عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 23 تحرير الوسيلة المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].
مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.
مواصفات المظهر: 413ص.
الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة
ISBN: 9789642123568
حالة القائمة: الفيفا
ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.
عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.
عنوان : الفقه والأحكام
المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)
ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396
تصنيف ديوي : 297/3422
رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059
عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
وه-و عق-د شرّع للاستيثاق على الدين . ويقال للعين : الرهن والمرهون ، ولدافعها : الراهن ، ولآخذها : المرتهن . ويحتاج إلى الإيجاب من الراهن وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة ، كقوله : «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك ، والقبول من المرتهن ، وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب . ولا يعتبر فيه العربية ، بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة .
(مسألة 1) : يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس ، ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما مع المصلحة والغبطة ، والارتهان لهما كذلك .
(مسألة 2) : يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن ؛ بإقباض من الراهن أو بإذن منه ، ولو كان في يده شيء وديعة أو عارية بل ولو غصباً ، فأوقعا عقد الرهن عليه كفى ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلاّ برضا شريكه ، ولكن لو سلّمه إليه ، فالظاهر كفايته في تحقّق القبض الذي هو شرط لصحّته وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه .
ص: 5
(مسألة 3) : إنّما يعتبر القبض في الابتداء ، ولا يعتبر استدامته ، فلو قبضه المرتهن ، ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه ، لم يضرّ ولم يطرأه البطلان . نعم ، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، فلا يجوز انتزاعه منه .
(مسألة 4) : يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه ، فلا يصحّ رهن الدين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه ، وقبضه بقبض مصداقه . ولا رهن المنفعة ، ولا الحرّ ، ولا الخمر والخنزير ، ولا مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، ولا الأرض الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة ، وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين ، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ، ولا الوقف ولو كان خاصّاً .
(مسألة 5) : لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه ، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه .
(مسألة 6) : لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلاًّ . وأمّا رَهنها مع أرضها بعنوان التبعية ففيه إشكال ، بل المنع لا يخلو من قرب . كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلاًّ على الأقوى . نعم ، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال .
(مسألة 7) : لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدين ، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ولو مع نهيه . وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه ، ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع ، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً للمديون ، ولو بيع كان
ص: 6
لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر ، وبقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها ، ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن ، لم يجز له مخالفته ، ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر .
(مسألة 8) : لو كان الرهن على الدين المؤجّل ، وكان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه صريحاً قبل أن يطرأ عليه الفساد ، صحّ الرهن ، ويبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه ، وإن امتنع أجبره الحاكم ، فإن تعذّر باعه الحاكم ، ومع فقده باعه المرتهن . فإذا بيع يجعل ثمنه في الرهن . وكذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة ، كما لو جعل العين بماليتها رهناً ، فيصحّ وتباع ويجعل ثمنها في الرهن . ولو اشترط عدم البيع إلاّ بعد الأجل بطل الرهن ، وكذا لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه ، ولم يستفد الاشتراط بقرينة على الأقرب . ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد ، فعرض ما صيّره عرضة له - كالحنطة لو ابتلّت - لم ينفسخ ، بل يباع ويجعل ثمنه رهناً .
(مسألة 9) : لا إشكال في أ نّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً ، فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين . نعم ، صحّة رهن الكلّي - من غير فرق بين الكلّي في المعيّن ، كصاع من صبرة معلومة وشاة من القطيع المعلوم ، وغيره كصاع من الحنطة - لا تخلو من وجه ، وقبضه في الأوّل : إمّا بقبض الجميع ، أو بقبض ما عيّنه الراهن ، وفي الثاني بقبض مصداقه . فإذا قبضه المرتهن صحّ ولزم . والأحوط عدم إيقاعه على الكلّي . ولا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل ، وأمّا مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين ، فالأحوط ذلك ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من وجه . فإذا رهن ما في الصندوق المقفل وكان ما فيه
ص: 7
مجهولاً حتّى ماليته بطل ، ولو علم ماليته فقط لا يبعد الصحّة ، كما أنّ الظاهر صحّة رهن معلوم الجنس والنوع مع كونه مجهول المقدار .
(مسألة 10) : يشترط فيما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في الذمّة ؛ لتحقّق موجبه : من اقتراض ، أو إسلاف مال ، أو شراء ، أو استئجار عين بالذمّة ، وغير ذلك ، حالاًّ كان الدين أو مؤجّلاً ، فلا يصحّ الرهن على ما يقترض أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد ، فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً ، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه ، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل .
(مسألة 11) : كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة التي في ذمّة المستأجر ، كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر .
(مسألة 12) : الظاهر أ نّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها ، وأمّا عهدة الثمن أو المبيع أو الاُجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقّة للغير ، فالأقوى عدم صحّته عليها .
(مسألة 13) : لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن .
(مسألة 14) : لو رهن على دينه رهناً ، ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن ، جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً ، وكان رهناً عليهما معاً ؛ سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً ، وكذا له أن يجعله على دين ثالث
ص: 8
ورابع إلى ما شاء . وكذا إذا رهن شيئاً على دين ، جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدين ، وكانا جميعاً رهناً عليه .
(مسألة 15) : لو رهن شيئاً عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين ، كان رهناً على الحقّين ، إلاّ إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني .
(مسألة 16) : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ، ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة ، ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً ؛ بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد ، فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين ، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما ، فإن قضي دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه . هذا كلّه في التعدّد ابتداءً . وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أ نّه لا عبرة به ، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدين . كما أ نّه لو مات المرتهن عن ولدين فاُعطي أحدهما نصيبه من الدين ، لم ينفكّ بمقداره من الرهن .
(مسألة 17) : لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ، ولا الثمر في رهن الشجر ، إلاّ إذا كان تعارف يوجب الدخول أو اشترط ذلك ، وكذا لا يدخل ما يتجدّد إلاّ مع الشرط . نعم ، الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان ، وكذا الأوراق والأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر . وأمّا اللبن في الضرع ومغرس الشجر واُسّ الجدار - أعني موضع الأساس من الأرض - ففي دخولها تأمّل وإشكال ، ولا يبعد عدم الدخول ؛ وإن كان الأحوط التصالح والتراضي .
ص: 9
(مسألة 18) : الرهن لازم من جهة الراهن ، وجائز من طرف المرتهن ، فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلاّ أن يسقط حقّه من الارتهان ، أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدين . ولو برئت ذمّته من بعضه فالظاهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي ، إلاّ إذا اشترط التوزيع ، فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه ، ويبقى رهناً على مقدار ما بقي ، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع ، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه .
(مسألة 19) : لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن إلاّ بإذن المرتهن ؛ سواء كان ناقلاً للعين كالبيع ، أو المنفعة كالإجارة ، أو مجرّد الانتفاع به وإن لم يضرّ به ،كالركوب والسكنى ونحوها . نعم ، لا يبعد الجواز فيما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله ، كسقي الأشجار وعلف الدابّة ومداواتها ونحو ذلك . فإن تصرّف فيما لا يجوز بغير الناقل أثم ، ولم يترتّب عليه شيء إلاّ إذا كان بالإتلاف ، فيلزم قيمته وتكون رهناً . وإن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن ، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة ، وبقيت الرهانة على حالها ، بخلافها في البيع ، فإنّه يصحّ بها وتبطل الرهانة ، كما أ نّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن .
(مسألة 20) : لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن ، فلو تصرّف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ، ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي ، ولزمه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة ، ولو كان ببيع ونحوه أو بإجارة ونحوها وقع فضولياً ، فإن أجازه الراهن صحّ ، وكان الثمن والاُجرة المسمّاة له ، وكان الثمن رهناً في البيع ؛ لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلاّ بإذن الآخر ، وبقي العين رهناً في الإجارة ، وإن لم يجز كان فاسداً .
ص: 10
(مسألة 21) : منافع الرهن كالسكنى والركوب ، وكذا نماءاته المنفصلة
كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر ، والمتصلة كالسمن والزيادة في الطول والعرض ، كلّها للراهن ؛ سواء كانت موجودة حال الارتهان أو وجدت بعده ، ولا يتبعه في الرهانة إلاّ نماءاته المتّصلة ، وكذا ما تعارف دخوله فيه بنحو يوجب التقييد .
(مسألة 22) : لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صحّ ، فلو كان الدين مؤجّلاً وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل ، فإن كانت تجفّف ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت وبقيت على الرهن ، وإلاّ بيعت ، وكان الثمن رهناً إذا استفيد من شرط أو قرينة أ نّها رهن بماليتها .
(مسألة 23) : لو كان الدين حالاًّ ، أو حلّ وأراد المرتهن استيفاء حقّه ، فإن كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه ، فله ذلك من دون مراجعة إليه ، وإلاّ ليس له أن يبيعه ، بل يراجعه ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله
فيه ، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع ، فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير ، وإن لم يمكن ذلك ؛ لعدم بسط يده ، استأذن المرتهن منه للبيع . ومع فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه ، باعه المرتهن ، واستوفى حقّه من ثمنه إن ساواه ، أو بعضه إن كان أقلّ ، وإن كان أزيد فهو أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه .
(مسألة 24) : لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه ، وخاف من أ نّه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين ، فأخذ منه الرهن بموجب اعترافه وطولب منه البيّنة على حقّه ، جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم . وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث .
ص: 11
(مسألة 25) : لو وفى بيع بعض الرهن بالدين ، اقتصر عليه على الأحوط لو لم
يكن الأقوى ، وبقي الباقي أمانة عنده ، إلاّ إذا لم يمكن التبعيض ولو من جهة عدم الراغب ، أو كان فيه ضرر على المالك ، فيباع الكلّ .
(مسألة 26) : لو كان الرهن من مستثنيات الدين - كدار سكناه ودابّة ركوبه - جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون ، لكن الأولى الأحوط عدم إخراجه من ظلّ رأسه .
(مسألة 27) : لو كان الراهن مفلّساً ، أو مات وعليه ديون للناس ، كان المرتهن أحقّ من باقي الغرماء باستيفاء حقّه من الرهن ، فإن فضل شيء يوزّع على الباقين بالحصص ، ولو نقص الرهن عن حقّه استوفى ما يمكن منه ، ويضرب بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن .
(مسألة 28) : الرهن أمانة في يد المرتهن ، لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدّ وتفريط . نعم ، لو كان في يده مضموناً ؛ لكونه مغصوباً أو عارية مضمونةً - مثلاً - ثمّ ارتهن عنده ، لم يزل الضمان إلاّ إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده ، فيرتفع الضمان على الأقوى . وكذا لو استفيد الإذن في بقائه في المورد من ارتهانه ، كما لا يبعد مع علم الراهن بالحال . وإذا انفكّ الرهن بسبب الأداء أو الإبراء أو نحو ذلك ، يبقى أمانة مالكية في يده ؛ لا يجب تسليمه إلى المالك إلاّ مع المطالبة .
(مسألة 29) : لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن ، فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهوناً على دين مورّثهم ، وينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة . فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك ، فإن اتّفقوا
ص: 12
على أمين ، وإلاّ سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه ، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين .
(مسألة 30) : لو ظهر للمرتهن أمارات الموت ، يجب عليه الوصيّة بالرهن وتعيين المرهون والراهن والإشهاد كسائر الودائع ، ولو لم يفعل كان مفرّطاً وعليه ضمانه .
(مسألة 31) : لو كان عنده رهن قبل موته ، ثمّ مات ولم يعلم بوجوده في تركته - لا تفصيلاً ولا إجمالاً - ولم يعلم كونه تالفاً بتفريط منه ، لم يحكم به في
ذمّته ولا بكونه موجوداً في تركته ، بل يحكم بكونها لورثته ، بل وكذلك على الأقوى لو علم أ نّه قد كان موجوداً في أمواله الباقية إلى بعد موته ؛ ولم يعلم أ نّه
باقٍ فيها أم لا ، كما إذا كان سابقاً في صندوقه داخلاً في الأموال التي كانت فيه ،
وبقيت إلى زمان موته ، ولم يعلم أ نّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه ، أو باعه واستوفى ثمنه ، أو تلف بغير تفريط منه ، أم لا .
(مسألة 32) : لو اقترض من شخص ديناراً - مثلاً - برهن ، وديناراً آخر منه بلا رهن ، ثمّ دفع إليه ديناراً بنيّة الوفاء ، فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط وانفكّ رهنه ، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفكّ وبقي دينه ، وإن لم يقصد إلاّ أداء دينار من الدينارين ؛ من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره ، فهل يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن فيبقى الرهن ، أو لذي الرهن فينفكّ ، أو يوزّع عليهما فيبقى الرهن أو ينفكّ بمقداره ؟ وجوه ، أوجهها بقاء الرهن إلى الفكّ اليقيني .
ص: 13
وهو في الأصل : بمعنى المنع ، وشرعاً : كون الشخص ممنوعاً في الشرع عن التصرّف في ماله بسبب من الأسباب ، وهي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة ، وهي : الصغر ، والسفه ، والفلس ، ومرض الموت .
(مسألة 1) : الصغير - وهو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ - محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرّفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها إلاّ ما استثني ، كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى ، وكالبيع في الأشياء غير الخطيرة ، كما مرّ وإن كان في كمال التميّز والرشد ، وكان التصرّف في غاية الغبطة والصلاح . بل لا يجدي في الصحّة إذن الوليّ سابقاً ولا إجازته لاحقاً عند المشهور ، وهو الأقوى .
(مسألة 2) : كما أنّ الصبيّ محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته ، فلا يصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة بالسلم والنسيئة وإن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه . وكذلك بالنسبة إلى
ص: 14
نفسه ، فلا ينفذ منه التزويج ، ولا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ عشراً ، وعلى الأحوط فيمن بلغه ، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط . وكذا لا يجوز إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة وغير ذلك . نعم ، لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما يملكها بالنيّة ، بل وكذا يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليّه فيهما .
(مسألة 3) : يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة : الأوّل : نبات الشعر الخشن على العانة ، ولا اعتبار بالزغَب والشعر الضعيف . الثاني : خروج المنيّ ؛ يقظة أو نوماً ، بجماع أو احتلام أو غيرهما . الثالث : السنّ ، وهو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة ، وفي الاُنثى إكمال تسع سنين .
(مسألة 4) : لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبيّ ، بل لا بدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبيّنه .
(مسألة 5) : ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجدّه لأبيه ، ومع فقدهما للقيّم من أحدهما ، وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، ومع فقده للحاكم الشرعي ، وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ فضلاً عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه . نعم ، الظاهر ثبوتها مع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط .
(مسألة 6) : الظاهر أ نّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما ، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه ، عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ، ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما .
ص: 15
(مسألة 7) : الأب والجدّ مستقلاّن في الولاية ، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا اللاحق ، ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ ، أو الأب ، أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما ، وجوه بل أقوال ، فلا يترك الاحتياط .
(مسألة 8) : الظاهر أ نّه لا فرق بين الجدّ القريب والبعيد ، فلو كان له أب وجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ فلكلّ منهم الولاية .
(مسألة 9) : يجوز للوليّ بيع عقار الصبيّ مع الحاجة واقتضاء المصلحة ، فإن كان البائع هو الأب والجدّ جاز للحاكم تسجيله ؛ وإن لم يثبت عنده أ نّه مصلحة . وأمّا غيرهما - كالوصيّ - فلا يسجّله إلاّ بعد ثبوتها عنده على الأحوط ؛ وإن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده .
(مسألة 10) : يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة العامل وأمانته ، فإن دفعه إلى غيره ضمن .
(مسألة 11) : يجوز للوليّ تسليم الصبيّ إلى أمين يعلّمه الصنعة ، أو إلى من يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربية ، وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه ، ويلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه ، فضلاً عمّا يضرّ بعقائده .
(مسألة 12) : يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله ، وأن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم ، فيوزّع المصارف عليهم على الرؤوس في المأكول والمشروب ، وأمّا الكسوة فيحسب على كلّ على حدة . وكذا الحال في اليتامى المتعدّدين ، فيجوز لمن يتولّى الإنفاق عليهم إفراد كلّ ، واختلاطهم في المأكول والمشروب والتوزيع عليهم ، دون الملبوس .
ص: 16
(مسألة 13) : لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة . لكن لا يحلّ على المتصالح باقي المال ، وليس للوليّ إسقاطه بحال .
(مسألة 14) : المجنون كالصغير في جميع ما ذكر . نعم ، لو تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده ، فالأقرب أنّ الولاية عليه للحاكم دون الأب والجدّ ووصيّهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معاً .
(مسألة 15) : ينفق الوليّ على الصبيّ بالاقتصاد ؛ لا بالإسراف ولا بالتقتير ملاحظاً له عادته ونظراءه ، فيطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه .
(مسألة 16) : لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق ، وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيته ، فالقول قول الوليّ مع اليمين ، وعلى الصبيّ البيّنة .
السفيه : هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله ، يصرفه في غير موقعه ، ويتلفه بغير محلّه ، وليست معاملاته مبنيّة على المكايسة والتحفّظ عن المغابنة ، لا يبالي بالانخداع فيها ، يعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم ؛ إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً . وهو محجور عليه شرعاً ؛ لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وعارية وغيرها ؛ من غير توقّف على حجر الحاكم إذا كان سفهه متّصلاً بزمان صغره . وأمّا لو تجدّد بعد البلوغ والرشد فيتوقّف على حجر الحاكم ، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره ، ولو عاد فله أن يحجره .
ص: 17
(مسألة 1) : الولاية على السفيه للأب والجدّ ووصيّهما إذا بلغ سفيهاً ، وفيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي .
(مسألة 2) : كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته ؛ بأن يتعهّد مالاً أو عملاً ، فلا يصحّ اقتراضه وضمانه ، ولا بيعه وشراؤه بالذمّة ولا إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً للمضاربة ونحوها .
(مسألة 3) : معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله ، فلو كان بإذن الوليّ أو إجازته صحّ ونفذ . نعم ، فيما لا يجري فيه الفضولية يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ . ولو أوقع معاملة في حال سفهه ، ثمّ حصل له الرشد فأجازها ، كانت كإجازة الوليّ .
(مسألة 4) : لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته ، لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه . ويقبل إقراره إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص ونحو ذلك . ولو أقرّ بالنسب يقبل في غير لوازمه المالية كالنفقة ، وأمّا فيها فلا يخلو من إشكال ؛ وإن كان الثبوت لا يخلو من قرب . ولو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع ، دون المال .
(مسألة 5) : لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة - مثلاً - جاز ولو كان وكيلاً في أصل المعاملة ؛ لا مجرّد إجراء الصيغة .
(مسألة 6) : لو حلف السفيه أو نذر على فعل شيء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد ، ولو حنث كفّر كسائر ما يوجب الكفّارة ، كقتل الخطأ والإفطار في شهر رمضان . وهل يتعيّن عليه الصوم لو تمكّن منه ، أو يتخيّر بينه وبين الكفّارة المالية كغيره ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل . نعم ، لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره ،
ص: 18
كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة المالية على التعيين ، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها .
(مسألة 7) : لو كان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه ، بخلاف الدية وأرش الجناية .
(مسألة 8) : لو اطّلع الوليّ على بيع أو شراء - مثلاً - من السفيه ولم ير المصلحة في إجازته ، فإن لم يقع إلاّ مجرّد العقد ألغاه ، وإن وقع تسليم وتسلّم للعوضين فما سلّمه إلى الطرف الآخر يستردّه ويحفظه ، وما تسلّمه وكان موجوداً يردّه إلى مالكه ، وإن كان تالفاً ضمنه السفيه ؛ فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه ، وإن كان بإذن منه لم يضمنه إلاّ في صورة الإتلاف منه ، فإنّه لا يبعد فيها الضمان . كما أنّ الأقوى الضمان لو كان المالك الذي سلّمه الثمن أو المبيع جاهلاً بحاله أو بحكم الواقعة ، خصوصاً إذا كان التلف بإتلاف منه . وكذا الحال لو اقترض السفيه وأتلف المال .
(مسألة 9) : لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ، ضمنها على الأقوى ؛ سواء علم المودع بحاله أو لا ، ولو تلفت عنده لم يضمنها إلاّ مع تفريطه في حفظها على الأشبه .
(مسألة 10) : لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده ، وإذا اشتبه حاله يختبر ؛ بأن يفوّض إليه مدّة معتدّاً بها بعض الاُمور ممّا يناسب شأنه ، كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الاُمور ، والرتق والفتق في بعض الاُمور ؛ مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه ومصالح الوليّ ونحو ذلك فيمن يناسبه ذلك . وفي السفيهة يفوّض إليها ما يناسب النساء ؛ من إدارة بعض مصالح
ص: 19
البيت والمعاملة مع النساء ؛ من الإجارة والاستئجار للخياطة أو الغزل أو النساجة وأمثال ذلك ، فإن آنس منه الرشد ؛ بأن رأى منه المداقّة والمكايسة ، والتحفّظ عن المغابنة في معاملاته ، وصيانة المال من التضييع ، وصرفه في موضعه ، وجريه مجرى العقلاء ، دفع إليه ماله ، وإلاّ فلا .
(مسألة 11) : لو احتمل حصول الرشد للصبيّ قبل بلوغه ، يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد ، وإلاّ ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده . وأمّا غيره فإن ادّعى حصول الرشد له واحتمله الوليّ يجب اختباره ، وإن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال ؛ لا يخلو عدمه من قوّة .
المفلّس : من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه .
(مسألة 1) : من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه ، ونفذ أمره فيها بأصنافه ولو بإخراجها جميعاً عن ملكه مجّاناً أو بعوض ؛ ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي . نعم ، لو كان صلحه عنها أو هبتها - مثلاً - لأجل الفرار من أداء الديون ، يشكل الصحّة ، خصوصاً فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه .
(مسألة 2) : لا يجوز الحجر على المفلّس إلاّ بشروط أربعة : الأوّل : أن تكون ديونه ثابتة شرعاً . الثاني : أن تكون أمواله من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس ، ما عدا مستثنيات الدين ، قاصرة عن ديونه . الثالث : أن تكون الديون حالّة ، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة وإن لم يف ماله بها لو
ص: 20
حلّت . ولو كان بعضها حالاًّ وبعضها مؤجّلاً ، فإن قصر ماله عن الحالّة يحجر عليه ، وإلاّ فلا . الرابع : أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم إذا لم يف ماله بدين ذلك البعض إلى الحاكم ، ويلتمسوا منه الحجر عليه ، إلاّ أن يكون الدين لمن كان الحاكم وليّه كالمجنون واليتيم .
(مسألة 3) : بعد ما تمّت الشرائط وحجر عليه الحاكم وحكم به ، تعلّق حقّ الغرماء بأمواله ، ولا يجوز له التصرّف فيها بعوض ؛ كالبيع والإجارة ، وبغيره ؛ كالوقف والهبة ، إلاّ بإذنهم أو إجازتهم . وإنّما يمنع عن التصرّفات الابتدائية ، فلو اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثمّ حجر عليه فالخيار باقٍ ، وله فسخ البيع وإجازته . نعم ، لو كان له حقّ مالي سابقاً على الغير ، ليس له إسقاطه وإبراؤه كلاًّ أو بعضاً .
(مسألة 4) : إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه ، وأمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث ، أو باختياره كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصيّة والهبة ونحو ذلك ، ففي شمول الحجر لها ، بل في نفوذه على فرض شموله إشكال . نعم ، لا إشكال في جواز الحجر عليها أيضاً .
(مسألة 5) : لو أقرّ بعد الحجر بدين صحّ ونفذ ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء على الأقوى ؛ سواء كان الإقرار بدين سابق أو بدين لاحق ، وسواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين ، مثل الإتلاف والجناية ونحوهما ، أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك ، كالاقتراض والشراء بما في الذمّة ونحو ذلك .
(مسألة 6) : لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص ، لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه ، فلو سقط حقّ الغرماء وانفكّ الحجر ، لزمه تسليمها إلى
ص: 21
المقرّ له أخذاً بإقراره . وأمّا نفوذه في حقّ الغرماء ؛ بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ، ففيه إشكال ، والأقوى عدمه .
(مسألة 7) : بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلّس ومنعه عن التصرّف في أمواله ، يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم ؛ مستثنياً منها مستثنيات الدين ، وقد مرّت في كتاب الدين . وكذا أمواله المرهونة عند الديّان ، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء حقّه من الرهن الذي عنده ، ولا يحاصّه فيه سائر الغرماء ، كما مرّ في كتاب الرهن .
(مسألة 8) : إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها وكان ثمنها في ذمّته ، كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله ، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها .
(مسألة 9) : الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور ، فله أن لا يبادر بالفسخ والرجوع بالعين . نعم ، ليس له الإفراط في تأخير الاختيار ؛ بحيث تعطّل أمر التقسيم على الغرماء ، ولو وقع منه ذلك خيّره الحاكم بين الأمرين ، فإن امتنع ضربه مع الغرماء بالثمن .
(مسألة 10) : يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين ، فلا رجوع مع تأجيله . نعم ، لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ الرجوع بها .
(مسألة 11) : لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر .
(مسألة 12) : المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض ، فهل للمؤجر فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء
ص: 22
المنفعة - كلاًّ أو بعضاً - بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ؟ فيه إشكال ، والأحوط التخلّص بالصلح .
(مسألة 13) : لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة ، كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصّة من الدين والضرب بالباقي مع الغرماء ، كما أنّ لهما الضرب بتمام الدين معهم .
(مسألة 14) : لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متّصلة - كالسمن - تتبع الأصل ، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي ، وأمّا الزيادة المنفصلة - كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر - فهي للمشتري والمقترض .
(مسألة 15) : لو تعيّبت العين عند المشتري مثلاً ؛ فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري ، فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يضرب بالثمن مع الغرماء ، وإن كان بفعل الأجنبيّ ، فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن ، وبين أن يأخذ العين معيباً . وحينئذٍ يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن ؛ نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين ، ويحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش ، فإذا كان الثمن عشرة وقيمة العين عشرين وأرش النقصان أربعة - خمس القيمة - فعلى الأوّل يضاربهم في اثنين ، وعلى الثاني في أربعة ، ولو فرض العكس ؛ بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرة وكان الأرش اثنين - خمس العشرة - فالأمر بالعكس ، يضاربهم في أربعة على الأوّل ، وفي اثنين على الثاني . ويحتمل أن يكون له أخذها كما هي ، والضرب بالثمن كالتلف السماوي ، ولو كان التلف بفعل البائع فالظاهر أ نّه كفعل الأجنبيّ ، ويكون ما في
ص: 23
عهدته من ضمان المبيع المعيب جزء أموال المفلس . والمسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالصلح .
(مسألة 16) : لو اشترى أرضاً فأحدث فيها بناءً أو غرساً ثمّ فلّس ، كان للبائع الرجوع إلى أرضه ، لكن البناء والغرس للمشتري ، وليس له حقّ البقاء ولو بالاُجرة ، فإن تراضيا مجّاناً أو بالاُجرة ، وإلاّ فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش ، كما أنّ للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر . والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائه ولو بالاُجرة إذا أراده المشتري ، وأحوط منه الرضا بالبقاء بغير اُجرة .
(مسألة 17) : لو خلط المشتري - مثلاً - ما اشتراه بماله خلطاً رافعاً للتميّز ، فالأقرب بطلان حقّ البائع ، فليس له الرجوع إليه ؛ سواء اختلط بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء خلط بالمساوي أو الأردأ أو الأجود .
(مسألة 18) : لو اشترى غزلاً فنسجه أو دقيقاً فخبزه أو ثوباً فقصره أو صبغه ، لم يبطل حقّ البائع من العين ، على إشكال في الأوّلين .
(مسألة 19) : غريم الميّت كغريم المفلّس ، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه ، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء ، وإلاّ فليس له ذلك ، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه .
(مسألة 20) : يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته ، على ما جرت عليه عادته ، ولو مات قدّم كفنه بل
ص: 24
وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق الغرماء ، ويقتصر على الواجب على الأحوط ، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الكفن .
(مسألة 21) : لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر ، فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس ، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة .
المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح ؛ يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه ، إلاّ إذا أوصى بشيء من ماله بعد موته ، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أ نّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلّقة بماله ، كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك ، وكذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله ، كالأكل والشرب والإنفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه ، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك . وبالجملة : كلّ صرف فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفاً ولا تبذيراً أيّ مقدار كان . وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ؛ ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ، ويكون فيه إضرار بالورثة ، وهي المعبّر عنها بالمنجّزات ؛ وأ نّها هل هي نافذة من الأصل ؛ بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن
ص: 25
زادت على ثلث ماله ، بل وإن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شيء للورثة ، أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإن زادت تتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة ؟ والأقوى هو الأوّل .
(مسألة 1) : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الواجبات المالية ، التي يؤدّيها المريض في مرض موته - كالخمس والزكاة والكفّارات - تخرج من الأصل .
(مسألة 2) : لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ ، فإن كان مأموناً غير متّهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّ به ؛ وإن كان زائداً على ثلث
ماله ، بل وإن استوعبه ، وإلاّ فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه . والمراد بكونه متّهماً وجود أمارات يظنّ معها بكذبه ، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظنّ معها بأ نّه يريد بذلك إضرارهم ، أو كان له حبّ شديد بالنسبة إلى المقرّ له يظنّ معه بأ نّه يريد بذلك نفعه .
(مسألة 3) : لو لم يعلم حال المقرّ ؛ وأ نّه كان متّهماً أو مأموناً ، فالأقوى عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث ؛ وإن كان الأحوط التصالح بين الورثة والمقرّ له .
(مسألة 4) : إنّما يحسب الثلث في الإقرار ونحوه بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال ؛ عيناً أو ديناً أو منفعة أو حقّاً مالياً يبذل بإزائه المال كحقّ التحجير ، وهل تحسب الدية من التركة وتضمّ إليها ، ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع ، أم لا ؟ وجهان بل قولان لا يخلو أوّلهما من رجحان .
ص: 26
(مسألة 5) : ما ذكر من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة ونحوها ، إنّما هو مع عدم إجازة الورثة ، وإلاّ نفذت بلا إشكال ، ولو أجاز بعضهم نفذت بمقدار حصّته ، ولو أجازوا بعضاً من الزائد على الثلث نفذت بمقداره .
(مسألة 6) : لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث . وهل تصحّ منه في حال حياته ؛ بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الردّ بعد ذلك ، أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل ، خصوصاً في الوصيّة . ولو ردّ في حال الحياة يمكن أن تلحقها الإجازة بعد ذلك على الأقوى .
ص: 27
وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر . وهو عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن بكلّ لفظ دالّ عرفاً ولو بقرينة على التعهّد المزبور ، مثل «ضمنت» أو «تعهّدت لك الدين الذي لك على فلان» ونحو ذلك ، وقبول من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك ، ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه .
(مسألة 1) : يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً ، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس .
(مسألة 2) : يشترط في صحّة الضمان اُمور :
منها : التنجيز على الأحوط ، فلو علّق على أمر ؛ كأن يقول : أنا ضامن إن أذن أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً ، بطل .
ومنها : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ؛ سواء كان مستقرّاً ، كالقرض والثمن والمثمن في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري والمهر قبل الدخول ونحو ذلك ، فلو قال : أقرض فلاناً أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، لم يصحّ .
ص: 28
ومنها : تميّز الدين والمضمون له والمضمون عنه ؛ بمعنى عدم الإبهام والترديد ، فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن أو على واحد معيّن . نعم ، لو كان الدين معيّناً في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره ، أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّناً في الواقع ولم يعلم شخصه ، صحّ على الأقوى ، خصوصاً في الأخيرين . فلو قال : ضمنت ما لفلان على فلان ولم يعلم أ نّه درهم أو دينار أو أ نّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ . وكذا لو قال : ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ، ويعلم بأنّ واحداً منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ، ثمّ قبل المطالب ، أو قال : ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ولم يعلم شخصه ، صحّ الضمان على الأقوى .
(مسألة 3) : إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط ، انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وبرئت ذمّته ، فإذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت الذمّتان : إحداهما بالضمان ، والاُخرى بالإبراء . ولو أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغواً .
(مسألة 4) : الضمان لازم من طرف الضامن ، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقاً . وكذا من طرف المضمون له ، إلاّ إذا كان الضامن معسراً وهو جاهل بإعساره ، فله فسخه والرجوع بحقّه على المضمون عنه . والمدار إعساره حال الضمان ، فلو أعسر بعده فلا خيار ، كما أ نّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار .
(مسألة 5) : يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى .
ص: 29
(مسألة 6) : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل مؤجّلاً وحالاًّ ، وكذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله .
(مسألة 7) : لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه ، وإن كان بإذنه فله ذلك ، لكن بعد أداء الدين لا بمجرّد الضمان ، وإنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه ، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه أو أبرأه من بعضه ، لم يرجع بالمقدار الذي سقط عن ذمّته بهما .
(مسألة 8) : لو كان الضمان بإذن المضمون عنه ، فإنّما يرجع عليه بالأداء فيما إذا حلّ أجل الدين الذي كان على المضمون عنه ، وإلاّ فليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجله ، فلو ضمن الدين المؤجّل حالاًّ ، أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ، ليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول الأجل . نعم ، لو أذن له صريحاً بضمانه حالاًّ أو بأقلّ من الأجل ، فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه . وأمّا لو كان بالعكس ؛ بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله ؛ برضا المضمون عنه قبل حلول أجله ، جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ ، وبحلول الأجل فيما ضمن بالأكثر بشرط الأداء . وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل ، فحلّ الدين بموته وأدّاه الورثة من تركته ، كان لهم الرجوع على المضمون عنه .
(مسألة 9) : لو ضمن بالإذن الدين المؤجّل مؤجّلاً ، فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه فأخذ من تركته ، ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه ، ولا يحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن ، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه .
ص: 30
(مسألة 10) : لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته ، وليس له الرجوع عليه .
(مسألة 11) : يجوز الترامي في الضمان ؛ بأن يضمن - مثلاً - زيد عن عمرو ، ثمّ يضمن بكر عن زيد ، ثمّ يضمن خالد عن بكر وهكذا ، فتبرأ ذمّة الجميع ويستقرّ الدين على الضامن الأخير ، فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه ، لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدين الضامن الأخير . وإن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه ، وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي . وإن كان بعضها بالإذن دون بعض ، فإن كان الأخير بدونه كان كالأوّل ؛ لم يرجع واحد منهم على سابقه ، وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه ، وهو على سابقه لو ضمن بالإذن ، وإلاّ لم يرجع وانقطع الرجوع عليه . وبالجملة : كلّ ضامن كان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه .
(مسألة 12) : لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك ؛ بأن يكون على كلّ منهما بعض الدين ، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه ولو بالتفاوت ، ولو اُطلق يقسّط عليهما بالتساوي ، فبالنصف لو كانا اثنين وبالثلث لو كانوا ثلاثة وهكذا ، ولكلّ منهما أداء ما عليه ، وتبرأ ذمّته ، ولا يتوقّف على أداء الآخر ما عليه . وللمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته أو أحدهما أو إبراؤه دون الآخر . ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر ، رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر . والظاهر أ نّه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين ؛ بأن ضمن أحدهما عن نصفه ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر ، أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له . هذا كلّه في ضمان
ص: 31
اثنين عن واحد بالاشتراك . وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك ؛ على ما يقتضي مذهبنا في الضمان ، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك ؟ وجهان ، أقربهما الأوّل .
(مسألة 13) : لو تمّ عقد الضمان على تمام الدين ، فلا يمكن أن يتعقّبه آخر ولو ببعضه ، ولو تمّ على بعضه لا يمكن أن يتعقّبه على التمام أو على ذلك المضمون .
(مسألة 14) : يجوز الضمان بغير جنس الدين ، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلاّ بجنسه .
(مسألة 15) : كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم ، يجوز عن المنافع والأعمال المستقرّة عليها ، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة ، كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل . نعم ، لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه .
(مسألة 16) : لو ادّعى شخص على آخر ديناً فقال ثالث للمدّعي : «عليَّ ما عليه» فرضي ، صحّ الضمان ؛ بمعنى ثبوت الدين في ذمّته على تقدير ثبوته ، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ، ويصير الضامن طرفها ، فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين . وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شيء ؛ لا على المقرّ ولا على الضامن .
(مسألة 17) : الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده .
ص: 32
(مسألة 18) : لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع ؛ لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع ؛ لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده ، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد . والأقوى عدم صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري - من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير وقلعه المالك - للمشتري عن البائع .
(مسألة 19) : لو كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان ؛ شرط الضامن انفكاكه أم لا .
(مسألة 20) : لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه ، فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن ، جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع .
ص: 33
أمّا الحوالة فحقيقتها تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره . وهي متقوّمة بأشخاص ثلاثة : المُحيل وهو المديون ، والمُحتال وهو الدائن ، والمُحال عليه . ويعتبر فيهم : البلوغ والعقل والرشد والاختيار ، وفي المحتال عدم الحجر للفلس ، وكذا في المحيل إلاّ على البريء . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال . وأمّا المحال عليه فليس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله . ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور ، مثل «أحلتك بما في ذمّتي من الدين على فلان» وما يفيد معناه ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك . ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز على الأحوط .
(مسألة 1) : يشترط في صحّة الحوالة - مضافاً إلى ما تقدّم - اُمور :
منها : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، فلا تصحّ في غيره وإن وجد سببه ، كمال الجعالة قبل العمل ، فضلاً عمّا لا يوجد ، كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .
ومنها : تعيين المال المحال به ؛ بمعنى عدم الإبهام والترديد . وأمّا معلومية مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها ، فلو كان مجهولاً
ص: 34
عندهما ومعلوماً معيّناً واقعاً لا بأس به ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة .
ومنها : رضا المحال عليه وقبوله ؛ على الأحوط فيما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، وعلى الأقوى في الحوالة على البريء ، أو بغير جنس ما على المحال عليه .
(مسألة 2) : لا يعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدين للمحيل ، فتصحّ الحوالة على البريء على الأقوى .
(مسألة 3) : لا فرق في المُحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل ، وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك على بريء أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك . وكذا لا فرق بين كونه مثلياً كالحنطة والشعير ، أو قيمياً كالغنم والثوب بعد ما كان موصوفاً بما يرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة - مثلاً - بسبب كالسلم ، جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً .
(مسألة 4) : لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدين المحال به مع الدين الذي على المحال عليه ؛ جنساً ونوعاً ، وأمّا مع الاختلاف ؛ بأن كان عليه لرجل - مثلاً - دراهم وله على آخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو على أنحاء :
فتارة : يحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير ؛ بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير . واُخرى : يحيله عليه بالدراهم ؛ بأن يأخذ منه الدراهم ، ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم . وثالثة : يحيله
ص: 35
عليه بالدراهم ؛ بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها . لا إشكال في صحّة النحو الأوّل ، وكذا الثالث ، ويكون هو كالحوالة على البريء . وأمّا الثاني ففيه إشكال ، فالأحوط - فيما إذا أراد ذلك - أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يحال عليه الدراهم ؛ وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي .
(مسألة 5) : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدين وإن لم يبرئه المحتال ، واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه . هذا حال المحيل مع المحتال والمحتال مع المحال عليه . وأمّا حال المحال عليه مع المحيل ، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل والثاني مع التراضي . وأمّا إن وقعت على النحو الأخير ، أو كانت الحوالة على البريء ، اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله .
(مسألة 6) : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على غنيّ غير مماطل ، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم مع علمه بحاله ، ولو كان جاهلاً فبان إعساره وفقره وقت الحوالة ، فله الفسخ والعود على المحيل ، ولا فسخ مع الفقر الطارئ ، كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ .
(مسألة 7) : الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة ، إلاّ على المحتال مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال ، كما أشرنا إليه . والمراد بالإعسار : أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائداً على مستثنياته . ويجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ منهم .
ص: 36
(مسألة 8) : يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، كما لو أحال المديون زيداً على عمرو ، ثمّ أحاله عمرو على بكر ، وهو على خالد وهكذا ، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه ، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه ، ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه وهكذا .
(مسألة 9) : لو قضى المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه ، فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه ، وإن تبرّع لم يرجع .
(مسألة 10) : لو أحال على بريء وقبل المحال عليه ، هل له الرجوع على المحيل بمجرّده ، أو ليس له إلاّ بعد أداء الدين للمحتال ؟ الأقرب الثاني .
(مسألة 11) : لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري ، أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ، ثمّ تبيّن بطلان البيع ، بطلت الحوالة ، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة ، فإنّه تبقى الحوالة ولم تتبع
البيع فيه .
(مسألة 12) : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال ، وجب عليه دفعه إليه ، ولو لم يدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمّته .
وهي التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له عليها حقّ . وهي عقد واقع بين الكفيل والمكفول له ، وهو صاحب الحقّ . والإيجاب من الأوّل ،
ص: 37
ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ على المقصود ، نحو «كفلتُ لك نفس فلان» أو «أنا كفيل لك بإحضاره» ونحو ذلك ، والقبول من الثاني بما دلّ على الرضا بذلك .
(مسألة 1) : يعتبر في الكفيل : البلوغ والعقل والاختيار والتمكّن من الإحضار . ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل ، فيصحّ الكفالة للصبيّ والمجنون إذا قبلها الوليّ .
(مسألة 2) : لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له ، والأقوى عدم اعتبار رضا المكفول ، وعدم كونه طرفاً للعقد . نعم ، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على المجرّدة منه . والأحوط اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد ؛ بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول .
(مسألة 3) : كلّ من عليه حقّ مالي صحّت الكفالة ببدنه ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال . نعم ، يشترط أن يكون المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل لم تصحّ . وكذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع ؛ بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البيّنة عليه بالحقّ . وكذا تصحّ كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق كعقوبة القصاص ، دون من عليه عقوبة من حقوق اللّه تعالى كالحدّ والتعزير ، فإنّها لا تصحّ .
(مسألة 4) : يصحّ إيقاع الكفالة حالّة لو كان الحقّ ثابتاً على المكفول كذلك ومؤجّلة ، ومع الإطلاق تكون حالّة مع ثبوت الحقّ كذلك ، ولو كانت مؤجّلة يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة ونقصاً .
ص: 38
(مسألة 5) : عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلاّ بالإقالة ، ويجوز جعل الخيار فيه لكلّ من الكفيل والمكفول له مدّة معيّنة .
(مسألة 6) : إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط ، جاز مطالبة المكفول له الكفيلَ بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة مطلقة - على ما مرّ - أو معجّلة ، وبعد الأجل إذا كانت مؤجّلة ، فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل تسليمه إلى المكفول له ، فإن سلّمه له بحيث يتمكّن منه فقد برئ ممّا عليه ، وإن امتنع عن ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم ، فيحبسه حتّى يحضره أو يؤدّي ما عليه في مثل الدين . وأمّا في مثل حقّ القصاص والكفالة عن الزوجة فيلزم بالإحضار ، ويحبس حتّى يحضره ويسلّمه . وإن كان غائباً فإن علم موضعه ويمكن للكفيل إحضاره ، أمهل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى ولم يأت به من غير عذر حبس كما مرّ ، وإن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره ، فمع رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلّف بإحضاره وحبسه لذلك ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه . وأمّا إلزامه بأداء الدين في هذه الصورة فمحلّ تأمّل . نعم ، لو أدّى تخلّصاً من الحبس يطلق ، ومع عدم الرجاء لم يكلّف بإحضاره ، والأقرب إلزامه بأداء الدين ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه ؛ بأن طالبه المكفول له ، وكان متمكّناً منه ، ولم يحضره حتّى هرب . نعم ، لو كان عدم الرجاء للظفر به - بحسب العادة - حال عقد الكفالة يشكل صحّتها ، وأمّا لو عرض ذلك فالظاهر عدم عروض البطلان ، خصوصاً إذا كان بتفريط من الكفيل ، فلا يبعد حينئذٍ إلزامه بالأداء أو حبسه حتّى يتخلّص به ، خصوصاً في هذه الصورة .
(مسألة 7) : لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال ، فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ، ليس له الرجوع عليه بما أدّاه ، وإن أذن له
ص: 39
في الأداء كان له الرجوع ؛ سواء أذن له في الكفالة أيضاً أم لا . وإن أذن له في الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا ؟ لا يبعد أن يفصّل بين ما إذا أمكن له إرجاعه وإحضاره فالثاني ، وما إذا تعذّر فالأوّل .
(مسألة 8) : لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعيّن ، فلا يجب عليه تسليمه في غيره ولو طلب ذلك المكفول له ، كما أ نّه لو سلّمه في غيره لم يجب على المكفول له تسلّمه . ولو أطلق ولم يعيّن مكانه ، فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه ، وإن أوقعاه في برّيّة أو بلد غُربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه فإن كانت قرينة على التعيين فهو ، وإلاّ بطلت الكفالة من أصلها ؛ وإن كان في إطلاقه إشكال .
(مسألة 9) : يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول ؛ حتّى أ نّه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر لم تكن فيها مفسدة أو مضرّة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوبها . ولو كان غائباً واحتاج حمله إلى مؤونة ، فإن كانت الكفالة بإذن المكفول فهي عليه ، ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرّع ، فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها ، وإن لم تكن بإذنه فعلى الكفيل .
(مسألة 10) : تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليمه نفسه تامّاً عن قبل الكفيل . وأمّا حضوره وتسليم نفسه لا عن قبله فالظاهر عدم براءة ذمّته . وكذا لو أخذه المكفول له طوعاً أو كرهاً ؛ بحيث تمكّن من استيفاء حقّه ، أو إحضاره مجلس الحكم . نعم ، لو اُبرئ المكفول عن الحقّ الذي عليه أو الكفيل من الكفالة تبرأ ذمّته .
ص: 40
(مسألة 11) : لو نقل المكفول له الحقّ الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة ، بطلت الكفالة .
(مسألة 12) : لو مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة ، بخلاف ما لو مات المكفول له ، فإنّ حقّه منها ينتقل إلى ورثته .
(مسألة 13) : من خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ضمن إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه . هذا في مثل الدين . وأمّا في مثل حقّ القصاص فيضمن إحضاره ، ومع تعذّره فمحلّ إشكال . ولو خلّى قاتلاً من يد وليّ الدم ضمن إحضاره ، ومع تعذّره بموت ونحوه تؤخذ منه الدية . هذا في القتل العمدي . وأمّا ما يوجب الدية فلا يبعد جريان حكم الدين عليه من ضمان إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه .
(مسألة 14) : يجوز ترامي الكفالات ؛ بأن يكفل الكفيل آخر ، ويكفل هذا آخر وهكذا ، وحيث إنّ الكلّ فروع الكفالة الاُولى ، وكلّ لاحق فرع سابقه ، فلو أبرأ المستحقّ الكفيل الأوّل ، أو أحضر الأوّل المكفول الأوّل ، أو مات أحدهما ، برئوا أجمع ، ولو أبرأ المستحقّ بعض من توسّط برئ هو ومن بعده دون من قبله ، وكذا لو مات برئ من كان فرعاً له .
(مسألة 15) : يكره التعرّض للكفالات ، فعن الصادق علیه السلام : «الكفالة خسارة غرامة ندامة» .
ص: 41
وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته ، أو إرجاع تمشية أمر من الاُمور إليه له حالها . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب بكلّ ما دلّ على هذا المقصود ، كقوله : «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» ونحوها ، بل الظاهر كفاية قوله : «بع داري» قاصداً به التفويض المذكور فيه ، وقبول بكلّ ما دلّ على الرضا به ، بل الظاهر أ نّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب ، بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة ؛ بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك ، بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل ؛ والرضا بما فيها من طرف الوكيل ؛ وإن تأخّر وصولها إليه مدّة ، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها . وبالجملة : يتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها ؛ حتّى أ نّه لو قال الوكيل : «أنا وكيلك في بيع دارك ؟» مستفهماً ، فقال : «نعم» صحّ وتمّ ؛ وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود .
(مسألة 1) : يشترط فيها على الأحوط التنجيز ؛ بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شيء ، كقوله - مثلاً - : إذا قدم زيد ، أو أهلّ هلال الشهر ، وكّلتك في كذا . نعم ، لا بأس بتعليق متعلّقها ، كقوله : أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد ، أو وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا .
ص: 42
(مسألة 2) : يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل ، البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا يصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبيّ والمجنون والمكره . نعم ، لا يشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب ، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط . ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه ، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه ، دون غيره كالطلاق ، وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب ، فلا يصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان محرماً . وفي الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه ، فلا تصحّ وكالة المحرم فيما لا يجوز له ، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح .
(مسألة 3) : لا يشترط في الوكيل الإسلام ، فتصحّ وكالة الكافر بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة عن المسلم والكافر ، إلاّ فيما لا يصحّ وقوعه من الكافر ، كابتياع المصحف لكافر ، وكاستيفاء حقّ من المسلم ، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم .
(مسألة 4) : تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لا حجر عليه .
(مسألة 5) : لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله - كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين - جاز له التوكيل فيما جاز له .
(مسألة 6) : ما كان شرطاً في الموكّل والوكيل ابتداءً شرط فيهما استدامة ، فلو جنّا أو اُغمي عليهما أو حجر على الموكّل فيما وكّل فيه بطلت الوكالة على الأحوط ، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد .
ص: 43
(مسألة 7) : يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغاً في نفسه ، وأن يكون للموكّل سلطنة شرعاً على إيقاعه ، فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة والقمار ونحوها ، ولا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه . ولا تعتبر القدرة عليه خارجاً مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعاً ، فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل فيه من يقدر عليه .
(مسألة 8) : لو لم يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاع أمر ، إلاّ بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل - كتطليق امرأة لم تكن في حبالته ، وتزويج من كانت مزوّجة أو معتدّة ، ونحو ذلك - فلا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعاً لما تمكّن منه ؛ بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه ، بأن يوكّله - مثلاً - في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها أو شراء مال ثمّ بيعه ونحو ذلك . كما أنّ الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلّي يكون هو من مصاديقه ، كما لو وكّله على جميع اُموره ، فيكون وكيلاً في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث بيعاً ورهناً وغيرهما . وأمّا التوكيل استقلالاً في خصوصه من دون التوكيل في المرتّب عليه ، ففيه إشكال ، بل الظاهر عدم الصحّة ؛ من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل - كانقضاء العدّة - أو قابلاً ، فلا يجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها والمزوّجة بعد طلاقها ، وكذا في طلاق زوجة سينكحها ، أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك .
(مسألة 9) : يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير ؛ بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل ، فلو تقبّل عملاً بقيد المباشرة لا يصحّ التوكيل فيه . وأمّا العبادات البدنية - كالصلاة والصيام والحجّ وغيرها - فلا يصحّ فيها التوكيل ؛ وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ ، كالحجّ عن العاجز أو
ص: 44
عن الميّت كالصلاة وغيرها ، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً . نعم ، تصحّ الوكالة في العبادات المالية - كالزكاة والخمس والكفّارات - إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ .
(مسألة 10) : يصحّ التوكيل في جميع العقود ، كالبيع ، والصلح ، والإجارة ، والهبة ، والعارية ، والوديعة ، والمضاربة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والقرض ، والرهن ، والشركة ، والضمان ، والحوالة ، والكفالة ، والوكالة ، والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع ، وكذا في الوصيّة والوقف والطلاق والإبراء ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه . والظاهر صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعية إذا أوقعه على وجه لم يكن صرف التوكيل تمسّكاً بالزوجية حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة . ولا يبعد صحّته في النذر والعهد والظهار . ولا يصحّ في اليمين واللعان والإيلاء والشهادة والإقرار ؛ على إشكال في الأخير .
(مسألة 11) : يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما ، كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين ، والسلم بالنسبة إلى الثمن ، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها .
(مسألة 12) : يجوز التوكيل في الطلاق ، غائباً كان الزوج أم حاضراً ، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها .
(مسألة 13) : تجوز الوكالة في حيازة المباح كالاستقاء والاحتطاب وغيرهما ، فإذا وكّل شخصاً فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً له .
ص: 45
(مسألة 14) : يشترط في الموكّل فيه التعيين ؛ بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : «وكّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ . نعم ، لا بأس بالتعميم والإطلاق كما يأتي .
(مسألة 15) : الوكالة : إمّا خاصّة ، وإمّا عامّة ، وإمّا مطلقة .
فالأولى : ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شيء معيّن ، كما إذا وكّله في شراء بيت معيّن . وهذا ممّا لا إشكال في صحّته .
والثانية : إمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة المتعلّق ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة ، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه ، وإمّا عامّة من الجهتين ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه ، أو في إيقاع جميع ما كان له فيما يتعلّق به بجميع أنواعه ؛ بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته .
وكذا الثالثة : قد تكون مطلقة من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه ، كما لو قال : «أنت وكيلي في أمر داري» ، وكذا لو قال : «أنت وكيلي في بيع داري» ، مقابل المقيّد بثمن معيّن أو شخص معيّن ، وقد يكون بالعكس ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي» أو «في بيع ملكي» ، وقد تكون مطلقة من الجهتين ، كما لو قال : «أنت وكيلي في التصرّف في مالي» . وربما يكون التوكيل بنحو التخيير بين اُمور : إمّا في التصرّف دون المتعلّق ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها» ، وإمّا في المتعلّق فقط ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع هذه الدار ، أو هذه الدابّة ، أو هذه الفرش» مثلاً ، والظاهر صحّة الجميع .
(مسألة 16) : لا بدّ أن يقتصر الوكيل في التصرّف في الموكّل فيه على ما
ص: 46
شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ولو بمعونة قرائن حالية أو مقالية ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر ، كما لو سلّم إليه المبيع ووكّله في بيعه ، أو سلّم إليه الثمن ووكّله في الشراء . وبالجملة : لا بدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له .
(مسألة 17) : لو خالف الوكيل وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة ، فإن كان ممّا يجري فيه الفضولية كالعقود ، توقّفت صحّته على إجازة الموكّل . ولا فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة ، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها ، أو ببعض الخصوصيات ، كما إذا وكّله في بيعها نقداً فباع نسيئة ، أو بخيار فباع بدونه . نعم ، لو علم شموله لفاقد الخصوصية أيضاً صحّ في الظاهر ، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين ، فإنّ الظاهر بل المعلوم من حال الموكّل أنّ تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة . ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في البيع في سوق معيّن بثمن معيّن ، فباعها في غيره بذلك الثمن ، فإنّ الظاهر أنّ مراده تحصيل الثمن . هذا بحسب الظاهر . وأمّا الصحّة الواقعية فتابعة للواقع . ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائي في التحديد لم يجز التعدّي ، ومعه فضولي في الظاهر ، والواقع تابع للواقع .
(مسألة 18) : يجوز للوليّ كالأب والجدّ للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه .
(مسألة 19) : لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه ؛ لا عن نفسه ولا عن الموكّل إلاّ بإذنه ، ومعه يجوز بكلا النحوين ، فإن عيّن أحدهما فهو المتّبع ، ولا يجوز التعدّي عنه ، ولو قال مثلاً : «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فهو
ص: 47
إذن في توكيل الغير عن الموكّل . والظاهر أ نّه كذلك لو قال : «وكّل غيرك» وإن لا يخلو من تأمّل .
(مسألة 20) : لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الأوّل ، فليس له أن يعزله ، ولا ينعزل بانعزاله ، بل لو مات يبقى الثاني على وكالته ، ولو كان وكيلاً عنه كان له عزله ، وكانت وكالته تبعاً لوكالته ، فينعزل بانعزاله أو موته ، ولا يبعد أن يكون للموكّل عزله من دون عزل الوكيل الأوّل .
(مسألة 21) : يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد ، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما ، أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك ، جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر ، وإلاّ لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه ؛ سواء صرّح بالانضمام والاجتماع ، أو أطلق ؛ بأن قال مثلاً : «وكّلتُكما» أو «أنتما وكيلاي» ونحو ذلك ، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته ، وبقيت وكالة الباقي لو وكّل بالانفراد .
(مسألة 22) : الوكالة عقد جائز من الطرفين ، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته ، وكذا للموكّل أن يعزله ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه ، فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل ، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه ولو بإخبار ثقة كان نافذاً .
(مسألة 23) : تبطل الوكالة بموت الوكيل ، وكذا بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته ، وبعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي ، وعلى الأحوط في غيره ، وبإغماء كلّ منهما على الأحوط ، وبتلف ما تعلّقت به
ص: 48
الوكالة ، وبفعل الموكّل - ولو بالتسبيب - ما تعلّقت به ، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها ، أو فعل ما ينافيه ، كما وكّله في بيع شيء ثمّ أوقفه .
(مسألة 24) : يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه ، بل يكره لذوي المروءات من أهل الشرف والمناصب الجليلة أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا كان الطرف بذيء اللسان ، ولا يعتبر رضا صاحبه ، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل .
(مسألة 25) : وكيل المدّعي وظيفته : بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم ، وإقامة البيّنة وتعديلها ، وتحليف المنكر ، وطلب الحكم على الخصم . وبالجملة : كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات . ووكيل المدّعى عليه وظيفته : الإنكار ، والطعن على الشهود ، وإقامة بيّنة الجرح ، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها . وبالجملة : عليه السعي في الدفع ما أمكن .
(مسألة 26) : لو ادّعى منكر الدين - مثلاً - في أثناء مدافعة وكيله عنه الأداء أو الإبراء ، انقلب مدّعياً ، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي ، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه .
(مسألة 27) : لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله ، فلو أقرّ وكيل
المدّعي القبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة أو المصالحة ، أو بأنّ الحقّ مؤجّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل ، وبقيت الخصومة على حالها ؛ سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، وينعزل بذلك وتبطل وكالته ؛ لأ نّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه .
ص: 49
(مسألة 28) : الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه ، إلاّ أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً بالخصوص .
(مسألة 29) : يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الاُمور ، فإن لم يصرّح باستقلال كلّ منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كلّ منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما .
(مسألة 30) : لو وكّل رجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً ، أو في خصومة شخصية ، ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله وأقام الدعوى عليه ، يسمع الحاكم دعواه عليه . وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيّنة عنده عليها . وأمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة ، فإن لم يحضر خصماً عنده ، أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته ، لم يسمع دعواه . ولو صدّقه فيها فالظاهر أ نّه يسمع دعواه ، لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، ولو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها ، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة ، ومع ثبوتها بها تثبت حقّية المدّعى عليه في ماهية الدعوى .
(مسألة 31) : لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل .
(مسألة 32) : لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه
ص: 50
الحقّ ، لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة .
(مسألة 33) : يجوز التوكيل بجعل وبغيره ، وإنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه ، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جعلاً ، فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ ، استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل .
(مسألة 34) : لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء ، لم يكن له مطالبة وارثه إلاّ أن تشملها الوكالة .
(مسألة 35) : لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان - أي موكّله - فأخذها ، صار وكيل زيد في قضاء دينه ، وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ؛ ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر ، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله ، ولو قال : خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان ، فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد ، وليس له الاسترداد .
(مسألة 36) : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده ؛ لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التعدّي ، كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما ، لكن لا تبطل بذلك وكالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه ؛ وإن كان ضامناً له لو تلف قبل
ص: 51
أن يبيعه ، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه ، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع .
(مسألة 37) : لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي ، لم يضمنه الوكيل إلاّ إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف . وكذا الحال لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن .
(مسألة 38) : لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع ، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق وقال : أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة ، أو تشتري لي المتاع الفلاني ، فهل يعمّ نفس الوكيل ، فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه ، أو يشتري له المتاع من نفسه ، أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني .
(مسألة 39) : لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره ، ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل ، ولو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل فالظاهر أنّ القول قول الموكّل ، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجعل . وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه ، والأولياء - حتّى الأب والجدّ - إذا اختلفوا مع المولّى عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه ، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك . نعم ، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم ، أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم ، فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم .
ص: 52
الذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم على المخبر ، أو بما يستتبع حقّاً أو حكماً عليه ، أو بنفي حقّ له أو ما يستتبعه ، كقوله : له أو لك عليّ كذا ، أو عندي أو في ذمّتي كذا ، أو هذا الذي في يدي لفلان ، أو إنّي جنيت على فلان بكذا ، أو سرقت أو زنيت ، ونحو ذلك ممّا يستتبع القصاص أو الحدّ الشرعي ، أو ليس لي على فلان حقّ ، أو أنّ ما أتلفه فلان ليس منّي ، وما أشبه ذلك ؛ بأيّ لغة كان ، بل يصحّ إقرار العربي بالعجمي وبالعكس ، والهندي بالتركي وبالعكس ؛ إذا كان عالماً بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة ، والمعتبر فيه الجزم ؛ بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به ، فلو قال : أظنّ أو أحتمل أنّ لك عليّ كذا ، ليس إقراراً .
(مسألة 1) : يعتبر في صحّة الإقرار بل في حقيقته وأخذ المُقرّ بإقراره كونه دالاًّ على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور ، فإن احتمل إرادة غيره احتمالاً يخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ . وتشخيص ذلك راجع إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلّمات العادية ، فكلّ كلام ولو لخصوصية مقام يفهم منه أهل اللسان أ نّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه ، أو سلب حقّ عن نفسه من
ص: 53
غير ترديد ، كان إقراراً ، وإن لم يفهم منه ذلك من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للترديد والإجمال ، لم يكن إقراراً .
(مسألة 2) : لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً ، أو كونه مقصوداً بالإفادة ، بل يكفي كونه مستفاداً من تصديقه لكلام آخر ، واستفادته من كلامه بنوع من الاستفادة ، كقوله : «نعم» في جواب من قال : «لي عليك كذا» أو «أنت جنيت على فلان» ، وكقوله في جواب من قال : «استقرضت منّي ألفاً» أو «لي عليك ألف» : «رددتُه» أو «أدّيتُه» ، فإنّه إقرار بأصل ثبوت الحقّ عليه ودعوى منه بسقوطه ، ومثل ذلك ما إذا قال - في جواب من قال : «هذه الدار التي تسكنها لي» - : «اشتريتها منك» ، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه . نعم ، قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقياً ، فلم يتحقّق الإقرار ، بل دخل في عنوان الإنكار ، كما إذا قال في جواب من قال : «لي عليك ألف دينار» : «نعم» أو «صدقت» ؛ مع صدور حركات منه دلّت على أ نّه في مقام الاستهزاء والتهكّم وشدّة التعجّب والإنكار .
(مسألة 3) : يشترط في المقرّ به أن يكون أمراً لو كان المقرّ صادقاً في إخباره ، كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه ومطالبته به ؛ بأن يكون مالاً في ذمّته ؛ عيناً أو منفعة أو عملاً أو ملكاً تحت يده أو حقّاً يجوز مطالبته ، كحقّ الشفعة والخيار والقصاص ، وحقّ الاستطراق في درب مثلاً ، وإجراء الماء في نهر ، ونصب الميزاب في ملك ، ووضع الجذوع على حائط ، أو يكون نسباً أوجب نقصاً في الميراث ، أو حرماناً في حقّ المقرّ ، وغير ذلك ، أو كان للمُقرّ به حكم وأثر ، كالإقرار بما يوجب الحدّ .
ص: 54
(مسألة 4) : إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ، ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه ؛ لا بالنسبة إلى غيره ، ولا فيما يكون فيه نفع له ، فإن أقرّ باُبوّة شخص له ولم يصدّقه ولم ينكره ، يمضي إقراره في وجوب النفقة عليه ، لا في نفقته على المقرّ أو في توريثه .
(مسألة 5) : يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ، ويقبل من المقرّ ويلزم ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام ، ويقبل منه ما فسّره به ، ويلزم به لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف واللغة ، وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه ، فلو قال : «لك عندي شيء» اُلزم بالتفسير ، فإن فسّره بأيّ شيء صحّ كونه عنده ، يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً ، كهرّة - مثلاً - أو نعل خلق لا يتموّل . وأمّا لو قال : «لك
عندي مال» لم يقبل منه إلاّ إذا كان ما فسّره من الأموال عرفاً وإن كانت ماليته قليلة جدّاً .
(مسألة 6) : لو قال : «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده ، أو «لك عليّ إمّا وزنة من حنطة أو شعير» ، اُلزم بالتفسير وكشف الإبهام ، فإن عيّن اُلزم به لا بغيره ، فإن لم يصدّقه المقرّ له ؛ وقال : «ليس لي ما عيّنت» ، فإن كان المقرّ به في الذمّة ، سقط حقّه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع ، لا إنشاء الإسقاط لو جوّزناه بمثله ، وإن كان عيناً كان بينهما مسلوباً بحسب الظاهر عن كلّ منهما ، فيبقى إلى أن يتّضح الحال ، ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره . ولو ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره ، فإن صدّقه المقرّ له ؛ وقال :
أنا أيضاً لا أدري ، فالأقوى القرعة وإن كان الأحوط التصالح ، وإن ادّعى المعرفة وعيّن أحدهما ، فإن صدّقه المقرّ فذاك ، وإلاّ فله أن يطالبه بالبيّنة ، ومع عدمها
ص: 55
فله أن يحلّفه ، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً ، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر فيه .
(مسألة 7) : كما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به ، لا يضرّان في المقرّ له ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لأحد هذين» يقبل ويلزم بالتعيين ، فمن عيّنه يقبل ، ويكون هو المقرّ له ، فإن صدّقه الآخر فهو ، وإلاّ تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ . ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه فيه سقط عنه الإلزام بالتعيين ، ولو ادّعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه .
(مسألة 8) : يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ والمجنون والسكران ، وكذا الهازل والساهي والغافل والمكره . نعم ، لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إن تعلّق بما له أن يفعله ، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين .
(مسألة 9) : إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل ، ويقبل فيما عدا المال ، كالطلاق والخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء ، وكذا في كلّ ما أقرّ به وهو يشتمل على مال وغيره ؛ لم يقبل بالنسبة إلى المال ، كالسرقة فيحدّ إن أقرّ بها ، ولا يلزم بأداء المال .
(مسألة 10) : يقبل إقرار المفلّس بالدين سابقاً ولاحقاً ، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء بتفصيل مرّ في كتاب الحجر ، كما مرّ الكلام في إقرار المريض بمرض الموت ، وأ نّه نافذ إلاّ مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث .
(مسألة 11) : لو ادّعى الصبيّ البلوغ فإن ادّعاه بالإنبات اختبر ، ولا يثبت
ص: 56
بمجرّد دعواه ، وكذا إن ادّعاه بالسنّ ، فإنّه يطالب بالبيّنة . وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه ، فثبوته بقوله بلا يمين بل معها محلّ تأمّل وإشكال .
(مسألة 12) : يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهلية الاستحقاق ، فلو أقرّ لدابّة بالدين لغا ، وكذا لو أقرّ لها بملك ، وأمّا لو أقرّ لها باختصاصها بجلّ ونحوه ، كأن يقول : «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» ، أو لهذا مريداً به ذلك ، فالظاهر أ نّه يقبل ويحكم بمالكية مالكها ، كما أ نّه يقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها ؛ بمال خارجي أو دين ؛ حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها ؛ من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها .
(مسألة 13) : لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره ، فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ ، وفرغت ذمّته في الظاهر ، وإن كان عيناً كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر ، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها . هذا بحسب الظاهر . وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ - بينه وبين اللّه تعالى - تفريغ ذمّته من الدين ، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله ، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره ، وإلاّ ففيه تأمّل .
(مسألة 14) : لو أقرّ بشيء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه ، يؤخذ بإقراره ويلغى ما ينافيه ، فلو قال : «له عليّ عشرة ، لا بل تسعة» يلزم بالعشرة . ولو قال : «له عليّ كذا ، وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يلزم بالمال ولا يسمع منه ما
ص: 57
عقّبه . وكذا لو قال : «عندي وديعة وقد هلكت» ، فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله : «عندي» الظاهر في وجودها عنده . نعم ، لو قال : «كانت له عندي وديعة وقد هلكت» فلا تنافي بينهما ، وهو دعوى لا بدّ من فصلها على الموازين الشرعية .
(مسألة 15) : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت ، ونفس المستثنى إن كان من المنفي ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بما عداها ، ولو قال :
«ليس له من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بها . هذا إذا كان الإخبار متعلّقاً بحقّ الغير عليه . وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال : «لي هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن
القبّة ، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يسمع منه ، ولو قال : «ليس لي من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية» كان إقراراً بعدم استحقاق ما عدا القبّة .
(مسألة 16) : لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر ، كما إذا قال : «هذه الدار لزيد» ، ثمّ قال : «لعمرو» ، حكم بكونها للأوّل واُعطيت له ، واُغرم للثاني بقيمتها .
(مسألة 17) : من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب كالبنوّة والاُخوّة ونحوهما ، والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه ؛ من وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك . وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل : وهو أ نّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ ، يثبت به ذلك ؛ إن لم يكذّبه الحسّ والعادة - كالإقرار ببنوّة
ص: 58
من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله - ولا الشرع - كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه - ولم ينازعه فيه منازع ، فينفذ إقراره ، ويترتّب عليه جميع آثاره ، ويتعدّى إلى أنسابهما ، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ ، وولد المقرّ أخاً للمقرّ به ، وأبيه جدّه ، ويقع التوارث بينهما ، وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض . وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ مع الشروط المزبورة . وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد ، فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه ، أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه مع إمكان صدقه عقلاً وشرعاً يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق ، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما ، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق غير مصدّق له ، لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلاّ بالبيّنة .
(مسألة 18) : لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه ، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره .
(مسألة 19) : لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به ، فيأخذ المنكر نصف التركة ، والمقرّ ثلثها بمقتضى إقراره ، والمقرّ به سدسها ، وهو تكملة نصيب المقرّ ، وقد تنقص بسبب إقراره .
(مسألة 20) : لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له ، كان لها الثمن والباقي للولد إن صدّقها الإخوة ، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع ، وللزوجة الثمن ، وباقي حصّتها للولد .
(مسألة 21) : لو مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته ، فمع إمكانه وعدم منازع له يثبت نسبه ، وكان ميراثه له .
ص: 59
(مسألة 22) : لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً ، ولو أقرّ بعضهم وأنكر بعض ، فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت ، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما . وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة ، ويؤخذ منه من الدين الذي أقرّ به - مثلاً - بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلّ من الوارثين خمسين ، فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر ، أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين . وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة ؛ بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء ، وأنكر الآخر ، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره .
ص: 60
وهي تمليك عين مجّاناً ومن غير عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها . وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة ، والأمر سهل . وقد يعبّر عنها : بالعطيّة والنحلة . وهي عقد يفتقر إلى إيجاب بكلّ لفظ دلّ على المقصود ، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك ، وقبول بما دلّ على الرضا . ولا يعتبر فيه العربية . والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها .
(مسألة 1) : يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار . نعم ، يصحّ قبول الوليّ عن المولّى عليه الموهوب له . وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر . وفي الواهب كونه مالكاً لها ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، وعدم الحجر عليه بسفه أو فلس . وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث .
(مسألة 2) : يشترط في الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع . وأمّا الدين فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال . ويعتبر فيها القبول على الأقوى ، وأفادت فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب
ص: 61
عليها السقوط ، وهو إسقاط لما في الذمّة ، وإن كانت لغير من عليه الحقّ فالأقوى صحّتها أيضاً . ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه .
(مسألة 3) : يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد . ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط . نعم ، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض . وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له - كالأب والجدّ للولد الصغير - وقد وهبه ما في يده صحّ ، وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة . ولو وهبه غير الوليّ فلا بدّ من القبض ، ويتولاّه الوليّ .
(مسألة 4) : القبض في الهبة كالقبض في البيع ، وهو في غير المنقول - كالدار والبستان - التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات ؛ بحيث يصير تحت استيلائه ، وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد ، أو ما هو بمنزلته كوضعه في حجره مثلاً .
(مسألة 5) : يجوز هبة المشاع ؛ لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور .
(مسألة 6) : لا تعتبر الفورية في القبض ، ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه ، فالنماء السابق على القبض للواهب .
(مسألة 7) : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد ، وانتقل
ص: 62
الموهوب إلى ورثته ، ولا يقومون مقامه في الإقباض ، وكذا لو مات الموهوب له بطل ، ولا يقوم ورثته مقامه في القبض .
(مسألة 8) : إذا تمّت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم - أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم - لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبيّ كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً ؛ بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً ، فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبيّ ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً ؛ من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره ؛ بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى اللّه تعالى .
(مسألة 9) : يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها ، دون غير المغيّر ، كالثوب يلبسه والفراش يفرشه والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها . ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز ، ومن الثاني قصارة الثوب .
(مسألة 10) : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً .
(مسألة 11) : الهبة : إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، فالمراد بالاُولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض .
ص: 63
(مسألة 12) : لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض ؛ سواء كانت من الأدنى للأعلى ، أو العكس ، أو من المساوي للمساوي ؛ وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه . ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه .
(مسألة 13) : لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض ؛ بأن يهبه شيئاً مكافأةً وثواباً لهبته ، ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب ، يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى على الواهب ، وإلاّ فله الرجوع فيها .
(مسألة 14) : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب على فرض عدم ردّ أصل الهبة بذل ما عيّن . ولو أطلق ؛ بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، فإن اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمة ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .
(مسألة 15) : الظاهر أ نّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض ، أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ؛ بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ؛ بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ، ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاع عمل له ، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه .
ص: 64
(مسألة 16) : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له ، وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض - كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع - كان من مال المتّهب ، ولا يرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن ، فإنّه يرجع إليه . ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ؛ لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل لا يخلو من قوّة ، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز معها الرجوع . نعم ، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام سيّما اُجرة المثل لو غصبهما غاصب ليست منه ، فتكون بعد الرجوع للمتّهب .
(مسألة 17) : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب ، لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة ، وليس لورثته الرجوع . وكذلك لو مات الموهوب له ، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً .
(مسألة 18) : لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة - بأن كانت لذي رحم ، أو معوّضة ، أو قصد بها القربة ، أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها - يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز المتّهب صحّ ، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب ، وكان رجوعاً في الهبة . هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته . وإلاّ ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .
(مسألة 19) : الرجوع : إمّا بالقول ، كأن يقول : «رجعت» وما يفيد معناه ، وإمّا بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب ، ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع .
ص: 65
(مسألة 20) : لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير اطّلاعه صحّ .
(مسألة 21) : يستحبّ العطيّة للأرحام الذين أمر اللّه تعالى أكيداً بصلتهم ، ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن مولانا الباقر علیه السلام ، قال : «في كتاب علي علیه السلام : ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ : البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها ، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لَيذرانِ الديار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم ، وإنّ نقل الرحم انقطاع النسل» .
وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر اللّه تعالى ببرّهما ، فعن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وقال : أوصني . قال : لا تشرك باللّه شيئاً وإن اُحرقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنّ بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان» . وأولى من الكلّ الاُمّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب ، فعن الصادق علیه السلام : «جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال : يا رسول اللّه من أبرّ ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ إلى من ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ من ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ من ؟ قال : أباك» . والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها .
(مسألة 22) : يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة على كراهية ، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد ، كما أ نّه ربما يرجح فيما إذا يؤمن من الفساد ، ويكون لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته .
ص: 66
وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة . وفيه فضل كثير وثواب جزيل ، ففي الصحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ليس يتبع الرجلَ بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسُنّة هدىً سَنّها فهي يعمل بها بعد موته ، وولد صالح يدعو له» ، وبمضمونه روايات .
(مسألة 1) : يعتبر في الوقف الصيغة ، وهي كلّ ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور ، مثل «وقفتُ» و«حبستُ» و«سبّلتُ» ، بل و«تصدّقتُ» إذا اقترن به ما يدلّ على إرادته ، كقوله : «صدقة مؤبّدة ، لا تُباع ولا تُوهب» ونحو ذلك ، وكذا مثل «جعلتُ أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبّلة على كذا» . ولا يعتبر فيه العربية ولا الماضوية ، بل يكفي الجملة الاسمية ، مثل : «هذا وقف» أو «هذه محبسة أو مسبّلة» .
(مسألة 2) : لا بدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجدية ، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين وعبادة المسلمين صحّ ، لكن لم يصر به مسجداً ما لم يكن المقصود عنوانه ، والظاهر كفاية قوله : «جعلته مسجداً» وإن لم يذكر ما
ص: 67
يدلّ على وقفه وحبسه ، والأحوط أن يقول : «وقفته مسجداً» أو « . . . على أن يكون مسجداً» .
(مسألة 3) : الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد ، والمقابر ، والطرق والشوارع ، والقناطر ، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين ، والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها أو ثمرها ، بل ومثل البواري للمساجد ، والقناديل للمشاهد ، وأشباه ذلك . وبالجملة : ما كان محبساً على مصلحة عامّة ، فلو بنى بناءً بعنوان المسجدية ، وأذن في الصلاة فيه للعموم ، وصلّى فيه بعض الناس ، كفى في وقفه وصيرورته مسجداً . وكذا لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين ، وخلّى بينها وبينهم وأذن إذناً عامّاً للدفن فيها ، فدفنوا فيها بعض الأموات ، أو بنى قنطرة وخلّى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها وهكذا .
(مسألة 4) : ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء بقصد المسجدية ؛ بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجداً ، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . وأمّا إذا كان له بناء مملوك - كدار أو خان - فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه يشكل الاكتفاء به . وكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة .
(مسألة 5) : لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف . وفي جريان الفضولية فيه خلاف وإشكال لا يبعد جريانها فيه ، لكن الأحوط خلافه .
(مسألة 6) : الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها . وكذا الوقف على العناوين الكلّية ، كالوقف
ص: 68
على الفقراء والفقهاء ونحوهما . وأمّا الوقف الخاصّ - كالوقف على الذرّية - فالأحوط اعتباره فيه ، فيقبله الموقوف عليهم ، ويكفي قبول الموجودين ، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده ، وإن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم . لكن الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً ، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً ، والقائم به الحاكم أو
المنصوب من قبله .
(مسألة 7) : الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ ؛ وإن كان الأحوط اعتباره مطلقاً .
(مسألة 8) : يشترط في صحّة الوقف القبض ، ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف ، ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ولو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه ، ولو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره . وأمّا الوقف على الجهات العامّة والمصالح كالمساجد وما وقف عليها ، فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم ، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل ، ومع عدم القيّم تعيّن الحاكم . وكذا الحال في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء والطلبة ، وهل يكفي قبض بعض أفراد ذلك العنوان ؛ بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلاً ؟ لعلّ الأقوى ذلك فيما إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها ، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار والحجّاج للركوب إلى زائر وحاجّ فركبها . نعم ، لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين ، فإذا
ص: 69
وقف بستاناً على الفقراء ، لا يكفي في القبض إعطاء شيء من ثمرته لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده ، بل لا يكفي ذلك في الإعطاء لوليّ العامّ أو الخاصّ أيضاً .
(مسألة 9) : لو وقف مسجداً أو مقبرة ، كفى في القبض صلاة واحدة فيه أو دفن ميّت واحد فيها بإذن الواقف ، وبعنوان التسليم والقبض .
(مسألة 10) : لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده - وكذا كلّ وليّ إذا وقف على المولّى عليه ما كان تحت يده - لم يحتج إلى قبض حادث جديد ، لكن الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه ، بل لا يخلو من وجه .
(مسألة 11) : لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف ؛ بعنوان الوديعة أو العارية - مثلاً - لم يحتج إلى قبض جديد ؛ بأن يستردّها ثمّ يقبضها . نعم ، لا بدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف . والأحوط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفية .
(مسألة 12) : فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي - كالوقف على الجهات العامّة - لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ، ويكفي ما هو حاصل ، والأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أ نّه متولّي الوقف .
(مسألة 13) : لا يُشترط في القبض الفورية ، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى ، وتمّ الوقف من حين القبض .
(مسألة 14) : لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً .
(مسألة 15) : يشترط في الوقف الدوام ؛ بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال :
ص: 70
«وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً ، وفي صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان . نعم ، لو قصد به الحبس صحّ .
(مسألة 16) : لو وقف على من ينقرض - كما إذا وقف على أولاده - واقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً ، ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم ، ففي صحّته وقفاً أو حبساً أو بطلانه رأساً أقوال ، والأقوى هو الأوّل ، فيصحّ الوقف المنقطع الآخر ؛ بأن يكون وقفاً حقيقة إلى زمان الانقراض والانقطاع ، وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته ، بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع .
(مسألة 17) : الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف ، وأمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل . بخلاف الحبس ، فإنّه باقٍ معه على ملك الحابس ويورّث ، ويجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلاّ التصرّفات الناقلة ، فإنّها لا تجوز ، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً ، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع .
(مسألة 18) : لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل . وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه .
(مسألة 19) : من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد
ص: 71
وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبيَع مثلاً ، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه دون غيره .
(مسألة 20) : الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي ، فالأحوط بطلانه ، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة ، ولا يترك هذا الاحتياط . وإن كان بحكم الشرع ؛ بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ ، وكذا في المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في الأوّل والآخر ، فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني .
(مسألة 21) : لو وقف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى ، ومرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه ، ويدخل في منقطع الآخر ، وإذا مات الواقف فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً ، وإلاّ بقي على وقفيته .
(مسألة 22) : يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط ، فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول - كمجيء زيد - أو على غير حاصل يقيني الحصول فيما بعد ، كما إذا قال : «وقفت إذا جاء رأس الشهر» ، بطل على الأحوط . نعم ، لا بأس بالتعليق على شيء حاصل سواء علم بحصوله أم لا ، كما إذا قال : «وقفتُ إن كان اليوم جمعة» وكان كذلك .
(مسألة 23) : لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أ نّه وصيّة بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل .
ص: 72
(مسألة 24) : من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه ، فلو وقف على نفسه لم يصحّ ، ولو وقف على نفسه وغيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره ، وإن كان بنحو الترتيب فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل ، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر ، وإن كان على غيره ثمّ نفسه ثمّ غيره فمنقطع الوسط ، وقد مرّ حكم الصور .
(مسألة 25) : لو وقف على غيره - كأولاده أو الفقراء مثلاً - وشرط أن يقضي ديونه ، أو يؤدّي ما عليه من الحقوق المالية ، كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف ، لم يصحّ ، وبطل الوقف من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن ، وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه . هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه . وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم ؛ بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته ، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف . ثمّ إنّ في صورة بطلان الشرط تختلف الصور ، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ ، كما لو شرّك نفسه مع غيره ، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل ، فيصحّ على الظاهر فيما بعده ، لكن الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه .
(مسألة 26) : لو شرط أكل أضيافه ومن يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز ، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممّن يجب نفقته عليه حتّى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتّى تسقط عنه ، وإلاّ رجع إلى الوقف على النفس .
ص: 73
(مسألة 27) : لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف ، وبقيت الإجارة على حالها ، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة ، فإن انفسخت بالفسخ أو الإقالة بعد تمامية الوقف ، رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر ، دون الموقوف عليهم .
(مسألة 28) : لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدّة لنزول المسافرين ونحوها . وأمّا الوقف على العناوين العامّة - كفقراء المحلّ مثلاً - إذا كان الواقف داخلاً في العنوان حين الوقف ، أو صار داخلاً فيه فيما بعد ، فإن كان المراد التوزيع عليهم ، فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع ، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ، ويقصد خروجه عنه ، ومن ذلك ما لو وقف شيئاً على ذرّية أبيه أو جدّه إن كان المقصود البسط والتوزيع ، كما هو الشائع المتعارف فيه . وإن كان المراد بيان المصرف - كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوّار والحجّاج ونحوهم - فلا إشكال في خروجه وعدم جواز الانتفاع به إذا قصد خروجه . وأمّا لو قصد الإطلاق والعموم بحيث يشمل نفسه فالأقوى جواز الانتفاع ، والأحوط خلافه ، بل يكفي في جوازه عدم قصد الخروج ، وهو أولى به ممّن قصد الدخول .
(مسألة 29) : يعتبر في الواقف : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا يصحّ وقف الصبيّ وإن بلغ عشراً على الأقوى . نعم ، حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغه - كما يأتي - فإن أوصى به صحّ وقف الوصيّ عنه .
(مسألة 30) : لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً ، فيصحّ وقف الكافر
ص: 74
فيما يصحّ من المسلم على الأقوى ، وفيما يصحّ منه على مذهبه إقراراً له على مذهبه .
(مسألة 31) : يعتبر في الموقوف : أن يكون عيناً مملوكة ، يصحّ الانتفاع به منفعة محلّلة ، مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به ، غير متعلّق لحقّ الغير المانع من التصرّف ، ويمكن قبضه . فلا يصحّ وقف المنافع ، ولا الديون ، ولا ما لا يملك مطلقاً كالحرّ ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير ، ولا ما لا انتفاع به إلاّ بإتلافه كالأطعمة والفواكه ، ولا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرّم كآلات اللهو والقمار ، ويلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة ، كما إذا وقف الدابّة لحمل الخمر ، أو الدكّان لحرزها أو بيعها ، وكذا لا يصحّ وقف ريحانة للشمّ على الأصحّ ؛ لعدم الاعتداد ببقائها ، ولا العين المرهونة ، ولا ما لا يمكن قبضه كالدابّة الشاردة . ويصحّ وقف كلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بالشرائط ، كالأراضي ، والدور ، والعقار ، والثياب ، والسلاح ، والآلات المباحة ، والأشجار ، والمصاحف ، والكتب ، والحلي ، وصنوف الحيوان ؛ حتّى الكلب المملوك والسنّور ونحوها .
(مسألة 32) : لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا يُنتفع بها فعلاً ، بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع ، ولو بعد مدّة ، فيصحّ وقف الدابّة الصغيرة والاُصول المغروسة التي لا تثمر إلاّ بعد سنين .
(مسألة 33) : المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية والإجارة ، فتشمل النماءات والثمرات ، فيصحّ وقف الأشجار لثمرها والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها .
ص: 75
(مسألة 34) : ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين : الوقف الخاصّ ، وهو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص ، كالوقف على أولاده وذرّيته أو على زيد وذرّيته ، والوقف العامّ ، وهو ما كان على جهة ومصلحة عامّة ، كالمساجد والقناطر والخانات ، أو على عنوان عامّ كالفقراء والأيتام ونحوهما .
(مسألة 35) : يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف ، فلا يصحّ الوقف ابتداءً على المعدوم ، ومن سيوجد بعدُ ، وكذا الحمل قبل أن يولد . والمراد بكونه ابتداءً : أن يكون هو الطبقة الاُولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة ، فلو وقف على المعدوم أو الحمل تبعاً للموجود ؛ بأن يجعل طبقة ثانية ، أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث شاركه عند وجوده ، صحّ بلا إشكال ، كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب ، بل لا يلزم أن يكون في كلّ زمان وجود الموقوف عليه وولادته ، فلو وقف على ولده الموجود وعلى ولد ولده بعده ، ومات الولد قبل ولادة ولده ، فالظاهر صحّته ، ويكون الموقوف عليه بعد موته الحمل ، فما لا يصحّ الوقف عليه هو المعدوم أو الحمل ابتداءً بنحو الاستقلال لا التبعية .
(مسألة 36) : لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجود مصداقه في كلّ زمان ، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلاً في بعض الأزمان ، فلو وقف بُستاناً - مثلاً - على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير فيه ، لكن سيوجد صحّ الوقف ، ولم يكن من منقطع الأوّل ، كما أ نّه مع فقده بعد وجوده لم يكن منقطع الوسط ، بل هو باقٍ على وقفيته ، فيحفظ غَلّته إلى أن يوجد .
ص: 76
(مسألة 37) : يشترط في الموقوف عليه التعيين ، فلو وقف على أحد الشخصين أو أحد المسجدين لم يصحّ .
(مسألة 38) : الظاهر صحّة الوقف على الذمّي والمرتدّ لا عن فطرة ؛ سيّما إذا كان رحماً . وأمّا الكافر الحربي والمرتدّ عن فطرة فمحلّ تأمّل .
(مسألة 39) : لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة وما فيه إعانة على المعصية ، كمعونة الزنا وقطع الطريق وكتابة كتب الضلال ، وكالوقف على البيع والكنائس وبيوت النيران ؛ لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومعلّقاتها وغيرها . نعم ، يصحّ وقف الكافر عليها .
(مسألة 40) : لو وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين ، بل الظاهر أ نّه لو كان الواقف شيعياً انصرف إلى فقراء الشيعة ، ولو وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته ، فاليهود إلى اليهود ، والنصارى إلى النصارى وهكذا ، بل الظاهر أ نّه لو كان الواقف مخالفاً انصرف إلى فقراء أهل السنّة . نعم ، الظاهر أ نّه لا يختصّ بمن يوافقه في المذهب ، فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي ، والشافعي إلى الشافعي وهكذا .
(مسألة 41) : لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة معدودة - كما لو وقف على فقراء محلّة أو قرية صغيرة - توزّع منافع الوقف على الجميع ، وإن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب ، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة ، فتوزّع على جماعة معتدّ بها بحسب مقدار المنفعة .
(مسألة 42) : لو وقف على فقراء قبيلة - كبني فلان - وكانوا متفرّقين لم يقتصر
ص: 77
على الحاضرين ، بل يجب تتبّع الغائبين وحفظ حصّتهم للإيصال إليهم ، ولو صعب إحصاؤهم يجب الاستقصاء بمقدار الإمكان وعدم الحرج على الأحوط . نعم ، لو كان عدد فقراء القبيلة غير محصور - كبني هاشم - جاز الاقتصار على الحاضرين . كما أنّ الوقف لو كان على الجهة جاز اختصاص الحاضرين به ، ولا يجب الاستقصاء .
(مسألة 43) : لو وقف على المسلمين ، كان لمن أقرّ بالشهادتين ؛ إذا كان الواقف ممّن يرى أنّ غير أهل مذهبه أيضاً من المسلمين . ولو وقف الإمامي على المؤمنين اختصّ بالاثني عشرية ، وكذا لو وقف على الشيعة .
(مسألة 44) : لو وقف في سبيل اللّه يصرف في كلّ ما يكون وصلة إلى الثواب ، وكذلك لو وقف في وجوه البرّ .
(مسألة 45) : لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف ، ولو وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبياً على كيفية طبقات الإرث .
(مسألة 46) : لو وقف على أولاده اشترك الذكر والاُنثى والخُنثى ، ويقسّم بينهم على السواء ، ولو وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين والبنات ؛ ذكورهم وإناثهم بالسويّة .
(مسألة 47) : لو قال : «وقفت على ذرّيتي» عمّ البنين والبنات وأولادهم بلا واسطة ومعها ذكوراً وإناثاً ، وتشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة ، ويكون على الرؤوس بالسويّة ، وكذا لو قال : «وقفتُ على أولادي وأولاد أولادي» ، فإنّ الظاهر منهما التعميم لجميع الطبقات أيضاً . نعم ، لو قال : «وقفت على أولادي ، ثمّ على الفقراء» أو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي ، ثمّ على الفقراء»
ص: 78
فلا يبعد أن يختصّ بالبطن الأوّل في الأوّل ، وبالبطنين في الثاني ، خصوصاً في الصورة الاُولى .
(مسألة 48) : لو قال : «وقفت على أولادي نسلاً بعد نسل وبطناً بعد بطن» ، فالظاهر المتبادر منه عرفاً أ نّه وقف ترتيب ، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمّه .
(مسألة 49) : لو علم من الخارج وقفية شيء على الذرّية ، ولم يعلم أ نّه وقف تشريك أو ترتيب ، فالظاهر فيما عدا قسمة الطبقة الاُولى الرجوع إلى القُرعة .
(مسألة 50) : لو قال : «وقفت على أولادي الذكور نسلاً بعد نسل» يختصّ بالذكور من الذكور في جميع الطبقات ، ولا يشمل الذكور من الإناث .
(مسألة 51) : لو كان الوقف ترتيبياً كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف : فتارة : جعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ، ويراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف ، فلا يشارك الولد أباه ، ولا ابن الأخ عمّه وعمّته ، ولا ابن الاُخت خاله وخالته . واُخرى : جعل الترتيب بين خصوص الآباء من كلّ طبقة وأبنائهم ، فإذا كانت إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شيء ما دام حياة الآباء ، فإذا توفّي الآباء شارك الأولاد أعمامهم . وله أن يجعل الترتيب على أيّ نحو شاء ، ويتّبع .
(مسألة 52) : لو قال : «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة ، وإذا مات أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده» فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه له ، ولو تعدّد الولد يقسّم نصيبه بينهم على الرؤوس ، وإذا مات من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته ، ولا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده .
ص: 79
(مسألة 53) : لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة ، فلا يشمل غيرهم كعلماء الطبّ والنجوم والحكمة .
(مسألة 54) : لو وقف على أهل مشهدٍ - كالنجف مثلاً - اختصّ بالمتوطّنين والمجاورين ، ولا يشمل الزوّار والمتردّدين .
(مسألة 55) : لو وقف على المشتغلين في النجف - مثلاً - من أهل بلد كطهران أو غيره ، اختصّ بمن هاجر من بلده إليه للاشتغال ، ولا يشمل من جعله وطناً له معرضاً عن بلده .
(مسألة 56) : لو وقف على مسجد ، فمع الإطلاق صرفت منافعه في تعميره وضوئه وفرشه وخادمه ، ولو زاد شيء يُعطى لإمامه .
(مسألة 57) : لو وقف على مشهد يصرف في تعميره وضوئه وخدّامه المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلّقة به .
(مسألة 58) : لو وقف على سيّد الشهداء علیه السلام يُصرف في إقامة تعزيته ؛ من اُجرة القارئ وما يُتعارف صرفه في المجلس للمستمعين وغيرهم .
(مسألة 59) : لا إشكال في أ نّه بعد تمامية الوقف ، ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه ؛ بإخراج بعض من كان داخلاً أو إدخال من كان خارجاً ؛ إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف . وهل يصحّ ذلك إذا شرطه ؟ لا يبعد عدم الجواز مطلقاً ؛ لا إدخالاً ولا إخراجاً ، فلو شرط ذلك بطل شرطه ، بل الوقف على إشكال ، ومثل ذلك لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد . نعم ، لو وقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد ، وبعد ذلك كان الوقف على من سيوجد ، صحّ بلا إشكال .
ص: 80
(مسألة 60) : لو علم وقفية شيء ولم يعلم مصرفه - ولو من جهة نسيانه - فإن كانت المحتملات متصادقة غير متباينة يُصرف في المتيقّن ، كما إذا لم يدرِ أ نّه وقف على الفقراء أو الفقهاء ، فيقتصر على مورد تصادق العنوانين . وإن كانت متباينة ، فإن كان الاحتمال بين اُمور محصورة ، كما إذا لم يدر أ نّه وقف على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني ، أو فقراء هذا البلد أو ذاك ، يقرع ويعمل بها . وإن كان بين اُمور غير محصورة ، فإن كان بين عناوين وأشخاص غير محصورة ، كما علم أ نّه وقف على ذرّية أحد أفراد المملكة الفلانية ، ولا طريق إلى معرفته ، كانت منافعه بحكم مجهول المالك ، فيتصدّق بها بإذن الحاكم على الأحوط ، والأولى أن لا يخرج التصدّق عن المحتملات مع كونها مورداً له . وإن كان مردّداً بين الجهات غير المحصورة ، كما إذا علم أ نّه وقف على جهة من الجهات ؛ ولم يعلم أ نّها مسجد أو مشهد أو قنطرة أو تعزية سيّد الشهداء علیه السلام أو إعانة الزوّار وهكذا ، تصرف المنافع في وجوه البرّ بشرط عدم الخروج عن مورد المحتملات .
(مسألة 61) : لو كان للعين الموقوفة منافع متجدّدة وثمرات متنوّعة ، يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف ، ففي الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدّدة ولبنها ونتاجها وغيرها ، وفي الشجر والنخل ثمرهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة ، بل وغيرها ممّا قطعت للإصلاح ، وكذا فروخهما وغير ذلك . وهل يجوز في الوقف التخصيص ببعض المنافع ؛ حتّى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض ؟ الأقوى ذلك .
(مسألة 62) : لو وقف على مصلحة فبطل رسمها ، كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت ولم يمكن تعميرها ، أو لم تحتج إلى مصرف ؛ لانقطاع من يصلّي في المسجد والطلبة والمارّة ، ولم يرج العود ، صرف الوقف في وجوه
ص: 81
البرّ ، والأحوط صرفه في مصلحة اُخرى من جنس تلك المصلحة ، ومع التعذّر يراعى الأقرب فالأقرب منها .
(مسألة 63) : إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجدية ، فتجري عليها أحكامها إلاّ في بعض الفروض . وكذا لو خربت القرية التي هو فيها بقي المسجد على صفة المسجدية .
(مسألة 64) : لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم ، فإن أطلق فهو وقف منفعة ، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً ونحوها يملكون منافعها ، فلهم استنماؤها ، فيقسّمون بينهم ما حصل منها - بإجارة وغيرها - على حسب ما قرّره الواقف من الكمّية والكيفية ، وإن لم يقرّر كيفية في القسمة يقسّمونه بينهم بالسويّة . وإن وقفها عليهم لسكناهم فهو وقف انتفاع ، ويتعيّن لهم ذلك ، وليس لهم إجارتها . وحينئذٍ إن كفت لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها ، وليس لبعضهم أن يستقلّ به ويمنع غيره . وإن وقع بينهم تشاحّ في اختيار الحجر ، فإن جعل الواقف متولّياً يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن ، كان نظره وتعيينه هو المتّبع ، ومع عدمه كانت القرعة هي المرجع . ولو سكن بعضهم ولم يسكنها بعض ، فليس له مطالبة الساكن باُجرة حصّته إن لم يكن مانعاً عنه ، بل هو لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي . وإن لم تكف لسكنى الجميع فإن تسالموا على المهاياة أو غيرها فهو ، وإلاّ كان المتّبع نظر المتولّي من قبل الواقف لتعيين الساكن ، ومع فقده فالمرجع القرعة ، فمن خرج اسمه يسكن ، وليس لمن لم يسكن مطالبته باُجرة حصّته .
(مسألة 65) : الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون
ص: 82
للموقوف عليهم ، بل هو باق على ملك الواقف ، وكذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل . نعم ، في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال ، فلا يترك الاحتياط .
(مسألة 66) : لو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي» شمل جميع البطون كما مرّ ، فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو الذكورة أو الاُنوثة أو غير ذلك ، يكون هو المتّبع ، ولو أطلق فمقتضاه التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل . ولو قال : «وقفت على أولادي ، ثمّ على أولاد أولادي» ، أفاد الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد قطعاً ، وأمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب ، فيشترك أولاد الأولاد مع أولادهم ، إلاّ إذا قامت القرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد ؛ وأنّ ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد من باب المثال ، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد ؛ وأنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف .
(مسألة 67) : لا ينبغي الإشكال في أنّ الوقف بعد تماميته ، يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة إلاّ في منقطع الآخر الذي مرّ التأمّل في بعض أقسامه . كما لا ينبغي الريب في أنّ الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمشاهد والقناطر والخانات والمقابر والمدارس ، وكذا أوقاف المساجد والمشاهد وأشباه ذلك ، لا يملكها أحد ، بل هو فكّ الملك وتسبيل المنافع على جهات معيّنة . وأمّا الوقف الخاصّ كالوقف على الأولاد ، والوقف العامّ على العناوين العامّة كالفقراء والعلماء ونحوهما ، فهل يكون كالوقف على الجهات العامّة لا يملك الرقبة أحد ؛ سواء كان وقف منفعة ؛ بأن وقف ليكون منافع الوقف لهم ، فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك ، أو وقف انتفاع كما إذا وقف الدار لسكنى
ص: 83
ذرّيته أو الخان لسكنى الفقراء ، أو يملك الموقوف عليهم رقبته ملكاً غير طلق مطلقاً ، أو تفصيل بين وقف المنفعة ووقف الانتفاع ، فالثاني كالوقف على الجهات العامّة دون الأوّل ، أو بين الوقف الخاصّ فيملك الموقوف عليه ملكاً غير طلق ، والوقف العامّ فكالوقف على الجهات ؟ وجوه . لا يبعد أن يكون اعتبار الوقف - في جميع أقسامه - إيقاف العين لدرّ المنفعة على الموقوف عليه ، فلا تصير العين ملكاً لهم ، وتخرج عن ملك الواقف إلاّ في بعض صور المنقطع الآخر ، كما مرّ .
(مسألة 68) : لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو إلى عنوان آخر ، كجعل الدار خاناً أو دكّاناً أو بالعكس . نعم ، لو كان الوقف وقف منفعة ، وصار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في الغاية ، لا يبعد جواز تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة ، كما إذا صار البستان من جهة انقطاع الماء عنه أو لعارض آخر لم ينتفع به ، بخلاف ما إذا جعل داراً أو خاناً .
(مسألة 69) : لو خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه ، كالبستان انقلعت أو يبست أشجاره ، والدار تهدّمت حيطانها وعفت آثارها ، فإن أمكن تعميره وإعادة عنوانه ولو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة ونحوها لزم ، وتعيّن على الأحوط ، وإلاّ ففي خروج العرصة عن الوقفية وعدمه ، فيُستنمى منها بوجه آخر - ولو بزرع ونحوه - وجهان بل قولان ، أقواهما الثاني . والأحوط أن تجعل وقفاً ويجعل مصرفه وكيفياته على حسب الوقف الأوّل .
(مسألة 70) : إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم وإصلاح لبقائها والاستنماء منها ، فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها فهو ، وإلاّ يصرف فيها من
ص: 84
نمائها على الأحوط مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم ، والأحوط لهم الرضا بذلك ، ولو توقّف بقاؤها على بيع بعضها جاز .
(مسألة 71) : الأوقاف على الجهات العامّة التي مرّ أ نّها لا يملكها أحد كالمساجد والمشاهد والمدارس والمقابر والقناطر ونحوها ، لا يجوز بيعها بلا إشكال في مثل الأوّلين ، وعلى الأحوط في غيره وإن آل إلى ما آل ؛ حتّى عند خرابها واندراسها بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلاً ، بل تبقى على حالها ، هذا بالنسبة إلى أعيانها . وأمّا ما يتعلّق بها من الآلات والفَرش وثياب الضرائح وأشباه ذلك ، فما دام يمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها لا يجوز بيعها ، وإن أمكن الانتفاع بها في المحلّ الذي اُعدّت له بغير ذلك الانتفاع الذي اُعدّت له ، بقيت على حالها أيضاً ، فالفرش المتعلّقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الافتراش بها في ذلك المحلّ ، بقيت على حالها فيه ، ولو فُرض استغناؤه عن الافتراش بالمرّة ، لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحرّ أو البرد - مثلاً - تجعل ستراً لذلك المحلّ ، ولو فرض استغناء المحلّ عنها بالمرّة ؛ بحيث لا يترتّب على إمساكها وإبقائها فيه إلاّ الضياع والضرر والتلف ، تجعل في محلّ آخر مماثل له ؛ بأن تجعل ما للمسجد لمسجد آخر ، وما للمشهد لمشهد آخر ، فإن لم يكن المماثل ، أو استغنى عنها بالمرّة ، جعلت في المصالح العامّة . هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها . وأمّا لو فرض أ نّه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ ببيعها - وكانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت وتلفت - بيعت ، وصرف ثمنها في ذلك المحلّ إن احتاج إليه ، وإلاّ ففي المماثل ، ثمّ المصالح حسب ما مرّ .
(مسألة 72) : كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف ، الظاهر أ نّه لا يجوز إجارتها ،
ص: 85
ولو غصبها غاصب واستوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها - كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن - فلا يبعد أن تكون عليه اُجرة المثل في مثل المدارس والخانات والحمّامات ، دون المساجد والمشاهد والمقابر والقناطر ونحوها . ولو أتلف أعيانها متلف فالظاهر ضمانه ، فيؤخذ منه القيمة ، وتصرف في بدل التالف ومثله .
(مسألة 73) : الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد ، والأوقاف العامّة التي كانت على العناوين العامّة كالفقراء ، لا يجوز بيعها ونقلها بأحد النواقل إلاّ لعروض بعض العوارض وطروّ بعض الطوارئ ، وهي اُمور :
الأوّل : ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الاُولى ، ولا الانتفاع بها إلاّ ببيعها والانتفاع بثمنها ، كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق ،
فتباع ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم ، والأحوط لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة .
الثاني : أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به ؛ بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى أمثال العين الموقوفة ، بشرط أن لا يرجى العود كما مرّ ، كما إذا انهدمت الدار واندرس البستان ، فصار عرصة لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بمقدار جزئي جدّاً يكون بحكم العدم بالنسبة إليهما ، لكن لو بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار أو بستان آخر أو ملك آخر ؛ تساوي منفعته منفعة الدار أو البستان ، أو تقرب منها ، أو تكون مُعتدّاً بها . ولو فرض أ نّه على تقدير بيعها لا يشترى بثمنها إلاّ ما يكون منفعتها كمنفعتها باقيةً على حالها أو قريب منها لم يجز بيعها ، وتبقى على حالها .
الثالث : ما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر ، مثل قلّة
ص: 86
المنفعة ، أو كثرة الخراج أو المخارج ، أو وقوع الخلاف بين أربابه ، أو حصول ضرورة أو حاجة لهم ، أو غير ذلك ، فلا مانع من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى .
الرابع : ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد ؛ لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا ينحسم ذلك إلاّ ببيعه ، فيباع ويقسّم ثمنه بينهم . نعم ، لو فُرض أ نّه يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى ، أو تبديل العين الموقوفة بالاُخرى ، تعيّن ذلك ، فتشترى بالثمن عين اُخرى أو يبدّل بآخر ، فيجعل وقفاً ويبقى لسائر البطون ، والمتولّي للبيع في الصور المذكورة وللتبديل ولشراء عين اُخرى ، هو الحاكم أو المنصوب من قبله إن لم يكن متولّ منصوب من قبل الواقف .
(مسألة 74) : لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة - سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاً - على العناوين أو على الجهات والمصالح العامّة ، كالدكاكين والمزارع الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو الجهات العامّة ؛ حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها إلى الموقوف عليهم ، بخلاف ما كان وقف انتفاع ، كالدار الموقوفة على سُكنى الذرّية وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارّة ، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال .
(مسألة 75) : لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه ، واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه ، فالأحوط تعميره منها ، وصرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة ، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف
ص: 87
الثمن في التعمير المحتاج إليه . وأمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد . نعم ، لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير ولو للتوفير .
(مسألة 76) : لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق ؛ فيما إذا كانت العين المشتركة بينهما ، فيتصدّاه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم . بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف والموقوف عليه ، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين ، فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده . بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف ، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد والنصف الآخر على مشهد . ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف ؛ مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة أيضاً . ولو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم إلاّ بالقسمة جازت ، لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، ولعلّها ترجع إلى قسمة المنافع ، والظاهر جوازها مطلقاً . وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، فالأقوى عدم جوازها مطلقاً .
(مسألة 77) : لو آجر الوقف البطن الأوّل ، وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة ، بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة إلاّ أن يجيز البطن اللاحق ، فتصحّ على الأقوى . ولو آجره المتولّي فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف ، صحّت ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم ، دون أصل الوقف ، ولا تحتاج إلى إجازتهم .
(مسألة 78) : يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه ؛ دائماً أو إلى
ص: 88
مدّة ، مستقلاًّ ومشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص ، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص ، بل يجوز جعل التولية لشخص ، ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده ، وهكذا يقرّر أنّ كلّ متولّ يعيّن المتولّي بعده .
(مسألة 79) : إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره ؛ حين إيقاع الوقف وفي ضمن عقده ، وأمّا بعد تماميته فهو أجنبيّ عن الوقف ، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً ، إلاّ إذا اشترط في ضمن عقده لنفسه ذلك ؛ بأن جعل التولية لشخص وشرط أ نّه متى أراد أن يعزله عزله .
(مسألة 80) : لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه ، والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً . نعم ، يعتبر فيه الأمانة والكفاية ، فلا يجوز جعلها - خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة - لمن كان خائناً غير موثوق به ، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف ، ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتّى المميّز إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرة ، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً ، فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز ، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقّع برؤه ، ويقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق .
(مسألة 81) : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ؛ سواء كان حاضراً في مجلس العقد ، أو غائباً بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف ، ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم ، لم يجب القبول على من بعده ، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولّ منصوب . ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه
ص: 89
كالوكيل أم لا ؟ قولان ، لا يترك الاحتياط بعدم العزل ، ومعه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه .
(مسألة 82) : لو جعل التولية لاثنين ، فإن جعل لكلّ منهما مستقلاًّ استقلّ ، ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر ، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال ، فحينئذٍ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية ، يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى .
(مسألة 83) : لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع ، ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف ؛ من تعمير الوقف ، وإجارته وتحصيل اُجرته ، وقسمتها على أربابه ، وأداء خراجه ، ونحو ذلك ؛ كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح . وليس لأحد مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم . ويجوز أن يجعل الواقف تولية بعض الاُمور لشخص وبعضها لآخر ، فجعل أمر التعمير وتحصيل المنافع - مثلاً - لأحد ، وأمر حفظها وقسمتها على أربابها لآخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده وحفظه وللآخر التصرّفات . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولّ منصوب ، فيجري عليه حكمه الآتي .
(مسألة 84) : لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن ، وكان ذلك اُجرة عمله ؛ ليس له أزيد منه وإن كان أقلّ من اُجرة مثله ، ولو لم يعيّن شيئاً فالأقرب أنّ له اُجرة المثل .
ص: 90
(مسألة 85) : ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره حتّى مع عجزه عن التصدّي إلاّ إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً . نعم ، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه وظيفته ؛ إن لم يشترط عليه المباشرة .
(مسألة 86) : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي ، فإن أحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق ، فهو مستقلّ في تصرّفاته ؛ ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها ، وإنّما اللازم عليه اطّلاعه ، وإن كان المقصود إعمال نظره وتصويبه لم يجز له التصرّف إلاّ بإذنه وتصويبه ، ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين .
(مسألة 87) : لو لم يعيّن الواقف متولّياً أصلاً ، ففي الأوقاف العامّة يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متولّياً على الأقوى . وكذا في الخاصّة فيما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون ؛ من تعميره وحفظ الاُصول وإجارته للبطون اللاحقة . وأمّا بالنسبة إلى تنميته وإصلاحاته الجزئية المتوقّف عليها حصول النماء الفعلي - كتنقية أنهاره وكريه وحرثه وجمع حاصله وتقسيمه وأمثال ذلك - فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين .
(مسألة 88) : في الأوقاف التي توليتها للحاكم ومنصوبه مع فقدهما وعدم الوصول إليهما توليتها لعدول المؤمنين .
(مسألة 89) : لا فرق فيما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً ، وبين ما إذا عيّن ولم يكن أهلاً لها أو خرج عن الأهلية ، فإذا جعل للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل أو كان ففسق ، كان كأن لم ينصب متولّياً .
(مسألة 90) : لو جعل التولية لعدلين من أولاده - مثلاً - ولم يكن فيهم إلاّ
ص: 91
عدل واحد ، ضمّ الحاكم إليه عدلاً آخر ، وأمّا لو لم يكن فيهم عدل أصلاً ، فهل اللازم عليه نصب عدلين ، أو يكفي نصب واحد أمين ؟ أحوطهما الأوّل ، وأقواهما الثاني .
(مسألة 91) : لو احتاج الوقف إلى التعمير ولم يكن ما يصرف فيه ، يجوز للمتولّي أن يقترض له قاصداً أداء ما في ذمّته بعد ذلك ممّا يرجع إليه ، كمنافعه أو منافع موقوفاته ، فيقترض متولّي البستان - مثلاً - لتعميره بقصد أن يؤدّي دينه من عائداته ، ومتولّي المسجد أو المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد أن يؤدّيه من عائدات موقوفاتها ، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء ممّا ذكر . ولو اقترض له وصرفه لا بقصد الأداء منه ، أو صرف ماله لا بقصد الاستيفاء منه ، لم يكن له ذلك بعده .
(مسألة 92) : تثبت الوقفية : بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، وبإقرار ذي اليد أو ورثته بعد موته ، وبكونه في تصرّف الوقف ؛ بأن يعامل المتصرّفون فيه معاملة الوقف بلا معارض ، وبالبيّنة الشرعية .
(مسألة 93) : لو أقرّ بالوقف ، ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة ، يسمع منه ، لكن يحتاج إلى الإثبات لو نازعه منازع صالح ، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض ، ثمّ ادّعى أ نّه لم يكن قاصداً ، فإنّه لا يسمع منه أصلاً ، كما هو الحال في
جميع العقود والإيقاعات .
(مسألة 94) : كما أنّ عمل المتصرّفين معاملة الوقفية ، دليل على أصل الوقفية ما لم يثبت خلافها ، كذلك كيفية عملهم من الترتيب والتشريك والمصرف وغير ذلك دليل على كيفيته ، فيتّبع ما لم يعلم خلافها .
ص: 92
(مسألة 95) : لو كان ملك بيد شخص يتصرّف فيه بعنوان الملكية ، لكن علم أ نّه قد كان في السابق وقفاً ، لم ينتزع من يده بمجرّد ذلك ما لم يثبت وقفيته فعلاً . وكذا لو ادّعى أحد أ نّه قد وقف على آبائه نسلاً بعد نسل ؛ وأثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفاً فعلاً . نعم ، لو أقرّ ذو اليد في مقابل دعوى خصمه : بأ نّه كان وقفاً إلاّ أ نّه قد حصل مسوّغ البيع وقد اشتراه ، سقط حكم يده وينتزع منه ، ويلزم بإثبات وجود المسوّغ ووقوع الشراء .
(مسألة 96) : لو كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص وهو يدّعي ملكيته ، وكان مكتوباً عليه أ نّه وقف ، لم يُحكم بوقفيته بمجرّده ، فيجوز الشراء منه . نعم ، الظاهر أنّ وجود مثل ذلك عيب ونقص في العين ، فلو خفي على المشتري حال البيع كان له الخيار .
(مسألة 97) : لو ظهر في تركة الميّت ورقة بخطّه : أنّ ملكه الفلاني وقف ؛ وأ نّه وقع القبض والإقباض ، لم يحكم بوقفيته بمجرّده ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان به ؛ لاحتمال أ نّه كتب ليجعله وقفاً كما يتّفق ذلك كثيراً .
(مسألة 98) : إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية - كالأنعام الثلاثة - لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصّة كلّ منهم النصاب . وأمّا لو كانت نماؤها منها - كالعنب والتمر - ففي الوقف الخاصّ ، وجبت الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب من الموقوف عليهم ؛ لأ نّها ملك طلق لهم ، بخلاف الوقف العامّ حتّى مثل الوقف على الفقراء ؛ لعدم كونه ملكاً لواحد منهم إلاّ بعد قبضه . نعم ، لو اُعطي الفقير - مثلاً - حصّة من الحاصل على الشجر قبل وقت تعلّق الزكاة - بتفصيل مرّ في كتاب الزكاة - وجبت عليه لو بلغت النصاب .
ص: 93
(مسألة 99) : الوقف المتداول بين بعض الطوائف يعمدون إلى نعجة أو بقرة ، ويتكلّمون بألفاظ متعارفة بينهم ، ويكون المقصود أن تبقى وتذبح أولادها الذكور وتبقي الإناث وهكذا الظاهر بطلانه ؛ لعدم تحقّق شرائط صحّته .
خاتمة تشتمل على أمرين : أحدهما في الحبس وما يلحق به ، ثانيهما في الصدقة .
(مسألة 1) : يجوز للشخص أن يحبس ملكه على كلّ ما يصحّ الوقف عليه ؛ بأن تصرف منافعه فيما عيّنه على ما عيّنه ، فلو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات - مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة - فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ، ولا يعود إلى ملك المالك ولا يورّث ، وإن كان إلى مدّة لا رجوع إلى انقضائها ، وبعده يرجع إلى المالك أو وارثه . ولو حبسه على شخص فإن عيّن مدّة أو مدّة حياته لزم الحبس في تلك المدّة ، ولو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي ، وإن أطلق ولم يعيّن وقتاً لزم ما دام حياة الحابس ، فإن مات كان ميراثاً . وهكذا الحال لو حبس على عنوان عامّ كالفقراء ، فإن حدّده بوقت لزم إلى انقضائه ، وإن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس .
(مسألة 2) : لو جعل لأحد سكنى داره - مثلاً - بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه ، يقال له : السكنى ؛ سواء أطلق ولم يعيّن مدّة ، كأن يقول : «أسكنتك داري» ، أو «لك سكناها» ، أو قدّره بعمر أحدهما ، كما إذا قال :
ص: 94
«لك سُكنى داري مدّة حياتك ، أو مدّة حياتي» ، أو قدّره بالزمان كسنة وسنتين مثلاً . نعم ، لكلّ من الأخيرين اسم يختصّ به ، وهو «العمرى» في أوّلهما و«الرقبى» في الثاني .
(مسألة 3) : يحتاج كلّ من الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك وقبول من الساكن ، فالإيجاب : كلّ ما أفاد التسليط المزبور عرفاً ، كأن يقول في السكنى : «أسكنتك هذه الدار» أو «لك سكناها» وما أفاد معناهما بأيّ لغة كان ، وفي العمرى بإضافة مدّة حياتي أو حياتك ، وفي الرقبى بإضافة سنة أو سنتين مثلاً ، وللعمرى والرقبى لفظان آخران ، فللاُولى : «أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري ، أو ما بقيتَ أو بقيتُ ، أو ما عشتَ أو عشتُ» ونحوها ، وللثانية : «أرقبتك مدّة كذا» ، والقبول : كلّ ما دلّ على الرضا بالإيجاب .
(مسألة 4) : يشترط في كلّ من الثلاثة قبض الساكن ، وهل هو شرط الصحّة أو اللزوم ؟ وجهان ، لا يبعد أوّلهما ، فلو لم يقبض حتّى مات المالك بطلت كالوقف على الأظهر .
(مسألة 5) : هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها ، وليس للمالك الرجوع وإخراج الساكن ، ففي السكنى المطلقة حيث إنّ الساكن استحقّ مسمّى الإسكان - ولو يوماً - لزم العقد في هذا المقدار ، وليس للمالك منعه عنه ، وله الرجوع في الزائد متى شاء ، وفي العمرى والرقبى لزم بمقدار التقدير ، وليس له إخراجه قبل انقضائه .
(مسألة 6) : لو جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه ، وجاز بيعها ، ولم تبطل العقود الثلاثة ، بل يستحقّ الساكن السكنى على
ص: 95
النحو الذي جعلت له ، وكذا ليس للمشتري إبطالها ، ولو كان جاهلاً فله الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن . نعم ، في السكنى المطلقة بعد مقدار المسمّى ، يبطل العقد وينفسخ إذا اُريد بالبيع فسخه وتسليط المشتري على المنافع ، فحينئذٍ ليس للمشتري الخيار .
(مسألة 7) : لو جعلت المدّة في العمرى طول حياة المالك ، ومات الساكن قبله ، كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك ، ولو جعلت طول حياة الساكن ومات المالك قبله ، ليس لورثته إخراج الساكن طول حياته ، ولو مات الساكن ليس لورثته السكنى ، إلاّ إذا جعل له السكنى مدّة حياته ولعقبه بعد وفاته ، فلهم ذلك ، فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته .
(مسألة 8) : هل مقتضى العقود الثلاثة تمليك سُكنى الدار ، فيرجع إلى تمليك المنفعة الخاصّة ، فله استيفاؤها مع الإطلاق بأيّ نحو شاء ؛ من نفسه وغيره مطلقاً ولو أجنبيّاً ، وله إجارتها وإعارتها ، وتورث لو كانت المدّة عمر المالك ومات الساكن دون المالك . أو مقتضاها الالتزام بسكونة الساكن على أن يكون له الانتفاع والسكنى ؛ من غير أن تنتقل إليه المنافع ، ولازمه عند الإطلاق جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه ، كأهله وأولاده وخادمه وخادمته ومرضعة ولده وضيوفه ، بل وكذا دوابّه إن كان الموضع معدّاً لمثلها ، ولا يجوز أن يسكن غيرهم إلاّ أن يشترط ذلك ، أو رضي المالك ، ولا يجوز أن يؤجر المسكن ويعيره ، ويورث هذا الحقّ بموت الساكن . أو مقتضاها نحو إباحة لازمة ، ولازمه كالاحتمال الثاني إلاّ في التوريث ، فإنّ لازمه عدمه ؟ ولعلّ الأوّل أقرب ، خصوصاً في مثل «لك سكنى الدار» ، وكذا في العمرى والرقبى . ومع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال .
ص: 96
(مسألة 9) : كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره من العقار والحيوان والأثاث وغيرها . والظاهر أنّ الرقبى بحكم العمرى ، فتصحّ فيما يصحّ الوقف . وأمّا السكنى فتختصّ بالمساكن .
قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحثّ عليها ، خصوصاً في أوقات مخصوصة ، كالجمعة وعرفة وشهر رمضان ، وعلى طوائف مخصوصة ، كالجيران والأرحام حتّى ورد في الخبر : «لا صدقة وذو رحم محتاج» ، وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرقة والغرق والهدم والجنون ، وعدّ سبعين باباً من السوء» ، وقد ورد : «أنّ الافتتاح بها في اليوم يدفع نحس يومه ، وفي الليلة يدفع نحسها» ، و«أنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ ، وتمحو الذنب العظيم ، وتهوّن الحساب ، وصدقة النهار تثمر المال ، وتزيد في العمر» ، و«ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد» . وعن علي بن الحسين عليهماالسلام : «كان يقبّل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّها تقع في يد اللّه قبل أن تقع في يد السائل» ، ونحوه عن غيره علیه السلام . وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير ، فتصدّقوا ولو بشقّ التمرة ، واتّقوا النار ولو بشقّ التمرة ، فإنّ اللّه يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله ؛ حتّى يوفيه إيّاها يوم القيامة ، وحتّى يكون أعظم من الجبل العظيم» إلى غير ذلك .
(مسألة 1) : يعتبر في الصدقة قصد القربة ، ولا يعتبر فيها العقد المشتمل على
ص: 97
الإيجاب والقبول على الأقوى ، بل يكفي المعاطاة ، فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل - من إعطاء أو تسليط - قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة ، ويشترط فيها الإقباض والقبض .
(مسألة 2) : لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبيّ على الأصحّ .
(مسألة 3) : تحلّ صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقاً ؛ حتّى الزكاة المفروضة والفطرة . وأمّا صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحلّ في المندوبة ، وتحرم في الزكاة المفروضة والفطرة ، وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات ونحوهما فالظاهر أ نّها كالمندوبة ؛ وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها .
(مسألة 4) : يعتبر في المتصدّق : البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا تصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً .
(مسألة 5) : لا يعتبر في المتصدّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان ولا الإسلام ، فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّي والمخالف وإن كانا أجنبيّين . نعم ، لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين .
(مسألة 6) : الصدقة سرّاً أفضل ، فقد ورد : «أنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ ، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وتدفع سبعين باباً من البلاء» . نعم ، لو اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه ، أو قصد اقتداء غيره به ، لا بأس بالإجهار بها ولم يتأكّد إخفاؤها . هذا في المندوبة . وأمّا الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقاً .
ص: 98
(مسألة 7) : يستحبّ المساعدة والتوسّط في إيصال الصدقة ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في خطبة له : «ومن تصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ، ثمّ وصلت إلى المسكين ، كان لهم أجر كامل ، وما عند اللّه خير وأبقى للذين اتّقوا وأحسنوا لو كنتم تعلمون» .
(مسألة 8) : يكره كراهة شديدة أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به بشراء أو اتّهاب أو بسبب آخر ، بل قيل بحرمته . نعم ، لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث .
(مسألة 9) : يكره ردّ السائل ولو ظنّ غناه ، بل يعطي ولو شيئاً يسيراً .
(مسألة 10) : يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج ، بل مع الحاجة أيضاً ، بل قيل بحرمة الأوّل ، ولا ينبغي ترك الاحتياط ، وقد ورد فيه الإزعاج الأكيد ، ففي الخبر : «من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيّام ، لقي اللّه يوم القيامة وليس على وجهه لحم» .
ص: 99
وهي : إمّا تمليكية ، كأن يوصي بشيء من تركته لزيد ، ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ . وإمّا عهدية ، كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه ، أو باستئجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له . وإمّا فكّية تتعلّق بفكّ ملك كالإيصاء بالتحرير .
(مسألة 1) : إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت ، يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها ، وكذا أداء ما عليه خالقياً كقضاء الصلوات والصيام والكفّارات وغيرها ، أو خلقياً إلاّ الديون المؤجّلة ، ولو لم يتمكّن من الإيصال والإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم ، والإشهاد عليها ، خصوصاً إذا خفيت على الورثة ، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية : خلقياً كالديون والضمانات والديات واُروش الجنايات ، أو خالقياً كالخمس والزكاة والكفّارات ونحوها ، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنية ؛ ممّا يصحّ فيها الاستيناب والاستئجار ، كقضاء الصلاة والصوم إن لم يكن له وليّ يقضيها عنه ، بل ولو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل ، أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه ، أو يرى
عدم صحّة عمله .
ص: 100
(مسألة 2) : إن كان عنده أموال الناس ، أو كان عليه حقوق وواجبات ، لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال ويؤدّون الحقوق والواجبات ، لم يجب عليه الإيصال والإيصاء وإن كان أحوط وأولى .
(مسألة 3) : يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان ، ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ ، ففي التمليكية يقول : «أوصيت لفلان بكذا» أو «أعطوا فلاناً أو ادفعوا إليه بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا» ، ونحوها بأيّ نحو يفيد ذلك . وفي العهدية : «افعلوا بعد موتي كذا وكذا» ، والظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق ، خصوصاً في الوصيّة العهدية إذا علم أ نّه كان في مقام الوصيّة ، وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود ، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه وإمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة ، فيجب تنفيذها ، بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة ، لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً .
(مسألة 4) : للوصيّة التمليكية أركان ثلاثة : الموصي والموصى به والموصى له ، وقوام العهدية بأمرين : الموصي والموصى به . نعم ، إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذٍ باُمور ثلاثة : هما والموصى إليه ، وهو الذي يطلق عليه «الوصيّ» .
(مسألة 5) : لا إشكال في أنّ الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى قبول . نعم ، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لا بدّ من قبوله ، لكن في وصايته ، لا في أصل الوصيّة . وأمّا الوصيّة التمليكية فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصيّة للفقراء والسادة ، فهي
ص: 101
كالعهدية لا يعتبر فيها القبول ، وإن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أ نّه يعتبر فيها القبول من الموصى له . والظاهر أنّ تحقّق الوصيّة وترتّب أحكامها من حرمة التبديل ونحوها ، لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه ، فلا يتملّك قهراً . فالوصيّة من الإيقاعات ، لكنّها جزء سبب للملكية في الفرض .
(مسألة 6) : يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً ، كأخذ الموصى به والتصرّف فيه بقصد القبول .
(مسألة 7) : لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته ، كما لا فرق في الواقع بعد الموت ، بين أن يكون متّصلاً به أو متأخّراً عنه مدّة .
(مسألة 8) : لو ردّ بعضاً وقبل بعضاً صحّ فيما قبله ، وبطل فيما ردّه على الأقوى إلاّ إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع .
(مسألة 9) : لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته ، قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول ، قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته .
(مسألة 10) : الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً ، لا أ نّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ، ثمّ إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ، ولا تنفذ فيه وصاياه .
(مسألة 11) : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم ، صحّت الوصيّة فيمن قَبِل وبطلت فيمن ردّ بالنسبة .
ص: 102
(مسألة 12) : يعتبر في الموصي : البلوغ والعقل والاختيار والرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ . نعم ، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف ، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات . وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدوارياً في دور جنونه ، ولا السكران ولا المكره ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه .
(مسألة 13) : يعتبر في الموصي - مضافاً إلى ما ذكر - أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً ، فمن أوقع على نفسه جرحاً ، أو شرب سمّاً ، أو ألقى نفسه من شاهق ، ونحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك ، لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله . وإن كان إيقاع ما ذكر خطأً ، أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به ، نفذت وصيّته . ولو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه ، لم تبطل وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها .
(مسألة 14) : لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن بقيا إلى حين الممات .
(مسألة 15) : يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم كالميّت ، أو لما تحمله المرأة في المستقبل ، ولمن سيوجد من أولاد فلان . وتصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح ، وانفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي .
(مسألة 16) : تصحّ الوصيّة للذمّي وكذا للمرتدّ الملّي ؛ إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف ، وفي عدم صحّتها للحربي والمرتدّ الفطري تأمّل .
ص: 103
(مسألة 17) : يشترط في الموصى به في الوصيّة التمليكية : أن يكون مالاً ، أو حقّاً قابلاً للنقل كحقّي التحجير والاختصاص ؛ من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو دَيناً في ذمّة الغير أو منفعة ، وفي العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا ستوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة أو يثمر الشجر في المستقبل .
(مسألة 18) : لا بدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل والخنزير وآلات اللهو والقمار ، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها ، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المُغنّية وآلات اللهو ، وكذا منفعة القردة ونحوها .
(مسألة 19) : لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه ؛ بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه . وأمّا عن الغير ؛ بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة .
(مسألة 20) : يشترط في الوصيّة العهدية أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة وقطّاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها ، وكذا بصرف المال فيما يكون سفهاً وعبثاً .
(مسألة 21) : لو أوصى بما هو سائغ عنده - اجتهاداً أو تقليداً - وغير سائغ عند الوصيّ ، كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصيّ ، لم يجز له تنفيذها ، ولو انعكس الأمر انعكس .
ص: 104
(مسألة 22) : لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه - كتغسيله والصلاة عليه - مع وجود الوليّ ، ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان بل قولان ، ولا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستئذان من الوليّ ، والوليّ بالإذن له .
(مسألة 23) : يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث . وتفصيله : أنّ الوصيّة إن كانت بواجب مالي ، كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق ، كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة . ويلحق به الواجب المالي المشوب بالبدني ، كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى . وإن كانت تمليكية أو عهدية تبرّعية ، كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك ، نفذت بمقدار الثلث ، وفي الزائد صحّت إن أجاز الورثة ، وإلاّ بطلت من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض ، وكذلك إذا كانت بواجب غير مالي على الأقوى ، كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما .
(مسألة 24) : لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع أو بمال معيّن أو بمقدار من المال ، فكما أ نّه لو أوصى بالثلث نفذت ، ولو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلاّ إذا أجاز الورثة ، كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه أو بمقدار معيّن كألف دينار ، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة ، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت ، وإلاّ تحتاج إلى إذن الورثة .
(مسألة 25) : لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي ، نفذت بلا إشكال وإن ردّها قبل موته ، وكذا لو أجازها قبل الموت ولم يردّها
ص: 105
بعده . وأمّا لو ردّها بعده ، فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل .
(مسألة 26) : لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز ، وبطلت في الزائد عليه .
(مسألة 27) : لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد ، وبطلت في حقّ غيره . فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله ، قسّمت التركة ثمانية عشر ، ونفذت في ثلثها وهو ستّة ، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت ، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد ، وإن أمضت البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين .
(مسألة 28) : لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار ،
يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت ، لا حين الوصيّة . فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة ، نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك ، وبطلت في الزائد . وهذا ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع ، كما إذا قال : «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال ، وأ نّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا ؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، والظاهر - نظراً إلى شاهد الحال - أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، وهو ما كان له عند الوفاة . نعم ، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها .
ص: 106
(مسألة 29) : الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ ، فلا يكفي فيها مجرّد الرضا وطيب النفس ؛ من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء .
(مسألة 30) : لا تعتبر في الإجازة الفورية .
(مسألة 31) : يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه . نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل .
(مسألة 32) : للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة ، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ ، فيتعيّن فيما عيّنه ، ومع الإطلاق - كما لو قال : ثلث مالي لفلان - يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة ، فلا بدّ وأن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة .
(مسألة 33) : إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين والواجبات المالية ، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه .
(مسألة 34) : لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكانت من نوع واحد ، فإن كانت جميعاً واجبة مالية ينفذ الجميع من الأصل ، وإن كانت واجبة بدنية أو كانت تبرّعية تنفذ من الثلث ، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه وأجاز الورثة تنفذ في الجميع . وإن لم يُجيزوا فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ، بل كانت مجتمعة - كما إذا قال : «اقضوا عشرين سنة واجباتي البدنية» ، أو «اقضوا عشرين سنة صلواتي وصيامي» ، أو قال : «أعطوا زيداً وعمراً وخالداً كلاًّ منهم مائة دينار» - كانت بمنزلة وصيّة واحدة ، فيوزّع النقص على الجميع
ص: 107
بالنسبة ، فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ، ولم يفِ الثلث بهما ، وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم ، ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم ، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر ، وأوصى بستّة لاستئجار الصلاة وثلاثة لاستئجار الصوم ولم يجز الورثة ، بطلتا في الثلاثة ، وتوزّع النقص عليهما بالنسبة ، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة ، وعن الصوم واحد ويصرف فيه اثنان ، وكذا الحال في التبرّعية . وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ؛ بأن كانت الثانية بعد تمامية الاُولى ، والثالثة بعد تمامية الثانية وهكذا ، وكان المجموع أزيد من الثلث ، ولم يجز الورثة ، يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث ، ولغت البقيّة .
(مسألة 35) : لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع - كما إذا أوصى بأن يُعطى مقدار معيّن خمساً وزكاة ، ومقدار صوماً وصلاة ، ومقدار لإطعام الفقراء - فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي ، فيخرج من الأصل ، فإن بقي شيء يعيّن ثلثه ويخرج منه البدني والتبرّعي ، فإن وفى بهما أو لم يف وأجاز الورثة نفذت في كليهما ، وإن لم يف ولم يُجيزوا يقدّم الواجب البدني ويرد النقص على التبرّعي . وإن ذكر المخرج وأوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات - مالية كانت أو بدنية - على التبرّعي على الأقوى . وأمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض ، بل الظاهر أ نّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث ، فإن بقي من الواجب المالي شيء يخرج من الأصل ، وإن بقي من البدني يُلغى ، وإن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها ، ويتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني .
(مسألة 36) : لو أوصى بوصايا متضادّة ؛ بأن كانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة
ص: 108
كما لو أوصى بعين شخصية لواحد ثمّ أوصى بها لآخر ، أو أوصى بثلثه لشخص ثمّ أوصى به لآخر كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة فيعمل باللاحقة ، ولو أوصى بعين شخصية لشخص ثمّ أوصى بنصفها - مثلاً - لشخص آخر ، فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى النصف لا التمام ، فيبقى النصف الآخر للأوّل .
(مسألة 37) : متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة - كالثلث أو الربع - ملكه الموصى له بالموت والقبول ، وله من كلّ شيء ثلثه أو ربعه ، وشارك الورثة فيها من حين ما ملكه . هذا في الوصيّة التمليكية . وأمّا في العهدية ، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات ، كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت ، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث ؛ فكان للميّت من كلّ شيء ثلثه أو ربعه والباقي للورثة . وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ، ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصى له ، فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما ، ولو تلف شيء من التركة كان منهما . وإن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له ، ولا اعتراض فيه للورثة ، ولا حاجة إلى إجازتهم ، لكن إنّما يستقرّ ملكية الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به ؛ إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به ، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكية تمام المال المعيّن ، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه ؛ أنحاء التصرّفات ، وإن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة . نعم ، للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير ، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا ؛ وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين
ص: 109
بوجه من الوجوه ، ولو لم يحصل بيد الورثة شيء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً : ثلث للموصى له ، وثلثان للورثة .
(مسألة 38) : يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه وتنفيذها فيتعيّن ، ويقال له : الموصى إليه والوصيّ . ويُشترط فيه : البلوغ والعقل والإسلام ، فلا تصحّ وصاية الصغير ولا المجنون ، ولا الكافر عن المسلم وإن كان ذمّياً قريباً . وهل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة ؟ لا يبعد الثاني وإن كان الأحوط الأوّل .
(مسألة 39) : إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً ، وأمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه ، فإذا بلغ شاركه من حينه ، وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً ، إلاّ ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت ، فيردّه إلى ما أوصى به ، ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية .
(مسألة 40) : لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي ، فهل تبطل الوصاية أم لا ؟ لا يخلو الثاني من وجه وإن لم تنفذ تصرّفاته ، فلو أفاق جازت التصرّفات ، لكن الأحوط نصب الحاكم إيّاه . نعم ، لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها .
(مسألة 41) : الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده ، ولا يجب على غيره قبول الوصاية ، وله أن يردّها ما دام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ ؛ وإن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره ، فلو كان الردّ بعد موت الموصي ، أو قبله ولكن لم يبلغه حتّى مات ، كانت الوصاية
ص: 110
لازمة على الوصيّ وليس له الردّ ، بل لو لم يبلغه أ نّه قد أوصى إليه وجعله وصيّاً إلاّ بعد موت الموصي ، لزمته الوصاية وليس له ردّها .
