موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 23 تحرير الوسيلة المجلد 2

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 23 تحرير الوسيلة المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 413ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

كتاب الرهن

ص: 2

ص: 3

ص: 4

وه-و عق-د شرّع للاستيثاق على الدين . ويقال للعين : الرهن والمرهون ، ولدافعها : الراهن ، ولآخذها : المرتهن . ويحتاج إلى الإيجاب من الراهن وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة ، كقوله : «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك ، والقبول من المرتهن ، وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب . ولا يعتبر فيه العربية ، بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة .

(مسألة 1) : يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس ، ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما مع المصلحة والغبطة ، والارتهان لهما كذلك .

(مسألة 2) : يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن ؛ بإقباض من الراهن أو بإذن منه ، ولو كان في يده شيء وديعة أو عارية بل ولو غصباً ، فأوقعا عقد الرهن عليه كفى ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلاّ برضا شريكه ، ولكن لو سلّمه إليه ، فالظاهر كفايته في تحقّق القبض الذي هو شرط لصحّته وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه .

ص: 5

(مسألة 3) : إنّما يعتبر القبض في الابتداء ، ولا يعتبر استدامته ، فلو قبضه المرتهن ، ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه ، لم يضرّ ولم يطرأه البطلان . نعم ، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، فلا يجوز انتزاعه منه .

(مسألة 4) : يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه ، فلا يصحّ رهن الدين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه ، وقبضه بقبض مصداقه . ولا رهن المنفعة ، ولا الحرّ ، ولا الخمر والخنزير ، ولا مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، ولا الأرض الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة ، وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين ، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ، ولا الوقف ولو كان خاصّاً .

(مسألة 5) : لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه ، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه .

(مسألة 6) : لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلاًّ . وأمّا رَهنها مع أرضها بعنوان التبعية ففيه إشكال ، بل المنع لا يخلو من قرب . كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلاًّ على الأقوى . نعم ، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال .

(مسألة 7) : لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدين ، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ولو مع نهيه . وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه ، ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع ، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً للمديون ، ولو بيع كان

ص: 6

لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر ، وبقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها ، ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن ، لم يجز له مخالفته ، ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر .

(مسألة 8) : لو كان الرهن على الدين المؤجّل ، وكان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه صريحاً قبل أن يطرأ عليه الفساد ، صحّ الرهن ، ويبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه ، وإن امتنع أجبره الحاكم ، فإن تعذّر باعه الحاكم ، ومع فقده باعه المرتهن . فإذا بيع يجعل ثمنه في الرهن . وكذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة ، كما لو جعل العين بماليتها رهناً ، فيصحّ وتباع ويجعل ثمنها في الرهن . ولو اشترط عدم البيع إلاّ بعد الأجل بطل الرهن ، وكذا لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه ، ولم يستفد الاشتراط بقرينة على الأقرب . ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد ، فعرض ما صيّره عرضة له - كالحنطة لو ابتلّت - لم ينفسخ ، بل يباع ويجعل ثمنه رهناً .

(مسألة 9) : لا إشكال في أ نّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً ، فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين . نعم ، صحّة رهن الكلّي - من غير فرق بين الكلّي في المعيّن ، كصاع من صبرة معلومة وشاة من القطيع المعلوم ، وغيره كصاع من الحنطة - لا تخلو من وجه ، وقبضه في الأوّل : إمّا بقبض الجميع ، أو بقبض ما عيّنه الراهن ، وفي الثاني بقبض مصداقه . فإذا قبضه المرتهن صحّ ولزم . والأحوط عدم إيقاعه على الكلّي . ولا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل ، وأمّا مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين ، فالأحوط ذلك ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من وجه . فإذا رهن ما في الصندوق المقفل وكان ما فيه

ص: 7

مجهولاً حتّى ماليته بطل ، ولو علم ماليته فقط لا يبعد الصحّة ، كما أنّ الظاهر صحّة رهن معلوم الجنس والنوع مع كونه مجهول المقدار .

(مسألة 10) : يشترط فيما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في الذمّة ؛ لتحقّق موجبه : من اقتراض ، أو إسلاف مال ، أو شراء ، أو استئجار عين بالذمّة ، وغير ذلك ، حالاًّ كان الدين أو مؤجّلاً ، فلا يصحّ الرهن على ما يقترض أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد ، فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً ، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه ، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل .

(مسألة 11) : كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة التي في ذمّة المستأجر ، كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر .

(مسألة 12) : الظاهر أ نّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها ، وأمّا عهدة الثمن أو المبيع أو الاُجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقّة للغير ، فالأقوى عدم صحّته عليها .

(مسألة 13) : لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن .

(مسألة 14) : لو رهن على دينه رهناً ، ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن ، جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً ، وكان رهناً عليهما معاً ؛ سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً ، وكذا له أن يجعله على دين ثالث

ص: 8

ورابع إلى ما شاء . وكذا إذا رهن شيئاً على دين ، جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدين ، وكانا جميعاً رهناً عليه .

(مسألة 15) : لو رهن شيئاً عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين ، كان رهناً على الحقّين ، إلاّ إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني .

(مسألة 16) : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ، ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة ، ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً ؛ بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد ، فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين ، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما ، فإن قضي دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه . هذا كلّه في التعدّد ابتداءً . وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أ نّه لا عبرة به ، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدين . كما أ نّه لو مات المرتهن عن ولدين فاُعطي أحدهما نصيبه من الدين ، لم ينفكّ بمقداره من الرهن .

(مسألة 17) : لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ، ولا الثمر في رهن الشجر ، إلاّ إذا كان تعارف يوجب الدخول أو اشترط ذلك ، وكذا لا يدخل ما يتجدّد إلاّ مع الشرط . نعم ، الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان ، وكذا الأوراق والأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر . وأمّا اللبن في الضرع ومغرس الشجر واُسّ الجدار - أعني موضع الأساس من الأرض - ففي دخولها تأمّل وإشكال ، ولا يبعد عدم الدخول ؛ وإن كان الأحوط التصالح والتراضي .

ص: 9

(مسألة 18) : الرهن لازم من جهة الراهن ، وجائز من طرف المرتهن ، فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلاّ أن يسقط حقّه من الارتهان ، أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدين . ولو برئت ذمّته من بعضه فالظاهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي ، إلاّ إذا اشترط التوزيع ، فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه ، ويبقى رهناً على مقدار ما بقي ، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع ، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه .

(مسألة 19) : لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن إلاّ بإذن المرتهن ؛ سواء كان ناقلاً للعين كالبيع ، أو المنفعة كالإجارة ، أو مجرّد الانتفاع به وإن لم يضرّ به ،كالركوب والسكنى ونحوها . نعم ، لا يبعد الجواز فيما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله ، كسقي الأشجار وعلف الدابّة ومداواتها ونحو ذلك . فإن تصرّف فيما لا يجوز بغير الناقل أثم ، ولم يترتّب عليه شيء إلاّ إذا كان بالإتلاف ، فيلزم قيمته وتكون رهناً . وإن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن ، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة ، وبقيت الرهانة على حالها ، بخلافها في البيع ، فإنّه يصحّ بها وتبطل الرهانة ، كما أ نّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن .

(مسألة 20) : لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن ، فلو تصرّف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ، ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي ، ولزمه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة ، ولو كان ببيع ونحوه أو بإجارة ونحوها وقع فضولياً ، فإن أجازه الراهن صحّ ، وكان الثمن والاُجرة المسمّاة له ، وكان الثمن رهناً في البيع ؛ لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلاّ بإذن الآخر ، وبقي العين رهناً في الإجارة ، وإن لم يجز كان فاسداً .

ص: 10

(مسألة 21) : منافع الرهن كالسكنى والركوب ، وكذا نماءاته المنفصلة

كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر ، والمتصلة كالسمن والزيادة في الطول والعرض ، كلّها للراهن ؛ سواء كانت موجودة حال الارتهان أو وجدت بعده ، ولا يتبعه في الرهانة إلاّ نماءاته المتّصلة ، وكذا ما تعارف دخوله فيه بنحو يوجب التقييد .

(مسألة 22) : لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صحّ ، فلو كان الدين مؤجّلاً وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل ، فإن كانت تجفّف ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت وبقيت على الرهن ، وإلاّ بيعت ، وكان الثمن رهناً إذا استفيد من شرط أو قرينة أ نّها رهن بماليتها .

(مسألة 23) : لو كان الدين حالاًّ ، أو حلّ وأراد المرتهن استيفاء حقّه ، فإن كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه ، فله ذلك من دون مراجعة إليه ، وإلاّ ليس له أن يبيعه ، بل يراجعه ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله

فيه ، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع ، فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير ، وإن لم يمكن ذلك ؛ لعدم بسط يده ، استأذن المرتهن منه للبيع . ومع فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه ، باعه المرتهن ، واستوفى حقّه من ثمنه إن ساواه ، أو بعضه إن كان أقلّ ، وإن كان أزيد فهو أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه .

(مسألة 24) : لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه ، وخاف من أ نّه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين ، فأخذ منه الرهن بموجب اعترافه وطولب منه البيّنة على حقّه ، جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم . وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث .

ص: 11

(مسألة 25) : لو وفى بيع بعض الرهن بالدين ، اقتصر عليه على الأحوط لو لم

يكن الأقوى ، وبقي الباقي أمانة عنده ، إلاّ إذا لم يمكن التبعيض ولو من جهة عدم الراغب ، أو كان فيه ضرر على المالك ، فيباع الكلّ .

(مسألة 26) : لو كان الرهن من مستثنيات الدين - كدار سكناه ودابّة ركوبه - جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون ، لكن الأولى الأحوط عدم إخراجه من ظلّ رأسه .

(مسألة 27) : لو كان الراهن مفلّساً ، أو مات وعليه ديون للناس ، كان المرتهن أحقّ من باقي الغرماء باستيفاء حقّه من الرهن ، فإن فضل شيء يوزّع على الباقين بالحصص ، ولو نقص الرهن عن حقّه استوفى ما يمكن منه ، ويضرب بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن .

(مسألة 28) : الرهن أمانة في يد المرتهن ، لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدّ وتفريط . نعم ، لو كان في يده مضموناً ؛ لكونه مغصوباً أو عارية مضمونةً - مثلاً - ثمّ ارتهن عنده ، لم يزل الضمان إلاّ إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده ، فيرتفع الضمان على الأقوى . وكذا لو استفيد الإذن في بقائه في المورد من ارتهانه ، كما لا يبعد مع علم الراهن بالحال . وإذا انفكّ الرهن بسبب الأداء أو الإبراء أو نحو ذلك ، يبقى أمانة مالكية في يده ؛ لا يجب تسليمه إلى المالك إلاّ مع المطالبة .

(مسألة 29) : لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن ، فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهوناً على دين مورّثهم ، وينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة . فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك ، فإن اتّفقوا

ص: 12

على أمين ، وإلاّ سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه ، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين .

(مسألة 30) : لو ظهر للمرتهن أمارات الموت ، يجب عليه الوصيّة بالرهن وتعيين المرهون والراهن والإشهاد كسائر الودائع ، ولو لم يفعل كان مفرّطاً وعليه ضمانه .

(مسألة 31) : لو كان عنده رهن قبل موته ، ثمّ مات ولم يعلم بوجوده في تركته - لا تفصيلاً ولا إجمالاً - ولم يعلم كونه تالفاً بتفريط منه ، لم يحكم به في

ذمّته ولا بكونه موجوداً في تركته ، بل يحكم بكونها لورثته ، بل وكذلك على الأقوى لو علم أ نّه قد كان موجوداً في أمواله الباقية إلى بعد موته ؛ ولم يعلم أ نّه

باقٍ فيها أم لا ، كما إذا كان سابقاً في صندوقه داخلاً في الأموال التي كانت فيه ،

وبقيت إلى زمان موته ، ولم يعلم أ نّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه ، أو باعه واستوفى ثمنه ، أو تلف بغير تفريط منه ، أم لا .

(مسألة 32) : لو اقترض من شخص ديناراً - مثلاً - برهن ، وديناراً آخر منه بلا رهن ، ثمّ دفع إليه ديناراً بنيّة الوفاء ، فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط وانفكّ رهنه ، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفكّ وبقي دينه ، وإن لم يقصد إلاّ أداء دينار من الدينارين ؛ من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره ، فهل يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن فيبقى الرهن ، أو لذي الرهن فينفكّ ، أو يوزّع عليهما فيبقى الرهن أو ينفكّ بمقداره ؟ وجوه ، أوجهها بقاء الرهن إلى الفكّ اليقيني .

ص: 13

كتاب الحَجر

اشارة

وهو في الأصل : بمعنى المنع ، وشرعاً : كون الشخص ممنوعاً في الشرع عن التصرّف في ماله بسبب من الأسباب ، وهي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة ، وهي : الصغر ، والسفه ، والفلس ، ومرض الموت .

القول : في الصغر

(مسألة 1) : الصغير - وهو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ - محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرّفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها إلاّ ما استثني ، كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى ، وكالبيع في الأشياء غير الخطيرة ، كما مرّ وإن كان في كمال التميّز والرشد ، وكان التصرّف في غاية الغبطة والصلاح . بل لا يجدي في الصحّة إذن الوليّ سابقاً ولا إجازته لاحقاً عند المشهور ، وهو الأقوى .

(مسألة 2) : كما أنّ الصبيّ محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته ، فلا يصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة بالسلم والنسيئة وإن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه . وكذلك بالنسبة إلى

ص: 14

نفسه ، فلا ينفذ منه التزويج ، ولا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ عشراً ، وعلى الأحوط فيمن بلغه ، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط . وكذا لا يجوز إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة وغير ذلك . نعم ، لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما يملكها بالنيّة ، بل وكذا يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليّه فيهما .

(مسألة 3) : يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة : الأوّل : نبات الشعر الخشن على العانة ، ولا اعتبار بالزغَب والشعر الضعيف . الثاني : خروج المنيّ ؛ يقظة أو نوماً ، بجماع أو احتلام أو غيرهما . الثالث : السنّ ، وهو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة ، وفي الاُنثى إكمال تسع سنين .

(مسألة 4) : لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبيّ ، بل لا بدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبيّنه .

(مسألة 5) : ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجدّه لأبيه ، ومع فقدهما للقيّم من أحدهما ، وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، ومع فقده للحاكم الشرعي ، وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ فضلاً عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه . نعم ، الظاهر ثبوتها مع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط .

(مسألة 6) : الظاهر أ نّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما ، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه ، عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ، ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما .

ص: 15

(مسألة 7) : الأب والجدّ مستقلاّن في الولاية ، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا اللاحق ، ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ ، أو الأب ، أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما ، وجوه بل أقوال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 8) : الظاهر أ نّه لا فرق بين الجدّ القريب والبعيد ، فلو كان له أب وجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ فلكلّ منهم الولاية .

(مسألة 9) : يجوز للوليّ بيع عقار الصبيّ مع الحاجة واقتضاء المصلحة ، فإن كان البائع هو الأب والجدّ جاز للحاكم تسجيله ؛ وإن لم يثبت عنده أ نّه مصلحة . وأمّا غيرهما - كالوصيّ - فلا يسجّله إلاّ بعد ثبوتها عنده على الأحوط ؛ وإن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده .

(مسألة 10) : يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة العامل وأمانته ، فإن دفعه إلى غيره ضمن .

(مسألة 11) : يجوز للوليّ تسليم الصبيّ إلى أمين يعلّمه الصنعة ، أو إلى من يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربية ، وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه ، ويلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه ، فضلاً عمّا يضرّ بعقائده .

(مسألة 12) : يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله ، وأن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم ، فيوزّع المصارف عليهم على الرؤوس في المأكول والمشروب ، وأمّا الكسوة فيحسب على كلّ على حدة . وكذا الحال في اليتامى المتعدّدين ، فيجوز لمن يتولّى الإنفاق عليهم إفراد كلّ ، واختلاطهم في المأكول والمشروب والتوزيع عليهم ، دون الملبوس .

ص: 16

(مسألة 13) : لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة . لكن لا يحلّ على المتصالح باقي المال ، وليس للوليّ إسقاطه بحال .

(مسألة 14) : المجنون كالصغير في جميع ما ذكر . نعم ، لو تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده ، فالأقرب أنّ الولاية عليه للحاكم دون الأب والجدّ ووصيّهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معاً .

(مسألة 15) : ينفق الوليّ على الصبيّ بالاقتصاد ؛ لا بالإسراف ولا بالتقتير ملاحظاً له عادته ونظراءه ، فيطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه .

(مسألة 16) : لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق ، وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيته ، فالقول قول الوليّ مع اليمين ، وعلى الصبيّ البيّنة .

القول : في السفه

السفيه : هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله ، يصرفه في غير موقعه ، ويتلفه بغير محلّه ، وليست معاملاته مبنيّة على المكايسة والتحفّظ عن المغابنة ، لا يبالي بالانخداع فيها ، يعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم ؛ إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً . وهو محجور عليه شرعاً ؛ لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وعارية وغيرها ؛ من غير توقّف على حجر الحاكم إذا كان سفهه متّصلاً بزمان صغره . وأمّا لو تجدّد بعد البلوغ والرشد فيتوقّف على حجر الحاكم ، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره ، ولو عاد فله أن يحجره .

ص: 17

(مسألة 1) : الولاية على السفيه للأب والجدّ ووصيّهما إذا بلغ سفيهاً ، وفيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي .

(مسألة 2) : كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته ؛ بأن يتعهّد مالاً أو عملاً ، فلا يصحّ اقتراضه وضمانه ، ولا بيعه وشراؤه بالذمّة ولا إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً للمضاربة ونحوها .

(مسألة 3) : معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله ، فلو كان بإذن الوليّ أو إجازته صحّ ونفذ . نعم ، فيما لا يجري فيه الفضولية يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ . ولو أوقع معاملة في حال سفهه ، ثمّ حصل له الرشد فأجازها ، كانت كإجازة الوليّ .

(مسألة 4) : لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته ، لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه . ويقبل إقراره إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص ونحو ذلك . ولو أقرّ بالنسب يقبل في غير لوازمه المالية كالنفقة ، وأمّا فيها فلا يخلو من إشكال ؛ وإن كان الثبوت لا يخلو من قرب . ولو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع ، دون المال .

(مسألة 5) : لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة - مثلاً - جاز ولو كان وكيلاً في أصل المعاملة ؛ لا مجرّد إجراء الصيغة .

(مسألة 6) : لو حلف السفيه أو نذر على فعل شيء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد ، ولو حنث كفّر كسائر ما يوجب الكفّارة ، كقتل الخطأ والإفطار في شهر رمضان . وهل يتعيّن عليه الصوم لو تمكّن منه ، أو يتخيّر بينه وبين الكفّارة المالية كغيره ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل . نعم ، لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره ،

ص: 18

كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة المالية على التعيين ، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها .

(مسألة 7) : لو كان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه ، بخلاف الدية وأرش الجناية .

(مسألة 8) : لو اطّلع الوليّ على بيع أو شراء - مثلاً - من السفيه ولم ير المصلحة في إجازته ، فإن لم يقع إلاّ مجرّد العقد ألغاه ، وإن وقع تسليم وتسلّم للعوضين فما سلّمه إلى الطرف الآخر يستردّه ويحفظه ، وما تسلّمه وكان موجوداً يردّه إلى مالكه ، وإن كان تالفاً ضمنه السفيه ؛ فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه ، وإن كان بإذن منه لم يضمنه إلاّ في صورة الإتلاف منه ، فإنّه لا يبعد فيها الضمان . كما أنّ الأقوى الضمان لو كان المالك الذي سلّمه الثمن أو المبيع جاهلاً بحاله أو بحكم الواقعة ، خصوصاً إذا كان التلف بإتلاف منه . وكذا الحال لو اقترض السفيه وأتلف المال .

(مسألة 9) : لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ، ضمنها على الأقوى ؛ سواء علم المودع بحاله أو لا ، ولو تلفت عنده لم يضمنها إلاّ مع تفريطه في حفظها على الأشبه .

(مسألة 10) : لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده ، وإذا اشتبه حاله يختبر ؛ بأن يفوّض إليه مدّة معتدّاً بها بعض الاُمور ممّا يناسب شأنه ، كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الاُمور ، والرتق والفتق في بعض الاُمور ؛ مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه ومصالح الوليّ ونحو ذلك فيمن يناسبه ذلك . وفي السفيهة يفوّض إليها ما يناسب النساء ؛ من إدارة بعض مصالح

ص: 19

البيت والمعاملة مع النساء ؛ من الإجارة والاستئجار للخياطة أو الغزل أو النساجة وأمثال ذلك ، فإن آنس منه الرشد ؛ بأن رأى منه المداقّة والمكايسة ، والتحفّظ عن المغابنة في معاملاته ، وصيانة المال من التضييع ، وصرفه في موضعه ، وجريه مجرى العقلاء ، دفع إليه ماله ، وإلاّ فلا .

(مسألة 11) : لو احتمل حصول الرشد للصبيّ قبل بلوغه ، يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد ، وإلاّ ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده . وأمّا غيره فإن ادّعى حصول الرشد له واحتمله الوليّ يجب اختباره ، وإن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال ؛ لا يخلو عدمه من قوّة .

القول : في الفلس

المفلّس : من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه .

(مسألة 1) : من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه ، ونفذ أمره فيها بأصنافه ولو بإخراجها جميعاً عن ملكه مجّاناً أو بعوض ؛ ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي . نعم ، لو كان صلحه عنها أو هبتها - مثلاً - لأجل الفرار من أداء الديون ، يشكل الصحّة ، خصوصاً فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه .

(مسألة 2) : لا يجوز الحجر على المفلّس إلاّ بشروط أربعة : الأوّل : أن تكون ديونه ثابتة شرعاً . الثاني : أن تكون أمواله من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس ، ما عدا مستثنيات الدين ، قاصرة عن ديونه . الثالث : أن تكون الديون حالّة ، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة وإن لم يف ماله بها لو

ص: 20

حلّت . ولو كان بعضها حالاًّ وبعضها مؤجّلاً ، فإن قصر ماله عن الحالّة يحجر عليه ، وإلاّ فلا . الرابع : أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم إذا لم يف ماله بدين ذلك البعض إلى الحاكم ، ويلتمسوا منه الحجر عليه ، إلاّ أن يكون الدين لمن كان الحاكم وليّه كالمجنون واليتيم .

(مسألة 3) : بعد ما تمّت الشرائط وحجر عليه الحاكم وحكم به ، تعلّق حقّ الغرماء بأمواله ، ولا يجوز له التصرّف فيها بعوض ؛ كالبيع والإجارة ، وبغيره ؛ كالوقف والهبة ، إلاّ بإذنهم أو إجازتهم . وإنّما يمنع عن التصرّفات الابتدائية ، فلو اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثمّ حجر عليه فالخيار باقٍ ، وله فسخ البيع وإجازته . نعم ، لو كان له حقّ مالي سابقاً على الغير ، ليس له إسقاطه وإبراؤه كلاًّ أو بعضاً .

(مسألة 4) : إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه ، وأمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث ، أو باختياره كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصيّة والهبة ونحو ذلك ، ففي شمول الحجر لها ، بل في نفوذه على فرض شموله إشكال . نعم ، لا إشكال في جواز الحجر عليها أيضاً .

(مسألة 5) : لو أقرّ بعد الحجر بدين صحّ ونفذ ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء على الأقوى ؛ سواء كان الإقرار بدين سابق أو بدين لاحق ، وسواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين ، مثل الإتلاف والجناية ونحوهما ، أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك ، كالاقتراض والشراء بما في الذمّة ونحو ذلك .

(مسألة 6) : لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص ، لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه ، فلو سقط حقّ الغرماء وانفكّ الحجر ، لزمه تسليمها إلى

ص: 21

المقرّ له أخذاً بإقراره . وأمّا نفوذه في حقّ الغرماء ؛ بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ، ففيه إشكال ، والأقوى عدمه .

(مسألة 7) : بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلّس ومنعه عن التصرّف في أمواله ، يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم ؛ مستثنياً منها مستثنيات الدين ، وقد مرّت في كتاب الدين . وكذا أمواله المرهونة عند الديّان ، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء حقّه من الرهن الذي عنده ، ولا يحاصّه فيه سائر الغرماء ، كما مرّ في كتاب الرهن .

(مسألة 8) : إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها وكان ثمنها في ذمّته ، كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله ، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها .

(مسألة 9) : الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور ، فله أن لا يبادر بالفسخ والرجوع بالعين . نعم ، ليس له الإفراط في تأخير الاختيار ؛ بحيث تعطّل أمر التقسيم على الغرماء ، ولو وقع منه ذلك خيّره الحاكم بين الأمرين ، فإن امتنع ضربه مع الغرماء بالثمن .

(مسألة 10) : يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين ، فلا رجوع مع تأجيله . نعم ، لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ الرجوع بها .

(مسألة 11) : لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر .

(مسألة 12) : المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض ، فهل للمؤجر فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء

ص: 22

المنفعة - كلاًّ أو بعضاً - بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ؟ فيه إشكال ، والأحوط التخلّص بالصلح .

(مسألة 13) : لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة ، كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصّة من الدين والضرب بالباقي مع الغرماء ، كما أنّ لهما الضرب بتمام الدين معهم .

(مسألة 14) : لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متّصلة - كالسمن - تتبع الأصل ، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي ، وأمّا الزيادة المنفصلة - كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر - فهي للمشتري والمقترض .

(مسألة 15) : لو تعيّبت العين عند المشتري مثلاً ؛ فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري ، فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يضرب بالثمن مع الغرماء ، وإن كان بفعل الأجنبيّ ، فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن ، وبين أن يأخذ العين معيباً . وحينئذٍ يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن ؛ نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين ، ويحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش ، فإذا كان الثمن عشرة وقيمة العين عشرين وأرش النقصان أربعة - خمس القيمة - فعلى الأوّل يضاربهم في اثنين ، وعلى الثاني في أربعة ، ولو فرض العكس ؛ بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرة وكان الأرش اثنين - خمس العشرة - فالأمر بالعكس ، يضاربهم في أربعة على الأوّل ، وفي اثنين على الثاني . ويحتمل أن يكون له أخذها كما هي ، والضرب بالثمن كالتلف السماوي ، ولو كان التلف بفعل البائع فالظاهر أ نّه كفعل الأجنبيّ ، ويكون ما في

ص: 23

عهدته من ضمان المبيع المعيب جزء أموال المفلس . والمسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالصلح .

(مسألة 16) : لو اشترى أرضاً فأحدث فيها بناءً أو غرساً ثمّ فلّس ، كان للبائع الرجوع إلى أرضه ، لكن البناء والغرس للمشتري ، وليس له حقّ البقاء ولو بالاُجرة ، فإن تراضيا مجّاناً أو بالاُجرة ، وإلاّ فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش ، كما أنّ للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر . والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائه ولو بالاُجرة إذا أراده المشتري ، وأحوط منه الرضا بالبقاء بغير اُجرة .

(مسألة 17) : لو خلط المشتري - مثلاً - ما اشتراه بماله خلطاً رافعاً للتميّز ، فالأقرب بطلان حقّ البائع ، فليس له الرجوع إليه ؛ سواء اختلط بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء خلط بالمساوي أو الأردأ أو الأجود .

(مسألة 18) : لو اشترى غزلاً فنسجه أو دقيقاً فخبزه أو ثوباً فقصره أو صبغه ، لم يبطل حقّ البائع من العين ، على إشكال في الأوّلين .

(مسألة 19) : غريم الميّت كغريم المفلّس ، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه ، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء ، وإلاّ فليس له ذلك ، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه .

(مسألة 20) : يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته ، على ما جرت عليه عادته ، ولو مات قدّم كفنه بل

ص: 24

وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق الغرماء ، ويقتصر على الواجب على الأحوط ، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الكفن .

(مسألة 21) : لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر ، فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس ، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة .

القول : في المرض

المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح ؛ يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه ، إلاّ إذا أوصى بشيء من ماله بعد موته ، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أ نّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلّقة بماله ، كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك ، وكذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله ، كالأكل والشرب والإنفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه ، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك . وبالجملة : كلّ صرف فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفاً ولا تبذيراً أيّ مقدار كان . وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ؛ ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ، ويكون فيه إضرار بالورثة ، وهي المعبّر عنها بالمنجّزات ؛ وأ نّها هل هي نافذة من الأصل ؛ بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن

ص: 25

زادت على ثلث ماله ، بل وإن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شيء للورثة ، أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإن زادت تتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة ؟ والأقوى هو الأوّل .

(مسألة 1) : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الواجبات المالية ، التي يؤدّيها المريض في مرض موته - كالخمس والزكاة والكفّارات - تخرج من الأصل .

(مسألة 2) : لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ ، فإن كان مأموناً غير متّهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّ به ؛ وإن كان زائداً على ثلث

ماله ، بل وإن استوعبه ، وإلاّ فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه . والمراد بكونه متّهماً وجود أمارات يظنّ معها بكذبه ، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظنّ معها بأ نّه يريد بذلك إضرارهم ، أو كان له حبّ شديد بالنسبة إلى المقرّ له يظنّ معه بأ نّه يريد بذلك نفعه .

(مسألة 3) : لو لم يعلم حال المقرّ ؛ وأ نّه كان متّهماً أو مأموناً ، فالأقوى عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث ؛ وإن كان الأحوط التصالح بين الورثة والمقرّ له .

(مسألة 4) : إنّما يحسب الثلث في الإقرار ونحوه بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال ؛ عيناً أو ديناً أو منفعة أو حقّاً مالياً يبذل بإزائه المال كحقّ التحجير ، وهل تحسب الدية من التركة وتضمّ إليها ، ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع ، أم لا ؟ وجهان بل قولان لا يخلو أوّلهما من رجحان .

ص: 26

(مسألة 5) : ما ذكر من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة ونحوها ، إنّما هو مع عدم إجازة الورثة ، وإلاّ نفذت بلا إشكال ، ولو أجاز بعضهم نفذت بمقدار حصّته ، ولو أجازوا بعضاً من الزائد على الثلث نفذت بمقداره .

(مسألة 6) : لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث . وهل تصحّ منه في حال حياته ؛ بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الردّ بعد ذلك ، أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل ، خصوصاً في الوصيّة . ولو ردّ في حال الحياة يمكن أن تلحقها الإجازة بعد ذلك على الأقوى .

ص: 27

كتاب الضمان

وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر . وهو عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن بكلّ لفظ دالّ عرفاً ولو بقرينة على التعهّد المزبور ، مثل «ضمنت» أو «تعهّدت لك الدين الذي لك على فلان» ونحو ذلك ، وقبول من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك ، ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه .

(مسألة 1) : يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً ، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس .

(مسألة 2) : يشترط في صحّة الضمان اُمور :

منها : التنجيز على الأحوط ، فلو علّق على أمر ؛ كأن يقول : أنا ضامن إن أذن أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً ، بطل .

ومنها : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ؛ سواء كان مستقرّاً ، كالقرض والثمن والمثمن في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري والمهر قبل الدخول ونحو ذلك ، فلو قال : أقرض فلاناً أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، لم يصحّ .

ص: 28

ومنها : تميّز الدين والمضمون له والمضمون عنه ؛ بمعنى عدم الإبهام والترديد ، فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن أو على واحد معيّن . نعم ، لو كان الدين معيّناً في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره ، أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّناً في الواقع ولم يعلم شخصه ، صحّ على الأقوى ، خصوصاً في الأخيرين . فلو قال : ضمنت ما لفلان على فلان ولم يعلم أ نّه درهم أو دينار أو أ نّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ . وكذا لو قال : ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ، ويعلم بأنّ واحداً منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ، ثمّ قبل المطالب ، أو قال : ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ولم يعلم شخصه ، صحّ الضمان على الأقوى .

(مسألة 3) : إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط ، انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وبرئت ذمّته ، فإذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت الذمّتان : إحداهما بالضمان ، والاُخرى بالإبراء . ولو أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغواً .

(مسألة 4) : الضمان لازم من طرف الضامن ، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقاً . وكذا من طرف المضمون له ، إلاّ إذا كان الضامن معسراً وهو جاهل بإعساره ، فله فسخه والرجوع بحقّه على المضمون عنه . والمدار إعساره حال الضمان ، فلو أعسر بعده فلا خيار ، كما أ نّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار .

(مسألة 5) : يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى .

ص: 29

(مسألة 6) : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل مؤجّلاً وحالاًّ ، وكذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله .

(مسألة 7) : لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه ، وإن كان بإذنه فله ذلك ، لكن بعد أداء الدين لا بمجرّد الضمان ، وإنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه ، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه أو أبرأه من بعضه ، لم يرجع بالمقدار الذي سقط عن ذمّته بهما .

(مسألة 8) : لو كان الضمان بإذن المضمون عنه ، فإنّما يرجع عليه بالأداء فيما إذا حلّ أجل الدين الذي كان على المضمون عنه ، وإلاّ فليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجله ، فلو ضمن الدين المؤجّل حالاًّ ، أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ، ليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول الأجل . نعم ، لو أذن له صريحاً بضمانه حالاًّ أو بأقلّ من الأجل ، فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه . وأمّا لو كان بالعكس ؛ بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله ؛ برضا المضمون عنه قبل حلول أجله ، جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ ، وبحلول الأجل فيما ضمن بالأكثر بشرط الأداء . وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل ، فحلّ الدين بموته وأدّاه الورثة من تركته ، كان لهم الرجوع على المضمون عنه .

(مسألة 9) : لو ضمن بالإذن الدين المؤجّل مؤجّلاً ، فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه فأخذ من تركته ، ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه ، ولا يحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن ، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه .

ص: 30

(مسألة 10) : لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته ، وليس له الرجوع عليه .

(مسألة 11) : يجوز الترامي في الضمان ؛ بأن يضمن - مثلاً - زيد عن عمرو ، ثمّ يضمن بكر عن زيد ، ثمّ يضمن خالد عن بكر وهكذا ، فتبرأ ذمّة الجميع ويستقرّ الدين على الضامن الأخير ، فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه ، لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدين الضامن الأخير . وإن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه ، وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي . وإن كان بعضها بالإذن دون بعض ، فإن كان الأخير بدونه كان كالأوّل ؛ لم يرجع واحد منهم على سابقه ، وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه ، وهو على سابقه لو ضمن بالإذن ، وإلاّ لم يرجع وانقطع الرجوع عليه . وبالجملة : كلّ ضامن كان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه .

(مسألة 12) : لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك ؛ بأن يكون على كلّ منهما بعض الدين ، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه ولو بالتفاوت ، ولو اُطلق يقسّط عليهما بالتساوي ، فبالنصف لو كانا اثنين وبالثلث لو كانوا ثلاثة وهكذا ، ولكلّ منهما أداء ما عليه ، وتبرأ ذمّته ، ولا يتوقّف على أداء الآخر ما عليه . وللمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته أو أحدهما أو إبراؤه دون الآخر . ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر ، رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر . والظاهر أ نّه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين ؛ بأن ضمن أحدهما عن نصفه ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر ، أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له . هذا كلّه في ضمان

ص: 31

اثنين عن واحد بالاشتراك . وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك ؛ على ما يقتضي مذهبنا في الضمان ، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك ؟ وجهان ، أقربهما الأوّل .

(مسألة 13) : لو تمّ عقد الضمان على تمام الدين ، فلا يمكن أن يتعقّبه آخر ولو ببعضه ، ولو تمّ على بعضه لا يمكن أن يتعقّبه على التمام أو على ذلك المضمون .

(مسألة 14) : يجوز الضمان بغير جنس الدين ، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلاّ بجنسه .

(مسألة 15) : كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم ، يجوز عن المنافع والأعمال المستقرّة عليها ، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة ، كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل . نعم ، لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه .

(مسألة 16) : لو ادّعى شخص على آخر ديناً فقال ثالث للمدّعي : «عليَّ ما عليه» فرضي ، صحّ الضمان ؛ بمعنى ثبوت الدين في ذمّته على تقدير ثبوته ، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ، ويصير الضامن طرفها ، فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين . وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شيء ؛ لا على المقرّ ولا على الضامن .

(مسألة 17) : الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده .

ص: 32

(مسألة 18) : لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع ؛ لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع ؛ لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده ، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد . والأقوى عدم صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري - من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير وقلعه المالك - للمشتري عن البائع .

(مسألة 19) : لو كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان ؛ شرط الضامن انفكاكه أم لا .

(مسألة 20) : لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه ، فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن ، جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع .

ص: 33

كتاب الحوالة والكفالة

اشارة

أمّا الحوالة فحقيقتها تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره . وهي متقوّمة بأشخاص ثلاثة : المُحيل وهو المديون ، والمُحتال وهو الدائن ، والمُحال عليه . ويعتبر فيهم : البلوغ والعقل والرشد والاختيار ، وفي المحتال عدم الحجر للفلس ، وكذا في المحيل إلاّ على البريء . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال . وأمّا المحال عليه فليس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله . ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور ، مثل «أحلتك بما في ذمّتي من الدين على فلان» وما يفيد معناه ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك . ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز على الأحوط .

(مسألة 1) : يشترط في صحّة الحوالة - مضافاً إلى ما تقدّم - اُمور :

منها : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، فلا تصحّ في غيره وإن وجد سببه ، كمال الجعالة قبل العمل ، فضلاً عمّا لا يوجد ، كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .

ومنها : تعيين المال المحال به ؛ بمعنى عدم الإبهام والترديد . وأمّا معلومية مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها ، فلو كان مجهولاً

ص: 34

عندهما ومعلوماً معيّناً واقعاً لا بأس به ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة .

ومنها : رضا المحال عليه وقبوله ؛ على الأحوط فيما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، وعلى الأقوى في الحوالة على البريء ، أو بغير جنس ما على المحال عليه .

(مسألة 2) : لا يعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدين للمحيل ، فتصحّ الحوالة على البريء على الأقوى .

(مسألة 3) : لا فرق في المُحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل ، وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك على بريء أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك . وكذا لا فرق بين كونه مثلياً كالحنطة والشعير ، أو قيمياً كالغنم والثوب بعد ما كان موصوفاً بما يرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة - مثلاً - بسبب كالسلم ، جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً .

(مسألة 4) : لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدين المحال به مع الدين الذي على المحال عليه ؛ جنساً ونوعاً ، وأمّا مع الاختلاف ؛ بأن كان عليه لرجل - مثلاً - دراهم وله على آخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو على أنحاء :

فتارة : يحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير ؛ بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير . واُخرى : يحيله عليه بالدراهم ؛ بأن يأخذ منه الدراهم ، ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم . وثالثة : يحيله

ص: 35

عليه بالدراهم ؛ بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها . لا إشكال في صحّة النحو الأوّل ، وكذا الثالث ، ويكون هو كالحوالة على البريء . وأمّا الثاني ففيه إشكال ، فالأحوط - فيما إذا أراد ذلك - أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يحال عليه الدراهم ؛ وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي .

(مسألة 5) : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدين وإن لم يبرئه المحتال ، واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه . هذا حال المحيل مع المحتال والمحتال مع المحال عليه . وأمّا حال المحال عليه مع المحيل ، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل والثاني مع التراضي . وأمّا إن وقعت على النحو الأخير ، أو كانت الحوالة على البريء ، اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله .

(مسألة 6) : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على غنيّ غير مماطل ، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم مع علمه بحاله ، ولو كان جاهلاً فبان إعساره وفقره وقت الحوالة ، فله الفسخ والعود على المحيل ، ولا فسخ مع الفقر الطارئ ، كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ .

(مسألة 7) : الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة ، إلاّ على المحتال مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال ، كما أشرنا إليه . والمراد بالإعسار : أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائداً على مستثنياته . ويجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ منهم .

ص: 36

(مسألة 8) : يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، كما لو أحال المديون زيداً على عمرو ، ثمّ أحاله عمرو على بكر ، وهو على خالد وهكذا ، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه ، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه ، ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه وهكذا .

(مسألة 9) : لو قضى المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه ، فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه ، وإن تبرّع لم يرجع .

(مسألة 10) : لو أحال على بريء وقبل المحال عليه ، هل له الرجوع على المحيل بمجرّده ، أو ليس له إلاّ بعد أداء الدين للمحتال ؟ الأقرب الثاني .

(مسألة 11) : لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري ، أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ، ثمّ تبيّن بطلان البيع ، بطلت الحوالة ، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة ، فإنّه تبقى الحوالة ولم تتبع

البيع فيه .

(مسألة 12) : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال ، وجب عليه دفعه إليه ، ولو لم يدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمّته .

القول : في الكفالة

وهي التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له عليها حقّ . وهي عقد واقع بين الكفيل والمكفول له ، وهو صاحب الحقّ . والإيجاب من الأوّل ،

ص: 37

ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ على المقصود ، نحو «كفلتُ لك نفس فلان» أو «أنا كفيل لك بإحضاره» ونحو ذلك ، والقبول من الثاني بما دلّ على الرضا بذلك .

(مسألة 1) : يعتبر في الكفيل : البلوغ والعقل والاختيار والتمكّن من الإحضار . ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل ، فيصحّ الكفالة للصبيّ والمجنون إذا قبلها الوليّ .

(مسألة 2) : لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له ، والأقوى عدم اعتبار رضا المكفول ، وعدم كونه طرفاً للعقد . نعم ، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على المجرّدة منه . والأحوط اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد ؛ بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول .

(مسألة 3) : كلّ من عليه حقّ مالي صحّت الكفالة ببدنه ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال . نعم ، يشترط أن يكون المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل لم تصحّ . وكذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع ؛ بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البيّنة عليه بالحقّ . وكذا تصحّ كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق كعقوبة القصاص ، دون من عليه عقوبة من حقوق اللّه تعالى كالحدّ والتعزير ، فإنّها لا تصحّ .

(مسألة 4) : يصحّ إيقاع الكفالة حالّة لو كان الحقّ ثابتاً على المكفول كذلك ومؤجّلة ، ومع الإطلاق تكون حالّة مع ثبوت الحقّ كذلك ، ولو كانت مؤجّلة يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة ونقصاً .

ص: 38

(مسألة 5) : عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلاّ بالإقالة ، ويجوز جعل الخيار فيه لكلّ من الكفيل والمكفول له مدّة معيّنة .

(مسألة 6) : إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط ، جاز مطالبة المكفول له الكفيلَ بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة مطلقة - على ما مرّ - أو معجّلة ، وبعد الأجل إذا كانت مؤجّلة ، فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل تسليمه إلى المكفول له ، فإن سلّمه له بحيث يتمكّن منه فقد برئ ممّا عليه ، وإن امتنع عن ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم ، فيحبسه حتّى يحضره أو يؤدّي ما عليه في مثل الدين . وأمّا في مثل حقّ القصاص والكفالة عن الزوجة فيلزم بالإحضار ، ويحبس حتّى يحضره ويسلّمه . وإن كان غائباً فإن علم موضعه ويمكن للكفيل إحضاره ، أمهل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى ولم يأت به من غير عذر حبس كما مرّ ، وإن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره ، فمع رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلّف بإحضاره وحبسه لذلك ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه . وأمّا إلزامه بأداء الدين في هذه الصورة فمحلّ تأمّل . نعم ، لو أدّى تخلّصاً من الحبس يطلق ، ومع عدم الرجاء لم يكلّف بإحضاره ، والأقرب إلزامه بأداء الدين ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه ؛ بأن طالبه المكفول له ، وكان متمكّناً منه ، ولم يحضره حتّى هرب . نعم ، لو كان عدم الرجاء للظفر به - بحسب العادة - حال عقد الكفالة يشكل صحّتها ، وأمّا لو عرض ذلك فالظاهر عدم عروض البطلان ، خصوصاً إذا كان بتفريط من الكفيل ، فلا يبعد حينئذٍ إلزامه بالأداء أو حبسه حتّى يتخلّص به ، خصوصاً في هذه الصورة .

(مسألة 7) : لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال ، فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ، ليس له الرجوع عليه بما أدّاه ، وإن أذن له

ص: 39

في الأداء كان له الرجوع ؛ سواء أذن له في الكفالة أيضاً أم لا . وإن أذن له في الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا ؟ لا يبعد أن يفصّل بين ما إذا أمكن له إرجاعه وإحضاره فالثاني ، وما إذا تعذّر فالأوّل .

(مسألة 8) : لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعيّن ، فلا يجب عليه تسليمه في غيره ولو طلب ذلك المكفول له ، كما أ نّه لو سلّمه في غيره لم يجب على المكفول له تسلّمه . ولو أطلق ولم يعيّن مكانه ، فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه ، وإن أوقعاه في برّيّة أو بلد غُربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه فإن كانت قرينة على التعيين فهو ، وإلاّ بطلت الكفالة من أصلها ؛ وإن كان في إطلاقه إشكال .

(مسألة 9) : يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول ؛ حتّى أ نّه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر لم تكن فيها مفسدة أو مضرّة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوبها . ولو كان غائباً واحتاج حمله إلى مؤونة ، فإن كانت الكفالة بإذن المكفول فهي عليه ، ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرّع ، فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها ، وإن لم تكن بإذنه فعلى الكفيل .

(مسألة 10) : تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليمه نفسه تامّاً عن قبل الكفيل . وأمّا حضوره وتسليم نفسه لا عن قبله فالظاهر عدم براءة ذمّته . وكذا لو أخذه المكفول له طوعاً أو كرهاً ؛ بحيث تمكّن من استيفاء حقّه ، أو إحضاره مجلس الحكم . نعم ، لو اُبرئ المكفول عن الحقّ الذي عليه أو الكفيل من الكفالة تبرأ ذمّته .

ص: 40

(مسألة 11) : لو نقل المكفول له الحقّ الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة ، بطلت الكفالة .

(مسألة 12) : لو مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة ، بخلاف ما لو مات المكفول له ، فإنّ حقّه منها ينتقل إلى ورثته .

(مسألة 13) : من خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ضمن إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه . هذا في مثل الدين . وأمّا في مثل حقّ القصاص فيضمن إحضاره ، ومع تعذّره فمحلّ إشكال . ولو خلّى قاتلاً من يد وليّ الدم ضمن إحضاره ، ومع تعذّره بموت ونحوه تؤخذ منه الدية . هذا في القتل العمدي . وأمّا ما يوجب الدية فلا يبعد جريان حكم الدين عليه من ضمان إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه .

(مسألة 14) : يجوز ترامي الكفالات ؛ بأن يكفل الكفيل آخر ، ويكفل هذا آخر وهكذا ، وحيث إنّ الكلّ فروع الكفالة الاُولى ، وكلّ لاحق فرع سابقه ، فلو أبرأ المستحقّ الكفيل الأوّل ، أو أحضر الأوّل المكفول الأوّل ، أو مات أحدهما ، برئوا أجمع ، ولو أبرأ المستحقّ بعض من توسّط برئ هو ومن بعده دون من قبله ، وكذا لو مات برئ من كان فرعاً له .

(مسألة 15) : يكره التعرّض للكفالات ، فعن الصادق علیه السلام : «الكفالة خسارة غرامة ندامة» .

ص: 41

كتاب الوكالة

وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته ، أو إرجاع تمشية أمر من الاُمور إليه له حالها . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب بكلّ ما دلّ على هذا المقصود ، كقوله : «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» ونحوها ، بل الظاهر كفاية قوله : «بع داري» قاصداً به التفويض المذكور فيه ، وقبول بكلّ ما دلّ على الرضا به ، بل الظاهر أ نّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب ، بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة ؛ بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك ، بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل ؛ والرضا بما فيها من طرف الوكيل ؛ وإن تأخّر وصولها إليه مدّة ، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها . وبالجملة : يتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها ؛ حتّى أ نّه لو قال الوكيل : «أنا وكيلك في بيع دارك ؟» مستفهماً ، فقال : «نعم» صحّ وتمّ ؛ وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود .

(مسألة 1) : يشترط فيها على الأحوط التنجيز ؛ بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شيء ، كقوله - مثلاً - : إذا قدم زيد ، أو أهلّ هلال الشهر ، وكّلتك في كذا . نعم ، لا بأس بتعليق متعلّقها ، كقوله : أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد ، أو وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا .

ص: 42

(مسألة 2) : يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل ، البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا يصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبيّ والمجنون والمكره . نعم ، لا يشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب ، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط . ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه ، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه ، دون غيره كالطلاق ، وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب ، فلا يصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان محرماً . وفي الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه ، فلا تصحّ وكالة المحرم فيما لا يجوز له ، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح .

(مسألة 3) : لا يشترط في الوكيل الإسلام ، فتصحّ وكالة الكافر بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة عن المسلم والكافر ، إلاّ فيما لا يصحّ وقوعه من الكافر ، كابتياع المصحف لكافر ، وكاستيفاء حقّ من المسلم ، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم .

(مسألة 4) : تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لا حجر عليه .

(مسألة 5) : لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله - كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين - جاز له التوكيل فيما جاز له .

(مسألة 6) : ما كان شرطاً في الموكّل والوكيل ابتداءً شرط فيهما استدامة ، فلو جنّا أو اُغمي عليهما أو حجر على الموكّل فيما وكّل فيه بطلت الوكالة على الأحوط ، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد .

ص: 43

(مسألة 7) : يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغاً في نفسه ، وأن يكون للموكّل سلطنة شرعاً على إيقاعه ، فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة والقمار ونحوها ، ولا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه . ولا تعتبر القدرة عليه خارجاً مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعاً ، فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل فيه من يقدر عليه .

(مسألة 8) : لو لم يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاع أمر ، إلاّ بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل - كتطليق امرأة لم تكن في حبالته ، وتزويج من كانت مزوّجة أو معتدّة ، ونحو ذلك - فلا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعاً لما تمكّن منه ؛ بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه ، بأن يوكّله - مثلاً - في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها أو شراء مال ثمّ بيعه ونحو ذلك . كما أنّ الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلّي يكون هو من مصاديقه ، كما لو وكّله على جميع اُموره ، فيكون وكيلاً في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث بيعاً ورهناً وغيرهما . وأمّا التوكيل استقلالاً في خصوصه من دون التوكيل في المرتّب عليه ، ففيه إشكال ، بل الظاهر عدم الصحّة ؛ من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل - كانقضاء العدّة - أو قابلاً ، فلا يجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها والمزوّجة بعد طلاقها ، وكذا في طلاق زوجة سينكحها ، أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك .

(مسألة 9) : يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير ؛ بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل ، فلو تقبّل عملاً بقيد المباشرة لا يصحّ التوكيل فيه . وأمّا العبادات البدنية - كالصلاة والصيام والحجّ وغيرها - فلا يصحّ فيها التوكيل ؛ وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ ، كالحجّ عن العاجز أو

ص: 44

عن الميّت كالصلاة وغيرها ، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً . نعم ، تصحّ الوكالة في العبادات المالية - كالزكاة والخمس والكفّارات - إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ .

(مسألة 10) : يصحّ التوكيل في جميع العقود ، كالبيع ، والصلح ، والإجارة ، والهبة ، والعارية ، والوديعة ، والمضاربة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والقرض ، والرهن ، والشركة ، والضمان ، والحوالة ، والكفالة ، والوكالة ، والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع ، وكذا في الوصيّة والوقف والطلاق والإبراء ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه . والظاهر صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعية إذا أوقعه على وجه لم يكن صرف التوكيل تمسّكاً بالزوجية حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة . ولا يبعد صحّته في النذر والعهد والظهار . ولا يصحّ في اليمين واللعان والإيلاء والشهادة والإقرار ؛ على إشكال في الأخير .

(مسألة 11) : يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما ، كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين ، والسلم بالنسبة إلى الثمن ، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها .

(مسألة 12) : يجوز التوكيل في الطلاق ، غائباً كان الزوج أم حاضراً ، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها .

(مسألة 13) : تجوز الوكالة في حيازة المباح كالاستقاء والاحتطاب وغيرهما ، فإذا وكّل شخصاً فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً له .

ص: 45

(مسألة 14) : يشترط في الموكّل فيه التعيين ؛ بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : «وكّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ . نعم ، لا بأس بالتعميم والإطلاق كما يأتي .

(مسألة 15) : الوكالة : إمّا خاصّة ، وإمّا عامّة ، وإمّا مطلقة .

فالأولى : ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شيء معيّن ، كما إذا وكّله في شراء بيت معيّن . وهذا ممّا لا إشكال في صحّته .

والثانية : إمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة المتعلّق ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة ، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه ، وإمّا عامّة من الجهتين ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه ، أو في إيقاع جميع ما كان له فيما يتعلّق به بجميع أنواعه ؛ بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته .

وكذا الثالثة : قد تكون مطلقة من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه ، كما لو قال : «أنت وكيلي في أمر داري» ، وكذا لو قال : «أنت وكيلي في بيع داري» ، مقابل المقيّد بثمن معيّن أو شخص معيّن ، وقد يكون بالعكس ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي» أو «في بيع ملكي» ، وقد تكون مطلقة من الجهتين ، كما لو قال : «أنت وكيلي في التصرّف في مالي» . وربما يكون التوكيل بنحو التخيير بين اُمور : إمّا في التصرّف دون المتعلّق ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها» ، وإمّا في المتعلّق فقط ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع هذه الدار ، أو هذه الدابّة ، أو هذه الفرش» مثلاً ، والظاهر صحّة الجميع .

(مسألة 16) : لا بدّ أن يقتصر الوكيل في التصرّف في الموكّل فيه على ما

ص: 46

شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ولو بمعونة قرائن حالية أو مقالية ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر ، كما لو سلّم إليه المبيع ووكّله في بيعه ، أو سلّم إليه الثمن ووكّله في الشراء . وبالجملة : لا بدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له .

(مسألة 17) : لو خالف الوكيل وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة ، فإن كان ممّا يجري فيه الفضولية كالعقود ، توقّفت صحّته على إجازة الموكّل . ولا فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة ، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها ، أو ببعض الخصوصيات ، كما إذا وكّله في بيعها نقداً فباع نسيئة ، أو بخيار فباع بدونه . نعم ، لو علم شموله لفاقد الخصوصية أيضاً صحّ في الظاهر ، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين ، فإنّ الظاهر بل المعلوم من حال الموكّل أنّ تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة . ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في البيع في سوق معيّن بثمن معيّن ، فباعها في غيره بذلك الثمن ، فإنّ الظاهر أنّ مراده تحصيل الثمن . هذا بحسب الظاهر . وأمّا الصحّة الواقعية فتابعة للواقع . ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائي في التحديد لم يجز التعدّي ، ومعه فضولي في الظاهر ، والواقع تابع للواقع .

(مسألة 18) : يجوز للوليّ كالأب والجدّ للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه .

(مسألة 19) : لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه ؛ لا عن نفسه ولا عن الموكّل إلاّ بإذنه ، ومعه يجوز بكلا النحوين ، فإن عيّن أحدهما فهو المتّبع ، ولا يجوز التعدّي عنه ، ولو قال مثلاً : «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فهو

ص: 47

إذن في توكيل الغير عن الموكّل . والظاهر أ نّه كذلك لو قال : «وكّل غيرك» وإن لا يخلو من تأمّل .

(مسألة 20) : لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الأوّل ، فليس له أن يعزله ، ولا ينعزل بانعزاله ، بل لو مات يبقى الثاني على وكالته ، ولو كان وكيلاً عنه كان له عزله ، وكانت وكالته تبعاً لوكالته ، فينعزل بانعزاله أو موته ، ولا يبعد أن يكون للموكّل عزله من دون عزل الوكيل الأوّل .

(مسألة 21) : يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد ، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما ، أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك ، جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر ، وإلاّ لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه ؛ سواء صرّح بالانضمام والاجتماع ، أو أطلق ؛ بأن قال مثلاً : «وكّلتُكما» أو «أنتما وكيلاي» ونحو ذلك ، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته ، وبقيت وكالة الباقي لو وكّل بالانفراد .

(مسألة 22) : الوكالة عقد جائز من الطرفين ، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته ، وكذا للموكّل أن يعزله ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه ، فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل ، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه ولو بإخبار ثقة كان نافذاً .

(مسألة 23) : تبطل الوكالة بموت الوكيل ، وكذا بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته ، وبعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي ، وعلى الأحوط في غيره ، وبإغماء كلّ منهما على الأحوط ، وبتلف ما تعلّقت به

ص: 48

الوكالة ، وبفعل الموكّل - ولو بالتسبيب - ما تعلّقت به ، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها ، أو فعل ما ينافيه ، كما وكّله في بيع شيء ثمّ أوقفه .

(مسألة 24) : يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه ، بل يكره لذوي المروءات من أهل الشرف والمناصب الجليلة أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا كان الطرف بذيء اللسان ، ولا يعتبر رضا صاحبه ، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل .

(مسألة 25) : وكيل المدّعي وظيفته : بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم ، وإقامة البيّنة وتعديلها ، وتحليف المنكر ، وطلب الحكم على الخصم . وبالجملة : كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات . ووكيل المدّعى عليه وظيفته : الإنكار ، والطعن على الشهود ، وإقامة بيّنة الجرح ، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها . وبالجملة : عليه السعي في الدفع ما أمكن .

(مسألة 26) : لو ادّعى منكر الدين - مثلاً - في أثناء مدافعة وكيله عنه الأداء أو الإبراء ، انقلب مدّعياً ، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي ، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه .

(مسألة 27) : لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله ، فلو أقرّ وكيل

المدّعي القبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة أو المصالحة ، أو بأنّ الحقّ مؤجّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل ، وبقيت الخصومة على حالها ؛ سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، وينعزل بذلك وتبطل وكالته ؛ لأ نّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه .

ص: 49

(مسألة 28) : الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه ، إلاّ أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً بالخصوص .

(مسألة 29) : يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الاُمور ، فإن لم يصرّح باستقلال كلّ منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كلّ منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما .

(مسألة 30) : لو وكّل رجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً ، أو في خصومة شخصية ، ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله وأقام الدعوى عليه ، يسمع الحاكم دعواه عليه . وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيّنة عنده عليها . وأمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة ، فإن لم يحضر خصماً عنده ، أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته ، لم يسمع دعواه . ولو صدّقه فيها فالظاهر أ نّه يسمع دعواه ، لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، ولو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها ، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة ، ومع ثبوتها بها تثبت حقّية المدّعى عليه في ماهية الدعوى .

(مسألة 31) : لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل .

(مسألة 32) : لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه

ص: 50

الحقّ ، لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة .

(مسألة 33) : يجوز التوكيل بجعل وبغيره ، وإنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه ، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جعلاً ، فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ ، استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل .

(مسألة 34) : لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء ، لم يكن له مطالبة وارثه إلاّ أن تشملها الوكالة .

(مسألة 35) : لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان - أي موكّله - فأخذها ، صار وكيل زيد في قضاء دينه ، وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ؛ ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر ، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله ، ولو قال : خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان ، فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد ، وليس له الاسترداد .

(مسألة 36) : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده ؛ لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التعدّي ، كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما ، لكن لا تبطل بذلك وكالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه ؛ وإن كان ضامناً له لو تلف قبل

ص: 51

أن يبيعه ، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه ، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع .

(مسألة 37) : لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي ، لم يضمنه الوكيل إلاّ إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف . وكذا الحال لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن .

(مسألة 38) : لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع ، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق وقال : أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة ، أو تشتري لي المتاع الفلاني ، فهل يعمّ نفس الوكيل ، فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه ، أو يشتري له المتاع من نفسه ، أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني .

(مسألة 39) : لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره ، ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل ، ولو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل فالظاهر أنّ القول قول الموكّل ، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجعل . وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه ، والأولياء - حتّى الأب والجدّ - إذا اختلفوا مع المولّى عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه ، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك . نعم ، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم ، أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم ، فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم .

ص: 52

كتاب الإقرار

الذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم على المخبر ، أو بما يستتبع حقّاً أو حكماً عليه ، أو بنفي حقّ له أو ما يستتبعه ، كقوله : له أو لك عليّ كذا ، أو عندي أو في ذمّتي كذا ، أو هذا الذي في يدي لفلان ، أو إنّي جنيت على فلان بكذا ، أو سرقت أو زنيت ، ونحو ذلك ممّا يستتبع القصاص أو الحدّ الشرعي ، أو ليس لي على فلان حقّ ، أو أنّ ما أتلفه فلان ليس منّي ، وما أشبه ذلك ؛ بأيّ لغة كان ، بل يصحّ إقرار العربي بالعجمي وبالعكس ، والهندي بالتركي وبالعكس ؛ إذا كان عالماً بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة ، والمعتبر فيه الجزم ؛ بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به ، فلو قال : أظنّ أو أحتمل أنّ لك عليّ كذا ، ليس إقراراً .

(مسألة 1) : يعتبر في صحّة الإقرار بل في حقيقته وأخذ المُقرّ بإقراره كونه دالاًّ على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور ، فإن احتمل إرادة غيره احتمالاً يخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ . وتشخيص ذلك راجع إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلّمات العادية ، فكلّ كلام ولو لخصوصية مقام يفهم منه أهل اللسان أ نّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه ، أو سلب حقّ عن نفسه من

ص: 53

غير ترديد ، كان إقراراً ، وإن لم يفهم منه ذلك من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للترديد والإجمال ، لم يكن إقراراً .

(مسألة 2) : لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً ، أو كونه مقصوداً بالإفادة ، بل يكفي كونه مستفاداً من تصديقه لكلام آخر ، واستفادته من كلامه بنوع من الاستفادة ، كقوله : «نعم» في جواب من قال : «لي عليك كذا» أو «أنت جنيت على فلان» ، وكقوله في جواب من قال : «استقرضت منّي ألفاً» أو «لي عليك ألف» : «رددتُه» أو «أدّيتُه» ، فإنّه إقرار بأصل ثبوت الحقّ عليه ودعوى منه بسقوطه ، ومثل ذلك ما إذا قال - في جواب من قال : «هذه الدار التي تسكنها لي» - : «اشتريتها منك» ، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه . نعم ، قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقياً ، فلم يتحقّق الإقرار ، بل دخل في عنوان الإنكار ، كما إذا قال في جواب من قال : «لي عليك ألف دينار» : «نعم» أو «صدقت» ؛ مع صدور حركات منه دلّت على أ نّه في مقام الاستهزاء والتهكّم وشدّة التعجّب والإنكار .

(مسألة 3) : يشترط في المقرّ به أن يكون أمراً لو كان المقرّ صادقاً في إخباره ، كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه ومطالبته به ؛ بأن يكون مالاً في ذمّته ؛ عيناً أو منفعة أو عملاً أو ملكاً تحت يده أو حقّاً يجوز مطالبته ، كحقّ الشفعة والخيار والقصاص ، وحقّ الاستطراق في درب مثلاً ، وإجراء الماء في نهر ، ونصب الميزاب في ملك ، ووضع الجذوع على حائط ، أو يكون نسباً أوجب نقصاً في الميراث ، أو حرماناً في حقّ المقرّ ، وغير ذلك ، أو كان للمُقرّ به حكم وأثر ، كالإقرار بما يوجب الحدّ .

ص: 54

(مسألة 4) : إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ، ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه ؛ لا بالنسبة إلى غيره ، ولا فيما يكون فيه نفع له ، فإن أقرّ باُبوّة شخص له ولم يصدّقه ولم ينكره ، يمضي إقراره في وجوب النفقة عليه ، لا في نفقته على المقرّ أو في توريثه .

(مسألة 5) : يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ، ويقبل من المقرّ ويلزم ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام ، ويقبل منه ما فسّره به ، ويلزم به لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف واللغة ، وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه ، فلو قال : «لك عندي شيء» اُلزم بالتفسير ، فإن فسّره بأيّ شيء صحّ كونه عنده ، يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً ، كهرّة - مثلاً - أو نعل خلق لا يتموّل . وأمّا لو قال : «لك

عندي مال» لم يقبل منه إلاّ إذا كان ما فسّره من الأموال عرفاً وإن كانت ماليته قليلة جدّاً .

(مسألة 6) : لو قال : «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده ، أو «لك عليّ إمّا وزنة من حنطة أو شعير» ، اُلزم بالتفسير وكشف الإبهام ، فإن عيّن اُلزم به لا بغيره ، فإن لم يصدّقه المقرّ له ؛ وقال : «ليس لي ما عيّنت» ، فإن كان المقرّ به في الذمّة ، سقط حقّه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع ، لا إنشاء الإسقاط لو جوّزناه بمثله ، وإن كان عيناً كان بينهما مسلوباً بحسب الظاهر عن كلّ منهما ، فيبقى إلى أن يتّضح الحال ، ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره . ولو ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره ، فإن صدّقه المقرّ له ؛ وقال :

أنا أيضاً لا أدري ، فالأقوى القرعة وإن كان الأحوط التصالح ، وإن ادّعى المعرفة وعيّن أحدهما ، فإن صدّقه المقرّ فذاك ، وإلاّ فله أن يطالبه بالبيّنة ، ومع عدمها

ص: 55

فله أن يحلّفه ، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً ، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر فيه .

(مسألة 7) : كما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به ، لا يضرّان في المقرّ له ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لأحد هذين» يقبل ويلزم بالتعيين ، فمن عيّنه يقبل ، ويكون هو المقرّ له ، فإن صدّقه الآخر فهو ، وإلاّ تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ . ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه فيه سقط عنه الإلزام بالتعيين ، ولو ادّعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه .

(مسألة 8) : يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ والمجنون والسكران ، وكذا الهازل والساهي والغافل والمكره . نعم ، لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إن تعلّق بما له أن يفعله ، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين .

(مسألة 9) : إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل ، ويقبل فيما عدا المال ، كالطلاق والخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء ، وكذا في كلّ ما أقرّ به وهو يشتمل على مال وغيره ؛ لم يقبل بالنسبة إلى المال ، كالسرقة فيحدّ إن أقرّ بها ، ولا يلزم بأداء المال .

(مسألة 10) : يقبل إقرار المفلّس بالدين سابقاً ولاحقاً ، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء بتفصيل مرّ في كتاب الحجر ، كما مرّ الكلام في إقرار المريض بمرض الموت ، وأ نّه نافذ إلاّ مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث .

(مسألة 11) : لو ادّعى الصبيّ البلوغ فإن ادّعاه بالإنبات اختبر ، ولا يثبت

ص: 56

بمجرّد دعواه ، وكذا إن ادّعاه بالسنّ ، فإنّه يطالب بالبيّنة . وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه ، فثبوته بقوله بلا يمين بل معها محلّ تأمّل وإشكال .

(مسألة 12) : يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهلية الاستحقاق ، فلو أقرّ لدابّة بالدين لغا ، وكذا لو أقرّ لها بملك ، وأمّا لو أقرّ لها باختصاصها بجلّ ونحوه ، كأن يقول : «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» ، أو لهذا مريداً به ذلك ، فالظاهر أ نّه يقبل ويحكم بمالكية مالكها ، كما أ نّه يقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها ؛ بمال خارجي أو دين ؛ حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها ؛ من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها .

(مسألة 13) : لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره ، فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ ، وفرغت ذمّته في الظاهر ، وإن كان عيناً كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر ، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها . هذا بحسب الظاهر . وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ - بينه وبين اللّه تعالى - تفريغ ذمّته من الدين ، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله ، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره ، وإلاّ ففيه تأمّل .

(مسألة 14) : لو أقرّ بشيء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه ، يؤخذ بإقراره ويلغى ما ينافيه ، فلو قال : «له عليّ عشرة ، لا بل تسعة» يلزم بالعشرة . ولو قال : «له عليّ كذا ، وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يلزم بالمال ولا يسمع منه ما

ص: 57

عقّبه . وكذا لو قال : «عندي وديعة وقد هلكت» ، فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله : «عندي» الظاهر في وجودها عنده . نعم ، لو قال : «كانت له عندي وديعة وقد هلكت» فلا تنافي بينهما ، وهو دعوى لا بدّ من فصلها على الموازين الشرعية .

(مسألة 15) : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت ، ونفس المستثنى إن كان من المنفي ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بما عداها ، ولو قال :

«ليس له من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بها . هذا إذا كان الإخبار متعلّقاً بحقّ الغير عليه . وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال : «لي هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن

القبّة ، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يسمع منه ، ولو قال : «ليس لي من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بعدم استحقاق ما عدا القبّة .

(مسألة 16) : لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر ، كما إذا قال : «هذه الدار لزيد» ، ثمّ قال : «لعمرو» ، حكم بكونها للأوّل واُعطيت له ، واُغرم للثاني بقيمتها .

(مسألة 17) : من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب كالبنوّة والاُخوّة ونحوهما ، والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه ؛ من وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك . وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل : وهو أ نّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ ، يثبت به ذلك ؛ إن لم يكذّبه الحسّ والعادة - كالإقرار ببنوّة

ص: 58

من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله - ولا الشرع - كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه - ولم ينازعه فيه منازع ، فينفذ إقراره ، ويترتّب عليه جميع آثاره ، ويتعدّى إلى أنسابهما ، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ ، وولد المقرّ أخاً للمقرّ به ، وأبيه جدّه ، ويقع التوارث بينهما ، وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض . وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ مع الشروط المزبورة . وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد ، فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه ، أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه مع إمكان صدقه عقلاً وشرعاً يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق ، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما ، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق غير مصدّق له ، لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلاّ بالبيّنة .

(مسألة 18) : لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه ، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره .

(مسألة 19) : لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به ، فيأخذ المنكر نصف التركة ، والمقرّ ثلثها بمقتضى إقراره ، والمقرّ به سدسها ، وهو تكملة نصيب المقرّ ، وقد تنقص بسبب إقراره .

(مسألة 20) : لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له ، كان لها الثمن والباقي للولد إن صدّقها الإخوة ، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع ، وللزوجة الثمن ، وباقي حصّتها للولد .

(مسألة 21) : لو مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته ، فمع إمكانه وعدم منازع له يثبت نسبه ، وكان ميراثه له .

ص: 59

(مسألة 22) : لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً ، ولو أقرّ بعضهم وأنكر بعض ، فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت ، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما . وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة ، ويؤخذ منه من الدين الذي أقرّ به - مثلاً - بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلّ من الوارثين خمسين ، فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر ، أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين . وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة ؛ بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء ، وأنكر الآخر ، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره .

ص: 60

كتاب الهِبة

وهي تمليك عين مجّاناً ومن غير عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها . وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة ، والأمر سهل . وقد يعبّر عنها : بالعطيّة والنحلة . وهي عقد يفتقر إلى إيجاب بكلّ لفظ دلّ على المقصود ، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك ، وقبول بما دلّ على الرضا . ولا يعتبر فيه العربية . والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها .

(مسألة 1) : يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار . نعم ، يصحّ قبول الوليّ عن المولّى عليه الموهوب له . وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر . وفي الواهب كونه مالكاً لها ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، وعدم الحجر عليه بسفه أو فلس . وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث .

(مسألة 2) : يشترط في الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع . وأمّا الدين فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال . ويعتبر فيها القبول على الأقوى ، وأفادت فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب

ص: 61

عليها السقوط ، وهو إسقاط لما في الذمّة ، وإن كانت لغير من عليه الحقّ فالأقوى صحّتها أيضاً . ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه .

(مسألة 3) : يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد . ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط . نعم ، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض . وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له - كالأب والجدّ للولد الصغير - وقد وهبه ما في يده صحّ ، وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة . ولو وهبه غير الوليّ فلا بدّ من القبض ، ويتولاّه الوليّ .

(مسألة 4) : القبض في الهبة كالقبض في البيع ، وهو في غير المنقول - كالدار والبستان - التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات ؛ بحيث يصير تحت استيلائه ، وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد ، أو ما هو بمنزلته كوضعه في حجره مثلاً .

(مسألة 5) : يجوز هبة المشاع ؛ لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور .

(مسألة 6) : لا تعتبر الفورية في القبض ، ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه ، فالنماء السابق على القبض للواهب .

(مسألة 7) : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد ، وانتقل

ص: 62

الموهوب إلى ورثته ، ولا يقومون مقامه في الإقباض ، وكذا لو مات الموهوب له بطل ، ولا يقوم ورثته مقامه في القبض .

(مسألة 8) : إذا تمّت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم - أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم - لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبيّ كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً ؛ بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً ، فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبيّ ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً ؛ من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره ؛ بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى اللّه تعالى .

(مسألة 9) : يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها ، دون غير المغيّر ، كالثوب يلبسه والفراش يفرشه والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها . ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز ، ومن الثاني قصارة الثوب .

(مسألة 10) : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً .

(مسألة 11) : الهبة : إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، فالمراد بالاُولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض .

ص: 63

(مسألة 12) : لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض ؛ سواء كانت من الأدنى للأعلى ، أو العكس ، أو من المساوي للمساوي ؛ وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه . ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه .

(مسألة 13) : لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض ؛ بأن يهبه شيئاً مكافأةً وثواباً لهبته ، ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب ، يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى على الواهب ، وإلاّ فله الرجوع فيها .

(مسألة 14) : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب على فرض عدم ردّ أصل الهبة بذل ما عيّن . ولو أطلق ؛ بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، فإن اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمة ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .

(مسألة 15) : الظاهر أ نّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض ، أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ؛ بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ؛ بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ، ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاع عمل له ، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه .

ص: 64

(مسألة 16) : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له ، وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض - كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع - كان من مال المتّهب ، ولا يرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن ، فإنّه يرجع إليه . ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ؛ لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل لا يخلو من قوّة ، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز معها الرجوع . نعم ، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام سيّما اُجرة المثل لو غصبهما غاصب ليست منه ، فتكون بعد الرجوع للمتّهب .

(مسألة 17) : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب ، لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة ، وليس لورثته الرجوع . وكذلك لو مات الموهوب له ، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً .

(مسألة 18) : لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة - بأن كانت لذي رحم ، أو معوّضة ، أو قصد بها القربة ، أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها - يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز المتّهب صحّ ، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب ، وكان رجوعاً في الهبة . هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته . وإلاّ ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 19) : الرجوع : إمّا بالقول ، كأن يقول : «رجعت» وما يفيد معناه ، وإمّا بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب ، ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع .

ص: 65

(مسألة 20) : لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير اطّلاعه صحّ .

(مسألة 21) : يستحبّ العطيّة للأرحام الذين أمر اللّه تعالى أكيداً بصلتهم ، ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن مولانا الباقر علیه السلام ، قال : «في كتاب علي علیه السلام : ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ : البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها ، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لَيذرانِ الديار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم ، وإنّ نقل الرحم انقطاع النسل» .

وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر اللّه تعالى ببرّهما ، فعن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وقال : أوصني . قال : لا تشرك باللّه شيئاً وإن اُحرقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنّ بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان» . وأولى من الكلّ الاُمّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب ، فعن الصادق علیه السلام : «جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال : يا رسول اللّه من أبرّ ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ إلى من ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ من ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ من ؟ قال : أباك» . والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها .

(مسألة 22) : يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة على كراهية ، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد ، كما أ نّه ربما يرجح فيما إذا يؤمن من الفساد ، ويكون لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته .

ص: 66

كتاب الوقف وأخواته

اشارة

وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة . وفيه فضل كثير وثواب جزيل ، ففي الصحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ليس يتبع الرجلَ بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسُنّة هدىً سَنّها فهي يعمل بها بعد موته ، وولد صالح يدعو له» ، وبمضمونه روايات .

(مسألة 1) : يعتبر في الوقف الصيغة ، وهي كلّ ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور ، مثل «وقفتُ» و«حبستُ» و«سبّلتُ» ، بل و«تصدّقتُ» إذا اقترن به ما يدلّ على إرادته ، كقوله : «صدقة مؤبّدة ، لا تُباع ولا تُوهب» ونحو ذلك ، وكذا مثل «جعلتُ أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبّلة على كذا» . ولا يعتبر فيه العربية ولا الماضوية ، بل يكفي الجملة الاسمية ، مثل : «هذا وقف» أو «هذه محبسة أو مسبّلة» .

(مسألة 2) : لا بدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجدية ، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين وعبادة المسلمين صحّ ، لكن لم يصر به مسجداً ما لم يكن المقصود عنوانه ، والظاهر كفاية قوله : «جعلته مسجداً» وإن لم يذكر ما

ص: 67

يدلّ على وقفه وحبسه ، والأحوط أن يقول : «وقفته مسجداً» أو « . . . على أن يكون مسجداً» .

(مسألة 3) : الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد ، والمقابر ، والطرق والشوارع ، والقناطر ، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين ، والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها أو ثمرها ، بل ومثل البواري للمساجد ، والقناديل للمشاهد ، وأشباه ذلك . وبالجملة : ما كان محبساً على مصلحة عامّة ، فلو بنى بناءً بعنوان المسجدية ، وأذن في الصلاة فيه للعموم ، وصلّى فيه بعض الناس ، كفى في وقفه وصيرورته مسجداً . وكذا لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين ، وخلّى بينها وبينهم وأذن إذناً عامّاً للدفن فيها ، فدفنوا فيها بعض الأموات ، أو بنى قنطرة وخلّى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها وهكذا .

(مسألة 4) : ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء بقصد المسجدية ؛ بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجداً ، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . وأمّا إذا كان له بناء مملوك - كدار أو خان - فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه يشكل الاكتفاء به . وكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة .

(مسألة 5) : لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف . وفي جريان الفضولية فيه خلاف وإشكال لا يبعد جريانها فيه ، لكن الأحوط خلافه .

(مسألة 6) : الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها . وكذا الوقف على العناوين الكلّية ، كالوقف

ص: 68

على الفقراء والفقهاء ونحوهما . وأمّا الوقف الخاصّ - كالوقف على الذرّية - فالأحوط اعتباره فيه ، فيقبله الموقوف عليهم ، ويكفي قبول الموجودين ، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده ، وإن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم . لكن الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً ، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً ، والقائم به الحاكم أو

المنصوب من قبله .

(مسألة 7) : الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ ؛ وإن كان الأحوط اعتباره مطلقاً .

(مسألة 8) : يشترط في صحّة الوقف القبض ، ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف ، ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ولو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه ، ولو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره . وأمّا الوقف على الجهات العامّة والمصالح كالمساجد وما وقف عليها ، فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم ، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل ، ومع عدم القيّم تعيّن الحاكم . وكذا الحال في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء والطلبة ، وهل يكفي قبض بعض أفراد ذلك العنوان ؛ بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلاً ؟ لعلّ الأقوى ذلك فيما إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها ، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار والحجّاج للركوب إلى زائر وحاجّ فركبها . نعم ، لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين ، فإذا

ص: 69

وقف بستاناً على الفقراء ، لا يكفي في القبض إعطاء شيء من ثمرته لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده ، بل لا يكفي ذلك في الإعطاء لوليّ العامّ أو الخاصّ أيضاً .

(مسألة 9) : لو وقف مسجداً أو مقبرة ، كفى في القبض صلاة واحدة فيه أو دفن ميّت واحد فيها بإذن الواقف ، وبعنوان التسليم والقبض .

(مسألة 10) : لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده - وكذا كلّ وليّ إذا وقف على المولّى عليه ما كان تحت يده - لم يحتج إلى قبض حادث جديد ، لكن الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه ، بل لا يخلو من وجه .

(مسألة 11) : لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف ؛ بعنوان الوديعة أو العارية - مثلاً - لم يحتج إلى قبض جديد ؛ بأن يستردّها ثمّ يقبضها . نعم ، لا بدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف . والأحوط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفية .

(مسألة 12) : فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي - كالوقف على الجهات العامّة - لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ، ويكفي ما هو حاصل ، والأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أ نّه متولّي الوقف .

(مسألة 13) : لا يُشترط في القبض الفورية ، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى ، وتمّ الوقف من حين القبض .

(مسألة 14) : لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً .

(مسألة 15) : يشترط في الوقف الدوام ؛ بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال :

ص: 70

«وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً ، وفي صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان . نعم ، لو قصد به الحبس صحّ .

(مسألة 16) : لو وقف على من ينقرض - كما إذا وقف على أولاده - واقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً ، ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم ، ففي صحّته وقفاً أو حبساً أو بطلانه رأساً أقوال ، والأقوى هو الأوّل ، فيصحّ الوقف المنقطع الآخر ؛ بأن يكون وقفاً حقيقة إلى زمان الانقراض والانقطاع ، وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته ، بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع .

(مسألة 17) : الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف ، وأمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل . بخلاف الحبس ، فإنّه باقٍ معه على ملك الحابس ويورّث ، ويجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلاّ التصرّفات الناقلة ، فإنّها لا تجوز ، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً ، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع .

(مسألة 18) : لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل . وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه .

(مسألة 19) : من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد

ص: 71

وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبيَع مثلاً ، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه دون غيره .

(مسألة 20) : الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي ، فالأحوط بطلانه ، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة ، ولا يترك هذا الاحتياط . وإن كان بحكم الشرع ؛ بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ ، وكذا في المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في الأوّل والآخر ، فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني .

(مسألة 21) : لو وقف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى ، ومرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه ، ويدخل في منقطع الآخر ، وإذا مات الواقف فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً ، وإلاّ بقي على وقفيته .

(مسألة 22) : يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط ، فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول - كمجيء زيد - أو على غير حاصل يقيني الحصول فيما بعد ، كما إذا قال : «وقفت إذا جاء رأس الشهر» ، بطل على الأحوط . نعم ، لا بأس بالتعليق على شيء حاصل سواء علم بحصوله أم لا ، كما إذا قال : «وقفتُ إن كان اليوم جمعة» وكان كذلك .

(مسألة 23) : لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أ نّه وصيّة بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل .

ص: 72

(مسألة 24) : من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه ، فلو وقف على نفسه لم يصحّ ، ولو وقف على نفسه وغيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره ، وإن كان بنحو الترتيب فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل ، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر ، وإن كان على غيره ثمّ نفسه ثمّ غيره فمنقطع الوسط ، وقد مرّ حكم الصور .

(مسألة 25) : لو وقف على غيره - كأولاده أو الفقراء مثلاً - وشرط أن يقضي ديونه ، أو يؤدّي ما عليه من الحقوق المالية ، كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف ، لم يصحّ ، وبطل الوقف من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن ، وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه . هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه . وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم ؛ بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته ، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف . ثمّ إنّ في صورة بطلان الشرط تختلف الصور ، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ ، كما لو شرّك نفسه مع غيره ، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل ، فيصحّ على الظاهر فيما بعده ، لكن الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه .

(مسألة 26) : لو شرط أكل أضيافه ومن يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز ، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممّن يجب نفقته عليه حتّى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتّى تسقط عنه ، وإلاّ رجع إلى الوقف على النفس .

ص: 73

(مسألة 27) : لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف ، وبقيت الإجارة على حالها ، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة ، فإن انفسخت بالفسخ أو الإقالة بعد تمامية الوقف ، رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر ، دون الموقوف عليهم .

(مسألة 28) : لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدّة لنزول المسافرين ونحوها . وأمّا الوقف على العناوين العامّة - كفقراء المحلّ مثلاً - إذا كان الواقف داخلاً في العنوان حين الوقف ، أو صار داخلاً فيه فيما بعد ، فإن كان المراد التوزيع عليهم ، فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع ، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ، ويقصد خروجه عنه ، ومن ذلك ما لو وقف شيئاً على ذرّية أبيه أو جدّه إن كان المقصود البسط والتوزيع ، كما هو الشائع المتعارف فيه . وإن كان المراد بيان المصرف - كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوّار والحجّاج ونحوهم - فلا إشكال في خروجه وعدم جواز الانتفاع به إذا قصد خروجه . وأمّا لو قصد الإطلاق والعموم بحيث يشمل نفسه فالأقوى جواز الانتفاع ، والأحوط خلافه ، بل يكفي في جوازه عدم قصد الخروج ، وهو أولى به ممّن قصد الدخول .

(مسألة 29) : يعتبر في الواقف : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا يصحّ وقف الصبيّ وإن بلغ عشراً على الأقوى . نعم ، حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغه - كما يأتي - فإن أوصى به صحّ وقف الوصيّ عنه .

(مسألة 30) : لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً ، فيصحّ وقف الكافر

ص: 74

فيما يصحّ من المسلم على الأقوى ، وفيما يصحّ منه على مذهبه إقراراً له على مذهبه .

(مسألة 31) : يعتبر في الموقوف : أن يكون عيناً مملوكة ، يصحّ الانتفاع به منفعة محلّلة ، مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به ، غير متعلّق لحقّ الغير المانع من التصرّف ، ويمكن قبضه . فلا يصحّ وقف المنافع ، ولا الديون ، ولا ما لا يملك مطلقاً كالحرّ ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير ، ولا ما لا انتفاع به إلاّ بإتلافه كالأطعمة والفواكه ، ولا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرّم كآلات اللهو والقمار ، ويلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة ، كما إذا وقف الدابّة لحمل الخمر ، أو الدكّان لحرزها أو بيعها ، وكذا لا يصحّ وقف ريحانة للشمّ على الأصحّ ؛ لعدم الاعتداد ببقائها ، ولا العين المرهونة ، ولا ما لا يمكن قبضه كالدابّة الشاردة . ويصحّ وقف كلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بالشرائط ، كالأراضي ، والدور ، والعقار ، والثياب ، والسلاح ، والآلات المباحة ، والأشجار ، والمصاحف ، والكتب ، والحلي ، وصنوف الحيوان ؛ حتّى الكلب المملوك والسنّور ونحوها .

(مسألة 32) : لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا يُنتفع بها فعلاً ، بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع ، ولو بعد مدّة ، فيصحّ وقف الدابّة الصغيرة والاُصول المغروسة التي لا تثمر إلاّ بعد سنين .

(مسألة 33) : المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية والإجارة ، فتشمل النماءات والثمرات ، فيصحّ وقف الأشجار لثمرها والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها .

ص: 75

(مسألة 34) : ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين : الوقف الخاصّ ، وهو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص ، كالوقف على أولاده وذرّيته أو على زيد وذرّيته ، والوقف العامّ ، وهو ما كان على جهة ومصلحة عامّة ، كالمساجد والقناطر والخانات ، أو على عنوان عامّ كالفقراء والأيتام ونحوهما .

(مسألة 35) : يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف ، فلا يصحّ الوقف ابتداءً على المعدوم ، ومن سيوجد بعدُ ، وكذا الحمل قبل أن يولد . والمراد بكونه ابتداءً : أن يكون هو الطبقة الاُولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة ، فلو وقف على المعدوم أو الحمل تبعاً للموجود ؛ بأن يجعل طبقة ثانية ، أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث شاركه عند وجوده ، صحّ بلا إشكال ، كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب ، بل لا يلزم أن يكون في كلّ زمان وجود الموقوف عليه وولادته ، فلو وقف على ولده الموجود وعلى ولد ولده بعده ، ومات الولد قبل ولادة ولده ، فالظاهر صحّته ، ويكون الموقوف عليه بعد موته الحمل ، فما لا يصحّ الوقف عليه هو المعدوم أو الحمل ابتداءً بنحو الاستقلال لا التبعية .

(مسألة 36) : لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجود مصداقه في كلّ زمان ، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلاً في بعض الأزمان ، فلو وقف بُستاناً - مثلاً - على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير فيه ، لكن سيوجد صحّ الوقف ، ولم يكن من منقطع الأوّل ، كما أ نّه مع فقده بعد وجوده لم يكن منقطع الوسط ، بل هو باقٍ على وقفيته ، فيحفظ غَلّته إلى أن يوجد .

ص: 76

(مسألة 37) : يشترط في الموقوف عليه التعيين ، فلو وقف على أحد الشخصين أو أحد المسجدين لم يصحّ .

(مسألة 38) : الظاهر صحّة الوقف على الذمّي والمرتدّ لا عن فطرة ؛ سيّما إذا كان رحماً . وأمّا الكافر الحربي والمرتدّ عن فطرة فمحلّ تأمّل .

(مسألة 39) : لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة وما فيه إعانة على المعصية ، كمعونة الزنا وقطع الطريق وكتابة كتب الضلال ، وكالوقف على البيع والكنائس وبيوت النيران ؛ لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومعلّقاتها وغيرها . نعم ، يصحّ وقف الكافر عليها .

(مسألة 40) : لو وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين ، بل الظاهر أ نّه لو كان الواقف شيعياً انصرف إلى فقراء الشيعة ، ولو وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته ، فاليهود إلى اليهود ، والنصارى إلى النصارى وهكذا ، بل الظاهر أ نّه لو كان الواقف مخالفاً انصرف إلى فقراء أهل السنّة . نعم ، الظاهر أ نّه لا يختصّ بمن يوافقه في المذهب ، فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي ، والشافعي إلى الشافعي وهكذا .

(مسألة 41) : لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة معدودة - كما لو وقف على فقراء محلّة أو قرية صغيرة - توزّع منافع الوقف على الجميع ، وإن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب ، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة ، فتوزّع على جماعة معتدّ بها بحسب مقدار المنفعة .

(مسألة 42) : لو وقف على فقراء قبيلة - كبني فلان - وكانوا متفرّقين لم يقتصر

ص: 77

على الحاضرين ، بل يجب تتبّع الغائبين وحفظ حصّتهم للإيصال إليهم ، ولو صعب إحصاؤهم يجب الاستقصاء بمقدار الإمكان وعدم الحرج على الأحوط . نعم ، لو كان عدد فقراء القبيلة غير محصور - كبني هاشم - جاز الاقتصار على الحاضرين . كما أنّ الوقف لو كان على الجهة جاز اختصاص الحاضرين به ، ولا يجب الاستقصاء .

(مسألة 43) : لو وقف على المسلمين ، كان لمن أقرّ بالشهادتين ؛ إذا كان الواقف ممّن يرى أنّ غير أهل مذهبه أيضاً من المسلمين . ولو وقف الإمامي على المؤمنين اختصّ بالاثني عشرية ، وكذا لو وقف على الشيعة .

(مسألة 44) : لو وقف في سبيل اللّه يصرف في كلّ ما يكون وصلة إلى الثواب ، وكذلك لو وقف في وجوه البرّ .

(مسألة 45) : لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف ، ولو وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبياً على كيفية طبقات الإرث .

(مسألة 46) : لو وقف على أولاده اشترك الذكر والاُنثى والخُنثى ، ويقسّم بينهم على السواء ، ولو وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين والبنات ؛ ذكورهم وإناثهم بالسويّة .

(مسألة 47) : لو قال : «وقفت على ذرّيتي» عمّ البنين والبنات وأولادهم بلا واسطة ومعها ذكوراً وإناثاً ، وتشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة ، ويكون على الرؤوس بالسويّة ، وكذا لو قال : «وقفتُ على أولادي وأولاد أولادي» ، فإنّ الظاهر منهما التعميم لجميع الطبقات أيضاً . نعم ، لو قال : «وقفت على أولادي ، ثمّ على الفقراء» أو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي ، ثمّ على الفقراء»

ص: 78

فلا يبعد أن يختصّ بالبطن الأوّل في الأوّل ، وبالبطنين في الثاني ، خصوصاً في الصورة الاُولى .

(مسألة 48) : لو قال : «وقفت على أولادي نسلاً بعد نسل وبطناً بعد بطن» ، فالظاهر المتبادر منه عرفاً أ نّه وقف ترتيب ، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمّه .

(مسألة 49) : لو علم من الخارج وقفية شيء على الذرّية ، ولم يعلم أ نّه وقف تشريك أو ترتيب ، فالظاهر فيما عدا قسمة الطبقة الاُولى الرجوع إلى القُرعة .

(مسألة 50) : لو قال : «وقفت على أولادي الذكور نسلاً بعد نسل» يختصّ بالذكور من الذكور في جميع الطبقات ، ولا يشمل الذكور من الإناث .

(مسألة 51) : لو كان الوقف ترتيبياً كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف : فتارة : جعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ، ويراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف ، فلا يشارك الولد أباه ، ولا ابن الأخ عمّه وعمّته ، ولا ابن الاُخت خاله وخالته . واُخرى : جعل الترتيب بين خصوص الآباء من كلّ طبقة وأبنائهم ، فإذا كانت إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شيء ما دام حياة الآباء ، فإذا توفّي الآباء شارك الأولاد أعمامهم . وله أن يجعل الترتيب على أيّ نحو شاء ، ويتّبع .

(مسألة 52) : لو قال : «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة ، وإذا مات أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده» فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه له ، ولو تعدّد الولد يقسّم نصيبه بينهم على الرؤوس ، وإذا مات من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته ، ولا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده .

ص: 79

(مسألة 53) : لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة ، فلا يشمل غيرهم كعلماء الطبّ والنجوم والحكمة .

(مسألة 54) : لو وقف على أهل مشهدٍ - كالنجف مثلاً - اختصّ بالمتوطّنين والمجاورين ، ولا يشمل الزوّار والمتردّدين .

(مسألة 55) : لو وقف على المشتغلين في النجف - مثلاً - من أهل بلد كطهران أو غيره ، اختصّ بمن هاجر من بلده إليه للاشتغال ، ولا يشمل من جعله وطناً له معرضاً عن بلده .

(مسألة 56) : لو وقف على مسجد ، فمع الإطلاق صرفت منافعه في تعميره وضوئه وفرشه وخادمه ، ولو زاد شيء يُعطى لإمامه .

(مسألة 57) : لو وقف على مشهد يصرف في تعميره وضوئه وخدّامه المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلّقة به .

(مسألة 58) : لو وقف على سيّد الشهداء علیه السلام يُصرف في إقامة تعزيته ؛ من اُجرة القارئ وما يُتعارف صرفه في المجلس للمستمعين وغيرهم .

(مسألة 59) : لا إشكال في أ نّه بعد تمامية الوقف ، ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه ؛ بإخراج بعض من كان داخلاً أو إدخال من كان خارجاً ؛ إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف . وهل يصحّ ذلك إذا شرطه ؟ لا يبعد عدم الجواز مطلقاً ؛ لا إدخالاً ولا إخراجاً ، فلو شرط ذلك بطل شرطه ، بل الوقف على إشكال ، ومثل ذلك لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد . نعم ، لو وقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد ، وبعد ذلك كان الوقف على من سيوجد ، صحّ بلا إشكال .

ص: 80

(مسألة 60) : لو علم وقفية شيء ولم يعلم مصرفه - ولو من جهة نسيانه - فإن كانت المحتملات متصادقة غير متباينة يُصرف في المتيقّن ، كما إذا لم يدرِ أ نّه وقف على الفقراء أو الفقهاء ، فيقتصر على مورد تصادق العنوانين . وإن كانت متباينة ، فإن كان الاحتمال بين اُمور محصورة ، كما إذا لم يدر أ نّه وقف على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني ، أو فقراء هذا البلد أو ذاك ، يقرع ويعمل بها . وإن كان بين اُمور غير محصورة ، فإن كان بين عناوين وأشخاص غير محصورة ، كما علم أ نّه وقف على ذرّية أحد أفراد المملكة الفلانية ، ولا طريق إلى معرفته ، كانت منافعه بحكم مجهول المالك ، فيتصدّق بها بإذن الحاكم على الأحوط ، والأولى أن لا يخرج التصدّق عن المحتملات مع كونها مورداً له . وإن كان مردّداً بين الجهات غير المحصورة ، كما إذا علم أ نّه وقف على جهة من الجهات ؛ ولم يعلم أ نّها مسجد أو مشهد أو قنطرة أو تعزية سيّد الشهداء علیه السلام أو إعانة الزوّار وهكذا ، تصرف المنافع في وجوه البرّ بشرط عدم الخروج عن مورد المحتملات .

(مسألة 61) : لو كان للعين الموقوفة منافع متجدّدة وثمرات متنوّعة ، يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف ، ففي الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدّدة ولبنها ونتاجها وغيرها ، وفي الشجر والنخل ثمرهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة ، بل وغيرها ممّا قطعت للإصلاح ، وكذا فروخهما وغير ذلك . وهل يجوز في الوقف التخصيص ببعض المنافع ؛ حتّى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض ؟ الأقوى ذلك .

(مسألة 62) : لو وقف على مصلحة فبطل رسمها ، كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت ولم يمكن تعميرها ، أو لم تحتج إلى مصرف ؛ لانقطاع من يصلّي في المسجد والطلبة والمارّة ، ولم يرج العود ، صرف الوقف في وجوه

ص: 81

البرّ ، والأحوط صرفه في مصلحة اُخرى من جنس تلك المصلحة ، ومع التعذّر يراعى الأقرب فالأقرب منها .

(مسألة 63) : إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجدية ، فتجري عليها أحكامها إلاّ في بعض الفروض . وكذا لو خربت القرية التي هو فيها بقي المسجد على صفة المسجدية .

(مسألة 64) : لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم ، فإن أطلق فهو وقف منفعة ، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً ونحوها يملكون منافعها ، فلهم استنماؤها ، فيقسّمون بينهم ما حصل منها - بإجارة وغيرها - على حسب ما قرّره الواقف من الكمّية والكيفية ، وإن لم يقرّر كيفية في القسمة يقسّمونه بينهم بالسويّة . وإن وقفها عليهم لسكناهم فهو وقف انتفاع ، ويتعيّن لهم ذلك ، وليس لهم إجارتها . وحينئذٍ إن كفت لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها ، وليس لبعضهم أن يستقلّ به ويمنع غيره . وإن وقع بينهم تشاحّ في اختيار الحجر ، فإن جعل الواقف متولّياً يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن ، كان نظره وتعيينه هو المتّبع ، ومع عدمه كانت القرعة هي المرجع . ولو سكن بعضهم ولم يسكنها بعض ، فليس له مطالبة الساكن باُجرة حصّته إن لم يكن مانعاً عنه ، بل هو لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي . وإن لم تكف لسكنى الجميع فإن تسالموا على المهاياة أو غيرها فهو ، وإلاّ كان المتّبع نظر المتولّي من قبل الواقف لتعيين الساكن ، ومع فقده فالمرجع القرعة ، فمن خرج اسمه يسكن ، وليس لمن لم يسكن مطالبته باُجرة حصّته .

(مسألة 65) : الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون

ص: 82

للموقوف عليهم ، بل هو باق على ملك الواقف ، وكذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل . نعم ، في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 66) : لو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي» شمل جميع البطون كما مرّ ، فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو الذكورة أو الاُنوثة أو غير ذلك ، يكون هو المتّبع ، ولو أطلق فمقتضاه التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل . ولو قال : «وقفت على أولادي ، ثمّ على أولاد أولادي» ، أفاد الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد قطعاً ، وأمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب ، فيشترك أولاد الأولاد مع أولادهم ، إلاّ إذا قامت القرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد ؛ وأنّ ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد من باب المثال ، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد ؛ وأنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف .

(مسألة 67) : لا ينبغي الإشكال في أنّ الوقف بعد تماميته ، يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة إلاّ في منقطع الآخر الذي مرّ التأمّل في بعض أقسامه . كما لا ينبغي الريب في أنّ الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمشاهد والقناطر والخانات والمقابر والمدارس ، وكذا أوقاف المساجد والمشاهد وأشباه ذلك ، لا يملكها أحد ، بل هو فكّ الملك وتسبيل المنافع على جهات معيّنة . وأمّا الوقف الخاصّ كالوقف على الأولاد ، والوقف العامّ على العناوين العامّة كالفقراء والعلماء ونحوهما ، فهل يكون كالوقف على الجهات العامّة لا يملك الرقبة أحد ؛ سواء كان وقف منفعة ؛ بأن وقف ليكون منافع الوقف لهم ، فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك ، أو وقف انتفاع كما إذا وقف الدار لسكنى

ص: 83

ذرّيته أو الخان لسكنى الفقراء ، أو يملك الموقوف عليهم رقبته ملكاً غير طلق مطلقاً ، أو تفصيل بين وقف المنفعة ووقف الانتفاع ، فالثاني كالوقف على الجهات العامّة دون الأوّل ، أو بين الوقف الخاصّ فيملك الموقوف عليه ملكاً غير طلق ، والوقف العامّ فكالوقف على الجهات ؟ وجوه . لا يبعد أن يكون اعتبار الوقف - في جميع أقسامه - إيقاف العين لدرّ المنفعة على الموقوف عليه ، فلا تصير العين ملكاً لهم ، وتخرج عن ملك الواقف إلاّ في بعض صور المنقطع الآخر ، كما مرّ .

(مسألة 68) : لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو إلى عنوان آخر ، كجعل الدار خاناً أو دكّاناً أو بالعكس . نعم ، لو كان الوقف وقف منفعة ، وصار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في الغاية ، لا يبعد جواز تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة ، كما إذا صار البستان من جهة انقطاع الماء عنه أو لعارض آخر لم ينتفع به ، بخلاف ما إذا جعل داراً أو خاناً .

(مسألة 69) : لو خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه ، كالبستان انقلعت أو يبست أشجاره ، والدار تهدّمت حيطانها وعفت آثارها ، فإن أمكن تعميره وإعادة عنوانه ولو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة ونحوها لزم ، وتعيّن على الأحوط ، وإلاّ ففي خروج العرصة عن الوقفية وعدمه ، فيُستنمى منها بوجه آخر - ولو بزرع ونحوه - وجهان بل قولان ، أقواهما الثاني . والأحوط أن تجعل وقفاً ويجعل مصرفه وكيفياته على حسب الوقف الأوّل .

(مسألة 70) : إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم وإصلاح لبقائها والاستنماء منها ، فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها فهو ، وإلاّ يصرف فيها من

ص: 84

نمائها على الأحوط مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم ، والأحوط لهم الرضا بذلك ، ولو توقّف بقاؤها على بيع بعضها جاز .

(مسألة 71) : الأوقاف على الجهات العامّة التي مرّ أ نّها لا يملكها أحد كالمساجد والمشاهد والمدارس والمقابر والقناطر ونحوها ، لا يجوز بيعها بلا إشكال في مثل الأوّلين ، وعلى الأحوط في غيره وإن آل إلى ما آل ؛ حتّى عند خرابها واندراسها بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلاً ، بل تبقى على حالها ، هذا بالنسبة إلى أعيانها . وأمّا ما يتعلّق بها من الآلات والفَرش وثياب الضرائح وأشباه ذلك ، فما دام يمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها لا يجوز بيعها ، وإن أمكن الانتفاع بها في المحلّ الذي اُعدّت له بغير ذلك الانتفاع الذي اُعدّت له ، بقيت على حالها أيضاً ، فالفرش المتعلّقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الافتراش بها في ذلك المحلّ ، بقيت على حالها فيه ، ولو فُرض استغناؤه عن الافتراش بالمرّة ، لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحرّ أو البرد - مثلاً - تجعل ستراً لذلك المحلّ ، ولو فرض استغناء المحلّ عنها بالمرّة ؛ بحيث لا يترتّب على إمساكها وإبقائها فيه إلاّ الضياع والضرر والتلف ، تجعل في محلّ آخر مماثل له ؛ بأن تجعل ما للمسجد لمسجد آخر ، وما للمشهد لمشهد آخر ، فإن لم يكن المماثل ، أو استغنى عنها بالمرّة ، جعلت في المصالح العامّة . هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها . وأمّا لو فرض أ نّه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ ببيعها - وكانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت وتلفت - بيعت ، وصرف ثمنها في ذلك المحلّ إن احتاج إليه ، وإلاّ ففي المماثل ، ثمّ المصالح حسب ما مرّ .

(مسألة 72) : كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف ، الظاهر أ نّه لا يجوز إجارتها ،

ص: 85

ولو غصبها غاصب واستوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها - كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن - فلا يبعد أن تكون عليه اُجرة المثل في مثل المدارس والخانات والحمّامات ، دون المساجد والمشاهد والمقابر والقناطر ونحوها . ولو أتلف أعيانها متلف فالظاهر ضمانه ، فيؤخذ منه القيمة ، وتصرف في بدل التالف ومثله .

(مسألة 73) : الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد ، والأوقاف العامّة التي كانت على العناوين العامّة كالفقراء ، لا يجوز بيعها ونقلها بأحد النواقل إلاّ لعروض بعض العوارض وطروّ بعض الطوارئ ، وهي اُمور :

الأوّل : ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الاُولى ، ولا الانتفاع بها إلاّ ببيعها والانتفاع بثمنها ، كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق ،

فتباع ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم ، والأحوط لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة .

الثاني : أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به ؛ بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى أمثال العين الموقوفة ، بشرط أن لا يرجى العود كما مرّ ، كما إذا انهدمت الدار واندرس البستان ، فصار عرصة لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بمقدار جزئي جدّاً يكون بحكم العدم بالنسبة إليهما ، لكن لو بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار أو بستان آخر أو ملك آخر ؛ تساوي منفعته منفعة الدار أو البستان ، أو تقرب منها ، أو تكون مُعتدّاً بها . ولو فرض أ نّه على تقدير بيعها لا يشترى بثمنها إلاّ ما يكون منفعتها كمنفعتها باقيةً على حالها أو قريب منها لم يجز بيعها ، وتبقى على حالها .

الثالث : ما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر ، مثل قلّة

ص: 86

المنفعة ، أو كثرة الخراج أو المخارج ، أو وقوع الخلاف بين أربابه ، أو حصول ضرورة أو حاجة لهم ، أو غير ذلك ، فلا مانع من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى .

الرابع : ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد ؛ لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا ينحسم ذلك إلاّ ببيعه ، فيباع ويقسّم ثمنه بينهم . نعم ، لو فُرض أ نّه يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى ، أو تبديل العين الموقوفة بالاُخرى ، تعيّن ذلك ، فتشترى بالثمن عين اُخرى أو يبدّل بآخر ، فيجعل وقفاً ويبقى لسائر البطون ، والمتولّي للبيع في الصور المذكورة وللتبديل ولشراء عين اُخرى ، هو الحاكم أو المنصوب من قبله إن لم يكن متولّ منصوب من قبل الواقف .

(مسألة 74) : لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة - سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاً - على العناوين أو على الجهات والمصالح العامّة ، كالدكاكين والمزارع الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو الجهات العامّة ؛ حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها إلى الموقوف عليهم ، بخلاف ما كان وقف انتفاع ، كالدار الموقوفة على سُكنى الذرّية وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارّة ، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال .

(مسألة 75) : لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه ، واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه ، فالأحوط تعميره منها ، وصرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة ، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف

ص: 87

الثمن في التعمير المحتاج إليه . وأمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد . نعم ، لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير ولو للتوفير .

(مسألة 76) : لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق ؛ فيما إذا كانت العين المشتركة بينهما ، فيتصدّاه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم . بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف والموقوف عليه ، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين ، فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده . بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف ، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد والنصف الآخر على مشهد . ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف ؛ مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة أيضاً . ولو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم إلاّ بالقسمة جازت ، لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، ولعلّها ترجع إلى قسمة المنافع ، والظاهر جوازها مطلقاً . وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، فالأقوى عدم جوازها مطلقاً .

(مسألة 77) : لو آجر الوقف البطن الأوّل ، وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة ، بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة إلاّ أن يجيز البطن اللاحق ، فتصحّ على الأقوى . ولو آجره المتولّي فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف ، صحّت ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم ، دون أصل الوقف ، ولا تحتاج إلى إجازتهم .

(مسألة 78) : يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه ؛ دائماً أو إلى

ص: 88

مدّة ، مستقلاًّ ومشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص ، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص ، بل يجوز جعل التولية لشخص ، ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده ، وهكذا يقرّر أنّ كلّ متولّ يعيّن المتولّي بعده .

(مسألة 79) : إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره ؛ حين إيقاع الوقف وفي ضمن عقده ، وأمّا بعد تماميته فهو أجنبيّ عن الوقف ، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً ، إلاّ إذا اشترط في ضمن عقده لنفسه ذلك ؛ بأن جعل التولية لشخص وشرط أ نّه متى أراد أن يعزله عزله .

(مسألة 80) : لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه ، والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً . نعم ، يعتبر فيه الأمانة والكفاية ، فلا يجوز جعلها - خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة - لمن كان خائناً غير موثوق به ، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف ، ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتّى المميّز إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرة ، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً ، فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز ، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقّع برؤه ، ويقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق .

(مسألة 81) : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ؛ سواء كان حاضراً في مجلس العقد ، أو غائباً بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف ، ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم ، لم يجب القبول على من بعده ، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولّ منصوب . ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه

ص: 89

كالوكيل أم لا ؟ قولان ، لا يترك الاحتياط بعدم العزل ، ومعه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه .

(مسألة 82) : لو جعل التولية لاثنين ، فإن جعل لكلّ منهما مستقلاًّ استقلّ ، ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر ، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال ، فحينئذٍ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية ، يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 83) : لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع ، ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف ؛ من تعمير الوقف ، وإجارته وتحصيل اُجرته ، وقسمتها على أربابه ، وأداء خراجه ، ونحو ذلك ؛ كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح . وليس لأحد مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم . ويجوز أن يجعل الواقف تولية بعض الاُمور لشخص وبعضها لآخر ، فجعل أمر التعمير وتحصيل المنافع - مثلاً - لأحد ، وأمر حفظها وقسمتها على أربابها لآخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده وحفظه وللآخر التصرّفات . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولّ منصوب ، فيجري عليه حكمه الآتي .

(مسألة 84) : لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن ، وكان ذلك اُجرة عمله ؛ ليس له أزيد منه وإن كان أقلّ من اُجرة مثله ، ولو لم يعيّن شيئاً فالأقرب أنّ له اُجرة المثل .

ص: 90

(مسألة 85) : ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره حتّى مع عجزه عن التصدّي إلاّ إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً . نعم ، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه وظيفته ؛ إن لم يشترط عليه المباشرة .

(مسألة 86) : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي ، فإن أحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق ، فهو مستقلّ في تصرّفاته ؛ ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها ، وإنّما اللازم عليه اطّلاعه ، وإن كان المقصود إعمال نظره وتصويبه لم يجز له التصرّف إلاّ بإذنه وتصويبه ، ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين .

(مسألة 87) : لو لم يعيّن الواقف متولّياً أصلاً ، ففي الأوقاف العامّة يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متولّياً على الأقوى . وكذا في الخاصّة فيما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون ؛ من تعميره وحفظ الاُصول وإجارته للبطون اللاحقة . وأمّا بالنسبة إلى تنميته وإصلاحاته الجزئية المتوقّف عليها حصول النماء الفعلي - كتنقية أنهاره وكريه وحرثه وجمع حاصله وتقسيمه وأمثال ذلك - فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين .

(مسألة 88) : في الأوقاف التي توليتها للحاكم ومنصوبه مع فقدهما وعدم الوصول إليهما توليتها لعدول المؤمنين .

(مسألة 89) : لا فرق فيما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً ، وبين ما إذا عيّن ولم يكن أهلاً لها أو خرج عن الأهلية ، فإذا جعل للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل أو كان ففسق ، كان كأن لم ينصب متولّياً .

(مسألة 90) : لو جعل التولية لعدلين من أولاده - مثلاً - ولم يكن فيهم إلاّ

ص: 91

عدل واحد ، ضمّ الحاكم إليه عدلاً آخر ، وأمّا لو لم يكن فيهم عدل أصلاً ، فهل اللازم عليه نصب عدلين ، أو يكفي نصب واحد أمين ؟ أحوطهما الأوّل ، وأقواهما الثاني .

(مسألة 91) : لو احتاج الوقف إلى التعمير ولم يكن ما يصرف فيه ، يجوز للمتولّي أن يقترض له قاصداً أداء ما في ذمّته بعد ذلك ممّا يرجع إليه ، كمنافعه أو منافع موقوفاته ، فيقترض متولّي البستان - مثلاً - لتعميره بقصد أن يؤدّي دينه من عائداته ، ومتولّي المسجد أو المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد أن يؤدّيه من عائدات موقوفاتها ، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء ممّا ذكر . ولو اقترض له وصرفه لا بقصد الأداء منه ، أو صرف ماله لا بقصد الاستيفاء منه ، لم يكن له ذلك بعده .

(مسألة 92) : تثبت الوقفية : بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، وبإقرار ذي اليد أو ورثته بعد موته ، وبكونه في تصرّف الوقف ؛ بأن يعامل المتصرّفون فيه معاملة الوقف بلا معارض ، وبالبيّنة الشرعية .

(مسألة 93) : لو أقرّ بالوقف ، ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة ، يسمع منه ، لكن يحتاج إلى الإثبات لو نازعه منازع صالح ، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض ، ثمّ ادّعى أ نّه لم يكن قاصداً ، فإنّه لا يسمع منه أصلاً ، كما هو الحال في

جميع العقود والإيقاعات .

(مسألة 94) : كما أنّ عمل المتصرّفين معاملة الوقفية ، دليل على أصل الوقفية ما لم يثبت خلافها ، كذلك كيفية عملهم من الترتيب والتشريك والمصرف وغير ذلك دليل على كيفيته ، فيتّبع ما لم يعلم خلافها .

ص: 92

(مسألة 95) : لو كان ملك بيد شخص يتصرّف فيه بعنوان الملكية ، لكن علم أ نّه قد كان في السابق وقفاً ، لم ينتزع من يده بمجرّد ذلك ما لم يثبت وقفيته فعلاً . وكذا لو ادّعى أحد أ نّه قد وقف على آبائه نسلاً بعد نسل ؛ وأثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفاً فعلاً . نعم ، لو أقرّ ذو اليد في مقابل دعوى خصمه : بأ نّه كان وقفاً إلاّ أ نّه قد حصل مسوّغ البيع وقد اشتراه ، سقط حكم يده وينتزع منه ، ويلزم بإثبات وجود المسوّغ ووقوع الشراء .

(مسألة 96) : لو كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص وهو يدّعي ملكيته ، وكان مكتوباً عليه أ نّه وقف ، لم يُحكم بوقفيته بمجرّده ، فيجوز الشراء منه . نعم ، الظاهر أنّ وجود مثل ذلك عيب ونقص في العين ، فلو خفي على المشتري حال البيع كان له الخيار .

(مسألة 97) : لو ظهر في تركة الميّت ورقة بخطّه : أنّ ملكه الفلاني وقف ؛ وأ نّه وقع القبض والإقباض ، لم يحكم بوقفيته بمجرّده ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان به ؛ لاحتمال أ نّه كتب ليجعله وقفاً كما يتّفق ذلك كثيراً .

(مسألة 98) : إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية - كالأنعام الثلاثة - لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصّة كلّ منهم النصاب . وأمّا لو كانت نماؤها منها - كالعنب والتمر - ففي الوقف الخاصّ ، وجبت الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب من الموقوف عليهم ؛ لأ نّها ملك طلق لهم ، بخلاف الوقف العامّ حتّى مثل الوقف على الفقراء ؛ لعدم كونه ملكاً لواحد منهم إلاّ بعد قبضه . نعم ، لو اُعطي الفقير - مثلاً - حصّة من الحاصل على الشجر قبل وقت تعلّق الزكاة - بتفصيل مرّ في كتاب الزكاة - وجبت عليه لو بلغت النصاب .

ص: 93

(مسألة 99) : الوقف المتداول بين بعض الطوائف يعمدون إلى نعجة أو بقرة ، ويتكلّمون بألفاظ متعارفة بينهم ، ويكون المقصود أن تبقى وتذبح أولادها الذكور وتبقي الإناث وهكذا الظاهر بطلانه ؛ لعدم تحقّق شرائط صحّته .

خاتمة تشتمل على أمرين : أحدهما في الحبس وما يلحق به ، ثانيهما في الصدقة .

القول : في الحبس وأخواته

(مسألة 1) : يجوز للشخص أن يحبس ملكه على كلّ ما يصحّ الوقف عليه ؛ بأن تصرف منافعه فيما عيّنه على ما عيّنه ، فلو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات - مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة - فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ، ولا يعود إلى ملك المالك ولا يورّث ، وإن كان إلى مدّة لا رجوع إلى انقضائها ، وبعده يرجع إلى المالك أو وارثه . ولو حبسه على شخص فإن عيّن مدّة أو مدّة حياته لزم الحبس في تلك المدّة ، ولو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي ، وإن أطلق ولم يعيّن وقتاً لزم ما دام حياة الحابس ، فإن مات كان ميراثاً . وهكذا الحال لو حبس على عنوان عامّ كالفقراء ، فإن حدّده بوقت لزم إلى انقضائه ، وإن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس .

(مسألة 2) : لو جعل لأحد سكنى داره - مثلاً - بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه ، يقال له : السكنى ؛ سواء أطلق ولم يعيّن مدّة ، كأن يقول : «أسكنتك داري» ، أو «لك سكناها» ، أو قدّره بعمر أحدهما ، كما إذا قال :

ص: 94

«لك سُكنى داري مدّة حياتك ، أو مدّة حياتي» ، أو قدّره بالزمان كسنة وسنتين مثلاً . نعم ، لكلّ من الأخيرين اسم يختصّ به ، وهو «العمرى» في أوّلهما و«الرقبى» في الثاني .

(مسألة 3) : يحتاج كلّ من الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك وقبول من الساكن ، فالإيجاب : كلّ ما أفاد التسليط المزبور عرفاً ، كأن يقول في السكنى : «أسكنتك هذه الدار» أو «لك سكناها» وما أفاد معناهما بأيّ لغة كان ، وفي العمرى بإضافة مدّة حياتي أو حياتك ، وفي الرقبى بإضافة سنة أو سنتين مثلاً ، وللعمرى والرقبى لفظان آخران ، فللاُولى : «أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري ، أو ما بقيتَ أو بقيتُ ، أو ما عشتَ أو عشتُ» ونحوها ، وللثانية : «أرقبتك مدّة كذا» ، والقبول : كلّ ما دلّ على الرضا بالإيجاب .

(مسألة 4) : يشترط في كلّ من الثلاثة قبض الساكن ، وهل هو شرط الصحّة أو اللزوم ؟ وجهان ، لا يبعد أوّلهما ، فلو لم يقبض حتّى مات المالك بطلت كالوقف على الأظهر .

(مسألة 5) : هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها ، وليس للمالك الرجوع وإخراج الساكن ، ففي السكنى المطلقة حيث إنّ الساكن استحقّ مسمّى الإسكان - ولو يوماً - لزم العقد في هذا المقدار ، وليس للمالك منعه عنه ، وله الرجوع في الزائد متى شاء ، وفي العمرى والرقبى لزم بمقدار التقدير ، وليس له إخراجه قبل انقضائه .

(مسألة 6) : لو جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه ، وجاز بيعها ، ولم تبطل العقود الثلاثة ، بل يستحقّ الساكن السكنى على

ص: 95

النحو الذي جعلت له ، وكذا ليس للمشتري إبطالها ، ولو كان جاهلاً فله الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن . نعم ، في السكنى المطلقة بعد مقدار المسمّى ، يبطل العقد وينفسخ إذا اُريد بالبيع فسخه وتسليط المشتري على المنافع ، فحينئذٍ ليس للمشتري الخيار .

(مسألة 7) : لو جعلت المدّة في العمرى طول حياة المالك ، ومات الساكن قبله ، كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك ، ولو جعلت طول حياة الساكن ومات المالك قبله ، ليس لورثته إخراج الساكن طول حياته ، ولو مات الساكن ليس لورثته السكنى ، إلاّ إذا جعل له السكنى مدّة حياته ولعقبه بعد وفاته ، فلهم ذلك ، فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته .

(مسألة 8) : هل مقتضى العقود الثلاثة تمليك سُكنى الدار ، فيرجع إلى تمليك المنفعة الخاصّة ، فله استيفاؤها مع الإطلاق بأيّ نحو شاء ؛ من نفسه وغيره مطلقاً ولو أجنبيّاً ، وله إجارتها وإعارتها ، وتورث لو كانت المدّة عمر المالك ومات الساكن دون المالك . أو مقتضاها الالتزام بسكونة الساكن على أن يكون له الانتفاع والسكنى ؛ من غير أن تنتقل إليه المنافع ، ولازمه عند الإطلاق جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه ، كأهله وأولاده وخادمه وخادمته ومرضعة ولده وضيوفه ، بل وكذا دوابّه إن كان الموضع معدّاً لمثلها ، ولا يجوز أن يسكن غيرهم إلاّ أن يشترط ذلك ، أو رضي المالك ، ولا يجوز أن يؤجر المسكن ويعيره ، ويورث هذا الحقّ بموت الساكن . أو مقتضاها نحو إباحة لازمة ، ولازمه كالاحتمال الثاني إلاّ في التوريث ، فإنّ لازمه عدمه ؟ ولعلّ الأوّل أقرب ، خصوصاً في مثل «لك سكنى الدار» ، وكذا في العمرى والرقبى . ومع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال .

ص: 96

(مسألة 9) : كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره من العقار والحيوان والأثاث وغيرها . والظاهر أنّ الرقبى بحكم العمرى ، فتصحّ فيما يصحّ الوقف . وأمّا السكنى فتختصّ بالمساكن .

القول : في الصدقة

قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحثّ عليها ، خصوصاً في أوقات مخصوصة ، كالجمعة وعرفة وشهر رمضان ، وعلى طوائف مخصوصة ، كالجيران والأرحام حتّى ورد في الخبر : «لا صدقة وذو رحم محتاج» ، وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرقة والغرق والهدم والجنون ، وعدّ سبعين باباً من السوء» ، وقد ورد : «أنّ الافتتاح بها في اليوم يدفع نحس يومه ، وفي الليلة يدفع نحسها» ، و«أنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ ، وتمحو الذنب العظيم ، وتهوّن الحساب ، وصدقة النهار تثمر المال ، وتزيد في العمر» ، و«ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد» . وعن علي بن الحسين عليهماالسلام : «كان يقبّل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّها تقع في يد اللّه قبل أن تقع في يد السائل» ، ونحوه عن غيره علیه السلام . وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير ، فتصدّقوا ولو بشقّ التمرة ، واتّقوا النار ولو بشقّ التمرة ، فإنّ اللّه يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله ؛ حتّى يوفيه إيّاها يوم القيامة ، وحتّى يكون أعظم من الجبل العظيم» إلى غير ذلك .

(مسألة 1) : يعتبر في الصدقة قصد القربة ، ولا يعتبر فيها العقد المشتمل على

ص: 97

الإيجاب والقبول على الأقوى ، بل يكفي المعاطاة ، فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل - من إعطاء أو تسليط - قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة ، ويشترط فيها الإقباض والقبض .

(مسألة 2) : لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبيّ على الأصحّ .

(مسألة 3) : تحلّ صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقاً ؛ حتّى الزكاة المفروضة والفطرة . وأمّا صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحلّ في المندوبة ، وتحرم في الزكاة المفروضة والفطرة ، وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات ونحوهما فالظاهر أ نّها كالمندوبة ؛ وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها .

(مسألة 4) : يعتبر في المتصدّق : البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا تصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً .

(مسألة 5) : لا يعتبر في المتصدّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان ولا الإسلام ، فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّي والمخالف وإن كانا أجنبيّين . نعم ، لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين .

(مسألة 6) : الصدقة سرّاً أفضل ، فقد ورد : «أنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ ، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وتدفع سبعين باباً من البلاء» . نعم ، لو اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه ، أو قصد اقتداء غيره به ، لا بأس بالإجهار بها ولم يتأكّد إخفاؤها . هذا في المندوبة . وأمّا الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقاً .

ص: 98

(مسألة 7) : يستحبّ المساعدة والتوسّط في إيصال الصدقة ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في خطبة له : «ومن تصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ، ثمّ وصلت إلى المسكين ، كان لهم أجر كامل ، وما عند اللّه خير وأبقى للذين اتّقوا وأحسنوا لو كنتم تعلمون» .

(مسألة 8) : يكره كراهة شديدة أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به بشراء أو اتّهاب أو بسبب آخر ، بل قيل بحرمته . نعم ، لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث .

(مسألة 9) : يكره ردّ السائل ولو ظنّ غناه ، بل يعطي ولو شيئاً يسيراً .

(مسألة 10) : يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج ، بل مع الحاجة أيضاً ، بل قيل بحرمة الأوّل ، ولا ينبغي ترك الاحتياط ، وقد ورد فيه الإزعاج الأكيد ، ففي الخبر : «من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيّام ، لقي اللّه يوم القيامة وليس على وجهه لحم» .

ص: 99

كتاب الوصيّة

وهي : إمّا تمليكية ، كأن يوصي بشيء من تركته لزيد ، ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ . وإمّا عهدية ، كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه ، أو باستئجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له . وإمّا فكّية تتعلّق بفكّ ملك كالإيصاء بالتحرير .

(مسألة 1) : إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت ، يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها ، وكذا أداء ما عليه خالقياً كقضاء الصلوات والصيام والكفّارات وغيرها ، أو خلقياً إلاّ الديون المؤجّلة ، ولو لم يتمكّن من الإيصال والإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم ، والإشهاد عليها ، خصوصاً إذا خفيت على الورثة ، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية : خلقياً كالديون والضمانات والديات واُروش الجنايات ، أو خالقياً كالخمس والزكاة والكفّارات ونحوها ، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنية ؛ ممّا يصحّ فيها الاستيناب والاستئجار ، كقضاء الصلاة والصوم إن لم يكن له وليّ يقضيها عنه ، بل ولو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل ، أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه ، أو يرى

عدم صحّة عمله .

ص: 100

(مسألة 2) : إن كان عنده أموال الناس ، أو كان عليه حقوق وواجبات ، لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال ويؤدّون الحقوق والواجبات ، لم يجب عليه الإيصال والإيصاء وإن كان أحوط وأولى .

(مسألة 3) : يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان ، ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ ، ففي التمليكية يقول : «أوصيت لفلان بكذا» أو «أعطوا فلاناً أو ادفعوا إليه بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا» ، ونحوها بأيّ نحو يفيد ذلك . وفي العهدية : «افعلوا بعد موتي كذا وكذا» ، والظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق ، خصوصاً في الوصيّة العهدية إذا علم أ نّه كان في مقام الوصيّة ، وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود ، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه وإمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة ، فيجب تنفيذها ، بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة ، لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً .

(مسألة 4) : للوصيّة التمليكية أركان ثلاثة : الموصي والموصى به والموصى له ، وقوام العهدية بأمرين : الموصي والموصى به . نعم ، إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذٍ باُمور ثلاثة : هما والموصى إليه ، وهو الذي يطلق عليه «الوصيّ» .

(مسألة 5) : لا إشكال في أنّ الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى قبول . نعم ، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لا بدّ من قبوله ، لكن في وصايته ، لا في أصل الوصيّة . وأمّا الوصيّة التمليكية فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصيّة للفقراء والسادة ، فهي

ص: 101

كالعهدية لا يعتبر فيها القبول ، وإن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أ نّه يعتبر فيها القبول من الموصى له . والظاهر أنّ تحقّق الوصيّة وترتّب أحكامها من حرمة التبديل ونحوها ، لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه ، فلا يتملّك قهراً . فالوصيّة من الإيقاعات ، لكنّها جزء سبب للملكية في الفرض .

(مسألة 6) : يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً ، كأخذ الموصى به والتصرّف فيه بقصد القبول .

(مسألة 7) : لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته ، كما لا فرق في الواقع بعد الموت ، بين أن يكون متّصلاً به أو متأخّراً عنه مدّة .

(مسألة 8) : لو ردّ بعضاً وقبل بعضاً صحّ فيما قبله ، وبطل فيما ردّه على الأقوى إلاّ إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع .

(مسألة 9) : لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته ، قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول ، قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته .

(مسألة 10) : الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً ، لا أ نّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ، ثمّ إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ، ولا تنفذ فيه وصاياه .

(مسألة 11) : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم ، صحّت الوصيّة فيمن قَبِل وبطلت فيمن ردّ بالنسبة .

ص: 102

(مسألة 12) : يعتبر في الموصي : البلوغ والعقل والاختيار والرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ . نعم ، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف ، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات . وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدوارياً في دور جنونه ، ولا السكران ولا المكره ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه .

(مسألة 13) : يعتبر في الموصي - مضافاً إلى ما ذكر - أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً ، فمن أوقع على نفسه جرحاً ، أو شرب سمّاً ، أو ألقى نفسه من شاهق ، ونحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك ، لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله . وإن كان إيقاع ما ذكر خطأً ، أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به ، نفذت وصيّته . ولو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه ، لم تبطل وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها .

(مسألة 14) : لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن بقيا إلى حين الممات .

(مسألة 15) : يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم كالميّت ، أو لما تحمله المرأة في المستقبل ، ولمن سيوجد من أولاد فلان . وتصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح ، وانفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي .

(مسألة 16) : تصحّ الوصيّة للذمّي وكذا للمرتدّ الملّي ؛ إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف ، وفي عدم صحّتها للحربي والمرتدّ الفطري تأمّل .

ص: 103

(مسألة 17) : يشترط في الموصى به في الوصيّة التمليكية : أن يكون مالاً ، أو حقّاً قابلاً للنقل كحقّي التحجير والاختصاص ؛ من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو دَيناً في ذمّة الغير أو منفعة ، وفي العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا ستوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة أو يثمر الشجر في المستقبل .

(مسألة 18) : لا بدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل والخنزير وآلات اللهو والقمار ، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها ، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المُغنّية وآلات اللهو ، وكذا منفعة القردة ونحوها .

(مسألة 19) : لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه ؛ بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه . وأمّا عن الغير ؛ بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة .

(مسألة 20) : يشترط في الوصيّة العهدية أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة وقطّاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها ، وكذا بصرف المال فيما يكون سفهاً وعبثاً .

(مسألة 21) : لو أوصى بما هو سائغ عنده - اجتهاداً أو تقليداً - وغير سائغ عند الوصيّ ، كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصيّ ، لم يجز له تنفيذها ، ولو انعكس الأمر انعكس .

ص: 104

(مسألة 22) : لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه - كتغسيله والصلاة عليه - مع وجود الوليّ ، ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان بل قولان ، ولا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستئذان من الوليّ ، والوليّ بالإذن له .

(مسألة 23) : يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث . وتفصيله : أنّ الوصيّة إن كانت بواجب مالي ، كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق ، كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة . ويلحق به الواجب المالي المشوب بالبدني ، كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى . وإن كانت تمليكية أو عهدية تبرّعية ، كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك ، نفذت بمقدار الثلث ، وفي الزائد صحّت إن أجاز الورثة ، وإلاّ بطلت من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض ، وكذلك إذا كانت بواجب غير مالي على الأقوى ، كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما .

(مسألة 24) : لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع أو بمال معيّن أو بمقدار من المال ، فكما أ نّه لو أوصى بالثلث نفذت ، ولو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلاّ إذا أجاز الورثة ، كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه أو بمقدار معيّن كألف دينار ، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة ، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت ، وإلاّ تحتاج إلى إذن الورثة .

(مسألة 25) : لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي ، نفذت بلا إشكال وإن ردّها قبل موته ، وكذا لو أجازها قبل الموت ولم يردّها

ص: 105

بعده . وأمّا لو ردّها بعده ، فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل .

(مسألة 26) : لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز ، وبطلت في الزائد عليه .

(مسألة 27) : لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد ، وبطلت في حقّ غيره . فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله ، قسّمت التركة ثمانية عشر ، ونفذت في ثلثها وهو ستّة ، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت ، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد ، وإن أمضت البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين .

(مسألة 28) : لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار ،

يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت ، لا حين الوصيّة . فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة ، نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك ، وبطلت في الزائد . وهذا ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع ، كما إذا قال : «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال ، وأ نّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا ؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، والظاهر - نظراً إلى شاهد الحال - أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، وهو ما كان له عند الوفاة . نعم ، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها .

ص: 106

(مسألة 29) : الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ ، فلا يكفي فيها مجرّد الرضا وطيب النفس ؛ من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء .

(مسألة 30) : لا تعتبر في الإجازة الفورية .

(مسألة 31) : يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه . نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل .

(مسألة 32) : للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة ، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ ، فيتعيّن فيما عيّنه ، ومع الإطلاق - كما لو قال : ثلث مالي لفلان - يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة ، فلا بدّ وأن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة .

(مسألة 33) : إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين والواجبات المالية ، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه .

(مسألة 34) : لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكانت من نوع واحد ، فإن كانت جميعاً واجبة مالية ينفذ الجميع من الأصل ، وإن كانت واجبة بدنية أو كانت تبرّعية تنفذ من الثلث ، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه وأجاز الورثة تنفذ في الجميع . وإن لم يُجيزوا فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ، بل كانت مجتمعة - كما إذا قال : «اقضوا عشرين سنة واجباتي البدنية» ، أو «اقضوا عشرين سنة صلواتي وصيامي» ، أو قال : «أعطوا زيداً وعمراً وخالداً كلاًّ منهم مائة دينار» - كانت بمنزلة وصيّة واحدة ، فيوزّع النقص على الجميع

ص: 107

بالنسبة ، فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ، ولم يفِ الثلث بهما ، وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم ، ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم ، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر ، وأوصى بستّة لاستئجار الصلاة وثلاثة لاستئجار الصوم ولم يجز الورثة ، بطلتا في الثلاثة ، وتوزّع النقص عليهما بالنسبة ، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة ، وعن الصوم واحد ويصرف فيه اثنان ، وكذا الحال في التبرّعية . وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ؛ بأن كانت الثانية بعد تمامية الاُولى ، والثالثة بعد تمامية الثانية وهكذا ، وكان المجموع أزيد من الثلث ، ولم يجز الورثة ، يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث ، ولغت البقيّة .

(مسألة 35) : لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع - كما إذا أوصى بأن يُعطى مقدار معيّن خمساً وزكاة ، ومقدار صوماً وصلاة ، ومقدار لإطعام الفقراء - فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي ، فيخرج من الأصل ، فإن بقي شيء يعيّن ثلثه ويخرج منه البدني والتبرّعي ، فإن وفى بهما أو لم يف وأجاز الورثة نفذت في كليهما ، وإن لم يف ولم يُجيزوا يقدّم الواجب البدني ويرد النقص على التبرّعي . وإن ذكر المخرج وأوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات - مالية كانت أو بدنية - على التبرّعي على الأقوى . وأمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض ، بل الظاهر أ نّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث ، فإن بقي من الواجب المالي شيء يخرج من الأصل ، وإن بقي من البدني يُلغى ، وإن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها ، ويتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني .

(مسألة 36) : لو أوصى بوصايا متضادّة ؛ بأن كانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة

ص: 108

كما لو أوصى بعين شخصية لواحد ثمّ أوصى بها لآخر ، أو أوصى بثلثه لشخص ثمّ أوصى به لآخر كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة فيعمل باللاحقة ، ولو أوصى بعين شخصية لشخص ثمّ أوصى بنصفها - مثلاً - لشخص آخر ، فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى النصف لا التمام ، فيبقى النصف الآخر للأوّل .

(مسألة 37) : متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة - كالثلث أو الربع - ملكه الموصى له بالموت والقبول ، وله من كلّ شيء ثلثه أو ربعه ، وشارك الورثة فيها من حين ما ملكه . هذا في الوصيّة التمليكية . وأمّا في العهدية ، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات ، كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت ، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث ؛ فكان للميّت من كلّ شيء ثلثه أو ربعه والباقي للورثة . وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ، ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصى له ، فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما ، ولو تلف شيء من التركة كان منهما . وإن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له ، ولا اعتراض فيه للورثة ، ولا حاجة إلى إجازتهم ، لكن إنّما يستقرّ ملكية الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به ؛ إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به ، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكية تمام المال المعيّن ، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه ؛ أنحاء التصرّفات ، وإن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة . نعم ، للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير ، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا ؛ وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين

ص: 109

بوجه من الوجوه ، ولو لم يحصل بيد الورثة شيء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً : ثلث للموصى له ، وثلثان للورثة .

(مسألة 38) : يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه وتنفيذها فيتعيّن ، ويقال له : الموصى إليه والوصيّ . ويُشترط فيه : البلوغ والعقل والإسلام ، فلا تصحّ وصاية الصغير ولا المجنون ، ولا الكافر عن المسلم وإن كان ذمّياً قريباً . وهل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة ؟ لا يبعد الثاني وإن كان الأحوط الأوّل .

(مسألة 39) : إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً ، وأمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه ، فإذا بلغ شاركه من حينه ، وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً ، إلاّ ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت ، فيردّه إلى ما أوصى به ، ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية .

(مسألة 40) : لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي ، فهل تبطل الوصاية أم لا ؟ لا يخلو الثاني من وجه وإن لم تنفذ تصرّفاته ، فلو أفاق جازت التصرّفات ، لكن الأحوط نصب الحاكم إيّاه . نعم ، لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها .

(مسألة 41) : الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده ، ولا يجب على غيره قبول الوصاية ، وله أن يردّها ما دام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ ؛ وإن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره ، فلو كان الردّ بعد موت الموصي ، أو قبله ولكن لم يبلغه حتّى مات ، كانت الوصاية

ص: 110

لازمة على الوصيّ وليس له الردّ ، بل لو لم يبلغه أ نّه قد أوصى إليه وجعله وصيّاً إلاّ بعد موت الموصي ، لزمته الوصاية وليس له ردّها .

(مسألة 42) : يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق ، فإن نصّ على الاستقلال والانفراد لكلّ منهما ، أو كان لكلامه ظهور فيه ولو بقرينة حال أو مقال فيتّبع ، وإلاّ فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف ؛ لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه ، وليس لهما أن يقسّما الثلث وينفرد كلّ منهما في نصفه ؛ من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق ، ولو تشاحّا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع ، فإن تعذّر استبدل بهما . هذا إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما ونظرهما ، وإلاّ فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية ، فإن امتنعا استبدل بهما ، وإن امتنع أحدهما استبدل به .

(مسألة 43) : لو مات أحد الوصيّين ، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته ، فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه ، بل اللزوم لا يخلو من قوّة . ولو ماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله ، فهل اللازم نصب اثنين أو يجوز نصب واحد إذا كان كافياً ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل وأقواهما الثاني .

(مسألة 44) : يجوز أن يوصي إلى واحد في شيء وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر .

(مسألة 45) : لو قال : «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكون وصيّاً بعد موته ، وكذا لو قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني ، أو تاب

ص: 111

عن فسقه ، أو اشتغل بالعلم ، فهو وصيّي» ، فإنّه يصحّ ، وتنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر .

(مسألة 46) : لو ظهرت خيانة الوصيّ ، فعلى الحاكم عزله ونصب شخص آخر مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة . ولو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده . وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً بحيث لا يرجى زواله كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه .

(مسألة 47) : لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلاّ إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء .

(مسألة 48) : الوصيّ أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف .

(مسألة 49) : لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفية خاصّة ، اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره ، وأمّا لو أطلق بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً إلاّ إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارف يدلّ على المراد ، فيتّبع ، كما في عرف بعض الطوائف ؛ حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون ، واستيفاء ماله على الناس ، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها ، وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر الحاكم من استئجار العبادات وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها . نعم ، في شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم .

ص: 112

وبالجملة : المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده ، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار .

(مسألة 50) : ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ؛ ممّا لم يتعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ، ولم يشترط عليه المباشرة .

(مسألة 51) : لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى ، أو جهات محصورة يقسّط بينها ، وتحتمل القرعة ، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها ، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب . وإن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة ، يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل ، والأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة ، وجهة من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة .

(مسألة 52) : لو أوصى الميّت وصيّة عهدية ولم يعيّن وصيّاً ، أو بطل وصاية من عيّنه بموت أو جنون أو غير ذلك تولّى الحاكم أمرها أو عيّن من يتولاّه ، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه تولاّه من المؤمنين من يوثق به .

(مسألة 53) : يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ، ووظيفته تابعة لجعله : فتارة : من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به ، يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ ؛ بأن يكون أعماله باطّلاعه حتّى أ نّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه . واُخرى : من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصيّ

ص: 113

والاطمئنان بأنظار الناظر ، يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره ، ولا يعمل إلاّ ما رآه صلاحاً ، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلاًّ في التصرّف ، لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر ، فلا يمضي من أعماله إلاّ ما وافق نظر الناظر ، فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر واطّلاعه ، وكان عمله على طبق ما قرّره الموصي ، فالظاهر صحّته ونفوذه على الأوّل ، بخلافه على الثاني ، ولعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل .

(مسألة 54) : يجوز للأب مع عدم الجدّ ، وللجدّ للأب مع فقد الأب ، جعل القيّم على الصغار ، ومعه لا ولاية للحاكم ، وليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ .

(مسألة 55) : يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال ، والأحوط اعتبار العدالة ؛ وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة ليس ببعيد .

(مسألة 56) : لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً اقتصر عليه ، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله ، فلو جعله قيّماً في حفظ ماله وما يتعلّق بإنفاقه - مثلاً - ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما ، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها ، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء . ولو أطلق ، وقال : «فلان قيّم على أولادي» - مثلاً - كان وليّاً على جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه ، فله الإنفاق عليهم بالمعروف ، والإنفاق على من عليهم نفقته ، وحفظ أموالهم واستنماؤها ، واستيفاء ديونهم ، وإيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، وكذا إخراج الحقوق

ص: 114

المتعلّقة بأموالهم كالخمس وغير ذلك ، وفي ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 57) : يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال والاشتراك ، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال .

(مسألة 58) : يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير ، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ، فإن أسرف ضمن الزيادة ، ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادّعى عليه الإسراف ، فالقول قول الوصيّ بيمينه ، وكذا لو ادّعى عليه أ نّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة . نعم ، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ ، فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ ، قُدّم قول الصبيّ ، والبيّنة على الوصيّ .

(مسألة 59) : يجوز للقيّم الذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل عمله ؛ سواء كان غنيّاً أو فقيراً ، وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب . وأمّا الوصيّ على الأموال ، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به وطبّقه على مصرفه المعيّن ؛ بحيث لم يبق شيئاً لاُجرة الوصيّ ، واستلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه . وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان ، كان حاله حال متولّي الوقف ؛ في أ نّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً ، جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد .

(مسألة 60) : الوصيّة جائزة من طرف الموصي ، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح ، وتبديلها من أصلها ، أو من بعض جهاتها وكيفياتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل

ص: 115

الموصى به كلاًّ أو بعضاً ، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك ، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله . فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله . وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها وهكذا . وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال ، كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال .

(مسألة 61) : يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول وهو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان ، نحو رجعت عن وصيّتي أو أبطلتها أو عدلت عنها أو نقضتها ونحوها ؛ وبالفعل وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به ، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ، أو جائز كالهبة مع القبض ، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه .

(مسألة 62) : الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها ، ويعمل بها لو لم يرجع الموصي وإن طالت المدّة ، ولو شكّ في الرجوع ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً ، يحكم ببقائها وعدم الرجوع . هذا إذا كانت الوصيّة مطلقة ؛ بأن كان مقصود الموصي ، وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّه عليه . وأمّا لو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض ، بطلت تلك الوصيّة ، ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما ، وقامت قرائن حالية أو مقالية على عدم الإطلاق ؛ وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال ، لا يجوز العمل بها ، وإلاّ فالأقرب الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة إلاّ إذا نسخها ،

ص: 116

سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً .

(مسألة 63) : لا تثبت الوصيّة بالولاية ؛ سواء كانت على المال أو على الأطفال ، إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات بالرجال . وأمّا الوصيّة بالمال فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل عدل وامرأتين عادلتين . وتمتاز من بين الدعاوي المالية بأمرين : أحدهما : أ نّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين ؛ فتثبت ربعها بواحدة عادلة ، ونصفها باثنتين ، وثلاثة أرباعها بثلاث ، وتمامها بأربع . ثانيهما : أ نّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم عدول المسلمين ، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار .

(مسألة 64) : لو كانت الوَرَثة كباراً ، وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ ، أو بأن يصرف في مصرف ، تثبت في تمام الموصى به ، ويلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم ، ولا يحتاج إلى بيّنة . وإن أقرّ بها بعضهم دون بعض ، فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام ؛ لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادة بالنسبة إلى غيره ، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى ، وإلاّ تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ ، ويحتاج إلى البيّنة في الباقين . نعم ، لو كان المقرّ عدلاً واحداً ، وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص ، كفى ضمّ يمين المقرّ له بإقرار المقرّ في ثبوت التمام ، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة . وبالجملة : المقرّ من الورثة شاهد بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ ، فيثبت به ما يثبت به .

ص: 117

(مسألة 65) : لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبيّ ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، ولا يسمع منه كغيره . نعم ، لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر ، أو العناوين العامّة كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد ، أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية - خصوصاً إذا رأى منه الخيانة - الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة . لكن الوارث والأجنبيّ في ذلك سيّان إلاّ فيما تعلّقت باُمور الميّت ، فإنّه لا يبعد أولوية الوارث من غيره ، واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره .

(مسألة 66) : قد مرّ في كتاب الحجر : أنّ الوصيّة نافذة في الثلث ، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث ، والمنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته ، وحتّى المجّانية والمحاباتية على الأقوى .

(مسألة 67) : لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة على الموت ، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به ، وإن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة ، فتخرج من الأصل ، وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة .

ص: 118

كتاب الأيمان والنذور

القول : في اليمين

ويطلق عليها الحلف والقسم ، وهي ثلاثة أقسام : الأوّل : ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للإخبار بوقوع شيء ماضياً أو حالاً أو استقبالاً . الثاني : يمين المناشدة - وهي ما يُقرن به الطلب والسؤال - يقصد بها حثّ المسؤول على إنجاح المقصود ، كقول السائل : «أسأ لُك باللّه أن تفعل كذا» . الثالث : يمين العقد ، وهي ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في الآتي ، كقوله : «واللّه ِ لأصومنّ» أو « . . . لأتركنّ شرب الدخان» مثلاً . لا إشكال في أ نّه لا ينعقد القسم الأوّل ، ولا يترتّب عليه شيء سوى الإثم فيما كان كاذباً في إخباره عن عمد . وكذا لا ينعقد القسم الثاني ، ولا يترتّب عليه شيء من إثم أو كفّارة ؛ لا على الحالف في إحلافه ، ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله . وأمّا القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية ، ويجب برّه والوفاء به ، ويحرم حنثه ، ويترتّب على حنثه الكفّارة .

(مسألة 1) : لا تنعقد اليمين إلاّ باللفظ ، أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس ،

ص: 119

ولا تنعقد بالكتابة على الأقوى . والظاهر أ نّه لا يعتبر فيها العربية ، خصوصاً في متعلّقاتها .

(مسألة 2) : لا تنعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو اللّه - جلّ شأنه - : إمّا بذكر اسمه العلمي المختصّ به كلفظ الجلالة ، ويُلحق به ما لا يطلق على غيره كالرحمان ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره ، كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» ، «والذي نفسي بيده» ، «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره لكن الغالب إطلاقها عليه بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى كالربّ والخالق والبارئ والرازق والرحيم . ولا تنعقد بما لا ينصرف إليه ، كالموجود والحيّ والسميع والبصير والقادر ؛ وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 3) : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى لا بغيره ، فكلّ ما صدق عرفاً أ نّه حلف به تعالى انعقدت اليمين به ، والظاهر صدق ذلك بأن يقول : «وحقّ اللّه» ، و«بجلال اللّه» ، و«بعظمة اللّه» ، و«بكبرياء اللّه» ، و«لعمر اللّه» وفي انعقادها بقوله : «بقدرة اللّه» و«بعلم اللّه» تأمّل وإن لا يخلو من قرب .

(مسألة 4) : لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه ؛ بأن يقول : «واللّه» أو «باللّه» أو «تاللّه» لأفعلنّ كذا ، بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله : «أقسمت باللّه» أو «حلفت باللّه» انعقدت أيضاً . نعم ، لا يكفي لفظا «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته .

(مسألة 5) : لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام وسائر

ص: 120

النفوس المقدّسة المعظّمة ، ولا بالقرآن الكريم ولا بالكعبة المشرّفة وسائر الأمكنة المحترمة .

(مسألة 6) : لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه ؛ بأن يقول : «زوجتي طالق إن فعلت كذا ، أو إن لم أفعل» فلا يؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق ونحوه بالحنث ، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه . وكذا اليمين بالبراءة من اللّه تعالى أو من رسوله صلی الله علیه و آله وسلم أو من دينه أو من الأئمّة علیهم السلام ؛ بأن يقول مثلاً : «برئتُ من اللّه أو من دين الإسلام إن فعلت كذا ، أو لم أفعل كذا» ، فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه . نعم ، هذا الحلف بنفسه حرام ، ويأثم حالفه ؛ من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدّ ، ويستغفر اللّه تعالى شأنه . وكذا لا تنعقد ؛ بأن يقول : «إن لم أفعل كذا فأنا يهودي ، أو نصراني» مثلاً .

(مسألة 7) : لو علّق اليمين على مشيّة اللّه تعالى ؛ بأن قال : «واللّه ِ لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه» وكان المقصود التعليق على مشيّته تعالى ، لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ، لا تنعقد حتّى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، بخلاف ما إذا علّق على مشيّة غيره ؛ بأن قال : «واللّه ِ لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلاً ، فإنّه تنعقد على تقدير مشيّته ، فإن قال زيد : «أنا شئتُ أن تفعل كذا» ، انعقدت ويتحقّق الحنث بتركه ، وإن قال : «لم أشأ» لم تنعقد ، ولو لم يعلم أ نّه شاء أو لا ، لا يترتّب عليه أثر وحنث . وكذا الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيّة ، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه ، فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير .

(مسألة 8) : يعتبر في الحالف : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء

ص: 121

الحجر في متعلّقه ، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقاً أو أدواراً حال دوره ، ولا المكره ولا السكران ، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد ، ولا المحجور عليه فيما حجر عليه .

(مسألة 9) : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج ، إلاّ أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام وكان المنع متوجّهاً إليه ، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده . ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين وارتفع أثرها ، فلا حنث ولا كفّارة عليه . وهل يُشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما ؛ حتّى أ نّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلاّ مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو لا بل كان منعهما مانعاً عن انعقادها وحلّهما رافعاً لاستمرارها ، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين ؟ قولان ، أوّلهما لا يخلو من رجحان ، فحينئذٍ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما ؛ حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، لكن لا يُترك الاحتياط خصوصاً فيهما .

(مسألة 10) : لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ أو بترك حرام أو مكروه ، وفي عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ . وأمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع ، فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس ، فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح ، وعدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح ، ولو ساوى طرفاه - بحسب الدنيا أيضاً - فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلاً أو تركاً ؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 11) : كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً ، تنحلّ إن تعلّقت

ص: 122

براجح ثمّ صار مرجوحاً ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى .

(مسألة 12) : إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره ، ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها ، انحلّت إذا كان عجزه في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه ، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً . وكذا الحال في العسر والحرج الرافعين للتكليف .

(مسألة 13) : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها ، وحرمت عليه مخالفتها ، ووجبت الكفّارة بحنثها ، والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً ، فلو كانت جهلاً أو نسياناً أو اضطراراً أو إكراهاً فلا حنث ولا كفّارة .

(مسألة 14) : لو كان متعلّق اليمين فعلاً - كالصلاة والصوم - فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته ، وحنثها بعدم الإتيان فيه وإن أتى به في وقت آخر ، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة واحدة ، وحنثها بتركه بالمرّة . ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت . وإن كان متعلّقها الترك ، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان - مثلاً - فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان ، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به مدّته ولو مرّة تحقّق الحنث .

(مسألة 15) : لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم ؛ سواء كان مقيّداً بزمان كصوم يوم من شعبان ، أو مطلقاً ، لم يكن له إلاّ حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق - سواء قيّده

ص: 123

بزمان أم لا - فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيقاعه ولو مرّة واحدة ، فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين ، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلاّ مرّة واحدة ، فلا تتكرّر الكفّارة . والأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة ، فلا يتكرّر الحنث والكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة ، وتنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى ، والاحتياط حسن .

(مسألة 16) : كفّارة اليمين : عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام ، وسيجيء تفصيلها في الكفّارات إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 17) : الأيمان الصادقة كلّها مكروهة ؛ سواء كانت على الماضي أو المستقبل . نعم ، لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه ، جاز بلا كراهة ولو كذباً ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، والأقوى عدم وجوب التورية وإن أحسنها .

(مسألة 18) : الأقوى جواز الحلف بغير اللّه في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفته إثم ولا كفّارة ، كما أ نّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات .

القول : في النذر

(مسألة 1) : النذر هو الالتزام بعمل للّه تعالى على نحو مخصوص ، ولا ينعقد بمجرّد النيّة ، بل لا بدّ من الصيغة ، وهي ما كان مفادها جعل فعل أو ترك على ذمّته للّه تعالى ؛ بأن يقول : «للّه عليّ أن أصوم ، أو أن أترك شرب الخمر» مثلاً . وهل يُعتبر في الصيغة قول : «للّه» بالخصوص ، أو يُجزي غير هذه اللفظة من

ص: 124

أسمائه المختصّة ، كما تقدّم في اليمين ؟ الظاهر هو الثاني . ولا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة ، خصوصاً لمن لا يُحسن العربية ، ولو اقتصر على قوله : «عليّ كذا» لم ينعقد وإن نوى في ضميره معنى «للّه» ، ولو قال : «نذرت للّه أن أصوم» - مثلاً - أو «للّه عليّ نذر صوم يوم» - مثلاً - لم ينعقد على إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 2) : يشترط في الناذر : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر في متعلّق نذره ، فلا ينعقد نذر الصبيّ وإن كان مميّزاً وبلغ عشراً ، ولا المجنون ولو أدوارياً حال دوره ، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان غضباً رافعاً للقصد ، ولا السفيه المحجور عليه إن كان المنذور مالاً ولو في ذمّته ، ولا المفلّس المحجور عليه إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلّق به حقّ الغرماء .

(مسألة 3) : لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج ؛ وإن كان متعلّقاً بمالها ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّه ، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه ، ولو أذن لها فنذرت انعقد ، وليس له بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به ، ولا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر ، وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به .

(مسألة 4) : النذر : إمّا نذر برّ ، ويقال له : نذر المجازاة ، وهو ما علّق على أمر : إمّا شكراً لنعمة دنيوية أو اُخروية ، كأن يقول : «إن رزقت ولداً فللّه عليّ كذا» أو «إن وفّقت لزيارة بيت اللّه فللّه عليّ كذا» . وأمّا استدفاعاً لبليّة ، كأن يقول : «إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ كذا» . وإمّا نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه ؛ زجراً للنفس عن ارتكابهما ، مثل أن يقول : «إن تعمّدت الكذب ، أو بلت في الماء ، فللّه عليّ كذا» ، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً

ص: 125

لها عن تركهما . وإمّا نذر تبرّع ، وهو ما كان مطلقاً ولم يعلّق على شيء ، كأن يقول : «للّه عليّ أن أصوم غداً» . لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأوّلين ، وفي انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد .

(مسألة 5) : يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر ، وأن يكون طاعة للّه تعالى ؛ صلاة أو صوماً أو حجّاً ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة ، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به ، كزيارة المؤمنين وتشييع الجنازة وعيادة المرضى وغيرها ، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ولو كفائياً إذا تعلّق بفعله ، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه . وأمّا المباح - كما إذا نذر أكل طعام أو تركه - فإن قصد به معنىً راجحاً ، كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة ، أو بتركه منع النفس عن الشهوة ، فلا إشكال في انعقاده ، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه - فعلاً أو تركاً - بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيوياً . وأمّا إذا لم يقصد به معنىً راجحاً ، ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته ، فالظاهر عدم انعقاده ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه .

(مسألة 6) : قد عرفت أنّ النذر : إمّا معلّق على أمر أو لا . والأوّل على قسمين : نذر شكر ونذر زجر . فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر : إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل اللّه تعالى ، ولا بدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه ؛ حتّى يقع المنذور مجازاةً له . فإن كان من فعل الناذر ، فلا بدّ أن يكون طاعة للّه تعالى ؛ من فعل واجب أو مندوب ، أو ترك حرام أو مكروه ، فيلتزم بالمنذور شكراً للّه تعالى حيث وفّقه عليها ، فلو علّقه شكراً

ص: 126

على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد . وإن كان من فعل غيره ، فلا بدّ أن يكون فيه منفعة - دينية أو دنيوية - للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً . ولا ينعقد في عكسه ، مثل أن يقول : «إن شاع بين الناس المنكرات فللّه عليّ كذا» . وإن كان من فعل اللّه تعالى لزم أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه ، ويحسن طلبه منه تعالى ، كشفاء مريض ، أو هلاك عدوّ ديني ، أو أمنٍ في البلاد ونحوها ، فلا ينعقد في عكسه ، كما إذا قال : «إن أهلك اللّه هذا المؤمن الصالح» أو قال : «إن وقع القحط في البلاد فكذا» . وأمّا نذر الزجر فلا بدّ وأن يكون الشرط والمعلّق عليه - فعلاً أو تركاً - اختيارياً للناذر ، وكان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر زاجراً عنه ، كفعل حرام أو مكروه أو ترك واجب أو مندوب .

(مسألة 7) : إن كان الشرط فعلاً اختيارياً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً لو قال : «إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا» ، وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب ، وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه ، فهو نذر زجر فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها ، وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر ، فلا ينعقد .

(مسألة 8) : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجز . وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزي في غيره وإن كان أفضل . ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ، ففي انعقاده وتعيّنه وجهان بل قولان ، أقواهما الانعقاد . نعم ، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة - كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلاً - في مكان أو بلد لا

ص: 127

رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام ، بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ ، فالظاهر عدم انعقاده . هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح ، مثل كونه أفرغ للعبادة ، أو أبعد عن الرياء ، ونحو ذلك ، وإلاّ فلا إشكال في الانعقاد .

(مسألة 9) : لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم . ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفية والكمّية ، فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر ، إلاّ أن يكون قصده غير الرواتب ، فلا يجزي إلاّ الإتيان بركعتين . ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم ، ولو نذر أن يأتي بفعل قربي ، يكفي كلّ ما هو كذلك ولو تسبيحة واحدة ، أو الصلاة على النبي وآله صلوات اللّه عليهم ، أو التصدّق بشيء إلى غير ذلك .

(مسألة 10) : لو نذر صوم عشرة أيّام - مثلاً - فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن ، وإلاّ تخيّر بينهما ، وكذا لو نذر صيام سنة ، فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية اثني عشر شهراً ولو متفرّقاً ، بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي - ظاهراً - صيام ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً ، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً ، وله أن يأتي بالشهر ملفّقاً ، فيشرع في أثناء شهر ويكمّل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل . نعم ، لو أتى به متفرّقاً لا يجوز الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص .

(مسألة 11) : لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان ، فيفطر فيهما ، ولا قضاء عليه ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام ؛ من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ، لكن يجب القضاء على الأقوى .

(مسألة 12) : لو نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر أفطر ،

ص: 128

ويجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين والسفر ، وعلى الأحوط فيهما وإن لا يخلو من قوّة بالنسبة إلى العيدين .

(مسألة 13) : لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً ، يجب قضاؤه مع الكفّارة .

(مسألة 14) : لو نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروري ، ويفطر ثمّ يقضيه ولا كفّارة عليه .

(مسألة 15) : لو نذر زيارة أحد الأئمّة علیهم السلام أو بعض الصالحين لزم ، ويكفي الحضور والسلام على المزور ، والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع عدم ذكرهما فيه . وإن عيّن إماماً لم يجز غيره وإن كانت زيارته أفضل ، كما أ نّه لو عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه ، وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن ، فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة ، والأقوى عدم وجوب القضاء .

(مسألة 16) : لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين علیه السلام ماشياً ، انعقد مع القدرة وعدم الضرر ، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاد ماشياً ، وإن عيّن وقتاً وفات عمداً حنث وعليه الكفّارة ، والأقوى عدم وجوب القضاء ، وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعضه .

(مسألة 17) : ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر ، أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ؛ ولو لأجل العبور من الشطّ ونحوه . ولو انحصر الطريق في البحر ، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد ، إلاّ إذا كان مراده فيما يمكن المشي ، فيجب في سائر الطريق . وإن طرأ ذلك بعد النذر ،

ص: 129

فإن كان مطلقاً وتوقّع المكنة من طريق البرّ والمشي منه فيما بعد انتظر ، وإن كان معيّناً وطرأ ذلك في الوقت ، أو مطلقاً ولم يتمكّن مطلقاً ، سقط عنه ولا شيء عليه .

(مسألة 18) : لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون بعض ، فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض ، والأحوط الأولى سياق بدنة في نذر الحجّ ، ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان .

(مسألة 19) : لو نذر التصدّق بعين شخصية تعيّنت ، ولا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها ، ومع التلف فإن كان لا بإتلاف منه انحلّ النذر ولا شيء عليه ، وإن كان بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة على الأحوط ، فيتصدّق بالبدل ، ويكفّر أيضاً على الأقوى إن كان الإتلاف اختيارياً عمدياً .

(مسألة 20) : لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم ، ولا يملك المنذور له الإبراء منه ، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه ، ولا يلزم على المنذور له القبول ، فإن امتنع عنه لا يبعد عدم انحلال النذر ، إلاّ إذا امتنع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ، ومطلقاً في غيره ، فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته وفي غيره ، يجب التصدّق عليه . نعم ، لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها ، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة . ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات المالية . ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه ، قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط ، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شيء معيّن فمات قبل قبضه .

ص: 130

(مسألة 21) : لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه ، كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه ، والأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك المصالح . ولو نذر شيئاً للإمام علیه السلام أو بعض أولاده ، فالظاهر جواز صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ؛ من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين ، وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المسجد والقنطرة ونحو ذلك ، وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم وصلة من يلوذ بهم ؛ من المجاورين المحتاجين والصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم وإقامة مجالس تعزيتهم . هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إلى جهة خاصّة ، وإلاّ اقتصر عليها .

(مسألة 22) : لو عيّن شاة للصدقة ، أو لأحد الأئمّة علیهم السلام ، أو لمشهد من المشاهد ونحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن ، وأمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل لا يخلو من وجه . وأمّا النتاج الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه .

(مسألة 23) : لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم ، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته ، وتصرّف في أمواله بما شاء وكيف شاء ، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ويحسب إلى أن يوفي التمام ، فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته .

(مسألة 24) : لو عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ، انحلّ نذره وسقط عنه ولا شيء عليه . نعم ، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على الأقوى ، والأحوط مُدّان .

ص: 131

(مسألة 25) : النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها ؛ فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، ويتحقّق الحنث ، وتجب الكفّارة بتركه فيه ، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى ، وإن كان صلاة يقضيها على الأحوط ، وأمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه . وإن كان مطلقاً كان وقته العمر ، وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق ، ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة . هذا إذا كان المنذور فعل شيء . وإن كان ترك شيء ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه ولو مرّة ، وفي المطلق بإيجاده مدّة حياته ولو مرّة ، ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر ، كما مرّ في اليمين .

(مسألة 26) : إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً ، فلو أتى بشيء تعلّق النذر بتركه ؛ نسياناً أو جهلاً أو اضطراراً أو إكراهاً ، لم يترتّب عليه شيء ، بل الظاهر عدم انحلال النذر به ، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر ؛ لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت .

(مسألة 27) : لو نذر إن برئ مريضه أو قدم مسافره صام يوماً - مثلاً - فبان أنّ المريض برئ والمسافر قدم قبل النذر لم يلزم .

(مسألة 28) : كفّارة حنث النذر ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان على الأقوى .

القول : في العهد

لا ينعقد العهد بمجرّد النيّة ، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى ، وصورتها : «عاهدت اللّه» أو «عليّ عهد اللّه» ، ويقع مطلقاً ومعلّقاً على شرط كالنذر ، والظاهر أنّه يعتبر في المعلّق عليه إن كان مشروطاً ما اعتبر فيه في النذر

ص: 132

المشروط ، وأمّا ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين ؛ يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دُنيا ، ولا يعتبر فيه الرجحان ، فضلاً عن كونه طاعة ، فلو عاهد على فعل مباح لزم ، ولو عاهد على فعل كان تركه أرجح ، أو على ترك أمر كان فعله أولى ولو من جهة الدنيا لم ينعقد ، ولو لم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه ذلك انحلّ .

مسألة : مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفّارة ، والأظهر أنّ كفّارتها كفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان .

ص: 133

كتاب الكفّارات

القول : في أقسامها

وهي على أربعة أقسام : مرتّبة ، ومخيّرة ، وما اجتمع فيه الأمران ، وكفّارة الجمع .

أمّا المرتّبة فهي ثلاث : كفّارة الظهار ، وكفّارة قتل الخطأ ، يجب فيهما العتق ، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً ، وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وهي إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام ، والأحوط كونها متتابعات .

وأمّا المخيّرة : فهي كفّارة من أفطر في شهر رمضان بأحد الأسباب الموجبة لها ، وكفّارة حنث النذر ، وكفّارة حنث العهد ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، وهي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً مخيّراً بينها على الأظهر .

وما اجتمع فيه الأمران : كفّارة حنث اليمين ، وكفّارة نتف المرأة شعرها وخدش وجهها في المصاب ، وشقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته ، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيّراً بينها ، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام .

ص: 134

وأمّا كفّارة الجمع : فهي كفّارة قتل المؤمن عمداً وظلماً ، وكفّارة الإفطار في شهر رمضان بالمحرّم على الأحوط ، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً .

(مسألة 1) : لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها ، أو جزّ بعضه بما يصدق عرفاً أ نّها جزّت شعرها ، كما لا فرق بين كونه في مصاب زوجها ومصاب غيره ، وبين القريب والبعيد . والأقوى عدم إلحاق الحلق والإحراق به وإن كان أحوط ، سيّما في الأوّل .

(مسألة 2) : لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه ، بل يكفي مسمّاه . نعم ، الظاهر أ نّه يعتبر فيه الإدماء ، ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الإدماء ، ولا بشقّ ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها ، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه ، ولا بجزّ شعره ، ولا بشقّ ثوبه ؛ على غير ولده وزوجته . نعم ، لا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى . وفي شموله لولد الولد تأمّل ، والأحوط ذلك في ولد الابن ، والظاهر عدم الشمول لولد البنت وإن كان أحوط . ولا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة ، سيّما إذا كانت مدّتها طويلة .

القول : في أحكام الكفّارات

(مسألة 1) : لا يجزي عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً ، فيشترط فيه الإسلام . ويستوي في الإجزاء الذكر والاُنثى والكبير والصغير الذي هو بحكم المسلم ؛ بأن كان أحد أبويه مسلماً . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في كفّارة القتل بعتق البالغ . ويشترط أيضاً أن يكون سالماً من العيوب التي توجب الانعتاق قهراً ، كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل ، ولا بأس بسائر العيوب ،

ص: 135

فيجزي عتق الأصمّ والأخرس وغيرهما ، ويجزي عتق الآبق وإن لم يعلم مكانه ما لم يعلم موته .

(مسألة 2) : يعتبر في الخصال الثلاث - أي العتق والصيام والإطعام - النيّة المشتملة على قصد العمل ، وقصد القربة ، وقصد كونه عن الكفّارة ، وتعيين نوعها لو كانت عليه أنواع متعدّدة ، فلو كانت عليه كفّارة ظهار ويمين وإفطار فأعتق عبداً ونوى التكفير ، لم يجزِ عن واحد منها . وفي المتعدّد من نوع واحد يكفي قصد النوع ، ولا يحتاج إلى تعيين آخر ، فلو أفطر أيّاماً من شهر رمضان من سنة أو سنين ، فأعتق عبداً لكفّارة الإفطار ، كفى وإن لم يعيّن اليوم الذي أفطر فيه ، وكذلك بالنسبة إلى الصيام والإطعام . ولو كان عليه كفّارة ولا يدري نوعها مع علمه باشتراكها في الخصال - مثلاً - كفى الإتيان بإحداها ناوياً عمّا في ذمّته ، بل لو علم أنّ عليه إعتاق عبد - مثلاً - ولا يدري أ نّه منذور أو عن كفّارة ، كفى إعتاق عبد بقصد ما في ذمّته .

(مسألة 3) : يتحقّق العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى غيره في المرتّبة ، بعدم الرقبة أو عدم التمكّن من شرائه ، أو غير ذلك ممّا هو مذكور في الفقه . ويتحقّق العجز عن الصيام الموجب لتعيّن الإطعام بالمرض المانع منه أو خوف زيادته بل حدوثه إن كان لمنشأ عقلائي ، وبكونه شاقّاً عليه بما لا يتحمّل . وهل يكفي وجود المرض ، أو خوف حدوثه ، أو زيادته في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدّل الأحوال ، أو يعتبر اليأس ؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان . نعم ، لو رجا البرء بعد زمان قصير يشكل الانتقال إلى الإطعام ، ولو أخّر الإطعام إلى أن برئ من المرض وتمكّن من الصوم ، تعيّن ولم يجز الإطعام .

ص: 136

(مسألة 4) : ليس طروّ الحيض والنفاس موجباً للعجز عن الصيام والانتقال إلى الإطعام ، وكذا طروّ الاضطرار على السفر الموجب للإفطار ؛ لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك .

(مسألة 5) : المعتبر في العجز والقدرة هو حال الأداء ، لا حال الوجوب ، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق عاجزاً عن الصيام ، فلم يعتق حتّى انعكس ، صار فرضه الصيام ، وسقط عنه وجوب العتق .

(مسألة 6) : لو عجز عن العتق في المرتّبة ، فشرع في الصوم ولو ساعة من النهار ، ثمّ وجد ما يعتق ، لم يلزمه العتق ، فله إتمام الصيام ويجزي . وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه ، بل الظاهر أ نّه أفضل . ولو عرض ما يوجب استئنافه - بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع - تعيّن عليه العتق مع بقاء القدرة عليه . وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام ، فدخل في الإطعام ، ثمّ زال العجز .

(مسألة 7) : يجب التتابع في الصيام في جميع الكفّارات ، والحكم في بعضها مبنيّ على الاحتياط ، فلا يجوز تخلّل الإفطار ولا صوم آخر بين أيّامها وإن كان لكفّارة اُخرى ؛ من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتّباً على غيره أو مخيّراً أو جمعاً ، وكذا بين ما وجب فيه شهران ، أو ثلاثة أيّام ككفّارة اليمين ، ومتى أخلّ بالتتابع وجب الاستئناف . ويتفرّع على وجوبه : أ نّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل صوم آخر واجب في زمان معيّن بين أيّامه ، فلو شرع في صيام ثلاثة أيّام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معيّن مثلاً نذر صومه بيوم أو يومين ، لم يجز ووجب استئنافه .

ص: 137

(مسألة 8) : إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين باختيار ، فلو وقع لعُذر - كالإكراه أو الاضطرار أو المرض أو الحيض أو النفاس - لم يضرّ به ، ومنه وقوع السفر في الأثناء إن كان ضرورياً دون غيره ، وكذا منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها ؛ بأن تذكّر بعد الزوال ، وكذا الحال فيما إذا كان تخلّل صوم آخر لا بالاختيار ، كما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال ، ومنه ما إذا نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - ثمّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، فلا يضرّ تخلّل المنذور ، ولا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة ، ولا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة . نعم ، في صوم ثلاثة أيّام يخلّ تخلّله في المفروض ، فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلّل المنذور بينها . نعم ، لو كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع ، كما إذا نذر الصيام يوماً ويوماً لا ، فلا يضرّ التخلّل به .

(مسألة 9) : يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة - مرتّبة كانت أو مخيّرة - صيام شهر ويوم متتابعاً ، ويجوز التفريق في البقيّة ولو اختياراً لا لعذر ، فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفّارة ، يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم ، ولا يجوز له الاقتصار على شعبان ، وكذا يجوز الشروع قبل الأضحى بواحد وثلاثين يوماً ، ولا يجوز قبله بثلاثين .

(مسألة 10) : من وجب عليه صيام شهرين فإن شرع فيه من أوّل الشهر يُجزي هلاليان وإن كانا ناقصين ، وإن شرع في أثنائه ففيه وجوه بل أقوال ، أوجهها تكسير الشهرين وتتميم ما نقص ، فلو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة ؛ من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما ، والأحوط صيام ستّين يوماً ، ولو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً يتعيّن ذلك ويجب الستّون .

ص: 138

(مسألة 11) : يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين والتسليم إليهم ، ويجوز إشباع بعض والتسليم إلى آخر ، ولا يتقدّر الإشباع بمقدار ، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلّ أو كثر . وأمّا في التسليم فلا بدّ من مُدّ لا أقلّ ، والأفضل بل الأحوط مُدّان . ولا بدّ في كلّ من النحوين كمال العدد من ستّين أو عشرة ، فلا يجزي إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين ، أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين . ولا يجب الاجتماع لا في التسليم ولا في الإشباع ، فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة ؛ ولو كان هذا في سنة وذاك في سنة اُخرى ، لأجزأ وكفى .

(مسألة 12) : الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة ؛ وإن كان الأفضل إشباعه في يومه وليله غداةً وعشاءً .

(مسألة 13) : يجزي في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب

الناس ؛ من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة ، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن وغيرها وإن كان بلا إدام . نعم ، الأحوط في كفّارة اليمين وما كانت كفّارته كفّارتها عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم ؛ وإن كان الإجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة . والأفضل أن يكون مع الإدام ، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلاًّ أو ملحاً أو بصلاً ، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل . وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيّ ومطبوخ ؛ من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأرُز وغير ذلك ، والأحوط الحنطة أو دقيقها . ويجزي التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً .

ص: 139

(مسألة 14) : التسليم إلى المسكين تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل .

(مسألة 15) : يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بالتسليم ، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه . وكذلك إن كان بنحو الإشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار ، فإذا أشبع عائلة أو عائلات مشتملة على كبار وصغار أجزأ مع بلوغهم ستّيناً ، وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، بل الأحوط احتسابهم كذلك مطلقاً . والظاهر أ نّه لا يعتبر في إشباعهم إذن الوليّ .

(مسألة 16) : لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو مع الاختيار ؛ من غير فرق بين الإشباع والتسليم ، فلو أفطر تمام شهر رمضان ، جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم .

(مسألة 17) : لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره ، وإن تعذّر انتظر . ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار ، ويقتصر في التكرار على جميع الموجودين ، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتا عشرة مرّة . والأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم ، وأن يكون في أيّام متعدّدة .

(مسألة 18) : المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفّارة هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة ، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلاً ولا قوّة . ويشترط فيه الإسلام ، بل الإيمان على الأحوط ؛ وإن كان جواز إعطاء المستضعف من الناس

ص: 140

غير الناصب لا يخلو من قوّة ، وأن لا يكون ممّن تجب نفقته على الدافع ، كالوالدين والأولاد والزوجة الدائمة ، دون المنقطعة ، ودون سائر الأقارب والأرحام حتّى الإخوة والأخوات . ولا يشترط فيه العدالة ولا عدم الفسق . نعم ، لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء . وفي جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان ، لا يخلو الجواز من رجحان ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار والاحتياج التامّ ، الذي يحلّ معه أخذ الزكاة .

(مسألة 19) : يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً ؛ من غير فرق بين الجديد وغيره ؛ ما لم يكن منخرقاً أو منسحقاً وبالياً بحيث ينخرق بالاستعمال . فلا يكتفى بالعمامة والقلنسوة والحزام والخفّ والجورب ، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد ، خصوصاً بمثل السراويل أو القميص القصير ، فلا يكون أقلّ من قميص مع سراويل ؛ وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء به ، والأحوط أن يكون ممّا يواري عورته . ويعتبر فيها العدد كالإطعام ، فلو كرّر على واحد - بأن كساه عشر مرّات - لم تحسب إلاّ واحدة . ولا فرق في المكسوّ بين الصغير والكبير والذكر والاُنثى . نعم ، في الاكتفاء بكسوة الصغير في أوائل عمره - كابن شهر أو شهرين - إشكال ، فلا يترك الاحتياط . والظاهر اعتبار كونه مخيطاً فيما كان المتعارف فيه المخيطية ، دون ما لا يحتاج إلى الخياطة ، فلو سلّم إليه الثوب غير مخيط في الفرض لم يجز . نعم ، الظاهر أ نّه لا بأس بأن يدفع اُجرة الخياطة معه ليخيطه ويلبسه . ولا يُجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس ، ولا إعطاء لباس الصغير للكبير . ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو غيرها ، وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال ، إلاّ إذا جاز لهم اللبس لضرورة أو غيرها . ولو تعذّر تمام العدد

ص: 141

كسا الموجود وانتظر الباقي . والأحوط التكرار على الموجود ، فإذا وجد الباقي كساه .

(مسألة 20) : لا تُجزي القيمة في الكفّارة لا في الإطعام ولا في الكسوة ، بل لا بدّ في الإطعام من بذل الطعام إشباعاً أو تمليكاً ، وكذا في الكسوة لا بدّ من إعطائها . نعم ، لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحقّ إذا كان ثقة ، ويوكّله في أن يشتري بها طعاماً فيأكله أو يتملّكه أو كسوة ليلبسها .

(مسألة 21) : إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجز أن يكفّر بجنسين ؛ بأن يصوم شهراً ويطعم ثلاثين في كفّارة شهر رمضان مثلاً ، أو يطعم خمسة ويكسو خمسة - مثلاً - في كفّارة اليمين . نعم ، لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها ، كما لو أطعم بعض العدد طعاماً خاصّاً وبعضه غيره ، أو كسا بعضهم ثوباً من جنس وبعضهم من آخر ، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضاً ويسلّم إلى بعض ، كما مرّ .

(مسألة 22) : لا بدل للعتق في الكفّارة مخيّرة كانت أو مرتّبة أو كفّارة الجمع ، فيسقط بالتعذّر . وأمّا صيام شهرين متتابعين والإطعام لو تعذّرا ، ففي كفّارة شهر رمضان مع تعذّر جميع الخصال يتصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن يستغفر اللّه ، ويكفي مرّة . والأحوط في هذه الصورة التكفير إن تمكّن بعد ذلك . وفي غيرها مع تعذّرها صام ثمانية عشر يوماً على الأقوى في الظهار ، وعلى الأحوط في غيره ، والأحوط التتابع فيها . وإن عجز عن ذلك أيضاً ، صام ما استطاع أو تصدّق بما وجد على الأحوط في شقّي التخيير ، ومع العجز عنهما بالمرّة استغفر اللّه تعالى ولو مرّة .

ص: 142

(مسألة 23) : الظاهر أنّ وجوب الكفّارات موسّع ، فلا تجب المبادرة إليها ، ويجوز التأخير ما لم يؤدّ إلى حدّ التهاون .

(مسألة 24) : يجوز التوكيل في إخراج الكفّارات المالية وأدائها ، ويتولّى الوكيل النيّة إن كان وكيلاً في إخراجها ، وإن كان وكيلاً في الإيصال إلى الفقير ينوي الموكّل حين دفع الوكيل إلى الفقير ، ويكفي أن يكون من نيّته أنّ ما يدفع وكيله إلى الفقير كفّارة ، ولا يلزم العلم بوقت الأداء تفصيلاً . وأمّا الكفّارات البدنية فلا يجزي فيها التوكيل ، ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلاّ عن الميّت .

(مسألة 25) : الكفّارات المالية بحكم الديون ، فلو مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال ، وأمّا البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها ولا إخراجها من التركة ؛ ما لم يوص بها الميّت ، فتخرج من ثلثه . نعم ، في وجوبها على الوليّ وهو الولد الأكبر احتمال قويّ فيما إذا تعيّن على الميّت الصيام ، وأمّا لو تعيّن عليه غيره - بأن كانت مرتّبة وتعيّن عليه الإطعام - فلا يجب على الوليّ ، ولو كانت مخيّرة وكان متمكّناً من الصيام والإطعام ، فلو أمكن الإخراج من التركة تخرج منها ، وإلاّ فالأحوط على الوليّ الصيام لو تلفت التركة أو أبى الورثة عن الإطعام .

ص: 143

كتاب الصيد والذباحة

القول : في الصيد

كما يذكّى الحيوان ويحلّ لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع على النحو المعتبر شرعاً ، يذكّى أيضاً بالصيد على النحو المعتبر ، وهو إمّا بالحيوان أو بغيره . وبعبارة اُخرى : الآلة التي يصاد بها : إمّا حيوانية أو جمادية . ويتمّ الكلام في القسمين في ضمن مسائل :

(مسألة 1) : لا يحلّ من صيد الحيوان ومقتوله إلاّ ما كان بالكلب المعلّم ؛ سواء كان سلوقياً أو غيره ، وسواء كان أسود أو غيره ، فلا يحلّ صيد غيره من جوارح السباع كالفهد والنمر وغيرهما ، وجوارح الطير كالبازي والعقاب والباشق وغيرها وإن كانت معلّمة ، فما يأخذه الكلب المعلّم ويقتله بعقره وجرحه مذكّىً حلال أكله من غير ذبح ، فيكون عضّه وجرحه على أيّ موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه .

(مسألة 2) : يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصطياد . وعلامة كونه بتلك الصفة : أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل ويهيج إلى

ص: 144

الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به ، وأن ينزجر ويقف عن الذهاب والهياج إذا زجره . نعم ، لا يضرّ إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد وقربه منه . والأحوط أن يكون من عادته التي لا تتخلّف إلاّ نادراً أن يمسك الصيد ، ولا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه .

(مسألة 3) : يشترط في حلّية صيد الكلب المعلَّم اُمور :

الأوّل : أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله ؛ وإن أغراه صاحبه بعده حتّى فيما أثّر إغراؤه فيه ؛ بأن زاد في عدوه بسببه على الأحوط . وكذا الحال لو أرسله لا للاصطياد ، بل لأمر آخر ؛ من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فصاده . والمعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله كفى في حلّه . وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلاّ معاً .

الثاني : أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه ، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً . فلو أرسله كافر بجميع أنواعه ، أو من كان بحكمه كالنواصب - لعنهم اللّه - لم يحلّ أكل ما قتله .

الثالث : أن يُسمّي ؛ بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله ، فلو تركه عمداً لم يحلّ مقتوله ، ولا يضرّ لو كان نسياناً . والأحوط أن تكون التسمية عند الإرسال ، فلا يكتفى بها قبل الإصابة .

الرابع : أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره ، فلو كان بسبب آخر - كصدمه ، أو خنقه ، أو إتعابه ، أو ذهاب مرارته من الخوف ، أو إلقائه من شاهق ، أو غير ذلك - لم يحلّ .

الخامس : عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته ؛ بأن

ص: 145

أدركه ميّتاً ، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه . وبالجملة : إذا أرسل كلبه إلى الصيد ، فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع ، فوجده ميّتاً ، كان ذكيّاً وحلّ أكله ، وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه فتركه حتّى مات . وأمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلاّ بالذبح ، فلو تركه حتّى مات كان ميتة . وأدنى ما يُدرك ذكاته أن يجده تطرف عيناه ، أو تركض رجله ، أو يحرّك ذنبه أو يده ، فإن وجده كذلك واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلاّ بالذبح . وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً فجعل يعدو خلفه فوقف ، فإن بقي من حياته زمان يتّسع لذبحه لم يحلّ إلاّ به ، وإن لم يتّسع حلّ بدونه . ويلحق بعدم اتّساعه ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه ، كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسلّ السكّين ، مع المسارعة العرفية ، وكون الآلات على النحو المتعارف ؛ فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف ، فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه ، لم يحلّ . وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه . ومن عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك ، فمات قبل أن يمكنه الذبح . نعم ، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه ، إلاّ أ نّه لم يكن عنده السكّين ، فلم يذبحه لذلك حتّى مات ، لم يحلّ أكله .

(مسألة 4) : هل يجب على من أرسل الكلب ، المسارعة والمبادرة إلى الصيد من حين الإرسال ، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان بعدُ على امتناعه ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً ؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف ، فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفية حتّى أ نّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله . وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه . هذا إذا احتمل ترتّب أثر

ص: 146

على المسارعة واللحوق بالصيد ؛ بأن احتمل أ نّه يدركه حيّاً ، ويقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة . وأمّا مع عدم احتماله - ولو من جهة عدم ما يذبح به - فلا إشكال في عدم وجوبها ، فلو خلاّه حينئذٍ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حلّ أكله . نعم ، لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب - لا بسبب آخر - على التسارع إليه وتعرّف حاله ، لزم لأجل ذلك .

(مسألة 5) : لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب ، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً ، أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً ، حلّ أكله . نعم ، يعتبر في المتعدّد - صائداً وآلة - أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر ، أو لم يسمّ أحدهما ، أو اُرسل كلبان أحدهما معلّم والآخر غير معلّم فقتلاه ، لم يحلّ .

(مسألة 6) : لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية ، إلاّ ما قتله السيف أو السكّين أو الخنجر ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها ، أو الرمح والسهم والنشّاب ممّا يُشاك بحدّه ؛ حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ؛ من غير فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش ، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه . بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد ، فيكفي بعد كونه سلاحاً قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلزّ كان حتّى الصفر والذهب والفضّة ، والأحوط اعتباره . ويعتبر كونه مستعملاً سلاحاً في العادة على الأحوط ، فلا يشمل المخيط والشوك والسفود ونحوها . والظاهر أ نّه لا يعتبر الخرق والجرح في الآلة المذكورة ؛ أعني ذات الحديد المحدّدة ، فلو رمى الصيد بسهم ، أو طعنه برمح فقتله بالرمح والطعن من دون أن يكون فيه أثر السهم والرمح حلّ أكله ، ويلحق بالآلة الحديدية المعراض الذي هو - كما قيل - خشبة لا نصل فيها ، إلاّ

ص: 147

أ نّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط ، أو السهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه ، أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه . وكيف كان إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة ، لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه وشوكها فيه ولو يسيراً ، فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ ، والأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحدّدة غير الحديد .

(مسألة 7) : كلّ آلة جمادية - لم تكن ذات حديدة محدّدة ، ولا محدّدة غير الحديدية - قتلت بخرقها من المثقلات ، كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة ، لا يحلّ مقتولها كالمقتول بالحبائل والشبكة والشرك ونحوها . نعم ، لا بأس بالاصطياد بها ، وكذا بالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي وغيرها ؛ بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها ، ولكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلاّ إذا أدركه وذكّاه .

(مسألة 8) : لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة - المسمّاة بالبُندقية - مع اجتماع الشرائط ؛ بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة بحدّته على الأحوط ، فيجتنب ممّا قتل بالبندق الذي ليس كذلك وإن جرح وخرق بقوّته ، والبندقة التي قلنا - في المسألة السابقة - بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدّتها .

(مسألة 9) : لا يعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد ولا وحدة الآلة ، فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح ، وسَمّيا معاً فقتلا صيداً ، حلّ إذا اجتمع الشرائط فيهما . بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد ورماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ .

(مسألة 10) : يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد

ص: 148

بالآلة الحيوانية ، فيشترط كون الصائد مسلماً ، والتسمية عند استعمال الآلة ، وأن يكون استعمالها للاصطياد ، فلو رمى إلى هدف أو إلى عدوّ أو إلى خنزير ، فأصاب غزالاً فقتله ، لم يحلّ وإن سمّى عند الرمي لغرض من الأغراض . وكذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله . وأن لا يُدركه حيّاً زماناً اتّسع للذبح ، فلو أدركه كذلك لم يحلّ إلاّ بالذبح ، والكلام في وجوب المسارعة وعدمه كما مرّ . وأن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد ، فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ ، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل ، أو وقع في الماء ، واستند موته إليهما بل وإن لم يعلم استقلال السهم في إماتته ، لم يحلّ . وكذا لو رماه شخصان فقتلاه وفقدت الشرائط في أحدهما .

(مسألة 11) : لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة ، فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين وإن فعل حراماً ، وعليه الاُجرة ، ويملكه الصائد دون صاحب الآلة .

(مسألة 12) : الحيوان الذي يحلّ مقتوله بالكلب والآلة - مع اجتماع الشرائط - كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره ؛ سواء كان كذلك بالأصل كالحمام والظبي والبقر الوحشي ، أو كان إنسياً فتوحّش أو استعصى كالبقر المستعصي والبعير كذلك ، وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل ونحوه . وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولا يقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج ، فلا تقع التذكية الصيدية على الحيوان الأهلي المستأنس ؛ سواء كان استئناسه أصلياً كالدجاج والشاة والبعير والبقر ، أو عارضياً كالظبي والطير المستأنسين ، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو ، وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران ، فلو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما ، حلّ الطائر دون الفرخ .

ص: 149

(مسألة 13) : الظاهر أ نّه كما تقع التذكية الصيدية على الحيوان المأكول اللحم ، فيحلّ بها أكله ويطهر جلده ، تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً ، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به . هذا إذا كانت بالآلة الجمادية . وأمّا الحيوانية ففيها تأمّل وإشكال .

(مسألة 14) : لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان ، فإن كانت الآلة غير محلّلة - كالشبكة والحبالة مثلاً - يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، وكذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرّة على الأحوط ؛ بأن تكون حركته حركة المذبوح ، وإن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية . وإن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، فإن زالت الحياة المستقرّة عن الجزءين بهذا القطع حلاّ معاً ، وإن بقيت الحياة المستقرّة ، حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، ويكون ميتة ؛ سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا ، وأمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية ، ولو اتّسع لها لا يحلّ إلاّ بالذبح .

(مسألة 15) : يملك الحيوان الوحشي - سواء كان من الطيور أو غيره - بأحد اُمور ثلاثة :

أحدها : أخذه حقيقة ؛ بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه ، أو شدّه بحبل ونحوه ؛ بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملّك ، وأمّا مع عدم القصد ففيه إشكال ، كما أ نّه مع قصد الخلاف لا يملك .

ثانيها : وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها ، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك .

ثالثها : أن يصيّره غير ممتنع بآلة ، كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن

ص: 150

العدو ، أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران ؛ سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم والكلب المعلّم ، أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهين وغيرها . ويعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد والتملّك ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه ، فلو أخذه شخص آخر بقصد التملّك ملكه .

(مسألة 16) : الظاهر أ نّه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان وزوال امتناعه ؛ ولو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع ، أو باتّخاذ أرض وإجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحّل فيها فتوحّل ، أو فتح باب شيء ضيّق وإلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير ، فأغلق عليها وزال امتناعها . وأمّا لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها على امتناعها في البيت ، فالظاهر عدم تملّكه به مع إغلاق الباب ، كما أ نّه لو عشّش الطير في داره لم يملكه بمجرّده ، وكذا لو توحّل حيوان في أرضه الموحلة ما لم يجعلها كذلك لأجل الاصطياد ، فلو أخذه شخص بعد ذلك ملكه ؛ وإن عصى لو دخل داره أو أرضه بغير إذنه .

(مسألة 17) : لو سعى خلف حيوان حتّى أعياه ووقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه ، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه .

(مسألة 18) : لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد ، ولم تمسكه الشبكة لضعفها وقوّته فانفلت منها ، لم يملكه ناصبها ، وكذا إن أخذ الشبكة وانفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع ، فإن صاده غيره ملكه وردّ الشبكة إلى صاحبها . نعم ، لو أمسكته الشبكة وأثبتته ، ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجية ،

ص: 151

لم يخرج بذلك عن ملكه ، كما لو أمسكه بيده ثمّ انفلت منها ، وكذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فإنّه لناصبها ، فلو أخذه غيره يجب أن يردّه إليه .

(مسألة 19) : لو رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع ، فدخل داراً فأخذه صاحبها ملكه بأخذه ، لا بدخول الدار ، كما أ نّه لو رماه ولم يثبته فرماه شخص آخر فأثبته فهو للثاني .

(مسألة 20) : لو أطلق الصائد صيده ، فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه ، ولا يملكه غيره باصطياده ، وإن قصد الإعراض وزوال ملكه عنه فالظاهر أ نّه يصير كالمباح ، جاز اصطياده لغيره ويملكه ، وليس للأوّل الرجوع إليه بعد تملّكه على الأقوى .

(مسألة 21) : إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير ؛ ولو من جهة آثار اليد التي هي أمارة على الملك فيه ، كما إذا كان طوق في عنقه ، أو قرط في اُذنه ، أو شدّ حبل في أحد قوائمه ، ولو علم ذلك لم يملكه الصائد ، بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه ، وإن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة . وأمّا الطير فإن كان مقصوص الجناحين ، كان بحكم ما علم أنّ له مالكاً ، فيردّ إلى صاحبه إن عرف ، وإن لم يعرف كان لقطة . وأمّا إن ملك جناحيه يتملّك بالاصطياد إلاّ إذا كان له مالك معلوم ، فيجب ردّه إليه ، والأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً ولو من جهة وجود آثار اليد فيه ولم يعرفه ، أن يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير .

(مسألة 22) : لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه ، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقه مثلاً ، فيجوز لغيره صيده ، ويملك ما صاده ، بل لو

ص: 152

أخذ حمامة من البرج ملكها ؛ وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه ، وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها ، فإنّه لا يملكه مالكها .

(مسألة 23) : الظاهر أ نّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال - مثلاً - واستولى عليه يملكه ويملك كلّ ما تتبعه من النحل ؛ ممّا تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتدخل الكنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه .

(مسألة 24) : ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً ، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته ؛ سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها ، فلو وثب على الجدّ ، أو نبذه البحر إلى الساحل ، أو نضب الماء الذي كان فيه ، حلّ لو أخذه شخص قبل أن يموت ، وحرم لو مات قبل أخذه وإن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى .

(مسألة 25) : لا يشترط في تذكية السمك - عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه - التسمية ، كما أ نّه لا يعتبر في صائده الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ؛ سواء كان كتابياً أو غيره . نعم ، لو وجده في يده ميّتاً ، لم يحلّ أكله ما لم يعلم أ نّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه ، أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ، ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم ، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها .

(مسألة 26) : لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد ، ولم يملكه السفّان ولا صاحب السفينة ، بل كلّ من أخذه بقصد التملّك ملكه . نعم ، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها ؛ بأن يجعل فيها ضوء بالليل ، ودقّ بشيء

ص: 153

كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها ، فالوجه أ نّه يملكها ، ويكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّاً ، فيكون به تذكيتها .

(مسألة 27) : لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك ، فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه ، فإن اُخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال ، وكذا لو نضب الماء وغار - ولو بسبب جزره - فمات فيهما بعد نضوبه . وأمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا ؟ قولان أشهرهما وأحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة ، ولو أخرج الشبكة من الماء ، فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً ، ولم يدر أ نّه قد مات في الماء أو بعد خروجه ، فالأحوط الاجتناب عنه .

(مسألة 28) : لو أخرج السمك من الماء حيّاً ، ثمّ أعاده إليه مربوطاً أو غير مربوط ، فمات فيه حرم .

(مسألة 29) : لو طفا السمك على الماء وزال امتناعه بسبب - مثل أن ضرب بمضراب ، أو بلع ما يسمّى ب- «الزهر» في لسان بعض الناس أو غير ذلك - فإن أدركه شخص وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ ، وإن مات على الماء حرم ، وإن ألقى «الزهر» أحدٌ فبلعه السمك ، وصار على وجه الماء وزال امتناعه ، فإن لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه ، فلو أخذه غيره ملكه ؛ من غير فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أو لا ، وإن كان بقصد الاصطياد والتملّك فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له ، فلا يملكه غيره بالأخذ ، وكذا الحال إذا كان إزالة امتناعه بشيء آخر كاستعمال آلة ، كما إذا رماه بالرصاص فطفا على الماء . وبالجملة : لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه بقصد الاصطياد والتملّك مطلقاً موجبة للملكية كالحيازة .

ص: 154

(مسألة 30) : لا يعتبر في حلّية السمك - بعد ما اُخرج من الماء حيّاً ، أو اُخذ حيّاً بعد خروجه - أن يموت خارج الماء بنفسه ، فلو قطعه قبل أن يموت ومات بالتقطيع أو غيره حلّ أكله ، بل لا يعتبر في حلّه الموت رأساً ، فيحلّ بلعه حيّاً ، بل لو قطع منه قطعة ، واُعيد الباقي إلى الماء ، حلّ ما قطعه ؛ سواء مات الباقي في الماء أم لا . نعم ، لو قطع منه قطعة وهو في الماء - حيّ أو ميّت - لم يحلّ ما قطعه .

(مسألة 31) : ذكاة الجراد أخذه حيّاً سواء كان باليد أو بالآلة ، فلو مات قبل أخذه حرم . ولا يعتبر فيه التسمية ولا الإسلام كما مرّ في السمك . نعم ، لو وجده ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً ، ولا تجدي يده ولا إخباره في إحرازه .

(مسألة 32) : لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد ، لم يحلّ وإن قصده المُحرق . نعم ، لو مات بعد أخذه بأيّ نحو كان حلّ ، كما أ نّه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد ؛ بأ نّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها ، فاُجّجت لذلك فاجتمعت واحترقت بها ، لا يبعد حلّيتها .

(مسألة 33) : لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران ، وهو المسمّى ب- «الدبى» على وزن «عصا» ، وهو الجراد إذا تحرّك ولم تنبت بعدُ أجنحته .

القول : في الذباحة

والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيته وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل :

ص: 155

(مسألة 1) : يشترط في الذابح : أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أم غيره ؛ حتّى الكتابي على الأقوى . ولا يشترط فيه الإيمان ، فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام ، عدا الناصب وإن أظهر الإسلام .

(مسألة 2) : لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة ، فضلاً عن الخُنثى ، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً والأعمى والأغلف وولد الزنا .

(مسألة 3) : لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ ؛ وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها . نعم ، لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها ، أو اضطرّ إليه ، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح ؛ ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها . نعم ، في وقوع الذّكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال ؛ وإن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان ، والأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً ؛ وإن كان الوقوع لا يخلو من قرب .

(مسألة 4) : الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم ، وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً ، والمريء ، وهو مجرى الطعام والشراب ، ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان ، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المريء ، وربما يطلق على هذه الأربعة : الأوداج الأربعة ، واللازم قطعها وفصلها ، فلا يكفي شقّها من دون القطع والفصل .

ص: 156

(مسألة 5) : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان ب- «الجوزة» ، وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ؛ بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة ؛ على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها ، ولم يقع الذبح من تحتها ، لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك ، فاللازم مراعاته ، كما أ نّه يلزم أن يكون شيء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس ؛ حتّى يعلم أ نّها انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس .

(مسألة 6) : يشترط أن يكون ال-ذبح م-ن الق-دّام ، فلو ذبح م-ن القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت . نعم ، لو قطعها م-ن الق-دّام ، لكن لا م-ن الفوق ؛ بأن أدخ-ل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، لم تحرم الذبيح-ة وإن فعل مكروه-اً على الأوج-ه ، والأح-وط ترك ه-ذا النحو .

(مسألة 7) : يجب الت-تابع في الذبح ؛ بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح ، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت ، بل لا يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ؛ ولا يعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها .

(مسألة 8) : لو قطع رقبة الذبيحة من القفا ، وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن بقيت لها الحياة المستكشف-ة بالحرك-ة ولو يسيرة بعد الذب-ح وقطع الأوداج حلّت ،

ص: 157

وإن كان لها حركة ولو يسيرة قبل الذبح ذُبحت ، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت ، وإلاّ فإن لم ت-تحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرمت ، وإن تحرّكت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال .

(مسألة 9) : لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة ، فإن لم تبق لها الحياة حرمت ، وإن بقيت يمكن أن يتدارك ؛ بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت ، وقطع الأعضاء وحلّت ، واستكشاف الحياة كما مرّ .

(مسألة 10) : لو أكل الذئب - مثلاً - مذبح الحيوان وأدركه حيّاً ، فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها ؛ بحيث لم يبق شيء منها ولا منها شيء ، فهو غير قابل للتذكية وحرمت ، وكذا إن أكلها من فوق أو من تحت ، وبقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن على الأحوط ، فلا يحلّ بقطع ما بقي منها ، وكذلك لو أكل بعضها تماماً وأبقى بعضها كذلك ، كما إذا أكل الحُلقوم بالتمام وأبقى الباقي كذلك ، فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 11) : يُشترط في التذكية الذبحية - مضافاً إلى ما مرّ - اُمور :

أحدها : الاستقبال بالذبيحة حال الذبح ؛ بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، فإن أخلّ به فإن كان عامداً عالماً حرمت ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً في القبلة أو في العمل لم تحرم ، ولو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط . ولا يشترط استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى .

ثانيها : التسمية من الذابح ؛ بأن يذكر اسم اللّه عليها ، حينما يتشاغل بالذبح ، أو

ص: 158

متّصلاً به عرفاً ، أو قبيله المتّصل به ، فلو أخلّ بها فإن كان عمداً حرمت ، وإن كان نسياناً لم تحرم . وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان ، أظهرهما الثاني . والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد ؛ أعني بعنوان كونها على الذبيحة ، ولا تجزي التسمية الاتّفاقية الصادرة لغرض آخر .

ثالثها : صدور حركة منها بعد تمامية الذبح ؛ كي تدلّ على وقوعه على الحيّ ولو كانت يسيرة ، مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اُذنها أو ذنبها أو تركض برجلها ونحوها ، ولا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل ، فلو تحرّك ولم يخرج الدم ، أو خرج متثاقلاً ومتقاطراً - لا سائلاً معتدلاً - كفى في التذكية . وفي الاكتفاء به أيضاً - حتّى يكون المعتبر أحد الأمرين : من الحركة ، أو خروج الدم المعتدل - قول مشهور بين المتأخّرين ، ولا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . هذا إذا لم يعلم حياته ، وأمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال .

(مسألة 12) : لا يعتبر كيفي-ة خاصّ-ة في وضع الذبيح-ة على الأرض حال الذبح ، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن ، كهيئة الميّت حال الدف-ن ، وأن يضعها على الأيسر .

(مسألة 13) : لا يعتبر في التسمي-ة كيفي-ة خاصّ-ة وأن تكون في ضمن البسملة ، بل المدار صدق ذكر اسم اللّه عليها ، فيكفي أن يقول : «بسم اللّه» ، أو «اللّه أكبر» ، أو «الحمد للّه» ، أو «لا إله إلاّ اللّه» ، ونحوها . وفي الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالاًّ على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد ، إشكال . نعم ، التعدّي من لفظ «اللّه» إلى سائر أسمائه الحسنى - كالرحمان

ص: 159

والبارئ والخالق وغيرها من أسمائه الخاصّة - غير بعيد ، لكن لا يترك الاحتياط فيه . كما أنّ التعدّي إلى ما يُرادف لفظ الجلالة في لغة اُخرى - كلفظة «يزدان» في الفارسية وغيرها في غيرها - لا يخلو من وجه وقوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربية .

(مسألة 14) : الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذبيحة بالمعنى الذي فسّروه ، وهو أن لا تكون مشرفة على الموت ؛ بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم ، كالمشقوق بطنه والمخرج حشوته والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والساقط من شاهق ونحوها ، بل المعتبر أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج ، فإن علم ذلك فهو ، وإلاّ يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة كما تقدّم .

(مسألة 15) : لا يشترط في حلّي-ة الذبيح-ة بعد وق-وع الذب-ح عليها حيّاً أن يكون خ-روج روحها بذلك ال-ذبح ، فلو وقع عليها ال-ذبح الشرعي ، ثمّ وقعت ف-ي ن-ار أو م-اء أو سقطت م-ن جبل ونح-و ذلك ، فماتت ب-ذلك حلّت عل-ى الأقوى .

(مسألة 16) : يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر ، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح ، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة . نعم ، لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك ؛ بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر ، أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح ، ووقعت عليه التذكية .

(مسألة 17) : كيفية النحر ومحلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحديدية في لبته ، وهي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق

ص: 160

والصدر ، ويشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحية ، فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح ، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح ، وتجب التسمية عنده كما تجب عند الذبح ، ويجب الاستقبال بالمنحور ، وفي اعتبار الحياة واستقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة .

(مسألة 18) : يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة ، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها ؛ مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة ؛ وإن كان الأفضل كونها قائمة .

(مسألة 19) : كلّ ما يتعذّر ذبحه ونحره - إمّا لاستعصائه ، أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره ، كما لو تردّى في البئر ، أو وقع في مكان ضيّق وخيف موته - جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه ويقتله ، ويحلّ أكله وإن لم يصادف العقر موضع التذكية ، وسقطت شرطية الذبح والنحر ، وكذلك الاستقبال . نعم ، سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها . وأمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجمادية ، وفي الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان ، أقواهما ذلك في المستعصي ، ومنه الصائل المستعصي ، دون غيره كالمتردّي .

(مسألة 20) : للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبّة ومكروهة :

فمنها : على ما حكي الفتوى به عن جماعة ، أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق الاُخرى ، ويمسك صوفه وشعره بيده حتّى تبرد ، وفي البقر أن يعقل قوائمه الأربع ، ويطلق ذنبه ، وفي الإبل أن تكون قائمة ، ويربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو الإبطين ويطلق رجليها ، وفي الطير أن يرسله بعد

ص: 161

الذبح حتّى يرفرف . ومنها : أن يكون الذابح والناحر مستقبل القبلة . ومنها : أن يعرض عليه الماء قبل الذبح والنحر . ومنها : أن يعامل مع الحيوان في الذبح والنحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذيب والإيذاء له ؛ بأن يُساق إلى الذبح والنحر برفق ويضجعه برفق ، وأن يحدّد الشفرة ، وتوارى وتستر عنه حتّى لا يراها ، وأن يسرع في العمل ويمرّ السكّين في المذبح بقوّة .

وأمّا المكروهة فمنها : أن يسلخ جلده قبل خروج الروح ، وقيل بالحرمة وإن لم تحرم به الذبيحة ، وهو أحوط . ومنها : أن يقلب السكّين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق . ومنها : أن يذبح حيوان وحيوانٌ آخر مجانس له ينظر إليه ، وأمّا غيره ففيها تأمّل وإن لا تخلو من وجه . ومنها : أن يذبح ليلاً ، وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة ، إلاّ مع الضرورة . ومنها : أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم . وأمّا إبانة الرأس قبل خروج الروح منه فالأحوط تركها ، بل الحرمة لا تخلو من وجه . نعم ، لا تحرم الذبيحة بفعلها على الأقوى . هذا مع التعمّد . وأمّا مع الغفلة أو سبق السكّين فلا حرمة ولا كراهة - لا في الأكل ، ولا في الإبانة - بلا إشكال . والأحوط ترك أن تنخع الذبيحة ؛ بمعنى إصابة السكّين إلى نخاعها ، وهو الخيط الأبيض وسط القفار الممتدّ من الرقبة إلى عجز الذنب .

(مسألة 21) : لو خرج جنين أو اُخرج من بطن اُمّه ، فمع حياة الاُمّ أو موتها بدون التذكية ، لم يحلّ أكل-ه إلاّ إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكي-ة ، وكذا إن خ-رج أو اُخرج حيّاً من بطن اُمّه المذكّاة ، فإنّه لا يحلّ إلاّ بالتذكية ، فلو لم يذكّ لم يحلّ وإن كان عدمها م-ن جه-ة ع-دم اتّساع الزم-ان لها على الأق-وى . وأمّا لو خرج أو اُخرج ميّتاً من بطن اُمّه المذكّاة ، حلّ أكله ، وكانت تذكيته بتذكية اُمّه ، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة وقد أشعر أو أوبر وإلاّ فميت-ة ، ولا فرق في حلّيته

ص: 162

م-ع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح وبين ما ولجته ومات في بطن اُمّه على الأقوى .

(مسألة 22) : لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ، ومات بعده قبل أن يشقّ بطنها ويستخرج منها ، حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته ، بل ولو لم يبادر ولم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح ؛ وإن كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتّى بالقدر المتعارف . ولو أخّر زائداً عن المتعارف ومات قبل أن يشقّ البطن فالأحوط الاجتناب عنه .

(مسألة 23) : لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً - وإن حرم بالعارض كالجلاّل والموطوء - بحرياً كان أو برّياً ، وحشياً كان أو إنسياً ، طيراً كان أو غيره ؛ وإن اختلف في كيفية التذكية على ما مرّ . وأثر التذكية فيها : طهارة لحمها وجلدها وحلّية لحمها لو لم يحرم بالعارض . وأمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه ؛ لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّية ؛ لأ نّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال . وما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين - كالكلب والخنزير - فليس قابلاً للتذكية . وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدبّ والقرد ونحوها . وكذا الحشرات ، وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض ، كالفأرة وابن عرس والضّبّ ونحوها على الأحوط الذي لا يُترك فيهما ؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه . وأمّا السباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم ؛ سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها ، أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها ، فالأقوى قبولها للتذكية ، وبها تطهر لحومها وجلودها ، فيحلّ الانتفاع بها ؛ بأن تلبس في

ص: 163

غير الصلاة ويفترش بها ، بل بأن تجعل وعاءً للمائعات ، كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة .

(مسألة 24) : الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة - غير ما ذكر آنفاً - تقع عليها التذكية ، فتطهر بها لحومها وجلودها .

(مسألة 25) : تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل ، إنّما تكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل ، وكذا بالاصطياد بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع منها كالمحلّل . وفي تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد وإشكال .

(مسألة 26) : ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود - إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى - يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى ؛ بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط ، فحينئذٍ يجوز بيعه وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة ، وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية ، ولا يجب عليه الفحص والسؤال ، بل ولا يستحبّ ، بل نهي عنه . وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين ؛ سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال ، بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال ، كما إذا كان اللحم مطبوخاً والجلد مخيطاً أو مدبوغاً . وكذا إذا اُخذ من الكافر ، وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم . وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم ، وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار ، أو كان مطروحاً في أرضهم ولم يعلم أ نّه مسبوق

ص: 164

بيد المسلم واستعماله ، يعامل معه معاملة غير المذكّى ، وهو بحكم الميتة . والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين ؛ بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفّار . كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار . ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار .

(مسألة 27) : لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً ، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ، ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، ولا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية . وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية - اجتهاداً أو تقليداً - أو مخالفاً معه فيها ؛ إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه ، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربية ، دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك ؛ وإن لم يلزم رعايته عنده . واللّه العالم .

ص: 165

كتاب الأطعمة والأشربة

اشارة

والمقصود من هذا الكتاب بيان المحلّل والمحرّم من الحيوان وغير الحيوان .

القول : في الحيوان

(مسألة 1) : لا يؤكل من حيوان البحر إلاّ السمك والطير في الجملة ، فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتّى ما يؤكل مثله في البرّ كبقره على الأقوى .

(مسألة 2) : لا يؤك-ل م-ن السمك إلاّ م-ا كان ل-ه فلس وقشور بالأصل وإن لم تبق وزالت بالعارض كالكنعت ، فإنّه - على ما ورد فيه - حوت سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شيء فيذهب فلسها ، ولذا لو نظرت إلى أصل اُذنها وجدته فيه . ولا فرق بين أقسام السمك ذي القشور ، فيحلّ جميعها صغيرها وكبيرها من البزّ والبنّي والشبّوط والقطّان والطيرامي والإبلامي وغيرها ، ولا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل ، كالجرّي والزمّار والزهو والمارماهي وغيرها .

(مسألة 3) : الإربِيان - المسمّى في لسان أهل هذا الزمان ب- «الروبيان» - من جنس السمك الذي له فلس ، فيجوز أكله .

ص: 166

(مسألة 4) : بيض السمك يتبعه ، فبيض المحلّل حلال وإن كان أملس ، وبيض المحرّم حرام وإن كان خشناً . والأحوط في حال الاشتباه عدم أكل ما كان أملس . نعم ، لو كان مشتبهاً في أ نّه من المحلّل والمحرّم ، وكان خشناً ، أو اشتبه ذلك أيضاً ، حلّ أكله .

(مسألة 5) : البهائم البرّية من الحيوان صنفان : إنسية ووحشية . أمّا الإنسية فيحلّ منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ويكره الخيل والبغال والحمير ، وأخفّها كراهة الأوّل . وتحرم منها غير ذلك كالكلب والسنّور وغيرهما . وأمّا الوحشية فتحلّ منها الظبي والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحمور والحمير الوحشية . وتحرم منها السباع ، وهي ما كان مفترساً وله ظفر وناب ؛ قويّاً كان كالأسد والنمر والفهد والذئب ، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع واب-ن آوى . وك-ذا يح-رم الأرنب وإن لم يك-ن م-ن السباع . وك-ذا تح-رم الحشرات كلّها ، كالحيّ-ة والفأرة والضبّ واليربوع والقنفذ والصراصر والجعل والبراغيث والقمّل وغيرها ممّا لا تحصى ، وكذا تحرم المسوخ كالفيل والقردة والدبّ وغيرها .

(مسألة 6) : يحلّ من الطير الحمام بجميع أصنافه ، كالقماري وهو الأزرق ، والدباسي وهو الأحمر ، والوَرَشان وهو الأبيض ، والدرّاج والقبج والقطا والطيهوج والبطّ والكروان والحبارى والكركي ، والدجاج بجميع أقسامه ، والعصفور بجميع أنواعه ، ومنه البلبل والزرزور ، والقبّرة ، وهي التي على رأسها القزعة . ويكره منه الهدهد ، والخطّاف ، وهو الذي يأوي البيوت وآنس الطيور بالناس ، والصرد ، وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير أبقع نصفه أسود ونصفه أبيض ، والصوام ، وهو طائر أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت

ص: 167

في النخل ، والشقرّاق وهو طائر أخضر مليح بقدر الحمام ، خضرته حسنة مُشبعة ، في أجنحته سواد ، ويكون مخطّطاً بحمرة وخضرة وسواد ، ولا يحرم شيء منها حتّى الخطّاف على الأقوى . ويحرم منه الخفّاش والطاووس وكلّ ذي مخلب ؛ سواء كان قويّاً يقوى به على افتراس الطير ، كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ، أو ضعيفاً لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث .

(مسألة 7) : الأحوط التنزّه والاجتناب عن الغراب بجميع أقسامه حتّى الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف الذي هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد ، ويتأكّد الاحتياط في الأبقع الذي فيه سواد وبياض ، ويقال له : العقعق ، والأسود الكبير الذي يسكن الجبال ، وهما يأكلان الجيف ، ويحتمل قويّاً كونهما م-ن سباع الطير ، فتقوى فيهما الحرم-ة ، بل الحرم-ة ف-ي مطلق الغراب لا تخلو م-ن قرب .

(مسألة 8) : يميّز محلّل الطير عن محرّمه بأمرين ، جُعل كلّ منهما في الشرع علامة للحلّ والحرمة فيما لم ينصّ على حلّيته ولا على حرمته ، دون ما نصّ فيه على حكمه من حيث الحلّ والحرمة كالأنواع المتقدّمة :

أحدهما : الصفيف والدفيف ، فكلّ ما كان صفيفه - وهو بسط جناحيه عند الطيران - أكثر من دفيفه - وهو تحريكهما عنده - فهو حرام ، وما كان بالعكس - بأن كان دفيفه أكثر - فهو حلال .

ثانيهما : الحوصلة والقانصة والصيصية ، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال ، وما لم يكن فيه شيء منها فهو حرام . والحوصلة : ما يجتمع فيه الحبّ وغيره من المأكول عند الحلق . والقانصة : قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير . والصيصية : هي الشوكة التي في رِجل الطير موضع العقب .

ص: 168

ويتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين ، فما كان دفيفه أكثر من صفيفه ، أو كان فيه أحد الثلاثة ، فهو حلال وإن كان يأكل السمك ، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه ، أو لم يوجد فيه شيء من الثلاثة ، فهو حرام .

(مسألة 9) : لو تعارضت العلامتان كما إذا كان ما صفيفه أكثر من دفيفه ، ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية ، أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه ، فاقداً للثلاثة ، فالظاهر أنّ الاعتبار بالصفيف والدفيف ، فيحرم الأوّل ويحلّ الثاني على إشكال في الثاني ، فلا يُترك الاحتياط وإن كان الحلّ أقرب . لكن ربما قيل بالتلازم بين العلامتين وعدم وقوع التعارض بينهما ، فلا إشكال .

(مسألة 10) : لو رأى طيراً يطير وله صفيف ودفيف ولم يتبيّن أيّهما أكثر ، تعيّن له الرجوع إلى العلامة الثانية ، وهي وجود أحد الثلاثة وعدمها ، وكذا إذا وجد طيراً مذبوحاً لم يعرف حاله . ولو لم يعرف حاله مطلقاً فالأقرب الحلّ .

(مسألة 11) : لو فرض تساوي الصفيف والدفيف ، فالأحوط أن يرجع إلى العلامة الثانية ، ومع عدم معرفة الثانية فالأقرب الحلّ .

(مسألة 12) : بيض الطيور تابع لها في الحلّ والحرمة ، فبيض المحلّل حلال والمحرّم حرام . وما اشتبه أ نّه من أيّهما يؤكل ما اختلف طرفاه ؛ وتميّز رأسه من تحته ، مثل بيض الدجاج ، دون ما اتّفق وتساوى طرفاه .

(مسألة 13) : النعامة من الطيور ، وهي حلال لحماً وبيضاً على الأقوى .

(مسألة 14) : اللقلق لم ينصّ على حرمته ولا على حلّيته ، فليرجع إلى العلامات ، والظاهر أنّ صفيفه أكثر ، فهو حرام ، ومن لم يحرز له ذلك يرجع إلى العلامة الثانية .

ص: 169

(مسألة 15) : تعرض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل من اُمور : منها :

الجلل ، وهو أن يتغذّى الحيوان عذرة الإنسان بحيث يصدق عرفاً أ نّها غذاؤه ، ولا يلحق بها عذرة غيره ولا سائر النجاسات . ويتحقّق صدق المزبور بانحصار غذائه بها ، فلو كان يتغذّى بها مع غيرها لم يتحقّق الصدق ، فلم يحرم إلاّ أن يكون تغذّيه بغيرها نادراً جدّاً ؛ بحيث يكون بأنظار العرف بحكم العدم ، وبأن يكون تغذّيه بها مدّة معتدّاً بها . والظاهر عدم كفاية يوم وليلة ، بل يشكّ صدقه بأقلّ من يومين بل ثلاثة .

(مسألة 16) : يعمّ حكم الجَلَل كلّ حيوان محلّل حتّى الطير والسمك .

(مسألة 17) : كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه وبيضه ، ويحلاّن بما يحلّ به لحمه . وبالجملة : هذا الحيوان المحرّم بالعارض كالحيوان المحرّم بالأصل - في جميع الأحكام - قبل أن يستبرأ ويزول حكمه . نعم ، الحكم في بعض أفراد الكلّية مبنيّ على الاحتياط .

(مسألة 18) : الظاهر أنّ الجلل ليس مانعاً عن التذكية ، فيُذكّى الجلاّل بما يُذكّى به غيره ، ويترتّب عليها طهارة لحمه وجلده ، كسائر الحيوانات المحرّمة بالأصل القابلة للتذكية .

(مسألة 19) : تزول حرمة الجلاّل بالاستبراء بترك التغذّي بالعذرة ، والتغذّي بغيرها حتّى يزول عنه اسم الجلل . ولا يترك الاحتياط مع زوال الاسم بمضيّ المدّة المنصوصة في كلّ حيوان : وهي في الإبل(1) أربعون يوماً ، وفي البقر

ص: 170


1- في (أ) ورد هكذا : «تزول حرمة الجلاّل بالاستبراء بترك التغذّي بالعذرة ، والتغذّي بغيرها مدّة وهي في الإبل...» .

عشرون يوماً ، والأحوط ثلاثون ، وفي الغنم عشرة أيّام ، وفي البطّة خمسة أيّام ، وف-ي الدجاج-ة ثلاثة أيّام ، وف-ي السمك يوم وليل-ة ، وفي غير ما ذك-ر ، الم-دار ه-و زوال اسم الجلل ؛ بحيث لم يصدق أ نّ-ه يتغذّى بالع-ذرة ، بل صدق أنّ غ-ذاءه غيرها .

(مسألة 20) : كيفية الاستبراء : أن يمنع الحيوان - بربط أو حبس - عن التغذّي بالعذرة في المدّة المقرّرة ، ويعلف في تلك المدّة علفاً طاهراً على الأحوط ؛ وإن كان الاكتفاء بغير ما أوجب الجلل مطلقاً - وإن كان متنجّساً أو نجساً - لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في المتنجّس .

(مسألة 21) : يستحبّ ربط ال-دجاج-ة التي ي-راد أكلها أيّام-اً ثمّ ذبحه-ا وإن لم يعلم جللها .

(مسألة 22) : ممّ-ا يوجب حرم-ة الحي-وان المحلّل بالأص-ل ، أن يط-أه الإنسان قب-لاً أو دب-راً وإن لم ينزل ؛ صغي-راً ك-ان الواطئ أو كبيراً ، عالماً ك-ان أو جاهلاً ، مختاراً كان أو مكرهاً ، فحلاً كان الموطوء أو اُنثى ، فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله المتجدّد بعد الوط ء ؛ على الأقوى في نسل الاُنثى ، وعلى الأحوط في نسل الذكر ، وكذا لبنهما وصوفهما وشعرهما ، والظاهر أنّ الحك-م مختصّ بالبهيم-ة ، ولا يج-ري في وط ء سائ-ر الحيوانات ؛ لا فيها ولا في نسلها .

(مسألة 23) : الحيوان الموطوء إن كان ممّا يراد أكله كالشاة والبقرة والناقة ، يجب أن يذبح ثمّ يحرق ، ويغرم الواطئ قيمته لمالكه إن كان غير المالك ، وإن كان ممّا يراد ظهره - حملاً أو ركوباً - وليس يعتاد أكله كالحمار والبغل والفرس ،

ص: 171

اُخرج من المحلّ الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه ، فيعطى ثمنه للواطئ ، ويغرم قيمته إن كان غير المالك .

(مسألة 24) : ممّا يوجب عروض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل ، أن يرضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة ؛ حتّى قوي ونبت لحمه واشتدّ عظمه ، فيحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما . ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة ، وفي تعميم الحكم للشرب من دون رضاع ، وللرضاع بعد ما كبر وفطم ، إشكال وإن كان أحوط . وإن لم يشتدّ كره لحمه . وتزول الكراهة بالاستبراء سبعة أيّام ؛ بأن يُمنع عن التغذّي بلبن الخنزيرة ويعلف إن استغنى عن اللبن ، وإن لم يستغن عنه يلقى على ضرع شاة - مثلاً - في تلك المدّة .

(مسألة 25) : لو شرب الحيوان المحلّل الخمر حتّى سكر وذبح في تلك الحالة يؤكل لحمه ، لكن بعد غسله على الأحوط ، ولا يؤكل ما في جوفه ؛ من الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وإن غسل . ولو شرب بولاً ثمّ ذبح عقيب الشرب حلّ لحمه بلا غسل ، ويؤكل ما في جوفه بعد ما يغسل .

(مسألة 26) : لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتّى فطم وكبر ، لم يحرم لحمه ، لكنّه مكروه .

(مسألة 27) : يحرم من الحيوان المحلّل أربعة عشر شيئاً : الدم والروث والطحال والقضيب والفرج ظاهره وباطنه ، والاُنثيان والمثانة والمرارة ، والنخاع ، وهو خيط أبيض كالمخّ في وسط قفار الظهر ، والغدد ، وهي كلّ عقدة في الجسد مدوّرة يشبه البندق في الأغلب ، والمشيمة ، وهي موضع الولد ، ويجب الاحتياط عن قرينه الذي يخرج معه ، والعلباوان ، وهما عصبتان عريضتان صفراوان

ص: 172

ممتدّتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب ، وخرزة الدماغ ، وهي حبّة في وسط الدماغ بقدر الحمّصة ، تميل إلى الغبرة في الجملة ، يخالف لونها لون المخّ الذي في الجمجمة ، والحدقة ، وهي الحبّة الناظرة من العين ، لا جسم العين كلّه .

(مسألة 28) : تختصّ حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة ، فلا يحرم من السمك والجراد شيء منها ، ما عدا الرجيع والدم على إشكال فيهما .

(مسألة 29) : لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن كلّ ما وجد من المذكورات في الطيور ، كما لا إشكال في حرمة الرجيع والدم منها .

(مسألة 30) : يؤكل من الذبيحة غير ما مرّ ، فيؤكل القلب والكبد والكرش والأمعاء والغضروف والعضلات وغيرها . نعم ، يكره الكليتان واُذنا القلب والعروق ، خصوصاً الأوداج . وهل يؤكل منها الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا ؟ أظهرهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني . نعم ، لا إشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من الطيور ، وكذا في عظم صغار الطيور كالعصفور .

(مسألة 31) : يجوز أكل لحم ما حلّ أكله نيّاً ومطبوخاً ، بل ومحروقاً إذا لم يكن مضرّاً . نعم ، يكره أكله غريضاً ؛ أي كونه طريّاً لم يتغيّر بالشمس ولا النار ، ولا بذرّ الملح عليه وتجفيفه في الظلّ وجعله قديداً .

(مسألة 32) : اختلفوا في حلّية بول ما يؤكل لحمه - كالغنم والبقر عند عدم الضرورة - وعدمها ، والأوّل هو الأقوى . كما لا إشكال في حلّية بول الإبل للاستشفاء .

(مسألة 33) : يحرم رجيع كلّ حيوان ولو كان ممّا حلّ أكله . نعم ، الظاهر عدم

ص: 173

حرمة فضلات الديدان الملتصقة بأجواف الفواكه والبطائخ ونحوها ، وكذا ما في جوف السمك والجراد إذا اُكل معهما .

(مسألة 34) : يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتّى العلقة ، عدا ما يتخلّف في الذبيحة ؛ على إشكال فيما يجتمع منه في القلب والكبد . وأمّا الدم من غير ذي النفس ، فما كان ممّا حرم أكله كالوزغ والضفدع ، فلا إشكال في حرمته ، وما كان ممّا حلّ أكله كالسمك الحلال ففيه خلاف ، والظاهر حلّيته إذا اُكل مع السمك ؛ بأن اُكل السمك بدمه ، وأمّا إذا اُكل منفرداً ففيه إشكال ، والأحوط الاجتناب من الدم في البيضة وإن كان طاهراً .

(مسألة 35) : قد مرّ - في كتاب الطهارة - طهارة ما لا تحلّه الحياة من الميتة ؛ حتّى اللبن ، والبيضة إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب ، والإنفحة ، وهي كما أ نّها طاهرة حلال أيضاً .

(مسألة 36) : لا إشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة من كلّ حيوان . وأمّا البُصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حلّيتهما ، خصوصاً الأوّل ، وخصوصاً إذا كان من الإنسان أو ممّا يؤكل لحمه من الحيوان .

القول : في غير الحيوان

(مسألة 1) : يحرم تناول الأعيان النجسة ، وكذا المتنجّسة ما دامت باقية على النجاسة ؛ مائعة كانت أو جامدة .

(مسألة 2) : يحرم تناول كلّ ما يضرّ بالبدن ؛ سواء كان موجباً للهلاك ، كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين ، أو سبباً

ص: 174

لانحراف المزاج ، أو لتعطيل بعض الحواسّ الظاهرة أو الباطنة ، أو لفقد بعض القوى ، كالرجل يشرب ما يقطع به قوّة الباه والتناسل ، أو المرأة تشرب ما به تصير عقيماً لا تلد .

(مسألة 3) : لا فرق في حرمة تناول المضرّ على الأقوى فيما يوجب التهلكة ، وعلى الأحوط في غيره ، بين معلوم الضرر ومظنونه ، بل ومحتمله أيضاً إذا كان احتماله معتدّاً به عند العقلاء ؛ بحيث أوجب الخوف عندهم . وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتّب عليه عاجلاً أو بعد مدّة .

(مسألة 4) : يج-وز التداوي والمعالج-ة بما يحتمل في-ه الخطر ويؤدّي إلي-ه أحياناً ؛ إذا كان النفع المترتّب عليه - حسب ما ساعدت عليه التجربة ، وحكم به الح-ذّاق وأه-ل الخبرة - غالبياً ، بل يج-وز المعالج-ة بالمضرّ العاج-ل الفعلي المقطوع به ؛ إذا يدفع به ما هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً . ومن هذا القبيل قطع بعض الأعضاء دفع-اً للسراي-ة المؤدّي-ة إلى الهلاك وبطّ الج-رح ، والكيّ بالنار ، وبعض العمليات المعمولة في هذه الأعصار ؛ بشرط أن يكون الإقدام على ذلك ج-ارياً مجرى العقلاء ؛ ب-أن يك-ون المباش-ر للعمل حاذق-اً محتاط-اً مبالياً غي-ر مسامح ولا متهوّر .

(مسألة 5) : ما كان يضرّ كثيره دون قليله يحرم كثيره المضرّ ، دون قليله غير المضرّ ، ولو فرض العكس كان بالعكس ، وكذا ما يضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غيره يحرم منفرداً ، وما كان بالعكس كان بالعكس .

(مسألة 6) : ما لا يضرّ تناوله مرّة أو مرّتين - مثلاً - لكن يضرّ إدمانه وزيادة تكريره والتعوّد به يحرم تكريره المضرّ خاصّة .

ص: 175

(مسألة 7) : يحرم أكل الطين ، وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته ، وكذا المدر ، وهو الطين اليابس ، ويلحق بهما التراب على الأحوط وإن كان عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة إلاّ مع إضراره . ولا بأس بما يختلط به الحنطة أو الشعير - مثلاً - من التراب والمدر وصارا دقيقاً واستهلك فيه ، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار . وكذا الطين الممتزج بالماء - المتوحّل - الباقي على إطلاقه . نعم ، لو أحسّ ذائقته الأجزاء الطينية حين الشرب فالأحوط الاجتناب إلى أن يصفو ؛ وإن كان الأقرب جواز شربه مع الاستهلاك .

(مسألة 8) : الظاهر أ نّه لا يلحق بالطين الرمل والأحجار وأنواع المعادن ، فهي حلال كلّها مع عدم الضرر .

(مسألة 9) : يُستثنى من الطين طين قبر سيّدنا أبي عبداللّه الحسين علیه السلام للاستشفاء ، ولا يجوز أكله لغيره . ولا أكل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة ، ولا يلحق به طين غير قبره ؛ حتّى قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام على الأقوى . نعم ، لا بأس بأن يُمزج بماء أو شربة ويستهلك فيه ، والتبرّك والاستشفاء بذلك الماء وتلك الشربة .

(مسألة 10) : ذكر لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية ، لكن الظاهر أ نّها شروط كمال لسرعة الإجابة ، لا شرط لجواز تناولها .

(مسألة 11) : القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يلحق به عرفاً ، والأحوط الاقتصار عليه ، وأحوط منه استعمال الترب التي في هذه الأعصار ممزوجاً بالماء أو غيره على نحو الاستهلاك ، بل لا يترك هذا الاحتياط إذا كان المأخوذ طيناً أو مدراً . نعم ، بناءً على ما قدّمناه م-ن ع-دم حرم-ة التراب

ص: 176

مطلقاً لا بأس بأخذه للاستشفاء من الحائر وغيره إلى رأس ميل ، بل أزيد ممّا اشتملت عليه الأخبار بقصد الرجاء ، ولا يحرم تناوله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

(مسألة 12) : تناول التربة المقدّسة للاستشفاء : إمّا بازدرادها وابتلاعها ، وإمّا بحلّها في الماء وشربه ، أو بأن يمزجها بشربة ويشربها بقصد الشفاء .

(مسألة 13) : لو أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدّسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البيّنة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة . وفي كفاية قول ذي اليد إشكال . والأحوط في غير صورة العلم وقيام البيّنة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة بعد استهلاكها .

(مسألة 14) : لا يبعد جواز تناول طين الأرمني للتداوي ، ولكن الأحوط ع-دم تناوله إلاّ عند انحصار العلاج ، أو ممزوجاً بماء ونحوه بحيث لا يصدق معه أكل الطين .

(مسألة 15) : يحرم الخمر بالضرورة من الدين ؛ بحيث يكون مستحلّها في زمرة الكافرين مع الالتفات إلى لازمه ؛ أي تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم - والعياذ باللّه - وقد ورد في الأخبار التشديد العظيم في تركها ، والتوعيد الشديد في ارتكابها : وعن الصادق علیه السلام : «أنّ الخمر اُمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبّه فلا يعرف ربّه ، ولا يترك معصية إلاّ ركبها ، ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها ، ولا رحماً ماسّة إلاّ قطعها ، ولا فاحشة إلاّ أتاها» ، وقد ورد : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملعن فيها عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها» . بل نصّ في بعض

ص: 177

الأخبار أ نّه أكبر الكبائر ، وفي أخبار كثيرة أنّ «مدمن الخمر كعابد وثن» ، وقد فسّر المدمن في بعض الأخبار بأ نّه ليس الذي يشربها كلّ يوم ، ولكنّه الموطّن نفسه أ نّه إذا وجدها شربها . هذا ، مع كثرة المضارّ في شربها التي اكتشفها حذّاق الأطبّاء في هذه الأزمنة ، وأذعن بها المنصفون من غير ملّتنا .

(مسألة 16) : يلحق بالخمر - موضوعاً أو حكماً - كلّ مسكر ؛ جامداً كان أو مائعاً ، وم-ا أسكر كثيره دون قليل-ه ح-رم قليل-ه وكثيره ، ولو فرض ع-دم إسكارها في بعض الطب-اع أو بعض الأصق-اع أو م-ع العادة ، لا يوجب ذلك ع-دم حرمتها .

(مسألة 17) : لو انقلبت الخمر خلاًّ حلّت ؛ سواء كان بنفسها أو بعلاج ؛ بدون مزج شيء بها أو معه ؛ سواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلاًّ ، كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخلّ فاستهلكا فيها ثمّ انقلبت خلاًّ ، أو لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب ، لكن بشرط أن يكون الخلط للعلاج وبمقدار متعارف ، وأمّا مع الزيادة عنه فمحلّ إشكال ، بل مع الغلبة فالأقوى حرمتها ونجاستها . ويطهر الممتزج المتعارف الباقي بالتبعية ، كما يطهر بها الإناء .

(مسألة 18) : ومن المحرّمات المائعة الفقّاع إذا صار فيه نشيش وغليان وإن لم يسكر ، وهو شراب معروف كان في الصدر الأوّل يتّخذ من الشعير في الأغلب ، وليس منه ماء الشعير المعمول بين الأطبّاء .

(مسألة 19) : يحرم عصير العنب إذا نشّ وغلى بنفسه أو غلى بالنار . وأمّا العصير الزبيبي والتمري فيحلاّن إن غليا بالنار ، وكذا إن غليا بنفسهما إلاّ إذا ثبت إسكارهما ، والظاهر أنّ الغليان بالشمس كالغليان بالنار ، فله حكمه .

ص: 178

(مسألة 20) : الظاهر أنّ الماء الذي في جوف حبّة العنب بحكم عصيره ، فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار . نعم ، لا يحكم بحرمته ما لم يحرز غليانه ، فلو وقعت حبّة من العنب في قدر يغلي ، وهي تعلو وتسفل في الماء المغليّ ، فلا تحرم ما لم يعلم بغليانه ، ومجرّد ما ذكر لا يوجب غليان جوفها .

(مسألة 21) : من المعلوم أنّ الزبيب ليس له عصير في نفسه ، فالمراد بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة ؛ إمّا بأن يدقّ ويخلط بالماء ، وإمّا بأن ينقع في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته ؛ بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير العنب ، وإمّا بأن يمرس ويعصر بعد النقع فيستخرج عصارته . وأمّا إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء ، فالظاهر أنّ ما فيه ليس من عصيره ، فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغليّ ، فلا إشكال فيما وضع في طبيخ أو كبّة أو محشيّ ونحوها ؛ وإن ورد فيه ماء وغلى ، فضلاً عمّا إذا شكّ فيه .

(مسألة 22) : الظاهر أنّ ما غلى بنفسه من أقسام العصير الذي قلنا بحرمت-ه ، لا تزول حرمته إلاّ بالتخليل كالخمر ؛ حيث إنّها لا تحلّ إلاّ بانقلابها خلاًّ ، ولا أثر فيه لذهاب الثلثين . وأمّا ما غلى بالنار ونحوها فتزول حرمته بذهاب ثلثيه ، والأح-وط أن يكون ذلك بالنار أو بما يغلي-ه ، لا بالهواء وطول المكث . نعم ، لا يلزم أن يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه ، بل يكفي ذلك إذا كان مستنداً إلى النار ولو بضميمة م-ا ينقص منه بعد غليان-ه قبل أن يبرد ، فلو ك-ان العصير في القدر على النار وقد غلى حتّى ذهب نصفه - ثلاثة أسداسه - ثمّ وُضع القدر على الأرض ، فنقص منه قبل أن يبرد - بسبب صعود البخار - سدس آخر ، كفى في الحلّية .

ص: 179

(مسألة 23) : إذا صار العصير المغليّ دبساً قبل أن يذهب ثلثاه ، لا يكفي في حلّيته على الأحوط .

(مسألة 24) : إذا اختلط العصير بالماء ثمّ غلى فذهب ثلثا المجموع ، ففي الحلّية إشكال إلاّ إذا علم بذهاب ثلثي العصير .

(مسألة 25) : لو صبّ على العصير المغليّ - قبل أن يذهب ثلثاه - مقدار من العصير غير المغليّ ، وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأوّل مع ما صبّ ثانياً ، ولا يحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً . فإذا كان في القدر تسعة أرطال من العصير ، فغلى حتّى ذهب منه ثلاثة وبقي ستّة ، ثمّ صُبّ عليه تسعة أرطال اُخر فصار خمسة عشر ، يجب أن يغلي حتّى يذهب عشرة ويبقى خمسة ، ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستّة . لكن أصل هذا العمل خلاف الاحتياط ، فالأحوط أن يطبخ كلّ على حدة وإن كان لما ذكرنا وجه .

(مسألة 26) : لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين ، مثل اليقطين والسفرجل والتفّاح وغيرها ، ويطبخ فيه حتّى يذهب ثلثاه ، فإذا حلّ حلّ ما طُبخ فيه ، لكن إذا كان المطروح ممّا يجذب العصير إلى جوفه ، فلا بدّ في حلّيته من ذهاب ثلثي ما في جوفه أيضاً .

(مسألة 27) : يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم ، بل وبالأخذ منه إذا كان ممّن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه ، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضاً . نعم ، إذا علم أ نّه ممّن يستحلّ العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه ، مثل أن يعتقد أ نّه يكفي في حلّيته صيرورته دبساً ، أو اعتقد أنّ ذهاب الثلثين لا يلزم أن يكون بالنار ، بل يكفي بالهواء وطول المكث أيضاً ، ففي

ص: 180

جواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث خلاف وإشكال . وأولى بالإشكال جواز الأخذ منه والبناء على أ نّه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحّص عن حاله ، فالأحوط الاجتناب عنه وعدم الاعتماد بقوله ، وعدم البناء على تثليث ما اُخذ منه ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 28) : يحرم تناول مال الغير وإن كان كافراً محترم المال بدون إذنه ورضاه ، ولا بدّ من إحراز ذلك بعلم ونحوه ، وقد ورد : «من أكل من طعام لم يدع إليه فكأ نّما أكل قطعة من النار» .

(مسألة 29) : يجوز أن يأكل الإنسان ولو مع عدم الضرورة من بيوت الآباء والاُمّهات والأولاد والإخوان والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات والأصدقاء ، وكذا الزوجة من بيت زوجها ، وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد مفوّضاً إليه اُموره وحفظه بما فيه أن يأكل م-ن بيت موكّل-ه . وإنّما يج-وز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت ، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز الرضا والإذن من صاحبها ، فيجوز مع الشكّ بل مع الظ-نّ بالع-دم أيضاً على الأق-وى ، لك-ن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً مع غلبته . والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه ونحوها ، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالباً لمواق-ع الحاج-ة وللأضياف ذوي الشرف والع-زّة . والظاه-ر التعدي-ة إلى غير المأك-ول ؛ م-ن المشروبات العادي-ة كاللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها ، ولا يتعدّى إلى بيوت غيرهم ، ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم ، كما أ نّه يقتصر على ما في البيت من المأكول ، فلا يتعدّى إلى ما يُشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت .

ص: 181

(مسألة 30) : تباح جميع المحرّمات المزبورة حال الضرورة ؛ إمّ-ا لتوقّف حفظ نفسه وسدّ رَمَقه على تناوله ، أو لعروض المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة بتركه ، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدّي إلى المرض الذي لا يتحمّل عادة ، أو إلى التلف ، أو المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب . ومنها ما إذا أدّى تركه إلى الجوع والعطش اللذين لا يُتحمّلان عادة . ومنها م-ا إذا خيف بترك-ه على نفس اُخ-رى محترم-ة ، كالحامل تخاف على جنينها ، والمرضعة على طفلها . بل ومنها خوف طول المرض الذي لا يتحمّل عادة أو عسر علاجه بترك التناول . والمدار في الكلّ هو الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ بالترتّب ، بل الاحتمال الذي يكون له منشأ عقلائي لا مج-رّد الوهم والاحتمال .

(مسألة 31) : ومن الضرورات المبيحة للمحرّمات : الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه ، أو نفس محترمة ، أو على عرضه ، أو عرض محترم ، أو مال محترم منه معتدّ به ممّا يكون تحمّله حرجياً ، أو من غيره كذلك .

(مسألة 32) : في كلّ مورد يتوقّف حفظ النفس على ارتكاب محرّم يجب الارتكاب ، فلا يجوز التنزّه والحال هذه ، ولا فرق بين الخمر والطين وبين سائر المحرّمات ، فإذا أصابه عطش حتّى خاف على نفسه جاز شرب الخمر بل وجب . وكذا إذا اضطرّ إلى غيرها من المحرّمات .

(مسألة 33) : لو اضطرّ إلى محرّم فليقتصر على مقدار الضرورة ، ولا يجوز له الزيادة ، فإذا اقتضت الضرورة أن يشرب الخمر أو يأكل الميتة ؛ لدفع الخوف على نفسه فليقتصر على ذلك ، ولا يجوز له الزيادة .

ص: 182

(مسألة 34) : يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكلّ محرّم إذا انحصر به الع-لاج ؛ ولو بحكم الح-ذّاق م-ن الأطبّاء الثقات . والم-دار ه-و انحصاره بحسب تشخيصهم ممّا بين أيدي الناس ممّا يعالج به ، لا الواقع الذي لا يحيط به إدراك البشر .

(مسألة 35) : المشهور - على ما حكي - عدم جواز التداوي بالخمر بل بكلّ مُسكر حتّى مع الانحصار . لكن الجواز لا يخلو من قوّة بشرط العلم بكون المرض قابلاً للعلاج ، والعلم بأنّ تركه يؤدّي إلى الهلاك أو إلى ما يُدانيه ، والعلم بانحصار العلاج به بالمعنى الذي ذكرناه . ولا يخفى شدّة أمر الخمر ، فلا يبادر إلى تناولها والمعالجة بها ، إلاّ إذا رأى من نفسه الهلاك أو نحوه لو ترك التداوي بها ؛ ولو بسبب توافق جماعة من الحذّاق واُولي الديانة والدراية من الأطبّاء ، وإلاّ فليصطبر على المشقّة ، فلعلّ الباري - تعالى شأنه - يعافيه لمّا رأى منه التحفّظ على دينه ، أو يعطيه الثواب الجزيل على صبره .

(مسألة 36) : لو اضطرّ إلى أكل طعام الغير لسدّ رمقه وكان المالك حاضراً ، فإن كان هو أيضاً مضطرّاً لم يجب عليه بذله ، وهل لا يجوز له ذلك ؟ فيه تأمّل ، ولا يجوز للمضطرّ قهره . وإن لم يكن مضطرّاً يجب عليه بذله للمضطرّ ، وإن امتنع عن البذل ، جاز له قهره بل مقاتلته والأخذ منه قهراً . ولا يتعيّن على المالك بذله مجّاناً ، فله أن لا يبذله إلاّ بالعوض ، وليس للمضطرّ قهره بدونه . فإن اختار البذل بالعوض ، فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله إن كان قيمياً ، أو مثله إن كان مثلياً ، وإن قدّره لم يتعيّن عليه تقديره بثمن المثل أو أقلّ ، بل له أن يقدّره بأزيد منه ما لم ينته إلى الحرج ، وإلاّ فليس له . فبعد التقدير إن كان المضطرّ قادراً على دفعه يجب عليه الدفع إن طالبه به ، وإن كان عاجزاً يكون في

ص: 183

ذمّته . هذا إذا كان المالك حاضراً . ولو كان غائباً فله الأكل منه بقدر سدّ رمقه ، وتقدير الثمن وجعله في ذمّته ، ولا يكون أقلّ من ثمن المثل . والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد ، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين .

(مسألة 37) : يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شيء من الخمر بل وغيرها من المسكرات ، وكذا الفقّاع . ثمّ إنّ للأكل والشرب آداباً مندوبة ومكروهة مذكورة في المفصّلات ، فليراجع إليها .

ص: 184

كتاب الغصب

وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدواناً . وقد تطابق العقل والنقل - كتاباً وسنّةً وإجماعاً - على حُرمته ، وهو من أفحش الظلم الذي قد استقلّ العقل بقُبحه .

وفي النبوي : «من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة» ، وفي نبوي آخر : «من خان جاره شبراً من الأرض ، جعله اللّه طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة ؛ حتّى يلقى اللّه يوم القيامة مطوّقاً ، إلاّ أن يتوب ويرجع» ، وفي آخر : «من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر» ، ومن كلام أمير المؤمنين علیه السلام : «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها» .

(مسألة 1) : المغصوب : إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين ، وإمّا عين بلا منفعة ، وإمّا منفعة مجرّدة ، وإمّا حقّ مالي متعلّق بعين . فالأوّل : كغصب الدار من مالكها ، وكغصب العين المستأجرة من المؤجر والمستأجر . والثاني : كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدّة الإجارة . والثالث : كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة ، وانتزعها من يد المستأجر ، واستولى على

ص: 185

منفعتها مدّة الإجارة . والرابع : كما إذا استولى على أرض محجّرة ، أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حقّ الرهانة ، ومن ذلك غصب المساجد والمدارس والرباطات والقناطر والطرق والشوارع العامّة ، وكذا غصب المكان الذي سبق إليه أحد من المساجد والمشاهد ؛ على احتمال موافق للاحتياط .

(مسألة 2) : المغصوب منه قد يكون شخصاً ، كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق لهم ، وقد يكون النوع أو الجهة ، كغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل ، والمدرسة المعدّة لسكنى الطلبة إذا غصب أصل المدرسة ومنع عن سكنى الطلبة ، وكغصب الخمس والزكاة قبل دفعهما إلى المستحقّ ، وكغصب ما يتعلّق بالمشاهد والمساجد ونحوهما .

(مسألة 3) : للغصب حكمان تكليفيان : وهما الحرمة ووجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه ، وحكم وضعي ، وهو الضمان ؛ بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب ، وكون تلفه وخسارته عليه ، وأ نّه إذا تلف يجب عليه دفع بدله ، ويقال لهذا الضمان : ضمان اليد .

(مسألة 4) : يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب ، فالغاصب آثم فيها ويجب علي-ه الردّ . وأمّا الحكم الوضعي - وه-و الضمان - فيختصّ بما إذا كان المغصوب م-ن الأموال ؛ عيناً كان أو منفعة ، فليس في غصب الحقوق ضمان اليد .

(مسألة 5) : لو استولى على حُرّ فحبسه لم يتحقّق الغصب ؛ لا بالنسبة إلى عينه ، ولا بالنسبة إلى منفعته ، وإن أثم بذلك وظلمه ؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً ،

ص: 186

فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب ، فلو أصابه حرق أو غرق ، أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه ، لم يضمن ، وكذا لا يضمن منافعه ، كما إذا كان صانعاً ولم يشتغل بصنعته في تلك المدّة فلا يضمن اُجرته . نعم ، لو استوفى منه منفعة - كما إذا استخدمه - لزمه اُجرته ، وكذا لو تلف بتسبيب منه ، مثل ما إذا حبسه في دار فيها حيّة فلدغته ، أو في محلّ السباع فافترسته ، ضمنه من جهة سببيته للتلف ، لا لأجل الغصب واليد .

(مسألة 6) : لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة ، أو من القعود على فراشه ، أو عن الدخول في داره ، أو عن بيع متاعه ، لم يكن غاصباً وإن كان عاصياً وظالماً له من جهة منعه ، فلو هلكت الدابّة ، وتلف الفراش ، أو انهدمت الدار ، أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع ، لم يكن على المانع ضمان اليد . وهل عليه ضمان من جهة اُخرى أم لا ؟ أقواهما العدم في الأخير ، وهو ما إذا نقصت القيمة . وأمّا في غيره فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه ؛ بأن كانت بآفة سماوية وسبب قهري - لا يتفاوت في ترتّبها بين ممنوعية المالك وعدمها - لم يكن عليه ضمان . وأمّا إذا كان مستنداً إليه ، كما إذا كانت الدابّة ضعيفة ، أو في موضع السباع وكان المالك يحفظها ، فلمّا منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك ، ففي الضمان تأمّل ، لكنّه أحوط .

(مسألة 7) : استيلاء الغاصب على المغصوب - وصيرورته تحت يده عرفاً - يختلف باختلاف المغصوبات ، والميزان صيرورة الشيء كذلك عدواناً ، ففي المنقول - غير الحيوان - يتحقّق بأخذه بيده أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره ، وغيرها ممّا يكون محرزاً لأمواله ؛ ولو كان ذلك لا بمباشرته بل بأمره ،

ص: 187

فلو نقل حمّال بأمره كان الآمر غاصباً ، وكفى في الضمان ، بل ولو كان المنقول في بيته أو دكّانه - مثلاً - وطالب المالك ولم يؤدّه إليه ، وكان مستولياً على البيت والدكّان ، يكفي في الضمان ، بل لو استولى على الفراش - مثلاً - ولو بقعوده عليه كفى ، ولا يكفي مجرّد القعود وقصد الاستيلاء ما لم يتحقّق ذلك عرفاً ، وهو مختلف في الموارد . كما أنّ في الحيوان أيضاً هو الميزان ، ويكفي الركوب عليه لو أخذ مقوده وزمامه ، أو سوقه بعد طرد المالك ودفعه ، أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه ويكون منقاداً له ، فلو كانت قطيع غنم في الصحراء ومعها راعيها ، فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها ، وجعل يسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرّق ، فالظاهر كفايته في تحقّق الغصب لصدق الاستيلاء عرفاً . وأمّا غير المنقول فيكفي في غصب الدار ونحوها - كالدكّان والخان - أن يسكنها أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضورها ، وكذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهراً ، وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردّد فيها . وأمّا البستان فكذلك لو كان له باب وحيطان ، وإلاّ فيكفي دخوله والتردّد فيه بعد طرد المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرّفات فيه ، وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة . هذا كلّه في غصب الأعيان . وأمّا غصب المنافع فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة ، وجعلها تحت يده بنحو ما تقدّم ، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من المستأجر واستولى عليها في مدّة الإجارة ؛ سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا .

(مسألة 8) : لو دخل الدار وسكنها مع مالكها ، فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته وإخراجه ، فإن اختصّ استيلاؤه وتصرّفه بطرف معيّن منها ،

ص: 188

اختصّ الغصب والضمان بذلك الطرف دون غيره . وإن كان استيلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته في أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة ؛ وتساوي يد الساكن مع يد المالك عليها ، فالظاهر كونه غاصباً للنصف ، فيكون ضامناً له خاصّة ؛ بمعنى أ نّه لو انهدمت الدار ضمن الساكن نصفها ، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض ، وكذا يضمن نصف منافعها . ولو فُرض أنّ المالك الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة في الفرض ، فإن كانا اثنين ضمن الثلث ، وإن كانوا ثلاثة ضمن الربع وهكذا . ولو كان الساكن ضعيفاً ؛ بمعنى أ نّه لا يقدر على مقاومة المالك ؛ وأ نّه كلّما أراد أن يخرجه من داره أخرجه ، فالظاهر عدم تحقّق الغصب ولا اليد ولا الاستيلاء ، فليس عليه ضمان اليد . نعم ، عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها .

(مسألة 9) : لو أخذ بمقود الدابّة فقادها ، وكان المالك راكباً عليها ، فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها ، كان القائد غاصباً لها بتمامها ، ويتبعه الضمان ، ولو كان بالعكس - بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته ومدافعته - فالظاهر عدم تحقّق الغصب أصلاً ، فلا ضمان عليه لو تلفت الدابّة في تلك الحال . نعم ، لا إشكال في ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها ، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه ، فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع - مثلاً - فتلفت أو عيبت .

(مسألة 10) : لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كلّ منهما للبعض بنسبة الاستيلاء ؛ إن نصفاً فنصف وهكذا ؛ سواء كان كلّ واحد منهما قويّاً قادراً على الاستيلاء على العين ودفع المالك والقهر عليه ، أم لا ؛ بل كان كلّ ضعيفاً بانفراده ؛

ص: 189

وإنّما استيلاؤهما عليها ودفع المالك كان بالتعاضد والتعاون ، وسواء كان المالك حاضراً أو غائباً .

(مسألة 11) : غصب الأوقاف العامّة - كالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر ، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين ، والطرق والشوارع العامّة ونحوها - والاستيلاء عليها وإن كان حراماً ويجب ردّها ، لكن الظاهر أ نّه لا يوجب ضمان اليد ؛ لا عيناً ولا منفعة ، فلو غصب مسجداً أو مدرسة أو رباطاً ، فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه ، لم يضمن عينها ولا منفعتها . نعم ، الأوقاف العامّة على الفقراء أو غيرهم بنحو وقف المنفعة ، يوجب غصبها الضمان عيناً ومنفعة ، فإذا غصب خاناً أو دُكّاناً أو بُستاناً كانت وقفاً على الفقراء -

مثلاً - على أن تكون منفعتها ونماؤها لهم ، ترتّب عليه الضمان كغصب المملوك .

(مسألة 12) : لو حبس حرّاً لم يضمن لا نفسه ولا منافعه ضمان اليد حتّى فيما إذا كان صانعاً ، فليس على الحابس اُجرة صنعته مدّة حبسه . نعم ، لو كان أجيراً لغيره في زمان فحبسه حتّى مضى ضمن منفعته الفائتة للمستأجر ، وكذا لو استخدمه واستوفى منفعته كان عليه اُجرة عمله ، ولو غصب دابّة - مثلاً - ضمن منافعها سواء استوفاها أم لا .

(مسألة 13) : لو منع حرّاً عن عمل له اُجرة من غير تصرّف واستيفاء لم يضمن عمله ، ولم يكن عليه اُجرته .

(مسألة 14) : يلحق بالغصب - في الضمان - المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد ، أو كالمعاوضي مثل المهر ، ويلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة ممّا لا يكون عقداً ، فالمبيع الذي يأخذه المشتري ، والثمن الذي يأخذه البائع في

ص: 190

البيع الفاسد ، يكون ضمانهما كالمغصوب ؛ سواء كانا عالمين بالفساد أو لا ، وكذلك الاُجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة ، وكذا المهر الذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد ، والجعل الذي يأخذه العامل في الجعالة الفاسدة . وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي وأشباهه فليس فيه ضمان ، فلو قبض المتّهب ما وهب ل-ه بالهبة الفاس-دة ليس علي-ه ضمان . ويلحق بالغصب أيضاً المقبوض بالسوم ، والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه ، أو يضع عنده ليطّلع على خصوصياته ؛ لكي يشتريه إذا وافق نظره ، فهو في ضمان آخذه ، فلو تلف عنده ضمنه .

(مسألة 15) : يجب ردّ المغصوب إلى مالكه ما دام باقياً وإن كان في ردّه مؤونة ، بل وإن استلزم ردّه الضرر عليه ؛ حتّى أ نّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناء ، لزم عليه إخراجها وردّها لو أرادها المالك وإن أدّى إلى خراب البناء . وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة ، يجب عليه نزعه وردّه ، إلاّ إذا خيف من قلعه الغرق ، الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب ، وإلاّ ففيه تفصيل . وهكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة ، فإنّ للمالك إلزامه بردّها ، ويجب عليه ذلك وإن أدّى إلى فساد ثوبه . وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها ونزعها ، يجب على الغاصب تداركه ، هذا إذا يبقى للمخرج والمنزوع قيمة بعد ذلك ، وإلاّ فالظاهر أ نّه بحكم التالف فيلزم الغاصب بدفع البدل ، وليس للمالك مطالبة العين .

(مسألة 16) : ل-و م-زج المغصوب بما يمك-ن تميّزه ولك-ن م-ع المشقّ-ة ، كم-ا إذا م-زج الشعير المغصوب بالحنط-ة أو الدخ-ن بال-ذرة يجب علي-ه أن يميّزه ويردّه .

ص: 191

(مسألة 17) : يجب على الغاصب - مع ردّ العين - بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدّة إن كانت لها منفعة ؛ سواء استوفاها ، كالدار سكنها والدابّة ركبها ، أم لا وجعلها معطّلة .

(مسألة 18) : لو كانت للعين منافع متعدّدة وكانت معطّلة فالمدار المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين ، ولا ينظر إلى مجرّد قابليتها لبعض منافع اُخر ، فمنفعة الدار - بحسب المتعارف - هي السكنى وإن كانت قابلة في نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ وغير ذلك ، ومنفعة بعض الدوابّ كالفرس - بحسب المتعارف - الركوب ، ومنفعة بعضها الحمل ؛ وإن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضاً . فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إليها . ولو فرض تعدّد المتعارف منها على نحو التبادل ، كبعض الدوابّ التي تعارف استعمالها في الحمل والركوب معاً ، فإن لم يتفاوت اُجرة تلك المنافع ضمن تلك الاُجرة ، وإن كانت اُجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى ، فلو فرض أنّ اُجرة الحمل في كلّ يوم درهمان واُجرة الركوب درهم ، كان عليه درهمان . والظاهر أنّ الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضاً ، فمع تساوي المنافع في الاُجرة كان عليه اُجرة ما استوفاه ، ومع التفاوت كان عليه اُجرة الأعلى ؛ سواء استوفى الأعلى أو الأدنى .

(مسألة 19) : إن كان المغصوب منه شخصاً ، يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملاً ، وإلى وليّه إن كان قاصراً كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً ، فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان . وإن كان المغصوب منه هو النوع ، كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة ، فإن كان له متولّ خاصّ يردّه إليه ، وإلاّ فيردّه إلى الوليّ العامّ ، وهو الحاكم ، وليس له أن يردّه إلى بعض

ص: 192

أفراد النوع ؛ بأن يسلّمه - في المثال المذكور - إلى أحد الفقراء . نعم ، في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الرباطات إذا غصبها ، يكفي في ردّها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها . بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس ، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردّها رفع اليد عنها ، والتخلية بينها وبين الطلبة ، والأحوط الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان ، وإلاّ فإلى الحاكم . هذا إذا غصبها ولم يكن فيها ساكن ، وإلاّ فلا يبعد وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب ؛ إن لم يعرضوا عن حقّهم .

(مسألة 20) : إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال . وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب ، فإنّه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك . وأمّا إذا كان المالك في غير بلد الغصب فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين : إمّا بتسليمه له في ذلك البلد ، وإمّا بنقله إلى بلد الغصب . وأمّا إن كان في بلد آخر فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب . وهل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك ؟ الظاهر أ نّه ليس له ذلك .

(مسألة 21) : لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه ، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة ، ولا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرّاً وبين ما كان ممّا يسري ويتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة .

(مسألة 22) : لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقية ردّه ، ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين .

ص: 193

(مسألة 23) : لو تلف المغصوب أو ما بحكمه - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم - قبل ردّه إلى المالك ، ضمنه بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن كان قيمياً . وتعي-ين المثلي والقيمي موكول إلى العرف . والظاهر أنّ المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليات أو بحكمها ، كما أنّ الحبوبات والأدهان وعقاقير الأدوية ونحوها مثليات ، وأنواع الحيوان وكذا الجواهر ونحوها قيميات .

(مسألة 24) : إنّما يكون مثل الحنطة مثلياً إذا لوحظ أشخاص كلّ صنف منها على حدة ، ولم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مباين له في كثير من الصفات والخصوصيات ، فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة ، يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر . نعم ، التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه . وكذلك الأرُز ، فإنّ فيه أصنافاً متفاوتة جدّاً ، فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره ؟! فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره . وكذلك الحال في التمر وأصنافه والأدهان وغير ذلك ممّا لا يُحصى .

(مسألة 25) : لو تعذّر المثل في المثلي ضمن قيمته ، وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة ؛ بأن كان له حين الغصب قيمة ، وفي وقت تلف العين قيمة ، ويوم التعذّر قيمة ، واليوم الذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمة ، فالمدار هو الأخير ، فيجب عليه دفع تلك القيمة ، فلو غصب منّاً من الحنطة كان قيمتها درهمين ، فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دراهم ، ثمّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دراهم ، ثمّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة م-ن جه-ة تفريغ ذمّته وكانت قيم-ة الحنط-ة في ذلك الزمان خمس-ة دراهم ، يجب دفع هذه القيمة .

ص: 194

(مسألة 26) : يكفي في التعذّر ال-ذي يجب مع-ه دفع القيم-ة فقدان-ه في البلد وما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة .

(مسألة 27) : لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل ، وجب عليه الشراء ودفعه إلى المالك ما لم يؤدّ إلى الحرج .

(مسألة 28) : لو وجد المثل ولكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلاّ إعطاؤه ، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت ، فلو غصب منّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم ، وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دراهم ، لم يكن عليه إلاّ إعطاء منّ من الحنطة ، ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة ، بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلاً ؛ وإبقاؤها في ذمّة الغاصب إلى أن ت-ترقّى القيمة ؛ إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً .

(مسألة 29) : لو سقط المثل ع-ن المالية بالمرّة م-ن جه-ة الزمان أو المكان ، فالظاهر أ نّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل ، ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك ، فلو غصب ثلجاً في الصيف وأتلفه ، وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء ، أو قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشطّ ، ليس له ذلك ، وللمالك الامتناع ، فله أن يصبر وينتظر زماناً أو مكاناً آخر فيطالبها بالمثل الذي له القيمة ، وله أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلاً كما في صورة تعذّر المثل ، وحينئذٍ فهل يراعي قيمته في زمان الغصب ومكانه ؟ المسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالتصالح .

(مسألة 30) : لو تلف المغصوب وكان قيمياً كالدوابّ والثياب ضمن قيمته ،

ص: 195

فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه ، فلا إشكال ، وإن تفاوتت - بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس - فهل يراعى الأوّل أو الثاني ؟ فيه قولان مشهوران ، وهنا وجه آخر ، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع . والأحوط التراضي فيما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع . هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس . وأمّا إن كان من جهة زيادة ونقصان في العين ، كالسمن والهزال ، فلا إشكال في أ نّه يراعى أعلى القيم وأحسن الأحوال ، بل لو فرض أ نّه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف من هذه الجهة ، لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمّ زال ، ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال ، مثل ما لو كان الحيوان هازلاً حين الغصب ، ثمّ سمن ، ثمّ عاد إلى الهزال وتلف ، فإنّه يضمن قيمته حال سمنه .

(مسألة 31) : لو اختلف القيمة باختلاف المكان - كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة ، وفي بلد التلف بعشرين ، وفي بلد الأداء بثلاثين - فلا يترك الاحتياط المتقدّم في المسألة السابقة .

(مسألة 32) : كما أ نّه عند تلف المغصوب ، يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلاً أو قيمةً ، كذلك فيما إذا تعذّر على الغاصب عادة تسليمه ، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه ، أو أبق العبد أو شردت الدابّة ونحو ذلك ، فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك ، ويسمّى ذلك البدل بدل الحيلولة ، ويملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه ، وإذا أمكن تسليم المغصوب وردّه يسترجع البدل .

(مسألة 33) : لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه . نعم ، نماؤه المتّصل كالسمن يتبع العين ، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها

ص: 196

بنمائها . وأمّا المبدل فلمّا كان باقياً على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له ، لكن الغاصب لا يضمن منافعه الغير المستوفاة في تلك المدّة على الأقوى .

(مسألة 34) : القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات عند تعذّر المثل ، هو نقد البلد ؛ من الذهب والفضّة المضروبين بسكّة المعاملة وغيرهما ممّا هو نقد البلد كالأوراق النقدية ، وهذا هو الذي يستحقّه المغصوب منه ، كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات ، فليس للضامن دفع غيره إلاّ بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى نقد البلد .

(مسألة 35) : الظاهر أنّ الفلزّات والمعادن المنطبعة - كالحديد والرصاص والنحاس - كلّها مثلية حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين ، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل ، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليات المتعذّر المثل . نعم ، في خصوص الذهب والفضّة تفصيل : وهو أ نّه إذا قوّم بغير الجنس ، كما إذا قوّم الذهب بالدرهم ، أو قوّم الفضّة بالدينار ، فلا إشكال ، وأمّا إذا قوّم بالجنس ؛ بأن قوّم الفضّة بالدرهم أو قوّم الذهب بالدينار ، فإن تساوى القيمة والمقوّم وزناً - كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقيل ، فقوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل - فلا إشكال أيضاً ، وإن كان بينهما التفاوت - بأن كانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقيل مثلاً ، وقد قوّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل - فيشكل دفعها غرامة عن الفضّة ؛ لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم ، كما أفتى به جماعة ، فالأحوط أن يقوّم بغير الجنس ؛ بأن يقوّم الفضّة بالدينار والذهب بالدرهم ؛ حتّى يسلم من شبهة الربا .

(مسألة 36) : لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت ؛ بأن غصبها

ص: 197

شخص من مالكها ، ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر ، ثمّ غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا ، ثمّ تلفت ضمن الجميع ، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة على كلّ واحد منهم ، وعلى أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً ، حتّى أ نّه لو كانوا عشرة - مثلاً - له أن يرجع على الجميع ، ويأخذ من كلّ منهم عشر ما يستحقّه من البدل ، وله أن يأخذ من واحد منهم النصف ، والباقي من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت . هذا حكم المالك معهم . وأمّا حكم بعضهم مع بعض ، فعلى الغاصب الأخير الذي تلف المال عنده قرار الضمان ؛ بمعنى أ نّه لو رجع عليه المالك وغرّمه لم يرجع هو على غيره بما غرّمه ، بخلاف غيره من الأيادي السابقة ، فإنّ المالك لو رجع على واحد منهم ، فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال عنده ، كما أنّ لكلّ منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير .

(مسألة 37) : لو غصب شيئاً مثلياً فيه صنعة محلّلة - كالحلي من الذهب والفضّة وكالآنية من النحاس وشبهه - فتلف عنده أو أتلفه ، ضمن مادّته بالمثل وصنعته بالقيمة ، فلو غصب قرطاً من ذهب كان وزنه مثقالين ، وقيمة صنعته وصياغته عشرة دراهم ، ضمن مثقالين من ذهب بدل مادّته وعشرة دراهم قيمة صنعته . ويحتمل قريباً صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض عليه الصنعة قيمياً ، فيقوّم القرط - مثلاً - بمادّته وصنعته ، ويعطي قيمته السوقية والأحوط التصالح . وأمّا احتمال كون المصنوع مثلياً مع صنعته فبعيد جدّاً . نعم ، لا يبعد ذلك بل قريب جدّاً في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة ، كالمصنوعات بالمكائن والمعامل المعمولة في هذه الأعصار ؛ من أنواع الظروف والأدوات والأثواب وغيرها ، فتضمن كلّها بالمثل مع مراعاة صنفها .

ص: 198

(مسألة 38) : لو غصب المصنوع وتلفت عنه الهيئة والصنعة فقط دون المادّة ، ردّ العين وعليه قيمة الصنعة ، وليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة ، كما أ نّه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال : إنّي أصنعه كما كان سابقاً .

(مسألة 39) : لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرّمة غير محترمة - كما ف-ي آلات القمار والملاهي ونحوه-ا - لم يضمن الصنع-ة ؛ سواء أتلفها خاصّ-ة أو م-ع ذيها ، فيردّ المادّة ل-و بقيت وعوضها لو تلفت ، وليس علي-ه شيء لأجل الهيئ-ة والصنعة .

(مسألة 40) : إن تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان علي-ه أرش النقصان ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان . نعم ، اختصّ العبيد والإماء ببعض الأحكام وتفاصيل لا يسعها المقام .

(مسألة 41) : لو غصب شيئين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عنها فيما إذا كانا مجتمعين - كمصراعي الباب والخفّين - فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعاً ، وردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده ، فلو غصب خفّين كان قيمتهما مجتمعين عشرة ، وكان قيمة كلّ منهما منفرداً ثلاثة ، فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة ، وردّ الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان ، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفّين ، ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً ، وهي خمسة في الفرض المذكور ، وهل يضمن النقص الوارد على الثاني ، وهو اثنان حتّى تكون عليه سبعة ، أم لا ؟ فيه وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان .

(مسألة 42) : لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة ، فهي على

ص: 199

أقسام ثلاثة : أحدها : أن تكون أثراً محضاً ، كخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضّة ونحو ذلك . ثانيها : أن تكون عينية محضة ، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك . ثالثها : أن تكون أثراً مشوباً بالعينية كصبغ الثوب ونحوه .

(مسألة 43) : لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي ، ولا شيء له لأجل تلك الزيادة ، ولا من جهة اُجرة العمل ، وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك ؛ حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه ، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك وإن لم يرد نقص على العين ، وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الاُولى للعين ؛ إذا كان فيه غرض عقلائي ، ولا يضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة . نعم ، لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان .

(مسألة 44) : لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع أو الغرس ونماؤهما للغاصب ، وعليه اُجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة ، ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرّر بذلك ، وعليه أيضاً طمّ الحفر وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع ، إلاّ أن يرضى المالك بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة ، ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته ، وكذا لو بذل الغاصب اُجرة الأرض أو قيمتها ، لم يجب على صاحب الأرض قبوله . ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك ، وليس له طمّها مع عدم الطلب ، فضلاً عمّا لو منعه . ولو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها ، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له ، وللمالك إلزامه بالقلع ، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر .

ص: 200

(مسألة 45) : لو غرس أو بنى في أرض غصبها ، وكان الغراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض ، كان الكلّ له ، وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الاُجرة ، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك ، وعلى الغاصب أرش نقص الأرض وطمّ حفرها .

(مسألة 46) : لو غصب ثوباً وصبغه بصبغه ، فإن أمكن إزالته مع بقاء مالية له كان له ذلك ، وليس لمالك الثوب منعه ، كما أنّ للمالك إلزامه به . ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب ، ولو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملّكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته ، كالعكس ؛ بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه الثوب . هذا إذا أمكن إزالة الصبغ . وأمّا إذا لم يمكن الإزالة ، أو تراضيا على بقائه ، وكان للصبغ عين متموّلة ، اشتركا في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة ، فلو كانت قيمة الثوب قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ ، كانت بينهما نصفين ، وإن تفاوتت كان التفاوت لصاحب الثوب أو الصبغ . هذا إذا بقيت قيمتهما على ما هما عليها إلى ما بعد الصبغ ، وإلاّ فإن زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة الصبغ لأجله فالزيادة لصاحب الثوب ، ولو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص الثوب ، ولو زادت قيمة الثوب بالصبغ ، وبقيت قيمة الصبغ على ما هو عليه ، كانت الزيادة لصاحب الثوب ، ولو انعكس فالزيادة للغاصب .

(مسألة 47) : لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب ، وكانت للصبغ بعده عين متموّلة ، بقيت كلّ منهما في ملك صاحبه ، وحصلت الشركة - لو بيعا - بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما ، ولا غرامة على الغاصب إن لم يرد نقص عليهما ، وإن ورد ضمنه لمن ورد عليه .

ص: 201

(مسألة 48) : لو مزج الغاصب المغصوب بغيره ، أو امتزج في يده بغير اختياره مزجاً رافعاً للتميّز بينهما ، فإن كان بجنسه وكانا متماثلين - ليس أحدهما أجود من الآخر أو أردأ - تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما ، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة ، بل الذي عليه تسليم المال والإقدام على الإفراز والتقسيم بنسبة المالين ، أو البيع وأخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن كسائر الأم-وال المشترك-ة . وإن خلط المغصوب بما ه-و أج-ود أو أردأ من-ه ، تشاركا أيضاً بنسبة المالين إلاّ أنّ التقسيم وتوزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة ، فلو خلط منّاً

من زيت قيمته خمسة بمنّ منه قيمته عشرة ، كان لكلّ منهما نصف المجموع ، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم ، ويعطى لصاحب الأوّل سهم ولصاحب الثاني سهمان ، وإذا باعاه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً ، والأحوط في مثل ذلك - أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد - البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة ، لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة . هذا إذا مزج المغصوب بجنسه . وأمّا إذا اختلط بغير جنسه فإن كان فيما يعدّ معه تالفاً - كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت - ضمن المثل ، وإن لم يكن كذلك - كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير ، أو خلط الخلّ بالعسل - فالظاهر أ نّه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد ، فيشتركان في العين بنسبة المالين ، ويقسّمان العين ويوزّعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مرّ .

(مسألة 49) : لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ ، وصار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين ، فورد بذلك النقص المالي على المغصوب ضمنه الغاصب ، كما لو غصب منّاً من زيت جيّد قيمته عشرة ، وخلطه

ص: 202

بمنّ منه رديء قيمته خمسة ، وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنّين اثني عشر ، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية ، والحال أنّ زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة ، فورد النقص عليه باثنين ، وهذا النقص يغرمه الغاصب . وإن شئت قلت : يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن ، وما بقي يكون للغاصب .

(مسألة 50) : فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وإن تجدّدت بعد الغصب ، وهي كلّها مضمونة على الغاصب ؛ أعياناً كانت كاللبن والولد والشعر والثمر ، أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابّة ، بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ، ثمّ زالت وتنقّصت بزوالها قيمته ، ضمنها الغاصب وإن ردّ العين كما كانت قبل الغصب ، فلو غصب دابّة هازلة ، ثمّ سمنت فزادت قيمتها بسبب ذلك ، ثمّ هزلت ، ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثمّ زالت . نعم ، لو زادت القيمة لزيادة صفة ، ثمّ زالت تلك الصفة ثمّ عادت الصفة بعينها ، لم يضمن قيمة الزيادة التالفة ؛ لانجبارها بالزيادة العائدة ، كما إذا سمنت الدابّة في يده فزادت قيمتها ثمّ هزلت ثمّ سمنت ، فإنّه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل ، إلاّ إذا نقصت الزيادة الثانية عن الاُولى ؛ بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل درهمين والحاصلة بالثاني درهماً مثلاً ، فيضمن التفاوت .

(مسألة 51) : لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ، ثمّ زالت فنقصت ، ثمّ حصلت فيه صفة اُخرى زادت بها قيمته ، لم يزل ضمان زيادة الاُولى ، ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية ، كما إذا سمنت الدابّة المغصوبة ، ثمّ هزلت فنقصت قيمتها ، ثمّ ارتاضت فزادت قيمتها بقدر زيادة الاُولى أو أزيد ، لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الاُولى .

ص: 203

(مسألة 52) : إذا غصب حبّاً فزرعه ، أو بيضاً فاستفرخه تحت دجاجته - مثلاً - كان الزرع والفرخ للمغصوب منه . وكذا لو غصب خمراً فصارت خلاًّ ، أو غصب عصيراً فصار خمراً عنده ، ثمّ صارت خلاًّ ، فإنّه ملك للمغصوب منه لا الغاصب . وأمّا لو غصب فحلاً فأنزاه عن الاُنثى وأولدها ، كان الولد لصاحب الاُنثى وإن كان هو الغاصب ، وعليه اُجرة الضراب .

(مسألة 53) : جميع ما مرّ من الضمان وكيفيته وأحكامه وتفاصيله ، جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ ؛ وإن لم تكن عادية وغاصبة وظالمة ، إلاّ في موارد الأمانات ؛ مالكية كانت أو شرعية ، كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة ، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة ، وما وضع اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه ، كما إذا لبس مداس غيره أو ثوبه اشتباهاً ، أو أخذ شيئاً من سارق عارية باعتقاد أ نّه ماله ، وغير ذلك ممّا لا يحصى .

(مسألة 54) : كما أنّ اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو المسمّى بضمان اليد ، وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة - كذلك للضمان سببان آخران : الإتلاف والتسبيب . وبعبارة اُخرى : له سبب آخر ، وهو الإتلاف ؛ سواء كان بالمباشرة أو التسبيب .

(مسألة 55) : الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه ، كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله ، أو ضرب على إناء فكسره ، أو رمى شيئاً في النار فأحرقته ، وغير ذلك ممّا لا يحصى . وأمّا الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شيء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شيء ، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان ، أو طرح المعاثر والمزالق ، كقشر البطّيخ والرقّي في المسالك ، أو أوتد

ص: 204

وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان ، أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره ، أو أخرج ميزاباً على الطريق فأضرّ بالمارّة ، أو ألقى صبيّاً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع ، ومن ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت ، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث وغير ذلك ، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً ، ويكون عليه غرامة التالف وبدله ؛ إن كان مثلياً فبالمثل ، وإن كان قيمياً فبالقيمة ، وإن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش ، كما مرّ في ضمان اليد .

