعاد التکبیر».((1))

فإنه إذا جازت المقارنة فی التکبیر جازت فی سائر الأقوال، ولا ینقض ذلک بعدم جواز التقدم فی تکبیرة الإحرام لأنه لا انعقاد للجماعة قبل تکبیرة الإمام، بخلاف سائر الأقوال، مضافاً إلی عدم القول بالفصل، فإن من قال بجواز المقارنة فی الأقوال قال بجواز التقدم فیها.

وربما یؤید جواز التقدم فی الأقوال بمؤیدات:

الأول: إنه لو وجبت المتابعة وجب التنبیه، لأنه مما یغفل عنه العامة، فعدم التنبیه دلیل العدم.

الثانی: إنه فی الجماعات الکبیرة تختفی صوت الإمام علی المأموم فتأخیره

ص:191


1- الوسائل: ج2 ص792 الباب 16 من أبواب صلاة الجنازة ح1

حتی یعلم الإمام یوجب أحیانا ما ینافی الجماعة وجوباً أو استحباباً بأن یتأخر تأخراً مضراً بالجماعة أو تأخراً خلاف المتابعة العرفیة.

الثالث: ما ذکره الفقیه الهمدانی (رحمه الله) من أن من أمعن النظر فی الأخبار لا یکاد یرتاب فی أن المتابعة فی الأقوال لم تکن ملحوظة فی هذا الباب، وإلا لوقع التعرض لحکم الإخلال بها فی شیء من الأخبار، إلی غیرها من المؤیدات.

استدل للقول بوجوب المتابعة بأمور:

الأول: إطلاق معقد الإجماع بوجوب المتابعة، فإنه یشمل الأفعال کالأقوال، وفیه: إن الإجماع غیر محقق قطعاً، کیف والمشهور لا یرون وجوبها فی الأفعال کما تقدم.

الثانی: النبوی المتقدم حیث قال: «إذا کبر فکبروا». بناءً علی کونه مثالاً للأقوال کما أن الرکوع والسجود فیه مثال للأفعال، وفیه: إن فهم المثالیة من التکبیر غیر تام، إذ لا صلاة للإمام قبل تکبیر الإمام فلا یکون إماماً فلا یصح الاقتداء به، بخلاف سائر الأقوال، حیث تحققت الصلاة فالتکبیر لوحظ من حیث المرآتیة للصلاة، فکأنه (صلی الله علیه وآله) قال: إذا دخل فی الصلاة فادخلوا معه فی الصلاة، لا أنه ملحوظ من حیث کونه قولاً فی قبال الفعل.

الثالث: إطلاق ما دل علی المتابعة الشاملة للقول کالفعل، وفیه: إن هذه اللفظة لم ترد فی الروایات، وما ورد فی الروایات خاص أو ظاهر بالفعل، ثم إن ما نسب إلی من أطلق لفظ المتابعة من إن إطلاق کلامه یشمل القول أیضاً ممنوع، إذ المنصرف من کلامه، خصوصاً بقرینة دعوی بعضهم الإجماع علیه

ص:192

سواء الواجب منها والمندوب، والمسموع منها من الإمام وغیر المسموع، وإن کان الأحوط التأخر خصوصا مع السماع، وخصوصا فی التسلیم،

خصوص الأفعال.

{سواء الواجب منها والمندوب، والمسموع منها من الإمام وغیر المسموع} وإن کان الاحتیاط فی الواجب والمسموع ممکناً، من حیث إن المندوب لا یجب بنفسه فکیف یجب فیه المتابعة، وغیر المسموع بعید عن وجوب المتابعة لغلبة الجهل بزمن إتیان الإمام له فکیف یعلق به الوجوب.

{وإن کان الأحوط التأخر} خروجاً من خلاف من أوجب، وإن کان الاحتیاط عندی ضعیفاً {خصوصا مع السماع} کما قال به الفقیه الهمدانی وغیره {وخصوصاً فی التسلیم} فإن جماعة من الفقهاء قالوا بوجوب التأخر فیه، وإن لم یجب فی سائر الأقوال، وعللوا الوجوب فیه بأن الانصراف من الصلاة یحصل بالتسلیم فهو من قبیل الأفعال _ کتکبیرة الإحرام _ لا من قبیل الأقوال.

وردّه فی الجواهر وغیره _ بالإضافة إلی عدم کونه قولاً، فأدلة المتابعة منصرفة عنه، کانصرافها عن سائر الأقوال _ بصحیحة الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) فی الرجل یکون خلف الإمام فیطیل الإمام التشهد؟ فقال (علیه السلام): «یسلم من خلفه ویمضی لحاجته إن أحب».((1)) وحمله علی ما إذا قصد الانفراد قبل السلام غیر ظاهر.

وصحیح أبی المعزا، عن الصادق (علیه السلام) أیضاً: فی الرجل یصلی

ص:193


1- الوسائل: ج5 ص465 الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح3

وعلی أی حال لو تعمد فسلم قبل الإمام لم تبطل صلاته،

خلف إمام فیسلم قبل الإمام؟ قال (علیه السلام): «لیس بذلک بأس».((1))

أما الاستدلال لذلک بصحیحه الآخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل یکون خلف الإمام فیسهو فیسلم قبل أن یسلم الإمام؟ قال (علیه السلام): «لا بأس»((2))، فلا یقید، إذ ظاهره السهو فقط، اللهم إلاّ أن یوجه بما ذکره مصباح الفقیه بأن السلام قبل الإمام لا بأس به، سواء کان سهواً بدون قصد الانفراد، أو کان عمداً مع قصد الانفراد فتأمل.

ثم إنه ربما حمل الصحیحان علی صورة الاضطرار، لما رواه علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یکون خلف الإمام فیطول الإمام التشهد فیأخذ الرجل البول أو یتخوف علی شیء یفوت أو یعرض له وجع کیف یصنع؟ قال (علیه السلام): «یتشهد هو وینصرف ویدع الإمام».((3))

ولروایة زرارة: «وإن کان مع إمام فوجد فی بطنه أذی فسلم فی نفسه وقام فقد تمت صلاته».((4))

وفیه: إن المثبتین لا یقید أحدهما الآخر کما قرر فی محله.

{وعلی أی حال، لو تعمد فسلم قبل الإمام لم تبطل صلاته} لأنه یکون

ص:194


1- المصدر: ح4
2- المصدر: ح5
3- المصدر: ص464 ح2
4- المصدر: ج4 ص1011 الباب 3 من أبواب التسلیم ح2

ولو کان سهواً لا یجب إعادته بعد تسلیم الإمام، هذا کله فی غیر تکبیرة الإحرام، وأما فیها فلا یجوز التقدم علی الإمام،

فرادی، فی منتهی الفرض.

{ولو کان سهواً لا یجب إعادته بعد تسلیم الإمام} لأصل عدم وجوب الإعادة، بالإضافة إلی الصحیح السابق، لکن الظاهر أنه لو لم یکن عن عمد کان الأفضل إعادة السلام، لأنه یعد سهواً عن المتابعة التی هی أفضل وأحوط.

{هذا کله فی غیر تکبیرة الإحرام، وأما فیها فلا یجوز التقدم علی الإمام} بلا خلاف کما عن الذخیرة والکفایة، بل إجماعاً کما عن شرح الإرشاد للفخر، والروض والحدائق، قال فی المستند: ولم أعرف القائل بخلافه منا، وإن أشعرت به عبارات جماعة، وتردد الفاضل فی النهایة والتذکرة کما حکی _ إلی أن قال: _ فالأولی تأخر المأموم فی التحریمة والأفعال،((1)) انتهی.

ویدل علی عدم جواز التقدم جملة من الأمور:

الأول: الإجماع.

الثانی: ما رواه قرب الإسناد، عن علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه (علیه السلام)، فی الرجل یصلی أله أن یکبر قبل الإمام؟ قال (علیه السلام): «لا یکبر إلا مع الإمام فإن کبر قبله أعاد».((2))

الثالث: أصالة العدم.

ص:195


1- المستند: ج1 ص538
2- الوسائل: ج2 ص792 الباب 16 من أبواب صلاة الجنازة ح1

بل الأحوط تأخره عنه

الرابع: إن عدم التقدم لازم الأسوة، إذ یمتنع الاقتداء بدون المقتدی.

الخامس: ما تقدم فی النبوی: «إذا کبر فکبروا».

وهذه الأدلة وإن کان فی بعضها مناقشة، إلاّ أن فی المجموع کفایة.

{بل الأحوط تأخره عنه} بل عن الریاض نسبة لزوم التأخر إلی فتوی الأصحاب، لکنه غیر تام، إذ منهم المتردد، ومنهم المفتی بجواز المقارنة کالشیخ فی المبسوط والشهید فی الذکری، وهذا هو الأقرب.

استدل من قال بالمنع ببعض الأدلة المتقدمة کالأصل والنبوی والإجماع وأنه لا یتحقق الأسوة إلاّ بالتأخر، وفی الکل ما لا یخفی، إذ الأصل لا مجال له بعد صدق الجماعة، والنبوی لا دلالة فیه، إذ الفاء یأتی للترتیب الزمانی والرتبی، مثل قوله تعالی:﴿وَإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾((1))، والإجماع محقق العدم، والأسوة تتحقق بالمقارنة إذا کانت ناشئة عن عمل الإمام.

هذا بالإضافة إلی خبر ابن جعفر المتقدم، وإلی صدق الجماعة الموجب لشمول أدلتها له، وإلی روایة السکونی المتقدمة الواردة فی مصلین «قال کل منهما: کنت إماماً أو مأموماً».((2)) حیث صرحت الروایة بصحة صلاتهما فی الصورة الأولی، فإنه لو لا جواز المقارنة أشکل فرض المسألة فتأمل، ولذا قال فی المستمسک: فالقول بجواز المقارنة فیها أنسب بقواعد العمل،((3)) انتهی.

ص:196


1- سورة الأعراف: الآیة 204
2- انظر الوسائل: ج5 ص420 الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة ح1
3- المستمسک: ج7 ص279

بمعنی أن لا یشرع فیها إلاّ بعد فراغ الإمام منها وإن کان فی وجوبه تأمل.

ومنه یعلم الإشکال فی قول الفقیه الهمدانی بأن دعوی صدق المتابعة مع المقارنة الحقیقیة، خصوصاً بالنسبة إلی الجزء الأول الذی یتحقق به التلبس بالصلاة قابلة للمنع، فالقول بعدم جواز المقارنة الحقیقیة فی التکبیر کما نسب إلی المشهور، بل المعظم لا یخلو من قوة، إذ لم یرد فی النص لفظ المتابعة، فصدق الجماعة فی عرف المتشرعة الموجب لشمول أدلتها له کاف فی جواز المقارنة.

وبه یظهر وجه النظر فی کلام الجواهر، حیث استظهر من الأدلة أن الاقتداء لا یتحقق إلا بعد انتهاء التکبیر الذی جعله الشارع افتتاح الصلاة.

نعم لا شک فی أن الاحتیاط فی التأخیر {بمعنی أن لا یشرع فیها إلاّ بعد فراغ الإمام منها وإن کان فی وجوبه تأمل} فیکفی فی حصول الاحتیاط أن یأتی بها بعد أن شرع الإمام فیها، وإن انتهی منها قبل انتهاء الإمام منها، ولذا قال فی المستند: فالأولی تأخر المأموم فی التحریمة بمعنی شروعه بعد شروعه وإن کان قبل فراغه، وفراغه قبل فراغه لا شروعه قبل فراغه کما قیل، لعدم الدلیل ((1)) انتهی.

ویؤیده ما دل علی استحباب إدراک تکبیرة الإمام، فإن الإمام یشرع فی الحمد بعد التکبیر مباشرة، فإذا أراد المأموم تأخیر التکبیر إلی ما بعد انتهاء تکبیر الإمام لم یدرک التکبیر وإنما أدرک الحمد.

ص:197


1- المستند: ج1 ص538

مسألة ١٤ الإحرام قبل الإمام

مسألة _ 14 _ لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم أنه کبر کان منفرداً فإن أراد الجماعة عدل إلی النافلة وأتمها أو قطعها.

{مسألة _ 14 _ لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم أنه کبر کان منفرداً} لما تقدم من أنه إذا لم تتحقق الجماعة تحققت فرادی لوحدة الحقیقة، لکن یشترط أن لم یکن أتی بما ینافی الصلاة سهواً وعمداً کزیادة الرکن بزعم المتابعة.

{فإن أراد الجماعة عدل إلی النافلة وأتمها أو قطعها} للدلیل الخاص بجواز العدول فی المقام، کماسیأتی فی المسألة السابعة والعشرین. بضمیمة جواز قطع النافلة کما ذکر فی محله، وعلی کل فیجوز له أمور:

الاول: أن یتم صلاته فرادی ولا یضر أنه قصد الجماعة، لأنه من باب الاشتباه فی التطبیق لا التقیید.

الثانی: أن یعدل بها إلی النافلة ویتمها رکعتین ثم یلتحق بالجماعة.

الثالث: أن یعدل إلی النافلة ثم یقطعها.

أما أن یعدل من الانفراد إلی الجماعة، کما احتمله بعض، واستدل له بأنهما حقیقة واحدة فکما یصح العدول من الجماعة إلی الفرادی، کذلک یصح العدول من الفرادی إلی الجماعة، وبما دل علی أن المأمومین یقدمون إماماً مکان إمامهم السابق إذا حدث به حادث، فإنه بحدث الإمام صارت صلاتهم فرادی ثم تصیر جماعة، ففیه: إنه وإن کان محتمل الصحة، إلاّ أنه خلاف الأصل، والشاهدان لا یکفیان فی مخالفة الأصل، إذ فی التنظیر بالعدول من الجماعة إلی الفرادی نظر، لعدم العلم بوحدة المناط، والجماعة فی حدث الإمام غیر معلومة الزوال ثم الانعقاد لاحتمال بقائها جماعة، وإن دخل الإمام الجدید فی الصلاة بعد أن لم یکن داخلا معهم، کما تقدم فی

ص:198

صور مسألة حدث الإمام.

ثم إنه ربما احتمل وجه آخر فی المقام، وهو أن یکبر ثانیا بقصد الجماعة بدون إبطال التکبیر الأول، ویستدل له بروایة علی بن جعفر المتقدمة، لکن یشکل العمل بها من جهة المناقشة فی سندها بعبد الله بن الحسن المجهول کما قیل.

ص:199

مسألة ١٥ إتیان ذکر الرکوع أو السجود أکثر من الإمام

مسألة _ 15 _ یجوز للمأموم أن یأتی بذکر الرکوع والسجود أزید من الإمام، وکذا إذا ترک بعض الأذکار المستحبة یجوز له الإتیان بها مثل تکبیر الرکوع والسجود وبحول الله وقوته ونحو ذلک.

{مسألة _ 15 _ یجوز للمأموم أن یأتی بذکر الرکوع والسجود أزید من الإمام} بلا إشکال، لإطلاق أدلة جواز الإتیان بالذکر فی الصلاة، وکذا یجوز له أن یأتی به أقل من الإمام بمقدار أقل الواجب، إذ لا دلیل علی لزوم متابعة الإمام فی مقدار الذکر، فالأصل عدمه، کما یجوز له أن یأتی بالقنوت فیما لا یأتی الإمام به، أو یترک القنوت فیما یأتی الإمام به، إذ لا وجوب له، کما لا تجب متابعة الإمام فی ترکه لعدم دلیل علی ذلک.

وکذلک یجوز أن یأتی بالواجب المطلق والمستحب بفرد غیر الفرد الذی یأتی الإمام به، کأن یقرأ المأموم فی الأخیرتین بالحمد فیما یقرأ الإمام بالتسبیحات، أو أن یأتی بالتسبیحة الکبری فی الرکوع والسجود بینما یأتی الإمام بالصغری لإطلاق النص، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{وکذا إذا ترک} الإمام {بعض الأذکار المستحبة یجوز له الإتیان بها مثل تکبیر الرکوع والسجود وبحول الله وقوته ونحو ذلک} کسمع الله لمن حمده، فإن إطلاقات أدلتها محکمة، ولا دلیل علی لزوم المتابعة للإمام فعلاً أو ترکاً، إلاّ فیما إذا سبب ذلک الإخلال بالمتابعة الواجبة.

ص:200

مسألة ١٦ الجلوس ومسألة التقلید

مسألة _ 16 _ إذا ترک الإمام جلسة الاستراحة لعدم کونها واجبة عنده، لا یجوز للمأموم الذی یقلد من یوجبها أو یقول بالاحتیاط الوجوبی أن یترکها، وکذا إذا اقتصر فی التسبیحات علی مرة_ مع کون المأموم مقلداً لمن یوجب الثلاث.

{مسألة _ 16 _ إذا ترک الإمام جلسة الاستراحة لعدم کونها واجبة عنده} أو کانت واجبة عنده ونسیها مثلا {لا یجوز للمأموم الذی یقلد من یوجبها أو یقول بالاحتیاط الوجوبی} أو کان المأموم قائلا بالوجوب اجتهاداً أو احتیاطاً {أن یترکها} لوجوبها علیه، وعدم إتیان الإمام لا یسقط وجوبها عنه، وهذا المقدار من التخلف لا یوجب الانفصال عن الجماعة.

{وکذا إذا اقتصر} الإمام {فی التسبیحات علی مرة مع کون المأموم مقلداً لمن یوجب الثلاث} أو یحتاط وجوباً بذلک.

وإشکال بعض المعلقین فی أصل الاقتداء بمثل هذا الإمام لاوجه له بعد شمول إطلاقات الجماعة له.

ولو انعکس بأن کان رأی الإمام الثلاث ورأی الماموم کفایة تسبیحة واحدة، لا یلزم علی المأموم أن یأتی بالثلاث، بل له أن یقول واحدة ویسکت، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ص:201

مسألة ١٧ متابعة الإمام فی ما عدا السهو

مسألة _ 17 _ إذا رکع المأموم ثم رأی الإمام یقنت فی رکعة لا قنوت فیها، یجب علیه العود إلی القیام، لکن یترک القنوت وکذا لو رآه جالساً یتشهد فی غیر محله وجب علیه الجلوس معه، لکن لا یتشهد معه، وهکذا فی نظائر ذلک.

{مسألة _ 17 _ إذا رکع المأموم ثم رأی الإمام یقنت فی رکعة لا قنوت فیها، یجب علیه العود إلی القیام} للمتابعة {لکن یترک القنوت} وذلک لأنه لا قنوت، واشتباه الإمام لا یشرع للمأموم القنوت، أما وجوب العود إلی القیام فلأنه مقتضی إطلاق أدلة المتابعة، فحاله حال ما إذا اشتبه الإمام فقرأ سورتین بدل سورة واحدة، فإن اللازم علی المأموم الوقوف إلی أن یفرغ، ولا حاجة إلی ما ذکره المستمسک من أن العود إنما هو لتحصیل المتابعة فی الرکوع المشروع، إذ نفس قیام الإمام یقتضی قیام المأموم.

{وکذا لو رآه جالساً یتشهد فی غیر محله وجب علیه الجلوس معه} و{لکن لا یتشهد معه} إذ لا تشهد مشروع فی المقام.

{وهکذا فی نظائر ذلک} بشرط أن یکون مما تجب المتابعة فی أصل العمل، وإن لم تجر المتابعة فی الخصوصیات، أما إذا سجد الإمام اشتباهاً سجدة ثالثة مثلا، أو قام إلی الرکعة الخامسة مثلاً اشتباهاً لم یکن للمأموم الاتباع، لأنه خلاف القدر المقرر فی الشریعة.

إن قلت: ما الفرق بین الأمرین؟

قلنا: الفرق أن وقوف الإمام مثلا بدون قراءة السورة الثانیة _ الاشتباهیة _

ص:202

موجب لوقوف المأموم _ فیما لا یکون ماحیاً _ وحیث حصل هذا الوقوف لزم للمأموم الاتباع، لإطلاق أدلة الاتباع. بخلاف مثل سجدة الإمام اشتباهاً، فإنه محظور شرعاً للمأموم زیادة السجدة، فأدلة المتابعة لا تشملها، وعلیه فلو سجد المأموم متابعة بطلت صلاته، لأنها زیادة فی المکتوبة.

ومما تقدم یعرف أنه لو قام الإمام إلی رابعته فی العشاء مثلا، وکان المأموم اقتدی به فی مغربه لم یجز له القیام، بل اللازم علیه التشهد والسلام.

ثم لا یخفی أن المأموم یتابع تشهد الإمام وقنوته إذا کان مسبوقاً _ للنص _ وهذا غیر ما نحن فیه، ثم إنه لو توهم الإمام وقام إلی الخامسة مثلا وکان المأموم لحق به بعد رکعة لم تکن له أن یتابع بقصد الجماعة، إذ لا صحة لهذا القیام للإمام، ویدل علیه ما عن سماعة عن الصادق (علیه السلام) فی رجل سبقه الإمام برکعة وأوهم الإمام فصلی خمساً؟ قال: «یعید تلک الرکعة ولا یعتد بوهم الإمام»((1))، فإن ظاهر «یعید» أنه یأتی بها فرادی من دون اتباع الإمام، ومثله سائر فروض المسألة.

ص:203


1- الوسائل: ج5 ص468 الباب 68 من أبواب صلاة الجماعة ح1

مسألة ١٨ ما یتحمل الإمام عن المأموم وما لا یتحمل

مسألة _ 18 _ لا یتحمل الإمام عن المأموم شیئاً من أفعال الصلاة

{مسألة _ 18 _ لا یتحمل الإمام عن المأموم شیئاً من اأفعال الصلاة} بلا خلاف ولا إشکال، کما یظهر من إطلاقاتهم، ویدل علیه مستفیض النصوص:

مثل ما رواه زرارة قال: سألت أحدهما (علیهما السلام) عن الإمام یضمن صلاة القوم؟ قال: «لا».((1))

وما رواه أبو بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: أیضمن الإمام الصلاة؟ قال (علیه السلام): «لیس بضامن».((2))

وما رواه حسن بن بشیر((3)) عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه سأله عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: «لا، إن الإمام ضامن للقراءة ولیس یضمن الإمام صلاة الذین خلفه إنما یضمن القراءة». إلی غیرها من الروایات المذکورة فی کتب الحدیث وغیرها.

ومنه یعلم أن المراد بقول الرسول (صلی الله علیه وآله) فی حدیث الغوالی: «الأئمة ضمناء»((4))، إنما یراد به الضمان للقراءة.

أما روایة عمار الساباطی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة فلم یقل شیئاً ولم یکبر ولم یسبح ولم یتشهد حتی یسلم؟ فقال (علیه السلام): «جازت صلاته ولیس علیه شیء إذا سها خلف الإمام، ولا سجدتا السهو، لأن الإمام ضامن لصلاة من صلی خلفه».((5))

ص:204


1- المصدر: ص421 الباب 30 ح4
2- المصدر: ح2
3- الوسائل: ج5 ص421 الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة ح1
4- العوالی: ج2 ص216 ح 8
5- الفقیه: ج1 ص264 الباب 56 فی الجماعة ح114

غیر القراءة فی الأولتین إذا ائتم به فیهما.

وأما فی الأخیرتین فلا یتحمل عنه، بل یجب علیه بنفسه أن یقرأ الحمد أو یأتی بالتسبیحات، وإن قرأ الإمام فیهما وسمع قراءته،

فالظاهر أن المراد بالضمان عدم سجدة السهو حیث إنها تجب فی غیر المأموم، ولذا قال الفقیه بعد روایة أبی بصیر: إنها لیس بخلاف خبر عمار.((1))

هذا بالإضافة إلی اضطراب متن روایة عمار، کما یظهر لمن راجع التهذیب والاستبصار والفقیه.

{غیر القراءة} المراد بالأفعال فی المستثنی ما یشمل الکلام، فالاستثناء لیس منقطعاً {فی الأولتین إذا ائتم به فیهما} لما تقدم من لزوم إنصات المأموم وغیره فراجع.

نعم إذا لم یقرأ الإمام سهواً فالظاهر لزوم القراءة علی المأموم، لأنه لا تحمل له و«لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب»، وأدلة سقوط القراءة عن المأموم منصرفة عن هذه الصورة.

{وأما فی الأخیرتین فلا یتحمل عنه، بل یجب علیه بنفسه أن یقرأ الحمد أو یأتی بالتسبیحات} قد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصلا فلا حاجة إلی التکرار.

{وإن قرأ الإمام فیهما وسمع قراءته} إما لکون قراءته إخفاتا یسمع، أو لأن الإمام اشتبه فقرأ جهراً، وقد سبق الکلام فی ذلک أیضا.

ص:205


1- المصدر: ح116

وإذا لم یدرک الأولتین مع الإمام وجب علیه القراءة فیهما، لأنهما أولتا صلاته،

{وإذا لم یدرک الأولتین مع الإمام وجب علیه القراءة فیهما، لأنهما أولتا صلاته} کما عن السید المرتضی والشیخ فی جملة من کتبه وابن زهرة والحلی وجماعة من متأخری المتأخرین، خلافاً لما عن السرائر والمنتهی والتذکرة والمختلف والنفلیة والفوائد الملیة وغیرهم، حیث قالوا باستحباب القراءة.

استدل للقول الأول: بإطلاقات «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب»، وإطلاقات «إن الإمام لا یضمن»، وقاعدة الاشتغال، وجملة من الروایات:

کصحیح ابن الحجاج، عن الصادق (علیه السلام)، عن الرجل یدرک الرکعتین الأخیرتین من الصلاة کیف یصنع بالقراءة؟ فقال (علیه السلام): «اقرأ فیهما فإنه ما لک الأولتان ولا تجعل أول صلاتک آخرهما».((1))

وصحیح ابن أبی عبد الله (علیه السلام)، عنه (علیه السلام) قال: «إذا سبقک الإمام برکعة فأدرکت القراءة الأخیرة قرأت فی الثالثة من صلاته وهی اثنتان لک، فإن لم تدرک معه إلاّ رکعة واحدة قرأت فیها وفی التی تلیها، وإن سبق برکعة جلست فی الثانیة لک والثالثة له حتی تعتدل الصفوف قیاماً».((2))

وصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا أدرک الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام یحتسب بالصلاة خلفه جعل أول ما أدرک أول صلاته

ص:206


1- الوسائل: ج5 ص445 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- الوسائل: ج5 ص445 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح3

إن أدرک من الظهر أو من العصر أو من العشاء رکعتین وفاتته رکعتان قرأ فی رکعة مما أدرک خلف إمام فی نفسه بأم الکتاب وسورة، فإن لم یدرک السورة تامة أجزأته أم الکتاب _ إلی إن قال: _ وإن أدرک رکعة قرأ فیها خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الکتاب وسورة» ((1)) الحدیث.

وموثقة عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یدرک الإمام وهو یصلی أربع رکعات وقد صلی الإمام رکعتین؟ قال: «یفتتح الصلاة فیدخل معه ویقرأ معه فی الرکعتین» ((2))، إلی غیرها من الروایات.

واستدل للقول الثانی: بالأصل وبما تقدم فی المسألة الأولی من فصل أحکام الجماعة، من الأدلة الدالة علی أنه لا شیء علی المأموم من القراءة فی کل الرکعات، وبأنه إذا جاء المأموم فی الأخیرتین فی حالة رکوع الإمام جاز له أن یدخل فی الرکوع بدون القراءة، مما یظهر منه أنه لا قراءة علیه، وقد أشکل هؤلاء علی أدلة القول الأول، بأن «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» مقیدة بما ذکرناه، وکذلک إطلاق «إن الإمام لا یضمن»، إذ لابد من حمله علی عدم ضمان غیر القراءة، بقرینة ما دل علی أن الإمام ضامن، وقاعدة الاشتغال محکومة بالبراءة، والأخبار الخاصة محمولة علی الاستحباب بما ذکره فی المدارک لاشتمال صحیحی زرارة وعبد الرحمان علی بعض المندوبات والمکروهات مما یوجب عدم الوثوق بظاهر الأمر بالقراءة.

ص:207


1- المصدر: ح4
2- التهذیب: ج3 ص247 الباب 24 فی العمل فی لیلة الجمعة ح57

وإن لم یمهله الإمام لإتمامها اقتصر علی الحمد وترک السورة

أقول: الأخبار الخاصة فی المقام مقدمة علی البراءة والمطلقات، وحمل الأمر بالقراءة فیها علی الاستحباب خلاف الظاهر، فإن اشتمال الحدیث علی المستحب أو المکروه لا یوجب رفع الید عن سائر ظواهره کما قرر فی محله.

وأما المسألة الأولی فی أول الفصل فلا ربط لها بالمقام، وإن کانت تصلح قرینة للاستحباب، إلاّ أنه لیس بحیث یمکن رفع الید عن ظاهر الأخبار الخاصة، وقد فصل الجواهر ومصباح الفقیه الکلام حول المقام، فمن شاء التفصیل فلیرجع إلیهما.

وکیف کان فقول المشهور هو الأقرب.

{وإن لم یمهله لإتمامها} أی القراءة {اقتصر علی الحمد وترک السورة} بلا إشکال کما فی الجواهر، وأرسله المستند إرسال المسلمات، ویدل علیه صحیحة زرارة السابقة من قول (علیه السلام): «فإن لم یدرک السورة أجزأه أم الکتاب»((1))، بل ربما یستدل لذلک بما وراه الفقیه، عن رجل، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «أی شیء یقول هؤلاء فی الرجل إذا فاتته مع الإمام رکعتان»؟ قلت: یقولون یقرأ فی الرکعتین بالحمد وسورة، فقال (علیه السلام): «هذا یقلب صلاته فیجعل أولها آخرها». قلت: فکیف یصنع؟ قال (علیه السلام): «یقرأ فاتحة فی کل رکعة».((2))

وفی روایة الفقیه، عن زرارة، عن الباقر (علیه السلام): «قرأ فی کل رکعة مما أدرک خلف الإمام فی نفسه بأم الکتاب، فإذا سلم الإمام قام فصلی الأخریین».((3))

ص:208


1- الوسائل: ج5 ص445 الباب 47 أبواب صلاة الجماعة ح4
2- الفقیة: ج1 ص263 الباب 56 فی الجماعة ح113
3- المصدر: ص256 ح72

ورکع معه، وأما إذا أعجله عن الحمد أیضا فالأحوط إتمامها واللحوق به فی السجود، أو قصد الانفراد، ویجوز له قطع الحمد والرکوع معه

وفی روایة الدعائم، عن الباقر (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت الإمام وقد صلی رکعتین فاجعل ما أدرکت معه أول صلاتک واقرأ لنفسک بفاتحة الکتاب وسورة إن أمهلک الإمام أو ما أدرکت أن تقرأ واجعلها أول صلاتک _ إلی أن قال: _ أو رکعة إن کانت المغرب تقرأ فی کل رکعة بفاتحة الکتاب».((1))

{ورکع معه} ثم الظاهر إنه یترک السورة إذا رکع الإمام، وإن علم أنه إذا قرأ أدرک الرکوع، لإطلاق النصوص السابقة، ولو قرأ والحال هذه لم یکن بأس به لما تقدم مکرراً من إن التأخیر عن الإمام بمقدار عدم الضرر بهیئة الجماعة المرکوزة فی أذهان المتشرعة.

ثم الظاهر إن المراد السورة التی یحفظها مما تنافی الرکوع مع الإمام، فإذا کان یحفظ «عم» و«التوحید» مثلا وأمکنه قراءة الثانیة، واللحوق بالإمام فی الرکوع قرأها ولم یقرأ «عم» المنافیة للالتحاق.

نعم إذا لم یحفظ إلاّ «عم» لم یقرأها، فلا یحق له فی الصورة الأولی أن یقرأ «عم» حتی یوجب عدم إدراک رکوع الإمام، أو یوجب أن یقرأ بعض السورة لیدرک الرکوع.

{وأما إذا أعجله عن الحمد أیضاً فالأحوط إتمامها واللحوق به فی السجود أو قصد الانفراد ویجوز له قطع الحمد والرکوع معه} فی المستند وحکی عن

ص:209


1- الدعائم: ج1 ص192 فی ذکر صلاة المسبوق

المحقق القمی أنه یجب علیه إتمام الحمد، وفی الجواهر وعن غیره وجوب المتابعة وترک الفاتحة، وهذا هو الأقوی لجملة من الروایات:

کصحیح معاویة، عن الرجل یدرک آخر صلاة الإمام _ وهی أول صلاة الرجل _ فلا یمهله حتی یقرأ فیقضی القراءة فی آخر صلاته؟ قال (علیه السلام): «نعم».((1))

فإن ظاهر تقدم المتابعة علی قراءة الحمد فتقدمها علی قراءة بعض الحمد بطریق أولی.

وروایة الدعائم، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنه قال: «إذا سبق أحدکم الإمام بشیء من الصلاة فلیجعل ما یدرک مع الإمام أول صلاته ولیقرأ فیما بینه وبین نفسه إن أمهله الإمام فإن لم یمکنه قرأ فیما یقضی».((2))

وقد تقدم فی روایته عن الباقر (علیه السلام) أیضاً ما یدل علی ذلک.

ومنه یعلم أن استدلال المستند لفتواه یوجوب القراءة وعدم دلیل علی السقوط أصلا لیس کما ینبغی، فإنه إنما کان یتم الاستدلال لو لم یکن دلیل خاص فی المسألة، أما بعد وجود الدلیل الخاص فلا مجال للتمسک بإطلاق أدلة قراءة الحمد، وإشکالاته علی صحیحة معاویة غیر تامة، فراجع کلامه.

ومما ذکرنا یظهر أنه إن تمکن من قراءة بعض السورة مع الحمد قرأها أیضاً، ویدل علیه بالإضافة إلی ما تقدم: موثقة الساباطی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)

ص:210


1- الوسائل: ج5 ص446 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح5
2- الدعائم: ج1 ص191 فی صلاة المسبوق

لکن فی هذه لا یترک الاحتیاط بإعادة الصلاة.

قال: سألته عن الرجل یدرک الإمام وهو یصلی أربع رکعات وقد صلی الإمام رکعتین؟ قال: «یفتتح الصلاة ویدخل معه ویقرأ خلفه فی الرکعتین یقرأ فی الأولی الحمد وما أدرک من سورة الجمعة ویرکع مع الإمام، وفی الثانیة الحمد وما أدرک من سورة المنافقین ویرکع مع الإمام»((1)) الحدیث.

لکن فی المستند حملها علی الاستحباب، بقرینة کون الجملة خبریة، وبأن متعلقها قراءة بعض سورة الجمعة والمنافقین وهو غیر واجب النیة، وبصحیحة زرارة السابقة.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الجملة الخبریة تفید الوجوب، والسورتان من باب المثال، والصحیحة أعم من الموثقة، فاللازم تقییدها بالموثقة، لکن بناءً علی هذه الموثقة یکون اختیار السورة بید المصلی، فله أن یقرأ بعض السورة المفصلة، وإن کان أمکنه قراءة سورة کاملة مختصرة، وهذا علی خلاف القاعدة المتقدمة، اللهم إلاّ أن یقال إنه استثناء بالنص، أو إن السورتین واجبتان فی یوم الجمعة، فإن المنصرف من النص أن الکلام حول الصلاة یوم الجمعة، لقوله: «وهو یصلی أربع رکعات».

{لکن فی هذه لا یترک الاحتیاط بإعادة الصلاة} وأحوط منه أن یقصد الانفراد أو یأتی بصورة الجماعة مهما أمکن، مع قصده أنه إن لم تصح جماعة فهی فرادی، فلا یأتی بما ینافی الانفراد.

ص:211


1- التهذیب: ج3 ص247 الباب 24 فی العمل لیلة الجمعة ح57

مسألة ١٩ إدراک الإمام فی الرکعة الثانیة

مسألة _ 19 _ إذا أدرک الإمام فی الرکعة الثانیة تحمل عنه القراءة فیها، ووجب علیه القراءة فی ثالثة الإمام الثانیة له ویتابعه فی القنوت فی الأولی منه،

{مسألة _ 19 _ إذا أدرک الإمام فی الرکعة الثانیة تحمل عنه القراءة فیها، ووجب علیه القراءة فی ثالثة الإمام الثانیة له} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه إطلاقات الأدلة، وخصوص بعض الروایات:

مثل صحیحة ابن أبی عبد الله (علیه السلام)، عنه (علیه السلام): «إذا سبقک الإمام برکعة فأدرکت القراءة الأخیرة قرأت فی الثالثة من صلاته، وهی ثنتان لک».((1))

وروایة الدعائم: «إذا دخل رجل مع الإمام فی صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه برکعة وأدرک القراءة فی الثانیة فقام الإمام فی الثالثة قرأ المسبوق فی نفسه، کما کان یقرأ فی الثانیة».((2))

والرضوی (علیه السلام): «أروی إن فاتک شیء من الصلاة مع الإمام فاجعل أول صلاتک ما استقبلت منها، ولا تجعل أول صلاتک آخرها، وإذا فاتک مع الإمام الرکعة الأولی التی فیها القراءة فانصت للإمام للثانیة التی أدرکت، ثم اقرأ أنت فی الثالثة للإمام وهی لک ثنتان».((3))

{ویتابعه فی القنوت فی الأولی منه} جعله فی الجواهر مما ینبغی، وأفتی باستحبابه فی المستند ونسبه إلی جماعة، ولعل هذا هو ظاهر المتن، لأن

ص:212


1- الوسائل: ج5 ص445 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- الدعائم: ج1 ص191 فی صلاة المسبوق
3- فقه الرضا: ص10 س32

وفی التشهد،

القنوت بنفسه مستحب فلا یحمل کلام الماتن علی سیاقه من الوجوب، وإن کان الأولی له التنبیه علیه.

وکیف کان، فیدل علی الاستحباب موثق عبد الرحمان بن إبی عبد الله (علیه السلام)، عنه (علیه السلام)، فی الرجل یدخل الرکعة الأخیرة من الغداة مع الإمام فقنت الإمام أیقنت معه؟ قال: «ویجزیه من القنوت لنفسه».((1))

أقول: لکن الظاهر بقاء استحباب القنوت لنفسه لإطلاق أدلته، وقوله (علیه السلام): «یجزیه» ظاهر فی الکفایة، لا فی أنه مسقط لقنوت نفسه، نعم إذا قنت مع الإمام لم یکن لقنوته لنفسه تأکد استحباب.

{وفی التشهد} وهل الجلوس واجب، کما هو ظاهر غیر واحد؟ أو مستحب کما عن الذخیرة ومال إلیه المستند؟ احتمالان، من إطلاقات أدلة المتابعة، وخصوص الروایات الواردة فی المقام.

مثل روایة عبد الرحمان بن أبی عبد الله (علیه السلام)، عنه (علیه السلام) وفیها: «إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مکانک حتی یرفع رأسه، وإن کان قاعداً قعدت، وإن کان قائماً قمت».((2))

وروایة زرارة، عنه (علیه السلام): «وإن أدرک رکعة قرأ فیها خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الکتاب وسورة».((3))

ص:213


1- الوسائل: ج4 ص915 الباب 17 من أبواب القنوت ح1
2- المصدر: ج5 ص449 الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح5
3- المصدر: ص445 الباب 47 ح4

وروایة الدعائم، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «فإذا سلم الإمام لم یسلم المسبوق وقام فقضی رکعة یقرأ فیها بفاتحة الکتاب».((1))

والرضوی (علیه السلام): «فإن وجدت قد صلی رکعة فقم معه فی الرکعة الثانیة، فإذا قعد فاقعد معه».((2))

وروایة علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یدرک الرکعة من المغرب کیف یصنع حین یقوم یقضی أیقعد فی الثانیة والثالثة؟ قال (علیه السلام): «یقعد فیهن جمیعاً».((3))

وموثق الحسین وداود: سئل عن رجل فاتته صلاة رکعة من المغرب مع الإمام فأدرک الثنتین فهی الأولی له والثانیة للقوم ویتشهد فیها؟ قال (علیه السلام): «نعم». قلت: والثانیة أیضاً؟ قال (علیه السلام): «نعم». قلت کلهن؟ قال: «نعم، وإنما هی برکة».((4))

هذا کله ما یستدل به لوجوب التشهد والجلوس.

ومن أصالة عدم الوجوب، فإنه لیس علیه بنفسه جلوس، والمتابعة بهذا المقدار غیر لازم فی صدق الجماعة، ولذا فإذا أخر رفع رأسه من السجدة حتی أتم الإمام تشهده لم یکن مخالفاً للجماعة، وکذا إذا قام لأجل أخذ حاجة أو نحوه، فإذا جاز ذلک فی التشهد اللازم علیه لکونه مع الإمام من أول الصلاة جاز فی التشهد الذی لیس

ص:214


1- الدعائم: ج1 ص191 فی صلاة المسبوق
2- فقه الرضا: ص10 س35
3- الوسائل: ج5 ص468 الباب من أبواب صلاة الجماعة ح4
4- المصدر: ص467 ح1

والأحوط التجافی فیه،

بلازم علیه بالأصل، وهذا الاحتمال الثانی وإن لم یکن بذلک البعد، إلاّ أن الاحتیاط فی الجلوس لظواهر تلک الأخبار.

ویؤید عدم الوجوب ما یأتی من أنه إنما یجلس غیر متمکن، فإن ظاهره أنه لوحظ فیه عدم القیام حتی تنافی هیئة الجماعة، مع أنه لوحظ فیه عدم الجلوس أیضاً، إعلاماً بأنه لیس داخلا فی تشهد الجماعة.

{والأحوط التجافی فیه} بل عن الصدوق والغنیة والحلبی والسرائر وابن حمزة، وفی الجواهر: وجوبه، خلافا لما حکاه المستند عن الأکثر من استحباب التجافی والإقعاء فیه.

استدل للأول: بظاهر الأمر فی جملة من الروایات: کصحیحة الحلبی، عن الصادق (علیه السلام): «ومن أجلسه الإمام فی موضع یجب أن یقوم فیه تجافی وأقعی إقعاءً، ولم یجلس متمکناً».((1))

وصحیح ابن الحجاج _ الوارد فی المسبوق برکعة _: کیف یصنع إذا جلس الإمام؟ قال (علیه السلام): «یتجافی ولا یتمکن من القعود».((2))

وروایة الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «فإذا جلسوا فی الرابعة جلس معهم غیر متمکن، فإذا سلم قام فأتی برکعة وجلس وتشهد وسلم وانصرف».((3))

وروایته الثانیة، عن الباقر (علیه السلام): «فإذا جلس للتشهد فاجلس غیر

ص:215


1- الوسائل: ج5 ص468 الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- المصدر: ح1
3- الدعائم: ج1 ص192

کما أن الأحوط التسبیح عوض التشهد

متمکن ولا تتشهد، فإذا سلم فقم».((1))

وروایة عمرو بن جمیع: «إذا أجلسک الإمام فی موضع یجب أن تقوم فیه فتجاف».((2))

والثانی: بالأصل، وبأنه لا یضر الجلوس فی غیر موضع الجلوس فکیف بالمقام، وإن ظاهر الروایات الآمرة بالجلوس یأبی عن تقییده بالتجافی، لأنه فرد خفی یأبی المطلق من الحمل علیه، وحیث إن الحکم بأحد الطرفین مشکل فالاحتیاط _ کما اختاره المصنف _ سبیل النجاة.

{کما أن الأحوط التسبیح عوض التشهد} بل عن النهایة والسرائر المنع عن التشهد، وفی المستند المحکی عن جماعة المنع عن قول التشهد، وأثبت بعضهم التسبیح بدله، ولا وجه، ((3)) انتهی.

وفی الجواهر: لم نعرف لهم شاهداً علی ذلک.

وفی المستمسک: ما ظاهره اتباع الجواهر،((4)) لأنه نقل کلام الجواهر ساکتاً علیه.

أقول: وجهه ما رواه الدعائم، عن الباقر (علیه السلام)، کما تقدم.

وما فی روایة عمار بن موسی: «فإذا قعد الإمام للتشهد فلا یتشهد ولکن یسبح».((5))

ص:216


1- المصدر نفسه
2- الوسائل: ج4 ص958 الباب 6 من أبواب السجود ح6
3- المستند: ج1 ص549 س32
4- الجواهر: ج14 ص51
5- التهذیب: ج3 ص247 الباب 24 فی لیلة الجمعة ح57

وإن کان الأقوی جواز التشهد، بل استحبابه أیضاً، وإذا أمهله الإمام فی الثانیة له للفاتحة والسورة والقنوت أتی بها، وإن لم یمهله ترک القنوت، وإن لم یمهله للسورة ترکها، وإن لم یمهله لإتمام الفاتحة _ أیضاً _ فالحال کالمسألة المتقدمة من أنه یتمها ویلحق الإمام فی السجدة

{وإن کان الأقوی جواز التشهد بل استحبابه أیضاً} لجملة من الروایات الموجبة لذلک، لکن مقتضی الجمع بینها وبین ما سبق أفضلیة التسبیح، ویدل علی التشهد ما تقدم من موثق الحسین وداود، وروایة إسحاق: یسبقنی الإمام برکعة فیکون لی واحدة وله ثنتان أفأتشهد کلما قعدت؟ قال (علیه السلام): «نعم فإنما التشهد برکعة».((1))

{وإذا أمهله الإمام فی الثانیة له للفاتحة والسورة والقنوت أتی بها} وجوباً فی القراءة واستحبابا فی القنوت لإطلاق أدلتها.

{وإن لم یمهله ترک القنوت} لأن ترک المستحب مقدم علی ترک الواجب الذی هو القراءة، لکن إذا کان یدرک رکوع الإمام إذا قنت جاز له أن یقنت وإن تأخر عنه، إذ ذلک لا یضر بهیئة الجماعة کما تقدم غیر مرة.

{وإن لم یمهله للسورة ترکها} کما تقدم الکلام فیه {وإن لم یمهله لإتمام الفاتحة أیضاً فالحال کالمسألة المتقدمة من أنه یتمها ویلحق الإمام فی السجدة} ولو الثانیة، لأن ذلک لا یضر بهیئة الجماعة، کما تقدم وجهه.

ص:217


1- الوسائل: ج5 ص467 الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة ح2

أو ینوی الانفراد أو یقطعها ویرکع مع الإمام ویتم الصلاة ویعیدها.

{أو ینوی الانفراد، أو یقطعها ویرکع مع الإمام ویتم الصلاة ویعیدها} احتیاطاً، فإن هذه المسألة والمسألة السابقة من باب واحد.

ص:218

مسألة ٢٠ إمهال الإمام فی القراءة

مسألة _ 20 _ المراد بعدم إمهال الإمام المجوز لترک السورة رکوعه قبل شروع المأموم فیها، أو قبل إتمامها، وإن أمکنه إتمامها قبل رفع رأسه من الرکوع، فیجوز ترکها بمجرد دخوله فی الرکوع ولا یجب الصبر إلی آواخره، وإن کان الأحوط قراءتها ما لم یخف فوت اللحوق فی الرکوع، فمع الاطمئنان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لا یترکها ولا یقطعها.

{مسألة _ 20 _ المراد بعدم إمهال الإمام المجوز لترک السورة، رکوعه قبل شروع المأموم فیها} وذلک لأنه المنصرف من عدم الإمهال، إذ المرکوز فی الأذهان المتابعة فی نفس الزمان الذی یفعل فیه الفعل، فإذا رکع الإمام وعلم أنه لا یرفع رأسه إلاّ بعد أن یقرأ السورة لم یقرأها ورکع معه.

{أو قبل إتمامها، وإن أمکنه إتمامها قبل رفع رأسه من الرکوع} بأن کان المأموم قرأ بعض السورة فرکع الإمام، فإنه یترکها ویرکع مع الإمام.

{فیجوز ترکها بمجرد دخوله فی الرکوع ولا یجب} علی المأموم {الصبر} بقراءة السورة {إلی أواخره} أی أواخر الرکوع {وإن کان} یجوز له القراءة، لأن ذلک لا یضر بالمتابعة، کما تقدم فی بعض المسائل السابقة.

أما قول المصنف: {الأحوط قراءتها ما لم یخف فوت اللحوق فی الرکوع فمع الاطمینان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لایترکها} إذا لم یشرع فیها {ولا یقطعها} إذا کان شرع فیها، فاللازم حمل الاحتیاط فیه علی الاستحباب بعد أن عرفت ظهور النص _ کصحیح معاویة _ فی جواز الترک بمجرد رکوع الإمام.

ص:219

ثم الظاهر أنه إذا أمکنته قراءة سورة قصیرة لم یصح له أن یقرأ سورة طویلة، اللهم إلاّ إن یقال المستفاد من موثق عمار السابق، حیث قال: «وما أدرک من سورة الجمعة... وما أدرک من سورة المنافقین» جواز القراءة، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص:220

مسألة ٢١ إعتقاد المأموم إمهال الإمام له فی القراءة

مسألة _ 21 _ إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له فی قراءته فقرأها ولم یدرک رکوعه لا تبطل صلاته، بل الظاهر عدم البطلان إذا تعمد ذلک، بل إذا تعمد الإتیان بالقنوت مع علمه بعدم درک رکوع الإمام فالظاهر عدم البطلان.

{مسألة _ 21 _ إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له فی قراءته} المأموم للسورة {فقرأها ولم یدرک رکوعه لا تبطل صلاته} أی جماعته، لما سبق من أن بطلان الجماعة لا یوجب بطلان الصلاة.

