موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 22 تحرير الوسيلة المجلد 1

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 22 تحرير الوسيلة المجلد 1/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 413ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

مقدّمة التحقيق

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

الإمام الخميني قدّس سرّه وبالتزامن مع التدريس في الفقه والاُصول على مستوى الخارج وتأليف الكتب والمباحث الاستدلالية في كلا المجالين، فقد ألّف كتباً عدّة في الفقه الفتوائي. وكان أوّل تأليف له من هذا النوع تعليقته على «وسيلة النجاة» للفقيه الكبير والمرجع الذائع الصيت المرحوم السيّد أبو الحسن الأصفهاني قدّس سرّه .

بما أنّ كتاب «وسيلة النجاة» وبالرغم من ميّزاته المتعدّدة، لم يكن مستوعباً لجميع الأبواب الفقهية، وبالتالي لم يكن ملبّياً لحاجات المقلّدين، فقد أقدم الإمام قدّس سرّه على تحريره وتأليفه من جديد تحت عنوان «تحرير الوسيلة» حيث أدرج تعليقاته التي ألّفها قبل عشر سنوات في متن «الوسيلة» ودفع نقائص الكتاب ومن جملتها:

1 - أضاف إليه مسائل وفروعات مختلفة.

2 - أضاف إليه كتباً فقهية جديدة وأكمله حيث نرى أنّ «الوسيلة» تشتمل على أربعين كتاباً فقهياً، لكنّ «التحرير» يشتمل على خمسين كتاباً، وأضاف إليه أبواباً لم تكن مطروحة من قبل في الكتب الفقهية - لا سيّما الفتوائية منها -

ص: 5

بحيث اشتمل على جميع الأبواب والكتب والمسائل الفقهية عدا ما ترتبط منها بالعبيد والإماء والجهاد الابتدائي.

3 - كانت هناك فروعات عارية عن الموضوع، فقد حذفها وحذف بجانبها بعضاً عن الأدلّة الموجودة في المتن، وبذلك قد نقّحها.

4 - طرح مسائل وفروعاتٍ متعلّقة بموضوعات عصريّة وحديثة كالبنك والتأمين واليانصيب وتغيير الجنسيّة.

5 - وفي ختام له لكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحت عنوان «ختام: فيه مسائل» تعرّض خلال ثلاث عشرة مسألة لموضوع ولاية الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة.

كانت بداية تأليف الكتاب متزامنة مع نفي الإمام قدّس سرّه خارج البلاد وإقامته الجبريّة في تركيا (1343 - 1344 ش) بعد أن قضى سماحته فترة من عمره في النضال والانتفاضة الباسلة ضدّ استبداد الشاه وحكمه الغاشم كما ضدّ الاستعمار الأمريكي وغطرستها.

استدعى الإمام قدّس سرّه من مكان إقامته في مدينه «بورسا» من تركيا عدّة من الكتب الفقهية والروائية لترسل إليه وبالإضافة إلى «وسيلة النجاة» وحواشي نفسه وحواشي جمع من الفقهاء الآخرين وكتاب «وسائل الشيعة»، بدأ بتأليف الكتاب ثمّ أكمله بعد انتقاله إلى الحوزة النجفية.

من السنوات الاُولى لتأليفه كان هذا الكتاب مثاراً لاهتمام كثير من الفقهاء والأساتذة واعتنائهم بالشرح والتحشية عليه والآن وبعد مضيّ نصف من القرن على تأليفه ونشره، هناك عشرات من المجلّدات تحتوي على الشروح الاستدلالية وكتب عدّة من الفقهاء حواشي وتعليقات عليه.

ص: 6

كما أنّ «تحرير الوسيلة» قد ترجم لحدّ الآن إلى عدّة لغات، فأوّل ترجمة منه بالفارسية قد تمّ على يدي المرحوم آية اللّه السيّد محمد باقر الموسوي الهمداني قدّس سرّه ، ثمّ بعد التصحيح والمراجعة من قبل آية اللّه السيّد محمّد باقر الأبطحي الكاشاني، طبعته دار العلم للنشر في قم المقدّسة. هناك ترجمة اُخرى إلى الفارسية قام بها سماحة الشيخ علي إسلامي وسماحة الشيخ قاضي زاده بإشراف وتأييد من آية اللّه الشيخ محمّد مؤمن القمّي والمرحوم آية اللّه السيّد حسن طاهري الخرم آبادي وطبعتها دار النشر الإسلامي. الترجمة الثالثة والتي نشرتها مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه هي نفس الترجمة الثانية مع التصحيح والمراجعة.

تمّ ترجمة «التحرير» باللغة الاُرديّة بإشراف من مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه وحظيت بإقبال وافر من ناحية المتكلّمين بها.

كما تَرجَم هذا الكتاب القيّم إلى اللغة الإنجليزيّة الدكتور السيّد علي النقويّ.

لخّص كلّ من الآيات والحجج: الشيخ الدكتور عباسعلي عميد الزنجاني رحمه الله علیه

والشيخ علي المشكيني رحمه الله علیه والشيخ محسن فقيهي كتاب «التحرير» تحت عناوين: «زبدة الأحكام» و«تحرير تحرير الوسيلة» و«معرفة أبواب الفقه».

في السنوات التي كان الإمام الخميني قدّس سرّه يقضيها في منفيه في النجف الأشرف، طبع ونشر «التحرير» مرّتين واقترن النشر في المرّة الثانية بتغييرات في الفتاوى وإصلاحات من ناحية سماحته قدّس سرّه . وبعد انتصار الثورة الإسلامية أقدم كثير من دور النشر في إيران ولبنان على طباعته ونشره غير مكترثين بالتغييرات الفتوائية وقد أدّى ذلك إلى وقوع أخطاء فيه بعض الأحيان.

جدير بالذكر أنّ مخطوطات الإمام قدّس سرّه لهذا الكتاب قد فقدت ببالغ الأسى

ص: 7

ولايمكن العثور عليها ولذلك فقد نشرت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه في عام 1379 ش «تحرير الوسيلة» اعتماداً على الطبعة الثانية الصادرة في النجف الأشرف مع إصلاح للأخطاء الواقعة في نضد الحروف وأوردت اختلافات النسخ في الهوامش.

نقدّم الآن كتاب «التحرير» ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه معتمداً على الطبعة الثانية في النجف الأشرف ووضع الطبعة الاُولى في الهامش مقترناً بالإصلاحات والمراجعة التي قد تمّت من جديد.

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 8

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله

الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين .

وبعد ، فقد علّقتُ في سالف الزمان تعليقة على كتاب «وسيلة النجاة» تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الإصبهاني ، قدّس سرّه العزيز . فلمّا اُقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 عن مدينة «قم» إلى «بورسا» من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام والمسلمين - لعلّ التأريخ يضبطها - وكنت فارغ البال تحت النظر والمراقبة فيها ، أحببت أن اُدرج التعليقة في المتن ؛ لتسهيل التناول ، ولو وفّقني اللّه تعالى لاُضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء .

ونرجو من اللّه تعالى التوفيق ، ومن الناظرين دعاءَ الخير لرفع البليات عن بلاد المسلمين ، سيّما عاصمة الشيعة ، ولقطع يد الأجانب عنها ، ولحسن العاقبة للفقير .

ص: 1

ص: 2

المقدّمة : في الاجتهاد والتقليد

المقدّمة [ في أحكام التقليد ]

اعلم أ نّه يجب على كلّ مكلّف غير بالغ مرتبة الاجتهاد في غير الضروريات من عباداته ومعاملاته ولو في المستحبّات والمباحات ، أن يكون إمّا مقلّداً أو محتاطاً بشرط أن يعرف موارد الاحتياط ، ولا يعرف ذلك إلاّ القليل ؛ فعمل العامّي غير العارف بمواضع الاحتياط من غير تقليد باطل بتفصيل يأتي .

(مسألة 1) : يجوز العمل بالاحتياط ولو كان مستلزماً للتكرار على الأقوى .

(مسألة 2) : التقليد هو العمل مستنداً إلى فتوى فقيه معيّن ، وهو الموضوع للمسألتين الآتيتين . نعم ، ما يكون مصحّحاً للعمل هو صدوره عن حجّة - كفتوى الفقيه - وإن لم يصدق عليه عنوان التقليد . وسيأتي أنّ مجرّد انطباقه عليه مصحّح له .

(مسألة 3) : يجب أن يكون المرجع للتقليد عالماً مجتهداً عادلاً ورعاً في دين اللّه ، بل غير مكبّ على الدنيا ، ولا حريصاً عليها وعلى تحصيلها جاهاً ومالاً على الأحوط . وفي الحديث : «من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً

ص: 3

لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه» .

(مسألة 4) : يجوز العدول بعد تحقّق التقليد ، من الحيّ إلى الحيّ المساوي ، ويجب العدول إذا كان الثاني أعلم على الأحوط(1) .

(مسألة 5) : يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط ، ويجب الفحص عنه . وإذا تساوى المجتهدان في العلم أو لم يعلم الأعلم منهما ، تخيّر بينهما . وإذا كان أحدهما المعيّن أورع أو أعدل فالأولى الأحوط اختياره ، وإذا تردّد بين شخصين يحتمل أعلمية أحدهما المعيّن دون الآخر ، تعيّن تقليده على الأحوط .

(مسألة 6) : إذا كان الأعلم منحصراً في شخصين ولم يتمكّن من تعيينه ، تعيّن الأخذ بالاحتياط ، أو العمل بأحوط القولين منهما ، على الأحوط مع التمكّن ، ومع عدمه يكون مخيّراً بينهما .

(مسألة 7) : يجب على العامّي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم ، فإن أفتى بوجوبه لا يجوز له تقليد غيره في المسائل الفرعية ، وإن أفتى بجواز تقليد غير الأعلم تخيّر بين تقليده وتقليد غيره . ولا يجوز له تقليد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم . نعم ، لو أفتى بوجوب تقليد الأعلم يجوز الأخذ بقوله ، لكن لا من جهة حجّية قوله ، بل لكونه موافقاً للاحتياط .

(مسألة 8) : إذا كان المجتهدان متساويين في العلم ، يتخيّر العامّي في

ص: 4


1- في (أ) : «لا يجوز العدول بعد تحقّق التقليد من الحيّ إلى الحيّ المساوي على الأحوط ، ويجب العدول إذا . . .».

الرجوع إلى أيّهما . كما يجوز له التبعيض في المسائل بأخذ بعضها من أحدهما وبعضها من الآخر .

(مسألة 9) : يجب على العامّي في زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم ، أن يعمل بالاحتياط . ويكفي في الفرض الثاني الاحتياط في فتوى الذين يحتمل أعلميتهم ؛ بأن يأخذ بأحوط أقوالهم .

(مسألة 10) : يجوز تقليد المفضول في المسائل التي توافق فتواه فتوى الأفضل فيها ، بل فيما لا يعلم تخالفهما في الفتوى أيضاً .

(مسألة 11) : إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل ، يجوز الرجوع في تلك المسألة إلى غيره ؛ مع رعاية الأعلم فالأعلم على الأحوط .

(مسألة 12) : إذا قلّد من ليس له أهلية الفتوى ثمّ التفت وجب عليه العدول . وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب العدول إلى الأعلم على الأحوط . وكذا إذا قلّد الأعلم ثمّ صار غيره أعلم منه ؛ على الأحوط في المسائل التي يعلم تفصيلاً مخالفتهما فيها في الفرضين .

(مسألة 13) : لا يجوز تقليد الميّت ابتداءً . نعم ، يجوز البقاء على تقلیده - بعد تحقّقه بالعمل ببعض المسائل - مطلقاً ولو في المسائل التي لم يعمل بها على الظاهر ، ويجوز الرجوع إلى الحيّ الأعلم ، والرجوع أحوط ، ولا يجوز بعد ذلك الرجوع إلى فتوى الميّت ثانياً على الأحوط ، ولا إلى حيّ آخر كذلك إلاّ إلى أعلم منه ، فإنّه يجب على الأحوط . ويعتبر أن يكون البقاء بتقليد الحيّ ، فلو بقي على تقليد الميّت من دون الرجوع إلى الحيّ الذي يفتي

ص: 5

بجواز ذلك ، كان كمن عمل من غير تقليد .

(مسألة 14) : إذا قلّد مجتهداً ثمّ مات ، فقلّد غيره ثمّ مات ، فقلّد في مسألة البقاء على تقليد الميّت من يقول بوجوب البقاء أو جوازه ، فهل يبقى على تقليد المجتهد الأوّل أو الثاني ؟ الأظهر البقاء على تقليد الأوّل إن كان الثالث قائلاً بوجوب البقاء ، ويتخيّر بين البقاء على تقليد الثاني والرجوع إلى الحيّ إن كان قائلاً بجوازه .

(مسألة 15) : المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو الوصايا أو في أموال القُصّر ينعزل بموت المجتهد . وأمّا المنصوب من قبله ؛ بأن نصبه متولّياً للوقف ، أو قيّماً على القصّر ، فلا يبعد عدم انعزاله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ؛ بتحصيل الإجازة أو النصب الجديد للمنصوب من المجتهد الحيّ .

(مسألة 16) : إذا عمل عملاً من عبادة أو عقد أو إيقاع على طبق فتوى من يقلّده ، فمات ذلك المجتهد فقلّد من يقول ببطلانه ، يجوز له البناء على صحّة الأعمال السابقة ، ولا يجب عليه إعادتها ؛ وإن وجب عليه فيما يأتي العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني .

(مسألة 17) : إذا قلّد مجتهداً من غير فحص عن حاله ، ثمّ شكّ في أ نّه كان جامعاً للشرائط ، وجب عليه الفحص ، وكذا لو قطع بكونه جامعاً لها ثمّ شكّ في ذلك على الأحوط . وأمّا إذا أحرز كونه جامعاً لها ، ثمّ شكّ في زوال بعضها عنه - كالعدالة والاجتهاد - لا يجب عليه الفحص ، ويجوز البناء على بقاء حالته الاُولى .

ص: 6

(مسألة 18) : إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط من فسق أو جنون أو نسيان ، يجب العدول إلى الجامع لها ، ولا يجوز البقاء على تقليده . كما أ نّه لو قلّد من لم يكن جامعاً للشرائط ، ومضى عليه برهة من الزمان ، كان كمن لم يقلّد أصلاً ، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر .

(مسألة 19) : يثبت الاجتهاد بالاختبار ، وبالشياع المفيد للعلم ، وبشهادة العدلين من أهل الخبرة . وكذا الأعلمية . ولا يجوز تقليد من لم يعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن كان من أهل العلم ، كما أ نّه يجب على غير المجتهد أن يقلّد أو يحتاط وإن كان من أهل العلم وقريباً من الاجتهاد .

(مسألة 20) : عمل الجاهل المقصّر الملتفت من دون تقليد باطل ، إلاّ إذا أتى به برجاء درك الواقع ؛ وانطبق عليه أو على فتوى من يجوز تقليده . وكذا عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل مع تحقّق قصد القربة صحيح إذا طابق الواقع أو فتوى المجتهد الذي يجوز تقليده .

(مسألة 21) : كيفية أخذ المسائل من المجتهد على أنحاء ثلاثة : أحدها : السماع منه . الثاني : نقل العدلين أو عدل واحد عنه أو عن رسالته المأمونة من الغلط ، بل الظاهر كفاية نقل شخص واحد إذا كان ثقة يطمأنّ بقوله . الثالث : الرجوع إلى رسالته إذا كانت مأمونة من الغلط .

(مسألة 22) : إذا اختلف ناقلان في نقل فتوى المجتهد فالأقوى تساقطهما مطلقاً ؛ سواء تساويا في الوثاقة أم لا ، فإذا لم يمكن الرجوع إلى المجتهد أو رسالته ، يعمل بما وافق الاحتياط من الفتويين ، أو يعمل بالاحتياط .

(مسألة 23) : يجب تعلّم مسائل الشكّ والسهو وغيرها ممّا هو محلّ الابتلاء

ص: 7

غالباً ، إلاّ إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها ، كما يجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها . نعم ، لو علم إجمالاً أنّ عمله واجد لجميع الأجزاء والشرائط ، وفاقد للموانع ، صحّ وإن لم يعلم تفصيلاً .

(مسألة 24) : إذا علم أ نّه كان في عباداته بلا تقليد مدّة من الزمان ولم يعلم مقداره ، فإن علم بكيفيتها وموافقتها لفتوى المجتهد الذي رجع إليه ، أو كان له الرجوع إليه فهو ، وإلاّ يقضي الأعمال السابقة بمقدار العلم بالاشتغال ، وإن كان الأحوط أن يقضيها بمقدار يعلم معه بالبراءة .

(مسألة 25) : إذا كان أعماله السابقة مع التقليد ، ولا يعلم أ نّها كانت عن تقليد صحيح أم فاسد ، يبني على الصحّة .

(مسألة 26) : إذا مضت مدّة من بلوغه ، وشكّ بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا ، يجوز له البناء على الصحّة في أعماله السابقة ، وفي اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلاً .

(مسألة 27) : يعتبر في المفتي والقاضي العدالة ، وتثبت بشهادة عدلين ، وبالمعاشرة المفيدة للعلم أو الاطمئنان ، وبالشياع المفيد للعلم ، بل تعرف بحسن الظاهر ؛ ومواظبته على الشرعيات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها ، والظاهر أنّ حسن الظاهر كاشف تعبّدي ولو لم يحصل منه الظنّ أو العلم .

(مسألة 28) : العدالة عبارة عن ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى ؛ من ترك المحرّمات وفعل الواجبات .

(مسألة 29) : تزول صفة العدالة حكماً بارتكاب الكبائر أو الإصرار على

ص: 8

الصغائر ، بل بارتكاب الصغائر على الأحوط ، وتعود بالتوبة إذا كانت الملكة المذكورة باقية .

(مسألة 30) : إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأً يجب عليه إعلام من تعلّم منه .

(مسألة 31) : إذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها ، ولم يتمكّن حينئذٍ من استعلامها ، بنى على أحد الطرفين ؛ بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة ؛ وأن يعيدها إذا ظهر كون المأتيّ به خلاف الواقع ، فلو فعل كذلك فظهرت المطابقة صحّت صلاته .

(مسألة 32) : الوكيل في عمل عن الغير - كإجراء عقد أو إيقاع ، أو أداء خمس أو زكاة أو كفّارة أو نحوها - يجب عليه أن يعمل بمقتضى تقليد الموكِّل ، لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين . وأمّا الأجير عن الوصيّ أو الوليّ في إتيان الصلاة ونحوها عن الميّت ، فالأقوى لزوم مراعاة تقليده ؛ لا تقليد الميّت ، ولا تقليدهما . وكذا لو أتى الوصيّ بها تبرّعاً أو استئجاراً يجب عليه مراعاة تقليده ، لا تقليد الميّت . وكذا الوليّ .

(مسألة 33) : إذا وقعت معاملة بين شخصين ، وكان أحدهما مقلّداً لمن يقول بصحّتها ، والآخر مقلّداً لمن يقول ببطلانها ، يجب على كلّ منهما مراعاة فتوى مجتهده ، فلو وقع النزاع بينهما ، يترافعان عند أحد المجتهدين أو عند مجتهد آخر ، فيحكم بينهما على طبق فتواه ، وينفُذ حكمه على الطرفين . وكذا الحال فيما إذا وقع إيقاع متعلّق بشخصين كالطلاق والعتق ونحوهما .

ص: 9

(مسألة 34) : الاحتياط المطلق في مقام الفتوى ؛ من غير سبق فتوى على خلافه أو لحوقها كذلك ، لا يجوز تركه ، بل يجب إمّا العمل بالاحتياط أو الرجوع إلى الغير ؛ الأعلم فالأعلم . وأمّا إذا كان الاحتياط في الرسائل العملية مسبوقاً بالفتوى على خلافه ؛ كما لو قال بعد الفتوى في المسألة : وإن كان الأحوط كذا ، أو ملحوقاً بالفتوى على خلافه ؛ كأن يقول : الأحوط كذا وإن كان الحكم كذا ، أو وإن كان الأقوى كذا ، أو كان مقروناً بما يظهر منه الاستحباب ؛ كأن يقول : الأولى والأحوط كذا ، جاز في الموارد الثلاثة ترك الاحتياط .

ص: 10

كتاب الطهارة

فصل : في المياه

الماء : إمّا مطلق ، أو مضاف كالمعتصر من الأجسام ، كماء الرقّي والرمّان ، والممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء ، كماء السكّر والملح .

والمطلق أقسام : الجاري ، والنابع بغير جريان ، والبئر ، والمطر ، والواقف ، ويقال له : الراكد .

(مسألة 1) : الماء المضاف طاهر في نفسه ، وغير مطهّر لا من الحدث ولا من الخبث ، ولو لاقى نجساً ينجس جميعه ولو كان ألف كرّ . نعم ، إذا كان جارياً من العالي إلى السافل - ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة - ولاقى أسفله النجاسة ، تختصّ بموضع الملاقاة وما دونه ، ولا تسري إلى الفوق .

(مسألة 2) : الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن الإطلاق ، نعم لو مزج معه غيره وصعّد ربما يصير مضافاً ، كماء الورد ونحوه ، كما أنّ المضاف المصعّد قد يكون مضافاً . والمناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد ، فربما يكون المصعّد الأجزاء المائية وبعد الاجتماع يكون ماءً مطلقاً ، وربما يكون مضافاً .

ص: 11

(مسألة 3) : إذا شكّ في مائع أ نّه مطلق أو مضاف ، فإن علم حالته السابقة يبني عليها إلاّ في بعض الفروض ، كالشبهة المفهومية والشكّ في بقاء الموضوع ، وإن لم يعلم حالته السابقة فلا يرفع حدثاً ولا خبثاً ، وإذا لاقى النجاسة فإن كان قليلاً ينجس قطعاً ، وإن كان كثيراً فالظاهر أ نّه يحكم بطهارته .

(مسألة 4) : الماء المطلق بجميع أقسامه يتنجّس فيما إذا تغيّر بسبب ملاقاة النجاسة أحدُ أوصافه : اللون والطعم والرائحة ، ولا يتنجّس فيما إذا تغيّر بالمجاورة ، كما إذا كان قريباً من جيفة فصار جائفاً . نعم ، إذا وقعت الجيفة خارج الماء ، ووقع جزء منها فيه ، وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج ، تنجّس .

(مسألة 5) : المعتبر تأثّر الماء بأوصاف النجاسة ، لا المتنجّس ، فإذا احمرّ الماء بالبَقَّم المتنجّس ، لا ينجس إذا كان كرّاً أو جارياً أو نحوهما .

(مسألة 6) : المناط تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة بسبب النجاسة وإن كان من غير سنخ النجس ، فلو اصفرّ الماء - مثلاً - بوقوع الدم فيه تنجّس .

(مسألة 7) : لو وقع في الماء المعتصم متنجّس حامل لوصف النجس بوقوعه فيه ، فغيّره بوصف النجس ، لم يتنجّس على الأقوى ، كما إذا وقعت ميتة في ماء فغيّرت ريحه ، ثمّ اُخرجت منه وصُبّ ذلك الماء في كرّ فغيّر ريحه . نعم ، لو حمل المتنجّس أجزاء النجس فتغيّر المعتصم بها تنجّس .

(مسألة 8) : الماء الجاري - وهو النابع السائل - لا ينجس بملاقاة النجس ؛ كثيراً كان أو قليلاً . ويُلحق به النابع الواقف كبعض العيون ، وكذلك البئر على الأقوى ، فلا ينجس المياه المزبورة إلاّ بالتغيّر .

ص: 12

(مسألة 9) : الراكد المتّصل بالجاري حكمه حكم الجاري ، فالغدير المتّصل بالنهر بساقية ونحوها كالنهر ، وكذا أطراف النهر وإن كان ماؤها واقفاً .

(مسألة 10) : يطهر الجاري وما في حكمه لو تنجّس بالتغيّر إذا زال تغيّره ولو من قِبَل نفسه وامتزج بالمعتصم .

(مسألة 11) : الراكد بلا مادّة ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان دون الكرّ ؛ سواء كان وارداً عليها أو موروداً ، ويطهر بالامتزاج بماء معتصم كالجاري والكرّ وماء المطر . والأقوى عدم الاكتفاء بالاتّصال بلا امتزاج .

(مسألة 12) : إذا كان الماء قليلاً وشكّ في أنّ له مادّة أم لا ، فإن كان في السابق ذا مادّة وشكّ في انقطاعها ، يبني على الحالة الاُولى ، وإلاّ فلا ، لكن مع ملاقاته للنجاسة يحكم بطهارته على الأقوى .

(مسألة 13) : الراكد إذا بلغ كرّاً لا ينجس بالملاقاة إلاّ بالتغيّر ، وإذا تغيّر بعضه فإن كان الباقي بمقدار كرّ يبقى غير المتغيّر على طهارته ، ويطهر المتغيّر إذا زال تغيّره بالامتزاج بالكرّ الباقي ، وإذا كان الباقي دون الكرّ ينجس الجميع .

(مسألة 14) : للكرّ تقديران : أحدهما : بحسب الوزن ، وهو ألف ومائتا رطل عراقي ، وهو بحسب حقّة كربلاء والنجف المشرّفتين - وهي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالاً وثلث مثقال - خمس وثمانون حُقّة وربع ونصف ربع بقّالي ومثقالان ونصف مثقال صيرفي ، وبحسب حُقّة إسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - مائتا حُقّة واثنتان وتسعون حُقّة ونصف حُقّة ، وبحسب المنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - يصير أربعة وستّين منّاً إلاّ عشرين مثقالاً ، وبحسب المنّ التبريزي ، يصير مائة وثمانية وعشرين منّاً إلاّ عشرين

ص: 13

مثقالاً ، وبحسب منّ البمبئي - وهو أربعون سيراً ، وكلّ سير سبعون مثقالاً - يصير تسعة وعشرين منّاً وربع منّ ، وبحسب الكيلو المتعارف (419 / 377) على الأقرب(1) .

وثانيهما : بحسب المساحة ، وهو ما بلغ ثلاثة وأربعين شبراً إلاّ ثمن شبر على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 15) : الماء المشكوك كرّيته إن علم حالته السابقة يبني على تلك الحالة ، وإلاّ فالأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة وإن لم يجرِ عليه سائر أحكام الكرّ .

(مسألة 16) : إذا كان الماء قليلاً فصار كرّاً ، وقد علم ملاقاته للنجاسة ، ولم يعلم سبق الملاقاة على الكرّية أو العكس ، يحكم بطهارته ، إلاّ إذا علم تأريخ الملاقاة دون الكرّية ، وأمّا إذا كان كرّاً فصار قليلاً ، وقد علم ملاقاته للنجاسة ، ولم يعلم سبق الملاقاة على القلّة أو العكس ، فالظاهر الحكم بطهارته مطلقاً حتّى فيما إذا علم تأريخ القلّة .

(مسألة 17) : ماء المطر حال نزوله من السماء كالجاري ، فلا ينجس ما لم يتغيّر ، والأحوط اعتبار كونه بمقدار يجري على الأرض الصلبة ، وإن كان كفاية صدق المطر عليه لا يخلو من قوّة .

(مسألة 18) : المراد بماء المطر - الذي لا يتنجّس إلاّ بالتغيّر - القطرات النازلة والمجتمع منها تحت المطر حال تقاطره عليه ، وكذا المجتمع المتّصل بما يتقاطر عليه المطر ، فالماء الجاري من الميزاب تحت سقف حال عدم انقطاع المطر ، كالماء المجتمع فوق السطح المتقاطر عليه المطر .

ص: 14


1- في (أ) : (906 / 383)، من دون عبارة : «على الأقرب» .

(مسألة 19) : يطهّر المطر كلّ ما أصابه من المتنجّسات القابلة للتطهير ؛ من الماء والأرض والفرش والأواني ، والأقوى اعتبار الامتزاج في الأوّل ، ولا يحتاج في الفرش ونحوه إلى العصر والتعدّد ، بل لا يحتاج في الأواني أيضاً إلى التعدّد . نعم ، إذا كان متنجّساً بولوغ الكلب فالأقوى لزوم التعفير أوّلاً ، ثمّ يوضع تحت المطر ، فإذا نزل عليه يطهر من دون حاجة إلى التعدّد .

(مسألة 20) : الفراش النجس إذا وصل إلى جميعه المطر ونفذ في جميعه ، يطهُر ظاهراً وباطناً ، ولو أصاب بعضه يطهُر ما أصابه ، ولو أصاب ظاهره ولم ينفذ فيه يطهُر ظاهره فقط .

(مسألة 21) : إذا كان السطح نجساً فنفذ فيه الماء ، وتقاطر من السقف حال نزول المطر ، يكون طاهراً وإن كان عين النجس موجوداً على السطح ، وكان الماء المتقاطر مارّاً عليها . وكذلك المتقاطر بعد انقطاع المطر إذا احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف ، أو كونه غير مارّ على عين النجس ، ولا على ما تنجّس بها بعد انقطاع المطر ، وأمّا لو علم أ نّه من المارّ على أحدهما بعد انقطاعه يكون نجساً .

(مسألة 22) : الماء الراكد النجس يطهر بنزول المطر عليه وامتزاجه به ، وبالاتّصال بماء معتصم كالكرّ والجاري والامتزاج به ، ولا يعتبر كيفية خاصّة في الاتّصال ، بل المدار مطلقه(1) ولو بساقية أو ثقب بينهما ، كما لا يعتبر علوّ المعتصم أو تساويه مع الماء النجس . نعم ، لو كان النجس جارياً من الفوق على المعتصم ، فالظاهر عدم الكفاية في طهارة الفوقاني في حال جريانه عليه .

ص: 15


1- في (أ) : «على مطلقه» .

(مسألة 23) : الماء المستعمل في الوضوء لا إشكال في كونه طاهراً ومطهّراً للحدث والخبث . كما لا إشكال في كون المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهراً ومطهّراً للخبث ، بل الأقوى كونه مطهّراً للحدث أيضاً .

(مسألة 24) : الماء المستعمل في رفع الخبث المسمّى بالغُسالة نجس مطلقاً .

(مسألة 25) : ماء الاستنجاء - سواء كان من البول أو الغائط - طاهر إذا لم يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة ، ولم يكن فيه أجزاء متميّزة من الغائط ، ولم يتعدّ فاحشاً على وجه لا يصدق معه الاستنجاء ، ولم تصل إليه نجاسة من خارج . ومنه ما إذا خرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى - مثل الدم - حتّى ما يُعدّ جزءاً منهما على الأحوط .

(مسألة 26) : لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد وإن كان أحوط .

(مسألة 27) : إذا اشتبه نجس بين أطراف محصورة - كإناء في عشرة - يجب الاجتناب عن الجميع ، وإذا لاقى بعض أطرافه شيء ، وكانت الحالة السابقة في ذلك البعض النجاسة ، فالأحوط لو لم يكن الأقوى الحكم بنجاسة الملاقي ، ومع عدمها ففيه تفصيل .

(مسألة 28) : لو اُريق أحد الإناءين المشتبهين يجب الاجتناب عن الآخر .

ص: 16

فصل : في أحكام التخلّي

(مسألة 1) : يجب في حال التخلّي كسائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم ؛ رجلاً كان أو امرأة ، حتّى المجنون والطفل المميّزين ، كما يحرم النظر إلى عورة الغير ولو كان المنظور مجنوناً أو طفلاً مميّزاً . نعم ، لا يجب سترها عن غير المميّز ، كما يجوز النظر إلى عورة الطفل غير المميّز . وكذا الحال في الزوجين والمالك ومملوكته ناظراً ومنظوراً . وأمّا المالكة ومملوكها فلا يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر ، بل إلى سائر بدنه أيضاً على الأظهر . والعورة في المرأة هنا القبل والدبر ، وفي الرجل هما مع البيضتين ، وليس منها الفخذان ولا الأليتان ، بل ولا العانة ولا العجان . نعم ، في الشعر النابت أطراف العورة الأحوط الاجتناب ناظراً ومنظوراً . ويستحبّ ستر السرّة والرُكبة وما بينهما .

(مسألة 2) : يكفي الستر بكلّ ما يستر ولو بيده أو يد زوجته مثلاً .

(مسألة 3) : لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الزجاج ، بل ولا في المرآة والماء الصافي .

(مسألة 4) : لو اضطرّ إلى النظر إلى عورة الغير - كما في مقام العلاج - فالأحوط أن ينظر إليها في المرآة المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك ، وإلاّ فلا بأس .

(مسألة 5) : يحرم في حال التخلّي استدبار القبلة واستقبالها بمقاديم بدنه ، وهي الصدر والبطن وإن أمال العورة عنها ، والميزان هو الاستدبار والاستقبال العرفيان ، والظاهر عدم دخل الركبتين فيهما . والأحوط ترك الاستقبال بعورته

ص: 17

فقط وإن لم تكن مقاديم بدنه إليها . والأحوط حرمتهما حال الاستبراء ، بل الأقوى لو خرج معه القطرات . ولا ينبغي ترك الاحتياط في حال الاستنجاء وإن كان الأقوى عدم حرمتهما فيه ، ولو اضطُرّ إلى أحدهما تخيّر ، والأحوط اختيار الاستدبار . ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر عن الناظر المحترم اختار الستر . ولو اشتبهت القبلة بين الجهات ، ولم يمكن له الفحص ، ويتعسّر عليه التأخير إلى أن تتّضح القبلة ، يتخيّر بينها ، ولا يبعد لزوم العمل بالظنّ لو حصل له .

فصل : في الاستنجاء

(مسألة 1) : يجب غسل مخرج البول بالماء مرّتين على الأحوط ، وإن كان الأقوى كفاية المرّة في الرجل مع الخروج عن مخرجه الطبيعي ، والأفضل ثلاث ، ولا يجزي غير الماء ، ويتخيّر في مخرج الغائط بين الغسل بالماء والمسح بشيء قالع للنجاسة ، كالحجر والمدر والخرق وغيرها ، والغسل أفضل ، والجمع بينهما أكمل . ولا يعتبر في الغسل التعدّد ، بل الحدّ النقاء ، بل الظاهر في المسح أيضاً كذلك ، وإن كان الأحوط الثلاث وإن حصل النقاء بالأقلّ ، وإن لم يحصل بالثلاث فإلى النقاء . ويعتبر فيما يمسح به الطهارة ، فلا يجزي النجس ولا المتنجّس قبل تطهيره ، ويعتبر أن لا يكون فيه رطوبة سارية ، فلا يجزي الطين والخرقة المبلولة . نعم ، لا تضرّ النداوة التي لا تسري .

(مسألة 2) : يجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر ؛ أعني الأجزاء الصغار التي لا ترى ، وفي المسح يكفي إزالة العين ، ولا يضرّ بقاء الأثر .

(مسألة 3) : إنّما يكتفى بالمسح في الغائط إذا لم يتعدّ المخرج على وجه

ص: 18

لا يصدق عليه الاستنجاء ، وأن لا يكون في المحلّ نجاسة من الخارج ، حتّى إذا خرج مع الغائط نجاسة اُخرى كالدم يتعيّن الماء .

(مسألة 4) : يحرم الاستنجاء بالمحترمات ، وكذا بالعظم والروث على الأحوط ، ولو فعل فحصول الطهارة محلّ إشكال ، خصوصاً في العظم والروث . بل حصول الطهارة مطلقاً حتّى في الحجر ونحوه محلّ إشكال . نعم ، لا إشكال في العفو في غير ما ذكر .

(مسألة 5) : لا يجب الدلك باليد في مخرج البول . نعم ، لو احتمل خروج المذي معه فالأحوط الدلك .

فصل : في الاستبراء

وكيفيته على الأحوط الأولى : أن يمسح بقوّة ما بين المقعد وأصل الذكر ثلاثاً ، ثمّ يضع سبّابته - مثلاً - تحت الذكَر وإبهامه فوقه ، ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاثاً ، ثمّ يعصر رأسه ثلاثاً ، فإذا رأى بعده رطوبة مشتبهة لا يدري أ نّها بول أو غيره يحكم بطهارتها وعدم ناقضيتها للوضوء لو توضّأ قبل خروجها ، بخلاف ما إذا لم يستبرئ ، فإنّه يحكم بنجاستها وناقضيتها . وهذا هو فائدة الاستبراء . ويلحق به في الفائدة المزبورة على الأقوى طول المدّة وكثرة الحركة ؛ بحيث يقطع بعدم بقاء شيء في المجرى ، وأنّ البلل المشتبه نزل من الأعلى ، فيحكم بطهارته وعدم ناقضيته .

(مسألة 1) : لا يلزم المباشرة في الاستبراء ، فيكفي إن باشره غيره كزوجته أو مملوكته .

ص: 19

(مسألة 2) : إذا شكّ في الاستبراء ، يبني على عدمه ولو مضت مدّة وكان من عادته . نعم ، لو استبرأ وشكّ بعد ذلك أ نّه كان على الوجه الصحيح أم لا ، بنى على الصحّة .

(مسألة 3) : إذا شكّ من لم يستبرئ في خروج الرطوبة وعدمه بنى على عدمه ، كما إذا رأى في ثوبه رطوبة مشتبهة لا يدري أ نّها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج فيحكم بطهارتها وعدم انتقاض الوضوء بها .

(مسألة 4) : إذا علم أنّ الخارج منه مذي ، ولكن شكّ في أ نّه خرج معه بول أم لا ، لا يحكم عليه بالنجاسة ولا الناقضية ، إلاّ أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة ، كأن يشكّ في أنّ هذا الموجود ، هل هو بتمامه مذيٌ ، أو مركّب منه ومن البول ؟

(مسألة 5) : إذا بال وتوضّأ ، ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمنيّ ، فإن استبرأ بعد البول يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل ، وإن لم يستبرئ فالأقوى جواز الاكتفاء بالوضوء ، وإن خرجت الرطوبة المشتبهة قبل أن يتوضّأ يكتفي بالوضوء خاصّة ، ولا يجب عليه الغسل ؛ سواء استبرأ بعد البول أم لا .

ص: 20

فصل : في الوضوء

اشارة

والكلام في واجباته ، وشرائطه ، وموجباته ، وغاياته ، وأحكام الخلل :

القول : في الواجبات

(مسألة 1) : الواجب في الوضوء : غسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والقدمين . والمراد بالوجه : ما بين قصاص الشعر وطرف الذقَن طولاً ، وما دارت عليه الإبهام والوسطى من متناسب الأعضاء عرضاً ، وغيره يرجع إليه ، فما خرج عن ذلك لا يجب غسله . نعم ، يجب غسل شيء ممّا خرج عن الحدّ المذكور ؛ مقدّمةً لتحصيل اليقين بغسل تمام ما اشتمل عليه الحدّ .

(مسألة 2) : يجب على الأحوط أن يكون الغسل من أعلى الوجه ، ولا يجوز على الأحوط الغسل منكوساً ، نعم لو ردّ الماء منكوساً ، ولكن نوى الغسل من الأعلى برجوعه ، جاز .

(مسألة 3) : لا يجب غسل ما استرسل من اللحية ، أمّا ما دخل منها في حدّ الوجه فيجب غسله . والواجب غسل الظاهر منه ؛ من غير فرق بين الكثيف والخفيف ؛ مع صدق إحاطة الشعر بالبشرة ؛ وإن كان التخليل في الثاني أحوط . وأمّا اليدان فالواجب غسلهما من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ويجب غسل شيء من العضد للمقدّمة كالوجه ، ولا يجوز ترك شيء من الوجه أو اليدين بلا غسل ولو مقدار مكان شعرة .

(مسألة 4) : لا يجب غسل شيء من البواطن ، كالعين والأنف ، وما لا يظهر

ص: 21

من الشفتين بعد الانطباق . كما لا يجب غسل باطن الثقبة التي في الأنف موضع الحلقة ؛ سواء كانت الحلقة فيها أم لا .

(مسألة 5) : لا يجب إزالة الوسخ تحت الأظفار ، إلاّ ما كان معدوداً من الظاهر ، كما أ نّه لو قصّ أظفاره ، فصار ما تحتها ظاهراً ، وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه .

(مسألة 6) : إذا انقطع لحم من اليدين أو الوجه ، وجب غسل ما ظهر بعد القطع ، ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً وإن كان اتّصاله بجِلدة رقيقة .

(مسألة 7) : الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ ؛ إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء إليها ، وإلاّ فلا .

(مسألة 8) : ما يعلو البشرة مثل الجُدري عند الاحتراق ما دام باقياً يكفي غسل ظاهره وإن انخرق ، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة ، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض ولا يجب قطعها بتمامها . ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متّصلة قد تلصق وقد لا تلصق ، يجب غسل ما تحتها ، وإن كانت لاصقة يجب رفعها أو قطعها .

(مسألة 9) : يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، لكن في اليد اليسرى لا بدّ من أن يقصد الغسل حال الإخراج ؛ حتّى لا يلزم المسح بماء جديد ، بل وكذا في اليمنى ، إلاّ أن يبقي شيئاً من اليسرى ليغسله باليمنى ؛ حتّى يكون ما يبقى عليها من ماء الوضوء .

(مسألة 10) : يجب رفع ما يمنع وصول الماء ، أو تحريكه بحيث يصل

ص: 22

الماء إلى ما تحته . ولو شكّ في وجود الحاجب لم يلتفت إذا لم يكن له منشأ عقلائي . ولو شكّ في شيء أ نّه حاجب وجب إزالته ، أو إيصال الماء إلى ما تحته .

(مسألة 11) : ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلدة ، لا يجب رفعه ، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً . وأمّا الدواء الذي انجمد عليه ، فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة ؛ يكفي غسل ظاهره ، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب .

(مسألة 12) : لا يجب إزالة الوسخ على البشرة إن لم يكن جرماً مرئياً - وإن كان عند المسح بالكيس يجتمع ويكون كثيراً - ما دام يصدق عليه غسل البشرة . وكذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجصّ ونحوه مع صدق غسل البشرة . ولو شكّ في كونه حاجباً وجب إزالته .

وأمّا مسح الرأس : فالواجب مسح شيء من مقدّمه ، والأحوط عدم الاجتزاء بما دون عرض إصبع ، وأحوط منه مسح مقدار ثلاثة أصابع مضمومة ، بل الأولى كون المسح بالثلاثة . والمرأة كالرجل في ذلك .

(مسألة 13) : لا يجب كون المسح على البشرة ، فيجوز على الشعر النابت على المقدّم . نعم ، إذا كان الشعر الذي منبته مقدّم الرأس طويلاً ؛ بحيث يتجاوز بمدّه عن حدّه ، لا يجوز المسح على ذلك المقدار المتجاوز ؛ سواء كان مسترسلاً أو مجتمعاً في المقدّم .

(مسألة 14) : يجب أن يكون المسح بباطن الكفّ الأيمن على الأحوط ، وإن كان الأقوى جوازه بظاهره ، ولا يتعيّن الأيمن على الأقوى ، والجواز بالذراع

ص: 23

لا يخلو من وجه ، والأولى المسح بأصابع الأيمن . ويجب أن يكون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء ، فلا يجوز استئناف ماء جديد .

(مسألة 15) : يجب جفاف الممسوح على وجه لا ينتقل منه أجزاء الماء إلى الماسح .

وأمّا مسح القدمين : فالواجب مسح ظاهرهما من أطراف الأصابع إلى المفصل على الأحوط طولاً ، وإن كان الأقوى كفايته إلى الكعب ، وهو قُبّة ظهر القدم ، ولا تقدير للعرض ، فيجزي ما يتحقّق به اسم المسح ، والأفضل بل الأحوط أن يكون بتمام الكفّ . وما تقدّم في مسح الرأس : من جفاف الممسوح ، وكون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء ، يجري في القدمين أيضاً .

(مسألة 16) : الأحوط المسح بباطن الكفّ ، وإن تعذّر مسح بظاهرها ، وإن تعذّر مسح بذراعه ، وإن كان الأقوى جوازه بظاهرها بل بالذراع اختياراً .

(مسألة 17) : إذا جفّت رطوبة الكفّ أخذ من سائر مواضع الوضوء من حاجبه أو لحيته أو غيرهما ومسح بها ، وإن لم يمكن الأخذ منها أعاد الوضوء ، ولو لم تنفع الإعادة من جهة حرارة الهواء أو البدن - بحيث كلّما توضّأ جفّ ماء وضوئه - مسح بالماء الجديد ، والأحوط الجمع بين المسح باليد اليابسة ، ثمّ بالماء الجديد ، ثمّ التيمّم .

(مسألة 18) : لا بدّ في المسح من إمرار الماسح على الممسوح ، فلو عكس لم يجز . نعم ، لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح .

ص: 24

(مسألة 19) : لا يجب في مسح القدمين وضع أصابع الكفّ - مثلاً - على أصابعهما وجرّها إلى الحدّ ، بل يجزي أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم ، ثمّ يجرّها قليلاً بمقدار يصدق عليه المسح .

(مسألة 20) : يجوز المسح على القناع والخُفّ والجورب وغيرها عند الضرورة ؛ من تقيّة أو برد أو سبع أو عدوّ ونحو ذلك ؛ ممّا يخاف بسببه من رفع الحائل . ويعتبر في المسح على الحائل كلّ ما اعتبر في مسح البشرة ؛ من كونه بالكفّ ، وبنداوة الوضوء ، وغير ذلك .

القول : في شرائط الوضوء

(مسألة 1) : شرائط الوضوء اُمور :

منها : طهارة الماء ، وإطلاقه ، وإباحته ، وطهارة المحلّ المغسول والممسوح ، ورفع الحاجب عنه . والأحوط اشتراط إباحة المكان - أي الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسح - وكذا إباحة المصبّ إن عدّ الصبّ تصرّفاً في المغصوب عرفاً ، أو جزءاً أخيراً للعلّة التامّة ، وإلاّ فالأقوى عدم البطلان ، بل عدم البطلان مطلقاً فيه وفي غصبية المكان لا يخلو من قوّة ، وكذا إباحة الآنية مع الانحصار ، بل ومع عدمه أيضاً إذا كان الوضوء بالغمس فيها ، لا بالاغتراف منها . وعدم المانع من استعمال الماء ؛ من خوف(1) مرض ، أو عطش على نفسه أو نفس محترمة ، ونحو ذلك ممّا يجب معه التيمّم ، فلو توضّأ والحال هذه بطل .

(مسألة 2) : المشتبه بالنجس بالشبهة المحصورة ، كالنجس في عدم جواز

ص: 25


1- ليس في (أ) : «خوف» .

التوضّؤ به ، فإذا انحصر الماء في المشتبهين ، يتيمّم للصلاة حتّى مع إمكان أن يتوضّأ بأحدهما ويصلّي ، ثمّ يغسل محالّ الوضوء بالآخر ، ثمّ يتوضّأ به ويعيد صلاته ثانياً .

(مسألة 3) : لو لم يكن عنده إلاّ ماء مشكوك إضافته وإطلاقه ، فلو كان حالته السابقة الإطلاق يتوضّأ به ، ولو كانت الإضافة يتيمّم ، ولو لم يعلم الحالة السابقة يجب الاحتياط بالجمع بين الوضوء والتيمّم .

(مسألة 4) : لو اشتبه مضاف في محصور ، ولم يكن عنده ماء آخر ، يجب عليه الاحتياط بتكرار الوضوء على نحو يعلم التوضّؤ بماء مطلق ، والضابط أن يزاد عدد الوضوءات على عدد المضاف المعلوم بواحد .

(مسألة 5) : المشتبه بالغصب كالغصب لا يجوز الوضوء به ، فإذا انحصر الماء به تعيّن التيمّم .

(مسألة 6) : طهارة الماء وإطلاقه شرط واقعي يستوي فيهما العالم والجاهل ، بخلاف الإباحة ، فلو توضّأ بماء مغصوب مع الجهل بغصبيته أو نسيانها صحّ وضوؤه ؛ حتّى أ نّه لو التفت إلى الغصبية في أثنائه صحّ ما مضى من أجزائه ، ويتمّ الباقي بماء مباح . وإذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى ، هل يجوز المسح بما في يده من الرطوبة ، ويصحّ وضوؤه أم لا ؟ وجهان ، بل قولان . ولا يبعد التفصيل بين كون ما في اليد أجزاءً مائية تُعدّ ماءً عرفاً ، وكونه محض الرطوبة التي كأ نّها من الكيفيات عرفاً ، فيصحّ في الثاني دون الأوّل . وكذا الحال فيما إذا كان على محالّ وضوئه رطوبة من ماء مغصوب ، وأراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل جفاف الرطوبة .

ص: 26

(مسألة 7) : يجوز الوضوء والشرب وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت السيرة عليه من الأنهار الكبيرة من القنوات وغيرها وإن لم يعلم رضا المالكين ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين . نعم ، مع النهي منهم أو من بعضهم يشكل الجواز . وإذا غصبها غاصب يبقى الجواز لغيره دونه .

(مسألة 8) : لو كان ماء مباح في إناء مغصوب ، لا يجوز الوضوء منه بالغمس فيه مطلقاً ، وأمّا بالاغتراف منه فلا يصحّ مع الانحصار به ، ويتعيّن التيمّم . نعم ، لو صبّه في الإناء المباح صحّ ، ولو تمكّن من ماء آخر مباح ، صحّ بالاغتراف منه ؛ وإن فعل حراماً من جهة التصرّف في الإناء .