(مسألة 56) : لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً ، أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها ، لم يضمن بسبب التسبيب ، إلاّ إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من اُمّه ، وكانت الماشية في محالّ السباع ومظانّ الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعيها ، فعليه الضمان حينئذٍ على الأحوط .

(مسألة 57) : ومن التسبيب الموجب للضمان ما لو فكّ وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه . وأمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أ نّه قلبته الريح الحادثة ، أو انقلب بوقوع طائر عليه - مثلاً - فسال ما فيه ، ففي الضمان تردّد وإشكال . نعم ، يقوى الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة ، أو في مجتمع الطيور ومظانّ وقوعها عليه .

(مسألة 58) : ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق ، أو دلّ سارقاً عليه فسرقه ، فلا ضمان عليه .

(مسألة 59) : لو وقع الحائ-ط على الطريق - مثلاً - فتلف بوقوع-ه مال أو نفس لم يضمن صاحبه ، إلاّ إذا بناه مائلاً إلى الطريق ، أو مال إليه بعد ما كان

ص: 205

مستوياً وقد تمكّن صاحبه من الإزالة ولم يزله ، فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى .

(مسألة 60) : لو وضع شربةً أو كوزاً - مثلاً - على حائطه فسقط وتلف به مال أو نفس ، لم يضمن إلاّ إذا وضعه مائلاً إلى الطريق ، أو وضعه على وجه يسقط مثله .

(مسألة 61) : ومن التسبيب الموجب للضمان أن يشعل ناراً في ملكه وداره ، فتعدّت وأحرقت دار جاره - مثلاً - فيما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم أو يظنّ تعدّيها لعصف الهواء مثلاً ، بل الظاهر كفاية الثاني ، فيضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّي ولو كان بمقدار الحاجة ، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّية فتبيّن خلافه ، كما إذا كانت ريح حين اشتعال النار ، وهو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار فتبيّن خلافه . نعم ، لو كان الهواء ساكناً بحيث يؤمن معه من التعدّي ، فاتّفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها ، يقوى عدم الضمان .

(مسألة 62) : إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به ، ضمن ولو مع اعتقاده عدم التعدّي . نعم ، ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره في صورة اعتقاده عدم التعدّي محلّ إشكال ، والأحوط الضمان . ولو كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين إرسال الماء فدفع بغير فعله ، فلا ضمان عليه .

(مسألة 63) : ل-و تعب حمّال الخشبة فأسندها إل-ى ج-دار الغير ليستريح - بدون إذن صاحب الجدار - فوقع بإسناده إليه ، ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه ، ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه ؛ سواء وقعت في الحال أو بعدُ إذا كان مستنداً إليه .

(مسألة 64) : لو فتح قفصاً عن طائر فخرج ، وكسر بخروجه قارورة شخص

ص: 206

- مثلاً - ضمنها على الأحوط ، وكذا لو كان القفص ضيّقاً - مثلاً - فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر .

(مسألة 65) : إذا أكلت دابّة شخص زرع غيره أو أفسدته ، فإن كان معها صاحبها - راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً - ضمن ما أتلفته ، وإن لم يكن معها ؛ بأن انفلتت من مراحها - مثلاً - فدخلت زرع غيره ، ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلاً . نعم ، ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره محلّ إشكال ، والأحوط الضمان . وليس عليه ضمان إن كان نهاراً .

(مسألة 66) : لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي ، أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر ، فأتلفتا زرعاً أو غيره ، كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير ، لا على المالك والمعير .

(مسألة 67) : لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين ، فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان ، وإلاّ كان الضمان على المتقدّم في التأثير ، فلو حفر شخص بئراً في الطريق ، ووضع شخص آخر حجراً بقربها ، فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر ، كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر ، ويحتمل قويّاً اشتراكهما في الضمان مطلقاً .

(مسألة 68) : لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر ، دون فاعل السبب ، فلو حفر شخص بئراً في الطريق ، فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً ، كان الضمان على الدافع دون الحافر . نعم ، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر ، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله فكسرها ، كان الضمان على الواضع دون النائم .

ص: 207

(مسألة 69) : لو اُكره على إتلاف مال غيره ، كان الضمان على من أكرهه ، وليس عليه ضمان ؛ لكون السبب أقوى من المباشر . هذا إذا لم يكن المال مضموناً في يده ؛ بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده ، أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلاً . وأمّا إذا كان المال مضموناً في يده - كما إذا غصب مالاً فأكرهه شخص على إتلافه - فالظاهر ضمان كليهما ، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء ، فإن رجع على المكرِه - بالكسر - لم يرجع على المكرَه - بالفتح - بخلاف العكس . هذا إذا اُكره على إتلاف المال . وأمّا لو اُكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله ، فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره وإن كان عليه عقوبة ، فإنّه لا إكراه في الدماء .

(مسألة 70) : لو غصب مأكولاً - مثلاً - فأطعمه المالك مع جهله بأ نّه ماله ؛ بأن قال له : «هذا ملكي وطعامي» ، أو قدّمه إليه ضيافة - مثلاً - أو غصب شاة واستدعى من المالك ذبحها ، فذبحها مع جهله بأ نّه شاته ، ضمن الغاصب وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف . نعم ، لو دخل المالك دار الغاصب - مثلاً - ورأى طعاماً فأكله على اعتقاد أ نّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل ، فالظاهر عدم ضمان الغاصب وقد برئ من ضمان الطعام .

(مسألة 71) : لو غصب طعاماً من شخص ، وأطعمه غير المالك على أ نّه ماله مع جهل الآكل بأ نّه مال غيره ، كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة مثلاً ، ضمن كلاهما ، فللمالك أن يغرّم أيّهما شاء ، فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل ، وإن أغرم الآكل رجع على الغاصب لأ نّه قد غرّه .

(مسألة 72) : إذا سعى إلى الظالم على أحد ، أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير

ص: 208

حقّ ، فأخذ الظالم منه مالاً بغير حقّ ، لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره ؛ وإن أثم بسبب سعايته أو شكايت-ه إذا كانت بغير ح-قّ ، وإنّما الضمان على م-ن أخذ المال .

(مسألة 73) : إذا تلف المغصوب ، وتنازع المالك والغاصب في القيمة ، ولم تكن بيّنة ، ففي أنّ القول قول الغاصب أو المالك تردّد ناشئ من التردّد في معنى «على اليد ما أخذت» ، واحتمال أن يكون نفس المأخوذ على عُهدته حتّى بعد التلف ، ويكون أداء المثل أو القيمة نحو أداء له ، فيكون القول قول المالك بيمينه ، واحتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة ، فيكون القول قول الغاصب بيمينه . ولا يخلو هذا من قوّة . ولو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن ؛ بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه ، أو حدوثها بعده وإن زالت فيما بعد ، وأنكره الغاصب ولم يكن بيّنة ، فالقول قول الغاصب بيمينه بلا إشكال .

(مسألة 74) : إن كان على الدابّة المغصوبة رحل أو علّق بها حبل ، واختلفا فيما عليها ، فقال المغصوب منه : «هو لي» ، وقال الغاصب : «هو لي» ، ولم يكن بيّنة ، فالقول قول الغاصب مع يمينه ؛ لكونه ذا يد فعلية عليه .

ص: 209

كتاب إحياء الموات والمشتركات

القول : في إحياء الموات

الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها ؛ إمّا لانقطاع الماء عنها ، أو لاستيلاء المياه أو الرمال أو السبخ أو الأحجار عليها ، أو لاستئجامها والتفاف القصب والأشجار بها أو لغير ذلك ، وهو على قسمين :

الأوّل : الموات بالأصل : وهو ما لا يكون مسبوقاً بالملك والإحياء وإن كان إحراز ذلك - غالباً بل مطلقاً - مشكلاً بل ممنوعاً ، ويلحق به ما لم يعلم مسبوقيته بهما .

الثاني : الموات بالعارض : وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة والعمران ، كالأرض الدارسة التي بها آثار الأنهار ونحوها ، والقرى الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة .

(مسألة 1) : الموات بالأصل وإن كان للإمام علیه السلام ؛ حيث إنّه من الأنفال ، كما مرّ في كتاب الخمس ، لكن يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد إحياؤه مع الشروط الآتية والقيام بعمارته ، ويملكه المحيي على الأقوى ؛ سواء كان في دار الإسلام

ص: 210

أو في دار الكفر ، وسواء كان في أرض الخراج - كأرض العراق - أو في غيرها ، وسواء كان المُحيي مسلماً أو كافراً .

(مسألة 2) : الموات بالعارض الذي كان مسبوقاً بالملك والإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين :

الأوّل : ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأيّام بلا مالك ؛ وذلك كالأراضي الدارسة والقرى والبلاد الخربة والقنوات الطامسة ، التي كانت للاُمم الماضين الذين لم يبق منهم اسم ولا رسم ، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلاّ الاسم .

الثاني : ما لم تكن كذلك ولم تكن بحيث عدّت بلا مالك ، بل كانت لمالك موجود ولم يعرف شخصه ، ويقال لها : مجهولة المالك .

فأمّا القسم الأوّل : فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال ، وأ نّه يجوز إحياؤه ويملكه المحيي ، فيجوز إحياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها آثار الأنهار والسواقي والمروز ، وتنقية القنوات والآبار المطمومة ، وتعمير الخربة من القرى والبلاد القديمة التي بقيت بلا مالك ، ولا يعامل معها معاملة مجهول المالك ، ولا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه ، بل يملكها المحيي والمعمّر بنفس الإحياء والتعمير .

وأمّا القسم الثاني : فالأحوط الاستئذان فيه من الحاكم في الإحياء والقيام بتعميره والتصرّف فيه ، كما أنّ الأحوط معاملة مجهول المالك معه ؛ بأن يتفحّص عن صاحبه ، وبعد اليأس يشتري عينها من حاكم الشرع ، ويصرف ثمنها على الفقراء ، وإمّا أن يستأجرها منه باُجرة معيّنة ، أو يقدّر ما هو اُجرة مثلها لو انتفع بها ، ويتصدّق بها على الفقراء ، والأحوط الاستئذان منه . نعم ، لو علم أنّ مالكها

ص: 211

قد أعرض عنها ، أو انجلى عنها أهلها وتركوها لقوم آخرين ، جاز إحياؤها وتملّكها بلا إشكال .

(مسألة 3) : إن كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم ، فإن أعرض عنه مالكه كان لكلّ أحد إحياؤه وتملّكه ، وإن لم يعرض عنه ، فإن أبقاه مواتاً للانتفاع به في تلك الحال ؛ من جهة تعليف دوابّه أو بيع حشيشه أو قصبه ونحو ذلك - فربما ينتفع منه مواتاً أكثر ممّا ينتفع منه محياة - فلا إشكال في أ نّه لا يجوز لأحد إحياؤه والتصرّف فيه بدون إذن مالكه ، وكذا فيما إذا كان مهتمّاً بإحيائه عازماً عليه ، وإنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهيئة الأسباب المتوقّعة الحصول ، أو لانتظار وقت صالح له . وأمّا لو ترك تعمير الأرض وإصلاحها وأبقاها إلى الخراب ؛ من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمّتها ، وعدم عزمه على إحيائها ؛ إمّا لعدم حاجته إليها ، أو لاشتغاله بتعمير غيرها ، فبقيت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّى آلت إلى الخراب ، فإن كان سبب ملك المالك غير الإحياء - مثل أ نّه ملكها بالإرث أو الشراء - فليس لأحد وضع اليد عليها وإحياؤها والتصرّف فيها إلاّ بإذن مالكها ، ولو أحياها أحد وتصرّف فيها ، وانتفع بها بزرع أو غيره ، فعليه اُجرتها لمالكها ، وإن كان سبب ملكه الإحياء ؛ بأن كانت أرضاً مواتاً بالأصل فأحياها وملكها ، ثمّ بعد ذلك عطّلها وترك تعميرها حتّى آلت إلى الخراب ، فجوّز إحياءها لغيره بعضهم ، وهو في غاية الإشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .

(مسألة 4) : كما يجوز إحياء القُرى الدارسة والبلاد القديمة التي باد أهلها وصارت بلا مالك ؛ بجعلها مزرعاً أو مسكناً أو غيرهما ، كذا يجوز حيازة أجزائها

ص: 212

الباقية من أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها ، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملّك .

(مسألة 5) : لو كانت الأرض موقوفة وطرأ عليها الموتان والخراب ، فإن كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها - وأ نّها خاصّ أو عامّ ، أو وقف على الجهات ، ولم يعلم - من الاستفاضة والشهرة - غير كونها وقفاً على أقوام ماضين لم يبقَ منهم اسم ولا رسم ، أو قبيلة لم يعرف منهم إلاّ الاسم - فالظاهر أ نّها من الأنفال ، فيجوز إحياؤها ، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذا الحال . وإن علم أ نّها وقف على الجهات ولم تتعيّن ؛ بأن علم أ نّها وقف إمّا على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها ، ولم يعلمها بعينها ، أو علم أ نّها وقف على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم وأعيانهم ، كما إذا علم أنّ مالكها قد وقفها على ذرّيته ، ولم يعلم من الواقف ومن الذرّية ، فالظاهر أنّ ذلك بحكم الموات المجهول المالك الذي نسب إلى المشهور القول بأ نّه من الأنفال ، وقد مرّ ما فيه من الإشكال ، بل القول به هنا أشكل ، والأحوط الاستئذان من الحاكم لمن أراد إحياءها وتعميرها والانتفاع بها بزرع أو غيره ، وأن يصرف اُجرة مثلها في الأوّل في وجوه البرّ ، وفي الثاني على الفقراء ، بل الأحوط - خصوصاً في الأوّل - مراجعة حاكم الشرع . وأمّا لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه لو أحياه أحد وعمّره ، وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل ، ودفعها وإيصالها إلى الموقوف عليهم المعلومين في الثاني ؛ وإن كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه وتعميره ومرمّته إلى أن آل إلى الخراب ، لكن ليس لأحد الإحياء والتصرّف فيه مع وجود المتولّي المعلوم إلاّ بإذنه ، أو الاستئذان من

ص: 213

الحاكم مع عدمه في الأوّل ، ومن المتولّي أو الموقوف عليهم إن كان خاصّاً ، أو الحاكم إن كان عامّاً في الثاني .

(مسألة 6) : إذا كان الموات بالأصل حريماً لعامر مملوك ، لا يجوز لغير مالكه إحياؤه ، وإن أحياه لم يملكه . وتوضيح ذلك : أنّ من أحيا مواتاً ؛ لإحداث شيء من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها ، تبع ذلك الشيء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشيء الحادث ؛ ممّا يحتاج إليه لتمام الانتفاع به ويتعلّق بمصالحه عادة ، ويسمّى ذلك المقدار التابع حريماً لذلك المتبوع ، ويختلف مقدار الحريم زيادة ونقيصة باختلاف ذي الحريم ؛ وذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح والمرافق المحتاج إليها ، فما يحتاج إليه الدار من المرافق - بحسب العادة - غير ما يحتاج إليه البئر والنهر مثلاً ، وهكذا باقي الأشياء . بل يختلف ذلك باختلاف البلاد والعادات أيضاً ، فإذا أراد شخص إحياء حوالي ما له الحريم ، لا يجوز له إحياء مقدار الحريم بدون إذن المالك ورضاه ، وإن أحياه لم يملكه وكان غاصباً .

(مسألة 7) : حريم الدار مطرح ترابها وكناستها ورمادها ، ومصبّ مائها ، ومطرح ثلوجها ، ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه الباب ، فلو بنى داراً في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها ، فليس لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار ، وليس المراد من استحقاق الممرّ في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة وعلى امتداد الموات ، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج بنفسه وعياله وأضيافه وما تعلّق به من دوابّه وأحماله وأثقاله بدون مشقّة بأيّ نحو كان ، فيجوز لغيره

ص: 214

إحياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممرّ ؛ ولو بانعطاف وانحراف . وحريم الحائط - لو لم يكن جزءاً من الدار ؛ بأن كان مثلاً جدار حِصار أو بستان أو غير ذلك - مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب والآلات وبلّ الطين لو انتقض واحتاج إلى البناء والترميم . وحريم النهر مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التنقية ، والمجاز على حافّتيه للمواظبة عليه ولإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه . وحريم البئر ما تحتاج إليه لأجل السقي منها والانتفاع بها ؛ من الموضع الذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد ، وموضع الدولاب ومتردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما ، ومصبّ الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض ونحوه ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين وغيره لو اتّفق الاحتياج إليه ، وحريم العين ما تحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها وحفظها على قياس غيرها .

(مسألة 8) : لكلّ من البئر والعين والقناة - أعني بئرها الأخيرة التي هي منبع الماء ، ويقال لها : بئر العين واُمّ الآبار ، وكذا غيرها إذا كان منشأً للماء - حريم آخر بمعنىً آخر ، وهو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئراً أو قناة اُخرى فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما ، بل الأحوط لحاظ الحريم كذلك بين القناتين مطلقاً ؛ وإن كان الجواز في غير ما ذكر أشبه ، وهو في البئر أربعون ذراعاً

إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل ونحوها منها ، وستّون ذراعاً إذا كان لأجل الزرع وغيره . فلو أحدث شخص بئراً في موات من الأرض ، لم يكن لشخص آخر إحداث بئر اُخرى في جنبها بدون إذنه ، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعاً أو ستّين فما زاد على ما فصّل ، وفي العين والقناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة وألف ذراع في الأرض الرخوة ، فإذا استنبط إنسان عيناً

ص: 215

أو قناة في أرض موات صلبة ، وأراد غيره حفر اُخرى ، تباعد عنه بخمسمائة ذراع ، وإن كانت رخوة تباعد بألف ذراع ، ولو فرض أنّ الثانية تضرّ بالاُولى وتنقص ماءها مع البعد المزبور ، فالأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الاُولى .

(مسألة 9) : اعتبار البعد المزبور في القناة إنّما هو في إحداث قناة اُخرى ، كما أشرنا إليه آنفاً . وأمّا إحياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو غيرهما فلا مانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح ، أو الاستقاء ، أو الإصلاح والتنقية ، وغيرها ممّا ذكر في مطلق البئر ، بل لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار وما بينها ؛ إذا اُبقي من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج إليه لمصالحها ، فليس لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع وغيره فوقها إذا لم يضرّ بها .

(مسألة 10) : قد مرّ أنّ التباعد المزبور في القناة ، إنّما يلاحظ بالنسبة إلى البئر التي تكون منبع الماء أو منشأه . وأمّا الآبار الاُخر التي هي مجرى الماء فلا يراعى الفصل المذكور بينها ، فلو أحدث الثاني قناة في أرض صلبة ، وكان منبعها بعيداً عن منبع الاُولى بخمسمائة ذراع ، ثمّ تقارب في الآبار الاُخر التي هي مجرى الماء إلى الآبار الاُخر ، للاُخرى إلى أن صار بينها وبينها عشرة أذرع - مثلاً - لم يكن لصاحب الاُولى منعه . نعم ، لو فرض أنّ قرب تلك الآبار أضرّ بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو من جهة اُخرى ، تباعد بما يندفع به الضرر .

(مسألة 11) : القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه ، ولو

ص: 216

أحياه لم يملكه ، وهو ما يتعلّق بمصالحها ومصالح أهليها ؛ من طرقها المسلوكة منها وإليها ، ومسيل مائها ، ومجمع ترابها وكناستها ، ومطرح سمادها ورمادها ، ومشرعها ومجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عادتهم ، ومدفن موتاهم ، ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وغير ذلك . والمراد بالقرية البيوت والمساكن المجتمعة المسكونة ، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة والمزرعة ذات المزارع والبساتين المتّصلة ، الخالية من البيوت والمساكن والسكنة ، فلو أحدث شخص قناة في فلاة ، وأحيا أرضاً بسيطة بمقدار ما يكفيه ماء القناة ، وزرع فيها وغرس فيها النخيل والأشجار ، لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريماً لها ، فضلاً عن التلال والجبال القريبة منها ، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دوراً ومساكن حتّى صارت قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها . نعم ، لو أحدثها في جنب المزرعة والبساتين في أراضي الموات ، فالظاهر ثبوته لها ، بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعى الماشية لها مطلقاً ، كما أنّ للمزرعة بنفسها أيضاً حريماً ، وهو ما تحتاج إليه في مصالحها ، ويكون من مرافقها ، من مسالك الدخول والخروج ، ومحلّ بيادرها وحظائرها ، ومجمع سمادها وترابها وغيرها .

(مسألة 12) : حدّ المرعى الذي هو حريم للقرية ومحتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة ؛ بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق والحرج ، ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلّتهم ، وكثرة المواشي والدوابّ وقلّتها ، وبذلك يتفاوت المقدار سعة وضيقاً طولاً وعرضاً .

(مسألة 13) : إن كان موات بقرب العامر ولم يكن من حريمه ومرافقه ، جاز لكلّ أحد إحياؤه ، ولم يختصّ بمالك ذلك العامر ولا أولوية له ، فإذا طلع شاطئ

ص: 217

من الشطّ بقرب أرض محياة أو بستان - مثلاً - كان كسائر الموات ، فمن سبق إلى إحيائه وحيازته كان له ، وليس لصاحب الأرض أو البستان منعه .

(مسألة 14) : لا إشكال في أنّ حريم القناة - المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع - ليس ملكاً لصاحب القناة ، ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غيره بدون إذنه ، بل ليس له إلاّ حقّ المنع عن إحداث قناة اُخرى كما مرّ ، والظاهر أنّ حريم القرية أيضاً ليس ملكاً لسكّانها وأهليها ، بل إنّما لهم حقّ الأولوية . وأمّا حريم النهر والدار فهو ملك لصاحب ذي الحريم على تردّد وإن لا يخلو من وجه ، فيجوز له بيعه منفرداً كسائر الأملاك .

(مسألة 15) : ما مرّ من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو فيما إذا ابتكرت في أرض موات . وأمّا في الأملاك المجاورة فلا حريم لها ، فلو أحدث المالكان المجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين ، ولو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطاً أو نهراً ، لم يكن لهما حريم في ملك الآخر ، وكذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة اُخرى في ملكه وإن لم يكن بينهما الحدّ .

(مسألة 16) : ذكر جماعة : أ نّه يجوز لكلّ من المالكين المتجاورين التصرّف في ملكه بما شاء وحيث شاء ؛ وإن استلزم ضرراً على الجار ، لكنّه مشكل على إطلاقه . والأحوط عدم جواز ما يكون سبباً لعروض الفساد في ملك الجار ، بل لا يخلو من قرب ، إلاّ إذا كان في تركه حرج أو ضرر عليه ، فحينئذٍ يجوز له التصرّف ، كما إذا دقّ دقّاً عنيفاً انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللاً فيها ، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة في حائطه ، أو أحدث بالوعة أو

ص: 218

كنيفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها ، بل وكذا لو حفر بئراً بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها ، وكان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الاُولى . وأمّا إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق ووقوعها في سمت مجرى المياه ، ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأوّل ، فالظاهر أ نّه لا مانع منه . والمائز بين الصورتين يدركه اُولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة . وكذا لا مانع من إطالة البناء وإن كان مانعاً من الشمس والقمر والهواء ، أو جعل داره مدبغة أو مخبزة - مثلاً - وإن تأذّى الجار من الريح والدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء . وكذا إحداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء ، فإنّ المحرّم هو التطلّع على دار الجار ، لا مجرّد ثقب الجدار .

(مسألة 17) : لا يخفى أنّ أمر الجار شديد ، وحثّ الشرع الأقدس على رعايته أكيد ، والأخبار في وجوب كفّ الأذى عن الجار وفي الحثّ على حسن الجوار كثيرة لا تحصى : فعن النبي صلى الله عليه و آله وسلمأ نّه قال : «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أ نّه سيورثه» . وفي حديث آخر : «أ نّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر عليّاً علیه السلام وسلمان وأباذرّ - قال الراوي : ونسيت آخر وأظنّه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم : بأ نّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه ، فنادوا بها ثلاثاً» . وفي الكافي ، عن الصادق ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «قرأتُ في كتاب علي علیه السلام : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم ، وحرمة الجار كحرمة اُمّه» . وروى الصدوق بإسناده عن الصادق ، عن علي عليهماالسلام ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من آذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصير ، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا» . وعن الرضا علیه السلام : «ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه» .

ص: 219

وعن الصادق علیه السلام ، أ نّه قال والبيت غاصّ بأهله : «إعلموا أ نّه ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره» . وعنه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «حسن الجوار يعمِّر الديار ويُنسئ في الأعمار» . فاللازم على كلّ من يؤمن باللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم واليوم الآخر ، الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار وإن لم يكن ممّا يوجب فساداً أو ضرراً في ملكه ، إلاّ أن يكون في تركه ضرر فاحش على نفسه . ولا ريب أنّ مثل ثقب الجدار - الموجب للإشراف على دار الجار - إيذاء عليه ، وأيّ إيذاء ، وكذا إحداث ما يتأذّى من ريحه أو دخانه أو صوته ، أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه ، أو عن إشراق الشمس عليه وغير ذلك .

(مسألة 18) : يشترط في التملّك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير ، فإنّ التحجير يفيد أولوية للمحجّر ، فهو أولى بالإحياء والتملّك من غيره ، فله منعه ، ولو أحياه قهراً على المحجّر لم يملكه . والمراد بالتحجير أن يحدث ما يدلّ على إرادة الإحياء ، كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه ، أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه ، كما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التي يريد إحياءها ، فإنّه تحجير بالنسبة إلى سائر آبار القناة ، بل وبالنسبة إلى أراضي الموات التي تُسقى بمائها بعد جريانه ، فليس لأحد إحياء تلك القناة ، ولا إحياء تلك الأراضي . وكذا إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء والقصب ، فعمد على قطع مائها فقط ، فهو تحجير لها ، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها .

(مسألة 19) : لا بدّ من أن يكون التحجير - مضافاً إلى دلالته على أصل الإحياء - دالاًّ على مقدار ما يريد إحياءه ، فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب مثلاً ، لا بدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب ؛

ص: 220

حتّى يدلّ على أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه . نعم ، في مثل إحياء القناة البائرة ، يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها ، كما أشرنا إليه آنفاً ، فإنّه دليل بحسب العرف على كونه بصدد إحياء جميع القناة ، بل الأراضي المتعلّقة بها أيضاً . بل إذا حفر بئراً في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة ، يمكن أن يقال : إنّه يكون تحجيراً بالنسبة إلى أصل القناة وإلى الأراضي الموات التي تُسقى بمائها بعد تمامها وجريان مائها ، فليس لأحد إحياء تلك الجوانب حتّى يتمّ القناة ويعيّن ما تحتاج إليه من الأراضي . نعم ، الأرض الموات التي ليست من حريم القناة ، وممّا علم أ نّه لا يصل إليها ماؤها بعد جريانه ، لا بأس بإحيائها .

(مسألة 20) : التحجير - كما أشرنا إليه - يفيد حقّ الأولوية ، ولا يفيد الملكية ، فلا يصحّ بيعه على الأحوط وإن لا يبعد الجواز . نعم ، يصحّ الصلح عنه ، ويورث ويقع ثمناً في البيع ؛ لأ نّه حقّ قابل للنقل والانتقال .

(مسألة 21) : يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجّر متمكّناً من القيام بتعميره ؛ ولو بعد زمان طويل بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات ، فلو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره - إمّا لفقره أو لعجزه عن تهيئة أسبابه - فلا أثر لتحجيره ، وجاز لغيره إحياؤه ، وكذا لو حجّر زائداً على مقدار تمكّنه من الإحياء ، لا أثر لتحجيره إلاّ في مقدار ما تمكّن من تعميره ، وأمّا في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه . فعلى هذا ليس لمن عجز عن إحياء الموات تحجيره ، ثمّ نقل ما حجّره إلى غيره بصُلح أو غيره - مجّاناً أو بالعوض - لأ نّه لم يحصل له حقّ حتّى ينقله إلى غيره .

(مسألة 22) : لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة ، بل يجوز أن يكون

ص: 221

بتوكيل الغير أو استئجاره ، فيكون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموكّل والمستأجر لا للوكيل والأجير . وأمّا كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن غيره - ثمّ أجاز ذلك الغير - في ثبوته للمنوب عنه ، فبعيد .

(مسألة 23) : لو انمحت آثار التحجير بنفسها قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير ، بطل حقّه ؛ وعاد الموات إلى ما كان قبل التحجير . وأمّا لو كان بفعل شخص غير المحجّر فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو ، ومع طول المدّة فالظاهر بطلانه مطلقاً . بل لا يبعد بقاء الحقّ مع المحو بنفسها إذا لم يكن ذلك لطول مدّة التعطيل ، كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلاً .

(مسألة 24) : ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه والإهمال في التعمير ، بل اللازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير ، فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحياءه ، فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده وبسط يده ، فيلزم المحجّر بأحد أمرين : إمّا العمارة أو رفع يده عنه ليعمّره غيره ، إلاّ أن يبدي عذراً موجّهاً ، مثل انتظار وقت صالح له ، أو إصلاح آلاته ، أو حضور العملة ، فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر ، وليس من العذر عدم التمكّن من تهيئة الأسباب لفقره منتظراً للغنى والتمكّن ، إلاّ إذا كان متوقّعاً حصوله بحصول أسبابه ، فإذا مضت المدّة في الفرض المتقدّم ، ولم يشتغل بالعمارة ، بطل حقّه ، وجاز لغيره القيام بالعمارة . وإذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون ، فالظاهر أ نّه يسقط حقّه أيضاً لو أهمل في التعمير ، وطال الإهمال مدّة طويلة يعدّ مثله في العرف تعطيلاً ، فجاز لغيره إحياؤه ، وليس له منعه ، والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله وإهماله ثلاث سنين .

ص: 222

(مسألة 25) : الظاهر أ نّه يشترط في التملّك بالإحياء قصد التملّك ، كالتملّك بالحيازة ، مثل الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها ، فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقياً لم يملكه ، بل لم يكن له إلاّ حقّ الأولوية ما دام مقيماً ، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية وصارت مباحاً للجميع .

(مسألة 26) : الإحياء المفيد للملك : عبارة عن جعل الأرض حيّة بعد الموتان ؛ وإخراجها عن صفة الخراب إلى العمران . ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض : إمّا بكونها مزرعاً أو بستاناً ، وإمّا بكونها مسكناً وداراً ، وإمّا حظيرة للأغنام والمواشي ، أو لحوائج اُخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب أو غير ذلك ، فلا بدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيه ؛ وإنهائه إلى حدّ صدق عليه أحد العناوين العامرة ؛ بأن صدق عليه المزرع أو الدار - مثلاً - أو غيرهما عند العرف ، ويكفي تحقّق أوّل مراتب وجودها ، ولا يعتبر إنهاؤها إلى حدّ كمالها ، وقبل أن يبلغ إلى ذلك الحدّ وإن صنع فيه ما صنع لم يكن إحياء ، بل يكون تحجيراً ، وقد مرّ أ نّه لا يفيد الملك ، بل لا يفيد إلاّ الأولوية .

تكملة

يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة التي يقصدها المحيي ، فما اعتبر في إحياء الموات مزرعاً أو بستاناً ، غير ما اعتبر في إحيائه مسكناً وداراً ، وما اعتبر في إحيائه قناة أو بئراً غير ما اعتبر في إحيائه نهراً وهكذا . ويشترط في الكلّ إزالة الاُمور المانعة عن التعمير ، كالمياه الغالبة أو الرمال والأحجار ، أو القصب والأشجار لو كانت متأجّمة وغير ذلك ، ويختصّ كلّ منها ببعض الاُمور ، ونحن نبيّنها في ضمن مسائل :

ص: 223

(مسألة 1) : يعتبر في إحياء الموات داراً أو مسكناً - بعد إزالة الموانع لو كانت - أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد ؛ ولو كان بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها ، ويسقّف ولو بعضه ممّا يمكن أن يسكن فيه . ولا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب ، ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف . نعم ، يكفي ذلك في إحيائه حظيرة للغنم وغيره ، أو لأن يجفّف فيه الثمار ، أو يجمع فيه الحشيش والحطب . ولو بنى حائطاً في الموات بقصد بناء الدار ، وقبل أن يسقّف عليه بدا له وقصد كونه حظيرة ملكه ، كما لو قصد ذلك من أوّل الأمر ، وكذلك ملكه في العكس ؛ بأن حوّطه بقصد كونه حظيرة فبدا له أن يسقّفه ويجعله داراً .

(مسألة 2) : يعتبر في إحياء الموات مزرعاً - بعد إزالة الموانع - تسوية الأرض ؛ لو كانت فيها حفر وتلال مانعة عن قابليتها للزرع ، وترتيب مائها ؛ إمّا بشقّ ساقية من نهر ، أو حفر قناة لها أو بئر ، وبذلك يتمّ إحياؤها ويملكها المحيي ، ولا يعتبر في إحيائها حرثها ، فضلاً عن زرعها . وإن كانت الأرض ممّا لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء ؛ لأ نّه يكفيها ماء السماء ، كفى في إحيائها إعمال الاُمور الاُخر عدا ترتيب الماء . وإن كانت مُهيّأة للزرع بنفسها ؛ بأن لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر ، ولم تحتج إلاّ إلى سوق الماء ، كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها ، وإن لم تحتج إلى سوق الماء أيضاً ؛ من جهة أ نّه يكفيها ماء السماء ، كبعض الأراضي السهلة والتلال التي لا تحتاج في زرعها إلى علاج ، وقابلة لأن تزرع ديمياً ، فالظاهر أنّ إحياءها المفيد لتملّكها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها ، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملّكها . وأمّا الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه إشكال . نعم ، لا إشكال في كونه تحجيراً مفيداً للأولوية .

ص: 224

(مسألة 3) : يعتبر في إحياء البستان كلّ ما اعتبر في إحياء الزرع ؛ بزيادة غرس النخيل أو الأشجار القابلة للنموّ . ولا يعتبر التحويط حتّى في البلاد التي جرت عادتهم عليه على الأقوى ، بل الظاهر عدم اعتبار السقي أيضاً ، فمجرّد غرس الأشجار القابلة للنموّ كافٍ فيه .

(مسألة 4) : يحصل إحياء البئر في الموات ؛ بأن يحفرها إلى أن يصل إلى الماء ، فيملكها بذلك ، وقبل ذلك يكون تحجيراً لا إحياءً . وإحياء القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض . وإحياء النهر بحفره وإنهائه إلى الماء المباح كالشطّ ونحوه ؛ بحيث كان الفاصل بينهما يسيراً كالمرز والمسنّاة الصغيرة ، وبذلك يتمّ إحياء النهر ، فيملكه الحافر . ولا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلاً وإن اعتبر ذلك في تملّك المياه .

القول : في المشتركات

وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والرباطات والمياه والمعادن .

(مسألة 1) : الطريق نوعان : نافذ وغير نافذ .

فالأوّل : - وهو المسمّى بالشارع العامّ - محبوس على كافّة الأنام ، والناس فيه شرع سواء ، وليس لأحد إحياؤه والاختصاص به ، ولا التصرّف في أرضه ببناء دكّة أو حائط ، أو حفر بئر ، أو غرس شجر ، أو غير ذلك . نعم ، لا يبعد جواز غرس الأشجار وإحداث النهر لمصلحة المارّة لو كان الطريق واسعاً جدّاً ، كالشوارع الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار ، كما أنّ الظاهر أ نّه يجوز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر وغيره ؛ لكونها من مصالحه

ص: 225

ومرافقه ، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظاً للمستطرقين والمارّة . بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا اُحكم الأساس والسقف ؛ بحيث يؤمن معه من النقض والخسف . وأمّا التصرّف في فضائه بإخراج روشن أو جناح ، أو بناء ساباط ، أو فتح باب ، أو نصب ميزاب ، ونحو ذلك ، فلا إشكال في جوازه إذا لم يضرّ بالمارّة ، وليس لأحد منعه حتّى من يقابل داره داره ، كما مرّ في كتاب الصلح .

وأمّا الثاني : - أعني الطريق غير النافذ المسمّى بالسكّة المرفوعة ، وقد يطلق عليه «الدريبة» ، وهو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح ، بل اُحيط بثلاث جوانبه الدور والحيطان والجدران - فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه ، دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها إليه ، فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة ، يجوز لأربابه سدّه وتقسيمه بينهم وإدخال كلّ منهم حصّته في داره . ولا يجوز لأحد من غيرهم بل ولا منهم أن يتصرّف فيه ولا في فضائه إلاّ بإذن من يعتبر إذنه ، كما يأتي في المسألة الآتية .

(مسألة 2) : لا يبعد في «الدريبة» أن يشارك الداخل للأدخل - إلى قبالة بابه ممّا هو ممرّه - مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعاً ، ولا يبعد أن يشارك الداخل إلى منتهى جدار داره ، وينفرد الأدخل بما بعده ، ومع تعدّد الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم ، وينفرد بما يكون طريقه الخاصّ . فيشترك الجميع من أوّل الدريبة إلى الباب الأوّل أو منتهى الجدار ثمّ يشترك فيما عداه ما عدا صاحب الباب الأوّل ، وهكذا تقلّ الشركاء إلى آخر الزقاق . ولا يبعد اختصاص الآخر بالفضلة التي في آخر الزقاق ، فيجوز لمن هو أدخل من الجميع أيّ تصرّف شاء فيما ينفرد به ، بل وفي الفضلة المذكورة . ولا يجوز لغيره

ص: 226

التصرّف ، كإخراج جناح أو روشن ، أو بناء ساباط ، أو حفر بالوعة أو سرداب ، أو نصب ميزاب ، وغير ذلك ، إلاّ بإذن شركائه . نعم ، لكلّ منهم حقّ الاستطراق إلى داره من أيّ موضع من جداره ، فلكلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل أو أسبق ؛ مع سدّ الباب الأوّل وعدمه .

(مسألة 3) : ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها إلاّ بإذن أربابها . نعم ، له فتح ثقبة وشبّاك إليها ، وليس لهم منعه ؛ لكونه تصرّفاً في جداره لا في ملكهم ، وهل له فتح باب إليها ؛ لا للاستطراق بل لمجرّد الاستضاءة ودخول الهواء ؟ الأقرب جوازه ، ولصاحب الدريبة تحكيم سند المالكية لدفع الشبهة .

(مسألة 4) : يجوز لكلّ من أرباب الدريبة الجلوس فيها ، والاستطراق والتردّد منها إلى داره بنفسه وما يتعلّق به من عياله ودوابّه وأضيافه وعائديه وزائريه ، وكذا وضع الحطب ونحوه فيها لإدخاله في الدار ، ووضع الأحمال والأثقال عند إدخالها وإخراجها من دون إذن الشركاء ، بل وإن كان فيهم القصّر والمولّى عليهم ؛ من دون رعاية المساواة مع الباقين .

(مسألة 5) : الشوارع والطرق العامّة وإن كانت معدّة لاستطراق عامّة الناس ، ومنفعتها الأصلية التردّد فيها بالذهاب والإياب ، إلاّ أ نّه يجوز لكلّ أحد الانتفاع بها بغير ذلك ؛ من جلوس أو نوم أو صلاة وغيرها ؛ بشرط أن لا يتضرّر بها أحد على الأحوط ، ولم يزاحم المستطرقين ولم يتضيّق على المارّة .

(مسألة 6) : لا فرق في الجلوس غير المضرّ بين ما كان للاستراحة أو النزهة ، وبين ما كان للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع

ص: 227

المتّسعة ؛ لئلاّ يتضيّق على المارّة ، فلو جلس فيها بأيّ غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه .

(مسألة 7) : لو جلس في موضع من الطريق ثمّ قام عنه ، فإن كان جلوس استراحة ونحوها بطل حقّه ، فجاز لغيره الجلوس فيه ، وكذا إن كان لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نيّة العود ، فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه ، ولو قام قبل استيفاء غرضه ناوياً للعود ففي ثبوت حقّ له فيه إشكال . نعم ، لا يجوز التصرّف في بساطه ، فلو قام ولو بنيّة العود ورفع بساطه فالظاهر جواز جلوس غيره مكانه . والاحتياط حسن .

(مسألة 8) : ثبوت الحقّ للجالس للمعاملات ونحوها مشكل ، بل الظاهر عدمه ، لكن لا يجوز إزعاجه ما دام فيه ، ولا التصرّف في بساطه ، ولا مانع من إشغال ما حوله ولو احتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين معه . وكذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه ، وليس له منعه . لكن الاحتياط حسن ، ومراعاة المؤمن مطلوب .

(مسألة 9) : يجوز للجالس للمعاملة أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية ونحوهما ، وليس له بناء دكّة ونحوها فيه .

(مسألة 10) : إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم ، فسبقه في يوم آخر شخص آخر وأخذ مكانه ، فليس للأوّل إزعاجه ومزاحمته .

(مسألة 11) : إنّما يصير الموضع شارعاً عامّاً باُمور : الأوّل : بكثرة التردّد والاستطراق ومرور القوافل ونحوها في الأرض الموات ، كالجوادّ الحاصلة في البراري والقفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد . الثاني : أن يجعل إنسان

ص: 228

ملكه شارعاً وسبّله تسبيلاً دائمياً لسلوك عامّة الناس ، وسلك فيه بعض الناس ، فإنّه يصير بذلك طريقاً عامّاً ، ولم يكن للمسبّل الرجوع بعد ذلك . الثالث : أن يحيي جماعة أرضاً مواتاً - قرية أو بلدة - ويتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور والمساكن ، ويفتحوا إليه الأبواب . والمراد بكونه نافذاً أن يكون له مدخل ومخرج ؛ يدخل فيه الناس من جانب ، ويخرجون من جانب آخر إلى جادّة عامّة أو إلى أرض موات .

(مسألة 12) : لا حريم للشارع العامّ لو وقع بين الأملاك ، فلو كانت بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - واستطرقها الناس حتّى صارت جادّة ، لم يجب على الملاّك توسيعها وإن تضيّقت على المارّة . وكذا لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - للشارع . وأمّا لو كان الشارع محدوداً بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه فكان له الحريم ، وهو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع من سبعة أذرع على الأحوط ، فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات ، جاز إحياء طرفيه إلى حدّ يبقى له سبعة أذرع ، ولا يتجاوز عن هذا الحدّ . وكذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع - مثلاً - فسبّله شارعاً ، لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع ، ولو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة وفي الطرف الآخر أرض موات ، كان الحريم من طرف الموات . بل لو كان طريق بين الموات ، وسبق شخص وأحيا أحد طرفيه إلى حدّ الطريق ، اختصّ الحريم بالطرف الآخر ، فلا يجوز للآخر الإحياء إلى حدّ لا يبقى للطريق سبعة أذرع ، فلو بنى بناءً مجاوزاً لذلك الحدّ اُلزم هو بهدمه وتبعيده دون المحيي الأوّل .

ص: 229

(مسألة 13) : إذا استؤجم الطريق ، أو انقطعت عنه المارّة ، زال حكمه ، بل ارتفع موضوعه وعنوانه ، فجاز لكلّ أحد إحياؤه كالموات ؛ من غير فرق في صورة انقطاع المارّة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم ، أو بمنع قاهر إيّاهم ، أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره ، أو بسبب آخر . نعم ، في المسبّل لا يخلو جواز الإحياء من إشكال .

(مسألة 14) : لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع ، ففي المسبّل لا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها وإحياؤه وتملّكه قطعاً . وأمّا غيره ففي جواز إحياء الزائد وعدمه وجهان ، أوجههما العدم ، إلاّ إذا كان الزائد معرضاً عنه .

(مسألة 15) : ومن المشتركات المسجد ، وهو من مرافق المسلمين يشترك

فيه عامّتهم ، وهم شرع سواء في الانتفاع به إلاّ بما لا يناسبه ونهى الشارع عنه ، كمكث الجنب فيه ونحوه ، فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء ، بل وتدريس أو وعظ أو إفتاء وغيرها ، ليس لأحد إزعاجه ؛ سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه ، فليس لأحد بأيّ غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه بأيّ غرض كان . نعم ، لا يبعد تقدّم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض ، فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس ، وأراد أحد أن يصلّي في ذلك المكان جماعة أو فرادى ، يجب عليه تخلية المكان له . نعم ، ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح ، بل كان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فيه ، أو لغرض راجح ديني كالالتحاق بصفوف الجماعة ونحوه . هذا ، ولكن أصل المسألة لا تخلو من إشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة - كالدعاء والقراءة - لا لمجرّد النزهة والاستراحة ، فلا ينبغي فيه

ص: 230

ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة ، وللسابق بتخلية المكان له . والظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة ، فلا أولوية للثانية على الاُولى ، فمن سبق إلى مكان للصلاة منفرداً فليس لمريد الصلاة جماعة إزعاجه لها ؛ وإن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له ، ولا يكون منّاعاً للخير عن أخيه .

(مسألة 16) : لو قام الجالس السابق وفارق المكان رافعاً يده منه معرضاً عنه ، بطل حقّه على فرض ثبوت حقّ له وإن بقي رحله ، فلو عاد إليه وقد أخذه غيره ليس له إزعاجه . نعم ، لا يجوز التصرّف في بساطه ورحله . وإن كان ناوياً للعود ، فإن كان رحله باقياً بقي حقّه لو قلنا بثبوت حقّ له ، ولكن لا يجوز التصرّف في رحله على أيّ حال ، وإلاّ فالظاهر سقوط حقّه على فرض ثبوته ، لكن ثبوت حقّ في أمثال ذلك مطلقاً لا يخلو من تأمّل وإن يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد ، والأحوط عدم إشغاله ، خصوصاً إذا كان خروجه لضرورة ، كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها .

(مسألة 17) : الظاهر أنّ وضع الرحل مقدّمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية ؛ لكن إن كان ذلك بمثل فرش سجّادة ونحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه ، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك وشبهها .

(مسألة 18) : يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان ؛ بحيث استلزم تعطيل المكان ، وإلاّ لم يفد حقّاً ، فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه ؛ ورفع رحله والصلاة مكانه إذا شغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلاّ برفعه ، والظاهر أ نّه يضمنه الرافع إلى أن يوصله إلى صاحبه . وكذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء رحله فيه .

ص: 231

(مسألة 19) : المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام ، فإنّ المسلمين فيها شرع سواء ؛ سواء العاكف فيها والباد ، والمجاور لها والمتحمّل إليها من بعد البلاد . ومن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة ، ليس لأحد إزعاجه ، وهل للزيارة أولوية على غيرها ، كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها ؟ لا يخلو من وجه ، لكنّه غير وجيه ، كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين ؛ وإن كان ينبغي لهم مراعاتهم ، وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل وبقائه كما سبق في المساجد .

(مسألة 20) : ومن المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم ، أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاصّ ، كما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم أو طالب العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلاً . فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها معرضاً عنها وإن طالت مدّة السكنى ، إلاّ إذا اشترط الواقف له مدّة معيّنة ، كثلاث سنين مثلاً ، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم يؤمر به ، أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة ، كما إذا شرط كونه مشغولاً بالتحصيل أو التدريس ، فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك .

(مسألة 21) : لا يبطل حقّ الساكن بالخروج لحاجة معتادة ، كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة ونحوها قطعاً وإن لم يترك رحله ، ولا يلزم تخليف أحد مكانه ، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة ، كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نيّة العود وبقاء متاعه ورحله ؛ ما لم تطل المدّة إلى حدّ لم يصدق معه السكنى والإقامة عرفاً ، ولم يوجب تعطيل المحلّ زائداً على المتعارف ،

ص: 232

ولم يشترط الواقف لذلك مدّة معيّنة ، كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلاً ، فيبطل حقّه لو تعدّى زمن خروجه عن تلك المدّة .

(مسألة 22) : من أقام في حجرة منها ممّن يستحقّ السكنى بها ، له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدّاً لواحد ؛ إمّا بحسب قابلية المحلّ ، أو بسبب شرط الواقف ، ولو اُعدّ لما فوقه لم يكن له منع غيره إلاّ إذا بلغ العدد الذي اُعدّ له ، فللسكنة منع الزائد .

(مسألة 23) : يلحق بالمدارس الرباطات ، وهي المواضع المبنيّة لسكنى الفقراء ، والملحوظ فيها غالباً للغُرباء ، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان أحقّ به ، وليس لأحد إزعاجه . والكلام في مقدار حقّه ، وما به يبطل حقّه ، وجواز منع الشريك وعدمه فيها ، كما سبق في المدارس .

(مسألة 24) : ومن المشتركات المياه ، والمراد بها مياه الشطوط والأنهار الكبار ، كدجلة والفرات والنيل أو الصغار التي لم يجرها أحد ، بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج ، وكذلك العيون المنفجرة من الجبال أو في أراضي الموات ، والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار ، فإنّ الناس في جميع ذلك شرع سواء ، ومن حاز منها شيئاً بآنية أو مصنع أو حوض ونحوها ملكه ، وجرى عليه أحكام الملك ؛ من غير فرق بين المسلم والكافر . وأمّا مياه العيون والآبار والقنوات التي حفرها أحد في ملكه أو في الموات بقصد تملّك مائها ، فهي ملك للحافر كسائر الأملاك ، لا يجوز لأحد أخذها والتصرّف فيها إلاّ بإذن المالك ، عدا بعض التصرّفات التي مرّ بيانها في كتاب الطهارة ، وينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية ؛ قهرية كانت كالإرث ، أو اختيارية كالبيع والصلح والهبة وغيرها .

ص: 233

(مسألة 25) : إذا شقّ نهراً من ماء مباح كالشطّ ونحوه ، ملك ما يدخل فيه من الماء ، ويجري عليه أحكام الملك كالماء المحوز في آنية ونحوها ، وتتبع ملكية الماء ملكية النهر ، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام . وإن كان لجماعة ملك كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلك النهر ، فإن كان لواحد نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة وهكذا ، ولا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقى منه ، فلو كان النهر مشتركاً بين ثلاثة أشخاص بالتساوي ، كان لكلّ منهم ثلث الماء ، وإن كانت الأراضي التي تُسقى منه لأحدهم ألف جريب ، ولآخر جريباً ، ولآخر نصف جريب ، فيصرفان ما زاد على احتياج أرضهما فيما شاءا ، بل لو كان لأحدهما رحىً يدور به ولم يكن له أرض أصلاً يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء .

(مسألة 26) : إنّما يملك النهر المتّصل بالمباح بحفره في الموات بقصد إحيائه نهراً ، مع نيّة تملّكه إلى أن يوصله بالمباح ، كما مرّ في إحياء الموات ، فإن كان الحافر واحداً ملكه بالتمام ، وإن كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا ، فمع التساوي بالتساوي ، ومع التفاوت بالتفاوت .

(مسألة 27) : لمّا كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركاً بينهم ، كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة ، فلا يجوز لكلّ واحد منهم التصرّف فيه وأخذه والسقاية به ، إلاّ بإذن باقي الشركاء ، فإن لم يكن بينهم تعاسر ويبيح كلّ منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كلّ وقت وزمان فلا بحث . وإن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة - بحسب الساعات أو الأيّام أو الأسابيع مثلاً - فهو ، وإلاّ فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء ؛ بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتّى

ص: 234

يتساوى الماء الجاري فيها ، ويجعل لكلّ منهم من الثقب بمقدار حصّته ، ويجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به ، فإذا كان بين ثلاثة وسهامهم متساوية فإن كانت الثقب ثلاثاً متساوية جعلت لكلّ منهم ثقبة ، وإن كانت ستّاً جعلت لكلّ منهم ثقبتان ، وإن كانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب على أقلّهم سهماً ، فإذا كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ، جعلت الثقب ستّاً : ثلاث منها لذي النصف ، واثنتان لذي الثلث ، وواحدة لذي السدس وهكذا ، وبعد ما اُفرزت حصّة كلّ منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء .

(مسألة 28) : الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار ، فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها ، وهي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها . وأمّا المهاياة فهي موقوفة على التراضي ، وليست بلازمة ، فلبعضهم الرجوع عنها حتّى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته ؛ وإن ضمن حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل مع إمكانه ، وإلاّ فبالقيمة .

(مسألة 29) : إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو وادٍ أو نهر ونحوها ؛ بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار ، كان للجميع حقّ السقي منه ، فليس لأحد أن يشقّ نهراً فوقها يقبض الماء كلّه أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك . وحينئذٍ فإن وفى الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو ، وإن لم يف ووقع بين أربابها - في التقدّم والتأخّر - التشاحّ والتعاسر يقدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق ، وإلاّ يقدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء وأصله ، فيقضي الأعلى حاجته ، ثمّ يرسله إلى ما يليه وهكذا ، لكن لا يزيد للنخل عن الكعب أي قبّة القدم على

ص: 235

الأحوط وإن كان الجواز إلى أوّل الساق لا يخلو من قوّة ، وللشجر عن القدم ، وللزرع عن الشراك .

(مسألة 30) : الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط ونحوها ؛ إذا وقع التعاسر بين أربابها ؛ بأن كان الشطّ لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار ، كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدّم في المسألة السابقة ، فالأحقّ ما كان شقّه أسبق ثمّ الأسبق . وإن لم يعلم الأسبق فالمدار هو الأعلى فالأعلى ، فيقبض الأعلى ما يسعه ثمّ ما يليه وهكذا .

(مسألة 31) : لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق ونحو ذلك ، فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤونة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر ؛ سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع ، كما إذا كان مشتركاً بين المولّى عليهم ورأى الوليّ المصلحة الملزمة في تعميره مثلاً . وإن لم يقدم إلاّ البعض لم يجبر الممتنع ، وليس للمقدمين مطالبته بحصّته من المؤونة ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه وتعهّده ببذل حصّته . نعم ، لو كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره ، وكان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر إمّا لعدم اقتداره بدونه ، أو لغير ذلك ، وجب على وليّ القاصر مراعاةً لمصلحته تشريكه في التعمير وبذل المؤونة من ماله بمقدار حصّته .

(مسألة 32) : ومن المشتركات المعادن ، وهي إمّا ظاهرة ، وهي ما لا تحتاج في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤونة ، كالملح والقير والكبريت والموميا والكحل والنفط ؛ إذا لم يحتج كلّ منها إلى الحفر والعمل المعتدّ به . وإمّا

ص: 236

باطنة ، وهي ما لا تظهر إلاّ بالعمل والعلاج ، كالذهب والفضّة والنحاس والرصاص ، وكذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المعمول غالباً في هذه الأعصار . فأمّا الظاهرة : فهي تملك بالحيازة لا بالإحياء ، فمن أخذ منها شيئاً ملك ما أخذه قليلاً كان أو كثيراً وإن كان زائداً على ما يعتاد لمثله وعلى مقدار حاجته ، ويبقى الباقي ممّا لم يأخذه على الاشتراك ولا يختصّ بالسابق في الأخذ ، وليس له على الأحوط أن يحوز مقداراً يوجب الضيق والمضارّة على الناس . وأمّا الباطنة : فهي تملك بالإحياء ؛ بأن ينهي العمل والنقب والحفر إلى أن يبلغ نيلها ، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء ، وقد مرّ أ نّها تملك بحفرها حتّى يبلغ الماء ويملك بتبعها الماء ، ولو عمل فيها عملاً لم يبلغ به نيلها ، كان تحجيراً أفاد الأحقّية والأولوية دون الملكية .

(مسألة 33) : إذا شرع في إحياء معدن ثمّ أهمله وعطّله ، اُجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه ، ولو أبدى عذراً اُنظر بمقدار زوال عُذره ، ثمّ اُلزم على أحد الأمرين ، كما سبق ذلك كلّه في إحياء الموات .

(مسألة 34) : لو أحيا أرضاً مزرعاً أو مسكناً - مثلاً - فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ؛ سواء كان عالماً به حين إحيائها أم لا .

(مسألة 35) : لو قال ربّ المعدن لآخر : «اعمل فيه ولك نصف الخارج» مثلاً ، بطل إن كان بعنوان الإجارة ، وصحّ لو كان بعنوان الجعالة .

ص: 237

كتاب اللقطة

اشارة

وهي بمعناها الأعمّ : كلّ مال ضائع عن مالكه ولم يكن يد عليه ، وهي إمّا حيوان ، أو غير حيوان :

القول : في لقطة الحيوان

وهي المسمّاة بالضالّة .

(مسألة 1) : إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه أيّ حيوان كان ، فمن أخذه ضمنه ، ويجب عليه حفظه من التلف والإنفاق عليه بما يلزم ، وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق . نعم ، إن كان شاة حبسها ثلاثة أيّام ، فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدّق بثمنها ، والظاهر ضمانها لو جاء صاحبها ولم يرض بالتصدّق ، ولا يبعد جواز حفظها لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم أيضاً . ولو كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان ، ويجب عليه الإنفاق عليه ، وجاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه ، وإن كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن ونحوه ، جاز له استيفاؤها واحتسابها بإزاء

ص: 238

ما أنفق ، ويرجع إلى صاحبه إن كانت النفقة أكثر ، ويؤدّي إليه الزيادة إن زادت المنفعة عنها .

(مسألة 2) : بعد ما أخذ الحيوان في العمران وصار تحت يده ، يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ وعدمه ، فإذا يئس من صاحبه تصدّق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك .

(مسألة 3) : ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان - كالدجاج والحمام ممّا لم يعرف صاحبه - الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة ، بل هو داخل في عنوان مجهول المالك ، فيتفحّص عن صاحبه وعند اليأس منه يتصدّق به . والفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك ؛ بأن يسأل من الجيران والقريبة من الدور والعمران ، ويجوز تملّك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعلم أنّ له صاحباً ، ولا يجب الفحص ، والأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً - ولو من جهة آثار اليد - أن يعامل معه معاملة مجهول المالك .

(مسألة 4) : ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق والشوارع والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها ؛ إن كان ممّا يحفظ نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعالب وابن آوى والذئب والضبع ونحوها ؛ إمّا لكبر جثّته كالبعير ، أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال ، أو لقوّته وبطشه كالجاموس والثور ، لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه إذا كان في كلأ وماء ، أو كان صحيحاً يقدر على تحصيل الماء والكلأ . وإن كان ممّا تغلب عليه صغار السباع كالشاة وأطفال البعير والدوابّ جاز أخذه ، فإذا أخذه عرّفه على الأحوط في المكان الذي أصابه وحواليه إن كان فيه أحد ، فإن عرف

ص: 239

صاحبه ردّه إليه ، وإلاّ كان له تملّكه وبيعه وأكله مع الضمان لمالكه لو وجد ، كما أنّ له إبقاءه وحفظه لمالكه ، ولا ضمان عليه .

(مسألة 5) : لو أخذ البعير ونحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه ، ويجب عليه الإنفاق عليه ، وليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه وإن كان من قصده الرجوع عليه ، كما مرّ فيما يُؤخذ من العمران .

(مسألة 6) : إذا ترك الحيوان صاحبه وسرّحه في الطرق أو الصحاري والبراري ، فإن كان بقصد الإعراض عنه جاز لكلّ أحد أخذه وتملّكه ، كما هو الحال في كلّ مال أعرض عنه صاحبه . وإن لم يكن بقصد الإعراض ، بل كان من جهة العجز عن إنفاقه ، أو من جهة جهد الحيوان وكلاله - كما يتّفق كثيراً أنّ الإنسان إذا كلّت دابّته في الطرق والمفاوز ، ولم يتمكّن من الوقوف عندها ، يأخذ رحلها أو سرجها ويسرّحها ويذهب - فإن تركه في كلأ وماء وأمن ليس لأحد أن يأخذه ، فلو أخذه كان غاصباً ضامناً له ، وإن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان . وفي وجوب حفظه والإنفاق عليه وعدم الرجوع على صاحبه ، ما مرّ فيما يؤخذ في العمران . وإن تركه في خوف وعلى غير ماء وكلأ جاز أخذه ، وهو للآخذ إذا تملّكه .

(مسألة 7) : إذا أصاب دابّة ، وعلم بالقرائن أنّ صاحبها قد تركها ، ولم يدر أ نّه قد تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر ، كانت بحكم الثاني ، فليس له أخذها وتملّكها إلاّ إذا كانت في مكان خوف بلا ماء ولا كلأ .

(مسألة 8) : إذا أصاب حيواناً في غير العمران ، ولم يدر أنّ صاحبه قد تركه بأحد النحوين ، أو لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه ، كان بحكم الثاني من التفصيل

ص: 240

المتقدّم ، فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه وتملّكه ، إلاّ إذا كان غير صحيح ولم يكن في ماء وكلأ ، وإن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقاً .

القول : في لقطة غير الحيوان

وهي التي يطلق عليها «اللقطة» عند الإطلاق ، واللقطة بالمعنى الأخصّ . ويعتبر فيها عدم معرفة المالك ، فهي قسم من مجهول المالك ، لها أحكام خاصّة .

(مسألة 1) : يعتبر فيها الضياع عن المالك ، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة ؛ لعدم الضياع عن مالكه ، بل لا بدّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال ، فالمداس المتبدّل بمداسه في المساجد ونحوها ، يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه ، وكذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام ونحوه ؛ لاحتمال تعمّد المالك في التبديل ، ومعه يكون من مجهول المالك ، لا من اللقطة .

(مسألة 2) : يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط ، فلو رأى غيره شيئاً وأخبر به فأخذه كان حكمها على الآخذ ، دون الرائي وإن تسبّب منه ، بل لو قال ناولنيه ، فنوى المأمور الأخذ لنفسه ، كان هو الملتقط دون الآمر ، ولو أخذه لا لنفسه وناوله إيّاه ، ففي كون الآمر ملتقطاً إشكال ، فضلاً عن أخذه بأمره ونيابته من دون أن يناوله إيّاه .

(مسألة 3) : لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظنّ أ نّه ماله ، فتبيّن أ نّه ضائع عن غيره ، صار بذلك لقطة وعليه حكمها . وكذا لو رأى مالاً ضائعاً فنحّاه بعد أخذه من جانب إلى آخر . نعم ، لو دفعه برجله أو بيده من

ص: 241

غير أخذ ليتعرّفه ، فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطاً ، بل ولا ضامناً ؛ لعدم صدق اليد والأخذ .

(مسألة 4) : المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه ، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلاّ إذا كان في معرض التلف ، فيجوز بقصد الحفظ ، ويكون حينئذٍ في يده أمانة شرعية ، ولا يضمن إلاّ بالتعدّي أو التفريط . وعلى كلّ من تقديري جواز الأخذ وعدمه لو أخذه يجب عليه الفحص عن مالكه إلى أن يئس من الظفر به ، وعند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به أو بثمنه ، ولو كان ممّا يعرض عليه الفساد ولا يبقى بنفسه يبيعه أو يقوّمه ويصرفه ، والأحوط أن يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان ، ثمّ بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدّق بالثمن .

(مسألة 5) : كلّ مال غير الحيوان اُحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ - يجوز أخذه والتقاطه على كراهة ، وإن كان المال الضائع في الحرم - أي حرم مكّة زادها اللّه شرفاً وتعظيماً - اشتدّت كراهة التقاطه ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه .

(مسألة 6) : اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها في الحال من دون تعريف وفحص عن مالكها ، ولا يملكها قهراً بدون قصد التملّك على الأقوى ، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها إليه مع بقائها وإن تملّكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وإن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط ، وليس عليه عوضها إن كان بعد التملّك ، وكذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه . وإن كانت قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص عن صاحبها ، فإن

ص: 242

لم يظفر به ، فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين : التصدّق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم ، أو إبقاؤها وحفظها لمالكها فلا ضمان عليه ، وليس له تملّكها . وإن كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة : تملّكها ، والتصدّق بها ، مع الضمان فيهما ، وإبقاؤها أمانة بيده من غير ضمان .

(مسألة 7) : الدرهم هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة ، وهو وإن اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة ، إلاّ أنّ المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشرة حمّصة ونصف حمّصة وعشرها . وبعبارة اُخرى : نصف مثقال وربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفي الذي يساوي أربعاً وعشرين حمّصة معتدلة ، فالدرهم يقارب نصف ريال عجمي ، وكذا ربع روپية انگليزية .

(مسألة 8) : المدار في القيمة مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم ؛ فإن وجد شيئاً في بلاد العجم - مثلاً - وكان قيمته في بلد الالتقاط وزمانه أقلّ من نصف ريال ، أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروپية ، وكان قيمته أقلّ من ربعها ، جاز تملّكه في الحال ، ولا يجب تعريفه .

(مسألة 9) : يجب التعريف فيما لم يكن أقلّ من الدرهم فوراً على الأحوط . نعم ، لا يجوز التسامح والإهمال والتساهل فيه ، فلو أخّره كذلك عصى إلاّ مع العذر ، وعلى أيّ حال لم يسقط التعريف .

(مسألة 10) : قيل : لا يجب التعريف إلاّ إذا كان ناوياً للتملّك بعده ، والأقوى وجوبه مطلقاً وإن كان من نيّته ذلك أو التصدّق أو الحفظ لمالكها ، أو غير ناوٍ لشيء أصلاً .

(مسألة 11) : مدّة التعريف الواجب سنة كاملة ، ولا يشترط فيها التوالي ، فإن

ص: 243

عرّفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف : إنّه عرّفها في تلك المدّة ، ثمّ ترك التعريف بالمرّة ، ثمّ عرّفها في سنة اُخرى ثلاثة شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات - مثلاً - كفى في تحقّق التعريف الذي هو شرط لجواز التملّك والتصدّق ، وسقط عنه ما وجب عليه ؛ وإن كان عاصياً في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر .

(مسألة 12) : لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط ، بل يجوز استنابة الغير مجّاناً أو بالاُجرة مع الاطمئنان بإيقاعه . والظاهر أنّ اُجرة التعريف على الملتقط ، إلاّ إذا كان من قصده أن يبقى بيده ويحفظها لمالكه ، فإنّ في كون الاُجرة على المالك أو عليه تردّداً ، والأحوط التصالح .

(مسألة 13) : لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه ، أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة ، سقط وتخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم ، والأحوط ذلك في لقطة غيره أيضاً .

(مسألة 14) : لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر ، وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة ، بل يكفي تتميمها .

(مسألة 15) : لو علم بعد تعريف سنة أ نّه لو زاد عليها عثر على صاحبه ، فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، خصوصاً إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة .

(مسألة 16) : لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر ، لم يجب عليه التعريف ، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأوّل . نعم ، لو لم يعرّفه وجب عليه التعريف سنة طالباً به المالك أو الملتقط الأوّل ، فأيّاً منهما عثر

ص: 244

عليه يجب دفعها إليه ؛ من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده .

(مسألة 17) : إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى لسنة - كالطبيخ والبطّيخ واللحم والفواكه والخضروات - جاز أن يقوّمها على نفسه ويأكلها ويتصرّف فيها ، أو يبيعها من غيره ويحفظ ثمنها لمالكها ، والأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان ؛ وإن كان الأقوى عدم اعتباره ، والأحوط حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة . وكيف كان لا يسقط التعريف ، فيحفظ خصوصياتها وصفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمّ يعرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه ، وإن أكلها غرمها بقيمتها ، وإن لم يجئ فلا شيء عليه .

(مسألة 18) : يتحقّق تعريف سنة بأن يكون في مدّة سنة - متوالية أو غير متوالية - مشغولاً بالتعريف ؛ بحيث لم يعدّ في العرف متسامحاً متساهلاً في الفحص عن مالكه ، بل عدّوه فاحصاً عنه في هذه المدّة ، ولا يتقدّر ذلك بمقدار معيّن ، بل هو أمر عرفي . وقد نسب إلى المشهور تحديده : بأن يعرّف في الاُسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة ، ثمّ في بقيّة الشهر في كلّ اُسبوع مرّة ، وبعد ذلك في كلّ شهر مرّة . والظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفاً ، ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرّة بهذه الكيفية . وفيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ شهر مرّة في غير الشهر الأوّل ، والظاهر كفاية كلّ اُسبوع مرّة إلى تمام الحول ، والأحوط أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة .

(مسألة 19) : محلّ التعريف مجامع الناس ، كالأسواق والمشاهد ومحلّ

ص: 245

إقامة الجماعات ومجالس التعازي ، وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن كره ذلك فيها ، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها .

(مسألة 20) : يجب أن يعرّف اللقطة في موضع الالتقاط مع احتمال وجود صاحبها فيه ، إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما ، ولو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها ، بل استناب شخصاً أميناً ثقة ليعرّفها ، وإن وجدها في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها ؛ حتّى أ نّه لو اجتازت قافلة تبعهم وعرّفها فيهم ، فإن لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد ؛ أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه ، وينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان .

(مسألة 21) : كيفية التعريف أن يقول المنادي : من ضاع له ذهب أو فضّة أو

ثوب ؟ وما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب . ويجوز أن يقول : من ضاع له شيء أو مال ؟ بل ربما قيل : إنّ ذلك أحوط وأولى ، فإذا ادّعى أحد ضياعه سأله عن خصوصياته وصفاته وعلاماته ؛ من وعائه وخيطه وصنعته واُمور يبعد اطّلاع غير المالك عليه ؛ من عدده وزمان ضياعه ومكانه وغير ذلك ، فإذا توافقت الصفات والخصوصيات التي ذكرها مع الخصوصيات الموجودة في ذلك المال ، فقد تمّ التعريف ، ولا يضرّ جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطّلع عليها المالك غالباً ، ولا يلتفت إليها إلاّ نادراً . ألا ترى أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان ، ويقرؤه ويطالعه مدّة طويلة من الزمان ، لا يطّلع غالباً على عدد أوراقه وصفحاته ؟ فلو لم يعرف مثل ذلك ، لكن وصفه بصفات وعلامات اُخر لا تخفى على المالك ، كفى في تعريفه وتوصيفه .

ص: 246

(مسألة 22) : إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف ؛ بأن لم تكن لها علامة وخصوصيات ممتازة عن غيرها ؛ حتّى يصف بها من يدّعيها ويسأل عنها الملتقط ، كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور ولا مكسور ، سقط التعريف ، وحينئذٍ هل يتخيّر بين الاُمور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف ، أو يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فيتعيّن التصدّق به ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني .

(مسألة 23) : إذا التقط اثنان لقطة واحدة ، فإن كانت دون درهم ، جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف ، وكان بينهما بالتساوي . وإن كانت بمقدار درهم فما زاد ، وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلّ منهما أقلّ من درهم ، ويجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما ، أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل ، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد تأدّى ما هو الواجب عليهما وسقط عنهما ، وإن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي . وهكذا بالنسبة إلى اُجرة التعريف - لو كانت - عليهما . وبعد ما تمّ حول التعريف يجوز اتّفاقهما على التملّك أو التصدّق أو الإبقاء أمانة ، ويجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر ؛ بأن يختار أحدهما التملّك والآخر التصدّق - مثلاً - بنصفه ، ثمّ إن تصدّى أحدهما لأداء تكليفه من التعريف ، وترك الآخر عصياناً أو لعذر ، فالظاهر عدم جواز تملّك التارك حصّته ، وأمّا المتصدّي فيجوز له تملّك حصّته إن عرّفها سنة ، والأحوط لهما في صورة التوافق على التوزيع أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه وعن صاحبه ، وإلاّ فيشكل تملّكهما . وكذا في صورة التوافق على تصدّي أحدهما أن ينوي عن نفسه وعن صاحبه .

(مسألة 24) : إذا التقط الصبيّ أو المجنون ، فما كان دون درهم ملكاه إن قصد

ص: 247

وليّهما تملّكهما ، وأمّا تأثير قصدهما في ذلك فمحلّ إشكال ، بل منع ، وما كان مقدار درهم فما زاد يعرّف ، وكان التعريف على وليّهما ، وبعد تمام الحول يختار ما هو الأصلح لهما من التملّك لهما والتصدّق والإبقاء أمانة .

(مسألة 25) : اللقطة في مدّة التعريف أمانة ؛ لا يضمنها الملتقط إلاّ مع التعدّي أو التفريط . وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها ، وأمّا إن اختار التملّك أو التصدّق ، فإنّها تصير في ضمانه كما تعرفه .

(مسألة 26) : إن وجد المالك وقد تملّكها الملتقط بعد التعريف ، فإن كانت العين باقية أخذها ، وليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة . وكذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل . وإن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع ونحوه ، أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة . وإن وجد بعد ما تصدّق بها ، فليس له أن يرجع العين وإن كانت موجودة عند المتصدّق له ، وإنّما له أن يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق ، وإن رضي به لم يكن له الرجوع عليه ، وكان أجر الصدقة له . هذا إذا وجد المالك . وأمّا إذا لم يوجد فلا شيء عليه في الصورتين .

(مسألة 27) : لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم ؛ وإن جاز له دفعها إليه قبل التعريف وبعده ، بل إن اختار التصدّق بها بعد التعريف ، كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدّق بها .

(مسألة 28) : لو وجد المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل ، يتبع العين فيأخذها بنمائها ؛ سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده ، وسواء حصل قبل التملّك أو بعده . وأمّا النماء المنفصل ، فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط ، فإذا

ص: 248

كانت العين موجودة يدفعها إلى المالك دون نمائها ، وإن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك .

(مسألة 29) : لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرّف العين حولاً ولم يجد المالك ، فهل له تملّك النماء بتبع العين أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني ؛ بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك .

(مسألة 30) : ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز وكلّ أرض لا ربّ لها ، فهو لواجده من دون تعريف ، وعليه الخمس مع صدق الكنز عليه ، كما مرّ في كتابه . وكذا لواجده ما كان مطروحاً وعلم أو ظنّ - بشهادة بعض العلائم والخصوصيات - أ نّه ليس لأهل زمن الواجد . وأمّا ما علم أ نّه لأهل زمانه فهو لقطة ، فيجب تعريفه إن كان بمقدار الدرهم فما زاد ، وقد مرّ أ نّه يعرّف في أيّ بلد شاء .

(مسألة 31) : لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده ، لكن لم يمكن الإيصال إليه ولا إلى وارثه ، ففي إجراء حكم اللقطة عليه ؛ من التخيير بين الاُمور الثلاثة ، أو إجراء حكم مجهول المالك عليه وتعيّن التصدّق به ، وجهان . والأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم .

(مسألة 32) : لو مات الملتقط فإن كان بعد التعريف والتملّك ينتقل إلى وارثه ، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك يتخيّر وارثه بين الاُمور الثلاثة ، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه ، فلا يبعد جريان حكم مجهول المالك عليه .

(مسألة 33) : لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير - سواء كانت ملكاً له ، أو مستأجرة ، أو مستعارة ، بل أو مغصوبة - عرّفه الساكن ، فإن ادّعى ملكيته

ص: 249

فهو له ، فليدفع إليه بلا بيّنة ، ولو قال : «لا أدري» ففي جريان هذا الحكم إشكال ، ولو سلبه عن نفسه فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه ، وأحوط منه إجراء حكم مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك .

(مسألة 34) : لو وجد شيئاً في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره ، فإن كان غير السمك - كالغنم والبقر - عرّفه صاحبه السابق ، فإن ادّعاه دفعه إليه ، وكذا إن قال : «لا أدري» على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى أ نّه لواجده ، وإن أنكره كان للواجد . وإن وجد شيئاً - لؤلؤة أو غيرها - في جوف سمكة اشتراها فهو له . والظاهر أنّ الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك ، كما إذا اصطاد غزالاً فوجد في جوفه شيئاً ؛ وإن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه .

(مسألة 35) : لو وجد في داره التي يسكنها شيئاً ولم يعلم أ نّه ماله أو مال غيره ، فإن لم يدخلها غيره ، أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتّفاق - كالدخلانية المعدّة لأهله وعياله - فهو له . وإن كانت ممّا يتردّد فيها الناس - كالبرّانية المعدّة للأضياف والواردين والعائدين والمضايف ونحوها - فهو لقطة يجري عليه حكمها . وإن وجد في صندوقه شيئاً ولم يعلم أ نّه ماله أو مال غيره فهو له ، إلاّ إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً فيعرّفه ذلك الغير ، فإن أنكره كان له لا لذلك الغير ، وإن ادّعاه دفعه إليه ، وإن قال : «لا أدري» فالأحوط التصالح .

(مسألة 36) : لو أخذ من شخص مالاً ، ثمّ علم أ نّه لغيره قد اُخذ منه بغير وجه شرعي وعدواناً ، ولم يعرف المالك ، يجري عليه حكم مجهول المالك ، لا اللقطة ؛

ص: 250

لما مرّ من أ نّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ، ولا ضياع في هذا الفرض . نعم ، في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالاً ، ثمّ تبيّن أ نّه مال غيره ولم يعرفه ، يجب عليه أن يمسكه ولا يردّه إلى السارق مع الإمكان ، ثمّ هو بحكم اللقطة ، فيعرّفه حولاً ، فإن أصاب صاحبه ردّه عليه ، وإلاّ تصدّق به ، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له ، وليس له على الأحوط أن يتملّكه بعد التعريف ، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة .

(مسألة 37) : لو التقط شيئاً فبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر ، وقال : «إنّه مالي» ، يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه ، بل يحتاج إلى البيّنة إلاّ إذا كان بحيث يصدق عرفاً أ نّه في يده ، أو ادّعاه قبل أن يلتقطه ، فيحكم بكونه ملكاً للمدّعي ، ولا يجوز له أن يلتقطه .

(مسألة 38) : لا يجب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلاّ مع العلم أو البيّنة وإن وصفها بصفات وعلامات لا يطّلع عليها غير المالك غالباً إذا لم يفد القطع بكونه المالك . نعم ، نسب إلى الأكثر : أ نّه إن أفاد الظنّ جاز دفعها إليه ، فإن تبرّع بالدفع لم يمنع ، وإن امتنع لم يجبر ، وهو الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البيّنة .

(مسألة 39) : لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره ، أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر ، فإن علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه ، بل يتملّكه بعنوان التقاصّ عن ماله إذا علم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّداً ، وجريان الحكم في غير ذلك محلّ إشكال ؛ وإن لا يخلو من قرب لكن

ص: 251

بعد الفحص عن صاحبه واليأس منه . وكذا يجب الفحص في صورة تعمّده . نعم ، لو كان الموجود أجود ممّا اُخذ يلاحظ التفاوت ، فيقوّمان معاً ويتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك ، وإن لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره ، يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فيتفحّص عن صاحبه ومع اليأس عنه يتصدّق به ، بل الأحوط ذلك أيضاً فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ لكن لم يعلم أ نّه قد بدّل متعمّداً .

خاتمة

إذا وجد صبيّاً ضائعاً لا كافل له ، ولا يستقلّ بنفسه على السعي فيما يصلحه والدفع عمّا يضرّه ويهلكه - ويقال له : اللقيط - يجوز بل يستحبّ التقاطه وأخذه ، بل يجب مقدّمة إن توقّف حفظه عليه لو كان في معرض التلف ؛ سواء كان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما - عجزاً عن النفقة ، أو خوفاً من التهمة - أو غيره ، بل وإن كان مميّزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له ، وبعد

ما أخذ اللقيط والتقطه يجب عليه حضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره ، وهو أحقّ به من غيره إلى أن يبلغ ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدّى حضانته غير من له حقّ الحضانة شرعاً بحقّ النسب كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب ، أو بحقّ الوصاية كوصيّ الأب أو الجدّ إذا وجد أحد هؤلاء ، فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط ؛ لوجود الكافل له حينئذٍ ، واللقيط من لا كافل له ، وكما لهؤلاء حقّ الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه ، كذلك عليهم ذلك ، فلو امتنعوا اُجبروا عليه .

(مسألة 1) : إذا كان للّقيط مال ؛ من فراش أو غطاء زائدين على مقدار

ص: 252

حاجته أو غير ذلك ، جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله ، ومع تعذّرهما وتعذّر عدول المؤمنين على الأحوط جاز له ذلك بنفسه ، ولا ضمان عليه . وإن لم يكن له مال ، فإن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال ، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها ، أو متبرّع ، كان له الاستعانة بهم في إنفاقه ، أو الإنفاق عليه من ماله ، وليس له حينئذٍ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع عليه ، وإن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه ، وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه .

(مسألة 2) : يشترط في الملتقط : البلوغ والعقل والحرّية ، وكذا الإسلام إن كان اللقيط محكوماً بالإسلام .

(مسألة 3) : لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام ، وكذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولّد اللقيط منه . وإن كان في دار الكفر ولم يكن فيها مسلم ، أو كان ولم يحتمل كونه منه ، يحكم بكفره ، وفيما كان محكوماً بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره ، لكن لا يجري عليه حكم المرتدّ الفطري على الأقوى .

ص: 253

كتاب النكاح

اشارة

وهو من المستحبّات الأكيدة ، وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه ممّا لا يحصى كثرة : فعن مولانا الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللّه عزّوجلّ من التزويج» ، وعن مولانا الصادق علیه السلام : «ركعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيهما عزبٌ» ، وعنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : رذال موتاكم العزّاب» ، وفي خبر آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «أكثر أهل النار العزّاب» ، ولا ينبغي أن يمنعه الفقر والعيلة بعد ما وعد اللّه - عزّوجلّ - بالإغناء والسعة بقوله عزّ من قائل : (إنْ يَكُونُوا فُقراءَ يُغْنِهِمُ اللّه ُ مِنْ فَضلِهِ) ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللّه عزّوجلّ» هذا .

وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور : بعضها متعلّق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي ، وبعضها في آداب العقد ، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة ، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام ، وهي تذكر في ضمن مسائل :

(مسألة 1) : ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد

ص: 254

تزويجها ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين» ، وفي خبر آخر : «تخيّروا لنطفكم ، فإنّ الأبناء تشبه الأخوال» .

وعن مولانا الصادق علیه السلام لبعض أصحابه حين قال : قد هممت أن أتزوّج : «اُنظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وحسن الخلق» الخبر .

وعنه علیه السلام : «إنّما المرأة قلادة ، فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر ؛ لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ . فأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة ، هي خيرٌ من الذهب والفضّة ، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب ، التراب خيرٌ منها» . وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج ، كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا الرضا ، عن آبائه علیهم السلام ، عن

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «النكاح رقّ ، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقّها ، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته» .

(مسألة 2) : ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصوراً على الجمال والمال ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها لم ير فيها ما يحبّ ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ له وكله اللّه إليه ، فعليكم بذات الدين» . بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار ، فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمّها الآثار ، وأجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي صلى الله عليه و آله وسلمأ نّه قال : «خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره - إلى أن قال - ألا اُخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة

مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تتورّع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها ،

ص: 255

الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ولا تقيل له ذنباً» . وفي خبر آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «إيّاكم وخضراء الدمن . قيل يا رسول اللّه : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء» .

(مسألة 3) : يكره تزويج الزانية والمتولّدة من الزنا وأن يتزوّج الشخص قابلته أو ابنتها .

(مسألة 4) : لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجاً سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق وشارب الخمر .

(مسألة 5) : يستحبّ الإشهاد في العقد والإعلان به والخطبة أمامه ، أكملها ما اشتملت على التحميد والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة المعصومين علیهم السلام والشهادتين ، والوصيّة بالتقوى ، والدعاء للزوجين . ويجزي الحمد للّه والصلاة على محمّد وآله ، بل يجزي التحميد فقط وإيقاعه ليلاً . ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب وإيقاعه في محاق الشهر وفي أحد الأيّام المنحوسة في كلّ شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر ، وهي سبعة : الثالث ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون .

(مسألة 6) : يستحبّ أن يكون الزفاف ليلاً ، والوليمة في ليله أو نهاره ، فإنّها من سنن المرسلين وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا وليمة إلاّ في خمس : في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز» يعني للتزويج أو ولادة الولد أو الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكّة ، وإنّما تستحبّ يوماً أو يومين لا أزيد ؛ للنبوي : «الوليمة

ص: 256

في الأوّل حقّ ، ويومان مكرمة ، وثلاثة أيّام رياء وسمعة» ، وينبغي أن يُدعى لها المؤمنون ، ويستحبّ لهم الإجابة والأكل وإن كان المدعوّ صائماً نفلاً ، وينبغي أن يعمّ صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء ، وأن لا يخصّها بالأغنياء ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «شرّ الولائم أن يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء» .

(مسألة 7) : يستحبّ لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه أن يصلّي ركعتين ثمّ يدعو بعدهما بالمأثور ، وأن يكونا على طهر ، وأن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ، ويقول : «اللّهُمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ، ولا تجعله شرك شيطان» .

(مسألة 8) : للخلوة بالمرأة مطلقاً ولو في غير الزفاف آداب ، وهي بين مستحبّ ومكروه .

أمّا المستحبّة فمنها : أن يسمّي عند الجماع ، فإنّه وقاية عن شرك الشيطان ، فعن الصادق علیه السلام : «أ نّه إذا أتى أحدكم أهله فليذكر اللّه ، فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان» ، وفي معناه أخبار كثيرة . ومنها : أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولداً تقيّاً مباركاً زكيّاً ذكراً سويّاً . ومنها : أن يكون على وضوء ، سيّما إذا كانت المرأة حاملاً .

وأمّا المكروهة : فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة ، وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق ، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي المحاق ، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر ، ما عدا شهر رمضان ، وفي ليلة النصف من كلّ شهر ، وليلة الأربعاء ، وفي ليلتي الأضحى والفطر . ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس

ص: 257

والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ، ويوم الجمعة بعد العصر ، ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به ، والجماع وهو عريان وعقيب الاحتلام قبل الغسل . نعم ، لا بأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيراً ، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة . وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتّى الصبيّ والصبيّة ، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي السفينة ، والكلام عند الجماع بغير ذكر اللّه ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء من الطعام . فعن الصادق علیه السلام : «ثلاث يهدمن البدن وربما قتلن : دخول الحمّام على البطنة ، والغشيان على الامتلاء ، ونكاح العجائز» . ويكره الجماع قائماً ، وتحت السماء ، وتحت الشجرة المثمرة ، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة ، بل يكون له خرقة ولها خرقة ، ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة ، ففي الخبر : «إنّ ذلك يعقب بينهما العداوة» .

(مسألة 9) : يستحبّ التعجيل في تزويج البنت ، وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن الصادق علیه السلام : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» ، وفي الخبر : «إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن ، أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء ، فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة» ، وأن لا يردّ الخاطب إذا كان من يرضى خلقه ودينه وأمانته ، وكان عفيفاً صاحب يسار ، ولا يُنظر إلى شرافة الحسب وعلوّ النسب ، فعن علي علیه السلام ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه . قلت يا رسول اللّه وإن كان دنيّاً في نسبه ، قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» .

ص: 258

(مسألة 10) : يستحبّ السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين ، فعن الصادق علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع اللّه بينهما» . وعن الكاظم علیه السلام قال : «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّاً» ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من عمل في تزويج بين مؤمنين حتّى يجمع بينهما ، زوّجه اللّه ألف امرأة من الحور العين كلّ امرأة في قصر من درّ وياقوت ، وكان له بكلّ خطوة خطاها ، أو بكلّ كلمة تكلّم بها في ذلك ، عمل سنة قام ليلها وصام نهارها ، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب اللّه ولعنته في الدنيا والآخرة ، وكان حقّاً على اللّه أن يرضخه بألف صخرة من نار ، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرّق كان في سخط اللّه - عزّوجلّ - ولعنته في الدنيا والآخرة ، وحرّم عليه النظر إلى وجهه» .

(مسألة 11) : المشهور الأقوى جواز وط ء الزوجة دبراً على كراهية شديدة ، والأحوط تركه خصوصاً مع عدم رضاها .

(مسألة 12) : لا يجوز وط ء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأمّا سائر الاستمتاعات - كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ - فلا بأس بها حتّى في الرضيعة ، ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه شيء غير الإثم على الأقوى ، وإن أفضاها - بأن جعل مسلكي البول والحيض واحداً ، أو مسلكي الحيض والغائط واحداً - حرم عليه وطؤها أبداً ، لكن على الأحوط في الصورة الثانية . وعلى أيّ حال لم تخرج عن زوجيته على الأقوى ، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اُختها معها وغيرها ، ويجب عليه نفقتها ما دامت حيّة وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط ،

ص: 259

بل لا يخلو من قوّة ، ويجب عليه دية الإفضاء ، وهي دية النفس ، فإذا كانت حرّة فلها نصف دية الرجل ، مضافاً إلى المهر الذي استحقّته بالعقد والدخول . ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها ، لم تحرم عليه ولم تثبت الدية ، ولكن الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حيّة وإن كان الأقوى عدم الوجوب .

(مسألة 13) : لا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من أربعة أشهر إلاّ بإذنها ؛ حتّى المنقطعة على الأقوى ، ويختصّ الحكم بصورة عدم العذر ، وأمّا معه فيجوز الترك مطلقاً ما دام وجود العذر ، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها ، ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو . وهل يختصّ الحكم بالحاضر فلا بأس على المسافر وإن طال سفره ، أو يعمّهما ؛ فلا يجوز للمسافر إطالة سفره أزيد من أربعة أشهر ، بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حقّ زوجته ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل ، لكن بشرط كون السفر ضرورياً ولو عرفاً كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك ، دون ما كان لمجرّد الميل والاُنس والتفرّج ونحو ذلك على الأحوط .

(مسألة 14) : لا إشكال في جواز العزل ، وهو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرّة ، وكذا فيها مع إذنها .

وأمّا فيها بدون إذنها ففيه قولان ، أشهرهما الجواز مع الكراهة وهو الأقوى . بل لا يبعد عدم الكراهة في التي علم أ نّها لا تلد ، وفي المسنّة والسليطة والبذية والتي لا ترضع ولدها ، كما أنّ الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة ، وهي عشرة دنانير ، وهو ضعيف في الغاية .

ص: 260

(مسألة 15) : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه حتّى العورة ، وكذا مسّ كلّ منهما - بكلّ عضو منه - كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه .

(مسألة 16) : لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله ؛ شيخاً كان المنظور إليه أو شابّاً حسن الصورة أو قبيحها ؛ ما لم يكن بتلذّذ وريبة .

والعورة هي القبل والدبر والبيضتان . وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها ، وأمّا عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل .

(مسألة 17) : يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذّذ وريبة . والمراد بالمحارم : من يحرم عليه نكاحهنّ من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة . وكذا يجوز لهنّ النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذّذ وريبة .

(مسألة 18) : لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة من شعرها وسائر جسدها ؛ سواء كان فيه تلذّذ وريبة أم لا ، وكذا الوجه والكفّان إذا كان بتلذّذ وريبة . وأمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال : الجواز مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، والتفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل ، وتكرار النظر فالثاني . وأحوط الأقوال أوسطها .

(مسألة 19) : لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبيّ كالعكس ، والأقرب استثناء الوجه والكفّين .

(مسألة 20) : كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسّه ، فلا يجوز مسّ الأجنبيّ الأجنبيّة وبالعكس ، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة

ص: 261

لم نقل بجواز مسّهما منها ، فلا يجوز للرجل مصافحتها . نعم ، لا بأس بها من وراء الثوب ، لكن لا يغمز كفّها احتياطاً .

(مسألة 21) : لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبيّ والأجنبيّة ، والأحوط ترك النظر إلى الشعر المنفصل . نعم ، الظاهر أ نّه لا بأس بالنظر إلى السنّ والظفر المنفصلين .

(مسألة 22) : يستثنى من حرمة النظر واللمس - في الأجنبيّ والأجنبيّة - مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها ، والفصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ومقام الضرورة ، كما إذا توقّف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللمس ، وإذا اقتضت الضرورة ، أو توقّف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس ، اقتصر على ما اضطرّ إليه ، وفيما يضطرّ إليه اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الآخر ولا التعدّي .

(مسألة 23) : كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبيّة ، يجب عليها التستّر من الأجانب ، ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استثني ، وإذا علموا بأنّ النساء يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستّر منهنّ ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 24) : لا إشكال في أنّ غير المميّز من الصبيّ والصبيّة خارج عن أحكام النظر واللمس بغير شهوة ، لا معها لو فرض ثورانها .

(مسألة 25) : يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة . نعم ، الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجرِ العادة على سترها بالألبسة المتعارفة ، مثل الوجه والكفّين وشعر الرأس والذراعين والقدمين ،

ص: 262

لا مثل الفخذين والأليين والظهر والصدر والثديين ، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها ، والأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين .

(مسألة 26) : يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ ، ولا يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة ؛ على الأقوى في الترتّب الفعلي ، وعلى الأحوط في غيره .

(مسألة 27) : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ والريبة ؛ أعني خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المواضع التي جرت عادتهنّ على عدم التستّر عنها . وقد تلحق بهنّ نساء أهل البوادي والقرى - من الأعراب وغيرهم - اللاتي جرت عادتهنّ على عدم التستّر وإذا نهين لا ينتهين ، وهو مشكل . نعم ، الظاهر أ نّه يجوز التردّد في القرى والأسواق ومواقع تردّد تلك النسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملتهنّ مع العلم عادة بوقوع النظر عليهنّ ، ولا يجب غضّ البصر في تلك المحالّ إذا لم يكن خوف افتتان .

(مسألة 28) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها بشرط أن لا يكون بقصد التلذّذ ؛ وإن علم أ نّه يحصل بسبب النظر قهراً ، وبشرط أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها ، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلاً ، لا مثل ذات البعل والعدّة ، وبشرط أن يحتمل حصول التوافق على التزويج دون من علم أ نّها تردّ خطبتها ، والأحوط الاقتصار على وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها ؛ وإن كان الأقوى جواز التعدّي إلى المعاصم ، بل وسائر الجسد ما عدا العورة ، والأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق . كما أنّ الأحوط - لو لم يكن الأقوى - الاقتصار على ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص ، فلا يعمّ الحكم ما إذا كان قاصداً

ص: 263

لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار . ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطّلاع عليها بالنظرة الاُولى .

(مسألة 29) : الأقوى جواز سماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ وريبة . وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة ؛ وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة ، خصوصاً في الشابّة . وذهب جماعة إلى حرمة السماع والإسماع ، وهو ضعيف . نعم ، يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفية مهيّجة ؛ بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت ، فيطمع الذي في قلبه مرض .

فصل : في عقد النكاح وأحكامه

النكاح على قسمين : دائم ومنقطع . وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود والرضا به دلالة معتبرة عند أهل المحاورة ، فلا يكفي مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ، ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة ، وكذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس . والأحوط لزوماً كونه فيهما باللفظ العربي ، فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلاّ مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوب التوكيل ، ويجوز بغير العربي مع العجز عنه ، وعند ذلك لا بأس بإيقاعه بغيره لكن بعبارة يكون مفادها مفاد اللفظ العربي ؛ بحيث تعدّ ترجمته .

(مسألة 1) : الأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج ، فلا يجزي أن يقول الزوج : «زوّجتك نفسي» ،

ص: 264

فتقول الزوجة : «قبلت» على الأحوط . وكذا الأحوط تقديم الأوّل على الثاني ؛ وإن كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ «قبلت» وأشباهه .

(مسألة 2) : الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي «أنكحت» أو «زوّجت» ، فلا يوقع بلفظ «متّعت» على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى وقوعه به مع الإتيان بما يجعله ظاهراً في الدوام ، ولا يوقع بمثل «بعت» أو «وهبت» أو «ملّكت» أو «آجرت» ، وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» أو «رضيت» ، ويجوز الاقتصار في القبول بذكر «قبلت» فقط بعد الإيجاب ؛ من دون ذكر المتعلّقات التي ذكرت فيه ، فلو قال الموجب - الوكيل عن الزوجة - للزوج : «أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلاني» ، فقال الزوج : «قبلت» ؛ من دون أن يقول : «قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلاني» ، صحّ .

(مسألة 3) : يتعدّى كلّ من الإنكاح والتزويج إلى مفعولين ، والأولى أن يجعل الزوج مفعولاً أوّلاً والزوجة ثانياً ، ويجوز العكس ، ويشتركان في أنّ كلاًّ منهما يتعدّيان إلى المفعول الثاني بنفسه تارة وبواسطة «من» اُخرى ، فيقال : «أنكحتُ أو زوّجتُ زيداً هنداً ، أو أنكحت هنداً من زيد» ، وباللام أيضاً ، هذا بحسب المشهور والمأنوس ، وربما يستعملان على غير ذلك ، وهو ليس بمشهور ومأنوس .

(مسألة 4) : عقد النكاح قد يقع بين الزوج والزوجة وبمباشرتهما ، فبعد التقاول والتواطؤ وتعيين المهر ، تقول الزوجة مخاطبة للزوج : «أنكحتك نفسي ، أو أنكحت نفسي منك - أو لك - على المهر المعلوم» ، فيقول الزوج بغير فصل معتدّ به : «قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» ، أو تقول :

ص: 265

«زوّجتك نفسي أو زوّجت نفسي منك ، أو لك على المهر المعلوم» فيقول : «قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» . وقد يقع بين وكيليهما ، فبعد التقاول وتعيين الموكّلين والمهر ، يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج : «أنكحت موكّلك فلاناً موكّلتي فلانةً أو من موكّلك أو لموكّلك فلان على المهر المعلوم» ، فيقول وكيل الزوج : «قبلت النكاح لموكّلي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» ، أو يقول وكيلها : «زوّجت موكّلتي موكّلك أو من موكّلك أو لموكّلك فلان على المهر المعلوم» فيقول وكيله : «قبلت التزويج لموكّلي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» . وقد يقع بين وليّيهما كالأب والجدّ ، فبعد التقاول وتعيين المولّى عليهما والمهر يقول وليّ الزوجة : «أنكحت ابنتي أو ابنة ابني فلانة - مثلاً - ابنك أو ابن ابنك فلاناً ، أو من ابنك أو ابن ابنك ، أو لابنك أو لابن ابنك على المهر المعلوم» ، أو يقول : «زوّجت بنتي ابنك - مثلاً - أو من ابنك أو لابنك» ، فيقول وليّ الزوج : «قبلت النكاح أو التزويج لابني أو لابن ابني على المهر المعلوم» . وقد يكون بالاختلاف ؛ بأن يقع بين الزوجة ووكيل الزوج وبالعكس ، أو بينها وبين وليّ الزوج وبالعكس ، أو بين وكيل الزوجة ووليّ الزوج وبالعكس ، ويعرف كيفية إيقاع العقد في هذه الصور ممّا فصّلناه في الصور المتقدّمة . والأولى تقديم الزوج على الزوجة في جميع الموارد كما مرّ .

(مسألة 5) : لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الإيجاب ، بل يصحّ الإيجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر ، فلو قال : «زوّجتك» فقال : «قبلت النكاح» أو قال : «أنكحتك» فقال : «قبلت التزويج» صحّ ؛ وإن كان الأحوط المطابقة .

(مسألة 6) : إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيّراً للمعنى - بحيث يعدّ اللفظ

ص: 266

عبارة لمعنىً آخر غير ما هو المقصود - لم يكفِ ، وإن لم يكن مغيّراً ، بل كان بحيث يفهم منه المعنى المقصود ، ويعدّ لفظاً لهذا المعنى ، إلاّ أ نّه يقال له : لفظ ملحون وعبارة ملحونة من حيث المادّة أو من جهة الإعراب والحركات ، فالاكتفاء به لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط خلافه . وأولى بالاكتفاء اللغات المحرّفة عن اللغة العربية الأصلية ، كلغة سواد العراق في هذا الزمان ؛ إذا كان المباشر للعقد من أهالي تلك اللغة ، لكن بشرط أن لا يكون مغيّراً للمعنى ، مثل «جوّزت» بدل «زوّجت» إلاّ إذا فرض صيرورته في لغتهم كالمنقول .

(مسألة 7) : يعتبر في العقد القصد إلى مضمونه ، وهو متوقّف على فهم معنى لفظي «أنكحْت» و«زَوّجت» ولو بنحو الإجمال ؛ حتّى لا يكون مجرّد لقلقة لسان . نعم ، لا يعتبر العلم بالقواعد العربية ، ولا العلم والإحاطة بخصوصيات معنى اللفظين على التفصيل ، بل يكفي علمه إجمالاً ، فإذا كان الموجب بقوله : «أنكحت» أو «زوّجت» قاصداً لإيقاع العلقة الخاصّة المعروفة المرتكزة في الأذهان التي يطلق عليها «النكاح» و«الزواج» في لغة العرب ، ويعبّر عنها في لغات اُخر بعبارات اُخر ، وكان القابل قابلاً لهذا المعنى كفى ، إلاّ إذا كان جاهلاً باللغات ؛ بحيث لا يفهم أنّ العلقة واقعة بلفظ «زوّجت» أو بلفظ «موكّلي» ، فحينئذٍ صحّته مشكلة وإن علم أنّ هذه الجملة لهذا المعنى .

(مسألة 8) : يعتبر في العقد قصد الإنشاء ؛ بأن يكون الموجب في قوله : «أنكحت» أو «زوّجت» قاصداً إيقاع النكاح والزواج وإيجاد ما لم يكن ، لا الإخبار والحكاية عن وقوع شيء في الخارج ، والقابل بقوله : «قبلت» منشئاً لقبول ما أوقعه الموجب .

ص: 267

(مسألة 9) : تعتبر الموالاة وعدم الفصل المعتدّ به بين الإيجاب والقبول .

(مسألة 10) : يشترط في صحّة العقد التنجيز ، فلو علّقه على شرط ومجيء زمان بطل . نعم ، لو علّقه على أمر محقّق الحصول ، كما إذا قال في يوم الجمعة : «أنكحتُ إن كان اليوم يوم الجمعة» ، لم يبعد الصحّة .

(مسألة 11) : يشترط في العاقد المجري للصيغة : البلوغ والعقل ، فلا اعتبار بعقد الصبيّ والمجنون ولو أدوارياً حال جنونه ؛ سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما ، والأحوط البناء على سقوط عبارة الصبيّ ، لكن لو قصد المميّز المعنى وعقد لغيره وكالة أو فضولاً وأجاز ، أو عقد لنفسه مع إذن الوليّ أو إجازته ، أو أجاز هو بعد البلوغ ، يتخلّص بالاحتياط . وكذا يعتبر فيه القصد ، فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران وأشباههم . نعم ، في خصوص عقد السكرى إذا عقّبه الإجازة بعد إفاقتها ، لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .

(مسألة 12) : يشترط في صحّة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك ، فلو قال : «زوّجتُك إحدى بناتي» ، أو قال : «زوّجت بنتي فلانة من أحد بنيك ، أو من أحد هذين» بطل . نعم ، يشكل فيما لو كانا معيّنين بحسب قصد المتعاقدين ومتميّزين في ذهنهما ، لكن لم يعيّناهما عند إجراء الصيغة ، ولم يكن ما يدلّ عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية ، كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ، ولكن في مقام إجراء الصيغة قال : «زوّجتُ إحدى بناتي من أحد بنيك» وقبل الآخر . نعم ، لو تقاولا وتعاهدا على واحدة فعقدا مبنيّاً عليه فالظاهر الصحّة ، كما إذا قال بعد التقاول : «زوّجت ابنتي منك» ، دون أن يقول : «زوّجت إحدى بناتي» .

ص: 268

(مسألة 13) : لو اختلف الاسم مع الوصف ، أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة ، يتبع العقد لما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطاً وخطأً ، فإذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيّل أنّ اسمها فاطمة ، وكانت المسمّاة بفاطمة هي الصغرى ، وكانت الكبرى مسمّاة بخديجة ، وقال : «زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة» ، وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة ، ويُلغى تسميتها بفاطمة ، وإن كان المقصود تزويج فاطمة ، وتخيّل أ نّها كبرى ، فتبيّن أ نّها صغرى ، وقع العقد على المسمّاة بفاطمة ، واُلغي وصفها بأ نّها الكبرى . وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة ، وتخيّل أ نّها كبرى واسمها فاطمة ، فقال : «زوّجتك هذه وهي فاطمة وهي الكبرى من بناتي» فتبيّن أ نّها الصغرى واسمها خديجة ، وقع العقد على المشار إليها ويُلغى الاسم والوصف . ولو كان المقصود العقد على الكبرى ، فلمّا تخيّل أنّ هذه المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى ، قال : «زوّجتك هذه وهي الكبرى» ، لا يقع العقد على الكبرى بلا إشكال ، وفي وقوعه على المشار إليها وجه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .

(مسألة 14) : لا إشكال في صحّة التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من طرفين ؛ بتوكيل الزوج أو الزوجة إن كانا كاملين ، أو بتوكيل وليّهما إن كانا قاصرين ، ويجب على الوكيل أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكّل من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات ، فإن تعدّى كان فضولياً موقوفاً على الإجازة ، وكذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكّل ، فإن تعدّى وأتى بما هو خلاف المصلحة كان فضولياً . نعم ، لو عيّن خصوصية تعيّنت ونفذ عمل الوكيل وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الموكّل .

(مسألة 15) : لو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها ، ليس له أن يزوّجها من نفسه

ص: 269

إلاّ إذا صرّحت بالتعميم ، أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهراً في العموم بحيث يشمل نفسه .

(مسألة 16) : الأقوى جواز تولّي شخص واحد طرفي العقد ؛ بأن يكون موجباً وقابلاً من الطرفين ؛ أصالة من طرف ووكالة من آخر ، أو ولاية من الطرفين ، أو وكالة عنهما ، أو بالاختلاف وإن كان الأحوط الأولى مع الإمكان تولّي الاثنين وعدم تولّي شخص واحد للطرفين ، خصوصاً في تولّي الزوج طرفي العقد أصالة من طرفه ووكالة عن الزوجة في عقد الانقطاع ، فإنّه لا يخلو من إشكال غير معتدّ به ، لكن لا ينبغي فيه ترك الاحتياط .

(مسألة 17) : إذا وكّلا وكيلاً في العقد في زمان معيّن ، لا يجوز لهما المقاربة بعد ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بإيقاعه ، ولا يكفي الظنّ . نعم ، لو أخبر الوكيل بالإيقاع كفى ؛ لأنّ قوله حجّة فيما وكّل فيه .

(مسألة 18) : لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح - دواماً أو انقطاعاً - لا للزوج ولا للزوجة ، فلو شرطاه بطل الشرط ، بل المشهور على بطلان العقد أيضاً ، وقيل ببطلان الشرط دون العقد ، ولا يخلو من قوّة . ويجوز اشتراط الخيار في المهر مع تعيين المدّة ، فلو فسخ ذو الخيار سقط المهر المسمّى ، فيكون كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع إلى مهر المثل . هذا في العقد الدائم الذي لا يعتبر فيه ذكر المهر . وأمّا المتعة التي لا تصحّ بلا مهر ، فهل يصحّ فيها اشتراط الخيار في المهر ؟ فيه إشكال .

(مسألة 19) : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فصدّقته ، أو ادّعت امرأة زوجية رجل فصدّقها ، حكم لهما بذلك مع احتمال الصدق ، وليس لأحد الاعتراض

ص: 270

عليهما ؛ من غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين . وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر ، فالبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإن كان للمدّعي بيّنة حكم له ، وإلاّ فتتوجّه اليمين إلى المنكر ، فإن حلف سقطت دعوى المدّعي ، وإن نكل يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت الحقّ ، وإن نكل سقط . وكذا لو ردّه المنكر على المدّعي وحلف ثبت ، وإن نكل سقط . هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى . وأمّا بحسب الواقع فيجب على كلّ منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين اللّه تعالى .

(مسألة 20) : إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الإقرار ، يسمع منه ويُحكم بالزوجية بينهما وإن كان ذلك بعد الحلف على الأقوى .

(مسألة 21) : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل لها أن تتزوّج من غيره وللغير أن يتزوّجها قبل فصل الدعوى والحكم ببطلان دعوى المدّعي ، أم لا ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، خصوصاً فيما لو تراخى المدّعي في الدعوى ، أو سكت عنها حتّى طال الأمر عليها ، وحينئذٍ إن أقام المدّعي بعد العقد عليها بيّنة ، حكم له بها وبفساد العقد عليها ، وإن لم تكن بيّنة تتوجّه اليمين إلى المعقود عليها ، فإن حلفت بقيت على زوجيتها وسقطت دعوى المدّعي . وكذا لو ردّت اليمين على المدّعي ونكل عن اليمين . وإنّما الإشكال فيما إذا نكلت عن اليمين ، أو ردّت اليمين على المدّعي وحلف ، فهل يحكم بسببهما بفساد العقد عليها ، فيفرّق بينها وبين زوجها ، أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني ، لكن إذا طلّقها الذي عقد عليها أو مات عنها زال المانع ، فتردّ إلى المدّعي بسبب حلفه المردود عليه من الحاكم أو المنكر .

ص: 271

(مسألة 22) : يجوز تزويج امرأة تدّعي أ نّها خليّة من الزوج مع احتمال صدقها من غير فحص حتّى فيما إذا كانت ذات بعل سابقاً ، فادّعت طلاقها أو موته . نعم ، لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط الأولى الفحص عن حالها ، فمن غاب غيبة منقطعة لم يعلم موته وحياته إذا ادّعت زوجته حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن وإخبار المخبرين ، جاز تزويجها وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها إذا لم يَعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .

(مسألة 23) : إذا تزوّج بامرأة تدّعي أ نّها خليّة عن الزوج فادّعى رجل آخر زوجيتها ، فهذه الدعوى متوجّهة إلى كلّ من الزوج والزوجة ، فإن أقام المدّعي بيّنة شرعية حكم له عليهما ، وفرّق بينهما وسلّمت إليه . ومع عدم البيّنة توجّه اليمين إليهما ، فإن حلفا معاً على عدم زوجيته سقطت دعواه عليهما ، وإن نكلا عن اليمين فردّها الحاكم عليه ، أو ردّاها عليه وحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر ؛ بأن نكل عن اليمين فردّها الحاكم عليه أو ردّ هو عليه فحلف سقطت دعواه بالنسبة إلى الحالف . وأمّا بالنسبة إلى الآخر وإن ثبتت دعوى المدّعي بالنسبة إليه ، لكن ليس لهذا الثبوت أثر بالنسبة إلى من حلف ، فإن كان الحالف هو الزوج والناكل هي الزوجة ، ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج ، إلاّ أ نّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إلى المدّعي ، وإن كان الحالف هي الزوجة والناكل هو الزوج ، سقطت دعوى المدّعي بالنسبة إليها ، وليس له سبيل إليها على كلّ حال .

(مسألة 24) : إذا ادّعت امرأة أ نّها خليّة فتزوّجها رجل ، ثمّ ادّعت بعد ذلك أ نّها كانت ذات بعل لم تسمع دعواها . نعم ، لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينهما ،

ص: 272

ويكفي في ذلك بأن تشهد بأ نّها كانت ذات بعل ، فتزوّجت حين كونها كذلك من الثاني ؛ من غير لزوم تعيين زوج معيّن .

(مسألة 25) : يشترط في صحّة العقد الاختيار ؛ أعني اختيار الزوجين ، فلو اُكرها أو اُكره أحدهما على الزواج لم يصحّ . نعم ، لو لحقه الرضا صحّ على الأقوى .

فصل : في أولياء العقد

(مسألة 1) : للأب والجدّ من طرف الأب - بمعنى أب الأب فصاعداً - ولاية على الصغير والصغيرة والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ ، وكذا المنفصل عنه على الظاهر ، ولا ولاية للاُمّ عليهم وللجدّ من طرف الاُمّ ؛ ولو من قبل اُمّ الأب ؛ بأن كان أباً لاُمّ الأب مثلاً ، ولا للأخ والعمّ والخال وأولادهم .

(مسألة 2) : ليس للأب والجدّ للأب ولاية على البالغ الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبة . وأمّا إذا كانت بكراً ففيه أقوال : استقلالها وعدم الولاية لهما عليها ؛ لا مستقلاًّ ولا منضمّاً ، واستقلالهما وعدم سلطنة وولاية لها

كذلك ، والتشريك بمعنى اعتبار إذن الوليّ وإذنها معاً ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع ؛ إمّا باستقلالها في الأوّل دون الثاني ، أو العكس ، والأحوط الاستئذان منهما . نعم ، لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها من التزويج بمن هو كفو لها شرعاً وعرفاً مع ميلها ، وكذا إذا كانا غائبين ؛ بحيث لا يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزويج .

(مسألة 3) : ولاية الجدّ ليست منوطة بحياة الأب ولا موته ، فعند وجودهما

ص: 273

استقلّ كلّ منهما بالولاية ، وإذا مات أحدهما اختصّت بالآخر ، وأيّهما سبق في تزويج المولّى عليه عند وجودهما لم يبق محلّ للآخر ، ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ولغا عقد الأب ، وإن جهل تأريخهما فلا يعلم السبق واللحوق والتقارن ، لزم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما ، وإن علم تأريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تأريخ عقد الجدّ قدّم على عقد الأب ، وإن كان عقد الأب قدّم على عقد الجدّ ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه الصورة .

(مسألة 4) : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة ، وإلاّ يكون العقد فضولياً كالأجنبيّ ، يتوقّف صحّته على إجازة الصغير بعد البلوغ ، بل الأحوط مراعاة المصلحة .

(مسألة 5) : إذا وقع العقد من الأب أو الجدّ عن الصغير أو الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما ، بل هو لازم عليهما .

(مسألة 6) : لو زوّج الوليّ الصغيرة بدون مهر المثل أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر ، فالأقوى صحّة العقد ولزومه وبطلان المهر ؛ بمعنى عدم نفوذه وتوقّفه على الإجازة بعد البلوغ ، فإن أجاز استقرّ ، وإلاّ رجع إلى مهر المثل .

(مسألة 7) : السفيه المبذّر المتّصل سفهه بزمان صغره ، أو حجر عليه للتبذير ، لا يصحّ نكاحه إلاّ بإذن أبيه أو جدّه أو الحاكم مع فقدهما ، وتعيين

ص: 274

المهر والمرأة إلى الوليّ ، ولو تزوّج بدون الإذن وقف على الإجازة ، فإن رأى المصلحة وأجاز جاز ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة .

(مسألة 8) : إذا زوّج الوليّ المولّى عليه بمن له عيب لم يصحّ ولم ينفذ ؛ سواء كان من العيوب الموجبة للخيار ، أو غيرها ككونه منهمكاً في المعاصي ، وكونه شارب الخمر أو بذيء اللسان سيّئ الخلق وأمثال ذلك ، إلاّ إذا كانت مصلحة ملزمة في تزويجه ، وحينئذٍ لم يكن خيار الفسخ لا له ولا للمولّى عليه ؛ إذا لم يكن العيب من العيوب المجوّزة للفسخ ، وإن كان منها فالظاهر ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه . هذا كلّه مع علم الوليّ بالعيب ، وإلاّ ففيه تأمّل وتردّد وإن لا تبعد الصحّة مع إعمال جهده في إحراز المصلحة ، وعلى الصحّة له الخيار في العيوب الموجبة للفسخ ، كما أنّ للمولّى عليه ذلك بعد رفع الحجر عنه ، وفي غيرها لا خيار له ولا للوليّ على الأقوى .

(مسألة 9) : ينبغي بل يستحبّ للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها ، وإن لم يكونا فأخاها ، وإن تعدّد الأخ قدّمت الأكبر .

(مسألة 10) : هل للوصيّ - أي القيّم من قبل الأب أو الجدّ - ولاية على الصغير والصغيرة في النكاح ؟ فيه إشكال لا يترك الاحتياط .

(مسألة 11) : ليس للحاكم ولاية في النكاح على الصغير ذكراً كان أو اُنثى مع فقد الأب والجدّ . ولو اقتضت الحاجة والضرورة والمصلحة اللازمة المراعاة النكاحَ ؛ بحيث ترتّب على تركه مفسدة يلزم التحرّز عنها ، قام الحاكم به ، ولا يترك الاحتياط بضمّ إجازة الوصيّ للأب أو الجدّ مع وجوده . وكذا فيمن بلغ فاسد العقل ، أو تجدّد فساد عقله ؛ إذا كان البلوغ والتجدّد في زمان حياة الأب أو الجدّ .

ص: 275

(مسألة 12) : يشترط في ولاية الأولياء : البلوغ والعقل والحرّية والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً ، فلا ولاية للصغير والصغيرة على أحد ، بل الولاية في موردها لوليّهما ، وكذا لا ولاية للأب والجدّ إذا جنّا ، وإن جنّ أحدهما يختصّ الولاية بالآخر . وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم ، فتكون للجدّ إذا كان مسلماً ، والظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر إذا لم يكن له جدّ مسلم ، وإلاّ فلا يبعد ثبوتها له دون الكافر .

(مسألة 13) : العقد الصادر من غير الوكيل والوليّ - المسمّى بالفضولي - يصحّ مع الإجازة ؛ سواء كان فضولياً من الطرفين أو من أحدهما ، وسواء كان المعقود عليه صغيراً أو كبيراً ، وسواء كان العاقد قريباً للمعقود عليه كالأخ والعمّ والخال ، أو أجنبيّاً ، ومنه العقد الصادر من الوليّ أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه ؛ بأن أوقع الوليّ على خلاف المصلحة ، أو الوكيل على خلاف ما عيّنه الموكّل .

(مسألة 14) : إن كان المعقود له ممّن يصحّ منه العقد لنفسه - بأن كان بالغاً عاقلاً - فإنّما يصحّ العقد الصادر من الفضولي بإجازته ، وإن كان ممّن لا يصحّ منه العقد ، وكان مولّىً عليه - بأن كان صغيراً أو مجنوناً - فإنّما يصحّ إمّا بإجازة وليّه في زمان قصوره ، أو إجازته بنفسه بعد كماله ، فلو أوقع الأجنبيّ عقداً على الصغير أو الصغيرة ، وقفت صحّة عقده على إجازتهما له بعد بلوغهما ورشدهما إن لم يجز أبوهما أو جدّهما في حال صغرهما ، فأيّ من الإجازتين حصلت كفت . نعم ، يعتبر في صحّة إجازة الوليّ ما اعتبر في صحّة عقده ، فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته ، وانحصر الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه ورشده .

ص: 276

(مسألة 15) : ليست الإجازة على الفور ، فلو تأخّرت عن العقد بزمن طويل صحّت ؛ سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه ، أو لأجل التروّي ، أو للاستشارة ، أو غير ذلك .

(مسألة 16) : لا أثر للإجازة بعد الردّ ، وكذا لا أثر للردّ بعد الإجازة ؛ فبها يلزم العقد ، وبه ينفسخ ؛ سواء كان السابق من الردّ أو الإجازة واقعاً من المعقود له أو وليّه ، فلو أجاز أو ردّ وليّ الصغيرين العقد الواقع عليهما فضولاً ، ليس لهما بعد البلوغ ردّ في الأوّل ولا إجازة في الثاني .

(مسألة 17) : إذا كان أحد الزوجين كارهاً حال العقد لكن لم يصدر منه ردّ له ، فالظاهر أ نّه يصحّ لو أجاز بعد ذلك ، بل الأقوى صحّته بها حتّى لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد .

(مسألة 18) : يكفي في الإجازة المصحّحة لعقد الفضولي كلّ ما دلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد ، بل يكفي الفعل الدالّ عليه .

(مسألة 19) : لا يكفي الرضا القلبي في صحّة العقد وخروجه عن الفضولية وعدم الاحتياج إلى الإجازة ، فلو كان حاضراً حال العقد راضياً به إلاّ أ نّه لم يصدر منه قول أو فعل يدلّ على رضاه ، فالظاهر أ نّه من الفضولي . نعم ، قد يكون السكوت إجازة ، وعليه تحمل الأخبار في سكوت البكر .

(مسألة 20) : لا يعتبر في وقوع العقد فضولياً قصد الفضولية ولا الالتفات إليها . بل المدار في الفضولية وعدمها : هو كون العقد بحسب الواقع صادراً عن غير من هو مالك للعقد وإن تخيّل خلافه ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه ، كان من الفضولي ويصحّ بالإجازة ، كما أ نّه لو اعتقد أ نّه ليس

ص: 277

بوكيل ولا وليّ فأوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن خلافه صحّ العقد ولزم بلا توقّف على الإجازة مع فرض مراعاة المصلحة .

(مسألة 21) : إن زوّج صغيران فضولاً ، فإن أجاز وليّهما قبل بلوغهما ، أو أجازا بعد بلوغهما ، أو بالاختلاف - بأن أجاز وليّ أحدهما قبل بلوغه ، وأجاز الآخر بعد بلوغه - تثبت الزوجية ويترتّب جميع أحكامها . وإن ردّ وليّهما قبل بلوغهما ، أو ردّ وليّ أحدهما قبل بلوغه ، أو ردّا بعد بلوغهما ، أو ردّ أحدهما بعد بلوغه ، أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، بطل العقد من أصله ؛ بحيث لم يترتّب عليه أثر أصلاً من توارث وغيره من سائر الآثار . نعم ، لو بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر وإجازته ، يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجية ، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه ، لكن بعد ما حلف على أ نّه لم تكن إجازته للطمع في الإرث . وإن لم يجز ، أو أجاز ولم يحلف على ذلك ، لم يدفع إليه ، بل يردّ إلى الورثة ، والظاهر أنّ الحاجة إلى الحلف إنّما هو فيما إذا كان متّهماً بأنّ إجازته لأجل الإرث ، وأمّا مع عدمه ؛ كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر ، أو كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللازم عليه على تقدير الزوجية أزيد ممّا يرث ، يدفع إليه بدون الحلف .

(مسألة 22) : كما يترتّب الإرث على تقدير الإجازة والحلف ، يترتّب الآثار الاُخر المترتّبة على الزوجية أيضاً ؛ من المهر ، وحرمة الاُمّ والبنت ، وحرمتها على أب الزوج وابنه إن كانت الزوجة هي الباقية ، وغير ذلك ، فيترتّب جميع الآثار على الحلف في الظاهر على الأقوى .

(مسألة 23) : الظاهر جريان هذا الحكم في كلّ مورد مات من لزم العقد من

ص: 278

طرفه وبقي من يتوقّف زوجيته على إجازته ، كما إذا زوّج أحد الصغيرين الوليّ

وزوّج الآخر الفضولي ، فمات الأوّل قبل بلوغ الثاني وإجازته ، بل لا يبعد جريان الحكم فيما لو كانا كبيرين ، فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني وإجازته ، لكن الحلف مبنيّ على الاحتياط ، كالحلف في بعض الصور الاُخر .

(مسألة 24) : إذا كان العقد فضولياً من أحد الطرفين كان لازماً من طرف الأصيل ، فلو كان هي الزوجة ليس لها أن تتزوّج بالغير ، قبل أن يردّ الآخر العقد ويفسخه . وهل يثبت في حقّه تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر وردّه ، فلو كان زوجاً حرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها ، والخامسة إن كانت هي الرابعة ؟ الأحوط ذلك ؛ وإن كان الأقوى خلافه .

(مسألة 25) : إن ردّ المعقود له أو المعقود لها العقد الواقع فضولاً ، صار العقد كأ نّه لم يقع ؛ سواء كان العقد فضولياً من الطرفين وردّاه معاً أو ردّه أحدهما ، بل ولو أجاز أحدهما وردّ الآخر ، أو من طرف واحد وردّ ذلك الطرف ، فتحلّ المعقود لها على أب المعقود له وابنه ، وتحلّ بنتها واُمّها على المعقود له .

(مسألة 26) : إن زوّج الفضولي امرأة برجل من دون اطّلاعها وتزوّجت هي برجل آخر ، صحّ الثاني ولزم ، ولم يبق محلّ لإجازة الأوّل ، وكذا لو زوّج الفضولي رجلاً بامرأة من دون اطّلاعه ، وزوّج هو باُمّها أو بنتها ثمّ علم .

(مسألة 27) : لو زوّج فضوليان امرأةً كلّ منهما برجل ، كانت بالخيار في إجازة أيّهما شاءت ، وإن شاءت ردّتهما ؛ سواء تقارن العقدان أو تقدّم أحدهما على الآخر ، وكذلك الحال فيما إذا زوّج أحد الفضوليين رجلاً بامرأة ، والآخر باُمّها أو بنتها أو اُختها ، فإنّ له إجازة أيّهما شاء .

ص: 279

(مسألة 28) : لو وكّلت رجلين في تزويجها ، فزوّجها كلّ منهما برجل ، فإن سبق أحدهما صحّ ولغا الآخر ، وإن تقارنا بطلا معاً . وإن لم يعلم الحال ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر . وإن جهل تأريخهما ، فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً في حقّ كلّ من الزوجة والزوجين ، وإن علم عدم التقارن فيعلم إجمالاً بصحّة أحد العقدين ، وتكون المرأة زوجة لأحد الرجلين وأجنبيّة عن أحدهما ، فليس للزوجة أن تتزوّج بغيرهما ، ولا للغير أن يتزوّج بها ؛ لكونها ذات بعل قطعاً . وأمّا حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها ، فالأولى أن يطلّقاها ويجدّد النكاح عليها أحدهما برضاها ، وإن تعاسرا ، وكان في التوقّف إلى أن يظهر الحال عسر وحرج على الزوجة ، أو لا يرجى ظهور الحال ، فالمتّجه تعيين الزوج منهما بالقرعة ، فيحكم بزوجية من وقعت عليه .

(مسألة 29) : لو ادّعى أحد الزوجين سبق عقده ، فإن صدّقه الآخر وكذا الزوجة ، أو صدّقه أحدهما وقال الآخر : «لا أدري» ، فالزوجة لمدّعي السبق . وإن قال كلاهما : «لا أدري» فوجوب تمكين الزوجة من المدّعي بل جوازه محلّ تأمّل ، إلاّ إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة حين إجراء العقد ، واحتمل تطبيقه على الصحيح من باب الاتّفاق .

وإن صدّقه الآخر ولكن كذّبته الزوجة ، كانت الدعوى بين الزوجة وكلا الزوجين ، فالزوج الأوّل يدّعي زوجيتها وصحّة عقده ، وهي تنكر زوجيته وتدّعي فساد عقده ، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني ؛ حيث إنّه يدّعي فساد عقده وهي تدّعي صحّته ، ففي الدعوى الاُولى تكون هي المدّعية والزوج هو المنكر ، وفي الثانية بالعكس ، فإن أقامت البيّنة على فساد الأوّل المستلزم

ص: 280

لصحّة الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأوّل ، وإن أقام الزوج الثاني بيّنة على فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له وثبوتها للأوّل . وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إلى الزوج الأوّل في الدعوى الاُولى ، وإلى الزوجة في الدعوى الثانية ، فإن حلف الزوج الأوّل ونكلت الزوجة تثبت زوجيتها للأوّل ، وإن كان العكس - بأن حلفت هي دونه - حكم بزوجيتها للثاني ، وإن حلفا معاً فالمرجع هي القرعة . هذا إذا كان مصبّ الدعوى صحّة العقد وفساده ، لا السبق وعدمه ، أو السبق واللحوق ، أو الزوجية وعدمها . وبالجملة : الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر غالباً مصبّ الدعوى .

وإن ادّعى كلّ من الزوجين سبق عقده ، فإن قالت الزوجة : «لا أدري» تكون الدعوى بين الزوجين ، فإن أقام أحدهما بيّنة دون الآخر حكم له وكانت الزوجة له . وإن أقام كلّ منهما بيّنة تعارضت البيّنتان ، فيرجع إلى القرعة فيحكم بزوجية من وقعت عليه . وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إليهما ، فإن حلف أحدهما حكم له ، وإن حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة ، وإن صدّقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدّقه الزوجة ، والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة ، فمع إقامة البيّنة من أحد الطرفين ، أو من كليهما الحكم كما مرّ . وأمّا مع عدمها وانتهاء الأمر إلى الحلف ، فإن حلف من لم تصدّقه الزوجة يحكم له على كلّ من الزوجة والزوج الآخر ، وأمّا مع حلف من صدّقته ، فلا يترتّب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة ، بل لا بدّ من حلفها أيضاً .

(مسألة 30) : لو زوّج أحد الوكيلين عن الرجل له امرأة والآخر بنتها ، صحّ السابق ولغا اللاحق ، ومع التقارن بطلا معاً . وإن لم يعلم السابق فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر . وإن جهل تأريخهما فإن احتمل تقارنهما

ص: 281

يحكم ببطلان كليهما ، وإن علم بعدم التقارن فقد علم بصحّة أحد العقدين وبطلان

أحدهما ، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما ، كما أ نّه لا يجوز لهما التمكين منه . نعم ، يجوز له النظر إلى الاُمّ ، ولا يجب عليها التستّر عنه ؛ للعلم بأ نّه إمّا زوجها أو زوج بنتها ، وأمّا البنت فحيث إنّه لم يحرز زوجيتها ، وبنت الزوجة إنّما يحلّ النظر إليها إن دَخَل بالاُمّ والمفروض عدمه ، فلم يحرز ما هو سبب لحلّية النظر إليها ، ويجب عليها التستّر عنه . نعم ، لو فرض الدخول بالاُمّ ولو بالشبهة كان حالها حال الاُمّ .

فصل : في أسباب التحريم

اشارة

أعني ما بسببه يحرم ولا يصحّ تزويج الرجل بالمرأة ، ولا يقع الزواج بينهما ، وهي اُمور : النسب ، والرضاع ، والمصاهرة وما يلحق بها ، والكفر ، وعدم الكفاءة ، واستيفاء العدد ، والاعتداد ، والإحرام .

القول : في النسب

يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال : الاُمّ بما شملت الجدّات عاليات وسافلات ؛ لأب كنّ أو لاُمّ ، فتحرم المرأة على ابنها وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها وابن بنت بنتها وابن بنت ابنها وهكذا . وبالجملة : تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ؛ سواء كان بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، وسواء كانت الوسائط ذكوراً أو إناثاً أو بالاختلاف .

والبنت : بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط ، فتحرم هي على أبيها بما شمل الجدّ لأب كان أو لاُمّ ، فتحرم على الرجل بنته ، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه ،

ص: 282

وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته . وبالجملة : كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط ؛ ذكوراً كانوا أو إناثاً أو بالاختلاف .

والاُخت : لأب كانت أو لاُمّ أو لهما .

وبنت الأخ : سواء كان لأب أو لاُمّ أو لهما ، وهي كلّ مرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ؛ سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو الاُمّهات أو بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه ، وبنت ابنه ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته وهكذا .

وبنت الاُخت : وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة ؛ على النحو الذي ذكر في بنت الأخ .

والعمّة : وهي اُخت أبيه لأب أو لاُمّ أو لهما . والمراد بها ما تشمل العاليات ؛ أعني عمّة الأب : اُخت الجدّ للأب ؛ لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الاُمّ : اُخت أبيها لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الجدّ للأب والجدّ للاُمّ والجدّة كذلك ، فمراتب العمّات مراتب الآباء ، فهي كلّ اُنثى تكون اُختاً لذكر ينتمي إليك بالولادة من طرف أبيك أو اُمّك .

والخالة : والمراد بها أيضاً ما تشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أ نّها اُخت إحدى اُمّهاتك ولو من طرف أبيك ، والعمّة اُخت أحد آبائك ولو من طرف اُمّك ، فاُخت جدّتك للأب خالتك ؛ حيث إنّها خالة أبيك ، واُخت جدّك للاُمّ عمّتك ؛ حيث إنّها عمّة اُمّك .

(مسألة 1) : لا تحرم عمّة العمّة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمّة والخالة ولو بالواسطة ، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لأب واُمّ أو لأب ، ولأبي أبيك اُخت لأب أو اُمّ أو لهما ، فهذه

ص: 283

عمّة لعمّتك بلا واسطة ، وعمّة لك معها ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لاُمّها أو لاُمّها وأبيها ، وكانت لاُمّ اُمّك اُخت ، فهي خالة لخالتك بلا واسطة ، وخالة لك معها . وقد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لاُمّه لا لأبيه ، وكانت لأبي الاُخت اُخت ، فالاُخت الثانية عمّة لعمّتك ، وليس بينك وبينها نسب أصلاً ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لأبيها لا لاُمّها ، وكانت لاُمّ الاُخت اُخت فهي خالة لخالتك ، وليست خالتك ولو مع الواسطة ، وكذلك اُخت الأخ أو الاُخت إنّما تحرم إذا كانت اُختاً لا مطلقاً ، فلو كان لك أخ أو اُخت لأبيك ، وكانت لاُمّها بنت من زوج آخر ، فهي اُخت لأخيك أو اُختك ، وليست اُختاً لك ؛ لا من طرف أبيك ، ولا من طرف اُمّك ، فلا تحرم عليك .

(مسألة 2) : النسب : إمّا شرعي ، وهو ما كان بسبب وط ء حلال ذاتاً بسبب شرعي ؛ من نكاح أو ملك يمين أو تحليل ؛ وإن حرم لعارض من حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام ونحوها . ويلحق به وط ء الشبهة . وإمّا غير شرعي ، وهو ما حصل بالسفاح والزنا . والأحكام المترتّبة على النسب الثابتة في الشرع من التوارث وغيره وإن اختصّت بالأوّل ، لكن الظاهر بل المقطوع أنّ موضوع حرمة النكاح أعمّ ، فيعمّ غير الشرعي ، فلو زنى بامرأة فولدت منه ذكراً واُنثى حرُمت المزاوجة بينهما ، وكذا بين كلّ منهما وبين أولاد الزاني والزانية ، الحاصلين بالنكاح الصحيح ، أو بالزنا بامرأة اُخرى ، وكذا حرُمت الزانية واُمّها واُمّ الزاني واُختهنّ على الذكر ، وحرمت الاُنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه .

(مسألة 3) : المراد بوط ء الشبهة الوط ء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم ، كما إذا وطئ أجنبيّة باعتقاد أ نّها زوجته ، أو مع عدم الطريق المعتبر

ص: 284

عليه ، بل أو الأصل كذلك . ومع ذلك فالمسألة محلّ إشكال . ويلحق به وط ء المجنون والنائم وشبههما ، دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن عمد وعصيان .

القول : في الرضاع

انتشار الحرمة بالرضاع يتوقّف على شروط :

الأوّل: أن يكون اللبن حاصلاً من وط ء جائز شرعاً ؛ بسبب نكاح أو ملك يمين أو تحليل وما بحكمه ، كسبق الماء إلى فرج حليلته من غير وط ء . ويلحق به وط ء الشبهة على الأقوى . فلو درّ اللبن من الامرأة من دون نكاح وما يلحق به لم ينشر الحرمة ، وكذا لو كان من دون وط ء وما يلحق به ولو مع النكاح ، وكذا لو كان اللبن من الزنا ، بل الظاهر اعتبار كون الدرّ بعد الولادة ، فلو درّ من غير ولادة ولو مع الحمل لم تنشر به الحرمة على الأقوى .

(مسألة 1) : لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات عنها - وهي حامل منه أو مرضعة - فأرضعت ولداً نشر الحرمة وإن تزوّجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه ، أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة ، بل مع حدوثها إذا احتمل كونه للأوّل .

الثاني: أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي ، فلو وجر في حلقه اللبن أو شرب المحلوب من المرأة لم ينشر الحرمة .

الثالث: أن تكون المرضعة حيّة ، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال موتها ولو رضعة ، لم ينشر الحرمة .

الرابع: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما ، فلا عبرة

ص: 285

برضاعه بعدهما ، ولا يعتبر الحولان في ولد المرضعة على الأقوى ، فلو وقع الرضاع بعد كمال حوليه ، نشر الحرمة إذا كان قبل حولي المرتضع .

(مسألة 2) : المراد بالحولين أربعة وعشرون شهراً هلالياً من حين الولادة ، ولو وقعت في أثناء الشهر يكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضى من الشهر الأوّل على الأظهر ، فلو تولّد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر من الخامس والعشرين .

الشرط الخامس: الكمّية ، وهي بلوغه حدّاً معيّناً ، فلا يكفي مسمّى الرضاع ولا رضعة كاملة ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر والزمان والعدد ، وأيّ منها حصل كفى في نشر الحرمة ، ولا يبعد كون الأثر هو الأصل والباقيان أمارتان عليه ، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول أحدهما دونه . فأمّا الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم . وأمّا الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوماً وليلة مع اتّصالهما ؛ بأن يكون غذاؤه في هذه المدّة منحصراً بلبن المرأة . وأمّا العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة .

(مسألة 3) : المعتبر في إنبات اللحم وشدّ العظم ، استقلال الرضاع في حصولهما على وجه ينسبان إليه ، فلو فرض ضمّ السكّر ونحوه إليه على نحو ينسبان إليهما ، أشكل ثبوت التحريم ، كما أنّ المدار هو الإنبات والشدّ المعتدّ به منهما على نحو مبان يصدقان عرفاً ، ولا يكفي حصولهما بالدقّة العقلية ، وإذا شكّ في حصولهما بهذه المرتبة أو استقلال الرضاع في حصولهما ، يرجع إلى التقديرين الآخرين .

(مسألة 4) : يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة

ص: 286

منحصراً باللبن ، ولا يقدح شرب الماء للعطش ، ولا ما يأكل أو يشرب دواء إن لم يخرج ذلك عن المتعارف . والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار .

(مسألة 5) : يعتبر في التقدير بالعدد اُمور :

منها : كمال الرضعة ؛ بأن يروي الصبيّ ويصدر من قبل نفسه ، ولا تحسب الرضعة الناقصة ، ولا تضمّ الناقصات بعضها ببعض ؛ بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات - مثلاً - واحدة . نعم ، لو التقم الصبيّ الثدي ثمّ رفضه لا بقصد الإعراض ؛ بأن كان للتنفّس ، أو الالتفات إلى ملاعب ، أو الانتقال من ثدي إلى آخر ، أو غير ذلك ، كان الكلّ رضعة واحدة .

ومنها : توالي الرضعات ؛ بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة اُخرى رضاعاً تامّاً كاملاً على الأقوى ، ومطلقاً على الأحوط . نعم ، لا يقدح القليل جدّاً ، ولا يقدح في التوالي تخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن تغذّى به .

ومنها : أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة ، فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة ، وأكملها من امرأة اُخرى ، لم ينشر الحرمة وإن اتّحد الفحل ، فلا تكون واحدة من المرضعتين اُمّاً للمرتضع ولا الفحل أباً له .

ومنها : اتّحاد الفحل ؛ بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد ، ولا يكفي اتّحاد المرضعة ، فلو أرضعت امرأة من لبن فحل ثمان رضعات ، ثمّ طلّقها الفحل وتزوّجت بآخر وحملت منه ، ثمّ أرضعت ذلك الطفل من لبن الفحل الثاني تكملة العدد ؛ من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين - بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب - لم ينشر الحرمة .

(مسألة 6) : ما ذكرناه من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة ، فلو

ص: 287

انتفى بعضها لا أثر له ، وليس بناشر لها أصلاً حتّى بين الفحل والمرتضعة ، وكذا بين المرتضع والمرضعة ، فضلاً عن الاُصول والفروع والحواشي . وفي الرضاع شرط آخر زائد على ما مرّ مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر . وبعبارة اُخرى : شرط لتحقّق الاُخوّة الرضاعية بين المرتضعين ، وهو اتّحاد الفحل الذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلو ارتضع صبيّ من امرأة من لبن شخص رضاعاً كاملاً ، وارتضعت صبيّة من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك ؛ بأن طلّقها الأوّل وزوّجها الثاني ، وصارت ذات لبن منه فأرضعتها رضاعاً كاملاً ، لم تحرم الصبيّة على ذلك الصبيّ ولا فروع أحدهما على الآخر ، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب اللبن واحداً وتعدّدت المرضعة ، كما إذا كانت لشخص نسوة متعدّدة ، وأرضعت كلّ واحدة منهنّ من لبنه طفلاً رضاعاً كاملاً ، فإنّه يحرم بعضهم على بعض وعلى فروعه ؛ لحصول الاُخوّة الرضاعية بينهم .