(مسألة 42) : يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق ، فإن نصّ على الاستقلال والانفراد لكلّ منهما ، أو كان لكلامه ظهور فيه ولو بقرينة حال أو مقال فيتّبع ، وإلاّ فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف ؛ لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه ، وليس لهما أن يقسّما الثلث وينفرد كلّ منهما في نصفه ؛ من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق ، ولو تشاحّا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع ، فإن تعذّر استبدل بهما . هذا إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما ونظرهما ، وإلاّ فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية ، فإن امتنعا استبدل بهما ، وإن امتنع أحدهما استبدل به .
(مسألة 43) : لو مات أحد الوصيّين ، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته ، فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه ، بل اللزوم لا يخلو من قوّة . ولو ماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله ، فهل اللازم نصب اثنين أو يجوز نصب واحد إذا كان كافياً ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل وأقواهما الثاني .
(مسألة 44) : يجوز أن يوصي إلى واحد في شيء وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر .
(مسألة 45) : لو قال : «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكون وصيّاً بعد موته ، وكذا لو قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني ، أو تاب
ص: 111
عن فسقه ، أو اشتغل بالعلم ، فهو وصيّي» ، فإنّه يصحّ ، وتنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر .
(مسألة 46) : لو ظهرت خيانة الوصيّ ، فعلى الحاكم عزله ونصب شخص آخر مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة . ولو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده . وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً بحيث لا يرجى زواله كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه .
(مسألة 47) : لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلاّ إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء .
(مسألة 48) : الوصيّ أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف .
(مسألة 49) : لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفية خاصّة ، اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره ، وأمّا لو أطلق بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً إلاّ إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارف يدلّ على المراد ، فيتّبع ، كما في عرف بعض الطوائف ؛ حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون ، واستيفاء ماله على الناس ، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها ، وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر الحاكم من استئجار العبادات وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها . نعم ، في شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم .
ص: 112
وبالجملة : المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده ، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار .
(مسألة 50) : ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ؛ ممّا لم يتعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ، ولم يشترط عليه المباشرة .
(مسألة 51) : لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى ، أو جهات محصورة يقسّط بينها ، وتحتمل القرعة ، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها ، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب . وإن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة ، يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل ، والأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة ، وجهة من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة .
(مسألة 52) : لو أوصى الميّت وصيّة عهدية ولم يعيّن وصيّاً ، أو بطل وصاية من عيّنه بموت أو جنون أو غير ذلك تولّى الحاكم أمرها أو عيّن من يتولاّه ، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه تولاّه من المؤمنين من يوثق به .
(مسألة 53) : يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ، ووظيفته تابعة لجعله : فتارة : من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به ، يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ ؛ بأن يكون أعماله باطّلاعه حتّى أ نّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه . واُخرى : من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصيّ
ص: 113
والاطمئنان بأنظار الناظر ، يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره ، ولا يعمل إلاّ ما رآه صلاحاً ، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلاًّ في التصرّف ، لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر ، فلا يمضي من أعماله إلاّ ما وافق نظر الناظر ، فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر واطّلاعه ، وكان عمله على طبق ما قرّره الموصي ، فالظاهر صحّته ونفوذه على الأوّل ، بخلافه على الثاني ، ولعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل .
(مسألة 54) : يجوز للأب مع عدم الجدّ ، وللجدّ للأب مع فقد الأب ، جعل القيّم على الصغار ، ومعه لا ولاية للحاكم ، وليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ .
(مسألة 55) : يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال ، والأحوط اعتبار العدالة ؛ وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة ليس ببعيد .
(مسألة 56) : لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً اقتصر عليه ، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله ، فلو جعله قيّماً في حفظ ماله وما يتعلّق بإنفاقه - مثلاً - ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما ، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها ، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء . ولو أطلق ، وقال : «فلان قيّم على أولادي» - مثلاً - كان وليّاً على جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه ، فله الإنفاق عليهم بالمعروف ، والإنفاق على من عليهم نفقته ، وحفظ أموالهم واستنماؤها ، واستيفاء ديونهم ، وإيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، وكذا إخراج الحقوق
ص: 114
المتعلّقة بأموالهم كالخمس وغير ذلك ، وفي ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى .
(مسألة 57) : يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال والاشتراك ، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال .
(مسألة 58) : يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير ، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ، فإن أسرف ضمن الزيادة ، ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادّعى عليه الإسراف ، فالقول قول الوصيّ بيمينه ، وكذا لو ادّعى عليه أ نّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة . نعم ، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ ، فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ ، قُدّم قول الصبيّ ، والبيّنة على الوصيّ .
(مسألة 59) : يجوز للقيّم الذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل عمله ؛ سواء كان غنيّاً أو فقيراً ، وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب . وأمّا الوصيّ على الأموال ، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به وطبّقه على مصرفه المعيّن ؛ بحيث لم يبق شيئاً لاُجرة الوصيّ ، واستلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه . وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان ، كان حاله حال متولّي الوقف ؛ في أ نّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً ، جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد .
(مسألة 60) : الوصيّة جائزة من طرف الموصي ، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح ، وتبديلها من أصلها ، أو من بعض جهاتها وكيفياتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل
ص: 115
الموصى به كلاًّ أو بعضاً ، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك ، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله . فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله . وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها وهكذا . وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال ، كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال .
(مسألة 61) : يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول وهو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان ، نحو رجعت عن وصيّتي أو أبطلتها أو عدلت عنها أو نقضتها ونحوها ؛ وبالفعل وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به ، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ، أو جائز كالهبة مع القبض ، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه .
(مسألة 62) : الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها ، ويعمل بها لو لم يرجع الموصي وإن طالت المدّة ، ولو شكّ في الرجوع ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً ، يحكم ببقائها وعدم الرجوع . هذا إذا كانت الوصيّة مطلقة ؛ بأن كان مقصود الموصي ، وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّه عليه . وأمّا لو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض ، بطلت تلك الوصيّة ، ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما ، وقامت قرائن حالية أو مقالية على عدم الإطلاق ؛ وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال ، لا يجوز العمل بها ، وإلاّ فالأقرب الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة إلاّ إذا نسخها ،
ص: 116
سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً .
(مسألة 63) : لا تثبت الوصيّة بالولاية ؛ سواء كانت على المال أو على الأطفال ، إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات بالرجال . وأمّا الوصيّة بالمال فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل عدل وامرأتين عادلتين . وتمتاز من بين الدعاوي المالية بأمرين : أحدهما : أ نّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين ؛ فتثبت ربعها بواحدة عادلة ، ونصفها باثنتين ، وثلاثة أرباعها بثلاث ، وتمامها بأربع . ثانيهما : أ نّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم عدول المسلمين ، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار .
(مسألة 64) : لو كانت الوَرَثة كباراً ، وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ ، أو بأن يصرف في مصرف ، تثبت في تمام الموصى به ، ويلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم ، ولا يحتاج إلى بيّنة . وإن أقرّ بها بعضهم دون بعض ، فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام ؛ لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادة بالنسبة إلى غيره ، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى ، وإلاّ تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ ، ويحتاج إلى البيّنة في الباقين . نعم ، لو كان المقرّ عدلاً واحداً ، وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص ، كفى ضمّ يمين المقرّ له بإقرار المقرّ في ثبوت التمام ، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة . وبالجملة : المقرّ من الورثة شاهد بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ ، فيثبت به ما يثبت به .
ص: 117
(مسألة 65) : لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبيّ ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، ولا يسمع منه كغيره . نعم ، لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر ، أو العناوين العامّة كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد ، أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية - خصوصاً إذا رأى منه الخيانة - الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة . لكن الوارث والأجنبيّ في ذلك سيّان إلاّ فيما تعلّقت باُمور الميّت ، فإنّه لا يبعد أولوية الوارث من غيره ، واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره .
(مسألة 66) : قد مرّ في كتاب الحجر : أنّ الوصيّة نافذة في الثلث ، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث ، والمنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته ، وحتّى المجّانية والمحاباتية على الأقوى .
(مسألة 67) : لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة على الموت ، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به ، وإن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة ، فتخرج من الأصل ، وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة .
ص: 118
ويطلق عليها الحلف والقسم ، وهي ثلاثة أقسام : الأوّل : ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للإخبار بوقوع شيء ماضياً أو حالاً أو استقبالاً . الثاني : يمين المناشدة - وهي ما يُقرن به الطلب والسؤال - يقصد بها حثّ المسؤول على إنجاح المقصود ، كقول السائل : «أسأ لُك باللّه أن تفعل كذا» . الثالث : يمين العقد ، وهي ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في الآتي ، كقوله : «واللّه ِ لأصومنّ» أو « . . . لأتركنّ شرب الدخان» مثلاً . لا إشكال في أ نّه لا ينعقد القسم الأوّل ، ولا يترتّب عليه شيء سوى الإثم فيما كان كاذباً في إخباره عن عمد . وكذا لا ينعقد القسم الثاني ، ولا يترتّب عليه شيء من إثم أو كفّارة ؛ لا على الحالف في إحلافه ، ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله . وأمّا القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية ، ويجب برّه والوفاء به ، ويحرم حنثه ، ويترتّب على حنثه الكفّارة .
(مسألة 1) : لا تنعقد اليمين إلاّ باللفظ ، أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس ،
ص: 119
ولا تنعقد بالكتابة على الأقوى . والظاهر أ نّه لا يعتبر فيها العربية ، خصوصاً في متعلّقاتها .
(مسألة 2) : لا تنعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو اللّه - جلّ شأنه - : إمّا بذكر اسمه العلمي المختصّ به كلفظ الجلالة ، ويُلحق به ما لا يطلق على غيره كالرحمان ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره ، كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» ، «والذي نفسي بيده» ، «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره لكن الغالب إطلاقها عليه بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى كالربّ والخالق والبارئ والرازق والرحيم . ولا تنعقد بما لا ينصرف إليه ، كالموجود والحيّ والسميع والبصير والقادر ؛ وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال ، فلا يترك الاحتياط .
(مسألة 3) : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى لا بغيره ، فكلّ ما صدق عرفاً أ نّه حلف به تعالى انعقدت اليمين به ، والظاهر صدق ذلك بأن يقول : «وحقّ اللّه» ، و«بجلال اللّه» ، و«بعظمة اللّه» ، و«بكبرياء اللّه» ، و«لعمر اللّه» وفي انعقادها بقوله : «بقدرة اللّه» و«بعلم اللّه» تأمّل وإن لا يخلو من قرب .
(مسألة 4) : لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه ؛ بأن يقول : «واللّه» أو «باللّه» أو «تاللّه» لأفعلنّ كذا ، بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله : «أقسمت باللّه» أو «حلفت باللّه» انعقدت أيضاً . نعم ، لا يكفي لفظا «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته .
(مسألة 5) : لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام وسائر
ص: 120
النفوس المقدّسة المعظّمة ، ولا بالقرآن الكريم ولا بالكعبة المشرّفة وسائر الأمكنة المحترمة .
(مسألة 6) : لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه ؛ بأن يقول : «زوجتي طالق إن فعلت كذا ، أو إن لم أفعل» فلا يؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق ونحوه بالحنث ، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه . وكذا اليمين بالبراءة من اللّه تعالى أو من رسوله صلی الله علیه و آله وسلم أو من دينه أو من الأئمّة علیهم السلام ؛ بأن يقول مثلاً : «برئتُ من اللّه أو من دين الإسلام إن فعلت كذا ، أو لم أفعل كذا» ، فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه . نعم ، هذا الحلف بنفسه حرام ، ويأثم حالفه ؛ من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدّ ، ويستغفر اللّه تعالى شأنه . وكذا لا تنعقد ؛ بأن يقول : «إن لم أفعل كذا فأنا يهودي ، أو نصراني» مثلاً .
(مسألة 7) : لو علّق اليمين على مشيّة اللّه تعالى ؛ بأن قال : «واللّه ِ لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه» وكان المقصود التعليق على مشيّته تعالى ، لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ، لا تنعقد حتّى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، بخلاف ما إذا علّق على مشيّة غيره ؛ بأن قال : «واللّه ِ لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلاً ، فإنّه تنعقد على تقدير مشيّته ، فإن قال زيد : «أنا شئتُ أن تفعل كذا» ، انعقدت ويتحقّق الحنث بتركه ، وإن قال : «لم أشأ» لم تنعقد ، ولو لم يعلم أ نّه شاء أو لا ، لا يترتّب عليه أثر وحنث . وكذا الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيّة ، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه ، فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير .
(مسألة 8) : يعتبر في الحالف : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء
ص: 121
الحجر في متعلّقه ، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقاً أو أدواراً حال دوره ، ولا المكره ولا السكران ، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد ، ولا المحجور عليه فيما حجر عليه .
(مسألة 9) : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج ، إلاّ أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام وكان المنع متوجّهاً إليه ، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده . ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين وارتفع أثرها ، فلا حنث ولا كفّارة عليه . وهل يُشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما ؛ حتّى أ نّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلاّ مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو لا بل كان منعهما مانعاً عن انعقادها وحلّهما رافعاً لاستمرارها ، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين ؟ قولان ، أوّلهما لا يخلو من رجحان ، فحينئذٍ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما ؛ حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، لكن لا يُترك الاحتياط خصوصاً فيهما .
(مسألة 10) : لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ أو بترك حرام أو مكروه ، وفي عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ . وأمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع ، فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس ، فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح ، وعدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح ، ولو ساوى طرفاه - بحسب الدنيا أيضاً - فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلاً أو تركاً ؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما ، بل لا يخلو من قوّة .
(مسألة 11) : كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً ، تنحلّ إن تعلّقت
ص: 122
براجح ثمّ صار مرجوحاً ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى .
(مسألة 12) : إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره ، ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها ، انحلّت إذا كان عجزه في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه ، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً . وكذا الحال في العسر والحرج الرافعين للتكليف .
(مسألة 13) : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها ، وحرمت عليه مخالفتها ، ووجبت الكفّارة بحنثها ، والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً ، فلو كانت جهلاً أو نسياناً أو اضطراراً أو إكراهاً فلا حنث ولا كفّارة .
(مسألة 14) : لو كان متعلّق اليمين فعلاً - كالصلاة والصوم - فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته ، وحنثها بعدم الإتيان فيه وإن أتى به في وقت آخر ، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة واحدة ، وحنثها بتركه بالمرّة . ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت . وإن كان متعلّقها الترك ، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان - مثلاً - فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان ، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به مدّته ولو مرّة تحقّق الحنث .
(مسألة 15) : لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم ؛ سواء كان مقيّداً بزمان كصوم يوم من شعبان ، أو مطلقاً ، لم يكن له إلاّ حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق - سواء قيّده
ص: 123
بزمان أم لا - فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيقاعه ولو مرّة واحدة ، فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين ، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلاّ مرّة واحدة ، فلا تتكرّر الكفّارة . والأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة ، فلا يتكرّر الحنث والكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة ، وتنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى ، والاحتياط حسن .
(مسألة 16) : كفّارة اليمين : عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام ، وسيجيء تفصيلها في الكفّارات إن شاء اللّه تعالى .
(مسألة 17) : الأيمان الصادقة كلّها مكروهة ؛ سواء كانت على الماضي أو المستقبل . نعم ، لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه ، جاز بلا كراهة ولو كذباً ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، والأقوى عدم وجوب التورية وإن أحسنها .
(مسألة 18) : الأقوى جواز الحلف بغير اللّه في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفته إثم ولا كفّارة ، كما أ نّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات .
(مسألة 1) : النذر هو الالتزام بعمل للّه تعالى على نحو مخصوص ، ولا ينعقد بمجرّد النيّة ، بل لا بدّ من الصيغة ، وهي ما كان مفادها جعل فعل أو ترك على ذمّته للّه تعالى ؛ بأن يقول : «للّه عليّ أن أصوم ، أو أن أترك شرب الخمر» مثلاً . وهل يُعتبر في الصيغة قول : «للّه» بالخصوص ، أو يُجزي غير هذه اللفظة من
ص: 124
أسمائه المختصّة ، كما تقدّم في اليمين ؟ الظاهر هو الثاني . ولا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة ، خصوصاً لمن لا يُحسن العربية ، ولو اقتصر على قوله : «عليّ كذا» لم ينعقد وإن نوى في ضميره معنى «للّه» ، ولو قال : «نذرت للّه أن أصوم» - مثلاً - أو «للّه عليّ نذر صوم يوم» - مثلاً - لم ينعقد على إشكال ، فلا يترك الاحتياط .
(مسألة 2) : يشترط في الناذر : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر في متعلّق نذره ، فلا ينعقد نذر الصبيّ وإن كان مميّزاً وبلغ عشراً ، ولا المجنون ولو أدوارياً حال دوره ، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان غضباً رافعاً للقصد ، ولا السفيه المحجور عليه إن كان المنذور مالاً ولو في ذمّته ، ولا المفلّس المحجور عليه إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلّق به حقّ الغرماء .
(مسألة 3) : لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج ؛ وإن كان متعلّقاً بمالها ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّه ، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه ، ولو أذن لها فنذرت انعقد ، وليس له بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به ، ولا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر ، وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به .
(مسألة 4) : النذر : إمّا نذر برّ ، ويقال له : نذر المجازاة ، وهو ما علّق على أمر : إمّا شكراً لنعمة دنيوية أو اُخروية ، كأن يقول : «إن رزقت ولداً فللّه عليّ كذا» أو «إن وفّقت لزيارة بيت اللّه فللّه عليّ كذا» . وأمّا استدفاعاً لبليّة ، كأن يقول : «إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ كذا» . وإمّا نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه ؛ زجراً للنفس عن ارتكابهما ، مثل أن يقول : «إن تعمّدت الكذب ، أو بلت في الماء ، فللّه عليّ كذا» ، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً
ص: 125
لها عن تركهما . وإمّا نذر تبرّع ، وهو ما كان مطلقاً ولم يعلّق على شيء ، كأن يقول : «للّه عليّ أن أصوم غداً» . لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأوّلين ، وفي انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد .
(مسألة 5) : يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر ، وأن يكون طاعة للّه تعالى ؛ صلاة أو صوماً أو حجّاً ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة ، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به ، كزيارة المؤمنين وتشييع الجنازة وعيادة المرضى وغيرها ، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ولو كفائياً إذا تعلّق بفعله ، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه . وأمّا المباح - كما إذا نذر أكل طعام أو تركه - فإن قصد به معنىً راجحاً ، كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة ، أو بتركه منع النفس عن الشهوة ، فلا إشكال في انعقاده ، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه - فعلاً أو تركاً - بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيوياً . وأمّا إذا لم يقصد به معنىً راجحاً ، ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته ، فالظاهر عدم انعقاده ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه .
(مسألة 6) : قد عرفت أنّ النذر : إمّا معلّق على أمر أو لا . والأوّل على قسمين : نذر شكر ونذر زجر . فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر : إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل اللّه تعالى ، ولا بدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه ؛ حتّى يقع المنذور مجازاةً له . فإن كان من فعل الناذر ، فلا بدّ أن يكون طاعة للّه تعالى ؛ من فعل واجب أو مندوب ، أو ترك حرام أو مكروه ، فيلتزم بالمنذور شكراً للّه تعالى حيث وفّقه عليها ، فلو علّقه شكراً
ص: 126
على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد . وإن كان من فعل غيره ، فلا بدّ أن يكون فيه منفعة - دينية أو دنيوية - للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً . ولا ينعقد في عكسه ، مثل أن يقول : «إن شاع بين الناس المنكرات فللّه عليّ كذا» . وإن كان من فعل اللّه تعالى لزم أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه ، ويحسن طلبه منه تعالى ، كشفاء مريض ، أو هلاك عدوّ ديني ، أو أمنٍ في البلاد ونحوها ، فلا ينعقد في عكسه ، كما إذا قال : «إن أهلك اللّه هذا المؤمن الصالح» أو قال : «إن وقع القحط في البلاد فكذا» . وأمّا نذر الزجر فلا بدّ وأن يكون الشرط والمعلّق عليه - فعلاً أو تركاً - اختيارياً للناذر ، وكان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر زاجراً عنه ، كفعل حرام أو مكروه أو ترك واجب أو مندوب .
(مسألة 7) : إن كان الشرط فعلاً اختيارياً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً لو قال : «إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا» ، وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب ، وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه ، فهو نذر زجر فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها ، وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر ، فلا ينعقد .
(مسألة 8) : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجز . وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزي في غيره وإن كان أفضل . ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ، ففي انعقاده وتعيّنه وجهان بل قولان ، أقواهما الانعقاد . نعم ، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة - كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلاً - في مكان أو بلد لا
ص: 127
رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام ، بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ ، فالظاهر عدم انعقاده . هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح ، مثل كونه أفرغ للعبادة ، أو أبعد عن الرياء ، ونحو ذلك ، وإلاّ فلا إشكال في الانعقاد .
(مسألة 9) : لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم . ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفية والكمّية ، فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر ، إلاّ أن يكون قصده غير الرواتب ، فلا يجزي إلاّ الإتيان بركعتين . ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم ، ولو نذر أن يأتي بفعل قربي ، يكفي كلّ ما هو كذلك ولو تسبيحة واحدة ، أو الصلاة على النبي وآله صلوات اللّه عليهم ، أو التصدّق بشيء إلى غير ذلك .
(مسألة 10) : لو نذر صوم عشرة أيّام - مثلاً - فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن ، وإلاّ تخيّر بينهما ، وكذا لو نذر صيام سنة ، فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية اثني عشر شهراً ولو متفرّقاً ، بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي - ظاهراً - صيام ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً ، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً ، وله أن يأتي بالشهر ملفّقاً ، فيشرع في أثناء شهر ويكمّل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل . نعم ، لو أتى به متفرّقاً لا يجوز الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص .
(مسألة 11) : لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان ، فيفطر فيهما ، ولا قضاء عليه ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام ؛ من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ، لكن يجب القضاء على الأقوى .
(مسألة 12) : لو نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر أفطر ،
ص: 128
ويجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين والسفر ، وعلى الأحوط فيهما وإن لا يخلو من قوّة بالنسبة إلى العيدين .
(مسألة 13) : لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً ، يجب قضاؤه مع الكفّارة .
(مسألة 14) : لو نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروري ، ويفطر ثمّ يقضيه ولا كفّارة عليه .
(مسألة 15) : لو نذر زيارة أحد الأئمّة علیهم السلام أو بعض الصالحين لزم ، ويكفي الحضور والسلام على المزور ، والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع عدم ذكرهما فيه . وإن عيّن إماماً لم يجز غيره وإن كانت زيارته أفضل ، كما أ نّه لو عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه ، وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن ، فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة ، والأقوى عدم وجوب القضاء .
(مسألة 16) : لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين علیه السلام ماشياً ، انعقد مع القدرة وعدم الضرر ، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاد ماشياً ، وإن عيّن وقتاً وفات عمداً حنث وعليه الكفّارة ، والأقوى عدم وجوب القضاء ، وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعضه .
(مسألة 17) : ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر ، أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ؛ ولو لأجل العبور من الشطّ ونحوه . ولو انحصر الطريق في البحر ، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد ، إلاّ إذا كان مراده فيما يمكن المشي ، فيجب في سائر الطريق . وإن طرأ ذلك بعد النذر ،
ص: 129
فإن كان مطلقاً وتوقّع المكنة من طريق البرّ والمشي منه فيما بعد انتظر ، وإن كان معيّناً وطرأ ذلك في الوقت ، أو مطلقاً ولم يتمكّن مطلقاً ، سقط عنه ولا شيء عليه .
(مسألة 18) : لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون بعض ، فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض ، والأحوط الأولى سياق بدنة في نذر الحجّ ، ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان .
(مسألة 19) : لو نذر التصدّق بعين شخصية تعيّنت ، ولا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها ، ومع التلف فإن كان لا بإتلاف منه انحلّ النذر ولا شيء عليه ، وإن كان بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة على الأحوط ، فيتصدّق بالبدل ، ويكفّر أيضاً على الأقوى إن كان الإتلاف اختيارياً عمدياً .
(مسألة 20) : لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم ، ولا يملك المنذور له الإبراء منه ، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه ، ولا يلزم على المنذور له القبول ، فإن امتنع عنه لا يبعد عدم انحلال النذر ، إلاّ إذا امتنع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ، ومطلقاً في غيره ، فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته وفي غيره ، يجب التصدّق عليه . نعم ، لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها ، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة . ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات المالية . ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه ، قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط ، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شيء معيّن فمات قبل قبضه .
ص: 130
(مسألة 21) : لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه ، كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه ، والأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك المصالح . ولو نذر شيئاً للإمام علیه السلام أو بعض أولاده ، فالظاهر جواز صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ؛ من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين ، وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المسجد والقنطرة ونحو ذلك ، وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم وصلة من يلوذ بهم ؛ من المجاورين المحتاجين والصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم وإقامة مجالس تعزيتهم . هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إلى جهة خاصّة ، وإلاّ اقتصر عليها .
(مسألة 22) : لو عيّن شاة للصدقة ، أو لأحد الأئمّة علیهم السلام ، أو لمشهد من المشاهد ونحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن ، وأمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل لا يخلو من وجه . وأمّا النتاج الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه .
(مسألة 23) : لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم ، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته ، وتصرّف في أمواله بما شاء وكيف شاء ، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ويحسب إلى أن يوفي التمام ، فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته .
(مسألة 24) : لو عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ، انحلّ نذره وسقط عنه ولا شيء عليه . نعم ، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على الأقوى ، والأحوط مُدّان .
ص: 131
(مسألة 25) : النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها ؛ فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، ويتحقّق الحنث ، وتجب الكفّارة بتركه فيه ، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى ، وإن كان صلاة يقضيها على الأحوط ، وأمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه . وإن كان مطلقاً كان وقته العمر ، وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق ، ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة . هذا إذا كان المنذور فعل شيء . وإن كان ترك شيء ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه ولو مرّة ، وفي المطلق بإيجاده مدّة حياته ولو مرّة ، ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر ، كما مرّ في اليمين .
(مسألة 26) : إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً ، فلو أتى بشيء تعلّق النذر بتركه ؛ نسياناً أو جهلاً أو اضطراراً أو إكراهاً ، لم يترتّب عليه شيء ، بل الظاهر عدم انحلال النذر به ، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر ؛ لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت .
(مسألة 27) : لو نذر إن برئ مريضه أو قدم مسافره صام يوماً - مثلاً - فبان أنّ المريض برئ والمسافر قدم قبل النذر لم يلزم .
(مسألة 28) : كفّارة حنث النذر ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان على الأقوى .
لا ينعقد العهد بمجرّد النيّة ، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى ، وصورتها : «عاهدت اللّه» أو «عليّ عهد اللّه» ، ويقع مطلقاً ومعلّقاً على شرط كالنذر ، والظاهر أنّه يعتبر في المعلّق عليه إن كان مشروطاً ما اعتبر فيه في النذر
ص: 132
المشروط ، وأمّا ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين ؛ يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دُنيا ، ولا يعتبر فيه الرجحان ، فضلاً عن كونه طاعة ، فلو عاهد على فعل مباح لزم ، ولو عاهد على فعل كان تركه أرجح ، أو على ترك أمر كان فعله أولى ولو من جهة الدنيا لم ينعقد ، ولو لم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه ذلك انحلّ .
مسألة : مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفّارة ، والأظهر أنّ كفّارتها كفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان .
ص: 133
وهي على أربعة أقسام : مرتّبة ، ومخيّرة ، وما اجتمع فيه الأمران ، وكفّارة الجمع .
أمّا المرتّبة فهي ثلاث : كفّارة الظهار ، وكفّارة قتل الخطأ ، يجب فيهما العتق ، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً ، وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وهي إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام ، والأحوط كونها متتابعات .
وأمّا المخيّرة : فهي كفّارة من أفطر في شهر رمضان بأحد الأسباب الموجبة لها ، وكفّارة حنث النذر ، وكفّارة حنث العهد ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، وهي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً مخيّراً بينها على الأظهر .
وما اجتمع فيه الأمران : كفّارة حنث اليمين ، وكفّارة نتف المرأة شعرها وخدش وجهها في المصاب ، وشقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته ، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيّراً بينها ، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام .
ص: 134
وأمّا كفّارة الجمع : فهي كفّارة قتل المؤمن عمداً وظلماً ، وكفّارة الإفطار في شهر رمضان بالمحرّم على الأحوط ، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً .
(مسألة 1) : لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها ، أو جزّ بعضه بما يصدق عرفاً أ نّها جزّت شعرها ، كما لا فرق بين كونه في مصاب زوجها ومصاب غيره ، وبين القريب والبعيد . والأقوى عدم إلحاق الحلق والإحراق به وإن كان أحوط ، سيّما في الأوّل .
(مسألة 2) : لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه ، بل يكفي مسمّاه . نعم ، الظاهر أ نّه يعتبر فيه الإدماء ، ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الإدماء ، ولا بشقّ ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها ، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه ، ولا بجزّ شعره ، ولا بشقّ ثوبه ؛ على غير ولده وزوجته . نعم ، لا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى . وفي شموله لولد الولد تأمّل ، والأحوط ذلك في ولد الابن ، والظاهر عدم الشمول لولد البنت وإن كان أحوط . ولا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة ، سيّما إذا كانت مدّتها طويلة .
(مسألة 1) : لا يجزي عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً ، فيشترط فيه الإسلام . ويستوي في الإجزاء الذكر والاُنثى والكبير والصغير الذي هو بحكم المسلم ؛ بأن كان أحد أبويه مسلماً . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في كفّارة القتل بعتق البالغ . ويشترط أيضاً أن يكون سالماً من العيوب التي توجب الانعتاق قهراً ، كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل ، ولا بأس بسائر العيوب ،
ص: 135
فيجزي عتق الأصمّ والأخرس وغيرهما ، ويجزي عتق الآبق وإن لم يعلم مكانه ما لم يعلم موته .
(مسألة 2) : يعتبر في الخصال الثلاث - أي العتق والصيام والإطعام - النيّة المشتملة على قصد العمل ، وقصد القربة ، وقصد كونه عن الكفّارة ، وتعيين نوعها لو كانت عليه أنواع متعدّدة ، فلو كانت عليه كفّارة ظهار ويمين وإفطار فأعتق عبداً ونوى التكفير ، لم يجزِ عن واحد منها . وفي المتعدّد من نوع واحد يكفي قصد النوع ، ولا يحتاج إلى تعيين آخر ، فلو أفطر أيّاماً من شهر رمضان من سنة أو سنين ، فأعتق عبداً لكفّارة الإفطار ، كفى وإن لم يعيّن اليوم الذي أفطر فيه ، وكذلك بالنسبة إلى الصيام والإطعام . ولو كان عليه كفّارة ولا يدري نوعها مع علمه باشتراكها في الخصال - مثلاً - كفى الإتيان بإحداها ناوياً عمّا في ذمّته ، بل لو علم أنّ عليه إعتاق عبد - مثلاً - ولا يدري أ نّه منذور أو عن كفّارة ، كفى إعتاق عبد بقصد ما في ذمّته .
(مسألة 3) : يتحقّق العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى غيره في المرتّبة ، بعدم الرقبة أو عدم التمكّن من شرائه ، أو غير ذلك ممّا هو مذكور في الفقه . ويتحقّق العجز عن الصيام الموجب لتعيّن الإطعام بالمرض المانع منه أو خوف زيادته بل حدوثه إن كان لمنشأ عقلائي ، وبكونه شاقّاً عليه بما لا يتحمّل . وهل يكفي وجود المرض ، أو خوف حدوثه ، أو زيادته في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدّل الأحوال ، أو يعتبر اليأس ؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان . نعم ، لو رجا البرء بعد زمان قصير يشكل الانتقال إلى الإطعام ، ولو أخّر الإطعام إلى أن برئ من المرض وتمكّن من الصوم ، تعيّن ولم يجز الإطعام .
ص: 136
(مسألة 4) : ليس طروّ الحيض والنفاس موجباً للعجز عن الصيام والانتقال إلى الإطعام ، وكذا طروّ الاضطرار على السفر الموجب للإفطار ؛ لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك .
(مسألة 5) : المعتبر في العجز والقدرة هو حال الأداء ، لا حال الوجوب ، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق عاجزاً عن الصيام ، فلم يعتق حتّى انعكس ، صار فرضه الصيام ، وسقط عنه وجوب العتق .
(مسألة 6) : لو عجز عن العتق في المرتّبة ، فشرع في الصوم ولو ساعة من النهار ، ثمّ وجد ما يعتق ، لم يلزمه العتق ، فله إتمام الصيام ويجزي . وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه ، بل الظاهر أ نّه أفضل . ولو عرض ما يوجب استئنافه - بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع - تعيّن عليه العتق مع بقاء القدرة عليه . وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام ، فدخل في الإطعام ، ثمّ زال العجز .
(مسألة 7) : يجب التتابع في الصيام في جميع الكفّارات ، والحكم في بعضها مبنيّ على الاحتياط ، فلا يجوز تخلّل الإفطار ولا صوم آخر بين أيّامها وإن كان لكفّارة اُخرى ؛ من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتّباً على غيره أو مخيّراً أو جمعاً ، وكذا بين ما وجب فيه شهران ، أو ثلاثة أيّام ككفّارة اليمين ، ومتى أخلّ بالتتابع وجب الاستئناف . ويتفرّع على وجوبه : أ نّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل صوم آخر واجب في زمان معيّن بين أيّامه ، فلو شرع في صيام ثلاثة أيّام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معيّن مثلاً نذر صومه بيوم أو يومين ، لم يجز ووجب استئنافه .
ص: 137
(مسألة 8) : إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين باختيار ، فلو وقع لعُذر - كالإكراه أو الاضطرار أو المرض أو الحيض أو النفاس - لم يضرّ به ، ومنه وقوع السفر في الأثناء إن كان ضرورياً دون غيره ، وكذا منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها ؛ بأن تذكّر بعد الزوال ، وكذا الحال فيما إذا كان تخلّل صوم آخر لا بالاختيار ، كما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال ، ومنه ما إذا نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - ثمّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، فلا يضرّ تخلّل المنذور ، ولا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة ، ولا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة . نعم ، في صوم ثلاثة أيّام يخلّ تخلّله في المفروض ، فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلّل المنذور بينها . نعم ، لو كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع ، كما إذا نذر الصيام يوماً ويوماً لا ، فلا يضرّ التخلّل به .
(مسألة 9) : يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة - مرتّبة كانت أو مخيّرة - صيام شهر ويوم متتابعاً ، ويجوز التفريق في البقيّة ولو اختياراً لا لعذر ، فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفّارة ، يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم ، ولا يجوز له الاقتصار على شعبان ، وكذا يجوز الشروع قبل الأضحى بواحد وثلاثين يوماً ، ولا يجوز قبله بثلاثين .
(مسألة 10) : من وجب عليه صيام شهرين فإن شرع فيه من أوّل الشهر يُجزي هلاليان وإن كانا ناقصين ، وإن شرع في أثنائه ففيه وجوه بل أقوال ، أوجهها تكسير الشهرين وتتميم ما نقص ، فلو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة ؛ من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما ، والأحوط صيام ستّين يوماً ، ولو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً يتعيّن ذلك ويجب الستّون .
ص: 138
(مسألة 11) : يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين والتسليم إليهم ، ويجوز إشباع بعض والتسليم إلى آخر ، ولا يتقدّر الإشباع بمقدار ، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلّ أو كثر . وأمّا في التسليم فلا بدّ من مُدّ لا أقلّ ، والأفضل بل الأحوط مُدّان . ولا بدّ في كلّ من النحوين كمال العدد من ستّين أو عشرة ، فلا يجزي إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين ، أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين . ولا يجب الاجتماع لا في التسليم ولا في الإشباع ، فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة ؛ ولو كان هذا في سنة وذاك في سنة اُخرى ، لأجزأ وكفى .
(مسألة 12) : الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة ؛ وإن كان الأفضل إشباعه في يومه وليله غداةً وعشاءً .
(مسألة 13) : يجزي في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب
الناس ؛ من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة ، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن وغيرها وإن كان بلا إدام . نعم ، الأحوط في كفّارة اليمين وما كانت كفّارته كفّارتها عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم ؛ وإن كان الإجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة . والأفضل أن يكون مع الإدام ، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلاًّ أو ملحاً أو بصلاً ، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل . وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيّ ومطبوخ ؛ من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأرُز وغير ذلك ، والأحوط الحنطة أو دقيقها . ويجزي التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً .
ص: 139
(مسألة 14) : التسليم إلى المسكين تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل .
(مسألة 15) : يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بالتسليم ، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه . وكذلك إن كان بنحو الإشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار ، فإذا أشبع عائلة أو عائلات مشتملة على كبار وصغار أجزأ مع بلوغهم ستّيناً ، وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، بل الأحوط احتسابهم كذلك مطلقاً . والظاهر أ نّه لا يعتبر في إشباعهم إذن الوليّ .
(مسألة 16) : لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو مع الاختيار ؛ من غير فرق بين الإشباع والتسليم ، فلو أفطر تمام شهر رمضان ، جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم .
(مسألة 17) : لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره ، وإن تعذّر انتظر . ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار ، ويقتصر في التكرار على جميع الموجودين ، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتا عشرة مرّة . والأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم ، وأن يكون في أيّام متعدّدة .
(مسألة 18) : المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفّارة هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة ، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلاً ولا قوّة . ويشترط فيه الإسلام ، بل الإيمان على الأحوط ؛ وإن كان جواز إعطاء المستضعف من الناس
ص: 140
غير الناصب لا يخلو من قوّة ، وأن لا يكون ممّن تجب نفقته على الدافع ، كالوالدين والأولاد والزوجة الدائمة ، دون المنقطعة ، ودون سائر الأقارب والأرحام حتّى الإخوة والأخوات . ولا يشترط فيه العدالة ولا عدم الفسق . نعم ، لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء . وفي جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان ، لا يخلو الجواز من رجحان ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار والاحتياج التامّ ، الذي يحلّ معه أخذ الزكاة .
(مسألة 19) : يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً ؛ من غير فرق بين الجديد وغيره ؛ ما لم يكن منخرقاً أو منسحقاً وبالياً بحيث ينخرق بالاستعمال . فلا يكتفى بالعمامة والقلنسوة والحزام والخفّ والجورب ، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد ، خصوصاً بمثل السراويل أو القميص القصير ، فلا يكون أقلّ من قميص مع سراويل ؛ وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء به ، والأحوط أن يكون ممّا يواري عورته . ويعتبر فيها العدد كالإطعام ، فلو كرّر على واحد - بأن كساه عشر مرّات - لم تحسب إلاّ واحدة . ولا فرق في المكسوّ بين الصغير والكبير والذكر والاُنثى . نعم ، في الاكتفاء بكسوة الصغير في أوائل عمره - كابن شهر أو شهرين - إشكال ، فلا يترك الاحتياط . والظاهر اعتبار كونه مخيطاً فيما كان المتعارف فيه المخيطية ، دون ما لا يحتاج إلى الخياطة ، فلو سلّم إليه الثوب غير مخيط في الفرض لم يجز . نعم ، الظاهر أ نّه لا بأس بأن يدفع اُجرة الخياطة معه ليخيطه ويلبسه . ولا يُجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس ، ولا إعطاء لباس الصغير للكبير . ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو غيرها ، وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال ، إلاّ إذا جاز لهم اللبس لضرورة أو غيرها . ولو تعذّر تمام العدد
ص: 141
كسا الموجود وانتظر الباقي . والأحوط التكرار على الموجود ، فإذا وجد الباقي كساه .
(مسألة 20) : لا تُجزي القيمة في الكفّارة لا في الإطعام ولا في الكسوة ، بل لا بدّ في الإطعام من بذل الطعام إشباعاً أو تمليكاً ، وكذا في الكسوة لا بدّ من إعطائها . نعم ، لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحقّ إذا كان ثقة ، ويوكّله في أن يشتري بها طعاماً فيأكله أو يتملّكه أو كسوة ليلبسها .
(مسألة 21) : إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجز أن يكفّر بجنسين ؛ بأن يصوم شهراً ويطعم ثلاثين في كفّارة شهر رمضان مثلاً ، أو يطعم خمسة ويكسو خمسة - مثلاً - في كفّارة اليمين . نعم ، لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها ، كما لو أطعم بعض العدد طعاماً خاصّاً وبعضه غيره ، أو كسا بعضهم ثوباً من جنس وبعضهم من آخر ، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضاً ويسلّم إلى بعض ، كما مرّ .
(مسألة 22) : لا بدل للعتق في الكفّارة مخيّرة كانت أو مرتّبة أو كفّارة الجمع ، فيسقط بالتعذّر . وأمّا صيام شهرين متتابعين والإطعام لو تعذّرا ، ففي كفّارة شهر رمضان مع تعذّر جميع الخصال يتصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن يستغفر اللّه ، ويكفي مرّة . والأحوط في هذه الصورة التكفير إن تمكّن بعد ذلك . وفي غيرها مع تعذّرها صام ثمانية عشر يوماً على الأقوى في الظهار ، وعلى الأحوط في غيره ، والأحوط التتابع فيها . وإن عجز عن ذلك أيضاً ، صام ما استطاع أو تصدّق بما وجد على الأحوط في شقّي التخيير ، ومع العجز عنهما بالمرّة استغفر اللّه تعالى ولو مرّة .
ص: 142
(مسألة 23) : الظاهر أنّ وجوب الكفّارات موسّع ، فلا تجب المبادرة إليها ، ويجوز التأخير ما لم يؤدّ إلى حدّ التهاون .
(مسألة 24) : يجوز التوكيل في إخراج الكفّارات المالية وأدائها ، ويتولّى الوكيل النيّة إن كان وكيلاً في إخراجها ، وإن كان وكيلاً في الإيصال إلى الفقير ينوي الموكّل حين دفع الوكيل إلى الفقير ، ويكفي أن يكون من نيّته أنّ ما يدفع وكيله إلى الفقير كفّارة ، ولا يلزم العلم بوقت الأداء تفصيلاً . وأمّا الكفّارات البدنية فلا يجزي فيها التوكيل ، ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلاّ عن الميّت .
(مسألة 25) : الكفّارات المالية بحكم الديون ، فلو مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال ، وأمّا البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها ولا إخراجها من التركة ؛ ما لم يوص بها الميّت ، فتخرج من ثلثه . نعم ، في وجوبها على الوليّ وهو الولد الأكبر احتمال قويّ فيما إذا تعيّن على الميّت الصيام ، وأمّا لو تعيّن عليه غيره - بأن كانت مرتّبة وتعيّن عليه الإطعام - فلا يجب على الوليّ ، ولو كانت مخيّرة وكان متمكّناً من الصيام والإطعام ، فلو أمكن الإخراج من التركة تخرج منها ، وإلاّ فالأحوط على الوليّ الصيام لو تلفت التركة أو أبى الورثة عن الإطعام .
ص: 143
كما يذكّى الحيوان ويحلّ لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع على النحو المعتبر شرعاً ، يذكّى أيضاً بالصيد على النحو المعتبر ، وهو إمّا بالحيوان أو بغيره . وبعبارة اُخرى : الآلة التي يصاد بها : إمّا حيوانية أو جمادية . ويتمّ الكلام في القسمين في ضمن مسائل :
(مسألة 1) : لا يحلّ من صيد الحيوان ومقتوله إلاّ ما كان بالكلب المعلّم ؛ سواء كان سلوقياً أو غيره ، وسواء كان أسود أو غيره ، فلا يحلّ صيد غيره من جوارح السباع كالفهد والنمر وغيرهما ، وجوارح الطير كالبازي والعقاب والباشق وغيرها وإن كانت معلّمة ، فما يأخذه الكلب المعلّم ويقتله بعقره وجرحه مذكّىً حلال أكله من غير ذبح ، فيكون عضّه وجرحه على أيّ موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه .
(مسألة 2) : يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصطياد . وعلامة كونه بتلك الصفة : أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل ويهيج إلى
ص: 144
الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به ، وأن ينزجر ويقف عن الذهاب والهياج إذا زجره . نعم ، لا يضرّ إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد وقربه منه . والأحوط أن يكون من عادته التي لا تتخلّف إلاّ نادراً أن يمسك الصيد ، ولا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه .
(مسألة 3) : يشترط في حلّية صيد الكلب المعلَّم اُمور :
الأوّل : أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله ؛ وإن أغراه صاحبه بعده حتّى فيما أثّر إغراؤه فيه ؛ بأن زاد في عدوه بسببه على الأحوط . وكذا الحال لو أرسله لا للاصطياد ، بل لأمر آخر ؛ من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فصاده . والمعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله كفى في حلّه . وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلاّ معاً .
الثاني : أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه ، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً . فلو أرسله كافر بجميع أنواعه ، أو من كان بحكمه كالنواصب - لعنهم اللّه - لم يحلّ أكل ما قتله .
الثالث : أن يُسمّي ؛ بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله ، فلو تركه عمداً لم يحلّ مقتوله ، ولا يضرّ لو كان نسياناً . والأحوط أن تكون التسمية عند الإرسال ، فلا يكتفى بها قبل الإصابة .
الرابع : أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره ، فلو كان بسبب آخر - كصدمه ، أو خنقه ، أو إتعابه ، أو ذهاب مرارته من الخوف ، أو إلقائه من شاهق ، أو غير ذلك - لم يحلّ .
الخامس : عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته ؛ بأن
ص: 145
أدركه ميّتاً ، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه . وبالجملة : إذا أرسل كلبه إلى الصيد ، فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع ، فوجده ميّتاً ، كان ذكيّاً وحلّ أكله ، وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه فتركه حتّى مات . وأمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلاّ بالذبح ، فلو تركه حتّى مات كان ميتة . وأدنى ما يُدرك ذكاته أن يجده تطرف عيناه ، أو تركض رجله ، أو يحرّك ذنبه أو يده ، فإن وجده كذلك واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلاّ بالذبح . وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً فجعل يعدو خلفه فوقف ، فإن بقي من حياته زمان يتّسع لذبحه لم يحلّ إلاّ به ، وإن لم يتّسع حلّ بدونه . ويلحق بعدم اتّساعه ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه ، كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسلّ السكّين ، مع المسارعة العرفية ، وكون الآلات على النحو المتعارف ؛ فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف ، فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه ، لم يحلّ . وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه . ومن عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك ، فمات قبل أن يمكنه الذبح . نعم ، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه ، إلاّ أ نّه لم يكن عنده السكّين ، فلم يذبحه لذلك حتّى مات ، لم يحلّ أكله .
(مسألة 4) : هل يجب على من أرسل الكلب ، المسارعة والمبادرة إلى الصيد من حين الإرسال ، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان بعدُ على امتناعه ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً ؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف ، فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفية حتّى أ نّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله . وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه . هذا إذا احتمل ترتّب أثر
ص: 146
على المسارعة واللحوق بالصيد ؛ بأن احتمل أ نّه يدركه حيّاً ، ويقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة . وأمّا مع عدم احتماله - ولو من جهة عدم ما يذبح به - فلا إشكال في عدم وجوبها ، فلو خلاّه حينئذٍ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حلّ أكله . نعم ، لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب - لا بسبب آخر - على التسارع إليه وتعرّف حاله ، لزم لأجل ذلك .
(مسألة 5) : لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب ، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً ، أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً ، حلّ أكله . نعم ، يعتبر في المتعدّد - صائداً وآلة - أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر ، أو لم يسمّ أحدهما ، أو اُرسل كلبان أحدهما معلّم والآخر غير معلّم فقتلاه ، لم يحلّ .
(مسألة 6) : لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية ، إلاّ ما قتله السيف أو السكّين أو الخنجر ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها ، أو الرمح والسهم والنشّاب ممّا يُشاك بحدّه ؛ حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ؛ من غير فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش ، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه . بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد ، فيكفي بعد كونه سلاحاً قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلزّ كان حتّى الصفر والذهب والفضّة ، والأحوط اعتباره . ويعتبر كونه مستعملاً سلاحاً في العادة على الأحوط ، فلا يشمل المخيط والشوك والسفود ونحوها . والظاهر أ نّه لا يعتبر الخرق والجرح في الآلة المذكورة ؛ أعني ذات الحديد المحدّدة ، فلو رمى الصيد بسهم ، أو طعنه برمح فقتله بالرمح والطعن من دون أن يكون فيه أثر السهم والرمح حلّ أكله ، ويلحق بالآلة الحديدية المعراض الذي هو - كما قيل - خشبة لا نصل فيها ، إلاّ
ص: 147
أ نّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط ، أو السهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه ، أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه . وكيف كان إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة ، لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه وشوكها فيه ولو يسيراً ، فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ ، والأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحدّدة غير الحديد .
(مسألة 7) : كلّ آلة جمادية - لم تكن ذات حديدة محدّدة ، ولا محدّدة غير الحديدية - قتلت بخرقها من المثقلات ، كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة ، لا يحلّ مقتولها كالمقتول بالحبائل والشبكة والشرك ونحوها . نعم ، لا بأس بالاصطياد بها ، وكذا بالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي وغيرها ؛ بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها ، ولكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلاّ إذا أدركه وذكّاه .
(مسألة 8) : لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة - المسمّاة بالبُندقية - مع اجتماع الشرائط ؛ بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة بحدّته على الأحوط ، فيجتنب ممّا قتل بالبندق الذي ليس كذلك وإن جرح وخرق بقوّته ، والبندقة التي قلنا - في المسألة السابقة - بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدّتها .
(مسألة 9) : لا يعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد ولا وحدة الآلة ، فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح ، وسَمّيا معاً فقتلا صيداً ، حلّ إذا اجتمع الشرائط فيهما . بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد ورماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ .
(مسألة 10) : يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد
ص: 148
بالآلة الحيوانية ، فيشترط كون الصائد مسلماً ، والتسمية عند استعمال الآلة ، وأن يكون استعمالها للاصطياد ، فلو رمى إلى هدف أو إلى عدوّ أو إلى خنزير ، فأصاب غزالاً فقتله ، لم يحلّ وإن سمّى عند الرمي لغرض من الأغراض . وكذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله . وأن لا يُدركه حيّاً زماناً اتّسع للذبح ، فلو أدركه كذلك لم يحلّ إلاّ بالذبح ، والكلام في وجوب المسارعة وعدمه كما مرّ . وأن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد ، فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ ، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل ، أو وقع في الماء ، واستند موته إليهما بل وإن لم يعلم استقلال السهم في إماتته ، لم يحلّ . وكذا لو رماه شخصان فقتلاه وفقدت الشرائط في أحدهما .
(مسألة 11) : لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة ، فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين وإن فعل حراماً ، وعليه الاُجرة ، ويملكه الصائد دون صاحب الآلة .
(مسألة 12) : الحيوان الذي يحلّ مقتوله بالكلب والآلة - مع اجتماع الشرائط - كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره ؛ سواء كان كذلك بالأصل كالحمام والظبي والبقر الوحشي ، أو كان إنسياً فتوحّش أو استعصى كالبقر المستعصي والبعير كذلك ، وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل ونحوه . وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولا يقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج ، فلا تقع التذكية الصيدية على الحيوان الأهلي المستأنس ؛ سواء كان استئناسه أصلياً كالدجاج والشاة والبعير والبقر ، أو عارضياً كالظبي والطير المستأنسين ، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو ، وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران ، فلو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما ، حلّ الطائر دون الفرخ .
ص: 149
(مسألة 13) : الظاهر أ نّه كما تقع التذكية الصيدية على الحيوان المأكول اللحم ، فيحلّ بها أكله ويطهر جلده ، تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً ، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به . هذا إذا كانت بالآلة الجمادية . وأمّا الحيوانية ففيها تأمّل وإشكال .
(مسألة 14) : لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان ، فإن كانت الآلة غير محلّلة - كالشبكة والحبالة مثلاً - يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، وكذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرّة على الأحوط ؛ بأن تكون حركته حركة المذبوح ، وإن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية . وإن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، فإن زالت الحياة المستقرّة عن الجزءين بهذا القطع حلاّ معاً ، وإن بقيت الحياة المستقرّة ، حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، ويكون ميتة ؛ سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا ، وأمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية ، ولو اتّسع لها لا يحلّ إلاّ بالذبح .
(مسألة 15) : يملك الحيوان الوحشي - سواء كان من الطيور أو غيره - بأحد اُمور ثلاثة :
أحدها : أخذه حقيقة ؛ بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه ، أو شدّه بحبل ونحوه ؛ بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملّك ، وأمّا مع عدم القصد ففيه إشكال ، كما أ نّه مع قصد الخلاف لا يملك .
ثانيها : وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها ، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك .
ثالثها : أن يصيّره غير ممتنع بآلة ، كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن
ص: 150
العدو ، أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران ؛ سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم والكلب المعلّم ، أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهين وغيرها . ويعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد والتملّك ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه ، فلو أخذه شخص آخر بقصد التملّك ملكه .
(مسألة 16) : الظاهر أ نّه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان وزوال امتناعه ؛ ولو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع ، أو باتّخاذ أرض وإجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحّل فيها فتوحّل ، أو فتح باب شيء ضيّق وإلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير ، فأغلق عليها وزال امتناعها . وأمّا لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها على امتناعها في البيت ، فالظاهر عدم تملّكه به مع إغلاق الباب ، كما أ نّه لو عشّش الطير في داره لم يملكه بمجرّده ، وكذا لو توحّل حيوان في أرضه الموحلة ما لم يجعلها كذلك لأجل الاصطياد ، فلو أخذه شخص بعد ذلك ملكه ؛ وإن عصى لو دخل داره أو أرضه بغير إذنه .
(مسألة 17) : لو سعى خلف حيوان حتّى أعياه ووقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه ، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه .
(مسألة 18) : لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد ، ولم تمسكه الشبكة لضعفها وقوّته فانفلت منها ، لم يملكه ناصبها ، وكذا إن أخذ الشبكة وانفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع ، فإن صاده غيره ملكه وردّ الشبكة إلى صاحبها . نعم ، لو أمسكته الشبكة وأثبتته ، ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجية ،
ص: 151
لم يخرج بذلك عن ملكه ، كما لو أمسكه بيده ثمّ انفلت منها ، وكذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فإنّه لناصبها ، فلو أخذه غيره يجب أن يردّه إليه .
(مسألة 19) : لو رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع ، فدخل داراً فأخذه صاحبها ملكه بأخذه ، لا بدخول الدار ، كما أ نّه لو رماه ولم يثبته فرماه شخص آخر فأثبته فهو للثاني .
(مسألة 20) : لو أطلق الصائد صيده ، فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه ، ولا يملكه غيره باصطياده ، وإن قصد الإعراض وزوال ملكه عنه فالظاهر أ نّه يصير كالمباح ، جاز اصطياده لغيره ويملكه ، وليس للأوّل الرجوع إليه بعد تملّكه على الأقوى .
(مسألة 21) : إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير ؛ ولو من جهة آثار اليد التي هي أمارة على الملك فيه ، كما إذا كان طوق في عنقه ، أو قرط في اُذنه ، أو شدّ حبل في أحد قوائمه ، ولو علم ذلك لم يملكه الصائد ، بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه ، وإن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة . وأمّا الطير فإن كان مقصوص الجناحين ، كان بحكم ما علم أنّ له مالكاً ، فيردّ إلى صاحبه إن عرف ، وإن لم يعرف كان لقطة . وأمّا إن ملك جناحيه يتملّك بالاصطياد إلاّ إذا كان له مالك معلوم ، فيجب ردّه إليه ، والأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً ولو من جهة وجود آثار اليد فيه ولم يعرفه ، أن يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير .
(مسألة 22) : لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه ، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقه مثلاً ، فيجوز لغيره صيده ، ويملك ما صاده ، بل لو
ص: 152
أخذ حمامة من البرج ملكها ؛ وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه ، وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها ، فإنّه لا يملكه مالكها .
(مسألة 23) : الظاهر أ نّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال - مثلاً - واستولى عليه يملكه ويملك كلّ ما تتبعه من النحل ؛ ممّا تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتدخل الكنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه .
(مسألة 24) : ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً ، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته ؛ سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها ، فلو وثب على الجدّ ، أو نبذه البحر إلى الساحل ، أو نضب الماء الذي كان فيه ، حلّ لو أخذه شخص قبل أن يموت ، وحرم لو مات قبل أخذه وإن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى .
(مسألة 25) : لا يشترط في تذكية السمك - عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه - التسمية ، كما أ نّه لا يعتبر في صائده الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ؛ سواء كان كتابياً أو غيره . نعم ، لو وجده في يده ميّتاً ، لم يحلّ أكله ما لم يعلم أ نّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه ، أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ، ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم ، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها .
(مسألة 26) : لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد ، ولم يملكه السفّان ولا صاحب السفينة ، بل كلّ من أخذه بقصد التملّك ملكه . نعم ، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها ؛ بأن يجعل فيها ضوء بالليل ، ودقّ بشيء
ص: 153
كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها ، فالوجه أ نّه يملكها ، ويكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّاً ، فيكون به تذكيتها .
(مسألة 27) : لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك ، فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه ، فإن اُخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال ، وكذا لو نضب الماء وغار - ولو بسبب جزره - فمات فيهما بعد نضوبه . وأمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا ؟ قولان أشهرهما وأحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة ، ولو أخرج الشبكة من الماء ، فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً ، ولم يدر أ نّه قد مات في الماء أو بعد خروجه ، فالأحوط الاجتناب عنه .
(مسألة 28) : لو أخرج السمك من الماء حيّاً ، ثمّ أعاده إليه مربوطاً أو غير مربوط ، فمات فيه حرم .
(مسألة 29) : لو طفا السمك على الماء وزال امتناعه بسبب - مثل أن ضرب بمضراب ، أو بلع ما يسمّى ب- «الزهر» في لسان بعض الناس أو غير ذلك - فإن أدركه شخص وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ ، وإن مات على الماء حرم ، وإن ألقى «الزهر» أحدٌ فبلعه السمك ، وصار على وجه الماء وزال امتناعه ، فإن لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه ، فلو أخذه غيره ملكه ؛ من غير فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أو لا ، وإن كان بقصد الاصطياد والتملّك فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له ، فلا يملكه غيره بالأخذ ، وكذا الحال إذا كان إزالة امتناعه بشيء آخر كاستعمال آلة ، كما إذا رماه بالرصاص فطفا على الماء . وبالجملة : لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه بقصد الاصطياد والتملّك مطلقاً موجبة للملكية كالحيازة .
ص: 154
(مسألة 30) : لا يعتبر في حلّية السمك - بعد ما اُخرج من الماء حيّاً ، أو اُخذ حيّاً بعد خروجه - أن يموت خارج الماء بنفسه ، فلو قطعه قبل أن يموت ومات بالتقطيع أو غيره حلّ أكله ، بل لا يعتبر في حلّه الموت رأساً ، فيحلّ بلعه حيّاً ، بل لو قطع منه قطعة ، واُعيد الباقي إلى الماء ، حلّ ما قطعه ؛ سواء مات الباقي في الماء أم لا . نعم ، لو قطع منه قطعة وهو في الماء - حيّ أو ميّت - لم يحلّ ما قطعه .
(مسألة 31) : ذكاة الجراد أخذه حيّاً سواء كان باليد أو بالآلة ، فلو مات قبل أخذه حرم . ولا يعتبر فيه التسمية ولا الإسلام كما مرّ في السمك . نعم ، لو وجده ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً ، ولا تجدي يده ولا إخباره في إحرازه .
(مسألة 32) : لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد ، لم يحلّ وإن قصده المُحرق . نعم ، لو مات بعد أخذه بأيّ نحو كان حلّ ، كما أ نّه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد ؛ بأ نّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها ، فاُجّجت لذلك فاجتمعت واحترقت بها ، لا يبعد حلّيتها .
(مسألة 33) : لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران ، وهو المسمّى ب- «الدبى» على وزن «عصا» ، وهو الجراد إذا تحرّك ولم تنبت بعدُ أجنحته .
والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيته وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل :
ص: 155
(مسألة 1) : يشترط في الذابح : أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أم غيره ؛ حتّى الكتابي على الأقوى . ولا يشترط فيه الإيمان ، فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام ، عدا الناصب وإن أظهر الإسلام .
(مسألة 2) : لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة ، فضلاً عن الخُنثى ، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً والأعمى والأغلف وولد الزنا .
(مسألة 3) : لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ ؛ وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها . نعم ، لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها ، أو اضطرّ إليه ، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح ؛ ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها . نعم ، في وقوع الذّكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال ؛ وإن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان ، والأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً ؛ وإن كان الوقوع لا يخلو من قرب .
(مسألة 4) : الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم ، وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً ، والمريء ، وهو مجرى الطعام والشراب ، ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان ، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المريء ، وربما يطلق على هذه الأربعة : الأوداج الأربعة ، واللازم قطعها وفصلها ، فلا يكفي شقّها من دون القطع والفصل .
ص: 156
(مسألة 5) : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان ب- «الجوزة» ، وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ؛ بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة ؛ على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها ، ولم يقع الذبح من تحتها ، لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك ، فاللازم مراعاته ، كما أ نّه يلزم أن يكون شيء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس ؛ حتّى يعلم أ نّها انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس .
(مسألة 6) : يشترط أن يكون ال-ذبح م-ن الق-دّام ، فلو ذبح م-ن القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت . نعم ، لو قطعها م-ن الق-دّام ، لكن لا م-ن الفوق ؛ بأن أدخ-ل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، لم تحرم الذبيح-ة وإن فعل مكروه-اً على الأوج-ه ، والأح-وط ترك ه-ذا النحو .
(مسألة 7) : يجب الت-تابع في الذبح ؛ بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح ، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت ، بل لا يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ؛ ولا يعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها .
(مسألة 8) : لو قطع رقبة الذبيحة من القفا ، وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن بقيت لها الحياة المستكشف-ة بالحرك-ة ولو يسيرة بعد الذب-ح وقطع الأوداج حلّت ،
ص: 157
وإن كان لها حركة ولو يسيرة قبل الذبح ذُبحت ، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت ، وإلاّ فإن لم ت-تحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرمت ، وإن تحرّكت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال .
(مسألة 9) : لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة ، فإن لم تبق لها الحياة حرمت ، وإن بقيت يمكن أن يتدارك ؛ بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت ، وقطع الأعضاء وحلّت ، واستكشاف الحياة كما مرّ .
(مسألة 10) : لو أكل الذئب - مثلاً - مذبح الحيوان وأدركه حيّاً ، فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها ؛ بحيث لم يبق شيء منها ولا منها شيء ، فهو غير قابل للتذكية وحرمت ، وكذا إن أكلها من فوق أو من تحت ، وبقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن على الأحوط ، فلا يحلّ بقطع ما بقي منها ، وكذلك لو أكل بعضها تماماً وأبقى بعضها كذلك ، كما إذا أكل الحُلقوم بالتمام وأبقى الباقي كذلك ، فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه ، فلا يترك الاحتياط .
(مسألة 11) : يُشترط في التذكية الذبحية - مضافاً إلى ما مرّ - اُمور :
أحدها : الاستقبال بالذبيحة حال الذبح ؛ بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، فإن أخلّ به فإن كان عامداً عالماً حرمت ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً في القبلة أو في العمل لم تحرم ، ولو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط . ولا يشترط استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى .
ثانيها : التسمية من الذابح ؛ بأن يذكر اسم اللّه عليها ، حينما يتشاغل بالذبح ، أو
ص: 158
متّصلاً به عرفاً ، أو قبيله المتّصل به ، فلو أخلّ بها فإن كان عمداً حرمت ، وإن كان نسياناً لم تحرم . وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان ، أظهرهما الثاني . والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد ؛ أعني بعنوان كونها على الذبيحة ، ولا تجزي التسمية الاتّفاقية الصادرة لغرض آخر .
ثالثها : صدور حركة منها بعد تمامية الذبح ؛ كي تدلّ على وقوعه على الحيّ ولو كانت يسيرة ، مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اُذنها أو ذنبها أو تركض برجلها ونحوها ، ولا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل ، فلو تحرّك ولم يخرج الدم ، أو خرج متثاقلاً ومتقاطراً - لا سائلاً معتدلاً - كفى في التذكية . وفي الاكتفاء به أيضاً - حتّى يكون المعتبر أحد الأمرين : من الحركة ، أو خروج الدم المعتدل - قول مشهور بين المتأخّرين ، ولا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . هذا إذا لم يعلم حياته ، وأمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال .
(مسألة 12) : لا يعتبر كيفي-ة خاصّ-ة في وضع الذبيح-ة على الأرض حال الذبح ، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن ، كهيئة الميّت حال الدف-ن ، وأن يضعها على الأيسر .
(مسألة 13) : لا يعتبر في التسمي-ة كيفي-ة خاصّ-ة وأن تكون في ضمن البسملة ، بل المدار صدق ذكر اسم اللّه عليها ، فيكفي أن يقول : «بسم اللّه» ، أو «اللّه أكبر» ، أو «الحمد للّه» ، أو «لا إله إلاّ اللّه» ، ونحوها . وفي الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالاًّ على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد ، إشكال . نعم ، التعدّي من لفظ «اللّه» إلى سائر أسمائه الحسنى - كالرحمان
ص: 159
والبارئ والخالق وغيرها من أسمائه الخاصّة - غير بعيد ، لكن لا يترك الاحتياط فيه . كما أنّ التعدّي إلى ما يُرادف لفظ الجلالة في لغة اُخرى - كلفظة «يزدان» في الفارسية وغيرها في غيرها - لا يخلو من وجه وقوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربية .
(مسألة 14) : الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذبيحة بالمعنى الذي فسّروه ، وهو أن لا تكون مشرفة على الموت ؛ بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم ، كالمشقوق بطنه والمخرج حشوته والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والساقط من شاهق ونحوها ، بل المعتبر أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج ، فإن علم ذلك فهو ، وإلاّ يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة كما تقدّم .
(مسألة 15) : لا يشترط في حلّي-ة الذبيح-ة بعد وق-وع الذب-ح عليها حيّاً أن يكون خ-روج روحها بذلك ال-ذبح ، فلو وقع عليها ال-ذبح الشرعي ، ثمّ وقعت ف-ي ن-ار أو م-اء أو سقطت م-ن جبل ونح-و ذلك ، فماتت ب-ذلك حلّت عل-ى الأقوى .
(مسألة 16) : يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر ، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح ، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة . نعم ، لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك ؛ بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر ، أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح ، ووقعت عليه التذكية .
(مسألة 17) : كيفية النحر ومحلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحديدية في لبته ، وهي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق
ص: 160
والصدر ، ويشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحية ، فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح ، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح ، وتجب التسمية عنده كما تجب عند الذبح ، ويجب الاستقبال بالمنحور ، وفي اعتبار الحياة واستقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة .
(مسألة 18) : يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة ، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها ؛ مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة ؛ وإن كان الأفضل كونها قائمة .
(مسألة 19) : كلّ ما يتعذّر ذبحه ونحره - إمّا لاستعصائه ، أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره ، كما لو تردّى في البئر ، أو وقع في مكان ضيّق وخيف موته - جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه ويقتله ، ويحلّ أكله وإن لم يصادف العقر موضع التذكية ، وسقطت شرطية الذبح والنحر ، وكذلك الاستقبال . نعم ، سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها . وأمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجمادية ، وفي الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان ، أقواهما ذلك في المستعصي ، ومنه الصائل المستعصي ، دون غيره كالمتردّي .
(مسألة 20) : للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبّة ومكروهة :
فمنها : على ما حكي الفتوى به عن جماعة ، أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق الاُخرى ، ويمسك صوفه وشعره بيده حتّى تبرد ، وفي البقر أن يعقل قوائمه الأربع ، ويطلق ذنبه ، وفي الإبل أن تكون قائمة ، ويربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو الإبطين ويطلق رجليها ، وفي الطير أن يرسله بعد
ص: 161
الذبح حتّى يرفرف . ومنها : أن يكون الذابح والناحر مستقبل القبلة . ومنها : أن يعرض عليه الماء قبل الذبح والنحر . ومنها : أن يعامل مع الحيوان في الذبح والنحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذيب والإيذاء له ؛ بأن يُساق إلى الذبح والنحر برفق ويضجعه برفق ، وأن يحدّد الشفرة ، وتوارى وتستر عنه حتّى لا يراها ، وأن يسرع في العمل ويمرّ السكّين في المذبح بقوّة .
وأمّا المكروهة فمنها : أن يسلخ جلده قبل خروج الروح ، وقيل بالحرمة وإن لم تحرم به الذبيحة ، وهو أحوط . ومنها : أن يقلب السكّين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق . ومنها : أن يذبح حيوان وحيوانٌ آخر مجانس له ينظر إليه ، وأمّا غيره ففيها تأمّل وإن لا تخلو من وجه . ومنها : أن يذبح ليلاً ، وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة ، إلاّ مع الضرورة . ومنها : أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم . وأمّا إبانة الرأس قبل خروج الروح منه فالأحوط تركها ، بل الحرمة لا تخلو من وجه . نعم ، لا تحرم الذبيحة بفعلها على الأقوى . هذا مع التعمّد . وأمّا مع الغفلة أو سبق السكّين فلا حرمة ولا كراهة - لا في الأكل ، ولا في الإبانة - بلا إشكال . والأحوط ترك أن تنخع الذبيحة ؛ بمعنى إصابة السكّين إلى نخاعها ، وهو الخيط الأبيض وسط القفار الممتدّ من الرقبة إلى عجز الذنب .
(مسألة 21) : لو خرج جنين أو اُخرج من بطن اُمّه ، فمع حياة الاُمّ أو موتها بدون التذكية ، لم يحلّ أكل-ه إلاّ إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكي-ة ، وكذا إن خ-رج أو اُخرج حيّاً من بطن اُمّه المذكّاة ، فإنّه لا يحلّ إلاّ بالتذكية ، فلو لم يذكّ لم يحلّ وإن كان عدمها م-ن جه-ة ع-دم اتّساع الزم-ان لها على الأق-وى . وأمّا لو خرج أو اُخرج ميّتاً من بطن اُمّه المذكّاة ، حلّ أكله ، وكانت تذكيته بتذكية اُمّه ، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة وقد أشعر أو أوبر وإلاّ فميت-ة ، ولا فرق في حلّيته
ص: 162
م-ع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح وبين ما ولجته ومات في بطن اُمّه على الأقوى .
(مسألة 22) : لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ، ومات بعده قبل أن يشقّ بطنها ويستخرج منها ، حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته ، بل ولو لم يبادر ولم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح ؛ وإن كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتّى بالقدر المتعارف . ولو أخّر زائداً عن المتعارف ومات قبل أن يشقّ البطن فالأحوط الاجتناب عنه .
(مسألة 23) : لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً - وإن حرم بالعارض كالجلاّل والموطوء - بحرياً كان أو برّياً ، وحشياً كان أو إنسياً ، طيراً كان أو غيره ؛ وإن اختلف في كيفية التذكية على ما مرّ . وأثر التذكية فيها : طهارة لحمها وجلدها وحلّية لحمها لو لم يحرم بالعارض . وأمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه ؛ لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّية ؛ لأ نّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال . وما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين - كالكلب والخنزير - فليس قابلاً للتذكية . وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدبّ والقرد ونحوها . وكذا الحشرات ، وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض ، كالفأرة وابن عرس والضّبّ ونحوها على الأحوط الذي لا يُترك فيهما ؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه . وأمّا السباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم ؛ سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها ، أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها ، فالأقوى قبولها للتذكية ، وبها تطهر لحومها وجلودها ، فيحلّ الانتفاع بها ؛ بأن تلبس في
ص: 163
غير الصلاة ويفترش بها ، بل بأن تجعل وعاءً للمائعات ، كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة .
(مسألة 24) : الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة - غير ما ذكر آنفاً - تقع عليها التذكية ، فتطهر بها لحومها وجلودها .
(مسألة 25) : تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل ، إنّما تكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل ، وكذا بالاصطياد بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع منها كالمحلّل . وفي تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد وإشكال .
(مسألة 26) : ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود - إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى - يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى ؛ بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط ، فحينئذٍ يجوز بيعه وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة ، وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية ، ولا يجب عليه الفحص والسؤال ، بل ولا يستحبّ ، بل نهي عنه . وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين ؛ سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال ، بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال ، كما إذا كان اللحم مطبوخاً والجلد مخيطاً أو مدبوغاً . وكذا إذا اُخذ من الكافر ، وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم . وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم ، وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار ، أو كان مطروحاً في أرضهم ولم يعلم أ نّه مسبوق
ص: 164
بيد المسلم واستعماله ، يعامل معه معاملة غير المذكّى ، وهو بحكم الميتة . والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين ؛ بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفّار . كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار . ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار .
(مسألة 27) : لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً ، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ، ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، ولا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية . وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية - اجتهاداً أو تقليداً - أو مخالفاً معه فيها ؛ إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه ، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربية ، دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك ؛ وإن لم يلزم رعايته عنده . واللّه العالم .
ص: 165
والمقصود من هذا الكتاب بيان المحلّل والمحرّم من الحيوان وغير الحيوان .
(مسألة 1) : لا يؤكل من حيوان البحر إلاّ السمك والطير في الجملة ، فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتّى ما يؤكل مثله في البرّ كبقره على الأقوى .
(مسألة 2) : لا يؤك-ل م-ن السمك إلاّ م-ا كان ل-ه فلس وقشور بالأصل وإن لم تبق وزالت بالعارض كالكنعت ، فإنّه - على ما ورد فيه - حوت سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شيء فيذهب فلسها ، ولذا لو نظرت إلى أصل اُذنها وجدته فيه . ولا فرق بين أقسام السمك ذي القشور ، فيحلّ جميعها صغيرها وكبيرها من البزّ والبنّي والشبّوط والقطّان والطيرامي والإبلامي وغيرها ، ولا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل ، كالجرّي والزمّار والزهو والمارماهي وغيرها .
(مسألة 3) : الإربِيان - المسمّى في لسان أهل هذا الزمان ب- «الروبيان» - من جنس السمك الذي له فلس ، فيجوز أكله .
ص: 166
(مسألة 4) : بيض السمك يتبعه ، فبيض المحلّل حلال وإن كان أملس ، وبيض المحرّم حرام وإن كان خشناً . والأحوط في حال الاشتباه عدم أكل ما كان أملس . نعم ، لو كان مشتبهاً في أ نّه من المحلّل والمحرّم ، وكان خشناً ، أو اشتبه ذلك أيضاً ، حلّ أكله .
(مسألة 5) : البهائم البرّية من الحيوان صنفان : إنسية ووحشية . أمّا الإنسية فيحلّ منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ويكره الخيل والبغال والحمير ، وأخفّها كراهة الأوّل . وتحرم منها غير ذلك كالكلب والسنّور وغيرهما . وأمّا الوحشية فتحلّ منها الظبي والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحمور والحمير الوحشية . وتحرم منها السباع ، وهي ما كان مفترساً وله ظفر وناب ؛ قويّاً كان كالأسد والنمر والفهد والذئب ، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع واب-ن آوى . وك-ذا يح-رم الأرنب وإن لم يك-ن م-ن السباع . وك-ذا تح-رم الحشرات كلّها ، كالحيّ-ة والفأرة والضبّ واليربوع والقنفذ والصراصر والجعل والبراغيث والقمّل وغيرها ممّا لا تحصى ، وكذا تحرم المسوخ كالفيل والقردة والدبّ وغيرها .
(مسألة 6) : يحلّ من الطير الحمام بجميع أصنافه ، كالقماري وهو الأزرق ، والدباسي وهو الأحمر ، والوَرَشان وهو الأبيض ، والدرّاج والقبج والقطا والطيهوج والبطّ والكروان والحبارى والكركي ، والدجاج بجميع أقسامه ، والعصفور بجميع أنواعه ، ومنه البلبل والزرزور ، والقبّرة ، وهي التي على رأسها القزعة . ويكره منه الهدهد ، والخطّاف ، وهو الذي يأوي البيوت وآنس الطيور بالناس ، والصرد ، وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير أبقع نصفه أسود ونصفه أبيض ، والصوام ، وهو طائر أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت
ص: 167
في النخل ، والشقرّاق وهو طائر أخضر مليح بقدر الحمام ، خضرته حسنة مُشبعة ، في أجنحته سواد ، ويكون مخطّطاً بحمرة وخضرة وسواد ، ولا يحرم شيء منها حتّى الخطّاف على الأقوى . ويحرم منه الخفّاش والطاووس وكلّ ذي مخلب ؛ سواء كان قويّاً يقوى به على افتراس الطير ، كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ، أو ضعيفاً لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث .
(مسألة 7) : الأحوط التنزّه والاجتناب عن الغراب بجميع أقسامه حتّى الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف الذي هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد ، ويتأكّد الاحتياط في الأبقع الذي فيه سواد وبياض ، ويقال له : العقعق ، والأسود الكبير الذي يسكن الجبال ، وهما يأكلان الجيف ، ويحتمل قويّاً كونهما م-ن سباع الطير ، فتقوى فيهما الحرم-ة ، بل الحرم-ة ف-ي مطلق الغراب لا تخلو م-ن قرب .
(مسألة 8) : يميّز محلّل الطير عن محرّمه بأمرين ، جُعل كلّ منهما في الشرع علامة للحلّ والحرمة فيما لم ينصّ على حلّيته ولا على حرمته ، دون ما نصّ فيه على حكمه من حيث الحلّ والحرمة كالأنواع المتقدّمة :
أحدهما : الصفيف والدفيف ، فكلّ ما كان صفيفه - وهو بسط جناحيه عند الطيران - أكثر من دفيفه - وهو تحريكهما عنده - فهو حرام ، وما كان بالعكس - بأن كان دفيفه أكثر - فهو حلال .
ثانيهما : الحوصلة والقانصة والصيصية ، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال ، وما لم يكن فيه شيء منها فهو حرام . والحوصلة : ما يجتمع فيه الحبّ وغيره من المأكول عند الحلق . والقانصة : قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير . والصيصية : هي الشوكة التي في رِجل الطير موضع العقب .
ص: 168
ويتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين ، فما كان دفيفه أكثر من صفيفه ، أو كان فيه أحد الثلاثة ، فهو حلال وإن كان يأكل السمك ، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه ، أو لم يوجد فيه شيء من الثلاثة ، فهو حرام .
(مسألة 9) : لو تعارضت العلامتان كما إذا كان ما صفيفه أكثر من دفيفه ، ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية ، أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه ، فاقداً للثلاثة ، فالظاهر أنّ الاعتبار بالصفيف والدفيف ، فيحرم الأوّل ويحلّ الثاني على إشكال في الثاني ، فلا يُترك الاحتياط وإن كان الحلّ أقرب . لكن ربما قيل بالتلازم بين العلامتين وعدم وقوع التعارض بينهما ، فلا إشكال .
(مسألة 10) : لو رأى طيراً يطير وله صفيف ودفيف ولم يتبيّن أيّهما أكثر ، تعيّن له الرجوع إلى العلامة الثانية ، وهي وجود أحد الثلاثة وعدمها ، وكذا إذا وجد طيراً مذبوحاً لم يعرف حاله . ولو لم يعرف حاله مطلقاً فالأقرب الحلّ .
(مسألة 11) : لو فرض تساوي الصفيف والدفيف ، فالأحوط أن يرجع إلى العلامة الثانية ، ومع عدم معرفة الثانية فالأقرب الحلّ .
(مسألة 12) : بيض الطيور تابع لها في الحلّ والحرمة ، فبيض المحلّل حلال والمحرّم حرام . وما اشتبه أ نّه من أيّهما يؤكل ما اختلف طرفاه ؛ وتميّز رأسه من تحته ، مثل بيض الدجاج ، دون ما اتّفق وتساوى طرفاه .
(مسألة 13) : النعامة من الطيور ، وهي حلال لحماً وبيضاً على الأقوى .
(مسألة 14) : اللقلق لم ينصّ على حرمته ولا على حلّيته ، فليرجع إلى العلامات ، والظاهر أنّ صفيفه أكثر ، فهو حرام ، ومن لم يحرز له ذلك يرجع إلى العلامة الثانية .
ص: 169
(مسألة 15) : تعرض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل من اُمور : منها :
الجلل ، وهو أن يتغذّى الحيوان عذرة الإنسان بحيث يصدق عرفاً أ نّها غذاؤه ، ولا يلحق بها عذرة غيره ولا سائر النجاسات . ويتحقّق صدق المزبور بانحصار غذائه بها ، فلو كان يتغذّى بها مع غيرها لم يتحقّق الصدق ، فلم يحرم إلاّ أن يكون تغذّيه بغيرها نادراً جدّاً ؛ بحيث يكون بأنظار العرف بحكم العدم ، وبأن يكون تغذّيه بها مدّة معتدّاً بها . والظاهر عدم كفاية يوم وليلة ، بل يشكّ صدقه بأقلّ من يومين بل ثلاثة .
(مسألة 16) : يعمّ حكم الجَلَل كلّ حيوان محلّل حتّى الطير والسمك .
(مسألة 17) : كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه وبيضه ، ويحلاّن بما يحلّ به لحمه . وبالجملة : هذا الحيوان المحرّم بالعارض كالحيوان المحرّم بالأصل - في جميع الأحكام - قبل أن يستبرأ ويزول حكمه . نعم ، الحكم في بعض أفراد الكلّية مبنيّ على الاحتياط .
(مسألة 18) : الظاهر أنّ الجلل ليس مانعاً عن التذكية ، فيُذكّى الجلاّل بما يُذكّى به غيره ، ويترتّب عليها طهارة لحمه وجلده ، كسائر الحيوانات المحرّمة بالأصل القابلة للتذكية .
(مسألة 19) : تزول حرمة الجلاّل بالاستبراء بترك التغذّي بالعذرة ، والتغذّي بغيرها حتّى يزول عنه اسم الجلل . ولا يترك الاحتياط مع زوال الاسم بمضيّ المدّة المنصوصة في كلّ حيوان : وهي في الإبل(1) أربعون يوماً ، وفي البقر
ص: 170
عشرون يوماً ، والأحوط ثلاثون ، وفي الغنم عشرة أيّام ، وفي البطّة خمسة أيّام ، وف-ي الدجاج-ة ثلاثة أيّام ، وف-ي السمك يوم وليل-ة ، وفي غير ما ذك-ر ، الم-دار ه-و زوال اسم الجلل ؛ بحيث لم يصدق أ نّ-ه يتغذّى بالع-ذرة ، بل صدق أنّ غ-ذاءه غيرها .
(مسألة 20) : كيفية الاستبراء : أن يمنع الحيوان - بربط أو حبس - عن التغذّي بالعذرة في المدّة المقرّرة ، ويعلف في تلك المدّة علفاً طاهراً على الأحوط ؛ وإن كان الاكتفاء بغير ما أوجب الجلل مطلقاً - وإن كان متنجّساً أو نجساً - لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في المتنجّس .
(مسألة 21) : يستحبّ ربط ال-دجاج-ة التي ي-راد أكلها أيّام-اً ثمّ ذبحه-ا وإن لم يعلم جللها .
(مسألة 22) : ممّ-ا يوجب حرم-ة الحي-وان المحلّل بالأص-ل ، أن يط-أه الإنسان قب-لاً أو دب-راً وإن لم ينزل ؛ صغي-راً ك-ان الواطئ أو كبيراً ، عالماً ك-ان أو جاهلاً ، مختاراً كان أو مكرهاً ، فحلاً كان الموطوء أو اُنثى ، فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله المتجدّد بعد الوط ء ؛ على الأقوى في نسل الاُنثى ، وعلى الأحوط في نسل الذكر ، وكذا لبنهما وصوفهما وشعرهما ، والظاهر أنّ الحك-م مختصّ بالبهيم-ة ، ولا يج-ري في وط ء سائ-ر الحيوانات ؛ لا فيها ولا في نسلها .
(مسألة 23) : الحيوان الموطوء إن كان ممّا يراد أكله كالشاة والبقرة والناقة ، يجب أن يذبح ثمّ يحرق ، ويغرم الواطئ قيمته لمالكه إن كان غير المالك ، وإن كان ممّا يراد ظهره - حملاً أو ركوباً - وليس يعتاد أكله كالحمار والبغل والفرس ،
ص: 171
اُخرج من المحلّ الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه ، فيعطى ثمنه للواطئ ، ويغرم قيمته إن كان غير المالك .
(مسألة 24) : ممّا يوجب عروض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل ، أن يرضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة ؛ حتّى قوي ونبت لحمه واشتدّ عظمه ، فيحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما . ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة ، وفي تعميم الحكم للشرب من دون رضاع ، وللرضاع بعد ما كبر وفطم ، إشكال وإن كان أحوط . وإن لم يشتدّ كره لحمه . وتزول الكراهة بالاستبراء سبعة أيّام ؛ بأن يُمنع عن التغذّي بلبن الخنزيرة ويعلف إن استغنى عن اللبن ، وإن لم يستغن عنه يلقى على ضرع شاة - مثلاً - في تلك المدّة .
(مسألة 25) : لو شرب الحيوان المحلّل الخمر حتّى سكر وذبح في تلك الحالة يؤكل لحمه ، لكن بعد غسله على الأحوط ، ولا يؤكل ما في جوفه ؛ من الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وإن غسل . ولو شرب بولاً ثمّ ذبح عقيب الشرب حلّ لحمه بلا غسل ، ويؤكل ما في جوفه بعد ما يغسل .
(مسألة 26) : لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتّى فطم وكبر ، لم يحرم لحمه ، لكنّه مكروه .
(مسألة 27) : يحرم من الحيوان المحلّل أربعة عشر شيئاً : الدم والروث والطحال والقضيب والفرج ظاهره وباطنه ، والاُنثيان والمثانة والمرارة ، والنخاع ، وهو خيط أبيض كالمخّ في وسط قفار الظهر ، والغدد ، وهي كلّ عقدة في الجسد مدوّرة يشبه البندق في الأغلب ، والمشيمة ، وهي موضع الولد ، ويجب الاحتياط عن قرينه الذي يخرج معه ، والعلباوان ، وهما عصبتان عريضتان صفراوان
ص: 172
ممتدّتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب ، وخرزة الدماغ ، وهي حبّة في وسط الدماغ بقدر الحمّصة ، تميل إلى الغبرة في الجملة ، يخالف لونها لون المخّ الذي في الجمجمة ، والحدقة ، وهي الحبّة الناظرة من العين ، لا جسم العين كلّه .
(مسألة 28) : تختصّ حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة ، فلا يحرم من السمك والجراد شيء منها ، ما عدا الرجيع والدم على إشكال فيهما .
(مسألة 29) : لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن كلّ ما وجد من المذكورات في الطيور ، كما لا إشكال في حرمة الرجيع والدم منها .
(مسألة 30) : يؤكل من الذبيحة غير ما مرّ ، فيؤكل القلب والكبد والكرش والأمعاء والغضروف والعضلات وغيرها . نعم ، يكره الكليتان واُذنا القلب والعروق ، خصوصاً الأوداج . وهل يؤكل منها الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا ؟ أظهرهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني . نعم ، لا إشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من الطيور ، وكذا في عظم صغار الطيور كالعصفور .
(مسألة 31) : يجوز أكل لحم ما حلّ أكله نيّاً ومطبوخاً ، بل ومحروقاً إذا لم يكن مضرّاً . نعم ، يكره أكله غريضاً ؛ أي كونه طريّاً لم يتغيّر بالشمس ولا النار ، ولا بذرّ الملح عليه وتجفيفه في الظلّ وجعله قديداً .
(مسألة 32) : اختلفوا في حلّية بول ما يؤكل لحمه - كالغنم والبقر عند عدم الضرورة - وعدمها ، والأوّل هو الأقوى . كما لا إشكال في حلّية بول الإبل للاستشفاء .
(مسألة 33) : يحرم رجيع كلّ حيوان ولو كان ممّا حلّ أكله . نعم ، الظاهر عدم
ص: 173
حرمة فضلات الديدان الملتصقة بأجواف الفواكه والبطائخ ونحوها ، وكذا ما في جوف السمك والجراد إذا اُكل معهما .
(مسألة 34) : يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتّى العلقة ، عدا ما يتخلّف في الذبيحة ؛ على إشكال فيما يجتمع منه في القلب والكبد . وأمّا الدم من غير ذي النفس ، فما كان ممّا حرم أكله كالوزغ والضفدع ، فلا إشكال في حرمته ، وما كان ممّا حلّ أكله كالسمك الحلال ففيه خلاف ، والظاهر حلّيته إذا اُكل مع السمك ؛ بأن اُكل السمك بدمه ، وأمّا إذا اُكل منفرداً ففيه إشكال ، والأحوط الاجتناب من الدم في البيضة وإن كان طاهراً .
(مسألة 35) : قد مرّ - في كتاب الطهارة - طهارة ما لا تحلّه الحياة من الميتة ؛ حتّى اللبن ، والبيضة إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب ، والإنفحة ، وهي كما أ نّها طاهرة حلال أيضاً .
(مسألة 36) : لا إشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة من كلّ حيوان . وأمّا البُصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حلّيتهما ، خصوصاً الأوّل ، وخصوصاً إذا كان من الإنسان أو ممّا يؤكل لحمه من الحيوان .
(مسألة 1) : يحرم تناول الأعيان النجسة ، وكذا المتنجّسة ما دامت باقية على النجاسة ؛ مائعة كانت أو جامدة .
(مسألة 2) : يحرم تناول كلّ ما يضرّ بالبدن ؛ سواء كان موجباً للهلاك ، كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين ، أو سبباً
ص: 174
لانحراف المزاج ، أو لتعطيل بعض الحواسّ الظاهرة أو الباطنة ، أو لفقد بعض القوى ، كالرجل يشرب ما يقطع به قوّة الباه والتناسل ، أو المرأة تشرب ما به تصير عقيماً لا تلد .
(مسألة 3) : لا فرق في حرمة تناول المضرّ على الأقوى فيما يوجب التهلكة ، وعلى الأحوط في غيره ، بين معلوم الضرر ومظنونه ، بل ومحتمله أيضاً إذا كان احتماله معتدّاً به عند العقلاء ؛ بحيث أوجب الخوف عندهم . وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتّب عليه عاجلاً أو بعد مدّة .
(مسألة 4) : يج-وز التداوي والمعالج-ة بما يحتمل في-ه الخطر ويؤدّي إلي-ه أحياناً ؛ إذا كان النفع المترتّب عليه - حسب ما ساعدت عليه التجربة ، وحكم به الح-ذّاق وأه-ل الخبرة - غالبياً ، بل يج-وز المعالج-ة بالمضرّ العاج-ل الفعلي المقطوع به ؛ إذا يدفع به ما هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً . ومن هذا القبيل قطع بعض الأعضاء دفع-اً للسراي-ة المؤدّي-ة إلى الهلاك وبطّ الج-رح ، والكيّ بالنار ، وبعض العمليات المعمولة في هذه الأعصار ؛ بشرط أن يكون الإقدام على ذلك ج-ارياً مجرى العقلاء ؛ ب-أن يك-ون المباش-ر للعمل حاذق-اً محتاط-اً مبالياً غي-ر مسامح ولا متهوّر .
(مسألة 5) : ما كان يضرّ كثيره دون قليله يحرم كثيره المضرّ ، دون قليله غير المضرّ ، ولو فرض العكس كان بالعكس ، وكذا ما يضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غيره يحرم منفرداً ، وما كان بالعكس كان بالعكس .
(مسألة 6) : ما لا يضرّ تناوله مرّة أو مرّتين - مثلاً - لكن يضرّ إدمانه وزيادة تكريره والتعوّد به يحرم تكريره المضرّ خاصّة .
ص: 175
(مسألة 7) : يحرم أكل الطين ، وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته ، وكذا المدر ، وهو الطين اليابس ، ويلحق بهما التراب على الأحوط وإن كان عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة إلاّ مع إضراره . ولا بأس بما يختلط به الحنطة أو الشعير - مثلاً - من التراب والمدر وصارا دقيقاً واستهلك فيه ، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار . وكذا الطين الممتزج بالماء - المتوحّل - الباقي على إطلاقه . نعم ، لو أحسّ ذائقته الأجزاء الطينية حين الشرب فالأحوط الاجتناب إلى أن يصفو ؛ وإن كان الأقرب جواز شربه مع الاستهلاك .
(مسألة 8) : الظاهر أ نّه لا يلحق بالطين الرمل والأحجار وأنواع المعادن ، فهي حلال كلّها مع عدم الضرر .
(مسألة 9) : يُستثنى من الطين طين قبر سيّدنا أبي عبداللّه الحسين علیه السلام للاستشفاء ، ولا يجوز أكله لغيره . ولا أكل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة ، ولا يلحق به طين غير قبره ؛ حتّى قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام على الأقوى . نعم ، لا بأس بأن يُمزج بماء أو شربة ويستهلك فيه ، والتبرّك والاستشفاء بذلك الماء وتلك الشربة .
(مسألة 10) : ذكر لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية ، لكن الظاهر أ نّها شروط كمال لسرعة الإجابة ، لا شرط لجواز تناولها .
(مسألة 11) : القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يلحق به عرفاً ، والأحوط الاقتصار عليه ، وأحوط منه استعمال الترب التي في هذه الأعصار ممزوجاً بالماء أو غيره على نحو الاستهلاك ، بل لا يترك هذا الاحتياط إذا كان المأخوذ طيناً أو مدراً . نعم ، بناءً على ما قدّمناه م-ن ع-دم حرم-ة التراب
ص: 176
مطلقاً لا بأس بأخذه للاستشفاء من الحائر وغيره إلى رأس ميل ، بل أزيد ممّا اشتملت عليه الأخبار بقصد الرجاء ، ولا يحرم تناوله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
(مسألة 12) : تناول التربة المقدّسة للاستشفاء : إمّا بازدرادها وابتلاعها ، وإمّا بحلّها في الماء وشربه ، أو بأن يمزجها بشربة ويشربها بقصد الشفاء .
(مسألة 13) : لو أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدّسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البيّنة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة . وفي كفاية قول ذي اليد إشكال . والأحوط في غير صورة العلم وقيام البيّنة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة بعد استهلاكها .
(مسألة 14) : لا يبعد جواز تناول طين الأرمني للتداوي ، ولكن الأحوط ع-دم تناوله إلاّ عند انحصار العلاج ، أو ممزوجاً بماء ونحوه بحيث لا يصدق معه أكل الطين .
(مسألة 15) : يحرم الخمر بالضرورة من الدين ؛ بحيث يكون مستحلّها في زمرة الكافرين مع الالتفات إلى لازمه ؛ أي تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم - والعياذ باللّه - وقد ورد في الأخبار التشديد العظيم في تركها ، والتوعيد الشديد في ارتكابها : وعن الصادق علیه السلام : «أنّ الخمر اُمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبّه فلا يعرف ربّه ، ولا يترك معصية إلاّ ركبها ، ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها ، ولا رحماً ماسّة إلاّ قطعها ، ولا فاحشة إلاّ أتاها» ، وقد ورد : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملعن فيها عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها» . بل نصّ في بعض
ص: 177
الأخبار أ نّه أكبر الكبائر ، وفي أخبار كثيرة أنّ «مدمن الخمر كعابد وثن» ، وقد فسّر المدمن في بعض الأخبار بأ نّه ليس الذي يشربها كلّ يوم ، ولكنّه الموطّن نفسه أ نّه إذا وجدها شربها . هذا ، مع كثرة المضارّ في شربها التي اكتشفها حذّاق الأطبّاء في هذه الأزمنة ، وأذعن بها المنصفون من غير ملّتنا .
(مسألة 16) : يلحق بالخمر - موضوعاً أو حكماً - كلّ مسكر ؛ جامداً كان أو مائعاً ، وم-ا أسكر كثيره دون قليل-ه ح-رم قليل-ه وكثيره ، ولو فرض ع-دم إسكارها في بعض الطب-اع أو بعض الأصق-اع أو م-ع العادة ، لا يوجب ذلك ع-دم حرمتها .
(مسألة 17) : لو انقلبت الخمر خلاًّ حلّت ؛ سواء كان بنفسها أو بعلاج ؛ بدون مزج شيء بها أو معه ؛ سواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلاًّ ، كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخلّ فاستهلكا فيها ثمّ انقلبت خلاًّ ، أو لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب ، لكن بشرط أن يكون الخلط للعلاج وبمقدار متعارف ، وأمّا مع الزيادة عنه فمحلّ إشكال ، بل مع الغلبة فالأقوى حرمتها ونجاستها . ويطهر الممتزج المتعارف الباقي بالتبعية ، كما يطهر بها الإناء .
(مسألة 18) : ومن المحرّمات المائعة الفقّاع إذا صار فيه نشيش وغليان وإن لم يسكر ، وهو شراب معروف كان في الصدر الأوّل يتّخذ من الشعير في الأغلب ، وليس منه ماء الشعير المعمول بين الأطبّاء .
(مسألة 19) : يحرم عصير العنب إذا نشّ وغلى بنفسه أو غلى بالنار . وأمّا العصير الزبيبي والتمري فيحلاّن إن غليا بالنار ، وكذا إن غليا بنفسهما إلاّ إذا ثبت إسكارهما ، والظاهر أنّ الغليان بالشمس كالغليان بالنار ، فله حكمه .
ص: 178
(مسألة 20) : الظاهر أنّ الماء الذي في جوف حبّة العنب بحكم عصيره ، فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار . نعم ، لا يحكم بحرمته ما لم يحرز غليانه ، فلو وقعت حبّة من العنب في قدر يغلي ، وهي تعلو وتسفل في الماء المغليّ ، فلا تحرم ما لم يعلم بغليانه ، ومجرّد ما ذكر لا يوجب غليان جوفها .
(مسألة 21) : من المعلوم أنّ الزبيب ليس له عصير في نفسه ، فالمراد بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة ؛ إمّا بأن يدقّ ويخلط بالماء ، وإمّا بأن ينقع في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته ؛ بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير العنب ، وإمّا بأن يمرس ويعصر بعد النقع فيستخرج عصارته . وأمّا إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء ، فالظاهر أنّ ما فيه ليس من عصيره ، فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغليّ ، فلا إشكال فيما وضع في طبيخ أو كبّة أو محشيّ ونحوها ؛ وإن ورد فيه ماء وغلى ، فضلاً عمّا إذا شكّ فيه .
(مسألة 22) : الظاهر أنّ ما غلى بنفسه من أقسام العصير الذي قلنا بحرمت-ه ، لا تزول حرمته إلاّ بالتخليل كالخمر ؛ حيث إنّها لا تحلّ إلاّ بانقلابها خلاًّ ، ولا أثر فيه لذهاب الثلثين . وأمّا ما غلى بالنار ونحوها فتزول حرمته بذهاب ثلثيه ، والأح-وط أن يكون ذلك بالنار أو بما يغلي-ه ، لا بالهواء وطول المكث . نعم ، لا يلزم أن يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه ، بل يكفي ذلك إذا كان مستنداً إلى النار ولو بضميمة م-ا ينقص منه بعد غليان-ه قبل أن يبرد ، فلو ك-ان العصير في القدر على النار وقد غلى حتّى ذهب نصفه - ثلاثة أسداسه - ثمّ وُضع القدر على الأرض ، فنقص منه قبل أن يبرد - بسبب صعود البخار - سدس آخر ، كفى في الحلّية .
ص: 179
(مسألة 23) : إذا صار العصير المغليّ دبساً قبل أن يذهب ثلثاه ، لا يكفي في حلّيته على الأحوط .
(مسألة 24) : إذا اختلط العصير بالماء ثمّ غلى فذهب ثلثا المجموع ، ففي الحلّية إشكال إلاّ إذا علم بذهاب ثلثي العصير .
(مسألة 25) : لو صبّ على العصير المغليّ - قبل أن يذهب ثلثاه - مقدار من العصير غير المغليّ ، وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأوّل مع ما صبّ ثانياً ، ولا يحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً . فإذا كان في القدر تسعة أرطال من العصير ، فغلى حتّى ذهب منه ثلاثة وبقي ستّة ، ثمّ صُبّ عليه تسعة أرطال اُخر فصار خمسة عشر ، يجب أن يغلي حتّى يذهب عشرة ويبقى خمسة ، ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستّة . لكن أصل هذا العمل خلاف الاحتياط ، فالأحوط أن يطبخ كلّ على حدة وإن كان لما ذكرنا وجه .
(مسألة 26) : لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين ، مثل اليقطين والسفرجل والتفّاح وغيرها ، ويطبخ فيه حتّى يذهب ثلثاه ، فإذا حلّ حلّ ما طُبخ فيه ، لكن إذا كان المطروح ممّا يجذب العصير إلى جوفه ، فلا بدّ في حلّيته من ذهاب ثلثي ما في جوفه أيضاً .
(مسألة 27) : يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم ، بل وبالأخذ منه إذا كان ممّن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه ، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضاً . نعم ، إذا علم أ نّه ممّن يستحلّ العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه ، مثل أن يعتقد أ نّه يكفي في حلّيته صيرورته دبساً ، أو اعتقد أنّ ذهاب الثلثين لا يلزم أن يكون بالنار ، بل يكفي بالهواء وطول المكث أيضاً ، ففي
ص: 180
جواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث خلاف وإشكال . وأولى بالإشكال جواز الأخذ منه والبناء على أ نّه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحّص عن حاله ، فالأحوط الاجتناب عنه وعدم الاعتماد بقوله ، وعدم البناء على تثليث ما اُخذ منه ، بل لا يخلو من قوّة .
(مسألة 28) : يحرم تناول مال الغير وإن كان كافراً محترم المال بدون إذنه ورضاه ، ولا بدّ من إحراز ذلك بعلم ونحوه ، وقد ورد : «من أكل من طعام لم يدع إليه فكأ نّما أكل قطعة من النار» .
(مسألة 29) : يجوز أن يأكل الإنسان ولو مع عدم الضرورة من بيوت الآباء والاُمّهات والأولاد والإخوان والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات والأصدقاء ، وكذا الزوجة من بيت زوجها ، وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد مفوّضاً إليه اُموره وحفظه بما فيه أن يأكل م-ن بيت موكّل-ه . وإنّما يج-وز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت ، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز الرضا والإذن من صاحبها ، فيجوز مع الشكّ بل مع الظ-نّ بالع-دم أيضاً على الأق-وى ، لك-ن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً مع غلبته . والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه ونحوها ، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالباً لمواق-ع الحاج-ة وللأضياف ذوي الشرف والع-زّة . والظاه-ر التعدي-ة إلى غير المأك-ول ؛ م-ن المشروبات العادي-ة كاللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها ، ولا يتعدّى إلى بيوت غيرهم ، ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم ، كما أ نّه يقتصر على ما في البيت من المأكول ، فلا يتعدّى إلى ما يُشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت .
ص: 181
(مسألة 30) : تباح جميع المحرّمات المزبورة حال الضرورة ؛ إمّ-ا لتوقّف حفظ نفسه وسدّ رَمَقه على تناوله ، أو لعروض المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة بتركه ، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدّي إلى المرض الذي لا يتحمّل عادة ، أو إلى التلف ، أو المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب . ومنها ما إذا أدّى تركه إلى الجوع والعطش اللذين لا يُتحمّلان عادة . ومنها م-ا إذا خيف بترك-ه على نفس اُخ-رى محترم-ة ، كالحامل تخاف على جنينها ، والمرضعة على طفلها . بل ومنها خوف طول المرض الذي لا يتحمّل عادة أو عسر علاجه بترك التناول . والمدار في الكلّ هو الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ بالترتّب ، بل الاحتمال الذي يكون له منشأ عقلائي لا مج-رّد الوهم والاحتمال .
(مسألة 31) : ومن الضرورات المبيحة للمحرّمات : الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه ، أو نفس محترمة ، أو على عرضه ، أو عرض محترم ، أو مال محترم منه معتدّ به ممّا يكون تحمّله حرجياً ، أو من غيره كذلك .
(مسألة 32) : في كلّ مورد يتوقّف حفظ النفس على ارتكاب محرّم يجب الارتكاب ، فلا يجوز التنزّه والحال هذه ، ولا فرق بين الخمر والطين وبين سائر المحرّمات ، فإذا أصابه عطش حتّى خاف على نفسه جاز شرب الخمر بل وجب . وكذا إذا اضطرّ إلى غيرها من المحرّمات .
(مسألة 33) : لو اضطرّ إلى محرّم فليقتصر على مقدار الضرورة ، ولا يجوز له الزيادة ، فإذا اقتضت الضرورة أن يشرب الخمر أو يأكل الميتة ؛ لدفع الخوف على نفسه فليقتصر على ذلك ، ولا يجوز له الزيادة .
ص: 182
(مسألة 34) : يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكلّ محرّم إذا انحصر به الع-لاج ؛ ولو بحكم الح-ذّاق م-ن الأطبّاء الثقات . والم-دار ه-و انحصاره بحسب تشخيصهم ممّا بين أيدي الناس ممّا يعالج به ، لا الواقع الذي لا يحيط به إدراك البشر .
(مسألة 35) : المشهور - على ما حكي - عدم جواز التداوي بالخمر بل بكلّ مُسكر حتّى مع الانحصار . لكن الجواز لا يخلو من قوّة بشرط العلم بكون المرض قابلاً للعلاج ، والعلم بأنّ تركه يؤدّي إلى الهلاك أو إلى ما يُدانيه ، والعلم بانحصار العلاج به بالمعنى الذي ذكرناه . ولا يخفى شدّة أمر الخمر ، فلا يبادر إلى تناولها والمعالجة بها ، إلاّ إذا رأى من نفسه الهلاك أو نحوه لو ترك التداوي بها ؛ ولو بسبب توافق جماعة من الحذّاق واُولي الديانة والدراية من الأطبّاء ، وإلاّ فليصطبر على المشقّة ، فلعلّ الباري - تعالى شأنه - يعافيه لمّا رأى منه التحفّظ على دينه ، أو يعطيه الثواب الجزيل على صبره .
(مسألة 36) : لو اضطرّ إلى أكل طعام الغير لسدّ رمقه وكان المالك حاضراً ، فإن كان هو أيضاً مضطرّاً لم يجب عليه بذله ، وهل لا يجوز له ذلك ؟ فيه تأمّل ، ولا يجوز للمضطرّ قهره . وإن لم يكن مضطرّاً يجب عليه بذله للمضطرّ ، وإن امتنع عن البذل ، جاز له قهره بل مقاتلته والأخذ منه قهراً . ولا يتعيّن على المالك بذله مجّاناً ، فله أن لا يبذله إلاّ بالعوض ، وليس للمضطرّ قهره بدونه . فإن اختار البذل بالعوض ، فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله إن كان قيمياً ، أو مثله إن كان مثلياً ، وإن قدّره لم يتعيّن عليه تقديره بثمن المثل أو أقلّ ، بل له أن يقدّره بأزيد منه ما لم ينته إلى الحرج ، وإلاّ فليس له . فبعد التقدير إن كان المضطرّ قادراً على دفعه يجب عليه الدفع إن طالبه به ، وإن كان عاجزاً يكون في
ص: 183
ذمّته . هذا إذا كان المالك حاضراً . ولو كان غائباً فله الأكل منه بقدر سدّ رمقه ، وتقدير الثمن وجعله في ذمّته ، ولا يكون أقلّ من ثمن المثل . والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد ، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين .
(مسألة 37) : يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شيء من الخمر بل وغيرها من المسكرات ، وكذا الفقّاع . ثمّ إنّ للأكل والشرب آداباً مندوبة ومكروهة مذكورة في المفصّلات ، فليراجع إليها .
ص: 184
وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدواناً . وقد تطابق العقل والنقل - كتاباً وسنّةً وإجماعاً - على حُرمته ، وهو من أفحش الظلم الذي قد استقلّ العقل بقُبحه .
وفي النبوي : «من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة» ، وفي نبوي آخر : «من خان جاره شبراً من الأرض ، جعله اللّه طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة ؛ حتّى يلقى اللّه يوم القيامة مطوّقاً ، إلاّ أن يتوب ويرجع» ، وفي آخر : «من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر» ، ومن كلام أمير المؤمنين علیه السلام : «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها» .
(مسألة 1) : المغصوب : إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين ، وإمّا عين بلا منفعة ، وإمّا منفعة مجرّدة ، وإمّا حقّ مالي متعلّق بعين . فالأوّل : كغصب الدار من مالكها ، وكغصب العين المستأجرة من المؤجر والمستأجر . والثاني : كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدّة الإجارة . والثالث : كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة ، وانتزعها من يد المستأجر ، واستولى على
ص: 185
منفعتها مدّة الإجارة . والرابع : كما إذا استولى على أرض محجّرة ، أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حقّ الرهانة ، ومن ذلك غصب المساجد والمدارس والرباطات والقناطر والطرق والشوارع العامّة ، وكذا غصب المكان الذي سبق إليه أحد من المساجد والمشاهد ؛ على احتمال موافق للاحتياط .
(مسألة 2) : المغصوب منه قد يكون شخصاً ، كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق لهم ، وقد يكون النوع أو الجهة ، كغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل ، والمدرسة المعدّة لسكنى الطلبة إذا غصب أصل المدرسة ومنع عن سكنى الطلبة ، وكغصب الخمس والزكاة قبل دفعهما إلى المستحقّ ، وكغصب ما يتعلّق بالمشاهد والمساجد ونحوهما .
(مسألة 3) : للغصب حكمان تكليفيان : وهما الحرمة ووجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه ، وحكم وضعي ، وهو الضمان ؛ بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب ، وكون تلفه وخسارته عليه ، وأ نّه إذا تلف يجب عليه دفع بدله ، ويقال لهذا الضمان : ضمان اليد .
(مسألة 4) : يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب ، فالغاصب آثم فيها ويجب علي-ه الردّ . وأمّا الحكم الوضعي - وه-و الضمان - فيختصّ بما إذا كان المغصوب م-ن الأموال ؛ عيناً كان أو منفعة ، فليس في غصب الحقوق ضمان اليد .
(مسألة 5) : لو استولى على حُرّ فحبسه لم يتحقّق الغصب ؛ لا بالنسبة إلى عينه ، ولا بالنسبة إلى منفعته ، وإن أثم بذلك وظلمه ؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً ،
ص: 186
فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب ، فلو أصابه حرق أو غرق ، أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه ، لم يضمن ، وكذا لا يضمن منافعه ، كما إذا كان صانعاً ولم يشتغل بصنعته في تلك المدّة فلا يضمن اُجرته . نعم ، لو استوفى منه منفعة - كما إذا استخدمه - لزمه اُجرته ، وكذا لو تلف بتسبيب منه ، مثل ما إذا حبسه في دار فيها حيّة فلدغته ، أو في محلّ السباع فافترسته ، ضمنه من جهة سببيته للتلف ، لا لأجل الغصب واليد .
(مسألة 6) : لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة ، أو من القعود على فراشه ، أو عن الدخول في داره ، أو عن بيع متاعه ، لم يكن غاصباً وإن كان عاصياً وظالماً له من جهة منعه ، فلو هلكت الدابّة ، وتلف الفراش ، أو انهدمت الدار ، أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع ، لم يكن على المانع ضمان اليد . وهل عليه ضمان من جهة اُخرى أم لا ؟ أقواهما العدم في الأخير ، وهو ما إذا نقصت القيمة . وأمّا في غيره فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه ؛ بأن كانت بآفة سماوية وسبب قهري - لا يتفاوت في ترتّبها بين ممنوعية المالك وعدمها - لم يكن عليه ضمان . وأمّا إذا كان مستنداً إليه ، كما إذا كانت الدابّة ضعيفة ، أو في موضع السباع وكان المالك يحفظها ، فلمّا منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك ، ففي الضمان تأمّل ، لكنّه أحوط .
(مسألة 7) : استيلاء الغاصب على المغصوب - وصيرورته تحت يده عرفاً - يختلف باختلاف المغصوبات ، والميزان صيرورة الشيء كذلك عدواناً ، ففي المنقول - غير الحيوان - يتحقّق بأخذه بيده أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره ، وغيرها ممّا يكون محرزاً لأمواله ؛ ولو كان ذلك لا بمباشرته بل بأمره ،
ص: 187
فلو نقل حمّال بأمره كان الآمر غاصباً ، وكفى في الضمان ، بل ولو كان المنقول في بيته أو دكّانه - مثلاً - وطالب المالك ولم يؤدّه إليه ، وكان مستولياً على البيت والدكّان ، يكفي في الضمان ، بل لو استولى على الفراش - مثلاً - ولو بقعوده عليه كفى ، ولا يكفي مجرّد القعود وقصد الاستيلاء ما لم يتحقّق ذلك عرفاً ، وهو مختلف في الموارد . كما أنّ في الحيوان أيضاً هو الميزان ، ويكفي الركوب عليه لو أخذ مقوده وزمامه ، أو سوقه بعد طرد المالك ودفعه ، أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه ويكون منقاداً له ، فلو كانت قطيع غنم في الصحراء ومعها راعيها ، فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها ، وجعل يسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرّق ، فالظاهر كفايته في تحقّق الغصب لصدق الاستيلاء عرفاً . وأمّا غير المنقول فيكفي في غصب الدار ونحوها - كالدكّان والخان - أن يسكنها أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضورها ، وكذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهراً ، وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردّد فيها . وأمّا البستان فكذلك لو كان له باب وحيطان ، وإلاّ فيكفي دخوله والتردّد فيه بعد طرد المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرّفات فيه ، وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة . هذا كلّه في غصب الأعيان . وأمّا غصب المنافع فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة ، وجعلها تحت يده بنحو ما تقدّم ، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من المستأجر واستولى عليها في مدّة الإجارة ؛ سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا .
(مسألة 8) : لو دخل الدار وسكنها مع مالكها ، فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته وإخراجه ، فإن اختصّ استيلاؤه وتصرّفه بطرف معيّن منها ،
ص: 188
اختصّ الغصب والضمان بذلك الطرف دون غيره . وإن كان استيلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته في أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة ؛ وتساوي يد الساكن مع يد المالك عليها ، فالظاهر كونه غاصباً للنصف ، فيكون ضامناً له خاصّة ؛ بمعنى أ نّه لو انهدمت الدار ضمن الساكن نصفها ، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض ، وكذا يضمن نصف منافعها . ولو فُرض أنّ المالك الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة في الفرض ، فإن كانا اثنين ضمن الثلث ، وإن كانوا ثلاثة ضمن الربع وهكذا . ولو كان الساكن ضعيفاً ؛ بمعنى أ نّه لا يقدر على مقاومة المالك ؛ وأ نّه كلّما أراد أن يخرجه من داره أخرجه ، فالظاهر عدم تحقّق الغصب ولا اليد ولا الاستيلاء ، فليس عليه ضمان اليد . نعم ، عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها .
(مسألة 9) : لو أخذ بمقود الدابّة فقادها ، وكان المالك راكباً عليها ، فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها ، كان القائد غاصباً لها بتمامها ، ويتبعه الضمان ، ولو كان بالعكس - بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته ومدافعته - فالظاهر عدم تحقّق الغصب أصلاً ، فلا ضمان عليه لو تلفت الدابّة في تلك الحال . نعم ، لا إشكال في ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها ، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه ، فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع - مثلاً - فتلفت أو عيبت .
(مسألة 10) : لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كلّ منهما للبعض بنسبة الاستيلاء ؛ إن نصفاً فنصف وهكذا ؛ سواء كان كلّ واحد منهما قويّاً قادراً على الاستيلاء على العين ودفع المالك والقهر عليه ، أم لا ؛ بل كان كلّ ضعيفاً بانفراده ؛
ص: 189
وإنّما استيلاؤهما عليها ودفع المالك كان بالتعاضد والتعاون ، وسواء كان المالك حاضراً أو غائباً .
(مسألة 11) : غصب الأوقاف العامّة - كالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر ، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين ، والطرق والشوارع العامّة ونحوها - والاستيلاء عليها وإن كان حراماً ويجب ردّها ، لكن الظاهر أ نّه لا يوجب ضمان اليد ؛ لا عيناً ولا منفعة ، فلو غصب مسجداً أو مدرسة أو رباطاً ، فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه ، لم يضمن عينها ولا منفعتها . نعم ، الأوقاف العامّة على الفقراء أو غيرهم بنحو وقف المنفعة ، يوجب غصبها الضمان عيناً ومنفعة ، فإذا غصب خاناً أو دُكّاناً أو بُستاناً كانت وقفاً على الفقراء -
مثلاً - على أن تكون منفعتها ونماؤها لهم ، ترتّب عليه الضمان كغصب المملوك .
(مسألة 12) : لو حبس حرّاً لم يضمن لا نفسه ولا منافعه ضمان اليد حتّى فيما إذا كان صانعاً ، فليس على الحابس اُجرة صنعته مدّة حبسه . نعم ، لو كان أجيراً لغيره في زمان فحبسه حتّى مضى ضمن منفعته الفائتة للمستأجر ، وكذا لو استخدمه واستوفى منفعته كان عليه اُجرة عمله ، ولو غصب دابّة - مثلاً - ضمن منافعها سواء استوفاها أم لا .
(مسألة 13) : لو منع حرّاً عن عمل له اُجرة من غير تصرّف واستيفاء لم يضمن عمله ، ولم يكن عليه اُجرته .
(مسألة 14) : يلحق بالغصب - في الضمان - المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد ، أو كالمعاوضي مثل المهر ، ويلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة ممّا لا يكون عقداً ، فالمبيع الذي يأخذه المشتري ، والثمن الذي يأخذه البائع في
ص: 190
البيع الفاسد ، يكون ضمانهما كالمغصوب ؛ سواء كانا عالمين بالفساد أو لا ، وكذلك الاُجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة ، وكذا المهر الذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد ، والجعل الذي يأخذه العامل في الجعالة الفاسدة . وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي وأشباهه فليس فيه ضمان ، فلو قبض المتّهب ما وهب ل-ه بالهبة الفاس-دة ليس علي-ه ضمان . ويلحق بالغصب أيضاً المقبوض بالسوم ، والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه ، أو يضع عنده ليطّلع على خصوصياته ؛ لكي يشتريه إذا وافق نظره ، فهو في ضمان آخذه ، فلو تلف عنده ضمنه .
(مسألة 15) : يجب ردّ المغصوب إلى مالكه ما دام باقياً وإن كان في ردّه مؤونة ، بل وإن استلزم ردّه الضرر عليه ؛ حتّى أ نّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناء ، لزم عليه إخراجها وردّها لو أرادها المالك وإن أدّى إلى خراب البناء . وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة ، يجب عليه نزعه وردّه ، إلاّ إذا خيف من قلعه الغرق ، الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب ، وإلاّ ففيه تفصيل . وهكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة ، فإنّ للمالك إلزامه بردّها ، ويجب عليه ذلك وإن أدّى إلى فساد ثوبه . وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها ونزعها ، يجب على الغاصب تداركه ، هذا إذا يبقى للمخرج والمنزوع قيمة بعد ذلك ، وإلاّ فالظاهر أ نّه بحكم التالف فيلزم الغاصب بدفع البدل ، وليس للمالك مطالبة العين .
(مسألة 16) : ل-و م-زج المغصوب بما يمك-ن تميّزه ولك-ن م-ع المشقّ-ة ، كم-ا إذا م-زج الشعير المغصوب بالحنط-ة أو الدخ-ن بال-ذرة يجب علي-ه أن يميّزه ويردّه .
ص: 191
(مسألة 17) : يجب على الغاصب - مع ردّ العين - بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدّة إن كانت لها منفعة ؛ سواء استوفاها ، كالدار سكنها والدابّة ركبها ، أم لا وجعلها معطّلة .
(مسألة 18) : لو كانت للعين منافع متعدّدة وكانت معطّلة فالمدار المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين ، ولا ينظر إلى مجرّد قابليتها لبعض منافع اُخر ، فمنفعة الدار - بحسب المتعارف - هي السكنى وإن كانت قابلة في نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ وغير ذلك ، ومنفعة بعض الدوابّ كالفرس - بحسب المتعارف - الركوب ، ومنفعة بعضها الحمل ؛ وإن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضاً . فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إليها . ولو فرض تعدّد المتعارف منها على نحو التبادل ، كبعض الدوابّ التي تعارف استعمالها في الحمل والركوب معاً ، فإن لم يتفاوت اُجرة تلك المنافع ضمن تلك الاُجرة ، وإن كانت اُجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى ، فلو فرض أنّ اُجرة الحمل في كلّ يوم درهمان واُجرة الركوب درهم ، كان عليه درهمان . والظاهر أنّ الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضاً ، فمع تساوي المنافع في الاُجرة كان عليه اُجرة ما استوفاه ، ومع التفاوت كان عليه اُجرة الأعلى ؛ سواء استوفى الأعلى أو الأدنى .
(مسألة 19) : إن كان المغصوب منه شخصاً ، يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملاً ، وإلى وليّه إن كان قاصراً كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً ، فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان . وإن كان المغصوب منه هو النوع ، كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة ، فإن كان له متولّ خاصّ يردّه إليه ، وإلاّ فيردّه إلى الوليّ العامّ ، وهو الحاكم ، وليس له أن يردّه إلى بعض
ص: 192
أفراد النوع ؛ بأن يسلّمه - في المثال المذكور - إلى أحد الفقراء . نعم ، في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الرباطات إذا غصبها ، يكفي في ردّها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها . بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس ، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردّها رفع اليد عنها ، والتخلية بينها وبين الطلبة ، والأحوط الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان ، وإلاّ فإلى الحاكم . هذا إذا غصبها ولم يكن فيها ساكن ، وإلاّ فلا يبعد وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب ؛ إن لم يعرضوا عن حقّهم .
(مسألة 20) : إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال . وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب ، فإنّه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك . وأمّا إذا كان المالك في غير بلد الغصب فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين : إمّا بتسليمه له في ذلك البلد ، وإمّا بنقله إلى بلد الغصب . وأمّا إن كان في بلد آخر فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب . وهل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك ؟ الظاهر أ نّه ليس له ذلك .
(مسألة 21) : لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه ، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة ، ولا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرّاً وبين ما كان ممّا يسري ويتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة .
(مسألة 22) : لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقية ردّه ، ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين .
ص: 193
(مسألة 23) : لو تلف المغصوب أو ما بحكمه - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم - قبل ردّه إلى المالك ، ضمنه بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن كان قيمياً . وتعي-ين المثلي والقيمي موكول إلى العرف . والظاهر أنّ المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليات أو بحكمها ، كما أنّ الحبوبات والأدهان وعقاقير الأدوية ونحوها مثليات ، وأنواع الحيوان وكذا الجواهر ونحوها قيميات .
(مسألة 24) : إنّما يكون مثل الحنطة مثلياً إذا لوحظ أشخاص كلّ صنف منها على حدة ، ولم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مباين له في كثير من الصفات والخصوصيات ، فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة ، يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر . نعم ، التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه . وكذلك الأرُز ، فإنّ فيه أصنافاً متفاوتة جدّاً ، فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره ؟! فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره . وكذلك الحال في التمر وأصنافه والأدهان وغير ذلك ممّا لا يُحصى .
(مسألة 25) : لو تعذّر المثل في المثلي ضمن قيمته ، وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة ؛ بأن كان له حين الغصب قيمة ، وفي وقت تلف العين قيمة ، ويوم التعذّر قيمة ، واليوم الذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمة ، فالمدار هو الأخير ، فيجب عليه دفع تلك القيمة ، فلو غصب منّاً من الحنطة كان قيمتها درهمين ، فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دراهم ، ثمّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دراهم ، ثمّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة م-ن جه-ة تفريغ ذمّته وكانت قيم-ة الحنط-ة في ذلك الزمان خمس-ة دراهم ، يجب دفع هذه القيمة .
ص: 194
(مسألة 26) : يكفي في التعذّر ال-ذي يجب مع-ه دفع القيم-ة فقدان-ه في البلد وما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة .
(مسألة 27) : لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل ، وجب عليه الشراء ودفعه إلى المالك ما لم يؤدّ إلى الحرج .
(مسألة 28) : لو وجد المثل ولكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلاّ إعطاؤه ، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت ، فلو غصب منّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم ، وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دراهم ، لم يكن عليه إلاّ إعطاء منّ من الحنطة ، ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة ، بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلاً ؛ وإبقاؤها في ذمّة الغاصب إلى أن ت-ترقّى القيمة ؛ إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً .
(مسألة 29) : لو سقط المثل ع-ن المالية بالمرّة م-ن جه-ة الزمان أو المكان ، فالظاهر أ نّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل ، ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك ، فلو غصب ثلجاً في الصيف وأتلفه ، وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء ، أو قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشطّ ، ليس له ذلك ، وللمالك الامتناع ، فله أن يصبر وينتظر زماناً أو مكاناً آخر فيطالبها بالمثل الذي له القيمة ، وله أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلاً كما في صورة تعذّر المثل ، وحينئذٍ فهل يراعي قيمته في زمان الغصب ومكانه ؟ المسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالتصالح .
(مسألة 30) : لو تلف المغصوب وكان قيمياً كالدوابّ والثياب ضمن قيمته ،
ص: 195
فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه ، فلا إشكال ، وإن تفاوتت - بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس - فهل يراعى الأوّل أو الثاني ؟ فيه قولان مشهوران ، وهنا وجه آخر ، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع . والأحوط التراضي فيما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع . هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس . وأمّا إن كان من جهة زيادة ونقصان في العين ، كالسمن والهزال ، فلا إشكال في أ نّه يراعى أعلى القيم وأحسن الأحوال ، بل لو فرض أ نّه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف من هذه الجهة ، لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمّ زال ، ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال ، مثل ما لو كان الحيوان هازلاً حين الغصب ، ثمّ سمن ، ثمّ عاد إلى الهزال وتلف ، فإنّه يضمن قيمته حال سمنه .
(مسألة 31) : لو اختلف القيمة باختلاف المكان - كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة ، وفي بلد التلف بعشرين ، وفي بلد الأداء بثلاثين - فلا يترك الاحتياط المتقدّم في المسألة السابقة .
(مسألة 32) : كما أ نّه عند تلف المغصوب ، يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلاً أو قيمةً ، كذلك فيما إذا تعذّر على الغاصب عادة تسليمه ، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه ، أو أبق العبد أو شردت الدابّة ونحو ذلك ، فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك ، ويسمّى ذلك البدل بدل الحيلولة ، ويملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه ، وإذا أمكن تسليم المغصوب وردّه يسترجع البدل .
(مسألة 33) : لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه . نعم ، نماؤه المتّصل كالسمن يتبع العين ، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها
ص: 196
بنمائها . وأمّا المبدل فلمّا كان باقياً على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له ، لكن الغاصب لا يضمن منافعه الغير المستوفاة في تلك المدّة على الأقوى .
(مسألة 34) : القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات عند تعذّر المثل ، هو نقد البلد ؛ من الذهب والفضّة المضروبين بسكّة المعاملة وغيرهما ممّا هو نقد البلد كالأوراق النقدية ، وهذا هو الذي يستحقّه المغصوب منه ، كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات ، فليس للضامن دفع غيره إلاّ بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى نقد البلد .
(مسألة 35) : الظاهر أنّ الفلزّات والمعادن المنطبعة - كالحديد والرصاص والنحاس - كلّها مثلية حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين ، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل ، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليات المتعذّر المثل . نعم ، في خصوص الذهب والفضّة تفصيل : وهو أ نّه إذا قوّم بغير الجنس ، كما إذا قوّم الذهب بالدرهم ، أو قوّم الفضّة بالدينار ، فلا إشكال ، وأمّا إذا قوّم بالجنس ؛ بأن قوّم الفضّة بالدرهم أو قوّم الذهب بالدينار ، فإن تساوى القيمة والمقوّم وزناً - كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقيل ، فقوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل - فلا إشكال أيضاً ، وإن كان بينهما التفاوت - بأن كانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقيل مثلاً ، وقد قوّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل - فيشكل دفعها غرامة عن الفضّة ؛ لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم ، كما أفتى به جماعة ، فالأحوط أن يقوّم بغير الجنس ؛ بأن يقوّم الفضّة بالدينار والذهب بالدرهم ؛ حتّى يسلم من شبهة الربا .
(مسألة 36) : لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت ؛ بأن غصبها
ص: 197
شخص من مالكها ، ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر ، ثمّ غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا ، ثمّ تلفت ضمن الجميع ، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة على كلّ واحد منهم ، وعلى أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً ، حتّى أ نّه لو كانوا عشرة - مثلاً - له أن يرجع على الجميع ، ويأخذ من كلّ منهم عشر ما يستحقّه من البدل ، وله أن يأخذ من واحد منهم النصف ، والباقي من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت . هذا حكم المالك معهم . وأمّا حكم بعضهم مع بعض ، فعلى الغاصب الأخير الذي تلف المال عنده قرار الضمان ؛ بمعنى أ نّه لو رجع عليه المالك وغرّمه لم يرجع هو على غيره بما غرّمه ، بخلاف غيره من الأيادي السابقة ، فإنّ المالك لو رجع على واحد منهم ، فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال عنده ، كما أنّ لكلّ منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير .
(مسألة 37) : لو غصب شيئاً مثلياً فيه صنعة محلّلة - كالحلي من الذهب والفضّة وكالآنية من النحاس وشبهه - فتلف عنده أو أتلفه ، ضمن مادّته بالمثل وصنعته بالقيمة ، فلو غصب قرطاً من ذهب كان وزنه مثقالين ، وقيمة صنعته وصياغته عشرة دراهم ، ضمن مثقالين من ذهب بدل مادّته وعشرة دراهم قيمة صنعته . ويحتمل قريباً صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض عليه الصنعة قيمياً ، فيقوّم القرط - مثلاً - بمادّته وصنعته ، ويعطي قيمته السوقية والأحوط التصالح . وأمّا احتمال كون المصنوع مثلياً مع صنعته فبعيد جدّاً . نعم ، لا يبعد ذلك بل قريب جدّاً في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة ، كالمصنوعات بالمكائن والمعامل المعمولة في هذه الأعصار ؛ من أنواع الظروف والأدوات والأثواب وغيرها ، فتضمن كلّها بالمثل مع مراعاة صنفها .
ص: 198
(مسألة 38) : لو غصب المصنوع وتلفت عنه الهيئة والصنعة فقط دون المادّة ، ردّ العين وعليه قيمة الصنعة ، وليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة ، كما أ نّه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال : إنّي أصنعه كما كان سابقاً .
(مسألة 39) : لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرّمة غير محترمة - كما ف-ي آلات القمار والملاهي ونحوه-ا - لم يضمن الصنع-ة ؛ سواء أتلفها خاصّ-ة أو م-ع ذيها ، فيردّ المادّة ل-و بقيت وعوضها لو تلفت ، وليس علي-ه شيء لأجل الهيئ-ة والصنعة .
(مسألة 40) : إن تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان علي-ه أرش النقصان ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان . نعم ، اختصّ العبيد والإماء ببعض الأحكام وتفاصيل لا يسعها المقام .
(مسألة 41) : لو غصب شيئين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عنها فيما إذا كانا مجتمعين - كمصراعي الباب والخفّين - فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعاً ، وردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده ، فلو غصب خفّين كان قيمتهما مجتمعين عشرة ، وكان قيمة كلّ منهما منفرداً ثلاثة ، فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة ، وردّ الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان ، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفّين ، ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً ، وهي خمسة في الفرض المذكور ، وهل يضمن النقص الوارد على الثاني ، وهو اثنان حتّى تكون عليه سبعة ، أم لا ؟ فيه وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان .
(مسألة 42) : لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة ، فهي على
ص: 199
أقسام ثلاثة : أحدها : أن تكون أثراً محضاً ، كخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضّة ونحو ذلك . ثانيها : أن تكون عينية محضة ، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك . ثالثها : أن تكون أثراً مشوباً بالعينية كصبغ الثوب ونحوه .
(مسألة 43) : لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي ، ولا شيء له لأجل تلك الزيادة ، ولا من جهة اُجرة العمل ، وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك ؛ حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه ، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك وإن لم يرد نقص على العين ، وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الاُولى للعين ؛ إذا كان فيه غرض عقلائي ، ولا يضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة . نعم ، لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان .
(مسألة 44) : لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع أو الغرس ونماؤهما للغاصب ، وعليه اُجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة ، ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرّر بذلك ، وعليه أيضاً طمّ الحفر وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع ، إلاّ أن يرضى المالك بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة ، ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته ، وكذا لو بذل الغاصب اُجرة الأرض أو قيمتها ، لم يجب على صاحب الأرض قبوله . ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك ، وليس له طمّها مع عدم الطلب ، فضلاً عمّا لو منعه . ولو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها ، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له ، وللمالك إلزامه بالقلع ، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر .
ص: 200
(مسألة 45) : لو غرس أو بنى في أرض غصبها ، وكان الغراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض ، كان الكلّ له ، وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الاُجرة ، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك ، وعلى الغاصب أرش نقص الأرض وطمّ حفرها .
(مسألة 46) : لو غصب ثوباً وصبغه بصبغه ، فإن أمكن إزالته مع بقاء مالية له كان له ذلك ، وليس لمالك الثوب منعه ، كما أنّ للمالك إلزامه به . ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب ، ولو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملّكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته ، كالعكس ؛ بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه الثوب . هذا إذا أمكن إزالة الصبغ . وأمّا إذا لم يمكن الإزالة ، أو تراضيا على بقائه ، وكان للصبغ عين متموّلة ، اشتركا في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة ، فلو كانت قيمة الثوب قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ ، كانت بينهما نصفين ، وإن تفاوتت كان التفاوت لصاحب الثوب أو الصبغ . هذا إذا بقيت قيمتهما على ما هما عليها إلى ما بعد الصبغ ، وإلاّ فإن زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة الصبغ لأجله فالزيادة لصاحب الثوب ، ولو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص الثوب ، ولو زادت قيمة الثوب بالصبغ ، وبقيت قيمة الصبغ على ما هو عليه ، كانت الزيادة لصاحب الثوب ، ولو انعكس فالزيادة للغاصب .
(مسألة 47) : لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب ، وكانت للصبغ بعده عين متموّلة ، بقيت كلّ منهما في ملك صاحبه ، وحصلت الشركة - لو بيعا - بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما ، ولا غرامة على الغاصب إن لم يرد نقص عليهما ، وإن ورد ضمنه لمن ورد عليه .
ص: 201
(مسألة 48) : لو مزج الغاصب المغصوب بغيره ، أو امتزج في يده بغير اختياره مزجاً رافعاً للتميّز بينهما ، فإن كان بجنسه وكانا متماثلين - ليس أحدهما أجود من الآخر أو أردأ - تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما ، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة ، بل الذي عليه تسليم المال والإقدام على الإفراز والتقسيم بنسبة المالين ، أو البيع وأخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن كسائر الأم-وال المشترك-ة . وإن خلط المغصوب بما ه-و أج-ود أو أردأ من-ه ، تشاركا أيضاً بنسبة المالين إلاّ أنّ التقسيم وتوزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة ، فلو خلط منّاً
من زيت قيمته خمسة بمنّ منه قيمته عشرة ، كان لكلّ منهما نصف المجموع ، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم ، ويعطى لصاحب الأوّل سهم ولصاحب الثاني سهمان ، وإذا باعاه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً ، والأحوط في مثل ذلك - أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد - البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة ، لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة . هذا إذا مزج المغصوب بجنسه . وأمّا إذا اختلط بغير جنسه فإن كان فيما يعدّ معه تالفاً - كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت - ضمن المثل ، وإن لم يكن كذلك - كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير ، أو خلط الخلّ بالعسل - فالظاهر أ نّه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد ، فيشتركان في العين بنسبة المالين ، ويقسّمان العين ويوزّعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مرّ .
(مسألة 49) : لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ ، وصار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين ، فورد بذلك النقص المالي على المغصوب ضمنه الغاصب ، كما لو غصب منّاً من زيت جيّد قيمته عشرة ، وخلطه
ص: 202
بمنّ منه رديء قيمته خمسة ، وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنّين اثني عشر ، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية ، والحال أنّ زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة ، فورد النقص عليه باثنين ، وهذا النقص يغرمه الغاصب . وإن شئت قلت : يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن ، وما بقي يكون للغاصب .
(مسألة 50) : فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وإن تجدّدت بعد الغصب ، وهي كلّها مضمونة على الغاصب ؛ أعياناً كانت كاللبن والولد والشعر والثمر ، أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابّة ، بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ، ثمّ زالت وتنقّصت بزوالها قيمته ، ضمنها الغاصب وإن ردّ العين كما كانت قبل الغصب ، فلو غصب دابّة هازلة ، ثمّ سمنت فزادت قيمتها بسبب ذلك ، ثمّ هزلت ، ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثمّ زالت . نعم ، لو زادت القيمة لزيادة صفة ، ثمّ زالت تلك الصفة ثمّ عادت الصفة بعينها ، لم يضمن قيمة الزيادة التالفة ؛ لانجبارها بالزيادة العائدة ، كما إذا سمنت الدابّة في يده فزادت قيمتها ثمّ هزلت ثمّ سمنت ، فإنّه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل ، إلاّ إذا نقصت الزيادة الثانية عن الاُولى ؛ بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل درهمين والحاصلة بالثاني درهماً مثلاً ، فيضمن التفاوت .
(مسألة 51) : لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ، ثمّ زالت فنقصت ، ثمّ حصلت فيه صفة اُخرى زادت بها قيمته ، لم يزل ضمان زيادة الاُولى ، ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية ، كما إذا سمنت الدابّة المغصوبة ، ثمّ هزلت فنقصت قيمتها ، ثمّ ارتاضت فزادت قيمتها بقدر زيادة الاُولى أو أزيد ، لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الاُولى .