(مسألة 9) : يصحّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة ، بل في البيت المغصوب إذا كانت أرضه مباحة .

(مسألة 10) : لا يجوز الوضوء من حياض المساجد والمدارس ونحوهما ؛ في صورة الجهل بكيفية الوقف ، واحتمال شرط الواقف عدم استعمال غير المصلّين والساكنين منها ولو لم يزاحمهم . نعم ، إذا جرت السيرة والعادة على وضوء غيرهم منها من غير منع منهم صحّ .

(مسألة 11) : الوضوء من آنية الذهب والفضّة ، كالوضوء من الآنية المغصوبة على الأحوط ، فيأتي فيها التفصيل المتقدّم ، ولو توضّأ منها جهلاً أو نسياناً ، بل مع الشكّ في كونها منهما ، صحّ ولو بنحو الرمس أو الاغتراف مع الانحصار .

(مسألة 12) : إذا شكّ في وجود الحاجب قبل الشروع في الوضوء أو في الأثناء ، لا يجب الفحص ، إلاّ إذا كان منشأ عقلائي لاحتماله ، وحينئذٍ يجب حتّى

ص: 27

يطمئنّ بعدمه . وكذا يجب فيما إذا كان مسبوقاً بوجوده . ولو شكّ بعد الفراغ في أ نّه كان موجوداً أم لا ، بنى على عدمه وصحّة وضوئه . وكذا إذا كان موجوداً وكان ملتفتاً حال الوضوء أو احتمل الالتفات وشكّ بعده في أ نّه أزاله ، أو أوصل الماء تحته أم لا ، بنى على صحّته . وكذا إذا علم بوجود الحاجب وشكّ في أ نّه كان موجوداً حال الوضوء ، أو طرأ بعده . نعم ، لو علم بوجود شيء في حال الوضوء ممّا يمكن أن لا يصل الماء تحته - وقد يصل وقد لا يصل - كالخاتم ، وقد علم أ نّه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل ، أو علم أ نّه لم يحرّكه ، ومع ذلك شكّ في أ نّه وصل الماء تحته من باب الاتّفاق أم لا ، يُشكل الحكم بالصحّة ، بل الظاهر وجوب الإعادة .

(مسألة 13) : لو كان بعض محالّ الوضوء نجساً فتوضّأ ، وشكّ بعده في أ نّه طهّره قبل الوضوء أم لا ، يحكم بصحّته ، لكن يبني على بقاء نجاسة المحلّ ، فيجب غسله للأعمال الآتية . نعم ، لو علم بعدم التفاته حال الوضوء يجب الإعادة على الظاهر .

ومنها : المباشرة اختياراً ، ومع الاضطرار جاز بل وجب الاستنابة ، فيوضّؤه الغير وينوي هو الوضوء ، وإن كان الأحوط نيّة الغير أيضاً . وفي المسح لا بدّ من أن يكون بيد المنوب عنه وإمرار النائب ، وإن لم يمكن ، أخذ الرطوبة التي في يده ومسح بها ، والأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم لو أمكن .

ومنها : الترتيب في الأعضاء ؛ فيقدّم الوجه على اليد اليمنى ، وهي على اليسرى ، وهي على مسح الرأس ، وهو على مسح الرجلين . والأحوط تقديم اليمنى على اليسرى ، بل الوجوب لا يخلو من وجه .

ص: 28

ومنها : الموالاة بين الأعضاء ؛ بمعنى : أن لا يؤخّر غسل العضو المتأخّر ؛ بحيث يحصل بسببه جفاف جميع ما تقدّم .

(مسألة 14) : إنّما يضرّ جفاف الأعضاء السابقة إذا كان بسبب التأخير وطول الزمان ، وأمّا إذا تابع عرفاً في الأفعال ، ومع ذلك حصل الجفاف بسبب حرارة الهواء أو غيرها ، لم يبطل وضوؤه .

(مسألة 15) : لو لم يتابع في الأفعال ومع ذلك بقيت الرطوبة من جهة البرودة ورطوبة الهواء ؛ بحيث لو كان الهواء معتدلاً لحصل الجفاف ، صحّ . فالعبرة في صحّة الوضوء بأحد الأمرين : إمّا بقاء البلل حسّاً ، أو المتابعة عرفاً .

(مسألة 16) : إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوؤه ، وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمّ تبيّن الخلاف .

(مسألة 17) : لو لم يبق من الرطوبة إلاّ في اللحية المسترسلة ففي كفايتها إشكال . وكذا إن بقيت في غيرها ممّا هو خارج عن الحدّ ، كالشعر فوق الجبهة ، بل هو أشكل .

ومنها : النيّة : وهي القصد إلى الفعل ، ولا بدّ من أن يكون بعنوان الامتثال أو القربة . ويعتبر فيها الإخلاص ، فلو ضمّ إليها ما ينافيه بطل ، خصوصاً الرياء ، فإنّه إذا دخل في العمل على أيّ نحو أفسده . وأمّا غيره من الضمائم : فإن كانت راجحة لا يضرّ ضمّها ، إلاّ إذا كانت هي المقصودة بالأصل ، ويكون قصد امتثال الأمر الوضوئي تبعاً ، أو تركّب الداعي منهما بحيث يكون كلٌّ منهما جزءاً للداعي ، وكذا لو استقلّ الداعيان على الأحوط . وإن كانت مباحة - كالتبرّد - يبطل بها ، إلاّ إذا دخلت على وجه التبعية ؛ وكان امتثال أمره هو المقصود الأصلي .

ص: 29

(مسألة 18) : لا يعتبر في النيّة التلفّظ ، ولا الإخطار في القلب تفصيلاً ، بل يكفي فيها الإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس ؛ بحيث لو سئل عن شغله يقول : أتوضّأ ، وهذه هي التي يسمّونها بالداعي . نعم ، لو شرع في العمل ، ثمّ ذهل عنه وغفل بالمرّة ؛ بحيث لو سئل عن شغله بقي متحيّراً ولا يدري ما يصنع ، يكون عملاً بلا نيّة .

(مسألة 19) : كما تجب النيّة في أوّل العمل ، كذلك يجب استدامتها إلى آخره ، فلو تردّد أو نوى العدم وأتمّ الوضوء على هذه الحال بطل ، ولو عدل إلى النيّة الاُولى قبل فوات الموالاة ، وضمّ إلى ما أتى به مع النيّة بقيّة الأفعال ، صحّ .

(مسألة 20) : يكفي في النيّة قصد القربة ، ولا تجب نيّة الوجوب أو الندب ؛ لا وصفاً ولا غاية ، فلا يلزم أن يقصد أ نّي أتوضّأ الوضوء الواجب عليّ ، بل لو نوى الوجوب في موضع الندب أو العكس اشتباهاً بعد ما كان قاصداً للقربة والامتثال على أيّ حال ، كفى وصحّ .

(مسألة 21) : لا يعتبر في صحّة الوضوء نيّة رفع الحدث ، ولا نيّة استباحة الصلاة وغيرها من الغايات ، بل لو نوى التجديد فتبيّن كونه محدثاً صحّ الوضوء ، ويجوز معه الصلاة وغيرها . ويكفي وضوء واحد عن الأسباب المختلفة وإن لم يلحظها بالنيّة ، بل لو قصد رفع حدث بعينه صحّ وارتفع الجميع . نعم ، لو كان قصده ذلك على وجه التقييد ؛ بحيث كان من نيّته عدم ارتفاع غيره ، ففي الصحّة إشكال .

ص: 30

فصل : في موجبات الوضوء

فصل : في موجبات الوضوء وغاياته

(مسألة 1) : الأحداث الناقضة للوضوء والموجبة له اُمور :

الأوّل والثاني : خروج البول وما في حكمه كالبلل المشتبه قبل الاستبراء ، وخروج الغائط من الموضع الطبيعي ، أو من غيره مع انسداد الطبيعي أو بدونه ؛ كثيراً كان أو قليلاً ولو بمصاحبة دود أو نواة مثلاً . الثالث : خروج الريح عن الدُبُر إذا كان من المعدة أو الأمعاء ؛ سواء كان له صوت ورائحة أم لا . ولا عبرة بما يخرج من قُبل المرأة ولا بما لا يكون من المعدة أو الأمعاء ، كما إذا دخل من الخارج ثمّ خرج . الرابع : النوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر . الخامس : كلّ ما أزال العقل ، مثل الجنون والإغماء والسُكر ونحوها . السادس : الاستحاضة القليلة والمتوسطة ، بل الكثيرة على الأحوط وإن أوجبتا الغسل أيضاً .

(مسألة 2) : إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شيء من الغائط ، لم ينتقض الوضوء ، وكذا لو شكّ في خروج شيء معه . وكذلك الحال فيما إذا خرج دود أو نواة غير متلطّخ بالغائط .

(مسألة 3) : المسلوس والمبطون إن كانت لهما فترة تسع الطهارة والصلاة ولو بالاقتصار على أقلّ واجباتها ، انتظراها وأوقعا الصلاة في تلك الفترة ، وإن لم تكن لهما تلك الفترة فإمّا أن يكون خروج الحدث في أثناء الصلاة مرّة أو مرّتين أو ثلاث - مثلاً - بحيث لا حرج عليهما في التوضّؤ والبناء ، وإمّا أن يكون متّصلاً ، بحيث لو توضّئا بعد كلّ حدث وبنيا لزم عليهما الحرج .

ص: 31

ففي الصورة الاُولى : يتوضّأ المبطون ويشتغل بالصلاة ويضع الماء قريباً منه ، فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة وبنى على صلاته ، والأحوط أن يصلّي صلاة اُخرى بوضوء واحد . والأحوط للمسلوس عمل المبطون ، وإن كان جواز الاكتفاء له بوضوء واحد لكلّ صلاة من غير التجديد في الأثناء لا يخلو من قوّة .

وأمّا في الصورة الثانية : فالأحوط أن يتوضّآ لكلّ صلاة ، ولا يجوز أن يصلّيا صلاتين بوضوء واحد فريضة كانتا أو نافلة أو مختلفتين ؛ وإن لا يبعد عدم لزوم التجديد للمسلوس إن لم يتقاطر منه بين الصلاتين ، فيأتي بوضوء واحد صلوات كثيرة ما لم يتقاطر في فواصلها ؛ وإن تقاطر في أثنائها ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . والأقوى إلحاق مسلوس الريح بالمبطون ، بل لا يبعد دخوله فيه موضوعاً .

(مسألة 4) : يجب على المسلوس التحفّظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن ونحوه ، والظاهر عدم وجوب تغييره أو تطهيره لكلّ صلاة . نعم ، الأحوط تطهير الحشفة إن أمكن من غير حرج ، ويجب التحفّظ بما أمكن على المبطون أيضاً ، كما أنّ الأحوط له أيضاً تطهير المخرج إن أمكن من غير حرج .

(مسألة 5) : لا يجب على المسلوس والمبطون قضاء ما مضى من الصلوات بعد بُرئهما . نعم ، الظاهر وجوب إعادتها إذا برئ في الوقت ، واتّسع الزمان للصلاة مع الطهارة .

ص: 32

فصل : في غايات الوضوء

اشارة

فصل

غايات الوضوء : ما كان وجوب الوضوء أو استحبابه لأجله من جهة كونه شرطاً لصحّته كالصلاة ، أو شرطاً لجوازه وعدم حرمته كمسّ كتابة القرآن ، أو شرطاً لكماله كقراءته ، أو لرفع كراهته كالأكل حال الجنابة ، فإنّه مكروه ، وترتفع كراهته بالوضوء .

أمّا الأوّل : فهو شرط للصلاة فريضة كانت أو نافلة ، أداءً كانت أو قضاءً ، عن النفس أو الغير ، ولأجزائها المنسيّة ، ولسجدتي السهو على الأحوط وإن كان الأقوى عدم الاشتراط . وكذا شرط للطواف الذي هو جزء للحجّ أو العمرة الواجبين ، والأحوط اشتراطه في المندوبين أيضاً .

وأمّا الثاني : فهو شرط لجواز مسّ كتابة القرآن ، فيحرم مسّها على المحدث ، ولا فرق بين آياته وكلماته ، بل والحروف والمدّ والتشديد وأعاريبها . ويلحق بها أسماء اللّه وصفاته الخاصّة . وفي إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام والملائكة تأمّل وإشكال ، والأحوط التجنّب خصوصاً في الاُوليين .

(مسألة 1) : لا فرق في حرمة المسّ بين أجزاء البدن ظاهراً وباطناً . نعم ، لا يبعد جواز المسّ بالشعر ، كما لا فرق بين أنواع الخطوط حتّى المهجور منها كالكوفي ، وكذا بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو غير ذلك .

وأمّا الثالث : فهو أقسام كثيرة لا يناسب ذكرها في هذه الوجيزة . وفي كون الوضوء مستحبّاً بنفسه تأمّل .

(مسألة 2) : يستحبّ للمتوضّئ أن يجدّد وضوءه ، والظاهر جوازه ثالثاً ورابعاً فصاعداً ، ولو تبيّن مصادفته للحدث يرتفع به على الأقوى ، فلا يحتاج إلى وضوء آخر .

ص: 33

القول : في أحكام الخلل

(مسألة 1) : لو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة أو ظنّ بها تطهّر ولو كان شكّه في أثناء العمل ، فلو دخل في الصلاة وشكّ في أثنائها في الطهارة يقطعها ويتطهّر ، والأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف بطهارة جديدة . ولو كان شكّه بعد الفراغ من العمل بنى على صحّته وتطهّر للعمل اللاحق . ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لم يلتفت . ولو تيقّنهما وشكّ في المتأخّر منهما ، تطهّر حتّى مع علمه بتأريخ الطهارة على الأقوى . هذا إذا لم يعلم الحالة السابقة على اليقين بهما ، وإلاّ فالأقوى هو البناء على ضدّها ، فلو تيقّن الحدث قبل عروض الحالتين بنى على الطهارة ، ولو تيقّن الطهارة بنى على الحدث . هذا في مجهولي التأريخ . وكذا الحال فيما إذا علم تأريخ ما هو ضدّ الحالة السابقة . وأمّا إذا علم تأريخ ما هو مثله فيبني على المحدثية ويتطهّر ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الصور المذكورة . ولو تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه أتى به وبما بعده لو لم يحصل مفسد من فوات موالاة ونحوه ، وإلاّ استأنف . ولو شكّ في فعل شيء من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه ، أتى بما شكّ فيه مراعياً للترتيب والموالاة وغيرهما ممّا يعتبر فيه . والظنّ هنا كالشكّ ، وكثير الشكّ لا عبرة بشكّه ، كما أ نّه لا عبرة بالشكّ بعد الفراغ ؛ سواء كان شكّه في فعل من أفعال الوضوء ، أو في شرط من شروطه .

(مسألة 2) : إذا كان متوضّئاً وتوضّأ للتجديد ، وصلّى ثمّ تيقّن بطلان أحد الوضوءين ، لا أثر لهذا العلم الإجمالي ؛ لا بالنسبة إلى الصلاة التي أوقعها ، ولا بالنسبة إلى الصلوات الآتية . وأمّا إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين ، ثمّ تيقّن

ص: 34

بطلان أحدهما ، فالصلاة الثانية صحيحة قطعاً ، كما أ نّه تصحّ الصلوات الآتية ما لم ينتقض الوضوء ، ولا يبعد الحكم بصحّة الصلاة الاُولى ، وإن كان الأحوط إعادتها .

(مسألة 3) : إذا توضّأ وضوءين وصلّى صلاة واحدة أو متعدّدة بعدهما ثمّ تيقّن وقوع الحدث بعد أحدهما ، يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية ، ويحكم بصحّة الصلوات التي أتى بها . وأمّا لو صلّى بعد كلّ وضوء ، ثمّ علم بوقوع الحدث بعد أحد الوضوءين أو الوضوءات قبل الصلاة ، يجب عليه إعادة الصلوات . نعم ، إذا كانت الصلاتان متّفقتين في العدد كالظهرين ، فالظاهر كفاية صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة وإن كانت إعادتهما أحوط .

فصل : في وضوء الجبيرة

(مسألة 1) : من كان على بعض أعضائه جبيرة ، فإن أمكن نزعُها نزعَها وغسل أو مسح ما تحتها . نعم ، لا يتعيّن النزع لو كانت على محلّ الغسل ، بل ما يجب هو إيصال الماء تحتها على نحو يحصل مسمّى الغسل بشرائطه ولو مع وجود الجبيرة . نعم ، يجب النزع عن محلّ المسح ، وإن لم يمكن النزع ؛ فإن كان في موضع المسح مسح عليها ، وإن كان في موضع الغسل وأمكن إيصال الماء تحتها على نحو يحصل مسمّى الغسل بشرائطه وجب ، وإلاّ مسح عليها .

(مسألة 2) : يجب استيعاب المسح في أعضاء الغسل . نعم ، لا يلزم مسح ما يتعذّر أو يتعسّر مسحه ممّا بين الخيوط . وأمّا في أعضاء المسح ، يكون حال المسح على الجبيرة كمسح محلّها قدراً وكيفية ، فيعتبر أن يكون باليد ونداوتها ، بخلاف ما كان في موضع الغسل .

ص: 35

(مسألة 3) : الظاهر جريان أحكام الجبيرة مع استيعابها لعضو واحد ، خصوصاً محلّ المسح ، ولو كانت مستوعبة لمعظم الأعضاء ، لا يترك الاحتياط بالجمع بين عمل الجبيرة والتيمّم إن أمكن ذلك بلا حائل ، وإن لا تبعد كفاية التيمّم . نعم ، إذا استوعب الحائل أعضاء التيمّم أيضاً ولا يمكن التيمّم على البشرة ، تعيّن الوضوء على الجبيرة .

(مسألة 4) : إذا وقعت الجبيرة على بعض الأطراف الصحيحة ، فالمقدار المتعارف - الذي يلزمه شدّ غالب الجبائر - يُلحق بها في الحكم ، فيمسح عليه ، وإن كان أزيد من ذلك المقدار ، فإن أمكن رفعُها رفَعَها وغسل المقدار الصحيح ، ثمّ وضعها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك مسح عليها ، ولا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم أيضاً .

(مسألة 5) : إذا لم يمكن المسح على الجبيرة من جهة النجاسة ، وضع خرقة فوقها على نحو تُعدّ جزءاً منها ، ومسح عليها .

(مسألة 6) : الأقوى أنّ الجرح المكشوف الذي لا يمكن غسله ، يجوز الاكتفاء بغسل ما حوله ، والأحوط مع ذلك وضع خرقة عليه والمسح عليها .

(مسألة 7) : إذا أضرّ الماء بالعضو من دون أن يكون جرح أو قرح أو كسر ، يتعيّن التيمّم . نعم ، لو أضرّ ببعض العضو ، وأمكن غسل ما حوله ، لا يبعد جواز الاكتفاء بغسله وعدم الانتقال إلى التيمّم ، والأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم ، ولا يترك هذا الاحتياط . وأحوط منه وضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم . وكذا يتعيّن التيمّم إذا كان الكسر أو الجرح في غير مواضع الوضوء ، ولكن استعمال الماء في مواضعه يضرّ بالكسر أو الجرح .

ص: 36

(مسألة 8) : في الرمد الذي يضرّ به الوضوء يتعيّن التيمّم ، ومع إمكان غسل ما حول العين بلا إضرار لا يبعد جواز الاكتفاء به على إشكال ، فلا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم إليه ، ولو احتاط مع ذلك بوضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم كان حسناً .

(مسألة 9) : لو كان مانع على البشرة ولا يمكن إزالته - كالقير ونحوه - يُكتفى بالمسح عليه ، والأحوط كونه على وجه يحصل أقلّ مسمّى الغسل ، وأحوط من ذلك ضمّ التيمّم .

(مسألة 10) : من كان على بعض أعضائه جبيرة وحصل موجب الغسل ، مسح على الجبيرة وغسل المواضع الخالية عنها مع الشرائط المتقدّمة في وضوء ذي الجبيرة ، والأحوط كون غسله ترتيبياً لا ارتماسياً .

(مسألة 11) : وضوء ذي الجبيرة وغسله رافعان للحدث لا مبيحان فقط ، وكذا تيمّمه إذا كان تكليفه التيمّم .

(مسألة 12) : من كان تكليفه التيمّم ، وكان على أعضائه جبيرة لا يمكن رفعها ، مسح عليها . وكذا فيما إذا كان حائل آخر لا يمكن إزالته .

(مسألة 13) : إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب عليه إعادة الصلوات التي صلاّها ، بل الظاهر جواز إتيان الصلوات الآتية بهذا الوضوء ونحوه .

(مسألة 14) : يجوز أن يصلّي صاحب الجبيرة أوّل الوقت مع اليأس من زوال العذر إلى آخره ، ومع عدمه الأحوط التأخير .

ص: 37

فصل : في الأغسال

والواجب منها ستّة : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومسّ الميّت ، وغسل الأموات . والأقوى عدم الوجوب الشرعي في غير الأخير .

فصل : في غسل الجنابة

اشارة

والكلام في سبب الجنابة ، وأحكام الجنب ، وواجبات الغسل :

القول : في السبب

(مسألة 1) : سبب الجنابة أمران :

أحدهما : خروج المنيّ وما في حكمه من البلل المشتبه قبل الاستبراء بالبول ، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى . والمعتبر خروجه إلى الخارج ، فلو تحرّك من محلّه ولم يخرج لم يوجب الجنابة ، كما أنّ المعتبر كونه منه ، فلو خرج من المرأة منيّ الرجل ، لا يوجب جنابتها إلاّ مع العلم باختلاطه بمنيّها .

والمنيّ إن علم فلا إشكال ، وإلاّ رجع الصحيح في معرفته إلى اجتماع الدَّفق والشهوة وفتور الجسد . والظاهر كفاية حصول الشهوة للمريض والمرأة ، ولا ينبغي ترك الاحتياط - سيّما في المرأة - بضمّ الوضوء إلى الغسل لو لم يكن مسبوقاً بالطهارة . بل الأحوط مع عدم اجتماع الثلاث ، الغسل والوضوء إذا كان مسبوقاً بالحدث الأصغر ، والغسل وحده إن كان مسبوقاً بالطهارة .

ثانيهما : الجماع وإن لم يُنزل ، ويتحقّق بغيبوبة الحشفة في القُبُل أو الدُبُر ، وحصول مسمّى الدخول من مقطوعها على وجه لا يخلو من قوّة ، فيحصل

ص: 38

حينئذٍ وصف الجنابة لكلّ منهما ؛ من غير فرق بين الصغير والمجنون وغيرهما ، ووجب الغسل عليهما بعد حصول شرائط التكليف ، ويصحّ الغسل من الصبيّ المميّز ، فلو اغتسل يرتفع عنه حدث الجنابة .

(مسألة 2) : لو رأى في ثوبه منيّاً وعلم أ نّه منه ولم يغتسل بعده ، يجب عليه قضاء الصلوات التي صلاّها بعده ، وأمّا التي يحتمل وقوعها قبله فلا يجب قضاؤها ، ولو علم أ نّه منه ، ولم يعلم أ نّه من جنابة سابقة اغتسل منها ، أو جنابة اُخرى لم يغتسل منها ، فالظاهر عدم وجوب الغسل عليه وإن كان أحوط .

(مسألة 3) : إذا تحرّك المنيّ عن محلّه - في اليقظة أو النوم بالاحتلام - لا يجب الغسل ما لم يخرج ، فإن كان بعد دخول الوقت ولم يكن عنده ماء للغسل ، فلا يبعد عدم وجوب حبسه ؛ وإن لا يخلو من تأمّل مع عدم التضرّر به ، فإذا خرج يتيمّم للصلاة . نعم ، إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضاً ، لا يبعد وجوب حبسه إذا كان على طهارة ، إلاّ إذا تضرّر به . وكذا الحال في إجناب نفسه اختياراً - بعد دخول الوقت - بإتيان أهله بالجماع طلباً للّذّة ، فيجوز لو لم يكن عنده ماء

الغسل دون ما يتيمّم به ، بخلاف ما إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضاً كما مرّ ، وفي إتيانها لغير ما ذكر(1) جوازه محلّ تأمّل وإن لا يبعد .

القول : في أحكام الجنب

منها : أ نّه يتوقّف على الغسل من الجنابة اُمور ؛ بمعنى أ نّه شرط في صحّتها :

الأوّل : الصلاة بأقسامها عدا صلاة الجنازة ، وكذا لأجزائها المنسيّة . والأقوى عدم الاشتراط في سجدتي السهو ؛ وإن كان أحوط . الثاني : الطواف الواجب ،

ص: 39


1- في (أ) : «وفي غير إتيانها كما ذكر جوازه» .

بل لا يبعد الاشتراط في المندوب أيضاً . الثالث : صوم شهر رمضان وقضاؤه ؛ بمعنى بطلانه إذا أصبح جُنُباً متعمّداً أو ناسياً للجنابة . وأمّا سائر أقسام الصيام فلا تبطل بالإصباح جنباً في غير الواجب منها ، ولا يترك الاحتياط في ترك تعمّده في الواجب منها . نعم ، الجنابة العمدية في أثناء النهار ، تُبطل جميع أقسام الصيام حتّى المندوب منها ، وغير العمدية - كالاحتلام - لا يضرّ بشيء منها حتّى صوم شهر رمضان .

ومنها : أ نّه يحرم على الجُنُب اُمور :

الأوّل : مسّ كتابة القرآن على التفصيل المتقدّم في الوضوء ، ومسّ اسم اللّه تعالى وسائر أسمائه وصفاته المختصّة به . وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام على الأحوط . الثاني : دخول المسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإن كان بنحو الاجتياز . الثالث : المكث في غير المسجدين من المساجد ، بل مطلق الدخول فيها إن لم يكن مارّاً - بأن يدخل من باب ويخرج من آخر - أو دخل فيها لأجل أخذ شيء منها ، فإنّه لا بأس به . ويلحق بها المشاهد المشرّفة على الأحوط ، وأحوط من ذلك إلحاقها بالمسجدين ، كما أنّ الأحوط فيها إلحاق الرواق بالروضة المشرّفة . الرابع : وضع شيء في المساجد وإن كان من الخارج أو في حال العبور . الخامس : قراءة السور العزائم الأربع - وهي : «إقرأ» ، و«النجم» ، و«الم تنزيل» ، و«حم السجدة» - ولو بعض منها حتّى البسملة بقصد إحداها .

(مسألة 1) : إذا احتلم في أحد المسجدين ، أو دخل فيهما جُنُباً - عمداً أو سهواً أو جهلاً - وجب عليه التيمّم للخروج ، إلاّ أن يكون زمان الخروج أقصر من المكث للتيمّم أو مساوياً له ، فحينئذٍ يخرج بدون التيمّم على الأقوى .

ص: 40

(مسألة 2) : لو كان جُنُباً وكان ما يغتسل به في المسجد ، يجب عليه أن يتيمّم ويدخل المسجد لأخذ الماء . ولا ينتقض التيمّم بهذا الوجدان إلاّ بعد الخروج مع الماء أو بعد الاغتسال . وهل يباح بهذا التيمّم غير دخول المسجد واللبث فيه بمقدار الحاجة ؟ فيه تأمّل وإشكال .

ومنها : يكره على الجنب اُمور :

كالأكل والشرب ، ويرتفع كراهتهما بالوضوء الكامل ، وتخفّف كراهتهما بغسل اليد والوجه والمضمضة ثمّ غسل اليدين فقط . وكقراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم ، وتشتدّ الكراهة إن زاد على سبعين آية . وكمسّ ما عدا خطّ المصحف من الجلد والورق والهامش وما بين السطور . وكالنوم ، وترتفع كراهته بالوضوء ، وإن لم يجد الماء تيمّم بدلاً عن الغسل أو عن الوضوء ، وعن الغسل أفضل . وكالخضاب ، وكذا إجناب المختضب نفسه قبل أن يأخذ اللون . وكالجماع لو كان جُنُباً بالاحتلام . وكحمل المصحف وتعليقه .

القول : في واجبات الغسل

(مسألة 1) : واجبات الغسل اُمور :

الأوّل : النيّة ، ويعتبر فيها الإخلاص . ولا بدّ من استدامتها ولو ارتكازاً .

(مسألة 2) : لو دخل الحمّام بنيّة الغسل ، فإن بقي في نفسه الداعي

الأوّل ، وكان غمسه واغتساله بذلك الداعي ؛ بحيث لو سئل عنه حين غمسه : ما تفعل ؟ يقول : أغتسل ، فغسله صحيح ، وقد وقع غسله مع النيّة . وأمّا إذا كان غافلاً بالمرّة بحيث لو قيل له : ما تفعل ؟ بقي متحيّراً ، بطل غسله ، بل لم يقع منه أصلاً .

ص: 41

(مسألة 3) : لو ذهب إلى الحمّام ليغتسل ، وبعد ما خرج شكّ في أ نّه اغتسل أم لا ، بنى على العدم . وأمّا لو علم أ نّه اغتسل ، ولكن شكّ في أ نّه على الوجه الصحيح أم لا ، بنى على الصحّة .

الثاني : غسل ظاهر البشرة ، فلا يجزي غيره ، فيجب عليه حينئذٍ رفع الحاجب وتخليل ما لا يصل الماء إليه إلاّ بتخليله . ولا يجب غسل باطن العين والأنف والاُذن وغيرها ؛ حتّى الثقبة التي في الاُذن والأنف للقرط أو الحلقة ، إلاّ إذا كانت واسعة بحيث تُعدّ من الظاهر . والأحوط غسل ما شُكّ في أ نّه من الظاهر أو الباطن .

(مسألة 4) : يجب غسل ما تحت الشعر من البشرة ، وكذا الشعر الدقيق الذي يُعدّ من توابع الجسد . والأحوط وجوب غسل الشعر مطلقاً .

الثالث : الترتيب في الترتيبي ، الذي هو أفضل من الارتماسي : الذي هو عبارة عن تغطية البدن في الماء مقارناً للنيّة ، ويكفي فيها استمرار القصد ولو ارتكازاً . والترتيب : عبارة عن غسل تمام الرأس - ومنه العنق - مُدخِلاً لبعض الجسد معه مقدّمة ، ثمّ تمام النصف الأيمن مُدخِلاً لبعض الأيسر وبعض العنق معه مقدّمة . والأحوط الأولى إدخال تمام الجانب الأيمن من العنق في النصف الأيمن ، وإدخال بعض الرأس معه مقدّمة . ثمّ تمام النصف الأيسر مُدخِلاً لبعض الأيمن والعنق معه مقدّمة . والأحوط الأولى إدخال تمام الجانب الأيسر من العنق في الجانب الأيسر ، وإدخال بعض الرأس مقدّمة . وتدخل العورة والسرّة في التنصيف المذكور ، فيغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن ، ونصفهما الأيسر مع الأيسر ، إلاّ أنّ الأولى غسلهما مع الجانبين . واللازم استيعاب الأعضاء الثلاثة بالغسل بصبّة واحدة أو أكثر بفرك أو دلك أو غير ذلك .

ص: 42

(مسألة 5) : لا ترتيب في العضو ، فيجوز غسله من الأسفل إلى الأعلى وإن كان الأولى البدأة بأعلى العضو فالأعلى . كما أ نّه لا كيفية مخصوصة للغسل هنا ، بل يكفي مسمّاه ، فيجزي رمس الرأس في الماء ، ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر . ويجزيه أيضاً رمس البعض والصبّ على آخر . ولو ارتمس ثلاث ارتماسات ناوياً بكلّ واحد غسل عضو صحّ ، بل يتحقّق مسمّاه بتحريك العضو في الماء على وجه يجري الماء عليه ، فلا يحتاج إلى إخراجه منه ثمّ غمسه فيه .

(مسألة 6) : الظاهر حصول الارتماسي بالغمس في الماء تدريجاً ، واللازم - على الأحوط - أن يكون تمام البدن في الماء في آن واحد ، فلو خرج بعض بدنه من الماء قبل أن ينغمس البعض الآخر ، لا يتحقّق الارتماس . نعم ، لا يضرّ دخول رجله في الطين يسيراً عند انغماسه للغسل ، ففي الأنهار والجداول التي تدخل الرجل في الطين يسيراً يجوز الارتماسي ؛ وإن كان الأحوط اختيار الترتيبي . والأحوط أن يكون الغمس بالدفعة العرفية .

(مسألة 7) : لو تيقّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه ، وجبت إعادة الغسل في الارتماسي . وأمّا في الترتيبي فإن كان ذلك الجزء من الطرف الأيسر ، يكفي غسل ذلك الجزء ولو طالت المدّة حتّى جفّ تمام الأعضاء ، ولا يحتاج إلى إعادة الغسل ، ولا إعادة غسل سائر أجزاء الأيسر ، وإن كان من الأيمن يغسل خصوص ذلك الجزء ويعيد غسل الأيسر ، وإن كان من الرأس يغسل خصوص ذلك الجزء ويعيد غسل الطرفين .

(مسألة 8) : لا يجب الموالاة في الترتيبي ، فلو غسل رأسه ورقبته في أوّل النهار ، والأيمن في وسطه ، والأيسر في آخره ، صحّ .

ص: 43

(مسألة 9) : يجوز الغسل تحت المطر وتحت الميزاب ترتيباً ، لا ارتماساً .

الرابع من الواجبات: إطلاق الماء وطهارته وإباحته ، بل الأحوط إباحة المكان والمصبّ والآنية ؛ وإن كان عدم الاشتراط فيها لا يخلو من وجه . ويعتبر أيضاً المباشرة اختياراً ، وعدم المانع من استعمال الماء لمرض ونحوه على ما مرّ في الوضوء . وكذا طهارة المحلّ الذي يراد إجراء ماء الغسل عليه ، فلو كان نجساً طهّره أوّلاً ، ثمّ أجرى الماء عليه للغسل .

(مسألة 10) : إذا كان قاصداً عدم إعطاء الاُجرة للحمّامي ، أو كان بناؤه على إعطائها من الحرام ، أو على النسيئة من غير تحقّق رضا الحمّامي ، بطل غسله وإن استرضاه بعده .

(مسألة 11) : يشكل الوضوء والغسل بالماء المسبَّل ، إلاّ مع العلم بعموم الإباحة من مالكه .

(مسألة 12) : الظاهر أنّ ماء غسل المرأة من الجنابة والحيض والنفاس ، وكذا اُجرة تسخينه إذا احتاج إليه ، على زوجها .

(مسألة 13) : يتعيّن على المجنب في نهار شهر رمضان أن يغتسل ترتيباً ، فلو اغتسل ارتماساً بطل غسله وصومه على الأحوط فيهما .

(مسألة 14) : لو شكّ في شيء من أجزاء الغسل وقد فرغ من الغسل ، بنى على الصحّة ، وكذا لو شكّ فيه وقد دخل في جزء آخر على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط في هذا الفرض التدارك .

(مسألة 15) : ينبغي للمجنب - إذا أنزل - الاستبراء بالبول قبل الغسل ، وليس

ص: 44

هو شرطاً في صحّة غسله ، ولكن فائدته أ نّه لو فعله واغتسل ، ثمّ خرج منه بلل مشتبه ، لا يجب عليه إعادة الغسل ، بخلاف ما لو اغتسل بدونه ، فإنّ البلل المشتبه حينئذٍ محكوم بكونه منيّاً ؛ سواء استبرأ بالخرطات لتعذّر البول عليه أم لا . نعم ، لو اجتهد في الاستبراء ؛ بحيث قطع بنقاء المحلّ وعدم بقاء المنيّ في المجرى ، واحتمل أن يكون حادثاً ، لا تجب الإعادة على الأقوى ، وكذا لو كان طول المدّة منشأ لقطعه . لكن الأحوط الإعادة في الصورتين .

(مسألة 16) : المجنب بسبب الإنزال لو اغتسل ، ثمّ خرج منه بلل مشتبه بين المنيّ والبول ، فإن لم يستبرئ بالبول يحكم بكونه منيّاً ، فيجب عليه الغسل خاصّة ، وإن بال ولم يستبرئ بالخرطات بعده يحكم بكونه بولاً ، فيجب عليه الوضوء خاصّة . ولا فرق في هاتين الصورتين بين احتمال غيرهما من المذي وغيره وعدمه . وإن استبرأ بالبول وبالخرطات بعده ، فإن احتمل غير البول والمنيّ أيضاً ليس عليه غسل ولا وضوء ، وإن لم يحتمل غيرهما ، فإن أوقع الأمرين قبل الغسل ، وخرج البلل المشتبه بعده ، يجب الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء ، وإن أوقعهما بعده ثمّ خرج البلل المزبور يكفي الوضوء خاصّة .

(مسألة 17) : لو خرجت بعد الإنزال والغسل رطوبة مشتبهة بين المنيّ وغيره ، وشكّ في أ نّه استبرأ بالبول أم لا ، بنى على عدمه ، فيجب عليه الغسل ، ومع احتمال كونه بولاً الأحوط ضمّ الوضوء أيضاً .

(مسألة 18) : يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكلّ ما اشترط به .

(مسألة 19) : لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل لم يبطل على الأقوى ، لكن

ص: 45

يجب الوضوء بعده لكلّ ما اشترط به ، والأحوط استئناف الغسل قاصداً به ما يجب عليه من التمام أو الإتمام والوضوء بعده .

(مسألة 20) : لو ارتمس في الماء بقصد الاغتسال ، وشكّ في أ نّه كان ناوياً للغسل الارتماسي حتّى يكون فارغاً ، أو الترتيبي وكان ارتماسه بقصد غسل الرأس والرقبة وبقي الطرفان ، يحتاط بغسل الطرفين ، ولا يجب الاستئناف ، بل لا يكفي الارتماسي على الأحوط .

(مسألة 21) : لو صلّى المجنب ، ثمّ شكّ في أ نّه اغتسل من الجنابة أم لا ، بنى على صحّة صلاته ، ولكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية . ولو كان الشكّ في أثناء الصلاة بطلت ، والأحوط إتمامها ثمّ إعادتها مع الغسل .

(مسألة 22) : إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة - واجبة أو مستحبّة أو مختلفة - فإن نوى الجميع بغسل واحد صحّ وكفى عن الجميع مطلقاً ، فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة إلى الوضوء للمشروط به ، وإلاّ وجب الوضوء قبل الغسل أو بعده . ومع عدم نيّة الجميع ففي الكفاية إشكال ، فلا يترك الاحتياط . نعم ، لا يبعد كفاية نيّة الجنابة عن سائر الأغسال ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بنيّة الجميع .

فصل : في غسل الحيض

اشارة

دم الحيض أحمر يضرب إلى السواد ، أو أحمر طريّ له دفع وحرقة وحرارة ، ودم الاستحاضة مقابله في الأوصاف . وهذه صفات غالبية لهما يرجع إليها في مقام التميّز والاشتباه في بعض المقامات ، وربما كان كلٌّ منهما بصفات الآخر . وكلّ دم تراه الصبيّة قبل إكمال تسع سنين ، ليس بحيض وإن كان بصفاته ، وفي

ص: 46

كونه استحاضة مع عدم العلم بغيرها تردّد وإن لا يبعد . وكذا ما تراه المرأة بعد اليأس ليس بحيض ، وفي كونه استحاضة مع احتمالها تردّد وإن لا يبعد . وتيأس المرأة بإكمال ستّين سنة إن كانت قرشية ، وخمسين إن كانت غيرها . وفي إلحاق المشكوك كونها قرشية بغيرها إشكال . والمشكوك بلوغها يحكم بعدمه ، وكذلك المشكوك يأسها .

(مسألة 1) : لو خرج ممّن شكّ في بلوغها دم بصفات الحيض ، فإن حصل الوثوق بحيضيته لا يبعد الحكم بها وبالبلوغ ، وإلاّ فمحلّ تأمّل وإشكال .

(مسألة 2) : الحيض يجتمع مع الإرضاع . وفي اجتماعه مع الحمل قولان ، أقواهما ذلك وإن ندر وقوعه ، فيحكم بحيضية ما تراه الحامل - مع اجتماع الشرائط والصفات - ولو بعد استبانة الحمل . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط لو رأت بعد العادة بعشرين يوماً بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة .

(مسألة 3) : لا إشكال في حدوث صفة الحيض وترتّب أحكامه عند خروج دمه إلى الخارج ولو بإصبع ونحوه ، وإن كان بمقدار رأس إبرة . كما لا إشكال في أ نّه يكفي في بقائها واستدامتها تلوّثُ الباطن به ولو قليلاً ؛ بحيث يتلطّخ به القطنة لو أدخلتها . وأمّا إذا انصبّ من محلّه في فضاء الفرج ؛ بحيث يمكن إخراجه بالإصبع ونحوه ولم يخرج بعد ، فهل يحدث به صفة الحيض ويترتّب عليه أحكامه أم لا ؟ فيه تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة ، ولا يبعد جواز إخراج الدم حينئذٍ ولو بالعلاج وإجراء أحكام الحائض .

ص: 47

(مسألة 4) : لو شكّ في أصل الخروج حكم بعدمه ، كما أ نّه لو شكّ في أنّ الخارج دم أو غيره من الفضلات ، حكم بالطهارة من الحدث والخبث ، ولو علم أ نّه دم ، وتردّد بين كونه خارجاً من الموضع أو من غيره ، حكم بالطهارة من الحدث خاصّة . ولا يجب عليها الفحص في الصور الثلاث . ولو علمت(1) خروج الدم واشتبه حاله ، فله صور يعرف حكمها في ضمن المسائل الآتية .

(مسألة 5) : لو اشتبه دم الحيض بدم البكارة - كما إذا افتُضّت البِكر ، فسال دم كثير لا ينقطع ، فشكّ في أ نّه من الحيض أو البكارة أو منهما - يختبر بإدخال قطنة والصبر قليلاً ثمّ إخراجها ، والأحوط الأولى إدخالها وتركها مليّاً ثمّ إخراجها رقيقاً ، فإن كانت مطوّقة بالدم فهو من البكارة ولو كان بصفات الحيض ، وإن كانت منغمسة به فهو من الحيض . والاختبار المذكور واجب ، وأمّا كونه شرطاً لصحّة عملها فغير معلوم ، فالأقوى صحّته لو حصلت منها نيّة القربة مع تبيّن عدم كونه حيضاً . ولو تعذّر عليها الاختبار ، ترجع إلى الحالة السابقة من طهر أو حيض فتبني عليها ، ومع الجهل بها تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة .

(مسألة 6) : الظاهر أنّ التطويق والانغماس المذكورين علامتان للبكارة والحيض مطلقاً ؛ حتّى عند الشكّ في البكارة والافتضاض ، ووجوب الاختبار حينئذٍ أيضاً لا يخلو من وجه .

(مسألة 7) : لو اشتبه دم الحيض بدم القرحة التي في جوفها لا يبعد وجوب الاختبار ، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فحيض ، وإلاّ فمن

ص: 48


1- في (أ) : «علم» .

القرحة . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ولو مع العلم بالحالة السابقة . نعم ، مع تعذّر الاختبار تعمل بالحالة السابقة ، ومع الجهل بها تجمع بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض .

(مسألة 8) : أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره كأقلّ الطهر عشرة ؛ فكلّ دم تراه المرأة ناقصاً عن الثلاثة أو زائداً على العشرة ليس بحيض ، وكذا ما تراه بعد انقطاع الدم - الذي حكم بحيضيته من جهة العادة أو غيرها من دون فصل العشرة ، ولم يمكن حيضية الدمين مع النقاء المتخلّل في البين ؛ لكون المجموع زائداً على العشرة - ليس بحيض ، بل هو استحاضة ، كما إذا رأت ذات العادة سبعة أيّام - مثلاً - في العادة ، ثمّ انقطع سبعة أيّام ، ثمّ رأت ثلاثة أيّام ، فالثاني ليس بحيض ، بل هو استحاضة .

(مسألة 9) : الأقوى اعتبار التوالي في الأيّام الثلاثة ، فلا يكفي كونها في ضمن العشرة ، كأن رأت يوماً أو يومين وانقطع ، ثمّ رأت قبل انقضاء العشرة ما به يتمّ الثلاثة . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل على الوظيفتين . ويكفي في التوالي استمرار الدم فيها عرفاً ، فلا يضرّ الفترات اليسيرة المتعارفة بين النساء ، كما أنّ الظاهر كفاية التلفيق في الأيّام ، كما لو رأت الدم من الظهر إلى الظهر من اليوم الرابع .

(مسألة 10) : المراد باليوم النهار ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى الغروب ، فالليالي خارجة ، فإذا رأت من الفجر إلى الغروب وانقطع ، ثمّ رأت يومين آخرين كذلك في ضمن العشرة ، كفى عند من لم يعتبر التوالي . نعم ، بناءً على اعتباره - كما هو الأقوى - يدخل الليلتان المتوسطتان خاصّة لو كان مبدأ الدم

ص: 49

أوّل النهار ، والليالي الثلاث لو كان مبدؤه أوّل الليل ، أو عند التلفيق كالمثال المتقدّم .

(مسألة 11) : الحائض : إمّا ذات العادة ، أو غيرها . والثانية : إمّا مبتدأة : وهي التي لم تر حيضاً قطّ ، وإمّا مضطربة : وهي التي تكرّر منها الحيض ولم يستقرّ لها عادة ، وإمّا ناسية : وهي التي نسيت عادتها . وتصير المرأة ذات عادة بتكرّر الحيض مرّتين متواليتين متّفقتين في الزمان أو العدد أو فيهما ، فتصير بذلك ذات عادة وقتية أو عددية أو وقتية وعددية ، ولمّا كان تحقّق العادة الوقتية فقط بل العددية فقط بالمرّتين لا يخلو من شوب إشكال ، فلا ينبغي ترك الاحتياط .

(مسألة 12) : لا إشكال في أنّه لا تزول العادة برؤية الدم على خلافها مرّة ، كما أنّه لا إشكال في زوالها بطُروّ عادة اُخرى ، حاصلة من تكرّر الدم مرّتين متماثلتين على خلافها . وفي زوالها بتكرّره على خلافها - لا على نسق واحد ، بل مختلفاً - قولان ، أقواهما ذلك فيما لو وقع التخلّف مراراً ؛ بحيث يصدق في العرف أ نّها ليس لها أيّام معلومة ، وأمّا لو رأت مرّتين غير متماثلتين ففي بقاء العادة تأمّل .

(مسألة 13) : ذات العادة الوقتية - سواء كانت عددية أيضاً أم لا - تتحيّض بمجرّد رؤية الدم في العادة ، فتترك العبادة سواء كان بصفة الحيض أم لا ، وكذا لو رأت قبل العادة أو بعدها بيوم أو يومين أو أزيد ؛ ما دام يصدق عليه تعجيل الوقت والعادة وتأخّرهما ، فإن انكشف عليها بعد ذلك عدم كونه حيضاً - لكونه أقلّ من أقلّه - تقضي ما تركته من العبادة . وأمّا غير ذات العادة المذكورة فتتحيّض أيضاً بمجرّد الرؤية إن كان بصفات الحيض ، ومع عدمه تحتاط بالجمع

ص: 50

بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة ، فإن استمرّ إلى ثلاثة أيّام تجعلها حيضاً ، ولو زاد عليها إلى العشرة تجعل الزائد أيضاً حيضاً ، فتكتفي بوظيفة الحائض ، ولا تحتاج إلى مراعاة أعمال المستحاضة ؛ وإن كان ترك الاحتياط لا ينبغي .

(مسألة 14) : ذات العادة الوقتية لو رأت في العادة وقبلها ، أو رأت فيها وبعدها ، أو رأت فيها وفي الطرفين ، فإن لم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضاً ، وإن تجاوز عنها فالحيض خصوص أيّام العادة ، والزائد استحاضة .

(مسألة 15) : إذا رأت المرأة ثلاثة أيّام متواليات ، وانقطع بأقلّ من عشرة ، ثمّ رأت ثلاثة أيّام أو أزيد ، فإن كان مجموع الدمين والنقاء المتخلّل في البين لا يزيد على العشرة ، كان الطرفان حيضاً ، ويلحق بهما النقاء المتخلّل ؛ سواء كان الدمان أو أحدهما بصفة الحيض أم لا ، وسواء كانت ذات العادة وصادف الدمان أو أحدهما العادة أم لا . وإن تجاوز المجموع عن العشرة ، وكان كلّ واحد من الدمين والنقاء أقلّ منها ، فإن كانت ذات عادة ، وكان أحد الدمين في العادة ، جعلته خاصّة حيضاً دون الآخر ، وكذلك إذا وقع بعض أحدهما في العادة دون الآخر ، تجعل ذلك حيضاً دون الآخر ، وكذلك لو كانت ذات عادة عددية ، وكان أحد الدمين موافقاً لها ، تجعله حيضاً دون الآخر ، ويتقدّم على التميّز على الأقوى . وإن لم تكن ذات عادة ، أو لم يقع أحدهما أو بعض أحدهما في العادة ، تجعل ما كان بصفة الحيض حيضاً دون الآخر .