(مسألة 7) : إذا تحقّق الرضاع الجامع للشرائط ، صار الفحل والمرضعة أباً واُمّاً للمرتضع ، واُصولهما أجداداً وجدّات ، وفروعهما إخوة وأولاد إخوة له ، ومن في حاشيتهما وفي حاشية اُصولهما أعماماً أو عمّات وأخوالاً أو خالات له ، وصار هو - أعني المرتضع - ابناً أو بنتاً لهما ، وفروعه أحفاداً لهما ، وإذا تبيّن ذلك فكلّ عنوان نسبي محرّم من العناوين السبعة المتقدّمة إذا تحقّق مثله في الرضاع يكون محرّماً ، فالاُمّ الرضاعية كالاُمّ النسبية ، والبنت الرضاعية كالبنت النسبية وهكذا . فلو أرضعت امرأة من لبن فحل طفلاً حرمت المرضعة واُمّها واُمّ الفحل على المرتضع للاُمومة ، والمرتضعة وبناتها وبنات المرتضع على الفحل وعلى أبيه وأبي المرضعة للبنتية ، وحرمت اُخت الفحل واُخت المرضعة على المرتضع ؛ لكونهما عمّة وخالة له ، والمرتضعة على أخي الفَحل وأخي المرضعة ؛

ص: 288

لكونها بنت أخ أو بنت اُخت لهما ، وحرمت بنات الفحل على المرتضع والمرتضعة على أبنائه ؛ نسبيّين كانوا أم رضاعيّين . وكذا بنات المرضعة على المرتضع والمرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيّين للاُخوّة . وأمّا أولاد المرضعة الرضاعيّون ممّن أرضعتهم بلبن فحل آخر غير الفحل الذي ارتضع المرتضع بلبنه ، فلم يحرموا على المرتضع ؛ لما مرّ من اشتراط اتّحاد الفحل في نشر الحرمة بين المرتضعين .

(مسألة 8) : تكفي في حصول العلاقة الرضاعية المحرّمة دخالة الرضاع فيه في الجملة ، فقد تحصل من دون دخالة غيره فيها ، كعلاقة الاُبوّة والاُمومة والابنية والبنتية الحاصلة بين الفحل والمرضعة وبين المرتضع ، وكذا الحاصلة بينه وبين اُصولهما الرضاعيّين ، كما إذا كان لهما أب أو اُمّ من الرضاعة ؛ حيث إنّهما جدّ وجدّة للمرتضع من جهة الرضاع محضاً . وقد تحصل به مع دخالة النسب في حصولها ، كعلاقة الاُخوّة الحاصلة بين المرتضع وأولاد الفحل والمرضعة النسبيّين ، فإنّهم وإن كانوا منسوبين إليهما بالولادة ، إلاّ أنّ اُخوّتهم

للمرتضع حصلت بسبب الرضاع ، فهم إخوة أو أخوات له من الرضاعة .

توضيح ذلك : أنّ النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة ، كالنسبة بين الولد ووالده ووالدته ، وقد تحصل بعلاقتين كالنسبة بين الأخوين ، فإنّها تحصل بعلاقة كلّ منهما مع الأب أو الاُمّ أو كليهما ، وكالنسبة بين الشخص وجدّه الأدنى ، فإنّها تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه - مثلاً - وعلاقة بين أبيه وبين جدّه ، وقد تحصل بعلاقات ثلاث كالنسبة بين الشخص وبين جدّه الثاني ، وكالنسبة بينه وبين عمّه الأدنى ، فإنّها تحصل بعلاقة بينك وبين أبيك ، وبعلاقة كلّ من أبيك وأخيه مع أبيهما مثلاً ، وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب ، وتنشعب بقلّة العلاقات

ص: 289

وكثرتها ؛ حتّى أ نّه قد تتوقّف نسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقلّ أو أكثر . وإذا تبيّن ذلك ، فإن كانت تلك العلائق كلّها حاصلة بالولادة ، كانت العلاقة نسبية ، وإن حصلت كلّها أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع ، كانت العلاقة رضاعية .

(مسألة 9) : لمّا كانت المصاهرة التي هي أحد أسباب تحريم النكاح - كما يأتي - علاقةً بين أحد الزوجين وبعض أقرباء الآخر ، فهي تتوقّف على أمرين : مزاوجة وقرابة ، والرضاع إنّما يقوم مقام الثاني دون الأوّل ، فمرضعة ولدك لا تكون بمنزلة زوجتك حتّى تحرم اُمّها عليك ، لكن الاُمّ والبنت الرضاعيتين لزوجتك تكونان كالاُمّ والبنت النسبيّين لها ، فتحرمان عليك ، وكذلك حليلة الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي ، وحليلة الأب الرضاعي كحليلة الأب النسبي ، تحرم الاُولى على أبيه الرضاعي ، والثانية على ابنه الرضاعي .

(مسألة 10) : قد تبيّن ممّا سبق : أنّ العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل برضاع واحد ، كالحاصلة بين المرتضع وبين المرضعة وصاحب اللبن ، وقد تحصل برضاعين كالحاصلة بين المرتضع وبين أبوي الفحل والمرضعة الرضاعيّين ، وقد تحصل برضاعات متعدّدة ، فإذا كان لصاحب اللبن - مثلاً - أب من جهة الرضاع ، وكان لذلك الأب الرضاعي أيضاً أب من الرضاع ، وكان للأخير أيضاً أب من الرضاع ، وهكذا إلى عشرة آباء - مثلاً - كان الجميع أجداداً رضاعيّين للمرتضع الأخير ، وجميع المرضعات جدّات له ، فإن كانت اُنثى حرمت على جميع الأجداد ، وإن كان ذكراً حرمت عليه جميع الجدّات ، بل لو كانت للجدّ الرضاعي الأعلى اُخت رضاعية حرمت على المرتضع الأخير ؛

ص: 290

لكونها عمّته العليا من الرضاع ، ولو كانت للمرضعة الأبعد التي هي الجدّة العليا للمرتضع اُخت حرمت عليه ؛ لكونها خالته العليا من الرضاع .

(مسألة 11) : قد عرفت فيما سبق : أ نّه يشترط في حصول الاُخوّة الرضاعية بين المرتضعين اتّحاد الفَحل ، ويتفرّع على ذلك مراعاة هذا الشرط في العُمُومة والخُؤُولة الحاصلتين بالرضاع أيضاً ؛ لأنّ العمّ والعمّة أخ واُخت للأب ، والخال والخالة أخ واُخت للاُمّ ، فلو تراضع أبوك أو اُمّك مع صبيّة من امرأة ، فإن اتّحد الفحل كانت الصبيّة عمّتك أو خالتك من الرضاعة ، بخلاف ما إذا لم يتّحد ، فحيث لم تحصل الاُخوّة الرضاعية بين أبيك أو اُمّك مع الصبيّة لم تكن هي عمّتك أو خالتك ، فلم تحرم عليك .

(مسألة 12) : لا يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة بل ورضاعاً على الأحوط ، وكذا في أولاد المرضعة نسباً لا رضاعاً . وأمّا أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن ، فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم ؛ وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

(مسألة 13) : إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ، ثمّ أرضعت بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل ، فتلك البنت وإن حرمت على ذلك الابن ، لكن تحلّ أخوات كلّ منهما لإخوة الآخر .

(مسألة 14) : الرضاع المحرّم كما يمنع من النكاح لو كان سابقاً ، يبطله لو حصل لاحقاً ، فلو كانت له زوجة صغيرة ، فأرضعتها بنته أو اُمّه أو اُخته أو بنت أخيه أو بنت اُخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعاً كاملاً ، بطل نكاحها وحرمت عليه ؛ لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو اُختاً أو بنت أخ أو بنت اُخت له ، فحرمت عليه

ص: 291

لاحقاً كما كانت تحرم عليه سابقاً . وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة ؛ لأ نّها صارت اُمّ زوجته ، وكذلك الصغيرة إن كانت رضاعها من لبنه أو دخل بالكبيرة ؛ لكونها بنتاً له في الأوّل ، وبنت زوجته المدخول بها في الثاني . نعم ، ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة ؛ وإن لم تحرم عليه .

تنبيه

إذا كان أخوان في بيت واحد - مثلاً - وكانت زوجة كلّ منهما أجنبيّة عن الآخر ، وأرادا أن تصير زوجة كلّ منهما من محارم الآخر حتّى يحلّ له النظر إليها ، يمكن لهما الاحتيال بأن يتزوّج كلّ منهما بصبيّة ، وتُرضع زوجةُ كلّ منهما زوجة الآخر رضاعاً كاملاً ، فتصير زوجة كلّ منهما اُمّاً لزوجة الآخر ، فتصير من محارمه ، وحلّ نظره إليها ، وبطل نكاح كلتا الصبيّتين ؛ لصيرورة كلّ منهما بالرضاع بنت أخي زوجها .

(مسألة 1) : إذا أرضعت امرأة ولد بنتها وبعبارة اُخرى : أرضعت الولدَ جدّته من طرف الاُمّ ، حرمت بنتها اُمّ الولد على زوجها ، وبطل نكاحها ؛ سواء أرضعته بلبن أبي البنت أو بلبن غيره ؛ وذلك لأنّ زوج البنت أب للمرتضع ، وزوجته بنت للمرضعة جدّة الولد ، وقد مرّ أ نّه يحرم على أبي المرتضع نكاح أولاد المرضعة ، فإذا منع منه سابقاً أبطله لاحقاً . وكذا إذا أرضعت زوجة أبي البنت من لبنه ولدَ البنت ، بطل نكاح البنت ؛ لما مرّ من أ نّه يحرم نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن . وأمّا الجدّة من طرف الأب إذا أرضعت ولد ابنها فلا يترتّب عليه شيء ، كما أ نّه لو كان رضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولد بنتها بعد وفاة بنتها أو

ص: 292

طلاقها أو وفاة زوجها ، لم يترتّب عليه شيء ، فلا مانع منه وإن يترتّب عليه حرمة نكاح المطلّقة واُختها ، وكذا اُخت المتوفّاة .

(مسألة 2) : لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ، ثمّ أرضعت جدّتهما من طرف الأب أو الاُمّ أحدهما - وذلك فيما إذا تزوّج الأخوان الاُختين - انفسخ نكاحهما ؛ لأنّ المرتضع إن كان هو الذكر ، فإن أرضعته جدّته من طرف الأب صار عمّاً لزوجته ، وإن أرضعته جدّته من طرف الاُمّ صار خالاً لزوجته ، وإن كان هو الاُنثى ، صارت هي عمّة لزوجها على الأوّل وخالة له على الثاني ، فبطل النكاح على أيّ حال .

(مسألة 3) : إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح ، فإمّا أن يبطل نكاح المرضعة بإرضاعها ، كما في إرضاع الزوجة الكبيرة لشخص زوجته الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها ، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة ، كالمثال بالنسبة إلى نكاح الصغيرة ، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما ، كما في إرضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولد بنتها . والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع إلاّ في الصورة الاُولى فيما إذا كان الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول ، فإنّ فيها تأمّلاً ، فالأحوط التخلّص بالصلح ، بل الأحوط ذلك في جميع الصور وإن كان الاستحقاق أقرب ، وهل تضمن المرضعة ما يغرمه الزوج من المهر قبل الدخول فيما إذا كان إرضاعها مبطلاً لنكاح غيرها ؟ قولان ، أقواهما العدم ، والأحوط التصالح .

(مسألة 4) : قد سبق أنّ العناوين المحرّمة من جهة الولادة والنسب سبعة : الاُمّهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الاُخت ، فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرّماً كالحاصل

ص: 293

بالولادة ، وقد عرفت فيما سبق كيفية حصولها بالرضاع مفصّلاً . وأمّا لو لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة ، لكن حصل عنوان خاصّ لو كان حاصلاً بالولادة لكان ملازماً ومتّحداً مع أحد تلك العناوين السبعة - كما لو أرضعت امرأة ولد بنتها فصارت اُمّ ولد بنتها ، واُمّ ولد البنت ليست من تلك السبع ، لكن لو كانت اُمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتاً له ، والبنت من المحرّمات السبعة - فهل

مثل هذا الرضاع أيضاً محرّم ، فتكون مرضعة ولد البنت كالبنت ، أم لا ؟ الحقّ هو الثاني ، وقيل بالأوّل . وهذا هو الذي اشتهر في الألسنة بعموم المنزلة الذي ذهب إليه بعض الأجلّة ، ولنذكر لذلك أمثلة :

أحدها : زوجتك أرضعت بلبنك أخاها فصار ولدك ، وزوجتك اُخت له ، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُخت ولدك : إمّا بنتك أو ربيبتك ، وهما محرّمتان عليك ، وزوجتك بمنزلتهما ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

ثانيها : زوجتك أرضعت بلبنك ابن أخيها فصار ولدك ، وهي عمّته ، وعمّة ولدك حرام عليك لأ نّها اُختك ، فهل تحرم من الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

ثالثها : زوجتك أرضعت عمّها أو عمّتها أو خالها أو خالتها فصارت اُمّهم ، واُمّ عمّ واُمّ عمّة زوجتك حرام عليك ؛ حيث إنّها جدّتها من الأب ، وكذا اُمّ خال واُمّ خالة زوجتك حرام عليك ؛ حيث إنّها جدّتها من الاُمّ ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

رابعها : زوجتك أرضعت بلبنك ولد عمّها أو ولد خالها ، فصرت أبا ابن عمّها أو أبا ابن خالها ، وهي تحرم على أبي ابن عمّها وأبي ابن خالها ؛ لكونهما عمّها

ص: 294

وخالها ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا(1) .

خامسها : امرأة أرضعت أخاك أو اُختك لأبويك فصارت اُمّاً لهما ، وهي محرّمة في النسب لأ نّها اُمٌّ لك ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع ويبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجتك أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

سادسها : امرأة أرضعت ولد بنتك فصارت اُمّاً له ، فهل تحرم عليك لكونها بمنزلة بنتك ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

سابعها : امرأة أرضعت ولد اُختك فصارت اُمّاً له ، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُمّ ولد الاُخت حرام عليك ، لأ نّها اُختك ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

ثامنها : امرأة أرضعت عمّك أو عمّتك أو خالك أو خالتك فصارت اُمّهم ، واُمّ عمّك وعمّتك نسباً تحرم عليك ؛ لأ نّها جدّتك من طرف أبيك ، وكذا اُمّ خالك وخالتك ؛ لأ نّها جدّتك من طرف الاُمّ ، فهل تحرم عليك بسبب الرضاع ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

(مسألة 5) : لو شكّ في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمّية أو الكيفية ، بنى على العدم . نعم ، يُشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع

ص: 295


1- في (أ) لم يرد هذا الفرض بتمامه .

بشروطه ، ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما ، وعلم تأريخ الرضاع وجهل تأريخ ولادة المرتضع ، فحينئذٍ لا يترك الاحتياط .

(مسألة 6) : لا تقبل الشهادة على الرضاع إلاّ مفصّلة : بأن يشهد الشهود على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات - مثلاً - إلى آخر ما مرّ من الشروط . ولا يكفي الشهادة المطلقة والمجملة ؛ بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم ، أو يشهد - مثلاً - على أنّ فلاناً ولد فلانة ، أو فلانة بنت فلان من الرضاع ، بل يسأل منه التفصيل . نعم ، لو علم عرفانهما شرائط الرضاع ، وأ نّهما موافقان معه في الرأي - اجتهاداً أو تقليداً - تكفي .

(مسألة 7) : الأقوى أ نّه تُقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلاّت ؛ بأن تشهد به أربع نسوة ، ومنضمّات ؛ بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد .

(مسألة 8) : يستحبّ أن يختار لرضاع الأولاد ، المسلمة العاقلة العفيفة الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة ، فإنّ للّبن تأثيراً تامّاً في المرتضع ، كما يشهد به الاختبار ونطقت به الأخبار والآثار : فعن الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء ، فإنّ اللبن يعدي» . وعن أمير المؤمنين علیه السلام : «لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ اللبن يغلب الطباع» . وعنه علیه السلام : «اُنظروا من ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبّ عليه» . . . إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خلقاً وخلقاً ، ومرجوحية اختيار أضدادهنّ وكراهته ، لا سيّما الكافرة ، وإن اضطرّ إلى استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية على المشركة والمجوسية ، ومع ذلك لا يسلّم الطفل إليهنّ ، ولا يذهبن بالولد إلى بيوتهنّ . ويمنعها عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير .

ص: 296

ومثل الكافرة - أو أشدّ كراهة - استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا ، والمرأة المتولّدة من زناً . فعن الباقر علیه السلام : «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من ولد الزنا» ، وعن الكاظم علیه السلام - سئل عن امرأة زنت هل يصلح أن تُسترضع ؟ - قال: «لا يصلح ، ولا لبن ابنتها التي وُلدت من الزنا» .

القول : في المصاهرة وما يلحق بها

المصاهرة : هي علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر ، موجبة لحرمة النكاح عيناً أو جمعاً على تفصيل يأتي .

(مسألة 1) : تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس - فصاعداً في الأوّل ، ونازلاً في الثاني - حرمة دائمية ؛ سواء كان العقد دائمياً أو انقطاعياً ، وسواء دخل العاقد بالمعقودة أم لا ، وسواء كان الأب والابن نسبيّين أو رضاعيّين .

(مسألة 2) : لو عقد على امرأة حرمت عليه اُمّها وإن علت نسباً أو رضاعاً ؛ سواء دخل بها أم لا ، وسواء كان العقد دواماً أو انقطاعاً ، وسواء كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة . نعم ، الأحوط في العقد على الصغيرة انقطاعاً ، أن تكون بالغة إلى حدّ تقبل للاستمتاع والتلذّذ بها ولو بغير الوط ء ؛ بأن كانت بالغة ستّ سنين فما فوق مثلاً ، أو يدخل في المدّة بلوغها إلى هذا الحدّ ، فما تعارف من إيقاع عقد الانقطاع ساعة أو ساعتين على الصغيرة الرضيعة أو من يقاربها - مريدين بذلك محرمية اُمّها على المعقود له - لا يخلو من إشكال(1) ؛ من جهة الإشكال في صحّة مثل هذا العقد حتّى يترتّب عليه حرمة اُمّ المعقود عليها ، وإن لا يخلو

ص: 297


1- في (أ) بدل «لا يخلو من إشكال» ، ورد : «في غاية الإشكال» .

من قرب أيضاً(1) ، لكن لو عقد كذلك - أي الساعة أو الساعتين عليها - فلا ينبغي ترك الاحتياط ؛ بترتّب آثار المصاهرة وعدم المحرمية لو قصد تحقّق الزوجية ولو بداعي بعض الآثار كالمحرمية .

(مسألة 3) : لو عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وإن نزلت إذا دخل بالاُمّ ولو دبراً ، وأمّا إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عيناً ، وإنّما تحرم عليه جمعاً ؛ بمعنى أ نّها تحرم عليه ما دامت الاُمّ في حباله ، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها .

(مسألة 4) : لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون موجودة في زمان زوجية الاُمّ ، أو تولّدت بعد خروجها عن الزوجية ، فلو عقد على امرأة ودخل بها ، ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت وولدت من الزوج الثاني بنتاً ، تحرم هذه البنت على الزوج الأوّل .

(مسألة 5) : لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح والوط ء الصحيحين ، وهل تترتّب على الزنا ووط ء الشبهة أم لا ؟ قولان ، أحوطهما وأشهرهما أوّلهما ، فلو زنى بامرأة حرمت على أبي الزاني ، وحرمت على الزاني اُمّ المزنيّ بها وبنتها ، وكذلك الموطوءة بالشبهة . نعم ، الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة ؛ سواء كان بعد الوط ء أو قبله ، فلو تزوّج بامرأة ثمّ زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، أو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه .

(مسألة 6) : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر ، وكذا في الشبهة .

ص: 298


1- في (أ) لم يرد : «وإن لا يخلو من قرب أيضاً» .

(مسألة 7) : إذا علم بالزنا ، وشكّ في كونه سابقاً على العقد أو طارئاً ، بنى على صحّته .

(مسألة 8) : لو لمس امرأة أجنبيّة أو نظر إليها بشهوة لم تحرم الملموسة والمنظورة على أبي اللامس والناظر وابنهما ، ولا تحرم اُمّ المنظورة والملموسة على الناظر واللامس . نعم ، لو كانت للأب جارية ملموسة بشهوة ، أو منظورة إلى ما لا يحلّ النظر إليه لغيره إن كان نظره بشهوة ، أو نظر إلى فرجها ولو بغير شهوة ، حرُمت على ابنه ، وكذا العكس على الأقوى .

(مسألة 9) : لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمّة وبنت الاُخت على الخالة إلاّ بإذنهما ؛ من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين ، ولا بين علم العمّة والخالة حال العقد وجهلهما ، ولا بين اطّلاعهما على ذلك وعدمه أبداً ، فلو تزوّجهما عليهما بدون إذنهما كان العقد الطارئ كالفضولي على الأقوى ؛ تتوقّف صحّته على إجازتهما ، فإن أجازتا جاز ، وإلاّ بطل . ويجوز نكاح العمّة والخالة على بنتي الأخ والاُخت وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين ، وليس لهما الخيار ؛ لا في فسخ عقد أنفسهما ، ولا في فسخ عقد بنتي الأخ والاُخت على الأقوى .

(مسألة 10) : الظاهر أ نّه لا فرق في العمّة والخالة بين الدنيا منهما والعليا ، كما أ نّه لا فرق بين نسبيتين منهما والرضاعيتين .

(مسألة 11) : إذا أذنتا ثمّ رجعتا عن الإذن ، فإن كان الرجوع بعد العقد لم يؤثّر في البطلان ، وإن كان قبله بطل الإذن السابق ، فلو لم يبلغه الرجوع وتزوّج توقّف صحّته على الإجازة اللاحقة .

ص: 299

(مسألة 12) : الظاهر أنّ اعتبار إذنهما ليس حقّاً لهما كالخيار حتّى يسقط بالإسقاط ، فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثّر شيئاً ، ولو اشترط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الاُخت ، فالظاهر كون قبول هذا الشرط إذناً . نعم ، لو رجع عنه قبل العقد لم يصحّ العقد ، ولو شرط أنّ له ذلك ولو مع الرجوع - بحيث يرجع إلى إسقاط إذنه - فالظاهر بطلان الشرط .

(مسألة 13) : لو تزوّج بالعمّة وابنة الأخ والخالة وبنت الاُخت وشكّ في السابق منهما ، حكم بصحّة العقدين . وكذلك فيما إذا تزوّج ببنت الأخ أو الاُخت ، وشكّ في أ نّه كان عن إذن من العمّة أو الخالة أم لا ، حكم بالصحّة .

(مسألة 14) : لو طلّق العمّة أو الخالة ، فإن كان بائناً صحّ العقد على بنتي الأخ والاُخت بمجرّد الطلاق ، وإن كان رجعياً لم يجز بلا إذن منهما إلاّ بعد انقضاء العدّة .

(مسألة 15) : لا يجوز الجمع في النكاح بين الاُختين ؛ نسبيتين أو رضاعيتين ، دواماً أو انقطاعاً ، أو بالاختلاف ، فلو تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ تزوّج باُخرى بطل العقد الثاني دون الأوّل ؛ سواء دخل بالاُولى أو لا ، ولو اقترن عقدهما - بأن تزوّجهما بعقد واحد ، أو في زمان واحد - بطلا معاً .

(مسألة 16) : لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل تأريخهما فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً ، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالاً بصحّة أحدهما وبطلان الآخر ، فلا يجوز له عمل الزوجية بالنسبة إليهما أو إلى إحداهما ما دام

ص: 300

الاشتباه ، والأقوى تعيين السابق بالقرعة ، لكن الأحوط أن يطلّقهما أو يطلّق الزوجة الواقعية منهما ثمّ يزوّج من شاء منهما ، وله أن يطلّق إحداهما ويجدّد العقد على الاُخرى بعد انقضاء عدّة الاُولى إن كانت مدخولاً بها .

(مسألة 17) : لو طلّقهما - والحال هذه - فإن كان قبل الدخول فعليه للزوجة الواقعية نصف مهرها ، وإن كان بعد الدخول فلها عليه تمام مهرها ، فإن كان المهران مثليّين واتّفقا جنساً وقدراً ، فقد علم من عليه الحقّ ومقدار الحقّ ، وإنّما الاشتباه فيمن له الحقّ ، وفي غير ذلك يكون الاشتباه في الحقّ أيضاً ، فإن اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو ، وإلاّ فلا محيص إلاّ عن القرعة ، فمن خرجت عليها من الاُختين ، كان لها نصف مهرها المُسمّى أو تمامه ، ولم تستحقّ الاُخرى شيئاً . نعم ، مع الدخول بها تفصيل لا يسعه هذا المختصر .

(مسألة 18) : الظاهر جريان حكم تحريم الجمع فيما إذا كانت الاُختان كلتاهما أو إحداهما من زناً .

(مسألة 19) : لو طلّق زوجته ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز ولا يصحّ نكاح اُختها ما لم تنقض عدّتها ، وإن كان بائناً جاز له نكاح اُختها في الحال . نعم ، لو كانت متمتّعاً بها وانقضت مدّتها أو وهبها لا يجوز على الأحوط - لو لم يكن الأقوى - نكاح اُختها قبل انقضاء العدّة وإن كانت بائنة .

(مسألة 20) : ذهب بعض الأخباريّين إلى حرمة الجمع بين الفاطميّتين في النكاح ، والحقّ جوازه وإن كان الترك أحوط وأولى .

(مسألة 21) : لو زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها ، ولا يجب على زوجها أن يطلّقها وإن كانت مصرّة على ذلك .

ص: 301

(مسألة 22) : من زنى بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً ؛ سواء كانت مسلمة أم لا ، مدخولاً بها كانت من زوجها أم لا ، فلا يجوز نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق ونحوه ، ولا فرق على الظاهر بين أن يكون الزاني عالماً بأ نّها ذات بعل أو لا . ولو كان مكرهاً على الزنا ففي لحوق الحكم إشكال .

(مسألة 23) : لو زنى بامرأة في العدّة الرجعية حرمت عليه أبداً كذات البعل ، دون البائنة ومن في عدّة الوفاة ، ولو علم بأ نّها كانت في العدّة ، ولم يعلم بأ نّها كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة . نعم ، لو علم بكونها في عدّة رجعية وشكّ في انقضائها فالظاهر الحرمة .

(مسألة 24) : من لاط بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة ، حرُمت عليه أبداً اُمّ الغلام وإن علت وبنته وإن نزلت واُخته ؛ من غير فرق بين كونهما صغيرين أو كبيرين أو مختلفين . ولا تحرم على المفعول اُمّ الفاعل وبنته واُخته على الأقوى ، والاُمّ والبنت والاُخت الرضاعيات للمفعول كالنسبيات .

(مسألة 25) : إنّما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا كان سابقاً ، وأمّا الطارئ على التزويج فلا يوجبها ولا بطلان النكاح ، ولا ينبغي ترك الاحتياط .

(مسألة 26) : لو شكّ في تحقّق الإيقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بنى على العدم .

ص: 302

القول : في النكاح في العدّة وتكميل العدد

(مسألة 1) : لا يجوز نكاح المرأة لا دائماً ولا منقطعاً إذا كانت في عدّة الغير ؛ رجعية كانت أو بائنة ، عدّة وفاة أو غيرها ، من نكاح دائم أو منقطع أو من وط ء شبهة . ولو تزوّجها فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم ؛ بأن علما بكونها في العدّة ، وعلما بأ نّه لا يجوز النكاح فيها ، أو كان أحدهما عالماً بهما بطل النكاح وحرمت عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أو لا . وكذا إن جهلا بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبراً . وأمّا لو لم يدخل بها بطل العقد ، ولكن لم تحرم عليه أبداً ، فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدّة التي كانت فيها .

(مسألة 2) : لو وكّل أحداً في تزويج امرأة له ولم يعيّن الزوجة ، فزوّجه امرأة ذات عدّة ، لم تحرم عليه وإن علم الوكيل بكونها في العدّة ، وإنّما تحرم عليه مع الدخول . وأمّا لو عيّن الزوجة ، فإن كان الموكّل عالماً بالحكم والموضوع ، حرمت عليه ولو كان الوكيل جاهلاً بهما ، بخلاف العكس . فالمدار علم الموكّل وجهله ، لا الوكيل .

(مسألة 3) : لا يلحق بالتزويج في العدّة وط ء الشبهة أو الزنا بالمعتدّة ، فلو وطئ شبهة أو زنى بالمرأة في حال عدّتها ، لم يؤثّر في الحرمة الأبدية أيّة عدّة كانت ، إلاّ العدّة الرجعية إذا زنى بها فيها ، فإنّه يوجب الحرمة كما مرّ .

(مسألة 4) : لو كانت المرأة في عدّة الرجل جاز له العقد عليها في الحال ، ولا ينتظر انقضاء العدّة إلاّ في موارد لموانع طارئة ، كالطلاق الثالث المحتاج إلى المحلّل ، والتاسع المحرّم أبداً . وفيما إذا كانت معتدّة له بالعدّة الرجعية يبطل العقد

ص: 303

عليها أيضاً ؛ لكونها بمنزلة زوجته ، فلو كانت عنده متعة وأراد أن يجعل عقدها دواماً ، جاز أن يهب مدّتها ويعقد عليها دواماً في الحال ، بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة ، فطلّقها لذلك طلاقاً غير بائن ، فإنّه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلاّ بعد خروجها عن العدّة .

(مسألة 5) : هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط للحرمة الأبدية في صورة الجهل أن يكون في العدّة ، أو يكفي وقوع العقد فيها وإن كان الدخول واقعاً بعد انقضائها ؟ قولان ، أحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 6) : لو شكّ في أ نّها معتدّة أم لا حكم بالعدم وجاز له تزويجها ، ولا يجب عليه الفحص عن حالها ، وكذا لو شكّ في انقضاء عدّتها وأخبرت هي بالانقضاء ، فتصدّق وجاز تزويجها .

(مسألة 7) : لو علم أنّ التزويج كان في العدّة مع الجهل موضوعاً أو حكماً ، ولكن شكّ في أ نّه دخل بها حتّى تحرم عليه أبداً أو لا ، بنى على عدمه ، فلم تحرم عليه ، وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شكّ في أنّ أحدهما قد كان عالماً أو لا بنى على عدمه ، فلا يحكم بالحرمة الأبدية .

(مسألة 8) : يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبدية التزويج بذات البعل ، فلو تزوّجها مع العلم بأ نّها ذات بعل حرمت عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أم لا ، ولو تزوّجها مع الجهل لم تحرم عليه إلاّ مع الدخول بها .

(مسألة 9) : لو تزوّج بامرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها لعدم تحقّق مبدئها ، كما إذا تزوّج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر ، فإنّ مبدأ عدّتها من حين بلوغه ، فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الأوّل ، وأرجحهما الثاني .

ص: 304

(مسألة 10) : من كانت عنده أربع زوجات دائميات تحرم عليه الخامسة دائمة ، وأمّا المنقطعة فيجوز الجمع بما شاء خاصّة ، أو مع دائميات .

(مسألة 11) : لو كانت عنده أربع فماتت إحداهنّ يجوز له تزويج اُخرى في الحال ، وكذا لو فارق إحداهنّ بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن . وأولى بذلك ما إذا لم تكن لها عدّة كغير المدخول بها واليائسة . وأمّا إذا طلّقها بالطلاق الرجعي ، فلا يجوز له تزويج اُخرى إلاّ بعد انقضاء عدّة الاُولى .

(مسألة 12) : لو طلّق الرجل زوجته الحرّة ثلاث طلقات لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر ، حرمت عليه ، ولا يجوز له نكاحها حتّى تنكح زوجاً غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق ، ولو طلّقها تسعاً للعدّة بتخلّل محلّلين في البين - بأن نكحت بغير المطلّق بعد الثلاثة الاُولى والثانية - حرمت عليه أبداً . وكيفية وقوع تسع طلقات للعدّة : أن يطلّقها بالشرائط ثمّ يراجعها في العدّة ويطأها ، ثمّ يطلّقها في طهر آخر ثمّ يراجعها ثمّ يطأ ثمّ يطلّقها الثالثة ، ثمّ ينكحها بعد عدّتها زوج آخر ، ثمّ يفارقها بعد أن يطأها ، ثمّ يتزوّجها الأوّل بعد عدّتها ، ثمّ يوقع عليها

ثلاث طلقات مثل ما أوقع أوّلاً ، ثمّ ينكحها آخر ويطأها ويفارقها ويتزوّجها الأوّل ، ويوقع عليها ثلاث طلقات اُخرى مثل السابقات إلى أن يكمل تسعاً تخلّل بينهما نكاح رجلين ، فتحرم عليه في التاسعة أبداً .

القول : في الكفر

لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواماً وانقطاعاً ؛ سواء كان أصلياً حربياً أو كتابياً ، أو كان مرتدّاً عن فطرة أو عن ملّة . وكذا لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابية من أصناف الكفّار ، ولا المرتدّة عن فطرة أو عن ملّة . وأمّا الكتابية من

ص: 305

اليهودية والنصرانية ففيه أقوال ، أشهرها المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع ، وقيل بالمنع مطلقاً ، وقيل بالجواز كذلك . والأقوى الجواز في المنقطع ، وأمّا في الدائم فالأحوط المنع .

(مسألة 1) : الأقوى حرمة نكاح المجوسية ، وأمّا الصابئة ففيها إشكال ؛ حيث إنّه لم يتحقّق عندنا إلى الآن حقيقة دينهم ، فإن تحقّق أ نّهم طائفة من النصارى - كما قيل - كانوا بحكمهم .

(مسألة 2) : العقد الواقع بين الكفّار لو وقع صحيحاً عندهم وعلى طبق مذهبهم ، يترتّب عليه آثار الصحيح عندنا ؛ سواء كان الزوجان كتابيّين أو وثنيّين أو مختلفين ، حتّى إنّه لو أسلما معاً دفعة اُقرّا على نكاحهما الأوّل ؛ ولم يحتج إلى عقد جديد ، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضاً في بعض الصور الآتية . نعم ، لو كان نكاحهم مشتملاً على ما يقتضي الفساد ابتداءً واستدامة كنكاح إحدى المحرّمات عيناً أو جمعاً جرى عليه بعد الإسلام حكم الإسلام .

(مسألة 3) : لو أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأوّل ؛ سواء كان كتابياً أو وثنياً ، وسواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده . وإذا أسلم زوج الوثنية - وثنياً كان أو كتابياً - فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده يفرّق بينهما وينتظر انقضاء العدّة ، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما ، وإلاّ انفسخ النكاح ؛ بمعنى أ نّه يتبيّن انفساخه من حين إسلام الزوج .

(مسألة 4) : لو أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي - وثنية كانت أو كتابية - فإن

ص: 306

كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدّة لكن يفرّق بينهما ، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته ، وإلاّ بان أ نّها بانت منه حين إسلامها .

(مسألة 5) : لو ارتدّ أحد الزوجين أو ارتدّا معاً دفعة قبل الدخول ، وقع الانفساخ في الحال ؛ سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملّة . وكذا بعد الدخول إذا كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة . وأمّا إن كان ارتداده عن ملّة ، أو كان الارتداد من الزوجة مطلقاً ، وقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته ، وإلاّ انكشف أ نّها بانت منه عند الارتداد .

(مسألة 6) : العدّة في ارتداد الزوج عن فطرة كالوفاة ، وفي غيره كالطلاق .

(مسألة 7) : لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت علیهم السلام ، ولا الغالي المعتقد باُلوهيتهم أو نبوّتهم . وكذا لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية ؛ لأ نّهما بحكم الكفّار وإن انتحلا دين الإسلام .

(مسألة 8) : لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة . وأمّا نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب ففيه خلاف ، والجواز مع الكراهة لا يخلو من قوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن .

(مسألة 9) : لا يشترط في صحّة النكاح تمكّن الزوج من النفقة . نعم ، لو زوّج الصغيرة وليّها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها ، فلها الردّ ؛ لأنّ فيه المفسدة ، إلاّ إذا زوحمت بمصلحة غالبة عليها .

(مسألة 10) : لو كان الزوج متمكّناً من النفقة حين العقد ، ثمّ تجدّد العجز عنها

ص: 307

بعد ذلك ، لم يكن للزوجة المذكورة التسلّط على الفسخ ؛ لا بنفسها ولا بوسيلة الحاكم على الأقوى . نعم ، لو كان ممتنعاً عن الإنفاق مع اليسار ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بالإنفاق أو الطلاق ، فإذا امتنع عنهما ولم يمكن الإنفاق من ماله ولا إجباره بالطلاق ، فالظاهر أنّ للحاكم أن يطلّقها إن أرادت الطلاق .

(مسألة 11) : لا إشكال في جواز تزويج العربية بالعجمي والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس ، وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنيّة كالكنّاس والحجّام ونحوهما ؛ لأنّ المسلم كفو المسلم ، والمؤمن كفو المؤمنة ، والمؤمنون بعضهم أكفاء بعض كما في الخبر . نعم ، يكره التزويج بالفاسق ، خصوصاً شارب الخمر والزاني كما مرّ .

(مسألة 12) : ممّا يوجب الحرمة الأبدية التزويج حال الإحرام دواماً أو انقطاعاً ؛ سواء كانت المرأة محرمة أو محلّة ، وسواء كان إيقاع التزويج له بالمباشرة أو بالتوكيل ؛ محرماً كان الوكيل أو محلاًّ ، كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله . هذا مع العلم بالحرمة . وأمّا مع جهله بها وإن بطل النكاح في جميع الصور المذكورة ، لكن لا يوجب الحرمة الأبدية .

(مسألة 13) : لا فرق فيما ذكر من التحريم مع العلم ، والبطلان مع الجهل ، بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب ، أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا بين أن يكون حجّه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره .

(مسألة 14) : لو كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة ، وكان الزوج محلاًّ ، فهل يوجب نكاحها الحرمة الأبدية بينهما ؟ قولان ، أحوطهما ذلك ، بل لا يخلو من قوّة .

ص: 308

(مسألة 15) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدّة الرجعية ؛ من غير فرق بين المطلّقة تبرّعاً أو المختلعة إذا رجعت في البذل ، وكذا يجوز أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّج له بعد إحلاله ، بل وكذا أن يوكّل محرماً في أن يزوّج له بعد إحلالهما .

(مسألة 16) : ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه ؛ بأن يرميها بالزنا ويدّعي المشاهدة بلا بيّنة ، أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به ، وتنكر ذلك ، ورفعا أمرهما إلى الحاكم ، فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصّة ، فإذا تلاعنا سقط عنه حدّ القذف وعنها حدّ الزنا ، وانتفى الولد عنه ، وحرمت عليه مؤبّداً .

(مسألة 17) : نكاح الشغار باطل ، وهو أن تتزوّج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحد منهما نكاح الاُخرى ، ولا يكون بينهما مهر غير النكاحين ، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر : «زوّجتك بنتي أو اُختي على أن تزوّجني بنتك أو اُختك» ، ويكون صداق كلّ منهما نكاح الاُخرى ، ويقول الآخر : «قبلت وزوّجتك بنتي أو اُختي هكذا» . وأمّا لو زوّج إحداهما الآخر بمهر معلوم ، وشرط عليه أن يزوّجه الاُخرى بمهر معلوم ، فيصحّ العقدان ، وكذا لو شرط أن يزوّجه الاُخرى ولم يذكر المهر أصلاً ، مثل أن يقول : «زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك» ، فقال : «قبلت وزوّجتك بنتي» ، فإنّه يصحّ العقدان ويستحقّ كلّ منهما مهر المثل .

ص: 309

القول : في النكاح المنقطع

ويقال له : المتعة والنكاح المؤجّل .

(مسألة 1) : النكاح المنقطع كالدائم في أ نّه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين ، وأ نّه لا يكفي فيه مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ، ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة ، وفي غير ذلك كما فصّل ذلك كلّه .

(مسألة 2) : ألفاظ الإيجاب في هذا العقد : «متّعت» و«زوّجت» و«أنكحت» ، أيّها حصلت وقع الإيجاب به ، ولا ينعقد بمثل التمليك والهبة والإجارة . والقبول كلّ لفظ دالّ على إنشاء الرضا بذلك ، كقوله : «قبلت المتعة» أو « . . . التزويج» ، وكفى «قبلت» و«رضيت» . ولو بدأ بالقبول ، فقال : «تزوّجتك» ، فقالت : «زوّجتك نفسي» ، صحّ .

(مسألة 3) : لا يجوز تمتّع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه ، وكذا لا يجوز تمتّع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفّار ، ولا بالمرتدّة ، ولا بالناصبة المعلنة بالعداوة كالخارجية .

(مسألة 4) : لا يتمتّع على العمّة ببنت أخيها ، ولا على الخالة ببنت اُختها إلاّ بإذنهما أو إجازتهما ، وكذا لا يجمع بين الاُختين .

(مسألة 5) : يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر ، فلو أخلّ به بطل ، ويعتبر فيه أن يكون ممّا يتموّل ؛ سواء كان عيناً خارجياً أو كلّياً في الذمّة أو منفعة أو عملاً صالحاً للعوضية أو حقّاً من الحقوق المالية ، كحقّ التحجير

ص: 310

ونحوه ، وأن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون ، والعدّ في المعدود ، أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة ، ويتقدّر بالمراضاة قلّ أو كثر .

(مسألة 6) : تملك المتمتّعة المهر بالعقد ، فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته ؛ وإن كان استقراره بالتمام مراعىً بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام المدّة ، فلو وهبها المدّة فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر ، وإن كان بعده لزمه الجميع ، وإن مضت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام ، فلا يقسّط المهر على ما مضى منها وما بقي . نعم ، لو لم يهب المدّة ، ولكنّها لم تف بها ولم تمكّنه من نفسها في تمامها ، كان له أن يضع من المهر بنسبتها ، إن نصفاً فنصف ، وإن ثلثاً فثلث وهكذا ، ما عدا أيّام حيضها ، فلا ينقص لها شيء من المهر ، وفي إلحاق سائر الأعذار - كالمرض المدنف ونحوه - بها أو عدمه وجهان ، بل قولان ، ولا يترك الاحتياط بالتصالح .

(مسألة 7) : لو وقع العقد ولم يدخل بها مع تمكينها حتّى انقضت المدّة استقرّ عليه تمام المهر .

(مسألة 8) : لو تبيّن فساد العقد ؛ بأن ظهر لها زوج ، أو كانت اُخت زوجته أو اُمّها - مثلاً - ولم يدخل بها ، فلا مهر لها ، ولو قبضته كان له استعادته ، بل لو تلف كان عليها بدله . وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد . وأمّا إن كانت جاهلة فلها مهر المثل ، فإن كان ما أخذت أزيد منه استعاد الزائد ، وإن كان أقلّ أكمله .

(مسألة 9) : يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل ، فلو لم يذكره متعمّداً أو نسياناً بطل متعةً وانعقد دائماً ، وتقدير الأجل إليهما طال أو قصر ، ولا بدّ

ص: 311

أن يكون معيّناً بالزمان محروساً من الزيادة والنقصان . ولو قدّره بالمرّة أو المرّتين من دون أن يقدّره بزمان بطل متعةً وانعقد دائماً على إشكال ، والأحوط فيه إجراء الطلاق وتجديد النكاح لو أراد ، وأحوط منه مع ذلك الصبر إلى انقضاء المدّة المقدّرة بالمرّة أو المرّتين أو هبتها .

(مسألة 10) : لو قالت : «زوّجتك نفسي إلى شهر أو شهراً» مثلاً وأطلقت ، اقتضى الاتّصال بالعقد . وهل يجوز أن تجعل المدّة منفصلة عنه ؛ بأن يعيّن المدّة شهراً - مثلاً - ويجعل مبدؤه بعد شهر من حين العقد أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الثاني .

(مسألة 11) : لا يصحّ تجديد العقد عليها دائماً أو منقطعاً قبل انقضاء الأجل أو بذل المدّة ، فلو كانت المدّة شهراً وأراد الازدياد لا بدّ أن يهبها ثمّ يعقد عليها .

(مسألة 12) : يجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلاً أو نهاراً ، وأن يشترط المرّة أو المرّات مع تعيين المدّة بالزمان .

(مسألة 13) : يجوز العزل من دون إذنها في المنقطع وإن قلنا بعدم جوازه في الدائم ، ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل ؛ لاحتمال سبق المنيّ من غير تنبّه منه ، ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهراً ، ولم يفتقر إلى اللعان إن لم يعلم أنّ نفيه كان عن إثم مع احتمال كون الولد منه . وعلى أيّ حال لا يجوز له النفي بينه وبين اللّه إلاّ مع العلم بالانتفاء .

(مسألة 14) : لا يقع عليها طلاق ، وإنّما تبين بانقضاء المدّة أو هبتها ، ولا رجوع له بعد ذلك .

ص: 312

(مسألة 15) : لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين ، فلو شرطا التوارث أو توريث أحدهما ففي التوريث إشكال ، فلا يترك الاحتياط بترك هذا الشرط ، ومعه لا يترك بالتصالح .

(مسألة 16) : لو انقضى أجلها أو وهب مدّتها قبل الدخول فلا عدّة عليها ، وإن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدّة ، وهي على الأشهر الأظهر حيضتان ، وإن كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً ، والظاهر اعتبار حيضتين تامّتين ، فلو انقضى الأجل أو وهب المدّة في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها ، بل لا بدّ من حيضتين تامّتين بعد ذلك . هذا فيما إذا كانت حائلاً . ولو كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها كالمطلّقة على إشكال ، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين ؛ من وضع الحمل ، ومن انقضاء خمسة وأربعين يوماً أو حيضتين . وأمّا عدّتها من الوفاة فأربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلاً ، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملاً كالدائمة .

(مسألة 17) : يستحبّ أن تكون المتمتّع بها مؤمنة عفيفة ، والسؤال عن حالها قبل التزويج ؛ وأ نّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا ، وأمّا بعده فمكروه . وليس السؤال والفحص عن حالها شرطاً في الصحّة .

(مسألة 18) : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور .

ص: 313

القول : في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس

وهي قسمان : مشترك ومختصّ :

أمّا المشترك : فهو الجنون ؛ وهو اختلال العقل . وليس منه الإغماء ومرض الصرع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات . ولكلّ من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقاً ؛ سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به ، أو حدث بعده قبل الوط ء أو بعده . نعم ، في الحادث بعد العقد إذا لم يبلغ حدّاً لا يعرف أوقات الصلاة تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط . وأمّا في المرأة ففيما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل ، دون ما إذا طرأ بعده . ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد حال إفاقته ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع .

وأمّا المختصّ : فالمختصّ بالرجل ثلاثة : الخصاء ، وهو سلّ الخصيتين أو رضّهما ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به .

والجبّ ، وهو قطع الذكر ؛ بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوط ء ولو قدر الحشفة ، وتفسخ المرأة فيما إذا كان ذلك سابقاً على العقد . وأمّا اللاحق به ففيه تأمّل ، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقاً ؛ سواء كان قبل الوط ء أو بعده .

والعنن ، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج ، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوط ء مطلقاً ، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وط ء غيرها لا خيار لها . ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدّد بعده ، لكن

ص: 314

بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة حتّى دبراً ، فلو وطئها ثمّ حدثت به العنّة - بحيث لم يقدر على الوط ء بالمرّة - فلا خيار لها .

والمختصّ بالمرأة ستّة : البرص والجذام والإفضاء - وقد مرّ تفسيره فيما سبق - والقرن ، ويقال له : العفل ، وهو لحم أو غُدّة أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع عن الوط ء ، بل ولو لم يمنع إذا كان موجباً للتنفّر والانقباض على الأظهر ، والعرج البيّن وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة على الأظهر ، والعمى ، وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين ، ولا اعتبار بالعور ، ولا بالعشا ، وهي علّة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار ، ولا بالعمش ، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات .

(مسألة 1) : إنّما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبيّن وجودها قبل العقد ، وأمّا ما يتجدّد بعده فلا اعتبار به ؛ سواء كان قبل الوط ء أو بعده .

(مسألة 2) : ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار ؛ لا من طرف الرجل ، ولا من طرف المرأة .

(مسألة 3) : ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة على الأقوى .

(مسألة 4) : خيار الفسخ في كلّ من الرجل والمرأة على الفور ، فلو علم كلّ منهما بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد . نعم ، الظاهر أنّ الجهل بالخيار بل والفورية عذر ، فلا يسقط مع الجهل بأحدهما لو لم يبادر .

(مسألة 5) : إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إن لم تكن لمدّعيه بيّنة ، ويثبت بها العيب حتّى العنن على الأقوى . كما أ نّه يثبت كلّ

ص: 315

عيب بإقرار صاحبه أو البيّنة على إقراره ، وكذا يثبت باليمين المردودة على المدّعي . ولو نكل المنكر عن اليمين ولم يردّها ردّها الحاكم على المدّعي ، فإن حلف يثبت به . وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات ، كما في نظائرها .

(مسألة 6) : لو ثبت عنن الرجل فإن صبرت فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدّة فلا خيار لها ، وإلاّ كان لها الفسخ فوراً عرفياً ، فإن لم تبادر به فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريته لم يضرّ كما مرّ ، وإلاّ سقط خيارها ، وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثمّ طلبت الفسخ بعد ذلك ، فإنّه ليس لها ذلك .

(مسألة 7) : الفسخ بالعيب ليس بطلاق ؛ سواء وقع من الزوج أو الزوجة ، فليس له أحكامه إلاّ تنصيف المهر في الفسخ بالعنن كما يأتي . ولا يعتبر فيه شروطه ، فلا يحسب من الثلاثة المحرّمة المحتاجة إلى المحلّل ، ولا يعتبر فيه الخلوّ من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين .

(مسألة 8) : يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم ، وكذا المرأة بعيب الرجل . نعم ، مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم ، لكن من جهة ضرب الأجل - حيث إنّه من وظائفه - لا من جهة نفوذ فسخها ، فبعد ما ضرب الأجل لها ، كان لها التفرّد بالفسخ عند انقضائه وتعذّر الوط ء في المدّة من دون مراجعته .

(مسألة 9) : لو فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة فإن كان قبل الدخول فلا مهر

ص: 316

لها ، وإن كان بعده استقرّ عليه المهر المسمّى . وكذا الحال فيما إذا فسخت المرأة بعيب الرجل ، فتستحقّ تمام المهر إن كان بعده ، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العنن ، فإنّها تستحقّ عليه نصف المهر المسمّى .

(مسألة 10) : لو دلّست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة للخيار ، وتبيّن له بعد الدخول ، فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر ، وإن اختار الفسخ لم تستحقّ المهر ، وإن دفعه إليها استعاده . وإن كان المدلّس غير الزوجة ، فالمهر المسمّى وإن استقرّ على الزوج بالدخول واستحقّت عليه الزوجة ، إلاّ أ نّه بعد ما دفعه إليها يرجع به إلى المدلّس ويأخذه منه .

(مسألة 11) : يتحقّق التدليس بتوصيف المرأة بالصحّة عند الزوج للتزويج ؛ بحيث صار ذلك سبباً لغروره وانخداعه ، فلا يتحقّق بالإخبار لا للتزويج أو لغير الزوج ، والظاهر تحقّقه أيضاً بالسكوت عن العيب مع العلم به وخفائه عن الزوج واعتقاده بالعدم .

(مسألة 12) : من يكون تدليسه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج ؛ من وليّها الشرعي أو العرفي ، كأبيها وجدّها واُمّها وأخيها الكبير وعمّها وخالها ؛ ممّن لا تصدر إلاّ عن رأيهم ويتصدّون تزويجها ، ويرجع إليهم فيه في العرف والعادة . ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممّن له شدّة علاقة وارتباط بها بحيث لا تصدر إلاّ عن رأيه ، ويكون هو المرجع في اُمورها المهمّة ويركن إليه فيما يتعلّق بها . بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر من يراود عند الطرفين ويعالج في إيجاد وسائل الائتلاف في البين .

(مسألة 13) : كما يتحقّق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون

ص: 317

والعمى وغيرهما ، كذلك يتحقّق في مطلق النقص كالعور ونحوه بإخفائه . وكذا في صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيفها بها مع فقدانها . ولا أثر للأوّل - أي التدليس في العيوب الموجبة للخيار - إلاّ رجوع الزوج على المدلّس بالمهر كما مرّ . وأمّا الخيار فإنّما هو بسبب نفس وجود العيب . وأمّا الثاني - وهو التدليس في سائر أنواع النقص ، وفي صفة الكمال - فهو موجب للخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد بنحو الاشتراط . ويلحق به توصيفها به في العقد وإن لم يكن بعبارة الاشتراط ، كما إذا قال : «زوّجتك هذه الباكرة أو غير الثيّبة» ، بل الظاهر أ نّه إذا وصفها بصفة الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثمّ أوقعه مبنيّاً على ما ذكر ، كان بمنزلة الاشتراط ، فيوجب الخيار ، وإذا تبيّن ذلك بعد العقد والدخول واختار الفسخ ودفع المهر ، رجع به على المدلّس .

(مسألة 14) : ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليّها عن النقص مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة للخيار ، وأولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها .

(مسألة 15) : لو تزوّج امرأة على أ نّها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة فوجدها ثيّباً ، لم يكن له الفسخ ، إلاّ إذا ثبت بالإقرار أو البيّنة سبق ذلك على العقد ، فكان له الفسخ . نعم ، لو تزوّجها باعتقاد البكارة ، ولم يكن اشتراط ولا توصيف وإخبار وبناء على ثبوتها فبان خلافها ، ليس له الفسخ وإن ثبت زوالها قبل العقد .

(مسألة 16) : لو فسخ في الفرض المتقدّم حيث كان له الفسخ ، فإن كان قبل

ص: 318

الدخول فلا مهر ، وإن كان بعده استقرّ المهر ورجع به على المدلّس ، وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئاً . وإن لم يكن تدليس استقرّ عليه المهر ولا رجوع له على أحد . وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ - كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط وتوصيف وبناء - كان له أن ينقص من مهرها شيئاً ، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيّباً ، فإذا كان المهر المسمّى مائة وكان مهر مثلها بكراً ثمانين وثيّباً ستّين ينقص من المائة ربعها ، والأحوط في صورة العلم بتجدّد زوالها أو احتماله التصالح ؛ وإن كان التنقيص بما ذكر لا يخلو من وجه .

فصل : في المهر

ويقال له : الصداق .

(مسألة 1) : كلّ ما يملكه المسلم يصحّ جعله مهراً ؛ عيناً كان أو ديناً أو منفعة لعين مملوكة ؛ من دار أو عقار أو حيوان . ويصحّ جعله من منفعة الحرّ كتعليم صنعة ونحوه من كلّ عمل محلّل ، بل الظاهر صحّة جعله حقّاً مالياً قابلاً للنقل والانتقال كحقّ التحجير ونحوه . ولا يتقدّر بقدر ، بل ما تراضى عليه الزوجان كثيراً كان أو قليلاً ؛ ما لم يخرج بسبب القلّة عن المالية . نعم ، يستحبّ في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنّة ، وهو خمسمائة درهم .

(مسألة 2) : لو جعل المهر ما لا يملكه المسلم - كالخمر والخنزير - صحّ العقد وبطل المهر ، فلم تملك شيئاً بالعقد ، وإنّما تستحقّ مهر المثل بالدخول . نعم ، فيما إذا كان الزوج غير مسلم تفصيل .

(مسألة 3) : لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام ، فلو أمهرها أحد

ص: 319

هذين أو خياطة أحد الثوبين - مثلاً - بطل المهر دون العقد ، وكان لها مع الدخول

مهر المثل . نعم ، لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه من المعاوضات ، فيكفي مشاهدة الحاضر وإن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه ، كصبرة من الطعام ، وقطعة من الذهب ، وطاقة مشاهدة من الثوب ، وصبرة حاضرة من الجوز ، وأمثال ذلك .

(مسألة 4) : ذكر المهر ليس شرطاً في صحّة العقد الدائم ، فلو عقد عليها ولم يذكر لها مهراً أصلاً صحّ العقد ، بل لو صرّح بعدم المهر صحّ ، ويقال لذلك ؛ أي لإيقاع العقد بلا مهر : تفويض البضع ، وللمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر : مفوّضة البضع .

(مسألة 5) : لو وقع العقد بلا مهر لم تستحقّ المرأة قبل الدخول شيئاً إلاّ إذا طلّقها ، فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى والفقر واليَسار والإعسار من دينار أو درهم أو ثوب أو دابّة أو غيرها ، ويقال لذلك الشيء : المتعة . ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق لم تستحقّ شيئاً ، وكذا لو مات أحدهما قبله . وأمّا لو دخل بها استحقّت عليه بسببه مهر أمثالها .

(مسألة 6) : الأحوط في مهر المثل هنا التصالح فيما زاد عن مهر السنّة ، وفي غير المورد ممّا نحكم بمهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها ؛ من السنّ والبكارة والنجابة والعفّة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال وأضدادها ، بل يلاحظ كلّ ما له دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه ، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها وغير ذلك أيضاً .

(مسألة 7) : لو أمهر ما لا يملكه أحد كالحرّ ، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر

ص: 320

والخنزير ، صحّ العقد وبطل المهر ، واستحقّت عليه مهر المثل بالدخول . وكذلك الحال فيما إذا جعل المهر شيئاً باعتقاد كونه خلاًّ فبان خمراً ، أو جعل مال الغير باعتقاد كونه ماله فبان خلافه .

(مسألة 8) : لو شرّك أباها في المهر - بأن سمّى لها مهراً ولأبيها شيئاً معيّناً - تعيّن ما سمّى لها مهراً لها ، وسقط ما سمّى لأبيها ، فلا يستحقّ الأب شيئاً .

(مسألة 9) : ما تعارف في بعض البلاد من أ نّه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها واُمّها من الزوج شيئاً - وهو المسمّى في لسان بعض ب- «شيربها» ، وفي لسان بعض آخر بشيء آخر - ليس بعنوان المهر وجزء منه ، بل هو شيء يؤخذ زائداً على المهر . وحكمه : أ نّه إن كان إعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة لعمل مباح ، فلا إشكال في جوازه وحلّيته ، بل وفي استحقاق العامل له وعدم سلطنة الزوج على استرجاعه بعد إعطائه . وإن لم يكن بعنوان الجعالة فإن كان إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه ؛ وإن كان لأجل جلب خاطره وتحبيبه وإرضائه ؛ حيث إنّ رضاه في نفسه مقصود أو من جهة أنّ رضا البنت منوط برضاه ، فبملاحظة هذه الجهات يطيب خاطر الزوج ببذل المال ، فالظاهر جواز أخذه ، لكن يجوز للزوج استرجاعه ما دام موجوداً . وأمّا مع عدم الرضا من الزوج ، وإنّما أعطاه من جهة استخلاص البنت ؛ حيث إنّ القريب مانع عن تمشية الأمر ، مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فيحرم أخذه وأكله ، ويجوز للزوج الرجوع فيه وإن كان تالفاً .

(مسألة 10) : لو وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعده على شيء ؛ سواء كان بقدر مهر المثل أو أقلّ منه أو أكثر ، ويتعيّن ذلك مهراً ، وكان كالمذكور في العقد .

ص: 321

(مسألة 11) : يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاًّ - أي بلا أجل - ومؤجّلاً ، وأن يجعل بعضه حالاًّ وبعضه مؤجّلاً ، وللزوجة مطالبة الحالّ في كلّ حال بشرط مقدرة الزوج واليسار ، بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتّى تقبض مهرها الحالّ ؛ سواء كان الزوج موسراً أو مُعسراً . نعم ، ليس لها الامتناع فيما لو كان كلّه أو بعضه مؤجّلاً وقد أخذت بعضه الحالّ .

(مسألة 12) : يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ، ويفوّض تقديره وتعيينه إلى أحد الزوجين ؛ بأن تقول الزوجة مثلاً : «زوّجتُك على ما تحكم أو أحكم من المهر» فقال : «قبلت» ، فإن كان الحاكم الزوج جاز أن يحكم بما شاء ولم يتقدّر في الكثرة والقلّة ما دام متموّلاً ، وإن كان الزوجة كان لها الحكم في طرف القلّة بما شاءت ما دام متموّلاً ، وأمّا في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها فيما زاد على مهر السنّة ، وهو خمسمائة درهم .

(مسألة 13) : لو طلّق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمّى وبقي نصفه ، فإن كان ديناً عليه ولم يكن قد دفعه برئت ذمّته من النصف ، وإن كان عيناً صارت مشتركة بينه وبينها . ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقياً ، وإن كان تالفاً استعاد نصف مثله إن كان مثلياً ، ونصف قيمته إن كان قيمياً . وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم . ومع النقل الجائز فالأحوط الرجوع ودفع نصف العين إن طالبها الزوج .

(مسألة 14) : لو مات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى تنصيف المهر كالطلاق ، خصوصاً في موت المرأة ، والأحوط الأولى التصالح ، خصوصاً في موت الرجل .

ص: 322

(مسألة 15) : تملك المرأة الصداق بنفس العقد وتستقرّ ملكية تمامه بالدخول ، فإن طلّقها قبله عاد إليه النصف وبقي لها النصف ، فلها التصرّف فيه بعد العقد بأنواعه ، وبعد ما طلّقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد ، ولا يستحقّ من النماء السابق المنفصل شيئاً .

(مسألة 16) : لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، رجع بنصفه عليها ، وكذا لو كان الصداق عيناً فوهبته إيّاها ، رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها .

(مسألة 17) : الدخول الذي يستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوط ء ولو دبراً . وإذا اختلف الزوجان بعد ما طلّقها ، فادّعت وقوع المواقعة وأنكرها ، فالقول قوله بيمينه ، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن أمكن ، كما إذا ادّعت المواقعة قبلاً وكانت بكراً وعنده بيّنة على بقاء بكارتها .

(مسألة 18) : لو اختلفا في أصل المهر فادّعت الزوجة وأنكر الزوج ، فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه ، وإن كان بعده كلّفت بالتعيين . بل لا يبعد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسّر ، ولا يسمع منها مجرّد قولها : لي عليه المهر ، ما لم تبيّن المقدار ، فإن فسّرت وعيّنت بما لا يزيد على مهر المثل حكم لها عليه بما تدّعيه ، ولا يسمع منه إنكار أصل المهر . نعم ، لو ادّعى سقوطه إمّا بالأداء أو

الإبراء يسمع منه ، فإن أقام البيّنة عليه ثبت مدّعاه ، وإلاّ فله عليها اليمين ، فإن حلفت على نفي الأداء أو الإبراء ثبتت دعواها ، وإن ردّته على الزوج فحلف سقط دعواها ، وإن نكل تثبت ، وإن نكلت ردّه الحاكم على الزوج ، فإن حلف تسقط دعواها ، وإن نكل تثبت . هذا إذا كان ما تدّعيه بمقدار مهر المثل أو أقلّ ،

ص: 323

وإن كان أكثر كان عليها الإثبات ، وإلاّ فلها على الزوج اليمين .

(مسألة 19) : لو توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره ، كان القول قول الزوج بيمينه ، إلاّ إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشرعية ، وكذا إذا ادّعت كون عين من الأعيان - كدار أو بستان - مهراً لها وأنكر الزوج ، فإنّ القول قوله بيمينه ، وعليها البيّنة .

(مسألة 20) : لو اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت : إنّه معجّل ، وقال : بل مؤجّل ، ولم يكن بيّنة كان القول قولها بيمينها . وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل ، كما إذا ادّعت أ نّه سنة ، وقال : إنّه سنتان .

(مسألة 21) : لو توافقا على المهر ، وادّعى تسليمه ولا بيّنة ، فالقول قولها بيمينها .

(مسألة 22) : لو دفع إليها قدر مهرها ثمّ اختلفا بعد ذلك ، فقالت : «دفعته هبة» وقال : «بل دفعته صداقاً» فلا يبعد التداعي ، وتحتاج المسألة إلى زيادة تأمّل .

(مسألة 23) : لو زوّج ولده الصغير ، فإن كان للولد مال فالمهر على الولد ، وإن لم يكن له مال فالمهر على عهدة الوالد ، فلو مات الوالد اُخرج المهر من أصل تركته ؛ سواء بلغ الولد وأيسر أم لا . نعم ، لو تبرّأ من ضمان العهدة في ضمن العقد برئ منه .

(مسألة 24) : لو دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة إعسار الولد ، ثمّ بلغ الصبيّ فطلّق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر ، وكان له دون الوالد .

ص: 324

خاتمة : في الشروط المذكورة في عقد النكاح

(مسألة 1) : يجوز أن يشترط في ضمن عقد النكاح كلّ شرط سائغ ، ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود ، لكن تخلّفه أو تعذّره لا يوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود . نعم ، لو كان الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين - مثل كون الزوجة باكرة أو كون الزوج مؤمناً غير مخالف - فتبيّن خلافه ، أوجب الخيار كما مرّت الإشارة إليه .

(مسألة 2) : إذا شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع ، مثل أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت ، وإلى أين شاءت ، أو لا يعطي حقّ ضرّتها من المضاجعة ونحوها ، وكذا لو شرط أن لا يتزوّج عليها ، أو لا يتسرّى ، بطل الشرط وصحّ العقد والمهر وإن قلنا بأنّ الشرط الفاسد يفسد العقد .

(مسألة 3) : لو شرط أن لا يفتضّها لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز من غير فرق بين النكاح الدائم والمنقطع .

(مسألة 4) : لو شرط أن لا يخرجها من بلدها ، أو أن يسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص ، يلزم الشرط .

فصل : في القسم والنشوز والشقاق

اشارة

لكلّ واحد من الزوجين حقّ على صاحبه يجب عليه القيام به وإن كان حقّ الزوج أعظم . ومن حقّه عليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه

ص: 325

ولو إلى أهلها حتّى لعيادة والدها أو في عزائه ، بل ورد : أن ليس لها أمر مع زوجها في صدقة ولا هبة ولا نذر في مالها إلاّ بإذنه ، إلاّ في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها ، وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى محلّه . وأمّا حقّها عليه فهو أن يُشبعها ويكسوها ، وأن يغفر لها إذا جهلت ، ولا يقبّح لها وجهاً ، كما ورد في الأخبار ، والتفصيل موكول إلى محلّه .

(مسألة 1) : من كانت له زوجة واحدة ، ليس لها عليه حقّ المبيت عندها والمضاجعة معها في كلّ ليلة ، بل ولا في كلّ أربع ليالٍ ليلة على الأقوى ، بل القدر اللازم أن لا يهجرها ولا يذرها كالمعلّقة ؛ لا هي ذات بعل ولا مطلّقة . نعم ، لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة كما مرّ . وإن كانت عنده أكثر من واحدة فإن بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً ، فإن كنّ أربعاً وبات عند إحداهنّ طاف على غيرها لكلّ منهنّ ليلة ، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض ، وإن لم تكن أربعاً يجوز له تفضيل بعضهنّ ، فإن تك عنده مرأتان يجوز له أن يأتي إحداهما ثلاث ليال والاُخرى ليلة ، وإن تك ثلاثاً فله أن يأتي إحداهنّ ليلتين والليلتان الاُخريان للاُخريين . والمشهور : أ نّه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها في كلّ أربع ليال ليلة وله ثلاث ليال . وإن كانت عنده زوجات متعدّدة يجب عليه القسم بينهنّ في كلّ أربع ليال ، فإن كانت عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة ، فإذا تمّ الدور يجب عليه الابتداء بإحداهنّ وإتمام الدور وهكذا ، فليس له ليلة ، بل جميع لياليه لزوجاته . وإن كانت له زوجتان فلهما ليلتان في كلّ أربع وليلتان له ، وإن كانت ثلاث فلهنّ ثلاث والفاضل له ، والعمل به أحوط ،

ص: 326

خصوصاً في أكثر من واحدة ، والأقوى ما تقدّم ، خصوصاً في الواحدة .

(مسألة 2) : يختصّ وجوب المبيت والمضاجعة فيما قلنا به بالدائمة ، فليس للمتمتّع بها هذا الحقّ ؛ واحدة كانت أو متعدّدة .

(مسألة 3) : في كلّ ليلة كان للمرأة حقّ المبيت ، يجوز لها أن ترفع اليد عنه وتهبه للزوج ليصرف ليله فيما يشاء ، وأن تهبه للضرّة فيصير الحقّ لها .

(مسألة 4) : تختصّ البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث ، يجوز تفضيلهما بذلك على غيرهما ، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة .

(مسألة 5) : لا قسمة للصغيرة ، ولا للمجنونة المطبقة ، ولا لذات الأدوار حين دور جنونها ، ولا للناشزة . وتسقط القسمة وحقّ المضاجعة بالسفر ، وليس عليه القضاء .

(مسألة 6) : لو شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأيّ منهنّ ، وبعد ذلك بأيّ من البقيّة وهكذا ؛ وإن كان الأحوط الأولى التعيين بالقرعة ، سيّما ما عدا الاُولى .

(مسألة 7) : يستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات وإطلاق الوجه والمواقعة ، وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ، وأن يأذن لها في حضور موت أبيها واُمّها ؛ وإن كان له منعها عنه وعن عيادتهما ، فضلاً عن عيادة غيرهما ، وعن الخروج من منزله إلاّ لحقّ واجب .

ص: 327

القول : في النشوز

وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها ؛ من عدم تمكين نفسها ، وعدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتّع والالتذاذ بها ، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها ، وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك . ولا يتحقّق النشوز بترك طاعته فيما ليست بواجبة عليها ، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو غير ذلك ؛ حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقّق النشوز .

(مسألة 1) : لو ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان ؛ بسبب تغيير عادتها معه في القول أو الفعل ؛ بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام ليّن ، أو أن تظهر عبوساً وتقطّباً في وجهه وتثاقلاً ودمدمة بعد أن كانت على خلاف ذلك وغير ذلك يعظها ، فإن لم تسمع يتحقّق النشوز بخروجها عن طاعته فيما يرجع إلى الاستمتاع ، فحينئذٍ جاز له هجرها في المضجع ؛ إمّا بأن يحوّل إليها ظهره في الفراش ، أو يعتزل عن فراشها ، فإذا هجرها ولم ترجع وأصرّت عليه جاز له ضربها ، ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها ، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلاّ تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثّراً في اسوداد بدنها أو احمراره ، واللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفّي والانتقام ، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم .

(مسألة 2) : كما يكون النشوز من قبل الزوجة يكون من طرف الزوج

ص: 328

أيضاً بتعدّيه عليها ، وعدم القيام بحقوقها الواجبة ، فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوهما ، فلها المطالبة بها ووعظها إيّاه ، فإن لم يؤثّر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها ، وليس لها هجره ولا ضربه ، وإذا اطّلع الحاكم على نشوزه وتعدّيه ، نهاه عن فعل ما يحرم عليه ، وأمره بفعل ما يجب ، فإن نفع وإلاّ عزّره بما يراه ، وله أيضاً الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقّف عليه .

(مسألة 3) : لو ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة ، أو همّ بطلاقها لكراهته لها لكبر سنّها أو غيره ، أو همّ بالتزويج عليها ، فبذلت له مالاً ، أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له ، صحّ وحلّ له ذلك ، وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة ، أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك ، فبذلت مالاً أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها ، أو ليمسك عن أذيّتها ، أو ليخلعها فتخلّص من يده ، حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى .

(مسألة 4) : لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما ، وانجرّ أمرهما إلى الحاكم ، بعث حكمين : حكماً من جانبه ، وحكماً من جانبها ؛ للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق . ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلّة لحصول ذلك بينهما ، ثمّ يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ، ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً ، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني ، أو في مسكن مخصوص ، أو عند أبويها ، أو لا يسكن

ص: 329

معها اُمّه أو اُخته ولو في بيت منفرد ، أو لا يسكن معها ضرّتها في دار واحدة ، ونحو ذلك ، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحالّ إلى أجل ، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك ، بخلاف ما إذا كان غير سائغ ، كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة ؛ من قسم أو نفقة ، أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ، ونحو ذلك .

(مسألة 5) : لو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلاّ إذا شرطا عليهما حين بعثهما : بأ نّهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا ، وحيث إنّ التفريق لا يكون إلاّ بالطلاق ، فلا بدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه .

(مسألة 6) : الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين ؛ بأن يكون حكم من أهله ، وحكم من أهلها ، فإن لم يكن لهما أهل ، أو لم يكن أهلهما أهلاً لهذا الأمر ، تعيّن من غيرهم ، ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حكم واحد ، بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد تعيّن .

(مسألة 7) : ينبغي للحكمين إخلاص النيّة وقصد الإصلاح ، فمن حسنت نيّته فيما تحرّاه أصلح اللّه مسعاه ، كما يرشد إلى ذلك قوله جلّ شأنه في هذا المقام : (إِنْ يُرِيدَا إصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّه ُ بَيْنَهُمَا) .

فصل : في أحكام الأولاد والولادة

اشارة

(مسألة 1) : إنّما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها بشروط : الدخول مع الإنزال ، أو الإنزال في الفرج وحواليه ، أو دخول منيّه فيه بأيّ نحو كان ، وفي الدخول بلا إنزال إشكال ، ومضيّ ستّة أشهر أو أكثر من حين الوط ء إلى زمن الولادة ، وأن

ص: 330

لا تتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ، وفي كونه تسعة أشهر إشكال ، بل الأرجح بالنظر أن يكون الأقصى سنة . فلو لم يدخل بها أصلاً ، ولم ينزل في فرجها ، أو حواليه بحيث يحتمل الجذب ، ولم يدخل المنيّ فيه بنحو من الأنحاء ، لم يلحق به قطعاً ، بل يجب نفيه عنه . وكذا لو دخل بها وأنزل ، وجاءت بولد حيّ كامل لأقلّ من ستّة أشهر من حين الدخول ونحوه ، أو جاءت به وقد مضى من حين وطئه ونحوه أزيد من أقصى الحمل ، كما إذا اعتزلها أو غاب عنها أزيد منه وولدت بعده .

(مسألة 2) : إذا تحقّقت الشروط المتقدّمة لحق الولد به ، ولا يجوز له نفيه وإن وطئها واطئ فجوراً ، فضلاً عمّا لو اتّهمها به ، ولا ينتفي عنه لو نفاه إن كان العقد دائماً إلاّ باللعان ، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعاً ، وجاءت بولد أمكن إلحاقه به ، فإنّه وإن لم يجز له نفيه ، لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهراً من غير لعان ، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب .

(مسألة 3) : لا يجوز نفي الولد لأجل العزل ، فلو نفاه لم ينتف إلاّ باللعان .

(مسألة 4) : الموطوءة بشبهة ، كما إذا وطئ أجنبيّة بظنّ أ نّها زوجته ، يلحق ولدها بالواطئ بشرط أن تكون ولادته لستّة أشهر من حين الوط ء أو أكثر ، وأن لا يتجاوز عن أقصى الحمل ، وبشرط أن لا تكون تحت زوج مع إمكان التولّد منه بشروطه .

(مسألة 5) : لو اختلفا في الدخول الموجب لإلحاق الولد وعدمه ، فادّعته المرأة ليلحق الولد به وأنكره ، أو اختلفا في ولادته ، فنفاها الزوج وادّعى أ نّها

ص: 331

أتت به من خارج ، فالقول قوله بيمينه . ولو اتّفقا في الدخول والولادة واختلفا في المدّة ، فادّعى ولادتها لدون ستّة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل ، وادّعت خلافه فالقول قولها بيمينها ، ويلحق الولد به ، ولا ينتفي عنه إلاّ باللعان .

(مسألة 6) : لو طلّق زوجته المدخول بها ، فاعتدّت وتزوّجت ، ثمّ أتت بولد ، فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأوّل ، كما إذا ولدته لدون ستّة أشهر من وط ء الثاني ، ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وط ء الأوّل ، فهو للأوّل ، وتبيّن بطلان نكاح الثاني ؛ لتبيّن وقوعه في العدّة ، وحرمت عليه مؤبّداً لوطئه إيّاها . وإن انعكس الأمر ؛ بأن أمكن لحوقه بالثاني دون الأوّل لحق بالثاني ؛ بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وط ء الأوّل ، ولأقلّ الحمل إلى الأقصى من وط ء الثاني . وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما ؛ بأن ولدته لأزيد من أقصى الحمل من وط ء الأوّل ، ولدون ستّة أشهر من وط ء الثاني ، انتفى منهما ، وإن أمكن إلحاقه بهما فهو للثاني .

(مسألة 7) : لو طلّقها ثمّ بعد ذلك وطئت بشبهة ثمّ أتت بولد ، فهو كالتزويج بعد العدّة ، فيجيء فيه الصور الأربعة المتقدّمة حتّى الصورة الأخيرة ، وهي ما إذا أمكن اللحوق بكلّ منهما ، فإنّه يلحق بالأخير هنا أيضاً .

(مسألة 8) : لو كانت تحت زوج فوطئها شخص آخر بشبهة فأتت بولد ، فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به ، وإن لم يمكن اللحوق بهما انتفى عنهما ، وإن أمكن لحوقه بكلّ منهما اُقرع بينهما .

ص: 332

القول : في أحكام الولادة وما يلحق بها

للولادة والمولود سنن وآداب - بعضها واجبة ، وبعضها مندوبة - نذكر مهمّاتها .

(مسألة 1) : يجب استقلال النساء في شؤون المرأة حين وضعها ، دون الرجال إذا استلزم اطّلاعهم على ما يحرم عليهم ، إلاّ مع عدم النساء ، ومسّت الضرورة بذلك . نعم ، لا بأس بالزوج وإن وجدت النساء .

(مسألة 2) : يستحبّ غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر ، والأذان في اُذنه اليُمنى والإقامة في اليُسرى ، وتحنيكه بماء الفرات وتربة سيّد الشهداء علیه السلام ، وتسميته بالأسماء المستحسنة ، فإنّ ذلك من حقّ الولد على الوالد ، وأفضلها ما يتضمّن العبودية للّه - جلّ شأنه - كعبداللّه وعبدالرحيم وعبدالرحمان ونحوها ، ويليها أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام ، وأفضلها محمّد ، بل يكره ترك التسمية به إن ولد له أربعة أولاد ، ويكره أن يكنيه أبا القاسم إن كان اسمه محمّد ، ويستحبّ أن يحلق رأس الولد يوم السابع ، ويتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة ، ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع .

(مسألة 3) : تستحبّ الوليمة عند الولادة ، وهي إحدى الخمس التي سُنّ فيها الوليمة ، كما أنّ إحداها عند الختان ، ولا يعتبر إيقاع الاُولى يوم الولادة ، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيّام قلائل ، والظاهر أ نّه إن ختن في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدّى السنّتان .

(مسألة 4) : يجب ختان الذكور ، ويستحبّ إيقاعه في اليوم السابع ، ويجوز

ص: 333

التأخير عنه ، وإن تأخّر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه ؛ حتّى أنّ الكافر إذا أسلم غير مختون يجب عليه الختان وإن طعن في السنّ ولا يجب على الوليّ أن يختن الصبيّ إلى زمان بلوغه ، فإن بلغ بلا ختان يجب على نفسه وإن كان الأحوط أن يختنه .

(مسألة 5) : الختان واجب لنفسه ، وشرط لصحّة طوافه في حجّ أو عمرة واجبين أو مندوبين ، وليس شرطاً في صحّة الصلاة على الأقوى ، فضلاً عن سائر العبادات .

(مسألة 6) : الأحوط في الختان قطع الغلاف بحيث يظهر تمام الحشفة ، كما هو المتعارف ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 7) : لا بأس بكون الختّان كافراً حربياً أو ذمّياً ، فلا يعتبر فيه الإسلام .

(مسألة 8) : لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان وإن استحبّ إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة .

(مسألة 9) : من المستحبّات الأكيدة العقيقة للذكر والاُنثى ، ويستحبّ أن يعقّ عن الذكر ذكراً وعن الاُنثى اُنثى ، وأن تكون يوم السابع ، وإن تأخّرت عنه لعذر أو لغير عذر لم تسقط ، بل لو لم يعقّ عنه حتّى بلغ عقّ عن نفسه ، بل لو لم يعقّ عن نفسه حال حياته يستحبّ أن يعقّ عنه بعد موته ، ولا بدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم - ضأناً كان أو معزاً - والبقر والإبل ، ولا يجزي عنها التصدّق

بثمنها . قيل : يستحبّ أن تجتمع فيها شروط الاُضحية ؛ من كونها سليمة من العيوب ، لا يكون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل ، وأقلّ من سنتين

ص: 334

في البقر ، وأقلّ من سنة كاملة في المعز ، وأقلّ من سبعة شهور في الضأن . وهو لا يخلو من إشكال ، كما أنّ تعيين السنين بما ذكر لا يخلو بعضها من إشكال ، والأمر سهل . ويستحبّ أن تخصّ القابلة بالرجل والورك ، والأفضل أن يخصّها بالربع ، وإن جمع بين الربع والرجل والورك ؛ بأن أعطاها الربع الذي هما فيه لا يبعد أن يكون عاملاً بالاستحبابين ، ولو لم تكن قابلة اُعطي الاُمّ تتصدّق به .

(مسألة 10) : يتخيّر في العقيقة بين أن يفرّقها لحماً أو مطبوخاً ، أو تطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين ، ولا أقلّ من عشرة ، وإن زاد فهو أفضل ، ويأكلون منها ويدعون للولد ، ولا بأس بطبخها على ما هو المتعارف ، وقد يقال : الأفضل طبخها بماء وملح ، وهو غير معلوم .

(مسألة 11) : لا يجب على الاُمّ إرضاع ولدها - لا مجّاناً ولا بالاُجرة - مع عدم الانحصار بها ، بل ومع الانحصار لو أمكن حفظ الولد بلبن ونحوه مع الأمن من الضرر عليه . كما أ نّه لا يجب عليها إرضاعه مجّاناً وإن انحصر بها ، بل لها المطالبة باُجرة الإرضاع من مال الولد إن كان له مال ، ومن أبيه إن لم يكن له مال وكان الأب موسراً . نعم ، لو لم يكن للولد مال ، ولم يكن الأب والجدّ وإن علا موسرين ، تعيّن على الاُمّ إرضاعه مجّاناً ؛ إمّا بنفسها أو باستئجار مرضعة اُخرى ، أو بغيره من طرق الحفظ إن لم يكن مضرّاً له ، وتكون الاُجرة أو النفقة عليها .

(مسألة 12) : الاُمّ أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرّعة ، أو تطلب ما تطلب غيرها أو أنقص ، وأمّا لو طلبت زيادة ، أو اُجرة ووجدت متبرّعة ، فللأب تسليمه إلى غيرها . والأحوط عدم سقوط حقّ الحضانة الثابت للاُمّ

ص: 335

أيضاً ؛ لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة .

(مسألة 13) : لو ادّعى الأب وجود متبرّعة وأنكرت الاُمّ ، ولم تكن البيّنة على وجودها ، فالقول قولها بيمينها .

(مسألة 14) : يستحبّ أن يكون رضاع الصبيّ بلبن اُمّه ، فإنّه أبرك من غيره ، إلاّ إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها ؛ من حيث شرافتها وطيب لبنها وخباثة الاُمّ .

(مسألة 15) : كمال الرضاع حولان كاملان أربعة وعشرون شهراً ، ويجوز أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور ؛ بأن يفطم على أحد وعشرين شهراً ، ولا يجوز أن ينقص عن ذلك مع الإمكان ومن غير ضرورة .

(مسألة 16) : الاُمّ أحقّ بحضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه مدّة الرضاع - أي الحولين - إذا كانت حرّة مسلمة عاقلة ؛ ذكراً كان أو اُنثى ؛ سواء أرضعته هي بنفسها أو بغيرها ، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدّة منها وإن فطمته على الأحوط ، فإذا انقضت مدّة الرضاع فالأب أحقّ بالذكر والاُمّ بالاُنثى حتّى تبلغ سبع سنين من عمرها ثمّ يكون الأب أحقّ بها ، وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّها ما لم تتزوّج بالغير ، فلو تزوّجت سقط حقّها عن الذكر والاُنثى ، وكانت الحضانة للأب ، ولو فارقها الثاني لا يبعد عود حقّها ، والأحوط التصالح والتسالم .

(مسألة 17) : لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله ، كانت الاُمّ أحقّ بحضانة الولد وإن كانت مزوّجة - ذكراً كان أو اُنثى - من وصيّ أبيه ، وكذا من باقي أقاربه حتّى أبي أبيه واُمّه ، فضلاً عن غيرهما ، كما أ نّه لو ماتت الاُمّ في زمن

ص: 336

حضانتها فالأب أحقّ بها من غيره . وإن فُقد الأبوان فهي لأب الأب ، وإذا عدم ولم يكن وصيّ له ولا للأب ، فلأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث ؛ الأقرب منهم يمنع الأبعد ، ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاحّ اُقرع بينهم . وإذا وجد وصيّ لأحدهما ، ففي كون الأمر كذلك أو كونها للوصيّ ثمّ إلى الأقارب ، وجهان ، لا يترك الاحتياط بالتصالح والتسالم .

(مسألة 18) : تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً ، فإذا بلغ رشيداً ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتّى الأبوين ، بل هو مالك لنفسه ذكراً كان أو اُنثى .

فصل : في النفقات

اشارة

إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك .

(مسألة 1) : إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة ، فلا نفقة للمنقطعة ، وأن تكون مطيعة له فيما يجب إطاعتها له ، فلا نفقة للناشزة ، ولا فرق بين المسلمة والذمّية .

(مسألة 2) : لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتّى تظهرها وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليها .

(مسألة 3) : لو ارتدّت سقطت النفقة ، وإن عادت في العدّة عادت .

(مسألة 4) : الظاهر أ نّه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها . نعم ، لو كانت الزوجة مراهقة والزوج مراهقاً أو كبيراً ، أو كان الزوج مراهقاً والزوجة كبيرة ،

ص: 337

لم يبعد استحقاقها لها مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها .

(مسألة 5) : لا تسقط نفقتها بعدم تمكينه من نفسها لعذر شرعي أو عقلي ؛ من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك . وكذا لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج ؛ سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح ، وكذا لو سافرت في واجب مضيّق كالحجّ الواجب بغير إذنه ، بل ولو مع منعه ونهيه . بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح ، فإنّه تسقط نفقتها ، بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر ، فضلاً عمّا كان له ؛ لتحقّق النشوز المسقط لها .

(مسألة 6) : تثبت النفقة والسكنى لذات العدّة الرجعية ما دامت في العدّة كما تثبت للزوجة من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً ، ولو كانت ناشزة وطلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها كالزوجة الناشزة ، وإن رجعت إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب ، وأمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسكناها ؛ سواء كانت عن طلاق أو فسخ ، إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً ، فإنّها تستحقّهما حتّى تضع حملها . ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى .

(مسألة 7) : لو ادّعت المطلّقة بائناً أ نّها حامل مستندة إلى وجود الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النسوان ، فتصديقها بمجرّد دعواها محلّ إشكال . نعم ، لا يبعد قبول قول الثقة الخبيرة من القوابل قبل ظهور الحمل ؛

ص: 338

من غير احتياج إلى شهادة أربع منهنّ أو اثنين من الرجال المحارم . فحينئذٍ اُنفق عليها يوماً فيوماً إلى أن يتبيّن الحال ، فإن تبيّن الحمل وإلاّ استعيدت منها ما صرف عليها . وفي جواز مطالبتها بكفيل قبل تبيّن الحال وجهان ، بل قولان ، أرجحهما الثاني إن قلنا بوجوب تصديقها ، وكذلك مع عدمه وإخبار الثقة من أهل الخبرة .

(مسألة 8) : لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة ؛ من طعام وإدام ، وكسوة وفراش وغطاء ، وإسكان وإخدام ، وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك .

فأمّا الطعام فكمّيته بمقدار ما يكفيها لشبعها ، وفي جنسه يُرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها ، والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحيث تتضرّر بتركه .

وأمّا الإدام فقدراً وجنساً كالطعام ؛ يراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها ، وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها ؛ حتّى لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم - مثلاً - وجب ، وكذا لو اعتادت بشيء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه . بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام ، كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها ، وأولى بذلك المقدار اللازم من الفواكه الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارّة ، بل وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها .

وكذلك الحال في الكسوة ، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها ، وبلد سكناها ، والفصول التي تحتاج إليها شتاءً وصيفاً ؛ ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك ، بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها

ص: 339

زيادة على ثياب البدن ثياب على حسب أمثالها .

وهكذا الفراش والغطاء ، فإنّ لها ما يفرشها على الأرض وما تحتاج إليها للنوم ؛ من لحاف ومخدّة وما تنام عليها ، ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذُكر في غيرها . وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها داراً تليق بها بحسب عادة أمثالها ، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها ، ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج - ضرّة أو غيرها - من دار أو حجرة منفردة المرافق ؛ إمّا بعارية أو إجارة أو ملك . ولو كانت من أهل البادية ، كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها .

وأمّا الإخدام فإنّما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الإخدام ، وإلاّ خدمت نفسها . وإذا وجبت الخدمة ، فإن كانت من ذوات الحشمة ؛ بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص ، لا بدّ من اختصاصها به ، ولو بلغت حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدّد الخادم فلا يبعد وجوبه .

والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات ، وكذا في الآلات والأدوات المحتاج إليها ، فهي أيضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن فيها .

(مسألة 9) : الظاهر أ نّه من الإنفاق الذي تستحقّه الزوجة اُجرة الحمّام عند الحاجة ؛ سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها ممّا لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت ، أو يتعذّر أو يتعسّر ذلك لها لبرد أو غيره . ومنه أيضاً الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها ، وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها ؛ بسبب الأمراض والآلام التي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام . نعم ، الظاهر أ نّه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات

ص: 340

الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق ، خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير . وهل يكون منه اُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما ؟ فيه تأمّل وإشكال .

(مسألة 10) : تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام والإدام وغيرهما ممّا يصرف ولا يبقى عينه في صبيحته ملكاً متزلزلاً مراعىً بحصول تمام التمكين منها ، وإلاّ فبمقداره وتستردّ البقيّة ، فلها أن تطالبه بها عنده ، فلو منعها مع التمكين وانقضى اليوم استقرّت في ذمّته وصارت ديناً عليه . وكذا يشترط ذلك في الاستقرار مع انقضاء أيّام ، فيستقرّ بمقدار التمكين على ذمّته نفقة تلك المدّة ؛ سواء طالبته بها أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء كان موسراً أو معسراً ، ومع الإعسار ينظر إلى اليسار ، وليس لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية .

(مسألة 11) : لو دفعت إليها نفقة أيّام - كاُسبوع أو شهر مثلاً - وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها - إمّا بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق إليها شخص - كانت ملكاً لها ، وليس للزوج استردادها ، وكذا لو استفضلت منها شيئاً بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكاً لها ، فليس له استردادها . نعم ، لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة - بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً - يوزّع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة .

بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع لها نفقة يوم وعرض أحد تلك العوارض في أثنائه ، فيستردّ الباقي من نفقة اليوم .

(مسألة 12) : كيفية الإنفاق بالطعام والإدام : إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله ، وإمّا بتسليم النفقة لها ، وليس له إلزامها بالنحو

ص: 341

الأوّل ، فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه ، وتطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء ، إلاّ أ نّه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما عليه ، وليس لها أن تطالبه بعده .

(مسألة 13) : ما يدفع إليها للطعام والإدام : إمّا عين المأكول ، كالخبز والتمر والطبيخ واللحم المطبوخ ممّا لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة ومؤونة وكلفة ، وإمّا عين تحتاج إلى ذلك كالحبّ والأرُز والدقيق ونحوها ؛ فإن لم يكن النحوان خلاف المتعارف فالزوج بالخيار بينهما ، وليس للزوجة الامتناع ، ولو اختار النحو الثاني ، واحتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مؤونة كالحطب وغيره ، كان عليه ، وإن كان أحدهما خلاف المتعارف يتّبع ما هو المتعارف .

(مسألة 14) : لو تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمت ، ملكته وسقط ما هو الواجب عليه ، وليس لكلّ منهما إلزام الآخر به .

(مسألة 15) : إنّما تستحقّ في الكسوة أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، ولا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك . ولو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها فكستها ، فخلقت قبل تلك المدّة ، أو سرقت ، وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها ، ولو انقضت المدّة والكسوة باقية على نحو يليق بحالها ليس لها مطالبة كسوة اُخرى . ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تستردّ إذا كانت باقية . وكذا الحال في الفراش والغطاء واللحاف والآلات التي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا تنتفع بها مع بقاء عينها ؛ فإنّها كلّها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة ، فله

ص: 342

استردادها إذا زال استحقاقها إلاّ مع التمليك لها .

(مسألة 16) : لو اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على الاستحقاق ، فإن كان الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه ، فالقول قولها بيمينها ، وعليه البيّنة ، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته ، فالظاهر أنّ القول قول الزوج بيمينه ، وعليها البيّنة .

(مسألة 17) : لو كانت الزوجة حاملاً ووضعت وقد طلّقت رجعياً ، واختلفا في زمان وقوع الطلاق ؛ فادّعى الزوج أ نّه قبل الوضع وقد انقضت عدّتها به فلا نفقة لها ، وادّعت أ نّه بعده ولم تكن بيّنة ، فالقول قولها مع اليمين ، فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة ، لكن يحكم عليه بالبينونة وعدم جواز الرجوع أخذاً بإقراره .

(مسألة 18) : لو طالبته بالإنفاق ، وادّعى الإعسار وعدم الاقتدار ولم تصدّقه ، وادّعت عليه اليسار ، فالقول قوله بيمينه إن لم يكن لها بيّنة ، إلاّ إذا كان مسبوقاً باليسار ، وادّعى تلف أمواله وصيرورته معسراً وأنكرته ، فإنّ القول قولها بيمين ، وعليه البيّنة .

(مسألة 19) : لا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها ، فلها عليه الإنفاق وإن كانت من أغنى الناس .

(مسألة 20) : إن لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبي النفقة ، فهو مقدّم على زوجته ، وهي على أقاربه ، فما فضل من قوته صرفه عليها ، ولا يدفع إلى الأقارب إلاّ ما يفضل عن نفقتها .

ص: 343

القول : في نفقة الأقارب

(مسألة 1) : يجب على التفصيل الآتي الإنفاق على الأبوين وآبائهما واُمّهاتهما وإن علوا ، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ؛ ذكوراً وإناثاً ، صغيراً أو كبيراً ، مسلماً أو كافراً ، ولا يجب على غير العمودين من الأقارب وإن استحبّ ، خصوصاً الوارث منه .

(مسألة 2) : يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه ؛ بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلاً ، فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلاً وإن كان فقيراً لا يملك قوت سنته وجاز له أخذ الزكاة ونحوها . وأمّا غير الواجد لها فعلاً القادر على تحصيلها ، فإن كان ذلك بغير الاكتساب - كالاقتراض والاستعطاء والسؤال - لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال . وإن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه ، وقد ترك التعلّم وبقي بلا نفقة ، فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه ، وكذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله ، كحمل الأثقال أو لا يناسب شأنه ، فترك التكسّب بذلك ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه . وإن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه ، وتركه طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوبه عليه . نعم ، لو فات عنه زمان الاكتساب ؛ بحيث صار فعلاً محتاجاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها ، وجب وإن كان العجز حصل باختياره . كما أ نّه لو ترك التشاغل به ؛ لا لطلب الراحة ، بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهمّ كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك وجوبه .

(مسألة 3) : لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو

ص: 344

منقطعاً ، فهل تكون بحكم القادر فلا يجب الإنفاق عليها أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني .

(مسألة 4) : يشترط في وجوب النفقة على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة . فلو حصل عنده قدر كفاية نفسه خاصّة اقتصر على نفسه ، ولو فضل منه شيء وكانت له زوجة فلزوجته ، ولو فضل شيء فللأبوين والأولاد .

(مسألة 5) : المراد بنفقة نفسه - المقدّمة على نفقة زوجته - مقدار قوت يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله ، وكلّ ما اضطُرّ إليه من الآلات للطعام والشراب والفراش والغطاء وغيرها ، فإن زاد على ذلك شيء صرفه على زوجته ثمّ على قرابته .

(مسألة 6) : لو زاد على نفقته شيء ولم تكن عنده زوجة ، فإن اضطرّ إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد ، أو مظنّة فساد ديني ، فله أن يصرفه في التزويج وإن لم يبق لقريبه شيء ، وإن لم يكن كذلك فالأحوط صرفه في إنفاق القريب ، بل لا يخلو وجوبه من قوّة .

(مسألة 7) : لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه ، وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيلة مشروعة حتّى الاستعطاء والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب اللائق بحاله ، ولو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بحاله وشأنه ، ولا يجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال . نعم ، لا يبعد وجوب الاقتراض ؛ إذا أمكن من دون مشقّة ، وكان له محلّ الإيفاء فيما بعد ، وكذا الشراء نسيئة بالشرطين المذكورين .

ص: 345

(مسألة 8) : لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان ؛ حسب ما مرّ في نفقة الزوجة .

(مسألة 9) : لا يجب إعفاف من وجبت نفقته - ولداً كان أو والداً - بتزويج أو إعطاء مهر له ؛ وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته عليه وعلى بذل الصداق ، خصوصاً في الأب .

(مسألة 10) : يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ؛ لأ نّهم إخوته ، ودون زوجته . ويجب على الوالد نفقة ولده وأولاده ، دون زوجته .

(مسألة 11) : لا تقضى نفقة الأقارب ، ولا يتداركها لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق ، ولا تستقرّ في ذمّته ، بخلاف الزوجة كما مرّ . نعم ، لو لم ينفق عليه لغيبته ، أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ، ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم ، فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه ، اشتغلت ذمّته به ، ووجب عليه قضاؤه .

(مسألة 12) : لوجوب الإنفاق ترتيب من جهة المنفق ومن جهة المنفق عليه : أمّا من الجهة الاُولى : فتجب نفقة الولد ذكراً كان أو اُنثى على أبيه ، ومع عدمه أو فقره فعلى جدّه للأب ، ومع عدمه أو إعساره فعلى جدّ الأب وهكذا متعالياً الأقرب فالأقرب ، ومع عدمهم أو إعسارهم فعلى اُمّ الولد ، ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها واُمّ أبيها وأبي اُمّها واُمّ اُمّها وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسويّة وإن اختلفوا في الذكورة والاُنوثة . وفي حكم آباء الاُمّ واُمّهاتها اُمّ الأب ، وكلّ من تقرّب إلى الأب بالاُمّ ، كأبي اُمّ

ص: 346

الأب واُمّ اُمّه واُمّ أبيه وهكذا ، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه ، مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد . فإذا كان له أب وجدّ موسران فالنفقة على الأب ، ولو كان له أب واُمّ فعلى الأب ، ولو كان جدّ لأب مع اُمّ فعلى الجدّ ، ومع جدّ لاُمّ واُمّ فعلى الاُمّ ، ومع جدّ وجدّة لاُمّ تشاركا بالسويّة ، ومع جدّة لأب وجدّ وجدّة لاُمّ تشاركوا ثلاثاً . هذا في الاُصول ؛ أعني الآباء والاُمّهات .

وأمّا الفروع - أعني الأولاد - فتجب نفقة الأب والاُمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار ؛ ذكراً كان أم اُنثى ، ومع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد ؛ أعني ابن ابن أو بنت ، وبنت ابن أو بنت وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التعدّد والتساوي في الدرجة يشتركون بالسويّة ، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن - مثلاً - فعلى الابن أو البنت ، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن وبنت اشتركا بالسويّة . وإذا اجتمعت الاُصول والفروع يُراعى الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي يتشاركون ، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسويّة ، وإن كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت فعلى الأب ، وإن كان ابن وجدّ لأب فعلى الابن ، وإن كان ابن ابن مع جدّ لأب تشاركا بالسويّة ، وإن كانت له اُمّ مع ابن ابن أو ابن بنت - مثلاً - فعلى الاُمّ . ويشكل الأمر فيما إذا اجتمعت الاُمّ مع الابن أو البنت ، والأحوط التراضي والتسالم على الاشتراك بالسويّة .

وأمّا الجهة الثانية : فإذا كان عنده زائداً على نفقته ونفقة زوجته ، ما يكفي لجميع أقاربه المحتاجين ، وجب عليه نفقة الجميع ، وإذا لم يكف إلاّ لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم ، وإذا كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ، ولا يكفي ما عنده الجميع ، فالأقرب أ نّه يقسّم بينهم بالسويّة مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به ، وإلاّ فيقرع بينهم .

ص: 347

(مسألة 13) : لو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وكان له أب موسر ، فإن اختلفا في قدر النفقة ، وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه كالأقلّ نفقة ، اختصّ به وكان الآخر على الجدّ . وإن اتّفقا في مقدارها ، فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلّ بواحد فهو ، وإلاّ رجعا إلى القرعة .

(مسألة 14) : لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجبره الحاكم ، ومع عدمه فعدول المؤمنين ، ومع فقدهم ففسّاقهم . وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدارها ، جاز للزوجة ذلك دون غيرها إلاّ بإذن الحاكم ، فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصاً . وإن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه ، ومع تعذّر الحاكم يشكل الأمر .

(مسألة 15) : تجب نفقة المملوك حتّى النحل ودود القزّ على مالكه ، ولا تقدير لنفقة البهيمة مثلاً ، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك ، ومالكها بالخيار بين علفها وبين تخليتها لترعى في خصب الأرض ، فإن اجتزأت بالرعي وإلاّ علّفها بمقدار كفايتها .

(مسألة 16) : لو امتنع المالك من الإنفاق على البهيمة ولو بتخليتها للرعي

الكافي لها ، اُجبر على بيعها ، أو الإنفاق عليها ، أو ذبحها إن كانت ممّا يقصد اللحم بذبحها .

ص: 348

كتاب الطلاق

اشارة

وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام :

القول : في شروطه

(مسألة 1) : يشترط في الزوج المطلّق : البلوغ على الأحوط والعقل ، فلا يصحّ على الأحوط طلاق الصبيّ لا بالمباشرة ولا بالتوكيل وإن كان مميّزاً وله عشر سنين ، ولو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط ، ولا طلاق المجنون مطبقاً أو أدواراً حال جنونه . ويلحق به السكران ونحوه ممّن زال عقله .

(مسألة 2) : لا يصحّ طلاق وليّ الصبيّ عنه كأبيه وجدّه ، فضلاً عن الوصيّ والحاكم . نعم ، لو بلغ فاسد العقل ، أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ ، طلّق عنه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح ، فإن لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم ، وإن كان أحدهما معه فالأحوط أن يكون الطلاق منه مع الحاكم ؛ وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه بلا ضمّ الحاكم إليه .

(مسألة 3) : يشترط في الزوج المطلّق : القصد والاختيار ؛ بمعنى عدم الإكراه والإجبار ، فلا يصحّ طلاق غير القاصد ، كالنائم والساهي والغالط والهازل الذي

ص: 349

لا يريد وقوع الطلاق جدّاً ، بل يتكلّم بلفظه هزلاً ، وكذا لا يصحّ طلاق المكره الذي قد اُلزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه .

(مسألة 4) : الإكراه : هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده ؛ مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضرّ بحاله عليه أو على من يجري مجرى نفسه ، كأبيه وولده نفساً أو عرضاً أو مالاً ؛ بشرط أن يكون الحامل قادراً على إيقاع ما توعّد به ؛ مع العلم أو الظنّ بإيقاعه على تقدير عدم امتثاله ، بل أو الخوف به وإن لم يكن مظنوناً . ويلحق به - موضوعاً أو حكماً - ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد ، ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه ، فلو تزوّج بامرأة ، ثمّ رأى أ نّه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلّقيها - كأبيها وأخيها مثلاً - فالتجأ إلى طلاقها فطلّقها يصحّ طلاقها .

(مسألة 5) : لو قدر على دفع ضرر الآمر ببعض التفصّيات ممّا ليس فيه ضرر عليه - كالفرار والاستغاثة بالغير - لم يتحقّق الإكراه ، فلو أوقع الطلاق - مثلاً - حينئذٍ وقع صحيحاً . نعم ، لو قدر على التورية وأوقعه من دون ذلك ، فالظاهر وقوعه مكرهاً عليه وباطلاً .

(مسألة 6) : لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلّق إحداهما المعيّنة وقع مكرهاً عليه ، ولو طلّقهما معاً ففي وقوع طلاق إحداهما مكرهاً عليه ، فيعيّن بالقرعة ، أو صحّة كليهما ، وجهان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان ، ولو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلّق إحداهما فالظاهر أ نّه وقع مكرهاً عليه .

ص: 350

(مسألة 7) : لو أكرهه على أن يطلّق ثلاث تطليقات بينهما رجعتان ، فطلّقها واحدة أو اثنتين ، ففي وقوع ما أوقعه مكرهاً عليه إشكال ، إلاّ إذا قصد تحمّل ما أوعده عليه في ترك البقيّة ، أو كان ذلك بقصد احتمال التخلّص عن المكروه ، وأ نّه لعلّ المكره اقتنع بما أوقعه وأغمض عمّا لم يوقعه .

(مسألة 8) : لو أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ تعقّبه الرضا ، لم يفد ذلك في صحّته ، وليس كالعقد .

(مسألة 9) : لا يعتبر في الطلاق اطّلاع الزوجة عليه ، فضلاً عن رضاها به .

(مسألة 10) : يشترط في المطلّقة : أن تكون زوجة دائمة ، فلا يقع الطلاق على المتمتّع بها ، وأن تكون طاهرة من الحيض والنفاس ، فلا يصحّ طلاق الحائض والنفساء ، والمراد بهما ذات الدمين فعلاً أو حكماً كالنقاء المتخلّل في البين ، ولو نقتا من الدمين ولم تغتسلا من الحدث صحّ طلاقهما ، وأن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها .

(مسألة 11) : إنّما يشترط خلوّ المطلّقة من الحيض في المدخول بها الحائل ، دون غير المدخول بها ، ودون الحامل بناء على مجامعة الحيض للحمل ، كما هو الأقوى ، فيصحّ طلاقها في حال الحيض . وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضراً ؛ بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق ، ولو كان غائباً يصحّ طلاقها وإن وقع في حال الحيض ، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها ، فلو علم أ نّها في حال الحيض - ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر - أو تمكّن من استعلامها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل .

ص: 351

(مسألة 12) : لو غاب الزوج ، فإن خرج حال حيضها ، لم يجز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض ، أو كانت ذات العادة ومضت عادتها ، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان ، صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض . وإن خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه ، طلّقها في أيّ زمان لم يعلم بكونها حائضاً ، وصحّ طلاقها وإن صادف الحيض . نعم ، لو طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيّض فيه بطل إن صادفه . ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر ، ويكفي تربّص شهر ، والأحوط أن لا ينقص عن ذلك ، والأولى تربّص ثلاثة أشهر . هذا مع الجهل بعادتها ، وإلاّ فيتبع العادة على الأقوى . ولو وقع الطلاق بعد التربّص المذكور لم يضرّ مصادفة الحيض في الواقع ، بل الظاهر أ نّه لا يضرّ مصادفته للطهر الذي واقعها فيه ؛ بأن طلّقها بعد شهر - مثلاً - أو بعد مضيّ مدّة علم بحسب عادتها خروجها عن الطهر الأوّل والحيض الذي بعده ، ثمّ تبيّن الخلاف .

(مسألة 13) : الحاضر الذي يتعذّر أو يتعسّر عليه معرفة حال المرأة من حيث الطهر والحيض كالغائب ، كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها بسهولة بلا تعسّر كالحاضر .

(مسألة 14) : يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة ؛ وهي المرأة التي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض لخلقة أو عارض ، لكن يشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة ، فلو طلّقها قبلها لم يقع .

(مسألة 15) : لا يشترط في تربّص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون

ص: 352

اعتزاله لأجل أن يطلّقها ، فلو لم يتّفق مواقعتها بسبب إلى مضيّها ، ثمّ بدا له طلاقها ، صحّ في الحال .

(مسألة 16) : لو واقعها في حال الحيض ، لم يصحّ طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة ، بل لا بدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر ، فما هو الشرط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة ، لا وقوعه في طهر غير طهر المواقعة .

(مسألة 17) : يشترط في صحّة الطلاق تعيّن المطلّقة ؛ بأن يقول : «فلانة طالق» ، أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال ، فلو كانت له زوجة واحدة ، فقال : «زوجتي طالق» صحّ ، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر ، وقال : «زوجتي طالق» ، إلاّ إذا نوى في نفسه معيّنة ، فهل يقبل تفسيره بمعيّنة من غير يمين ؟ فيه تأمّل .

القول : في الصيغة

(مسألة 1) : لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصّة ، وهي قوله : «أنتِ طالق» أو «فلانة» أو «هذه» أو ما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تعيين المطلّقة ، فلا يقع بمثل «أنت مطلّقة» أو «طلّقت فلانة» ، بل ولا «أنت الطالق» ، فضلاً عن الكناية ك «أنت خليّة أو بريّة» ، أو «حبلك على غاربك» ، أو «الحقي بأهلك» ونحو ذلك ، فلا يقع بها وإن نواه ؛ حتّى قوله : «اعتدّي» المنويّ به الطلاق على الأقوى .

(مسألة 2) : يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة ، فلو قال : «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صحّ طلاق الجميع .

(مسألة 3) : لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع

ص: 353

القدرة ، ومع العجز يصحّ ، وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على

النطق ، ومع العجز يصحّ إيقاعه بهما ، والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة .

(مسألة 4) : يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره ؛ سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً ، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها .

(مسألة 5) : يجوز أن يوكّلها على أ نّه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور - مثلاً - أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر - مثلاً - طلّقت نفسها ، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكّل فيه ، لا تعليقاً في الوكالة .

(مسألة 6) : يشترط في صيغة الطلاق التنجيز ، فلو علّقه على شرط بطل ؛ سواء كان ممّا يحتمل وقوعه ، كما إذا قال : «أنتِ طالق إن جاء زيد» ، أو ممّا يُتيقّن حصوله ، كما إذا قال : «إن طلعت الشمس» . نعم ، لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع ، كقوله : «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق» ؛ سواء كان عالماً بأ نّها زوجته أم لا .

(مسألة 7) : لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً ، فقال : «هي طالق هي طالق هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البين قاصداً تعدّده ، تقع واحدة ولغت الاُخريان ، ولو قال : «هي طالق ثلاثاً» لم يقع الثلاث قطعاً ، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة .

(مسألة 8) : لو كان الزوج من العامّة ؛ ممّن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة أو مكرّرة ، وأوقعه بأحد النحوين ، اُلزم عليه ؛ سواء كانت المرأة شيعية أو مخالفة ،

ص: 354

ونُرتّب نحن عليها آثار المطلّقة ثلاثاً ، فلو رجع إليها نحكم ببطلانه إلاّ إذا كانت الرجعة في مورد صحيحة عندهم ، فنتزوّج بها في غير ذلك بعد انقضاء عدّتها ، وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها التزويج بالغير ، ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثاً وغيره ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا ، كالطلاق المعلّق ، والحلف به ، وفي طُهر المواقعة والحيض ، وبغير شاهدين ، فنحكم بصحّته إذا وقع من المخالف القائل بالصحّة ، وهذا الحكم جارٍ في غير الطلاق أيضاً ، فنأخذ بالعَول والتعصيب منهم الميراث - مثلاً - مع بطلانهما عندنا . والتفصيل لا يسع هذا المختصر .

(مسألة 9) : يشترط في صحّة الطلاق زائداً على ما مرّ الإشهاد ؛ بمعنى إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء ؛ سواء قال لهما : اشهدا ، أم لا ، ويعتبر اجتماعهما حين سماع الإنشاء ، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ، ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر بانفراده ، لم يقع . نعم ، لو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما ؛ لا في تحمّل الشهادة ولا في أدائها ، ولا اعتبار بشهادة النساء وسماعهنّ ؛ لا منفردات ولا منضمّات بالرجال .

(مسألة 10) : لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر في الشاهدين ، كما لا يكتفى بالموكّل مع عدل آخر .

(مسألة 11) : المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره ؛ ممّا رتّب عليه بعض الأحكام ، كما مرّ في كتاب الصلاة .

(مسألة 12) : لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق - أصيلاً كان أو وكيلاً - وفاسقين في الواقع ، يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على

ص: 355

فسقهما ، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل ، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه ، بل الأمر فيه أشكل من سابقه .

القول : في أقسام الطلاق

الطلاق نوعان : بدعي وسنّي .

فالأوّل : هو غير الجامع للشرائط المتقدّمة ، وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا .

والثاني : ما جمع الشرائط في مذهبنا ، وهو قسمان : بائن ورجعي .

فالبائن : ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده ؛ سواء كانت لها عدّة أم لا ، وهو ستّة : الأوّل : الطلاق قبل الدخول . الثاني : طلاق الصغيرة ؛ أي من لم تبلغ التسع وإن دخل بها . الثالث : طلاق اليائسة . وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي . الرابع والخامس : طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت ، وإلاّ كانت له الرجعة . السادس : الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين : بين الأوّل والثاني وبين الثاني والثالث ؛ ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدّة .

(مسألة 1) : لو طلّقها ثلاثاً مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد ، ولا تحلّ له إلاّ بعد أن تنكح زوجاً غيره ، ثمّ فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها ، وحينئذٍ جاز للأوّل نكاحها .

(مسألة 2) : كلّ امرأة حرّة إذا استكملت الطلاق ثلاثاً مع تخلّل رجعتين في البين ، حرمت على المطلّق حتّى تنكح زوجاً غيره ؛ سواء واقعها بعد كلّ رجعة

ص: 356

وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة - وهذا يقال له : طلاق العدّة - أو لم يُواقعها ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر ، أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثمّ راجعها ، ثمّ طلّقها ثمّ راجعها ، ثمّ طلّقها في مجلس واحد ، حرمت عليه ، فضلاً عمّا إذا طلّقها ثمّ راجعها ثمّ تركها حتّى حاضت وطهرت ثمّ طلّقها وهكذا .

(مسألة 3) : العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينها عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتّى تنكح زوجاً غيره ؛ سواء لم تكن لها عدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة .

(مسألة 4) : المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق ، حلّت للزوج الأوّل وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني ، فإذا طلّقها ثلاثاً حرمت أيضاً حتّى تنكح زوجاً آخر وإن كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الاُولى ، وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث ، وتحلّ بنكاح الغير بعده وإن طلّقت مائة مرّة . نعم ، لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة - بالتفسير الذي أشرنا إليه - حرمت عليه أبداً ؛ وذلك بأن طلّقها ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ، ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ، فإذا حلّت للمطلّق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثمّ طلّقها كالثلاثة الاُولى ، ثمّ حلّت بمحلّل ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثاً كالاُوليين حرمت عليه أبداً . ويعتبر فيه أمران : أحدهما : تخلّل رجعتين ، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا رجعة وعقد مستأنف في البين . الثاني : وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة . فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات :

ص: 357

اثنتان منها رجعية وواحدة بائنة ، فإذا وقعت ثلاثة منه حتّى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً . هذا ، والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً وإن لم تكن الجميع طلاق عدّة .

(مسألة 5) : إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر ، وأمّا إن تزوّجت للغير انهدم حكم ما سبق ، وتكون كأ نّها غير مطلّقة ، ويتوقّف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة .

(مسألة 6) : قد مرّ أنّ المطلّقة ثلاثاً تحرم حتّى تنكح زوجاً غيره . وتعتبر في زوال التحريم به اُمور ثلاثة : الأوّل : أن يكون الزوج المحلّل بالغاً ، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقاً . الثاني : أن يطأها قبلاً وط ءاً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، بل كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، وهل يعتبر الإنزال ؟ فيه إشكال ، والأحوط اعتباره . الثالث : أن يكون العقد دائماً لا متعة .

(مسألة 7) : لو طلّقها ثلاثاً وانقضت مدّة وادّعت أ نّها تزوّجت وفارقها الزوج الثاني ومضت العدّة واحتمل صدقها صدّقت ويقبل قولها بلا يمين ، فللزوج الأوّل أن ينكحها ، وليس عليه الفحص ، والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت ثقة أمينة .

(مسألة 8) : لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها صدّقت وحلّت للزوج الأوّل ، وإن كذّبها فالأحوط الاقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها ، ولو ادّعت الإصابة ثمّ رجعت عن قولها ، فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له ، وإن كان بعده لم يقبل رجوعها .

ص: 358

(مسألة 9) : لا فرق في الوط ء المعتبر في المحلّل بين المحرّم والمحلّل ، فلو وطئها محرّماً - كالوط ء في الإحرام ، أو في الصوم الواجب ، أو في الحيض ، ونحو ذلك - كفى في التحليل .

(مسألة 10) : لو شكّ الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه ، ويحكم ببقاء علقة النكاح ، ولو علم بأصله وشكّ في عدده بنى على الأقلّ ؛ سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع ، فلا يحكم بالحرمة في الأوّل وبالحرمة الأبدية في الثاني ، بل لو شكّ بين الثلاث والتسع يبني على الأوّل ، وتحلّ بالمحلّل على الأشبه .

القول : في العدد

إنّما يجب الاعتداد باُمور ثلاثة : الفراق بطلاق أو فسخ أو انفساخ في الدائم ، وانقضاء المدّة أو بذلها في المتعة ، وموت الزوج ، ووط ء الشبهة .

فصل : في عدّة الفراق

اشارة

فصل : في عدّة الفراق طلاقاً كان أو غيره

(مسألة 1) : لا عدّة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة ، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها ، ولا على اليائسة ؛ سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها .

(مسألة 2) : يتحقّق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلاً أو دبراً وإن لم ينزل ، بل وإن كان مقطوع الاُنثيين .

(مسألة 3) : يتحقّق اليأس ببلوغ ستّين في القرشية وخمسين في غيرها ،

ص: 359

والأحوط مراعاة الستّين مطلقاً بالنسبة إلى التزويج بالغير ، وخمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها .

(مسألة 4) : لو طلّقت ذات الأقراء قبل بلوغ سنّ اليأس ، ورأت الدم مرّة أو مرّتين ثمّ يئست ، أكملت العدّة بشهرين أو شهر ، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدّت شهراً أو شهرين ثمّ يئست ، أتمّت ثلاثة .

(مسألة 5) : المطلّقة ومن اُلحقت بها إن كانت حاملاً فعدّتها مدّة حملها ، وتنقضي بأن تضع ولو بعد الطلاق بلا فصل ؛ سواء كان تامّاً أو غيره ولو كان مضغة أو علقة إن تحقّق أ نّه حمل .

(مسألة 6) : إنّما تنقضي العدّة بالوضع إذا كان الحمل ملحقاً بمن له العدّة ، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته ، فلو كانت حاملاً من زناً قبل الطلاق أو بعده لم تخرج منها به ، بل يكون انقضاؤها بالأقراء والشهور كغير الحامل ، فوضع الحمل لا أثر له أصلاً . نعم ، إذا حملت من وط ء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج ، فوضعه سبب لانقضاء العدّة بالنسبة إليه ، لا الزوج المطلّق .

(مسألة 7) : لو كانت حاملاً باثنين فالأقوى عدم البينونة إلاّ بوضعهما ، فللزوج الرجوع بعد وضع الأوّل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، ولا تنكح زوجاً إلاّ بعد وضعهما .

(مسألة 8) : لو وطئت شبهة فحملت واُلحق الولد بالواطئ - لبُعد الزوج عنها ، أو لغير ذلك - ثمّ طلّقها ، أو وطئت شبهة بعد الطلاق على نحو اُلحق الولد بالواطئ ، كانت عليها عدّتان : عدّة لوط ء الشبهة تنقضي بالوضع ، وعدّة

ص: 360

للطلاق تستأنفها فيما بعده ، وكان مدّتها بعد انقضاء نفاسها إذا اتّصل بالوضع ، ولو تأخّر دم النفاس يحسب النقاء المتخلّل بين الوضع والدم قُرءاً من العدّة الثانية ولو كان بلحظة .

(مسألة 9) : لو ادّعت المطلّقة الحامل : أ نّها وضعت فانقضت عدّتها ، وأنكر الزوج ، أو انعكس فادّعى الوضع وانقضاء العدّة ، وأنكرت هي ، أو ادّعت الحمل وأنكر ، أو ادّعت الحمل والوضع معاً وأنكرهما ، يقدّم قولها بيمينها بالنسبة إلى بقاء العدّة والخروج منها ، لا بالنسبة إلى آثار الحمل غير ما ذكر على الظاهر .

(مسألة 10) : لو اتّفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل ، واختلفا في المتقدّم والمتأخّر ، فقال الزوج : «وضعت بعد الطلاق فانقضت عدّتك» ، وقالت : «وضعت قبله ، وأنا في العدّة» ، أو انعكس ، لا يبعد تقديم قولها في بقاء العدّة والخروج منها مطلقاً ؛ من غير فرق بين ما لم يتّفقا على زمان أحدهما أو اتّفقا عليه .

(مسألة 11) : لو طلّقت الحائل أو انفسخ نكاحها ، فإن كانت مستقيمة الحيض ؛ بأن تحيض في كلّ شهر مرّة ، كانت عدّتها ثلاثة قروء ، وكذا إذا تحيض في كلّ شهر أزيد من مرّة أو ترى الدم في كلّ شهرين مرّة . وبالجملة : كان الطهر الفاصل بين حيضتين أقلّ من ثلاثة أشهر . وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض - إمّا لكونها لم تبلغ الحدّ الذي ترى الحيض غالب النساء ، وإمّا لانقطاعه لمرض أو حمل أو رضاع - كانت عدّتها ثلاثة أشهر . ويلحق بها من تحيض لكن الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد .

(مسألة 12) : المراد بالقروء الأطهار ، ويكفي في الطهر الأوّل مسمّاه ولو

ص: 361

قليلاً ، فلو طلّقها وقد بقيت منه لحظة يحسب ذلك طهراً ، فإذا رأت طهرين آخرين تامّين بتخلّل حيضة بينهما انقضت العدّة ، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث . نعم ، لو اتّصل آخر صيغة الطلاق بأوّل زمان الحيض صحّ الطلاق ، لكن لا بدّ في انقضاء العدّة من أطهار تامّة ، فتنقضي برؤية الدم الرابع ، كلّ ذلك في الحرّة .

(مسألة 13) : بناءً على كفاية مسمّى الطهر في الطهر الأوّل ولو لحظةً وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرّة ، فأقلّ زمان يمكن أن تنقضي عدّة الحُرّة ستّة وعشرون يوماً ولحظتان ؛ بأن كان طهرها الأوّل لحظة ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ، ثمّ تحيض ، فبمجرّد رؤية الدم الأخير لحظة من أوّله انقضت العدّة . وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة ، وإنّما يتوقّف عليها تمامية الطهر الثالث . وهذا في الحرّة . وأمّا في الأمة فأقلّ ما يمكن انقضاء عدّتها لحظتان وثلاثة عشر يوماً .

(مسألة 14) : عدّة المُتعة في الحامل وضع حملها ، وفي الحائل إذا كانت تحيض قرءان . والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى . وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فخمسة وأربعون يوماً . والمراد من الحيضتين الكاملتان ، فلو وهبت مدّتها أو انقضت في أثناء الحيض لم تحسب بقيّة تلك الحيضة من الحيضتين .

(مسألة 15) : المدار في الشهور هو الهلالي ، فإن وقع الطلاق في أوّل رؤية الهلال فلا إشكال ، وإن وقع في أثناء الشهر ففيه خلاف وإشكال ، ولعلّ الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليين ، وإكمال الأوّل من الرابع بمقدار ما فات منه .

ص: 362

(مسألة 16) : لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قدّم قولها بيمينها ؛ سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه ، وسواء كانت عدّتها بالأقراء أو الأشهر .

القول : في عدّة الوفاة

(مسألة 1) : عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلاً ؛ صغيرة كانت أو كبيرة ، يائسة كانت أو غيرها ، مدخولاً بها كانت أم لا ، دائمة كانت أو منقطعة ، من ذوات الأقراء كانت أو لا ، وإن كانت حاملاً فأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة .

(مسألة 2) : المراد بالأشهر هي الهلالية ، فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت بأربعة أشهر ، وضمّت إليها من الخامس ، عشرة أيّام ؛ وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر أ نّها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط ، وأكملت الأوّل بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس ؛ حتّى تصير مع التلفيق أربعة أشهر وعشرة أيّام .

(مسألة 3) : لو طلّقها ثمّ مات قبل انقضاء العدّة ، فإن كان رجعياً بطلت عدّة الطلاق ، واعتدّت من حين موته عدّة الوفاة ، إلاّ في المسترابة بالحمل فإنّ فيها محلّ تأمّل ، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين ؛ من عدّة الوفاة ووظيفة المسترابة ، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر - مثلاً - تعتدّ عدّة الوفاة وتتمّ عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف ، ولو مات بعد سبعة أشهر اعتدّت بأبعدهما من اتّضاح الحال وعدّة الوفاة ، ولو كانت المرأة حاملاً اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة ، وإن كان بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ، ولا عدّة لها بسبب الوفاة .

ص: 363

(مسألة 4) : يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدّة .

والمراد به : ترك الزينة في البدن ؛ بمثل التكحيل والتطيّب والخضاب وتحمير الوجه والخطاط ونحوها ، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها . وبالجملة : ترك كلّ ما يُعدّ زينة تتزيّن به للزوج ، وفي الأوقات المناسبة له في العادة ، كالأعياد والأعراس ونحوهما ، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد ، فيلاحظ في كلّ بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين . نعم ، لا بأس بتنظيف البدن واللباس ، وتسريح الشعر ، وتقليم الأظفار ، ودخول الحمّام ، والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزيّنة ، وتزيين أولادها وخدمها .

(مسألة 5) : الأقوى أنّ الحداد ليس شرطاً في صحّة العدّة ، بل هو تكليف مستقلّ في زمانها ، فلو تركته عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في تمام المدّة أو بعضها ، لم يجب عليها استئنافها وتدارك مقدار ما اعتدّت بدونه .

(مسألة 6) : لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمّية ، كما لا فرق على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة . نعم ، لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدّة تمتّعها كيوم أو يومين . وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا ؟ قولان ، أشهرهما الوجوب ؛ بمعنى وجوبه على وليّهما ، فيجنّبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة . وفيه تأمّل وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها ، خصوصاً إذا كانت ضرورية ، أو كان خروجها لاُمور راجحة ، كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ، ولا سيّما والديها .

ص: 364

نعم ، ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلاّ في بيتها الذي كانت تسكنه في حياة زوجها ، أو تنتقل منه إليه للاعتداد ؛ بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشيّ ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً .

(مسألة 8) : لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه ؛ حاضراً كان الزوج أو غائباً ، بلغ الزوجة الخبر أم لا . فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة ، فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر ، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر . وكذا عدّة وط ء الشبهة ؛ وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك ، وأمّا عدّة الوفاة ، فإن مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها ، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج ، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة ، فتعتدّ من حين إخبارها بموته .

(مسألة 9) : لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجّة شرعية ، كعدلين ، ولا عدل واحد . نعم ، لا يجوز لها التزويج بالغير بلا حجّة شرعية على موته ، فإذا ثبت ذلك بحجّة يكفي اعتداده من حين البلوغ ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت .

(مسألة 10) : لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتّى تحسب العدّة من ذلك الوقت ، اعتدّت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه ، والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها ، بل هذا الاحتياط لا يترك .

(مسألة 11) : لو فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ، ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ، ولم يعلم موته وحياته ، فإن بقي له مال تنفق به زوجته ، أو كان له وليّ

ص: 365

يتولّى اُموره ويتصدّى لإنفاقه أو متبرّع للإنفاق عليها ، وجب عليها الصبر والانتظار ، ولا يجوز لها أن تتزوّج أبداً حتّى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه ، وإن لم يكن ذلك فإن صبرت فلها ذلك ، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيؤجّلها أربع سنين من حين الرفع إليه ، ثمّ يتفحّص عنه في تلك المدّة . فإن لم يتبيّن موته ولا حياته ، فإن كان للغائب وليّ - أعني من كان يتولّى اُموره بتفويضه أو توكيله - يأمره الحاكم بطلاقها ، وإن لم يقدم أجبره عليه ، وإن لم يكن له وليّ ، أو لم يقدم ولم يمكن إجباره ، طلّقها الحاكم ، ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة الوفاة . فإذا تمّت هذه الاُمور جاز لها التزويج بلا إشكال . وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمّل ونظر ، إلاّ أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط .

(مسألة 12) : ليس للفحص والطلب كيفية خاصّة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً ، ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود - رعاية باسمه وشخصه أو بحِليته - إلى مظانّ وجوده للظفر به ، وبالكتابة وغيرها كالتلغراف وسائر الوسائل المتداولة في كلّ عصر ليتفقّد عنه ، وبالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم ؛ بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم ، وبالاستخبار منهم حين الرجوع .

(مسألة 13) : لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة ، بل تكفي الوثاقة .

(مسألة 14) : لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم ، بل يكفي كونه من كلّ أحد حتّى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه .

ص: 366

(مسألة 15) : مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام ، ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ ، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة ، يكفي فيه ما يصدق عرفاً أ نّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة .

(مسألة 16) : المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد ، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد ، ولا يعتنى بمجرّد إمكان وصوله إلى مكان ، ولا بالاحتمالات البعيدة ، بل إنّما يتفحّص عنه في مظانّ وجوده فيه ووصوله إليه ، وما احتمل فيه احتمالاً قريباً .

(مسألة 17) : لو علم أ نّه قد كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره ، يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على المعتاد ، فيكفي التفقّد عنه في جوامعه ومجامعه ، وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته ، وخاناته المعدّة لنزول الغرباء ونحوها ، ولا يلزم استقصاء تلك المحالّ بالتفتيش أو السؤال ، بل يكفي الاكتفاء بما هو المعتدّ به من مشتهراتها . وينبغي ملاحظة زيّ المفقود وصنعته وحرفته ، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ، ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته مثلاً ، فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ، ولم يظهر منه أثر ، ولم يعلم موته ولا حياته ، فإن لم يحتمل انتقاله إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال ، سقط الفحص والسؤال ، واكتفي بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين . وإن احتمل الانتقال ، فإن تساوت الجهات فيه تفحّص عنه في تلك الجهات ، ولا يلزم الاستقصاء التامّ ، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمّة والمشتركة في كلّ جهة ؛ مراعياً للأقرب ثمّ الأقرب إلى البلد الأوّل ، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محلّ الفحص ذلك البعض والاكتفاء به ، خصوصاً إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره . وإذا علم أ نّه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثمّ انقطع أثره ، كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة

ص: 367

التي تشدّ إليها الرحال . وإن سافر إلى بلد معيّن من مملكة - كالعراقي سافر إلى خراسان - يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد ، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق ، فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة . وإذا خرج من منزله مريداً للسفر ، أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه وانقطع أثره ، تفحّص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب ممّا يحتمل قريباً وصوله إليه ، ولا ينظر إلى ما بعد احتماله .

(مسألة 18) : قد عرفت أنّ الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم ، فلو لم يمكن الوصول إليه ، فإن كان له وكيل ومأذون في التصدّي للاُمور الحسبية ، فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر ، ومع فقده أيضاً فقيام عدول المؤمنين مقامه محلّ إشكال .

(مسألة 19) : إن علم أنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر ، فالظاهر سقوط وجوبه . وكذا لو حصل اليأس من الاطّلاع عليه في أثناء المدّة ، فيكفي مضيّ المدّة في جواز الطلاق والزواج .

(مسألة 20) : يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل ، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق ، وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص .

(مسألة 21) : الظاهر أنّ العدّة الواقعة بعد الطلاق عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة ، ويكون الطلاق رجعياً ، فتستحقّ النفقة في أيّامها ، وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حيّاً ، وإن تبيّن موته فيها ترثه ، وليس عليها حداد بعد الطلاق .

(مسألة 22) : إن تبيّن موته قبل انقضاء المدّة ، أو بعده قبل الطلاق ، وجب عليها

ص: 368

عدّة الوفاة ، وإن تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها ؛ سواء كان التبيّن قبل التزويج أو بعده ، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل العدّة أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج . وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن ؟ وجهان بل قولان ، أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 23) : لو جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل ، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته ، وإن كان بعد ما تزوّجت بالغير فلا سبيل له عليها ، وإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين عنه . وأمّا إن كان بعد انقضاء العدّة وقبل التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان ، أقواهما الثاني .

(مسألة 24) : لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته ، جاز لها بينها وبين اللّه أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم ، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم . نعم ، في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها ، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها ، إشكال ، والأحوط لها أن تتزوّج ممّن لم يطّلع بالحال ولم يدرِ أنّ زوجها قد فُقد ، ولم يكن في البين إلاّ دعواها بأنّ زوجها مات ، بل يقدم على تزويجها مستنداً إلى دعواها أ نّها خليّة بلا مانع ، وكذا توكّل من كان كذلك .

القول : في عدّة وط ء الشبهة

والمراد به وط ء الأجنبيّة بشبهة أ نّها حليلته ؛ إمّا لشبهة في الموضوع ، كما لو وطئ مرأة باعتقاد أ نّها زوجته ، أو لشبهة في الحكم ، كما إذا عقد على اُخت الموطوء معتقداً صحّته ودخل بها .

ص: 369

(مسألة 1) : لا عدّة على المزنيّ بها ؛ سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى ، وأمّا الموطوءة شبهة فعليها عدّة ؛ سواء كانت ذات بعل أو خليّة ، وسواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ ، بل الأحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصّة .

(مسألة 2) : عدّة وط ء الشبهة كعدّة الطلاق : بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوط ء على التفصيل المتقدّم ، ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً .

(مسألة 3) : لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها ، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا ؟ أحوطهما الثاني ، وأقواهما الأوّل ، والظاهر أ نّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها .

(مسألة 4) : إذا كانت خليّة يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها ، بخلاف غيره ، فإنّه لا يجوز له ذلك على الأقوى .

(مسألة 5) : لا فرق في حكم وط ء الشبهة من حيث العدّة وغيرها بين أن يكون مجرّداً عن العقد ، أو يكون بعده ؛ بأن وطئ المعقود عليها بشبهة صحّة العقد مع فساده واقعاً .

(مسألة 6) : لو كانت معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهةً ، أو وطئت ثمّ طلّقها ، أو مات عنها زوجها ، فعليها عدّتان على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، فإن كانت حاملاً من أحدهما تقدّمت عدّة الحمل ، فبعد وضعه تستأنف العدّة الاُخرى

ص: 370

أو تستكمل الاُولى ، وإن كانت حائلاً يقدّم الأسبق منهما ، وبعد تمامها استقبلت العدّة الاُخرى من الآخر .

(مسألة 7) : لو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهة اعتدّت عدّة اُخرى على الأحوط بالتفصيل المتقدّم في المسألة السابقة .

(مسألة 8) : الموجب للعدّة اُمور : الوفاة والطلاق بأقسامه ، والفسخ بالعيوب ، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع ، والوط ء بالشبهة مجرّداً عن العقد أو معه ، وانقضاء المدّة أو هبتها في المتعة ، ويشترط في الجميع كونها مدخولاً بها إلاّ الأوّل .

(مسألة 9) : لو طلّقها رجعياً بعد الدخول ، ثمّ رجع ثمّ طلّقها قبل الدخول ، لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتّى لا يحتاج إلى العدّة ؛ من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعياً أو بائناً . وكذا الحال لو طلّقها بائناً ، ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، لا يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول . وكذا الحال فيما إذا عقد عليها منقطعاً ، ثمّ وهب مدّتها بعد الدخول ، ثمّ

تزوّجها ثمّ طلّقها قبل الدخول . فتوهّم جواز الاحتيال بنكاح جماعة في يوم واحد امرأةً شابّة ذات عدّة بما ذكر في غاية الفساد .

(مسألة 10) : المطلّقة بالطلاق الرجعي بحكم الزوجة في الأحكام ، فما لم يدلّ دليل على الاستثناء يترتّب عليها حكمها ما دامت في العدّة ؛ من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزة ، ومن التوارث بينهما ، وعدم جواز نكاح اُختها والخامسة ، وكون كفنها وفطرتها عليه . وأمّا

ص: 371

البائنة - كالمختلعة والمباراة والمطلّقة ثلاثاً - فلا يترتّب عليها آثار الزوجية مطلقاً ؛ لا في العدّة ولا بعدها . نعم ، لو كانت حاملاً من زوجها ، استحقّت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتّى تضع حملها كما مرّ .

(مسألة 11) : لو طلّقها مريضاً ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة ؛ بمعنى أ نّه إن مات الزوج بعد ما طلّقها في حال المرض بالمرض المزبور لا بسبب آخر على الأقرب ، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوماً أو أقلّ لا ترثه . وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه ؛ سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً ، وذلك بشروط ثلاثة : الأوّل : أن لا تتزوّج المرأة ، فلو تزوّجت بعد انقضاء عدّتها ثمّ مات الزوج لم ترثه . الثاني : أن لا يبرأ من المرض الذي طلّقها فيه ، فلو برئ منه ثمّ مرض ومات في أثناء السنة لم ترثه إلاّ إذا مات في أثناء العدّة الرجعية . الثالث : أن لا يكون الطلاق بالتماس منها ، فلا ترث المختلعة والمباراة ؛ لأنّ الطلاق بالتماسهما .

(مسألة 12) : لا يجوز لمن طلّق رجعياً أن يخرج المطلّقة من بيته حتّى تنقضي عدّتها ، إلاّ أن تأتي بفاحشة توجب الحدّ ، أو تأتي بما يوجب النشوز . وأمّا مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها . وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ، ففي كونه موجباً له إشكال وتأمّل . ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجباً لسقوط حقّها مطلقاً ، وما يوجب النشوز موجباً لسقوطه ما دام بقائها عليه ، وإذا رجعت رجع حقّها . وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلاّ لضرورة أو أداء واجب مضيّق .

ص: 372

القول : في الرجعة

وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق ، ولا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدّتها .

(مسألة 1) : الرجعة إمّا بالقول ، وهو كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع ، كقوله : «راجعتُك إلى نكاحي» ونحوه ، أو دلّ على التمسّك بزوجيتها كقوله : «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» ، ويجوز في الجميع إسقاط قوله : «إلى نكاحي» و«في نكاحي» ، ولا يعتبر فيه العربية ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود . وإمّا بالفعل ؛ بأن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته ، كالوط ء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها .

(مسألة 2) : لا تتوقّف حلّية الوط ء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ، ولا على قصد الرجوع به ؛ لأنّ الرجعية بحكم الزوجة . وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع ؟ قولان ، أقواهما العدم . ولو قصد عدم الرجوع وعدم التمسّك بالزوجية ففي كونه رجوعاً تأمّل . نعم ، في خصوص الغشيان غير بعيد ، ولا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ممّا لا قصد فيه للفعل ، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة ، كما لو واقعها باعتقاد أ نّها غيرها .

(مسألة 3) : لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة ، كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه .

(مسألة 4) : لا يعتبر الإشهاد في الرجعة ؛ وإن استحبّ دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع ، وكذا لا يعتبر فيها اطّلاع الزوجة عليها ، فإن راجعها من دون اطّلاع أحد

ص: 373

صحّت واقعاً ، لكن لو ادّعاها بعد انقضاء العدّة ولم تصدّقه الزوجة لم تسمع دعواه ، غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادّعى عليها العلم ، كما أ نّه لو ادّعى الرجوع الفعلي كالوط ء وأنكرته ، كان القول قولها بيمينها ، لكن على البتّ لا على نفي العلم .