{بل الظاهر عدم البطلان} للجماعة {إذا تعمد ذلک} لأن هذا المقدار من عدم المتابعة لا یوجب فوات هیئة الجماعة، کما سبق الکلام فی ذلک.

{بل إذا تعمد الإتیان بالقنوت مع علمه بعدم درک رکوع الإمام فالظاهر عدم البطلان} لما ذکر، وإن کان الأفضل اللحوق بالإمام فی أقرب فرصة حتی فی التشهد فی ثانیته التی هی ثالثة الإمام، الأفضل أن یتشهد خفیفاً.

ففی الرضوی (علیه السلام): «فإذا قعد فاقعد معه، فإذا رکع الثالثة وهی لک الثانیة فاقعد قلیلا ثم قم قبل أن یرکع».((1))

وفی خبر الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «فإذا قاموا فی الثالثة کانت هی له ثانیة فلیقرأ فیها، فإذا رفعوا رؤوسهم من السجود فلیجلس شیئاً ما یتشهد تشهداً خفیفاً ثم لیقم حین تستوی الصفوف قبل أن یرکعوا».((2))

ص:221


1- فقه الرضا: ص10 س35
2- الدعائم: ج1 ص191 فی صلاة المسبوق

مسألة ٢٢ وجوب الإخفات فی القراءة خلف الإمام

مسألة _ 22 _ یجب الإخفات فی القراءة خلف الإمام، وإن کانت الصلاة جهریة، سواء کان فی القراءة الاستحبابیة کما فی الأولتین مع عدم سماع صوت

{مسألة _ 22 _ یجب الإخفات فی القراءة خلف الإمام، وإن کانت الصلاة جهریة} کما عن السید، خلافا للمستند تبعاً لبعضهم، حیث أفتی باستحباب الإخفات فی الجهریة، والأول أقوی، لصحیح زرارة المتقدم: «أو من العشاء رکعتین وفاتته رکعتان قرأ فی کل رکعة مما أدرک خلف الإمام فی نفسه بأم الکتاب وسورة».((1))

وفی مرسلة الفقیه، عن عمر، عن زرارة، عن الباقر (علیه السلام) مثله.

وفی روایة الدعائم: «ولیقرأ فیما بینه وبین نفسه».((2))

وفی روایته الثانیة: «واقرأ لنفسک بفاتحة الکتاب وسورة».((3))

استدل للثانی: بالأصل الخالی عن المعارض، لاختصاص أدلة وجوب الجهر بغیر ذلک، بل یدل علیه أیضا الإجماع لعدم نقل قول بوجوبه، قال: وأما عدم وجوب الإخفات فللأصل أیضاً مع عدم دلیل علی الوجوب.((4))

أقول: الروایات السابقة صریحة فی الإخفات، وحمل الجملة الخبریة فی الصحیح علی الاستحباب لا وجه له.

{سواء کان فی القراءة الاستحبابیة کما فی الأولتین مع عدم سماع صوت

ص:222


1- الوسائل: ج5 ص445 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح4
2- الدعائم: ج1 ص191 فی صلاة المسبوق
3- المصدر: ص192
4- المستند: ج1 ص549 س7

الإمام، أو الوجوبیة کما إذا کان مسبوقاً برکعة أو رکعتین، ولو جهر جاهلا أو ناسیاً لم تبطل صلاته،

الإمام، أو الوجوبیة، کما إذا کان مسبوقاً برکعة أو رکعتین} أما الإخفاتیة کالظهرین فلا إشکال فی وجوب الإخفات لإطلاق الأدلة، بل ظاهرهم التسالم علیه.

{ولو جهر جاهلاً أو ناسیاً لم تبطل صلاته} بلا إشکال، لحدیث «لا تعاد»، والأصل، وصحیح زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی رجل جهر فیما لا ینبغی الإجهار فیه وأخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه؟ فقال (علیه السلام): «أی ذلک فعل معتمداً فقد نقض صلاته، وعلیه الإعادة، فإن فعل ذلک ناسیاً أو ساهیاً أو لا یدری فلا شیء علیه وقد تمت صلاته».((1))

ثم إنه منه یعلم أنه لو قرأ جهراً _ فیما یجب فیه الإخفات کالظهرین _ ناسیاً أو ساهیاً أو جاهلاً لم تضر بصلاته، ولو جهر عمداً فی ما لزم فیه الإخفات _ من جهة المتابعة _ فهل تبطل جماعته أم لا، وإنما فعل حراماً _ بعد وضوح أنه لا تبطل صلاته، لأن غایة الأمر بطلان الجماعة وهو لا یلازم بطلان الصلاة _ احتمالان، وإن کان الأقرب الإثم فقط، کما تقدم فی بعض المسائل السابقة ما یشبه هذه المسألة.

نعم لو جهر فی مثل الظهرین عمداً لا یبعد بطلان صلاته فتأمل.

ثم إن یمکن أن یستفاد من روایتی زرارة، وروایتی الدعائم استحباب الإخفات للمأموم بالنسبة إلی سائر الأذکار، مثل ذکر القنوت والرکوع والسجود وغیرها، لوحدة المناط بعد أن کان الأصل جواز الجهر.

ص:223


1- الوسائل: ج4 ص766 الباب 26 من أبواب القراءة فی الصلاة ح1

نعم لا یبعد استحباب الجهر بالبسملة کما فی سائر موارد وجوب الإخفات.

{نعم لا یبعد} عند المصنف {استحباب الجهر بالبسملة کما فی سائر موارد وجوب الاخفات} کالظهرین، وذلک لإطلاق أدلته الشاملة للمقام، لکن الأقرب عدم الاستحباب هنا لإطلاق قوله (علیه السلام): «فی نفسه» بضمیمة ما هو المرکوز فی أذهان المتشرعة، من أنه لوحظ هنا احترام الجماعة، ولا فرق فیه بین البسملة وغیرها، وکأنه لذا أشکل علی المتن السید البروجردی وغیره، وإن أیده المستمسک.

ویؤید ما ذکرناه إطلاق الروایات الدالة علی کراهة أن یسمع المأموم الإمام شیئاً، کما سیأتی فی مکروهات الجماعة.

ص:224

مسألة ٢٣ المأموم المسبوق برکعة

مسألة _ 23 _ المأموم المسبوق برکعة یجب علیه التشهد فی الثانیة منه الثالثة للإمام، فیتخلف عن الإمام ویتشهد ثم یلحقه فی القیام أو فی الرکوع إذا لم یمهله للتسبیحات، فیأتی بها ویکتفی بالمرة، ویلحقه فی الرکوع أو السجود.

{مسألة _ 23 _ المأموم المسبوق برکعة یجب علیه التشهد فی الثانیة منه} بلا إشکال ولا خلاف، بل إجماعاً کما ادعاه غیر واحد، ویدل علیه بالإضافة إلی إطلاقات الأدلة جملة من الروایات الخاصة مما تقدم بعضها.

نعم قد تقدم استحباب التخفیف فیه لیلحق بالإمام سواء کانت الثانیة منه {الثالثة للإمام} کما هو الغالب، أو الأولی منه، کما إذا استخلف الإمام السابق إماماً جدیداً فی رکعته الأولی، وکان المأموم فی الرکعة الثانیة {فیتخلف عن الإمام ویتشهد ثم یلحقه فی القیام} إذا کان بعدُ قائما {أو فی الرکوع إذا لم یمهله} الإمام {للتسبیحات} بأن رکع الإمام قبل إن یقوم المأموم لقراءة التسبیحات {فیأتی} المأموم {بها} وإن کان إمامه فی حالة الرکوع ولا یضر بجماعته، لما تقدم _ مکرراً _ من أن هذا المقدار من التخلف لا یضر بالجماعة.

{ویکتفی بالمرة} فإن استحباب الثلاث مزاحم باستحباب لحوق الإمام والثانی أهم، کما یستفاد من النص والفتوی، أما إذا قیل بوجوب الثلاث فهل یکتفی بالمرة کما یکتفی بالحمد وحدها للمناط، أو اللازم الثلاث، للقاعدة؟

احتمالان، وإن کان أولهما أظهر.

{ویلحقه} بعد قراءة التسبیحات {فی الرکوع أو السجود} ولو الثانیة منهما.

ص:225

وکذا یجب علیه التخلف عنه فی کل فعل وجب علیه دون الإمام من رکوع أو سجود أو نحوهما فیفعله ثم یلحقه، إلاّ ما عرفت من القراءة فی الأولیین.

{وکذا یجب علیه التخلف عنه فی کل فعل وجب علیه} لإطلاق أدلة وجوب ذلک الفعل مما لا یزاحمه دلیل الجماعة، فإن الواجب لا یزاحمه المستحب إلاّ إذا کان هناک دلیل خاص، کما ورد فی ترک السورة.

ومنه یعلم أن ما ذکره الجواهر من إسقاط ذکر الرکوع والسجود والتسبیحات الأربعة إذا لم یمهله الإمام، وذلک للحفظ علی الجماعة، غیر وجیه، وإن کان ربما یوجه بالمناط فی إسقاط السورة أو بعضها، بل الحمد أو بعضها، لکن المناط غیر مقطوع به، إذ قد تقدم ضعف أدلة وجوب القراءة علی المأموم مطلقا، لاحتمال ضمان الإمام لها فی کل الرکعات، فلا علم بالأولویة أو المناط فی المقام.

وعلیه یتخلف المأموم {دون الإمام} فی الفعل الواجب {من رکوع أو سجود أو نحوهما فیفعله ثم یلحقه} إذا لم یطوّل بحیث تنتفی هیئة الجماعة، وإلا أتی ببقیة الصلاة فرادی.

{إلا ما عرفت من القراءة فی الأولیین} علی التفصیل المتقدم، أما لو انعکس الفرض بأن کان الإمام مسبوقاً _ کما مثلنا فی الإمام الجدید بعد انفصال الإمام القدیم _ فإذا کان اتباع المأموم جائزاً اتبعه، وإلا لم یتبعه، بل انتظره أو انفصل عنه، مثلا کان رابع المأموم ثالث الإمام، فإنه لا یقوم المأموم لأجل رابع الإمام،

ص:226

بل إما ینفصل عنه، أو ینتظره فی حال الجلوس حتی یلحقه ویتشهد ویسلم معه، ولا ضرر فی هذا القدر من الانتظار، لعدم منافاته لهیئة الجماعة، ویؤیده صلاة الخوف، حیث ینتظر الإمام المأمومین علی ما فصل فی محله، والله العالم.

ص:227

مسألة ٢٤ إدراک الإمام المأموم فی الأخیرتین

مسألة _ 24 _ إذا أدرک المأموم الإمام فی الأخیرتین فدخل فی الصلاة معه قبل رکوعه وجب علیه قراءة الفاتحة والسورة إذا أمهله لهما، وإلا کفته الفاتحة علی ما مر، ولو علم أنه لو دخل معه لم یمهله لإتمام الفاتحة أیضا فالأحوط عدم الإحرام إلاّ بعد رکوعه،

{مسألة _ 24 _ إذا أدرک المأموم الإمام فی الأخیرتین فدخل فی الصلاة معه قبل رکوعه وجب علیه قراءة الفاتحة والسورة إذا أمهله} الإمام {لهما} لما تقدم مفصلا {وإلا کفته الفاتحة علی ما مر} وأنه یکفیه بعض الفاتحة، بل یرکع مع الإمام إن لم یمهله للفاتحة أیضاً.

{ولو علم أنه لو دخل معه لم یمهله لإتمام الفاتحة} کلاً، أو بعضها أیضاً کما لا یمهله للسورة {ف_} علی القول بوجوب الفاتحة علیه {الأحوط عدم الإحرام إلاّ بعد رکوعه} بل عن الحدائق والریاض الاحتیاط فی عدم الدخول مع عدم العلم بالتمکن من الفاتحة، وکأنه لدوران الأمر بین احتمال فساد الصلاة علی تقدیر المتابعة وترک الفاتحة، وبین احتمال الإثم علی تقدیر القراءة وترک المتابعة، کذا علل کلامهما فی المستمسک.

لکن یرد علیه: أولاً: إن هناک وجهاً ثالثاً، وهو أن ینفرد إذا رأی عدم إمکانه لإتمام الفاتحة، ورابعاً بالوقوف حتی یلتحق الإمام فی رابعته إذا اقتدی به فی ثالثته.

وثانیاً: إن إطلاق أدلة الدخول فی الجماعة یشمل المقام فلا یمکن أن یجعل الاحتیاط فی عدم الدخول.

ص:228

فیحرم حینئذ، ویرکع معه ولیس علیه الفاتحة حینئذ.

وثالثاً: ما تقدم من أن الإمام إذا لم یمهله رکع معه، ولا بأس بذلک.

{فیحرم حینئذ، ویرکع معه، ولیس علیه الفاتحة حینئذ} وذلک لإطلاقات الأدلة الدالة علی الدخول فی الرکوع الشاملة للرکوع الثالث والرابع، فلا حاجة إلی قراءة الحمد حینئذ، مثل ما ورد فی المشی إلی الصف، وما ورد فی إدراک الرکعة بإدراک الرکوع، وما ورد فی تطویل الإمام الرکوع للمسبوقین.

ثم هل الحال کذلک فیما إذا أدرک الإمام بعد التسبیح قبل الرکوع بأن یصح أن یحرم معه بدون القراءة، نقله المستند عن بعض مشایخه، والظاهر أنه کذلک لانصراف أدلة القراءة عن مثله، لکن نحن فی غنی عن ذلک لما عرفت من أن الأقرب أنه إذا لم یمهله الإمام لم تجب علیه حتی قراءة الحمد.

ص:229

مسألة ٢٥ حضور المأموم وعدم العلم برکعة صلاة الإمام

مسألة _ 25 _ إذا حضر المأموم الجماعة ولم یدر أن الإمام فی الأولیین أو الأخیرتین قرأ الحمد والسورة بقصد القربة، فإن تبین کونه فی الأخیرتین وقعت فی محلها، وإن تبین کونه فی الأولیین لا یضره ذلک.

{مسألة _ 25 _ إذا حضر المأموم الجماعة ولم یدر أن الإمام فی الأولیین أو الأخیرتین قرأ الحمد والسورة بقصد القربة} لأنه إما تکلیفه وجوباً أو استحباباً، فإذا قرأها لم یکن علیه شیء، بخلاف ما إذا لم یقرأها، حیث إنه یحتمل بطلان الجماعة أو الإثم أو البطلان للصلاة، علی قول من یری بطلان الصلاة لا الجماعة بالتخلف عن وظیفة الجماعة.

{فإن تبین کونه فی الأخیرتین وقعت فی محلها، وإن تبین کونه فی الأولیین لا یضره ذلک} لجواز قراءة القرآن فی کل موضع من مواضع الصلاة، وکذلک إن لم یتبین أحد الأمرین. لکن الکلام فی أنه هل یجب هذا الاحتیاط کما هو ظاهر المصنف أم لا، لأصالة عدم الوجوب؟ الظاهر الأول، لإطلاق أدلة قراءة الإنسان فی الأولیین، إلاّ ما خرج بالدلیل، وهو ما إذا اقتدی بالإمام فی أولییه، والمفروض أنه لا یعلم أنها إحدی أولیی الإمام، فکما أنه تجب علیه القراءة إذا لم یعلم هل هو متصل بالإمام لتکون جماعة، أو غیر متصل لتکون فرادی، کذلک تجب علیه القراءة فی المقام.

ص:230

مسألة ٢٦ شک المأموم فی الأولیین أو الأخیرتین للإمام

مسألة _ 26 _ إذا تخیل أن الإمام فی الأولیین فترک القراءة ثم تبین أنه فی الأخیرتین فإن کان التبین قبل الرکوع قرأ ولو الحمد فقط ولحقه، وإن کانت بعده صحت صلاته، وإذا تخیل أنه فی إحدی الأخیرتین فقرأ ثم تبین کونه فی الأولیین فلا بأس، ولو تبین فی أثنائها لا یجب إتمامها.

{مسألة _ 26 _ إذا تخیل أن الإمام فی الأولیین فترک القراءة ثم تبیین أنه فی الأخیرتین فإن کان التبین قبل الرکوع قرأ ولو الحمد فقط ولحقه} إن أمهله الإمام، لإطلاق أدلة وجوب القراءة، وإن لم یمهله فقد تقدم أنه یرکع معه ولا حاجة إلی القراءة، وقد عرفت سابقاً أن میزان الإمهال رکوع الإمام لا قیامه من الرکوع.

{وإن کان بعده صحت صلاته} للإجماع بعدم قدح نقص القراءة سهواً، ولحدیث «لا تعاد».

{وإذا تخیل أنه فی إحدی الأخیرتین فقرأ ثم تبین کونه فی الأولیین فلا بأس} لأن منتهی الأمر أن تکون القراءة زائدة وزیادتها لا تخل نصاً وإجماعاً.

{ولو تبین فی أثنائها لا یجب إتمامها} لما دل علی أن الإمام ضامن، لکن استحب له الإتمام فی الجهریة إن لم یسمع ولو همهمة الإمام، أما حکم ما لو سمع الهمهمة، أو کانت الصلاة إخفاتیة، فقد تقدم فی المسائل السابقة.

ص:231

مسألة ٢٧ الإشتغال بالنافلة أو الفریضة عند إقامة الجماعة

مسألة _ 27 _ إذا کان مشتغلا بالنافلة فأقیمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم إدراک الجماعة ولو کان بفوت الرکعة الأولی منها، جاز له قطعها، بل استحب له ذلک

{مسألة _ 27 _ إذا کان مشتغلا بالنافلة فأقیمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم إدراک الجماعة ولو کان بفوت الرکعة الأولی منها جاز له قطعها، بل استحب ذلک} بلا إشکال ولا خلاف، وفی مصباح الفقیة: بلا خلاف علی الظاهر((1))، وعن الروض: لعل الاستحباب متفق علیه((2))، وعن مفتاح الکرامة: الإجماع المعلوم علی الاستحباب((3))، لکن عن جماعة من الفقهاء التعبیر بالجواز، لکن ظاهرهم إرادة الاستحباب لا الإباحة _ کما استظهره غیر واحد منهم _ لأنه فی قبال المنع، فیشمل الاستحباب، وحیث إن إدراک الجماعة مستحب لا بد وأن یریدوا بالجواز الاستحباب.

وکیف کان، فکأنه لا خلاف فی المسألة، ویشهد للاستحباب بالإضافة إلی الفتوی بضمیمة التسامح، بل الإجماع:

الرضوی (علیه السلام)، قال: «وإن کنت فی صلاة نافلة وأقیمت الصلاة فاقطعها وصل الفریضة مع الإمام»((4)).

وصحیحة عمر بن یزید، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الروایة

ص:232


1- مصباح الفقیه: ج2 ص695 س29
2- روض الجنان: ص377
3- مفتاح الکرامة: ج3 ص465
4- فقه الرضا: ص14 س16

التی یروون أنه لا یتطوع فی وقت فریضة ما حد هذا الوقت؟ قال (علیه السلام): «إذا أخذ المقیم فی الإقامة». فقال له: إن الناس یختلفون فی الإقامة؟ فقال (علیه السلام): «المقیم الذی یصلی معه».((1))

والرضوی وإن کان ضعیف السند، إلاّ أن ضمیمة التسامح بالفتوی کافیة فی الاعتماد علیه، والصحیحة وإن کان المنصرف منها الابتداء بالنافلة، إلاّ أنه بدوی، فإن القراءة تدل علی أنه لا وقت للنافلة فی وقت الجماعة، وذلک لا یفرق فیه بین الابتداء والاستدامة، والإشکال فی القطع بأنه من إبطال العمل الذی لا یجوز مردود بأنه قد حقق فی محله أنه لا دلیل علی حرمة إبطال النافلة.

وربما یستدل لذلک بما عن علی بن جعفر (علیه السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن رجل ترک رکعتی الفجر حتی دخل المسجد والإمام قد قام فی صلاته کیف یصنع؟ قال: «یدخل فی صلاة القوم ویدع الرکعتین، فإذا ارتفع النهار قضاهما».((2))

وبما فی روایة عمار: فمتی أدع رکعتی الفجر حتی أقضیها؟ قال (علیه السلام): «إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة».((3))

بل ربما یستدل لذلک أیضا بأهمیة الجماعة فی نظر الشارع، ولیست النافلة مثلها فی الأهمیة، ومن المعلوم أن الأهم مقدم علی المهم، وهذا استیناس لا بأس به.

ص:233


1- الوسائل: ج3 ص166 الباب 35 من أبواب مواقیت ح9
2- الوسائل: ج4 ص670 الباب 44 من أبواب الأذان ح3
3- التهذیب: ج2 ص340 الباب 15 فی کیفیة الصلاة ح264

ولو قبل إحرام الإمام للصلاة،

{ولو قبل إحرام الإمام للصلاة} لإطلاق الصحیح وغیره، بل فی روایة حماد، عن الصادق (علیه السلام) قال: قال أبی (علیه السلام): قال علی (علیه السلام): «خرج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لصلاة الصبح وبلال یقیم، وإذا عبد الله بن القشب یصلی رکعتی الفجر، فقال له النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): یا بن القشب أتصلی الصبح أربعاً؟ قال ذلک له مرتین أو ثلاثا».((1))

ولذا أطلق جماعة من الفقهاء القطع، خلافا لمن اعتبر خوف فوت الجماعة مطلقاً أو فوت الرکعة الأولی أو فوت القراءة، أو فوت تکبیرة الإحرام مع الإمام، أو حینما یقول المقیم قد قامت الصلاة، لکن الظاهر أنه تختلف مراتب فضیلة القطع حسب التدرج الذی ذکرناه.

ثم الظاهر عدم الفرق فی النافلة بین المرتبة وغیرها، والموقتة وغیرها، کما لا فرق بین الفرائض الخمس، أما إذا کان الإنسان مصلیاً الفریضة، فهل یستحب له القطع للإعادة مع الإمام؟ احتمالان، من الإطلاق، ومن الانصراف.

وإذا لم یرد أن یصلی الجماعة فهل یستحب له القطع من جهة احترام هیئة الجماعة أو لا؟ حیث انصراف النص إلی صورة إرادة الصلاة مع الإمام، احتمالان، من إطلاق بعض النصوص کالصحیح، ومن الانصراف وظاهر الرضوی.

وهل ینسحب الحکم إلی ما لو کانت النافلة مفروضة بالنذر ونحوه؟ احتمالان، من أن النذر لا یغیر الأحکام الأصلیة للنافلة والمفروض أن قطعها لا یوجب الحنث لبقاء وقت الوفاء، ومن احتمال الانصراف

ص:234


1- الوسائل: ج4 ص670 الباب 44 من أبواب الأذان ح2

إلی النافلة البدائیة، ولا فرق فی الاستحباب بین النافلة المتقدمة علی الصلاة کنافلة الظهرین أم المتأخرة، کما إذا شرع فی نافلة المغرب فأراد الإمام صلاة العشاء.

وهل الحکم یشمل ما إذا أراد الإمام أن یقضی الصلاة أم هو فی الأدائیة؟ احتمالان، من أن الانصراف إلی الأدائیة، ومن الإطلاق من جهة قرینة احتمال أنه لوحظ فیه جهة احترام الجماعة.

وهل الحکم کذلک إذا لم یرد المتنفل أن یصلی جماعة؟ احتمالان.

والظاهر أن الحکم کذلک بالنسبة إلی الجمعة والعیدین مع وجوبها، أما مع استحبابها وکذلک صلاة الاستسقاء وصلاة الآیات، فهل الحکم کذلک؟ غیر بعید من جهة عدم بعد ملاحظة جهة الجماعة، ولا فرق بین أن یکون المتنفل حاضراً فی محل الجماعة أو لا؟ إذا أراد الجماعة، مثلاً کان فی داره یصلی نفلا فسمع صوت المقیم، فإنه یستحب له أن یقطع ویلتحق بالجماعة، ویجوز له أن لا یقطع، بل یمشی إلی المسجد ویصلی فی طریقه، بل لا یبعد دعوی عدم استحباب القطع هنا، لأن المستفاد عرفاً أن القطع لأجل الجماعة، وهنا النافلة ماشیاً لا تضر بالجماعة.

وهل یستحب القطع إذا شرع فی النافلة فی حال الجماعة عمداً؟ لا یبعد ذلک من جهة إطلاق الأدلة وإطراد العلة، وهل یستحب القطع إذا کان الإمام فی السجود مثلا، حیث قیل بعدم صحة الالتحاق بالسجود؟ احتمالان: من عدم فائدة القطع، ومن أنه لمصلحة احترام الجماعة کما احتملناه.

وفی المقام فروع أخر نترکها خوف التطویل، والله سبحانه العالم.

ص:235

ولو کان مشتغلا بالفریضة منفرداً وخاف من إتمامها فوت الجماعة استحب له العدول بها إلی النافلة وإتمامها رکعتین

{ولو کان مشتغلا بالفریضة منفرداً وخاف من إتمامها فوت الجماعة استحب له العدول بها إلی النافلة وإتمامها رکعتین} کما هو المشهور شهرة عظیمة، بل عن التذکرة وغیرها الإجماع علیه، وذلک لصحیح سلیمان بن خالد، سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبینما هو قائم یصلی إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة؟ قال (علیه السلام): «فلیصل رکعتین ثم یستأنف الصلاة مع الإمام، ولتکن الرکعتان تطوعاً».((1))

وموثق سماعة، عن رجل کان یصلی فخرج الإمام وقد صلی الرجل رکعة من صلاة فریضة؟ قال (علیه السلام): «إن کان إماماً عدلاً فلیصل أخری ولینصرف ویجعلها تطوعاً ولیدخل مع الإمام فی صلاته».((2))

والرضوی (علیه السلام): «وإن کنت فی فریضتک وأقیمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة، وسلم فی الرکعتین ثم صل مع الإمام».((3))

ومنه یعلم أن مناقشة الجواهر فی الاستحباب لورود الأمر فی الروایات المذکورة مورد توهم الحظر ممنوع، إذ الظاهر من الروایات الأمر بذلک وأقله الاستحباب، والقرینة التی ذکرها لا تصلح لصرف الظاهر.

هذا وعن المبسوط والذکری والبیان والروضة جواز قطع الفریضة من

ص:236


1- الوسائل: ج5 ص458 الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ح2
3- فقه الرضا: ص14 س17

إذا لم یتجاوز محل العدول، بأن دخل فی رکوع الثالثة، بل الأحوط عدم العدول إذا قام للثالثة، وإن لم یدخل فی رکوعها،

غیر حاجة إلی العدول، فحال الفریضة حال النافلة فی القطع، ولا دلیل لهم إلا بعض الوجوه الاعتباریة التی لا تقاوم دلیل حرمة قطع الفریضة، وقد ذکر الرضوی «عدم قطعها» وهو مجبور بالعمل کما فی المستند.

{إذا لم یتجاوز محل العدول، بأن دخل فی رکوع الثالثة} وذلک لأنه خلاف أدلة حرمة القطع، ولا یشمل الدلیل السابق لهذا المورد.

{بل الأحوط عدم العدول إذا قام للثالثة، وإن لم یدخل فی رکوعها} کما عن النهایة والتذکرة ومجمع البرهان وغیرها، لأن ظاهر الأدلة أنه یصلی رکعتین، وفی المقام صلی أکثر من رکعتین، ومنه یعلم أن احتمال العدول فیکون ما أتی به زیادة غیر ضارة فیجلس ویأتی بالتشهد والسلام ویلتحق، غیر وجیه.

ثم الظاهر أنه بعد أن عدل إلی النافلة جاز له قطعها، لأنها صارت نافلة بحکم الشرع، وکأنه نظر إلی ذلک مصباح الفقیه وغیره، حیث تمسکوا لجواز القطع بالأصل، خلافا للمستند والجواهر فقالا بعدم جواز القطع، قال الأول:((1)) إن صیرورتها بعد العدول نافلة أیضاً لا یستلزم جریان حکم النافلة ابتداءً علیها. وقال الثانی((2)): بعدم الدلیل علی جواز القطع هنا، وفیهما ما لا یخفی، إذ لا وجه

ص:237


1- المستند: ج1 ص547
2- الجواهر: ج14 ص38

ولو خاف من إتمامها رکعتین فوت الجماعة ولو الرکعة الأولی منها، جاز له القطع بعد العدول إلی النافلة علی الأقوی، وإن کان الأحوط عدم قطعها، بل إتمامها رکعتین، وإن استلزم ذلک عدم إدراک الجماعة فی رکعة أو رکعتین، بل لو علم عدم إدراکها أصلا إذا عدل إلی النافلة وأتمها، فالأولی والأحوط عدم العدول وإتمام الفریضة،

لعدم جریان حکم النافلة بعد تحقیق موضوعها، ولا مجال لاستصحاب عدم القطع بعد تبدل الموضوع، وما دل علی جواز قطع النافلة آت فی المقام، فلا حاجة فیه إلی دلیل آخر.

ومنه یعلم أنه لا وجه للتفصیل فی جواز القطع بین خوف فوت الجماعة فیجوز، وبین عدم خوفه فلا یجوز، وقد ظهر بما ذکرناه وجه قول المصنف: {ولو خاف من إتمامها رکعتین فوت الجماعة ولو الرکعة الأولی منها جاز له القطع بعد العدول إلی النافلة} أما قبله فلا، إذ هی فریضة ویحرم قطع الفریضة {علی الأقوی، وإن کان الأحوط عدم قطعها} خروجاً من خلاف من أشکل فی القطع.

{بل إتمامها رکعتین، وإن استلزم ذلک عدم إدراک الجماعة فی رکعة أو رکعتین} فإن الشارع بأمره إتمامها یری أفضلیة الإتمام عن إدراک الجماعة فی أوائلها.

{بل لو علم عدم إدراکها أصلا إذا عدل إلی النافلة وأتمها فالأولی والأحوط عدم العدول وإتمام الفریضة} بل ینبغی الفتوی بذلک، إذ دلیل العدول لا یشمل

ص:238

ثم إعادتها جماعة إن أراد وأمکن.

إلاّ صورة الإدراک، ففی غیر هذه الصورة أصالة عدم العدول محکمة، فیکون العدول من قطع الفریضة المحرم.

{ثم إعادتها جماعة إن أراد وأمکن} ثم الظاهر أن العدول إلی النافلة مطلق فیجوز العدول إلی أیة نافلة ذات سبب، کنوافل الیومیة وصلاة الزیارة وغیرها، أو غیر ذات السبب کنافلة مطلقة، وعلیه یجوز أن یعدل إلی صلاة الوتر قضاءً فیتمها رکعة.

أما العدول بها إلی نافلة رباعیة کصلاة الأعرابی، فالظاهر عدم جوازه، لانصراف الأدلة عن مثله.

ثم إنه لو عدل إلی النافلة وبعد إتمامها لم یصل جماعة اختیاراً أو اضطراراً، لم یضر بما فعل فلیس العدول مشروطاً بشرط متأخر.

وهل جواز العدول آت فی المعادة، بأن یرید إدراک الجماعة لإعادة صلاته التی صلاها؟ مشکل، لانصراف الأدلة عن مثله.

أما أن یعدل لأن یصلی بالجماعة قضاء ما علیه من الصلاة فهو أشکل، بل المستظهر من الأدلة منعه، والظاهر أنه یجوز العدول فی أی موضع من الصلاة قبل القیام إلی الثالثة حتی فی السلام لإطلاق الأدلة، من غیر فرق بین أن یکون علم بالجماعة قبل ذلک واستمر فی الصلاة، أو لم یعلم وإنما علم بها فی أواخر الصلاة، ولو علم بالجماعة قبل الصلاة، فشرع فیها غیر مبال بالجماعة ثم بدا له أن یصلی الجماعة، فالظاهر أنه یجوز العدول لإطلاق الدلیل لفظاً أو مناطاً.

ص:239

مسألة ٢٨ العدول من الفریضة إلی النافلة

مسألة _ 28 _ الظاهر عدم الفرق فی جواز العدول من الفریضة إلی النافلة لإدراک الجماعة بین کون الفریضة التی اشتغل بها ثنائیة أو غیرها ولکن قیل بالاختصاص بغیر الثنائیة.

{مسألة _ 28 _ الظاهر عدم الفرق فی جواز العدول من الفریضة إلی النافلة لإدراک الجماعة بین کون الفریضة التی اشتغل بها ثنائیة أو غیرها} لإطلاق الدلیل لفظاً أو مناطاً {ولکن قیل} والقائل المستند {بالاختصاص بغیر الثنائیة} واستدل لذلک بخروجه عن مورد الأخبار، وفیه نظر.

نعم ربما یقال بالإشکال فی العدول إذا لم یکن فرق بین الفریضة والنافلة فی استیعاب الوقت، لانصراف الأدلة إلی ما لو کان وقت النافلة أقل، لکن لا یبعد الإطلاق، لإطلاق الدلیل، ولعل فائدة العدول الإتیان بالفریضة الأصلیة جماعة، دون الإتیان بالمعادة جماعة، فتأمل.

ص:240

مسألة ٢٩ لو ترک من الرکعة السابقة سجدة

مسألة _ 29 _ لو قام المأموم مع الإمام إلی الرکعة الثانیة أو الثالثة مثلا فذکر أنه ترک من الرکعة السابقة سجدة أو سجدتین أو تشهداً أو نحو ذلک، وجب علیه العود للتدارک، وحینئذ فإن لم یخرج عن صدق الاقتداء وهیئة الجماعة عرفاً فیبقی علی نیة الاقتداء وإلا فینوی الانفراد.

{مسألة _ 29 _ لو قام المأموم مع الإمام إلی الرکعة الثانیة أو الثالثة مثلا، فذکر أنه ترک من الرکعة السابقة سجدة أو سجدتین أو تشهداً أو نحو ذلک} کما إذا ذهب مع الإمام إلی السجدة وقبل وصوله إلیها تذکر أنه ترک الرکوع {وجب علیه العود للتدارک} لما تقدم من أن الإمام لیس بضامن إلاّ القراءة، أما ما عداها فالمأموم مکلف بالتکالیف العامة الواردة فی الأدلة، لإطلاق أدلة تلک التکالیف.

{وحینئذ} فإذا رجع وعمل بتکلیفه {فإن لم یخرج عن صدق الاقتداء وهیئة الجماعة عرفاً} کما هو الغالب، والمراد بالعرف عرف المتشرعة کما تقدم وجهه، {فیبقی علی نیة الاقتداء} إن شاء {وإلاّ فینوی الانفراد} أی یعمل عمل المنفرد، وإلا فالانفراد قهری لا یحتاج إلی النیة، کما نبه علیه المستمسک.

ولو انعکس الأمر بأن تذکر الإمام ما تقدم فی تذکر المأموم، رجع وأتی به، فإن لم تبطل هیئة الجماعة کانت أحکامها باقیة، فیحق له الرجوع إلیهم فی شکه، ویحق لهم عدم القراءة ورکوع المتابعة وسجودها، وإلا فهل لهم جعله کالإمام الجدید فیما لو أحدث الإمام القدیم أم لا؟ احتمالان، فعلی الأول یعودون

ص:241

إلیه فی الجماعة، بخلاف الثانی، وإن لم یبعد الثانی، إذ أدلة الرجوع إلی الإمام الجدید ظاهرها صورة عدم بطلان هیئة الجماعة.

ص:242

مسألة ٣٠ جواز إتیان التکبیرات قبل الإمام

مسألة _ 30 _ یجوز للمأموم الإتیان بالتکبیرات الست الافتتاحیة قبل تحریم الإمام، ثم الإتیان بتکبیرة الإحرام بعد إحرامه، وإن کان الإمام تارکاً لها.

{مسألة _ 30 _ یجوز للمأموم الإتیان بالتکبیرات الست الافتتاحیة قبل تحریم الإمام} أو بعده أو بالتفریق، أما جواز أن یأتی بها بعده کلاً أو بعضاً فلأنها سواء کانت من تکبیرة الإحرام أم لا، یکون من الجائز إتیانها بعد الدخول فی الصلاة، وإطلاق أدلتها یشمل المأموم کما یشمل الإمام والمنفرد، وأما جواز إن یأتی بها قبله کلاً أو بعضاً، فهو مبنی علی أن لا تکون الجمیع للإحرام أو لا ینوی بها ذلک، وإلا فإن نوی بجمیعها الإحرام کان من الدخول فی الجماعة قبل الإمام وذلک غیر تام، فإذا فعل ذلک کانت صلاته فرادی، وقد سبق الکلام فی ذلک فی بحث تکبیرة الإحرام.

ومن هذا تبین وجه ما ذکره المصنف بقوله: {ثم الإتیان بتکبیرة الإحرام بعد إحرامه، وإن کان الإمام تارکاً لها} وذلک لأنه لا تجب المتابعة فی ترک المستحب وما أشبه للإمام، کما تقدم الکلام فی ذلک، ولو کبر الإمام بنیة المستحب، وقلنا بأنها لیست من تکبیرة الإحرام فکبر المأموم بزعم أن الإمام کبر للإحرام کانت صلاته فرادی، فإن شاء عدل إلی النافلة، وإن شاء أتمها بنفسه.

ص:243

مسألة ٣١ إقتداء أحد المختلفین بالآخر

مسألة _ 31 _ یجوز اقتداء أحد المجتهدین أو المقلدین أو المختلفین بالآخر مع اختلافهما فی المسائل الظنیة المتعلقة بالصلاة، إذا لم یستعملا محل الخلاف واتحدا فی العمل، مثلا إذا کان رأی أحدهما اجتهاداً أو تقلیداً وجوب السورة، ورأی الآخر عدم وجوبها یجوز اقتداء الأول بالثانی إذا قرأها،

{مسألة _ 31 _ یجوز اقتداء أحد المجتهدین أو المقلدین أو المختلفین بالآخر مع اختلافهما فی المسائل الظنیة المتعلقة بالصلاة، إذا لم یستعملا محل الخلاف} فی قبال ما إذا استعمل الإمام محل الخلاف أو استعمل المأموم محل الخلاف، وکان ذلک بنظر الإمام موجباً لعدم انعقاد الجماعة، کما إذا کان رأی المأموم صحة التقدم علی الإمام فی الأفعال، فإنه لو تقدم علی الإمام کان خارجاً عن الجماعة فلا یتمکن الإمام من الرجوع إلیه فی صورة الشک، وإنما ذکرنا هذا فی قبال من یزعم أن الأفضل فی عبارة المتن أن یقول: (إذا لم یستعمل الإمام).

{واتحدا فی العمل} الظاهر أن هذه الجملة تأکید لقوله: (لم یستعملا).

{مثلا إذا کان رأی أحدهما اجتهاداً أو تقلیداً وجوب السورة، ورأی الآخر عدم وجوبها یجوز اقتداء الأول بالثانی إذا قرأها} لا بقصد الندب علی نحو التقیید، لأنه حینئذ خارج عن مفروض المتن، وکان هذا هو مراد التذکرة وأبی العباس والصیمری _ فی المحکی عنهم _ من المنع لو قرأها بقصد الندب، لأن الندب لا یغنی عن الواجب، وإلا فلو قرأها بقصد ما هو تکلیفه من الوجوب

ص:244

وإن لم یوجبها وکذا إذا کان أحدهما یری وجوب تکبیر الرکوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرات فی التسبیحات فی الرکعتین الأخیرتین یجوز له الاقتداء بالآخر الذی لا یری وجوبها، لکن یأتی بها بعنوان الندب، بل وکذا یجوز مع المخالفة فی العمل أیضا

أو الندب لم یضر ذلک، سواء کانت واجبة فی الواقع أو مستحبة.

ثم لو کان المأموم یری عدم وجوبها ویری الإمام وجوبها لم یضر ذلک، لأنه من مصادیق الاتحاد، إذ لیس علی المأموم القراءة.

{وإن لم یوجبها، وکذا إذا کان أحدهما یری وجوب تکبیر الرکوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرات فی التسبیحات فی الرکعتین الأخیرتین یجوز له الاقتداء بالآخر الذی لا یری وجوبها، لکن یأتی بها بعنوان الندب} من غیر تقیید وإلاّ جاء فیه الإشکال المتقدم.

{بل وکذا یجوز مع المخالفة فی العمل أیضا} واستدل لذلک بأمور:

الاول: إطلاقات أدلة الجماعة.

الثانی: أصالة عدم الاشتراط.

الثالث: السیرة المستمرة باقتداء الناس، مجتهداً ومقلداً، بعضهم ببعض، مع العلم الإجمالی بمخالفات فی الرأی بینهما.

الرابع: ما ادعاه المستند من إجماع الأمة، لأن بقاء السلف والخلف علی ذلک، من غیر تفتیش عن اجتهاد الإمام والموافقة والمخالفة فی المجتهد.

الخامس: صحیح جمیل: فی إمام قوم أجنب ولیس معه من الماء ما یکفیه

ص:245

للغسل ومعهم ما یتوضئون به أیتوضأ بعضهم ویؤمهم؟ قال (علیه السلام): «لا، ولکن یتیممم الإمام ویؤمهم، فإن الله جعل التراب طهورا».((1))

بناءً علی أن التعلیل لصحة إمامة الجنب، لا لصحة صلاة المتیمم.

السادس: إنها صلاة صحیحة فی نفسها لأنها هو تکلیف الإمام أو المأموم، وآثار الجماعة تترتب علی صلاتهما إذا کانتا صحیحتین.

أما الصغری: فلأن من یری أن صلاته صحیحة لا یکون تکلیفه أکثر من ذلک، فصلاته مجزیة، والآخر لا یری بطلان صلاته واقعاً بل اجتهاداً أو تقلیداً، وذلک لا یوجب بطلان صلاته.

وقد أشکل فی کل هذه الأدلة، بأن الأول غیر تام، إذ لا إطلاق للأدلة من هذه الجهة، وفیه: إنه بعد ما تحقق مفهوم الجماعة فی عرف المتشرعة شمله الإطلاق، کسائر الإطلاقات الشاملة لأفرادها العرفیة.

والثانی: بأن الأصل الاشتراط، وفیه: إنه قد تقدم فی بعض المسائل السابقة أن الأصل عدم الاشتراط، خلافاً لما یراه المستمسک من أصالة الاشتراط لکل ما یشک أنه جزء أو شرط.

نعم لا مجال لهذا الأصل بعد وجود الدلیل، وإنما ینقح الأصل لبیان ما هو مفاده فیما إذا أعوزنا الدلیل.

والثالث: بأن کون السیرة موجودة محل الکلام، ثم بأن السیرة متصلة بزمان المعصوم (علیه السلام) موضع الشک، وفیه: إن السیرة موجودة فی زماننا، وقد قال المستند:((2)) إن أصحاب الأئمة (علیهم السلام) کانوا یقتدون بعضهم ببعض مع اختلافهم

ص:246


1- الوسائل: ج5 ص401 الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- السمتند: ج1 ص553 س19

فی ما عدا ما یتعلق بالقراءة فی الرکعتین الأولیین التی یتحملها الإمام عن المأموم، فیعمل کل علی وفق رأیه،

کثیراً فی الفروع باختلاف الأخبار، کما یظهر من أصولهم.

والخامس: بأن التعلیل مجمل، فإنه سئل حیث إن الإمام جنب یصلی غیره؟ فأجاب الإمام: یصلی هو، ولأنه غیر جنب بعد التیمم. أو لأنه لا بأس بصلاته مع کونه جنباً، أی بدون الطهارة المائیة. هذا مضافا إلی أنه لو سلم لم یکن ذلک أکثر من إشعار لا یمکن الاعتماد علیه فی استفادة الکلیة المذکورة فی المتن.

والسادس: بأن المأموم مثلا لما یری بطلان صلاة الإمام لم یکن وجه لاقتدائه به، وتعلیل صحة صلاة الإمام فی نفسها بأن الإمام لا یری أن تکلیفه أکثر من ذلک، غیر تام، إذ رؤیته توجب الإعذار لا الصحة الواقعیة ولا الصحة عند المأموم، فکیف یقتدی به وهو یری بطلان صلاته حسب اجتهاد أو تقلید المأموم.

{فیما عدا ما یتعلق بالقراءة فی الرکعتین الأولیین التی یتحملها الإمام عن المأموم، فیعمل کل علی وفق رأیه} مثلا إذا رأی الإمام عدم وجوب السورة، ورأی المأموم وجوبها قرأ المأموم السورة، وإن لم یقرأها الإمام، ووجه هذا الاستثناء أنه لو لم یقرأ المأموم کان قد خالف تکلیف نفسه، لأن صلاته المحتاجة إلی السورة _ بنظره _ صارت بدون سورة، لأنه لم یقرأها والإمام بسبب قرائته لها لم یکن ضامنا لها.

وفیه: إنه لا وجه لهذا الاستثناء بعد الأدلة المتقدمة، فإن ضمان الإمام معناه

ص:247

نعم لا یجوز اقتداء من یعلم وجوب شیء بمن لا یعتقد وجوبه مع فرض کونه تارکاً له، لأن المأموم حینئذ عالم ببطلان صلاة الإمام، فلا یجوز له الاقتداء به،

أنه هو المکلف، فإذا لم یر نفسه مکلفاً فلا تکلیف له، ولیس معنی ضمان الإمام وجوبها علی المأموم إذا لم یقرأها الإمام، وإلا لزم أن یقال بأنه لا یصح الاقتداء بالإمام التارک للسورة اجتهاداً حتی فی الرکوع.

{نعم لا یجوز اقتداء من یعلم وجوب شیء} کجلسة الاستراحة مثلا {بمن لا یعتقد وجوبه مع فرض کونه تارکاً له} أو آتیاً به علی نحو الندب بنحو التقیید {لأن المأموم حینئذ عالم ببطلان صلاة الإمام فلا یجوز له الاقتداء به} ویرد علیه أولاً: إن إطلاق عدم جواز الاقتداء لا وجه له _ حتی علی رأی المصنف _ إذ البطلان إنما یتحقق عند ترک الإمام ذلک الشیء الواجب عنده، لا من أول الصلاة، فیجوز له الاقتداء به إلی حین ذلک الترک، اللهم إلاّ أن یقال إن مراد المصنف ذلک.

وثانیاً: إن علم المأموم بوجوب شیء لا یستلزم بطلان صلاة الإمام، فإن الإمام إذا ترک واجباً _ کان وجوبه واقعیاً _ لم یکن ذلک یستلزم بطلان صلاته، فإذا لم تبطل صلاته کانت الأدلة السابقة دالة علی جواز الاقتداء به.

أما ما استشکله المستمسک علیه بقوله:((1)) علمه لا یمنع من ثبوت الحکم الظاهری فی حق الإمام إلخ، فیرد علیه أنه من الممکن علمه مع ثبوت الحکم

ص:248


1- المستمسک: ج7 ص301

بخلاف المسائل الظنیة حیث إن معتقد کل منهما حکم شرعی ظاهری فی حقه، فلیس لواحد منهما الحکم ببطلان صلاة الآخر، بل کلاهما فی عرض واحد فی کونه حکماً شرعیاً.

الواقعی فی حق الإمام، إذ لیس کل شرط أو جزء واجباً حتی مع اجتهاد الإمام علی خلافه، إلاّ إذا یرید بالحکم الظاهری حکمه الفعلی فی قبال الحکم لمکتشف الواقع.

ولقد أجاد السید البروجردی حیث قال:((1)) علمه بترک الإمام ما هو واجب واقعا لا یستلزم العلم ببطلان صلاته بعد فرض کونه معتقداً لعدم وجوبه اجتهاداً أو تقلیداً.

ولعل المصنف أراد صورة علم المأموم ببطلان صلاة الإمام، لکن عبارته لا تدل علی ذلک.

{بخلاف المسائل الظنیة حیث إن معتقد کل منهما حکم شرعی ظاهری} أی تنجیز وإعذار {فی حقه، فلیس لواحد منهما الحکم ببطلان صلاة الآخر} بأن یقول إن صلاته باطلة فی متن الواقع.

{بل کلاهما فی عرض واحد فی کونه حکماً شرعیاً} أی کلاهما استظهار عن الدلیل، وفرق بین أن یری المأموم أن صلاة الإمام خلاف ظاهر الدلیل، وبین أن یری أن صلاته خلاف الواقع عرفاً یوجب البطلان، إذ لیس کل خلاف یوجب البطلان کما تقدم فی قولنا: (إذ لیس کل شرط أو جزء، إلخ).

ص:249


1- تعلیقة البروجردی: ص62 المسألة 31

وأما فیما یتعلق بالقراءة فی مورد تحمل الإمام عن المأموم وضمانه له فمشکل، لأن الضامن حینئذ لم یخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه،

{وأما فیما یتعلق بالقراءة فی مورد تحمل الإمام عن المأموم وضمانه له فمشکل} هذا دفع دخل یرد علیه بأنه تهافت بین قوله: (بخلاف المسائل الظنیة) وبین استثنائه قبل ذلک (ما یتعلق بالقراءة)، فإنه إذا جاز الاقتداء فی المخالفات الظنیة، فلماذا لا یجوز الاقتداء فی مورد مخالفة القراءة وهی ظنیة ایضاً {لأن الضامن حینئذ لم یخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه} بخلاف سائر الأمور التی لا ضمان للإمام، فإن المأموم یأتی بها بنفسه، فعدم إتیان الإمام بها علی وجهها لا یوجب شیئاً علی المأموم.