ولو كانت ذات عادة وقتية وعددية ، ووقع بعض أحد الدمين في الوقت

ص: 51

غير موافق للعدد ، وكان الآخر بمقدار العدد في غير الوقت ، تحتاط في كليهما بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة . ولو تساويا في الصفة ولم يقع واحد منهما - كلاًّ أو بعضاً - في العادة ولا موافقاً لها في العدد ، فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن تجعل أوّلهما حيضاً وتحتاط إلى تمام العشرة ، فلو رأت ثلاثة أيّام دماً وثلاثة أيّام طُهراً وستّة أيّام دماً ، جعلت الثلاثة الاُولى حيضاً وتحتاط في البقيّة إلى تمام العشرة ؛ بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة في النقاء المتخلّل ، وبالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في أيّام الدم إلى تمام العشرة .

(مسألة 16) : ذات العادة إذا رأت أزيد من العادة ولم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض .

(مسألة 17) : إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة ، فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر في البين ، فإن كان أحدهما في العادة تجعله حيضاً ، وكذلك الآخر إن كان بصفة الحيض ، وأمّا إن كان بصفة الاستحاضة فتحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة . وإن كانا معاً في غير وقت العادة تجعلهما حيضاً ؛ سواء كانا واجدين لصفة الحيض أو فاقدين لها أو مختلفين ، وإن كان الاحتياط في الدم الثاني في الصورة الثانية ، وفي الفاقد منهما في الثالثة ، لا ينبغي تركه .

(مسألة 18) : المبتدأة والمضطربة ومن كانت عادتها عشرة ، إذا انقطع عنهنّ الدم في الظاهر قبل العشرة مع احتمال بقائه في الباطن ، يجب عليهنّ الاستبراء ؛ بإدخال قطنة ونحوها والصبر هنيئة ثمّ إخراجها ، فإن خرجت نقيّة اغتسلن

ص: 52

وصلّين ، وإن خرجت متلطّخة ولو بالصفرة صبرن حتّى النقاء أو مضيّ عشرة أيّام ، فإن لم يتجاوز عن العشرة كان الكلّ حيضاً ، وإن تجاوز عنها فسيأتي حكمه .

وذات العادة التي عادتها أقلّ من عشرة ، إن انقطع عنها الدم ظاهراً استبرأت فإن نقيت اغتسلت وصلّت ، وإلاّ صبرت إلى إكمال العادة ، فإن بقي الدم حتّى كملت العادة وانقطع عليها بالمرّة اغتسلت وصلّت ، وكذلك لو انقطع الدم ظاهراً على العادة فاستبرأت فرأت نفسها نقيّة . ولو لم ينقطع على العادة وتجاوز عنها ، استظهرت بترك العبادة إلى العشرة استحباباً على الأقوى ولو كان بصفة الحيض ، والأحوط وجوبه في يوم واحد ، ولا ينبغي ترك الاحتياط في الزائد بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، فحينئذٍ إذا لم يتجاوز الدم عن العشرة كان الكلّ حيضاً ، وسيأتي حكم المتجاوز .

(مسألة 19) : لو تجاوز الدم عن العشرة - قليلاً كان أو كثيراً - فقد اختلط حيضها بطهرها ، فإن كان لها عادة معلومة من حيث الزمان والعدد ، تجعلها حيضاً وإن لم يكن بصفاته ، والبقيّة استحاضة وإن كان بصفاته . ولو لم تكن لها عادة معلومة لا عدداً ولا وقتاً ؛ بأن كانت مبتدأة ، أو مضطربة وقتاً وعدداً ، أو ناسية كذلك ، فإن اختلف لون الدم - فبعضه أسود أو أحمر وبعضه أصفر - ترجع إلى التميّز ، فتجعل ما بصفة الحيض حيضاً وغيره استحاضة ؛ بشرط أن لا يكون ما بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة ولا أزيد من عشرة ، وأن لا يعارضه دم آخر واجد لصفة الحيض ، مفصول بينه وبينه بالفاقد الذي يكون أقلّ من عشرة ، كما إذا رأت خمسة أيّام دماً أسود ثمّ خمسة أيّام أصفر ثمّ خمسة أسود ، ولو كان ما بصفة

ص: 53

الحيض أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة ، فإلغاؤها مطلقاً وصيرورتها فاقدة التميّز محلّ إشكال ، ولا يبعد لزوم الأخذ بالصفات في الدم الأوّل - مثلاً - في المثال ، وتتميمه أو تنقيصه بما هو وظيفتها ؛ من الأخذ بالروايات أو عادة نسائها .

وإن كان الدم على لون واحد تكون فاقدة التميّز ، فإن لم تكن لها أقارب ذوات عادات متّفقات فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن تجعل سبعة من كلّ شهر حيضاً والبقيّة استحاضة . وإن كانت لها أقارب من اُمّ واُخت وخالة وعمّة وغيرهنّ مع اتّفاقهنّ في العادة والعلم بحالهنّ ترجع المبتدأة إليهنّ فتأخذ بها ،

وأمّا من لم تستقرّ لها عادة وكانت لها أقارب كما ذكرت ، فلا تترك الاحتياط فيما إذا كانت عادتهنّ أقلّ من سبعة أو أكثر ؛ بأن تجمع في مقدار التفاوت بين وظيفتي الحائض والمستحاضة .

(مسألة 20) : الأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن تجعل فاقدة التميّز التحيّض في أوّل رؤية الدم ، فمع فقد الأقارب - بما ذكر في المسألة السابقة - تحيّضت سبعة ، ومع وجودهنّ لا يبعد وجوب جعله بمقدارهنّ عدداً . وعلى أيّ حال لو استمرّ الدم إلى أزيد من شهر واحد ، يجب عليها الموافقة بين الشهور ، فإن كان ابتداء الدم في الشهر الأوّل من أوّله ، جعلتها في الشهور التالية أيضاً في أوّلها ، وإن كان في وسطه جعلتها في وسطها وهكذا .

(مسألة 21) : ذات العادة الوقتية فقط لو تجاوز دمها العشرة ، ترجع في الوقت إلى عادتها . وأمّا في العدد فإن كان لها تميّز يمكن رعايته في الوقت رجعت إليه ، وإلاّ رجعت إلى أقاربها مع الوجدان بالشرط المتقدّم ، وإلاّ تحيّضت سبعة أيّام وجعلتها في وقت العادة ، وذات العادة العددية فقط ترجع في العدد إلى عادتها .

ص: 54

وأمّا بحسب الوقت فإن كان لها تميّز يوافق العدد رجعت إليه ، وكذا إن كان مخالفاً له ، لكن تزيد مع نقصانه عن العدد بمقداره وتنقص مع زيادته عليه ، ومع عدم التميّز أصلاً تجعل العدد في أوّل الدم ، كما تقدّم .

القول : في أحكام الحائض

وهي اُمور :

منها : عدم جواز الصلاة والصيام والطواف والاعتكاف لها .

ومنها : حرمة ما يحرم على مطلق المحدث عليها ؛ وهي مسّ اسم اللّه تعالى ، وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام على الأحوط ، ومسّ كتابة القرآن على التفصيل المتقدّم في الوضوء .

ومنها : حرمة ما يحرم على الجنب عليها ؛ وهي قراءة السور العزائم أو بعضها ، ودخول المسجدين ، واللبث في غيرهما ، ووضع شيء في المساجد على ما مرّ في الجنابة ، فإنّ الحائض كالجنب في جميع الأحكام .

ومنها : حرمة الوط ء بها في القُبل على الرجل وعليها ، ويجوز الاستمتاع بغيره من التقبيل والتفخيذ ونحوهما ؛ حتّى الوط ء في دُبرها على الأقوى وإن كره كراهة شديدة ، والأحوط اجتنابه . وكذا يكره الاستمتاع بها بما بين السرّة والركبة . وإنّما تحرم المذكورات مع العلم بحيضها وجداناً ، أو بالأمارات الشرعية ، كالعادة والتميّز ونحوهما ، بل مع التحيّض بسبعة أيّام أو الرجوع إلى عادة نسائها أيضاً . ولو جهل بحيضها وعلم به في حال المقاربة يجب المبادرة بالإخراج ، وكذا لو لم تكن حائضاً فحاضت في حالها . وإذا أخبرت بالحيض أو ارتفاعه يسمع قولها ، فيحرم الوط ء عند إخبارها به ، ويجوز عند إخبارها بارتفاعه .

ص: 55

(مسألة 1) : لا فرق في حرمة الوط ء بين الزوجة الدائمة والمنقطعة والحرّة والأمة .

(مسألة 2) : إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية ، بل وقبل غسل فرجها ؛ وإن كان الأحوط اجتنابه قبله .

ومنها : ترتّب الكفّارة على وطئها على الأحوط . وهي في وط ء الزوجة : دينار في أوّل الحيض ، ونصفه في وسطه ، وربعه في آخره . ولا كفّارة على المرأة وإن كانت مطاوعة . وإنّما يوجب الكفّارة مع العلم بالحرمة وكونها حائضاً ، بل ومع الجهل عن تقصير في بعض الموارد على الأحوط .

(مسألة 3) : المراد بأوّل الحيض ثلثه الأوّل ، وبوسطه ثلثه الثاني ، وبآخره ثلثه الأخير ، فإن كان أيّام حيضها ستّة فكلّ ثلث يومان ، أو سبعة فيومان وثلث وهكذا .

(مسألة 4) : لو وطئها معتقداً حيضها فبان عدمه ، أو معتقداً عدم الحيض فبان وجوده ، لا كفّارة عليه .

(مسألة 5) : لو اتّفق حيضها حال المقاربة ولم يبادر في الإخراج ، ففي ثبوت الكفّارة إشكال ، والأحوط ذلك .

(مسألة 6) : يجوز إعطاء قيمة الدينار ، والمعتبر قيمة وقت الأداء .

(مسألة 7) : تُعطى الكفّارة المذكورة لمسكين واحد ، كما تُعطى لثلاثة مساكين .

(مسألة 8) : تتكرّر الكفّارة بتكرّر الوط ء لو وقع في أوقات مختلفة ، كما

ص: 56

إذا وطئها في أوّله وفي وسطه وفي آخره ، فيكفّر بدينار وثلاثة أرباع الدينار ، وكذا لو تكرّر في وقت واحد مع تخلّل التكفير ، وأمّا مع عدمه ففيه قولان ، أحوطهما ذلك .

ومنها : بطلان طلاقها إن كانت مدخولاً بها ، ولم تكن حاملاً ، وكان زوجها حاضراً ، أو بحكمه ؛ بأن يتمكّن من استعلام حالها بسهولة مع غيبته ، فلو لم تكن مدخولاً بها ، أو كانت حاملاً ، أو كان زوجها غائباً أو بحكمه ؛ بأن لم يكن متمكّناً من استعلام حالها مع حضوره ، صحّ طلاقها . ولخصوصيات المسألة محلّ آخر .

(مسألة 9) : لو كان الزوج غائباً ووكّل حاضراً متمكّناً من استعلام حالها لا يجوز له طلاقها في حال الحيض .

ومنها : وجوب الغسل عند انقطاع الحيض لكلّ مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر . وغسله كغسل الجنابة في الكيفية والأحكام ، إلاّ أ نّه لا يجزي عن الوضوء ، فيجب الوضوء معه - قبله أو بعده - لكلّ مشروط به كالصلاة ، بخلاف غسل الجنابة كما مرّ . ولو تعذّر الوضوء فقط تغتسل وتتيمّم بدلاً عنه ، ولو تعذّر الغسل فقط تتوضّأ وتتيمّم بدلاً عنه ، ولو تعذّرا معاً تتيمّم تيمّمين : أحدهما بدلاً عن الغسل ، والآخر بدلاً عن الوضوء .

(مسألة 10) : لو لم يكن عندها الماء إلاّ بقدر أحدهما تقدّم الغسل على الأحوط .

(مسألة 11) : لو تيمّمت بدلاً عن الغسل ، ثمّ أحدثت بالأصغر ، لم يبطل تيمّمها إلى أن تتمكّن من الغسل . والأحوط تجديده .

ومنها : وجوب قضاء ما تركته في حال الحيض من الصيام الواجب ؛ سواء

ص: 57

كان صوم شهر رمضان ، أو غيره على الأقوى . وكذا الصلاة الواجبة غير اليومية ؛ كالآيات ، وركعتي الطواف والمنذورة على الأحوط ، بخلاف الصلاة اليومية ، فإنّه لا يجب عليها قضاء ما تركته في حال حيضها . نعم ، لو حاضت بعد دخول الوقت وقد مضى منه مقدار أقلّ الواجب من صلاتها بحسب حالها : من البط ء والسرعة ، والصحّة والمرض ، والحضر والسفر ، ومقدار تحصيل الشرائط غير الحاصلة بحسب تكليفها الفعلي من الوضوء والغسل أو التيمّم ولم تصلِّ ، وجب عليها قضاء تلك الصلاة ، بخلاف من لم تدرك من أوّل الوقت هذا المقدار ، فإنّه لا يجب عليها القضاء . والأحوط القضاء لو أدركت مقدار أداء الصلاة مع الطهارة ؛ وإن لم تدرك مقدار تحصيل سائر الشرائط ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 12) : لو طهرت من الحيض قبل خروج الوقت ، فإن أدركت منه مقدار أداء ركعة مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء ، ومع تركها القضاء ، بل الأحوط القضاء مع عدم سعة الوقت إلاّ للطهارة من الشرائط وأداء ركعة ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 13) : لو ظنّت ضيق الوقت عن أداء ركعة مع تحصيل الشرائط ، فتركت فبان السعة ، وجب القضاء .

(مسألة 14) : لو طهرت في آخر النهار ، وأدركت من الوقت مقدار أربع ركعات في الحضر أو ركعتين في السفر ، صلّت العصر ، وسقط عنها الظهر أداءً وقضاءً . ولو أدركت مقدار خمس ركعات في الحضر أو ثلاث ركعات في السفر ، تجب عليها الصلاتان ، وإن تركتهما يجب قضاؤهما . وأمّا العشاءان فإن بقي من

ص: 58

آخر الليل أقلّ من مقدار خمس ركعات في الحضر أو أربع في السفر ، يجب عليها خصوص العشاء ، وسقط عنها المغرب أداءً وقضاءً .

(مسألة 15) : لو اعتقدت سعة الوقت للصلاتين فأتت بهما ، ثمّ تبيّن عدمها ؛ وأنّ وظيفتها خصوص الثانية ، صحّت ولا شيء عليها ، وكذا لو أتت بالثانية فتبيّن الضيق . ولو تركتهما وجب عليها قضاء الثانية ، وإن قدّمت الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة ، صحّت ووجب إتيان الاُولى بعدها ، وإن كان التبيّن بعد خروج الوقت وجب قضاؤها .

(مسألة 16) : يستحبّ للحائض أن تبدّل القطنة ، وتتوضّأ وقت كلّ صلاة ، وتجلس بمقدار صلاتها مستقبلة ذاكرة للّه تعالى . ويُكره لها الخضاب بالحناء وغيره ، وقراءة القرآن ولو أقلّ من سبع آيات ، وحمل المصحف ولو بغلافه ، ولمس هامشه وما بين سطوره .

فصل : في الاستحاضة

والكلام في دمها وأحكامها :

دم الاستحاضة - في الأغلب - أصفر بارد رقيق يخرج بغير قوّة ولذع وحرقة ، وقد يكون بصفة الحيض كما مرّ . وليس لقليله ولا لكثيره حدّ . وكلّ دم تراه المرأة قبل بلوغها أو بعد يأسها أو أقلّ من ثلاثة ، ولم يكن دم قرح ولا جرح ولا نفاس ، فهو استحاضة ؛ على إشكال في الكلّية . وكذا لو لم يعلم كونه من القرح أو الجرح إن لم تكن المرأة مقروحة أو مجروحة على الأحوط . وكذا لو تجاوز الدم عن عشرة أيّام ، لكن حينئذٍ قد امتزج حيضها بالاستحاضة ، فلا بدّ في تعيينهما من أن ترجع إلى التفصيل الذي سبق في الحيض .

ص: 59

وأمّا أحكامها : فهي ثلاثة أقسام : قليلة ومتوسّطة وكثيرة :

فالاُولى : أن تتلوّث القطنة بالدم من دون أن يثقبها ويظهر من الجانب الآخر . وحكمها : وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، وغسل ظاهر فرجها لو تلوّث به ، والأحوط تبديل القطنة أو تطهيرها .

والثانية : أن يثقب الدم القطنة ويظهر من الجانب الآخر ، ولا يسيل منها إلى الخرقة التي فوقها . وحكمها : - مضافاً إلى ما ذُكر - أ نّه يجب عليها غسل واحد لصلاة الغداة ، بل لكلّ صلاة حدثت قبلها أو في أثنائها على الأقوى ، فإن حدثت بعد صلاة الغداة يجب للظهرين ، ولو حدثت بعدهما يجب للعشاءين .

والثالثة : أن يسيل من القطنة إلى الخرقة . وحكمها : - مضافاً إلى ما ذُكر ، وإلى تبديل الخرقة أو تطهيرها - غسل آخر للظهرين تجمع بينهما ، وغسل للعشاءين تجمع بينهما . هذا إذا حدثت قبل صلاة الفجر ، ولو حدثت بعدها يجب في ذلك اليوم غسلان : غسل للظهرين ، وغسل للعشاءين ، ولو حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشاءين . والظاهر أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل واحد مشروط بالجمع بينهما ، وأ نّه رخصة لا عزيمة ، فلو لم تجمع بينهما يجب الغسل لكلّ منهما . فظهر ممّا مرّ : أنّ الاستحاضة الصغرى حدث أصغر كالبول ، فإن استمرّت أو حدثت قبل كلّ صلاة من الصلوات الخمس ، تكون كالحدث المستمرّ مثل السلس . والكبرى والوسطى حدث أصغر وأكبر .

(مسألة 1) : يجب على المستحاضة على الأحوط اختبار حالها في وقت كلّ صلاة بإدخال قطنة ونحوها ، والصبر قليلاً ؛ لتعلم أ نّها من أيّ قسم من الأقسام ؛ لتعمل بمقتضى وظيفتها . ولا يكفي الاختبار قبل الوقت إلاّ إذا علمت بعدم تغيّر حالها إلى ما بعد الوقت . فلو لم تتمكّن من الاختبار ، فإن كان لها

ص: 60

حالة سابقة معلومة من القلّة أو التوسّط أو الكثرة ، تأخذ بها وتعمل بمقتضى وظيفتها ، وإلاّ فتأخذ بالقدر المتيقّن ، فإن تردّدت بين القليلة وغيرها تعمل عمل القليلة ، وإن تردّدت بين المتوسّطة والكثيرة تعمل عمل المتوسّطة . والأحوط مراعاة أسوأ الحالات .

(مسألة 2) : إنّما يجب تجديد الوضوء لكلّ صلاة والأعمال المذكورة لو استمرّ الدم ، فلو فرض انقطاعه قبل صلاة الظهر يجب لها فقط ، ولا يجب للعصر ولا للعشاءين ، وإن انقطع بعد الظهر وجب للعصر فقط وهكذا ، بل لو انقطع وتوضّأت للظهر ، وبقي وضوؤها إلى المغرب والعشاء ، صلّتهما بذلك الوضوء ، ولم تحتج إلى تجديده .

(مسألة 3) : يجب بعد الوضوء والغسل المبادرة إلى الصلاة لو لم ينقطع الدم بعدهما ، أو خافت عوده بعدهما قبل الصلاة أو في أثنائها . نعم ، لو توضّأت واغتسلت في أوّل الوقت - مثلاً - وانقطع الدم حين الشروع في الوضوء والغسل - ولو انقطاع فترة - وعلمت بعدم عوده إلى آخر الوقت ، جاز لها تأخير الصلاة .

(مسألة 4) : يجب عليها بعد الوضوء والغسل التحفّظ من خروج الدم - مع عدم خوف الضرر - بحشو قطنة أو غيرها وشدّها بخرقة ، فلو خرج الدم لتقصير منها في التحفّظ والشدّ أعادت الصلاة ، بل الأحوط - لو لم يكن الأقوى - إعادة الغسل والوضوء أيضاً . نعم ، لو كان خروجه لغلبته - لا لتقصير منها في التحفّظ - فلا بأس .

(مسألة 5) : لو انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى ، كما إذا صارت القليلة متوسّطة أو كثيرة ، أو المتوسّطة كثيرة ، فبالنسبة إلى الصلاة التي صلّتها مع

ص: 61

وظيفة الأدنى لا أثر لهذا الانتقال ، فلا يجب إعادتها . وأمّا بالنسبة إلى الصلوات المتأخّرة فتعمل عمل الأعلى . وكذا بالنسبة إلى الصلاة التي انتقلت من الأدنى إلى الأعلى في أثنائها ، فعليها الاستئناف والعمل على الأعلى ، فلو تبدّلت القليلة بالمتوسّطة أو بالكثيرة بعد صلاة الصبح مضت صلاتها ، وتكون بالنسبة إلى الظهرين والعشاءين ، كما إذا حدثتا بعد الصلاة من دون سبق القلّة ، فتغتسل غسلاً واحداً للظهرين في الصورة الاُولى ، وغسلين لهما وللعشاءين في الثانية ، بخلاف ما لو تبدّلت إليهما قبل صلاة الصبح أو في أثنائها ، فإنّها تغتسل لها ، بل لو توضّأت قبل التبدّل تستأنف الوضوء ، حتّى لو تبدّلت المتوسّطة بالكثيرة بعد الاغتسال لصلاة الصبح استأنفت الغسل ، وتعمل في ذلك اليوم عمل الكثيرة ، كما إذا لم تكن مسبوقة بالتوسّط . وإن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى تعمل لصلاة واحدة عمل الأعلى ، ثمّ تعمل عمل الأدنى ، فلو تبدّلت الكثيرة إلى القليلة قبل الاغتسال لصلاة الصبح - واستمرّت عليها - اغتسلت للصبح ، واكتفت بالوضوء للبواقي ، ولو تبدّلت الكثيرة إلى المتوسّطة بعد صلاة الصبح ، اغتسلت للظهر واكتفت بالوضوء للعصر والعشاءين .

(مسألة 6) : يصحّ الصوم من المستحاضة القليلة ، ولا يشترط في صحّته الوضوء . وأمّا غيرها فيشترط في صحّة صومها الأغسال النهارية على الأقوى ، ولا يترك الاحتياط في الكثيرة بالنسبة إلى الليلية للّيلة الماضية .

(مسألة 7) : لو انقطع دمها ، فإن كان قبل فعل الطهارة أتت بها وصلّت ، وإن كان بعد فعلها وقبل فعل الصلاة ، أعادتها وصلّت إن كان الانقطاع لبُرءٍ . وكذا لو كان لفترة واسعة للطهارة والصلاة في الوقت . وأمّا لو لم تكن واسعة

ص: 62

لهما اكتفت بتلك الطهارة وصلّت ، وكذلك لو كانت شاكّة في سعتها . والأحوط لمن علمت بالسعة ولكن شكّت في أ نّه للبُرء أو الفترة إعادةُ الطهارة . ولو انقطع في أثناء الصلاة أعادت الطهارة والصلاة إن كان لبُرءٍ أو لفترة واسعة ، وإن لم تكن واسعة أتمّت صلاتها . ولو انقطع بعد فعل الصلاة فلا إعادة عليها على الأقوى وإن كان لبُرء .

(مسألة 8) : قد تبيّن ممّا مرّ حكم المستحاضة وما لها من الأقسام ووظائفها بالنسبة إلى الصلاة والصيام . وأمّا بالنسبة إلى سائر الأحكام : فلا إشكال في أ نّه يجب عليها الوضوء فقط للطواف الواجب لو كانت ذات الصغرى ، وهو مع الغسل لو كانت ذات الوسطى أو الكبرى . والأحوط عدم كفاية الوضوء الصلاتي في الاُولى مع استدامتها ، ولا هو مع الغسل في غيرها ، خصوصاً لو أوقعت ذات الوسطى الطواف في غير وقت الغداة ، أو ذات الكبرى في غير الأوقات الثلاثة ، فيتوقّف صحّة طوافها على الوضوء والغسل له مستقلاًّ على الأحوط . وأمّا الطواف المستحبّ ، فحيث إنّه لا يشترط فيه الطهارة من الحدث ، لا يحتاج إلى الوضوء ولا إلى الغسل من حيث هو ؛ وإن احتاج إلى الغسل في غير ذات الصغرى ؛ من جهة دخول المسجد لو قلنا به . وأمّا مسّ كتابة القرآن فلا إشكال في أنّه لا يحلّ لها إلاّ بالوضوء فقط في ذات الصغرى ، وبه مع الغسل في غيرها . والأحوط عدم الاكتفاء بمجرّد الإتيان بوظائف الصلاة ، فتأتي بالوضوء أو الغسل له مستقلاًّ . نعم ، الظاهر جوازه حال إيقاع الصلاة التي أتت بوظيفتها .

وهل تكون ذات الكبرى والوسطى بحكم الحائض مطلقاً ؛ فيحرم عليهما ما يحرم عليها بدون الغسل ، أم لا ؟ الأحوط أن لا يغشاها زوجها ما لم تغتسل ،

ص: 63

ولا يجب ضمّ الوضوء وإن كان أحوط ، ويكفي الغسل الصلاتي لو واقع في وقتها بعد الصلاة ، وأمّا لو واقع في وقت آخر فيحتاج إلى غسل له مستقلاًّ على الأحوط ، كما قلنا في الطواف . وأمّا مكثها في المساجد ودخولها المسجدين فالأقوى جوازه لها بدون الاغتسال وإن كان الأحوط الاجتناب بدونه للصلاة أو له مستقلاًّ كالوط ء . وأمّا صحّة طلاقها فلا إشكال في عدم كونها مشروطة بالاغتسال .

فصل : في النفاس

وهو دم الولادة معها أو بعدها قبل انقضاء عشرة أيّام من حينها ؛ ولو كان سقطاً ولم تلج فيه الروح ، بل ولو كان مضغة أو علقة إذا علم كونها مبدأ نشوء الولد ، ومع الشكّ لم يحكم بكونه نفاساً . وليس لأقلّه حدّ ، فيمكن أن يكون لحظة بين العشرة ، ولو لم ترَ دماً أصلاً أو رأته بعد العشرة من حين الولادة فلا نفاس لها . وأكثره عشرة أيّام ، وابتداء الحساب بعد انفصال الولد ، لا من حين الشروع في الولادة . وإن ولدت في أوّل النهار فالليلة الأخيرة خارجة ، وأمّا الليلة الاُولى فهي جزء النفاس إن ولدت فيها ؛ وإن لم تحسب من العشرة ، وإن ولدت في وسط النهار يُلفّق من اليوم الحادي عشر ، ولو ولدت اثنين كان ابتداء نفاسها من الأوّل ، ومبدأ العشرة من وضع الثاني .

(مسألة 1) : لو انقطع دمها على العشرة أو قبلها فكلّ ما رأته نفاس ؛ سواء رأت تمام العشرة أم بعضها ، وسواء كانت ذات عادة في حيضها أم لا . والنقاء المتخلّل بين الدمين أو الدماء بحكم النفاس على الأقوى ، فلو رأت يوماً بعد

ص: 64

الولادة وانقطع ثمّ رأت العاشر يكون الكلّ نفاساً ، وكذا لو رأت يوماً فيوماً لا ، إلى العشرة . ولو لم تر الدم إلاّ اليوم العاشر يكون هو النفاس ، والنقاء السابق طهر كلّه . ولو رأت الثالث ثمّ العاشر يكون نفاسها ثمانية .

(مسألة 2) : لو رأت الدم في تمام العشرة ، واستمرّ إلى أن تجاوزها ، فإن كانت ذات عادة عددية في الحيض ، ترجع في نفاسها إلى مقدار أيّام حيضها ؛ سواء كانت عشرة أو أقلّ ، وعملت بعدها عمل المستحاضة . وإن لم تكن ذات عادة تجعل نفاسها عشرة ، وتعمل بعدها عمل المستحاضة ؛ وإن كان الاحتياط إلى الثمانية عشر - بالجمع بين وظيفتي النفساء والمستحاضة - لا ينبغي تركه .

(مسألة 3) : يعتبر فصل أقلّ الطهر - وهو العشرة - بين النفاس والحيض المتأخّر ، فلو رأت الدم من حين الولادة إلى اليوم السابع ، ثمّ رأت بعد العشرة ثلاثة أيّام أو أكثر ، لم يكن حيضاً ، بل كان استحاضة ؛ وإن كان الأحوطُ إلى الثمانية عشر ، الجمعَ بين وظيفتي النفساء والمستحاضة إذا لم تكن ذات عادة ، كما مرّ . وأمّا بينه وبين الحيض المتقدّم فلا يعتبر فصل أقلّ الطهر على الأقوى ، فلو رأت قبل المخاض ثلاثة أيّام أو أكثر - متّصلاً به أو منفصلاً عنه بأقلّ من عشرة - يكون حيضاً ، خصوصاً إذا كان في العادة .

(مسألة 4) : لو استمرّ الدم إلى شهر أو أقلّ أو أزيد ، فبعد مُضيّ العادة في ذات العادة والعشرة في غيرها ، محكوم بالاستحاضة . نعم ، بعد مضيّ عشرة أيّام من دم النفاس يمكن أن يكون حيضاً ، فإن كانت معتادة وصادف العادة يحكم بكونه حيضاً ، وإلاّ فترجع إلى الصفات والتميّز ، وإلاّ فإلى الأقارب ، وإلاّ فتجعل سبعة حيضاً وما عداها استحاضة على التفصيل المتقدّم في الحيض ، فراجع .

ص: 65

(مسألة 5) : لو انقطع دم النفاس في الظاهر ، يجب عليها الاستظهار على نحو ما مرّ في الحيض ، فإذا انقطع الدم واقعاً يجب عليها الغسل للمشروط به كالحائض .

(مسألة 6) : أحكام النفساء كأحكام الحائض في عدم جواز وطئها ، وعدم صحّة طلاقها ، وحرمة الصلاة والصوم عليها ، وكذا مسّ كتابة القرآن ، وقراءة العزائم ، ودخول المسجدين ، والمكث في غيرهما ، ووجوب قضاء الصوم عليها دون الصلاة ، وغير ذلك على التفصيل الذي سبق في الحيض .

فصل : في غسل مسّ الميّت

وسبب وجوبه : مسّ ميّت الإنسان بعد برد تمام جسده وقبل تمام غسله لا بعده ولو كان غسلاً اضطرارياً ، كما إذا كانت الأغسال الثلاثة بالماء القراح لفقد الخليطين ، بل ولو كان المغسّل كافراً لفقد المسلم المماثل ؛ وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء به . ويلحق بالغسل التيمّم عند تعذّره ، وإن كان الأحوط عدمه . ولا فرق في الميّت بين المسلم والكافر والكبير والصغير ؛ حتّى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر ، كما لا فرق بين ما تحلّه الحياة وغيره ، ماسّاً وممسوساً بعد صدق اسم المسّ ، فيجب الغسل بمسّ ظفره بالظفر . نعم ، لا يوجبه مسّ الشعر ماسّاً وممسوساً .

(مسألة 1) : القطعة المبانة من الحيّ بحكم الميّت في وجوب الغسل بمسّها إذا اشتملت على العظم دون المجرّدة عنه . والأحوط إلحاق العظم المجرّد باللحم المشتمل عليه ؛ وإن كان الأقوى عدمه . وأمّا القطعة المبانة من الميّت ،

ص: 66

فكلّ ما كان يوجب مسّه الغسل في حال الاتّصال ، يكون كذلك حال الانفصال .

(مسألة 2) : الشهيد كالمغسّل ، فلا يوجب مسّه الغسل ، وكذا من وجب قتله قصاصاً أو حدّاً ، فاُمر بتقديم غسله ليقتل .

(مسألة 3) : لو مسّ ميّتاً وشكّ أ نّه قبل برده أو بعده لا يجب الغسل ، وكذا لو شكّ في أ نّه كان شهيداً أو غيره ، بخلاف ما إذا شكّ في أ نّه كان قبل الغسل أو بعده ، فيجب الغسل .

(مسألة 4) : إذا يبس عضو من أعضاء الحيّ ، وخرج منه الروح بالمرّة ، لا يوجب مسّه الغسل ما دام متّصلاً . وأمّا بعد الانفصال فيجب الغسل بمسّه إذا اشتمل على العظم ، وإلاّ ففيه إشكال . وكذا لو قطع عضو منه واتّصل ببدنه ولو بجلدة ، لا يجب الغسل بمسّه في حال الاتّصال ، ويجب بعد الانفصال إذا اشتمل على العظم .

(مسألة 5) : مسّ الميّت ينقض الوضوء على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة ، فيجب الوضوء مع غسله لكلّ مشروط به .

(مسألة 6) : يجب غسل المسّ لكلّ مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة ، وشرط فيما يشترط فيه الطهارة ، كالصلاة والطواف الواجب ومسّ كتابة القرآن على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 7) : يجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد والمشاهد ، والمكث فيها ، وقراءة العزائم ، ويجوز وطؤه لو كان امرأة ، فحال المسّ حال الحدث الأصغر إلاّ في إيجاب الغسل للصلاة ونحوها .

ص: 67

(مسألة 8) : تكرار المسّ لا يوجب تكرار الغسل - كسائر الأحداث - ولو كان الممسوس متعدّداً .

فصل : في أحكام الأموات

اشارة

يجب على من ظهر عنده أمارات الموت أداء الحقوق الواجبة خَلقياً أو خالقياً ، وردّ الأمانات التي عنده ، أو الإيصاء بها مع الاطمئنان بإنجازها ، وكذا يجب الإيصاء بالواجبات التي لا تقبل النيابة حال الحياة ، كالصلاة والصوم والحجّ - غالباً - ونحوها إذا كان له مال ، وفيما يجب على الوليّ - كالصلاة والصوم - يتخيّر بين إعلامه والإيصاء به .

(مسألة 1) : لا يجب عليه نصب القيّم على أطفاله الصغار ، إلاّ إذا كان عدمه تضييعاً لهم ولحقوقهم ، فإذا نصب فليكن المنصوب أميناً ، وكذا من عيّنه لأداء الحقوق الواجبة .

(مسألة 2) : يجب كفاية على الأحوط بل لا يخلو من قوّة في حال الاحتضار والنزع توجيه المحتضر المسلم إلى القبلة ؛ بأن يُلقى على ظهره ، ويجعل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة ؛ بحيث لو جلس كان وجهه إليها ؛ رجلاً كان أو امرأة ، صغيراً كان أو كبيراً . والأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفية المذكورة ما لم ينقل عن محلّ الاحتضار . وأمّا مراعاته في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغسل فالأقوى عدم لزومه ، والأحوط مراعاته أيضاً . وأمّا ما بعد الغسل إلى حال الدفن ، فالأولى بل الأحوط وضعه بنحو ما يوضع حال الصلاة عليه .

ص: 68

(مسألة 3) : يستحبّ تلقينه الشهادتين ، والإقرار بالأئمّة الاثني عشر علیهم السلام ، وكلمات الفرج ، ونقله إلى مصلاّه إذا اشتدّ نزعه بشرط أن لا يوجب أذاه ، وقراءة سورتي «يس» و«الصافات» عنده لتعجيل راحته . وكذا يستحبّ تغميض عينيه ، وتطبيق فمه ، وشدّ فكّيه ، ومدّ يديه إلى جنبيه ، ومدّ رجليه ، وتغطيته بثوب ، والإسراج عنده في الليل ، وإعلام المؤمنين ليحضروا جنازته ، والتعجيل في تجهيزه إلاّ مع اشتباه حاله ، فينتظر إلى حصول اليقين بموته . ويُكره مسّه في حال النزع ، ووضع شيء ثقيل على بطنه ، وإبقاؤه وحده ، وكذا يكره حضور الجنب والحائض عنده حال الاحتضار .

القول : في غسل الميّت

يجب كفاية تغسيل كلّ مسلم ولو كان مخالفاً على الأحوط فيه ، كما أنّ الأحوط تغسيله بالكيفية التي عندنا والتي عندهم ، ولا يجوز تغسيل الكافر ومن حكم بكفره من المسلمين ، كالنواصب والخوارج وغيرهما على التفصيل الآتي في النجاسات ، وأطفال المسلمين حتّى ولد الزنا منهم بحكمهم ، فيجب تغسيلهم . بل يجب تغسيل السقط إذا تمّ له أربعة أشهر ، ويكفّن ويدفن على المتعارف ، ولو كان له أقلّ من أربعة أشهر لا يجب غسله ، بل يلفّ في خرقة ويدفن .

(مسألة 1) : يسقط الغسل عن الشهيد - وهو المقتول في الجهاد مع الإمام علیه السلام أو نائبه الخاصّ - بشرط خروج روحه في المعركة حين اشتعال الحرب أو في غيرها قبل إدراكه المسلمون حيّاً . وأمّا لو عثروا عليه بعد الحرب في المعركة وبه رَمَق ، فيجب غسله وتكفينه على الأحوط لو خرج روحه فيها ، ولو خرج خارجها فالظاهر وجوب غسله وتكفينه . ويلحق به المقتول في

ص: 69

حفظ بيضة الإسلام ، فلا يغسّل ولا يحنّط ولا يكفّن ، بل يدفن بثيابه ، إلاّ إذا كان عارياً فيكفّن . وكذا يسقط عمّن وجب قتله برجم أو قصاص ، فإنّ الإمام علیه السلام أو نائبه الخاصّ أو العامّ يأمره بأن يغتسل غسل الميّت ، ثمّ يكفّن كتكفينه ويحنّط ، ثمّ يقتل ويصلّى عليه ، ويدفن بلا تغسيل ، والظاهر أنّ نيّة الغسل من المأمور ؛ وإن كان الأحوط نيّة الآمر أيضاً .

(مسألة 2) : القطعة المنفصلة من الميّت قبل الاغتسال إن لم تشتمل على العظم لا يجب غسلها ، بل تلفّ في خرقة وتدفن على الأحوط ، وإن كان فيها عظم ولم تشتمل على الصدر تغسّل وتدفن بعد اللفّ في خرقة . ويلحق بها إن كانت عظماً مجرّداً في الدفن ، والأحوط الإلحاق في الغسل أيضاً ؛ وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة . وإن كانت صدراً ، أو اشتملت على الصدر ، أو كانت بعض الصدر الذي محلّ القلب في حال الحياة - وإن لم يشتمل عليه فعلاً - تغسّل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، ويجوز الاقتصار في الكفن على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كانت مشتملة على بعض محلّ المئزر أيضاً ، ولو كان معها بعض المساجد يحنّط ذلك البعض . وفي إلحاق المنفصلة من الحيّ بالميّت في جميع ما تقدّم إشكال ، لا يترك الاحتياط بالإلحاق فيها ، وعدم الإلحاق في المسّ بعد الغسل في العظم أو المشتمل عليه .

(مسألة 3) : تغسيل الميّت كتكفينه والصلاة عليه فرض على الكفاية على جميع المكلّفين ، وبقيام بعضهم به يسقط عن الباقين ، وإن كان أولى الناس بذلك أولاهم بميراثه ؛ بمعنى أنّ الوليّ لو أراد القيام به أو عيّن شخصاً لذلك لا يجوز مزاحمته ، بل قيام الغير به مشروط بإذنه على الأقوى ، فلا يجوز بدونه . نعم ، تسقط شرطيته مع امتناعه عنه وعن القيام به على الأقوى ؛ وإن كان

ص: 70

الأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخّرة ، ولو كان الوليّ قاصراً أو غائباً لا يبعد وجوب الاستئذان من الحاكم الشرعي . والإذن أعمّ من الصريح والفحوى وشاهد الحال القطعي .

(مسألة 4) : المراد بالوليّ الذي لا يجوز مزاحمته أو يجب الاستئذان منه كلّ من يرثه بنسب أو سبب ، ويترتّب ولايتهم على ترتيب طبقات الإرث ، فالطبقة الاُولى مقدّمون على الثانية ، وهي على الثالثة ، فإذا فقدت الأرحام فالأحوط الاستئذان من المولى المعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الحاكم الشرعي . وأمّا في نفس الطبقات فتقدُّم الرجال على النساء لا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الاستئذان عنهنّ أيضاً . والبالغون مقدّمون على غيرهم ، ومن تقرّب إلى الميّت بالأبوين أولى ممّن تقرّب إليه بأحدهما ، ومن انتسب إليه بالأب أولى ممّن انتسب إليه بالاُمّ . وفي الطبقة الاُولى الأب مقدّم على الاُمّ والأولاد ، وهم على أولادهم . وفي الطبقة الثانية الجدّ مقدّم على الإخوة على وجه - وإن لا يخلو من تأمّل - وهم على أولادهم . وفي الثالثة العمّ مقدّم على الخال وهما على أولادهما .

(مسألة 5) : الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها إلى أن يضعها في قبرها دائمة كانت أو منقطعة ؛ على إشكال في الأخيرة .

(مسألة 6) : لو أوصى الميّت في تجهيزه إلى غير الوليّ فالأحوط الاستئذان منه ومن الوليّ .

(مسألة 7) : يشترط المماثلة بين المغسِّل والميّت في الذكورة والاُنوثة ، فلا يغسّل الرجل المرأة ولا العكس ولو كان من وراء الستر ومن دون لمس

ص: 71

ونظر ، إلاّ الطفل الذي لا يزيد عمره من ثلاث سنين ، فيجوز لكلّ من الرجل والمرأة تغسيل مخالفه ولو مع التجرّد ، وإلاّ الزوج والزوجة ، فيجوز لكلّ منهما تغسيل الآخر ولو مع وجود المماثل والتجرّد ؛ حتّى أ نّه يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر على كراهية . ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة ، والدائمة والمنقطعة والمطلّقة الرجعية قبل انقضاء عدّة الطلاق ؛ على إشكال في الأخيرتين .

(مسألة 8) : لا إشكال في جواز تغسيل الرجل محارمه وبالعكس - مع فقد المماثل - حتّى عارياً مع ستر العورة ، وأمّا مع وجوده ففيه تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 9) : يجوز للمولى تغسيل أمته إذا لم تكن مزوّجة ولا معتدّة ولا مبعّضة ، بل ولا مكاتبة على الأحوط . وأمّا تغسيل الأمة مولاها ففيه إشكال .

(مسألة 10) : الميّت المشتبه بين الذكر والاُنثى - ولو من جهة كونه خُنثى - يغسّله من وراء الثوب كلّ من الرجل والاُنثى .

(مسألة 11) : يعتبر في المغسِّل الإسلام ، بل والإيمان في حال الاختيار ، فلو انحصر المغسِّل المماثل في الكتابي أو الكتابية ، أمر المسلمُ الكتابيةَ والمسلمةُ الكتابي أن يغتسل أوّلاً ثمّ يغسّل الميّت ، وإن أمكن أن لا يمسّ الماء وبدن الميّت ، أو يغسّل في الكرّ أو الجاري ، تعيّن على الأحوط . ولو انحصر المماثل في المخالف فكذلك ، إلاّ أ نّه لا يحتاج إلى الاغتسال قبل التغسيل ، ولا إلى عدم مسّ الماء وبدن الميّت ، ولا إلى الغسل في الكرّ والجاري . ولو انحصر المماثل في الكتابي والمخالف يقدّم الثاني .

ص: 72

(مسألة 12) : لو لم يوجد المماثل حتّى الكتابي سقط الغسل على الأقوى ، ولا يبعد أن يكون الأحوط ترك غسله ودفنه بثيابه . كما أنّ الأحوط أن ينشّف بدنه قبل التكفين ؛ لاحتمال بقاء نجاسته فيتنجّس الكفن به .

(مسألة 13) : الأحوط اعتبار البلوغ في المغسّل ، فلا يجزي تغسيل الصبيّ المميّز على الأحوط ؛ حتّى بناءً على صحّة عباداته ، كما هو الأقوى .

القول : في كيفية غسل الميّت

يجب أوّلاً إزالة النجاسة عن بدنه ، والأقوى كفاية غسل كلّ عضو قبل تغسيله ، وإن كان الأحوط تطهير جميع الجسد قبل الشروع في الغسل . ويجب تغسيله ثلاثة أغسال : أوّلها بماء السدر ، ثمّ بماء الكافور ، ثمّ بالماء الخالص ، ولو خالف الترتيب عاد إلى ما يحصل به بإعادة ما حقّه التأخير . وكيفية كلّ غسل من الأغسال الثلاثة كغسل الجنابة ، فيبدأ بغسل الرأس والرقبة ثمّ الطرف الأيمن ثمّ الأيسر . ولا يكفي الارتماس في الأغسال الثلاثة على الأحوط ؛ بأن يكتفي في كلّ غسل بارتماسة واحدة . نعم ، يجوز في غسل كلّ عضو من الأعضاء الثلاثة من كلّ غسل من الأغسال الثلاثة رمس العضو في الماء الكثير مع مراعاة الترتيب .

(مسألة 1) : يعتبر في كلّ من السدر والكافور أن يكون بمقدار يصدق أ نّه مخلوط بهما مع بقاء الماء على إطلاقه .

(مسألة 2) : لو تعذّر أحد الخليطين أو كلاهما ، غُسّل بالماء الخالص بدلاً عمّا تعذّر على الأحوط ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة قاصداً به البدلية مراعياً للترتيب بالنيّة .

ص: 73

(مسألة 3) : لو فقد الماء للغسل ييمّم ثلاث تيمّمات بدلاً عن الأغسال على الترتيب ، والأحوط تيمّم آخر بقصد بدليته عن المجموع ؛ وإن كان الأقوى عدم لزومه . وييمّم أيضاً لو كان مجروحاً أو محروقاً أو مجدوراً ؛ بحيث يخاف من تناثر جلده لو غسّل ، ولا يترك الاحتياط بالتيمّم بيد الحيّ وبيد الميّت مع الإمكان ؛ وإن لا يبعد جواز الاكتفاء بيد الميّت إن أمكن . ويكفي ضربة واحدة للوجه واليدين ، وإن كان الأحوط التعدّد .

(مسألة 4) : لو لم يكن عنده من الماء إلاّ بمقدار غسل واحد ، غسّله غُسلاً واحداً وييمّمه تيمّمين ، فإن كان عنده الخليطان أو السدر خاصّة صرف الماء في الغسل الأوّل ، وييمّمه للأخيرين . وكذا إن لم يكونا عنده على الأقوى . ويحتمل بعيداً وجوب صرفه للثالث والتيمّم للأوّلين . وطريق الاحتياط في مراعاة الاحتمالين ؛ بأن ييمّم تيمّمين بدلاً عن الغسلين الأوّلين على الترتيب احتياطاً ، ثمّ يغسّل بالماء بقصد ما في الذمّة مردّداً بين كونه الغسل الأوّل أو الثالث ، ثمّ تيمّمين بقصد الاحتياط : أحدهما بدلاً عن الغسل الثاني ، والآخر بدلاً عن الثالث . ولو كان عنده الكافور فقط صرفه في الغسل الأوّل وييمّمه تيمّمين للثاني والثالث ، ويحتمل بعيداً صرفه في الثاني والتيمّم للأوّل والثالث . والأحوط أن ييمّم أوّلاً بدلاً عن الغسل الأوّل ، ثمّ يغسّل بماء الكافور قاصداً به ما في الواقع ؛ من بدليته عن الغسل بماء السدر أو كونه الغسل الثاني ، ثمّ ييمّم تيمّمين : أحدهما بدلاً عن الغسل بماء الكافور ، والثاني بدلاً عن الغسل بالماء الخالص ، ولو كان ما عنده من الماء يكفي لغسلين ، فإن كان عنده الخليطان صرفه في الأوّلين ويمّمه للثالث ، وكذا لو كان عنده أحد الخليطين أو لم يكن شيء منهما .

ص: 74

(مسألة 5) : لو كان الميّت مُحرِماً يغسّله ثلاثة أغسال كالمُحِلّ ، لكن لا يخلط الماء بالكافور في الغسل الثاني ، إلاّ أن يكون موته بعد التقصير في العمرة ، وبعد السعي في الحجّ . وكذلك لا يحنّط بالكافور إلاّ بعدهما .

(مسألة 6) : لو يمّمه عند تعذّر الغسل ، أو غسّله بالماء الخالص لأجل تعذّر الخليط ، ثمّ ارتفع العذر ، فإن كان قبل الدفن يجب الغسل في الأوّل ، والأحوط إعادته مع الخليط في الثاني ، وإن كان بعده مضى .

(مسألة 7) : لو كان على الميّت غسل جنابة أو حيض أو نحوهما ، أجزأ عنها غسل الميّت .

(مسألة 8) : لو دفن بلا غسل ولو نسياناً ، وجب نبشه لتغسيله إن لم يكن فيه محذور ؛ من هتك حرمة الميّت لأجل فساد جثّته ، أو الحرج على الأحياء بواسطة رائحته أو تجهيزه ، وكذا إذا ترك بعض أغساله أو تبيّن بطلانه ، وكذا إذا دفن بلا تكفين . وأمّا لو دفن مع الكفن الغصبي فإن لم يكن في النبش محذور يجب ، وأمّا مع المحذور المتقدّم ففيه إشكال . والأحوط للمغصوب منه أخذ قيمة الكفن . نعم ، لو كان الغاصب هو الميّت فالأقوى جواز نبشه حتّى مع الهتك . ولو تبيّن أ نّه لم يصلَّ عليه أو تبيّن بطلانها لا يجوز نبشه ، بل يُصلّى على قبره .

(مسألة 9) : لا يجوز أخذ الاُجرة على تغسيل الميّت ، إلاّ إذا جعلت الاُجرة في قبال بعض الاُمور غير الواجبة ، مثل تليين أصابعه ومفاصله ، وغسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع ، وغسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي ، وغسل فرجيه بالسدر أو الاُشنان قبل التغسيل ، وتنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف ، وغير ذلك .