(مسألة 5) : لو اتّفقا على الرجوع وانقضاء العدّة ، واختلفا في المتقدّم منهما ، فادّعى الزوج : أنّ المتقدّم الرجوع ، وادّعت هي : أ نّه انقضاؤها ، فإن تعيّن زمان الانقضاء ، وادّعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله ، وادّعت هي أ نّه بعده ، فالأقرب أنّ القول قولها بيمينها ، وإن كان بالعكس ؛ بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء ، فالقول قوله بيمينه .

(مسألة 6) : لو طلّق وراجع فأنكرت الدخول بها قبل الطلاق ؛ لئلاّ تكون عليها العدّة ولا تكون له الرجعة ، وادّعى الدخول ، فالقول قولها بيمينها .

(مسألة 7) : الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط ، وليس حقّاً قابلاً له كالخيار في البيع الخياري ، فلو أسقطه لم يسقط ، وله الرجوع ، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض .

ص: 374

كتاب الخلع والمباراة

(مسألة 1) : الخلع : هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها . فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويزيد عليها بأ نّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصّة ، فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة ، وإن كانت من طرف الزوج خاصّة لم يكن خلعاً ولا مباراة .

(مسألة 2) : الظاهر وقوع الخلع بكلّ من لفظي «الخلع» و«الطلاق» مجرّداً كلّ منهما عن الآخر أو منضمّاً ، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها الزوج ، يجوز أن يقول : «خلعتك على كذا» ، أو «أنت مختلعة على كذا» ، ويكتفي به ، أو يتبعه بقوله : «فأنت طالق على كذا» ، أو يقول : «أنت طالق على كذا» ، ويكتفي به ، أو يتبعه بقوله : «فأنت مختلعة على كذا» . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما ، بل لا يترك .

(مسألة 3) : الخلع من الإيقاعات ، لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين : بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج ، وإنشاء الطلاق من طرفه بما بذلت ، ويقع ذلك على نحوين : الأوّل : أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها ، فيطلّقها على ما بذلت . الثاني : أن يبتدئ الزوج بالطلاق

ص: 375

مصرّحاً بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده . ولا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل .

(مسألة 4) : يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفورية العرفية ، فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحقّ الزوج العوض . لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك ، وقع الطلاق رجعياً مع فرض اجتماع شرائطه ، وإلاّ كان بائناً .

(مسألة 5) : يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف ، ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه ، بل الظاهر أ نّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه ، فيكون أصيلاً فيما يرجع إليه ووكيلاً فيما يرجع إلى الطرف .

(مسألة 6) : يصحّ التوكيل من الزوج في الخلع في جميع ما يتعلّق به ؛ من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق ، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه .

(مسألة 7) : لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين : فإمّا أن يبتدئ الزوجة وتقول : «بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشيء الفلاني لتطلّقني» ، فيقول فوراً : «أنت طالق ، أو مختلعة - بكسر اللام - على ما بذلت ، أو على ما أعطيت» . وإمّا أن يبتدئ الزوج فيقول : «أنت طالق أو مختلعة بكذا ، أو على كذا» ، فتقول فوراً : «قبلت» . وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج : «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر أو المبلغ الفلاني ليخلعها ويطلّقها» ، فيقول وكيل الزوج فوراً :

ص: 376

«زوجة موكّلي طالق على ما بذلت» . وقس على ما ذكر سائر الصور المتصوّرة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم ؛ أي الجمع بين الصيغتين ، بل لا يترك .

(مسألة 8) : لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم ، فقالت له : «طلّقني أو اخلعني بكذا» فيقول : «أنت طالق أو مختلعة بكذا» ، ففي وقوعه إشكال ، فالأحوط إتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك : «قبلت» .

(مسألة 9) : يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء عوضاً عن الطلاق . ويجوز الفداء بكلّ متموّل من عين أو دين أو منفعة قلّ أو كثر وإن زاد على المهر المسمّى ، فإن كان عيناً حاضرة تكفي فيها المشاهدة ، وإن كان كلّياً في الذمّة أو غائباً ذكر جنسه ووصفه وقدره . بل لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك ، فيصحّ بما يؤول إلى العلم ، كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلاً ، ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلاً ، بل في مثله ولو لم يعلما بعدُ أيضاً صحّ على الأقوى ، ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطاً بتعيين المدّة ، ولا تبعد صحّته بمثل قدوم الحاجّ وبلوغ الثمرة ، وإن جعل كلّياً في ذمّتها يجوز جعله حالاًّ ومؤجّلاً مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر .

(مسألة 10) : يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها ؛ بأن يبذل وكالة عنها من مالها أو بمال في ذمّتها . وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها ، فيرجع إليها بعد البذل ؛ بأن تقول لشخص : «اُطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم - مثلاً - عليك وبعد ما دفعتها إليه ارجع عليّ» ، ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك ؟

ص: 377

وجهان بل قولان ، لا يخلو ثانيهما من رجحان ، كما أ نّه لا يصحّ من المتبرّع الذي لا يرجع عليها ، فلو قالت الزوجة لزوجها : «طلّقني على دار زيد أو ألف في ذمّته» ، فطلّقها على ذلك ، وقد أذن زيد أو أجاز بعده ، لم يصحّ الخلع ولا الطلاق الرجعي ولا غيره ، إلاّ إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته .

(مسألة 11) : لو قال أبوها : «طلّقها وأنت بريءٌ من صداقها» وكانت بالغة رشيدة فطلّقها ، صحّ الطلاق وكان رجعياً بشرائطه والشرط المتقدّم في المسألة السابقة ، ولم تبرأ ذمّته بذلك ما لم تبرئ ، ولم يلزم عليها الإبراء ، ولا يضمنه الأب .

(مسألة 12) : لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم بذلك ، بطل البذل ، فبطل الخلع وصار الطلاق رجعياً بالشرط المتقدّم . ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال ، فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة . وفيه تأمّل .

(مسألة 13) : يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة شديدة ؛ بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة والدخول في المعصية .

(مسألة 14) : الظاهر أ نّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج - كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك - وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض ، مثل وجود الضرّة ، وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبّة . نعم ، إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها ، فتريد

ص: 378

تخليص نفسها منها ، فبذلت شيئاً ليطلّقها فطلّقها ، لم يتحقّق الخلع ، وحرم عليه ما أخذه منها ، ولكن الطلاق صحّ رجعياً بالشرط المتقدّم .

(مسألة 15) : لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمة ، لم يصحّ الخلع ولم يملك العوض ، ولكن صحّ الطلاق بالشرط المتقدّم ، فإن كان مورده الرجعي كان رجعياً ، وإلاّ بائناً .

(مسألة 16) : طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلت ، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة ، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها .

(مسألة 17) : الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها ، فلو لم يمكن - كالمطلّقة ثلاثاً ، وكما إذا كانت ممّن ليست لها عدّة ، كاليائسة وغير المدخول بها - لم يكن لها الرجوع في البذل ، بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه ، فلو رجعت عند نفسها ، ولم يطّلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة ، فلا أثر لرجوعها .

(مسألة 18) : المباراة قسم من الطلاق ، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة ، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة . وتقع بلفظ الطلاق ؛ بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئاً ليطلّقها : «أنت طالق على ما بذلت» ، ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك» ، ولا يقع بقوله : «بارأتك» مجرّداً .

(مسألة 19) : تفارق المباراة الخلع باُمور : أحدها : أ نّها تترتّب على كراهة

ص: 379

كلّ من الزوجين لصاحبه ، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة خاصّة .

ثانيها : أ نّه يشترط فيها أن لا تكون الفداء بأكثر من مهرها ، بل الأحوط أن يكون أقلّ منه ، بخلاف الخلع ، فإنّه فيه على ما تراضيا . ثالثها : أ نّها لا تقع بلفظ «بارأتك» ، ولو جمع بينه وبين لفظ الطلاق يكون الفراق بالطلاق وحده ، بخلاف الخلع ، فإنّ الأحوط وقوعه بلفظ الخلع والطلاق جمعاً كما مرّ .

(مسألة 20) : طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه ، إلاّ أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة ، فله الرجوع إليها حينئذٍ .

ص: 380

كتاب الظهار

الذي كان طلاقاً في الجاهلية وموجباً للحرمة الأبدية ، وقد غيّر شرع الإسلام حكمه ، وجعله موجباً لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفّارة بالعود ، كما ستعرف تفصيله .

(مسألة 1) : صيغة الظهار : أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة : «أنت عليّ كظهر اُمّي» ، أو يقول بدل «أنت» «هذه» مشيراً إليها ، أو «زوجتي» ، أو «فلانة» ، ويجوز تبديل «عليّ» بقوله : «منّي» أو «عندي» أو «لديّ» ، بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة «عليّ» وأشباهه أصلاً ؛ بأن يقول : «أنت كظهر اُمّي» . ولو شبّهها بجزء آخر من أجزاء الاُمّ غير الظهر - كرأسها أو يدها أو بطنها - ففي وقوع الظهار قولان ، أحوطهما ذلك . ولو قال : أنتِ كاُمّي أو اُمّي قاصداً به التحريم ، لا علوّ المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك ، لم يقع وإن كان الأحوط وقوعه ، بل لا يترك الاحتياط .

(مسألة 2) : لو شبّهها بإحدى المحارم النسبية غير الاُمّ كالبنت والاُخت ، فمع ذكر الظهر ؛ بأن يقول مثلاً : «أنت عليّ كظهر اُختي» يقع الظهار على الأقوى ، وبدونه كما إذا قال : «كاُختي ، أو كرأس اُختي» لم يقع على إشكال .

ص: 381

(مسألة 3) : الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل ، فلو قالت المرأة : «أنت عليّ كظهر أبي أو أخي» لم يؤثّر شيئاً .

(مسألة 4) : يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق . وفي المظاهر : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا يقع من الصبيّ ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي والهازل والسكران ، ولا مع الغضب ؛ سواء كان سالباً للقصد أم لا على الأقوى . وفي المظاهرة : خلوّها عن الحيض والنفاس ، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق ، وفي اشتراط كونها مدخولاً بها قولان ، أصحّهما ذلك .

(مسألة 5) : الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية ، بل يقع على المتمتّع بها .

(مسألة 6) : الظهار على قسمين : مشروط ومطلق . فالأوّل ما علّق على شيء دون الثاني . ويجوز التعليق على الوط ء ؛ بأن يقول : «أنت عليّ كظهر اُمّي إن واقعتك» .

(مسألة 7) : إن تحقّق الظهار بشرائطه ، فإن كان مطلقاً حرم على المظاهر وط ء المظاهرة ، ولا يحلّ له حتّى يكفّر ، فإذا كفّر حلّ له وطؤها ، ولا يلزم كفّارة اُخرى بعد وطئها ، ولو وطئها قبل أن يكفّر فعليه كفّارتان . والأشبه عدم حرمة سائر الاستمتاعات قبل التكفير . وإن كان مشروطاً حرم عليه الوط ء بعد حصول شرطه ، فلو علّقه على الوط ء لم يحرم عليه الوط ء المعلّق عليه ، ولا تتعلّق به الكفّارة .

(مسألة 8) : إذا طلّقها رجعياً ثمّ راجعها لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر ،

ص: 382

بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها ، أو كان بائناً ، ولو تزوّجها في العدّة يسقط حكم الظهار .

(مسألة 9) : كفّارة الظهار أحد اُمور ثلاثة مرتّبة : عتق رقبة ، فإن عجز عنه فصيام شهرين متتابعين ، وإن عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً .

(مسألة 10) : لو صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض ، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها ، فإن اختار أحدهما ، وإلاّ أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحدهما ، حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما ولا يطلّق عنه .

ص: 383

كتاب الإيلاء

وهو الحلف على ترك وط ء الزوجة الدائمة المدخول بها أبداً ، أو مدّة تزيد على أربعة أشهر ؛ للإضرار بها ، فلا يتحقّق بغير القيود المذكورة وإن انعقد اليمين مع فقدها ، ويترتّب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه .

(مسألة 1) : لا ينعقد الإيلاء كمطلق اليمين إلاّ باسم اللّه تعالى المختصّ به ، أو الغالب إطلاقه عليه . ولا يعتبر فيه العربية ، ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل ، بل المعتبر صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور فيه ، فيكفي قوله : «لا أطأك» أو «لا اُجامعك» أو «لا أمسّك» ، بل وقوله : «لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة» إذا قصد به ترك الجماع .

(مسألة 2) : لو تمّ الإيلاء بشرائطه ، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام ، وإلاّ فلها الرفع إلى الحاكم فيحضره وينظره أربعة أشهر ، فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو ، وإلاّ أجبره على أحد الأمرين : إمّا الرجوع أو الطلاق ، فإن فعل أحدهما وإلاّ حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما معيّناً .

ص: 384

(مسألة 3) : الأقوى أنّ الأشهر الأربعة التي ينظر فيها - ثمّ يجبر على أحد الأمرين بعدها - هي من حين الرفع إلى الحاكم .

(مسألة 4) : يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة ، بخلاف الرجعي ، فإنّه وإن خرج بذلك من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم ، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلاّ بانقضاء عدّتها ، فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل ، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة .

(مسألة 5) : متى وطئها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة ؛ سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها ؛ لأ نّه قد حنث اليمين على كلّ حال وإن جاز له هذا الحنث ، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً . وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان ، كما أ نّه يمتاز عن غيره بأ نّه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره ؛ من كون متعلّقه مباحاً تساوى طرفاه ، أو كان راجحاً ديناً أو دُنيا .

ص: 385

كتاب اللعان

وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين ، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد .

(مسألة 1) : إنّما يشرع اللعان في مقامين : أحدهما : فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا . ثانيهما : فيما إذا نفى ولدية من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به .

(مسألة 2) : لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب ، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة ، بل ولا بالشياع ولا بإخبار ثقة . نعم ، يجوز مع اليقين ، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة ، بل يُحَدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلاّ إذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية ، فيدرأ عنه الحدّ .

(مسألة 3) : يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة ، فلا لعان فيمن لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة ، وأن لا تكون له بيّنة ، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان .

(مسألة 4) : يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المنقطعة على

ص: 386

الأقوى ، وأن تكون مدخولاً بها ، وإلاّ فلا لعان ، وأن تكون غير مشهورة بالزنا ، وإلاّ فلا لعان ، بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان ، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة . نعم ، لو كانت متجاهرة بالزنا لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضاً . ويشترط في اللعان أيضاً أن تكون كاملة سالمة عن الصمم والخرس .

(مسألة 5) : لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به ؛ بأن دخل باُمّه ، أو أمنى في فرجها ، أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه ، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً ، ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ؛ حتّى فيما إذا فجر أحد بها ، فضلاً عمّا إذا اتّهمها ، بل يجب الإقرار بولديته . نعم ، يجب عليه أن ينفيه - ولو باللعان - مع علمه بعدم تكوّنه منه ؛ من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لو لا نفيه ؛ لئلاّ يلحق بنسبه من ليس منه ، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك .

(مسألة 6) : لو نفى ولدية من ولد في فراشه ، فإن علم أ نّه دخل باُمّه دخولاً يمكن معه لحوق الولد به ، أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه ، ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره . وأمّا لو لم يعلم ذلك ، ولم يقرّ به ، وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب ؛ بأن قال : «هذا ليس ولدي» ، أو مع ذكره ؛ بأن قال : «لأ نّي لم أدخل باُمّه أصلاً» أو أنكر دخولاً يمكن تكوّنه منه ، فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه ، لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدخول ، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً .

(مسألة 7) : إنّما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد

ص: 387

الدائم . وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان ؛ وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء ، ولو علم أ نّه دخل بها ، أو أمنى في فرجها ، أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه ، أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه ، لم ينتف عنه بنفيه ، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة .

(مسألة 8) : لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملاً أو منفصلاً .

(مسألة 9) : من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه من زناً ؛ لاحتمال تكوّنه من وط ء الشبهة أو غيره ، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به ؛ وإن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه ، لكن لا يجوز له أن يرميها بالزنا ، وينسب ولدها بكونه من زناً .

(مسألة 10) : لو أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك ؛ سواء كان إقراره صريحاً ، أو كناية مثل أن يبشّر به ؛ ويقال له : «بارك اللّه لك في مولودك» ، فيقول : «آمين» ، أو «إن شاء اللّه تعالى» ، بل قيل : إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ، ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر ، لم يكن له إنكاره بعده ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، لكن الأقوى خلافه .

(مسألة 11) : لا يقع اللعان إلاّ عند الحاكم الشرعي ، والأحوط أن لا يقع حتّى عند المنصوب من قبله لذلك . وصورته : أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفى ولدها : «أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين فيما قلت من قذفها ، أو نفي ولدها» يقول ذلك أربع مرّات ، ثمّ يقول مرّة واحدة : «لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين» . ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أربع مرّات : «أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين في

ص: 388

مقالته من الرمي بالزنا ، أو نفي الولد» ، ثمّ تقول مرّة واحدة : «إنّ غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين» .

(مسألة 12) : يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور ، فلو قال أو قالت : أحلف أو اُقسم أو شهدتُ أو أنا شاهد ، أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره ، كالرحمان وخالق البشر ونحوهما ، أو قال الرجل : إنّي صادق أو لصادق أو من الصادقين بغير ذكر اللام ، أو قالت المرأة : إنّه لكاذب أو كاذب أو من الكاذبين ، لم يقع ، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب ، والمرأة بالعكس .

(مسألة 13) : يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه ، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع .

(مسألة 14) : يجب أن تكون الصيغة بالعربية الصحيحة مع القدرة عليها ، وإلاّ أتى بالميسور منها ، ومع التعذّر أتى بغيرها .

(مسألة 15) : يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة . وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما ، أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما يخصّه ؟ أحوطهما الأوّل ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 16) : إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة : الأوّل : انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما . الثاني : الحُرمة الأبدية ، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد . وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان ؛ سواء كان للقذف ، أو لنفي الولد . الثالث : سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه ، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها ، فلو قذفها ثمّ لاعن ونكلت هي عن اللعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف ، وتحدّ المرأة حدّ الزانية ، لأنّ لعانه بمنزلة البيّنة في إثبات الزنا .

ص: 389

الرابع : انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه ؛ بمعنى أ نّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا ، لم يكن توارث بين الرجل والولد ، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة ، كالجدّ والجدّة والأخ والاُخت للأب ، وكذا الأعمام والعمّات ، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها ، حتّى أنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم الإخوة للاُمّ .

(مسألة 17) : لو كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد ، لحق به الولد فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به ، ولا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره .

ص: 390

كتاب المواريث

اشارة

وفيه مقدّمات ومقصدان ولواحق ، أمّا المقدّمات فاُمور :

الأمر الأوّل : في موجبات الإرث

وهي نسب وسبب :

فالأوّل ثلاث مراتب : الاُولى : الأبوان والأولاد وإن نزلوا . والثانية : الأجداد والجدّات وإن علوا والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا . الثالثة : الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم وإن نزلوا بشرط الصدق عرفاً .

والثاني قسمان : الزوجية والولاء . وهو ثلاث مراتب : ولاء العتق ، ثمّ ولاء ضمان الجريرة ، ثمّ ولاء الإمامة .

الأمر الثاني : في موانع الإرث

اشارة

وهي كثيرة : منها ما يمنع عن أصله ، وهو حجب الحرمان ، ومنها ما يمنع عن بعضه ، وهو حجب النقصان . فما يمنع عن أصله اُمور :

ص: 391

الأوّل : الكفر بأصنافه

أصلياً كان أو عن ارتداد ، فلا يرث الكافر من المسلم وإن كان قريباً ، ويختصّ إرثه بالمسلم وإن كان بعيداً ، فلو كان له ابن كافر لا يرثه ؛ ولو لم يكن له قرابة نسباً وسبباً إلاّ الإمام علیه السلام فيختصّ إرثه به دون ابنه الكافر .

(مسألة 1) : لو مات الكافر - أصلياً أو مرتدّاً عن فطرة أو ملّة - وله وارث مسلم وكافر ورثه المسلم كما مرّ . وإن لم يكن له وارث مسلم ، بل كان جميع ورّاثه كفّاراً ، يرثونه على قواعد الإرث ، إلاّ إذا كان مرتدّاً فطرياً أو ملّياً ، فإنّ ميراثه للإمام علیه السلام ، دون ورّاثه الكفّار .

(مسألة 2) : لو كان الميّت مسلماً أو مرتدّاً فطرياً أو ملّياً ، ولم يكن له وارث إلاّ الزوج والإمام علیه السلام ، كان إرثه للزوج لا الإمام علیه السلام ، ولو كان وارثه منحصراً بالزوجة والإمام علیه السلام يكون ربع تركته للزوجة والبقيّة للإمام علیه السلام .

(مسألة 3) : لو مات مسلم أو كافر ، وكان له وارث كافر ووارث مسلم غير الإمام علیه السلام ، وأسلم وارثه الكافر بعد موته ، فإن كان وارثه المسلم واحداً اختصّ بالإرث ولم ينفع لمن أسلم إسلامه . نعم ، لو كان الواحد زوجة ينفع إسلام من أسلم قبل قسمة التركة بينها وبين الإمام علیه السلام أو نائبه . ولو كان وارثه المسلم متعدّداً فإن كان إسلام من أسلم بعد قسمة الإرث لم ينفع إسلامه ، وأمّا لو كان قبلها فيشاركهم فيه إن ساواهم في المرتبة ، واختصّ به وحجبهم إن تقدّم عليهم ، كما إذا كان ابناً للميّت وهم إخوة .

(مسألة 4) : لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض فالأحوط التصالح .

ص: 392

(مسألة 5) : لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم ، فأسلم بعضهم بعد موته ، اختصّ هو بالإرث ، ولا يرثه الباقون ولا الإمام علیه السلام . وكذا الحال لو مات مرتدّ وخلّف ورثة كفّاراً ، وأسلم بعضهم بعد موته .

(مسألة 6) : لو مات كافر أصلي وخلّف ورثة كفّاراً ليس بينهم مسلم ، فأسلم بعضهم بعد موته ، فالظاهر أ نّه لا أثر لإسلامه ، وكان الحكم كما قبل إسلامه ، فيختصّ بالإرث مع تقدّم طبقته ، ويختصّ غيره به مع تأخّرها ، وشاركهم مع المساواة . ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في الصورة الأخيرة فيما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم ، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ بالإرث . وكذا اختصاص الطبقة السابقة في الصورة الثانية إنّما هو فيما إذا كان من في الطبقة السابقة واحداً أو متعدّداً ، وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم ، وأمّا إذا كان إسلامه قبلها اختصّ الإرث به .

(مسألة 7) : المراد بالمسلم والكافر - وارثاً ومورّثاً ، وحاجباً ومحجوباً - أعمّ منهما حقيقة ومستقلاًّ أو حكماً وتبعاً ، فكلّ طفل كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ، فهو مسلم حكماً وتبعاً ، فيلحقه حكمه ، وإن ارتدّ بعد ذلك المتبوع ، فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ . نعم ، يتبعه في الإسلام لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه ، بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته . وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين - أصليين أو مرتدّين أو مختلفين - حين انعقاد نطفته ، فهو بحكم الكافر حتّى أسلم أحدهما قبل بلوغه ، أو أظهر الإسلام هو بعده . فعلى ذلك لو مات كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو اُخت مسلمة ، ترثه تلك الأطفال دون الأولاد ، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه هو دون ابنه ، ولو مات مسلم وله طفل ثمّ مات الطفل ، ولم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات ، كان وارثه

ص: 393

الإمام علیه السلام ، كما هو الحال في الميّت المسلم ، ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ورثه الكفّار على ما فرض اللّه دون الإمام علیه السلام . هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين . وأمّا إذا كانا مرتدّين فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي ؛ حتّى يكون وارثه الإمام علیه السلام أو حكم الكافر الأصلي ؛ حتّى ترثه ورثته الكفّار ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما من قوّة . وفي جريان حكم التبعية فيما تقدّم في الجدّة تأمّل ، وكذا في الجدّ مع وجود الأب الكافر ؛ وإن كان جريانه فيه مطلقاً لا يخلو من وجه .

(مسألة 8) : المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والاُصول والعقائد ، فيرث المحقّ منهم عن المبطل وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم . نعم ، الغلاة المحكومون بالكفر ، والخوارج والنواصب ، ومن أنكر ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات والالتزام بلازمه كفّار أو بحكمهم ، فيرث المسلم منهم وهم لا يرثون منه .

(مسألة 9) : الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل ، فيرث النصراني من اليهودي وبالعكس ، بل يرث الحربي من الذمّي وبالعكس ، لكن يشترط في إرث بعضهم من بعض فقدان الوارث المسلم ، كما مرّ .

(مسألة 10) : المرتدّ - وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر - على قسمين : فطري وملّي . والأوّل : من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ، ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه . والثاني : من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ، ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ ، فصار كافراً أصلياً ، ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر ، كنصراني بالأصل أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيته مثلاً .

ص: 394

فالفطري : إن كان رجلاً تبين منه زوجته ، وينفسخ نكاحها بغير طلاق ، وتعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج إن أرادت ، وتقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ، ولا ينتظر موته ولا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه . نعم ، تقبل توبته باطناً وظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام ، فيطهر بدنه ، وتصحّ عباداته ، ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة ، والقهرية كالإرث ، ويجوز له التزويج بالمسلمة ، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة . وإن كان امرأة بقيت أموالها على ملكها ، ولا تنتقل إلى ورثتها إلاّ بموتها ، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها ، ومع الدخول بها ، فإن تابت قبل تمام العدّة - وهي عدّة الطلاق - بقيت الزوجية ، وإلاّ انكشف عن الانفساخ والبينونة من أوّل زمن الارتداد .

وأمّا الملّي : سواء كان رجلاً أو امرأة ، فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلاّ بالموت ، وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة ، وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول ، ومعه وقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته ، وإلاّ انكشف أ نّها بانت عنه عند الارتداد . ثمّ إنّ هنا أقساماً اُخر في إلحاقها بالفطري أو الملّي خلاف موكول إلى محلّه .

الثاني : القتل

(مسألة 1) : لا يرث القاتل من المقتول لو كان القتل عمداً وظلماً ، ويرث منه إن قتله بحقّ ، كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو

ص: 395

ماله ، وكذا إذا كان خطأً محضاً ، كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه . نعم ، لا يرث من ديته التي تتحمّلها العاقلة على الأقوى . وأمّا شبه العمد : وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل ، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة ، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب ، فأدّى إلى قتله ، ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث ، أو كالخطأ المحض ، قولان ، أقواهما ثانيهما .

(مسألة 2) : لا فرق في القتل العمدي ظلماً في مانعيته من الإرث ، بين ما كان بالمباشرة ، كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص ، وبين ما كان بالتسبيب ، كما إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع ، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت ، فمات جوعاً أو عطشاً ، أو أحضر عنده طعاماً مسموماً بدون علم منه فأكله . . . إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبّب . نعم ، بعض التسبيبات التي قد يترتّب عليها التلف ، ممّا لا ينسب ولا يستند إلى المسبّب ، كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك ؛ وإن أوجب الضمان والدية على مسبّبها ، إلاّ أ نّها غير مانعة من الإرث ، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي وقع فيها ومات .

(مسألة 3) : كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول ، كذلك لا يكون حاجباً عمّن دونه في الدرجة ومتأخّر عنه في الطبقة ، فوجوده كعدمه ، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل ، يرث ابن القاتل عن جدّه . وكذا لو انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله إخوة ، كان ميراثه لهم دون ابنه ، بل لو لم يكن له وارث إلاّ الإمام علیه السلام ورثه دون ابنه .

ص: 396

(مسألة 4) : لا فرق في مانعية القتل بين أن يكون القاتل واحداً أو متعدّداً ، وعلى الثاني بين كون جميعهم وارثاً أو بعضهم دون بعض .

(مسألة 5) : الدية في حكم مال المقتول يقضى منها ديونه ، ويخرج منها وصاياه أوّلاً قبل الإرث ، ثمّ يورّث الباقي كسائر الأموال ؛ سواء كان القتل عمداً وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبه عمد أو خطأً ، وسواء كان في مورد الصلح ما يأخذونه أزيد من الدية أو أنقص أو مساوياً ، وسواء كان المأخوذ من جنس الدية أم لا . ويرث الدية كلّ من يتقرّب إليه بالنسب والسبب حتّى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حقّ القصاص ، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها . نعم ، لا يرث المتقرّب بالاُمّ وحدها من الدية شيئاً كالأخ والاُخت للاُمّ ، بل سائر من يتقرّب بها كالخؤولة والجدودة من قبلها ؛ وإن كان الأحوط في غير الأخ والاُخت التصالح .

الثالث من الموانع : الرقّ

على ما فصّل في المفصّلات .

الرابع : التولّد من الزنا

(مسألة 1) : إن كان الزنا من الأبوين ، لا يكون التوارث بين الطفل وبينهما ، ولا بينه وبين المنتسبين إليهما ، وإن كان من أحدهما دون الآخر - كما كان الفعل من أحدهما شبهة - لا يكون التوارث بين الطفل والزاني ، ولا بينه وبين المنتسبين إليه .

(مسألة 2) : لا مانع من التوارث بين المتولّد من الزنا وأقربائه من غير الزنا ،

ص: 397

كولده وزوجته ونحوهما ، وكذا بينه وبين أحد الأبوين الذي لا يكون زانياً ، وبينه وبين المنتسبين إليه .

(مسألة 3) : المتولّد من الشبهة كالمتولّد من الحلال ، يكون التوارث بينه وبين أقاربه ؛ أباً كان أو اُمّاً أو غيرهما من الطبقات والدرجات .

(مسألة 4) : لا يمنع من التوارث التولّد من الوط ء الحرام غير الزنا ، كالوط ء حال الحيض وفي شهر رمضان ونحوهما .

(مسألة 5) : نكاح سائر المذاهب والملل لا يمنع من التوارث لو كان موافقاً لمذهبهم وإن كان مخالفاً لشرع الإسلام ؛ حتّى لو كان التولّد من نكاح بعض المحارم لو فرض جوازه في بعض النحل .

(مسألة 6) : نكاح سائر المذاهب غير الاثني عشري لا يمنع من التوارث لو وقع على وفق مذهبهم وإن كان باطلاً بحسب مذهبنا ، كما لو كانت المنكوحة مطلّقة بالطلاق البدعي .

الخامس : اللعان

(مسألة 1) : يمنع اللعان عن التوارث بين الولد ووالده ، وكذا بينه وبين أقاربه من قبل الوالد ، وأمّا بين الولد واُمّه وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها ، فيتحقّق التوارث ولا يمنع اللعان عنه .

(مسألة 2) : لو كان بعض الأقارب من الأبوين وبعضهم من الاُمّ فقط يرثون بالسويّة للانتساب إلى الاُمّ ، ولا أثر للانتساب إلى الأب ، فالأخ للأب والاُمّ بحكم الأخ للاُمّ .

ص: 398

(مسألة 3) : لو اعترف الرجل بعد اللعان بأنّ الولد له لحق به فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد ولا يرث الأب إيّاه ولا من يتقرّب به ، بل لا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره .

(مسألة 4) : لا أثر لإقرار الولد ولا سائر الأقارب في التوارث بعد اللعان ، بل ما يؤثّر هو إقرار الأب فقط في إرث الولد منه .

وهاهنا اُمور عدّت من الموانع ، وفيه تسامح :

الأوّل : الحمل ما دام حملاً لا يرث وإن علم حياته في بطن اُمّه ، ولكن يحجب من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة ، فلو كان للميّت حمل وله أحفاد وإخوة يحجبون عن الإرث ، ولم يعطوا شيئاً حتّى تبيّن الحال ، فإن سقط حيّاً اختصّ به ، وإن سقط ميّتاً يرثوا .

(مسألة 1) : لو كان للميّت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته - كما إذا كان له أولاد - يُعزل للحمل نصيب ذكرين ويُعطى الباقي للباقين ، ثمّ بعد تبيّن الحال إن سقط ميّتاً يعطى ما عزله للوارث الآخر ، ولو تعدّد وزّع بينهم على ما فرض اللّه .

(مسألة 2) : لو كان للوارث الموجود فرض لا يتغيّر بوجود الحمل وعدمه ، كنصيب أحد الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد يعطى كمال نصيبه ، ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقلّ ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه تقتضيه ، كالأبوين لو لم يكن هناك ولد غيره .

(مسألة 3) : لو علم بالآلات المستحدثة حال الطفل يعزل مقدار نصيبه ، فلو

ص: 399

علم أ نّه واحد وذكر يعزل نصيب ذكر واحد ، أو اُنثى واحدة يعزل نصيبها ، ولو علم أنّ الحمل أكثر من اثنين يعزل نصيبهم .

(مسألة 4) : لو عزل نصيب اثنين وقسّمت بقيّة التركة فتولّد أكثر ، استرجعت التركة بمقدار نصيب الزائد .

(مسألة 5) : الحمل يرث ويورث لو انفصل حيّاً وإن مات من ساعته ، فلو علم حياته بعد انفصاله فمات بعده يرث ويورث ، ولا يعتبر في ذلك الصياح بعد السقوط لو علم سقوطه حيّاً بالحركة البيّنة وغيرها .

(مسألة 6) : لا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورّث ، بل يكفي انعقاد نطفته حينه ، فإذا مات شخص وتبيّن الحمل في زوجته بعد موته ، وكان بحيث يلحق به شرعاً ، يرثه لو انفصل حيّاً .

الثاني : وجود طبقة مقدّمة ، فإنّها مانعة عن الطبقة المؤخّرة إلاّ أن تكون ممنوعة بجهة عن الإرث .

الثالث : وجود درجة مقدّمة في الطبقات ، فإنّها مع عدم ممنوعيتها عن الإرث مانعة عن الدرجة المتأخّرة ، كالولد عن ولد الولد ، وكالأخ عن ولد الأخ .

وأمّا حجب النقصان - أي ما يمنع عن بعض الإرث - فاُمور :

الأوّل : قتل الخطأ وشبه العمد ، فإنّه يمنع القاتل عن إرث خصوص الدية دون غيرها من التركة .

الثاني : أكبر الأولاد الذكور ، فإنّه يمنع باقي الورثة عن خصوص الحبوة ولو كان الولد الذكر واحداً يكون مانعاً عنها أيضاً .

ص: 400

الثالث : الولد مطلقاً ؛ ذكراً كان أو اُنثى ، منفرداً أو متعدّداً ، بلا واسطة أو معها ، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن النصيب الأعلى ؛ أي النصف والربع .

الرابع : الوارث مطلقاً ؛ النسبي والسببي ، ذكراً كان أو اُنثى ، متّحداً أو متعدّداً ، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن الزيادة عن فريضتهما ؛ أي النصف أو الربع أو الثمن ، فمع زيادة التركة عن الفريضة تردّ إلى غيرهما . نعم ، لو كان الوارث منحصراً بالزوج والإمام علیه السلام ، يرث الزوج النصف فريضة ويردّ عليه النصف الآخر ، بخلاف ما لو كان منحصراً بالزوجة والإمام علیه السلام ، فإنّ الربع لها والبقيّة له علیه السلام .

الخامس : نقص التركة عن السهام المفروضة ، فإنّه يمنع البنت الواحدة والاُخت الواحدة للأب والاُمّ أو للأب عن فريضتهما ، وهي النصف ، وكذا يمنع البنات المتعدّدة والأخوات المتعدّدة من الأب والاُمّ أو من الأب عن فريضتهم ، وهي الثلثان ، فلو كان للميّت بنت واحدة وأبوان وزوج ، أو بنات متعدّدة وأبوان وزوج ، يرد النقص على البنت أو البنات ، وكذا في سائر الفروض .

السادس : الاُخت من الأبوين أو الأب ، فإنّها تمنع الإخوة من الاُمّ عن ردّ ما زاد على فريضتهم ، وكذا الأخوات المتعدّدة من الأبوين أو الأب ، فإنّها تمنع الأخ الواحد الاُمّي أو الاُخت كذلك عن ردّ ما زاد على فريضتهما ، وكذا أحد الجدودة من قبل الأب ، فإنّه يمنع الإخوة من قبل الاُمّ عمّا زاد عليها .

السابع : الولد وإن نزل واحداً كان أو متعدّداً ، فإنّه يمنع الأبوين عمّا زاد على السدس فريضة لا ردّاً .

الثامن : الإخوة والأخوات - لا أولادهم - فإنّهم يمنعون الاُمّ عن الزيادة على السدس - فريضة وردّاً - بشروط : أوّلها : أن لا يكون الأخ أقلّ من اثنين أو الاُخت أقلّ من أربع ، ويكفي الأخ الواحد والاُختان . ثانيها : أن تكون الإخوة

ص: 401

حيّاً في الدنيا حين فوت المورّث ، فلا يكون الميّت والحمل حاجباً . ثالثها : أن تكون الإخوة مع الميّت من الأب والاُمّ أو من الأب ، فلا يحجب الاُمّي فقط . رابعها : أن يكون أب الميّت حيّاً حين موته . خامسها : أن لا يكون الإخوة والأب ممنوعين من الإرث ؛ بكفر ورقّية وتولّد الإخوة الحاجبين من الزنا وكون الأب قاتلاً للمورّث . ولو كان الإخوة الحاجبين قاتلين للمورّث ففيه إشكال ، فلا يُترك الاحتياط . سادسها : أن يكون بين الحاجب والمحجوب مغايرة ، ويتصوّر عدمها في الوط ء بالشبهة .

الأمر الثالث : في السهام

اشارة

الوارث : إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة . والمراد بالفرض : هو السهم المقدّر والكسر المعيّن الذي سمّاه اللّه تعالى في كتابه الكريم .

والفروض ستّة ، وأربابها ثلاثة عشر :

الأوّل : النصف ، وهو لبنت واحدة إذا لم يكن معها ولد غير ممنوع عن الإرث ، ويعتبر هذا القيد في جميع الطبقات والدرجات الآتية . ولاُخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك ، وللزوج إن لم يكن للزوجة ولد وإن نزل .

الثاني : الربع ، وهو للزوج إن كان للزوجة ولد وإن نزل ، وللزوجة إن لم يكن للزوج ولد وإن نزل .

الثالث : الثمن ، وهو للزوجة إن كان للزوج ولد وإن نزل .

الرابع : الثلث ، وهو للاُمّ بشرط أن لا يكون للميّت ولد مطلقاً وإن نزل ، وأن لا يكون له إخوة متعدّدة كما تقدّم بشرائطه ، وللأخ والاُخت من الاُمّ مع التعدّد .

ص: 402

الخامس : الثلثان ، وهو للبنتين فصاعداً مع عدم وجود الابن للميّت ، وللاُختين فصاعداً لأبوين مع عدم وجود الأخ لأبوين ، أو لأب مع عدم وجود الأخ لأب .

السادس : السدس ، وهو للأب مع وجود الولد مطلقاً ، وللاُمّ مع وجود الحاجب عن الثلث ؛ أي الولد والإخوة على ما مرّ ، وللأخ أو الاُخت للاُمّ مع عدم التعدّد من قبلها . فالفروض : نصف ، ونصفه ، ونصف نصفه ، وثلثان ونصفهما ونصف نصفهما .

(مسألة 1) : قد ظهر ممّا ذكر : أنّ أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض لهم ، ويرثون بالقرابة فقط ، وأنّ الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقاً إلاّ في صورة واحدة ؛ وهي انحصار الوارث بالإمام علیه السلام والزوج . وأمّا الطبقة الاُولى والثانية : فبعضهم لا فرض له أصلاً ، كالابن والأخ لأبوين أو لأب ، وبعضهم ذو فرض مطلقاً كالاُمّ ، وبعضهم ذو فرض على حال دون حال كالأب ؛ فإنّه ذو فرض مع وجود الولد للميّت ، وليس له فرض مع عدمه ، وكذا الاُخت والاُختان لأب وأبوين ؛ فإنّ لهنّ فرضاً إن لم يكن معهنّ ذكر ، وليس لهنّ فرض إن كان .

(مسألة 2) : ظهر ممّا ذكر : أنّ من كان له فرض على قسمين : أحدهما : من ليس له إلاّ فرض واحد ، ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدّل الأحوال كالأب ؛ فإنّه ذو فرض في صورة وجود الولد ، وهو ليس إلاّ السدس مطلقاً ، وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعداً مع عدم الابن ، وكذا الاُخت والاُختان لأب أو لأبوين مع عدم الأخ ؛ فإنّ فرضهنّ النصف أو الثلثان مطلقاً ، وهؤلاء وإن كانوا ذوي فروض على حال دون حال إلاّ أنّ فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدّل الأحوال ، وقد يكون من له فرض على كلّ حال لا يتغيّر فرضه بتبدّل الأحوال ، وذلك

ص: 403

كالأخ للاُمّ أو الاُخت كذلك . فمع الوحدة فرضه السدس ، ومع التعدّد الثلث ؛ لا يزيد ولا ينقص في جميع الأحوال . الثاني : من كان فرضه يتغيّر بتبدّل الأحوال كالاُمّ ؛ فإنّ لها الثلث تارة والسدس اُخرى ، وكذا الزوجان ؛ فإنّ لهما نصفاً وربعاً مع عدم الولد ، وربعاً وثمناً معه .

(مسألة 3) : غير ما ذكر من أصناف ذوي الفروض وارث بالقرابة .

(مسألة 4) : لو اجتمع جدّ وجدّة من قبل الاُمّ - كلاهما أو أحدهما - مع المنتسبين من قبل الأب ، كالإخوة والأخوات من الأب والاُمّ أو من الأب ، وكالجدّ والجدّة من قبل الأب يكون حقّه ثلث مجموع التركة ، وإن ورد النقص على ذي الفرض ، فإن كان الوارث زوجاً وجدّاً أو جدّة من الاُمّ واُختاً من الأب والاُمّ ، فالنصف للزوج ، والثلث للجدّ من قبل الاُمّ واحداً أو متعدّداً ، والباقي - وهو السدس - للاُخت الواحدة من قبل الأب مع أنّ فريضتها النصف ، ومع ذلك إرث الجدودة بالقرابة لا الفرض .

(مسألة 5) : الفروض الستّة مع ملاحظة اجتماعها والصور المتصوّرة منه ستّة وثلاثون ، حاصلة من ضرب الستّة في مثلها ، وإذا سقطت الصور المتكرّرة - وهي خمس عشرة - بقيت إحدى وعشرون صورة .

(مسألة 6) : الصور المتقدّمة غير المتكرّرة : منها ما يصحّ اجتماعها ، ومنها ما يمتنع ولو لبطلان العول . فالممتنع ثمانية : وهي اجتماع النصف مع الثلثين ، والربع مع مثله ، ومع الثمن ، والثمن مع مثله ، ومع الثلث ، والثلثين مع مثلهما ، والثلث مع مثله ، ومع السدس . والصحيح هو البقيّة ؛ فإنّ النصف يجتمع مع مثله ، كزوج واُخت واحدة لأب أو لأبوين ، ومع الربع كبنت واحدة والزوج ، ومع الثمن كبنت

ص: 404

واحدة مع الزوجة ، ومع الثلث كالزوج والاُمّ مع عدم الحاجب ، ومع السدس كالزوج وواحد من كلالة الاُمّ ، فالنصف يجتمع مع الفرائض الستّة إلاّ واحدة منها لبطلان العول . فالاُختان لو اجتمعتا مع الزوج ترثان بالقرابة لا بالفرض ، ويكون النقص وارداً عليهما . والربع يجتمع مع الثلثين كزوج وابنتين ، ومع الثلث كزوجة والمتعدّد من كلالة الاُمّ ، ومع السدس كالزوجة والمتّحد من كلالة الاُمّ . والثمن يجتمع مع الثلثين كالزوجة وابنتين ، ومع السدس كزوجة وأحد الأبوين مع وجود الولد . والثلثان يجتمع مع الثلث كاُختين فصاعداً لأب وإخوة من الاُمّ ، ومع السدس كبنتين وأحد الأبوين . والسدس يجتمع مع مثله كالأبوين مع وجود الولد .

تنبيه : التعصيب والعول باطلان

اشارة

(مسألة 1) : الورّاث الموجودون للميّت إن كانوا ورّاثاً بالفرض فهو على صور :

الاُولى : ما إذا كانت تركة الميّت بقدر السهام المفروضة بلا زيادة ونقيصة ، كما إذا كان الوارث أبوين وبنات متعدّدة ، فالثلثان للبنات ، والثلث للأبوين ؛ لكلّ سدس .

الثانية : ما لو كانت التركة أزيد من السهام فتردّ الزيادة على أرباب الفروض ولا تعطى لعصبة الميّت ، وهي كلّ ذكر ينتسب إليه بلا وسط أو بواسطة الذكور ، فلو كان الوارث منحصراً ببنت واحدة واُمّ يعطى النصف البنت فرضاً والسدس الاُمّ فرضاً ، ويردّ الثلث الباقي عليهما أرباعاً على نسبة سهمهما ، ولو انحصر ببنات متعدّدة واُمّ يعطى الثلثان البنات فرضاً والسدس الاُمّ فرضاً ، والسدس

ص: 405

الباقي يردّ عليهما أخماساً على نسبة السهام ، والعصبة في فيها التراب .

الثالثة : ما إذا كانت التركة أقلّ من السهام ؛ وذلك بدخول بنت أو بنتين فصاعداً ، أو اُخت من قبل الأبوين أو الأب ، أو اُختين كذلك فصاعداً في الورثة ، فيرد النقص عليهنّ ، ولا يعول بوروده على الجميع بالنسبة ، فلو كان الوارث بنتاً وزوجاً وأبوين يردّ فرض الزوج والأبوين ، ويرد النقص - وهو نصف السدس - على البنت ، ولو كانت في الفرض بنات متعدّدة يرد النقص - وهو الربع - عليهنّ . وكذا في الأمثلة الاُخر .

(مسألة 2) : لا تردّ الزيادة على طوائف من أرباب الفروض : منها : الزوجة مطلقاً ، فتعطى فرضها ويردّ الباقي على غيرها من الطبقات حتّى الإمام علیه السلام . ومنها : الزوج ، فيعطى فرضه ويردّ الباقي على غيره إلاّ مع انحصار الوارث به وبالإمام علیه السلام ، فيردّ عليه النصف مضافاً إلى فرضه . ومنها : الاُمّ مع وجود الحاجب من الردّ كما تقدّم . ومنها : الإخوة من الاُمّ مطلقاً مع وجود واحد من الجدودة من قبل الأب ، أو واحد من الإخوة من قبل الأبوين أو الأب كما تقدّم .

(مسألة 3) : الذكور من الأولاد وكذا الإناث مع وجود الذكور يرثون بالقرابة ، وكذا الأب بشرط عدم وجود الولد للميّت ، وكذا الجدودة مطلقاً والإخوة من قبل الأبوين أو الأب بشرط وجود ذكور فيهم ، وكذا جميع أصناف الطبقة الثالثة من العمومة والخؤولة وأولادهم ، فهؤلاء يرثون بالقرابة لا بالفرض .

(مسألة 4) : لو اجتمع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة ، فالفرض للوارث بالفرض ، والباقي للوارث بالقرابة ، فلو اجتمع الأبوان مع أولاد - الذكور والإناث - يُعطى فرض الأبوين وهو السدسان ، والباقي للأولاد بالقرابة ، ولو كان الوارث الأبوين ، فللاُمّ السدس مع وجود الحاجب ، والثلث مع

ص: 406

عدمه فرضاً ، والباقي للأب قرابة ، ولو اجتمعت الاُخت أو الأخوات من الأبوين مع الجدودة من قبل الاُمّ فالفرض للاُخت أو الأخوات والباقي للجدودة بالقرابة ، وهكذا غير ما ذكر .

المقصد الثاني : في الميراث بسبب الزوجية
اشارة

(مسألة 1) : لا يرث أحد الزوجين جميع المال بسبب الزوجية إلاّ في صورة واحدة ، وهي انحصار الوارث بالزوج والإمام علیه السلام ، فيرث الزوج جميع المال فرضاً وردّاً كما تقدّم . وقد ظهر ممّا مرّ : أنّ فرض الزوج نصف تارة ورُبع اُخرى ،

وفرض الزوجة ربع تارة وثمن اُخرى ، ولا يزيد نصيبهما ولا ينقص مع اجتماعهما بأيّ طبقة أو درجة ، إلاّ في الفرض المتقدّم آنفاً .

(مسألة 2) : يشترط في التوارث بالزوجية أن يكون العقد دائماً ، فلا توارث في الانقطاع ؛ لا من جانب الزوج ولا الزوجة بلا اشتراط بلا إشكال ، ومعه من جانب أو جانبين في غاية الإشكال ، فلا يترك الاحتياط بترك الشرط ، ومعه لا يترك بالتصالح . وأن تكون الزوجة في حبال الزوج وإن لم يدخل بها ، فيتوارثان ولو مع عدم الدخول . والمطلّقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدّة ، بخلاف البائنة ، فلو مات أحدهما في زمان العدّة الرجعية يرثه الآخر ، بخلاف ما لو مات في العدّة البائنة . نعم ، لو طلّقها في حال المرض - ولو بائناً - ومات بهذا

المرض ترثه إلى سنة من حين الطلاق ؛ بشرط أن لا يكون الطلاق بالتماس منها ، فلا ترث المختلعة والمباراة . وأن لا تتزوّج ، فلو طلّقها حال المرض ، وتزوّجت بعد انقضاء عدّتها ، ثمّ مات الزوج قبل انقضاء السنة ، لم ترثه . وأن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلّقها فيه ، فلو برئ منه ثمّ مرض ولو بمثل هذا المرض لم ترثه . ولو ماتت هي في مرضه قبل تمام السنة لا يرثها إلاّ في العدّة الرجعية .

(مسألة 3) : لو نكح المريض في مرضه ، فإن دخل بها أو برئ من ذلك

ص: 425

المرض يتوارثان ، وإن مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد ، ولا مهر لها ولا ميراث . وكذا لو ماتت في مرضه ذلك المتّصل بالموت قبل الدخول لا يرثها . ولو تزوّجت وهي مريضة لا الزوج فماتت أو مات يتوارثان ، ولا فرق في الدخول بين القبل والدبر . كما أنّ الظاهر أنّ المعتبر موته في هذا المرض قبل البرء لا بهذا ؛ فلو مات فيه بعلّة اُخرى لا يتوارثان أيضاً ، والظاهر عدم الفرق بين طول

المرض وقصره ، ولو كان المرض شبه الأدوار ؛ بحيث يقال بعدم برئه في دور الوقوف ، فالظاهر عدم التوارث لو مات فيه ، والأحوط التصالح .

(مسألة 4) : إن تعدّدت الزوجات فالثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه يقسّم بينهنّ بالسويّة ، فلهنّ الربع أو الثمن من التركة . ولا فرق في منع الولد عن

نصيبها الأعلى بين كونه منها أو من غيرها ، أو كان من دائمة أو منقطعة ، ولا بين كونه بلا واسطة أو معها . والزوجة المطلّقة حال مرض الموت شريكة في الربع أو الثمن مع الشرائط المتقدّمة .

(مسألة 5) : يرث الزوج من جميع تركة زوجته من منقول وغيره ، وترث الزوجة من المنقولات مطلقاً ، ولا ترث من الأراضي مطلقاً - لا عيناً ولا قيمة - سواء كانت مشغولة بالزرع والشجر والبناء وغيرها أم لا . وترث القيمة خاصّة من آلات البناء ، كالجذوع والخشب والطوب ونحوها ، وكذا قيمة الشجر والنخل ؛ من غير فرق بين أقسام البناء كالرحى والحمّام والدكّان والإصطبل وغيرها ، وفي الأشجار بين الصغيرة والكبيرة واليابسة التي معدّة للقطع ولم تقطع والأغصان اليابسة ، والسعف كذلك مع اتّصالها بالشجر .

(مسألة 6) : المراد من الأعيان التي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة

ص: 426

حال الموت ، فإن حصل منها نماء وزيادة عينية من حين الموت إلى حين القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة .

(مسألة 7) : المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت ، فلو زادت القيمة على القيمة حين الموت ترث منها ، ولو نقصت نقصت من نصيبها . نعم ، الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح .

(مسألة 8) : طريق التقويم أن تقوّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض مجّاناً إلى أن تفنى ، وتعطى حصّتها من ذلك ، فلو زادت قيمتها مثبتة إلى أن تفنى عنها غير مثبتة فلها الزيادة .

(مسألة 9) : المدار كون الآلات مثبتة حين الموت . فلو خربت البناء وقطعت الأشجار قبل الموت ، وبقيت بتلك الحالة إلى حين الموت ، ترث من أعيانها كسائر المنقولات . ومن المنقول الثمر على الشجر والزرع والبذر المزروع ، وكذا القدر المثبت في الدكّان ليطبخ فيه ، فإنّ الظاهر أ نّه من المنقول . كما أنّ الظاهر أنّ الدولاب والعريش الذي يكون عليه أغصان الكرم من غير المنقول .

(مسألة 10) : الأقوى أنّ الزوجة تستحقّ القيمة ، ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان ، كما ليس لها مطالبة الأعيان .

(مسألة 11) : لا يجوز للزوجة التصرّف في الأعيان التي تستحقّ قيمتها بلا رضا سائر الورثة ، والأحوط لسائر الورثة عدم التصرّف فيها - قبل أداء قيمتها - بغير إذنها .

(مسألة 12) : لو زوّج الصغيرة أبوها أو جدّها لأبيها بالكفو بمهر المثل أو الأكثر يرثها الزوج وترثه ، وكذا لو زوّج الصغيرين أبوهما أو جدّهما لأبيهما ، بل

ص: 427

لو كان التزويج بالكفو بدون مهر المثل مع عدم المفسدة ، فضلاً عمّا كان فيه

الصلاح . وكذا لو زوّج الحاكم في مورد جاز له التزويج . وقد مرّ بعض ما يناسب المقام في النكاح .

(مسألة 13) : الإرث بسبب الولاء غير مبتلىً به إلاّ بسبب الإمامة ، فمن مات وليس له وارث من الطبقات المتقدّمة ولا بولاء العتق وضمان الجريرة ، ولم يكن له زوج ، يرثه الإمام علیه السلام . ولو كان الوارث الزوجة فقط فالبقيّة بعد الربع له علیه السلام . وأمره في عصر غيبة وليّ الأمر - عجّل اللّه تعالى فرجه - كسائر ما للإمام علیه السلام

بيد الفقيه الجامع للشرائط .

وأمّا اللواحق ففيها فصول:

الفصل الأوّل : في ميراث الخُنثى

الأوّل : في ميراث الخُنثى

(مسألة 1) : لو كان بعض الورّاث خُنثى - بأن كان له فرج الرجال والنساء - فإن أمكن تعيين كونه رجلاً أو امرأة بإحدى المرجّحات المنصوصة أو غير المنصوصة ، فهو غير مشكل ، ويعمل على طبقها ، وإلاّ فهو مشكل .

(مسألة 2) : المرجّحات المنصوصة اُمور : الأوّل : أن يبول من أحد الفرجين دائماً ، أو غالباً بحيث يكون البول من غيره نادراً كالمعدوم ، وإلاّ فمحلّ إشكال ،

فيرث على الفرج الذي يبول منه ، فإن بال من فرج الرجال يرث ميراث الذكر ، وإن بال من فرج النساء يرث ميراث الاُنثى . الثاني : سبق البول من أحد الفرجين دائماً ، أو غالباً بنحو عدّ ما عداه كالمعدوم لو بال منهما ، فإن سبق ممّا للرجال يرث ميراث الذكر ، وإن سبق ممّا للنساء يرث ميراث الاُنثى . الثالث : قيل : تأخّر الانقطاع من أحد الفرجين دائماً أو غالباً مع فقد الأمارة الثانية ، وفيه إشكال ؛

ص: 428

لا يترك الاحتياط بالتصالح مع فقد سائر الأمارات . الرابع : عدّ الأضلاع ، فإن كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال ، ويرث إرث الذكر ، وإن كانتا متساويتين يرث إرث الاُنثى .

(مسألة 3) : لو فقدت العلائم المنصوصة ، فإن كانت فيه علائم خاصّة بالنساء ، كرؤية الدم حسب ما ترى النساء ، أو خاصّة بالرجال كإنبات اللحية - مثلاً - فإن حصل منها الاطمئنان يحكم بحسبه ، وإلاّ فهو من المشكل .

(مسألة 4) : الخنثى المشكل - أي الذي لا تكون فيه المرجّحات المنصوصة ، ولا العلائم الموجبة للاطمئنان - يرث نصف نصيب الرجال ونصف نصيب النساء .

(مسألة 5) : لو لم يكن لشخص فرج الرجال ولا النساء ، وخرج بوله من محلّ آخر كدبره ، فالأقوى العمل بالقرعة .

(مسألة 6) : لو كان لشخص رأسان على صدر واحد ، أو بدنان على حقو واحد ، فطريق الاستعلام أن يوقظ أحدهما ، فإن انتبه دون الآخر فهما اثنان يورثان ميراث الاثنين ، وإن انتبها يورث إرث الواحد . ثمّ إنّ لهذا الموضوع فروعاً كثيرة جدّاً سيّالة في أبواب الفقه مذكور بعضها في المفصّلات .

الفصل الثاني : في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

(مسألة 1) : لو مات اثنان بينهما توارث في آن واحد ؛ بحيث يعلم تقارن موتهما ، فلا يكون بينهما توارث ؛ سواء ماتا أو مات أحدهما حتف أنف أو بسبب ، كان السبب واحداً أو لكلّ سبب ، فيرث من كلّ منهما الحيّ من ورّاثه حال موته ، وكذا الحال في موت الأكثر من اثنين .

ص: 429

(مسألة 2) : لو مات اثنان حتف أنف أو بسبب ، وشكّ في التقارن وعدمه ، أو

علم عدم التقارن وشكّ في المتقدّم والمتأخّر ، فإن علم تأريخ أحدهما المعيّن يرث الآخر - أي مجهول التأريخ - منه ، دون العكس . وكذا في أكثر من واحد ، ولا فرق في الأسباب كما تقدّم .

(مسألة 3) : لو مات اثنان وشكّ في التقارن والتقدّم والتأخّر ولم يعلم التأريخ ، فإن كان سبب موتهما الغرق أو الهدم ، فلا إشكال في إرث كلّ منهما من الآخر . وإن كان السبب غيرهما - أيّ سبب كان - أو كان الموت حتف أنف ، أو اختلفا في الأسباب ، فهل يحكم بالقرعة ، أو التصالح ، أو كان حكمه حكم الغرقى والمهدوم عليهم ؟ وجوه ، أقواها الأخير وإن كان الاحتياط بالتصالح مطلوباً ، سيّما فيما كان موتهما أو موت أحدهما حتف أنف ، ويجري الحكم في موت الأكثر من اثنين .

(مسألة 4) : لو ماتا وعلم تقدّم أحدهما على الآخر ، وشكّ في المتقدّم وجهل تأريخهما ، فالأقوى الرجوع إلى القرعة ؛ سواء كان السبب الغرق أو الهدم أو غيرهما أو ماتا أو أحدهما حتف أنف .

(مسألة 5) : طريق التوريث من الطرفين : أن يفرض حياة كلّ واحد منهما حين موت الآخر ، ويرث من تركته حال الموت ، ثمّ يرث وارثه الحيّ ما ورثه . نعم ، لا يرث واحد منهما ممّا ورث الآخر منه ، فلو مات ابن وأب ولم يعلم التقدّم والتأخّر والتقارن ، وكان للأب - غير الابن الذي مات معه - ابنة ، وكان ما تركه تسعمائة ، وكان للابن الميّت ابن وما تركه ستّمائة ، فيفرض أوّلاً موت الأب وحياة الابن ، فيرث من أبيه ستّمائة ثلثي التركة ، وهي حقّ ابنه أي ابن ابن

ص: 430

الميّت ، والباقي حقّ اُخته ، ثمّ يُفرض موت الابن وحياة الأب ، فيرث منه مائةً

سدس تركته ، ويؤتى ابنته ، والباقي حقّ ابن ابنه .

(مسألة 6) : يشترط في التوريث من الطرفين عدم الحاجب من الإرث في كلّ منهما ، ولو كان أحدهما محجوباً يرث منه صاحبه ، كما أ نّه لو لم يكن لأحدهما ما ترك من مال أو حقّ يرث ممّن له ذلك ؛ فلا يشترط في إرثه منه إرث الطرف منه .

الفصل الثالث : في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار

(مسألة 1) : المجوس وغيرهم من فرق الكفّار ، قد ينكحون المحرّمات عندنا بمقتضى مذهبهم على ما قيل ، وقد ينكحون المحلّلات عندنا ، فلهم نسب وسبب صحيحان وفاسدان .

(مسألة 2) : لا يرث مجوسي ولا غيره ممّن لا يكون بينه وبينه نسب أو سبب صحيح في مذهبه .

(مسألة 3) : لو كان نسب أو سبب صحيح في مذهبهم وباطل عندنا ، كما لو نكح أحدهم باُمّه أو بنته وأولدها ، فهل لا يكون بين الولد وبينهما وكذا بين الزوج والزوجة توارث مطلقاً ، وإنّما التوارث بالنسب والسبب الصحيحين عندنا ، أو يكون التوارث بالنسب ولو كان فاسداً ، وبالسبب الصحيح دون الفاسد ، أو يكون بالأمرين صحيحهما وفاسدهما ؟ وجوه وأقوال أقواها الأخير .

(مسألة 4) : لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم يرث بالجميع ، مثل اُمّ هي زوجته ، فلها نصيب الزوجة من الربع أو الثمن ونصيب الاُمومة ، ولو

ص: 431

ماتت فله نصيب الزوج والابن .

(مسألة 5) : لو اجتمع سببان ، وكان أحدهما مانعاً من الآخر ، ورث من جهة المانع فقط ، مثل بنت هي اُخت من اُمّ ، فلها نصيب البنت لا الاُخت ، وبنت هي بنت بنت ، فلها نصيب البنت فقط .

(مسألة 6) : لو كان لامرأة زوجان أو أكثر - وصحّ في مذهبهم - فماتت ، فالظاهر أنّ إرث الزوج - أي النصف أو الربع - يقسّم بينهم بالسويّة كإرث الزوجات منه ، ولو مات أحد الزوجين فلها منه نصيبها من الربع أو الثمن ، ولو ماتا فلها من كلّ منهما نصيبها من الربع أو الثمن .

(مسألة 7) : لو تزوّجوا بالسبب الفاسد عندهم والصحيح عندنا ، فلا يبعد جريان حكم الصحيح عليه ، ولكن اُلزموا فيما عليهم بما ألزموا به أنفسهم .

(مسألة 8) : المسلم لا يرث بالسبب الفاسد ، فلو تزوّج أحد محارمه لم يتوارثا بهذا التزويج وإن فرض كونه عن شبهة ، فلو تزوّج اُمّه من الرضاع أو من الزنا فلا يتوارثان به .

(مسألة 9) : المسلم يرث بالنسب الصحيح وكذا الفاسد لو كان عن شبهة ، فلو اعتقد أنّ اُمّه أجنبيّة فتزوّجها وأولد منها ، يرث الولد منهما ، وهما منه ، فيأتي

في المسلم مع الشبهة الفروع التي تتصوّر في المجوس . ولا فرق في الشبهة بين الموضوعية والحكمية .

(مسألة 10) : لو اختلف اجتهاد فقيهين في صحّة تزويج وفساده ، كتزويج اُمّ

المزني بها ، أو المختلقة من ماء الزاني ، فتزوّج القائل بالصحّة أو مقلّده ، ليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحّة عليه ، فلا توارث بينهما عند المبطل .

ص: 432

المقصد الأوّل : في ميراث الأنساب

وهم ثلاث مراتب :

الاُولى : الأبوان بلا واسطة والأولاد وإن نزلوا الأقرب فالأقرب .

(مسألة 1) : لو انفرد الأب فالمال له قرابة ، أو الاُمّ فلها الثلث فرضاً والباقي يردّ عليها ، ولو اجتمعا فللاُمّ الثلث فرضاً ، والباقي للأب إن لم يكن للاُمّ حاجب ، وإلاّ فلها السدس والباقي للأب ، ولا ترث الإخوة في الفرض شيئاً وإن حجبوا .

(مسألة 2) : لو انفرد الابن فالمال له قرابةً ، ولو كان أكثر فهم سواء ، ولو انفردت البنت فلها النصف فرضاً والباقي ردّاً ، والعصبة لا نصيب لها ، وفي فيها التراب . ولو كانت بنتان فصاعداً فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً ، ولو اجتمع الذكور والإناث فالمال لهم ؛ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 3) : لو اجتمع الأولاد مع أحد الأبوين : فإن كان الولد بنتاً واحدة يردّ عليها النصف فرضاً ، وعلى أحد الأبوين السدس فرضاً ، والباقي يردّ عليهما أرباعاً . ولو كان بنتين فصاعداً يردّ على البنات أربعة أخماس فرضاً وردّاً ، وعلى أحد الأبوين الخمس فرضاً وردّاً . ولو كان ذكراً - سواء كان واحداً أو متعدّداً - فلأحد الأبوين السدس فرضاً ، والباقي للولد .

ص: 407

(مسألة 4) : لو اجتمع الأولاد مع الأبوين : فإن كان الولد بنتاً واحدة ولم يكن للاُمّ حاجب من الردّ ، فثلاثة أخماس للبنت فرضاً وردّاً ، وخُمسان للأبوين بالمناصفة فرضاً وردّاً . وإن كان للاُمّ حاجب من الردّ فالسدس لها ، والبقيّة تقسّم بين البنت والأب أرباعاً فرضاً وردّاً . وإن كان اُنثى متعدّدة ، أو ذكراً واحداً أو متعدّداً ، أو إناثاً وذكراناً ، فالسدسان للأبوين ، والبقيّة للأولاد تقسّم بينهم بالسويّة مع وحدة الجنس ، وللذكر ضعف الاُنثى مع الاختلاف .

(مسألة 5) : لو اجتمع أحد الأبوين وأحد الزوجين ، فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى والباقي لأحد الأبوين ؛ للأب قرابةً ، وللاُمّ فرضاً وردّاً .

(مسألة 6) : لو اجتمع الأبوان وأحد الزوجين فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى وللاُمّ الثلث من مجموع التركة مع عدم الحاجب ، والسدس معه فرضاً ، والباقي للأب قرابةً .

(مسألة 7) : لو اجتمع الأولاد مع أحد الزوجين ، فلأحدهما نصيبه الأدنى والباقي للأولاد - متّحداً أو متعدّداً - للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 8) : لو اجتمع أحد الأبوين والأولاد وأحد الزوجين : فلو كان الولد بنتاً واحدة فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ، والباقي يقسّم بين الباقي أرباعاً ؛ ربع لأحد الأبوين والباقي للبنت . ولو كان بنتين فصاعداً(1) فإن كان أحد الزوجين هي الزوجة ، فلها نصيبها الأدنى ، والباقي يقسّم بين الباقي أخماساً ، وإن كان هو الزوج فله نصيبه الأدنى ، ولأحد الأبوين السدس ، والبقيّة للبنتين

ص: 408


1- في (أ) بعد «ولو كان بنتين فصاعداً» ورد هكذا : «فللزوج نصيبه الأدنى ، والباقي يقسّم بين الباقي أخماساً . وإن كان ذكراً واحداً ...» .

فصاعداً . وإن كان ذكراً واحداً أو متعدّداً أو ذكوراً وإناثاً فلأحدهما نصيبه الأدنى ، والسدس من أصل التركة لأحد الأبوين ، والباقي للباقي ، ومع الاختلاف (فلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 9) : لو اجتمع الأبوان والأولاد وأحد الزوجين : فإن كان الولد بنتاً واحدة فللزوج نصيبه الأدنى ، وللأبوين سدسان من التركة ، والباقي للبنت ، والنقص يرد عليها ، وللزوجة نصيبها الأدنى ، وتقسّم البقيّة بين الباقي أخماساً إن لم يكن للاُمّ حاجب عن الردّ ، وإلاّ فلها السدس ، والباقي يقسّم بين الأب والبنت أرباعاً . ولو كان الولد بنتين فصاعداً فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ، والسدسان من أصل التركة للأبوين ، والباقي للبنات فيرد النقص عليهنّ . ولو كان ذكراً واحداً أو متعدّداً ، أو ذكوراً وإناثاً ، فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ، وللأبوين سدسان من الأصل ، والباقي للأولاد (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .

وهاهنا اُمور :

الأوّل : أولاد الأولاد وإن نزلوا ، يقومون مقام الأولاد في مقاسمة الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ، ومنع من عداهم من الأقارب ؛ سواء كان والدا الميّت موجودين أم لا ، ويتقدّم كلّ بطن على البطن المتأخّر .

الثاني : يرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرّب به ، فيرث ولد البنت نصيب اُمّه - ذكراً كان أو اُنثى - وهو النصف مع انفراده أو كان مع الأبوين ، ويردّ عليه وإن كان ذكراً ، كما يردّ على اُمّه لو كانت موجودة . ويرث ولد الابن نصيب أبيه - ذكراً كان أو اُنثى - فإن انفرد فله جميع المال ، ولو كان معه ذو فريضة فله ما فضل عن حصص الفريضة .

الثالث : لو اجتمع أولاد الابن وأولاد البنت فلأولاد الابن الثلثان نصيب أبيهم ،

ص: 409

ولأولاد البنت الثلث نصيب اُمّهم ، ومع وجود أحد الزوجين فله نصيبه الأدنى ، والباقي للمذكورين ، الثلثان لأولاد الابن والثلث لأولاد البنت .

الرابع : أولاد البنت كأولاد الابن لو كانوا من جنس واحد يقتسمون بالسويّة ، ومع الاختلاف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .

الخامس : يُحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه .

(مسألة 1) : تختصّ الحبوة بالأكبر من الذكور ؛ بأن لا يكون ذكر أكبر منه . ولو تعدّد الأكبر بأن يكونا بسنّ واحد ؛ ولا يكون ذكر أكبر منهما ، تقسّم الحبوة بينهما بالسويّة . وكذا لو كان أكثر من اثنين . ولو كان الذكر واحداً يُحبى به . وكذا لو كان معه اُنثى وإن كانت أكبر منه .

(مسألة 2) : لا فرق في الثياب بين أن تكون مستعملة أو مخيطة للّبس وإن لم يستعملها ، ولا بين الواحد والمتعدّد . كما لا فرق بين الواحد والمتعدّد في المصحف والخاتم والسيف لو كانت مستعملة أو معدّة للاستعمال .

(مسألة 3) : الأقوى عدم كون السلاح - غير السيف - والرحل والراحلة من الحبوة ، والاحتياط بالتصالح مطلوب جدّاً .

(مسألة 4) : لو لم تكن الحبوة أو بعضها فيما تركه لا يعطى قيمتها .

(مسألة 5) : لا يعتبر في الحبوة أن تكون بعض التركة ، فلو كانت التركة منحصرة بها يحبى الولد الأكبر على الأقوى ، والاحتياط حسن .

(مسألة 6) : لا يعتبر بلوغ الولد ، ولا كونه منفصلاً حيّاً حين موت الأب على الأقوى ، فتعزل الحبوة له ، كما يعزل نصيبه من الإرث ، فلو انفصل بعد موت

ص: 410

الأب حيّاً يحبى ، ولو كان الحمل اُنثى ، أو كان ذكراً ومات قبل الانفصال ، فالظاهر أنّ الحبوة لأكبر الموجودين من الذكر .

(مسألة 7) : الأقوى عدم اشتراط كون الولد عاقلاً رشيداً ، وفي اشتراط كونه غير المخالف من سائر فرق المسلمين تأمّل ؛ وإن لا يبعد إلزامه بمعتقده إن اعتقد عدم الحبوة .

(مسألة 8) : يقدّم تجهيز الميّت وديونه على الحبوة مع تزاحمهما ؛ بأن لا تكون له إلاّ الحبوة ، أو نقص ما تركه - غير الحبوة - عن مصرف التجهيز والدين ، ومع عدم التزاحم - بأن يكون ما تركه غيرها كافياً - فالأحوط للولد الأكبر أن يعطي لهما منها بالنسبة .

(مسألة 9) : لو أوصى بعين من التركة ، فإن كان ما أوصى هي الحبوة فالوصيّة نافذة ، إلاّ أن تكون زائدة على الثلث ، فيحتاج إلى إجازة الولد الأكبر ، وليس له شيء من التركة في قبال الحبوة . ولو أوصى مطلقاً ، أو بالحبوة وغيرها ، فلو كانت الوصيّة غير زائدة على الثلث تنفذ ، وفي صورة الإطلاق يحسب من جميع التركة حتّى الحبوة ، وفي الصورة الثانية يحسب منها ومن غيرها حسب الوصيّة ، ولو زادت على الثلث تحتاج في الحبوة إلى إذن صاحبها ، وفي غيرها إلى إذن جميع الورثة ، ولو أوصى بمقدار معلوم - كألف أو كسر مشاع - فكذلك .

السادس : لا يرث الجدّ ولا الجدّة لأب أو لاُمّ مع أحد الأبوين ، لكن يستحبّ أن يطعم كلّ من الأبوين أبويه سدس أصل التركة لو زاد نصيبه من السدس ، فلو خلّف أبويه وجدّاً وجدّة لأب أو لاُمّ يستحبّ للاُمّ أن تطعم أباها واُمّها السدس

ص: 411

بالسويّة ، وهو نصف نصيبها ، وللأب أن يطعم أباه واُمّه سدس أصل التركة ، وهو ربع نصيبه ، ولو كان الموجود واحداً منهما كان السدس له .

المرتبة الثانية : الإخوة وأولادهم - المسمّون بالكلالة - والأجداد مطلقاً ، ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة .

(مسألة 1) : لو انفرد الأخ لأب واُمّ فالمال له قرابةً ، ولو كان معه أخ أو إخوة كذلك فهو بينهم بالسويّة ، ولو كان معهم إناث أو اُنثى كذلك (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .

(مسألة 2) : لو انفردت الاُخت لأب واُمّ كان لها النصف فرضاً ، والباقي يردّ عليها قرابةً ، ولو تعدّدت كان لها الثلثان فرضاً والباقي يردّ عليها قرابة .

(مسألة 3) : يقوم كلالة الأب مقام كلالة الأب والاُمّ مع عدمهم ، فيكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالتهما ، فلو انفرد الأخ فالمال له ، ولو تعدّد فهو لهم بالسويّة ، ولو كان فيهم اُنثى فللذكر ضعفها ، ولو انفردت الاُخت كان لها النصف فرضاً والباقي ردّاً ، ولو تعدّدت فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً .

(مسألة 4) : لا يرث أخ واُخت لأب مع أحد من الإخوة للأب والاُمّ .

(مسألة 5) : لو انفرد الواحد من ولد الاُمّ خاصّة عمّن يرث معه ، كان له السدس فرضاً والباقي ردّاً قرابة ذكراً كان أو اُنثى . ولو تعدّد الولد اثنين فصاعداً فلهما أو لهم الثلث فرضاً والباقي قرابة ، ويقسّم بينهم بالسويّة وإن اختلف الجنسان .

(مسألة 6) : لو كان الإخوة متفرّقين - فبعضهم للاُمّ وبعضهم للأب والاُمّ -

ص: 412

كان لمن يتقرّب بالاُمّ السدس فرضاً مع وحدته ، والثلث كذلك مع التعدّد ، يقسّم بالسويّة ولو مع الاختلاف ، ولمن يتقرّب بالأب والاُمّ البقيّة - خمسة أسداس أو الثلثان - يقسّم بينهم ، ومع الاختلاف للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 7) : مع فقد الإخوة من الأب والاُمّ ، واجتماع الإخوة من الأب مع الإخوة من الاُمّ ، كان الحكم كما ذكر في المسألة السابقة ، فيقومون مقامهم .

(مسألة 8) : لو انفرد الجدّ فالمال له ؛ لأب كان أو لاُمّ أو لهما ، ولو انفردت الجدّة فكذلك .

(مسألة 9) : لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما لاُمّ مع جدّ أو جدّة أو هما لأب ، فللمتقرّب بالاُمّ منهم الثلث بالسويّة وللمتقرّب بالأب الثلثان (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .

(مسألة 10) : لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الاُمّ مع الإخوة من قبلها ، كان الجدّ كالأخ منها والجدّة كالاُخت منها ، ويقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً .

(مسألة 11) : لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الأب والاُمّ أو الأب مع الإخوة من قبله فالجدّ بمنزلة الأخ من قبله والجدّة بمنزلة الاُخت من قبله ، (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .

(مسألة 12) : لو اجتمع الإخوة من قبل الأب والاُمّ أو من قبل الأب مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الاُمّ فالثلث من التركة للجدّ ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والثلثان للإخوة ، ومع التعدّد والاختلاف للذكر ضعف الاُنثى . نعم ، لو كانت اُخت واحدة مع الجدودة من الاُمّ فالنصف للاُخت فرضاً والثلث للجدودة ، وفي السدس إشكال ؛ من حيث إنّه هل يردّ على الاُخت أو عليها وعلى

ص: 413

الجدودة ؟ فلا يترك الاحتياط ؛ وإن كان الأرجح أنّ للاُخت الثلثين وللجدودة الثلث كسائر الفروض .

(مسألة 13) : لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الإخوة من قبل الاُمّ ، فمع وحدة الأخ أو الاُخت فالسدس له أو لها ، ومع التعدّد فالثلث لهم بالسويّة ولو مع الاختلاف ، والباقي في الفرضين للجدودة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .

(مسألة 14) : لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب - مع عدم الإخوة من قبلهما - والأجداد من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ ، فالسدس مع الاتّحاد والثلث مع التعدّد للإخوة من قبل الاُمّ بالسويّة ، والباقي للإخوة من قبلهما أو قبله والجدودة ، ومع الاختلاف في الجنس للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 15) : لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الاُمّ فالثلث للجدودة من قبل الاُمّ ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة ، والثلثان للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) ، ونصيب الجدّ كالأخ والجدّة كالاُخت .

(مسألة 16) : لو اجتمع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة ، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر الضعف .

(مسألة 17) : لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة ، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 18) : لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الاُمّ

ص: 414

والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة ، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 19) : لو اجتمع أحد الزوجين مع الإخوة من قبل الأبوين ، أو الأب أو مع الجدودة من قبل الأب فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي في الصورتين للذكر ضعف الاُنثى . ولو اجتمع أحدهما مع إحدى الطائفتين من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي في الصورتين بالسويّة مطلقاً .

(مسألة 20) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من الاُمّ ، أو مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، وللمتقرّب بالاُمّ السدس من التركة مع الانفراد والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً ، وللمتقرّب بالأب أو الأبوين الباقي ؛ للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 21) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من قبل الاُمّ أو مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالاُمّ يقسّم بالسويّة مع التعدّد مطلقاً ، والباقي للمتقرّب بالأب أو الأبوين للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 22) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالاُمّ يقسم بالسويّة ، والباقي للإخوة من قبل الأبوين أو الأب للذكر الضعف . وكذا الحال لو اجتمع أحدهما مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها .

(مسألة 23) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب والاُمّ أو الأب

ص: 415

والجدودة من قبل الأب ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان الإخوة من قبل الاُمّ وكذا الجدودة فالباقي لهم بالسويّة .

(مسألة 24) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب أو الأبوين والجدودة من قبل الأب والإخوة من الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والسدس من التركة للإخوة من قبلها مع الانفراد ، والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 25) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من الأب والجدودة من الاُمّ ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للجدودة من الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 26) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها والجدودة من الأب فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى .

هاهنا اُمور :

الأوّل : أولاد الإخوة بحكم أولاد الأولاد ؛ في أ نّه مع وجود أحد من الإخوة من الأب أو الاُمّ - ولو كان اُنثى - لا يرث أولاد الإخوة ولو كانوا من الأب والاُمّ .

الثاني : يرث أولاد الإخوة إرث من يتقرّبون به ، فلو خلّف أحد الإخوة من الاُمّ وارثاً فالمال له فرضاً وردّاً مع الوحدة ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة ، ولو كان من أحد الإخوة من الأب فله المال مع الانفراد ، ومع التعدّد يقسّم بينهم للذكر ضعف الاُنثى . ولو كان الأولاد من الإخوة المتعدّدة من الاُمّ ، فلا بدّ من فرض حياة الوسائط والتقسيم بينهم بالسويّة ، ثمّ يقسّم قسمة كلّ بين أولادهم بالسويّة . ولو كان الأولاد من الاُختين أو الزيادة للأب والاُمّ أو للأب مع فقد الأبويني ،

ص: 416

فكالفرض السابق ، لكن للذكر ضعف الاُنثى . ولو كان الأولاد من الذكور الأبويني أو الأبي ، أو كانوا من الذكور والإناث من الأب والاُمّ أو من الأب ، فلا بدّ من فرض الوسائط حيّاً ، والقسمة بينهم للذكر ضعف الاُنثى ، ثمّ قسمة نصيب كلّ منهم بين أولاده للذكر ضعف الاُنثى .

الثالث : الكلام في الأولاد مع الوسائط المتعدّدة ، كالكلام في المسألة السابقة في إرث من يتقرّبون به وكيفية التقسيم .

الرابع : لا يرث أولاد الإخوة من الأب فقط مع وجود أولاد الإخوة للأب والاُمّ في جميع الوسائط ؛ بشرط أن يكونا في درجة واحدة .

الخامس : لا يرث الجدودة مع الواسطة مع وجود واحد من الجدودة بلا واسطة ، ولو كان واحد من الجدودة الأربعة بلا وسط موجوداً ، لا يرث الجدودة مع الواسطة ، ومع وجود واحد من ذي وسط واحد لا يرث ذو وسائط متعدّدة ، وهكذا كلّ أقرب مقدّم على الأبعد .

السادس : الجدّ الأعلى بأيّ واسطة كان يرث مع الإخوة إذا لم يكن في صنفه أقرب منه ، كما أنّ الإخوة وأولادهم مع أيّ واسطة يرثون مع الجدّ ؛ بشرط أن لا يكون في صنفهم أقرب منهم ، فلو اجتمع جدّ الجدّ وإن علا مع الأخ يرث ، فضلاً عمّا إذا كان مع ولده ، وكذا لو اجتمع ولد الإخوة وإن دنى مع الجدّ بلا وسط يرث ، فضلاً عن كونه مع الوسط . وبالجملة : الأقرب من كلّ صنف مقدّم على الأبعد من هذا الصنف ، لا الصنف الآخر .

السابع : لو اجتمع الأجداد الثمانية - أي الأبوين من أب الأب وأب الاُمّ واُمّ الأب واُمّ الاُمّ - فلا يُترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ؛ سواء كان معهم غيرهم أم لا .

ص: 417

المرتبة الثالثة : الأعمام والأخوال ، ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة .

(مسألة 1) : لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الأب والاُمّ أو من قبل الأب فالتركة لهم ، ومع اختلاف الجنس (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 2) : لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الاُمّ فالتركة لهم ، ومع التعدّد واتّحاد الجنس يقسّم بالسويّة ، ومع الاختلاف لا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي .

(مسألة 3) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو من قبل الأب مع العمومة من قبل الاُمّ فالسدس لعمومة الاُمّ مع الانفراد ، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس ، ويحتاط بالصلح مع الاختلاف ، والباقي للعمومة من قبل الأبوين أو الأب للذكر ضعف الاُنثى مع الاختلاف .

(مسألة 4) : لو كان الوارث منحصراً بالخؤولة من قبل الأبوين أو الأب فالتركة لهم ، ومع التعدّد تقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً ، وكذا الحال في الخؤولة من قبل الاُمّ .

(مسألة 5) : لو اجتمع الخؤولة من قبل الأب والاُمّ أو الأب مع الخؤولة من قبل الاُمّ فالسدس للاُمّي مع الانفراد ، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للخؤولة من قبل الأب والاُمّ ، ومع فقدهم للخؤولة من قبل الأب ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً .

(مسألة 6) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة من قبل

ص: 418

الأبوين أو الأب فالثلث للخؤولة ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة ، والثلثان للعمومة للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف .

(مسألة 7) : لو اجتمع العمومة من قبل الاُمّ والخؤولة كذلك فالثلث للخؤولة ، وفي صورة التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والثلثان للعمومة ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مع عدم الاختلاف ، ومعه يحتاط بالتصالح .

(مسألة 8) : لو اجتمع العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة بالسويّة مع التعدّد مطلقاً ، والسدس من الثلثين للعمومة من قبل الاُمّ مع الاتّحاد ، والثلث مع التعدّد بالسويّة ، ومع اختلاف الجنس يحتاط بالتصالح ، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأبوين أو الأب ، ومع التعدّد والاختلاف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 9) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة من قبل الاُمّ يقسّم مع التعدّد بالسويّة مطلقاً ، والسدس من الثلثين في صورة الاتّحاد والثلث في صورة التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ ، ويحتاط في صورة التعدّد والاختلاف ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف .

(مسألة 10) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة كذلك والخؤولة من قبل الاُمّ ، فالثلث للخؤولة مطلقاً ، والسدس من الثلث مع الاتّحاد ، والثلث منه مع التعدّد ، للاُمّي منهم يقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً ، وبقيّته للخؤولة من الأب أو الأبوين بالسويّة مطلقاً ، والثلثان من التركة للعمومة ، ومع التعدّد والاختلاف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .

ص: 419

(مسألة 11) : لو اجتمع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الاُمّ ، فالثلث للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي من الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والثلثان من التركة للعمومة من قبل الاُمّ ، ومع التعدّد والاختلاف يحتاط بالتصالح .

(مسألة 12) : لو اجتمع الأصناف الأربعة فالثلث للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الاتّحاد وثلثه مع التعدّد ، للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً ، والسدس من ثلثي التركة مع الاتّحاد ، والثلث مع التعدّد ، للعمومة من قِبَل الاُمّ ، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح ، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأب أو الأبوين للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف .

(مسألة 13) : لو كان أحد الزوجين مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان مع الخؤولة من قبلهما أو قبله فكذلك ، إلاّ أ نّه يقسّم الباقي بين الباقي بالسويّة مطلقاً ، وكذا لو كان مع الخؤولة من قبل الاُمّ ، ولو كان مع العمومة من قبلها فكذلك إلاّ مع الاختلاف في الجنس ، فلا يترك الاحتياط بالتصالح .

(مسألة 14) : لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والعمومة من قبل الاُمّ فله نصيبه الأعلى . وللعمومة من قبل الاُمّ السدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس ، ويحتاط مع الاختلاف ، والباقي للعمومة من قبل الأب أو الأبوين (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

ص: 420

الاُنثَيَيْنِ) ، ولو كان مع الخؤولة من الأبوين أو الأب والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى ، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث منها مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي بالسويّة كذلك .

(مسألة 15) : لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك فله نصيبه الأعلى ، وثلث مجموع التركة للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان في الفرض الخؤولة من قبل الاُمّ لا الأب أو الأبوين فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة ، والباقي للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 16) : لو كان مع أحدهما العمومة من الاُمّ والخؤولة من الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى ، والثلث من المجموع للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي ، ويحتاط مع الاختلاف ، ولو كان في الفرض الخُؤولة من الاُمّ - لا الأبوين أو الأب - فالحال كما تقدّم في التقسيم والاحتياط في العمومة .

(مسألة 17) : لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة مطلقاً ، والسدس من الباقي مع الانفراد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ يقسّم بالسويّة ، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والعمومة من الاُمّ والخؤولة من الاُمّ ، فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد ، للعمومة من قبل الاُمّ

ص: 421

يقسّم بالسويّة إلاّ مع الاختلاف في الجنس ، فيحتاط كما تقدّم ، والباقي للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .

(مسألة 18) : لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسويّة مطلقاً ، والباقي من التركة للعمومة للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 19) : لو كان مع أحدهما الخؤولة من الأبوين أو الأب ، والخؤولة من الاُمّ والعمومة منها ، فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، وباقي الثلث لسائر الخؤولة بالسويّة مطلقاً ، والباقي من التركة للعمومة يقسّم بالسويّة إلاّ مع الاختلاف ، فيجب الاحتياط بالتصالح .

(مسألة 20) : لو كان أحدهما مع العمومة من الأبوين أو الأب ومن الاُمّ ، والخؤولة من الأبوين أو الأب ومن الاُمّ ، فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة ، والسدس من هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخُؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة ، وباقي الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للعمومة ، وسدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدّد ، للعمومة من الاُمّ يقسّم بالسويّة ، إلاّ مع الاختلاف فيجب الاحتياط المذكور ، والباقي للعمومة من الأبوين أو الأب للذكر ضعف الاُنثى .

(مسألة 21) : لا يرث العمومة من قبل الأب مع وجودها من قبل الأبوين ، وكذا الحال في الخؤولة .

ص: 422

وهاهنا اُمور:

الأوّل : لا يرث أحد من أولاد العمومة والخؤولة مع وجود واحد من العمومة أو الخؤولة ، فمع وجود خالة من قبل الاُمّ - مثلاً - لا يرث أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة مطلقاً إلاّ في مورد واحد ، وهو ما إذا كان عمّ من قبل الأب وابن عمّ من قبل الأبوين ، فيقدّم الثاني على الأوّل ؛ بشرط أن لا يكون معهما عمّ من قبل الأبوين ، ولا من قبل الاُمّ ، ولا العمّة مطلقاً ، ولا الخال والخالة مطلقاً . ولا فرق بين كون العمّ من الأب واحداً أو متعدّداً ، وكذا بين كون ابن العمّ من قبل الأبوين واحداً أو متعدّداً . فحينئذٍ يكون الإرث لابن العمّ ، لا العمّ ولا أبناء الأعمام والعمّات والأخوال والخالات . ولا فرق في ذلك بين وجود أحد الزوجين وعدمه ، ولا يجري الحكم المذكور في غير ذلك . نعم ، مع كون الوارث العمّة من قبل الأب وابن العمّ من قبل الأبوين ، فالاحتياط بالتصالح مطلوب .

الثاني : أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم عند عدمهم وعدم من هو في درجتهم ، وأنّ الأقرب مقدّم وإن اتّحد سببه على الأبعد وإن تقرّب بسببين ، إلاّ في مورد واحد تقدّم آنفاً ، ويرث أولاد العمومة والخؤولة إرث من يتقرّبون به .

الثالث : المنتسبون باُمّ الميّت في هذه الطبقة ؛ سواء كان الخال أو الخالة أو أولادهما ، وسواء كانوا من قبل الأبوين أو الأب ، يرثون بالسويّة مطلقاً ، والمنتسبون بأبيه - أي العمومة وأولادهم - يرثون بالتفاوت (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) . نعم ، في العمومة من قبل الاُمّ وأولادهم لا بدّ من الاحتياط بالتصالح .

الرابع : مع وجود أولاد العمومة من الأبوين لا يرث أولادهم من الأب فقط ، وكذا في أولاد الخؤولة ، لكن مع وجود أولاد العمومة من قبل الأبوين يرث

ص: 423

أولاد الخؤولة من قبل الأب مع عدم أولاد الخؤولة من قبل الأبوين ، وكذا مع أولاد الخؤولة من قبل الأبوين يرث أولاد العمومة من قبل الأب مع فقد أولادهم من الأبوين .

الخامس : قد مرّ أنّ أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم ، وإذا كانوا من العمومة المتعدّدة والخؤولة كذلك ، لا بدّ في كيفية التقسيم من فرض حياة الوسائط والتقسيم بالسويّة في المنتسبين بالاُمّ ، و(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) في المنتسبين بالأب . ثمّ تقسيم نصيب كلّ بين أولادهم كالتقسيم بين الوسائط ، ويحتاط في أولاد الأعمام من قبل الاُمّ بالتصالح كما مرّ . وهكذا الكلام في الوسائط المتعدّدة .

السادس : ترتّب الأرحام الذين هم من حواشي نسب الميّت ، فأعمامه وعمّاته وأولادهم وإن نزلوا - مع الصدق العرفي - وكذا أخواله وخالاته ، أحقّ بالميراث من أعمام الأب والاُمّ وعمّاتهما وأخوالهما وخالاتهما . نعم ، مع فقد الطائفة الاُولى تقوم الثانية مقامهم مرتّبين ؛ الأقرب منهم مقدّم على الأبعد ، ومع فقدهم عمومة جدّ الميّت وجدّته وخؤولتهما وأولادهم ، مرتّبون بحسب القرب والبعد .

السابع : لو اجتمع لوارث موجبان للإرث أو الزيادة ، يرث بجميعها إن لم يكن بعضها مانعاً عن الآخر ، ككون أحدهما - مثلاً - أقرب من الآخر ، وإلاّ يرث من جهة المانع دون الممنوع ، مثل ابن عمّ هو أخ لاُمّ . ولا فرق بين كون الموجب نسباً أو سبباً ، فلو اجتمع السببان أو نسب وسبب ، فإن كان أحدهما مانعاً يرث به دون الآخر كالمعتق وضامن الجريرة ، وإلاّ بهما كالزوج وابن العمّ مثلاً ، وكيفية الإرث عند الاجتماع كالكيفية عند الانفراد ، والاحتياط المتقدّم في الأعمام من قبل الاُمّ جارٍ في المقام .

ص: 424

كتاب القضاء

اشارة

وهو الحكم بين الناس لرفع التنازع بينهم بالشرائط الآتية . ومنصب القضاء من المناصب الجليلة ، الثابتة من قبل اللّه تعالى للنبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن قبله للأئمّة المعصومين علیهم السلام ، ومن قبلهم للفقيه الجامع للشرائط الآتية . ولا يخفى أنّ خطره عظيم ، وقد ورد : «أنّ القاضي على شفير جهنّم» ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه قال : «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصيّ نبيّ أو شقيّ» ، وعن أبي عبداللّه علیه السلام : «اتّقوا الحكومة ، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين ؛ لنبي أو وصيّ نبي» ، وفي رواية : «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه - عزّوجلّ - فقد كفر» ، وفي اُخرى : «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس ؛ فإمّا في الجنّة ، وإمّا في النار» ، وعن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «القضاة أربعة : ثلاثة في النار وواحد في الجنّة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة» . ولو كان موقوفاً على الفتوى يلحقه خطر الفتوى أيضاً ، ففي الصحيح قال أبو جعفر علیه السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدىً من اللّه ، لعنه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه» .

ص: 433

(مسألة 1) : يحرم القضاء بين الناس ولو في الأشياء الحقيرة إذا لم يكن من أهله ، فلو لم ير نفسه مجتهداً عادلاً جامعاً لشرائط الفتيا والحكم ، حرم عليه تصدّيه وإن اعتقد الناس أهليته ، ويجب كفايةً على أهله ، وقد يتعيّن إذا لم يكن في البلد أو ما يقرب منه ممّا لا يتعسّر الرفع إليه من به الكفاية .

(مسألة 2) : لا يتعيّن القضاء على الفقيه إذا كان من به الكفاية ولو اختاره المترافعان أو الناس .

(مسألة 3) : يستحبّ تصدّي القضاء لمن يثق بنفسه القيام بوظائفه ، والأولى تركه مع وجود من به الكفاية ؛ لما فيه من الخطر والتهمة .

(مسألة 4) : يحرم الترافع إلى قضاة الجور - أي من لم يجتمع فيهم شرائط القضاء - فلو ترافع إليهم كان عاصياً ، وما أخذ بحكمهم حرام إذا كان ديناً ، وفي العين إشكال إلاّ إذا توقّف استيفاء حقّه على الترافع إليهم ، فلا يبعد جوازه ، سيّما إذا كان في تركه حرج عليه ، وكذا لو توقّف ذلك على الحلف كاذباً جاز .

(مسألة 5) : يجوز لمن لم يتعيّن عليه القضاء الارتزاق من بيت المال ولو كان غنيّاً ، وإن كان الأولى الترك مع الغنى ، ويجوز مع تعيّنه عليه إذا كان محتاجاً ، ومع كونه غنيّاً لا يخلو من إشكال ؛ وإن كان الأقوى جوازه . وأمّا أخذ الجعل من المتخاصمين أو أحدهما ، فالأحوط الترك حتّى مع عدم التعيّن عليه ، ولو كان محتاجاً يأخذ الجعل أو الأجر على بعض المقدّمات .

(مسألة 6) : أخذ الرشوة وإعطاؤها حرام إن توصّل بها إلى الحكم له بالباطل . نعم ، لو توقّف التوصّل إلى حقّه عليها جاز للدافع وإن حرم على الآخذ . وهل يجوز الدفع إذا كان محقّاً ولم يتوقّف التوصّل إليه عليها ؟ قيل : نعم ، والأحوط الترك ، بل لا يخلو من قوّة . ويجب على المرتشي إعادتها إلى

ص: 434

صاحبها ؛ من غير فرق - في جميع ذلك - بين أن يكون الرشى بعنوانه أو بعنوان الهبة أو الهديّة أو البيع المحاباتي ونحو ذلك .

(مسألة 7) : قيل : من لا يقبل شهادته لشخص أو عليه لا ينفذ حكمه كذلك ، كشهادة الولد على والده والخصم على خصمه . والأقوى نفوذه وإن قلنا بعدم قبول شهادته .

(مسألة 8) : لو رفع المتداعيان اختصامهما إلى فقيه جامع للشرائط ، فنظر في الواقعة وحكم على موازين القضاء ، لا يجوز لهما الرفع إلى حاكم آخر ، وليس للحاكم الثاني النظر فيه ونقضه ، بل لو تراضى الخصمان على ذلك فالمتّجه عدم الجواز . نعم ، لو ادّعى أحد الخصمين : بأنّ الحاكم الأوّل لم يكن جامعاً للشرائط - كأن ادّعى عدم اجتهاده أو عدالته حال القضاء - كانت مسموعة يجوز للحاكم الثاني النظر فيها ، فإذا ثبت عدم صلوحه للقضاء نقض حكمه ، كما يجوز النقض لو كان مخالفاً لضروري الفقه ؛ بحيث لو تنبّه الأوّل يرجع بمجرّده لظهور غفلته . وأمّا النقض فيما يكون نظرياً اجتهادياً فلا يجوز ، ولا تسمع دعوى المدّعي ولو ادّعى خطأه في اجتهاده .

(مسألة 9) : لو افتقر الحاكم إلى مترجم لسماع الدعوى أو جواب المدّعى عليه أو الشهادة ، يعتبر أن يكون شاهدين عدلين .

القول : في صفات القاضي وما يناسب ذلك

(مسألة 1) : يشترط في القاضي : البلوغ ، والعقل ، والإيمان ، والعدالة ، والاجتهاد المطلق ، والذكورة ، وطهارة المولد ، والأعلمية ممّن في البلد أو ما

ص: 435

يقربه على الأحوط . والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان ، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه . وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر . والأحوط اعتبار البصر ؛ وإن كان عدمه لا يخلو من وجه .

(مسألة 2) : تثبت الصفات المعتبرة في القاضي بالوجدان ، والشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، والبيّنة العادلة . والشاهد على الاجتهاد أو الأعلمية لا بدّ وأن يكون من أهل الخبرة .

(مسألة 3) : لا بدّ من ثبوت شرائط القضاء في القاضي عند كلّ من المترافعين ، ولا يكفي الثبوت عند أحدهما .

(مسألة 4) : يشكل للقاضي القضاء بفتوى المجتهد الآخر ، فلا بدّ له من الحكم على طبق رأيه ، لا رأي غيره ولو كان أعلم .

(مسألة 5) : لو اختار كلّ من المدّعي والمنكر حاكماً لرفع الخصومة ، فلا يبعد تقديم اختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم ، وإلاّ فالأحوط اختيار الأعلم ، ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة .

(مسألة 6) : إذا كان لأحد من الرعية دعوى على القاضي فرفع إلى قاضٍ آخر ، تسمع دعواه وأحضره ، ويجب على القاضي إجابته ، ويعمل معه الحاكم في القضية معاملته مع مدّعيه من التساوي في الآداب الآتية .

(مسألة 7) : يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر من القاضي ، بل قد يجب . نعم ، لو شكّ في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لا يجوز إلاّ بعد

ص: 436

الإحراز ، كما لا يجوز نقض حكمه مع الشكّ واحتمال صدور حكمه صحيحاً ، ومع علمه بعدم أهليته ينقض حكمه .

(مسألة 8) : يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه من دون بيّنة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس ، وكذا في حقوق اللّه تعالى ، بل لا يجوز له الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفة لعلمه ، أو إحلاف من يكون كاذباً في نظره . نعم ، يجوز له عدم التصدّي للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعيّن عليه .

(مسألة 9) : لو ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقاً ، يجوز أن يحكم بها على طبقه فعلاً إذا تذكّر حكمه وإن لم يتذكّر مستنده ، وإن لم يتذكّر الحكم فقامت البيّنة عليه جاز له الحكم ، وكذا لو رأى خطّه وخاتمه وحصل منهما القطع أو الاطمئنان به . ولو تبدّل رأيه فعلاً مع رأي سابقه الذي حكم به ، جاز تنفيذ حكمه إلاّ مع العلم بخلافه ؛ بأن يكون حكمه مخالفاً لحكم ضروري أو إجماع قطعي ، فيجب عليه نقضه .

(مسألة 10) : يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهلية القضاء من غير الفحص عن مستنده ، ولا يجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه ، وهل له الحكم مع العلم به ؟ الظاهر أ نّه لا أثر لحكمه بعد حكم القاضي الأوّل بحسب الواقعة . وإن كان قد يؤثّر في إجراء الحكم كالتنفيذ فإنّه أيضاً غير مؤثّر في الواقعة وإن يؤثّر في الإجراء أحياناً . ولا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيّاً أو ميّتاً ، ولا بين كونه باقياً على الأهلية أم لا ؛ بشرط أن لا يكون إمضاؤه موجباً لإغراء الغير بأ نّه أهل فعلاً .

(مسألة 11) : لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل ؛ سواء كان غير

ص: 437

مجتهد أو غير عادل ونحو ذلك ؛ وإن علم بكونه موافقاً للقواعد ، بل يجب نقضه مع الرفع إليه أو مطلقاً .

(مسألة 12) : إنّما يجوز إمضاء حكم القاضي الأوّل للثاني إذا علم بصدور الحكم منه ؛ إمّا بنحو المشافهة ، أو التواتر ، ونحو ذلك . وفي جوازه بإقرار المحكوم عليه إشكال . ولا يكفي مشاهدة خطّه وإمضائه ، ولا قيام البيّنة على ذلك . نعم ، لو قامت على أ نّه حكم بذلك فالظاهر جوازه .

القول : في وظائف القاضي

وهي اُمور :

الأوّل : يجب التسوية بين الخصوم - وإن تفاوتا في الشرف والضعة - في السلام والردّ والإجلاس والنظر والكلام والإنصات وطلاقة الوجه وسائر الآداب وأنواع الإكرام ، والعدل في الحكم . وأمّا التسوية في الميل بالقلب فلا يجب . هذا إذا كانا مسلمين . وأمّا إذا كان أحدهما غير مسلم يجوز تكريم المسلم زائداً على خصمه . وأمّا العدل في الحكم فيجب على أيّ حال .

الثاني : لا يجوز للقاضي أن يلقّن أحد الخصمين شيئاً يستظهر به على خصمه ؛ كأن يدّعي بنحو الاحتمال ، فيلقّنه أن يدّعي جزماً حتّى تسمع دعواه ، أو يدّعي أداء الأمانة أو الدين فيلقّنه الإنكار . وكذا لا يجوز أن يعلّمه كيفية الاحتجاج وطريق الغلبة . هذا إذا لم يعلم أنّ الحقّ معه وإلاّ جاز ، كما جاز له الحكم بعلمه . وأمّا غير القاضي فيجوز له ذلك مع علمه بصحّة دعواه ، ولا يجوز مع علمه بعدمها ، ومع جهله فالأحوط الترك .

الثالث : لو ورد الخصوم مترتّبين بدأ الحاكم في سماع الدعوى بالأوّل

ص: 438

فالأوّل ، إلاّ إذا رضي المتقدّم تأخيره ؛ من غير فرق بين الشريف والوضيع والذكر والاُنثى ، وإن وردوا معاً ، أو لم يعلم كيفية ورودهم ، ولم يكن طريق لإثباته ، يقرع بينهم مع التشاحّ .

الرابع : لو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى ، لم يسمعها حتّى يجيب عن دعوى صاحبه وتنتهي الحكومة ، ثمّ يستأنف هو دعواه ، إلاّ مع رضا المدّعي الأوّل بالتقديم .

الخامس : إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى ، ولو ابتدرا معاً يسمع من الذي على يمين صاحبه . ولو اتّفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضرّ أحدهما بالتأخير ، فيقدّم دفعاً للضرر . وفيه تردّد .

القول : في شروط سماع الدعوى

وليعلم أنّ تشخيص المدّعي والمنكر عرفي كسائر الموضوعات العرفية ، وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاصّ فيهما . وقد عُرّف بتعاريف متقاربة ، والتعاريف جلّها مربوطة بتشخيص المورد ، كقولهم : إنّه من لو ترك ترك ، أو يدّعي خلاف الأصل ، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره . والأولى الإيكال إلى العُرف . وقد يختلف المدّعي والمنكر عرفاً بحسب طرح الدعوى ومصبّها ، وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصبّ .

(مسألة 1) : يشترط في سماع دعوى المدّعي اُمور : بعضها مربوط بالمدّعي ، وبعضها بالدعوى ، وبعضها بالمدّعى عليه ، وبعضها بالمدّعى به :

الأوّل : البلوغ ، فلا تسمع من الطفل ولو كان مراهقاً . نعم ، لو رفع الطفل المميّز ظلامته إلى القاضي فإن كان له وليّ أحضره لطرح الدعوى ، وإلاّ فأحضر المدّعى

ص: 439

عليه ولاية ، أو نصب قيّماً له ، أو وكّل وكيلاً في الدعوى ، أو تكفّل بنفسه وأحلف المنكر لو لم تكن بيّنة . ولو ردّ الحلف فلا أثر لحلف الصغير . ولو علم الوكيل أو الوليّ صحّة دعواه جاز لهما الحلف .

الثاني : العقل ، فلا تسمع من المجنون ولو كان أدوارياً إذا رفع حال جنونه .

الثالث : عدم الحجر لسفه إذا استلزم منها التصرّف المالي . وأمّا السفيه قبل الحجر فتسمع دعواه مطلقاً .

الرابع : أن لا يكون أجنبيّاً عن الدعوى ، فلو ادّعى بدين شخص أجنبيّ على الآخر لم تسمع . فلا بدّ فيه من نحو تعلّق به كالولاية والوكالة ، أو كان المورد متعلّق حقّ له .

الخامس : أن يكون للدعوى أثر لو حكم على طبقها ، فلو ادّعى أنّ الأرض متحرّكة وأنكرها الآخر لم تسمع . ومن هذا الباب ما لو ادّعى الوقف عليه أو الهبة مع التسالم على عدم القبض ، أو الاختلاف في البيع وعدمه مع التسالم على بطلانه على فرض الوقوع ، كمن ادّعى أ نّه باع ربوياً وأنكر الآخر أصل الوقوع . ومن ذلك ما لو ادّعى أمراً محالاً ، أو ادّعى أنّ هذا العنب الذي عند فلان من بستاني ، وليس لي إلاّ هذه الدعوى ، لم تسمع ؛ لأ نّه بعد ثبوته بالبيّنة لا يؤخذ من الغير لعدم ثبوت كونه له . ومن هذا الباب لو ادّعى ما لا يصحّ تملّكه ، كما لو ادّعى أنّ هذا الخنزير أو الخمر لي ، فإنّه بعد الثبوت لا يحكم بردّه إليه إلاّ فيما يكون له الأولوية فيه . ومن ذلك ، الدعوى على غير محصور ، كمن ادّعى أنّ لي على واحد من أهل هذا البلد ديناً .

السادس : أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه ، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق ، كأن ادّعى أنّ لي عنده شيئاً ؛ للتردّد بين كونه ممّا تسمع فيه الدعوى أم

ص: 440

لا . وأمّا لو قال : «إنّ لي عنده فرساً أو دابّة أو ثوباً» فالظاهر أ نّه تسمع ، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدّعى عليه بالتفسير ، فإن فسّر ولم يصدّقه المدّعي فهو دعوى اُخرى ، وإن لم يفسّر لجهالته - مثلاً - فإن كان المدّعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى . وإن أقرّ بالتلف ولم ينازعه الطرف فإن اتّفقا في القيمة ، وإلاّ ففي الزيادة دعوى اُخرى مسموعة .

السابع : أن يكون للمدّعي طرف يدّعي عليه ، فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلاً لم تسمع ، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدعوى المحتملة ، فإنّ هذه الدعوى غير مسموعة . ولو حكم الحاكم بعد سماعها ؛ فإن كان حكمه من قبيل الفتوى - كأن حكم بصحّة الوقف الكذائي ، أو البيع الكذائي - فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض وقوعها . وإن كان من قبيل أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما ، فهذا ليس حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض ، بل من قبيل الشهادة ، فإن رفع الأمر إلى قاضٍ آخر يسمع دعواه ، ويكون ذلك الحاكم من قبيل أحد الشهود ، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة ، له الحكم على طبق علمه .

الثامن : الجزم في الدعوى في الجملة . والتفصيل : أ نّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً ، وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالاً ، ففي سماعها مطلقاً ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين موارد التهمة وعدمها ؛ بالسماع في الأوّل ، أو التفصيل بين ما يتعسّر الاطّلاع عليه كالسرقة وغيره ، فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به - كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك ، أو شهد به من لا يوثق به - وبين غيره ، فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما ، فتسمع فيهما ،

ص: 441

وجوه ، الأوجه الأخير . فحينئذٍ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو ، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى ، ولو ردّ اليمين لا يجوز للمدّعي الحلف ، فتتوقّف الدعوى ، فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تُسمع منه .

التاسع : تعيين المدّعى عليه ، فلو ادّعى على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول ، والظاهر سماعها ؛ لعدم خلوّها عن الفائدة ؛ لإمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة ، بل لو اُقيمت البيّنة على كون أحدهما مديوناً - مثلاً - فحكم الحاكم بأنّ الدين على أحدهما ، فثبت بعد براءة أحدهما ، يحكم بمديونية الآخر ، بل لا يبعد بعد الحكم الرجوع إلى القرعة ، فيفرّق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمّة أحدهما فلا تأثير فيه ، وبين حكم الحاكم لفصل الخصومة ، فيقال بالاقتراع .

(مسألة 2) : لا يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاقه ، فتكفي الدعوى بنحو الإطلاق من غير ذكر السبب ؛ سواء كان المدّعى به عيناً أو ديناً أو عقداً من العقود . نعم ، في دعوى القتل اشترط بعض لزوم بيان أ نّه عن عمد أو خطأ ، بمباشرة أو تسبيب ، كان هو قاتلاً أو مع الشركة .

(مسألة 3) : لو لم يكن جازماً فأراد الدعوى على الغير ، لا بدّ أن يبرزها بنحو ما يكون من الظنّ أو الاحتمال ، ولا يجوز إبرازها بنحو الجزم ليقبل دعواه ؛ بناء على عدم السماع من غير الجازم .

(مسألة 4) : لو ادّعى اثنان - مثلاً - بأنّ لأحدهما على أحد كذا تسمع ، وبعد الإثبات على وجه الترديد يقرع بينهما .

ص: 442

(مسألة 5) : لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد الدعوى ، فلو ادّعى على الغائب من البلد ؛ سواء كان مسافراً ، أو كان من بلد آخر - قريباً كان أو بعيداً - تسمع ، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب ، ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً ، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً . ولا يدفع إليه إلاّ مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر وقضي له ؛ بأن يكون المدّعي مليّاً أو كان له كفيلٌ . وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة ، أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه ؟ فيه تأمّل . ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه . نعم ، لو قال : «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه ، وعدم الحكم . والأحوط عدم الحكم على الغائب إلاّ بضمّ اليمين . ثمّ إنّ الغائب على حجّته ، فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة ، يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته .

(مسألة 6) : الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس ، فلا يجوز الحكم عليه في حقوق اللّه تعالى مثل الزنا ، ولو كان في جنايةٍ حقوق الناس وحقوق اللّه ، كما في السرقة ، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق اللّه ، وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق اللّه ، فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم ، ويؤخذ المال على ما تقدّم .

(مسألة 7) : لو تمّت الدعوى من المدّعي ، فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره ، ولا يجوز التأخير غير المتعارف . ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه .

ص: 443

فصل : في جواب المدّعى عليه

اشارة

المدّعى عليه : إمّا أن يسكت عن الجواب ، أو يقرّ ، أو ينكر ، أو يقول : «لا أدري» ، أو يقول : «أدّيت» ، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي .

القول : في الجواب بالإقرار

(مسألة 1) : إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ - عيناً أو ديناً - وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به ، وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم ، كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه ، وغير ذلك . ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيما عنده إذا أقرّ به إلاّ بإذن المقرّ له ، وجاز لغيره إلزامه ، بل وجب من

باب الأمر بالمعروف . وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة ، وعدم جواز التصرّف إلاّ بإذن من قامت على حقّه . نعم ، في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال ؛ لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ولم تكن البيّنة عنده عادلة ، ومعه لا يجوز أمره ونهيه ، بخلاف الثبوت بالإقرار .

(مسألة 2) : بعد إقرار المدّعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلاّ بعد طلب المدّعي ، فإذا طلب منه يجب عليه الحكم فيما يتوقّف استيفاء حقّه عليه على الأقوى ، ومع عدم التوقّف على الأحوط ، بل لا يخلو من وجه . وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ، ففي فصل الخصومة به تردّد .

(مسألة 3) : الحكم : إنشاء ثبوت شيء ، أو ثبوت شيء على ذمّة شخص ، أو

ص: 444

الإلزام بشيء ، ونحو ذلك . ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل اللازم الإنشاء بكلّ ما دلّ على المقصود - كأن يقول : «قضيتُ» أو «حكمتُ» أو «ألزمتُ» أو «عليك دين فلان» أو «هذا الشيء لفلان» ، وأمثال ذلك - من كلّ لغة كان إذا اُريد الإنشاء ، ودلّ اللفظ بظاهره عليه ولو مع القرينة .

(مسألة 4) : لو التمس المدّعي أن يكتب له صورة الحكم أو إقرار المُقرّ ، فالظاهر عدم وجوبه إلاّ إذا توقّف عليه استنقاذ حقّه . وحينئذٍ هل يجوز له مطالبة الأجر أم لا ؟ الأحوط ذلك وإن لا يبعد الجواز . كما لا إشكال في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد . وأمّا مع عدم التوقّف فلا شبهة في شيء منها . ثمّ إنّه لم يكتب حتّى يعلم اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام . ولو لم يعلم لم يكتب إلاّ مع قيام شهادة عدلين بذلك ، ويكتب مع المشخّصات النافية للإيهام والتدليس ، ولو لم يحتج إلى ذكر النسب وكفى ذكر مشخّصاته اكتفى به .

(مسألة 5) : لو كان المُقرّ واجداً اُلزم بالتأدية ، ولو امتنع أجبره الحاكم ، وإن ماطل وأصرّ على المماطلة ، جازت عقوبته بالتغليظ بالقول حسب مراتب الأمر بالمعروف ، بل مثل ذلك جائز لسائر الناس ، ولو ماطل حبسه الحاكم حتّى يؤدّي ما عليه ، وله أن يبيع ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه . ولو كان المقرّ به عيناً يأخذها الحاكم بل وغيره من باب الأمر بالمعروف ، ولو كان ديناً أخذ الحاكم مثله في المثليات وقيمته في القيميات بعد مراعاة مستثنيات الدين ، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكر .

(مسألة 6) : لو ادّعى المقرّ الإعسار وأنكره المدّعي ، فإن كان مسبوقاً

ص: 445

باليسار فادّعى عروض الإعسار فالقول قول منكر العسر ، وإن كان مسبوقاً بالعسر فالقول قوله ، فإن جهل الأمران ففي كونه من التداعي أو تقديم قول مدّعي العسر تردّد ؛ وإن لا يبعد تقديم قوله .

(مسألة 7) : لو ثبت عسره ، فإن لم يكن له صنعة أو قوّة على العمل ، فلا إشكال في إنظاره إلى يساره . وإن كان له نحو ذلك ، فهل يُسلّمه الحاكم إلى غريمه ليستعمله أو يؤاجره ، أو أنظره وألزمه بالكسب لتأدية ما عليه ، ويجب عليه الكسب لذلك ، أو أنظره ولم يلزمه بالكسب ، ولم يجب عليه الكسب لذلك ، بل لو حصل له مال يجب أداء ما عليه ؟ وجوه ، لعلّ الأوجه أوسطها . نعم ، لو توقّف إلزامه بالكسب على تسليمه إلى غريمه يسلّمه إليه ليستعمله .

(مسألة 8) : إذا شكّ في إعساره وإيساره وطلب المدّعي حبسه إلى أن يتبيّن الحال حبسه الحاكم ، وإذا تبيّن إعساره خلّي سبيله وعمل معه كما تقدّم ، ولا فرق في ذلك وغيره بين الرجل والمرأة ، فالمرأة المماطلة يعمل معها نحو الرجل المماطل ، ويحبسها الحاكم كما يحبس الرجل إلى تبيّن الحال .

(مسألة 9) : لو كان المديون مريضاً يضرّه الحبس ، أو كان أجيراً للغير قبل حكم الحبس عليه ، فالظاهر عدم جواز حبسه .

(مسألة 10) : ما قلنا من إلزام المعسر بالكسب مع قدرته عليه ، إنّما هو فيما إذا لم يكن الكسب بنفسه حرجاً عليه أو منافياً لشأنه ، أو الكسب الذي أمكنه لا يليق بشأنه بحيث كان تحمّله حرجاً عليه .

(مسألة 11) : لا يجب على المرأة التزوّج لأخذ المهر وأداء دينها ، ولا على

ص: 446

الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها لأداء الدين ، ولو وهبه ولم يكن في قبولها مهانة وحرج عليه يجب القبول لأداء دينه .

القول : في الجواب بالإنكار

(مسألة 1) : لو أجاب المدّعى عليه بالإنكار ، فأنكر ما ادّعى المدّعي ، فإن لم يعلم أنّ عليه البيّنة ، أو علم وظنّ أن لا تجوز إقامتها إلاّ مع مطالبة الحاكم ، وجب على الحاكم أن يعرّفه ذلك ؛ بأن يقول : أ لك بيّنة ؟ فإن لم تكن له بيّنة ولم يعلم أنّ له حقّ إحلاف المنكر ، يجب على الحاكم إعلامه بذلك .

(مسألة 2) : ليس للحاكم إحلاف المنكر إلاّ بالتماس المدّعي ، وليس للمنكر التبرّع بالحلف قبل التماسه ، فلو تبرّع هو أو الحاكم لم يعتدّ بتلك اليمين ، ولا بدّ من الإعادة بعد السؤال ، وكذا ليس للمدّعي إحلافه بدون إذن الحاكم ، فلو أحلفه لم يعتدّ به .

(مسألة 3) : لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر فحلف ، سقطت دعوى المدّعي في ظاهر الشرع ، فليس له بعد الحلف مطالبة حقّه ، ولا مقاصّته ، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم ، ولا تُسمع دعواه . نعم ، لا تبرأ ذمّة المدّعى عليه ، ولا تصير العين الخارجية بالحلف خارجاً عن ملك مالكها ، فيجب عليه ردّها وإفراغ ذمّته ؛ وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاصّ منه ، ولا يجوز بيعها وهبتها وسائر التصرّفات فيها . نعم ، يجوز إبراء المديون من دينه على تأمّل فيه ، فلو أقام المدّعي البيّنة بعد حلف المنكر لم تسمع ، ولو غفل الحاكم ، أو رفع الأمر إلى حاكم آخر ، فحكم ببيّنة المدّعي لم يعتدّ بحكمه .

(مسألة 4) : لو تبيّن للحاكم بعد حكمه كون الحلف كذباً يجوز بل يجب

ص: 447

عليه نقض حكمه ، فحينئذٍ يجوز للمدّعي المطالبة والمقاصّة وسائر ما هو آثار كونه محقّاً . ولو أقرّ المدّعى عليه بأنّ المال للمدّعي جاز له التصرّف والمقاصّة ونحوهما ؛ سواء تاب وأقرّ أم لا .

(مسألة 5) : هل الحلف بمجرّده موجب لسقوط حقّ المدّعي مطلقاً ، أو بعد إذن الحاكم ، أو إذا تعقّبه حكم الحاكم ، أو حكمه موجب له إذا استند إلى الحلف ؟ الظاهر أنّ الحلف بنفسه لا يوجبه ولو كان بإذن الحاكم ، بل بعد حكم الحاكم يسقط الحقّ ؛ بمعنى أنّ الحلف بشرط حصول الحكم موجب للسقوط بنحو الشرط المقارن .

(مسألة 6) : للمنكر أن يردّ اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت دعواه وإلاّ سقطت . والكلام في السقوط بمجرّد عدم الحلف والنكول ، أو بحكم الحاكم ، كالمسألة السابقة . وبعد سقوط دعواه ليس له طرح الدعوى ولو في مجلس آخر ؛ كانت له بيّنة أو لا . ولو ادّعى بعد الردّ عليه : بأنّ لي بيّنة ، يسمع منه الحاكم ، وكذا لو استمهل في الحلف لم يسقط حقّه ، وليس للمدّعي بعد الردّ عليه أن يردّ على المنكر ، بل عليه إمّا الحلف أو النكول ، وللمنكر أن يرجع عن ردّه قبل أن يحلف المدّعي ، وكذا للمدّعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه .

(مسألة 7) : لو نكل المنكر فلم يحلف ولم يردّ ، فهل يحكم عليه بمجرّد النكول ، أو يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ؛ فإن حلف ثبت دعواه وإلاّ سقطت ؟ قولان ، والأشبه الثاني .

(مسألة 8) : لو رجع المنكر الناكل عن نكوله ، فإن كان بعد حكم الحاكم عليه ، أو بعد حلف المدّعي المردود عليه الحلف ، لا يلتفت إليه ، ويثبت الحقّ

ص: 448

عليه في الفرض الأوّل ، ولزم الحكم عليه في الثاني من غير فرق بين علمه بحكم النكول أو لا .

(مسألة 9) : لو استمهل المنكر في الحلف والردّ ليلاحظ ما فيه صلاحه ، جاز إمهاله بمقدار لا يضرّ بالمدّعي ولا يوجب تعطيل الحقّ والتأخير الفاحش . نعم ، لو أجاز المدّعي جاز مطلقاً بمقدار إجازته .

(مسألة 10) : لو قال المدّعي : «لي بيّنة» لا يجوز للحاكم إلزامه بإحضارها ، فله أن يحضرها أو مطالبة اليمين أو ترك الدعوى . نعم ، يجوز له إرشاده بذلك أو بيان الحكم ؛ من غير فرق في الموضعين بين علمه وجهله .

(مسألة 11) : مع وجود البيّنة للمدّعي يجوز له عدم إقامتها - ولو كانت حاضرة - وإحلاف المنكر ، فلا يتعيّن عليه إقامتها ، ولو علم أ نّها مقبولة عند الحاكم فهو مخيّر بين إقامتها وإحلاف المنكر ، ويستمرّ التخيير إلى يمين المنكر ، فيسقط حينئذٍ حقّ إقامة البيّنة ولو لم يحكم الحاكم . ولو أقام البيّنة المعتبرة وقبل الحاكم ، فهل يسقط التخيير أو يجوز العدول إلى الحلف ؟ وجهان ، أوجههما سقوطه .

(مسألة 12) : لو أحضر البيّنة ، فإن علم أو شهدت القرائن بأنّ المدّعي بعد حضورها لم يرد إقامتها فليس للحاكم أن يسألها ، وإن علم أو شهدت الأحوال بإرادة إقامتها فله أن يسألها ، ولو لم يعلم الحال وشكّ في ذلك فليس للحاكم سؤال الشهود . نعم ، له السؤال من المدّعي : بأ نّه أراد الإقامة أو لا .

(مسألة 13) : إذا شهدت البيّنة فإن عرفهما الحاكم بالفسق طرح شهادتهما ، وكذا لو عرف بفقدهما بعض شرائط الشهادة ؛ ولو عرفهما بالعدالة وجامعيتهما

ص: 449

للشرائط قبل شهادتهما . وإن جهل حالهما توقّف واستكشف من حالهما ، وعمل بما يقتضيه .

(مسألة 14) : إذا عرفهما بالفسق أو عدم جامعيتهما للشرائط طرحهما من غير انتظار التزكية ، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع منه ، فإن أثبت دعواه وإلاّ فعلى الحاكم طرح شهادتهما . وكذا لو ثبت عدالتهما وجامعيتهما للشرائط لم يحتج إلى التزكية ويعمل بعلمه ، ولو ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما تقبل ، فإن أثبت دعواه أسقطهما ، وإلاّ حكم . ويجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق .

(مسألة 15) : إذا جهل الحاكم حالهما ، وجب عليه أن يبيّن للمدّعي أنّ له تزكيتهما بالشهود مع جهله به ، فإن زكّاهما بالبيّنة المقبولة وجب أن يبيّن للمدّعى عليه أنّ له الجرح إن كان جاهلاً به ، فإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه ، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح سقطت بيّنة المدّعي .

(مسألة 16) : في صورة جهل الحاكم وطلبه التزكية من المدّعي لو قال : «لا طريق لي» ، أو قال : «لا أفعل» ، أو «يعسر عليّ» ، وطلب من الحاكم الفحص ، لا يجب عليه ذلك وإن كان له ذلك ، بل هو راجح . ولو طلب الجرح في البيّنة المقبولة من المدّعى عليه ولم يفعل ، وقال : «لا طريق لي» أو «يعسر عليّ» لا يجب عليه الفحص ، ويحكم على طبق البيّنة ، ولو استمهله لإحضار الجارح ، فهل يجب الإمهال ثلاثة أيّام ، أو بمقدار مدّة أمكنه فيها ذلك ، أو لا يجب وله الحكم ، أو وجب عليه الحكم فإن أتى بالجارح ينقضه ؟ وجوه ، لا يبعد وجوب الإمهال بالمقدار المتعارف ، ولو ادّعى الإحضار في مدّة طويلة يحكم على طبق البيّنة .

ص: 450

(مسألة 17) : لو أقام البيّنة على حقّه ولم يعرفهما الحاكم بالعدالة ، فالتمس المدّعي أن يحبس المدّعى عليه حتّى يثبت عدالتهما ، قيل : يجوز حبسه ، والأقوى عدم الجواز ، بل لا يجوز مطالبة الكفيل منه ، ولا تأمين المدّعى به ، أو الرهن في مقابل المدّعى به .

(مسألة 18) : لو تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة انتقض الحكم ، وإن كان طارئاً بعد الحكم لم ينتقض ، وكذا لو تبيّن فسقهما بعد الشهادة وقبل الحكم على الأشبه .

(مسألة 19) : الظاهر كفاية الإطلاق في الجرح والتعديل ، ولا يعتبر ذكر السبب فيهما مع العلم بالأسباب وموافقة مذهبه لمذهب الحاكم ، بل لا يبعد الكفاية إلاّ مع العلم باختلاف مذهبهما . ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على الشهادة بهما ، ولا يشترط ضمّ مثل : أ نّه مقبول الشهادة ، أو مقبولها لي وعليّ ، ونحو ذلك في التعديل ولا مقابلاته في الجرح .

(مسألة 20) : لو تعارضت بيّنة الجرح والتعديل ؛ بأن قالت إحداهما : «إنّه عادل» وقالت الاُخرى : «إنّه فاسق» ، أو قالت إحداهما : «كان يوم كذا يشرب الخمر في مكان كذا» وقالت الاُخرى : «إنّه كان في يوم كذا في غير هذا المكان» سقطتا ، فعلى المنكر اليمين . نعم ، لو كان له حالة سابقة من العدالة أو الفسق يؤخذ بها ؛ فإن كانت عدالةً حكم على طبق الشهادة ، وإن كانت فسقاً تطرح وعلى المنكر اليمين .

(مسألة 21) : يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة ، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ ، ولا الاعتماد على

ص: 451

البيّنة أو الاستصحاب . وكذا في الشهادة بالجرح لا بدّ من العلم بفسقه ، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الاستصحاب . نعم ، يكفي الثبوت التعبّدي - كالثبوت بالبيّنة ، أو الاستصحاب ، أو حسن الظاهر - لترتيب الآثار ، فيجوز للحاكم الحكم اعتماداً على شهادة من ثبتت عدالته بالاستصحاب أو حسن الظاهر الكاشف تعبّداً أو البيّنة .

(مسألة 22) : لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعد كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة .

(مسألة 23) : لا يجوز الشهادة بالجرح بمجرّد مشاهدة ارتكاب كبيرة ؛ ما لم يعلم أ نّه على وجه المعصية ولا يكون له عذر ، فلو احتمل أنّ ارتكابه لعذر لا يجوز جرحه ولو حصل له ظنّ بذلك بقرائن مفيدة له .

(مسألة 24) : لو رضي المدّعى عليه بشهادة الفاسقين أو عدل واحد لا يجوز للحاكم الحكم ، ولو حكم لا يترتّب عليه الأثر .

(مسألة 25) : لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما عنده ؛ ولو اعترف المدّعى عليه بعدالتهما لكن أخطأهما في الشهادة .

(مسألة 26) : لو تعارض الجارح والمعدّل سقطا وإن كان شهود أحدهما اثنين والآخر أربعة ؛ من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل معاً ، أو اثنان بالتعديل ثمّ بعد ذلك شهد اثنان آخران به ، ومن غير فرق بين زيادة شهود الجرح أو التعديل .

(مسألة 27) : لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما

ص: 452

ونسبهما بعد إحراز مقبولية شهادتهما ، كما أ نّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم ، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما .

(مسألة 28) : لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي . نعم ، يُستثنى منه الدعوى على الميّت ، فيعتبر قيام البيّنة الشرعية مع اليمين الاستظهاري ، فإن أقام البيّنة ولم يحلف سقط حقّه . والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباههم - ممّن له نحو شباهة بالميّت في عدم إمكان الدفاع لهم - به ، فتثبت الدعوى عليهم بالبيّنة من دون ضمّ يمين . وهل ضمّ اليمين بالبيّنة منحصر بالدين ، أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحقّ ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما عن قرب . نعم ، لا إشكال في لحوق العين المضمونة على الميّت إذا تلفت مضمونة عليه .

فروع

الأوّل : لو كان المدّعي على الميّت وارث صاحب الحقّ ، فالظاهر أنّ ثبوت الحقّ محتاج إلى ضمّ اليمين إلى البيّنة ، ومع عدم الحلف يسقط الحقّ . وإن كان الوارث متعدّداً لا بدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حقّ الحالف وسقط حقّ الناكل .

الثاني : لو شهدت البيّنة بإقراره قبل موته بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة ، فهل يجب ضمّ اليمين أو لا ؟ وجهان أوجههما وجوبه ، وكذا كلّ مورد يعلم أ نّه على فرض ثبوت الدين سابقاً لم يحصل الوفاء من الميّت .

الثالث : لو تعدّدت ورثة الميّت ، فادّعى شخص عليه وأقام البيّنة ، تكفي يمين واحدة ، بخلاف تعدّد ورثة المدّعي كما مرّ .

ص: 453

الرابع : اليمين للاستظهار لا بدّ وأن تكون عند الحاكم ، فإذا قامت البيّنة عنده وأحلفه ثبت حقّه ، ولا أثر لحلفه بنفسه أو عند الوارث .

الخامس : اليمين للاستظهار غير قابلة للإسقاط ، فلو أسقطها وارث الميّت لم تسقط ، ولم يثبت حقّ المدّعي بالبيّنة بلا ضمّ الحلف .

القول : في الشاهد واليمين

(مسألة 1) : لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي ، كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق اللّه تعالى ، كثبوت الهلال وحدود اللّه . وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلّها حتّى مثل النسب والولاية والوكالة ، أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال ، كالغصب والقرض والوديعة ، وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها ؟ وجوه ، أشبهها الاختصاص بالديون . ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي .

(مسألة 2) : المراد بالدين كلّ حقّ مالي في الذمّة بأيّ سبب كان ، فيشمل ما استقرضه ، وثمن المبيع ، ومال الإجارة ، ودية الجنايات ، ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة ، ونفقتها ، والضمان بالإتلاف والتلف إلى غير ذلك ، فإذا تعلّقت الدعوى بها أو بأسبابها لأجل إثبات الدين واستتباعها ذلك فهي من الدين ، وإن تعلّقت بذات الأسباب وكان الغرض نفسها لا تكون من دعوى الدين .

(مسألة 3) : الأحوط تقديم الشاهد وإثبات عدالته ثمّ اليمين ، فإن قدّم اليمين ثمّ أقام الشاهد فالأحوط عدم إثباته ؛ وإن كان عدم اشتراط التقديم لا يخلو من قوّة .

ص: 454

(مسألة 4) : إذا كان المال المدّعى به مشتركاً بين جماعة بسبب واحد كإرث ونحوه ، فأقام بعضهم شاهداً على الدعوى وحلف لا يثبت به إلاّ حصّته ، وثبوت سائر الحصص موقوف على حلف صاحب الحقّ ، فكلّ من حلف ثبت حقّه مع الشاهد الواحد .

(مسألة 5) : ثبوت الحقّ بشاهد ويمين إنّما هو فيما لا يمكن إثباته بالبيّنة ، ومع إمكانه بها لا يثبت بهما على الأحوط .

(مسألة 6) : إذا شهد الشاهد وحلف المدّعي وحكم الحاكم بهما ، ثمّ رجع الشاهد ، ضمن نصف المال .

القول : في السكوت

أو الجواب بقوله : «لا أدري» ، أو «ليس لي» ، أو غير ذلك .

(مسألة 1) : إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر - كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة أو لدهشة ووحشة - أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً ، أمره الحاكم بالجواب باللطف والرفق ثمّ بالغلظة والشدّة ، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له أجب وإلاّ جعلتك ناكلاً ، والأولى التكرار ثلاثاً ، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على

المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه .

(مسألة 2) : لو سكت لعذر من صمم أو خرس أو جهل باللسان ، توصّل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة أو المترجم ، ولا بدّ من كونه اثنين عدلين ، ولا يكفي العدل الواحد .

ص: 455

(مسألة 3) : إذا ادّعى العذر واستمهل في التأخير أمهله الحاكم بما يراه مصلحة .

(مسألة 4) : لو أجاب المدّعى عليه بقوله : «لا أدري» ، فإن صدّقه المدّعي فهل تسقط دعواه مع عدم البيّنة عليها ، أو يكلّف المدّعى عليه بردّ الحلف على المدّعي ، أو يردّ الحاكم الحلف على المدّعي ؛ فإن حلف ثبت حقّه ، وإن نكل سقط ، أو توقّفت الدعوى ؛ والمدّعي على ادّعائه إلى أن يقيم البيّنة ، أو أنكر دعوى المدّعى عليه ؟ وجوه ، أوجهها الأخير . وإن لم يصدّقه المدّعي في الفرض ؛ وادّعى أ نّه عالم بأ نّي ذو حقّ ، فله عليه الحلف ، فإن حلف سقطت دعواه بأ نّه عالم ، وإن ردّ على المدّعي فحلف ثبت حقّه .

(مسألة 5) : حلف المدّعى عليه بأ نّه لا يدري يسقط دعوى الدراية ، فلا تسمع دعوى المدّعي ولا البيّنة منه عليها . وأمّا حقّه الواقعي فلا يسقط به ، ولو أراد إقامة البيّنة عليه تقبل منه ، بل له المقاصّة بمقدار حقّه . نعم ، لو كانت الدعوى متعلّقة بعين في يده منتقلة إليه من ذي يد ، وقلنا يجوز له الحلف استناداً إلى اليد على الواقع فحلف عليه ، سقطت الدعوى وذهب الحلف بحقّه ، ولا تسمع بيّنة منه ، ولا يجوز له المقاصّة .

(مسألة 6) : لو أجاب المدّعى عليه بقوله : «ليس لي ، وهو لغيرك» ، فإن أقرّ لحاضر وصدّقه الحاضر كان هو المدّعى عليه ، فحينئذٍ له إقامة الدعوى على المقرّ له ، فإن تمّت وصار ماله إليه فهو ، وإلاّ له الدعوى على المقرّ بأ نّه صار سبباً للغرامة ، وله البدأة بالدعوى على المقرّ ، فإن ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وله

ص: 456

حينئذٍ الدعوى على المقرّ له لأخذ عين ماله ، فإن ثبتت دعواه عليه ردّ غرامة المقرّ . وإن أقرّ لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب . وإن قال : «إنّه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم» ، فإن قلنا : إنّ دعوى مدّعي الملكية تقبل إذ لا معارض له يردّ إليه ، وإلاّ فعليه البيّنة ، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلف عليه . وإن قال : «إنّه ليس لك بل وقف» ، فإن ادّعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه ، وتتوجّه إليه لكونه مدّعي التولية ، فإن توجّه الحلف إليه وقلنا بجواز حلف المتولّي فحلف سقطت الدعوى ، وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم . وكذا لو قال المدّعى عليه : «إنّه لصبيّ أو مجنون» ، ونفى الولاية عن نفسه .

(مسألة 7) : لو أجاب المدّعى عليه : بأنّ المدّعي أبرأ ذمّتي ، أو أخذ المدّعى به منّي ، أو وهبني ، أو باعني ، أو صالحني ، ونحو ذلك ، انقلبت الدعوى ؛ وصار المدّعى عليه مدّعياً والمدّعي منكراً . والكلام في هذه الدعوى على ما تقدّم .

القول : في أحكام الحلف

(مسألة 1) : لا يصحّ الحلف ولا يترتّب عليه أثر من إسقاط حقّ أو إثباته إلاّ أن يكون باللّه تعالى ، أو بأسمائه الخاصّة به تعالى كالرحمان والقديم والأوّل

الذي ليس قبله شيء ، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى كالرازق والخالق ، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّة به ، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير ، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة ، ولا يصحّ بغيره تعالى ، كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة وغيرها .

ص: 457

(مسألة 2) : لا فرق في لزوم الحلف باللّه بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين ، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد باللّه أو يجحده . ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله : «خالق النور والظلمة» إلى «اللّه» . ولو رأى الحاكم أنّ إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه أردع ، هل يجوز الاكتفاء به كالإحلاف بالتوراة التي اُنزلت على موسى علیه السلام ؟ قيل : نعم ، والأشبه عدم الصحّة . ولا بأس بضمّ ما ذُكر إلى اسم اللّه إذا لم يكن أمراً باطلاً .

(مسألة 3) : لا يترتّب أثر على الحلف بغير اللّه تعالى وإن رضي الخصمان الحلف بغيره ، كما أ نّه لا أثر لضمّ غير اسم اللّه تعالى إليه ، فإذا حلف باللّه كفى ؛ ضمّ إليه سائر الصفات أو لا ، كما يكفي الواحد من الأسماء الخاصّة ؛ ضمّ إليه شيء آخر أو لا .

(مسألة 4) : لا إشكال في عدم ترتّب أثر على الحلف بغير اللّه تعالى ، فهل الحلف بغيره محرّم تكليفاً في إثبات أمر أو إبطاله - مثلاً - كما هو المتعارف بين الناس ؟ الأقوى عدم الحرمة . نعم ، هو مكروه ، سيّما إذا صار ذلك سبباً لترك الحلف باللّه تعالى ، وأمّا مثل قوله : «سألتك بالقرآن أو بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم أن تفعل كذا» فلا إشكال في عدم حرمته .

(مسألة 5) : حلف الأخرس بالإشارة المفهمة ، ولا بأس بأن تكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه ، فإن شرب كان حالفاً ، وإلاّ اُلزم بالحقّ ، ولعلّ بعد الإعلام كان ذلك نحو إشارة . والأحوط الجمع بينهما .

(مسألة 6) : لا يشترط في الحلف العربية ، بل يكفي بأيّ لغة إذا كان باسم اللّه أو صفاته المختصّة به .