لکن فیه: إن المستفاد من الضمان عرفاً أن الشارع ألقی هذا الکَلّ علی الإمام ودفعه عن المأموم، فسواء أتی به الإمام أم لم یأت به لم یکن شیء علی المأموم، ولذا لو نسی الإمام القراءة أو سهی عنها لم یکن علی المأموم سجدة السهو، مع أن الإمام لم یأت بها فسقط تحمله عن المأموم، وإن کان ربما یورد علی ذلک بأن سجدة السهو تابعة للسهو، وهنا لا سهو.

وإن شئت قلت فی تقریب عدم الفرق بین القراءة وغیرها فی عدم ضرر اختلاف الاجتهاد أو التقلید، إن الأدلة السابقة تقتضی جواز الاقتداء، وأدلة ضمان الإمام لا تقتضی تخصیصا فی ذلک، لأن معنی هذه الأدلة لیس أکثر من سقوط القراءة عن المأموم، فقد اشتمل بعض الروایات علی سقوط القراءة عن المأموم، واشتمل بعضها علی اجتزاء المأموم بقراءة الإمام

ص:250

مثلا إذا کان معتقد الإمام عدم وجوب السورة والمفروض أنه ترکها فیشکل جواز اقتداء من یعتقد وجوبها به، وکذا إذا کان قراءة الإمام صحیحة عنده وباطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترک إدغام لازم أو مد لازم أو نحو ذلک.

نعم یمکن أن یقال بالصحة إذا تدارکها المأموم بنفسه، کأن قرأ السورة فی الفرض الأول، أو قرأ موضع غلط الإمام صحیحا،

مما یصلح أن یکون قرینة لما اشتمل من الأخبار علی ضمان الإمام.

هذا بالإضافة إلی أن الضمان لو کان بمعناه لم یضر ذلک بما استظهرناه، إذ بعد تضمین الشارع للإمام، وعدم دلیل علی أنه لو لم یأت به کان علی المأموم، کان المأموم فی مذمة عن القراءة سواء أتی بها الإمام أم لا؟ کما فی ضمان الأموال، فإن الضامن إذا لم یدفع المال لم یرجع الغریم إلی المدیون لأنه بضمانه سقط الدین فلا رجوع للدائن علیه.

{مثلا إذا کان معتقد الإمام عدم وجوب السورة والمفروض أنه ترکها فیشکل جواز اقتداء من یعتقد وجوبها به، وکذا إذا کان قراءة الإمام صحیحة عنده وباطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترک إدغام لازم أو مد لازم أو نحو ذلک} إذ لا فرق بین الترک رأساً، وبین البطلان الذی هو ترک للطاعة أیضاً.

{نعم یمکن إن یقال بالصحة} للایتمام {إذا تدارکها المأموم بنفسه، کأن قرأ السورة فی الفرض الأول، أو قرأ موضع غلط الإمام صحیحا} مع مراعاة الترتیب بین الآیات، وذلک لأنه المأموم تدارک الشیء الذی لم یأت به الإمام.

ص:251

بل یحتمل أن یقال: إن القراءة فی عهدة الإمام، ویکفی خروجه عنها باعتقاده، لکنه مشکل فلا یترک الاحتیاط بترک الاقتداء.

{بل یحتمل أن یقال: إن القراءة فی عهدة الإمام، ویکفی خروجه عنها باعتقاده} فلا شیء علی المأموم حتی إذا لم یأت بها الإمام علی وجهها یکون المأموم مکلفاً {لکنه مشکل}.

وعلیه {فلا یترک الاحتیاط} بقراءة المأموم المقدار الغلط من قراءة الإمام والمقدار الساقط منها، بل {بترک الاقتداء} أصلا، ومما تقدم یظهر الکلام فیما لو نسی الإمام السورة او أسقط آیة نسیانا، أما إذا شک المأموم فی أنه هل قرأ الإمام أم لا؟ أو شک فی أنه هل قرأ صحیحاً أو غلطا؟ فإنه لا یعتنی بهذا الشک، بل یحمل أمر الإمام علی الصحة للقاعدة المعروفة، وقد قررناها غیر مرة.

ص:252

مسألة ٣٢ علم المأموم ببطلان صلاة الإمام

مسألة _ 32 _ إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات، ککونه علی غیر وضوء أو تارکاً لرکن أو نحو ذلک، لا یجوز له الاقتداء به، وإن کان الإمام معتقداً صحتها من جهة الجهل أو السهو أو نحو ذلک.

{مسألة _ 32 _ إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات، ککونه علی غیر وضوء أو تارکاً لرکن أو نحو ذلک} من الأمور الخمسة المذکورة فی حدیث «لا تعاد»، ومثل الفعل الکثیر الماحی لصورة الصلاة، ومثل أن الإمام لم یأت بتکبیر الإحرام.

{لا یجوز له الاقتداء به} وذلک لما تقدم من أن بطلان صلاته واقعاً یجعلها خارجة عن أدلة الاقتداء، وإن زعم هو صحة صلاته، ولا یقاس المقام بما إذا تبین بعد الصلاة بطلان صلاة الإمام، لأنه خرج بالنص، بل لو لا النص الخاص لکنا قلنا به لعموم حدیث «لا تعاد».

ثم لا یخفی أنه قد تقدم أن بطلان الصلاة لو کان فی الأثناء صح الاقتداء إلی وقت البطلان، إذ لا محذور فی الاقتداء قبله، ومجرد أن هذه صلاة لا تتم لا یوجب عدم صحة الاقتداء، فلو علم المأموم أن الإمام تبطل صلاته بحدث ونحوه فی الأثناء، اختیاراً أو اضطراراً، جاز اقتداؤه به لشمول إطلاقات الجماعة له.

{وإن کان الإمام معتقداً صحتها من جهة الجهل أو السهو أو نحو ذلک} کما إذا رأی المأموم أن الماء قد تنجس، واستصحب الإمام طهارته فتوضأ منه فإنه لا یصح له الاقتداء به.

ص:253

نعم لو تنجس بدن الإمام فی الأثناء ولم یعلم به الإمام وعلم به المأموم، لم یکن ذلک موجباً لبطلان صلاته، لأن الطهارة شرط علمی لا واقعی، کما قرر فی محله.

ص:254

مسألة ٣٣ رؤیة المأموم فی ثوب الإمام أو بدنه نجاسة

مسألة _ 33 _ إذا رأی المأموم فی ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غیر معفوة عنها لا یعلم بها الإمام، لا یجب علیه إعلامه، وحینئذ فإن علم أنه کان سابقاً عالماً بها ثم نسیها لا یجوز له الاقتداء به، لأن صلاته حینئذ باطلة واقعاً،

{مسألة _ 33 _ إذا رأی المأموم فی ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غیر معفوة عنها لا یعلم بها الإمام لا یجب علیه إعلامه} إذ لا دلیل علی وجوب الإعلام، بل دل الدلیل علی عدم وجوبه، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی أحکام النجاسات.

{وحینئذ فإن علم أنه کان سابقاً عالماً بها ثم نسیها، لا یجوز له الاقتداء به، لأن صلاته حینئذ باطلة واقعاً} یکشف عن بطلانها وجوب الإعادة کما سبق الکلام فیه فی باب أحکام النجاسات، لکن الظاهر أنه إذا کان الإمام یری صحة صلاة الناسی للنجاسة صح الاقتداء به، وإن کان المأموم یری بطلانها _ کما نبه علیه المستمسک _ وذلک لما تقدم من صحة الاقتداء، وإن خالف المأموم الإمام اجتهاداً أو تقلیداً.

أما لو انعکس بأن رأی المأموم الصحة والإمام البطلان، فهل یصح الاقتداء، لأنه من اختلافهما فی المسألة أم لا؟ لأن الإمام لیس بإمام علی حسب اجتهاده، فکیف یقتدی المأموم بما لیس بصلاة عند الإمام؟ احتمالان، وإن کان الأول هو الأقرب، لأن المسألة من صغریات الاختلاف الذی تقدم صحة صلاة المأموم فیها.

ثم إنه لو علم المأموم بعد الصلاة أن الإمام کان ناسی النجاسة لم تجب علیه الإعادة، فإنه داخل فی مسألة تبین بطلان الجماعة بعدها.

ص:255

ولذا یجب علیه الإعادة أو القضاء إذا تذکر بعد ذلک، وإن علم کونه جاهلا بها یجوز الاقتداء، لأنها حینئذ صحیحة، ولذا لا یجب علیه الإعادة أو القضاء إذا علم بعد الفراغ، بل لا یبعد جوازه إذا لم یعلم المأموم أن الإمام جاهل أو ناس، وإن کان الأحوط الترک فی هذه الصورة

{ولذا یجب علیه الإعادة أو القضاء إذا تذکر بعد ذلک} فإنه تلازم عرفی بین البطلان وبین وجوب القضاء والإعادة، وما ربما یقال من عدم التلازم، کما ذکر بعضهم من أن فاقد الطهورین یصلی ویقضی _ إن تم _ فهو خارج بالدلیل الخاص.

{وإن علم کونه جاهلا بها یجوز الاقتداء، لأنها حینئذ صحیحة} کما تقدم فی أحکام النجاسات {ولذا یجب علیه الإعادة أو القضاء إذا علم بعد الفراغ} ومما تقدم یعلم أنه لو کان مقام لا یجب الأداء ولا القضاء _ کما قیل فی فاقد الطهورین _ لم یکن ضاراً بالکلیة المذکورة.

{بل لا یبعد جوازه} أی الاقتداء {إذا لم یعلم المأموم أن الإمام جاهل أو ناس} أما من جهة استصحاب عدم علم الإمام، أو من جهة حمل أمره علی الصحة، وقد ذکرنا فی باب حمل الفعل علی الصحة، أن الأمر محمول علی الصحة، الذی هو أعم من الفعل.

{وإن کان الأحوط الترک فی هذه الصورة} للمناقشة فی جریان الاستصحاب بالنسبة إلی الغیر، والإشکال فی الحمل علی الصحة فیما یعلم أنه لا یفعل الباطل

ص:256

هذا، ولو رأی شیئاً هو نجس فی اعتقاد المأموم بالظن الاجتهادی ولیس بنجس عند الإمام، أو شک فی أنه نجس عند الإمام أم لا، بأن کان من المسائل الخلافیة فالظاهر جواز الاقتداء مطلقا، سواء کان الإمام جاهلاً أو ناسیاً أو عالماً.

عمداً، لکن الإشکال الثانی لا وجه له، لإطلاق دلیل حمل الأمر علی الصحة.

{هذا، ولو رأی شیئاً هو نجس فی اعتقاد المأموم بالظن الاجتهادی ولیس بنجس عند الإمام} مثل العلقة فی البیض {أو شک فی أنه نجس عند الإمام أم لا، بأن کان من المسائل الخلافیة، فالظاهر جواز الاقتداء مطلقا، سواء کان الإمام جاهلاً أو ناسیاً أو عالماً} فإنه من صغریات مسألة اختلافهما اجتهاداً.

ومثل ذلک ما لو تطهر الإمام بماء نجس عند المأموم اجتهاداً، طاهر عند الإمام، إلی غیرها من الأمثلة، کما إذا اختلفا فی القبلة اجتهاداً، أو اختلفا فی أنه هل یجوز السجود علی المطبوخ أم لا؟

ص:257

مسألة ٣٤ إنکشاف کون الإمام فاسقا، بعد الصلاة أو فی اثنائها

مسألة _ 34 _ إذا تبین بعد الصلاة کون الإمام فاسقاً أو کافراً أو غیر متطهر أو تارکاً لرکن مع عدم ترک المأموم له، أو ناسیاً لنجاسة غیر معفوة عنها فی بدنه أو ثوبه انکشف بطلان الجماعة

{مسألة _ 34 _ إذا تبین بعد الصلاة کون الإمام فاسقاً أو کافراً أو غیر متطهر أو تارکاً لرکن مع عدم ترک المأموم له} فإن المأموم إذا کان تارکاً لرکن، فإنه تبطل صلاته بلا إشکال، ومثل ترک الرکن ترک النیة وترک التکبیر للإحرام وما أشبه ذلک مما یبطل الصلاة مطلقا، مثل الفعل الماحی.

{أو ناسیاً لنجاسة غیر معفوة عنها فی بدنه أو ثوبه انکشف بطلان الجماعة} قال فی المستند: _ بعد ذکره عدم الإعادة فی ما لو علم کفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو کونه علی غیر القبلة أو إخلاله بالنیة _ لم یعدها مطلقا علی الأقوی الأشهر، بل وفاقا لغیر من شذ وندر، بل بالإجماع فی الأول، کما عن الخلاف _ إلی إن قال: _ خلافاً للمحکی عن السید فی المصباح فی الأولین دون الثانیین، بل صرح فیه بعدم الإعادة فی الثالث، وعن الاسکافی فی الأولیین مطلقا، وفی الثالث إن علم فی الوقت، وللمحکی فی الفقیه، عن جماعة من مشایخه فی الأول محکوماً بالإعادة فیما لا یجهر بها من الصلوات وعدمها فیما جهر بها، وللمحکی عن الشیخ فی الرابع فحکم بوجوب إعادة المأمومین مع الاستدبار مطلقا، وفی الوقت خاصة مع الکون إلی یمین القبلة أو شمالها، وعن الحلبی فیه فحکم بوجوب الإعادة مطلقا فی الوقت خاصة،((1)) انتهی.

ص:258


1- المستند: ج1 ص544 س28

أقول: وفی الجواهر وغیره نقلوا الأقوال بزیادة ونقیصة.

وکیف کان، فما هو المشهور هو الأقوی، ویدل علیه بالإضافة إلی دلیل «لا تعاد» فیما لم یزد رکناً للمتابعة: جملة من الروایات، وهی وإن کانت واردة فی عدم الطهور والجنابة وخلاف القبلة وکفر الإمام وعدم النیة.

أما سائر الموارد المذکورة یفهم منها بالأولویة العرفیة، کروایة ابن أبی یعفور قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل أمّ قوماً وهو علی غیر وضوء؟ فقال (علیه السلام): «لیس علیهم إعادة، وعلیه هو أن یعید».((1))

وموثقة عبد الله بن بکیر، قال: سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله (علیه السلام)، عن رجل أمّنا فی السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم؟ قال (علیه السلام): «لا بأس».((2))

وصحیحة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «من صلی بقوم وهو جنب أو علی غیر وضوء فعلیه الإعادة، ولیس علیهم أن یعیدوا، ولیس علیه أن یعلمهم، ولو کان علیه ذلک لهلک». قال: قلت: کیف کان یصنع بمن قد خرج إلی خراسان، وکیف کان یصنع بمن لا یعرف؟ قال (علیه السلام): «هذا عنه موضوع».((3))

وصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن قوم صلی بهم

ص:259


1- الوسائل: ج5 ص434 الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح7
2- المصدر: ح8
3- المصدر: ص433 ح1

إمامهم وهو غیر طاهر أتجوز صلاتهم أم یعیدونها؟ فقال (علیه السلام): «لا إعادة علیهم تمت صلاتهم، وعلیه الإعادة، ولیس علیه أن یعلمهم، هذا عنه موضوع».((1))

وصحیحته الأخری، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: سألته عن رجل صلی بقوم رکعتین ثم أخبرهم أنه علی غیر وضوء؟ قال: «یتم القوم صلاتهم فإنه لیس علی الإمام ضمان».((2))

ومرسلة ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابه فی قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وکان یؤمهم رجل، فلما صاروا إلی الکوفة علموا أنه یهودی؟ قال (علیه السلام): «لا یعیدون».((3))

وفی روایة الفقیه، عن الصادق (علیه السلام)، فی رجل صلی بقوم من حین خرجوا من خراسان حتی قدموا مکة، فإذا هو یهودی أو نصرانی؟ قال: «لیس علیهم إعادة».((4))

وصحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یؤم القوم وهو علی غیر طهر فلا یعلم حتی تنقضی صلاتهم؟ قال (علیه السلام): «یعید ولا یعید من صلی خلفه وإن أعلمهم أنه کان علی غیر طهر».((5))

وصحیحته الأخری، عن الصادق (علیه السلام)، عن الرجل أم قوماً

ص:260


1- المصدر: ص434 ح5
2- المصدر: ص433 ح2
3- المصدر: ص435 الباب 37 ح1
4- الفقیه: ج1 ص263 الباب 56 فی الجماعة ح110
5- الوسائل: ج5 ص434 الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح4

وهو علی غیر طهر فأعلمهم بعد ما صلوا؟ فقال: «یعید هو ولا یعیدون».((1))

وصحیحة زرارة قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل دخل مع قوم فی صلاتهم وهو لا ینویها صلاة وأحدث إمامهم فأخذ بید ذلک الرجل فقدمه فصلی بهم، أتجزیهم صلاتهم بصلاته وهو لا ینویها صلاة؟ فقال (علیه السلام): «لا ینبغی للرجل أن یدخل مع قوم فی صلاتهم وهو لا ینویها صلاة، بل یبنغی له أن ینویها صلاة، وإن کان قد صلی فإن له صلاة أخری، وإلا فلا یدخل معهم، وقد تجزی عن القوم صلاتهم».((2))

نعم تعارض هذه الروایات جملة أخری من الروایات، لکنها لضعف سندها وشذوذها، وموافقتها لجملة من العامة، ومنافاة بعضها لأصول المذهب، لا یمکن العمل بها، حتی فی القول باستحباب الإعادة، وإن کان ربما یقال به من جهة التسامح لفتوی الفقیه، أو لاستفادة عدم وجوب الإعادة من الروایات السابقة.

ففی خبر العزرمی، عن أبیه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «صلی علی (علیه السلام) بالناس علی غیر طهر وکانت الظهر ثم دخل فخرج منادیه أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) صلی علی غیر طهر فأعیدوا ولیبلغ الشاهد الغائب».((3))

وما رواه الراوندی، عن موسی بن إسماعیل، عن أبیه، عن جده الکاظم (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام) قال: «من صلی بالناس وهو جنب أعاد وأعاد الناس».((4))

ص:261


1- المصدر: ح3
2- المصدر: ص437 الباب 39 ح1
3- المصدر: ص435 الباب 36 ح9
4- المستدرک: ج1 ص494 الباب 32 من أبواب الجماعة ح3

لکن صلاة المأموم صحیحة إذا لم یزد رکنا أو نحوه مما یخل بصلاة المنفرد

وما رواه الدعائم مرسلاً، عن علی (علیه السلام) قال: «صلی عمر بالناس صلاة الفجر، فلما قضی الصلاة أقبل فقال: أیها الناس إن عمر صلی بکم الغداة وهو جنب، فقال له الناس: فماذا تری؟ فقال: علی الإعادة ولا إعادة علیکم. فقال له علی (علیه السلام): «بل علیک الإعادة وعلیهم إن القوم بإمامهم یرکعون ویسجدون فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومین».((1))

ثم هذه الروایات وإن لم تشمل کل الموارد التی ذکرها المتن وغیره إلاّ أنک قد عرفت أن عموم المناط المستفاد هنا یشمل کل الموارد، فصلاة الإمام وإن کانت باطلة لفقدها الشرائط، {لکن صلاة المأموم صحیحة}.

أما سائر الاقوال التی تقدمت الإشارة إلیها فلا دلیل معتبر علیها، وإن ذکر لها بعض الوجوه فلا جاجة إلی نقلها وردها ومن شاء فلیرجع إلی المفصلات.

وبعد ما عرفت من النص والإجماع لا مجال لأن یقال: إذا بطلت الجماعة فکیف تصح فرادی مع أن المصلی لم یقصدها، والأعمال بالنیات، بالإضافة إلی وضوح أن الجماعة مطلوب زائد علی أصل مطلوبیة الصلاة، فإذا تعدد مطلوب المکلف ولم یقع أحدهما لم یضر ذلک بالمطلوب الآخر.

نعم لو کان قصده الجماعة علی نحو القید لم تصح أصل الصلاة، لأنه لم ینوها أصلا، کما بیناه مکرراً، {إذا لم یزد رکناً أو نحوه مما یخل بصلاة المنفرد

ص:262


1- الدعائم: ج1 ص152 فی ذکر الإمامة

للمتابعة وإذا تبین ذلک فی الأثناء نوی الانفراد

للمتابعة} الجار متعلق ب_ (لم یزد). ثم الظاهر أنه لا فرق بین أن یکون زاد الرکوع والسجدتین فی رکعة للمتابعة أم لا؟ وذلک لإطلاق الأدلة، بضمیمة وضوح أن المصلی من خراسان إلی الکوفة أو إلی مکة لا بد وأن تقع فی صلاته أمثال هذه الزیادة، فعدم التنبیه دلیل عدم الضرر، وهذا هو الذی اختاره السیدان البروجردی والجمال.

أما ما ذکره المصنف فعلله المستمسک بأنه لم یثبت الإطلاق لقرب دعوی ورودها فی مقام نفی اقتضاء فساد صلاة الإمام لصلاة المأموم من غیر تعرض فیها لغیر ذلک، ثم قال: ولعل إطلاق الفتاوی منزل علیه أیضا((1)). وفیه: إن الدعوی المذکورة بعیدة بعد ملاحظة ما ذکرناه وأبعد منها تنزیل کلمات الفقهاء الذین یلاحظون القیود فی کلماتهم علی ذلک، وعلی هذا فإطلاق النص والفتوی دال علی کفایة ما اشترط فیه الجماعة أیضا کالجمعة، فقول المستمسک بأنها باطلة ووجبت إعادتها محل منع.

{وإذا تبین ذلک فی الأثناء نوی الانفراد} الظاهر أنه لا حاجة إلی النیة، بل تکون الصلاة فرادی قهریة، أی اللازم ترتیب آثار الانفراد إذا کان یصح الانفراد لا مثل الجمعة ونحوها، وإلاّ أتمها أربع رکعات، ویدل علی الصحة فی الأثناء أیضاً المناط، ودلیل «لا تعاد» فیما لم یزد رکنا.

وخصوص صحیح زرارة المتقدم: عن رجل صلی بقوم رکعتین ثم أخبرهم أنه علی غیر وضوء؟ قال: «یتم القوم صلاتهم، فإنه لیس علی الإمام ضمان».((2))

ص:263


1- المستمسک: ج7 ص310
2- الوسائل: ج5 ص433 الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح2

ووجب علیه القراءة مع بقاء محلها، وکذا لو تبین کونه امرأة ونحوها ممن لا یجوز إمامته للرجال خاصة، أو مطلقا کالمجنون وغیر البالغ إن قلنا بعدم صحة إمامته.

وهذا هو المشهور بین من تعرض لهذا الفرع، خلافاً للمحکی عن السرائر والمنتهی والذکری من القول بالبطلان، لروایة حماد، عن الحلبی: «یستقبلون صلاتهم لو أخبرهم الإمام فی الأثناء أنه لم یکن علی طهارة».((1))

 وفیه: إن الحدیث وإن کان محتملاً وجوده فی مثل مدینة العلم الذی کان فی زمانهم فلا یضر عدم عثورنا علیه _ کما اعترف به غیر واحد کالمحدث البحرانی _ إلاّ أن صحیح زرارة کاف فی حمله علی الاستحباب، فإنه مقتضی الجمع العرفی بینهما، وإن کان فی القول بالاستحباب لذلک أیضا نظر، من جهة احتماله للتقیة لوحدة سیاقه مع الأحادیث الثلاثة المتقدمة الموجب لضعف الاعتماد علیه بعد ذهاب العامة إلی وجوب الإعادة.

{ووجب علیه القراءة مع بقاء محلها} لعموم أدلتها، وإن کان الإمام قد أتم القراءة ولم یرکع بعد، إذ تبین عدم لیاقة الإمام یوجب العلم بعدم فائدة قراءته، وکذا إذا تبین عدم لیاقته وهو فی تشهد متابعی أو قنوت متابعی فإنه یترکهما.

{وکذا لو تبین کونه امرأة} کما صرح به الفقیه الهمدانی وغیره، لإطلاق الأدلة السابقة مناطاً، بالإضافة إلی حدیث «لا تعاد» فیما إذا لم یزد رکناً.

{ونحوها} کما إذا تبین کون المرأة التی هی إمام للنساء فی حال الحیض أو النفاس، {ممن لا یجوز إمامته للرجال خاصة، أو مطلقا کالمجنون وغیر البالغ إن قلنا بعدم صحة إمامته} والحاصل: کل مورد تبین بطلان صلاة الإمام لفقدها شرط

ص:264


1- الذکری: ص267 س22

لکن الأحوط إعادة الصلاة فی هذا الفرض، بل فی الفرض الأول وهو کونه فاسقاً أو کافراً، إلخ.

أو رکن أو بطلان إمامته، ککونه ابن زنا، أو امرأة للرجال، أو غیر مؤمن، أو نحو ذلک لعموم المناط المذکور.

أما إذا تبین عدم وجود إمام أصلا، أو کان بینه وبین الإمام حائل، أو کان الإمام بعیداً، أو کان مصلیاً صلاة مستحبة أو ما أشبه ذلک، فهو تصح الصلاة أم لا؟

لا ینبغی الإشکال فی الصحة إذا لم یزِد رکناً مما یدرجه فی عموم حدیث «لا تعاد»، وإن کان یظهر من الشیخ المرتضی والفقیه الهمدانی نوع إشکال فیه، أما إن زاد الرکن ففیه إشکال، لأن حدیث «لا تعاد» لا یشمله، والمناط الأخبار الخاصة غیر موجود فی المقام، وإن کان ربما یحتمل وحدة الملاک.

{لکن الأحوط إعادة الصلاة فی هذا الفرض} الذی ذکره بقوله: (وکذا لو تبین) وذلک لعدم العلم بالمناط.

{بل فی الفرض الأول وهو کونه فاسقاً أو کافراً، إلخ} خروجاً من خلاف من أوجب، أما ذهاب نجاة العباد إلی کون الإعادة أقوی وأحوط، معللا له فی الجواهر بقاعدة الاشتغال، فهو خلاف الموازین، ولذا أشکل علیه فی المستمسک((1)) بقوله: ولکنه کما تری.

 ثم الظاهر أنه کما تصح الصلاة مع زیادة المأموم الرکن، کذلک تصح مع شکه فی الشکوک الموجبة للبطلان إذا رجع إلی الإمام لوحدة المناط.

وأما سائر الخلل، فقد قال فی المستند: حکم سائر الخلل له مبطل للصلاة

ص:265


1- المستمسک: ج7 ص312

حکم ما مر لو علم المأموم فی صلاة الإمام عمداً منه أو سهواً، لفحوی ما مر، والإجماع المرکب((1))، انتهی.

ولا فرق فیما ذکرناه من الأحکام بین الأداء والقضاء، والیومیة وغیرها، لإطلاق المنافاة، ولو کان المأموم عالماً بخلل فی الجماعة أو فی الإمام ثم نسی واقتدی کان الحکم کما ذکر، لإطلاق الدلیل، ولو اعتمد الإمام فی شکه علی المأموم فیما تبطل الجماعة ککونها امرأة والمأموم رجل، فالظاهر الصحة لما تقدم من استظهار صحتها جماعة.

نعم عند من یری صحة الصلاة فقط یکون اللازم ترتیب آثار الفرادی والرجوع إلی القواعد الأولیة.

ص:266


1- المستند: ج1 ص545 س22

مسألة ٣٥ نسیان الإمام شیئا من واجبات الصلاة

مسألة _ 35 _ إذا نسی الإمام شیئا من واجبات الصلاة، ولم یعلم به المأموم صحت صلاته، حتی لو کان المنسی رکناً إذا لم یشارکه فی نسیان ما تبطل به الصلاة.

وأما إذا علم به المأموم نبهه علیه لیتدارک إن بقی محله، وإن لم یمکن أو لم یتنبه أو ترک تنبیهه _ حیث إنه غیر واجب علیه _

{مسألة _ 35 _ إذا نسی الإمام شیئاً من واجبات الصلاة ولم یعلم به المأموم صحت صلاته} لحدیث «لا تعاد»، والمناط فی الروایات الخاصة {حتی لو کان المنسی رکناً إذا لم یشارکه} المأموم {فی نسیان ما تبطل به الصلاة} لوضوح أنه إذا شارکه کانت صلاته باطلة بنفسها، وإن کانت صلاة الإمام صحیحة.

{وأما إذا علم به المأموم نبهه علیه} والظاهر إن التنبیه مستحب، إذ لا دلیل علی الوجوب، فالأصل عدمه {لیتدارک إن بقی محله} إن اطمأن الإمام بتنبیه المأموم، أو قامت عنده الحجة بذلک.

{وإن لم یمکن} تنبیهه {أو لم یتنبه} بما نبهه علیه {أو ترک تنبیهه _ حیث إنه غیر واجب علیه _} کما هو ظاهرهم، بل فی المستند: إنی لم أجد من احتمل وجوب التنبیه، وذلک لما تقدم من الأصل الذی لا یعارضه أصل الاشتغال، ولا أدلة تنبیه الغافل، ولا قول الصادق (علیه السلام) فی صحیح ابن مسلم، عن الرجل یؤم القوم فیغلط؟ قال (علیه السلام): «یفتح علیه من خلفه».((1))

وموثق سماعة، عن الإمام إذا أخطأ فی القرآن فلا یدری ما یقول؟ قال (علیه

ص:267


1- الوسائل: ج5 ص385 الباب 7 من أبواب صلاة الجماعة ح1

وجب علیه نیة الانفراد إن کان المنسی رکناً أو قراءة فی مورد تحمل الإمام

السلام): «یفتح علیه بعض من خلفه».((1))

وخبر جابر: «إذا نسی الإمام أو تعایا قوموه».((2))

وما رواه الشهید،((3)) عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه أمر أعرابیاً بفتح القراءة علی من ارتج علیه.

إذ البراءة مقدمة علی الاشتغال، وأدلة تنبیه الغافل فی الأحکام لا فی الموضوعات، والروایات الثلاث ظاهرها الإذن لا الأمر، ویؤیده ما رواه الدعائم، عن علی (علیه السلام)، «أنه رخص فی تلقین الإمام القرآن إذا تعایا ووقف»((4))، والروایة الرابعة لا دلالة فیها مع ضعف السند.

{وجب علیه نیة الانفراد إن کان المنسی رکناً}، المراد أنه یعمل عمل المنفرد، إذ بعد بطلان صلاة الإمام بترک الرکن تکون صلاته فرادی قهریة. {أو قراءة فی مورد تحمل الإمام} لأنه إذا ترک الإمام القراءة لا یصح ترک المأموم لها، لفقد الضمان.

لکن فیه: أولا: ما تقدم من أن ترک الإمام لا یضر بالمأموم، لأنه تکلیف الإمام.

وثانیاً: إنه علی فرض تضرر المأموم یکون منتهی الأمر أن یقرأها المأموم،

ص:268


1- المصدر: ص386 ح3
2- المصدر: ح2
3- العوالی: ج1 ص391 ح34
4- الدعائم: ج1 ص152 س21

مع بقاء محلها بأن کان قبل الرکوع، وإن لم یکن رکنا ولا قراءة، أو کانت قراءة وکان التفات المأموم بعد فوت محل تدارکها، کما بعد الدخول فی الرکوع، فالأقوی جواز بقائه علی الائتمام، وإن کان الأحوط الانفراد أو الإعادة بعد الإتمام.

لا أن تبطل جماعته، کما تقدمت الإشارة من الماتن ومنا إلی ذلک.

{مع بقاء محلها بأن کان قبل الرکوع} لأنه إذا فات المحل لم یکن للمأموم التنبیه، لعدم الفائدة، ولا الانفراد، لأن إطلاق أدلة الجماعة شاملة له.

{وإن لم یکن رکناً ولا قراءة} یتحملها الإمام {أو کانت قراءة وکان التفات المأموم بعد فوت محل تدارکها کما بعد الدخول فی الرکوع، فالأقوی جواز بقائه علی الایتمام} لإطلاق أدلة الجماعة، ومجرد عدم إتیان الإمام بشیء نسیاناً لا یوجب بطلان الجماعة، وکذلک إذا زاد شیئاً نسیاناً، مثل زیادة سجدة واحدة، فإنه لا تبطل صلاته بذلک، ولا دلیل علی بطلان الجماعة، فالإطلاق بالإضافة إلی الأصل یقتضی صحة الجماعة.

{وإن کان الأحوط الانفراد، أو الإعادة بعد الإتمام} کأنه للشک فی الإطلاق، وعدم الاستصحاب بتغیر الموضوع، لکن فیهما ما لا یخفی، بل لا أجد وجهاً معتداً به للاحتیاط فهو أحتیاط ضعیف.

ومما تقدم یعلم أنه لو قام الإمام للخامسة اشتباها، ثم جلس قبل الرکوع، بقیت الجماعة بحالها، وکذا إذا قام قبل التشهد الأول اشتباهاً، وإن رکع أو سجد سجدة واحدة کذلک، وکذا إذا انعکس بأن لم یسجد المأموم سجدة أو

ص:269

سجد ثلاث، أو لم یتشهد أو تشهد فی غیر موضعه، إلی غیر ذلک، فإن کل هذه الأمور لا تبطل الجماعة، فضلاً عن أصل الصلاة.

ص:270

مسألة ٣٦ إنکشاف بطلان الصلاة للإمام

مسألة _ 36 _ إذا تبین للإمام بطلان صلاته من جهة کونه محدثاً أو تارکا لشرط أو جزء رکن أو غیر ذلک، فإن کان بعد الفراغ لا یجب علیه إعلام المأمومین، وإن کان فی الأثناء فالظاهر وجوبه.

{مسألة _ 36 _ إذا تبین للإمام بطلان صلاته من جهة کونه محدثاً أو تارکاً لشرط أو جزء رکن أو غیر ذلک، فإن کان بعد الفراغ لا یجب علیه إعلام المأمومین} کما هو المشهور، ولأنه لا فائدة فی الإعلام، وکونه واجباً تعبدیا مقطوع العدم، وللروایات السابقة، ففی جملة منها: «إنه لیس علیه أن یعلمهم، هذا عنه موضوع» کما فی صحیحة زرارة، «وهذا عنه موضوع» کما فی صحیحة الحلبی، وإنه «وإن أعلمهم أنه علی غیر طهر» المشعر بعدم لزوم الإعلام، کما فی صحیحة محمد بن مسلم.

وقد عرفت حال ما دل علی الإعلام من الروایة المنسوبة إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام).

ثم إن المراد فراغ المأموم لا الإمام، فإذا فرغ المأموم قبل الإمام، لأنه أفرد أو تمت صلاته قبله، فهو داخل فی هذا الفرع، لا الفرع الآتی.

{وإن کان فی الأثناء فالظاهر وجوبه} قال فی المستند((1)): یجب علیه الإعلام إجماعاً ظاهراً، وأشکل علیه المستمسک بأن الإجماع غیر محقق، وربما یستدل لوجوب الإعلام بأمور:

الأول: الإجماع المذکور.

ص:271


1- المستند: ج1 ص545 س20

الثانی: إنه إن لم یعلم کان تعریضاً لصلاة المأمومین إلی الإبطال لزیادتهم رکناً کثیراً ما.

الثالث: ما دل علی ضمان الإمام، الظاهر فی أنه معاقب إن کان فی صلاته خلل، مثل روایة معاویة بن وهب، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): «أیضمن الإمام صلاة الفریضة فإن هؤلاء یزعمون أنه یضمن؟ فقال: «لا یضمن، أی شیء یضمن، إلاّ أن یصلی بهم جنبا أو علی غیر طهر».((1))

ومثله ما رواه الفقیه، عن ابن سهل، عن الرضا (علیه السلام).

بل ویدل علیه مطلقات ضمان الإمام، کقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الأئمة ضمناء».

وروایة الساباطی: «لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه»((2))، فإن الضمان فی الحدثین الأولین ظاهر فی معاقبة الإمام إذا کان فی صلاته خلل.

الرابع: ما دل علی انصراف الإمام إذا أحدث فی أثناء الصلاة _ کما تقدم فی بعض المسائل السابقة _ مثل روایة الفقیه، عن علی (علیه السلام): «ما کان من إمام تقدم فی الصلاة وهو جنب ناسیاً أو أحدث حدثا أو رعف رعافاً أو أذی فی بطنه فیجعل ثوبه علی أنفه ثم لینصرف ولیأخذ بید رجل فلیصل مکانه»((3))، الحدیث.

إلی غیرها من الروایات المذکورة فی ذلک الباب.

وأورد علی الإجماع، بأنه

ص:272


1- التهذیب: ج3 ص277 الباب 25 فی فضل الجماعة ح133
2- الفقیه: ج1 ص264 الباب 56 فی الجماعة ح114
3- الفقیه: ج1 ص261 الباب 56 فی الجماعة ح102

مخدوش صغری وکبری، وعلی أنه تعریض بأنه لا کلیة له، وعلی الضمان بأنه إشعار بالحکم ولیس نصاً فیه، وعلی ما دل علی انصراف الإمام بأنه دل علی وجوب الأخذ بید رجل وهو لیس بواجب. وأنه لا دخل له بوجوب الإعلام.

ویرد علی مناقشة روایات الضمان: إنها لا وجه لها بعد الظهور العرفی فی ذلک، وعلی مناقشة روایات الانصراف: بأن وجود جملة فی الروایة محمولة علی غیر ظاهرها _ بالقرینة _ لا یوجب إسقاط دلالة سائر الظواهر، کما قرر فی محله.

ومنه یعلم أن إشکال المستمسک فی الحکم لا وجه له، وإن استدل له بصحیح زرارة الوارد فیمن صلی مع القوم وهو لا ینویها صلاة، المتقدم فی المسألة الرابعة والثلاثین، فإن عدم انکار الإمام فیه تقدمه للإمامة وعدم إعلامه للمأمومین بحاله مع الإنکار علیه لا ینبغی له أن یدخل فی الصلاة وهو لا ینوی الصلاة کالصریح فی عدم وجوب الإعلام، ویعضده إطلاق بعض نصوص نفی وجوب الإعلام لو تبین الفساد بعد الفراغ، فإنه شامل لما إذا تبین للإمام فی الأثناء((1))، انتهی.

ویرد علیه أنه یتوجه الإنکار دائماً إلی الأمر الأهم من المحرمین، فإذا أبطل رسم المسجد وآجره، یقال له لم أبطلت رسم المسجد، فإنه یکفی عن الإنکار الثانی، ولا إطلاق لنصوص نفی وجوب الإعلام فراجع.

ومنه یظهر أنه ینبغی الحکم بوجوب الإعلام کما صنعه المصنف، وسکت علیه السید ابن العم وغیره، لا الاحتیاط کما فعله السید البروجردی.

ص:273


1- المستمسک: ج7 ص314

ثم الظاهر إنه لا یقول أحد بجواز أن یبدأ الإمام بالجماعة وهو علی غیر طهر، أو ما أشبه، بأن یأتی بصورة الجماعة مع المأمومین الذین یظنون أنه جامع لشرائط صحة الصلاة.

ص:274

مسألة ٣٧ الإقتداء بإمام یری نفسه مجتهدا ولیس بمجتهد

مسألة _ 37 _ لا یجوز الاقتداء بإمام یری نفسه مجتهداً ولیس بمجتهد، مع کونه عاملا برأیه، وکذا لا یجوز الاقتداء بمقلد لیس أهلا للتقلید، إذا کانا مقصرین فی ذلک، بل مطلقا علی الأحوط

{مسألة _ 37 _ لا یجوز الاقتداء بإمام یری نفسه مجتهداً ولیس بمجتهد مع کونه عاملا برأیه} وذلک لأن رأیه فی المسائل لیس واقعاً، ولا طریقاً إلی الواقع، فلا معذر له فی اتباعه إن کان مخالفاً للواقع، لکن هذا إذا کان اتباعه لرأیه بالنسبة إلی الواجبات والمحرمات لا المستحبات والمکروهات التی لا تضر بالصلاة، سواء خالف أو وافق، ولم یکن رأیه الاحتیاط الذی یوجب صحة الصلاة، بل یمکن اشتراط أن یکون هناک رأی اجتهادی مخالف _ بحیث إنه لو لم یعمل برأیه کان عاملا بذلک الرأی _ وإلا لم یکن الحکم الواقعی منجزاً فی حقه حتی یؤخذ به، وعدم کونه معذوراً فی اتباع رأیه لا یلازم کون الواقع _ الذی لا طریق إلیه _ منجزاً، وقد تحقق فی محله إن الله لا یکلف ولا یعذب إلاّ بعد إیصال الحکم، قال تعالی:﴿وَما کُنَّا مُعَذِّبینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولاً﴾.((1))

{وکذا لا یجوز الاقتداء بمقلد لیس أهلا للتقلید} بأن کان مجتهداً یقلد غیره بلا مبرر شرعی، أو کان مقلداً لمدعی الاجتهاد الذی لیس بمجتهد، والوجه فی ذلک ما تقدم، کما أن المستثنیات هنا هی المستثنیات هناک.

{إذا کانا مقصرین فی ذلک، بل مطلقا علی الأحوط} إذ لا فرق فی ما ذکر له من الوجه بین القاصر والمقصر، واحتمال الفرق بأن القاصر معذور فی

ص:275


1- سورة الإسراء: الآیة 15

إلا إذا علم صلاته موافقة للواقع من حیث إنه یأتی بکل ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء والشرائط، ویترک کل ما هو محتمل المانعیة، لکنه فرض بعید لکثرة ما یتعلق بالصلاة من المقدمات والشرائط والکیفیات، وإن کان آتیاً بجمیع أفعالها وأجزائها، ویشکل حمل فعله علی الصحة مع ما علم منه من بطلان اجتهاده أو تقلیده.

عمله غیر تام، إذ لیس الکلام فی الإمام، بل فی المأموم الذی یعلم بقصور الإمام، والمأموم لیس بمعذور، وکأنه لذا جعل المستمسک الحکم علی الأقوی، بینما سکت السادة البروجردی وابن العلم والجمال علی المتن.

والظاهر لزوم التفصیل فی المسألة، بین أن یکون المعذور فیما لا یضر بصحة الصلاة فیجوز الاقتداء به، إذ صلاته صحیحة لحدیث «لا تعاد» وغیره، وفیما یضر بصحة الصلاة فلا یجوز الاقتداء، لأن صلاته باطلة.

{إلاّ إذا علم أن صلاته موافقة للواقع من حیث إنه یأتی بکل ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء والشرائط، ویترک کل ما هو محتمل المانعیة} إذ لا تکلیف فوق ذلک {لکنه فرض بعید لکثرة ما یتعلق بالصلاة من المقدمات والشرائط والکیفیات، وإن کان آتیاً بجمیع أفعالها وأجزائها}، وکذا ینبغی استثناء ما تقدم استثنائه، واستثناء ما إذا کان رأی المأموم اجتهاداً، أو من یقلده المأموم مطابقاً لعمل الإمام، لأن صلاة الإمام تکون حینئذ صحیحة عند المأموم.

{و} إن قلت: یصح الاقتداء فی مفروض المتن حملا لفعل المسلم علی الصحیح.

قلت: {یشکل حمل فعله علی الصحة مع ما علم منه من بطلان اجتهاده أو تقلیده}

ص:276

إذ الحمل علی الصحة إنما هو فی مورد الشک، وما نحن فیه معلوم عدم الصحة، لکن المسألة محتاجة إلی التأمل، لأن بناءهم الحمل علی الصحة بمجرد احتمال مطابقة الواقع، ولذا یحملون أفعال المسلمین فی معاملاتهم وعباداتهم وأنکحتهم وغیرها علی الصحة، وإن لم یعلموا هل أنهم یقلدون أم لا؟ بل ولو علموا بأنهم لا یقلدون، بل لو علموا بعدم المبالاة، کما هو کثیر فی کل عصر.

نعم إذا کان التقصیر أوجب عدم العدالة، کان عدم جواز الصلاة من جهة أخری، ولیس کلام المصنف فیه.

ص:277

مسألة ٣٨ إذا دخل الإمام فی الصلاة معتقدا دخول الوقت

مسألة _ 38 _ إذا دخل الإمام فی الصلاة معتقداً دخول الوقت والمأموم معتقد عدمه أو شاک فیه لا یجوز له الائتمام فی الصلاة، نعم إذا علم بالدخول فی أثناء صلاة الإمام جاز له الائتمام به.

نعم لو دخل الإمام نسیانا من غیر مراعاة للوقت أو عمل بظن غیر معتبر

{مسألة _ 38 _ إذا دخل الإمام فی الصلاة معتقداً دخول الوقت، والمأموم معتقد عدمه أو شاک فیه} لاختلاف فی الحکم أو فی الموضوع {لا یجوز له الایتمام فی الصلاة} لأنه یری عدم وجود شرط الصلاة فی الأول، ولعدم إحرازه الشرط فی الثانی، وهل یجوز له الاقتداء به فی صلاة القضاء ونحوها، الظاهر الصحة فی صورة شکه فی دخول الوقت، لأنه من صغریات مسألة اختلافهما اجتهاداً أو تقلیدا، وکذا فی صورة اختلافها فی الحکم، مثل أنه هل یکون المغرب بذهاب الحمرة أو غیبوبة القرص.

أما فی صورة علمه بعدم دخول الوقت لم یصح له الاقتداء إذا کانت کل صلاة الإمام خارجة عن الوقت، لأنه یعلم بطلان صلاته، وقد تقدم فی مسألة اختلاف الاجتهاد عدم صحة الاقتداء مع علم المأموم بطلان صلاة الإمام.

{نعم إذا علم بالدخول فی أثناء صلاة الإمام جاز له الایتمام به} بعد دخول الوقت لا قبله، کما یجوز له الاقتداء به فی القضاء ونحوه، إذ تصح صلاة من یدخل علیه الوقت فی أثناء صلاته.

{نعم لو دخل الإمام نسیانا من غیر مراعاة للوقت، أو عمل بظن غیر معتبر}

ص:278

لا یجوز الائتمام به وإن علم المأموم بالدخول فی الأثناء، لبطلان صلاة الإمام حینئذ واقعاً، ولا ینفعه دخول الوقت فی الأثناء فی هذه الصورة، لأنه مختص بما إذا کان عالماً أو ظاناً بالظن المعتبر.

بدون العذر {لا یجوز الایتمام به، وإن علم المأموم بالدخول فی الأثناء لبطلان صلاة الإمام حینئذ واقعاً} وقد سبق أنه لو علم المأموم بطلان صلاة الإمام لا یجوز له الاقتداء به {ولا ینفعه دخول الوقت فی الأثناء فی هذه الصورة، لأنه} أی لأن نفع دخول الوقت فی الصحة {مختص بما إذا کان عالماً أو ظاناً بالظن المعتبر} وقد تقدم تفصیل الکلام فی ذلک فی باب المواقیت فراجع.

ثم إنه لو شک المأموم فی دخول الوقت، لکن قلنا بصحة الاعتماد فی الموضوعات علی الثقة، کفی صلاة الإمام فی الاعتماد، فیجوز له أن یصلی معه، ولو شک المأموم أن الإمام دخل فی الصلاة من غیر حجة شرعیة، أو مع حجة شرعیة من ظن معتبر ونحوه، حمل فعله علی الصحیح وجاز له الاقتداء به.

ص:279

ص:280

فصل فی شرائط إمام الجماعة

اشارة

فصل

فی شرائط إمام الجماعة

یشترط فیه أمور: البلوغ

{فصل

فی شرائط إمام الجماعة}

اعلم أنه {یشترط فیه أمور} الأول: {البلوغ} الشرعی علی الأظهر، کما فی الشرائع الأشهر، بل المشهور کما فی مصباح الفقیه، بل عن کتاب الصوم من المنتهی نفی الخلاف فیه، خلافا لما عن المبسوط والخلاف ومصباح السید والجعفی، فقد أجازوا إمامة المراهق الممیز العاقل، وفی المستند نقله عن الحدائق، ومیل الأردبیلی والسبزواری.

أما القائلون بالمنع فقد استدلوا لذلک بأمور:

الأول: أصالة عدم انعقاد الجماعة بغیره.

الثانی: انصراف أدلة الجماعة إلی المکلفین، خصوصاً بعد حدیث رفع القلم.

الثالث: عدم إحراز العدالة فیه، إذ لا حاجز له عن المعصیة.

الرابع: إن صلاته نافلة، ولا تصح الاقتداء فی النافلة.