ص: 75

(مسألة 10) : لو تنجّس بدن الميّت بعد الغسل أو في أثنائه - بخروج نجاسته أو نجاسة خارجية - لا يجب إعادة غُسله حتّى فيما خرج منه بول أو غائط على الأقوى ، وإن كان الأحوط إعادته لو خرجا في أثنائه . نعم ، يجب إزالة الخبث عن جسده ، والأحوط ذلك ولو كان بعد وضعه في القبر ، إلاّ مع التعذّر ولو لاستلزامه هتك حرمته بسبب الإخراج .

(مسألة 11) : اللوح أو السرير الذي يُغسّل عليه الميّت ، لا يجب غسله بعد كلّ غسل من الأغسال الثلاثة . نعم ، الأحوط غسله لميّت متأخّر ، وإن كان الأقوى أ نّه يطهُر بالتبعية ، وكذا الحال في الخرقة الموضوعة عليه ، فإنّها أيضاً تطهُر بالتبع .

(مسألة 12) : الأحوط أن يوضع الميّت حال الغسل مستقبل القبلة على هيئة المحتضر ، وإن كان الأقوى أ نّه من السنن .

(مسألة 13) : لا يجب الوضوء للميّت على الأصحّ . نعم ، يقوى استحبابه ، بل هو الأحوط ، وينبغي تقديمه على الغسل .

القول : في آداب الغسل

وهي اُمور : وضعه على ساجة أو سرير ، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه ، لكن حينئذٍ يراعى رضا الوَرَثة على الأحوط ، وأن يكون تحت الظلال من سقف أو خيمة ونحوهما ، وستر عورته وإن لم يُنظر إليها ، أو كان المغسِّل ممّن يجوز له النظر إليها ، وتليين أصابعه ومفاصله برفق ، وغسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع وغسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي ، وغسل فرجيه بالسدر أو الاُشنان أمام الغسل ، ومسح بطنه برفق في الغسلين الأوّلين ، إلاّ

ص: 76

أن يكون الميّت امرأة حاملاً ، وتثليث غسل اليدين والفرجين ، وتثليث غسل كلّ عضو من كلّ غسل ، فيصير مجموع الغسلات سبعاً وعشرين ، وتنشيف بدنه بعد الفراغ بثوب نظيف وغير ذلك .

(مسألة 1) : لو سقط من بدن الميّت شيء ؛ من جلد أو شعر أو ظفر أو سنّ ، يجعل معه في كفنه ويدفن .

القول : في تكفين الميّت

وهو واجب كفائي كالتغسيل . والواجب منه ثلاث أثواب : مئزر يستر بين السرّة والركبة ، وقميص يصل إلى نصف الساق لا أقلّ على الأحوط ، وإزار يغطّي تمام البدن ، فيجب أن يكون طوله زائداً على طول الجسد ، وعرضه بمقدار يمكن أن يوضع أحد جانبيه على الآخر ، ويلفّ عليه بحيث يستر جميع الجسد . وعند تعذّر الجميع أتى بما تيسّر مقدّماً للأشمل على غيره لدى الدوران ، ولو لم يمكن إلاّ ستر العورة وجب .

(مسألة 1) : لا يجوز التكفين بالمغصوب ولو في حال الاضطرار ، ولا بالحرير الخالص ولو للطفل والمرأة ، ولا بجلد الميتة ، ولا بالنجس حتّى ما عفي عنه في الصلاة ، ولا بما لا يؤكل لحمه جلداً كان أو شعراً أو وبراً ، بل ولا بجلد المأكول أيضاً على الأحوط ، دون صوفه وشعره ووبره ، فإنّه لا بأس به .

(مسألة 2) : يختصّ عدم جواز التكفين بما ذكر فيما عدا المغصوب بحال الاختيار ، فيجوز الجميع مع الاضطرار ، بل لو عمل جلد المأكول على نحو يصدق عليه الثوب يجوز في حال الاختيار أيضاً ، ومع عدم الصدق

ص: 77

لا يجوز اختياراً ، ومع الدوران يقدّم النجس ، ثمّ الحرير على الأحوط ، ثمّ المأكول ، ثمّ غيره .

(مسألة 3) : لو تنجّس الكفن قبل الوضع في القبر ، وجبت إزالة النجاسة عنه بغسل أو قرض غير قادح في الكفن ، وكذا بعد الوضع فيه ، والأولى القرض في هذه الصورة ، ولو تعذّر غسله ولو من جهة توقّفه على إخراجه تعيّن القرض ، كما أ نّه يتعيّن الغسل لو تعذّر القرض ؛ ولو من جهة استلزامه زوال ساترية الكفن . نعم ، لو توقّف الغسل على إخراجه من القبر وهتكه فلا يجب ، بل لا يجوز ، ولو تعذّرا وجب التبديل مع الإمكان لو لم يلزم الهتك ، وإلاّ لا يجوز .

(مسألة 4) : يخرج الكفن - عدا ما استُثني - من أصل التركة مقدّماً على الديون والوصايا والميراث ، والظاهر خروج ما هو المتعارف اللائق بشأنه منه ، وكذا سائر مؤن التجهيز ، ولا ينبغي ترك الاحتياط في الزائد على الواجب ؛ مع التحفّظ على عدم إهانته . وكذا يخرج من الأصل الماء والسدر والكافور وقيمة الأرض واُجرة الحمّال والحفّار وغيرها من مؤن التجهيز ؛ حتّى ما تأخذه الحكومة للدفن في الأرض المباحة ، ولو كانت التركة متعلَّقة لحقّ الغير بسبب الفَلَس أو الرهانة ، فالظاهر تقديم الكفن عليه . نعم ، في تقديمه على حقّ الجناية إشكال . ولو لم تكن له تركة بمقدار الكفن دُفن عرياناً ، ولا يجب على المسلمين بذله ، بل يستحبّ .

(مسألة 5) : كفن الزوجة وسائر مؤن تجهيزها على زوجها ولو مع يسارها ؛ كبيرة كانت أو صغيرة ، مجنونة أو عاقلة ، حرّة أو أمة ، مدخولة أو غيرها ، مطيعة أو ناشزة . وفي المنقطعة إشكال ، سيّما إذا كانت مدّة نكاحها قصيرة جدّاً . ولا يترك الاحتياط في المطلّقة الرجعية ، بل الظاهر كونها عليه .

ص: 78

(مسألة 6) : لو تبرّع متبرّع بكفنها ولم يكن وهناً عليها سقط عن الزوج .

(مسألة 7) : لو مات الزوج بعد زوجته أو قبلها أو مقارناً لها ، ولم يكن له مال إلاّ بمقدار كفن واحد ، قُدّم عليها .

(مسألة 8) : لو كان الزوج معسراً فكفن الزوجة من تركتها ، فلو أيسر بعد دفنها ليس للورثة مطالبة قيمته .

(مسألة 9) : لا يُلحق بالزوجة في وجوب الكفن من وجبت نفقته من الأقارب . نعم ، كفن المملوك على سيّده ، إلاّ الأمة المزوّجة ، فعلى زوجها .

القول : في مستحبّات الكفن وآداب التكفين

يستحبّ الزيادة على القطع الثلاث في كلّ من الرجل والمرأة بخرقة للفخذين ؛ طولها ثلاثة أذرع ونصف ، وعرضها شبر إلى شبر ونصف ، تُشدّ من الحِقوين ثمّ تلفّ على الفخذين لفّاً شديداً على وجه لا يظهر منهما شيء إلى أن تصل إلى الركبتين ، ثمّ يخرج رأسها من تحت رجليه إلى جانب الأيمن ، ثمّ يُغمز في الموضع الذي انتهى إليه اللفّ . وجعل شيء من القطن بين الأليتين على وجه يستر العورتين ، بعد وضع شيء من الذريرة عليه ، ويُحشى دُبُره بشيء منه إذا خشي خروج شيء منه ، بل وقُبُل المرأة أيضاً ، سيّما إذا كان يخشى خروج دم النفاس ونحوه منه ، كلّ ذلك قبل اللفّ بالخرقة المذكورة . ولفّافة اُخرى فوق اللفّافة الواجبة ، والأفضل كونها بُرداً يمانياً ، بل يقوى استحباب لفّافة ثالثة سيّما في المرأة ، وفي الرجل خاصّة بعمامة يُلفّ بها رأسه بالتدوير ، ويجعل طرفاها تحت الحَنَك ، ويُلقى فضل الشقّ الأيمن على الأيسر وبالعكس ، ثمّ يُمدّان إلى صدره ، وفي المرأة خاصّة بمقنعة بدل العمامة ، ولفّافة يُشدّ بها ثدياها إلى

ص: 79

ظهرها . ويستحبّ إجادة الكفن ، وكونه من طهور المال لا تشوبه شبهة ، وأن يكون من القُطن ، وأن يكون أبيض عدا الحَبَرَة ، فإنّ الأولى أن تكون بُرداً أحمر ، وأن يكون من ثياب أحرم فيها ، أو كان يصلّي فيها ، وأن يُخاط على الاُولى بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة ، وأن يُلقى على كلّ ثوب منه شيء من الكافور والذريرة ، وأن يكتب على حاشية جميع قِطَع الكفن وعلى الجريدتين : «إنّ فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأنّ علياً والحسن والحسين - ويعدّ الأئمّة علیهم السلام إلى آخرهم - أئمّته وسادته وقادته ، وأنّ البعث والثواب والعقاب حقّ» وأن يكتب عليه الجوشن الكبير . نعم ، الأولى بل الأحوط أن يكون ذلك كلّه في مقام يؤمن عليه من النجاسة والقذارة ، والأحوط التجنّب عن الكتابة في المواضع التي تنافي احترامها عرفاً . والأولى للمباشر للتكفين لو كان هو المغسّل الغسل من المسّ والوضوء قبل التكفين ، وإذا كان غيره الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر .

القول : في الحنوط

وهو واجب على الأصحّ ، صغيراً كان الميّت أو كبيراً ، ذَكَراً كان أو اُنثى ، ولا يجوز تحنيط المحرم كما تقدّم . ويشترط أن يكون بعد الغسل أو التيمّم ، والأقوى جوازه قبل التكفين وبعده وفي الأثناء ، وإن كان الأوّل أولى .

وكيفيته : أن يمسح الكافور على مساجده السبعة ، ويستحبّ إضافة طرف الأنف إليها ، بل هو الأحوط . ولا يبعد استحباب مسح إبطيه ولبّته ومفاصله به ، والأولى الإتيان به رجاءً ، ولا يقوم مقام الكافور طيب آخر حتّى عند الضرورة .

(مسألة 1) : لا يجب مقدار معيّن من الكافور في الحَنُوط ، بل الواجب

ص: 80

المسمّى ممّا يصدق معه المسح به . والأفضل الأكمل أن يكون سبعة مثاقيل صيرفية ، ودونه في الفضل أربعة مثاقيل شرعية ، ودونه أربعة دراهم ، ودونه مثقال شرعي ، ودونه درهم ، ولو تعذّر الجميع حتّى المسمّى منه دُفن بغير حَنُوط .

(مسألة 2) : يستحبّ خلط كافور الحَنُوط بشيء من التربة الشريفة ، لكن لا يمسح به المواضع المنافية لاحترامها كالإبهامين .

القول : في الجريدتين

من السنن الأكيدة وضع عودين رَطبين مع الميّت ؛ صغيراً أو كبيراً ، ذكراً أو اُنثى ، ويوضع مع الصغير رجاءً . والأفضل كونهما من جريد النخل ، وإن لم يتيسّر فمن السدر ، وإلاّ فمن الخِلاف ، وإلاّ فمن الرمّان ، وإلاّ فمن كلّ شجر رطب . والأولى كونهما بمقدار عظم الذراع ؛ وإن أجزأ الأقلّ إلى شبر ، والأكثر إلى ذِراع ،كما أنّ الأولى في كيفية وضعهما : جعل أحدهما في جانبه الأيمن من عند التَرقُوة إلى ما بلغ ملصقاً بجلده ، والآخر في جانبه الأيسر ؛ من عند التَرقُوة إلى ما بلغ فوق القميص تحت اللفّافة .

القول : في تشييع الجنازة

وفضله كثير ، وثوابه خطير ؛ حتّى ورد في الخبر : «من شيّع جنازة فله بكلّ خطوة حتّى يرجع مائة ألف ألف حسنة ، ويُمحى عنه مائة ألف ألف سيّئة ، ويُرفع له مائة ألف ألف درجة ، فإن صلّى عليها يشيّعه مائة ألف ألف ملك كلّهم يستغفرون له ، فإن شهد دفنها وكّل اللّه به مائة ألف ألف ملك يستغفرون له حتّى يُبعث من قبره ، ومن صلّى على ميّت صلّى عليه جبرئيل وسبعون ألف ألف

ص: 81

ملك ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه ، وإن أقام عليه حتّى يدفنه وحثى عليه من التراب انقلب من الجنازة وله بكلّ قدمٍ من حيث تبعها حتّى يرجع إلى منزله قيراطٌ من الأجر ، والقيراط مثل جبل اُحُد يُلقى في ميزانه من الأجر» .

وأمّا آدابه فهي كثيرة :

منها : أن يقول حامل الجنازة حين حملها : «بسمِ اللّه ِ وباللّه ِ ، وصَلّى اللّه ُ على مُحَمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، اللّهُمّ اغفِر لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ» .

ومنها : أن يحملوها على أكتافهم لا على الدابّة ونحوها إلاّ لعذر كبعد المسافة ؛ لئلاّ يحرموا من فضل حملها على الأكتاف . وأمّا كراهة حملها على الدابّة فغير معلومة .

ومنها : أن يكون المشيّع خاشعاً متفكّراً ، متصوّراً أنّه هو المحمول وقد سأل الرجوع إلى الدنيا فاُجيب .

ومنها : المشي ، والركوب مكروه إلاّ لعذر . نعم ، لا يكره في الرجوع .

ومنها : المشي خلف الجنازة أو جانبيها ، والأوّل أفضل .

ومنها : التربيع ؛ بمعنى أن يحمل الشخص الواحد جوانبها الأربعة . والأفضل أن يبتدئ بمقدّم السرير من طرف يمين الميّت ، فيضعه على عاتقه الأيمن ، ثمّ يحمل مؤخّره الأيمن على عاتقه الأيمن ، ثمّ مؤخّره الأيسر على عاتقه الأيسر ، ثمّ ينتقل إلى المقدّم الأيسر ويضعه على عاتقه الأيسر .

ومنها : أن يكون صاحب المصيبة حافياً واضعاً رداءه ، أو مغيّراً زيّه على وجه آخر مناسب للمعزّى حتّى يعرف .

ويكره الضحك واللعب واللهو ، ووضع الرداء لغير صاحب المصيبة ، والإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميّت ، سيّما إذا كان بالعَدو ، بل ينبغي الوسط

ص: 82

في المشي ، وإتباعها بالنار ، إلاّ المصباح بل مطلق الضياء في الليل ، والقيام عند مرورها إذا كان جالساً ، إلاّ إذا كان الميّت كافراً فيقوم ، والأولى ترك النساء تشييع الجنازة حتّى للنساء ، ولا يبعد الكراهة للشابّة .

القول : في الصلاة على الميّت

يجب الصلاة على كلّ مسلم وإن كان مخالفاً للحقّ على الأصحّ . ولا يجوز على الكافر بأقسامه ؛ حتّى المرتدّ ومن حكم بكفره ممّن انتحل الإسلام ، كالنواصب والخوارج . ومن وجد ميّتاً في بلاد المسلمين يلحق بهم ، وكذا لقيط دار الإسلام ، وأمّا لقيط دار الكفر - إن وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه - ففيه إشكال . وأطفال المسلمين حتّى ولد الزنا منهم ، بحكمهم في وجوب الصلاة عليهم إذا بلغوا ستّ سنين ، وفي الاستحباب على من لم يبلغ ذلك الحدّ إذا ولد حيّاً تأمّل . وأمّا من وُلد ميّتاً فلا تستحبّ وإن ولجه الروح قبل ولادته . وقد تقدّم سابقاً : أنّ حكم بعض البدن - إن كان صدراً ، أو مشتملاً عليه ، أو كان بعض الصدر الذي محلّ القلب وإن لم يشتمل عليه فعلاً - حكم تمام البدن في وجوب الصلاة عليه .

(مسألة 1) : محلّ الصلاة بعد الغسل والتكفين ، فلا تجزي قبلهما ، ولا تسقط بتعذّرهما ، كما أ نّه لا تسقط بتعذّر الدفن أيضاً ، فلو وجد في الفلاة ميّت ولم يمكن غسله وتكفينه ولا دفنه يصلّى عليه ويخلّى . والحاصل : أنّ كلّ ما تعذّر من الواجبات يسقط ، وكلّ ما يمكن يثبت .

(مسألة 2) : يعتبر في المصلّي على الميّت أن يكون مؤمناً ، فلا يجزي صلاة المخالف ، فضلاً عن الكافر . ولا يعتبر فيه البلوغ على الأقوى ، فيصحّ صلاة

ص: 83

الصبيّ المميّز ، لكن في إجزائها عن المكلّفين البالغين تأمّل . ولا يعتبر فيه الذكورة ، فتصحّ صلاة المرأة ولو على الرجال ، ولا يشترط في صحّتها عدم الرجال ، ولكن ينبغي تقديمهم مع وجودهم ، بل هو أحوط .

(مسألة 3) : الصلاة على الميّت وإن كان فرضاً على الكفاية ، إلاّ أ نّه كسائر أنواع تجهيزه أولى الناس بها أولاهم بميراثه ، فلو أراد المباشرة بنفسه أو عيّن شخصاً لها لا يجوز مزاحمته ، بل الأقوى اشتراط إذنه في صحّة عمل غيره . ولو أوصى الميّت بأن يصلّي عليه شخص معيّن ، فالأحوط على الوليّ الإذن ، وعلى الوصيّ الاستئذان منه .

(مسألة 4) : يستحبّ فيها الجماعة ، والأحوط اعتبار اجتماع شرائط الإمامة من العدالة ونحوها هنا أيضاً ، بل الأحوط اعتبار اجتماع شرائط الجماعة من عدم الحائل ونحوه ، وإن لا يبعد عدم اشتراط شيء من شرائط الإمامة والجماعة ، إلاّ فيما يشترط في صدقها عرفاً ، كعدم البعد المُفرط والحائل الغليظ . ولا يتحمّل الإمام هنا عن المأمومين شيئاً .

(مسألة 5) : يجوز أن يصلّي على ميّت واحد في زمان واحد أشخاصٌ متعدّدون فرادى ، بل وبالجماعات المتعدّدة . ويجوز لكلّ واحد منهم قصد الوجوب ما لم يفرغ منها أحد ، فإذا فرغ نوى الباقون الاستحباب أو القربة ، وكذلك الحال في المصلّين المتعدّدين في جماعة واحدة .

(مسألة 6) : يجوز للمأموم نيّة الانفراد في الأثناء ، لكن بشرط أن لا يكون بعيداً عن الجنازة بما يضرّ ، ولا خارجاً عن المحاذاة المعتبرة في المنفرد .

ص: 84

القول : في كيفية صلاة الميّت

وهي خمس تكبيرات : يأتي بالشهادتين بعد الاُولى ، والصلاة على النبي وآله بعد الثانية ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة ، والدعاء للميّت بعد الرابعة ، ثمّ يكبّر الخامسة وينصرف . ولا يجوز أقلّ من خمس تكبيرات إلاّ للتقيّة . وليس فيها أذان ، ولا إقامة ، ولا قراءة ، ولا ركوع ، ولا سجود ، ولا تشهّد ، ولا سلام .

ويكفي في الأدعية الأربعة مسمّاها ، فيجزي أن يقول بعد التكبيرة الاُولى : «أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّه» ، وبعد الثانية : «اللّهُمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ» ، وبعد الثالثة : «اللّهُمّ اغفِر لِلمؤمِنينَ والمُؤمِنات» ، وبعد الرابعة : «اللّهُمّ اغفِر لِهذا المَيِّت» ، ثمّ يقول : «اللّه ُ أكبَرُ» وينصرف .

والأولى أن يقول بعد التكبيرة الاُولى : «أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّه ُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، إلهاً واحِداً أحَداً صَمَداً فَرداً حيّاً قيُّوماً دائِماً أبَداً ، لَم يَتَّخِذ صاحِبَةً وَلا وَلداً ، وَأشهَدُ أنَّ مُحَمّداً عبدُهُ وَرسُولُهُ ، أرسَلَهُ بالهُدى ودينِ الحَقِّ ؛ لِيُظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ ولَو كَرِهَ المُشركُونَ» ، وبعد الثانية : «اللّهُمّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، وبارِك عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وارحَم مُحمّداً وآلَ مُحمّدٍ ؛ أفضلَ ما صلَّيتَ وباركتَ وتَرحَّمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ ، وَصَلِّ على جَميعِ الأنبياءِ والمُرسلينَ» ، وبعد الثالثة : «اللّهُمّ اغفِر للمُؤمنينَ والمؤمناتِ والمُسلمينَ والمُسلماتِ الأحياءِ منهُم والأمواتِ ، تابعِ اللّهُمّ بَيننا وبَينهُم بالخيراتِ، إنّكَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ» ، وبعد الرابعة : «اللّهُمّ إنَّ هذا المُسجّى قُدّامَنا عبدُك وابنُ عبدِكَ وابنُ أمَتِكَ ، نَزلَ بِكَ وأنتَ خيرُ مَنزُولٍ بهِ ، اللّهُمّ إنّكَ قبضتَ رُوحهُ إليكَ ، وقد

ص: 85

احتاجَ إلى رحمتِكَ ، وأنتَ غنيٌّ عن عذابهِ ، اللّهُمّ إنّا لا نَعلمُ منهُ إلاّ خيراً وأنتَ أعلمُ بهِ مِنَّا ، اللّهُمّ إن كانَ محسِناً فزِد في إحسانهِ ، وإن كان مُسيئاً فتجاوَز عن سيِّئاتهِ ، واغفِر لنا وَلَهُ ، اللّهُمّ احشُرهُ معَ مَن يتولاّهُ ويُحبُّه ، وأبعدهُ مِمَّن يتبرّأُ منهُ ويبغِضُهُ ، اللّهُمّ ألحِقهُ بنبيِّكَ وعَرِّف بينَهُ وبينَهُ ، وارحَمنَا إذا توفَّيتَنا يا إله العالَمينَ ، اللّهُمّ اكتُبهُ عندكَ في أعلى عِلِّيِّينَ ، واخلُف على عقبِهِ في الغابِرينَ ، واجعَلهُ مِن رُفقاء مُحمّد وآلهِ الطاهرِينَ ، وارحَمهُ وإيّانا برحمَتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمِينَ ، اللّهُمّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ عَفْوَكَ» .

وإن كان الميّت امرأة يقول - بدل قوله : «هذا المسجّى...» إلى آخره : - «هذه المسجّاة قدّامنا أمتك وابنةُ عبدِك وابنةُ أمتِك» ، وأتى بالضمائر المؤنّثة ، وإن كان الميّت طفلاً دعا في الرابعة لأبويه ؛ بأن يقول : «اللّهُمّ اجعَلهُ لأبوَيهِ ولنَا سَلفاً وفرَطاً وأجراً» .

(مسألة 1) : في كلّ من الرجل والمرأة يجوز تذكير الضمائر باعتبار أ نّه ميّت أو شخص ، وتأنيثها باعتبار أ نّه جنازة ، فيسهل الأمر فيما إذا لم يعلم أنّ الميّت رجل أو امرأة ، ولا يحتاج إلى تكرار الدعاء أو الضمائر .

(مسألة 2) : لو شكّ في التكبيرات بين الأقلّ والأكثر ، فالأحوط الإتيان بوظيفة الأقلّ والأكثر رجاءً في الأدعية ، فإذا شكّ بين الاثنين والثلاث - مثلاً - بنى على الأقلّ ، فأتى بالصلاة على النبي وآله عليهم الصلاة والسلام ، ودعا للمؤمنين والمؤمنات ، وكبّر ودعا للمؤمنين والمؤمنات ، ودعا للميّت ، وكبّر ودعا له رجاءً ، وكبّر .

ص: 86

القول : في شرائط صلاة الميّت

تجب فيها نيّة القربة ، وتعيين الميّت على وجه يرفع الإبهام ، ولو بأن يقصد الميّت الحاضر أو من عيّنه الإمام ، واستقبال القبلة ، والقيام ، وأن يوضع الميّت أمامه مستلقياً على قفاه محاذياً له إذا كان إماماً أو منفرداً ، بخلاف ما إذا كان مأموماً في صفٍّ اتّصل بمن يحاذيه . وأن يكون رأسه إلى يمين المصلّي ورجله إلى يساره ، وأن لا يكون بينه وبين المصلّي حائل ، كستر أو جدار ممّا لا يصدق معه اسم الصلاة عليه ، بخلاف الميّت في النعش ونحوه ممّا هو بين يدي المصلّي . وأن لا يكون بينهما بُعدٌ مُفرط على وجه لا يصدق الوقوف عليه ، إلاّ في المأموم مع اتّصال الصفوف . وأن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر عُلوّاً مُفرطاً . وأن تكون الصلاة بعد التغسيل والتكفين والحنوط ، إلاّ فيمن سقط عنه ذلك كالشهيد ، أو تعذّر عليه ، فيصلّى عليه بدون ذلك . وأن يكون مستور العورة . ومن لم يكن له كفن أصلاً فإن أمكن ستر عورته بشيء قبل وضعه في القبر ، سترها وصلّى عليه ، وإلاّ فليُحفر قبره ، ويوضع في لَحده مستلقياً على قفاه ، ويُوارى عورته بلَبِن أو أحجار أو تراب فيُصلّى عليه ، ثمّ بعد الصلاة عليه يضطجع على الهيئة المعهودة ، فيُوارى في قبره .

(مسألة 1) : لا يعتبر فيها الطهارة من الحدث والخبث ، ولا سائر شروط الصلاة ذات الركوع والسجود ، ولا ترك موانعها إلاّ مثل القهقهة والتكلّم ، فإنّ الاحتياط فيه لا يترك ، بل الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر فيها .

(مسألة 2) : لو لم يمكن الاستقبال أصلاً سقط . وإن اشتبهت القبلة ،

ص: 87

ولم يتمكّن من تحصيل العلم بها ، وفُقِدت الأمارات التي يُرجع إليها عند فَقد العلم ، يعمل بالظنّ مع إمكانه ، وإلاّ فليصلِّ إلى أربع جهات .

(مسألة 3) : لو لم يقدر على القيام ، ولم يوجد من يقدر على الصلاة قائماً ، تعيّن عليه الصلاة جالساً ، ومع وجوده يجب عيناً على المتمكّن ، ولا يجزي عنه صلاة العاجز على الأظهر ، لكن إذا عصى ولم يقم بوظيفته يجب على العاجز القيام بوظيفته ، ولو فُقِد المتمكّن وصلّى العاجز جالساً ، ثمّ وجد قبل أن يدفن ، فالأحوط إعادة المتمكّن ، وإن كان الإجزاء لا يخلو من وجه . نعم ، الأقوى عدمه فيما إذا اعتقد عدم وجوده ، ثمّ تبيّن خلافه ؛ وظهر كونه موجوداً من الأوّل .

(مسألة 4) : من أدرك الإمام في أثناء الصلاة جاز له الدخول معه ، وتابعه في التكبير ، وجعل أوّل صلاته أوّل تكبيراته ، فيأتي بوظيفته من الشهادتين ، فإذا كبّر الإمام الثالثة - مثلاً - كبّر معه وكانت له الثانية ، فيأتي بالصلاة على النبي وآله - صلوات اللّه عليه وعليهم - فإذا فرغ الإمام أتمّ ما عليه من التكبيرات مع الأدعية ؛ إن تمكّن منها ولو مخفّفة ، وإن لم يُمهلوه اقتصر على التكبير ولاءً من غير دعاء في موقفه .

(مسألة 5) : لا تسقط صلاة الميّت عن المكلّفين ما لم يأتِ بها بعضهم على وجه صحيح ، فإذا شكّ في أصل الإتيان بنى على العدم ، وإن علم به وشكّ في صحّة ما أتى به حمل على الصحّة ، وإن علم بفساده وجب عليه الإتيان وإن كان المصلّي قاطعاً بالصحّة . نعم ، لو تخالف المصلّي مع غيره بحسب التقليد أو الاجتهاد ؛ بأن كانت صحيحة بحسب تقليد المصلّي أو اجتهاده ، فاسدة

ص: 88

عند غيره بحسبهما ، ففي الاجتزاء بها وجه لا يخلو عن إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 6) : يجب أن يكون الصلاة قبل الدفن لا بعده . نعم ، لو دُفن قبل الصلاة نسياناً أو لعذر آخر أو تبيّن فسادها ، لا يجوز نبشه لأجل الصلاة ، بل يصلّى على قبره مراعياً للشرائط من الاستقبال وغيره ما لم يمضِ مدّة تلاشى فيها بحيث خرج عن صدق اسم الميّت ، بل من لم يدرك الصلاة على من صلّي عليه قبل الدفن يجوز له أن يصلّي عليه بعده إلى يوم وليلة ، وإذا مضى أزيد من ذلك فالأحوط الترك .

(مسألة 7) : يجوز تكرار الصلاة على الميّت على كراهية ، إلاّ إذا كان الميّت ذا شرف ومنقبة وفضيلة .

(مسألة 8) : لو حضرت جنازة في وقت الفريضة ، فإن لم تزاحم الصلاةُ عليها الفريضةَ من جهة سعة وقتها ، ولم يخش من الفساد على الميّت لو اُخّرت صلاته ، تخيّر بينهما ، والأفضل تقديم صلاته . ولو زاحمت وقتَ الفضيلة ففي الترجيح إشكال وتأمّل . ويجب تقديمها على الفريضة في سعة وقتها لو خيف على الميّت من الفساد إن اُخِّرت صلاته . كما أ نّه يجب تقديم الفريضة مع ضيق وقتها وعدم الخوف على الميّت . وأمّا مع الخوف عليه وضيق وقت الفريضة ، فإن أمكن صونه عن الفساد بوجه ؛ ولو بالدفن وإتيان الصلاة في وقتها ثمّ الصلاة عليه مدفوناً ، تعيّن ذلك ، وإن لم يمكن ذلك ، بل زاحم وقتُ الفريضة الدفنَ الذي يصونه من الفساد فالأقوى أيضاً تقديم الفريضة مقتصراً على أقلّ الواجب .

(مسألة 9) : لو اجتمعت جنازات متعدّدة ، فالأولى انفراد كلّ منها بصلاة

ص: 89

إن لم يُخشَ على بعضها الفساد من جهة تأخير صلاتها ، ويجوز التشريك بينها في صلاة واحدة ؛ بأن يوضع الجميع قدّام المصلّي مع رعاية المحاذاة ، ويُراعى في الدعاء لهم بعد التكبير الرابع ما يناسبهم ؛ من تثنية الضمير أو جمعه وتذكيره وتأنيثه .

(مسألة 10) : لو حضرت جنازة اُخرى في أثناء الصلاة على الجنازة - كما بعد التكبيرة الاُولى - يجوز تشريك الثانية مع الاُولى في التكبيرات الباقية ، فتكون ثانية الاُولى اُولى الثانية ، وثالثة الاُولى ثانية الثانية وهكذا ، فإذا تمّت تكبيرات الاُولى يأتي ببقيّة تكبيرات الثانية ، فيأتي بعد كلّ تكبير مختصّ بما يخصّه من الدعاء ، وبعد التكبير المشترك يجمع بين الدعاءين ، فيأتي بعد التكبير الذي هو أوّل الثانية وثاني الاُولى بالشهادتين للثانية والصلاة على النبي وآله صلوات اللّه عليهم للاُولى وهكذا .

القول : في آداب الصلاة على الميّت

وهي اُمور :

منها : أن يقال قبل الصلاة : «الصلاة» ثلاث مرّات ، وهي بمنزلة الإقامة للصلاة ، والأحوط الإتيان بها رجاءً .

ومنها : أن يكون المصلّي على طهارة من الحدث ؛ من الوضوء أو الغسل أو التيمّم . ويجوز التيمّم بدل الغسل أو الوضوء هنا حتّى مع وجدان الماء ؛ إن خاف فوت الصلاة لو توضّأ أو اغتسل ، بل مطلقاً .

ومنها : أن يقف الإمام أو المنفرد عند وسط الرجل ، بل مطلق الذَكر ، وعند صدر المرأة ، بل مطلق الاُنثى .

ص: 90

ومنها : نزع النعل ، بل يُكره الصلاة بالحذاء - وهو النعل - دون الخفّ والجورب ، وإن كان الحفاء لا يخلو من رجحان ، خصوصاً للإمام .

ومنها : رفع اليدين عند التكبيرات ، ولا سيّما الاُولى .

ومنها : اختيار المواضع المعدّة للصلاة على الجنازة ، وهو من الراجحات العقلية ، وأمّا رجحانه الشرعي فغير ثابت .

ومنها : أن لا توقع في المساجد عدا المسجد الحرام .

ومنها : إيقاعها جماعة .

القول : في الدفن

يجب كفاية دفن الميّت المسلم ومن بحكمه ، وهو مواراته في حفيرة من الأرض ، فلا يجزي البناء عليه ؛ بأن يوضع على سطح الأرض فيُبنى عليه حتّى يُوارى ، ولا وضعه في تابوت - ولو من صخر أو حديد - مع القدرة على المواراة في الأرض . نعم ، لو تعذّر الحفر لصلابة الأرض - مثلاً - أجزأ البناء عليها ووضعه فيه ونحو ذلك من أقسام المواراة ، ولو أمكن نقله إلى أرض يمكن حفرها قبل أن يحدث بالميّت شيء وجب ، والأحوط كون الحفيرة بحيث تحرس جُثّته من السباع ، وتكتم رائحته عن الناس ، وإن كان الأقوى كفاية مجرّد المواراة في الأرض مع الأمن من الأمرين ؛ ولو من جهة عدم وجود السباع ، وعدم من يؤذيه رائحته من الناس ، أو البناء على قبره بعد مواراته .

(مسألة 1) : راكب البحر مع تعذّر إيصاله إلى البرّ - لخوف فساده أو لمانع آخر - أو تعسّره يُغسّل ويُكفّن ويُحنّط ويُصلّى عليه ، ويوضع في خابية ونحوها ويُوكأ رأسها ، أو يثقل بحجر أو نحوه في رجله ، ويُلقى فيه . والأحوط اختيار

ص: 91

الأوّل مع الإمكان . ولو خيف على ميّت من نبش العدوّ قبره والتمثيل به ، اُلقي في البحر بالكيفية المزبورة .

(مسألة 2) : يجب كون الدفن مستقبل القبلة ؛ بأن يُضجعه على جنبه الأيمن ؛ بحيث يكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق - مثلاً - في البلاد الشمالية . وبعبارة اُخرى : يكون رأسه إلى يمين من يستقبل القبلة ورجلاه إلى يساره . وكذا في دفن الجسد بلا رأس ، بل في الرأس بلا جسد ، بل في الصدر وحده ، إلاّ إذا كان الميّت كافرة حاملاً بولد مسلم ، فإنّها تُدفن مستدبرة القبلة على جانبها الأيسر ؛ ليصير الولد في بطنها مستقبلاً .

(مسألة 3) : مؤونة الدفن حتّى ما يحتاج إليه لأجل استحكامه ؛ من القير والساروج وغير ذلك ، بل ما يأخذه الجائر للدفن في الأرض المباحة ، تخرج من أصل التركة ، وكذا مؤونة الإلقاء في البحر من الحجر أو الحديد الذي يثقل به الميّت ، أو الخابية التي يوضع فيها .

(مسألة 4) : لو اشتبهت القبلة ، فإن أمكن تحصيل العلم أو ما بحكمه ؛ ولو بالتأخير على وجه لا يخاف على الميّت ، ولا يضرّ بالمباشرين ، وجب ، وإلاّ فيعمل بالظنّ على الأحوط ، ومع عدمه يسقط الاستقبال .

(مسألة 5) : يجب دفن الأجزاء المبانة من الميّت ، حتّى الشعر والسنّ والظفر ، والأحوط - لو لم يكن الأقوى - إلحاقها ببدن الميّت والدفن معه ما لم يستلزم النبش ، وإلاّ ففيه تأمّل .

(مسألة 6) : لو مات شخص في البئر ، ولم يمكن إخراجه ولا استقباله ،

ص: 92

يخلّى على حاله ، ويسدّ البئر ويجعل قبراً له مع عدم لزوم محذور ، ككون البئر ملكاً للغير .

(مسألة 7) : لو مات الجنين في بطن الحامل وخيف عليها من بقائه ، يجب التوسّل إلى إخراجه بكلّ حيلة ؛ ملاحظاً للأرفق فالأرفق ولو بتقطيعه قطعةً قطعة ، ويكون المباشر مع الإمكان زوجها ، وإلاّ فالنساء ، وإلاّ فالمحارم من الرجال ، فإن تعذّر فالأجانب . ولو ماتت الحامل وكان الجنين حيّاً وجب إخراجه ولو بشقّ بطنها ، والأحوط شقّ جنبها الأيسر مع عدم الفرق بينه وبين غيره من المواضع ، وإلاّ فيشقّ الموضع الذي يكون الخروج معه أسلم ، ويخرج الطفل ، ثمّ يُخاط وتُدفن . ولا فرق في ذلك بين رجاء بقاء الطفل بعد الإخراج وعدمه على تأمّل . ولو خيف مع حياتهما على كلّ منهما ينتظر حتّى يقضى .

(مسألة 8) : لا يجوز الدفن في الأرض المغصوبة عيناً أو منفعة ، ومنها الأراضي الموقوفة لغير الدفن ، وما تعلّق بها حقّ الغير ، كالمرهونة بغير إذن المرتهِن . والأحوط الأولى ترك دفنه في قبر ميّت آخر قبل صيرورته رميماً ، نعم لا يجوز النبش لذلك . وفي جواز الدفن في المساجد مع عدم الإضرار بالمسلمين وعدم مزاحمته المصلّين كلام ، والأحوط بل الأقوى عدم الجواز .

(مسألة 9) : لا يجوز أن يدفن الكفّار وأولادهم في مقبرة المسلمين ، بل لو دُفنوا نُبشوا ، سيّما إذا كانت مُسبَّلة للمسلمين . وكذا لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفّار ، ولو دُفن عصياناً أو نسياناً فالأقوى جواز نبشه ، خصوصاً إذا كان البقاء هتكاً له ، فيجب النبش والنقل .

ص: 93

القول : في مستحبّات الدفن ومكروهاته

أمّا المستحبّات فهي اُمور :

منها : حفر القبر إلى التَرقُوة أو بقدر القامة .

ومنها : اللَحد في الأرض الصلبة ؛ بأن يحفر في حائط القبر ممّا يلي القبلة حفيرة بقدر ما تسع جثّته ، فيوضع فيها ، والشَقّ في الأرض الرخوة ؛ بأن يحفر في قعر القبر حفيرة شبه النهر ، فيوضع فيها الميّت ، ويسقّف عليه .

ومنها : وضع جنازة الرجل قبل إنزاله في القبر ممّا يلي الرجلين ، وجنازة المرأة ممّا يلي القبلة أمام القبر .

ومنها : أن لا يفجأ به القبر ، ولا يُنزله فيه بغتة ، بل يضعه دون القبر بذراعين أو ثلاثة ، ويصبر عليه هنيئة ، ثمّ يُقدّمه قليلاً ويصبر عليه هنيئة ، ثمّ يضعه على شفير القبر ليأخذ اُهبته للسؤال ، فإنّ للقبر أهوالاً عظيمة نستجير باللّه منها ، ثمّ يسلّه من نعشه سلاًّ فيدخله برفق ، سابقاً برأسه إن كان رجلاً ، وعرضاً إن كان امرأة .

ومنها : أن يُحلّ جميعُ عُقَد الكفن بعد وضعه في القبر .

ومنها : أن يُكشف عن وجهه ، ويُجعل خدُّه على الأرض ، ويُعمل له وسادة من تراب ، ويُسند ظهره بلبنة أو مدرة لئلاّ يستلقي على قفاه .

ومنها : أن يُسدّ اللحد باللبن أو الأحجار لئلاّ يصل إليه التراب ، وإذا أحكمها بالطين كان أحسن .

ومنها : أن يكون من ينزله في القبر متطهّراً ، مكشوف الرأس ، حالاًّ أزراره ، نازعاً عمامته ورداءه ونعليه .

ص: 94

ومنها : أن يكون المباشر لإنزال المرأة وحلّ أكفانها زوجها أو محارمها ، ومع عدمهم فأقرب أرحامها من الرجال فالنساء ، ثمّ الأجانب ، والزوج أولى من الجميع .

ومنها : أن يُهيل عليه التراب غيرُ أرحامه بظهر الأكُفّ .

ومنها : أن يقرأ بالأدعية المأثورة المذكورة في الكتب المبسوطة في مواضع مخصوصة : عند سلّه من النعش ، وعند معاينة القبر ، وعند إنزاله فيه ، وبعد وضعه فيه ، وبعد وضعه في لحده ، وحال اشتغاله بسدّ اللحد ، وعند الخروج من القبر ، وعند إهالة التراب عليه .

ومنها : تلقينه العقائد الحقّة من اُصول دينه ومذهبه بالمأثور بعد وضعه في اللحد قبل أن يسدّه .

ومنها : رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع مضمومة أو مُفرَّجة .

ومنها : تربيع القبر ؛ بمعنى تسطيحه وجعله ذا أربع زوايا قائمة . ويكره تسنيمه ، بل الأحوط تركه .

ومنها : أن يرشّ الماء على قبره . والأولى في كيفيته : أن يستقبل القبلة ، ويبتدئ بالرشّ من عند الرأس إلى الرجل ، ثمّ يدور به على القبر حتّى ينتهي إلى الرأس ، ثمّ يرشّ على وسط القبر ما يفضل من الماء .

ومنها : وضع اليد على القبر مُفرّجة الأصابع مع غمزها بحيث يبقى أثرها ، وقراءة «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» سبع مرّات ، والاستغفار والدعاء له بنحو :

«اللّهُمّ جافِ الأرضَ عن جنبَيهِ ، واصعِد إليكَ روحَهُ ، ولقِّهِ منكَ رِضواناً ، وأسكِن قبرَهُ من رحمَتِكَ ما تُغنيهِ بهِ عن رَحمةِ مَن سِواكَ» ، ونحو «اللّهُمّ ارحَم غُربَتَهُ ، وصِل وحدَتَهُ ، وآنِس وحشَتَهُ ، وَآمِن روعَتَهُ ، وأفض عليهِ من رحمتِكَ ،

ص: 95

وأسكِن إليهِ من بردِ عفوِكَ وسِعَةِ غُفرانِك ورحمَتِكَ ما يستغني بها عن رحمةِ مَن سِواكَ ، واحشُرهُ مع مَن كانَ يتَولاّهُ» .

ولا يختصّ استحباب الاُمور المزبورة بهذه الحالة ، بل تستحبّ عند زيارة كلّ ميّت مؤمن في كلّ زمان وعلى كلّ حال ، كما أنّ لها آداباً خاصّة وأدعية مخصوصة مذكورة في الكتب المبسوطة .

ومنها : أن يُلقّنه الوليّ أو من يأمره - بعد تمام الدفن ورجوع المشيّعين وانصرافهم - اُصول دينه ومذهبه بأرفع صوته ، من الإقرار بالتوحيد ، ورسالة سيّد المرسلين ، وإمامة الأئمة المعصومين ، والإقرار بما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنّة والنار ، وبذلك التلقين يُدفع سؤال منكر ونكير إن شاء اللّه تعالى .

ومنها : أن يُكتب اسم الميّت على القبر ، أو على لوح أو حجر ، ويُنصب عند رأسه .

ومنها : دفن الأقارب متقاربين .

ومنها : إحكام القبر .

وأمّا المكروهات فهي أيضاً اُمور :

منها : دفن ميّتين في قبر واحد كجمعهما في جنازة واحدة .

ومنها : فرش القبر بالساج إلاّ إذا كانت الأرض نديّة . وأمّا كراهة فرشه بغير الساج - كالحجر والآجر - فمحلّ تأمّل ؛ وإن كان استحباب وضع الميّت على التراب لا يخلو من وجه .

ومنها : نزول الوالد في قبر ولده خوفاً من جزعه وفوات أجره .

ومنها : أن يُهيل ذو الرحم على رحمه التراب .

ص: 96

ومنها : سدّ القبر وتطيينه بغير ترابه .

ومنها : تجديد القبر بعد اندراسه ، إلاّ قبور الأنبياء علیهم السلام والأوصياء والصلحاء والعلماء .

ومنها : الجلوس على القبر .

ومنها : الحدث في المقابر .

ومنها : الضحك فيها .

ومنها : الاتّكاء على القبر .

ومنها : المشي عليه من غير ضرورة .

ومنها : رفعه عن الأرض أزيد من أربع أصابع مُفرّجات .

خاتمة : تشتمل على مسائل

(مسألة 1) : يجوز نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر قبل دفنه على كراهية إلاّ إلى المشاهد المشرّفة والأماكن المقدّسة ، فلا كراهة في النقل إليها ؛ بل فيه فضل ورجحان . وإنّما يجوز النقل - مع الكراهة إلى غير المشاهد وبدونها إليها - لو لم يستلزم من جهة بُعد المسافة وتأخير الدفن أو غير ذلك ، تغيّر الميّت وفساده وهتكه ، وأمّا مع استلزامه ذلك فلا يجوز في غير المشاهد قطعاً ، والأحوط الترك فيها مع استلزامه ذلك وإيذاء الأحياء . وأمّا بعد الدفن فلو فرض إخراج الميّت عن قبره ، أو خروجه بسبب من الأسباب ، يكون بحكم غير المدفون . وأمّا نبشه للنقل فلا يجوز في غير المشاهد ، وأمّا فيها ففيه تأمّل وإشكال ، وما يعمله بعض من توديع الميّت - وعدم دفنه بالوجه المعروف ؛ لينقل فيما بعد إلى المشاهد ؛ بتوهّم التخلّص عن محذور النبش - غير جائز ، والأقوى وجوب دفنه بالمواراة تحت الأرض .

ص: 97

(مسألة 2) : يجوز البكاء على الميّت ، بل قد يستحبّ عند اشتداد الحزن ، ولكن لا يقول ما يسخط الربّ ، وكذا يجوز النوح عليه بالنظم والنثر ؛ لو لم يشتمل على الباطل من الكذب وغيره من المحرّمات ، بل والويل والثبور على الأحوط . ولا يجوز اللطم والخدش وجزّ الشعر ونتفه والصراخ الخارج عن حدّ الاعتدال على الأحوط . ولا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ . بل في بعض الاُمور المزبورة تجب الكفّارة ؛ ففي جزّ المرأة شعرها في المصيبة كفّارة شهر رمضان ، وفي نتفه كفّارة اليمين ، وكذا تجب كفّارة اليمين في خدش المرأة وجهها إذا أدمت ، بل مطلقاً على الأحوط ، وفي شقّ الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، وإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام .

(مسألة 3) : يحرم نبش قبر المسلم ومن بحكمه ، إلاّ مع العلم باندراسه وصيرورته رميماً وتراباً . نعم ، لا يجوز نبش قبور الأنبياء والأئمّة علیهم السلام وإن طالت المدّة ، بل وكذا قبور أولاد الأئمّة والصلحاء والشهداء ممّا اتُّخذ مزاراً أو ملاذاً . والمراد بالنبش : كشف جسد الميّت المدفون بعد ما كان مستوراً بالدفن ، فلو حفر القبر وأخرج ترابه من دون أن يظهر جسد الميّت ، لم يكن من النبش المحرّم ، وكذا إذا كان الميّت موضوعاً على وجه الأرض وبُني عليه بناء ، أو كان في تابوت من صخرة ونحوها فأخرج .

ويجوز النبش في موارد :

منها : فيما إذا دفن في مكان مغصوب عيناً أو منفعة ، عدواناً أو جهلاً أو نسياناً ، ولا يجب على المالك الرضا ببقائه مجّاناً أو بالعوض ، وإن كان الأولى بل الأحوط إبقاؤه ولو بالعوض ، خصوصاً فيما إذا كان وارثاً أو رحماً أو دُفن فيه

ص: 98

اشتباهاً . ولو أذن المالك في دفن ميّت في ملكه وأباحه له ، ليس له أن يرجع عن إذنه وإباحته بعد الدفن . نعم ، لو خرج الميّت بسبب من الأسباب ، لا يجب عليه الرضا والإذن بدفنه ثانياً في ذلك المكان ، بل له الرجوع عن إذنه . والدفن مع الكفن المغصوب أو مال آخر مغصوب كالدفن في المكان المغصوب ، فيجوز النبش لأخذه . ولو كان شيء من أمواله من خاتم ونحوه فدفن معه ، ففي جواز نبش الورثة إيّاه لأخذه تأمّل وإشكال ، خصوصاً فيما إذا لم يُجحف بهم .