ص: 203
(مسألة 52) : إذا غصب حبّاً فزرعه ، أو بيضاً فاستفرخه تحت دجاجته - مثلاً - كان الزرع والفرخ للمغصوب منه . وكذا لو غصب خمراً فصارت خلاًّ ، أو غصب عصيراً فصار خمراً عنده ، ثمّ صارت خلاًّ ، فإنّه ملك للمغصوب منه لا الغاصب . وأمّا لو غصب فحلاً فأنزاه عن الاُنثى وأولدها ، كان الولد لصاحب الاُنثى وإن كان هو الغاصب ، وعليه اُجرة الضراب .
(مسألة 53) : جميع ما مرّ من الضمان وكيفيته وأحكامه وتفاصيله ، جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ ؛ وإن لم تكن عادية وغاصبة وظالمة ، إلاّ في موارد الأمانات ؛ مالكية كانت أو شرعية ، كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة ، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة ، وما وضع اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه ، كما إذا لبس مداس غيره أو ثوبه اشتباهاً ، أو أخذ شيئاً من سارق عارية باعتقاد أ نّه ماله ، وغير ذلك ممّا لا يحصى .
(مسألة 54) : كما أنّ اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو المسمّى بضمان اليد ، وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة - كذلك للضمان سببان آخران : الإتلاف والتسبيب . وبعبارة اُخرى : له سبب آخر ، وهو الإتلاف ؛ سواء كان بالمباشرة أو التسبيب .
(مسألة 55) : الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه ، كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله ، أو ضرب على إناء فكسره ، أو رمى شيئاً في النار فأحرقته ، وغير ذلك ممّا لا يحصى . وأمّا الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شيء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شيء ، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان ، أو طرح المعاثر والمزالق ، كقشر البطّيخ والرقّي في المسالك ، أو أوتد
ص: 204
وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان ، أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره ، أو أخرج ميزاباً على الطريق فأضرّ بالمارّة ، أو ألقى صبيّاً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع ، ومن ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت ، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث وغير ذلك ، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً ، ويكون عليه غرامة التالف وبدله ؛ إن كان مثلياً فبالمثل ، وإن كان قيمياً فبالقيمة ، وإن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش ، كما مرّ في ضمان اليد .
(مسألة 56) : لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً ، أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها ، لم يضمن بسبب التسبيب ، إلاّ إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من اُمّه ، وكانت الماشية في محالّ السباع ومظانّ الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعيها ، فعليه الضمان حينئذٍ على الأحوط .
(مسألة 57) : ومن التسبيب الموجب للضمان ما لو فكّ وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه . وأمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أ نّه قلبته الريح الحادثة ، أو انقلب بوقوع طائر عليه - مثلاً - فسال ما فيه ، ففي الضمان تردّد وإشكال . نعم ، يقوى الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة ، أو في مجتمع الطيور ومظانّ وقوعها عليه .
(مسألة 58) : ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق ، أو دلّ سارقاً عليه فسرقه ، فلا ضمان عليه .
(مسألة 59) : لو وقع الحائ-ط على الطريق - مثلاً - فتلف بوقوع-ه مال أو نفس لم يضمن صاحبه ، إلاّ إذا بناه مائلاً إلى الطريق ، أو مال إليه بعد ما كان
ص: 205
مستوياً وقد تمكّن صاحبه من الإزالة ولم يزله ، فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى .
(مسألة 60) : لو وضع شربةً أو كوزاً - مثلاً - على حائطه فسقط وتلف به مال أو نفس ، لم يضمن إلاّ إذا وضعه مائلاً إلى الطريق ، أو وضعه على وجه يسقط مثله .
(مسألة 61) : ومن التسبيب الموجب للضمان أن يشعل ناراً في ملكه وداره ، فتعدّت وأحرقت دار جاره - مثلاً - فيما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم أو يظنّ تعدّيها لعصف الهواء مثلاً ، بل الظاهر كفاية الثاني ، فيضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّي ولو كان بمقدار الحاجة ، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّية فتبيّن خلافه ، كما إذا كانت ريح حين اشتعال النار ، وهو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار فتبيّن خلافه . نعم ، لو كان الهواء ساكناً بحيث يؤمن معه من التعدّي ، فاتّفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها ، يقوى عدم الضمان .
(مسألة 62) : إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به ، ضمن ولو مع اعتقاده عدم التعدّي . نعم ، ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره في صورة اعتقاده عدم التعدّي محلّ إشكال ، والأحوط الضمان . ولو كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين إرسال الماء فدفع بغير فعله ، فلا ضمان عليه .
(مسألة 63) : ل-و تعب حمّال الخشبة فأسندها إل-ى ج-دار الغير ليستريح - بدون إذن صاحب الجدار - فوقع بإسناده إليه ، ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه ، ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه ؛ سواء وقعت في الحال أو بعدُ إذا كان مستنداً إليه .
(مسألة 64) : لو فتح قفصاً عن طائر فخرج ، وكسر بخروجه قارورة شخص
ص: 206
- مثلاً - ضمنها على الأحوط ، وكذا لو كان القفص ضيّقاً - مثلاً - فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر .
(مسألة 65) : إذا أكلت دابّة شخص زرع غيره أو أفسدته ، فإن كان معها صاحبها - راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً - ضمن ما أتلفته ، وإن لم يكن معها ؛ بأن انفلتت من مراحها - مثلاً - فدخلت زرع غيره ، ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلاً . نعم ، ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره محلّ إشكال ، والأحوط الضمان . وليس عليه ضمان إن كان نهاراً .
(مسألة 66) : لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي ، أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر ، فأتلفتا زرعاً أو غيره ، كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير ، لا على المالك والمعير .
(مسألة 67) : لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين ، فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان ، وإلاّ كان الضمان على المتقدّم في التأثير ، فلو حفر شخص بئراً في الطريق ، ووضع شخص آخر حجراً بقربها ، فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر ، كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر ، ويحتمل قويّاً اشتراكهما في الضمان مطلقاً .
(مسألة 68) : لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر ، دون فاعل السبب ، فلو حفر شخص بئراً في الطريق ، فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً ، كان الضمان على الدافع دون الحافر . نعم ، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر ، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله فكسرها ، كان الضمان على الواضع دون النائم .
ص: 207
(مسألة 69) : لو اُكره على إتلاف مال غيره ، كان الضمان على من أكرهه ، وليس عليه ضمان ؛ لكون السبب أقوى من المباشر . هذا إذا لم يكن المال مضموناً في يده ؛ بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده ، أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلاً . وأمّا إذا كان المال مضموناً في يده - كما إذا غصب مالاً فأكرهه شخص على إتلافه - فالظاهر ضمان كليهما ، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء ، فإن رجع على المكرِه - بالكسر - لم يرجع على المكرَه - بالفتح - بخلاف العكس . هذا إذا اُكره على إتلاف المال . وأمّا لو اُكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله ، فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره وإن كان عليه عقوبة ، فإنّه لا إكراه في الدماء .
(مسألة 70) : لو غصب مأكولاً - مثلاً - فأطعمه المالك مع جهله بأ نّه ماله ؛ بأن قال له : «هذا ملكي وطعامي» ، أو قدّمه إليه ضيافة - مثلاً - أو غصب شاة واستدعى من المالك ذبحها ، فذبحها مع جهله بأ نّه شاته ، ضمن الغاصب وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف . نعم ، لو دخل المالك دار الغاصب - مثلاً - ورأى طعاماً فأكله على اعتقاد أ نّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل ، فالظاهر عدم ضمان الغاصب وقد برئ من ضمان الطعام .
(مسألة 71) : لو غصب طعاماً من شخص ، وأطعمه غير المالك على أ نّه ماله مع جهل الآكل بأ نّه مال غيره ، كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة مثلاً ، ضمن كلاهما ، فللمالك أن يغرّم أيّهما شاء ، فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل ، وإن أغرم الآكل رجع على الغاصب لأ نّه قد غرّه .
(مسألة 72) : إذا سعى إلى الظالم على أحد ، أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير
ص: 208
حقّ ، فأخذ الظالم منه مالاً بغير حقّ ، لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره ؛ وإن أثم بسبب سعايته أو شكايت-ه إذا كانت بغير ح-قّ ، وإنّما الضمان على م-ن أخذ المال .
(مسألة 73) : إذا تلف المغصوب ، وتنازع المالك والغاصب في القيمة ، ولم تكن بيّنة ، ففي أنّ القول قول الغاصب أو المالك تردّد ناشئ من التردّد في معنى «على اليد ما أخذت» ، واحتمال أن يكون نفس المأخوذ على عُهدته حتّى بعد التلف ، ويكون أداء المثل أو القيمة نحو أداء له ، فيكون القول قول المالك بيمينه ، واحتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة ، فيكون القول قول الغاصب بيمينه . ولا يخلو هذا من قوّة . ولو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن ؛ بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه ، أو حدوثها بعده وإن زالت فيما بعد ، وأنكره الغاصب ولم يكن بيّنة ، فالقول قول الغاصب بيمينه بلا إشكال .
(مسألة 74) : إن كان على الدابّة المغصوبة رحل أو علّق بها حبل ، واختلفا فيما عليها ، فقال المغصوب منه : «هو لي» ، وقال الغاصب : «هو لي» ، ولم يكن بيّنة ، فالقول قول الغاصب مع يمينه ؛ لكونه ذا يد فعلية عليه .
ص: 209
الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها ؛ إمّا لانقطاع الماء عنها ، أو لاستيلاء المياه أو الرمال أو السبخ أو الأحجار عليها ، أو لاستئجامها والتفاف القصب والأشجار بها أو لغير ذلك ، وهو على قسمين :
الأوّل : الموات بالأصل : وهو ما لا يكون مسبوقاً بالملك والإحياء وإن كان إحراز ذلك - غالباً بل مطلقاً - مشكلاً بل ممنوعاً ، ويلحق به ما لم يعلم مسبوقيته بهما .
الثاني : الموات بالعارض : وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة والعمران ، كالأرض الدارسة التي بها آثار الأنهار ونحوها ، والقرى الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة .
(مسألة 1) : الموات بالأصل وإن كان للإمام علیه السلام ؛ حيث إنّه من الأنفال ، كما مرّ في كتاب الخمس ، لكن يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد إحياؤه مع الشروط الآتية والقيام بعمارته ، ويملكه المحيي على الأقوى ؛ سواء كان في دار الإسلام
ص: 210
أو في دار الكفر ، وسواء كان في أرض الخراج - كأرض العراق - أو في غيرها ، وسواء كان المُحيي مسلماً أو كافراً .
(مسألة 2) : الموات بالعارض الذي كان مسبوقاً بالملك والإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين :
الأوّل : ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأيّام بلا مالك ؛ وذلك كالأراضي الدارسة والقرى والبلاد الخربة والقنوات الطامسة ، التي كانت للاُمم الماضين الذين لم يبق منهم اسم ولا رسم ، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلاّ الاسم .
الثاني : ما لم تكن كذلك ولم تكن بحيث عدّت بلا مالك ، بل كانت لمالك موجود ولم يعرف شخصه ، ويقال لها : مجهولة المالك .
فأمّا القسم الأوّل : فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال ، وأ نّه يجوز إحياؤه ويملكه المحيي ، فيجوز إحياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها آثار الأنهار والسواقي والمروز ، وتنقية القنوات والآبار المطمومة ، وتعمير الخربة من القرى والبلاد القديمة التي بقيت بلا مالك ، ولا يعامل معها معاملة مجهول المالك ، ولا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه ، بل يملكها المحيي والمعمّر بنفس الإحياء والتعمير .
وأمّا القسم الثاني : فالأحوط الاستئذان فيه من الحاكم في الإحياء والقيام بتعميره والتصرّف فيه ، كما أنّ الأحوط معاملة مجهول المالك معه ؛ بأن يتفحّص عن صاحبه ، وبعد اليأس يشتري عينها من حاكم الشرع ، ويصرف ثمنها على الفقراء ، وإمّا أن يستأجرها منه باُجرة معيّنة ، أو يقدّر ما هو اُجرة مثلها لو انتفع بها ، ويتصدّق بها على الفقراء ، والأحوط الاستئذان منه . نعم ، لو علم أنّ مالكها
ص: 211
قد أعرض عنها ، أو انجلى عنها أهلها وتركوها لقوم آخرين ، جاز إحياؤها وتملّكها بلا إشكال .
(مسألة 3) : إن كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم ، فإن أعرض عنه مالكه كان لكلّ أحد إحياؤه وتملّكه ، وإن لم يعرض عنه ، فإن أبقاه مواتاً للانتفاع به في تلك الحال ؛ من جهة تعليف دوابّه أو بيع حشيشه أو قصبه ونحو ذلك - فربما ينتفع منه مواتاً أكثر ممّا ينتفع منه محياة - فلا إشكال في أ نّه لا يجوز لأحد إحياؤه والتصرّف فيه بدون إذن مالكه ، وكذا فيما إذا كان مهتمّاً بإحيائه عازماً عليه ، وإنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهيئة الأسباب المتوقّعة الحصول ، أو لانتظار وقت صالح له . وأمّا لو ترك تعمير الأرض وإصلاحها وأبقاها إلى الخراب ؛ من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمّتها ، وعدم عزمه على إحيائها ؛ إمّا لعدم حاجته إليها ، أو لاشتغاله بتعمير غيرها ، فبقيت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّى آلت إلى الخراب ، فإن كان سبب ملك المالك غير الإحياء - مثل أ نّه ملكها بالإرث أو الشراء - فليس لأحد وضع اليد عليها وإحياؤها والتصرّف فيها إلاّ بإذن مالكها ، ولو أحياها أحد وتصرّف فيها ، وانتفع بها بزرع أو غيره ، فعليه اُجرتها لمالكها ، وإن كان سبب ملكه الإحياء ؛ بأن كانت أرضاً مواتاً بالأصل فأحياها وملكها ، ثمّ بعد ذلك عطّلها وترك تعميرها حتّى آلت إلى الخراب ، فجوّز إحياءها لغيره بعضهم ، وهو في غاية الإشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .
(مسألة 4) : كما يجوز إحياء القُرى الدارسة والبلاد القديمة التي باد أهلها وصارت بلا مالك ؛ بجعلها مزرعاً أو مسكناً أو غيرهما ، كذا يجوز حيازة أجزائها
ص: 212
الباقية من أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها ، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملّك .
(مسألة 5) : لو كانت الأرض موقوفة وطرأ عليها الموتان والخراب ، فإن كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها - وأ نّها خاصّ أو عامّ ، أو وقف على الجهات ، ولم يعلم - من الاستفاضة والشهرة - غير كونها وقفاً على أقوام ماضين لم يبقَ منهم اسم ولا رسم ، أو قبيلة لم يعرف منهم إلاّ الاسم - فالظاهر أ نّها من الأنفال ، فيجوز إحياؤها ، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذا الحال . وإن علم أ نّها وقف على الجهات ولم تتعيّن ؛ بأن علم أ نّها وقف إمّا على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها ، ولم يعلمها بعينها ، أو علم أ نّها وقف على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم وأعيانهم ، كما إذا علم أنّ مالكها قد وقفها على ذرّيته ، ولم يعلم من الواقف ومن الذرّية ، فالظاهر أنّ ذلك بحكم الموات المجهول المالك الذي نسب إلى المشهور القول بأ نّه من الأنفال ، وقد مرّ ما فيه من الإشكال ، بل القول به هنا أشكل ، والأحوط الاستئذان من الحاكم لمن أراد إحياءها وتعميرها والانتفاع بها بزرع أو غيره ، وأن يصرف اُجرة مثلها في الأوّل في وجوه البرّ ، وفي الثاني على الفقراء ، بل الأحوط - خصوصاً في الأوّل - مراجعة حاكم الشرع . وأمّا لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه لو أحياه أحد وعمّره ، وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل ، ودفعها وإيصالها إلى الموقوف عليهم المعلومين في الثاني ؛ وإن كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه وتعميره ومرمّته إلى أن آل إلى الخراب ، لكن ليس لأحد الإحياء والتصرّف فيه مع وجود المتولّي المعلوم إلاّ بإذنه ، أو الاستئذان من
ص: 213
الحاكم مع عدمه في الأوّل ، ومن المتولّي أو الموقوف عليهم إن كان خاصّاً ، أو الحاكم إن كان عامّاً في الثاني .
(مسألة 6) : إذا كان الموات بالأصل حريماً لعامر مملوك ، لا يجوز لغير مالكه إحياؤه ، وإن أحياه لم يملكه . وتوضيح ذلك : أنّ من أحيا مواتاً ؛ لإحداث شيء من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها ، تبع ذلك الشيء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشيء الحادث ؛ ممّا يحتاج إليه لتمام الانتفاع به ويتعلّق بمصالحه عادة ، ويسمّى ذلك المقدار التابع حريماً لذلك المتبوع ، ويختلف مقدار الحريم زيادة ونقيصة باختلاف ذي الحريم ؛ وذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح والمرافق المحتاج إليها ، فما يحتاج إليه الدار من المرافق - بحسب العادة - غير ما يحتاج إليه البئر والنهر مثلاً ، وهكذا باقي الأشياء . بل يختلف ذلك باختلاف البلاد والعادات أيضاً ، فإذا أراد شخص إحياء حوالي ما له الحريم ، لا يجوز له إحياء مقدار الحريم بدون إذن المالك ورضاه ، وإن أحياه لم يملكه وكان غاصباً .
(مسألة 7) : حريم الدار مطرح ترابها وكناستها ورمادها ، ومصبّ مائها ، ومطرح ثلوجها ، ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه الباب ، فلو بنى داراً في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها ، فليس لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار ، وليس المراد من استحقاق الممرّ في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة وعلى امتداد الموات ، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج بنفسه وعياله وأضيافه وما تعلّق به من دوابّه وأحماله وأثقاله بدون مشقّة بأيّ نحو كان ، فيجوز لغيره
ص: 214
إحياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممرّ ؛ ولو بانعطاف وانحراف . وحريم الحائط - لو لم يكن جزءاً من الدار ؛ بأن كان مثلاً جدار حِصار أو بستان أو غير ذلك - مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب والآلات وبلّ الطين لو انتقض واحتاج إلى البناء والترميم . وحريم النهر مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التنقية ، والمجاز على حافّتيه للمواظبة عليه ولإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه . وحريم البئر ما تحتاج إليه لأجل السقي منها والانتفاع بها ؛ من الموضع الذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد ، وموضع الدولاب ومتردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما ، ومصبّ الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض ونحوه ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين وغيره لو اتّفق الاحتياج إليه ، وحريم العين ما تحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها وحفظها على قياس غيرها .
(مسألة 8) : لكلّ من البئر والعين والقناة - أعني بئرها الأخيرة التي هي منبع الماء ، ويقال لها : بئر العين واُمّ الآبار ، وكذا غيرها إذا كان منشأً للماء - حريم آخر بمعنىً آخر ، وهو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئراً أو قناة اُخرى فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما ، بل الأحوط لحاظ الحريم كذلك بين القناتين مطلقاً ؛ وإن كان الجواز في غير ما ذكر أشبه ، وهو في البئر أربعون ذراعاً
إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل ونحوها منها ، وستّون ذراعاً إذا كان لأجل الزرع وغيره . فلو أحدث شخص بئراً في موات من الأرض ، لم يكن لشخص آخر إحداث بئر اُخرى في جنبها بدون إذنه ، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعاً أو ستّين فما زاد على ما فصّل ، وفي العين والقناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة وألف ذراع في الأرض الرخوة ، فإذا استنبط إنسان عيناً
ص: 215
أو قناة في أرض موات صلبة ، وأراد غيره حفر اُخرى ، تباعد عنه بخمسمائة ذراع ، وإن كانت رخوة تباعد بألف ذراع ، ولو فرض أنّ الثانية تضرّ بالاُولى وتنقص ماءها مع البعد المزبور ، فالأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الاُولى .
(مسألة 9) : اعتبار البعد المزبور في القناة إنّما هو في إحداث قناة اُخرى ، كما أشرنا إليه آنفاً . وأمّا إحياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو غيرهما فلا مانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح ، أو الاستقاء ، أو الإصلاح والتنقية ، وغيرها ممّا ذكر في مطلق البئر ، بل لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار وما بينها ؛ إذا اُبقي من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج إليه لمصالحها ، فليس لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع وغيره فوقها إذا لم يضرّ بها .
(مسألة 10) : قد مرّ أنّ التباعد المزبور في القناة ، إنّما يلاحظ بالنسبة إلى البئر التي تكون منبع الماء أو منشأه . وأمّا الآبار الاُخر التي هي مجرى الماء فلا يراعى الفصل المذكور بينها ، فلو أحدث الثاني قناة في أرض صلبة ، وكان منبعها بعيداً عن منبع الاُولى بخمسمائة ذراع ، ثمّ تقارب في الآبار الاُخر التي هي مجرى الماء إلى الآبار الاُخر ، للاُخرى إلى أن صار بينها وبينها عشرة أذرع - مثلاً - لم يكن لصاحب الاُولى منعه . نعم ، لو فرض أنّ قرب تلك الآبار أضرّ بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو من جهة اُخرى ، تباعد بما يندفع به الضرر .
(مسألة 11) : القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه ، ولو
ص: 216
أحياه لم يملكه ، وهو ما يتعلّق بمصالحها ومصالح أهليها ؛ من طرقها المسلوكة منها وإليها ، ومسيل مائها ، ومجمع ترابها وكناستها ، ومطرح سمادها ورمادها ، ومشرعها ومجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عادتهم ، ومدفن موتاهم ، ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وغير ذلك . والمراد بالقرية البيوت والمساكن المجتمعة المسكونة ، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة والمزرعة ذات المزارع والبساتين المتّصلة ، الخالية من البيوت والمساكن والسكنة ، فلو أحدث شخص قناة في فلاة ، وأحيا أرضاً بسيطة بمقدار ما يكفيه ماء القناة ، وزرع فيها وغرس فيها النخيل والأشجار ، لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريماً لها ، فضلاً عن التلال والجبال القريبة منها ، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دوراً ومساكن حتّى صارت قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها . نعم ، لو أحدثها في جنب المزرعة والبساتين في أراضي الموات ، فالظاهر ثبوته لها ، بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعى الماشية لها مطلقاً ، كما أنّ للمزرعة بنفسها أيضاً حريماً ، وهو ما تحتاج إليه في مصالحها ، ويكون من مرافقها ، من مسالك الدخول والخروج ، ومحلّ بيادرها وحظائرها ، ومجمع سمادها وترابها وغيرها .
(مسألة 12) : حدّ المرعى الذي هو حريم للقرية ومحتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة ؛ بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق والحرج ، ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلّتهم ، وكثرة المواشي والدوابّ وقلّتها ، وبذلك يتفاوت المقدار سعة وضيقاً طولاً وعرضاً .
(مسألة 13) : إن كان موات بقرب العامر ولم يكن من حريمه ومرافقه ، جاز لكلّ أحد إحياؤه ، ولم يختصّ بمالك ذلك العامر ولا أولوية له ، فإذا طلع شاطئ
ص: 217
من الشطّ بقرب أرض محياة أو بستان - مثلاً - كان كسائر الموات ، فمن سبق إلى إحيائه وحيازته كان له ، وليس لصاحب الأرض أو البستان منعه .
(مسألة 14) : لا إشكال في أنّ حريم القناة - المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع - ليس ملكاً لصاحب القناة ، ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غيره بدون إذنه ، بل ليس له إلاّ حقّ المنع عن إحداث قناة اُخرى كما مرّ ، والظاهر أنّ حريم القرية أيضاً ليس ملكاً لسكّانها وأهليها ، بل إنّما لهم حقّ الأولوية . وأمّا حريم النهر والدار فهو ملك لصاحب ذي الحريم على تردّد وإن لا يخلو من وجه ، فيجوز له بيعه منفرداً كسائر الأملاك .
(مسألة 15) : ما مرّ من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو فيما إذا ابتكرت في أرض موات . وأمّا في الأملاك المجاورة فلا حريم لها ، فلو أحدث المالكان المجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين ، ولو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطاً أو نهراً ، لم يكن لهما حريم في ملك الآخر ، وكذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة اُخرى في ملكه وإن لم يكن بينهما الحدّ .
(مسألة 16) : ذكر جماعة : أ نّه يجوز لكلّ من المالكين المتجاورين التصرّف في ملكه بما شاء وحيث شاء ؛ وإن استلزم ضرراً على الجار ، لكنّه مشكل على إطلاقه . والأحوط عدم جواز ما يكون سبباً لعروض الفساد في ملك الجار ، بل لا يخلو من قرب ، إلاّ إذا كان في تركه حرج أو ضرر عليه ، فحينئذٍ يجوز له التصرّف ، كما إذا دقّ دقّاً عنيفاً انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللاً فيها ، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة في حائطه ، أو أحدث بالوعة أو
ص: 218
كنيفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها ، بل وكذا لو حفر بئراً بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها ، وكان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الاُولى . وأمّا إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق ووقوعها في سمت مجرى المياه ، ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأوّل ، فالظاهر أ نّه لا مانع منه . والمائز بين الصورتين يدركه اُولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة . وكذا لا مانع من إطالة البناء وإن كان مانعاً من الشمس والقمر والهواء ، أو جعل داره مدبغة أو مخبزة - مثلاً - وإن تأذّى الجار من الريح والدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء . وكذا إحداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء ، فإنّ المحرّم هو التطلّع على دار الجار ، لا مجرّد ثقب الجدار .
(مسألة 17) : لا يخفى أنّ أمر الجار شديد ، وحثّ الشرع الأقدس على رعايته أكيد ، والأخبار في وجوب كفّ الأذى عن الجار وفي الحثّ على حسن الجوار كثيرة لا تحصى : فعن النبي صلى الله عليه و آله وسلمأ نّه قال : «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أ نّه سيورثه» . وفي حديث آخر : «أ نّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر عليّاً علیه السلام وسلمان وأباذرّ - قال الراوي : ونسيت آخر وأظنّه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم : بأ نّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه ، فنادوا بها ثلاثاً» . وفي الكافي ، عن الصادق ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «قرأتُ في كتاب علي علیه السلام : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم ، وحرمة الجار كحرمة اُمّه» . وروى الصدوق بإسناده عن الصادق ، عن علي عليهماالسلام ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من آذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصير ، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا» . وعن الرضا علیه السلام : «ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه» .
ص: 219
وعن الصادق علیه السلام ، أ نّه قال والبيت غاصّ بأهله : «إعلموا أ نّه ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره» . وعنه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «حسن الجوار يعمِّر الديار ويُنسئ في الأعمار» . فاللازم على كلّ من يؤمن باللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم واليوم الآخر ، الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار وإن لم يكن ممّا يوجب فساداً أو ضرراً في ملكه ، إلاّ أن يكون في تركه ضرر فاحش على نفسه . ولا ريب أنّ مثل ثقب الجدار - الموجب للإشراف على دار الجار - إيذاء عليه ، وأيّ إيذاء ، وكذا إحداث ما يتأذّى من ريحه أو دخانه أو صوته ، أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه ، أو عن إشراق الشمس عليه وغير ذلك .
(مسألة 18) : يشترط في التملّك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير ، فإنّ التحجير يفيد أولوية للمحجّر ، فهو أولى بالإحياء والتملّك من غيره ، فله منعه ، ولو أحياه قهراً على المحجّر لم يملكه . والمراد بالتحجير أن يحدث ما يدلّ على إرادة الإحياء ، كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه ، أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه ، كما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التي يريد إحياءها ، فإنّه تحجير بالنسبة إلى سائر آبار القناة ، بل وبالنسبة إلى أراضي الموات التي تُسقى بمائها بعد جريانه ، فليس لأحد إحياء تلك القناة ، ولا إحياء تلك الأراضي . وكذا إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء والقصب ، فعمد على قطع مائها فقط ، فهو تحجير لها ، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها .
(مسألة 19) : لا بدّ من أن يكون التحجير - مضافاً إلى دلالته على أصل الإحياء - دالاًّ على مقدار ما يريد إحياءه ، فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب مثلاً ، لا بدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب ؛
ص: 220
حتّى يدلّ على أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه . نعم ، في مثل إحياء القناة البائرة ، يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها ، كما أشرنا إليه آنفاً ، فإنّه دليل بحسب العرف على كونه بصدد إحياء جميع القناة ، بل الأراضي المتعلّقة بها أيضاً . بل إذا حفر بئراً في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة ، يمكن أن يقال : إنّه يكون تحجيراً بالنسبة إلى أصل القناة وإلى الأراضي الموات التي تُسقى بمائها بعد تمامها وجريان مائها ، فليس لأحد إحياء تلك الجوانب حتّى يتمّ القناة ويعيّن ما تحتاج إليه من الأراضي . نعم ، الأرض الموات التي ليست من حريم القناة ، وممّا علم أ نّه لا يصل إليها ماؤها بعد جريانه ، لا بأس بإحيائها .
(مسألة 20) : التحجير - كما أشرنا إليه - يفيد حقّ الأولوية ، ولا يفيد الملكية ، فلا يصحّ بيعه على الأحوط وإن لا يبعد الجواز . نعم ، يصحّ الصلح عنه ، ويورث ويقع ثمناً في البيع ؛ لأ نّه حقّ قابل للنقل والانتقال .
(مسألة 21) : يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجّر متمكّناً من القيام بتعميره ؛ ولو بعد زمان طويل بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات ، فلو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره - إمّا لفقره أو لعجزه عن تهيئة أسبابه - فلا أثر لتحجيره ، وجاز لغيره إحياؤه ، وكذا لو حجّر زائداً على مقدار تمكّنه من الإحياء ، لا أثر لتحجيره إلاّ في مقدار ما تمكّن من تعميره ، وأمّا في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه . فعلى هذا ليس لمن عجز عن إحياء الموات تحجيره ، ثمّ نقل ما حجّره إلى غيره بصُلح أو غيره - مجّاناً أو بالعوض - لأ نّه لم يحصل له حقّ حتّى ينقله إلى غيره .
(مسألة 22) : لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة ، بل يجوز أن يكون
ص: 221
بتوكيل الغير أو استئجاره ، فيكون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموكّل والمستأجر لا للوكيل والأجير . وأمّا كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن غيره - ثمّ أجاز ذلك الغير - في ثبوته للمنوب عنه ، فبعيد .
(مسألة 23) : لو انمحت آثار التحجير بنفسها قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير ، بطل حقّه ؛ وعاد الموات إلى ما كان قبل التحجير . وأمّا لو كان بفعل شخص غير المحجّر فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو ، ومع طول المدّة فالظاهر بطلانه مطلقاً . بل لا يبعد بقاء الحقّ مع المحو بنفسها إذا لم يكن ذلك لطول مدّة التعطيل ، كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلاً .
(مسألة 24) : ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه والإهمال في التعمير ، بل اللازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير ، فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحياءه ، فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده وبسط يده ، فيلزم المحجّر بأحد أمرين : إمّا العمارة أو رفع يده عنه ليعمّره غيره ، إلاّ أن يبدي عذراً موجّهاً ، مثل انتظار وقت صالح له ، أو إصلاح آلاته ، أو حضور العملة ، فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر ، وليس من العذر عدم التمكّن من تهيئة الأسباب لفقره منتظراً للغنى والتمكّن ، إلاّ إذا كان متوقّعاً حصوله بحصول أسبابه ، فإذا مضت المدّة في الفرض المتقدّم ، ولم يشتغل بالعمارة ، بطل حقّه ، وجاز لغيره القيام بالعمارة . وإذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون ، فالظاهر أ نّه يسقط حقّه أيضاً لو أهمل في التعمير ، وطال الإهمال مدّة طويلة يعدّ مثله في العرف تعطيلاً ، فجاز لغيره إحياؤه ، وليس له منعه ، والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله وإهماله ثلاث سنين .
ص: 222
(مسألة 25) : الظاهر أ نّه يشترط في التملّك بالإحياء قصد التملّك ، كالتملّك بالحيازة ، مثل الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها ، فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقياً لم يملكه ، بل لم يكن له إلاّ حقّ الأولوية ما دام مقيماً ، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية وصارت مباحاً للجميع .
(مسألة 26) : الإحياء المفيد للملك : عبارة عن جعل الأرض حيّة بعد الموتان ؛ وإخراجها عن صفة الخراب إلى العمران . ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض : إمّا بكونها مزرعاً أو بستاناً ، وإمّا بكونها مسكناً وداراً ، وإمّا حظيرة للأغنام والمواشي ، أو لحوائج اُخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب أو غير ذلك ، فلا بدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيه ؛ وإنهائه إلى حدّ صدق عليه أحد العناوين العامرة ؛ بأن صدق عليه المزرع أو الدار - مثلاً - أو غيرهما عند العرف ، ويكفي تحقّق أوّل مراتب وجودها ، ولا يعتبر إنهاؤها إلى حدّ كمالها ، وقبل أن يبلغ إلى ذلك الحدّ وإن صنع فيه ما صنع لم يكن إحياء ، بل يكون تحجيراً ، وقد مرّ أ نّه لا يفيد الملك ، بل لا يفيد إلاّ الأولوية .
يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة التي يقصدها المحيي ، فما اعتبر في إحياء الموات مزرعاً أو بستاناً ، غير ما اعتبر في إحيائه مسكناً وداراً ، وما اعتبر في إحيائه قناة أو بئراً غير ما اعتبر في إحيائه نهراً وهكذا . ويشترط في الكلّ إزالة الاُمور المانعة عن التعمير ، كالمياه الغالبة أو الرمال والأحجار ، أو القصب والأشجار لو كانت متأجّمة وغير ذلك ، ويختصّ كلّ منها ببعض الاُمور ، ونحن نبيّنها في ضمن مسائل :
ص: 223
(مسألة 1) : يعتبر في إحياء الموات داراً أو مسكناً - بعد إزالة الموانع لو كانت - أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد ؛ ولو كان بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها ، ويسقّف ولو بعضه ممّا يمكن أن يسكن فيه . ولا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب ، ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف . نعم ، يكفي ذلك في إحيائه حظيرة للغنم وغيره ، أو لأن يجفّف فيه الثمار ، أو يجمع فيه الحشيش والحطب . ولو بنى حائطاً في الموات بقصد بناء الدار ، وقبل أن يسقّف عليه بدا له وقصد كونه حظيرة ملكه ، كما لو قصد ذلك من أوّل الأمر ، وكذلك ملكه في العكس ؛ بأن حوّطه بقصد كونه حظيرة فبدا له أن يسقّفه ويجعله داراً .
(مسألة 2) : يعتبر في إحياء الموات مزرعاً - بعد إزالة الموانع - تسوية الأرض ؛ لو كانت فيها حفر وتلال مانعة عن قابليتها للزرع ، وترتيب مائها ؛ إمّا بشقّ ساقية من نهر ، أو حفر قناة لها أو بئر ، وبذلك يتمّ إحياؤها ويملكها المحيي ، ولا يعتبر في إحيائها حرثها ، فضلاً عن زرعها . وإن كانت الأرض ممّا لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء ؛ لأ نّه يكفيها ماء السماء ، كفى في إحيائها إعمال الاُمور الاُخر عدا ترتيب الماء . وإن كانت مُهيّأة للزرع بنفسها ؛ بأن لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر ، ولم تحتج إلاّ إلى سوق الماء ، كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها ، وإن لم تحتج إلى سوق الماء أيضاً ؛ من جهة أ نّه يكفيها ماء السماء ، كبعض الأراضي السهلة والتلال التي لا تحتاج في زرعها إلى علاج ، وقابلة لأن تزرع ديمياً ، فالظاهر أنّ إحياءها المفيد لتملّكها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها ، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملّكها . وأمّا الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه إشكال . نعم ، لا إشكال في كونه تحجيراً مفيداً للأولوية .
ص: 224
(مسألة 3) : يعتبر في إحياء البستان كلّ ما اعتبر في إحياء الزرع ؛ بزيادة غرس النخيل أو الأشجار القابلة للنموّ . ولا يعتبر التحويط حتّى في البلاد التي جرت عادتهم عليه على الأقوى ، بل الظاهر عدم اعتبار السقي أيضاً ، فمجرّد غرس الأشجار القابلة للنموّ كافٍ فيه .
(مسألة 4) : يحصل إحياء البئر في الموات ؛ بأن يحفرها إلى أن يصل إلى الماء ، فيملكها بذلك ، وقبل ذلك يكون تحجيراً لا إحياءً . وإحياء القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض . وإحياء النهر بحفره وإنهائه إلى الماء المباح كالشطّ ونحوه ؛ بحيث كان الفاصل بينهما يسيراً كالمرز والمسنّاة الصغيرة ، وبذلك يتمّ إحياء النهر ، فيملكه الحافر . ولا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلاً وإن اعتبر ذلك في تملّك المياه .
وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والرباطات والمياه والمعادن .
(مسألة 1) : الطريق نوعان : نافذ وغير نافذ .
فالأوّل : - وهو المسمّى بالشارع العامّ - محبوس على كافّة الأنام ، والناس فيه شرع سواء ، وليس لأحد إحياؤه والاختصاص به ، ولا التصرّف في أرضه ببناء دكّة أو حائط ، أو حفر بئر ، أو غرس شجر ، أو غير ذلك . نعم ، لا يبعد جواز غرس الأشجار وإحداث النهر لمصلحة المارّة لو كان الطريق واسعاً جدّاً ، كالشوارع الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار ، كما أنّ الظاهر أ نّه يجوز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر وغيره ؛ لكونها من مصالحه
ص: 225
ومرافقه ، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظاً للمستطرقين والمارّة . بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا اُحكم الأساس والسقف ؛ بحيث يؤمن معه من النقض والخسف . وأمّا التصرّف في فضائه بإخراج روشن أو جناح ، أو بناء ساباط ، أو فتح باب ، أو نصب ميزاب ، ونحو ذلك ، فلا إشكال في جوازه إذا لم يضرّ بالمارّة ، وليس لأحد منعه حتّى من يقابل داره داره ، كما مرّ في كتاب الصلح .
وأمّا الثاني : - أعني الطريق غير النافذ المسمّى بالسكّة المرفوعة ، وقد يطلق عليه «الدريبة» ، وهو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح ، بل اُحيط بثلاث جوانبه الدور والحيطان والجدران - فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه ، دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها إليه ، فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة ، يجوز لأربابه سدّه وتقسيمه بينهم وإدخال كلّ منهم حصّته في داره . ولا يجوز لأحد من غيرهم بل ولا منهم أن يتصرّف فيه ولا في فضائه إلاّ بإذن من يعتبر إذنه ، كما يأتي في المسألة الآتية .
(مسألة 2) : لا يبعد في «الدريبة» أن يشارك الداخل للأدخل - إلى قبالة بابه ممّا هو ممرّه - مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعاً ، ولا يبعد أن يشارك الداخل إلى منتهى جدار داره ، وينفرد الأدخل بما بعده ، ومع تعدّد الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم ، وينفرد بما يكون طريقه الخاصّ . فيشترك الجميع من أوّل الدريبة إلى الباب الأوّل أو منتهى الجدار ثمّ يشترك فيما عداه ما عدا صاحب الباب الأوّل ، وهكذا تقلّ الشركاء إلى آخر الزقاق . ولا يبعد اختصاص الآخر بالفضلة التي في آخر الزقاق ، فيجوز لمن هو أدخل من الجميع أيّ تصرّف شاء فيما ينفرد به ، بل وفي الفضلة المذكورة . ولا يجوز لغيره
ص: 226
التصرّف ، كإخراج جناح أو روشن ، أو بناء ساباط ، أو حفر بالوعة أو سرداب ، أو نصب ميزاب ، وغير ذلك ، إلاّ بإذن شركائه . نعم ، لكلّ منهم حقّ الاستطراق إلى داره من أيّ موضع من جداره ، فلكلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل أو أسبق ؛ مع سدّ الباب الأوّل وعدمه .
(مسألة 3) : ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها إلاّ بإذن أربابها . نعم ، له فتح ثقبة وشبّاك إليها ، وليس لهم منعه ؛ لكونه تصرّفاً في جداره لا في ملكهم ، وهل له فتح باب إليها ؛ لا للاستطراق بل لمجرّد الاستضاءة ودخول الهواء ؟ الأقرب جوازه ، ولصاحب الدريبة تحكيم سند المالكية لدفع الشبهة .
(مسألة 4) : يجوز لكلّ من أرباب الدريبة الجلوس فيها ، والاستطراق والتردّد منها إلى داره بنفسه وما يتعلّق به من عياله ودوابّه وأضيافه وعائديه وزائريه ، وكذا وضع الحطب ونحوه فيها لإدخاله في الدار ، ووضع الأحمال والأثقال عند إدخالها وإخراجها من دون إذن الشركاء ، بل وإن كان فيهم القصّر والمولّى عليهم ؛ من دون رعاية المساواة مع الباقين .
(مسألة 5) : الشوارع والطرق العامّة وإن كانت معدّة لاستطراق عامّة الناس ، ومنفعتها الأصلية التردّد فيها بالذهاب والإياب ، إلاّ أ نّه يجوز لكلّ أحد الانتفاع بها بغير ذلك ؛ من جلوس أو نوم أو صلاة وغيرها ؛ بشرط أن لا يتضرّر بها أحد على الأحوط ، ولم يزاحم المستطرقين ولم يتضيّق على المارّة .
(مسألة 6) : لا فرق في الجلوس غير المضرّ بين ما كان للاستراحة أو النزهة ، وبين ما كان للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع
ص: 227
المتّسعة ؛ لئلاّ يتضيّق على المارّة ، فلو جلس فيها بأيّ غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه .
(مسألة 7) : لو جلس في موضع من الطريق ثمّ قام عنه ، فإن كان جلوس استراحة ونحوها بطل حقّه ، فجاز لغيره الجلوس فيه ، وكذا إن كان لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نيّة العود ، فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه ، ولو قام قبل استيفاء غرضه ناوياً للعود ففي ثبوت حقّ له فيه إشكال . نعم ، لا يجوز التصرّف في بساطه ، فلو قام ولو بنيّة العود ورفع بساطه فالظاهر جواز جلوس غيره مكانه . والاحتياط حسن .
(مسألة 8) : ثبوت الحقّ للجالس للمعاملات ونحوها مشكل ، بل الظاهر عدمه ، لكن لا يجوز إزعاجه ما دام فيه ، ولا التصرّف في بساطه ، ولا مانع من إشغال ما حوله ولو احتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين معه . وكذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه ، وليس له منعه . لكن الاحتياط حسن ، ومراعاة المؤمن مطلوب .
(مسألة 9) : يجوز للجالس للمعاملة أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية ونحوهما ، وليس له بناء دكّة ونحوها فيه .
(مسألة 10) : إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم ، فسبقه في يوم آخر شخص آخر وأخذ مكانه ، فليس للأوّل إزعاجه ومزاحمته .
(مسألة 11) : إنّما يصير الموضع شارعاً عامّاً باُمور : الأوّل : بكثرة التردّد والاستطراق ومرور القوافل ونحوها في الأرض الموات ، كالجوادّ الحاصلة في البراري والقفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد . الثاني : أن يجعل إنسان
ص: 228
ملكه شارعاً وسبّله تسبيلاً دائمياً لسلوك عامّة الناس ، وسلك فيه بعض الناس ، فإنّه يصير بذلك طريقاً عامّاً ، ولم يكن للمسبّل الرجوع بعد ذلك . الثالث : أن يحيي جماعة أرضاً مواتاً - قرية أو بلدة - ويتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور والمساكن ، ويفتحوا إليه الأبواب . والمراد بكونه نافذاً أن يكون له مدخل ومخرج ؛ يدخل فيه الناس من جانب ، ويخرجون من جانب آخر إلى جادّة عامّة أو إلى أرض موات .
(مسألة 12) : لا حريم للشارع العامّ لو وقع بين الأملاك ، فلو كانت بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - واستطرقها الناس حتّى صارت جادّة ، لم يجب على الملاّك توسيعها وإن تضيّقت على المارّة . وكذا لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - للشارع . وأمّا لو كان الشارع محدوداً بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه فكان له الحريم ، وهو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع من سبعة أذرع على الأحوط ، فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات ، جاز إحياء طرفيه إلى حدّ يبقى له سبعة أذرع ، ولا يتجاوز عن هذا الحدّ . وكذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع - مثلاً - فسبّله شارعاً ، لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع ، ولو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة وفي الطرف الآخر أرض موات ، كان الحريم من طرف الموات . بل لو كان طريق بين الموات ، وسبق شخص وأحيا أحد طرفيه إلى حدّ الطريق ، اختصّ الحريم بالطرف الآخر ، فلا يجوز للآخر الإحياء إلى حدّ لا يبقى للطريق سبعة أذرع ، فلو بنى بناءً مجاوزاً لذلك الحدّ اُلزم هو بهدمه وتبعيده دون المحيي الأوّل .
ص: 229
(مسألة 13) : إذا استؤجم الطريق ، أو انقطعت عنه المارّة ، زال حكمه ، بل ارتفع موضوعه وعنوانه ، فجاز لكلّ أحد إحياؤه كالموات ؛ من غير فرق في صورة انقطاع المارّة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم ، أو بمنع قاهر إيّاهم ، أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره ، أو بسبب آخر . نعم ، في المسبّل لا يخلو جواز الإحياء من إشكال .
(مسألة 14) : لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع ، ففي المسبّل لا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها وإحياؤه وتملّكه قطعاً . وأمّا غيره ففي جواز إحياء الزائد وعدمه وجهان ، أوجههما العدم ، إلاّ إذا كان الزائد معرضاً عنه .
(مسألة 15) : ومن المشتركات المسجد ، وهو من مرافق المسلمين يشترك
فيه عامّتهم ، وهم شرع سواء في الانتفاع به إلاّ بما لا يناسبه ونهى الشارع عنه ، كمكث الجنب فيه ونحوه ، فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء ، بل وتدريس أو وعظ أو إفتاء وغيرها ، ليس لأحد إزعاجه ؛ سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه ، فليس لأحد بأيّ غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه بأيّ غرض كان . نعم ، لا يبعد تقدّم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض ، فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس ، وأراد أحد أن يصلّي في ذلك المكان جماعة أو فرادى ، يجب عليه تخلية المكان له . نعم ، ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح ، بل كان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فيه ، أو لغرض راجح ديني كالالتحاق بصفوف الجماعة ونحوه . هذا ، ولكن أصل المسألة لا تخلو من إشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة - كالدعاء والقراءة - لا لمجرّد النزهة والاستراحة ، فلا ينبغي فيه
ص: 230
ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة ، وللسابق بتخلية المكان له . والظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة ، فلا أولوية للثانية على الاُولى ، فمن سبق إلى مكان للصلاة منفرداً فليس لمريد الصلاة جماعة إزعاجه لها ؛ وإن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له ، ولا يكون منّاعاً للخير عن أخيه .
(مسألة 16) : لو قام الجالس السابق وفارق المكان رافعاً يده منه معرضاً عنه ، بطل حقّه على فرض ثبوت حقّ له وإن بقي رحله ، فلو عاد إليه وقد أخذه غيره ليس له إزعاجه . نعم ، لا يجوز التصرّف في بساطه ورحله . وإن كان ناوياً للعود ، فإن كان رحله باقياً بقي حقّه لو قلنا بثبوت حقّ له ، ولكن لا يجوز التصرّف في رحله على أيّ حال ، وإلاّ فالظاهر سقوط حقّه على فرض ثبوته ، لكن ثبوت حقّ في أمثال ذلك مطلقاً لا يخلو من تأمّل وإن يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد ، والأحوط عدم إشغاله ، خصوصاً إذا كان خروجه لضرورة ، كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها .
(مسألة 17) : الظاهر أنّ وضع الرحل مقدّمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية ؛ لكن إن كان ذلك بمثل فرش سجّادة ونحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه ، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك وشبهها .
(مسألة 18) : يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان ؛ بحيث استلزم تعطيل المكان ، وإلاّ لم يفد حقّاً ، فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه ؛ ورفع رحله والصلاة مكانه إذا شغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلاّ برفعه ، والظاهر أ نّه يضمنه الرافع إلى أن يوصله إلى صاحبه . وكذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء رحله فيه .
ص: 231
(مسألة 19) : المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام ، فإنّ المسلمين فيها شرع سواء ؛ سواء العاكف فيها والباد ، والمجاور لها والمتحمّل إليها من بعد البلاد . ومن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة ، ليس لأحد إزعاجه ، وهل للزيارة أولوية على غيرها ، كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها ؟ لا يخلو من وجه ، لكنّه غير وجيه ، كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين ؛ وإن كان ينبغي لهم مراعاتهم ، وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل وبقائه كما سبق في المساجد .
(مسألة 20) : ومن المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم ، أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاصّ ، كما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم أو طالب العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلاً . فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها معرضاً عنها وإن طالت مدّة السكنى ، إلاّ إذا اشترط الواقف له مدّة معيّنة ، كثلاث سنين مثلاً ، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم يؤمر به ، أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة ، كما إذا شرط كونه مشغولاً بالتحصيل أو التدريس ، فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك .
(مسألة 21) : لا يبطل حقّ الساكن بالخروج لحاجة معتادة ، كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة ونحوها قطعاً وإن لم يترك رحله ، ولا يلزم تخليف أحد مكانه ، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة ، كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نيّة العود وبقاء متاعه ورحله ؛ ما لم تطل المدّة إلى حدّ لم يصدق معه السكنى والإقامة عرفاً ، ولم يوجب تعطيل المحلّ زائداً على المتعارف ،
ص: 232
ولم يشترط الواقف لذلك مدّة معيّنة ، كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلاً ، فيبطل حقّه لو تعدّى زمن خروجه عن تلك المدّة .
(مسألة 22) : من أقام في حجرة منها ممّن يستحقّ السكنى بها ، له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدّاً لواحد ؛ إمّا بحسب قابلية المحلّ ، أو بسبب شرط الواقف ، ولو اُعدّ لما فوقه لم يكن له منع غيره إلاّ إذا بلغ العدد الذي اُعدّ له ، فللسكنة منع الزائد .
(مسألة 23) : يلحق بالمدارس الرباطات ، وهي المواضع المبنيّة لسكنى الفقراء ، والملحوظ فيها غالباً للغُرباء ، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان أحقّ به ، وليس لأحد إزعاجه . والكلام في مقدار حقّه ، وما به يبطل حقّه ، وجواز منع الشريك وعدمه فيها ، كما سبق في المدارس .
(مسألة 24) : ومن المشتركات المياه ، والمراد بها مياه الشطوط والأنهار الكبار ، كدجلة والفرات والنيل أو الصغار التي لم يجرها أحد ، بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج ، وكذلك العيون المنفجرة من الجبال أو في أراضي الموات ، والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار ، فإنّ الناس في جميع ذلك شرع سواء ، ومن حاز منها شيئاً بآنية أو مصنع أو حوض ونحوها ملكه ، وجرى عليه أحكام الملك ؛ من غير فرق بين المسلم والكافر . وأمّا مياه العيون والآبار والقنوات التي حفرها أحد في ملكه أو في الموات بقصد تملّك مائها ، فهي ملك للحافر كسائر الأملاك ، لا يجوز لأحد أخذها والتصرّف فيها إلاّ بإذن المالك ، عدا بعض التصرّفات التي مرّ بيانها في كتاب الطهارة ، وينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية ؛ قهرية كانت كالإرث ، أو اختيارية كالبيع والصلح والهبة وغيرها .
ص: 233
(مسألة 25) : إذا شقّ نهراً من ماء مباح كالشطّ ونحوه ، ملك ما يدخل فيه من الماء ، ويجري عليه أحكام الملك كالماء المحوز في آنية ونحوها ، وتتبع ملكية الماء ملكية النهر ، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام . وإن كان لجماعة ملك كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلك النهر ، فإن كان لواحد نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة وهكذا ، ولا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقى منه ، فلو كان النهر مشتركاً بين ثلاثة أشخاص بالتساوي ، كان لكلّ منهم ثلث الماء ، وإن كانت الأراضي التي تُسقى منه لأحدهم ألف جريب ، ولآخر جريباً ، ولآخر نصف جريب ، فيصرفان ما زاد على احتياج أرضهما فيما شاءا ، بل لو كان لأحدهما رحىً يدور به ولم يكن له أرض أصلاً يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء .
(مسألة 26) : إنّما يملك النهر المتّصل بالمباح بحفره في الموات بقصد إحيائه نهراً ، مع نيّة تملّكه إلى أن يوصله بالمباح ، كما مرّ في إحياء الموات ، فإن كان الحافر واحداً ملكه بالتمام ، وإن كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا ، فمع التساوي بالتساوي ، ومع التفاوت بالتفاوت .
(مسألة 27) : لمّا كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركاً بينهم ، كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة ، فلا يجوز لكلّ واحد منهم التصرّف فيه وأخذه والسقاية به ، إلاّ بإذن باقي الشركاء ، فإن لم يكن بينهم تعاسر ويبيح كلّ منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كلّ وقت وزمان فلا بحث . وإن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة - بحسب الساعات أو الأيّام أو الأسابيع مثلاً - فهو ، وإلاّ فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء ؛ بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتّى
ص: 234
يتساوى الماء الجاري فيها ، ويجعل لكلّ منهم من الثقب بمقدار حصّته ، ويجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به ، فإذا كان بين ثلاثة وسهامهم متساوية فإن كانت الثقب ثلاثاً متساوية جعلت لكلّ منهم ثقبة ، وإن كانت ستّاً جعلت لكلّ منهم ثقبتان ، وإن كانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب على أقلّهم سهماً ، فإذا كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ، جعلت الثقب ستّاً : ثلاث منها لذي النصف ، واثنتان لذي الثلث ، وواحدة لذي السدس وهكذا ، وبعد ما اُفرزت حصّة كلّ منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء .
(مسألة 28) : الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار ، فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها ، وهي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها . وأمّا المهاياة فهي موقوفة على التراضي ، وليست بلازمة ، فلبعضهم الرجوع عنها حتّى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته ؛ وإن ضمن حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل مع إمكانه ، وإلاّ فبالقيمة .
(مسألة 29) : إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو وادٍ أو نهر ونحوها ؛ بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار ، كان للجميع حقّ السقي منه ، فليس لأحد أن يشقّ نهراً فوقها يقبض الماء كلّه أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك . وحينئذٍ فإن وفى الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو ، وإن لم يف ووقع بين أربابها - في التقدّم والتأخّر - التشاحّ والتعاسر يقدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق ، وإلاّ يقدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء وأصله ، فيقضي الأعلى حاجته ، ثمّ يرسله إلى ما يليه وهكذا ، لكن لا يزيد للنخل عن الكعب أي قبّة القدم على
ص: 235
الأحوط وإن كان الجواز إلى أوّل الساق لا يخلو من قوّة ، وللشجر عن القدم ، وللزرع عن الشراك .
(مسألة 30) : الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط ونحوها ؛ إذا وقع التعاسر بين أربابها ؛ بأن كان الشطّ لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار ، كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدّم في المسألة السابقة ، فالأحقّ ما كان شقّه أسبق ثمّ الأسبق . وإن لم يعلم الأسبق فالمدار هو الأعلى فالأعلى ، فيقبض الأعلى ما يسعه ثمّ ما يليه وهكذا .
(مسألة 31) : لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق ونحو ذلك ، فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤونة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر ؛ سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع ، كما إذا كان مشتركاً بين المولّى عليهم ورأى الوليّ المصلحة الملزمة في تعميره مثلاً . وإن لم يقدم إلاّ البعض لم يجبر الممتنع ، وليس للمقدمين مطالبته بحصّته من المؤونة ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه وتعهّده ببذل حصّته . نعم ، لو كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره ، وكان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر إمّا لعدم اقتداره بدونه ، أو لغير ذلك ، وجب على وليّ القاصر مراعاةً لمصلحته تشريكه في التعمير وبذل المؤونة من ماله بمقدار حصّته .
(مسألة 32) : ومن المشتركات المعادن ، وهي إمّا ظاهرة ، وهي ما لا تحتاج في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤونة ، كالملح والقير والكبريت والموميا والكحل والنفط ؛ إذا لم يحتج كلّ منها إلى الحفر والعمل المعتدّ به . وإمّا
ص: 236
باطنة ، وهي ما لا تظهر إلاّ بالعمل والعلاج ، كالذهب والفضّة والنحاس والرصاص ، وكذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المعمول غالباً في هذه الأعصار . فأمّا الظاهرة : فهي تملك بالحيازة لا بالإحياء ، فمن أخذ منها شيئاً ملك ما أخذه قليلاً كان أو كثيراً وإن كان زائداً على ما يعتاد لمثله وعلى مقدار حاجته ، ويبقى الباقي ممّا لم يأخذه على الاشتراك ولا يختصّ بالسابق في الأخذ ، وليس له على الأحوط أن يحوز مقداراً يوجب الضيق والمضارّة على الناس . وأمّا الباطنة : فهي تملك بالإحياء ؛ بأن ينهي العمل والنقب والحفر إلى أن يبلغ نيلها ، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء ، وقد مرّ أ نّها تملك بحفرها حتّى يبلغ الماء ويملك بتبعها الماء ، ولو عمل فيها عملاً لم يبلغ به نيلها ، كان تحجيراً أفاد الأحقّية والأولوية دون الملكية .
(مسألة 33) : إذا شرع في إحياء معدن ثمّ أهمله وعطّله ، اُجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه ، ولو أبدى عذراً اُنظر بمقدار زوال عُذره ، ثمّ اُلزم على أحد الأمرين ، كما سبق ذلك كلّه في إحياء الموات .
(مسألة 34) : لو أحيا أرضاً مزرعاً أو مسكناً - مثلاً - فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ؛ سواء كان عالماً به حين إحيائها أم لا .
(مسألة 35) : لو قال ربّ المعدن لآخر : «اعمل فيه ولك نصف الخارج» مثلاً ، بطل إن كان بعنوان الإجارة ، وصحّ لو كان بعنوان الجعالة .
ص: 237
وهي بمعناها الأعمّ : كلّ مال ضائع عن مالكه ولم يكن يد عليه ، وهي إمّا حيوان ، أو غير حيوان :
وهي المسمّاة بالضالّة .
(مسألة 1) : إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه أيّ حيوان كان ، فمن أخذه ضمنه ، ويجب عليه حفظه من التلف والإنفاق عليه بما يلزم ، وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق . نعم ، إن كان شاة حبسها ثلاثة أيّام ، فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدّق بثمنها ، والظاهر ضمانها لو جاء صاحبها ولم يرض بالتصدّق ، ولا يبعد جواز حفظها لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم أيضاً . ولو كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان ، ويجب عليه الإنفاق عليه ، وجاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه ، وإن كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن ونحوه ، جاز له استيفاؤها واحتسابها بإزاء
ص: 238
ما أنفق ، ويرجع إلى صاحبه إن كانت النفقة أكثر ، ويؤدّي إليه الزيادة إن زادت المنفعة عنها .
(مسألة 2) : بعد ما أخذ الحيوان في العمران وصار تحت يده ، يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ وعدمه ، فإذا يئس من صاحبه تصدّق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك .
(مسألة 3) : ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان - كالدجاج والحمام ممّا لم يعرف صاحبه - الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة ، بل هو داخل في عنوان مجهول المالك ، فيتفحّص عن صاحبه وعند اليأس منه يتصدّق به . والفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك ؛ بأن يسأل من الجيران والقريبة من الدور والعمران ، ويجوز تملّك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعلم أنّ له صاحباً ، ولا يجب الفحص ، والأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً - ولو من جهة آثار اليد - أن يعامل معه معاملة مجهول المالك .
(مسألة 4) : ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق والشوارع والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها ؛ إن كان ممّا يحفظ نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعالب وابن آوى والذئب والضبع ونحوها ؛ إمّا لكبر جثّته كالبعير ، أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال ، أو لقوّته وبطشه كالجاموس والثور ، لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه إذا كان في كلأ وماء ، أو كان صحيحاً يقدر على تحصيل الماء والكلأ . وإن كان ممّا تغلب عليه صغار السباع كالشاة وأطفال البعير والدوابّ جاز أخذه ، فإذا أخذه عرّفه على الأحوط في المكان الذي أصابه وحواليه إن كان فيه أحد ، فإن عرف
ص: 239
صاحبه ردّه إليه ، وإلاّ كان له تملّكه وبيعه وأكله مع الضمان لمالكه لو وجد ، كما أنّ له إبقاءه وحفظه لمالكه ، ولا ضمان عليه .
(مسألة 5) : لو أخذ البعير ونحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه ، ويجب عليه الإنفاق عليه ، وليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه وإن كان من قصده الرجوع عليه ، كما مرّ فيما يُؤخذ من العمران .
(مسألة 6) : إذا ترك الحيوان صاحبه وسرّحه في الطرق أو الصحاري والبراري ، فإن كان بقصد الإعراض عنه جاز لكلّ أحد أخذه وتملّكه ، كما هو الحال في كلّ مال أعرض عنه صاحبه . وإن لم يكن بقصد الإعراض ، بل كان من جهة العجز عن إنفاقه ، أو من جهة جهد الحيوان وكلاله - كما يتّفق كثيراً أنّ الإنسان إذا كلّت دابّته في الطرق والمفاوز ، ولم يتمكّن من الوقوف عندها ، يأخذ رحلها أو سرجها ويسرّحها ويذهب - فإن تركه في كلأ وماء وأمن ليس لأحد أن يأخذه ، فلو أخذه كان غاصباً ضامناً له ، وإن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان . وفي وجوب حفظه والإنفاق عليه وعدم الرجوع على صاحبه ، ما مرّ فيما يؤخذ في العمران . وإن تركه في خوف وعلى غير ماء وكلأ جاز أخذه ، وهو للآخذ إذا تملّكه .
(مسألة 7) : إذا أصاب دابّة ، وعلم بالقرائن أنّ صاحبها قد تركها ، ولم يدر أ نّه قد تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر ، كانت بحكم الثاني ، فليس له أخذها وتملّكها إلاّ إذا كانت في مكان خوف بلا ماء ولا كلأ .
(مسألة 8) : إذا أصاب حيواناً في غير العمران ، ولم يدر أنّ صاحبه قد تركه بأحد النحوين ، أو لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه ، كان بحكم الثاني من التفصيل
ص: 240
المتقدّم ، فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه وتملّكه ، إلاّ إذا كان غير صحيح ولم يكن في ماء وكلأ ، وإن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقاً .
وهي التي يطلق عليها «اللقطة» عند الإطلاق ، واللقطة بالمعنى الأخصّ . ويعتبر فيها عدم معرفة المالك ، فهي قسم من مجهول المالك ، لها أحكام خاصّة .
(مسألة 1) : يعتبر فيها الضياع عن المالك ، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة ؛ لعدم الضياع عن مالكه ، بل لا بدّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال ، فالمداس المتبدّل بمداسه في المساجد ونحوها ، يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه ، وكذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام ونحوه ؛ لاحتمال تعمّد المالك في التبديل ، ومعه يكون من مجهول المالك ، لا من اللقطة .
(مسألة 2) : يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط ، فلو رأى غيره شيئاً وأخبر به فأخذه كان حكمها على الآخذ ، دون الرائي وإن تسبّب منه ، بل لو قال ناولنيه ، فنوى المأمور الأخذ لنفسه ، كان هو الملتقط دون الآمر ، ولو أخذه لا لنفسه وناوله إيّاه ، ففي كون الآمر ملتقطاً إشكال ، فضلاً عن أخذه بأمره ونيابته من دون أن يناوله إيّاه .
(مسألة 3) : لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظنّ أ نّه ماله ، فتبيّن أ نّه ضائع عن غيره ، صار بذلك لقطة وعليه حكمها . وكذا لو رأى مالاً ضائعاً فنحّاه بعد أخذه من جانب إلى آخر . نعم ، لو دفعه برجله أو بيده من
ص: 241
غير أخذ ليتعرّفه ، فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطاً ، بل ولا ضامناً ؛ لعدم صدق اليد والأخذ .
(مسألة 4) : المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه ، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلاّ إذا كان في معرض التلف ، فيجوز بقصد الحفظ ، ويكون حينئذٍ في يده أمانة شرعية ، ولا يضمن إلاّ بالتعدّي أو التفريط . وعلى كلّ من تقديري جواز الأخذ وعدمه لو أخذه يجب عليه الفحص عن مالكه إلى أن يئس من الظفر به ، وعند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به أو بثمنه ، ولو كان ممّا يعرض عليه الفساد ولا يبقى بنفسه يبيعه أو يقوّمه ويصرفه ، والأحوط أن يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان ، ثمّ بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدّق بالثمن .
(مسألة 5) : كلّ مال غير الحيوان اُحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ - يجوز أخذه والتقاطه على كراهة ، وإن كان المال الضائع في الحرم - أي حرم مكّة زادها اللّه شرفاً وتعظيماً - اشتدّت كراهة التقاطه ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه .
(مسألة 6) : اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها في الحال من دون تعريف وفحص عن مالكها ، ولا يملكها قهراً بدون قصد التملّك على الأقوى ، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها إليه مع بقائها وإن تملّكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وإن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط ، وليس عليه عوضها إن كان بعد التملّك ، وكذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه . وإن كانت قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص عن صاحبها ، فإن
ص: 242
لم يظفر به ، فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين : التصدّق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم ، أو إبقاؤها وحفظها لمالكها فلا ضمان عليه ، وليس له تملّكها . وإن كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة : تملّكها ، والتصدّق بها ، مع الضمان فيهما ، وإبقاؤها أمانة بيده من غير ضمان .
(مسألة 7) : الدرهم هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة ، وهو وإن اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة ، إلاّ أنّ المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشرة حمّصة ونصف حمّصة وعشرها . وبعبارة اُخرى : نصف مثقال وربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفي الذي يساوي أربعاً وعشرين حمّصة معتدلة ، فالدرهم يقارب نصف ريال عجمي ، وكذا ربع روپية انگليزية .
(مسألة 8) : المدار في القيمة مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم ؛ فإن وجد شيئاً في بلاد العجم - مثلاً - وكان قيمته في بلد الالتقاط وزمانه أقلّ من نصف ريال ، أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروپية ، وكان قيمته أقلّ من ربعها ، جاز تملّكه في الحال ، ولا يجب تعريفه .
(مسألة 9) : يجب التعريف فيما لم يكن أقلّ من الدرهم فوراً على الأحوط . نعم ، لا يجوز التسامح والإهمال والتساهل فيه ، فلو أخّره كذلك عصى إلاّ مع العذر ، وعلى أيّ حال لم يسقط التعريف .
(مسألة 10) : قيل : لا يجب التعريف إلاّ إذا كان ناوياً للتملّك بعده ، والأقوى وجوبه مطلقاً وإن كان من نيّته ذلك أو التصدّق أو الحفظ لمالكها ، أو غير ناوٍ لشيء أصلاً .
(مسألة 11) : مدّة التعريف الواجب سنة كاملة ، ولا يشترط فيها التوالي ، فإن
ص: 243
عرّفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف : إنّه عرّفها في تلك المدّة ، ثمّ ترك التعريف بالمرّة ، ثمّ عرّفها في سنة اُخرى ثلاثة شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات - مثلاً - كفى في تحقّق التعريف الذي هو شرط لجواز التملّك والتصدّق ، وسقط عنه ما وجب عليه ؛ وإن كان عاصياً في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر .
(مسألة 12) : لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط ، بل يجوز استنابة الغير مجّاناً أو بالاُجرة مع الاطمئنان بإيقاعه . والظاهر أنّ اُجرة التعريف على الملتقط ، إلاّ إذا كان من قصده أن يبقى بيده ويحفظها لمالكه ، فإنّ في كون الاُجرة على المالك أو عليه تردّداً ، والأحوط التصالح .
(مسألة 13) : لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه ، أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة ، سقط وتخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم ، والأحوط ذلك في لقطة غيره أيضاً .
(مسألة 14) : لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر ، وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة ، بل يكفي تتميمها .
(مسألة 15) : لو علم بعد تعريف سنة أ نّه لو زاد عليها عثر على صاحبه ، فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، خصوصاً إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة .
(مسألة 16) : لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر ، لم يجب عليه التعريف ، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأوّل . نعم ، لو لم يعرّفه وجب عليه التعريف سنة طالباً به المالك أو الملتقط الأوّل ، فأيّاً منهما عثر
ص: 244
عليه يجب دفعها إليه ؛ من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده .
(مسألة 17) : إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى لسنة - كالطبيخ والبطّيخ واللحم والفواكه والخضروات - جاز أن يقوّمها على نفسه ويأكلها ويتصرّف فيها ، أو يبيعها من غيره ويحفظ ثمنها لمالكها ، والأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان ؛ وإن كان الأقوى عدم اعتباره ، والأحوط حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة . وكيف كان لا يسقط التعريف ، فيحفظ خصوصياتها وصفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمّ يعرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه ، وإن أكلها غرمها بقيمتها ، وإن لم يجئ فلا شيء عليه .
(مسألة 18) : يتحقّق تعريف سنة بأن يكون في مدّة سنة - متوالية أو غير متوالية - مشغولاً بالتعريف ؛ بحيث لم يعدّ في العرف متسامحاً متساهلاً في الفحص عن مالكه ، بل عدّوه فاحصاً عنه في هذه المدّة ، ولا يتقدّر ذلك بمقدار معيّن ، بل هو أمر عرفي . وقد نسب إلى المشهور تحديده : بأن يعرّف في الاُسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة ، ثمّ في بقيّة الشهر في كلّ اُسبوع مرّة ، وبعد ذلك في كلّ شهر مرّة . والظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفاً ، ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرّة بهذه الكيفية . وفيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ شهر مرّة في غير الشهر الأوّل ، والظاهر كفاية كلّ اُسبوع مرّة إلى تمام الحول ، والأحوط أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة .
(مسألة 19) : محلّ التعريف مجامع الناس ، كالأسواق والمشاهد ومحلّ
ص: 245
إقامة الجماعات ومجالس التعازي ، وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن كره ذلك فيها ، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها .
(مسألة 20) : يجب أن يعرّف اللقطة في موضع الالتقاط مع احتمال وجود صاحبها فيه ، إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما ، ولو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها ، بل استناب شخصاً أميناً ثقة ليعرّفها ، وإن وجدها في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها ؛ حتّى أ نّه لو اجتازت قافلة تبعهم وعرّفها فيهم ، فإن لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد ؛ أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه ، وينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان .
(مسألة 21) : كيفية التعريف أن يقول المنادي : من ضاع له ذهب أو فضّة أو
ثوب ؟ وما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب . ويجوز أن يقول : من ضاع له شيء أو مال ؟ بل ربما قيل : إنّ ذلك أحوط وأولى ، فإذا ادّعى أحد ضياعه سأله عن خصوصياته وصفاته وعلاماته ؛ من وعائه وخيطه وصنعته واُمور يبعد اطّلاع غير المالك عليه ؛ من عدده وزمان ضياعه ومكانه وغير ذلك ، فإذا توافقت الصفات والخصوصيات التي ذكرها مع الخصوصيات الموجودة في ذلك المال ، فقد تمّ التعريف ، ولا يضرّ جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطّلع عليها المالك غالباً ، ولا يلتفت إليها إلاّ نادراً . ألا ترى أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان ، ويقرؤه ويطالعه مدّة طويلة من الزمان ، لا يطّلع غالباً على عدد أوراقه وصفحاته ؟ فلو لم يعرف مثل ذلك ، لكن وصفه بصفات وعلامات اُخر لا تخفى على المالك ، كفى في تعريفه وتوصيفه .
ص: 246
(مسألة 22) : إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف ؛ بأن لم تكن لها علامة وخصوصيات ممتازة عن غيرها ؛ حتّى يصف بها من يدّعيها ويسأل عنها الملتقط ، كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور ولا مكسور ، سقط التعريف ، وحينئذٍ هل يتخيّر بين الاُمور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف ، أو يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فيتعيّن التصدّق به ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني .
(مسألة 23) : إذا التقط اثنان لقطة واحدة ، فإن كانت دون درهم ، جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف ، وكان بينهما بالتساوي . وإن كانت بمقدار درهم فما زاد ، وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلّ منهما أقلّ من درهم ، ويجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما ، أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل ، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد تأدّى ما هو الواجب عليهما وسقط عنهما ، وإن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي . وهكذا بالنسبة إلى اُجرة التعريف - لو كانت - عليهما . وبعد ما تمّ حول التعريف يجوز اتّفاقهما على التملّك أو التصدّق أو الإبقاء أمانة ، ويجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر ؛ بأن يختار أحدهما التملّك والآخر التصدّق - مثلاً - بنصفه ، ثمّ إن تصدّى أحدهما لأداء تكليفه من التعريف ، وترك الآخر عصياناً أو لعذر ، فالظاهر عدم جواز تملّك التارك حصّته ، وأمّا المتصدّي فيجوز له تملّك حصّته إن عرّفها سنة ، والأحوط لهما في صورة التوافق على التوزيع أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه وعن صاحبه ، وإلاّ فيشكل تملّكهما . وكذا في صورة التوافق على تصدّي أحدهما أن ينوي عن نفسه وعن صاحبه .
(مسألة 24) : إذا التقط الصبيّ أو المجنون ، فما كان دون درهم ملكاه إن قصد
ص: 247
وليّهما تملّكهما ، وأمّا تأثير قصدهما في ذلك فمحلّ إشكال ، بل منع ، وما كان مقدار درهم فما زاد يعرّف ، وكان التعريف على وليّهما ، وبعد تمام الحول يختار ما هو الأصلح لهما من التملّك لهما والتصدّق والإبقاء أمانة .
(مسألة 25) : اللقطة في مدّة التعريف أمانة ؛ لا يضمنها الملتقط إلاّ مع التعدّي أو التفريط . وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها ، وأمّا إن اختار التملّك أو التصدّق ، فإنّها تصير في ضمانه كما تعرفه .
(مسألة 26) : إن وجد المالك وقد تملّكها الملتقط بعد التعريف ، فإن كانت العين باقية أخذها ، وليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة . وكذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل . وإن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع ونحوه ، أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة . وإن وجد بعد ما تصدّق بها ، فليس له أن يرجع العين وإن كانت موجودة عند المتصدّق له ، وإنّما له أن يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق ، وإن رضي به لم يكن له الرجوع عليه ، وكان أجر الصدقة له . هذا إذا وجد المالك . وأمّا إذا لم يوجد فلا شيء عليه في الصورتين .
(مسألة 27) : لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم ؛ وإن جاز له دفعها إليه قبل التعريف وبعده ، بل إن اختار التصدّق بها بعد التعريف ، كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدّق بها .
(مسألة 28) : لو وجد المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل ، يتبع العين فيأخذها بنمائها ؛ سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده ، وسواء حصل قبل التملّك أو بعده . وأمّا النماء المنفصل ، فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط ، فإذا
ص: 248
كانت العين موجودة يدفعها إلى المالك دون نمائها ، وإن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك .
(مسألة 29) : لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرّف العين حولاً ولم يجد المالك ، فهل له تملّك النماء بتبع العين أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني ؛ بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك .
(مسألة 30) : ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز وكلّ أرض لا ربّ لها ، فهو لواجده من دون تعريف ، وعليه الخمس مع صدق الكنز عليه ، كما مرّ في كتابه . وكذا لواجده ما كان مطروحاً وعلم أو ظنّ - بشهادة بعض العلائم والخصوصيات - أ نّه ليس لأهل زمن الواجد . وأمّا ما علم أ نّه لأهل زمانه فهو لقطة ، فيجب تعريفه إن كان بمقدار الدرهم فما زاد ، وقد مرّ أ نّه يعرّف في أيّ بلد شاء .
(مسألة 31) : لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده ، لكن لم يمكن الإيصال إليه ولا إلى وارثه ، ففي إجراء حكم اللقطة عليه ؛ من التخيير بين الاُمور الثلاثة ، أو إجراء حكم مجهول المالك عليه وتعيّن التصدّق به ، وجهان . والأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم .
(مسألة 32) : لو مات الملتقط فإن كان بعد التعريف والتملّك ينتقل إلى وارثه ، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك يتخيّر وارثه بين الاُمور الثلاثة ، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه ، فلا يبعد جريان حكم مجهول المالك عليه .
(مسألة 33) : لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير - سواء كانت ملكاً له ، أو مستأجرة ، أو مستعارة ، بل أو مغصوبة - عرّفه الساكن ، فإن ادّعى ملكيته
ص: 249
فهو له ، فليدفع إليه بلا بيّنة ، ولو قال : «لا أدري» ففي جريان هذا الحكم إشكال ، ولو سلبه عن نفسه فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه ، وأحوط منه إجراء حكم مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك .
(مسألة 34) : لو وجد شيئاً في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره ، فإن كان غير السمك - كالغنم والبقر - عرّفه صاحبه السابق ، فإن ادّعاه دفعه إليه ، وكذا إن قال : «لا أدري» على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى أ نّه لواجده ، وإن أنكره كان للواجد . وإن وجد شيئاً - لؤلؤة أو غيرها - في جوف سمكة اشتراها فهو له . والظاهر أنّ الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك ، كما إذا اصطاد غزالاً فوجد في جوفه شيئاً ؛ وإن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه .
(مسألة 35) : لو وجد في داره التي يسكنها شيئاً ولم يعلم أ نّه ماله أو مال غيره ، فإن لم يدخلها غيره ، أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتّفاق - كالدخلانية المعدّة لأهله وعياله - فهو له . وإن كانت ممّا يتردّد فيها الناس - كالبرّانية المعدّة للأضياف والواردين والعائدين والمضايف ونحوها - فهو لقطة يجري عليه حكمها . وإن وجد في صندوقه شيئاً ولم يعلم أ نّه ماله أو مال غيره فهو له ، إلاّ إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً فيعرّفه ذلك الغير ، فإن أنكره كان له لا لذلك الغير ، وإن ادّعاه دفعه إليه ، وإن قال : «لا أدري» فالأحوط التصالح .
(مسألة 36) : لو أخذ من شخص مالاً ، ثمّ علم أ نّه لغيره قد اُخذ منه بغير وجه شرعي وعدواناً ، ولم يعرف المالك ، يجري عليه حكم مجهول المالك ، لا اللقطة ؛
ص: 250
لما مرّ من أ نّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ، ولا ضياع في هذا الفرض . نعم ، في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالاً ، ثمّ تبيّن أ نّه مال غيره ولم يعرفه ، يجب عليه أن يمسكه ولا يردّه إلى السارق مع الإمكان ، ثمّ هو بحكم اللقطة ، فيعرّفه حولاً ، فإن أصاب صاحبه ردّه عليه ، وإلاّ تصدّق به ، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له ، وليس له على الأحوط أن يتملّكه بعد التعريف ، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة .
(مسألة 37) : لو التقط شيئاً فبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر ، وقال : «إنّه مالي» ، يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه ، بل يحتاج إلى البيّنة إلاّ إذا كان بحيث يصدق عرفاً أ نّه في يده ، أو ادّعاه قبل أن يلتقطه ، فيحكم بكونه ملكاً للمدّعي ، ولا يجوز له أن يلتقطه .
(مسألة 38) : لا يجب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلاّ مع العلم أو البيّنة وإن وصفها بصفات وعلامات لا يطّلع عليها غير المالك غالباً إذا لم يفد القطع بكونه المالك . نعم ، نسب إلى الأكثر : أ نّه إن أفاد الظنّ جاز دفعها إليه ، فإن تبرّع بالدفع لم يمنع ، وإن امتنع لم يجبر ، وهو الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البيّنة .
(مسألة 39) : لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره ، أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر ، فإن علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه ، بل يتملّكه بعنوان التقاصّ عن ماله إذا علم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّداً ، وجريان الحكم في غير ذلك محلّ إشكال ؛ وإن لا يخلو من قرب لكن
ص: 251
بعد الفحص عن صاحبه واليأس منه . وكذا يجب الفحص في صورة تعمّده . نعم ، لو كان الموجود أجود ممّا اُخذ يلاحظ التفاوت ، فيقوّمان معاً ويتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك ، وإن لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره ، يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فيتفحّص عن صاحبه ومع اليأس عنه يتصدّق به ، بل الأحوط ذلك أيضاً فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ لكن لم يعلم أ نّه قد بدّل متعمّداً .
إذا وجد صبيّاً ضائعاً لا كافل له ، ولا يستقلّ بنفسه على السعي فيما يصلحه والدفع عمّا يضرّه ويهلكه - ويقال له : اللقيط - يجوز بل يستحبّ التقاطه وأخذه ، بل يجب مقدّمة إن توقّف حفظه عليه لو كان في معرض التلف ؛ سواء كان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما - عجزاً عن النفقة ، أو خوفاً من التهمة - أو غيره ، بل وإن كان مميّزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له ، وبعد
ما أخذ اللقيط والتقطه يجب عليه حضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره ، وهو أحقّ به من غيره إلى أن يبلغ ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدّى حضانته غير من له حقّ الحضانة شرعاً بحقّ النسب كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب ، أو بحقّ الوصاية كوصيّ الأب أو الجدّ إذا وجد أحد هؤلاء ، فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط ؛ لوجود الكافل له حينئذٍ ، واللقيط من لا كافل له ، وكما لهؤلاء حقّ الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه ، كذلك عليهم ذلك ، فلو امتنعوا اُجبروا عليه .
(مسألة 1) : إذا كان للّقيط مال ؛ من فراش أو غطاء زائدين على مقدار
ص: 252
حاجته أو غير ذلك ، جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله ، ومع تعذّرهما وتعذّر عدول المؤمنين على الأحوط جاز له ذلك بنفسه ، ولا ضمان عليه . وإن لم يكن له مال ، فإن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال ، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها ، أو متبرّع ، كان له الاستعانة بهم في إنفاقه ، أو الإنفاق عليه من ماله ، وليس له حينئذٍ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع عليه ، وإن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه ، وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه .
(مسألة 2) : يشترط في الملتقط : البلوغ والعقل والحرّية ، وكذا الإسلام إن كان اللقيط محكوماً بالإسلام .
(مسألة 3) : لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام ، وكذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولّد اللقيط منه . وإن كان في دار الكفر ولم يكن فيها مسلم ، أو كان ولم يحتمل كونه منه ، يحكم بكفره ، وفيما كان محكوماً بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره ، لكن لا يجري عليه حكم المرتدّ الفطري على الأقوى .
ص: 253
وهو من المستحبّات الأكيدة ، وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه ممّا لا يحصى كثرة : فعن مولانا الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللّه عزّوجلّ من التزويج» ، وعن مولانا الصادق علیه السلام : «ركعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيهما عزبٌ» ، وعنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : رذال موتاكم العزّاب» ، وفي خبر آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «أكثر أهل النار العزّاب» ، ولا ينبغي أن يمنعه الفقر والعيلة بعد ما وعد اللّه - عزّوجلّ - بالإغناء والسعة بقوله عزّ من قائل : (إنْ يَكُونُوا فُقراءَ يُغْنِهِمُ اللّه ُ مِنْ فَضلِهِ) ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللّه عزّوجلّ» هذا .
وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور : بعضها متعلّق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي ، وبعضها في آداب العقد ، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة ، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام ، وهي تذكر في ضمن مسائل :
(مسألة 1) : ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد
ص: 254
تزويجها ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين» ، وفي خبر آخر : «تخيّروا لنطفكم ، فإنّ الأبناء تشبه الأخوال» .
وعن مولانا الصادق علیه السلام لبعض أصحابه حين قال : قد هممت أن أتزوّج : «اُنظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وحسن الخلق» الخبر .
وعنه علیه السلام : «إنّما المرأة قلادة ، فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر ؛ لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ . فأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة ، هي خيرٌ من الذهب والفضّة ، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب ، التراب خيرٌ منها» . وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج ، كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا الرضا ، عن آبائه علیهم السلام ، عن
رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «النكاح رقّ ، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقّها ، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته» .
(مسألة 2) : ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصوراً على الجمال والمال ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها لم ير فيها ما يحبّ ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ له وكله اللّه إليه ، فعليكم بذات الدين» . بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار ، فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمّها الآثار ، وأجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي صلى الله عليه و آله وسلمأ نّه قال : «خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره - إلى أن قال - ألا اُخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة
مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تتورّع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها ،
ص: 255
الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ولا تقيل له ذنباً» . وفي خبر آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «إيّاكم وخضراء الدمن . قيل يا رسول اللّه : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء» .
(مسألة 3) : يكره تزويج الزانية والمتولّدة من الزنا وأن يتزوّج الشخص قابلته أو ابنتها .
(مسألة 4) : لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجاً سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق وشارب الخمر .
(مسألة 5) : يستحبّ الإشهاد في العقد والإعلان به والخطبة أمامه ، أكملها ما اشتملت على التحميد والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة المعصومين علیهم السلام والشهادتين ، والوصيّة بالتقوى ، والدعاء للزوجين . ويجزي الحمد للّه والصلاة على محمّد وآله ، بل يجزي التحميد فقط وإيقاعه ليلاً . ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب وإيقاعه في محاق الشهر وفي أحد الأيّام المنحوسة في كلّ شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر ، وهي سبعة : الثالث ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون .
(مسألة 6) : يستحبّ أن يكون الزفاف ليلاً ، والوليمة في ليله أو نهاره ، فإنّها من سنن المرسلين وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا وليمة إلاّ في خمس : في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز» يعني للتزويج أو ولادة الولد أو الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكّة ، وإنّما تستحبّ يوماً أو يومين لا أزيد ؛ للنبوي : «الوليمة
ص: 256
في الأوّل حقّ ، ويومان مكرمة ، وثلاثة أيّام رياء وسمعة» ، وينبغي أن يُدعى لها المؤمنون ، ويستحبّ لهم الإجابة والأكل وإن كان المدعوّ صائماً نفلاً ، وينبغي أن يعمّ صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء ، وأن لا يخصّها بالأغنياء ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «شرّ الولائم أن يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء» .
(مسألة 7) : يستحبّ لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه أن يصلّي ركعتين ثمّ يدعو بعدهما بالمأثور ، وأن يكونا على طهر ، وأن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ، ويقول : «اللّهُمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ، ولا تجعله شرك شيطان» .
(مسألة 8) : للخلوة بالمرأة مطلقاً ولو في غير الزفاف آداب ، وهي بين مستحبّ ومكروه .
أمّا المستحبّة فمنها : أن يسمّي عند الجماع ، فإنّه وقاية عن شرك الشيطان ، فعن الصادق علیه السلام : «أ نّه إذا أتى أحدكم أهله فليذكر اللّه ، فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان» ، وفي معناه أخبار كثيرة . ومنها : أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولداً تقيّاً مباركاً زكيّاً ذكراً سويّاً . ومنها : أن يكون على وضوء ، سيّما إذا كانت المرأة حاملاً .
وأمّا المكروهة : فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة ، وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق ، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي المحاق ، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر ، ما عدا شهر رمضان ، وفي ليلة النصف من كلّ شهر ، وليلة الأربعاء ، وفي ليلتي الأضحى والفطر . ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس
ص: 257
والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ، ويوم الجمعة بعد العصر ، ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به ، والجماع وهو عريان وعقيب الاحتلام قبل الغسل . نعم ، لا بأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيراً ، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة . وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتّى الصبيّ والصبيّة ، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي السفينة ، والكلام عند الجماع بغير ذكر اللّه ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء من الطعام . فعن الصادق علیه السلام : «ثلاث يهدمن البدن وربما قتلن : دخول الحمّام على البطنة ، والغشيان على الامتلاء ، ونكاح العجائز» . ويكره الجماع قائماً ، وتحت السماء ، وتحت الشجرة المثمرة ، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة ، بل يكون له خرقة ولها خرقة ، ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة ، ففي الخبر : «إنّ ذلك يعقب بينهما العداوة» .
(مسألة 9) : يستحبّ التعجيل في تزويج البنت ، وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن الصادق علیه السلام : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» ، وفي الخبر : «إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن ، أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء ، فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة» ، وأن لا يردّ الخاطب إذا كان من يرضى خلقه ودينه وأمانته ، وكان عفيفاً صاحب يسار ، ولا يُنظر إلى شرافة الحسب وعلوّ النسب ، فعن علي علیه السلام ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه . قلت يا رسول اللّه وإن كان دنيّاً في نسبه ، قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» .
ص: 258
(مسألة 10) : يستحبّ السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين ، فعن الصادق علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع اللّه بينهما» . وعن الكاظم علیه السلام قال : «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّاً» ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من عمل في تزويج بين مؤمنين حتّى يجمع بينهما ، زوّجه اللّه ألف امرأة من الحور العين كلّ امرأة في قصر من درّ وياقوت ، وكان له بكلّ خطوة خطاها ، أو بكلّ كلمة تكلّم بها في ذلك ، عمل سنة قام ليلها وصام نهارها ، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب اللّه ولعنته في الدنيا والآخرة ، وكان حقّاً على اللّه أن يرضخه بألف صخرة من نار ، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرّق كان في سخط اللّه - عزّوجلّ - ولعنته في الدنيا والآخرة ، وحرّم عليه النظر إلى وجهه» .
(مسألة 11) : المشهور الأقوى جواز وط ء الزوجة دبراً على كراهية شديدة ، والأحوط تركه خصوصاً مع عدم رضاها .
(مسألة 12) : لا يجوز وط ء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأمّا سائر الاستمتاعات - كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ - فلا بأس بها حتّى في الرضيعة ، ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه شيء غير الإثم على الأقوى ، وإن أفضاها - بأن جعل مسلكي البول والحيض واحداً ، أو مسلكي الحيض والغائط واحداً - حرم عليه وطؤها أبداً ، لكن على الأحوط في الصورة الثانية . وعلى أيّ حال لم تخرج عن زوجيته على الأقوى ، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اُختها معها وغيرها ، ويجب عليه نفقتها ما دامت حيّة وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط ،
ص: 259
بل لا يخلو من قوّة ، ويجب عليه دية الإفضاء ، وهي دية النفس ، فإذا كانت حرّة فلها نصف دية الرجل ، مضافاً إلى المهر الذي استحقّته بالعقد والدخول . ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها ، لم تحرم عليه ولم تثبت الدية ، ولكن الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حيّة وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
(مسألة 13) : لا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من أربعة أشهر إلاّ بإذنها ؛ حتّى المنقطعة على الأقوى ، ويختصّ الحكم بصورة عدم العذر ، وأمّا معه فيجوز الترك مطلقاً ما دام وجود العذر ، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها ، ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو . وهل يختصّ الحكم بالحاضر فلا بأس على المسافر وإن طال سفره ، أو يعمّهما ؛ فلا يجوز للمسافر إطالة سفره أزيد من أربعة أشهر ، بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حقّ زوجته ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل ، لكن بشرط كون السفر ضرورياً ولو عرفاً كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك ، دون ما كان لمجرّد الميل والاُنس والتفرّج ونحو ذلك على الأحوط .
(مسألة 14) : لا إشكال في جواز العزل ، وهو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرّة ، وكذا فيها مع إذنها .
وأمّا فيها بدون إذنها ففيه قولان ، أشهرهما الجواز مع الكراهة وهو الأقوى . بل لا يبعد عدم الكراهة في التي علم أ نّها لا تلد ، وفي المسنّة والسليطة والبذية والتي لا ترضع ولدها ، كما أنّ الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة ، وهي عشرة دنانير ، وهو ضعيف في الغاية .
ص: 260
(مسألة 15) : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه حتّى العورة ، وكذا مسّ كلّ منهما - بكلّ عضو منه - كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه .
(مسألة 16) : لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله ؛ شيخاً كان المنظور إليه أو شابّاً حسن الصورة أو قبيحها ؛ ما لم يكن بتلذّذ وريبة .
والعورة هي القبل والدبر والبيضتان . وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها ، وأمّا عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل .
(مسألة 17) : يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذّذ وريبة . والمراد بالمحارم : من يحرم عليه نكاحهنّ من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة . وكذا يجوز لهنّ النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذّذ وريبة .
(مسألة 18) : لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة من شعرها وسائر جسدها ؛ سواء كان فيه تلذّذ وريبة أم لا ، وكذا الوجه والكفّان إذا كان بتلذّذ وريبة . وأمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال : الجواز مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، والتفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل ، وتكرار النظر فالثاني . وأحوط الأقوال أوسطها .
(مسألة 19) : لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبيّ كالعكس ، والأقرب استثناء الوجه والكفّين .
(مسألة 20) : كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسّه ، فلا يجوز مسّ الأجنبيّ الأجنبيّة وبالعكس ، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة
ص: 261
لم نقل بجواز مسّهما منها ، فلا يجوز للرجل مصافحتها . نعم ، لا بأس بها من وراء الثوب ، لكن لا يغمز كفّها احتياطاً .
(مسألة 21) : لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبيّ والأجنبيّة ، والأحوط ترك النظر إلى الشعر المنفصل . نعم ، الظاهر أ نّه لا بأس بالنظر إلى السنّ والظفر المنفصلين .
(مسألة 22) : يستثنى من حرمة النظر واللمس - في الأجنبيّ والأجنبيّة - مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها ، والفصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ومقام الضرورة ، كما إذا توقّف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللمس ، وإذا اقتضت الضرورة ، أو توقّف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس ، اقتصر على ما اضطرّ إليه ، وفيما يضطرّ إليه اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الآخر ولا التعدّي .
(مسألة 23) : كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبيّة ، يجب عليها التستّر من الأجانب ، ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استثني ، وإذا علموا بأنّ النساء يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستّر منهنّ ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه .
(مسألة 24) : لا إشكال في أنّ غير المميّز من الصبيّ والصبيّة خارج عن أحكام النظر واللمس بغير شهوة ، لا معها لو فرض ثورانها .
(مسألة 25) : يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة . نعم ، الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجرِ العادة على سترها بالألبسة المتعارفة ، مثل الوجه والكفّين وشعر الرأس والذراعين والقدمين ،
ص: 262
لا مثل الفخذين والأليين والظهر والصدر والثديين ، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها ، والأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين .
(مسألة 26) : يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ ، ولا يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة ؛ على الأقوى في الترتّب الفعلي ، وعلى الأحوط في غيره .
(مسألة 27) : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ والريبة ؛ أعني خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المواضع التي جرت عادتهنّ على عدم التستّر عنها . وقد تلحق بهنّ نساء أهل البوادي والقرى - من الأعراب وغيرهم - اللاتي جرت عادتهنّ على عدم التستّر وإذا نهين لا ينتهين ، وهو مشكل . نعم ، الظاهر أ نّه يجوز التردّد في القرى والأسواق ومواقع تردّد تلك النسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملتهنّ مع العلم عادة بوقوع النظر عليهنّ ، ولا يجب غضّ البصر في تلك المحالّ إذا لم يكن خوف افتتان .
(مسألة 28) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها بشرط أن لا يكون بقصد التلذّذ ؛ وإن علم أ نّه يحصل بسبب النظر قهراً ، وبشرط أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها ، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلاً ، لا مثل ذات البعل والعدّة ، وبشرط أن يحتمل حصول التوافق على التزويج دون من علم أ نّها تردّ خطبتها ، والأحوط الاقتصار على وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها ؛ وإن كان الأقوى جواز التعدّي إلى المعاصم ، بل وسائر الجسد ما عدا العورة ، والأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق . كما أنّ الأحوط - لو لم يكن الأقوى - الاقتصار على ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص ، فلا يعمّ الحكم ما إذا كان قاصداً
ص: 263
لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار . ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطّلاع عليها بالنظرة الاُولى .
(مسألة 29) : الأقوى جواز سماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ وريبة . وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة ؛ وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة ، خصوصاً في الشابّة . وذهب جماعة إلى حرمة السماع والإسماع ، وهو ضعيف . نعم ، يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفية مهيّجة ؛ بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت ، فيطمع الذي في قلبه مرض .
النكاح على قسمين : دائم ومنقطع . وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود والرضا به دلالة معتبرة عند أهل المحاورة ، فلا يكفي مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ، ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة ، وكذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس . والأحوط لزوماً كونه فيهما باللفظ العربي ، فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلاّ مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوب التوكيل ، ويجوز بغير العربي مع العجز عنه ، وعند ذلك لا بأس بإيقاعه بغيره لكن بعبارة يكون مفادها مفاد اللفظ العربي ؛ بحيث تعدّ ترجمته .
(مسألة 1) : الأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج ، فلا يجزي أن يقول الزوج : «زوّجتك نفسي» ،
ص: 264
فتقول الزوجة : «قبلت» على الأحوط . وكذا الأحوط تقديم الأوّل على الثاني ؛ وإن كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ «قبلت» وأشباهه .
(مسألة 2) : الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي «أنكحت» أو «زوّجت» ، فلا يوقع بلفظ «متّعت» على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى وقوعه به مع الإتيان بما يجعله ظاهراً في الدوام ، ولا يوقع بمثل «بعت» أو «وهبت» أو «ملّكت» أو «آجرت» ، وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» أو «رضيت» ، ويجوز الاقتصار في القبول بذكر «قبلت» فقط بعد الإيجاب ؛ من دون ذكر المتعلّقات التي ذكرت فيه ، فلو قال الموجب - الوكيل عن الزوجة - للزوج : «أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلاني» ، فقال الزوج : «قبلت» ؛ من دون أن يقول : «قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلاني» ، صحّ .
(مسألة 3) : يتعدّى كلّ من الإنكاح والتزويج إلى مفعولين ، والأولى أن يجعل الزوج مفعولاً أوّلاً والزوجة ثانياً ، ويجوز العكس ، ويشتركان في أنّ كلاًّ منهما يتعدّيان إلى المفعول الثاني بنفسه تارة وبواسطة «من» اُخرى ، فيقال : «أنكحتُ أو زوّجتُ زيداً هنداً ، أو أنكحت هنداً من زيد» ، وباللام أيضاً ، هذا بحسب المشهور والمأنوس ، وربما يستعملان على غير ذلك ، وهو ليس بمشهور ومأنوس .
(مسألة 4) : عقد النكاح قد يقع بين الزوج والزوجة وبمباشرتهما ، فبعد التقاول والتواطؤ وتعيين المهر ، تقول الزوجة مخاطبة للزوج : «أنكحتك نفسي ، أو أنكحت نفسي منك - أو لك - على المهر المعلوم» ، فيقول الزوج بغير فصل معتدّ به : «قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» ، أو تقول :
ص: 265
«زوّجتك نفسي أو زوّجت نفسي منك ، أو لك على المهر المعلوم» فيقول : «قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» . وقد يقع بين وكيليهما ، فبعد التقاول وتعيين الموكّلين والمهر ، يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج : «أنكحت موكّلك فلاناً موكّلتي فلانةً أو من موكّلك أو لموكّلك فلان على المهر المعلوم» ، فيقول وكيل الزوج : «قبلت النكاح لموكّلي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» ، أو يقول وكيلها : «زوّجت موكّلتي موكّلك أو من موكّلك أو لموكّلك فلان على المهر المعلوم» فيقول وكيله : «قبلت التزويج لموكّلي على المهر المعلوم» ، أو « . . . هكذا» . وقد يقع بين وليّيهما كالأب والجدّ ، فبعد التقاول وتعيين المولّى عليهما والمهر يقول وليّ الزوجة : «أنكحت ابنتي أو ابنة ابني فلانة - مثلاً - ابنك أو ابن ابنك فلاناً ، أو من ابنك أو ابن ابنك ، أو لابنك أو لابن ابنك على المهر المعلوم» ، أو يقول : «زوّجت بنتي ابنك - مثلاً - أو من ابنك أو لابنك» ، فيقول وليّ الزوج : «قبلت النكاح أو التزويج لابني أو لابن ابني على المهر المعلوم» . وقد يكون بالاختلاف ؛ بأن يقع بين الزوجة ووكيل الزوج وبالعكس ، أو بينها وبين وليّ الزوج وبالعكس ، أو بين وكيل الزوجة ووليّ الزوج وبالعكس ، ويعرف كيفية إيقاع العقد في هذه الصور ممّا فصّلناه في الصور المتقدّمة . والأولى تقديم الزوج على الزوجة في جميع الموارد كما مرّ .
(مسألة 5) : لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الإيجاب ، بل يصحّ الإيجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر ، فلو قال : «زوّجتك» فقال : «قبلت النكاح» أو قال : «أنكحتك» فقال : «قبلت التزويج» صحّ ؛ وإن كان الأحوط المطابقة .
(مسألة 6) : إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيّراً للمعنى - بحيث يعدّ اللفظ
ص: 266
عبارة لمعنىً آخر غير ما هو المقصود - لم يكفِ ، وإن لم يكن مغيّراً ، بل كان بحيث يفهم منه المعنى المقصود ، ويعدّ لفظاً لهذا المعنى ، إلاّ أ نّه يقال له : لفظ ملحون وعبارة ملحونة من حيث المادّة أو من جهة الإعراب والحركات ، فالاكتفاء به لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط خلافه . وأولى بالاكتفاء اللغات المحرّفة عن اللغة العربية الأصلية ، كلغة سواد العراق في هذا الزمان ؛ إذا كان المباشر للعقد من أهالي تلك اللغة ، لكن بشرط أن لا يكون مغيّراً للمعنى ، مثل «جوّزت» بدل «زوّجت» إلاّ إذا فرض صيرورته في لغتهم كالمنقول .
(مسألة 7) : يعتبر في العقد القصد إلى مضمونه ، وهو متوقّف على فهم معنى لفظي «أنكحْت» و«زَوّجت» ولو بنحو الإجمال ؛ حتّى لا يكون مجرّد لقلقة لسان . نعم ، لا يعتبر العلم بالقواعد العربية ، ولا العلم والإحاطة بخصوصيات معنى اللفظين على التفصيل ، بل يكفي علمه إجمالاً ، فإذا كان الموجب بقوله : «أنكحت» أو «زوّجت» قاصداً لإيقاع العلقة الخاصّة المعروفة المرتكزة في الأذهان التي يطلق عليها «النكاح» و«الزواج» في لغة العرب ، ويعبّر عنها في لغات اُخر بعبارات اُخر ، وكان القابل قابلاً لهذا المعنى كفى ، إلاّ إذا كان جاهلاً باللغات ؛ بحيث لا يفهم أنّ العلقة واقعة بلفظ «زوّجت» أو بلفظ «موكّلي» ، فحينئذٍ صحّته مشكلة وإن علم أنّ هذه الجملة لهذا المعنى .
(مسألة 8) : يعتبر في العقد قصد الإنشاء ؛ بأن يكون الموجب في قوله : «أنكحت» أو «زوّجت» قاصداً إيقاع النكاح والزواج وإيجاد ما لم يكن ، لا الإخبار والحكاية عن وقوع شيء في الخارج ، والقابل بقوله : «قبلت» منشئاً لقبول ما أوقعه الموجب .
ص: 267
(مسألة 9) : تعتبر الموالاة وعدم الفصل المعتدّ به بين الإيجاب والقبول .
(مسألة 10) : يشترط في صحّة العقد التنجيز ، فلو علّقه على شرط ومجيء زمان بطل . نعم ، لو علّقه على أمر محقّق الحصول ، كما إذا قال في يوم الجمعة : «أنكحتُ إن كان اليوم يوم الجمعة» ، لم يبعد الصحّة .
(مسألة 11) : يشترط في العاقد المجري للصيغة : البلوغ والعقل ، فلا اعتبار بعقد الصبيّ والمجنون ولو أدوارياً حال جنونه ؛ سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما ، والأحوط البناء على سقوط عبارة الصبيّ ، لكن لو قصد المميّز المعنى وعقد لغيره وكالة أو فضولاً وأجاز ، أو عقد لنفسه مع إذن الوليّ أو إجازته ، أو أجاز هو بعد البلوغ ، يتخلّص بالاحتياط . وكذا يعتبر فيه القصد ، فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران وأشباههم . نعم ، في خصوص عقد السكرى إذا عقّبه الإجازة بعد إفاقتها ، لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .
(مسألة 12) : يشترط في صحّة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك ، فلو قال : «زوّجتُك إحدى بناتي» ، أو قال : «زوّجت بنتي فلانة من أحد بنيك ، أو من أحد هذين» بطل . نعم ، يشكل فيما لو كانا معيّنين بحسب قصد المتعاقدين ومتميّزين في ذهنهما ، لكن لم يعيّناهما عند إجراء الصيغة ، ولم يكن ما يدلّ عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية ، كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ، ولكن في مقام إجراء الصيغة قال : «زوّجتُ إحدى بناتي من أحد بنيك» وقبل الآخر . نعم ، لو تقاولا وتعاهدا على واحدة فعقدا مبنيّاً عليه فالظاهر الصحّة ، كما إذا قال بعد التقاول : «زوّجت ابنتي منك» ، دون أن يقول : «زوّجت إحدى بناتي» .
ص: 268
(مسألة 13) : لو اختلف الاسم مع الوصف ، أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة ، يتبع العقد لما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطاً وخطأً ، فإذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيّل أنّ اسمها فاطمة ، وكانت المسمّاة بفاطمة هي الصغرى ، وكانت الكبرى مسمّاة بخديجة ، وقال : «زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة» ، وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة ، ويُلغى تسميتها بفاطمة ، وإن كان المقصود تزويج فاطمة ، وتخيّل أ نّها كبرى ، فتبيّن أ نّها صغرى ، وقع العقد على المسمّاة بفاطمة ، واُلغي وصفها بأ نّها الكبرى . وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة ، وتخيّل أ نّها كبرى واسمها فاطمة ، فقال : «زوّجتك هذه وهي فاطمة وهي الكبرى من بناتي» فتبيّن أ نّها الصغرى واسمها خديجة ، وقع العقد على المشار إليها ويُلغى الاسم والوصف . ولو كان المقصود العقد على الكبرى ، فلمّا تخيّل أنّ هذه المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى ، قال : «زوّجتك هذه وهي الكبرى» ، لا يقع العقد على الكبرى بلا إشكال ، وفي وقوعه على المشار إليها وجه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .
(مسألة 14) : لا إشكال في صحّة التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من طرفين ؛ بتوكيل الزوج أو الزوجة إن كانا كاملين ، أو بتوكيل وليّهما إن كانا قاصرين ، ويجب على الوكيل أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكّل من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات ، فإن تعدّى كان فضولياً موقوفاً على الإجازة ، وكذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكّل ، فإن تعدّى وأتى بما هو خلاف المصلحة كان فضولياً . نعم ، لو عيّن خصوصية تعيّنت ونفذ عمل الوكيل وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الموكّل .
(مسألة 15) : لو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها ، ليس له أن يزوّجها من نفسه
ص: 269
إلاّ إذا صرّحت بالتعميم ، أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهراً في العموم بحيث يشمل نفسه .
(مسألة 16) : الأقوى جواز تولّي شخص واحد طرفي العقد ؛ بأن يكون موجباً وقابلاً من الطرفين ؛ أصالة من طرف ووكالة من آخر ، أو ولاية من الطرفين ، أو وكالة عنهما ، أو بالاختلاف وإن كان الأحوط الأولى مع الإمكان تولّي الاثنين وعدم تولّي شخص واحد للطرفين ، خصوصاً في تولّي الزوج طرفي العقد أصالة من طرفه ووكالة عن الزوجة في عقد الانقطاع ، فإنّه لا يخلو من إشكال غير معتدّ به ، لكن لا ينبغي فيه ترك الاحتياط .
(مسألة 17) : إذا وكّلا وكيلاً في العقد في زمان معيّن ، لا يجوز لهما المقاربة بعد ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بإيقاعه ، ولا يكفي الظنّ . نعم ، لو أخبر الوكيل بالإيقاع كفى ؛ لأنّ قوله حجّة فيما وكّل فيه .
(مسألة 18) : لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح - دواماً أو انقطاعاً - لا للزوج ولا للزوجة ، فلو شرطاه بطل الشرط ، بل المشهور على بطلان العقد أيضاً ، وقيل ببطلان الشرط دون العقد ، ولا يخلو من قوّة . ويجوز اشتراط الخيار في المهر مع تعيين المدّة ، فلو فسخ ذو الخيار سقط المهر المسمّى ، فيكون كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع إلى مهر المثل . هذا في العقد الدائم الذي لا يعتبر فيه ذكر المهر . وأمّا المتعة التي لا تصحّ بلا مهر ، فهل يصحّ فيها اشتراط الخيار في المهر ؟ فيه إشكال .
(مسألة 19) : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فصدّقته ، أو ادّعت امرأة زوجية رجل فصدّقها ، حكم لهما بذلك مع احتمال الصدق ، وليس لأحد الاعتراض
ص: 270
عليهما ؛ من غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين . وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر ، فالبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإن كان للمدّعي بيّنة حكم له ، وإلاّ فتتوجّه اليمين إلى المنكر ، فإن حلف سقطت دعوى المدّعي ، وإن نكل يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت الحقّ ، وإن نكل سقط . وكذا لو ردّه المنكر على المدّعي وحلف ثبت ، وإن نكل سقط . هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى . وأمّا بحسب الواقع فيجب على كلّ منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين اللّه تعالى .
(مسألة 20) : إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الإقرار ، يسمع منه ويُحكم بالزوجية بينهما وإن كان ذلك بعد الحلف على الأقوى .
(مسألة 21) : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل لها أن تتزوّج من غيره وللغير أن يتزوّجها قبل فصل الدعوى والحكم ببطلان دعوى المدّعي ، أم لا ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، خصوصاً فيما لو تراخى المدّعي في الدعوى ، أو سكت عنها حتّى طال الأمر عليها ، وحينئذٍ إن أقام المدّعي بعد العقد عليها بيّنة ، حكم له بها وبفساد العقد عليها ، وإن لم تكن بيّنة تتوجّه اليمين إلى المعقود عليها ، فإن حلفت بقيت على زوجيتها وسقطت دعوى المدّعي . وكذا لو ردّت اليمين على المدّعي ونكل عن اليمين . وإنّما الإشكال فيما إذا نكلت عن اليمين ، أو ردّت اليمين على المدّعي وحلف ، فهل يحكم بسببهما بفساد العقد عليها ، فيفرّق بينها وبين زوجها ، أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني ، لكن إذا طلّقها الذي عقد عليها أو مات عنها زال المانع ، فتردّ إلى المدّعي بسبب حلفه المردود عليه من الحاكم أو المنكر .
ص: 271
(مسألة 22) : يجوز تزويج امرأة تدّعي أ نّها خليّة من الزوج مع احتمال صدقها من غير فحص حتّى فيما إذا كانت ذات بعل سابقاً ، فادّعت طلاقها أو موته . نعم ، لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط الأولى الفحص عن حالها ، فمن غاب غيبة منقطعة لم يعلم موته وحياته إذا ادّعت زوجته حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن وإخبار المخبرين ، جاز تزويجها وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها إذا لم يَعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .
(مسألة 23) : إذا تزوّج بامرأة تدّعي أ نّها خليّة عن الزوج فادّعى رجل آخر زوجيتها ، فهذه الدعوى متوجّهة إلى كلّ من الزوج والزوجة ، فإن أقام المدّعي بيّنة شرعية حكم له عليهما ، وفرّق بينهما وسلّمت إليه . ومع عدم البيّنة توجّه اليمين إليهما ، فإن حلفا معاً على عدم زوجيته سقطت دعواه عليهما ، وإن نكلا عن اليمين فردّها الحاكم عليه ، أو ردّاها عليه وحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر ؛ بأن نكل عن اليمين فردّها الحاكم عليه أو ردّ هو عليه فحلف سقطت دعواه بالنسبة إلى الحالف . وأمّا بالنسبة إلى الآخر وإن ثبتت دعوى المدّعي بالنسبة إليه ، لكن ليس لهذا الثبوت أثر بالنسبة إلى من حلف ، فإن كان الحالف هو الزوج والناكل هي الزوجة ، ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج ، إلاّ أ نّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إلى المدّعي ، وإن كان الحالف هي الزوجة والناكل هو الزوج ، سقطت دعوى المدّعي بالنسبة إليها ، وليس له سبيل إليها على كلّ حال .
(مسألة 24) : إذا ادّعت امرأة أ نّها خليّة فتزوّجها رجل ، ثمّ ادّعت بعد ذلك أ نّها كانت ذات بعل لم تسمع دعواها . نعم ، لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينهما ،
ص: 272
ويكفي في ذلك بأن تشهد بأ نّها كانت ذات بعل ، فتزوّجت حين كونها كذلك من الثاني ؛ من غير لزوم تعيين زوج معيّن .
(مسألة 25) : يشترط في صحّة العقد الاختيار ؛ أعني اختيار الزوجين ، فلو اُكرها أو اُكره أحدهما على الزواج لم يصحّ . نعم ، لو لحقه الرضا صحّ على الأقوى .
(مسألة 1) : للأب والجدّ من طرف الأب - بمعنى أب الأب فصاعداً - ولاية على الصغير والصغيرة والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ ، وكذا المنفصل عنه على الظاهر ، ولا ولاية للاُمّ عليهم وللجدّ من طرف الاُمّ ؛ ولو من قبل اُمّ الأب ؛ بأن كان أباً لاُمّ الأب مثلاً ، ولا للأخ والعمّ والخال وأولادهم .
(مسألة 2) : ليس للأب والجدّ للأب ولاية على البالغ الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبة . وأمّا إذا كانت بكراً ففيه أقوال : استقلالها وعدم الولاية لهما عليها ؛ لا مستقلاًّ ولا منضمّاً ، واستقلالهما وعدم سلطنة وولاية لها
كذلك ، والتشريك بمعنى اعتبار إذن الوليّ وإذنها معاً ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع ؛ إمّا باستقلالها في الأوّل دون الثاني ، أو العكس ، والأحوط الاستئذان منهما . نعم ، لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها من التزويج بمن هو كفو لها شرعاً وعرفاً مع ميلها ، وكذا إذا كانا غائبين ؛ بحيث لا يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزويج .
(مسألة 3) : ولاية الجدّ ليست منوطة بحياة الأب ولا موته ، فعند وجودهما
ص: 273
استقلّ كلّ منهما بالولاية ، وإذا مات أحدهما اختصّت بالآخر ، وأيّهما سبق في تزويج المولّى عليه عند وجودهما لم يبق محلّ للآخر ، ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ولغا عقد الأب ، وإن جهل تأريخهما فلا يعلم السبق واللحوق والتقارن ، لزم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما ، وإن علم تأريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تأريخ عقد الجدّ قدّم على عقد الأب ، وإن كان عقد الأب قدّم على عقد الجدّ ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه الصورة .
(مسألة 4) : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة ، وإلاّ يكون العقد فضولياً كالأجنبيّ ، يتوقّف صحّته على إجازة الصغير بعد البلوغ ، بل الأحوط مراعاة المصلحة .
(مسألة 5) : إذا وقع العقد من الأب أو الجدّ عن الصغير أو الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما ، بل هو لازم عليهما .
(مسألة 6) : لو زوّج الوليّ الصغيرة بدون مهر المثل أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر ، فالأقوى صحّة العقد ولزومه وبطلان المهر ؛ بمعنى عدم نفوذه وتوقّفه على الإجازة بعد البلوغ ، فإن أجاز استقرّ ، وإلاّ رجع إلى مهر المثل .
(مسألة 7) : السفيه المبذّر المتّصل سفهه بزمان صغره ، أو حجر عليه للتبذير ، لا يصحّ نكاحه إلاّ بإذن أبيه أو جدّه أو الحاكم مع فقدهما ، وتعيين
ص: 274
المهر والمرأة إلى الوليّ ، ولو تزوّج بدون الإذن وقف على الإجازة ، فإن رأى المصلحة وأجاز جاز ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة .
(مسألة 8) : إذا زوّج الوليّ المولّى عليه بمن له عيب لم يصحّ ولم ينفذ ؛ سواء كان من العيوب الموجبة للخيار ، أو غيرها ككونه منهمكاً في المعاصي ، وكونه شارب الخمر أو بذيء اللسان سيّئ الخلق وأمثال ذلك ، إلاّ إذا كانت مصلحة ملزمة في تزويجه ، وحينئذٍ لم يكن خيار الفسخ لا له ولا للمولّى عليه ؛ إذا لم يكن العيب من العيوب المجوّزة للفسخ ، وإن كان منها فالظاهر ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه . هذا كلّه مع علم الوليّ بالعيب ، وإلاّ ففيه تأمّل وتردّد وإن لا تبعد الصحّة مع إعمال جهده في إحراز المصلحة ، وعلى الصحّة له الخيار في العيوب الموجبة للفسخ ، كما أنّ للمولّى عليه ذلك بعد رفع الحجر عنه ، وفي غيرها لا خيار له ولا للوليّ على الأقوى .
(مسألة 9) : ينبغي بل يستحبّ للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها ، وإن لم يكونا فأخاها ، وإن تعدّد الأخ قدّمت الأكبر .
(مسألة 10) : هل للوصيّ - أي القيّم من قبل الأب أو الجدّ - ولاية على الصغير والصغيرة في النكاح ؟ فيه إشكال لا يترك الاحتياط .
(مسألة 11) : ليس للحاكم ولاية في النكاح على الصغير ذكراً كان أو اُنثى مع فقد الأب والجدّ . ولو اقتضت الحاجة والضرورة والمصلحة اللازمة المراعاة النكاحَ ؛ بحيث ترتّب على تركه مفسدة يلزم التحرّز عنها ، قام الحاكم به ، ولا يترك الاحتياط بضمّ إجازة الوصيّ للأب أو الجدّ مع وجوده . وكذا فيمن بلغ فاسد العقل ، أو تجدّد فساد عقله ؛ إذا كان البلوغ والتجدّد في زمان حياة الأب أو الجدّ .
ص: 275
(مسألة 12) : يشترط في ولاية الأولياء : البلوغ والعقل والحرّية والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً ، فلا ولاية للصغير والصغيرة على أحد ، بل الولاية في موردها لوليّهما ، وكذا لا ولاية للأب والجدّ إذا جنّا ، وإن جنّ أحدهما يختصّ الولاية بالآخر . وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم ، فتكون للجدّ إذا كان مسلماً ، والظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر إذا لم يكن له جدّ مسلم ، وإلاّ فلا يبعد ثبوتها له دون الكافر .
(مسألة 13) : العقد الصادر من غير الوكيل والوليّ - المسمّى بالفضولي - يصحّ مع الإجازة ؛ سواء كان فضولياً من الطرفين أو من أحدهما ، وسواء كان المعقود عليه صغيراً أو كبيراً ، وسواء كان العاقد قريباً للمعقود عليه كالأخ والعمّ والخال ، أو أجنبيّاً ، ومنه العقد الصادر من الوليّ أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه ؛ بأن أوقع الوليّ على خلاف المصلحة ، أو الوكيل على خلاف ما عيّنه الموكّل .
(مسألة 14) : إن كان المعقود له ممّن يصحّ منه العقد لنفسه - بأن كان بالغاً عاقلاً - فإنّما يصحّ العقد الصادر من الفضولي بإجازته ، وإن كان ممّن لا يصحّ منه العقد ، وكان مولّىً عليه - بأن كان صغيراً أو مجنوناً - فإنّما يصحّ إمّا بإجازة وليّه في زمان قصوره ، أو إجازته بنفسه بعد كماله ، فلو أوقع الأجنبيّ عقداً على الصغير أو الصغيرة ، وقفت صحّة عقده على إجازتهما له بعد بلوغهما ورشدهما إن لم يجز أبوهما أو جدّهما في حال صغرهما ، فأيّ من الإجازتين حصلت كفت . نعم ، يعتبر في صحّة إجازة الوليّ ما اعتبر في صحّة عقده ، فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته ، وانحصر الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه ورشده .
ص: 276
(مسألة 15) : ليست الإجازة على الفور ، فلو تأخّرت عن العقد بزمن طويل صحّت ؛ سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه ، أو لأجل التروّي ، أو للاستشارة ، أو غير ذلك .
(مسألة 16) : لا أثر للإجازة بعد الردّ ، وكذا لا أثر للردّ بعد الإجازة ؛ فبها يلزم العقد ، وبه ينفسخ ؛ سواء كان السابق من الردّ أو الإجازة واقعاً من المعقود له أو وليّه ، فلو أجاز أو ردّ وليّ الصغيرين العقد الواقع عليهما فضولاً ، ليس لهما بعد البلوغ ردّ في الأوّل ولا إجازة في الثاني .
(مسألة 17) : إذا كان أحد الزوجين كارهاً حال العقد لكن لم يصدر منه ردّ له ، فالظاهر أ نّه يصحّ لو أجاز بعد ذلك ، بل الأقوى صحّته بها حتّى لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد .
(مسألة 18) : يكفي في الإجازة المصحّحة لعقد الفضولي كلّ ما دلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد ، بل يكفي الفعل الدالّ عليه .
(مسألة 19) : لا يكفي الرضا القلبي في صحّة العقد وخروجه عن الفضولية وعدم الاحتياج إلى الإجازة ، فلو كان حاضراً حال العقد راضياً به إلاّ أ نّه لم يصدر منه قول أو فعل يدلّ على رضاه ، فالظاهر أ نّه من الفضولي . نعم ، قد يكون السكوت إجازة ، وعليه تحمل الأخبار في سكوت البكر .
(مسألة 20) : لا يعتبر في وقوع العقد فضولياً قصد الفضولية ولا الالتفات إليها . بل المدار في الفضولية وعدمها : هو كون العقد بحسب الواقع صادراً عن غير من هو مالك للعقد وإن تخيّل خلافه ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه ، كان من الفضولي ويصحّ بالإجازة ، كما أ نّه لو اعتقد أ نّه ليس
ص: 277
بوكيل ولا وليّ فأوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن خلافه صحّ العقد ولزم بلا توقّف على الإجازة مع فرض مراعاة المصلحة .
(مسألة 21) : إن زوّج صغيران فضولاً ، فإن أجاز وليّهما قبل بلوغهما ، أو أجازا بعد بلوغهما ، أو بالاختلاف - بأن أجاز وليّ أحدهما قبل بلوغه ، وأجاز الآخر بعد بلوغه - تثبت الزوجية ويترتّب جميع أحكامها . وإن ردّ وليّهما قبل بلوغهما ، أو ردّ وليّ أحدهما قبل بلوغه ، أو ردّا بعد بلوغهما ، أو ردّ أحدهما بعد بلوغه ، أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، بطل العقد من أصله ؛ بحيث لم يترتّب عليه أثر أصلاً من توارث وغيره من سائر الآثار . نعم ، لو بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر وإجازته ، يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجية ، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه ، لكن بعد ما حلف على أ نّه لم تكن إجازته للطمع في الإرث . وإن لم يجز ، أو أجاز ولم يحلف على ذلك ، لم يدفع إليه ، بل يردّ إلى الورثة ، والظاهر أنّ الحاجة إلى الحلف إنّما هو فيما إذا كان متّهماً بأنّ إجازته لأجل الإرث ، وأمّا مع عدمه ؛ كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر ، أو كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللازم عليه على تقدير الزوجية أزيد ممّا يرث ، يدفع إليه بدون الحلف .
(مسألة 22) : كما يترتّب الإرث على تقدير الإجازة والحلف ، يترتّب الآثار الاُخر المترتّبة على الزوجية أيضاً ؛ من المهر ، وحرمة الاُمّ والبنت ، وحرمتها على أب الزوج وابنه إن كانت الزوجة هي الباقية ، وغير ذلك ، فيترتّب جميع الآثار على الحلف في الظاهر على الأقوى .
(مسألة 23) : الظاهر جريان هذا الحكم في كلّ مورد مات من لزم العقد من
ص: 278
طرفه وبقي من يتوقّف زوجيته على إجازته ، كما إذا زوّج أحد الصغيرين الوليّ
وزوّج الآخر الفضولي ، فمات الأوّل قبل بلوغ الثاني وإجازته ، بل لا يبعد جريان الحكم فيما لو كانا كبيرين ، فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني وإجازته ، لكن الحلف مبنيّ على الاحتياط ، كالحلف في بعض الصور الاُخر .
(مسألة 24) : إذا كان العقد فضولياً من أحد الطرفين كان لازماً من طرف الأصيل ، فلو كان هي الزوجة ليس لها أن تتزوّج بالغير ، قبل أن يردّ الآخر العقد ويفسخه . وهل يثبت في حقّه تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر وردّه ، فلو كان زوجاً حرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها ، والخامسة إن كانت هي الرابعة ؟ الأحوط ذلك ؛ وإن كان الأقوى خلافه .
(مسألة 25) : إن ردّ المعقود له أو المعقود لها العقد الواقع فضولاً ، صار العقد كأ نّه لم يقع ؛ سواء كان العقد فضولياً من الطرفين وردّاه معاً أو ردّه أحدهما ، بل ولو أجاز أحدهما وردّ الآخر ، أو من طرف واحد وردّ ذلك الطرف ، فتحلّ المعقود لها على أب المعقود له وابنه ، وتحلّ بنتها واُمّها على المعقود له .
(مسألة 26) : إن زوّج الفضولي امرأة برجل من دون اطّلاعها وتزوّجت هي برجل آخر ، صحّ الثاني ولزم ، ولم يبق محلّ لإجازة الأوّل ، وكذا لو زوّج الفضولي رجلاً بامرأة من دون اطّلاعه ، وزوّج هو باُمّها أو بنتها ثمّ علم .
(مسألة 27) : لو زوّج فضوليان امرأةً كلّ منهما برجل ، كانت بالخيار في إجازة أيّهما شاءت ، وإن شاءت ردّتهما ؛ سواء تقارن العقدان أو تقدّم أحدهما على الآخر ، وكذلك الحال فيما إذا زوّج أحد الفضوليين رجلاً بامرأة ، والآخر باُمّها أو بنتها أو اُختها ، فإنّ له إجازة أيّهما شاء .
ص: 279
(مسألة 28) : لو وكّلت رجلين في تزويجها ، فزوّجها كلّ منهما برجل ، فإن سبق أحدهما صحّ ولغا الآخر ، وإن تقارنا بطلا معاً . وإن لم يعلم الحال ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر . وإن جهل تأريخهما ، فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً في حقّ كلّ من الزوجة والزوجين ، وإن علم عدم التقارن فيعلم إجمالاً بصحّة أحد العقدين ، وتكون المرأة زوجة لأحد الرجلين وأجنبيّة عن أحدهما ، فليس للزوجة أن تتزوّج بغيرهما ، ولا للغير أن يتزوّج بها ؛ لكونها ذات بعل قطعاً . وأمّا حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها ، فالأولى أن يطلّقاها ويجدّد النكاح عليها أحدهما برضاها ، وإن تعاسرا ، وكان في التوقّف إلى أن يظهر الحال عسر وحرج على الزوجة ، أو لا يرجى ظهور الحال ، فالمتّجه تعيين الزوج منهما بالقرعة ، فيحكم بزوجية من وقعت عليه .
(مسألة 29) : لو ادّعى أحد الزوجين سبق عقده ، فإن صدّقه الآخر وكذا الزوجة ، أو صدّقه أحدهما وقال الآخر : «لا أدري» ، فالزوجة لمدّعي السبق . وإن قال كلاهما : «لا أدري» فوجوب تمكين الزوجة من المدّعي بل جوازه محلّ تأمّل ، إلاّ إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة حين إجراء العقد ، واحتمل تطبيقه على الصحيح من باب الاتّفاق .
وإن صدّقه الآخر ولكن كذّبته الزوجة ، كانت الدعوى بين الزوجة وكلا الزوجين ، فالزوج الأوّل يدّعي زوجيتها وصحّة عقده ، وهي تنكر زوجيته وتدّعي فساد عقده ، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني ؛ حيث إنّه يدّعي فساد عقده وهي تدّعي صحّته ، ففي الدعوى الاُولى تكون هي المدّعية والزوج هو المنكر ، وفي الثانية بالعكس ، فإن أقامت البيّنة على فساد الأوّل المستلزم
ص: 280
لصحّة الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأوّل ، وإن أقام الزوج الثاني بيّنة على فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له وثبوتها للأوّل . وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إلى الزوج الأوّل في الدعوى الاُولى ، وإلى الزوجة في الدعوى الثانية ، فإن حلف الزوج الأوّل ونكلت الزوجة تثبت زوجيتها للأوّل ، وإن كان العكس - بأن حلفت هي دونه - حكم بزوجيتها للثاني ، وإن حلفا معاً فالمرجع هي القرعة . هذا إذا كان مصبّ الدعوى صحّة العقد وفساده ، لا السبق وعدمه ، أو السبق واللحوق ، أو الزوجية وعدمها . وبالجملة : الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر غالباً مصبّ الدعوى .
وإن ادّعى كلّ من الزوجين سبق عقده ، فإن قالت الزوجة : «لا أدري» تكون الدعوى بين الزوجين ، فإن أقام أحدهما بيّنة دون الآخر حكم له وكانت الزوجة له . وإن أقام كلّ منهما بيّنة تعارضت البيّنتان ، فيرجع إلى القرعة فيحكم بزوجية من وقعت عليه . وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إليهما ، فإن حلف أحدهما حكم له ، وإن حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة ، وإن صدّقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدّقه الزوجة ، والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة ، فمع إقامة البيّنة من أحد الطرفين ، أو من كليهما الحكم كما مرّ . وأمّا مع عدمها وانتهاء الأمر إلى الحلف ، فإن حلف من لم تصدّقه الزوجة يحكم له على كلّ من الزوجة والزوج الآخر ، وأمّا مع حلف من صدّقته ، فلا يترتّب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة ، بل لا بدّ من حلفها أيضاً .
(مسألة 30) : لو زوّج أحد الوكيلين عن الرجل له امرأة والآخر بنتها ، صحّ السابق ولغا اللاحق ، ومع التقارن بطلا معاً . وإن لم يعلم السابق فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر . وإن جهل تأريخهما فإن احتمل تقارنهما
ص: 281
يحكم ببطلان كليهما ، وإن علم بعدم التقارن فقد علم بصحّة أحد العقدين وبطلان
أحدهما ، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما ، كما أ نّه لا يجوز لهما التمكين منه . نعم ، يجوز له النظر إلى الاُمّ ، ولا يجب عليها التستّر عنه ؛ للعلم بأ نّه إمّا زوجها أو زوج بنتها ، وأمّا البنت فحيث إنّه لم يحرز زوجيتها ، وبنت الزوجة إنّما يحلّ النظر إليها إن دَخَل بالاُمّ والمفروض عدمه ، فلم يحرز ما هو سبب لحلّية النظر إليها ، ويجب عليها التستّر عنه . نعم ، لو فرض الدخول بالاُمّ ولو بالشبهة كان حالها حال الاُمّ .
أعني ما بسببه يحرم ولا يصحّ تزويج الرجل بالمرأة ، ولا يقع الزواج بينهما ، وهي اُمور : النسب ، والرضاع ، والمصاهرة وما يلحق بها ، والكفر ، وعدم الكفاءة ، واستيفاء العدد ، والاعتداد ، والإحرام .
يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال : الاُمّ بما شملت الجدّات عاليات وسافلات ؛ لأب كنّ أو لاُمّ ، فتحرم المرأة على ابنها وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها وابن بنت بنتها وابن بنت ابنها وهكذا . وبالجملة : تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ؛ سواء كان بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، وسواء كانت الوسائط ذكوراً أو إناثاً أو بالاختلاف .
والبنت : بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط ، فتحرم هي على أبيها بما شمل الجدّ لأب كان أو لاُمّ ، فتحرم على الرجل بنته ، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه ،
ص: 282
وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته . وبالجملة : كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط ؛ ذكوراً كانوا أو إناثاً أو بالاختلاف .
والاُخت : لأب كانت أو لاُمّ أو لهما .
وبنت الأخ : سواء كان لأب أو لاُمّ أو لهما ، وهي كلّ مرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ؛ سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو الاُمّهات أو بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه ، وبنت ابنه ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته وهكذا .
وبنت الاُخت : وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة ؛ على النحو الذي ذكر في بنت الأخ .
والعمّة : وهي اُخت أبيه لأب أو لاُمّ أو لهما . والمراد بها ما تشمل العاليات ؛ أعني عمّة الأب : اُخت الجدّ للأب ؛ لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الاُمّ : اُخت أبيها لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الجدّ للأب والجدّ للاُمّ والجدّة كذلك ، فمراتب العمّات مراتب الآباء ، فهي كلّ اُنثى تكون اُختاً لذكر ينتمي إليك بالولادة من طرف أبيك أو اُمّك .
والخالة : والمراد بها أيضاً ما تشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أ نّها اُخت إحدى اُمّهاتك ولو من طرف أبيك ، والعمّة اُخت أحد آبائك ولو من طرف اُمّك ، فاُخت جدّتك للأب خالتك ؛ حيث إنّها خالة أبيك ، واُخت جدّك للاُمّ عمّتك ؛ حيث إنّها عمّة اُمّك .
(مسألة 1) : لا تحرم عمّة العمّة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمّة والخالة ولو بالواسطة ، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لأب واُمّ أو لأب ، ولأبي أبيك اُخت لأب أو اُمّ أو لهما ، فهذه
ص: 283
عمّة لعمّتك بلا واسطة ، وعمّة لك معها ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لاُمّها أو لاُمّها وأبيها ، وكانت لاُمّ اُمّك اُخت ، فهي خالة لخالتك بلا واسطة ، وخالة لك معها . وقد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لاُمّه لا لأبيه ، وكانت لأبي الاُخت اُخت ، فالاُخت الثانية عمّة لعمّتك ، وليس بينك وبينها نسب أصلاً ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لأبيها لا لاُمّها ، وكانت لاُمّ الاُخت اُخت فهي خالة لخالتك ، وليست خالتك ولو مع الواسطة ، وكذلك اُخت الأخ أو الاُخت إنّما تحرم إذا كانت اُختاً لا مطلقاً ، فلو كان لك أخ أو اُخت لأبيك ، وكانت لاُمّها بنت من زوج آخر ، فهي اُخت لأخيك أو اُختك ، وليست اُختاً لك ؛ لا من طرف أبيك ، ولا من طرف اُمّك ، فلا تحرم عليك .
(مسألة 2) : النسب : إمّا شرعي ، وهو ما كان بسبب وط ء حلال ذاتاً بسبب شرعي ؛ من نكاح أو ملك يمين أو تحليل ؛ وإن حرم لعارض من حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام ونحوها . ويلحق به وط ء الشبهة . وإمّا غير شرعي ، وهو ما حصل بالسفاح والزنا . والأحكام المترتّبة على النسب الثابتة في الشرع من التوارث وغيره وإن اختصّت بالأوّل ، لكن الظاهر بل المقطوع أنّ موضوع حرمة النكاح أعمّ ، فيعمّ غير الشرعي ، فلو زنى بامرأة فولدت منه ذكراً واُنثى حرُمت المزاوجة بينهما ، وكذا بين كلّ منهما وبين أولاد الزاني والزانية ، الحاصلين بالنكاح الصحيح ، أو بالزنا بامرأة اُخرى ، وكذا حرُمت الزانية واُمّها واُمّ الزاني واُختهنّ على الذكر ، وحرمت الاُنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه .
(مسألة 3) : المراد بوط ء الشبهة الوط ء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم ، كما إذا وطئ أجنبيّة باعتقاد أ نّها زوجته ، أو مع عدم الطريق المعتبر
ص: 284
عليه ، بل أو الأصل كذلك . ومع ذلك فالمسألة محلّ إشكال . ويلحق به وط ء المجنون والنائم وشبههما ، دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن عمد وعصيان .
انتشار الحرمة بالرضاع يتوقّف على شروط :
الأوّل: أن يكون اللبن حاصلاً من وط ء جائز شرعاً ؛ بسبب نكاح أو ملك يمين أو تحليل وما بحكمه ، كسبق الماء إلى فرج حليلته من غير وط ء . ويلحق به وط ء الشبهة على الأقوى . فلو درّ اللبن من الامرأة من دون نكاح وما يلحق به لم ينشر الحرمة ، وكذا لو كان من دون وط ء وما يلحق به ولو مع النكاح ، وكذا لو كان اللبن من الزنا ، بل الظاهر اعتبار كون الدرّ بعد الولادة ، فلو درّ من غير ولادة ولو مع الحمل لم تنشر به الحرمة على الأقوى .
(مسألة 1) : لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات عنها - وهي حامل منه أو مرضعة - فأرضعت ولداً نشر الحرمة وإن تزوّجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه ، أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة ، بل مع حدوثها إذا احتمل كونه للأوّل .
الثاني: أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي ، فلو وجر في حلقه اللبن أو شرب المحلوب من المرأة لم ينشر الحرمة .
الثالث: أن تكون المرضعة حيّة ، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال موتها ولو رضعة ، لم ينشر الحرمة .
الرابع: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما ، فلا عبرة
ص: 285
برضاعه بعدهما ، ولا يعتبر الحولان في ولد المرضعة على الأقوى ، فلو وقع الرضاع بعد كمال حوليه ، نشر الحرمة إذا كان قبل حولي المرتضع .
(مسألة 2) : المراد بالحولين أربعة وعشرون شهراً هلالياً من حين الولادة ، ولو وقعت في أثناء الشهر يكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضى من الشهر الأوّل على الأظهر ، فلو تولّد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر من الخامس والعشرين .
الشرط الخامس: الكمّية ، وهي بلوغه حدّاً معيّناً ، فلا يكفي مسمّى الرضاع ولا رضعة كاملة ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر والزمان والعدد ، وأيّ منها حصل كفى في نشر الحرمة ، ولا يبعد كون الأثر هو الأصل والباقيان أمارتان عليه ، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول أحدهما دونه . فأمّا الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم . وأمّا الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوماً وليلة مع اتّصالهما ؛ بأن يكون غذاؤه في هذه المدّة منحصراً بلبن المرأة . وأمّا العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة .
(مسألة 3) : المعتبر في إنبات اللحم وشدّ العظم ، استقلال الرضاع في حصولهما على وجه ينسبان إليه ، فلو فرض ضمّ السكّر ونحوه إليه على نحو ينسبان إليهما ، أشكل ثبوت التحريم ، كما أنّ المدار هو الإنبات والشدّ المعتدّ به منهما على نحو مبان يصدقان عرفاً ، ولا يكفي حصولهما بالدقّة العقلية ، وإذا شكّ في حصولهما بهذه المرتبة أو استقلال الرضاع في حصولهما ، يرجع إلى التقديرين الآخرين .