ص:281

الخامس: خبر إسحاق بن عمار، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام): إن علیاً (علیه السلام) کان یقول: «لا بأس أن یؤذن الغلام قبل أن یحتلم ولا یؤم، فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه».((1))

السادس: إن صلاة غیر البالغ غیر شرعیة، بل تمرینیة، فلیس لها حقیقة الصلاة حتی یصح الاقتداء بها.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الأصل الجواز بعد وجود الإطلاقات ولا وجه لإدعاء الانصراف، وحدیث رفع القلم مستثنی منه بأدلة أمرهم بالصلاة، بل ضربهم علیها، وعدم إحراز العدالة مناقشة فی الموضوع خارج عن البحث، والنافلة الواجبة بالأصل لا بأس بالاقتداء بها، کما تقدم فی بعض المباحث السابقة، والخبر ضعیف غیر معلوم الانجبار، خصوصاً بعد أن کان المحکی عن الخلاف الإجماع علی الاقتداء به، وکون صلاته غیر شرعیة غیر محقق، بل قد عرفت فی بعض المباحث السابقة أنها شرعیة تمرینیة، وعلیه فالقاعدة صحة الاقتداء به، وإن کان الاحتیاط فی الترک، ویؤیده بل یدل علیه جملة أمور:

الأول: ما رواه الکافی عن غیاث بن إبراهیم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا بأس بالغلام الذی لم یبلغ الحلم أن یؤم القوم وأن یؤذن».((2))

وموثقة سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «یجوز صدقة الغلام وعتقه ویؤم الناس إذا کان له عشر سنین».((3))

ص:282


1- الوسائل: ج5 ص398 الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح7
2- الکافی: ج3 ص376 کتاب الصلاة، باب من تکره الصلاة خلفه ح6
3- الفقیه: ج1 ص358 فی نوادر الصلاة ح7

والعقل،

وما رواه التهذیب عن طلحة بن زید، عن جعفر، عن أبیه، عن علی (علیه السلام) قال: «لا بأس أن یؤذن الغلام الذی لم یحتلم وأن یؤم».((1))

الثانی: إن الجماعة تتحقق به مأموماً، وهذا یؤید تحقق الجماعة به إماماً، ویدل علیه الروایات الواردة فی أن أول البعثة کان یصلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلی (علیه السلام) خلفه، ثم التحق بهما جعفر (علیه السلام).

وروایة أبی البختری، عن جعفر (علیه السلام) قال: إن علیاً (علیه السلام) قال: «الصبی عن یمین الرجل فی الصلاة إذا ضبط الصف جماعة».((2))

الثالث: ما دل علی الأمر بأمر الصبی بالصلاة وضربه علیها مما ظاهره أنها کغیرها من صلوات البالغین فی جمیع الخصوصیات.

ثم إن القواعد والدروس والذکری جوزوا إمامة الصبی فی النوافل، وکأنه للتسامح فی أدلته، وعن غیر واحد کالدروس والمستند ومصباح الفقیه وغیرهم جواز إمامته لمثله، وهذا تام ولا احتیاط فی ترکه، إذ أدلة الاشتراط لا تشمله لانصراف خبر إسحاق إلی ما إذا أم البالغین.

أما ما عن الإسکافی وفخر المحققین وابن فهد من إن غیر البالغ إذا کان مستخلفاً للإمام الأکبر کالولی لعهد المسلمین یکون إماماً، فإن أرادوا غیر إمام الأصل ففیه الإشکال السابق، وإن أرادوا إمام الأصل فهو خارج عن موضوع الکلام.

{و} الثانی: {العقل} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماعات علیه مستفیضة

ص:283


1- التهذیب: ج5 ص412 الباب 23 من صلاة الجماعة ح16
2- الوسائل: ج5 ص412 الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح2

ویدل علیه بالإضافة إلی أن العقل شرط العبادة والتکلیف والصحة ضرورة، وإلی أنه لا یتأتی قصد القربة من المجنون، وإلی أنه مسلوب العدالة، جملة من الروایات:

کصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) _ فی حدیث _ قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا، والأعرابی لا یؤم المهاجر».((1))

وصحیحة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال، المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابی».((2))

وروایة عبد الله بن طلحة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: لا یؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف والأعرابی والمجنون والأبرص والعبد».((3))

وروایة الدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «لا تقدموا سفهاءکم فی صلاتکم ولا علی جنائزکم فإنهم وفدکم إلی ربکم».((4))

وفی روایة أبی ذر (رض) قال (علیه السلام): «إن إمامک شفیعک إلی الله عزوجل فلا تجعل شفیعک سفیهاً ولا فاسقاً».((5))

وإذا لم یجز إمامة السفیه فالمجنون بطریق أولی کما هو واضح.

ص:284


1- الوسائل: ج5 ص400 الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح6
2- المصدر: ص399 ح5
3- المستدرک: ج1 ص491 الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة ح1
4- الدعائم: ج1 ص151 فی الإمامة
5- الوسائل: ج5 ص392 الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح2

والإیمان،

ثم ظاهر المشهور جواز الصلاة خلف المجنون الأدواری فی حال إفاقته، بل نسب ذلک إلی المشهور غیر واحد، لکن عن التذکرة والنهایة وغیرهما المنع من ذلک، واستدل له بأمور:

الأول: إنه مشکوک العدالة، لأن بعد الدور لا یعلم حصول العدالة.

الثانی: إنه لا یؤمن احتلامه حال الجنون، قال فی المستند: بل روی «إن المجنون یمنی».((1))

الثالث: أصالة المنع عن إمامته کما فی المستمسک.

الرابع: إنه لا یناسب أن یکون وفداً إلی الله وشفیعاً إلیه کما تقدم.

الخامس: إمکان حصول الجنون حال الصلاة.

السادس: إنه یصدق علیه المجنون بالحمل الشائع.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ المفروض العلم بعدالته، والاحتلام مرفوع بالأصل، والأصل مرفوع بالإطلاقات، وکونه غیر مناسب الشفاعة وکونه وفداً ممنوع، والإمکان غیر ضار، مثل إمکان الحدث، والصدق ممنوع إلاّ مجازاً وبالمسامحة فلا یشمله دلیل المنع.

{و} الثالث: {الإیمان} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماع علیه متواتر، فاللازم إن یکون معترفاً بإمامة الاثنی عشر وبعصمتهم مع الرسول والزهراء (علیهم الصلاة والسلام)، بل هو من ضروریات المذهب، ویدل علیه متواتر الأخبار:

کصحیح زرارة، سألت أبا جعفر (علیه السلام)، عن الصلاة خلف المخالفین

ص:285


1- المستند: ج1 ص524 س10

فقال: «ما هم عندی إلاّ بمنزلة الجدر».((1))

وفی مکاتبه البرقی إلی أبی جعفر الثانی (علیه السلام): أتجوز الصلاة خلف من وقف علی أبیک وجدک؟ فأجاب: «لا تصل وراءه».((2))

وفی کتاب الرضا (علیه السلام) إلی المأمون: «لا یقتدی إلاّ بأهل الولایة».((3))

وفی خبر ابن راشد قلت لأبی جعفر (علیه السلام): «إن موالیک قد اختلفوا فأصلی خلفهم جمیعاً؟ فقال (علیه السلام): «لا تصل إلا خلف من تثق بدینه».((4))

وفی صحیح یزید بن حماد: أصلی خلف من لا أعرف؟ فقال (علیه السلام): «لا تصل إلاّ خلف من تثق بدینه».((5))

أما الناصب ونحوه فعدم جواز الصلاة خلفه أظهر، ویدل علیه جملة من الروایات:

مثل روایة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا تصل خلف من یشهد علیک بالکفر، ولا خلف من شهدت علیه بالکفر».((6))

وروایة الفضل، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مناکحة الناصب والصلاة خلفه؟ فقال (علیه السلام): «لا تناکحه ولا تصل خلفه».((7)) إلی غیر ذلک.

ص:286


1- الوسائل: ج5 ص388 الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ص389 ح5
3- المصدر: ص390 ح11
4- المصدر: ص388 ح2
5- المصدر: ص395 الباب 12 ح1
6- المصدر: ص390 الباب 10 ح7
7- المصدر: ص383 الباب 5 ح11

والعدالة،

وقد جمع جامع أحادیث الشیعة روایات الباب، فأنهاها إلی ست وثلاثین روایة، هذا بالإضافة إلی ما دل علی بطلان صلاة المخالف، وإلی ما دل علی أمر المؤتم به بالقراءة خلفه، وإلی ما دل علی اعتبار العدالة فی الإمام، إلی غیرها.

أما الکافر فواضح أنه لا یصلی خلفه، بل هو من أوضح الضروریات.

{و} الرابع: {العدالة} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماعات علیه متواترة، کما أن الروایات علی ذلک متواترة أیضاً، وحیث ذکرنا فی کتاب التقلید معنی العدالة فلا حاجة فی المقام إلی إعادة الکلام فیه، وإنما نذکر جملة من الروایات الدالة علی اشتراط الاقتداء بالعادل، وهی روایة علی بن راشد، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): إن موالیک قد اختلفوا فأصلی خلفهم جمیعاً؟ فقال: «لا تصل إلاّ خلف من تثق بدینه وأمانته». والوثوق بالدین عبارة عن الاطمینان بالتدین الذی هو یساوی العدالة، وذکر الأمانة من باب ذکر العام فالخاص للتنبیه علی صعوبته وتأکده.

وروایة یزید بن حماد، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: قلت له: أصلی خلف من لا أعرف؟ قال: «لا تصل إلاّ خلف من تثق بدینه».((1))

وروایة زید بن علی، عن آبائه (علیهم السلام)، عن علی (علیه السلام) قال: «الأغلف لا یؤم القوم، وإن کان أقرأهم، لأنه ضیع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة، ولا یصلی علیه إلاّ أن یکون ذلک خوفاً علی نفسه».((2))

ص:287


1- الوسائل: ج5 ص395 الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ص396 الباب 13 ح1

والفقرة الثانیة محمولة علی شدة النفرة منه. فهی کنایة لم یرد بها الحقیقة للإجماع، بل الضرورة علی الصلاة علی کل مسلم غیر محکوم بالکفر.

وخبر المرافقی والبصری، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، أنه سأل عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: «إذا کنت خلف إمام تتولاه وتثق به فإنه یجزیک قراءته».((1))

وخبر سماعة، قال: سألته عن رجل کان یصلی فخرج الإمام وقد صلی الإمام رکعة من فریضته؟ قال: «إن کان إماماً عدلاً فلیصل رکعة أخری وینصرف ویجعلها تطوعاً، ولیدخل مع الإمام فی صلاته، وإن لم یکن إمام عدل، فلیبن علی صلاته کما هو، ویصلی رکعة أخری ویجلس قدر ما یقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم لیتم صلاته معه علی ما استطاع فإن التقیة واسعة».((2))

وروایة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إن أناساً رووا عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنه صلی أربع رکعات بعد الجمعة لم یفصل بینهن بتسلیم، فقال: یا زرارة إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) صلی خلف فاسق فلما سلم وانصرف قام أمیر المؤمنین فصلی أربع رکعات لم یفصل بینهن بتسلیم، فقال له رجل إلی جنبه: یا أبا الحسن صلیت أربع رکعات لم تفصل بینهن، فقال: أما إنها أربع

ص:288


1- المصدر:ص 424 الباب 31 ح15
2- الوسائل: ج5 س458 الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح2

رکعات مشبهات وسکت، فو الله ما عقل ما قال له».((1))

وعن السیاری قال: قلت لأبی جعفر الثانی (علیه السلام) القوم من موالیک یجتمعون فتحضر الصلاة فیقدم بعضهم فیصلی بهم جماعة؟ فقال: «إن کان الذی یؤمهم لیس بینه وبین الله طلبة فلیفعل». قال: وقلت له مرة أخری: إن قوماً من موالیک یجتمعون فتحضر الصلاة فیؤذن بعضهم ویتقدم أحدهم فیصلی بهم؟ فقال (علیه السلام): «إن کانت قلوبهم کلها واحدة فلا بأس». قال: ومن لهم بمعرفة ذلک؟ قال: «فدعوا الإمامة لأهلها».((2))

أقول: الظاهر أن المراد بالروایة الأولی العدالة، وبالثانیة أن لا یکون بینهم غیر موال لهم (علیهم السلام) حتی یخشی منه أن یخبر السلطة فیوقعهم فی المحظور.

وروایة سعد بن إسماعیل، عن أبیه قال: قلت للرضا (علیه السلام): رجل یقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلی خلفه؟ قال (علیه السلام): «لا».((3))

وخبر الرضوی، عن العالم (علیه السلام) قال: «ولا تصل خلف أحد إلاّ خلف رجلین أحدهما من تثق به وبدینه وورعه، وآخر من تتقی سیفه وسوطه وشره وبوائقه وشنیعته، فصل خلفه علی سبیل التقیة والمداراة، وأذن لنفسک واقم واقرأ فیها فإنه غیر مؤتمن به».((4))

وروایة الصدوق، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إن سرکم أن

ص:289


1- الکافی: ج3 ص374 ح6
2- السرائر: ص468، والبحار: ج85 ص107 ح79
3- الوسائل: ج5 ص393 الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح10
4- فقه الرضا: ص14 س14

تزکوا صلاتکم فقدموا خیارکم».((1))

وما رواه الفقیه، عن أبی ذر (رض) قال: «إن إمامک شفیعک إلی الله عزوجل فلا تجعل شفیعک سفیهاً ولا فاسقاً».((2))

وروایة الأصبغ، عن علی (علیه السلام): «فأما الذین لا ینبغی أن یؤموا الناس، فولد الزنا والمرتد وأعرابیاً بعد الهجرة»((3)) الحدیث. فإن الأعرابی یرتکب ذنباً أنه رجع من بعد هجرته.

وروایة العلاء ابن سیابة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «لا تصل خلف من یبتغی علی الأذان والصلاة الأجر، ولا تقبل شهادته».((4))

وفی روایات صلاة الجمعة اشتراط العدالة فی الإمام.

لکن لا یخفی أن أغلب الروایات قابلة للخدشة، إما سنداً أو دلالة، ولو کنا نحن والأخبار لم نفهم منها أکثر من اشتراط عدم الانحراف فی العقیدة، وعدم الفسق والفجور بمعناهما المتبادر منها، لا المعنی المصطلح علی الفاسق عند الفقهاء، إلاّ أن الذی یوجب القول باعتبارها هو ما ذکره الفقیه الهمدانی تبعاً لغیره إن المسألة إجماعیة، کما ادعاه کثیر من الأصحاب وأرسلوه إرسال المسلمات علی وجه کاد تعد لدیهم من ضروریات الفقه، قال: وهذا هو عمدة المستند لإثبات

ص:290


1- الفقیه: ج1 ص247 الباب 56 فی الجماعة ح11
2- المصدر: ح13
3- الخصال: ص330 باب الستة ح29
4- الکافی: ج7 ص396 باب ما یرد من الشهود ح11

وأن لا یکون ابن زناء،

اعتبار وصف العدالة بالمعنی الذی نعتبره فی الشاهد والحاکم ونحوهما فی إمام الجماعة، ((1)) انتهی.

{و} الخامس: {أن لا یکون ابن زناء} بالإجماع المتواتر ادعاؤه فی کلماتهم، ویدل علیه أیضاً النصوص الکثیرة: مثل صحیحة زرارة وأبی بصیر المتقدمتین.

وصحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «خمسة لا یؤمون الناس ولا یصلون بهم صلاة فریضة فی جماعة: الأبرص والمجذوم وولد الزنا والأعرابی حتی یهاجر والمحدود».((2))

وخبر أصبغ، عن علی (علیه السلام) قال: سمعت أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول: «ستة لا ینبغی أن یؤم الناس ولد الزنا والمرتد» الخ.((3))

وخبر عبد الله بن طلحة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «لا یؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف والأعرابی والمجنون والأبرص والعبد».((4))

وخبر الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) قال: «ینبغی لولد الزنا أن لا تجوز له شهادة ولا یؤم الناس، لم یحمله نوح فی السفینة وقد حمل فیها الکلب والخنزیر».((5))

إلی غیرها من الروایات الواردة فی باب عدم قبول شهادة ولد الزنا من قولهم

ص:291


1- مصباح الفقیه: ج2 ص667 س15
2- الوسائل: ج5 ص399 الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح3
3- المصدر: ص397 الباب 14 ح6
4- المستدرک: ج1 ص491 الباب 13 من صلاة الجماعة ح1
5- المصدر: ح5

(علیهم السلام): «لا تجوز شهادته ولا یؤم الناس»، أو ما بمعنی ذلک.

ثم إنه ربما یقال بأن الإسلام جعل الأحکام حسب الکفاءات، وولد الزنا لا ذنب له فإنه ذنب أبویه، فکیف حرّمه من الشهادة ومن إمامة الناس؟

والجواب: إن الإسلام کسائر قوانین العقلاء قد یحتاط لأجل التشدید فی أمر خطیر فی ملاحظة کل جوانبه، فإن الزنا لما کان جریمة هادمة للاجتماع لابد من تحریمه، ومن إسراء الحکم إلی کل أطراف الأمر من عدم التوارث وعدم قبول الشهادة وعدم صحة الإمامة إلی غیر ذلک، فإن ولد الزنا لا ذنب له، إلاّ أن أهمیة تعظیم الزنا تقتضی ذلک، والأهم یقدم علی المهم عند العقلاء، ألا تری أنه لو توقف رفع السلطة الظالمة علی سفک دماء الأبریاء وجب ذلک، وإن لم یکن لهم ذنب، ولذا قرر شرعاً وعقلاً أنه لو تترس الکفار بالمسلمین أو بالنساء والأطفال الذین لا ذنب لهم جاز قتلهم ملاحظة للأهم.

ثم الظاهر أنه لا فرق بین تعبیر الفقهاء بأن لا یکون الإمام ولد زنا، وبین تعبیرهم بطهارة المولد، لأن الأصل عقلاً وشرعاً هو طهارة المولد، فلا تظهر الفائدة فی المشکوک کونه ولد زنا، فإن ظاهر قوله (علیه السلام): «لکل قوم نکاح» أنه یحکم بالنکاح إلی أن یثبت الخلاف. بالإضافة إلی أصالة الصحة فی عمل المسلم إذا کان أحد الأبوین مسلماً، والظاهر أنه لو علم بنفسه أنه ولد زنا لم یجز له الإمامة لظاهر النواهی السابقة، کما أنه إن کانت امرأة لا یجوز لها أن تتقدم للصلاة لجماعة الرجال، وإن لم یعلموا بذلک.

ثم إن اللقیط ولو لدار الکفر لیس محکوماً بکونه ولد زنا، لما یستفاد من

ص:292

قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لکل قوم نکاح» ((1))، ولغیر ذلک.

أما ولد الشبهة فلیس هو داخلا فی أحکام ولد الزنا بلا شبهة، کما ذکروه فی کتاب النکاح وغیره، ولو أسلم ولد الزنا فالظاهر إن إسلامه یجبّ أحکام الزنا، کما أشرنا إلی ذلک فی کتاب التقلید، فإن المستفاد من أحادیث «الإسلام یجب ما قبله»، بضمیمة عمل الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)، إن الإسلام مثل ولادة جدیدة للإنسان فقطع کل أحکامه السابقة إلاّ ما ثبت بالنص والإجماع، ومما تقدم یعلم أن من تناله الألسن لا بأس بإمامته.

ثم إنه ربما یقال فی روایة الحلبی أنه ما معنی عدم حمل نوح له فی السفینة، فهل المراد ولد الزنا الکافر؟ وذلک لیس مما یذکر لوضوح أنه لم یحمل فیها إلاّ المؤمن، أو المراد ولد الزنا المؤمن، ومن المعلوم أنه یجب حمله فکیف لم یحمله؟

والجواب: إن من المحتمل أن یراد ولد الزنا الکافر الذی لم یکن مذنباً کالمجنون، فإن أحکام مجانین کل أمة أحکام عقلائهم فی انطباق الحکم العام علیهم، ألا تری أن فی القوانین المدنیة مجنون أهل البلد ملحق بهم فی المزایا وغیرها، ومجنون الأجانب ملحق بهم فی المزایا إلی غیر ذلک، ومن المحتمل أن یکون المراد عدم حمل ولد الزنا المؤمن، وأی مانع من إرادة نوح (علیه السلام) بأمر الله تعالی أن یبدأ الحیاة فی الأرض بطهارة عن لوث الزنا، ویکون أجر الغریق من أولاد الزنا علی الله سبحانه، کما أن الله تعالی یعطی أجر الغرقی

ص:293


1- التهذیب: ج6 ص387 الباب 93 من المکاسب ح275

والذکورة إذا کان المأمومون أو بعضهم رجالا

ونحوهم من المؤمنین، لقاعدة الأهم والمهم، فإن قاعدة الأهم والمهم _ مثل قاعدة الاحتیاط لدرء المفاسد _ تسببان أحکاماً عقلائیة وشرعیة، کما فی قتل المسلمین المتترس بهم الکفار، وقتل الأطفال والأبریاء الذی لابد منه عند إرادة إزحة الکفار والمشرکین، وکما فی التجنب عن نفرین أحدهما عدو مع أن الآخر لیس بعدو، فإن قاعدة الاحتیاط العقلائیة أوجبت إبقاء الشبهة علی البریء مع أنه بریء، احتیاطاً فی الاجتناب عن العدو، وکذلک إتلاف الأطعمة عند خوف الوباء من جهة تلوث طعام واحد من بین تلک الأطمعة احتیاطا عن الطعام الموبوء، وکذلک فی الاحتیاط عن أطعمة فیها طعام مسموم، إلی غیر ذلک.

وفی الحقیقة قاعدة الاحتیاط بالمعنی الذی ذکرناه فرد من أفراد قاعدة الأهم والمهم أیضاً، ولهذا الکلام تفصیل طویل ترکناه خوف الخروج عن مقصد الشرح، وإن کان یلقی الضوء علی موارد کثیرة من المشکلات التی تظهر، وکأنها علی خلاف الموازین فی بادیء الرأی.

{و} السادس: {الذکورة إذا کان المأمومون أو بعضهم رجالا} بلا إشکال ولا خلاف، بل دعوی الإجماع علیه فی کلماتهم متواترة، ففی المستند بعد أن ادعاه نقله عن المعتبر والتذکرة والمفاتیح وشرحه والمنتهی والروض والذکری وغیرها، ویدل علیه بما روی فی کتب الفتاوی((1)) عن النبی (صلی الله علیه وآله

ص:294


1- کالجواهر: ج13 ص336

وسلم) أنه قال: «لا تؤم امرأة رجلا».

وعنه (صلی الله علیه وآله وسلم) أیضا أنه قال: «أخروهن من حیث أخرهن الله».((1)) فإنها وإن کانت مطلقة إلاّ أن ذکر الفقهاء لها فی هذا الباب دلیل علی أنها مرتبطة بباب الجماعة.

وعن الدعائم، مرسلاً عن علی (علیه السلام) قال: «لا تؤم المرأة الرجال، ولا تؤم الخنثی الرجال، ولا الأخرس المتکلمین، ولا المسافر المقیمین».((2))

وعن موضع آخر من الدعائم، قال (علیه السلام): «لا تؤم المرأة الرجال وتصلی بالنساء ولا تتقدمهن تقوم وسطاً منهن ویصلین بصلاتها».((3))

وهذه الروایات وإن کانت ضعیفة السند إلاّ أنها مجبورة بالعمل.

قال فی مصباح الفقیه: فما فی الحدائق من الخدشة فی الاستدلال بالخبرین الأولین بأن الظاهر أنهما لیس من طریقنا، إذ لم أقف علیهما فی أخبارنا، ضعیف لاشتهارهما بین الخاصة، واعتمادهم علیهما فی کتبهم الاستدلالیة کاف فی جواز التعویل علیهما، خصوصاً فی مثل هذا الفرع الذی لم ینقل الخلاف فیه من أحد((4))، انتهی.

ص:295


1- المستدرک: ج1 ص222 الباب 5 من مکان المصلی ح1
2- الدعائم: ج1 ص151 فی ذکر الإمامة
3- المصدر: ص252
4- مصباح الفقیه: ج2 ص679 س20

ویؤید المنع الأخبار الدالة علی تأخر المرأة عن الرجل فی الجماعة والأخبار الدالة علی جواز إمامة المرأة للنساء فإنها جائزة علی المشهور، بل عن الخلاف والتذکرة والمعتبر والمنتهی الإجماع علیه، وإن کان المحکی عن السید وابن الجنید والجعفی والمختلف والمدارک المنع، والظاهر من المستند أن منعهم فی الفریضة.

أما فی النافلة الجائز فیها الجماعة فقد قال: ((1)) لا خلاف أجده فیه، بل بالإجماع کما عن جماعة، وهذا هو الذی نقله مصباح الفقیه وغیره أیضا.

وکیف کان فیدل علی المشهور متواتر الروایات، کما أنها تدل علی إمامة الرجال لها أیضاً، فمن الروایات الدالة علی إمامة المرأة لمثلها موثقة سماعة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المرأة تؤم النساء؟ قال (علیه السلام): «لا بأس به».((2))

وموثقة ابن بکیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه سأله عن المرأة تؤم النساء؟ قال: «نعم، تقوم وسطاً بینهن ولا تتقدمهن».((3))

وخبر الصیقل، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام)، کیف تصلی النساء علی الجنائز إذا لم یکن معهن رجل؟ قال: «یقمن جمیعاً فی صف واحد ولا تتقدمهن امرأة» قیل: ففی صلاة المکتوبة أیؤم بعضهن بعضاً؟ قال (علیه السلام): «نعم»((4))

ص:296


1- المستند: ج1 ص526 س6
2- الوسائل: ج5 ص408 الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح11
3- المصدر: ح10
4- الفقیه: ج1 ص103 الباب 25 فی الصلاة المیت ح26

وصحیح علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة؟ قال: «قدر ما تسمع».((1))

وروایته عنه (علیه السلام) فی قرب الإسناد مثله، وزاد: وسألته عن النساء هل علیهن الجهر بالقراءة فی الفریضة والنافلة؟ قال (علیه السلام): «لا، إلاّ أن تکون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها».((2))

وخبر علی بن یقطین، عن أبی الحسن الماضی (علیه السلام) قال: سألته عن المرأة ما حد رفع صوتها بالقراءة والتکبیر؟ فقال (علیه السلام): «بقدر ما تسمع».((3))

وما روی من أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا.

هذا بالإضافة إلی المطلقات الشاملة للمرأة بلا إشکال.

أما المانع عن إمامتها فی الفریضة فقد استدل بجملة من الروایات:

کصحیحة هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال: «تؤمهن فی النافلة، وأما فی المکتوبة فلا، ولا تتقدمهن ولکن تقوم وسطهن».((4))

وصحیحة سلیمان بن خالد، قال: سألت عن المرأة تؤم النساء؟ فقال (علیه

ص:297


1- الوسائل: ج5 ص407 الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح7
2- قرب الإسناد: ص100 ح2
3- الوسائل: ج4 ص772 الباب 31 من القراءة فی الصلاة ح1
4- الوسائل: ج5 ص406 الباب 20 من صلاة الجماعة ح1

السلام): «إذا کن جمیعاً أمتهن فی النافلة، فأما المکتوبة فلا، ولا تتقدمهن ولکن تقوم وسطاً منهن».((1))

وصحیحة زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قلت له: المرأة تؤم النساء؟ قال: «لا إلاّ علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها، تقوم وسطهن معهن فی الصف فتکبر ویکبرن».((2))

وروایة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «تؤم المرأة النساء فی الصلاة وتقوم وسطاً منهن ویقمن عن یمینها وشمالها تؤمهن فی النافلة ولا تؤمهن فی المکتوبة».((3))

وأقرب وجوه الجمع بین الطائفتین: حمل الروایات الناهیة علی الکراهة، وذلک غیر بعید فی نفسه، لوضوح أن الجماعة تنافی الستر المطلوب من المرأة، ولا ینافی ذلک عمل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، إذ الملاحظات الخارجیة قد تسقط اعتبارات الکراهة والاستحباب کما هو واضح، وهناک وجوه أخر ذکرها الفقهاء لا تخلو من الإشکال.

الأول: ما عن المعتبر من أنه بعد ذکر روایتی سلیمان وخالد قال: إنهما نادرتان ولا عمل علیهما((4))، وفیه: إنه لا ندرة فیهما، وقد عمل بهما بعض، کما

ص:298


1- الوسائل: ج5 ص408 الباب 20 فی صلاة الجماعة ح12
2- المصدر: ص406 ح3
3- المصدر: ص408 ح9
4- المعتبر: ص241 س21

ذکره المدارک وغیره.

الثانی: ما عن المنتهی من حمل الأخبار الناهیة علی من لم تعرف أحکام الجماعة، قال: یحتمل أن یکون ذلک راجعاً إلی من لم تعرف فرائض الصلاة وواجباتها منهن، فلا تؤم غیرها فی الواجب، وخصصهن بالذکر لأغلبیة الوصف فیهن((1))، وفیه: إن هذا الاحتمال خلاف الظاهر لا یصار إلیه إلاّ بقرینة وهی مفقودة فی المقام.

الثالث: ما ذکره الحدائق من ما حاصله حمل وصفی النافلة والمکتوبة فی الروایات علی کونهما وصفین للجماعة، فیکون مفاد الروایات المفصلة بین النافلة والمکتوبة جواز إمامة المرأة فی الصلاة التی تستحب فیها الجماعة کالیومیة، وعدم جوازها فی الصلاة التی تجب فیها الجماعة کالجمعة، وفیه: إن هذا الحمل بعید للغایة.

الرابع: ما ذکره المستمسک ابتداءً، بأنه لا مجال لمعارضة الطائفة الثانیة بالمطلقات، لوجوب حمل المطلق علی المقید، وفیه: إن بین الطائفتین تعارض عرفی ولو بمعونة القرائن الداخلیة والخارجیة، مثل جعل الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) المؤذن لأم ورقة وغیرها، فإن الظاهر من ذلک أنه کان فی الیومیة.((2))

وکیف کان فالذی أفتی به المشهور هو المتعین، وما ذکره مصباح الفقیه((3))

ص:299


1- المنتهی: ج1 ص368 س18
2- المستمسک: ج7 ص322
3- مصباح الفقیه: ج2 ص680

وأن لا یکون قاعدا للقائمین،

من أن الجواز أقوی، والترک إلاّ فی صلاة الجنازة إذا لم یکن أحد أولی منها _ أحوط محل تأمل، إذ لا وجه للاحتیاط المذکور بعد وجود الجمع العرفی، وفتوی الفقهاء قدیما وحدیثا.

{و} السابع: {أن لا یکون قاعداً للقائمین} علی المشهور، بل فی المستند((1)) إجماعاً محققاً ومحکیاً عن الخلاف والسرائر والتذکرة وظاهر المنتهی وصریح الحدائق، لکن الوسائل ظاهره الکراهة، وظاهر السید البروجردی فی جامع أحادیث الشیعة التوقف فی المسألة، وفی المستمسک قال: وظاهر الوسائل وعن غیره الکراهة.((2))

وکیف کان فقد استدل المشهور بروایة الفقیه، قال أبو جعفر (علیه السلام): «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) صلی بأصحابه فی مرضه جالساً، فلما فرغ قال: لا یؤمن أحدکم بعدی جالساً».((3))

قال فی الجواهر: إنه مروی عند الخاصة والعامة.((4))

وعن السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «لا یؤمن المقید المطلقین، ولا صاحب الفالج الأصحاء، ولا صاحب التیمم المتوضئین».((5))

ص:300


1- المستند: ج1 س526
2- المستمسک: ج7 ص323
3- الفقیه: ج1 ص249 الباب 56 فی الجماعة ح29
4- الجواهر: ج13 ص327
5- الوسائل: ج5 ص411 الباب 22 من صلاة الجماعة ح1

ولا مضطجعا للقاعدین،

وعن الشعبی، عن علی (علیه السلام): «لا یؤمن المقید المطلقین».((1))

وعن الفقیه، قال الصادق (علیه السلام): «کان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وقع عن فرس فشج شقه الأیمن فصلی بهم جالساً فی غرفة أم إبراهیم».((2))

وعن حذیفة فی حدیث: إن أبابکر أراد أن یصلی بالناس فی مرض النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) بغیر إذنه، فلما سمع النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) ذلک خرج إلی المسجد _ إلی إن قال: _ فصلی الناس خلف رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو جالس،((3)) الخبر.

والخبران الأخیران لا یمکن التمسک بهما للإطلاق من باب الأسوة، إذ خبر الباقر (علیه السلام) یصلح قرینة لسقوطهما عن الدلالة، خصوصاً بعد ما عرفت من الإجماعات التی لا یضرها مخالفة مثل صاحب الوسائل.

وتمسک القائل بالکراهة بأصل الجواز بعد تضعیف الأخبار ممنوع، إذ الفقیه حجة کما ذکرناه مکرراً، وضعف الأخبار مجبور بالعمل قدیماً وحدیثاً.

أما منع الجواز بأصالة الاشتراط إلاّ ما خرج، ولیس ما نحن فیه من المستثنی، فقد ذکرنا مکرراً أنه غیر تام، إذ الأصل البراءة عن کل جزء أو شرط شک فیه بعد شمول إطلاقات أدلة الجماعة له.

{ولا مضطجعاً للقاعدین} وقد اختلفوا فی ذلک، فالمحکی عن الشیخ

ص:301


1- المصدر: ح3
2- الفقیه: ج1 ص250 الباب 56 فی الجماعة ح30
3- البحار: ج85 ص96 ج65

الاقتصار علی موضع النص، وتبعه بعض خلافاً للإیضاح، حیث إن ظاهره المنع، وتبعه الشیخ المرتضی، وقد أطال الفقیه الهمدانی الکلام حول المستند، لکن الذی ینبغی أن یقال إنه استفید المناط من الروایات السابقة لزم القول بالمنع، وإن لم یستند کان الإطلاق محکماً، والأقرب الثانی، وإن کان الأحوط الأول.

اما إمامة غیر المستقل فی الوقوف للمستقل، أو غیر المستقر للمستقر، أو غیر المطمئن للمطمئن، أو الأنزل کالمستلقی للمضطجع، أو ما أشبه ذلک، فإن الاحتیاط فیها أضعف لأضعفیة المناط بالنسبة إلیها.

أما العکس فلا إشکال فیه، ولا خلاف فی الجملة، بل ادعی بعضهم الإجماع علیه، بالإضافة إلی دلیل المیسور، فإن المأموم العاجز عن کمال المتابعة آت بالمیسور منها، والقول باختصاص دلیل المیسور بالواجبات فی غیر محله لإطلاق أدلته.

هذا بالإضافة إلی خبر أبی البختری، عن جعفر، عن أبیه، عن علی (علیهم السلام) قال: «المریض القاعد عن یمین المصلی جماعة».((1))

والعلة فی صحیح جمیل الوارد فی إمامة المتیمم للمتطهر، حیث قال لأبی عبد الله (علیه السلام): «إمام قوم أصابته جنابة فی السفر ولیس معه ماء یکفیه للغسل، أیتوضأ بعضهم ویصلی بهم؟ قال (علیه السلام): «لا، ولکن یتیمم ویصلی بهم، فإن الله عزوجل قد جعل التراب طهوراً کما جعل الماء طهوراً».    ((2))

بل ومن هذا الخبر وسائر الأخبار الواردة فی باب إمامة المتیمم یظهر أن

ص:302


1- الوسائل: ج5 ص415 الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- المصدر: ص401 الباب 17 ح1

ولا من لا یحسن القراءة بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلک

تلک الأخبار الناهیة عن إمامة القاعد محمولة علی الکراهة لو لا قوة الفتوی بالتحریم، لأن فی جملة منها إرداف إمامة المتیمم بإمامة القاعد فی المنع، بل وفیها المنع عن إمامة جملة أخر من الذین قالوا بکراهة إمامتهم.

ففی روایة الشعبی المتقدمة: «لا یؤم الأعمی فی البریة((1)) ولا یؤم المقید المطلقین».((2))

وفی روایة المقنع((3)) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «لا یؤم صاحب العلة الأصحاء، ولا یؤم صاحب القید المطلقین، ولا صاحب التیمم المتوضین، ولا یؤم الأعمی فی الصحراء، إلاّ أن یوجه إلی القبلة، ولا یؤم العبد إلاّ أهله»، إلی غیرهما من الروایات الموجودة فی بابی إمامة المتیمم وإمامة ذوی العاهة، فراجع الوسائل والمستدرک وجامع أحادیث الشیعة.

{و} الثامن: أن {لا} یکون من {من لا یحسن القراءة بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلک} کما هو المشهور، بل عن جماعة دعوی الإجماع علیه، خلافاً للمحکی عن الوسیلة، فجعل ذلک مکروها.

استدل للمشهور بأمور:

ص:303


1- المصدر: ص409 الباب 21 ح2
2- المصدر: ص411 الباب 22 ح3
3- المقنع: ص9، الجوامع الفقهیة

الاول: الإجماع المدعی فی کلامهم.

الثانی: مفهوم خبر أبی البختری: «لا بأس أن یؤم المملوک إذا کان قاریاً».((1))

الثالث: إن المطلوب من المأموم القراءة الصحیحة بنفسه أو بضامنه _ الذی هو قائم مقامه: أی الإمام _ فإذا فقدها دخل فی قوله (علیه السلام): «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب».((2))

الرابع: أصالة عدم الکفایة.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الإجماع محتمل الاستناد، بل ظاهر الاستناد کما یظهر من کلام العلامة فی التذکرة قال: _ بعد دعواه الإجماع _((3)) لأن القراءة واجبة مع القدرة، ومع الایتمام بالأمی تخلو الصلاة عن القراءة، وقال (علیه السلام): «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب»، ولأن الإمام یتحمل القراءة عن المأموم، ومع عجزه لا یتحقق التحمل إلی آخر کلامه (رحمه الله)، والمفهوم لا یشمل المقام، إذ ظاهره من لا یحسن القراءة أصلا، وسبب ذکر المملوک أنهم غالباً فی أول استملاکهم لا یحسنون لغة العرب فلم یکونوا قادرین علی القراءة أصلا، فهو فی صدد المنع عن إمامة الأمی لا القاری اللاحسن، والصلاة فیها فاتحة الکتاب فلا یشملها قوله (علیه السلام): «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب».

أما الأصل فقد عرفت أنه یقتضی عدم الاشتراط لا الاشتغال، ویؤید صحة

ص:304


1- الوسائل: ج5 ص401 الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح5
2- المستدرک: ج1 ص274 الباب 1 من القراءة فی الصلاة ح5
3- التذکرة: ج1 ص178 س4

حتی اللحن فی الإعراب، وإن کان لعدم استطاعته غیر ذلک.

الاقتداء التعلیل فی صحیحة جمیل المتقدم، وهذا لا یخلو من قرب، خصوصاً بعد أن کان الظاهر من کلماتهم أنهم بصدد المنع عن الاقتداء بالأمی الذی لا یعرف شیئاً وهو تام، إذ صلاته تکون بلا قراءة، فیشمله «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب»، ولذا أجاز المبسوط إمامة الملحن للمتقن أحال المعنی أم لم یحل، وأجاز السرائر إمامته إذا لم یغیر المعنی، ومنع الشرائع وغیره إمامة الأمی الظاهر فی من لا یعرف القراءة أصلا، وخصوصاً إذا قرأ المأموم مکان اللحن، وبالأخص إذا کان الإمام والمأموم ممن لا یحسنون اللغة العربیة مثل الفارسی والترکی وغیرهما، فالقول بجواز القراءة مع الصدق أقرب، وإن کان الاحتیاط بعدم الاقتداء لا ینبغی ترکه.

ومما ذکرنا یعلم الإشکال فی قوله {حتی اللحن فی الإعراب} الأعم من البناء الاصطلاحی {وإن کان لعدم استطاعته غیر ذلک} إذ معذوریته فی نفسه لا یوجب صحة تحمله عن غیره.

ص:305

مسألة ١ إمامة القاعد للقاعد

مسألة _ 1 _ لا بأس بإمامة القاعد للقاعدین، والمضطجع لمثله، والجالس للمضطجع.

{مسألة _ 1 _ لا بأس بإمامة القاعد للقاعدین} بلا إشکال ولا خلاف، بل إجماعاً کما ادعاه غیر واحد، ویدل علیه بالإضافة إلی شمول إطلاقات أدلة الجماعة له، وانصراف الروایات المانعة عن إمامة القاعد عنه، بل فی تلک الروایات المنع عن إمامة المقید بالمطلق، جملة من الروایات الواردة فی باب صلاة العراة المصرحة بإمامة القاعد للقاعدین.

{والمضطجع لمثله والجالس للمضطجع} بلا خلاف، کما فی الجواهر((1))، ویشمله الإطلاق، ولصحیح جمیل، فکل قاصر یصلی بمثله وبالأنزل منه.

ص:306


1- الجواهر: ج13 ص330

مسألة ٢ إمامة المتیمم للمتوضیء

مسألة _ 2 _ لا بأس بإمامة المتیمم للمتوضی

{مسألة _ 2 _ لا بأس بإمامة المتیمم للمتوضی} والمراد بالمتوضی المتطهر بالماء وإن کان غسلا _ کما هو واضح _ وهذا الحکم هو المشهور، کما فی الحدائق، بل عن المنتهی عدم الخلاف فیه إلا من الشیبانی، ویدل علیه متواتر الروایات:

کصحیحة جمیل قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن إمام قوم أصابته جنابة فی السفر ولیس معه من الماء ما یکفیه للغسل، ومعهم ما یتوضون به، أیتوضأ بعضهم ویصلی بهم؟ فقال (علیه السلام): «لا، ولکن یتیمم الجنب ویصلی بهم فإن الله عزوجل جعل الأرض طهوراً کما جعل الماء طهورا».((1))

وموثقة ابن بکیر، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن رجل أجنب ثم تیمم فأمّنا ونحن طهور؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس به».((2))

وخبره الآخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: رجل أمّ قوماً وهو جنب وقد تیمم وهم علی طهور؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس».((3))

وخبر أبی أسامة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یجنب ولیس معه ماء وهو إمام القوم؟ قال: «نعم، یتیمم ویؤمّهم».((4))

وصحیحة محمد وجمیل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنهما سألاه عن

ص:307


1- الوسائل: ج5 ص401 الباب 17 من صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ح2
3- المصدر: ح3
4- المصدر: ص302 ح4

وذی الجبیرة لغیره،

إمام قوم أصابته فی سفر جنابة ولیس معه من الماء ما یکفیه فی الغسل أیتوضأ ویصلی بهم؟ قال: «لا، ولکن یتیمم ویصلی، فإن الله تعالی جعل التراب طهوراً کما جعل الماء طهوراً».

ثم إن الظاهر أن ذلک مکروه، وذلک للجمع بین الروایات المتقدمة وجملة أخری من الروایات.

مثل خبر عباد بن صهیب، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «لا یصلی المتیمم بقوم متوضین».((1))

وفی روایة الدعائم: «لا یؤم المتیمم المتوضین».((2))

وفی روایتی السکونی((3)) والمقنع: «لا یؤم صاحب التیمم المتوضین».((4))

أما غیر المتیمم مثل فاقد الطهورین _ حیث اخترنا أنه یصلی فی الوقت _ فالظاهر أنه لا یؤم إلاّ مثله، إذ التعلیل فی الروایات السابقة ظاهر فی أن علة إمامة المتیمم أنه متطهر، فإذا لم یکن متطهراً لم تصح إمامته، کما أنه تصح إمامة الصبی الذی لم یتطهر لمثله، لإطلاق الأدلة بعد عدم لزوم الوضوء فی صلاته.

{وذی الجبیرة لغیره} لإطلاقات الأدلة، وللمناط فی إمامة المتیمم، ولذیل صحیحة جمیل المتقدمة، وما نسب إلی المشهور من کلیة عدم ائتمام الکامل

ص:308


1- الوسائل: ج5 ص402 الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح6
2- الدعائم: ج1 ص151 فی الإمامة
3- الوسائل: ج5 ص402 الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح7
4- المقنع: ص9، الجوامع الفقیه

ومستصحب النجاسة من جهة العذر لغیره، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس والمبطون لغیرهما فضلا عن مثلهما، وکذا إمامة المستحاضة للطاهرة.

بالناقص، لا دلیل علیه لا فی الأفعال ولا فی الشرائط ولا فی الموانع، بل المصار صحة صلاة الإمام بالنسبة إلی نفسه، فإن إطلاقات أدلة الجماعة شاملة له حینئذ، بل ویؤیده ذیل صحیحة جمیل إلاّ ما خرج بالدلیل الخاص، ومنه یعلم أن ما هو ظاهر الجواز من صحة الکلیة المذکورة فی الأفعال غیر ظاهر الوجه.

ومما ذکرنا یظهر الوجه لقوله: {ومستصحب النجاسة من جهة العذر لغیره، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس والمبطون لغیرهما، فضلا عن مثلهما، وکذا إمامة المستحاضة للطاهرة} وإمامة ناقص الید أو الرجل حیث لا یوصل أعضاءه السبعة إلی الأرض، وإمامة الساجد علی ذقنه، إلی غیر ذلک من الأمثلة، أما إمامة العاری لغیر العاری فقد تقدمت مسألته.

ص:309

مسألة ٣ إمامة من لا یحسن القراءة

مسألة _ 3 _ لا بأس بالاقتداء بمن لا یحسن القراءة فی غیر المحل الذی یتحملها الإمام عن المأموم، کالرکعتین الأخیرتین علی الأقوی.

وکذا لا بأس بالایتمام بمن لا یحسن ما عدا القراءة من الأذکار الواجبة والمستحبة التی لا یتحملها الإمام عن المأموم، إذا کان ذلک لعدم استطاعته غیر ذلک.

{مسألة _ 3 _ لا بأس بالاقتداء بمن لا یحسن القراءة فی غیر المحل الذی یتحملها الإمام عن المأموم، کالرکعتین الأخیرتین علی الأقوی} لإطلاقات أدلة الجماعة ولا دلیل علی المنع حتی أن دلیل المنع فیمن لا یحسن القراءة _ علی الإشکال الذی تقدم فیه _ لا یأتی فی المقام.

{وکذا لا بأس بالایتمام بمن لا یحسن ما عدا القراءة من الأذکار الواجبة والمستحبة التی لا یتحملها الإمام عن المأموم، إذا کان لعدم استطاعته غیر ذلک} أو کان رأیه اجتهاداً أو تقلیداً ذلک، وذلک لإطلاق أدلة الجماعة، وذیل صحیحة جمیل، کما عرفت.

ص:310

مسألة ٤ إمامة من لا یحسن القراءة لمثله

مسألة _ 4 _ لا یجوز إمامة من لا یحسن القراءة لمثله إذا اختلفا فی المحل الذی لم یحسناه، وأما إذا اتحدا فی المحل فلا یبعد الجواز، وإن کان الأحوط العدم، بل لا یترک الاحتیاط مع وجود الإمام المحسن.

{مسألة _ 4 _ لا یجوز إمامة من لا یحسن القراءة لمثله إذا اختلفا فی المحل الذی لم یحسناه} لما تقدم فی مسألة الاقتداء بمن لا یحسن، فإن هذه المسألة من صغریات تلک المسألة.

{وأما إذا اتحدا فی المحل فلا یبعد الجواز} کما هو المشهور، بل عن المنتهی ما ظاهره الإجماع علیه، وذلک لأن المأموم لیس مکلفاً بالقراءة الصحیحة فی الجملة التی یلحن فیها.

{وإن کان الأحوط العدم} لأنه غیر مکلف بالقراءة الصحیحة بنفسه، أما جواز اقتدائه بمن لا یحسن، فالأصل عدمه، لکن فیه إن إطلاقات أدلة الجماعة محکمة، وقد تقدم مکرراً أن الأصل فی کل مشکوک فی باب الجماعة العدم.

{بل لا یترک الاحتیاط} بعدم الاقتداء بالإمام غیر المحسن {مع وجود الإمام المحسن} لأنه قادر علی الصلاة الصحیحة، فلا یصح اقتداؤه بمن لا یصلی صحیحاً، هذا ویحتمل فی العبارة أن یکون المراد لا یترک الاحتیاط بالجماعة بالإمام المحسن لا الانفراد، للعلة التی ذکرناها من جهة إمکانه الصلاة الصحیحة، لکن قد سبق فی صدر مبحث الجماعة أنه لا تجب الجماعة علی من لا یحسن القراءة، وعلیه فیجوز له الاقتداء بالإمام غیر المحسن.

ص:311

وکذا لا یبعد جواز إمامة غیر المحسن لمثله مع اختلاف المحل أیضا إذا نوی الانفراد عند محل الاختلاف، فیقرأ لنفسه بقیة القراءة، لکن الأحوط العدم بل لا یترک مع وجود المحسن فی هذه الصورة أیضا.

{وکذا لا یبعد جواز إمامة غیر المحسن لمثله مع اختلاف المحل أیضا} بل للمحسن أیضاً {إذا نوی الانفراد عند محل الاختلاف، فیقرأ لنفسه بقیة القراءة} وکذا إذا اقتدی به بعد قراءته لمحل الاختلاف أو للمحل الذی لا یحسنه، کما إذا کان یلحن فی الحمد فاقتدی به عند قراءته للسورة مثلاً.

{لکن الأحوط العدم} لما سبق من أصل عدم صحة الاقتداء بالملحن مطلقاً.

{بل لا یترک} الاحتیاط {مع وجود المحسن فی هذه الصورة أیضا} لما ذکرناه عند قوله: (بل لا یترک الاحتیاط مع وجود الإمام المحسن) وقد عرفت ضعف الاحتیاطین، والکلام فی فاقد سائر الشرائط والأجزاء هو الکلام فی اللحن، مثلاً کان الإمام یبول عند الرکوع فأراد الاقتداء به من یبول هناک أیضاً _ من جهة السلس _ أو أراد الاقتداء به من یبول عند السجود أو عند القراءة، لکن الاحتیاط هنا أن یقتدی به قبل تبوله وینفرد عند تبوله لا بعد تبوله، إلی غیرها من الأمثلة.