ص: 458

(مسألة 7) : لا إشكال في تحقّق الحلف إن اقتصر على اسم اللّه ، كقوله : «واللّه ليس لفلان عليّ كذا» ، ولا يجب التغليظ بالقول ، مثل أن يقول : «واللّه الغالب القاهر المهلك» ، ولا بالزمان كيوم الجمعة والعيد ، ولا بالمكان كالأمكنة المشرّفة ، ولا بالأفعال كالقيام مستقبل القبلة آخذاً المصحف الشريف بيده . والمعروف أنّ التغليظ مستحبّ للحاكم ، وله وجه .

(مسألة 8) : لا يجب على الحالف قبول التغليظ ، ولا يجوز إجباره عليه ، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلاً ، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ ؛ وإن استحبّ للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس ، ويستحبّ التغليظ في جميع الحقوق إلاّ الأموال ، فإنّه لا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع .

(مسألة 9) : لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه ، فلو وكّل غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتّب عليه أثر ، ولا يفصل به خصومة .

(مسألة 10) : لا بدّ وأن يكون الحلف في مجلس القضاء ، وليس للحاكم الاستنابة فيه إلاّ لعذر كمرض أو حيض والمجلس في المسجد ، أو كون المرأة مخدّرة حضورها في المجلس نقص عليها ، أو غير ذلك ، فيجوز الاستنابة . بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم ، فما يترتّب عليه الأثر - في غير مورد العذر - أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه .

(مسألة 11) : يجب أن يكون الحلف على البتّ ؛ سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره ، وسواء كان في نفي أو إثبات ، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف ، ومع عدم علمه لا يجوز إلاّ على عدم العلم .

(مسألة 12) : لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقّه - إثباتاً أو إسقاطاً - إذا

ص: 459

كان أجنبيّاً عن الدعوى ، كما لو حلف زيد على براءة عمرو . وفي مثل الوليّ الإجباري أو القيّم على الصغير أو المتولّي للوقف تردّد ، والأشبه عدم الجواز .

(مسألة 13) : تثبت اليمين في الدعاوي المالية وغيرها كالنكاح والطلاق والقتل ، ولا تثبت في الحدود فإنّها لا تثبت إلاّ بالإقرار أو البيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها ، ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد من حقّ اللّه محضاً كالزنا ، أو مشتركاً بينه وبين حقّ الناس كالقذف ، فإذا ادّعى عليه أ نّه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجّه عليه يمين ، ولو حلف المدّعي لم يثبت عليه حدّ القذف . نعم ، لو كانت الدعوى مركّبة من حقّ اللّه وحقّ الناس كالسرقة فبالنسبة إلى حقّ الناس تثبت اليمين ، دون القطع الذي هو حقّ اللّه تعالى .

(مسألة 14) : يستحبّ للقاضي وعظ الحالف قبله ، وترغيبه في ترك اليمين إجلالاً للّه تعالى ولو كان صادقاً ، وأخافه من عذاب اللّه تعالى إن حلف كاذباً ، وقد روي أ نّه «من حلف باللّه كاذباً كفر» ، وفي بعض الروايات : «من حلف على يمين وهو يعلم أ نّه كاذب فقد بارز اللّه» و«أنّ اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع من أهلها» .

القول : في أحكام اليد

(مسألة 1) : كلّ ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من الأنحاء ، فهو محكوم بملكيته وأ نّه له ؛ سواء كان من الأعيان أو المنافع أو الحقوق أو غيرها ، فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدّعي أ نّه المتولّي يحكم بكونه كذلك ، ولا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها التصرّفات الموقوفة على الملك

ص: 460

فلو كان شيء في يده يحكم بأ نّه ملكه ولو لم يتصرّف فيه فعلاً ، ولا دعوى ذي اليد الملكية . ولو كان في يده شيء فمات ولم يعلم أ نّه له ولم يسمع منه دعوى الملكية ، يحكم بأ نّه له وهو لوارثه . نعم ، يشترط عدم اعترافه بعدمها ، بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أ نّه له ، فإن اعترف بأ نّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا ، يحكم بكونه له بالنسبة إلى نفسه وغيره .

(مسألة 2) : لو كان شيء تحت يد وكيله أو أمينه أو مستأجره فهو محكوم بملكيته ، فيدهم يده . وأمّا لو كان شيء بيد غاصب معترف بغصبيته من زيد ، فهل هو محكوم بكونه تحت يد زيد أو لا ؟ فلو ادّعى أحد ملكيته وأكذب الغاصب في اعترافه ، يحكم بأ نّه لمن يعترف الغاصب أ نّه له ، أم يحكم بعدم يده عليه ، فتكون الدعوى من الموارد التي لا يد لأحدهما عليه ؟ فيه إشكال وتأمّل وإن لا يخلو الأوّل من قوّة . نعم ، الظاهر فيما إذا لم يعترف بالغصبية أو لم تكن يده غصباً واعترف بأ نّه لزيد يصير بحكم ثبوت يده عليه .

(مسألة 3) : لو كان شيء تحت يد اثنين فيد كلّ منهما على نصفه ، فهو محكوم بمملوكيته لهما . وقيل : يمكن أن تكون يد كلّ منهما على تمامه ، بل يمكن أن يكون شيء واحد لمالكين على نحو الاستقلال ، وهو ضعيف .

(مسألة 4) : لو تنازعا في عين - مثلاً - فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول قوله بيمينه ، وعلى غير ذي اليد البيّنة . وإن كانت تحت يدهما فكلّ بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر ؛ حيث إنّ يد كلّ منهما على النصف . فإن ادّعى كلّ منهما تمامها يطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها ، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف .

وإن كانت بيد ثالث فإن صدّق أحدهما المعيّن يصير بمنزلة ذي اليد ، فيكون

ص: 461

مُنكراً والآخر مدّعياً ، ولو صدّقهما ورجع تصديقه بأنّ تمام العين لكلّ منهما ، يلغى تصديقه ويكون المورد ممّا لا يد لهما . وإن رجع إلى أ نّها لهما - بمعنى اشتراكهما فيها - يكون بمنزلة ما تكون في يدهما . وإن صدّق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة ، فمن خرجت له حلف . وإن كذّبهما وقال : هي لي تبقى في يده ولكلّ منهما عليه اليمين . ولو لم تكن في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بيّنة فالأقرب الاقتراع بينهما .

(مسألة 5) : إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر وأقام بيّنة وانتزعها منه بحكم الحاكم ، ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنة على أ نّها له ، فإن ادّعى أ نّها فعلاً له وأقام البيّنة عليه ، تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني ، وإن ادّعى أ نّها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك ، فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا ؟ قولان ، ولا يبعد عدم النقض .

(مسألة 6) : لو تنازع الزوجان في متاع البيت - سواء حال زوجيتهما أو بعدها - ففيه أقوال ، أرجحها أنّ ما يكون من المتاع للرجال فهو للرجل ، كالسيف والسلاح وألبسة الرجال ، وما يكون للنساء فللمرأة كألبسة النساء ومكينة الخياطة التي تستعملها النساء ونحو ذلك ، وما يكون للرجال والنساء فهو بينهما ، فإن ادّعى الرجل ما يكون للنساء كانت المرأة مدّعىً عليها ، وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بيّنة ، وإن ادّعت المرأة ما للرجال فهي مدّعية ، عليها البيّنة وعلى الرجل الحلف ، وما بينهما فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما . هذا

إذا لم يتبيّن كون الأمتعة تحت يد أحدهما ، وإلاّ فلو فرض أنّ المتاع الخاصّ بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس ، يحكم بملكية ذي اليد ،

ص: 462

وعلى غيره البيّنة . ولا يعتبر فيما للرجال أو ما للنساء العلم بأنّ كلاًّ منهما استعمل ماله أو انتفع به ، ولا إحراز أن يكون لكلّ منهما يد مختصّة بالنسبة إلى مختصّات الطائفتين . وهل يجري الحكم بالنسبة إلى شريكين في دار : أحدهما من أهل العلم والفقه ، والثاني من أهل التجارة والكسب ، فيحكم بأنّ ما للعلماء للعالم وما للتجّار للتاجر ، فيستكشف المدّعي من المدّعى عليه ؟ وجهان ، لا يبعد الإلحاق .

(مسألة 7) : لو تعارضت اليد الحالية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة تقدّم اليد الحالية ، فلو كان شيء في يد زيد فعلاً ، وكان هذا الشيء تحت يد عمرو سابقاً أو كان ملكاً له ، يحكم بأ نّه لزيد ، وعلى عمرو إقامة البيّنة ، ومع عدمها فله الحلف على زيد . نعم ، لو أقرّ زيد بأنّ ما في يده كان لعمرو وانتقل إليه بناقل ، انقلبت الدعوى وصار زيد مدّعياً ، والقول قول عمرو بيمينه ، وكذا لو أقرّ بأ نّه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال إليه ، فإنّ لازم ذلك دعوى الانتقال ، وفي مثله يشكل جعله منكراً لأجل يده . وأمّا لو قامت البيّنة على أ نّه كان لعمرو سابقاً ، أو علم الحاكم بذلك ، فاليد محكّمة ، ويكون ذو اليد منكراً والقول قوله . نعم ، لو قامت البيّنة بأنّ يد زيد على هذا الشيء ؛ كان غصباً من عمرو أو عارية أو أمانة ونحوها ، فالظاهر سقوط يده ، والقول قول ذي البيّنة .

(مسألة 8) : لو تعارضت البيّنات في شيء ، فإن كان في يد أحد الطرفين ، فمقتضى القاعدة تقديم بيّنة الخارج ورفض بيّنة الداخل ؛ وإن كانت أكثر أو أعدل وأرجح . وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بيّنة الخارج وعدم اعتبار الداخل . وإن كان في يد ثالث أو لا يد لأحد عليه ، فالظاهر سقوط البيّنتين

ص: 463

والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القُرعة . لكن المسألة بشقوقها في غاية الإشكال من حيث الأخبار والأقوال ، وترجيح أحد الأقوال مشكل وإن لا يبعد في الصورة الاُولى ما ذكرناه .

خاتمة و فيها فصلان :

الفصل الأوّل : في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ

الأوّل : في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ

(مسألة 1) : لا ينفذ الحكم ولا تفصل الخصومة إلاّ بالإنشاء لفظاً ، ولا عبرة بالإنشاء كتباً ، فلو كتب قاضٍ إلى قاضٍ آخر بالحكم وأراد الإنشاء بالكتابة ، لا يجوز للثاني إنفاذه وإن علم بأنّ الكتابة له وعلم بقصده .

(مسألة 2) : إنهاء حكم الحاكم - بعد فرض الإنشاء لفظاً - إلى حاكم آخر : إمّا بالكتابة أو القول أو الشهادة . فإن كان بالكتابة ؛ بأن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه ، فلا عبرة بها حتّى مع العلم بأ نّها له وأراد مفادها . وأمّا القول مشافهة ؛ فإن كان شهادة على إنشائه السابق فلا يقبل إلاّ مع شهادة عادل آخر ، وأولى بذلك ما إذا قال : «ثبت عندي كذا» ، وإن كان الإنشاء بحضور الثاني ؛ بأن كان الثاني حاضراً في مجلس الحكم فقضى الأوّل ، فهو خارج عن محطّ البحث ، لكن يجب إنفاذه . وأمّا شهادة البيّنة على حكمه فمقبولة يجب الإنفاذ على حاكم آخر . وكذا لو علم حكم الحاكم بالتواتر أو قرائن قطعية أو إقرار المتخاصمين .

(مسألة 3) : الظاهر أنّ إنفاذ حكم الحاكم أجنبيّ عن حكم الحاكم الثاني في الواقعة ؛ لأنّ قطع الخصومة حصل بحكم الأوّل ، وإنّما أنفذه وأمضاه الحاكم الآخر ليجريه الولاة والاُمراء ، ولا أثر له بحسب الواقعة ، فإنّ إنفاذه وعدم إنفاذه

ص: 464

بعد تمامية موازين القضاء في الأوّل سواء ، وليس له الحكم في الواقعة لعدم علمه وعدم تحقّق موازين القضاء عنده .

(مسألة 4) : لا فرق فيما ذكرناه بين حقوق اللّه تعالى وحقوق الناس ، إلاّ في الثبوت بالبيّنة ، فإنّ الإنفاذ بها فيها محلّ إشكال والأشبه عدمه .

(مسألة 5) : لا يعتبر في جواز شهادة البيّنة ولا في قبولها هنا ، غير ما يعتبر فيهما في سائر المقامات ، فلا يعتبر إشهادهما على حكمه وقضائه في التحمّل . وكذا لا يعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم ، ولا حضورهما في مجلس الخصومة وسماعهما شهادة الشهود ، بل المعتبر شهودهما : أنّ الحاكم حكم بذلك ، بل يكفي علمهما بذلك .

(مسألة 6) : قيل : إن لم يحضر الشاهدان الخصومة ، فحكى الحاكم لهما الواقعة وصورة الحكم ، وسمّى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما ، وأشهدهما على الحكم ، فالأولى القبول ؛ لأنّ إخباره كحكمه ماضٍ ، والأشبه عدم القبول إلاّ بضمّ عادل آخر . بل لو أنشأ الحكم بعد الإنشاء في مجلس الخصومة ، فجواز الشهادة بالحكم بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع ، والشهادة بنحو التقييد - بأ نّه لم يكن إنشاء مجلس الخصومة ولا إنشاء الرافع لها - جائزة ، لكن إنفاذه للحاكم الآخر مشكل بل ممنوع .

(مسألة 7) : لا فرق - في جميع ما مرّ - بين أن يكون حكم الحاكم بين المتخاصمين مع حضورهما ، وبين حكمه على الغائب بعد إقامة المدّعي البيّنة ، فالتحمّل فيهما والشهادة وشرائط القبول واحد ، ولا بدّ للشاهدين من حفظ جميع خصوصيات المدّعي والمدّعى عليه بما يخرجهما عن الإبهام ، وحفظ

ص: 465

المدّعى به بخصوصياته المخرجة عن الإبهام ، وحفظ الشاهدين وخصوصياتهما كذلك فيما يحتاج إليه ، كالحكم على الغائب وأ نّه على حجّته .

(مسألة 8) : لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني - لعدم ضبط الشهود له ما يرفع به الإبهام - أوقف الحكم حتّى يتّضح الأمر بتذكّرهما أو بشهادة غيرهما .

(مسألة 9) : لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل بعد حكمه بموت أو جنون ، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر ؛ لو توقّف استيفاء الحقّ عليه . ولو تغيّرت بفسق فقد يقال : لم يعمل بحكمه ، أو يفصّل بين ظهور الفسق قبل إنفاذه فلم يعمل أو بعده فيعمل ، والأشبه العمل مطلقاً كسائر العوارض وجواز إنفاذه أو وجوبه .

(مسألة 10) : لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأ نّه المحكوم عليه وهو المشهود عليه ، ألزمه الحاكم . ولو أنكر ، فإن كانت شهادة الشهود على عينه لم يسمع منه واُلزم ، وكذا لو كانت على وصف لا ينطبق إلاّ عليه ، وكذا فيما ينطبق عليه إلاّ نادراً ؛ بحيث لا يعتني باحتماله العقلاء ، وكان الانطباق عليه ممّا يطمأنّ به . وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره وعليه فالقول قوله بيمينه ، وعلى المدّعي إقامة البيّنة بأ نّه هو . ويحتمل في هذه الصورة عدم صحّة الحكم ؛ لكونه من قبيل القضاء بالمبهم . وفيه تأمّل .

الفصل الثاني : في المقاصّة

(مسألة 1) : لا إشكال في عدم جواز المقاصّة مع عدم جحود الطرف ولا مماطلته وأدائه عند مطالبته . كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حقّ على غيره

ص: 466

من عين أو دين أو منفعة أو حقّ ، وكان جاحداً أو مماطلاً . وأمّا إذا كان منكراً لاعتقاد المحقّية ، أو كان لا يدري محقّية المدّعي ، ففي جواز المقاصّة إشكال ، بل الأشبه عدم الجواز . ولو كان غاصباً وأنكر لنسيانه فالظاهر جواز المقاصّة .

(مسألة 2) : إذا كان له عين عند غيره ؛ فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور فلا يجوز المقاصّة من ماله ، وإن لم يمكن أخذها منه أصلاً جاز المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره ، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد .

(مسألة 3) : لو كان المطلوب مثلياً وأمكن له المقاصّة من ماله المثلي وغيره ، فهل يجوز له أخذ غير المثلي تقاصّاً بقدر قيمة ماله ، أو يجب الأخذ من المثلي ، وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثلي آخر بمقدار قيمته ؛ مثلاً : لو كان المطلوب حنطة ، وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها ، فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز الأخذ من العدس ؟ لا يبعد جواز التقاصّ مطلقاً فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة ، ومع لزومه وإمكان التقاصّ بشيء لم يلزم منه ذلك ، فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك ، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقّة ومحذور .

(مسألة 4) : لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فالظاهر جواز التقاصّ ، ولو أمكن ذلك مع محذور - كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك - ففي جواز المقاصّة إشكال . هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله ولو أضرّ ذلك

ص: 467

بالغاصب . وأمّا مع عدم جوازه - كما لو كان المطلوب منه غير غاصب ، وأنكر المال بعذر - فالظاهر جواز التقاصّ من ماله إن قلنا بجواز المقاصّة في صورة الإنكار لعذر .

(مسألة 5) : لو كان الحقّ ديناً وكان المديون جاحداً أو مماطلاً ، جازت المقاصّة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم .

(مسألة 6) : لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز ، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه ، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط وتفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن .

(مسألة 7) : لو توقّف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه جاز بيعه وصحّ ، ويجب ردّ الزائد من حقّه ، وأمّا لو لم يتوقّف على البيع - بأن كان قيمة المال بمقدار حقّه - فلا إشكال في جواز أخذه مقاصّة ، وأمّا في جواز بيعه وأخذ قيمته مقاصّة ، أو جواز بيعه واشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصّة ، إشكال ، والأشبه عدم الجواز .

(مسألة 8) : لا إشكال في أنّ ما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل فاقتصّ منه بمقداره برئت ذمّته ، سيّما إذا كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، وكذا في ضمان القيميات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها . وأمّا إذا كان عيناً فإن كانت مثلية واقتصّ مثلها فلا يبعد

حصول المعاوضة قهراً على تأمّل . وأمّا إذا كانت من القيميات - كفرس مثلاً - واقتصّ بمقدار قيمتها ، فهل كان الحكم كما ذكر من المعاوضة القهرية ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، فإذا تمكّن من العين جاز أخذها بل وجب ،

ص: 468

ويجب عليه ردّ ما أخذ ، وكذا يجب على الغاصب ردّها بعد الاقتصاص وأخذ ماله ؟ فيه إشكال وتردّد ؛ وإن لا يبعد جريان حكم بدل الحيلولة فيه .

(مسألة 9) : الأقوى جواز المقاصّة من المال الذي جعل عنده وديعة على كراهية ، والأحوط عدمه .

(مسألة 10) : جواز المقاصّة في صورة عدم علمه بالحقّ مشكل ، فلو كان عليه دين واحتمل أداءه ، يشكل المقاصّة ، فالأحوط رفعه إلى الحاكم ، كما أ نّه مع جهل المديون مشكل ولو علم الدائن ، بل ممنوع كما مرّ ، فلا بدّ من الرفع إلى الحاكم .

(مسألة 11) : لا يجوز التقاصّ من المال المشترك بين المديون وغيره إلاّ بإذن شريكه ، لكن لو أخذ وقع التقاصّ وإن أثم ، فإذا اقتصّ من المال المشاع ، صار شريكاً لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقّه أو أنقص منه ، وإلاّ صار شريكاً مع المديون وشريكه ، فهل يجوز له أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون ؟ الظاهر جوازه مع رضا الشريك .

(مسألة 12) : لو كان له حقّ ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة ، فلا يجوز له التقاصّ . وكذا لو شكّ في أنّ الغريم جاحد أو مماطل لا يجوز التقاصّ .

(مسألة 13) : لا يجوز التقاصّ من مال تعلّق به حقّ الغير ، كحقّ الرهانة وحقّ الغرماء في مال المحجور عليه ، وفي مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه .

(مسألة 14) : لا يجوز لغير ذي الحقّ التقاصّ إلاّ إذا كان وليّاً أو وكيلاً عن ذي الحقّ ، فللأب التقاصّ لولده الصغير أو المجنون أو السفيه في مورد له الولاية ، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته .

ص: 469

(مسألة 15) : إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين ، جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقلّ ، وإلاّ فبقدره وتبرأ ذمّته بمقداره .

(مسألة 16) : ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال من عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلاّ بإذن الحاكم الشرعي ، وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل . وكذا لو كان شيء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّية وليس لها متولٍّ لا يجوز التقاصّ لغير الحاكم ، وأمّا الحاكم فلا إشكال في جواز مقاصّته منافع الوقف . وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاهلاً أو مماطلاً ؛ لا يمكن أخذها منه وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين ؟ وجهان . وعلى الجواز لو رجع عن الجحود والمماطلة ، فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب ؟ الأقوى هو الأوّل ، والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر ، فيصحّ إلى زمان الرجوع .

(مسألة 17) : لا تتحقّق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم . نعم ، يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ ، فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره ، فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً ، لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما بيد الغير منه بعنوان التقاصّ من الغريم .

(مسألة 18) : الظاهر أنّ التقاصّ لا يتوقّف على إذن الحاكم ، وكذا لو توقّف على بيعه أو إفرازه يجوز كلّ ذلك بلا إذن الحاكم .

(مسألة 19) : لو تبيّن بعد المقاصّة خطؤه في دعواه ، يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلاً أو قيمة لو تلف ، وعليه غرامة ما أضرّه ؛ من غير فرق بين

ص: 470

الخطأ في الحكم أو الموضوع . ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم ، يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف .

(مسألة 20) : يجوز المقاصّة من العين أو المنفعة أو الحقّ في مقابل حقّه من أيّ نوع كان ، فلو كان المطلوب عيناً ، يجوز التقاصّ من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس .

(مسألة 21) : إنّما يجوز التقاصّ إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلّفه ، وإلاّ فلا يجوز بعد الحلف ، ولو اقتصّ منه بعده لم يملكه .

(مسألة 22) : يستحبّ أن يقول عند التقاصّ : «اللّهُمّ إنّي آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه منّي ، وإنّي لم آخذ الذي أخذته خيانةً ولا ظلماً» . وقيل : يجب ، وهو أحوط .

(مسألة 23) : لو غصب عيناً مشتركاً بين شريكين ، فلكلّ منهما التقاصّ منه بمقدار حصّته . وكذا إذا كان دين مشتركاً بينهما ؛ من غير فرق بين التقاصّ بجنسه أو بغير جنسه ، فإذا كان عليه ألفان من زيد ، فمات وورثه ابنان ، فإن جحد حقّ أحدهما دون الآخر ، فلا إشكال في أنّ له التقاصّ بمقدار حقّه ، وإن جحد حقّهما فالظاهر أ نّه كذلك ، فلكلّ منهما التقاصّ بمقدار حقّه ، ومع الأخذ لا يكون الآخر شريكاً ، بل لا يجوز لكلٍّ المقاصّة لحقّ شريكه .

(مسألة 24) : لا فرق في جواز التقاصّ بين أقسام الحقوق المالية ، فلو كان عنده وثيقة لدينه فغصبها ، جاز له أخذ عين له وثيقة لدينه وبيعها لأخذ حقّه في مورده . وكذا لا فرق بين الديون الحاصلة من الاقتراض أو الضمانات أو الديات ، فيجوز المقاصّة في كلّها .

ص: 471

كتاب الشهادات

القول : في صفات الشهود

وهي اُمور :

الأوّل: البلوغ ، فلا اعتبار بشهادة الصبيّ غير المميّز مطلقاً ، ولا بشهادة المميّز في غير القتل والجرح ، ولا بشهادته فيهما إذا لم يبلغ العشر . وأمّا لو بلغ عشراً وشهد بالجراح والقتل ففيه تردّد . نعم ، لا إشكال في عدم اعتبار شهادة الصبيّة مطلقاً .

الثاني: العقل ، فلا تقبل شهادة المجنون حتّى الأدواري منه حال جنونه ، وأمّا حال عقله وسلامته فتقبل منه إذا علم الحاكم بالابتلاء والامتحان حضور ذهنه وكمال فطنته ، وإلاّ لم تقبل . ويلحق به في عدم القبول من غلب عليه السهو أو النسيان أو الغفلة أو كان به البله ، وفي مثل ذلك يجب الاستظهار على الحاكم حتّى يستثبت ما يشهدون به ، فاللازم الإعراض عن شهادتهم ، إلاّ في الاُمور الجلية التي يعلم بعدم سهوهم ونسيانهم وغلطهم في التحمّل والنقل .

الثالث: الإيمان ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلاً عن غير المسلم مطلقاً على مؤمن أو غيره أو لهما . نعم ، تقبل شهادة الذمّي العدل في دينه في الوصيّة

ص: 472

بالمال ؛ إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يعتبر كون الموصي في غُربة ، فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تقبل شهادة الذمّي فيها . ولا يلحق بالذمّي الفاسق من أهل الإيمان . وهل يلحق به المسلم غير المؤمن إذا كان عدلاً في مذهبه ؟ لا يبعد ذلك . وتقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع الملل . ولا تقبل شهادة الحربي مطلقاً . وهل تقبل شهادة كلّ ملّة على ملّتهم ؟ به رواية ، وعمل بها الشيخ قدّس سرّه .

الرابع: العدالة ، وهي الملكة الرادعة عن معصية اللّه تعالى . فلا تقبل شهادة الفاسق ، وهو المرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة ، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى ، فلا تقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلاّ مع التوبة وظهور العدالة .

(مسألة 1) : لا تقبل شهادة كلّ مخالف في شيء من اُصول العقائد ، بل لا تقبل شهادة من أنكر ضرورياً من الإسلام - كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما - وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة . وتقبل شهادة المخالف في الفروع وإن خالف الإجماع لشبهة .

(مسألة 2) : لا تقبل شهادة القاذف - مع عدم اللعان أو البيّنة أو إقرار المقذوف - إلاّ إذا تاب ، وحدّ توبته أن يُكذّب نفسه عند من قذف عنده أو عند جمع من المسلمين أو عندهما ، وإن كان صادقاً واقعاً يورّي في تكذيبه نفسه ، فإذا كذّب نفسه وتاب تقبل شهادته إذا صلح .

(مسألة 3) : اتّخاذ الحمام للاُنس وإنفاذ الكتب والاستفراخ والتطيير واللعب ليس بحرام . نعم ، اللعب بها مكروه . فتُقبل شهادة المتّخذ واللاعب بها . وأمّا اللعب بالرهان فهو قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك .

ص: 473

(مسألة 4) : لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة ، كبيع الصرف وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها ، ولا شهادة ذوي العاهات الخبيثة كالأجذم والأبرص .

الخامس: طيب المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الإسلام وكان عادلاً . وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة ؟ قيل : نعم ، والأشبه لا . وأمّا لو جهلت حاله فإن كان مُلحقاً بفراش تقبل شهادته وإن أنالته الألسن ، وإن جهلت مطلقاً ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال .

السادس: ارتفاع التهمة لا مطلقاً ، بل الحاصلة من أسباب خاصّة ، وهي اُمور :

منها : أن يجرّ بشهادته نفعاً له - عيناً أو منفعة أو حقّاً - كالشريك فيما هو شريك فيه ، وأمّا في غيره فتقبل شهادته . وصاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به ، بخلاف غير المحجور عليه ، وبخلاف مال لم يتعلّق حجره به . والوصيّ والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال ، بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما ، وأمّا عدم القبول مطلقاً منهما ففيه تأمّل . وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه له الشفعة ، إلى غير ذلك من موارد جرّ النفع .

ومنها : إذا دفع بشهادته ضرراً عنه ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية خطأً ، وشهادة الوكيل والوصيّ بجرح الشهود على الموكّل والموصي في مثل الموردين المتقدّمين .

ومنها : أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوّه ، وتقبل شهادته له إذا لم تستلزم العداوة الفسق . وأمّا ذو العداوة الدينية فلا تردّ شهادته له أو عليه حتّى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك .

ص: 474

ومنها : السؤال بكفّه ، والمراد منه من يكون سائلاً في السوق وأبواب الدور ، وكان السؤال حرفة وديدناً له . وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته .

ومنها : التبرّع بالشهادة في حقوق الناس ، فإنّه يمنع عن القبول في قول معروف ، وفيه تردّد . وأمّا في حقوق اللّه - كشرب الخمر والزنا - وللمصالح العامّة ، فالأشبه القبول .

(مسألة 5) : النسب لا يمنع عن قبول الشهادة ، كالأب لولده وعليه ، والولد لوالده . والأخ لأخيه وعليه ، وسائر الأقرباء بعضها لبعض وعليه . وهل تقبل شهادة الولد على والده ؟ فيه تردّد . وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها ، وشهادة الزوجة لزوجها وعليه . ولا يعتبر في شهادة الزوج الضميمة ، وفي اعتبارها في الزوجة وجه ، والأوجه عدمه . وتظهر الفائدة فيما إذا شهدت لزوجها في الوصيّة ، فعلى القول بالاعتبار لا تثبت ، وعلى عدمه يثبت الربع .

(مسألة 6) : تقبل شهادة الصديق على صديقه وكذا له ، وإن كانت الصداقة بينهما أكيدة والموادّة شديدة ، وتقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له . وهل تقبل شهادة الأجير لمن آجره ؟ قولان أقربهما المنع . ولو تحمّل حال الإجارة وأدّاها بعدها تقبل .

(مسألة 7) : من لا يجوز شهادته لصغر أو فسق أو كفر ، إذا عرف شيئاً في تلك الحال ، ثمّ زال المانع واستكمل الشروط ، فأقام تلك الشهادة ، تقبل . وكذا لو أقامها في حال المانع فردّت ثمّ أعادها بعد زواله ؛ من غير فرق بين الفسق والكفر الظاهرين وغيرهما .

ص: 475

(مسألة 8) : إذا سمع الإقرار - مثلاً - صار شاهداً وإن لم يستدعه المشهود له أو عليه ، فلا يتوقّف كونه شاهداً على الإشهاد والاستدعاء ، فحينئذٍ إن لم يتوقّف أخذ الحقّ على شهادته فهو بالخيار بين الشهادة والسكوت ، وإن توقّف وجبت عليه الشهادة بالحقّ ، وكذا لو سمع اثنين يُوقعان عقداً كالبيع ونحوه أو شاهد غصباً أو جناية ، ولو قال له الغريمان أو أحدهما : «لا تشهد علينا» فسمع ما يوجب حكماً ، ففي جميع تلك الموارد يصير شاهداً .

(مسألة 9) : المشهور بالفسق إن تاب لتقبل شهادته ، لا تقبل حتّى يستبان منه الاستمرار على الصلاح وحصول الملكة الرادعة ، وكذا الحال في كلّ مرتكب للكبيرة بل الصغيرة ، فميزان قبول الشهادة هو العدالة المحرزة بظهور الصلاح ، فإن تاب وظهر منه الصلاح يحكم بعدالته وتقبل شهادته .

القول : فيما به يصير الشاهد شاهداً

(مسألة 1) : الضابط في ذلك : العلم القطعي واليقين ، فهل يجب أن يكون العلم مستنداً إلى الحواسّ الظاهرة فيما يمكن ، كالبصر في المبصرات والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات وهكذا ، فإذا حصل العلم القطعي بشيء من غير المبادئ الحسّية ؛ حتّى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعي ، لم يجز الشهادة ، أم يكفي العلم القطعي بأيّ سبب ، كالعلم الحاصل من التواتر والاشتهار ؟ وجهان ، الأشبه الثاني . نعم ، يشكل جواز الشهادة فيما إذا حصل العلم من الاُمور غير العادية - كالجفر والرمل - وإن كان حجّة للعالم .

(مسألة 2) : التسامع والاستفاضة إن أفادا العلم يجوز الشهادة بهما ؛ لا

ص: 476

لمجرّد الاستفاضة ، بل لحصول العلم . وحينئذٍ لا ينحصر في اُمور خاصّة ، كالوقف والزوجية والنسب والولاء والولاية ونحوها ، بل تجوز في المبصرات والمسموعات إذا حصل منهما العلم القطعي . وإن لم يفيدا علماً - وإنّما أفادا ظنّاً ولو متاخماً للعلم - لا يجوز الشهادة بالمسبّب . نعم ، يجوز الشهادة بالسبب ؛ بأن يقول : «إنّ هذا مشهور مستفيض» ، أو «إنّي أظنّ ذلك أو من الاستفاضة» .

(مسألة 3) : هل يجوز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب ونحوها من الأمارات والاُصول الشرعية ، فكما يجوز شراء ما في يده أو ما قامت البيّنة على ملكه أو الاستصحاب ، كذلك تجوز الشهادة على الملكية . وبالجملة : يجوز الاتّكال على ما هو حجّة شرعية على الملك ظاهراً ، فيشهد بأ نّه ملك مريداً به الملكية في ظاهر الشرع ؟ وجهان ، أوجههما عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع . نعم ، تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية مع التصريح به ؛ بأن يقول : هو ملك له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب ؛ لا بنحو الإطلاق . ووردت رواية بجواز الشهادة مستنداً إلى اليد وكذا الاستصحاب .

(مسألة 4) : يجوز للأعمى والأصمّ تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة ، وتقبل منهما ، فلو شاهد الأصمّ الأفعال جازت شهادته فيها ، وفي رواية : «يؤخذ بشهادته في القتل بأوّل قوله ، لا الثاني» ، وهي مطروحة . ولو سمع الأعمى ، وعرف صاحب الصوت علماً ، جازت شهادته . وكذا يصحّ للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها . فإن عرف الحاكم إشارته يحكم ، وإن جهلها اعتمد فيها على مترجمين عدلين ، وتكون شهادته أصلاً . ويحكم بشهادته .

ص: 477

القول : في أقسام الحقوق

(مسألة 1) : الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق اللّه تعالى وحقوق الآدميين . أمّا حقوق اللّه تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود أنّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين ، فليراجع إليه .

(مسألة 2) : حقّ الآدمي على أقسام :

منها : ما يشترط في إثباته الذكورة ، فلا يثبت إلاّ بشاهدين ذكرين كالطلاق ، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وهل يعمّ الحكم أقسامه كالخلع والمباراة ؟ الأقرب نعم ، إذا كان الاختلاف في الطلاق ، وأمّا الاختلاف في مقدار البذل فلا . ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدّعية أو الرجل ؛ على إشكال في الثاني .

(مسألة 3) : قيل : ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية ولم يقصد منه المال ، لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات ولا منضمّات ، ومثّل لذلك بالإسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص والوكالة والوصايا والرجعة وعيوب النساء والنسب والهلال ، وألحق بعضهم الخمس والزكاة والنذر والكفّارة . والضابط المذكور لا يخلو من وجه ؛ وإن كان دخول بعض الأمثلة فيها محلّ تأمّل . وتقبل شهادتهنّ على الرضاع على الأقرب .

(مسألة 4) : من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين ، وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين المدّعي ، وبامرأتين ويمين المدّعي ، وهو كلّ ما كان مالاً أو المقصود منه المال ، كالديون بالمعنى الأعمّ ، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع

ص: 478

والسلف وغيرها ممّا في الذمّة ، وكالغصب وعقود المعاوضات مطلقاً والوصيّة له ، والجناية التي توجب الدية ، كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمّي والمأمومة والجائفة وكسر العظام ، وغير ذلك ممّا كان متعلّق الدعوى فيها مالاً أو مقصوداً منها المال ، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتّى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر . وتقبل شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ الرجل .

(مسألة 5) : في قبول شهادتهنّ في الوقف وجه لا يخلو عن إشكال ، وتقبل شهادتهنّ في حقوق الأموال ، كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدمي ، ولا تقبل شهادتهنّ فيما يوجب القصاص .

(مسألة 6) : من حقوق الآدمي ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمّات . وضابطه : كلّ ما يعسر اطّلاع الرجال عليه غالباً ، كالولادة والعذرة والحيض وعيوب النساء الباطنة ، كالقرن والرتق والقرحة في الفرج ، دون الظاهرة كالعرج والعمى .

(مسألة 7) : كلّ موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا يثبت بأقلّ من أربع . نعم ، تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهلّ وربع الوصيّة ، والاثنتين في النصف ، والثلاث في ثلاثة أرباع ، والأربع في الجميع . ولا يلحق بها رجل واحد ، ولا يثبت به أصلاً .

فروع

الأوّل : الشهادة ليست شرطاً في شيء من العقود والإيقاعات إلاّ الطلاق والظهار .

ص: 479

الثاني : حكم الحاكم تبع للشهادة ، فإن كانت محقّقة نفذ الحكم ظاهراً وواقعاً ، وإلاّ نفذ ظاهراً لا واقعاً ، ولا يباح للمشهود له ما حكم الحاكم له مع علمه ببطلان الشهادة ؛ سواء كان الشاهدان عالمين ببطلان شهادتهما أو معتقدين بصحّتها .

الثالث : الأحوط وجوب تحمّل الشهادة إذا دعي إليه من له أهلية لذلك ، والوجوب على فرضه كفائي ؛ لا يتعيّن عليه إلاّ مع عدم غيره ممّن يقوم بالتحمّل . ولا إشكال في وجوب أداء الشهادة إذا طلبت منه ، والوجوب هاهنا أيضاً كفائي .

القول : في الشهادة على الشهادة

(مسألة 1) : تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس ؛ عقوبة كانت كالقصاص ، أو غيرها كالطلاق والنسب ، وكذا في الأموال كالدين والقرض والغصب وعقود المعاوضات . وكذا ما لا يطّلع عليه الرجال غالباً كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال ، وغير ذلك ممّا هو حقّ آدمي .

(مسألة 2) : لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود ، ويلحق بها التعزيرات على الأحوط لو لم يكن الأقوى . ولو شهد شاهدان بشهادة شاهدين على السرقة لا تقطع ، ولا بدّ في الحدود من شهادة الأصل ؛ سواء كانت حقّ اللّه محضاً كحدّ الزنا واللواط ، أو مشتركة بينه تعالى وبين الآدمي كحدّ القذف والسرقة .

(مسألة 3) : إنّما لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود لإجراء الحدّ ، وأمّا في سائر الآثار فتقبل ، فإذا شهد الفرع بشهادة الأصل بالسرقة لا تقطع ، لكن

ص: 480

يُؤخذ المال منه ، وكذا يثبت بها نشر الحرمة باُمّ الموطوء واُخته وبنته ، وكذا سائر ما يترتّب على الواقع المشهود به غير الحدّ .

(مسألة 4) : تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق اللّه غير الحدّ ، كالزكاة والخمس وأوقاف المساجد والجهات العامّة ، بل والأهلّة أيضاً .

(مسألة 5) : لا تقبل شهادة فرع الفرع ، كالشهادة على الشهادة على الشهادة ، وهكذا .

(مسألة 6) : يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف ، فلا تثبت بشهادة الواحد ، فلو شهد على كلّ واحد اثنان ، أو شهد اثنان على شهادة كلّ واحد ، تقبل . وكذا لو شهد شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر ، وكذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة فيما جازت شهادتها .

(مسألة 7) : لا تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما لا تقبل فيها شهادتهنّ منفردات أو منضمّات ، فهل تقبل فيما تقبل شهادتهنّ كذلك ؟ فيه قولان ، أشبههما المنع .

(مسألة 8) : الأقوى عدم قبول شهادة الفرع ، إلاّ لعذر يمنع حضور شاهد الأصل لإقامتها ؛ لمرض أو مشقّة يسقط بهما وجوب حضوره ، أو لغيبة كان الحضور معها حرجاً ومشقّة ، ومن المنع الحبس المانع عن الحضور .

(مسألة 9) : لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل ، فإن كان بعد حكم الحاكم فلا يلتفت إلى الإنكار ، وإن كان قبله فهل تطرح بيّنة الفرع ، أو يعمل بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة ؟ وجهان .

ص: 481

القول : في اللواحق

(مسألة 1) : يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما على الشيء الواحد ، فإن اتّفقا حكم بهما ، والميزان اتّحاد المعنى لا اللفظ ؛ فإن شهد أحدهما : بأ نّه غصب ، والآخر : بأ نّه انتزع منه قهراً ، أو قال أحدهما : باع ، والآخر : ملكه بعوض ، تقبل . ولو اختلفا في المعنى لم تقبل ؛ فإن شهد أحدهما بالبيع والآخر بإقراره بالبيع ، وكذا لو شهد أحدهما بأ نّه غصبه من زيد ، والآخر بأنّ هذا ملك زيد ، لم تردا على معنىً واحد ؛ لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له .

(مسألة 2) : لو شهد أحدهما بشيء وشهد الآخر بغيره ، فإن تكاذبا سقطت الشهادتان ، فلا مجال لضمّ يمين المدّعي . وإن لم يتكاذبا فإن حلف مع كلّ واحد يثبت المدّعى ، وقيل : يصحّ الحلف مع أحدهما في صورة التكاذب أيضاً ، والأشبه ما ذكرناه .

(مسألة 3) : لو شهد أحدهما : بأ نّه سرق نصاباً غدوة ، والآخر : بأ نّه سرق نصاباً عشية ، لم يقطع ولم يحكم بردّ المال ، وكذا لو قال الآخر : سرق هذا النصاب بعينه عشية .

(مسألة 4) : لو اتّفق الشاهدان في فعل ، واختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه بما يوجب تغاير الفعلين ، لم تكمل شهادتهما ، كما لو قال أحدهما : سرق ثوباً في السوق ، والآخر : سرق ثوباً في البيت ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً عراقياً ، وقال الآخر : سرق ديناراً كويتياً ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً غدوة والآخر عشية ، فإنّه لم يقطع ولم يثبت الغرم إلاّ إذا حلف المدّعي مع كلّ واحد ، فإنّه يغرم

ص: 482

الجميع ، فلو تعارض شهادتهما تسقط ، ولا يثبت بهما شيء ولو مع الحلف . وكذا لو تعارضت البيّنتان سقطتا على الأشبه ، كما لو شهدت إحداهما : بأ نّه سرق هذا الثوب أوّل زوال يوم الجمعة في النجف ، وشهدت الاُخرى : بأ نّه سرق هذا الثوب بعينه أوّل زوال هذا اليوم بعينه في بغداد ، ولا يثبت بشيء منها القطع ولا الغرم .

(مسألة 5) : لو شهد أحدهما : أ نّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر : أ نّه باعه أوّل الزوال بدينارين ، لم يثبت وسقطتا . وقيل : كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين ، وفيه ضعف . ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر قيل : ثبت الديناران ، والأشبه سقوطهما . وكذا لو شهد واحد بالإقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا ، وقيل : يثبت بهما الألف ، والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني ، وهو ضعيف . فالضابط : أنّ كلّ مورد وقع التعارض سقط المتعارضان ؛ بيّنة كانا أو شهادة واحدة ، ومع عدم التعارض عمل بالبيّنة ، وتثبت مع الواحد ويمين المدّعي الدعوى .

(مسألة 6) : لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنّا أو اُغمي عليهما حكم بشهادتهما . وكذا لو شهدا ثمّ زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية . وكذا لو شهدا ثمّ فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما ، بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع ، وكان الأصل عادلاً ، ثمّ فسق ثمّ شهد الفرع . ولا فرق في حدود اللّه تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فلا يثبت الحدّ في حقوق اللّه محضاً كحدّ الزنا واللواط ، وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردّد ، والأشبه عدم الحدّ ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته .

ص: 483

(مسألة 7) : قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما ، لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وفيه تردّد وإشكال ، وأشكل منه ما قيل : إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الإرث . والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك .

(مسألة 8) : لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة ، لم يحكم بها ولا غرم ، فإن اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا ، وإلاّ فلا فسق ، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما ؟ فيه إشكال . فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف ، ولو قالوا : اُوهمنا ، فلا حدّ على الأقوى .

(مسألة 9) : لو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقض الحكم ، وعليهما الغرم ، ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء ، فإن كان من حدود اللّه تعالى نقض الحكم . وكذا ما كان مشتركاً نحو حدّ القذف وحدّ السرقة ، والأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ ، كحرمة اُمّ الموطوء واُخته وبنته ، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة ، وقسمة مال المحكوم بالردّة ، واعتداد زوجته ، ولا ينقض الحكم على الأقوى في ما عدا ما تقدّم من الحقوق ، ولو رجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم وإن كانت العين باقية على الأقوى .

(مسألة 10) : إن كان المشهود به قتلاً أو جرحاً موجباً للقصاص واستوفي ثمّ رجعوا ، فإن قالوا : تعمّدنا اقتُصّ منهم ، وإن قالوا : أخطأنا كان عليهم الدية في أموالهم ، وإن قال بعضهم : تعمّدنا وبعضهم : أخطأنا ، فعلى المقرّ بالتعمّد

ص: 484

القصاص وعلى المقرّ بالخطأ الدية بمقدار نصيبه ، ولوليّ الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه ، وله قتل بعضهم ، ويردّ الباقون قدر جنايتهم .

(مسألة 11) : لو كان المشهود به ما يوجب الحدّ برجم أو قتل ، فإن استوفي ثمّ قال أحد الشهود بعد الرجم - مثلاً - : كذبت متعمّداً ، وصدّقه الباقون وقالوا : تعمّدنا ، كان لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم ، وإن شاء قتل واحداً ، وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول ، وإن شاء قتل أكثر من واحد وردّ الأولياء ما فضل من دية صاحبهم ، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل ، وإن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب ، فللوليّ قتله بعد ردّ فاضل الدية عليه ، وله أخذ الدية منه بحصّته .

(مسألة 12) : لو ثبت أ نّهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعيد المال إن أمكن ، وإلاّ يضمن الشهود ، ولو كان المشهود به قتلاً ثبت عليهم القصاص ، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بالتعمّد ، ولو باشر الوليّ القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه ، لا الشهود ولو أقرّ الشهود أيضاً بالتزوير ، ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً ، والأوّل أشبه .

(مسألة 13) : لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطعت يده ثمّ ثبت تزويرهما ، فللوليّ القصاص منهما بعد ردّ نصف الدية إليهما ، ومن واحد منهما ، ويردّ الآخر ربع الدية إلى صاحبه . ولو رجعا في الفرض فإن قالا : تعمّدنا فمثل التزوير ، وإن قالا : اُوهمنا وكان السارق فلاناً غيره ، اُغرما دية اليد ، ولم يقبل شهادتهما على الآخر .

ص: 485

(مسألة 14) : لو شهدا بالطلاق ثمّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه ، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئاً ، وإن كان قبله ضمنا نصف مهر المسمّى . وفي هذا تردّد .

(مسألة 15) : يجب أن يشهّر شهود الزور في بلدهم أو حيّهم ؛ لتجتنب شهادتهم ويرتدع غيرهم ، ويعزّرهم الحاكم بما يراه ، ولا تقبل شهادتهم إلاّ أن يتوبوا ويصلحوا وتظهر العدالة منهم ، ولا يجري الحكم فيمن تبيّن غلطه أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة اُخرى أو ظهور فسق بغير الزور .

ص: 486

كتاب الحدود

اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في حدّ الزنا

اشارة

الأوّل : في حدّ الزنا

والنظر فيه في الموجب وما يثبت به والحدّ واللواحق :

القول : في الموجب

(مسألة 1) : يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالة ؛ من غير عقد نكاح - دائماً أو منقطعاً - ولا ملك من الفاعل للقابلة ولا تحليل ولا شبهة ؛ مع شرائط يأتي بيانها .

(مسألة 2) : لا يتحقّق الزنا بدخول الخُنثى ذكره الغير الأصلي ، ولا بالدخول المحرّم غير الأصلي ، كالدخول حال الحيض والصوم والاعتكاف ، ولا مع الشبهة موضوعاً أو حكماً .

(مسألة 3) : يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة قبلاً أو دبراً ، وفي عادم الحشفة يكفي صدق الدخول عرفاً ولو لم يكن بمقدار الحشفة ، والأحوط في إجراء الحدّ حصوله بمقدارها ، بل يُدرأ بما دونها .

ص: 487

(مسألة 4) : يشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزاني والزانية البلوغ ، فلا حدّ على الصغير والصغيرة . والعقل ، فلا حدّ على المجنونة بلا شبهة ، ولا على المجنون على الأصحّ . والعلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهاداً أو تقليداً ، فلا حدّ على الجاهل بالتحريم ، ولو نسي الحكم يُدرأ عنه الحدّ ، وكذا لو غفل عنه حال العمل . والاختيار ، فلا حدّ على المكره والمكرهة . ولا شبهة في تحقّق الإكراه في طرف الرجل كما يتحقّق في طرف المرأة .

(مسألة 5) : لو تزوّج امرأة محرّمة عليه - كالاُمّ والمرضعة وذات البعل وزوجة الأب والابن - فوطئ مع الجهل بالتحريم ، فلا حدّ عليه . وكذا لا حدّ مع الشبهة ؛ بأن اعتقد فاعله الجواز ولم يكن كذلك ، أو جهل بالواقع جهالة مغتفرة ، كما لو أخبرت المرأة بكونها خليّة وكانت ذات بعل ، أو قامت البيّنة على موت الزوج أو طلاقه ، أو شكّ في حصول الرضاع المحرّم وكان حاصلاً . ويشكل حصول الشبهة مع الظنّ غير المعتبر ، فضلاً عن مجرّد الاحتمال ، فلو جهل الحكم ، ولكن كان ملتفتاً واحتمل الحرمة ولم يسأل ، فالظاهر عدم كونه شبهة . نعم ، لو كان جاهلاً قاصراً أو مقصّراً غير ملتفت إلى الحكم والسؤال ، فالظاهر كونه شبهة دارئة .

(مسألة 6) : لو عقد على محرّمة عليه - كالمحارم ونحوها - مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ ، وكذا لو استأجرها للوط ء مع علمه بعدم الصحّة ، فالحدّ ثابت خلافاً للمحكيّ عن بعض أهل الخلاف . وكذا لا يشترط في الحدّ كون المسألة إجماعية ، فلو كانت اختلافية ، لكن أدّى اجتهاده أو تقليده إلى الحرمة ثبت الحدّ . ولو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب وقال الوالي بعدم الحرمة ، فهل له إجراء الحدّ أم لا ؟ الأشبه الثاني ، كما أ نّه لو كان بالعكس لا حدّ عليه .

ص: 488

(مسألة 7) : يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ ، كمن وجد على فراشه امرأة فتوهّم أ نّها زوجته فوطئها ، فلو تشبّهت امرأة نفسها بالزوجة فوطئها فعليها الحدّ دون واطئها ، وفي رواية يقام عليها الحدّ جهراً وعليه سرّاً ، وهي ضعيفة غير معوّل عليها .

(مسألة 8) : يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعي لها ، فلو ادّعى الشبهة أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلاّ بالنسبة إلى أحدهما ، سقط عنه دون صاحبه ، ويسقط بدعوى الزوجية ما لم يعلم كذبه ، ولا يكلّف اليمين ولا البيّنة .

(مسألة 9) : يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع اُمور :

الأوّل : الوط ء بأهله في القبل ، وفي الدبر لا يوجبه على الأحوط ، فلو عقد وخلا بها خلوة تامّة ، أو جامعها فيما بين الفخذين ، أو بما دون الحشفة ، أو ما دون قدرها في المقطوعة مع الشكّ في حصول الدخول ، لم يكن محصناً ولا المرأة محصنة ، والظاهر عدم اشتراط الإنزال ، فلو التقى الختانان تحقّق ، ولا يشترط سلامة الخصيتين .

الثاني : أن يكون الواطئ بأهله بالغاً على الأحوط ، فلا إحصان مع إيلاج الطفل وإن كان مراهقاً ، كما لا تحصن المرأة بذلك ، فلو وطئها وهو غير بالغ ثمّ زنى بالغاً ، لم يكن محصناً على الأحوط ولو كانت الزوجية باقية مستمرّة .

الثالث : أن يكون عاقلاً حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه ، فلو تزوّج في حال صحّته ولم يدخل بها حتّى جُنّ ثمّ وطئها حال الجنون ، لم يتحقّق الإحصان على الأحوط .

الرابع : أن يكون الوط ء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح أو ملك

ص: 489

اليمين ، فلا يتحقّق الإحصان بوط ء الزنا ولا الشبهة ، وكذا لا يتحقّق بالمتعة ، فلو كان عنده متعة يروح ويغدو عليها لم يكن محصناً .

الخامس : أن يكون متمكّناً من وط ء الفرج يغدو عليه ويروح إذا شاء ، فلو كان بعيداً وغائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير محصن . وكذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع ؛ من حبسه أو حبس زوجته ، أو كونها مريضة لا يمكن له وطؤها ، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها ، ليس محصناً .

السادس : أن يكون حُرّاً .

(مسألة 10) : يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل ، فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها ويروح ، ولا ترجم غير المدخول بها ، ولا غير البالغة ولا المجنونة ولا المتعة .

(مسألة 11) : الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان ، فلو زنى أو زنت في الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم ، ولو تزوّجت عالمة كان عليها الرجم . وكذا الزوج الثاني إن علم بالتحريم والعدّة . ولو جهل بالحكم أو بالموضوع فلا حدّ ، ولو علم أحدهما فعليه الرجم دون الجاهل ، ولو ادّعى أحدهما الجهل بالحكم قبل منه إن أمكن الجهل في حقّه ، ولو ادّعى الجهل بالموضوع قبل كذلك .

(مسألة 12) : يخرج المرء وكذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن كالخلع والمباراة ، ولو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلاّ بعد الدخول .

(مسألة 13) : لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحد منهما ، فيحصن النصراني النصرانية وبالعكس ، والنصراني اليهودية وبالعكس ، فلو وطئ

ص: 490

غير مسلم زوجته الدائمة ثمّ زنى يرجم ، ولا يشترط صحّة عقدهم إلاّ عندهم ، فلو صحّ عندهم وبطل عندنا كفى في الحكم بالرجم .

(مسألة 14) : لو ارتدّ المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان ؛ لبينونة زوجته منه . ولو ارتدّ عن ملّة فإن زنى بعد عدّة زوجته ليس محصناً ، وإلاّ فهو محصن .

(مسألة 15) : يثبت الحدّ - رجماً أو جلداً - على الأعمى ، ولو ادّعى الشبهة مع احتمالها في حقّه فالأقوى القبول . وقيل : لا تقبل منه ، أو لا تقبل إلاّ أن يكون عدلاً ، أو لا تقبل إلاّ مع شهادة الحال بما ادّعاه ، والكلّ ضعيف .

(مسألة 16) : في التقبيل والمضاجعة والمعانقة وغير ذلك من الاستمتاعات دون الفرج تعزير ، ولا حدّ لها ، كما لا تحديد في التعزير ، بل هو منوط بنظر الحاكم على الأشبه .

القول : فيما يثبت به

(مسألة 1) : يثبت الزنا بالإقرار ، ويشترط فيه بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا بإقرار المجنون حال جنونه ، ولا بإقرار المكره ، ولا بإقرار السكران والساهي والغافل والنائم والهازل ونحوهم .

(مسألة 2) : لا بدّ وأن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الاحتمال العقلائي ، ولا بدّ من تكراره أربعاً . وهل يعتبر أن يكون الأربع في أربعة مجالس ، أو يكفي الأربع ولو كان في مجلس واحد ؟ فيه خلاف ، أقربه الثبوت ، والأحوط اعتبار أربعة مجالس . ولو أقرّ دون الأربعة لا يثبت الحدّ ، والظاهر أنّ للحاكم تعزيره ، ويستوي في كلّ ما ذكر ، الرجل والمرأة . وإشارة الأخرس

ص: 491

المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق ، ولو احتاجت إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان .

(مسألة 3) : لو قال : «زنيت بفلانة العفيفة» ، لم يثبت الزنا الموجب للحدّ في طرفه إلاّ إذا كرّرها أربعاً ، وهل يثبت القذف بذلك للمرأة ؟ فيه تردّد ، والأشبه العدم . نعم ، لو قال : «زنيت بها وهي أيضاً زانية بزنائي» فعليه حدّ القذف .

(مسألة 4) : من أقرّ على نفسه بما يوجب الحدّ ولم يعيّن لا يكلّف بالبيان ، بل يجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه . به وردت رواية صحيحة ، ولا بأس بالعمل بها . وقيّده قوم بأن لا يزيد على المائة ، وبعض بأن لا ينقص عن ثمانين .

(مسألة 5) : لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر ، سقط الرجم ، ولو أقرّ بما لا يوجبه لم يسقط بالإنكار . والأحوط إلحاق القتل بالرجم ، فلو أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر لم يحكم بالقتل .

(مسألة 6) : لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ تاب ، كان للإمام علیه السلام عفوه أو إقامة الحدّ عليه رجماً كان أو غيره ، ولا يبعد ثبوت التخيير لغير إمام الأصل من نوّابه .

(مسألة 7) : لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحدّ إلاّ مع الإقرار بالزنا أربعاً أو تقوم البيّنة على ذلك ، وليس على أحد سؤالها ولا التفتيش عن الواقعة .

(مسألة 8) : لو أقرّ أربعاً أ نّه زنى بامرأة حدّ دونها ؛ وإن صرّح بأ نّها طاوعته على الزنا ، وكذا لو أقرّت أربعاً بأ نّه زنى بي وأنا طاوعته حدّت دونه . ولو ادّعى أربعاً أ نّه وَطئ امرأة ولم يعترف بالزنا ، لا يثبت عليه حدّ وإن ثبت أنّ المرأة لم تكن زوجته . ولو ادّعى في الفرض أ نّها زوجته وأنكرت هي الوط ء والزوجية

ص: 492

لم يثبت عليه حدّ ولا مهر . ولو ادّعت أ نّه أكرهها على الزنا أو تشبّه عليها فلا حدّ على أحد منهما .

(مسألة 9) : يثبت الزنا بالبيّنة ، ويعتبر أن لا تكون أقلّ من أربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين . ولا تقبل شهادة النساء منفردات ، ولا شهادة رجل وستّ نساء فيه ، ولا شهادة رجلين وأربع نساء في الرجم ، ويثبت بها الحدّ دون الرجم على الأقوى . ولو شهد ما دون الأربعة وما في حكمها لم يثبت الحدّ رجماً ولا جلداً ، بل حدّوا للفرية .

(مسألة 10) : لا بدّ في شهادة الشهود على الزنا من التصريح أو نحوه على مشاهدة الولوج في الفرج كالميل في المكحلة أو الإخراج منه ؛ من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ولا إكراه . وهل يكفي أن يقولوا : لا نعلم بينهما سبباً للتحليل ؟ قيل : نعم ، والأشبه لا . وفي كفاية الشهادة مع اليقين - وإن لم يبصر به - وجه لا يخلو من شبهة في المقام .

(مسألة 11) : تكفي الشهادة على نحو الإطلاق ؛ بأن يشهد الشهود : أ نّه زنى وأولج كالميل في المكحلة من غير ذكر زمان أو مكان أو غيرهما . لكن لو ذكروا الخصوصيات واختلف شهادتهم فيها ؛ كأن شهد أحدهم بأ نّه زنى يوم الجمعة ، والآخر بأ نّه يوم السبت ، أو شهد بعضهم أ نّه زنى في مكان كذا ، والآخر في مكان غيره ، أو بفلانة والآخر بغيرها ، لم تسمع شهادتهم ولا يحدّ ، ويحدّ الشهود للقذف . ولو ذكر بعضهم خصوصية وأطلق بعضهم ، فهل يكفي ذلك ، أو لا بدّ مع ذكر أحدهم الخصوصية أن يذكرها الباقون ؟ فيه إشكال والأحوط لزومه .

(مسألة 12) : لو حضر بعض الشهود وشهد بالزنا في غيبة بعض آخر ، حدّ من

ص: 493

شهد للفرية ، ولم ينتظر مجيء البقيّة لإتمام البيّنة ، فلو شهد ثلاثة منهم على الزنا ، وقالوا : لنا رابع سيجيء ، حدّوا . نعم ، لا يجب أن يكونوا حاضرين دفعة ، فلو شهد واحد وجاء الآخر بلا فصل فشهد وهكذا ، ثبت الزنا ، ولا حدّ على الشهود ، ولا يعتبر تواطؤهم على الشهادة ، فلو شهد الأربعة بلا علم منهم بشهادة السائرين تمّ النصاب وثبت الزنا ، ولو شهد بعضهم بعد حضورهم جميعاً للشهادة ونكل بعض يحدّ من شهد للفرية .

(مسألة 13) : لو شهد أربعة بالزنا وكانوا غير مرضيّين كلّهم أو بعضهم كالفسّاق ، حدّوا للقذف . وقيل : إن كان ردّ الشهادة لأمر ظاهر كالعمى والفسق الظاهر حدّوا ، وإن كان الردّ لأمر خفيّ كالفسق الخفيّ لا يحدّ إلاّ المردود ، ولو كان الشهود مستورين ولم يثبت عدالتهم ولا فسقهم ، فلا حدّ عليهم للشبهة .

(مسألة 14) : تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد ، فلو قالوا : «إنّ فلاناً وفلاناً زنيا» قبل منهم وجرى عليهما الحدّ .

(مسألة 15) : إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ ، ولا يسقط بتصديق المشهود عليه مرّة أو مرّات دون الأربع ، خلافاً لبعض أهل الخلاف . وكذا لا يسقط بتكذيبه .

(مسألة 16) : يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة رجماً كان أو جلداً ، ولا يسقط لو تاب بعده . وليس للإمام علیه السلام أن يعفو بعد قيام البيّنة ، وله العفو بعد الإقرار كما مرّ . ولو تاب قبل الإقرار سقط الحدّ .

ص: 494

القول : في الحدّ

اشارة

وفيه مقامان :

المقام الأوّل : في أقسامه

الأوّل : في أقسامه

للحدّ أقسام :

الأوّل: القتل ، فيجب على من زنى بذات محرم للنسب كالاُمّ والبنت والاُخت وشبهها ، ولا يلحق ذات محرم للرضاع بالنسب على الأحوط لو لم يكن الأقوى . وهل تلحق الاُمّ والبنت ونحوهما من الزنا بالشرعي منها ؟ فيه تردّد ، والأحوط عدم الإلحاق . والأحوط عدم إلحاق المحارم السببية - كبنت الزوجة واُمّها - بالنسبية . نعم ، الأقوى إلحاق امرأة الأب بها ، فيقتل بالزنا بها . ويقتل الذمّي إذا زنى بمسلمة مطاوعة أو مكرهة ؛ سواء كان على شرائط الذمّة أم لا ، والظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار فلو أسلم هل يسقط عنه الحدّ أم لا ؟ فيه إشكال ؛ وإن لا يبعد عدم السقوط . وكذا يقتل من زنى بامرأة مكرهاً لها .

(مسألة 1) : لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان ، بل يقتل محصناً كان أو غير محصن ، ويتساوى الشيخ والشابّ والمسلم والكافر والحرّ والعبد . وهل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدّمة ثمّ يقتل ؛ فيجمع فيها بين الجلد والقتل ؟ الأوجه عدم الجمع وإن كان في النفس تردّد في بعض الصور .

الثاني: الرجم فقط ، فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة ، وعلى المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابّين ، وفي قول معروف : يجمع في الشابّ والشابّة بين الجلد والرجم ، والأقرب الرجم فقط .

ص: 495

(مسألة 2) : لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة ، فهل عليه الرجم ، أم الحدّ دون الرجم ؟ وجهان ، لا يبعد ثبوت الرجم عليه . ولو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة ، فعليها الحدّ كاملة من رجم أو جلد ، وليس على المجنون حدّ على الأقوى .

الثالث: الجلد خاصّة ، وهو ثابت على الزاني غير المحصن إذا لم يملك ؛ أي لم يزوّج ، وعلى المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل ؛ كانت محصنة أو لا ، وعلى المرأة غير المحصنة إذا زنت .

الرابع: الجلد والرجم معاً ، وهما حدّ الشيخ والشيخة إذا كانا محصنين ، فيجلدان أوّلاً ثمّ يرجمان .

الخامس: الجلد والتغريب والجزّ ، وهي حدّ البكر ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها على الأقرب .

(مسألة 3) : الجزّ : حلق الرأس ، ولا يجوز حلق لحيته ولا حلق حاجبه والظاهر لزوم حلق جميع رأسه ، ولا يكفي حلق شعر الناصية .

(مسألة 4) : حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها ، وتعيين البلد مع الحاكم . ولو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه ، بل لا بدّ من أن يكون إلى غير وطنه . ولو حدّه في فلاة لا يسقط النفي ، فينفيه إلى غير وطنه . ولا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قرية .

(مسألة 5) : في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات - في يوم واحد أو أيّام متعدّدة ، بامرأة واحدة أو متعدّدة - حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها . هذا إذا اقتضى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلاً . وأمّا إن اقتضى حدوداً

ص: 496

مختلفة - كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة وبعضه الجلد والرجم أو الرجم - فالظاهر تكراره بتكرار سببه .

(مسألة 6) : لو تكرّر من الحرّ غير المحصن ولو كان امرأة فاُقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات قتل في الرابعة . وقيل : قتل في الثالثة بعد إقامة الحدّ مرّتين ، وهو غير مرضيّ .

(مسألة 7) : قالوا : الحاكم بالخيار في الذمّي بين إقامة الحدّ عليه ، وتسليمه إلى أهل نحلته وملّته ليقيموا الحدّ على معتقدهم . والأحوط إجراء الحدّ عليه . هذا إذا زنى بالذمّية أو الكافرة ، وإلاّ فيجري عليه الحدّ بلا إشكال .

(مسألة 8) : لا يقام الحدّ ؛ رجماً ولا جلداً على الحامل ولو كان حمله من الزنا حتّى تضع حملها ، وتخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر على ولدها ، وحتّى ترضع ولدها إن لم يكن له مرضعة ولو كان جلداً إن خيف الإضرار برضاعها ، ولو وجد له كافل يجب عليها الحدّ مع عدم الخوف عليه .

(مسألة 9) : يجب الحدّ على المريض ونحوه - كصاحب القروح والمستحاضة - إذا كان رجماً أو قتلاً ، ولا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية ، وينتظر البرء . ولو لم يتوقّع البرء ، أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ، ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ ونحوهما . ولا يعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده ، فيكفي التأثير بالاجتماع وصدق مسمّى الضرب بالشماريخ مجتمعاً ، ولو برئ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح ، وأمّا لو برئ بعده لم يعد . ولا يؤخّر حدّ الحائض ، والأحوط التأخير في النفساء .

ص: 497

(مسألة 10) : لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد ، فإن أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح - لا علّة به من ذهاب عقل - ثمّ جنّ ، اُقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً ، ولو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجبه في دور إفاقته وصحّته اُقيم عليه الحدّ ولو في دور جنونه ، ولا ينتظر به الإفاقة ، ولا فرق بين أن يحسّ بالألم حال الجنون أو لا .

(مسألة 11) : لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد ولا البرد الشديد ، فيتوخّى به في الشتاء وسط النهار ، وفي الصيف في ساعة برده ؛ خوفاً من الهلاك أو الضرر زائداً على ما هو لازم الحدّ . ولا يُقام في أرض العدوّ ، ولا في الحرم على من التجأ إليه ، لكن يضيّق عليه في المطعم والمشرب ليخرج . ولو أحدث موجب الحدّ في الحرم يقام عليه فيه .

المقام الثاني : في كيفية إيقاعه
اشارة

(مسألة 1) : إذا اجتمع على شخص حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر فلو اجتمع الجلد والرجم عليه جلد أوّلاً ثمّ رجم ، ولو كان عليه حدّ البكر والمحصن ، فالظاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب على إشكال . ولا يجب توقّع برء جلده فيما اجتمع الجلد والرجم ، بل الأحوط عدم التأخير .

(مسألة 2) : يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد ، والمرأة إلى وسطها فوق الحقوة تحت الصدر ، فإن فرّ أو فرّت من الحفيرة ردّا إن ثبت الزنا بالبيّنة ، وإن ثبت بالإقرار فإن فرّا بعد إصابة الحجر ولو واحداً لم يردّا ، وإلاّ ردّا . وفي قول مشهور : إن ثبت بالإقرار لا يردّ مطلقاً ، وهو أحوط . هذا في الرجم . وأمّا في الجلد فالفرار غير نافع فيه ، بل يردّ ويحدّ مطلقاً .

ص: 498

(مسألة 3) : إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام علیه السلام ثمّ الناس ، وإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ، ثمّ الإمام علیه السلام ، ثمّ الناس .

(مسألة 4) : يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلاّ ساتر عورته ، ويضرب أشدّ الضرب ، ويفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه ، ولكن يتّقى رأسه ووجهه وفرجه . وتضرب المرأة جالسة ، وتربط عليها ثيابها . ولو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان .

(مسألة 5) : ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس ليجتمعوا على حضوره ، بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحدّ ، والأحوط حضور طائفة من المؤمنين ثلاثة أو أكثر . وينبغي أن يكون الأحجار صغاراً ، بل هو الأحوط ، ولا يجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصى ، ولا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين . والأحوط أن لا يُقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ ، سيّما إذا كان ذنبه

مثل ذنبه ، ولو تاب عنه بينه وبين اللّه جاز إقامته ، وإن كان الأقوى الكراهة مطلقاً ، ولا فرق في ذلك بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة .

(مسألة 6) : إذا اُريد رجمه يأمره الإمام علیه السلام أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت بماء السدر ثمّ ماء الكافور ثمّ القراح ، ثمّ يكفّن كتكفين الميّت ؛ يلبس جميع قطعه ويحنّط قبل قتله كحنوط الميّت ، ثمّ يرجم فيصلّى عليه ، ويدفن بلا تغسيل في قبور المسلمين ، ولا يلزم غسل الدم من كفنه ، ولو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل ، ونيّة الغسل من المأمور ، والأحوط نيّة الآمر أيضاً .

ص: 499

القول : في اللواحق

وفيها مسائل:

(مسألة 1) : إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قبلاً ، فادّعت أ نّها بكر ، وشهد أربع نساء عدول بذلك ، يقبل شهادتهنّ ويدرأ عنها الحدّ ، بل الظاهر أ نّه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقبل ولا الدبر ، فشهدت النساء بكونها بكراً يدرأ الحدّ عنها . فهل تحدّ الشهود للفرية أم لا ؟ الأشبه الثاني . وكذا يسقط الحدّ عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة ؛ سواء شهدوا بالزنا قبلاً ، أو أطلقوا فشهدت النساء بكونها بكراً . نعم ، لو شهدوا بزناه دبراً ثبت الحدّ ، ولا يسقط بشهادة كونها بكراً . ولو ثبت علماً بالتواتر ونحوه كونها بكراً ، وقد شهد الشهود بزناها قبلاً أو زناه معها كذلك ، فالظاهر ثبوت حدّ الفرية إلاّ مع احتمال تجديد البكارة وإمكانه . ولو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده ، درئ عنه الحدّ وعن المرأة التي شهدوا أ نّه زنى بها ، وحدّ الشهود للفرية إن ثبت الجبّ علماً ، وإلاّ فلا يحدّ .

(مسألة 2) : لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ رجماً أو جلداً ، فلا يسقط الحدّ لو ماتوا أو غابوا . نعم ، لو فرّوا لا يبعد السقوط للشبهة الدارئة ، ويجب عقلاً على الشهود حضورهم موضع الرجم مقدّمة لوجوب بدئهم بالرجم ، كما يجب على الإمام علیه السلام أو الحاكم الحضور ليبدأ بالرجم إذا ثبت بالإقرار ، ويأتي به بعد الشهود إذا ثبت بالبيّنة .

(مسألة 3) : إذا شهد أربعة - أحدهم الزوج - بالزنا ، فهل تقبل وترجم المرأة

ص: 500

أو يلاعن الزوج ويجلد الآخرون للفرية ؟ قولان وروايتان ، لا يبعد ترجيح الثاني على إشكال .

(مسألة 4) : للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق اللّه وحقوق الناس ، فيجب عليه إقامة حدود اللّه تعالى لو علم بالسبب ، فيحدّ الزاني كما يجب عليه مع قيام البيّنة والإقرار ، ولا يتوقّف على مطالبة أحد ، وأمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدّاً كان أو تعزيراً ، فمع المطالبة له العمل بعلمه .

(مسألة 5) : من افتضّ بكراً حرّة بإصبعه لزمه مهر نسائها ، ويعزّره الحاكم بما رأى .

(مسألة 6) : من زنى في زمان شريف كشهر رمضان والجمع والأعياد أو مكان شريف كالمسجد والحرم والمشاهد المشرّفة عوقب زيادة على الحدّ ، وهو بنظر الحاكم . وتلاحظ الخصوصيات في الأزمنة والأمكنة ، أو اجتماع زمان شريف مع مكان شريف ، كمن ارتكب - والعياذ باللّه - في ليلة القدر المصادفة للجمعة في المسجد ، أو عند الضرائح المعظّمة من المشاهد المشرّفة .

(مسألة 7) : لا كفالة في حدّ ، ولا تأخير فيه مع عدم عذر كحبل أو مرض ، ولا شفاعة في إسقاطه .

الفصل الثاني : في اللواط والسحق والقيادة

(مسألة 1) : اللواط وط ء الذكران من الآدمي بإيقاب وغيره ، وهو لا يثبت إلاّ بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات ، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة مع جامعيتهم لشرائط القبول .

ص: 501

(مسألة 2) : يشترط في المقرّ - فاعلاً كان أو مفعولاً - البلوغ وكمال العقل والحرّية والاختيار والقصد ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والعبد والمكره والهازل .

(مسألة 3) : لو أقرّ دون الأربع لم يحدّ ، وللحاكم تعزيره بما يرى . ولو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت ، بل كان عليهم الحدّ للفرية . ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمّات . والحاكم يحكم بعلمه إماماً كان أو غيره .

(مسألة 4) : لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل وعلى المفعول ؛ إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلاً مختاراً . ويستوي فيه المسلم والكافر والمحصن وغيره . ولو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً قتل البالغ واُدّب الصبيّ ، وكذا لو لاط البالغ العاقل موقباً بالمجنون ، ومع شعور المجنون أدّبه الحاكم بما يراه ، ولو لاط الصبيّ بالصبيّ اُدّبا معاً ، ولو لاط مجنون بعاقل حُدّ العاقل دون المجنون ، ولو لاط صبيّ ببالغ حدّ البالغ واُدّب الصبيّ . ولو لاط الذمّي بمسلم قتل وإن لم يوقب ، ولو لاط ذمّي بذمّي قيل : كان الإمام علیه السلام مخيّراً بين إقامة الحدّ عليه ، وبين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم ، والأحوط لو لم يكن الأقوى إجراء الحدّ عليه .

(مسألة 5) : الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف ، أو إلقائه من شاهق كجبل ونحوه مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراقه بالنار ، أو رجمه ، وعلى قول : أو إلقاء جدار عليه فاعلاً كان أو مفعولاً ، ويجوز الجمع بين سائر العقوبات والإحراق ؛ بأن يُقتل ثمّ يحرق .

(مسألة 6) : إذا لم يكن الإتيان إيقاباً - كالتفخيذ أو بين الأليتين - فحدّه مائة

ص: 502

جلدة ؛ من غير فرق بين المحصن وغيره والكافر والمسلم ؛ إذا لم يكن الفاعل كافراً والمفعول مسلماً ، وإلاّ قتل كما مرّ ، ولو تكرّر منه الفعل وتخلّله الحدّ قتل في الرابعة ، وقيل : في الثالثة ، والأوّل أشبه .

(مسألة 7) : المجتمعان تحت إزار واحد يعزّران ؛ إذا كانا مجرّدين ولم يكن بينهما رحم ولا تقتضي ذلك ضرورة . والتعزير بنظر الحاكم ، والأحوط في المقام الحدّ إلاّ سوطاً . وكذا يعزّر من قبّل غلاماً بشهوة ، بل أو رجلاً أو امرأة

صغيرة أو كبيرة .

(مسألة 8) : لو تاب اللائط - إيقاباً أو غيره - قبل قيام البيّنة سقط الحدّ ، ولو تاب بعده لم يسقط ، ولو كان الثبوت بإقراره فتاب فللإمام علیه السلام العفو والإجراء ، وكذا لنائبه على الظاهر .

(مسألة 9) : يثبت السحق وهو وط ء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط ، وحدّه مائة جلدة بشرط البلوغ والعقل والاختيار محصنة كانت أم لا . وقيل : في المحصنة الرجم ، والأشبه الأوّل ، ولا فرق بين الفاعلة والمفعولة ، ولا الكافرة والمسلمة .

(مسألة 10) : إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة ، ويسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة ، ولا يسقط بعده . ولو ثبتت بالإقرار فتابت يكون الإمام علیه السلام مخيّراً كما في اللواط ، والظاهر أنّ نائبه مخيّر أيضاً .

(مسألة 11) : الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ ، والأحوط مائة إلاّ سوطاً .

ص: 503

(مسألة 12) : إن تكرّر الفعل منهما والتعزير مرّتين اُقيم عليهما الحدّ ، ولو عادتا بعد الحدّ فالأحوط التعزير مرّتين والحدّ في الثالثة ، وقيل : تقتلان ، وقيل : تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر ، والأشبه ما تقدّم .

(مسألة 13) : لو وَطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر ، فالولد للواطئ صاحب الماء ، وعلى الصبيّة الجلد مائة بعد وضعها إن كانت مطاوعة ، والولد يلحق بها أيضاً ، ولها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها . وأمّا المرأة فقد ورد أنّ عليها الرجم ، وفيه تأمّل ، والأحوط الأشبه فيها الجلد مائة .

(مسألة 14) : تثبت القيادة وهي الجمع بين الرجل والمرأة أو الصبيّة للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبيّ للّواط بالإقرار مرّتين ، وقيل : مرّة ، والأوّل أشبه . ويعتبر في الإقرار بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والمكره والهازل ونحوه ، وتثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين .

(مسألة 15) : يُحدّ القوّاد خمساً وسبعين جلدةً ثلاثة أرباع حدّ الزاني ، وينفى من البلد إلى غيره ، والأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية ، وعلى قول مشهور : يحلق رأسه ويشهّر . ويستوي فيه المسلم والكافر والرجل والمرأة ، إلاّ أ نّه ليس في المرأة إلاّ الجلد ، فلا حلق ولا نفي ولا شهرة عليها . ولا يبعد أن يكون حدّ النفي بنظر الحاكم .

ص: 504

الفصل الثالث : في حدّ القذف

اشارة

والنظر فيه في الموجب والقاذف والمقذوف والأحكام :

القول : في الموجب

(مسألة 1) : موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط ، وأمّا الرمي بالسحق وسائر الفواحش فلا يوجب حدّ القذف . نعم ، للإمام علیه السلام تعزير الرامي .

(مسألة 2) : يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه ، كقوله : «أنت زنيت» ، أو « . . . لطت» ، أو «أنت زان» ، أو « . . . لائط» ، أو «ليط بك» ، أو «أنت منكوح في دبرك» ، أو «يا زاني» ، «يا لاطئ» ، ونحو ذلك ممّا يؤدّي المعنى صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه ، وأن يكون القائل عارفاً بما وضع له اللفظ ومفاده في اللغة التي يتكلّم بها ، فلو قال عجمي أحد الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفاً ، ولا حدّ عليه ولو علم المخاطب ، وعلى العكس لو قاله العارف باللغة لمن لم يكن عارفاً فهو قاذف وعليه الحدّ .

(مسألة 3) : لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعي : «لست بولدي» فعليه الحدّ ، وكذا لو قال لغيره الذي ثبت بوجه شرعي أ نّه ولد زيد : «لست بولد زيد» ، أو «أنت ولد عمرو» . نعم ، لو كان في أمثال ذلك قرينة على عدم إرادة القذف ؛ ولو للتعارف فليس عليه الحدّ ، فلو قال : «أنت لست بولدي» مريداً به ليس فيك ما يتوقّع منك ، أو «أنت لست بابن عمرو» مريداً به ليس فيك شجاعته - مثلاً - فلا حدّ عليه ، ولا يكون قذفاً .

(مسألة 4) : لو قال : «يا زوج الزانية» ، أو «يا اُخت الزانية» ، أو «يابن

ص: 505

الزانية» ، أو «زنت اُمّك» ، وأمثال ذلك ، فالقذف ليس للمخاطب ، بل لمن نسب إليه الزنا ، وكذا لو قال : «يابن اللاطئ» ، أو «يابن الملوط» ، أو «يا أخ اللاطئ» ، أو «يا أخ الملوط» - مثلاً - فالقذف لمن نسب إليه الفاحشة لا للمخاطب . نعم ، عليه التعزير بالنسبة إلى إيذاء المخاطب وهتكه فيما لا يجوز له ذلك .

(مسألة 5) : لو قال : «ولدتك اُمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ ، فإنّ المواجه لم يكن مقذوفاً ، ويحتمل انفراد الأب بالزنا أو الاُمّ بذلك ، فلا يكون القذف لمعيّن ، ففي مثله تحصل الشبهة الدارئة ، ويحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين ، وكذا لو قال : «أحدكما زانٍ» فإنّه يحتمل الدرء ، ويحتمل الحدّ بمطالبتهما .

(مسألة 6) : لو قال : «زنيت أنت بفلانة» ، أو «لطت بفلان» ، فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه على الأشبه ، وقيل : عليه حدّان .

(مسألة 7) : لو قال لابن الملاعنة : «يابن الزانية» ، أو لها «يا زانية» ، فعليه الحدّ لها ، ولو قال لامرأة : «زنيت أنا بفلانة» ، أو «زنيت بك» فالأشبه عدم الحدّ لها ، ولو أقرّ بذلك أربع مرّات يحدّ حدّ الزاني .

(مسألة 8) : كلّ فحش نحو «يا ديّوث» ، أو تعريض بما يكرهه المواجه ولم يفد القذف في عرفه ولغته ، يثبت به التعزير لا الحدّ ، كقوله : «أنت ولد حرام» ، أو «يا ولد الحرام» ، أو «يا ولد الحيض» ، أو يقول لزوجته : «ما وجدتك عذراء» ، أو يقول : «يا فاسق» «يا فاجر» «يا شارب الخمر» ، وأمثال ذلك ممّا يوجب الاستخفاف بالغير ، ولم يكن الطرف مستحقّاً ، ففيه التعزير لا الحدّ ، ولو كان مستحقّاً فلا يوجب شيئاً .

ص: 506

القول : في القاذف والمقذوف

(مسألة 1) : يعتبر في القاذف البلوغ والعقل ، فلو قذف الصبيّ لم يحدّ وإن قذف المسلم البالغ العاقل . نعم ، لو كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب اُدّب على حسب رأي الحاكم ، وكذا المجنون . وكذا يعتبر فيه الاختيار ، فلو قذف مكرَهاً لا شيء عليه . والقصد ، فلو قذف ساهياً أو غافلاً أو هزلاً لم يُحدّ .

(مسألة 2) : لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله ، ثمّ جُنّ العاقل وعاد دور جنون الأدواري ، ثبت عليه الحدّ ولم يسقط ، ويحدّ حال جنونه .

(مسألة 3) : يشترط في المقذوف الإحصان ، وهو في المقام عبارة عن البلوغ والعقل والحرّية والإسلام والعفّة ، فمن استكملها وجب الحدّ بقذفه ، ومن فقدها أو فقد بعضها فلا حدّ على قاذفه ، وعليه التعزير . فلو قذف صبيّاً أو صبيّة أو مملوكاً أو كافراً يُعزّر . وأمّا غير العفيف فإن كان متظاهراً بالزنا أو اللواط فلا حرمة له ، فلا حدّ على القاذف ولا تعزير ، ولو لم يكن متظاهراً بهما فقذفه يوجب الحدّ ، ولو كان متظاهراً بأحدهما ففيما يتظاهر لا حدّ ولا تعزير ، وفي غيره الحدّ على الأقوى ، ولو كان متظاهراً بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب الحدّ .

(مسألة 4) : لو قال للمسلم : «يابن الزانية» ، أو «اُمّك زانية» ، وكانت اُمّه كافرة ، ففي رواية يضرب القاذف حدّاً ؛ لأنّ المسلم حصّنها ، والأحوط التعزير دون الحدّ .

ص: 507

(مسألة 5) : لو قذف الأب ولده بما يوجب الحدّ لم يحدّ ، بل عليه التعزير للحرمة لا للولد ، وكذا لا يحدّ لو قذف زوجته الميّتة ولا وارث لها إلاّ ولده ، ولو كان لها ولد من غيره كان له الحدّ ، وكذا لو كان لها وارث آخر غيره ، والظاهر أنّ الجدّ والد ، فلا يحدّ بقذف ابن ابنه ، ويحدّ الولد لو قذف أباه وإن علا ، وتُحدّ الاُمّ لو قذفت ابنها ، والأقارب لو قذفوا بعضهم بعضاً .

(مسألة 6) : إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد فلكلّ واحد حدّ ؛ سواء جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرّقين ، ولو قذفهم بلفظ واحد ؛ بأن يقول : «هؤلاء زناة» ، فإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ ، وإن اجتمعوا بها فللكلّ حدّ واحد ، ولو قال : «زيد وعمرو وبكر - مثلاً - زناة» فالظاهر أ نّه قذف بلفظ واحد ، وكذا لو قال : «زيد زان وعمرو وبكر» . وأمّا لو قال : «زيد زان وعمرو زان وبكر زان» فلكلّ واحد حدّ ؛ اجتمعوا في المطالبة أم لا ، ولو قال : «يابن الزانيين» فالحدّ لهما ، والقذف بلفظ واحد فيحدّ حدّاً واحداً مع الاجتماع على المطالبة ، وحدّين مع التعاقب .

القول : في الأحكام

(مسألة 1) : يثبت القذف بالإقرار ، ويعتبر على الأحوط أن يكون مرّتين ، بل لا يخلو من وجه . ويشترط في المقرّ : البلوغ والعقل والاختيار والقصد . ويثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات .

(مسألة 2) : الحدّ في القذف ثمانون جلدة ؛ ذكراً كان المفتري أو اُنثى . ويضرب ضرباً متوسّطاً في الشدّة لا يبلغ به الضرب في الزنا ، ويضرب فوق ثيابه

ص: 508

المعتادة ، ولا يجرّد ، ويضرب جسده كلّه إلاّ الرأس والوجه والمذاكير ، وعلى رأي يشهّر القاذف حتّى تجتنب شهادته .

(مسألة 3) : لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف فالأحوط أن يقتل في الرابعة ، ولو قذف فحدّ ، فقال : «إنّ الذي قلت حقّ» ، وجب في الثاني التعزير ، ولو قذف شخصاً بسبب واحد عشر مرّات ؛ بأن قال : «أنت زانٍ» وكرّره ، ليس عليه إلاّ حدّ واحد ، ولو تعدّد المقذوف يتعدّد الحدّ ، ولو تعدّد المقذوف به ؛ بأن قال : «أنت زانٍ وأنت لائط» ففي تكرّر الحدّ إشكال ، والأقرب التكرّر .

(مسألة 4) : إذا ثبت الحدّ على القاذف لا يسقط عنه إلاّ بتصديق المقذوف ولو مرّة ، وبالبيّنة التي يثبت بها الزنا ، وبالعفو ، ولو عفا ثمّ رجع عنه لا أثر لرجوعه ، وفي قذف الزوجة يسقط باللعان أيضاً .

(مسألة 5) : إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ وعزّرا ؛ سواء كان قذف كلّ بما يقذف به الآخر ، كما لو قذف كلّ صاحبه باللواط فاعلاً أو مفعولاً ، أو اختلف ، كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا وقذف الآخر إيّاه باللواط .

(مسألة 6) : حدّ القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف ولم يعف عنه ، ويرثه من يرث المال ذكوراً وإناثاً إلاّ الزوج والزوجة ، لكن لا يورث - كما يورث المال - من التوزيع ، بل لكلّ واحد من الورثة المطالبة به تامّاً وإن عفا الآخر .

فروع

الأوّل : من سبّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم - والعياذ باللّه - وجب على سامعه قتله ؛ ما لم يخف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن أو عرضه ، ومعه لا يجوز ، ولو خاف

ص: 509

على ماله المعتدّ به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله ، ولا يتوقّف ذلك على إذن من الإمام علیه السلام أو نائبه . وكذا الحال لو سبّ بعض الأئمّة علیهم السلام ، وفي إلحاق الصدّيقة الطاهرة - سلام اللّه عليها - بهم وجه ، بل لو رجع إلى سبّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم

يُقتل بلا إشكال .

الثاني : من ادّعى النبوّة يجب قتله ، ودمه مباح لمن سمعها منه إلاّ مع الخوف كما تقدّم ، ومن كان على ظاهر الإسلام وقال : «لا أدري أنّ محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله وسلمصادق أو لا» يُقتل .

الثالث : من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً ، ويُؤدّب إن كان كافراً ، ويثبت ذلك بالإقرار ، والأحوط الإقرار مرّتين ، وبالبيّنة . ولو تعلّم السحر لإبطال مدّعي النبوّة فلا بأس به ، بل ربما يجب .

الرابع : كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّه - سبحانه وتعالى - يثبت بالإقرار ، والأحوط الأولى أن يكون مرّتين ، وبشاهدين عدلين .

الخامس : كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام علیه السلام ونائبه تعزيره ؛ بشرط أن يكون من الكبائر ، والتعزير دون الحدّ ، وحدّه بنظر الحاكم ، والأحوط له فيما لم يدلّ دليل على التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود .

السادس : قيل : إنّه يكره أن يُزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط ، والظاهر أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدّب والوليّ ، فربما تقتضي المصلحة أقلّ وربما تقتضي الأكثر ، ولا يجوز التجاوز ، بل ولا التجاوز عن تعزير البالغ ، بل الأحوط دون تعزيره ، وأحوط منه الاكتفاء بستّة أو خمسة .

ص: 510

الفصل الرابع : في حدّ المسكر

اشارة

والنظر في موجبه وكيفيته وأحكامه .

القول : في موجبه وكيفيته

(مسألة 1) : وجب الحدّ على من تناول المسكر أو الفقّاع وإن لم يكن مسكراً ؛ بشرط أن يكون المتناول بالغاً عاقلاً مختاراً عالماً بالحكم والموضوع ، فلا حدّ على الصبيّ والمجنون والمكره والجاهل بالحكم والموضوع أو أحدهما ؛ إذا أمكن الجهل بالحكم في حقّه .

(مسألة 2) : لا فرق في المسكر بين أنواعه كالمتّخذ من العنب : وهو الخمر ، أو التمر : وهو النبيذ ، أو الزبيب : وهو النقيع ، أو العسل : وهو البتع ، أو الشعير : وهو المزر ، أو الحنطة أو الذرة أو غيرها ، ويلحق بالمسكر الفقّاع وإن فرض أ نّه غير مسكر ، ولو عمل المسكر من شيئين فما زاد ففي شربه حدّ .

(مسألة 3) : لا إشكال في حرمة العصير العنبي ؛ سواء غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس ، إلاّ إذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلاًّ ، لكن لم يثبت إسكاره . وفي إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحدّ ولو لم يكن مسكراً إشكال ، بل منع ، سيّما إذا غلى بالنار أو بالشمس . والعصير الزبيبي والتمري لا يلحق بالمسكر حرمة ولا حدّاً .

(مسألة 4) : لا إشكال في أنّ المسكر قليله وكثيره سواء في ثبوت الحدّ بتناوله ؛ ولو كان قطرة منه ولم يكن مسكراً فعلاً ، فما كان كثيره مسكراً يكون في قليله حدّ . كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا صدق اسمه عليه ، وكان غيره مستهلكاً فيه . كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا كان مسكراً ولم يخرج

ص: 511

بامتزاجه عن الإسكار ، ففي كلّ ذلك حدّ . وأمّا إذا امتزج بغيره - كالأغذية والأدوية - بنحو استهلك فيه ولم يصدق اسمه ، ولم يكن الممتزج مسكراً ، ففي ثبوت الحدّ به إشكال ، وإن كان حراماً لأجل نجاسة الممتزج ، فلو استهلك قطرة منه في مائع فلا شبهة في نجاسة الممتزج ، ولكن ثبوت حدّ المسكر عليه محلّ تأمّل وإشكال ، لكن الحكم بالحدّ معروف بين أصحابنا .

(مسألة 5) : لو اضطرّ إلى شرب المسكر لحفظ نفسه عن الهلاك أو من المرض الشديد فشرب ، ليس عليه الحدّ .

(مسألة 6) : لو شرب المسكر مع علمه بالحرمة وجب الحدّ ولو جهل أ نّه موجب للحدّ ، ولو شرب مائعاً بتخيّل أ نّه محرّم غير مسكر فاتّضح أ نّه مسكر ، لم يثبت الحدّ عليه ، ولو علم أ نّه مسكر وتخيّل أنّ الموجب للحدّ ما أسكر بالفعل فشرب قليله فالظاهر وجوب الحدّ .

(مسألة 7) : يثبت شرب المسكر بالإقرار مرّتين . ويشترط في المقرّ : البلوغ والعقل والحرّية والاختيار والقصد . ويعتبر في الإقرار أن لا يقرن بشيء يحتمل معه جواز شربه ، كقوله : «شربت للتداوي ، أو مكرهاً» ، ولو أقرّ بنحو الإطلاق ، وقامت قرينة على أ نّه شربه معذوراً ، لم يثبت الحدّ ، ولو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعى عذراً قُبِل منه ، ويدرأ عنه الحدّ لو احتمل في حقّه ذلك ، ولا يكفي في ثبوته الرائحة والنكهة مع احتمال العذر .

(مسألة 8) : ويثبت بشاهدين عادلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات ، ولو شهد العدلان بنحو الإطلاق كفى في الثبوت ، ولو اختلفا في الخصوصيات ، كأن يقول أحدهما : «إنّه شرب الفقّاع» ، والآخر : «إنّه شرب

ص: 512

الخمر» ، أو قال أحدهما : «إنّه شرب في السوق» ، والآخر : «إنّه شرب في البيت» ، لم يثبت الشرب ، فلا حدّ . وكذا لو شهد أحدهما : بأ نّه شرب عالماً بالحكم ، والآخر : بأ نّه شرب جاهلاً ، وغيره من الاختلافات . ولو أطلق أحدهما ؛ وقال : «شرب المسكر» ، وقيّد الثاني ؛ وقال : «شرب الخمر» فالظاهر ثبوت الحدّ .

(مسألة 9) : الحدّ في الشرب ثمانون جلدة ؛ كان الشارب رجلاً أو امرأة . والكافر إذا تظاهر بشربه يُحدّ ، وإذا استتر لم يُحدّ ، وإذا شرب في كنائسهم وبيعهم لم يحدّ .

(مسألة 10) : يضرب الشارب على ظهره وكتفيه وسائر جسده ، ويتّقى وجهه ورأسه وفرجه . والرجل يضرب عُرياناً - ما عدا العورة - قائماً ، والمرأة تُضرب قاعدة مربوطة في ثيابها ، ولا يُقام عليهما الحدّ حتّى يفيقا .

(مسألة 11) : لا يسقط الحدّ بعروض الجنون ولا بالارتداد ، فيُحدّ حال جنونه وارتداده .

(مسألة 12) : لو شرب كراراً ولم يحدّ خلالها كفى عن الجميع حدّ واحد ، ولو شرب فحدّ قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة .

القول : في أحكامه وبعض اللواحق

(مسألة 1) : لو شهد عدل بشربه وآخر بقيئه وجب الحدّ ؛ سواء شهد من غير تأريخ أو بتأريخ يمكن الاتّحاد ، ومع عدم إمكانه لا يحدّ ، وهل يحدّ إذا شهدا بقيئه ؟ فيه إشكال .

ص: 513

(مسألة 2) : من شرب الخمر مستحلاًّ لشربها أصلاً وهو مسلم استتيب ، فإن تاب اُقيم عليه الحدّ ، وإن لم يتب ورجع إنكاره إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم قُتل ؛ من غير فرق بين كونه ملّياً أو فطرياً ، وقيل : حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة ، بل يقتل من غير استتابة ، والأوّل أشبه . ولا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر من المسكرات مطلقاً ، بل يحدّ بشربه خاصّة مستحلاًّ كان له أو محرّماً . وبائع الخمر يستتاب مطلقاً ، فإن تاب قبل منه ، وإن لم يتب ورجع استحلاله إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم قتل . وبائع ما سواها لا يقتل وإن باعه مستحلاًّ ولم يتب .

(مسألة 3) : لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط عنه الحدّ ، ولو تاب بعد قيامها لم يسقط وعليه الحدّ . ولو تاب بعد الإقرار فلا يبعد تخيير الإمام علیه السلام في الإقامة والعفو ، والأحوط له الإقامة .

(مسألة 4) : من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع على تحريمها بين المسلمين - كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا - فإن ولد على الفطرة يقتل إن رجع إنكاره إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو إنكار الشرع ، وإلاّ فيعزّر ، ولو كان إنكاره لشبهة ممّن صحّت في حقّه فلا يعزّر . نعم ، لو رفعت شبهته فأصرّ على الاستحلال قتل ؛ لرجوعه إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم . ولو ارتكب شيئاً من المحرّمات - غير ما قرّر الشارع فيه حدّاً - عالماً بتحريمها لا مستحلاًّ عزّر ؛ سواء كانت المحرّمات من الكبائر أو الصغائر .

(مسألة 5) : من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه .

(مسألة 6) : لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل ، فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين أو

ص: 514

الشهود ، كانت الدية في بيت المال ، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته . ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحدّ عليها ، أو ذكرت بما يوجب الحدّ فأحضرها للتحقيق ، فخافت فسقط حملها ، فالأقوى أنّ دية الجنين على بيت المال .

الفصل الخامس : في حدّ السرقة

اشارة

والنظر فيه في السارق والمسروق وما يثبت به والحدّ واللواحق :

القول : في السارق

(مسألة 1) : يشترط في وجوب الحدّ عليه اُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلو سرق الطفل لم يحدّ ، ويؤدّب بما يراه الحاكم ؛ ولو تكرّرت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق . وقيل : يُعفى عنه أوّلاً ، فإن عاد اُدّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتّى تدمي ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل . وفي سرقته روايات ، وفيها : «لم يصنعه إلاّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأنا» ؛ أي أمير المؤمنين علیه السلام . فالأشبه ما ذكرنا .

الثاني : العقل ، فلا يقطع المجنون ولو أدواراً إذا سرق حال أدواره وإن تكرّرت منه ، ويؤدّب إذا استشعر بالتأديب وأمكن التأثير فيه .

الثالث : الاختيار ، فلا يقطع المكره .

الرابع : عدم الاضطرار ، فلا يقطع المضطرّ إذا سرق لدفع اضطراره .

الخامس : أن يكون السارق هاتكاً للحرز منفرداً أو مشاركاً ، فلو هتك غير السارق وسرق هو من غير حرز ، لا يقطع واحد منهما ؛ وإن جاءا معاً للسرقة والتعاون فيها ، ويضمن الهاتك ما أتلفه والسارق ما سرقه .

ص: 515

السادس : أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره . ويتحقّق الإخراج بالمباشرة ، كما لو جعله على عاتقه وأخرجه ، وبالتسبيب كما لو شدّه بحبل ثم يجذبه من خارج الحرز ، أو يضعه على دابّة من الحرز ويخرجها ، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه ، أو أمر مجنوناً أو صبيّاً غير مميّز بالإخراج ، وأمّا إن كان مميّزاً ففي القطع إشكال ، بل منع .

السابع : أن لا يكون السارق والد المسروق منه ، فلا يقطع الوالد لمال ولده ، ويقطع الولد إن سرق من والده ، والاُمّ إن سرقت من ولدها ، والأقرباء إن سرق بعضهم من بعض .

الثامن : أن يأخذ سرّاً ، فلو هتك الحرز قهراً ظاهراً وأخذ لا يقطع ، بل لو هتك سرّاً وأخذ ظاهراً قهراً فكذلك .

(مسألة 2) : لو اشتركا في الهتك وانفرد أحدهما بالسرقة ، يقطع السارق دون الهاتك ، ولو انفرد أحدهما بالهتك واشتركا في السرقة قطع الهاتك السارق ، ولو اشتركا فيهما قطعا مع تحقّق سائر الشرائط .

(مسألة 3) : يعتبر في السرقة وغيرها ممّا فيه حدّ ارتفاع الشبهة حكماً وموضوعاً ، فلو أخذ الشريك المال المشترك بظنّ جواز ذلك بدون إذن الشريك ، لا قطع فيه ؛ ولو زاد ما أخذ على نصيبه بما يبلغ نصاب القطع ، وكذا لو أخذ مع علمه بالحرمة لكن لا للسرقة بل للتقسيم والإذن بعده لم يقطع . نعم ، لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع . وكذا لا يقطع لو أخذ مال الغير بتوهّم ماله ، فإنّه لا يكون سرقة ، ولو سرق من المال المشترك بمقدار نصيبه لم يقطع ، وإن زاد عليه بمقدار النصاب يقطع .

ص: 516

(مسألة 4) : في السرقة من المغنم روايتان : إحداهما لا يقطع ، والاُخرى يقطع إن زاد ما سرقه على نصيبه بقدر نصاب القطع .

(مسألة 5) : لا فرق بين الذكر والاُنثى ، فتقطع الاُنثى فيما يقطع الذكر ، وكذا المسلم والذمّي ، فيقطع المسلم وإن سرق من الذمّي ، والذمّي كذلك سرق من المسلم أو الذمّي .

(مسألة 6) : لو خان الأمين لم يقطع ولم يكن سارقاً ، ولو سرق الراهن الرهن لم يقطع ، وكذا لو سرق المؤجر العين المستأجرة .

(مسألة 7) : إذا سرق الأجير من مال المستأجر فإن استأمنه عليه فلا يقطع ، وإن أحرز المال من دونه فهتك الحرز وسرق يقطع . وكذا يقطع كلّ من الزوج والزوجة بسرقة مال الآخر إذا اُحرز عنه ، ومع عدم الإحراز فلا . نعم ، إذا أخذ الزوجة من مال الرجل سرقة ؛ عوضاً من النفقة الواجبة التي منعها عنها ، فلا قطع عليها إذا لم يزد على النفقة بمقدار النصاب ، وكذا الضيف يقطع إن اُحرز المال عنه ، وإلاّ لا يقطع .

(مسألة 8) : لو أخرج متاعاً من حرز وادّعى صاحب الحرز أ نّه سرقه ، وقال المخرج : «وهبني» ، أو «أذن لي في إخراجه» ، سقط الحدّ إلاّ أن تقوم البيّنة بالسرقة . وكذا لو قال : «المال لي» ، وأنكر صاحب المنزل ، فالقول وإن كان قول صاحب المنزل بيمينه وأخذ المال من المخرج بعد اليمين ، لكن لا يقطع .

ص: 517

القول : في المسروق

(مسألة 1) : نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهباً خالصاً مضروباً عليه السكّة ، أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائي ؛ من الألبسة والمعادن والفواكه والأطعمة ؛ رطبة كانت أو لا ، كان أصله الإباحة لجميع الناس أو لا ، كان ممّا يسرع إليه الفساد - كالخضروات والفواكه الرطبة ونحوها - أو لا . وبالجملة : كلّ ما يملكه المسلم إذا بلغ الحدّ ففيه القطع حتّى الطير وحجارة الرخام .

(مسألة 2) : لا فرق في الذهب بين المسكوك وغيره ، فلو بلغ الذهب غير المسكوك قيمة ربع دينار مسكوك قطع ، ولو بلغ وزنه وزن ربع دينار مسكوك ، لكن لم تبلغ قيمته قيمة الربع ، لم يقطع ، ولو انعكس وبلغ قيمته قيمته وكان وزنه أقلّ يقطع .

(مسألة 3) : لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكّتين ، وكانت قيمتهما مختلفة ؛ لا لأجل النقص أو الغشّ في أحدهما ، بل لأجل السكّة ، فالأحوط عدم القطع إلاّ ببلوغه ربع قيمة الأكثر ، وإن كان الأشبه كفاية بلوغ الأقلّ .

(مسألة 4) : المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج ، فلو فرض وجود مسكوك غير رائج فلا اعتبار في ربع قيمته ، فلو بلغ ربع قيمته ، ولم يكن قيمة ربعه بمقدار قيمة ربع الدارج ، لم يقطع .

(مسألة 5) : لو سرق شيئاً وتخيّل عدم وصوله إلى حدّ النصاب ؛ كأن سرق ديناراً بتخيّل أ نّه درهم ، فالظاهر القطع ، ولو انعكس وسرق ما دون النصاب بتخيّل النصاب لم يقطع .

ص: 518

(مسألة 6) : ربع الدينار أو ما بلغ قيمة الربع هو أقلّ ما يقطع به ، فلو سرق أكثر منه يقطع كقطعه بالربع بلغ ما بلغ ، وليس في الزيادة شيء غير القطع .

(مسألة 7) : يشترط في المسروق أن يكون في حرز ، ككونه في مكان مقفل أو مغلق ، أو كان مدفوناً ، أو أخفاه المالك عن الأنظار تحت فرش أو جوف كتاب ، أو نحو ذلك ممّا يعدّ عرفاً محرزاً ، وما لا يكون كذلك لا يقطع به ؛ وإن لا يجوز الدخول إلاّ بإذن مالكه ، فلو سرق شيئاً عن الأشياء الظاهرة في دكّان مفتوح لم يقطع ؛ وإن لا يجوز دخوله فيه إلاّ بإذنه .

(مسألة 8) : لمّا كان الأشياء مختلفة في الحرز في تعارف الناس فلو كان موضع حرزاً لشيء من الأشياء فهل يكون حرزاً لكلّ شيء ، فلو سقط من جيب المالك ديناراً في الإصطبل ، والسارق كسر القفل ودخل لسرقة الفرس - مثلاً - فعثر على الدينار فسرقه ، كفى في لزوم القطع ، أو لا لعدم إخراجه من حرزه ؟ الأشبه والأحوط هو الثاني . نعم ، لو أخفى المالك ديناره في الإصطبل فأخرجه السارق يقطع .

(مسألة 9) : ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه ، كالسرقة من الخانات والحمّامات والبيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العموم أو على طائفة ، ونحو المساجد والمدارس والمشاهد المشرّفة والمؤسّسات العامّة . وبالجملة : كلّ موضع اُذن للعموم أو لطائفة . وهل مراعاة المالك ونحوه ومراقبته للمال حرز ، فلو كانت دابّته في الصحراء وكان لها مراعياً يقطع بسرقته ، أو لا ؟ الأقوى الثاني .

وهل يقطع سارق ستارة الكعبة ؟ قيل : نعم ، والأقوى عدمه ، وكذا سارق ما في المشاهد المشرّفة من الحرم المطهّر أو الرواق والصحن .

ص: 519

(مسألة 10) : لو سرق من جيب إنسان ، فإن كان المسروق محرزاً ، كأن كان في الجيب الذي تحت الثوب ، أو كان على درب جيبه آلة كالآلات الحديثة تحرزه ، فالظاهر ثبوت القطع ، وإن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه لا يقطع . ولو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع . فالميزان صدق الحرز .

(مسألة 11) : لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها وحرزها ، ولا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار محرزة . وأمّا إذا كانت محرزة - كأن كانت في بستان مقفل - فهل يقطع بسرقة ثمرتها أو لا ؟ الأحوط بل الأقوى عدم القطع .

(مسألة 12) : لا قطع على السارق في عام مجاعة ؛ إذا كان المسروق مأكولاً ولو بالقوّة كالحبوب ، وكان السارق مضطرّاً إليه ، وفي غير المأكول وفي المأكول في غير مورد الاضطرار محلّ إشكال ، والأحوط عدم القطع ، بل في المحتاج إذا سرق غير المأكول لا يخلو من قوّة .

(مسألة 13) : لو سرق حرّاً - كبيراً أو صغيراً ، ذكراً أو اُنثى - لم يقطع حدّاً ، فهل يقطع دفعاً للفساد ؟ قيل : نعم ، وبه رواية ، والأحوط ترك القطع وتعزيره بما يراه الحاكم .

(مسألة 14) : لو أعار بيتاً - مثلاً - فهتك المعير حرزه فسرق منه مالاً للمستعير قطع ، ولو آجر بيتاً - مثلاً - وسرق منه مالاً للمستأجر قطع ، ولو كان الحرز مغصوباً لم يقطع بسرقة مالكه . ولو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله لم يقطع ؛ وإن كان ماله مخلوطاً بمال الغاصب ، فأخذ بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب .

ص: 520

(مسألة 15) : لو كان المسروق وقفاً يقطع لو قلنا بأ نّه ملك للواقف - كما في بعض الصور - أو للموقوف عليه ، ولو قلنا : إنّه فكّ ملك لدرّ المنفعة على الموقوف عليه لم يقطع . ولو سرق ما يكون مصرفه الأشخاص كالزكاة - بناء على عدم الملك لأحد - لم يقطع ، ولو سرق مالاً يكون للإمام علیه السلام - كنصف الخمس بناء على كونه ملكاً له علیه السلام - فهل يقطع بمطالبة الفقيه الجامع للشرائط أو لا ؟ فيه تردّد ، وبناءً على عدم الملك وكونه علیه السلام وليّ الأمر لا يقطع على الأحوط .

(مسألة 16) : باب الحرز وكذا ما بني على الباب والجدار من الخارج ليس محرزاً ، فلا قطع بها . نعم ، الظاهر كون الباب الداخل - وراء باب الحرز - محرزاً بباب الحرز فيقطع به ، وكذا ما على الجدار داخلاً ، فإذا كسر الباب ودخل الحرز وأخرج شيئاً من أجزاء الجدار الداخل يقطع .

(مسألة 17) : يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر وسرقه ؛ ولو بعض أجزائه المندوبة بشرط بلوغه حدّ النصاب . ولو نبش ولم يسرق الكفن لم يقطع ويعزّر . وليس القبر حرزاً لغير الكفن ، فلو جعل مع الميّت شيء في القبر فنبش وأخرجه لم يقطع به على الأحوط ، ولو تكرّر منه النبش من غير أخذ الكفن ، وهرب من السلطان ، قيل : يقتل ، وفيه تردّد .

القول : فيما يثبت به

(مسألة 1) : يثبت الحدّ بالإقرار بموجبه مرّتين وبشهادة عدلين ، ولو أقرّ مرّة واحدة لا يقطع ، ولكن يؤخذ المال منه ، ولا يقطع بشهادة النساء منضمّات ولا منفردات ، ولا بشاهد ويمين .

ص: 521

(مسألة 2) : يعتبر في المقرّ : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا يقطع بإقرار الصبيّ حتّى مع القول بقطعه بالسرقة ، ولا بإقرار المجنون ولو أدواراً دور جنونه ، ولا بالمكره ولا بالهازل والغافل والنائم والساهي والمغمى عليه ، فلو أقرّ مكرهاً أو بلا قصد لم يقطع ، ولم يثبت المال .

(مسألة 3) : لو أكرهه على الإقرار بضرب ونحوه ، فأقرّ ثمّ أتى بالمال بعينه ، لم يثبت القطع إلاّ مع قيام قرائن قطعية على سرقته بما يوجب القطع .

(مسألة 4) : لو أقرّ مرّتين ثمّ أنكر فهل يقطع أو لا ؟ الأحوط الثاني ، والأرجح الأوّل ، ولو أنكر بعد الإقرار مرّة يؤخذ منه المال ولا يقطع ، ولو تاب أو أنكر بعد قيام البيّنة يقطع ، ولو تاب قبل قيام البيّنة وقبل الإقرار سقط عنه الحدّ ، ولو تاب بعد الإقرار يتحتّم القطع ، وقيل : يتخيّر الإمام علیه السلام بين العفو والقطع .

القول : في الحدّ

(مسألة 1) : حدّ السارق في المرّة الاُولى ، قطع الأصابع الأربع من مفصل اُصولها من اليد اليمنى ، ويترك له الراحة والإبهام ، ولو سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى من تحت قُبّة القدم ؛ حتّى يبقى له النصف من القدم ومقدار قليل من محلّ المسح ، وإن سرق ثالثاً حبس دائماً حتّى يموت ، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيراً ، وإن عاد وسرق رابعاً ولو في السجن قتل .

(مسألة 2) : لو تكرّرت منه السرقة ولم يتخلّل الحدّ كفى حدّ واحد ، فلو تكرّرت منه السرقة بعد الحدّ قطعت رجله ، ثمّ لو تكرّرت منه حبس ، ثمّ لو تكرّرت قُتل .

ص: 522

(مسألة 3) : لا تقطع اليسار مع وجود اليمين ؛ سواء كانت اليمين شلاّء واليسار صحيحة أو العكس أو هما شلاّء . نعم ، لو خيف الموت بقطع الشلاّء ؛ لاحتمال عقلائي له منشأ عقلائي ، كإخبار الطبيب بذلك ، لم تقطع احتياطاً على حياة السارق ، فهل تقطع اليسار الصحيحة في هذا الفرض ، أو اليسار الشلاّء مع الخوف في اليمين دون اليسار ؟ الأشبه عدم القطع .

(مسألة 4) : لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور ، وفي رواية صحيحة لا تقطع ، والعمل على المشهور ، ولو كان له يمين حين ثبوت السرقة فذهبت بعده لم تقطع اليسار .

(مسألة 5) : من سرق وليس له اليمنى ، قيل : فإن كانت مقطوعة في القصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى قطعت يسراه ، فإن لم تكن له أيضاً اليسرى قطعت رجله اليسرى ، فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس ، والأشبه في جميع ذلك سقوط الحدّ والانتقال إلى التعزير .

(مسألة 6) : لو قطع الحدّاد يساره مع العلم حكماً وموضوعاً فعليه القصاص ، ولا يسقط قطع اليمنى بالسرقة ، ولو قطع اليسرى لاشتباه في الحكم أو الموضوع فعليه الدية ، فهل يسقط قطع اليمين بها ؟ الأقوى ذلك .

(مسألة 7) : سراية الحدّ ليست مضمونة لا على الحاكم ولا على الحدّاد وإن اُقيم في حرّ أو برد . نعم ، يستحبّ إقامته في الصيف في أطراف النهار وفي الشتاء في وسطه ؛ لتوقّي شدّة الحرّ والبرد .

ص: 523

القول : في اللواحق

(مسألة 1) : لو سرق اثنان نصاباً أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصاباً ، فهل يقطع كلّ واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما ؟ الأشبه الثاني .

(مسألة 2) : لو سرق ولم يقدر عليه ، ثمّ سرق ثانية فاُخذ ، واُقيمت عليه البيّنة بهما جميعاً معاً دفعة واحدة ، أو أقرّ بهما جميعاً كذلك ، قطع بالاُولى يده ، ولم تقطع بالثانية رجله ، بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرّق الشهود ؛ فشهد اثنان بالسرقة الاُولى ، ثمّ شهد اثنان بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ ، أو أقرّ مرّتين دفعة بالسرقة الاُولى ، ومرّتين دفعة اُخرى بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ .

ولو قامت الحجّة بالسرقة ثمّ أمسكت حتّى اُقيم الحدّ وقطع يمينه ، ثمّ قامت الاُخرى قطعت رجله .

(مسألة 3) : لو اُقيمت البيّنة عند الحاكم ، أو أقرّ بالسرقة عنده ، أو علم ذلك ، لم يقطع حتّى يطالبه المسروق منه ، فلو لم يرفعه إلى الحاكم لم يقطعه ، ولو عفا عنه قبل الرفع سقط الحدّ . وكذا لو وهبه المال قبل الرفع ، ولو رفعه إليه لم يسقط الحدّ ، وكذا لو وهبه بعد الرفع . ولو سرق مالاً فملكه - بشراء ونحوه - قبل الرفع إلى الحاكم وثبوته سقط الحدّ ، ولو كان ذلك بعده لم يسقط .

(مسألة 4) : لو أخرج السارق المال من حرزه ثمّ أعاده إليه ، فإن وقع تحت يد المالك - ولو في جملة أمواله - لم يقطع ، ولو أرجعه إلى حرزه ولم يقع تحت يده - كما لو تلف قبل وقوعه تحت يده - فهل يقطع بذلك ؟ الأشبه ذلك ؛ وإن لا يخلو من إشكال .

ص: 524

(مسألة 5) : لو هتك الحرز جماعة ، فأخرج المال منه أحدهم ، فالقطع عليه خاصّة . ولو قرّبه أحدهم من الباب ، وأخرجه الآخر من الحرز ، فالقطع على المخرج له . ولو وضعه الداخل في وسط النقب ، وأخرجه الآخر الخارج ، فالظاهر أنّ القطع على الداخل ، ولكن لو وضعه بين الباب الذي هو حرز للبيت - بحيث لم يكن الموضوع داخلاً ولا خارجاً عرفاً - فالظاهر عدم القطع على واحد منهما . نعم ، لو وضعه بنحو كان نصفه في الخارج ونصفه في الداخل ، فإن بلغ كلّ من النصفين النصاب يقطع كلّ منهما ، وإن بلغ الخارج النصاب ، يقطع الداخل ، وإن بلغ الداخل ذلك ، يقطع الخارج .

(مسألة 6) : لو أخرج النصاب دفعات متعدّدة فإن عدّت سرقة واحدة ، كما لو كان شيئاً ثقيلاً ذا أجزاء ، فأخرجه جزءاً فجزءاً بلا فصل طويل - يخرجه عن اسم الدفعة عرفاً - يقطع . وأمّا لو سرق جزءاً منه في ليلة وجزءاً منه في ليلة اُخرى ، فصار المجموع نصاباً ، فلا يقطع . ولو سرق نصف النصاب من حرز ونصفه من حرز آخر ، فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم القطع .

(مسألة 7) : لو دخل الحرز فأخذ النصاب ، وقبل الإخراج منه اُخذ ، لم يقطع ، ولو أحدث في الشيء الذي قدر النصاب - داخل الحرز - ما أخرجه عن النصاب ثمّ أخرجه لم يقطع ، كما لو ذبح الشاة أو خرق الثوب داخل الحرز .

(مسألة 8) : لو ابتلع النصاب داخل الحرز ، فإن استهلك في الجوف كالطعام لم يقطع ، وإن لم يستهلك لكن تعذّر إخراجه فلا قطع ولا سرقة ، ولو لم يتعذّر إخراجه من الجوف ولو بالنظر إلى عادته فخرج وهو في جوفه ، ففي القطع وعدمه وجهان ، أشبههما القطع إذا كان البلع للسرقة بهذا النحو ، وإلاّ فلا قطع .

ص: 525

الفصل السادس : في حدّ المحارب

اشارة

(مسألة 1) : المحارب : هو كلّ من جرّد سلاحه أو جهّزه لإخافة الناس وإرادة الإفساد في الأرض ؛ في برّ كان أو في بحر ، في مصر أو غيره ، ليلاً أو نهاراً . ولا يشترط كونه من أهل الريبة مع تحقّق ما ذكر ، ويستوي فيه الذكر والاُنثى ، وفي ثبوته للمجرّد سلاحه بالقصد المزبور مع كونه ضعيفاً لا يتحقّق من إخافته خوف لأحد ، إشكال بل منع . نعم ، لو كان ضعيفاً لكن لا بحدّ لا يتحقّق الخوف من إخافته ، بل يتحقّق في بعض الأحيان والأشخاص ، فالظاهر كونه داخلاً فيه .

(مسألة 2) : لا يثبت الحكم للطليع ، وهو المراقب للقوافل ونحوها ليخبر رفقاءه من قطّاع الطريق ، ولا للردء وهو المعين لضبط الأموال ، ولا لمن شهر سيفه أو جهّز سلاحه لإخافة المحارب ولدفع فساده ، أو لدفع من يقصده بسوء ونحو ذلك ممّا هو قطع الفساد لا الإفساد ، ولا للصغير والمجنون ، ولا للملاعب .

(مسألة 3) : لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله جاز بل وجب الدفاع في الثاني ولو انجرّ إلى قتله ، لكن لا يثبت له حكم المحارب ، ولو أخاف الناس بالسوط والعصا والحجر ففي ثبوت الحكم إشكال ، بل عدمه أقرب في الأوّلين .

(مسألة 4) : يثبت المحاربة بالإقرار مرّة ، والأحوط مرّتين ، وبشهادة عدلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات ، ولا تقبل شهادة اللصوص والمحاربين بعضهم على بعض ، ولا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض ؛ بأن

ص: 526

قالوا جميعاً : «تعرّضوا لنا وأخذوا منّا» ، وأمّا لو شهد بعضهم لبعض ، وقال : «عرضوا لنا وأخذوا من هؤلاء لا منّا» ، قبل على الأشبه .

(مسألة 5) : الأقوى في الحدّ تخيير الحاكم بين القتل والصلب والقطع مخالفاً والنفي ، ولا يبعد أن يكون الأولى له أن يلاحظ الجناية ويختار ما يناسبها ، فلو قتل اختار القتل أو الصلب ، ولو أخذ المال اختار القطع ، ولو شهر السيف وأخاف فقط اختار النفي . وقد اضطربت كلمات الفقهاء والروايات ، والأولى ما ذكرنا .

(مسألة 6) : ما ذكرنا في المسألة السابقة حدّ المحارب ؛ سواء قتل شخصاً أو لا ، وسواء رفع وليّ الدم أمره إلى الحاكم أو لا . نعم ، مع الرفع يقتل قصاصاً مع كون المقتول كفواً ، ومع عفوه فالحاكم مختار بين الاُمور الأربعة ؛ سواء كان قتله طلباً للمال أو لا ، وكذا لو جرح ولم يقتل كان القصاص إلى الوليّ ، فلو اقتصّ كان الحاكم مختاراً بين الاُمور المتقدّمة حدّاً ، وكذا لو عفا عنه .

(مسألة 7) : لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحدّ ، دون حقوق الناس من القتل والجرح والمال ، ولو تاب بعد الظفر عليه لم يسقط الحدّ أيضاً .

(مسألة 8) : اللصّ إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدّم ، وإلاّ فله أحكام تقدّمت في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

(مسألة 9) : يصلب المحارب حيّاً ، ولا يجوز الإبقاء مصلوباً أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمّ ينزّل فإن كان ميّتاً ، يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن ، وإن كان حيّاً قيل يجهز عليه ، وهو مشكل . نعم ، يمكن القول بجواز الصلب على نحو يموت به ، وهو أيضاً لا يخلو من إشكال .

ص: 527

(مسألة 10) : إذا نفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر ، يكتب الوالي - إلى كلّ بلد يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورت-ه ، والأحوط أن لا يكون أقلّ من سنة وإن تاب ، ولو لم يتب استمرّ النفي إلى أن يتوب ، ولو أراد بلاد الشرك يمنع منها ، قالوا : وإن مكّنوه من دخولها قوتلوا حتّى يخرجوه .

(مسألة 11) : لا يعتبر في قطع المحارب السرقة ، فضلاً عن اعتبار النصاب أو الحرز ، بل الإمام علیه السلام مخيّر بمجرّد صدق المحارب ، ولو قطع فالأحوط البدأة بقطع اليد اليمنى ثمّ يقطع الرجل اليسرى ، والأولى الصبر بعد قطع اليمنى حتّى تحسم ، ولو فقدت اليمنى أو فقد العضوان يختار الإمام علیه السلام غير القطع .

(مسألة 12) : لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها ، كما لو أخذ المال وهرب ، أو أخذ قهراً من غير إشهار سلاح ، أو احتال في أخذ الأموال بوسائل ، كتزوير الأسناد أو الرسائل ونحو ذلك ، ففيها لا يجري حدّ المحارب ولا حدّ السارق ، ولكن عليه التعزير حسب ما يراه الحاكم .

خاتمة : في سائر العقوبات

القول : في الارتداد

(مسألة 1) : ذكرنا في الميراث : المرتدّ بقسميه وبعض أحكامه ، فالفطري لا يقبل إسلامه ظاهراً ، ويقتل إن كان رجلاً ، ولا تقتل المرأة المرتدّة ولو عن فطرة ، بل تحبس دائماً وتضرب في أوقات الصلوات ، ويضيّق عليها في المعيشة ، وتقبل

ص: 528

توبتها ، فإن تابت اُخرجت عن الحبس ، والمرتدّ الملّي يستتاب ، فإن امتنع قتل ، والأحوط استتابته ثلاثة أيّام ، وقتل في اليوم الرابع .

(مسألة 2) : يعتبر في الحكم بالارتداد : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا عبرة بردّة الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون وإن كان أدوارياً دور جنونه ، ولا المكره ، ولا بما يقع بلا قصد كالهازل والساهي والغافل والمُغمى عليه ، ولو صدر منه حال غضب غالب لا يملك معه نفسه لم يحكم بالارتداد .

(مسألة 3) : لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادّعى الإكراه مع احتماله ، أو عدم القصد وسبق اللسان مع احتماله ، قبل منه ، ولو قامت البيّنة على صدور كلام منه موجب للارتداد فادّعى ما ذكر قبل منه .

(مسألة 4) : ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم ، فلو بلغ واختار الكفر استتيب ، فإن تاب وإلاّ قتل ، وكذا ولد المرتدّ الفطري قبل ارتداده بحكم المسلم ، فإذا بلغ واختار الكفر ، وكذا ولد المسلم إذا بلغ واختار الكفر قبل إظهار الإسلام ، فالظاهر عدم إجراء حكم المرتدّ فطرياً عليهما ، بل يستتابان ، وإلاّ فيقتلان .

(مسألة 5) : إذا تكرّر الارتداد من الملّي قيل : يقتل في الثالثة ، وقيل : يقتل في الرابعة ، وهو أحوط .

(مسألة 6) : لو جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته وقبل استتابته لم يقتل ، ولو طرأ الجنون بعد استتابته وامتناعه المبيح لقتله يقتل ، كما يقتل الفطري إذا عرضه الجنون بعد ردّته .

ص: 529

(مسألة 7) : لو تاب المرتدّ عن ملّة ، فقتله من يعتقد بقاءه على الردّة ، قيل : عليه القود ، والأقوى عدمه . نعم ، عليه الدية في ماله .

(مسألة 8) : لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً فللوليّ قتله قوداً ، وهو مقدّم على قتله بالردّة ، ولو عفا الوليّ أو صالحه على مال قتل بالردّة .

(مسألة 9) : يثبت الارتداد بشهادة عدلين وبالإقرار ، والأحوط إقراره مرّتين ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات .

القول : في وط ء البهيمة والميّت

(مسألة 1) : في وط ء البهيمة تعزير ، وهو منوط بنظر الحاكم . ويشترط فيه : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة مع إمكانها ، فلا تعزير على الصبيّ ، وإن كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب أدّبه الحاكم بما يراه . ولا على المجنون ولو أدواراً إذا فعل في دور جنونه ، ولا على المكره ، ولا على المشتبه مع إمكان الشبهة في حقّه حكماً أو موضوعاً .

(مسألة 2) : يثبت ذلك بشهادة عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وبالإقرار إن كانت البهيمة له ، وإلاّ يثبت التعزير بإقراره ، ولا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلاّ أن يصدّقه المالك .

(مسألة 3) : لو تكرّر منه الفعل فإن لم يتخلّله التعزير فليس عليه إلاّ التعزير ، ولو تخلّله فالأحوط قتله في الرابعة .

(مسألة 4) : الحدّ في وط ء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة ؛ رجماً مع الإحصان ، وحدّاً مع عدمه ؛ بتفصيل مرّ في حدّ الزنا ، والإثم والجناية هنا أفحش

ص: 530

وأعظم ، وعليه تعزير زائداً على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه ، ولو وَطئ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ ، وفي اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ ، ويعزّر تغليظاً على تأمّل .

(مسألة 5) : يعتبر في ثبوت الحدّ في الوط ء بالميّت ما يعتبر في الحيّ ؛ من البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة .

(مسألة 6) : يثبت الزنا بالميّتة واللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال ، وقيل : يثبت بشهادة عدلين ، والأوّل أشبه ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات ؛ حتّى ثلاثة رجال مع امرأتين على الأحوط في وط ء الميّتة ، وعلى الأقوى في الميّت ، وبالإقرار أربع مرّات .

فرع: من استمنى بيده أو بغيرها من أعضائه عزّر ، ويقدّر بنظر الحاكم ويثبت ذلك بشهادة عدلين والإقرار ، ولا يثبت بشهادة النساء منضمّات ولا منفردات .

وأمّا العقوبة دفاعاً فقد ذكرنا مسائلها في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ت-تمّة : فيها أحكام أهل الذمّة

القول : فيمن تؤخذ منه الجزية

(مسألة 1) : تؤخذ الجزية من اليهود والنصارى من أهل الكتاب وممّن له شبهة كتاب ، وهم المجوس ؛ من غير فرق بين المذاهب المختلفة فيهم ، كالكاتوليكية والبروتستانية وغيرهما وإن اختلفوا في الفروع وبعض الاُصول ، بعد أن كانوا من إحدى الفرق .

ص: 531

(مسألة 2) : لا تقبل الجزية من غيرهم من أصناف الكفّار والمشركين ، كعبّاد الأصنام والكواكب وغيرهما ، عربياً كانوا أو عجمياً ؛ من غير فرق بين من كان منتسباً إلى من كان له كتاب - كإبراهيم وداود وغيرهما علیهم السلام - وبين غيره ، فلا يقبل من غير الطوائف الثلاث إلاّ الإسلام أو القتل ، وكذا لا تقبل ممّن تنصّر أو تهوّد أو تمجّس بعد نسخ كتبهم بالإسلام ، فمن دخل في الطوائف حربي ؛ سواء كان مشركاً أو من سائر الفرق الباطلة .

(مسألة 3) : الفرق الثلاث إذا التزموا بشرائط الذمّة الآتية اُقرّوا على دينهم ؛ سواء كانوا عرباً أو عجماً ، وكذلك من كان من نسلهم ، فإنّه يقرّ على دينه بشرائطها ، وتقبل منهم الجزية .

(مسألة 4) : من انتقل من دينه من غير الفرق الثلاث إلى إحدى الطوائف ، فإن كان قبل نسخ شرائعهم اُقرّوا عليه ، وإن كان بعده لم يقرّوا ولم تقبل منهم الجزية ، فحكمهم حكم الكفّار غير أهل الكتاب . ولو انتقل مسلم إلى غير الإسلام فهو مرتدّ ذكرنا حكمه في بابه .

(مسألة 5) : لو أحاط المسلمون بقوم من المشركين ، فادّعوا أ نّهم أهل الكتاب من الثلاث ، يقبل منهم إذا بذلوا الجزية ، ويقرّوا على ما ادّعوا ، ولم يكلّفوا البيّنة . ولو ادّعى بعض أ نّه أهل الكتاب وأنكر بعض ، يقرّ المدّعي ولا يقبل قول غيره عليه ، ولو ثبت بعد عقد الجزية بإقرار منهم أو بيّنة أو غير ذلك أ نّهم ليسوا أهل الكتاب انتقض العهد .

(مسألة 6) : لا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء ، وهل تسقط عن الشيخ الفاني والمُقعد والأعمى والمعتوه ؟ فيه تردّد ، والأشبه عدم السقوط .

ص: 532

وتؤخذ ممّن عدا ما استثني ولو كانوا رهباناً أو فقراء ، لكن ينتظر حتّى يوسر الفقير .

(مسألة 7) : لا يجوز في عقد الذمّة اشتراط كون الجزية أو بعضها على النساء ، فلو اشترط بطل الشرط ، ولو حاصر المسلمون حصناً من أهل الكتاب ، فقتلوا الرجال قبل العقد ، فسألت النساء إقرارهنّ ببذل الجزية لا يصحّ ، وكذا لو كان سؤال الإقرار بعد العقد .

(مسألة 8) : لا جزية على المجنون مطبقاً ، فلو أفاق حولاً وجبت عليه ، ولو أفاق وقتاً وجنّ وقتاً قيل يعمل بالأغلب ، وفيه إشكال ، وفي ثبوتها عليه إشكال وتردّد .

(مسألة 9) : كلّ من بلغ من صبيانهم يؤمر بالإسلام أو الجزية ، فإن امتنع صار حربياً ، ولا بدّ في الصبيان بعد البلوغ من العقد معهم ، ولا يكفي العقد الذي مع آبائهم عنهم ، فلو عقدوا اُخذت الجزية منهم بحلول الحول ، ولا يدخل حولهم في حول آبائهم ، ولو بلغوا سفيهاً فالظاهر أنّ العقد موقوف على إذن أوليائهم .

(مسألة 10) : إذا اختار الحرب وامتنع عن الإسلام والجزية ردّ إلى مأمنه ، ولا يجوز اغتياله ، فإنّه داخل في أمان أبيه .

القول : في كمّية الجزية

(مسألة 1) : لا تقدير خاصّ في الجزية ولا حدّ لها ، بل تقديرها إلى الوالي ؛ بحسب ما يراه من المصالح في الأمكنة والأزمنة ومقتضيات الحال ،

ص: 533

والأولى أن لا يقدّرها في عقد الذمّة ، ويجعلها على نظر الإمام علیه السلام تحقيقاً للصغار والذلّ .

(مسألة 2) : يجوز للوالي وضعها على الرؤوس أو على الأراضي أو عليهما معاً ، بل له أن يضعها على المواشي والأشجار والمستغلاّت بما يراه مصلحة .

(مسألة 3) : لو عيّن في عقد الذمّة الجزية على الرؤوس ، لا يجوز بعده أخذ شيء من أراضيهم وغيرها ، ولو وضع على الأراضي لا يجوز بعده الوضع على الرؤوس ، ولو جعل عليهما لا يجوز النقل إلى إحداهما . وبالجملة : لا بدّ من العمل على طبق الشرط .

(مسألة 4) : لو وضع مقداراً على الرؤوس أو الأراضي أو غيرهما في سنة ، جاز له تغييره في السنين الاُخر بالزيادة والنقيصة ، أو الوضع على إحداهما دون الاُخرى أو على الجميع .

(مسألة 5) : لو طرح التقدير وجعل على نظر الإمام علیه السلام ، فله الوضع أيّ نحو ، وبأيّ مقدار ، وبأيّ شيء شاء .

(مسألة 6) : يجوز أن يشترط عليهم زائداً على الجزية ضيافة مارّة المسلمين ؛ عسكراً كانوا أم لا ، والظاهر لزوم تعيين زمان الضيافة كيوم أو ثلاثة أيّام ، ويجوز إيكال كيفية الضيافة إلى العرف والعادة ؛ من ضيافة أهل نحلة غير أهلها ممّن يرى نجاستهم .

(مسألة 7) : الجزية كالزكاة والخراج تؤخذ كلّ حول ، والظاهر جواز اشتراط

ص: 534

الأداء عليهم أوّل الحول أو آخره أو وسطه ، ولو أطلق فالظاهر أ نّها تجب في آخر الحول ، فحينئذٍ إن أسلم الذمّي قبل الحول أو بعده قبل الأداء ، أو قبل الأداء إذا شرط عليه أوّل الحول سقطت عنه .

(مسألة 8) : الظاهر سقوطها بالإسلام ؛ سواء كان إسلامه لداعي سقوطها أو لا ، والقول بعدمه في الأوّل ضعيف .

(مسألة 9) : لو مات الذمّي بعد الحول لم تسقط واُخذت من تركته ، ولو مات في أثنائه فإن شرط عليه الأداء أوّل الحول فكذلك ، وإن شرط في أثنائه ومات بعد تحقّق الشرط فكذلك أيضاً ، وإن وزّعت على الشهور فتؤخذ بمقداره ، وإن وضعت عليه آخر الحول - بمعنى أن يكون حصول الدين في آخره - فمات قبله لم تُؤخذ شيئاً ، وإن وضعت عليه وشرط التأخير إلى آخره تؤخذ ، فهل لوارثه التأخير إلى آخره أو لا ؟ فيه تأمّل ؛ وإن لا يبعد تعجيلها كسائر الديون .

(مسألة 10) : يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات كالخمر والخنزير والميتة ونحوها ؛ سواء أدّوها أو أحالوا إلى المشتري منهم إذا كان منهم ، ولا يجوز أخذ أعيان المحرّمات جزيةً .

(مسألة 11) : الظاهر أنّ مصرف الجزية الآن هو مصرف خراج الأراضي ، ولا يبعد أن يكون مصرفها - وكذا مصرف الخراج وسائر الماليات - مصالح الإسلام والمسلمين وإن عيّن مصرف بعض الأصناف في بعض الأموال .

(مسألة 12) : عقد الذمّة من الإمام علیه السلام ، وفي غيبته من نائبه مع بسط يده ، وفي الحال لو عقد الجائر كان لنا ترتيب آثار الصحّة وأخذ الجزية منه ، كأخذ الجوائز والأخرجة ، وخرجوا بالعقد معه عن الحربي .

ص: 535

(مسألة 13) : المال الذي يجعل عليه عقد الجزية ، يكون بحسب ما يراه الحاكم من النقود أو العروض كالحلي والأحشام وغيرهما .

القول : في شرائط الذمّة

الأوّل: قبول الجزية بما يراه الإمام علیه السلام أو والي المسلمين على الرؤوس أو الأراضي أو هما أو غيرهما أو جميعها .

الثاني: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان ، مثل العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين .

(مسألة 1) : مخالفة هذين الشرطين مستلزمة للخروج عن الذمّة ، بل الأوّل منهما من مقوّمات عقد الجزية ، والثاني منهما من مقتضيات الأمان ، ولو لم يعدّا شرطاً كان حسناً ، ولو فعلوا ما ينافي الأمان كانوا ناقضين للعهد وخارجين عن الذمّة ؛ اشترط عليهم أم لم يشترط .

الثالث: أن لا يتظاهروا بالمنكرات عندنا ، كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرّمات .

الرابع: قبول أن تجري عليهم أحكام المسلمين ؛ من أداء حقّ أو ترك محرّم أو إجراء حدود اللّه تعالى ونحوها ، والأحوط اشتراط ذلك عليهم .

(مسألة 2) : لو شرط هذان القسمان في عقد الجزية فخالفوا ، نقض العهد وخرجوا عن الذمّة ، بل يحتمل أن يكون مخالفة هذين أيضاً موجبة لنقض العقد مطلقاً ، فيخرجوا عنها بالامتناع والمخالفة وإن لم يشترطا عليهم .

الخامس: أن لا يُؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بأبنائهم والسرقة لأموالهم وإيواء عين المشركين والتجسّس لهم ، ولا يبعد أن يكون الأخيران

ص: 536

سيّما الثاني منهما من منافيات الأمان ، ولزوم تركهما من مقتضياته .

السادس: أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوساً ولا يطيلوا بناءً ، ولو خالفوا عزّروا .

(مسألة 3) : هذان الشرطان أيضاً كالثالث والرابع يحتمل أن يكون مخالفتهم فيهما ناقضاً للعهد مطلقاً ، ويحتمل أن يكون ناقضاً مع الاشتراط ، واحتمل بعضهم أن يكون النقض فيما إذا اشترط بنحو تعليق الأمان ، لا الشرط في ضمن عقده ، ولا شبهة في النقض على هذا الفرض .

(مسألة 4) : لو ارتكبوا جناية توجب الحدّ أو التعزير فعل بهم ما يقتضيه ، ولو سبّوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، أو الأئمّة علیهم السلام ، أو فاطمة الزهراء - سلام اللّه عليها - على احتمال غير بعيد ، قتل السابّ كغيرهم من المكلّفين ، ولو نالوهم بما دون السبّ عزّروا . ولو اشترط في العقد الكفّ عنه نقض العهد على قول . ولو علّق الأمان على الكفّ نقض العهد بالمخالفة .

(مسألة 5) : لو نسي في عقد الذمّة ذكر الجزية بطل العقد . وأمّا رابع المذكورات ففي بطلانه بعدم ذكره وعدمه تردّد ، ولو قيل بعدم البطلان كان حسناً ، ولزم عليهم مع عدم الشرط الالتزام بأحكام الإسلام ، ومع الامتناع نقض العهد على احتمال . والثاني من مقتضيات الأمان كما مرّ ، ولا يبطل العهد بعدم ذكره . وغير ما ذكر أيضاً لا يوجب عدم ذكرها بطلان العقد .