ومنها : لتدارك الغسل أو الكفن أو الحَنُوط فيما إذا دفن بدونها مع التمكّن ، كلّ ذلك مع عدم فساد البدن وعدم الهتك على الميّت . ولو دُفن بدونها لعذر ، كما إذا لم يوجد الماء أو الكفن أو الكافور ، ثمّ وجد بعد الدفن ، ففي جواز النبش لتدارك الفائت إشكال وتأمّل ، ولا سيّما إذا لم يوجد الماء فيُمّم بدلاً عن الغسل ودُفن ثمّ وُجد ، بل عدم جوازه لتدارك الغسل حينئذٍ هو الأقوى . وأمّا إذا دفن بلا صلاة فلا ينبش لأجل تداركها قطعاً ، بل يُصلّى على قبره كما تقدّم .

ومنها : إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق على مشاهدة جسده .

ومنها : فيما إذا دُفن في مكان يوجب هتكه ، كما إذا دفن في بالوعة أو مزبلة ، وكذا إذا دُفن في مقبرة الكفّار .

ومنها : لنقله إلى المشاهد المشرّفة مع إيصاء الميّت بنقله إليها بعد دفنه أو قبله ، فخولف عصياناً أو نسياناً أو جهلاً ، فدفن في مكان آخر ، أو بلا وصيّة منه أصلاً ، فالأقوى جوازه في الصورة الثانية ، وأمّا الاُولى والثالثة ففيهما إشكال وتأمّل ، وإنّما يجوز في الثانية لو لم يتغيّر البدن ولا يتغيّر إلى وقت الدفن بما يوجب الهتك والإيذاء .

ومنها : لو خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ ونحو ذلك .

ص: 99

(مسألة 4) : يجوز محو آثار القبور التي عُلم اندراس ميّتها إذا لم يكن فيه محذور ، ككون الآثار ملكاً للباني ، أو الأرض مباحة حازها وليّ الميّت لقبره ونحو ذلك . وأولى بالجواز ما إذا كانت في المقبرة المُسبَّلة للمسلمين مع حاجتهم ، عدا ما تقدّم من قبور الشهداء والصلحاء والعلماء وأولاد الأئمّة علیهم السلام ؛ ممّا جعلت مزاراً .

(مسألة 5) : لو اُخرج الميّت عن قبره عصياناً أو بنحو جائز أو خرج بسبب من الأسباب ، لا يجب دفنه ثانياً في ذلك المكان ، بل يجوز أن يُدفن في مكان آخر .

ختام فيه أمران :

اشارة

أحدهما : من المستحبّات الأكيدة : التعزية لأهل المصيبة وتسليتهم وتخفيف حزنهم ؛ بذكر ما يُناسب المقام وما له دَخل تامّ في هذا المرام ؛ من ذكر مصائب الدنيا وسرعة زوالها ، وأنّ كلّ نفس فانية ، والآجال متقاربة ، ونقل ما ورد فيما أعدّ اللّه تعالى للمصاب من الأجر ، ولا سيّما مصاب الولد : من أ نّه شافع مشفّع لأبويه ؛ حتّى أنّ السقط يقف وقفة الغضبان على باب الجنّة ، فيقول : لا أدخل حتّى يدخل أبواي ، فيُدخِلهما اللّه الجنّة ، إلى غير ذلك . وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده ، وإن كان الأفضل كونها بعده ، وأجرها عظيم ، ولا سيّما تعزية الثكلى واليتيم ، ف_«من عزّى مصاباً كان له مثل أجره ؛ من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيء» ، و «ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبة إلاّ كساه اللّه من حُلَل الكرامة» وكان فيما ناجى به موسى علیه السلام ربّه أ نّه قال : «يا ربّ ما لمن عزّى الثكلى ؟ قال : اُظِلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي» و«أنّ من سكّت يتيماً عن البكاء وجبت له الجنّة» و«ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ، إلاّ ويكتب اللّه

ص: 100

- عزّ وجلّ - له بعدد كلّ شعرة مرّت عليها يده حسنة» . . . إلى غير ذلك ممّا ورد في الأخبار . ويكفي في تحقّقها مجرّد الحضور عند المصاب لأجلها بحيث يراه ، فإنّ له دخلاً في تسلية الخاطر وتسكين لوعة الحزن . ويجوز جلوس أهل الميّت للتعزية ، ولا كراهة فيه على الأقوى . نعم ، الأولى أن لا يزيد على ثلاثة أيّام ، كما أ نّه يستحبّ إرسال الطعام إليهم في تلك المدّة ، بل إلى الثلاثة وإن كان مدّة جلوسهم أقلّ .

ثانيهما : يستحبّ ليلة الدفن صلاة الهديّة للميّت ، وهي المشتهرة في الألسن ب_ «صلاة الوحشة» ، ففي الخبر النبوي : «لا يأتي على الميّت ساعة أشدّ من أوّل ليلة ، فارحموا موتاكم بالصدقة ، فإن لم تجدوا فليصلّ أحدكم ركعتين» .

وكيفيتها على ما في الخبر المزبور : «أن يقرأ في الاُولى ب_ «فاتحة الكتاب» مرّة ، و«قل هو اللّه أحد» مرّتين ، وفي الثانية «فاتحة الكتاب» مرّة ، و«ألهاكم التكاثر» عشر مرّات ، وبعد السلام يقول : اللّهُمّ صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ، وابعَث ثوابَها إلى قبرِ فلان بن فلان ، فيبعث اللّه من ساعته ألف ملك إلى قبره ، مع كلّ ملك ثوب وحُلّة ، ويوسّع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور ، ويُعطى المصلّي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ، وتُرفع له أربعون درجة» .

وعلى رواية اُخرى : «يقرأ في الركعة الاُولى «الحمد» و«آية الكرسي» مرّة وفي الثانية «الحمد» مرّة ، و«إنّا أنزلناه» عشر مرّات ، ويقول بعد الصلاة : اللّهُمّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ وابعَث ثوابَها إلى قبر فلان» .

وإن أتى بالكيفيتين كان أولى ، وتكفي صلاة واحدة عن شخص واحد ، وما تعارف من عدد الأربعين أو الواحد والأربعين غير وارد . نعم ، لا بأس به إذا لم يكن بقصد الورود في الشرع . والأحوط قراءة «آية الكرسي» إلى (هُم فِيهَا

ص: 101

خَالِدُونَ) . والأقوى جواز الاستئجار وأخذ الاُجرة على هذه الصلاة ، والأحوط البذل بنحو العطيّة والإحسان ، وتبرّع المصلّي بالصلاة ، والظاهر أنّ وقتها تمام الليل وإن كان الأولى إيقاعها في أوّله .

القول : في الأغسال المندوبة

وهي أقسام : زمانية ومكانية وفعلية .

أمّا الزمانية فكثيرة :

منها : غسل الجمعة ، وهو من المستحبّات المؤكّدة ؛ حتّى قال بعض بوجوبه ، ولكنّ الأقوى استحبابه . ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال ، وبعده إلى غروب الجمعة ، ومن أوّل يوم السبت إلى آخره قضاء ، ولكن الأحوط فيما بعد الزوال إلى غروب الجمعة ، أن ينوي القُربة من غير تعرّض للأداء والقضاء . وأمّا في ليلة السبت ففي مشروعية إتيانه تأمّل ؛ لا يُترك الاحتياط بإتيانه فيه رجاءً . ويجوز تقديمه يوم الخميس إذا خاف إعواز الماء يوم الجمعة ، ثمّ إن تمكّن منه يومها قبل الزوال - لا بعده - يستحبّ إعادته ، وإن تركه حينئذٍ يُستحبّ قضاؤه بعد الزوال منها ويوم السبت ، ولو دار الأمر بين التقديم والقضاء فالأوّل أولى ، وفي إلحاق ليلة الجمعة بيوم الخميس تأمّل ، فالأحوط إتيانه رجاءً ، كما أنّ في إلحاق مطلق الأعذار بإعواز الماء يوم الخميس وجهاً ، لكنّ الأحوط تقديمه حينئذٍ رجاءً .

ومنها : أغسال ليالي شهر رمضان ، وهي ليالي الأفراد : الاُولى والثالثة والخامسة وهكذا ، وتمام ليالي العشر الأخيرة ، والآكد منها ليالي القدر ، وليلة النصف ، وليلة سبع عشرة والخمس والعشرين والسبع والعشرين والتسع

ص: 102

والعشرين . ويُستحبّ في ليلة الثالث والعشرين غسل ثانٍ آخر الليل .

ووقت الغسل تمام الليل ، والأولى إتيانه قبيل الغروب ، إلاّ في ليالي العشر الأخيرة ، فإنّه لا يبعد رجحانه فيها بين العشاءين .

ومنها : غسل يومي العيدين : الفطر والأضحى ، والغسل في هذين اليومين من السنن الأكيدة ، ووقته بعد الفجر إلى الزوال ، ويحتمل امتداده إلى الغروب ، والأحوط إتيانه بعد الزوال رجاءً .

ومنها : غسل يوم التروية .

ومنها : غسل يوم عرفة ، والأولى إيقاعه عند الزوال .

ومنها : غسل أيّام من رجب ، أوّله ووسطه وآخره .

ومنها : غسل يوم الغدير ، والأولى إتيانه صدر النهار .

ومنها : يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة .

ومنها : يوم دحو الأرض ، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ، يؤتى به رجاءً لا بقصد الورود .

ومنها : يوم المبعث ، وهو السابع والعشرون من رجب .

ومنها : ليلة النصف من شعبان .

ومنها : يوم المولود ، وهو السابع عشر من ربيع الأوّل ، يؤتى به رجاءً .

ومنها : يوم النيروز .

ومنها : يوم التاسع من الربيع الأوّل ، يُؤتى به رجاءً .

ولا تُقضى هذه الأغسال بفوات وقتها ، كما أ نّها لا تتقدّم على أوقاتها مع خوف فوتها فيها .

وأمّا المكانية : فهي ما استُحِبّ للدخول في بعض الأمكنة الخاصّة ، مثل : حرم مكّة وبلدها ومسجدها والكعبة ، وحرم المدينة وبلدتها ومسجدها . وأمّا

ص: 103

للدخول في سائر المشاهد المشرّفة فيأتي به رجاءً .

وأمّا الفعلية : فهي قسمان :

أحدهما : ما يكون لأجل الفعل الذي يريد إيقاعه ، والأمر الذي يريد وقوعه ، كغسل الإحرام والطواف والزيارة والوقوف بعرفات ، وأمّا للوقوف بالمشعر فيُؤتى به رجاءً ، والغسل للذبح والنحر والحلق ، ولرؤية أحد الأئمّة علیهم السلام في المنام ، كما روي عن الكاظم علیه السلام : «إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال ويُناجيهم ، فيراهم في المنام» ، ولصلاة الحاجة ، وللاستخارة ، ولعمل الاستفتاح المعروف بعمل اُمّ داود ، ولأخذ التربة الشريفة من محلّها ، ولإرادة السفر ، خصوصاً لزيارة أبي عبداللّه الحسين علیه السلام ، ولصلاة الاستسقاء ، وللتوبة من الكفر ، بل من كلّ معصية ، وللتظلّم والاشتكاء إلى اللّه تعالى مِن ظلم مَن ظلمه ، فإنّه يغتسل ويصلّي ركعتين في موضع لا يحجبه عن السماء ، ثمّ يقول : «اللّهُمّ إنّ فُلانَ بنَ فُلانٍ ظَلَمَني ، وليسَ لي أحدٌ أصُولُ بهِ عَلَيهِ غيرُكَ فاستَوفِ لي ظُلامتي السّاعة السّاعة بالاسمِ الَّذي إذا سأ لَكَ بهِ المُضطَرُّ أجبتَهُ فكشَفتَ ما بهِ من ضُرّ ومَكَّنتَ لَهُ في الأرضِ وجعلتَهُ خليفتَكَ على خَلقِكَ ، فأسأ لُكَ أن تُصلِّيَ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تستوفِيَ ظُلامتي السَّاعَةَ السَّاعَةَ» ، فيرى ما يحبّ ، وللخوف من الظالم ، فإنّه يغتسل ويصلّي ، ثمّ يكشف رُكبتيه ويجعلهما قريباً من مصلاّه ، ويقول مائة مرّة : «يا حيُّ يا قيُّومُ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِرحمتِكَ أستَغيثُ فصلِّ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تلطُفَ لي ، وأن تَغلِبَ لي ، وأن تَمكُرَ لي ، وأن تَخدَعَ لي ، وأن تكِيدَ لي ، وأن تكفيني مؤُونَةَ فُلان بنِ فُلانٍ بلا مؤُونَةٍ» .

ثانيهما : ما يكون لأجل الفعل الذي فعله ، وهي أغسال : منها : لقتل الوزغ .

ص: 104

ومنها : لرؤية المصلوب مع السعي إلى رؤيته متعمّداً . ومنها : للتفريط في أداء صلاة الكسوفين مع احتراق القُرص ، فإنّه يُستحبّ أن يغسل عند قضائها ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط فيه . ومنها : لمسّ الميّت بعد تغسيله .

(مسألة 1) : وقت إيقاع الأغسال المكانية قبل الدخول في تلك الأمكنة ؛ بحيث يقع الدخول فيها بعده من دون فصل كثير ، ويكفي الغسل في أوّل النهار أو الليل والدخول فيها في آخرهما ، بل كفاية غسل النهار للّيل وبالعكس لا تخلو من قوّة ، ولا يبعد استحبابها بعد الدخول للكون فيها إذا ترك قبله ، خصوصاً مع عدم التمكّن قبله .

والقسم الأوّل من الأغسال الفعلية ممّا استُحبّ لإيجاد عمل بعد الغسل - كالإحرام والزيارة ونحوهما - فوقته قبل ذلك الفعل ، ولا يضرّ الفصل بينهما بالمقدار المزبور أيضاً .

وأمّا القسم الثاني منها فوقتها عند تحقّق السبب ، ويمتدّ إلى آخر العمر ، وإن استُحبّ المبادرة إليها .

(مسألة 2) : في بقاء الأغسال الزمانية والقسم الثاني من الفعلية - وعدم انتقاضها بشيء من الأحداث - تأمّل ، لكن لا يشرع الإتيان بها بعد الحدث .

وأمّا المكانية والقسم الأوّل من الفعلية فالظاهر انتقاضها بالحدث الأصغر ، فضلاً عن الأكبر ، فإذا أحدث بينها وبين الدخول في تلك الأمكنة ، أو بينها وبين تلك الأفعال ، أعاد الغسل .

(مسألة 3) : لو كان عليه أغسال متعدّدة - زمانية أو مكانية أو مختلفة - يكفي غسل واحد عن الجميع إذا نواها .

ص: 105

(مسألة 4) : في قيام التيمّم عند التعذّر مقام تلك الأغسال تأمّل وإشكال ، فالأحوط الإتيان به عنده بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبية .

فصل : في التيمّم

اشارة

والكلام في مسوّغاته ، وفيما يصحّ التيمّم به ، وفي كيفيته ، وفيما يعتبر فيه ، وفي أحكامه .

القول : في مسوّغاته

(مسألة 1) : مسوّغات التيمّم اُمور :

منها : عدم وجدان ما يكفيه من الماء لطهارته ، غسلاً كانت أو وضوءاً ، ويجب الفحص عنه إلى اليأس ، وفي البرّية يكفي الطلب غَلوة سهم في الحَزنة ، وغَلوة سهمين في السهلة في الجوانب الأربعة مع احتمال وجوده في الجميع ، ويسقط عن الجانب الذي يعلم بعدمه فيه ، كما أ نّه يسقط في الجميع إذا قطع بعدمه فيه ؛ وإن احتمل وجوده فوق المقدار . نعم ، لو علم بوجوده فوقه وجب تحصيله إذا بقي الوقت ولم يتعسّر .

(مسألة 2) : الظاهر عدم وجوب المباشرة ، بل يكفي استنابة شخص أو أشخاص يحصل من قولهم الاطمئنان ، كما أنّ الظاهر كفاية شخص واحد عن جماعة مع حصول الاطمئنان من قوله . وأمّا كفاية مطلق الأمين والثقة فمحلّ إشكال .

(مسألة 3) : لو كانت الأرض في بعض الجوانب حَزنة وفي بعضها سهلة ، يكون لكلّ جانب حكمه من الغَلوة والغَلوتين .

ص: 106

(مسألة 4) : المناط في السهم والقوس والهواء والرامي هو المتعارف المعتدل . وأمّا المناط في الرمي فغاية ما يقدر الرامي عليه .

(مسألة 5) : لو ترك الطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم وصلّى ، وصحّت صلاته وإن أثم بالترك ، والأحوط القضاء ، خصوصاً فيما لو طلب الماء لعثر عليه . وأمّا مع السعة فتبطل صلاته وتيمّمه فيما لو طلب لعثر عليه ، وإلاّ فلا يبعد الصحّة لو حصلت نيّة القربة منه .

(مسألة 6) : لو طلب بالمقدار اللازم فتيمّم وصلّى ، ثمّ ظفر بالماء في محلّ الطلب أو في رحله أو قافلته ، صحّت صلاته ، ولا يجب القضاء أو الإعادة .

(مسألة 7) : يسقط وجوب الطلب مع الخوف على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به من سَبُع أو لُصّ أو غير ذلك ، وكذلك مع ضيق الوقت عن الطلب . ولو اعتقد الضيق فتركه وتيمّم وصلّى ، ثمّ تبيّن السعة ، فإن كان في مكان صلّى فيه فليجدّد الطلب مع سعة الوقت ، فإن لم يجد الماء تجزي صلاته ، وإن وجده أعادها . ومع عدم السعة فالأحوط تجديد التيمّم وإعادة الصلاة ، وكذا في الفروع الآتية التي حكمنا فيها بالإعادة مع عدم إمكان المائية . وإن انتقل إلى مكان آخر ، فإن علم بأنّه لو طلبه لوجده ، يُعيد الصلاة وإن كان في هذا الحال غير قادر على الطلب وكان تكليفه التيمّم . وإن علم بأنّه لو طلب ما ظفر به صحّت صلاته ولا يعيدها . ومع اشتباه الحال ففيه إشكال ، فلا يُترك الاحتياط بالإعادة أو القضاء .

(مسألة 8) : الظاهر عدم اعتبار كون الطلب في وقت الصلاة ، فلو طلب قبل الوقت ولم يجد الماء لا يحتاج إلى تجديده بعده ، وكذا إذا طلب في الوقت

ص: 107

لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات . نعم ، لو احتمل تجدّد الماء بعد ذلك الطلب ، مع وجود أمارة ظنّية عليه بل مطلقاً على الأحوط ، يجب تجديده .

(مسألة 9) : إذا لم يكن عنده إلاّ ماء واحد يكفي الطهارة ، لا يجوز إراقته بعد دخول الوقت ، ولو كان على وضوء ولم يكن عنده ماء لا يجوز إبطاله ، ولو عصى فأراق أو أبطل صحّ تيمّمه وصلاته ، وإن كان الأحوط قضاءها ، بل عدم جواز الإراقة والإبطال قبل الوقت - مع فقد الماء حتّى في الوقت - لا يخلو من قوّة .

(مسألة 10) : لو تمكّن من حفر البئر بلا حرج وجب على الأحوط .

ومنها : الخوف من الوصول إليه من اللصّ أو السبُع أو الضياع أو نحو ذلك ؛ ممّا يحصل معه خوف الضرر على النفس أو العِرض أو المال المعتدّ به ؛ بشرط أن يكون الخوف من منشأ يعتني به العقلاء .

ومنها : خوف الضرر من استعماله ؛ لمرض أو رمد أو ورم أو جرح أو قرح ، أو نحو ذلك ممّا يتضرّر معه باستعمال الماء ؛ على وجه لا يلحق بالجبيرة وما في حكمها ، ولا فرق بين الخوف من حصوله أو الخوف من زيادته وبُط ء بُرئه ، وبين شدّة الألم باستعماله على وجه لا يتحمّل للبرد أو غيره .

ومنها : الخوف باستعماله من العطش على الحيوان المحترم .

ومنها : الحرج والمشقّة الشديدة التي لا تتحمّل عادة في تحصيل الماء أو استعماله وإن لم يكن ضرر ولا خوفه ، ومن ذلك حصول المنّة التي لا تتحمّل عادة باستيهابه ، والذلّ والهوان بالاكتساب لشرائه .

ومنها : توقّف حصوله على دفع جميع ما عنده ، أو دفع ما يضرّ بحاله ، بخلاف غير المضرّ ، فإنّه يجب وإن كان أضعاف ثمن المثل .

ص: 108

ومنها : ضيق الوقت عن تحصيله أو عن استعماله .

ومنها : وجوب استعمال الموجود من الماء في غسل نجاسة ونحوه ؛ ممّا لا يقوم غير الماء مقامه ، فإنّه يتعيّن التيمّم حينئذٍ ، لكن الأحوط صرف الماء في الغسل أوّلاً ، ثمّ التيمّم .

(مسألة 11) : لا فرق في العطش الذي يسوغ معه التيمّم بين المؤدّي إلى الهلاك ، أو المرض ، أو المشقّة الشديدة التي لا تتحمّل وإن أمن من ضرره . كما لا فرق فيما يؤدّي إلى الهلاك بين ما يخاف على نفسه أو على غيره ؛ آدمياً كان أو غيره ، مملوكاً كان أو غيره ممّا يجب حفظه عن الهلاك ، بل لا يبعد التعدّي إلى من لا يجوز قتله وإن لا يجب حفظه كالذمّي . نعم ، الظاهر عدم التعدّي إلى ما يجوز قتله بأيّ حيلة ، كالمؤذيات من الحيوانات ، ومن يكون مهدور الدم من الآدمي ، كالحربي والمرتدّ عن فطرة ونحوهما . ولو أمكن رفع عطشه بما يحرم تناوله كالخمر والنجس ، وعنده ماء طاهر ، يجب حفظه لعطشه ، ويتيمّم لصلاته ؛ لأنّ وجود المحرّم كالعدم .

(مسألة 12) : لو كان متمكّناً من الصلاة مع الطهارة المائية ، فأخّر حتّى ضاق الوقت عن الوضوء والغسل ، تيمّم وصلّى ، وصحّت صلاته وإن أثم بالتأخير ، والأحوط - احتياطاً شديداً - قضاؤها أيضاً .

(مسألة 13) : لو شكّ في مقدار ما بقي من الوقت ، فتردّد بين ضيقه حتّى يتيمّم ، أو سعته حتّى يتوضّأ أو يغتسل ، يجب عليه التيمّم ، وكذا لو علم مقدار ما بقي ولو تقريباً ، وشكّ في كفايته للطهارة المائية ، يتيمّم ويصلّي .

(مسألة 14) : لو دار الأمر بين إيقاع تمام الصلاة في الوقت مع التيمّم ، وإيقاع

ص: 109

ركعة منها مع الوضوء ، قدّم الأوّل على الأقوى ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالقضاء مع المائية .

(مسألة 15) : التيمّم لأجل ضيق الوقت مع وجدان الماء ، لا يستباح به إلاّ الصلاة التي ضاق وقتها ، فلا ينفع لصلاة اُخرى ولو صار فاقد الماء حينها . نعم ، لو فقد في أثناء الصلاة الاُولى لا يبعد كفايته لصلاة اُخرى ، والأحوط ترك سائر الغايات - غير تلك الصلاة - حتّى إذا أتى بها حال الصلاة ، فلا يجوز مسّ كتابة القرآن على الأحوط .

(مسألة 16) : لا فرق بين عدم الماء رأساً ووجود ما لا يكفي لتمام الأعضاء - وكان كافياً لبعضها - في الانتقال إلى التيمّم ، ولو تمكّن من مزج الماء الذي لا يكفيه لطهارته بما لا يخرجه عن الإطلاق ويحصل به الكفاية ، فالأحوط وجوبه .

(مسألة 17) : لو خالف من كان فرضه التيمّم فتوضّأ أو اغتسل ، فطهارته باطلة على الأحوط ، وإن كان فيه تفصيل ، ولو أتى بها في مقام ضيق الوقت بعنوان الكون على الطهارة أو لغايات اُخر ، صحّت ، كما تصحّ أيضاً لو خالف ودفع ثمناً عن الماء مضرّاً بحاله ، أو تحمّل المنَّة والهوان أو المخاطرة في تحصيله ونحو ذلك ؛ ممّا كان الممنوع منه مقدّمات الطهارة لا نفسها ، وأمّا لو كانت بنفسها ضررية أو حرجية فالظاهر بطلانها . نعم ، لو كان الضرر أو الحرج على الغير فخالف وتطهّر فلا يبعد الصحّة .

(مسألة 18) : يجوز التيمّم لصلاة الجنازة والنوم مع التمكّن من الماء ، إلاّ أ نّه ينبغي الاقتصار في الأخير على ما كان من الحدث الأصغر ، ولا بأس بإتيانه

ص: 110

رجاءً للأكبر أيضاً . كما أنّ الأولى فيه الاقتصار على صورة التذكّر لعدم الوضوء بعد الدخول في فراشه ، وفي غيرها يأتي به رجاءً ، كما أنّ الأولى في الأوّل قصد الرجاء في غير صورة خوف فوت الصلاة .

القول : فيما يتيمّم به

(مسألة 1) : يعتبر فيما يتيمّم به أن يكون صعيداً ، وهو مطلق وجه الأرض ؛ من غير فرق بين التراب ، والرمل ، والحجر ، والمدر ، وأرض الجصّ والنورة قبل الاحتراق ، وتراب القبر ، والمستعمل في التيمّم ، وذي اللون ، وغيرها ممّا يندرج تحت اسمها ، وإن لم يعلق منه شيء باليد ، لكن الأحوط التراب ، بخلاف ما لا يندرج تحته وإن كان منها ، كالنبات والذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة عن اسمها ، وكذا الرماد وإن كان منها .

(مسألة 2) : لو شكّ في كون شيء تراباً أو غيره ممّا لا يتيمّم به ، فإن علم بكونه تراباً في السابق ، وشكّ في استحالته إلى غيره ، يجوز التيمّم به . وإن لم يعلم حالته السابقة ، فمع انحصار المرتبة السابقة به ، يجمع بين التيمّم به وبالمرتبة اللاحقة من الغبار والطين لو وجدت ، وإلاّ يحتاط بالجمع بين التيمّم به والصلاة في الوقت والقضاء خارجه .

(مسألة 3) : الأحوط عدم جواز التيمّم بالجصّ والنورة بعد احتراقهما مع التمكّن من التراب ونحوه ، ومع عدمه الأحوط الجمع بين التيمّم بواحد منهما وبالغبار أو الطين اللذين هما مرتبة متأخّرة ، ومع فرض الانحصار الأحوط الجمع بينه وبين الإعادة أو القضاء . وأمّا الخزف والآجر ونحوهما من الطين المطبوخ فالظاهر جواز التيمّم بها .

ص: 111

(مسألة 4) : لا يصحّ التيمّم بالصعيد النجس وإن كان جاهلاً بنجاسته أو ناسياً ، ولا بالمغصوب إلاّ إذا اُكره على المكث فيه كالمحبوس ، أو كان جاهلاً بالموضوع ، ولا بالممتزج بغيره بما يخرجه عن إطلاق اسم التراب عليه ، فلا بأس بالمستهلك والخليط المتميّز الذي لا يمنع عن صدق التيمّم على الأرض . وحكم المشتبه بالمغصوب والممتزج هنا حكم الماء بالنسبة إلى الوضوء والغسل ، بخلاف المشتبه بالنجس مع الانحصار ، فإنّه يتيمّم بهما ، ولو كان عنده ماء وتراب وعلم بنجاسة أحدهما يجب عليه مع الانحصار الجمع بين التيمّم والوضوء أو الغسل مقدّماً للتيمّم عليهما . واعتبار إباحة التراب ومكان التيمّم كاعتبارها في الوضوء ، وقد مرّ ما هو الأقوى .

(مسألة 5) : المحبوس في مكان مغصوب ، يجوز أن يتيمّم فيه بلا إشكال إن كان محلّ الضرب خارج المغصوب . وأمّا التيمّم فيه مع دخول محلّ الضرب أو به ، فالأقوى جوازه وإن لا يخلو من إشكال . وأمّا التوضّؤ فيه ، فإن كان بماء مباح فهو كالتيمّم فيه لا بأس به ، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الوضوء على أرض المحبس . وأمّا بالماء الذي في المحبس ، فإن كان مغصوباً لا يجوز التوضّؤ به ما لم يحرز رضا صاحبه كخارج المحبس ، ومع عدم إحرازه يكون كفاقد الماء يتعيّن عليه التيمّم .

(مسألة 6) : لو فقد الصعيد تيمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابّته ؛ ممّا يكون على ظاهره غبار الأرض ضارباً على ذي الغبار ، ولا يكفي الضرب على ما في باطنه الغبار دون ظاهره وإن ثار منه بالضرب عليه . هذا إذا لم يتمكّن من نفضه وجمعه ثمّ التيمّم به ، وإلاّ وجب ، ومع فقد ذلك تيمّم بالوحل ، ولو تمكّن من تجفيفه ثمّ التيمّم به وجب ، وليس منه الأرض النديّة والتراب النديّ ،

ص: 112

فإنّهما من المرتبة الاُولى ، وإذا تيمّم بالوحل لا يجب إزالته على الأصحّ ، لكن ينبغي أن يفركه كنفض التراب . وأمّا إزالته بالغسل فلا شبهة في عدم جوازها .

(مسألة 7) : لا يصحّ التيمّم بالثلج . فمن لم يجد غيره ممّا ذكر ، ولم يتمكّن من حصول مسمّى الغسل به أو كان حرجياً ، يكون فاقد الطهورين ، والأقوى سقوط الأداء ، والأحوط ثبوت القضاء . والأحوط منه ثبوت الأداء أيضاً ، بل الأحوط هنا التمسّح بالثلج على أعضاء الوضوء ، والتيمّم به ، وفعل الصلاة في الوقت ، ثمّ القضاء بعده إذا تمكّن .

(مسألة 8) : يكره التيمّم بالرمل ، وكذا بالسبخة ، بل لا يجوز في بعض أفرادها الخارج عن اسم الأرض . ويستحبّ له نفض اليدين بعد الضرب ، وأن يكون ما يتيمّم به من رُبى الأرض وعواليها ، بل يُكره أيضاً أن يكون من مهابطها .

القول : في كيفية التيمّم

(مسألة 1) : كيفية التيمّم مع الاختيار : ضرب باطن الكفّين بالأرض معاً دفعة ، ثمّ مسح الجبهة والجبينين بهما معاً مستوعباً لهما من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى وإلى الحاجبين ، والأحوط المسح عليهما ، ثمّ مسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن الكفّ اليسرى ، ثمّ مسح تمام ظاهر الكفّ اليسرى بباطن الكفّ اليُمنى . وليس ما بين الأصابع من الظاهر ؛ إذ المراد ما يمسّه ظاهر بشرة الماسح ، بل لا يعتبر التدقيق والتعمّق فيه .

ولا يجزي الوضع دون مسمّى الضرب على الأحوط ؛ وإن كانت الكفاية لا تخلو من قوّة ، ولا الضرب بإحداهما ولا بهما على التعاقب ، ولا بظاهرهما ، ولا ببعض

ص: 113

الباطن بحيث لا يصدق عليه الضرب بتمام الكفّ عرفاً ، ولا المسح بإحداهما أو بهما على التعاقب . ويكفي في مسح الوجه مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح في الجبهة والجبينين على النحو المتعارف ؛ أي الشقّ الأيمن باليد اليُمنى والأيسر باليُسرى ، وفي الكفّين وضع طول باطن كلّ منهما على عرض ظاهر الاُخرى والمسح إلى رؤوس الأصابع .

(مسألة 2) : لو تعذّر الضرب والمسح بالباطن انتقل إلى الظاهر . هذا إذا كان التعذّر مطلقاً . وأمّا مع تعذّر بعض أو بلا حائل ، فالأحوط الجمع بين الضرب والمسح ببعض الباطن ، أو الباطن مع الحائل وبينهما بالظاهر ، والانتقال إلى الذراع مكان الظاهر في الدوران بينهما لا يخلو من وجه ، والأحوط الجمع بينهما ، ولا ينتقل من الباطن لو كان متنجّساً بغير المتعدّي وتعذّرت الإزالة ، بل يضرب بهما ويمسح ، ولو كانت النجاسة حائلة مستوعبة ، ولم يمكن التطهير والإزالة ، فالأحوط الجمع بين الضرب بالباطن والضرب بالظاهر ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في الصورة المتقدّمة أيضاً .

ولو تعدّت النجاسة إلى الصعيد ولم يمكن التجفيف ، ينتقل إلى الذراع أو الظاهر حينئذٍ ، ولو كانت النجاسة على الأعضاء الممسوحة وتعذّر التطهير والإزالة مسح عليها .

القول : فيما يعتبر في التيمّم

(مسألة 1) : يعتبر النيّة في التيمّم على نحو ما مرّ في الوضوء ؛ قاصداً به البدلية عمّا عليه ؛ من الوضوء أو الغسل ، مقارناً بها الضرب الذي هو أوّل أفعاله .

ويعتبر فيه المباشرة ، والترتيب حسب ما عرفته ، والموالاة ؛ بمعنى عدم الفصل

ص: 114

المنافي لهيئته وصورته ، والمسح من الأعلى إلى الأسفل في الجبهة واليدين ؛ بحيث يصدق ذلك عليه عرفاً ، ورفع الحاجب عن الماسح والممسوح حتّى مثل الخاتم ، والطهارة فيهما . وليس الشعر النابت على المحلّ من الحاجب ، فيمسح عليه . نعم ، يكون منه الشعر المتدلّي من الرأس إلى الجبهة إذا كان خارجاً عن المتعارف ، ويُعدّ حائلاً عرفاً - لا مثل الشعرة والشعرتين - فيجب رفعه . هذا كلّه مع الاختيار . أمّا مع الاضطرار فيسقط المعسور ، ولكن لا يسقط به الميسور .

(مسألة 2) : يكفي ضربة واحدة للوجه واليدين في بدل الوضوء والغسل ، وإن كان الأفضل ضربتين مخيّراً بين إيقاعهما متعاقبتين قبل مسح الوجه ، أو موزّعتين على الوجه واليدين ، وأفضل من ذلك ثلاث ضربات : اثنتان متعاقبتان قبل مسح الوجه ، وواحدة قبل مسح اليدين . ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالضربتين ، خصوصاً فيما هو بدل عن الغسل ؛ بإيقاع واحدة للوجه واُخرى لليدين ، والأولى الأحوط أن يضرب ضربة ويمسح بها وجهه وكفّيه ، ويضرب اُخرى ويمسح بها كفّيه .

(مسألة 3) : العاجز يُيمّمه غيره ، لكن يضرب الأرض بيدي العاجز ثمّ يمسح بهما ، ومع فرض العجز عن ذلك يضرب المتولّي بيديه ويمسح بهما ، ولو توقّف وجوده على اُجرة وجب بذلها ، وإن كانت أضعاف اُجرة المثل على الأحوط ما لم يضرّ بحاله .

(مسألة 4) : من قُطعت إحدى يديه ضرب الأرض بالموجودة ، ومسح بها جبهته ، ثمّ مسح ظهرها بالأرض ، والأحوط الجمع بينه وبين تولية الغير إن أمكن ؛ بأن يضرب يده على الأرض ، ويمسح بها ظهر كفّ الأقطع . ومن قُطعت

ص: 115

يداه يمسح بجبهته على الأرض ، والأحوط تولية الغير أيضاً إن أمكن ؛ بأن يضرب يديه على الأرض ويمسح بهما جبهته . هذا كلّه فيمن ليس له ذراع ، وإلاّ تيمّم بها وبالموجودة . والأحوط مسح تمام الجبهة والجبينين بالموجودة ، بعد المسح بها ، وبالذراع على النحو المتعارف ، هذا في الصورة الاُولى . وكذا الكلام في الثانية ، فمقطوع اليدين لو كان له الذراع تيمّم بها ، وهو مقدّم على مسح الجبهة على الأرض وعلى الاستنابة ، بل الأحوط تنزيل الذراع منزلة الكفّين في المسح على ظهرهما في مقطوع اليدين ، وعلى ظهر المقطوع في الآخر .

(مسألة 5) : في مسح الجبهة واليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح ، فلا يكفي جرّ الممسوح تحت الماسح ، نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح إذا صدق كونه ممسوحاً .

القول : في أحكام التيمّم

(مسألة 1) : لا يصحّ التيمّم على الأحوط للفريضة قبل دخول وقتها ؛ وإن علم بعدم التمكّن منه في الوقت على إشكال ، والأحوط - احتياطاً لا يترك - لمن يعلم بعدم التمكّن منه في الوقت ، إيجاده قبله لشيء من غاياته ، وعدم نقضه إلى وقت الصلاة مقدّمة لإدراكها مع الطهور في وقتها ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة .

وأمّا بعد دخول الوقت فيصحّ وإن لم يتضيّق مع رجاء ارتفاع العذر في آخره وعدمه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مع رجاء ارتفاعه ، ومع العلم بالارتفاع يجب الانتظار ، والأحوط مراعاة الضيق مطلقاً ، ولا يعيد ما صلاّه بتيمّمه الصحيح بعد ارتفاع العذر ؛ من غير فرق بين الوقت وخارجه .

(مسألة 2) : لو تيمّم لصلاة قد حضر وقتها ، ولم ينتقض ولم يرتفع العذر

ص: 116

حتّى دخل وقت صلاة اُخرى ، جاز الإتيان بها في أوّل وقتها ، إلاّ مع العلم بارتفاع العذر في آخره ، فيجب تأخيرها ، ومع رجاء ارتفاعه لا ينبغي ترك الاحتياط ، بل يستبيح بالتيمّم لغاية - كالصلاة - غيرها من الغايات - كالمتطهّر - ما لم ينتقض وبقي العذر ، فله أن يأتي بكلّ ما يشترط فيه الطهارة ، كمسّ كتابة القرآن المجيد ، ودخول المساجد وغير ذلك . وهل يقوم الصعيد مقام الماء في كلّ ما يكون الوضوء أو الغسل مطلوباً فيه وإن لم يكن طهارة ، فيجوز التيمّم بدلاً عن الأغسال المندوبة والوضوء التجديدي والصوري ؟ فيه تأمّل وإشكال ، فالأحوط الإتيان به رجاء المطلوبية .

(مسألة 3) : المحدث بالأكبر غير الجنابة يتيمّم تيمّمين : أحدهما عن الغسل ، والآخر عن الوضوء ، ولو وجد ما لا يمكن صرفه إلاّ في أحدهما خاصّة ، صرفه فيه وتيمّم عن الآخر ، ولو وجد ما يكفي أحدهما وأمكن صرفه في كلّ منهما ، قدّم الغسل على الأحوط ، بل لا يخلو من وجه ، وتيمّم عن الوضوء ، ويكفي في الجنابة تيمّم واحد .

(مسألة 4) : لو اجتمعت أسباب مختلفة للحدث الأكبر ، ففي كفاية تيمّم واحد عن الجميع إشكال ، فالأحوط التيمّم لكلّ واحد منها ، فلو كان عليه غسل الجنابة وغسل مسّ الميّت - مثلاً - أتى بتيمّمين .

(مسألة 5) : ينتقض التيمّم عن الوضوء بالحدث الأصغر والأكبر ، كما أ نّه ينتقض ما يكون بدلاً عن الغسل بما يوجب الغسل . وهل ينتقض ما يكون بدلاً عن الغسل بما ينقض الوضوء ، فيعود إلى ما كان ، فالمُجنب المتيمّم إذا أحدث بالأصغر يعيد تيمّمه ، والحائض - مثلاً - إذا أحدثت انتقض تيمّماها ، أو لا ، بل

ص: 117

لا يوجب الحدث الأصغر إلاّ الوضوء ، أو التيمّم بدلاً عنه إلى أن يجد الماء ، أو يتمكّن من استعماله في الغسل ، فحينئذٍ ينتقض ما كان بدلاً عنه ؟ قولان أشهرهما الأوّل ، وأقواهما الثاني ، خصوصاً في غير الجُنُب ، فالمجنب لو أحدث بعد تيمّمه يكون كالمغتسل المحدث بعد غسله ، لا يحتاج إلاّ إلى الوضوء أو التيمّم بدلاً عنه ، والحائض لو أحدثت بعد تيمّمها ، تكون كما أحدثت بعد أن توضّأت واغتسلت ؛ لا ينتقض إلاّ تيمّمها الوضوئي . والأحوط لمن تمكّن من الوضوء الجمع بينه وبين التيمّم بدلاً عن الغسل ، ولمن لم يتمكّن منه الإتيان بتيمّم واحد بقصد ما في الذمّة ، المردّد بين كونه بدلاً عن الغسل أو الوضوء إذا كان مجنباً ، وأمّا غيره فيأتي بتيمّمين : أحدهما بدلاً عن الوضوء ، والآخر عن الغسل احتياطاً .

(مسألة 6) : لو وجد الماء وتمكّن من استعماله - شرعاً وعقلاً - أو زال عذره قبل الصلاة ، انتقض تيمّمه ، ولا يصحّ أن يصلّي به وإن تجدّد فقدان الماء أو عاد العذر ، فيجب أن يتيمّم ثانياً . نعم ، لو لم يسع زمان الوجدان أو ارتفاع العذر للوضوء أو الغسل ، لا يبعد عدم انتقاضه ؛ وإن كان الأحوط تجديده مطلقاً ، وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت ، لا ينتقض تيمّمه ، ويكتفي به للصلاة التي ضاق وقتها .

(مسألة 7) : المجنب المتيمّم إذا وجد ماءً بقدر كفاية وضوئه لا يبطل تيمّمه ، وأمّا غيره ممّن تيمّم تيمّمين لو وجد بقدر الوضوء ، بطل خصوص تيمّمه الذي هو بدل عنه ، ولو وجد ما يكفي للغسل فقط ، ولا يمكن صرفه في الوضوء ، صرفه فيه ويتيمّم للوضوء ، ولو أمكن صرفه في كلّ منهما - لا كليهما -

ص: 118

فالأحوط صرفه في الغسل ، والتيمّم بدل الوضوء ، وإن كان بقاء التيمّم لا يخلو من وجه .

(مسألة 8) : لو وجد الماء بعد الصلاة لا تجب إعادتها ، بل تمّت وصحّت ، وكذا لو وجده في أثنائها بعد الركوع من الركعة الاُولى . وأمّا لو كان قبله ففي بطلان تيمّمه وصلاته إشكال ؛ لا يبعد عدم البطلان مع استحباب الرجوع واستئناف الصلاة مع الطهارة المائية ، والاحتياط بالإتمام والإعادة مع سعة الوقت لا ينبغي تركه .

(مسألة 9) : لو شكّ في بعض أجزاء التيمّم بعد الفراغ منه ، لا يعتني وبنى على الصحّة ، وكذا لو شكّ في أجزائه في أثنائه ؛ من غير فرق بين ما هو بدل عن الوضوء أو الغسل على الأقوى ، والأحوط الاعتناء بالشكّ .

فصل : في النجاسات

اشارة

والكلام فيها ، وفي أحكامها ، وكيفية التنجّس بها ، وما يُعفى عنه منها :

القول : في النجاسات

(مسألة 1) : النجاسات إحدى عشر :

الأوّل والثاني : البول والخُرء من الحيوان ذي النفس السائلة غير مأكول اللحم ولو بالعارض ، كالجلاّل وموطوء الإنسان . أمّا ما كان من المأكول فإنّهما طاهران . وكذا غير ذي النفس ممّا ليس له لحم ، كالذباب والبقّ وأشباههما . وأمّا ما له لحم منه فمحلّ إشكال ؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه ، خصوصاً في الخُرء . كما أنّ الأقوى نجاسة الخُرء والبول من الطير غير المأكول .

ص: 119

(مسألة 2) : لو شكّ في خُرء حيوان أ نّه من مأكول اللحم أو محرّمه ؛ إمّا من جهة الشكّ في ذلك الحيوان الذي هذا خرؤه ، وإمّا من جهة الشكّ في أنّ هذا الخُرء من الحيوان الفلاني الذي يكون خرؤه نجساً أو من الذي يكون طاهراً ، كما إذا رأى شيئاً لا يدري أ نّه بعرة فأر أو خنفساء فيحكم بالطهارة ، وكذا لو شكّ في خُرء حيوان أ نّه ممّا له نفس سائلة ، أو من غيره ممّا ليس له لحم ، كالمثال المتقدّم . وأمّا لو شكّ في أ نّه ممّا له نفس أو من غيره ممّا له لحم بعد إحراز عدم المأكولية ؛ ففيه إشكال كما تقدّم ؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه .

الثالث : المنيّ من كلّ حيوان ذي نفس حلّ أكله أو حرم ، دون غير ذي النفس ، فإنّه منه طاهر .

الرابع : ميتة ذي النفس من الحيوان ممّا تحلّه الحياة ، وما يُقطع من جسده حيّاً ممّا تحلّه الحياة ، عدا ما ينفصل من بدنه من الأجزاء الصغار ، كالبثور والثؤلول وما يعلو الشفة والقروح وغيرها عند البُرء وقشور الجرب ونحوه . وما لا تحلّه الحياة ، كالعظم والقرن والسنّ والمنقار والظفر والحافر والشعر والصوف والوبر والريش ، طاهر . وكذا البيض من الميتة الذي اكتسى القشر الأعلى من مأكول اللحم ، بل وغيره . ويلحق بما ذكر الإنفحة - وهي الشيء الأصفر الذي يُجبن به ، ويكون منجمداً في جوف كرش الحمل والجدي قبل الأكل - وكذا اللبن في الضرع ، ولا ينجسان بمحلّهما ، والأحوط الذي لا يترك اختصاص الحكم بلبن مأكول اللحم .

(مسألة 3) : فأرة المِسك إن اُحرز أ نّها ممّا تحلّه الحياة نجسة على الأقوى لو انفصلت من الحيّ أو الميّت قبل بلوغها واستقلالها وزوال الحياة عنها حال

ص: 120

حياة الظبي ، ومع بلوغها حدّاً لا بدّ من لفظها فالأقوى طهارتها ؛ سواء كانت مُبانة من الحيّ أو الميّت ، ومع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة محكومة بالطهارة ، ومع العلم به والشكّ في بلوغها ذلك الحدّ محكومة بالنجاسة . وأمّا مسكها فلا إشكال في طهارته في جميع الصور ، إلاّ فيما سرت إليه رطوبة ممّا هو محكوم بالنجاسة ، فإنّ طهارته حينئذٍ لا تخلو من إشكال ، ومع الجهل بالحال محكوم بالطهارة .

(مسألة 4) : ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من اللحم أو الشحم أو الجلد ، إذا لم يعلم كونه مسبوقاً بيد الكافر ، محكوم بالطهارة وإن لم يُعلم تذكيته ، وكذا ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين . وأمّا إذا عُلم بكونه مسبوقاً بيد الكافر ، فإن احتمل أنّ المسلم الذي أخذه من الكافر قد تفحّص عن حاله ، وأحرز تذكيته ، بل وعمل المسلم معه معاملة المذكّى على الأحوط ، فهو أيضاً محكوم بالطهارة ، وأمّا لو علم أنّ المسلم أخذه من الكافر من غير فحص فالأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه .

(مسألة 5) : لو أخذ لحماً أو شحماً أو جلداً من الكافر أو من سوق الكفّار ، ولم يعلم أ نّه من ذي النفس أو غيره كالسمك ونحوه ، فهو محكوم بالطهارة وإن لم يحرز تذكيته ، ولكن لا يجوز الصلاة فيه .

(مسألة 6) : لو اُخذ شيء من الكفّار أو من سوقهم ، ولم يعلم أ نّه من أجزاء الحيوان أو غيره ، فهو محكوم بالطهارة ما لم يعلم بملاقاته للنجاسة السارية ، بل يصحّ الصلاة فيه أيضاً ، ومن هذا القبيل اللاستيك والشمع المجلوبان من بلاد الكفر - في هذه الأزمنة - عند من لم يطّلع على حقيقتهما .

ص: 121

الخامس : دم ذي النفس السائلة ، بخلاف دم غيره كالسمك والبقّ والقمّل والبراغيث ، فإنّه طاهر ، والمشكوك في أ نّه من أيّهما محكوم بالطهارة . والأحوط الاجتناب عن العلقة المستحيلة من المنيّ ؛ حتّى العلقة في البيضة وإن كانت الطهارة في البيضة لا تخلو من رجحان . والأقوى طهارة الدم الذي يوجد فيها ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ، بل عن جميع ما فيها ، إلاّ أن يكون الدم في عِرق ، أو تحت جلدة حائلة بينه وبين غيره .

(مسألة 7) : الدم المتخلّف في الذبيحة إن كان من الحيوان غير المأكول ، فالأحوط الاجتناب عنه ، وإلاّ فهو طاهر بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم بالذبح أو النحر ؛ من غير فرق بين المتخلّف في بطنها أو في لحمها أو عروقها أو قلبها أو كبدها إذا لم يتنجّس بنجاسة كآلة التذكية وغيرها ، وكذا المتخلّف في الأجزاء غير المأكولة وإن كان الأحوط الاجتناب عنه . وليس من الدم المتخلّف الطاهر ما يرجع من دم المذبح إلى الجوف لردّ النفَس أو لكون رأس الذبيحة في علوّ . والدم الطاهر من المتخلّف حرام أكله ، إلاّ ما كان مستهلكاً في الأمراق ونحوها ، أو كان في اللحم بحيث يعدّ جزءاً منها .