(مسألة 4) : يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة
ص: 286
منحصراً باللبن ، ولا يقدح شرب الماء للعطش ، ولا ما يأكل أو يشرب دواء إن لم يخرج ذلك عن المتعارف . والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار .
(مسألة 5) : يعتبر في التقدير بالعدد اُمور :
منها : كمال الرضعة ؛ بأن يروي الصبيّ ويصدر من قبل نفسه ، ولا تحسب الرضعة الناقصة ، ولا تضمّ الناقصات بعضها ببعض ؛ بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات - مثلاً - واحدة . نعم ، لو التقم الصبيّ الثدي ثمّ رفضه لا بقصد الإعراض ؛ بأن كان للتنفّس ، أو الالتفات إلى ملاعب ، أو الانتقال من ثدي إلى آخر ، أو غير ذلك ، كان الكلّ رضعة واحدة .
ومنها : توالي الرضعات ؛ بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة اُخرى رضاعاً تامّاً كاملاً على الأقوى ، ومطلقاً على الأحوط . نعم ، لا يقدح القليل جدّاً ، ولا يقدح في التوالي تخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن تغذّى به .
ومنها : أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة ، فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة ، وأكملها من امرأة اُخرى ، لم ينشر الحرمة وإن اتّحد الفحل ، فلا تكون واحدة من المرضعتين اُمّاً للمرتضع ولا الفحل أباً له .
ومنها : اتّحاد الفحل ؛ بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد ، ولا يكفي اتّحاد المرضعة ، فلو أرضعت امرأة من لبن فحل ثمان رضعات ، ثمّ طلّقها الفحل وتزوّجت بآخر وحملت منه ، ثمّ أرضعت ذلك الطفل من لبن الفحل الثاني تكملة العدد ؛ من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين - بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب - لم ينشر الحرمة .
(مسألة 6) : ما ذكرناه من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة ، فلو
ص: 287
انتفى بعضها لا أثر له ، وليس بناشر لها أصلاً حتّى بين الفحل والمرتضعة ، وكذا بين المرتضع والمرضعة ، فضلاً عن الاُصول والفروع والحواشي . وفي الرضاع شرط آخر زائد على ما مرّ مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر . وبعبارة اُخرى : شرط لتحقّق الاُخوّة الرضاعية بين المرتضعين ، وهو اتّحاد الفحل الذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلو ارتضع صبيّ من امرأة من لبن شخص رضاعاً كاملاً ، وارتضعت صبيّة من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك ؛ بأن طلّقها الأوّل وزوّجها الثاني ، وصارت ذات لبن منه فأرضعتها رضاعاً كاملاً ، لم تحرم الصبيّة على ذلك الصبيّ ولا فروع أحدهما على الآخر ، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب اللبن واحداً وتعدّدت المرضعة ، كما إذا كانت لشخص نسوة متعدّدة ، وأرضعت كلّ واحدة منهنّ من لبنه طفلاً رضاعاً كاملاً ، فإنّه يحرم بعضهم على بعض وعلى فروعه ؛ لحصول الاُخوّة الرضاعية بينهم .
(مسألة 7) : إذا تحقّق الرضاع الجامع للشرائط ، صار الفحل والمرضعة أباً واُمّاً للمرتضع ، واُصولهما أجداداً وجدّات ، وفروعهما إخوة وأولاد إخوة له ، ومن في حاشيتهما وفي حاشية اُصولهما أعماماً أو عمّات وأخوالاً أو خالات له ، وصار هو - أعني المرتضع - ابناً أو بنتاً لهما ، وفروعه أحفاداً لهما ، وإذا تبيّن ذلك فكلّ عنوان نسبي محرّم من العناوين السبعة المتقدّمة إذا تحقّق مثله في الرضاع يكون محرّماً ، فالاُمّ الرضاعية كالاُمّ النسبية ، والبنت الرضاعية كالبنت النسبية وهكذا . فلو أرضعت امرأة من لبن فحل طفلاً حرمت المرضعة واُمّها واُمّ الفحل على المرتضع للاُمومة ، والمرتضعة وبناتها وبنات المرتضع على الفحل وعلى أبيه وأبي المرضعة للبنتية ، وحرمت اُخت الفحل واُخت المرضعة على المرتضع ؛ لكونهما عمّة وخالة له ، والمرتضعة على أخي الفَحل وأخي المرضعة ؛
ص: 288
لكونها بنت أخ أو بنت اُخت لهما ، وحرمت بنات الفحل على المرتضع والمرتضعة على أبنائه ؛ نسبيّين كانوا أم رضاعيّين . وكذا بنات المرضعة على المرتضع والمرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيّين للاُخوّة . وأمّا أولاد المرضعة الرضاعيّون ممّن أرضعتهم بلبن فحل آخر غير الفحل الذي ارتضع المرتضع بلبنه ، فلم يحرموا على المرتضع ؛ لما مرّ من اشتراط اتّحاد الفحل في نشر الحرمة بين المرتضعين .
(مسألة 8) : تكفي في حصول العلاقة الرضاعية المحرّمة دخالة الرضاع فيه في الجملة ، فقد تحصل من دون دخالة غيره فيها ، كعلاقة الاُبوّة والاُمومة والابنية والبنتية الحاصلة بين الفحل والمرضعة وبين المرتضع ، وكذا الحاصلة بينه وبين اُصولهما الرضاعيّين ، كما إذا كان لهما أب أو اُمّ من الرضاعة ؛ حيث إنّهما جدّ وجدّة للمرتضع من جهة الرضاع محضاً . وقد تحصل به مع دخالة النسب في حصولها ، كعلاقة الاُخوّة الحاصلة بين المرتضع وأولاد الفحل والمرضعة النسبيّين ، فإنّهم وإن كانوا منسوبين إليهما بالولادة ، إلاّ أنّ اُخوّتهم
للمرتضع حصلت بسبب الرضاع ، فهم إخوة أو أخوات له من الرضاعة .
توضيح ذلك : أنّ النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة ، كالنسبة بين الولد ووالده ووالدته ، وقد تحصل بعلاقتين كالنسبة بين الأخوين ، فإنّها تحصل بعلاقة كلّ منهما مع الأب أو الاُمّ أو كليهما ، وكالنسبة بين الشخص وجدّه الأدنى ، فإنّها تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه - مثلاً - وعلاقة بين أبيه وبين جدّه ، وقد تحصل بعلاقات ثلاث كالنسبة بين الشخص وبين جدّه الثاني ، وكالنسبة بينه وبين عمّه الأدنى ، فإنّها تحصل بعلاقة بينك وبين أبيك ، وبعلاقة كلّ من أبيك وأخيه مع أبيهما مثلاً ، وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب ، وتنشعب بقلّة العلاقات
ص: 289
وكثرتها ؛ حتّى أ نّه قد تتوقّف نسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقلّ أو أكثر . وإذا تبيّن ذلك ، فإن كانت تلك العلائق كلّها حاصلة بالولادة ، كانت العلاقة نسبية ، وإن حصلت كلّها أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع ، كانت العلاقة رضاعية .
(مسألة 9) : لمّا كانت المصاهرة التي هي أحد أسباب تحريم النكاح - كما يأتي - علاقةً بين أحد الزوجين وبعض أقرباء الآخر ، فهي تتوقّف على أمرين : مزاوجة وقرابة ، والرضاع إنّما يقوم مقام الثاني دون الأوّل ، فمرضعة ولدك لا تكون بمنزلة زوجتك حتّى تحرم اُمّها عليك ، لكن الاُمّ والبنت الرضاعيتين لزوجتك تكونان كالاُمّ والبنت النسبيّين لها ، فتحرمان عليك ، وكذلك حليلة الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي ، وحليلة الأب الرضاعي كحليلة الأب النسبي ، تحرم الاُولى على أبيه الرضاعي ، والثانية على ابنه الرضاعي .
(مسألة 10) : قد تبيّن ممّا سبق : أنّ العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل برضاع واحد ، كالحاصلة بين المرتضع وبين المرضعة وصاحب اللبن ، وقد تحصل برضاعين كالحاصلة بين المرتضع وبين أبوي الفحل والمرضعة الرضاعيّين ، وقد تحصل برضاعات متعدّدة ، فإذا كان لصاحب اللبن - مثلاً - أب من جهة الرضاع ، وكان لذلك الأب الرضاعي أيضاً أب من الرضاع ، وكان للأخير أيضاً أب من الرضاع ، وهكذا إلى عشرة آباء - مثلاً - كان الجميع أجداداً رضاعيّين للمرتضع الأخير ، وجميع المرضعات جدّات له ، فإن كانت اُنثى حرمت على جميع الأجداد ، وإن كان ذكراً حرمت عليه جميع الجدّات ، بل لو كانت للجدّ الرضاعي الأعلى اُخت رضاعية حرمت على المرتضع الأخير ؛
ص: 290
لكونها عمّته العليا من الرضاع ، ولو كانت للمرضعة الأبعد التي هي الجدّة العليا للمرتضع اُخت حرمت عليه ؛ لكونها خالته العليا من الرضاع .
(مسألة 11) : قد عرفت فيما سبق : أ نّه يشترط في حصول الاُخوّة الرضاعية بين المرتضعين اتّحاد الفَحل ، ويتفرّع على ذلك مراعاة هذا الشرط في العُمُومة والخُؤُولة الحاصلتين بالرضاع أيضاً ؛ لأنّ العمّ والعمّة أخ واُخت للأب ، والخال والخالة أخ واُخت للاُمّ ، فلو تراضع أبوك أو اُمّك مع صبيّة من امرأة ، فإن اتّحد الفحل كانت الصبيّة عمّتك أو خالتك من الرضاعة ، بخلاف ما إذا لم يتّحد ، فحيث لم تحصل الاُخوّة الرضاعية بين أبيك أو اُمّك مع الصبيّة لم تكن هي عمّتك أو خالتك ، فلم تحرم عليك .
(مسألة 12) : لا يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة بل ورضاعاً على الأحوط ، وكذا في أولاد المرضعة نسباً لا رضاعاً . وأمّا أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن ، فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم ؛ وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .
(مسألة 13) : إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ، ثمّ أرضعت بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل ، فتلك البنت وإن حرمت على ذلك الابن ، لكن تحلّ أخوات كلّ منهما لإخوة الآخر .
(مسألة 14) : الرضاع المحرّم كما يمنع من النكاح لو كان سابقاً ، يبطله لو حصل لاحقاً ، فلو كانت له زوجة صغيرة ، فأرضعتها بنته أو اُمّه أو اُخته أو بنت أخيه أو بنت اُخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعاً كاملاً ، بطل نكاحها وحرمت عليه ؛ لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو اُختاً أو بنت أخ أو بنت اُخت له ، فحرمت عليه
ص: 291
لاحقاً كما كانت تحرم عليه سابقاً . وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة ؛ لأ نّها صارت اُمّ زوجته ، وكذلك الصغيرة إن كانت رضاعها من لبنه أو دخل بالكبيرة ؛ لكونها بنتاً له في الأوّل ، وبنت زوجته المدخول بها في الثاني . نعم ، ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة ؛ وإن لم تحرم عليه .
إذا كان أخوان في بيت واحد - مثلاً - وكانت زوجة كلّ منهما أجنبيّة عن الآخر ، وأرادا أن تصير زوجة كلّ منهما من محارم الآخر حتّى يحلّ له النظر إليها ، يمكن لهما الاحتيال بأن يتزوّج كلّ منهما بصبيّة ، وتُرضع زوجةُ كلّ منهما زوجة الآخر رضاعاً كاملاً ، فتصير زوجة كلّ منهما اُمّاً لزوجة الآخر ، فتصير من محارمه ، وحلّ نظره إليها ، وبطل نكاح كلتا الصبيّتين ؛ لصيرورة كلّ منهما بالرضاع بنت أخي زوجها .
(مسألة 1) : إذا أرضعت امرأة ولد بنتها وبعبارة اُخرى : أرضعت الولدَ جدّته من طرف الاُمّ ، حرمت بنتها اُمّ الولد على زوجها ، وبطل نكاحها ؛ سواء أرضعته بلبن أبي البنت أو بلبن غيره ؛ وذلك لأنّ زوج البنت أب للمرتضع ، وزوجته بنت للمرضعة جدّة الولد ، وقد مرّ أ نّه يحرم على أبي المرتضع نكاح أولاد المرضعة ، فإذا منع منه سابقاً أبطله لاحقاً . وكذا إذا أرضعت زوجة أبي البنت من لبنه ولدَ البنت ، بطل نكاح البنت ؛ لما مرّ من أ نّه يحرم نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن . وأمّا الجدّة من طرف الأب إذا أرضعت ولد ابنها فلا يترتّب عليه شيء ، كما أ نّه لو كان رضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولد بنتها بعد وفاة بنتها أو
ص: 292
طلاقها أو وفاة زوجها ، لم يترتّب عليه شيء ، فلا مانع منه وإن يترتّب عليه حرمة نكاح المطلّقة واُختها ، وكذا اُخت المتوفّاة .
(مسألة 2) : لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ، ثمّ أرضعت جدّتهما من طرف الأب أو الاُمّ أحدهما - وذلك فيما إذا تزوّج الأخوان الاُختين - انفسخ نكاحهما ؛ لأنّ المرتضع إن كان هو الذكر ، فإن أرضعته جدّته من طرف الأب صار عمّاً لزوجته ، وإن أرضعته جدّته من طرف الاُمّ صار خالاً لزوجته ، وإن كان هو الاُنثى ، صارت هي عمّة لزوجها على الأوّل وخالة له على الثاني ، فبطل النكاح على أيّ حال .
(مسألة 3) : إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح ، فإمّا أن يبطل نكاح المرضعة بإرضاعها ، كما في إرضاع الزوجة الكبيرة لشخص زوجته الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها ، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة ، كالمثال بالنسبة إلى نكاح الصغيرة ، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما ، كما في إرضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولد بنتها . والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع إلاّ في الصورة الاُولى فيما إذا كان الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول ، فإنّ فيها تأمّلاً ، فالأحوط التخلّص بالصلح ، بل الأحوط ذلك في جميع الصور وإن كان الاستحقاق أقرب ، وهل تضمن المرضعة ما يغرمه الزوج من المهر قبل الدخول فيما إذا كان إرضاعها مبطلاً لنكاح غيرها ؟ قولان ، أقواهما العدم ، والأحوط التصالح .
(مسألة 4) : قد سبق أنّ العناوين المحرّمة من جهة الولادة والنسب سبعة : الاُمّهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الاُخت ، فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرّماً كالحاصل
ص: 293
بالولادة ، وقد عرفت فيما سبق كيفية حصولها بالرضاع مفصّلاً . وأمّا لو لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة ، لكن حصل عنوان خاصّ لو كان حاصلاً بالولادة لكان ملازماً ومتّحداً مع أحد تلك العناوين السبعة - كما لو أرضعت امرأة ولد بنتها فصارت اُمّ ولد بنتها ، واُمّ ولد البنت ليست من تلك السبع ، لكن لو كانت اُمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتاً له ، والبنت من المحرّمات السبعة - فهل
مثل هذا الرضاع أيضاً محرّم ، فتكون مرضعة ولد البنت كالبنت ، أم لا ؟ الحقّ هو الثاني ، وقيل بالأوّل . وهذا هو الذي اشتهر في الألسنة بعموم المنزلة الذي ذهب إليه بعض الأجلّة ، ولنذكر لذلك أمثلة :
أحدها : زوجتك أرضعت بلبنك أخاها فصار ولدك ، وزوجتك اُخت له ، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُخت ولدك : إمّا بنتك أو ربيبتك ، وهما محرّمتان عليك ، وزوجتك بمنزلتهما ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
ثانيها : زوجتك أرضعت بلبنك ابن أخيها فصار ولدك ، وهي عمّته ، وعمّة ولدك حرام عليك لأ نّها اُختك ، فهل تحرم من الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
ثالثها : زوجتك أرضعت عمّها أو عمّتها أو خالها أو خالتها فصارت اُمّهم ، واُمّ عمّ واُمّ عمّة زوجتك حرام عليك ؛ حيث إنّها جدّتها من الأب ، وكذا اُمّ خال واُمّ خالة زوجتك حرام عليك ؛ حيث إنّها جدّتها من الاُمّ ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
رابعها : زوجتك أرضعت بلبنك ولد عمّها أو ولد خالها ، فصرت أبا ابن عمّها أو أبا ابن خالها ، وهي تحرم على أبي ابن عمّها وأبي ابن خالها ؛ لكونهما عمّها
ص: 294
وخالها ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا(1) .
خامسها : امرأة أرضعت أخاك أو اُختك لأبويك فصارت اُمّاً لهما ، وهي محرّمة في النسب لأ نّها اُمٌّ لك ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع ويبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجتك أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
سادسها : امرأة أرضعت ولد بنتك فصارت اُمّاً له ، فهل تحرم عليك لكونها بمنزلة بنتك ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
سابعها : امرأة أرضعت ولد اُختك فصارت اُمّاً له ، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُمّ ولد الاُخت حرام عليك ، لأ نّها اُختك ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
ثامنها : امرأة أرضعت عمّك أو عمّتك أو خالك أو خالتك فصارت اُمّهم ، واُمّ عمّك وعمّتك نسباً تحرم عليك ؛ لأ نّها جدّتك من طرف أبيك ، وكذا اُمّ خالك وخالتك ؛ لأ نّها جدّتك من طرف الاُمّ ، فهل تحرم عليك بسبب الرضاع ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها ، أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .
(مسألة 5) : لو شكّ في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمّية أو الكيفية ، بنى على العدم . نعم ، يُشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع
ص: 295
بشروطه ، ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما ، وعلم تأريخ الرضاع وجهل تأريخ ولادة المرتضع ، فحينئذٍ لا يترك الاحتياط .
(مسألة 6) : لا تقبل الشهادة على الرضاع إلاّ مفصّلة : بأن يشهد الشهود على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات - مثلاً - إلى آخر ما مرّ من الشروط . ولا يكفي الشهادة المطلقة والمجملة ؛ بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم ، أو يشهد - مثلاً - على أنّ فلاناً ولد فلانة ، أو فلانة بنت فلان من الرضاع ، بل يسأل منه التفصيل . نعم ، لو علم عرفانهما شرائط الرضاع ، وأ نّهما موافقان معه في الرأي - اجتهاداً أو تقليداً - تكفي .
(مسألة 7) : الأقوى أ نّه تُقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلاّت ؛ بأن تشهد به أربع نسوة ، ومنضمّات ؛ بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد .
(مسألة 8) : يستحبّ أن يختار لرضاع الأولاد ، المسلمة العاقلة العفيفة الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة ، فإنّ للّبن تأثيراً تامّاً في المرتضع ، كما يشهد به الاختبار ونطقت به الأخبار والآثار : فعن الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء ، فإنّ اللبن يعدي» . وعن أمير المؤمنين علیه السلام : «لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ اللبن يغلب الطباع» . وعنه علیه السلام : «اُنظروا من ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبّ عليه» . . . إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خلقاً وخلقاً ، ومرجوحية اختيار أضدادهنّ وكراهته ، لا سيّما الكافرة ، وإن اضطرّ إلى استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية على المشركة والمجوسية ، ومع ذلك لا يسلّم الطفل إليهنّ ، ولا يذهبن بالولد إلى بيوتهنّ . ويمنعها عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير .
ص: 296
ومثل الكافرة - أو أشدّ كراهة - استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا ، والمرأة المتولّدة من زناً . فعن الباقر علیه السلام : «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من ولد الزنا» ، وعن الكاظم علیه السلام - سئل عن امرأة زنت هل يصلح أن تُسترضع ؟ - قال: «لا يصلح ، ولا لبن ابنتها التي وُلدت من الزنا» .
المصاهرة : هي علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر ، موجبة لحرمة النكاح عيناً أو جمعاً على تفصيل يأتي .
(مسألة 1) : تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس - فصاعداً في الأوّل ، ونازلاً في الثاني - حرمة دائمية ؛ سواء كان العقد دائمياً أو انقطاعياً ، وسواء دخل العاقد بالمعقودة أم لا ، وسواء كان الأب والابن نسبيّين أو رضاعيّين .
(مسألة 2) : لو عقد على امرأة حرمت عليه اُمّها وإن علت نسباً أو رضاعاً ؛ سواء دخل بها أم لا ، وسواء كان العقد دواماً أو انقطاعاً ، وسواء كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة . نعم ، الأحوط في العقد على الصغيرة انقطاعاً ، أن تكون بالغة إلى حدّ تقبل للاستمتاع والتلذّذ بها ولو بغير الوط ء ؛ بأن كانت بالغة ستّ سنين فما فوق مثلاً ، أو يدخل في المدّة بلوغها إلى هذا الحدّ ، فما تعارف من إيقاع عقد الانقطاع ساعة أو ساعتين على الصغيرة الرضيعة أو من يقاربها - مريدين بذلك محرمية اُمّها على المعقود له - لا يخلو من إشكال(1) ؛ من جهة الإشكال في صحّة مثل هذا العقد حتّى يترتّب عليه حرمة اُمّ المعقود عليها ، وإن لا يخلو
ص: 297
من قرب أيضاً(1) ، لكن لو عقد كذلك - أي الساعة أو الساعتين عليها - فلا ينبغي ترك الاحتياط ؛ بترتّب آثار المصاهرة وعدم المحرمية لو قصد تحقّق الزوجية ولو بداعي بعض الآثار كالمحرمية .
(مسألة 3) : لو عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وإن نزلت إذا دخل بالاُمّ ولو دبراً ، وأمّا إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عيناً ، وإنّما تحرم عليه جمعاً ؛ بمعنى أ نّها تحرم عليه ما دامت الاُمّ في حباله ، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها .
(مسألة 4) : لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون موجودة في زمان زوجية الاُمّ ، أو تولّدت بعد خروجها عن الزوجية ، فلو عقد على امرأة ودخل بها ، ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت وولدت من الزوج الثاني بنتاً ، تحرم هذه البنت على الزوج الأوّل .
(مسألة 5) : لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح والوط ء الصحيحين ، وهل تترتّب على الزنا ووط ء الشبهة أم لا ؟ قولان ، أحوطهما وأشهرهما أوّلهما ، فلو زنى بامرأة حرمت على أبي الزاني ، وحرمت على الزاني اُمّ المزنيّ بها وبنتها ، وكذلك الموطوءة بالشبهة . نعم ، الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة ؛ سواء كان بعد الوط ء أو قبله ، فلو تزوّج بامرأة ثمّ زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، أو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه .
(مسألة 6) : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر ، وكذا في الشبهة .
ص: 298
(مسألة 7) : إذا علم بالزنا ، وشكّ في كونه سابقاً على العقد أو طارئاً ، بنى على صحّته .
(مسألة 8) : لو لمس امرأة أجنبيّة أو نظر إليها بشهوة لم تحرم الملموسة والمنظورة على أبي اللامس والناظر وابنهما ، ولا تحرم اُمّ المنظورة والملموسة على الناظر واللامس . نعم ، لو كانت للأب جارية ملموسة بشهوة ، أو منظورة إلى ما لا يحلّ النظر إليه لغيره إن كان نظره بشهوة ، أو نظر إلى فرجها ولو بغير شهوة ، حرُمت على ابنه ، وكذا العكس على الأقوى .
(مسألة 9) : لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمّة وبنت الاُخت على الخالة إلاّ بإذنهما ؛ من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين ، ولا بين علم العمّة والخالة حال العقد وجهلهما ، ولا بين اطّلاعهما على ذلك وعدمه أبداً ، فلو تزوّجهما عليهما بدون إذنهما كان العقد الطارئ كالفضولي على الأقوى ؛ تتوقّف صحّته على إجازتهما ، فإن أجازتا جاز ، وإلاّ بطل . ويجوز نكاح العمّة والخالة على بنتي الأخ والاُخت وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين ، وليس لهما الخيار ؛ لا في فسخ عقد أنفسهما ، ولا في فسخ عقد بنتي الأخ والاُخت على الأقوى .
(مسألة 10) : الظاهر أ نّه لا فرق في العمّة والخالة بين الدنيا منهما والعليا ، كما أ نّه لا فرق بين نسبيتين منهما والرضاعيتين .
(مسألة 11) : إذا أذنتا ثمّ رجعتا عن الإذن ، فإن كان الرجوع بعد العقد لم يؤثّر في البطلان ، وإن كان قبله بطل الإذن السابق ، فلو لم يبلغه الرجوع وتزوّج توقّف صحّته على الإجازة اللاحقة .
ص: 299
(مسألة 12) : الظاهر أنّ اعتبار إذنهما ليس حقّاً لهما كالخيار حتّى يسقط بالإسقاط ، فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثّر شيئاً ، ولو اشترط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الاُخت ، فالظاهر كون قبول هذا الشرط إذناً . نعم ، لو رجع عنه قبل العقد لم يصحّ العقد ، ولو شرط أنّ له ذلك ولو مع الرجوع - بحيث يرجع إلى إسقاط إذنه - فالظاهر بطلان الشرط .
(مسألة 13) : لو تزوّج بالعمّة وابنة الأخ والخالة وبنت الاُخت وشكّ في السابق منهما ، حكم بصحّة العقدين . وكذلك فيما إذا تزوّج ببنت الأخ أو الاُخت ، وشكّ في أ نّه كان عن إذن من العمّة أو الخالة أم لا ، حكم بالصحّة .
(مسألة 14) : لو طلّق العمّة أو الخالة ، فإن كان بائناً صحّ العقد على بنتي الأخ والاُخت بمجرّد الطلاق ، وإن كان رجعياً لم يجز بلا إذن منهما إلاّ بعد انقضاء العدّة .
(مسألة 15) : لا يجوز الجمع في النكاح بين الاُختين ؛ نسبيتين أو رضاعيتين ، دواماً أو انقطاعاً ، أو بالاختلاف ، فلو تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ تزوّج باُخرى بطل العقد الثاني دون الأوّل ؛ سواء دخل بالاُولى أو لا ، ولو اقترن عقدهما - بأن تزوّجهما بعقد واحد ، أو في زمان واحد - بطلا معاً .
(مسألة 16) : لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل تأريخهما فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً ، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالاً بصحّة أحدهما وبطلان الآخر ، فلا يجوز له عمل الزوجية بالنسبة إليهما أو إلى إحداهما ما دام
ص: 300
الاشتباه ، والأقوى تعيين السابق بالقرعة ، لكن الأحوط أن يطلّقهما أو يطلّق الزوجة الواقعية منهما ثمّ يزوّج من شاء منهما ، وله أن يطلّق إحداهما ويجدّد العقد على الاُخرى بعد انقضاء عدّة الاُولى إن كانت مدخولاً بها .
(مسألة 17) : لو طلّقهما - والحال هذه - فإن كان قبل الدخول فعليه للزوجة الواقعية نصف مهرها ، وإن كان بعد الدخول فلها عليه تمام مهرها ، فإن كان المهران مثليّين واتّفقا جنساً وقدراً ، فقد علم من عليه الحقّ ومقدار الحقّ ، وإنّما الاشتباه فيمن له الحقّ ، وفي غير ذلك يكون الاشتباه في الحقّ أيضاً ، فإن اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو ، وإلاّ فلا محيص إلاّ عن القرعة ، فمن خرجت عليها من الاُختين ، كان لها نصف مهرها المُسمّى أو تمامه ، ولم تستحقّ الاُخرى شيئاً . نعم ، مع الدخول بها تفصيل لا يسعه هذا المختصر .
(مسألة 18) : الظاهر جريان حكم تحريم الجمع فيما إذا كانت الاُختان كلتاهما أو إحداهما من زناً .
(مسألة 19) : لو طلّق زوجته ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز ولا يصحّ نكاح اُختها ما لم تنقض عدّتها ، وإن كان بائناً جاز له نكاح اُختها في الحال . نعم ، لو كانت متمتّعاً بها وانقضت مدّتها أو وهبها لا يجوز على الأحوط - لو لم يكن الأقوى - نكاح اُختها قبل انقضاء العدّة وإن كانت بائنة .
(مسألة 20) : ذهب بعض الأخباريّين إلى حرمة الجمع بين الفاطميّتين في النكاح ، والحقّ جوازه وإن كان الترك أحوط وأولى .
(مسألة 21) : لو زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها ، ولا يجب على زوجها أن يطلّقها وإن كانت مصرّة على ذلك .
ص: 301
(مسألة 22) : من زنى بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً ؛ سواء كانت مسلمة أم لا ، مدخولاً بها كانت من زوجها أم لا ، فلا يجوز نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق ونحوه ، ولا فرق على الظاهر بين أن يكون الزاني عالماً بأ نّها ذات بعل أو لا . ولو كان مكرهاً على الزنا ففي لحوق الحكم إشكال .
(مسألة 23) : لو زنى بامرأة في العدّة الرجعية حرمت عليه أبداً كذات البعل ، دون البائنة ومن في عدّة الوفاة ، ولو علم بأ نّها كانت في العدّة ، ولم يعلم بأ نّها كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة . نعم ، لو علم بكونها في عدّة رجعية وشكّ في انقضائها فالظاهر الحرمة .
(مسألة 24) : من لاط بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة ، حرُمت عليه أبداً اُمّ الغلام وإن علت وبنته وإن نزلت واُخته ؛ من غير فرق بين كونهما صغيرين أو كبيرين أو مختلفين . ولا تحرم على المفعول اُمّ الفاعل وبنته واُخته على الأقوى ، والاُمّ والبنت والاُخت الرضاعيات للمفعول كالنسبيات .
(مسألة 25) : إنّما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا كان سابقاً ، وأمّا الطارئ على التزويج فلا يوجبها ولا بطلان النكاح ، ولا ينبغي ترك الاحتياط .
(مسألة 26) : لو شكّ في تحقّق الإيقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بنى على العدم .
ص: 302
(مسألة 1) : لا يجوز نكاح المرأة لا دائماً ولا منقطعاً إذا كانت في عدّة الغير ؛ رجعية كانت أو بائنة ، عدّة وفاة أو غيرها ، من نكاح دائم أو منقطع أو من وط ء شبهة . ولو تزوّجها فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم ؛ بأن علما بكونها في العدّة ، وعلما بأ نّه لا يجوز النكاح فيها ، أو كان أحدهما عالماً بهما بطل النكاح وحرمت عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أو لا . وكذا إن جهلا بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبراً . وأمّا لو لم يدخل بها بطل العقد ، ولكن لم تحرم عليه أبداً ، فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدّة التي كانت فيها .
(مسألة 2) : لو وكّل أحداً في تزويج امرأة له ولم يعيّن الزوجة ، فزوّجه امرأة ذات عدّة ، لم تحرم عليه وإن علم الوكيل بكونها في العدّة ، وإنّما تحرم عليه مع الدخول . وأمّا لو عيّن الزوجة ، فإن كان الموكّل عالماً بالحكم والموضوع ، حرمت عليه ولو كان الوكيل جاهلاً بهما ، بخلاف العكس . فالمدار علم الموكّل وجهله ، لا الوكيل .
(مسألة 3) : لا يلحق بالتزويج في العدّة وط ء الشبهة أو الزنا بالمعتدّة ، فلو وطئ شبهة أو زنى بالمرأة في حال عدّتها ، لم يؤثّر في الحرمة الأبدية أيّة عدّة كانت ، إلاّ العدّة الرجعية إذا زنى بها فيها ، فإنّه يوجب الحرمة كما مرّ .
(مسألة 4) : لو كانت المرأة في عدّة الرجل جاز له العقد عليها في الحال ، ولا ينتظر انقضاء العدّة إلاّ في موارد لموانع طارئة ، كالطلاق الثالث المحتاج إلى المحلّل ، والتاسع المحرّم أبداً . وفيما إذا كانت معتدّة له بالعدّة الرجعية يبطل العقد
ص: 303
عليها أيضاً ؛ لكونها بمنزلة زوجته ، فلو كانت عنده متعة وأراد أن يجعل عقدها دواماً ، جاز أن يهب مدّتها ويعقد عليها دواماً في الحال ، بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة ، فطلّقها لذلك طلاقاً غير بائن ، فإنّه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلاّ بعد خروجها عن العدّة .
(مسألة 5) : هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط للحرمة الأبدية في صورة الجهل أن يكون في العدّة ، أو يكفي وقوع العقد فيها وإن كان الدخول واقعاً بعد انقضائها ؟ قولان ، أحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة .
(مسألة 6) : لو شكّ في أ نّها معتدّة أم لا حكم بالعدم وجاز له تزويجها ، ولا يجب عليه الفحص عن حالها ، وكذا لو شكّ في انقضاء عدّتها وأخبرت هي بالانقضاء ، فتصدّق وجاز تزويجها .
(مسألة 7) : لو علم أنّ التزويج كان في العدّة مع الجهل موضوعاً أو حكماً ، ولكن شكّ في أ نّه دخل بها حتّى تحرم عليه أبداً أو لا ، بنى على عدمه ، فلم تحرم عليه ، وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شكّ في أنّ أحدهما قد كان عالماً أو لا بنى على عدمه ، فلا يحكم بالحرمة الأبدية .
(مسألة 8) : يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبدية التزويج بذات البعل ، فلو تزوّجها مع العلم بأ نّها ذات بعل حرمت عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أم لا ، ولو تزوّجها مع الجهل لم تحرم عليه إلاّ مع الدخول بها .
(مسألة 9) : لو تزوّج بامرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها لعدم تحقّق مبدئها ، كما إذا تزوّج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر ، فإنّ مبدأ عدّتها من حين بلوغه ، فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الأوّل ، وأرجحهما الثاني .
ص: 304
(مسألة 10) : من كانت عنده أربع زوجات دائميات تحرم عليه الخامسة دائمة ، وأمّا المنقطعة فيجوز الجمع بما شاء خاصّة ، أو مع دائميات .
(مسألة 11) : لو كانت عنده أربع فماتت إحداهنّ يجوز له تزويج اُخرى في الحال ، وكذا لو فارق إحداهنّ بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن . وأولى بذلك ما إذا لم تكن لها عدّة كغير المدخول بها واليائسة . وأمّا إذا طلّقها بالطلاق الرجعي ، فلا يجوز له تزويج اُخرى إلاّ بعد انقضاء عدّة الاُولى .
(مسألة 12) : لو طلّق الرجل زوجته الحرّة ثلاث طلقات لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر ، حرمت عليه ، ولا يجوز له نكاحها حتّى تنكح زوجاً غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق ، ولو طلّقها تسعاً للعدّة بتخلّل محلّلين في البين - بأن نكحت بغير المطلّق بعد الثلاثة الاُولى والثانية - حرمت عليه أبداً . وكيفية وقوع تسع طلقات للعدّة : أن يطلّقها بالشرائط ثمّ يراجعها في العدّة ويطأها ، ثمّ يطلّقها في طهر آخر ثمّ يراجعها ثمّ يطأ ثمّ يطلّقها الثالثة ، ثمّ ينكحها بعد عدّتها زوج آخر ، ثمّ يفارقها بعد أن يطأها ، ثمّ يتزوّجها الأوّل بعد عدّتها ، ثمّ يوقع عليها
ثلاث طلقات مثل ما أوقع أوّلاً ، ثمّ ينكحها آخر ويطأها ويفارقها ويتزوّجها الأوّل ، ويوقع عليها ثلاث طلقات اُخرى مثل السابقات إلى أن يكمل تسعاً تخلّل بينهما نكاح رجلين ، فتحرم عليه في التاسعة أبداً .
لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواماً وانقطاعاً ؛ سواء كان أصلياً حربياً أو كتابياً ، أو كان مرتدّاً عن فطرة أو عن ملّة . وكذا لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابية من أصناف الكفّار ، ولا المرتدّة عن فطرة أو عن ملّة . وأمّا الكتابية من
ص: 305
اليهودية والنصرانية ففيه أقوال ، أشهرها المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع ، وقيل بالمنع مطلقاً ، وقيل بالجواز كذلك . والأقوى الجواز في المنقطع ، وأمّا في الدائم فالأحوط المنع .
(مسألة 1) : الأقوى حرمة نكاح المجوسية ، وأمّا الصابئة ففيها إشكال ؛ حيث إنّه لم يتحقّق عندنا إلى الآن حقيقة دينهم ، فإن تحقّق أ نّهم طائفة من النصارى - كما قيل - كانوا بحكمهم .
(مسألة 2) : العقد الواقع بين الكفّار لو وقع صحيحاً عندهم وعلى طبق مذهبهم ، يترتّب عليه آثار الصحيح عندنا ؛ سواء كان الزوجان كتابيّين أو وثنيّين أو مختلفين ، حتّى إنّه لو أسلما معاً دفعة اُقرّا على نكاحهما الأوّل ؛ ولم يحتج إلى عقد جديد ، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضاً في بعض الصور الآتية . نعم ، لو كان نكاحهم مشتملاً على ما يقتضي الفساد ابتداءً واستدامة كنكاح إحدى المحرّمات عيناً أو جمعاً جرى عليه بعد الإسلام حكم الإسلام .
(مسألة 3) : لو أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأوّل ؛ سواء كان كتابياً أو وثنياً ، وسواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده . وإذا أسلم زوج الوثنية - وثنياً كان أو كتابياً - فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده يفرّق بينهما وينتظر انقضاء العدّة ، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما ، وإلاّ انفسخ النكاح ؛ بمعنى أ نّه يتبيّن انفساخه من حين إسلام الزوج .
(مسألة 4) : لو أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي - وثنية كانت أو كتابية - فإن
ص: 306
كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدّة لكن يفرّق بينهما ، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته ، وإلاّ بان أ نّها بانت منه حين إسلامها .
(مسألة 5) : لو ارتدّ أحد الزوجين أو ارتدّا معاً دفعة قبل الدخول ، وقع الانفساخ في الحال ؛ سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملّة . وكذا بعد الدخول إذا كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة . وأمّا إن كان ارتداده عن ملّة ، أو كان الارتداد من الزوجة مطلقاً ، وقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته ، وإلاّ انكشف أ نّها بانت منه عند الارتداد .
(مسألة 6) : العدّة في ارتداد الزوج عن فطرة كالوفاة ، وفي غيره كالطلاق .
(مسألة 7) : لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت علیهم السلام ، ولا الغالي المعتقد باُلوهيتهم أو نبوّتهم . وكذا لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية ؛ لأ نّهما بحكم الكفّار وإن انتحلا دين الإسلام .
(مسألة 8) : لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة . وأمّا نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب ففيه خلاف ، والجواز مع الكراهة لا يخلو من قوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن .
(مسألة 9) : لا يشترط في صحّة النكاح تمكّن الزوج من النفقة . نعم ، لو زوّج الصغيرة وليّها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها ، فلها الردّ ؛ لأنّ فيه المفسدة ، إلاّ إذا زوحمت بمصلحة غالبة عليها .
(مسألة 10) : لو كان الزوج متمكّناً من النفقة حين العقد ، ثمّ تجدّد العجز عنها
ص: 307
بعد ذلك ، لم يكن للزوجة المذكورة التسلّط على الفسخ ؛ لا بنفسها ولا بوسيلة الحاكم على الأقوى . نعم ، لو كان ممتنعاً عن الإنفاق مع اليسار ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بالإنفاق أو الطلاق ، فإذا امتنع عنهما ولم يمكن الإنفاق من ماله ولا إجباره بالطلاق ، فالظاهر أنّ للحاكم أن يطلّقها إن أرادت الطلاق .
(مسألة 11) : لا إشكال في جواز تزويج العربية بالعجمي والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس ، وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنيّة كالكنّاس والحجّام ونحوهما ؛ لأنّ المسلم كفو المسلم ، والمؤمن كفو المؤمنة ، والمؤمنون بعضهم أكفاء بعض كما في الخبر . نعم ، يكره التزويج بالفاسق ، خصوصاً شارب الخمر والزاني كما مرّ .
(مسألة 12) : ممّا يوجب الحرمة الأبدية التزويج حال الإحرام دواماً أو انقطاعاً ؛ سواء كانت المرأة محرمة أو محلّة ، وسواء كان إيقاع التزويج له بالمباشرة أو بالتوكيل ؛ محرماً كان الوكيل أو محلاًّ ، كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله . هذا مع العلم بالحرمة . وأمّا مع جهله بها وإن بطل النكاح في جميع الصور المذكورة ، لكن لا يوجب الحرمة الأبدية .
(مسألة 13) : لا فرق فيما ذكر من التحريم مع العلم ، والبطلان مع الجهل ، بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب ، أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا بين أن يكون حجّه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره .
(مسألة 14) : لو كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة ، وكان الزوج محلاًّ ، فهل يوجب نكاحها الحرمة الأبدية بينهما ؟ قولان ، أحوطهما ذلك ، بل لا يخلو من قوّة .
ص: 308
(مسألة 15) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدّة الرجعية ؛ من غير فرق بين المطلّقة تبرّعاً أو المختلعة إذا رجعت في البذل ، وكذا يجوز أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّج له بعد إحلاله ، بل وكذا أن يوكّل محرماً في أن يزوّج له بعد إحلالهما .
(مسألة 16) : ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه ؛ بأن يرميها بالزنا ويدّعي المشاهدة بلا بيّنة ، أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به ، وتنكر ذلك ، ورفعا أمرهما إلى الحاكم ، فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصّة ، فإذا تلاعنا سقط عنه حدّ القذف وعنها حدّ الزنا ، وانتفى الولد عنه ، وحرمت عليه مؤبّداً .
(مسألة 17) : نكاح الشغار باطل ، وهو أن تتزوّج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحد منهما نكاح الاُخرى ، ولا يكون بينهما مهر غير النكاحين ، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر : «زوّجتك بنتي أو اُختي على أن تزوّجني بنتك أو اُختك» ، ويكون صداق كلّ منهما نكاح الاُخرى ، ويقول الآخر : «قبلت وزوّجتك بنتي أو اُختي هكذا» . وأمّا لو زوّج إحداهما الآخر بمهر معلوم ، وشرط عليه أن يزوّجه الاُخرى بمهر معلوم ، فيصحّ العقدان ، وكذا لو شرط أن يزوّجه الاُخرى ولم يذكر المهر أصلاً ، مثل أن يقول : «زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك» ، فقال : «قبلت وزوّجتك بنتي» ، فإنّه يصحّ العقدان ويستحقّ كلّ منهما مهر المثل .
ص: 309
ويقال له : المتعة والنكاح المؤجّل .
(مسألة 1) : النكاح المنقطع كالدائم في أ نّه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين ، وأ نّه لا يكفي فيه مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ، ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة ، وفي غير ذلك كما فصّل ذلك كلّه .
(مسألة 2) : ألفاظ الإيجاب في هذا العقد : «متّعت» و«زوّجت» و«أنكحت» ، أيّها حصلت وقع الإيجاب به ، ولا ينعقد بمثل التمليك والهبة والإجارة . والقبول كلّ لفظ دالّ على إنشاء الرضا بذلك ، كقوله : «قبلت المتعة» أو « . . . التزويج» ، وكفى «قبلت» و«رضيت» . ولو بدأ بالقبول ، فقال : «تزوّجتك» ، فقالت : «زوّجتك نفسي» ، صحّ .
(مسألة 3) : لا يجوز تمتّع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه ، وكذا لا يجوز تمتّع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفّار ، ولا بالمرتدّة ، ولا بالناصبة المعلنة بالعداوة كالخارجية .
(مسألة 4) : لا يتمتّع على العمّة ببنت أخيها ، ولا على الخالة ببنت اُختها إلاّ بإذنهما أو إجازتهما ، وكذا لا يجمع بين الاُختين .
(مسألة 5) : يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر ، فلو أخلّ به بطل ، ويعتبر فيه أن يكون ممّا يتموّل ؛ سواء كان عيناً خارجياً أو كلّياً في الذمّة أو منفعة أو عملاً صالحاً للعوضية أو حقّاً من الحقوق المالية ، كحقّ التحجير
ص: 310
ونحوه ، وأن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون ، والعدّ في المعدود ، أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة ، ويتقدّر بالمراضاة قلّ أو كثر .
(مسألة 6) : تملك المتمتّعة المهر بالعقد ، فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته ؛ وإن كان استقراره بالتمام مراعىً بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام المدّة ، فلو وهبها المدّة فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر ، وإن كان بعده لزمه الجميع ، وإن مضت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام ، فلا يقسّط المهر على ما مضى منها وما بقي . نعم ، لو لم يهب المدّة ، ولكنّها لم تف بها ولم تمكّنه من نفسها في تمامها ، كان له أن يضع من المهر بنسبتها ، إن نصفاً فنصف ، وإن ثلثاً فثلث وهكذا ، ما عدا أيّام حيضها ، فلا ينقص لها شيء من المهر ، وفي إلحاق سائر الأعذار - كالمرض المدنف ونحوه - بها أو عدمه وجهان ، بل قولان ، ولا يترك الاحتياط بالتصالح .
(مسألة 7) : لو وقع العقد ولم يدخل بها مع تمكينها حتّى انقضت المدّة استقرّ عليه تمام المهر .
(مسألة 8) : لو تبيّن فساد العقد ؛ بأن ظهر لها زوج ، أو كانت اُخت زوجته أو اُمّها - مثلاً - ولم يدخل بها ، فلا مهر لها ، ولو قبضته كان له استعادته ، بل لو تلف كان عليها بدله . وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد . وأمّا إن كانت جاهلة فلها مهر المثل ، فإن كان ما أخذت أزيد منه استعاد الزائد ، وإن كان أقلّ أكمله .
(مسألة 9) : يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل ، فلو لم يذكره متعمّداً أو نسياناً بطل متعةً وانعقد دائماً ، وتقدير الأجل إليهما طال أو قصر ، ولا بدّ
ص: 311
أن يكون معيّناً بالزمان محروساً من الزيادة والنقصان . ولو قدّره بالمرّة أو المرّتين من دون أن يقدّره بزمان بطل متعةً وانعقد دائماً على إشكال ، والأحوط فيه إجراء الطلاق وتجديد النكاح لو أراد ، وأحوط منه مع ذلك الصبر إلى انقضاء المدّة المقدّرة بالمرّة أو المرّتين أو هبتها .
(مسألة 10) : لو قالت : «زوّجتك نفسي إلى شهر أو شهراً» مثلاً وأطلقت ، اقتضى الاتّصال بالعقد . وهل يجوز أن تجعل المدّة منفصلة عنه ؛ بأن يعيّن المدّة شهراً - مثلاً - ويجعل مبدؤه بعد شهر من حين العقد أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الثاني .
(مسألة 11) : لا يصحّ تجديد العقد عليها دائماً أو منقطعاً قبل انقضاء الأجل أو بذل المدّة ، فلو كانت المدّة شهراً وأراد الازدياد لا بدّ أن يهبها ثمّ يعقد عليها .
(مسألة 12) : يجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلاً أو نهاراً ، وأن يشترط المرّة أو المرّات مع تعيين المدّة بالزمان .
(مسألة 13) : يجوز العزل من دون إذنها في المنقطع وإن قلنا بعدم جوازه في الدائم ، ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل ؛ لاحتمال سبق المنيّ من غير تنبّه منه ، ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهراً ، ولم يفتقر إلى اللعان إن لم يعلم أنّ نفيه كان عن إثم مع احتمال كون الولد منه . وعلى أيّ حال لا يجوز له النفي بينه وبين اللّه إلاّ مع العلم بالانتفاء .
(مسألة 14) : لا يقع عليها طلاق ، وإنّما تبين بانقضاء المدّة أو هبتها ، ولا رجوع له بعد ذلك .
ص: 312
(مسألة 15) : لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين ، فلو شرطا التوارث أو توريث أحدهما ففي التوريث إشكال ، فلا يترك الاحتياط بترك هذا الشرط ، ومعه لا يترك بالتصالح .
(مسألة 16) : لو انقضى أجلها أو وهب مدّتها قبل الدخول فلا عدّة عليها ، وإن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدّة ، وهي على الأشهر الأظهر حيضتان ، وإن كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً ، والظاهر اعتبار حيضتين تامّتين ، فلو انقضى الأجل أو وهب المدّة في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها ، بل لا بدّ من حيضتين تامّتين بعد ذلك . هذا فيما إذا كانت حائلاً . ولو كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها كالمطلّقة على إشكال ، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين ؛ من وضع الحمل ، ومن انقضاء خمسة وأربعين يوماً أو حيضتين . وأمّا عدّتها من الوفاة فأربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلاً ، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملاً كالدائمة .
(مسألة 17) : يستحبّ أن تكون المتمتّع بها مؤمنة عفيفة ، والسؤال عن حالها قبل التزويج ؛ وأ نّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا ، وأمّا بعده فمكروه . وليس السؤال والفحص عن حالها شرطاً في الصحّة .
(مسألة 18) : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور .
ص: 313
وهي قسمان : مشترك ومختصّ :
أمّا المشترك : فهو الجنون ؛ وهو اختلال العقل . وليس منه الإغماء ومرض الصرع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات . ولكلّ من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقاً ؛ سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به ، أو حدث بعده قبل الوط ء أو بعده . نعم ، في الحادث بعد العقد إذا لم يبلغ حدّاً لا يعرف أوقات الصلاة تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط . وأمّا في المرأة ففيما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل ، دون ما إذا طرأ بعده . ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد حال إفاقته ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع .
وأمّا المختصّ : فالمختصّ بالرجل ثلاثة : الخصاء ، وهو سلّ الخصيتين أو رضّهما ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به .
والجبّ ، وهو قطع الذكر ؛ بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوط ء ولو قدر الحشفة ، وتفسخ المرأة فيما إذا كان ذلك سابقاً على العقد . وأمّا اللاحق به ففيه تأمّل ، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقاً ؛ سواء كان قبل الوط ء أو بعده .
والعنن ، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج ، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوط ء مطلقاً ، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وط ء غيرها لا خيار لها . ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدّد بعده ، لكن
ص: 314
بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة حتّى دبراً ، فلو وطئها ثمّ حدثت به العنّة - بحيث لم يقدر على الوط ء بالمرّة - فلا خيار لها .
والمختصّ بالمرأة ستّة : البرص والجذام والإفضاء - وقد مرّ تفسيره فيما سبق - والقرن ، ويقال له : العفل ، وهو لحم أو غُدّة أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع عن الوط ء ، بل ولو لم يمنع إذا كان موجباً للتنفّر والانقباض على الأظهر ، والعرج البيّن وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة على الأظهر ، والعمى ، وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين ، ولا اعتبار بالعور ، ولا بالعشا ، وهي علّة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار ، ولا بالعمش ، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات .
(مسألة 1) : إنّما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبيّن وجودها قبل العقد ، وأمّا ما يتجدّد بعده فلا اعتبار به ؛ سواء كان قبل الوط ء أو بعده .
(مسألة 2) : ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار ؛ لا من طرف الرجل ، ولا من طرف المرأة .
(مسألة 3) : ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة على الأقوى .
(مسألة 4) : خيار الفسخ في كلّ من الرجل والمرأة على الفور ، فلو علم كلّ منهما بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد . نعم ، الظاهر أنّ الجهل بالخيار بل والفورية عذر ، فلا يسقط مع الجهل بأحدهما لو لم يبادر .
(مسألة 5) : إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إن لم تكن لمدّعيه بيّنة ، ويثبت بها العيب حتّى العنن على الأقوى . كما أ نّه يثبت كلّ
ص: 315
عيب بإقرار صاحبه أو البيّنة على إقراره ، وكذا يثبت باليمين المردودة على المدّعي . ولو نكل المنكر عن اليمين ولم يردّها ردّها الحاكم على المدّعي ، فإن حلف يثبت به . وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات ، كما في نظائرها .
(مسألة 6) : لو ثبت عنن الرجل فإن صبرت فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدّة فلا خيار لها ، وإلاّ كان لها الفسخ فوراً عرفياً ، فإن لم تبادر به فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريته لم يضرّ كما مرّ ، وإلاّ سقط خيارها ، وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثمّ طلبت الفسخ بعد ذلك ، فإنّه ليس لها ذلك .
(مسألة 7) : الفسخ بالعيب ليس بطلاق ؛ سواء وقع من الزوج أو الزوجة ، فليس له أحكامه إلاّ تنصيف المهر في الفسخ بالعنن كما يأتي . ولا يعتبر فيه شروطه ، فلا يحسب من الثلاثة المحرّمة المحتاجة إلى المحلّل ، ولا يعتبر فيه الخلوّ من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين .
(مسألة 8) : يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم ، وكذا المرأة بعيب الرجل . نعم ، مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم ، لكن من جهة ضرب الأجل - حيث إنّه من وظائفه - لا من جهة نفوذ فسخها ، فبعد ما ضرب الأجل لها ، كان لها التفرّد بالفسخ عند انقضائه وتعذّر الوط ء في المدّة من دون مراجعته .
(مسألة 9) : لو فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة فإن كان قبل الدخول فلا مهر
ص: 316
لها ، وإن كان بعده استقرّ عليه المهر المسمّى . وكذا الحال فيما إذا فسخت المرأة بعيب الرجل ، فتستحقّ تمام المهر إن كان بعده ، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العنن ، فإنّها تستحقّ عليه نصف المهر المسمّى .
(مسألة 10) : لو دلّست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة للخيار ، وتبيّن له بعد الدخول ، فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر ، وإن اختار الفسخ لم تستحقّ المهر ، وإن دفعه إليها استعاده . وإن كان المدلّس غير الزوجة ، فالمهر المسمّى وإن استقرّ على الزوج بالدخول واستحقّت عليه الزوجة ، إلاّ أ نّه بعد ما دفعه إليها يرجع به إلى المدلّس ويأخذه منه .
(مسألة 11) : يتحقّق التدليس بتوصيف المرأة بالصحّة عند الزوج للتزويج ؛ بحيث صار ذلك سبباً لغروره وانخداعه ، فلا يتحقّق بالإخبار لا للتزويج أو لغير الزوج ، والظاهر تحقّقه أيضاً بالسكوت عن العيب مع العلم به وخفائه عن الزوج واعتقاده بالعدم .
(مسألة 12) : من يكون تدليسه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج ؛ من وليّها الشرعي أو العرفي ، كأبيها وجدّها واُمّها وأخيها الكبير وعمّها وخالها ؛ ممّن لا تصدر إلاّ عن رأيهم ويتصدّون تزويجها ، ويرجع إليهم فيه في العرف والعادة . ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممّن له شدّة علاقة وارتباط بها بحيث لا تصدر إلاّ عن رأيه ، ويكون هو المرجع في اُمورها المهمّة ويركن إليه فيما يتعلّق بها . بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر من يراود عند الطرفين ويعالج في إيجاد وسائل الائتلاف في البين .
(مسألة 13) : كما يتحقّق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون
ص: 317
والعمى وغيرهما ، كذلك يتحقّق في مطلق النقص كالعور ونحوه بإخفائه . وكذا في صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيفها بها مع فقدانها . ولا أثر للأوّل - أي التدليس في العيوب الموجبة للخيار - إلاّ رجوع الزوج على المدلّس بالمهر كما مرّ . وأمّا الخيار فإنّما هو بسبب نفس وجود العيب . وأمّا الثاني - وهو التدليس في سائر أنواع النقص ، وفي صفة الكمال - فهو موجب للخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد بنحو الاشتراط . ويلحق به توصيفها به في العقد وإن لم يكن بعبارة الاشتراط ، كما إذا قال : «زوّجتك هذه الباكرة أو غير الثيّبة» ، بل الظاهر أ نّه إذا وصفها بصفة الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثمّ أوقعه مبنيّاً على ما ذكر ، كان بمنزلة الاشتراط ، فيوجب الخيار ، وإذا تبيّن ذلك بعد العقد والدخول واختار الفسخ ودفع المهر ، رجع به على المدلّس .
(مسألة 14) : ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليّها عن النقص مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة للخيار ، وأولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها .
(مسألة 15) : لو تزوّج امرأة على أ نّها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة فوجدها ثيّباً ، لم يكن له الفسخ ، إلاّ إذا ثبت بالإقرار أو البيّنة سبق ذلك على العقد ، فكان له الفسخ . نعم ، لو تزوّجها باعتقاد البكارة ، ولم يكن اشتراط ولا توصيف وإخبار وبناء على ثبوتها فبان خلافها ، ليس له الفسخ وإن ثبت زوالها قبل العقد .
(مسألة 16) : لو فسخ في الفرض المتقدّم حيث كان له الفسخ ، فإن كان قبل
ص: 318
الدخول فلا مهر ، وإن كان بعده استقرّ المهر ورجع به على المدلّس ، وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئاً . وإن لم يكن تدليس استقرّ عليه المهر ولا رجوع له على أحد . وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ - كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط وتوصيف وبناء - كان له أن ينقص من مهرها شيئاً ، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيّباً ، فإذا كان المهر المسمّى مائة وكان مهر مثلها بكراً ثمانين وثيّباً ستّين ينقص من المائة ربعها ، والأحوط في صورة العلم بتجدّد زوالها أو احتماله التصالح ؛ وإن كان التنقيص بما ذكر لا يخلو من وجه .
ويقال له : الصداق .
(مسألة 1) : كلّ ما يملكه المسلم يصحّ جعله مهراً ؛ عيناً كان أو ديناً أو منفعة لعين مملوكة ؛ من دار أو عقار أو حيوان . ويصحّ جعله من منفعة الحرّ كتعليم صنعة ونحوه من كلّ عمل محلّل ، بل الظاهر صحّة جعله حقّاً مالياً قابلاً للنقل والانتقال كحقّ التحجير ونحوه . ولا يتقدّر بقدر ، بل ما تراضى عليه الزوجان كثيراً كان أو قليلاً ؛ ما لم يخرج بسبب القلّة عن المالية . نعم ، يستحبّ في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنّة ، وهو خمسمائة درهم .
(مسألة 2) : لو جعل المهر ما لا يملكه المسلم - كالخمر والخنزير - صحّ العقد وبطل المهر ، فلم تملك شيئاً بالعقد ، وإنّما تستحقّ مهر المثل بالدخول . نعم ، فيما إذا كان الزوج غير مسلم تفصيل .
(مسألة 3) : لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام ، فلو أمهرها أحد
ص: 319
هذين أو خياطة أحد الثوبين - مثلاً - بطل المهر دون العقد ، وكان لها مع الدخول
مهر المثل . نعم ، لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه من المعاوضات ، فيكفي مشاهدة الحاضر وإن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه ، كصبرة من الطعام ، وقطعة من الذهب ، وطاقة مشاهدة من الثوب ، وصبرة حاضرة من الجوز ، وأمثال ذلك .
(مسألة 4) : ذكر المهر ليس شرطاً في صحّة العقد الدائم ، فلو عقد عليها ولم يذكر لها مهراً أصلاً صحّ العقد ، بل لو صرّح بعدم المهر صحّ ، ويقال لذلك ؛ أي لإيقاع العقد بلا مهر : تفويض البضع ، وللمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر : مفوّضة البضع .
(مسألة 5) : لو وقع العقد بلا مهر لم تستحقّ المرأة قبل الدخول شيئاً إلاّ إذا طلّقها ، فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى والفقر واليَسار والإعسار من دينار أو درهم أو ثوب أو دابّة أو غيرها ، ويقال لذلك الشيء : المتعة . ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق لم تستحقّ شيئاً ، وكذا لو مات أحدهما قبله . وأمّا لو دخل بها استحقّت عليه بسببه مهر أمثالها .
(مسألة 6) : الأحوط في مهر المثل هنا التصالح فيما زاد عن مهر السنّة ، وفي غير المورد ممّا نحكم بمهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها ؛ من السنّ والبكارة والنجابة والعفّة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال وأضدادها ، بل يلاحظ كلّ ما له دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه ، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها وغير ذلك أيضاً .
(مسألة 7) : لو أمهر ما لا يملكه أحد كالحرّ ، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر
ص: 320
والخنزير ، صحّ العقد وبطل المهر ، واستحقّت عليه مهر المثل بالدخول . وكذلك الحال فيما إذا جعل المهر شيئاً باعتقاد كونه خلاًّ فبان خمراً ، أو جعل مال الغير باعتقاد كونه ماله فبان خلافه .
(مسألة 8) : لو شرّك أباها في المهر - بأن سمّى لها مهراً ولأبيها شيئاً معيّناً - تعيّن ما سمّى لها مهراً لها ، وسقط ما سمّى لأبيها ، فلا يستحقّ الأب شيئاً .
(مسألة 9) : ما تعارف في بعض البلاد من أ نّه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها واُمّها من الزوج شيئاً - وهو المسمّى في لسان بعض ب- «شيربها» ، وفي لسان بعض آخر بشيء آخر - ليس بعنوان المهر وجزء منه ، بل هو شيء يؤخذ زائداً على المهر . وحكمه : أ نّه إن كان إعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة لعمل مباح ، فلا إشكال في جوازه وحلّيته ، بل وفي استحقاق العامل له وعدم سلطنة الزوج على استرجاعه بعد إعطائه . وإن لم يكن بعنوان الجعالة فإن كان إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه ؛ وإن كان لأجل جلب خاطره وتحبيبه وإرضائه ؛ حيث إنّ رضاه في نفسه مقصود أو من جهة أنّ رضا البنت منوط برضاه ، فبملاحظة هذه الجهات يطيب خاطر الزوج ببذل المال ، فالظاهر جواز أخذه ، لكن يجوز للزوج استرجاعه ما دام موجوداً . وأمّا مع عدم الرضا من الزوج ، وإنّما أعطاه من جهة استخلاص البنت ؛ حيث إنّ القريب مانع عن تمشية الأمر ، مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فيحرم أخذه وأكله ، ويجوز للزوج الرجوع فيه وإن كان تالفاً .
(مسألة 10) : لو وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعده على شيء ؛ سواء كان بقدر مهر المثل أو أقلّ منه أو أكثر ، ويتعيّن ذلك مهراً ، وكان كالمذكور في العقد .
ص: 321
(مسألة 11) : يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاًّ - أي بلا أجل - ومؤجّلاً ، وأن يجعل بعضه حالاًّ وبعضه مؤجّلاً ، وللزوجة مطالبة الحالّ في كلّ حال بشرط مقدرة الزوج واليسار ، بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتّى تقبض مهرها الحالّ ؛ سواء كان الزوج موسراً أو مُعسراً . نعم ، ليس لها الامتناع فيما لو كان كلّه أو بعضه مؤجّلاً وقد أخذت بعضه الحالّ .
(مسألة 12) : يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ، ويفوّض تقديره وتعيينه إلى أحد الزوجين ؛ بأن تقول الزوجة مثلاً : «زوّجتُك على ما تحكم أو أحكم من المهر» فقال : «قبلت» ، فإن كان الحاكم الزوج جاز أن يحكم بما شاء ولم يتقدّر في الكثرة والقلّة ما دام متموّلاً ، وإن كان الزوجة كان لها الحكم في طرف القلّة بما شاءت ما دام متموّلاً ، وأمّا في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها فيما زاد على مهر السنّة ، وهو خمسمائة درهم .
(مسألة 13) : لو طلّق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمّى وبقي نصفه ، فإن كان ديناً عليه ولم يكن قد دفعه برئت ذمّته من النصف ، وإن كان عيناً صارت مشتركة بينه وبينها . ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقياً ، وإن كان تالفاً استعاد نصف مثله إن كان مثلياً ، ونصف قيمته إن كان قيمياً . وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم . ومع النقل الجائز فالأحوط الرجوع ودفع نصف العين إن طالبها الزوج .
(مسألة 14) : لو مات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى تنصيف المهر كالطلاق ، خصوصاً في موت المرأة ، والأحوط الأولى التصالح ، خصوصاً في موت الرجل .
ص: 322
(مسألة 15) : تملك المرأة الصداق بنفس العقد وتستقرّ ملكية تمامه بالدخول ، فإن طلّقها قبله عاد إليه النصف وبقي لها النصف ، فلها التصرّف فيه بعد العقد بأنواعه ، وبعد ما طلّقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد ، ولا يستحقّ من النماء السابق المنفصل شيئاً .
(مسألة 16) : لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، رجع بنصفه عليها ، وكذا لو كان الصداق عيناً فوهبته إيّاها ، رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها .
(مسألة 17) : الدخول الذي يستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوط ء ولو دبراً . وإذا اختلف الزوجان بعد ما طلّقها ، فادّعت وقوع المواقعة وأنكرها ، فالقول قوله بيمينه ، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن أمكن ، كما إذا ادّعت المواقعة قبلاً وكانت بكراً وعنده بيّنة على بقاء بكارتها .
(مسألة 18) : لو اختلفا في أصل المهر فادّعت الزوجة وأنكر الزوج ، فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه ، وإن كان بعده كلّفت بالتعيين . بل لا يبعد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسّر ، ولا يسمع منها مجرّد قولها : لي عليه المهر ، ما لم تبيّن المقدار ، فإن فسّرت وعيّنت بما لا يزيد على مهر المثل حكم لها عليه بما تدّعيه ، ولا يسمع منه إنكار أصل المهر . نعم ، لو ادّعى سقوطه إمّا بالأداء أو
الإبراء يسمع منه ، فإن أقام البيّنة عليه ثبت مدّعاه ، وإلاّ فله عليها اليمين ، فإن حلفت على نفي الأداء أو الإبراء ثبتت دعواها ، وإن ردّته على الزوج فحلف سقط دعواها ، وإن نكل تثبت ، وإن نكلت ردّه الحاكم على الزوج ، فإن حلف تسقط دعواها ، وإن نكل تثبت . هذا إذا كان ما تدّعيه بمقدار مهر المثل أو أقلّ ،
ص: 323
وإن كان أكثر كان عليها الإثبات ، وإلاّ فلها على الزوج اليمين .
(مسألة 19) : لو توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره ، كان القول قول الزوج بيمينه ، إلاّ إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشرعية ، وكذا إذا ادّعت كون عين من الأعيان - كدار أو بستان - مهراً لها وأنكر الزوج ، فإنّ القول قوله بيمينه ، وعليها البيّنة .
(مسألة 20) : لو اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت : إنّه معجّل ، وقال : بل مؤجّل ، ولم يكن بيّنة كان القول قولها بيمينها . وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل ، كما إذا ادّعت أ نّه سنة ، وقال : إنّه سنتان .
(مسألة 21) : لو توافقا على المهر ، وادّعى تسليمه ولا بيّنة ، فالقول قولها بيمينها .
(مسألة 22) : لو دفع إليها قدر مهرها ثمّ اختلفا بعد ذلك ، فقالت : «دفعته هبة» وقال : «بل دفعته صداقاً» فلا يبعد التداعي ، وتحتاج المسألة إلى زيادة تأمّل .
(مسألة 23) : لو زوّج ولده الصغير ، فإن كان للولد مال فالمهر على الولد ، وإن لم يكن له مال فالمهر على عهدة الوالد ، فلو مات الوالد اُخرج المهر من أصل تركته ؛ سواء بلغ الولد وأيسر أم لا . نعم ، لو تبرّأ من ضمان العهدة في ضمن العقد برئ منه .
(مسألة 24) : لو دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة إعسار الولد ، ثمّ بلغ الصبيّ فطلّق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر ، وكان له دون الوالد .
ص: 324
(مسألة 1) : يجوز أن يشترط في ضمن عقد النكاح كلّ شرط سائغ ، ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود ، لكن تخلّفه أو تعذّره لا يوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود . نعم ، لو كان الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين - مثل كون الزوجة باكرة أو كون الزوج مؤمناً غير مخالف - فتبيّن خلافه ، أوجب الخيار كما مرّت الإشارة إليه .
(مسألة 2) : إذا شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع ، مثل أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت ، وإلى أين شاءت ، أو لا يعطي حقّ ضرّتها من المضاجعة ونحوها ، وكذا لو شرط أن لا يتزوّج عليها ، أو لا يتسرّى ، بطل الشرط وصحّ العقد والمهر وإن قلنا بأنّ الشرط الفاسد يفسد العقد .
(مسألة 3) : لو شرط أن لا يفتضّها لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز من غير فرق بين النكاح الدائم والمنقطع .
(مسألة 4) : لو شرط أن لا يخرجها من بلدها ، أو أن يسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص ، يلزم الشرط .
لكلّ واحد من الزوجين حقّ على صاحبه يجب عليه القيام به وإن كان حقّ الزوج أعظم . ومن حقّه عليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه
ص: 325
ولو إلى أهلها حتّى لعيادة والدها أو في عزائه ، بل ورد : أن ليس لها أمر مع زوجها في صدقة ولا هبة ولا نذر في مالها إلاّ بإذنه ، إلاّ في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها ، وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى محلّه . وأمّا حقّها عليه فهو أن يُشبعها ويكسوها ، وأن يغفر لها إذا جهلت ، ولا يقبّح لها وجهاً ، كما ورد في الأخبار ، والتفصيل موكول إلى محلّه .
(مسألة 1) : من كانت له زوجة واحدة ، ليس لها عليه حقّ المبيت عندها والمضاجعة معها في كلّ ليلة ، بل ولا في كلّ أربع ليالٍ ليلة على الأقوى ، بل القدر اللازم أن لا يهجرها ولا يذرها كالمعلّقة ؛ لا هي ذات بعل ولا مطلّقة . نعم ، لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة كما مرّ . وإن كانت عنده أكثر من واحدة فإن بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً ، فإن كنّ أربعاً وبات عند إحداهنّ طاف على غيرها لكلّ منهنّ ليلة ، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض ، وإن لم تكن أربعاً يجوز له تفضيل بعضهنّ ، فإن تك عنده مرأتان يجوز له أن يأتي إحداهما ثلاث ليال والاُخرى ليلة ، وإن تك ثلاثاً فله أن يأتي إحداهنّ ليلتين والليلتان الاُخريان للاُخريين . والمشهور : أ نّه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها في كلّ أربع ليال ليلة وله ثلاث ليال . وإن كانت عنده زوجات متعدّدة يجب عليه القسم بينهنّ في كلّ أربع ليال ، فإن كانت عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة ، فإذا تمّ الدور يجب عليه الابتداء بإحداهنّ وإتمام الدور وهكذا ، فليس له ليلة ، بل جميع لياليه لزوجاته . وإن كانت له زوجتان فلهما ليلتان في كلّ أربع وليلتان له ، وإن كانت ثلاث فلهنّ ثلاث والفاضل له ، والعمل به أحوط ،
ص: 326
خصوصاً في أكثر من واحدة ، والأقوى ما تقدّم ، خصوصاً في الواحدة .
(مسألة 2) : يختصّ وجوب المبيت والمضاجعة فيما قلنا به بالدائمة ، فليس للمتمتّع بها هذا الحقّ ؛ واحدة كانت أو متعدّدة .
(مسألة 3) : في كلّ ليلة كان للمرأة حقّ المبيت ، يجوز لها أن ترفع اليد عنه وتهبه للزوج ليصرف ليله فيما يشاء ، وأن تهبه للضرّة فيصير الحقّ لها .
(مسألة 4) : تختصّ البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث ، يجوز تفضيلهما بذلك على غيرهما ، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة .
(مسألة 5) : لا قسمة للصغيرة ، ولا للمجنونة المطبقة ، ولا لذات الأدوار حين دور جنونها ، ولا للناشزة . وتسقط القسمة وحقّ المضاجعة بالسفر ، وليس عليه القضاء .
(مسألة 6) : لو شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأيّ منهنّ ، وبعد ذلك بأيّ من البقيّة وهكذا ؛ وإن كان الأحوط الأولى التعيين بالقرعة ، سيّما ما عدا الاُولى .
(مسألة 7) : يستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات وإطلاق الوجه والمواقعة ، وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ، وأن يأذن لها في حضور موت أبيها واُمّها ؛ وإن كان له منعها عنه وعن عيادتهما ، فضلاً عن عيادة غيرهما ، وعن الخروج من منزله إلاّ لحقّ واجب .
ص: 327
وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها ؛ من عدم تمكين نفسها ، وعدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتّع والالتذاذ بها ، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها ، وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك . ولا يتحقّق النشوز بترك طاعته فيما ليست بواجبة عليها ، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو غير ذلك ؛ حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقّق النشوز .
(مسألة 1) : لو ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان ؛ بسبب تغيير عادتها معه في القول أو الفعل ؛ بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام ليّن ، أو أن تظهر عبوساً وتقطّباً في وجهه وتثاقلاً ودمدمة بعد أن كانت على خلاف ذلك وغير ذلك يعظها ، فإن لم تسمع يتحقّق النشوز بخروجها عن طاعته فيما يرجع إلى الاستمتاع ، فحينئذٍ جاز له هجرها في المضجع ؛ إمّا بأن يحوّل إليها ظهره في الفراش ، أو يعتزل عن فراشها ، فإذا هجرها ولم ترجع وأصرّت عليه جاز له ضربها ، ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها ، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلاّ تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثّراً في اسوداد بدنها أو احمراره ، واللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفّي والانتقام ، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم .
(مسألة 2) : كما يكون النشوز من قبل الزوجة يكون من طرف الزوج
ص: 328
أيضاً بتعدّيه عليها ، وعدم القيام بحقوقها الواجبة ، فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوهما ، فلها المطالبة بها ووعظها إيّاه ، فإن لم يؤثّر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها ، وليس لها هجره ولا ضربه ، وإذا اطّلع الحاكم على نشوزه وتعدّيه ، نهاه عن فعل ما يحرم عليه ، وأمره بفعل ما يجب ، فإن نفع وإلاّ عزّره بما يراه ، وله أيضاً الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقّف عليه .
(مسألة 3) : لو ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة ، أو همّ بطلاقها لكراهته لها لكبر سنّها أو غيره ، أو همّ بالتزويج عليها ، فبذلت له مالاً ، أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له ، صحّ وحلّ له ذلك ، وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة ، أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك ، فبذلت مالاً أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها ، أو ليمسك عن أذيّتها ، أو ليخلعها فتخلّص من يده ، حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى .
(مسألة 4) : لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما ، وانجرّ أمرهما إلى الحاكم ، بعث حكمين : حكماً من جانبه ، وحكماً من جانبها ؛ للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق . ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلّة لحصول ذلك بينهما ، ثمّ يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ، ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً ، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني ، أو في مسكن مخصوص ، أو عند أبويها ، أو لا يسكن
ص: 329
معها اُمّه أو اُخته ولو في بيت منفرد ، أو لا يسكن معها ضرّتها في دار واحدة ، ونحو ذلك ، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحالّ إلى أجل ، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك ، بخلاف ما إذا كان غير سائغ ، كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة ؛ من قسم أو نفقة ، أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ، ونحو ذلك .
(مسألة 5) : لو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلاّ إذا شرطا عليهما حين بعثهما : بأ نّهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا ، وحيث إنّ التفريق لا يكون إلاّ بالطلاق ، فلا بدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه .
(مسألة 6) : الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين ؛ بأن يكون حكم من أهله ، وحكم من أهلها ، فإن لم يكن لهما أهل ، أو لم يكن أهلهما أهلاً لهذا الأمر ، تعيّن من غيرهم ، ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حكم واحد ، بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد تعيّن .
(مسألة 7) : ينبغي للحكمين إخلاص النيّة وقصد الإصلاح ، فمن حسنت نيّته فيما تحرّاه أصلح اللّه مسعاه ، كما يرشد إلى ذلك قوله جلّ شأنه في هذا المقام : (إِنْ يُرِيدَا إصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّه ُ بَيْنَهُمَا) .
(مسألة 1) : إنّما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها بشروط : الدخول مع الإنزال ، أو الإنزال في الفرج وحواليه ، أو دخول منيّه فيه بأيّ نحو كان ، وفي الدخول بلا إنزال إشكال ، ومضيّ ستّة أشهر أو أكثر من حين الوط ء إلى زمن الولادة ، وأن
ص: 330
لا تتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ، وفي كونه تسعة أشهر إشكال ، بل الأرجح بالنظر أن يكون الأقصى سنة . فلو لم يدخل بها أصلاً ، ولم ينزل في فرجها ، أو حواليه بحيث يحتمل الجذب ، ولم يدخل المنيّ فيه بنحو من الأنحاء ، لم يلحق به قطعاً ، بل يجب نفيه عنه . وكذا لو دخل بها وأنزل ، وجاءت بولد حيّ كامل لأقلّ من ستّة أشهر من حين الدخول ونحوه ، أو جاءت به وقد مضى من حين وطئه ونحوه أزيد من أقصى الحمل ، كما إذا اعتزلها أو غاب عنها أزيد منه وولدت بعده .
(مسألة 2) : إذا تحقّقت الشروط المتقدّمة لحق الولد به ، ولا يجوز له نفيه وإن وطئها واطئ فجوراً ، فضلاً عمّا لو اتّهمها به ، ولا ينتفي عنه لو نفاه إن كان العقد دائماً إلاّ باللعان ، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعاً ، وجاءت بولد أمكن إلحاقه به ، فإنّه وإن لم يجز له نفيه ، لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهراً من غير لعان ، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب .
(مسألة 3) : لا يجوز نفي الولد لأجل العزل ، فلو نفاه لم ينتف إلاّ باللعان .
(مسألة 4) : الموطوءة بشبهة ، كما إذا وطئ أجنبيّة بظنّ أ نّها زوجته ، يلحق ولدها بالواطئ بشرط أن تكون ولادته لستّة أشهر من حين الوط ء أو أكثر ، وأن لا يتجاوز عن أقصى الحمل ، وبشرط أن لا تكون تحت زوج مع إمكان التولّد منه بشروطه .
(مسألة 5) : لو اختلفا في الدخول الموجب لإلحاق الولد وعدمه ، فادّعته المرأة ليلحق الولد به وأنكره ، أو اختلفا في ولادته ، فنفاها الزوج وادّعى أ نّها
ص: 331
أتت به من خارج ، فالقول قوله بيمينه . ولو اتّفقا في الدخول والولادة واختلفا في المدّة ، فادّعى ولادتها لدون ستّة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل ، وادّعت خلافه فالقول قولها بيمينها ، ويلحق الولد به ، ولا ينتفي عنه إلاّ باللعان .
(مسألة 6) : لو طلّق زوجته المدخول بها ، فاعتدّت وتزوّجت ، ثمّ أتت بولد ، فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأوّل ، كما إذا ولدته لدون ستّة أشهر من وط ء الثاني ، ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وط ء الأوّل ، فهو للأوّل ، وتبيّن بطلان نكاح الثاني ؛ لتبيّن وقوعه في العدّة ، وحرمت عليه مؤبّداً لوطئه إيّاها . وإن انعكس الأمر ؛ بأن أمكن لحوقه بالثاني دون الأوّل لحق بالثاني ؛ بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وط ء الأوّل ، ولأقلّ الحمل إلى الأقصى من وط ء الثاني . وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما ؛ بأن ولدته لأزيد من أقصى الحمل من وط ء الأوّل ، ولدون ستّة أشهر من وط ء الثاني ، انتفى منهما ، وإن أمكن إلحاقه بهما فهو للثاني .
(مسألة 7) : لو طلّقها ثمّ بعد ذلك وطئت بشبهة ثمّ أتت بولد ، فهو كالتزويج بعد العدّة ، فيجيء فيه الصور الأربعة المتقدّمة حتّى الصورة الأخيرة ، وهي ما إذا أمكن اللحوق بكلّ منهما ، فإنّه يلحق بالأخير هنا أيضاً .
(مسألة 8) : لو كانت تحت زوج فوطئها شخص آخر بشبهة فأتت بولد ، فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به ، وإن لم يمكن اللحوق بهما انتفى عنهما ، وإن أمكن لحوقه بكلّ منهما اُقرع بينهما .
ص: 332
للولادة والمولود سنن وآداب - بعضها واجبة ، وبعضها مندوبة - نذكر مهمّاتها .
(مسألة 1) : يجب استقلال النساء في شؤون المرأة حين وضعها ، دون الرجال إذا استلزم اطّلاعهم على ما يحرم عليهم ، إلاّ مع عدم النساء ، ومسّت الضرورة بذلك . نعم ، لا بأس بالزوج وإن وجدت النساء .
(مسألة 2) : يستحبّ غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر ، والأذان في اُذنه اليُمنى والإقامة في اليُسرى ، وتحنيكه بماء الفرات وتربة سيّد الشهداء علیه السلام ، وتسميته بالأسماء المستحسنة ، فإنّ ذلك من حقّ الولد على الوالد ، وأفضلها ما يتضمّن العبودية للّه - جلّ شأنه - كعبداللّه وعبدالرحيم وعبدالرحمان ونحوها ، ويليها أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام ، وأفضلها محمّد ، بل يكره ترك التسمية به إن ولد له أربعة أولاد ، ويكره أن يكنيه أبا القاسم إن كان اسمه محمّد ، ويستحبّ أن يحلق رأس الولد يوم السابع ، ويتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة ، ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع .
(مسألة 3) : تستحبّ الوليمة عند الولادة ، وهي إحدى الخمس التي سُنّ فيها الوليمة ، كما أنّ إحداها عند الختان ، ولا يعتبر إيقاع الاُولى يوم الولادة ، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيّام قلائل ، والظاهر أ نّه إن ختن في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدّى السنّتان .
(مسألة 4) : يجب ختان الذكور ، ويستحبّ إيقاعه في اليوم السابع ، ويجوز
ص: 333
التأخير عنه ، وإن تأخّر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه ؛ حتّى أنّ الكافر إذا أسلم غير مختون يجب عليه الختان وإن طعن في السنّ ولا يجب على الوليّ أن يختن الصبيّ إلى زمان بلوغه ، فإن بلغ بلا ختان يجب على نفسه وإن كان الأحوط أن يختنه .
(مسألة 5) : الختان واجب لنفسه ، وشرط لصحّة طوافه في حجّ أو عمرة واجبين أو مندوبين ، وليس شرطاً في صحّة الصلاة على الأقوى ، فضلاً عن سائر العبادات .
(مسألة 6) : الأحوط في الختان قطع الغلاف بحيث يظهر تمام الحشفة ، كما هو المتعارف ، بل لا يخلو من قوّة .
(مسألة 7) : لا بأس بكون الختّان كافراً حربياً أو ذمّياً ، فلا يعتبر فيه الإسلام .
(مسألة 8) : لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان وإن استحبّ إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة .
(مسألة 9) : من المستحبّات الأكيدة العقيقة للذكر والاُنثى ، ويستحبّ أن يعقّ عن الذكر ذكراً وعن الاُنثى اُنثى ، وأن تكون يوم السابع ، وإن تأخّرت عنه لعذر أو لغير عذر لم تسقط ، بل لو لم يعقّ عنه حتّى بلغ عقّ عن نفسه ، بل لو لم يعقّ عن نفسه حال حياته يستحبّ أن يعقّ عنه بعد موته ، ولا بدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم - ضأناً كان أو معزاً - والبقر والإبل ، ولا يجزي عنها التصدّق
بثمنها . قيل : يستحبّ أن تجتمع فيها شروط الاُضحية ؛ من كونها سليمة من العيوب ، لا يكون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل ، وأقلّ من سنتين
ص: 334
في البقر ، وأقلّ من سنة كاملة في المعز ، وأقلّ من سبعة شهور في الضأن . وهو لا يخلو من إشكال ، كما أنّ تعيين السنين بما ذكر لا يخلو بعضها من إشكال ، والأمر سهل . ويستحبّ أن تخصّ القابلة بالرجل والورك ، والأفضل أن يخصّها بالربع ، وإن جمع بين الربع والرجل والورك ؛ بأن أعطاها الربع الذي هما فيه لا يبعد أن يكون عاملاً بالاستحبابين ، ولو لم تكن قابلة اُعطي الاُمّ تتصدّق به .
(مسألة 10) : يتخيّر في العقيقة بين أن يفرّقها لحماً أو مطبوخاً ، أو تطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين ، ولا أقلّ من عشرة ، وإن زاد فهو أفضل ، ويأكلون منها ويدعون للولد ، ولا بأس بطبخها على ما هو المتعارف ، وقد يقال : الأفضل طبخها بماء وملح ، وهو غير معلوم .
(مسألة 11) : لا يجب على الاُمّ إرضاع ولدها - لا مجّاناً ولا بالاُجرة - مع عدم الانحصار بها ، بل ومع الانحصار لو أمكن حفظ الولد بلبن ونحوه مع الأمن من الضرر عليه . كما أ نّه لا يجب عليها إرضاعه مجّاناً وإن انحصر بها ، بل لها المطالبة باُجرة الإرضاع من مال الولد إن كان له مال ، ومن أبيه إن لم يكن له مال وكان الأب موسراً . نعم ، لو لم يكن للولد مال ، ولم يكن الأب والجدّ وإن علا موسرين ، تعيّن على الاُمّ إرضاعه مجّاناً ؛ إمّا بنفسها أو باستئجار مرضعة اُخرى ، أو بغيره من طرق الحفظ إن لم يكن مضرّاً له ، وتكون الاُجرة أو النفقة عليها .
(مسألة 12) : الاُمّ أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرّعة ، أو تطلب ما تطلب غيرها أو أنقص ، وأمّا لو طلبت زيادة ، أو اُجرة ووجدت متبرّعة ، فللأب تسليمه إلى غيرها . والأحوط عدم سقوط حقّ الحضانة الثابت للاُمّ
ص: 335
أيضاً ؛ لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة .
(مسألة 13) : لو ادّعى الأب وجود متبرّعة وأنكرت الاُمّ ، ولم تكن البيّنة على وجودها ، فالقول قولها بيمينها .
(مسألة 14) : يستحبّ أن يكون رضاع الصبيّ بلبن اُمّه ، فإنّه أبرك من غيره ، إلاّ إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها ؛ من حيث شرافتها وطيب لبنها وخباثة الاُمّ .
(مسألة 15) : كمال الرضاع حولان كاملان أربعة وعشرون شهراً ، ويجوز أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور ؛ بأن يفطم على أحد وعشرين شهراً ، ولا يجوز أن ينقص عن ذلك مع الإمكان ومن غير ضرورة .
(مسألة 16) : الاُمّ أحقّ بحضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه مدّة الرضاع - أي الحولين - إذا كانت حرّة مسلمة عاقلة ؛ ذكراً كان أو اُنثى ؛ سواء أرضعته هي بنفسها أو بغيرها ، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدّة منها وإن فطمته على الأحوط ، فإذا انقضت مدّة الرضاع فالأب أحقّ بالذكر والاُمّ بالاُنثى حتّى تبلغ سبع سنين من عمرها ثمّ يكون الأب أحقّ بها ، وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّها ما لم تتزوّج بالغير ، فلو تزوّجت سقط حقّها عن الذكر والاُنثى ، وكانت الحضانة للأب ، ولو فارقها الثاني لا يبعد عود حقّها ، والأحوط التصالح والتسالم .
(مسألة 17) : لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله ، كانت الاُمّ أحقّ بحضانة الولد وإن كانت مزوّجة - ذكراً كان أو اُنثى - من وصيّ أبيه ، وكذا من باقي أقاربه حتّى أبي أبيه واُمّه ، فضلاً عن غيرهما ، كما أ نّه لو ماتت الاُمّ في زمن
ص: 336
حضانتها فالأب أحقّ بها من غيره . وإن فُقد الأبوان فهي لأب الأب ، وإذا عدم ولم يكن وصيّ له ولا للأب ، فلأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث ؛ الأقرب منهم يمنع الأبعد ، ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاحّ اُقرع بينهم . وإذا وجد وصيّ لأحدهما ، ففي كون الأمر كذلك أو كونها للوصيّ ثمّ إلى الأقارب ، وجهان ، لا يترك الاحتياط بالتصالح والتسالم .
(مسألة 18) : تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً ، فإذا بلغ رشيداً ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتّى الأبوين ، بل هو مالك لنفسه ذكراً كان أو اُنثى .
إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك .
(مسألة 1) : إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة ، فلا نفقة للمنقطعة ، وأن تكون مطيعة له فيما يجب إطاعتها له ، فلا نفقة للناشزة ، ولا فرق بين المسلمة والذمّية .
(مسألة 2) : لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتّى تظهرها وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليها .
(مسألة 3) : لو ارتدّت سقطت النفقة ، وإن عادت في العدّة عادت .
(مسألة 4) : الظاهر أ نّه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها . نعم ، لو كانت الزوجة مراهقة والزوج مراهقاً أو كبيراً ، أو كان الزوج مراهقاً والزوجة كبيرة ،
ص: 337
لم يبعد استحقاقها لها مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها .
(مسألة 5) : لا تسقط نفقتها بعدم تمكينه من نفسها لعذر شرعي أو عقلي ؛ من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك . وكذا لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج ؛ سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح ، وكذا لو سافرت في واجب مضيّق كالحجّ الواجب بغير إذنه ، بل ولو مع منعه ونهيه . بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح ، فإنّه تسقط نفقتها ، بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر ، فضلاً عمّا كان له ؛ لتحقّق النشوز المسقط لها .
(مسألة 6) : تثبت النفقة والسكنى لذات العدّة الرجعية ما دامت في العدّة كما تثبت للزوجة من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً ، ولو كانت ناشزة وطلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها كالزوجة الناشزة ، وإن رجعت إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب ، وأمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسكناها ؛ سواء كانت عن طلاق أو فسخ ، إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً ، فإنّها تستحقّهما حتّى تضع حملها . ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى .
(مسألة 7) : لو ادّعت المطلّقة بائناً أ نّها حامل مستندة إلى وجود الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النسوان ، فتصديقها بمجرّد دعواها محلّ إشكال . نعم ، لا يبعد قبول قول الثقة الخبيرة من القوابل قبل ظهور الحمل ؛
ص: 338
من غير احتياج إلى شهادة أربع منهنّ أو اثنين من الرجال المحارم . فحينئذٍ اُنفق عليها يوماً فيوماً إلى أن يتبيّن الحال ، فإن تبيّن الحمل وإلاّ استعيدت منها ما صرف عليها . وفي جواز مطالبتها بكفيل قبل تبيّن الحال وجهان ، بل قولان ، أرجحهما الثاني إن قلنا بوجوب تصديقها ، وكذلك مع عدمه وإخبار الثقة من أهل الخبرة .
(مسألة 8) : لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة ؛ من طعام وإدام ، وكسوة وفراش وغطاء ، وإسكان وإخدام ، وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك .
فأمّا الطعام فكمّيته بمقدار ما يكفيها لشبعها ، وفي جنسه يُرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها ، والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحيث تتضرّر بتركه .
وأمّا الإدام فقدراً وجنساً كالطعام ؛ يراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها ، وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها ؛ حتّى لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم - مثلاً - وجب ، وكذا لو اعتادت بشيء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه . بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام ، كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها ، وأولى بذلك المقدار اللازم من الفواكه الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارّة ، بل وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها .
وكذلك الحال في الكسوة ، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها ، وبلد سكناها ، والفصول التي تحتاج إليها شتاءً وصيفاً ؛ ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك ، بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها
ص: 339
زيادة على ثياب البدن ثياب على حسب أمثالها .
وهكذا الفراش والغطاء ، فإنّ لها ما يفرشها على الأرض وما تحتاج إليها للنوم ؛ من لحاف ومخدّة وما تنام عليها ، ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذُكر في غيرها . وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها داراً تليق بها بحسب عادة أمثالها ، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها ، ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج - ضرّة أو غيرها - من دار أو حجرة منفردة المرافق ؛ إمّا بعارية أو إجارة أو ملك . ولو كانت من أهل البادية ، كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها .
وأمّا الإخدام فإنّما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الإخدام ، وإلاّ خدمت نفسها . وإذا وجبت الخدمة ، فإن كانت من ذوات الحشمة ؛ بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص ، لا بدّ من اختصاصها به ، ولو بلغت حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدّد الخادم فلا يبعد وجوبه .
والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات ، وكذا في الآلات والأدوات المحتاج إليها ، فهي أيضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن فيها .
(مسألة 9) : الظاهر أ نّه من الإنفاق الذي تستحقّه الزوجة اُجرة الحمّام عند الحاجة ؛ سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها ممّا لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت ، أو يتعذّر أو يتعسّر ذلك لها لبرد أو غيره . ومنه أيضاً الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها ، وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها ؛ بسبب الأمراض والآلام التي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام . نعم ، الظاهر أ نّه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات
ص: 340
الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق ، خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير . وهل يكون منه اُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما ؟ فيه تأمّل وإشكال .
(مسألة 10) : تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام والإدام وغيرهما ممّا يصرف ولا يبقى عينه في صبيحته ملكاً متزلزلاً مراعىً بحصول تمام التمكين منها ، وإلاّ فبمقداره وتستردّ البقيّة ، فلها أن تطالبه بها عنده ، فلو منعها مع التمكين وانقضى اليوم استقرّت في ذمّته وصارت ديناً عليه . وكذا يشترط ذلك في الاستقرار مع انقضاء أيّام ، فيستقرّ بمقدار التمكين على ذمّته نفقة تلك المدّة ؛ سواء طالبته بها أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء كان موسراً أو معسراً ، ومع الإعسار ينظر إلى اليسار ، وليس لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية .
(مسألة 11) : لو دفعت إليها نفقة أيّام - كاُسبوع أو شهر مثلاً - وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها - إمّا بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق إليها شخص - كانت ملكاً لها ، وليس للزوج استردادها ، وكذا لو استفضلت منها شيئاً بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكاً لها ، فليس له استردادها . نعم ، لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة - بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً - يوزّع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة .
بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع لها نفقة يوم وعرض أحد تلك العوارض في أثنائه ، فيستردّ الباقي من نفقة اليوم .
(مسألة 12) : كيفية الإنفاق بالطعام والإدام : إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله ، وإمّا بتسليم النفقة لها ، وليس له إلزامها بالنحو
ص: 341
الأوّل ، فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه ، وتطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء ، إلاّ أ نّه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما عليه ، وليس لها أن تطالبه بعده .
(مسألة 13) : ما يدفع إليها للطعام والإدام : إمّا عين المأكول ، كالخبز والتمر والطبيخ واللحم المطبوخ ممّا لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة ومؤونة وكلفة ، وإمّا عين تحتاج إلى ذلك كالحبّ والأرُز والدقيق ونحوها ؛ فإن لم يكن النحوان خلاف المتعارف فالزوج بالخيار بينهما ، وليس للزوجة الامتناع ، ولو اختار النحو الثاني ، واحتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مؤونة كالحطب وغيره ، كان عليه ، وإن كان أحدهما خلاف المتعارف يتّبع ما هو المتعارف .
(مسألة 14) : لو تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمت ، ملكته وسقط ما هو الواجب عليه ، وليس لكلّ منهما إلزام الآخر به .
(مسألة 15) : إنّما تستحقّ في الكسوة أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، ولا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك . ولو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها فكستها ، فخلقت قبل تلك المدّة ، أو سرقت ، وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها ، ولو انقضت المدّة والكسوة باقية على نحو يليق بحالها ليس لها مطالبة كسوة اُخرى . ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تستردّ إذا كانت باقية . وكذا الحال في الفراش والغطاء واللحاف والآلات التي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا تنتفع بها مع بقاء عينها ؛ فإنّها كلّها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة ، فله
ص: 342
استردادها إذا زال استحقاقها إلاّ مع التمليك لها .
(مسألة 16) : لو اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على الاستحقاق ، فإن كان الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه ، فالقول قولها بيمينها ، وعليه البيّنة ، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته ، فالظاهر أنّ القول قول الزوج بيمينه ، وعليها البيّنة .
(مسألة 17) : لو كانت الزوجة حاملاً ووضعت وقد طلّقت رجعياً ، واختلفا في زمان وقوع الطلاق ؛ فادّعى الزوج أ نّه قبل الوضع وقد انقضت عدّتها به فلا نفقة لها ، وادّعت أ نّه بعده ولم تكن بيّنة ، فالقول قولها مع اليمين ، فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة ، لكن يحكم عليه بالبينونة وعدم جواز الرجوع أخذاً بإقراره .
(مسألة 18) : لو طالبته بالإنفاق ، وادّعى الإعسار وعدم الاقتدار ولم تصدّقه ، وادّعت عليه اليسار ، فالقول قوله بيمينه إن لم يكن لها بيّنة ، إلاّ إذا كان مسبوقاً باليسار ، وادّعى تلف أمواله وصيرورته معسراً وأنكرته ، فإنّ القول قولها بيمين ، وعليه البيّنة .
(مسألة 19) : لا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها ، فلها عليه الإنفاق وإن كانت من أغنى الناس .
(مسألة 20) : إن لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبي النفقة ، فهو مقدّم على زوجته ، وهي على أقاربه ، فما فضل من قوته صرفه عليها ، ولا يدفع إلى الأقارب إلاّ ما يفضل عن نفقتها .
ص: 343
(مسألة 1) : يجب على التفصيل الآتي الإنفاق على الأبوين وآبائهما واُمّهاتهما وإن علوا ، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ؛ ذكوراً وإناثاً ، صغيراً أو كبيراً ، مسلماً أو كافراً ، ولا يجب على غير العمودين من الأقارب وإن استحبّ ، خصوصاً الوارث منه .
(مسألة 2) : يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه ؛ بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلاً ، فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلاً وإن كان فقيراً لا يملك قوت سنته وجاز له أخذ الزكاة ونحوها . وأمّا غير الواجد لها فعلاً القادر على تحصيلها ، فإن كان ذلك بغير الاكتساب - كالاقتراض والاستعطاء والسؤال - لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال . وإن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه ، وقد ترك التعلّم وبقي بلا نفقة ، فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه ، وكذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله ، كحمل الأثقال أو لا يناسب شأنه ، فترك التكسّب بذلك ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه . وإن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه ، وتركه طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوبه عليه . نعم ، لو فات عنه زمان الاكتساب ؛ بحيث صار فعلاً محتاجاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها ، وجب وإن كان العجز حصل باختياره . كما أ نّه لو ترك التشاغل به ؛ لا لطلب الراحة ، بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهمّ كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك وجوبه .
(مسألة 3) : لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو
ص: 344
منقطعاً ، فهل تكون بحكم القادر فلا يجب الإنفاق عليها أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني .
(مسألة 4) : يشترط في وجوب النفقة على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة . فلو حصل عنده قدر كفاية نفسه خاصّة اقتصر على نفسه ، ولو فضل منه شيء وكانت له زوجة فلزوجته ، ولو فضل شيء فللأبوين والأولاد .
(مسألة 5) : المراد بنفقة نفسه - المقدّمة على نفقة زوجته - مقدار قوت يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله ، وكلّ ما اضطُرّ إليه من الآلات للطعام والشراب والفراش والغطاء وغيرها ، فإن زاد على ذلك شيء صرفه على زوجته ثمّ على قرابته .
(مسألة 6) : لو زاد على نفقته شيء ولم تكن عنده زوجة ، فإن اضطرّ إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد ، أو مظنّة فساد ديني ، فله أن يصرفه في التزويج وإن لم يبق لقريبه شيء ، وإن لم يكن كذلك فالأحوط صرفه في إنفاق القريب ، بل لا يخلو وجوبه من قوّة .
(مسألة 7) : لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه ، وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيلة مشروعة حتّى الاستعطاء والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب اللائق بحاله ، ولو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بحاله وشأنه ، ولا يجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال . نعم ، لا يبعد وجوب الاقتراض ؛ إذا أمكن من دون مشقّة ، وكان له محلّ الإيفاء فيما بعد ، وكذا الشراء نسيئة بالشرطين المذكورين .
ص: 345
(مسألة 8) : لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان ؛ حسب ما مرّ في نفقة الزوجة .
(مسألة 9) : لا يجب إعفاف من وجبت نفقته - ولداً كان أو والداً - بتزويج أو إعطاء مهر له ؛ وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته عليه وعلى بذل الصداق ، خصوصاً في الأب .
(مسألة 10) : يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ؛ لأ نّهم إخوته ، ودون زوجته . ويجب على الوالد نفقة ولده وأولاده ، دون زوجته .
(مسألة 11) : لا تقضى نفقة الأقارب ، ولا يتداركها لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق ، ولا تستقرّ في ذمّته ، بخلاف الزوجة كما مرّ . نعم ، لو لم ينفق عليه لغيبته ، أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ، ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم ، فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه ، اشتغلت ذمّته به ، ووجب عليه قضاؤه .
(مسألة 12) : لوجوب الإنفاق ترتيب من جهة المنفق ومن جهة المنفق عليه : أمّا من الجهة الاُولى : فتجب نفقة الولد ذكراً كان أو اُنثى على أبيه ، ومع عدمه أو فقره فعلى جدّه للأب ، ومع عدمه أو إعساره فعلى جدّ الأب وهكذا متعالياً الأقرب فالأقرب ، ومع عدمهم أو إعسارهم فعلى اُمّ الولد ، ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها واُمّ أبيها وأبي اُمّها واُمّ اُمّها وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسويّة وإن اختلفوا في الذكورة والاُنوثة . وفي حكم آباء الاُمّ واُمّهاتها اُمّ الأب ، وكلّ من تقرّب إلى الأب بالاُمّ ، كأبي اُمّ
ص: 346
الأب واُمّ اُمّه واُمّ أبيه وهكذا ، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه ، مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد . فإذا كان له أب وجدّ موسران فالنفقة على الأب ، ولو كان له أب واُمّ فعلى الأب ، ولو كان جدّ لأب مع اُمّ فعلى الجدّ ، ومع جدّ لاُمّ واُمّ فعلى الاُمّ ، ومع جدّ وجدّة لاُمّ تشاركا بالسويّة ، ومع جدّة لأب وجدّ وجدّة لاُمّ تشاركوا ثلاثاً . هذا في الاُصول ؛ أعني الآباء والاُمّهات .
وأمّا الفروع - أعني الأولاد - فتجب نفقة الأب والاُمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار ؛ ذكراً كان أم اُنثى ، ومع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد ؛ أعني ابن ابن أو بنت ، وبنت ابن أو بنت وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التعدّد والتساوي في الدرجة يشتركون بالسويّة ، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن - مثلاً - فعلى الابن أو البنت ، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن وبنت اشتركا بالسويّة . وإذا اجتمعت الاُصول والفروع يُراعى الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي يتشاركون ، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسويّة ، وإن كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت فعلى الأب ، وإن كان ابن وجدّ لأب فعلى الابن ، وإن كان ابن ابن مع جدّ لأب تشاركا بالسويّة ، وإن كانت له اُمّ مع ابن ابن أو ابن بنت - مثلاً - فعلى الاُمّ . ويشكل الأمر فيما إذا اجتمعت الاُمّ مع الابن أو البنت ، والأحوط التراضي والتسالم على الاشتراك بالسويّة .
وأمّا الجهة الثانية : فإذا كان عنده زائداً على نفقته ونفقة زوجته ، ما يكفي لجميع أقاربه المحتاجين ، وجب عليه نفقة الجميع ، وإذا لم يكف إلاّ لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم ، وإذا كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ، ولا يكفي ما عنده الجميع ، فالأقرب أ نّه يقسّم بينهم بالسويّة مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به ، وإلاّ فيقرع بينهم .
ص: 347
(مسألة 13) : لو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وكان له أب موسر ، فإن اختلفا في قدر النفقة ، وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه كالأقلّ نفقة ، اختصّ به وكان الآخر على الجدّ . وإن اتّفقا في مقدارها ، فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلّ بواحد فهو ، وإلاّ رجعا إلى القرعة .
(مسألة 14) : لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجبره الحاكم ، ومع عدمه فعدول المؤمنين ، ومع فقدهم ففسّاقهم . وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدارها ، جاز للزوجة ذلك دون غيرها إلاّ بإذن الحاكم ، فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصاً . وإن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه ، ومع تعذّر الحاكم يشكل الأمر .
(مسألة 15) : تجب نفقة المملوك حتّى النحل ودود القزّ على مالكه ، ولا تقدير لنفقة البهيمة مثلاً ، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك ، ومالكها بالخيار بين علفها وبين تخليتها لترعى في خصب الأرض ، فإن اجتزأت بالرعي وإلاّ علّفها بمقدار كفايتها .
(مسألة 16) : لو امتنع المالك من الإنفاق على البهيمة ولو بتخليتها للرعي
الكافي لها ، اُجبر على بيعها ، أو الإنفاق عليها ، أو ذبحها إن كانت ممّا يقصد اللحم بذبحها .
ص: 348
وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام :
(مسألة 1) : يشترط في الزوج المطلّق : البلوغ على الأحوط والعقل ، فلا يصحّ على الأحوط طلاق الصبيّ لا بالمباشرة ولا بالتوكيل وإن كان مميّزاً وله عشر سنين ، ولو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط ، ولا طلاق المجنون مطبقاً أو أدواراً حال جنونه . ويلحق به السكران ونحوه ممّن زال عقله .
(مسألة 2) : لا يصحّ طلاق وليّ الصبيّ عنه كأبيه وجدّه ، فضلاً عن الوصيّ والحاكم . نعم ، لو بلغ فاسد العقل ، أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ ، طلّق عنه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح ، فإن لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم ، وإن كان أحدهما معه فالأحوط أن يكون الطلاق منه مع الحاكم ؛ وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه بلا ضمّ الحاكم إليه .
(مسألة 3) : يشترط في الزوج المطلّق : القصد والاختيار ؛ بمعنى عدم الإكراه والإجبار ، فلا يصحّ طلاق غير القاصد ، كالنائم والساهي والغالط والهازل الذي
ص: 349
لا يريد وقوع الطلاق جدّاً ، بل يتكلّم بلفظه هزلاً ، وكذا لا يصحّ طلاق المكره الذي قد اُلزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه .
(مسألة 4) : الإكراه : هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده ؛ مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضرّ بحاله عليه أو على من يجري مجرى نفسه ، كأبيه وولده نفساً أو عرضاً أو مالاً ؛ بشرط أن يكون الحامل قادراً على إيقاع ما توعّد به ؛ مع العلم أو الظنّ بإيقاعه على تقدير عدم امتثاله ، بل أو الخوف به وإن لم يكن مظنوناً . ويلحق به - موضوعاً أو حكماً - ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد ، ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه ، فلو تزوّج بامرأة ، ثمّ رأى أ نّه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلّقيها - كأبيها وأخيها مثلاً - فالتجأ إلى طلاقها فطلّقها يصحّ طلاقها .
(مسألة 5) : لو قدر على دفع ضرر الآمر ببعض التفصّيات ممّا ليس فيه ضرر عليه - كالفرار والاستغاثة بالغير - لم يتحقّق الإكراه ، فلو أوقع الطلاق - مثلاً - حينئذٍ وقع صحيحاً . نعم ، لو قدر على التورية وأوقعه من دون ذلك ، فالظاهر وقوعه مكرهاً عليه وباطلاً .
(مسألة 6) : لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلّق إحداهما المعيّنة وقع مكرهاً عليه ، ولو طلّقهما معاً ففي وقوع طلاق إحداهما مكرهاً عليه ، فيعيّن بالقرعة ، أو صحّة كليهما ، وجهان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان ، ولو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلّق إحداهما فالظاهر أ نّه وقع مكرهاً عليه .
ص: 350
(مسألة 7) : لو أكرهه على أن يطلّق ثلاث تطليقات بينهما رجعتان ، فطلّقها واحدة أو اثنتين ، ففي وقوع ما أوقعه مكرهاً عليه إشكال ، إلاّ إذا قصد تحمّل ما أوعده عليه في ترك البقيّة ، أو كان ذلك بقصد احتمال التخلّص عن المكروه ، وأ نّه لعلّ المكره اقتنع بما أوقعه وأغمض عمّا لم يوقعه .
(مسألة 8) : لو أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ تعقّبه الرضا ، لم يفد ذلك في صحّته ، وليس كالعقد .
(مسألة 9) : لا يعتبر في الطلاق اطّلاع الزوجة عليه ، فضلاً عن رضاها به .
(مسألة 10) : يشترط في المطلّقة : أن تكون زوجة دائمة ، فلا يقع الطلاق على المتمتّع بها ، وأن تكون طاهرة من الحيض والنفاس ، فلا يصحّ طلاق الحائض والنفساء ، والمراد بهما ذات الدمين فعلاً أو حكماً كالنقاء المتخلّل في البين ، ولو نقتا من الدمين ولم تغتسلا من الحدث صحّ طلاقهما ، وأن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها .
(مسألة 11) : إنّما يشترط خلوّ المطلّقة من الحيض في المدخول بها الحائل ، دون غير المدخول بها ، ودون الحامل بناء على مجامعة الحيض للحمل ، كما هو الأقوى ، فيصحّ طلاقها في حال الحيض . وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضراً ؛ بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق ، ولو كان غائباً يصحّ طلاقها وإن وقع في حال الحيض ، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها ، فلو علم أ نّها في حال الحيض - ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر - أو تمكّن من استعلامها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل .
ص: 351
(مسألة 12) : لو غاب الزوج ، فإن خرج حال حيضها ، لم يجز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض ، أو كانت ذات العادة ومضت عادتها ، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان ، صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض . وإن خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه ، طلّقها في أيّ زمان لم يعلم بكونها حائضاً ، وصحّ طلاقها وإن صادف الحيض . نعم ، لو طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيّض فيه بطل إن صادفه . ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر ، ويكفي تربّص شهر ، والأحوط أن لا ينقص عن ذلك ، والأولى تربّص ثلاثة أشهر . هذا مع الجهل بعادتها ، وإلاّ فيتبع العادة على الأقوى . ولو وقع الطلاق بعد التربّص المذكور لم يضرّ مصادفة الحيض في الواقع ، بل الظاهر أ نّه لا يضرّ مصادفته للطهر الذي واقعها فيه ؛ بأن طلّقها بعد شهر - مثلاً - أو بعد مضيّ مدّة علم بحسب عادتها خروجها عن الطهر الأوّل والحيض الذي بعده ، ثمّ تبيّن الخلاف .
(مسألة 13) : الحاضر الذي يتعذّر أو يتعسّر عليه معرفة حال المرأة من حيث الطهر والحيض كالغائب ، كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها بسهولة بلا تعسّر كالحاضر .
(مسألة 14) : يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة ؛ وهي المرأة التي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض لخلقة أو عارض ، لكن يشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة ، فلو طلّقها قبلها لم يقع .
(مسألة 15) : لا يشترط في تربّص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون
ص: 352
اعتزاله لأجل أن يطلّقها ، فلو لم يتّفق مواقعتها بسبب إلى مضيّها ، ثمّ بدا له طلاقها ، صحّ في الحال .
(مسألة 16) : لو واقعها في حال الحيض ، لم يصحّ طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة ، بل لا بدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر ، فما هو الشرط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة ، لا وقوعه في طهر غير طهر المواقعة .
(مسألة 17) : يشترط في صحّة الطلاق تعيّن المطلّقة ؛ بأن يقول : «فلانة طالق» ، أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال ، فلو كانت له زوجة واحدة ، فقال : «زوجتي طالق» صحّ ، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر ، وقال : «زوجتي طالق» ، إلاّ إذا نوى في نفسه معيّنة ، فهل يقبل تفسيره بمعيّنة من غير يمين ؟ فيه تأمّل .
(مسألة 1) : لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصّة ، وهي قوله : «أنتِ طالق» أو «فلانة» أو «هذه» أو ما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تعيين المطلّقة ، فلا يقع بمثل «أنت مطلّقة» أو «طلّقت فلانة» ، بل ولا «أنت الطالق» ، فضلاً عن الكناية ك «أنت خليّة أو بريّة» ، أو «حبلك على غاربك» ، أو «الحقي بأهلك» ونحو ذلك ، فلا يقع بها وإن نواه ؛ حتّى قوله : «اعتدّي» المنويّ به الطلاق على الأقوى .
(مسألة 2) : يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة ، فلو قال : «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صحّ طلاق الجميع .
(مسألة 3) : لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع
ص: 353
القدرة ، ومع العجز يصحّ ، وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على
النطق ، ومع العجز يصحّ إيقاعه بهما ، والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة .
(مسألة 4) : يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره ؛ سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً ، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها .
(مسألة 5) : يجوز أن يوكّلها على أ نّه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور - مثلاً - أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر - مثلاً - طلّقت نفسها ، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكّل فيه ، لا تعليقاً في الوكالة .
(مسألة 6) : يشترط في صيغة الطلاق التنجيز ، فلو علّقه على شرط بطل ؛ سواء كان ممّا يحتمل وقوعه ، كما إذا قال : «أنتِ طالق إن جاء زيد» ، أو ممّا يُتيقّن حصوله ، كما إذا قال : «إن طلعت الشمس» . نعم ، لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع ، كقوله : «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق» ؛ سواء كان عالماً بأ نّها زوجته أم لا .
(مسألة 7) : لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً ، فقال : «هي طالق هي طالق هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البين قاصداً تعدّده ، تقع واحدة ولغت الاُخريان ، ولو قال : «هي طالق ثلاثاً» لم يقع الثلاث قطعاً ، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة .
(مسألة 8) : لو كان الزوج من العامّة ؛ ممّن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة أو مكرّرة ، وأوقعه بأحد النحوين ، اُلزم عليه ؛ سواء كانت المرأة شيعية أو مخالفة ،
ص: 354
ونُرتّب نحن عليها آثار المطلّقة ثلاثاً ، فلو رجع إليها نحكم ببطلانه إلاّ إذا كانت الرجعة في مورد صحيحة عندهم ، فنتزوّج بها في غير ذلك بعد انقضاء عدّتها ، وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها التزويج بالغير ، ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثاً وغيره ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا ، كالطلاق المعلّق ، والحلف به ، وفي طُهر المواقعة والحيض ، وبغير شاهدين ، فنحكم بصحّته إذا وقع من المخالف القائل بالصحّة ، وهذا الحكم جارٍ في غير الطلاق أيضاً ، فنأخذ بالعَول والتعصيب منهم الميراث - مثلاً - مع بطلانهما عندنا . والتفصيل لا يسع هذا المختصر .
(مسألة 9) : يشترط في صحّة الطلاق زائداً على ما مرّ الإشهاد ؛ بمعنى إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء ؛ سواء قال لهما : اشهدا ، أم لا ، ويعتبر اجتماعهما حين سماع الإنشاء ، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ، ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر بانفراده ، لم يقع . نعم ، لو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما ؛ لا في تحمّل الشهادة ولا في أدائها ، ولا اعتبار بشهادة النساء وسماعهنّ ؛ لا منفردات ولا منضمّات بالرجال .
(مسألة 10) : لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر في الشاهدين ، كما لا يكتفى بالموكّل مع عدل آخر .
(مسألة 11) : المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره ؛ ممّا رتّب عليه بعض الأحكام ، كما مرّ في كتاب الصلاة .
(مسألة 12) : لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق - أصيلاً كان أو وكيلاً - وفاسقين في الواقع ، يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على
ص: 355
فسقهما ، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل ، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه ، بل الأمر فيه أشكل من سابقه .
الطلاق نوعان : بدعي وسنّي .
فالأوّل : هو غير الجامع للشرائط المتقدّمة ، وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا .
والثاني : ما جمع الشرائط في مذهبنا ، وهو قسمان : بائن ورجعي .
فالبائن : ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده ؛ سواء كانت لها عدّة أم لا ، وهو ستّة : الأوّل : الطلاق قبل الدخول . الثاني : طلاق الصغيرة ؛ أي من لم تبلغ التسع وإن دخل بها . الثالث : طلاق اليائسة . وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي . الرابع والخامس : طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت ، وإلاّ كانت له الرجعة . السادس : الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين : بين الأوّل والثاني وبين الثاني والثالث ؛ ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدّة .
(مسألة 1) : لو طلّقها ثلاثاً مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد ، ولا تحلّ له إلاّ بعد أن تنكح زوجاً غيره ، ثمّ فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها ، وحينئذٍ جاز للأوّل نكاحها .
(مسألة 2) : كلّ امرأة حرّة إذا استكملت الطلاق ثلاثاً مع تخلّل رجعتين في البين ، حرمت على المطلّق حتّى تنكح زوجاً غيره ؛ سواء واقعها بعد كلّ رجعة
ص: 356
وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة - وهذا يقال له : طلاق العدّة - أو لم يُواقعها ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر ، أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثمّ راجعها ، ثمّ طلّقها ثمّ راجعها ، ثمّ طلّقها في مجلس واحد ، حرمت عليه ، فضلاً عمّا إذا طلّقها ثمّ راجعها ثمّ تركها حتّى حاضت وطهرت ثمّ طلّقها وهكذا .
(مسألة 3) : العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينها عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتّى تنكح زوجاً غيره ؛ سواء لم تكن لها عدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة .
(مسألة 4) : المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق ، حلّت للزوج الأوّل وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني ، فإذا طلّقها ثلاثاً حرمت أيضاً حتّى تنكح زوجاً آخر وإن كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الاُولى ، وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث ، وتحلّ بنكاح الغير بعده وإن طلّقت مائة مرّة . نعم ، لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة - بالتفسير الذي أشرنا إليه - حرمت عليه أبداً ؛ وذلك بأن طلّقها ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ، ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ، فإذا حلّت للمطلّق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثمّ طلّقها كالثلاثة الاُولى ، ثمّ حلّت بمحلّل ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثاً كالاُوليين حرمت عليه أبداً . ويعتبر فيه أمران : أحدهما : تخلّل رجعتين ، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا رجعة وعقد مستأنف في البين . الثاني : وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة . فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات :
ص: 357
اثنتان منها رجعية وواحدة بائنة ، فإذا وقعت ثلاثة منه حتّى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً . هذا ، والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً وإن لم تكن الجميع طلاق عدّة .
(مسألة 5) : إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر ، وأمّا إن تزوّجت للغير انهدم حكم ما سبق ، وتكون كأ نّها غير مطلّقة ، ويتوقّف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة .
(مسألة 6) : قد مرّ أنّ المطلّقة ثلاثاً تحرم حتّى تنكح زوجاً غيره . وتعتبر في زوال التحريم به اُمور ثلاثة : الأوّل : أن يكون الزوج المحلّل بالغاً ، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقاً . الثاني : أن يطأها قبلاً وط ءاً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، بل كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، وهل يعتبر الإنزال ؟ فيه إشكال ، والأحوط اعتباره . الثالث : أن يكون العقد دائماً لا متعة .
(مسألة 7) : لو طلّقها ثلاثاً وانقضت مدّة وادّعت أ نّها تزوّجت وفارقها الزوج الثاني ومضت العدّة واحتمل صدقها صدّقت ويقبل قولها بلا يمين ، فللزوج الأوّل أن ينكحها ، وليس عليه الفحص ، والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت ثقة أمينة .
(مسألة 8) : لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها صدّقت وحلّت للزوج الأوّل ، وإن كذّبها فالأحوط الاقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها ، ولو ادّعت الإصابة ثمّ رجعت عن قولها ، فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له ، وإن كان بعده لم يقبل رجوعها .
ص: 358
(مسألة 9) : لا فرق في الوط ء المعتبر في المحلّل بين المحرّم والمحلّل ، فلو وطئها محرّماً - كالوط ء في الإحرام ، أو في الصوم الواجب ، أو في الحيض ، ونحو ذلك - كفى في التحليل .
(مسألة 10) : لو شكّ الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه ، ويحكم ببقاء علقة النكاح ، ولو علم بأصله وشكّ في عدده بنى على الأقلّ ؛ سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع ، فلا يحكم بالحرمة في الأوّل وبالحرمة الأبدية في الثاني ، بل لو شكّ بين الثلاث والتسع يبني على الأوّل ، وتحلّ بالمحلّل على الأشبه .
إنّما يجب الاعتداد باُمور ثلاثة : الفراق بطلاق أو فسخ أو انفساخ في الدائم ، وانقضاء المدّة أو بذلها في المتعة ، وموت الزوج ، ووط ء الشبهة .
فصل : في عدّة الفراق طلاقاً كان أو غيره
(مسألة 1) : لا عدّة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة ، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها ، ولا على اليائسة ؛ سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها .
(مسألة 2) : يتحقّق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلاً أو دبراً وإن لم ينزل ، بل وإن كان مقطوع الاُنثيين .
(مسألة 3) : يتحقّق اليأس ببلوغ ستّين في القرشية وخمسين في غيرها ،
ص: 359
والأحوط مراعاة الستّين مطلقاً بالنسبة إلى التزويج بالغير ، وخمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها .
(مسألة 4) : لو طلّقت ذات الأقراء قبل بلوغ سنّ اليأس ، ورأت الدم مرّة أو مرّتين ثمّ يئست ، أكملت العدّة بشهرين أو شهر ، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدّت شهراً أو شهرين ثمّ يئست ، أتمّت ثلاثة .
(مسألة 5) : المطلّقة ومن اُلحقت بها إن كانت حاملاً فعدّتها مدّة حملها ، وتنقضي بأن تضع ولو بعد الطلاق بلا فصل ؛ سواء كان تامّاً أو غيره ولو كان مضغة أو علقة إن تحقّق أ نّه حمل .
(مسألة 6) : إنّما تنقضي العدّة بالوضع إذا كان الحمل ملحقاً بمن له العدّة ، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته ، فلو كانت حاملاً من زناً قبل الطلاق أو بعده لم تخرج منها به ، بل يكون انقضاؤها بالأقراء والشهور كغير الحامل ، فوضع الحمل لا أثر له أصلاً . نعم ، إذا حملت من وط ء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج ، فوضعه سبب لانقضاء العدّة بالنسبة إليه ، لا الزوج المطلّق .
(مسألة 7) : لو كانت حاملاً باثنين فالأقوى عدم البينونة إلاّ بوضعهما ، فللزوج الرجوع بعد وضع الأوّل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، ولا تنكح زوجاً إلاّ بعد وضعهما .
(مسألة 8) : لو وطئت شبهة فحملت واُلحق الولد بالواطئ - لبُعد الزوج عنها ، أو لغير ذلك - ثمّ طلّقها ، أو وطئت شبهة بعد الطلاق على نحو اُلحق الولد بالواطئ ، كانت عليها عدّتان : عدّة لوط ء الشبهة تنقضي بالوضع ، وعدّة
ص: 360
للطلاق تستأنفها فيما بعده ، وكان مدّتها بعد انقضاء نفاسها إذا اتّصل بالوضع ، ولو تأخّر دم النفاس يحسب النقاء المتخلّل بين الوضع والدم قُرءاً من العدّة الثانية ولو كان بلحظة .
(مسألة 9) : لو ادّعت المطلّقة الحامل : أ نّها وضعت فانقضت عدّتها ، وأنكر الزوج ، أو انعكس فادّعى الوضع وانقضاء العدّة ، وأنكرت هي ، أو ادّعت الحمل وأنكر ، أو ادّعت الحمل والوضع معاً وأنكرهما ، يقدّم قولها بيمينها بالنسبة إلى بقاء العدّة والخروج منها ، لا بالنسبة إلى آثار الحمل غير ما ذكر على الظاهر .
(مسألة 10) : لو اتّفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل ، واختلفا في المتقدّم والمتأخّر ، فقال الزوج : «وضعت بعد الطلاق فانقضت عدّتك» ، وقالت : «وضعت قبله ، وأنا في العدّة» ، أو انعكس ، لا يبعد تقديم قولها في بقاء العدّة والخروج منها مطلقاً ؛ من غير فرق بين ما لم يتّفقا على زمان أحدهما أو اتّفقا عليه .
(مسألة 11) : لو طلّقت الحائل أو انفسخ نكاحها ، فإن كانت مستقيمة الحيض ؛ بأن تحيض في كلّ شهر مرّة ، كانت عدّتها ثلاثة قروء ، وكذا إذا تحيض في كلّ شهر أزيد من مرّة أو ترى الدم في كلّ شهرين مرّة . وبالجملة : كان الطهر الفاصل بين حيضتين أقلّ من ثلاثة أشهر . وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض - إمّا لكونها لم تبلغ الحدّ الذي ترى الحيض غالب النساء ، وإمّا لانقطاعه لمرض أو حمل أو رضاع - كانت عدّتها ثلاثة أشهر . ويلحق بها من تحيض لكن الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد .
(مسألة 12) : المراد بالقروء الأطهار ، ويكفي في الطهر الأوّل مسمّاه ولو
ص: 361
قليلاً ، فلو طلّقها وقد بقيت منه لحظة يحسب ذلك طهراً ، فإذا رأت طهرين آخرين تامّين بتخلّل حيضة بينهما انقضت العدّة ، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث . نعم ، لو اتّصل آخر صيغة الطلاق بأوّل زمان الحيض صحّ الطلاق ، لكن لا بدّ في انقضاء العدّة من أطهار تامّة ، فتنقضي برؤية الدم الرابع ، كلّ ذلك في الحرّة .
(مسألة 13) : بناءً على كفاية مسمّى الطهر في الطهر الأوّل ولو لحظةً وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرّة ، فأقلّ زمان يمكن أن تنقضي عدّة الحُرّة ستّة وعشرون يوماً ولحظتان ؛ بأن كان طهرها الأوّل لحظة ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ، ثمّ تحيض ، فبمجرّد رؤية الدم الأخير لحظة من أوّله انقضت العدّة . وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة ، وإنّما يتوقّف عليها تمامية الطهر الثالث . وهذا في الحرّة . وأمّا في الأمة فأقلّ ما يمكن انقضاء عدّتها لحظتان وثلاثة عشر يوماً .
(مسألة 14) : عدّة المُتعة في الحامل وضع حملها ، وفي الحائل إذا كانت تحيض قرءان . والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى . وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فخمسة وأربعون يوماً . والمراد من الحيضتين الكاملتان ، فلو وهبت مدّتها أو انقضت في أثناء الحيض لم تحسب بقيّة تلك الحيضة من الحيضتين .
(مسألة 15) : المدار في الشهور هو الهلالي ، فإن وقع الطلاق في أوّل رؤية الهلال فلا إشكال ، وإن وقع في أثناء الشهر ففيه خلاف وإشكال ، ولعلّ الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليين ، وإكمال الأوّل من الرابع بمقدار ما فات منه .
ص: 362
(مسألة 16) : لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قدّم قولها بيمينها ؛ سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه ، وسواء كانت عدّتها بالأقراء أو الأشهر .
(مسألة 1) : عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلاً ؛ صغيرة كانت أو كبيرة ، يائسة كانت أو غيرها ، مدخولاً بها كانت أم لا ، دائمة كانت أو منقطعة ، من ذوات الأقراء كانت أو لا ، وإن كانت حاملاً فأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة .
(مسألة 2) : المراد بالأشهر هي الهلالية ، فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت بأربعة أشهر ، وضمّت إليها من الخامس ، عشرة أيّام ؛ وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر أ نّها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط ، وأكملت الأوّل بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس ؛ حتّى تصير مع التلفيق أربعة أشهر وعشرة أيّام .
(مسألة 3) : لو طلّقها ثمّ مات قبل انقضاء العدّة ، فإن كان رجعياً بطلت عدّة الطلاق ، واعتدّت من حين موته عدّة الوفاة ، إلاّ في المسترابة بالحمل فإنّ فيها محلّ تأمّل ، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين ؛ من عدّة الوفاة ووظيفة المسترابة ، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر - مثلاً - تعتدّ عدّة الوفاة وتتمّ عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف ، ولو مات بعد سبعة أشهر اعتدّت بأبعدهما من اتّضاح الحال وعدّة الوفاة ، ولو كانت المرأة حاملاً اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة ، وإن كان بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ، ولا عدّة لها بسبب الوفاة .
ص: 363
(مسألة 4) : يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدّة .
والمراد به : ترك الزينة في البدن ؛ بمثل التكحيل والتطيّب والخضاب وتحمير الوجه والخطاط ونحوها ، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها . وبالجملة : ترك كلّ ما يُعدّ زينة تتزيّن به للزوج ، وفي الأوقات المناسبة له في العادة ، كالأعياد والأعراس ونحوهما ، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد ، فيلاحظ في كلّ بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين . نعم ، لا بأس بتنظيف البدن واللباس ، وتسريح الشعر ، وتقليم الأظفار ، ودخول الحمّام ، والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزيّنة ، وتزيين أولادها وخدمها .
(مسألة 5) : الأقوى أنّ الحداد ليس شرطاً في صحّة العدّة ، بل هو تكليف مستقلّ في زمانها ، فلو تركته عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في تمام المدّة أو بعضها ، لم يجب عليها استئنافها وتدارك مقدار ما اعتدّت بدونه .
(مسألة 6) : لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمّية ، كما لا فرق على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة . نعم ، لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدّة تمتّعها كيوم أو يومين . وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا ؟ قولان ، أشهرهما الوجوب ؛ بمعنى وجوبه على وليّهما ، فيجنّبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة . وفيه تأمّل وإن كان أحوط .
(مسألة 7) : يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها ، خصوصاً إذا كانت ضرورية ، أو كان خروجها لاُمور راجحة ، كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ، ولا سيّما والديها .
ص: 364
نعم ، ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلاّ في بيتها الذي كانت تسكنه في حياة زوجها ، أو تنتقل منه إليه للاعتداد ؛ بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشيّ ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً .
(مسألة 8) : لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه ؛ حاضراً كان الزوج أو غائباً ، بلغ الزوجة الخبر أم لا . فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة ، فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر ، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر . وكذا عدّة وط ء الشبهة ؛ وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك ، وأمّا عدّة الوفاة ، فإن مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها ، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج ، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة ، فتعتدّ من حين إخبارها بموته .
(مسألة 9) : لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجّة شرعية ، كعدلين ، ولا عدل واحد . نعم ، لا يجوز لها التزويج بالغير بلا حجّة شرعية على موته ، فإذا ثبت ذلك بحجّة يكفي اعتداده من حين البلوغ ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت .
(مسألة 10) : لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتّى تحسب العدّة من ذلك الوقت ، اعتدّت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه ، والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها ، بل هذا الاحتياط لا يترك .
(مسألة 11) : لو فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ، ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ، ولم يعلم موته وحياته ، فإن بقي له مال تنفق به زوجته ، أو كان له وليّ
ص: 365
يتولّى اُموره ويتصدّى لإنفاقه أو متبرّع للإنفاق عليها ، وجب عليها الصبر والانتظار ، ولا يجوز لها أن تتزوّج أبداً حتّى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه ، وإن لم يكن ذلك فإن صبرت فلها ذلك ، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيؤجّلها أربع سنين من حين الرفع إليه ، ثمّ يتفحّص عنه في تلك المدّة . فإن لم يتبيّن موته ولا حياته ، فإن كان للغائب وليّ - أعني من كان يتولّى اُموره بتفويضه أو توكيله - يأمره الحاكم بطلاقها ، وإن لم يقدم أجبره عليه ، وإن لم يكن له وليّ ، أو لم يقدم ولم يمكن إجباره ، طلّقها الحاكم ، ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة الوفاة . فإذا تمّت هذه الاُمور جاز لها التزويج بلا إشكال . وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمّل ونظر ، إلاّ أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط .
(مسألة 12) : ليس للفحص والطلب كيفية خاصّة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً ، ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود - رعاية باسمه وشخصه أو بحِليته - إلى مظانّ وجوده للظفر به ، وبالكتابة وغيرها كالتلغراف وسائر الوسائل المتداولة في كلّ عصر ليتفقّد عنه ، وبالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم ؛ بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم ، وبالاستخبار منهم حين الرجوع .
(مسألة 13) : لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة ، بل تكفي الوثاقة .
(مسألة 14) : لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم ، بل يكفي كونه من كلّ أحد حتّى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه .
ص: 366
(مسألة 15) : مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام ، ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ ، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة ، يكفي فيه ما يصدق عرفاً أ نّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة .
(مسألة 16) : المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد ، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد ، ولا يعتنى بمجرّد إمكان وصوله إلى مكان ، ولا بالاحتمالات البعيدة ، بل إنّما يتفحّص عنه في مظانّ وجوده فيه ووصوله إليه ، وما احتمل فيه احتمالاً قريباً .
(مسألة 17) : لو علم أ نّه قد كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره ، يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على المعتاد ، فيكفي التفقّد عنه في جوامعه ومجامعه ، وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته ، وخاناته المعدّة لنزول الغرباء ونحوها ، ولا يلزم استقصاء تلك المحالّ بالتفتيش أو السؤال ، بل يكفي الاكتفاء بما هو المعتدّ به من مشتهراتها . وينبغي ملاحظة زيّ المفقود وصنعته وحرفته ، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ، ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته مثلاً ، فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ، ولم يظهر منه أثر ، ولم يعلم موته ولا حياته ، فإن لم يحتمل انتقاله إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال ، سقط الفحص والسؤال ، واكتفي بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين . وإن احتمل الانتقال ، فإن تساوت الجهات فيه تفحّص عنه في تلك الجهات ، ولا يلزم الاستقصاء التامّ ، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمّة والمشتركة في كلّ جهة ؛ مراعياً للأقرب ثمّ الأقرب إلى البلد الأوّل ، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محلّ الفحص ذلك البعض والاكتفاء به ، خصوصاً إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره . وإذا علم أ نّه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثمّ انقطع أثره ، كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة
ص: 367
التي تشدّ إليها الرحال . وإن سافر إلى بلد معيّن من مملكة - كالعراقي سافر إلى خراسان - يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد ، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق ، فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة . وإذا خرج من منزله مريداً للسفر ، أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه وانقطع أثره ، تفحّص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب ممّا يحتمل قريباً وصوله إليه ، ولا ينظر إلى ما بعد احتماله .
(مسألة 18) : قد عرفت أنّ الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم ، فلو لم يمكن الوصول إليه ، فإن كان له وكيل ومأذون في التصدّي للاُمور الحسبية ، فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر ، ومع فقده أيضاً فقيام عدول المؤمنين مقامه محلّ إشكال .
(مسألة 19) : إن علم أنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر ، فالظاهر سقوط وجوبه . وكذا لو حصل اليأس من الاطّلاع عليه في أثناء المدّة ، فيكفي مضيّ المدّة في جواز الطلاق والزواج .
(مسألة 20) : يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل ، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق ، وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص .
(مسألة 21) : الظاهر أنّ العدّة الواقعة بعد الطلاق عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة ، ويكون الطلاق رجعياً ، فتستحقّ النفقة في أيّامها ، وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حيّاً ، وإن تبيّن موته فيها ترثه ، وليس عليها حداد بعد الطلاق .
(مسألة 22) : إن تبيّن موته قبل انقضاء المدّة ، أو بعده قبل الطلاق ، وجب عليها
ص: 368
عدّة الوفاة ، وإن تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها ؛ سواء كان التبيّن قبل التزويج أو بعده ، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل العدّة أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج . وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن ؟ وجهان بل قولان ، أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى .
(مسألة 23) : لو جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل ، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته ، وإن كان بعد ما تزوّجت بالغير فلا سبيل له عليها ، وإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين عنه . وأمّا إن كان بعد انقضاء العدّة وقبل التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان ، أقواهما الثاني .
(مسألة 24) : لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته ، جاز لها بينها وبين اللّه أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم ، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم . نعم ، في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها ، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها ، إشكال ، والأحوط لها أن تتزوّج ممّن لم يطّلع بالحال ولم يدرِ أنّ زوجها قد فُقد ، ولم يكن في البين إلاّ دعواها بأنّ زوجها مات ، بل يقدم على تزويجها مستنداً إلى دعواها أ نّها خليّة بلا مانع ، وكذا توكّل من كان كذلك .
والمراد به وط ء الأجنبيّة بشبهة أ نّها حليلته ؛ إمّا لشبهة في الموضوع ، كما لو وطئ مرأة باعتقاد أ نّها زوجته ، أو لشبهة في الحكم ، كما إذا عقد على اُخت الموطوء معتقداً صحّته ودخل بها .
ص: 369
(مسألة 1) : لا عدّة على المزنيّ بها ؛ سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى ، وأمّا الموطوءة شبهة فعليها عدّة ؛ سواء كانت ذات بعل أو خليّة ، وسواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ ، بل الأحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصّة .
(مسألة 2) : عدّة وط ء الشبهة كعدّة الطلاق : بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوط ء على التفصيل المتقدّم ، ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً .
(مسألة 3) : لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها ، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا ؟ أحوطهما الثاني ، وأقواهما الأوّل ، والظاهر أ نّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها .
(مسألة 4) : إذا كانت خليّة يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها ، بخلاف غيره ، فإنّه لا يجوز له ذلك على الأقوى .
(مسألة 5) : لا فرق في حكم وط ء الشبهة من حيث العدّة وغيرها بين أن يكون مجرّداً عن العقد ، أو يكون بعده ؛ بأن وطئ المعقود عليها بشبهة صحّة العقد مع فساده واقعاً .
(مسألة 6) : لو كانت معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهةً ، أو وطئت ثمّ طلّقها ، أو مات عنها زوجها ، فعليها عدّتان على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، فإن كانت حاملاً من أحدهما تقدّمت عدّة الحمل ، فبعد وضعه تستأنف العدّة الاُخرى
ص: 370
أو تستكمل الاُولى ، وإن كانت حائلاً يقدّم الأسبق منهما ، وبعد تمامها استقبلت العدّة الاُخرى من الآخر .
(مسألة 7) : لو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهة اعتدّت عدّة اُخرى على الأحوط بالتفصيل المتقدّم في المسألة السابقة .
(مسألة 8) : الموجب للعدّة اُمور : الوفاة والطلاق بأقسامه ، والفسخ بالعيوب ، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع ، والوط ء بالشبهة مجرّداً عن العقد أو معه ، وانقضاء المدّة أو هبتها في المتعة ، ويشترط في الجميع كونها مدخولاً بها إلاّ الأوّل .
(مسألة 9) : لو طلّقها رجعياً بعد الدخول ، ثمّ رجع ثمّ طلّقها قبل الدخول ، لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتّى لا يحتاج إلى العدّة ؛ من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعياً أو بائناً . وكذا الحال لو طلّقها بائناً ، ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، لا يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول . وكذا الحال فيما إذا عقد عليها منقطعاً ، ثمّ وهب مدّتها بعد الدخول ، ثمّ
تزوّجها ثمّ طلّقها قبل الدخول . فتوهّم جواز الاحتيال بنكاح جماعة في يوم واحد امرأةً شابّة ذات عدّة بما ذكر في غاية الفساد .