ص:312

مسألة ٥ إمامة من لا یتمکن الإفصاح أو التأدیة

مسألة _ 5 _ یجوز الاقتداء بمن لا یتمکن من کمال الإفصاح بالحروف أو کمال التأدیة، إذا کان متمکناً من القدر الواجب فیها، وإن کان المأموم أفصح منه.

{مسألة _ 5 _ یجوز الاقتداء بمن لا یتمکن من کمال الإفصاح بالحروف أو کمال التأدیة} لا ینبغی الإشکال فی ذلک لإطلاق أدلة الجماعة، بل وذیل صحیح جمیل((1)) السابق، وللسیرة علی الاقتداء بالأئمة وفی المأمومین من هو أفصح منهم، والفرق بین الأمرین أن کمال الأداء فی قبال عدم أداء آخر الحرف، أما کمال الإفصاح فإنه فی قبال الإفصاح من أول الکلمة {إذا کان متمکناً من القدر الواجب فیها، وإن کان المأموم أفصح منه} لکل الکلمة، أو لآخر الکلمة.

ص:313


1- الوسائل: ج5 ص401 الباب 17 من صلاة الجماعة ح1

مسألة ٦ إمامة المحسن

مسألة _ 6 _ لا یجب علی غیر المحسن الایتمام بمن هو محسن وإن کان هو أحوط، نعم یجب ذلک علی القادر علی التعلم إذا ضاق الوقت عنه کما مر سابقا.

{مسألة _ 6 _ لا یجب علی غیر المحسن الایتمام بمن هو محسن} کما تقدم الکلام فیه فی أول مبحث الجماعة، وذلک للأصل بعد عدم الدلیل علی وجوب الایتمام، {وإن کان هو أحوط} لاحتمال کون الایتمام أحد فردی الواجب المخیر، فإذا لم یتمکن من أحدهما صار الآخر واجباً تعییناً.

{نعم یجب ذلک علی القادر علی التعلم إذا ضاق الوقت عنه کما مر سابقاً} ومرت المناقشة فیه، ومنه یعرف الکلام فی اقتداء الأقل إحسانا بالأکثر إحسانا

ص:314

مسألة ٧ إمامة الأخرس لغیره

مسألة _ 7 _ لا یجوز إمامة الأخرس لغیره، وإن کان ممن لا یحسن، نعم یجوز إمامته لمثله وإن کان الأحوط الترک خصوصاً مع وجود غیره، بل لا یترک الاحتیاط فی هذه الصورة.

{مسألة _ 7 _ لا یجوز إمامة الأخرس لغیره} علی المشهور، بل عن مفتاح الکرامة لا أجد فی ذلک خلافاً، والوجه انصراف الأدلة عن مثله، فقیاسه بمن لا یحسن القراءة کما فی المستمسک مع الفارق، ومنه یعلم أنه لا مجال للتمسک بإطلاق أدلة الجماعة فی المقام {وإن کان ممن لا یحسن} إذ الانصراف شامل لهما.

{نعم یجوز إمامته لمثله} کما عن المحقق والعلامة والشهید وغیرهم، إذ لا انصراف فی المقام، فیشمله إطلاق أدلة الجماعة وذیل صحیح جمیل المتقدم.

{وإن کان الأحوط الترک} لأصالة عدم صحة الایتمام فی مورد الشک، بناءً علی أنه لا إطلاق لأدلة الجماعة {خصوصاً مع وجود غیره} من إمام یحسن القراءة، لاحتمال أنه متمکن من الصلاة الکاملة، فلا یحق له أن یصلی الصلاة الناقصة {بل لا یترک الاحتیاط فی هذه الصورة} لکن الاحتیاط استحبابی، کما سبق وجهه فی نظیر المسألة.

ص:315

مسألة ٨ إمامة المرأة لمثلها

مسألة _ 8 _ یجوز إمامة المرأة لمثلها، ولا یجوز للرجل ولا للخنثی.

{مسألة _ 8 _ یجوز إمامة المرأة لمثلها} کما تقدم الکلام فیه فی اشتراط ذکورة الإمام {ولا یجوز للرجل} للنص المجبور بالعمل والإجماع المدعی متواتراً {ولا للخنثی} لاحتمال کونه رجلا، وهل له الاقتداء بها رجاء کونها امرأة، کما قاله المستمسک مع اشتراطه الاحتیاط ولو بتکرار الصلاة منفرداً، أم لیس له ذلک مثل ما لا یجوز للرجل أن یقتدی بمن یشک أنه رجل أو مرأة؟ احتمالان، وإن کان الأقرب جواز الاقتداء فی المسألتین مع عدم ترتیب آثار الجماعة، لکن بشرط أن لا نقول باشتراط عدم تقدم المرأة علی الرجل.

ص:316

مسألة ٩ إمامة الخنثی للأنثی

مسألة _ 9 _ یجوز إمامة الخنثی للأنثی دون الرجل، بل ودون الخنثی.

{مسألة _ 9 _ یجوز إمامة الخنثی للأنثی} بلا إشکال، لأنه سواء کان رجلاً أو أنثی جاز اقتداء المرأة به {دون الرجل} لاحتمال کون الخنثی أنثی، لکن یأتی هنا ما تقدم فی المسألة السابقة.

{بل ودون الخنثی} لاحتمال کون الإمام امرأة والمأموم رجلاً، والظاهر جواز الاقتداء بالموجودات التی فی سائر الکواکب إذا تحقق الموضوع وکانوا من جنس العقلاء، لأن الأدلة تنفی الاقتداء بالأنثی للرجل لا بغیرها، کما یصح العکس، وما دل علی اقتداء الملائکة بالرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) فی المعراج، دلیل علی جواز الاقتداء بالملائکة إن فهم المناط وتحقق الموضوع.

ص:317

مسألة ١٠ إمامة غیر البالغ لغیر البالغ

مسألة _ 10 _ یجوز إمامة غیر البالغ لغیر البالغ.

{مسألة _ 10 _ یجوز إمامة غیر البالغ لغیر البالغ} کما هو المشهور بین المتأخرین وجرت علیه سیرة المتدینین فی المدارس الدینیة، وذلک لإطلاق الأدلة، وما دل علی عدم إمامة غیر البالغ _ کما تقدم الکلام _ إن تم، فإنما هو بالنسبة إلی إمامته للبالغ لا لغیره، فالمنع عن إمامته لمثله بحجة الأصل أو ما أشبه ذلک لیس فی محله.

والظاهر ملاحظة سائر الشرائط فی الجماعة والإمام هنا فلا یصح الاقتداء به لو کان فاسقا، أو صبیة بالنسبة إلی الصبیان إلی غیر ذلک.

أما اقتداء غیر البالغ فهو مورد النصوص المتواترة والإجماعات المتکررة.

ص:318

مسألة ١١ إمامة الأجذم والأبرص

مسألة _ 11 _ الأحوط عدم إمامة الأجذم والأبرص،

{مسألة _ 11 _ الأحوط عدم إمامة الأجذم والأبرص} لا إشکال ولا خلاف فی مرجوحیة إمامتهما، بل عن الانتصار والخلاف الإجماع علیها، لکنهم اختلفوا فی أنه هل تمنع الصلاة خلفهما، فعن غیر واحد المنع، وعن آخرین الجواز مع الکراهة، بل فی المستند أنه الأظهر الأشهر((1))، ویدل علی الجواز مع الکراهة الجمع بین الروایات الناهیة والمجوزة.

فمن الروایات الناهیة، صحیح زرارة، قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص».((2))

وروایة ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «خمسة لا یؤمون الناس ولا یصلون بهم صلاة فریضة فی جماعة، الأبرص والمجذوم _ والمجنون: خ ل _ وولد الزنا والأعرابی حتی یهاجر والمحدود».((3))

وعن الدعائم، عن علی (علیه السلام) «أنه نهی الصلاة خلف الأجذم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا».((4))

وفی روایة ابن طلحة: «لا یؤم الناس المحدود والأبرص».((5))

بل روایة إبراهیم بن عبد الحمید، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: «لا یصلی بالناس من فی وجهه آثار».((6))

ص:319


1- المستند: ج1 ص527 س24
2- الوسائل: ج5 ص400 الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح6
3- الوسائل: ج5 ص399 الباب 15 من صلاة الجماعة ح3
4- الدعائم: ج1 ص151 فی الإمامة
5- المستدرک: ج1 ص491 الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة ح1
6- الوسائل: ج5 ص399 الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح2

وروایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال، المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابی».((1))

أما الروایات المجوزة فهی صحیحة الحسین بن أبی العلاء، قال: سألته عن المجذوم والأبرص منا أیؤم المسلمین؟ قال (علیه السلام): «نعم، وهل یبتلی الله بهذا إلاّ المؤمن، وهل کتب البلاء إلاّ علی المؤمنین».((2))

وعن عبد الله بن یزید _ فیما رواه التهذیب _ قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن المجذوم والأبرص یؤمان المسلمین؟ فقال (علیه السلام): «نعم». قلت: هل یبتلی الله بهما المؤمن؟ قال: «نعم، وهل کتب الله البلاء إلاّ علی المؤمن»((3)).

والجمع بین الطائفتین یقتضی حمل الأولی علی الکراهة.

ثم لا یخفی أن المؤمن حیث إنه یصرف أغلب همه فی إصلاح دنیا الناس وآخرتهم وآخرة نفسه، فإنه یترک شأن نفسه إلاّ بالقدر الضروری، وذلک یوجب أن یکون أفقر وأکثر أعداءً وأکثر مرضا، وإن کان أهنأ حیاةً وأکثر اطمیناناً، فقوله (علیه السلام): «وهل کتب» یراد به الکثرة مبالغة لا الاستغراق کما هو واضح، ولذا ورد فی بعض الروایات استعداد المؤمن للفقر والمرض والبلاء، وورد «أکثر الناس ابتلاءً الانبیاء» الحدیث.((4))

ص:320


1- المصدر: ح5
2- المصدر: ح4
3- التهذیب: ج3 ص27 الباب 3 فی صلاة الجماعة ح5
4- انظر: الوسائل: ج2 ص907 الباب 77 ح5

والمحدود بالحد الشرعی بعد التوبة،

أما کراهة إمامتهما فلوضوح أنهما وإن لم یکونا مذنبین إلاّ أن الألیق بالمظهر الإسلامی فی صلاة الجماعة إمامة غیرهما، وهذه المصلحة أهم من مصلحة انکسار خاطرهما بسبب هذا الحکم، فإن قاعدة تقدیم الأهم قاعدة شرعیة عقلیة.

{والمحدود بالحد الشرعی بعد التوبة} أما قبل التوبة فهو فاسق، وأما المحدود بغیر الحد الشرعی فلا تکره الصلاة خلفه، لأن الأدلة الناهیة منصرفة إلی الحد الشرعی، والظاهر أن الذی یحده لو لم یکن صاحب الولایة لم یکن مشمولا لهذا الحکم، مثل ما إذا حده الخلیفة الغاصب ومن أشبه، وذلک لانصراف الدلیل المانع عن مثله.

أما إذا لم یکن مستحقاً للحد، فعدم الکراهة أوضح، وإن کان الحاد له الحاکم الشرعی، کما إذا اشتبه لعدم عصمة غیر المعصوم (علیه السلام)، والظاهر أن المراد بالحد أعم من التعزیر، وإن کان فی شموله لمثل صفقة واحدة أو ضرب عصی تأدیباً تأمل.

أما إذا کان حده قبل إسلامه، فالظاهر إن الإسلام یجب ما قبله.

وکیف کان فقد اختلفوا فی أنه هل یشترط عدم کونه محدوداً أم لا؟ بعد إجماعهم علی مرجوحیة إمامته، فالمشهور بین المتأخرین صحة إمامته، أما المشهور بین القدماء عدم صحة إمامته.

استدل القائلون بالمنع بجملة من الأخبار المتقدمة، کصحیحتی محمد بن مسلم وزرارة، وخبر عبد الله بن طلحة، وروایة الأصبغ وغیرها، واستدل

ص:321

والأعرابی

للجواز بالأصل وبالأولویة من الکافر الذی أسلم، وبعمومات الصلاة خلف من تثق بدینه، وبوجود شواهد الکراهة فی الروایات التی ذکر المحدود، مثل لفظ: «لا ینبغی» وإردافه بالأبرص والأجذم والعبد ونحوهم.

ففی دعائم الإسلام((1))، عن علی (علیه السلام): «أنه نهی عن الصلاة خلف الأجذم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا، والأعرابی لا یؤم المهاجرین، ولا المقید المطلقین، ولا المتیمم المتوضین، ولا الخصی الفحول»، وباحتمال إرادة النهی قبل توبته، إذ لا یلازم إجراء الحد توبته، بل قال الفقیه الهمدانی:((2)) إن المناسبة بین الحکم وموضوعه یوجب انصراف النهی إلی ما قبل التوبة، وبمفهوم الروایة التی عدت من لا یصلی خلفه ولم یذکر المحدود منهم.

أقول: هذه الوجوه وإن کانت حسب الصناعة غیر کافیة لمقاومة الروایات الناهیة، إلاّ أنها توجب الوهن الأکید فی الروایات الناهیة مما یوجب عدم الاطمینان إلی صدورها لأجل الحکم الإلزامی، بل لو لم یکن إجماع لم نکن نقول بالمنع حتی بمثل ولد الزنا، إذ لسان الروایات _ حسب الاستیناس الفقهی _ أقرب إلی الکراهة منها إلی المنع، فما اشتهر بین المتأخرین هو الأقرب.

{والأعرابی} فالمشهور بین القدماء المنع عن الصلاة خلفه، بل عن الریاض لا أجد فیه خلافاً بینهم صریحاً إلاّ من الحلی ومن تأخر عنه، وعن الخلاف الإجماع علیه، لکن المشهور بین المتأخرین الکراهة، کما فی مصباح الفقیه، وهذا هو الأقرب.

ص:322


1- الدعائم: ج1 ص151 فی الإمامة
2- مصباح الفقیه: ج2 ص687 س28

استدل للقول الأول: بجملة من الروایات المتقدمة، کخبری أبی بصیر وعبد الله، وفی صحیحة زرارة: «والأعرابی لا یؤم المهاجرین».((1))

وفی روایة الأصبغ: «والأعرابی بعد الهجرة».((2))

وفی خبر ابن مسلم: «إنه لا یؤم حتی یهاجر».((3))

وفی خبر الدعائم: «والأعرابی لا یؤم المهاجرین».((4))

لکن لابد من حمل هذه الأخبار علی الکراهة، أولاً: لما تقدم فی المحدود من الشواهد.

وثانیا: للتعلیل فیما رواه قرب الإسناد، عن أبی البختری، عن جعفر، عن أبیه (علیه السلام): إن علیاً (علیه السلام) قال فی حدیث: «لا بأس أن یؤم المملوک إذا کان قارئاً، وکره أن یؤم الأعرابی لجفأته عن الوضوء والصلاة».((5))

وظاهر لفظ الجفاء عدم الإتیان بهما بالآداب لا بطلانهما، فإذا لم یکن جافیا فلا کراهة، کما أنه إذا کان باطلاً وضوؤه أو صلاته فلا إشکال ولا خلاف فی عدم صحة الاقتداء به.

ثم إن الکراهة إنما هی بالنسبة إلی أهل الحضر، سواء کانوا فی الحضر أو سافروا إلی البادیة، لتصریح الروایات بأن المنع عن اقتداء المهاجرین به

ص:323


1- الوسائل: ج5 ص400 الباب 15 من صلاة الجماعة ح6
2- المصدر: ص397 الباب 14 ح6
3- المصدر: ص399 الباب 15 ح3
4- الدعائم: ج1 ص151
5- قرب الإسناد: ص73

إلا لأمثالهم،

وقد فسر المهاجرین فی الریاض ونسبه إلی جملة من الفقهاء بسکان الأمصار المتمکنین من تحصیل شرائط الإمامة ومعرفة الأحکام.

ثم إن الظاهر من العلة فی الروایة إطراد الکراهة بالنسبة إلی الجافی من أهل الحضر أیضاً.

{إلا لأمثالهم} هذا التقیید غیر ظاهر بالنسبة إلی غیر الأعرابی لإطلاق أدلة المنع، وکون الحکمة فی الکراهة فی غیر الأعرابی خوف سریان المرض من المجذوم والأبرص، وکون المحدود أنقص من غیر المحدود، مع أن الإمام یندب أن یکون أعلی لأنه واسطة، وهذه العلل غیر موجودة فی اقتدائهم لمثلهم، لأن المأموم الأبرص والأجذم لا یخشی من سرایة المرض إلیهما، والمأموم المحدود مثل الإمام المحدود، غیر تام.

أولاً: لأن العلة احتمالیة لا منصوصة.

وثانیاً: إمکان أن تکون العلة عدم مناسبة کون الإمام ذا آفة ظاهریة جسداً أو دنیاً کما قالوا بوجوب تنزه الأنبیاء والأئمة (علیهم السلام) عن النقائص الخلقیة والخلقیة لأنها توجب نفرة الناس.

وثالثاً: لعدم إطراد عدم وجود العلة، لإمکان السرایة إذا کان مرض الإمام أشد، وحد الإمام أفظع، کما إذا حد الإمام للزنا وحد المأموم لإفطار یوم من رمضان.

نعم یصح الاستثناء بالنسبة إلی الأعرابی لوضوح أن الأعراب کانوا یصلون جماعة منذ زمن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وقد تقدمت قصة الأعرابی الذی جاء إلی الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) وأمره الرسول بإقامته الجماعة

ص:324

بل مطلقاً، وإن کان الأقوی الجواز فی الجمیع مطلقاً.

مع أهله، ولإشعار قوله (علیه السلام): «لا یؤم المهاجرین» بذلک فلا مجال للتمسک بإطلاقات «الأعرابی» لاطراد الکراهة.

ثم أنک قد عرفت من ثنایا الکلام أن المراد بالأعرابی سکان البوادی ونحوها، لا المتکلم باللغة العربیة فقط، کما أن إمامة الأجذم والأبرص ممنوعة إذا کانت موجبة لسرایة المرض إلی المأمومین، فالکراهة فی غیر صورة الکراهة، وعلی ما تقدم فإطلاق قوله: (إلاّ لأمثالهم) کإطلاق قوله: {بل مطلقاً} کلاهما غیر مطرد.

{وإن کان الأقوی الجواز فی الجمیع مطلقاً} لما تقدم من الأدلة، وسیأتی فی المسألة الأخیرة من هذا الفصل بعض المکروهات الأخر، والظاهر أن الکراهة للجانبین اقتداء المأموم وإمامة الإمام.

نعم إذا اقتدی المأموم بدون إحضار الإمام نفسه للجماعة لم یکن مکروهاً له، أما إذا دار الأمر بین أن یصلوا جماعة أو فرادی لعدم وجود إمام عادل غیر المذکورین، فالأفضل أن یصلوا جماعة وإن کانت مکروهة فی نفسها، أی أقل ثواباً، أو وجود حزازة فیها، ولا منافاة بین الأمرین، کما لا منافاة بین الوجوب وبین الکراهة، کما فی الصلاة فی الحمام.

ص:325

مسألة ١٢ العدالة

مسألة _ 12 _ العدالة ملکة الاجتناب عن الکبائر وعن الإصرار علی الصغائر،

{مسألة _ 12 _ العدالة ملکة الاجتناب عن الکبائر وعن الإصرار علی الصغائر} أما کون العدالة ملکة، فقد تقدم الکلام فی ذلک فی کتاب التقلید.

وأما کون الملکة متعلقة باجتناب الکبیرة وترک الإصرار علی الصغیرة ففیه بحثان:

الأول: فی الذنوب، والمشهور بین العلماء أنها قسمان: کبیرة وصغیرة، خلافاً للمحکی عن المفید والقاضی والشیخ فی العمدة والطبرسی والحلی فقالوا کل معصیة کبیرة، وإنما الاختلاف بالکبر والصغر إنما هو بالإضافة إلی معصیة أخری، بل عن بعض الأصحاب دعوی الإجماع علی ذلک، وعن مفتاح الکرامة فی تعداد الأقوال، قال: قیل: إنها کل ذنب رتب علیه الشارع حداً وصرح فیه بالوعید، وقیل: کل معصیة یؤذن بقلة اعتناء فاعلها بالدین، وقیل: کلما علمت حرمته بدلیل قاطع، وقیل: توعد علیه توعداً شدیداً فی الکتاب أو السنة، إلی آخر کلامه (رحمه الله). ((1))

وکیف کان فالقول المشهور هو الأوفق بظواهر الأدلة، لقوله تعالی:﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَنُدْخِلْکُمْ مُدْخَلاً کَریماً﴾((2)). ولتواتر الروایات الواردة بلفظ الکبائر، کما لا یخفی علی من راجع الوسائل والمستدرک فی أبواب کتاب الجهاد، کباب وجوب اجتناب الکبائر وباب صحة

ص:326


1- مفتاح الکرامة: ج3 ص90 س7
2- سورة النساء: الآیة 31

التوبة عن الکبائر وغیرهما، وهذا لا ینافی أن تکون کل معصیة کبیرة باعتبار کونها عصیاناً لله سبحانه، ولا أن تکون معصیة العالم أکبر من معصیة الجاهل ولو مع اتحاد ذاتهما، وذلک لوضوح إن کبر الجمیع من حیث کونها عصیاناً لله تعالی لا ینافی تقسیمها إلی قسمین باعتبار ذاتها، أو آثارها من العقاب ونحوه، کما أن الفرق بین العالم والجاهل لا ینافی أن تکون المعصیة بالنسبة إلی کل منهما علی قسمین.

والحاصل: إن أدلة التقسیم حاکمة علی سائر الأدلة عند الجمع بینهما عرفاً.

الثانی: فی أن الإصرار علی الصغیرة ینافی العدالة، أو نفس الصغیرة فی الجملة، أو إظهار الصغیرة، فالمنسوب إلی المشهور الأول، واختار الفقیه الهمدانی (رحمه الله) الثانی، قال: والذی یقوی فی النظر أن صدور الصغیرة أیضاً إذا کان عن عمد والتفات تفصیلی إلی حرمتها کالکبیرة مناف للعدالة((1))، واختار المستند الثالث قال: المراد بکونه ساتراً لجمیع عیوبه أن لا یکون معلناً بمعصیة لا یبالی من ظهوره _ إلی أن قال: _ وهل یشمل العیوب الکبائر والصغائر أم یختص بما ینافی العدالة من الکبائر والإصرار علی الصغائر، الظاهر العموم ولا یستلزم عدم نقض فعل الصغیرة للعدالة عدم نقض الإعلان بها، وعدم المبالاة عن ظهورها لصفة الساتریة التی هی معرفة العدالة، إلخ.((2))

استدل المشهور علی ما قالوه: بأن الإصرار علی الصغیرة کبیرة والکبیرة تنافی

ص:327


1- مصباح الفقیه: ج2 ص675 س22
2- المستند: ج1 ص529

العدالة، أما الصغری فلجملة من الروایات:

مثل قوله (علیه السلام) فی روایة ابن سنان: «لا صغیرة مع الإصرار، ولا کبیرة مع الاستغفار»((1))، ونحوها فی الدلالة روایة ابن أبی عمیر، وحدیث المناهی، وحدیث شرائع الدین، وحدیث کتاب الرضا (علیه السلام) إلی المأمون.

وأما الکبری، فلوضوح أن الکبیرة توجب الفسق، والفسق مقابل العدالة، للأخبار الدالة علی منافاة الکبیرة للعدالة.

واستدلوا لنفی کون الصغیرة بدون الإصرار منافیا للعدالة، بأن الصغیرة بنص الآیة مکفرة باجتناب الکبائر، فلا أثر للصغیرة فی نفی العدالة، لأن معنی کونها مکفرة أنه لا أثر لها، وربما یستدل لعدم قدح الصغیرة فی العدالة بما فی المستمسک، قال: فالعمدة إذاً فی الفرق بین الکبائر والصغائر أن کف البطن والفرج فی الصحیح _ أی صحیح ابن أبی یعفور _ لإجمال متعلقه لا إطلاق فیه یشمل الصغائر، والقدر المتیقن منه خصوص الکبائر، فیکون عطف الکبائر علیه من قبیل عطف العام علی الخاص، والوجه فی ذکر الخاص، أولاً مزید الاهتمام به لکثرة الابتلاء فیکون الصحیح دلیلاً علی عدم قدح الصغائر فی العدالة((2))، انتهی.

واستدل الفقیه الهمدانی((3)) لما ذهب إلیه: بأن التبادر من إطلاق کون الرجل عدلاً فی الدین لیس إلاّ إرادة کونه ملازماً للتقوی والصلاح بأداء الواجبات وترک

ص:328


1- الوسائل: ج11 ص268 الباب 48 من أبواب جهاد النفس ح3
2- المستمسک: ج7 ص334
3- مصباح الفقیه: ج2 ص669

المحرمات ولم یظهر من صحیحة ابن أبی یعفور ولا من غیرها من الروایات إرادة ما ینافی ذلک.

وفیه: إن بعد تفسیر الإمام فی الصحیحة للعدالة _ المفسرة بالستر والعفاف إلخ _ باجتناب الکبائر، لا وجه للتمسک بفهم المتشرعة.

واستدل المستند لمختاره بقوله: لا یستلزم عدم نقض فعل الصغیرة للعدالة عدم نقض الإعلان بها، وعدم المبالاة عن ظهورها لصفة الساتریة التی هی معرفة العدالة _ إلی آخر ما تقدم من کلامه _ وفیه: إنه لو کان فی الصحیحة الستریة فقط لکان لما ذکره وجه. أما وقد فسرت الصحیحة الساتریة باجتناب الکبائر فلا، إذ ظاهر ذلک أن یعرف الساتریة اجتناب الکبائر فقط، فعدم اجتناب الصغیرة لا یضر بالساتر، وذلک ملازم عرفاً لکون الصغیرة لا یوجب العدالة، وعلی هذا فقول المشهور هو الأقرب.

بقی الکلام فی المراد بالإصرار، فهل هو عبارة عن التکرار، کما هو المنصرف عنه عند عرف المتشرعة، أو عبارة عن الذنب بدون التوبة عازماً علی أن یفعله ثانیاً، أو عن الفعل بدون التوبة، وإن لم یعزم علی أن یفعله، کما إذا کان قصده أن یترکه، لا لله سبحانه، بل لأجل أنه ضاربه، أو لعلمه أنه لا یتفق له ثانیاً مثلا، أوعن مجرد العزم وإن لم یفعل، کما إذا أراد النظر إلی فتاة وهیأ نفسه لذلک، لکن لم یتفق النظر إلیها، کما ربما یحتمل کل هذه المعانی، ویطلق علی کل منها الإصرار أحیاناً، بل عن القاموس إن الإصرار هو العزم، احتمالات:

ص:329

وإن کان الأقرب أحد الأولین، فالأول للانصراف المذکور، والثانی لبعض الروایات:

مثل روایة جابر، قال (علیه السلام): «الإصرار أن یذنب الذنب فلا یستغفر الله تعالی ولا یحدث نفسه بالتوبة فذلک الإصرار».((1))

وقریب منها حسنة بن أبی عمیر المرویة فی باب صحة التوبة من الکبائر فی جهاد الوسائل، وإنما استظهرنا المعنی الثانی من الروایات دون المعنی الثالث لأن الثانی هو المنصرف، وإنه إنما لم یتب لأنه قاصد لفعله ثانیاً، والظاهر أن کلیهما إصرار، وإن کان فی التکرار أظهر، والانصراف إلی المعنی الأول بدوی.

أما ما أشکل علی المعنی الثانی المستمسک من أن روایة جابر واردة فی تفسیر الإصرار فی قوله تعالی:﴿وَلَمْ یُصِرُّوا عَلی ما فَعَلُوا﴾((2)). وروایة ابن أبی عمیر مع أن موردها الکبائر ظاهرة فی أن الإصرار عبارة عن ترک الاستغفار للأمن عن العقاب، فتکون نظیر ما عن تحف العقول من أن الإصرار علی الذنب أمن من مکر الله سبحانه، فلا یبعد أن یکون تسمیته إصراراً مجازاً، ففیه: إن ورود الروایة الأولی فی تفسیر الآیة لا یوجب رفع الید عن ظاهرها((3))، وورود الروایة الثانیة فی مورد الکبیرة لا یقید إطلاقها، ولیس ظاهرها ما ذکره، وعلی هذا وإن فعل الذنب مرتین بدون عزم علیه المرة الأولی، وبدون التوبة من الأول

ص:330


1- الوسائل: ج11 ص268 الباب 48 من أبواب جهاد النفس ح4
2- سورة آل عمران: الآیة 135
3- المستمسک: ج7 ص336

وعن منافیات المروة الدالة علی عدم مبالاة مرتکبها بالدین، ویکفی حسن الظاهر الکاشف ظناً عن تلک الملکة.

کما إذا أذنب ثم نسی ذنبه ثم أذنبه ثانیاً، أو أذنب وکان بناؤه أن یذنب ثانیاً کان کل ذلک من الإصرار، أما إذا أذنب ونسی فلم یستغفر ولم یبن علی إتیانه ثانیاً لم یکن ذلک من الإصرار، وروایة جابر منصرفة عنه، وإن کان إطلاقه فی بادئ النظر شاملاً له.

ثم فی المسألة أقوال أخر، أضربنا عنها، والظاهر أن المداومة علی فعل مستمر یعد من الإصرار کلبس خاتم الذهب مدة، أما مثل حلق اللحیة مرة فهو صغیرة، وإن کان ذلک بالحلق جزءاً فجزءاً، لأنه یعد عملاً واحداً، ولا یشترط فی التکرار وحدة المعصیة، فإن لبس خاتم الذهب دقیقة، ولبس ثوب الحریر دقیقة کان إصراراً، وفی المقام مسائل کثیرة نترکها خوف التطویل.

{وعن منافیات المروة الدالة علی عدم مبالاة مرتکبها بالدین} کما تقدم الکلام فی ذلک فی کتاب التقلید.

{ویکفی حسن الظاهر الکاشف ظناً عن تلک الملکة} فإنه طریق إلی العدالة کما سبق الکلام فیه فی کتاب التقلید أیضاً فراجع.

ص:331

مسألة ١٣ المعصیة الکبیرة

مسألة _ 13 _ المعصیة الکبیرة هی کل معصیة ورد النص بکونها کبیرة، کجملة من المعاصی المذکورة فی محلها،

{مسألة _ 13 _ المعصیة الکبیرة هی کل معصیة ورد النص بکونها کبیرة} فإن الظاهر کون لفظ الکبیرة مستعملة فی معناها الحقیقی فلا مجازیة فی تسمیتها کبیرة {کجملة من المعاصی المذکورة فی محلها} وقد عد منها فی الروایات المذکورة فی الوسائل فی باب جهاد النفس: قتل النفس، وعقوق الوالدین، وأکل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأکل مال الیتیم، والفرار من الزحف، والإشراک بالله، والیأس من روح الله، والأمن من مکر الله، والسحر، والزنا، والیمین الغموس الفاجرة، والغلول، ومنع الزکاة المفروضة، وشهادة الزور، وکتمان الشهادة، وشرب الخمر، وترک الصلاة متعمداً، وترک شیء مما فرض الله تعالی، ونقض العهد، وقطیعة الرحم، والقنوط من رحمة الله، وإنکار ما أنزل الله عزوجل، وإنکار حقهم (علیهم السلام)، والحیف فی الوصیة، والکذب علی الله وعلی رسوله، والسرقة، وأکل المیتة، والدم، ولحم الخنزیر، وما أهل لغیر الله، وأکل السحت، والمیسر، والبخس فی المکیال والمیزان، واللواط، ومعونة الظالمین والرکون إلیهم، وحبس الحقوق، والکذب، والإسراف والتبذیر، والخیانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لأولیاء الله تعالی، والاشتغال بالملاهی، والإصرار علی الذنوب، واستحلال البیت الحرام.

وفی مرسلة النهایة: «إن الحیف فی الوصیة من الکبائر».((1))

ص:332


1- البحار: ج100 ص199 ح29

أو ورد التوعید بالنار علیه فی الکتاب أو السنة صریحا أو ضمنا،

وفی روایة أبی خدیجة: «الکذب علی الله وعلی رسوله وعلی الأوصیاء (علیهم السلام) من الکبائر».((1))

ولا یخفی أن ضعف الروایة المشتملة علی بعض المذکورات غیر ضادر، إذ عظم الذنب فی أذهان المتشرعة یؤید الروایة فیخرجها عن الضعف، فلا یقال کیف یؤخذ بالروایة الضعیفة فی الحکم بسلب العدالة بسبب بعض هذه الأمور، کما أن ذکر الإشراک بالله إنما هو من باب ذکره فی الروایة وإلا فهو مخرج عن الإسلام، لاعن العدالة فقط التی هی محل الکلام.

{أو ورد التوعید بالنار علیه فی الکتاب} الکریم {أو السنة} المطهرة {صریحاً أو ضمنا} وذلک لدلالة جملة من الروایات علی أن الکبیرة هی ما أوجب الله علیها النار، والمراد بالصریح أن یقال إن العمل الکذائی یوجب النار، وبالضمن أن یقال إن العمل الفلانی یوجب الکفر أو الشقاوة الأبدیة، وذلک لصدق الإیعاد بالنار بهذه العبارات، والانصراف إلی الصراحة بدوی، ویدل علی أن الکبیرة هی ما أوعد الله علیه النار جملة من النصوص:

مثل صحیح بن أبی یعفور: «ویعرف باجتناب الکبائر التی وعد الله علیها النار من شرب الخمر والزنا»((2)) الحدیث.

وصحیح علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام) سألته عن الکبائر التی قال الله عزوجل:﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ﴾((3))

ص:333


1- الوسائل: ج11 ص259 الباب 36 من أبواب جهاد النفس ح25
2- الوسائل: ج18 ص288 الباب 41 من أبواب الشهادات ح1
3- سورة النساء: الآیة 31

قال (علیه السلام): «التی أوجب الله علیها النار».((1))

وفی روایة ابن مسلم: «عد من الکبائر کل ما أوعد الله تعالی علیه النار».((2))

وروایة الحلبی، قال (علیه السلام): «الکبائر التی أوجب الله علیها النار».((3))

وصحیحة أبی بصیر، فی بیان﴿یُؤْتِی الْحِکْمَةَ مَنْ یَشاءُ وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثیراً﴾((4)) قال (علیه السلام): «معرفة الإمام واجتناب الکبائر التی أوعد الله علیها النار».((5))

وصحیحة السراد، عن الکبائر کم هی وما هی؟ فکتب: «الکبائر من اجتنب ما وعد الله علیه النار کفر عنه سیئاته إذا کان مؤمناً، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدین، وأکل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأکل مال الیتیم، والفرار من الزحف».((6))

وصحیحة محمد: «الکبائر سبع، قتل المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأکل مال الیتیم ظلماً، وأکل الربا بعد البینة، وکل ما أوجب الله علیه النار».((7))

وروایة عباد بن کثیر، عن الکبائر، قال: «کل ما أوعد الله علیه النار کلها».((8))

ص:334


1- الوسائل: ج11 ص258 الباب 46 من أبواب جهاد النفس ح21
2- المصدر: ص254 ح6
3- المصدر: ص249 الباب 45 ح2
4- سورة البقرة: الآیة 269
5- الوسائل: ج11 ص249 الباب 45 من أبواب جهاد النفس ح1
6- المصدر: ص252 الباب 46 ح1
7- المصدر: ص254 ح6
8- المصدر: ص250 الباب 45 ح6

أورده فی الکتاب أو السنة کونه أعظم من إحدی الکبائر المنصوصة أو الموعود علیها بالنار أو کان عظیما فی أنفس أهل الشرع.

ومن الواضح أن قول المعصوم قول الله تعالی، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من قال علی ما لم أقل فلیتبوء مقعده من النار».((1))

ثم إن الظاهر من هذه الروایات کون الوعد بالخصوص لا بالعموم، فإن کل عصیان أوعد الله علیه النار، قال تعالی:﴿وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإن لَهُ نارَ جَهَنَّمَ﴾.((2))

{أورده فی الکتاب أو السنة کونه أعظم من إحدی الکبائر المنصوصة} بکونها کبیرة {أو الموعود علیها بالنار} فإنه لا شک فی أن الأعظم من الکبیرة کبیرة أیضاً، وکذلک إذا ورد أن المعصیة الفلانیة مثل الکبیرة _ إذا لم یرد بالمماثلة المبالغة _ وذلک کقوله تعالی:﴿وَالْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾((3))، ومثل ما ورد فی الغیبة أنها أشد من الزنا.((4))

{أو کان عظیماً فی أنفس أهل الشرع} بحیث کان المرکوز فی أذهانهم أنها کبیرة، فإن المرکوز فی أذهانهم لا یکون إلاّ انعکاساً عن الشرع، وذلک مثل حبس المرأة للزنا بها، فإنها عظیمة فی أذهان الشرع، وکذلک حبس الولد لللواط به، ومثل التجسس للکفار، وقد أضاف الشیخ المرتضی علی الموازین

ص:335


1- الوسائل: ج11 ص259 الباب 46 من أبواب جهاد النفس ح26
2- سورة الجن: الآیة 23
3- سورة البقرة: الآیة 217
4- انظر کتاب کشف الریبة للشهید (رحمه الله)

المذکورة ما إذا ورد النص بعدم قبول شهادته، أو الصلاة خلفه، کما ورد النهی عن الصلاة خلف العاق لوالدیه، وعلق علیه الفقیه الهمدانی (رحمه الله) بأن هذا مبنی علی ما تسالموا علیه من عدم کون الصغیرة قادحة بالعدالة المعتبرة فی الشاهد وإمام الجماعة.((1))

أقول: ومرادهما (رحمهما الله) ما إذا منع عن شهادته وإمامته لعصیانه لا لأمر آخر، مثل عدم صلاة الرجل خلف المرأة، وعدم قبول شهادة المرأة فی بعض الأمور، کما هو واضح.

ثم الظاهر من صحیحة عبد العظیم (رحمه الله) عن الجواد (علیه السلام)، أن هناک موازین أخر، مثلا جعل الإمام (علیه السلام) من الکبائر الشرک، لقوله تعالی:﴿مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ﴾((2))، ومن الکبائر ما ورد بأنه خاسر، لقوله تعالی:﴿فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ إلاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ﴾((3))، إلی غیر ذلک، مع أن حرمة الجنة لا تلازم الدخول فی النار لاحتمال کونه فی الأعراف، والخسران لا یلازم الدخول فی النار، إلی غیر ذلک.

فقد روی عبد العظیم فی الصحیح، عن أبی جعفر الثانی (علیه السلام) عن أبیه، عن جده (علیهما السلام) یقول: «دخل عمرو بن عبید علی أبی عبد الله (علیه السلام)، فلما سلم وجلس تلا هذه الآیة:﴿الَّذینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ

ص:336


1- مصباح الفقیه: ج2 ص675 س8
2- سورة المائدة: الآیة 72
3- سورة الأعراف: الآیة 99

وَالْفَواحِشَ﴾((1)) ثم أمسک، فقال له أبو عبد الله (علیه السلام): ما أمسکک؟ قال: أحب أن أعرف الکبائر من کتاب الله عزوجل؟ فقال (علیه السلام): «نعم یا عمرو، أکبر الکبائر الإشراک بالله یقول الله:﴿مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ﴾((2))، وبعده الیأس من روح الله، لأن الله تعالی یقول:﴿لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلاّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ﴾((3))، ثم الأمن من مکر الله لأن الله عزوجل یقول:﴿فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ إلاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ﴾((4))، ومنها عقوق الوالدین، لأن الله تعالی جعل العاق جباراً شقیاً، وقتل النفس التی حرم الله إلاّ بالحق، لأن الله تعالی یقول:﴿فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فیها﴾((5))، وقذف المحصنة، لأن الله تعالی یقول:﴿لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظیمٌ﴾((6))، وأکل مال الیتیم، لأن الله تعالی یقول:﴿إِنَّما یَأْکُلُونَ فی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعیراً﴾((7))، والفرار من الزخف، لأن الله تعالی یقول:﴿وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصیرُ﴾((8))، وأکل الربا، لأن الله تعالی یقول:﴿الَّذینَ

ص:337


1- سورة الشوری: الآیة 37
2- سورة المائدة: الآیة 72
3- سورة یوسف: الآیة 87
4- سورة الأعراف: الآیة 99
5- سورة النساء: الآیة 93
6- سورة النور: الآیة 23
7- سورة النساء: الآیة 10
8- سورة الأنفال: الآیة 16

یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إلاّ کَما یَقُومُ الَّذی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ﴾((1))، والسحر لأن الله تعالی یقول: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾((2))، والزنا لأن الله تعالی یقول: ﴿وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَیَخْلُدْ فیهِ مُهاناً﴾((3))، والیمین الغموس الفاجرة، لأن الله تعالی یقول: ﴿إِنَّ الَّذینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلیلاً أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ﴾((4))، والغلول لأن الله عزوجل یقول: ﴿وَمَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ﴾((5))، ومنع الزکاة المفروضة، لأن الله عزوجل یقول: ﴿فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾((6))، وشهادة الزور وکتمان الشهادة، لأن الله عزوجل یقول: ﴿وَ مَنْ یَکْتُمْها فإنه آثِمٌ قَلْبُهُ﴾((7))، وشرب الخمر، لأن الله عزوجل نهی عنه، کما نهی عن عبادة الأوثان.

[أقول: أی فی قوله:﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾((8))].

وترک الصلاة متعمداً أو شیئاً مما فرضه الله، لأن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: من ترک الصلاة متعمداً فقد برأ من ذمة الله، وذمة

ص:338


1- سورة البقرة: الآیة 275
2- سورة البقرة: الآیة 102
3- سورة الفرقان: الآیة 68 _ 69
4- سورة آل عمران: الآیة 77
5- سورة آل عمران: الآیة 161
6- سورة التوبة: الآیة 35
7- سورة البقرة: الآیة 283
8- سورة المائدة: الآیة 90

رسوله ونقض العهد وقطیعة الرحم، لأن الله تعالی یقول:﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾((1))، قال: فخرج عمرو وله صراخ فی بکائه وهو یقول: هلک من قال برأیه ونازعکم فی الفضل والعلم.((2))

قال فی المستند: والظاهر عدم اشتراط کونه بلا واسطة، بل یشمل ما کان بالواسطة، مثل أن یقول: تارک الصلاة منافق، وقال: المنافق فی النار، لصدق الإیعاد بالنار، ومثل أن یقول: المضیع ماله مسرف، وقال: الإسراف یوجب دخول النار،((3)) انتهی.

ثم إن بعضهم عد الکبائر سبعة لبعض الروایات المتقدمة، وبعضهم عدها سبعین، وعن الدروس إنها إلی السبعین أقرب منها إلی السبعة، وکأن الدروس جمع الروایات المختلفة، وبعضهم عدها سبعمائه، وعن ابن عباس إنها إلی السبعمائة أقرب منها إلی السبعة، ولعله أراد ما ذکرناه من الموازین المتعددة للکبیرة.

ولا یخفی أن ذکر کل جملة فی روایة، إما من باب الأهمیة، أو لورود النص لمجرد الاثبات لدفع توهم عدم کون ما ذکر من الکبائر من دون تعرض للنفی فلا یکون وارداً مورد الحصر، کما ذکره المستمسک.

ص:339


1- سورة الرعد: الآیة 25
2- الوسائل: ج11 ص252 الباب 46 من جهاد النفس ح2
3- المستند: ج1 ص524

مسألة ١٤ شهادة عادلین بعدالة شخص

مسألة _ 14 _ إذا شهد عدلان بعدالة شخص کفی فی ثبوتها إذا لم یکن معارضاً بشهادة عدلین آخرین، بل وشهادة عدل واحد بعدمها.

{مسألة _ 14 _ إذا شهد عدلان بعدالة شخص کفی فی ثبوتها} لعموم حجیة خبر العدلین، کما تقدم بیانه فی کتاب التقلید {إذا لم یکن معارضاً بشهادة عدلین آخرین} لأنهما حینئذ یتساقطان کما حرر فی محله.

{بل وشهادة عدل واحد بعدمها} حیث إن شهادته تسقط شهادة أحد العدلین فیبقی شهادة الإثبات غیر کافیة لأنها مستندة إلی واحد فقط، وقد تقدم الکلام فی کتاب التقلید حول شهادة الواحد، وحول تعارض الأکثر والأقل، فلا حاجة إلی تکرار البحث.

ص:340

مسألة ١٥ ثبوت العدالة بالإطمئنان

مسألة _ 15 _ إذا أخبر جماعة غیر معلومین بالعدالة بعدالته، وحصل الاطمینان کفی، بل یکفی الاطمینان إذا حصل من شهادة عدل واحد.

وکذا إذا حصل من اقتداء عدلین به، أو من اقتداء جماعة مجهولین به،

{مسألة _ 15 _ إذا أخبر جماعة غیر معلومین بالعدالة بعدالته، وحصل الاطمینان کفی} لحجیة الاطمینان، لأنه علم عادی، ولجملة من الروایات الدالة علی الصلاة خلف من تثق بدینه وأمانته، ویصدق بالاطمینان عرفاً أنه وثوق بالدین والأمانة.

أما قول المستمسک((1)): إن روایة مسعدة تصلح للردع، ففیه إنها تصلح للتأیید لقوله (علیه السلام): «حتی یستبین» فإنه استنابة عرفیة، ومنه یعلم أنه لا یشترط إخبار جماعة، بل یکفی إخبار ثقة واحد إذا کان موجباً للاطمینان، ولذا قال: {بل یکفی الاطمینان إذا حصل من شهادة عدل واحد} إذا لم نقل بحجیة العدل الواحد فی هذه الأمور، وإلا لم یحتج إلی الاطمینان.

{وکذا إذا حصل من اقتداء عدلین به، أو من اقتداء جماعة مجهولین به} إذا أوجب الاطمینان، أما إذا لم یحصل الاطمینان فاقتداء العدلین کاف، لأنه شهادة عملیة، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی کتاب التقلید، إلاّ إذا احتمل فی فعلهما الاضطرار ونحوه احتمالا معتداً به، فإن أدلة الاعتبار منصرفة عن مثل ذلک.

ص:341


1- ج7 ص342

والحاصل أنه یکفی الوثوق والاطمئنان للشخص من أی وجه حصل، بشرط کونه من أهل الفهم والخبرة والبصیرة والمعرفة بالمسائل، لا من الجهال، ولا ممن یحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنی شیء کغالب الناس.

{والحاصل أنه یکفی الوثوق والاطمینان للشخص من أی وجه حصل} لصدق «تثق بدینه» ولأن الاطمینان نوع من العلم {بشرط کونه من أهل الفهم والخبرة والبصیرة والمعرفة بالمسائل، لا من الجهال} وذلک لانصراف دلیل کفایة الوثوق عن مثله، لکن لا یخفی أن الواثق لا یری نفسه علی خلاف المعتاد، کالقطاع، فلا تنفع هذه المسألة فی حقه.

أما الاستدلال للمنع: بروایة الرضا (علیه السلام)، عن علی بن الحسین (علیه السلام): «إذا رأیتم الرجل قد حسن سمته وهدیه وتماوت فی منطقه، وتخاضع فی حرکاته، فرویداً لا یغرنکم»((1))، فلا دلالة فیها، لأنها واردة مورد الشک، وإلا فقد عرفت أن حسن الظاهر کاف.

ومما تقدم یعلم وجه قوله: {ولا ممن یحصل له الاطمینان والوثوق بأدنی شیء کغالب الناس} وفیه: إنه إذا سلم أنه حال غالب الناس فلا وجه للقول بانصراف الدلیل عنه بعد کونهم هم المخاطبین فتأمل.

وکان علی المصنف أن یذکر الشیاع، لأنه من طرق معرفة العدالة وغیرها، کما تقدم تفصیل الکلام فیه فی باب التقلید.

ولو صلی خلف من لم یحقق عدالته وکان عادلا فی الواقع

ص:342


1- الوسائل: ج 5 ص394 الباب 11 من صلاة الجماعة ح14

فلا إشکال فی صحة صلاته وجماعته إذا تمشی منه قصد القربة، لأن العلم بالعدالة طریقی ولیس بموضوعی کما هو واضح.

وإن لم یکن عادلا فی الواقع فإن أتی بتکالیف المنفرد فلا إشکال فی الصحة أیضاً، وإن لم یأت فالظاهر بطلان صلاته، لأنه من تعمد الزیادة والنقیصة، کما إذا زاد سجدة للمتابعة أو نقص قراءة الحمد والسورة.

ص:343

مسألة ١٦ تصدی غیر العادل للإمامة

مسألة _ 16 _ الأحوط أن لا یتصدی للإمامة من یعرف نفسه بعدم العدالة وإن کان الأقوی جوازه.

{مسألة _ 16 _ الأحوط أن لا یتصدی للإمامة من یعرف نفسه بعدم العدالة} وذلک لأن العدالة شرط واقعی للصلاة جماعة، کما هو ظاهر کل شرط، فإذا انتفی الشرط انتفی المشروط، وإذا انتفت الجماعة کان التصدی إغراءً بالجهل، ولأدلة ضمان الإمام الظاهرة فی عصیانه، ولما رواه السیاری، قلت لأبی جعفر الثانی (علیه السلام): قوم من موالیک یجتمعون فتحضر الصلاة فیقدم بعضهم فیصلی بهم جماعة؟ فقال (علیه السلام): «إن کان الذی یؤمهم لیس بینه وبین الله طلبة فلیفعل».((1))

بضمیمة وضوح أن الفاسق بینه وبین الله طلبة، ولعدم الفرق بین إمامة المرأة للرجال، حیث لا یجوز لها أن تتصدی لإمامتهم إذا لم یعلموا أنها امرأة، وبین إمامة الفاسق، وکذا بالنسبة إلی تصدی فاقد سائر الشرائط، کما إذا علم أنه ولد الزنا أو ما أشبه.