(مسألة 6) : كلّ مورد يوجب الامتناع والمخالفة الخروج من الذمّة مطلقاً - شرط عليهم أم لا - لو خالف أهل الذمّة الآن وامتنع منه يصير حربياً ويخرج عن الذمّة ، وكلّ مورد قلنا بأنّ الخروج عن الذمّة موقوف على الاشتراط

ص: 537

والمخالفة ، يشكل الحكم بانتقاض العهد وخروجهم عن الذمّة لو خالفوا ، ولو قلنا بأنّ جميع المذكورات من شرائط الذمّة - شرط في العقد أم لا - يخرج المخالف في واحد منها عنها ويصير حربياً .

(مسألة 7) : ينبغي أن يشترط في عقد الذمّة كلّ ما فيه نفع ورفعة للمسلمين ، وضعة لهم وما يقتضي دخولهم في الإسلام من جهته رغبةً أو رهبةً ، ومن ذلك اشتراط التميّز عن المسلمين في اللباس والشعر والركوب والكنى ؛ بما هو مذكور في المفصّلات .

(مسألة 8) : إذا خرقوا الذمّة في دار الإسلام ، وخالفوا في موارد قلنا ينتقض عهدهم فيها ، فلوالي المسلمين ردّهم إلى مأمنهم ، فهل له الخيار بين قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم ؟ الظاهر ذلك على إشكال . وهل أموالهم بعد خرق الذمّة في أمان يردّ إليهم مع ردّهم إلى مأمنهم أم لا ؟ الأشبه الأمان .

(مسألة 9) : إن أسلم الذمّي بعد الاسترقاق أو المفاداة لخرقه الذمّة لم يرتفع ذلك عنه ، وبقي على الرقّ ولم يردّ إليه الفداء . وإن أسلم قبلهما وقبل القتل ، سقط عنه الجميع وغيرها ممّا عليه حال الكفر ، عدا الديون والقود لو أتى بموجبه ، ويؤخذ منه أموال الغير إذا كان عنده غصباً مثلاً . وأمّا الحدود فقد قال الشيخ في «المبسوط» : إنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يسقط عنه الحدّ .

(مسألة 10) : يكره السلام على الذمّي ابتداءً ، وقيل : يحرم ، وهو أحوط . ولو بدأ الذمّي بالسلام ينبغي أن يقتصر في الجواب على قوله : «عليك» ، ويكره إتمامه ظاهراً ، ولو اضطرّ المسلم إلى أن يسلّم عليه أو يتمّ جوابه جاز بلا كراهية .

وأمّا غير الذمّي فالأحوط ترك السلام عليه إلاّ مع الاضطرار ؛ وإن كان الأوجه

ص: 538

الجواز على كراهية ، وينبغي أن يقول عند ملاقاتهم : «السلام على من اتّبع الهدى» ، ويستحبّ أن يضطرّهم إلى أضيق الطرق .

القول : في أحكام الأبنية

(مسألة 1) : لا يجوز إحداث أهل الكتاب ومن في حكمهم المعابد في بلاد الإسلام ، كالبيع والكنائس والصوامع وبيوت النيران وغيرها ، ولو أحدثوها وجبت إزالتها على والي المسلمين .

(مسألة 2) : لا فرق فيما ذكر من عدم جواز الإحداث ووجوب الإزالة بين ما كان البلد ممّا أحدثه المسلمون - كالبصرة والكوفة وبغداد وطهران ، وجملة من بلاد إيران ممّا مصّرها المسلمون - أو فتحها المسلمون عنوة - ككثير من بلاد إيران وتركيا والعراق وغيرها - أو صلحاً على أن تكون الأرض للمسلمين ، ففي جميع ذلك يجب إزالة ما أحدثوه ، ويحرم إبقاؤها كما يحرم الإحداث . وعلى الولاة ولو كانوا جائرين منعهم عن الإحداث ، وإزالة ما أحدثوه ، سيّما مع ما نرى من المفاسد العظيمة الدينية والسياسية ؛ والخطر العظيم على شبّان المسلمين وبلادهم .

(مسألة 3) : لو فتحت أرض صلحاً على أن تكون الأرض لواحد من أهل الذمّة ، ولم يشترط عليهم عدم إحداث المعابد ، جاز لهم إحداثها فيها ، ولو انهدمت جاز لهم تعميرها وتجديدها ، والمعابد التي كانت لهم قبل الفتح ولم يهدمها المسلمون ، جاز إقرارهم عليها على تأمّل وإشكال .

(مسألة 4) : كلّ بناء يستجدّه ويحدثه الذمّي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ، وهل يجوز مساواته ؟ فيه تأمّل وإن لا يبعد . ولو ابتاع

ص: 539

من مسلم ما هو مرتفع - على ارتفاعه وعلوّه - جاز ولم يؤمر بهدمه ، ولو انهدم المرتفع من أصله أو خصوص ما علا به لم يجز بناؤه كالأوّل ، فلم يعل به على المسلم ، فيقتصر على ما دونه على الأحوط ؛ وإن لا يبعد جواز المساواة .

(مسألة 5) : لو انشعب شيء من المبتاع من المسلم أو مال ولم ينهدم ، جاز رمّه وإصلاحه .

(مسألة 6) : لو بنى مسلم ما هو أخفض من مسكن ذمّي لم يؤمر الذمّي بهدمه وجعله مساوياً . وكذا لو اشترى من ذمّي ما هو أخفض منه .

(مسألة 7) : لو كانت دار المسلم في أرض منخفضة ، هل يجوز للذمّي أن يبني في أرض مرتفعة إذا كان جداره مساوياً لجدار المسلم أو أدون ؟ وجهان ، لا يبعد عدم الجواز ، ولو انعكس ففيه أيضاً وجهان . ولا يبعد جواز كون جدار الذمّي أطول إذا لم يعل على جدار المسلم ؛ بملاحظة كونه في محلّ منخفض .

(مسألة 8) : الظاهر أنّ عدم جواز العلوّ من أحكام الإسلام ، فلا دخل لرضا الجار وعدمه فيه ، كما أ نّه ليس من أحكام عقد الذمّة ، بل من أحكام الذمّي والمسلم ، فلا يكون المدار اشتراطه وعدمه .

(مسألة 9) : لا يجوز دخول الكفّار المسجد الحرام بلا إشكال ؛ سواء كانوا من أهل الذمّة أم لا ، ولا سائر المساجد إذا كان في دخولهم هتك ، بل مطلقاً على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وليس للمسلمين إذنهم فيه ، ولو أذنوا لم يصحّ .

(مسألة 10) : لا يجوز مكثهم في المساجد ولا اجتيازهم ولا دخولهم لجلب طعام أو شيء آخر . وهل يجوز دخولهم في الحرم مكثاً أو اجتيازاً أو امتياراً ؟ قالوا : لا يجوز ؛ لأنّ المراد من المسجد الحرام في الآية الكريمة هو الحرم ، وفيه

ص: 540

أيضاً رواية ، والأحوط ذلك . واحتمل بعضهم إلحاق حرم الأئمّة علیهم السلاموالصحن الشريف بالمساجد ، وهو كذلك مع الهتك ، والأحوط عدم الدخول مطلقاً .

(مسألة 11) : لا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور ، وادّعى شيخ الطائفة الإجماع عليه ، وبه وردت الرواية من الفريقين . ولا بأس بالعمل بها . والحجاز هو ما يسمّى الآن به ، ولا يختصّ بمكّة والمدينة ، والأقوى جواز الاجتياز والامتيار منه .

وتلحق بالمقام فروع :

الأوّل : كلّ ذمّي انتقل عن دينه إلى دين لا يقرّ أهله عليه ، لم يقبل منه البقاء عليه ولا يقرّ عليه ، كالنصراني يصير وثنياً ، واليهودي يصير بهائياً فلا يقبل منه إلاّ الإسلام أو القتل . ولو رجع إلى دينه الأوّل فهل يقبل منه ويقرّ عليه أم لا ؟ فيه إشكال وإن لا يبعد القبول . ولو انتقل من دينه إلى دين يقرّ أهله عليه كاليهودي يصير نصرانياً أو العكس ، فهل يقبل منه ويقرّ عليه أم لا ؟ لا يبعد القبول والإقرار ، وقيل : لا يقبل منه إلاّ الإسلام أو القتل .

الثاني : لو ارتكب أهل الذمّة ما هو سائغ في شرعهم وليس بسائغ في شرع الإسلام ، لم يعترضوا ما لم يتجاهروا به ، ولو تجاهروا به عمل بهم ما يقتضي الجناية بموجب شرع الإسلام ؛ من الحدّ أو التعزير . ولو فعلوا ما ليس بسائغ في شرعهم يفعل بهم ما هو مقتضى الجناية في شرع الإسلام . قيل : وإن شاء الحاكم دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحدّ عليه بمقتضى شرعهم ، والأحوط إجراء الحدّ عليه حسب شرعنا ؛ ولا فرق في هذا القسم بين المتجاهر وغيره .

الثالث : لو أوصى الذمّي ببناء كنيسة أو بيعة أو بيت نار معبداً لهم ومحلاًّ

ص: 541

لعباداتهم الباطلة ورجع الأمر إلينا ، لم يجز لنا إنفاذها . وكذا لو أوصى بصرف شيء في كتابة التوراة والإنجيل وسائر الكتب الضالّة المحرّفة وطبعها ونشرها ، وكذا لو وقف شيئاً على شيء ممّا ذكر . ولو لم يرجع الأمر إلينا ، فإن كان البناء ممّا لا يجوز إحداثها أو تعميرها يجب المنع عنه ، وإلاّ ليس لنا الاعتراض ، إلاّ إذا أرادوا بذلك تبليغ مذاهبهم الباطلة بين المسلمين وإضلال أبنائهم ، فإنّه يجب منعهم ودفعهم بأيّة وسيلة مناسبة .

الرابع : ليس للكفّار - ذمّياً كانوا أو لا - تبليغ مذاهبهم الفاسدة في بلاد المسلمين ، ونشر كتبهم الضالّة فيها ، ودعوة المسلمين وأبنائهم إلى مذاهبهم الباطلة ، ويجب تعزيرهم ، وعلى أولياء الدول الإسلامية أن يمنعهم عن ذلك بأيّة وسيلة مناسبة . ويجب على المسلمين أن يحترزوا عن كتبهم ومجالسهم ويمنعوا أبناءهم عن ذلك ، ولو وصل إليهم من كتبهم والأوراق الضالّة منهم شيئاً يجب محوها ، فإنّ كتبهم ليست إلاّ محرّفة غير محترمة . عصم اللّه تعالى المسلمين من شرور الأجانب وكيدهم ، وأعلى اللّه تعالى كلمة الإسلام .

ص: 542

كتاب القصاص

اشارة

وهو إمّا في النفس ، وإمّا فيما دونها :

القسم الأوّل : في قصاص النفس

اشارة

والنظر فيه في الموجب ، والشرائط المعتبرة فيه ، وما يثبت به ، وكيفية الاستيفاء :

القول : في الموجب

وهو إزهاق النفس المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية .

(مسألة 1) : يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً ، وبقصد فعل يقتل به غالباً وإن لم يقصد القتل به ، وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الديات .

(مسألة 2) : العمد : قد يكون مباشرة ، كالذبح والخنق باليد والضرب بالسيف والسكّين والحجر الغامز والجرح في المقتل ونحوها ممّا يصدر بفعله المباشري

ص: 543

عرفاً ، ففيه القود . وقد يكون بالتسبيب بنحو ، وفيه صور نذكرها في ضمن المسائل الآتية .

(مسألة 3) : لو رماه بسهم أو بندقة فمات ، فهو عمد عليه القود ولو لم يقصد القتل به ، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتّى مات ، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتّى مات ، أو جعل رأسه في جراب النورة حتّى مات ، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف ، فهي من العمد .

(مسألة 4) : في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس ، أو غير منقطع لكن متردّد النفس ، فمات من أثر ما فعل به ، فهو عمد عليه القود .

(مسألة 5) : لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله ، ثمّ أرسله فمات بسببه ، فإن قصد ولو رجاءً القتل به ففيه القصاص ، وإلاّ فالدية ، وكذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالباً ، أو عصر خصيته فمات ، أو أرسله منقطع القوّة فمات .

(مسألة 6) : لو كان الطرف ضعيفاً - لمرض أو صغر أو كبر ونحوها - ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة ، فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه ، وإلاّ ففيه التفصيل المتقدّم .

(مسألة 7) : لو ضربه بعصا - مثلاً - فلم يقلع عنه حتّى مات ، أو ضربه مكرّراً ما لا يتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه ككونه ضعيفاً أو صغيراً ، أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ككون الضارب قويّاً ، أو بالنسبة إلى الزمان كفصل البرودة الشديدة - مثلاً - فمات ، فهو عمد .

ص: 544

(مسألة 8) : لو ضربه بما لا يوجب القتل ، فأعقبه مرضاً بسببه ومات به ، فالظاهر أ نّه مع عدم قصد القتل لا يكون عمداً ولا قود ، ومع قصده عليه القود .

(مسألة 9) : لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّة لا يحتمل لمثله البقاء ، فهو عمد وإن لم يقصد القتل ، وإن كان مدّة يتحمّل مثله عادة ولا يموت به ، لكن اتّفق الموت ، أو أعقبه بسببه مرض فمات ، ففيه التفصيل بين كون القتل مقصوداً ولو رجاءً ، أو لا .

(مسألة 10) : لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات ، قتل به ، ولو لم يخرج منها عمداً وتخاذلاً فلا قود ولا دية قتل ، وعليه دية جناية الإلقاء في النار ، ولو لم يظهر الحال واحتمل الأمران لا يثبت قود ولا دية .

(مسألة 11) : لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات ، قتل به ، ومع عدم خروجه عمداً وتخاذلاً أو الشكّ في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة . ولو اعتقد أ نّه قادر على الخروج - لكونه من أهل فنّ السباحة - فألقاه ، ثمّ تبيّن الخلاف ، ولم يقدر الملقي على نجاته ، لم يكن عمداً .

(مسألة 12) : لو فصده ومنعه عن شدّه فنزف الدم ومات فعليه القود ، ولو فصده وتركه ، فإن كان قادراً على الشدّ فتركه تعمّداً وتخاذلاً حتّى مات ، فلا قود ولا دية النفس ، وعليه دية الفصد ، ولو لم يكن قادراً فإن علم الجاني ذلك فعليه القود ، ولو لم يعلم فإن فصده بقصد القتل ولو رجاءً فمات فعليه القود ظاهراً ، وإن لم يقصده بل فصده برجاء شدّه فليس عليه القود ، وعليه دية شبه العمد .

ص: 545

(مسألة 13) : لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً ، فإن كان ذلك ممّا يقتل به غالباً ؛ ولو لضعف الملقى عليه - لكبر أو صغر أو مرض - فعليه القود ، وإلاّ فإن قصد القتل به ولو رجاءً فكذلك هو عمد عليه القود ، وإن لم يقصد فهو شبه عمد ، وفي جميع التقادير دم الجاني هدر ، ولو عثر فوقع على غيره فمات فلا شيء عليه لا ديةً ولا قوداً ، وكذا لا شيء على الذي وقع عليه .

(مسألة 14) : لو سحره فقتل وعلم سببية سحره له ، فهو عمد إن أراد بذلك قتله ، وإلاّ فليس بعمد بل شبهه ؛ من غير فرق بين القول بأنّ للسحر واقعية أو لا ، ولو كان مثل هذا السحر قاتلاً نوعاً ، يكون عمداً ولو لم يقصد القتل به .

(مسألة 15) : لو جنى عليه عمداً فسرت فمات ، فإن كانت الجناية ممّا تسري غالباً فهو عمد ، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك . وأمّا لو كانت ممّا لا تسري ولا تقتل غالباً ، ولم يقصد الجاني القتل ، ففيه إشكال ، بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد .

(مسألة 16) : لو قدّم له طعاماً مسموماً بما يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به ، فلو لم يعلم الحال فأكل ومات ، فعليه القود ، ولا أثر لمباشرة المجنيّ عليه ، وكذا الحال لو كان المجنيّ عليه غير مميّز ؛ سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه أو أهداه أو خلطه بطعام الآكل .

(مسألة 17) : لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً ، فأكل متعمّداً وعن اختيار ، فلا قود ولا دية ، ولو قال كذباً : «إنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا» فأكله فمات ، فعليه القود ، ولو قال : «فيه سمّ» وأطلق فأكله ، فلا قود ولا دية .

ص: 546

(مسألة 18) : لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً ، فإن قصد قتله - ولو رجاءً - فهو عمد لو جهل الآكل ، ولو لم يقصد القتل فلا قود .

(مسألة 19) : لو قدم إليه المسموم بتخيّل أ نّه مهدور الدم فبان الخلاف ، لم يكن قتل عمد ولا قود فيه .

(مسألة 20) : لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل ، فأكله صاحب المنزل من غير علم به فمات ، فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل . وأمّا لو جعله بقصد قتل كلب - مثلاً - فأكله صاحب المنزل فلا قود ، بل الظاهر أ نّه لا دية أيضاً ، ولو علم أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القود .

(مسألة 21) : لو كان في بيته طعام مسموم ، فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات ، فلا قود ولا دية ، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلا إذن منه وعدواناً فلا قود .

(مسألة 22) : لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها ، ودعا غيره الذي جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه ، فجاء فسقط ومات ، فعليه القود . ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها ، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها ، لا قود ولا دية .

(مسألة 23) : لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّي مجهز بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح لا قود في النفس ، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه ، وإلاّ فأرش الجناية ، ولو لم يكن مجهزاً لكن اتّفق القتل به وبالجرح معاً ، سقط ما قابل فعل المجروح ، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته .

(مسألة 24) : لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله السباع ، فهو قتل

ص: 547

عمد عليه القود . وكذا لو ألقاه إلى أسد ضارّ فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قود ولا دية . ولو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لا بقصد القتل فاتّفق أ نّه قتله ، لم يكن من العمد ، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد ، عليه القود ، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله ، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده .

(مسألة 25) : لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً ، فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا إشكال ، بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاءً . نعم ، مع علمه أو اطمئنانه بأ نّه لا يتردّد السباع فاتّفق ذلك لا يكون من العمد ، والظاهر ثبوت الدية .

(مسألة 26) : لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به ، لكن سرى فمات ، فهو عمد عليه القود .

(مسألة 27) : لو أنهشه حيّة لها سمّ قاتل ؛ بأن أخذها وألقمها شيئاً من بدنه ، فهو قتل عمد عليه القود . وكذا لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك . وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار ، أو جمع بينها وبين من لا يقدر عليه لضعف كمرض أو صغر أو كبر ، فإنّ في جميعها وكذا في نظائرها قوداً .

(مسألة 28) : لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلاً غالباً فقتله فعليه القود . وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلاً غالباً ، أو لم يعلم حاله وقصد ولو رجاءً القتل ، فهو عمد .

(مسألة 29) : لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود ، ولو ألقاه في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر ، فعليه القود وإن لم يكن من قصده القتل

ص: 548

بالتقام الحوت ، بل كان قصده الغرق . ولو ألقاه في البحر ، وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقتل ، فعليه الدية ، ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القود .

(مسألة 30) : لو جرحه ثمّ عضّه سبع وسرتا فعليه القود ، لكن مع ردّ نصف الدية ، ولو صالح الوليّ على الدية فعليه نصفها ، إلاّ أن يكون سبب عضّ السبع هو الجارح ، فعليه القود ، ومع العفو على الدية عليه تمام الدية .

(مسألة 31) : لو جرحه ثمّ عضّه سبع ثمّ نهشته حيّة فعليه القود مع ردّ ثلثي الدية ، ولو صالح بها فعليه ثلثها ، وهكذا . وممّا ذكر يظهر الحال في جميع موارد اشتراك الحيوان مع الإنسان في القتل .

(مسألة 32) : لو حفر بئراً ووقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع لا الحافر ، وكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر بالسيف - مثلاً - فقدّه نصفين ، أو ألقاه في البحر وبعد وقوعه فيه قبل موته مع بقاء حياته المستقرّة قتله آخر ، فإنّ القاتل هو الضارب لا المُلقي .

(مسألة 33) : لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عيناً لهم ، فالقود على القاتل لا الممسك ، لكن الممسك يحبس أبداً حتّى يموت في الحبس ، والربيئة تسمل عيناه بميل محمىً ونحوه .

(مسألة 34) : لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغاً عاقلاً ، دون المكره وإن أوعده على القتل ، ويحبس الآمر به أبداً حتّى يموت . ولو كان المكره مجنوناً أو طفلاً غير مميّز فالقصاص على المكره الآمر . ولو أمر شخص طفلاً مميّزاً بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود ، والدية على عاقلة

ص: 549

الطفل ، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكره القود أو الحبس أبداً ؟ الأحوط الثاني .

(مسألة 35) : لو قال بالغ عاقل لآخر : «اقتلني وإلاّ قتلتك» لا يجوز له القتل ، ولا ترفع الحرمة ، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعاً ، بل وجب ، ولا شيء عليه ، ولو قتله بمجرّد الإيعاد كان آثماً ، وهل عليه القود ؟ فيه إشكال وإن كان الأرجح عدمه ، كما لا يبعد عدم الدية أيضاً .

(مسألة 36) : لو قال : «اقتل نفسك» ، فإن كان المأمور عاقلاً مميّزاً فلا شيء على الآمر ، بل الظاهر أ نّه لو أكرهه على ذلك فكذلك ، ويحتمل الحبس أبداً لإكراهه فيما صدق الإكراه ، كما لو قال : «اقتل نفسك وإلاّ قتلتك شرّ قتلة» .

(مسألة 37) : يصحّ الإكراه بما دون النفس ، فلو قال له : «اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك» كان له قطعها وليس عليه قصاص ، بل القصاص على المكره ، ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر ، ولو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما ، أو قطع يد أحد الرجلين فاختار أحدهما ، فليس عليه شيء ، وإنّما القصاص على المكره الآمر .

(مسألة 38) : لو أكرهه على صعود شاهق فزلق رجله وسقط فمات ، فالظاهر أنّ عليه الدية لا القصاص ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو كان مثل الصعود موجباً للسقوط غالباً على إشكال .

(مسألة 39) : لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالارتداد مثلاً ، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا ، ثمّ ثبت أ نّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ ، وكان القود على الشهود زوراً

ص: 550

مع ردّ الدية على حساب الشهود . ولو طلب الوليّ القصاص كذباً وشهد الشهود زوراً ، فهل القود عليهم جميعاً ، أو على الوليّ ، أو على الشهود ؟ وجوه ، أقربها الأخير .

(مسألة 40) : لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح - بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة - فذبحه آخر فالقود على الأوّل ، وهو القاتل عمداً ، وعلى الثاني دية الجناية على الميّت ، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرّة فذبحه آخر فالقود على الثاني ، وعلى الأوّل حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً ؛ سواء كان الجرح ممّا لا يقتل مثله أو يقتل غالباً .

(مسألة 41) : لو جرحه اثنان ، فاندمل جراحة أحدهما ، وسرت الاُخرى فمات ، فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها ، وعلى الثاني القود ، فهل يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ ؟ فيه إشكال ؛ وإن كان الأقرب عدم الردّ .

(مسألة 42) : لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات ، فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني ، كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السمّ في الدم ، وهلك به وبالقطع الثاني ، كان القود عليهما ، كما أ نّه لو كان القتل مستنداً إلى السمّ القاتل في القطع ، ولم يكن في القطع سراية ، كان الأوّل قاتلاً ، فالقود عليه ، وإذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلاً .

(مسألة 43) : لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحداً ، دخل دية الطرف في دية النفس على تأمّل في بعض الفروض . وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات

ص: 551

بضربة واحدة ، فلو ضربه ففقئت عيناه وشجّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، وأمّا إذا كانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها ، أو يفرّق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية ، كمن أخذ سيفاً وقطّع الرجل إرباً إرباً حتّى مات ، فيدخل قصاصها في قصاص النفس ، وبين ما إذا كانت متفرّقة ، كمن قطع يده في يوم ، وقطع رجله في يوم آخر وهكذا إلى أن مات ، فلم يدخل قصاصها في قصاصها ؟ وجوه ، لا يبعد أوجهية الأخير ، والمسألة بعدُ مشكلة . نعم ، لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات ، فمن قطع يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها ، ثمّ قطع رجله فاندملت ثمّ قتله ، يقتصّ منه ثمّ يقتل .

(مسألة 44) : لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ ، فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد ما فضل عن ديته ، فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل ، ولو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته وهكذا ، وللوليّ أن يقتصّ من بعضهم ، ويردّ الباقون المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه ، ثمّ لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ، ويردّه إليهم ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين ، فيردّ المتروك دية جنايته ، وهي الثلث إليهما ، ويردّ الوليّ البقيّة إليهما ، وهي دية كاملة ، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية .

(مسألة 45) : تتحقّق الشركة في القتل ؛ بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد ، كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق ، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت . وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، فلو اجتمع عليه عدّة ، فجرحه كلّ واحد بما لا يقتل منفرداً ،

ص: 552

لكن سرت الجميع فمات ، فعليهم القود بنحو ما مرّ . ولا يعتبر التساوي في عدد الجناية ، فلو ضربه أحدهم ضربة والآخر ضربات والثالث أكثر وهكذا ، فمات بالجميع ، فالقصاص عليهم بالسواء ، والدية عليهم سواء . وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية ، فلو جرحه أحدهما جائفة والآخر موضحة مثلاً ، أو جرحه أحدهما وضربه الآخر ، يقتصّ منهما سواء ، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما .

(مسألة 46) : لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف ، يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس ، فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل ، فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد يقتسمانها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد ، وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية ، وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة .

(مسألة 47) : الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع ؛ بأن يكرهوا شخصاً على قطع اليد ، أو يضعوا خنجراً على يده واعتمدوا عليه أجمع حتّى تقطع . وأمّا لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما ، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها ، فقطع كلّ جزءاً منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد ، فلا شركة ولا قطع ، بل كلّ جنى جناية منفردة ، وعليه القصاص أو الدية في جنايته الخاصّة .

(مسألة 48) : لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شيء ، ولو كنّ أكثر فللوليّ قتلهنّ وردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسويّة ، فإن كنّ ثلاثاً وأراد قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة ، وهي بينهنّ بالسويّة ، وإن كنّ أربعاً فدية امرأتين كذلك

ص: 553

وهكذا ، وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكة ثلث ديته على المقتولتين بالسويّة ، ولو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل .

(مسألة 49) : لو اشترك في قتل رجل رجل وامرأة فعلى كلّ منهما نصف الدية ، فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرجل ، ولا ردّ على المرأة ، ولو قتل المرأة فلا ردّ ، وعلى الرجل نصف الدية ، ولو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها .

(مسألة 50) : قالوا : كلّ موضع يوجب الردّ يجب أوّلاً الردّ ثمّ يستوفى ، وله وجه . ثمّ إنّ المفروض في المسائل المتقدّمة هو الرجل المسلم الحرّ والمرأة كذلك .

القول : في الشرائط المعتبرة في القصاص

وهي اُمور :

الأوّل: التساوي في الحرّية والرقّية ، فيقتل الحرّ بالحرّ وبالحرّة ، لكن مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، وكذا تقتل الحرّة بالحرّة وبالحرّ لكن لا يؤخذ من وليّها أو تركتها فاضل دية الرجل .

(مسألة 1) : لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية ، أو كان فقيراً ولم يرض القاتل بالدية ، أو كان فقيراً ، يؤخّر القصاص إلى وقت الأداء والميسرة .

(مسألة 2) : يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف ، وكذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ ، وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم يبلغ جراحة المرأة

ص: 554

ثلث دية الحرّ ، فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما ، فحينئذٍ لا يقتصّ من الرجل لها إلاّ مع ردّ التفاوت .

الثاني: التساوي في الدين ، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفّار .

(مسألة 1) : لا فرق بين أصناف الكفّار من الذمّي والحربي والمستأمن وغيره ، ولو كان الكافر محرّم القتل كالذمّي والمعاهد يعزّر لقتله ، ويغرم المسلم دية الذمّي لهم .

(مسألة 2) : لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمّة جاز الاقتصاص منه بعد ردّ فاضل ديته ، وقيل : إنّ ذلك حدّ لا قصاص ، وهو ضعيف .

(مسألة 3) : يقتل الذمّي بالذمّي وبالذمّية مع ردّ فاضل الدية ، والذمّية بالذمّية وبالذمّي من غير ردّ الفضل كالمسلمين ؛ من غير فرق بين وحدة ملّتهما واختلافهما ، فيقتل اليهودي بالنصراني وبالعكس ، والمجوسي بهما وبالعكس .

(مسألة 4) : لو قتل ذمّي مسلماً عمداً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيّرون بين قتله واسترقاقه ؛ من غير فرق بين كون المال عيناً أو ديناً منقولاً أو لا ، ولا بين كونه مساوياً لفاضل دية المسلم أو زائداً عليه أو مساوياً للدية أو زائداً عليها .

(مسألة 5) : أولاد الذمّي القاتل أحرار لا يسترقّ واحد منهم لقتل والدهم ، ولو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله .

(مسألة 6) : لو قتل الكافر كافراً وأسلم لم يقتل به ، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية .

ص: 555

(مسألة 7) : يقتل ولد الرشدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميّزه ولو لم يبلغ . وأمّا في حال صغره قبل التميّز أو بعده وقبل إسلامه ، ففي قتله به وعدمه تأمّل وإشكال .

ومن لواحق هذا الباب فروع :

منها : لو قطع مسلم يد ذمّي عمداً فأسلم وسرت إلى نفسه ، فلا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعليه دية النفس كاملة ، وكذا لو قطع صبيّ يد بالغ فبلغ ثمّ سرت جنايته ، لا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعلى عاقلته دية النفس .

ومنها : لو قطع يد حربي أو مرتدّ فأسلم ثمّ سرت فلا قود ، ولا دية على الأقوى . وقيل بالدية اعتباراً بحال الاستقرار ، والأوّل أقوى ، ولو رماه فأصابه بعد إسلامه فلا قود ولكن عليه الدية ، وربما يحتمل العدم اعتباراً بحال الرمي ، وهو ضعيف ، وكذا الحال لو رمى ذمّياً فأسلم ثمّ أصابه فلا قود ، وعليه الدية .

ومنها : لو قتل مرتدّ ذمّياً يقتل به ، وإن قتله ورجع إلى الإسلام فلا قود وعليه دية الذمّي ، ولو قتل ذمّي مرتدّاً - ولو عن فطرة - قتل به ، ولو قتله مسلم فلا قود ، والظاهر عدم الدية عليه ، وللإمام علیه السلام تعزيره .

ومنها : لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الوليّ كان عليه القود ، ولو وجب قتله بالزنا أو اللواط فقتله غير الإمام علیه السلام ، قيل : لا قود عليه ولا دية ، وفيه تردّد .

الشرط الثالث: انتفاء الاُبوّة ، فلا يقتل أب بقتل ابنه ، والظاهر أن لا يقتل أب الأب وهكذا .

ص: 556

(مسألة 1) : لا تسقط الكفّارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية ، فيؤدّي الدية إلى غيره من الورّاث ، ولا يرث هو منها .

(مسألة 2) : لا يقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئاً له ، فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم .

(مسألة 3) : يقتل الولد بقتل أبيه ، وكذا الاُمّ وإن علت بقتل ولدها ، والولد بقتل اُمّه ، وكذا الأقارب كالأجداد والجدّات من قبل الاُمّ ، والإخوة من الطرفين ، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات .

(مسألة 4) : لو ادّعى اثنان ولداً مجهولاً ، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود ، ولو قتلاه معاً فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما ، أو يرجع إلى القرعة ؟ الأقوى هو الثاني . ولو ادّعياه ثمّ رجع أحدهما وقتلاه ، توجّه القصاص على الراجع بعد ردّ ما يفضل عن جنايته ، وعلى الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه ، ولو قتله الراجع خاصّة اختصّ بالقصاص ، ولو قتله الآخر لا يقتصّ منه . ولو رجعا معاً فللوارث أن يقتصّ منهما بعد ردّ دية نفس عليهما . وكذا الحال لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل ، بل الظاهر أ نّه لو رجع من أخرجته القرعة ، كان الأمر كذلك ؛ بقي الآخر على الدعوى أم لا .

(مسألة 5) : لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ . وقيل : لا يملك أن يقتصّ من والده ، وهو غير وجيه .

الشرط الرابع والخامس: العقل والبلوغ ، فلا يقتل المجنون ؛ سواء قتل عاقلاً أو مجنوناً . نعم ، تثبت الدية على عاقلته . ولا يقتل الصبيّ بصبيّ ولا ببالغ وإن بلغ عشراً أو بلغ خمسة أشبار ، فعمده خطأ حتّى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات ، والدية على عاقلته .

ص: 557

(مسألة 1) : لو قتل عاقل ثمّ خولط وذهب عقله لم يسقط عنه القود ؛ سواء ثبت القتل بالبيّنة أو بإقراره حال صحّته .

(مسألة 2) : لا يشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص ، فلو قتل بالغ غير رشيد فعليه القود .

(مسألة 3) : لو اختلف الوليّ والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته ، فقال الوليّ : «قتلته حال بلوغك أو عقلك» فأنكره الجاني ، فالقول قول الجاني بيمينه . ولكن تثبت الدية في مالهما بإقرارهما لا العاقلة ؛ من غير فرق بين الجهل بتأريخهما أو بتأريخ أحدهما دون الآخر . هذا في فرض الاختلاف في البلوغ . وأمّا في الاختلاف في عروض الجنون ، فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل معلوم التأريخ وشكّ في تأريخ عروض الجنون ، فالقول قول الوليّ ، وبين سائر الصور فالقول قول الجاني ، ولو لم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضاً .

(مسألة 4) : لو ادّعى الجاني صغره فعلاً وكان ممكناً في حقّه ، فإن أمكن إثبات بلوغه فهو ، وإلاّ فالقول قوله بلا يمين ، ولا أثر لإقراره بالقتل ، إلاّ بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الإقرار به .

(مسألة 5) : لو قتل البالغ الصبيّ قتل به على الأشبه ؛ وإن كان الاحتياط أن لا يختار وليّ المقتول قتله ، بل يصالح عنه بالدية ، ولا يقتل العاقل بالمجنون وإن كان أدوارياً مع كون القتل حال جنونه ، ويثبت الدية على القاتل إن كان عمداً أو شبهه ، وعلى العاقلة إن كان خطأً محضاً ، ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه ، فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين .

ص: 558

(مسألة 6) : في ثبوت القود على السكران الآثم في شرب المسكر إن خرج به عن العمد والاختيار تردّد ، والأقرب الأحوط عدم القود . نعم ، لو شكّ في زوال العمد والاختيار منه يلحق بالعامد . وكذا الحال في كلّ ما يسلب العمد والاختيار ، فلو فرض أنّ في البنج وشرب المرقد حصول ذلك يلحق بالسكران ، ومع الشكّ يعمل معه معاملة العمد . ولو كان السكر ونحوه من غير إثم فلا شبهة في عدم القود ، ولا قود على النائم والمغمى عليه . وفي الأعمى تردّد .

الشرط السادس: أن يكون المقتول محقون الدم ، فلو قتل من كان مهدور الدم - كالسابّ للنبي صلی الله علیه و آله وسلم - فليس عليه القود . وكذا لا قود على من قتله بحقّ كالقصاص والقتل دفاعاً ، وفي القود على قتل من وجب قتله حدّاً - كاللائط والزاني والمرتدّ فطرةً بعد التوبة - تأمّل وإشكال . ولا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحدّ .

القول : فيما يثبت به القود

اشارة

وهو اُمور :

الأوّل : الإقرار بالقتل

ويكفي فيه مرّة واحدة ، ومنهم من يشترط مرّتين ، وهو غير وجيه .

(مسألة 1) : يعتبر في المقرّ : البلوغ والعقل والاختيار والقصد والحرّية ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون ، ولا المكره ، ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الذي ذهب عقله واختياره .

ص: 559

(مسألة 2) : يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي ، فيؤخذ بإقراره ، ويقتصّ منه في الحال من غير انتظار لفكّ حجره .

(مسألة 3) : لو أقرّ شخص بقتله عمداً وآخر بقتله خطأً ، كان للوليّ الأخذ بقول صاحب العمد ، فيقتصّ منه ، والأخذ بقول صاحب الخطأ ، فيلزمه بالدية ، وليس له الأخذ بقولهما .

(مسألة 4) : لو اتّهم رجل بقتل وأقرّ المتّهم بقتله عمداً ، فجاء آخر وأقرّ أ نّه هو الذي قتله ، ورجع المُقرّ الأوّل عن إقراره ، درئ عنهما القصاص والدية ، ويؤدّى دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب ، ولا بأس به ، لكن يقتصر على موردها والمتيقّن من مورد فتوى الأصحاب ، فلو لم يرجع الأوّل عن إقراره عمل على القواعد ، ولو لم يكن بيت مال للمسلمين فلا يبعد إلزامهما أو إلزام أحدهما بالدية ، ولو لم يكن لهما مال ففي القود إشكال .

الثاني : البيّنة

لا يثبت ما يوجب القصاص - سواء كان في النفس أو الطرف - إلاّ بشاهدين عدلين ، ولا اعتبار بشهادة النساء فيه منفردات ولا منضمّات إلى الرجل ، ولا تجب بشهادتهنّ الدية فيما يوجب القصاص . نعم ، تجوز شهادتهنّ فيما يوجب الدية ، كالقتل خطأً أو شبه عمد ، وفي الجراحات التي لا توجب القصاص كالهاشمة وما فوقها . ولا يثبت ما يوجب القصاص بشهادة شاهد ويمين المدّعي على قول مشهور .

(مسألة 1) : يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة أو كالصريحة ، نحو قوله : «قتله بالسيف» ، أو «ضربه به فمات» ، أو «أراق دمه

ص: 560

فمات منه» ، ولو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل . نعم ، الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقلية التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفاً ، مثل أن يقال في قوله : «ضربه بالسيف فمات» : يحتمل أن يكون الموت بغير الضرب ، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي ، ولا يلزم التصريح بما لا يتخلّل فيه الاحتمال عقلاً .

(مسألة 2) : يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع واحد ووصف واحد ، فلو شهد أحدهما : أ نّه قتله غدوة ، والآخر : عشيّة ، أو شهد أحدهما : أ نّه قتله بالسمّ ، والآخر : أ نّه بالسيف ، أو قال أحدهما : أ نّه قتله في السوق ، وقال الآخر : في المسجد ، لم يقبل قولهما ، والظاهر أ نّه ليس من اللوث أيضاً . نعم ، لو شهد أحدهما : بأ نّه أقرّ بالقتل ، والآخر بمشاهدته ، لم يقبل شهادتهما ، ولكنّه من اللوث .

(مسألة 3) : لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً ، وشهد الآخر بالإقرار عمداً ، ثبت أصل القتل الذي اتّفقا عليه ، فحينئذٍ يكلّف المدّعى عليه بالبيان ، فإن أنكر أصل القتل لا يقبل منه ، وإن أقرّ بالعمد قبل منه ، وإن أنكر العمد وادّعاه الوليّ فالقول قول الجاني مع يمينه ، وإن ادّعى الخطأ وأنكر الوليّ ، قيل : يقبل قول الجاني بيمينه ، وفيه إشكال ، بل الظاهر أنّ القول قول الوليّ ، ولو ادّعى الجاني الخطأ وادّعى الوليّ العمد فالظاهر هو التداعي .

(مسألة 4) : لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً والآخر بالقتل المطلق ، وأنكر القاتل العمد وادّعاه الوليّ كان شهادة الواحد لوثاً ، فإن أراد الوليّ إثبات دعواه فلا بدّ من القسامة .

(مسألة 5) : لو شهد اثنان : بأنّ القاتل زيد مثلاً ، وآخران : بأ نّه عمرو دونه ،

ص: 561

قيل : يسقط القصاص ووجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبيهاً به ، وعلى عاقلتهما لو كان خطأً ، وقيل : إنّ الوليّ مخيّر في تصديق أيّهما شاء ، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد بقتله منفرداً ، والوجه سقوط القود والدية جميعاً .

(مسألة 6) : لو شهدا بأ نّه قتل عمداً ، فأقرّ آخر أ نّه هو القاتل ، وأنّ المشهود عليه بريء من قتله ، ففي رواية صحيحة معمول بها : «إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه ، ولا سبيل لهم على الآخر ، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه . وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه ، ولا سبيل لهم على الذي أقرّ ، ثمّ ليؤدّ الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية . وإن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً ذاك لهم ، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصّاً دون صاحبه ثمّ يقتلوهما ، وإن أرادوا أن يأخذوا الدية فهي بينهما نصفان» . والمسألة مشكلة جدّاً يجب الاحتياط فيها وعدم التهجّم على قتلهما .

(مسألة 7) : لو فرض في المسألة المتقدّمة : أنّ أولياء الميّت ادّعوا على أحدهما دون الآخر سقط الآخر ، فإن ادّعوا على المشهود عليه سقط إقرار المقرّ ، وإن ادّعوا على المقرّ سقطت البيّنة .

الثالث : القسامة
اشارة

والبحث فيها في مقاصد :

المقصد الأوّل : في اللوث

الأوّل : في اللوث

والمراد به : أمارة ظنّية قامت عند الحاكم على صدق المدّعي ، كالشاهد

ص: 562

الواحد ، أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول ، وكذا لو وجد متشحّطاً بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم ، أو وجد كذلك في دار قوم أو في محلّة منفردة عن البلد لا يدخل فيها غير أهلها ، أو في صفّ قتال مقابل الخصم بعد المراماة . وبالجملة : كلّ أمارة ظنّية عند الحاكم توجب اللوث ؛ من غير فرق بين الأسباب المفيدة للظنّ ، فيحصل اللوث بإخبار الصبيّ المميّز المعتمد عليه ، والفاسق الموثوق به في إخباره ، والكافر كذلك ، والمرأة ونحوهم .

(مسألة 1) : لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب والذهاب ، أو محلّة منفردة كانت مطروقة ، فلا لوث إلاّ إذا كانت هناك عداوة فيثبت اللوث .

(مسألة 2) : لو وجد قتيل بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه ، ومع التساوي فهما سواء في اللوث . نعم ، لو كان في إحداهما عداوة فاللوث فيها وإن كانت أبعد .

(مسألة 3) : لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي ، فلا قسامة ولا تغليظ ، والبيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، فللوليّ مع عدم البيّنة إحلاف المنكر يميناً واحداً .

(مسألة 4) : لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد ، أو وجد في فلاة أو سوق أو على جسر ، ولم يعلم من قتله ، فديته من بيت مال المسلمين . نعم ، لو كان في الموارد المذكورة أمارة ظنّية على كون القتل بفعل شخص معيّن - مثلاً - حصل اللوث .

(مسألة 5) : لو تعارض الأمارات الظنّية بطل اللوث ، كما لو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدم ، وسبع من شأنه قتل الإنسان ، ولم تكن أمارة

ص: 563

لحصول القتل بأيّهما وفي كلّ طرف شكّ محض ، فلا بدّ في مثله فصل الخصومة بالطرق المعهودة غير القسامة .

(مسألة 6) : لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأقوى بعد قيام الأمارة الظنّية على أصل القتل ، ولا يشترط في القسامة حضور المدّعى عليه ، كما في سائر المقامات على الأصحّ .

(مسألة 7) : لو ادّعى الوليّ أنّ فلاناً من أهل الدار قتله ، بعد أن وجد مقتولاً فيها ، حصل اللوث وثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل ، وإلاّ فلا لوث بالنسبة إليه ، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه .

المقصد الثاني : في كمّية القسامة

وهي في العمد خمسون يميناً ، وفي الخطأ وشبهه خمس وعشرون على الأصحّ .

(مسألة 1) : إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كلّ واحد يميناً وإن نقصوا عنه كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا القسامة ، ولو كان القوم أكثر ، فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد وخمسة وعشرين في غيره .

(مسألة 2) : لو لم يكن للمدّعي قسامة ، أو كان ولكن امتنعوا - كلاًّ أو بعضاً - حلف المدّعي ومن يوافقه إن كان ، وكرّر عليهم حتّى تتمّ القسامة ، ولو لم يوافقه أحد كرّر عليه حتّى يأتي بتمام العدد .

(مسألة 3) : لو كان العدد ناقصاً ، فهل يجب التوزيع عليهم بالسويّة ، فإن كان

ص: 564

عددهم عشرة يحلف كلّ واحد خمسة ، أو يحلف كلّ مرّة ويتمّ وليّ الدم النقيصة ، أو لهم الخيرة بعد يمين كلّ واحد ، فلهم التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا ؟ لا يبعد الأخير ؛ وإن كان الأولى التوزيع بالسويّة . نعم ، لو كان في التوزيع كسر ، كما إذا كان عددهم سبعة ، فبعد التوزيع بقي الكسر واحداً ، فلهم الخيرة . والأولى حلف وليّ الدم في المفروض ، بل لو قيل : إنّ النقيصة مطلقاً على وليّ الدم أو أوليائه فليس ببعيد ، فإذا كان العدد تسعة فالباقي خمسة يحلفها الوليّ أو الأولياء ، فإن كان في التوزيع بين الأولياء كسر فهم بالخيار ، ولو وقع فيهم تشاحّ فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ، وليس هذا نكولاً .

(مسألة 4) : هل يعتبر في القسامة أن تكون من الورّاث فعلاً ، أو في طبقات الإرث ولو لم تكن وارثاً فعلاً ، أو يكفي كونها من قبيلة المدّعي وعشيرته عرفاً وإن لم تكن من أقربائه ؟ الظاهر عدم اعتبار الوراثة فعلاً . نعم ، الظاهر اعتبار ذلك في المدّعي ، وأمّا سائر الأفراد فالاكتفاء بكونهم من القبيلة والعشيرة غير بعيد ، لكن الأظهر أن يكونوا من أهل الرجل وأقربائه . والظاهر اعتبار الرجولية في القسامة ، وأمّا في المدّعي فلا تعتبر فيه وإن كانت أحد المدّعين ، ومع عدم العدد من الرجال ففي كفاية حلف النساء تأمّل وإشكال ، فلا بدّ من التكرير بين الرجال ، ومع الفقد يحلف المدّعي تمام العدد ولو كان من النساء .

(مسألة 5) : لو كان المدّعي أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين قسامة ، وأمّا لو كان المدّعى عليه أكثر ففي كفاية خمسين قسامة وعدمها إشكال ، والأوجه تعدّد القسامة حسب تعدّد المدّعى عليه ، فلو كان اثنين يحلف كلّ منهما مع قومه خمسين قسامة على ردّ دعوى المدّعي ، وإن كان الاكتفاء بالخمسين لا يخلو من وجه ، لكن الأوّل أوجه .

ص: 565

(مسألة 6) : لو لم يحلف المدّعي أو هو وعشيرته ، فله أن يردّ الحلف على المدّعى عليه فعليه أيضاً خمسون قسامة ، فليحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته ، وحلف كلّ واحد ببراءته ، ولو كانوا أقلّ من الخمسين كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا العدد ، وحكم ببراءته قصاصاً ودية . وإن لم يكن له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يميناً ، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصاً ودية . وإن لم تكن له قسامة ونكل عن اليمين اُلزم بالغرامة ، ولا يردّ في المقام اليمين على الطرف .

(مسألة 7) : تثبت القسامة في الأعضاء مع اللوث . وهل القسامة فيها خمسون في العمد وخمس وعشرون في غيره فيما بلغت الجناية الدية - كالأنف والذكر - وإلاّ فبنسبتها من خمسين يميناً في العمد ، وخمس وعشرين في الخطأ وشبهه ، أو ستّة أيمان فيما فيه دية النفس ، وبحسابه من الستّ فيما فيه دون الدية ؟ الأحوط هو الأوّل ، والأشبه هو الثاني . وعليه ففي اليد الواحدة أو الرجل الواحدة وكلّ ما فيه نصف الدية ثلاث أيمان ، وفيما فيه ثلثها اثنتان وهكذا ، وإن كان كسر في اليمين اُكمل بيمين ؛ إذ لا تكسر اليمين ، فحينئذٍ في الإصبع الواحدة يمين واحدة ، وكذا في الأنملة الواحدة ، وكذا الكلام في الجرح ، فيجزي الستّ بحسب النسبة ، وفي الكسر يكمل بيمين .

(مسألة 8) : يشترط في القسامة علم الحالف ، ويكون حلفه عن جزم وعلم ، ولا يكفي الظنّ .

(مسألة 9) : هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد والخطأ في النفس وغيرها ؟ فيه خلاف ، والوجه عدم القبول .

ص: 566

(مسألة 10) : لا بدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع ومورد الحلف عن الإبهام والاحتمال ؛ من ذكر القاتل والمقتول ونسبهما ووصفهما بما يزيل الإبهام والاحتمال ، وذكر نوع القتل من كونه عمداً أو خطأً أو شبه عمد ، وذكر الانفراد أو الشركة ونحو ذلك من القيود .

المقصد الثالث : في أحكامها

(مسألة 1) : يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد ، والدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد ، وعلى العاقلة في الخطأ المحض . وقيل : تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة ، وهو غير مرضيّ .

(مسألة 2) : لو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث ، فبالنسبة إلى ذي اللوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامة ، وبالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدعاوي ؛ اليمين على المدّعى عليه ولا قسامة ، فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف ، وهذا الحلف لا يدخل في الخمسين ، بل لا بدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى .

(مسألة 3) : لو أراد قتل ذي اللوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف ديته . وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله ، يردّ عليه نصف الدية .

(مسألة 4) : لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدعوى إلى الحاكم تسمع دعواه ، ويطالبه خمسين قسامة ، ومع الفقد يحلّفه خمسين يميناً في العمد ، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت ، ويثبت حقّه ، ولم يجب انتظار سائر

ص: 567

الأولياء ، وله الاستيفاء ولو قوداً ، ثمّ لو حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه ، قالوا : حلف بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً ففي العمد خمس وعشرون ، وإن كان اثنين فلكلّ ثلث ، وهكذا ، وفي الكسور يجبر بواحدة . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه . ويحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر ، فيقال بثبوت حقّ الغائب بها ويمينه خمسين يميناً مع فقد القسامة ، فيقال بعدم ثبوته بها . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة ، ومع فقدها ويمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان . ويحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلاّ بخمسين قسامة ، ومع فقدها يحلف خمسين يميناً كالحاضر . ولو كان الغائب أزيد من واحد وادّعى الجميع ، كفاهم خمسين قسامة أو خمسين يميناً من جميعهم ، أقوى الاحتمالات الأخير ، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه ، ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء .

(مسألة 5) : لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا كانت أمارات على القتل . نعم ، لا يبعد القدح إذا كان اللوث بشاهد واحد مثلاً . والمقامات مختلفة .

(مسألة 6) : لو مات الوليّ قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه ، قام وارثه مقامه في الدعوى ، فعليه إذا أراد إثبات حقّه القسامة ، ومع فقدها خمسون أو خمس وعشرون يميناً . وإن مات الوليّ في أثناء الأيمان فالظاهر لزوم استئناف الأيمان . ولو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقّه من غير يمين .

(مسألة 7) : لو حلف المدّعي مع اللوث واستوفى الدية ، ثمّ شهد اثنان أ نّه كان غائباً غيبة لا يقدر معها على القتل ، أو محبوساً كذلك ، فهل تبطل القسامة

ص: 568

بذلك واستُعيدت الدية ، أم لا مجال للبيّنة بعد فصل الخصومة باليمين ؟ فيه تردّد ، والأرجح الثاني . نعم ، لو علم ذلك وجداناً بطلت القسامة واستُعيدت الدية . ولو اقتصّ بالقسامة أو الحلف اُخذت منه الدية لو لم يعترف بتعمّد الكذب ، وإلاّ اقتصّ منه .

(مسألة 8) : لو استوفى حقّه بالقسامة فقال آخر : «أنا قتلته منفرداً» ، فإن كان المدّعي حلف وحده أو مع القسامة ، فليس له الرجوع إلى المقرّ إلاّ إذا كذّب نفسه وصدّق المقرّ ، وحينئذٍ ليس له العمل بمقتضى القسامة ، ولا بدّ من ردّ ما استوفاه . وإن لم يحلف وقلنا بعدم لزوم حلفه وكفى حلف قومه فإذا ادّعى جزماً ، فكذلك ليس له الرجوع إلى المقرّ إلاّ مع تكذيب نفسه . وإن ادّعى ظنّاً وقلنا بسماع دعواه كذلك ، جاز له الرجوع إلى المقرّ ، وجاز العمل بمقتضى القسامة ، والظاهر ثبوت الخيار لو لم يكذّب نفسه ورجع عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ .

(مسألة 9) : لو اتّهم رجل بالقتل والتمس الوليّ من الحاكم حبسه حتّى يحضر البيّنة ، فالظاهر جواز إجابته إلاّ إذا كان الرجل ممّن يوثق بعدم فراره ، ولو أخّر المدّعي إقامة البيّنة إلى ستّة أيّام يخلّى سبيله .

القول : في كيفية الاستيفاء

(مسألة 1) : قتل العمد يوجب القصاص عيناً ، ولا يوجب الدية لا عيناً ولا تخييراً ، فلو عفا الوليّ القود يسقط وليس له مطالبة الدية ، ولو بذل الجاني نفسه ليس للوليّ غيرها ، ولو عفا الوليّ بشرط الدية فللجاني القبول وعدمه ، ولا تثبت

ص: 569

الدية إلاّ برضاه ، فلو رضي بها يسقط القود وتثبت الدية ، ولو عفا بشرط الدية صحّ على الأصحّ ، ولو كان بنحو التعليق فإذا قبل سقط القود ، ولو كان الشرط إعطاء الدية لم يسقط القود إلاّ بإعطائه ، ولا يجب على الجاني إعطاء الدية لخلاص نفسه ، وقيل : يجب لوجوب حفظها .

(مسألة 2) : يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص ، فلو لم يرض الوليّ إلاّ بأضعاف الدية جاز ، وللجاني القبول ، فإذا قبل صحّ ، ويجب عليه الوفاء .

(مسألة 3) : لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية ، فإن اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ، ولم يثبت بإقرار الجاني ، اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس ، فإذا قطع يد شخص ولم يعلم ولو بالبيّنة أو الإقرار أنّ القتل حصل بالجناية ، لا يجوز القتل .

(مسألة 4) : يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فإنّهما لا يستحقّان قصاصاً . ومنهم من قال : لا يرث القصاص الإخوة والأخوات من الاُمّ ومن يتقرّب بها . وقيل : ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقرّبن بالأب ، والأوّل أشبه .

(مسألة 5) : يرث الدية من يرث المال حتّى الزوج والزوجة . نعم ، لا يرث منها الإخوة والأخوات من قبل الاُمّ ، بل مطلق من يتقرّب بها على الأقوى ، لكن الاحتياط في غير الإخوة والأخوات حسن .

(مسألة 6) : الأحوط عدم جواز المبادرة للوليّ إذا كان منفرداً إلى القصاص ، سيّما في الطرف إلاّ مع إذن والي المسلمين ، بل لا يخلو من قوّة ، ولو بادر فللوالي تعزيره ، ولكن لا قصاص عليه ولا دية .

ص: 570

(مسألة 7) : لو كان أولياء الدم أكثر من واحد ، فالأقوى عدم جواز الاستيفاء إلاّ باجتماع الجميع وإذن الواليّ ؛ لا بمعنى ضرب كلّ واحد إيّاه ، بل بمعنى إذنهم لأحد منهم أو توكيلهم أحداً . وعن جمع أ نّه يجوز لكلّ منهم المبادرة ، ولا يتوقّف على إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن ، والأوّل أقوى . نعم ، لو بادر واستبدّ فلا قود ، بل عليه حصص البقيّة مع عدم الإذن ، وللإمام علیه السلام تعزيره .

(مسألة 8) : لو تشاحّ الأولياء في مباشرة القتل وتحصيل الإذن يقرع بينهم ، ولو كان بينهم من لا يقدر على المباشرة ، لكن أراد الدخول في القرعة ليوكّل قادراً في الاستيفاء ، يجب إدخاله فيها .

(مسألة 9) : ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عدلين فطنين عارفين بمواقعه وشرائطه احتياطاً ، ولإقامة الشهادة إن حصلت منازعة بين المقتصّ وأولياء المقتصّ منه ، وأن يعتبر الآلة لئلاّ تكون مسمومة ، موجبة لفساد البدن وتقطّعه وهتكه عند الغسل أو الدفن ، فلو علم مسموميتها بما يوجب الهتك لا يجوز استعمالها في قصاص المؤمن ، ويعزّر فاعله .

(مسألة 10) : لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة التي توجب السراية ، فإن استعملها الوليّ المباشر ضمن ، فلو علم بذلك ويكون السمّ ممّا يقتل به غالباً ، أو أراد القتل ولو لم يكن قاتلاً غالباً ، يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته إن مات بهما ، فلو كان القتل لا عن عمد يردّ نصف دية المقتول ، ولو سرى السمّ إلى عضو آخر ولم يؤدّ إلى الموت ، فإنّه يضمن ما جنى دية وقصاصاً مع الشرائط .

(مسألة 11) : لا يجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكالّة وما يوجب

ص: 571

تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه ، ولو فعل أثم وعزّر ، لكن لا شيء عليه ، ولا يقتصّ إلاّ بالسيف ونحوه . ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخّ ، بل وبالاتّصال بالقوّة الكهربائية . ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ؛ ولو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة ، ولا يجوز التمثيل به .

(مسألة 12) : اُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال ، واُجرة المقتصّ على وليّ الدم لو كان الاقتصاص في النفس ، وعلى المجنيّ عليه لو كان في الطرف ، ومع إعسارهما استدين عليهما ، ومع عدم الإمكان فمن بيت المال . ويحتمل أن تكون ابتداءً على بيت المال ، ومع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الوليّ أو المجنيّ عليه . وقيل : هي على الجاني .

(مسألة 13) : لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص إلاّ مع التعدّي في اقتصاصه ، فلو كان متعمّداً اقتصّ منه في الزائد إن أمكن ، ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش ، ولو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ وأنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه ، بل لو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه ، فالظاهر أنّ القول قول المقتصّ بيمينه على وجه ، ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشيء من جهته ، فالقول قول المقتصّ منه .

(مسألة 14) : كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف ، ومن لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف ، فلا يقطع يد والد لقطع يد ولده ، ولا يد مسلم لقطع يد كافر .

(مسألة 15) : إذا كان له أولياء شركاء في القصاص ، فإن حضر بعض وغاب

ص: 572

بعض ، فعن الشيخ قدّس سرّه : للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية . والأشبه أن يقال : لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار . ولو كان غير (غيبته . ظ ) منقطعة (1) أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي ، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب . ولو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى وليّه . ولو كان صغيراً ففي رواية : «انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا» .

(مسألة 16) : لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل ، لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك ، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية ؛ من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر ، ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبه ، فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث ولو دفع الجاني أقلّ أو أكثر ، ولو عفا أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البدل ، جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه . نعم ، لو اقتصر على مطالبة الدية وامتنع الجاني ، لا يجوز الاقتصاص إلاّ بإذن الجميع . ولو عفا بعض مجّاناً لم يسقط القصاص ، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني .

(مسألة 17) : إذا اشترك الأب والأجنبيّ في قتل ولده ، أو المسلم والذمّي في قتل ذمّي ، فعلى الشريك القود ، لكن يردّ الشريك الآخر عليه نصف ديته ، أو يردّ الوليّ نصفها ويطالب الآخر به . ولو كان أحدهما عامداً والآخر خاطئاً ، فالقود على العامد بعد ردّ نصف الدية على المقتصّ منه ، فإن كان القتل خطأً محضاً

ص: 573


1- أي : لم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته .

فالنصف على العاقلة ، وإن كان شبه عمد كان الردّ من الجاني . ولو شارك العامد سبع ونحوه يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته .

(مسألة 18) : لا يمنع الحجر - لفلس أو سفه - من استيفاء القصاص ، فللمحجور عليه الاقتصاص ، ولو عفا المحجور عليه لفلس على مال ، ورضي به القاتل ، قسّمه على الغرماء كغيره من الأموال المكتسبة بعد حجر الحاكم جديداً عنه ، والحجر السابق لا يكفي في ذلك ، وللمحجور عليه العفو مجّاناً وبأقلّ من الدية .

(مسألة 19) : لو قتل شخص وعليه دين ، فإن أخذ الورثة ديته صرفت في ديون المقتول ووصاياه كباقي أمواله ؛ ولا فرق في ذلك بين دية القتل خطأً ، أو شبه عمد ، أو ما صولح عليه في العمد ؛ كان بمقدار ديته أو أقلّ أو أكثر ، بجنس ديته أو غيره .

(مسألة 20) : هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء ؟ فيه قولان ، والأحوط عدم الاستيفاء إلاّ بعد الضمان ، بل الأحوط مع هبة الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء .

(مسألة 21) : لو قتل واحد رجلين أو أكثر عمداً على التعاقب أو معاً قتل بهم ، ولا سبيل لهم على ماله ، فلو عفا أولياء بعض لا على مالٍ ، كان للباقين القصاص من دون ردّ شيء ، وإن تراضى الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ منهم دية كاملة . فهل لكلّ واحد منهم الاستبداد بقتله من غير رضا الباقين أو لا ، أو يجوز مع كون قتل الجميع معاً ، وأمّا مع التعاقب فيقدّم حقّ السابق فالسابق ، فلو قتل عشرة متعاقباً يقدّم حقّ وليّ الأوّل ، فجاز له الاستبداد بقتله بلا إذن منهم ، فلو عفا

ص: 574

فالحقّ للمتأخّر منه وهكذا ؟ وجوه ، لعلّ أوجهها عدم جواز الاستبداد ولزوم الإذن من الجميع ، لكن لو قتله ليس عليه إلاّ الإثم ، وللحاكم تعزيره ، ولا شيء عليه ولا على الجاني في ماله . ولو اختلفوا في الاستيفاء ولم يمكن الاجتماع فيه فالمرجع القرعة ، فإن استوفى أحدهم بالقرعة أو بلا قرعة سقط حقّ الباقين .

(مسألة 22) : يجوز التوكيل في استيفاء القصاص ، فلو عزله قبل استيفائه فإن علم الوكيل بالعزل فعليه القصاص ، وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية ، ولو عفا الموكّل عن القصاص قبل الاستيفاء ، فإن علم الوكيل واستوفاه فعليه القصاص ، وإن لم يعلم فعليه الدية ، ويرجع فيها بعد الأداء على الموكّل .

(مسألة 23) : لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع حملها ولو تجدّد الحمل بعد الجناية ، بل ولو كان الحمل من زناً ، ولو ادّعت الحمل وشهدت لها أربع قوابل ثبت حملها ، وإن تجرّدت دعواها فالأحوط التأخير إلى اتّضاح الحال ، ولو وضعت حملها فلا يجوز قتلها إذا توقّف حياة الصبيّ عليها ، بل لو خيف موت الولد لا يجوز ويجب التأخير ، ولو وجد ما يعيش به الولد فالظاهر أنّ له القصاص . ولو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً فالدية على الوليّ القاتل .

(مسألة 24) : لو قطع يد رجل وقتل رجلاً آخر تقطع يده أوّلاً ثمّ يقتل ؛ من غير فرق بين كون القطع أوّلاً أو القتل ، ولو قتله وليّ المقتول قبل القطع أثم ، وللوالي تعزيره ، ولا ضمان عليه ، ولو سرى القطع في المجنيّ عليه قبل القصاص يستحقّ وليّه ووليّ المقتول القصاص ، ولو سرى بعد القصاص فالظاهر عدم وجوب شيء في تركة الجاني ، ولو قطع فاقتصّ منه ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه ، فلوليّه القصاص في النفس .

ص: 575

(مسألة 25) : لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل والدية . نعم ، لو هرب فلم يقدر عليه حتّى مات ، ففي رواية معمول بها : «إن كان له مال اُخذ منه ، وإلاّ اُخذ من الأقرب فالأقرب» ، ولا بأس به لكن يقتصر على موردها .

(مسألة 26) : لو ضرب الوليّ القاتل وتركه ظنّاً منه أ نّه مات فبرئ ، فالأشبه أن يعتبر الضرب ، فإن كان ضربه ممّا يسوغ له القتل والقصاص به لم يقتصّ من الوليّ ، بل جاز له قتله قصاصاً ، وإن كان ضربه ممّا لا يسوغ القصاص به - كأن ضربه بالحجر ونحوه - كان للجاني الاقتصاص ، ثمّ للوليّ أن يقتله قصاصاً أو يتتاركان .

(مسألة 27) : لو قطع يده فعفا المقطوع ثمّ قتله القاطع ، فللوليّ القصاص في النفس ، وهل هو بعد ردّ دية اليد أم يقتصّ بلا ردّ ؟ الأشبه الثاني . وكذا لو قتل رجل صحيح رجلاً مقطوع اليد قتل به . وفي رواية : «إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده وأخذ ديتها ، يردّ عليه دية يده ويقتلوه ، ولو قطعت من غير جناية ولا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم» . والمسألة مورد إشكال وتردّد ، والأحوط العمل بها ، وكذا الحال في مسألة اُخرى بها رواية ، وهي لو قطع كفّاً بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع ، فإنّها مشكلة أيضاً .

القسم الثاني : في قصاص ما دون النفس

اشارة

(مسألة 1) : الموجب له هاهنا كالموجب في قتل النفس . وهو الجناية العمدية مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت . فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد ؛ قصد الإتلاف به أو لا ، ولو جنى بما لا يتلف به غالباً ، فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو رجاءً .

ص: 576

(مسألة 2) : يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس ؛ من التساوي في الإسلام والحرّية وانتفاء الاُبوّة وكون الجاني عاقلاً بالغاً ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس .

(مسألة 3) : لا يشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة ، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل . ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ .

(مسألة 4) : يشترط في المقام - زائداً على ما تقدّم - التساوي في السلامة من الشلل ونحوه - على ما يجيء - أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة والزيادة ، وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة - مثلاً - بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة . نعم ، لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية .

(مسألة 5) : المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقي فيها حسّ وحركة غير اختيارية . والتشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات . ولو قطع يداً بعض أصابعها شلاّء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد ، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه ، فيقطع اليد القويّة بالضعيفة ، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة .

(مسألة 6) : يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلاً قطعت رجله على رواية معمول بها ، ولا بأس به . وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء ؟

ص: 577

وجهان ، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ، ومع عدمهما قطع الرجل . ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل ؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال . والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والاُذن والحاجب وغيرها مشكل . وإن لا يخلو من وجه ، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى .

(مسألة 7) : لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية .

(مسألة 8) : يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولاً وعرضاً ، قالوا ولا يعتبر عمقاً ونزولاً ، بل يعتبر حصول اسم الشجّة ، وفيه تأمّل وإشكال والوجه التساوي مع الإمكان ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش ، ولو لم يمكن إلاّ بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل . هذا في الحارصة والدامية والمتلاحمة . وأمّا في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم اعتبار التساوي في العمق ، فيقتصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة .

(مسألة 9) : لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ونقيصة كالجائفة والمأمومة ، ويثبت في كلّ جرح لا تغرير في أخذه بالنفس وبالطرف ، وكانت السلامة معه غالبة ، فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة ، ولا يثبت في الهاشمة ولا المنقّلة ، ولا لكسر شيء من العظام . وفي رواية صحيحة إثبات القود في السنّ والذراع إذا كسرا عمداً ، والعامل بها قليل .

ص: 578

(مسألة 10) : هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية ؟ قيل : لا ؛ لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس ، والأشبه الجواز . وفي رواية : «لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ» . وفي دلالتها نظر . والأحوط الصبر ، سيّما فيما لا يؤمن من السراية . فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً ، هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس ، أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال ، فإن اندملت أخذ الباقي ، وإلاّ فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس ؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء . نعم ، لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس .

(مسألة 11) : إذا اُريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن سهولة الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه ، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لا يتمكّن من الاضطراب ، ثمّ يقاس بخيط ونحوه ويعلّم طرفاه في محلّ الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى ، ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً . وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات ، وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجنيّ عليه ؟ فيه تأمّل .

(مسألة 12) : لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شيء عليه ، ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك ، فإن كان عن عمدٍ يقتصّ منه ، وإلاّ فعليه الدية أو الأرش ، ولو ادّعى الجاني العمد وأنكره المباشر فالقول قوله ، ولو ادّعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني ، قالوا : القول قول المباشر ، وفيه تأمّل .

(مسألة 13) : يؤخّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ والبرد وجوباً إذا خيف

ص: 579

من السراية ، وإرفاقاً بالجاني في غير ذلك ، ولو لم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر .

(مسألة 14) : لا يقتصّ إلاّ بحديدة حادّة غير مسمومة ولا كالّة مناسبة لاقتصاص مثله ، ولا يجوز تعذيبه أكثر ممّا عذّبه ، فلو قلع عينه بآلة كانت سهلة في القلع ، لا يجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً ، وجاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل . والأولى للمجنيّ عليه مراعاة السهولة ، وجاز له المماثلة . ولو تجاوز واقتصّ بما هو موجب للتعذيب ، وكان أصعب ممّا فعل به ، فللوالي تعزيره ، ولا شيء عليه ، ولو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه ، أو بما يوجب الأرش أو الدية اُخذ منه .

(مسألة 15) : لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقلّ في المجنيّ عليه ؛ لكبر رأسه - مثلاً - كأن يكون رأس الجاني شبراً ورأس المجنيّ عليه شبرين ، وجنى عليه بشبر ، يقتصّ الشبر وإن استوعبه . وإن زاد على العضو - كأن جنى عليه في الفرض بشبرين - لا يتجاوز عن عضو بعضوٍ آخر ، فلا يقتصّ من الرقبة أو الوجه ، بل يقتصّ بقدر شبر في الفرض ، ويؤخذ للباقي بنسبة المساحة إن كان للعضو مقدّر ، وإلاّ فالحكومة . وكذا لا يجوز تتميم الناقص بموضع آخر من العضو . ولو انعكس وكان عضو المجنيّ عليه صغيراً ، فجنى عليه بمقدار شبر وهو مستوعب لرأسه - مثلاً - لا يستوعب في القصاص رأس الجاني ، بل يقتصّ بمقدار شبر وإن كان الشبر نصف مساحة رأسه .

(مسألة 16) : لو أوضح جميع رأسه ؛ بأن سلخ الجلد واللحم من جملة الرأس ، فللمجنيّ عليه ذلك مع مساواة رأسهما في المساحة ، وله الخيار في الابتداء بأيّ

ص: 580

جهة . وكذا لو كان رأس المجنيّ عليه أصغر (أكبر - ظ) لكن له الغرامة في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة . ولو كان أكبر (أصغر - ظ) يقتصّ من الجاني بمقدار مساحة جنايته ، ولا يسلخ جميع رأسه . ولو شجّه فأوضح في بعضها فله دية موضحة ، ولو أراد القصاص استوفى في الموضحة والباقي .

(مسألة 17) : في الاقتصاص في الأعضاء غير ما مرّ : كلّ عضو ينقسم إلى يمين وشمال - كالعينين والاُذنين والاُنثيين والمنخرين ونحوها - لا يقتصّ إحداهما بالاُخرى ، فلو فَقَأ عينه اليُمنى لا يقتصّ عينه اليُسرى ، وكذا في غيرهما . وكلّ ما يكون فيه الأعلى والأسفل يراعى في القصاص المحلّ ، فلا يقتصّ الأسفل بالأعلى كالجفنين والشفتين .

(مسألة 18) : في الاُذن قصاص ؛ يقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى . وتستوي اُذن الصغير والكبير ، والمثقوبة والصحيحة إذا كان الثقب على المتعارف ، والصغيرة والكبيرة ، والصمّاء والسامعة ، والسمينة والهزيلة . وهل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة وكذا الصحيحة بالمثقوبة على غير المتعارف بحيث تعدّ عيباً ، أو يقتصّ إلى حدّ الخرم والثقب والحكومة فيما بقي ، أو يقتصّ مع ردّ دية الخرم ؟ وجوه ، لا يبعد الأخير . ولو قطع بعضها جاز القصاص .

(مسألة 19) : لو قطع اُذنه فألصقها المجنيّ عليه والتصقت ، فالظاهر عدم سقوط القصاص ، ولو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني اُذُنه والتصقت ، ففي رواية : قطعت ثانية لبقاء الشين . وقيل : يأمر الحاكم بالإبانة لحمله الميتة والنجس . وفي الرواية ضعف . ولو صارت بالإلصاق حيّة كسائر الأعضاء

ص: 581

لم تكن ميتة ، ويصحّ الصلاة معها ، وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها ، بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد وعلم ، وإلاّ فالدية ، ولو قطع بعض الاُذن ولم يبنها فإن أمكنت المماثلة في القصاص ثبت ، وإلاّ فلا ، وله القصاص ولو مع إلصاقها .

(مسألة 20) : لو قطع اُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان ، ولو قطع اُذناً مستحشفة شلاّء ففي القصاص إشكال ، بل لا يبعد ثبوت ثلث الدية .

(مسألة 21) : يثبت القصاص في العين ، وتقتصّ مع مساواة المحلّ ، فلا تقلع اليمنى باليسرى ولا بالعكس ، ولو كان الجاني أعور اقتصّ منه وإن عمي ، فإنّ الحقّ أعماه ، ولا يردّ شيء إليه ولو كان ديتها دية النفس إذا كان العور خلقة أو بآفة من اللّه تعالى ؛ ولا فرق بين كونه أعور خلقة أو بجناية أو آفة أو قصاص ، ولو قطع أعور العين الصحيحة من أعور يقتصّ منه .

(مسألة 22) : لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة ، فهل له مع ذلك الردّ بنصف الدية ؟ قيل لا ، والأقوى ثبوته ، والظاهر تخيير المجنيّ عليه بين أخذ الدية كاملة وبين الاقتصاص وأخذ نصفها ، كما أنّ الظاهر أنّ الحكم ثابت فيما تكون لعين الأعور دية كاملة ، كما كان خلقة أو بآفة من اللّه ؛ لا في غيره مثل ما إذا قلع عينه قصاصاً .

(مسألة 23) : لو قلع عيناً عمياء قائمة فلا يقتصّ منه ، وعليه ثلث الدية .

(مسألة 24) : لو أذهب الضوء دون الحدقة اقتصّ منه بالمماثل بما أمكن إذهاب الضوء مع بقاء الحدقة ، فيرجع إلى حذّاق الأطبّاء ليفعلوا به ما ذكر . وقيل في طريقه : يطرح على أجفانه قطن مبلول ، ثمّ تُحمى المرآة وتقابل

ص: 582

بالشمس ، ثمّ يفتح عيناه ويكلّف بالنظر إليها حتّى يذهب النظر وتبقى الحدقة . ولو لم يكن إذهاب الضوء إلاّ بإيقاع جناية اُخرى كالتسميل ونحوه سقط القصاص وعليه الدية .

(مسألة 25) : يقتصّ العين الصحيحة بالعمشاء والحولاء والخفشاء والجهراء والعشياء .

(مسألة 26) : في ثبوت القصاص لشعر الحاجب والرأس واللحية والأهداب ونحوها تأمّل ؛ وإن لا يخلو من وجه . نعم ، لو جنى على المحلّ بجرح ونحوه يقتصّ منه مع الإمكان .

(مسألة 27) : يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلّ ، ولو خلت أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب ففي القصاص وجهان ، لا يبعد عدم ثبوته ، فعليه الدية .

(مسألة 28) : في الأنف قصاص ، ويقتصّ الأنف الشامّ بعادمه ، والصحيح بالمجذوم ما لم يتناثر منه شيء ، وإلاّ فيقتصّ بمقدار غير المتناثر . والصغير والكبير والأفطس والأشمّ والأقنى سواء . والظاهر عدم اقتصاص الصحيح بالمستحشف الذي هو كالشلل . ويقتصّ بقطع المارن وبقطع بعضه . والمارن : هو ما لان من الأنف . ولو قطع المارن مع بعض القصبة ، فهل يقتصّ المجموع ، أو يقتصّ المارن وفي القصبة حكومة ؟ وجهان . وهنا وجه آخر : وهو القصاص ما لم يصل القصبة إلى العظم ، فيقتصّ الغضروف مع المارن ، ولا يقتصّ العظم .

(مسألة 29) : يقتصّ المنخر بالمنخر مع تساوي المحلّ ، فتقتصّ اليمنى

ص: 583

باليمنى واليسرى باليسرى ، وكذا يقتصّ الحاجز بالحاجز . ولو قطع بعض الأنف قيس المقطوع إلى أصله واقتصّ من الجاني بحسابه ، فلو قطع بعض المارن قيس إلى تمامه ، فإن كان نصفاً يقطع من الجاني النصف أو ثلثاً فالثلث ، ولا ينظر إلى عظم المارن وصغره ، أو قيس إلى تمام الأنف ، فيقطع بحسابه ؛ لئلاّ يستوعب أنف الجاني إن كان صغيراً .

(مسألة 30) : يقتصّ الشفة بالشفة مع تساوي المحلّ ، فالشفة العليا بالعليا والسفلى بالسفلى . وتستوي الطويلة والقصيرة ، والكبيرة والصغيرة ، والصحيحة والمريضة ما لم يصل إلى الشلل ، والغليظة والرقيقة . ولو قطع بعضها فبحساب المساحة كما مرّ . وقد ذكرنا حدّ الشفة في كتاب الديات .

(مسألة 31) : يثبت القصاص في اللسان وبعضه ببعضه بشرط التساوي في النطق ، فلا يقطع الناطق بالأخرس ، ويقطع الأخرس بالناطق وبالأخرس ، والفصيح بغيره ، والخفيف بالثقيل . ولو قطع لسان طفل يقتصّ به إلاّ مع إثبات خرسه ، ولو ظهر فيه علامات الخرس ففيه الدية .

(مسألة 32) : في ثدي المرأة وحلمته قصاص ، فلو قطعت امرأة ثدي اُخرى أو حلمة ثديها يقتصّ منها ، وكذا في حلمة الرجل القصاص ، فلو قطع حلمته يقتصّ منه مع تساوي المحلّ ، فاليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولو قطع الرجل حلمة ثدي المرأة فلها القصاص من غير ردّ .

(مسألة 33) : في السنّ قصاص بشرط تساوي المحلّ ، فلا يقلع ما في الفكّ الأعلى بما في الأسفل ولا العكس ، ولا ما في اليمين باليسار وبالعكس ، ولا يقلع الثنيّة بالرباعية أو الطاحن أو الناب أو الضاحك وبالعكس ، ولا تقلع

ص: 584

الأصلية بالزائدة ، ولا الزائدة بالأصلية ، ولا الزائدة بالزائدة مع اختلاف المحلّ .

(مسألة 34) : لو كانت المقلوعة سنّ مثّغر - أي أصلي نبت بعد سقوط أسنان الرضاع - ففيها القصاص ، وهل في كسرها القصاص أو الدية والأرش ؟ وجهان ، الأقرب الأوّل ، لكن لا بدّ في الاقتصاص كسرها بما يحصل به المماثلة كالآلات الحديثة ، ولا يضرب بما يكسرها لعدم حصولها نوعاً .

(مسألة 35) : لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص أم لا ؟ الأشبه الثاني ، والمشهور الأوّل ، ولا محيص عن الاحتياط بعدم القصاص ، فحينئذٍ لو كان العائدة ناقصة متغيّرة ففيها الحكومة ، وإن عادت كما كانت ، فلا شيء غير التعزير إلاّ مع حصول نقص ، ففيه الأرش .

(مسألة 36) : لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني بناءً على سقوط القصاص إلاّ مع عود سنّ الجاني أيضاً ، وتستعاد الدية لو أخذها صلحاً ، ولو اقتصّ وعادت سنّ الجاني ليس للمجنيّ عليه إزالتها ، ولو عادت سنّ المجنيّ عليه ليس للجاني إزالتها .

(مسألة 37) : لو قلع سنّ الصبيّ ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها ، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف ، ولا يبعد أن يكون في كلّ سنّ منه بعير ، وإن لم تعد ففيها القصاص .

(مسألة 38) : يثبت القصاص في قطع الذكر . ويتساوى في ذلك الصغير - ولو رضيعاً - والكبير بلغ كبره ما بلغ ، والفحل والذي سلّت خصيتاه إذا لم يؤدّ إلى شلل فيه ، والأغلف والمختون . ولا يقطع الصحيح بذكر العنّين ومن في ذكره شلل ، ويقطع ذكر العنّين بالصحيح والمشلول به . وكذا يثبت في قطع الحشفة ،

ص: 585

فتقطع الحشفة بالحشفة ، وفي بعضها أو الزائد عليها استوفي بالقياس إلى الأصل ، إن نصفاً فنصفاً وإن ثلثاً فثلثاً وهكذا .

(مسألة 39) : في الخصيتين قصاص ، وكذا في إحداهما مع التساوي في المحلّ ، فتقتصّ اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولو خشي ذهاب منفعة الاُخرى تُؤخذ الدية ، ولا يجوز القصاص إلاّ أن يكون في عمل الجاني ذهاب المنفعة فيُقتصّ ، فلو لم تذهب بالقصاص منفعة الاُخرى مع ذهابها بفعل الجاني ، فإن أمكن إذهابها مع قيام العين يجوز القصاص ، وإلاّ فعليه الدية . ولو قطع الذكر والخصيتين اقتصّ منه ؛ سواء قطعهما على التعاقب أو لا .

(مسألة 40) : في الشفرين القصاص ، والمراد بهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم ، وكذا في إحداهما . وتتساوى فيه البكر والثيّب ، والصغيرة والكبيرة ، والصحيحة والرتقاء والقرناء والعفلاء والمختونة وغيرها ، والمفضاة والسليمة . نعم ، لا يقتصّ الصحيحة بالشلاّء . والقصاص في الشفرين إنّما هو فيما جنت عليها المرأة ، ولو كان الجاني عليها رجلاً فلا قصاص عليه ، وعليه الدية ، وفي رواية غير معتمد عليها : إن لم يؤدّ إليها الدية قطع لها فرجه . وكذا لو قطعت المرأة ذكر الرجل أو خصيته لا قصاص عليها ، وعليها الدية .

(مسألة 41) : لو أزالت بكر بكارة اُخرى فالظاهر القصاص ، وقيل بالدية ، وهو وجيه مع عدم إمكان المساواة . وكذا تثبت الدية في كلّ مورد تعذّر المماثلة والمساواة .

ص: 586

وهنا فروع :

الأوّل : لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يداً كاملة صحيحة فللمجنيّ عليه القصاص ، فهل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد الجاني ؟ قيل : لا ، وقيل : نعم فيما يكون قطع إصبعه بجناية وأخذ ديتها أو استحقّها ، وأمّا إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئاً ، والأشبه أنّ له الدية مطلقاً ، ولو قطع الصحيح الناقص عكس ما تقدّم ، فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه ، أو لا يقتصّ وعليه الدية أو يقتصّ ما وجد وفي الباقي الحكومة ؟ وجوه ، والمسألة مشكلة مرّ نظيرها .

الثاني : لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه ؛ بحيث قطعت ثمّ اندملت ، ثبت القصاص فيهما ، فتقطع كفّه من المفصل ، ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع ، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة (بالمساحة - ظ) ، ولو قطعها من المرفق فالقصاص وفي الزيادة ما مرّ ، وحكم الرجل حكم اليد ، ففي القطع من المفصل قصاص ، وفي الزيادة ما مرّ .

الثالث : يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة ، فلا تقطع أصلية بزائدة ولو مع اتّحاد المحلّ ، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحلّ ، وتقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ ، والزائدة بالزائدة كذلك ، وكذا الزائدة بالأصلية مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصلية ، ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس ، ولا الزائدة اليمنى بالأصلية اليسرى ، وكذا العكس .

ص: 587

الرابع : لو قطع كفّه فإن كان للجاني والمجنيّ عليه إصبع زائدة في محلّ واحد - كالإبهام الزائدة في يمينهما - وقطع اليمين من الكفّ ، اقتصّ منه ، ولو كانت الزائدة في الجاني خاصّة ، فإن كانت خارجة عن الكفّ يقتصّ منه وتبقى الزائدة ، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ، فهل يقطع الكفّ ويؤتى دية الزائدة ، أو يقتصّ الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ ، وفي الكفّ الحكومة ؟ وجهان ، أقربهما الثاني ، ولو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة فله القصاص في الكفّ ، وله دية الإصبع الزائدة ، وهي ثلث دية الأصلية ، ولو صالح بالدية مطلقاً كان له دية الكفّ ودية الزائدة ، ولو كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني السالمة ، وللمجنيّ عليه القصاص في أربع ودية الخامسة وأرش الكفّ .

الخامس : لو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى ، فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه ، وللآخر اقتصاص الوسطى ، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب العليا ، اُخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى ، وإن عفا أو أخذ الدية ، فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا ، أو ليس له القصاص بل لا بدّ من الدية ؟ وجهان ، أوجههما الثاني . ولو بادر صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء ، وعليه دية الزائدة على حقّه ، وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا .

السادس : لو قطع يميناً - مثلاً - فبذل شمالاً للقصاص ، فقطعها المجنيّ عليه من غير علم بأ نّها الشمال ، فهل يسقط القود ، أو يكون القصاص في اليمنى باقياً ؟

ص: 588

الأقوى هو الثاني . ولو خيف من السراية يؤخّر القصاص حتّى يندمل اليسار ، ولا دية لو بذل الجاني عالماً بالحكم والموضوع عامداً ، بل لا يبعد عدمها مع البذل جاهلاً بالموضوع أو الحكم . ولو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني ، بل عليه القود . وأمّا مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم ، لكن في القود والدية إشكال .

السابع : لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى - مثلاً - ثمّ اليد اليمنى من آخر اقتصّ للأوّل ، فيقطع إصبعه ثمّ يقطع يده للآخر ، ورجع الثاني بدية إصبع على الجاني . ولو قطع اليد اليمنى من شخص ، ثمّ قطع إصبعاً من اليد اليمنى لآخر ، اقتصّ للأوّل ، فيقطع يده ، وعليه دية إصبع الآخر .

الثامن : إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال ، فإن اندملت فلا قصاص في عمده ، ولا دية في خطئه وشبه عمده ، ولو قال : «عفوت عن الجناية» فكذلك ، ولو قال في مورد العمد : «عفوت عن الدية» لا أثر له ، ولو قال : «عفوت عن القصاص» سقط القصاص ولم يثبت الدية ، وليس له مطالبتها ، ولو قال : «عفوت عن القطع أو عن الجناية» ، ثمّ سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع ، وهل له القصاص في الكفّ مع ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها ، أو لا بدّ من الرجوع إلى دية الكفّ ؟ الأشبه الثاني ، مع أ نّه أحوط ، ولو

قال : «عفوت عن القصاص» ثمّ سرت إلى النفس ، فللوليّ القصاص في النفس . وهل عليه ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها ؟ فيه إشكال ، بل منع ؛ وإن كان أحوط ، ولو قال : «عفوت عن الجناية» ثمّ سرت إلى النفس فكذلك ، ولو قال : «عفوت عنها وعن سرايتها» فلا شبهة في صحّته فيما كان ثابتاً ، وأمّا فيما

ص: 589

لم يثبت ففيه خلاف ، والأوجه صحّته .

التاسع : لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل ، فلا يستحقّ واحد منهم الدية رضي الجاني أو لا . ولو قال : «عفوت إلى شهر أو إلى سنة» لم يسقط القصاص ، وكان له بعد ذلك القصاص . ولو قال : «عفوت عن نصفك أو عن رجلك» ، فإن كنّى عن العفو عن النفس صحّ وسقط القصاص ، وإلاّ ففي سقوطه إشكال بل منع ، ولو قال : «عفوت عن جميع أعضائك إلاّ رجلك» مثلاً ، لا يجوز له قطع الرجل ، ولا يصحّ الإسقاط .

العاشر : لو قال : «عفوت بشرط الدية» ورضي الجاني وجبت دية المقتول ، لا دية القاتل .

ص: 590

كتاب الديات

اشارة

وهي جمع الدية بتخفيف الياء ، وهي المال الواجب بالجناية على الحرّ في النفس أو ما دونها ؛ سواء كان مقدّراً أو لا ، وربما يسمّى غير المقدّر بالأرش والحكومة ، والمقدّر بالدية . والنظر فيه : في أقسام القتل ، ومقادير الديات ، وموجبات الضمان ، والجناية على الأطراف ، واللواحق .

القول : في أقسام القتل

(مسألة 1) : القتل : إمّا عمد محض ، أو شبيه عمد ، أو خطأ محض .

(مسألة 2) : يتحقّق العمد بلا إشكال بقصد القتل بفعل يقتل بمثله نوعاً ، وكذا بقصد فعل يقتل به نوعاً وإن لم يقصد القتل ، بل الظاهر تحقّقه بفعل لا يقتل به غالباً رجاء تحقّق القتل ، كمن ضربه بالعصا برجاء القتل فاتّفق ذلك .

(مسألة 3) : إذا قصد فعلاً لا يحصل به الموت غالباً ولم يقصد به القتل - كما لو ضربه بسوط خفيف أو حصاة ونحوهما - فاتّفق القتل ، فهل هو عمد أو لا ؟ فيه قولان ، أشبههما الثاني .

ص: 591

(مسألة 4) : لو ضربه بعصا ولم يقلع عنه حتّى مات ، فهو عمد وإن لم يقصد به القتل ، وكذا لو منعه من الطعام أو الشراب في مدّة لا يحتمل فيها البقاء ، ولو رماه فقتله فهو عمد وإن لم يقصده .

(مسألة 5) : شبيه العمد ما يكون قاصداً للفعل الذي لا يقتل به غالباً غير قاصد للقتل ، كما ضربه تأديباً بسوط ونحوه فاتّفق القتل ، ومنه علاج الطبيب إذا اتّفق منه القتل مع مباشرته العلاج ، ومنه الختان إذا تجاوز الحدّ ، ومنه الضرب عدواناً بما لا يقتل به غالباً من دون قصد القتل .

(مسألة 6) : يلحق بشبيه العمد لو قتل شخصاً باعتقاد كونه مهدور الدم أو باعتقاد القصاص ، فبان الخلاف ، أو بظنّ أ نّه صيد فبان إنساناً .

(مسألة 7) : الخطأ المحض المعبّر عنه بالخطأ الذي لا شبهة فيه : هو أن لا يقصد الفعل ولا القتل ، كمن رمى صيداً ، أو ألقى حجراً ، فأصاب إنساناً فقتله . ومنه ما لو رمى إنساناً مهدور الدم فأصاب إنساناً آخر فقتله .

(مسألة 8) : يلحق بالخطأ محضاً فعل الصبيّ والمجنون شرعاً .

(مسألة 9) : تجري الأقسام الثلاثة في الجناية على الأطراف أيضاً ، فمنها عمد ، ومنها شبه عمد ، ومنها خطأ محض .

القول : في مقادير الديات

(مسألة 1) : في قتل العمد - حيث يتعيّن الدية ، أو يصالح عليها مطلقاً - مائة إبل ، أو مائتا بقرة ، أو ألف شاة ، أو مائتا حلّة ، أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم .

ص: 592

(مسألة 2) : يعتبر في الإبل أن تكون مسنّة ، وهي التي كمّلت الخامسة ودخلت في السادسة ، وأمّا البقرة فلا يعتبر فيها السنّ ولا الذكورة والاُنوثة ، وكذا الشاة ، فيكفي فيهما ما يسمّى البقرة أو الشاة ، والأحوط اعتبار الفحولة في الإبل وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من قوّة .

(مسألة 3) : الحلّة ثوبان ، والأحوط أن تكون من برود اليمن . والدينار والدرهم هما المسكوكان ، ولا يكفي ألف مثقال ذهب أو عشرة آلاف مثقال فضّة غير مسكوكين .

(مسألة 4) : الظاهر أنّ الستّة على سبيل التخيير ، والجاني مخيّر بينها ، وليس للوليّ الامتناع عن قبول بذله ، لا التنويع ؛ بأن يجب على أهل الإبل الإبل ، وعلى أهل الغنم الغنم وهكذا ، فلأهل البوادي أداء أيّ فرد منها ، وهكذا غيرهم وإن كان الأحوط التنويع .

(مسألة 5) : الظاهر أنّ الستّة اُصول في نفسها ، وليس بعضها بدلاً عن بعض ، ولا بعضها مشروطاً بعدم بعض ، ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي ، فالجاني مخيّر في بذل أيّها شاء .

(مسألة 6) : يعتبر في الأنعام الثلاثة هنا وفي قتل شبيه العمد والخطأ المحض ، السلامة من العيب والصحّة من المرض ، ولا يعتبر فيها السمن . نعم ، الأحوط أن لا تكون مهزولة جدّاً وعلى خلاف المتعارف ، بل لا يخلو ذلك من قوّة ، وفي الثلاثة الاُخر السلامة من العيب ، فلا تجزي الحلّة المعيوبة ، ولا الدينار والدرهم المغشوشان أو المكسوران ، ويعتبر في الحلّة أن لا تقصر عن الثوب ، فلا تجزي الناقصة عنه ؛ بأن يكون كلّ من جزأيها بمقدار ستر العورة ، فإنّه لا يكفي .

ص: 593

(مسألة 7) : تستأدى دية العمد في سنة واحدة ، ولا يجوز له التأخير إلاّ مع التراضي ، وله الأداء في خلال السنة أو آخرها ، وليس للوليّ عدم القبول في خلالها ، فدية العمد مغلّظة بالنسبة إلى شبه العمد والخطأ المحض في السنّ في الإبل والاستيفاء ، كما يأتي الكلام فيهما .

(مسألة 8) : للجاني أن يبذل من إبل البلد أو غيرها ، أو يبذل من إبله ، أو يشتري أدون أو أعلى مع وجدان الشرائط من الصحّة والسلامة والسنّ ، فليس للوليّ مطالبة الأعلى أو مطالبة الإبل المملوك له فعلاً .

(مسألة 9) : لا يجب على الوليّ قبول القيمة السوقية عن الأصناف لو بذلها الجاني مع وجود الاُصول ، ولا على الجاني أداؤها لو طالبها الوليّ مع وجودها . نعم ، لو تعذّر جميع الأصناف وطالب الوليّ القيمة تجب أداء قيمة واحدة منها ، والجاني مخيّر في ذلك ، وليس للوليّ مطالبة قيمة أحدها المعيّن .

(مسألة 10) : الظاهر عدم إجزاء التلفيق ؛ بأن يؤدّي - مثلاً - نصف المقدّر ديناراً ونصفه درهماً ، أو النصف من الإبل والنصف من غيرها .

(مسألة 11) : الظاهر جواز النقل إلى القيمة مع تراضيهما ، كما أنّ الظاهر جواز التلفيق ؛ بأن يؤدّي نصف المقدّر أصلاً ، وعن نصفه الآخر من المقدّر الآخر قيمة عنه لا أصلاً .

(مسألة 12) : هذه الدية على الجاني ؛ لا على العاقلة ولا على بيت المال ؛ سواء تصالحا على الدية وتراضيا بها ، أو وجبت ابتداءً ، كما في قتل الوالد ولده ونحوه ممّا تعيّنت الدية .

ص: 594

(مسألة 13) : دية شبيه العمد هي الأصناف المتقدّمة ، وكذا دية الخطأ . ويختصّ العمد بالتغليظ في السنّ في الإبل والاستيفاء كما تقدّم .

(مسألة 14) : اختلفت الأخبار والآراء في دية شبيه العمد : ففي رواية : أربعون خلفة - أي الحامل - وثنيّة ، وهي الداخلة في السنة السادسة ، وثلاثون حقّة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة ، وثلاثون بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة . وفي اُخرى : ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة ، وهي الداخلة في السنة الخامسة ، وأربع وثلاثون ثنيّة ؛ كلّها طروقة ؛ أي البالغة ضراب الفحل ، أو ما طرقها الفحل فحملت . وفي ثالثة : بدل «كلّها طروقة» «كلّها خلفة» . وفي رابعة : جمع بينهما فقال : كلّها خلفة من طروقة الفحل ، إلى غير ذلك . فالقول بالتخيير للجاني بينها غير بعيد ، لكن لا يخلو من إشكال ، فالأحوط التصالح ، وللجاني الأخذ بأحوطها .

(مسألة 15) : هذه الدية أيضاً من مال الجاني لا العاقلة ، فلو لم يكن له مال استسعى ، أو اُمهل إلى الميسرة كما في سائر الديون ، ولو لم يقدر عليها ففي كونها على بيت المال احتمال .

(مسألة 16) : الأحوط للجاني أن لا يؤخّر هذه الدية عن سنتين ، والأحوط للوليّ أن يمهله إلى سنتين ، وإن لا يبعد أن يقال : تُستأدى في سنتين .

(مسألة 17) : لو قلنا بلزوم إعطاء الحوامل لو اختلف الوليّ ومن عليه الدية في الحمل ، فالمرجع أهل الخبرة ، ولا يعتبر فيه العدالة ، وتكفي الوثاقة واعتبار التعدّد أحوط وأولى ، ولو تبيّن الخطأ لزم الاستدراك ، ولو سقط الحمل ، أو وضع الحامل ، أو تعيّب ما يجب أداؤه ، فإن كان قبل الإقباض يجب الإبدال ، وإلاّ فلا .

ص: 595

(مسألة 18) : في دية الخطأ روايتان : اُولاهما : ثلاثون حقّة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض - وهي الداخلة في السنة الثانية - وعشرون ابن لبون . والاُخرى : خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقّة وخمس وعشرون جذعة . ولا يبعد ترجيح الاُولى ويحتمل التخيير ، والأحوط التصالح .

(مسألة 19) : دية الخطأ المحض مخفّفة عن العمد وشبيهه في سنّ الإبل وصفتها لو اعتبرنا الحمل في شبهه ، وفي الاستيفاء فإنّها تستأدى في ثلاث سنين في كلّ سنة ثلثها ، وفي غير الإبل من الأصناف الاُخر المتقدّمة لا فرق بينها وبين غيرها .

(مسألة 20) : تستأدى الدية في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين على اختلاف أقسام القتل ؛ سواء كانت الدية تامّة كدية الحرّ المسلم ، أو ناقصة كدية المرأة والذمّي والجنين أو دية الأطراف .

(مسألة 21) : قيل : إن كان دية الطرف قدر الثلث اُخذ في سنة واحدة في الخطأ ، وإن كان أكثر حلّ الثلث بانسلاخ الحول ، وحلّ الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثاً آخر فما دون ، وإن كان أكثر حلّ الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث . وفيه تأمّل وإشكال ، بل الأقرب التوزيع إلى ثلاث سنين .

(مسألة 22) : دية قتل الخطأ على العاقلة بتفصيل يأتي - إن شاء اللّه تعالى - ولا يضمن الجاني منها شيئاً ، ولا ترجع العاقلة على القاتل .

(مسألة 23) : لو ارتكب القتل في أشهر الحرم - رجب وذي القعدة وذي الحجّة والمحرّم - فعليه الدية وثلث من أيّ الأجناس كان تغليظاً ، وكذا لو

ص: 596

ارتكبه في حرم مكّة المعظّمة . ولا يلحق بها حرم المدينة المنوّرة ولا سائر المشاهد المشرّفة . ولا تغليظ في الأطراف ، ولا في قتل الأقارب .

(مسألة 24) : لو رمى - وهو في الحلّ - بسهم ونحوه إلى من هو في الحرم فقتله فيه لزمه التغليظ ، ولو رمى - وهو في الحرم - إلى من كان في الحلّ فقتله فيه ، فالظاهر أ نّه لم يلزمه . وكذا لو رماه في الحلّ فذهب إلى الحرم ومات فيه أو العكس لم يلزمه ؛ كان الرامي في الحلّ أو الحرم .

(مسألة 25) : لو قتل خارج الحرم والتجأ إليه لا يقتصّ منه فيه ، لكن ضيّق عليه في المأكل والمشرب إلى أن يخرج منه ، فيُقاد منه . ولو جنى في الحرم اقتصّ منه فيه ، ويلحق به المشاهد المشرّفة على رأي .

(مسألة 26) : ما ذكر من التقادير دية الرجل الحرّ المسلم ، وأمّا دية المرأة الحرّة المسلمة فعلى النصف من جميع التقادير المتقدّمة ، فمن الإبل خمسون ومن الدنانير خمسمائة وهكذا .

(مسألة 27) : تتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصاً ودية حتّى تبلغ ثلث دية الحرّ ، فينتصف بعد ذلك ديتها ، فما لم تبلغ الثلث يقتصّ كلّ من الآخر بلا ردّ ، فإذا بلغته يقتصّ للرجل منها بلا ردّ ، ولها من الرجل مع الردّ ، ولا يلحق بها الخُنثى المشكل .

(مسألة 28) : جميع فرق المسلمين المحقّة والمبطلة متساوية في الدية إلاّ المحكوم منهم بالكفر ، كالنواصب والخوارج والغلاة مع بلوغ غلوّهم الكفر .

(مسألة 29) : دية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام بعد بلوغه بل بعد بلوغه حدّ التميّز ، دية سائر المسلمين ، وفي ديته قبل ذلك تردّد .

ص: 597

(مسألة 30) : دية الذمّي الحرّ ثمانمائة درهم ؛ يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً ، ودية المرأة الحرّة منهم نصف دية الرجل ، بل الظاهر أنّ دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما ، كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته . كما أنّ الظاهر أنّ دية الرجل والمرأة منهم تتساوى حتّى تبلغ الثلث مثل المسلم ، بل لا يبعد الحكم بالتغليظ عليهم بما يُغلّظ به على المسلم .

(مسألة 31) : لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار ؛ سواء كانوا ذوي عهد أم لا ، وسواء بلغتهم الدعوة أم لا ، بل الظاهر أن لا دية للذمّي لو خرج عن الذمّة ، وكذا لا دية له لو ارتدّ عن دينه إلى غير أهل الذمّة ، ولو خرج ذمّي من دينه إلى دين ذمّي آخر ففي ثبوتها إشكال ؛ وإن لا يبعد ذلك .

القول : في موجبات الضمان

اشارة

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : في المباشر

(مسألة 1) : المراد بالمباشرة أعمّ من أن يصدر الفعل منه بلا آلة ، كخنقه بيده أو ضربه بها أو برجله فقتل به ، أو بآلة كرميه بسهم ونحوه ، أو ذبحه بمدية ، أو كان القتل منسوباً إليه بلا تأوّل عرفاً ، كإلقائه في النار ، أو غرقه في البحر ، أو إلقائه من شاهق ، إلى غير ذلك من الوسائط التي معها تصدق نسبة القتل إليه .

(مسألة 2) : لو وقع القتل عمداً يثبت فيه القصاص . والكلام هاهنا فيما

لا يقع عمداً ، نحو أن يرمي غرضاً فأصاب إنساناً ، أو ضربه تأديباً فاتّفق الموت ، وأشباه ذلك ممّا مرّ الكلام فيها في شبيه العمد والخطأ المحض .

ص: 598

(مسألة 3) : لو ضرب تأديباً فاتّفق القتل فهو ضامن ؛ زوجاً كان الضارب أو وليّاً للطفل أو وصيّاً للوليّ أو معلّماً للصبيان ، والضمان في ذلك في ماله .

(مسألة 4) : الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً في العلم أو العمل ولو كان مأذوناً ، أو عالج قاصراً بدون إذن وليّه أو بالغاً بلا إذنه ؛ وإن كان عالماً متقناً في العمل ، ولو أذن المريض أو وليّه الحاذق في العلم والعمل ، قيل : لا يضمن ، والأقوى ضمانه في ماله . وكذا البيطار . هذا كلّه مع مباشرة العلاج بنفسه . وأمّا لو وصف دواءً وقال : «إنّه مفيد للمرض الفلاني» ، أو قال : «إنّ دواءك كذا» من غير أمر بشربه ، فالأقوى عدم الضمان . نعم ، لا يبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف .

(مسألة 5) : الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ وإن كان ماهراً . وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال ، والأشبه عدم الضمان .

(مسألة 6) : الظاهر براءة الطبيب ونحوه من البيطار والختّان بالإبراء قبل العلاج ، والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً فيما لا ينتهي إلى القتل ، والوليّ فيما ينتهي إليه ، وصاحب المال في البيطار ، والوليّ في القاصر . ولا يبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتّى فيما ينتهي إلى القتل ، والأحوط الاستبراء منهما .

(مسألة 7) : النائم إذا أتلف نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته على وجه يستند الإتلاف إليه فضمانه في مال العاقلة ، وفي الظئر إذا انقلبت فقتلت الطفل رواية : بأنّ عليها الدية كاملة من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظأرت طلباً للعزّ

ص: 599

والفخر ، وإن كانت إنّما ظأرت من الفقر فإنّ الضمان على عاقلتها ، وفي العمل بها تردّد ، ولو كان ظئرها للفقر والفخر معاً فالظاهر أنّ الدية على العاقلة ، والاُمّ لا تُلحق بالظئر .

(مسألة 8) : لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً فماتت يضمن الدية في ماله ، وكذا لو أعنف بها ضمّاً ، وكذا الزوجة لو أعنفت بالرجل ضمّاً ، وكذا الأجنبيّ والأجنبيّة مع عدم قصد القتل .

(مسألة 9) : من حمل شيئاً فأصاب به إنساناً ضمن جنايته عليه في ماله .

(مسألة 10) : من صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات ، فلا دية إلاّ مع العلم باستناد الموت إليه ، فحينئذٍ إن كان قاصداً لقتله فهو عمد يقتصّ منه ، وإلاّ شبيه عمد فالدية من ماله ، فلو صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل فمات ، فالظاهر ثبوت الدية إلاّ أن يثبت عدم الاستناد ، فمع قصد القتل بفعله فهو عمد ، وإلاّ فشبيهه مع عدم الترتّب نوعاً أو غفلته عنه ، ومن هذا الباب كلّ فعل يستند إليه القتل ، ففيه التفصيل المتقدّم ، كمن شهر سيفه في وجه إنسان ، أو أرسل كلبه إليه فأخافه ، إلى غير ذلك من أسباب الإخافة .

(مسألة 11) : لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات ، فإن زال عقله واختياره بواسطة الإخافة فالظاهر ضمان المخيف ، وإلاّ فلا ضمان ، ولو صادفه في هربه سبع فقتله فلا ضمان .

(مسألة 12) : لو وقع من علوّ على غيره فقتله ، فمع قصد قتله فهو عمد وعليه القود ، وإن لم يقصده وقصد الوقوع وكان ممّا لا يقتل به غالباً ، فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله ، وكذا لو وقع إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع . ولو ألقته

ص: 600

الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه ، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته ، ولو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير .

(مسألة 13) : لو دفعه دافع فمات فالقود في فرض العمد والدية في شبيهه على الدافع . ولو دفعه فوقع على غيره فمات فالقود أو الدية على الدافع أيضاً ، وفي رواية صحيحة : أ نّها على الذي وقع على الرجل ، فقتله لأولياء المقتول ، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه . ويمكن حملها على أنّ الدفع اضطرّه إلى الوقوع ؛ بحيث كان الفعل منسوباً إليه بوجه .

(مسألة 14) : لو صدمه فمات المصدوم ، فإن قصد القتل أو كان الفعل ممّا يقتل غالباً فهو عمد يقتصّ منه . وإن قصد الصدم دون القتل ولم يكن قاتلاً غالباً ، فديته في مال الصادم . ولو مات الصادم فهدرٌ لو كان المصدوم في ملكه أو محلّ مباح أو طريق واسع . ولو كان واقفاً في شارع ضيّق فصدمه بلا قصد يضمن المصدوم ديته ، وكذا لو جلس فيه فعثر به إنسان . نعم ، لو كان قاصداً لذلك وله مندوحة فدمه هدر ، وعليه ضمان المصدوم .

(مسألة 15) : إذا اصطدم حرّان بالغان عاقلان فماتا فإن قصدا القتل فهو عمد ، وإن لم يقصدا ذلك ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالباً فهو شبيه العمد ؛ يكون لورثة كلّ منهما نصف ديته ، ويسقط النصف الآخر . ويستوي فيهما الراجلان والفارسان والفارس والراجل ، وعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة مركوب الآخر لو تلف بالتصادم ؛ من غير فرق بين اتّحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوّة والضعف ، ومن غير فرق بين شدّة حركة أحدهما دون الآخر ، أو تساويهما في ذلك إذا صدق التصادم . نعم ، لو كان أحدهما قليل الحركة بحيث

ص: 601

لا يصدق التصادم ، بل يقال صدمه الآخر ، فلا ضمان على المصدوم ، فلو صادمت سيّارة صغيرة مع سيّارة كبيرة كان الحكم كما ذكر ، فيقع التقاصّ في الدية والقيمة ، ويرجع صاحب الفضل إن كان على تركة الآخر .

(مسألة 16) : لو لم يتعمّد الاصطدام - بأن كان الطريق مظلماً ، أو كانا غافلين أو أعميين - فنصف دية كلّ منهما على عاقلة الآخر . وكذا لو كان المصطدمان صبيّين أو مجنونين أو أحدهما صبيّاً والآخر مجنوناً ؛ لو كان الركوب منهما أو من وليّهما فيما إذا كان سائغاً له ، ولو أركبهما أجنبيّ ، أو الوليّ في غير مورد الجواز أي مورد المفسدة ، فدية كلّ منهما تماماً على الذي ركّبهما ، وكذا قيمة دابّتهما لو تلفتا .

(مسألة 17) : لو اصطدم حرّان فمات أحدهما وكان القتل شبيه عمد ، يضمن الحيّ نصف دية التالف ، وفي رواية : يضمن الباقي تمام دية الميّت . وفيها ضعف . ولو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا ، سقط نصف دية كلّ واحدة منهما وثبت النصف ، وثبت في مالهما نصف دية الجنين مع كون القتل شبيه العمد ، ولو كان خطأً فعلى العاقلة .

(مسألة 18) : لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً فهو له ضامن حتّى يرجع إليه ، فإن فقد ولم يعلم حاله فهو ضامن لديته ، وإن وجد مقتولاً وادّعى على غيره وأقام بيّنة فقد برئ ، وإن عدم البيّنة فعليه الدية ولا قود عليه على الأصحّ ، وكذا لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره . وإن وجد ميّتاً ، فإن علم أ نّه مات حتف أنفه أو بلدغ حيّة أو عقرب ، ولم يحتمل قتله ، فلا ضمان ، ومع احتمال قتله فعليه الضمان على الأصحّ .

ص: 602

المبحث الثاني : في الأسباب

والمراد بها هاهنا : كلّ فعل يحصل التلف عنده بعلّة غيره ؛ بحيث لولاه لما حصل التلف ، كحفر البئر ونصب السكّين وإلقاء الحجر وإيجاد المعاثر ونحوها .

(مسألة 1) : لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح ، أو حفر بئراً ، أو أوتد وتداً ، أو ألقى معاثر ونحو ذلك ، لم يضمن دية العاثر ، ولو كان في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه فعليه الضمان في ماله . ولو حفر في ملك غيره فرضي به المالك فالظاهر سقوط الضمان من الحافر ، ولو فعل ذلك لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان ، كمن رشّ الماء في الطريق لدفع الحرّ أو لعدم نشر الغبار ونحو ذلك .

(مسألة 2) : لو حفر بئراً - مثلاً - في ملكه ثمّ دعا من لم يطّلع كالأعمى ، أو كان الطريق مظلماً ، فالظاهر ضمانه ، ولو دخل بلا إذنه أو بإذنه السابق قبل حفر البئر ولم يطّلع الآذن فلا يضمن .

(مسألة 3) : لو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد وإن تمكّن من إزالته ، ولو رفع الحجر ووضعه في محلّ آخر نحو المحلّ الأوّل أو أضرّ منه ، فلا إشكال في الضمان ، وأمّا لو دفعه عن وسط الطريق إلى جانبه لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان .

(مسألة 4) : لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ، فدخل ثالث فيه عدواناً ووقع في البئر ، ضمن الحافر .

(مسألة 5) : من الإضرار بطريق المسلمين إيقاف الدوابّ فيه وإلقاء

ص: 603

الأشياء للبيع ، وكذا إيقاف السيّارات إلاّ لصلاح المارّة بمقدار يتوقّف عليه ركوبهم ونقلهم .

(مسألة 6) : ومن الإضرار إخراج الميازيب بنحو يضرّ بالطريق ، فإنّ الظاهر فيه الضمان ، ومع عدم الإضرار لو اتّفق إيقاعها على الغير فأهلكه فالظاهر عدم الضمان . وكذا الكلام في إخراج الرواشن والأجنحة . ولعلّ الضابط في الضمان وعدمه إذن الشارع وعدمه ، فكلّ ما هو مأذون فيه شرعاً ليس فيه ضمان ما تلف لأجله ، كإخراج الرواشن غير المضرّة ونصب الميازيب كذلك ، وكلّ ما هو غير مأذون فيه ففيه الضمان ، كالإضرار بطريق المسلمين بأيّ نحو كان ، فلو تلف بسببه فالضمان ثابت ؛ وإن لا تخلو الكلّية في الموضعين من كلام وإشكال .

(مسألة 7) : لو اصطدم سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال ، فإن كان ذلك بتعمّد من القيّمين لهما فهو عمد . وإن لم يكن عن تعمّد ، وكان الاصطدام بفعلهما أو بتفريط منهما ، مع عدم قصد القتل وعدم غلبة التصادم للتسبّب إليه ، فهو شبيه عمد ، أو من باب الأسباب الموجبة للضمان ، فلكلّ منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلفه ، وعلى كلّ منهما نصف دية صاحبه لو تلفا ، وعلى كلّ منهما نصف دية من تلف فيهما ، ولو كان القيّمان غير مالكين كالغاصب والأجير ضمن كلّ نصف السفينتين وما فيهما ، فالضمان في أموالهما ؛ نفساً كان التالف أو مالاً . ولو كان الاصطدام بغير فعلهما ومن غير تفريط منهما ؛ بأن غلبتهما الرياح ، فلا ضمان ، ولو فرّط أحدهما دون الآخر فالمفرّط ضامن ، ولو كان إحدى السفينتين واقفة أو كالواقفة ولم يفرّط صاحبها لا يضمن .

(مسألة 8) : لو بنى حائطاً في ملكه أو ملك مباح على أساس يثبت مثله

ص: 604

عادة ، فسقط من دون ميل ولا استهدام ، بل على خلاف العادة كسقوطه بزلزلة ونحوها ، لا يضمن صاحبه ما تلف به وإن سقط في الطريق أو في ملك الغير . وكذا لو بناه مائلاً إلى ملكه ، ولو بناه مائلاً إلى ملك غيره أو إلى الشارع ضمن . وكذا لو بناه في غير ملكه بلا إذن من المالك . ولو بناه في ملكه مستوياً فمال إلى غير ملكه ، فإن سقط قبل تمكّنه من الإزالة فلا ضمان ، وإن تمكّن منها فللضمان وجه . ولو أماله غيره فالضمان عليه إن لم يتمكّن المالك من الإزالة ، وإن تمكّن فالضمان لا يرفع عن الغير ، فهل عليه ضمان فيرجع الورثة إليه وهو يرجع إلى المتعدّي ، أو لا ضمان إلاّ على المتعدّي ؟ لا يبعد الثاني .

(مسألة 9) : لو أجّج ناراً في ملكه بمقدار حاجته مع عدم احتمال التعدّي ، لم يضمن لو اتّفق التعدّي فأتلفت نفساً أو مالاً بلا إشكال ، كما لا إشكال في الضمان لو زاد على مقدار حاجته مع علمه بالتعدّي ، والظاهر ضمانه مع علمه بالتعدّي وإن كان بمقدار الحاجة ، بل الظاهر الضمان لو اقتضت العادة التعدّي مع الغفلة عنه ، فضلاً عن عدمها . ولو أجّج زائداً على مقدار حاجته ، فلو اقتضت العادة عدم التعدّي ، فاتّفق بأمر آخر على خلاف العادة ولم يظنّ التعدّي ، فالظاهر عدم الضمان ، ولو كان التعدّي بسبب فعله ضمن ولو كان التأجيج بقدر الحاجة .

(مسألة 10) : لو أجّجها في ملك غيره بغير إذنه ، أو في الشارع لا لمصلحة المارّة ، ضمن ما يتلف بها بوقوعه فيها من النفوس والأموال وإن لم يقصد ذلك . نعم ، لو ألقى آخر مالاً أو شخصاً في النار لم يضمن مؤجّجها ، بل الضمان على المُلقي . ولو وقعت الجناية بفعله التوليدي كما أجّجها وسرت إلى محلّ فيه الأنفس والأموال يكون ضامناً للأموال ، وأمّا الأنفس فمع العمد وتعذّر الفرار

ص: 605

فعليه القصاص ، ومع شبيهه الدية في ماله ، ومع الخطأ المحض فعلى العاقلة ، ثمّ إنّه يأتي في فتح المياه ما ذكرنا في إضرام النار .

(مسألة 11) : لو ألقى فضولات منزله المزلقة - كقشور البطّيخ - في الشارع ، أو رشّ الدرب بالماء على خلاف المتعارف لا لمصلحة المارّة ، فزلق به إنسان ، ضمن . نعم ، لو وضع المارّ العاقل متعمّداً رجله عليها فالوجه عدم الضمان ، ولو تلف به حيوان أو مجنون أو غير مميّز ضمن .

(مسألة 12) : لو وضع على حائطه إناءً أو غيره فسقط وتلف به نفس أو مال ، لم يضمن إلاّ أن يضعه مائلاً إلى الطريق ، أو وضعه بنحو تقتضي العادة سقوطه على الطريق ، فإنّه يضمن حينئذٍ .

(مسألة 13) : يجب حفظ دابّته الصائلة كالبعير المغتلم والفرس العضوض والكلب العقور لو اقتناه ، فلو أهمل حفظها ضمن جنايتها ، ولو جهل حالها أو علم ولم يقدر على حفظها ولم يفرّط فلا ضمان ، ولو صالت على شخص فدفعها بمقدار يقتضي الدفاع ذلك فماتت ، أو وردت عليها جناية ، لم يضمن ، بل لو دفعها عن نفس محترمة أو مال كذلك لم يضمن ، فلو أفرط في الدفاع فجنى عليها مع إمكان دفعها بغير ذلك ، أو جنى عليها لغير الدفاع ، ضمن . والظاهر جريان الحكم في الطيور الضارية والهرّة كذلك حتّى في الضمان مع التعدّي عن مقدار الدفاع .

(مسألة 14) : لو هجمت دابّة على اُخرى فجنت الداخلة ، فإن كان بتفريط المالك في الاحتفاظ ضمن ، وإن جنت المدخول عليها كان هدراً .

(مسألة 15) : من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم ، وإلاّ

ص: 606

فلا ضمان ؛ من غير فرق بين كون الكلب حاضراً في الدار أو دخل بعد دخوله ، ومن غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره وعدمه .

(مسألة 16) : راكب الدابّة يضمن ما تجنيه بيديها وإن لم يكن عن تفريط لا برجليها ، ولا يبعد ضمان ما تجنيه برأسها أو بمقاديم بدنها . ولو ركبها على عكس المتعارف ، ففي ضمان ما تجنيه برجليها دون يديها وجه لا يخلو من إشكال . وإن كان كلتا رجليه إلى ناحية واحدة لا يبعد ضمان جناية يديها ، وفي ضمان جناية رجليها تردّد . وهل يعتبر في الضمان التفريط ؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال . نعم ، لو سلبت الدابّة اختياره مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابّة شموساً ، فالوجه عدم الضمان ؛ لا برجلها ولا بيدها ومقاديم بدنها . وكذا الكلام في القائد في التفصيل المتقدّم ؛ أي ضمان ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها . ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها وإن لم يكن عن تفريط ، والظاهر عدم الفرق بين الطريق الضيّق والواسع . وكذا السائق يضمن ما تجنيه مطلقاً . ولو ضربها فجنت لأجله ضمن مطلقاً ، وكذا لو ضربها غيره فجنت لأجله ضمن ذلك الغير ، إلاّ أن يكون الضرب دفاعاً عن نفسه ، فإنّه لا يضمن حينئذٍ الصاحب ولا غيره .

(مسألة 17) : لو كان للدابّة راكب وسائق وقائد أو اثنان منها ، فالظاهر الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد فيما فيه كذلك ؛ من غير فرق بين المالك وغيره . وقيل : لو كان صاحب الدابّة معها ضمن دون الراكب ، وهو كذلك لو كان الراكب قاصراً .

(مسألة 18) : لو ركبها رديفان تساويا في الضمان إلاّ إذا كان أحدهما ضعيفاً لمرض أو صغر ، فالضمان على الآخر .

ص: 607

المبحث الثالث : في تزاحم الموجبات

(مسألة 1) : إذا اجتمع السبب والمباشر فمع مساواتهما أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر ، كاجتماع الدافع والحافر ، واجتماع واضع المعاثر وناصب السكّين والدافع ، واجتماع مؤجّج النار مع الملقي ، واجتماع الباني لحائط مائل مع مسقطه . ولو كان المباشر ضعيفاً والسبب قويّاً فالضمان على السبب ، كما لو حفر بئراً في الشارع وغطّاها ، فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالواقعة فسقط في البئر ، فإنّ الضمان على الحافر .

(مسألة 2) : لو اجتمع السببان فالظاهر أنّ الضمان على السابق تأثيراً وإن كان حدوثه متأخّراً ، كما لو حفر بئراً في الشارع وجعل آخر حجراً على جنبها ، فسقط العاثر بالحجر في البئر ، فالضمان على الواضع . ولو نصب سكّيناً في البئر فسقط في البئر على السكّين فالضمان على الحافر . ولو وضع حجراً ووضع آخر حجراً خلفه ، فعثر بحجر وسقط على آخر ، فالضمان على الواضع الذي عثر بحجره ، وهكذا . هذا مع تساويهما في العدوان . ولو كان أحدهما عادياً فالضمان عليه خاصّة ، كما لو وضع حجراً في ملكه ، وحفر المتعدّي بئراً ، فعثر بالحجر وسقط في البئر ، فالضمان على الحافر المتعدّي .

(مسألة 3) : لو حفر بئراً قليل العمق فعمّقها غيره ، فهل الضمان على الأوّل للسبق ، أو على الثاني ، أو عليهما ؟ احتمالات ، أرجحها الأوّل .

(مسألة 4) : لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر - مثلاً - فالضمان على الجميع ، والظاهر أ نّه بالسويّة وإن اختلف قواهم .

ص: 608

(مسألة 5) : لو سقط اثنان في البئر ، فهلك كلّ منهما باصطدام الآخر ، فالضمان على الحافر .

القول : في الجناية على الأطراف

اشارة

وفيه مقاصد :

المقصد الأوّل : في ديات الأعضاء
اشارة

إعلم أنّ كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ففيه الأرش المسمّى بالحكومة ، فيفرض الحرّ عبداً قابلاً للتقويم ويقوّم صحيحه ومعيبه ويؤخذ الأرش . ولا بدّ من ملاحظة خصوصيات الصحيح والمعيب ؛ حتّى كونه معيباً في أمد ، كما في شعر الرأس الذي ينبت في مدّة . وأمّا التقدير ففي موارد :

الأوّل : الشعر

(مسألة 1) : في شعر رأس الذكر - صغيراً كان أو كبيراً ، كثيفاً أو خفيفاً - الدية كاملة إن لم ينبت ، كما لو صبّ على رأسه ماءً حارّاً فسقط شعره ولم ينبت ، أو أذهب شعره بأيّ وجه كان . وكذا في اللحية إذا حلقت أو نتفت - مثلاً - ولم تنبت ، الدية كاملة . وإن نبتا ففي اللحية ثلث الدية على الأقوى وفي شعر الرأس الأرش . وأمّا الاُنثى ففي شعرها ديتها كاملة إن لم ينبت ، ولو نبت ففيه مهر نسائها ؛ من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة .

(مسألة 2) : لو نبت بعضه دون بعض ، فهل فيه الأرش ، أو اُخذ من الدية بالحساب ، فيلاحظ نسبة غير النابت إلى الجميع ، فيؤخذ نصف الدية إن كان

ص: 609

نصفاً ، وثلثها إن كان ثلثاً وهكذا ، ولا يلاحظ خفّة الشعر وكثافته ؟ الثاني أرجح في غير النابت ، وفي النابت لا يسقط الأرش على الظاهر .

(مسألة 3) : تشخيص عدم نبات الشعر أبداً موكول إلى أهل الخبرة ، فإن حكم أهل الخبرة بعدم النبات تؤخذ الدية ، ولو نبت بعد ذلك فالظاهر رجوع ما فضل من الدية .

(مسألة 4) : لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنّة ، يؤخذ مهر المثل . نعم ، لو زاد على الدية الكاملة فليس لها إلاّ الدية ، ويحتمل الرجوع إلى الأرش .

(مسألة 5) : في شعر الحاجبين معاً خمسمائة دينار ، وفي كلّ واحد نصف ذلك ، وفي بعض منه على حساب ذلك . هذا إذا لم ينبت ، وإلاّ ففيه الأرش ، فلو نبت بعض ولم ينبت بعض ففي غير النابت بالحساب ، وفي النابت الأرش ظاهراً .

(مسألة 6) : في الأهداب الأربعة - أي الشعور النابتة على الأجفان - أقوال ، أقربها الأرش ، وأحوطها الدية كاملة مع عدم النبت .

(مسألة 7) : لا تقدير في غير ما تقدّم من الشعر ، لكن يثبت له الأرش إن قلع منفرداً ، ولا شيء فيه لو انضمّ إلى العضو إذا قطع ، أو إلى الجلد إذا كشط ، فلا شيء للأهداب إذا قطع الأجفان ، ولا في شعر الساعد أو الساق إذا قطعا زائداً على دية العضو .

(مسألة 8) : يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل ، وكذا في لحية المرأة لو فرض النقص ، وفي كلّ مورد ممّا لا تقدير فيه ، ولو فرض أنّ إزالة الشعر في العبد أو الأمة ، تزيد في القيمة أو لا ينقص منها ، لا شيء عليه إلاّ التعزير ، ولو فرض التعييب بذلك وجب الأرش .

ص: 610

الثاني : العينان

(مسألة 1) : في العينين معاً الدية ، وفي كلّ واحدة منهما نصفها ، والأعمش والأحول والأخفش والأعشى والأرمد كالصحيح . ولو كان على سواد عينه بياض ، فإن كان الإبصار باقياً - بأن لا يكون ذلك على الناظر - فالدية تامّة ، وإلاّ سقطت بالحساب من الدية لو أمكن التشخيص ، وإلاّ ففيه الأرش .

(مسألة 2) : في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور خلقة أو بآفة من اللّه تعالى . ولو أعورها جانٍ واستحقّ ديتها منه كان في الصحيحة نصف الدية ؛ سواء أخذ ديتها أم لا ، وسواء كان قادراً على الأخذ أم لا ، بل وكذا النصف لو كان العور قصاصاً .

(مسألة 3) : في العين العوراء ثلث الدية إذا خسفها أو قلعها ؛ سواء كانت عوراء خلقة أو بجناية جانٍ .

(مسألة 4) : في الأجفان الدية ، وفي تقدير كلّ جفن خلاف : فمن قائل : في كلّ واحد ربع الدية ، ومن قائل : في الأعلى ثلثاها وفي الأسفل الثلث . ومن قائل : في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف . وهذا لا يخلو من ترجيح ، لكن لا يترك الاحتياط بالتصالح .

الثالث : الأنف

(مسألة 1) : في الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة ، وكذا في مارنه ، وهو ما لان منه ونزل عن قصبته . ولو قطع المارن وبعض القصبة دفعة فالدية كاملة ، ولو قطع المارن ثمّ بعض القصبة فالدية كاملة في المارن والأرش في القصبة ، ولو

ص: 611

قطع المارن ثمّ قطع جميع القصبة ففي المارن الدية ، فهل للقصبة الدية أو الأرش ، فيه تأمّل ، ولو قطع بعض المارن فبحساب المارن .

(مسألة 2) : لو فسد الأنف وذهب - بكسر أو إحراق أو نحو ذلك - ففيه الدية كاملة ، ولو جبر على غير عيب فمائة دينار على قول مشهور .

(مسألة 3) : في شلل الأنف ثلثا ديته صحيحاً ، وإذا قطع الأشلّ فعليه ثلثها .

(مسألة 4) : في الروثة نصف الدية إذا قطعت ، فهل هي طرف الأنف ، أو الحاجز بين المنخرين ، أو مجمع المارن ؟ احتمالات . ويحتمل أن ترجع الاحتمالات إلى أمر واحد ، وهو طرف الأنف الذي يقطر منه الدم ، وهو مجمع المارن ، وهو محلّ الحاجز ، فإذا قطع الحاجز من حيث يرى من الأعلى إلى الأسفل قطع طرف الأنف ، وهو مجمع المارن ؛ وإن لا يخلو من تأمّل .

(مسألة 5) : في أحد المنخرين ثلث الدية ، وقيل : نصفها . والأوّل أرجح . ولو نفذت في الأنف نافذة على وجه لا تفسد - كرمح أو سهم - فخرقت المنخرين والحاجز فثلث الدية ، وكذا لو ثقبته ، فإن جبر وصلح فخمس الدية على الأحوط .

الرابع : الاُذن

(مسألة 1) : في الاُذنين إذا استؤصلا الدية كاملة ، وفي استئصال كلّ واحدة منهما نصفها ، وفي بعضها بحساب ديتها ؛ إن كان نصفاً فنصف ، أو ثلثاً فثلث وهكذا .

(مسألة 2) : في خصوص شحمة الاُذن ثلث دية الاُذن ، وفي بعضها فبحسابها ، وفي خرم الاُذن ثلث ديتها على الأحوط بل الأظهر .

ص: 612

(مسألة 3) : لو ضربها فاستحشفت - أي يبست - فعليه ثلثا ديتها ، ولو قطعها بعد الشلل فثلثها على الأحوط في الموضعين ، بل لا يخلوان من قرب .

(مسألة 4) : الأصمّ فيما مرّ كالصحيح ، ولو قطع الاُذن - مثلاً - فسرى إلى السمع فأبطله أو نقص منه ، ففيه - مضافاً إلى دية الاُذن - دية المنفعة من غير تداخل . وكذا لو قطعها بنحو أوضح العظم ، وجب مع دية الاُذن دية الموضحة من غير تداخل .

الخامس : الشفتان

(مسألة 1) : في الشفتين الدية كاملة ، وفي كلّ واحدة منهما النصف على الأقوى ، والأحوط في السفلى ستّمائة دينار ، وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها طولاً وعرضاً .

(مسألة 2) : حدّ الشفة في العليا ما تجافى عن اللثّة متّصلة بالمنخرين والحاجز عرضاً ، وطولها طول الفم ، وحدّ السفلى ما تجافى عن اللثّة عرضاً وطولها طول الفم ، وليست حاشية الشدقين منهما .

(مسألة 3) : لو جنى عليها حتّى تقلّصت فلم تنطبق على الأسنان ففيه الحكومة ، ولو استرختا بالجناية فلم تنفصلا عن الأسنان بضحك ونحوه ، فثلثا الدية على الأحوط ، ولو قطعت بعد الشلل فثلثها .

(مسألة 4) : لو شقّ الشفتين حتّى بدت الأسنان فعليه ثلث الدية ، فإن برأت فخمس الدية ، وفي إحداهما ثلث ديتها إن لم تبرأ ، وإن برئت فخمس ديتها على قول معروف في الجميع .

ص: 613

السادس : اللسان

(مسألة 1) : في لسان الصحيح إذا استؤصل الدية كاملة ، وفي لسان الأخرس ثلث الدية مع الاستئصال .

(مسألة 2) : لو قطع بعض لسان الأخرس فبحساب المساحة . وأمّا الصحيح فيعتبر قطعه بحروف المعجم ، وتبسط الدية على الجميع بالسويّة ؛ من غير فرق بين خفيفها وثقيلها ، واللسنية وغيرها ، فإن ذهبت أجمع فالدية كاملة ، وإن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب خاصّة .

(مسألة 3) : حروف المعجم في العربية ثمانية وعشرون حرفاً ، فتجعل الدية موزّعة عليها . وأمّا غير العربية فإن كان موافقاً لها فبهذا الحساب ، ولو كان حروفه أقلّ أو أكثر فالظاهر التقسيط عليها بالسويّة كلّ بحسب لغته .

(مسألة 4) : الاعتبار في صحيح اللسان بما يذهب الحروف لا بمساحة اللسان ، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية ، ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف فنصف الدية .

(مسألة 5) : لو لم يذهب الحرف بالجناية ، لكن تغيّر بما يوجب العيب ، فصار ثقيل اللسان أو سريع النطق بما يعدّ عيباً ، أو تغيّر حرف بحرف آخر ولو كان الثاني صحيحاً لكن يعدّ عيباً ، فالمرجع الحكومة .

(مسألة 6) : لو قطع لسانه جانٍ فأذهب بعض كلامه ، ثمّ قطع آخر بعضه فذهب بعض الباقي ، اُخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الاُولى إلى ما بقي بعدها ، فلو ذهب بجناية الأوّل نصف كلامه فعليه نصف الدية ، ثمّ ذهب بجناية الثاني نصف ما بقي فعليه نصف هذا النصف - أي الربع - وهكذا .

ص: 614

(مسألة 7) : لو أعدم شخص كلامه بالضرب على رأسه ونحوه من دون قطع فعليه الدية ، ولو نقص من كلامه فبالنسبة كما مرّ ، ولو قطع آخر لسانه الذي اُخرس بفعل السابق فعليه ثلث الدية ؛ وإن بقيت للّسان فائدة الذوق والعون بعمل الطحن ؛ من غير فرق بين قدرة المجنيّ عليه على الحروف الشفوية والحلقية أم لا .

(مسألة 8) : لو قطع لسان طفل قبل بلوغه حدّ النطق فعليه الدية كاملة ، ولو بلغ حدّه ولم ينطق فبقطعه لا يثبت إلاّ الثلث ، ولو انكشف الخلاف يُؤخذ ما نقص من الجاني .

(مسألة 9) : لو جنى عليه بغير قطع فذهب كلامه ثمّ عاد ، فالظاهر أ نّه تستعاد الدية . وأمّا لو قلع سنّه فعادت فلا تستعاد ديتها .

السابع : الأسنان

(مسألة 1) : في الأسنان الدية كاملة ، وهي موزّعة على ثمان وعشرين سنّاً : اثنتا عشرة في مقاديم الفم ؛ ثنيّتان ورباعيتان ونابان من أعلى ومثلها من أسفل ، ففي كلّ واحدة منها خمسون ديناراً ، فالجميع ستّمائة دينار ، وستّ عشرة في مآخر الفم ؛ في كلّ جانب من الجوانب الأربعة أربعة ؛ ضواحك وأضراس ثلاثة ؛ في كلّ واحدة منها خمسة وعشرون ديناراً ، فالجميع أربعمائة دينار ، ولا يلحظ النواجذ في الحساب ولا الأسنان الزائدة .

(مسألة 2) : لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين نقص من الدية بإزائه ؛ كان النقص خلقة أو عارضاً .

ص: 615

(مسألة 3) : ليس للزائد على ثمان وعشرين دية مقدّرة ، والظاهر الرجوع إلى الحكومة ؛ سواء كانت الزيادة من قبيل النواجذ التي هي في رديف الأسنان ، أو نبت الزائد جنبها داخلاً أو خارجاً ، ولو لم يكن في قلعها نقص أو زاد كمالاً فلا شيء ؛ وإن كان الفاعل ظالماً آثماً ، وللحاكم تعزيره .

(مسألة 4) : لا فرق في الأسنان بين أبيضها وأصفرها وأسودها إذا كان اللون أصلياً لا لعارض وعيب ، ولو اسودّت بالجناية ولم تسقط فديتها ثلثا ديتها صحيحةً على الأقوى ، ولو قلع السنّ السوداء بالجناية أو لعارض فثلث الدية على الأحوط ، بل لا يخلو من قرب ، وفي انصداع السنّ - بلا سقوط - الحكومةُ على الأقوى .

(مسألة 5) : لو كسر ما برز عن اللثّة خاصّة وبقي السنخ - أي أصله المدفون فيها - فالدية كالسنّ المقلوعة ، ولو كسر شخص ما برز عنها ثمّ قلع الآخر السنخ فالحكومة للسنخ ؛ سواء كان الجاني شخصين أو شخصاً واحداً في دفعتين .

(مسألة 6) : لو قلع سنّ الصغير غير المثّغر انتظر إلى مضيّ زمان جرت العادة بنباتها ، فإن نبتت فالأرش على قول ، ولا يبعد أن تكون دية كلّ سنّ بعيراً ، وإن لم تنبت فديتها كسنّ البالغ .

(مسألة 7) : لو قلعت سنّ فاُثبتت في محلّها فنبتت كما كانت ففي قلعها الدية كاملة ، ولو جعلت في محلّها سنّ فصارت كالسنّ الأصلية حيّة نابتة ، فالأحوط في قلعها دية الأصلية كاملة ، بل لا يخلو من وجه .

ص: 616

الثامن : العنق

(مسألة 1) : في العنق إذا كسر فصار الشخص أصعر - أي مال عنقه ويثنى في ناحية - الدية كاملة على الأحوط ، وكذا لو جنى عليه على وجه يثني عنقه وصعر . وكذا لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد ؛ وعاش كذلك بإيصال الغذاء إليه بطريق آخر ، وقيل في الموردين بالحكومة ، ولا يبعد هذا القول .

(مسألة 2) : لو زال العيب - أي تمايل العنق وبطلان الازدراد - فلا دية ، وعليه الأرش . وكذا لو صار بنحو يمكنه الازدراد وإقامة العنق والالتفات بعسر .

التاسع : اللحيان

(مسألة 1) : في اللحيين إذا قلعا الدية كاملة ، وفي كلّ واحد منهما نصفها خمسمائة دينار . وهما العظمان اللذان ملتقاهما الذقن ، وفي جانب الأعلى يتّصل طرف كلّ واحد منهما بالاُذن من جانبي الوجه ، وعليهما نبات الأسنان السفلى .

(مسألة 2) : لو قلع بعض من كلّ منهما أو من أحدهما فبالحساب مساحة ، ولو قلع واحد منهما وبعض من آخر فنصف الدية للمقلوع ، وبالحساب للبعض الآخر .

(مسألة 3) : ما ذكرناه ثابت فيما إذا قلعا منفردين عن الأسنان ، كقلعهما عمّن لا سنّ له . وأمّا لو قلعا مع الأسنان فتزاد دية الأسنان ولا تتداخلان .

(مسألة 4) : لو جني عليهما ونقص المضغ أو حصل نقص فيهما ففيه الحكومة .

ص: 617

العاشر : اليدان

(مسألة 1) : في اليدين الدية كاملة ، وفي كلّ واحدة نصفها ؛ من غير فرق بين اليمنى واليسرى ، ومن كان له يد واحدة خلقة أو لعارض فلها نصف الدية .

(مسألة 2) : حدّ اليد التي فيها الدية المعصم - أي المفصل الذي بين الكفّ والذراع - فلو قطعت إحداهما من المفصل ففيها نصف الدية ، وإن كانت فيها الأصابع فلا دية للأصابع في الفرض ، ولو قطعت الأصابع منفردة ففيها خمسمائة دينار نصف الدية .

(مسألة 3) : في قطع الكفّ مع فقد الأصابع الحكومة ؛ سواء كان بلا أصابع خلقة أم بآفة أم بجناية جانٍ .

(مسألة 4) : لو قطعت الكفّ ذات الأصابع مع زيادة من الزند ، ففي اليد خمسمائة دينار . وكذا لو قطعها مع مقدار من الذراع . فهل في الزيادة حكومة أو الاعتبار بحساب المساحة ؟ فيه تردّد .

(مسألة 5) : في قطع اليد من المرفق خمسمائة دينار ؛ كان لها كفّ أو لا ، ومن المنكب كذلك كان لها مرفق أو لا ، ولو قطعت من فوق المرفق فيحتمل في الزيادة الحكومة ، ويحتمل الحساب مساحة .