(مسألة 10) : المطلّقة بالطلاق الرجعي بحكم الزوجة في الأحكام ، فما لم يدلّ دليل على الاستثناء يترتّب عليها حكمها ما دامت في العدّة ؛ من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزة ، ومن التوارث بينهما ، وعدم جواز نكاح اُختها والخامسة ، وكون كفنها وفطرتها عليه . وأمّا
ص: 371
البائنة - كالمختلعة والمباراة والمطلّقة ثلاثاً - فلا يترتّب عليها آثار الزوجية مطلقاً ؛ لا في العدّة ولا بعدها . نعم ، لو كانت حاملاً من زوجها ، استحقّت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتّى تضع حملها كما مرّ .
(مسألة 11) : لو طلّقها مريضاً ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة ؛ بمعنى أ نّه إن مات الزوج بعد ما طلّقها في حال المرض بالمرض المزبور لا بسبب آخر على الأقرب ، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوماً أو أقلّ لا ترثه . وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه ؛ سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً ، وذلك بشروط ثلاثة : الأوّل : أن لا تتزوّج المرأة ، فلو تزوّجت بعد انقضاء عدّتها ثمّ مات الزوج لم ترثه . الثاني : أن لا يبرأ من المرض الذي طلّقها فيه ، فلو برئ منه ثمّ مرض ومات في أثناء السنة لم ترثه إلاّ إذا مات في أثناء العدّة الرجعية . الثالث : أن لا يكون الطلاق بالتماس منها ، فلا ترث المختلعة والمباراة ؛ لأنّ الطلاق بالتماسهما .
(مسألة 12) : لا يجوز لمن طلّق رجعياً أن يخرج المطلّقة من بيته حتّى تنقضي عدّتها ، إلاّ أن تأتي بفاحشة توجب الحدّ ، أو تأتي بما يوجب النشوز . وأمّا مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها . وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ، ففي كونه موجباً له إشكال وتأمّل . ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجباً لسقوط حقّها مطلقاً ، وما يوجب النشوز موجباً لسقوطه ما دام بقائها عليه ، وإذا رجعت رجع حقّها . وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلاّ لضرورة أو أداء واجب مضيّق .
ص: 372
وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق ، ولا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدّتها .
(مسألة 1) : الرجعة إمّا بالقول ، وهو كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع ، كقوله : «راجعتُك إلى نكاحي» ونحوه ، أو دلّ على التمسّك بزوجيتها كقوله : «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» ، ويجوز في الجميع إسقاط قوله : «إلى نكاحي» و«في نكاحي» ، ولا يعتبر فيه العربية ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود . وإمّا بالفعل ؛ بأن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته ، كالوط ء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها .
(مسألة 2) : لا تتوقّف حلّية الوط ء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ، ولا على قصد الرجوع به ؛ لأنّ الرجعية بحكم الزوجة . وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع ؟ قولان ، أقواهما العدم . ولو قصد عدم الرجوع وعدم التمسّك بالزوجية ففي كونه رجوعاً تأمّل . نعم ، في خصوص الغشيان غير بعيد ، ولا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ممّا لا قصد فيه للفعل ، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة ، كما لو واقعها باعتقاد أ نّها غيرها .
(مسألة 3) : لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة ، كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه .
(مسألة 4) : لا يعتبر الإشهاد في الرجعة ؛ وإن استحبّ دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع ، وكذا لا يعتبر فيها اطّلاع الزوجة عليها ، فإن راجعها من دون اطّلاع أحد
ص: 373
صحّت واقعاً ، لكن لو ادّعاها بعد انقضاء العدّة ولم تصدّقه الزوجة لم تسمع دعواه ، غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادّعى عليها العلم ، كما أ نّه لو ادّعى الرجوع الفعلي كالوط ء وأنكرته ، كان القول قولها بيمينها ، لكن على البتّ لا على نفي العلم .
(مسألة 5) : لو اتّفقا على الرجوع وانقضاء العدّة ، واختلفا في المتقدّم منهما ، فادّعى الزوج : أنّ المتقدّم الرجوع ، وادّعت هي : أ نّه انقضاؤها ، فإن تعيّن زمان الانقضاء ، وادّعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله ، وادّعت هي أ نّه بعده ، فالأقرب أنّ القول قولها بيمينها ، وإن كان بالعكس ؛ بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء ، فالقول قوله بيمينه .
(مسألة 6) : لو طلّق وراجع فأنكرت الدخول بها قبل الطلاق ؛ لئلاّ تكون عليها العدّة ولا تكون له الرجعة ، وادّعى الدخول ، فالقول قولها بيمينها .
(مسألة 7) : الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط ، وليس حقّاً قابلاً له كالخيار في البيع الخياري ، فلو أسقطه لم يسقط ، وله الرجوع ، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض .
ص: 374
(مسألة 1) : الخلع : هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها . فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويزيد عليها بأ نّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصّة ، فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة ، وإن كانت من طرف الزوج خاصّة لم يكن خلعاً ولا مباراة .
(مسألة 2) : الظاهر وقوع الخلع بكلّ من لفظي «الخلع» و«الطلاق» مجرّداً كلّ منهما عن الآخر أو منضمّاً ، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها الزوج ، يجوز أن يقول : «خلعتك على كذا» ، أو «أنت مختلعة على كذا» ، ويكتفي به ، أو يتبعه بقوله : «فأنت طالق على كذا» ، أو يقول : «أنت طالق على كذا» ، ويكتفي به ، أو يتبعه بقوله : «فأنت مختلعة على كذا» . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما ، بل لا يترك .
(مسألة 3) : الخلع من الإيقاعات ، لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين : بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج ، وإنشاء الطلاق من طرفه بما بذلت ، ويقع ذلك على نحوين : الأوّل : أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها ، فيطلّقها على ما بذلت . الثاني : أن يبتدئ الزوج بالطلاق
ص: 375
مصرّحاً بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده . ولا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل .
(مسألة 4) : يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفورية العرفية ، فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحقّ الزوج العوض . لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك ، وقع الطلاق رجعياً مع فرض اجتماع شرائطه ، وإلاّ كان بائناً .
(مسألة 5) : يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف ، ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه ، بل الظاهر أ نّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه ، فيكون أصيلاً فيما يرجع إليه ووكيلاً فيما يرجع إلى الطرف .
(مسألة 6) : يصحّ التوكيل من الزوج في الخلع في جميع ما يتعلّق به ؛ من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق ، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه .
(مسألة 7) : لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين : فإمّا أن يبتدئ الزوجة وتقول : «بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشيء الفلاني لتطلّقني» ، فيقول فوراً : «أنت طالق ، أو مختلعة - بكسر اللام - على ما بذلت ، أو على ما أعطيت» . وإمّا أن يبتدئ الزوج فيقول : «أنت طالق أو مختلعة بكذا ، أو على كذا» ، فتقول فوراً : «قبلت» . وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج : «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر أو المبلغ الفلاني ليخلعها ويطلّقها» ، فيقول وكيل الزوج فوراً :
ص: 376
«زوجة موكّلي طالق على ما بذلت» . وقس على ما ذكر سائر الصور المتصوّرة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم ؛ أي الجمع بين الصيغتين ، بل لا يترك .
(مسألة 8) : لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم ، فقالت له : «طلّقني أو اخلعني بكذا» فيقول : «أنت طالق أو مختلعة بكذا» ، ففي وقوعه إشكال ، فالأحوط إتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك : «قبلت» .
(مسألة 9) : يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء عوضاً عن الطلاق . ويجوز الفداء بكلّ متموّل من عين أو دين أو منفعة قلّ أو كثر وإن زاد على المهر المسمّى ، فإن كان عيناً حاضرة تكفي فيها المشاهدة ، وإن كان كلّياً في الذمّة أو غائباً ذكر جنسه ووصفه وقدره . بل لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك ، فيصحّ بما يؤول إلى العلم ، كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلاً ، ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلاً ، بل في مثله ولو لم يعلما بعدُ أيضاً صحّ على الأقوى ، ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطاً بتعيين المدّة ، ولا تبعد صحّته بمثل قدوم الحاجّ وبلوغ الثمرة ، وإن جعل كلّياً في ذمّتها يجوز جعله حالاًّ ومؤجّلاً مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر .
(مسألة 10) : يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها ؛ بأن يبذل وكالة عنها من مالها أو بمال في ذمّتها . وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها ، فيرجع إليها بعد البذل ؛ بأن تقول لشخص : «اُطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم - مثلاً - عليك وبعد ما دفعتها إليه ارجع عليّ» ، ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك ؟
ص: 377
وجهان بل قولان ، لا يخلو ثانيهما من رجحان ، كما أ نّه لا يصحّ من المتبرّع الذي لا يرجع عليها ، فلو قالت الزوجة لزوجها : «طلّقني على دار زيد أو ألف في ذمّته» ، فطلّقها على ذلك ، وقد أذن زيد أو أجاز بعده ، لم يصحّ الخلع ولا الطلاق الرجعي ولا غيره ، إلاّ إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته .
(مسألة 11) : لو قال أبوها : «طلّقها وأنت بريءٌ من صداقها» وكانت بالغة رشيدة فطلّقها ، صحّ الطلاق وكان رجعياً بشرائطه والشرط المتقدّم في المسألة السابقة ، ولم تبرأ ذمّته بذلك ما لم تبرئ ، ولم يلزم عليها الإبراء ، ولا يضمنه الأب .
(مسألة 12) : لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم بذلك ، بطل البذل ، فبطل الخلع وصار الطلاق رجعياً بالشرط المتقدّم . ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال ، فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة . وفيه تأمّل .
(مسألة 13) : يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة شديدة ؛ بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة والدخول في المعصية .
(مسألة 14) : الظاهر أ نّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج - كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك - وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض ، مثل وجود الضرّة ، وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبّة . نعم ، إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها ، فتريد
ص: 378
تخليص نفسها منها ، فبذلت شيئاً ليطلّقها فطلّقها ، لم يتحقّق الخلع ، وحرم عليه ما أخذه منها ، ولكن الطلاق صحّ رجعياً بالشرط المتقدّم .
(مسألة 15) : لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمة ، لم يصحّ الخلع ولم يملك العوض ، ولكن صحّ الطلاق بالشرط المتقدّم ، فإن كان مورده الرجعي كان رجعياً ، وإلاّ بائناً .
(مسألة 16) : طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلت ، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة ، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها .
(مسألة 17) : الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها ، فلو لم يمكن - كالمطلّقة ثلاثاً ، وكما إذا كانت ممّن ليست لها عدّة ، كاليائسة وغير المدخول بها - لم يكن لها الرجوع في البذل ، بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه ، فلو رجعت عند نفسها ، ولم يطّلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة ، فلا أثر لرجوعها .
(مسألة 18) : المباراة قسم من الطلاق ، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة ، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة . وتقع بلفظ الطلاق ؛ بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئاً ليطلّقها : «أنت طالق على ما بذلت» ، ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك» ، ولا يقع بقوله : «بارأتك» مجرّداً .
(مسألة 19) : تفارق المباراة الخلع باُمور : أحدها : أ نّها تترتّب على كراهة
ص: 379
كلّ من الزوجين لصاحبه ، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة خاصّة .
ثانيها : أ نّه يشترط فيها أن لا تكون الفداء بأكثر من مهرها ، بل الأحوط أن يكون أقلّ منه ، بخلاف الخلع ، فإنّه فيه على ما تراضيا . ثالثها : أ نّها لا تقع بلفظ «بارأتك» ، ولو جمع بينه وبين لفظ الطلاق يكون الفراق بالطلاق وحده ، بخلاف الخلع ، فإنّ الأحوط وقوعه بلفظ الخلع والطلاق جمعاً كما مرّ .
(مسألة 20) : طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه ، إلاّ أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة ، فله الرجوع إليها حينئذٍ .
ص: 380
الذي كان طلاقاً في الجاهلية وموجباً للحرمة الأبدية ، وقد غيّر شرع الإسلام حكمه ، وجعله موجباً لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفّارة بالعود ، كما ستعرف تفصيله .
(مسألة 1) : صيغة الظهار : أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة : «أنت عليّ كظهر اُمّي» ، أو يقول بدل «أنت» «هذه» مشيراً إليها ، أو «زوجتي» ، أو «فلانة» ، ويجوز تبديل «عليّ» بقوله : «منّي» أو «عندي» أو «لديّ» ، بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة «عليّ» وأشباهه أصلاً ؛ بأن يقول : «أنت كظهر اُمّي» . ولو شبّهها بجزء آخر من أجزاء الاُمّ غير الظهر - كرأسها أو يدها أو بطنها - ففي وقوع الظهار قولان ، أحوطهما ذلك . ولو قال : أنتِ كاُمّي أو اُمّي قاصداً به التحريم ، لا علوّ المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك ، لم يقع وإن كان الأحوط وقوعه ، بل لا يترك الاحتياط .
(مسألة 2) : لو شبّهها بإحدى المحارم النسبية غير الاُمّ كالبنت والاُخت ، فمع ذكر الظهر ؛ بأن يقول مثلاً : «أنت عليّ كظهر اُختي» يقع الظهار على الأقوى ، وبدونه كما إذا قال : «كاُختي ، أو كرأس اُختي» لم يقع على إشكال .
ص: 381
(مسألة 3) : الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل ، فلو قالت المرأة : «أنت عليّ كظهر أبي أو أخي» لم يؤثّر شيئاً .
(مسألة 4) : يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق . وفي المظاهر : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا يقع من الصبيّ ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي والهازل والسكران ، ولا مع الغضب ؛ سواء كان سالباً للقصد أم لا على الأقوى . وفي المظاهرة : خلوّها عن الحيض والنفاس ، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق ، وفي اشتراط كونها مدخولاً بها قولان ، أصحّهما ذلك .
(مسألة 5) : الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية ، بل يقع على المتمتّع بها .
(مسألة 6) : الظهار على قسمين : مشروط ومطلق . فالأوّل ما علّق على شيء دون الثاني . ويجوز التعليق على الوط ء ؛ بأن يقول : «أنت عليّ كظهر اُمّي إن واقعتك» .
(مسألة 7) : إن تحقّق الظهار بشرائطه ، فإن كان مطلقاً حرم على المظاهر وط ء المظاهرة ، ولا يحلّ له حتّى يكفّر ، فإذا كفّر حلّ له وطؤها ، ولا يلزم كفّارة اُخرى بعد وطئها ، ولو وطئها قبل أن يكفّر فعليه كفّارتان . والأشبه عدم حرمة سائر الاستمتاعات قبل التكفير . وإن كان مشروطاً حرم عليه الوط ء بعد حصول شرطه ، فلو علّقه على الوط ء لم يحرم عليه الوط ء المعلّق عليه ، ولا تتعلّق به الكفّارة .
(مسألة 8) : إذا طلّقها رجعياً ثمّ راجعها لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر ،
ص: 382
بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها ، أو كان بائناً ، ولو تزوّجها في العدّة يسقط حكم الظهار .
(مسألة 9) : كفّارة الظهار أحد اُمور ثلاثة مرتّبة : عتق رقبة ، فإن عجز عنه فصيام شهرين متتابعين ، وإن عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً .
(مسألة 10) : لو صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض ، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها ، فإن اختار أحدهما ، وإلاّ أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحدهما ، حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما ولا يطلّق عنه .
ص: 383
وهو الحلف على ترك وط ء الزوجة الدائمة المدخول بها أبداً ، أو مدّة تزيد على أربعة أشهر ؛ للإضرار بها ، فلا يتحقّق بغير القيود المذكورة وإن انعقد اليمين مع فقدها ، ويترتّب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه .
(مسألة 1) : لا ينعقد الإيلاء كمطلق اليمين إلاّ باسم اللّه تعالى المختصّ به ، أو الغالب إطلاقه عليه . ولا يعتبر فيه العربية ، ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل ، بل المعتبر صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور فيه ، فيكفي قوله : «لا أطأك» أو «لا اُجامعك» أو «لا أمسّك» ، بل وقوله : «لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة» إذا قصد به ترك الجماع .
(مسألة 2) : لو تمّ الإيلاء بشرائطه ، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام ، وإلاّ فلها الرفع إلى الحاكم فيحضره وينظره أربعة أشهر ، فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو ، وإلاّ أجبره على أحد الأمرين : إمّا الرجوع أو الطلاق ، فإن فعل أحدهما وإلاّ حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما معيّناً .
ص: 384
(مسألة 3) : الأقوى أنّ الأشهر الأربعة التي ينظر فيها - ثمّ يجبر على أحد الأمرين بعدها - هي من حين الرفع إلى الحاكم .
(مسألة 4) : يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة ، بخلاف الرجعي ، فإنّه وإن خرج بذلك من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم ، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلاّ بانقضاء عدّتها ، فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل ، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة .
(مسألة 5) : متى وطئها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة ؛ سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها ؛ لأ نّه قد حنث اليمين على كلّ حال وإن جاز له هذا الحنث ، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً . وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان ، كما أ نّه يمتاز عن غيره بأ نّه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره ؛ من كون متعلّقه مباحاً تساوى طرفاه ، أو كان راجحاً ديناً أو دُنيا .
ص: 385
وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين ، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد .
(مسألة 1) : إنّما يشرع اللعان في مقامين : أحدهما : فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا . ثانيهما : فيما إذا نفى ولدية من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به .
(مسألة 2) : لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب ، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة ، بل ولا بالشياع ولا بإخبار ثقة . نعم ، يجوز مع اليقين ، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة ، بل يُحَدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلاّ إذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية ، فيدرأ عنه الحدّ .
(مسألة 3) : يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة ، فلا لعان فيمن لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة ، وأن لا تكون له بيّنة ، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان .
(مسألة 4) : يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المنقطعة على
ص: 386
الأقوى ، وأن تكون مدخولاً بها ، وإلاّ فلا لعان ، وأن تكون غير مشهورة بالزنا ، وإلاّ فلا لعان ، بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان ، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة . نعم ، لو كانت متجاهرة بالزنا لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضاً . ويشترط في اللعان أيضاً أن تكون كاملة سالمة عن الصمم والخرس .
(مسألة 5) : لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به ؛ بأن دخل باُمّه ، أو أمنى في فرجها ، أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه ، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً ، ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ؛ حتّى فيما إذا فجر أحد بها ، فضلاً عمّا إذا اتّهمها ، بل يجب الإقرار بولديته . نعم ، يجب عليه أن ينفيه - ولو باللعان - مع علمه بعدم تكوّنه منه ؛ من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لو لا نفيه ؛ لئلاّ يلحق بنسبه من ليس منه ، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك .
(مسألة 6) : لو نفى ولدية من ولد في فراشه ، فإن علم أ نّه دخل باُمّه دخولاً يمكن معه لحوق الولد به ، أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه ، ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره . وأمّا لو لم يعلم ذلك ، ولم يقرّ به ، وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب ؛ بأن قال : «هذا ليس ولدي» ، أو مع ذكره ؛ بأن قال : «لأ نّي لم أدخل باُمّه أصلاً» أو أنكر دخولاً يمكن تكوّنه منه ، فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه ، لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدخول ، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً .
(مسألة 7) : إنّما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد
ص: 387
الدائم . وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان ؛ وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء ، ولو علم أ نّه دخل بها ، أو أمنى في فرجها ، أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه ، أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه ، لم ينتف عنه بنفيه ، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة .
(مسألة 8) : لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملاً أو منفصلاً .
(مسألة 9) : من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه من زناً ؛ لاحتمال تكوّنه من وط ء الشبهة أو غيره ، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به ؛ وإن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه ، لكن لا يجوز له أن يرميها بالزنا ، وينسب ولدها بكونه من زناً .
(مسألة 10) : لو أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك ؛ سواء كان إقراره صريحاً ، أو كناية مثل أن يبشّر به ؛ ويقال له : «بارك اللّه لك في مولودك» ، فيقول : «آمين» ، أو «إن شاء اللّه تعالى» ، بل قيل : إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ، ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر ، لم يكن له إنكاره بعده ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، لكن الأقوى خلافه .
(مسألة 11) : لا يقع اللعان إلاّ عند الحاكم الشرعي ، والأحوط أن لا يقع حتّى عند المنصوب من قبله لذلك . وصورته : أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفى ولدها : «أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين فيما قلت من قذفها ، أو نفي ولدها» يقول ذلك أربع مرّات ، ثمّ يقول مرّة واحدة : «لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين» . ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أربع مرّات : «أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين في
ص: 388
مقالته من الرمي بالزنا ، أو نفي الولد» ، ثمّ تقول مرّة واحدة : «إنّ غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين» .
(مسألة 12) : يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور ، فلو قال أو قالت : أحلف أو اُقسم أو شهدتُ أو أنا شاهد ، أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره ، كالرحمان وخالق البشر ونحوهما ، أو قال الرجل : إنّي صادق أو لصادق أو من الصادقين بغير ذكر اللام ، أو قالت المرأة : إنّه لكاذب أو كاذب أو من الكاذبين ، لم يقع ، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب ، والمرأة بالعكس .
(مسألة 13) : يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه ، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع .
(مسألة 14) : يجب أن تكون الصيغة بالعربية الصحيحة مع القدرة عليها ، وإلاّ أتى بالميسور منها ، ومع التعذّر أتى بغيرها .
(مسألة 15) : يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة . وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما ، أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما يخصّه ؟ أحوطهما الأوّل ، بل لا يخلو من قوّة .
(مسألة 16) : إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة : الأوّل : انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما . الثاني : الحُرمة الأبدية ، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد . وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان ؛ سواء كان للقذف ، أو لنفي الولد . الثالث : سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه ، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها ، فلو قذفها ثمّ لاعن ونكلت هي عن اللعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف ، وتحدّ المرأة حدّ الزانية ، لأنّ لعانه بمنزلة البيّنة في إثبات الزنا .
ص: 389
الرابع : انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه ؛ بمعنى أ نّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا ، لم يكن توارث بين الرجل والولد ، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة ، كالجدّ والجدّة والأخ والاُخت للأب ، وكذا الأعمام والعمّات ، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها ، حتّى أنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم الإخوة للاُمّ .
(مسألة 17) : لو كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد ، لحق به الولد فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به ، ولا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره .
ص: 390
وفيه مقدّمات ومقصدان ولواحق ، أمّا المقدّمات فاُمور :
وهي نسب وسبب :
فالأوّل ثلاث مراتب : الاُولى : الأبوان والأولاد وإن نزلوا . والثانية : الأجداد والجدّات وإن علوا والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا . الثالثة : الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم وإن نزلوا بشرط الصدق عرفاً .
والثاني قسمان : الزوجية والولاء . وهو ثلاث مراتب : ولاء العتق ، ثمّ ولاء ضمان الجريرة ، ثمّ ولاء الإمامة .
وهي كثيرة : منها ما يمنع عن أصله ، وهو حجب الحرمان ، ومنها ما يمنع عن بعضه ، وهو حجب النقصان . فما يمنع عن أصله اُمور :
ص: 391
أصلياً كان أو عن ارتداد ، فلا يرث الكافر من المسلم وإن كان قريباً ، ويختصّ إرثه بالمسلم وإن كان بعيداً ، فلو كان له ابن كافر لا يرثه ؛ ولو لم يكن له قرابة نسباً وسبباً إلاّ الإمام علیه السلام فيختصّ إرثه به دون ابنه الكافر .
(مسألة 1) : لو مات الكافر - أصلياً أو مرتدّاً عن فطرة أو ملّة - وله وارث مسلم وكافر ورثه المسلم كما مرّ . وإن لم يكن له وارث مسلم ، بل كان جميع ورّاثه كفّاراً ، يرثونه على قواعد الإرث ، إلاّ إذا كان مرتدّاً فطرياً أو ملّياً ، فإنّ ميراثه للإمام علیه السلام ، دون ورّاثه الكفّار .
(مسألة 2) : لو كان الميّت مسلماً أو مرتدّاً فطرياً أو ملّياً ، ولم يكن له وارث إلاّ الزوج والإمام علیه السلام ، كان إرثه للزوج لا الإمام علیه السلام ، ولو كان وارثه منحصراً بالزوجة والإمام علیه السلام يكون ربع تركته للزوجة والبقيّة للإمام علیه السلام .
(مسألة 3) : لو مات مسلم أو كافر ، وكان له وارث كافر ووارث مسلم غير الإمام علیه السلام ، وأسلم وارثه الكافر بعد موته ، فإن كان وارثه المسلم واحداً اختصّ بالإرث ولم ينفع لمن أسلم إسلامه . نعم ، لو كان الواحد زوجة ينفع إسلام من أسلم قبل قسمة التركة بينها وبين الإمام علیه السلام أو نائبه . ولو كان وارثه المسلم متعدّداً فإن كان إسلام من أسلم بعد قسمة الإرث لم ينفع إسلامه ، وأمّا لو كان قبلها فيشاركهم فيه إن ساواهم في المرتبة ، واختصّ به وحجبهم إن تقدّم عليهم ، كما إذا كان ابناً للميّت وهم إخوة .
(مسألة 4) : لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض فالأحوط التصالح .
ص: 392
(مسألة 5) : لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم ، فأسلم بعضهم بعد موته ، اختصّ هو بالإرث ، ولا يرثه الباقون ولا الإمام علیه السلام . وكذا الحال لو مات مرتدّ وخلّف ورثة كفّاراً ، وأسلم بعضهم بعد موته .
(مسألة 6) : لو مات كافر أصلي وخلّف ورثة كفّاراً ليس بينهم مسلم ، فأسلم بعضهم بعد موته ، فالظاهر أ نّه لا أثر لإسلامه ، وكان الحكم كما قبل إسلامه ، فيختصّ بالإرث مع تقدّم طبقته ، ويختصّ غيره به مع تأخّرها ، وشاركهم مع المساواة . ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في الصورة الأخيرة فيما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم ، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ بالإرث . وكذا اختصاص الطبقة السابقة في الصورة الثانية إنّما هو فيما إذا كان من في الطبقة السابقة واحداً أو متعدّداً ، وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم ، وأمّا إذا كان إسلامه قبلها اختصّ الإرث به .
(مسألة 7) : المراد بالمسلم والكافر - وارثاً ومورّثاً ، وحاجباً ومحجوباً - أعمّ منهما حقيقة ومستقلاًّ أو حكماً وتبعاً ، فكلّ طفل كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ، فهو مسلم حكماً وتبعاً ، فيلحقه حكمه ، وإن ارتدّ بعد ذلك المتبوع ، فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ . نعم ، يتبعه في الإسلام لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه ، بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته . وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين - أصليين أو مرتدّين أو مختلفين - حين انعقاد نطفته ، فهو بحكم الكافر حتّى أسلم أحدهما قبل بلوغه ، أو أظهر الإسلام هو بعده . فعلى ذلك لو مات كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو اُخت مسلمة ، ترثه تلك الأطفال دون الأولاد ، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه هو دون ابنه ، ولو مات مسلم وله طفل ثمّ مات الطفل ، ولم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات ، كان وارثه
ص: 393
الإمام علیه السلام ، كما هو الحال في الميّت المسلم ، ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ورثه الكفّار على ما فرض اللّه دون الإمام علیه السلام . هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين . وأمّا إذا كانا مرتدّين فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي ؛ حتّى يكون وارثه الإمام علیه السلام أو حكم الكافر الأصلي ؛ حتّى ترثه ورثته الكفّار ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما من قوّة . وفي جريان حكم التبعية فيما تقدّم في الجدّة تأمّل ، وكذا في الجدّ مع وجود الأب الكافر ؛ وإن كان جريانه فيه مطلقاً لا يخلو من وجه .
(مسألة 8) : المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والاُصول والعقائد ، فيرث المحقّ منهم عن المبطل وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم . نعم ، الغلاة المحكومون بالكفر ، والخوارج والنواصب ، ومن أنكر ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات والالتزام بلازمه كفّار أو بحكمهم ، فيرث المسلم منهم وهم لا يرثون منه .
(مسألة 9) : الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل ، فيرث النصراني من اليهودي وبالعكس ، بل يرث الحربي من الذمّي وبالعكس ، لكن يشترط في إرث بعضهم من بعض فقدان الوارث المسلم ، كما مرّ .
(مسألة 10) : المرتدّ - وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر - على قسمين : فطري وملّي . والأوّل : من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ، ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه . والثاني : من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ، ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ ، فصار كافراً أصلياً ، ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر ، كنصراني بالأصل أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيته مثلاً .
ص: 394
فالفطري : إن كان رجلاً تبين منه زوجته ، وينفسخ نكاحها بغير طلاق ، وتعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج إن أرادت ، وتقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ، ولا ينتظر موته ولا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه . نعم ، تقبل توبته باطناً وظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام ، فيطهر بدنه ، وتصحّ عباداته ، ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة ، والقهرية كالإرث ، ويجوز له التزويج بالمسلمة ، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة . وإن كان امرأة بقيت أموالها على ملكها ، ولا تنتقل إلى ورثتها إلاّ بموتها ، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها ، ومع الدخول بها ، فإن تابت قبل تمام العدّة - وهي عدّة الطلاق - بقيت الزوجية ، وإلاّ انكشف عن الانفساخ والبينونة من أوّل زمن الارتداد .
وأمّا الملّي : سواء كان رجلاً أو امرأة ، فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلاّ بالموت ، وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة ، وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول ، ومعه وقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته ، وإلاّ انكشف أ نّها بانت عنه عند الارتداد . ثمّ إنّ هنا أقساماً اُخر في إلحاقها بالفطري أو الملّي خلاف موكول إلى محلّه .
(مسألة 1) : لا يرث القاتل من المقتول لو كان القتل عمداً وظلماً ، ويرث منه إن قتله بحقّ ، كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو
ص: 395
ماله ، وكذا إذا كان خطأً محضاً ، كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه . نعم ، لا يرث من ديته التي تتحمّلها العاقلة على الأقوى . وأمّا شبه العمد : وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل ، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة ، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب ، فأدّى إلى قتله ، ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث ، أو كالخطأ المحض ، قولان ، أقواهما ثانيهما .
(مسألة 2) : لا فرق في القتل العمدي ظلماً في مانعيته من الإرث ، بين ما كان بالمباشرة ، كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص ، وبين ما كان بالتسبيب ، كما إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع ، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت ، فمات جوعاً أو عطشاً ، أو أحضر عنده طعاماً مسموماً بدون علم منه فأكله . . . إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبّب . نعم ، بعض التسبيبات التي قد يترتّب عليها التلف ، ممّا لا ينسب ولا يستند إلى المسبّب ، كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك ؛ وإن أوجب الضمان والدية على مسبّبها ، إلاّ أ نّها غير مانعة من الإرث ، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي وقع فيها ومات .
(مسألة 3) : كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول ، كذلك لا يكون حاجباً عمّن دونه في الدرجة ومتأخّر عنه في الطبقة ، فوجوده كعدمه ، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل ، يرث ابن القاتل عن جدّه . وكذا لو انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله إخوة ، كان ميراثه لهم دون ابنه ، بل لو لم يكن له وارث إلاّ الإمام علیه السلام ورثه دون ابنه .
ص: 396
(مسألة 4) : لا فرق في مانعية القتل بين أن يكون القاتل واحداً أو متعدّداً ، وعلى الثاني بين كون جميعهم وارثاً أو بعضهم دون بعض .
(مسألة 5) : الدية في حكم مال المقتول يقضى منها ديونه ، ويخرج منها وصاياه أوّلاً قبل الإرث ، ثمّ يورّث الباقي كسائر الأموال ؛ سواء كان القتل عمداً وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبه عمد أو خطأً ، وسواء كان في مورد الصلح ما يأخذونه أزيد من الدية أو أنقص أو مساوياً ، وسواء كان المأخوذ من جنس الدية أم لا . ويرث الدية كلّ من يتقرّب إليه بالنسب والسبب حتّى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حقّ القصاص ، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها . نعم ، لا يرث المتقرّب بالاُمّ وحدها من الدية شيئاً كالأخ والاُخت للاُمّ ، بل سائر من يتقرّب بها كالخؤولة والجدودة من قبلها ؛ وإن كان الأحوط في غير الأخ والاُخت التصالح .
على ما فصّل في المفصّلات .
(مسألة 1) : إن كان الزنا من الأبوين ، لا يكون التوارث بين الطفل وبينهما ، ولا بينه وبين المنتسبين إليهما ، وإن كان من أحدهما دون الآخر - كما كان الفعل من أحدهما شبهة - لا يكون التوارث بين الطفل والزاني ، ولا بينه وبين المنتسبين إليه .
(مسألة 2) : لا مانع من التوارث بين المتولّد من الزنا وأقربائه من غير الزنا ،
ص: 397
كولده وزوجته ونحوهما ، وكذا بينه وبين أحد الأبوين الذي لا يكون زانياً ، وبينه وبين المنتسبين إليه .
(مسألة 3) : المتولّد من الشبهة كالمتولّد من الحلال ، يكون التوارث بينه وبين أقاربه ؛ أباً كان أو اُمّاً أو غيرهما من الطبقات والدرجات .
(مسألة 4) : لا يمنع من التوارث التولّد من الوط ء الحرام غير الزنا ، كالوط ء حال الحيض وفي شهر رمضان ونحوهما .
(مسألة 5) : نكاح سائر المذاهب والملل لا يمنع من التوارث لو كان موافقاً لمذهبهم وإن كان مخالفاً لشرع الإسلام ؛ حتّى لو كان التولّد من نكاح بعض المحارم لو فرض جوازه في بعض النحل .
(مسألة 6) : نكاح سائر المذاهب غير الاثني عشري لا يمنع من التوارث لو وقع على وفق مذهبهم وإن كان باطلاً بحسب مذهبنا ، كما لو كانت المنكوحة مطلّقة بالطلاق البدعي .
(مسألة 1) : يمنع اللعان عن التوارث بين الولد ووالده ، وكذا بينه وبين أقاربه من قبل الوالد ، وأمّا بين الولد واُمّه وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها ، فيتحقّق التوارث ولا يمنع اللعان عنه .
(مسألة 2) : لو كان بعض الأقارب من الأبوين وبعضهم من الاُمّ فقط يرثون بالسويّة للانتساب إلى الاُمّ ، ولا أثر للانتساب إلى الأب ، فالأخ للأب والاُمّ بحكم الأخ للاُمّ .
ص: 398
(مسألة 3) : لو اعترف الرجل بعد اللعان بأنّ الولد له لحق به فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد ولا يرث الأب إيّاه ولا من يتقرّب به ، بل لا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره .
(مسألة 4) : لا أثر لإقرار الولد ولا سائر الأقارب في التوارث بعد اللعان ، بل ما يؤثّر هو إقرار الأب فقط في إرث الولد منه .
وهاهنا اُمور عدّت من الموانع ، وفيه تسامح :
الأوّل : الحمل ما دام حملاً لا يرث وإن علم حياته في بطن اُمّه ، ولكن يحجب من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة ، فلو كان للميّت حمل وله أحفاد وإخوة يحجبون عن الإرث ، ولم يعطوا شيئاً حتّى تبيّن الحال ، فإن سقط حيّاً اختصّ به ، وإن سقط ميّتاً يرثوا .
(مسألة 1) : لو كان للميّت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته - كما إذا كان له أولاد - يُعزل للحمل نصيب ذكرين ويُعطى الباقي للباقين ، ثمّ بعد تبيّن الحال إن سقط ميّتاً يعطى ما عزله للوارث الآخر ، ولو تعدّد وزّع بينهم على ما فرض اللّه .
(مسألة 2) : لو كان للوارث الموجود فرض لا يتغيّر بوجود الحمل وعدمه ، كنصيب أحد الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد يعطى كمال نصيبه ، ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقلّ ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه تقتضيه ، كالأبوين لو لم يكن هناك ولد غيره .
(مسألة 3) : لو علم بالآلات المستحدثة حال الطفل يعزل مقدار نصيبه ، فلو
ص: 399
علم أ نّه واحد وذكر يعزل نصيب ذكر واحد ، أو اُنثى واحدة يعزل نصيبها ، ولو علم أنّ الحمل أكثر من اثنين يعزل نصيبهم .
(مسألة 4) : لو عزل نصيب اثنين وقسّمت بقيّة التركة فتولّد أكثر ، استرجعت التركة بمقدار نصيب الزائد .
(مسألة 5) : الحمل يرث ويورث لو انفصل حيّاً وإن مات من ساعته ، فلو علم حياته بعد انفصاله فمات بعده يرث ويورث ، ولا يعتبر في ذلك الصياح بعد السقوط لو علم سقوطه حيّاً بالحركة البيّنة وغيرها .
(مسألة 6) : لا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورّث ، بل يكفي انعقاد نطفته حينه ، فإذا مات شخص وتبيّن الحمل في زوجته بعد موته ، وكان بحيث يلحق به شرعاً ، يرثه لو انفصل حيّاً .
الثاني : وجود طبقة مقدّمة ، فإنّها مانعة عن الطبقة المؤخّرة إلاّ أن تكون ممنوعة بجهة عن الإرث .
الثالث : وجود درجة مقدّمة في الطبقات ، فإنّها مع عدم ممنوعيتها عن الإرث مانعة عن الدرجة المتأخّرة ، كالولد عن ولد الولد ، وكالأخ عن ولد الأخ .
وأمّا حجب النقصان - أي ما يمنع عن بعض الإرث - فاُمور :
الأوّل : قتل الخطأ وشبه العمد ، فإنّه يمنع القاتل عن إرث خصوص الدية دون غيرها من التركة .
الثاني : أكبر الأولاد الذكور ، فإنّه يمنع باقي الورثة عن خصوص الحبوة ولو كان الولد الذكر واحداً يكون مانعاً عنها أيضاً .
ص: 400
الثالث : الولد مطلقاً ؛ ذكراً كان أو اُنثى ، منفرداً أو متعدّداً ، بلا واسطة أو معها ، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن النصيب الأعلى ؛ أي النصف والربع .
الرابع : الوارث مطلقاً ؛ النسبي والسببي ، ذكراً كان أو اُنثى ، متّحداً أو متعدّداً ، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن الزيادة عن فريضتهما ؛ أي النصف أو الربع أو الثمن ، فمع زيادة التركة عن الفريضة تردّ إلى غيرهما . نعم ، لو كان الوارث منحصراً بالزوج والإمام علیه السلام ، يرث الزوج النصف فريضة ويردّ عليه النصف الآخر ، بخلاف ما لو كان منحصراً بالزوجة والإمام علیه السلام ، فإنّ الربع لها والبقيّة له علیه السلام .
الخامس : نقص التركة عن السهام المفروضة ، فإنّه يمنع البنت الواحدة والاُخت الواحدة للأب والاُمّ أو للأب عن فريضتهما ، وهي النصف ، وكذا يمنع البنات المتعدّدة والأخوات المتعدّدة من الأب والاُمّ أو من الأب عن فريضتهم ، وهي الثلثان ، فلو كان للميّت بنت واحدة وأبوان وزوج ، أو بنات متعدّدة وأبوان وزوج ، يرد النقص على البنت أو البنات ، وكذا في سائر الفروض .
السادس : الاُخت من الأبوين أو الأب ، فإنّها تمنع الإخوة من الاُمّ عن ردّ ما زاد على فريضتهم ، وكذا الأخوات المتعدّدة من الأبوين أو الأب ، فإنّها تمنع الأخ الواحد الاُمّي أو الاُخت كذلك عن ردّ ما زاد على فريضتهما ، وكذا أحد الجدودة من قبل الأب ، فإنّه يمنع الإخوة من قبل الاُمّ عمّا زاد عليها .
السابع : الولد وإن نزل واحداً كان أو متعدّداً ، فإنّه يمنع الأبوين عمّا زاد على السدس فريضة لا ردّاً .
الثامن : الإخوة والأخوات - لا أولادهم - فإنّهم يمنعون الاُمّ عن الزيادة على السدس - فريضة وردّاً - بشروط : أوّلها : أن لا يكون الأخ أقلّ من اثنين أو الاُخت أقلّ من أربع ، ويكفي الأخ الواحد والاُختان . ثانيها : أن تكون الإخوة
ص: 401
حيّاً في الدنيا حين فوت المورّث ، فلا يكون الميّت والحمل حاجباً . ثالثها : أن تكون الإخوة مع الميّت من الأب والاُمّ أو من الأب ، فلا يحجب الاُمّي فقط . رابعها : أن يكون أب الميّت حيّاً حين موته . خامسها : أن لا يكون الإخوة والأب ممنوعين من الإرث ؛ بكفر ورقّية وتولّد الإخوة الحاجبين من الزنا وكون الأب قاتلاً للمورّث . ولو كان الإخوة الحاجبين قاتلين للمورّث ففيه إشكال ، فلا يُترك الاحتياط . سادسها : أن يكون بين الحاجب والمحجوب مغايرة ، ويتصوّر عدمها في الوط ء بالشبهة .
الوارث : إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة . والمراد بالفرض : هو السهم المقدّر والكسر المعيّن الذي سمّاه اللّه تعالى في كتابه الكريم .
والفروض ستّة ، وأربابها ثلاثة عشر :
الأوّل : النصف ، وهو لبنت واحدة إذا لم يكن معها ولد غير ممنوع عن الإرث ، ويعتبر هذا القيد في جميع الطبقات والدرجات الآتية . ولاُخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك ، وللزوج إن لم يكن للزوجة ولد وإن نزل .
الثاني : الربع ، وهو للزوج إن كان للزوجة ولد وإن نزل ، وللزوجة إن لم يكن للزوج ولد وإن نزل .
الثالث : الثمن ، وهو للزوجة إن كان للزوج ولد وإن نزل .
الرابع : الثلث ، وهو للاُمّ بشرط أن لا يكون للميّت ولد مطلقاً وإن نزل ، وأن لا يكون له إخوة متعدّدة كما تقدّم بشرائطه ، وللأخ والاُخت من الاُمّ مع التعدّد .
ص: 402
الخامس : الثلثان ، وهو للبنتين فصاعداً مع عدم وجود الابن للميّت ، وللاُختين فصاعداً لأبوين مع عدم وجود الأخ لأبوين ، أو لأب مع عدم وجود الأخ لأب .
السادس : السدس ، وهو للأب مع وجود الولد مطلقاً ، وللاُمّ مع وجود الحاجب عن الثلث ؛ أي الولد والإخوة على ما مرّ ، وللأخ أو الاُخت للاُمّ مع عدم التعدّد من قبلها . فالفروض : نصف ، ونصفه ، ونصف نصفه ، وثلثان ونصفهما ونصف نصفهما .
(مسألة 1) : قد ظهر ممّا ذكر : أنّ أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض لهم ، ويرثون بالقرابة فقط ، وأنّ الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقاً إلاّ في صورة واحدة ؛ وهي انحصار الوارث بالإمام علیه السلام والزوج . وأمّا الطبقة الاُولى والثانية : فبعضهم لا فرض له أصلاً ، كالابن والأخ لأبوين أو لأب ، وبعضهم ذو فرض مطلقاً كالاُمّ ، وبعضهم ذو فرض على حال دون حال كالأب ؛ فإنّه ذو فرض مع وجود الولد للميّت ، وليس له فرض مع عدمه ، وكذا الاُخت والاُختان لأب وأبوين ؛ فإنّ لهنّ فرضاً إن لم يكن معهنّ ذكر ، وليس لهنّ فرض إن كان .
(مسألة 2) : ظهر ممّا ذكر : أنّ من كان له فرض على قسمين : أحدهما : من ليس له إلاّ فرض واحد ، ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدّل الأحوال كالأب ؛ فإنّه ذو فرض في صورة وجود الولد ، وهو ليس إلاّ السدس مطلقاً ، وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعداً مع عدم الابن ، وكذا الاُخت والاُختان لأب أو لأبوين مع عدم الأخ ؛ فإنّ فرضهنّ النصف أو الثلثان مطلقاً ، وهؤلاء وإن كانوا ذوي فروض على حال دون حال إلاّ أنّ فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدّل الأحوال ، وقد يكون من له فرض على كلّ حال لا يتغيّر فرضه بتبدّل الأحوال ، وذلك
ص: 403
كالأخ للاُمّ أو الاُخت كذلك . فمع الوحدة فرضه السدس ، ومع التعدّد الثلث ؛ لا يزيد ولا ينقص في جميع الأحوال . الثاني : من كان فرضه يتغيّر بتبدّل الأحوال كالاُمّ ؛ فإنّ لها الثلث تارة والسدس اُخرى ، وكذا الزوجان ؛ فإنّ لهما نصفاً وربعاً مع عدم الولد ، وربعاً وثمناً معه .
(مسألة 3) : غير ما ذكر من أصناف ذوي الفروض وارث بالقرابة .
(مسألة 4) : لو اجتمع جدّ وجدّة من قبل الاُمّ - كلاهما أو أحدهما - مع المنتسبين من قبل الأب ، كالإخوة والأخوات من الأب والاُمّ أو من الأب ، وكالجدّ والجدّة من قبل الأب يكون حقّه ثلث مجموع التركة ، وإن ورد النقص على ذي الفرض ، فإن كان الوارث زوجاً وجدّاً أو جدّة من الاُمّ واُختاً من الأب والاُمّ ، فالنصف للزوج ، والثلث للجدّ من قبل الاُمّ واحداً أو متعدّداً ، والباقي - وهو السدس - للاُخت الواحدة من قبل الأب مع أنّ فريضتها النصف ، ومع ذلك إرث الجدودة بالقرابة لا الفرض .
(مسألة 5) : الفروض الستّة مع ملاحظة اجتماعها والصور المتصوّرة منه ستّة وثلاثون ، حاصلة من ضرب الستّة في مثلها ، وإذا سقطت الصور المتكرّرة - وهي خمس عشرة - بقيت إحدى وعشرون صورة .
(مسألة 6) : الصور المتقدّمة غير المتكرّرة : منها ما يصحّ اجتماعها ، ومنها ما يمتنع ولو لبطلان العول . فالممتنع ثمانية : وهي اجتماع النصف مع الثلثين ، والربع مع مثله ، ومع الثمن ، والثمن مع مثله ، ومع الثلث ، والثلثين مع مثلهما ، والثلث مع مثله ، ومع السدس . والصحيح هو البقيّة ؛ فإنّ النصف يجتمع مع مثله ، كزوج واُخت واحدة لأب أو لأبوين ، ومع الربع كبنت واحدة والزوج ، ومع الثمن كبنت
ص: 404
واحدة مع الزوجة ، ومع الثلث كالزوج والاُمّ مع عدم الحاجب ، ومع السدس كالزوج وواحد من كلالة الاُمّ ، فالنصف يجتمع مع الفرائض الستّة إلاّ واحدة منها لبطلان العول . فالاُختان لو اجتمعتا مع الزوج ترثان بالقرابة لا بالفرض ، ويكون النقص وارداً عليهما . والربع يجتمع مع الثلثين كزوج وابنتين ، ومع الثلث كزوجة والمتعدّد من كلالة الاُمّ ، ومع السدس كالزوجة والمتّحد من كلالة الاُمّ . والثمن يجتمع مع الثلثين كالزوجة وابنتين ، ومع السدس كزوجة وأحد الأبوين مع وجود الولد . والثلثان يجتمع مع الثلث كاُختين فصاعداً لأب وإخوة من الاُمّ ، ومع السدس كبنتين وأحد الأبوين . والسدس يجتمع مع مثله كالأبوين مع وجود الولد .
(مسألة 1) : الورّاث الموجودون للميّت إن كانوا ورّاثاً بالفرض فهو على صور :
الاُولى : ما إذا كانت تركة الميّت بقدر السهام المفروضة بلا زيادة ونقيصة ، كما إذا كان الوارث أبوين وبنات متعدّدة ، فالثلثان للبنات ، والثلث للأبوين ؛ لكلّ سدس .
الثانية : ما لو كانت التركة أزيد من السهام فتردّ الزيادة على أرباب الفروض ولا تعطى لعصبة الميّت ، وهي كلّ ذكر ينتسب إليه بلا وسط أو بواسطة الذكور ، فلو كان الوارث منحصراً ببنت واحدة واُمّ يعطى النصف البنت فرضاً والسدس الاُمّ فرضاً ، ويردّ الثلث الباقي عليهما أرباعاً على نسبة سهمهما ، ولو انحصر ببنات متعدّدة واُمّ يعطى الثلثان البنات فرضاً والسدس الاُمّ فرضاً ، والسدس
ص: 405
الباقي يردّ عليهما أخماساً على نسبة السهام ، والعصبة في فيها التراب .
الثالثة : ما إذا كانت التركة أقلّ من السهام ؛ وذلك بدخول بنت أو بنتين فصاعداً ، أو اُخت من قبل الأبوين أو الأب ، أو اُختين كذلك فصاعداً في الورثة ، فيرد النقص عليهنّ ، ولا يعول بوروده على الجميع بالنسبة ، فلو كان الوارث بنتاً وزوجاً وأبوين يردّ فرض الزوج والأبوين ، ويرد النقص - وهو نصف السدس - على البنت ، ولو كانت في الفرض بنات متعدّدة يرد النقص - وهو الربع - عليهنّ . وكذا في الأمثلة الاُخر .
(مسألة 2) : لا تردّ الزيادة على طوائف من أرباب الفروض : منها : الزوجة مطلقاً ، فتعطى فرضها ويردّ الباقي على غيرها من الطبقات حتّى الإمام علیه السلام . ومنها : الزوج ، فيعطى فرضه ويردّ الباقي على غيره إلاّ مع انحصار الوارث به وبالإمام علیه السلام ، فيردّ عليه النصف مضافاً إلى فرضه . ومنها : الاُمّ مع وجود الحاجب من الردّ كما تقدّم . ومنها : الإخوة من الاُمّ مطلقاً مع وجود واحد من الجدودة من قبل الأب ، أو واحد من الإخوة من قبل الأبوين أو الأب كما تقدّم .
(مسألة 3) : الذكور من الأولاد وكذا الإناث مع وجود الذكور يرثون بالقرابة ، وكذا الأب بشرط عدم وجود الولد للميّت ، وكذا الجدودة مطلقاً والإخوة من قبل الأبوين أو الأب بشرط وجود ذكور فيهم ، وكذا جميع أصناف الطبقة الثالثة من العمومة والخؤولة وأولادهم ، فهؤلاء يرثون بالقرابة لا بالفرض .
(مسألة 4) : لو اجتمع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة ، فالفرض للوارث بالفرض ، والباقي للوارث بالقرابة ، فلو اجتمع الأبوان مع أولاد - الذكور والإناث - يُعطى فرض الأبوين وهو السدسان ، والباقي للأولاد بالقرابة ، ولو كان الوارث الأبوين ، فللاُمّ السدس مع وجود الحاجب ، والثلث مع
ص: 406
عدمه فرضاً ، والباقي للأب قرابة ، ولو اجتمعت الاُخت أو الأخوات من الأبوين مع الجدودة من قبل الاُمّ فالفرض للاُخت أو الأخوات والباقي للجدودة بالقرابة ، وهكذا غير ما ذكر .
(مسألة 1) : لا يرث أحد الزوجين جميع المال بسبب الزوجية إلاّ في صورة واحدة ، وهي انحصار الوارث بالزوج والإمام علیه السلام ، فيرث الزوج جميع المال فرضاً وردّاً كما تقدّم . وقد ظهر ممّا مرّ : أنّ فرض الزوج نصف تارة ورُبع اُخرى ،
وفرض الزوجة ربع تارة وثمن اُخرى ، ولا يزيد نصيبهما ولا ينقص مع اجتماعهما بأيّ طبقة أو درجة ، إلاّ في الفرض المتقدّم آنفاً .
(مسألة 2) : يشترط في التوارث بالزوجية أن يكون العقد دائماً ، فلا توارث في الانقطاع ؛ لا من جانب الزوج ولا الزوجة بلا اشتراط بلا إشكال ، ومعه من جانب أو جانبين في غاية الإشكال ، فلا يترك الاحتياط بترك الشرط ، ومعه لا يترك بالتصالح . وأن تكون الزوجة في حبال الزوج وإن لم يدخل بها ، فيتوارثان ولو مع عدم الدخول . والمطلّقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدّة ، بخلاف البائنة ، فلو مات أحدهما في زمان العدّة الرجعية يرثه الآخر ، بخلاف ما لو مات في العدّة البائنة . نعم ، لو طلّقها في حال المرض - ولو بائناً - ومات بهذا
المرض ترثه إلى سنة من حين الطلاق ؛ بشرط أن لا يكون الطلاق بالتماس منها ، فلا ترث المختلعة والمباراة . وأن لا تتزوّج ، فلو طلّقها حال المرض ، وتزوّجت بعد انقضاء عدّتها ، ثمّ مات الزوج قبل انقضاء السنة ، لم ترثه . وأن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلّقها فيه ، فلو برئ منه ثمّ مرض ولو بمثل هذا المرض لم ترثه . ولو ماتت هي في مرضه قبل تمام السنة لا يرثها إلاّ في العدّة الرجعية .
(مسألة 3) : لو نكح المريض في مرضه ، فإن دخل بها أو برئ من ذلك
ص: 425
المرض يتوارثان ، وإن مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد ، ولا مهر لها ولا ميراث . وكذا لو ماتت في مرضه ذلك المتّصل بالموت قبل الدخول لا يرثها . ولو تزوّجت وهي مريضة لا الزوج فماتت أو مات يتوارثان ، ولا فرق في الدخول بين القبل والدبر . كما أنّ الظاهر أنّ المعتبر موته في هذا المرض قبل البرء لا بهذا ؛ فلو مات فيه بعلّة اُخرى لا يتوارثان أيضاً ، والظاهر عدم الفرق بين طول
المرض وقصره ، ولو كان المرض شبه الأدوار ؛ بحيث يقال بعدم برئه في دور الوقوف ، فالظاهر عدم التوارث لو مات فيه ، والأحوط التصالح .
(مسألة 4) : إن تعدّدت الزوجات فالثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه يقسّم بينهنّ بالسويّة ، فلهنّ الربع أو الثمن من التركة . ولا فرق في منع الولد عن
نصيبها الأعلى بين كونه منها أو من غيرها ، أو كان من دائمة أو منقطعة ، ولا بين كونه بلا واسطة أو معها . والزوجة المطلّقة حال مرض الموت شريكة في الربع أو الثمن مع الشرائط المتقدّمة .
(مسألة 5) : يرث الزوج من جميع تركة زوجته من منقول وغيره ، وترث الزوجة من المنقولات مطلقاً ، ولا ترث من الأراضي مطلقاً - لا عيناً ولا قيمة - سواء كانت مشغولة بالزرع والشجر والبناء وغيرها أم لا . وترث القيمة خاصّة من آلات البناء ، كالجذوع والخشب والطوب ونحوها ، وكذا قيمة الشجر والنخل ؛ من غير فرق بين أقسام البناء كالرحى والحمّام والدكّان والإصطبل وغيرها ، وفي الأشجار بين الصغيرة والكبيرة واليابسة التي معدّة للقطع ولم تقطع والأغصان اليابسة ، والسعف كذلك مع اتّصالها بالشجر .
(مسألة 6) : المراد من الأعيان التي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة
ص: 426
حال الموت ، فإن حصل منها نماء وزيادة عينية من حين الموت إلى حين القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة .
(مسألة 7) : المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت ، فلو زادت القيمة على القيمة حين الموت ترث منها ، ولو نقصت نقصت من نصيبها . نعم ، الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح .
(مسألة 8) : طريق التقويم أن تقوّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض مجّاناً إلى أن تفنى ، وتعطى حصّتها من ذلك ، فلو زادت قيمتها مثبتة إلى أن تفنى عنها غير مثبتة فلها الزيادة .
(مسألة 9) : المدار كون الآلات مثبتة حين الموت . فلو خربت البناء وقطعت الأشجار قبل الموت ، وبقيت بتلك الحالة إلى حين الموت ، ترث من أعيانها كسائر المنقولات . ومن المنقول الثمر على الشجر والزرع والبذر المزروع ، وكذا القدر المثبت في الدكّان ليطبخ فيه ، فإنّ الظاهر أ نّه من المنقول . كما أنّ الظاهر أنّ الدولاب والعريش الذي يكون عليه أغصان الكرم من غير المنقول .
(مسألة 10) : الأقوى أنّ الزوجة تستحقّ القيمة ، ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان ، كما ليس لها مطالبة الأعيان .
(مسألة 11) : لا يجوز للزوجة التصرّف في الأعيان التي تستحقّ قيمتها بلا رضا سائر الورثة ، والأحوط لسائر الورثة عدم التصرّف فيها - قبل أداء قيمتها - بغير إذنها .
(مسألة 12) : لو زوّج الصغيرة أبوها أو جدّها لأبيها بالكفو بمهر المثل أو الأكثر يرثها الزوج وترثه ، وكذا لو زوّج الصغيرين أبوهما أو جدّهما لأبيهما ، بل
ص: 427
لو كان التزويج بالكفو بدون مهر المثل مع عدم المفسدة ، فضلاً عمّا كان فيه
الصلاح . وكذا لو زوّج الحاكم في مورد جاز له التزويج . وقد مرّ بعض ما يناسب المقام في النكاح .
(مسألة 13) : الإرث بسبب الولاء غير مبتلىً به إلاّ بسبب الإمامة ، فمن مات وليس له وارث من الطبقات المتقدّمة ولا بولاء العتق وضمان الجريرة ، ولم يكن له زوج ، يرثه الإمام علیه السلام . ولو كان الوارث الزوجة فقط فالبقيّة بعد الربع له علیه السلام . وأمره في عصر غيبة وليّ الأمر - عجّل اللّه تعالى فرجه - كسائر ما للإمام علیه السلام
بيد الفقيه الجامع للشرائط .
وأمّا اللواحق ففيها فصول:
الأوّل : في ميراث الخُنثى
(مسألة 1) : لو كان بعض الورّاث خُنثى - بأن كان له فرج الرجال والنساء - فإن أمكن تعيين كونه رجلاً أو امرأة بإحدى المرجّحات المنصوصة أو غير المنصوصة ، فهو غير مشكل ، ويعمل على طبقها ، وإلاّ فهو مشكل .
(مسألة 2) : المرجّحات المنصوصة اُمور : الأوّل : أن يبول من أحد الفرجين دائماً ، أو غالباً بحيث يكون البول من غيره نادراً كالمعدوم ، وإلاّ فمحلّ إشكال ،
فيرث على الفرج الذي يبول منه ، فإن بال من فرج الرجال يرث ميراث الذكر ، وإن بال من فرج النساء يرث ميراث الاُنثى . الثاني : سبق البول من أحد الفرجين دائماً ، أو غالباً بنحو عدّ ما عداه كالمعدوم لو بال منهما ، فإن سبق ممّا للرجال يرث ميراث الذكر ، وإن سبق ممّا للنساء يرث ميراث الاُنثى . الثالث : قيل : تأخّر الانقطاع من أحد الفرجين دائماً أو غالباً مع فقد الأمارة الثانية ، وفيه إشكال ؛
ص: 428
لا يترك الاحتياط بالتصالح مع فقد سائر الأمارات . الرابع : عدّ الأضلاع ، فإن كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال ، ويرث إرث الذكر ، وإن كانتا متساويتين يرث إرث الاُنثى .
(مسألة 3) : لو فقدت العلائم المنصوصة ، فإن كانت فيه علائم خاصّة بالنساء ، كرؤية الدم حسب ما ترى النساء ، أو خاصّة بالرجال كإنبات اللحية - مثلاً - فإن حصل منها الاطمئنان يحكم بحسبه ، وإلاّ فهو من المشكل .
(مسألة 4) : الخنثى المشكل - أي الذي لا تكون فيه المرجّحات المنصوصة ، ولا العلائم الموجبة للاطمئنان - يرث نصف نصيب الرجال ونصف نصيب النساء .
(مسألة 5) : لو لم يكن لشخص فرج الرجال ولا النساء ، وخرج بوله من محلّ آخر كدبره ، فالأقوى العمل بالقرعة .
(مسألة 6) : لو كان لشخص رأسان على صدر واحد ، أو بدنان على حقو واحد ، فطريق الاستعلام أن يوقظ أحدهما ، فإن انتبه دون الآخر فهما اثنان يورثان ميراث الاثنين ، وإن انتبها يورث إرث الواحد . ثمّ إنّ لهذا الموضوع فروعاً كثيرة جدّاً سيّالة في أبواب الفقه مذكور بعضها في المفصّلات .
(مسألة 1) : لو مات اثنان بينهما توارث في آن واحد ؛ بحيث يعلم تقارن موتهما ، فلا يكون بينهما توارث ؛ سواء ماتا أو مات أحدهما حتف أنف أو بسبب ، كان السبب واحداً أو لكلّ سبب ، فيرث من كلّ منهما الحيّ من ورّاثه حال موته ، وكذا الحال في موت الأكثر من اثنين .
ص: 429
(مسألة 2) : لو مات اثنان حتف أنف أو بسبب ، وشكّ في التقارن وعدمه ، أو
علم عدم التقارن وشكّ في المتقدّم والمتأخّر ، فإن علم تأريخ أحدهما المعيّن يرث الآخر - أي مجهول التأريخ - منه ، دون العكس . وكذا في أكثر من واحد ، ولا فرق في الأسباب كما تقدّم .
(مسألة 3) : لو مات اثنان وشكّ في التقارن والتقدّم والتأخّر ولم يعلم التأريخ ، فإن كان سبب موتهما الغرق أو الهدم ، فلا إشكال في إرث كلّ منهما من الآخر . وإن كان السبب غيرهما - أيّ سبب كان - أو كان الموت حتف أنف ، أو اختلفا في الأسباب ، فهل يحكم بالقرعة ، أو التصالح ، أو كان حكمه حكم الغرقى والمهدوم عليهم ؟ وجوه ، أقواها الأخير وإن كان الاحتياط بالتصالح مطلوباً ، سيّما فيما كان موتهما أو موت أحدهما حتف أنف ، ويجري الحكم في موت الأكثر من اثنين .
(مسألة 4) : لو ماتا وعلم تقدّم أحدهما على الآخر ، وشكّ في المتقدّم وجهل تأريخهما ، فالأقوى الرجوع إلى القرعة ؛ سواء كان السبب الغرق أو الهدم أو غيرهما أو ماتا أو أحدهما حتف أنف .
(مسألة 5) : طريق التوريث من الطرفين : أن يفرض حياة كلّ واحد منهما حين موت الآخر ، ويرث من تركته حال الموت ، ثمّ يرث وارثه الحيّ ما ورثه . نعم ، لا يرث واحد منهما ممّا ورث الآخر منه ، فلو مات ابن وأب ولم يعلم التقدّم والتأخّر والتقارن ، وكان للأب - غير الابن الذي مات معه - ابنة ، وكان ما تركه تسعمائة ، وكان للابن الميّت ابن وما تركه ستّمائة ، فيفرض أوّلاً موت الأب وحياة الابن ، فيرث من أبيه ستّمائة ثلثي التركة ، وهي حقّ ابنه أي ابن ابن
ص: 430
الميّت ، والباقي حقّ اُخته ، ثمّ يُفرض موت الابن وحياة الأب ، فيرث منه مائةً
سدس تركته ، ويؤتى ابنته ، والباقي حقّ ابن ابنه .
(مسألة 6) : يشترط في التوريث من الطرفين عدم الحاجب من الإرث في كلّ منهما ، ولو كان أحدهما محجوباً يرث منه صاحبه ، كما أ نّه لو لم يكن لأحدهما ما ترك من مال أو حقّ يرث ممّن له ذلك ؛ فلا يشترط في إرثه منه إرث الطرف منه .
(مسألة 1) : المجوس وغيرهم من فرق الكفّار ، قد ينكحون المحرّمات عندنا بمقتضى مذهبهم على ما قيل ، وقد ينكحون المحلّلات عندنا ، فلهم نسب وسبب صحيحان وفاسدان .
(مسألة 2) : لا يرث مجوسي ولا غيره ممّن لا يكون بينه وبينه نسب أو سبب صحيح في مذهبه .
(مسألة 3) : لو كان نسب أو سبب صحيح في مذهبهم وباطل عندنا ، كما لو نكح أحدهم باُمّه أو بنته وأولدها ، فهل لا يكون بين الولد وبينهما وكذا بين الزوج والزوجة توارث مطلقاً ، وإنّما التوارث بالنسب والسبب الصحيحين عندنا ، أو يكون التوارث بالنسب ولو كان فاسداً ، وبالسبب الصحيح دون الفاسد ، أو يكون بالأمرين صحيحهما وفاسدهما ؟ وجوه وأقوال أقواها الأخير .
(مسألة 4) : لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم يرث بالجميع ، مثل اُمّ هي زوجته ، فلها نصيب الزوجة من الربع أو الثمن ونصيب الاُمومة ، ولو
ص: 431
ماتت فله نصيب الزوج والابن .
(مسألة 5) : لو اجتمع سببان ، وكان أحدهما مانعاً من الآخر ، ورث من جهة المانع فقط ، مثل بنت هي اُخت من اُمّ ، فلها نصيب البنت لا الاُخت ، وبنت هي بنت بنت ، فلها نصيب البنت فقط .
(مسألة 6) : لو كان لامرأة زوجان أو أكثر - وصحّ في مذهبهم - فماتت ، فالظاهر أنّ إرث الزوج - أي النصف أو الربع - يقسّم بينهم بالسويّة كإرث الزوجات منه ، ولو مات أحد الزوجين فلها منه نصيبها من الربع أو الثمن ، ولو ماتا فلها من كلّ منهما نصيبها من الربع أو الثمن .
(مسألة 7) : لو تزوّجوا بالسبب الفاسد عندهم والصحيح عندنا ، فلا يبعد جريان حكم الصحيح عليه ، ولكن اُلزموا فيما عليهم بما ألزموا به أنفسهم .
(مسألة 8) : المسلم لا يرث بالسبب الفاسد ، فلو تزوّج أحد محارمه لم يتوارثا بهذا التزويج وإن فرض كونه عن شبهة ، فلو تزوّج اُمّه من الرضاع أو من الزنا فلا يتوارثان به .
(مسألة 9) : المسلم يرث بالنسب الصحيح وكذا الفاسد لو كان عن شبهة ، فلو اعتقد أنّ اُمّه أجنبيّة فتزوّجها وأولد منها ، يرث الولد منهما ، وهما منه ، فيأتي
في المسلم مع الشبهة الفروع التي تتصوّر في المجوس . ولا فرق في الشبهة بين الموضوعية والحكمية .
(مسألة 10) : لو اختلف اجتهاد فقيهين في صحّة تزويج وفساده ، كتزويج اُمّ
المزني بها ، أو المختلقة من ماء الزاني ، فتزوّج القائل بالصحّة أو مقلّده ، ليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحّة عليه ، فلا توارث بينهما عند المبطل .
ص: 432
وهم ثلاث مراتب :
الاُولى : الأبوان بلا واسطة والأولاد وإن نزلوا الأقرب فالأقرب .
(مسألة 1) : لو انفرد الأب فالمال له قرابة ، أو الاُمّ فلها الثلث فرضاً والباقي يردّ عليها ، ولو اجتمعا فللاُمّ الثلث فرضاً ، والباقي للأب إن لم يكن للاُمّ حاجب ، وإلاّ فلها السدس والباقي للأب ، ولا ترث الإخوة في الفرض شيئاً وإن حجبوا .
(مسألة 2) : لو انفرد الابن فالمال له قرابةً ، ولو كان أكثر فهم سواء ، ولو انفردت البنت فلها النصف فرضاً والباقي ردّاً ، والعصبة لا نصيب لها ، وفي فيها التراب . ولو كانت بنتان فصاعداً فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً ، ولو اجتمع الذكور والإناث فالمال لهم ؛ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 3) : لو اجتمع الأولاد مع أحد الأبوين : فإن كان الولد بنتاً واحدة يردّ عليها النصف فرضاً ، وعلى أحد الأبوين السدس فرضاً ، والباقي يردّ عليهما أرباعاً . ولو كان بنتين فصاعداً يردّ على البنات أربعة أخماس فرضاً وردّاً ، وعلى أحد الأبوين الخمس فرضاً وردّاً . ولو كان ذكراً - سواء كان واحداً أو متعدّداً - فلأحد الأبوين السدس فرضاً ، والباقي للولد .
ص: 407
(مسألة 4) : لو اجتمع الأولاد مع الأبوين : فإن كان الولد بنتاً واحدة ولم يكن للاُمّ حاجب من الردّ ، فثلاثة أخماس للبنت فرضاً وردّاً ، وخُمسان للأبوين بالمناصفة فرضاً وردّاً . وإن كان للاُمّ حاجب من الردّ فالسدس لها ، والبقيّة تقسّم بين البنت والأب أرباعاً فرضاً وردّاً . وإن كان اُنثى متعدّدة ، أو ذكراً واحداً أو متعدّداً ، أو إناثاً وذكراناً ، فالسدسان للأبوين ، والبقيّة للأولاد تقسّم بينهم بالسويّة مع وحدة الجنس ، وللذكر ضعف الاُنثى مع الاختلاف .
(مسألة 5) : لو اجتمع أحد الأبوين وأحد الزوجين ، فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى والباقي لأحد الأبوين ؛ للأب قرابةً ، وللاُمّ فرضاً وردّاً .
(مسألة 6) : لو اجتمع الأبوان وأحد الزوجين فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى وللاُمّ الثلث من مجموع التركة مع عدم الحاجب ، والسدس معه فرضاً ، والباقي للأب قرابةً .
(مسألة 7) : لو اجتمع الأولاد مع أحد الزوجين ، فلأحدهما نصيبه الأدنى والباقي للأولاد - متّحداً أو متعدّداً - للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 8) : لو اجتمع أحد الأبوين والأولاد وأحد الزوجين : فلو كان الولد بنتاً واحدة فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ، والباقي يقسّم بين الباقي أرباعاً ؛ ربع لأحد الأبوين والباقي للبنت . ولو كان بنتين فصاعداً(1) فإن كان أحد الزوجين هي الزوجة ، فلها نصيبها الأدنى ، والباقي يقسّم بين الباقي أخماساً ، وإن كان هو الزوج فله نصيبه الأدنى ، ولأحد الأبوين السدس ، والبقيّة للبنتين
ص: 408
فصاعداً . وإن كان ذكراً واحداً أو متعدّداً أو ذكوراً وإناثاً فلأحدهما نصيبه الأدنى ، والسدس من أصل التركة لأحد الأبوين ، والباقي للباقي ، ومع الاختلاف (فلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 9) : لو اجتمع الأبوان والأولاد وأحد الزوجين : فإن كان الولد بنتاً واحدة فللزوج نصيبه الأدنى ، وللأبوين سدسان من التركة ، والباقي للبنت ، والنقص يرد عليها ، وللزوجة نصيبها الأدنى ، وتقسّم البقيّة بين الباقي أخماساً إن لم يكن للاُمّ حاجب عن الردّ ، وإلاّ فلها السدس ، والباقي يقسّم بين الأب والبنت أرباعاً . ولو كان الولد بنتين فصاعداً فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ، والسدسان من أصل التركة للأبوين ، والباقي للبنات فيرد النقص عليهنّ . ولو كان ذكراً واحداً أو متعدّداً ، أو ذكوراً وإناثاً ، فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ، وللأبوين سدسان من الأصل ، والباقي للأولاد (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .
وهاهنا اُمور :
الأوّل : أولاد الأولاد وإن نزلوا ، يقومون مقام الأولاد في مقاسمة الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ، ومنع من عداهم من الأقارب ؛ سواء كان والدا الميّت موجودين أم لا ، ويتقدّم كلّ بطن على البطن المتأخّر .
الثاني : يرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرّب به ، فيرث ولد البنت نصيب اُمّه - ذكراً كان أو اُنثى - وهو النصف مع انفراده أو كان مع الأبوين ، ويردّ عليه وإن كان ذكراً ، كما يردّ على اُمّه لو كانت موجودة . ويرث ولد الابن نصيب أبيه - ذكراً كان أو اُنثى - فإن انفرد فله جميع المال ، ولو كان معه ذو فريضة فله ما فضل عن حصص الفريضة .
الثالث : لو اجتمع أولاد الابن وأولاد البنت فلأولاد الابن الثلثان نصيب أبيهم ،
ص: 409
ولأولاد البنت الثلث نصيب اُمّهم ، ومع وجود أحد الزوجين فله نصيبه الأدنى ، والباقي للمذكورين ، الثلثان لأولاد الابن والثلث لأولاد البنت .
الرابع : أولاد البنت كأولاد الابن لو كانوا من جنس واحد يقتسمون بالسويّة ، ومع الاختلاف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .
الخامس : يُحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه .
(مسألة 1) : تختصّ الحبوة بالأكبر من الذكور ؛ بأن لا يكون ذكر أكبر منه . ولو تعدّد الأكبر بأن يكونا بسنّ واحد ؛ ولا يكون ذكر أكبر منهما ، تقسّم الحبوة بينهما بالسويّة . وكذا لو كان أكثر من اثنين . ولو كان الذكر واحداً يُحبى به . وكذا لو كان معه اُنثى وإن كانت أكبر منه .
(مسألة 2) : لا فرق في الثياب بين أن تكون مستعملة أو مخيطة للّبس وإن لم يستعملها ، ولا بين الواحد والمتعدّد . كما لا فرق بين الواحد والمتعدّد في المصحف والخاتم والسيف لو كانت مستعملة أو معدّة للاستعمال .
(مسألة 3) : الأقوى عدم كون السلاح - غير السيف - والرحل والراحلة من الحبوة ، والاحتياط بالتصالح مطلوب جدّاً .
(مسألة 4) : لو لم تكن الحبوة أو بعضها فيما تركه لا يعطى قيمتها .
(مسألة 5) : لا يعتبر في الحبوة أن تكون بعض التركة ، فلو كانت التركة منحصرة بها يحبى الولد الأكبر على الأقوى ، والاحتياط حسن .
(مسألة 6) : لا يعتبر بلوغ الولد ، ولا كونه منفصلاً حيّاً حين موت الأب على الأقوى ، فتعزل الحبوة له ، كما يعزل نصيبه من الإرث ، فلو انفصل بعد موت
ص: 410
الأب حيّاً يحبى ، ولو كان الحمل اُنثى ، أو كان ذكراً ومات قبل الانفصال ، فالظاهر أنّ الحبوة لأكبر الموجودين من الذكر .
(مسألة 7) : الأقوى عدم اشتراط كون الولد عاقلاً رشيداً ، وفي اشتراط كونه غير المخالف من سائر فرق المسلمين تأمّل ؛ وإن لا يبعد إلزامه بمعتقده إن اعتقد عدم الحبوة .
(مسألة 8) : يقدّم تجهيز الميّت وديونه على الحبوة مع تزاحمهما ؛ بأن لا تكون له إلاّ الحبوة ، أو نقص ما تركه - غير الحبوة - عن مصرف التجهيز والدين ، ومع عدم التزاحم - بأن يكون ما تركه غيرها كافياً - فالأحوط للولد الأكبر أن يعطي لهما منها بالنسبة .
(مسألة 9) : لو أوصى بعين من التركة ، فإن كان ما أوصى هي الحبوة فالوصيّة نافذة ، إلاّ أن تكون زائدة على الثلث ، فيحتاج إلى إجازة الولد الأكبر ، وليس له شيء من التركة في قبال الحبوة . ولو أوصى مطلقاً ، أو بالحبوة وغيرها ، فلو كانت الوصيّة غير زائدة على الثلث تنفذ ، وفي صورة الإطلاق يحسب من جميع التركة حتّى الحبوة ، وفي الصورة الثانية يحسب منها ومن غيرها حسب الوصيّة ، ولو زادت على الثلث تحتاج في الحبوة إلى إذن صاحبها ، وفي غيرها إلى إذن جميع الورثة ، ولو أوصى بمقدار معلوم - كألف أو كسر مشاع - فكذلك .
السادس : لا يرث الجدّ ولا الجدّة لأب أو لاُمّ مع أحد الأبوين ، لكن يستحبّ أن يطعم كلّ من الأبوين أبويه سدس أصل التركة لو زاد نصيبه من السدس ، فلو خلّف أبويه وجدّاً وجدّة لأب أو لاُمّ يستحبّ للاُمّ أن تطعم أباها واُمّها السدس
ص: 411
بالسويّة ، وهو نصف نصيبها ، وللأب أن يطعم أباه واُمّه سدس أصل التركة ، وهو ربع نصيبه ، ولو كان الموجود واحداً منهما كان السدس له .
المرتبة الثانية : الإخوة وأولادهم - المسمّون بالكلالة - والأجداد مطلقاً ، ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة .
(مسألة 1) : لو انفرد الأخ لأب واُمّ فالمال له قرابةً ، ولو كان معه أخ أو إخوة كذلك فهو بينهم بالسويّة ، ولو كان معهم إناث أو اُنثى كذلك (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .
(مسألة 2) : لو انفردت الاُخت لأب واُمّ كان لها النصف فرضاً ، والباقي يردّ عليها قرابةً ، ولو تعدّدت كان لها الثلثان فرضاً والباقي يردّ عليها قرابة .
(مسألة 3) : يقوم كلالة الأب مقام كلالة الأب والاُمّ مع عدمهم ، فيكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالتهما ، فلو انفرد الأخ فالمال له ، ولو تعدّد فهو لهم بالسويّة ، ولو كان فيهم اُنثى فللذكر ضعفها ، ولو انفردت الاُخت كان لها النصف فرضاً والباقي ردّاً ، ولو تعدّدت فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً .
(مسألة 4) : لا يرث أخ واُخت لأب مع أحد من الإخوة للأب والاُمّ .
(مسألة 5) : لو انفرد الواحد من ولد الاُمّ خاصّة عمّن يرث معه ، كان له السدس فرضاً والباقي ردّاً قرابة ذكراً كان أو اُنثى . ولو تعدّد الولد اثنين فصاعداً فلهما أو لهم الثلث فرضاً والباقي قرابة ، ويقسّم بينهم بالسويّة وإن اختلف الجنسان .
(مسألة 6) : لو كان الإخوة متفرّقين - فبعضهم للاُمّ وبعضهم للأب والاُمّ -
ص: 412
كان لمن يتقرّب بالاُمّ السدس فرضاً مع وحدته ، والثلث كذلك مع التعدّد ، يقسّم بالسويّة ولو مع الاختلاف ، ولمن يتقرّب بالأب والاُمّ البقيّة - خمسة أسداس أو الثلثان - يقسّم بينهم ، ومع الاختلاف للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 7) : مع فقد الإخوة من الأب والاُمّ ، واجتماع الإخوة من الأب مع الإخوة من الاُمّ ، كان الحكم كما ذكر في المسألة السابقة ، فيقومون مقامهم .
(مسألة 8) : لو انفرد الجدّ فالمال له ؛ لأب كان أو لاُمّ أو لهما ، ولو انفردت الجدّة فكذلك .
(مسألة 9) : لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما لاُمّ مع جدّ أو جدّة أو هما لأب ، فللمتقرّب بالاُمّ منهم الثلث بالسويّة وللمتقرّب بالأب الثلثان (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .
(مسألة 10) : لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الاُمّ مع الإخوة من قبلها ، كان الجدّ كالأخ منها والجدّة كالاُخت منها ، ويقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً .
(مسألة 11) : لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الأب والاُمّ أو الأب مع الإخوة من قبله فالجدّ بمنزلة الأخ من قبله والجدّة بمنزلة الاُخت من قبله ، (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .
(مسألة 12) : لو اجتمع الإخوة من قبل الأب والاُمّ أو من قبل الأب مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الاُمّ فالثلث من التركة للجدّ ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والثلثان للإخوة ، ومع التعدّد والاختلاف للذكر ضعف الاُنثى . نعم ، لو كانت اُخت واحدة مع الجدودة من الاُمّ فالنصف للاُخت فرضاً والثلث للجدودة ، وفي السدس إشكال ؛ من حيث إنّه هل يردّ على الاُخت أو عليها وعلى
ص: 413
الجدودة ؟ فلا يترك الاحتياط ؛ وإن كان الأرجح أنّ للاُخت الثلثين وللجدودة الثلث كسائر الفروض .
(مسألة 13) : لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الإخوة من قبل الاُمّ ، فمع وحدة الأخ أو الاُخت فالسدس له أو لها ، ومع التعدّد فالثلث لهم بالسويّة ولو مع الاختلاف ، والباقي في الفرضين للجدودة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) .
(مسألة 14) : لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب - مع عدم الإخوة من قبلهما - والأجداد من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ ، فالسدس مع الاتّحاد والثلث مع التعدّد للإخوة من قبل الاُمّ بالسويّة ، والباقي للإخوة من قبلهما أو قبله والجدودة ، ومع الاختلاف في الجنس للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 15) : لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الاُمّ فالثلث للجدودة من قبل الاُمّ ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة ، والثلثان للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) ، ونصيب الجدّ كالأخ والجدّة كالاُخت .
(مسألة 16) : لو اجتمع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة ، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر الضعف .
(مسألة 17) : لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة ، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 18) : لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الاُمّ
ص: 414
والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة ، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 19) : لو اجتمع أحد الزوجين مع الإخوة من قبل الأبوين ، أو الأب أو مع الجدودة من قبل الأب فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي في الصورتين للذكر ضعف الاُنثى . ولو اجتمع أحدهما مع إحدى الطائفتين من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي في الصورتين بالسويّة مطلقاً .
(مسألة 20) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من الاُمّ ، أو مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، وللمتقرّب بالاُمّ السدس من التركة مع الانفراد والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً ، وللمتقرّب بالأب أو الأبوين الباقي ؛ للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 21) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من قبل الاُمّ أو مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالاُمّ يقسّم بالسويّة مع التعدّد مطلقاً ، والباقي للمتقرّب بالأب أو الأبوين للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 22) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالاُمّ يقسم بالسويّة ، والباقي للإخوة من قبل الأبوين أو الأب للذكر الضعف . وكذا الحال لو اجتمع أحدهما مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها .
(مسألة 23) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب والاُمّ أو الأب
ص: 415
والجدودة من قبل الأب ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان الإخوة من قبل الاُمّ وكذا الجدودة فالباقي لهم بالسويّة .
(مسألة 24) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب أو الأبوين والجدودة من قبل الأب والإخوة من الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والسدس من التركة للإخوة من قبلها مع الانفراد ، والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 25) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من الأب والجدودة من الاُمّ ، فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للجدودة من الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 26) : لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها والجدودة من الأب فلأحدهما نصيبه الأعلى ، والثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى .
هاهنا اُمور :
الأوّل : أولاد الإخوة بحكم أولاد الأولاد ؛ في أ نّه مع وجود أحد من الإخوة من الأب أو الاُمّ - ولو كان اُنثى - لا يرث أولاد الإخوة ولو كانوا من الأب والاُمّ .
الثاني : يرث أولاد الإخوة إرث من يتقرّبون به ، فلو خلّف أحد الإخوة من الاُمّ وارثاً فالمال له فرضاً وردّاً مع الوحدة ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة ، ولو كان من أحد الإخوة من الأب فله المال مع الانفراد ، ومع التعدّد يقسّم بينهم للذكر ضعف الاُنثى . ولو كان الأولاد من الإخوة المتعدّدة من الاُمّ ، فلا بدّ من فرض حياة الوسائط والتقسيم بينهم بالسويّة ، ثمّ يقسّم قسمة كلّ بين أولادهم بالسويّة . ولو كان الأولاد من الاُختين أو الزيادة للأب والاُمّ أو للأب مع فقد الأبويني ،
ص: 416
فكالفرض السابق ، لكن للذكر ضعف الاُنثى . ولو كان الأولاد من الذكور الأبويني أو الأبي ، أو كانوا من الذكور والإناث من الأب والاُمّ أو من الأب ، فلا بدّ من فرض الوسائط حيّاً ، والقسمة بينهم للذكر ضعف الاُنثى ، ثمّ قسمة نصيب كلّ منهم بين أولاده للذكر ضعف الاُنثى .
الثالث : الكلام في الأولاد مع الوسائط المتعدّدة ، كالكلام في المسألة السابقة في إرث من يتقرّبون به وكيفية التقسيم .
الرابع : لا يرث أولاد الإخوة من الأب فقط مع وجود أولاد الإخوة للأب والاُمّ في جميع الوسائط ؛ بشرط أن يكونا في درجة واحدة .
الخامس : لا يرث الجدودة مع الواسطة مع وجود واحد من الجدودة بلا واسطة ، ولو كان واحد من الجدودة الأربعة بلا وسط موجوداً ، لا يرث الجدودة مع الواسطة ، ومع وجود واحد من ذي وسط واحد لا يرث ذو وسائط متعدّدة ، وهكذا كلّ أقرب مقدّم على الأبعد .
السادس : الجدّ الأعلى بأيّ واسطة كان يرث مع الإخوة إذا لم يكن في صنفه أقرب منه ، كما أنّ الإخوة وأولادهم مع أيّ واسطة يرثون مع الجدّ ؛ بشرط أن لا يكون في صنفهم أقرب منهم ، فلو اجتمع جدّ الجدّ وإن علا مع الأخ يرث ، فضلاً عمّا إذا كان مع ولده ، وكذا لو اجتمع ولد الإخوة وإن دنى مع الجدّ بلا وسط يرث ، فضلاً عن كونه مع الوسط . وبالجملة : الأقرب من كلّ صنف مقدّم على الأبعد من هذا الصنف ، لا الصنف الآخر .
السابع : لو اجتمع الأجداد الثمانية - أي الأبوين من أب الأب وأب الاُمّ واُمّ الأب واُمّ الاُمّ - فلا يُترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ؛ سواء كان معهم غيرهم أم لا .
ص: 417
المرتبة الثالثة : الأعمام والأخوال ، ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة .
(مسألة 1) : لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الأب والاُمّ أو من قبل الأب فالتركة لهم ، ومع اختلاف الجنس (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 2) : لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الاُمّ فالتركة لهم ، ومع التعدّد واتّحاد الجنس يقسّم بالسويّة ، ومع الاختلاف لا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي .
(مسألة 3) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو من قبل الأب مع العمومة من قبل الاُمّ فالسدس لعمومة الاُمّ مع الانفراد ، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس ، ويحتاط بالصلح مع الاختلاف ، والباقي للعمومة من قبل الأبوين أو الأب للذكر ضعف الاُنثى مع الاختلاف .
(مسألة 4) : لو كان الوارث منحصراً بالخؤولة من قبل الأبوين أو الأب فالتركة لهم ، ومع التعدّد تقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً ، وكذا الحال في الخؤولة من قبل الاُمّ .
(مسألة 5) : لو اجتمع الخؤولة من قبل الأب والاُمّ أو الأب مع الخؤولة من قبل الاُمّ فالسدس للاُمّي مع الانفراد ، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للخؤولة من قبل الأب والاُمّ ، ومع فقدهم للخؤولة من قبل الأب ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً .
(مسألة 6) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة من قبل
ص: 418
الأبوين أو الأب فالثلث للخؤولة ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة ، والثلثان للعمومة للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف .
(مسألة 7) : لو اجتمع العمومة من قبل الاُمّ والخؤولة كذلك فالثلث للخؤولة ، وفي صورة التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والثلثان للعمومة ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مع عدم الاختلاف ، ومعه يحتاط بالتصالح .
(مسألة 8) : لو اجتمع العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة بالسويّة مع التعدّد مطلقاً ، والسدس من الثلثين للعمومة من قبل الاُمّ مع الاتّحاد ، والثلث مع التعدّد بالسويّة ، ومع اختلاف الجنس يحتاط بالتصالح ، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأبوين أو الأب ، ومع التعدّد والاختلاف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 9) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة من قبل الاُمّ يقسّم مع التعدّد بالسويّة مطلقاً ، والسدس من الثلثين في صورة الاتّحاد والثلث في صورة التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ ، ويحتاط في صورة التعدّد والاختلاف ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف .
(مسألة 10) : لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة كذلك والخؤولة من قبل الاُمّ ، فالثلث للخؤولة مطلقاً ، والسدس من الثلث مع الاتّحاد ، والثلث منه مع التعدّد ، للاُمّي منهم يقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً ، وبقيّته للخؤولة من الأب أو الأبوين بالسويّة مطلقاً ، والثلثان من التركة للعمومة ، ومع التعدّد والاختلاف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .
ص: 419
(مسألة 11) : لو اجتمع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الاُمّ ، فالثلث للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي من الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والثلثان من التركة للعمومة من قبل الاُمّ ، ومع التعدّد والاختلاف يحتاط بالتصالح .
(مسألة 12) : لو اجتمع الأصناف الأربعة فالثلث للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الاتّحاد وثلثه مع التعدّد ، للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً ، والسدس من ثلثي التركة مع الاتّحاد ، والثلث مع التعدّد ، للعمومة من قِبَل الاُمّ ، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح ، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأب أو الأبوين للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف .
(مسألة 13) : لو كان أحد الزوجين مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان مع الخؤولة من قبلهما أو قبله فكذلك ، إلاّ أ نّه يقسّم الباقي بين الباقي بالسويّة مطلقاً ، وكذا لو كان مع الخؤولة من قبل الاُمّ ، ولو كان مع العمومة من قبلها فكذلك إلاّ مع الاختلاف في الجنس ، فلا يترك الاحتياط بالتصالح .
(مسألة 14) : لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والعمومة من قبل الاُمّ فله نصيبه الأعلى . وللعمومة من قبل الاُمّ السدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس ، ويحتاط مع الاختلاف ، والباقي للعمومة من قبل الأب أو الأبوين (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
ص: 420
الاُنثَيَيْنِ) ، ولو كان مع الخؤولة من الأبوين أو الأب والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى ، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث منها مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي بالسويّة كذلك .
(مسألة 15) : لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك فله نصيبه الأعلى ، وثلث مجموع التركة للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان في الفرض الخؤولة من قبل الاُمّ لا الأب أو الأبوين فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة ، والباقي للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 16) : لو كان مع أحدهما العمومة من الاُمّ والخؤولة من الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى ، والثلث من المجموع للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للباقي ، ويحتاط مع الاختلاف ، ولو كان في الفرض الخُؤولة من الاُمّ - لا الأبوين أو الأب - فالحال كما تقدّم في التقسيم والاحتياط في العمومة .
(مسألة 17) : لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة مطلقاً ، والسدس من الباقي مع الانفراد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ يقسّم بالسويّة ، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح ، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى ، ولو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والعمومة من الاُمّ والخؤولة من الاُمّ ، فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد ، للعمومة من قبل الاُمّ
ص: 421
يقسّم بالسويّة إلاّ مع الاختلاف في الجنس ، فيحتاط كما تقدّم ، والباقي للباقي (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) .
(مسألة 18) : لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسويّة مطلقاً ، والباقي من التركة للعمومة للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 19) : لو كان مع أحدهما الخؤولة من الأبوين أو الأب ، والخؤولة من الاُمّ والعمومة منها ، فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة ، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ بالسويّة مطلقاً ، وباقي الثلث لسائر الخؤولة بالسويّة مطلقاً ، والباقي من التركة للعمومة يقسّم بالسويّة إلاّ مع الاختلاف ، فيجب الاحتياط بالتصالح .
(مسألة 20) : لو كان أحدهما مع العمومة من الأبوين أو الأب ومن الاُمّ ، والخؤولة من الأبوين أو الأب ومن الاُمّ ، فله نصيبه الأعلى ، والثلث من التركة للخؤولة ، والسدس من هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخُؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة ، وباقي الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً ، والباقي للعمومة ، وسدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدّد ، للعمومة من الاُمّ يقسّم بالسويّة ، إلاّ مع الاختلاف فيجب الاحتياط المذكور ، والباقي للعمومة من الأبوين أو الأب للذكر ضعف الاُنثى .
(مسألة 21) : لا يرث العمومة من قبل الأب مع وجودها من قبل الأبوين ، وكذا الحال في الخؤولة .
ص: 422
وهاهنا اُمور:
الأوّل : لا يرث أحد من أولاد العمومة والخؤولة مع وجود واحد من العمومة أو الخؤولة ، فمع وجود خالة من قبل الاُمّ - مثلاً - لا يرث أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة مطلقاً إلاّ في مورد واحد ، وهو ما إذا كان عمّ من قبل الأب وابن عمّ من قبل الأبوين ، فيقدّم الثاني على الأوّل ؛ بشرط أن لا يكون معهما عمّ من قبل الأبوين ، ولا من قبل الاُمّ ، ولا العمّة مطلقاً ، ولا الخال والخالة مطلقاً . ولا فرق بين كون العمّ من الأب واحداً أو متعدّداً ، وكذا بين كون ابن العمّ من قبل الأبوين واحداً أو متعدّداً . فحينئذٍ يكون الإرث لابن العمّ ، لا العمّ ولا أبناء الأعمام والعمّات والأخوال والخالات . ولا فرق في ذلك بين وجود أحد الزوجين وعدمه ، ولا يجري الحكم المذكور في غير ذلك . نعم ، مع كون الوارث العمّة من قبل الأب وابن العمّ من قبل الأبوين ، فالاحتياط بالتصالح مطلوب .
الثاني : أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم عند عدمهم وعدم من هو في درجتهم ، وأنّ الأقرب مقدّم وإن اتّحد سببه على الأبعد وإن تقرّب بسببين ، إلاّ في مورد واحد تقدّم آنفاً ، ويرث أولاد العمومة والخؤولة إرث من يتقرّبون به .
الثالث : المنتسبون باُمّ الميّت في هذه الطبقة ؛ سواء كان الخال أو الخالة أو أولادهما ، وسواء كانوا من قبل الأبوين أو الأب ، يرثون بالسويّة مطلقاً ، والمنتسبون بأبيه - أي العمومة وأولادهم - يرثون بالتفاوت (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) . نعم ، في العمومة من قبل الاُمّ وأولادهم لا بدّ من الاحتياط بالتصالح .
الرابع : مع وجود أولاد العمومة من الأبوين لا يرث أولادهم من الأب فقط ، وكذا في أولاد الخؤولة ، لكن مع وجود أولاد العمومة من قبل الأبوين يرث
ص: 423
أولاد الخؤولة من قبل الأب مع عدم أولاد الخؤولة من قبل الأبوين ، وكذا مع أولاد الخؤولة من قبل الأبوين يرث أولاد العمومة من قبل الأب مع فقد أولادهم من الأبوين .
الخامس : قد مرّ أنّ أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم ، وإذا كانوا من العمومة المتعدّدة والخؤولة كذلك ، لا بدّ في كيفية التقسيم من فرض حياة الوسائط والتقسيم بالسويّة في المنتسبين بالاُمّ ، و(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ) في المنتسبين بالأب . ثمّ تقسيم نصيب كلّ بين أولادهم كالتقسيم بين الوسائط ، ويحتاط في أولاد الأعمام من قبل الاُمّ بالتصالح كما مرّ . وهكذا الكلام في الوسائط المتعدّدة .
السادس : ترتّب الأرحام الذين هم من حواشي نسب الميّت ، فأعمامه وعمّاته وأولادهم وإن نزلوا - مع الصدق العرفي - وكذا أخواله وخالاته ، أحقّ بالميراث من أعمام الأب والاُمّ وعمّاتهما وأخوالهما وخالاتهما . نعم ، مع فقد الطائفة الاُولى تقوم الثانية مقامهم مرتّبين ؛ الأقرب منهم مقدّم على الأبعد ، ومع فقدهم عمومة جدّ الميّت وجدّته وخؤولتهما وأولادهم ، مرتّبون بحسب القرب والبعد .
السابع : لو اجتمع لوارث موجبان للإرث أو الزيادة ، يرث بجميعها إن لم يكن بعضها مانعاً عن الآخر ، ككون أحدهما - مثلاً - أقرب من الآخر ، وإلاّ يرث من جهة المانع دون الممنوع ، مثل ابن عمّ هو أخ لاُمّ . ولا فرق بين كون الموجب نسباً أو سبباً ، فلو اجتمع السببان أو نسب وسبب ، فإن كان أحدهما مانعاً يرث به دون الآخر كالمعتق وضامن الجريرة ، وإلاّ بهما كالزوج وابن العمّ مثلاً ، وكيفية الإرث عند الاجتماع كالكيفية عند الانفراد ، والاحتياط المتقدّم في الأعمام من قبل الاُمّ جارٍ في المقام .
ص: 424
وهو الحكم بين الناس لرفع التنازع بينهم بالشرائط الآتية . ومنصب القضاء من المناصب الجليلة ، الثابتة من قبل اللّه تعالى للنبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن قبله للأئمّة المعصومين علیهم السلام ، ومن قبلهم للفقيه الجامع للشرائط الآتية . ولا يخفى أنّ خطره عظيم ، وقد ورد : «أنّ القاضي على شفير جهنّم» ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه قال : «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصيّ نبيّ أو شقيّ» ، وعن أبي عبداللّه علیه السلام : «اتّقوا الحكومة ، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين ؛ لنبي أو وصيّ نبي» ، وفي رواية : «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه - عزّوجلّ - فقد كفر» ، وفي اُخرى : «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس ؛ فإمّا في الجنّة ، وإمّا في النار» ، وعن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «القضاة أربعة : ثلاثة في النار وواحد في الجنّة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة» . ولو كان موقوفاً على الفتوى يلحقه خطر الفتوى أيضاً ، ففي الصحيح قال أبو جعفر علیه السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدىً من اللّه ، لعنه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه» .
ص: 433
(مسألة 1) : يحرم القضاء بين الناس ولو في الأشياء الحقيرة إذا لم يكن من أهله ، فلو لم ير نفسه مجتهداً عادلاً جامعاً لشرائط الفتيا والحكم ، حرم عليه تصدّيه وإن اعتقد الناس أهليته ، ويجب كفايةً على أهله ، وقد يتعيّن إذا لم يكن في البلد أو ما يقرب منه ممّا لا يتعسّر الرفع إليه من به الكفاية .
(مسألة 2) : لا يتعيّن القضاء على الفقيه إذا كان من به الكفاية ولو اختاره المترافعان أو الناس .
(مسألة 3) : يستحبّ تصدّي القضاء لمن يثق بنفسه القيام بوظائفه ، والأولى تركه مع وجود من به الكفاية ؛ لما فيه من الخطر والتهمة .
(مسألة 4) : يحرم الترافع إلى قضاة الجور - أي من لم يجتمع فيهم شرائط القضاء - فلو ترافع إليهم كان عاصياً ، وما أخذ بحكمهم حرام إذا كان ديناً ، وفي العين إشكال إلاّ إذا توقّف استيفاء حقّه على الترافع إليهم ، فلا يبعد جوازه ، سيّما إذا كان في تركه حرج عليه ، وكذا لو توقّف ذلك على الحلف كاذباً جاز .
(مسألة 5) : يجوز لمن لم يتعيّن عليه القضاء الارتزاق من بيت المال ولو كان غنيّاً ، وإن كان الأولى الترك مع الغنى ، ويجوز مع تعيّنه عليه إذا كان محتاجاً ، ومع كونه غنيّاً لا يخلو من إشكال ؛ وإن كان الأقوى جوازه . وأمّا أخذ الجعل من المتخاصمين أو أحدهما ، فالأحوط الترك حتّى مع عدم التعيّن عليه ، ولو كان محتاجاً يأخذ الجعل أو الأجر على بعض المقدّمات .
(مسألة 6) : أخذ الرشوة وإعطاؤها حرام إن توصّل بها إلى الحكم له بالباطل . نعم ، لو توقّف التوصّل إلى حقّه عليها جاز للدافع وإن حرم على الآخذ . وهل يجوز الدفع إذا كان محقّاً ولم يتوقّف التوصّل إليه عليها ؟ قيل : نعم ، والأحوط الترك ، بل لا يخلو من قوّة . ويجب على المرتشي إعادتها إلى
ص: 434
صاحبها ؛ من غير فرق - في جميع ذلك - بين أن يكون الرشى بعنوانه أو بعنوان الهبة أو الهديّة أو البيع المحاباتي ونحو ذلك .
(مسألة 7) : قيل : من لا يقبل شهادته لشخص أو عليه لا ينفذ حكمه كذلك ، كشهادة الولد على والده والخصم على خصمه . والأقوى نفوذه وإن قلنا بعدم قبول شهادته .
(مسألة 8) : لو رفع المتداعيان اختصامهما إلى فقيه جامع للشرائط ، فنظر في الواقعة وحكم على موازين القضاء ، لا يجوز لهما الرفع إلى حاكم آخر ، وليس للحاكم الثاني النظر فيه ونقضه ، بل لو تراضى الخصمان على ذلك فالمتّجه عدم الجواز . نعم ، لو ادّعى أحد الخصمين : بأنّ الحاكم الأوّل لم يكن جامعاً للشرائط - كأن ادّعى عدم اجتهاده أو عدالته حال القضاء - كانت مسموعة يجوز للحاكم الثاني النظر فيها ، فإذا ثبت عدم صلوحه للقضاء نقض حكمه ، كما يجوز النقض لو كان مخالفاً لضروري الفقه ؛ بحيث لو تنبّه الأوّل يرجع بمجرّده لظهور غفلته . وأمّا النقض فيما يكون نظرياً اجتهادياً فلا يجوز ، ولا تسمع دعوى المدّعي ولو ادّعى خطأه في اجتهاده .
(مسألة 9) : لو افتقر الحاكم إلى مترجم لسماع الدعوى أو جواب المدّعى عليه أو الشهادة ، يعتبر أن يكون شاهدين عدلين .
(مسألة 1) : يشترط في القاضي : البلوغ ، والعقل ، والإيمان ، والعدالة ، والاجتهاد المطلق ، والذكورة ، وطهارة المولد ، والأعلمية ممّن في البلد أو ما
ص: 435
يقربه على الأحوط . والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان ، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه . وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر . والأحوط اعتبار البصر ؛ وإن كان عدمه لا يخلو من وجه .
(مسألة 2) : تثبت الصفات المعتبرة في القاضي بالوجدان ، والشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، والبيّنة العادلة . والشاهد على الاجتهاد أو الأعلمية لا بدّ وأن يكون من أهل الخبرة .
(مسألة 3) : لا بدّ من ثبوت شرائط القضاء في القاضي عند كلّ من المترافعين ، ولا يكفي الثبوت عند أحدهما .
(مسألة 4) : يشكل للقاضي القضاء بفتوى المجتهد الآخر ، فلا بدّ له من الحكم على طبق رأيه ، لا رأي غيره ولو كان أعلم .
(مسألة 5) : لو اختار كلّ من المدّعي والمنكر حاكماً لرفع الخصومة ، فلا يبعد تقديم اختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم ، وإلاّ فالأحوط اختيار الأعلم ، ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة .
(مسألة 6) : إذا كان لأحد من الرعية دعوى على القاضي فرفع إلى قاضٍ آخر ، تسمع دعواه وأحضره ، ويجب على القاضي إجابته ، ويعمل معه الحاكم في القضية معاملته مع مدّعيه من التساوي في الآداب الآتية .
(مسألة 7) : يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر من القاضي ، بل قد يجب . نعم ، لو شكّ في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لا يجوز إلاّ بعد
ص: 436
الإحراز ، كما لا يجوز نقض حكمه مع الشكّ واحتمال صدور حكمه صحيحاً ، ومع علمه بعدم أهليته ينقض حكمه .
(مسألة 8) : يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه من دون بيّنة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس ، وكذا في حقوق اللّه تعالى ، بل لا يجوز له الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفة لعلمه ، أو إحلاف من يكون كاذباً في نظره . نعم ، يجوز له عدم التصدّي للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعيّن عليه .
(مسألة 9) : لو ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقاً ، يجوز أن يحكم بها على طبقه فعلاً إذا تذكّر حكمه وإن لم يتذكّر مستنده ، وإن لم يتذكّر الحكم فقامت البيّنة عليه جاز له الحكم ، وكذا لو رأى خطّه وخاتمه وحصل منهما القطع أو الاطمئنان به . ولو تبدّل رأيه فعلاً مع رأي سابقه الذي حكم به ، جاز تنفيذ حكمه إلاّ مع العلم بخلافه ؛ بأن يكون حكمه مخالفاً لحكم ضروري أو إجماع قطعي ، فيجب عليه نقضه .
(مسألة 10) : يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهلية القضاء من غير الفحص عن مستنده ، ولا يجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه ، وهل له الحكم مع العلم به ؟ الظاهر أ نّه لا أثر لحكمه بعد حكم القاضي الأوّل بحسب الواقعة . وإن كان قد يؤثّر في إجراء الحكم كالتنفيذ فإنّه أيضاً غير مؤثّر في الواقعة وإن يؤثّر في الإجراء أحياناً . ولا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيّاً أو ميّتاً ، ولا بين كونه باقياً على الأهلية أم لا ؛ بشرط أن لا يكون إمضاؤه موجباً لإغراء الغير بأ نّه أهل فعلاً .
(مسألة 11) : لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل ؛ سواء كان غير
ص: 437
مجتهد أو غير عادل ونحو ذلك ؛ وإن علم بكونه موافقاً للقواعد ، بل يجب نقضه مع الرفع إليه أو مطلقاً .
(مسألة 12) : إنّما يجوز إمضاء حكم القاضي الأوّل للثاني إذا علم بصدور الحكم منه ؛ إمّا بنحو المشافهة ، أو التواتر ، ونحو ذلك . وفي جوازه بإقرار المحكوم عليه إشكال . ولا يكفي مشاهدة خطّه وإمضائه ، ولا قيام البيّنة على ذلك . نعم ، لو قامت على أ نّه حكم بذلك فالظاهر جوازه .
وهي اُمور :
الأوّل : يجب التسوية بين الخصوم - وإن تفاوتا في الشرف والضعة - في السلام والردّ والإجلاس والنظر والكلام والإنصات وطلاقة الوجه وسائر الآداب وأنواع الإكرام ، والعدل في الحكم . وأمّا التسوية في الميل بالقلب فلا يجب . هذا إذا كانا مسلمين . وأمّا إذا كان أحدهما غير مسلم يجوز تكريم المسلم زائداً على خصمه . وأمّا العدل في الحكم فيجب على أيّ حال .
الثاني : لا يجوز للقاضي أن يلقّن أحد الخصمين شيئاً يستظهر به على خصمه ؛ كأن يدّعي بنحو الاحتمال ، فيلقّنه أن يدّعي جزماً حتّى تسمع دعواه ، أو يدّعي أداء الأمانة أو الدين فيلقّنه الإنكار . وكذا لا يجوز أن يعلّمه كيفية الاحتجاج وطريق الغلبة . هذا إذا لم يعلم أنّ الحقّ معه وإلاّ جاز ، كما جاز له الحكم بعلمه . وأمّا غير القاضي فيجوز له ذلك مع علمه بصحّة دعواه ، ولا يجوز مع علمه بعدمها ، ومع جهله فالأحوط الترك .
الثالث : لو ورد الخصوم مترتّبين بدأ الحاكم في سماع الدعوى بالأوّل
ص: 438
فالأوّل ، إلاّ إذا رضي المتقدّم تأخيره ؛ من غير فرق بين الشريف والوضيع والذكر والاُنثى ، وإن وردوا معاً ، أو لم يعلم كيفية ورودهم ، ولم يكن طريق لإثباته ، يقرع بينهم مع التشاحّ .
الرابع : لو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى ، لم يسمعها حتّى يجيب عن دعوى صاحبه وتنتهي الحكومة ، ثمّ يستأنف هو دعواه ، إلاّ مع رضا المدّعي الأوّل بالتقديم .
الخامس : إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى ، ولو ابتدرا معاً يسمع من الذي على يمين صاحبه . ولو اتّفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضرّ أحدهما بالتأخير ، فيقدّم دفعاً للضرر . وفيه تردّد .
وليعلم أنّ تشخيص المدّعي والمنكر عرفي كسائر الموضوعات العرفية ، وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاصّ فيهما . وقد عُرّف بتعاريف متقاربة ، والتعاريف جلّها مربوطة بتشخيص المورد ، كقولهم : إنّه من لو ترك ترك ، أو يدّعي خلاف الأصل ، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره . والأولى الإيكال إلى العُرف . وقد يختلف المدّعي والمنكر عرفاً بحسب طرح الدعوى ومصبّها ، وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصبّ .
(مسألة 1) : يشترط في سماع دعوى المدّعي اُمور : بعضها مربوط بالمدّعي ، وبعضها بالدعوى ، وبعضها بالمدّعى عليه ، وبعضها بالمدّعى به :
الأوّل : البلوغ ، فلا تسمع من الطفل ولو كان مراهقاً . نعم ، لو رفع الطفل المميّز ظلامته إلى القاضي فإن كان له وليّ أحضره لطرح الدعوى ، وإلاّ فأحضر المدّعى
ص: 439
عليه ولاية ، أو نصب قيّماً له ، أو وكّل وكيلاً في الدعوى ، أو تكفّل بنفسه وأحلف المنكر لو لم تكن بيّنة . ولو ردّ الحلف فلا أثر لحلف الصغير . ولو علم الوكيل أو الوليّ صحّة دعواه جاز لهما الحلف .
الثاني : العقل ، فلا تسمع من المجنون ولو كان أدوارياً إذا رفع حال جنونه .
الثالث : عدم الحجر لسفه إذا استلزم منها التصرّف المالي . وأمّا السفيه قبل الحجر فتسمع دعواه مطلقاً .
الرابع : أن لا يكون أجنبيّاً عن الدعوى ، فلو ادّعى بدين شخص أجنبيّ على الآخر لم تسمع . فلا بدّ فيه من نحو تعلّق به كالولاية والوكالة ، أو كان المورد متعلّق حقّ له .
الخامس : أن يكون للدعوى أثر لو حكم على طبقها ، فلو ادّعى أنّ الأرض متحرّكة وأنكرها الآخر لم تسمع . ومن هذا الباب ما لو ادّعى الوقف عليه أو الهبة مع التسالم على عدم القبض ، أو الاختلاف في البيع وعدمه مع التسالم على بطلانه على فرض الوقوع ، كمن ادّعى أ نّه باع ربوياً وأنكر الآخر أصل الوقوع . ومن ذلك ما لو ادّعى أمراً محالاً ، أو ادّعى أنّ هذا العنب الذي عند فلان من بستاني ، وليس لي إلاّ هذه الدعوى ، لم تسمع ؛ لأ نّه بعد ثبوته بالبيّنة لا يؤخذ من الغير لعدم ثبوت كونه له . ومن هذا الباب لو ادّعى ما لا يصحّ تملّكه ، كما لو ادّعى أنّ هذا الخنزير أو الخمر لي ، فإنّه بعد الثبوت لا يحكم بردّه إليه إلاّ فيما يكون له الأولوية فيه . ومن ذلك ، الدعوى على غير محصور ، كمن ادّعى أنّ لي على واحد من أهل هذا البلد ديناً .
السادس : أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه ، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق ، كأن ادّعى أنّ لي عنده شيئاً ؛ للتردّد بين كونه ممّا تسمع فيه الدعوى أم
ص: 440
لا . وأمّا لو قال : «إنّ لي عنده فرساً أو دابّة أو ثوباً» فالظاهر أ نّه تسمع ، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدّعى عليه بالتفسير ، فإن فسّر ولم يصدّقه المدّعي فهو دعوى اُخرى ، وإن لم يفسّر لجهالته - مثلاً - فإن كان المدّعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى . وإن أقرّ بالتلف ولم ينازعه الطرف فإن اتّفقا في القيمة ، وإلاّ ففي الزيادة دعوى اُخرى مسموعة .
السابع : أن يكون للمدّعي طرف يدّعي عليه ، فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلاً لم تسمع ، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدعوى المحتملة ، فإنّ هذه الدعوى غير مسموعة . ولو حكم الحاكم بعد سماعها ؛ فإن كان حكمه من قبيل الفتوى - كأن حكم بصحّة الوقف الكذائي ، أو البيع الكذائي - فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض وقوعها . وإن كان من قبيل أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما ، فهذا ليس حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض ، بل من قبيل الشهادة ، فإن رفع الأمر إلى قاضٍ آخر يسمع دعواه ، ويكون ذلك الحاكم من قبيل أحد الشهود ، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة ، له الحكم على طبق علمه .
الثامن : الجزم في الدعوى في الجملة . والتفصيل : أ نّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً ، وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالاً ، ففي سماعها مطلقاً ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين موارد التهمة وعدمها ؛ بالسماع في الأوّل ، أو التفصيل بين ما يتعسّر الاطّلاع عليه كالسرقة وغيره ، فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به - كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك ، أو شهد به من لا يوثق به - وبين غيره ، فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما ، فتسمع فيهما ،
ص: 441
وجوه ، الأوجه الأخير . فحينئذٍ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو ، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى ، ولو ردّ اليمين لا يجوز للمدّعي الحلف ، فتتوقّف الدعوى ، فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تُسمع منه .
التاسع : تعيين المدّعى عليه ، فلو ادّعى على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول ، والظاهر سماعها ؛ لعدم خلوّها عن الفائدة ؛ لإمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة ، بل لو اُقيمت البيّنة على كون أحدهما مديوناً - مثلاً - فحكم الحاكم بأنّ الدين على أحدهما ، فثبت بعد براءة أحدهما ، يحكم بمديونية الآخر ، بل لا يبعد بعد الحكم الرجوع إلى القرعة ، فيفرّق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمّة أحدهما فلا تأثير فيه ، وبين حكم الحاكم لفصل الخصومة ، فيقال بالاقتراع .
(مسألة 2) : لا يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاقه ، فتكفي الدعوى بنحو الإطلاق من غير ذكر السبب ؛ سواء كان المدّعى به عيناً أو ديناً أو عقداً من العقود . نعم ، في دعوى القتل اشترط بعض لزوم بيان أ نّه عن عمد أو خطأ ، بمباشرة أو تسبيب ، كان هو قاتلاً أو مع الشركة .
(مسألة 3) : لو لم يكن جازماً فأراد الدعوى على الغير ، لا بدّ أن يبرزها بنحو ما يكون من الظنّ أو الاحتمال ، ولا يجوز إبرازها بنحو الجزم ليقبل دعواه ؛ بناء على عدم السماع من غير الجازم .
(مسألة 4) : لو ادّعى اثنان - مثلاً - بأنّ لأحدهما على أحد كذا تسمع ، وبعد الإثبات على وجه الترديد يقرع بينهما .
ص: 442
(مسألة 5) : لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد الدعوى ، فلو ادّعى على الغائب من البلد ؛ سواء كان مسافراً ، أو كان من بلد آخر - قريباً كان أو بعيداً - تسمع ، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب ، ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً ، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً . ولا يدفع إليه إلاّ مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر وقضي له ؛ بأن يكون المدّعي مليّاً أو كان له كفيلٌ . وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة ، أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه ؟ فيه تأمّل . ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه . نعم ، لو قال : «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه ، وعدم الحكم . والأحوط عدم الحكم على الغائب إلاّ بضمّ اليمين . ثمّ إنّ الغائب على حجّته ، فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة ، يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته .
(مسألة 6) : الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس ، فلا يجوز الحكم عليه في حقوق اللّه تعالى مثل الزنا ، ولو كان في جنايةٍ حقوق الناس وحقوق اللّه ، كما في السرقة ، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق اللّه ، وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق اللّه ، فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم ، ويؤخذ المال على ما تقدّم .
(مسألة 7) : لو تمّت الدعوى من المدّعي ، فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره ، ولا يجوز التأخير غير المتعارف . ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه .
ص: 443
المدّعى عليه : إمّا أن يسكت عن الجواب ، أو يقرّ ، أو ينكر ، أو يقول : «لا أدري» ، أو يقول : «أدّيت» ، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي .
(مسألة 1) : إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ - عيناً أو ديناً - وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به ، وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم ، كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه ، وغير ذلك . ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيما عنده إذا أقرّ به إلاّ بإذن المقرّ له ، وجاز لغيره إلزامه ، بل وجب من
باب الأمر بالمعروف . وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة ، وعدم جواز التصرّف إلاّ بإذن من قامت على حقّه . نعم ، في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال ؛ لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ولم تكن البيّنة عنده عادلة ، ومعه لا يجوز أمره ونهيه ، بخلاف الثبوت بالإقرار .
(مسألة 2) : بعد إقرار المدّعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلاّ بعد طلب المدّعي ، فإذا طلب منه يجب عليه الحكم فيما يتوقّف استيفاء حقّه عليه على الأقوى ، ومع عدم التوقّف على الأحوط ، بل لا يخلو من وجه . وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ، ففي فصل الخصومة به تردّد .
(مسألة 3) : الحكم : إنشاء ثبوت شيء ، أو ثبوت شيء على ذمّة شخص ، أو
ص: 444
الإلزام بشيء ، ونحو ذلك . ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل اللازم الإنشاء بكلّ ما دلّ على المقصود - كأن يقول : «قضيتُ» أو «حكمتُ» أو «ألزمتُ» أو «عليك دين فلان» أو «هذا الشيء لفلان» ، وأمثال ذلك - من كلّ لغة كان إذا اُريد الإنشاء ، ودلّ اللفظ بظاهره عليه ولو مع القرينة .
(مسألة 4) : لو التمس المدّعي أن يكتب له صورة الحكم أو إقرار المُقرّ ، فالظاهر عدم وجوبه إلاّ إذا توقّف عليه استنقاذ حقّه . وحينئذٍ هل يجوز له مطالبة الأجر أم لا ؟ الأحوط ذلك وإن لا يبعد الجواز . كما لا إشكال في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد . وأمّا مع عدم التوقّف فلا شبهة في شيء منها . ثمّ إنّه لم يكتب حتّى يعلم اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام . ولو لم يعلم لم يكتب إلاّ مع قيام شهادة عدلين بذلك ، ويكتب مع المشخّصات النافية للإيهام والتدليس ، ولو لم يحتج إلى ذكر النسب وكفى ذكر مشخّصاته اكتفى به .
(مسألة 5) : لو كان المُقرّ واجداً اُلزم بالتأدية ، ولو امتنع أجبره الحاكم ، وإن ماطل وأصرّ على المماطلة ، جازت عقوبته بالتغليظ بالقول حسب مراتب الأمر بالمعروف ، بل مثل ذلك جائز لسائر الناس ، ولو ماطل حبسه الحاكم حتّى يؤدّي ما عليه ، وله أن يبيع ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه . ولو كان المقرّ به عيناً يأخذها الحاكم بل وغيره من باب الأمر بالمعروف ، ولو كان ديناً أخذ الحاكم مثله في المثليات وقيمته في القيميات بعد مراعاة مستثنيات الدين ، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكر .
(مسألة 6) : لو ادّعى المقرّ الإعسار وأنكره المدّعي ، فإن كان مسبوقاً
ص: 445
باليسار فادّعى عروض الإعسار فالقول قول منكر العسر ، وإن كان مسبوقاً بالعسر فالقول قوله ، فإن جهل الأمران ففي كونه من التداعي أو تقديم قول مدّعي العسر تردّد ؛ وإن لا يبعد تقديم قوله .
(مسألة 7) : لو ثبت عسره ، فإن لم يكن له صنعة أو قوّة على العمل ، فلا إشكال في إنظاره إلى يساره . وإن كان له نحو ذلك ، فهل يُسلّمه الحاكم إلى غريمه ليستعمله أو يؤاجره ، أو أنظره وألزمه بالكسب لتأدية ما عليه ، ويجب عليه الكسب لذلك ، أو أنظره ولم يلزمه بالكسب ، ولم يجب عليه الكسب لذلك ، بل لو حصل له مال يجب أداء ما عليه ؟ وجوه ، لعلّ الأوجه أوسطها . نعم ، لو توقّف إلزامه بالكسب على تسليمه إلى غريمه يسلّمه إليه ليستعمله .
(مسألة 8) : إذا شكّ في إعساره وإيساره وطلب المدّعي حبسه إلى أن يتبيّن الحال حبسه الحاكم ، وإذا تبيّن إعساره خلّي سبيله وعمل معه كما تقدّم ، ولا فرق في ذلك وغيره بين الرجل والمرأة ، فالمرأة المماطلة يعمل معها نحو الرجل المماطل ، ويحبسها الحاكم كما يحبس الرجل إلى تبيّن الحال .
(مسألة 9) : لو كان المديون مريضاً يضرّه الحبس ، أو كان أجيراً للغير قبل حكم الحبس عليه ، فالظاهر عدم جواز حبسه .
(مسألة 10) : ما قلنا من إلزام المعسر بالكسب مع قدرته عليه ، إنّما هو فيما إذا لم يكن الكسب بنفسه حرجاً عليه أو منافياً لشأنه ، أو الكسب الذي أمكنه لا يليق بشأنه بحيث كان تحمّله حرجاً عليه .
(مسألة 11) : لا يجب على المرأة التزوّج لأخذ المهر وأداء دينها ، ولا على
ص: 446
الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها لأداء الدين ، ولو وهبه ولم يكن في قبولها مهانة وحرج عليه يجب القبول لأداء دينه .
(مسألة 1) : لو أجاب المدّعى عليه بالإنكار ، فأنكر ما ادّعى المدّعي ، فإن لم يعلم أنّ عليه البيّنة ، أو علم وظنّ أن لا تجوز إقامتها إلاّ مع مطالبة الحاكم ، وجب على الحاكم أن يعرّفه ذلك ؛ بأن يقول : أ لك بيّنة ؟ فإن لم تكن له بيّنة ولم يعلم أنّ له حقّ إحلاف المنكر ، يجب على الحاكم إعلامه بذلك .
(مسألة 2) : ليس للحاكم إحلاف المنكر إلاّ بالتماس المدّعي ، وليس للمنكر التبرّع بالحلف قبل التماسه ، فلو تبرّع هو أو الحاكم لم يعتدّ بتلك اليمين ، ولا بدّ من الإعادة بعد السؤال ، وكذا ليس للمدّعي إحلافه بدون إذن الحاكم ، فلو أحلفه لم يعتدّ به .
(مسألة 3) : لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر فحلف ، سقطت دعوى المدّعي في ظاهر الشرع ، فليس له بعد الحلف مطالبة حقّه ، ولا مقاصّته ، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم ، ولا تُسمع دعواه . نعم ، لا تبرأ ذمّة المدّعى عليه ، ولا تصير العين الخارجية بالحلف خارجاً عن ملك مالكها ، فيجب عليه ردّها وإفراغ ذمّته ؛ وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاصّ منه ، ولا يجوز بيعها وهبتها وسائر التصرّفات فيها . نعم ، يجوز إبراء المديون من دينه على تأمّل فيه ، فلو أقام المدّعي البيّنة بعد حلف المنكر لم تسمع ، ولو غفل الحاكم ، أو رفع الأمر إلى حاكم آخر ، فحكم ببيّنة المدّعي لم يعتدّ بحكمه .
(مسألة 4) : لو تبيّن للحاكم بعد حكمه كون الحلف كذباً يجوز بل يجب
ص: 447
عليه نقض حكمه ، فحينئذٍ يجوز للمدّعي المطالبة والمقاصّة وسائر ما هو آثار كونه محقّاً . ولو أقرّ المدّعى عليه بأنّ المال للمدّعي جاز له التصرّف والمقاصّة ونحوهما ؛ سواء تاب وأقرّ أم لا .
(مسألة 5) : هل الحلف بمجرّده موجب لسقوط حقّ المدّعي مطلقاً ، أو بعد إذن الحاكم ، أو إذا تعقّبه حكم الحاكم ، أو حكمه موجب له إذا استند إلى الحلف ؟ الظاهر أنّ الحلف بنفسه لا يوجبه ولو كان بإذن الحاكم ، بل بعد حكم الحاكم يسقط الحقّ ؛ بمعنى أنّ الحلف بشرط حصول الحكم موجب للسقوط بنحو الشرط المقارن .
(مسألة 6) : للمنكر أن يردّ اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت دعواه وإلاّ سقطت . والكلام في السقوط بمجرّد عدم الحلف والنكول ، أو بحكم الحاكم ، كالمسألة السابقة . وبعد سقوط دعواه ليس له طرح الدعوى ولو في مجلس آخر ؛ كانت له بيّنة أو لا . ولو ادّعى بعد الردّ عليه : بأنّ لي بيّنة ، يسمع منه الحاكم ، وكذا لو استمهل في الحلف لم يسقط حقّه ، وليس للمدّعي بعد الردّ عليه أن يردّ على المنكر ، بل عليه إمّا الحلف أو النكول ، وللمنكر أن يرجع عن ردّه قبل أن يحلف المدّعي ، وكذا للمدّعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه .
(مسألة 7) : لو نكل المنكر فلم يحلف ولم يردّ ، فهل يحكم عليه بمجرّد النكول ، أو يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ؛ فإن حلف ثبت دعواه وإلاّ سقطت ؟ قولان ، والأشبه الثاني .
(مسألة 8) : لو رجع المنكر الناكل عن نكوله ، فإن كان بعد حكم الحاكم عليه ، أو بعد حلف المدّعي المردود عليه الحلف ، لا يلتفت إليه ، ويثبت الحقّ
ص: 448
عليه في الفرض الأوّل ، ولزم الحكم عليه في الثاني من غير فرق بين علمه بحكم النكول أو لا .
(مسألة 9) : لو استمهل المنكر في الحلف والردّ ليلاحظ ما فيه صلاحه ، جاز إمهاله بمقدار لا يضرّ بالمدّعي ولا يوجب تعطيل الحقّ والتأخير الفاحش . نعم ، لو أجاز المدّعي جاز مطلقاً بمقدار إجازته .
(مسألة 10) : لو قال المدّعي : «لي بيّنة» لا يجوز للحاكم إلزامه بإحضارها ، فله أن يحضرها أو مطالبة اليمين أو ترك الدعوى . نعم ، يجوز له إرشاده بذلك أو بيان الحكم ؛ من غير فرق في الموضعين بين علمه وجهله .
(مسألة 11) : مع وجود البيّنة للمدّعي يجوز له عدم إقامتها - ولو كانت حاضرة - وإحلاف المنكر ، فلا يتعيّن عليه إقامتها ، ولو علم أ نّها مقبولة عند الحاكم فهو مخيّر بين إقامتها وإحلاف المنكر ، ويستمرّ التخيير إلى يمين المنكر ، فيسقط حينئذٍ حقّ إقامة البيّنة ولو لم يحكم الحاكم . ولو أقام البيّنة المعتبرة وقبل الحاكم ، فهل يسقط التخيير أو يجوز العدول إلى الحلف ؟ وجهان ، أوجههما سقوطه .
(مسألة 12) : لو أحضر البيّنة ، فإن علم أو شهدت القرائن بأنّ المدّعي بعد حضورها لم يرد إقامتها فليس للحاكم أن يسألها ، وإن علم أو شهدت الأحوال بإرادة إقامتها فله أن يسألها ، ولو لم يعلم الحال وشكّ في ذلك فليس للحاكم سؤال الشهود . نعم ، له السؤال من المدّعي : بأ نّه أراد الإقامة أو لا .
(مسألة 13) : إذا شهدت البيّنة فإن عرفهما الحاكم بالفسق طرح شهادتهما ، وكذا لو عرف بفقدهما بعض شرائط الشهادة ؛ ولو عرفهما بالعدالة وجامعيتهما
ص: 449
للشرائط قبل شهادتهما . وإن جهل حالهما توقّف واستكشف من حالهما ، وعمل بما يقتضيه .
(مسألة 14) : إذا عرفهما بالفسق أو عدم جامعيتهما للشرائط طرحهما من غير انتظار التزكية ، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع منه ، فإن أثبت دعواه وإلاّ فعلى الحاكم طرح شهادتهما . وكذا لو ثبت عدالتهما وجامعيتهما للشرائط لم يحتج إلى التزكية ويعمل بعلمه ، ولو ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما تقبل ، فإن أثبت دعواه أسقطهما ، وإلاّ حكم . ويجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق .
(مسألة 15) : إذا جهل الحاكم حالهما ، وجب عليه أن يبيّن للمدّعي أنّ له تزكيتهما بالشهود مع جهله به ، فإن زكّاهما بالبيّنة المقبولة وجب أن يبيّن للمدّعى عليه أنّ له الجرح إن كان جاهلاً به ، فإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه ، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح سقطت بيّنة المدّعي .
(مسألة 16) : في صورة جهل الحاكم وطلبه التزكية من المدّعي لو قال : «لا طريق لي» ، أو قال : «لا أفعل» ، أو «يعسر عليّ» ، وطلب من الحاكم الفحص ، لا يجب عليه ذلك وإن كان له ذلك ، بل هو راجح . ولو طلب الجرح في البيّنة المقبولة من المدّعى عليه ولم يفعل ، وقال : «لا طريق لي» أو «يعسر عليّ» لا يجب عليه الفحص ، ويحكم على طبق البيّنة ، ولو استمهله لإحضار الجارح ، فهل يجب الإمهال ثلاثة أيّام ، أو بمقدار مدّة أمكنه فيها ذلك ، أو لا يجب وله الحكم ، أو وجب عليه الحكم فإن أتى بالجارح ينقضه ؟ وجوه ، لا يبعد وجوب الإمهال بالمقدار المتعارف ، ولو ادّعى الإحضار في مدّة طويلة يحكم على طبق البيّنة .
ص: 450
(مسألة 17) : لو أقام البيّنة على حقّه ولم يعرفهما الحاكم بالعدالة ، فالتمس المدّعي أن يحبس المدّعى عليه حتّى يثبت عدالتهما ، قيل : يجوز حبسه ، والأقوى عدم الجواز ، بل لا يجوز مطالبة الكفيل منه ، ولا تأمين المدّعى به ، أو الرهن في مقابل المدّعى به .
(مسألة 18) : لو تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة انتقض الحكم ، وإن كان طارئاً بعد الحكم لم ينتقض ، وكذا لو تبيّن فسقهما بعد الشهادة وقبل الحكم على الأشبه .
(مسألة 19) : الظاهر كفاية الإطلاق في الجرح والتعديل ، ولا يعتبر ذكر السبب فيهما مع العلم بالأسباب وموافقة مذهبه لمذهب الحاكم ، بل لا يبعد الكفاية إلاّ مع العلم باختلاف مذهبهما . ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على الشهادة بهما ، ولا يشترط ضمّ مثل : أ نّه مقبول الشهادة ، أو مقبولها لي وعليّ ، ونحو ذلك في التعديل ولا مقابلاته في الجرح .
(مسألة 20) : لو تعارضت بيّنة الجرح والتعديل ؛ بأن قالت إحداهما : «إنّه عادل» وقالت الاُخرى : «إنّه فاسق» ، أو قالت إحداهما : «كان يوم كذا يشرب الخمر في مكان كذا» وقالت الاُخرى : «إنّه كان في يوم كذا في غير هذا المكان» سقطتا ، فعلى المنكر اليمين . نعم ، لو كان له حالة سابقة من العدالة أو الفسق يؤخذ بها ؛ فإن كانت عدالةً حكم على طبق الشهادة ، وإن كانت فسقاً تطرح وعلى المنكر اليمين .
(مسألة 21) : يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة ، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ ، ولا الاعتماد على
ص: 451
البيّنة أو الاستصحاب . وكذا في الشهادة بالجرح لا بدّ من العلم بفسقه ، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الاستصحاب . نعم ، يكفي الثبوت التعبّدي - كالثبوت بالبيّنة ، أو الاستصحاب ، أو حسن الظاهر - لترتيب الآثار ، فيجوز للحاكم الحكم اعتماداً على شهادة من ثبتت عدالته بالاستصحاب أو حسن الظاهر الكاشف تعبّداً أو البيّنة .
(مسألة 22) : لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعد كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة .
(مسألة 23) : لا يجوز الشهادة بالجرح بمجرّد مشاهدة ارتكاب كبيرة ؛ ما لم يعلم أ نّه على وجه المعصية ولا يكون له عذر ، فلو احتمل أنّ ارتكابه لعذر لا يجوز جرحه ولو حصل له ظنّ بذلك بقرائن مفيدة له .
(مسألة 24) : لو رضي المدّعى عليه بشهادة الفاسقين أو عدل واحد لا يجوز للحاكم الحكم ، ولو حكم لا يترتّب عليه الأثر .
(مسألة 25) : لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما عنده ؛ ولو اعترف المدّعى عليه بعدالتهما لكن أخطأهما في الشهادة .
(مسألة 26) : لو تعارض الجارح والمعدّل سقطا وإن كان شهود أحدهما اثنين والآخر أربعة ؛ من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل معاً ، أو اثنان بالتعديل ثمّ بعد ذلك شهد اثنان آخران به ، ومن غير فرق بين زيادة شهود الجرح أو التعديل .
(مسألة 27) : لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما
ص: 452
ونسبهما بعد إحراز مقبولية شهادتهما ، كما أ نّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم ، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما .
(مسألة 28) : لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي . نعم ، يُستثنى منه الدعوى على الميّت ، فيعتبر قيام البيّنة الشرعية مع اليمين الاستظهاري ، فإن أقام البيّنة ولم يحلف سقط حقّه . والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباههم - ممّن له نحو شباهة بالميّت في عدم إمكان الدفاع لهم - به ، فتثبت الدعوى عليهم بالبيّنة من دون ضمّ يمين . وهل ضمّ اليمين بالبيّنة منحصر بالدين ، أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحقّ ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما عن قرب . نعم ، لا إشكال في لحوق العين المضمونة على الميّت إذا تلفت مضمونة عليه .
الأوّل : لو كان المدّعي على الميّت وارث صاحب الحقّ ، فالظاهر أنّ ثبوت الحقّ محتاج إلى ضمّ اليمين إلى البيّنة ، ومع عدم الحلف يسقط الحقّ . وإن كان الوارث متعدّداً لا بدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حقّ الحالف وسقط حقّ الناكل .
الثاني : لو شهدت البيّنة بإقراره قبل موته بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة ، فهل يجب ضمّ اليمين أو لا ؟ وجهان أوجههما وجوبه ، وكذا كلّ مورد يعلم أ نّه على فرض ثبوت الدين سابقاً لم يحصل الوفاء من الميّت .
الثالث : لو تعدّدت ورثة الميّت ، فادّعى شخص عليه وأقام البيّنة ، تكفي يمين واحدة ، بخلاف تعدّد ورثة المدّعي كما مرّ .
ص: 453
الرابع : اليمين للاستظهار لا بدّ وأن تكون عند الحاكم ، فإذا قامت البيّنة عنده وأحلفه ثبت حقّه ، ولا أثر لحلفه بنفسه أو عند الوارث .
الخامس : اليمين للاستظهار غير قابلة للإسقاط ، فلو أسقطها وارث الميّت لم تسقط ، ولم يثبت حقّ المدّعي بالبيّنة بلا ضمّ الحلف .
(مسألة 1) : لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي ، كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق اللّه تعالى ، كثبوت الهلال وحدود اللّه . وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلّها حتّى مثل النسب والولاية والوكالة ، أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال ، كالغصب والقرض والوديعة ، وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها ؟ وجوه ، أشبهها الاختصاص بالديون . ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي .
(مسألة 2) : المراد بالدين كلّ حقّ مالي في الذمّة بأيّ سبب كان ، فيشمل ما استقرضه ، وثمن المبيع ، ومال الإجارة ، ودية الجنايات ، ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة ، ونفقتها ، والضمان بالإتلاف والتلف إلى غير ذلك ، فإذا تعلّقت الدعوى بها أو بأسبابها لأجل إثبات الدين واستتباعها ذلك فهي من الدين ، وإن تعلّقت بذات الأسباب وكان الغرض نفسها لا تكون من دعوى الدين .
(مسألة 3) : الأحوط تقديم الشاهد وإثبات عدالته ثمّ اليمين ، فإن قدّم اليمين ثمّ أقام الشاهد فالأحوط عدم إثباته ؛ وإن كان عدم اشتراط التقديم لا يخلو من قوّة .
ص: 454
(مسألة 4) : إذا كان المال المدّعى به مشتركاً بين جماعة بسبب واحد كإرث ونحوه ، فأقام بعضهم شاهداً على الدعوى وحلف لا يثبت به إلاّ حصّته ، وثبوت سائر الحصص موقوف على حلف صاحب الحقّ ، فكلّ من حلف ثبت حقّه مع الشاهد الواحد .
(مسألة 5) : ثبوت الحقّ بشاهد ويمين إنّما هو فيما لا يمكن إثباته بالبيّنة ، ومع إمكانه بها لا يثبت بهما على الأحوط .
(مسألة 6) : إذا شهد الشاهد وحلف المدّعي وحكم الحاكم بهما ، ثمّ رجع الشاهد ، ضمن نصف المال .
أو الجواب بقوله : «لا أدري» ، أو «ليس لي» ، أو غير ذلك .
(مسألة 1) : إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه ، فإن كان لعذر - كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة أو لدهشة ووحشة - أزاله الحاكم بما يناسب ذلك ، وإن كان السكوت لا لعذر ، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً ، أمره الحاكم بالجواب باللطف والرفق ثمّ بالغلظة والشدّة ، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له أجب وإلاّ جعلتك ناكلاً ، والأولى التكرار ثلاثاً ، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على
المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه .
(مسألة 2) : لو سكت لعذر من صمم أو خرس أو جهل باللسان ، توصّل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة أو المترجم ، ولا بدّ من كونه اثنين عدلين ، ولا يكفي العدل الواحد .
ص: 455
(مسألة 3) : إذا ادّعى العذر واستمهل في التأخير أمهله الحاكم بما يراه مصلحة .
(مسألة 4) : لو أجاب المدّعى عليه بقوله : «لا أدري» ، فإن صدّقه المدّعي فهل تسقط دعواه مع عدم البيّنة عليها ، أو يكلّف المدّعى عليه بردّ الحلف على المدّعي ، أو يردّ الحاكم الحلف على المدّعي ؛ فإن حلف ثبت حقّه ، وإن نكل سقط ، أو توقّفت الدعوى ؛ والمدّعي على ادّعائه إلى أن يقيم البيّنة ، أو أنكر دعوى المدّعى عليه ؟ وجوه ، أوجهها الأخير . وإن لم يصدّقه المدّعي في الفرض ؛ وادّعى أ نّه عالم بأ نّي ذو حقّ ، فله عليه الحلف ، فإن حلف سقطت دعواه بأ نّه عالم ، وإن ردّ على المدّعي فحلف ثبت حقّه .
(مسألة 5) : حلف المدّعى عليه بأ نّه لا يدري يسقط دعوى الدراية ، فلا تسمع دعوى المدّعي ولا البيّنة منه عليها . وأمّا حقّه الواقعي فلا يسقط به ، ولو أراد إقامة البيّنة عليه تقبل منه ، بل له المقاصّة بمقدار حقّه . نعم ، لو كانت الدعوى متعلّقة بعين في يده منتقلة إليه من ذي يد ، وقلنا يجوز له الحلف استناداً إلى اليد على الواقع فحلف عليه ، سقطت الدعوى وذهب الحلف بحقّه ، ولا تسمع بيّنة منه ، ولا يجوز له المقاصّة .