{وإن کان الأقوی جوازه} للأصل وعدم استقامة الأدلة المتقدمة.

أما الدلیل الأول، فیرد علیه: إنه لا دلیل علی کون العدالة شرطاً واقعیاً بعد ورود الدلیل علی صحة الجماعة إذا تبین فسق الإمام، فهو شرط ظاهری فلا یقاس المقام بسائر الشرائط التی لم یرد ما ینافیها فالشرط فی المقام شرط علمی لا شرط واقعی.

ص:344


1- الوسائل: ج5 ص394 الباب 11 من صلاة الجماعة ح12

هذا بالإضافة إلی أنه لو سلم واقعیة الشرط لا ضرر فی الإغراء بالجهل، إذ الإغراء المحرم إنما هو فیما إذا استلزم محرماً وإلا لم یدل دلیل علی أن مطلق الإغراء بالجهل حرام.

وأما الدلیل الثانی فیرد علیه: إن اللازم حصر الضمان بما إذا صلی بهم جنباً أو ما أشبه، کما ورد الدلیل بذلک لا کل نقص، والفرق أنه لو صلی بهم جنباً لم تکن له صلاة، بخلاف المقام، فاللازم القول بعدم الضمان فیما نحن فیه، ویؤیده الإطلاقات الواردة بأن الإمام لیس بضامن.

وأما الدلیل الثالث، فیرد علیه: ضعف السیاری مما لا یصلح الاستناد إلیه، هذا بالإضافة إلی ما ذکره المستمسک من أنه ناظر إلی جهة واقعیة اشتراط العدالة لا إلی جهة جواز التصدی وعدم جوازه.

وأما الدلیل الرابع، فهو بالإضافة إلی أنه قیاس حتی علی فرض تمامیة الأمر فی المقیس علیه _ إذ إطلاق الحکم فی فقد کل شرط فی الإمام بحاجة إلی الدلیل، فمن أین لا یجوز تصدی ولد الزنا فیما إذا لم یعرفه المأموم بذلک مثلا _ یرد علیه: بالفرق، إذ إطلاق أدلة اشتراط عدم کونه امرأة للرجال، وعدم کونه ولد الزنا یقتضی واقعیة الشرط، بخلاف دلیلی اشتراط العدالة، حیث قد عرفت أنها لیست شرطاً واقعیاً، بل یکفی فی الاقتداء ظهور العدالة.

ثم إن ظاهر المصنف أن صلاتهم تکون حینئذ جماعة، ولها آثارها، فالقول بالجواز التکلیفی للإمام دون الوضعی ممنوع.

ص:345

مسألة ١٧ الإمام الأولی

مسألة _ 17 _ الإمام الراتب فی المسجد أولی بالإمامة من غیره،

{مسألة _ 17 _ الإمام الراتب فی المسجد أولی بالإمامة من غیره} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن غیر واحد دعوی الإجماع علیه، ویدل علیه جملة من النصوص:

مثل الرضوی، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «صاحب الفراش أحق بفراشه، وصاحب المسجد أحق بمسجده».((1))

وعنه أیضاً قال: «اعلم أن أولی الناس بالتقدم فی الجماعة أقرؤهم _ إلی إن قال: _ وصاحب المسجد أولی بمسجده».((2))

وعن دعائم الإسلام، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «یؤمکم أکثرکم نوراً، والنور القرآن، وکل أهل مسجد أحق بالصلاة فی مسجدهم، إلاّ أن یکون أمیر حضر فإنه یکون أحق بالإمامة من أهل المسجد».((3))

وعن جعفر بن محمد (علیه السلام) قال: «یؤم القوم أقدمهم هجرة إلی الإیمان _ إلی أن قال: _ وصاحب المسجد أحق بمسجده».((4))

وعن محمد بن مسلم، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «صاحب الفراش أحق بفراشه، وصاحب المسجد أحق بمسجده»((5))

ثم الظاهر أن الإمام الراتب أحق لا أولی، کما عبر المصنف وغیره،

ص:346


1- فقه الرضا: ص11
2- المصدر: ص14
3- الدعائم: ج1 ص152
4- المصدر نفسه
5- المستدرک: ج1 ص492 الباب 25 من صلاة الجماعة ح3

إذ لا إشکال فی أن الإمامة فی المسجد نوع حق عرفی، «ولا یتوی حق امرء مسلم» فلا یحق لغیره أن یصلی فی مکانه، بل یشمله قاعدة «من سبق إلی ما لم یسبق إلیه فهو أحق به»، فإن الإمامة نوع من السبق، فحاله حال غرف المدرسة والخان وما أشبه، ویؤیده إرداف ذلک فی الأحادیث بحق الأمیر إذا حضر مع أنه حق، کما ذکروا فی الصلاة علی المیت من أنه إذا حضر الوالی کان أحق من أولیاء المیت، فلو لم یقدموه کان غصباً لمکانه، کما یؤید أیضاً إردافه بصاحب الفراش وصاحب المنزل، کما یأتی.

ومنه یعلم أنه لا خصوصیة للمسجد، بل کل مکان اعتاد إمام أن یصلی فیه فهو حقه، ولا یحق لغیره أن یصلی فی مکانه إلاّ بإذنه، مثل صحن الأئمة (علیهم السلام) وحرمهم وغیرهما، وحقه وإن سقط إذا لم یحضر وقت الصلاة کما سیأتی، لکنه إذا سافر ثم رجع _ مثلا _ کان هو الأحق.

ثم إنه لا یلزم فی راتبیة الإمام صلاته فی الأوقات الثلاثة، بل إذا صلی صبحاً فقط، أو فی کل جمعة مرة أو ما أشبه کان راتباً بالنسبة إلی الوقت الذی یصلی فی ذلک الوقت، کما أنه إذا کان نائب یصلی مکانه کلما لم یحضر کان النائب راتباً بالنسبة إلی وقت عدم حضور الإمام، ولو غاب الإمام وعین مکانه نائباً فهل یکون ذلک أحق؟ لا یبعد ذلک، کما إذا أعطی غرفته فی المدرسة لإنسان آخر، لکن بشرط أن لا یکون للوقف أو شبه الوقف متول، کما إذا کان یصلی فی مکان من الصحراء، وإلا فالظاهر اعبتار نظر المتولی، فله إخراج حتی مثل الإمام الراتب وجعل غیره مکانه، لأنه هو صاحب الحق، کما أن الملک أمره

ص:347

وإن کان غیره أفضل منه، لکن الأولی له تقدیم الأفضل، وکذا صاحب المنزل أولی من غیره المأذون فی الصلاة،

بید المالک، وحق المتولی والمالک أقدم من حق الإمام کما هو واضح.

{وإن کان غیره أفضل منه} لإطلاق الأدلة، وقد حکی عن التذکرة أنه لا خلاف فیه، ولا یعارض أولویة صاحب المسجد أولویة الهاشمی ونحوه حتی یقال بالتعارض والتساقط وعدم الأولی حینئذ، إذ ظاهر دلیل أولویة صاحب المسجد حکومته علی سائر الأولویات ولو بفهم العرف ذلک، ولیس ذلک لأخصیة دلیل أولویة صاحب المسجد، کما ذکره المستند قال: وأولویته _ أی الهاشمی _ کما صرح به بعضهم، إنما هو بالنسبة إلی غیر راتب المسجد وصاحب المنزل، وأما هما فیقدمان علیه لأخصیة دلیلهما ((1))، انتهی.

{لکن الأولی له تقدیم الأفضل} کأنه لفهم أن الأفضل له کفایة ذاتیة تتقدم علی السابقة فی مقام التعارض، فیفهم العرف نوع حکومة، لدلیل الأفضل علی دلیل الراتب، لکن هذا غیر ظاهر، إذ حق السبق نوع کفائة أیضاً، فهما کفاءتان متعارضتان، فتأمل.

{وکذا صاحب المنزل أولی من غیره المأذون فی الصلاة} بلا إشکال ولا خلاف، وقد ادعاه، أو الإجماع جماعة من الأعیان کالمعتبر ونهایة الأحکام والمنتهی والذکری والحدائق والمفاتیح وغیرهم، ویدل علیه جملة من النصوص:

مثل روایة أبی عبیدة، عن الصادق (علیه السلام) فی روایة: «ولا یتقدمن

ص:348


1- المستند: ج1 ص528

وإلا فلا یجوز بدون إذنه والأولی أیضا تقدیم الأفضل.

أحدکم الرجل فی منزله ولا صاحب سلطان فی سلطانه».((1))

وروایة موسی بن إسماعیل بن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الرجل أحق بصدر داره وفرسه، وأن یؤم فی بیته، وأن یبدأ فی صحفته».((2))

وفی روایة ابن مسعود، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «ولا یؤمن رجل رجلا فی بیته».((3))

وروایة الفراش والمسجد المتقدمة فإنها شاملة للمقام بالمناط.

{وإلا فلا یجوز بدون إذنه} لوضوح اشتراط إباحة المکان، ثم إنه إذا أذن الأحق فلا ینبغی الإشکال فی انتفاء الکراهة المستفادة من روایة أبی عبیدة کما عن الشهیدین وغیرهما، وصرح به الجواهر، بل عن المنتهی إن المأذون أولی من غیره، نافیاً معرفة الخلاف فیه، فما عن المدارک والذخیرة من أنه اجتهاد فی مقابل النص لا وجه له، فإن أولویة صاحب المسجد والمنزل حق لهما قابل للإسقاط، کما یفهمه العرف. ولیس حکماً غیر قابل للإسقاط، فهی مثل أولویة ولی المیت فی تجهیزه.

{والأولی أیضا} لصاحب المنزل {تقدیم الأفضل} لما تقدم فی صاحب المسجد، قال الفقیه الهمدانی:((4)) جمعاً بین مراعاة حقهم بإرجاع الأمر إلیهم، وبین ما دل

ص:349


1- الوسائل: ج5 ص419 الباب 28 من صلاة الجماعة ح1
2- المستدرک: ج1 ص493 الباب 25 من صلاة الجماعة ح5
3- المستدرک: ج1 ص493 الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة ح7
4- مصباح الفقیه: ج2 ص681

وکذا الهاشمی أولی من غیره المساوی له فی الصفات.

علی استحباب تقدیم الأفضل والأکمل، کقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من أم قوماً وفیهم من هو أعلم منه لم یزل أمرهم إلی السفال إلی یوم القیامة».((1))

أقول: لکن الظاهر أنه بالنسبة إلی إمام الأصل، ویؤیده قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إلی یوم القیامة».

لکن فی روایة الفقیه،((2)) قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «من صلی بقوم وفیهم من هو أعلم منه لم یزل أمرهم إلی السفال إلی یوم القیامة»، فتأمل.

{وکذا الهاشمی أولی من غیره المساوی له فی الصفات} أما إذا کان غیره أعلم مثلا فلا، لتعارض الصفات حینئذ، بل الظاهر تقدیم العالم لکثرة روایاته.

ولما رواه النفلیة، عن الصادق (علیه السلام) قال: «الصلاة خلف العالم بألف رکعة، وخلف القرشی بمائة، وخلف العربی خمسون، وخلف المولی خمس».((3))

والظاهر أن المراد خلف المولی الذی لم یفصح القراءة مثل إفصاح العربی، هذا ولکن عن الذکری لم نره مذکوراً فی الأخبار إلاّ ما روی مرسلا أو مسنداً بطریق غیر معلوم من قول النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «قدموا قریشاً ولا تقدموها»((4))، انتهی.

ولا یخفی أن التسامح فی أدلة السنن کاف فی المقام، ولا یبعد تقدم العلوی الفاطمی علی سائر الهاشمیین وتقدیمهم علی سائر القرشیین، لما ورد فی فضلهم.

ص:350


1- الوسائل: ج5 ص415 الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- الفقیه: ج1 ص247 الباب 56 فی الجماعة ح12
3- المستدرک: ج1 ص492 الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح6
4- الذکری: ص270

مسألة ١٨ تشاح الأئمة، وتشاح المأمومین

مسألة _ 18 _ إذا تشاح الأئمة رغبة فی ثواب الإمامة لا لغرض دنیوی رجح من قدمه المأمومون جمیعهم

{مسألة _ 18 _ إذا تشاح الأئمة رغبة فی ثواب الإمامة لا لغرض دنیوی}، التشاح قد یکون لغرض أخروی مثل الرغبة فی الثواب، إذ یعطی للإمام من الثواب ما لکل المأمومین کما فی الحدیث، ومثل أن یرید کلٌ توجیه الناس إلی نفسه لیخدم بسببهم الدین، ومثل أن یری کل واحد منهم غیره فاسقاً، فیرید نجاة الناس منه، أو ما أشبه ذلک.

وقد یکون لغرض دنیوی، والمراد به لا یکون الله واسطة، إذ ما کان تعالی واسطة لا یضر بالعبادة، کما إذا صلی بقصد أن یشفی الله ولده، أو یؤدی دینه، وحینئذ فهل هو مبطل للجماعة أو للصلاة، أو لا یبطل أحدهما؟ احتمالات، مقتضی ما تقدم من کون الجماعة لیست من العبادات التی یعتبر فیها القربة الثالث، ومقتضی اعتبار القربة وعدم بطلان الصلاة ببطلان الجماعة الثانی، لکن الأظهر الأول لأنها بمنزلة الوصف _ فی المقام _ الذی یسری بطلانها إلی بطلان أصل الجماعة.

{رجح من قدمه المأمومون جمیعهم} کما ذکره الفاضلان والشهیدان وغیرهم وذلک لما ذکره بعض من اجتماع القلوب، وحصول الإقبال المطلوب فی العبادة، ویؤیده جملة من الروایات:

کخبر الحسین بن زید، عن الصادق (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام) فی حدیث المناهی قال: «ونهی أن یؤم الرجل قوماً إلاّ باذنهم»((1))، وقال (صلی الله

ص:351


1- الفقیه: ج4 ص9 باب المناهی

علیه وآله وسلم): «من أم قوماً بإذنهم وهم به راضون فاقتصد بهم فی حضوره وأحسن صلاتهم بقیامه وقراءته ورکوعه وسجوده وقعوده، فله مثل أجر القوم ولا ینقص عن أجورهم شیء».((1))

وخبر زکریا، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ثلاثة فی الجنة علی المسک الأزفر، مؤمن أذن احتسابا، وإمام أم قوماً وهم به راضون، ومملوک یطیع الله ویطیع موالیه».((2))

وروایة السیاری قال: قلت لأبی جعفر الثانی (علیه السلام): إن قوماً من موالیک یجتمعون فتحضر الصلاة فیؤذن بعضهم ویتقدم أحدهم فیصلی بهم؟ فقال: «إن کانت قلوبهم کلها واحدة فلا بأس»، قلت: ومن لهم بمعرفة ذلک؟ قال: «فدعوا الإمامة لأهلها»((3))، لکن لا یبعد أن یراد بهذه الروایة کونهم کلهم شیعة لئلا یخبر السلطة بذلک.

وفی جملة من الأحادیث: «من أم قوماً وهم له کارهون لا تقبل صلاته».((4))

وفی روایتی ابن مسلم: العبد یؤم القوم إذا رضوا به، وکان أکثرهم قرآنا؟ قال (علیه السلام): «لا بأس به»((5)).

ص:352


1- الوسائل: ج5 ص417 الباب 27 من صلاة الجماعة ح2
2- المصدر: ص418 ح5
3- المصدر: ح4
4- کالمروی فی الوسائل: ج5 ص418 الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة ح6
5- المصدر: ص400 الباب 16 ح2

تقدیماً ناشیاً عن ترجیح شرعی، لا لأغراض دنیویة، وإن اختلفوا فأراد کل منهم تقدیم شخص، فالأولی ترجیح الفقیه الجامع للشرائط،

وفی روایة الفقیه: «لا بأس أن یؤم الأعمی إذا رضوا به وکان أکثرهم قراءة وأفقههم».((1))

{تقدیماً ناشیاً من ترجیح شرعی، لا لأغراض دنیویة} کأن ذلک من جهة انصراف الأدلة إلیه، لکنه غیر ظاهر، إذ لعلهم اختاروه لأنه أنفع لهم أو یلائم دیونهم فی الإسراع بالصلاة، أو الإبطاء أو غیر ذلک، ولذا قال الفقیه الهمدانی: إن هذا القید لا یخلو من نظر، إذ المفروض أهلیة الجمیع فی حد ذاتهم للإمامة، إلی آخر کلامه.((2))

{وإن اختلفوا فأراد کل} بعض {منهم تقدیم شخص، فالأولی ترجیح الفقیه الجامع للشرائط} کما هو مقتضی متواتر الروایات الدالة علی تقدیم الأفضل أو الخیار أو ما أشبه.

مثل ما رواه الفقیه، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلکم».((3))

وعن الجعفریات، عن علی (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إمام القوم وافدهم إلی الله تعالی فقدموا فی صلاتکم أفضلکم».((4))

ص:353


1- الفقیه: ج1 ص248 الباب 56 فی الجماعة ح19
2- مصباح الفقیه: ج2 ص682
3- الفقیه: ج1 ص247 الباب 56 فی الجماعة ح10
4- الجعفریات: ص39

وعن الغوالی، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «لیؤمکم خیارکم فإنهم وفدکم إلی الجنة، وصلاتکم قربانکم، لا تقربوا بین أیدیکم إلاّ خیارکم».((1))

وعن ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام)، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إن سرکم أن تزکوا صلاتکم فقدموا خیارکم».((2))

وعن الدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «یؤذن لکم أفصحکم، ولیؤمکم أفقهکم».((3))

وعن الذکری، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «من صلی خلف عالم فکمن صلی خلف رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)».((4))

وتقدم روایة النفلیة عن الصادق (علیه السلام): «الصلاة خلف العالم بألف رکعة».((5))

وعن لب اللباب، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من صلی خلف إمام عالم فکأنما صلی خلفی وخلف إبراهیم خلیل الرحمان».((6))

وتقدم فی حدیث، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «من أم قوماً وفیهم من هو أعلم منه لم یزل أمرهم إلی سفال إلی یوم القیامة».((7))

 

ص:354


1- العوالی: ج1 ص37 ح27
2- الوسائل: ج5 ص416 الباب 26 من صلاة الجماعة ح3
3- الدعائم: ج1 ص147 فی الأذان والإقامة
4- الذکری: ص265
5- المستدرک: ج1 ص492 الباب 23 من صلاة الجماعة ح6
6- المستدرک: ج1 ص492 الباب 23 من صلاة الجماعة ح8
7- الفقیه: ج1 ص247 الباب 56 فی الجماعة ح12

وفی حدیث العیون، عن الرضا (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام) عن علی بن أبی طالب (علیه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) یقول: «إنی أخاف علیکم استخفافا بالدین، وبیع الحکم، وقطیعة الرحم، وأن تتخذوا القرآن مزامیر، وتقدمون أحدکم ولیس بأفضلکم فی الدین».((1))

وفی حسنة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قلت: أصلی خلف الأعمی؟ قال: «نعم إذا کان من یسدده وکان أفضلهم».((2))

وفیها أیضاً فی الصلاة خلف العبد؟ قال: «لا بأس به إذا کان فقیهاً ولم یکن أفقه منه».((3))

وفی موثقة سماعة: عن المملوک یؤم الناس؟ قال: «لا إلاّ أن یکون أفقههم وأعلمهم».((4))

ثم إن تقدیم الأفقه علی الأقرء هو الذی اختاره العلامة وغیر واحد من المتأخرین، خلافا للمحقق وغیره، بل ادعی علیه الإجماع من تقدیم الأقرء، واستدلوا لذلک بجملة من الروایات:

مثل ما فی الرضوی، قال: «إن أولی الناس بالتقدم فی الجماعة أقرأهم للقرآن، فإن کانوا فی القراءة سواء فأفقههم، فإن کانوا فی الفقه سواء فأقربهم هجرة، فإن کانوا فی الجهرة سواء فأسنهم، فإن کانوا فی السن سواء، فأصبحهم وجهاً» الحدیث.((5))

ص:355


1- عیون أخبار الرضا: ج2 ص41 الباب 31 ح140
2- الوسائل: ج5 ص410 الباب 21 من صلاة الجماعة ح5
3- المصدر: ص400 الباب 16 ح1
4- التهذیب: ج3 ص29 الباب 3 فی أحکام الجماعة ح13
5- فقه الرضا: ص14

وروایة أبی عبیدة، قال: سألت أبی عبد الله (علیه السلام) عن القوم من أصحابنا یجتمعون فتحضر الصلاة، فیقول بعضهم لبعض: تقدم یا فلان؟ فقال: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «یتقدم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن کانوا فی القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن کانوا فی الهجرة سواء فأکبرهم سناً، فإن کانوا فی السن سواء فلیؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم فی الدین»((1)) الحدیث.

وعن الدعائم، عن الصادق (علیه السلام) قال: «یؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن استووا فأقرؤهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأکبرهم سناً».((2))

أقول: وقد جمعوا بین هاتین الطائفتین بوجوه.

الأول: حمل الطائفة الثانیة علی التقیة کما صنعه الحدائق.

الثانی: إن الاختلاف من باب المستحباب المتزاحمة، فلتقدیم الأقرء جهة فضل، ولتقدیم الأفقه جهة فضل.

الثالث: ما ذکره الفقیه الهمدانی (رحمه الله) من أنه لم یقصد بالطائفة الثانیة ما ینافی الطائفة الأولی، إذ المقصود بأخبار تقدیم الأقرء بیان المرجحات التی ینبغی رعایتها فیما إذا دار الأمر بین أشخاص یصلح کلهم للإمامة، بأن کان کل منهم من شأنه أن یقال له تقدم یا فلان، وهذا لا یکون فیما إذا کان أحدهما عامیاً،

ص:356


1- الوسائل: ج5 ص419 الباب 28 من صلاة الجماعة ح1
2- الدعائم: ج1 ص152

خصوصاً إذا انضم إلیه شدة التقوی والورع، فإن لم یکن أو تعدد فالأقوی تقدیم الأجود قراءة

والآخر فقیهاً کاملا، فإن عدم مساواة العالم للجاهل وقبح تقدیم المفضول علی الفاضل من الفطریات، إلی آخر کلامه.((1))

لکن لا یخفی أن کل هذه الأجوبة محل إشکال، وإن کان لابد من القول بتقدیم الفقیه الجامع للشرائط لتطابق العقل والنقل، والأولی رد علم الأخبار المتعارضة إلی أهلها، والله سبحانه العالم.

{خصوصاً إذا انضم إلیه شدة التقوی والورع} فإنه مشمول لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «خیارکم»، ولغیره.

ثم إن ترجیح العالم الجامع للشرائط لیس خاصاً بالاختلاف، بل هو أولی بالتقدیم إذا تحیروا من یقدمونه، کما أن الحکم کذلک بالنسبة إلی النساء فی جماعتهن، فإن الفقیهة مقدمة علی غیرها.

{فإن لم یکن أو تعدد} فلا یبعد فی صورة التعدد أولویة تقدیم الأعلم وإلاّ خیر، للأدلة السابقة {فالأقوی تقدیم الأجود قراءة} لما تقدم من الروایات المشتملة علی الأقرأ، ولا یبعد أن حال الأکثر علماً بالقرآن أو قراءة له بمنزلة الأقرأ، لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «یؤمکم أکثرکم نوراً، والنور القرآن».((2))

وفی روایة الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وقال: «أکثرهم قرآنا».((3))

ص:357


1- مصباح الفقیه: ج2 ص683
2- الدعائم: ج1 ص152
3- الوسائل: ج5 ص400 الباب 16 من صلاة الجماعة ح2

ثم الأفقه فی أحکام الصلاة، ومع التساوی فیها فالأفقه فی سائر الأحکام غیر ما للصلاة، ثم الأسن فی الإسلام،

ولا یبعد تقدیم الأورع علی الأقرأ لما تقدم من روایات تقدیم الخیار وما أشبه.

{ثم الأفقه فی أحکام الصلاة} حملا للرضوی الذی ذکر الأفقه بعد الأقرء علیه، کما ذکره المستمسک، لکن فیه إن ظاهر الرضوی (الأفقه) مطلقا، کما تقدم الکلام فیه.

وعلی هذا فلا دلیل علی ما ذکره {ومع التساوی فیها} فی فقه أحکام الصلاة {فالأفقه فی سائر الأحکام غیر ما للصلاة} من الأحکام، وکأنه استنبط هذا من الأفقه الذی ذکر بعد الأقرء، وفیه ما تقدم أیضاً.

ثم لا یخفی أن المنصرف من الأعلم والأفقه، علم الإسلام من غیر فرق بین الأصول والفروع، لا خصوص مسائل الفقه المصطلح، لأنه اصطلاح متأخر، واللازم حمل النص علی معناه الشرعی.

أما سائر العلوم وإن کانت واجبة کفایةً کالحساب والهندسة والطب وما أشبه، فالظاهر عدم ربطها بالمقام، وإن کان یحتمل تقدیمه علی الجاهل فی المقام، لتقدم العالم علی الجاهل عقلاً وشرعاً.

{ثم الأسن فی الإسلام} لذکره فی جملة من النصوص، لکن ذکر فی بعضها تقدیم الهجرة علی السن.

ففی الرضوی: «فأقدمهم هجرة، وإن کانوا فی الهجرة سواء فأسنهم».((1))

ص:358


1- فقه الرضا: ص14

ثم من کان أرجح فی سائر الجهات الشرعیة، والظاهر أن الحال کذلک إذا کان هناک أئمة متعددون، فالأولی للمأموم اختیار الأرجح بالترتیب المذکور.

وفی روایة ابن مسعود: «فلیؤم أقدمهم هجرة، فإن کانت الهجرة واحدة فلیؤمهم أکبرهم سناً».((1))

وعدم ذکره من جهة أنه لا هجرة بعد الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) _ کما قیل _ غیر وجیه، إذ الرضوی یدل علی أن الهجرة باقیة، والمراد بها الهجرة من دار الکفر المحرم البقاء فیها إلی دار الإسلام.

ثم کان علیه أن یذکر الأصبح وجهاً، لأنه مذکور فی النص والفتوی.

{ثم من کان أرجح فی سائر الجهات الشرعیة} کالأکثر جهاداً، لإطلاق قولهم (علیهم السلام): «قدموا خیارکم وأفضلکم». وغیرهما، بالإضافة إلی المناط العرفی المستفاد من المرجحات المنصوصة.

ثم لا یخفی أن المرجحات العرفیة قد تدخل فی المرجحات الشرعیة أیضاً، کما إذا کان مؤدباً بآداب أهل البلد، حیث قال (علیه السلام):

«بنی إذا کنت فی بلدة      فعاشر بآداب أربابها»

{والظاهر أن الحال کذلک إذا کان هناک أئمة متعددون، فالأولی للمأموم اختیار الأرجح بالترتیب المذکور} بأن یقدم الصلاة خلف العالم الجامع للشرائط علی غیره وهکذا، وذلک لاستفادة المناط من الروایات المتقدمة.

ص:359


1- انظر: الوسائل: ج5 ص419 الباب 28 من صلاة الجماعة ح1

لکن إذا تعدد المرجح فی بعض کان أولی ممن له ترجیح من جهة واحدة، والمرجحات الشرعیة مضافا إلی ما ذکر کثیرة لا بد من ملاحظتها فی تحصیل الأولی، وربما یوجب ذلک خلاف الترتیب المذکور،

{لکن إذا تعدد المرجح فی بعض} سواء فی مسألة دوران الأمر بین تقدیم هذا أو ذاک، أو فی مسألة دوران الأمر بین إمامین {کان أولی ممن له ترجیح من جهة واحدة} أو کان ترجیحه أقل عدداً، وذلک لأن المستفاد عرفاً أن المرجحات کلما کانت أکثر کان ذو المرجحات الأکثر أولی، ولیست المرجحات من باب العلائم حتی لا یکون لکثرتها أثر فی الرجحان.

{والمرجحات الشرعیة مضافاً إلی ما ذکر کثیرة} مثل الترجیح بکثرة عدد المأمومین لأحدهم، وکون أحد الجماعتین فی المسجد أو فی مکان شریف کحرم الحسین (علیه السلام)، وکون إحداهما تقام أول الوقت، والأخری بعد ذهاب وقت الفضیلة، إلی غیرها.

{لابد من ملاحظتها فی تحصیل الأولی، وربما یوجب ذلک خلاف الترتیب المذکور} من جهة فهم العرف من الأدلة، أو من جهة الارتکاز فی ذهن المتشرعة أن المتأخر فی ترتیب المرجحات فی الرویات متقدم من جهة ملاحظة ترجیح شرعی خارجی، مثلا لو دار الأمر بین الصلاة مع غیر العالم أول الوقت أو معه آخر الوقت قدم الأول، لقوة أدلة فضیلة أول الوقت، مما یوجب تقدیمه علی صلاة العالم آخر الوقت، وکذا إذا کان الصلاة خلف غیر العالم یوجب تقویته، وهو من

ص:360

مع أنه یحتمل اختصاص الترتیب المذکور بصورة التشاح بین الأئمة أو بین المأمومین لا مطلقا، فالأولی للمأموم مع تعدد الجماعة ملاحظة جمیع الجهات فی تلک الجماعة، من حیث الإمام، ومن حیث أهل الجماعة، من حیث تقواهم وفضلهم وکثرتهم وغیر ذلک،

المجاهدین الذین یکون فی تقویتهم نصرة للإسلام والمسلمین _ لا ما إذا وصل إلی حد الوجوب _ بخلاف الصلاة خلف العالم، فإنه لا یوجب ذلک، فإن الأول أولی، لرجحان نصرة الإسلام حسب المرتکز فی أذهان المتشرعة علی رجحان الصلاة خلف العالم.

{مع أنه یحتمل اختصاص الترتیب المذکور بصورة التشاح بین الأئمة أو بین المأمومین لا مطلقا} کما یظهر ذلک من عنوان الفقهاء للمسألة، لکن هذا الاحتمال لا یساعد علیه النص، بل ظاهر النص الإطلاق، وعلی کل حال فالمناط موجود.

وهل صورة تشاح المتولی للمسجد _ مثلا _ صورة تشاح الأئمة والمأمومین؟ الظاهر ذلک، إما للإطلاق، أو المناط، إذ المعیار تقدم ذی المرجح.

{فالأولی للمأموم مع تعدد الجماعة ملاحظة جمیع الجهات فی تلک الجماعة من حیث الإمام، ومن حیث أهل الجماعة، من حیث تقواهم وفضلهم} فإن ذلک یوجب أقربیة صلاتهم للقبول وأقربیة دعائهم إلی الإجابة، فیکون هذا المأموم أدخل نفسه فی جملتهم.

{وکثرتهم} کما فی النص، وأنه کلما کانت الجماعة أکثر کان الثواب والأجر أکثر {وغیر ذلک} کخصوصیة الزمان والمکان وغیرهما مماتقدم.

ص:361

ثم اختیار الأرجح فالأرجح.

{ثم اختیار الأرجح فالأرجح} حسب الأدلة بضمیمة المرتکز فی أذهان المتشرعة، والظاهر أنه لو دار الأمر بین الأرجح هنا وبین الذی فیه جهة الکراهة کالأبرص، وبین غیره قدم من لاکراهة فیه.

ص:362

مسألة ١٩ مزاحمة الغیر للإمام الراتب

مسألة _ 19 _ الترجیحات المذکورة إنما هی من باب الأفضلیة والاستحباب، لا علی وجه اللزوم والإیجاب حتی فی أولویة الإمام الراتب الذی هو صاحب المسجد، فلا یحرم مزاحمة الغیر له وإن کان مفضولا من سائر الجهات أیضاً إذا کان المسجد وقفاً لا ملکا له ولا لمن لم یأذن لغیره فی الإمامة.

{مسألة _ 19 _ الترجیحات المذکورة إنما هی من باب الأفضلیة والاستحباب لا علی وجه اللزوم والإیجاب} لوجود القرائن الداخلیة والخارجیة علی ذلک، مما یوجب صرف الأمر والجملة الخبریة عن ظاهرهما، ولذا کان المحکی عن التذکرة أنه لا نعلم فیه خلافاً، وقال الجواهر:((1)) إمکان تحصیل الإجماع أو الضرورة علی عدم الوجوب، أما ما عن ظاهر المبسوط والمراسم من وجوب تقدیم الأقرء علی الأفقه، وما عن ابن أبی عقیل من المنع عن إمامة الجاهل للعالم، فلابد أن یحملا علی ما لیس یخالف المشهور، وإلا فهما عرییان عن المستند.

وما ذکره المصنف من قوله: {حتی فی أولویة الإمام الراتب الذی هو صاحب المسجد، فلا یحرم مزاحمة الغیر له}، ففیه ما تقدم من أنه حق له، و«لا یتوی حق امرء مسلم»، وأنه مشمول لقاعدة «من سبق إلی ما لم یسبق إلیه أحد»، بل هو من المنکرات فی أذهان المتشرعة.

{وإن کان مفضولاً من سائر الجهات أیضا، إذا کان المسجد وقفاً لا ملکاً له} محل الصلاة، فلا یقال کیف یکون المسجد ملکاً.

{ولا لمن لم یأذن لغیره فی الإمامة} وإلا فعدم جواز مزاحمته أظهر.

ص:363


1- الجواهر: ج13 ص365

مسألة ٢٠ إمامة الأجذم ومن أشبه

مسألة _ 20 _ یکره إمامة الأجذم والأبرص والأغلف المعذور فی ترک الختان

{مسألة _ 20 _ یکره إمامة الأجذم والأبرص} کما تقدم وجهه {والأغلف} الذی لا یکون ترکه للختان عمداً، وإلا کان عاصیاً فلا تصح الصلاة خلفه من جهة المعصیة، ویدل علی وجوب الختان ما ذکروه فی کتاب النکاح فی باب الأولاد فراجع.

أما کراهة إمامة الأغلف غیر العامد فهو المشهور، ویدل علیه جملة من الروایات.

کخبر طلحة: «لا یؤم الناس المحدود، وولد الزنا، والأغلف».((1))

وفی خبر الأصبغ: «ستة لا ینبغی أن یؤموا الناس، وعد منهم الأغلف».((2))

أما ما فی أخبار الفقیه والتهذیب والعلل، عن علی (علیه السلام) قال: «الأغلف لا یؤم القوم، وإن کان أقرأهم للقرآن، لأنه ضیع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة ولا یصلی علیه إلاّ أن یکون ترک ذلک خوفاً علی نفسه»((3))، فظاهره الحرمة فیمن کان مقصراً فی ترک الختان.

أما عدم الصلاة علیه، فذلک محمول علی التخویف، وإلا فقد تقدم فی کتاب الطهارة الصلاة علی کل فاسق من المسلمین.

ولما تقدم قال المصنف: {المعذور فی ترک الختان} عذراً شرعیاً من حرج

ص:364


1- المستدرک: ج1 ص491 الباب 12 من صلاة الجماعة ح1
2- الوسائل: ج5 ص397 الباب 14 من صلاة الجماعة ح6
3- الفقیه: ج1 ص248 الباب 56 من الجماعة ح17، والتهذیب: ج3 ص30 فی الجماعة ح20

والمحدود بحد شرعی بعد توبته، ومن یکره المأمومون إمامته، والمتیمم للمتطهر

أو خوف مسقطین للتکلیف، أو عدم تهیء الختان، أو ما أشبه ذلک.

{والمحدود بحد شرعی بعد توبته} کما تقدم {ومن یکره المأمومون إمامته} علی المشهور، وإن کان جامعاً للشرائط، لجملة من الروایات الدالة علیه.

مثل ما رواه الفقیه: «ونهی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أن یؤم الرجل قوماً إلاّ بإذنهم».((1))

وقد عد فی النبوی أنه ممن لا یقبل الله له صلاة، وکذا فی خبری عبد الملک وابن أبی یعفور، وفی جملة من النصوص أن یکون المأموم راضیاً بالإمام، مما له مفهوم یؤید المقام، والظاهر أن الکراهة فی هنا بالنسبة إلی الإمام فقط.

أما فی مسألة الأجذم وغیره ممن تقدم، فالکراهة لکل من الإمام المتصدی والمأموم، کما هو ظاهر الدلیل.

ثم الظاهر أنه إنما تکره صلاة الإمام إذا کان یعمل ما ینافی الآداب الشرعیة أو العرفیة مما توجب کراهة المأموم له، أما إذا کانت کراهة المأموم لتطبیقه للشرع فلا تکره صلاته، کالإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) الذی ملأ قلوبهم أحقاداً بدریةً وخیبریةً وحنینیةً، وذلک لانصراف النص عن ما ذکرناه.

{والمتیمم للمتطهر} لجملة من الروایات المحمولة علی الکراهة، جمعاً بینها وبین ما تقدم من جواز إمامة المتیمم للمتطهرین.

ص:365


1- الفقیه: ج4 ص9 فی المناهی

والحائک والحجام والدباغ

مثل روایة صهیب، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «لا یصلی المتیمم بقوم متوضین».((1))

وفی روایة الدعائم: «لا یؤم المتیمم المتوضین».((2))

وفی روایة المقنع: «لا یؤم صاحب التیمم المتوضین».((3))

وخبر السکونی: «لا یؤم صاحب التیمم المتوضین».((4))

والظاهر أن التیمم أعم من أن یکون بدل غسل أو بدل وضوء، کما أن المتطهر أعم من المغتسل والمتوضیء، فإذا کان الإمام جنباً فتیمم بدلا عن الغسل ثم توضأ فی الأحداث الآتیة کانت الکراهة باقیة، کما أنه إذا تیممت وتوضأت الحائض کرهت إمامتها للنساء.

{والحائک والحجام والدباغ} لما رواه النفلیة، عن جعفر بن أحمد القمی، عن الصادق (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا تصلوا خلف الحائک ولو کان عالماً، ولا تصلوا خلف الحجام ولو کان زاهداً، ولا تصلوا خلف الدباغ ولو کان عابداً».((5))

ولعل السبب أن الحائک غالباً ما یکون ضعیف العقل لدوامه فی عمل مجهد علی وتیرة واحدة، والحجام غالباً لا یؤمن من نجاسته لترشح الدم علیه،

ص:366


1- الوسائل: ج5 ص402 الباب 17 من صلاة الجماعة ح6
2- الدعائم: ج1 ص151 فی الإمامة
3- المقنع: ص10 س3 _ الجوامع الفقهیة
4- الوسائل: ج5 ص402 الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح5
5- المستدرک: ج1 ص491 الباب 13 من صلاة الجماعة ح4

إلا لأمثالهم، بل الأولی عدم إمامة کل ناقص للکامل، وکل کامل للأکمل.

والدباغ غالباً یعطی رائحة کریهة لمزاولته هذا العمل المؤثر فی کراهة الریح.

{إلا لأمثالهم} کأنه لانصراف النص إلی إمامتهم لغیر أمثالهم، لکن قد سبق الإشکال فی ذلک فی مسألة الاقتداء بالأجذم والأبرص.

{بل الأولی عدم إمامة کل ناقص للکامل} کما لعله المشهور، بل عن ظاهر محکی الإیضاح الاتفاق علیه، ولعله استفید من الموارد المتعددة المتقدمة، ومما دل علی الصلاة خلف الأفضل ونحوه، ویکفی فی الحکم التسامح فی أدلة السنن بعد فتوی الفقیه.

ویؤید ما رواه المقنع، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «لا یؤم صاحب العلة الأصحاء»((1)) الحدیث.

وفی روایة الدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «لا یؤم المریض الأصحاء، إنما کان ذلک لرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) خاصة».((2))

{وکل کامل للأکمل} کما عن البیان، ولعله لاستفادة ذلک من ما دل علی کون الصلاة خلف الأفضل، وکان علی المصنف أن یذکر الصلاة خلف من یبغی علی الأذان والصلاة بالناس أجراً، لما رواه الفقیه، عن ابن مسلم، عن الباقر (علیه السلام) قال: «لا یصلی خلف من یبغی علی الأذان والصلاة بالناس أجراً، ولا تقبل شهادته».((3))

ص:367


1- المقنع: ص9 _ الجوامع الفقهیة
2- الدعائم: ج1 ص151
3- الفقیه: ج3 ص27 فی من یجب رد شهادته ح10

إذ لا یحرم ذلک، فلابد وأن یحمل علی الکراهة.

ونحوها روایة العلاء، عنه (علیه السلام)، وکذلک یکره الصلاة خلف العبد، کما تقدم جملة من روایاته التی منها ما رواه عبد الله بن طلحة، عن الصادق (علیه السلام) إنه قال: «لا یؤم الناس المحدود، وولد الزنا، والأغلف، والأعرابی، والمجنون، والأبرص، والعبد».((1))

وخلف السفیه الذی لم یضر بعدالته، لروایة الدعائم، عن علی (علیه السلام) أنه قال: «لا تقدموا سفهاءکم فی صلاتکم، ولا علی جنائزکم، فإنهم وفدکم إلی ربکم».((2))

وخلف المرتد بعد الرجوع، لروایة الأصبغ، من قوله (علیه السلام): «وأما الذین لا ینبغی أن یؤموا الناس، فولد الزنا، والمرتد».((3))

وخلف الخصی إذا کانوا فحولا، فعن الدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «لا یؤم المقید المطلقین، والخصی الفحول».((4))

ص:368


1- المستدرک: ج1 ص491 الباب 13 من صلاة الجماعة ح1
2- الدعائم: ج1 ص151
3- جامع أحادیث الشیعة: ج6 ص424 الباب 9 من الجماعة ح5
4- الدعائم: ج1 ص151

فصل فی مستحبات الجماعة ومکروهاتها

اشارة

فصل

فی مستحبات الجماعة ومکروهاتها

أما المستحبات فأمور:

أحدها: أن یقف المأموم عن یمین الإمام إن کان رجلاً واحداً، وخلفه إن کانوا أکثر،

{فصل

فی مستحباب الجماعة ومکروهاتها}

{أما المستحبات فأمور} أربعة عشر، علی ما ذکره المصنف (رحمه الله).

{أحدها: أن یقف المأموم عن یمین الإمام إن کان رجلاً واحداً} لا خلفه ولا یساره، {وخلفه إن کانوا أکثر} لا یمینه ولا یساره، کما هو المشهور فی الحکمین، بل عن بعض دعوی الإجماع علیها، خلافاً للمحکی عن أبی علی فأوجب الوقوف المزبور فی کلتا المسألتین، بل عن مفتاح الکرامة أنه قد یلوح من الجمل والعقود وجمل العلم والعمل وجوب الوقوف علی الیمین((1))، لکن الجواهر

ص:369


1- مفتاح الکرامة: ج3 ص419 س2

احتمل حمل کلامهم علی الندب، وتبعه فی الاحتمال الفقیه الهمدانی فلا مخالف للمشهور إلاّ صاحب الحدائق، حیث قال بالوجوب فی کلا الوقوفین، مستدلا علیه بظهور الأخبار فی الوجوب، ویؤید عدم الفتوی بالوجوب قبل الحدائق قول المنتهی فی محکی کلامه: لو وقف _ أی المأموم الواحد _ عن یساره فعل مکروهاً إجماعاً.((1)) ومثله فی دعوی الإجماع غیره، وکذلک ادعی جماعة الإجماع علی الحکم الثانی، ویکفی تظافر کلماتهم علی الاستحباب فی رفع الید عن ظاهر النصوص، کما ترفع الید عن ظاهرها فی مختلف أبواب المستحباب التی ظاهرها الوجوب، کما لا یخفی ذلک لمن راجع کتب الأخلاق والآداب، وأبواب الصلوات والأدعیة والزیارات والأذکار المستحبة.

وکیف کان، فیدل علی رجحان الحکمین جملة من الأخبار:

کصحیحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه، فإن کانوا أکثر من ذلک قاموا خلفه».((2))

وصحیحته الأخری، عن أبی جعفر (علیه السلام)، أنه سأله عن الرجل یؤم الرجلین؟ قال: «یتقدمهما ولا یقوم بینهما». ومن الرجلین یصلیان جماعة؟ قال: «نعم یجعله علی یمینه».((3))

وخبر زرارة _ فی حدیث _ قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الرجلان

ص:370


1- المنتهی: ج1 ص376 س10
2- الوسائل: ج5 ص411 الباب 23 من صلاة الجماعة ح1
3- المصدر: ص413 ح7

یکونان جماعة؟ قال: «نعم ویقوم الرجل عن یمین الإمام».((1))

وخبر أحمد بن زیاد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: لأی علة إذا صلی اثنان صار التابع عن یمین المتبوع؟ قال: «لأنه إمامه وطاعة للمتبوع وإن الله جعل أصحاب الیمین المطیعین، فلهذه العلة یقوم علی یمین الإمام دون یساره».((2))

وخبر أبی البختری، عن جعفر (علیه السلام): إن علیاً (علیه السلام) قال: «الصبی عن یمین الرجل إذا ضبط الصف جماعة، والمریض والقاعد عن یمین الصبی جماعة».((3))

وخبره الآخر، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام) قال: «رجلان صف، فإذا کانوا ثلاثة تقدم الإمام».((4))

وخبر الحسین بن یسار، أنه سمع من یسأل الرضا (علیه السلام)، عن رجل صلی إلی جانب رجل فقام عن یساره وهو لا یعلم ثم علم کیف یصنع وهو فی الصلاة؟ قال (علیه السلام): «یحوله عن یمینه».((5))

وخبر الحسین بن أبی علوان، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام) أنه کان یقول: «المرأة خلف الرجل صف، ولا یکون الرجل

ص:371


1- المصدر: ص379 الباب 4 ح1
2- انظر: المصدر: ص413 الباب 23 ح10
3- المصدر: ص380 الباب 4 ح8
4- المصدر: ص414 الباب 23 ح13
5- الوسائل: ج5 ص414 الباب 24 من صلاة الجماعة ح2

ولو کان المأموم امرأة واحدة وقفت خلف الإمام

خلف الرجل صفاً إنما یکون الرجل جنب الرجل عن یمینه».((1))

إلی غیرها من الأخبار، والتی منها أن علیاً (علیه السلام) کان یصلی فی الجناح الأیمن للنبی (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم جاء جعفر (علیه السلام) وصلی فی جناحه الأیسر.((2))

{ولو کان المأموم امرأة واحدة وقفت خلف الإمام} کما هو المشهور، ویدل علیه روایات کثیرة:

کخبر أبی العباس، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل یؤم المرأة فی بیته؟ قال: «نعم تقوم وراءه».((3))

وصحیحة هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «الرجل إذا أم المرأة کانت خلفه عن یمینه، سجودها مع رکبتیه».((4))

وصحیحة الفضیل بن یسار، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أصلی المکتوبة بأم علی؟ قال: «نعم»، قال: «تکون عن یمینک تکون سجودها بحذاء قدمیک».((5))

وروایة ابن بکیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یؤم المرأة؟ قال:

ص:372


1- المصدر: ص413 الباب 23 ح2
2- انظر: المستدرک: ج1 ص489 الباب 4 من صلاة الجماعة ح4
3- الوسائل: ج5 ص405 الباب 19 من صلاة الجماعة ح5
4- المصدر: ج3 ص528 الباب 5 من مکان المصلی ح9
5- المصدر: ج5 ص405 الباب 19 من صلاة الجماعة ح2

نعم تکون خلفه».((1))

ومضمرة القاسم بن الولید، قال: سألته عن الرجل یصلی مع الرجل الواحد معهما النساء؟ قال: «الرجل إلی جنب الرجل ویتخلفن النساء خلفهما».((2)) إلی غیرها من الأخبار.

ثم إن ظاهرهم التسالم علی جواز وقوفها فی صف الرجل، ولذا حملوا الروایات الواردة هنا علی الاستحباب، بل عن الغنیة والتحریر الإجماع علی عدم الفرق بین المأمومة وغیرها.

قال الفقیه الهمدانی: قد یلوح من کلماتهم التسالم علی عدم الفرق بین المقامین، بل عن غیر واحد صریحاً دعوی عدم القول بالفصل _ إلی إن قال: _ فما تراه فی المتن، بل لعله المشهور من الاستحباب لعله أقوی، لما فی نفس هذه الأخبار من الاختلاف فی تحدید ما یعتبر من التأخر، إلی آخر کلامه (رحمه الله).((3))

أقول: فإن فی بعضها کون سجودها مع رکبتیه، وفی بعضها کون سجودها بحذاء قدمیه، وفی بعضها وقوفها خلفه أو وراءه، أو فی صف متأخر عن الإمام أو عن الرجال، وهذا الاختلاف قرینة الاستحباب، بالإضافة إلی بعض القیود المستحبة المأخوذة فی بعض هذه الروایات مما توجب صرف قید الخلف أیضاً عن ظاهره الذی هو الوجوب، لکن مع ذلک کله الفتوی بالاستحباب مشکل

ص:373


1- المصدر: ح4
2- الوسائل: ج5 ص405 الباب 19 من صلاة الجماعة ح3
3- مصباح الفقیه: ج2 ص662

حیث إن القرینتین المذکورتین لا تصلحان للجزم بعدم الوجوب مع صراحة الأخبار بالمنع.