(مسألة 6) : لو كان له يدان على زند أو على مرفق أو على منكب ففي الأصلية دية اليد كاملة وفي الزائدة الحكومة ، والتشخيص بينهما عرفي أو موكول إلى أهل الخبرة ، ومع الاشتباه وعدم التميّز لو قطعهما معاً شخص واحد فعليه الدية والأرش ، ومع تعدّد القاطع فالظاهر الحكومة بالنسبة

ص: 618

إلى كلّ منهما ، ولو كان القاطع واحداً لكن قطع الثاني بعد دفع الحكومة ، فالظاهر لزوم دية كاملة عليه .

الحادي عشر : الأصابع

(مسألة 1) : في أصابع اليدين الدية كاملة ، وكذا في أصابع الرجلين ؛ وفي كلّ واحدة منهما عشر الدية ؛ من غير فرق بين الإبهام وغيره .

(مسألة 2) : دية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث عقد ؛ في كلّ عقدة ثلثها ، وفي الإبهام مقسومة على اثنتين ؛ في كلّ منهما نصفها .

(مسألة 3) : في الإصبع الزائدة إذا قطعت من أصلها ثلث الأصلية ، ولا يبعد جريان الحكم بالنسبة إلى الأنملة الزائدة .

(مسألة 4) : لو كان عدد الأصابع الأصلية في بعض الطوائف وكذا عدد أناملهم الأصلية زائداً على القدر المتعارف ، لا يبعد أن يكون التقسيط على حسبها .

(مسألة 5) : في شلل كلّ واحدة من الأصابع ثلثا ديتها ، وفي قطعها بعد الشلل ثلثها .

(مسألة 6) : في الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود فاسداً عشرة دنانير على الأحوط ، وإن نبت أبيض فخمسة دنانير .

الثاني عشر : الظهر

(مسألة 1) : في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح بالعلاج والجبر ، وكذا لو

ص: 619

احدودب بالجناية فخرج ظهره وارتفع عن الاستواء ، أو صار بحيث لا يقدر على القعود أو المشي .

(مسألة 2) : لو عولج وبقي على الاحديداب فالدية كاملة ، وكذا لو بقي من آثار الكسر شيء ؛ بأن لا يقدر على المشي إلاّ بعصا ، أو ذهب بذلك جماعه أو ماؤه ، أو حدث به سلس ونحو ذلك .

(مسألة 3) : لو عولج فصلح ولم يبق من أثر الجناية شيء فمائة دينار .

(مسألة 4) : المراد بالظهر هو العظم الذي ذو فقار ممتدّ من الكاهل إلى العجز وهو الصلب ، وكسره يوجب الدية .

(مسألة 5) : لو كسر فشلّت الرجلان فدية لكسر الظهر ، وثلثا الدية لشلل الرجلين .

الثالث عشر : النخاع

(مسألة 1) : في قطع النخاع دية كاملة ، وفي بعضه الحساب بنسبة المساحة .

(مسألة 2) : لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر فإن كان فيه الدية المقدّرة يثبت - مضافاً إلى دية النخاع - دية اُخرى ، وإن لم تكن فيه الدية فالحكومة .

الرابع عشر : الثديان

(مسألة 1) : الثديان من المرأة فيهما ديتها ، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها .

(مسألة 2) : لو قطعتا أو قطعت واحدة منهما مع شيء من جلد الصدر ففي

ص: 620

الثدي ديتها بما مرّ ، وفي الجلد الحكومة ، ولو أجاف الصدر لزم مع ذلك دية الجائفة .

(مسألة 3) : لو اُصيب الثدي وانقطع لبنها مع بقائها ، أو تعذّر نزول اللبن مع كونه فيها ، أو تعذّر نزوله في وقته مع عدم كونه فعلاً فيها ، أو قلّ لبنها ، أو عيب ، كما إذا درّ مختلطاً بالدم أو القيح ، ففيه الحكومة .

(مسألة 4) : لو قطع الحلمتين من المرأة قيل فيه الدية ، وفيه إشكال ، ويحتمل الحكومة ، ويحتمل الحساب بالمساحة ، والأخير لا يخلو من رجحان .

(مسألة 5) : في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون ديناراً ، وفيهما معاً الربع ، وفي قول : إنّ فيهما الدية ، والأوّل أقوى .

الخامس عشر : الذكر

(مسألة 1) : في الحشفة فما زاد الدية كاملة ؛ وإن استؤصل إذا كان بقطع واحد ؛ من غير فرق بين ذكر الشابّ والشيخ والصبيّ والخصيّ خلقة ، ومن سلّت أو رضّت خصيتاه وغيره ؛ إذا لم يكن موجباً للشلل .

(مسألة 2) : لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الحشفة حسب ، لا جميع الذكر .

(مسألة 3) : لو انخرم مجرى البول من دون قطع ففيه الحكومة ، ولو قطع بعض الحشفة ، وكان القطع ملازماً لخرم المجرى ، فلا شيء إلاّ ما للحشفة ، وإن لم يكن ملازماً وكان الخرم جناية زائدة فله الحكومة ، وللحشفة ما تقدّم .

(مسألة 4) : لو قطع الحشفة وقطع آخر - أو هو بقطع آخر - ما بقي ، فالدية

ص: 621

لقطعها والحكومة لقطع الباقي ، ولو قطع بعض الحشفة والآخر ما بقي منها فعلى كلّ منهما بحساب المساحة .

(مسألة 5) : لو قطع بعض الحشفة ، وقطع آخر الذكر باستئصال ، ففي قطع بعضها الحساب بالمساحة ، وفي قطع الباقي وجوه : الحكومة ، أو الحساب بالنسبة إلى الحشفة والحكومة فيما بقي ، أو الدية كاملة ، أوجهها الأوّل ، وأحوطها الأخير .

(مسألة 6) : في ذكر العنّين ثلث الدية ، وكذا في قطع الأشلّ ، وفي قطع بعضه بحسابه ، ولا يبعد أن يكون الحساب بالنسبة إلى المجموع ، لا خصوص الحشفة .

(مسألة 7) : لو قطع نصف الذكر طولاً ، ولم يحصل في النصف الآخر خلل - من شلل ونحوه - فنصف الدية ، وإن أحدث في الباقي شللاً فنصف الدية للقطع وثلثا دية النصف الآخر للشلل ، فعليه خمسة أسداس .

(مسألة 8) : في ذكر الخنثى المشكل أو المعلوم اُنوثته الحكومة .

السادس عشر : الخصيتان

(مسألة 1) : في الخصيتين الدية كاملة ، فهل لكلّ واحدة نصفها ، أو لليسرى ثلثان ولليمنى الثلث ؟ الأوجه الثاني ، والأحوط الثلثان في اليسرى والنصف في اليمنى لو قلعتا دفعتين .

(مسألة 2) : لا فرق في الحكم بين الصغير والكبير والشيخ والشابّ ، ومقطوع الذكر وغيره ، وأشلّه وغيره ، والعنّين وغيره .

ص: 622

(مسألة 3) : في اُدرة الخصيتين - وهي انتفاخهما - أربعمائة دينار ، فإن فحج فلم يقدر على مشي ينفعه ففيه ثمانمائة دينار ؛ أربعة أخماس دية النفس .

السابع عشر : الفرج

(مسألة 1) : في شفري المرأة - أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم - ديتها كاملة ، وفي إحداهما نصفها ؛ سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، ثيّباً أو بكراً ، مختونة أو غيرها ، قرناء أو رتقاء أو سليمة ، مفضاة أو غيرها .

(مسألة 2) : لو شلّتا بالجناية فالظاهر ثلثا ديتها ، ولو قطع ما بهما الشلل ففيه الثلث .

(مسألة 3) : في الركب - وهو في المرأة موضع العانة من الرجل - الحكومة ؛ قطعه منفرداً أو منضمّاً إلى الفرج ، وكذا في عانة الرجل الحكومة .

(مسألة 4) : في إفضاء المرأة ديتها كاملة - وهو أن يجعل مسلكي البول والحيض واحداً - وكذا لو جعل مسلكي الحيض والغائط واحداً على الأحوط في هذه الصورة ؛ من غير فرق بين الأجنبيّ والزوج ، إلاّ في صورة واحدة ، وهي ما إذا كان ذلك من الزوج بالوط ء بعد البلوغ ، وأمّا قبل البلوغ فعليه ديتها مع مهرها .

(مسألة 5) : لو كانت المرأة مكرهة من غير زوجها فلها مهر المثل مع الدية ، ولو كانت مطاوعة فلها الدية دون المهر ، ولو كانت المكرهة بكراً ، هل يجب لها أرش البكارة زائداً على المهر والدية ؟ فيه تردّد ، والأحوط ذلك .

(مسألة 6) : المهر والأرش على القول به في ماله ، وكذا الدية .

ص: 623

الثامن عشر : الأليان

(مسألة 1) : في الأليين الدية كاملة ، وفي كلّ واحدة منهما نصفها ، وكذا في المرأة ديتها ، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها ، وفي بعض كلّ منهما بحساب المساحة .

(مسألة 2) : الظاهر أنّ الألية عبارة عن اللحم المرتفع بين الفخذ والظهر حتّى انتهى إلى العظم ، فلو لم يبلغ العظم فالظاهر الحساب بالمساحة ؛ وإن كان الأحوط الدية في القطع بنحو ينتهي إلى مساواة الظهر والفخذ وإن لم يصل إلى العظم .

التاسع عشر : الرجلان

(مسألة 1) : في الرجلين الدية كاملة ، وفي كلّ منهما نصفها ، وحدّهما مفصل الساق .

(مسألة 2) : البحث هاهنا كالبحث في اليدين ؛ في القطع من مفصل الركبة أو من أصل الفخذين ، وفي كلّ واحدة منهما ، وفي قطع بعض الساق مع مفصله ، وكذا في قطع شخص من مفصل الساق وآخر بعض الساق ، فالكلام فيهما واحد .

(مسألة 3) : في أصابع الرجلين منفردة دية كاملة ، وفي كلّ واحدة منها عشرها ، ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسويّة إلاّ الإبهام فإنّها مقسومة فيها على اثنين .

(مسألة 4) : الكلام في الرجل الزائدة كالكلام في اليد الزائدة ، وكذا في الأصابع .

ص: 624

العشرون : الأضلاع

(مسألة 1) : عن كتاب ظريف بن ناصح : «وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون ديناراً - إلى أن قال - : وفي الأضلاع ممّا يلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر» . وبمضمونه أفتى الأصحاب ، ولا بأس بذلك ، لكن لم يظهر المراد منه ، فهل التفصيل بين الجانب الذي يلي القلب والجانب الذي يلي العضد ، أو التفصيل بين الضلع الذي يحيط بالقلب وغيره ، أو التفصيل بين الأضلاع في جانب الصدر والقدّام وغيرها ممّا يلي العضدين إلى الخلف ؟ ويحتمل التصحيف ، وكان الأصل «فيما حاط القلب» من حاطه يحوطه ؛ أي حفظه وحرسه ، أو كان الأصل «فيما أحاط بالقلب» ، فالأقوى في الأضلاع التي تحيط بالقلب من الجانب الأيسر في كلّ منها خمسة وعشرون ، وأمّا في غيرها فالاحتياط بالصلح لا يترك ، سيّما بالنسبة إلى ما يجاور المحيط بالقلب في جانب الأيمن ، وإن كان القول بعدم وجوب الزائد على عشرة دنانير في غير الضلع المحيط ، لا يخلو من قرب .

الواحد والعشرون : الترقوة

(مسألة 1) : في الترقوتين الدية ، وفي كلّ واحدة منهما إذا كسرت فجبرت من غير عيب أربعون ديناراً .

(مسألة 2) : لو كسرت واحدة منهما ولم تبرأ فالظاهر أنّ فيها نصف الدية ، ولو برئت معيوباً فكذلك على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وقيل : فيهما بالحكومة .

ص: 625

خاتمة وفيها فروع :

الأوّل : لو كسر بعصوص شخص فلم يملك غائطه ففيه الدية كاملة ، وهو إمّا عظم الورك أو العصعص ؛ أي عجب الذنب أو عظم دقيق حول الدبر ، وإذا ملك غائطه ولم يملك ريحه فالظاهر الحكومة .

الثاني : لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية كاملة ، والعجان ما بين الخصيتين وحلقة الدبر ، ولو ملك أحدهما ولم يملك الآخر فلا يبعد فيه الدية أيضاً ، ويحتمل الحكومة ، والأحوط التصالح . ولو ضرب غير عجانه فلم يملكهما فالظاهر الدية ، ولو لم يملك أحدهما فيحتمل الحكومة والدية ، والأحوط التصالح .

الثالث : في كسر كلّ عظم من عضو له مقدّر خمس دية ذلك العضو ، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره ، وفي موضحته ربع دية كسره ، وفي رضّه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ ، فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه ، وفي فكّه من العضو بحيث يتعطّل ثلثا دية ذلك العضو ، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه . كلّ ذلك على قول مشهور ، والأحوط فيها التصالح .

الرابع : من داس بطن إنسان حتّى أحدث ديس بطنه حتّى يحدث أو يغرّم ثلث الدية ، والظاهر أنّ الحدث بول أو غائط ، فلو أحدث بالريح ففيه الحكومة .

الخامس : من افتضّ بكراً بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ، ففيه ديتها ومهر مثل نسائها .

ص: 626

المقصد الثاني : في الجناية على المنافع

وهي في موارد :

الأوّل : العقل ، وفيه الدية كاملة ، وفي نقصانه الأرش ، ولا قصاص في ذهابه ولا نقصانه .

(مسألة 1) : لا فرق في ذهابه أو نقصانه بين كون السبب فيهما الضرب على رأسه أو غيره ، وبين غير ذلك من الأسباب ، فلو أفزعه حتّى ذهب عقله فعليه الدية كاملة ، وكذا لو سحره .

(مسألة 2) : لو جنى عليه جناية - كما شجّ رأسه أو قطع يده - فذهب عقله ، لم تتداخل دية الجنايتين . وفي رواية صحيحة : إن كان بضربة واحدة تداخلتا . لكن أعرض أصحابنا عنها ، ومع ذلك فالاحتياط بالتصالح حسن .

(مسألة 3) : لو ذهب العقل بالجناية ودفع الدية ثمّ عاد العقل ففي ارتجاع الدية تأمّل ؛ وإن كان الارتجاع والرجوع إلى الحكومة أشبه .

(مسألة 4) : لو اختلف الجاني ووليّ المجنيّ عليه في ذهاب العقل أو نقصانه ، فالمرجع أهل الخبرة من الأطبّاء ، ويعتبر التعدّد والعدالة على الأحوط ، ويمكن اختباره في حال خلواته وغفلته ، فإن ثبت اختلاله فهو ، وإن لم يتّضح - لا من أهل الخبرة لاختلافهم مثلاً ، ولا من الاختبار - فالقول قول الجاني مع اليمين .

الثاني : السمع ، وفي ذهابه من الاُذنين جميعاً الدية ، وفي سمع كلّ اُذن نصف الدية .

ص: 627

(مسألة 1) : لا فرق في ثبوت النصف بين كون إحدى الاُذنين أحدّ من الاُخرى أم لا . ولو ذهب سمع إحداهما - بسبب من اللّه تعالى ، أو بجناية ، أو مرض ، أو غيرها - ففي الاُخرى النصف .

(مسألة 2) : لو علم عدم عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك استقرّ الدية ، وإن أمّل أهل الخبرة العود بعد مدّة متعارفة يتوقّع انقضاؤها ، فإن لم يعد استقرّت ،

ولو عاد قبل أخذ الدية فالأرش ، وإن عاد بعده فالأقوى أ نّه لا يرتجع ، ولو مات قبل أخذها فالأقرب الدية .

(مسألة 3) : لو قطع الاُذنين وذهب السمع به فعليه الديتان ، ولو جنى عليه بجناية اُخرى فذهب سمعه فعليه دية الجناية والسمع ، ولو قطع إحدى الاُذنين فذهب السمع كلّه من الاُذنين فدية ونصف .

(مسألة 4) : لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوّة السامعة ، لكن وقع في الطريق نقص حجبها عن السماع ، فالظاهر ثبوت الدية لا الحكومة ، وإن ذهب بسمع الصبيّ فتعطّل نطقه ، فالظاهر بالنسبة إلى تعطّل النطق الحكومة مضافاً إلى الدية .

(مسألة 5) : لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجنيّ عليه ، أو قال : «لا أعلم صدقه» ، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القويّ ، وصيح به بعد استغفاله ، فإن تحقّق ما ادّعاه اُعطي الدية ، ويمكن الرجوع إلى الحذّاق والمتخصّصين في السمع مع الثقة بهم ، والأحوط التعدّد والعدالة ، وإن لم يظهر الحال اُحلف القسامة للّوث وحكم له .

(مسألة 6) : لو ادّعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الاُخرى ، وتلزم الدية

ص: 628

بحساب التفاوت . وطريق المقايسة : أن تسدّ الناقصة سدّاً شديداً وتطلق الصحيحة ويضرب له بالجرس - مثلاً - حيال وجهه ، ويقال له : «اسمع» ، فإذا خفي الصوت عليه علّم مكانه ، ثمّ يضرب به من خلفه حتّى يخفى عليه فيعلّم مكانه ، فإن تساوى المسافتان فهو صادق وإلاّ كاذب ، والأحوط الأولى تكرار العمل في اليمين واليسار أيضاً ، ثمّ تسدّ الصحيحة سدّاً جيّداً وتطلق الناقصة ، فيضرب بالجرس من قدّامه ثمّ يعلّم حيث يخفى الصوت ؛ يصنع بها كما صنع باُذُنه الصحيحة أوّلاً ، ثمّ يقاس بين الصحيحة والمعتلّة فيعطى الأرش بحسابه ، ولا بدّ في ذلك من توخّي سكون الهواء ، ولا يقاس مع هبوب الرياح ، وكذا يقاس في المواضع المعتدلة .

الثالث : البصر ، وفي ذهاب الإبصار من العينين الدية كاملة ، ومن إحداهما نصفها .

(مسألة 1) : لا فرق بين أفراد العين المختلفة ؛ حديدها وغيره حتّى الحولاء والعشواء ، والذي في عينه بياض لا يمنعه عن الإبصار ، والعمشاء بعد كونها باصرة .

(مسألة 2) : لو قلع الحدقة فليس عليه إلاّ دية واحدة ويكون الإبصار تبعاً لها ، ولو جنى عليه بغير ذلك - كما لو شجّ رأسه فذهب إبصاره - عليه دية الجناية مع دية الإبصار .

(مسألة 3) : لو قامت العين بحالها وادّعى المجنيّ عليه ذهاب البصر وأنكر الجاني ، فالمرجع أهل الخبرة ؛ فإن شهد شاهدان عدلان من أهلها أو رجل وامرأتان ثبت الدية ، فإن قالا : «لا يرجى عوده» استقرّت ، ولو قالا : «يرجى

ص: 629

العود» من غير تعيين زمان تؤخذ الدية ، وإن قالا : «. . . بعد مدّة معيّنة متعارفة» فانقضت ولم يعد استقرّت .

(مسألة 4) : لو مات قبل مضيّ المدّة التي اُجّلت استقرّت الدية ، وكذا لو قلع آخر عينه . نعم ، لو ثبت عوده فقلعت فالظاهر الأرش ، كما أ نّه لو عاد قبل استيفاء الدية عليه الأرش ، وأمّا بعده فالظاهر عدم الارتجاع .

(مسألة 5) : لو اختلفا في عوده فالقول قول المجنيّ عليه .

(مسألة 6) : لو ادّعى ذهاب بصره وعينه قائمة ولم يكن بيّنة من أهل الخبرة ، أحلفه الحاكم القسامة وقضى له .

(مسألة 7) : لو ادّعى نقصان إحداهما قيست إلى الاُخرى ، واُخذت الدية بالنسبة بعد القسامة استظهاراً . ولو ادّعى نقصانهما قيستا إلى من هو من أبناء سنّه ، واُلزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان إلاّ مع العلم بالصحّة ، فيسقط الاستظهار .

(مسألة 8) : طريق المقايسة هاهنا كما في السمع ، فتشدّ عينه الصحيحة ويأخذ رجل بيضة - مثلاً - ويبعد حتّى يقول المجنيّ عليه : «ما اُبصرها» ، فيعلّم عنده ، ثمّ يعتبر في جهة اُخرى أو الجهات الأربع فإن تساوت صدّق ، وإلاّ كذّب ، وفي فرض الصدق تشدّ المصابة وتطلق الصحيحة فتعتبر بالجهتين أو الجهات ، ويؤخذ من الدية بنسبة النقصان . وهذه المقايسة جارية في إصابة العينين ودعوى نقصانهما ، لكن تعتبر مع العين الصحيحة من أبناء سنّه .

(مسألة 9) : لا بدّ في المقايسة من ملاحظة الجهات ؛ من حيث كثرة النور

ص: 630

وقلّته ، والأراضي من حيث الارتفاع والانخفاض ، فلا تقاس مع ما يمنع عن المعرفة ، ولا تقاس في يوم غيم .

الرابع : الشمّ ، وفي إذهابه عن المنخرين الدية كاملة ، وعن المنخر الواحد نصفها على إشكال في الثاني ، فلا يترك الاحتياط بالتصالح .

(مسألة 1) : لو ادّعى ذهابه وأنكر الجاني امتحن بالروائح الحادّة والمحرقة في حال غفلته ، فإن تحقّق الصدق تؤخذ الدية ، وإلاّ فليستظهر عليه بالقسامة ويقضى له . وإن أمكن الاستكشاف في زماننا بالوسائل الحديثة ، يرجع إلى أهل الخبرة مع اعتبار التعدّد والعدالة احتياطاً ، فمع قيام البيّنة يعمل بها .

(مسألة 2) : لو ادّعى نقص الشمّ ، فإن أمكن إثباته بالآلات الحديثة وشهادة العدلين من أهل الخبرة فهو ، وإلاّ فلا يبعد الاستظهار بالأيمان ، ويقضي بما يراه الحاكم من الحكومة أو الأرش .

(مسألة 3) : لو أمكن إثبات مقدار النقص بالامتحان والمقايسة بشامّة أبناء سنّه - كما في البصر والسمع - لا يبعد القول به .

(مسألة 4) : لو عاد الشمّ قبل أداء الدية فالحكومة ، ولو عاد بعده ففيه إشكال لا بدّ من التخلّص بالتصالح ، ولو مات قبل انقضاء المدّة ولم يعد فالدية ثابتة .

(مسألة 5) : لو قطع الأنف فذهب الشمّ فديتان ، وكذا لو جنى عليه جناية ذهب بها الشمّ فعليه مع دية ذهابه دية الجناية ، ولو لم يكن لها دية مقدّرة فالحكومة .

الخامس : الذوق ، قيل : فيه الدية ، وهو وإن لم يكن ببعيد ، لكن الأقرب فيه الحكومة .

ص: 631

(مسألة 1) : لو أمكن التشخيص بالوسائل الحديثة يرجع إلى شاهدين عدلين من أهل الخبرة ، وإلاّ فإن اختلفا ولا أمارة توجب اللوث فالقول قول الجاني ، ومع حصوله يستظهر بالأيمان .

(مسألة 2) : لو تحقّق النقصان يرجع إلى الحاكم ليحسم مادّة النزاع بالتصالح أو بالحكم ، والأحوط لهما التصالح .

(مسألة 3) : لو قطع لسانه فليس إلاّ الدية للّسان ، والذوق تبع ، ولو جنى عليه جناية اُخرى ذهب بذوقه ففي الذوق ما عرفت وفي الجناية ديتها ، ولو لم يكن دية مقدّرة فالحكومة .

(مسألة 4) : لو جنى على مغرس لحيته فلم يستطع المضغ فالحكومة ، وقيل بالدية .

(مسألة 5) : لو عاد الذوق تستعاد الدية ، والأحوط التصالح .

السادس: قيل: لو اُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال ففيه الدية، وكذا لو تعذّر عليه الإحبال، وكذا لو تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع . وفي الجميع إشكال ، والأقرب الحكومة . نعم ، لا يترك الاحتياط في انقطاع الجماع ؛ أي تكون الجناية سبباً لانقطاع أصل الجماع وعدم نشر الآلة .

السابع : في سلس البول الدية كاملة إن كان دائماً على الأقوى ، والأحوط ذلك إن دام تمام اليوم ، كما أنّ الأحوط فيما كان إلى نصف النهار ثلثا الدية وإلى ارتفاعه ثلثها ، وفي سائر أجزاء الزمان الحكومة . والمراد من الدوام أو تمام اليوم أو بعضه : هو كونه كذلك في جميع الأيّام ، وإن صار كذلك في بعض الأيّام وبرئ ففيه الحكومة .

ص: 632

الثامن : في ذهاب الصوت كلّه الدية كاملة ، وإذا ورد نقص على الصوت كما غَنّ أو بَحّ فالظاهر الحكومة ، والمراد بذهاب الصوت : أن لا يقدر صاحبه على الجهر ، ولا ينافي قدرته على الإخفات .

(مسألة 1) : لو جنى عليه فذهب صوته كلّه ونطقه كلّه فعليه الديتان .

(مسألة 2) : لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف وبقي بالنسبة إلى بعض ، يحتمل فيه الحكومة ، ويحتمل التوزيع ، كما مرّ في أصل التكلّم ، والأحوط التصالح .

(مسألة 3) : في ذهاب المنافع التي لم يقدّر لها دية الحكومة ، كالنوم واللمس وحصول الخوف والرعشة والعطش والجوع والغشوة وحصول الأمراض على أصنافها .

(مسألة 4) : الأرش والحكومة التي بمعناه إنّما يكون في موارد لو قيس المعيب بالصحيح يكون نقص في القيمة ، فمقدار التفاوت هو الأرش والحكومة التي بمعناه . وأمّا لو فرض في مورد لا توجب الجناية نقصاً بهذا المعنى ، ولا تقدير له في الشرع ، كما لو قطع إصبعه الزائدة ، أو جني عليه ونقص شمّه ، ولم يكن في التقويم بين مورد الجناية وغيره فرق ، فلا بدّ من الحكومة بمعنىً آخر ، وهي حكومة القاضي بما يحسم مادّة النزاع : إمّا بالأمر بالتصالح ، أو تقديره على حسب المصالح ، أو تعزيره .

ص: 633

المقصد الثالث : في الشجاج والجراح
اشارة

الشجاج - بكسر الشين - جمع الشجّة بفتحها ، وهي الجراح المختصّة بالرأس ، وقيل : تطلق على جراح الوجه أيضاً ، ولا ثمرة بعد وحدة حكم الرأس والوجه ، وللشجاج أقسام :

الأوّل : الحارصة - بالمهملات - المعبّر عنها في النصّ ب «الحَرصة» ، وهي التي تقشّر الجلد - شبه الخدش - من غير إدماء ، وفيها بعير ، والأقوى أ نّها غير الدامية موضوعاً وحكماً . والرجل والمرأة سواء فيها وفي أخواتها ، وكذا الصغير والكبير .

الثاني : الدامية ، وهي التي تدخل في اللحم يسيراً ويخرج معه الدم ؛ قليلاً كان أم كثيراً بعد كون الدخول في اللحم يسيراً ، وفيها بعيران .

الثالث : المتلاحمة ، وهي التي تدخل في اللحم كثيراً لكن لم تبلغ المرتبة المتأخّرة ، وهي السمحاق ، وفيها ثلاثة أبعرة ، والباضعة هي المتلاحمة .

الرابع : السمحاق ، وهي التي تقطع اللحم وتبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم ، وفيها أربعة أبعرة .

الخامس: الموضحة، وهي التي تكشف عن وضح العظم - أي بياضه - وفيها خمسة أبعرة.

السادس : الهاشمة ، وهي التي تهشم العظم وتكسره ، والحكم مخصوص بالكسر وإن لم يكن جرح ، وفيها عشرة أبعرة . والأحوط في اعتبار الأسنان هاهنا أرباعاً في الخطأ وأثلاثاً في شبيه العمد : وقد مرّ اختلاف الروايات في دية الخطأ وشبيه العمد ، واحتملنا التخيير ، وقلنا بالاحتياط ، فلو قلنا في دية الخطأ

ص: 634

عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقّة ، فالأحوط هاهنا بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حقق ، ولا بدّ من الأخذ بهذا الفرض دون الفروض الاُخر ، والأحوط في شبيه العمد أربع خلفة ثنيّة وثلاث حقق وثلاث بنات لبون .

السابع : المنقّلة ، وهي - على تفسير جماعة - التي تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره ، وفيها خمسة عشر بعيراً .

الثامن : المأمومة ، وهي التي تبلغ اُمّ الرأس ؛ أي الخريطة التي تجمع الدماغ . وفيها ثلث الدية حتّى في الإبل على الأحوط ، وإن كان الأقوى الاكتفاء في الإبل بثلاثة وثلاثين بعيراً .

هنا مسائل :
اشارة

(مسألة 1) : الدامغة : وهي التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ وتصل إلى الدماغ ، فالسلامة معها بعيدة ، وعلى تقديرها تزيد على المأمومة بالحكومة .

(مسألة 2) : الجائفة : وهي التي تصل إلى الجوف من أيّ جهة ؛ سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً . فيها الثلث على الأحوط . وقيل : تختصّ الجائفة بالرأس ، فهي من الشجاج . والأظهر خلافه . ولو أجافه واحد وأدخل آخر سكّينه - مثلاً - في الجرح ولم يزد شيئاً فعلى الثاني التعزير حسب ، وإن وسّعها باطناً أو ظاهراً ففيه الحكومة ، وإن وسّعها فيهما - بحيث يحدث جائفة - فعليه الثلث دية الجائفة ، ولو طعنه من جانب وأخرج من جانب آخر كما طعن في صدره فخرج من ظهره فالأحوط التعدّد . ولا فرق في الجائفة بين الآلات حتّى نحو الإبرة الطويلة ، فضلاً عن البندقة .

ص: 635

(مسألة 3) : لو نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل - كرِجله أو يده - ففيها مائة دينار ، ويختصّ الحكم ظاهراً بما كانت ديته أكثر من مائة دينار . وأمّا المرأة فالظاهر أنّ في النافذة في أطرافها الحكومة .

(مسألة 4) : في الجناية بلطم ونحوه إذا اسودّ الوجه بها من غير جرح ولا كسر ، أرشها ستّة دنانير ، وإن اخضرّ ولم يسودّ ثلاثة دنانير ، وإن احمرّ دينار ونصف ، وفي البدن النصف ؛ ففي اسوداده ثلاثة دنانير ، وفي اخضراره دينار ونصف ، وفي احمراره ثلاثة أرباع الدينار ؛ ولا فرق في ذلك بين الرجل والاُنثى والصغير والكبير ، ولا بين أجزاء البدن ؛ كانت لها دية مقرّرة أو لا ، ولا في استيعاب اللون تمام الوجه وعدمه ، ولا في بقاء الأثر مدّة وعدمه . نعم ، إذا كان اللطم في الرأس فالظاهر الحكومة ، وإن أحدث الجناية تورّماً من غير تغيير لون فالحكومة ، ولو أحدثهما فالظاهر التقدير والحكومة .

(مسألة 5) : كلّ عضو ديته مقدّرة ففي شلله ثلثا ديته ، كاليدين والرجلين ، وفي قطعه بعد الشلل ثلث ديته .

(مسألة 6) : دية الشجاج في الرأس والوجه سواء كما مرّ ، والمشهور أنّ دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الذي يتّفق فيه الجراحة من دية الرأس أي النفس إن كان للعضو دية مقدّرة ، ففي حارصة اليد نصف بعير أو خمسة دنانير ، وفي حارصة إحدى أنملتي الإبهام نصف عشر بعير أو نصف دينار وهكذا ، وإن لم يكن له دية مقدّرة فالحكومة.

(مسألة 7) : المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات حتّى

ص: 636

تبلغ ثلث دية الرجل ، ثمّ تصير على النصف ؛ سواء كان الجاني رجلاً أو امرأة على الأقوى ؛ ففي قطع الإصبع منها مائة دينار ، وفي الاثنتين مائتان ، وفي الثلاث ثلاثمائة ، وفي الأربع مائتان . ويقتصّ من الرجل للمرأة وبالعكس في الأعضاء والجراح من غير ردّ حتّى تبلغ الثلث ، ثمّ يقتصّ مع الردّ لو جنت هي عليه لا هو عليها .

(مسألة 8) : كلّ ما فيه دية من أعضاء الرجل - كاليدين والرجلين والمنافع والجراح - ففيه من المرأة ديتها . وكذا من الذمّي ديته ، ومن الذمّية ديتها .

(مسألة 9) : كلّ موضع يقال فيه بالأرش أو الحكومة فهما واحد ، والمراد أ نّه يقوّم المجروح صحيحاً إن كان مملوكاً تارة ويقوّم مع الجناية اُخرى ، وينسب إلى القيمة الاُولى ، ويعرف التفاوت بينهما ، ويؤخذ من دية النفس بحسابه ، وقد قلنا : إنّه لو لم يكن تفاوت بحسب القيمة ، أو كان مع الجناية أزيد ، كما لو قطع إصبعه الزائدة التي هي نقص وبقطعها تزيد القيمة ، فلا بدّ من الحكومة بمعنىً آخر ، وهو حكم القاضي بالتصالح ، ومع عدمه بما يراه من التعزير وغيره حسماً للنزاع .

(مسألة 10) : من لا وليّ له فالحاكم وليّه في هذا الزمان ، فلو قتل خطأً أو شبيه عمد فله استيفاؤه ، فهل له العفو ؟ وجهان ، الأحوط عدمه .

ص: 637

القول : في اللواحق

وهي اُمور :

الأوّل : في الجنين

الجنين إذا ولج فيه الروح ففيه الدية كاملة - ألف دينار - إذا كان بحكم المسلم الحرّ وكان ذكراً ، وفي الاُنثى نصفها ، وإذا اكتسى اللحم وتمّت خلقته ففيه مائة دينار ؛ ذكراً كان الجنين أو اُنثى ، ولو لم يكتس اللحم وهو عظم ففيه ثمانون ديناراً ، وفي المضغة ستّون ، وفي العلقة أربعون ، وفي النطفة إذا استقرّت في الرحم عشرون ؛ من غير فرق في جميع ذلك بين الذكر والاُنثى .

(مسألة 1) : لو كان الجنين ذمّياً فهل ديته عشر دية أبيه أو عشر دية اُمّه ؟ فيه تردّد ، وإن كان الأوّل أقرب .

(مسألة 2) : لا كفّارة على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح ، ولا تجب الدية كاملة ولا الكفّارة إلاّ بعد العلم بالحياة ولو بشهادة عادلين من أهل الخبرة ، ولا اعتبار بالحركة إلاّ إذا علم أ نّها اختيارية ، ومع العلم بالحياة تجب مع مباشرة الجناية .

(مسألة 3) : الأقوى أ نّه ليس بين كلّ مرتبة ممّا تقدّم ذكره والمرتبة التي بعدها شيء ، فما قيل : بينهما شيء بحساب ذلك ، غير مرضيّ .

(مسألة 4) : لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها ، فدية المرأة كاملة ودية اُخرى لموت ولدها ، فإن علم أ نّه ذكر فديته ، أو الاُنثى فديتها ، ولو اشتبه فنصف الديتين .

ص: 638

(مسألة 5) : لو ألقت المرأة حملها فعليها دية ما ألقته ، ولا نصيب لها من هذه الدية .

(مسألة 6) : لو تعدّد الولد تعدّدت الدية ، فلو كان ذكراً واُنثى فدية ذكر واُنثى وهكذا ، وفي المراتب المتقدّمة كلّ مورد اُحرز التعدّد دية المرتبة متعدّدة .

(مسألة 7) : دية أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديته ؛ أي من حساب المائة ، ففي يده خمسون ديناراً ، وفي يديه مائة ، وفي الجراحات والشجاج على النسبة . هذا فيما لم تلجه الروح ، وإلاّ فكغيره من الأحياء .

(مسألة 8) : من أفزع مجامعاً فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير ضياع النطفة .

(مسألة 9) : لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء إنسان ، فإن حصل بسقوطه نقص ففيه الحكومة ، ولو وردت على اُمّها جناية فديتها .

(مسألة 10) : دية الجنين إن كان عمداً أو شبهه في مال الجاني ، وإن كان خطأً فعلى العاقلة إذا ولج فيه الروح ، وفي غيره تأمّل وإن كان الأقرب أ نّها على العاقلة .

(مسألة 11) : في قطع رأس الميّت المسلم الحرّ مائة دينار ، وفي قطع جوارحه بحساب ديته ، وبهذه النسبة في سائر الجنايات عليه ؛ ففي قطع يده خمسون ديناراً ، وفي قطع يديه مائة ، وفي قطع إصبعه عشرة دنانير ، وكذا الحال في جراحه وشجاجه . وهذه الدية ليست لورثته بل للميّت ، تصرف في وجوه الخير ، ويتساوى في الحكم الرجل والمرأة والصغير والكبير ، وهل يؤدّى منها دين الميّت ؟ الظاهر نعم .

ص: 639

الثاني : في العاقلة

الثاني من اللواحق : في العاقلة

والكلام فيها في أمرين :

الأوّل : تعيين المحلّ ، وهو العصبة ، ثمّ المعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الإمام علیه السلام . وضابط العصبة من تقرّب بالأبوين أو الأب ، كالإخوة وأولادهم وإن نزلوا والعمومة وأولادهم كذلك .

(مسألة 1) : في دخول الآباء وإن علوا والأبناء وإن نزلوا في العصبة خلاف ، والأقوى دخولهما فيها .

(مسألة 2) : لا تعقل المرأة بلا إشكال ، ولا الصبيّ ولا المجنون على الظاهر وإن ورثوا من الدية ، ولا أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة ، ولا أهل البلد إن لم يكونوا عصبة ، ولا يشارك القاتل العصبة في الضمان ويعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى إذا كانوا عصبة .

(مسألة 3) : هل يتحمّل الفقير حال المطالبة - وهو حول الحول - شيئاً أم لا ؟ فيه تأمّل وإن كان الأقرب بالاعتبار عدم تحمّله .

(مسألة 4) : تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد ، والأقوى عدم تحمّلها ما نقص عنها .

(مسألة 5) : تضمن العاقلة دية الخطأ ، وقد مرّ أ نّها تستأدى في ثلاث سنين كلّ سنة عند انسلاخها ثلثاً ؛ من غير فرق بين دية الرجل والمرأة ، والأقرب أنّ حكم التوزيع إلى ثلاث سنين ، جارٍ في مطلق دية الخطأ من النفوس وجنايات اُخر .

ص: 640

(مسألة 6) : لا رجوع للعاقلة بما تؤدّيه على الجاني كما مرّ . والقول بالرجوع ضعيف .

(مسألة 7) : لا تعقل العاقلة ما يثبت بالإقرار بل لا بدّ من ثبوته بالبيّنة ، فلو ثبت أصل القتل بالبيّنة ، وادّعى القاتل الخطأ ، وأنكرت العاقلة فالقول قولها بيمين ، فمع عدم ثبوت الخطأ بالبيّنة ففي مال الجاني .

(مسألة 8) : لا تعقل العاقلة العمد وشبهه كما مرّ ، ولا ما صولح به في العمد وشبهه ، ولا سائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد أو شبهه .

(مسألة 9) : لو جنى شخص على نفسه خطأً - قتلاً أو ما دونه - كان هدراً ولا تضمنه العاقلة .

(مسألة 10) : ليس بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة ، وإنّما يؤخذ ذلك من أموالهم ، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين إذا أدّوا إليه الجزية .

(مسألة 11) : لا يعقل إلاّ من علم كيفية انتسابه إلى القاتل ، وثبت كونه من العصبة ، فلا يكفي كونه من قبيلة فلان حتّى يعلم أ نّه عصبته ، ولو ثبت كونه عصبة بالبيّنة الشرعية لا يسمع إنكار الطرف .

(مسألة 12) : لو قتل الأب ولده عمداً أو شبه عمد فالدية عليه ، ولا نصيب له منها ، ولو لم يكن له وارث غيره فالدية للإمام علیه السلام . ولو قتله خطأً فالدية على العاقلة يرثها الوارث ، وفي توريث الأب هنا قولان أقربهما عدمه ، فلو لم يكن له وارث غيره يرث الإمام علیه السلام .

ص: 641

(مسألة 13) : عمد الصبيّ والمجنون في حكم الخطأ ، فالدية فيه على العاقلة .

(مسألة 14) : لا يضمن العاقلة جناية بهيمة لو جنت بتفريط من المالك أو بغيره ، ولا تضمن إتلاف مال ، فلو أتلف مال الغير خطأً ، أو أتلفه صغير أو مجنون ، فلا تضمنه العاقلة ، فضمانها مخصوص بالجناية من الآدمي على الآدمي على نحو ما تقدّم . ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في سائر المحالّ ؛ أي المعتق وضامن الجريرة والإمام علیه السلام .

الثاني : في كيفية التقسيط ، وفيها أقوال : منها : على الغنيّ عشرة قراريط ؛ أي نصف الدينار ، وعلى الفقير خمسة قراريط . ومنها : يقسّطها الإمام علیه السلام أو نائبه على ما يراه بحسب أحوال العاقلة ؛ بحيث لا يجحف على أحد منهم . ومنها : أنّ الفقير والغنيّ سواء في ذلك ، فهي عليهما ، والأخير أشبه بالقواعد بناءً على تحمّل الفقير .

(مسألة 1) : هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث ، فيؤخذ من الأقرب فالأقرب على حسب طبقات الإرث ؛ فيؤخذ من الآباء والأولاد ، ثمّ الأجداد والإخوة من الأب وأولادهم وإن نزلوا ، ثمّ الأعمام وأولادهم وإن نزلوا ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الطبقات ، أو يجمع بين القريب والبعيد في العقل ، فيوزّع على الأب والابن والجدّ والإخوة وأولادهم وهكذا من الموجودين حال الجناية ؟ وجهان ، لا يبعد أن يكون الأوّل أوجه .

(مسألة 2) : هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفية الإرث ، فلو كان الوارث في الطبقة الاُولى - مثلاً - منحصراً بأب وابن ، يؤخذ من الأب سدس الدية ، ومن

ص: 642

الابن خمسة أسداس ، أو يؤخذ منهما على السواء ؟ وجهان ، ولو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث فهل يؤخذ منه العقل أم لا ؟ وجهان .

(مسألة 3) : لو لم يكن في طبقات الإرث أحد ، ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة ، فالعقل على الإمام علیه السلام من بيت المال ، ولو كان ولم يكن له مال فكذلك ، ولو كان له مال ولا يمكن الأخذ منه فهل هو كذلك ؟ فيه تردّد .

(مسألة 4) : لو كان في إحدى الطبقات وارث وإن كان واحداً ، لا يؤخذ من الإمام علیه السلام العقل ، بل يؤخذ من الوارث .

(مسألة 5) : ابتداء زمان التأجيل في دية القتل خطأً من حين الموت ، وفي الجناية على الأطراف من حين وقوع الجناية ، وفي السراية من حين انتهاء السراية على الأشبه ، ويحتمل أن يكون من حين الاندمال ، ولا يقف ضرب الأجل إلى حكم الحاكم .

(مسألة 6) : بعد حلول الحول يطالب الدية ممّن تعلّقت به ، ولو مات بعد حلوله لم يسقط ما لزمه ، وثبت في تركته ، ولو مات في أثناء الحول ففي تعلّقه بتركته ، كمن مات بعد حلوله ، أو سقوطه عنه وتعلّقه بغيره ، إشكال وتردّد .

(مسألة 7) : لو لم تكن له عاقلة غير الإمام علیه السلام ، أو عجزت عن الدية ، تؤخذ من الإمام علیه السلام دون القاتل ، وقيل تؤخذ من القاتل ، ولو لم يكن له مال تُؤخذ من الإمام علیه السلام ، والأوّل أظهر .

(مسألة 8) : قد مرّ : أنّ دية العمد وشبه العمد في مال الجاني ، لكن لو هرب فلم يقدر عليه اُخذت من ماله إن كان له مال ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، فإن لم تكن له قرابة أدّاها الإمام علیه السلام ، ولا يبطل دم امرئ مسلم .

ص: 643

الثالث : في الجناية على الحيوان

الثالث من اللواحق : في الجناية على الحيوان

وهي باعتبار المجنيّ عليه ثلاثة أقسام :

الأوّل : ما يؤكل في العادة كالأنعام الثلاثة وغيرها ، فمن أتلف منها شيئاً بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيّاً وذكيّاً ، ولو لم يكن بينهما تفاوت فلا شيء عليه وإن كان آثماً ، ولو أتلفه من غير تذكية لزمه قيمة يوم إتلافه ، والأحوط أعلى قيمتي يوم التلف والأداء ، ولو بقي فيه ما ينتفع به ، كالصوف والوبر وغيرهما ممّا ينتفع به من الميتة ، فهو للمالك ، ويوضع من قيمة التالف التي يغرمها .

(مسألة 1) : ليس للمالك دفع المذبوح - لو ذبح مذكّاة - ومطالبة المثل أو القيمة ، بل له ما به التفاوت .

(مسألة 2) : لو فرض أ نّه بالذبح خرج عن القيمة فهو مضمون كالتالف بلا تذكية .

(مسألة 3) : لو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئاً من عظامه مع استقرار حياته ، فللمالك الأرش ، ومع عدم الاستقرار فضمان الإتلاف . لكن الأحوط فيما إذا فقئت عين ذات القوائم الأربع أكثر الأمرين من الأرش وربع ثمنها يوم فُقئت ، كما أنّ الأحوط في إلقاء جنين البهيمة أكثر الأمرين ؛ من الأرش وعشر ثمن البهيمة يوم ألقت .

الثاني : ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية كالسباع ، فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش . وكذا لو قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار حياته . وإن أتلفه بغير ذكاة ضمن قيمته حيّاً يوم إتلافه ، والأحوط أكثر الأمرين من القيمة يوم إتلافه ويوم أدائها . ويستثنى من القيمة ما ينتفع به من الميتة كعظم الفيل .

ص: 644

(مسألة 4) : إن كان المتلف ما يحلّ أكله لكن لا يؤكل عادة - كالخيل والبغال والحمير الأهلية - كان حكمه كغير المأكول . لكن الأحوط في فق ء عينها ما ذكرنا في المسألة الثالثة .

(مسألة 5) : فيما لا يؤكل عادة لو أتلفه بالتذكية لا يعتبر لحمه ممّا ينتفع به ، فلا يستثنى من الغرامة . نعم ، لو فرض أنّ له قيمة كسنة المجاعة تستثنى منها .

الثالث : ما لا يقع عليه الذكاة ، ففي كلب الصيد أربعون درهماً . والظاهر عدم الفرق بين السلوقي وغيره ، ولا بين كونه معلّماً وغيره . وفي كلب الغنم عشرون درهماً ، وفي رواية : كبش ، والأحوط الأخذ بأكثرهما . والأحوط في كلب الحائط عشرون درهماً . وفي كلب الزرع قفيز من برّ عند المشهور - على ما حكي - وفي رواية : جريب من برّ ، وهو أحوط . ولا يملك المسلم من الكلاب غير ذلك ، فلا ضمان بإتلافه .

(مسألة 6) : كلّ ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير لا ضمان فيه لو أتلفه ، وما لم يدلّ دليل على عدم قابليته للملك يتملّك لو كان له منفعة عقلائية ، وفي إتلافه ضمان الإتلاف كما في سائر الأموال .

(مسألة 7) : ما يملكه الذمّي - كالخنزير - مضمون بقيمته عند مستحلّيه ، وفي الجناية على أطرافه الأرش .

فروع :

الأوّل : لو أتلف على الذمّي خمراً أو آلة من اللهو ونحوه ممّا يملكه الذمّي في مذهبه ضمنها المتلف ولو كان مسلماً . ولكن يشترط في الضمان قيام الذمّي بشرائط الذمّة ، ومنه الاستتار في نحوها ، فلو أظهرها ونقض شرائط

ص: 645

الذمّة فلا احترام لها ، ولو كان شيء من ذلك لمسلم لا يضمنه الجاني متجاهراً كان أو مستتراً .

(مسألة 1) : الخمر التي تتّخذ للخلّ محترمة لا يجوز إهراقها ، ويضمن لو أتلفها . وكذا موادّ آلات اللهو والقمار محترمة ، وإنّما هيئتها غير محترمة ولا مضمونة ، إلاّ أن يكون إبطال الهيئة ملازماً لإتلاف المادّة ، فلا ضمان حينئذٍ .

(مسألة 2) : قارورة الخمر وكذا سائر ما فيه الخمر محترمة ، ففي كسرها وإتلافها الضمان ، وكذا محالّ آلات اللهو ومحفظتها .

الثاني : إذا جنت الماشية على الزرع في الليل ضمن صاحبها ، ولو كان نهاراً لم يضمن . هذا إذا جنت الماشية بطبعها . وأمّا لو أرسلها صاحبها نهاراً إلى الزرع فهو ضامن . كما أنّ الضمان بالليل ثابت في غير مورد جري الأمر على خلاف العادة ، مثل أن تخرب حيطان الربض بزلزلة وخرجت الماشية أو أخرجها السارق فجنت ، فالظاهر في الأمثال والنظائر لا ضمان على صاحبها .

الثالث : دية الكلاب بما عرفت دية مقدّرة شرعية ، لا أ نّها قيم في زمان التقدير ، فحينئذٍ لا يتجاوز عن الدية ولو كانت قيمتها أكثر أو أقلّ .

(مسألة 3) : لو غصبها غاصب فإن أتلفها بعد الغصب فليس عليه إلاّ الدية المقدّرة . واحتمال أنّ عليه أكثر الأمرين منها ومن قيمتها السوقية غير وجيه . وأمّا لو تلفت تحت يده وبضمانه فالظاهر ضمان القيمة السوقية - لا الدية المقدّرة - على إشكال ، كما أ نّه لو ورد عليها نقص وعيب فالأرش على الغاصب .

(مسألة 4) : لو جنى على كلب له دية مقدّرة فالظاهر الضمان ، لكن تلاحظ نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقية ، فيؤخذ بالنسبة من الدية ، فلو فرض أنّ قيمته سليماً مائة دينار ومعيباً عشرة دنانير ، يؤخذ عشر ما هو المقدّر .

ص: 646

الرابع : في كفّارة القتل

الرابع من اللواحق : في كفّارة القتل

(مسألة 1) : تجب كفّارة الجمع في قتل المؤمن عمداً وظلماً ، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً .

(مسألة 2) : تجب الكفّارة المرتّبة في قتل الخطأ المحض وقتل الخطأ شبه العمد ، وهي العتق ، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً .

(مسألة 3) : إنّما تجب الكفّارة إذا كان القتل بالمباشرة بحيث ينسب إليه بلا تأوّل ، لا بالتسبيب ، كما لو طرح حجراً أو حفر بئراً أو أوتد وتداً في طريق المسلمين ، فعثر عاثر فهلك ، فإنّ فيه الضمان كما مرّ ، وليس فيه الكفّارة .

(مسألة 4) : تجب الكفّارة بقتل المسلم ؛ ذكراً كان أو اُنثى ، صبيّاً أو مجنوناً محكومين بالإسلام ، بل بقتل الجنين إذا ولجته الروح .

(مسألة 5) : لا تجب الكفّارة بقتل الكافر ؛ حربياً كان أو ذمّياً أو معاهداً ، عن عمد كان أو لا .

(مسألة 6) : لو اشترك جماعة في قتل واحد - عمداً أو خطأً - فعلى كلّ واحد منهم كفّارة .

(مسألة 7) : لو أمر شخص بقتله فقتله فعلى القاتل الكفّارة ، ولو أدّى العامد الدية ، أو صالح بأقلّ أو أكثر ، أو عفي عنها ، لم تسقط الكفّارة .

(مسألة 8) : لو سلّم نفسه فقتل قوداً فهل تجب في ماله الكفّارة ؟ وجهان ، أوجههما العدم .وقد ذكرنا في كتاب الكفّارات ما يتعلّق بالمقام .

ص: 647

البحث حول المسائل المستحدثة
منها : التأمين

(مسألة 1) : التأمين : عقد واقع بين المؤمّن والمستأمن - المؤمّن له - بأن يلتزم المؤمّن جبر خسارة كذائية إذا وردت على المستأمن ، في مقابل أن يدفع المؤمّن له مبلغاً ، أو يتعهّد بدفع مبلغ يتّفق عليه الطرفان .

(مسألة 2) : يحتاج هذا العقد كسائر العقود إلى إيجاب وقبول ، ويمكن أن يكون الموجب المؤمّن والقابل المستأمن ؛ بأن يقول المؤمّن : «عليّ جبر خسارة كذائية في مقابل كذا ، أو أنا ملتزم بجبر خسارة كذائية في مقابل كذا» فيقبل المستأمن ، وبالعكس بأن يقول المستأمن : «عليّ أداء كذا في مقابل جبر خسارة على كذا» فيقبل المؤمّن ، أو «في مقابل عهدتك جبرها» . ويقع بكلّ لفظ .

(مسألة 3) : يشترط في الموجب والقابل كلّ ما يشترط فيهما في سائر العقود : كالبلوغ والعقل وعدم الحجر والاختيار والقصد ، فلا يصحّ من الصغير والمجنون والمحجور عليه والمكره والهازل ونحوه .

(مسألة 4) : يشترط في التأمين مضافاً إلى ما تقدّم اُمور : الأوّل : تعيين

ص: 648

المؤمّن عليه من شخص أو مال أو مرض ونحو ذلك . الثاني : تعيين طرفي العقد من كونهما شخصاً أو شركة أو دولة مثلاً . الثالث : تعيين المبلغ الذي يدفع المؤمّن له إلى المؤمّن . الرابع : تعيين الخطر الموجب للخسارة ، كالحرق والغرق والسرقة والمرض والوفاة ونحو ذلك . الخامس : تعيين الأقساط التي يدفعها المؤمّن له لو كان الدفع أقساطاً ، وكذا تعيين أزمانها . السادس : تعيين زمان التأمين ابتداءً وانتهاءً ، وأمّا تعيين مبلغ التأمين - بأن يعيّن ألف دينار مثلاً - فغير لازم ، فلو عيّن المؤمّن عليه ، والتزم المؤمّن ؛ بأنّ كلّ خسارة وردت عليه فعليّ ، أو أنا ملتزم بدفعها ، كفى .

(مسألة 5) : الظاهر صحّة التأمين مع الشرائط المتقدّمة من غير فرق بين أنواعه من التأمين على الحياة أو على السيّارات والطائرات والسفن ونحوها ، أو على المنقولات برّاً وجوّاً وبحراً ، بل على عمّال شركة أو دولة ، أو على أهل بيت أو قرية ، أو على نفس القرية أو البلد أو أهلهما ، وكان المستأمن حينئذٍ الشركاء أو رئيس الشركة أو الدولة أو صاحب البيت أو القرية ، بل للدول أن يستأمنوا أهل بلد أو قطر أو مملكة .

(مسألة 6) : الظاهر أنّ التأمين عقد مستقلّ . وما هو الرائج ليس صلحاً ولا هبة معوّضة بلا شبهة ، ويحتمل أن يكون ضماناً بعوض ، والأظهر أ نّه مستقلّ ليس من باب ضمان العهدة ، بل من باب الالتزام بجبران الخسارة ؛ وإن أمكن الإيقاع بنحو الصلح والهبة المعوّضة والضمان المعوّض ، ويصحّ على جميع التقادير على الأقوى . وعقد التأمين لازم ليس لأحد الطرفين فسخه إلاّ مع الشرط ، ولهما التقايل .

ص: 649

(مسألة 7) : الظاهر صحّة التأمين بالتقابل ؛ وذلك بأن تتّفق جماعة على تكوين مؤسّسة فيها رأس مال مشترك لجبر خسارة ترد على أحدهم . وهذا أيضاً صحيح على الأظهر ، وهو معاملة مستقلّة أيضاً ؛ مرجعها الالتزام بجبر خسارة من المال المشترك في مقابل جبر خسارة كذلك . ويمكن أن يقع العقد بنحو عقد الضمان ؛ بأن يضمن كلّ خسارة شركائه بالنسبة في مقابل ضمان الآخر ، إلاّ أنّ الأداء من المال المشترك . ولكن الأظهر فيه الالتزام بجبر الخسارة في مقابل جبر بنسبة مالهم المشترك من ذلك المال . وهذا العقد لازم . ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كلّ في ضمنه خسارة كلّ واحد منهم ، وحينئذٍ يكون جائزاً لا لازماً .

(مسألة 8) : الظاهر صحّة التأمين المختلط مع الاشتراك في الأرباح التي تحصل للشركة من الاستفادة بالاتّجار بتلك المبالغ المجتمعة من المشتركين ؛ سواء كان التأمين على الحياة ؛ بأن يدفع مبلغ التأمين عند وفاة المؤمّن عليه ، أو عند انتهاء مدّة التأمين - وللمؤمّن الحقّ في الاشتراك في الأرباح حسب القرار ، فيضاف نصيب كلّ من الأرباح إلى مبلغ التأمين - أو على جبر الخسارة مع الاشتراك في الأرباح كما ذكر ، فإنّ ذلك شركة عقدية مع شرط أو شرائط سائغة . ولو كان من بعضهم العمل ومن بعضهم النقود ، وكان القرار نحو المضاربة ، صحّ أيضاً عندي ؛ لعدم اعتبار كون المدفوع في مال المضاربة الذهب والفضّة المسكوكين ، بل المعتبر كونه من النقود في مقابل العروض . وهذا العقد لازم إن لم يرجع إلى المضاربة ، وإن كان عقد مضاربة في ضمنه التأمين فجائز من الطرفين .

(مسألة 9) : لو التزم المؤمّن بدفع إضافة على مبلغ التأمين فالظاهر أ نّه

ص: 650

لا بأس به ، كمن أمّن على حياته عند شركة التأمين لمدّة معلومة على مبلغ معلوم ، واستوفت الشركة أقساطاً شهرية مقدّرة في قبال التأمين ، وتلتزم الشركة بدفع مبلغ إضافة على مبلغ التأمين ترغيباً لأهل التأمين ، فإنّ تلك الزيادة ليست من الربا القرضي ؛ لعدم كون أداء الأقساط قرضاً ، بل التأمين معاملة مستقلّة اشترط في ضمنها ذلك ، والشرط سائغ نافذ لازم العمل .

(مسألة 10) : لا بأس بإعادة التأمين ؛ بأن طلب بعض شركات التأمين لدى شركات عظيمة أوسع منها التأمين لشركته التأمينية .

ومنها : الكمپيالات «سفته»

وهي على قسمين : أحدهما : ما يعبّر عن وجود قرض حقيقي ؛ بأن كان لشخص على آخر دين - كمائة دينار - على مدّة معلومة ، فيأخذ الدائن من المديون الورقة . ثانيهما : ما يعبّر عن قرض صوري ، ويسمّى بالمجاملة ، فلا يكون دين على شخص .

(مسألة 1) : في النوع الأوّل إذا أخذ الورقة لينزّلها عند شخص ثالث بمبلغ أقلّ ؛ بأن يبيع ما في ذمّة المدين بأقلّ منه ، لا إشكال فيه إذا لم يكن العوضان من المكيل والموزون ، كالإسكناس الإيراني والدينار العراقي والدولار وسائر الأوراق النقدية ، فإنّها غير مكيلة ولا موزونة ، والاعتبار من الدول جعلها أثماناً ، وليست أمثالها معبّرة عن الذهب والفضة ، بل قابليتها للتبديل بها موجبة لاعتبارها ، والمعاملة تقع بنفسها ، والكمپيالات معبّرة عن الأوراق النقدية ، وبعد المعاملة على ذمّة المدين يصير هو مديوناً للشخص الثالث . هذا إذا قصدا بذلك البيع حقيقةً ، لا الفرار من الربا القرضي ، ولا يجوز ذلك إذا كانت ربوية

ص: 651

وإن قصدا به البيع حقيقةً . وأمّا إذا أخذ الدائن عن الثالث قرضاً وحوّله على ذمّة المدين أكثر ممّا أخذ فهو حرام مطلقاً ؛ سواء كان من المكيل أو الموزون أو لا ؛ وإن كان القرض صحيحاً(1) .

(مسألة 2) : لا تجوز المعاملة بالكمپيالات الصورية المعبّر عنها بالمجاملة «سفته دوستانه» إلاّ أن ترجع إلى أحد الوجوه الآتية(2) :

منها : أن يقال : إنّ دفع الورقة إلى الآخر لينزّلها عند شخص ثالث ، ويرجع الثالث في الموعد المقرّر إلى المدين الصوري ، يرجع في الحقيقة إلى توكيله بأن يوقع المعاوضة مع الثالث في ذمّة المدين الصوري ، فيصير المدين الصوري بعد المعاملة بوكالته مديوناً حقيقة للثالث ، ولمّا كان المفروض بيع غير الأجناس الربوية صحّت المبايعة بالأقلّ والأكثر . وأيضاً ذلك العمل إذن له في اقتراض

ص: 652


1- في (أ) ورد هكذا : «في النوع الأوّل إذا أخذ الورقة لينزّلها عند شخص ثالث بمبلغ أقلّ ، فلا بدّ من التخلّص عن الربا ، بأن يبيع ما في ذمّة المدين بأقلّ منه ، ولا إشكال فيه إذا لم يكن العوضان من المكيل والموزون كالإسكناس الإيراني والدينار العراقي والدولار وسائر الأوراق النقدية ، فإنّها غير مكيلة ولا موزونة ، والاعتبار من الدول جعلها أثماناً ، وليست أمثالها معبّرة عن الذهب والفضة ، بل قابليتها للتبديل بها موجبة لاعتبارها ، والمعاملة تقع بنفسها ، والكمپيالات معبّرة عن الأوراق النقدية ، وبعد المعاملة على ذمّة المدين يصير هو مديوناً للشخص الثالث ، وكذا يجوز بيعها إذا كانت ربوية لو تخلّص عن الربا بوجه ، كأن باعها بغير الجنس ، وأمّا إذا أخذ الدائن عن الثالث قرضاً وحوّله على ذمّة المدين أكثر ممّا أخذ فهو باطل وحرام مطلقاً ؛ سواء كان من المكيل أو الموزون ، أو لا» .
2- في (أ) ورد هكذا : «الكمپيالات الصورية المعبّر عنها بالمجاملة «سفته دوستانه» يمكن تصحيحها بوجوه» .

الدائن الصوري ما يأخذه لنفسه ، ولا بدّ من عدم اشتراط الربح ، ويدفع الزيادة مجّاناً أو عملاً بالاستحباب الشرعي ، وللدافع الرجوع إلى الدائن الصوري للقرار الضمني وعدم كونه متبرّعاً .

ومنها : أنّ دفع الورقة إليه لينزّلها ويرجع الثالث إليه موجب لأمرين : أحدهما : صيرورة الدائن الصوري ذا اعتبار بمقدار الورقة لدى الثالث - البنك أو غيره - ولذلك يعامل على ذمّة الدائن الصوري ، فيصير هو مديوناً للشخص الثالث . ثانيهما : التزام من المديون الصوري بأداء المقدار المذكور لو لم يؤدّ الدائن الصوري الذي صار مديوناً حقيقة للشخص الثالث . وهذا التزام ضمني لأجل معهودية الرجوع إليه عند عدم دفع المدين ، ويجوز للدافع الرجوع إلى المدفوع عنه لو لم يكن متبرّعاً ، وكان ذلك أيضاً لازم القرار المذكور . والظاهر صحّة المعاملة بعد عدم كونها ربوية وصحّة الالتزام المذكور ، فإنّه من قبيل ضمّ الذمّة إلى الذمّة ، ويصحّ بحسب القواعد وإن لم يرجع إلى الضمان على المذهب الحقّ .

ومنها : الصورة السابقة بحالها إلاّ أنّ الدائن الصوري بعمله يصير ضامناً على فرض عدم أداء صاحبه ؛ بمعنى نقل الذمّة إلى الذمّة في فرض عدم الأداء . وهذا أيضاً له وجه صحّة ؛ وإن لا يخلو من إشكال . ثمّ لو دفع المدين الصوري إلى الثالث ما التزمه أو ضمنه ، فله الرجوع إلى الدائن الصوري وأخذ ما دفعه عنه .

(مسألة 3) : بعد ما كان المتعارف في عمل البنوك ونحوها ، الرجوع إلى بائع «الكمپيالة» وإلى كلّ من كان توقيعه عليها لدى عدم أداء دافعها ؛ لأجل القوانين الجارية عرفاً ، وكان هذا أمراً معهوداً عند جميعهم ، كان ذلك التزاماً ضمنياً منهم بعهدة الأداء عند المطالبة . وهذا أيضاً شرط في ضمن القرار وهو لازم المراعاة .

ص: 653

نعم ، مع عدم العلم بذلك وعدم معهوديته لم يكن قراراً ولم يلزم بشيء .

(مسألة 4) : ما يأخذه البنك أو غيره من المديون عند تأخّر الدفع بعد حلول الأجل وعدم تسليم المبلغ من قبل المديون الصوري ، حرام لا يجوز أخذه وإن كان بمراضاة المتعاملين .

(مسألة 5) : الكمپيالات وسائر الأوراق التجارية لا مالية لها ، وليست من النقود ، والمعاملات الواقعة بها لم تقع بنفسها ، بل بالنقود وغيرها التي تلك الأوراق معبّرة عنها ، ودفعها إلى الدائن لا يسقط ذمّة المدين ، ولو تلف شيء منها في يد غاصب ونحوه أو أتلفه شخص لم يضمنه ضمان التلف أو الإتلاف . وأمّا الأوراق النقدية كالإسكناس والدينار والدولار وغيرها فلها مالية اعتبارية ، وهي نقود كالدينار والدرهم المسكوكين من الذهب والفضّة ، دفعها إلى الدائن مسقط لذمّته ، وفي تلفها وإتلافها ضمان كسائر الأموال .

(مسألة 6) : قد تقدّم : أنّ الأوراق النقدية لا يجري فيها الربا غير القرضي ، فيجوز تبديل بعضها ببعض بالزيادة والنقيصة ؛ سواء كان المتبادلان من نقد مملكتين كتبديل الدينار بالإسكناس ، أو لا كتبديل الإسكناس بمثله والدينار بمثله ؛ من غير فرق بين كون معتمدها (پشتوانه) ذهباً وفضّة ، أو غيرهما من المعادن كالأحجار الكريمة والنفط . نعم ، لو فرض في مورد تكون الأوراق المذكورة كالأوراق التجارية ، كان حكمها كتلك الأوراق ، لكنّه مجرّد فرض . هذا إذا قصد بذلك البيع دون القرض ، وإلاّ فلا يجوز(1) .

ص: 654


1- في (أ) لم يرد : «هذا إذا قصد بذلك . . .» إلى آخر المسألة .

(مسألة 7) : الأوراق النقدية لا تتعلّق بها الزكاة ، ولا يجري فيها حكم بيع الصرف . نعم ، الأقوى جواز المضاربة بها .

ومنها : السرقفلية

(مسألة 1) : استئجار الأعيان المستأجرة - دكّةً كانت أو داراً أو غيرهما - لا يوجب حدوث حقّ للمستأجر فيها ؛ بحيث لا يكون للمؤجر إخراجه بعد تمام الإجارة . وكذا طول مدّة بقائه وتجارته في محلّ الكسب ، أو كون وجاهته وقدرته التجاري الموجبتين لتوجّه النفوس إلى مكسبه ، لا يوجب شيء منها حدوث حقّ له على الأعيان ، فإذا تمّت مدّة الإجارة يجب عليه تخلية المحلّ وتسليمه إلى صاحبه ، فلو بقي في المكان المذكور مع عدم رضا المالك كان غاصباً عاصياً ، وعليه ضمان المكان لو تلف ولو بآفة سماوية ، كما عليه اُجرة مثل المكان ما دام كونه تحت يده وعدم تسليمه إلى مالكه .

(مسألة 2) : لو آجر هذا الشخص ذلك المكان المغصوب كانت الإجارة فاسدة ، ولو أخذ شيئاً بعنوان مال الإجارة فهو حرام ، فإن تلف أو أتلفه كان ضامناً للدافع ، كما أنّ الدافع إذا قبض المحلّ صار ضامناً لمالكه ، وعليه اُجرة مثله له .

(مسألة 3) : السرقفلية التي يأخذها الغاصب في هذه الصورة حرام ، ولو تلف ما أخذه عنده أو أتلفه فهو ضامن لمالكه .

(مسألة 4) : لو استأجر محلاًّ للتجارة في مدّة طويلة - كعشرين سنة مثلاً - وكان له حقّ إيجاره من غيره ، واتّفق ترقّي اُجرة مثل المحلّ في أثناء المدّة ، فله إجارته بالمقدار الذي استأجره وأخذ مقدار بعنوان السرقفلية لأن يؤجره منه على حسب توافقهما .

ص: 655

(مسألة 5) : لو استأجر دكّة - مثلاً - وشرط على المؤجر أن لا يزيد على مبلغ الإجارة إلى مدّة طويلة - مثلاً - وشرط أيضاً أ نّه لو حوّل المحلّ إلى غيره وهو إلى غيره وهكذا ، يعمل المؤجر معه معاملته ، ثمّ اتّفق ارتفاع اُجرته ، فله أن يحوّل المحلّ إلى غيره ليعمل المؤجر معه معاملته معه ، ويأخذ مقداراً بعنوان السرقفلية ليحوّل المحلّ إليه ، ويحلّ السرقفلية بهذا العنوان .

(مسألة 6) : لو شرط على المؤجر في ضمن عقد الإجارة أن لا يزيد على مبلغ الإجارة ما دام المستأجر فيه ، ولا يكون له حقّ إخراجه ، وعليه إيجاره كلّ سنة بالمقدار المذكور ، فله أخذ مقدار بعنوان السرقفلية من المؤجر أو من شخص آخر ليسقط حقّه أو لتخلية المحلّ .

(مسألة 7) : لو شرط على المؤجر في ضمن العقد أن لا يؤجر المحلّ من غيره ، ويؤجره منه سنوياً بالإجارة المتعارفة في كلّ سنة ، فله أخذ مقدار بعنوان السرقفلية لإسقاط حقّه أو لتخلية المحلّ .

(مسألة 8) : للمالك أن يأخذ أيّ مقدار شاء بعنوان السرقفلية من شخص ليؤجر المحلّ منه ، كما أنّ للمستأجر في أثناء مدّة الإجارة أن يأخذ السرقفلية من ثالث للإيجار منه إذا كان له حقّ الإيجار .

ومنها : أعمال البنوك

(مسألة 1) : لا فرق في البنوك وأنواعها من الداخلية والخارجية والحكومية وغيرها في الأحكام الآتية ، ولا في أنّ ما يؤخذ منها محلّل يجوز التصرّف فيها ، كسائر ما يؤخذ من ذوي الأيادي من أرباب التجارات والصناعات وغيرها ، إلاّ

ص: 656

مع العلم بحرمة ما أخذه أو اشتماله على حرام . وأمّا العلم بأنّ في البنك أو في المؤسّسة الكذائية محرّمات ، فلا يؤثّر في حرمة المأخوذ وإن احتمل كونه منها .

(مسألة 2) : جميع المعاملات المحلّلة التي لو أوقعها مع أحد المسلمين كانت صحيحة ، محكومة بالصحّة لو أوقعها مع البنوك مطلقاً حكومية كانت أو لا ، خارجية أو داخلية .

(مسألة 3) : الأمانات والودائع التي يدفعها أصحابها إلى البنوك إن كانت بعنوان القرض والتمليك بالضمان لا مانع منه ، وجاز للبنك التصرّف فيها ، ويحرم قرار النفع والفائدة ، كما يحرم إعطاء تلك الفوائد وأخذها ، ومع الإتلاف أو التلف يكون الآخذ ضامناً للفوائد وإن صحّ القرض(1) .

(مسألة 4) : لا فرق في قرار النفع بين التصريح به عند القرض وبين إيقاعه مبنيّاً عليه ، فلو كان قانون البنك إعطاء النفع في القرض وأقرضه مبنيّاً على ذلك كان محرّماً .

(مسألة 5) : لو فرض في مورد لا يكون الاقتراض والقرض بشرط النفع ، جاز(2) أخذ الزيادة بلا قرار .

(مسألة 6) : لو كان ما يدفعه إلى البنك بعنوان الوديعة والأمانة ، فإن لم يأذن في التصرّف فيها لا يجوز للبنك ذلك ، ولو تصرّف كان ضامناً ، ولو أذن جاز ،

ص: 657


1- في (أ) ورد بعد : «وجاز للبنك التصرّف فيها» هكذا : «إن لم يقرّر النفع والفائدة فيها وإلاّ فالقرض باطل لا يجوز للبنك التصرّف فيها ، وإعطاء الفوائد وأخذها محرّمة ، ومع الإتلاف أو التلف يكون الآخذ ضامناً للفوائد ، والبنك ضامناً للمال المأخوذ قرضاً» .
2- في (أ) : «صحّ وجاز» .

وكذا لو رضي به . وما يدفعه البنك إليه حلال على الصورتين إلاّ أن يرجع الإذن في التصرّف الناقل إلى التملّك بالضمان ، فإنّ الزيادة المأخوذة مع قرار النفع حرام وإن كان القرض صحيحاً ، والظاهر أنّ الودائع في البنك من هذا القبيل ، فما يسمّى وديعةً وأمانةً قرضٌ واقعاً ، ومع قرار النفع تحرم الفائدة(1) .

(مسألة 7) : الجوائز التي يدفع البنك تشويقاً للإيداع والقرض ونحوهما إلى من تصيبه القرعة المقرّرة ، محلّلة لا مانع منها ، وكذا الجوائز التي تعطيها المؤسّسات بعد إصابة القرعة للتشويق وجلب المشتري ، وكذا ما يجعله صاحب بعض المؤسّسات ضمن بعض أمتعته تشويقاً وتكثيراً للمشتري ، فإنّ كلّ ذلك حلال لا مانع منه .

(مسألة 8) : قيل : من أعمال البنك الاعتمادات المستندية ، والمراد منها : أن يتمّ عقد بين تاجر وشركة - مثلاً - في خارج البلاد على نوع من البضاعة ، وبعد تمامية المعاملة من الجهات الدخيلة فيها ، يتقدّم التاجر إلى البنك ويطلب «فتح اعتماد» ، ويدفع إلى البنك قسماً من قيمة البضاعة ، ويقوم البنك بعد ذلك بدفع القيمة تامّة إلى الشركة ويتسلّم البضاعة ، وتسجّل باسم البنك من حين التصدير ، وعند وصولها إلى المحلّ يخبر البنك مالكها بالوصول ، وتحوّل البضاعة من اسم البنك إلى اسم مالكها ، بعد أن يدفع ما دفعه البنك إلى الشركة ممّا بقي من قيمة البضاعة ، ويتقاضى البنك عن هذه العملية عمولةً مقطوعة إزاء خدماته ، وفائدةً

ص: 658


1- في (أ) ورد بعد «إلى التملّك بالضمان» هكذا : «فإنّه مع قرار النفع باطل ، والمأخوذ حرام ، والظاهر أنّ الودائع في البنك من هذا القبيل ، فما يسمّى وديعة وأمانة قرض واقعاً ، ومع قرار النفع لا يصحّ ، وتحرم الفائدة . نعم ، يمكن التخلّص عنه بوجه كالبيع بالزيادة ، أو إعطاء الزيادة بشرط الاقتراض ونحو ذلك» .

على المبلغ الباقي طيلة الفترة الواقعة بين يوم تسليمه إلى الشركة إلى يوم تسلّمه من صاحب البضاعة . ثمّ إن دفع التاجر ما بقي من القيمة وما يتقاضى البنك يسلّمها إيّاه ، وإلاّ فيتصدّى لبيع البضاعة واستيفاء حقّه ، فهل ما يأخذه البنك من الزيادة جائز حلال أم لا ؟ أو ما يأخذه بإزاء خدماته من التسجيل والتسلّم والتسليم ونحو ذلك جائز ، وما أخذه بعنوان الفائدة لتأخير ثمنه حرام ؟ الظاهر الأخير إذا كان ما يدفع البنك إلى الشركة أداءً لدين صاحب البضاعة قرضاً له ، كما أنّ الظاهر كذلك في الخارج ، وكذا لو كان ما يدفعه البنك أداءً لدينه ، فيصير صاحب البضاعة مديوناً له ، ويأخذ مقداراً لأجل تأخير دينه ، فإنّه حرام(1) . وأمّا تصدّي البنك لبيع البضاعة مع الشرط في ضمن القرار ، فلا مانع منه ؛ لرجوع ما ذكر إلى توكيله لذلك ، فيجوز الشراء منه .

(مسألة 9) : من أعمال البنوك ونحوها الكفالة : بأن يتعهّد شخص لآخر بالقيام بعمل كبناء قنطرة مثلاً ، ويتعهّد البنك أو غيره للمتعهّد له بكفالة الطرف - أي المتعهّد - وضمانه ؛ بأن يدفع عنه مبلغاً لو فرض عدم قيامه بما تعهّد للمتعهّد له ، ويتقاضى الكفيل ممّن يكفله عمولة بإزاء كفالته ، والظاهر صحّة هذه الكفالة الراجعة إلى عهدة الأداء عند عدم قيام المتعهّد بما تعهّد ، وجواز أخذ العمولة بإزاء كفالته أو بإزاء أعمال اُخر من ثبت الكفالة ونحوها ، وإذا كانت الكفالة بإذن المتعهّد جاز له الرجوع إليه لأخذ ما دفعه ، وليس للمتعهّد أن يمتنع منه .

(مسألة 10) : من أعمالها الحوالات ، وقد يطلق عليها : صرف «البرات» ، فإن دفع شخص إلى البنك أو التاجر مبلغاً معيّناً في بلد ، ويحوّله البنك - مثلاً - إلى

ص: 659


1- في (أ) ورد فيه بعد «فإنّه حرام» هكذا : «نعم ، يمكن التخلّص بوجه عن الربا كأن يأخذ جميع ما أراد بإزاء خدماته وأعماله ، وأمّا تصدّي . . .» إلى آخر المسألة .

بنك بلد آخر ، ويأخذ البنك منه مبلغاً معيّناً بإزاء تحويله ، فلا إشكال فيه بيعاً كان أو قرضاً ، وكذا لو كان الأخذ بعنوان حقّ العمل ، وإن أراد أن يأخذ من البنك أو نحوه مبلغاً معيّناً ، ويحوّله البنك على تسلّم المبلغ من بنك في بلد آخر ، ويأخذ البنك منه مبلغاً معيّناً ، فإن كان ذلك القرار بيع مبلغ بمبلغ أزيد ليحوّله إلى البنك صحّ ، ولا إشكال فيه بشرط أن لا يكون هذا وسيلة للفرار من الربا القرضي ، وكذا إن كان قرضاً ، لكن لم يشترط الزيادة ، بل أخذها بعنوان حقّ العمل مع عدم كونه فراراً من الربا . وأمّا إن كان قرضاً بشرط الزيادة فهو حرام ؛ وإن كان القرض مبنيّاً على الزيادة ، وكان الشرط ارتكازياً غير مصرّح به ، ولكن القرض صحيح(1) .

(مسألة 11) : الصكوك «چك» البنكية كالأوراق التجارية لا مالية لها ، بل هي معبّرة عن مبلغ معيّن في البنك ، ولا يجوز بيعها وشراؤها في نفسها . نعم ، الصكّ الذي يسمّى في إيران بالصكّ التضميني «چك تضميني» ، يكون من الأوراق النقدية كالدينار والإسكناس ، فيصحّ بيعه وشراؤه ، ومن أتلفه ضمن لمالكه كسائر الأموال ، ويجوز بيعه بالزيادة ، ولا ربا فيه إلاّ إذا جعل البيع وسيلة للتخلّص عن الربا القرضي(2) .

(مسألة 12) : أعمال البنوك الرهنية : إن كانت إقراضاً إلى مدّة بالنفع المعيّن وأخذ الرهن مقابله وشرط بيع المرهون وأخذ ماله لو لم يدفع المستقرض في

ص: 660


1- في (أ) ورد بعد «صحّ ولا إشكال فيه» هكذا : «وكذا إن كان قرضاً لكن لم يشترط الزيادة بل أخذها بعنوان حقّ العمل ، وأمّا إن كان قرضاً بشرط الزيادة فهو باطل حرام ؛ وإن كان القرض مبنيّاً على الزيادة وكان الشرط ارتكازياً غير مصرّح به» .
2- في (أ) لم يرد فيه : «إلاّ إذا جعل البيع وسيلة . . .» إلى آخر المسألة .

رأس أجله ، يصحّ أصل القرض والرهن ، ويبطل اشتراط النفع والزيادة ، ولا يجوز أخذها . نعم ، يجوز الأخذ لو كان بعنوان حقّ العمل إذا لم يكن حيلة للتخلّص من الربا . وإن كانت من قبيل بيع السلف ؛ بأن باع الطالب مائتين سلفاً بمائة حالاًّ ، واشترط المشتري عليه - ولو بنحو الشرط الضمني الارتكازي - وثيقةً ، وكونه وكيلاً في بيعها عند التخلّف وأخذ مقدار حقّه ، فلا يصحّ البيع ولا الرهن ولا الوكالة(1) .

ومنها : بطاقات اليانصيب «بخت آزمائي»

(مسألة 1) : قد شاع في البلاد من قبل بعض الشركات نشر بطاقات اليانصيب وبيعها بإزاء مبلغ معيّن ، ويتعهّد صاحب الشركة بأن يقرع ، فمن أصابت القرعة بطاقته يعطيه مبلغاً معيّناً . وهذا البيع باطل ، وأخذ المال بإزاء البطاقة موجب للضمان . وكذا أخذ المال بعد إصابة القرعة حرام موجب لضمان الآخذ للمالك الواقعي .

(مسألة 2) : لا فرق في حرمة ثمن البطاقة بين أن يدفعه الطالب لاحتمال إصابة القرعة باسمه ؛ من غير بيع وشراء ، وبين بيعها وشرائها لهذا الغرض ، ففي الصورتين أخذ المال حرام ، وأخذ ما يعطى لأجل إصابة القرعة حرام .

ص: 661


1- في (أ) ورد بعد «في رأس أجله» هكذا : «فهي باطلة لا يجوز للمستقرض التصرّف في المأخوذ ولا للبنك بيع المرهون ، ولا للأجنبيّ شراؤه ، وإن كانت من قبيل بيع السلف بأن باع الطالب مائتين سلفاً بمائة حالاًّ واشترط المشتري عليه ولو بنحو الشرط الضمني الارتكازي وثيقة وكونه وكيلاً في بيعها عند التخلّف وأخذ مقدار حقّه فلا إشكال فيه وفي جواز بيعها وشرائها ، والوكالة في ضمنه لازمة» .

(مسألة 3) : قد بدّل أرباب الشركات عنوان اليانصيب بعنوان الإعانة للمؤسّسات الخيرية ؛ لإغفال المتديّنين والمؤمنين ، والعمل خارجاً هو العمل بلا فرق جوهري يوجب الحلّية ، فالمأخوذ بهذا العنوان أيضاً حرام ، وكذا المأخوذ بعد إصابة القرعة .

(مسألة 4) : لو فرض بعيداً قيام شركة بنشر بطاقات للإعانة حقيقة على المؤسّسات الخيرية ، ودفع كلّ من أخذ بطاقة مالاً لذلك المشروع ، ودفع أو صرف الشركة ما أخذه فيها ، وتعطي من مالها مبلغاً لمن أصابته القرعة هبة ومجّاناً للتشويق ، فلا إشكال في جواز الأمرين . وكذا لو اُعطي الجائزة من المال المأخوذ من الطالبين برضاً منهم ، لكنّه مجرّد فرض لا واقعية له ، فالأوراق المبتاعة في الحال الفعلي بيعها وشراؤها غير جائز ، والمأخوذ بعنوان إصابة القرعة حرام .

(مسألة 5) : لو اُصيبت القرعة واُخذ المبلغ ، فإن عرف صاحب الأموال يجب الدفع إليه ، وإلاّ فهي من مجهول المالك يجب الصدقة بها عن مالكها الواقعي ، والأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي في الصدقة .

(مسألة 6) : لا يجوز على الأحوط لو لم يكن الأقوى لمن أخذ المال الذي أصابته القرعة ، صرفه وتملّكه صدقة عن مالكه ولو كان فقيراً ، بل عليه أن يتصدّق به على الفقراء .

(مسألة 7) : إذا أعطى ما أصابته القرعة من المال الكثير فقيراً ، وشرط عليه أن يأخذ لنفسه بعضاً ويردّ الباقي إليه ، فالظاهر عدم جوازه ، وعدم جوازه للفقير أيضاً . نعم ، لو أعطاه الفقير ما يناسب حاله بلا اشتراط لا إشكال فيه .

ص: 662

هذه جملة من المعاملات المستحدثة . وأمّا المسائل المستحدثة الاُخر وما ستستحدثها الأعصار الآتية فكثيرة جدّاً ، وتجري في كثير من أبواب الفقه ، وقد صعب استقصاؤها ، ولكن نذكر جملة حادثة منها أو في اُهبة الحدوث .

فمنها : التلقيح والتوليد الصناعيان

(مسألة 1) : لا إشكال في أنّ تلقيح ماء الرجل بزوجته جائز ؛ وإن وجب الاحتراز عن حصول مقدّمات محرّمة ، ككون الملقّح أجنبيّاً ، أو التلقيح مستلزماً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، فلو فرض أنّ النطفة خرجت بوجه محلّل ، ولقّحها الزوج بزوجته ، فحصل منها ولد كان ولدهما ، كما لو تولّد بالجماع ، بل لو وقع التلقيح من ماء الرجل بزوجته بوجه محرّم - كما لو لقّح الأجنبيّ ، أو أخرج المنيّ بوجه محرّم - كان الولد ولدهما ، وإن أثما بارتكاب الحرام .

(مسألة 2) : لا يجوز التلقيح بماء غير الزوج ؛ سواء كانت المرأة ذات بعل أو لا ، رضي الزوج والزوجة بذلك أو لا ، كانت المرأة من محارم صاحب الماء كاُمّه واُخته أو لا .

(مسألة 3) : لو حصل عمل التلقيح بماء غير الزوج ، وكانت المرأة ذات بعل ، وعلم أنّ الولد من التلقيح ، فلا إشكال في عدم لحوق الولد بالزوج ، كما لا إشكال في لحوقه بصاحب الماء والمرأة إن كان التلقيح شبهة ، كما في الوط ء شبهة ، فلو لقّحها بتوهّم أ نّها زوجته وأنّ الماء له فبان الخلاف ، يلحق الولد بصاحب الماء والمرأة . وأمّا لو كان مع العلم والعمد ففي الإلحاق إشكال ، وإن كان الأشبه ذلك . لكن المسألة مشكلة لا بدّ فيها من الاحتياط ، ومسائل الإرث في باب التلقيح شبهةً كمسائله في الوط ء شبهة ، وفي العمدي المحرّم لا بدّ من الاحتياط .

ص: 663

(مسألة 4) : لا يجوز تزويج المولود لو كان اُنثى من صاحب الماء ، ولا تزويج الولد اُمّه أو اُخته أو غيرهما من المحارم . وبالجملة : لا يجوز نكاح كلّ من لا يجوز نكاحه لو كان التوليد بوجه شرعي .

(مسألة 5) : الأحوط ترك النظر إلى من جاز النظر إليه لو كان المولود بطريق شرعي ؛ وإن كان الأشبه الجواز . هذا فيما إذا لم يحصل التلقيح شبهة ، وإلاّ فلا إشكال في الجواز .

(مسألة 6) : للتلقيح والتوليد أنواع يمكن تحقّقها في المستقبل :

منها : أن تؤخذ النطفة التي هي منشأ الولد من الأثمار والحبوب ونحوهما ، وبعمل التلقيح بالمرأة تصير منشأً للولد ، ومعلوم أ نّه لا يلحق بغير اُمّه ، وإلحاقه بها أضعف إشكالاً من تلقيح ماء الرجل .

ومنها : أن يؤخذ ماء الرجل ، ويربّى في رحم صناعية كتوليد الطيور صناعياً ، فيلحق بالرجل ، ولا يلحق بغيره .

ومنها : أن تؤخذ النطفة من الأثمار ونحوها فتجعل في رحم صناعية فيحصل التوليد . وهذا القسم - لو فرض - لا إشكال فيه بوجه ، ولا يلحق بأحد .

(مسألة 7) : لو حصل من ماء رجل في رحم صناعية ذكر واُنثى ، يكونان أخاً واُختاً من قبل الأب ، ولا اُمّ لهما ، فلا يجوز نكاحهما ولا نكاح من حرم نكاحه من قبل الأب لو كان التوليد بوجه عادي . ولو حصل من نطفة صناعية في رحم امرأة ذكر واُنثى ، فهما أخ واُخت من قبل الاُمّ ، ولا أب لهما ، فلا يجوز تزويجهما ولا تزويج من حرم من قبل الاُمّ .

(مسألة 8) : لو تولّد الذكر والاُنثى من نطفة صناعية ورحم صناعية فالظاهر

ص: 664

أنّه لا نسبة بينهما ، فجاز تزويج أحدهما بالآخر ، ولا توارث بينهما وإن اُخذت النطفة من تُفّاحة واحدة مثلاً .

(مسألة 9) : لو تولّد الطفل بواسطة العلاج قبل مدّة أقلّ الحمل ، كما لو أسرع عن سيره الطبيعي بواسطة بعض الأشعّات ، أو تولّد بعد مدّة أكثر الحمل ؛ للمنع عن سيره الطبيعي والإبطاء به ، يلحق الطفل بأبيه بعد العلم بكونه من مائه . ولو صار ذلك طبيعياً لأجل ضعف أشعّة الشمس وتغيير طبيعة الأرض ، يلحق الولد بالفراش مع الشكّ أيضاً . وكذا لو كان في بعض المناطق طبيعي أكثر الحمل أو أقلّه على خلاف مناطقنا ، يحكم بإلحاق الولد مع إمكانه ، ولا يُقاس بمناطقنا .

(مسألة 10) : لو انتقل الحمل في حال كونه علقة أو مضغة ، أو بعد ولوج الروح من رحم امرأة إلى رحم امرأة اُخرى ، فنشأ فيها وتولّد ، هل هو ولد الاُولى أو الثانية ؟ لا شبهة في أ نّه من الاُولى إذا انتقل بعد تمام الخلقة وولوج الروح ، كما أ نّه لا إشكال في ذلك إذا اُخرج وجعل في رحم صناعية وربّي فيها . وأمّا لو اُخرج قبل ذلك - حال مضغته مثلاً - ففيه إشكال . نعم ، لو ثبت أنّ نطفة الزوجين منشأ للطفل فالظاهر إلحاقه بهما ؛ سواء انتقل إلى رحم المرأة أو رحم صناعية .

ومنها : التشريح والترقيع

(مسألة 1) : لا يجوز تشريح الميّت المسلم ، فلو فعل ذلك ففي قطع رأسه وجوارحه دية ذكرناها في الديات ، وأمّا غير المسلم فيجوز ؛ ذمّياً كان أو غيره ، ولا دية ولا إثم فيه .

(مسألة 2) : لو أمكن تشريح غير المسلم للتعلّمات الطبّية ، لا يجوز تشريح

ص: 665

المسلم وإن توقّف حياة مسلم أو جمع من المسلمين عليه ، فلو فعل مع إمكان تشريح غيره أثم ، وعليه الدية .

(مسألة 3) : لو توقّف حفظ حياة المسلم على التشريح ، ولم يمكن تشريح غير المسلم ، فالظاهر جوازه . وأمّا لمجرّد التعلّم فلا يجوز ما لم تتوقّف حياة مسلم عليه .

(مسألة 4) : لا إشكال في وجوب الدية إذا كان التشريح لمجرّد التعلّم ، وأمّا في مورد الضرورة والتوقّف المتقدّم فلا يبعد السقوط على إشكال .

(مسألة 5) : لا يجوز قطع عضو من الميّت لترقيع عضو الحيّ إذا كان الميّت مسلماً ، إلاّ إذا كان حياته متوقّفة عليه . وأمّا إذا كان حياة عضوه متوقّفة عليه فالظاهر عدم الجواز ، فلو قطعه أثم ، وعليه الدية . هذا إذا لم يأذن قطعه . وأمّا إذا أذن في ذلك ففي جوازه إشكال ، لكن بعد الإجازة ليس عليه الدية وإن قلنا بحرمته . ولو لم يأذن الميّت فهل لأوليائه الإذن ؟ الظاهر أ نّه ليس لهم ذلك ، فلو قطعه بإذن الأولياء عصى وعليه الدية .

(مسألة 6) : لا مانع من قطع عضو ميّت غير مسلم للترقيع ، لكن بعده يقع الإشكال في نجاسته وكونه ميتة لا تصحّ الصلاة فيه . ويمكن أن يقال فيما إذا حلّ الحياة فيه : خرج عن عضوية الميّت وصار عضواً للحيّ ، فصار طاهراً حيّاً وصحّت الصلاة فيه . وكذا لو قطع العضو من حيوان - ولو كان نجس العين - ورقّع فصار حيّاً بحياة المسلم .

(مسألة 7) : لو قلنا بجواز القطع والترقيع بإذن من صاحب العضو زمان حياته ، فالظاهر جواز بيعه لينتفع به بعد موته ، ولو قلنا بجواز إذن أوليائه

ص: 666

فلا يبعد أيضاً جواز بيعه للانتفاع به . ولا بدّ من صرف الثمن للميّت ؛ إمّا لأداء دينه ، أو صرفه للخيرات له ، وليس للوارث حقّ فيه .

فروع :

الأوّل : الأقوى جواز الانتفاع بالدم في غير الأكل وجواز بيعه لذلك ، فما تعارف من بيع الدم من المرضى وغيرهم لا مانع منه ، فضلاً عمّا إذا صالح عليه ، أو نقل حقّ الاختصاص . ويجوز نقل الدم من بدن الإنسان إلى آخر ، وأخذ ثمنه بعد تعيين وزنه بالآلات الحديثة ، ومع الجهل لا مانع من الصلح عليه ، والأحوط أخذ المبلغ للتمكين على أخذ دمه مطلقاً ، لا مقابل الدم ، ولا يترك الاحتياط ما أمكن .

الثاني : الأقوى حرمة الذبيحة التي ذبحت بالمكائن الحديثة . وإن اجتمع في الذبح جميع شرائطه ، فضلاً عمّا إذا كان الذبح من القفا أو غير مستقبل القبلة ، فالذبح بالمكائن ميتة نجسة لا يجوز أكلها ولا شراؤها ، ولا يملك البائع الثمن المأخوذ بإزائها ، وهو ضامن للمشتري .

الثالث : ما يسمّى عند بعض بحقّ الطبع ليس حقّاً شرعياً ، فلا يجوز سلب تسلّط الناس على أموالهم بلا تعاقد وتشارط ، فمجرّد طبع كتاب والتسجيل فيه : بأنّ حقّ الطبع والتقليد محفوظ لصاحبه لا يوجب شيئاً ، ولا يعدّ قراراً مع غيره ، فجاز لغيره الطبع والتقليد ، ولا يجوز لأحد منعه عن ذلك .

الرابع : ما تعارف من ثبت صنعة لمخترعها ومنع غيره عن التقليد والتكثير ، لا أثر له شرعاً ، ولا يجوز منع الغير عن تقليدها والتجارة بها ، وليس لأحد سلب سلطنة غيره عن أمواله ونفسه .

ص: 667

الخامس : ما تعارف من حصر التجارة في شيء أو أشياء بمؤسّسة أو تجّار ونحوهما ، لا أثر له شرعاً ، ولا يجوز منع الغير عن التجارة والصنعة المحلّلتين وحصرهما في أشخاص .

السادس : لا يجوز تثبيت سعر الأجناس ومنع ملاّكها عن البيع بالزيادة .

السابع : للإمام علیه السلام ووالي المسلمين أن يعمل ما هو صلاح للمسلمين ؛ من تثبيت سعر أو صنعة أو حصر تجارة أو غيرها ؛ ممّا هو دخيل في النظام وصلاح للجامعة .

ومنها : تغي-ير الجنسية

(مسألة 1) : الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس ، وكذا لا يحرم العمل في الخُنثى ليصير ملحقاً بأحد الجنسين . وهل يجب ذلك لو رأت المرأة في نفسها تمايلات من سنخ تمايلات الرجل ، أو بعض آثار الرجولية ، أو رأى المرء في نفسه تمايلات الجنس المخالف أو بعض آثاره ؟ الظاهر عدم وجوبه إذا كان الشخص حقيقة من جنس ؛ ولكن أمكن تغيير جنسيته بما يخالفه .

(مسألة 2) : لو فرض العلم بأ نّه داخل قبل العمل في جنس مخالف ، والعملية لا تبدّل جنسه بآخر ، بل تكشف عمّا هو مستور ، فلا شبهة في وجوب ترتيب آثار الجنس الواقعي وحرمة آثار الجنس الظاهر ، فلو علم بأ نّه رجل يجب عليه ما يجب على الرجال ، ويحرم عليه ما يحرم عليهم وبالعكس . وأمّا وجوب تغيير صورته وكشف ما هو باطن ، فلا يجب إلاّ إذا توقّف العمل

ص: 668

بالتكاليف الشرعية أو بعضها عليه وعدم إمكان الاحتراز عن المحرّمات الإلهية إلاّ به فيجب .

(مسألة 3) : لو تزوّج امرأة فتغيّر جنسها فصارت رجلاً ، بطل التزويج من حين التغيير وعليه المهر تماماً لو دخل بها قبل التغيير ، فهل عليه نصفه مع عدم الدخول أو تمامه ؟ فيه إشكال ، والأشبه التمام . وكذا لو تزوّجت امرأة برجل فغيّر جنسه بطل التزويج من حين التغيير ، وعليه المهر مع الدخول ، وكذا مع عدمه على الأقوى .

(مسألة 4) : لو تغيّر الزوجان جنسهما إلى المخالف ، فصار الرجل امرأة وبالعكس ، فإن كان التغيير غير مقارن فالحكم كما مرّ ، وإن قارن التغاير فهل يبطل النكاح أو بقيا على نكاحهما وإن اختلفت الأحكام ، فيجب على الرجل الفعلي النفقة وعلى المرأة الإطاعة ؟ الأحوط تجديد النكاح ، وعدم زواج المرأة الفعلية بغير الرجل الذي كان زوجته إلاّ بالطلاق بإذنهما ؛ وإن لا يبعد بقاء نكاحهما .

(مسألة 5) : لو تغيّر جنس المرأة في زمان عدّتها سقطت العدّة حتّى عدّة الوفاة .

(مسألة 6) : لو تغيّر جنس الرجل إلى المخالف فالظاهر سقوط ولايته على صغاره ، ولو تغيّر جنس المرأة لا يثبت لها الولاية على الصغار ، فولايتهم للجدّ للأب ، ومع فقده للحاكم .

(مسألة 7) : لو تغيّر جنس كلّ من الأخ والاُخت بالمخالف لم ينقطع انتسابهما ، بل يصير الأخ اُختاً وبالعكس . وكذا في تغيير الأخين أو الاُختين ،

ص: 669

ولو تغيّر العمّ صار عمّة وبالعكس ، والخال خالة وبالعكس وهكذا ، فلو مات عن ابن جديد وبنت جديدة للذكر الفعلي ضعف الاُنثى الفعلية ، وهكذا في سائر طبقات الإرث . لكن يبقى الإشكال في إرث الأب والاُمّ والجدّ والجدّة ، فلو تغيّر جنس الأب إلى المخالف لا يكون فعلاً أباً ولا اُمّاً ، وكذا في تغيير جنس الاُمّ ، فإنّ الرجل الفعلي لا يكون اُمّاً ولا أباً . فهل يرثان بلحاظ حال التوليد أو لأجل الأقربية والأولوية أو لا يرثان ؟ فيه تردّد ، والأشبه الإرث ، والظاهر أنّ اختلافهما في الإرث بلحاظ حال انعقاد النطفة ، فللأب حال الانعقاد ثلثان ، وللاُمّ ثلث ، والأحوط التصالح .

(مسألة 8) : لو تغيّر جنس الاُمّ ، فهل تكون بعد الرجولية محرماً لحليلة ابنها كالأب أم لا ؟ لا يبعد على إشكال . ولو تغيّر جنس الأب ، فهل يكون في حال اُنوثيته محرماً لابنه وإن لم يكن اُمّاً له ؟ الظاهر ذلك . ولو تغيّرت زوجة الابن وصارت رجلاً ، فهل هي محرم على اُمّ زوجها السابق ؟ لا يبعد ذلك على إشكال .

(مسألة 9) : ما ذكرناه في الأقرباء نسباً يأتي في الأقرباء رضاعاً ، كالاُمّ والأب الرضاعيّين والاُخت والأخ وهكذا .

(مسألة 10) : يثبت ما ذكرناه فيما إذا غيّر جنس بجنس واقعاً . وأمّا لو كان العمل كاشفاً عن واقع مستور ، وأنّ من صار رجلاً بعد العمل كان رجلاً من أوّل الأمر ، يستكشف منه أنّ ما رتّب على الرجل الصوري والمرأة الصورية رتّب على غير موضوعه ، فتحدث مسائل اُخر .

ص: 670

ومنها : الراديو والتلفزيون ونحوهما

(مسألة 1) : لهذه الآلات الحديثة منافع محلّلة عقلائية ومنافع محرّمة غير مشروعة ، ولكلّ حكمه ، فجاز الانتفاع المحلّل ؛ من الأخبار والمواعظ ونحوهما من الراديو ، وإراءة الصور المحلّلة لتعليم صنعة محلّلة ، أو عرض متاع محلّل ، أو إراءة عجائب الخلقة بحراً وبرّاً . ولا يجوز الانتفاع المحرّم كسماع الغناء وإذاعته وإذاعة ما هو مخالف للشريعة المطهّرة ، كالأحكام الصادرة من المصادر غير الصالحة المخالفة لأحكام الإسلام ، وإراءة ما هو مخالف للشرع ومفسد لعقائد الجامعة وأخلاقها .

(مسألة 2) : لمّا كان أكثر استعمال تلك الآلات في اُمور غير مشروعة ؛ بحيث يعدّ غير ذلك نادراً في بلادنا ، لا اُجيز بيعها إلاّ ممّن يطمأنّ بعدم استعمالها إلاّ في المحلّل ، ويجتنب عن محرّماتها ، ولا يجعلها في اختيار من يستعملها في المحرّمات ، ولا شراءها إلاّ لمن لم يستعملها إلاّ في المحلّل ، ويمنع غيره عن استعمالها في غير المشروع .

(مسألة 3) : لا يجب جواب سلام من يسلّم بواسطة الإذاعة ، ويجب جواب من سلّم تلفوناً .

(مسألة 4) : لو سمع آية السجدة من مثل الراديو ، فإن اُذيعت قراءة شخص مستقيمة وجبت السجدة ، وإن اُذيعت من المسجّلات لا تجب .

(مسألة 5) : يسقط الأذان والإقامة إذا سمعهما من مثل الراديو بشرط إذاعتهما مستقيمة ، وإن اُذيعت من المسجّلات لم يسقطا بسماعهما ، ولا يستحبّ حكايتهما في الفرض ، ولا يسقطا بحكايتهما .

ص: 671

(مسألة 6) : يحرم استماع الغناء ونحوه من المحرّمات من مثل الراديو ؛ سواء اُذيعت مستقيمة أو بعد الضبط في المسجّلة .

(مسألة 7) : استماع الغيبة إذا اُذيعت مستقيمة حرام ، وإلاّ فليس بمحرّم من حيث استماع الغيبة . نعم ، يمكن التحريم من جهات اُخر ، ككشف سرّ المؤمن - مثلاً - وإهانته .

(مسألة 8) : الأحوط ترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه في مثل التلفزيون ، كبدن الأجنبيّة وشعرها وعورة الرجل .

(مسألة 9) : لا يبعد جواز الطلاق بواسطة الإذاعة والمكبّرة إذا سمعه شاهدان عدلان ، ولا يجب حضورهما في مجلس الطلاق ، والأحوط خلافه . هذا إذا اُجري الطلاق في الإذاعة مستقيماً ، لا بواسطة المسجّلة . والحكم في الظهار كالطلاق .

(مسألة 10) : لا إشكال في وجوب ترتيب الآثار على الإقرار بواسطة التلفون أو المكبّرة أو الراديو ونحوها ؛ إذا علم بأنّ الصوت من المقرّ ، وكان ذلك مستقيماً لا من المسجّلات ؛ سواء كان الإقرار بحقّ لغيره ؛ حتّى بما يوجب القصاص ، أو بما يوجب حدّاً من حدود اللّه . كما لا إشكال في سماع البيّنة على حقّ أو حدّ إذا اُقيمت مستقيمة لا من المسجّلة ، وعلم أنّ الصوت من الشاهدين العدلين . وكذا يجب ترتيب الآثار على حكم الحاكم وثبوت الحقّ به ، وكذا الهلال وغيرهما من موارد الحكم مع الشرط المذكور . والظاهر جواز استحلاف القاضي من عليه الحلف بواسطة المكبّرة أو التلفون ، وحلفه من ورائهما بالشرط المذكور . والظاهر جريان الحكم في سائر الموارد التي رتّب فيها الحكم على إنشاء أو

ص: 672

إخبار ، كالقذف واللعان والغيبة والتهمة والفحش ، وسائر ما يكون موضوعاً للحكم ؛ بشرط العلم بكون المتكلّم به فلاناً ، أو قامت البيّنة على ذلك .

(مسألة 11) : هل يترتّب الأحكام والآثار على الأقارير وغيرها إذا كانت مضبوطة في المسجّلات ؟ لا شبهة في أنّ ما في المسجّلات لا يترتّب عليها الآثار ، فلا يكون نشر ما في المسجّلة إقراراً ولا شهادة ولا قذفاً ولا حكماً ولا غيرها ، لكن لو علم أنّ ما سجّل في المسجّلات هو الإقرار المضبوط من فلان ، يؤخذ بإقراره من باب الحكاية عن إقراره ، لا من باب كون هذا إقراراً ، ومن باب الكشف عن شهادة البيّنة وحكم الحاكم وقذف القاذف ، وهكذا إذا علم أنّ ما هو المضبوط ضبط وسجّل من الواقع المحقّق ، ومع احتمال كون هذا الصوت مشابهاً لما نسب إليه لا يترتّب عليه أثر ؛ لا على ما اُذيع من المسجّلات ، ولا على ما اُذيع مستقيماً بغير وسط .

ومنها : مسائل الصلاة والصوم وغيرهما

(مسألة 1) : يجوز الصلاة في الطائرات مع مراعاة استقبال القبلة ، ولو دخل في الصلاة مستقبلاً ، فانحرفت الطائرة يميناً أو شمالاً ، فحوّل المصلّي إلى القبلة بعد السكوت عن القراءة والذكر ، صحّت صلاته وإن انجرّ التحويل تدريجاً إلى مقابل الجهة الاُولى . وأمّا لو استدبر ثمّ تحوّل بطلت صلاته ، فلو صلّى في طائرة مارّة على مكّة أو الكعبة المكرّمة بطلت ؛ لعدم إمكان حفظ الاستقبال ، وأمّا لو طارت حول مكّة وحوّل المصلّي تدريجاً وجهه إلى القبلة صحّت .

(مسألة 2) : لو ركب طائرة فطارت أربع فراسخ عمودياً تقصر صلاته وصومه ، ولو طارت فرسخين - مثلاً - عمودياً ، فألغت جاذبة الأرض بطريق

ص: 673

علمي ، فدارت الأرض وبقيت الطائرة غير دائرة ، فرجعت إلى الأرض بعد نصف دور - مثلاً - لم تقصر صلاته ولا صومه ؛ مثلاً : لو فرض كون الطائرة في بغداد ، فطارت عمودياً وبقيت في الفضاء غير دائرة بتبع الأرض ، وبعد ساعات رجعت ، وكان المرجع لندن - مثلاً - كانت صلاته تامّة ولم يكن مسافراً .

(مسألة 3) : لو فاتت صلاة صبحه في طهران - مثلاً - وركب طائرة تقطع بين طهران وإسلامبول ساعة ، ووصل إليه قبل طلوع الشمس بنصف ساعة ، كانت صلاته أداءً بعد ما صارت قضاءً . وهل يجب عليه مع عدم العسر والحرج أن يسافر لتحصيل الصلاة الأدائية ؟ الظاهر ذلك ، وهكذا بالنسبة إلى سائر صلواته . ولو فاتت صلاته في طهران - مثلاً - وسافر مع تلك الطائرة وشرع في صلاته قضاءً ، ووصل إلى مكان لم يفت فيه الوقت ، فأدرك منه آخر صلاته ، فإن أدرك ركعة فالظاهر أ نّها تقع أداءً ، وإن أدرك أقلّ منها ففيه إشكال . ولو شرع في المغرب قضاءً فأدرك الركعة الثانية في الوقت ، ثمّ رجعت الطائرة فخرج الوقت بين صلاته - فيكون وسطها في الوقت وطرفاها خارجه - صحّت ، لكن في كونها أداءً أو قضاءً تأمّلاً ، ولا يبعد مع إدراك ركعة كونها أداءً . ولو ركب طائرة فدخل في قضاء صلاة العصر من يومه بعد الغروب ، فصعدت عمودياً ورأى الشمس بين صلاته ، ثمّ هبطت وغربت الشمس ، ثمّ صعدت فرآها وهكذا ، صحّت صلاته ، ولا يبعد كونها أداءً إذا أدرك من الوقت ركعة متّصلة ، وأمّا إذا أدرك الأقلّ أو بمقدارها لكن لا متّصلة ، ففي كونها أداءً أو قضاءً تأمّل .

(مسألة 4) : لو صلّى الظهرين أوّل الوقت في طهران ، وركب الطائرة ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم ، فهل تجب عليه الظهران المأتيّ بهما عند الزوال ؟ الظاهر عدم الوجوب .

ص: 674

(مسألة 5) : لو رئي هلال ليلة الفطر في إسلامبول ، وسافر إلى طهران وكان فيه ليلة آخر الصيام ، فهل يجب عليه الصوم ؟ الظاهر ذلك ، بل الظاهر وجوبه ولو صام في إسلامبول ثلاثين يوماً ، ففرق بين الصوم والصلاة في الحكم . ولو صام في طهران - مثلاً - إلى غروب الشمس ولم يفطر ، فسافر إلى إسلامبول ووصل إليه قبل الغروب من هذا اليوم ، فهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب أم لا ؟ الظاهر عدم الوجوب ، وإن كان أحوط . ولو صام في إسلامبول وسافر قبل الغروب بساعتين إلى طهران ، وأدرك الليل في أثناء الطريق ولم يفطر ، ورجع إلى إسلامبول قبل غروب الشمس في هذا اليوم ، فهل يجب الإمساك إلى الغروب ؟ الأحوط ذلك ؛ وإن كان عدم الوجوب أشبه . وكذا لو صام في محلّ إلى الغروب ، ثمّ ركب طائرة فصعدت عمودياً حتّى رأى الشمس . ولو سافر بعد الزوال من طهران بلا نيّة الصوم ، ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم ، فالظاهر جواز نيّة الصوم لو لم يأت بمفطر ، ومراعاة الاحتياط حسن . ولو كان آخر شعبان في طهران أوّل رمضان في إسلامبول ، فبقي في طهران إلى الليل ، فذهب إلى إسلامبول ووصل إليه الليلة الثانية من الشهر ، وكان الشهر في إسلامبول تسعة وعشرين يوماً ، فصام فيه وكان صومه ثمانية وعشرين يوماً ، فهل يجب عليه قضاء يوم ؟ الأحوط ذلك ، بل لا يخلو من قرب . ولو سافر مع طائرة ويكون تمام الشهر ليلاً بالنسبة إليه ، يجب عليه القضاء ظاهراً . وكذا من كان في القطب وفات منه شهر رمضان على إشكال . ولو أصبح في طهران صائماً فأفطر عمداً ، ثمّ سافر إلى إسلامبول فوصل إليه قبل الفجر فصام اليوم بعينه ، فهل تجب عليه الكفّارة والقضاء ؟ لا إشكال في عدم وجوب القضاء ، وفي وجوب الكفّارة إشكال ، والأحوط ذلك ، بل هو الأقرب .

ص: 675

(مسألة 6) : لو صلّى صلاة عيد الفطر في إسلامبول ، وسافر إلى طهران ، ووصل إليه قبل الزوال من آخر شهر الصيام وبعدُ لم يفطر ، فهل يجب الصوم عليه ، كمن وصل إلى وطنه قبل زوال يوم الصوم ؟ الظاهر وجوبه ، وليس صومه مركّباً من حرام وواجب ، كما لم يكن كذلك لو حضر من السفر مع حرمة الصوم فيه ، والأحوط له الإفطار قبل الوصول إلى طهران . وهل يجب عليه قضاء هذا اليوم ، الذي كان يوم عيد له في إسلامبول ويوم صوم في طهران ؟ فيه إشكال ، والأشبه وجوبه إذا حضر اليوم من أوّله ، بل من قبل الزوال على الأحوط .

(مسألة 7) : لو عيّد في إسلامبول وأدّى زكاة الفطرة ، ووصل إلى طهران قبل غروب ليلة الفطر ، فهل يجب عليه زكاة الفطرة ثانياً بإدراك غروب العيد ؟ الظاهر عدم الوجوب وإن كان أحوط . نعم ، لو لم يؤدّها في إسلامبول يجب أداؤها في طهران . ولو صلّى العيد في إسلامبول فالظاهر عدم وجوبها أو استحبابها ثانياً .

(مسألة 8) : لو كان يوم الفطر في إسلامبول يحرم عليه الصوم ، ولو سافر إلى طهران وكان غداً يوم العيد يحرم عليه . وكذا الحال في الأضحى ، فكان الصوم المحرّم عليه أربعة أيّام في السنة .

(مسألة 9) : لو سافر مع طائرة تكون حركتها مساوية لحركة الأرض ، وكان سيرها مخالفاً لسير الأرض من الشرق إلى الغرب ، فلا محالة لو سافر أوّل طلوع الشمس ، كان سيرها دائماً أوّل الطلوع ولو سارت ألف ساعة ، فهل يحرم السفر معها للزوم ترك الصلاة ، أو يجوز ولا صلاة عليه أداءً ولا قضاءً ، أو عليه القضاء فقط ؟ الظاهر عدم جواز السفر معها . ولو قيل بجوازه فالظاهر عدم صلاة عليه أداءً ولا قضاءً . وكذا لا صوم عليه أداءً ولا قضاءً لو سافر قبل طلوع الفجر . ولو

ص: 676

كان بعده فهل يجب قضاء هذا اليوم فقط ؟ فيه إشكال ، والأحوط القضاء . ولو سافر عند زوال الشمس معها ، يجب عليه الظهران وإن وقع جميع الركعات في أوّل الزوال . ولو نذر صوم يوم الجمعة - مثلاً - سفراً فنوى الصوم في محلّ ، ثمّ سافر أوّل طلوع الشمس فكان تمام يومه أوّل الطلوع ، ثمّ أسرعت بسيرها ، فلا محالة يدخل فيما بين الطلوعين ثمّ الليل - أي السحر - فصام يوم الجمعة إلى الليل بهذا النحو ، فلا يبعد صحّته والوفاء بنذره . نعم ، لو أسرعت بعد ساعة أو ساعات قبل تمام اليوم بالنسبة إلينا ، فدخل ليلة الجمعة بسيرها ، فالظاهر عدم الوفاء بنذره لعدم صوم تمام اليوم .

(مسألة 10) : لو سافر مع طائرة تكون سرعتها أكثر من حركة الأرض ، وسارت من الشرق إلى الغرب ، فلا محالة تطلع الشمس عليه من مغرب الأرض عكس الطلوع لأهل الأرض ، فهل الاعتبار في الصلوات بالطلوع والغروب بالنسبة إليه لا إلى أهل الأرض ، فيصلّي الصبح قبل طلوع الشمس من المغرب ، الذي هو وقت غروب أهل الأرض مثلاً ، والعشاءين بعد غروبها في الاُفق الشرقي ، أو يكون تابعاً للأرض ، فيكون عند طلوع الشمس من المغرب بمقدار أربع ركعات مختصّاً بصلاة العصر ، ثمّ يشترك بين الظهر والعصر إلى مقدار أربع ركعات إلى زوالها ، فيختصّ بالظهر ، ويصلّي الصبح بعد غروب الشمس ، الذي هو بين الطلوعين بالنسبة إلى أهل الأرض ، ثمّ بعد ذلك يدخل وقت الاختصاصي للعشاء ، ثمّ المغرب والعشاء ، ثمّ الاختصاصي للمغرب ؟ فيه إشكال ؛ وإن لا يبعد لزوم التبعية لأهل الأرض فيصلّي في أوقاتها .

(مسألة 11) : لو سافر مع القمر الصناعي ، فوصل إلى خارج الجاذبة ، فلا محالة لا وزن له فيه ، فإن أمكن الوقوف على السطح الداخلي بحيث تكون

ص: 677

رجلاه إلى الأرض صلّى مراعياً لجهة القبلة ، وإلاّ صلّى معلّقاً بين الفضاء ، فإن أمكن مع ذلك أن تكون رجلاه إلى الأرض صلّى كذلك ، وإلاّ فبأيّ وجه أمكنه ، ولا تترك الصلاة بحال . وفي الأحوال يُراعي القبلة أو الجهة الأقرب إليها ، ومع الجهل بها صلّى أربعاً على الجهات .

(مسألة 12) : لو ركب القمر الصناعي ، فدار به في اليوم والليل عشر مرّات حول الأرض ، ففي كلّ دور له ليل ونهار ، فهل تجب عليه الصلوات الخمس في كلّ دور منه ، أو لا تجب إلاّ الخمس في جميع أدواره التي توافق يوماً وليلة من الأرض ؟ الظاهر هو الثاني ، لكن لا بدّ من مراعاة الطلوع والغروب بالنسبة إلى نفسه ، فيصلّي الصبح قبل أحد الطلوعات ، والظهرين بعد زوال أحد الأيّام ، والمغربين في إحدى الليالي ، وله إتيان الظهر في زوال يوم والعصر في يوم آخر بعد الزوال ، والمغرب في إحدى الليالي والعشاء في الاُخرى . فهل له إتيان الظهر عند الزوال ، ثمّ المغرب عند الغروب ، ثمّ العصر عند زوال آخر ، والعشاء في ليلة اُخرى ، فيتشابك الظهران والعشاءان ؟ لا يبعد ذلك ، لكن الأحوط ترك هذا النحو ، بل الأحوط الإتيان بالظهرين في يوم والعشاءين في ليلة مع الإمكان .

(مسألة 13) : لو ركبت المرأة في طائرة تدور مساوية لحركة الأرض ، وكان سيرها مخالفاً لسير الأرض ، فرأت الدم واستمرّ بها بمقدار ثلاثة أيّام من أيّامنا ،

لكن كانت تلك المدّة بالنسبة إليها أوّل طلوع الشمس مثلاً ، فالظاهر أنّ دمها محكوم بالحيضية . فالميزان استمرار هذه المدّة لا بياض الأيّام . وكذا لو كانت المرأة في قطر يكون يومه شهراً - مثلاً - ورأت الدم واستمرّ بمقدار ثلاثة أيّام من آفاقنا يحكم بكونه حيضاً . ولو ركبت قمراً صناعياً وكان النهار والليل بالنسبة إليها ساعة ، لا بدّ من استمرار دمها بمقدار ثلاثة أيّام من آفاقنا لا بالنسبة إليها .

ص: 678

ولو اُخرج دم الحيض الذي يستمرّ بطبعه ثلاثة أيّام بآلة في يوم واحد لم يحكم بحيضيته ، كما لو اُدخل في رحمها شيء يجذب الدم ثلاثة أيّام أو أكثر ، ولم يخرج إلى الخارج إلاّ دفعة ، فلا يحكم بحيضية الدم .

(مسألة 14) : كما أنّ الميزان في الدم استمراره لا بياض الأيّام ، ولهذا تلفّق الأيّام ، كذلك الميزان ذلك في العدّة مطلقاً . وقصد الإقامة ، والبقاء في محلّ ثلاثون يوماً مردّداً ، وأكثر الحمل وأقلّه ، وكذا الحيض والنفاس ، وخيار الحيوان ثلاثة أيّام ، وخيار تأخير الثمن ، واليوم والليلة في مقدار الرضاع ، وسنة تغريب الزاني ، وإنظار ثلاثة أشهر في الظهار ، والحلف على أزيد من أربعة أشهر في الإيلاء ، وإنظار أربعة أشهر فيه ، والسنة والسنتين والسنين التي تستأدى الديات عند حلولها ، وحدّ البلوغ واليأس ، وتأجيل أربع سنين للمرأة المفقود زوجها ، وتأجيل سنة في العنن ، وأحداث السنة في باب خيار العيب ، وحقّ الحضانة للاُمّ سنتين أو سبع سنوات ، والسنة المعتبرة في تعريف اللقطة ، والأشهر الأربعة التي يحرم للزوج ترك وط ء زوجته أكثر منها ، والسنة المعتبرة في إرث الزوجة عن زوجها لو طلّقها في مرضه ، والسنة التي تعتبر فيما لا تبقى اللقطة لسنة ، والظاهر أنّ الأمر كذلك في باب القسم بين النساء ، واختصاص البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث - وإن لا يخلو في باب القسم والاختصاص المذكورين من إشكال ؛ من حيث أخذ الليالي بعناوينها فيهما - والالتزام بكون القسم حسب ليل القطبين - مثلاً - وكذا السبع في العرس سبع ليال فيهما ، غير ممكن ، فلا بدّ إمّا من القول بسقوط الحكم فيهما وفي مثلهما ، أو التقدير حسب الليالي المتعارفة ، والأقرب الثاني ، إلى غير ذلك ممّا هو من هذا القبيل . فإنّ الميزان فيها مضيّ مقدار الأيّام والشهور والسنين بحسب آفاقنا ، فلو طلّق

ص: 679

زوجته في أحد القطبين تخرج من العدّة في ربع يومه وليلته ، وأكثر الحمل - بناءً على كونه سنة - يوم وليلة ، ولا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من ثلث يوم وليلة . نعم ، لو كان أكثر الحمل في القطب بحسب الطبع أكثر من يوم وليلة ، يتّبع ولا يقاس بآفاقنا .

(مسألة 15) : كما يجب على أهل القطب تطبيق مقدار الأيّام والأشهر والسنين على أيّامهم في المذكورات ، لو فرض وجود أهل في بعض السيّارات ، أو سافر البشر من الأرض إلى بعضها ، وكانت حركته حول نفسه في مقدار يومنا عشر مرّات ، وكان يومه وليلته عشر يومنا ، لا بدّ له من تطبيق أيّامه على مقدار أيّامنا ، فيكون خيار الحيوان هناك ثلاثين يوماً ، وأقلّ الحيض ثلاثين يوماً ، وتأجيل المرأة المفقود زوجها أربعين سنة وهكذا .

(مسألة 16) : ما ذكرناه إنّما يجري في كلّ مورد يعتبر فيه المقدار ، لا بياض اليوم ، ولهذا تلفّق الأيّام فيها . وأمّا مثل الصوم المعتبر فيه الإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب ، ولا يأتي فيه التلفيق فلا اعتبار بالمقدار ، وكذا لا يجري ما ذكر في الصلاة ، فإنّ أوقاتها مضبوطة معتبرة ، فلا تصحّ صلاة الظهرين في الليل وإن انطبق على زوال آفاقنا ، ولا يصحّ الصوم في بعض اليوم أو الليل وإن كان بمقدار يومنا .

(مسألة 17) : لو فرض صيرورة حركة الأرض بطيئة ، وصار اليوم ضعف يومنا لا بدّ في صحّة الصوم من إمساك يوم تامّ مع الإمكان ، ومع عدمه يسقط الوجوب . ولا يجب عليه أكثر من الصلوات الخمس في يوم وليلة . وأمّا ما يعتبر فيه المقادير لا بياض النهار وسواد الليل ، فلا بدّ من مضيّ مقدار ما يعتبر في اُفق

ص: 680

عصرنا ، فأقلّ الحيض في ذلك العصر مقدار ثلاثة أيّام اُفقنا ، المنطبق على يوم وليلتين أو على يومين وليلة إذا كان اليوم ضعفاً . وبهذه النسبة إذا تغيّرت الحركة . وكذا الحال لو فرض صيرورتها أسرع ؛ بحيث كان اليوم والليلة نصف هذا العصر ، فلا بدّ في الصوم من إمساك يوم ، وتجب في كلّ يوم وليلة خمس صلوات .

(مسألة 18) : لا اعتبار برؤية الهلال بالآلات المستحدثة ، فلو رئي ببعض الآلات المكبّرة أو المقرّبة نحو تلسكوب مثلاً ، ولم يكن الهلال قابلاً للرؤية بلا آلة لم يحكم بأوّل الشهر . فالميزان : هو الرؤية بالبصر من دون آلة مقرّبة أو مكبّرة . نعم ، لو رئي بآلة وعلم محلّه ثمّ رئي بالبصر بلا آلة يُحكم بأوّل الشهر .

وكذا الحال في عدم الاعتبار بالآلات في الخسوف والكسوف ، فلو لم يتّضح الكسوف إلاّ بالآلات ولم يره البصر غير المسلّح لم يترتّب عليه أثر .

خاتمة

لو وُفّق البشر للسفر إلى بعض السيّارات والكرات تحدث عند ذلك مسائل شرعية كثيرة سيأتي الفقهاء - أعلى اللّه كلمتهم - بكشف معضلاتها ، ولا بأس بإشارة إجمالية إلى بعضٍ منها :

(مسألة 1) : يصحّ التطهير حدثاً وخبثاً بمائها وصعيدها بعد صدق الماء والتراب والحجر ونحوها عليها ، وتصحّ السجدة على أرضها وما ينبت منها .

(مسألة 2) : تختلف الأوزان فيها اختلافاً فاحشاً حسب ضعف الجاذبة وقوّتها ، ففي القمر لمّا كانت الجاذبة أضعف من جاذبة الأرض ، تكون الأجسام

ص: 681

مع الاتّحاد في المساحة مختلفة في الوزن في الكرتين ، فالكرّ بحسب المساحة يكون في الأرض موافقاً للوزن المقدّر تقريباً ، وفي كرة القمر تكون تلك المساحة أقلّ من عشر الوزن المقدّر ، فلو اعتبرنا في القمر الوزن تكون مساحته أضعاف المساحة المقدّرة ، فهناك يكون الاعتبار بالمساحة لا الوزن ، ولو قيس بين المساحة والوزن في كرة تكون جاذبتها أضعاف الأرض ربما يكون شبران من الماء بمقدار الوزن المقدّر ، فالاعتبار بالمساحة فيها لا الوزن ، فينفعل الماء الذي وزنه بمقدار الكرّ في الأرض . ويمكن الاعتبار هناك بالوزن ، لكن يوزن بالكيلوات الأرضية حسب جاذبة تلك الكرة ، فيوافق مع المساحات تقريباً . وفيما يعتبر فيه الوزن فقط كالنصاب في الغلاّت الأربع ، يحتمل أن لا يتغيّر حكمه ولو تغيّرت مساحته ، فالحنطة يلاحظ نصابها المقدّر ؛ ولو صار كيلها في كرة القمر أضعاف كيلها في الأرض ، وفي المشتري - مثلاً - عشر كيلها في الأرض . ولو أتى زمان على الأرض ضعفت جاذبتها فالحكم كما ذكر ، ويحتمل أن يكون الاعتبار بالكيلوات أو الأمنان الأرضية ، لكن بجاذبة تلك الكُرات أو الأرض بعد ضعف جاذبتها .

(مسألة 3) : لو وجد هناك ما تعلّقت به الزكاة والخمس - كالغلاّت الأربع والأنعام الثلاثة والنقدين ، وكالمعادن والكنوز وأشباههما - جرت عليها الأحكام الشرعية . ولو وجدت معادن وكنوز من غير جنس ما في الأرض تعلّق بها الخمس ، وأمّا لو وجدت حبوب أو أنعام غير ما هاهنا لم تتعلّق بها الزكاة . ولو وجد ما تعلّق به الزكاة هناك أو هاهنا بغير الطريق العادي ، كما لو وجدت الأنعام بطريق الصنعة وكذا الغلاّت المصنوعيات والنقدان المصنوعيان تعلّق بها الزكاة بعد صدق العناوين .

ص: 682

(مسألة 4) : لو وجد هناك إنسان يعامل معه معاملة الإنسان في الأرض ، ولو كان الموجودات هناك بأشكال اُخر لكن كانوا عاقلين مدركين ، فكذلك يعامل معهم معاملة الإنسان حتّى جازت المناكحة معهم ، وجرت عليهم جميع التكاليف الشرعية والأحكام الإلهية . ولو كان أشبارهم على خلاف أشبارنا يكون الميزان في مساحة الكرّ أشبارنا ، وكذا في الذراع . ومع اختلافهم في عدد الأيدي والأرجل والأصابع معنا تختلف أحكامهم في باب الوضوء والديات والقصاص وغيرها .

(مسألة 5) : يجب في الصلاة هناك استقبال الأرض ، وباستقبالها يحصل استقبال القبلة ، ولمّا كانت في حركتها الدورية : تارة في جانب من الأرض ، واُخرى في جانب آخر منها ، تختلف صلواتهم ؛ فربما تكون صلاة الظهرين إلى المشرق والمغربين إلى المغرب وبالعكس . وأمّا كيفية دفن موتاهم فيمكن أن يقال بوجوب الاستقبال حدوثاً ولو يتبدّل في كلّ يوم . وأمّا تكليف الصيام في القمر أو سائر الكرات فمشكل ، ولا يبعد وجوبه في كلّ سنة شهراً مع الإمكان ، ولو أمكن انطباق شهرها مع شهر رمضان في الأرض يجب على الأحوط . ولو انكسفت الشمس بالأرض أو بغيرها وجبت صلاة الآيات ، وهل في انخساف الأرض أيضاً صلاة ؟ فيه إشكال . والظاهر وجوبها للآيات المخوفة حتّى الزلزلة(1) . والصلوات اليومية في تلك الكرات تابعة للزوال والغروب فيها ، والصوم من طلوع الفجر إلى الغروب مع الإمكان .

(مسألة 6) : لو بلغ الأطفال هناك حدّ الرجال في سنة - مثلاً - فإن بلغوا

ص: 683


1- في (أ) ورد بعد «حتّى الزلزلة» : «والأقرب عدمه» .

بالاحتلام أو إنبات الشعر الخشن على العانة ، فلا إشكال في الحكم بالبلوغ وترتيب آثاره ، وأمّا سقوط اعتبار السنّ فمشكل وإن لا يبعد إن علم أ نّه بحدّ الرجال . ولو لم يبلغوا حدّ الرجال إلاّ بعد ثلاثين سنة ؛ بحيث علم أ نّه طفل غير بالغ حدّ الرجال ، فالظاهر عدم الحكم بالبلوغ . وهكذا لو فرض أنّ الأطفال المصنوعية كذلك في طرفي القلّة والكثرة . وكذا لو أتى زمان أبطأ السير الطبيعي والرشد والبلوغ بجهات طبيعية ، كضعف حرارة الشمس وأشعّتها ، أو أسرع بجهات طبيعية أو صناعية إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة التي ليست الآن محلّ ابتلائنا . ولو أتى زمان انهدم القمر قبل الأرض تحدث مسائل اُخر ، وكذا لو أبطأت حركة الأرض فتغيّر النهار والليل والفصول ، تحدث مسائل في كثير من أبواب الفقه ، ولو صحّ ما قيل من إمكان مخابرة الأجسام تحدث لأجلها أحكام اُخر أيضاً .

ص: 684

فهرس المحتويات

كتاب الرهن··· 5

كتاب الحَجر··· 14

القول : في الصغر··· 14

القول : في السفه··· 17

القول : في الفلس··· 20

القول : في المرض··· 25

كتاب الضمان ··· 28

كتاب الحوالة والكفالة ··· 34

القول : في الكفالة ··· 37

كتاب الوكالة··· 42

كتاب الإقرار ··· 53

كتاب الهِبة··· 61

كتاب الوقف وأخواته··· 67

القول : في الحبس وأخواته··· 94

القول : في الصدقة··· 97

ص: 685

كتاب الوصيّة··· 100

كتاب الأيمان والنذور ··· 119

القول : في اليمين··· 119

القول : في النذر··· 124

القول : في العهد··· 132

كتاب الكفّارات ··· 134

القول : في أقسامها··· 134

القول : في أحكام الكفّارات··· 135

كتاب الصيد والذباحة ··· 144

القول : في الصيد··· 144

القول : في الذباحة··· 155

كتاب الأطعمة والأشربة··· 166

القول : في الحيوان··· 166

القول : في غير الحيوان ··· 174

كتاب الغصب ··· 185

كتاب إحياء الموات والمشتركات··· 210

القول : في إحياء الموات ··· 210

تكملة ··· 223

القول : في المشتركات ··· 225

كتاب اللقطة ··· 238

القول : في لقطة الحيوان··· 238

القول : في لقطة غير الحيوان··· 241

خاتمة ··· 252

ص: 686

كتاب النكاح

فصل : في عقد النكاح وأحكامه ··· 264

فصل : في أولياء العقد ··· 273

فصل : في أسباب التحريم··· 282

القول : في النسب··· 282

القول : في الرضاع··· 285

تنبيه··· 292

القول : في المصاهرة وما يلحق بها··· 297

القول : في النكاح في العدّة وتكميل العدد··· 303

القول : في الكفر··· 305

القول : في النكاح المنقطع··· 310

القول : في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس··· 314

فصل : في المهر··· 319

خاتمة : في الشروط المذكورة في عقد النكاح··· 325

فصل : في القسم والنشوز والشقاق··· 325

القول : في النشوز··· 328

فصل : في أحكام الأولاد والولادة ··· 330

القول : في أحكام الولادة وما يلحق بها··· 333

فصل : في النفقات ··· 337

القول : في نفقة الأقارب ··· 344

ص: 687

كتاب الطلاق

القول : في شروطه ··· 349

القول : في الصيغة ··· 353

القول : في أقسام الطلاق··· 356

القول : في العدد··· 359

فصل : في عدّة الفراق ··· 359

القول : في عدّة الوفاة ··· 363

القول : في عدّة وط ء الشبهة ··· 369

القول : في الرجعة··· 373

كتاب الخلع والمباراة ··· 375

كتاب الظهار ··· 381

كتاب الإيلاء··· 384

كتاب اللعان ··· 386

كتاب المواريث

الأمر الأوّل : في موجبات الإرث ··· 391

الأمر الثاني : في موانع الإرث ··· 391

وهي اُمور :

الأوّل : الكفر بأصنافه··· 392

الثاني : القتل··· 395

الثالث : الرقّ··· 397

الرابع : التولّد من الزنا··· 397

ص: 688

الخامس : اللعان··· 398

الأمر الثالث : في السهام··· 402

تنبيه : التعصيب والعول باطلان ··· 405

المقصد الأوّل : في ميراث الأنساب··· 407

المقصد الثاني : في الميراث بسبب الزوجية··· 425

اللواحق ففيها فصول :

الفصل الأوّل : في ميراث الخُنثى ··· 428

الفصل الثاني : في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم··· 429

الفصل الثالث : في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار··· 431

كتاب القضاء

القول : في صفات القاضي وما يناسب ذلك··· 435

القول : في وظائف القاضي··· 438

القول : في شروط سماع الدعوى··· 439

فصل : في جواب المدّعى عليه ··· 444

القول : في الجواب بالإقرار··· 444

القول : في الجواب بالإنكار··· 447

فروع··· 453

القول : في الشاهد واليمين··· 454

القول : في السكوت ··· 455

القول : في أحكام الحلف ··· 457

القول : في أحكام اليد ··· 460

ص: 689

خاتمة وفيها فصلان :

الفصل الأوّل : في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ ··· 464

الفصل الثاني : في المقاصّة ··· 466

كتاب الشهادات

القول : في صفات الشهود··· 472

القول : فيما به يصير الشاهد شاهداً··· 476

القول : في أقسام الحقوق··· 478

فروع ··· 479

القول : في الشهادة على الشهادة··· 480

القول : في اللواحق··· 482

كتاب الحدود

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في حدّ الزنا··· 487

القول : في الموجب ··· 487

القول : فيما يثبت به··· 491

القول : في الحدّ··· 495

وفيه مقامان :

المقام الأوّل : في أقسامه··· 495

المقام الثاني : في كيفية إيقاعه ··· 498

القول : في اللواحق ··· 500

ص: 690

الفصل الثاني : في اللواط والسحق والقيادة··· 501

الفصل الثالث : في حدّ القذف ··· 505

القول : في الموجب··· 505

القول : في القاذف والمقذوف ··· 507

القول : في الأحكام··· 508

فروع ··· 509

الفصل الرابع : في حدّ المسكر··· 511

القول : في موجبه وكيفيته··· 511

القول : في أحكامه وبعض اللواحق ··· 513

الفصل الخامس : في حدّ السرقة ··· 515

القول : في السارق··· 515

القول : في المسروق··· 518

القول : فيما يثبت به··· 521

القول : في الحدّ··· 522

القول : في اللواحق··· 524

الفصل السادس : في حدّ المحارب··· 526

خاتمة : في سائر العقوبات··· 528

القول : في الارتداد··· 528

القول : في وط ء البهيمة والميّت ··· 530

تتمّة : فيها أحكام أهل الذمّة ··· 531

القول : فيمن تؤخذ منه الجزية ··· 531

ص: 691

القول : في كمّية الجزية··· 533

القول : في شرائط الذمّة··· 536

القول : في أحكام الأبنية··· 539

وتلحق بالمقام فروع :··· 541

كتاب القصاص

وهو إمّا في النفس وإمّا فيما دونها :

القسم الأوّل : في قصاص النفس··· 543

القول : في الموجب··· 543

القول : في الشرائط المعتبرة في القصاص··· 554

القول : فيما يثبت به القود··· 559

وهو اُمور :

الأوّل : الإقرار بالقتل··· 559

الثاني : البيّنة ··· 560

الثالث : القسامة··· 562

والبحث فيها في مقاصد :

المقصد الأوّل : في اللوث··· 562

المقصد الثاني : في كمّية القسامة··· 564

المقصد الثالث : في أحكامها··· 567

القول : في كيفية الاستيفاء··· 569

القسم الثاني : في قصاص ما دون النفس··· 576

وهنا فروع :··· 587

ص: 692

كتاب الديات

القول : في أقسام القتل··· 591

القول : في مقادير الديات··· 592

القول : في موجبات الضمان··· 598

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : في المباشر··· 598

المبحث الثاني : في الأسباب ··· 603

المبحث الثالث : في تزاحم الموجبات··· 608

القول : في الجناية على الأطراف ··· 609

وفيه مقاصد :

المقصد الأوّل : في ديات الأعضاء ··· 609

الأوّل : الشعر ··· 609

الثاني : العينان ··· 611

الثالث : الأنف··· 611

الرابع : الاُذن··· 612

الخامس : الشفتان··· 613

السادس : اللسان ··· 614

السابع : الأسنان··· 615

الثامن : العنق ··· 617

التاسع : اللحيان··· 617

العاشر : اليدان··· 618

ص: 693

الحادي عشر : الأصابع ··· 619

الثاني عشر : الظهر··· 619

الثالث عشر : النخاع··· 620

الرابع عشر : الثديان··· 620

الخامس عشر : الذكر··· 621

السادس عشر : الخصيتان··· 622

السابع عشر : الفرج··· 623

الثامن عشر : الأليان··· 624

التاسع عشر : الرجلان ··· 624

العشرون : الأضلاع··· 625

الواحد والعشرون : الترقوة··· 625

خاتمة وفيها فروع :··· 626

المقصد الثاني : في الجناية على المنافع··· 627

المقصد الثالث : في الشجاج والجراح··· 634

هنا مسائل :··· 635

القول : في اللواحق··· 638

وهي اُمور :

الأوّل : في الجنين··· 638

الثاني : في العاقلة ··· 640

الثالث : في الجناية على الحيوان ··· 644

فروع :··· 645

الرابع : في كفّارة القتل ··· 647

ص: 694

البحث حول المسائل المستحدثة

منها : التأمين··· 648

ومنها : الكمپيالات «سفته»··· 651

ومنها : السرقفلية··· 655

ومنها : أعمال البنوك··· 656

ومنها : بطاقات اليانصيب «بخت آزمائي» ··· 661

فمنها : التلقيح والتوليد الصناعيان ··· 663

ومنها : التشريح والترقيع ··· 665

ومنها : تغيير الجنسية ··· 668

ومنها : الراديو والتلفزيون ونحوهما··· 671

ومنها : مسائل الصلاة والصوم وغيرهما··· 673

خاتمة ··· 681

ص: 695

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.