(مسألة 6) : لو أجاب المدّعى عليه بقوله : «ليس لي ، وهو لغيرك» ، فإن أقرّ لحاضر وصدّقه الحاضر كان هو المدّعى عليه ، فحينئذٍ له إقامة الدعوى على المقرّ له ، فإن تمّت وصار ماله إليه فهو ، وإلاّ له الدعوى على المقرّ بأ نّه صار سبباً للغرامة ، وله البدأة بالدعوى على المقرّ ، فإن ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وله
ص: 456
حينئذٍ الدعوى على المقرّ له لأخذ عين ماله ، فإن ثبتت دعواه عليه ردّ غرامة المقرّ . وإن أقرّ لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب . وإن قال : «إنّه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم» ، فإن قلنا : إنّ دعوى مدّعي الملكية تقبل إذ لا معارض له يردّ إليه ، وإلاّ فعليه البيّنة ، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلف عليه . وإن قال : «إنّه ليس لك بل وقف» ، فإن ادّعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه ، وتتوجّه إليه لكونه مدّعي التولية ، فإن توجّه الحلف إليه وقلنا بجواز حلف المتولّي فحلف سقطت الدعوى ، وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم . وكذا لو قال المدّعى عليه : «إنّه لصبيّ أو مجنون» ، ونفى الولاية عن نفسه .
(مسألة 7) : لو أجاب المدّعى عليه : بأنّ المدّعي أبرأ ذمّتي ، أو أخذ المدّعى به منّي ، أو وهبني ، أو باعني ، أو صالحني ، ونحو ذلك ، انقلبت الدعوى ؛ وصار المدّعى عليه مدّعياً والمدّعي منكراً . والكلام في هذه الدعوى على ما تقدّم .
(مسألة 1) : لا يصحّ الحلف ولا يترتّب عليه أثر من إسقاط حقّ أو إثباته إلاّ أن يكون باللّه تعالى ، أو بأسمائه الخاصّة به تعالى كالرحمان والقديم والأوّل
الذي ليس قبله شيء ، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى كالرازق والخالق ، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّة به ، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير ، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة ، ولا يصحّ بغيره تعالى ، كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة وغيرها .
ص: 457
(مسألة 2) : لا فرق في لزوم الحلف باللّه بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين ، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد باللّه أو يجحده . ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله : «خالق النور والظلمة» إلى «اللّه» . ولو رأى الحاكم أنّ إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه أردع ، هل يجوز الاكتفاء به كالإحلاف بالتوراة التي اُنزلت على موسى علیه السلام ؟ قيل : نعم ، والأشبه عدم الصحّة . ولا بأس بضمّ ما ذُكر إلى اسم اللّه إذا لم يكن أمراً باطلاً .
(مسألة 3) : لا يترتّب أثر على الحلف بغير اللّه تعالى وإن رضي الخصمان الحلف بغيره ، كما أ نّه لا أثر لضمّ غير اسم اللّه تعالى إليه ، فإذا حلف باللّه كفى ؛ ضمّ إليه سائر الصفات أو لا ، كما يكفي الواحد من الأسماء الخاصّة ؛ ضمّ إليه شيء آخر أو لا .
(مسألة 4) : لا إشكال في عدم ترتّب أثر على الحلف بغير اللّه تعالى ، فهل الحلف بغيره محرّم تكليفاً في إثبات أمر أو إبطاله - مثلاً - كما هو المتعارف بين الناس ؟ الأقوى عدم الحرمة . نعم ، هو مكروه ، سيّما إذا صار ذلك سبباً لترك الحلف باللّه تعالى ، وأمّا مثل قوله : «سألتك بالقرآن أو بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم أن تفعل كذا» فلا إشكال في عدم حرمته .
(مسألة 5) : حلف الأخرس بالإشارة المفهمة ، ولا بأس بأن تكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه ، فإن شرب كان حالفاً ، وإلاّ اُلزم بالحقّ ، ولعلّ بعد الإعلام كان ذلك نحو إشارة . والأحوط الجمع بينهما .
(مسألة 6) : لا يشترط في الحلف العربية ، بل يكفي بأيّ لغة إذا كان باسم اللّه أو صفاته المختصّة به .
ص: 458
(مسألة 7) : لا إشكال في تحقّق الحلف إن اقتصر على اسم اللّه ، كقوله : «واللّه ليس لفلان عليّ كذا» ، ولا يجب التغليظ بالقول ، مثل أن يقول : «واللّه الغالب القاهر المهلك» ، ولا بالزمان كيوم الجمعة والعيد ، ولا بالمكان كالأمكنة المشرّفة ، ولا بالأفعال كالقيام مستقبل القبلة آخذاً المصحف الشريف بيده . والمعروف أنّ التغليظ مستحبّ للحاكم ، وله وجه .
(مسألة 8) : لا يجب على الحالف قبول التغليظ ، ولا يجوز إجباره عليه ، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلاً ، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ ؛ وإن استحبّ للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس ، ويستحبّ التغليظ في جميع الحقوق إلاّ الأموال ، فإنّه لا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع .
(مسألة 9) : لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه ، فلو وكّل غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتّب عليه أثر ، ولا يفصل به خصومة .
(مسألة 10) : لا بدّ وأن يكون الحلف في مجلس القضاء ، وليس للحاكم الاستنابة فيه إلاّ لعذر كمرض أو حيض والمجلس في المسجد ، أو كون المرأة مخدّرة حضورها في المجلس نقص عليها ، أو غير ذلك ، فيجوز الاستنابة . بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم ، فما يترتّب عليه الأثر - في غير مورد العذر - أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه .
(مسألة 11) : يجب أن يكون الحلف على البتّ ؛ سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره ، وسواء كان في نفي أو إثبات ، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف ، ومع عدم علمه لا يجوز إلاّ على عدم العلم .
(مسألة 12) : لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقّه - إثباتاً أو إسقاطاً - إذا
ص: 459
كان أجنبيّاً عن الدعوى ، كما لو حلف زيد على براءة عمرو . وفي مثل الوليّ الإجباري أو القيّم على الصغير أو المتولّي للوقف تردّد ، والأشبه عدم الجواز .
(مسألة 13) : تثبت اليمين في الدعاوي المالية وغيرها كالنكاح والطلاق والقتل ، ولا تثبت في الحدود فإنّها لا تثبت إلاّ بالإقرار أو البيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها ، ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد من حقّ اللّه محضاً كالزنا ، أو مشتركاً بينه وبين حقّ الناس كالقذف ، فإذا ادّعى عليه أ نّه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجّه عليه يمين ، ولو حلف المدّعي لم يثبت عليه حدّ القذف . نعم ، لو كانت الدعوى مركّبة من حقّ اللّه وحقّ الناس كالسرقة فبالنسبة إلى حقّ الناس تثبت اليمين ، دون القطع الذي هو حقّ اللّه تعالى .
(مسألة 14) : يستحبّ للقاضي وعظ الحالف قبله ، وترغيبه في ترك اليمين إجلالاً للّه تعالى ولو كان صادقاً ، وأخافه من عذاب اللّه تعالى إن حلف كاذباً ، وقد روي أ نّه «من حلف باللّه كاذباً كفر» ، وفي بعض الروايات : «من حلف على يمين وهو يعلم أ نّه كاذب فقد بارز اللّه» و«أنّ اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع من أهلها» .
(مسألة 1) : كلّ ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من الأنحاء ، فهو محكوم بملكيته وأ نّه له ؛ سواء كان من الأعيان أو المنافع أو الحقوق أو غيرها ، فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدّعي أ نّه المتولّي يحكم بكونه كذلك ، ولا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها التصرّفات الموقوفة على الملك
ص: 460
فلو كان شيء في يده يحكم بأ نّه ملكه ولو لم يتصرّف فيه فعلاً ، ولا دعوى ذي اليد الملكية . ولو كان في يده شيء فمات ولم يعلم أ نّه له ولم يسمع منه دعوى الملكية ، يحكم بأ نّه له وهو لوارثه . نعم ، يشترط عدم اعترافه بعدمها ، بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أ نّه له ، فإن اعترف بأ نّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا ، يحكم بكونه له بالنسبة إلى نفسه وغيره .
(مسألة 2) : لو كان شيء تحت يد وكيله أو أمينه أو مستأجره فهو محكوم بملكيته ، فيدهم يده . وأمّا لو كان شيء بيد غاصب معترف بغصبيته من زيد ، فهل هو محكوم بكونه تحت يد زيد أو لا ؟ فلو ادّعى أحد ملكيته وأكذب الغاصب في اعترافه ، يحكم بأ نّه لمن يعترف الغاصب أ نّه له ، أم يحكم بعدم يده عليه ، فتكون الدعوى من الموارد التي لا يد لأحدهما عليه ؟ فيه إشكال وتأمّل وإن لا يخلو الأوّل من قوّة . نعم ، الظاهر فيما إذا لم يعترف بالغصبية أو لم تكن يده غصباً واعترف بأ نّه لزيد يصير بحكم ثبوت يده عليه .
(مسألة 3) : لو كان شيء تحت يد اثنين فيد كلّ منهما على نصفه ، فهو محكوم بمملوكيته لهما . وقيل : يمكن أن تكون يد كلّ منهما على تمامه ، بل يمكن أن يكون شيء واحد لمالكين على نحو الاستقلال ، وهو ضعيف .
(مسألة 4) : لو تنازعا في عين - مثلاً - فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول قوله بيمينه ، وعلى غير ذي اليد البيّنة . وإن كانت تحت يدهما فكلّ بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر ؛ حيث إنّ يد كلّ منهما على النصف . فإن ادّعى كلّ منهما تمامها يطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها ، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف .
وإن كانت بيد ثالث فإن صدّق أحدهما المعيّن يصير بمنزلة ذي اليد ، فيكون
ص: 461
مُنكراً والآخر مدّعياً ، ولو صدّقهما ورجع تصديقه بأنّ تمام العين لكلّ منهما ، يلغى تصديقه ويكون المورد ممّا لا يد لهما . وإن رجع إلى أ نّها لهما - بمعنى اشتراكهما فيها - يكون بمنزلة ما تكون في يدهما . وإن صدّق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة ، فمن خرجت له حلف . وإن كذّبهما وقال : هي لي تبقى في يده ولكلّ منهما عليه اليمين . ولو لم تكن في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بيّنة فالأقرب الاقتراع بينهما .
(مسألة 5) : إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر وأقام بيّنة وانتزعها منه بحكم الحاكم ، ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنة على أ نّها له ، فإن ادّعى أ نّها فعلاً له وأقام البيّنة عليه ، تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني ، وإن ادّعى أ نّها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك ، فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا ؟ قولان ، ولا يبعد عدم النقض .
(مسألة 6) : لو تنازع الزوجان في متاع البيت - سواء حال زوجيتهما أو بعدها - ففيه أقوال ، أرجحها أنّ ما يكون من المتاع للرجال فهو للرجل ، كالسيف والسلاح وألبسة الرجال ، وما يكون للنساء فللمرأة كألبسة النساء ومكينة الخياطة التي تستعملها النساء ونحو ذلك ، وما يكون للرجال والنساء فهو بينهما ، فإن ادّعى الرجل ما يكون للنساء كانت المرأة مدّعىً عليها ، وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بيّنة ، وإن ادّعت المرأة ما للرجال فهي مدّعية ، عليها البيّنة وعلى الرجل الحلف ، وما بينهما فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما . هذا
إذا لم يتبيّن كون الأمتعة تحت يد أحدهما ، وإلاّ فلو فرض أنّ المتاع الخاصّ بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس ، يحكم بملكية ذي اليد ،
ص: 462
وعلى غيره البيّنة . ولا يعتبر فيما للرجال أو ما للنساء العلم بأنّ كلاًّ منهما استعمل ماله أو انتفع به ، ولا إحراز أن يكون لكلّ منهما يد مختصّة بالنسبة إلى مختصّات الطائفتين . وهل يجري الحكم بالنسبة إلى شريكين في دار : أحدهما من أهل العلم والفقه ، والثاني من أهل التجارة والكسب ، فيحكم بأنّ ما للعلماء للعالم وما للتجّار للتاجر ، فيستكشف المدّعي من المدّعى عليه ؟ وجهان ، لا يبعد الإلحاق .
(مسألة 7) : لو تعارضت اليد الحالية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة تقدّم اليد الحالية ، فلو كان شيء في يد زيد فعلاً ، وكان هذا الشيء تحت يد عمرو سابقاً أو كان ملكاً له ، يحكم بأ نّه لزيد ، وعلى عمرو إقامة البيّنة ، ومع عدمها فله الحلف على زيد . نعم ، لو أقرّ زيد بأنّ ما في يده كان لعمرو وانتقل إليه بناقل ، انقلبت الدعوى وصار زيد مدّعياً ، والقول قول عمرو بيمينه ، وكذا لو أقرّ بأ نّه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال إليه ، فإنّ لازم ذلك دعوى الانتقال ، وفي مثله يشكل جعله منكراً لأجل يده . وأمّا لو قامت البيّنة على أ نّه كان لعمرو سابقاً ، أو علم الحاكم بذلك ، فاليد محكّمة ، ويكون ذو اليد منكراً والقول قوله . نعم ، لو قامت البيّنة بأنّ يد زيد على هذا الشيء ؛ كان غصباً من عمرو أو عارية أو أمانة ونحوها ، فالظاهر سقوط يده ، والقول قول ذي البيّنة .
(مسألة 8) : لو تعارضت البيّنات في شيء ، فإن كان في يد أحد الطرفين ، فمقتضى القاعدة تقديم بيّنة الخارج ورفض بيّنة الداخل ؛ وإن كانت أكثر أو أعدل وأرجح . وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بيّنة الخارج وعدم اعتبار الداخل . وإن كان في يد ثالث أو لا يد لأحد عليه ، فالظاهر سقوط البيّنتين
ص: 463
والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القُرعة . لكن المسألة بشقوقها في غاية الإشكال من حيث الأخبار والأقوال ، وترجيح أحد الأقوال مشكل وإن لا يبعد في الصورة الاُولى ما ذكرناه .
الأوّل : في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ
(مسألة 1) : لا ينفذ الحكم ولا تفصل الخصومة إلاّ بالإنشاء لفظاً ، ولا عبرة بالإنشاء كتباً ، فلو كتب قاضٍ إلى قاضٍ آخر بالحكم وأراد الإنشاء بالكتابة ، لا يجوز للثاني إنفاذه وإن علم بأنّ الكتابة له وعلم بقصده .
(مسألة 2) : إنهاء حكم الحاكم - بعد فرض الإنشاء لفظاً - إلى حاكم آخر : إمّا بالكتابة أو القول أو الشهادة . فإن كان بالكتابة ؛ بأن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه ، فلا عبرة بها حتّى مع العلم بأ نّها له وأراد مفادها . وأمّا القول مشافهة ؛ فإن كان شهادة على إنشائه السابق فلا يقبل إلاّ مع شهادة عادل آخر ، وأولى بذلك ما إذا قال : «ثبت عندي كذا» ، وإن كان الإنشاء بحضور الثاني ؛ بأن كان الثاني حاضراً في مجلس الحكم فقضى الأوّل ، فهو خارج عن محطّ البحث ، لكن يجب إنفاذه . وأمّا شهادة البيّنة على حكمه فمقبولة يجب الإنفاذ على حاكم آخر . وكذا لو علم حكم الحاكم بالتواتر أو قرائن قطعية أو إقرار المتخاصمين .
(مسألة 3) : الظاهر أنّ إنفاذ حكم الحاكم أجنبيّ عن حكم الحاكم الثاني في الواقعة ؛ لأنّ قطع الخصومة حصل بحكم الأوّل ، وإنّما أنفذه وأمضاه الحاكم الآخر ليجريه الولاة والاُمراء ، ولا أثر له بحسب الواقعة ، فإنّ إنفاذه وعدم إنفاذه
ص: 464
بعد تمامية موازين القضاء في الأوّل سواء ، وليس له الحكم في الواقعة لعدم علمه وعدم تحقّق موازين القضاء عنده .
(مسألة 4) : لا فرق فيما ذكرناه بين حقوق اللّه تعالى وحقوق الناس ، إلاّ في الثبوت بالبيّنة ، فإنّ الإنفاذ بها فيها محلّ إشكال والأشبه عدمه .
(مسألة 5) : لا يعتبر في جواز شهادة البيّنة ولا في قبولها هنا ، غير ما يعتبر فيهما في سائر المقامات ، فلا يعتبر إشهادهما على حكمه وقضائه في التحمّل . وكذا لا يعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم ، ولا حضورهما في مجلس الخصومة وسماعهما شهادة الشهود ، بل المعتبر شهودهما : أنّ الحاكم حكم بذلك ، بل يكفي علمهما بذلك .
(مسألة 6) : قيل : إن لم يحضر الشاهدان الخصومة ، فحكى الحاكم لهما الواقعة وصورة الحكم ، وسمّى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما ، وأشهدهما على الحكم ، فالأولى القبول ؛ لأنّ إخباره كحكمه ماضٍ ، والأشبه عدم القبول إلاّ بضمّ عادل آخر . بل لو أنشأ الحكم بعد الإنشاء في مجلس الخصومة ، فجواز الشهادة بالحكم بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع ، والشهادة بنحو التقييد - بأ نّه لم يكن إنشاء مجلس الخصومة ولا إنشاء الرافع لها - جائزة ، لكن إنفاذه للحاكم الآخر مشكل بل ممنوع .
(مسألة 7) : لا فرق - في جميع ما مرّ - بين أن يكون حكم الحاكم بين المتخاصمين مع حضورهما ، وبين حكمه على الغائب بعد إقامة المدّعي البيّنة ، فالتحمّل فيهما والشهادة وشرائط القبول واحد ، ولا بدّ للشاهدين من حفظ جميع خصوصيات المدّعي والمدّعى عليه بما يخرجهما عن الإبهام ، وحفظ
ص: 465
المدّعى به بخصوصياته المخرجة عن الإبهام ، وحفظ الشاهدين وخصوصياتهما كذلك فيما يحتاج إليه ، كالحكم على الغائب وأ نّه على حجّته .
(مسألة 8) : لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني - لعدم ضبط الشهود له ما يرفع به الإبهام - أوقف الحكم حتّى يتّضح الأمر بتذكّرهما أو بشهادة غيرهما .
(مسألة 9) : لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل بعد حكمه بموت أو جنون ، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر ؛ لو توقّف استيفاء الحقّ عليه . ولو تغيّرت بفسق فقد يقال : لم يعمل بحكمه ، أو يفصّل بين ظهور الفسق قبل إنفاذه فلم يعمل أو بعده فيعمل ، والأشبه العمل مطلقاً كسائر العوارض وجواز إنفاذه أو وجوبه .
(مسألة 10) : لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأ نّه المحكوم عليه وهو المشهود عليه ، ألزمه الحاكم . ولو أنكر ، فإن كانت شهادة الشهود على عينه لم يسمع منه واُلزم ، وكذا لو كانت على وصف لا ينطبق إلاّ عليه ، وكذا فيما ينطبق عليه إلاّ نادراً ؛ بحيث لا يعتني باحتماله العقلاء ، وكان الانطباق عليه ممّا يطمأنّ به . وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره وعليه فالقول قوله بيمينه ، وعلى المدّعي إقامة البيّنة بأ نّه هو . ويحتمل في هذه الصورة عدم صحّة الحكم ؛ لكونه من قبيل القضاء بالمبهم . وفيه تأمّل .
(مسألة 1) : لا إشكال في عدم جواز المقاصّة مع عدم جحود الطرف ولا مماطلته وأدائه عند مطالبته . كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حقّ على غيره
ص: 466
من عين أو دين أو منفعة أو حقّ ، وكان جاحداً أو مماطلاً . وأمّا إذا كان منكراً لاعتقاد المحقّية ، أو كان لا يدري محقّية المدّعي ، ففي جواز المقاصّة إشكال ، بل الأشبه عدم الجواز . ولو كان غاصباً وأنكر لنسيانه فالظاهر جواز المقاصّة .
(مسألة 2) : إذا كان له عين عند غيره ؛ فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور فلا يجوز المقاصّة من ماله ، وإن لم يمكن أخذها منه أصلاً جاز المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره ، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد .
(مسألة 3) : لو كان المطلوب مثلياً وأمكن له المقاصّة من ماله المثلي وغيره ، فهل يجوز له أخذ غير المثلي تقاصّاً بقدر قيمة ماله ، أو يجب الأخذ من المثلي ، وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثلي آخر بمقدار قيمته ؛ مثلاً : لو كان المطلوب حنطة ، وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها ، فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز الأخذ من العدس ؟ لا يبعد جواز التقاصّ مطلقاً فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة ، ومع لزومه وإمكان التقاصّ بشيء لم يلزم منه ذلك ، فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك ، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقّة ومحذور .
(مسألة 4) : لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فالظاهر جواز التقاصّ ، ولو أمكن ذلك مع محذور - كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك - ففي جواز المقاصّة إشكال . هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله ولو أضرّ ذلك
ص: 467
بالغاصب . وأمّا مع عدم جوازه - كما لو كان المطلوب منه غير غاصب ، وأنكر المال بعذر - فالظاهر جواز التقاصّ من ماله إن قلنا بجواز المقاصّة في صورة الإنكار لعذر .
(مسألة 5) : لو كان الحقّ ديناً وكان المديون جاحداً أو مماطلاً ، جازت المقاصّة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم .
(مسألة 6) : لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز ، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه ، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط وتفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن .
(مسألة 7) : لو توقّف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه جاز بيعه وصحّ ، ويجب ردّ الزائد من حقّه ، وأمّا لو لم يتوقّف على البيع - بأن كان قيمة المال بمقدار حقّه - فلا إشكال في جواز أخذه مقاصّة ، وأمّا في جواز بيعه وأخذ قيمته مقاصّة ، أو جواز بيعه واشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصّة ، إشكال ، والأشبه عدم الجواز .
(مسألة 8) : لا إشكال في أنّ ما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل فاقتصّ منه بمقداره برئت ذمّته ، سيّما إذا كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، وكذا في ضمان القيميات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها . وأمّا إذا كان عيناً فإن كانت مثلية واقتصّ مثلها فلا يبعد
حصول المعاوضة قهراً على تأمّل . وأمّا إذا كانت من القيميات - كفرس مثلاً - واقتصّ بمقدار قيمتها ، فهل كان الحكم كما ذكر من المعاوضة القهرية ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، فإذا تمكّن من العين جاز أخذها بل وجب ،
ص: 468
ويجب عليه ردّ ما أخذ ، وكذا يجب على الغاصب ردّها بعد الاقتصاص وأخذ ماله ؟ فيه إشكال وتردّد ؛ وإن لا يبعد جريان حكم بدل الحيلولة فيه .
(مسألة 9) : الأقوى جواز المقاصّة من المال الذي جعل عنده وديعة على كراهية ، والأحوط عدمه .
(مسألة 10) : جواز المقاصّة في صورة عدم علمه بالحقّ مشكل ، فلو كان عليه دين واحتمل أداءه ، يشكل المقاصّة ، فالأحوط رفعه إلى الحاكم ، كما أ نّه مع جهل المديون مشكل ولو علم الدائن ، بل ممنوع كما مرّ ، فلا بدّ من الرفع إلى الحاكم .
(مسألة 11) : لا يجوز التقاصّ من المال المشترك بين المديون وغيره إلاّ بإذن شريكه ، لكن لو أخذ وقع التقاصّ وإن أثم ، فإذا اقتصّ من المال المشاع ، صار شريكاً لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقّه أو أنقص منه ، وإلاّ صار شريكاً مع المديون وشريكه ، فهل يجوز له أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون ؟ الظاهر جوازه مع رضا الشريك .
(مسألة 12) : لو كان له حقّ ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة ، فلا يجوز له التقاصّ . وكذا لو شكّ في أنّ الغريم جاحد أو مماطل لا يجوز التقاصّ .
(مسألة 13) : لا يجوز التقاصّ من مال تعلّق به حقّ الغير ، كحقّ الرهانة وحقّ الغرماء في مال المحجور عليه ، وفي مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه .
(مسألة 14) : لا يجوز لغير ذي الحقّ التقاصّ إلاّ إذا كان وليّاً أو وكيلاً عن ذي الحقّ ، فللأب التقاصّ لولده الصغير أو المجنون أو السفيه في مورد له الولاية ، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته .
ص: 469
(مسألة 15) : إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين ، جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقلّ ، وإلاّ فبقدره وتبرأ ذمّته بمقداره .
(مسألة 16) : ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال من عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلاّ بإذن الحاكم الشرعي ، وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل . وكذا لو كان شيء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّية وليس لها متولٍّ لا يجوز التقاصّ لغير الحاكم ، وأمّا الحاكم فلا إشكال في جواز مقاصّته منافع الوقف . وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاهلاً أو مماطلاً ؛ لا يمكن أخذها منه وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين ؟ وجهان . وعلى الجواز لو رجع عن الجحود والمماطلة ، فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب ؟ الأقوى هو الأوّل ، والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر ، فيصحّ إلى زمان الرجوع .
(مسألة 17) : لا تتحقّق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم . نعم ، يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ ، فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره ، فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً ، لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما بيد الغير منه بعنوان التقاصّ من الغريم .
(مسألة 18) : الظاهر أنّ التقاصّ لا يتوقّف على إذن الحاكم ، وكذا لو توقّف على بيعه أو إفرازه يجوز كلّ ذلك بلا إذن الحاكم .
(مسألة 19) : لو تبيّن بعد المقاصّة خطؤه في دعواه ، يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلاً أو قيمة لو تلف ، وعليه غرامة ما أضرّه ؛ من غير فرق بين
ص: 470
الخطأ في الحكم أو الموضوع . ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم ، يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف .
(مسألة 20) : يجوز المقاصّة من العين أو المنفعة أو الحقّ في مقابل حقّه من أيّ نوع كان ، فلو كان المطلوب عيناً ، يجوز التقاصّ من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس .
(مسألة 21) : إنّما يجوز التقاصّ إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلّفه ، وإلاّ فلا يجوز بعد الحلف ، ولو اقتصّ منه بعده لم يملكه .
(مسألة 22) : يستحبّ أن يقول عند التقاصّ : «اللّهُمّ إنّي آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه منّي ، وإنّي لم آخذ الذي أخذته خيانةً ولا ظلماً» . وقيل : يجب ، وهو أحوط .
(مسألة 23) : لو غصب عيناً مشتركاً بين شريكين ، فلكلّ منهما التقاصّ منه بمقدار حصّته . وكذا إذا كان دين مشتركاً بينهما ؛ من غير فرق بين التقاصّ بجنسه أو بغير جنسه ، فإذا كان عليه ألفان من زيد ، فمات وورثه ابنان ، فإن جحد حقّ أحدهما دون الآخر ، فلا إشكال في أنّ له التقاصّ بمقدار حقّه ، وإن جحد حقّهما فالظاهر أ نّه كذلك ، فلكلّ منهما التقاصّ بمقدار حقّه ، ومع الأخذ لا يكون الآخر شريكاً ، بل لا يجوز لكلٍّ المقاصّة لحقّ شريكه .
(مسألة 24) : لا فرق في جواز التقاصّ بين أقسام الحقوق المالية ، فلو كان عنده وثيقة لدينه فغصبها ، جاز له أخذ عين له وثيقة لدينه وبيعها لأخذ حقّه في مورده . وكذا لا فرق بين الديون الحاصلة من الاقتراض أو الضمانات أو الديات ، فيجوز المقاصّة في كلّها .
ص: 471
وهي اُمور :
الأوّل: البلوغ ، فلا اعتبار بشهادة الصبيّ غير المميّز مطلقاً ، ولا بشهادة المميّز في غير القتل والجرح ، ولا بشهادته فيهما إذا لم يبلغ العشر . وأمّا لو بلغ عشراً وشهد بالجراح والقتل ففيه تردّد . نعم ، لا إشكال في عدم اعتبار شهادة الصبيّة مطلقاً .
الثاني: العقل ، فلا تقبل شهادة المجنون حتّى الأدواري منه حال جنونه ، وأمّا حال عقله وسلامته فتقبل منه إذا علم الحاكم بالابتلاء والامتحان حضور ذهنه وكمال فطنته ، وإلاّ لم تقبل . ويلحق به في عدم القبول من غلب عليه السهو أو النسيان أو الغفلة أو كان به البله ، وفي مثل ذلك يجب الاستظهار على الحاكم حتّى يستثبت ما يشهدون به ، فاللازم الإعراض عن شهادتهم ، إلاّ في الاُمور الجلية التي يعلم بعدم سهوهم ونسيانهم وغلطهم في التحمّل والنقل .
الثالث: الإيمان ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلاً عن غير المسلم مطلقاً على مؤمن أو غيره أو لهما . نعم ، تقبل شهادة الذمّي العدل في دينه في الوصيّة
ص: 472
بالمال ؛ إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يعتبر كون الموصي في غُربة ، فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تقبل شهادة الذمّي فيها . ولا يلحق بالذمّي الفاسق من أهل الإيمان . وهل يلحق به المسلم غير المؤمن إذا كان عدلاً في مذهبه ؟ لا يبعد ذلك . وتقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع الملل . ولا تقبل شهادة الحربي مطلقاً . وهل تقبل شهادة كلّ ملّة على ملّتهم ؟ به رواية ، وعمل بها الشيخ قدّس سرّه .
الرابع: العدالة ، وهي الملكة الرادعة عن معصية اللّه تعالى . فلا تقبل شهادة الفاسق ، وهو المرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة ، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى ، فلا تقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلاّ مع التوبة وظهور العدالة .
(مسألة 1) : لا تقبل شهادة كلّ مخالف في شيء من اُصول العقائد ، بل لا تقبل شهادة من أنكر ضرورياً من الإسلام - كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما - وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة . وتقبل شهادة المخالف في الفروع وإن خالف الإجماع لشبهة .
(مسألة 2) : لا تقبل شهادة القاذف - مع عدم اللعان أو البيّنة أو إقرار المقذوف - إلاّ إذا تاب ، وحدّ توبته أن يُكذّب نفسه عند من قذف عنده أو عند جمع من المسلمين أو عندهما ، وإن كان صادقاً واقعاً يورّي في تكذيبه نفسه ، فإذا كذّب نفسه وتاب تقبل شهادته إذا صلح .
(مسألة 3) : اتّخاذ الحمام للاُنس وإنفاذ الكتب والاستفراخ والتطيير واللعب ليس بحرام . نعم ، اللعب بها مكروه . فتُقبل شهادة المتّخذ واللاعب بها . وأمّا اللعب بالرهان فهو قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك .
ص: 473
(مسألة 4) : لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة ، كبيع الصرف وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها ، ولا شهادة ذوي العاهات الخبيثة كالأجذم والأبرص .
الخامس: طيب المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الإسلام وكان عادلاً . وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة ؟ قيل : نعم ، والأشبه لا . وأمّا لو جهلت حاله فإن كان مُلحقاً بفراش تقبل شهادته وإن أنالته الألسن ، وإن جهلت مطلقاً ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال .
السادس: ارتفاع التهمة لا مطلقاً ، بل الحاصلة من أسباب خاصّة ، وهي اُمور :
منها : أن يجرّ بشهادته نفعاً له - عيناً أو منفعة أو حقّاً - كالشريك فيما هو شريك فيه ، وأمّا في غيره فتقبل شهادته . وصاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به ، بخلاف غير المحجور عليه ، وبخلاف مال لم يتعلّق حجره به . والوصيّ والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال ، بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما ، وأمّا عدم القبول مطلقاً منهما ففيه تأمّل . وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه له الشفعة ، إلى غير ذلك من موارد جرّ النفع .
ومنها : إذا دفع بشهادته ضرراً عنه ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية خطأً ، وشهادة الوكيل والوصيّ بجرح الشهود على الموكّل والموصي في مثل الموردين المتقدّمين .
ومنها : أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوّه ، وتقبل شهادته له إذا لم تستلزم العداوة الفسق . وأمّا ذو العداوة الدينية فلا تردّ شهادته له أو عليه حتّى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك .
ص: 474
ومنها : السؤال بكفّه ، والمراد منه من يكون سائلاً في السوق وأبواب الدور ، وكان السؤال حرفة وديدناً له . وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته .
ومنها : التبرّع بالشهادة في حقوق الناس ، فإنّه يمنع عن القبول في قول معروف ، وفيه تردّد . وأمّا في حقوق اللّه - كشرب الخمر والزنا - وللمصالح العامّة ، فالأشبه القبول .
(مسألة 5) : النسب لا يمنع عن قبول الشهادة ، كالأب لولده وعليه ، والولد لوالده . والأخ لأخيه وعليه ، وسائر الأقرباء بعضها لبعض وعليه . وهل تقبل شهادة الولد على والده ؟ فيه تردّد . وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها ، وشهادة الزوجة لزوجها وعليه . ولا يعتبر في شهادة الزوج الضميمة ، وفي اعتبارها في الزوجة وجه ، والأوجه عدمه . وتظهر الفائدة فيما إذا شهدت لزوجها في الوصيّة ، فعلى القول بالاعتبار لا تثبت ، وعلى عدمه يثبت الربع .
(مسألة 6) : تقبل شهادة الصديق على صديقه وكذا له ، وإن كانت الصداقة بينهما أكيدة والموادّة شديدة ، وتقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له . وهل تقبل شهادة الأجير لمن آجره ؟ قولان أقربهما المنع . ولو تحمّل حال الإجارة وأدّاها بعدها تقبل .
(مسألة 7) : من لا يجوز شهادته لصغر أو فسق أو كفر ، إذا عرف شيئاً في تلك الحال ، ثمّ زال المانع واستكمل الشروط ، فأقام تلك الشهادة ، تقبل . وكذا لو أقامها في حال المانع فردّت ثمّ أعادها بعد زواله ؛ من غير فرق بين الفسق والكفر الظاهرين وغيرهما .
ص: 475
(مسألة 8) : إذا سمع الإقرار - مثلاً - صار شاهداً وإن لم يستدعه المشهود له أو عليه ، فلا يتوقّف كونه شاهداً على الإشهاد والاستدعاء ، فحينئذٍ إن لم يتوقّف أخذ الحقّ على شهادته فهو بالخيار بين الشهادة والسكوت ، وإن توقّف وجبت عليه الشهادة بالحقّ ، وكذا لو سمع اثنين يُوقعان عقداً كالبيع ونحوه أو شاهد غصباً أو جناية ، ولو قال له الغريمان أو أحدهما : «لا تشهد علينا» فسمع ما يوجب حكماً ، ففي جميع تلك الموارد يصير شاهداً .
(مسألة 9) : المشهور بالفسق إن تاب لتقبل شهادته ، لا تقبل حتّى يستبان منه الاستمرار على الصلاح وحصول الملكة الرادعة ، وكذا الحال في كلّ مرتكب للكبيرة بل الصغيرة ، فميزان قبول الشهادة هو العدالة المحرزة بظهور الصلاح ، فإن تاب وظهر منه الصلاح يحكم بعدالته وتقبل شهادته .
(مسألة 1) : الضابط في ذلك : العلم القطعي واليقين ، فهل يجب أن يكون العلم مستنداً إلى الحواسّ الظاهرة فيما يمكن ، كالبصر في المبصرات والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات وهكذا ، فإذا حصل العلم القطعي بشيء من غير المبادئ الحسّية ؛ حتّى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعي ، لم يجز الشهادة ، أم يكفي العلم القطعي بأيّ سبب ، كالعلم الحاصل من التواتر والاشتهار ؟ وجهان ، الأشبه الثاني . نعم ، يشكل جواز الشهادة فيما إذا حصل العلم من الاُمور غير العادية - كالجفر والرمل - وإن كان حجّة للعالم .
(مسألة 2) : التسامع والاستفاضة إن أفادا العلم يجوز الشهادة بهما ؛ لا
ص: 476
لمجرّد الاستفاضة ، بل لحصول العلم . وحينئذٍ لا ينحصر في اُمور خاصّة ، كالوقف والزوجية والنسب والولاء والولاية ونحوها ، بل تجوز في المبصرات والمسموعات إذا حصل منهما العلم القطعي . وإن لم يفيدا علماً - وإنّما أفادا ظنّاً ولو متاخماً للعلم - لا يجوز الشهادة بالمسبّب . نعم ، يجوز الشهادة بالسبب ؛ بأن يقول : «إنّ هذا مشهور مستفيض» ، أو «إنّي أظنّ ذلك أو من الاستفاضة» .
(مسألة 3) : هل يجوز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب ونحوها من الأمارات والاُصول الشرعية ، فكما يجوز شراء ما في يده أو ما قامت البيّنة على ملكه أو الاستصحاب ، كذلك تجوز الشهادة على الملكية . وبالجملة : يجوز الاتّكال على ما هو حجّة شرعية على الملك ظاهراً ، فيشهد بأ نّه ملك مريداً به الملكية في ظاهر الشرع ؟ وجهان ، أوجههما عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع . نعم ، تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية مع التصريح به ؛ بأن يقول : هو ملك له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب ؛ لا بنحو الإطلاق . ووردت رواية بجواز الشهادة مستنداً إلى اليد وكذا الاستصحاب .
(مسألة 4) : يجوز للأعمى والأصمّ تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة ، وتقبل منهما ، فلو شاهد الأصمّ الأفعال جازت شهادته فيها ، وفي رواية : «يؤخذ بشهادته في القتل بأوّل قوله ، لا الثاني» ، وهي مطروحة . ولو سمع الأعمى ، وعرف صاحب الصوت علماً ، جازت شهادته . وكذا يصحّ للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها . فإن عرف الحاكم إشارته يحكم ، وإن جهلها اعتمد فيها على مترجمين عدلين ، وتكون شهادته أصلاً . ويحكم بشهادته .
ص: 477
(مسألة 1) : الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق اللّه تعالى وحقوق الآدميين . أمّا حقوق اللّه تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود أنّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين ، فليراجع إليه .
(مسألة 2) : حقّ الآدمي على أقسام :
منها : ما يشترط في إثباته الذكورة ، فلا يثبت إلاّ بشاهدين ذكرين كالطلاق ، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وهل يعمّ الحكم أقسامه كالخلع والمباراة ؟ الأقرب نعم ، إذا كان الاختلاف في الطلاق ، وأمّا الاختلاف في مقدار البذل فلا . ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدّعية أو الرجل ؛ على إشكال في الثاني .
(مسألة 3) : قيل : ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية ولم يقصد منه المال ، لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات ولا منضمّات ، ومثّل لذلك بالإسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص والوكالة والوصايا والرجعة وعيوب النساء والنسب والهلال ، وألحق بعضهم الخمس والزكاة والنذر والكفّارة . والضابط المذكور لا يخلو من وجه ؛ وإن كان دخول بعض الأمثلة فيها محلّ تأمّل . وتقبل شهادتهنّ على الرضاع على الأقرب .
(مسألة 4) : من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين ، وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين المدّعي ، وبامرأتين ويمين المدّعي ، وهو كلّ ما كان مالاً أو المقصود منه المال ، كالديون بالمعنى الأعمّ ، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع
ص: 478
والسلف وغيرها ممّا في الذمّة ، وكالغصب وعقود المعاوضات مطلقاً والوصيّة له ، والجناية التي توجب الدية ، كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمّي والمأمومة والجائفة وكسر العظام ، وغير ذلك ممّا كان متعلّق الدعوى فيها مالاً أو مقصوداً منها المال ، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتّى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر . وتقبل شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ الرجل .
(مسألة 5) : في قبول شهادتهنّ في الوقف وجه لا يخلو عن إشكال ، وتقبل شهادتهنّ في حقوق الأموال ، كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدمي ، ولا تقبل شهادتهنّ فيما يوجب القصاص .
(مسألة 6) : من حقوق الآدمي ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمّات . وضابطه : كلّ ما يعسر اطّلاع الرجال عليه غالباً ، كالولادة والعذرة والحيض وعيوب النساء الباطنة ، كالقرن والرتق والقرحة في الفرج ، دون الظاهرة كالعرج والعمى .
(مسألة 7) : كلّ موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا يثبت بأقلّ من أربع . نعم ، تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهلّ وربع الوصيّة ، والاثنتين في النصف ، والثلاث في ثلاثة أرباع ، والأربع في الجميع . ولا يلحق بها رجل واحد ، ولا يثبت به أصلاً .
الأوّل : الشهادة ليست شرطاً في شيء من العقود والإيقاعات إلاّ الطلاق والظهار .
ص: 479
الثاني : حكم الحاكم تبع للشهادة ، فإن كانت محقّقة نفذ الحكم ظاهراً وواقعاً ، وإلاّ نفذ ظاهراً لا واقعاً ، ولا يباح للمشهود له ما حكم الحاكم له مع علمه ببطلان الشهادة ؛ سواء كان الشاهدان عالمين ببطلان شهادتهما أو معتقدين بصحّتها .
الثالث : الأحوط وجوب تحمّل الشهادة إذا دعي إليه من له أهلية لذلك ، والوجوب على فرضه كفائي ؛ لا يتعيّن عليه إلاّ مع عدم غيره ممّن يقوم بالتحمّل . ولا إشكال في وجوب أداء الشهادة إذا طلبت منه ، والوجوب هاهنا أيضاً كفائي .
(مسألة 1) : تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس ؛ عقوبة كانت كالقصاص ، أو غيرها كالطلاق والنسب ، وكذا في الأموال كالدين والقرض والغصب وعقود المعاوضات . وكذا ما لا يطّلع عليه الرجال غالباً كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال ، وغير ذلك ممّا هو حقّ آدمي .
(مسألة 2) : لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود ، ويلحق بها التعزيرات على الأحوط لو لم يكن الأقوى . ولو شهد شاهدان بشهادة شاهدين على السرقة لا تقطع ، ولا بدّ في الحدود من شهادة الأصل ؛ سواء كانت حقّ اللّه محضاً كحدّ الزنا واللواط ، أو مشتركة بينه تعالى وبين الآدمي كحدّ القذف والسرقة .
(مسألة 3) : إنّما لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود لإجراء الحدّ ، وأمّا في سائر الآثار فتقبل ، فإذا شهد الفرع بشهادة الأصل بالسرقة لا تقطع ، لكن
ص: 480
يُؤخذ المال منه ، وكذا يثبت بها نشر الحرمة باُمّ الموطوء واُخته وبنته ، وكذا سائر ما يترتّب على الواقع المشهود به غير الحدّ .
(مسألة 4) : تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق اللّه غير الحدّ ، كالزكاة والخمس وأوقاف المساجد والجهات العامّة ، بل والأهلّة أيضاً .
(مسألة 5) : لا تقبل شهادة فرع الفرع ، كالشهادة على الشهادة على الشهادة ، وهكذا .
(مسألة 6) : يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف ، فلا تثبت بشهادة الواحد ، فلو شهد على كلّ واحد اثنان ، أو شهد اثنان على شهادة كلّ واحد ، تقبل . وكذا لو شهد شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر ، وكذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة فيما جازت شهادتها .
(مسألة 7) : لا تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما لا تقبل فيها شهادتهنّ منفردات أو منضمّات ، فهل تقبل فيما تقبل شهادتهنّ كذلك ؟ فيه قولان ، أشبههما المنع .
(مسألة 8) : الأقوى عدم قبول شهادة الفرع ، إلاّ لعذر يمنع حضور شاهد الأصل لإقامتها ؛ لمرض أو مشقّة يسقط بهما وجوب حضوره ، أو لغيبة كان الحضور معها حرجاً ومشقّة ، ومن المنع الحبس المانع عن الحضور .
(مسألة 9) : لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل ، فإن كان بعد حكم الحاكم فلا يلتفت إلى الإنكار ، وإن كان قبله فهل تطرح بيّنة الفرع ، أو يعمل بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة ؟ وجهان .
ص: 481
(مسألة 1) : يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما على الشيء الواحد ، فإن اتّفقا حكم بهما ، والميزان اتّحاد المعنى لا اللفظ ؛ فإن شهد أحدهما : بأ نّه غصب ، والآخر : بأ نّه انتزع منه قهراً ، أو قال أحدهما : باع ، والآخر : ملكه بعوض ، تقبل . ولو اختلفا في المعنى لم تقبل ؛ فإن شهد أحدهما بالبيع والآخر بإقراره بالبيع ، وكذا لو شهد أحدهما بأ نّه غصبه من زيد ، والآخر بأنّ هذا ملك زيد ، لم تردا على معنىً واحد ؛ لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له .
(مسألة 2) : لو شهد أحدهما بشيء وشهد الآخر بغيره ، فإن تكاذبا سقطت الشهادتان ، فلا مجال لضمّ يمين المدّعي . وإن لم يتكاذبا فإن حلف مع كلّ واحد يثبت المدّعى ، وقيل : يصحّ الحلف مع أحدهما في صورة التكاذب أيضاً ، والأشبه ما ذكرناه .
(مسألة 3) : لو شهد أحدهما : بأ نّه سرق نصاباً غدوة ، والآخر : بأ نّه سرق نصاباً عشية ، لم يقطع ولم يحكم بردّ المال ، وكذا لو قال الآخر : سرق هذا النصاب بعينه عشية .
(مسألة 4) : لو اتّفق الشاهدان في فعل ، واختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه بما يوجب تغاير الفعلين ، لم تكمل شهادتهما ، كما لو قال أحدهما : سرق ثوباً في السوق ، والآخر : سرق ثوباً في البيت ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً عراقياً ، وقال الآخر : سرق ديناراً كويتياً ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً غدوة والآخر عشية ، فإنّه لم يقطع ولم يثبت الغرم إلاّ إذا حلف المدّعي مع كلّ واحد ، فإنّه يغرم
ص: 482
الجميع ، فلو تعارض شهادتهما تسقط ، ولا يثبت بهما شيء ولو مع الحلف . وكذا لو تعارضت البيّنتان سقطتا على الأشبه ، كما لو شهدت إحداهما : بأ نّه سرق هذا الثوب أوّل زوال يوم الجمعة في النجف ، وشهدت الاُخرى : بأ نّه سرق هذا الثوب بعينه أوّل زوال هذا اليوم بعينه في بغداد ، ولا يثبت بشيء منها القطع ولا الغرم .
(مسألة 5) : لو شهد أحدهما : أ نّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر : أ نّه باعه أوّل الزوال بدينارين ، لم يثبت وسقطتا . وقيل : كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين ، وفيه ضعف . ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر قيل : ثبت الديناران ، والأشبه سقوطهما . وكذا لو شهد واحد بالإقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا ، وقيل : يثبت بهما الألف ، والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني ، وهو ضعيف . فالضابط : أنّ كلّ مورد وقع التعارض سقط المتعارضان ؛ بيّنة كانا أو شهادة واحدة ، ومع عدم التعارض عمل بالبيّنة ، وتثبت مع الواحد ويمين المدّعي الدعوى .
(مسألة 6) : لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنّا أو اُغمي عليهما حكم بشهادتهما . وكذا لو شهدا ثمّ زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية . وكذا لو شهدا ثمّ فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما ، بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع ، وكان الأصل عادلاً ، ثمّ فسق ثمّ شهد الفرع . ولا فرق في حدود اللّه تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فلا يثبت الحدّ في حقوق اللّه محضاً كحدّ الزنا واللواط ، وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردّد ، والأشبه عدم الحدّ ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته .
ص: 483
(مسألة 7) : قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما ، لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وفيه تردّد وإشكال ، وأشكل منه ما قيل : إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الإرث . والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك .
(مسألة 8) : لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة ، لم يحكم بها ولا غرم ، فإن اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا ، وإلاّ فلا فسق ، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما ؟ فيه إشكال . فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف ، ولو قالوا : اُوهمنا ، فلا حدّ على الأقوى .
(مسألة 9) : لو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقض الحكم ، وعليهما الغرم ، ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء ، فإن كان من حدود اللّه تعالى نقض الحكم . وكذا ما كان مشتركاً نحو حدّ القذف وحدّ السرقة ، والأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ ، كحرمة اُمّ الموطوء واُخته وبنته ، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة ، وقسمة مال المحكوم بالردّة ، واعتداد زوجته ، ولا ينقض الحكم على الأقوى في ما عدا ما تقدّم من الحقوق ، ولو رجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم وإن كانت العين باقية على الأقوى .
(مسألة 10) : إن كان المشهود به قتلاً أو جرحاً موجباً للقصاص واستوفي ثمّ رجعوا ، فإن قالوا : تعمّدنا اقتُصّ منهم ، وإن قالوا : أخطأنا كان عليهم الدية في أموالهم ، وإن قال بعضهم : تعمّدنا وبعضهم : أخطأنا ، فعلى المقرّ بالتعمّد
ص: 484
القصاص وعلى المقرّ بالخطأ الدية بمقدار نصيبه ، ولوليّ الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه ، وله قتل بعضهم ، ويردّ الباقون قدر جنايتهم .
(مسألة 11) : لو كان المشهود به ما يوجب الحدّ برجم أو قتل ، فإن استوفي ثمّ قال أحد الشهود بعد الرجم - مثلاً - : كذبت متعمّداً ، وصدّقه الباقون وقالوا : تعمّدنا ، كان لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم ، وإن شاء قتل واحداً ، وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول ، وإن شاء قتل أكثر من واحد وردّ الأولياء ما فضل من دية صاحبهم ، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل ، وإن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب ، فللوليّ قتله بعد ردّ فاضل الدية عليه ، وله أخذ الدية منه بحصّته .
(مسألة 12) : لو ثبت أ نّهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعيد المال إن أمكن ، وإلاّ يضمن الشهود ، ولو كان المشهود به قتلاً ثبت عليهم القصاص ، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بالتعمّد ، ولو باشر الوليّ القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه ، لا الشهود ولو أقرّ الشهود أيضاً بالتزوير ، ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً ، والأوّل أشبه .
(مسألة 13) : لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطعت يده ثمّ ثبت تزويرهما ، فللوليّ القصاص منهما بعد ردّ نصف الدية إليهما ، ومن واحد منهما ، ويردّ الآخر ربع الدية إلى صاحبه . ولو رجعا في الفرض فإن قالا : تعمّدنا فمثل التزوير ، وإن قالا : اُوهمنا وكان السارق فلاناً غيره ، اُغرما دية اليد ، ولم يقبل شهادتهما على الآخر .
ص: 485
(مسألة 14) : لو شهدا بالطلاق ثمّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه ، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئاً ، وإن كان قبله ضمنا نصف مهر المسمّى . وفي هذا تردّد .
(مسألة 15) : يجب أن يشهّر شهود الزور في بلدهم أو حيّهم ؛ لتجتنب شهادتهم ويرتدع غيرهم ، ويعزّرهم الحاكم بما يراه ، ولا تقبل شهادتهم إلاّ أن يتوبوا ويصلحوا وتظهر العدالة منهم ، ولا يجري الحكم فيمن تبيّن غلطه أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة اُخرى أو ظهور فسق بغير الزور .
ص: 486
وفيه فصول :
الأوّل : في حدّ الزنا
والنظر فيه في الموجب وما يثبت به والحدّ واللواحق :
(مسألة 1) : يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالة ؛ من غير عقد نكاح - دائماً أو منقطعاً - ولا ملك من الفاعل للقابلة ولا تحليل ولا شبهة ؛ مع شرائط يأتي بيانها .
(مسألة 2) : لا يتحقّق الزنا بدخول الخُنثى ذكره الغير الأصلي ، ولا بالدخول المحرّم غير الأصلي ، كالدخول حال الحيض والصوم والاعتكاف ، ولا مع الشبهة موضوعاً أو حكماً .
(مسألة 3) : يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة قبلاً أو دبراً ، وفي عادم الحشفة يكفي صدق الدخول عرفاً ولو لم يكن بمقدار الحشفة ، والأحوط في إجراء الحدّ حصوله بمقدارها ، بل يُدرأ بما دونها .
ص: 487
(مسألة 4) : يشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزاني والزانية البلوغ ، فلا حدّ على الصغير والصغيرة . والعقل ، فلا حدّ على المجنونة بلا شبهة ، ولا على المجنون على الأصحّ . والعلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهاداً أو تقليداً ، فلا حدّ على الجاهل بالتحريم ، ولو نسي الحكم يُدرأ عنه الحدّ ، وكذا لو غفل عنه حال العمل . والاختيار ، فلا حدّ على المكره والمكرهة . ولا شبهة في تحقّق الإكراه في طرف الرجل كما يتحقّق في طرف المرأة .
(مسألة 5) : لو تزوّج امرأة محرّمة عليه - كالاُمّ والمرضعة وذات البعل وزوجة الأب والابن - فوطئ مع الجهل بالتحريم ، فلا حدّ عليه . وكذا لا حدّ مع الشبهة ؛ بأن اعتقد فاعله الجواز ولم يكن كذلك ، أو جهل بالواقع جهالة مغتفرة ، كما لو أخبرت المرأة بكونها خليّة وكانت ذات بعل ، أو قامت البيّنة على موت الزوج أو طلاقه ، أو شكّ في حصول الرضاع المحرّم وكان حاصلاً . ويشكل حصول الشبهة مع الظنّ غير المعتبر ، فضلاً عن مجرّد الاحتمال ، فلو جهل الحكم ، ولكن كان ملتفتاً واحتمل الحرمة ولم يسأل ، فالظاهر عدم كونه شبهة . نعم ، لو كان جاهلاً قاصراً أو مقصّراً غير ملتفت إلى الحكم والسؤال ، فالظاهر كونه شبهة دارئة .
(مسألة 6) : لو عقد على محرّمة عليه - كالمحارم ونحوها - مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ ، وكذا لو استأجرها للوط ء مع علمه بعدم الصحّة ، فالحدّ ثابت خلافاً للمحكيّ عن بعض أهل الخلاف . وكذا لا يشترط في الحدّ كون المسألة إجماعية ، فلو كانت اختلافية ، لكن أدّى اجتهاده أو تقليده إلى الحرمة ثبت الحدّ . ولو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب وقال الوالي بعدم الحرمة ، فهل له إجراء الحدّ أم لا ؟ الأشبه الثاني ، كما أ نّه لو كان بالعكس لا حدّ عليه .
ص: 488
(مسألة 7) : يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ ، كمن وجد على فراشه امرأة فتوهّم أ نّها زوجته فوطئها ، فلو تشبّهت امرأة نفسها بالزوجة فوطئها فعليها الحدّ دون واطئها ، وفي رواية يقام عليها الحدّ جهراً وعليه سرّاً ، وهي ضعيفة غير معوّل عليها .
(مسألة 8) : يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعي لها ، فلو ادّعى الشبهة أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلاّ بالنسبة إلى أحدهما ، سقط عنه دون صاحبه ، ويسقط بدعوى الزوجية ما لم يعلم كذبه ، ولا يكلّف اليمين ولا البيّنة .
(مسألة 9) : يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع اُمور :
الأوّل : الوط ء بأهله في القبل ، وفي الدبر لا يوجبه على الأحوط ، فلو عقد وخلا بها خلوة تامّة ، أو جامعها فيما بين الفخذين ، أو بما دون الحشفة ، أو ما دون قدرها في المقطوعة مع الشكّ في حصول الدخول ، لم يكن محصناً ولا المرأة محصنة ، والظاهر عدم اشتراط الإنزال ، فلو التقى الختانان تحقّق ، ولا يشترط سلامة الخصيتين .
الثاني : أن يكون الواطئ بأهله بالغاً على الأحوط ، فلا إحصان مع إيلاج الطفل وإن كان مراهقاً ، كما لا تحصن المرأة بذلك ، فلو وطئها وهو غير بالغ ثمّ زنى بالغاً ، لم يكن محصناً على الأحوط ولو كانت الزوجية باقية مستمرّة .
الثالث : أن يكون عاقلاً حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه ، فلو تزوّج في حال صحّته ولم يدخل بها حتّى جُنّ ثمّ وطئها حال الجنون ، لم يتحقّق الإحصان على الأحوط .
الرابع : أن يكون الوط ء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح أو ملك
ص: 489
اليمين ، فلا يتحقّق الإحصان بوط ء الزنا ولا الشبهة ، وكذا لا يتحقّق بالمتعة ، فلو كان عنده متعة يروح ويغدو عليها لم يكن محصناً .
الخامس : أن يكون متمكّناً من وط ء الفرج يغدو عليه ويروح إذا شاء ، فلو كان بعيداً وغائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير محصن . وكذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع ؛ من حبسه أو حبس زوجته ، أو كونها مريضة لا يمكن له وطؤها ، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها ، ليس محصناً .
السادس : أن يكون حُرّاً .
(مسألة 10) : يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل ، فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها ويروح ، ولا ترجم غير المدخول بها ، ولا غير البالغة ولا المجنونة ولا المتعة .
(مسألة 11) : الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان ، فلو زنى أو زنت في الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم ، ولو تزوّجت عالمة كان عليها الرجم . وكذا الزوج الثاني إن علم بالتحريم والعدّة . ولو جهل بالحكم أو بالموضوع فلا حدّ ، ولو علم أحدهما فعليه الرجم دون الجاهل ، ولو ادّعى أحدهما الجهل بالحكم قبل منه إن أمكن الجهل في حقّه ، ولو ادّعى الجهل بالموضوع قبل كذلك .
(مسألة 12) : يخرج المرء وكذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن كالخلع والمباراة ، ولو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلاّ بعد الدخول .
(مسألة 13) : لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحد منهما ، فيحصن النصراني النصرانية وبالعكس ، والنصراني اليهودية وبالعكس ، فلو وطئ
ص: 490
غير مسلم زوجته الدائمة ثمّ زنى يرجم ، ولا يشترط صحّة عقدهم إلاّ عندهم ، فلو صحّ عندهم وبطل عندنا كفى في الحكم بالرجم .
(مسألة 14) : لو ارتدّ المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان ؛ لبينونة زوجته منه . ولو ارتدّ عن ملّة فإن زنى بعد عدّة زوجته ليس محصناً ، وإلاّ فهو محصن .
(مسألة 15) : يثبت الحدّ - رجماً أو جلداً - على الأعمى ، ولو ادّعى الشبهة مع احتمالها في حقّه فالأقوى القبول . وقيل : لا تقبل منه ، أو لا تقبل إلاّ أن يكون عدلاً ، أو لا تقبل إلاّ مع شهادة الحال بما ادّعاه ، والكلّ ضعيف .
(مسألة 16) : في التقبيل والمضاجعة والمعانقة وغير ذلك من الاستمتاعات دون الفرج تعزير ، ولا حدّ لها ، كما لا تحديد في التعزير ، بل هو منوط بنظر الحاكم على الأشبه .
(مسألة 1) : يثبت الزنا بالإقرار ، ويشترط فيه بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا بإقرار المجنون حال جنونه ، ولا بإقرار المكره ، ولا بإقرار السكران والساهي والغافل والنائم والهازل ونحوهم .
(مسألة 2) : لا بدّ وأن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الاحتمال العقلائي ، ولا بدّ من تكراره أربعاً . وهل يعتبر أن يكون الأربع في أربعة مجالس ، أو يكفي الأربع ولو كان في مجلس واحد ؟ فيه خلاف ، أقربه الثبوت ، والأحوط اعتبار أربعة مجالس . ولو أقرّ دون الأربعة لا يثبت الحدّ ، والظاهر أنّ للحاكم تعزيره ، ويستوي في كلّ ما ذكر ، الرجل والمرأة . وإشارة الأخرس
ص: 491
المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق ، ولو احتاجت إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان .
(مسألة 3) : لو قال : «زنيت بفلانة العفيفة» ، لم يثبت الزنا الموجب للحدّ في طرفه إلاّ إذا كرّرها أربعاً ، وهل يثبت القذف بذلك للمرأة ؟ فيه تردّد ، والأشبه العدم . نعم ، لو قال : «زنيت بها وهي أيضاً زانية بزنائي» فعليه حدّ القذف .
(مسألة 4) : من أقرّ على نفسه بما يوجب الحدّ ولم يعيّن لا يكلّف بالبيان ، بل يجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه . به وردت رواية صحيحة ، ولا بأس بالعمل بها . وقيّده قوم بأن لا يزيد على المائة ، وبعض بأن لا ينقص عن ثمانين .
(مسألة 5) : لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر ، سقط الرجم ، ولو أقرّ بما لا يوجبه لم يسقط بالإنكار . والأحوط إلحاق القتل بالرجم ، فلو أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر لم يحكم بالقتل .
(مسألة 6) : لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ تاب ، كان للإمام علیه السلام عفوه أو إقامة الحدّ عليه رجماً كان أو غيره ، ولا يبعد ثبوت التخيير لغير إمام الأصل من نوّابه .
(مسألة 7) : لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحدّ إلاّ مع الإقرار بالزنا أربعاً أو تقوم البيّنة على ذلك ، وليس على أحد سؤالها ولا التفتيش عن الواقعة .
(مسألة 8) : لو أقرّ أربعاً أ نّه زنى بامرأة حدّ دونها ؛ وإن صرّح بأ نّها طاوعته على الزنا ، وكذا لو أقرّت أربعاً بأ نّه زنى بي وأنا طاوعته حدّت دونه . ولو ادّعى أربعاً أ نّه وَطئ امرأة ولم يعترف بالزنا ، لا يثبت عليه حدّ وإن ثبت أنّ المرأة لم تكن زوجته . ولو ادّعى في الفرض أ نّها زوجته وأنكرت هي الوط ء والزوجية
ص: 492
لم يثبت عليه حدّ ولا مهر . ولو ادّعت أ نّه أكرهها على الزنا أو تشبّه عليها فلا حدّ على أحد منهما .
(مسألة 9) : يثبت الزنا بالبيّنة ، ويعتبر أن لا تكون أقلّ من أربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين . ولا تقبل شهادة النساء منفردات ، ولا شهادة رجل وستّ نساء فيه ، ولا شهادة رجلين وأربع نساء في الرجم ، ويثبت بها الحدّ دون الرجم على الأقوى . ولو شهد ما دون الأربعة وما في حكمها لم يثبت الحدّ رجماً ولا جلداً ، بل حدّوا للفرية .
(مسألة 10) : لا بدّ في شهادة الشهود على الزنا من التصريح أو نحوه على مشاهدة الولوج في الفرج كالميل في المكحلة أو الإخراج منه ؛ من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ولا إكراه . وهل يكفي أن يقولوا : لا نعلم بينهما سبباً للتحليل ؟ قيل : نعم ، والأشبه لا . وفي كفاية الشهادة مع اليقين - وإن لم يبصر به - وجه لا يخلو من شبهة في المقام .
(مسألة 11) : تكفي الشهادة على نحو الإطلاق ؛ بأن يشهد الشهود : أ نّه زنى وأولج كالميل في المكحلة من غير ذكر زمان أو مكان أو غيرهما . لكن لو ذكروا الخصوصيات واختلف شهادتهم فيها ؛ كأن شهد أحدهم بأ نّه زنى يوم الجمعة ، والآخر بأ نّه يوم السبت ، أو شهد بعضهم أ نّه زنى في مكان كذا ، والآخر في مكان غيره ، أو بفلانة والآخر بغيرها ، لم تسمع شهادتهم ولا يحدّ ، ويحدّ الشهود للقذف . ولو ذكر بعضهم خصوصية وأطلق بعضهم ، فهل يكفي ذلك ، أو لا بدّ مع ذكر أحدهم الخصوصية أن يذكرها الباقون ؟ فيه إشكال والأحوط لزومه .
(مسألة 12) : لو حضر بعض الشهود وشهد بالزنا في غيبة بعض آخر ، حدّ من
ص: 493
شهد للفرية ، ولم ينتظر مجيء البقيّة لإتمام البيّنة ، فلو شهد ثلاثة منهم على الزنا ، وقالوا : لنا رابع سيجيء ، حدّوا . نعم ، لا يجب أن يكونوا حاضرين دفعة ، فلو شهد واحد وجاء الآخر بلا فصل فشهد وهكذا ، ثبت الزنا ، ولا حدّ على الشهود ، ولا يعتبر تواطؤهم على الشهادة ، فلو شهد الأربعة بلا علم منهم بشهادة السائرين تمّ النصاب وثبت الزنا ، ولو شهد بعضهم بعد حضورهم جميعاً للشهادة ونكل بعض يحدّ من شهد للفرية .
(مسألة 13) : لو شهد أربعة بالزنا وكانوا غير مرضيّين كلّهم أو بعضهم كالفسّاق ، حدّوا للقذف . وقيل : إن كان ردّ الشهادة لأمر ظاهر كالعمى والفسق الظاهر حدّوا ، وإن كان الردّ لأمر خفيّ كالفسق الخفيّ لا يحدّ إلاّ المردود ، ولو كان الشهود مستورين ولم يثبت عدالتهم ولا فسقهم ، فلا حدّ عليهم للشبهة .
(مسألة 14) : تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد ، فلو قالوا : «إنّ فلاناً وفلاناً زنيا» قبل منهم وجرى عليهما الحدّ .
(مسألة 15) : إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ ، ولا يسقط بتصديق المشهود عليه مرّة أو مرّات دون الأربع ، خلافاً لبعض أهل الخلاف . وكذا لا يسقط بتكذيبه .
(مسألة 16) : يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة رجماً كان أو جلداً ، ولا يسقط لو تاب بعده . وليس للإمام علیه السلام أن يعفو بعد قيام البيّنة ، وله العفو بعد الإقرار كما مرّ . ولو تاب قبل الإقرار سقط الحدّ .
ص: 494
وفيه مقامان :
الأوّل : في أقسامه
للحدّ أقسام :
الأوّل: القتل ، فيجب على من زنى بذات محرم للنسب كالاُمّ والبنت والاُخت وشبهها ، ولا يلحق ذات محرم للرضاع بالنسب على الأحوط لو لم يكن الأقوى . وهل تلحق الاُمّ والبنت ونحوهما من الزنا بالشرعي منها ؟ فيه تردّد ، والأحوط عدم الإلحاق . والأحوط عدم إلحاق المحارم السببية - كبنت الزوجة واُمّها - بالنسبية . نعم ، الأقوى إلحاق امرأة الأب بها ، فيقتل بالزنا بها . ويقتل الذمّي إذا زنى بمسلمة مطاوعة أو مكرهة ؛ سواء كان على شرائط الذمّة أم لا ، والظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار فلو أسلم هل يسقط عنه الحدّ أم لا ؟ فيه إشكال ؛ وإن لا يبعد عدم السقوط . وكذا يقتل من زنى بامرأة مكرهاً لها .
(مسألة 1) : لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان ، بل يقتل محصناً كان أو غير محصن ، ويتساوى الشيخ والشابّ والمسلم والكافر والحرّ والعبد . وهل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدّمة ثمّ يقتل ؛ فيجمع فيها بين الجلد والقتل ؟ الأوجه عدم الجمع وإن كان في النفس تردّد في بعض الصور .
الثاني: الرجم فقط ، فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة ، وعلى المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابّين ، وفي قول معروف : يجمع في الشابّ والشابّة بين الجلد والرجم ، والأقرب الرجم فقط .
ص: 495
(مسألة 2) : لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة ، فهل عليه الرجم ، أم الحدّ دون الرجم ؟ وجهان ، لا يبعد ثبوت الرجم عليه . ولو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة ، فعليها الحدّ كاملة من رجم أو جلد ، وليس على المجنون حدّ على الأقوى .
الثالث: الجلد خاصّة ، وهو ثابت على الزاني غير المحصن إذا لم يملك ؛ أي لم يزوّج ، وعلى المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل ؛ كانت محصنة أو لا ، وعلى المرأة غير المحصنة إذا زنت .
الرابع: الجلد والرجم معاً ، وهما حدّ الشيخ والشيخة إذا كانا محصنين ، فيجلدان أوّلاً ثمّ يرجمان .
الخامس: الجلد والتغريب والجزّ ، وهي حدّ البكر ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها على الأقرب .
(مسألة 3) : الجزّ : حلق الرأس ، ولا يجوز حلق لحيته ولا حلق حاجبه والظاهر لزوم حلق جميع رأسه ، ولا يكفي حلق شعر الناصية .
(مسألة 4) : حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها ، وتعيين البلد مع الحاكم . ولو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه ، بل لا بدّ من أن يكون إلى غير وطنه . ولو حدّه في فلاة لا يسقط النفي ، فينفيه إلى غير وطنه . ولا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قرية .
(مسألة 5) : في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات - في يوم واحد أو أيّام متعدّدة ، بامرأة واحدة أو متعدّدة - حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها . هذا إذا اقتضى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلاً . وأمّا إن اقتضى حدوداً
ص: 496
مختلفة - كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة وبعضه الجلد والرجم أو الرجم - فالظاهر تكراره بتكرار سببه .
(مسألة 6) : لو تكرّر من الحرّ غير المحصن ولو كان امرأة فاُقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات قتل في الرابعة . وقيل : قتل في الثالثة بعد إقامة الحدّ مرّتين ، وهو غير مرضيّ .
(مسألة 7) : قالوا : الحاكم بالخيار في الذمّي بين إقامة الحدّ عليه ، وتسليمه إلى أهل نحلته وملّته ليقيموا الحدّ على معتقدهم . والأحوط إجراء الحدّ عليه . هذا إذا زنى بالذمّية أو الكافرة ، وإلاّ فيجري عليه الحدّ بلا إشكال .
(مسألة 8) : لا يقام الحدّ ؛ رجماً ولا جلداً على الحامل ولو كان حمله من الزنا حتّى تضع حملها ، وتخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر على ولدها ، وحتّى ترضع ولدها إن لم يكن له مرضعة ولو كان جلداً إن خيف الإضرار برضاعها ، ولو وجد له كافل يجب عليها الحدّ مع عدم الخوف عليه .
(مسألة 9) : يجب الحدّ على المريض ونحوه - كصاحب القروح والمستحاضة - إذا كان رجماً أو قتلاً ، ولا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية ، وينتظر البرء . ولو لم يتوقّع البرء ، أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ، ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ ونحوهما . ولا يعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده ، فيكفي التأثير بالاجتماع وصدق مسمّى الضرب بالشماريخ مجتمعاً ، ولو برئ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح ، وأمّا لو برئ بعده لم يعد . ولا يؤخّر حدّ الحائض ، والأحوط التأخير في النفساء .
ص: 497
(مسألة 10) : لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد ، فإن أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح - لا علّة به من ذهاب عقل - ثمّ جنّ ، اُقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً ، ولو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجبه في دور إفاقته وصحّته اُقيم عليه الحدّ ولو في دور جنونه ، ولا ينتظر به الإفاقة ، ولا فرق بين أن يحسّ بالألم حال الجنون أو لا .
(مسألة 11) : لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد ولا البرد الشديد ، فيتوخّى به في الشتاء وسط النهار ، وفي الصيف في ساعة برده ؛ خوفاً من الهلاك أو الضرر زائداً على ما هو لازم الحدّ . ولا يُقام في أرض العدوّ ، ولا في الحرم على من التجأ إليه ، لكن يضيّق عليه في المطعم والمشرب ليخرج . ولو أحدث موجب الحدّ في الحرم يقام عليه فيه .
(مسألة 1) : إذا اجتمع على شخص حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر فلو اجتمع الجلد والرجم عليه جلد أوّلاً ثمّ رجم ، ولو كان عليه حدّ البكر والمحصن ، فالظاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب على إشكال . ولا يجب توقّع برء جلده فيما اجتمع الجلد والرجم ، بل الأحوط عدم التأخير .
(مسألة 2) : يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد ، والمرأة إلى وسطها فوق الحقوة تحت الصدر ، فإن فرّ أو فرّت من الحفيرة ردّا إن ثبت الزنا بالبيّنة ، وإن ثبت بالإقرار فإن فرّا بعد إصابة الحجر ولو واحداً لم يردّا ، وإلاّ ردّا . وفي قول مشهور : إن ثبت بالإقرار لا يردّ مطلقاً ، وهو أحوط . هذا في الرجم . وأمّا في الجلد فالفرار غير نافع فيه ، بل يردّ ويحدّ مطلقاً .
ص: 498
(مسألة 3) : إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام علیه السلام ثمّ الناس ، وإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ، ثمّ الإمام علیه السلام ، ثمّ الناس .
(مسألة 4) : يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلاّ ساتر عورته ، ويضرب أشدّ الضرب ، ويفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه ، ولكن يتّقى رأسه ووجهه وفرجه . وتضرب المرأة جالسة ، وتربط عليها ثيابها . ولو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان .
(مسألة 5) : ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس ليجتمعوا على حضوره ، بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحدّ ، والأحوط حضور طائفة من المؤمنين ثلاثة أو أكثر . وينبغي أن يكون الأحجار صغاراً ، بل هو الأحوط ، ولا يجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصى ، ولا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين . والأحوط أن لا يُقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ ، سيّما إذا كان ذنبه
مثل ذنبه ، ولو تاب عنه بينه وبين اللّه جاز إقامته ، وإن كان الأقوى الكراهة مطلقاً ، ولا فرق في ذلك بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة .
(مسألة 6) : إذا اُريد رجمه يأمره الإمام علیه السلام أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت بماء السدر ثمّ ماء الكافور ثمّ القراح ، ثمّ يكفّن كتكفين الميّت ؛ يلبس جميع قطعه ويحنّط قبل قتله كحنوط الميّت ، ثمّ يرجم فيصلّى عليه ، ويدفن بلا تغسيل في قبور المسلمين ، ولا يلزم غسل الدم من كفنه ، ولو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل ، ونيّة الغسل من المأمور ، والأحوط نيّة الآمر أيضاً .
ص: 499
وفيها مسائل:
(مسألة 1) : إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قبلاً ، فادّعت أ نّها بكر ، وشهد أربع نساء عدول بذلك ، يقبل شهادتهنّ ويدرأ عنها الحدّ ، بل الظاهر أ نّه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقبل ولا الدبر ، فشهدت النساء بكونها بكراً يدرأ الحدّ عنها . فهل تحدّ الشهود للفرية أم لا ؟ الأشبه الثاني . وكذا يسقط الحدّ عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة ؛ سواء شهدوا بالزنا قبلاً ، أو أطلقوا فشهدت النساء بكونها بكراً . نعم ، لو شهدوا بزناه دبراً ثبت الحدّ ، ولا يسقط بشهادة كونها بكراً . ولو ثبت علماً بالتواتر ونحوه كونها بكراً ، وقد شهد الشهود بزناها قبلاً أو زناه معها كذلك ، فالظاهر ثبوت حدّ الفرية إلاّ مع احتمال تجديد البكارة وإمكانه . ولو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده ، درئ عنه الحدّ وعن المرأة التي شهدوا أ نّه زنى بها ، وحدّ الشهود للفرية إن ثبت الجبّ علماً ، وإلاّ فلا يحدّ .
(مسألة 2) : لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ رجماً أو جلداً ، فلا يسقط الحدّ لو ماتوا أو غابوا . نعم ، لو فرّوا لا يبعد السقوط للشبهة الدارئة ، ويجب عقلاً على الشهود حضورهم موضع الرجم مقدّمة لوجوب بدئهم بالرجم ، كما يجب على الإمام علیه السلام أو الحاكم الحضور ليبدأ بالرجم إذا ثبت بالإقرار ، ويأتي به بعد الشهود إذا ثبت بالبيّنة .
(مسألة 3) : إذا شهد أربعة - أحدهم الزوج - بالزنا ، فهل تقبل وترجم المرأة
ص: 500
أو يلاعن الزوج ويجلد الآخرون للفرية ؟ قولان وروايتان ، لا يبعد ترجيح الثاني على إشكال .
(مسألة 4) : للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق اللّه وحقوق الناس ، فيجب عليه إقامة حدود اللّه تعالى لو علم بالسبب ، فيحدّ الزاني كما يجب عليه مع قيام البيّنة والإقرار ، ولا يتوقّف على مطالبة أحد ، وأمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدّاً كان أو تعزيراً ، فمع المطالبة له العمل بعلمه .
(مسألة 5) : من افتضّ بكراً حرّة بإصبعه لزمه مهر نسائها ، ويعزّره الحاكم بما رأى .
(مسألة 6) : من زنى في زمان شريف كشهر رمضان والجمع والأعياد أو مكان شريف كالمسجد والحرم والمشاهد المشرّفة عوقب زيادة على الحدّ ، وهو بنظر الحاكم . وتلاحظ الخصوصيات في الأزمنة والأمكنة ، أو اجتماع زمان شريف مع مكان شريف ، كمن ارتكب - والعياذ باللّه - في ليلة القدر المصادفة للجمعة في المسجد ، أو عند الضرائح المعظّمة من المشاهد المشرّفة .
(مسألة 7) : لا كفالة في حدّ ، ولا تأخير فيه مع عدم عذر كحبل أو مرض ، ولا شفاعة في إسقاطه .
(مسألة 1) : اللواط وط ء الذكران من الآدمي بإيقاب وغيره ، وهو لا يثبت إلاّ بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات ، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة مع جامعيتهم لشرائط القبول .
ص: 501
(مسألة 2) : يشترط في المقرّ - فاعلاً كان أو مفعولاً - البلوغ وكمال العقل والحرّية والاختيار والقصد ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والعبد والمكره والهازل .
(مسألة 3) : لو أقرّ دون الأربع لم يحدّ ، وللحاكم تعزيره بما يرى . ولو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت ، بل كان عليهم الحدّ للفرية . ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمّات . والحاكم يحكم بعلمه إماماً كان أو غيره .
(مسألة 4) : لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل وعلى المفعول ؛ إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلاً مختاراً . ويستوي فيه المسلم والكافر والمحصن وغيره . ولو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً قتل البالغ واُدّب الصبيّ ، وكذا لو لاط البالغ العاقل موقباً بالمجنون ، ومع شعور المجنون أدّبه الحاكم بما يراه ، ولو لاط الصبيّ بالصبيّ اُدّبا معاً ، ولو لاط مجنون بعاقل حُدّ العاقل دون المجنون ، ولو لاط صبيّ ببالغ حدّ البالغ واُدّب الصبيّ . ولو لاط الذمّي بمسلم قتل وإن لم يوقب ، ولو لاط ذمّي بذمّي قيل : كان الإمام علیه السلام مخيّراً بين إقامة الحدّ عليه ، وبين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم ، والأحوط لو لم يكن الأقوى إجراء الحدّ عليه .
(مسألة 5) : الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف ، أو إلقائه من شاهق كجبل ونحوه مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراقه بالنار ، أو رجمه ، وعلى قول : أو إلقاء جدار عليه فاعلاً كان أو مفعولاً ، ويجوز الجمع بين سائر العقوبات والإحراق ؛ بأن يُقتل ثمّ يحرق .
(مسألة 6) : إذا لم يكن الإتيان إيقاباً - كالتفخيذ أو بين الأليتين - فحدّه مائة
ص: 502
جلدة ؛ من غير فرق بين المحصن وغيره والكافر والمسلم ؛ إذا لم يكن الفاعل كافراً والمفعول مسلماً ، وإلاّ قتل كما مرّ ، ولو تكرّر منه الفعل وتخلّله الحدّ قتل في الرابعة ، وقيل : في الثالثة ، والأوّل أشبه .
(مسألة 7) : المجتمعان تحت إزار واحد يعزّران ؛ إذا كانا مجرّدين ولم يكن بينهما رحم ولا تقتضي ذلك ضرورة . والتعزير بنظر الحاكم ، والأحوط في المقام الحدّ إلاّ سوطاً . وكذا يعزّر من قبّل غلاماً بشهوة ، بل أو رجلاً أو امرأة
صغيرة أو كبيرة .
(مسألة 8) : لو تاب اللائط - إيقاباً أو غيره - قبل قيام البيّنة سقط الحدّ ، ولو تاب بعده لم يسقط ، ولو كان الثبوت بإقراره فتاب فللإمام علیه السلام العفو والإجراء ، وكذا لنائبه على الظاهر .
(مسألة 9) : يثبت السحق وهو وط ء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط ، وحدّه مائة جلدة بشرط البلوغ والعقل والاختيار محصنة كانت أم لا . وقيل : في المحصنة الرجم ، والأشبه الأوّل ، ولا فرق بين الفاعلة والمفعولة ، ولا الكافرة والمسلمة .
(مسألة 10) : إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة ، ويسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة ، ولا يسقط بعده . ولو ثبتت بالإقرار فتابت يكون الإمام علیه السلام مخيّراً كما في اللواط ، والظاهر أنّ نائبه مخيّر أيضاً .
(مسألة 11) : الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ ، والأحوط مائة إلاّ سوطاً .
ص: 503
(مسألة 12) : إن تكرّر الفعل منهما والتعزير مرّتين اُقيم عليهما الحدّ ، ولو عادتا بعد الحدّ فالأحوط التعزير مرّتين والحدّ في الثالثة ، وقيل : تقتلان ، وقيل : تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر ، والأشبه ما تقدّم .
(مسألة 13) : لو وَطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر ، فالولد للواطئ صاحب الماء ، وعلى الصبيّة الجلد مائة بعد وضعها إن كانت مطاوعة ، والولد يلحق بها أيضاً ، ولها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها . وأمّا المرأة فقد ورد أنّ عليها الرجم ، وفيه تأمّل ، والأحوط الأشبه فيها الجلد مائة .
(مسألة 14) : تثبت القيادة وهي الجمع بين الرجل والمرأة أو الصبيّة للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبيّ للّواط بالإقرار مرّتين ، وقيل : مرّة ، والأوّل أشبه . ويعتبر في الإقرار بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والمكره والهازل ونحوه ، وتثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين .
(مسألة 15) : يُحدّ القوّاد خمساً وسبعين جلدةً ثلاثة أرباع حدّ الزاني ، وينفى من البلد إلى غيره ، والأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية ، وعلى قول مشهور : يحلق رأسه ويشهّر . ويستوي فيه المسلم والكافر والرجل والمرأة ، إلاّ أ نّه ليس في المرأة إلاّ الجلد ، فلا حلق ولا نفي ولا شهرة عليها . ولا يبعد أن يكون حدّ النفي بنظر الحاكم .
ص: 504
والنظر فيه في الموجب والقاذف والمقذوف والأحكام :
القول : في الموجب
(مسألة 1) : موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط ، وأمّا الرمي بالسحق وسائر الفواحش فلا يوجب حدّ القذف . نعم ، للإمام علیه السلام تعزير الرامي .
(مسألة 2) : يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه ، كقوله : «أنت زنيت» ، أو « . . . لطت» ، أو «أنت زان» ، أو « . . . لائط» ، أو «ليط بك» ، أو «أنت منكوح في دبرك» ، أو «يا زاني» ، «يا لاطئ» ، ونحو ذلك ممّا يؤدّي المعنى صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه ، وأن يكون القائل عارفاً بما وضع له اللفظ ومفاده في اللغة التي يتكلّم بها ، فلو قال عجمي أحد الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفاً ، ولا حدّ عليه ولو علم المخاطب ، وعلى العكس لو قاله العارف باللغة لمن لم يكن عارفاً فهو قاذف وعليه الحدّ .
(مسألة 3) : لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعي : «لست بولدي» فعليه الحدّ ، وكذا لو قال لغيره الذي ثبت بوجه شرعي أ نّه ولد زيد : «لست بولد زيد» ، أو «أنت ولد عمرو» . نعم ، لو كان في أمثال ذلك قرينة على عدم إرادة القذف ؛ ولو للتعارف فليس عليه الحدّ ، فلو قال : «أنت لست بولدي» مريداً به ليس فيك ما يتوقّع منك ، أو «أنت لست بابن عمرو» مريداً به ليس فيك شجاعته - مثلاً - فلا حدّ عليه ، ولا يكون قذفاً .
(مسألة 4) : لو قال : «يا زوج الزانية» ، أو «يا اُخت الزانية» ، أو «يابن
ص: 505
الزانية» ، أو «زنت اُمّك» ، وأمثال ذلك ، فالقذف ليس للمخاطب ، بل لمن نسب إليه الزنا ، وكذا لو قال : «يابن اللاطئ» ، أو «يابن الملوط» ، أو «يا أخ اللاطئ» ، أو «يا أخ الملوط» - مثلاً - فالقذف لمن نسب إليه الفاحشة لا للمخاطب . نعم ، عليه التعزير بالنسبة إلى إيذاء المخاطب وهتكه فيما لا يجوز له ذلك .
(مسألة 5) : لو قال : «ولدتك اُمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ ، فإنّ المواجه لم يكن مقذوفاً ، ويحتمل انفراد الأب بالزنا أو الاُمّ بذلك ، فلا يكون القذف لمعيّن ، ففي مثله تحصل الشبهة الدارئة ، ويحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين ، وكذا لو قال : «أحدكما زانٍ» فإنّه يحتمل الدرء ، ويحتمل الحدّ بمطالبتهما .
(مسألة 6) : لو قال : «زنيت أنت بفلانة» ، أو «لطت بفلان» ، فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه على الأشبه ، وقيل : عليه حدّان .
(مسألة 7) : لو قال لابن الملاعنة : «يابن الزانية» ، أو لها «يا زانية» ، فعليه الحدّ لها ، ولو قال لامرأة : «زنيت أنا بفلانة» ، أو «زنيت بك» فالأشبه عدم الحدّ لها ، ولو أقرّ بذلك أربع مرّات يحدّ حدّ الزاني .
(مسألة 8) : كلّ فحش نحو «يا ديّوث» ، أو تعريض بما يكرهه المواجه ولم يفد القذف في عرفه ولغته ، يثبت به التعزير لا الحدّ ، كقوله : «أنت ولد حرام» ، أو «يا ولد الحرام» ، أو «يا ولد الحيض» ، أو يقول لزوجته : «ما وجدتك عذراء» ، أو يقول : «يا فاسق» «يا فاجر» «يا شارب الخمر» ، وأمثال ذلك ممّا يوجب الاستخفاف بالغير ، ولم يكن الطرف مستحقّاً ، ففيه التعزير لا الحدّ ، ولو كان مستحقّاً فلا يوجب شيئاً .
ص: 506
(مسألة 1) : يعتبر في القاذف البلوغ والعقل ، فلو قذف الصبيّ لم يحدّ وإن قذف المسلم البالغ العاقل . نعم ، لو كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب اُدّب على حسب رأي الحاكم ، وكذا المجنون . وكذا يعتبر فيه الاختيار ، فلو قذف مكرَهاً لا شيء عليه . والقصد ، فلو قذف ساهياً أو غافلاً أو هزلاً لم يُحدّ .
(مسألة 2) : لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله ، ثمّ جُنّ العاقل وعاد دور جنون الأدواري ، ثبت عليه الحدّ ولم يسقط ، ويحدّ حال جنونه .
(مسألة 3) : يشترط في المقذوف الإحصان ، وهو في المقام عبارة عن البلوغ والعقل والحرّية والإسلام والعفّة ، فمن استكملها وجب الحدّ بقذفه ، ومن فقدها أو فقد بعضها فلا حدّ على قاذفه ، وعليه التعزير . فلو قذف صبيّاً أو صبيّة أو مملوكاً أو كافراً يُعزّر . وأمّا غير العفيف فإن كان متظاهراً بالزنا أو اللواط فلا حرمة له ، فلا حدّ على القاذف ولا تعزير ، ولو لم يكن متظاهراً بهما فقذفه يوجب الحدّ ، ولو كان متظاهراً بأحدهما ففيما يتظاهر لا حدّ ولا تعزير ، وفي غيره الحدّ على الأقوى ، ولو كان متظاهراً بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب الحدّ .
(مسألة 4) : لو قال للمسلم : «يابن الزانية» ، أو «اُمّك زانية» ، وكانت اُمّه كافرة ، ففي رواية يضرب القاذف حدّاً ؛ لأنّ المسلم حصّنها ، والأحوط التعزير دون الحدّ .
ص: 507
(مسألة 5) : لو قذف الأب ولده بما يوجب الحدّ لم يحدّ ، بل عليه التعزير للحرمة لا للولد ، وكذا لا يحدّ لو قذف زوجته الميّتة ولا وارث لها إلاّ ولده ، ولو كان لها ولد من غيره كان له الحدّ ، وكذا لو كان لها وارث آخر غيره ، والظاهر أنّ الجدّ والد ، فلا يحدّ بقذف ابن ابنه ، ويحدّ الولد لو قذف أباه وإن علا ، وتُحدّ الاُمّ لو قذفت ابنها ، والأقارب لو قذفوا بعضهم بعضاً .
(مسألة 6) : إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد فلكلّ واحد حدّ ؛ سواء جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرّقين ، ولو قذفهم بلفظ واحد ؛ بأن يقول : «هؤلاء زناة» ، فإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ ، وإن اجتمعوا بها فللكلّ حدّ واحد ، ولو قال : «زيد وعمرو وبكر - مثلاً - زناة» فالظاهر أ نّه قذف بلفظ واحد ، وكذا لو قال : «زيد زان وعمرو وبكر» . وأمّا لو قال : «زيد زان وعمرو زان وبكر زان» فلكلّ واحد حدّ ؛ اجتمعوا في المطالبة أم لا ، ولو قال : «يابن الزانيين» فالحدّ لهما ، والقذف بلفظ واحد فيحدّ حدّاً واحداً مع الاجتماع على المطالبة ، وحدّين مع التعاقب .
(مسألة 1) : يثبت القذف بالإقرار ، ويعتبر على الأحوط أن يكون مرّتين ، بل لا يخلو من وجه . ويشترط في المقرّ : البلوغ والعقل والاختيار والقصد . ويثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات .
(مسألة 2) : الحدّ في القذف ثمانون جلدة ؛ ذكراً كان المفتري أو اُنثى . ويضرب ضرباً متوسّطاً في الشدّة لا يبلغ به الضرب في الزنا ، ويضرب فوق ثيابه
ص: 508
المعتادة ، ولا يجرّد ، ويضرب جسده كلّه إلاّ الرأس والوجه والمذاكير ، وعلى رأي يشهّر القاذف حتّى تجتنب شهادته .
(مسألة 3) : لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف فالأحوط أن يقتل في الرابعة ، ولو قذف فحدّ ، فقال : «إنّ الذي قلت حقّ» ، وجب في الثاني التعزير ، ولو قذف شخصاً بسبب واحد عشر مرّات ؛ بأن قال : «أنت زانٍ» وكرّره ، ليس عليه إلاّ حدّ واحد ، ولو تعدّد المقذوف يتعدّد الحدّ ، ولو تعدّد المقذوف به ؛ بأن قال : «أنت زانٍ وأنت لائط» ففي تكرّر الحدّ إشكال ، والأقرب التكرّر .
(مسألة 4) : إذا ثبت الحدّ على القاذف لا يسقط عنه إلاّ بتصديق المقذوف ولو مرّة ، وبالبيّنة التي يثبت بها الزنا ، وبالعفو ، ولو عفا ثمّ رجع عنه لا أثر لرجوعه ، وفي قذف الزوجة يسقط باللعان أيضاً .
(مسألة 5) : إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ وعزّرا ؛ سواء كان قذف كلّ بما يقذف به الآخر ، كما لو قذف كلّ صاحبه باللواط فاعلاً أو مفعولاً ، أو اختلف ، كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا وقذف الآخر إيّاه باللواط .
(مسألة 6) : حدّ القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف ولم يعف عنه ، ويرثه من يرث المال ذكوراً وإناثاً إلاّ الزوج والزوجة ، لكن لا يورث - كما يورث المال - من التوزيع ، بل لكلّ واحد من الورثة المطالبة به تامّاً وإن عفا الآخر .
الأوّل : من سبّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم - والعياذ باللّه - وجب على سامعه قتله ؛ ما لم يخف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن أو عرضه ، ومعه لا يجوز ، ولو خاف
ص: 509
على ماله المعتدّ به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله ، ولا يتوقّف ذلك على إذن من الإمام علیه السلام أو نائبه . وكذا الحال لو سبّ بعض الأئمّة علیهم السلام ، وفي إلحاق الصدّيقة الطاهرة - سلام اللّه عليها - بهم وجه ، بل لو رجع إلى سبّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم
يُقتل بلا إشكال .
الثاني : من ادّعى النبوّة يجب قتله ، ودمه مباح لمن سمعها منه إلاّ مع الخوف كما تقدّم ، ومن كان على ظاهر الإسلام وقال : «لا أدري أنّ محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله وسلمصادق أو لا» يُقتل .
الثالث : من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً ، ويُؤدّب إن كان كافراً ، ويثبت ذلك بالإقرار ، والأحوط الإقرار مرّتين ، وبالبيّنة . ولو تعلّم السحر لإبطال مدّعي النبوّة فلا بأس به ، بل ربما يجب .
الرابع : كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّه - سبحانه وتعالى - يثبت بالإقرار ، والأحوط الأولى أن يكون مرّتين ، وبشاهدين عدلين .
الخامس : كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام علیه السلام ونائبه تعزيره ؛ بشرط أن يكون من الكبائر ، والتعزير دون الحدّ ، وحدّه بنظر الحاكم ، والأحوط له فيما لم يدلّ دليل على التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود .
السادس : قيل : إنّه يكره أن يُزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط ، والظاهر أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدّب والوليّ ، فربما تقتضي المصلحة أقلّ وربما تقتضي الأكثر ، ولا يجوز التجاوز ، بل ولا التجاوز عن تعزير البالغ ، بل الأحوط دون تعزيره ، وأحوط منه الاكتفاء بستّة أو خمسة .
ص: 510
والنظر في موجبه وكيفيته وأحكامه .
(مسألة 1) : وجب الحدّ على من تناول المسكر أو الفقّاع وإن لم يكن مسكراً ؛ بشرط أن يكون المتناول بالغاً عاقلاً مختاراً عالماً بالحكم والموضوع ، فلا حدّ على الصبيّ والمجنون والمكره والجاهل بالحكم والموضوع أو أحدهما ؛ إذا أمكن الجهل بالحكم في حقّه .
(مسألة 2) : لا فرق في المسكر بين أنواعه كالمتّخذ من العنب : وهو الخمر ، أو التمر : وهو النبيذ ، أو الزبيب : وهو النقيع ، أو العسل : وهو البتع ، أو الشعير : وهو المزر ، أو الحنطة أو الذرة أو غيرها ، ويلحق بالمسكر الفقّاع وإن فرض أ نّه غير مسكر ، ولو عمل المسكر من شيئين فما زاد ففي شربه حدّ .
(مسألة 3) : لا إشكال في حرمة العصير العنبي ؛ سواء غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس ، إلاّ إذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلاًّ ، لكن لم يثبت إسكاره . وفي إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحدّ ولو لم يكن مسكراً إشكال ، بل منع ، سيّما إذا غلى بالنار أو بالشمس . والعصير الزبيبي والتمري لا يلحق بالمسكر حرمة ولا حدّاً .
(مسألة 4) : لا إشكال في أنّ المسكر قليله وكثيره سواء في ثبوت الحدّ بتناوله ؛ ولو كان قطرة منه ولم يكن مسكراً فعلاً ، فما كان كثيره مسكراً يكون في قليله حدّ . كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا صدق اسمه عليه ، وكان غيره مستهلكاً فيه . كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا كان مسكراً ولم يخرج
ص: 511
بامتزاجه عن الإسكار ، ففي كلّ ذلك حدّ . وأمّا إذا امتزج بغيره - كالأغذية والأدوية - بنحو استهلك فيه ولم يصدق اسمه ، ولم يكن الممتزج مسكراً ، ففي ثبوت الحدّ به إشكال ، وإن كان حراماً لأجل نجاسة الممتزج ، فلو استهلك قطرة منه في مائع فلا شبهة في نجاسة الممتزج ، ولكن ثبوت حدّ المسكر عليه محلّ تأمّل وإشكال ، لكن الحكم بالحدّ معروف بين أصحابنا .
(مسألة 5) : لو اضطرّ إلى شرب المسكر لحفظ نفسه عن الهلاك أو من المرض الشديد فشرب ، ليس عليه الحدّ .
(مسألة 6) : لو شرب المسكر مع علمه بالحرمة وجب الحدّ ولو جهل أ نّه موجب للحدّ ، ولو شرب مائعاً بتخيّل أ نّه محرّم غير مسكر فاتّضح أ نّه مسكر ، لم يثبت الحدّ عليه ، ولو علم أ نّه مسكر وتخيّل أنّ الموجب للحدّ ما أسكر بالفعل فشرب قليله فالظاهر وجوب الحدّ .
(مسألة 7) : يثبت شرب المسكر بالإقرار مرّتين . ويشترط في المقرّ : البلوغ والعقل والحرّية والاختيار والقصد . ويعتبر في الإقرار أن لا يقرن بشيء يحتمل معه جواز شربه ، كقوله : «شربت للتداوي ، أو مكرهاً» ، ولو أقرّ بنحو الإطلاق ، وقامت قرينة على أ نّه شربه معذوراً ، لم يثبت الحدّ ، ولو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعى عذراً قُبِل منه ، ويدرأ عنه الحدّ لو احتمل في حقّه ذلك ، ولا يكفي في ثبوته الرائحة والنكهة مع احتمال العذر .
(مسألة 8) : ويثبت بشاهدين عادلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات ، ولو شهد العدلان بنحو الإطلاق كفى في الثبوت ، ولو اختلفا في الخصوصيات ، كأن يقول أحدهما : «إنّه شرب الفقّاع» ، والآخر : «إنّه شرب
ص: 512
الخمر» ، أو قال أحدهما : «إنّه شرب في السوق» ، والآخر : «إنّه شرب في البيت» ، لم يثبت الشرب ، فلا حدّ . وكذا لو شهد أحدهما : بأ نّه شرب عالماً بالحكم ، والآخر : بأ نّه شرب جاهلاً ، وغيره من الاختلافات . ولو أطلق أحدهما ؛ وقال : «شرب المسكر» ، وقيّد الثاني ؛ وقال : «شرب الخمر» فالظاهر ثبوت الحدّ .
(مسألة 9) : الحدّ في الشرب ثمانون جلدة ؛ كان الشارب رجلاً أو امرأة . والكافر إذا تظاهر بشربه يُحدّ ، وإذا استتر لم يُحدّ ، وإذا شرب في كنائسهم وبيعهم لم يحدّ .
(مسألة 10) : يضرب الشارب على ظهره وكتفيه وسائر جسده ، ويتّقى وجهه ورأسه وفرجه . والرجل يضرب عُرياناً - ما عدا العورة - قائماً ، والمرأة تُضرب قاعدة مربوطة في ثيابها ، ولا يُقام عليهما الحدّ حتّى يفيقا .
(مسألة 11) : لا يسقط الحدّ بعروض الجنون ولا بالارتداد ، فيُحدّ حال جنونه وارتداده .
(مسألة 12) : لو شرب كراراً ولم يحدّ خلالها كفى عن الجميع حدّ واحد ، ولو شرب فحدّ قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة .
(مسألة 1) : لو شهد عدل بشربه وآخر بقيئه وجب الحدّ ؛ سواء شهد من غير تأريخ أو بتأريخ يمكن الاتّحاد ، ومع عدم إمكانه لا يحدّ ، وهل يحدّ إذا شهدا بقيئه ؟ فيه إشكال .
ص: 513
(مسألة 2) : من شرب الخمر مستحلاًّ لشربها أصلاً وهو مسلم استتيب ، فإن تاب اُقيم عليه الحدّ ، وإن لم يتب ورجع إنكاره إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم قُتل ؛ من غير فرق بين كونه ملّياً أو فطرياً ، وقيل : حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة ، بل يقتل من غير استتابة ، والأوّل أشبه . ولا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر من المسكرات مطلقاً ، بل يحدّ بشربه خاصّة مستحلاًّ كان له أو محرّماً . وبائع الخمر يستتاب مطلقاً ، فإن تاب قبل منه ، وإن لم يتب ورجع استحلاله إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم قتل . وبائع ما سواها لا يقتل وإن باعه مستحلاًّ ولم يتب .
(مسألة 3) : لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط عنه الحدّ ، ولو تاب بعد قيامها لم يسقط وعليه الحدّ . ولو تاب بعد الإقرار فلا يبعد تخيير الإمام علیه السلام في الإقامة والعفو ، والأحوط له الإقامة .
(مسألة 4) : من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع على تحريمها بين المسلمين - كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا - فإن ولد على الفطرة يقتل إن رجع إنكاره إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو إنكار الشرع ، وإلاّ فيعزّر ، ولو كان إنكاره لشبهة ممّن صحّت في حقّه فلا يعزّر . نعم ، لو رفعت شبهته فأصرّ على الاستحلال قتل ؛ لرجوعه إلى تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم . ولو ارتكب شيئاً من المحرّمات - غير ما قرّر الشارع فيه حدّاً - عالماً بتحريمها لا مستحلاًّ عزّر ؛ سواء كانت المحرّمات من الكبائر أو الصغائر .
(مسألة 5) : من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه .
(مسألة 6) : لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل ، فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين أو
ص: 514
الشهود ، كانت الدية في بيت المال ، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته . ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحدّ عليها ، أو ذكرت بما يوجب الحدّ فأحضرها للتحقيق ، فخافت فسقط حملها ، فالأقوى أنّ دية الجنين على بيت المال .
والنظر فيه في السارق والمسروق وما يثبت به والحدّ واللواحق :
(مسألة 1) : يشترط في وجوب الحدّ عليه اُمور :
الأوّل : البلوغ ، فلو سرق الطفل لم يحدّ ، ويؤدّب بما يراه الحاكم ؛ ولو تكرّرت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق . وقيل : يُعفى عنه أوّلاً ، فإن عاد اُدّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتّى تدمي ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل . وفي سرقته روايات ، وفيها : «لم يصنعه إلاّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأنا» ؛ أي أمير المؤمنين علیه السلام . فالأشبه ما ذكرنا .
الثاني : العقل ، فلا يقطع المجنون ولو أدواراً إذا سرق حال أدواره وإن تكرّرت منه ، ويؤدّب إذا استشعر بالتأديب وأمكن التأثير فيه .
الثالث : الاختيار ، فلا يقطع المكره .
الرابع : عدم الاضطرار ، فلا يقطع المضطرّ إذا سرق لدفع اضطراره .
الخامس : أن يكون السارق هاتكاً للحرز منفرداً أو مشاركاً ، فلو هتك غير السارق وسرق هو من غير حرز ، لا يقطع واحد منهما ؛ وإن جاءا معاً للسرقة والتعاون فيها ، ويضمن الهاتك ما أتلفه والسارق ما سرقه .
ص: 515
السادس : أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره . ويتحقّق الإخراج بالمباشرة ، كما لو جعله على عاتقه وأخرجه ، وبالتسبيب كما لو شدّه بحبل ثم يجذبه من خارج الحرز ، أو يضعه على دابّة من الحرز ويخرجها ، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه ، أو أمر مجنوناً أو صبيّاً غير مميّز بالإخراج ، وأمّا إن كان مميّزاً ففي القطع إشكال ، بل منع .
السابع : أن لا يكون السارق والد المسروق منه ، فلا يقطع الوالد لمال ولده ، ويقطع الولد إن سرق من والده ، والاُمّ إن سرقت من ولدها ، والأقرباء إن سرق بعضهم من بعض .
الثامن : أن يأخذ سرّاً ، فلو هتك الحرز قهراً ظاهراً وأخذ لا يقطع ، بل لو هتك سرّاً وأخذ ظاهراً قهراً فكذلك .
(مسألة 2) : لو اشتركا في الهتك وانفرد أحدهما بالسرقة ، يقطع السارق دون الهاتك ، ولو انفرد أحدهما بالهتك واشتركا في السرقة قطع الهاتك السارق ، ولو اشتركا فيهما قطعا مع تحقّق سائر الشرائط .
(مسألة 3) : يعتبر في السرقة وغيرها ممّا فيه حدّ ارتفاع الشبهة حكماً وموضوعاً ، فلو أخذ الشريك المال المشترك بظنّ جواز ذلك بدون إذن الشريك ، لا قطع فيه ؛ ولو زاد ما أخذ على نصيبه بما يبلغ نصاب القطع ، وكذا لو أخذ مع علمه بالحرمة لكن لا للسرقة بل للتقسيم والإذن بعده لم يقطع . نعم ، لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع . وكذا لا يقطع لو أخذ مال الغير بتوهّم ماله ، فإنّه لا يكون سرقة ، ولو سرق من المال المشترك بمقدار نصيبه لم يقطع ، وإن زاد عليه بمقدار النصاب يقطع .
ص: 516
(مسألة 4) : في السرقة من المغنم روايتان : إحداهما لا يقطع ، والاُخرى يقطع إن زاد ما سرقه على نصيبه بقدر نصاب القطع .
(مسألة 5) : لا فرق بين الذكر والاُنثى ، فتقطع الاُنثى فيما يقطع الذكر ، وكذا المسلم والذمّي ، فيقطع المسلم وإن سرق من الذمّي ، والذمّي كذلك سرق من المسلم أو الذمّي .
(مسألة 6) : لو خان الأمين لم يقطع ولم يكن سارقاً ، ولو سرق الراهن الرهن لم يقطع ، وكذا لو سرق المؤجر العين المستأجرة .
(مسألة 7) : إذا سرق الأجير من مال المستأجر فإن استأمنه عليه فلا يقطع ، وإن أحرز المال من دونه فهتك الحرز وسرق يقطع . وكذا يقطع كلّ من الزوج والزوجة بسرقة مال الآخر إذا اُحرز عنه ، ومع عدم الإحراز فلا . نعم ، إذا أخذ الزوجة من مال الرجل سرقة ؛ عوضاً من النفقة الواجبة التي منعها عنها ، فلا قطع عليها إذا لم يزد على النفقة بمقدار النصاب ، وكذا الضيف يقطع إن اُحرز المال عنه ، وإلاّ لا يقطع .
(مسألة 8) : لو أخرج متاعاً من حرز وادّعى صاحب الحرز أ نّه سرقه ، وقال المخرج : «وهبني» ، أو «أذن لي في إخراجه» ، سقط الحدّ إلاّ أن تقوم البيّنة بالسرقة . وكذا لو قال : «المال لي» ، وأنكر صاحب المنزل ، فالقول وإن كان قول صاحب المنزل بيمينه وأخذ المال من المخرج بعد اليمين ، لكن لا يقطع .
ص: 517
(مسألة 1) : نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهباً خالصاً مضروباً عليه السكّة ، أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائي ؛ من الألبسة والمعادن والفواكه والأطعمة ؛ رطبة كانت أو لا ، كان أصله الإباحة لجميع الناس أو لا ، كان ممّا يسرع إليه الفساد - كالخضروات والفواكه الرطبة ونحوها - أو لا . وبالجملة : كلّ ما يملكه المسلم إذا بلغ الحدّ ففيه القطع حتّى الطير وحجارة الرخام .
(مسألة 2) : لا فرق في الذهب بين المسكوك وغيره ، فلو بلغ الذهب غير المسكوك قيمة ربع دينار مسكوك قطع ، ولو بلغ وزنه وزن ربع دينار مسكوك ، لكن لم تبلغ قيمته قيمة الربع ، لم يقطع ، ولو انعكس وبلغ قيمته قيمته وكان وزنه أقلّ يقطع .
(مسألة 3) : لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكّتين ، وكانت قيمتهما مختلفة ؛ لا لأجل النقص أو الغشّ في أحدهما ، بل لأجل السكّة ، فالأحوط عدم القطع إلاّ ببلوغه ربع قيمة الأكثر ، وإن كان الأشبه كفاية بلوغ الأقلّ .
(مسألة 4) : المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج ، فلو فرض وجود مسكوك غير رائج فلا اعتبار في ربع قيمته ، فلو بلغ ربع قيمته ، ولم يكن قيمة ربعه بمقدار قيمة ربع الدارج ، لم يقطع .
(مسألة 5) : لو سرق شيئاً وتخيّل عدم وصوله إلى حدّ النصاب ؛ كأن سرق ديناراً بتخيّل أ نّه درهم ، فالظاهر القطع ، ولو انعكس وسرق ما دون النصاب بتخيّل النصاب لم يقطع .
ص: 518
(مسألة 6) : ربع الدينار أو ما بلغ قيمة الربع هو أقلّ ما يقطع به ، فلو سرق أكثر منه يقطع كقطعه بالربع بلغ ما بلغ ، وليس في الزيادة شيء غير القطع .
(مسألة 7) : يشترط في المسروق أن يكون في حرز ، ككونه في مكان مقفل أو مغلق ، أو كان مدفوناً ، أو أخفاه المالك عن الأنظار تحت فرش أو جوف كتاب ، أو نحو ذلك ممّا يعدّ عرفاً محرزاً ، وما لا يكون كذلك لا يقطع به ؛ وإن لا يجوز الدخول إلاّ بإذن مالكه ، فلو سرق شيئاً عن الأشياء الظاهرة في دكّان مفتوح لم يقطع ؛ وإن لا يجوز دخوله فيه إلاّ بإذنه .
(مسألة 8) : لمّا كان الأشياء مختلفة في الحرز في تعارف الناس فلو كان موضع حرزاً لشيء من الأشياء فهل يكون حرزاً لكلّ شيء ، فلو سقط من جيب المالك ديناراً في الإصطبل ، والسارق كسر القفل ودخل لسرقة الفرس - مثلاً - فعثر على الدينار فسرقه ، كفى في لزوم القطع ، أو لا لعدم إخراجه من حرزه ؟ الأشبه والأحوط هو الثاني . نعم ، لو أخفى المالك ديناره في الإصطبل فأخرجه السارق يقطع .
(مسألة 9) : ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه ، كالسرقة من الخانات والحمّامات والبيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العموم أو على طائفة ، ونحو المساجد والمدارس والمشاهد المشرّفة والمؤسّسات العامّة . وبالجملة : كلّ موضع اُذن للعموم أو لطائفة . وهل مراعاة المالك ونحوه ومراقبته للمال حرز ، فلو كانت دابّته في الصحراء وكان لها مراعياً يقطع بسرقته ، أو لا ؟ الأقوى الثاني .
وهل يقطع سارق ستارة الكعبة ؟ قيل : نعم ، والأقوى عدمه ، وكذا سارق ما في المشاهد المشرّفة من الحرم المطهّر أو الرواق والصحن .
ص: 519
(مسألة 10) : لو سرق من جيب إنسان ، فإن كان المسروق محرزاً ، كأن كان في الجيب الذي تحت الثوب ، أو كان على درب جيبه آلة كالآلات الحديثة تحرزه ، فالظاهر ثبوت القطع ، وإن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه لا يقطع . ولو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع . فالميزان صدق الحرز .
(مسألة 11) : لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها وحرزها ، ولا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار محرزة . وأمّا إذا كانت محرزة - كأن كانت في بستان مقفل - فهل يقطع بسرقة ثمرتها أو لا ؟ الأحوط بل الأقوى عدم القطع .
(مسألة 12) : لا قطع على السارق في عام مجاعة ؛ إذا كان المسروق مأكولاً ولو بالقوّة كالحبوب ، وكان السارق مضطرّاً إليه ، وفي غير المأكول وفي المأكول في غير مورد الاضطرار محلّ إشكال ، والأحوط عدم القطع ، بل في المحتاج إذا سرق غير المأكول لا يخلو من قوّة .
(مسألة 13) : لو سرق حرّاً - كبيراً أو صغيراً ، ذكراً أو اُنثى - لم يقطع حدّاً ، فهل يقطع دفعاً للفساد ؟ قيل : نعم ، وبه رواية ، والأحوط ترك القطع وتعزيره بما يراه الحاكم .
(مسألة 14) : لو أعار بيتاً - مثلاً - فهتك المعير حرزه فسرق منه مالاً للمستعير قطع ، ولو آجر بيتاً - مثلاً - وسرق منه مالاً للمستأجر قطع ، ولو كان الحرز مغصوباً لم يقطع بسرقة مالكه . ولو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله لم يقطع ؛ وإن كان ماله مخلوطاً بمال الغاصب ، فأخذ بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب .
ص: 520
(مسألة 15) : لو كان المسروق وقفاً يقطع لو قلنا بأ نّه ملك للواقف - كما في بعض الصور - أو للموقوف عليه ، ولو قلنا : إنّه فكّ ملك لدرّ المنفعة على الموقوف عليه لم يقطع . ولو سرق ما يكون مصرفه الأشخاص كالزكاة - بناء على عدم الملك لأحد - لم يقطع ، ولو سرق مالاً يكون للإمام علیه السلام - كنصف الخمس بناء على كونه ملكاً له علیه السلام - فهل يقطع بمطالبة الفقيه الجامع للشرائط أو لا ؟ فيه تردّد ، وبناءً على عدم الملك وكونه علیه السلام وليّ الأمر لا يقطع على الأحوط .
(مسألة 16) : باب الحرز وكذا ما بني على الباب والجدار من الخارج ليس محرزاً ، فلا قطع بها . نعم ، الظاهر كون الباب الداخل - وراء باب الحرز - محرزاً بباب الحرز فيقطع به ، وكذا ما على الجدار داخلاً ، فإذا كسر الباب ودخل الحرز وأخرج شيئاً من أجزاء الجدار الداخل يقطع .
(مسألة 17) : يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر وسرقه ؛ ولو بعض أجزائه المندوبة بشرط بلوغه حدّ النصاب . ولو نبش ولم يسرق الكفن لم يقطع ويعزّر . وليس القبر حرزاً لغير الكفن ، فلو جعل مع الميّت شيء في القبر فنبش وأخرجه لم يقطع به على الأحوط ، ولو تكرّر منه النبش من غير أخذ الكفن ، وهرب من السلطان ، قيل : يقتل ، وفيه تردّد .
(مسألة 1) : يثبت الحدّ بالإقرار بموجبه مرّتين وبشهادة عدلين ، ولو أقرّ مرّة واحدة لا يقطع ، ولكن يؤخذ المال منه ، ولا يقطع بشهادة النساء منضمّات ولا منفردات ، ولا بشاهد ويمين .
ص: 521
(مسألة 2) : يعتبر في المقرّ : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا يقطع بإقرار الصبيّ حتّى مع القول بقطعه بالسرقة ، ولا بإقرار المجنون ولو أدواراً دور جنونه ، ولا بالمكره ولا بالهازل والغافل والنائم والساهي والمغمى عليه ، فلو أقرّ مكرهاً أو بلا قصد لم يقطع ، ولم يثبت المال .
(مسألة 3) : لو أكرهه على الإقرار بضرب ونحوه ، فأقرّ ثمّ أتى بالمال بعينه ، لم يثبت القطع إلاّ مع قيام قرائن قطعية على سرقته بما يوجب القطع .
(مسألة 4) : لو أقرّ مرّتين ثمّ أنكر فهل يقطع أو لا ؟ الأحوط الثاني ، والأرجح الأوّل ، ولو أنكر بعد الإقرار مرّة يؤخذ منه المال ولا يقطع ، ولو تاب أو أنكر بعد قيام البيّنة يقطع ، ولو تاب قبل قيام البيّنة وقبل الإقرار سقط عنه الحدّ ، ولو تاب بعد الإقرار يتحتّم القطع ، وقيل : يتخيّر الإمام علیه السلام بين العفو والقطع .
(مسألة 1) : حدّ السارق في المرّة الاُولى ، قطع الأصابع الأربع من مفصل اُصولها من اليد اليمنى ، ويترك له الراحة والإبهام ، ولو سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى من تحت قُبّة القدم ؛ حتّى يبقى له النصف من القدم ومقدار قليل من محلّ المسح ، وإن سرق ثالثاً حبس دائماً حتّى يموت ، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيراً ، وإن عاد وسرق رابعاً ولو في السجن قتل .
(مسألة 2) : لو تكرّرت منه السرقة ولم يتخلّل الحدّ كفى حدّ واحد ، فلو تكرّرت منه السرقة بعد الحدّ قطعت رجله ، ثمّ لو تكرّرت منه حبس ، ثمّ لو تكرّرت قُتل .
ص: 522
(مسألة 3) : لا تقطع اليسار مع وجود اليمين ؛ سواء كانت اليمين شلاّء واليسار صحيحة أو العكس أو هما شلاّء . نعم ، لو خيف الموت بقطع الشلاّء ؛ لاحتمال عقلائي له منشأ عقلائي ، كإخبار الطبيب بذلك ، لم تقطع احتياطاً على حياة السارق ، فهل تقطع اليسار الصحيحة في هذا الفرض ، أو اليسار الشلاّء مع الخوف في اليمين دون اليسار ؟ الأشبه عدم القطع .
(مسألة 4) : لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور ، وفي رواية صحيحة لا تقطع ، والعمل على المشهور ، ولو كان له يمين حين ثبوت السرقة فذهبت بعده لم تقطع اليسار .
(مسألة 5) : من سرق وليس له اليمنى ، قيل : فإن كانت مقطوعة في القصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى قطعت يسراه ، فإن لم تكن له أيضاً اليسرى قطعت رجله اليسرى ، فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس ، والأشبه في جميع ذلك سقوط الحدّ والانتقال إلى التعزير .
(مسألة 6) : لو قطع الحدّاد يساره مع العلم حكماً وموضوعاً فعليه القصاص ، ولا يسقط قطع اليمنى بالسرقة ، ولو قطع اليسرى لاشتباه في الحكم أو الموضوع فعليه الدية ، فهل يسقط قطع اليمين بها ؟ الأقوى ذلك .
(مسألة 7) : سراية الحدّ ليست مضمونة لا على الحاكم ولا على الحدّاد وإن اُقيم في حرّ أو برد . نعم ، يستحبّ إقامته في الصيف في أطراف النهار وفي الشتاء في وسطه ؛ لتوقّي شدّة الحرّ والبرد .
ص: 523
(مسألة 1) : لو سرق اثنان نصاباً أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصاباً ، فهل يقطع كلّ واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما ؟ الأشبه الثاني .
(مسألة 2) : لو سرق ولم يقدر عليه ، ثمّ سرق ثانية فاُخذ ، واُقيمت عليه البيّنة بهما جميعاً معاً دفعة واحدة ، أو أقرّ بهما جميعاً كذلك ، قطع بالاُولى يده ، ولم تقطع بالثانية رجله ، بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرّق الشهود ؛ فشهد اثنان بالسرقة الاُولى ، ثمّ شهد اثنان بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ ، أو أقرّ مرّتين دفعة بالسرقة الاُولى ، ومرّتين دفعة اُخرى بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ .
ولو قامت الحجّة بالسرقة ثمّ أمسكت حتّى اُقيم الحدّ وقطع يمينه ، ثمّ قامت الاُخرى قطعت رجله .
(مسألة 3) : لو اُقيمت البيّنة عند الحاكم ، أو أقرّ بالسرقة عنده ، أو علم ذلك ، لم يقطع حتّى يطالبه المسروق منه ، فلو لم يرفعه إلى الحاكم لم يقطعه ، ولو عفا عنه قبل الرفع سقط الحدّ . وكذا لو وهبه المال قبل الرفع ، ولو رفعه إليه لم يسقط الحدّ ، وكذا لو وهبه بعد الرفع . ولو سرق مالاً فملكه - بشراء ونحوه - قبل الرفع إلى الحاكم وثبوته سقط الحدّ ، ولو كان ذلك بعده لم يسقط .
(مسألة 4) : لو أخرج السارق المال من حرزه ثمّ أعاده إليه ، فإن وقع تحت يد المالك - ولو في جملة أمواله - لم يقطع ، ولو أرجعه إلى حرزه ولم يقع تحت يده - كما لو تلف قبل وقوعه تحت يده - فهل يقطع بذلك ؟ الأشبه ذلك ؛ وإن لا يخلو من إشكال .
ص: 524
(مسألة 5) : لو هتك الحرز جماعة ، فأخرج المال منه أحدهم ، فالقطع عليه خاصّة . ولو قرّبه أحدهم من الباب ، وأخرجه الآخر من الحرز ، فالقطع على المخرج له . ولو وضعه الداخل في وسط النقب ، وأخرجه الآخر الخارج ، فالظاهر أنّ القطع على الداخل ، ولكن لو وضعه بين الباب الذي هو حرز للبيت - بحيث لم يكن الموضوع داخلاً ولا خارجاً عرفاً - فالظاهر عدم القطع على واحد منهما . نعم ، لو وضعه بنحو كان نصفه في الخارج ونصفه في الداخل ، فإن بلغ كلّ من النصفين النصاب يقطع كلّ منهما ، وإن بلغ الخارج النصاب ، يقطع الداخل ، وإن بلغ الداخل ذلك ، يقطع الخارج .
(مسألة 6) : لو أخرج النصاب دفعات متعدّدة فإن عدّت سرقة واحدة ، كما لو كان شيئاً ثقيلاً ذا أجزاء ، فأخرجه جزءاً فجزءاً بلا فصل طويل - يخرجه عن اسم الدفعة عرفاً - يقطع . وأمّا لو سرق جزءاً منه في ليلة وجزءاً منه في ليلة اُخرى ، فصار المجموع نصاباً ، فلا يقطع . ولو سرق نصف النصاب من حرز ونصفه من حرز آخر ، فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم القطع .
(مسألة 7) : لو دخل الحرز فأخذ النصاب ، وقبل الإخراج منه اُخذ ، لم يقطع ، ولو أحدث في الشيء الذي قدر النصاب - داخل الحرز - ما أخرجه عن النصاب ثمّ أخرجه لم يقطع ، كما لو ذبح الشاة أو خرق الثوب داخل الحرز .
(مسألة 8) : لو ابتلع النصاب داخل الحرز ، فإن استهلك في الجوف كالطعام لم يقطع ، وإن لم يستهلك لكن تعذّر إخراجه فلا قطع ولا سرقة ، ولو لم يتعذّر إخراجه من الجوف ولو بالنظر إلى عادته فخرج وهو في جوفه ، ففي القطع وعدمه وجهان ، أشبههما القطع إذا كان البلع للسرقة بهذا النحو ، وإلاّ فلا قطع .
ص: 525
(مسألة 1) : المحارب : هو كلّ من جرّد سلاحه أو جهّزه لإخافة الناس وإرادة الإفساد في الأرض ؛ في برّ كان أو في بحر ، في مصر أو غيره ، ليلاً أو نهاراً . ولا يشترط كونه من أهل الريبة مع تحقّق ما ذكر ، ويستوي فيه الذكر والاُنثى ، وفي ثبوته للمجرّد سلاحه بالقصد المزبور مع كونه ضعيفاً لا يتحقّق من إخافته خوف لأحد ، إشكال بل منع . نعم ، لو كان ضعيفاً لكن لا بحدّ لا يتحقّق الخوف من إخافته ، بل يتحقّق في بعض الأحيان والأشخاص ، فالظاهر كونه داخلاً فيه .
(مسألة 2) : لا يثبت الحكم للطليع ، وهو المراقب للقوافل ونحوها ليخبر رفقاءه من قطّاع الطريق ، ولا للردء وهو المعين لضبط الأموال ، ولا لمن شهر سيفه أو جهّز سلاحه لإخافة المحارب ولدفع فساده ، أو لدفع من يقصده بسوء ونحو ذلك ممّا هو قطع الفساد لا الإفساد ، ولا للصغير والمجنون ، ولا للملاعب .
(مسألة 3) : لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله جاز بل وجب الدفاع في الثاني ولو انجرّ إلى قتله ، لكن لا يثبت له حكم المحارب ، ولو أخاف الناس بالسوط والعصا والحجر ففي ثبوت الحكم إشكال ، بل عدمه أقرب في الأوّلين .
(مسألة 4) : يثبت المحاربة بالإقرار مرّة ، والأحوط مرّتين ، وبشهادة عدلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات ، ولا تقبل شهادة اللصوص والمحاربين بعضهم على بعض ، ولا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض ؛ بأن
ص: 526
قالوا جميعاً : «تعرّضوا لنا وأخذوا منّا» ، وأمّا لو شهد بعضهم لبعض ، وقال : «عرضوا لنا وأخذوا من هؤلاء لا منّا» ، قبل على الأشبه .
(مسألة 5) : الأقوى في الحدّ تخيير الحاكم بين القتل والصلب والقطع مخالفاً والنفي ، ولا يبعد أن يكون الأولى له أن يلاحظ الجناية ويختار ما يناسبها ، فلو قتل اختار القتل أو الصلب ، ولو أخذ المال اختار القطع ، ولو شهر السيف وأخاف فقط اختار النفي . وقد اضطربت كلمات الفقهاء والروايات ، والأولى ما ذكرنا .
(مسألة 6) : ما ذكرنا في المسألة السابقة حدّ المحارب ؛ سواء قتل شخصاً أو لا ، وسواء رفع وليّ الدم أمره إلى الحاكم أو لا . نعم ، مع الرفع يقتل قصاصاً مع كون المقتول كفواً ، ومع عفوه فالحاكم مختار بين الاُمور الأربعة ؛ سواء كان قتله طلباً للمال أو لا ، وكذا لو جرح ولم يقتل كان القصاص إلى الوليّ ، فلو اقتصّ كان الحاكم مختاراً بين الاُمور المتقدّمة حدّاً ، وكذا لو عفا عنه .
(مسألة 7) : لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحدّ ، دون حقوق الناس من القتل والجرح والمال ، ولو تاب بعد الظفر عليه لم يسقط الحدّ أيضاً .
(مسألة 8) : اللصّ إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدّم ، وإلاّ فله أحكام تقدّمت في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
(مسألة 9) : يصلب المحارب حيّاً ، ولا يجوز الإبقاء مصلوباً أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمّ ينزّل فإن كان ميّتاً ، يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن ، وإن كان حيّاً قيل يجهز عليه ، وهو مشكل . نعم ، يمكن القول بجواز الصلب على نحو يموت به ، وهو أيضاً لا يخلو من إشكال .
ص: 527
(مسألة 10) : إذا نفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر ، يكتب الوالي - إلى كلّ بلد يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورت-ه ، والأحوط أن لا يكون أقلّ من سنة وإن تاب ، ولو لم يتب استمرّ النفي إلى أن يتوب ، ولو أراد بلاد الشرك يمنع منها ، قالوا : وإن مكّنوه من دخولها قوتلوا حتّى يخرجوه .
(مسألة 11) : لا يعتبر في قطع المحارب السرقة ، فضلاً عن اعتبار النصاب أو الحرز ، بل الإمام علیه السلام مخيّر بمجرّد صدق المحارب ، ولو قطع فالأحوط البدأة بقطع اليد اليمنى ثمّ يقطع الرجل اليسرى ، والأولى الصبر بعد قطع اليمنى حتّى تحسم ، ولو فقدت اليمنى أو فقد العضوان يختار الإمام علیه السلام غير القطع .
(مسألة 12) : لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها ، كما لو أخذ المال وهرب ، أو أخذ قهراً من غير إشهار سلاح ، أو احتال في أخذ الأموال بوسائل ، كتزوير الأسناد أو الرسائل ونحو ذلك ، ففيها لا يجري حدّ المحارب ولا حدّ السارق ، ولكن عليه التعزير حسب ما يراه الحاكم .
(مسألة 1) : ذكرنا في الميراث : المرتدّ بقسميه وبعض أحكامه ، فالفطري لا يقبل إسلامه ظاهراً ، ويقتل إن كان رجلاً ، ولا تقتل المرأة المرتدّة ولو عن فطرة ، بل تحبس دائماً وتضرب في أوقات الصلوات ، ويضيّق عليها في المعيشة ، وتقبل
ص: 528
توبتها ، فإن تابت اُخرجت عن الحبس ، والمرتدّ الملّي يستتاب ، فإن امتنع قتل ، والأحوط استتابته ثلاثة أيّام ، وقتل في اليوم الرابع .
(مسألة 2) : يعتبر في الحكم بالارتداد : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا عبرة بردّة الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون وإن كان أدوارياً دور جنونه ، ولا المكره ، ولا بما يقع بلا قصد كالهازل والساهي والغافل والمُغمى عليه ، ولو صدر منه حال غضب غالب لا يملك معه نفسه لم يحكم بالارتداد .
(مسألة 3) : لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادّعى الإكراه مع احتماله ، أو عدم القصد وسبق اللسان مع احتماله ، قبل منه ، ولو قامت البيّنة على صدور كلام منه موجب للارتداد فادّعى ما ذكر قبل منه .
(مسألة 4) : ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم ، فلو بلغ واختار الكفر استتيب ، فإن تاب وإلاّ قتل ، وكذا ولد المرتدّ الفطري قبل ارتداده بحكم المسلم ، فإذا بلغ واختار الكفر ، وكذا ولد المسلم إذا بلغ واختار الكفر قبل إظهار الإسلام ، فالظاهر عدم إجراء حكم المرتدّ فطرياً عليهما ، بل يستتابان ، وإلاّ فيقتلان .
(مسألة 5) : إذا تكرّر الارتداد من الملّي قيل : يقتل في الثالثة ، وقيل : يقتل في الرابعة ، وهو أحوط .
(مسألة 6) : لو جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته وقبل استتابته لم يقتل ، ولو طرأ الجنون بعد استتابته وامتناعه المبيح لقتله يقتل ، كما يقتل الفطري إذا عرضه الجنون بعد ردّته .
ص: 529
(مسألة 7) : لو تاب المرتدّ عن ملّة ، فقتله من يعتقد بقاءه على الردّة ، قيل : عليه القود ، والأقوى عدمه . نعم ، عليه الدية في ماله .
(مسألة 8) : لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً فللوليّ قتله قوداً ، وهو مقدّم على قتله بالردّة ، ولو عفا الوليّ أو صالحه على مال قتل بالردّة .
(مسألة 9) : يثبت الارتداد بشهادة عدلين وبالإقرار ، والأحوط إقراره مرّتين ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات .
(مسألة 1) : في وط ء البهيمة تعزير ، وهو منوط بنظر الحاكم . ويشترط فيه : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة مع إمكانها ، فلا تعزير على الصبيّ ، وإن كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب أدّبه الحاكم بما يراه . ولا على المجنون ولو أدواراً إذا فعل في دور جنونه ، ولا على المكره ، ولا على المشتبه مع إمكان الشبهة في حقّه حكماً أو موضوعاً .
(مسألة 2) : يثبت ذلك بشهادة عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وبالإقرار إن كانت البهيمة له ، وإلاّ يثبت التعزير بإقراره ، ولا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلاّ أن يصدّقه المالك .
(مسألة 3) : لو تكرّر منه الفعل فإن لم يتخلّله التعزير فليس عليه إلاّ التعزير ، ولو تخلّله فالأحوط قتله في الرابعة .
(مسألة 4) : الحدّ في وط ء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة ؛ رجماً مع الإحصان ، وحدّاً مع عدمه ؛ بتفصيل مرّ في حدّ الزنا ، والإثم والجناية هنا أفحش
ص: 530
وأعظم ، وعليه تعزير زائداً على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه ، ولو وَطئ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ ، وفي اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ ، ويعزّر تغليظاً على تأمّل .
(مسألة 5) : يعتبر في ثبوت الحدّ في الوط ء بالميّت ما يعتبر في الحيّ ؛ من البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة .
(مسألة 6) : يثبت الزنا بالميّتة واللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال ، وقيل : يثبت بشهادة عدلين ، والأوّل أشبه ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات ؛ حتّى ثلاثة رجال مع امرأتين على الأحوط في وط ء الميّتة ، وعلى الأقوى في الميّت ، وبالإقرار أربع مرّات .
فرع: من استمنى بيده أو بغيرها من أعضائه عزّر ، ويقدّر بنظر الحاكم ويثبت ذلك بشهادة عدلين والإقرار ، ولا يثبت بشهادة النساء منضمّات ولا منفردات .
وأمّا العقوبة دفاعاً فقد ذكرنا مسائلها في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
(مسألة 1) : تؤخذ الجزية من اليهود والنصارى من أهل الكتاب وممّن له شبهة كتاب ، وهم المجوس ؛ من غير فرق بين المذاهب المختلفة فيهم ، كالكاتوليكية والبروتستانية وغيرهما وإن اختلفوا في الفروع وبعض الاُصول ، بعد أن كانوا من إحدى الفرق .
ص: 531
(مسألة 2) : لا تقبل الجزية من غيرهم من أصناف الكفّار والمشركين ، كعبّاد الأصنام والكواكب وغيرهما ، عربياً كانوا أو عجمياً ؛ من غير فرق بين من كان منتسباً إلى من كان له كتاب - كإبراهيم وداود وغيرهما علیهم السلام - وبين غيره ، فلا يقبل من غير الطوائف الثلاث إلاّ الإسلام أو القتل ، وكذا لا تقبل ممّن تنصّر أو تهوّد أو تمجّس بعد نسخ كتبهم بالإسلام ، فمن دخل في الطوائف حربي ؛ سواء كان مشركاً أو من سائر الفرق الباطلة .
(مسألة 3) : الفرق الثلاث إذا التزموا بشرائط الذمّة الآتية اُقرّوا على دينهم ؛ سواء كانوا عرباً أو عجماً ، وكذلك من كان من نسلهم ، فإنّه يقرّ على دينه بشرائطها ، وتقبل منهم الجزية .
(مسألة 4) : من انتقل من دينه من غير الفرق الثلاث إلى إحدى الطوائف ، فإن كان قبل نسخ شرائعهم اُقرّوا عليه ، وإن كان بعده لم يقرّوا ولم تقبل منهم الجزية ، فحكمهم حكم الكفّار غير أهل الكتاب . ولو انتقل مسلم إلى غير الإسلام فهو مرتدّ ذكرنا حكمه في بابه .
(مسألة 5) : لو أحاط المسلمون بقوم من المشركين ، فادّعوا أ نّهم أهل الكتاب من الثلاث ، يقبل منهم إذا بذلوا الجزية ، ويقرّوا على ما ادّعوا ، ولم يكلّفوا البيّنة . ولو ادّعى بعض أ نّه أهل الكتاب وأنكر بعض ، يقرّ المدّعي ولا يقبل قول غيره عليه ، ولو ثبت بعد عقد الجزية بإقرار منهم أو بيّنة أو غير ذلك أ نّهم ليسوا أهل الكتاب انتقض العهد .
(مسألة 6) : لا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء ، وهل تسقط عن الشيخ الفاني والمُقعد والأعمى والمعتوه ؟ فيه تردّد ، والأشبه عدم السقوط .
ص: 532
وتؤخذ ممّن عدا ما استثني ولو كانوا رهباناً أو فقراء ، لكن ينتظر حتّى يوسر الفقير .
(مسألة 7) : لا يجوز في عقد الذمّة اشتراط كون الجزية أو بعضها على النساء ، فلو اشترط بطل الشرط ، ولو حاصر المسلمون حصناً من أهل الكتاب ، فقتلوا الرجال قبل العقد ، فسألت النساء إقرارهنّ ببذل الجزية لا يصحّ ، وكذا لو كان سؤال الإقرار بعد العقد .
(مسألة 8) : لا جزية على المجنون مطبقاً ، فلو أفاق حولاً وجبت عليه ، ولو أفاق وقتاً وجنّ وقتاً قيل يعمل بالأغلب ، وفيه إشكال ، وفي ثبوتها عليه إشكال وتردّد .
(مسألة 9) : كلّ من بلغ من صبيانهم يؤمر بالإسلام أو الجزية ، فإن امتنع صار حربياً ، ولا بدّ في الصبيان بعد البلوغ من العقد معهم ، ولا يكفي العقد الذي مع آبائهم عنهم ، فلو عقدوا اُخذت الجزية منهم بحلول الحول ، ولا يدخل حولهم في حول آبائهم ، ولو بلغوا سفيهاً فالظاهر أنّ العقد موقوف على إذن أوليائهم .
(مسألة 10) : إذا اختار الحرب وامتنع عن الإسلام والجزية ردّ إلى مأمنه ، ولا يجوز اغتياله ، فإنّه داخل في أمان أبيه .
(مسألة 1) : لا تقدير خاصّ في الجزية ولا حدّ لها ، بل تقديرها إلى الوالي ؛ بحسب ما يراه من المصالح في الأمكنة والأزمنة ومقتضيات الحال ،
ص: 533
والأولى أن لا يقدّرها في عقد الذمّة ، ويجعلها على نظر الإمام علیه السلام تحقيقاً للصغار والذلّ .
(مسألة 2) : يجوز للوالي وضعها على الرؤوس أو على الأراضي أو عليهما معاً ، بل له أن يضعها على المواشي والأشجار والمستغلاّت بما يراه مصلحة .
(مسألة 3) : لو عيّن في عقد الذمّة الجزية على الرؤوس ، لا يجوز بعده أخذ شيء من أراضيهم وغيرها ، ولو وضع على الأراضي لا يجوز بعده الوضع على الرؤوس ، ولو جعل عليهما لا يجوز النقل إلى إحداهما . وبالجملة : لا بدّ من العمل على طبق الشرط .
(مسألة 4) : لو وضع مقداراً على الرؤوس أو الأراضي أو غيرهما في سنة ، جاز له تغييره في السنين الاُخر بالزيادة والنقيصة ، أو الوضع على إحداهما دون الاُخرى أو على الجميع .
(مسألة 5) : لو طرح التقدير وجعل على نظر الإمام علیه السلام ، فله الوضع أيّ نحو ، وبأيّ مقدار ، وبأيّ شيء شاء .
(مسألة 6) : يجوز أن يشترط عليهم زائداً على الجزية ضيافة مارّة المسلمين ؛ عسكراً كانوا أم لا ، والظاهر لزوم تعيين زمان الضيافة كيوم أو ثلاثة أيّام ، ويجوز إيكال كيفية الضيافة إلى العرف والعادة ؛ من ضيافة أهل نحلة غير أهلها ممّن يرى نجاستهم .
(مسألة 7) : الجزية كالزكاة والخراج تؤخذ كلّ حول ، والظاهر جواز اشتراط
ص: 534
الأداء عليهم أوّل الحول أو آخره أو وسطه ، ولو أطلق فالظاهر أ نّها تجب في آخر الحول ، فحينئذٍ إن أسلم الذمّي قبل الحول أو بعده قبل الأداء ، أو قبل الأداء إذا شرط عليه أوّل الحول سقطت عنه .
(مسألة 8) : الظاهر سقوطها بالإسلام ؛ سواء كان إسلامه لداعي سقوطها أو لا ، والقول بعدمه في الأوّل ضعيف .
(مسألة 9) : لو مات الذمّي بعد الحول لم تسقط واُخذت من تركته ، ولو مات في أثنائه فإن شرط عليه الأداء أوّل الحول فكذلك ، وإن شرط في أثنائه ومات بعد تحقّق الشرط فكذلك أيضاً ، وإن وزّعت على الشهور فتؤخذ بمقداره ، وإن وضعت عليه آخر الحول - بمعنى أن يكون حصول الدين في آخره - فمات قبله لم تُؤخذ شيئاً ، وإن وضعت عليه وشرط التأخير إلى آخره تؤخذ ، فهل لوارثه التأخير إلى آخره أو لا ؟ فيه تأمّل ؛ وإن لا يبعد تعجيلها كسائر الديون .
(مسألة 10) : يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات كالخمر والخنزير والميتة ونحوها ؛ سواء أدّوها أو أحالوا إلى المشتري منهم إذا كان منهم ، ولا يجوز أخذ أعيان المحرّمات جزيةً .
(مسألة 11) : الظاهر أنّ مصرف الجزية الآن هو مصرف خراج الأراضي ، ولا يبعد أن يكون مصرفها - وكذا مصرف الخراج وسائر الماليات - مصالح الإسلام والمسلمين وإن عيّن مصرف بعض الأصناف في بعض الأموال .