ففی صحیح زرارة، قال الباقر (علیه السلام): «وأیما امرأة صلت خلف إمام وبینها وبینه ما لا یتخطی فلیس لها تلک بصلاة». قلت: فإن جاء إنسان یرید أن یصلی کیف یصنع وهی إلی جانب الرجل؟ قال: «یدخل بینها وبین الرجل وتنحدر هی شیئاً».((1))

وفی روایة جابر، عن الباقر (علیه السلام): «وإذا صلت المرأة وحدها مع الرجل قامت خلفه ولم تقم بجنبه.((2))

وقد تقدم صحیحة علی بن جعفر الواردة فی المرأة التی صلت بحیال الإمام، بزعم أنه العصر، فبان ظهراً، حیث أمر الإمام (علیه السلام) بإعادة صلاتها. إلی غیرها.

بالإضافة إلی السیرة المستمرة منذ زمان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقد کانت خدیجة (علیها السلام) تصلی خلف الرسول، ولکن النساء یصلین خلف الرجال، حتی أنه لما تحولت القبلة ذهبت النساء مکان الرجال وبالعکس.

وفی روایة الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «إذا صلی النساء مع الرجال قمن فی آخر الصفوف، لا یتقدمهن الرجال، ولا یحاذینهم، إلاّ أن یکون بینهن وبین الرجال سترة».((3))

ص:374


1- الفقیه: ج1 ص253 الباب 56 فی الجماعة ح54
2- جامع أحادیث الشیعة: ج6 ص462 الباب 27 فی الجماعة ح11
3- الدعائم: ج1 ص156 فی الجماعة

علی الجانب الأیمن بحیث یکون سجودها محاذیاً لرکبة الإمام أو قدمه ولو کن أزید وقفن خلفه، ولو کان رجلا واحداً وامرأة واحدة أو أکثر وقف الرجل عن یمین الإمام والامرأة خلفه،

إلی غیر ذلک من المؤیدات، والعمدة فی المسألة ذهاب أعاظم الفقهاء أمثال الشرائع والتذکرة والذکری والبیان وإرشاد الجعفریة والروض وغیرهم إلی الاستحباب صریحاً، والمعاصرون أیضاً، أمثال السادة ابن العم والبروجردی والحکیم والجمال وغیرهم أیضا قرروا ما فی المتن من الاستحباب، ولو لا ذلک لکان اللازم ما لا یقل من الاحتیاط.

{علی الجانب الأیمن بحیث یکون سجودها محاذیاً لرکبة الإمام أو قدمه} أو تکون خلفه تماماً، کما ورد بکل ذلک النص علی ما تقدم.

{ولو کن أزید وقفن خلفه} لبعض الروایات المتقدمة، وخصوص روایة غیاث، عن الصادق (علیه السلام) قال: «المرأة صف، والمرأتان صف، والثلاث صف».((1))

وظاهره أن المرأة إذا صلت مع الرجل تقوم خلفه فهو صف، سواء کانت واحدة أو أکثر، بخلاف الرجل فإنه إذا کان واحداً قام إلی جنب الإمام، ولیست الروایة بصدد بیان صلاة المرأة مع إمام امرأة، لأن الإمام إذا کانت امرأة لم تتحق المرأة صف لأنهما اثنتان.

{ولو کان رجلاً واحداً وامرأة واحدة أو أکثر وقف الرجل عن یمین الإمام والمرأة خلفه} لروایة القاسم بن الولید المتقدمة، بالإضافة إلی روایاته صلاة

ص:375


1- الوسائل: ج5 ص412 الباب 23 من صلاة الجماعة ح4

ولو کانوا رجالا ونساءً اصطفوا خلفه، واصطفت النساء خلفهم،

علی (علیه السلام)، خلف النبی (صلی الله علیه وآله) إلی جانبه وخدیجة (علیها السلام) خلفه.

{ولو کان رجالاً ونساءً} أو رجالاً وامرأةً واحدة أو امرأتین {اصطفوا خلفه واصطفت النساء خلفهم} لروایة علی بن جعفر (علیهما السلام): «ویقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم» للروایات الدالة علی أن النساء کن یصلین خلف الرجال، والرجال خلف رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) کما هی مذکورة فی مسألة استحباب رفع المرأة رأسها قبل الرجل، وکما ذکرت فی قصة تحویل القبلة وغیرها، والظاهر أن الحکم کذلک، وإن کان الذکور أطفالاً ممیزین.

ففی روایة الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) عن الرجل یؤم النساء، قال (علیه السلام): «نعم، وإن کان معهن غلمان فأقیموهم بین أیدیهن، وإن کانوا عبیداً».((1))

ونحوها روایة ابن مسکان.

وهل الحکم کذلک بالنسبة إلی ما کان بینهن وبین الرجال ستر باستحباب تأخر النساء فی قبال المحاذاة؟ إطلاق النص یقتضیه، وإن کان الانصراف یقتضی أنه حکم ما إذا لم یکن ستر.

وقد تقدم فی روایة الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «إذا صلی النساء مع الرجل قمن فی آخر الصفوف لا یتقدمن الرجال ولا یحاذینهم، إلاّ أن یکون بینهن وبین الرجال سترة».((2))

ص:376


1- المصدر: ص213 ح9
2- الدعائم: ج1 ص156

بل الأحوط مراعاة المذکورات، هذا إذا کان الإمام رجلاً، وأما فی جماعة النساء فالأولی وقوفهن صفاً واحداً أو أزید من غیر أن تبرز إمامهن من بینهن.

{بل الأحوط مراعاة} الأحکام {المذکورات} للأمر بکل ذلک فی الروایات، وظاهره الوجوب، لکن الاحتیاط ضعیف بالنسبة إلی جملة منها کما لا یخفی.

{هذا إذا کان الإمام رجلا، وأما فی جملة النساء} سواء کانت المأمومة واحدة أو أکثر {فالأولی وقوفهن صفاً واحداً أو أزید} أی صفوفاً، فالمراد أن تکون النساء إلی جانبی الإمام لا خلفه بمعنی {من غیر أن تبرز إمامهن من بینهن} بلا إشکال، ویدل علیه جملة من الروایات.

مثل روایة ابن بکیر، عن الصادق (علیه السلام) عن المرأة تؤم النساء؟ قال (علیه السلام): «نعم تقوم وسطاً بینهن ولا تتقدمهن».((1))

وروایة الدعائم، عنه (علیه السلام) أنه قال: «لا تؤم المرأة الرجال وتصلی بالنساء ولا تتقدمهن، ولکن تقوم وسطاً بینهن ویصلین بصلاتها».((2))

وفی روایة سلیمان بن خالد، عنه (علیه السلام): «ولا تتقدمهن، ولکن تقوم وسطاً بینهن».((3)) إلی غیرها من الروایات.

لکن هذه الروایات محمولة علی الفضل لأنها وردت فی مقام توهم رجحان تقدمها علیهن وجوباً أو استحباباً، بل لم ینقل عن أحد وجوب عدم تقدمها.

ص:377


1- الاستبصار: ج1 ص426 الباب 261 ح2
2- الدعائم: ج1 ص152
3- التهذیب: ج3 ص269 الباب 25 فی فضل المساجد ح88

الثانی: أن یقف الإمام فی وسط الصف.

قال الفقیه الهمدانی: ظاهر کلماتهم کما فی المتن وغیره إرادة الندب.

أقول: ولا فرق فی جماعتهن بین الیومیة وغیرها، بل ورد التصریح بذلک فی صلاتهن علی الجنازة، کما فی روایة زرارة.

{الثانی: أن یقف الإمام فی وسط الصف} کما هو المشهور، ویدل علیه ما رواه المنتهی، عن الجمهور، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل».((1)) فتأمل.

وما تقدم من روایات توسط المرأة إذا کانت إماماً، بعد وضوح الاشتراک بالتکلیف فیما لم یدل دلیل علی الاختصاص، وما دل علی أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) کان یصلی وطرفاه علی (علیه السلام) وجعفر (علیه السلام).

ولا ینافی ذلک أن محراب مسجد الکوفة فی الحال لیس فی الوسط، ولا ما رواه علی بن إبراهیم: رأیت أبا عبد الله (علیه السلام) یصلی بقوم وهو إلی زاویة بیته بقرب الحائط وکلهم عن یمینه لیس علی یساره أحد».((2)) إذ وضع مسجد الکوفة فی زمان الإمام (علیه السلام) غیر معلوم، فلعله کان بحیث یکون المحراب فی وسطه، والروایة حکایة حال، فلا تدل علی عدم استحباب التوسط، مع أن فی نسخة التهذیب «وکلهم عن یساره» بدل «عن یمینه» المروی فی الکافی، فالروایات مضطربة.

ص:378


1- المنتهی: ج1 ص377
2- الوسائل: ج5 ص412 الباب 23 من صلاة الجماعة ح6

الثالث: أن یکون فی الصف الأول أهل الفضل ممن له مزیة فی العلم والکمال والعقل والورع والتقوی،

{الثالث: أن یکون فی الصف الأول أهل الفضل ممن به مزیة فی العلم والکمال والعقل والورع والتقوی} بلا إشکال ولا خلاف، وفی المستند لحکایة الاتفاق علیه. وفی المستمسک: إجماعاً صریحاً وظاهراً محکیاً عن جماعة.((1))

ویدل علیه خبر جابر، عن أبی جعفر (علیه السلام): «لیکن الذین یلون الإمام منکم أولو الأحلام والنهی، فإن نسی الإمام أو تعایا قوّموه، وأفضل الصفوف اأولها، وأفضل أولها ما دنا من الإمام».((2))

وعن ابن مسعود، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال فی حدیث: «لیلینی منکم أولو الأحلام والنهی ثم الذین یلونهم».((3))

وفی روایة الدعائم، عن الباقر (علیه السلام) قال: «لیکن الذین یلون الإمام أولو الأحلام والنهی، فإن تعایا لقنوه».((4))

وفی الرضوی (علیه السلام): «لیکن من یلی الإمام منکم أولو الأحلام والتقی، فإن نسی الإمام أو تعایا یقومه».((5))

والظاهر أن هذا المستحب إنما هو بالنسبة إلی الجمیع بأن یدعوا الإمام إلیه، ویعمله أهل الفضل، ویمکن لهم غیر أهل الفضل، کما أن المستحب الثانی

ص:379


1- المستمسک: ج7 ص355
2- انظر الوسائل: ج5 ص386 الباب 7 من صلاة الجماعة ح2، والباب 8 ح1
3- المستدرک: ج1 ص490 الباب 7 من صلاة الجماعة ح3
4- الدعائم: ج1 ص156
5- فقه الرضا: ص14 س6

وأن یکون یمینه لأفضلهم فی الصف الأول فإنه أفضل الصفوف.

الرابع: الوقوف فی القرب من الإمام.

الخامس: الوقوف فی میامن الصفوف فإنها أفضل من میاسرها،

بالنسبة إلی الإمام والمأمومین معاً.

{وأن یکون یمینه لأفضلهم فی الصف الأول فإنه أفضل الصفوف} لیکون الأفضل للأفضل، لکن لا دلالة فی الروایات المتقدمة علیه، اللهم إلاّ أن یستدل بکون علی (علیه السلام) کان یقف إلی یمین الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)، وجعفر عن أیسره.

{الرابع: الوقوف فی القرب من الإمام} بلا إشکال ولا خلاف، کما فی الروایات المتقدمة، والمفهوم من الروایات الوقوف الأقرب فالأقرب.

{الخامس: الوقوف فی میامن الصفوف فإنها أفضل من میاسرها} بلا إشکال لما رواه الکافی، عن سهل بن زیاد قال: «فضل میامن الصفوف علی میاسرها کفضل الجماعة علی الفرد».((1))

وخبر الدعائم، عن علی (علیه السلام) أنه قال: «أفضل الصفوف أولها وهو صف الملائکة، وأفضل المقدم میامن الإمام».((2))

وعن زید النرسی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «من صلی عن یمین الإمام أربعین یوماً دخل الجنة».((3))

ص:380


1- الکافی: ج3 ص373 باب فضل الصلاة فی الجماعة ح8
2- الدعائم: ج1 ص155
3- المستدرک: ج1 ص490 الباب 8 من صلاة الجماعة ح6

هذا فی غیر صلاة الجنازة، وأما فیها فأفضل الصفوف آخرها.

ومما تقدم یعرف فضل الصف الأول، ویدل علیه بالإضافة إلی ذلک جملة أخری من الروایات.

فعن الدعائم، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، أنه قال: «خیر صفوف الصلاة المقدم، وخیر صفوف الجنازة المؤخر». قیل: یا رسول الله وکیف ذلک؟ قال: «لأنه أستر للنساء، فخیر صفوف الرجال أولها، وخیر صفوف النساء آخرها، ولو یعلم الناس ما فی الصف الأول لم یصل إلیه أحد إلاّ بالسهام».((1))

وعن أبی سعید الخدری، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إن خیر الصفوف صف الرجال المتقدم وشرها المؤخر».((2))

وعن لب اللباب، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «إن من کبر فی الصلاة یحبه الله، ویقول: عبدی وأنا الأکبر، وفضل الصف الأول علی الثانی کفضلی علی أمتی».((3)) إلی غیرها من الروایات.

{هذا فی غیر صلاة الجنازة وأما فیها فأفضل الصفوف آخرها} بلا إشکال، لخبر السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «خیر الصفوف فی الصلاة المقدم، وخیر الصفوف فی الجنائز المؤخر» ((4))، إلی غیره من خبری سیف والفقیه، وقد تقدم فی خبر الدعائم أیضاً، ومنه یعلم

ص:381


1- الدعائم: ج1 ص154
2- جامع أحادیث الشیعة: ج6 ص466 الباب 29 من صلاة الجماعة ح7
3- المستدرک: ج1 ص490 الباب 8 من أبواب صلاة الجماعة ح7
4- الدعائم: ج1 ص154

السادس: إقامة الصفوف واعتدالها وسد الفرج الواقعة فیها، والمحاذاة بین المناکب.

استحباب تأخر النساء سواء صلوا مع إمام رجل أو امرأة، وفی الأول سواء کان معهم رجال أم لا، وذلک لحکمة ابتعاد المرأة عن الرجال کما هو واضح، فیما إذا صلین مع إمام وحدهن، أو کن بعد الرجال المأمومین، وکأنه لضرب القاعدة استحب ذلک حتی بالنسبة إلی ما لو کانت الإمام امرأة، والمراد بقوله (علیه السلام): «لانه أستر للنساء» بالنسبة إلی ما إذا کان المیت المرأة، أو لاحتواء النساء بالجنازة وکونهن فی طرف الجنازة مما یلی القبلة، فالمأموم کلما کان أبعد کان آمن من النظر إلیهن.

{السادس: إقامة الصفوف} بأن لا یکون الصف أقصر من صف {واعتدالها} بأن لا یکون أعوج {وسد الفرج} بأن لا یکون بین المأمومین فرجة، ولذا قال: {الواقع فیها} وکأن الأفضل أن یقول: الواقعة.

{والمحاذاة بین المناکب} فلا یتقدم مأموم علی مأموم بمنکبه، کل ذلک للنص والفتوی.

فعن الباقر (علیه السلام)، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله سلم): «سووا بین صفوفکم وحاذوا بین مناکبکم لا یستحوذ علیکم الشیطان».((1))

وفی روایة الفقیه، قال أبو جعفر (علیه السلام): قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «أقیموا صفوفکم فإنی أراکم من خلفی کما أراکم من قدامی ومن بین

ص:382


1- الوسائل: ج5 ص472 الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح4

السابع: تقارب الصفوف بعضها من بعض بأن لا یکون ما بینها أزید من مقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد.

یدی، ولا تخالفوا فیخالف الله بین قلوبکم».((1))

وعن المقنع، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «أتموا صفوفکم».((2))

وفی روایة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام): «أصلی فی مسجد فأمشی إلی الصف أمامی فیه انقطاع فأتمه؟ قال (علیه السلام): «نعم إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: إنی أراکم من خلفی کما اراکم من بین یدی لتقیمن صفوفکم أو لیخالفن قلوبکم».((3)) إلی غیرها من الروایات.

والمشی فی حالة الصلاة لا بأس به، إلا فی حال قراءة الإمام احتیاطاً، وفی حال ذکر المأموم الواجب کما تقدم الکلام فی بحث الطمأنینة.

{السابع: تقارب الصفوف بعضها من بعض بأن لا یکون ما بینها أزید من مقدار مسقط جسد الإنسان إذا جسد} کما تقدم الکلام فی جملة من روایاته فی مسألة مقدار البعد، والتی منها صحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «ینبغی للصفوف أن تکون تامة متواصلة بعضها إلی بعض، ولا یکون بین الصفین ما لا یتخطی یکون قدر ذلک مسقط جسد الإنسان إذا سجد».((4))

هذا ولکن لا یبعد عدم استحباب هذا القدر من الإصاق بالنسبة إلی المرأة

ص:383


1- الفقیه: ج1 ص252 الباب 56 فی الجماعة 49
2- المقنع: ص9 _ الجوامع الفقهیة
3- الوسائل: ج5 ص472 الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح8
4- الفقیه: ج1 ص253 الباب 56 فی الجماعة ح53

الثامن: أن یصلی الإمام بصلاة أضعف من خلفه،

إذا کان أمامها رجل، بل الأولی بالستر بُعد رأسها عن قدمه فلا یلتصق بها فی حال السجود، لأنه أقرب إلی رعایة الستر الملحوظ فی صلاة المرأة، والنصوص منصرفة عن المقام.

{الثامن: أن یصلی الإمام بصلاة أضعف من خلفه} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه جملة من النصوص.

فعن إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «ینبغی للإمام أن تکون صلاته علی صلاة أضعف من خلفه».((1))

وعن السکونی، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام)، قال: «آخر ما فارقت علیه حبیب قلبی (صلی الله علیه وآله وسلم) _ إلی إن قال _: یا علی إذا صلیت فصلّ صلاة أضعف من خلفک ولا تتخذن مؤذناً یأخذ علی أذانه أجراً».((2))

والرضوی (علیه السلام): «فإن صلیت فخفف بهم الصلاة، وإذا کنت وحدک فثقل فإنها العبادة».((3)) إلی غیره من الروایات.

لکن الظاهر أن المراد التخفیف الذی لا ینافی وقار الجماعة، ولعله إلی ذلک أشار أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی عهده إلی مالک الأشتر، حیث قال: «وإذا قمت فی صلاتک بالناس فلا تکونن منفراً ولا مضیقاً، فإن فی الناس من به العلة

ص:384


1- الوسائل: ج5 ص469 الباب 69 من أبواب صلاة الجماعة ح3
2- التهذیب: ج2 ص283 ح31
3- فقه الرضا: ص14

وله الحاجة».((1))

وعن الدعائم، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا صلیت وحدک فأطل الصلاة فإنها العبادة، وإذا صلیت بقوم فخفف وصل بصلاة أضعفهم، وقد کانت صلاة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أخف صلاة فی تمام».((2))

کما أن الظاهر من الروایات المراد من الأضعف ما یشمل ذا الحاجة، کما تقدم.

وفی روایة فاطمة بنت قیس: إن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من أم الناس فلیخفف، فإن فیهم الکبیر والصغیر والمریض وذوی الحاجة».((3))

وهل یشمل ذلک ما إذا لم یحضر بعض الصلاة لطولها بنظره، وإن لم یکن مریضاً ونحوه؟ الظاهر الشمول، لأن المستفاد عرفاً أن الحکمة هی حضور أکثر عدد ممکن بدون تبرهم بالصلاة، هذا بالإضافة إلی أن زیادة العدد توجب زیادة الأجر، بل لعل منه ملاحظة المکان والزمان، ولذا کان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) یقول لبلال أبرد((4))، وهذا من المستحبات أیضاً، وإن لم یذکره المصنف.

والظاهر أنه إذا کان المریض مثلا ینزعج من الإطالة فی مکان خاص من الصلاة کالرکوع مثلاً لوجع ظهره، أو السجود لوجع عینه کان المستحب التخفیف فی ذلک الموضع لا فی سائر الصلاة.

ص:385


1- الوسائل: ج5 ص470 الباب 69 من صلاة الجماعة ح8
2- الدعائم: ج1 ص152
3- جامع أحادیث الشیعة: ج6 ص543 الباب 68 من أبواب صلاة الجماعة ح5
4- انظر: الوسائل: ج3 ص103 الباب 8 من أبواب المواقیت ح5

بأن لا یطیل فی أفعال الصلاة من القنوت والرکوع والسجود إلاّ إذا علم حب التطویل من جمیع المأمومین.

التاسع: أن یشتغل المأموم المسبوق بتمجید الله تعالی بالتسبیح والتهلیل والتحمید والثناء إذا أکمل القراءة قبل رکوع الإمام، ویبقی آیة من قراءته لیرکع بها.

وکیف کان فالتخفیف هو {بأن لا یطیل فی أفعال الصلاة من القنوت والرکوع والسجود} وغیرها کالقراءة والتسبیحات والتشهد إلی غیر ذلک {إلا إذا علم حب التطویل من جمیع المأمومین} کما استثناه جملة من الفقهاء، لانصراف الدلیل عن مثله، وإن کان ربما إن الأفضل فی الجماعة التخفیف، وضعف المأموم وحبه للتخفیف حکمة لا علة، وإن کان الاستثناء أقرب.

ولو کان بعض المأمومین أحب التطویل وبعضهم التخفیف راعی الثانی، والظاهر أن هذا المستحب جار فی کل صلاة، إلا صلاة الآیات، حیث تقدم استحباب التطویل فیها، وإن کان المأمومین یکرهون ذلک.

أما صلاة الجنازة فإن کان التطویل منافیاً لاستحباب تعجیل أمور المیت کان للتعجیل فیها جهتان.

{التاسع: أن یشتغل المأموم المسبوق بتمجید الله تعالی بالتسبیح والتهلیل والتحمید والثناء إذا أکمل القراءة} فی الثالثة والرابعة للمأموم المسبوق، وکذا فی الصلاة مع المخالف، وما إذا قرأ استحباباً {قبل رکوع الإمام، ویبقی آیة من قراءته لیرکع بها} کما هو المشهور، بل فی الحدائق صرح به الأصحاب

ص:386

ویدل علیه جملة من الروایات:

کموثق زرارة قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أکون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن یفرغ؟ قال (علیه السلام): «أبق آیة ومجد الله تعالی واثن علیه، فإذا فرغ فاقرأ الآیة وارکع».((1))

لکن الظاهر أنه مخیر بین ذلک وبین أن یتم السورة ثم یسبح ونحوه إلی أن یرکع الإمام، جمعاً بین الروایة السابقة، وبین موثقة عمر بن أبی شعبة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: أکون مع الإمام فأفرغ قبل أن یفرغ من قراءته؟ قال: «فأتم السورة ومجد الله تعالی وأثن علیه».((2))

لکن ربما یظهر من بعض تنزیل الخبرین علی الصلاة مع المخالف، بشهادة بعض الروایات الواردة هناک، وفیه: إن المثبتین لا یقید أحدهما بالآخر، خصوصاً فی باب المستحبات، مضافاً إلی ما ورد من استحباب الذکر وعدم الفراغ فی الصلاة.

ففی موثق إسحاق بن عمار، عمن سأل أبا عبد الله (علیه السلام) قال: أصلی خلف من لا أقتدی به، فإذا فرغت من قراءتی ولم یفرغ هو، قال: «فسبح حتی یفرغ».((3))

وخبر صفوان الجمال، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): «إن عندنا مصلی لا نصلی فیه وأهله نصاب وإمامهم مخالف فأئتم به؟ قال (علیه السلام):

ص:387


1- الوسائل: ج5 ص432 الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- المصدر: ص433 ح3
3- المصدر: ص432 ح2

العاشر: أن لا یقوم الإمام من مقامه بعد التسلیم، بل یبقی علی هیئة المصلی حتی یتم من خلفه صلاته من المسبوقین أو الحاضرین

«لا». فقلت: إن قرأ أقرأ خلفه؟ قال (علیه السلام): «نعم». قلت: فإن نفدت السورة قبل أن یفرغ؟ فقال: «سبح وکبر، إنما هو بمنزلة القنوت، وکبر وهلل».((1))

وفی الرضوی، بعد ذکر الصلاة خلف المخالف تقیة، قال (علیه السلام): «فإن فرغت قبله من القراءة أبق آیة منها حتی تقرأ وقت رکوعه، وإلا فسبح إلی أن یرکع».((2))

ثم الظاهر إن هذا الفصل بین أبعاض السورة بالذکر ونحوه لا یوجب خلاف الموالاة فلیس تخصیصاً فی وجوبها، کما أن الظاهر أن الصلاة علی محمد وآله والدعاء لنفسه وللمؤمنین حاله حال الذکر، للمناط وغیره، بالإضافة إلی شمول الإطلاقات له.

{العاشر: أن لا یقوم الإمام من مقامه بعد التسلیم، بل یبقی علی هیئة المصلی حتی یتم من خلفه صلاته من المسبوقین أو الحاضرین} علی المشهور، خلافا لما عن السید وابن الجنید، حیث قالا بالوجوب، ویدل علی المشهور صحیح أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «أیما رجل أم قوماً فعلیه أن یقعد بعد التسلیم ولا یخرج من ذلک الموضع حتی یتم الذین خلفه الذین سبقوا صلاتهم، ذلک علی کل إمام واجب إذا علم أن فیهم مسبوقا فإن علم أن لیس فیهم مسبوق بالصلاة فلیذهب حیث شاء».((3))

ص:388


1- المصدر: ص433 ح4
2- فقه الرضا: ص14 س15
3- الوسائل: ج4 ص1017 الباب 2 من أبواب التعقیب ح3

و«الواجب» فی هذه الروایة بمعنی الثابت، مثل قولهم (علیهم السلام): «زیارة الحسین واجبة» بقرینة فهم المشهور المستند إلی السیرة ونحوها، بالإضافة إلی ظهور جملة من الروایات فی ذلک.

مثل صحیح الحلبی: «لا ینبغی للإمام أن ینتقل إذا سلم حتی یتم من خلفه الصلاة».((1))

وصحیح حفص: «ینبغی للإمام أن یجلس حتی یتم کل من خلفه صلاتهم».((2))

وموثق عمار، عن الرجل یصلی بقوم فیدخل قوم فی صلاته بعد ما صلی رکعة أو أکثر من ذلک، فإذا فرغ من صلاته وسلم أیجوز له وهو إمام أن یقوم من موضعه قبل أن یفرغ من دخل فی صلاته؟ قال (علیه السلام): «نعم».((3))

ثم إنه کان علی المصنف أن یذکر عکس المسألة، وهو استحباب بقاء المأموم حتی یتم الإمام صلاته، لخبر علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام): سألته عن إمام مقیم أم قوماً مسافرین کیف یصلی المسافرون؟ قال (علیه السلام): «رکعتین ثم یسلمون ویقعدون ویقوم الإمام فیتم صلاته، فإذا سلم وانصرف انصرفوا».((4))

ثم إنه یکره للإمام الذی أتم قبلهم الالتفات أیضاً، لما رواه علی بن جعفر

ص:389


1- المصدر: ح2
2- المصدر: ح1
3- المصدر: ص1018 ح7
4- الوسائل: ج5 ص404 الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح9

بل هو الأحوط، ویستحب له أن یستنیب من یتم بهم الصلاة عند مفارقته لهم، ویکره استنابة المسبوق برکعة أو أزید،

 (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن حد قعود الإمام بعد التسلیم ما هو؟ قال: «یسلم ولا ینصرف ولا یلتفت حتی یعلم أن کل من دخل معه صلاته قد أتم ثم ینصرف».((1))

{بل هو الأحوط} لما عرفت من فتوی السید وابن الجنید بالوجوب.

{ویستحب له أن یستنیب من یتم بهم الصلاة عند مفارقته لهم} لجملة من الروایات التی سبق بعضها فی مسألة ما لو عرض للإمام عارض.

ففی خبر الفضل: «فی مسافر أم قوماً حاضرین، فإذا أتم الرکعتین سلم ثم أخذ بید بعضهم فقدمه فأمّهم».((2))

{ویکره استنابة المسبوق برکعة أو أزید} لصحیح سلیمان((3)) فی إمام أحدث؟ قال (علیه السلام): «لا یقدم رجلا قد سبق برکعة» المحمول علی الکراهة بقرینة الروایات المجوزة، مثل ما رواه الفقیه، عن الصادق (علیه السلام): عن الرجل یأتی المسجد وهم فی الصلاة وقد سبقه الإمام برکعة فیکبر فیعقل الإمام فیأخذ بیده فیکون أوفی القوم إلیه فیقدمه؟ فقال (علیه السلام): «یتم بهم الصلاة ثم یجلس حتی إذا فرغوا من التشهد أومأ بیده إلیهم من الیمین والشمال وکان ذلک الذی

ص:390


1- المصدر: ج4 ص1018 الباب 2 من أبواب التعقیب ح8
2- المصدر: ج5 ص403 الباب 18 من صلاة الجماعة ح6
3- المصدر: ص438 الباب 41 ح1

بل الأولی عدم استنابة من لم یشهد الإقامة.

الحادی عشر: أن یسمع الإمام من خلفه القراءة الجهریة والأذکار

یؤمی بیده التسلیم»((1)) الحدیث.

ومثله غیره، بل فی بعض الروایات لفظ ینبغی الظاهر فی الکراهة، ومنه یعلم استنابة المسبوق برکعتین والثلاث لوحدة المناط، بل لعله مشمول لقوله (علیه السلام): «سبقه برکعة» لأنه من باب المثال، أو أن المسبوق برکعتین مسبوق برکعة أیضا.

وفی روایة طلحة، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام): سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلی رکعة أو رکعتین فقدم رجلاً ممن قد فاته رکعة أو رکعتان؟ قال: «یتم بهم الصلاة ثم یقدم رجلاً فیسلم بهم ویقوم هو فیتم بقیة صلاته».((2))

{بل الأولی عدم استنابة من لم یشهد الإقامة} لخبر معاویة بن شریح: «إذا أحدث الإمام وهو فی الصلاة لم ینبغ أن یقدم إلاّ من شهد الإقامة».((3))

وفی روایة معاویة بن میسرة، عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «لا ینبغی للإمام إذا أحدث أن یقدم إلاّ من أدرک الإقامة».((4))

{الحادی عشر: أن یسمع الإمام من خلفه القراءة الجهریة والأذکار} التی

ص:391


1- الفقیه: ج1 ص258 الباب 56 فی الجماعة ح81
2- الوسائل: ج5 ص438 الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح5
3- المصدر: ص439 الباب 41 ح2
4- المصدر: ح3

ما لم یبلغ العلو المفرط.

یجهر بها بلا إشکال ولا خلاف، لجملة من الروایات:

کروایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کلما یقول، ولا ینبغی لمن خلفه أن یسمعه شیئاً مما یقول».((1))

وعن حفص، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه التشهد، ولا یسمعونه هم شیئاً».((2))

وفی روایته الأخری((3)) عنه (علیه السلام): «ینبغی للإمام أن یجلس حتی یتم من خلفه صلاتهم، وینبغی للإمام أن یسمع من خلفه التشهد ولا یسمعونه هم شیئاً، یعنی الشهادتین، ویسمعهم أیضاً السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین» {ما لم یبلغ العلو المفرط} کما ذکره غیر واحد للانصراف، ولصحیحة ابن سنان قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): علی الإمام أن یسمع من خلفه وإن کثروا، فقال (علیه السلام): «لیقرأ قراءة وسطاً»((4)) یقول الله تبارک وتعالی:﴿وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها﴾((5)). ونحوه روایة المفضل.

والظاهر أن الاستحباب الإسماع فی التشهد والسلام آکد، کما تقدم فی صحیح حفص.

ص:392


1- المصدر: ص451 الباب 52 ح3
2- المصدر: ح1
3- انظر: الوسائل: ج4 ص1017 الباب 2 من أبواب التعقیب ح1. وج5 ص451 الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح1
4- الوسائل: ج5 ص452 الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح4
5- سورة الإسراء: الآیة 110

الثانی عشر: أن یطیل رکوعه إذا أحس بدخول شخص ضِعف ما کان یرکع انتظاراً للداخلین، ثم یرفع رأسه، وإن أحس بداخل.

وفی روایة أبی بصیر قال: صلیت خلف أبی عبد الله (علیه السلام) فلما کان فی آخر تشهده رفع صوته حتی أسمعنا، فلما انصرف قلت: کذا ینبغی للإمام أن یسمع تشهده من خلفه؟ قال (علیه السلام): «نعم».((1))

ثم الظاهر أنه لا فرق فی استحباب الإسماع بین ما کان الإمام رجلاً أو امرأة للنساء، کما أن الظاهر کراهة إسماع المأموم حتی البسملة للإطلاق.

{الثانی عشر: أن یطیل رکوعه إذا أحس بدخول شخص ضِعف ما کان یرکع انتظاراً للداخلین، ثم یرفع رأسه، وإن أحس بداخل} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه جملة من الروایات:

کروایة جابر الجعفی، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): إنی أؤم قوماً فأرکع فیدخل الناس وأنا راکع فکم أنتظر؟ قال: «ما أعجب ما تسأل عنه یا جابر انتظر مثلی رکوعک، فإن انقطعوا، وإلا فارفع رأسک».((2))

وعن مروک، عن بعض أصحابه، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قلت له: «إنی إمام مسجد الحی فأرکع بهم فأسمع خفقان نعالهم وأنا راکع؟ فقال: «اصبر رکوعک ومثل رکوعک، فإن انقطع، وإلا فانتصب قائماً» ((3))، وعن الفقیه: عن رجل مثله.

ص:393


1- التهذیب: ج2 ص102 فی کیفیة الصلاة 150
2- الوسائل: ج5 ص450 الباب 50 من صلاة الجماعة ح1
3- المصدر: ح2

الثالث عشر: أن یقول المأموم عند فراغ الإمام من الفاتحة: الحمد لله رب العالمین.

الرابع عشر: قیام المأمومین عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة.

{الثالث عشر: أن یقول المأموم عند فراغ الإمام من الفاتحة: الحمد لله رب العالمین} والظاهر أنه شامل لقراءته فی الثالثة والرابعة أیضاً، لإطلاق النص، ففی صحیح جمیل: «إذا کنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله رب العالمین، ولا تقل آمین».((1))

وقد تقدم فی مبطلات الصلاة بعض ما له نفع فی المقام.

وإطلاق النص والفتوی یقتضی الاستحباب وإن شرع الإمام فی السورة حتی فی الجهریة، کما أنه یعلم مما تقدم أنه یکره له أن یجهر بالحمدلة، لإطلاق دلیل النهی عن أن یسمع المأموم الإمام شیئاً.

{الرابع عشر: قیام المأمومین عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة} ففی صحیح حفص بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام): إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، أیقوم القوم علی أرجلهم أو یجلسون حتی یجیء إمامهم؟ قال (علیه السلام): «لا، بل یقومون علی أرجلهم، فإن جاء إمامهم وإلا فلیؤخذ بید رجل من القوم فیقدم».((2))

ومثله روایة معاویة، وقد نسب المستمسک الروایة السابقة إلی حفص وأبی ولاد، والظاهر أن (الواو) اشتباه، فأبو ولاد هو حفص بن سالم.

ص:394


1- المصدر: ج4 ص752 الباب 17 من القراءة فی الصلاة ح1
2- المصدر: ج5 ص439 الباب 42 من صلاة الجماعة ح1

وأما المکروهات فأمور أیضا:

أحدها: وقوف المأموم وحده فی صف وحده مع وجود موضع فی الصفوف،

أقول: ومن مستحبات الجماعة أن یشکر المأموم للإمام، لما رواه الفقیه عن السجاد (علیه السلام) _ فی حق إمام الجماعة _ قال (علیه السلام): «فوقی نفسک بنفسه وصلاتک بصلاته، فتشکر له علی قدر ذلک»((1)) الحدیث.

{وأما المکروهات فأمور أیضا، أحدها: وقوف المأموم وحده فی صف وحده مع وجود موضع فی الصفوف} بلا إشکال ولا خلاف، بل علیه دعوی الإجماع، ویدل علیه خبر السکونی، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا تکونن فی العثکل» قلت: وما العثکل؟ قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «أن تصلی خلف الصفوف وحدک، فإن لم یمکن الدخول فی الصف قام حذاء الإمام أجزأه، فإن عاند الصف فسدت علیه صلاته».((2))

وفی روایة الدعائم، عن علی (علیه السلام) أنه قال: قال لی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «یا علی لا تقومن فی العثکل». قلت: «وما العثکل یا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)»؟ قال: «أن تصلی خلف الصفوف وحدک».((3))

وهذا محمول علی الکراهة بقرینة الإجماع الذی لا یضره خلاف ابن

ص:395


1- جامع أحادیث الشیعة: ج6 ص458 الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة ح25
2- الوسائل: ج5 ص460 الباب 58 من صلاة الجماعة ح1
3- الدعائم: ج1 ص155

ومع امتلائها فلیقف آخر الصفوف أو حذاء الإمام.

الجنید، وبعض الروایات الدالة علی الجواز، کخبر أبی الصباح قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل یقوم فی الصف وحده؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس، إنما یبدأ واحد بعد واحد».((1))

وخبر موسی بن بکر: سأل أبا الحسن موسی بن جعفر (علیهما السلام) عن الرجل یقوم فی الصف وحده؟ قال: «لا بأس، إنما یبدأ الصف واحداً بعد واحد».((2))

ولا یخفی أن ظاهر الأخبار الناهیة ما لم یکن المأموم واحداً أو امرأة خلف الرجال، أو کان محل وقوفه لا یشمل إلاّ واحداً، کما إذا کان الحائط فی طرفیه، لانصراف النص عن کل ذلک.

ثم إن الکراهة مع وجود موضع فی الصفوف، {ومع امتلائها فلیقف آخر الصفوف أو حذاء الإمام} فعن سعید الأعرج، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یأتی الصلاة فلا یجد فی الصف مقاماً أیقوم وحده حتی یفرغ من صلاته؟ قال: «نعم، لا بأس أن یقوم بحذاء الإمام».((3)) ومثله خبر السکونی.

والرضوی (علیه السلام): «إن دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاماً فلا بأس أن تقف فی الصف الثانی وحدک، أو حیث شئت، وأفضل ذلک قرب الإمام».((4))

ص:396


1- التهذیب: ج3 ص280 ح148
2- الفقیه: ج1 ص254 الباب 56 فی الجماعة ح57
3- الکافی: ج3 ص385 باب الرجل یخطو إلی الصف ح3
4- فقه الرضا: ص94

الثانی: التنفل بعد قول المؤذن قد قامت الصلاة، بل عند الشروع فی الإقامة.

وروایة الدعائم، عن علی (علیه السلام) أنه قال: «إذا جاء الرجل ولم یستطع أن یدخل فی الصف فلیقم حذاء الإمام، فإن ذلک یجزیه ولا یعاند الصف».((1)) إلی غیرها من الروایات الظاهرة فی أنه یقف وحده فی الصف أو یقف قرب الإمام.

أما استظهار الحدائق بأن یکون المراد من وقوفه حذاء وقوفه متأخراً محاذیاً للإمام، فهو خلاف الظاهر، ومعنی المعاندة أن یدخل نفسه فی الصف بصعوبة، وسیأتی فی المسألة الثانیة عشرة ما له نفع فی المقام.

ثم إن وقوف المأموم بحذاء الإمام إنما هو فی غیر المرأة إذا اقتدت بالرجل، وإلا ففیه إشکال کما تقدم الکلام فی ذلک.

{الثانی: التنفل بعد قول المؤذن: قد قامت الصلاة، بل عند الشروع فی الإقامة} کما هو المشهور، خلافا للمحکی عن النهایة والوسیلة من المنع، ویدل علی الکراهة صحیحة عمر بن یزید، سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن الروایة التی یروون أنه لا ینبغی أن یتطوع فی وقت فریضة، ما حد هذا الوقت؟ قال (علیه السلام): «إذا أخذ المقیم فی الاقامة». فقال له: الناس یختلفون فی الإقامة؟ قال (علیه السلام): «المقیم الذی یصلی معهم».((2))

وفی روایة حماد قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: قال أبی: قال علی (علیه السلام): «خرج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لصلاة الصبح

ص:397


1- الدعائم: ج1 ص156
2- الوسائل: ج4 ص670 الباب 44 من أبواب الأذان ح1

الثالث: إن یخص الإمام نفسه بالدعاء إذا اخترع الدعاء من عند نفسه، وأما إذا قرأ بعض الأدعیة المأثورة فلا.

وبلال یقیم، وإذا عبد الله بن القشب یصلی رکعتی الفجر، فقال له النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): یا بن القشب أتصلی الصبح أربعاً؟ قال له ذلک مرتین أو ثلاث».((1))

وفی روایة ابن عمار: فمتی أدع رکعتی الفجر حتی أقضیها؟ قا ل (علیه السلام): «إذا قال المؤذن قد قامت».((2))

ومنه یعلم أن إشکال المستمسک علی المشهور _ حیث إنه ذکر روایة عمر فقط ثم قال: وظاهره نفس الشروع فی الإقامة لا قول قد قامت الصلاة کما من المشهور،((3)) انتهی. وکأنه أخذه من المستند لأنه أشکل بهذا الإشکال، وکیف کان _ غیر وارد، کما أن صریح الصحیح أن المناط المقیم الذی یصلی بإقامته لا سائر الإقامات لإنسان یصلی فرادی أو لجماعة أخری.

{الثالث: أن یخص الإمام نفسه بالدعاء إذا اخترع الدعاء من عند نفسه} لما رواه الشیخ فی التهذیب والصدوق فی الفقیه: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من صلی بقوم فاختص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم».((4))

ص:398


1- المصدر: ح2
2- التهذیب: ج2 ص340 الباب 15 فی کیفیة الصلاة ح264
3- المستمسک: ج7 ص363
4- التهذیب: ج3 ص281 فی فضل المساجد ح831. الفقیه: ج1 ص260 الباب 56 فی الجماعة ح96

الرابع: التکلم بعد قول المؤذن قد قامت الصلاة،

{وأما إذا قرأ بعض الأدعیة المأثورة فلا} لانصراف الدلیل عنه، وربما یحتمل کراهة الإفراد حتی فی هذه الصورة أیضاً، لأنه یجعل مأثوراً بسبب هذه الروایة العامة أیضاً.

ئنعم إذا ورد استحباب إن یدعو الإمام بالدعاء الفلانی فلا تشمله الروایة، لأن الوارد یخصص الروایة.

ثم إنه إذا قرأ الإمام القرآن الدعائی، فالظاهر أنه یأتی به کما أنزل، لا أنه یغیره إلی صیغة الجمع، کما أنه لا یغیره إذ کان الدعاء لا یرتبط بالمأموم، کما إذا دعا الله أن یشفی ولده، أو یأتی بمسافره أو ما أشبه، ولم یکن المأموم له هذه الحاجة، لانصراف النص عن مثله.

{الرابع: التکلم بعد قول المؤذن: قد قامت الصلاة} لصحیحة ابن أبی عمیر، عن الرجل یتکلم فی الإقامة؟ قال (علیه السلام): «نعم، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الکلام علی أهل المسجد، إلاّ أن یکونوا قد اجتمعوا من شتی ولیس لهم إمام فلا بأس أن یقول بعضهم لبعض تقدم یا فلان».((1))

وصحیح زرارة: «إذا أقیمت الصلاة حرم الکلام علی الإمام وأهل المسجد إلا فی تقدیم إمام».((2))

وقریب منهما موثق سماعة، وظاهرها وإن کان الحرمة، إلاّ أن الإجماع قام علی عدم الحرمة _ کما فی المستند _ بالإضافة إلی الجواز المستفاد من جملة

ص:399


1- التهذیب: ج2 ص55 فی الأذان ح29
2- الفقیه: ج1 ص85 الباب 44 فی الأذان ح16

بل یکره فی غیر الجماعة أیضا کما مر، إلاّ أن الکراهة فیها أشد، إلاّ أن یکون المأمومون اجتمعوا من شتی ولیس لهم إمام فلا بأس أن یقول بعضهم لبعض: تقدم یا فلان.

من الروایات الموجب لحمل هذه الروایات علی الکراهة، فإن الحرام بمعنی المنع، والمنع یمکن أن یکون عن کراهة، کما یستعمل أحیاناً بمعنی الممتنع أیضاً، قال تعالی:﴿وحَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ﴾.((1))

ففی صحیح عبید: أیتکلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال (علیه السلام): «لا بأس».((2))

وفی صحیح حماد: عن الرجل یتکلم بعد ما یقیم الصلاة؟ قال (علیه السلام): «نعم».((3)) ومثلهما غیرهما.

{بل یکره فی غیر الجماعة أیضا} بالنسبة إلی من یقیم لصلاة نفسه لا بالنسبة إلی إنسان یسمع إقامة إنسان آخر {کما مر} فی آداب الأذان والإقامة {إلا أن الکراهة فیها أشد} کما یستفاد من خصوص الروایة فی المقام، اللهم إلاّ أن یقال إنه لا دلالة علی الأشدیة، فإنه فرد من أفراد الکلام فی الإقامة.

{إلا أن یکون المأمومون اجتمعوا من شتی} جمع شتیت کمریض ومرضی {ولیس لهم إمام، فلا بأس أن یقول بعضهم لبعض: تقدم یا فلان} کما تقدم فی النص، والظاهر عدم الخصوصیة، فإنه إن لم یجتمعوا من شتی لکن لم یأت

ص:400


1- سورة الأنبیاء: الآیة 95
2- البحار: ج81 ص118 باب الأذان ح15
3- التهذیب: ج2 ص54 فی الأذان ح27

الخامس: إسماع المأموم الإمام ما یقوله بعضاً أو کلا.

السادس: ائتمام الحاضر بالمسافر، والعکس

إمامهم کان الحکم کذلک، کما أنه إن اجتمعوا من شتی، وتقدم بعضهم من تلقاء نفسه کره الکلام، لأنه من جهة تعیین الإمام، ولا حاجة إلیه فی المقام، وقد تقدم الکلام حول کراهة الکلام فی الإقامة مطلقا، فلا حاجة إلی تکراره.

{الخامس: إسماع المأموم الإمام ما یقوله بعضاً أو کلا} بلا إشکال ولا خلاف، لجملة من الروایات التی تقدمت فی المستحب الحادی عشر، وینبغی أن یستثنی من ذلک الإسماع بقصد إذهاب شک الإمام، کما ذکر فی مسألة شک الإمام والمأموم.

{السادس: ایتمام الحاضر بالمسافر، والعکس} وقد تقدم الکلام فی جواز ذلک فی المسألة الثالثة من أول فصل الجماعة.

ویدل علی کراهة ذلک _ بالإضافة إلی أنه لا خلاف فیه، بل صریح جملة منهم الإجماع علیه _ روایات مستفیضة مثل روایة أبی العباس، قال الصادق (علیه السلام): «لا یؤم الحضری المسافر ولا المسافر الحضری، فإن ابتلی بشیء من ذلک فأم قوماً حاضرین، فإذا أتم الرکعتین سلّم ثم أخذ بید بعضهم فقدمه فأمهم، وإذا صلی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلم، وإن صلی معهم الظهر فلیجعل الأولیین الظهر والأخیرتین العصر».((1))

وروایة داود بن الحصین، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «لا یؤم الحضری المسافر، ولا یؤم المسافر الحضری» الحدیث.

ص:401


1- الوسائل: ج5 ص403 الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح6

قصراً وتماماً، وأما مع عدم الاختلاف کالایتمام فی الصبح والمغرب فلا کراهة، وکذا فی غیرهما أیضا مع عدم الاختلاف، کما لو ائتم القاضی بالمؤدی أو العکس، وکما فی مواطن التخییر إذا اختار المسافر التمام، ولا یلحق نقصان الفرضین بغیر القصر والتمام بهما فی الکراهة، کما إذا ائتم الصبح بالظهر أو المغرب، أو هی بالعشاء أو العکس.

وروایة أبی بصیر، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «لا یصلی المسافر مع المقیم، فإن صلی فلینصرف فی الرکعتین».((1)) إلی غیرها.

{مع اختلاف صلاتهما قصراً وتماماً} خلافاً لمن أطلق الکراهة، وکأنه لم ینظر إلی قوله (علیه السلام): «فإن ابتلی» وقوله: «فإن صلی» وإلا فهما تصلحان قرینة علی عدم إطلاق الکراهة.

{وأما مع عدم الاختلاف کالایتمام فی الصبح والمغرب فلا کراهة} وکذا فی مثل صلاة الطواف والأموات وغیرهما.

{وکذا فی غیرهما أیضاً مع عدم الاختلاف، کما لو ائتم القاضی بالمؤدی أو العکس، وکما فی مواطن التخییر} الأربعة {إذا اختار المسافر التمام} وکذا إذا کان حکم المسافر التمام، لأنه صلی رباعیة بنیة الإقامة، إلی غیر ذلک.