(مسألة 12) : عقد الذمّة من الإمام علیه السلام ، وفي غيبته من نائبه مع بسط يده ، وفي الحال لو عقد الجائر كان لنا ترتيب آثار الصحّة وأخذ الجزية منه ، كأخذ الجوائز والأخرجة ، وخرجوا بالعقد معه عن الحربي .
ص: 535
(مسألة 13) : المال الذي يجعل عليه عقد الجزية ، يكون بحسب ما يراه الحاكم من النقود أو العروض كالحلي والأحشام وغيرهما .
الأوّل: قبول الجزية بما يراه الإمام علیه السلام أو والي المسلمين على الرؤوس أو الأراضي أو هما أو غيرهما أو جميعها .
الثاني: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان ، مثل العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين .
(مسألة 1) : مخالفة هذين الشرطين مستلزمة للخروج عن الذمّة ، بل الأوّل منهما من مقوّمات عقد الجزية ، والثاني منهما من مقتضيات الأمان ، ولو لم يعدّا شرطاً كان حسناً ، ولو فعلوا ما ينافي الأمان كانوا ناقضين للعهد وخارجين عن الذمّة ؛ اشترط عليهم أم لم يشترط .
الثالث: أن لا يتظاهروا بالمنكرات عندنا ، كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرّمات .
الرابع: قبول أن تجري عليهم أحكام المسلمين ؛ من أداء حقّ أو ترك محرّم أو إجراء حدود اللّه تعالى ونحوها ، والأحوط اشتراط ذلك عليهم .
(مسألة 2) : لو شرط هذان القسمان في عقد الجزية فخالفوا ، نقض العهد وخرجوا عن الذمّة ، بل يحتمل أن يكون مخالفة هذين أيضاً موجبة لنقض العقد مطلقاً ، فيخرجوا عنها بالامتناع والمخالفة وإن لم يشترطا عليهم .
الخامس: أن لا يُؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بأبنائهم والسرقة لأموالهم وإيواء عين المشركين والتجسّس لهم ، ولا يبعد أن يكون الأخيران
ص: 536
سيّما الثاني منهما من منافيات الأمان ، ولزوم تركهما من مقتضياته .
السادس: أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوساً ولا يطيلوا بناءً ، ولو خالفوا عزّروا .
(مسألة 3) : هذان الشرطان أيضاً كالثالث والرابع يحتمل أن يكون مخالفتهم فيهما ناقضاً للعهد مطلقاً ، ويحتمل أن يكون ناقضاً مع الاشتراط ، واحتمل بعضهم أن يكون النقض فيما إذا اشترط بنحو تعليق الأمان ، لا الشرط في ضمن عقده ، ولا شبهة في النقض على هذا الفرض .
(مسألة 4) : لو ارتكبوا جناية توجب الحدّ أو التعزير فعل بهم ما يقتضيه ، ولو سبّوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، أو الأئمّة علیهم السلام ، أو فاطمة الزهراء - سلام اللّه عليها - على احتمال غير بعيد ، قتل السابّ كغيرهم من المكلّفين ، ولو نالوهم بما دون السبّ عزّروا . ولو اشترط في العقد الكفّ عنه نقض العهد على قول . ولو علّق الأمان على الكفّ نقض العهد بالمخالفة .
(مسألة 5) : لو نسي في عقد الذمّة ذكر الجزية بطل العقد . وأمّا رابع المذكورات ففي بطلانه بعدم ذكره وعدمه تردّد ، ولو قيل بعدم البطلان كان حسناً ، ولزم عليهم مع عدم الشرط الالتزام بأحكام الإسلام ، ومع الامتناع نقض العهد على احتمال . والثاني من مقتضيات الأمان كما مرّ ، ولا يبطل العهد بعدم ذكره . وغير ما ذكر أيضاً لا يوجب عدم ذكرها بطلان العقد .
(مسألة 6) : كلّ مورد يوجب الامتناع والمخالفة الخروج من الذمّة مطلقاً - شرط عليهم أم لا - لو خالف أهل الذمّة الآن وامتنع منه يصير حربياً ويخرج عن الذمّة ، وكلّ مورد قلنا بأنّ الخروج عن الذمّة موقوف على الاشتراط
ص: 537
والمخالفة ، يشكل الحكم بانتقاض العهد وخروجهم عن الذمّة لو خالفوا ، ولو قلنا بأنّ جميع المذكورات من شرائط الذمّة - شرط في العقد أم لا - يخرج المخالف في واحد منها عنها ويصير حربياً .
(مسألة 7) : ينبغي أن يشترط في عقد الذمّة كلّ ما فيه نفع ورفعة للمسلمين ، وضعة لهم وما يقتضي دخولهم في الإسلام من جهته رغبةً أو رهبةً ، ومن ذلك اشتراط التميّز عن المسلمين في اللباس والشعر والركوب والكنى ؛ بما هو مذكور في المفصّلات .
(مسألة 8) : إذا خرقوا الذمّة في دار الإسلام ، وخالفوا في موارد قلنا ينتقض عهدهم فيها ، فلوالي المسلمين ردّهم إلى مأمنهم ، فهل له الخيار بين قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم ؟ الظاهر ذلك على إشكال . وهل أموالهم بعد خرق الذمّة في أمان يردّ إليهم مع ردّهم إلى مأمنهم أم لا ؟ الأشبه الأمان .
(مسألة 9) : إن أسلم الذمّي بعد الاسترقاق أو المفاداة لخرقه الذمّة لم يرتفع ذلك عنه ، وبقي على الرقّ ولم يردّ إليه الفداء . وإن أسلم قبلهما وقبل القتل ، سقط عنه الجميع وغيرها ممّا عليه حال الكفر ، عدا الديون والقود لو أتى بموجبه ، ويؤخذ منه أموال الغير إذا كان عنده غصباً مثلاً . وأمّا الحدود فقد قال الشيخ في «المبسوط» : إنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يسقط عنه الحدّ .
(مسألة 10) : يكره السلام على الذمّي ابتداءً ، وقيل : يحرم ، وهو أحوط . ولو بدأ الذمّي بالسلام ينبغي أن يقتصر في الجواب على قوله : «عليك» ، ويكره إتمامه ظاهراً ، ولو اضطرّ المسلم إلى أن يسلّم عليه أو يتمّ جوابه جاز بلا كراهية .
وأمّا غير الذمّي فالأحوط ترك السلام عليه إلاّ مع الاضطرار ؛ وإن كان الأوجه
ص: 538
الجواز على كراهية ، وينبغي أن يقول عند ملاقاتهم : «السلام على من اتّبع الهدى» ، ويستحبّ أن يضطرّهم إلى أضيق الطرق .
(مسألة 1) : لا يجوز إحداث أهل الكتاب ومن في حكمهم المعابد في بلاد الإسلام ، كالبيع والكنائس والصوامع وبيوت النيران وغيرها ، ولو أحدثوها وجبت إزالتها على والي المسلمين .
(مسألة 2) : لا فرق فيما ذكر من عدم جواز الإحداث ووجوب الإزالة بين ما كان البلد ممّا أحدثه المسلمون - كالبصرة والكوفة وبغداد وطهران ، وجملة من بلاد إيران ممّا مصّرها المسلمون - أو فتحها المسلمون عنوة - ككثير من بلاد إيران وتركيا والعراق وغيرها - أو صلحاً على أن تكون الأرض للمسلمين ، ففي جميع ذلك يجب إزالة ما أحدثوه ، ويحرم إبقاؤها كما يحرم الإحداث . وعلى الولاة ولو كانوا جائرين منعهم عن الإحداث ، وإزالة ما أحدثوه ، سيّما مع ما نرى من المفاسد العظيمة الدينية والسياسية ؛ والخطر العظيم على شبّان المسلمين وبلادهم .
(مسألة 3) : لو فتحت أرض صلحاً على أن تكون الأرض لواحد من أهل الذمّة ، ولم يشترط عليهم عدم إحداث المعابد ، جاز لهم إحداثها فيها ، ولو انهدمت جاز لهم تعميرها وتجديدها ، والمعابد التي كانت لهم قبل الفتح ولم يهدمها المسلمون ، جاز إقرارهم عليها على تأمّل وإشكال .
(مسألة 4) : كلّ بناء يستجدّه ويحدثه الذمّي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ، وهل يجوز مساواته ؟ فيه تأمّل وإن لا يبعد . ولو ابتاع
ص: 539
من مسلم ما هو مرتفع - على ارتفاعه وعلوّه - جاز ولم يؤمر بهدمه ، ولو انهدم المرتفع من أصله أو خصوص ما علا به لم يجز بناؤه كالأوّل ، فلم يعل به على المسلم ، فيقتصر على ما دونه على الأحوط ؛ وإن لا يبعد جواز المساواة .
(مسألة 5) : لو انشعب شيء من المبتاع من المسلم أو مال ولم ينهدم ، جاز رمّه وإصلاحه .
(مسألة 6) : لو بنى مسلم ما هو أخفض من مسكن ذمّي لم يؤمر الذمّي بهدمه وجعله مساوياً . وكذا لو اشترى من ذمّي ما هو أخفض منه .
(مسألة 7) : لو كانت دار المسلم في أرض منخفضة ، هل يجوز للذمّي أن يبني في أرض مرتفعة إذا كان جداره مساوياً لجدار المسلم أو أدون ؟ وجهان ، لا يبعد عدم الجواز ، ولو انعكس ففيه أيضاً وجهان . ولا يبعد جواز كون جدار الذمّي أطول إذا لم يعل على جدار المسلم ؛ بملاحظة كونه في محلّ منخفض .
(مسألة 8) : الظاهر أنّ عدم جواز العلوّ من أحكام الإسلام ، فلا دخل لرضا الجار وعدمه فيه ، كما أ نّه ليس من أحكام عقد الذمّة ، بل من أحكام الذمّي والمسلم ، فلا يكون المدار اشتراطه وعدمه .
(مسألة 9) : لا يجوز دخول الكفّار المسجد الحرام بلا إشكال ؛ سواء كانوا من أهل الذمّة أم لا ، ولا سائر المساجد إذا كان في دخولهم هتك ، بل مطلقاً على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وليس للمسلمين إذنهم فيه ، ولو أذنوا لم يصحّ .
(مسألة 10) : لا يجوز مكثهم في المساجد ولا اجتيازهم ولا دخولهم لجلب طعام أو شيء آخر . وهل يجوز دخولهم في الحرم مكثاً أو اجتيازاً أو امتياراً ؟ قالوا : لا يجوز ؛ لأنّ المراد من المسجد الحرام في الآية الكريمة هو الحرم ، وفيه
ص: 540
أيضاً رواية ، والأحوط ذلك . واحتمل بعضهم إلحاق حرم الأئمّة علیهم السلاموالصحن الشريف بالمساجد ، وهو كذلك مع الهتك ، والأحوط عدم الدخول مطلقاً .
(مسألة 11) : لا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور ، وادّعى شيخ الطائفة الإجماع عليه ، وبه وردت الرواية من الفريقين . ولا بأس بالعمل بها . والحجاز هو ما يسمّى الآن به ، ولا يختصّ بمكّة والمدينة ، والأقوى جواز الاجتياز والامتيار منه .
الأوّل : كلّ ذمّي انتقل عن دينه إلى دين لا يقرّ أهله عليه ، لم يقبل منه البقاء عليه ولا يقرّ عليه ، كالنصراني يصير وثنياً ، واليهودي يصير بهائياً فلا يقبل منه إلاّ الإسلام أو القتل . ولو رجع إلى دينه الأوّل فهل يقبل منه ويقرّ عليه أم لا ؟ فيه إشكال وإن لا يبعد القبول . ولو انتقل من دينه إلى دين يقرّ أهله عليه كاليهودي يصير نصرانياً أو العكس ، فهل يقبل منه ويقرّ عليه أم لا ؟ لا يبعد القبول والإقرار ، وقيل : لا يقبل منه إلاّ الإسلام أو القتل .
الثاني : لو ارتكب أهل الذمّة ما هو سائغ في شرعهم وليس بسائغ في شرع الإسلام ، لم يعترضوا ما لم يتجاهروا به ، ولو تجاهروا به عمل بهم ما يقتضي الجناية بموجب شرع الإسلام ؛ من الحدّ أو التعزير . ولو فعلوا ما ليس بسائغ في شرعهم يفعل بهم ما هو مقتضى الجناية في شرع الإسلام . قيل : وإن شاء الحاكم دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحدّ عليه بمقتضى شرعهم ، والأحوط إجراء الحدّ عليه حسب شرعنا ؛ ولا فرق في هذا القسم بين المتجاهر وغيره .
الثالث : لو أوصى الذمّي ببناء كنيسة أو بيعة أو بيت نار معبداً لهم ومحلاًّ
ص: 541
لعباداتهم الباطلة ورجع الأمر إلينا ، لم يجز لنا إنفاذها . وكذا لو أوصى بصرف شيء في كتابة التوراة والإنجيل وسائر الكتب الضالّة المحرّفة وطبعها ونشرها ، وكذا لو وقف شيئاً على شيء ممّا ذكر . ولو لم يرجع الأمر إلينا ، فإن كان البناء ممّا لا يجوز إحداثها أو تعميرها يجب المنع عنه ، وإلاّ ليس لنا الاعتراض ، إلاّ إذا أرادوا بذلك تبليغ مذاهبهم الباطلة بين المسلمين وإضلال أبنائهم ، فإنّه يجب منعهم ودفعهم بأيّة وسيلة مناسبة .
الرابع : ليس للكفّار - ذمّياً كانوا أو لا - تبليغ مذاهبهم الفاسدة في بلاد المسلمين ، ونشر كتبهم الضالّة فيها ، ودعوة المسلمين وأبنائهم إلى مذاهبهم الباطلة ، ويجب تعزيرهم ، وعلى أولياء الدول الإسلامية أن يمنعهم عن ذلك بأيّة وسيلة مناسبة . ويجب على المسلمين أن يحترزوا عن كتبهم ومجالسهم ويمنعوا أبناءهم عن ذلك ، ولو وصل إليهم من كتبهم والأوراق الضالّة منهم شيئاً يجب محوها ، فإنّ كتبهم ليست إلاّ محرّفة غير محترمة . عصم اللّه تعالى المسلمين من شرور الأجانب وكيدهم ، وأعلى اللّه تعالى كلمة الإسلام .
ص: 542
وهو إمّا في النفس ، وإمّا فيما دونها :
والنظر فيه في الموجب ، والشرائط المعتبرة فيه ، وما يثبت به ، وكيفية الاستيفاء :
وهو إزهاق النفس المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية .
(مسألة 1) : يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً ، وبقصد فعل يقتل به غالباً وإن لم يقصد القتل به ، وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الديات .
(مسألة 2) : العمد : قد يكون مباشرة ، كالذبح والخنق باليد والضرب بالسيف والسكّين والحجر الغامز والجرح في المقتل ونحوها ممّا يصدر بفعله المباشري
ص: 543
عرفاً ، ففيه القود . وقد يكون بالتسبيب بنحو ، وفيه صور نذكرها في ضمن المسائل الآتية .
(مسألة 3) : لو رماه بسهم أو بندقة فمات ، فهو عمد عليه القود ولو لم يقصد القتل به ، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتّى مات ، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتّى مات ، أو جعل رأسه في جراب النورة حتّى مات ، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف ، فهي من العمد .
(مسألة 4) : في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس ، أو غير منقطع لكن متردّد النفس ، فمات من أثر ما فعل به ، فهو عمد عليه القود .
(مسألة 5) : لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله ، ثمّ أرسله فمات بسببه ، فإن قصد ولو رجاءً القتل به ففيه القصاص ، وإلاّ فالدية ، وكذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالباً ، أو عصر خصيته فمات ، أو أرسله منقطع القوّة فمات .
(مسألة 6) : لو كان الطرف ضعيفاً - لمرض أو صغر أو كبر ونحوها - ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة ، فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه ، وإلاّ ففيه التفصيل المتقدّم .
(مسألة 7) : لو ضربه بعصا - مثلاً - فلم يقلع عنه حتّى مات ، أو ضربه مكرّراً ما لا يتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه ككونه ضعيفاً أو صغيراً ، أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ككون الضارب قويّاً ، أو بالنسبة إلى الزمان كفصل البرودة الشديدة - مثلاً - فمات ، فهو عمد .
ص: 544
(مسألة 8) : لو ضربه بما لا يوجب القتل ، فأعقبه مرضاً بسببه ومات به ، فالظاهر أ نّه مع عدم قصد القتل لا يكون عمداً ولا قود ، ومع قصده عليه القود .
(مسألة 9) : لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّة لا يحتمل لمثله البقاء ، فهو عمد وإن لم يقصد القتل ، وإن كان مدّة يتحمّل مثله عادة ولا يموت به ، لكن اتّفق الموت ، أو أعقبه بسببه مرض فمات ، ففيه التفصيل بين كون القتل مقصوداً ولو رجاءً ، أو لا .
(مسألة 10) : لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات ، قتل به ، ولو لم يخرج منها عمداً وتخاذلاً فلا قود ولا دية قتل ، وعليه دية جناية الإلقاء في النار ، ولو لم يظهر الحال واحتمل الأمران لا يثبت قود ولا دية .
(مسألة 11) : لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات ، قتل به ، ومع عدم خروجه عمداً وتخاذلاً أو الشكّ في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة . ولو اعتقد أ نّه قادر على الخروج - لكونه من أهل فنّ السباحة - فألقاه ، ثمّ تبيّن الخلاف ، ولم يقدر الملقي على نجاته ، لم يكن عمداً .
(مسألة 12) : لو فصده ومنعه عن شدّه فنزف الدم ومات فعليه القود ، ولو فصده وتركه ، فإن كان قادراً على الشدّ فتركه تعمّداً وتخاذلاً حتّى مات ، فلا قود ولا دية النفس ، وعليه دية الفصد ، ولو لم يكن قادراً فإن علم الجاني ذلك فعليه القود ، ولو لم يعلم فإن فصده بقصد القتل ولو رجاءً فمات فعليه القود ظاهراً ، وإن لم يقصده بل فصده برجاء شدّه فليس عليه القود ، وعليه دية شبه العمد .
ص: 545
(مسألة 13) : لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً ، فإن كان ذلك ممّا يقتل به غالباً ؛ ولو لضعف الملقى عليه - لكبر أو صغر أو مرض - فعليه القود ، وإلاّ فإن قصد القتل به ولو رجاءً فكذلك هو عمد عليه القود ، وإن لم يقصد فهو شبه عمد ، وفي جميع التقادير دم الجاني هدر ، ولو عثر فوقع على غيره فمات فلا شيء عليه لا ديةً ولا قوداً ، وكذا لا شيء على الذي وقع عليه .
(مسألة 14) : لو سحره فقتل وعلم سببية سحره له ، فهو عمد إن أراد بذلك قتله ، وإلاّ فليس بعمد بل شبهه ؛ من غير فرق بين القول بأنّ للسحر واقعية أو لا ، ولو كان مثل هذا السحر قاتلاً نوعاً ، يكون عمداً ولو لم يقصد القتل به .
(مسألة 15) : لو جنى عليه عمداً فسرت فمات ، فإن كانت الجناية ممّا تسري غالباً فهو عمد ، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك . وأمّا لو كانت ممّا لا تسري ولا تقتل غالباً ، ولم يقصد الجاني القتل ، ففيه إشكال ، بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد .
(مسألة 16) : لو قدّم له طعاماً مسموماً بما يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به ، فلو لم يعلم الحال فأكل ومات ، فعليه القود ، ولا أثر لمباشرة المجنيّ عليه ، وكذا الحال لو كان المجنيّ عليه غير مميّز ؛ سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه أو أهداه أو خلطه بطعام الآكل .
(مسألة 17) : لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً ، فأكل متعمّداً وعن اختيار ، فلا قود ولا دية ، ولو قال كذباً : «إنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا» فأكله فمات ، فعليه القود ، ولو قال : «فيه سمّ» وأطلق فأكله ، فلا قود ولا دية .
ص: 546
(مسألة 18) : لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً ، فإن قصد قتله - ولو رجاءً - فهو عمد لو جهل الآكل ، ولو لم يقصد القتل فلا قود .
(مسألة 19) : لو قدم إليه المسموم بتخيّل أ نّه مهدور الدم فبان الخلاف ، لم يكن قتل عمد ولا قود فيه .
(مسألة 20) : لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل ، فأكله صاحب المنزل من غير علم به فمات ، فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل . وأمّا لو جعله بقصد قتل كلب - مثلاً - فأكله صاحب المنزل فلا قود ، بل الظاهر أ نّه لا دية أيضاً ، ولو علم أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القود .
(مسألة 21) : لو كان في بيته طعام مسموم ، فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات ، فلا قود ولا دية ، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلا إذن منه وعدواناً فلا قود .
(مسألة 22) : لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها ، ودعا غيره الذي جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه ، فجاء فسقط ومات ، فعليه القود . ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها ، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها ، لا قود ولا دية .
(مسألة 23) : لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّي مجهز بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح لا قود في النفس ، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه ، وإلاّ فأرش الجناية ، ولو لم يكن مجهزاً لكن اتّفق القتل به وبالجرح معاً ، سقط ما قابل فعل المجروح ، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته .
(مسألة 24) : لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله السباع ، فهو قتل
ص: 547
عمد عليه القود . وكذا لو ألقاه إلى أسد ضارّ فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قود ولا دية . ولو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لا بقصد القتل فاتّفق أ نّه قتله ، لم يكن من العمد ، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد ، عليه القود ، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله ، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده .
(مسألة 25) : لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً ، فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا إشكال ، بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاءً . نعم ، مع علمه أو اطمئنانه بأ نّه لا يتردّد السباع فاتّفق ذلك لا يكون من العمد ، والظاهر ثبوت الدية .
(مسألة 26) : لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به ، لكن سرى فمات ، فهو عمد عليه القود .
(مسألة 27) : لو أنهشه حيّة لها سمّ قاتل ؛ بأن أخذها وألقمها شيئاً من بدنه ، فهو قتل عمد عليه القود . وكذا لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك . وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار ، أو جمع بينها وبين من لا يقدر عليه لضعف كمرض أو صغر أو كبر ، فإنّ في جميعها وكذا في نظائرها قوداً .
(مسألة 28) : لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلاً غالباً فقتله فعليه القود . وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلاً غالباً ، أو لم يعلم حاله وقصد ولو رجاءً القتل ، فهو عمد .
(مسألة 29) : لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود ، ولو ألقاه في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر ، فعليه القود وإن لم يكن من قصده القتل
ص: 548
بالتقام الحوت ، بل كان قصده الغرق . ولو ألقاه في البحر ، وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقتل ، فعليه الدية ، ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القود .
(مسألة 30) : لو جرحه ثمّ عضّه سبع وسرتا فعليه القود ، لكن مع ردّ نصف الدية ، ولو صالح الوليّ على الدية فعليه نصفها ، إلاّ أن يكون سبب عضّ السبع هو الجارح ، فعليه القود ، ومع العفو على الدية عليه تمام الدية .
(مسألة 31) : لو جرحه ثمّ عضّه سبع ثمّ نهشته حيّة فعليه القود مع ردّ ثلثي الدية ، ولو صالح بها فعليه ثلثها ، وهكذا . وممّا ذكر يظهر الحال في جميع موارد اشتراك الحيوان مع الإنسان في القتل .
(مسألة 32) : لو حفر بئراً ووقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع لا الحافر ، وكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر بالسيف - مثلاً - فقدّه نصفين ، أو ألقاه في البحر وبعد وقوعه فيه قبل موته مع بقاء حياته المستقرّة قتله آخر ، فإنّ القاتل هو الضارب لا المُلقي .
(مسألة 33) : لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عيناً لهم ، فالقود على القاتل لا الممسك ، لكن الممسك يحبس أبداً حتّى يموت في الحبس ، والربيئة تسمل عيناه بميل محمىً ونحوه .
(مسألة 34) : لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغاً عاقلاً ، دون المكره وإن أوعده على القتل ، ويحبس الآمر به أبداً حتّى يموت . ولو كان المكره مجنوناً أو طفلاً غير مميّز فالقصاص على المكره الآمر . ولو أمر شخص طفلاً مميّزاً بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود ، والدية على عاقلة
ص: 549
الطفل ، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكره القود أو الحبس أبداً ؟ الأحوط الثاني .
(مسألة 35) : لو قال بالغ عاقل لآخر : «اقتلني وإلاّ قتلتك» لا يجوز له القتل ، ولا ترفع الحرمة ، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعاً ، بل وجب ، ولا شيء عليه ، ولو قتله بمجرّد الإيعاد كان آثماً ، وهل عليه القود ؟ فيه إشكال وإن كان الأرجح عدمه ، كما لا يبعد عدم الدية أيضاً .
(مسألة 36) : لو قال : «اقتل نفسك» ، فإن كان المأمور عاقلاً مميّزاً فلا شيء على الآمر ، بل الظاهر أ نّه لو أكرهه على ذلك فكذلك ، ويحتمل الحبس أبداً لإكراهه فيما صدق الإكراه ، كما لو قال : «اقتل نفسك وإلاّ قتلتك شرّ قتلة» .
(مسألة 37) : يصحّ الإكراه بما دون النفس ، فلو قال له : «اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك» كان له قطعها وليس عليه قصاص ، بل القصاص على المكره ، ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر ، ولو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما ، أو قطع يد أحد الرجلين فاختار أحدهما ، فليس عليه شيء ، وإنّما القصاص على المكره الآمر .
(مسألة 38) : لو أكرهه على صعود شاهق فزلق رجله وسقط فمات ، فالظاهر أنّ عليه الدية لا القصاص ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو كان مثل الصعود موجباً للسقوط غالباً على إشكال .
(مسألة 39) : لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالارتداد مثلاً ، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا ، ثمّ ثبت أ نّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ ، وكان القود على الشهود زوراً
ص: 550
مع ردّ الدية على حساب الشهود . ولو طلب الوليّ القصاص كذباً وشهد الشهود زوراً ، فهل القود عليهم جميعاً ، أو على الوليّ ، أو على الشهود ؟ وجوه ، أقربها الأخير .
(مسألة 40) : لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح - بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة - فذبحه آخر فالقود على الأوّل ، وهو القاتل عمداً ، وعلى الثاني دية الجناية على الميّت ، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرّة فذبحه آخر فالقود على الثاني ، وعلى الأوّل حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً ؛ سواء كان الجرح ممّا لا يقتل مثله أو يقتل غالباً .
(مسألة 41) : لو جرحه اثنان ، فاندمل جراحة أحدهما ، وسرت الاُخرى فمات ، فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها ، وعلى الثاني القود ، فهل يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ ؟ فيه إشكال ؛ وإن كان الأقرب عدم الردّ .
(مسألة 42) : لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات ، فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني ، كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السمّ في الدم ، وهلك به وبالقطع الثاني ، كان القود عليهما ، كما أ نّه لو كان القتل مستنداً إلى السمّ القاتل في القطع ، ولم يكن في القطع سراية ، كان الأوّل قاتلاً ، فالقود عليه ، وإذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلاً .
(مسألة 43) : لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحداً ، دخل دية الطرف في دية النفس على تأمّل في بعض الفروض . وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات
ص: 551
بضربة واحدة ، فلو ضربه ففقئت عيناه وشجّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، وأمّا إذا كانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها ، أو يفرّق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية ، كمن أخذ سيفاً وقطّع الرجل إرباً إرباً حتّى مات ، فيدخل قصاصها في قصاص النفس ، وبين ما إذا كانت متفرّقة ، كمن قطع يده في يوم ، وقطع رجله في يوم آخر وهكذا إلى أن مات ، فلم يدخل قصاصها في قصاصها ؟ وجوه ، لا يبعد أوجهية الأخير ، والمسألة بعدُ مشكلة . نعم ، لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات ، فمن قطع يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها ، ثمّ قطع رجله فاندملت ثمّ قتله ، يقتصّ منه ثمّ يقتل .
(مسألة 44) : لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ ، فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد ما فضل عن ديته ، فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل ، ولو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته وهكذا ، وللوليّ أن يقتصّ من بعضهم ، ويردّ الباقون المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه ، ثمّ لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ، ويردّه إليهم ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين ، فيردّ المتروك دية جنايته ، وهي الثلث إليهما ، ويردّ الوليّ البقيّة إليهما ، وهي دية كاملة ، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية .
(مسألة 45) : تتحقّق الشركة في القتل ؛ بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد ، كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق ، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت . وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، فلو اجتمع عليه عدّة ، فجرحه كلّ واحد بما لا يقتل منفرداً ،
ص: 552
لكن سرت الجميع فمات ، فعليهم القود بنحو ما مرّ . ولا يعتبر التساوي في عدد الجناية ، فلو ضربه أحدهم ضربة والآخر ضربات والثالث أكثر وهكذا ، فمات بالجميع ، فالقصاص عليهم بالسواء ، والدية عليهم سواء . وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية ، فلو جرحه أحدهما جائفة والآخر موضحة مثلاً ، أو جرحه أحدهما وضربه الآخر ، يقتصّ منهما سواء ، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما .
(مسألة 46) : لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف ، يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس ، فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل ، فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد يقتسمانها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد ، وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية ، وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة .
(مسألة 47) : الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع ؛ بأن يكرهوا شخصاً على قطع اليد ، أو يضعوا خنجراً على يده واعتمدوا عليه أجمع حتّى تقطع . وأمّا لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما ، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها ، فقطع كلّ جزءاً منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد ، فلا شركة ولا قطع ، بل كلّ جنى جناية منفردة ، وعليه القصاص أو الدية في جنايته الخاصّة .
(مسألة 48) : لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شيء ، ولو كنّ أكثر فللوليّ قتلهنّ وردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسويّة ، فإن كنّ ثلاثاً وأراد قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة ، وهي بينهنّ بالسويّة ، وإن كنّ أربعاً فدية امرأتين كذلك
ص: 553
وهكذا ، وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكة ثلث ديته على المقتولتين بالسويّة ، ولو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل .
(مسألة 49) : لو اشترك في قتل رجل رجل وامرأة فعلى كلّ منهما نصف الدية ، فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرجل ، ولا ردّ على المرأة ، ولو قتل المرأة فلا ردّ ، وعلى الرجل نصف الدية ، ولو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها .
(مسألة 50) : قالوا : كلّ موضع يوجب الردّ يجب أوّلاً الردّ ثمّ يستوفى ، وله وجه . ثمّ إنّ المفروض في المسائل المتقدّمة هو الرجل المسلم الحرّ والمرأة كذلك .
وهي اُمور :
الأوّل: التساوي في الحرّية والرقّية ، فيقتل الحرّ بالحرّ وبالحرّة ، لكن مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، وكذا تقتل الحرّة بالحرّة وبالحرّ لكن لا يؤخذ من وليّها أو تركتها فاضل دية الرجل .
(مسألة 1) : لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية ، أو كان فقيراً ولم يرض القاتل بالدية ، أو كان فقيراً ، يؤخّر القصاص إلى وقت الأداء والميسرة .
(مسألة 2) : يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف ، وكذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ ، وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم يبلغ جراحة المرأة
ص: 554
ثلث دية الحرّ ، فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما ، فحينئذٍ لا يقتصّ من الرجل لها إلاّ مع ردّ التفاوت .
الثاني: التساوي في الدين ، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفّار .
(مسألة 1) : لا فرق بين أصناف الكفّار من الذمّي والحربي والمستأمن وغيره ، ولو كان الكافر محرّم القتل كالذمّي والمعاهد يعزّر لقتله ، ويغرم المسلم دية الذمّي لهم .
(مسألة 2) : لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمّة جاز الاقتصاص منه بعد ردّ فاضل ديته ، وقيل : إنّ ذلك حدّ لا قصاص ، وهو ضعيف .
(مسألة 3) : يقتل الذمّي بالذمّي وبالذمّية مع ردّ فاضل الدية ، والذمّية بالذمّية وبالذمّي من غير ردّ الفضل كالمسلمين ؛ من غير فرق بين وحدة ملّتهما واختلافهما ، فيقتل اليهودي بالنصراني وبالعكس ، والمجوسي بهما وبالعكس .
(مسألة 4) : لو قتل ذمّي مسلماً عمداً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيّرون بين قتله واسترقاقه ؛ من غير فرق بين كون المال عيناً أو ديناً منقولاً أو لا ، ولا بين كونه مساوياً لفاضل دية المسلم أو زائداً عليه أو مساوياً للدية أو زائداً عليها .
(مسألة 5) : أولاد الذمّي القاتل أحرار لا يسترقّ واحد منهم لقتل والدهم ، ولو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله .
(مسألة 6) : لو قتل الكافر كافراً وأسلم لم يقتل به ، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية .
ص: 555
(مسألة 7) : يقتل ولد الرشدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميّزه ولو لم يبلغ . وأمّا في حال صغره قبل التميّز أو بعده وقبل إسلامه ، ففي قتله به وعدمه تأمّل وإشكال .
ومن لواحق هذا الباب فروع :
منها : لو قطع مسلم يد ذمّي عمداً فأسلم وسرت إلى نفسه ، فلا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعليه دية النفس كاملة ، وكذا لو قطع صبيّ يد بالغ فبلغ ثمّ سرت جنايته ، لا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعلى عاقلته دية النفس .
ومنها : لو قطع يد حربي أو مرتدّ فأسلم ثمّ سرت فلا قود ، ولا دية على الأقوى . وقيل بالدية اعتباراً بحال الاستقرار ، والأوّل أقوى ، ولو رماه فأصابه بعد إسلامه فلا قود ولكن عليه الدية ، وربما يحتمل العدم اعتباراً بحال الرمي ، وهو ضعيف ، وكذا الحال لو رمى ذمّياً فأسلم ثمّ أصابه فلا قود ، وعليه الدية .
ومنها : لو قتل مرتدّ ذمّياً يقتل به ، وإن قتله ورجع إلى الإسلام فلا قود وعليه دية الذمّي ، ولو قتل ذمّي مرتدّاً - ولو عن فطرة - قتل به ، ولو قتله مسلم فلا قود ، والظاهر عدم الدية عليه ، وللإمام علیه السلام تعزيره .
ومنها : لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الوليّ كان عليه القود ، ولو وجب قتله بالزنا أو اللواط فقتله غير الإمام علیه السلام ، قيل : لا قود عليه ولا دية ، وفيه تردّد .
الشرط الثالث: انتفاء الاُبوّة ، فلا يقتل أب بقتل ابنه ، والظاهر أن لا يقتل أب الأب وهكذا .
ص: 556
(مسألة 1) : لا تسقط الكفّارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية ، فيؤدّي الدية إلى غيره من الورّاث ، ولا يرث هو منها .
(مسألة 2) : لا يقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئاً له ، فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم .
(مسألة 3) : يقتل الولد بقتل أبيه ، وكذا الاُمّ وإن علت بقتل ولدها ، والولد بقتل اُمّه ، وكذا الأقارب كالأجداد والجدّات من قبل الاُمّ ، والإخوة من الطرفين ، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات .
(مسألة 4) : لو ادّعى اثنان ولداً مجهولاً ، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود ، ولو قتلاه معاً فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما ، أو يرجع إلى القرعة ؟ الأقوى هو الثاني . ولو ادّعياه ثمّ رجع أحدهما وقتلاه ، توجّه القصاص على الراجع بعد ردّ ما يفضل عن جنايته ، وعلى الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه ، ولو قتله الراجع خاصّة اختصّ بالقصاص ، ولو قتله الآخر لا يقتصّ منه . ولو رجعا معاً فللوارث أن يقتصّ منهما بعد ردّ دية نفس عليهما . وكذا الحال لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل ، بل الظاهر أ نّه لو رجع من أخرجته القرعة ، كان الأمر كذلك ؛ بقي الآخر على الدعوى أم لا .
(مسألة 5) : لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ . وقيل : لا يملك أن يقتصّ من والده ، وهو غير وجيه .
الشرط الرابع والخامس: العقل والبلوغ ، فلا يقتل المجنون ؛ سواء قتل عاقلاً أو مجنوناً . نعم ، تثبت الدية على عاقلته . ولا يقتل الصبيّ بصبيّ ولا ببالغ وإن بلغ عشراً أو بلغ خمسة أشبار ، فعمده خطأ حتّى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات ، والدية على عاقلته .
ص: 557
(مسألة 1) : لو قتل عاقل ثمّ خولط وذهب عقله لم يسقط عنه القود ؛ سواء ثبت القتل بالبيّنة أو بإقراره حال صحّته .
(مسألة 2) : لا يشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص ، فلو قتل بالغ غير رشيد فعليه القود .
(مسألة 3) : لو اختلف الوليّ والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته ، فقال الوليّ : «قتلته حال بلوغك أو عقلك» فأنكره الجاني ، فالقول قول الجاني بيمينه . ولكن تثبت الدية في مالهما بإقرارهما لا العاقلة ؛ من غير فرق بين الجهل بتأريخهما أو بتأريخ أحدهما دون الآخر . هذا في فرض الاختلاف في البلوغ . وأمّا في الاختلاف في عروض الجنون ، فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل معلوم التأريخ وشكّ في تأريخ عروض الجنون ، فالقول قول الوليّ ، وبين سائر الصور فالقول قول الجاني ، ولو لم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضاً .
(مسألة 4) : لو ادّعى الجاني صغره فعلاً وكان ممكناً في حقّه ، فإن أمكن إثبات بلوغه فهو ، وإلاّ فالقول قوله بلا يمين ، ولا أثر لإقراره بالقتل ، إلاّ بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الإقرار به .
(مسألة 5) : لو قتل البالغ الصبيّ قتل به على الأشبه ؛ وإن كان الاحتياط أن لا يختار وليّ المقتول قتله ، بل يصالح عنه بالدية ، ولا يقتل العاقل بالمجنون وإن كان أدوارياً مع كون القتل حال جنونه ، ويثبت الدية على القاتل إن كان عمداً أو شبهه ، وعلى العاقلة إن كان خطأً محضاً ، ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه ، فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين .
ص: 558
(مسألة 6) : في ثبوت القود على السكران الآثم في شرب المسكر إن خرج به عن العمد والاختيار تردّد ، والأقرب الأحوط عدم القود . نعم ، لو شكّ في زوال العمد والاختيار منه يلحق بالعامد . وكذا الحال في كلّ ما يسلب العمد والاختيار ، فلو فرض أنّ في البنج وشرب المرقد حصول ذلك يلحق بالسكران ، ومع الشكّ يعمل معه معاملة العمد . ولو كان السكر ونحوه من غير إثم فلا شبهة في عدم القود ، ولا قود على النائم والمغمى عليه . وفي الأعمى تردّد .
الشرط السادس: أن يكون المقتول محقون الدم ، فلو قتل من كان مهدور الدم - كالسابّ للنبي صلی الله علیه و آله وسلم - فليس عليه القود . وكذا لا قود على من قتله بحقّ كالقصاص والقتل دفاعاً ، وفي القود على قتل من وجب قتله حدّاً - كاللائط والزاني والمرتدّ فطرةً بعد التوبة - تأمّل وإشكال . ولا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحدّ .
وهو اُمور :
ويكفي فيه مرّة واحدة ، ومنهم من يشترط مرّتين ، وهو غير وجيه .
(مسألة 1) : يعتبر في المقرّ : البلوغ والعقل والاختيار والقصد والحرّية ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون ، ولا المكره ، ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الذي ذهب عقله واختياره .
ص: 559
(مسألة 2) : يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي ، فيؤخذ بإقراره ، ويقتصّ منه في الحال من غير انتظار لفكّ حجره .
(مسألة 3) : لو أقرّ شخص بقتله عمداً وآخر بقتله خطأً ، كان للوليّ الأخذ بقول صاحب العمد ، فيقتصّ منه ، والأخذ بقول صاحب الخطأ ، فيلزمه بالدية ، وليس له الأخذ بقولهما .
(مسألة 4) : لو اتّهم رجل بقتل وأقرّ المتّهم بقتله عمداً ، فجاء آخر وأقرّ أ نّه هو الذي قتله ، ورجع المُقرّ الأوّل عن إقراره ، درئ عنهما القصاص والدية ، ويؤدّى دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب ، ولا بأس به ، لكن يقتصر على موردها والمتيقّن من مورد فتوى الأصحاب ، فلو لم يرجع الأوّل عن إقراره عمل على القواعد ، ولو لم يكن بيت مال للمسلمين فلا يبعد إلزامهما أو إلزام أحدهما بالدية ، ولو لم يكن لهما مال ففي القود إشكال .
لا يثبت ما يوجب القصاص - سواء كان في النفس أو الطرف - إلاّ بشاهدين عدلين ، ولا اعتبار بشهادة النساء فيه منفردات ولا منضمّات إلى الرجل ، ولا تجب بشهادتهنّ الدية فيما يوجب القصاص . نعم ، تجوز شهادتهنّ فيما يوجب الدية ، كالقتل خطأً أو شبه عمد ، وفي الجراحات التي لا توجب القصاص كالهاشمة وما فوقها . ولا يثبت ما يوجب القصاص بشهادة شاهد ويمين المدّعي على قول مشهور .
(مسألة 1) : يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة أو كالصريحة ، نحو قوله : «قتله بالسيف» ، أو «ضربه به فمات» ، أو «أراق دمه
ص: 560
فمات منه» ، ولو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل . نعم ، الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقلية التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفاً ، مثل أن يقال في قوله : «ضربه بالسيف فمات» : يحتمل أن يكون الموت بغير الضرب ، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي ، ولا يلزم التصريح بما لا يتخلّل فيه الاحتمال عقلاً .
(مسألة 2) : يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع واحد ووصف واحد ، فلو شهد أحدهما : أ نّه قتله غدوة ، والآخر : عشيّة ، أو شهد أحدهما : أ نّه قتله بالسمّ ، والآخر : أ نّه بالسيف ، أو قال أحدهما : أ نّه قتله في السوق ، وقال الآخر : في المسجد ، لم يقبل قولهما ، والظاهر أ نّه ليس من اللوث أيضاً . نعم ، لو شهد أحدهما : بأ نّه أقرّ بالقتل ، والآخر بمشاهدته ، لم يقبل شهادتهما ، ولكنّه من اللوث .
(مسألة 3) : لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً ، وشهد الآخر بالإقرار عمداً ، ثبت أصل القتل الذي اتّفقا عليه ، فحينئذٍ يكلّف المدّعى عليه بالبيان ، فإن أنكر أصل القتل لا يقبل منه ، وإن أقرّ بالعمد قبل منه ، وإن أنكر العمد وادّعاه الوليّ فالقول قول الجاني مع يمينه ، وإن ادّعى الخطأ وأنكر الوليّ ، قيل : يقبل قول الجاني بيمينه ، وفيه إشكال ، بل الظاهر أنّ القول قول الوليّ ، ولو ادّعى الجاني الخطأ وادّعى الوليّ العمد فالظاهر هو التداعي .
(مسألة 4) : لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً والآخر بالقتل المطلق ، وأنكر القاتل العمد وادّعاه الوليّ كان شهادة الواحد لوثاً ، فإن أراد الوليّ إثبات دعواه فلا بدّ من القسامة .
(مسألة 5) : لو شهد اثنان : بأنّ القاتل زيد مثلاً ، وآخران : بأ نّه عمرو دونه ،
ص: 561
قيل : يسقط القصاص ووجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبيهاً به ، وعلى عاقلتهما لو كان خطأً ، وقيل : إنّ الوليّ مخيّر في تصديق أيّهما شاء ، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد بقتله منفرداً ، والوجه سقوط القود والدية جميعاً .
(مسألة 6) : لو شهدا بأ نّه قتل عمداً ، فأقرّ آخر أ نّه هو القاتل ، وأنّ المشهود عليه بريء من قتله ، ففي رواية صحيحة معمول بها : «إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه ، ولا سبيل لهم على الآخر ، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه . وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه ، ولا سبيل لهم على الذي أقرّ ، ثمّ ليؤدّ الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية . وإن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً ذاك لهم ، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصّاً دون صاحبه ثمّ يقتلوهما ، وإن أرادوا أن يأخذوا الدية فهي بينهما نصفان» . والمسألة مشكلة جدّاً يجب الاحتياط فيها وعدم التهجّم على قتلهما .
(مسألة 7) : لو فرض في المسألة المتقدّمة : أنّ أولياء الميّت ادّعوا على أحدهما دون الآخر سقط الآخر ، فإن ادّعوا على المشهود عليه سقط إقرار المقرّ ، وإن ادّعوا على المقرّ سقطت البيّنة .
والبحث فيها في مقاصد :
الأوّل : في اللوث
والمراد به : أمارة ظنّية قامت عند الحاكم على صدق المدّعي ، كالشاهد
ص: 562
الواحد ، أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول ، وكذا لو وجد متشحّطاً بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم ، أو وجد كذلك في دار قوم أو في محلّة منفردة عن البلد لا يدخل فيها غير أهلها ، أو في صفّ قتال مقابل الخصم بعد المراماة . وبالجملة : كلّ أمارة ظنّية عند الحاكم توجب اللوث ؛ من غير فرق بين الأسباب المفيدة للظنّ ، فيحصل اللوث بإخبار الصبيّ المميّز المعتمد عليه ، والفاسق الموثوق به في إخباره ، والكافر كذلك ، والمرأة ونحوهم .
(مسألة 1) : لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب والذهاب ، أو محلّة منفردة كانت مطروقة ، فلا لوث إلاّ إذا كانت هناك عداوة فيثبت اللوث .
(مسألة 2) : لو وجد قتيل بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه ، ومع التساوي فهما سواء في اللوث . نعم ، لو كان في إحداهما عداوة فاللوث فيها وإن كانت أبعد .
(مسألة 3) : لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي ، فلا قسامة ولا تغليظ ، والبيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، فللوليّ مع عدم البيّنة إحلاف المنكر يميناً واحداً .
(مسألة 4) : لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد ، أو وجد في فلاة أو سوق أو على جسر ، ولم يعلم من قتله ، فديته من بيت مال المسلمين . نعم ، لو كان في الموارد المذكورة أمارة ظنّية على كون القتل بفعل شخص معيّن - مثلاً - حصل اللوث .
(مسألة 5) : لو تعارض الأمارات الظنّية بطل اللوث ، كما لو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدم ، وسبع من شأنه قتل الإنسان ، ولم تكن أمارة
ص: 563
لحصول القتل بأيّهما وفي كلّ طرف شكّ محض ، فلا بدّ في مثله فصل الخصومة بالطرق المعهودة غير القسامة .
(مسألة 6) : لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأقوى بعد قيام الأمارة الظنّية على أصل القتل ، ولا يشترط في القسامة حضور المدّعى عليه ، كما في سائر المقامات على الأصحّ .
(مسألة 7) : لو ادّعى الوليّ أنّ فلاناً من أهل الدار قتله ، بعد أن وجد مقتولاً فيها ، حصل اللوث وثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل ، وإلاّ فلا لوث بالنسبة إليه ، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه .
وهي في العمد خمسون يميناً ، وفي الخطأ وشبهه خمس وعشرون على الأصحّ .
(مسألة 1) : إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كلّ واحد يميناً وإن نقصوا عنه كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا القسامة ، ولو كان القوم أكثر ، فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد وخمسة وعشرين في غيره .
(مسألة 2) : لو لم يكن للمدّعي قسامة ، أو كان ولكن امتنعوا - كلاًّ أو بعضاً - حلف المدّعي ومن يوافقه إن كان ، وكرّر عليهم حتّى تتمّ القسامة ، ولو لم يوافقه أحد كرّر عليه حتّى يأتي بتمام العدد .
(مسألة 3) : لو كان العدد ناقصاً ، فهل يجب التوزيع عليهم بالسويّة ، فإن كان
ص: 564
عددهم عشرة يحلف كلّ واحد خمسة ، أو يحلف كلّ مرّة ويتمّ وليّ الدم النقيصة ، أو لهم الخيرة بعد يمين كلّ واحد ، فلهم التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا ؟ لا يبعد الأخير ؛ وإن كان الأولى التوزيع بالسويّة . نعم ، لو كان في التوزيع كسر ، كما إذا كان عددهم سبعة ، فبعد التوزيع بقي الكسر واحداً ، فلهم الخيرة . والأولى حلف وليّ الدم في المفروض ، بل لو قيل : إنّ النقيصة مطلقاً على وليّ الدم أو أوليائه فليس ببعيد ، فإذا كان العدد تسعة فالباقي خمسة يحلفها الوليّ أو الأولياء ، فإن كان في التوزيع بين الأولياء كسر فهم بالخيار ، ولو وقع فيهم تشاحّ فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ، وليس هذا نكولاً .
(مسألة 4) : هل يعتبر في القسامة أن تكون من الورّاث فعلاً ، أو في طبقات الإرث ولو لم تكن وارثاً فعلاً ، أو يكفي كونها من قبيلة المدّعي وعشيرته عرفاً وإن لم تكن من أقربائه ؟ الظاهر عدم اعتبار الوراثة فعلاً . نعم ، الظاهر اعتبار ذلك في المدّعي ، وأمّا سائر الأفراد فالاكتفاء بكونهم من القبيلة والعشيرة غير بعيد ، لكن الأظهر أن يكونوا من أهل الرجل وأقربائه . والظاهر اعتبار الرجولية في القسامة ، وأمّا في المدّعي فلا تعتبر فيه وإن كانت أحد المدّعين ، ومع عدم العدد من الرجال ففي كفاية حلف النساء تأمّل وإشكال ، فلا بدّ من التكرير بين الرجال ، ومع الفقد يحلف المدّعي تمام العدد ولو كان من النساء .
(مسألة 5) : لو كان المدّعي أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين قسامة ، وأمّا لو كان المدّعى عليه أكثر ففي كفاية خمسين قسامة وعدمها إشكال ، والأوجه تعدّد القسامة حسب تعدّد المدّعى عليه ، فلو كان اثنين يحلف كلّ منهما مع قومه خمسين قسامة على ردّ دعوى المدّعي ، وإن كان الاكتفاء بالخمسين لا يخلو من وجه ، لكن الأوّل أوجه .
ص: 565
(مسألة 6) : لو لم يحلف المدّعي أو هو وعشيرته ، فله أن يردّ الحلف على المدّعى عليه فعليه أيضاً خمسون قسامة ، فليحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته ، وحلف كلّ واحد ببراءته ، ولو كانوا أقلّ من الخمسين كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا العدد ، وحكم ببراءته قصاصاً ودية . وإن لم يكن له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يميناً ، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصاً ودية . وإن لم تكن له قسامة ونكل عن اليمين اُلزم بالغرامة ، ولا يردّ في المقام اليمين على الطرف .
(مسألة 7) : تثبت القسامة في الأعضاء مع اللوث . وهل القسامة فيها خمسون في العمد وخمس وعشرون في غيره فيما بلغت الجناية الدية - كالأنف والذكر - وإلاّ فبنسبتها من خمسين يميناً في العمد ، وخمس وعشرين في الخطأ وشبهه ، أو ستّة أيمان فيما فيه دية النفس ، وبحسابه من الستّ فيما فيه دون الدية ؟ الأحوط هو الأوّل ، والأشبه هو الثاني . وعليه ففي اليد الواحدة أو الرجل الواحدة وكلّ ما فيه نصف الدية ثلاث أيمان ، وفيما فيه ثلثها اثنتان وهكذا ، وإن كان كسر في اليمين اُكمل بيمين ؛ إذ لا تكسر اليمين ، فحينئذٍ في الإصبع الواحدة يمين واحدة ، وكذا في الأنملة الواحدة ، وكذا الكلام في الجرح ، فيجزي الستّ بحسب النسبة ، وفي الكسر يكمل بيمين .
(مسألة 8) : يشترط في القسامة علم الحالف ، ويكون حلفه عن جزم وعلم ، ولا يكفي الظنّ .
(مسألة 9) : هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد والخطأ في النفس وغيرها ؟ فيه خلاف ، والوجه عدم القبول .
ص: 566
(مسألة 10) : لا بدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع ومورد الحلف عن الإبهام والاحتمال ؛ من ذكر القاتل والمقتول ونسبهما ووصفهما بما يزيل الإبهام والاحتمال ، وذكر نوع القتل من كونه عمداً أو خطأً أو شبه عمد ، وذكر الانفراد أو الشركة ونحو ذلك من القيود .
(مسألة 1) : يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد ، والدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد ، وعلى العاقلة في الخطأ المحض . وقيل : تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة ، وهو غير مرضيّ .
(مسألة 2) : لو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث ، فبالنسبة إلى ذي اللوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامة ، وبالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدعاوي ؛ اليمين على المدّعى عليه ولا قسامة ، فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف ، وهذا الحلف لا يدخل في الخمسين ، بل لا بدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى .
(مسألة 3) : لو أراد قتل ذي اللوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف ديته . وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله ، يردّ عليه نصف الدية .
(مسألة 4) : لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدعوى إلى الحاكم تسمع دعواه ، ويطالبه خمسين قسامة ، ومع الفقد يحلّفه خمسين يميناً في العمد ، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت ، ويثبت حقّه ، ولم يجب انتظار سائر
ص: 567
الأولياء ، وله الاستيفاء ولو قوداً ، ثمّ لو حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه ، قالوا : حلف بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً ففي العمد خمس وعشرون ، وإن كان اثنين فلكلّ ثلث ، وهكذا ، وفي الكسور يجبر بواحدة . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه . ويحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر ، فيقال بثبوت حقّ الغائب بها ويمينه خمسين يميناً مع فقد القسامة ، فيقال بعدم ثبوته بها . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة ، ومع فقدها ويمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان . ويحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلاّ بخمسين قسامة ، ومع فقدها يحلف خمسين يميناً كالحاضر . ولو كان الغائب أزيد من واحد وادّعى الجميع ، كفاهم خمسين قسامة أو خمسين يميناً من جميعهم ، أقوى الاحتمالات الأخير ، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه ، ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء .
(مسألة 5) : لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا كانت أمارات على القتل . نعم ، لا يبعد القدح إذا كان اللوث بشاهد واحد مثلاً . والمقامات مختلفة .
(مسألة 6) : لو مات الوليّ قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه ، قام وارثه مقامه في الدعوى ، فعليه إذا أراد إثبات حقّه القسامة ، ومع فقدها خمسون أو خمس وعشرون يميناً . وإن مات الوليّ في أثناء الأيمان فالظاهر لزوم استئناف الأيمان . ولو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقّه من غير يمين .
(مسألة 7) : لو حلف المدّعي مع اللوث واستوفى الدية ، ثمّ شهد اثنان أ نّه كان غائباً غيبة لا يقدر معها على القتل ، أو محبوساً كذلك ، فهل تبطل القسامة
ص: 568
بذلك واستُعيدت الدية ، أم لا مجال للبيّنة بعد فصل الخصومة باليمين ؟ فيه تردّد ، والأرجح الثاني . نعم ، لو علم ذلك وجداناً بطلت القسامة واستُعيدت الدية . ولو اقتصّ بالقسامة أو الحلف اُخذت منه الدية لو لم يعترف بتعمّد الكذب ، وإلاّ اقتصّ منه .
(مسألة 8) : لو استوفى حقّه بالقسامة فقال آخر : «أنا قتلته منفرداً» ، فإن كان المدّعي حلف وحده أو مع القسامة ، فليس له الرجوع إلى المقرّ إلاّ إذا كذّب نفسه وصدّق المقرّ ، وحينئذٍ ليس له العمل بمقتضى القسامة ، ولا بدّ من ردّ ما استوفاه . وإن لم يحلف وقلنا بعدم لزوم حلفه وكفى حلف قومه فإذا ادّعى جزماً ، فكذلك ليس له الرجوع إلى المقرّ إلاّ مع تكذيب نفسه . وإن ادّعى ظنّاً وقلنا بسماع دعواه كذلك ، جاز له الرجوع إلى المقرّ ، وجاز العمل بمقتضى القسامة ، والظاهر ثبوت الخيار لو لم يكذّب نفسه ورجع عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ .
(مسألة 9) : لو اتّهم رجل بالقتل والتمس الوليّ من الحاكم حبسه حتّى يحضر البيّنة ، فالظاهر جواز إجابته إلاّ إذا كان الرجل ممّن يوثق بعدم فراره ، ولو أخّر المدّعي إقامة البيّنة إلى ستّة أيّام يخلّى سبيله .
(مسألة 1) : قتل العمد يوجب القصاص عيناً ، ولا يوجب الدية لا عيناً ولا تخييراً ، فلو عفا الوليّ القود يسقط وليس له مطالبة الدية ، ولو بذل الجاني نفسه ليس للوليّ غيرها ، ولو عفا الوليّ بشرط الدية فللجاني القبول وعدمه ، ولا تثبت
ص: 569
الدية إلاّ برضاه ، فلو رضي بها يسقط القود وتثبت الدية ، ولو عفا بشرط الدية صحّ على الأصحّ ، ولو كان بنحو التعليق فإذا قبل سقط القود ، ولو كان الشرط إعطاء الدية لم يسقط القود إلاّ بإعطائه ، ولا يجب على الجاني إعطاء الدية لخلاص نفسه ، وقيل : يجب لوجوب حفظها .
(مسألة 2) : يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص ، فلو لم يرض الوليّ إلاّ بأضعاف الدية جاز ، وللجاني القبول ، فإذا قبل صحّ ، ويجب عليه الوفاء .
(مسألة 3) : لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية ، فإن اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ، ولم يثبت بإقرار الجاني ، اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس ، فإذا قطع يد شخص ولم يعلم ولو بالبيّنة أو الإقرار أنّ القتل حصل بالجناية ، لا يجوز القتل .
(مسألة 4) : يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فإنّهما لا يستحقّان قصاصاً . ومنهم من قال : لا يرث القصاص الإخوة والأخوات من الاُمّ ومن يتقرّب بها . وقيل : ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقرّبن بالأب ، والأوّل أشبه .
(مسألة 5) : يرث الدية من يرث المال حتّى الزوج والزوجة . نعم ، لا يرث منها الإخوة والأخوات من قبل الاُمّ ، بل مطلق من يتقرّب بها على الأقوى ، لكن الاحتياط في غير الإخوة والأخوات حسن .
(مسألة 6) : الأحوط عدم جواز المبادرة للوليّ إذا كان منفرداً إلى القصاص ، سيّما في الطرف إلاّ مع إذن والي المسلمين ، بل لا يخلو من قوّة ، ولو بادر فللوالي تعزيره ، ولكن لا قصاص عليه ولا دية .
ص: 570
(مسألة 7) : لو كان أولياء الدم أكثر من واحد ، فالأقوى عدم جواز الاستيفاء إلاّ باجتماع الجميع وإذن الواليّ ؛ لا بمعنى ضرب كلّ واحد إيّاه ، بل بمعنى إذنهم لأحد منهم أو توكيلهم أحداً . وعن جمع أ نّه يجوز لكلّ منهم المبادرة ، ولا يتوقّف على إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن ، والأوّل أقوى . نعم ، لو بادر واستبدّ فلا قود ، بل عليه حصص البقيّة مع عدم الإذن ، وللإمام علیه السلام تعزيره .
(مسألة 8) : لو تشاحّ الأولياء في مباشرة القتل وتحصيل الإذن يقرع بينهم ، ولو كان بينهم من لا يقدر على المباشرة ، لكن أراد الدخول في القرعة ليوكّل قادراً في الاستيفاء ، يجب إدخاله فيها .
(مسألة 9) : ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عدلين فطنين عارفين بمواقعه وشرائطه احتياطاً ، ولإقامة الشهادة إن حصلت منازعة بين المقتصّ وأولياء المقتصّ منه ، وأن يعتبر الآلة لئلاّ تكون مسمومة ، موجبة لفساد البدن وتقطّعه وهتكه عند الغسل أو الدفن ، فلو علم مسموميتها بما يوجب الهتك لا يجوز استعمالها في قصاص المؤمن ، ويعزّر فاعله .
(مسألة 10) : لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة التي توجب السراية ، فإن استعملها الوليّ المباشر ضمن ، فلو علم بذلك ويكون السمّ ممّا يقتل به غالباً ، أو أراد القتل ولو لم يكن قاتلاً غالباً ، يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته إن مات بهما ، فلو كان القتل لا عن عمد يردّ نصف دية المقتول ، ولو سرى السمّ إلى عضو آخر ولم يؤدّ إلى الموت ، فإنّه يضمن ما جنى دية وقصاصاً مع الشرائط .
(مسألة 11) : لا يجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكالّة وما يوجب
ص: 571
تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه ، ولو فعل أثم وعزّر ، لكن لا شيء عليه ، ولا يقتصّ إلاّ بالسيف ونحوه . ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخّ ، بل وبالاتّصال بالقوّة الكهربائية . ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ؛ ولو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة ، ولا يجوز التمثيل به .
(مسألة 12) : اُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال ، واُجرة المقتصّ على وليّ الدم لو كان الاقتصاص في النفس ، وعلى المجنيّ عليه لو كان في الطرف ، ومع إعسارهما استدين عليهما ، ومع عدم الإمكان فمن بيت المال . ويحتمل أن تكون ابتداءً على بيت المال ، ومع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الوليّ أو المجنيّ عليه . وقيل : هي على الجاني .
(مسألة 13) : لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص إلاّ مع التعدّي في اقتصاصه ، فلو كان متعمّداً اقتصّ منه في الزائد إن أمكن ، ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش ، ولو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ وأنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه ، بل لو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه ، فالظاهر أنّ القول قول المقتصّ بيمينه على وجه ، ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشيء من جهته ، فالقول قول المقتصّ منه .
(مسألة 14) : كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف ، ومن لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف ، فلا يقطع يد والد لقطع يد ولده ، ولا يد مسلم لقطع يد كافر .
(مسألة 15) : إذا كان له أولياء شركاء في القصاص ، فإن حضر بعض وغاب
ص: 572
بعض ، فعن الشيخ قدّس سرّه : للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية . والأشبه أن يقال : لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار . ولو كان غير (غيبته . ظ ) منقطعة (1) أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي ، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب . ولو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى وليّه . ولو كان صغيراً ففي رواية : «انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا» .
(مسألة 16) : لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل ، لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك ، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية ؛ من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر ، ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبه ، فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث ولو دفع الجاني أقلّ أو أكثر ، ولو عفا أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البدل ، جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه . نعم ، لو اقتصر على مطالبة الدية وامتنع الجاني ، لا يجوز الاقتصاص إلاّ بإذن الجميع . ولو عفا بعض مجّاناً لم يسقط القصاص ، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني .
(مسألة 17) : إذا اشترك الأب والأجنبيّ في قتل ولده ، أو المسلم والذمّي في قتل ذمّي ، فعلى الشريك القود ، لكن يردّ الشريك الآخر عليه نصف ديته ، أو يردّ الوليّ نصفها ويطالب الآخر به . ولو كان أحدهما عامداً والآخر خاطئاً ، فالقود على العامد بعد ردّ نصف الدية على المقتصّ منه ، فإن كان القتل خطأً محضاً
ص: 573
فالنصف على العاقلة ، وإن كان شبه عمد كان الردّ من الجاني . ولو شارك العامد سبع ونحوه يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته .
(مسألة 18) : لا يمنع الحجر - لفلس أو سفه - من استيفاء القصاص ، فللمحجور عليه الاقتصاص ، ولو عفا المحجور عليه لفلس على مال ، ورضي به القاتل ، قسّمه على الغرماء كغيره من الأموال المكتسبة بعد حجر الحاكم جديداً عنه ، والحجر السابق لا يكفي في ذلك ، وللمحجور عليه العفو مجّاناً وبأقلّ من الدية .
(مسألة 19) : لو قتل شخص وعليه دين ، فإن أخذ الورثة ديته صرفت في ديون المقتول ووصاياه كباقي أمواله ؛ ولا فرق في ذلك بين دية القتل خطأً ، أو شبه عمد ، أو ما صولح عليه في العمد ؛ كان بمقدار ديته أو أقلّ أو أكثر ، بجنس ديته أو غيره .
(مسألة 20) : هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء ؟ فيه قولان ، والأحوط عدم الاستيفاء إلاّ بعد الضمان ، بل الأحوط مع هبة الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء .
(مسألة 21) : لو قتل واحد رجلين أو أكثر عمداً على التعاقب أو معاً قتل بهم ، ولا سبيل لهم على ماله ، فلو عفا أولياء بعض لا على مالٍ ، كان للباقين القصاص من دون ردّ شيء ، وإن تراضى الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ منهم دية كاملة . فهل لكلّ واحد منهم الاستبداد بقتله من غير رضا الباقين أو لا ، أو يجوز مع كون قتل الجميع معاً ، وأمّا مع التعاقب فيقدّم حقّ السابق فالسابق ، فلو قتل عشرة متعاقباً يقدّم حقّ وليّ الأوّل ، فجاز له الاستبداد بقتله بلا إذن منهم ، فلو عفا
ص: 574
فالحقّ للمتأخّر منه وهكذا ؟ وجوه ، لعلّ أوجهها عدم جواز الاستبداد ولزوم الإذن من الجميع ، لكن لو قتله ليس عليه إلاّ الإثم ، وللحاكم تعزيره ، ولا شيء عليه ولا على الجاني في ماله . ولو اختلفوا في الاستيفاء ولم يمكن الاجتماع فيه فالمرجع القرعة ، فإن استوفى أحدهم بالقرعة أو بلا قرعة سقط حقّ الباقين .
(مسألة 22) : يجوز التوكيل في استيفاء القصاص ، فلو عزله قبل استيفائه فإن علم الوكيل بالعزل فعليه القصاص ، وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية ، ولو عفا الموكّل عن القصاص قبل الاستيفاء ، فإن علم الوكيل واستوفاه فعليه القصاص ، وإن لم يعلم فعليه الدية ، ويرجع فيها بعد الأداء على الموكّل .
(مسألة 23) : لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع حملها ولو تجدّد الحمل بعد الجناية ، بل ولو كان الحمل من زناً ، ولو ادّعت الحمل وشهدت لها أربع قوابل ثبت حملها ، وإن تجرّدت دعواها فالأحوط التأخير إلى اتّضاح الحال ، ولو وضعت حملها فلا يجوز قتلها إذا توقّف حياة الصبيّ عليها ، بل لو خيف موت الولد لا يجوز ويجب التأخير ، ولو وجد ما يعيش به الولد فالظاهر أنّ له القصاص . ولو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً فالدية على الوليّ القاتل .
(مسألة 24) : لو قطع يد رجل وقتل رجلاً آخر تقطع يده أوّلاً ثمّ يقتل ؛ من غير فرق بين كون القطع أوّلاً أو القتل ، ولو قتله وليّ المقتول قبل القطع أثم ، وللوالي تعزيره ، ولا ضمان عليه ، ولو سرى القطع في المجنيّ عليه قبل القصاص يستحقّ وليّه ووليّ المقتول القصاص ، ولو سرى بعد القصاص فالظاهر عدم وجوب شيء في تركة الجاني ، ولو قطع فاقتصّ منه ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه ، فلوليّه القصاص في النفس .
ص: 575
(مسألة 25) : لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل والدية . نعم ، لو هرب فلم يقدر عليه حتّى مات ، ففي رواية معمول بها : «إن كان له مال اُخذ منه ، وإلاّ اُخذ من الأقرب فالأقرب» ، ولا بأس به لكن يقتصر على موردها .
(مسألة 26) : لو ضرب الوليّ القاتل وتركه ظنّاً منه أ نّه مات فبرئ ، فالأشبه أن يعتبر الضرب ، فإن كان ضربه ممّا يسوغ له القتل والقصاص به لم يقتصّ من الوليّ ، بل جاز له قتله قصاصاً ، وإن كان ضربه ممّا لا يسوغ القصاص به - كأن ضربه بالحجر ونحوه - كان للجاني الاقتصاص ، ثمّ للوليّ أن يقتله قصاصاً أو يتتاركان .
(مسألة 27) : لو قطع يده فعفا المقطوع ثمّ قتله القاطع ، فللوليّ القصاص في النفس ، وهل هو بعد ردّ دية اليد أم يقتصّ بلا ردّ ؟ الأشبه الثاني . وكذا لو قتل رجل صحيح رجلاً مقطوع اليد قتل به . وفي رواية : «إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده وأخذ ديتها ، يردّ عليه دية يده ويقتلوه ، ولو قطعت من غير جناية ولا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم» . والمسألة مورد إشكال وتردّد ، والأحوط العمل بها ، وكذا الحال في مسألة اُخرى بها رواية ، وهي لو قطع كفّاً بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع ، فإنّها مشكلة أيضاً .
(مسألة 1) : الموجب له هاهنا كالموجب في قتل النفس . وهو الجناية العمدية مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت . فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد ؛ قصد الإتلاف به أو لا ، ولو جنى بما لا يتلف به غالباً ، فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو رجاءً .
ص: 576
(مسألة 2) : يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس ؛ من التساوي في الإسلام والحرّية وانتفاء الاُبوّة وكون الجاني عاقلاً بالغاً ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس .
(مسألة 3) : لا يشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة ، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل . ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ .
(مسألة 4) : يشترط في المقام - زائداً على ما تقدّم - التساوي في السلامة من الشلل ونحوه - على ما يجيء - أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة والزيادة ، وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة - مثلاً - بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة . نعم ، لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية .
(مسألة 5) : المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقي فيها حسّ وحركة غير اختيارية . والتشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات . ولو قطع يداً بعض أصابعها شلاّء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد ، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه ، فيقطع اليد القويّة بالضعيفة ، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة .
(مسألة 6) : يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلاً قطعت رجله على رواية معمول بها ، ولا بأس به . وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء ؟
ص: 577
وجهان ، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ، ومع عدمهما قطع الرجل . ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل ؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال . والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والاُذن والحاجب وغيرها مشكل . وإن لا يخلو من وجه ، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى .
(مسألة 7) : لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية .
(مسألة 8) : يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولاً وعرضاً ، قالوا ولا يعتبر عمقاً ونزولاً ، بل يعتبر حصول اسم الشجّة ، وفيه تأمّل وإشكال والوجه التساوي مع الإمكان ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش ، ولو لم يمكن إلاّ بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل . هذا في الحارصة والدامية والمتلاحمة . وأمّا في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم اعتبار التساوي في العمق ، فيقتصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة .
(مسألة 9) : لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ونقيصة كالجائفة والمأمومة ، ويثبت في كلّ جرح لا تغرير في أخذه بالنفس وبالطرف ، وكانت السلامة معه غالبة ، فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة ، ولا يثبت في الهاشمة ولا المنقّلة ، ولا لكسر شيء من العظام . وفي رواية صحيحة إثبات القود في السنّ والذراع إذا كسرا عمداً ، والعامل بها قليل .
ص: 578
(مسألة 10) : هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية ؟ قيل : لا ؛ لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس ، والأشبه الجواز . وفي رواية : «لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ» . وفي دلالتها نظر . والأحوط الصبر ، سيّما فيما لا يؤمن من السراية . فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً ، هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس ، أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال ، فإن اندملت أخذ الباقي ، وإلاّ فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس ؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء . نعم ، لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس .
(مسألة 11) : إذا اُريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن سهولة الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه ، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لا يتمكّن من الاضطراب ، ثمّ يقاس بخيط ونحوه ويعلّم طرفاه في محلّ الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى ، ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً . وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات ، وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجنيّ عليه ؟ فيه تأمّل .
(مسألة 12) : لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شيء عليه ، ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك ، فإن كان عن عمدٍ يقتصّ منه ، وإلاّ فعليه الدية أو الأرش ، ولو ادّعى الجاني العمد وأنكره المباشر فالقول قوله ، ولو ادّعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني ، قالوا : القول قول المباشر ، وفيه تأمّل .
(مسألة 13) : يؤخّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ والبرد وجوباً إذا خيف
ص: 579
من السراية ، وإرفاقاً بالجاني في غير ذلك ، ولو لم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر .
(مسألة 14) : لا يقتصّ إلاّ بحديدة حادّة غير مسمومة ولا كالّة مناسبة لاقتصاص مثله ، ولا يجوز تعذيبه أكثر ممّا عذّبه ، فلو قلع عينه بآلة كانت سهلة في القلع ، لا يجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً ، وجاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل . والأولى للمجنيّ عليه مراعاة السهولة ، وجاز له المماثلة . ولو تجاوز واقتصّ بما هو موجب للتعذيب ، وكان أصعب ممّا فعل به ، فللوالي تعزيره ، ولا شيء عليه ، ولو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه ، أو بما يوجب الأرش أو الدية اُخذ منه .
(مسألة 15) : لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقلّ في المجنيّ عليه ؛ لكبر رأسه - مثلاً - كأن يكون رأس الجاني شبراً ورأس المجنيّ عليه شبرين ، وجنى عليه بشبر ، يقتصّ الشبر وإن استوعبه . وإن زاد على العضو - كأن جنى عليه في الفرض بشبرين - لا يتجاوز عن عضو بعضوٍ آخر ، فلا يقتصّ من الرقبة أو الوجه ، بل يقتصّ بقدر شبر في الفرض ، ويؤخذ للباقي بنسبة المساحة إن كان للعضو مقدّر ، وإلاّ فالحكومة . وكذا لا يجوز تتميم الناقص بموضع آخر من العضو . ولو انعكس وكان عضو المجنيّ عليه صغيراً ، فجنى عليه بمقدار شبر وهو مستوعب لرأسه - مثلاً - لا يستوعب في القصاص رأس الجاني ، بل يقتصّ بمقدار شبر وإن كان الشبر نصف مساحة رأسه .
(مسألة 16) : لو أوضح جميع رأسه ؛ بأن سلخ الجلد واللحم من جملة الرأس ، فللمجنيّ عليه ذلك مع مساواة رأسهما في المساحة ، وله الخيار في الابتداء بأيّ
ص: 580
جهة . وكذا لو كان رأس المجنيّ عليه أصغر (أكبر - ظ) لكن له الغرامة في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة . ولو كان أكبر (أصغر - ظ) يقتصّ من الجاني بمقدار مساحة جنايته ، ولا يسلخ جميع رأسه . ولو شجّه فأوضح في بعضها فله دية موضحة ، ولو أراد القصاص استوفى في الموضحة والباقي .
(مسألة 17) : في الاقتصاص في الأعضاء غير ما مرّ : كلّ عضو ينقسم إلى يمين وشمال - كالعينين والاُذنين والاُنثيين والمنخرين ونحوها - لا يقتصّ إحداهما بالاُخرى ، فلو فَقَأ عينه اليُمنى لا يقتصّ عينه اليُسرى ، وكذا في غيرهما . وكلّ ما يكون فيه الأعلى والأسفل يراعى في القصاص المحلّ ، فلا يقتصّ الأسفل بالأعلى كالجفنين والشفتين .
(مسألة 18) : في الاُذن قصاص ؛ يقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى . وتستوي اُذن الصغير والكبير ، والمثقوبة والصحيحة إذا كان الثقب على المتعارف ، والصغيرة والكبيرة ، والصمّاء والسامعة ، والسمينة والهزيلة . وهل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة وكذا الصحيحة بالمثقوبة على غير المتعارف بحيث تعدّ عيباً ، أو يقتصّ إلى حدّ الخرم والثقب والحكومة فيما بقي ، أو يقتصّ مع ردّ دية الخرم ؟ وجوه ، لا يبعد الأخير . ولو قطع بعضها جاز القصاص .
(مسألة 19) : لو قطع اُذنه فألصقها المجنيّ عليه والتصقت ، فالظاهر عدم سقوط القصاص ، ولو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني اُذُنه والتصقت ، ففي رواية : قطعت ثانية لبقاء الشين . وقيل : يأمر الحاكم بالإبانة لحمله الميتة والنجس . وفي الرواية ضعف . ولو صارت بالإلصاق حيّة كسائر الأعضاء
ص: 581
لم تكن ميتة ، ويصحّ الصلاة معها ، وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها ، بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد وعلم ، وإلاّ فالدية ، ولو قطع بعض الاُذن ولم يبنها فإن أمكنت المماثلة في القصاص ثبت ، وإلاّ فلا ، وله القصاص ولو مع إلصاقها .
(مسألة 20) : لو قطع اُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان ، ولو قطع اُذناً مستحشفة شلاّء ففي القصاص إشكال ، بل لا يبعد ثبوت ثلث الدية .
(مسألة 21) : يثبت القصاص في العين ، وتقتصّ مع مساواة المحلّ ، فلا تقلع اليمنى باليسرى ولا بالعكس ، ولو كان الجاني أعور اقتصّ منه وإن عمي ، فإنّ الحقّ أعماه ، ولا يردّ شيء إليه ولو كان ديتها دية النفس إذا كان العور خلقة أو بآفة من اللّه تعالى ؛ ولا فرق بين كونه أعور خلقة أو بجناية أو آفة أو قصاص ، ولو قطع أعور العين الصحيحة من أعور يقتصّ منه .
(مسألة 22) : لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة ، فهل له مع ذلك الردّ بنصف الدية ؟ قيل لا ، والأقوى ثبوته ، والظاهر تخيير المجنيّ عليه بين أخذ الدية كاملة وبين الاقتصاص وأخذ نصفها ، كما أنّ الظاهر أنّ الحكم ثابت فيما تكون لعين الأعور دية كاملة ، كما كان خلقة أو بآفة من اللّه ؛ لا في غيره مثل ما إذا قلع عينه قصاصاً .
(مسألة 23) : لو قلع عيناً عمياء قائمة فلا يقتصّ منه ، وعليه ثلث الدية .
(مسألة 24) : لو أذهب الضوء دون الحدقة اقتصّ منه بالمماثل بما أمكن إذهاب الضوء مع بقاء الحدقة ، فيرجع إلى حذّاق الأطبّاء ليفعلوا به ما ذكر . وقيل في طريقه : يطرح على أجفانه قطن مبلول ، ثمّ تُحمى المرآة وتقابل
ص: 582
بالشمس ، ثمّ يفتح عيناه ويكلّف بالنظر إليها حتّى يذهب النظر وتبقى الحدقة . ولو لم يكن إذهاب الضوء إلاّ بإيقاع جناية اُخرى كالتسميل ونحوه سقط القصاص وعليه الدية .
(مسألة 25) : يقتصّ العين الصحيحة بالعمشاء والحولاء والخفشاء والجهراء والعشياء .
(مسألة 26) : في ثبوت القصاص لشعر الحاجب والرأس واللحية والأهداب ونحوها تأمّل ؛ وإن لا يخلو من وجه . نعم ، لو جنى على المحلّ بجرح ونحوه يقتصّ منه مع الإمكان .
(مسألة 27) : يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلّ ، ولو خلت أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب ففي القصاص وجهان ، لا يبعد عدم ثبوته ، فعليه الدية .
(مسألة 28) : في الأنف قصاص ، ويقتصّ الأنف الشامّ بعادمه ، والصحيح بالمجذوم ما لم يتناثر منه شيء ، وإلاّ فيقتصّ بمقدار غير المتناثر . والصغير والكبير والأفطس والأشمّ والأقنى سواء . والظاهر عدم اقتصاص الصحيح بالمستحشف الذي هو كالشلل . ويقتصّ بقطع المارن وبقطع بعضه . والمارن : هو ما لان من الأنف . ولو قطع المارن مع بعض القصبة ، فهل يقتصّ المجموع ، أو يقتصّ المارن وفي القصبة حكومة ؟ وجهان . وهنا وجه آخر : وهو القصاص ما لم يصل القصبة إلى العظم ، فيقتصّ الغضروف مع المارن ، ولا يقتصّ العظم .
(مسألة 29) : يقتصّ المنخر بالمنخر مع تساوي المحلّ ، فتقتصّ اليمنى
ص: 583
باليمنى واليسرى باليسرى ، وكذا يقتصّ الحاجز بالحاجز . ولو قطع بعض الأنف قيس المقطوع إلى أصله واقتصّ من الجاني بحسابه ، فلو قطع بعض المارن قيس إلى تمامه ، فإن كان نصفاً يقطع من الجاني النصف أو ثلثاً فالثلث ، ولا ينظر إلى عظم المارن وصغره ، أو قيس إلى تمام الأنف ، فيقطع بحسابه ؛ لئلاّ يستوعب أنف الجاني إن كان صغيراً .
(مسألة 30) : يقتصّ الشفة بالشفة مع تساوي المحلّ ، فالشفة العليا بالعليا والسفلى بالسفلى . وتستوي الطويلة والقصيرة ، والكبيرة والصغيرة ، والصحيحة والمريضة ما لم يصل إلى الشلل ، والغليظة والرقيقة . ولو قطع بعضها فبحساب المساحة كما مرّ . وقد ذكرنا حدّ الشفة في كتاب الديات .
(مسألة 31) : يثبت القصاص في اللسان وبعضه ببعضه بشرط التساوي في النطق ، فلا يقطع الناطق بالأخرس ، ويقطع الأخرس بالناطق وبالأخرس ، والفصيح بغيره ، والخفيف بالثقيل . ولو قطع لسان طفل يقتصّ به إلاّ مع إثبات خرسه ، ولو ظهر فيه علامات الخرس ففيه الدية .
(مسألة 32) : في ثدي المرأة وحلمته قصاص ، فلو قطعت امرأة ثدي اُخرى أو حلمة ثديها يقتصّ منها ، وكذا في حلمة الرجل القصاص ، فلو قطع حلمته يقتصّ منه مع تساوي المحلّ ، فاليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولو قطع الرجل حلمة ثدي المرأة فلها القصاص من غير ردّ .
(مسألة 33) : في السنّ قصاص بشرط تساوي المحلّ ، فلا يقلع ما في الفكّ الأعلى بما في الأسفل ولا العكس ، ولا ما في اليمين باليسار وبالعكس ، ولا يقلع الثنيّة بالرباعية أو الطاحن أو الناب أو الضاحك وبالعكس ، ولا تقلع
ص: 584
الأصلية بالزائدة ، ولا الزائدة بالأصلية ، ولا الزائدة بالزائدة مع اختلاف المحلّ .
(مسألة 34) : لو كانت المقلوعة سنّ مثّغر - أي أصلي نبت بعد سقوط أسنان الرضاع - ففيها القصاص ، وهل في كسرها القصاص أو الدية والأرش ؟ وجهان ، الأقرب الأوّل ، لكن لا بدّ في الاقتصاص كسرها بما يحصل به المماثلة كالآلات الحديثة ، ولا يضرب بما يكسرها لعدم حصولها نوعاً .
(مسألة 35) : لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص أم لا ؟ الأشبه الثاني ، والمشهور الأوّل ، ولا محيص عن الاحتياط بعدم القصاص ، فحينئذٍ لو كان العائدة ناقصة متغيّرة ففيها الحكومة ، وإن عادت كما كانت ، فلا شيء غير التعزير إلاّ مع حصول نقص ، ففيه الأرش .
(مسألة 36) : لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني بناءً على سقوط القصاص إلاّ مع عود سنّ الجاني أيضاً ، وتستعاد الدية لو أخذها صلحاً ، ولو اقتصّ وعادت سنّ الجاني ليس للمجنيّ عليه إزالتها ، ولو عادت سنّ المجنيّ عليه ليس للجاني إزالتها .
(مسألة 37) : لو قلع سنّ الصبيّ ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها ، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف ، ولا يبعد أن يكون في كلّ سنّ منه بعير ، وإن لم تعد ففيها القصاص .
(مسألة 38) : يثبت القصاص في قطع الذكر . ويتساوى في ذلك الصغير - ولو رضيعاً - والكبير بلغ كبره ما بلغ ، والفحل والذي سلّت خصيتاه إذا لم يؤدّ إلى شلل فيه ، والأغلف والمختون . ولا يقطع الصحيح بذكر العنّين ومن في ذكره شلل ، ويقطع ذكر العنّين بالصحيح والمشلول به . وكذا يثبت في قطع الحشفة ،
ص: 585
فتقطع الحشفة بالحشفة ، وفي بعضها أو الزائد عليها استوفي بالقياس إلى الأصل ، إن نصفاً فنصفاً وإن ثلثاً فثلثاً وهكذا .
(مسألة 39) : في الخصيتين قصاص ، وكذا في إحداهما مع التساوي في المحلّ ، فتقتصّ اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولو خشي ذهاب منفعة الاُخرى تُؤخذ الدية ، ولا يجوز القصاص إلاّ أن يكون في عمل الجاني ذهاب المنفعة فيُقتصّ ، فلو لم تذهب بالقصاص منفعة الاُخرى مع ذهابها بفعل الجاني ، فإن أمكن إذهابها مع قيام العين يجوز القصاص ، وإلاّ فعليه الدية . ولو قطع الذكر والخصيتين اقتصّ منه ؛ سواء قطعهما على التعاقب أو لا .
(مسألة 40) : في الشفرين القصاص ، والمراد بهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم ، وكذا في إحداهما . وتتساوى فيه البكر والثيّب ، والصغيرة والكبيرة ، والصحيحة والرتقاء والقرناء والعفلاء والمختونة وغيرها ، والمفضاة والسليمة . نعم ، لا يقتصّ الصحيحة بالشلاّء . والقصاص في الشفرين إنّما هو فيما جنت عليها المرأة ، ولو كان الجاني عليها رجلاً فلا قصاص عليه ، وعليه الدية ، وفي رواية غير معتمد عليها : إن لم يؤدّ إليها الدية قطع لها فرجه . وكذا لو قطعت المرأة ذكر الرجل أو خصيته لا قصاص عليها ، وعليها الدية .
(مسألة 41) : لو أزالت بكر بكارة اُخرى فالظاهر القصاص ، وقيل بالدية ، وهو وجيه مع عدم إمكان المساواة . وكذا تثبت الدية في كلّ مورد تعذّر المماثلة والمساواة .
ص: 586
الأوّل : لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يداً كاملة صحيحة فللمجنيّ عليه القصاص ، فهل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد الجاني ؟ قيل : لا ، وقيل : نعم فيما يكون قطع إصبعه بجناية وأخذ ديتها أو استحقّها ، وأمّا إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئاً ، والأشبه أنّ له الدية مطلقاً ، ولو قطع الصحيح الناقص عكس ما تقدّم ، فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه ، أو لا يقتصّ وعليه الدية أو يقتصّ ما وجد وفي الباقي الحكومة ؟ وجوه ، والمسألة مشكلة مرّ نظيرها .
الثاني : لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه ؛ بحيث قطعت ثمّ اندملت ، ثبت القصاص فيهما ، فتقطع كفّه من المفصل ، ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع ، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة (بالمساحة - ظ) ، ولو قطعها من المرفق فالقصاص وفي الزيادة ما مرّ ، وحكم الرجل حكم اليد ، ففي القطع من المفصل قصاص ، وفي الزيادة ما مرّ .
الثالث : يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة ، فلا تقطع أصلية بزائدة ولو مع اتّحاد المحلّ ، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحلّ ، وتقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ ، والزائدة بالزائدة كذلك ، وكذا الزائدة بالأصلية مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصلية ، ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس ، ولا الزائدة اليمنى بالأصلية اليسرى ، وكذا العكس .
ص: 587
الرابع : لو قطع كفّه فإن كان للجاني والمجنيّ عليه إصبع زائدة في محلّ واحد - كالإبهام الزائدة في يمينهما - وقطع اليمين من الكفّ ، اقتصّ منه ، ولو كانت الزائدة في الجاني خاصّة ، فإن كانت خارجة عن الكفّ يقتصّ منه وتبقى الزائدة ، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ، فهل يقطع الكفّ ويؤتى دية الزائدة ، أو يقتصّ الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ ، وفي الكفّ الحكومة ؟ وجهان ، أقربهما الثاني ، ولو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة فله القصاص في الكفّ ، وله دية الإصبع الزائدة ، وهي ثلث دية الأصلية ، ولو صالح بالدية مطلقاً كان له دية الكفّ ودية الزائدة ، ولو كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني السالمة ، وللمجنيّ عليه القصاص في أربع ودية الخامسة وأرش الكفّ .
الخامس : لو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى ، فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه ، وللآخر اقتصاص الوسطى ، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب العليا ، اُخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى ، وإن عفا أو أخذ الدية ، فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا ، أو ليس له القصاص بل لا بدّ من الدية ؟ وجهان ، أوجههما الثاني . ولو بادر صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء ، وعليه دية الزائدة على حقّه ، وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا .
السادس : لو قطع يميناً - مثلاً - فبذل شمالاً للقصاص ، فقطعها المجنيّ عليه من غير علم بأ نّها الشمال ، فهل يسقط القود ، أو يكون القصاص في اليمنى باقياً ؟
ص: 588
الأقوى هو الثاني . ولو خيف من السراية يؤخّر القصاص حتّى يندمل اليسار ، ولا دية لو بذل الجاني عالماً بالحكم والموضوع عامداً ، بل لا يبعد عدمها مع البذل جاهلاً بالموضوع أو الحكم . ولو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني ، بل عليه القود . وأمّا مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم ، لكن في القود والدية إشكال .
السابع : لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى - مثلاً - ثمّ اليد اليمنى من آخر اقتصّ للأوّل ، فيقطع إصبعه ثمّ يقطع يده للآخر ، ورجع الثاني بدية إصبع على الجاني . ولو قطع اليد اليمنى من شخص ، ثمّ قطع إصبعاً من اليد اليمنى لآخر ، اقتصّ للأوّل ، فيقطع يده ، وعليه دية إصبع الآخر .
الثامن : إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال ، فإن اندملت فلا قصاص في عمده ، ولا دية في خطئه وشبه عمده ، ولو قال : «عفوت عن الجناية» فكذلك ، ولو قال في مورد العمد : «عفوت عن الدية» لا أثر له ، ولو قال : «عفوت عن القصاص» سقط القصاص ولم يثبت الدية ، وليس له مطالبتها ، ولو قال : «عفوت عن القطع أو عن الجناية» ، ثمّ سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع ، وهل له القصاص في الكفّ مع ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها ، أو لا بدّ من الرجوع إلى دية الكفّ ؟ الأشبه الثاني ، مع أ نّه أحوط ، ولو
قال : «عفوت عن القصاص» ثمّ سرت إلى النفس ، فللوليّ القصاص في النفس . وهل عليه ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها ؟ فيه إشكال ، بل منع ؛ وإن كان أحوط ، ولو قال : «عفوت عن الجناية» ثمّ سرت إلى النفس فكذلك ، ولو قال : «عفوت عنها وعن سرايتها» فلا شبهة في صحّته فيما كان ثابتاً ، وأمّا فيما
ص: 589
لم يثبت ففيه خلاف ، والأوجه صحّته .
التاسع : لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل ، فلا يستحقّ واحد منهم الدية رضي الجاني أو لا . ولو قال : «عفوت إلى شهر أو إلى سنة» لم يسقط القصاص ، وكان له بعد ذلك القصاص . ولو قال : «عفوت عن نصفك أو عن رجلك» ، فإن كنّى عن العفو عن النفس صحّ وسقط القصاص ، وإلاّ ففي سقوطه إشكال بل منع ، ولو قال : «عفوت عن جميع أعضائك إلاّ رجلك» مثلاً ، لا يجوز له قطع الرجل ، ولا يصحّ الإسقاط .
العاشر : لو قال : «عفوت بشرط الدية» ورضي الجاني وجبت دية المقتول ، لا دية القاتل .
ص: 590
وهي جمع الدية بتخفيف الياء ، وهي المال الواجب بالجناية على الحرّ في النفس أو ما دونها ؛ سواء كان مقدّراً أو لا ، وربما يسمّى غير المقدّر بالأرش والحكومة ، والمقدّر بالدية . والنظر فيه : في أقسام القتل ، ومقادير الديات ، وموجبات الضمان ، والجناية على الأطراف ، واللواحق .
(مسألة 1) : القتل : إمّا عمد محض ، أو شبيه عمد ، أو خطأ محض .
(مسألة 2) : يتحقّق العمد بلا إشكال بقصد القتل بفعل يقتل بمثله نوعاً ، وكذا بقصد فعل يقتل به نوعاً وإن لم يقصد القتل ، بل الظاهر تحقّقه بفعل لا يقتل به غالباً رجاء تحقّق القتل ، كمن ضربه بالعصا برجاء القتل فاتّفق ذلك .
(مسألة 3) : إذا قصد فعلاً لا يحصل به الموت غالباً ولم يقصد به القتل - كما لو ضربه بسوط خفيف أو حصاة ونحوهما - فاتّفق القتل ، فهل هو عمد أو لا ؟ فيه قولان ، أشبههما الثاني .
ص: 591
(مسألة 4) : لو ضربه بعصا ولم يقلع عنه حتّى مات ، فهو عمد وإن لم يقصد به القتل ، وكذا لو منعه من الطعام أو الشراب في مدّة لا يحتمل فيها البقاء ، ولو رماه فقتله فهو عمد وإن لم يقصده .
(مسألة 5) : شبيه العمد ما يكون قاصداً للفعل الذي لا يقتل به غالباً غير قاصد للقتل ، كما ضربه تأديباً بسوط ونحوه فاتّفق القتل ، ومنه علاج الطبيب إذا اتّفق منه القتل مع مباشرته العلاج ، ومنه الختان إذا تجاوز الحدّ ، ومنه الضرب عدواناً بما لا يقتل به غالباً من دون قصد القتل .
(مسألة 6) : يلحق بشبيه العمد لو قتل شخصاً باعتقاد كونه مهدور الدم أو باعتقاد القصاص ، فبان الخلاف ، أو بظنّ أ نّه صيد فبان إنساناً .
(مسألة 7) : الخطأ المحض المعبّر عنه بالخطأ الذي لا شبهة فيه : هو أن لا يقصد الفعل ولا القتل ، كمن رمى صيداً ، أو ألقى حجراً ، فأصاب إنساناً فقتله . ومنه ما لو رمى إنساناً مهدور الدم فأصاب إنساناً آخر فقتله .
(مسألة 8) : يلحق بالخطأ محضاً فعل الصبيّ والمجنون شرعاً .
(مسألة 9) : تجري الأقسام الثلاثة في الجناية على الأطراف أيضاً ، فمنها عمد ، ومنها شبه عمد ، ومنها خطأ محض .
(مسألة 1) : في قتل العمد - حيث يتعيّن الدية ، أو يصالح عليها مطلقاً - مائة إبل ، أو مائتا بقرة ، أو ألف شاة ، أو مائتا حلّة ، أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم .
ص: 592
(مسألة 2) : يعتبر في الإبل أن تكون مسنّة ، وهي التي كمّلت الخامسة ودخلت في السادسة ، وأمّا البقرة فلا يعتبر فيها السنّ ولا الذكورة والاُنوثة ، وكذا الشاة ، فيكفي فيهما ما يسمّى البقرة أو الشاة ، والأحوط اعتبار الفحولة في الإبل وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من قوّة .
(مسألة 3) : الحلّة ثوبان ، والأحوط أن تكون من برود اليمن . والدينار والدرهم هما المسكوكان ، ولا يكفي ألف مثقال ذهب أو عشرة آلاف مثقال فضّة غير مسكوكين .
(مسألة 4) : الظاهر أنّ الستّة على سبيل التخيير ، والجاني مخيّر بينها ، وليس للوليّ الامتناع عن قبول بذله ، لا التنويع ؛ بأن يجب على أهل الإبل الإبل ، وعلى أهل الغنم الغنم وهكذا ، فلأهل البوادي أداء أيّ فرد منها ، وهكذا غيرهم وإن كان الأحوط التنويع .
(مسألة 5) : الظاهر أنّ الستّة اُصول في نفسها ، وليس بعضها بدلاً عن بعض ، ولا بعضها مشروطاً بعدم بعض ، ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي ، فالجاني مخيّر في بذل أيّها شاء .
(مسألة 6) : يعتبر في الأنعام الثلاثة هنا وفي قتل شبيه العمد والخطأ المحض ، السلامة من العيب والصحّة من المرض ، ولا يعتبر فيها السمن . نعم ، الأحوط أن لا تكون مهزولة جدّاً وعلى خلاف المتعارف ، بل لا يخلو ذلك من قوّة ، وفي الثلاثة الاُخر السلامة من العيب ، فلا تجزي الحلّة المعيوبة ، ولا الدينار والدرهم المغشوشان أو المكسوران ، ويعتبر في الحلّة أن لا تقصر عن الثوب ، فلا تجزي الناقصة عنه ؛ بأن يكون كلّ من جزأيها بمقدار ستر العورة ، فإنّه لا يكفي .
ص: 593
(مسألة 7) : تستأدى دية العمد في سنة واحدة ، ولا يجوز له التأخير إلاّ مع التراضي ، وله الأداء في خلال السنة أو آخرها ، وليس للوليّ عدم القبول في خلالها ، فدية العمد مغلّظة بالنسبة إلى شبه العمد والخطأ المحض في السنّ في الإبل والاستيفاء ، كما يأتي الكلام فيهما .
(مسألة 8) : للجاني أن يبذل من إبل البلد أو غيرها ، أو يبذل من إبله ، أو يشتري أدون أو أعلى مع وجدان الشرائط من الصحّة والسلامة والسنّ ، فليس للوليّ مطالبة الأعلى أو مطالبة الإبل المملوك له فعلاً .
(مسألة 9) : لا يجب على الوليّ قبول القيمة السوقية عن الأصناف لو بذلها الجاني مع وجود الاُصول ، ولا على الجاني أداؤها لو طالبها الوليّ مع وجودها . نعم ، لو تعذّر جميع الأصناف وطالب الوليّ القيمة تجب أداء قيمة واحدة منها ، والجاني مخيّر في ذلك ، وليس للوليّ مطالبة قيمة أحدها المعيّن .
(مسألة 10) : الظاهر عدم إجزاء التلفيق ؛ بأن يؤدّي - مثلاً - نصف المقدّر ديناراً ونصفه درهماً ، أو النصف من الإبل والنصف من غيرها .
(مسألة 11) : الظاهر جواز النقل إلى القيمة مع تراضيهما ، كما أنّ الظاهر جواز التلفيق ؛ بأن يؤدّي نصف المقدّر أصلاً ، وعن نصفه الآخر من المقدّر الآخر قيمة عنه لا أصلاً .
(مسألة 12) : هذه الدية على الجاني ؛ لا على العاقلة ولا على بيت المال ؛ سواء تصالحا على الدية وتراضيا بها ، أو وجبت ابتداءً ، كما في قتل الوالد ولده ونحوه ممّا تعيّنت الدية .
ص: 594
(مسألة 13) : دية شبيه العمد هي الأصناف المتقدّمة ، وكذا دية الخطأ . ويختصّ العمد بالتغليظ في السنّ في الإبل والاستيفاء كما تقدّم .
(مسألة 14) : اختلفت الأخبار والآراء في دية شبيه العمد : ففي رواية : أربعون خلفة - أي الحامل - وثنيّة ، وهي الداخلة في السنة السادسة ، وثلاثون حقّة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة ، وثلاثون بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة . وفي اُخرى : ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة ، وهي الداخلة في السنة الخامسة ، وأربع وثلاثون ثنيّة ؛ كلّها طروقة ؛ أي البالغة ضراب الفحل ، أو ما طرقها الفحل فحملت . وفي ثالثة : بدل «كلّها طروقة» «كلّها خلفة» . وفي رابعة : جمع بينهما فقال : كلّها خلفة من طروقة الفحل ، إلى غير ذلك . فالقول بالتخيير للجاني بينها غير بعيد ، لكن لا يخلو من إشكال ، فالأحوط التصالح ، وللجاني الأخذ بأحوطها .
(مسألة 15) : هذه الدية أيضاً من مال الجاني لا العاقلة ، فلو لم يكن له مال استسعى ، أو اُمهل إلى الميسرة كما في سائر الديون ، ولو لم يقدر عليها ففي كونها على بيت المال احتمال .
(مسألة 16) : الأحوط للجاني أن لا يؤخّر هذه الدية عن سنتين ، والأحوط للوليّ أن يمهله إلى سنتين ، وإن لا يبعد أن يقال : تُستأدى في سنتين .
(مسألة 17) : لو قلنا بلزوم إعطاء الحوامل لو اختلف الوليّ ومن عليه الدية في الحمل ، فالمرجع أهل الخبرة ، ولا يعتبر فيه العدالة ، وتكفي الوثاقة واعتبار التعدّد أحوط وأولى ، ولو تبيّن الخطأ لزم الاستدراك ، ولو سقط الحمل ، أو وضع الحامل ، أو تعيّب ما يجب أداؤه ، فإن كان قبل الإقباض يجب الإبدال ، وإلاّ فلا .
ص: 595
(مسألة 18) : في دية الخطأ روايتان : اُولاهما : ثلاثون حقّة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض - وهي الداخلة في السنة الثانية - وعشرون ابن لبون . والاُخرى : خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقّة وخمس وعشرون جذعة . ولا يبعد ترجيح الاُولى ويحتمل التخيير ، والأحوط التصالح .
(مسألة 19) : دية الخطأ المحض مخفّفة عن العمد وشبيهه في سنّ الإبل وصفتها لو اعتبرنا الحمل في شبهه ، وفي الاستيفاء فإنّها تستأدى في ثلاث سنين في كلّ سنة ثلثها ، وفي غير الإبل من الأصناف الاُخر المتقدّمة لا فرق بينها وبين غيرها .
(مسألة 20) : تستأدى الدية في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين على اختلاف أقسام القتل ؛ سواء كانت الدية تامّة كدية الحرّ المسلم ، أو ناقصة كدية المرأة والذمّي والجنين أو دية الأطراف .
(مسألة 21) : قيل : إن كان دية الطرف قدر الثلث اُخذ في سنة واحدة في الخطأ ، وإن كان أكثر حلّ الثلث بانسلاخ الحول ، وحلّ الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثاً آخر فما دون ، وإن كان أكثر حلّ الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث . وفيه تأمّل وإشكال ، بل الأقرب التوزيع إلى ثلاث سنين .
(مسألة 22) : دية قتل الخطأ على العاقلة بتفصيل يأتي - إن شاء اللّه تعالى - ولا يضمن الجاني منها شيئاً ، ولا ترجع العاقلة على القاتل .
(مسألة 23) : لو ارتكب القتل في أشهر الحرم - رجب وذي القعدة وذي الحجّة والمحرّم - فعليه الدية وثلث من أيّ الأجناس كان تغليظاً ، وكذا لو
ص: 596
ارتكبه في حرم مكّة المعظّمة . ولا يلحق بها حرم المدينة المنوّرة ولا سائر المشاهد المشرّفة . ولا تغليظ في الأطراف ، ولا في قتل الأقارب .
(مسألة 24) : لو رمى - وهو في الحلّ - بسهم ونحوه إلى من هو في الحرم فقتله فيه لزمه التغليظ ، ولو رمى - وهو في الحرم - إلى من كان في الحلّ فقتله فيه ، فالظاهر أ نّه لم يلزمه . وكذا لو رماه في الحلّ فذهب إلى الحرم ومات فيه أو العكس لم يلزمه ؛ كان الرامي في الحلّ أو الحرم .
(مسألة 25) : لو قتل خارج الحرم والتجأ إليه لا يقتصّ منه فيه ، لكن ضيّق عليه في المأكل والمشرب إلى أن يخرج منه ، فيُقاد منه . ولو جنى في الحرم اقتصّ منه فيه ، ويلحق به المشاهد المشرّفة على رأي .
(مسألة 26) : ما ذكر من التقادير دية الرجل الحرّ المسلم ، وأمّا دية المرأة الحرّة المسلمة فعلى النصف من جميع التقادير المتقدّمة ، فمن الإبل خمسون ومن الدنانير خمسمائة وهكذا .
(مسألة 27) : تتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصاً ودية حتّى تبلغ ثلث دية الحرّ ، فينتصف بعد ذلك ديتها ، فما لم تبلغ الثلث يقتصّ كلّ من الآخر بلا ردّ ، فإذا بلغته يقتصّ للرجل منها بلا ردّ ، ولها من الرجل مع الردّ ، ولا يلحق بها الخُنثى المشكل .
(مسألة 28) : جميع فرق المسلمين المحقّة والمبطلة متساوية في الدية إلاّ المحكوم منهم بالكفر ، كالنواصب والخوارج والغلاة مع بلوغ غلوّهم الكفر .
(مسألة 29) : دية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام بعد بلوغه بل بعد بلوغه حدّ التميّز ، دية سائر المسلمين ، وفي ديته قبل ذلك تردّد .
ص: 597
(مسألة 30) : دية الذمّي الحرّ ثمانمائة درهم ؛ يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً ، ودية المرأة الحرّة منهم نصف دية الرجل ، بل الظاهر أنّ دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما ، كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته . كما أنّ الظاهر أنّ دية الرجل والمرأة منهم تتساوى حتّى تبلغ الثلث مثل المسلم ، بل لا يبعد الحكم بالتغليظ عليهم بما يُغلّظ به على المسلم .
(مسألة 31) : لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار ؛ سواء كانوا ذوي عهد أم لا ، وسواء بلغتهم الدعوة أم لا ، بل الظاهر أن لا دية للذمّي لو خرج عن الذمّة ، وكذا لا دية له لو ارتدّ عن دينه إلى غير أهل الذمّة ، ولو خرج ذمّي من دينه إلى دين ذمّي آخر ففي ثبوتها إشكال ؛ وإن لا يبعد ذلك .
وفيه مباحث :
(مسألة 1) : المراد بالمباشرة أعمّ من أن يصدر الفعل منه بلا آلة ، كخنقه بيده أو ضربه بها أو برجله فقتل به ، أو بآلة كرميه بسهم ونحوه ، أو ذبحه بمدية ، أو كان القتل منسوباً إليه بلا تأوّل عرفاً ، كإلقائه في النار ، أو غرقه في البحر ، أو إلقائه من شاهق ، إلى غير ذلك من الوسائط التي معها تصدق نسبة القتل إليه .
(مسألة 2) : لو وقع القتل عمداً يثبت فيه القصاص . والكلام هاهنا فيما
لا يقع عمداً ، نحو أن يرمي غرضاً فأصاب إنساناً ، أو ضربه تأديباً فاتّفق الموت ، وأشباه ذلك ممّا مرّ الكلام فيها في شبيه العمد والخطأ المحض .
ص: 598
(مسألة 3) : لو ضرب تأديباً فاتّفق القتل فهو ضامن ؛ زوجاً كان الضارب أو وليّاً للطفل أو وصيّاً للوليّ أو معلّماً للصبيان ، والضمان في ذلك في ماله .
(مسألة 4) : الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً في العلم أو العمل ولو كان مأذوناً ، أو عالج قاصراً بدون إذن وليّه أو بالغاً بلا إذنه ؛ وإن كان عالماً متقناً في العمل ، ولو أذن المريض أو وليّه الحاذق في العلم والعمل ، قيل : لا يضمن ، والأقوى ضمانه في ماله . وكذا البيطار . هذا كلّه مع مباشرة العلاج بنفسه . وأمّا لو وصف دواءً وقال : «إنّه مفيد للمرض الفلاني» ، أو قال : «إنّ دواءك كذا» من غير أمر بشربه ، فالأقوى عدم الضمان . نعم ، لا يبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف .
(مسألة 5) : الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ وإن كان ماهراً . وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال ، والأشبه عدم الضمان .
(مسألة 6) : الظاهر براءة الطبيب ونحوه من البيطار والختّان بالإبراء قبل العلاج ، والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً فيما لا ينتهي إلى القتل ، والوليّ فيما ينتهي إليه ، وصاحب المال في البيطار ، والوليّ في القاصر . ولا يبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتّى فيما ينتهي إلى القتل ، والأحوط الاستبراء منهما .
(مسألة 7) : النائم إذا أتلف نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته على وجه يستند الإتلاف إليه فضمانه في مال العاقلة ، وفي الظئر إذا انقلبت فقتلت الطفل رواية : بأنّ عليها الدية كاملة من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظأرت طلباً للعزّ
ص: 599
والفخر ، وإن كانت إنّما ظأرت من الفقر فإنّ الضمان على عاقلتها ، وفي العمل بها تردّد ، ولو كان ظئرها للفقر والفخر معاً فالظاهر أنّ الدية على العاقلة ، والاُمّ لا تُلحق بالظئر .
(مسألة 8) : لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً فماتت يضمن الدية في ماله ، وكذا لو أعنف بها ضمّاً ، وكذا الزوجة لو أعنفت بالرجل ضمّاً ، وكذا الأجنبيّ والأجنبيّة مع عدم قصد القتل .
(مسألة 9) : من حمل شيئاً فأصاب به إنساناً ضمن جنايته عليه في ماله .
(مسألة 10) : من صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات ، فلا دية إلاّ مع العلم باستناد الموت إليه ، فحينئذٍ إن كان قاصداً لقتله فهو عمد يقتصّ منه ، وإلاّ شبيه عمد فالدية من ماله ، فلو صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل فمات ، فالظاهر ثبوت الدية إلاّ أن يثبت عدم الاستناد ، فمع قصد القتل بفعله فهو عمد ، وإلاّ فشبيهه مع عدم الترتّب نوعاً أو غفلته عنه ، ومن هذا الباب كلّ فعل يستند إليه القتل ، ففيه التفصيل المتقدّم ، كمن شهر سيفه في وجه إنسان ، أو أرسل كلبه إليه فأخافه ، إلى غير ذلك من أسباب الإخافة .
(مسألة 11) : لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات ، فإن زال عقله واختياره بواسطة الإخافة فالظاهر ضمان المخيف ، وإلاّ فلا ضمان ، ولو صادفه في هربه سبع فقتله فلا ضمان .
(مسألة 12) : لو وقع من علوّ على غيره فقتله ، فمع قصد قتله فهو عمد وعليه القود ، وإن لم يقصده وقصد الوقوع وكان ممّا لا يقتل به غالباً ، فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله ، وكذا لو وقع إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع . ولو ألقته
ص: 600
الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه ، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته ، ولو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير .
(مسألة 13) : لو دفعه دافع فمات فالقود في فرض العمد والدية في شبيهه على الدافع . ولو دفعه فوقع على غيره فمات فالقود أو الدية على الدافع أيضاً ، وفي رواية صحيحة : أ نّها على الذي وقع على الرجل ، فقتله لأولياء المقتول ، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه . ويمكن حملها على أنّ الدفع اضطرّه إلى الوقوع ؛ بحيث كان الفعل منسوباً إليه بوجه .
(مسألة 14) : لو صدمه فمات المصدوم ، فإن قصد القتل أو كان الفعل ممّا يقتل غالباً فهو عمد يقتصّ منه . وإن قصد الصدم دون القتل ولم يكن قاتلاً غالباً ، فديته في مال الصادم . ولو مات الصادم فهدرٌ لو كان المصدوم في ملكه أو محلّ مباح أو طريق واسع . ولو كان واقفاً في شارع ضيّق فصدمه بلا قصد يضمن المصدوم ديته ، وكذا لو جلس فيه فعثر به إنسان . نعم ، لو كان قاصداً لذلك وله مندوحة فدمه هدر ، وعليه ضمان المصدوم .
(مسألة 15) : إذا اصطدم حرّان بالغان عاقلان فماتا فإن قصدا القتل فهو عمد ، وإن لم يقصدا ذلك ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالباً فهو شبيه العمد ؛ يكون لورثة كلّ منهما نصف ديته ، ويسقط النصف الآخر . ويستوي فيهما الراجلان والفارسان والفارس والراجل ، وعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة مركوب الآخر لو تلف بالتصادم ؛ من غير فرق بين اتّحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوّة والضعف ، ومن غير فرق بين شدّة حركة أحدهما دون الآخر ، أو تساويهما في ذلك إذا صدق التصادم . نعم ، لو كان أحدهما قليل الحركة بحيث
ص: 601
لا يصدق التصادم ، بل يقال صدمه الآخر ، فلا ضمان على المصدوم ، فلو صادمت سيّارة صغيرة مع سيّارة كبيرة كان الحكم كما ذكر ، فيقع التقاصّ في الدية والقيمة ، ويرجع صاحب الفضل إن كان على تركة الآخر .
(مسألة 16) : لو لم يتعمّد الاصطدام - بأن كان الطريق مظلماً ، أو كانا غافلين أو أعميين - فنصف دية كلّ منهما على عاقلة الآخر . وكذا لو كان المصطدمان صبيّين أو مجنونين أو أحدهما صبيّاً والآخر مجنوناً ؛ لو كان الركوب منهما أو من وليّهما فيما إذا كان سائغاً له ، ولو أركبهما أجنبيّ ، أو الوليّ في غير مورد الجواز أي مورد المفسدة ، فدية كلّ منهما تماماً على الذي ركّبهما ، وكذا قيمة دابّتهما لو تلفتا .
(مسألة 17) : لو اصطدم حرّان فمات أحدهما وكان القتل شبيه عمد ، يضمن الحيّ نصف دية التالف ، وفي رواية : يضمن الباقي تمام دية الميّت . وفيها ضعف . ولو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا ، سقط نصف دية كلّ واحدة منهما وثبت النصف ، وثبت في مالهما نصف دية الجنين مع كون القتل شبيه العمد ، ولو كان خطأً فعلى العاقلة .
(مسألة 18) : لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً فهو له ضامن حتّى يرجع إليه ، فإن فقد ولم يعلم حاله فهو ضامن لديته ، وإن وجد مقتولاً وادّعى على غيره وأقام بيّنة فقد برئ ، وإن عدم البيّنة فعليه الدية ولا قود عليه على الأصحّ ، وكذا لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره . وإن وجد ميّتاً ، فإن علم أ نّه مات حتف أنفه أو بلدغ حيّة أو عقرب ، ولم يحتمل قتله ، فلا ضمان ، ومع احتمال قتله فعليه الضمان على الأصحّ .
ص: 602
والمراد بها هاهنا : كلّ فعل يحصل التلف عنده بعلّة غيره ؛ بحيث لولاه لما حصل التلف ، كحفر البئر ونصب السكّين وإلقاء الحجر وإيجاد المعاثر ونحوها .
(مسألة 1) : لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح ، أو حفر بئراً ، أو أوتد وتداً ، أو ألقى معاثر ونحو ذلك ، لم يضمن دية العاثر ، ولو كان في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه فعليه الضمان في ماله . ولو حفر في ملك غيره فرضي به المالك فالظاهر سقوط الضمان من الحافر ، ولو فعل ذلك لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان ، كمن رشّ الماء في الطريق لدفع الحرّ أو لعدم نشر الغبار ونحو ذلك .
(مسألة 2) : لو حفر بئراً - مثلاً - في ملكه ثمّ دعا من لم يطّلع كالأعمى ، أو كان الطريق مظلماً ، فالظاهر ضمانه ، ولو دخل بلا إذنه أو بإذنه السابق قبل حفر البئر ولم يطّلع الآذن فلا يضمن .
(مسألة 3) : لو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد وإن تمكّن من إزالته ، ولو رفع الحجر ووضعه في محلّ آخر نحو المحلّ الأوّل أو أضرّ منه ، فلا إشكال في الضمان ، وأمّا لو دفعه عن وسط الطريق إلى جانبه لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان .
(مسألة 4) : لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ، فدخل ثالث فيه عدواناً ووقع في البئر ، ضمن الحافر .
(مسألة 5) : من الإضرار بطريق المسلمين إيقاف الدوابّ فيه وإلقاء
ص: 603
الأشياء للبيع ، وكذا إيقاف السيّارات إلاّ لصلاح المارّة بمقدار يتوقّف عليه ركوبهم ونقلهم .
(مسألة 6) : ومن الإضرار إخراج الميازيب بنحو يضرّ بالطريق ، فإنّ الظاهر فيه الضمان ، ومع عدم الإضرار لو اتّفق إيقاعها على الغير فأهلكه فالظاهر عدم الضمان . وكذا الكلام في إخراج الرواشن والأجنحة . ولعلّ الضابط في الضمان وعدمه إذن الشارع وعدمه ، فكلّ ما هو مأذون فيه شرعاً ليس فيه ضمان ما تلف لأجله ، كإخراج الرواشن غير المضرّة ونصب الميازيب كذلك ، وكلّ ما هو غير مأذون فيه ففيه الضمان ، كالإضرار بطريق المسلمين بأيّ نحو كان ، فلو تلف بسببه فالضمان ثابت ؛ وإن لا تخلو الكلّية في الموضعين من كلام وإشكال .
(مسألة 7) : لو اصطدم سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال ، فإن كان ذلك بتعمّد من القيّمين لهما فهو عمد . وإن لم يكن عن تعمّد ، وكان الاصطدام بفعلهما أو بتفريط منهما ، مع عدم قصد القتل وعدم غلبة التصادم للتسبّب إليه ، فهو شبيه عمد ، أو من باب الأسباب الموجبة للضمان ، فلكلّ منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلفه ، وعلى كلّ منهما نصف دية صاحبه لو تلفا ، وعلى كلّ منهما نصف دية من تلف فيهما ، ولو كان القيّمان غير مالكين كالغاصب والأجير ضمن كلّ نصف السفينتين وما فيهما ، فالضمان في أموالهما ؛ نفساً كان التالف أو مالاً . ولو كان الاصطدام بغير فعلهما ومن غير تفريط منهما ؛ بأن غلبتهما الرياح ، فلا ضمان ، ولو فرّط أحدهما دون الآخر فالمفرّط ضامن ، ولو كان إحدى السفينتين واقفة أو كالواقفة ولم يفرّط صاحبها لا يضمن .
(مسألة 8) : لو بنى حائطاً في ملكه أو ملك مباح على أساس يثبت مثله
ص: 604
عادة ، فسقط من دون ميل ولا استهدام ، بل على خلاف العادة كسقوطه بزلزلة ونحوها ، لا يضمن صاحبه ما تلف به وإن سقط في الطريق أو في ملك الغير . وكذا لو بناه مائلاً إلى ملكه ، ولو بناه مائلاً إلى ملك غيره أو إلى الشارع ضمن . وكذا لو بناه في غير ملكه بلا إذن من المالك . ولو بناه في ملكه مستوياً فمال إلى غير ملكه ، فإن سقط قبل تمكّنه من الإزالة فلا ضمان ، وإن تمكّن منها فللضمان وجه . ولو أماله غيره فالضمان عليه إن لم يتمكّن المالك من الإزالة ، وإن تمكّن فالضمان لا يرفع عن الغير ، فهل عليه ضمان فيرجع الورثة إليه وهو يرجع إلى المتعدّي ، أو لا ضمان إلاّ على المتعدّي ؟ لا يبعد الثاني .
(مسألة 9) : لو أجّج ناراً في ملكه بمقدار حاجته مع عدم احتمال التعدّي ، لم يضمن لو اتّفق التعدّي فأتلفت نفساً أو مالاً بلا إشكال ، كما لا إشكال في الضمان لو زاد على مقدار حاجته مع علمه بالتعدّي ، والظاهر ضمانه مع علمه بالتعدّي وإن كان بمقدار الحاجة ، بل الظاهر الضمان لو اقتضت العادة التعدّي مع الغفلة عنه ، فضلاً عن عدمها . ولو أجّج زائداً على مقدار حاجته ، فلو اقتضت العادة عدم التعدّي ، فاتّفق بأمر آخر على خلاف العادة ولم يظنّ التعدّي ، فالظاهر عدم الضمان ، ولو كان التعدّي بسبب فعله ضمن ولو كان التأجيج بقدر الحاجة .
(مسألة 10) : لو أجّجها في ملك غيره بغير إذنه ، أو في الشارع لا لمصلحة المارّة ، ضمن ما يتلف بها بوقوعه فيها من النفوس والأموال وإن لم يقصد ذلك . نعم ، لو ألقى آخر مالاً أو شخصاً في النار لم يضمن مؤجّجها ، بل الضمان على المُلقي . ولو وقعت الجناية بفعله التوليدي كما أجّجها وسرت إلى محلّ فيه الأنفس والأموال يكون ضامناً للأموال ، وأمّا الأنفس فمع العمد وتعذّر الفرار
ص: 605
فعليه القصاص ، ومع شبيهه الدية في ماله ، ومع الخطأ المحض فعلى العاقلة ، ثمّ إنّه يأتي في فتح المياه ما ذكرنا في إضرام النار .
(مسألة 11) : لو ألقى فضولات منزله المزلقة - كقشور البطّيخ - في الشارع ، أو رشّ الدرب بالماء على خلاف المتعارف لا لمصلحة المارّة ، فزلق به إنسان ، ضمن . نعم ، لو وضع المارّ العاقل متعمّداً رجله عليها فالوجه عدم الضمان ، ولو تلف به حيوان أو مجنون أو غير مميّز ضمن .
(مسألة 12) : لو وضع على حائطه إناءً أو غيره فسقط وتلف به نفس أو مال ، لم يضمن إلاّ أن يضعه مائلاً إلى الطريق ، أو وضعه بنحو تقتضي العادة سقوطه على الطريق ، فإنّه يضمن حينئذٍ .
(مسألة 13) : يجب حفظ دابّته الصائلة كالبعير المغتلم والفرس العضوض والكلب العقور لو اقتناه ، فلو أهمل حفظها ضمن جنايتها ، ولو جهل حالها أو علم ولم يقدر على حفظها ولم يفرّط فلا ضمان ، ولو صالت على شخص فدفعها بمقدار يقتضي الدفاع ذلك فماتت ، أو وردت عليها جناية ، لم يضمن ، بل لو دفعها عن نفس محترمة أو مال كذلك لم يضمن ، فلو أفرط في الدفاع فجنى عليها مع إمكان دفعها بغير ذلك ، أو جنى عليها لغير الدفاع ، ضمن . والظاهر جريان الحكم في الطيور الضارية والهرّة كذلك حتّى في الضمان مع التعدّي عن مقدار الدفاع .
(مسألة 14) : لو هجمت دابّة على اُخرى فجنت الداخلة ، فإن كان بتفريط المالك في الاحتفاظ ضمن ، وإن جنت المدخول عليها كان هدراً .
(مسألة 15) : من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم ، وإلاّ
ص: 606
فلا ضمان ؛ من غير فرق بين كون الكلب حاضراً في الدار أو دخل بعد دخوله ، ومن غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره وعدمه .
(مسألة 16) : راكب الدابّة يضمن ما تجنيه بيديها وإن لم يكن عن تفريط لا برجليها ، ولا يبعد ضمان ما تجنيه برأسها أو بمقاديم بدنها . ولو ركبها على عكس المتعارف ، ففي ضمان ما تجنيه برجليها دون يديها وجه لا يخلو من إشكال . وإن كان كلتا رجليه إلى ناحية واحدة لا يبعد ضمان جناية يديها ، وفي ضمان جناية رجليها تردّد . وهل يعتبر في الضمان التفريط ؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال . نعم ، لو سلبت الدابّة اختياره مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابّة شموساً ، فالوجه عدم الضمان ؛ لا برجلها ولا بيدها ومقاديم بدنها . وكذا الكلام في القائد في التفصيل المتقدّم ؛ أي ضمان ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها . ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها وإن لم يكن عن تفريط ، والظاهر عدم الفرق بين الطريق الضيّق والواسع . وكذا السائق يضمن ما تجنيه مطلقاً . ولو ضربها فجنت لأجله ضمن مطلقاً ، وكذا لو ضربها غيره فجنت لأجله ضمن ذلك الغير ، إلاّ أن يكون الضرب دفاعاً عن نفسه ، فإنّه لا يضمن حينئذٍ الصاحب ولا غيره .
(مسألة 17) : لو كان للدابّة راكب وسائق وقائد أو اثنان منها ، فالظاهر الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد فيما فيه كذلك ؛ من غير فرق بين المالك وغيره . وقيل : لو كان صاحب الدابّة معها ضمن دون الراكب ، وهو كذلك لو كان الراكب قاصراً .
(مسألة 18) : لو ركبها رديفان تساويا في الضمان إلاّ إذا كان أحدهما ضعيفاً لمرض أو صغر ، فالضمان على الآخر .
ص: 607
(مسألة 1) : إذا اجتمع السبب والمباشر فمع مساواتهما أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر ، كاجتماع الدافع والحافر ، واجتماع واضع المعاثر وناصب السكّين والدافع ، واجتماع مؤجّج النار مع الملقي ، واجتماع الباني لحائط مائل مع مسقطه . ولو كان المباشر ضعيفاً والسبب قويّاً فالضمان على السبب ، كما لو حفر بئراً في الشارع وغطّاها ، فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالواقعة فسقط في البئر ، فإنّ الضمان على الحافر .
(مسألة 2) : لو اجتمع السببان فالظاهر أنّ الضمان على السابق تأثيراً وإن كان حدوثه متأخّراً ، كما لو حفر بئراً في الشارع وجعل آخر حجراً على جنبها ، فسقط العاثر بالحجر في البئر ، فالضمان على الواضع . ولو نصب سكّيناً في البئر فسقط في البئر على السكّين فالضمان على الحافر . ولو وضع حجراً ووضع آخر حجراً خلفه ، فعثر بحجر وسقط على آخر ، فالضمان على الواضع الذي عثر بحجره ، وهكذا . هذا مع تساويهما في العدوان . ولو كان أحدهما عادياً فالضمان عليه خاصّة ، كما لو وضع حجراً في ملكه ، وحفر المتعدّي بئراً ، فعثر بالحجر وسقط في البئر ، فالضمان على الحافر المتعدّي .
(مسألة 3) : لو حفر بئراً قليل العمق فعمّقها غيره ، فهل الضمان على الأوّل للسبق ، أو على الثاني ، أو عليهما ؟ احتمالات ، أرجحها الأوّل .
(مسألة 4) : لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر - مثلاً - فالضمان على الجميع ، والظاهر أ نّه بالسويّة وإن اختلف قواهم .
ص: 608
(مسألة 5) : لو سقط اثنان في البئر ، فهلك كلّ منهما باصطدام الآخر ، فالضمان على الحافر .
وفيه مقاصد :
إعلم أنّ كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ففيه الأرش المسمّى بالحكومة ، فيفرض الحرّ عبداً قابلاً للتقويم ويقوّم صحيحه ومعيبه ويؤخذ الأرش . ولا بدّ من ملاحظة خصوصيات الصحيح والمعيب ؛ حتّى كونه معيباً في أمد ، كما في شعر الرأس الذي ينبت في مدّة . وأمّا التقدير ففي موارد :
(مسألة 1) : في شعر رأس الذكر - صغيراً كان أو كبيراً ، كثيفاً أو خفيفاً - الدية كاملة إن لم ينبت ، كما لو صبّ على رأسه ماءً حارّاً فسقط شعره ولم ينبت ، أو أذهب شعره بأيّ وجه كان . وكذا في اللحية إذا حلقت أو نتفت - مثلاً - ولم تنبت ، الدية كاملة . وإن نبتا ففي اللحية ثلث الدية على الأقوى وفي شعر الرأس الأرش . وأمّا الاُنثى ففي شعرها ديتها كاملة إن لم ينبت ، ولو نبت ففيه مهر نسائها ؛ من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة .
(مسألة 2) : لو نبت بعضه دون بعض ، فهل فيه الأرش ، أو اُخذ من الدية بالحساب ، فيلاحظ نسبة غير النابت إلى الجميع ، فيؤخذ نصف الدية إن كان
ص: 609
نصفاً ، وثلثها إن كان ثلثاً وهكذا ، ولا يلاحظ خفّة الشعر وكثافته ؟ الثاني أرجح في غير النابت ، وفي النابت لا يسقط الأرش على الظاهر .
(مسألة 3) : تشخيص عدم نبات الشعر أبداً موكول إلى أهل الخبرة ، فإن حكم أهل الخبرة بعدم النبات تؤخذ الدية ، ولو نبت بعد ذلك فالظاهر رجوع ما فضل من الدية .
(مسألة 4) : لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنّة ، يؤخذ مهر المثل . نعم ، لو زاد على الدية الكاملة فليس لها إلاّ الدية ، ويحتمل الرجوع إلى الأرش .
(مسألة 5) : في شعر الحاجبين معاً خمسمائة دينار ، وفي كلّ واحد نصف ذلك ، وفي بعض منه على حساب ذلك . هذا إذا لم ينبت ، وإلاّ ففيه الأرش ، فلو نبت بعض ولم ينبت بعض ففي غير النابت بالحساب ، وفي النابت الأرش ظاهراً .
(مسألة 6) : في الأهداب الأربعة - أي الشعور النابتة على الأجفان - أقوال ، أقربها الأرش ، وأحوطها الدية كاملة مع عدم النبت .
(مسألة 7) : لا تقدير في غير ما تقدّم من الشعر ، لكن يثبت له الأرش إن قلع منفرداً ، ولا شيء فيه لو انضمّ إلى العضو إذا قطع ، أو إلى الجلد إذا كشط ، فلا شيء للأهداب إذا قطع الأجفان ، ولا في شعر الساعد أو الساق إذا قطعا زائداً على دية العضو .
(مسألة 8) : يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل ، وكذا في لحية المرأة لو فرض النقص ، وفي كلّ مورد ممّا لا تقدير فيه ، ولو فرض أنّ إزالة الشعر في العبد أو الأمة ، تزيد في القيمة أو لا ينقص منها ، لا شيء عليه إلاّ التعزير ، ولو فرض التعييب بذلك وجب الأرش .
ص: 610
(مسألة 1) : في العينين معاً الدية ، وفي كلّ واحدة منهما نصفها ، والأعمش والأحول والأخفش والأعشى والأرمد كالصحيح . ولو كان على سواد عينه بياض ، فإن كان الإبصار باقياً - بأن لا يكون ذلك على الناظر - فالدية تامّة ، وإلاّ سقطت بالحساب من الدية لو أمكن التشخيص ، وإلاّ ففيه الأرش .
(مسألة 2) : في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور خلقة أو بآفة من اللّه تعالى . ولو أعورها جانٍ واستحقّ ديتها منه كان في الصحيحة نصف الدية ؛ سواء أخذ ديتها أم لا ، وسواء كان قادراً على الأخذ أم لا ، بل وكذا النصف لو كان العور قصاصاً .
(مسألة 3) : في العين العوراء ثلث الدية إذا خسفها أو قلعها ؛ سواء كانت عوراء خلقة أو بجناية جانٍ .
(مسألة 4) : في الأجفان الدية ، وفي تقدير كلّ جفن خلاف : فمن قائل : في كلّ واحد ربع الدية ، ومن قائل : في الأعلى ثلثاها وفي الأسفل الثلث . ومن قائل : في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف . وهذا لا يخلو من ترجيح ، لكن لا يترك الاحتياط بالتصالح .
(مسألة 1) : في الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة ، وكذا في مارنه ، وهو ما لان منه ونزل عن قصبته . ولو قطع المارن وبعض القصبة دفعة فالدية كاملة ، ولو قطع المارن ثمّ بعض القصبة فالدية كاملة في المارن والأرش في القصبة ، ولو
ص: 611
قطع المارن ثمّ قطع جميع القصبة ففي المارن الدية ، فهل للقصبة الدية أو الأرش ، فيه تأمّل ، ولو قطع بعض المارن فبحساب المارن .
(مسألة 2) : لو فسد الأنف وذهب - بكسر أو إحراق أو نحو ذلك - ففيه الدية كاملة ، ولو جبر على غير عيب فمائة دينار على قول مشهور .
(مسألة 3) : في شلل الأنف ثلثا ديته صحيحاً ، وإذا قطع الأشلّ فعليه ثلثها .
(مسألة 4) : في الروثة نصف الدية إذا قطعت ، فهل هي طرف الأنف ، أو الحاجز بين المنخرين ، أو مجمع المارن ؟ احتمالات . ويحتمل أن ترجع الاحتمالات إلى أمر واحد ، وهو طرف الأنف الذي يقطر منه الدم ، وهو مجمع المارن ، وهو محلّ الحاجز ، فإذا قطع الحاجز من حيث يرى من الأعلى إلى الأسفل قطع طرف الأنف ، وهو مجمع المارن ؛ وإن لا يخلو من تأمّل .
(مسألة 5) : في أحد المنخرين ثلث الدية ، وقيل : نصفها . والأوّل أرجح . ولو نفذت في الأنف نافذة على وجه لا تفسد - كرمح أو سهم - فخرقت المنخرين والحاجز فثلث الدية ، وكذا لو ثقبته ، فإن جبر وصلح فخمس الدية على الأحوط .
(مسألة 1) : في الاُذنين إذا استؤصلا الدية كاملة ، وفي استئصال كلّ واحدة منهما نصفها ، وفي بعضها بحساب ديتها ؛ إن كان نصفاً فنصف ، أو ثلثاً فثلث وهكذا .
(مسألة 2) : في خصوص شحمة الاُذن ثلث دية الاُذن ، وفي بعضها فبحسابها ، وفي خرم الاُذن ثلث ديتها على الأحوط بل الأظهر .
ص: 612
(مسألة 3) : لو ضربها فاستحشفت - أي يبست - فعليه ثلثا ديتها ، ولو قطعها بعد الشلل فثلثها على الأحوط في الموضعين ، بل لا يخلوان من قرب .
(مسألة 4) : الأصمّ فيما مرّ كالصحيح ، ولو قطع الاُذن - مثلاً - فسرى إلى السمع فأبطله أو نقص منه ، ففيه - مضافاً إلى دية الاُذن - دية المنفعة من غير تداخل . وكذا لو قطعها بنحو أوضح العظم ، وجب مع دية الاُذن دية الموضحة من غير تداخل .
(مسألة 1) : في الشفتين الدية كاملة ، وفي كلّ واحدة منهما النصف على الأقوى ، والأحوط في السفلى ستّمائة دينار ، وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها طولاً وعرضاً .
(مسألة 2) : حدّ الشفة في العليا ما تجافى عن اللثّة متّصلة بالمنخرين والحاجز عرضاً ، وطولها طول الفم ، وحدّ السفلى ما تجافى عن اللثّة عرضاً وطولها طول الفم ، وليست حاشية الشدقين منهما .
(مسألة 3) : لو جنى عليها حتّى تقلّصت فلم تنطبق على الأسنان ففيه الحكومة ، ولو استرختا بالجناية فلم تنفصلا عن الأسنان بضحك ونحوه ، فثلثا الدية على الأحوط ، ولو قطعت بعد الشلل فثلثها .
(مسألة 4) : لو شقّ الشفتين حتّى بدت الأسنان فعليه ثلث الدية ، فإن برأت فخمس الدية ، وفي إحداهما ثلث ديتها إن لم تبرأ ، وإن برئت فخمس ديتها على قول معروف في الجميع .
ص: 613
(مسألة 1) : في لسان الصحيح إذا استؤصل الدية كاملة ، وفي لسان الأخرس ثلث الدية مع الاستئصال .
(مسألة 2) : لو قطع بعض لسان الأخرس فبحساب المساحة . وأمّا الصحيح فيعتبر قطعه بحروف المعجم ، وتبسط الدية على الجميع بالسويّة ؛ من غير فرق بين خفيفها وثقيلها ، واللسنية وغيرها ، فإن ذهبت أجمع فالدية كاملة ، وإن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب خاصّة .
(مسألة 3) : حروف المعجم في العربية ثمانية وعشرون حرفاً ، فتجعل الدية موزّعة عليها . وأمّا غير العربية فإن كان موافقاً لها فبهذا الحساب ، ولو كان حروفه أقلّ أو أكثر فالظاهر التقسيط عليها بالسويّة كلّ بحسب لغته .
(مسألة 4) : الاعتبار في صحيح اللسان بما يذهب الحروف لا بمساحة اللسان ، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية ، ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف فنصف الدية .
(مسألة 5) : لو لم يذهب الحرف بالجناية ، لكن تغيّر بما يوجب العيب ، فصار ثقيل اللسان أو سريع النطق بما يعدّ عيباً ، أو تغيّر حرف بحرف آخر ولو كان الثاني صحيحاً لكن يعدّ عيباً ، فالمرجع الحكومة .
(مسألة 6) : لو قطع لسانه جانٍ فأذهب بعض كلامه ، ثمّ قطع آخر بعضه فذهب بعض الباقي ، اُخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الاُولى إلى ما بقي بعدها ، فلو ذهب بجناية الأوّل نصف كلامه فعليه نصف الدية ، ثمّ ذهب بجناية الثاني نصف ما بقي فعليه نصف هذا النصف - أي الربع - وهكذا .
ص: 614
(مسألة 7) : لو أعدم شخص كلامه بالضرب على رأسه ونحوه من دون قطع فعليه الدية ، ولو نقص من كلامه فبالنسبة كما مرّ ، ولو قطع آخر لسانه الذي اُخرس بفعل السابق فعليه ثلث الدية ؛ وإن بقيت للّسان فائدة الذوق والعون بعمل الطحن ؛ من غير فرق بين قدرة المجنيّ عليه على الحروف الشفوية والحلقية أم لا .
(مسألة 8) : لو قطع لسان طفل قبل بلوغه حدّ النطق فعليه الدية كاملة ، ولو بلغ حدّه ولم ينطق فبقطعه لا يثبت إلاّ الثلث ، ولو انكشف الخلاف يُؤخذ ما نقص من الجاني .
(مسألة 9) : لو جنى عليه بغير قطع فذهب كلامه ثمّ عاد ، فالظاهر أ نّه تستعاد الدية . وأمّا لو قلع سنّه فعادت فلا تستعاد ديتها .
(مسألة 1) : في الأسنان الدية كاملة ، وهي موزّعة على ثمان وعشرين سنّاً : اثنتا عشرة في مقاديم الفم ؛ ثنيّتان ورباعيتان ونابان من أعلى ومثلها من أسفل ، ففي كلّ واحدة منها خمسون ديناراً ، فالجميع ستّمائة دينار ، وستّ عشرة في مآخر الفم ؛ في كلّ جانب من الجوانب الأربعة أربعة ؛ ضواحك وأضراس ثلاثة ؛ في كلّ واحدة منها خمسة وعشرون ديناراً ، فالجميع أربعمائة دينار ، ولا يلحظ النواجذ في الحساب ولا الأسنان الزائدة .
(مسألة 2) : لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين نقص من الدية بإزائه ؛ كان النقص خلقة أو عارضاً .
ص: 615
(مسألة 3) : ليس للزائد على ثمان وعشرين دية مقدّرة ، والظاهر الرجوع إلى الحكومة ؛ سواء كانت الزيادة من قبيل النواجذ التي هي في رديف الأسنان ، أو نبت الزائد جنبها داخلاً أو خارجاً ، ولو لم يكن في قلعها نقص أو زاد كمالاً فلا شيء ؛ وإن كان الفاعل ظالماً آثماً ، وللحاكم تعزيره .
(مسألة 4) : لا فرق في الأسنان بين أبيضها وأصفرها وأسودها إذا كان اللون أصلياً لا لعارض وعيب ، ولو اسودّت بالجناية ولم تسقط فديتها ثلثا ديتها صحيحةً على الأقوى ، ولو قلع السنّ السوداء بالجناية أو لعارض فثلث الدية على الأحوط ، بل لا يخلو من قرب ، وفي انصداع السنّ - بلا سقوط - الحكومةُ على الأقوى .