{ولا یلحق نقصان الفرضین بغیر القصر والتمام بهما فی الکراهة، کما إذا ائتم الصبح بالظهر أو المغرب، أو هی بالعشاء أو العکس} لما عرفت من انصراف

ص:402


1- المصدر: ح3

الدلیل، عن مثل ذلک.

ثم إن من المکروهات فی الجماعة ما رواه هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «إذا انصرف الإمام فلا یصلی فی مقامه حتی ینحرف عن مقامه ذلک».

وفی روایة سلیمان بن خالد، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «الإمام إذا انصرف فلا یصلی فی مقامه رکعتین حتی ینحرف عن مقامه ذلک».((1))

ثم إنه قد تقدم مسألة إمامة المتیمم للمتطهر، فقد ورد فی بعض الروایات النهی عنه، وذلک یوجب عد ذلک فی عداد المکروهات.

ففی روایة عباد: «لا یصلی المتیمم بقوم متوضین».((2))

وفی روایة السکونی: «لا یؤم صاحب التیمم المتوضین».((3)) إلی غیرها من المکروهات التی ذکرت خلال المباحث السابقة.

ص:403


1- انظر: الوسائل: ج3 ص472 الباب 42 من مکان المصلی
2- الوسائل: ج5 ص402 الباب 17 من صلاة الجماعة ح6
3- المصدر: ح7

مسألة ١ انتظار الإمام والمأموم قبل التسلیم

مسألة _ 1 _ یجوز لکل من الإمام والمأموم عند انتهاء صلاته قبل الآخر بأن کان مقصراً والآخر متمّاً، أو کان المأموم مسبوقا، أن لا یسلم وینتظر الآخر حتی یتم صلاته ویصل إلی التسلیم فیسلم معه،

{مسألة _ 1 _ یجوز لکل من الإمام والمأموم عند انتهاء صلاته قبل الآخر بأن کان مقصراً والآخر متماً، أو کان المأموم مسبوقاً، أن لا یسلم وینتظر الآخر حتی یتم صلاته ویصل إلی التسلیم فیسلم معه} ذکره العلامة والشهیدان وغیرهم فی جملة من کتبهم، بل عن بعضهم أنه أفضل.

أما الجواز فللأصل بعد عدم الدلیل علی وجوب المبادرة، واحتمال خلله بالموالاة غیر تام، إذ المستفاد من انتظار الإمام فی صلاة الخوف للمأموم حتی یلتحق به فیسلم معه أن مثل هذا التریث لا یضر بالموالاة، وکذا المستفاد مما دل علی الالتحاق بالإمام فیمن منعه الزحام عن الرکوع والسجود مع الإمام.

نعم إن کان کثیراً بحیث یری عرف المتشرعة أنه خلاف الکیفیة المتلقاة من الشرع فی تتابع الصلاة، ولم یکن المنتظر مشتغلاً بقرآن أو ذکر أو نحوهما، کما إذا قرأ غیر المنتظر سورة البقرة، أو کان له ثلاث رکع _ مثلا _ ولم یقرأ المنتظر شیئاً، فالظاهر أنه مشکل، والتمسک بالأصل لا ینفع بعد کونه خلاف المتلقی، وقد قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «صلوا کما رأیتمونی أصلی».((1))

وأما الاستحباب فکأنه مستفاد من ما دل علی کراهیة مقارنة المأموم للإمام _ کما ذکره الجواهر _ ومما دل علی استحباب الائتمام بالتسلیم لیتوقف تحصیله

ص:404


1- العوالی: ج3 ص85 ح76

خصوصاً للمأموم إذا اشتغل بالذکر والحمد ونحوهما إلی أن یصل الإمام، والأحوط الاقتصار علی صورة لا تفوت الموالاة، وأما مع فواتها ففیه إشکال، من غیر فرق بین کون المنتظر هو الإمام أو المأموم.

علی الانتظار المذکور، کما ذکره المستمسک.

وفیه نظر، إذ کراهة مفارقة المأموم لا ربط لها بالمقام، کما لا یخفی علی من راجع أدلتها، حیث ذکرها مصباح الفقیه وغیره، عند شرح قول المحقق فی المسألة الخامسة (لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام) واستحباب الائتمام بالتسلیم منصرف إلی المتعارف الذی لیس المقام منه.

{خصوصا للمأموم إذا اشتغل بالذکر والحمد ونحوهما إلی أن یصل الإمام} لورود ذلک فی المأموم فی أن یقنت ویتشهد مع الإمام إذا کان مسبوقاً، وفی أن یسبح إذا تم الحمد والسورة ولم یتمهما الإمام لأجل الانتظار له إلی إن یرکع فیرکع معه.

{والأحوط} بل الأقوی {الاقتصار} فی مورد سکوت المأموم أو الإمام {علی صورة لا تفوت المولاة، وأما مع فواتها ففیه إشکال} بل منع لما دل علی وجوب الموالاة.

نعم القراءة والذکر ونحوهما لا تنافیان الموالاة، کما حقق فی بحث الموالاة.

{من غیر فرق بین کون المنتظر هو الإمام أو المأموم} لوحدة الدلیل فیهما جوازاً فی صورة عدم فوت الموالاة، ومنعاً فی صورة فوتها.

ص:405

مسألة ٢ شک الإمام بعد السجدة الثانیة

مسألة _ 2 _ إذا شک المأموم بعد السجدة الثانیة من الإمام أنه سجد معه السجدتین أو واحدة یجب علیه الإتیان بأخری إذا لم یتجاوز المحل.

{مسألة _ 2 _ إذا شک المأموم بعد السجدة الثانیة من الإمام أنه سجد معه السجدتین أو واحدة یجب علیه الإتیان بأخری} لقاعدة الشک فی المحل، ولا دلیل علی أن المأموم یرجع إلی الإمام فی أمثال هذه الأمور، أما قوله (علیه السلام): «لیس علی من خلف الإمام سهو إذا لم یسه الإمام» ((1))، فهو منصرف إلی ما کان شک أحدهما فی فعله راجعاً إلی شکه فی فعل صاحبه.

ومنه یعلم لو شک المأموم فی أنه رکع أو لا، أو تشهد أو لا، بل لو شک فی أنه صلی ثلاث أو أربع مع علمه بأن شکه غیر مرتبط بالإمام لعلمه بأن شکه خاص به، کما إذا منعه الزحام عن الاقتداء فشک هل أنه فعل رکعتین أو رکعة، مع علمه بأن الإمام فعل رکعتین _ إلی غیر ذلک من الأمثلة _ لم یکن یرجع إلی الإمام فی شیء منها، بل هو مکلف بإجراء القواعد علی نفسه، کما إذا کان فرادی.

{إذا لم یتجاوز المحل} وإلا بنی علی السجدتین لقاعدة تجاوز المحل، ومما تقدم یظهر حکم العکس وهو أنه إذا شک الإمام شکاً غیر مربوط بالمأموم لم یکن له الرجوع إلی المأموم، بل یأتی الإمام بتکلیفه، کما إذا کان فرادی.

ص:406


1- الوسائل: ج5 ص340 الباب 24 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ح8

مسألة ٣ شک المأموم بعد السجدة الثانیة للإمام أنه سجد معه السجدتین

مسألة _ 3 _ إذا اقتدی المغرب بعشاء الإمام، وشک فی حال القیام أنه فی الرابعة أو الثالثة ینتظر حتی یأتی الإمام بالرکوع والسجدتین حتی یتبین له الحال، فإن کان فی الثالثة أتی بالبقیة وصحت الصلاة، وإن کان فی الرابعة یجلس ویتشهد ویسلم ثم یسجد سجدتی السهو لکل واحد من الزیادات من قوله: «بحول الله» وللقیام وللتسبیحات إن أتی بها أو ببعضها.

{مسألة _ 3 _ إذا اقتدی المغرب بعشاء الإمام وشک فی حال القیام أنه فی الرابعة أو الثالثة ینتظر حتی یأتی الإمام بالرکوع والسجدتین حتی یتبین له الحال} ولا یتمکن من متابعة الإمام، لأنه لو کانت الرابعة بطلت صلاته بمتابعة الإمام، فلا مجال لإعمال أدلة المتابعة.

{فإن کان فی الثالثة أتی بالبقیة وصحت الصلاة} ولا یضر هذا القدر من الانفصال عن الإمام لما ذکرناه سابقاً من أن أدلة المتابعة لا یضرها أمثال هذه المفارقات.

{وإن کان فی الرابعة یجلس ویتشهد ویسلم ثم یسجد سجدتی السهو لکل واحد من الزیادات من قوله: «بحول الله» وللقیام وللتسبیحات إن أتی بها أو ببعضها} بناءً علی وجوبها لکل زیادة ونقیصة، ثم إنه لو اشتبه الإمام ففعل زیادة أو نقیصة، کما إذا سجد ثلاث أو واحدة أو قام إلی الخامسة لم یتبعه المأموم، لأن أدلة المتابعة لا تشمل المقام، فإن کانت زیادة الإمام أو نقیصته توجب بطلان صلاته انفصل المأموم عنه بانفراد، أو بأن یقتدی بإمام ثان أو یصبح إماماً لمأموم

ص:407

آخر، وإلاّ بقی معه فی الجماعة بدون أن ینقص ویزید.

ویدل علی بعض ما ذکرناه ما رواه التهذیب والفقیه، عن سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی رجل سبقه الإمام برکعة وأوهم الإمام فصلی خمساً، قال (علیه السلام): «یعید تلک الرکعة ولا یعتد بوهم الإمام».((1))

ص:408


1- الفقیه: ج1 ص266 الباب 56 فی الجماعة ح126

مسألة ٤ رؤیة الکبیرة من عادل

مسألة _ 4 _ إذا رأی من عادل کبیرة لا یجوز الصلاة خلفه إلاّ أن یتوب مع فرض بقاء الملکة فیه، فیخرج عن العدالة بالمعصیة ویعود إلیها بمجرد التوبة.

{مسألة _ 4 _ إذا رأی من عادل کبیرة} بنفسها، أو بانقلاب الصغیرة إلیها بالإصرار علیها {لا یجوز الصلاة خلفه} نصاً وإجماعاً {إلاّ أن یتوب مع فرض بقاء الملکة فیه} إذ التوبة بدون الملکة لا ینفع، بناءً علی أن العدالة عبارة عن الملکة.

{فیخرج عن العدالة بالمعصیة، ویعود إلیها بمجرد التوبة} أما إذا شک فی بقاء الملکة، فالظاهر صحة استصحابها.

ص:409

مسألة ٥ الإقتداء بالإمام مع عدم العلم بأن صلاته فریضة أم لا

مسألة _ 5 _ إذا رأی الإمام یصلی ولم یعلم أنها من الیومیة أو من النوافل لا یصح الاقتداء به، وکذا إذا احتمل أنها من الفرائض التی لا یصح اقتداء الیومیة بها. وإن علم أنها من الیومیة لکن لم یدر أنها أیة صلاة من الخمس أو أنها أداء أو قضاء أو أنها قصر أو تمام لا بأس بالاقتداء، ولا یجب إحراز ذلک قبل الدخول، کما لا یجب إحراز أنه فی أی رکعة کما مر.

{مسألة _ 5 _ إذا رأی الإمام یصلی ولم یعلم أنها من الیومیة أو من النوافل} وقلنا بعدم صحة الاقتداء بالنافلة {لا یصح الاقتداء به} للشک فی صحة الجماعة وهو یوجب إجراء أصالة عدم انعقاد الجماعة، فلو اقتدی به وتمشت منه القربة وعلم بعد ذلک أنها کانت الیومیة صحت، إذ الاستصحاب لا یوجب إلا حکماً ظاهریاً أی التنجیز والإعذار ولا یوجب تغییر الواقع.

{وکذا إذا احتمل أنهما من الفرائض التی لا یصح اقتداء الیومیة بها} مثل صلاة الأموات، حیث عدم صحة الاقتداء بها فی الیومیة.

{وإن علم أنها من الیومیة لکن لم یدر أنها أیة صلاة من الخمس أو} علم أنها الظهر مثلا لکن لم یعلم {أنها أداء أو قضاء أو أنها قصر أو تمام} أو أنها أصلیة أو معادة أو أنها لنفسه أو نیابة عن غیره {لا بأس بالاقتداء، ولا یجب إحراز ذلک قبل الدخول} بل ولا إحرازه إلی الأخیر لأنها کیفما کانت یصح الاقتداء بها لإطلاق الأدلة، ولا دلیل علی لزوم الإحراز قبلاً ولا بعداً.

{کما لا یجب إحراز أنه فی أی رکعة کما مر} نعم اللازم علیه أن یرتب

ص:410

علی نفسه أثر کل رکعة، بحیث لا یوجب اقتداؤه خللا فی صلاته، فإنه إذا کان الإمام فی الأولیین لم یکن علیه قراءة، بخلاف ما إذا کان فی الأخیرتین.

ص:411

مسألة ٦ القدر المتیقن من إغتفار زیادة الرکوع سهوا

مسألة _ 6 _ القدر المتیقن من اغتفار زیادة الرکوع للمتابعة سهواً زیادته مرة واحدة فی کل رکعة، وأما إذا زاد فی رکعة واحدة أزید من مرة کأن رفع رأسه قبل الإمام سهواً ثم عاد للمتابعة ثم رفع أیضاً سهواً ثم عاد فیشکل الاغتفار، فلا یترک الاحتیاط حینئذ بإعادة الصلاة بعد الإتمام، وکذا فی زیادة

{مسألة _ 6 _ القدر المتیقن} عند المصنف {من اغتفار زیادة الرکوع للمتابعة سهواً زیادة مرة واحدة فی کل رکعة}، لکن الظاهر أنه لا وجه له، لإطلاق أدلته، والقول بانصراف الأدلة إلی مرة واحدة غیر تام، إذ لا انصراف، ولو سلم فهو بدوی، کانصراف أن اللازم أن لا تتکرر الزیادة فی کل رکعة بدعوی أنه نادر، فالدلیل منصرف منه، إذ لو سلم الانصراف فی ذلک فهو بدوی أیضاً.

{وأما إذا زاد فی رکعة واحدة أزید من مرة، کأن رفع رأسه قبل الإمام سهواً ثم عاد للمتابعة ثم رفع أیضاً سهواً ثم عاد فیشکل الاغتفار}، ولذا أشکل علیه المستمسک((1)) بقوله: وإن کان هو مقتضی إطلاق النصوص المتقدمة.

ومثله الکلام فی السجود، ومنه یعلم أن سکوت السادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم علی المتن غیر خال عن النظر.

وکیف کان {ف_} عند المصنف ومن تبعه {لا یترک الاحتیاط حینئذ بإعادة الصلاة بعد الإتمام} ومما تقدم یعلم وجه النظر فی قوله: {وکذا فی زیادة

ص:412


1- المستمسک: ج7 ص368

السجدة القدر المتیقن اغتفار زیادة سجدتین فی رکعة، وأما إذا زاد أربع فمشکل.

السجدة القدر المتیقن اغتفار زیادة سجدتین فی رکعة} واحدة {وأما إذا زاد أربع فمشکل} بل لازمه أن یشکل فی زیادة ثلاث أیضاً، إذ سجدتان مغتفرتان أما الثالثة فیأتی بها عمداً، فإن لم یشمله دلیل المتابعة کان من الزیادة العمدیة الموجبة للإبطال لا أقل من الاحتیاط بوجوب الإعادة.

ص:413

مسألة ٧ فروع تتعلق بإغتفار زیادة الرکن

مسألة _ 7 _ إذا کان الإمام یصلی أداءً أو قضاءً یقینیاً والمأموم منحصراً بمن یصلی احتیاطیا یشکل إجراء حکم الجماعة من اغتفار زیادة الرکن ورجوع الشاک منهما إلی الآخر ونحوه، لعدم إحراز کونها صلاة.

{مسألة _ 7 _ إذا کان الإمام یصلی أداءً أو قضاءً یقینیاً و} کان {المأموم منحصراً بمن یصلی احتیاطیا یشکل إجراء حکم الجماعة من اغتفار زیادة الرکن ورجوع الشاک منهما إلی الآخر ونحوه} من عدم قراءة الحمد والسورة {لعدم إحراز کونها صلاة} إذ لو لم یکن فی الواقع واجباً علیه لم تتحقق الصلاة فلا جماعة، لکن ینبغی الکلام فی ذلک فی أمور:

الأول: إنه إذا کان المأموم صلی فرادی ثم صلی جماعة احتیاطاً، ولا ینبغی الإشکال فی صحة الجماعة للأمر به، وإن الله یختار أحبهما إلیه.

الثانی: ما إذا کان المأموم صلی أولاً جماعة ثم صلی احتیاطاً جماعة، فإن قلنا بالمناط فی إن الله یختار أحبهما إلیه فإجراء أحکام الجماعة علیه أیضاً لا ینبغی الإشکال فیه، وإن لم نقل بالمناط، فالظاهر صحة إجراء أحکام الجماعة من جهة أوامر الاحتیاط، وکون الأحکام للصلاة غیر الاحتیاطیة ممنوع، ولا فرق فی ذلک بین الاحتیاط الوجوبی والاستحبابی، فإذا صلی أربع صلوات جماعة فی صورة اشتباه القبلة، کان لکن منها أحکام الجماعة، وکذا لو صلی مع الطهارة المستصحبة ثم توضأ وصلی ثانیاً احتیاطاً استحبابیاً.

الثالث: فی الصلاة الاحتیاطیة لتکمیل بعض أقسام الشکوک یجوز الاقتداء

ص:414

نعم لو کان الإمام أو المأموم أو کلاهما یصلی باستصحاب الطهارة لا بأس بجریان حکم الجماعة، لأنه وإن کان لم یحرز کونها صلاة واقعیة لاحتمال کون الاستصحاب مخالفاً للواقع إلاّ أنه حکم شرعی

إذا کان الإمام وقع فی نفس الشک، وکذا الاقتداء بإمام یصلی الیومیة ونحوها، وللصلاة أحکام الجماعة للأمر بذلک، واحتمال کونها نافلةً واقعاً لا یضر فی الأولی بل ولا فی الثانیة، لأن أمر الشارع یدرجه فی أدلة الجماعة، وإن کانت مستحبة واقعاً، بأنه مثل ما ذکرناه فی الأمر الأول، بل أهون لأن الصلاة إلی غیر القبلة باطلة بینما هنا لیست باطلة، أما إذا قلنا بصحة الجماعة فی النافلة فالأمر واضح.

الرابع: یظهر مما تقدم ما إذا کانت صلاة الإمام احتیاطیة، ثم إنه مما تقدم یظهر حال ما إذا کان للإمام مأمومون متعددون، وکان بعضهم یصلی احتیاطاً، فإنه لم یصح الرجوع إلیه علی مبنی المصنف فقوله: (و المأموم منحصراً) إنما هو من باب المثال.

بقی شیء، نبه علیه المستمسک، وهو أن إشکال المصنف لا یجری فی رجوع المأموم المصلی احتیاطا إلی الإمام، لأن صلاته إن کانت صحیحة کانت جماعته کذلک، فیجوز رجوعه إلی إمامه، وإن کانت جماعته باطلة لم یضره الرجوع إلی الإمام.

{نعم لو کان الإمام أو المأموم أو کلاهما یصلی باستصحاب الطهارة لا بأس بجریان حکم الجماعة، لأنه وإن کان لم یحرز کونها صلاة واقعیة لاحتمال کون الاستصحاب مخالفاً للواقع إلاّ أنه حکم شرعی ظاهری} یوجب التنجیز والإعذار

ص:415

ظاهری، بخلاف الاحتیاط فإنه إرشادی ولیس حکماً ظاهریاً.

وکذا لو شک أحدهما فی الإتیان برکن بعد تجاوز المحل _ فإنه حینئذ وإن لم یحرز بحسب الواقع کونها صلاة _ لکن مفاد قاعدة التجاوز أیضاً حکم شرعی فهی فی ظاهر الشرع صلاة.

وکذلک الحال فی ما لو حکم بطهارة الماء بالأصل أو بالشهود أو بإخبار ذی الید أو ما أشبه.

{بخلاف الاحتیاط فإنه إرشادی ولیس حکماً ظاهریاً} فیه إنه أول الکلام ومجرد موافقة العقل لا یوجب رفع الید عن ظهور الأمر فی المولویة.

{وکذا لو شک أحدهما فی الإتیان برکن بعد تجاوز المحل، فإنه حینئذ وإن لم یحرز بحسب الواقع کونها صلاة} لاحتمال أنه لم یأت به واقعاً، {لکن مفاد قاعدة التجاوز أیضاً حکم شرعی فهی فی ظاهر الشرع صلاة} فیثبت بذلک حکم الجماعة.

ومنه یعلم حال سائر الأحکام التی من هذا القبیل، کما إذا شک فی المحل أنه رکع أم لا، فرکع، فإنه وإن احتمل فی الواقع أنها لیست بصلاة لزیادة الرکن بأن کان قد رکع أو لا، إلاّ أن حکم الشرع بالإتیان بالرکوع یکفی فی إجراء حکم الجماعة علیه.

ثم إنه لو تبین بعد ذلک بطلان صلاة الإمام لم تضر زیادة الرکن للمتابعة، لما دل علی صحة الصلاة إذا تبین کفر الإمام أو فسقه أو ما أشبه مما تقدم الکلام فیه.

نعم إذا تبین بعد ذلک بطلان صلاة المأموم الواحد _ مثلا _ أشکل صحة صلاة الإمام إذا رجع إلیه فی الشکوک المبطلة، والله العالم.

ص:416

مسألة ٨ الإنفراد أو البقاء علی الإقتداء

مسألة _ 8 _ إذا فرغ الإمام من الصلاة والمأموم فی التشهد، أو فی السلام الأول، لا یلزم علیه نیة الانفراد، بل هو باق علی الاقتداء عرفاً.

{مسألة _ 8 _ إذا فرغ الإمام من الصلاة والمأموم فی التشهد، أو فی السلام الأول لا یلزم علیه نیة الانفراد} ولا ینفرد بنفسه تلقائیاً {بل هو باق علی الاقتداء عرفاً} وخروج الإمام عن الصلاة لا ینافی صدق القدوة، وهذه المسألة لا ثمرة عملیة لها، إلاّ فی مثل النذر، فإذا نذر أن یکون فی کل صلاته مقتدیاً لم یضر ذلک بنذره.

نعم لو نوی الانفراد أضر بنذره، لکن اللازم أن لا یعطل فی التشهد والسلام حتی یخرج عن صدق القدوة عرفاً.

ص:417

مسألة ٩ المأموم المسبوق برکعة

مسألة _ 9 _ یجوز للمأموم المسبوق برکعة أن یقوم بعد السجدة الثانیة من رابعة الإمام التی هی ثالثته وینفرد، ولکن یستحب له أن یتابعه فی التشهد متجافیاً إلی أن یسلم ثم یقوم إلی الرابعة.

{مسألة _ 9 _ یجوز للمأموم المسبوق برکعة أن یقوم بعد السجدة الثانیة من رابعة الإمام التی هی ثالثته وینفرد} کما هو المشهور، لما سبق فی مسألة جواز الانفراد فی أی موضع من مواضع الصلاة، خلافاً للمحکی عن ظاهر السرائر وبعض آخر، حیث أوجبوا البقاء مع الإمام تمسکاً بظاهر قوله (علیه السلام): «فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعتین»((1))  _ فی المأموم المسبوق برکعتین _ لکن الظاهر من هذا النص ونحوه أنه بصدد بیان الحکم لمن أراد أن یبقی علی جماعته.

{ولکن یستحب له أن یتابعه فی التشهد متجافیاً إلی أن یسلم ثم یقوم إلی الرابعة} أما المتابعة فی التشهد والسلام، فلما تقدم وغیره من الروایات، کما یستحب له المتابعة فی القنوت أیضاً، وأما التجافی فللمناط المستفاد عن التجافی فی الوسط.

فعن عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل یدرک الرکعة الثانیة من الصلاة مع الإمام وهی له الأولی، کیف یصنع إذا جلس الإمام للتشهد؟ قال (علیه السلام): «یتجافی ولا یتمکن من القعود»((2)) الحدیث. ومثله غیره.

ص:418


1- السرائر: ص62 س6
2- الوسائل: ج5 ص445 الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح2

مسألة ١٠ عدم وجوب الإصغاء إلی قراة الإمام

مسألة _ 10 _ لا یجب علی المأموم الإصغاء إلی قراءة الإمام فی الرکعتین الأولیین من الجهریة إذا سمع صوته، لکنه أحوط.

{مسألة _ 10 _ لا یجب علی المأموم الإصغاء إلی قراءة الإمام فی الرکعتین الأولیین من الجهریة إذا سمع صوته} کما هو المشهور للأصل، وما تقدم من الدلیل فی مسألة حکم القراءة فی الجهریة.

{لکنه أحوط} لما عن بعضهم من الحکم بالوجوب تبعاً لظاهر قوله تعالی:

ƒإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا﴾((1))، ولجملة من الروایات:

مثل ما رواه عبد الرحمان بن الحجاج، عن الصادق (علیه السلام): «وأما الصلاة التی یجهر فیها فإنما أمر بالجهر لینصت من خلفه» ((2))، ومثله غیره.

ص:419


1- سورة الأعراف: الآیة 204
2- الوسائل: ج5 ص422 الباب 31 من صلاة الجماعة ح5

مسألة ١١ الشک فی حدوث الفسق للإمام

مسألة _ 11 _ إذا عرف الإمام بالعدالة ثم شک فی حدوث فسقه، جاز له الاقتداء به عملا بالاستصحاب، وکذا لو رأی منه شیئاً وشک فی أنه موجب للفسق أم لا.

{مسألة _ 11 _ إذا عرف الإمام بالعدالة ثم شک فی حدوث فسقه جاز له الاقتداء به عملاً بالاستصحاب}، وذلک فیما لم یعلم أنه هل صدر منه شیء أم لا، وذلک لتمامیة أرکان الاستصحاب.

{وکذا لو رأی منه شیئاً وشک فی أنه موجب للفسق أم لا} فی الشبهة الموضوعیة، کما لو رآه یغتاب إنسانا لکنه لم یعلم هل أنه مسلم أو کافر، أما إذا کانت الشبهة حکمیة، کما إذا رآه یلبس الذهب الأبیض ولم یعلم هل أنه حرام أو حلال، فالظاهر أنه یجری فیه استصحاب الحکم بعد الیأس عن الدلیل، کما نبه علیه المستمسک، ونبه علی الشق الأول من المسألة السید البروجردی، ولو اختلف الإمام والمأموم فی بعض موجبات الفسق لم تبطل عدالة الإمام بإتیانه إذا کان یری أنه لیس بمحرم، لأن العادل هو الذی لا یرتکب الحرام المعلوم لدیه حرمته.

ص:420

مسألة ١٢ تکلیف المأموم مع ضیق الصف

مسألة _ 12 _ یجوز للمأموم مع ضیق الصف أن یتقدم إلی الصف السابق، أو یتأخر إلی اللاحق إذا رأی خللا فیهما،

{مسألة _ 12 _ یجوز للمأموم مع ضیق الصف أن یتقدم إلی الصف السابق أو یتأخر إلی اللاحق إذا رأی خللا فیهما} بلا إشکال ولا خلاف، ویقتضیه بالإضافة إلی الأصل جملة من النصوص:

فعن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): نکون فی المسجد فتکون الصفوف مختلفة فیه ناس فأقبل إلیهم مشیاً حتی نتمه؟ فقال (علیه السلام): «نعم لا بأس به»((1)) الحدیث.

وعن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «أقیموا صفوفکم إذا رأیتم خللا، ولا علیک أن تأخذ وراءک إذا رأیت ضیقاً فی الصفوف أن تمشی فتتم الصف الذی خلفک أو تمشی منحرفاً فتتم الصف الذی قدامک فهو خیر».((2))

وعن الرضوی، قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «أتموا الصفوف إذا رأیتم خللا فیها، ولا یضرک أن تتأخر وراءک إذا رأیت ضیقاً فی الصف، فتتم الصف الذی خلفک وتمشی منحرفاً».((3))

وعن سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا یضرک أن تتأخر وراءک إذا وجدت ضیقا فی الصف فتتأخر إلی الصف الذی خلفک، وإن کنت فی صف فأردت أن تتقدم قدامک فلا بأس أن تمشی إلیه».((4)) إلی غیرها من الروایات.

ص:421


1- الوسائل: ج5 ص472 الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح8
2- المصدر: ص473 ح9
3- فقه الرضا: ص11
4- الوسائل: ج5 ص471 الباب 70 من أبواب صلاة الجاعة ح3

لکن علی وجه لا ینحرف عن القبلة فیمشی القهقری.

ومما تقدم یظهر أن مورد استحباب المشی، إما بأن یجد ضیقا فی مکانه فینتقل إلی مکان لا ضیق فیه، وإما بأن یجد خللا فی الصف الذی خلفه أو أمامه فیمشی لیسد الخلل.

والحکم بذلک استحباب لا مجرد جواز، کما یظهر من المصنف، ولا فرق بین التقدم والتأخر والمشی منحرفاً بدون انحراف عن القبلة.

ولذا قال: {لکن علی وجه لا ینحرف عن القبلة فیمشی القهقری} ثم إنه لا فرق بین أن یتقدم أو یتأخر صفاً أو عدة صفوف، والظاهر عدم الفرق بین إن کان تعمد الوقوف أولاً فی مکانه، أو لم یتعمد لإطلاق الدلیل.

ثم إن المشی فی غیر حالة القراءة والذکر الواجب جائز، أما فی حالهما ففیه إشکال، والأحوط العدم، کما أن الأحوط عدمه فی حال قراءة الإمام الواجبة، ولا یبعد أن یکون الحکم بالمشی عاماً لحالة القیام وغیره.

ص:422

مسألة ١٣ إستحباب انتظار الجماعة إماما ومأموما

مسألة _ 13 _ یستحب انتظار الجماعة إماماً أو مأموماً، وهو أفضل من الصلاة فی أول الوقت منفرداً، وکذا یستحب اختیار الجماعة مع التخفیف، علی الصلاة فرادی مع الإطالة.

{مسألة _ 13 _ یستحب انتظار الجماعة إماماً أو مأموماً، وهو أفضل من الصلاة فی أول الوقت منفرداً} لکن الظاهر أن ذلک فیما لم یوجب تأخیراً طویلاً کأن یصلی قبل غروب الشمس بنصف ساعة مثلا، لانصراف الدلیل عن مثله.

{وکذا یستحب اختیار الجماعة مع التخفیف، علی الصلاة فرادی مع الإطالة} ففی الفقیه، سأل الصادق (علیه السلام) جمیل بن صالح: أیهما أفضل یصلی الرجل لنفسه فی أول الوقت أو یؤخر قلیلا ویصلی بأهل مسجده إذا کان إمامهم؟ قال (علیه السلام): «یؤخر ویصلی بأهل مسجده إذا کان الإمام».((1))

وفی الفقیه أیضاً، قال: سأل الصادق (علیه السلام) رجل فقال: إن لی مسجداً علی باب داری، فأیهما أفضل، أصلی فی منزلی فأطیل الصلاة، أو أصلی بهم وأخفف؟ فکتب (علیه السلام): «صل بهم وأحسن الصلاة ولا تثقل».((2))

وفی روایة علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام) قال: سألته عن القوم یتحدثون حتی یذهب الثلث الأول من اللیل وأکثر، أیهما أفضل، یصلون العشاء جماعة أو فی غیر جماعة؟ قال: «یصلونه جماعة أفضل».((3))

وهذه الروایة وإن ذکرها بعض الفقهاء فی هذه المسألة إلاّ أن ظاهرها السؤال

ص:423


1- الفقیه: ج1 ص250 الباب 56 فی الجماعة ح31
2- المصدر: ح32
3- الوسائل: ج5 ص388 الباب 9 من أبواب صلاة الجماعة ح2

عن الصلاة جماعة أو فرادی بعد ثلث اللیل فلا ربط لها بالمقام.

ثم إن الروایتین الأولتین وإن کان موردهما الإمام، إلاّ أن المناط یوجب تسری الحکم إلی المأموم أیضاً، فلا فرق فی الحکمین بینهما، کما هو المستفاد عرفاً.

ص:424

مسألة ١٤ موارد إستحباب الجماعة وکراهتها

مسألة _ 14 _ یستحب الجماعة فی السفینة الواحدة وفی السفن المتعددة للرجال والنساء،

{مسألة _ 14 _ یستحب الجماعة فی السفینة الواحدة وفی السفن المتعددة للرجال والنساء} بشرط عدم الفصل الکثیر، وعدم تقدم المأموم علی الإمام وعدم الحائل بواسطة حافة السفینة، ولا إشکال فی الحکم ولا خلاف، کما صرح به الجواهر وغیره.

ویدل علیه فی الجملة صحیحة یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا بأس بالصلاة جماعة فی السفینة».((1))

وروایة إبراهیم بن أبی میمون، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن الصلاة فی جماعة فی السفینة؟ فقال: «لا بأس».((2))

وصحیحة علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن قوم صلوا جماعة فی سفینة أین یقوم الإمام، وإن کان معهم نساء کیف یصفون، قیاماً یصلون أم جلوساً؟ قال: «یصلون قیاماً، فإن لم یقدروا علی القیام صلوا جلوساً، ویقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم، وإن ضاقت السفینة قعدن النساء وصلی الرجال ولا بأس أن یکون النساء بحیالهم».((3))

ثم الظاهر إنه لو کانوا فی سفینتین وابتعدت إحداهما عن الأخری، أو تقدم

ص:425


1- الوسائل: ج5 ص475 الباب 73 من أبواب صلاة الجماعة ح2
2- المصدر: ح1
3- المصدر: ح3

ولکن تکره الجماعة فی بطون الأودیة.

سفینة المأموم علی سفینة الإمام ثم تدورک الأمر فوراً، بأن لم یطل الابتعاد والتقدم بقیت علی الجماعة، کما استوجهه مصباح الفقیه، خلافاً لمن قال ببطلان الجماعة لفقد الشرط، وذلک لعدم محو صورة الجماعة بمثل هذه الفترة القلیلة، کما یستفاد ممن دخل المسجد واتصل بالجماعة عن مسافة لخوف عدم إدراک رکوع الإمام، وقد عرفت أنه یصح أن ینوی وهو مقدم علی إمام الجماعة، فراجع.

نعم الأحوط الإتیان بوظیفة الانفراد إذا حصل البعد ونحوه {ولکن تکره الجماعة فی بطون الأودیة} لما دل علی کراهة الصلاة فی بطون الأودیة مطلقاً الشامل للجماعة والانفراد، وعلیه فالمکروهات المذکورة فی صلاة الانفراد تأتی هنا أیضاً، بالإضافة إلی خبر الجعفری: «لا تصل فی بطن واد جماعة».((1))

ص:426


1- الوسائل: ج3 ص458 الباب 29 من أبواب مکان المصلی ح1

مسألة ١٥ إستحباب إختیار الإمامة علی الإقتداء

مسألة _ 15 _ یستحب اختیار الإمامة علی الاقتداء، فللإمام إذا أحسن بقیامه وقراءته ورکوعه وسجوده مثل أجر من صلی مقتدیاً به، ولا ینقص من أجرهم شیء.

{مسألة _ 15 _ یستحب اختیار الإمامة علی الاقتداء} إذا دار الأمر بینهما {فللإمام إذا أحسن بقیامه وقراءته ورکوعه وسجوده مثل أجر من صلی مقتدیاً به، ولا ینقص من أجرهم شیء} ففی حدیث عن علی (علیه السلام)، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «من أم قوماً بإذنهم وهم به راضون فاقتصد بهم فی حضوره وأحسن صلاتهم بقیامه وقراءته ورکوعه وسجوده وقعوده، فله مثل أجر القوم ولا ینقص من أجورهم شیء»((1))، لکن الظاهر أن أفضلیة الإمامة إنما هی بشرط أن لا یکون من موارد کراهة إمامته، کما إذا کان فی القوم من هو أعلم منه أو ما أشبه.

ص:427


1- الفقیه: ج4 ص9 فی المناهی

مسألة ١٦ الإقتداء بالعبد

مسألة _ 16 _ لا بأس بالاقتداء بالعبد

{مسألة _ 16 _ لا بأس بالاقتداء بالعبد} کما هو المشهور شهرة عظیمة، وذلک لإطلاقات الأدلة، وخصوص جملة من الروایات الدالة علیه، مثل قول الباقر (علیه السلام) فی حسن زرارة، قلت له: الصلاة خلف العبد؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس به إذا کان فقیهاً ولم یکن هناک أفقه منه».((1))

وصحیح محمد، عن أحدهما (علیهما السلام) عن العبد یؤم القوم إذا رضوا به وکان أکثرهم قرآناً؟ قال (علیه السلام): «لا بأس».((2))

وهذه القیود محمولة علی الأفضلیة بقرینة الشهرة.

وروایة أبی البختری، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام) إن علیاً (علیه السلام) قال فی حدیث: «لا بأس أن یؤم المملوک إذا کان قارئاً».((3))

لکن الظاهر أنه مکروه، لما رواه سماعة، قال: سألته عن المملوک یؤم الناس، فقال (علیه السلام): «لا، إلاّ أن یکون هو أفقههم وأعلمهم».((4))

وروایة السکونی، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه، عن علی (علیه السلام) قال: «لا یؤم العبد إلاّ أهله» ((5))، ومثلها مرسل المقنع.

وکأنه لذا أفتی النهایة والمبسوط بأنه لا یؤم إلاّ أهله، لکن الإطلاقات أقوی منها، سنداً ودلالة.

ص:428


1- الوسائل: ج5 ص400 الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح1
2- الوسائل: ج5 ص400 الباب 16 من صلاة الجماعة ح2
3- المصدر: ص401 ح5
4- المصدر: ص400 ح3
5- المصدر: ص401 ح4

إذا کان عارفاً بالصلاة وأحکامها.

{إذا کان عارفاً بالصلاة وأحکامها} وهذا القید فی المقام فی النص وفتوی إنما هو لغلبة جهل العبید بالصلاة، لأنهم کانوا کفاراً أسروا ثم أسلموا، ولم یتعلموا الصلاة أو لم یتعود لسانهم القراءة الصحیحة، أو بأحکامها لاشتغالهم بخدمة ساداتهم عن تعلم الأحکام.

ص:429

مسألة ١٧ ترک القراءة فی الأولیین

مسألة _ 17 _ الأحوط ترک القراءة فی الأولیین من الإخفاتیة وإن کان الأقوی الجواز مع الکراهة کما مر.

{مسألة _ 17 _ الأحوط ترک القراءة فی الأولیین من الإخفاتیة، وإن کان الأقوی الجواز مع الکراهة کما مر} وجهه فی مبحث القراءة فراجع.

ص:430

ا

لمحتویات

المحتویات

ص:431

ص:432

مسألة 14 _ نقل نیة الإیتمام من إمام إلی إمام............................................... 7

مسألة 15 _ عدم جواز عدول المنفرد إلی الإیتمام......................................... 14

مسألة 16 _ العدول عن الإیتمام إلی الإنفراد................................................ 15

مسألة 17 _ نیة الإنفراد أثناء قراءة الإمام أو بعدها........................................ 20

مسألة 18 _ العدول إلی الإنفراد اختیارا..................................................... 22

مسألة 19 _ الإنفراد والالتحاق فی الرکوع.................................................. 24

مسألة 20 _ عدم جواز العدول فی الأثناء................................................... 25

مسألة 21 _ الشک فی العدول إلی الإنفراد................................................... 27

مسألة 22 _ عدم اعتبار قصد القربة فی الجماعة........................................... 28

مسألة 23 _ الاقتداء بصلاة لا یجوز الاقتداء به............................................ 31

مسألة 24 _ إدراک الإمام فی الرکوع، وعدمه.............................................. 32

مسألة 25 _ الرکوع بتخیل إدراک الإمام راکعا............................................. 46

مسألة 26 _ عدم الدخول فی الجماعة إلاّ مع الإطمئنان بإدراک الرکوع ....49

مسألة 27 _ لو نوی وکبر فرفع الإمام رأسه قبل إن یرکع................................ 50

مسألة 28 _ إدراک الإمام فی التشهد الأخیر................................................. 54

مسألة 29 _ إدراک الإمام فی سجدة الرکعة الأخیرة........................................ 58

ص:433

مسألة 30 _ مشی المأموم فی صلاة الجماعة............................................... 63

فصل

شرائط صلاة الجماعة

71 _ 131

مسألة 1 _ الحائل القصیر..................................................................... 96

مسألة 2 _ الحائل المثقوب.................................................................... 97

مسألة 3 _ الزجاج.............................................................................. 99

مسألة 4 _ الظلمة والغبار..................................................................... 100

مسألة 5 _ الشباک............................................................................... 101

مسألة 6 _ حیلولة المأمومین.................................................................. 102

مسألة 7 _ عدم مشاهدة بعض أهل الصف.................................................. 104

مسألة 8 _ کون الإمام فی محراب داخل فی جدار.......................................... 105

مسألة 9 _ إقتداء من بین الإسطوانات....................................................... 109

مسألة 10 _ تجدد الحائل فی الأثناء.......................................................... 110

مسألة 11 _ بطلان الصلاة مع وجود الحائل............................................... 111

مسألة 12 _ الحائل غیر المستقر............................................................. 112

مسألة 13 _ الشک فی حدوث الحائل فی أثناء الصلاة...................................... 113

مسألة 14 _ المنتفی عند القیام أو الرکوع أو السجود...................................... 114

مسألة 15 _ الصفوف المتقدمة والمتأخرة................................................... 116

مسألة 16 _ الثوب الرقیق حائل.............................................................. 118

مسألة 17 _ الفواصل بین الصفوف......................................................... 119

ص:434

مسألة 18 _ تجدد البعد أثناء الجماعة........................................................ 120

مسألة 19 _ بطلان اقتداء المتأخر للبعد...................................................... 122

مسألة 20 _ التهیء فی حکم الاتصال........................................................ 123

مسألة 21 _ حکم بطلان صلاة الصف المتأخر............................................. 125

مسألة 22 _ الفصل بالصبی الممیز.......................................................... 127

مسألة 23 _ الشک فی حدوث البعد........................................................... 128

مسألة 24 _ تقدم المأموم علی الإمام فی أثناء الصلاة...................................... 129

مسألة 25 _ جواز الجماعة بالاستدارة حول الکعبة........................................ 130

فصل

فی أحکام الجماعة

133 _ 279

مسألة 1 _ وظیفة المأموم فی الرکعتین الأولیین والأخیرتین............................. 133

مسألة 2 _ عدم الفرق فی عدم السماع بین البعد والأصم.................................. 158

مسألة 3 _ سماع بعض قراءة الإمام.......................................................... 159

مسألة 4 _ القراءة بتخیل أن المسموع غیر صوت الإمام.................................. 161

مسألة 5 _ الشک فی المسموع أنه صوت الإمام أو لا...................................... 162

مسألة 6 _ عدم وجوب الطمأنینة حال قراءة الإمام......................................... 163

مسألة 7 _ عدم جواز تقدم المأموم علی الإمام فی الأفعال................................. 165

مسألة 8 _ وجوب المتابعة تعبدی............................................................ 173

مسألة 9 _ رفع المأموم رأسه من الرکوع أو السجود قبل الإمام.......................... 174

ص:435

مسألة 10 _ زیادة الرکن من غیر أن تکون لمتابعة........................................ 181

مسألة 11 _ رفع الرأس من السجود ورؤیة الإمام فی السجود............................ 183

مسألة 12 _ الرکوع أو السجود قبل الإمام.................................................. 185

مسألة 13 _ تأخر المأموم أو مقارنته مع الإمام فی الأقوال............................... 191

مسألة 14 _ الإحرام قبل الإمام............................................................... 198

مسألة 15 _ إتیان ذکر الرکوع أو السجود أکثر من الإمام................................. 200

مسألة 16 _ الجلوس ومسألة التقلید.......................................................... 201

مسألة 17 _ متابعة الإمام فی ما عدا السهو................................................. 202

مسألة 18 _ ما یتحمل الإمام عن المأموم وما لا یتحمل................................... 204

مسألة 19 _ إدراک الإمام فی الرکعة الثانیة................................................. 212

مسألة 20 _ إمهال الإمام فی القراءة.......................................................... 219

مسألة 21 _ إعتقاد المأموم إمهال الإمام له فی القراءة..................................... 221

مسألة 22 _ وجوب الإخفات فی القراءة خلف الإمام....................................... 222

مسألة 23 _ المأموم المسبوق برکعة......................................................... 225

مسألة 24 _ إدراک الإمام المأموم فی الأخیرتین............................................ 228

مسألة 25 _ حضور المأموم وعدم العلم برکعة صلاة الإمام.............................. 230

مسألة 26 _ شک المأموم فی الأولیین أو الأخیرتین للإمام................................. 231

مسألة 27 _ الإشتغال بالنافلة أو الفریضة عند إقامة الجماعة............................. 232

مسألة 28 _ العدول من الفریضة إلی النافلة................................................ 240

مسألة 29 _ لو ترک من الرکعة السابقة سجدة.............................................. 241

مسألة 30 _ جواز إتیان التکبیرات قبل الإمام............................................... 243

مسألة 31 _ إقتداء أحد المختلفین بالآخر..................................................... 244

مسألة 32 _ علم المأموم ببطلان صلاة الإمام............................................... 253

مسألة 33 _ رؤیة المأموم فی ثوب الإمام أو بدنه نجاسة................................. 255

ص:436

مسألة 34 _ إنکشاف کون الإمام فاسقا، بعد الصلاة أو فی اثنائها......................... 258

مسألة 35 _ نسیان الإمام شیئا من واجبات الصلاة......................................... 267

مسألة 36 _ إنکشاف بطلان الصلاة للإمام.................................................. 271

مسألة 37 _ الإقتداء بإمام یری نفسه مجتهدا ولیس بمجتهد............................... 275

مسألة 38 _ إذا دخل الإمام فی الصلاة معتقدا دخول الوقت............................... 278

فصل

فی شرائط إمام الجماعة

281 _ 368

مسألة 1 _ إمامة القاعد للقاعد................................................................. 306

مسألة 2 _ إمامة المتیمم للمتوضیء.......................................................... 307

مسألة 3 _ إمامة من لا یحسن القراءة........................................................ 310

مسألة 4 _ إمامة من لا یحسن القراءة لمثله.................................................. 311

مسألة 5 _ إمامة من لا یتمکن الإفصاح أو التأدیة.......................................... 313

مسألة 6 _ إمامة المحسن...................................................................... 314

مسألة 7 _ إمامة الأخرس لغیره............................................................... 315

مسألة 8 _ إمامة المرأة لمثلها................................................................. 316

مسألة 9 _ إمامة الخنثی للأنثی............................................................... 317

مسألة 10 _ إمامة غیر البالغ لغیر البالغ..................................................... 318

مسألة 11 _ إمامة الأجذم والأبرص......................................................... 319

مسألة 12 _ العدالة............................................................................. 326

ص:437

مسألة 13 _ المعصیة الکبیرة................................................................. 332

مسألة 14 _ شهادة عادلین بعدالة شخص.................................................... 340

مسألة 15 _ ثبوت العدالة بالإطمئنان........................................................ 341

مسألة 16 _ تصدی غیر العادل للإمامة..................................................... 344

مسألة 17 _ الإمام الأولی..................................................................... 346

مسألة 18 _ تشاح الأئمة، وتشاح المأمومین................................................ 351

مسألة 19 _ مزاحمة الغیر للإمام الراتب.................................................... 363

مسألة 20 _ إمامة الأجذم ومن أشبه......................................................... 364

فصل

فی مستحبات الجماعة ومکروهاتها

369 _ 430

مسألة 1 _ انتظار الإمام والمأموم قبل التسلیم............................................... 404

مسألة 2 _ شک الإمام بعد السجدة الثانیة..................................................... 406

مسألة 3 _ شک المأموم بعد السجدة الثانیة للإمام _ أنه سجد معه السجدتین ...407

مسألة 4 _ رؤیة الکبیرة من عادل............................................................ 409

مسألة 5 _ الإقتداء بالإمام مع عدم العلم بأن صلاته فریضة أم لا......................... 410

مسألة 6 _ القدر المتیقن من إغتفار زیادة الرکوع سهوا.................................... 412

مسألة 7 _ فروع تتعلق بإغتفار زیادة الرکن................................................ 414

مسألة 8 _ الإنفراد أو البقاء علی الإقتداء.................................................... 417

مسألة 9 _ المأموم المسبوق برکعة........................................................... 418

ص:438

مسألة 10 _ عدم وجوب الإصغاء إلی قراة الإمام.......................................... 419

مسألة 11 _ الشک فی حدوث الفسق للإمام.................................................. 420

مسألة 12 _ تکلیف المأموم مع ضیق الصف............................................... 421

مسألة 13 _ إستحباب انتظار الجماعة إماما ومأموما...................................... 423

مسألة 14 _ موارد إستحباب الجماعة وکراهتها............................................ 425

مسألة 15 _ إستحباب إختیار الإمامة علی الإقتداء......................................... 427

مسألة 16 _ الإقتداء بالعبد..................................................................... 428

مسألة 17 _ ترک القراءة فی الأولیین........................................................ 430

المحتویات...................................................................................... 431

ص:439

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.