(مسألة 5) : لو كسر ما برز عن اللثّة خاصّة وبقي السنخ - أي أصله المدفون فيها - فالدية كالسنّ المقلوعة ، ولو كسر شخص ما برز عنها ثمّ قلع الآخر السنخ فالحكومة للسنخ ؛ سواء كان الجاني شخصين أو شخصاً واحداً في دفعتين .
(مسألة 6) : لو قلع سنّ الصغير غير المثّغر انتظر إلى مضيّ زمان جرت العادة بنباتها ، فإن نبتت فالأرش على قول ، ولا يبعد أن تكون دية كلّ سنّ بعيراً ، وإن لم تنبت فديتها كسنّ البالغ .
(مسألة 7) : لو قلعت سنّ فاُثبتت في محلّها فنبتت كما كانت ففي قلعها الدية كاملة ، ولو جعلت في محلّها سنّ فصارت كالسنّ الأصلية حيّة نابتة ، فالأحوط في قلعها دية الأصلية كاملة ، بل لا يخلو من وجه .
ص: 616
(مسألة 1) : في العنق إذا كسر فصار الشخص أصعر - أي مال عنقه ويثنى في ناحية - الدية كاملة على الأحوط ، وكذا لو جنى عليه على وجه يثني عنقه وصعر . وكذا لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد ؛ وعاش كذلك بإيصال الغذاء إليه بطريق آخر ، وقيل في الموردين بالحكومة ، ولا يبعد هذا القول .
(مسألة 2) : لو زال العيب - أي تمايل العنق وبطلان الازدراد - فلا دية ، وعليه الأرش . وكذا لو صار بنحو يمكنه الازدراد وإقامة العنق والالتفات بعسر .
(مسألة 1) : في اللحيين إذا قلعا الدية كاملة ، وفي كلّ واحد منهما نصفها خمسمائة دينار . وهما العظمان اللذان ملتقاهما الذقن ، وفي جانب الأعلى يتّصل طرف كلّ واحد منهما بالاُذن من جانبي الوجه ، وعليهما نبات الأسنان السفلى .
(مسألة 2) : لو قلع بعض من كلّ منهما أو من أحدهما فبالحساب مساحة ، ولو قلع واحد منهما وبعض من آخر فنصف الدية للمقلوع ، وبالحساب للبعض الآخر .
(مسألة 3) : ما ذكرناه ثابت فيما إذا قلعا منفردين عن الأسنان ، كقلعهما عمّن لا سنّ له . وأمّا لو قلعا مع الأسنان فتزاد دية الأسنان ولا تتداخلان .
(مسألة 4) : لو جني عليهما ونقص المضغ أو حصل نقص فيهما ففيه الحكومة .
ص: 617
(مسألة 1) : في اليدين الدية كاملة ، وفي كلّ واحدة نصفها ؛ من غير فرق بين اليمنى واليسرى ، ومن كان له يد واحدة خلقة أو لعارض فلها نصف الدية .
(مسألة 2) : حدّ اليد التي فيها الدية المعصم - أي المفصل الذي بين الكفّ والذراع - فلو قطعت إحداهما من المفصل ففيها نصف الدية ، وإن كانت فيها الأصابع فلا دية للأصابع في الفرض ، ولو قطعت الأصابع منفردة ففيها خمسمائة دينار نصف الدية .
(مسألة 3) : في قطع الكفّ مع فقد الأصابع الحكومة ؛ سواء كان بلا أصابع خلقة أم بآفة أم بجناية جانٍ .
(مسألة 4) : لو قطعت الكفّ ذات الأصابع مع زيادة من الزند ، ففي اليد خمسمائة دينار . وكذا لو قطعها مع مقدار من الذراع . فهل في الزيادة حكومة أو الاعتبار بحساب المساحة ؟ فيه تردّد .
(مسألة 5) : في قطع اليد من المرفق خمسمائة دينار ؛ كان لها كفّ أو لا ، ومن المنكب كذلك كان لها مرفق أو لا ، ولو قطعت من فوق المرفق فيحتمل في الزيادة الحكومة ، ويحتمل الحساب مساحة .
(مسألة 6) : لو كان له يدان على زند أو على مرفق أو على منكب ففي الأصلية دية اليد كاملة وفي الزائدة الحكومة ، والتشخيص بينهما عرفي أو موكول إلى أهل الخبرة ، ومع الاشتباه وعدم التميّز لو قطعهما معاً شخص واحد فعليه الدية والأرش ، ومع تعدّد القاطع فالظاهر الحكومة بالنسبة
ص: 618
إلى كلّ منهما ، ولو كان القاطع واحداً لكن قطع الثاني بعد دفع الحكومة ، فالظاهر لزوم دية كاملة عليه .
(مسألة 1) : في أصابع اليدين الدية كاملة ، وكذا في أصابع الرجلين ؛ وفي كلّ واحدة منهما عشر الدية ؛ من غير فرق بين الإبهام وغيره .
(مسألة 2) : دية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث عقد ؛ في كلّ عقدة ثلثها ، وفي الإبهام مقسومة على اثنتين ؛ في كلّ منهما نصفها .
(مسألة 3) : في الإصبع الزائدة إذا قطعت من أصلها ثلث الأصلية ، ولا يبعد جريان الحكم بالنسبة إلى الأنملة الزائدة .
(مسألة 4) : لو كان عدد الأصابع الأصلية في بعض الطوائف وكذا عدد أناملهم الأصلية زائداً على القدر المتعارف ، لا يبعد أن يكون التقسيط على حسبها .
(مسألة 5) : في شلل كلّ واحدة من الأصابع ثلثا ديتها ، وفي قطعها بعد الشلل ثلثها .
(مسألة 6) : في الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود فاسداً عشرة دنانير على الأحوط ، وإن نبت أبيض فخمسة دنانير .
(مسألة 1) : في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح بالعلاج والجبر ، وكذا لو
ص: 619
احدودب بالجناية فخرج ظهره وارتفع عن الاستواء ، أو صار بحيث لا يقدر على القعود أو المشي .
(مسألة 2) : لو عولج وبقي على الاحديداب فالدية كاملة ، وكذا لو بقي من آثار الكسر شيء ؛ بأن لا يقدر على المشي إلاّ بعصا ، أو ذهب بذلك جماعه أو ماؤه ، أو حدث به سلس ونحو ذلك .
(مسألة 3) : لو عولج فصلح ولم يبق من أثر الجناية شيء فمائة دينار .
(مسألة 4) : المراد بالظهر هو العظم الذي ذو فقار ممتدّ من الكاهل إلى العجز وهو الصلب ، وكسره يوجب الدية .
(مسألة 5) : لو كسر فشلّت الرجلان فدية لكسر الظهر ، وثلثا الدية لشلل الرجلين .
(مسألة 1) : في قطع النخاع دية كاملة ، وفي بعضه الحساب بنسبة المساحة .
(مسألة 2) : لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر فإن كان فيه الدية المقدّرة يثبت - مضافاً إلى دية النخاع - دية اُخرى ، وإن لم تكن فيه الدية فالحكومة .
(مسألة 1) : الثديان من المرأة فيهما ديتها ، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها .
(مسألة 2) : لو قطعتا أو قطعت واحدة منهما مع شيء من جلد الصدر ففي
ص: 620
الثدي ديتها بما مرّ ، وفي الجلد الحكومة ، ولو أجاف الصدر لزم مع ذلك دية الجائفة .
(مسألة 3) : لو اُصيب الثدي وانقطع لبنها مع بقائها ، أو تعذّر نزول اللبن مع كونه فيها ، أو تعذّر نزوله في وقته مع عدم كونه فعلاً فيها ، أو قلّ لبنها ، أو عيب ، كما إذا درّ مختلطاً بالدم أو القيح ، ففيه الحكومة .
(مسألة 4) : لو قطع الحلمتين من المرأة قيل فيه الدية ، وفيه إشكال ، ويحتمل الحكومة ، ويحتمل الحساب بالمساحة ، والأخير لا يخلو من رجحان .
(مسألة 5) : في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون ديناراً ، وفيهما معاً الربع ، وفي قول : إنّ فيهما الدية ، والأوّل أقوى .
(مسألة 1) : في الحشفة فما زاد الدية كاملة ؛ وإن استؤصل إذا كان بقطع واحد ؛ من غير فرق بين ذكر الشابّ والشيخ والصبيّ والخصيّ خلقة ، ومن سلّت أو رضّت خصيتاه وغيره ؛ إذا لم يكن موجباً للشلل .
(مسألة 2) : لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الحشفة حسب ، لا جميع الذكر .
(مسألة 3) : لو انخرم مجرى البول من دون قطع ففيه الحكومة ، ولو قطع بعض الحشفة ، وكان القطع ملازماً لخرم المجرى ، فلا شيء إلاّ ما للحشفة ، وإن لم يكن ملازماً وكان الخرم جناية زائدة فله الحكومة ، وللحشفة ما تقدّم .
(مسألة 4) : لو قطع الحشفة وقطع آخر - أو هو بقطع آخر - ما بقي ، فالدية
ص: 621
لقطعها والحكومة لقطع الباقي ، ولو قطع بعض الحشفة والآخر ما بقي منها فعلى كلّ منهما بحساب المساحة .
(مسألة 5) : لو قطع بعض الحشفة ، وقطع آخر الذكر باستئصال ، ففي قطع بعضها الحساب بالمساحة ، وفي قطع الباقي وجوه : الحكومة ، أو الحساب بالنسبة إلى الحشفة والحكومة فيما بقي ، أو الدية كاملة ، أوجهها الأوّل ، وأحوطها الأخير .
(مسألة 6) : في ذكر العنّين ثلث الدية ، وكذا في قطع الأشلّ ، وفي قطع بعضه بحسابه ، ولا يبعد أن يكون الحساب بالنسبة إلى المجموع ، لا خصوص الحشفة .
(مسألة 7) : لو قطع نصف الذكر طولاً ، ولم يحصل في النصف الآخر خلل - من شلل ونحوه - فنصف الدية ، وإن أحدث في الباقي شللاً فنصف الدية للقطع وثلثا دية النصف الآخر للشلل ، فعليه خمسة أسداس .
(مسألة 8) : في ذكر الخنثى المشكل أو المعلوم اُنوثته الحكومة .
(مسألة 1) : في الخصيتين الدية كاملة ، فهل لكلّ واحدة نصفها ، أو لليسرى ثلثان ولليمنى الثلث ؟ الأوجه الثاني ، والأحوط الثلثان في اليسرى والنصف في اليمنى لو قلعتا دفعتين .
(مسألة 2) : لا فرق في الحكم بين الصغير والكبير والشيخ والشابّ ، ومقطوع الذكر وغيره ، وأشلّه وغيره ، والعنّين وغيره .
ص: 622
(مسألة 3) : في اُدرة الخصيتين - وهي انتفاخهما - أربعمائة دينار ، فإن فحج فلم يقدر على مشي ينفعه ففيه ثمانمائة دينار ؛ أربعة أخماس دية النفس .
(مسألة 1) : في شفري المرأة - أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم - ديتها كاملة ، وفي إحداهما نصفها ؛ سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، ثيّباً أو بكراً ، مختونة أو غيرها ، قرناء أو رتقاء أو سليمة ، مفضاة أو غيرها .
(مسألة 2) : لو شلّتا بالجناية فالظاهر ثلثا ديتها ، ولو قطع ما بهما الشلل ففيه الثلث .
(مسألة 3) : في الركب - وهو في المرأة موضع العانة من الرجل - الحكومة ؛ قطعه منفرداً أو منضمّاً إلى الفرج ، وكذا في عانة الرجل الحكومة .
(مسألة 4) : في إفضاء المرأة ديتها كاملة - وهو أن يجعل مسلكي البول والحيض واحداً - وكذا لو جعل مسلكي الحيض والغائط واحداً على الأحوط في هذه الصورة ؛ من غير فرق بين الأجنبيّ والزوج ، إلاّ في صورة واحدة ، وهي ما إذا كان ذلك من الزوج بالوط ء بعد البلوغ ، وأمّا قبل البلوغ فعليه ديتها مع مهرها .
(مسألة 5) : لو كانت المرأة مكرهة من غير زوجها فلها مهر المثل مع الدية ، ولو كانت مطاوعة فلها الدية دون المهر ، ولو كانت المكرهة بكراً ، هل يجب لها أرش البكارة زائداً على المهر والدية ؟ فيه تردّد ، والأحوط ذلك .
(مسألة 6) : المهر والأرش على القول به في ماله ، وكذا الدية .
ص: 623
(مسألة 1) : في الأليين الدية كاملة ، وفي كلّ واحدة منهما نصفها ، وكذا في المرأة ديتها ، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها ، وفي بعض كلّ منهما بحساب المساحة .
(مسألة 2) : الظاهر أنّ الألية عبارة عن اللحم المرتفع بين الفخذ والظهر حتّى انتهى إلى العظم ، فلو لم يبلغ العظم فالظاهر الحساب بالمساحة ؛ وإن كان الأحوط الدية في القطع بنحو ينتهي إلى مساواة الظهر والفخذ وإن لم يصل إلى العظم .
(مسألة 1) : في الرجلين الدية كاملة ، وفي كلّ منهما نصفها ، وحدّهما مفصل الساق .
(مسألة 2) : البحث هاهنا كالبحث في اليدين ؛ في القطع من مفصل الركبة أو من أصل الفخذين ، وفي كلّ واحدة منهما ، وفي قطع بعض الساق مع مفصله ، وكذا في قطع شخص من مفصل الساق وآخر بعض الساق ، فالكلام فيهما واحد .
(مسألة 3) : في أصابع الرجلين منفردة دية كاملة ، وفي كلّ واحدة منها عشرها ، ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسويّة إلاّ الإبهام فإنّها مقسومة فيها على اثنين .
(مسألة 4) : الكلام في الرجل الزائدة كالكلام في اليد الزائدة ، وكذا في الأصابع .
ص: 624
(مسألة 1) : عن كتاب ظريف بن ناصح : «وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون ديناراً - إلى أن قال - : وفي الأضلاع ممّا يلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر» . وبمضمونه أفتى الأصحاب ، ولا بأس بذلك ، لكن لم يظهر المراد منه ، فهل التفصيل بين الجانب الذي يلي القلب والجانب الذي يلي العضد ، أو التفصيل بين الضلع الذي يحيط بالقلب وغيره ، أو التفصيل بين الأضلاع في جانب الصدر والقدّام وغيرها ممّا يلي العضدين إلى الخلف ؟ ويحتمل التصحيف ، وكان الأصل «فيما حاط القلب» من حاطه يحوطه ؛ أي حفظه وحرسه ، أو كان الأصل «فيما أحاط بالقلب» ، فالأقوى في الأضلاع التي تحيط بالقلب من الجانب الأيسر في كلّ منها خمسة وعشرون ، وأمّا في غيرها فالاحتياط بالصلح لا يترك ، سيّما بالنسبة إلى ما يجاور المحيط بالقلب في جانب الأيمن ، وإن كان القول بعدم وجوب الزائد على عشرة دنانير في غير الضلع المحيط ، لا يخلو من قرب .
(مسألة 1) : في الترقوتين الدية ، وفي كلّ واحدة منهما إذا كسرت فجبرت من غير عيب أربعون ديناراً .
(مسألة 2) : لو كسرت واحدة منهما ولم تبرأ فالظاهر أنّ فيها نصف الدية ، ولو برئت معيوباً فكذلك على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وقيل : فيهما بالحكومة .
ص: 625
الأوّل : لو كسر بعصوص شخص فلم يملك غائطه ففيه الدية كاملة ، وهو إمّا عظم الورك أو العصعص ؛ أي عجب الذنب أو عظم دقيق حول الدبر ، وإذا ملك غائطه ولم يملك ريحه فالظاهر الحكومة .
الثاني : لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية كاملة ، والعجان ما بين الخصيتين وحلقة الدبر ، ولو ملك أحدهما ولم يملك الآخر فلا يبعد فيه الدية أيضاً ، ويحتمل الحكومة ، والأحوط التصالح . ولو ضرب غير عجانه فلم يملكهما فالظاهر الدية ، ولو لم يملك أحدهما فيحتمل الحكومة والدية ، والأحوط التصالح .
الثالث : في كسر كلّ عظم من عضو له مقدّر خمس دية ذلك العضو ، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره ، وفي موضحته ربع دية كسره ، وفي رضّه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ ، فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه ، وفي فكّه من العضو بحيث يتعطّل ثلثا دية ذلك العضو ، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه . كلّ ذلك على قول مشهور ، والأحوط فيها التصالح .
الرابع : من داس بطن إنسان حتّى أحدث ديس بطنه حتّى يحدث أو يغرّم ثلث الدية ، والظاهر أنّ الحدث بول أو غائط ، فلو أحدث بالريح ففيه الحكومة .
الخامس : من افتضّ بكراً بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ، ففيه ديتها ومهر مثل نسائها .
ص: 626
وهي في موارد :
الأوّل : العقل ، وفيه الدية كاملة ، وفي نقصانه الأرش ، ولا قصاص في ذهابه ولا نقصانه .
(مسألة 1) : لا فرق في ذهابه أو نقصانه بين كون السبب فيهما الضرب على رأسه أو غيره ، وبين غير ذلك من الأسباب ، فلو أفزعه حتّى ذهب عقله فعليه الدية كاملة ، وكذا لو سحره .
(مسألة 2) : لو جنى عليه جناية - كما شجّ رأسه أو قطع يده - فذهب عقله ، لم تتداخل دية الجنايتين . وفي رواية صحيحة : إن كان بضربة واحدة تداخلتا . لكن أعرض أصحابنا عنها ، ومع ذلك فالاحتياط بالتصالح حسن .
(مسألة 3) : لو ذهب العقل بالجناية ودفع الدية ثمّ عاد العقل ففي ارتجاع الدية تأمّل ؛ وإن كان الارتجاع والرجوع إلى الحكومة أشبه .
(مسألة 4) : لو اختلف الجاني ووليّ المجنيّ عليه في ذهاب العقل أو نقصانه ، فالمرجع أهل الخبرة من الأطبّاء ، ويعتبر التعدّد والعدالة على الأحوط ، ويمكن اختباره في حال خلواته وغفلته ، فإن ثبت اختلاله فهو ، وإن لم يتّضح - لا من أهل الخبرة لاختلافهم مثلاً ، ولا من الاختبار - فالقول قول الجاني مع اليمين .
الثاني : السمع ، وفي ذهابه من الاُذنين جميعاً الدية ، وفي سمع كلّ اُذن نصف الدية .
ص: 627
(مسألة 1) : لا فرق في ثبوت النصف بين كون إحدى الاُذنين أحدّ من الاُخرى أم لا . ولو ذهب سمع إحداهما - بسبب من اللّه تعالى ، أو بجناية ، أو مرض ، أو غيرها - ففي الاُخرى النصف .
(مسألة 2) : لو علم عدم عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك استقرّ الدية ، وإن أمّل أهل الخبرة العود بعد مدّة متعارفة يتوقّع انقضاؤها ، فإن لم يعد استقرّت ،
ولو عاد قبل أخذ الدية فالأرش ، وإن عاد بعده فالأقوى أ نّه لا يرتجع ، ولو مات قبل أخذها فالأقرب الدية .
(مسألة 3) : لو قطع الاُذنين وذهب السمع به فعليه الديتان ، ولو جنى عليه بجناية اُخرى فذهب سمعه فعليه دية الجناية والسمع ، ولو قطع إحدى الاُذنين فذهب السمع كلّه من الاُذنين فدية ونصف .
(مسألة 4) : لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوّة السامعة ، لكن وقع في الطريق نقص حجبها عن السماع ، فالظاهر ثبوت الدية لا الحكومة ، وإن ذهب بسمع الصبيّ فتعطّل نطقه ، فالظاهر بالنسبة إلى تعطّل النطق الحكومة مضافاً إلى الدية .
(مسألة 5) : لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجنيّ عليه ، أو قال : «لا أعلم صدقه» ، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القويّ ، وصيح به بعد استغفاله ، فإن تحقّق ما ادّعاه اُعطي الدية ، ويمكن الرجوع إلى الحذّاق والمتخصّصين في السمع مع الثقة بهم ، والأحوط التعدّد والعدالة ، وإن لم يظهر الحال اُحلف القسامة للّوث وحكم له .
(مسألة 6) : لو ادّعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الاُخرى ، وتلزم الدية
ص: 628
بحساب التفاوت . وطريق المقايسة : أن تسدّ الناقصة سدّاً شديداً وتطلق الصحيحة ويضرب له بالجرس - مثلاً - حيال وجهه ، ويقال له : «اسمع» ، فإذا خفي الصوت عليه علّم مكانه ، ثمّ يضرب به من خلفه حتّى يخفى عليه فيعلّم مكانه ، فإن تساوى المسافتان فهو صادق وإلاّ كاذب ، والأحوط الأولى تكرار العمل في اليمين واليسار أيضاً ، ثمّ تسدّ الصحيحة سدّاً جيّداً وتطلق الناقصة ، فيضرب بالجرس من قدّامه ثمّ يعلّم حيث يخفى الصوت ؛ يصنع بها كما صنع باُذُنه الصحيحة أوّلاً ، ثمّ يقاس بين الصحيحة والمعتلّة فيعطى الأرش بحسابه ، ولا بدّ في ذلك من توخّي سكون الهواء ، ولا يقاس مع هبوب الرياح ، وكذا يقاس في المواضع المعتدلة .
الثالث : البصر ، وفي ذهاب الإبصار من العينين الدية كاملة ، ومن إحداهما نصفها .
(مسألة 1) : لا فرق بين أفراد العين المختلفة ؛ حديدها وغيره حتّى الحولاء والعشواء ، والذي في عينه بياض لا يمنعه عن الإبصار ، والعمشاء بعد كونها باصرة .
(مسألة 2) : لو قلع الحدقة فليس عليه إلاّ دية واحدة ويكون الإبصار تبعاً لها ، ولو جنى عليه بغير ذلك - كما لو شجّ رأسه فذهب إبصاره - عليه دية الجناية مع دية الإبصار .
(مسألة 3) : لو قامت العين بحالها وادّعى المجنيّ عليه ذهاب البصر وأنكر الجاني ، فالمرجع أهل الخبرة ؛ فإن شهد شاهدان عدلان من أهلها أو رجل وامرأتان ثبت الدية ، فإن قالا : «لا يرجى عوده» استقرّت ، ولو قالا : «يرجى
ص: 629
العود» من غير تعيين زمان تؤخذ الدية ، وإن قالا : «. . . بعد مدّة معيّنة متعارفة» فانقضت ولم يعد استقرّت .
(مسألة 4) : لو مات قبل مضيّ المدّة التي اُجّلت استقرّت الدية ، وكذا لو قلع آخر عينه . نعم ، لو ثبت عوده فقلعت فالظاهر الأرش ، كما أ نّه لو عاد قبل استيفاء الدية عليه الأرش ، وأمّا بعده فالظاهر عدم الارتجاع .
(مسألة 5) : لو اختلفا في عوده فالقول قول المجنيّ عليه .
(مسألة 6) : لو ادّعى ذهاب بصره وعينه قائمة ولم يكن بيّنة من أهل الخبرة ، أحلفه الحاكم القسامة وقضى له .
(مسألة 7) : لو ادّعى نقصان إحداهما قيست إلى الاُخرى ، واُخذت الدية بالنسبة بعد القسامة استظهاراً . ولو ادّعى نقصانهما قيستا إلى من هو من أبناء سنّه ، واُلزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان إلاّ مع العلم بالصحّة ، فيسقط الاستظهار .
(مسألة 8) : طريق المقايسة هاهنا كما في السمع ، فتشدّ عينه الصحيحة ويأخذ رجل بيضة - مثلاً - ويبعد حتّى يقول المجنيّ عليه : «ما اُبصرها» ، فيعلّم عنده ، ثمّ يعتبر في جهة اُخرى أو الجهات الأربع فإن تساوت صدّق ، وإلاّ كذّب ، وفي فرض الصدق تشدّ المصابة وتطلق الصحيحة فتعتبر بالجهتين أو الجهات ، ويؤخذ من الدية بنسبة النقصان . وهذه المقايسة جارية في إصابة العينين ودعوى نقصانهما ، لكن تعتبر مع العين الصحيحة من أبناء سنّه .
(مسألة 9) : لا بدّ في المقايسة من ملاحظة الجهات ؛ من حيث كثرة النور
ص: 630
وقلّته ، والأراضي من حيث الارتفاع والانخفاض ، فلا تقاس مع ما يمنع عن المعرفة ، ولا تقاس في يوم غيم .
الرابع : الشمّ ، وفي إذهابه عن المنخرين الدية كاملة ، وعن المنخر الواحد نصفها على إشكال في الثاني ، فلا يترك الاحتياط بالتصالح .
(مسألة 1) : لو ادّعى ذهابه وأنكر الجاني امتحن بالروائح الحادّة والمحرقة في حال غفلته ، فإن تحقّق الصدق تؤخذ الدية ، وإلاّ فليستظهر عليه بالقسامة ويقضى له . وإن أمكن الاستكشاف في زماننا بالوسائل الحديثة ، يرجع إلى أهل الخبرة مع اعتبار التعدّد والعدالة احتياطاً ، فمع قيام البيّنة يعمل بها .
(مسألة 2) : لو ادّعى نقص الشمّ ، فإن أمكن إثباته بالآلات الحديثة وشهادة العدلين من أهل الخبرة فهو ، وإلاّ فلا يبعد الاستظهار بالأيمان ، ويقضي بما يراه الحاكم من الحكومة أو الأرش .
(مسألة 3) : لو أمكن إثبات مقدار النقص بالامتحان والمقايسة بشامّة أبناء سنّه - كما في البصر والسمع - لا يبعد القول به .
(مسألة 4) : لو عاد الشمّ قبل أداء الدية فالحكومة ، ولو عاد بعده ففيه إشكال لا بدّ من التخلّص بالتصالح ، ولو مات قبل انقضاء المدّة ولم يعد فالدية ثابتة .
(مسألة 5) : لو قطع الأنف فذهب الشمّ فديتان ، وكذا لو جنى عليه جناية ذهب بها الشمّ فعليه مع دية ذهابه دية الجناية ، ولو لم يكن لها دية مقدّرة فالحكومة .
الخامس : الذوق ، قيل : فيه الدية ، وهو وإن لم يكن ببعيد ، لكن الأقرب فيه الحكومة .
ص: 631
(مسألة 1) : لو أمكن التشخيص بالوسائل الحديثة يرجع إلى شاهدين عدلين من أهل الخبرة ، وإلاّ فإن اختلفا ولا أمارة توجب اللوث فالقول قول الجاني ، ومع حصوله يستظهر بالأيمان .
(مسألة 2) : لو تحقّق النقصان يرجع إلى الحاكم ليحسم مادّة النزاع بالتصالح أو بالحكم ، والأحوط لهما التصالح .
(مسألة 3) : لو قطع لسانه فليس إلاّ الدية للّسان ، والذوق تبع ، ولو جنى عليه جناية اُخرى ذهب بذوقه ففي الذوق ما عرفت وفي الجناية ديتها ، ولو لم يكن دية مقدّرة فالحكومة .
(مسألة 4) : لو جنى على مغرس لحيته فلم يستطع المضغ فالحكومة ، وقيل بالدية .
(مسألة 5) : لو عاد الذوق تستعاد الدية ، والأحوط التصالح .
السادس: قيل: لو اُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال ففيه الدية، وكذا لو تعذّر عليه الإحبال، وكذا لو تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع . وفي الجميع إشكال ، والأقرب الحكومة . نعم ، لا يترك الاحتياط في انقطاع الجماع ؛ أي تكون الجناية سبباً لانقطاع أصل الجماع وعدم نشر الآلة .
السابع : في سلس البول الدية كاملة إن كان دائماً على الأقوى ، والأحوط ذلك إن دام تمام اليوم ، كما أنّ الأحوط فيما كان إلى نصف النهار ثلثا الدية وإلى ارتفاعه ثلثها ، وفي سائر أجزاء الزمان الحكومة . والمراد من الدوام أو تمام اليوم أو بعضه : هو كونه كذلك في جميع الأيّام ، وإن صار كذلك في بعض الأيّام وبرئ ففيه الحكومة .
ص: 632
الثامن : في ذهاب الصوت كلّه الدية كاملة ، وإذا ورد نقص على الصوت كما غَنّ أو بَحّ فالظاهر الحكومة ، والمراد بذهاب الصوت : أن لا يقدر صاحبه على الجهر ، ولا ينافي قدرته على الإخفات .
(مسألة 1) : لو جنى عليه فذهب صوته كلّه ونطقه كلّه فعليه الديتان .
(مسألة 2) : لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف وبقي بالنسبة إلى بعض ، يحتمل فيه الحكومة ، ويحتمل التوزيع ، كما مرّ في أصل التكلّم ، والأحوط التصالح .
(مسألة 3) : في ذهاب المنافع التي لم يقدّر لها دية الحكومة ، كالنوم واللمس وحصول الخوف والرعشة والعطش والجوع والغشوة وحصول الأمراض على أصنافها .
(مسألة 4) : الأرش والحكومة التي بمعناه إنّما يكون في موارد لو قيس المعيب بالصحيح يكون نقص في القيمة ، فمقدار التفاوت هو الأرش والحكومة التي بمعناه . وأمّا لو فرض في مورد لا توجب الجناية نقصاً بهذا المعنى ، ولا تقدير له في الشرع ، كما لو قطع إصبعه الزائدة ، أو جني عليه ونقص شمّه ، ولم يكن في التقويم بين مورد الجناية وغيره فرق ، فلا بدّ من الحكومة بمعنىً آخر ، وهي حكومة القاضي بما يحسم مادّة النزاع : إمّا بالأمر بالتصالح ، أو تقديره على حسب المصالح ، أو تعزيره .
ص: 633
الشجاج - بكسر الشين - جمع الشجّة بفتحها ، وهي الجراح المختصّة بالرأس ، وقيل : تطلق على جراح الوجه أيضاً ، ولا ثمرة بعد وحدة حكم الرأس والوجه ، وللشجاج أقسام :
الأوّل : الحارصة - بالمهملات - المعبّر عنها في النصّ ب «الحَرصة» ، وهي التي تقشّر الجلد - شبه الخدش - من غير إدماء ، وفيها بعير ، والأقوى أ نّها غير الدامية موضوعاً وحكماً . والرجل والمرأة سواء فيها وفي أخواتها ، وكذا الصغير والكبير .
الثاني : الدامية ، وهي التي تدخل في اللحم يسيراً ويخرج معه الدم ؛ قليلاً كان أم كثيراً بعد كون الدخول في اللحم يسيراً ، وفيها بعيران .
الثالث : المتلاحمة ، وهي التي تدخل في اللحم كثيراً لكن لم تبلغ المرتبة المتأخّرة ، وهي السمحاق ، وفيها ثلاثة أبعرة ، والباضعة هي المتلاحمة .
الرابع : السمحاق ، وهي التي تقطع اللحم وتبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم ، وفيها أربعة أبعرة .
الخامس: الموضحة، وهي التي تكشف عن وضح العظم - أي بياضه - وفيها خمسة أبعرة.
السادس : الهاشمة ، وهي التي تهشم العظم وتكسره ، والحكم مخصوص بالكسر وإن لم يكن جرح ، وفيها عشرة أبعرة . والأحوط في اعتبار الأسنان هاهنا أرباعاً في الخطأ وأثلاثاً في شبيه العمد : وقد مرّ اختلاف الروايات في دية الخطأ وشبيه العمد ، واحتملنا التخيير ، وقلنا بالاحتياط ، فلو قلنا في دية الخطأ
ص: 634
عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقّة ، فالأحوط هاهنا بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حقق ، ولا بدّ من الأخذ بهذا الفرض دون الفروض الاُخر ، والأحوط في شبيه العمد أربع خلفة ثنيّة وثلاث حقق وثلاث بنات لبون .
السابع : المنقّلة ، وهي - على تفسير جماعة - التي تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره ، وفيها خمسة عشر بعيراً .
الثامن : المأمومة ، وهي التي تبلغ اُمّ الرأس ؛ أي الخريطة التي تجمع الدماغ . وفيها ثلث الدية حتّى في الإبل على الأحوط ، وإن كان الأقوى الاكتفاء في الإبل بثلاثة وثلاثين بعيراً .
(مسألة 1) : الدامغة : وهي التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ وتصل إلى الدماغ ، فالسلامة معها بعيدة ، وعلى تقديرها تزيد على المأمومة بالحكومة .
(مسألة 2) : الجائفة : وهي التي تصل إلى الجوف من أيّ جهة ؛ سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً . فيها الثلث على الأحوط . وقيل : تختصّ الجائفة بالرأس ، فهي من الشجاج . والأظهر خلافه . ولو أجافه واحد وأدخل آخر سكّينه - مثلاً - في الجرح ولم يزد شيئاً فعلى الثاني التعزير حسب ، وإن وسّعها باطناً أو ظاهراً ففيه الحكومة ، وإن وسّعها فيهما - بحيث يحدث جائفة - فعليه الثلث دية الجائفة ، ولو طعنه من جانب وأخرج من جانب آخر كما طعن في صدره فخرج من ظهره فالأحوط التعدّد . ولا فرق في الجائفة بين الآلات حتّى نحو الإبرة الطويلة ، فضلاً عن البندقة .
ص: 635
(مسألة 3) : لو نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل - كرِجله أو يده - ففيها مائة دينار ، ويختصّ الحكم ظاهراً بما كانت ديته أكثر من مائة دينار . وأمّا المرأة فالظاهر أنّ في النافذة في أطرافها الحكومة .
(مسألة 4) : في الجناية بلطم ونحوه إذا اسودّ الوجه بها من غير جرح ولا كسر ، أرشها ستّة دنانير ، وإن اخضرّ ولم يسودّ ثلاثة دنانير ، وإن احمرّ دينار ونصف ، وفي البدن النصف ؛ ففي اسوداده ثلاثة دنانير ، وفي اخضراره دينار ونصف ، وفي احمراره ثلاثة أرباع الدينار ؛ ولا فرق في ذلك بين الرجل والاُنثى والصغير والكبير ، ولا بين أجزاء البدن ؛ كانت لها دية مقرّرة أو لا ، ولا في استيعاب اللون تمام الوجه وعدمه ، ولا في بقاء الأثر مدّة وعدمه . نعم ، إذا كان اللطم في الرأس فالظاهر الحكومة ، وإن أحدث الجناية تورّماً من غير تغيير لون فالحكومة ، ولو أحدثهما فالظاهر التقدير والحكومة .
(مسألة 5) : كلّ عضو ديته مقدّرة ففي شلله ثلثا ديته ، كاليدين والرجلين ، وفي قطعه بعد الشلل ثلث ديته .
(مسألة 6) : دية الشجاج في الرأس والوجه سواء كما مرّ ، والمشهور أنّ دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الذي يتّفق فيه الجراحة من دية الرأس أي النفس إن كان للعضو دية مقدّرة ، ففي حارصة اليد نصف بعير أو خمسة دنانير ، وفي حارصة إحدى أنملتي الإبهام نصف عشر بعير أو نصف دينار وهكذا ، وإن لم يكن له دية مقدّرة فالحكومة.
(مسألة 7) : المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات حتّى
ص: 636
تبلغ ثلث دية الرجل ، ثمّ تصير على النصف ؛ سواء كان الجاني رجلاً أو امرأة على الأقوى ؛ ففي قطع الإصبع منها مائة دينار ، وفي الاثنتين مائتان ، وفي الثلاث ثلاثمائة ، وفي الأربع مائتان . ويقتصّ من الرجل للمرأة وبالعكس في الأعضاء والجراح من غير ردّ حتّى تبلغ الثلث ، ثمّ يقتصّ مع الردّ لو جنت هي عليه لا هو عليها .
(مسألة 8) : كلّ ما فيه دية من أعضاء الرجل - كاليدين والرجلين والمنافع والجراح - ففيه من المرأة ديتها . وكذا من الذمّي ديته ، ومن الذمّية ديتها .
(مسألة 9) : كلّ موضع يقال فيه بالأرش أو الحكومة فهما واحد ، والمراد أ نّه يقوّم المجروح صحيحاً إن كان مملوكاً تارة ويقوّم مع الجناية اُخرى ، وينسب إلى القيمة الاُولى ، ويعرف التفاوت بينهما ، ويؤخذ من دية النفس بحسابه ، وقد قلنا : إنّه لو لم يكن تفاوت بحسب القيمة ، أو كان مع الجناية أزيد ، كما لو قطع إصبعه الزائدة التي هي نقص وبقطعها تزيد القيمة ، فلا بدّ من الحكومة بمعنىً آخر ، وهو حكم القاضي بالتصالح ، ومع عدمه بما يراه من التعزير وغيره حسماً للنزاع .
(مسألة 10) : من لا وليّ له فالحاكم وليّه في هذا الزمان ، فلو قتل خطأً أو شبيه عمد فله استيفاؤه ، فهل له العفو ؟ وجهان ، الأحوط عدمه .
ص: 637
وهي اُمور :
الجنين إذا ولج فيه الروح ففيه الدية كاملة - ألف دينار - إذا كان بحكم المسلم الحرّ وكان ذكراً ، وفي الاُنثى نصفها ، وإذا اكتسى اللحم وتمّت خلقته ففيه مائة دينار ؛ ذكراً كان الجنين أو اُنثى ، ولو لم يكتس اللحم وهو عظم ففيه ثمانون ديناراً ، وفي المضغة ستّون ، وفي العلقة أربعون ، وفي النطفة إذا استقرّت في الرحم عشرون ؛ من غير فرق في جميع ذلك بين الذكر والاُنثى .
(مسألة 1) : لو كان الجنين ذمّياً فهل ديته عشر دية أبيه أو عشر دية اُمّه ؟ فيه تردّد ، وإن كان الأوّل أقرب .
(مسألة 2) : لا كفّارة على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح ، ولا تجب الدية كاملة ولا الكفّارة إلاّ بعد العلم بالحياة ولو بشهادة عادلين من أهل الخبرة ، ولا اعتبار بالحركة إلاّ إذا علم أ نّها اختيارية ، ومع العلم بالحياة تجب مع مباشرة الجناية .
(مسألة 3) : الأقوى أ نّه ليس بين كلّ مرتبة ممّا تقدّم ذكره والمرتبة التي بعدها شيء ، فما قيل : بينهما شيء بحساب ذلك ، غير مرضيّ .
(مسألة 4) : لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها ، فدية المرأة كاملة ودية اُخرى لموت ولدها ، فإن علم أ نّه ذكر فديته ، أو الاُنثى فديتها ، ولو اشتبه فنصف الديتين .
ص: 638
(مسألة 5) : لو ألقت المرأة حملها فعليها دية ما ألقته ، ولا نصيب لها من هذه الدية .
(مسألة 6) : لو تعدّد الولد تعدّدت الدية ، فلو كان ذكراً واُنثى فدية ذكر واُنثى وهكذا ، وفي المراتب المتقدّمة كلّ مورد اُحرز التعدّد دية المرتبة متعدّدة .
(مسألة 7) : دية أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديته ؛ أي من حساب المائة ، ففي يده خمسون ديناراً ، وفي يديه مائة ، وفي الجراحات والشجاج على النسبة . هذا فيما لم تلجه الروح ، وإلاّ فكغيره من الأحياء .
(مسألة 8) : من أفزع مجامعاً فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير ضياع النطفة .
(مسألة 9) : لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء إنسان ، فإن حصل بسقوطه نقص ففيه الحكومة ، ولو وردت على اُمّها جناية فديتها .
(مسألة 10) : دية الجنين إن كان عمداً أو شبهه في مال الجاني ، وإن كان خطأً فعلى العاقلة إذا ولج فيه الروح ، وفي غيره تأمّل وإن كان الأقرب أ نّها على العاقلة .
(مسألة 11) : في قطع رأس الميّت المسلم الحرّ مائة دينار ، وفي قطع جوارحه بحساب ديته ، وبهذه النسبة في سائر الجنايات عليه ؛ ففي قطع يده خمسون ديناراً ، وفي قطع يديه مائة ، وفي قطع إصبعه عشرة دنانير ، وكذا الحال في جراحه وشجاجه . وهذه الدية ليست لورثته بل للميّت ، تصرف في وجوه الخير ، ويتساوى في الحكم الرجل والمرأة والصغير والكبير ، وهل يؤدّى منها دين الميّت ؟ الظاهر نعم .
ص: 639
الثاني من اللواحق : في العاقلة
والكلام فيها في أمرين :
الأوّل : تعيين المحلّ ، وهو العصبة ، ثمّ المعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الإمام علیه السلام . وضابط العصبة من تقرّب بالأبوين أو الأب ، كالإخوة وأولادهم وإن نزلوا والعمومة وأولادهم كذلك .
(مسألة 1) : في دخول الآباء وإن علوا والأبناء وإن نزلوا في العصبة خلاف ، والأقوى دخولهما فيها .
(مسألة 2) : لا تعقل المرأة بلا إشكال ، ولا الصبيّ ولا المجنون على الظاهر وإن ورثوا من الدية ، ولا أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة ، ولا أهل البلد إن لم يكونوا عصبة ، ولا يشارك القاتل العصبة في الضمان ويعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى إذا كانوا عصبة .
(مسألة 3) : هل يتحمّل الفقير حال المطالبة - وهو حول الحول - شيئاً أم لا ؟ فيه تأمّل وإن كان الأقرب بالاعتبار عدم تحمّله .
(مسألة 4) : تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد ، والأقوى عدم تحمّلها ما نقص عنها .
(مسألة 5) : تضمن العاقلة دية الخطأ ، وقد مرّ أ نّها تستأدى في ثلاث سنين كلّ سنة عند انسلاخها ثلثاً ؛ من غير فرق بين دية الرجل والمرأة ، والأقرب أنّ حكم التوزيع إلى ثلاث سنين ، جارٍ في مطلق دية الخطأ من النفوس وجنايات اُخر .
ص: 640
(مسألة 6) : لا رجوع للعاقلة بما تؤدّيه على الجاني كما مرّ . والقول بالرجوع ضعيف .
(مسألة 7) : لا تعقل العاقلة ما يثبت بالإقرار بل لا بدّ من ثبوته بالبيّنة ، فلو ثبت أصل القتل بالبيّنة ، وادّعى القاتل الخطأ ، وأنكرت العاقلة فالقول قولها بيمين ، فمع عدم ثبوت الخطأ بالبيّنة ففي مال الجاني .
(مسألة 8) : لا تعقل العاقلة العمد وشبهه كما مرّ ، ولا ما صولح به في العمد وشبهه ، ولا سائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد أو شبهه .
(مسألة 9) : لو جنى شخص على نفسه خطأً - قتلاً أو ما دونه - كان هدراً ولا تضمنه العاقلة .
(مسألة 10) : ليس بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة ، وإنّما يؤخذ ذلك من أموالهم ، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين إذا أدّوا إليه الجزية .
(مسألة 11) : لا يعقل إلاّ من علم كيفية انتسابه إلى القاتل ، وثبت كونه من العصبة ، فلا يكفي كونه من قبيلة فلان حتّى يعلم أ نّه عصبته ، ولو ثبت كونه عصبة بالبيّنة الشرعية لا يسمع إنكار الطرف .
(مسألة 12) : لو قتل الأب ولده عمداً أو شبه عمد فالدية عليه ، ولا نصيب له منها ، ولو لم يكن له وارث غيره فالدية للإمام علیه السلام . ولو قتله خطأً فالدية على العاقلة يرثها الوارث ، وفي توريث الأب هنا قولان أقربهما عدمه ، فلو لم يكن له وارث غيره يرث الإمام علیه السلام .
ص: 641
(مسألة 13) : عمد الصبيّ والمجنون في حكم الخطأ ، فالدية فيه على العاقلة .
(مسألة 14) : لا يضمن العاقلة جناية بهيمة لو جنت بتفريط من المالك أو بغيره ، ولا تضمن إتلاف مال ، فلو أتلف مال الغير خطأً ، أو أتلفه صغير أو مجنون ، فلا تضمنه العاقلة ، فضمانها مخصوص بالجناية من الآدمي على الآدمي على نحو ما تقدّم . ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في سائر المحالّ ؛ أي المعتق وضامن الجريرة والإمام علیه السلام .
الثاني : في كيفية التقسيط ، وفيها أقوال : منها : على الغنيّ عشرة قراريط ؛ أي نصف الدينار ، وعلى الفقير خمسة قراريط . ومنها : يقسّطها الإمام علیه السلام أو نائبه على ما يراه بحسب أحوال العاقلة ؛ بحيث لا يجحف على أحد منهم . ومنها : أنّ الفقير والغنيّ سواء في ذلك ، فهي عليهما ، والأخير أشبه بالقواعد بناءً على تحمّل الفقير .
(مسألة 1) : هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث ، فيؤخذ من الأقرب فالأقرب على حسب طبقات الإرث ؛ فيؤخذ من الآباء والأولاد ، ثمّ الأجداد والإخوة من الأب وأولادهم وإن نزلوا ، ثمّ الأعمام وأولادهم وإن نزلوا ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الطبقات ، أو يجمع بين القريب والبعيد في العقل ، فيوزّع على الأب والابن والجدّ والإخوة وأولادهم وهكذا من الموجودين حال الجناية ؟ وجهان ، لا يبعد أن يكون الأوّل أوجه .
(مسألة 2) : هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفية الإرث ، فلو كان الوارث في الطبقة الاُولى - مثلاً - منحصراً بأب وابن ، يؤخذ من الأب سدس الدية ، ومن
ص: 642
الابن خمسة أسداس ، أو يؤخذ منهما على السواء ؟ وجهان ، ولو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث فهل يؤخذ منه العقل أم لا ؟ وجهان .
(مسألة 3) : لو لم يكن في طبقات الإرث أحد ، ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة ، فالعقل على الإمام علیه السلام من بيت المال ، ولو كان ولم يكن له مال فكذلك ، ولو كان له مال ولا يمكن الأخذ منه فهل هو كذلك ؟ فيه تردّد .
(مسألة 4) : لو كان في إحدى الطبقات وارث وإن كان واحداً ، لا يؤخذ من الإمام علیه السلام العقل ، بل يؤخذ من الوارث .
(مسألة 5) : ابتداء زمان التأجيل في دية القتل خطأً من حين الموت ، وفي الجناية على الأطراف من حين وقوع الجناية ، وفي السراية من حين انتهاء السراية على الأشبه ، ويحتمل أن يكون من حين الاندمال ، ولا يقف ضرب الأجل إلى حكم الحاكم .
(مسألة 6) : بعد حلول الحول يطالب الدية ممّن تعلّقت به ، ولو مات بعد حلوله لم يسقط ما لزمه ، وثبت في تركته ، ولو مات في أثناء الحول ففي تعلّقه بتركته ، كمن مات بعد حلوله ، أو سقوطه عنه وتعلّقه بغيره ، إشكال وتردّد .
(مسألة 7) : لو لم تكن له عاقلة غير الإمام علیه السلام ، أو عجزت عن الدية ، تؤخذ من الإمام علیه السلام دون القاتل ، وقيل تؤخذ من القاتل ، ولو لم يكن له مال تُؤخذ من الإمام علیه السلام ، والأوّل أظهر .
(مسألة 8) : قد مرّ : أنّ دية العمد وشبه العمد في مال الجاني ، لكن لو هرب فلم يقدر عليه اُخذت من ماله إن كان له مال ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، فإن لم تكن له قرابة أدّاها الإمام علیه السلام ، ولا يبطل دم امرئ مسلم .
ص: 643
الثالث من اللواحق : في الجناية على الحيوان
وهي باعتبار المجنيّ عليه ثلاثة أقسام :
الأوّل : ما يؤكل في العادة كالأنعام الثلاثة وغيرها ، فمن أتلف منها شيئاً بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيّاً وذكيّاً ، ولو لم يكن بينهما تفاوت فلا شيء عليه وإن كان آثماً ، ولو أتلفه من غير تذكية لزمه قيمة يوم إتلافه ، والأحوط أعلى قيمتي يوم التلف والأداء ، ولو بقي فيه ما ينتفع به ، كالصوف والوبر وغيرهما ممّا ينتفع به من الميتة ، فهو للمالك ، ويوضع من قيمة التالف التي يغرمها .
(مسألة 1) : ليس للمالك دفع المذبوح - لو ذبح مذكّاة - ومطالبة المثل أو القيمة ، بل له ما به التفاوت .
(مسألة 2) : لو فرض أ نّه بالذبح خرج عن القيمة فهو مضمون كالتالف بلا تذكية .
(مسألة 3) : لو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئاً من عظامه مع استقرار حياته ، فللمالك الأرش ، ومع عدم الاستقرار فضمان الإتلاف . لكن الأحوط فيما إذا فقئت عين ذات القوائم الأربع أكثر الأمرين من الأرش وربع ثمنها يوم فُقئت ، كما أنّ الأحوط في إلقاء جنين البهيمة أكثر الأمرين ؛ من الأرش وعشر ثمن البهيمة يوم ألقت .
الثاني : ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية كالسباع ، فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش . وكذا لو قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار حياته . وإن أتلفه بغير ذكاة ضمن قيمته حيّاً يوم إتلافه ، والأحوط أكثر الأمرين من القيمة يوم إتلافه ويوم أدائها . ويستثنى من القيمة ما ينتفع به من الميتة كعظم الفيل .
ص: 644
(مسألة 4) : إن كان المتلف ما يحلّ أكله لكن لا يؤكل عادة - كالخيل والبغال والحمير الأهلية - كان حكمه كغير المأكول . لكن الأحوط في فق ء عينها ما ذكرنا في المسألة الثالثة .
(مسألة 5) : فيما لا يؤكل عادة لو أتلفه بالتذكية لا يعتبر لحمه ممّا ينتفع به ، فلا يستثنى من الغرامة . نعم ، لو فرض أنّ له قيمة كسنة المجاعة تستثنى منها .
الثالث : ما لا يقع عليه الذكاة ، ففي كلب الصيد أربعون درهماً . والظاهر عدم الفرق بين السلوقي وغيره ، ولا بين كونه معلّماً وغيره . وفي كلب الغنم عشرون درهماً ، وفي رواية : كبش ، والأحوط الأخذ بأكثرهما . والأحوط في كلب الحائط عشرون درهماً . وفي كلب الزرع قفيز من برّ عند المشهور - على ما حكي - وفي رواية : جريب من برّ ، وهو أحوط . ولا يملك المسلم من الكلاب غير ذلك ، فلا ضمان بإتلافه .
(مسألة 6) : كلّ ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير لا ضمان فيه لو أتلفه ، وما لم يدلّ دليل على عدم قابليته للملك يتملّك لو كان له منفعة عقلائية ، وفي إتلافه ضمان الإتلاف كما في سائر الأموال .
(مسألة 7) : ما يملكه الذمّي - كالخنزير - مضمون بقيمته عند مستحلّيه ، وفي الجناية على أطرافه الأرش .
الأوّل : لو أتلف على الذمّي خمراً أو آلة من اللهو ونحوه ممّا يملكه الذمّي في مذهبه ضمنها المتلف ولو كان مسلماً . ولكن يشترط في الضمان قيام الذمّي بشرائط الذمّة ، ومنه الاستتار في نحوها ، فلو أظهرها ونقض شرائط
ص: 645
الذمّة فلا احترام لها ، ولو كان شيء من ذلك لمسلم لا يضمنه الجاني متجاهراً كان أو مستتراً .
(مسألة 1) : الخمر التي تتّخذ للخلّ محترمة لا يجوز إهراقها ، ويضمن لو أتلفها . وكذا موادّ آلات اللهو والقمار محترمة ، وإنّما هيئتها غير محترمة ولا مضمونة ، إلاّ أن يكون إبطال الهيئة ملازماً لإتلاف المادّة ، فلا ضمان حينئذٍ .
(مسألة 2) : قارورة الخمر وكذا سائر ما فيه الخمر محترمة ، ففي كسرها وإتلافها الضمان ، وكذا محالّ آلات اللهو ومحفظتها .
الثاني : إذا جنت الماشية على الزرع في الليل ضمن صاحبها ، ولو كان نهاراً لم يضمن . هذا إذا جنت الماشية بطبعها . وأمّا لو أرسلها صاحبها نهاراً إلى الزرع فهو ضامن . كما أنّ الضمان بالليل ثابت في غير مورد جري الأمر على خلاف العادة ، مثل أن تخرب حيطان الربض بزلزلة وخرجت الماشية أو أخرجها السارق فجنت ، فالظاهر في الأمثال والنظائر لا ضمان على صاحبها .
الثالث : دية الكلاب بما عرفت دية مقدّرة شرعية ، لا أ نّها قيم في زمان التقدير ، فحينئذٍ لا يتجاوز عن الدية ولو كانت قيمتها أكثر أو أقلّ .
(مسألة 3) : لو غصبها غاصب فإن أتلفها بعد الغصب فليس عليه إلاّ الدية المقدّرة . واحتمال أنّ عليه أكثر الأمرين منها ومن قيمتها السوقية غير وجيه . وأمّا لو تلفت تحت يده وبضمانه فالظاهر ضمان القيمة السوقية - لا الدية المقدّرة - على إشكال ، كما أ نّه لو ورد عليها نقص وعيب فالأرش على الغاصب .
(مسألة 4) : لو جنى على كلب له دية مقدّرة فالظاهر الضمان ، لكن تلاحظ نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقية ، فيؤخذ بالنسبة من الدية ، فلو فرض أنّ قيمته سليماً مائة دينار ومعيباً عشرة دنانير ، يؤخذ عشر ما هو المقدّر .
ص: 646
الرابع من اللواحق : في كفّارة القتل
(مسألة 1) : تجب كفّارة الجمع في قتل المؤمن عمداً وظلماً ، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً .
(مسألة 2) : تجب الكفّارة المرتّبة في قتل الخطأ المحض وقتل الخطأ شبه العمد ، وهي العتق ، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً .
(مسألة 3) : إنّما تجب الكفّارة إذا كان القتل بالمباشرة بحيث ينسب إليه بلا تأوّل ، لا بالتسبيب ، كما لو طرح حجراً أو حفر بئراً أو أوتد وتداً في طريق المسلمين ، فعثر عاثر فهلك ، فإنّ فيه الضمان كما مرّ ، وليس فيه الكفّارة .
(مسألة 4) : تجب الكفّارة بقتل المسلم ؛ ذكراً كان أو اُنثى ، صبيّاً أو مجنوناً محكومين بالإسلام ، بل بقتل الجنين إذا ولجته الروح .
(مسألة 5) : لا تجب الكفّارة بقتل الكافر ؛ حربياً كان أو ذمّياً أو معاهداً ، عن عمد كان أو لا .
(مسألة 6) : لو اشترك جماعة في قتل واحد - عمداً أو خطأً - فعلى كلّ واحد منهم كفّارة .
(مسألة 7) : لو أمر شخص بقتله فقتله فعلى القاتل الكفّارة ، ولو أدّى العامد الدية ، أو صالح بأقلّ أو أكثر ، أو عفي عنها ، لم تسقط الكفّارة .
(مسألة 8) : لو سلّم نفسه فقتل قوداً فهل تجب في ماله الكفّارة ؟ وجهان ، أوجههما العدم .وقد ذكرنا في كتاب الكفّارات ما يتعلّق بالمقام .
ص: 647
(مسألة 1) : التأمين : عقد واقع بين المؤمّن والمستأمن - المؤمّن له - بأن يلتزم المؤمّن جبر خسارة كذائية إذا وردت على المستأمن ، في مقابل أن يدفع المؤمّن له مبلغاً ، أو يتعهّد بدفع مبلغ يتّفق عليه الطرفان .
(مسألة 2) : يحتاج هذا العقد كسائر العقود إلى إيجاب وقبول ، ويمكن أن يكون الموجب المؤمّن والقابل المستأمن ؛ بأن يقول المؤمّن : «عليّ جبر خسارة كذائية في مقابل كذا ، أو أنا ملتزم بجبر خسارة كذائية في مقابل كذا» فيقبل المستأمن ، وبالعكس بأن يقول المستأمن : «عليّ أداء كذا في مقابل جبر خسارة على كذا» فيقبل المؤمّن ، أو «في مقابل عهدتك جبرها» . ويقع بكلّ لفظ .
(مسألة 3) : يشترط في الموجب والقابل كلّ ما يشترط فيهما في سائر العقود : كالبلوغ والعقل وعدم الحجر والاختيار والقصد ، فلا يصحّ من الصغير والمجنون والمحجور عليه والمكره والهازل ونحوه .
(مسألة 4) : يشترط في التأمين مضافاً إلى ما تقدّم اُمور : الأوّل : تعيين
ص: 648
المؤمّن عليه من شخص أو مال أو مرض ونحو ذلك . الثاني : تعيين طرفي العقد من كونهما شخصاً أو شركة أو دولة مثلاً . الثالث : تعيين المبلغ الذي يدفع المؤمّن له إلى المؤمّن . الرابع : تعيين الخطر الموجب للخسارة ، كالحرق والغرق والسرقة والمرض والوفاة ونحو ذلك . الخامس : تعيين الأقساط التي يدفعها المؤمّن له لو كان الدفع أقساطاً ، وكذا تعيين أزمانها . السادس : تعيين زمان التأمين ابتداءً وانتهاءً ، وأمّا تعيين مبلغ التأمين - بأن يعيّن ألف دينار مثلاً - فغير لازم ، فلو عيّن المؤمّن عليه ، والتزم المؤمّن ؛ بأنّ كلّ خسارة وردت عليه فعليّ ، أو أنا ملتزم بدفعها ، كفى .
(مسألة 5) : الظاهر صحّة التأمين مع الشرائط المتقدّمة من غير فرق بين أنواعه من التأمين على الحياة أو على السيّارات والطائرات والسفن ونحوها ، أو على المنقولات برّاً وجوّاً وبحراً ، بل على عمّال شركة أو دولة ، أو على أهل بيت أو قرية ، أو على نفس القرية أو البلد أو أهلهما ، وكان المستأمن حينئذٍ الشركاء أو رئيس الشركة أو الدولة أو صاحب البيت أو القرية ، بل للدول أن يستأمنوا أهل بلد أو قطر أو مملكة .
(مسألة 6) : الظاهر أنّ التأمين عقد مستقلّ . وما هو الرائج ليس صلحاً ولا هبة معوّضة بلا شبهة ، ويحتمل أن يكون ضماناً بعوض ، والأظهر أ نّه مستقلّ ليس من باب ضمان العهدة ، بل من باب الالتزام بجبران الخسارة ؛ وإن أمكن الإيقاع بنحو الصلح والهبة المعوّضة والضمان المعوّض ، ويصحّ على جميع التقادير على الأقوى . وعقد التأمين لازم ليس لأحد الطرفين فسخه إلاّ مع الشرط ، ولهما التقايل .
ص: 649
(مسألة 7) : الظاهر صحّة التأمين بالتقابل ؛ وذلك بأن تتّفق جماعة على تكوين مؤسّسة فيها رأس مال مشترك لجبر خسارة ترد على أحدهم . وهذا أيضاً صحيح على الأظهر ، وهو معاملة مستقلّة أيضاً ؛ مرجعها الالتزام بجبر خسارة من المال المشترك في مقابل جبر خسارة كذلك . ويمكن أن يقع العقد بنحو عقد الضمان ؛ بأن يضمن كلّ خسارة شركائه بالنسبة في مقابل ضمان الآخر ، إلاّ أنّ الأداء من المال المشترك . ولكن الأظهر فيه الالتزام بجبر الخسارة في مقابل جبر بنسبة مالهم المشترك من ذلك المال . وهذا العقد لازم . ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كلّ في ضمنه خسارة كلّ واحد منهم ، وحينئذٍ يكون جائزاً لا لازماً .
(مسألة 8) : الظاهر صحّة التأمين المختلط مع الاشتراك في الأرباح التي تحصل للشركة من الاستفادة بالاتّجار بتلك المبالغ المجتمعة من المشتركين ؛ سواء كان التأمين على الحياة ؛ بأن يدفع مبلغ التأمين عند وفاة المؤمّن عليه ، أو عند انتهاء مدّة التأمين - وللمؤمّن الحقّ في الاشتراك في الأرباح حسب القرار ، فيضاف نصيب كلّ من الأرباح إلى مبلغ التأمين - أو على جبر الخسارة مع الاشتراك في الأرباح كما ذكر ، فإنّ ذلك شركة عقدية مع شرط أو شرائط سائغة . ولو كان من بعضهم العمل ومن بعضهم النقود ، وكان القرار نحو المضاربة ، صحّ أيضاً عندي ؛ لعدم اعتبار كون المدفوع في مال المضاربة الذهب والفضّة المسكوكين ، بل المعتبر كونه من النقود في مقابل العروض . وهذا العقد لازم إن لم يرجع إلى المضاربة ، وإن كان عقد مضاربة في ضمنه التأمين فجائز من الطرفين .
(مسألة 9) : لو التزم المؤمّن بدفع إضافة على مبلغ التأمين فالظاهر أ نّه
ص: 650
لا بأس به ، كمن أمّن على حياته عند شركة التأمين لمدّة معلومة على مبلغ معلوم ، واستوفت الشركة أقساطاً شهرية مقدّرة في قبال التأمين ، وتلتزم الشركة بدفع مبلغ إضافة على مبلغ التأمين ترغيباً لأهل التأمين ، فإنّ تلك الزيادة ليست من الربا القرضي ؛ لعدم كون أداء الأقساط قرضاً ، بل التأمين معاملة مستقلّة اشترط في ضمنها ذلك ، والشرط سائغ نافذ لازم العمل .
(مسألة 10) : لا بأس بإعادة التأمين ؛ بأن طلب بعض شركات التأمين لدى شركات عظيمة أوسع منها التأمين لشركته التأمينية .
وهي على قسمين : أحدهما : ما يعبّر عن وجود قرض حقيقي ؛ بأن كان لشخص على آخر دين - كمائة دينار - على مدّة معلومة ، فيأخذ الدائن من المديون الورقة . ثانيهما : ما يعبّر عن قرض صوري ، ويسمّى بالمجاملة ، فلا يكون دين على شخص .
(مسألة 1) : في النوع الأوّل إذا أخذ الورقة لينزّلها عند شخص ثالث بمبلغ أقلّ ؛ بأن يبيع ما في ذمّة المدين بأقلّ منه ، لا إشكال فيه إذا لم يكن العوضان من المكيل والموزون ، كالإسكناس الإيراني والدينار العراقي والدولار وسائر الأوراق النقدية ، فإنّها غير مكيلة ولا موزونة ، والاعتبار من الدول جعلها أثماناً ، وليست أمثالها معبّرة عن الذهب والفضة ، بل قابليتها للتبديل بها موجبة لاعتبارها ، والمعاملة تقع بنفسها ، والكمپيالات معبّرة عن الأوراق النقدية ، وبعد المعاملة على ذمّة المدين يصير هو مديوناً للشخص الثالث . هذا إذا قصدا بذلك البيع حقيقةً ، لا الفرار من الربا القرضي ، ولا يجوز ذلك إذا كانت ربوية
ص: 651
وإن قصدا به البيع حقيقةً . وأمّا إذا أخذ الدائن عن الثالث قرضاً وحوّله على ذمّة المدين أكثر ممّا أخذ فهو حرام مطلقاً ؛ سواء كان من المكيل أو الموزون أو لا ؛ وإن كان القرض صحيحاً(1) .
(مسألة 2) : لا تجوز المعاملة بالكمپيالات الصورية المعبّر عنها بالمجاملة «سفته دوستانه» إلاّ أن ترجع إلى أحد الوجوه الآتية(2) :
منها : أن يقال : إنّ دفع الورقة إلى الآخر لينزّلها عند شخص ثالث ، ويرجع الثالث في الموعد المقرّر إلى المدين الصوري ، يرجع في الحقيقة إلى توكيله بأن يوقع المعاوضة مع الثالث في ذمّة المدين الصوري ، فيصير المدين الصوري بعد المعاملة بوكالته مديوناً حقيقة للثالث ، ولمّا كان المفروض بيع غير الأجناس الربوية صحّت المبايعة بالأقلّ والأكثر . وأيضاً ذلك العمل إذن له في اقتراض
ص: 652
الدائن الصوري ما يأخذه لنفسه ، ولا بدّ من عدم اشتراط الربح ، ويدفع الزيادة مجّاناً أو عملاً بالاستحباب الشرعي ، وللدافع الرجوع إلى الدائن الصوري للقرار الضمني وعدم كونه متبرّعاً .
ومنها : أنّ دفع الورقة إليه لينزّلها ويرجع الثالث إليه موجب لأمرين : أحدهما : صيرورة الدائن الصوري ذا اعتبار بمقدار الورقة لدى الثالث - البنك أو غيره - ولذلك يعامل على ذمّة الدائن الصوري ، فيصير هو مديوناً للشخص الثالث . ثانيهما : التزام من المديون الصوري بأداء المقدار المذكور لو لم يؤدّ الدائن الصوري الذي صار مديوناً حقيقة للشخص الثالث . وهذا التزام ضمني لأجل معهودية الرجوع إليه عند عدم دفع المدين ، ويجوز للدافع الرجوع إلى المدفوع عنه لو لم يكن متبرّعاً ، وكان ذلك أيضاً لازم القرار المذكور . والظاهر صحّة المعاملة بعد عدم كونها ربوية وصحّة الالتزام المذكور ، فإنّه من قبيل ضمّ الذمّة إلى الذمّة ، ويصحّ بحسب القواعد وإن لم يرجع إلى الضمان على المذهب الحقّ .
ومنها : الصورة السابقة بحالها إلاّ أنّ الدائن الصوري بعمله يصير ضامناً على فرض عدم أداء صاحبه ؛ بمعنى نقل الذمّة إلى الذمّة في فرض عدم الأداء . وهذا أيضاً له وجه صحّة ؛ وإن لا يخلو من إشكال . ثمّ لو دفع المدين الصوري إلى الثالث ما التزمه أو ضمنه ، فله الرجوع إلى الدائن الصوري وأخذ ما دفعه عنه .
(مسألة 3) : بعد ما كان المتعارف في عمل البنوك ونحوها ، الرجوع إلى بائع «الكمپيالة» وإلى كلّ من كان توقيعه عليها لدى عدم أداء دافعها ؛ لأجل القوانين الجارية عرفاً ، وكان هذا أمراً معهوداً عند جميعهم ، كان ذلك التزاماً ضمنياً منهم بعهدة الأداء عند المطالبة . وهذا أيضاً شرط في ضمن القرار وهو لازم المراعاة .
ص: 653
نعم ، مع عدم العلم بذلك وعدم معهوديته لم يكن قراراً ولم يلزم بشيء .
(مسألة 4) : ما يأخذه البنك أو غيره من المديون عند تأخّر الدفع بعد حلول الأجل وعدم تسليم المبلغ من قبل المديون الصوري ، حرام لا يجوز أخذه وإن كان بمراضاة المتعاملين .
(مسألة 5) : الكمپيالات وسائر الأوراق التجارية لا مالية لها ، وليست من النقود ، والمعاملات الواقعة بها لم تقع بنفسها ، بل بالنقود وغيرها التي تلك الأوراق معبّرة عنها ، ودفعها إلى الدائن لا يسقط ذمّة المدين ، ولو تلف شيء منها في يد غاصب ونحوه أو أتلفه شخص لم يضمنه ضمان التلف أو الإتلاف . وأمّا الأوراق النقدية كالإسكناس والدينار والدولار وغيرها فلها مالية اعتبارية ، وهي نقود كالدينار والدرهم المسكوكين من الذهب والفضّة ، دفعها إلى الدائن مسقط لذمّته ، وفي تلفها وإتلافها ضمان كسائر الأموال .
(مسألة 6) : قد تقدّم : أنّ الأوراق النقدية لا يجري فيها الربا غير القرضي ، فيجوز تبديل بعضها ببعض بالزيادة والنقيصة ؛ سواء كان المتبادلان من نقد مملكتين كتبديل الدينار بالإسكناس ، أو لا كتبديل الإسكناس بمثله والدينار بمثله ؛ من غير فرق بين كون معتمدها (پشتوانه) ذهباً وفضّة ، أو غيرهما من المعادن كالأحجار الكريمة والنفط . نعم ، لو فرض في مورد تكون الأوراق المذكورة كالأوراق التجارية ، كان حكمها كتلك الأوراق ، لكنّه مجرّد فرض . هذا إذا قصد بذلك البيع دون القرض ، وإلاّ فلا يجوز(1) .
ص: 654
(مسألة 7) : الأوراق النقدية لا تتعلّق بها الزكاة ، ولا يجري فيها حكم بيع الصرف . نعم ، الأقوى جواز المضاربة بها .
(مسألة 1) : استئجار الأعيان المستأجرة - دكّةً كانت أو داراً أو غيرهما - لا يوجب حدوث حقّ للمستأجر فيها ؛ بحيث لا يكون للمؤجر إخراجه بعد تمام الإجارة . وكذا طول مدّة بقائه وتجارته في محلّ الكسب ، أو كون وجاهته وقدرته التجاري الموجبتين لتوجّه النفوس إلى مكسبه ، لا يوجب شيء منها حدوث حقّ له على الأعيان ، فإذا تمّت مدّة الإجارة يجب عليه تخلية المحلّ وتسليمه إلى صاحبه ، فلو بقي في المكان المذكور مع عدم رضا المالك كان غاصباً عاصياً ، وعليه ضمان المكان لو تلف ولو بآفة سماوية ، كما عليه اُجرة مثل المكان ما دام كونه تحت يده وعدم تسليمه إلى مالكه .
(مسألة 2) : لو آجر هذا الشخص ذلك المكان المغصوب كانت الإجارة فاسدة ، ولو أخذ شيئاً بعنوان مال الإجارة فهو حرام ، فإن تلف أو أتلفه كان ضامناً للدافع ، كما أنّ الدافع إذا قبض المحلّ صار ضامناً لمالكه ، وعليه اُجرة مثله له .
(مسألة 3) : السرقفلية التي يأخذها الغاصب في هذه الصورة حرام ، ولو تلف ما أخذه عنده أو أتلفه فهو ضامن لمالكه .
(مسألة 4) : لو استأجر محلاًّ للتجارة في مدّة طويلة - كعشرين سنة مثلاً - وكان له حقّ إيجاره من غيره ، واتّفق ترقّي اُجرة مثل المحلّ في أثناء المدّة ، فله إجارته بالمقدار الذي استأجره وأخذ مقدار بعنوان السرقفلية لأن يؤجره منه على حسب توافقهما .
ص: 655
(مسألة 5) : لو استأجر دكّة - مثلاً - وشرط على المؤجر أن لا يزيد على مبلغ الإجارة إلى مدّة طويلة - مثلاً - وشرط أيضاً أ نّه لو حوّل المحلّ إلى غيره وهو إلى غيره وهكذا ، يعمل المؤجر معه معاملته ، ثمّ اتّفق ارتفاع اُجرته ، فله أن يحوّل المحلّ إلى غيره ليعمل المؤجر معه معاملته معه ، ويأخذ مقداراً بعنوان السرقفلية ليحوّل المحلّ إليه ، ويحلّ السرقفلية بهذا العنوان .
(مسألة 6) : لو شرط على المؤجر في ضمن عقد الإجارة أن لا يزيد على مبلغ الإجارة ما دام المستأجر فيه ، ولا يكون له حقّ إخراجه ، وعليه إيجاره كلّ سنة بالمقدار المذكور ، فله أخذ مقدار بعنوان السرقفلية من المؤجر أو من شخص آخر ليسقط حقّه أو لتخلية المحلّ .
(مسألة 7) : لو شرط على المؤجر في ضمن العقد أن لا يؤجر المحلّ من غيره ، ويؤجره منه سنوياً بالإجارة المتعارفة في كلّ سنة ، فله أخذ مقدار بعنوان السرقفلية لإسقاط حقّه أو لتخلية المحلّ .
(مسألة 8) : للمالك أن يأخذ أيّ مقدار شاء بعنوان السرقفلية من شخص ليؤجر المحلّ منه ، كما أنّ للمستأجر في أثناء مدّة الإجارة أن يأخذ السرقفلية من ثالث للإيجار منه إذا كان له حقّ الإيجار .
(مسألة 1) : لا فرق في البنوك وأنواعها من الداخلية والخارجية والحكومية وغيرها في الأحكام الآتية ، ولا في أنّ ما يؤخذ منها محلّل يجوز التصرّف فيها ، كسائر ما يؤخذ من ذوي الأيادي من أرباب التجارات والصناعات وغيرها ، إلاّ
ص: 656
مع العلم بحرمة ما أخذه أو اشتماله على حرام . وأمّا العلم بأنّ في البنك أو في المؤسّسة الكذائية محرّمات ، فلا يؤثّر في حرمة المأخوذ وإن احتمل كونه منها .
(مسألة 2) : جميع المعاملات المحلّلة التي لو أوقعها مع أحد المسلمين كانت صحيحة ، محكومة بالصحّة لو أوقعها مع البنوك مطلقاً حكومية كانت أو لا ، خارجية أو داخلية .
(مسألة 3) : الأمانات والودائع التي يدفعها أصحابها إلى البنوك إن كانت بعنوان القرض والتمليك بالضمان لا مانع منه ، وجاز للبنك التصرّف فيها ، ويحرم قرار النفع والفائدة ، كما يحرم إعطاء تلك الفوائد وأخذها ، ومع الإتلاف أو التلف يكون الآخذ ضامناً للفوائد وإن صحّ القرض(1) .
(مسألة 4) : لا فرق في قرار النفع بين التصريح به عند القرض وبين إيقاعه مبنيّاً عليه ، فلو كان قانون البنك إعطاء النفع في القرض وأقرضه مبنيّاً على ذلك كان محرّماً .
(مسألة 5) : لو فرض في مورد لا يكون الاقتراض والقرض بشرط النفع ، جاز(2) أخذ الزيادة بلا قرار .
(مسألة 6) : لو كان ما يدفعه إلى البنك بعنوان الوديعة والأمانة ، فإن لم يأذن في التصرّف فيها لا يجوز للبنك ذلك ، ولو تصرّف كان ضامناً ، ولو أذن جاز ،
ص: 657
وكذا لو رضي به . وما يدفعه البنك إليه حلال على الصورتين إلاّ أن يرجع الإذن في التصرّف الناقل إلى التملّك بالضمان ، فإنّ الزيادة المأخوذة مع قرار النفع حرام وإن كان القرض صحيحاً ، والظاهر أنّ الودائع في البنك من هذا القبيل ، فما يسمّى وديعةً وأمانةً قرضٌ واقعاً ، ومع قرار النفع تحرم الفائدة(1) .
(مسألة 7) : الجوائز التي يدفع البنك تشويقاً للإيداع والقرض ونحوهما إلى من تصيبه القرعة المقرّرة ، محلّلة لا مانع منها ، وكذا الجوائز التي تعطيها المؤسّسات بعد إصابة القرعة للتشويق وجلب المشتري ، وكذا ما يجعله صاحب بعض المؤسّسات ضمن بعض أمتعته تشويقاً وتكثيراً للمشتري ، فإنّ كلّ ذلك حلال لا مانع منه .
(مسألة 8) : قيل : من أعمال البنك الاعتمادات المستندية ، والمراد منها : أن يتمّ عقد بين تاجر وشركة - مثلاً - في خارج البلاد على نوع من البضاعة ، وبعد تمامية المعاملة من الجهات الدخيلة فيها ، يتقدّم التاجر إلى البنك ويطلب «فتح اعتماد» ، ويدفع إلى البنك قسماً من قيمة البضاعة ، ويقوم البنك بعد ذلك بدفع القيمة تامّة إلى الشركة ويتسلّم البضاعة ، وتسجّل باسم البنك من حين التصدير ، وعند وصولها إلى المحلّ يخبر البنك مالكها بالوصول ، وتحوّل البضاعة من اسم البنك إلى اسم مالكها ، بعد أن يدفع ما دفعه البنك إلى الشركة ممّا بقي من قيمة البضاعة ، ويتقاضى البنك عن هذه العملية عمولةً مقطوعة إزاء خدماته ، وفائدةً
ص: 658
على المبلغ الباقي طيلة الفترة الواقعة بين يوم تسليمه إلى الشركة إلى يوم تسلّمه من صاحب البضاعة . ثمّ إن دفع التاجر ما بقي من القيمة وما يتقاضى البنك يسلّمها إيّاه ، وإلاّ فيتصدّى لبيع البضاعة واستيفاء حقّه ، فهل ما يأخذه البنك من الزيادة جائز حلال أم لا ؟ أو ما يأخذه بإزاء خدماته من التسجيل والتسلّم والتسليم ونحو ذلك جائز ، وما أخذه بعنوان الفائدة لتأخير ثمنه حرام ؟ الظاهر الأخير إذا كان ما يدفع البنك إلى الشركة أداءً لدين صاحب البضاعة قرضاً له ، كما أنّ الظاهر كذلك في الخارج ، وكذا لو كان ما يدفعه البنك أداءً لدينه ، فيصير صاحب البضاعة مديوناً له ، ويأخذ مقداراً لأجل تأخير دينه ، فإنّه حرام(1) . وأمّا تصدّي البنك لبيع البضاعة مع الشرط في ضمن القرار ، فلا مانع منه ؛ لرجوع ما ذكر إلى توكيله لذلك ، فيجوز الشراء منه .
(مسألة 9) : من أعمال البنوك ونحوها الكفالة : بأن يتعهّد شخص لآخر بالقيام بعمل كبناء قنطرة مثلاً ، ويتعهّد البنك أو غيره للمتعهّد له بكفالة الطرف - أي المتعهّد - وضمانه ؛ بأن يدفع عنه مبلغاً لو فرض عدم قيامه بما تعهّد للمتعهّد له ، ويتقاضى الكفيل ممّن يكفله عمولة بإزاء كفالته ، والظاهر صحّة هذه الكفالة الراجعة إلى عهدة الأداء عند عدم قيام المتعهّد بما تعهّد ، وجواز أخذ العمولة بإزاء كفالته أو بإزاء أعمال اُخر من ثبت الكفالة ونحوها ، وإذا كانت الكفالة بإذن المتعهّد جاز له الرجوع إليه لأخذ ما دفعه ، وليس للمتعهّد أن يمتنع منه .
(مسألة 10) : من أعمالها الحوالات ، وقد يطلق عليها : صرف «البرات» ، فإن دفع شخص إلى البنك أو التاجر مبلغاً معيّناً في بلد ، ويحوّله البنك - مثلاً - إلى
ص: 659
بنك بلد آخر ، ويأخذ البنك منه مبلغاً معيّناً بإزاء تحويله ، فلا إشكال فيه بيعاً كان أو قرضاً ، وكذا لو كان الأخذ بعنوان حقّ العمل ، وإن أراد أن يأخذ من البنك أو نحوه مبلغاً معيّناً ، ويحوّله البنك على تسلّم المبلغ من بنك في بلد آخر ، ويأخذ البنك منه مبلغاً معيّناً ، فإن كان ذلك القرار بيع مبلغ بمبلغ أزيد ليحوّله إلى البنك صحّ ، ولا إشكال فيه بشرط أن لا يكون هذا وسيلة للفرار من الربا القرضي ، وكذا إن كان قرضاً ، لكن لم يشترط الزيادة ، بل أخذها بعنوان حقّ العمل مع عدم كونه فراراً من الربا . وأمّا إن كان قرضاً بشرط الزيادة فهو حرام ؛ وإن كان القرض مبنيّاً على الزيادة ، وكان الشرط ارتكازياً غير مصرّح به ، ولكن القرض صحيح(1) .
(مسألة 11) : الصكوك «چك» البنكية كالأوراق التجارية لا مالية لها ، بل هي معبّرة عن مبلغ معيّن في البنك ، ولا يجوز بيعها وشراؤها في نفسها . نعم ، الصكّ الذي يسمّى في إيران بالصكّ التضميني «چك تضميني» ، يكون من الأوراق النقدية كالدينار والإسكناس ، فيصحّ بيعه وشراؤه ، ومن أتلفه ضمن لمالكه كسائر الأموال ، ويجوز بيعه بالزيادة ، ولا ربا فيه إلاّ إذا جعل البيع وسيلة للتخلّص عن الربا القرضي(2) .
(مسألة 12) : أعمال البنوك الرهنية : إن كانت إقراضاً إلى مدّة بالنفع المعيّن وأخذ الرهن مقابله وشرط بيع المرهون وأخذ ماله لو لم يدفع المستقرض في
ص: 660
رأس أجله ، يصحّ أصل القرض والرهن ، ويبطل اشتراط النفع والزيادة ، ولا يجوز أخذها . نعم ، يجوز الأخذ لو كان بعنوان حقّ العمل إذا لم يكن حيلة للتخلّص من الربا . وإن كانت من قبيل بيع السلف ؛ بأن باع الطالب مائتين سلفاً بمائة حالاًّ ، واشترط المشتري عليه - ولو بنحو الشرط الضمني الارتكازي - وثيقةً ، وكونه وكيلاً في بيعها عند التخلّف وأخذ مقدار حقّه ، فلا يصحّ البيع ولا الرهن ولا الوكالة(1) .
(مسألة 1) : قد شاع في البلاد من قبل بعض الشركات نشر بطاقات اليانصيب وبيعها بإزاء مبلغ معيّن ، ويتعهّد صاحب الشركة بأن يقرع ، فمن أصابت القرعة بطاقته يعطيه مبلغاً معيّناً . وهذا البيع باطل ، وأخذ المال بإزاء البطاقة موجب للضمان . وكذا أخذ المال بعد إصابة القرعة حرام موجب لضمان الآخذ للمالك الواقعي .
(مسألة 2) : لا فرق في حرمة ثمن البطاقة بين أن يدفعه الطالب لاحتمال إصابة القرعة باسمه ؛ من غير بيع وشراء ، وبين بيعها وشرائها لهذا الغرض ، ففي الصورتين أخذ المال حرام ، وأخذ ما يعطى لأجل إصابة القرعة حرام .
ص: 661
(مسألة 3) : قد بدّل أرباب الشركات عنوان اليانصيب بعنوان الإعانة للمؤسّسات الخيرية ؛ لإغفال المتديّنين والمؤمنين ، والعمل خارجاً هو العمل بلا فرق جوهري يوجب الحلّية ، فالمأخوذ بهذا العنوان أيضاً حرام ، وكذا المأخوذ بعد إصابة القرعة .
(مسألة 4) : لو فرض بعيداً قيام شركة بنشر بطاقات للإعانة حقيقة على المؤسّسات الخيرية ، ودفع كلّ من أخذ بطاقة مالاً لذلك المشروع ، ودفع أو صرف الشركة ما أخذه فيها ، وتعطي من مالها مبلغاً لمن أصابته القرعة هبة ومجّاناً للتشويق ، فلا إشكال في جواز الأمرين . وكذا لو اُعطي الجائزة من المال المأخوذ من الطالبين برضاً منهم ، لكنّه مجرّد فرض لا واقعية له ، فالأوراق المبتاعة في الحال الفعلي بيعها وشراؤها غير جائز ، والمأخوذ بعنوان إصابة القرعة حرام .
(مسألة 5) : لو اُصيبت القرعة واُخذ المبلغ ، فإن عرف صاحب الأموال يجب الدفع إليه ، وإلاّ فهي من مجهول المالك يجب الصدقة بها عن مالكها الواقعي ، والأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي في الصدقة .
(مسألة 6) : لا يجوز على الأحوط لو لم يكن الأقوى لمن أخذ المال الذي أصابته القرعة ، صرفه وتملّكه صدقة عن مالكه ولو كان فقيراً ، بل عليه أن يتصدّق به على الفقراء .
(مسألة 7) : إذا أعطى ما أصابته القرعة من المال الكثير فقيراً ، وشرط عليه أن يأخذ لنفسه بعضاً ويردّ الباقي إليه ، فالظاهر عدم جوازه ، وعدم جوازه للفقير أيضاً . نعم ، لو أعطاه الفقير ما يناسب حاله بلا اشتراط لا إشكال فيه .
ص: 662
هذه جملة من المعاملات المستحدثة . وأمّا المسائل المستحدثة الاُخر وما ستستحدثها الأعصار الآتية فكثيرة جدّاً ، وتجري في كثير من أبواب الفقه ، وقد صعب استقصاؤها ، ولكن نذكر جملة حادثة منها أو في اُهبة الحدوث .
(مسألة 1) : لا إشكال في أنّ تلقيح ماء الرجل بزوجته جائز ؛ وإن وجب الاحتراز عن حصول مقدّمات محرّمة ، ككون الملقّح أجنبيّاً ، أو التلقيح مستلزماً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، فلو فرض أنّ النطفة خرجت بوجه محلّل ، ولقّحها الزوج بزوجته ، فحصل منها ولد كان ولدهما ، كما لو تولّد بالجماع ، بل لو وقع التلقيح من ماء الرجل بزوجته بوجه محرّم - كما لو لقّح الأجنبيّ ، أو أخرج المنيّ بوجه محرّم - كان الولد ولدهما ، وإن أثما بارتكاب الحرام .
(مسألة 2) : لا يجوز التلقيح بماء غير الزوج ؛ سواء كانت المرأة ذات بعل أو لا ، رضي الزوج والزوجة بذلك أو لا ، كانت المرأة من محارم صاحب الماء كاُمّه واُخته أو لا .
(مسألة 3) : لو حصل عمل التلقيح بماء غير الزوج ، وكانت المرأة ذات بعل ، وعلم أنّ الولد من التلقيح ، فلا إشكال في عدم لحوق الولد بالزوج ، كما لا إشكال في لحوقه بصاحب الماء والمرأة إن كان التلقيح شبهة ، كما في الوط ء شبهة ، فلو لقّحها بتوهّم أ نّها زوجته وأنّ الماء له فبان الخلاف ، يلحق الولد بصاحب الماء والمرأة . وأمّا لو كان مع العلم والعمد ففي الإلحاق إشكال ، وإن كان الأشبه ذلك . لكن المسألة مشكلة لا بدّ فيها من الاحتياط ، ومسائل الإرث في باب التلقيح شبهةً كمسائله في الوط ء شبهة ، وفي العمدي المحرّم لا بدّ من الاحتياط .
ص: 663
(مسألة 4) : لا يجوز تزويج المولود لو كان اُنثى من صاحب الماء ، ولا تزويج الولد اُمّه أو اُخته أو غيرهما من المحارم . وبالجملة : لا يجوز نكاح كلّ من لا يجوز نكاحه لو كان التوليد بوجه شرعي .
(مسألة 5) : الأحوط ترك النظر إلى من جاز النظر إليه لو كان المولود بطريق شرعي ؛ وإن كان الأشبه الجواز . هذا فيما إذا لم يحصل التلقيح شبهة ، وإلاّ فلا إشكال في الجواز .
(مسألة 6) : للتلقيح والتوليد أنواع يمكن تحقّقها في المستقبل :
منها : أن تؤخذ النطفة التي هي منشأ الولد من الأثمار والحبوب ونحوهما ، وبعمل التلقيح بالمرأة تصير منشأً للولد ، ومعلوم أ نّه لا يلحق بغير اُمّه ، وإلحاقه بها أضعف إشكالاً من تلقيح ماء الرجل .
ومنها : أن يؤخذ ماء الرجل ، ويربّى في رحم صناعية كتوليد الطيور صناعياً ، فيلحق بالرجل ، ولا يلحق بغيره .
ومنها : أن تؤخذ النطفة من الأثمار ونحوها فتجعل في رحم صناعية فيحصل التوليد . وهذا القسم - لو فرض - لا إشكال فيه بوجه ، ولا يلحق بأحد .
(مسألة 7) : لو حصل من ماء رجل في رحم صناعية ذكر واُنثى ، يكونان أخاً واُختاً من قبل الأب ، ولا اُمّ لهما ، فلا يجوز نكاحهما ولا نكاح من حرم نكاحه من قبل الأب لو كان التوليد بوجه عادي . ولو حصل من نطفة صناعية في رحم امرأة ذكر واُنثى ، فهما أخ واُخت من قبل الاُمّ ، ولا أب لهما ، فلا يجوز تزويجهما ولا تزويج من حرم من قبل الاُمّ .
(مسألة 8) : لو تولّد الذكر والاُنثى من نطفة صناعية ورحم صناعية فالظاهر
ص: 664
أنّه لا نسبة بينهما ، فجاز تزويج أحدهما بالآخر ، ولا توارث بينهما وإن اُخذت النطفة من تُفّاحة واحدة مثلاً .
(مسألة 9) : لو تولّد الطفل بواسطة العلاج قبل مدّة أقلّ الحمل ، كما لو أسرع عن سيره الطبيعي بواسطة بعض الأشعّات ، أو تولّد بعد مدّة أكثر الحمل ؛ للمنع عن سيره الطبيعي والإبطاء به ، يلحق الطفل بأبيه بعد العلم بكونه من مائه . ولو صار ذلك طبيعياً لأجل ضعف أشعّة الشمس وتغيير طبيعة الأرض ، يلحق الولد بالفراش مع الشكّ أيضاً . وكذا لو كان في بعض المناطق طبيعي أكثر الحمل أو أقلّه على خلاف مناطقنا ، يحكم بإلحاق الولد مع إمكانه ، ولا يُقاس بمناطقنا .
(مسألة 10) : لو انتقل الحمل في حال كونه علقة أو مضغة ، أو بعد ولوج الروح من رحم امرأة إلى رحم امرأة اُخرى ، فنشأ فيها وتولّد ، هل هو ولد الاُولى أو الثانية ؟ لا شبهة في أ نّه من الاُولى إذا انتقل بعد تمام الخلقة وولوج الروح ، كما أ نّه لا إشكال في ذلك إذا اُخرج وجعل في رحم صناعية وربّي فيها . وأمّا لو اُخرج قبل ذلك - حال مضغته مثلاً - ففيه إشكال . نعم ، لو ثبت أنّ نطفة الزوجين منشأ للطفل فالظاهر إلحاقه بهما ؛ سواء انتقل إلى رحم المرأة أو رحم صناعية .
(مسألة 1) : لا يجوز تشريح الميّت المسلم ، فلو فعل ذلك ففي قطع رأسه وجوارحه دية ذكرناها في الديات ، وأمّا غير المسلم فيجوز ؛ ذمّياً كان أو غيره ، ولا دية ولا إثم فيه .
(مسألة 2) : لو أمكن تشريح غير المسلم للتعلّمات الطبّية ، لا يجوز تشريح
ص: 665
المسلم وإن توقّف حياة مسلم أو جمع من المسلمين عليه ، فلو فعل مع إمكان تشريح غيره أثم ، وعليه الدية .
(مسألة 3) : لو توقّف حفظ حياة المسلم على التشريح ، ولم يمكن تشريح غير المسلم ، فالظاهر جوازه . وأمّا لمجرّد التعلّم فلا يجوز ما لم تتوقّف حياة مسلم عليه .
(مسألة 4) : لا إشكال في وجوب الدية إذا كان التشريح لمجرّد التعلّم ، وأمّا في مورد الضرورة والتوقّف المتقدّم فلا يبعد السقوط على إشكال .
(مسألة 5) : لا يجوز قطع عضو من الميّت لترقيع عضو الحيّ إذا كان الميّت مسلماً ، إلاّ إذا كان حياته متوقّفة عليه . وأمّا إذا كان حياة عضوه متوقّفة عليه فالظاهر عدم الجواز ، فلو قطعه أثم ، وعليه الدية . هذا إذا لم يأذن قطعه . وأمّا إذا أذن في ذلك ففي جوازه إشكال ، لكن بعد الإجازة ليس عليه الدية وإن قلنا بحرمته . ولو لم يأذن الميّت فهل لأوليائه الإذن ؟ الظاهر أ نّه ليس لهم ذلك ، فلو قطعه بإذن الأولياء عصى وعليه الدية .
(مسألة 6) : لا مانع من قطع عضو ميّت غير مسلم للترقيع ، لكن بعده يقع الإشكال في نجاسته وكونه ميتة لا تصحّ الصلاة فيه . ويمكن أن يقال فيما إذا حلّ الحياة فيه : خرج عن عضوية الميّت وصار عضواً للحيّ ، فصار طاهراً حيّاً وصحّت الصلاة فيه . وكذا لو قطع العضو من حيوان - ولو كان نجس العين - ورقّع فصار حيّاً بحياة المسلم .
(مسألة 7) : لو قلنا بجواز القطع والترقيع بإذن من صاحب العضو زمان حياته ، فالظاهر جواز بيعه لينتفع به بعد موته ، ولو قلنا بجواز إذن أوليائه
ص: 666
فلا يبعد أيضاً جواز بيعه للانتفاع به . ولا بدّ من صرف الثمن للميّت ؛ إمّا لأداء دينه ، أو صرفه للخيرات له ، وليس للوارث حقّ فيه .
فروع :
الأوّل : الأقوى جواز الانتفاع بالدم في غير الأكل وجواز بيعه لذلك ، فما تعارف من بيع الدم من المرضى وغيرهم لا مانع منه ، فضلاً عمّا إذا صالح عليه ، أو نقل حقّ الاختصاص . ويجوز نقل الدم من بدن الإنسان إلى آخر ، وأخذ ثمنه بعد تعيين وزنه بالآلات الحديثة ، ومع الجهل لا مانع من الصلح عليه ، والأحوط أخذ المبلغ للتمكين على أخذ دمه مطلقاً ، لا مقابل الدم ، ولا يترك الاحتياط ما أمكن .
الثاني : الأقوى حرمة الذبيحة التي ذبحت بالمكائن الحديثة . وإن اجتمع في الذبح جميع شرائطه ، فضلاً عمّا إذا كان الذبح من القفا أو غير مستقبل القبلة ، فالذبح بالمكائن ميتة نجسة لا يجوز أكلها ولا شراؤها ، ولا يملك البائع الثمن المأخوذ بإزائها ، وهو ضامن للمشتري .
الثالث : ما يسمّى عند بعض بحقّ الطبع ليس حقّاً شرعياً ، فلا يجوز سلب تسلّط الناس على أموالهم بلا تعاقد وتشارط ، فمجرّد طبع كتاب والتسجيل فيه : بأنّ حقّ الطبع والتقليد محفوظ لصاحبه لا يوجب شيئاً ، ولا يعدّ قراراً مع غيره ، فجاز لغيره الطبع والتقليد ، ولا يجوز لأحد منعه عن ذلك .
الرابع : ما تعارف من ثبت صنعة لمخترعها ومنع غيره عن التقليد والتكثير ، لا أثر له شرعاً ، ولا يجوز منع الغير عن تقليدها والتجارة بها ، وليس لأحد سلب سلطنة غيره عن أمواله ونفسه .
ص: 667
الخامس : ما تعارف من حصر التجارة في شيء أو أشياء بمؤسّسة أو تجّار ونحوهما ، لا أثر له شرعاً ، ولا يجوز منع الغير عن التجارة والصنعة المحلّلتين وحصرهما في أشخاص .
السادس : لا يجوز تثبيت سعر الأجناس ومنع ملاّكها عن البيع بالزيادة .
السابع : للإمام علیه السلام ووالي المسلمين أن يعمل ما هو صلاح للمسلمين ؛ من تثبيت سعر أو صنعة أو حصر تجارة أو غيرها ؛ ممّا هو دخيل في النظام وصلاح للجامعة .
(مسألة 1) : الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس ، وكذا لا يحرم العمل في الخُنثى ليصير ملحقاً بأحد الجنسين . وهل يجب ذلك لو رأت المرأة في نفسها تمايلات من سنخ تمايلات الرجل ، أو بعض آثار الرجولية ، أو رأى المرء في نفسه تمايلات الجنس المخالف أو بعض آثاره ؟ الظاهر عدم وجوبه إذا كان الشخص حقيقة من جنس ؛ ولكن أمكن تغيير جنسيته بما يخالفه .
(مسألة 2) : لو فرض العلم بأ نّه داخل قبل العمل في جنس مخالف ، والعملية لا تبدّل جنسه بآخر ، بل تكشف عمّا هو مستور ، فلا شبهة في وجوب ترتيب آثار الجنس الواقعي وحرمة آثار الجنس الظاهر ، فلو علم بأ نّه رجل يجب عليه ما يجب على الرجال ، ويحرم عليه ما يحرم عليهم وبالعكس . وأمّا وجوب تغيير صورته وكشف ما هو باطن ، فلا يجب إلاّ إذا توقّف العمل
ص: 668
بالتكاليف الشرعية أو بعضها عليه وعدم إمكان الاحتراز عن المحرّمات الإلهية إلاّ به فيجب .
(مسألة 3) : لو تزوّج امرأة فتغيّر جنسها فصارت رجلاً ، بطل التزويج من حين التغيير وعليه المهر تماماً لو دخل بها قبل التغيير ، فهل عليه نصفه مع عدم الدخول أو تمامه ؟ فيه إشكال ، والأشبه التمام . وكذا لو تزوّجت امرأة برجل فغيّر جنسه بطل التزويج من حين التغيير ، وعليه المهر مع الدخول ، وكذا مع عدمه على الأقوى .
(مسألة 4) : لو تغيّر الزوجان جنسهما إلى المخالف ، فصار الرجل امرأة وبالعكس ، فإن كان التغيير غير مقارن فالحكم كما مرّ ، وإن قارن التغاير فهل يبطل النكاح أو بقيا على نكاحهما وإن اختلفت الأحكام ، فيجب على الرجل الفعلي النفقة وعلى المرأة الإطاعة ؟ الأحوط تجديد النكاح ، وعدم زواج المرأة الفعلية بغير الرجل الذي كان زوجته إلاّ بالطلاق بإذنهما ؛ وإن لا يبعد بقاء نكاحهما .
(مسألة 5) : لو تغيّر جنس المرأة في زمان عدّتها سقطت العدّة حتّى عدّة الوفاة .
(مسألة 6) : لو تغيّر جنس الرجل إلى المخالف فالظاهر سقوط ولايته على صغاره ، ولو تغيّر جنس المرأة لا يثبت لها الولاية على الصغار ، فولايتهم للجدّ للأب ، ومع فقده للحاكم .
(مسألة 7) : لو تغيّر جنس كلّ من الأخ والاُخت بالمخالف لم ينقطع انتسابهما ، بل يصير الأخ اُختاً وبالعكس . وكذا في تغيير الأخين أو الاُختين ،
ص: 669
ولو تغيّر العمّ صار عمّة وبالعكس ، والخال خالة وبالعكس وهكذا ، فلو مات عن ابن جديد وبنت جديدة للذكر الفعلي ضعف الاُنثى الفعلية ، وهكذا في سائر طبقات الإرث . لكن يبقى الإشكال في إرث الأب والاُمّ والجدّ والجدّة ، فلو تغيّر جنس الأب إلى المخالف لا يكون فعلاً أباً ولا اُمّاً ، وكذا في تغيير جنس الاُمّ ، فإنّ الرجل الفعلي لا يكون اُمّاً ولا أباً . فهل يرثان بلحاظ حال التوليد أو لأجل الأقربية والأولوية أو لا يرثان ؟ فيه تردّد ، والأشبه الإرث ، والظاهر أنّ اختلافهما في الإرث بلحاظ حال انعقاد النطفة ، فللأب حال الانعقاد ثلثان ، وللاُمّ ثلث ، والأحوط التصالح .
(مسألة 8) : لو تغيّر جنس الاُمّ ، فهل تكون بعد الرجولية محرماً لحليلة ابنها كالأب أم لا ؟ لا يبعد على إشكال . ولو تغيّر جنس الأب ، فهل يكون في حال اُنوثيته محرماً لابنه وإن لم يكن اُمّاً له ؟ الظاهر ذلك . ولو تغيّرت زوجة الابن وصارت رجلاً ، فهل هي محرم على اُمّ زوجها السابق ؟ لا يبعد ذلك على إشكال .
(مسألة 9) : ما ذكرناه في الأقرباء نسباً يأتي في الأقرباء رضاعاً ، كالاُمّ والأب الرضاعيّين والاُخت والأخ وهكذا .
(مسألة 10) : يثبت ما ذكرناه فيما إذا غيّر جنس بجنس واقعاً . وأمّا لو كان العمل كاشفاً عن واقع مستور ، وأنّ من صار رجلاً بعد العمل كان رجلاً من أوّل الأمر ، يستكشف منه أنّ ما رتّب على الرجل الصوري والمرأة الصورية رتّب على غير موضوعه ، فتحدث مسائل اُخر .
ص: 670
(مسألة 1) : لهذه الآلات الحديثة منافع محلّلة عقلائية ومنافع محرّمة غير مشروعة ، ولكلّ حكمه ، فجاز الانتفاع المحلّل ؛ من الأخبار والمواعظ ونحوهما من الراديو ، وإراءة الصور المحلّلة لتعليم صنعة محلّلة ، أو عرض متاع محلّل ، أو إراءة عجائب الخلقة بحراً وبرّاً . ولا يجوز الانتفاع المحرّم كسماع الغناء وإذاعته وإذاعة ما هو مخالف للشريعة المطهّرة ، كالأحكام الصادرة من المصادر غير الصالحة المخالفة لأحكام الإسلام ، وإراءة ما هو مخالف للشرع ومفسد لعقائد الجامعة وأخلاقها .
(مسألة 2) : لمّا كان أكثر استعمال تلك الآلات في اُمور غير مشروعة ؛ بحيث يعدّ غير ذلك نادراً في بلادنا ، لا اُجيز بيعها إلاّ ممّن يطمأنّ بعدم استعمالها إلاّ في المحلّل ، ويجتنب عن محرّماتها ، ولا يجعلها في اختيار من يستعملها في المحرّمات ، ولا شراءها إلاّ لمن لم يستعملها إلاّ في المحلّل ، ويمنع غيره عن استعمالها في غير المشروع .
(مسألة 3) : لا يجب جواب سلام من يسلّم بواسطة الإذاعة ، ويجب جواب من سلّم تلفوناً .
(مسألة 4) : لو سمع آية السجدة من مثل الراديو ، فإن اُذيعت قراءة شخص مستقيمة وجبت السجدة ، وإن اُذيعت من المسجّلات لا تجب .
(مسألة 5) : يسقط الأذان والإقامة إذا سمعهما من مثل الراديو بشرط إذاعتهما مستقيمة ، وإن اُذيعت من المسجّلات لم يسقطا بسماعهما ، ولا يستحبّ حكايتهما في الفرض ، ولا يسقطا بحكايتهما .
ص: 671
(مسألة 6) : يحرم استماع الغناء ونحوه من المحرّمات من مثل الراديو ؛ سواء اُذيعت مستقيمة أو بعد الضبط في المسجّلة .
(مسألة 7) : استماع الغيبة إذا اُذيعت مستقيمة حرام ، وإلاّ فليس بمحرّم من حيث استماع الغيبة . نعم ، يمكن التحريم من جهات اُخر ، ككشف سرّ المؤمن - مثلاً - وإهانته .
(مسألة 8) : الأحوط ترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه في مثل التلفزيون ، كبدن الأجنبيّة وشعرها وعورة الرجل .
(مسألة 9) : لا يبعد جواز الطلاق بواسطة الإذاعة والمكبّرة إذا سمعه شاهدان عدلان ، ولا يجب حضورهما في مجلس الطلاق ، والأحوط خلافه . هذا إذا اُجري الطلاق في الإذاعة مستقيماً ، لا بواسطة المسجّلة . والحكم في الظهار كالطلاق .
(مسألة 10) : لا إشكال في وجوب ترتيب الآثار على الإقرار بواسطة التلفون أو المكبّرة أو الراديو ونحوها ؛ إذا علم بأنّ الصوت من المقرّ ، وكان ذلك مستقيماً لا من المسجّلات ؛ سواء كان الإقرار بحقّ لغيره ؛ حتّى بما يوجب القصاص ، أو بما يوجب حدّاً من حدود اللّه . كما لا إشكال في سماع البيّنة على حقّ أو حدّ إذا اُقيمت مستقيمة لا من المسجّلة ، وعلم أنّ الصوت من الشاهدين العدلين . وكذا يجب ترتيب الآثار على حكم الحاكم وثبوت الحقّ به ، وكذا الهلال وغيرهما من موارد الحكم مع الشرط المذكور . والظاهر جواز استحلاف القاضي من عليه الحلف بواسطة المكبّرة أو التلفون ، وحلفه من ورائهما بالشرط المذكور . والظاهر جريان الحكم في سائر الموارد التي رتّب فيها الحكم على إنشاء أو
ص: 672
إخبار ، كالقذف واللعان والغيبة والتهمة والفحش ، وسائر ما يكون موضوعاً للحكم ؛ بشرط العلم بكون المتكلّم به فلاناً ، أو قامت البيّنة على ذلك .
(مسألة 11) : هل يترتّب الأحكام والآثار على الأقارير وغيرها إذا كانت مضبوطة في المسجّلات ؟ لا شبهة في أنّ ما في المسجّلات لا يترتّب عليها الآثار ، فلا يكون نشر ما في المسجّلة إقراراً ولا شهادة ولا قذفاً ولا حكماً ولا غيرها ، لكن لو علم أنّ ما سجّل في المسجّلات هو الإقرار المضبوط من فلان ، يؤخذ بإقراره من باب الحكاية عن إقراره ، لا من باب كون هذا إقراراً ، ومن باب الكشف عن شهادة البيّنة وحكم الحاكم وقذف القاذف ، وهكذا إذا علم أنّ ما هو المضبوط ضبط وسجّل من الواقع المحقّق ، ومع احتمال كون هذا الصوت مشابهاً لما نسب إليه لا يترتّب عليه أثر ؛ لا على ما اُذيع من المسجّلات ، ولا على ما اُذيع مستقيماً بغير وسط .
(مسألة 1) : يجوز الصلاة في الطائرات مع مراعاة استقبال القبلة ، ولو دخل في الصلاة مستقبلاً ، فانحرفت الطائرة يميناً أو شمالاً ، فحوّل المصلّي إلى القبلة بعد السكوت عن القراءة والذكر ، صحّت صلاته وإن انجرّ التحويل تدريجاً إلى مقابل الجهة الاُولى . وأمّا لو استدبر ثمّ تحوّل بطلت صلاته ، فلو صلّى في طائرة مارّة على مكّة أو الكعبة المكرّمة بطلت ؛ لعدم إمكان حفظ الاستقبال ، وأمّا لو طارت حول مكّة وحوّل المصلّي تدريجاً وجهه إلى القبلة صحّت .
(مسألة 2) : لو ركب طائرة فطارت أربع فراسخ عمودياً تقصر صلاته وصومه ، ولو طارت فرسخين - مثلاً - عمودياً ، فألغت جاذبة الأرض بطريق
ص: 673
علمي ، فدارت الأرض وبقيت الطائرة غير دائرة ، فرجعت إلى الأرض بعد نصف دور - مثلاً - لم تقصر صلاته ولا صومه ؛ مثلاً : لو فرض كون الطائرة في بغداد ، فطارت عمودياً وبقيت في الفضاء غير دائرة بتبع الأرض ، وبعد ساعات رجعت ، وكان المرجع لندن - مثلاً - كانت صلاته تامّة ولم يكن مسافراً .
(مسألة 3) : لو فاتت صلاة صبحه في طهران - مثلاً - وركب طائرة تقطع بين طهران وإسلامبول ساعة ، ووصل إليه قبل طلوع الشمس بنصف ساعة ، كانت صلاته أداءً بعد ما صارت قضاءً . وهل يجب عليه مع عدم العسر والحرج أن يسافر لتحصيل الصلاة الأدائية ؟ الظاهر ذلك ، وهكذا بالنسبة إلى سائر صلواته . ولو فاتت صلاته في طهران - مثلاً - وسافر مع تلك الطائرة وشرع في صلاته قضاءً ، ووصل إلى مكان لم يفت فيه الوقت ، فأدرك منه آخر صلاته ، فإن أدرك ركعة فالظاهر أ نّها تقع أداءً ، وإن أدرك أقلّ منها ففيه إشكال . ولو شرع في المغرب قضاءً فأدرك الركعة الثانية في الوقت ، ثمّ رجعت الطائرة فخرج الوقت بين صلاته - فيكون وسطها في الوقت وطرفاها خارجه - صحّت ، لكن في كونها أداءً أو قضاءً تأمّلاً ، ولا يبعد مع إدراك ركعة كونها أداءً . ولو ركب طائرة فدخل في قضاء صلاة العصر من يومه بعد الغروب ، فصعدت عمودياً ورأى الشمس بين صلاته ، ثمّ هبطت وغربت الشمس ، ثمّ صعدت فرآها وهكذا ، صحّت صلاته ، ولا يبعد كونها أداءً إذا أدرك من الوقت ركعة متّصلة ، وأمّا إذا أدرك الأقلّ أو بمقدارها لكن لا متّصلة ، ففي كونها أداءً أو قضاءً تأمّل .
(مسألة 4) : لو صلّى الظهرين أوّل الوقت في طهران ، وركب الطائرة ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم ، فهل تجب عليه الظهران المأتيّ بهما عند الزوال ؟ الظاهر عدم الوجوب .
ص: 674
(مسألة 5) : لو رئي هلال ليلة الفطر في إسلامبول ، وسافر إلى طهران وكان فيه ليلة آخر الصيام ، فهل يجب عليه الصوم ؟ الظاهر ذلك ، بل الظاهر وجوبه ولو صام في إسلامبول ثلاثين يوماً ، ففرق بين الصوم والصلاة في الحكم . ولو صام في طهران - مثلاً - إلى غروب الشمس ولم يفطر ، فسافر إلى إسلامبول ووصل إليه قبل الغروب من هذا اليوم ، فهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب أم لا ؟ الظاهر عدم الوجوب ، وإن كان أحوط . ولو صام في إسلامبول وسافر قبل الغروب بساعتين إلى طهران ، وأدرك الليل في أثناء الطريق ولم يفطر ، ورجع إلى إسلامبول قبل غروب الشمس في هذا اليوم ، فهل يجب الإمساك إلى الغروب ؟ الأحوط ذلك ؛ وإن كان عدم الوجوب أشبه . وكذا لو صام في محلّ إلى الغروب ، ثمّ ركب طائرة فصعدت عمودياً حتّى رأى الشمس . ولو سافر بعد الزوال من طهران بلا نيّة الصوم ، ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم ، فالظاهر جواز نيّة الصوم لو لم يأت بمفطر ، ومراعاة الاحتياط حسن . ولو كان آخر شعبان في طهران أوّل رمضان في إسلامبول ، فبقي في طهران إلى الليل ، فذهب إلى إسلامبول ووصل إليه الليلة الثانية من الشهر ، وكان الشهر في إسلامبول تسعة وعشرين يوماً ، فصام فيه وكان صومه ثمانية وعشرين يوماً ، فهل يجب عليه قضاء يوم ؟ الأحوط ذلك ، بل لا يخلو من قرب . ولو سافر مع طائرة ويكون تمام الشهر ليلاً بالنسبة إليه ، يجب عليه القضاء ظاهراً . وكذا من كان في القطب وفات منه شهر رمضان على إشكال . ولو أصبح في طهران صائماً فأفطر عمداً ، ثمّ سافر إلى إسلامبول فوصل إليه قبل الفجر فصام اليوم بعينه ، فهل تجب عليه الكفّارة والقضاء ؟ لا إشكال في عدم وجوب القضاء ، وفي وجوب الكفّارة إشكال ، والأحوط ذلك ، بل هو الأقرب .
ص: 675
(مسألة 6) : لو صلّى صلاة عيد الفطر في إسلامبول ، وسافر إلى طهران ، ووصل إليه قبل الزوال من آخر شهر الصيام وبعدُ لم يفطر ، فهل يجب الصوم عليه ، كمن وصل إلى وطنه قبل زوال يوم الصوم ؟ الظاهر وجوبه ، وليس صومه مركّباً من حرام وواجب ، كما لم يكن كذلك لو حضر من السفر مع حرمة الصوم فيه ، والأحوط له الإفطار قبل الوصول إلى طهران . وهل يجب عليه قضاء هذا اليوم ، الذي كان يوم عيد له في إسلامبول ويوم صوم في طهران ؟ فيه إشكال ، والأشبه وجوبه إذا حضر اليوم من أوّله ، بل من قبل الزوال على الأحوط .
(مسألة 7) : لو عيّد في إسلامبول وأدّى زكاة الفطرة ، ووصل إلى طهران قبل غروب ليلة الفطر ، فهل يجب عليه زكاة الفطرة ثانياً بإدراك غروب العيد ؟ الظاهر عدم الوجوب وإن كان أحوط . نعم ، لو لم يؤدّها في إسلامبول يجب أداؤها في طهران . ولو صلّى العيد في إسلامبول فالظاهر عدم وجوبها أو استحبابها ثانياً .
(مسألة 8) : لو كان يوم الفطر في إسلامبول يحرم عليه الصوم ، ولو سافر إلى طهران وكان غداً يوم العيد يحرم عليه . وكذا الحال في الأضحى ، فكان الصوم المحرّم عليه أربعة أيّام في السنة .
(مسألة 9) : لو سافر مع طائرة تكون حركتها مساوية لحركة الأرض ، وكان سيرها مخالفاً لسير الأرض من الشرق إلى الغرب ، فلا محالة لو سافر أوّل طلوع الشمس ، كان سيرها دائماً أوّل الطلوع ولو سارت ألف ساعة ، فهل يحرم السفر معها للزوم ترك الصلاة ، أو يجوز ولا صلاة عليه أداءً ولا قضاءً ، أو عليه القضاء فقط ؟ الظاهر عدم جواز السفر معها . ولو قيل بجوازه فالظاهر عدم صلاة عليه أداءً ولا قضاءً . وكذا لا صوم عليه أداءً ولا قضاءً لو سافر قبل طلوع الفجر . ولو
ص: 676
كان بعده فهل يجب قضاء هذا اليوم فقط ؟ فيه إشكال ، والأحوط القضاء . ولو سافر عند زوال الشمس معها ، يجب عليه الظهران وإن وقع جميع الركعات في أوّل الزوال . ولو نذر صوم يوم الجمعة - مثلاً - سفراً فنوى الصوم في محلّ ، ثمّ سافر أوّل طلوع الشمس فكان تمام يومه أوّل الطلوع ، ثمّ أسرعت بسيرها ، فلا محالة يدخل فيما بين الطلوعين ثمّ الليل - أي السحر - فصام يوم الجمعة إلى الليل بهذا النحو ، فلا يبعد صحّته والوفاء بنذره . نعم ، لو أسرعت بعد ساعة أو ساعات قبل تمام اليوم بالنسبة إلينا ، فدخل ليلة الجمعة بسيرها ، فالظاهر عدم الوفاء بنذره لعدم صوم تمام اليوم .
(مسألة 10) : لو سافر مع طائرة تكون سرعتها أكثر من حركة الأرض ، وسارت من الشرق إلى الغرب ، فلا محالة تطلع الشمس عليه من مغرب الأرض عكس الطلوع لأهل الأرض ، فهل الاعتبار في الصلوات بالطلوع والغروب بالنسبة إليه لا إلى أهل الأرض ، فيصلّي الصبح قبل طلوع الشمس من المغرب ، الذي هو وقت غروب أهل الأرض مثلاً ، والعشاءين بعد غروبها في الاُفق الشرقي ، أو يكون تابعاً للأرض ، فيكون عند طلوع الشمس من المغرب بمقدار أربع ركعات مختصّاً بصلاة العصر ، ثمّ يشترك بين الظهر والعصر إلى مقدار أربع ركعات إلى زوالها ، فيختصّ بالظهر ، ويصلّي الصبح بعد غروب الشمس ، الذي هو بين الطلوعين بالنسبة إلى أهل الأرض ، ثمّ بعد ذلك يدخل وقت الاختصاصي للعشاء ، ثمّ المغرب والعشاء ، ثمّ الاختصاصي للمغرب ؟ فيه إشكال ؛ وإن لا يبعد لزوم التبعية لأهل الأرض فيصلّي في أوقاتها .
(مسألة 11) : لو سافر مع القمر الصناعي ، فوصل إلى خارج الجاذبة ، فلا محالة لا وزن له فيه ، فإن أمكن الوقوف على السطح الداخلي بحيث تكون
ص: 677
رجلاه إلى الأرض صلّى مراعياً لجهة القبلة ، وإلاّ صلّى معلّقاً بين الفضاء ، فإن أمكن مع ذلك أن تكون رجلاه إلى الأرض صلّى كذلك ، وإلاّ فبأيّ وجه أمكنه ، ولا تترك الصلاة بحال . وفي الأحوال يُراعي القبلة أو الجهة الأقرب إليها ، ومع الجهل بها صلّى أربعاً على الجهات .
(مسألة 12) : لو ركب القمر الصناعي ، فدار به في اليوم والليل عشر مرّات حول الأرض ، ففي كلّ دور له ليل ونهار ، فهل تجب عليه الصلوات الخمس في كلّ دور منه ، أو لا تجب إلاّ الخمس في جميع أدواره التي توافق يوماً وليلة من الأرض ؟ الظاهر هو الثاني ، لكن لا بدّ من مراعاة الطلوع والغروب بالنسبة إلى نفسه ، فيصلّي الصبح قبل أحد الطلوعات ، والظهرين بعد زوال أحد الأيّام ، والمغربين في إحدى الليالي ، وله إتيان الظهر في زوال يوم والعصر في يوم آخر بعد الزوال ، والمغرب في إحدى الليالي والعشاء في الاُخرى . فهل له إتيان الظهر عند الزوال ، ثمّ المغرب عند الغروب ، ثمّ العصر عند زوال آخر ، والعشاء في ليلة اُخرى ، فيتشابك الظهران والعشاءان ؟ لا يبعد ذلك ، لكن الأحوط ترك هذا النحو ، بل الأحوط الإتيان بالظهرين في يوم والعشاءين في ليلة مع الإمكان .
(مسألة 13) : لو ركبت المرأة في طائرة تدور مساوية لحركة الأرض ، وكان سيرها مخالفاً لسير الأرض ، فرأت الدم واستمرّ بها بمقدار ثلاثة أيّام من أيّامنا ،
لكن كانت تلك المدّة بالنسبة إليها أوّل طلوع الشمس مثلاً ، فالظاهر أنّ دمها محكوم بالحيضية . فالميزان استمرار هذه المدّة لا بياض الأيّام . وكذا لو كانت المرأة في قطر يكون يومه شهراً - مثلاً - ورأت الدم واستمرّ بمقدار ثلاثة أيّام من آفاقنا يحكم بكونه حيضاً . ولو ركبت قمراً صناعياً وكان النهار والليل بالنسبة إليها ساعة ، لا بدّ من استمرار دمها بمقدار ثلاثة أيّام من آفاقنا لا بالنسبة إليها .
ص: 678
ولو اُخرج دم الحيض الذي يستمرّ بطبعه ثلاثة أيّام بآلة في يوم واحد لم يحكم بحيضيته ، كما لو اُدخل في رحمها شيء يجذب الدم ثلاثة أيّام أو أكثر ، ولم يخرج إلى الخارج إلاّ دفعة ، فلا يحكم بحيضية الدم .
(مسألة 14) : كما أنّ الميزان في الدم استمراره لا بياض الأيّام ، ولهذا تلفّق الأيّام ، كذلك الميزان ذلك في العدّة مطلقاً . وقصد الإقامة ، والبقاء في محلّ ثلاثون يوماً مردّداً ، وأكثر الحمل وأقلّه ، وكذا الحيض والنفاس ، وخيار الحيوان ثلاثة أيّام ، وخيار تأخير الثمن ، واليوم والليلة في مقدار الرضاع ، وسنة تغريب الزاني ، وإنظار ثلاثة أشهر في الظهار ، والحلف على أزيد من أربعة أشهر في الإيلاء ، وإنظار أربعة أشهر فيه ، والسنة والسنتين والسنين التي تستأدى الديات عند حلولها ، وحدّ البلوغ واليأس ، وتأجيل أربع سنين للمرأة المفقود زوجها ، وتأجيل سنة في العنن ، وأحداث السنة في باب خيار العيب ، وحقّ الحضانة للاُمّ سنتين أو سبع سنوات ، والسنة المعتبرة في تعريف اللقطة ، والأشهر الأربعة التي يحرم للزوج ترك وط ء زوجته أكثر منها ، والسنة المعتبرة في إرث الزوجة عن زوجها لو طلّقها في مرضه ، والسنة التي تعتبر فيما لا تبقى اللقطة لسنة ، والظاهر أنّ الأمر كذلك في باب القسم بين النساء ، واختصاص البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث - وإن لا يخلو في باب القسم والاختصاص المذكورين من إشكال ؛ من حيث أخذ الليالي بعناوينها فيهما - والالتزام بكون القسم حسب ليل القطبين - مثلاً - وكذا السبع في العرس سبع ليال فيهما ، غير ممكن ، فلا بدّ إمّا من القول بسقوط الحكم فيهما وفي مثلهما ، أو التقدير حسب الليالي المتعارفة ، والأقرب الثاني ، إلى غير ذلك ممّا هو من هذا القبيل . فإنّ الميزان فيها مضيّ مقدار الأيّام والشهور والسنين بحسب آفاقنا ، فلو طلّق
ص: 679
زوجته في أحد القطبين تخرج من العدّة في ربع يومه وليلته ، وأكثر الحمل - بناءً على كونه سنة - يوم وليلة ، ولا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من ثلث يوم وليلة . نعم ، لو كان أكثر الحمل في القطب بحسب الطبع أكثر من يوم وليلة ، يتّبع ولا يقاس بآفاقنا .
(مسألة 15) : كما يجب على أهل القطب تطبيق مقدار الأيّام والأشهر والسنين على أيّامهم في المذكورات ، لو فرض وجود أهل في بعض السيّارات ، أو سافر البشر من الأرض إلى بعضها ، وكانت حركته حول نفسه في مقدار يومنا عشر مرّات ، وكان يومه وليلته عشر يومنا ، لا بدّ له من تطبيق أيّامه على مقدار أيّامنا ، فيكون خيار الحيوان هناك ثلاثين يوماً ، وأقلّ الحيض ثلاثين يوماً ، وتأجيل المرأة المفقود زوجها أربعين سنة وهكذا .
(مسألة 16) : ما ذكرناه إنّما يجري في كلّ مورد يعتبر فيه المقدار ، لا بياض اليوم ، ولهذا تلفّق الأيّام فيها . وأمّا مثل الصوم المعتبر فيه الإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب ، ولا يأتي فيه التلفيق فلا اعتبار بالمقدار ، وكذا لا يجري ما ذكر في الصلاة ، فإنّ أوقاتها مضبوطة معتبرة ، فلا تصحّ صلاة الظهرين في الليل وإن انطبق على زوال آفاقنا ، ولا يصحّ الصوم في بعض اليوم أو الليل وإن كان بمقدار يومنا .
(مسألة 17) : لو فرض صيرورة حركة الأرض بطيئة ، وصار اليوم ضعف يومنا لا بدّ في صحّة الصوم من إمساك يوم تامّ مع الإمكان ، ومع عدمه يسقط الوجوب . ولا يجب عليه أكثر من الصلوات الخمس في يوم وليلة . وأمّا ما يعتبر فيه المقادير لا بياض النهار وسواد الليل ، فلا بدّ من مضيّ مقدار ما يعتبر في اُفق
ص: 680
عصرنا ، فأقلّ الحيض في ذلك العصر مقدار ثلاثة أيّام اُفقنا ، المنطبق على يوم وليلتين أو على يومين وليلة إذا كان اليوم ضعفاً . وبهذه النسبة إذا تغيّرت الحركة . وكذا الحال لو فرض صيرورتها أسرع ؛ بحيث كان اليوم والليلة نصف هذا العصر ، فلا بدّ في الصوم من إمساك يوم ، وتجب في كلّ يوم وليلة خمس صلوات .
(مسألة 18) : لا اعتبار برؤية الهلال بالآلات المستحدثة ، فلو رئي ببعض الآلات المكبّرة أو المقرّبة نحو تلسكوب مثلاً ، ولم يكن الهلال قابلاً للرؤية بلا آلة لم يحكم بأوّل الشهر . فالميزان : هو الرؤية بالبصر من دون آلة مقرّبة أو مكبّرة . نعم ، لو رئي بآلة وعلم محلّه ثمّ رئي بالبصر بلا آلة يُحكم بأوّل الشهر .
وكذا الحال في عدم الاعتبار بالآلات في الخسوف والكسوف ، فلو لم يتّضح الكسوف إلاّ بالآلات ولم يره البصر غير المسلّح لم يترتّب عليه أثر .
لو وُفّق البشر للسفر إلى بعض السيّارات والكرات تحدث عند ذلك مسائل شرعية كثيرة سيأتي الفقهاء - أعلى اللّه كلمتهم - بكشف معضلاتها ، ولا بأس بإشارة إجمالية إلى بعضٍ منها :
(مسألة 1) : يصحّ التطهير حدثاً وخبثاً بمائها وصعيدها بعد صدق الماء والتراب والحجر ونحوها عليها ، وتصحّ السجدة على أرضها وما ينبت منها .
(مسألة 2) : تختلف الأوزان فيها اختلافاً فاحشاً حسب ضعف الجاذبة وقوّتها ، ففي القمر لمّا كانت الجاذبة أضعف من جاذبة الأرض ، تكون الأجسام
ص: 681
مع الاتّحاد في المساحة مختلفة في الوزن في الكرتين ، فالكرّ بحسب المساحة يكون في الأرض موافقاً للوزن المقدّر تقريباً ، وفي كرة القمر تكون تلك المساحة أقلّ من عشر الوزن المقدّر ، فلو اعتبرنا في القمر الوزن تكون مساحته أضعاف المساحة المقدّرة ، فهناك يكون الاعتبار بالمساحة لا الوزن ، ولو قيس بين المساحة والوزن في كرة تكون جاذبتها أضعاف الأرض ربما يكون شبران من الماء بمقدار الوزن المقدّر ، فالاعتبار بالمساحة فيها لا الوزن ، فينفعل الماء الذي وزنه بمقدار الكرّ في الأرض . ويمكن الاعتبار هناك بالوزن ، لكن يوزن بالكيلوات الأرضية حسب جاذبة تلك الكرة ، فيوافق مع المساحات تقريباً . وفيما يعتبر فيه الوزن فقط كالنصاب في الغلاّت الأربع ، يحتمل أن لا يتغيّر حكمه ولو تغيّرت مساحته ، فالحنطة يلاحظ نصابها المقدّر ؛ ولو صار كيلها في كرة القمر أضعاف كيلها في الأرض ، وفي المشتري - مثلاً - عشر كيلها في الأرض . ولو أتى زمان على الأرض ضعفت جاذبتها فالحكم كما ذكر ، ويحتمل أن يكون الاعتبار بالكيلوات أو الأمنان الأرضية ، لكن بجاذبة تلك الكُرات أو الأرض بعد ضعف جاذبتها .
(مسألة 3) : لو وجد هناك ما تعلّقت به الزكاة والخمس - كالغلاّت الأربع والأنعام الثلاثة والنقدين ، وكالمعادن والكنوز وأشباههما - جرت عليها الأحكام الشرعية . ولو وجدت معادن وكنوز من غير جنس ما في الأرض تعلّق بها الخمس ، وأمّا لو وجدت حبوب أو أنعام غير ما هاهنا لم تتعلّق بها الزكاة . ولو وجد ما تعلّق به الزكاة هناك أو هاهنا بغير الطريق العادي ، كما لو وجدت الأنعام بطريق الصنعة وكذا الغلاّت المصنوعيات والنقدان المصنوعيان تعلّق بها الزكاة بعد صدق العناوين .
ص: 682
(مسألة 4) : لو وجد هناك إنسان يعامل معه معاملة الإنسان في الأرض ، ولو كان الموجودات هناك بأشكال اُخر لكن كانوا عاقلين مدركين ، فكذلك يعامل معهم معاملة الإنسان حتّى جازت المناكحة معهم ، وجرت عليهم جميع التكاليف الشرعية والأحكام الإلهية . ولو كان أشبارهم على خلاف أشبارنا يكون الميزان في مساحة الكرّ أشبارنا ، وكذا في الذراع . ومع اختلافهم في عدد الأيدي والأرجل والأصابع معنا تختلف أحكامهم في باب الوضوء والديات والقصاص وغيرها .
(مسألة 5) : يجب في الصلاة هناك استقبال الأرض ، وباستقبالها يحصل استقبال القبلة ، ولمّا كانت في حركتها الدورية : تارة في جانب من الأرض ، واُخرى في جانب آخر منها ، تختلف صلواتهم ؛ فربما تكون صلاة الظهرين إلى المشرق والمغربين إلى المغرب وبالعكس . وأمّا كيفية دفن موتاهم فيمكن أن يقال بوجوب الاستقبال حدوثاً ولو يتبدّل في كلّ يوم . وأمّا تكليف الصيام في القمر أو سائر الكرات فمشكل ، ولا يبعد وجوبه في كلّ سنة شهراً مع الإمكان ، ولو أمكن انطباق شهرها مع شهر رمضان في الأرض يجب على الأحوط . ولو انكسفت الشمس بالأرض أو بغيرها وجبت صلاة الآيات ، وهل في انخساف الأرض أيضاً صلاة ؟ فيه إشكال . والظاهر وجوبها للآيات المخوفة حتّى الزلزلة(1) . والصلوات اليومية في تلك الكرات تابعة للزوال والغروب فيها ، والصوم من طلوع الفجر إلى الغروب مع الإمكان .
(مسألة 6) : لو بلغ الأطفال هناك حدّ الرجال في سنة - مثلاً - فإن بلغوا
ص: 683
بالاحتلام أو إنبات الشعر الخشن على العانة ، فلا إشكال في الحكم بالبلوغ وترتيب آثاره ، وأمّا سقوط اعتبار السنّ فمشكل وإن لا يبعد إن علم أ نّه بحدّ الرجال . ولو لم يبلغوا حدّ الرجال إلاّ بعد ثلاثين سنة ؛ بحيث علم أ نّه طفل غير بالغ حدّ الرجال ، فالظاهر عدم الحكم بالبلوغ . وهكذا لو فرض أنّ الأطفال المصنوعية كذلك في طرفي القلّة والكثرة . وكذا لو أتى زمان أبطأ السير الطبيعي والرشد والبلوغ بجهات طبيعية ، كضعف حرارة الشمس وأشعّتها ، أو أسرع بجهات طبيعية أو صناعية إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة التي ليست الآن محلّ ابتلائنا . ولو أتى زمان انهدم القمر قبل الأرض تحدث مسائل اُخر ، وكذا لو أبطأت حركة الأرض فتغيّر النهار والليل والفصول ، تحدث مسائل في كثير من أبواب الفقه ، ولو صحّ ما قيل من إمكان مخابرة الأجسام تحدث لأجلها أحكام اُخر أيضاً .
ص: 684
كتاب الرهن··· 5
كتاب الحَجر··· 14
القول : في الصغر··· 14
القول : في السفه··· 17
القول : في الفلس··· 20
القول : في المرض··· 25
كتاب الضمان ··· 28
كتاب الحوالة والكفالة ··· 34
القول : في الكفالة ··· 37
كتاب الوكالة··· 42
كتاب الإقرار ··· 53
كتاب الهِبة··· 61
كتاب الوقف وأخواته··· 67
القول : في الحبس وأخواته··· 94
القول : في الصدقة··· 97
ص: 685
كتاب الوصيّة··· 100
كتاب الأيمان والنذور ··· 119
القول : في اليمين··· 119
القول : في النذر··· 124
القول : في العهد··· 132
كتاب الكفّارات ··· 134
القول : في أقسامها··· 134
القول : في أحكام الكفّارات··· 135
كتاب الصيد والذباحة ··· 144
القول : في الصيد··· 144
القول : في الذباحة··· 155
كتاب الأطعمة والأشربة··· 166
القول : في الحيوان··· 166
القول : في غير الحيوان ··· 174
كتاب الغصب ··· 185
كتاب إحياء الموات والمشتركات··· 210
القول : في إحياء الموات ··· 210
تكملة ··· 223
القول : في المشتركات ··· 225
كتاب اللقطة ··· 238
القول : في لقطة الحيوان··· 238
القول : في لقطة غير الحيوان··· 241
خاتمة ··· 252
ص: 686
كتاب النكاح
فصل : في عقد النكاح وأحكامه ··· 264
فصل : في أولياء العقد ··· 273
فصل : في أسباب التحريم··· 282
القول : في النسب··· 282
القول : في الرضاع··· 285
تنبيه··· 292
القول : في المصاهرة وما يلحق بها··· 297
القول : في النكاح في العدّة وتكميل العدد··· 303
القول : في الكفر··· 305
القول : في النكاح المنقطع··· 310
القول : في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس··· 314
فصل : في المهر··· 319
خاتمة : في الشروط المذكورة في عقد النكاح··· 325
فصل : في القسم والنشوز والشقاق··· 325
القول : في النشوز··· 328
فصل : في أحكام الأولاد والولادة ··· 330
القول : في أحكام الولادة وما يلحق بها··· 333
فصل : في النفقات ··· 337
القول : في نفقة الأقارب ··· 344
ص: 687
كتاب الطلاق
القول : في شروطه ··· 349
القول : في الصيغة ··· 353
القول : في أقسام الطلاق··· 356
القول : في العدد··· 359
فصل : في عدّة الفراق ··· 359
القول : في عدّة الوفاة ··· 363
القول : في عدّة وط ء الشبهة ··· 369
القول : في الرجعة··· 373
كتاب الخلع والمباراة ··· 375
كتاب الظهار ··· 381
كتاب الإيلاء··· 384
كتاب اللعان ··· 386
كتاب المواريث
الأمر الأوّل : في موجبات الإرث ··· 391
الأمر الثاني : في موانع الإرث ··· 391
وهي اُمور :
الأوّل : الكفر بأصنافه··· 392
الثاني : القتل··· 395
الثالث : الرقّ··· 397
الرابع : التولّد من الزنا··· 397
ص: 688
الخامس : اللعان··· 398
الأمر الثالث : في السهام··· 402
تنبيه : التعصيب والعول باطلان ··· 405
المقصد الأوّل : في ميراث الأنساب··· 407
المقصد الثاني : في الميراث بسبب الزوجية··· 425
اللواحق ففيها فصول :
الفصل الأوّل : في ميراث الخُنثى ··· 428
الفصل الثاني : في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم··· 429
الفصل الثالث : في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار··· 431
كتاب القضاء
القول : في صفات القاضي وما يناسب ذلك··· 435
القول : في وظائف القاضي··· 438
القول : في شروط سماع الدعوى··· 439
فصل : في جواب المدّعى عليه ··· 444
القول : في الجواب بالإقرار··· 444
القول : في الجواب بالإنكار··· 447
فروع··· 453
القول : في الشاهد واليمين··· 454
القول : في السكوت ··· 455
القول : في أحكام الحلف ··· 457
القول : في أحكام اليد ··· 460
ص: 689
خاتمة وفيها فصلان :
الفصل الأوّل : في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ ··· 464
الفصل الثاني : في المقاصّة ··· 466
كتاب الشهادات
القول : في صفات الشهود··· 472
القول : فيما به يصير الشاهد شاهداً··· 476
القول : في أقسام الحقوق··· 478
فروع ··· 479
القول : في الشهادة على الشهادة··· 480
القول : في اللواحق··· 482
كتاب الحدود
وفيه فصول :
الفصل الأوّل : في حدّ الزنا··· 487
القول : في الموجب ··· 487
القول : فيما يثبت به··· 491
القول : في الحدّ··· 495
وفيه مقامان :
المقام الأوّل : في أقسامه··· 495
المقام الثاني : في كيفية إيقاعه ··· 498
القول : في اللواحق ··· 500
ص: 690
الفصل الثاني : في اللواط والسحق والقيادة··· 501
الفصل الثالث : في حدّ القذف ··· 505
القول : في الموجب··· 505
القول : في القاذف والمقذوف ··· 507
القول : في الأحكام··· 508
فروع ··· 509
الفصل الرابع : في حدّ المسكر··· 511
القول : في موجبه وكيفيته··· 511
القول : في أحكامه وبعض اللواحق ··· 513
الفصل الخامس : في حدّ السرقة ··· 515
القول : في السارق··· 515
القول : في المسروق··· 518
القول : فيما يثبت به··· 521
القول : في الحدّ··· 522
القول : في اللواحق··· 524
الفصل السادس : في حدّ المحارب··· 526
خاتمة : في سائر العقوبات··· 528
القول : في الارتداد··· 528
القول : في وط ء البهيمة والميّت ··· 530
تتمّة : فيها أحكام أهل الذمّة ··· 531
القول : فيمن تؤخذ منه الجزية ··· 531
ص: 691
القول : في كمّية الجزية··· 533
القول : في شرائط الذمّة··· 536
القول : في أحكام الأبنية··· 539
وتلحق بالمقام فروع :··· 541
كتاب القصاص
وهو إمّا في النفس وإمّا فيما دونها :
القسم الأوّل : في قصاص النفس··· 543
القول : في الموجب··· 543
القول : في الشرائط المعتبرة في القصاص··· 554
القول : فيما يثبت به القود··· 559
وهو اُمور :
الأوّل : الإقرار بالقتل··· 559
الثاني : البيّنة ··· 560
الثالث : القسامة··· 562
والبحث فيها في مقاصد :
المقصد الأوّل : في اللوث··· 562
المقصد الثاني : في كمّية القسامة··· 564
المقصد الثالث : في أحكامها··· 567
القول : في كيفية الاستيفاء··· 569
القسم الثاني : في قصاص ما دون النفس··· 576
وهنا فروع :··· 587
ص: 692
كتاب الديات
القول : في أقسام القتل··· 591
القول : في مقادير الديات··· 592
القول : في موجبات الضمان··· 598
وفيه مباحث :
المبحث الأوّل : في المباشر··· 598
المبحث الثاني : في الأسباب ··· 603
المبحث الثالث : في تزاحم الموجبات··· 608
القول : في الجناية على الأطراف ··· 609
وفيه مقاصد :
المقصد الأوّل : في ديات الأعضاء ··· 609
الأوّل : الشعر ··· 609
الثاني : العينان ··· 611
الثالث : الأنف··· 611
الرابع : الاُذن··· 612
الخامس : الشفتان··· 613
السادس : اللسان ··· 614
السابع : الأسنان··· 615
الثامن : العنق ··· 617
التاسع : اللحيان··· 617
العاشر : اليدان··· 618
ص: 693
الحادي عشر : الأصابع ··· 619
الثاني عشر : الظهر··· 619
الثالث عشر : النخاع··· 620
الرابع عشر : الثديان··· 620
الخامس عشر : الذكر··· 621
السادس عشر : الخصيتان··· 622
السابع عشر : الفرج··· 623
الثامن عشر : الأليان··· 624
التاسع عشر : الرجلان ··· 624
العشرون : الأضلاع··· 625
الواحد والعشرون : الترقوة··· 625
خاتمة وفيها فروع :··· 626
المقصد الثاني : في الجناية على المنافع··· 627
المقصد الثالث : في الشجاج والجراح··· 634
هنا مسائل :··· 635
القول : في اللواحق··· 638
وهي اُمور :
الأوّل : في الجنين··· 638
الثاني : في العاقلة ··· 640
الثالث : في الجناية على الحيوان ··· 644
فروع :··· 645
الرابع : في كفّارة القتل ··· 647
ص: 694
البحث حول المسائل المستحدثة
منها : التأمين··· 648
ومنها : الكمپيالات «سفته»··· 651
ومنها : السرقفلية··· 655
ومنها : أعمال البنوك··· 656
ومنها : بطاقات اليانصيب «بخت آزمائي» ··· 661
فمنها : التلقيح والتوليد الصناعيان ··· 663
ومنها : التشريح والترقيع ··· 665
ومنها : تغيير الجنسية ··· 668
ومنها : الراديو والتلفزيون ونحوهما··· 671
ومنها : مسائل الصلاة والصوم وغيرهما··· 673
خاتمة ··· 681
ص: 695