(مسألة 8) : ما شكّ في أ نّه دم أو غيره طاهر ، مثل ما إذا خرج من الجرح شيء أصفر قد شكّ في أ نّه دم أو لا ، أو شكّ من جهة الظلمة أو العمى أو غير ذلك في أنّ ما خرج منه دم أو قيح ، ولا يجب عليه الاستعلام . وكذا ما شكّ في أ نّه ممّا له نفس سائلة أو لا ؛ إمّا من جهة عدم العلم بحال الحيوان كالحيّة مثلاً ، أو من جهة الشكّ في الدم وأ نّه من الشاة - مثلاً - أو من السمك ، فلو رأى في ثوبه دماً ، ولا يدري أ نّه منه أو من البقّ أو البرغوث ، يحكم بطهارته .

ص: 122

(مسألة 9) : الدم الخارج من بين الأسنان نجس وحرام لا يجوز بلعه ، ولو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه ، ولا يجب تطهير الفم بالمضمضة ونحوها .

(مسألة 10) : الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرضّ ، نجس إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه إلاّ إذا علم استحالته ، فلو انخرق الجلد ووصل إليه الماء تنجّس ، ويشكل معه الوضوء أو الغسل ، فيجب إخراجه إن لم يكن حرج ، ومعه يجب أن يجعل عليه شيء كالجبيرة ويمسح عليه ، أو يتوضّأ ويغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري ، هذا إذا عُلم من أوّل الأمر أ نّه دم منجمد ، وإن احتمل أ نّه لحم صار كالدم بسبب الرضّ فهو طاهر .

السادس والسابع : الكلب والخنزير البرّيان عيناً ولعاباً ، وجميع أجزائهما وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياة ، كالشعر والعظم ونحوهما . وأمّا كلب الماء وخنزيره فطاهران .

الثامن : المسكر المائع بالأصل ، دون الجامد كذلك - كالحشيش - وإن غلى وصار مائعاً بالعارض . وأمّا العصير العنبي فالظاهر طهارته لو غلى بالنار ولم يذهب ثُلثاه ، وإن كان حراماً بلا إشكال . والزبيبي أيضاً طاهر ، والأقوى عدم حرمته ، ولو غليا بنفسهما وصارا مسكرين - كما قيل - فهما نجسان أيضاً ، وكذا التمري على هذا الفرض ، ومع الشكّ فيه يحكم بالطهارة في الجميع .

(مسألة 11) : لا بأس بأكل الزبيب والتمر إذا غليا في الدهن ، أو جعلا في المحشيّ والطبيخ أو في الأمراق مطلقاً ، سيّما إذا شكّ في غليان ما في جوفهما كما هو الغالب .

ص: 123

التاسع : الفقّاع ، وهو شراب مخصوص متّخذ من الشعير غالباً . أمّا المتّخذ من غيره ففي حرمته ونجاسته تأمّل وإن سُمّي فقّاعاً ، إلاّ إذا كان مسكراً .

العاشر : الكافر ، وهو من انتحل غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ؛ بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، أو تنقيص شريعته المطهّرة ، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل ، من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي الحربي والذمّي . وأمّا النواصب والخوارج - لعنهم اللّه تعالى - فهما نجسان من غير توقّف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة . وأمّا الغالي فإن كان غُلُوّه مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو التوحيد أو النبوّة ، فهو كافر ، وإلاّ فلا .

(مسألة 12) : غير الاثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نَصب ومعاداة وسبّ لسائر الأئمّة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون ، وأمّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب .

الحادي عشر : عرق الإبل الجلاّلة ، والأقوى طهارة عرق ما عداها من الحيوانات الجلاّلة ، والأحوط الاجتناب عنه . كما أنّ الأقوى طهارة عرق الجُنُب من الحرام ، والأحوط التجنّب عنه في الصلاة ، وينبغي الاحتياط منه مطلقاً .

القول : في أحكام النجاسات

(مسألة 1) : يشترط في صحّة الصلاة والطواف - واجبهما ومندوبهما - طهارة البدن ؛ حتّى الشعر والظفر وغيرهما ممّا هو من توابع الجسد واللباس الساتر منه وغيره ، عدا ما استثني من النجاسات وما في حكمها من

ص: 124

المتنجّس بها . وقليلها - ولو مثل رأس الإبرة - ككثيرها عدا ما استثني منها . ويشترط في صحّة الصلاة أيضاً طهارة موضع الجبهة في حال السجود ، دون المواضع الاُخر ، فلا بأس بنجاستها ما دامت غير سارية إلى بدنه أو لباسه بنجاسة غير معفوّ عنها .

ويجب إزالة النجاسة عن المساجد بجميع أجزائها ؛ من أرضها وبنائها حتّى الطرف الخارج من جدرانها على الأحوط ، كما أ نّه يحرم تنجيسها . ويلحق بها المشاهد المشرّفة والضرائح المقدّسة ، وكلّ ما علم من الشرع وجوب تعظيمه على وجه ينافيه التنجيس ، كالتربة الحسينية ، بل وتربة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وسائر الأئمّة علیهم السلام ، والمصحف الكريم حتّى جلده وغلافه ، بل وكتب الأحاديث عن المعصومين علیهم السلام على الأحوط ، بل الأقوى لو لزم الهتك ، بل مطلقاً في بعضها . ووجوب تطهير ما ذكر كفائي لا يختصّ بمن نجّسها ، كما أ نّه يجب المبادرة مع القدرة على تطهيرها ، ولو توقّف ذلك على صرف مال وجب ، وهل يرجع به على من نجّسها لا يخلو من وجه . ولو توقّف تطهير المسجد - مثلاً - على حفر أرضه أو تخريب شيء منه جاز ، بل وجب . وفي ضمان من نجّسه لخسارة التعمير وجه قويّ . ولو رأى نجاسة في المسجد - مثلاً - وقد حضر وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها ، فلو تركها مع القدرة واشتغل بالصلاة عصى ، لكن الأقوى صحّتها ، ومع ضيق الوقت قدّمها على الإزالة .

(مسألة 2) : حصير المسجد وفرشه كنفس المسجد على الأحوط في حرمة تلويثه ووجوب إزالته عنه ولو بقطع الموضع النجس .

(مسألة 3) : لا فرق في المسجد بين المعمور والمخروب والمهجور ، بل

ص: 125

الأحوط جريان الحكم فيما إذا تغيّر عنوانه ، كما إذا غُصب وجُعل داراً أو خاناً أو دكّاناً .

(مسألة 4) : لو علم إخراج الواقف بعض أجزاء المسجد عنه لا يلحقه الحكم ، ومع الشكّ فيه لا يلحق به مع عدم أمارة على المسجدية .

(مسألة 5) : كما يحرم تنجيس المصحف يحرم كتابته بالمداد النجس ، ولو كتب جهلاً أو عمداً يجب محوه فيما ينمحي ، وفي غيره كمداد الطبع يجب تطهيره .

(مسألة 6) : من صلّى في النجاسة متعمّداً بطلت صلاته ، ووجبت إعادتها من غير فرق بين الوقت وخارجه . والناسي كالعامد . والجاهل بها حتّى فرغ من صلاته لا يعيد في الوقت ولا خارجه ؛ وإن كان الأحوط الإعادة ، وأمّا لو علم بها في أثنائها ، فإن لم يعلم بسبقها ، وأمكنه إزالتها - بنزع أو غيره - على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل ومضى في صلاته ، وإن لم يمكنه استأنفها لو كان الوقت واسعاً ، وإلاّ فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عرياناً يصلّي كذلك على الأقوى ، وإن لم يمكن صلّى بها ، وكذا لو عرضت له في الأثناء ، ولو علم بسبقها وجب الاستئناف مع سعة الوقت مطلقاً .

(مسألة 7) : لو انحصر الساتر في النجس فإن لم يقدر على نزعه - لبرد ونحوه - صلّى فيه إن ضاق الوقت ، أو لم يحتمل احتمالاً عقلائياً زوال العذر ، ولا إعادة عليه ، وإن تمكّن من نزعه فالأقوى إتيان الصلاة عارياً مع ضيق الوقت ، بل ومع سعته لو لم يحتمل زوال العذر ، ولا قضاء عليه .

(مسألة 8) : لو اشتبه الثوب الطاهر بالنجس ، يكرّر الصلاة فيهما مع

ص: 126

الانحصار بهما ، ولو لم يسع الوقت فالأحوط أن يصلّي عارياً مع الإمكان ، ويقضي خارج الوقت في ثوب طاهر ، ومع عدم الإمكان يصلّي في أحدهما ، ويقضي في ثوب طاهر على الأحوط ، وفي هذه الصورة لو كان أطراف الشبهة ثلاثة أو أكثر ، يكرّر الصلاة على نحو يعلم بوقوعها في ثوب طاهر .

القول : في كيفية التنجّس بها

(مسألة 1) : لا ينجس الملاقي لها مع اليبوسة ، ولا مع النداوة التي لم ينتقل منها أجزاء بالملاقاة . نعم ، ينجس الملاقي مع بلّة في أحدهما على وجه تصل منه إلى الآخر ، فلا يكفي مجرّد الميعان كالزيبق ، بل والذهب والفضّة الذائبين ما لم تكن رطوبة سارية من الخارج ، فالذهب الذائب في البوتقة النجسة ، لا يتنجّس ما لم تكن رطوبة سارية فيها أو فيه ، ولو كانت لا تنجّس إلاّ ظاهره كالجامد .

(مسألة 2) : مع الشكّ في الرطوبة أو السراية يحكم بعدم التنجيس ، فإذا وقع الذباب على النجس ثمّ على الثوب لا يحكم به ؛ لاحتمال عدم تبلّل رجله ببلّةٍ تسري إلى ملاقيه .

(مسألة 3) : لا يحكم بنجاسة شيء ولا بطهارة ما ثبتت نجاسته ، إلاّ باليقين ، أو بإخبار ذي اليد ، أو بشهادة عدلين . وفي الاكتفاء بعدل واحد إشكال ، فلا يترك مراعاة الاحتياط في الصورتين . ولا يثبت الحكم في المقامين بالظنّ وإن كان قويّاً ، ولا بالشكّ إلاّ في الخارج قبل الاستبراء ، كما عرفته سابقاً .

(مسألة 4) : العلم الإجمالي كالتفصيلي ، فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب

ص: 127

الاجتناب عنهما ، إلاّ إذا لم يكن أحدهما قبل حصول العلم محلاًّ لابتلائه ، فلا يجب الاجتناب عمّا هو محلّ ابتلائه ، وفي المسألة إشكال وإن كان الأرجح بالنظر ذلك . وفي حكم العلم الإجمالي الشهادةُ بالإجمال إذا وقعت على موضوع واحد ، وأمّا إذا لم ترد الشهادة عليه ففيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط فيه وفيما إذا كانت الشهادة بنحو الإجمال حتّى لدى الشاهدين .

(مسألة 5) : لو شهد الشاهدان بالنجاسة السابقة وشكّ في زوالها يجب الاجتناب .

(مسألة 6) : المراد بذي اليد كلّ من كان مستولياً عليه ؛ سواء كان بملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة ، بل أو غصب ، فإذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو المولى أو ظروف البيت ، كفى في الحكم بالنجاسة ، بل وكذا إذا أخبرت المربّية للطفل بنجاسته أو نجاسة ثيابه . نعم ، يُستثنى من الكلّية المتقدّمة قول المولى بالنسبة إلى عبده ، فإنّ في اعتبار قوله بالنسبة إلى نجاسة بدن عبده أو جاريته ولباسهما الذي تحت يديهما إشكالاً ، بل عدم اعتباره لا يخلو من قوّة ، خصوصاً إذا أخبرا بالطهارة ، فإنّ الأقوى اعتبار قولهما لا قوله .

(مسألة 7) : لو كان شيء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلّ منهما في نجاسته ، ولو أخبر أحدهما بنجاسته والآخر بطهارته تساقطا . كما أنّ البيّنة تسقط عند التعارض ، وتقدّم على قول ذي اليد عند التعارض . هذا كلّه لو لم يكن إخبار أحد الشريكين أو إحدى البيّنتين مستنداً إلى الأصل والآخر إلى الوجدان ، وإلاّ فيقدّم ما هو مستند إلى الوجدان ، فلو أخبر أحد الشريكين

ص: 128

بالطهارة أو النجاسة مستنداً إلى أصل ، والآخر أخبر بخلافه مستنداً إلى الوجدان ، يقدّم الثاني ، وكذا الحال في البيّنة ، وكذا لا تقدّم البيّنة المستندة إلى الأصل على قول ذي اليد .

(مسألة 8) : لا فرق في ذي اليد بين كونه عادلاً أو فاسقاً . وفي اعتبار قول الكافر إشكال ، وإن كان الأقوى اعتباره . ولا يبعد اعتبار قول الصبيّ إذا كان مراهقاً ، بل يُراعى الاحتياط في المميّز غير المراهق أيضاً .

(مسألة 9) : المتنجّس منجّس مع قلّة الواسطة كالاثنتين والثلاث ، وفيما زادت على الأحوط ، وإن كان الأقرب مع كثرتها عدم التنجيس . والأحوط إجراء أحكام النجس على ما تنجّس به ، فيغسل الملاقي لملاقي البول مرّتين ، ويعمل مع الإناء الملاقي للإناء الذي ولغ فيه الكلب - في التطهير - مثل ذلك الإناء ، خصوصاً إذا صُبّ ماء الولوغ فيه ، فيجب تعفيره على الأحوط .

(مسألة 10) : ملاقاة ما في الباطن بالنجاسة التي في الباطن لا ينجّسه ، فالنخامة إذا لاقت الدم في الباطن وخرجت غير متلطّخة به طاهرة . نعم ، لو اُدخل شيء من الخارج ولاقى النجاسة في الباطن ، فالأحوط الاجتناب عنه ، وإن كان الأقوى عدم لزومه .

القول : فيما يعفى عنه في الصلاة

(مسألة 1) : ما يُعفى عنه من النجاسات في الصلاة اُمور :

الأوّل : دم الجروح والقروح في البدن واللباس حتّى تبرأ ، والأحوط إزالته أو تبديل ثوبه إذا لم يكن مشقّة في ذلك على النوع ، إلاّ أن يكون حرجاً عليه ،

ص: 129

فلا يجب بمقدار الخروج عنه . فالميزان في العفو أحد الأمرين : إمّا أن يكون في التطهير والتبديل مشقّة على النوع ، فلا يجب مطلقاً ، أو يكون ذلك حرجياً عليه مع عدم المشقّة النوعية ، فلا يجب بمقدار التخلّص عنه ، وكون دم البواسير منها وإن لم يكن قرحة في الخارج ، وكذا كلّ قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الخارج ، لا يخلو من قوّة .

الثاني : الدم في البدن واللباس إن كانت سعته أقلّ من الدرهم البغلي ولم يكن من الدماء الثلاثة - الحيض والنفاس والاستحاضة - ونجس العين والميتة ، على الأحوط في الاستحاضة وما بعدها ؛ وإن كان العفو عمّا بعدها لا يخلو من وجه ، بل الأولى الاجتناب عمّا كان من غير مأكول اللحم ، ولمّا كانت سعة الدرهم البغلي غير معلومة يقتصر على القدر المتيقّن ، وهو سعة عقد السبّابة .

(مسألة 2) : لو كان الدم متفرّقاً في الثياب والبدن لوحظ التقدير على فرض اجتماعه ، فيدور العفو مداره ، ولكن الأقوى العفو عن شبه النضح مطلقاً . ولو تفشّى الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر فهو دم واحد ، وإن كان الاحتياط في الثوب الغليظ لا ينبغي تركه . وأمّا مثل الظهارة والبطانة والملفوف من طيّات عديدة ونحو ذلك فهو متعدّد .

(مسألة 3) : لو شكّ في الدم الذي يكون أقلّ من الدرهم ؛ أنّه من المستثنيات كالدماء الثلاثة أو لا ، حكم بالعفو عنه حتّى يُعلم أنّه منها ، ولو بان بعد ذلك أنّه منها فهو من الجاهل بالنجاسة على إشكال وإن لا يخلو من وجه ، ولو علم أنّه من غيرها ، وشكّ في أنّه أقلّ من الدرهم أم لا ، فالأقوى العفو عنه ، إلاّ إذا

ص: 130

كان مسبوقاً بكونه أكثر من مقدار العفو وشكّ في صيرورته بمقداره .

(مسألة 4) : المتنجّس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقلّ من الدرهم ، ولكن الدم الأقلّ إذا اُزيل عينه يبقى حكمه .

الثالث : كلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً ، كالتكّة والجورب ونحوهما ، فإنّه معفوّ عنه لو كان متنجّساً ولو بنجاسة من غير مأكول اللحم . نعم ، لا يُعفى عمّا كان متّخذاً من النجس ، كجزء ميتة أو شعر كلب أو خنزير أو كافر .

الرابع : ما صار من البواطن والتوابع ، كالميتة التي أكلها ، والخمر التي شربها ، والدم النجس الذي أدخله تحت جلده ، والخيط النجس الذي خاط به جلده ، فإنّ ذلك معفوّ عنه في الصلاة . وأمّا حمل النجس فيها فالأحوط الاجتناب عنه خصوصاً الميتة ، وكذا المحمول المتنجّس الذي تتمّ فيه الصلاة . وأمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكّين والدراهم ، فالأقوى جواز الصلاة معه .

الخامس : ثوب المربّية للطفل - اُمّاً كانت أو غيرها - فإنّه معفوّ عنه إن تنجّس ببوله ، والأحوط أن تغسل كلّ يوم لأوّل صلاة ابتليت بنجاسة الثوب ، فتصلّي معه الصلاة بطهر ، ثمّ تصلّي فيه بقيّة الصلوات من غير لزوم التطهير ، بل هو لا يخلو من وجه . ولا يُتعدّى من البول إلى غيره ، ولا من الثوب إلى البدن ، ولا من المربّية إلى المربّي ، ولا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الثياب المتعدّدة مع عدم الحاجة إلى لبسهنّ جميعاً ، وإلاّ كانت كذات الثوب الواحد .

ص: 131

فصل : في المطهّرات

اشارة

وهي أحد عشر :

أوّلها : الماء ، ويطهَّر به كلّ متنجّس حتّى الماء ، كما تقدّم في فصل المياه ، وقد مرّ كيفية تطهيره به . وأمّا كيفية تطهير غيره به : فيكفي في المطر استيلاؤه على المتنجّس بعد زوال العين ، وبعد التعفير في الولوغ . وكذا في الكرّ والجاري ، إلاّ أنّ الأحوط فيما يقبل العصر اعتباره ، أو اعتبار ما يقوم مقامه من الفرك والغمز ونحوهما ؛ حتّى مثل الحركة العنيفة في الماء حتّى تخرج الماء الداخل . ولا فرق بين أنواع النجاسات وأصناف المتنجّسات ، سوى الإناء المتنجّس بالولوغ أو بشرب الخنزير وموت الجرذ ، فإنّ الأحوط تطهيره بهما كتطهيره بالقليل ، بل الأحوط الأولى تطهير مطلق الإناء المتنجّس كالتطهير بالقليل ، وإن كان الأرجح كفاية المرّة فيه .

وأمّا غيره فيطهر ما لا ينفذ فيه الماء والنجاسة بمجرّد غمسه في الكرّ أو الجاري بعد زوال عين النجاسة وإزالة المانع لو كان ، والذي ينفذ فيه ولا يمكن عصره - كالكوز والخشب والصابون ونحو ذلك - يطهر ظاهره بمجرّد غمسه فيهما ، وباطنه بنفوذ الماء المطلق فيه بحيث يصدق أ نّه غُسل به ، ولا يكفي نفوذ الرطوبة ، وتحقّق ذلك في غاية الإشكال ، بل الظاهر عدم تحقّقه إلاّ نادراً ، ومع الشكّ في تحقّقه - بأن يشكّ في النفوذ أو في حصول الغسل به - يحكم ببقاء النجاسة ، نعم مع القطع بهما والشكّ في بقاء إطلاق الماء يحكم بالطهارة . هذا بعض الكلام في كيفية التطهير بالكرّ والجاري ، وسنذكر بعض ما يتعلّق به في طيّ المسائل الآتية .

ص: 132

وأمّا التطهير بالقليل فالمتنجّس بالبول غير الآنية يعتبر فيه التعدّد مرّتين ، والأحوط كونهما غير غسلة الإزالة ، والمتنجّس بغير البول إن لم يكن آنية يجزي فيه المرّة بعد الإزالة ، ولا يُكتفى بما حصل به الإزالة ، نعم يكفي استمرار إجراء الماء بعدها . ويعتبر في التطهير به انفصال الغُسالة ، ففي مثل الثياب ممّا ينفذ فيه الماء ويقبل العصر لا بدّ منه أو ما يقوم مقامه ، وفيما لا ينفذ فيه الماء وإن نفذت الرطوبة - كالصابون والحبوب - ولا يقبل العصر يطهر ظاهره بإجراء الماء عليه ، ولا يضرّ به بقاء نجاسة الباطن ، ولا يطهر الباطن تبعاً للظاهر .

وأمّا الآنية فإن تنجّست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره ممّا يتحقّق معه اسم الولوغ غسلت ثلاثاً ؛ اُولاهنّ بالتراب ؛ أي التعفير به . والأحوط اعتبار الطهارة فيه ، ولا يقوم غيره مقامه ولو عند الاضطرار . والأحوط في الغسل بالتراب مسحه بالتراب الخالص أوّلاً ، ثمّ غسله بوضع ماء عليه بحيث لا يخرجه عن اسم التراب . ولا يترك الاحتياط بإلحاق مطلق مباشرته بالفم ، كاللَّطع ونحوه والشرب بلا ولوغ ومباشرة لعابه بلا ولوغ به ، ولا يُلحق به مباشرته بسائر أعضائه على الأقوى ، والاحتياط حسن .

(مسألة 1) : لو كانت الآنية المتنجّسة بالولوغ ممّا يتعذّر تعفيرها بالتراب بالنحو المتعارف - لضيق رأسه أو غير ذلك - فلا يسقط التعفير بما يمكن ؛ ولو بوضع خِرقة على رأس عود وإدخالها فيها وتحريكها تحريكاً عنيفاً ليحصل الغسل بالتراب والتعفير . وفي حصوله بإدخال التراب فيها وتحريكها تحريكاً عنيفاً تأمّل ، ولو شُكّ في حصوله يحكم ببقاء النجاسة ، كما لو فرض التعذّر أصلاً بقيت على النجاسة . ولا يسقط التعفير بالغسل بالماء الكثير والجاري والمطر .

ص: 133

ولا يترك الاحتياط بالتعدّد أيضاً في غير المطر ، وأمّا فيه فلا يُحتاج إليه .

(مسألة 2) : يجب غسل الإناء سبعاً لموت الجرذ ولشرب الخنزير ، ولا يجب التعفير . نعم ، هو أحوط في الثاني قبل السبع . وينبغي غسله سبعاً أيضاً لموت الفأرة ولشرب النبيذ ، بل مطلق المسكر فيه ، ولمباشرة الكلب وإن لم يجب ذلك ، وإنّما الواجب غسله بالقليل ثلاثاً كسائر النجاسات .

(مسألة 3) : تطهير الأواني - الصغيرة والكبيرة ، ضيّقة الرأس وواسعته - بالكثير والجاري واضح ؛ بأن توضع فيه حتّى يستولي عليها الماء ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بالتثليث كذلك . وأمّا بالقليل فبصبّ الماء فيها وإدارته حتّى يستوعب جميع أجزائها بالإجراء الذي يتحقّق به الغسل ، ثمّ يراق منها ، يفعل بها ثلاثاً . والأحوط الفورية في الإدارة عقيب الصبّ فيها ، والإفراغ عقيب الإدارة على جميع أجزائها . هذا في الأواني الصغار والكبار التي يمكن فيها الإدارة والإفراغ عقيبها . وأمّا الأواني الكبار المثبتة والحياض ونحوها ، فتطهيرها بإجراء الماء عليها حتّى يستوعب جميع أجزائها ، ثمّ يخرج حينئذٍ ماء الغسالة المجتمع في وسطها - مثلاً - بنزح وغيره ؛ من غير اعتبار الفورية المزبورة . والأحوط اعتبار تطهير آلة النزح إذا اُريد عودها إليه . ولا بأس بما يتقاطر فيه حال النزح وإن كان الأحوط خلافه .

(مسألة 4) : لو تنجّس التنّور يطهر بصبّ الماء على الموضع النجس من فوق إلى تحت ، ولا يحتاج إلى التثليث ، فيصبّ عليه مرّتين في التنجّس بالبول ، ويكفي مرّة في غيره .

(مسألة 5) : لو تنجّس ظاهر الأرُز والماش ونحوهما ، يجعلها في شيء

ص: 134

ويغمس في الكرّ أو الجاري فيطهر ، وكذا يطهر بإجراء الماء القليل عليها . وإن نفذ فيها الرطوبة النجسة فتطهيرها بالقليل غير ميسور ، وكذا في الكرّ والجاري . نعم ، لا يبعد إمكان تطهير الكوز الذي صنع من الطين النجس ؛ بوضعه في الكثير أو الجاري إلى أن ينفذ الماء في أعماقه ، ولا يحتاج إلى التجفيف . ولو شكّ في وصول الماء بنحو يصدق عليه الغسل في أعماقه يحكم ببقاء نجاسته .

(مسألة 6) : اللحم المطبوخ بالماء النجس يمكن تطهيره - بالكثير والقليل - لو صبّ عليه الماء ونفذ فيه إلى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس مع بقاء إطلاقه وإخراج الغسالة ، ولو شكّ في نفوذ الماء النجس إلى باطنه يكفي تطهير ظاهره .

(مسألة 7) : لو غسل ثوبه المتنجّس ، ثمّ رأى فيه شيئاً من الاُشنان ونحوه ، فإن علم بعدم منعه عن وصول الماء إلى الثوب فلا إشكال ، وفي الاكتفاء بالاحتمال إشكال ، بل في الحكم بطهارة الاُشنان لا بدّ من العلم بانغساله ، ولا يكفي الاحتمال على الأحوط .

(مسألة 8) : لو أكل طعاماً نجساً فما يبقى منه بين أسنانه باقٍ على نجاسته ، ويطهر بالمضمضة مع مراعاة شرائط التطهير .

وأمّا لو كان الطعام طاهراً وخرج الدم من بين أسنانه ، فإن لم يلاقه الدم وإن لاقاه الريق الملاقي له ، فهو طاهر ، وإن لاقاه فالأحوط الحكم بنجاسته .

ثانيها : الأرض ، فإنّها تطهِّر ما يماسّها من القدم بالمشي عليها أو بالمسح بها ؛ بنحو يزول معه عين النجاسة إن كانت ، وكذا ما يُوقى به القدم كالنعل ، ولو فرض زوالها قبل ذلك كفى في التطهير حينئذٍ المماسّة على إشكال ، والأحوط أقلّ

ص: 135

مسمّى المسح أو المشي حينئذٍ ، كما أنّ الأحوط قصر الحكم بالطهارة على ما إذا حصلت النجاسة من المشي على الأرض النجسة . ولا فرق في الأرض بين التراب والرمل والحجر أصلياً كان أو مفروشاً عليها . ويلحق بها المفروشة بالآجر والجِصّ على الأقوى ، بخلاف المطليّة بالقير والمفروشة بالخشب . ويعتبر جفاف الأرض وطهارتها على الأقوى .

ثالثها : الشمس ، فإنّها تطهّر الأرض وكلّ ما لا ينقل من الأبنية وما اتّصل بها ؛ من الأخشاب والأبواب والأعتاب والأوتاد المحتاج إليها في البناء المستدخلة فيه - لا مطلق ما في الجدار على الأحوط - والأشجار والنبات والثمار والخضراوات وإن حان قطفها ، وغير ذلك حتّى الأواني المثبتة ، وكذا السفينة . ولكن لا تخلو الأشجار وما بعدها من الإشكال وإن لا تخلو من قُوّة ، ولا يترك الاحتياط في الطرّادة ، وكذا العربة ونحوها . والأقوى تطهيرها للحُصُر والبواري . ويعتبر في طهارة المذكورات ونحوها بالشمس بعد زوال عين النجاسة عنها ، أن تكون رطبة رطوبة تعلق باليد ، ثمّ تجفّفها الشمس تجفيفاً يستند إلى إشراقها بدون واسطة ، بل لا يبعد اعتبار اليبس على النحو المزبور .

ويطهر باطن الشيء الواحد إذا أشرقت على ظاهره وجفّ باطنه بسبب إشراقها على الظاهر ، ويكون باطنه المتنجّس متّصلاً بظاهره المتنجّس على الأحوط ، فلو كان الباطن فقط نجساً ، أو كان بين الظاهر والباطن فصل بالجزء الطاهر ، بقي الباطن على نجاسته على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة . وأمّا الأشياء المتعدّدة المتلاصقة ، فلا تطهر إذا أشرقت على بعضها وجفّت البقيّة به ، وإنّما يطهر ما أشرقت عليه بلا وسط .

ص: 136

(مسألة 9) : لو كانت الأرض أو نحوها جافّة واُريد تطهيرها بالشمس ، يصبّ عليها الماء الطاهر أو النجس ممّا يورث الرطوبة فيها حتّى تجفّفها وتطهر .

(مسألة 10) : الحصى والتراب والطين والأحجار ، ما دامت واقعة على الأرض ، وتعدّ جزءاً منها عرفاً ، تكون بحكمها ، وإن اُخذت منها أو خرجت عن الجزئية اُلحقت بالمنقولات .

وكذا الآلات الداخلة في البناء كالأخشاب والأوتاد يلحقها حكمها ، وإذا قُلعت زال الحكم ، ولو اُعيدت عاد ، وهكذا كلّ ما يشبه ذلك .

رابعها : الاستحالة إلى جسم آخر ، فيطهر ما أحالته النار رماداً أو دخاناً أو بخاراً ؛ سواء كان نجساً أو متنجّساً ، وكذا المستحيل بغيرها بخاراً أو دخاناً أو رماداً . أمّا ما أحالته فحماً أو خزفاً أو آجُراً أو جِصّاً أو نورةً ، فهو باقٍ على النجاسة . ويطهر كلّ حيوان تكوّن من نجس أو متنجّس كدود الميتة والعذرة . ويطهر الخمر بانقلابها خلاًّ بنفسها أو بعلاج كطرح جسم فيها ؛ سواء استهلك الجسم أم لا . نعم ، لو لاقت الخمر نجاسة خارجية ثمّ انقلبت خلاًّ ، لم تطهر على الأحوط .

خامسها : ذهاب الثلثين في العصير بالنار أو بالشمس إذا غلى بأحدهما ، فإنّه مطهّر للثلث الباقي بناءً على النجاسة ، وقد مرّ أنّ الأقوى طهارته ، فلا يؤثّر التثليث إلاّ في حلّيته ، وأمّا إذا غلى بنفسه ، فإن اُحرز أ نّه يصير مسكراً بذلك ، فهو نجس ، ولا يطهر بالتثليث ، بل لا بدّ من انقلابه خلاًّ ، ومع الشكّ محكوم بالطهارة .

سادسها : الانتقال ، فإنّه موجب لطهارة المنتقل إذا اُضيف إلى المنتقل إليه وعدّ جزءاً منه ، كانتقال دم ذي النفس إلى غير ذي النفس ، وكذا لو كان المنتقل غير

ص: 137

الدم والمنتقل إليه غير الحيوان من النبات وغيره . ولو علم عدم الإضافة أو شُكّ فيها من حيث عدم الاستقرار في بطن الحيوان - مثلاً - على وجه يستند إليه ، كالدم الذي يمصّه العَلَق بقي على النجاسة .

سابعها : الإسلام ، فإنّه مطهّر للكافر بجميع أقسامه ؛ حتّى الرجل المرتدّ عن فطرة إذا تاب ، فضلاً عن المرأة . ويتبع الكافرَ فضلاتُه المتّصلة به ؛ من شعره وظفره وبصاقه ونخامته وقيحه ونحو ذلك .

ثامنها : التبعية ، فإنّ الكافر إذا أسلم يتبعه ولده في الطهارة ؛ أباً كان أو جدّاً أو اُمّاً . وأمّا تبعية الطفل للسابي المسلم إن لم يكن معه أحد آبائه فمحلّ إشكال ، بل عدمها لا يخلو من قوّة . ويتبع الميّت بعد طهارته آلات تغسيله ؛ من الخِرقة الموضوعة عليه ، وثيابه التي غُسّل فيها ، ويد المغسّل ، والخرقة الملفوفة بها حين تغسيله . وفي باقي بدنه وثيابه إشكال ، أحوطه العدم ، بل الأولى الاحتياط فيما عدا يد المغسّل .

تاسعها : زوال عين النجاسة بالنسبة إلى الصامت من الحيوان وبواطن الإنسان ، فيطهر منقار الدجاجة الملوّثة بالعذرة بمجرّد زوال عينها وجفاف رطوبتها ، وكذا بدن الدابّة المجروح ، وفم الهرّة الملوّث بالدم ونحوه ، وولد الحيوان المتلطّخ به عند الولادة بمجرّد زواله عنه ، وكذا يطهر فم الإنسان إذا أكل أو شرب نجساً أو متنجّساً بمجرّد بلعه .

عاشرها : الغيبة ، فإنّها مطهّرة للإنسان وثيابه وفرشه وأوانيه وغيرها من توابعه ، فيعامل معه معاملة الطهارة ، إلاّ مع العلم ببقاء النجاسة ، ولا يبعد عدم اعتبار شيء فيه ، فيجري الحكم سواء كان عالماً بالنجاسة أم لا ، معتقداً نجاسة ما أصابه أم لا ، كان متسامحاً في دينه أم لا . والاحتياط حسن .

ص: 138

حادي عشرها : استبراء الجلاّل من الحيوان بما يخرجه عن اسم الجلل ، فإنّه مطهِّر لبوله وخرئه . ولا يُترك الاحتياط مع زوال اسمه في استبراء الإبل أربعين يوماً ، والبقر عشرين ، والغنم عشرة أيّام ، والبطّة خمسة أيّام ، والدجاجة ثلاثة أيّام ، بل لا يخلو كلّ ذلك من قوّة ، وفي غيرها يكفي زوال الاسم .

القول : في الأواني

(مسألة 1) : أواني الكفّار - كأواني غيرهم - محكومة بالطهارة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة السارية ، وكذا كلّ ما في أيديهم من اللباس والفرش وغير ذلك . نعم ، ما كان في أيديهم من الجلود محكومة بالنجاسة ؛ لو علم كونها من الحيوان الذي له نفس سائلة ، ولم يعلم تذكيته ، ولم يعلم سبق يد مسلم عليها ، وكذا الكلام في اللحوم والشحوم التي في أيديهم ، بل في سوقهم ، فإنّها محكومة بالنجاسة مع الشروط المزبورة .

(مسألة 2) : يحرم استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات ؛ نحو التطهير من الحدث والخبث وغيرها ، والمحرّم هو الأكل والشرب فيها أو منها ، لا تناول المأكول والمشروب منها ، ولا نفس المأكول والمشروب ، فلو أكل منها طعاماً مباحاً في نهار رمضان لا يكون مفطراً بالحرام ، وإن ارتكب الحرام من جهة الشرب منها . هذا في الأكل والشرب . وأمّا في غيرهما فالمحرّم استعمالها ، فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّماً دون الوضوء . وهل التناول الذي هو مقدّمة للأكل والشرب أيضاً

ص: 139

محرّم من باب حرمة مطلق الاستعمال ؛ حتّى يكون في الأكل والشرب محرّمان : هما والاستعمال بالتناول ؟ فيه تأمّل وإشكال ؛ وإن كان عدم حرمة الثاني لا يخلو من قوّة .

ويدخل في استعمالها المحرّم على الأحوط وضعها على الرفوف للتزيين ، وإن كان عدم الحرمة لا يخلو من قرب . والأحوط الأولى ترك تزيين المساجد والمشاهد بها أيضاً ، والأقوى عدم حرمة اقتنائها من غير استعمال . والأحوط حرمة استعمال الملبّس بأحدهما إن كان على وجه لو انفصل كان إناءً مستقلاًّ ، دون ما إذا لم يكن كذلك ، ودون المفضّض والمموّه بأحدهما ، والممتزج منهما بحكم أحدهما وإن لم يصدق عليه اسم أحدهما ، بخلاف الممتزج من أحدهما بغيرهما ؛ لو لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما .

(مسألة 3) : الظاهر أنّ المراد بالأواني ما يستعمل في الأكل والشرب والطبخ والغسل والعجن ، مثل الكأس ، والكوز ، والقصاع ، والقدور ، والجفان ، والأقداح ، والطست ، والسماور ، والقوري ، والفنجان ، بل وكوز القليان والنعلبكي ، بل والملعقة على الأحوط ، فلا يشمل مثل رأس القليان ، ورأس الشطب ، وغلاف السيف والخنجر والسكّين والصندوق ، وما يصنع بيتاً للتعويذ ، وقاب الساعة ، والقنديل ، والخلخال وإن كان مجوّفاً ، وفي شمولها للهاون والمجامر والمباخر وظروف الغالية والمعجون والترياك ونحو ذلك ، تردّد وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 4) : كما يحرم الأكل والشرب من آنية الذهب والفضّة ؛ بوضعهما على فمه وأخذ اللقمة منها - مثلاً - كذلك يحرم تفريغ ما فيها في إناء آخر بقصد

ص: 140

الأكل والشرب . نعم ، لو كان التفريغ في إناء آخر بقصد التخلّص من الحرام لا بأس به ، بل ولا يحرم الأكل والشرب من ذلك الإناء بعد ذلك ، بل لا يبعد أن يكون المحرّم في الصورة الاُولى أيضاً نفس التفريغ في الآخر بذلك القصد ، دون الأكل والشرب منه ، فلو كان الصابّ منها في إناء آخر بقصد أكل الآخر أو شربه ، كان الصابّ مرتكباً للحرام بصبّه ، دون الآكل والشارب . نعم ، لو كان الصبّ بأمره واستدعائه لا يبعد أن يكون كلاهما مرتكباً للحرام : المأمور باستعمال الآنية ، والآمر بالأمر بالمنكر ؛ بناءً على حرمته ، كما لا تبعد .

(مسألة 5) : الظاهر أنّ الوضوء من آنية الذهب والفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة ، يبطل إن كان بنحو الرمس ، وكذا بنحو الاغتراف مع الانحصار ، ويصحّ مع عدمه كما تقدّم .

ص: 141

كتاب الصلاة

اشارة

وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي عمود الدين ، إن قُبلت قُبل ما سواها ، وإن رُدّت رُدّ ما سواها .

فصل : في مقدّمات الصلاة

اشارة

وهي ستّ :

المقدّمة الاُولى : في أعداد الفرائض ومواقيت اليومية ونوافلها

(مسألة 1) : الصلاة واجبة ومندوبة :

فالواجبة خمس : اليومية ، ومنها الجمعة ، وكذا قضاء ولد الأكبر عن والده ، وصلاة الآيات ، والطواف الواجب ، والأموات ، وما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما . وفي عدّ الأخيرة في الواجب مسامحة ؛ إذ الواجب هو الوفاء بالنذر ونحوه ، لا عنوان الصلاة .

والمندوبة أكثر من أن تحصى ؛ منها الرواتب اليومية : وهي ثمانِ ركعات للظهر قبله ، وثمانٍ للعصر قبله ، وأربع للمغرب بعده ، وركعتان من جلوس

ص: 142

للعشاء بعده تُعدّان بركعة ، تُسمّى بالوتيرة ، ويمتدّ وقتها بامتداد وقت صاحبها ، وركعتان للفجر قبل الفريضة ، ووقتهما الفجر الأوّل ، ويمتدّ إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار أداء الفريضة ، ويجوز دسّهما في صلاة الليل قبل الفجر ولو عند نصف الليل ، بل لا يبعد أن يكون وقتهما بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها ، ولكن الأحوط عدم الإتيان بهما قبل الفجر الأوّل إلاّ بالدسّ في صلاة الليل ، وإحدى عشرة ركعة نافلة الليل ؛ صلاة الليل ثمان ركعات ، ثمّ ركعتا الشفع ، ثمّ ركعة الوتر ، وهي مع الشفع أفضل صلاة الليل ، وركعتا الفجر أفضل منهما ، ويجوز الاقتصار على الشفع والوتر ، بل على الوتر خاصّة عند ضيق الوقت ، وفي غيره يأتي به رجاءً ، ووقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق ، والسحر أفضل من غيره ، والثلث الأخير من الليل كلّه سحر ، وأفضله القريب من الفجر ، وأفضل منه التفريق كما كان يصنعه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فعدد النوافل - بعد عدّ الوتيرة ركعة - أربع وثلاثون ركعة ضعف عدد الفرائض ، وتسقط في السفر الموجب للقصر ثمانيةُ الظهر وثمانيةُ العصر ، وتثبت البواقي ، والأحوط الإتيان بالوُتَيرة رجاءً .

(مسألة 2) : الأقوى ثبوت استحباب صلاة الغفيلة ، وليست من الرواتب ، وهي ركعتان بين صلاة المغرب وسقوط الشفق الغربي على الأقوى ، يقرأ في الاُولى بعد «الحمد» : (وَذَا النُّونِ إذْ ذهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أن لَن نَقْدِرَ عَلَيهِ فَنادى فِى الظُّلماتِ أَن لا إله إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ * فاستَجَبنا لَهُ وَنجَّيناهُ مِنَ الغمِّ وَكذلِكَ نُنجِى المُؤمِنين) ، وفي الثانية بعد «الحمد» : (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إلاّ هُو وَيَعلَمُ مَا فِى البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاّ

ص: 143

يَعلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إلاّ فِى كتابٍ مُبينٍ) ، فإذا فرغ رفع يديه وقال : «اللّهُمّ إنّي أسأ لُك بمفاتِح الغيبِ التي لا يَعلمُها إلاّ أنتَ أن تُصلّيَ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ وأن تفعلَ بي كذا وكذا» فيدعو بما أراد ، ثمّ قال : «اللّهُمّ أنتَ وليُّ نعمتِي والقادِرُ على طلِبتي تَعلَمُ حاجتي فأسأ لُكَ بحقِّ مُحمَّدٍ وآلِ مُحمّدٍ عليهِ وعليهِم السَّلامُ لمَّا قضيتَها لي» ، وسأل اللّه حاجته ، أعطاه اللّه - عزّ وجلّ - ما سأله إن شاء اللّه .

(مسألة 3) : يجوز إتيان النوافل الرواتب وغيرها جالساً حتّى في حال الاختيار ، لكن الأولى حينئذٍ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتّى في الوتر ، فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة .

(مسألة 4) : وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع - أي سبعي الشاخص - والعصر إلى الذراعين - أي أربعة أسباعه - فإذا وصل إلى هذا الحدّ يقدّم الفريضة .

(مسألة 5) : لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر على الزوال في يوم الجمعة ، بل يزاد على عددهما أربع ركعات ، فتصير عشرين ركعة ، وأمّا في غير يوم الجمعة فعدم الجواز لا يخلو من قوّة ، ومع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما فالأحوط الإتيان بهما رجاءً . ويجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر والشابّ الذي يخاف فوتها في وقتها ، بل وكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام ، وينبغي لهم نيّة التعجيل لا الأداء .

(مسألة 6) : وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب ، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله ، والعصر بآخره كذلك ، وما بينهما مشترك بينهما . ووقت العشاءين للمختار من المغرب إلى نصف الليل ، ويختصّ المغرب بأوّله

ص: 144

بمقدار أدائها ، والعشاء بآخره كذلك بحسب حاله ، وما بينهما مشترك بينهما .

والأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل - اضطراراً ؛ لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها ، أو عمداً - الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة ، ولو لم يبقَ إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً ، والأحوط قضاؤهما مترتّباً بعد الوقت . وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح .

ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص ، كما أنّ منتهى فضيلة العصر المِثلان ، ومبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام - أي أربعة أسباع الشاخص - على الأظهر ؛ وإن لا يبعد أن يكون مبدؤها بعد مقدار أداء الظهر . ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق ، وهو الحمرة المغربية ، وهو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث الليل ، فلها وقتا إجزاء : قبل ذهاب الشفق ، وبعد الثلث إلى النصف . ووقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحُمرة المشرقية ، ولعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلّل والإسفار وتنوّر الصبح المنصوص بها .

(مسألة 7) : المراد باختصاص الوقت : عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح ، فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه كصلاة القضاء من ذلك اليوم أو غيره ، وكذا لا مانع من إتيان الشريكة فيه ؛ إذا حصل فراغ الذمّة من صاحبة الوقت ، فإذا قدّم العصر سهواً على الظهر ، وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات ، يصحّ إتيان الظهر في ذلك الوقت أداءً ، وكذا لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت ، فدخل الوقت قبل تمامها ، لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها ، ولا يجب التأخير إلى مُضيّ مقدار أربع ركعات ، بل لو وقع تمام العصر في وقت الظهر صحّ على الأقوى ، كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر ، ثمّ تبيّن

ص: 145

عدم إتيانه ؛ وأنّ تمام العصر وقع في الوقت المختصّ بالظهر ، لكن لا يترك الاحتياط فيما لم يدرك جزءاً من الوقت المشترك .

(مسألة 8) : لو قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمداً ، بطل ما قدّمه ؛ سواء كان في الوقت المختصّ أو المشترك ، ولو قدّم سهواً وتذكّر بعد الفراغ ، صحّ ما قدّمه ، ويأتي بالاُولى بعده ، وإن تذكّر في الأثناء عدل بنيّته إلى السابقة ، إلاّ إذا لم يبقَ محلّ العدول ، كما إذا قدّم العشاء وتذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة ، والأحوط حينئذٍ الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب ثمّ العشاء ، بل بطلان العشاء لا يخلو من قوّة .

(مسألة 9) : إن بقي للحاضر مقدار خمس ركعات إلى الغروب وللمسافر ثلاث ، قدّم الظهر وإن وقع بعض العصر في خارج الوقت ، وإن بقي للحاضر أربع ركعات أو أقلّ ، وللمسافر ركعتان أو أقلّ ، صلّى العصر ، وإن بقي للحاضر إلى نصف الليل خمس ركعات أو أكثر ، وللمسافر أربع ركعات أو أكثر ، قدّم المغرب ، وإن بقي للحاضر والمسافر إليه أقلّ ممّا ذكر قدّم العشاء ، ويجب المبادرة إلى إتيان المغرب بعده إن بقي مقدار ركعة أو أزيد ، والظاهر كونه أداءً ، وإن كان الأحوط عدم نيّة الأداء والقضاء .

(مسألة 10) : يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس ، فلو دخل في الظهر أو المغرب ، فتبيّن في الأثناء أ نّه صلاّهما ، لا يجوز له العدول إلى اللاحقة ، بخلاف ما إذا دخل في الثانية بتخيّل أ نّه صلّى الاُولى ، فتبيّن في الأثناء خلافه ، فإنّه يعدل إلى الاُولى إن بقي محلّ العدول .

(مسألة 11) : لو كان مسافراً وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات ، فشرع

ص: 146

في الظهر - مثلاً - ثمّ نوى الإقامة في الأثناء ، بطلت صلاته ، ولا يجوز له العدول إلى اللاحقة فيقطعها ويشرع فيها ، كما أ نّه إذا كان في الفرض ناوياً للإقامة ، فشرع في اللاحقة ، ثمّ عدل عن نيّة الإقامة ، يكون العدول إلى الاُولى مُشكلاً .

(مسألة 12) : يجب على الأحوط على ذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أوّل وقتها مع رجاء زوالها في الوقت ، إلاّ في التيمّم ، فإنّه يجوز فيه البدار إلاّ مع العلم بارتفاع العذر فيه ، كما مرّ في بابه .

(مسألة 13) : الأقوى جواز التطوّع في وقت الفريضة ما لم يتضيّق ، وكذا لمن عليه قضاؤها .

(مسألة 14) : لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى ، أو عوّل على أمارة معتبرة كشهادة العدلين ، فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت ، وإن وقع بعضها فيه - ولو قليلاً منها - صحّت .

(مسألة 15) : لو مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة وتحصيل مقدّماتها ، كالطهارة المائية أو الترابية وغيرها على حسب حاله ، ثمّ حصل أحد الأعذار كالجنون والحيض ، وجب عليه القضاء ، وإلاّ لم يجب . نعم ، لو كانت المقدّمات حاصلة أوّل الوقت ، كفى فيه مقدار أدائها حسب حاله وتكليفه الفعلي ، وإن ارتفع العذر في آخر الوقت فإن وسع الطهارة والصلاتين وجبتا ، أو الطهارة وصلاة واحدة وجبت صاحبة الوقت ، وكذا الحال في إدراك ركعة مع الطهور ، فإن بقي مقدار تحصيل الطهور وإدراك ركعة أتى بالثانية ، وإن زاد عليها بمقدار ركعة مع تحصيل الطهور وجبتا معاً .

ص: 147

(مسألة 16) : يعتبر لغير ذي العذر العلمُ بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة ، ويقوم مقامه شهادة العدلين إذا كانت شهادتهما عن حسّ كالشهادة بزيادة الظلّ بعد نقصه ، ولا يكفي الأذان ولو كان المؤذّن عدلاً عارفاً بالوقت على الأحوط . وأمّا ذو العذر : ففي مثل الغيم ونحوه من الأعذار العامّة يجوز له التعويل على الظنّ به ، وأمّا ذو العذر الخاصّ كالأعمى والمحبوس ، فلا يترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخوله .

المقدّمة الثانية : في القبلة

(مسألة 1) : يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض ؛ يومية كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز ، وفي النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار ، وأمّا حال المشي والركوب وفي السفينة فلا يعتبر فيها .

(مسألة 2) : يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة ، وتقوم البيّنة مقامه على الأقوى مع استنادها إلى المبادئ الحسّية ، ومع تعذّرهما يبذل تمام جهده ويعمل على ظنّه ، ومع تعذّره وتساوي الجهات صلّى إلى أربع جهات إن وسع الوقت ، وإلاّ فبقدر ما وسع ، ولو ثبت عدمها في بعض الجهات بعلم ونحوه ، صلّى إلى المحتملات الاُخر ، ويعوّل على قبلة بلد المسلمين - في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم - إذا لم يعلم الخطأ .

(مسألة 3) : المتحيّر الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان ، فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاُولى ، كما أنّ الأحوط أن يتمّ جهات الاُولى ثمّ يشرع في الثانية ؛ وإن كان الأقوى جواز إتيان الثانية عقيب الاُولى في كلّ جهة .

ص: 148

(مسألة 4) : من صلّى إلى جهة بطريق معتبر ، ثمّ تبيّن خطؤه ، فإن كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين والشمال ، صحّت صلاته ، وإن كان في أثنائها مضى ما تقدّم منها واستقام في الباقي ؛ من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه . وإن تجاوز انحرافه عمّا بينهما ، أعاد في الوقت دون خارجه وإن بان استدباره ، إلاّ أنّ الأحوط القضاء مع الاستدبار بل مطلقاً . وإن انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بينهما ، فإن وسع الوقت حتّى لإدراك ركعة قطع الصلاة وأعادها مستقبلاً ، وإلاّ استقام للباقي ، وصحّت على الأقوى ولو مع الاستدبار ، والأحوط قضاؤها أيضاً .

المقدّمة الثالثة : في الستر والساتر

(مسألة 1) : يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها ، كالركعة الاحتياطية ، وقضاء الأجزاء المنسيّة على الأقوى ، وسجدتي السهو على الأحوط ، وكذا في النوافل ، دون صلاة الجنازة وإن كان أحوط فيها أيضاً ، ولا يترك الاحتياط في الطواف .

(مسألة 2) : لو بدت العورة - لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة وهو لا يعلم - فالصلاة صحيحة ، لكن يبادر إلى الستر إن علم في الأثناء ، والأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف ، وكذا لو نسي سترها في الصورتين .

(مسألة 3) : عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر وهي : الدبُر والقضيب والاُنثيان ، والأحوط ستر الشبح الذي يُرى من خلف الثوب من غير تميّز للونه . وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتّى الرأس والشعر ، ما عدا

ص: 149

الوجه الذي يجب غسله في الوضوء ، واليدين إلى الزندين ، والقدمين إلى الساقين ، ويجب عليها ستر شيء من أطراف المستثنيات مقدّمة .

(مسألة 4) : يجب على المرأة ستر رقبتها وتحت ذقنها حتّى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط .

(مسألة 5) : الأمة والصبيّة كالحرّة والبالغة ، إلاّ أ نّه لا يجب عليهما ستر الرأس والشعر والعنق .

(مسألة 6) : لا يجب التستّر من جهة التحت . نعم ، لو وقف على طرف سطح أو شبّاك يتوقّع وجود ناظر تحته ؛ بحيث ترى عورته لو كان هناك ناظر فالأحوط بل الأقوى التستّر من جهته أيضاً وإن لم يكن ناظر فعلاً ، وأمّا الشبّاك الذي لا يتوقّع وجود الناظر تحته - كالشبّاك على البئر - فلا يجب على الأقوى إلاّ مع وجود ناظر فيه .

(مسألة 7) : الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر ؛ ولو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء ؛ حتّى أ نّه يكفي الأليتان في ستر الدبر . وأمّا الستر في الصلاة فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار . وأمّا الستر بالورق والحشيش والقطن والصوف غير المنسوجين ، فالأقوى جوازه مطلقاً وإن لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأوّلين ، والأقوى لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتّى مثل الحشيش والورق ، جواز إتيان صلاة فاقد الساتر ؛ وإن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه وبين واجده .

(مسألة 8) : يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي اُمور :

الأوّل : الطهارة إلاّ فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كما تقدّم .

ص: 150

الثاني : الإباحة ، فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصبية ، فلو لم يعلم بها صحّت صلاته ، وكذا مع النسيان إلاّ في الغاصب نفسه ، فلا يُترك الاحتياط بالإعادة .

(مسألة 9) : لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعته أو متعلَّقاً لحقّ الغير كالمرهون ، ومن الغصب عيناً ما تعلّق به الخمس أو الزكاة ؛ مع عدم أدائهما ولو من مال آخر .

(مسألة 10) : إن صُبغ الثوب بصبغ مغصوب ، فمع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به - والباقي هو اللون فقط - تصحّ الصلاة فيه على الأقوى ، وأمّا لو بقي عينه فلا تصحّ على الأقوى . كما أنّ الأقوى عدم صحّتها في ثوب خيط بالمغصوب وإن لم يمكن ردّه بالفتق ، فضلاً عمّا يمكن . نعم ، لا إشكال في الصحّة فيما إذا اُجبر الصبّاغ أو الخيّاط على عمله ، ولم يُعطَ اُجرته ، مع كون الصبغ والخيط من مالك الثوب . وكذا إذا غسل الثوب بماء مغصوب أو اُزيل وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء عين منهما فيه ، أو اُجبر الغاسل على غسله ولم يُعطَ اُجرته .

الثالث : أن يكون مذكّىً من مأكول اللحم ، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المذكّى ، ولا في سائر أجزائه التي تحلّه الحياة ؛ ولو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة - كالسمك - على الأحوط ، وتجوز فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه كالصوف والشعر والوَبَر ونحوها . وأمّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شيء منه وإن ذُكّي ؛ من غير فرق بين ما تحلّه الحياة منه أو غيره ، بل يجب إزالة الفضلات الطاهرة منه ، كالرطوبة والشعرات الملتصقة بلباس المصلّي وبدنه .

ص: 151

نعم ، لو شكّ في اللباس - أو فيما عليه - في أ نّه من المأكول أو غيره ، أو من الحيوان أو غيره ، صحّت الصلاة فيه ، بخلاف ما لو شكّ فيما تحلّه الحياة من الحيوان أ نّه مذكّىً أو ميتة ، فإنّه لا يصلّي فيه حتّى يُحرز التذكية . نعم ، ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين ؛ مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه ، أو مع سبق يده مع احتمال أنّ المسلم الذي بيده تفحّص عن حاله ؛ بشرط معاملته معه معاملة المذكّى - على الأحوط - محكوم بالتذكية ، فتجوز الصلاة فيه .

(مسألة 11) : لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممتزج ، وأجزاء مثل البقّ والبرغوث والزنبور ، ونحوها ممّا لا لحم لها ، وكذلك الصدف .

(مسألة 12) : استثني ممّا لا يؤكل الخزُّ ، وكذا السنجاب على الأقوى ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الثاني ، وما يسمّونه الآن بالخزّ ولم يُعلم أ نّه منه واشتبه حاله ، لا بأس به وإن كان الأحوط الاجتناب عنه .

(مسألة 13) : لا بأس بفضلات الإنسان كشعره وريقه ولبنه ؛ سواء كان للمصلّي أو لغيره ، فلا بأس بالشعر الموصول بالشعر ؛ سواء كان من الرجل أو المرأة .

الرابع : أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة ولو كان حلياً كالخاتم ونحوه ، بل يحرم عليهم في غيرها أيضاً .

(مسألة 14) : لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب ، بل ولا بجعله غلافاً لها أو بدلاً منها في الصلاة بل مطلقاً . نعم ، في مثل الثنايا ممّا كان ظاهراً وقصد به التزيين ، لا يخلو من إشكال ، فالأحوط الاجتناب ، وكذا لا بأس بجعل قاب الساعة منه واستصحابها فيها . نعم ، إذا كان زنجيرها منه وعلّقه على رقبته أو

ص: 152

بلباسه يُشكل الصلاة معه ، بخلاف ما إذا كان غير معلّق - وإن كان معه في جيبه - فإنّه لا بأس به .

الخامس : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال ، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً ؛ وإن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً ، كالتكّة والقلنسوة ونحوهما على الأحوط . والمراد به ما يشمل القزّ . ويجوز للنساء ولو في الصلاة ، وللرجال في الضرورة وفي الحرب .

(مسألة 15) : الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير ، فلا بأس بالافتراش والركوب عليه والتدثّر به - أي التغطّي به عند النوم - ولا بزرّ الثياب وأعلامها والسفائف والقياطين الموضوعة عليها ، كما لا بأس بعصابة الجروح والقروح وحفيظة المسلوس ، بل ولا بأس بأن يرقّع الثوب به ، ولا الكفّ به ؛ لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير ، وإن كان الأحوط في الكفّ أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة ، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً .

(مسألة 16) : قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض ؛ أي الخالص الذي لم يمتزج بغيره ، فلا بأس بالممتزج . والمدار على صدق مسمّى الامتزاج ، الذي يخرج به عن المحوضة ولو كان الخليط بقدر العشر ، ويشترط في الخليط من جهة صحّة الصلاة فيه ، كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه ، فلا يكفي مزجه بصوف أو وَبَر ما لا يؤكل لحمه ؛ وإن كان كافياً في رفع حرمة اللبس . نعم ، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه ، كما لا تصحّ الصلاة فيه .

ص: 153

(مسألة 17) : لبس لباس الشهرة وإن كان حراماً على الأحوط ، وكذا ما يختصّ بالنساء للرجال وبالعكس على الأحوط ، لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة .

(مسألة 18) : لو شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه والصلاة فيه ، وكذا ما شكّ أ نّه حرير أو غيره - ومنه ما يُسمّى بالشعري لمن لا يعرف حقيقته - وكذا لو شكّ في أ نّه حرير محض أو ممتزج وإن كان الأحوط الاجتناب عنه .

(مسألة 19) : لا بأس بلبس الصبيّ الحرير ، فلا يحرم على الوليّ إلباسه ، ولا يبعد صحّة صلاته فيه أيضاً .

(مسألة 20) : لو لم يجد المصلّي ساتراً حتّى الحشيش والورق يصلّي عرياناً قائماً على الأقوى إن كان يأمن من ناظر محترم ، وإن لم يأمن منه صلّى جالساً ، وفي الحالين يومئ للركوع والسجود ، ويجعل إيماءه للسجود أخفض ، فإن صلّى قائماً يستر قُبُله بيده ، وإن صلّى جالساً يستره بفخذيه .

(مسألة 21) : يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر ، واحتمل وجوده في آخره ، ولكن عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .

المقدّمة الرابعة : في المكان

(مسألة 1) : كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلاّ المغصوب عيناً أو منفعة ، وفي حكمه ما تعلّق به حقّ الغير ، كالمرهون ، وحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث ولم يُخرج بعدُ ، بل ما تعلّق به حقّ السبق ؛ بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة - مثلاً - ولم يُعرض عنه على الأحوط . وإنّما تبطل الصلاة في

ص: 154

المغصوب إن كان عالماً بالغصبية وكان مختاراً ؛ من غير فرق بين الفريضة والنافلة ، أمّا الجاهل بها والمضطرّ والمحبوس بباطل فصلاتهم - والحالة هذه - صحيحة ، وكذا الناسي لها إلاّ الغاصب نفسه ، فإنّ الأحوط بطلان صلاته ، وصلاة المضطرّ كصلاة غيره بقيام وركوع وسجود .

(مسألة 2) : الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها ، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، ولا تجوز أيضاً في الأرض المشتركة إلاّ بإذن جميع الشركاء .

(مسألة 3) : لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب ، وفي الخيمة المغصوبة ، والصهوة والدار التي غصب بعض سورها إذا كان ما يصلّي فيه مباحاً ؛ وإن كان الأحوط الاجتناب في الجميع .

(مسألة 4) : لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة ، تبطل الصلاة فيها ، إلاّ إذا جعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد ، وكذا لا يجوز التصرّف مطلقاً في تركة الميّت ، المتعلَّقة للزكاة والخمس وحقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه . وكذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة ، بل وغير المستغرق ، إلاّ مع رضا الديّان ، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين . والأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضاً .

(مسألة 5) : المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحاً ؛ بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال ، وظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانياً لا يعتنى باحتمال خلافه ، وذلك كالمضايف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك .

ص: 155

(مسألة 6) : يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة ، كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يُبنَ عليها الحيطان ، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة ، كالاستطراقات العادية غير المضرّة ، والجلوس والنوم فيها وغير ذلك ، ولا يجب التفحّص عن ملاّكها ؛ من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار والمجانين . نعم ، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاّكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها ، يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً ، كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفية ومراتع دوابّها ومواشيها ، فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع .

(مسألة 7) : المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ، ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه ، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها ، فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة ، وقد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح ، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة .

(مسألة 8) : الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة ، لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع ، وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما ، لكن الأحوط ترك ذلك . ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم ، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين ، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضاً . وترتفع الكراهة بوجود الحائل وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد ، والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة ، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه ؛ وإن لا تبعد كفاية مطلقهما .

ص: 156

(مسألة 9) : الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم علیه السلام ، بل ومقدّماً عليه ، ولكن هو من سوء الأدب ، والأحوط الاحتراز منهما . ويرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم والمحاذاة ؛ ويخرج عن صدق وحدة المكان ، وكذا بالحائل الرافع لسوء الأدب ، والظاهر أ نّه ليس منه الشُبّاك والصندوق الشريف وثوبه .

(مسألة 10) : لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي ، إلاّ مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن . نعم ، تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ . كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً ، والأفضل التربة الحسينية التي تخرق الحجب السبع ، وتنوّر إلى الأرضين السبع على ما في الحديث ، ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن ، كالذهب والفضّة والزجاج والقير ونحو ذلك ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد . والأقوى جوازه على الخزف والآجر والنورة والجِصّ ولو بعد الطبخ ، وكذا الفحم ، وكذا يجوز على طين الأرمني وحجر الرحى ، وجميع أصناف المرمر ، إلاّ ما هو مصنوع ولم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها . ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس ، فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس ، كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما ، والفواكه والبقول المأكولة ، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل . ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها ، دون المتّصل بها إلاّ مثل قشر التفّاح والخيار ؛ ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً ، أو يأكله بعض الناس ، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط . نعم ، لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول ،

ص: 157

ومع عدم مأكولية لبّه ولو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً ، كما لا بأس بغير المأكول كالحنظل والخرنوب ونحوهما ، وكذلك لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما . ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه . والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير ، وكذا على قشر البطّيخ ونحوه ، ولا يبعد الجواز على قشر الأرُز والرمّان بعد الانفصال .

والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول ، فلا يجوز على القُطن والكتان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغَزل . نعم ، لا بأس على خشبتهما وغيرها ، كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتّخاذ الملابس المعتادة منها ، فلا بأس حينئذٍ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص مثلاً ، فضلاً عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها . والأحوط ترك السجود على القنب ، كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات ، كالمتّخذ من الحرير والإبريسم ، وإن كان الأقوى الجواز مطلقاً .

(مسألة 11) : يعتبر فيما يسجد عليه - مع الاختيار - كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه ، فلا يجوز على الوَحل غير المتماسك ، بل ولا على التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه ، ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته ، لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً ، ولو لم يكن عنده إلاّ الطين غير المتماسك ، سجد عليه بالوضع من غير اعتماد .

(مسألة 12) : إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه ، ولم يكن له مكان آخر ، يصلّي قائماً مومئاً للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى .

ص: 158

(مسألة 13) : إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه ، أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لعذر من تقيّة ونحوها ، سجد على ثوب القُطن أو الكتّان ، ومع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما ، ومع فقده سجد على ظهر كفّه ، وإن لم يتمكّن فعلى المعادن .

(مسألة 14) : لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت ، وفي الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم .

(مسألة 15) : يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً غير مضطرب ، فلو صلّى - اختياراً - في سفينة أو على سرير أو بَيدر ، فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته ، وإن حصل بحيث يصدق أ نّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها كالطيّارة والقطار ونحوهما ، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه . هذا كلّه مع الاختيار . وأمّا مع الاضطرار فيصلّي ماشياً وعلى الدابّة وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها ؛ مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته ، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان ، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلاّ في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكّن منه أصلاً سقط ، لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب . وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة ، فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله ، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه .

(مسألة 16) : يستحبّ الصلاة في المساجد ، بل يُكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر ، خصوصاً لجار المسجد ؛ حتّى ورد في الخبر : «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» . وأفضلها المسجد الحرام ، ثمّ مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ثمّ مسجد

ص: 159

الكوفة والأقصى ، ثمّ مسجد الجامع ، ثمّ مسجد القبيلة ، ثمّ مسجد السوق . والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ ، والأفضل بيت المخدع . وكذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة علیهم السلام ، خصوصاً مشهد أمير المؤمنين علیه السلام وحائر أبي عبداللّه الحسين علیه السلام .

(مسألة 17) : يكره تعطيل المسجد ، وقد ورد أ نّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى اللّه - عزّ وجلّ - يوم القيامة ، والآخران عالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه ، وورد «إنّ من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه ، فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات» .

(مسألة 18) : من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد ، وفيه أجر عظيم وثواب جسيم ، وقد ورد أ نّه قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه اللّه بكلّ شبر منه - أو قال : بكلّ ذراع منه - مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزُمُرّد وزَبَرجَد ولُؤلؤ . . .» الحديث .

(مسألة 19) : عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً ؛ بأن يقول : «وقفتها مسجداً قربة إلى اللّه تعالى» ، لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً ؛ مع قصد القربة ، وصلاة شخص واحد فيه بإذن الباني ، فتصير مسجداً .

(مسألة 20) : تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه ، وفي المزبلة

والمجزرة والمكان المتّخذ للكنيف - ولو سطحاً متّخذاً مبالاً - وبيت المسكر ، وفي أعطان الإبل . وفي مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم ،

ص: 160

والطرق إن لم تضرّ بالمارّة ، وإلاّ حرمت ، وفي قُرى النمل ومجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلاً ، وفي الأرض السبخة ، وفي كلّ أرض نزل فيها عذاب ، وعلى الثلج ، وفي معابد النيران ، بل كلّ بيت اُعدّ لإضرام النار فيه ، وعلى القبر وإليه وبين القبور . وترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل ، وببعد عشرة أذرع . ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة علیهم السلام وعن يمينها وشمالها ، وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام علیه السلام . وكذا تكره وبين يديه نار مُضرَمة أو سراج أو تمثالُ ذي روح ، وتزول في الأخير بالتغطية . وتكره وبين يديه مصحف أو كتاب مفتوح ، أو مقابله باب مفتوح ، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها ، وترتفع بستره . والكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر ، والأمر سهل .

المقدّمة الخامسة : في الأذان والإقامة

(مسألة 1) : لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس ؛ أداءً وقضاءً ، حضراً وسفراً ، في الصحّة والمرض ، للجامع والمنفرد ، للرجال والنساء ؛ حتّى قال بعض بوجوبهما ، والأقوى استحبابهما مطلقاً وإن كان في تركهما حرمان عن ثواب جزيل .

(مسألة 2) : يسقط الأذان في العصر والعشاء إذا جمع بينهما وبين الظهر والمغرب ؛ من غير فرق بين موارد استحباب الجمع ، مثل عصر يوم الجمعة وعصر يوم عرفة وعشاء ليلة العيد في المُزدَلِفة ؛ حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة وبين غيرها . ويتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين ، وبفعل النافلة الموظّفة بينهما على الأقوى ، فبإتيان

ص: 161

نافلة العصر بين الظهرين ونافلة المغرب بين العشاءين ، يتحقّق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان . والأقوى أنّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة وعشاء ليلة العيد بمزدلفة ، عزيمة ؛ بمعنى عدم مشروعيته ، فيحرم إتيانه بقصدها ، والأحوط الترك في جميع موارد الجمع .

(مسألة 3) : يسقط الأذان والإقامة في مواضع :

منها : الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها ؛ وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما .

ومنها : من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق ؛ سواء قصد الإتيان إليها أم لا ، وسواء صلّى جماعة - إماماً أو مأموماً - أم منفرداً ، فلو تفرّقت ، أو أعرضوا عن الصلاة وتعقيبها وإن بقوا في مكانهم ، لم يسقطا عنه ، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان وإقامة ؛ ولو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير ، وكذا فيما إذا كانت باطلة ؛ من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به أو من جهة اُخرى ، وكذا مع عدم اتّحاد مكان الصلاتين عرفاً ؛ بأن كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه ، أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً . وهل يختصّ الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضاً ؟ محلّ إشكال ، فلا يُترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد وغيره ، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد . وكذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيّتين ؛ بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة ، وكذا فيما لم تشتركا في الوقت ، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب ، والإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءً لا بأس به .

ص: 162

المقدّمة السادسة : [في إحضار القلب]

ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها وأفعالها ؛ فإنّه لا يُحسب للعبد من صلاته إلاّ ما أقبل عليه ، ومعناه الالتفات التامّ إليها وإلى ما يقول فيها ، والتوجّه الكامل نحو حضرة المعبود جلّ جلاله ، واستشعار عظمته وجلال هيبته ، وتفريغ قلبه عمّا عداه ، فيرى نفسه متمثّلاً بين يدي ملك الملوك عظيم العظماء ، مخاطباً له مناجياً إيّاه ، فإذا استشعر ذلك وقع في قلبه هيبة يهابه ، ثمّ يرى نفسه مقصّراً في أداء حقّه فيخافه ، ثمّ يلاحظ سعة رحمته فيرجو ثوابه ، فيحصل له حالة بين الخوف والرجاء ، وهذه صفة الكاملين ، ولها درجات شتّى ومراتب لا تُحصى على حسب درجات المتعبّدين ، وينبغي له الخضوع والخشوع ، والسكينة والوقار ، والزيّ الحسن والطيب والسواك قبل الدخول فيها والتمشيط ، وينبغي أن يصلّي صلاة مودّع ، فيجدّد التوبة والإنابة والاستغفار ، وأن يقوم بين يدي ربّه قيام العبد الذليل بين يدي مولاه ، وأن يكون صادقاً في مقالة : (إيَّاكَ نَعبُدُ وإيّاكَ نَستَعينُ) ؛ لا يقول هذا القول وهو عابد لهواه ، ومستعين بغير مولاه . وينبغي له أيضاً أن يبذل جهده في التحذّر عن موانع القبول ؛ من العُجب والحسد والكبر والغيبة وحبس الزكاة وسائر الحقوق الواجبة ؛ ممّا هو من موانع القبول .

فصل : في أفعال الصلاة

اشارة

وهي واجبة ومسنونة . والواجب أحد عشر : النيّة ، وتكبيرة الإحرام ، والقيام ، والركوع ، والسجود ، والقراءة ، والذكر ، والتشهّد ، والتسليم ، والترتيب ، والموالاة .

ص: 163

وسيأتي أنّ بعض ما ذكر ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه عمداً وسهواً ، لكن لا يتصوّر الزيادة في النيّة بناء على الداعي ، وبناء على الإخطار غير قادحة ، وغير الركن من الواجبات لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصانه سهواً دون عمد .

القول : في النيّة

(مسألة 1) : النيّة : عبارة عن قصد الفعل ، ويعتبر فيها التقرّب إلى اللّه تعالى وامتثال أمره ، ولا يجب فيها التلفّظ ؛ لأ نّها أمر قلبي ، كما لا يجب فيها الإخطار ؛ أي الحديث الفكري والإحضار بالبال ؛ بأن يرتّب في فكره وخزانة خياله ؛ مثلاً : اُصلّي صلاة فلانية امتثالاً لأمره ، بل يكفي الداعي : وهو الإرادة الإجمالية المؤثّرة في صدور الفعل ، المنبعثة عمّا في نفسه من الغايات ؛ على وجه يخرج به عن الساهي والغافل ، ويدخل فعله في فعل الفاعل المختار ، كسائر أفعاله الإرادية والاختيارية ، ويكون الباعث والمحرّك للعمل الامتثال ونحوه .

(مسألة 2) : يعتبر الإخلاص في النيّة ، فمتى ضمّ إليها ما ينافيه بطل العمل ، خصوصاً الرياء ، فإنّه مفسد على أيّ حال ؛ سواء كان في الابتداء أو الأثناء ، في الأجزاء الواجبة أو المندوبة ، وكذلك في الأوصاف المتّحدة مع الفعل ، ككون الصلاة في المسجد أو جماعة ونحو ذلك . ويحرم الرياء المتأخّر وإن لم يكن مبطلاً ، كما لو أخبر بما فعله من طاعة رغبة في الأغراض الدنيوية من المدح والثناء والجاه والمال ، فقد ورد في المرائي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء : يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك ، وبطل أجرك ، ولا خلاص لك اليوم ، التمس أجرك ممّن كنت تعمل له» .

ص: 164

(مسألة 3) : غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة ؛ إن كانت مقصودة تبعاً ، وكان الداعي والغرض الأصلي امتثال الأمر الصلاتي محضاً ، فلا إشكال ، وإن كان بالعكس بطلت بلا إشكال ، وكذا إذا كان كلٌّ منهما جزءاً للداعي ؛ بحيث لو لم ينضمّ كلٌّ منهما إلى الآخر لم يكن باعثاً ومحرّكاً ، والأحوط بطلان العمل في جميع موارد اشتراك الداعي ؛ حتّى مع تبعية داعي الضميمة ، فضلاً عن كونهما مستقلّين .

(مسألة 4) : لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير ، لم تبطل الصلاة بعد ما كان أصل إتيانهما بقصد الامتثال . وكذلك لو أوقع صلاته في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة ؛ بحيث يكون أصل الإتيان بداعي الامتثال ، وكان الداعي على اختيار ذلك المكان أو الزمان لغرض كالبرودة ونحوها .

(مسألة 5) : يجب تعيين نوع الصلاة التي يأتي بها في القصد ولو إجمالاً ؛ بأن ينوي - مثلاً - ما اشتغلت به ذمّته إذا كان متّحداً ، أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلاً أو ثانياً إذا كان متعدّداً .

(مسألة 6) : لا يجب قصد الأداء والقضاء ، بعد قصد العنوان الذي يتّصف بصفتي القضاء والأداء - كالظهر والعصر مثلاً - ولو على نحو الإجمال ، فلو نوى الإتيان بصلاة الظهر الواجبة عليه فعلاً ، ولم يشتغل ذمّته بالقضاء يكفي . نعم ، لو اشتغلت ذمّته بالقضاء أيضاً لا بدّ من تعيين ما يأتي به ، وأ نّه فرض لذلك اليوم أو غيره ، ولو كان من قصده امتثال الأمر المتعلّق به فعلاً ، وتخيّل أنّ الوقت باقٍ ، فنوى الأداء ، فبان انقضاء الوقت ، صحّت ووقعت قضاءً ، كما لو نوى القضاء بتخيّل خروج الوقت فبان عدم الخروج ، صحّت ووقعت أداءً .

(مسألة 7) : لا يجب نيّة القصر والإتمام في موضع تعيّنهما ، بل ولا في

ص: 165

أماكن التخيير ، فلو شرع في صلاة الظهر - مثلاً - مع الترديد والبناء على أ نّه بعد التشهّد الأوّل : إمّا يسلّم على الركعتين ، أو يلحق بهما الأخيرتين ، صحّت . بل لو عيّن أحدهما لم يلتزم به على الأظهر ، وكان له العدول إلى الآخر . بل الأقوى عدم التعيّن بالتعيين ، ولا يحتاج إلى العدول ، بل القصر يحصل بالتسليم بعد الركعتين ، كما أنّ الإتمام يحصل بضمّ الركعتين إليهما خارجاً من غير دخل القصد فيهما ، فلو نوى القصر فشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين ، يبني على الثلاث ، ويعالج صلاته عن الفساد من غير لزوم نيّة العدول ، بل لا يبعد أن يتعيّن العمل بحكم الشكّ . ولا ينبغي ترك الاحتياط بنيّة العدول في أشباهه ثمّ العلاج ثمّ إعادة العمل .

(مسألة 8) : لا يجب قصد الوجوب والندب ، بل يكفي قصد القربة المطلقة ، والأحوط قصدهما .

(مسألة 9) : لا يجب حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلاً ، بل يكفي الإجمال .

(مسألة 10) : لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ، أو الإتيان بالقاطع مع الالتفات إلى منافاته للصلاة ، فإن أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت ، وكذا لو أتى ببعض الأجزاء ، ثمّ عاد إلى النيّة الاُولى واكتفى بما أتى به . ولو عاد إلى الاُولى قبل أن يأتي بشيء لم يبطل ، كما أنّ الأقوى عدم البطلان مع الإتمام أو الإتيان ببعض الأجزاء في تلك الحال ؛ لو لم يلتفت إلى منافاة ما ذُكر للصلاة . والأحوط على جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة .

(مسألة 11) : لو شكّ فيما بيده أ نّه عيّنها ظهراً أو عصراً ، ويدري أ نّه لم يأتِ بالظهر ، ينويها ظهراً في غير الوقت المختصّ بالعصر ، وكذا لو شكّ في إتيان

ص: 166

الظهر على الأقوى . وأمّا في الوقت المختصّ به ، فإن علم أ نّه لم يأتِ بالعصر ، رفع اليد عنها واستأنف العصر إن أدرك ركعة من الوقت ، وقضى الظهر بعده . وإن لم يدرك رفع اليد عنها وقضى الصلاتين . والأحوط الذي لا يترك إتمامها عصراً مع إدراك بعض الركعة ثمّ قضاؤهما . وإن لم يدرِ إتيان الظهر فلا يبعد جواز عدم الاعتناء بشكّه ، لكن الأحوط قضاؤه أيضاً . ولو علم بإتيان الظهر قبل ذلك يرفع اليد عنها ويستأنف العصر . نعم ، لو رأى نفسه في صلاة العصر ، وشكّ في أ نّه من أوّل الأمر نواها أو نوى الظهر ، بنى على أ نّه من أوّل الأمر نواها .

(مسألة 12) : يجوز العدول من صلاة إلى اُخرى في مواضع :

منها : في الصلاتين المرتّبتين - كالظهرين والعشاءين - إذا دخل في الثانية قبل الاُولى سهواً أو نسياناً ، فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء ولم يتجاوز محلّ العدول . بخلاف ما إذا تذكّر بعد الفراغ ، أو بعد تجاوز محلّ العدول ، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء ، فتذكّر ترك المغرب ، فلا عدول ، بل يصحّ اللاحقة ، فيأتي بعدها بالسابقة في الفرض الأوّل - أي التذكّر بعد الفراغ - بل في الفرض الثاني أيضاً لا يخلو من قوّة ؛ وإن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب والعشاء مترتّباً . وكذا الحال في الصلاتين المقضيّتين المترتّبتين ، كما لو فات الظهران أو العشاءان من يوم واحد ، فشرع في قضائهما مقدِّماً للثانية على الاُولى فتذكّر . بل الأحوط - لو لم يكن الأقوى - أنّ الأمر

كذلك في مطلق الصلوات القضائية .

ومنها : إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً ، فإنّه يستحبّ أن يعدل إليه مع بقاء المحلّ إلاّ إذا خاف فوت وقت فضيلة ما بيده ، فإنّ في استحبابه تأمّلاً ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .

ص: 167

ومنها : العدول من الفريضة إلى النافلة ، وذلك في موضعين :

أحدهما : في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة «الجمعة» ، وقرأ سورة اُخرى ، وبلغ النصف أو تجاوز .

ثانيهما : فيما إذا كان متشاغلاً بالصلاة واُقيمت الجماعة وخاف السبق ، فيجوز له العدول إلى النافلة وإتمامها ركعتين ليلحق بها .

(مسألة 13) : لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض ، ولا من النفل إلى النفل حتّى فيما كان كالفرائض في التوقيت والسبق واللحوق . وكذا لا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة ، فلو دخل في فائتة ثمّ ذكر في أثنائها أنّ الحاضرة قد ضاق وقتها ، قطعها وأتى بالحاضرة ، ولا يجوز العدول عنها إليها . وكذا لا يجوز في الحاضرتين المرتّبتين من السابقة إلى اللاحقة ، بخلاف العكس ، فلو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانه ، فبان في الأثناء إتيانه ، لم يجز له العدول إلى العصر ، وإذا عدل في موضع لا يجوز العدول ، لا يبعد القول بصحّة المعدول عنه لو تذكّر قبل الدخول في ركن ، فعليه الإتيان بما أتى بغير عنوانه بعنوانه .

(مسألة 14) : لو دخل في ركعتين من صلاة الليل - مثلاً - بقصد الركعتين الثانيتين ، فتبيّن أ نّه لم يصلِّ الأوّلتين ، صحّت وحُسبت له الأوّلتان قهراً . وليس هذا من باب العدول ولا يحتاج إليه ؛ حيث إنّ الأوّلية والثانوية لا يعتبر فيها القصد ، بل المدار على ما هو الواقع .

القول : في تكبيرة الإحرام

وتسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً ، وصورتها «اللّه أكبر» ، ولا يجزي غيرها ولا مرادفها من العربية ، ولا ترجمتها بغير العربية . وهي ركن تبطل الصلاة بنقصانها

ص: 168

عمداً وسهواً ، وكذا بزيادتها ، فإذا كبّر للافتتاح ثمّ زاد ثانية له أيضاً بطلت الصلاة واحتاج إلى ثالثة ، فإن أبطلها برابعة احتاج إلى خامسة وهكذا . ويجب في حالها القيام منتصباً ، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت ، بل لا بدّ من تقديمه عليها مقدّمة ؛ من غير فرق في ذلك بين المأموم الذي أدرك الإمام راكعاً وغيره ، بل ينبغي التربّص في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّاً قائماً منتصباً . والأحوط أنّ الاستقرار في القيام كالقيام في البطلان بتركه عمداً أو سهواً ، فلو ترك الاستقرار سهواً أتى بالمنافي احتياطاً ، ثمّ كبّر مستقرّاً ، وأحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّاً .

(مسألة 1) : الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء ليحذف الهمزة من «اللّه» ، والظاهر جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة ، فيظهر إعراب راء «أكبر» ، والأحوط تركه أيضاً . كما أنّ الأحوط تفخيم اللام والراء ، وإن كان الأقوى جواز تركه .

(مسألة 2) : يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام قبلها أو بعدها أو بالتوزيع ، والأحوط الأوّل ، فيجعل الافتتاح السابعة .

والأفضل أن يأتي بالثلاث وِلاءً ، ثمّ يقول : «اللّهُمّ أنتَ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنِّي ظلمتُ نفسي ، فاغفِر لي ذَنبي ؛ إنَّهُ لا يغفِرُ الذنُوبَ إلاّ أنتَ» ، ثمّ يأتي باثنتين فيقول : «لبّيكَ وسعديكَ ، والخيرُ في يديكَ ، والشرُّ ليسَ إليكَ ، والمهدِيُّ مَن هديتَ ، لا ملجأَ منكَ إلاّ إليكَ ، سبحانكَ وحنانيكَ ، تباركتَ وتعاليتَ ، سُبحانكَ ربَّ البيتِ» ، ثمّ كبّر تكبيرتين ، ثمّ يقول : «وجَّهتُ وجهيَ لِلّذي فطرَ السَّماواتِ والأرض ، عالِم الغيبِ والشهادةِ ، حنيفاً مُسلماً وما أنا من

ص: 169

المُشركينَ ، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحيايَ ومماتي للّه ِ ربِّ العالمينَ ، لا شريكَ لهُ ، وبذلك اُمِرتُ وأنا من المُسلمينَ» ، ثمّ يشرع في الاستعاذة والقراءة .

(مسألة 3) : يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع من خلفه ، والإسرار بالستّ الباقية .

(مسألة 4) : يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الاُذنين ، أو إلى حِيال وجهه ، مبتدئاً بالتكبير بابتداء الرفع ومنتهياً بانتهائه . والأولى أن لا يتجاوز الاُذنين ، وأن يضمّ أصابع الكفّين ، ويستقبل بباطنهما القبلة .

(مسألة 5) : إذا كبّر ثمّ شكّ - وهو قائم - في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع ، بنى على الأوّل .

القول : في القيام

(مسألة 1) : القيام ركن في تكبيرة الإحرام التي تقارنها النيّة ، وفي الركوع ، وهو الذي يقع الركوع عنه ، وهو المعبّر عنه بالقيام المتّصل بالركوع ، فمن أخلّ به في هاتين الصورتين عمداً أو سهواً - بأن كبّر للافتتاح وهو جالس ، أو صلّى ركعة تامّة من جلوس ، أو ذكر حال الهويّ إلى السجود ترك الركوع وقام منحنياً بركوعه ، أو ذكر قبل الوصول إلى الركوع وقام متقوّساً وغير منتصب ولو ساهياً - بطلت صلاته . والقيام في غيرهما واجب ليس بركن ؛ لا تبطل الصلاة بنقصانه إلاّ عن عمد ، كالقيام حال القراءة ، فمن سها وقرأ جالساً ثمّ ذكر وقام فصلاته صحيحة ، وكذا بزيادته ، كمن قام ساهياً في محلّ القعود .

(مسألة 2) : يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام والانتصاب بحسب حال

ص: 170

المصلّي ، فلو انحنى أو مال إلى أحد الجانبين بحيث خرج عن صدقه بطل . بل الأحوط الأولى نصب العنق ؛ وإن كان الأقوى جواز إطراق الرأس . ولا يجوز الاستناد إلى شيء حال القيام مع الاختيار . نعم ، لا بأس به مع الاضطرار ، فيستند إلى إنسان أو غيره . ولا يجوز القعود مستقلاًّ مع التمكّن من القيام مستنداً .

(مسألة 3) : يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين ؛ بحيث يخرج عن صدق القيام ، بل وعدم التفريج غير المتعارف وإن صدق عليه القيام على الأقوى .

(مسألة 4) : لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد . نعم ، يجب الوقوف على القدمين على الأقوى ؛ لا على قدم واحدة ، ولا على الأصابع ، ولا على أصلهما .

(مسألة 5) : إن لم يقدر على القيام أصلاً ؛ ولو مستنداً أو منحنياً أو متفرّجاً - وبالجملة لم يقدر على جميع أنواع القيام ؛ حتّى الاضطراري منه بجميع أنحائه - صلّى من جلوس . ويعتبر فيه الانتصاب والاستقلال ، فلا يجوز فيه الاستناد والتمايل مع التمكّن من الاستقلال والانتصاب ، ويجوز مع الاضطرار . ومع تعذّر الجلوس رأساً صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كالمدفون ، فإن تعذّر منه فعلى الأيسر عكس الأوّل ، فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر .

(مسألة 6) : لو تمكّن من القيام ولم يتمكّن من الركوع قائماً ، صلّى قائماً ثمّ جلس وركع جالساً . وإن لم يتمكّن من الركوع والسجود أصلاً ؛ ولا من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالساً ، صلّى قائماً وأومأ للركوع والسجود . والأحوط

ص: 171

فيما إذا تمكّن من الجلوس أن يكون إيماؤه للسجود جالساً ، بل الأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته إن أمكن .

(مسألة 7) : لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع ، وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس ، ثمّ إذا قدر على القيام قام وهكذا .

(مسألة 8) : يجب الاستقرار في القيام وغيره من أفعال الفريضة كالركوع والسجود والقعود ، فمن تعذّر عليه الاستقرار ، وكان متمكّناً من الوقوف مضطرباً ، قدّمه على القعود مستقرّاً ، وكذا الركوع والذكر ورفع الرأس ، فيأتي بكلٍّ منها مضطرباً ، ولا ينتقل إلى الجلوس وإن حصل به الاستقرار .

القول : في القراءة والذكر

(مسألة 1) : يجب في الركعة الاُولى والثانية من الفرائض قراءة «الفاتحة» وسورة كاملة عقيبها . وله ترك السورة في بعض الأحوال ، بل قد يجب مع ضيق الوقت والخوف ونحوهما من أفراد الضرورة . ولو قدّمها على «الفاتحة» عمداً استأنف الصلاة ، ولو قدّمها سهواً وذكر قبل الركوع ، فإن لم يكن قرأ «الفاتحة» بعدها أعادها بعد أن يقرأ «الفاتحة» ، وإن قرأها بعدها أعادها دون «الفاتحة» .

(مسألة 2) : يجب قراءة «الحمد» في النوافل كالفرائض ؛ بمعنى كونها شرطاً في صحّتها . وأمّا السورة فلا تجب في شيء منها وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه . نعم ، النوافل التي وردت في كيفيتها سور خاصّة يعتبر في تحقّقها تلك السور ، إلاّ أن يعلم أنّ إتيانها بتلك السور شرط لكمالها ، لا لأصل مشروعيتها وصحّتها .

ص: 172

(مسألة 3) : الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة على كراهية ، بخلاف النافلة فلا كراهة فيها . والأحوط تركها في الفريضة .

(مسألة 4) : لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ، فإن فعله عامداً بطلت صلاته على إشكال ، وإن كان سهواً عدل إلى غيرها مع سعة الوقت ، وإن ذكر بعد الفراغ منها وقد فات الوقت أتمّ صلاته . وكذا لا يجوز قراءة إحدى السور العزائم في الفريضة ، فلو قرأها نسياناً إلى أن قرأ آية السجدة ، أو استمعها وهو في الصلاة ، فالأحوط أن يومئ إلى السجدة وهو في الصلاة ، ثمّ يسجد بعد الفراغ ؛ وإن كان الأقوى جوازَ الاكتفاء بالإيماء في الصلاة ، وجوازَ الاكتفاء بالسورة .

(مسألة 5) : البسملة جزء من كلّ سورة - فيجب قراءتها - عدا سورة «البراءة» .

(مسألة 6) : سورة «الفيل» و«الإيلاف» سورة واحدة ، وكذلك «والضحى» و«ألم نشرح» ، فلا تجزي واحدة منها ، بل لا بدّ من الجمع مرتّباً مع البسملة الواقعة في البين .

(مسألة 7) : يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة على الأقوى . ولو عيّن سورة ثمّ عدل إلى غيرها تجب إعادة البسملة للمعدول إليها . وإذا عيّن سورة عند البسملة ، ثمّ نسيها ولم يدرِ ما عيّن أعاد البسملة مع تعيين سورة معيّنة . ولو كان بانياً من أوّل الصلاة على أن يقرأ سورة معيّنة ، فنسي وقرأ غيرها ، أو كانت عادته قراءة سورة فقرأ غيرها ، كفى ولم يجب إعادة السورة .

ص: 173

(مسألة 8) : يجوز العدول اختياراً من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف ، عدا «التوحيد» و«الجحد» ، فإنّه لا يجوز العدول منهما إلى غيرهما ، ولا من إحداهما إلى الاُخرى بمجرّد الشروع . نعم ، يجوز العدول منهما إلى «الجمعة» و«المنافقين» في ظهر يوم الجمعة ، وفي الجمعة على الأقوى إذا شرع فيهما نسياناً ما لم يبلغ النصف .

(مسألة 9) : يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر والعصر ، ويجب على الرجال الجهر بها في الصبح واُوليي المغرب والعشاء ، فمن عكس عامداً بطلت صلاته . ويعذر الناسي ، بل مطلق غير العامد والجاهل بالحكم من أصله غير المتنبّه للسؤال ، بل لا يعيدون ما وقع منهم من القراءة بعد ارتفاع العذر في الأثناء . أمّا العالم به في الجملة الذي جهل محلّه أو نساه ، والجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال عنه ، فالأحوط لهما الاستئناف ؛ وإن كان الأقوى الصحّة مع حصول نيّة القربة منهما . ولا جهر على النساء ، بل يتخيّرنَ بينه وبين الإخفات مع عدم الأجنبيّ ، ويجب عليهنّ الإخفات فيما يجب على الرجال ، ويُعذَرنَ فيما يُعذَرون فيه .

(مسألة 10) : يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين ل_ «الحمد» والسورة ، كما أ نّه يستحبّ لهم الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات .

(مسألة 11) : مناط الجهر والإخفات ظهور جوهر الصوت وعدمه ، لا سماع من بجانبه وعدمه . ولا يجوز الإفراط في الجهر كالصياح ، كما أ نّه لا يجوز الإخفات بحيث لا يسمع نفسه مع عدم المانع .

ص: 174

(مسألة 12) : يجب أن تكون القراءة صحيحة ، فلو أخلّ عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك بطلت صلاته . ومن لا يحسن «الفاتحة» أو السورة يجب عليه تعلّمهما .

(مسألة 13) : المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها على نحو يعدّه أهل اللسان مؤدّياً للحرف الفلاني دون حرف آخر ، ومراعاة حركات البِنية وما له دَخل في هيئة الكلمة ، والحركات والسكنات الإعرابية والبنائية على وفق ما ضبطه علماء العربية ، وحذف همزة الوصل في الدرج كهمزة «أل_» وهمزة (إهدِنَا) على الأحوط ، وإثبات همزة القطع كهمزة (أَنعَمتَ) . ولا يلزم مراعاة تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف ، فضلاً عمّا يرجع إلى صفاتها ؛ من الشدّة والرخوة والتفخيم والترقيق والاستعلاء وغير ذلك . ولا الإدغام الكبير ؛ وهو إدراج الحرف المتحرّك - بعد إسكانه - في حرف مماثل له مع كونهما في كلمتين ، مثل (يَعلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِم) بإدراج الميم في الميم ، أو مقارب له ولو في كلمة واحدة ك_ (يَرزُقُكُم) و(زُحزِحَ عَنِ النَّارِ) بإدراج القاف في الكاف والحاء في العين . بل الأحوط ترك مثل هذا الإدغام ، خصوصاً في المقارب بل ولا يلزم مراعاة بعض أقسام الإدغام الصغير ، كإدراج الساكن الأصلي فيما يقاربه ، ك_ (مِن ربِّكَ) بإدراج النون في الراء . نعم ، الأحوط مراعاة المدّ اللازم ، وهو ما كان حرف المدّ وسبباه - أي الهمزة والسكون - في كلمة واحدة ، مثل (جآء) و(سوء) و(جيء) و(دآبّة) و(ق) و(ص) . وكذا ترك الوقف على المتحرّك ، والوصل مع السكون ، وإدغام التنوين والنون الساكنة في حروف «يرملون» ؛ وإن كان المترجّح في النظر عدم لزوم شيء ممّا ذكر .

ص: 175

(مسألة 14) : الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع . كما أنّ الأحوط عدم التخلّف عمّا في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين ؛ وإن كان التخلّف في بعض الكلمات - مثل (مَلِكِ يَومِ الدِّينِ) و(كُفُواً أَحَدٌ) - غير مضرّ ، بل لا يبعد جواز القراءة بإحدى القراءات .

(مسألة 15) : يجوز قراءة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و(مَلِكِ يَومِ الدِّينِ) ، ولا يبعد أن يكون الأوّل أرجح ، وكذا يجوز في (الصِّراط) أن يقرأ بالصاد والسين ، والأرجح بالصاد . وفي (كُفُواً أَحَدٌ) وجوه أربعة : بضمّ الفاء وسكونه مع الهمزة أو الواو ، ولا يبعد أن يكون الأرجح بضمّ الفاء مع الواو .

(مسألة 16) : من لا يقدر إلاّ على الملحون أو تبديل بعض الحروف ، ولا يستطيع أن يتعلّم أجزأه ذلك ، ولا يجب عليه الائتمام وإن كان أحوط ، ومن كان قادراً على التصحيح والتعلّم ولم يتعلّم ، يجب عليه على الأحوط الائتمام مع الإمكان .

(مسألة 17) : يتخيّر فيما عدا الركعتين الاُوليين من الفريضة بين الذكر و«الفاتحة» ، ولا يبعد أن يكون الأفضل للإمام القراءة ، وللمأموم الذكر ، وهما للمنفرد سواء ، وصورته : «سبحانَ اللّه ِ والحمدُ للّه ِ ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ واللّه ُ أكبر» . وتجب المحافظة على العربية . ويجزي مرّة واحدة ، والأحوط الأفضل التكرار ثلاثاً ، والأولى إضافة الاستغفار إليها . ويجب الإخفات في الذكر والقراءة حتّى البسملة على الأحوط . ولا يجب اتّفاق الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة .

(مسألة 18) : لو قصد التسبيح مثلاً فسبق لسانه إلى القراءة من غير تحقّق

ص: 176

القصد إليها ولو ارتكازاً ، فالأقوى عدم الاجتزاء بها ، ومع تحقّقه فالأقوى الصحّة . وكذا الحال لو فعل ذلك غافلاً من غير قصد إلى أحدهما ، فإنّه مع عدمه ولو ارتكازاً فالأقوى عدم الصحّة ، وإلاّ فالأقوى الصحّة .

(مسألة 19) : لو قرأ «الفاتحة» بتخيّل أ نّه في الاُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزئ بها . وكذا لو قرأها بتخيّل أ نّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الاُوليين .

(مسألة 20) : الأحوط أن لايزيد على ثلاثة تسبيحات إلاّ بقصد الذكر المطلق .

(مسألة 21) : يستحبّ قراءة «عمّ يتساءلون» أو «هل أتى» أو «الغاشية» أو «القيامة» وأشباهها في صلاة الصبح ، وقراءة «سبّح اسم» أو «والشمس» في الظهر و«إذا جاء نصر اللّه» و«ألهاكم التّكاثر» في العصر والمغرب . والأولى اختيار قراءة «الجمعة» في الركعة الاُولى من العشاءين ، و«الأعلى» في الثانية منهما في ليلة الجمعة ، وقراءة سورة «الجمعة» في الركعة الاُولى ، و«المنافقين» في الثانية في الظهر والعصر من يوم الجمعة ، وكذا في صبح يوم الجمعة ، أو يقرأ فيها في الاُولى «الجمعة» ، و«التوحيد» في الثانية ، وفي المغرب في ليلة الجمعة في الاُولى «الجمعة» ، وفي الثانية «التوحيد» . كما أ نّه يستحبّ في كلّ صلاة قراءة سورة «القدر» في الاُولى و«التوحيد» في الثانية .

(مسألة 22) : قد عرفت أ نّه يجب الاستقرار حال القراءة والأذكار ، فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء لغرض ، يجب تركهما حال الحركة ، لكن لا يضرّ مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين وإن كان الترك أولى . ولو تحرّك حال القراءة قهراً فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة .

ص: 177

(مسألة 23) : لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة ، يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ، ويجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز ، ولو شكّ ثانياً أو ثالثاً لا بأس بالتكرار ما لم يكن عن وسوسة ، وإلاّ فلا يعتني بشكّه .

القول : في الركوع

(مسألة 1) : يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليومية ركوع واحد ، وهو ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه عمداً وسهواً ، إلاّ في الجماعة للمتابعة بتفصيل يأتي في محلّه . ولا بدّ فيه من الانحناء المتعارف بحيث تصل يده إلى ركبته ، والأحوط وصول الراحة إليها ، فلا يكفي مسمّى الانحناء .

(مسألة 2) : من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد ، فإن لم يتمكّن ولو بالاعتماد أتى بالممكّن منه ، ولا ينتقل إلى الجلوس وإن تمكّن منه جالساً . نعم ، لو لم يتمكّن من الانحناء أصلاً انتقل إليه ، والأحوط صلاة اُخرى بالإيماء قائماً .

وإن لم يتمكّن من الركوع جالساً أجزأ الإيماء حينئذٍ ، فيومئ برأسه قائماً ، فإن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع ، وفتحهما للرفع منه . ويتحقّق ركوع الجالس بانحنائه بحيث يساوي وجهه ركبتيه ، والأفضل الأحوط الزيادة على ذلك بحيث يحاذي مسجده .

(مسألة 3) : يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ، فلو انحنى بقصد وضع شيء على الأرض - مثلاً - لا يكفي في جعله ركوعاً ، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء له .

(مسألة 4) : من كان كالراكع - خِلقةً أو لعارض - إن تمكّن من الانتصاب

ص: 178

ولو بالاعتماد لتحصيل القيام الواجب ليركع عنه وجب ، وإن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ فلا بدّ منه في الجملة وما هو أقرب إلى القيام . وإن لم يتمكّن أصلاً ، وجب أن ينحني أزيد من المقدار الحاصل إن لم يخرج بذلك عن حدّ الركوع . وإن لم يتمكّن منه ؛ بأن لم يقدر على زيادة الانحناء ، أو كان انحناؤه بالغاً أقصى مراتب الركوع ؛ بحيث لو زاد خرج عن حدّه ، نوى الركوع بانحنائه ، ولا يُترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضاً ، ومع عدم تمكّنه من الإيماء ، يجعل غمض العينين ركوعاً وفتحهما رفعاً على الأحوط ، وأحوط منه أن ينوي الركوع بالانحناء مع الإيماء وغمض العين مع الإمكان .

(مسألة 5) : لو نسي الركوع فهوى إلى السجود ، وتذكّر قبل وضع جبهته على الأرض ، رجع إلى القيام ثمّ ركع ، ولا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع ، ولو تذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى ، أو بعد رفع الرأس منها ، فالأحوط العود إلى الركوع - كما مرّ - وإتمام الصلاة ثمّ إعادتها .

(مسألة 6) : لو انحنى بقصد الركوع ، ولمّا وصل إلى حدّه نسي وهوى إلى السجود ، فإن تذكّر قبل أن يخرج من حدّه ، بقي على تلك الحال مطمئنّاً وأتى بالذكر . وإن تذكّر بعد خروجه من حدّه ، فإن عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آناً ما ، فالأقوى السجود بلا انتصاب وإلاّ فلا يترك الاحتياط بالانتصاب ثمّ الهويّ إلى السجود وإتمام الصلاة وإعادتها .

(مسألة 7) : يجب الذكر في الركوع ، والأقوى الاجتزاء بمطلقه ، والأحوط كونه بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى ، كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من الصغرى ، وهي «سبحانَ اللّه» أو الكبرى

ص: 179

الواحدة ، وهي «سُبحانَ ربِّيَ العظيمِ وبحمدِهِ» ، والأحوط الأولى اختيار الأخيرة ، وأحوط منه تكرارها ثلاثاً .

(مسألة 8) : يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب ، فإن تركها عمداً بطلت صلاته ، بخلافه سهواً ؛ وإن كان الأحوط الاستئناف معه أيضاً . ولو شرع في الذكر الواجب عامداً قبل الوصول إلى حدّ الركوع ، أو بعده قبل الطمأنينة ، أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن اسمه أو بعده ، لم يجز الذكر المزبور قطعاً ، والأقوى بطلان صلاته ، والأحوط إتمامها ثمّ استئنافها ، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً ؛ لو جاء به كذلك بقصد الخصوصية ، وإلاّ فلا إشكال . ولو لم يتمكّن من الطمأنينة - لمرض أو غيره - سقطت ، لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع ، ويجب أيضاً رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً مطمئنّاً ، فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت صلاته .

(مسألة 9) : يستحبّ التكبير للركوع وهو قائم منتصب ، والأحوط عدم تركه . ويستحبّ رفع اليدين حال التكبير ، ووضع الكفّين مُفرّجات الأصابع على الرُكبتين حال الركوع ، والأحوط عدم تركه مع الإمكان . وكذا يستحبّ ردّ الرُكبتين إلى الخلف وتسوية الظهر ومدّ العنق والتجنيح بالمِرفَقين ، وأن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين ، واختيار التسبيحة الكبرى ، وتكرارها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بل أزيد ، ورفع اليدين للانتصاب من الركوع ، وأن يقول بعد الانتصاب : «سَمِعَ اللّه ُ لِمَن حَمِدَهُ» ، وأن يكبّر للسجود ويرفع يديه له . ويكره أن يطأطئ رأسه حال الركوع ، وأن يضمّ يديه إلى جنبيه ، وأن يُدخل يديه بين ركبتيه .

ص: 180

القول : في السجود

(مسألة 1) : يجب في كلّ ركعة سجدتان ، وهما معاً ركن ؛ تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في الركعة الواحدة ونقصانهما كذلك عمداً أو سهواً ، فلو أخلّ بواحدة - زيادةً أو نقصاناً - سهواً فلا بطلان . ولا بدّ فيه من الانحناء ووضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه . وهذا مدار الركنية والزيادة العمدية والسهوية .

ويُعتبر فيه اُمور اُخر لا مدخلية لها في ذلك :

منها : السجود على ستّة أعضاء : الكفّين والرُكبتين والإبهامين . والمعتبر باطن الكفّين ، والأحوط الاستيعاب العرفي ، هذا مع الاختيار . وأمّا مع الاضطرار فيُجزي مسمّى الباطن ، ولو لم يقدر إلاّ على ضمّ الأصابع إلى كفّه والسجود عليها يجتزئ به ، ومع تعذّر ذلك كلّه يجزي الظاهر ، ومع عدم إمكانه أيضاً - لقطع ونحوه - ينتقل إلى الأقرب من الكفّ . وأمّا الركبتان فيجب صدق مسمّى السجود على ظاهرهما وإن لم يستوعبه . وأمّا الإبهامان فالأحوط مراعاة طرفيهما . ولا يجب الاستيعاب في الجبهة ، بل يكفي صدق السجود على مسمّاها ، ويتحقّق بمقدار رأس الأنمُلة ، والأحوط أن يكون بمقدار الدرهم ، كما أنّ الأحوط كونه مجتمعاً لا متفرّقاً ؛ وإن كان الأقوى عدم الفرق ، فيجوز على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنمُلة . ولا بدّ من رفع ما يمنع من مباشرتها لمحلّ السجود من وسخ أو غيره فيها أو فيه ؛ حتّى لو لصق بجبهته تربة أو تراب أو حصاة ونحوها في السجدة الاُولى ، تجب إزالتها للثانية على الأحوط لو لم يكن الأقوى . والمراد بالجبهة هنا : ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف الأعلى والحاجبين طولاً ، وما بين الجبينين عرضاً .

ص: 181

(مسألة 2) : الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة ، فلا يجزي مجرّد المماسّة ، ولا يجب مساواتها فيه . كما لا تضرّ مشاركة غيرها معها فيه ، كالذراع مع الكفّين ، وسائر أصابع الرجلين مع الإبهامين .

ومنها : وجوب الذكر على نحو ما تقدّم في الركوع ، والتسبيحة الكبرى هاهنا : «سُبْحانَ ربِّيَ الأَعلى وبِحَمْدِهِ» .

ومنها : وجوب الطمأنينة حال الذكر الواجب نحو ما سمعته في الركوع .

ومنها : وجوب كون المساجد السبعة في محالّها حال الذكر ، فلا بأس بتغيير المحلّ فيما عدا الجبهة أثناء الذكر الواجب حال عدم الاشتغال ، فلو قال : «سُبحانَ اللّه» ، ثمّ رفع يده لحاجة أو غيرها ووضعها ، وأتى بالبقيّة ، لا يضرّ .

ومنها : وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه على ما مرّ في مبحث المكان .

ومنها : رفع الرأس من السجدة الاُولى والجلوس مطمئنّاً معتدلاً .

ومنها : أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضعُ جبهتِهِ موقِفَه ، فلو ارتفع أحدهما على الآخر لا تصحّ ، إلاّ أن يكون التفاوت بينهما قدر لبنة - موضوعة على سطحها الأكبر - في اللبن المتعارفة ، أو أربع أصابع كذلك مضمومات . ولا يعتبر التساوي في سائر المساجد لا بعضها مع بعض ، ولا بالنسبة إلى الجبهة ، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّاه .

(مسألة 3) : المراد بالموقف الذي يجب عدم التفاوت بينه وبين موضع الجبهة بما تقدّم ، الركبتان والإبهامان على الأحوط ، فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من جبهته بأزيد ممّا تقدّم ، بطلت صلاته على الأحوط وإن ساوى موضعُ رُكبتيه موضعَ جبهته .

ص: 182

(مسألة 4) : لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر ، فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً ، فالأحوط الأولى رفعها ووضعها على المحلّ الجائز ، ويجوز جرّها أيضاً ، وإن كان بمقدار يصدق معه السجود عرفاً فالأحوط الجرّ إلى الأسفل ، ولو لم يمكن فالأحوط الرفع والوضع ، ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها .

(مسألة 5) : لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود عليه ، جرّها عنه إلى ما يجوز السجود عليه ، وتصحّ صلاته ، وليس له رفعها عنه . ولو لم يمكن إلاّ الرفع المستلزم لزيادة السجود ، فالأحوط إتمام صلاته ثمّ استئنافها من رأس ؛ سواء كان الالتفات إليه قبل الذكر الواجب أو بعده . نعم ، لو كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود كفاه الإتمام .

(مسألة 6) : من كان بجبهته علّة كالدمّل ، فإن لم تستوعبها وأمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض - ولو بحفر حفيرة وجعل الدمّل فيها - وجب . وإن استوعبتها ، أو لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض ، سجد على أحد الجبينين ، والأولى تقديم الأيمن على الأيسر ، وإن تعذّر سجد على ذقنه ، وإن تعذّر فالأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدّم رأسه على الأرض ، ومع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته .

(مسألة 7) : لو ارتفعت جبهته من الأرض قهراً وعادت إليها قهراً ، فلا يبعد أن يكون عوداً إلى السجدة الاُولى ، فيحسب سجدة واحدة ؛ سواء كان الارتفاع قبل القرار أو بعده ، فيأتي بالذكر الواجب ، ومع القدرة على الإمساك بعد الرفع يحسب هذا الوضع سجدة واحدة مطلقاً ؛ سواء كان الرفع قبل القرار أو بعده .

ص: 183

(مسألة 8) : من عجز عن السجود ، فإن أمكنه تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة ، يجب محافظاً على ما عرفت وجوبه ؛ من وضع المساجد في محالّها مع التمكّن والاعتماد والذكر والطمأنينة ونحوها ، فإذا تمكّن من الانحناء فعل بمقدار ما يتمكّن ، ورفع المسجد إلى جبهته واضعاً لها عليه ؛ مراعياً لما تقدّم من الواجبات ، وإن لم يتمكّن من الانحناء أصلاً أومأ إليه برأسه ، وإن لم يتمكّن فبالعينين ، والأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه ، ومع عدم تحقّق الميسور من السجود لا يجب وضع المساجد في محالّها وإن كان أحوط .

(مسألة 9) : يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع للأخذ في السجود وللرفع منه ، والسبق باليدين إلى الأرض عند الهويّ إليه ، واستيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، والإرغام بمسمّاه بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه ، والأحوط عدم تركه ، وتسوية موضع الجبهة مع الموقف ، بل جميع المساجد ، وبسط الكفّين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الاُذُنين موجّهاً بهما إلى القبلة ، والتجافي حال السجود ؛ بمعنى رفع البطن عن الأرض ، والتجنيح : بأن يرفع مرفقيه عن الأرض ؛ مفرّجاً بين عضديه وجنبيه ، مبعّداً يديه عن بدنه جاعلاً يديه كالجناحين ، والدعاء بالمأثور قبل الشروع في الذكر وبعد رفع الرأس من السجدة الاُولى ، واختيار التسبيحة الكبرى وتكرارها ، والختم على الوتر ، والدعاء في السجود أو الأخير منه بما يريد من حاجات الدنيا والآخرة ، سيّما طلب الرزق الحلال ؛ بأن يقول : «يا خَيرَ المسؤولينَ ويا خيرَ المُعطيِنَ ارزُقني وارزُق عيالي من فَضلِكَ فإنّك ذُو الفضلِ العظيم» ، والتورّك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما ؛ بأن يجلس على فخذه الأيسر جاعلاً ظهر

ص: 184

القدم اليمنى على بطن اليسرى ، وأن يقول بين السجدتين : «أستغفِرُ اللّه ربِّي وأتُوبُ إليه» ، ووضع اليدين حال الجلوس على الفخذين ؛ اليمنى على اليمنى ، واليسرى على اليسرى ، والجلوس مطمئنّاً بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم ، وهو المسمّى بالجلسة الاستراحة ، والأحوط لزوماً عدم تركها ، وأن يقول إذا أراد النهوض إلى القيام : «بِحولِ اللّه ِ وقوّتِه أقُومُ وأقعُد» ، وأن يعتمد على يديه عند النهوض من غير عجن بهما ؛ أي لا يقبضهما ، بل يبسطهما على الأرض .

(مسألة 10) : تختصّ المرأة في الصلاة بآداب : الزينة بالحلي والخضاب ، والإخفات في قولها ، والجمع بين قدميها حال القيام ، وضمّ ثدييها بيديها حاله ، ووضع يديها على فخذيها حال الركوع ، غير رادّة ركبتيها إلى ورائها ، والبدأة للسجود بالقعود ، والتضمّم حاله لاطئةً بالأرض فيه غير متجافية ، والتربّع في جلوسها مطلقاً .

القول : في سجدتي التلاوة والشكر

(مسألة 1) : يجب السجود عند تلاوة آيات أربع في السور الأربع : آخر «النجم» و«العلق» ، و(لا يستكبرون) في «الم تنزيل» و(تعبدون) في «حم فصِّلت» ، وكذا عند استماعها دون سماعها على الأظهر ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط . والسبب مجموع الآية ، فلا يجب بقراءة بعضها ؛ ولو لفظ السجدة منها وإن كان أحوط ، ووجوبها فوري لا يجوز تأخيرها ، وإن أخّرها ولو عصياناً يجب إتيانها ولا تسقط .

(مسألة 2) : يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب وتخلّل السجود

ص: 185

قطعاً ، وهو مع التعاقب بلا تخلّله لا يخلو من قوّة ، ومع عدم التعاقب لا يبعد عدمه .

(مسألة 3) : إن قرأها أو استمعها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع ، ولا يكفي البقاء بقصده ، ولا الجرّ إلى مكان آخر ، وكذا فيما إذا كان جبهته على الأرض لا بقصد السجدة ، فسمع أو قرأ آية السجدة .

(مسألة 4) : الظاهر أ نّه يعتبر في وجوبها على المستمع ، كون المسموع صادراً بعنوان التلاوة وقصد القرآنية ، فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصدها لا تجب بسماعها ، وكذا لو سمعها من صبيّ غير مميّز أو نائم أو من حبس صوت ، وإن كان الأحوط ذلك ، خصوصاً في النائم .

(مسألة 5) : يعتبر في السماع تمييز الحروف والكلمات ، فلا يكفي سماع الهمهمة وإن كان أحوط .

(مسألة 6) : يعتبر في هذا السجود - بعد تحقّق مسمّاه - النيّة وإباحة المكان ، والأحوط وضع المواضع السبعة ، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ؛ وإن كان الأقوى عدم اللزوم . نعم ، الأحوط ترك السجود على المأكول والملبوس ، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه ، ولا يعتبر فيه الاستقبال ، ولا الطهارة من الحدث والخبث ، ولا طهارة موضع الجبهة ، ولا ستر العورة .

(مسألة 7) : ليس في هذا السجود تشهّد ولا تسليم ولا تكبيرة افتتاح . نعم ، يستحبّ التكبير للرفع عنه ، ولا يجب فيه الذكر ، بل يستحبّ ، ويكفي مطلقه ، والأولى أن يقول : «لا إلهَ إلاّ اللّه ُ حقّاً حقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّه ُ إيماناً وتصديقاً ، لا إلهَ إلاّ

ص: 186

اللّه عُبودِيَّةً ورِقّاً ، سَجَدتُ لَكَ يا ربِّ تعبُّداً ورِقّاً ، لا مُستنكِفاً ولا مُستكبراً ، بل أنا عبدٌ ذليلٌ خائفٌ مستجيرٌ» .

(مسألة 8) : السجود للّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات ، وقد ورد فيه : «أ نّه ما عُبد اللّه بمثله» ، و«أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد» ، ويستحبّ أكيداً للشكر للّه عند تجدّد كلّ نعمة ، ودفع كلّ نقمة ، وعند تذكّرهما ، وللتوفيق لأداء كلّ فريضة أو نافلة ، بل كلّ فعل خير حتّى الصلح بين اثنين . ويجوز الاقتصار على واحدة ، والأفضل أن يأتي باثنتين ؛ بمعنى الفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين ، ويكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النيّة ، والأحوط فيه وضع المساجد السبعة ، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، بل اعتبار عدم كونه ملبوساً أو مأكولاً لا يخلو من قوّة ، كما تقدّم في سجود التلاوة . ويستحبّ فيه افتراش الذراعين وإلصاق الجؤجؤ والصدر والبطن بالأرض . ولا يشترط فيه الذكر ؛ وإن استُحبّ أن يقول : «شُكراً للّه ِ» أو «شُكراً شُكراً» مائة مرّة ، ويكفي ثلاث مرّات ، بل مرّة واحدة .

وأحسن ما يقال فيه ما ورد عن مولانا الكاظم علیه السلام : «قل وأنت ساجد : اللّهُمّ إنّي اُشهِدُكَ ، واُشهِدُ ملائِكتَكَ وأنبياءَكَ ورُسُلَكَ ، وجميعَ خَلقِكَ : أ نّكَ أنتَ اللّه ربِّي ، والإسلامَ ديني ، ومُحمّداً نبيِّي وعَلياً والحسَنَ والحُسينَ - تعدّهم إلى آخرهم - أئمَّتي ، بهم أتوَلّى ، ومِن أعدائِهم أتبرّأ . اللّهُمّ إنِّي أنشدُكَ دمَ المظلوم - ثلاثاً - اللّهُمّ إنِّي أنشدُك بإيوائِكَ على نفسِكَ لأعدائِكَ لَتُهلِكنَّهُم بأيدينا وأيدي المُؤمِنين . اللّهُمّ إنِّي أنشدُك بإيوائِكَ على نفسك لأوليائِك لَتُظفِرَنَّهُم بعدوِّك وعدوِّهم ، أن تُصلِّي على مُحمَّدٍ وعلى المُستحفظينَ من آلِ مُحمّد - ثلاثاً - اللّهُمّ إنِّي أسأ لُكَ اليُسر بعد العُسر - ثلاثاً - ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول :

ص: 187

يا كَهفي حينَ تُعييني المذاهِبُ ، وتضيقُ عليَّ الأرضُ بِما رَحُبَت ، يا بارِئَ خَلقِي رَحمَةً بي وقَد كُنتَ عن خَلقِي غَنيّاً ، صلِّ عَلى مُحمّدٍ وعَلى المُستَحفظينَ مِن آلِ مُحمّدٍ . ثمّ تضع خدّك الأيسر وتقول : يا مُذِلَّ كُلِّ جبَّارٍ ويا مُعِزَّ كُلِّ ذَلِيلٍ قد وَعِزَّتِكَ بَلَغَ مجهودِي - ثلاثاً - ثمّ تقول: يا حَنّانُ يا مَنّانُ يا كاشِفَ الكُربِ العِظامِ ، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة : شُكراً شُكراً، ثمّ تسأل حاجتك تُقضى إن شاء اللّه» .

القول : في التشهّد

(مسألة 1) : يجب التشهّد في الثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، وفي الثلاثية والرباعية مرّتين : الاُولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية ، والثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة . وهو واجب غير ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً - لا سهواً - حتّى يركع وإن وجب عليه قضاؤه ، كما يأتي في الخلل .

والواجب فيه أن يقول : «أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّه ُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحمّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللّهُمّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ» ويستحبّ الابتداء بقوله : «الحمدُ للّه ِ» أو «بِسمِ اللّه وباللّه ِ ، والحمدُ للّه ِ ، وخيرُ الأسماءِ للّه ِ - أو - الأسماءُ الحسنى كلّها للّه ِ» وأن يقول بعد الصلاة على النبي وآله : «وتقبَّل شفاعتَهُ في اُمَّتهِ وارفَع درَجَتَهُ» . والأحوط عدم قصد التوظيف والخصوصية به في التشهّد الثاني . ويجب فيه اللفظ الصحيح الموافق للعربية ، ومن عجز عنه وجب عليه تعلّمه .

(مسألة 2) : يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بأيّ كيفية كان . ويُكره الإقعاء ؛ وهو أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض ، ويجلس على عقبيه ،

ص: 188

والأحوط تركه . ويستحبّ فيه التورّك ، كما يستحبّ ذلك بين السجدتين وبعدهما ، كما تقدّم .

القول : في التسليم

(مسألة 1) : التسليم واجب في الصلاة ، وجزء منها ظاهراً ، ويتوقّف تحلّل المنافيات والخروج عن الصلاة عليه . وله صيغتان : الاُولى : «السَّلامُ علَينا وعلى عِبادِ اللّه ِ الصّالحِينَ» ، والثانية : «السَّلامُ عليكُم» بإضافة «ورحمَةُ اللّه ِ وبَركاتُهُ» على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى استحبابه ، والثانية على تقدير الإتيان بالاُولى جزء مستحبّ ، وعلى تقدير عدمه جزء واجب على الظاهر . ويجوز الاجتزاء بالثانية ، بل بالاُولى أيضاً ؛ وإن كان الأحوط عدم الاجتزاء بها . وأمّا «السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللّه ِ وبركاتُهُ» ، فهي من توابع التشهّد لا يحصل بها تحلّل ، ولا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهواً ، لكن الأحوط المحافظة عليها ، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدِّماً للاُولى .

(مسألة 2) : يجب في التسليم بكلٍّ من الصيغتين العربية والإعراب ، ويجب تعلّم إحداهما مع الجهل ، كما أ نّه يجب الجلوس حالته مطمئنّاً ، ويستحبّ فيه التورّك .

القول : في الترتيب

(مسألة) : يجب الترتيب في أفعال الصلاة ، فيجب تقديم تكبيرة الإحرام على القراءة ، و«الفاتحة» على السورة ، وهي على الركوع ، وهو على السجود وهكذا ، فمن صلّى مقدِّماً للمؤخّر وبالعكس عمداً بطلت صلاته ، وكذا سهواً لو

ص: 189

قدّم ركناً على ركن . أمّا لو قدّم ركناً على ما ليس بركن سهواً - كما لو ركع قبل القراءة - فلا بأس ، ويمضي في صلاته . وكذا لو قدّم غير ركن على ركن سهواً - كما ل-و قدّم التشهّد على السجدتين - فلا بأس ، لكن مع إمكان التدارك يعود إلى ما يحصل به الترتيب ، وتصحّ صلاته . كما أ نّه لا بأس بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهواً ، فيعود أيضاً إلى ما يحصل به الترتيب مع الإمكان وتصحّ صلاته .

القول : في الموالاة

(مسألة 1) : يجب الموالاة في أفعال الصلاة : بمعنى عدم الفصل بين أفعالها على وجه تنمحي صورتها ؛ بحيث يصحّ سلب الاسم عنها ، فلو ترك الموالاة بالمعنى المزبور - عمداً أو سهواً - بطلت صلاته . وأمّا الموالاة - بمعنى المتابعة العرفية - فواجبة أيضاً على الأحوط ، فتبطل الصلاة بتركها عمداً على الأحوط ، لا سهواً .

(مسألة 2) : كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض ، كذلك تجب في القراءة والتكبير والذكر والتسبيح بالنسبة إلى الآيات والكلمات ، بل والحروف ، فمن تركها عمداً في أحد المذكورات الموجب لمحو أسمائها ، بطلت صلاته فيما إذا لزم من تحصيل الموالاة زيادة مبطلة ، بل مطلقاً على الأحوط ، وإن كان سهواً فلا بأس ، فيعيد ما تحصل به الموالاة إن لم يتجاوز المحلّ . لكن هذا إذا لم يكن فوات الموالاة المزبورة - في أحد المذكورات - موجباً لفوات الموالاة في الصلاة بالمعنى المزبور ، وإلاّ فتبطل ولو مع السهو .

ص: 190

بقي أمران : القنوت والتعقيب

القول : في القنوت

(مسألة 1) : يستحبّ القنوت في الفرائض اليومية ، ويتأكّد في الجهرية ، بل الأحوط عدم تركه فيها . ومحلّه قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة ، ولو نسي أتى به بعد رفع الرأس من الركوع ، ثمّ هوى إلى السجود ، وإن لم يذكره في هذا الحال وذكره بعد ذلك ، فلا يأتي به حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به حينئذٍ ، وإن لم يذكره إلاّ بعد انصرافه أتى به متى ذكره ولو طال الزمان . ولو تركه عمداً فلا يأتي به بعد محلّه . ويستحبّ أيضاً في كلّ نافلة ثنائية في المحلّ المزبور ؛ حتّى نافلة الشفع على الأقوى ، والأولى إتيانه فيه رجاءً . ويستحبّ أكيداً في الوتر ، ومحلّه ما عرفت قبل الركوع بعد القراءة .

(مسألة 2) : لا يعتبر في القنوت قول مخصوص ، بل يكفي فيه كلّ ما تيسّر من ذكر ودعاء ، بل يجزي البسملة مرّة واحدة ، بل «سبحان اللّه» خمس أو ثلاث مرّات ، كما يجزي الاقتصار على الصلاة على النبي وآله ، والأحسن ما ورد عن المعصوم علیه السلام من الأدعية ، بل والأدعية التي في القرآن . ويستحبّ فيه الجهر ؛ سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية ، إماماً أو منفرداً ، بل أو مأموماً إن لم يسمع الإمام صوته .

(مسألة 3) : لا يعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال ، فالأحوط عدم تركه .

(مسألة 4) : يجوز الدعاء في القنوت وفي غيره بالملحون - مادّة أو إعراباً -

ص: 191

إن لم يكن فاحشاً أو مغيِّراً للمعنى ، وكذا الأذكار المندوبة ، والأحوط الترك مطلقاً . أمّا الأذكار الواجبة فلا يجوز فيها غير العربية الصحيحة .

القول : في التعقيب

(مسألة 1) : يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة ولو نافلة ، وفي الفريضة آكد ، خصوصاً في الغداة ، والمراد به الاشتغال بالدعاء والذكر والقرآن ونحو ذلك .

(مسألة 2) : يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلاً بالفراغ من الصلاة ؛ على وجه لا يشاركه الاشتغال بشيء آخر يذهب بهيئته عند المتشرّعة كالصنعة ونحوها ، والأولى فيه الجلوس في مكانه الذي صلّى فيه ، والاستقبال والطهارة . ولا يعتبر فيه قول مخصوص ، والأفضل ما ورد عنهم علیهم السلام ممّا تضمّنته كتب الأدعية والأخبار .

ولعلّ أفضلها تسبيح الصدّيقة الزهراء - سلام اللّه عليها - وكيفيته على الأحوط : أربع وثلاثون تكبيرة ، ثمّ ثلاث وثلاثون تحميدة ، ثمّ ثلاث وثلاثون تسبيحة . ولو شكّ في عددها يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ ، فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره ، رفع اليد عن الزائد ، وبنى على الأربع وثلاثين أو الثلاث وثلاثين ، والأولى أن يبني على نقص واحدة ، ثمّ يكمل العدد بها في التكبير والتحميد دون التسبيح .

ومن التعقيبات : قول : «لا إلهَ إلاّ اللّه وحدَهُ وحدَهُ أنجَزَ وعدَهُ ، ونصرَ عبدَهُ ، وأعزَّ جندَهُ ، وغلبَ الأحزابَ وحدهُ ، فلَهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ ، يُحيي ويُميتُ ، وهوَ على كُلِّ شيءٍ قدير» .

ص: 192

ومنها : قول : «اللّهُمّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ ، وأجرني مِنَ النّارِ ، وارزُقني الجنَّةَ ، وزوِّجني مِنَ الحُورِ العينِ» .

ومنها : قول : «اللّهُمّ اهدِني مِن عِندكَ ، وأفِض عليَّ مِن فَضلِكَ ، وانشُر عليَّ مِن رحمتِكَ ، وأنزِل عليَّ من بركاتِكَ» .

ومنها : قول : «أعوذُ بوجهِكَ الكريم ، وعزَّتِك التي لا تُرامُ ، وقدرتِكَ الّتي لا يَمتَنِعُ منها شيءٌ ، من شرِّ الدُنيا والآخِرة ، ومن شرِّ الأوجاعِ كُلِّها ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّه ِ العليّ العظيمِ» .

ومنها : قول : «اللّهُمّ إنِّي أسأ لُكَ مِن كُلِّ خيرٍ أحاطَ بهِ علمُكَ ، وأعوذُ بِكَ مِن كُلِّ شرٍّ أحاطَ بهِ عِلمُكَ ، اللّهُمّ إنِّي أسأ لُكَ عافيتَكَ في اُموري كُلِّها، وأعوذُ بِكَ من خزي الدُّنيا وعذَابِ الآخرةِ» .

ومنها : قول : «سُبحانَ اللّه ِ والحمدُ للّه ِ ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ واللّه ُ أكبرُ» مائة مرّة أو ثلاثين .

ومنها : قراءة «آية الكرسي» و«الفاتحة» وآية (شَهِدَ اللّه ُ أَ نَّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ...( وآية (قُلِ اللّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ...) .

ومنها : الإقرار بالنبي والأئمّة عليهم الصلاة والسلام .

ومنها : سجود الشكر ، وقد مرّ كيفيته سابقاً .

القول : في مبطلات الصلاة

وهي اُمور :

أحدها : الحدث الأصغر والأكبر ، فإنّه مبطل لها أينما وقع فيها ؛ ولو عند الميم من التسليم على الأقوى ؛ عمداً أو سهواً أو سبقاً ، عدا المسلوس والمبطون والمستحاضة على ما مرّ .

ص: 193

ثانيها : التكفير وهو وضع إحدى اليدين على الاُخرى نحو ما يصنعه غيرنا . وهو مبطل عمداً على الأقوى ، لا سهواً ، وإن كان الأحوط فيه الإعادة ، ولا بأس به حال التقيّة .

ثالثها : الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال ، بل وما بينهما على وجه يخرج به عن الاستقبال ، فإنّ تعمّد ذلك كلّه مبطل لها ، بل الالتفات بكلّ البدن بما يخرج به عمّا بين المشرق والمغرب ، مبطل حتّى مع السهو أو القسر ونحوهما . نعم ، لا يبطل الالتفات بالوجه - يميناً وشمالاً - مع بقاء البدن مستقبلاً إذا كان يسيراً ، إلاّ أ نّه مكروه . وأمّا إذا كان فاحشاً ؛ بحيث يجعل صفحة وجهه بحذاء يمين القبلة أو شمالها ، فالأقوى كونه مبطلاً .

رابعها : تعمّد الكلام ولو بحرفين مهملين ؛ بأن استعمل اللفظ المهمل المركّب من حرفين في معنىً كنوعه وصنفه ، فإنّه مبطل على الأقوى ، ومع عدمه كذلك على الأحوط . وكذا الحرف الواحد المستعمل في المعنى كقوله : «ب» - مثلاً - رمزاً إلى أوّل بعض الأسماء بقصد إفهامه ، بل لا يخلو إبطاله من قوّة ، فالحرف المفهم مطلقاً وإن لم يكن موضوعاً إن كان بقصد الحكاية لا تخلو مبطليته من قوّة ، كما أنّ اللفظ الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية وكان حرفاً واحداً ، لا يبطل على الأقوى ، وإن كان حرفين فصاعداً فالأحوط مبطليته ، ما لم يصل إلى حدّ محو اسم الصلاة ، وإلاّ فلا شبهة فيها حتّى مع السهو . وأمّا التكلّم في غير هذه الصورة فغير مبطل مع السهو . كما أ نّه لا بأس بردّ سلام التحيّة ، بل هو واجب ، ولو تركه واشتغل بالقراءة ونحوها لا تبطل الصلاة ، فضلاً عن السكوت بمقداره ، لكن عليه إثم ترك الواجب خاصّة .

(مسألة 1) : لا بأس بالذكر والدعاء وقراءة القرآن - غير ما يوجب

ص: 194

السجود - في جميع أحوال الصلاة . والأقوى إبطال مطلق مخاطبة غير اللّه حتّى في ضمن الدعاء ؛ بأن يقول : «غفر اللّه لك» وقوله : «صبّحك اللّه بالخير» إذا قصد الدعاء ، فضلاً عمّا إذا قصد التحيّة به . وكذا الابتداء بالتسليم .

(مسألة 2) : يجب ردّ السلام في أثناء الصلاة ؛ بتقديم السلام على الظرف وإن قدّم المسلّم الظرف على السلام على الأقوى . والأحوط مراعاة المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع وإن كان الأقوى عدم لزومها . وأمّا في غير الصلاة فيُستحبّ الردّ بالأحسن ؛ بأن يقول في جواب «سلام عليكم» مثلاً «عليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته» .

(مسألة 3) : لو سلّم بالملحون - بحيث لم يخرج عن صدق سلام التحيّة - يجب الجواب صحيحاً ، وإن خرج عنه لا يجوز في الصلاة ردّه .

(مسألة 4) : لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً يجب ردّه ، والأحوط عدم قصد القرآنية ، بل عدم جوازه قويّ .

(مسألة 5) : لو سلّم على جماعة كان المصلّي أحدهم ، فالأحوط له عدم الردّ إن كان غيره يردّه ، وإذا كان بين جماعة فسلّم واحد عليهم ، وشكّ في أ نّه قصده أم لا ، لا يجوز له الجواب .

(مسألة 6) : يجب إسماع ردّ السلام في حال الصلاة وغيرها ؛ بمعنى رفع الصوت به على المتعارف ؛ بحيث لو لم يكن مانع عن السماع لسمعه . وإذا كان المسلّم بعيداً لا يمكن إسماعه الجواب ، لا يجب جوابه على الظاهر ، فلا يجوز ردّه في الصلاة ، وإذا كان بعيداً بحيث يحتاج إسماعه إلى رفع الصوت يجب

ص: 195

رفعه ، إلاّ إذا كان حرجياً ، فيكتفي بالإشارة مع إمكان تنبّهه عليها على الأحوط . وإذا كان في الصلاة ففي وجوب رفعه وإسماعه تردّد ، والأحوط الجواب بالإشارة مع الإمكان . وإذا كان المسلّم أصمّ فإن أمكن أن ينبّهه على الجواب ولو بالإشارة ، لا يبعد وجوبه مع الجواب على المتعارف ، وإلاّ يكفي الجواب كذلك من غير إشارة .

(مسألة 7) : تجب الفورية العرفية في الجواب ، فلا يجوز تأخيره على وجه لا يصدق معه الجواب وردّ التحيّة ، فلو أخّره عصياناً أو نسياناً أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط ، فلا يجوز في حال الصلاة ولا يجب في غيرها ، ولو شكّ في بلوغ التأخير إلى ذلك الحدّ ، فكذلك لا يجوز فيها ولا يجب في غيرها .

(مسألة 8) : الابتداء بالسلام مستحبّ كفائي ، كما أنّ ردّه واجب كفائي ، فلو دخل جماعة على جماعة ، يكفي - في الوظيفة الاستحبابية - تسليمُ شخص واحد من الواردين ، وجوابُ شخص واحد من المورود عليهم .

(مسألة 9) : لو سلّم شخص على أحد شخصين ولم يعلما أ نّه أيّهما أراد ، لا يجب الردّ على واحد منهما ، ولا يجب عليهما الفحص والسؤال ، وإن كان الأحوط الردّ من كلّ منهما إذا كانا في غير حال الصلاة .

(مسألة 10) : لو سلّم شخصان كلٌّ على الآخر ، يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر ؛ حتّى من وقع سلامه عقيب سلام الآخر ، ولو انعكس الأمر ؛ بأن سلّم كلٌّ منهما بعنوان الردّ بزعم أنّه سلّم عليه لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر ، ولو سلّم شخص على أحد بعنوان الردّ بزعم أنّه سلّم مع أنّه لم يسلّم عليه

ص: 196

وتنبّه على ذلك المسلَّم عليه ، لم يجب ردّه على الأقوى وإن كان أحوط ، بل الاحتياط حسن في جميع الصور .

خامسها : القهقهة ولو اضطراراً . نعم ، لا بأس بالسهوية ، كما لا بأس بالتبسّم ولو عمداً . والقهقهة : هي الضحك المشتمل على الصوت والترجيع ، ويلحق بها حكماً على الأحوط المشتمل على الصوت ، ولو اشتمل عليه أو على الترجيع أيضاً تقديراً ، كمن منع نفسه عنه ، إلاّ أ نّه قد امتلأ جوفه ضحكاً واحمرّ وجهه وارتعش - مثلاً - فلا يبطلها إلاّ مع محو الصورة .

سادسها : تعمّد البكاء بالصوت لفوات أمر دنيوي ، دون ما كان منه للسهو عن الصلاة ، أو على أمر اُخروي ، أو طلب أمر دنيوي من اللّه تعالى ، خصوصاً إذا كان المطلوب راجحاً شرعاً ، فإنّه غير مبطل . وأمّا غير المشتمل على الصوت فالأحوط فيه الاستئناف ؛ وإن كان عدم إبطاله لا يخلو من قوّة . ومن غلب عليه البكاء المبطل قهراً فالأحوط الاستئناف ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة . وفي جواز البكاء على سيّد الشهداء - أرواحنا فداه - تأمّل وإشكال ، فلا يُترك الاحتياط .

سابعها : كلّ فعل ماحٍ لها مذهب لصورتها على وجه يصحّ سلب الاسم عنها وإن كان قليلاً ، فإنّه مبطل لها عمداً وسهواً . أمّا غير الماحي لها ، فإن كان مفوّتاً للموالاة فيها - بمعنى المتابعة العرفية - فهو مبطل مع العمد على الأحوط دون السهو . وإن لم يكن مفوّتاً لها فعمده غير مبطل ، فضلاً عن سهوه وإن كان كثيراً ، كحركة الأصابع ، والإشارة باليد أو غيرها لنداء أحد ، وقتل الحيّة والعقرب ، وحمل الطفل ووضعه وضمّه وإرضاعه ، ونحو ذلك ممّا هو غير منافٍ للموالاة ولا ماحٍ للصورة .

ثامنها : الأكل والشرب وإن كانا قليلين على الأحوط . نعم ، لا بأس بابتلاع

ص: 197

ذرّات بقيت في الفم أو بين الأسنان ، والأحوط الاجتناب عنه . ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن إمساك السكّر ولو قليلاً في الفم ليذوب وينزل شيئاً فشيئاً وإن لم يكن ماحياً للصورة ولا مفوّتاً للموالاة .

ولا فرق في جميع ما سمعته من المبطلات بين الفريضة والنافلة ، إلاّ الالتفات في النافلة مع إتيانها حال المشي ، وفي غيرها الأحوط الإبطال . وإلاّ العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم ؛ إن خشي مفاجأة الفجر ، وكان الماء أمامه ، واحتاج إلى خطوتين أو ثلاث ، فإنّه يجوز له التخطّي والشرب حتّى يروي ؛ وإن طال زمانه لو لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة ، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلاّ يستدبر القبلة . والأقوى الاقتصار على خصوص شرب الماء ، دون الأكل ودون شرب غيره وإن قلّ زمانه . كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل . ولا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء ، فيلحق بها غيرها من أحوالها وإن كان الأحوط الاقتصار عليها . وأحوط منه الاقتصار على ما إذا حدث العطش بين الاشتغال بالوتر . بل الأقوى عدم استثناء من كان عطشاناً ، فدخل في الوتر ليشرب بين الدعاء قبيل الفجر .

تاسعها : تعمّد قول «آمين» بعد إتمام «الفاتحة» إلاّ مع التقيّة ، فلا بأس به كالساهي .

عاشرها : الشكّ في عدد غير الرباعية من الفرائض ، والاُوليين منها ؛ على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى .

حادي عشرها : زيادة جزء أو نقصانه مطلقاً إن كان ركناً ، وعمداً إن كان غيره .

ص: 198

(مسألة 11) : يُكره في الصلاة - مضافاً إلى ما سمعته سابقاً - نفخُ موضع السجود إن لم يحدث منه حرفان ، وإلاّ فالأحوط الاجتناب عنه ، والتأوّه والأنين والبصاق بالشرط المذكور والاحتياط المتقدّم ، والعَبَث وفرقعة الأصابع والتمطّي والتثاؤب الاختياري ، ومدافعة البول والغائط ما لم تصل إلى حدّ الضرر ، وإلاّ فيجتنب وإن كانت الصلاة صحيحة مع ذلك .

(مسألة 12) : لا يجوز قطع الفريضة اختياراً . وتُقطع للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به ونحو ذلك . بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال ، لكن لو عصى فلم يقطعها أثِم وصحّت صلاته ، والأحوط عدم جواز قطع النافلة أيضاً اختياراً ، وإن كان الأقوى جوازه .

القول : في صلاة الآيات

(مسألة 1) : سبب هذه الصلاة كسوف الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما ، والزلزلة وكلّ آية مخوِّفة عند غالب الناس ؛ سماوية كانت ، كالريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء غير المعتادة ، والظلمة الشديدة والصيحة والهدّة ، والنار التي قد تظهر في السماء ، وغير ذلك ، أو أرضية على الأحوط فيها كالخسف ونحوه ، ولا عبرة بغير المخوّف ولا بخوف النادر من الناس . نعم ، لا يعتبر الخوف في الكسوفين والزلزلة ، فيجب الصلاة فيها مطلقاً .

(مسألة 2) : الظاهر أنّ المدار في كسوف النيّرين صدق اسمه ؛ وإن لم يستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض والقمر ، فيكفي انكسافهما ببعض الكواكب الاُخر أو بسبب آخر . نعم ، لو كان قليلاً جدّاً ؛ بحيث لا يظهر للحواسّ

ص: 199

المتعارفة ؛ وإن أدركه بعض الحواسّ الخارقة ، أو يدرك بواسطة بعض الآلات المصنوعة ، فالظاهر عدم الاعتبار به وإن كان مستنداً إلى أحد سببيه المتعارفين ، وكذا لا اعتبار به لو كان سريع الزوال ، كمرور بعض الأحجار الجوّية عن مقابلهما ؛ بحيث ينطمس نورهما عن البصر وزال بسرعة .

(مسألة 3) : وقت أداء صلاة الكسوفين من حين الشروع إلى الشروع في الانجلاء ، ولا يترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء ، ولو أخّر عنه أتى بها لا بنيّة الأداء والقضاء بل بنيّة القربة المطلقة . وأمّا في الزلزلة ونحوها - ممّا لا تسع وقتها للصلاة غالباً كالهدّة والصيحة - فهي من ذوات الأسباب لا الأوقات ، فتجب حال الآية ، فإن عصى فبعدها طول العمر ، والكلّ أداء .

(مسألة 4) : يختصّ الوجوب بمن في بلد الآية ، فلا تجب على غيرهم . نعم ، يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد .

(مسألة 5) : تثبت الآية وكذا وقتها ومقدار مكثها بالعلم وشهادة العدلين ، بل وبالعدل الواحد على الأحوط ، وبإخبار الرصدي الذي يُطمأنّ بصدقه أيضاً على الأحوط لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 6) : تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف ، والأقوى سقوطها عن الحائض والنفساء ، فلا قضاء عليهما في الموقّتة ، ولا يجب أداء غيرها . هذا في الحيض والنفاس المستوعبين ، وأمّا غيره ففيه تفصيل ، والاحتياط حسن .

(مسألة 7) : من لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء ، ولم يحترق جميع القرص ، لم يجب عليه القضاء . أمّا إذا علم به وتركها ولو نسياناً ، أو احترق جميع القرص ، وجب القضاء .

ص: 200

وأمّا في سائر الآيات فمع التأخير متعمّداً أو لنسيان يجب الإتيان بها ما دام العمر ، ولو لم يعلم بها حتّى مضى الزمان المتّصل بالآية ، فالأحوط الإتيان بها ؛ وإن لا يخلو عدم الوجوب من قوّة .

(مسألة 8) : لو أخبر جماعة غير عدول بالكسوف ، ولم يحصل له العلم بصدقهم ، وبعد مضيّ الوقت تبيّن صدقهم ، فالظاهر إلحاقه بالجهل ، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص . وكذا لو أخبر شاهدان ولم يعلم عدالتهما ثمّ ثبتت عدالتهما بعد الوقت . لكن الأحوط القضاء خصوصاً في الصورة الثانية ، بل لا يترك فيها .

(مسألة 9) : صلاة الآيات ركعتان في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات ، فيكون المجموع عشرة . وتفصيله : بأن يحرم مع النيّة كما في الفريضة ، ثمّ يقرأ «الفاتحة» وسورة ، ثمّ يركع ، ثمّ يرفع رأسه ، ثمّ يقرأ «الحمد» وسورة ، ثمّ يركع ، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ ، وهكذا حتّى يتمّ خمساً على هذا الترتيب ، ثمّ يسجد سجدتين بعد رفع رأسه من الركوع الخامس ، ثمّ يقوم ويفعل ثانياً كما فعل أوّلاً ، ثمّ يتشهّد ويسلّم ، ولا فرق في السورة بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة .

ويجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة من كلّ ركعة ، فيقرأ بعد تكبيرة الإحرام «الفاتحة» ، ثمّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر ، ثمّ يركع ، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ بعضاً آخر من تلك السورة ؛ متّصلاً بما قرأه منها أوّلاً ، ثمّ يركع ، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ بعضاً آخر منها كذلك ، وهكذا إلى الركوع الخامس حتّى يتمّ سورة ثمّ يركع الخامس ثمّ يسجد ، ثمّ يقوم إلى الثانية ، ويصنع كما صنع في الركعة الاُولى ، فيكون في كلّ ركعة ، «الفاتحة» مرّة مع سورة تامّة

ص: 201

متفرّقة ، ويجوز الإتيان في الركعة الثانية بالسورة المأتية في الاُولى وبغيرها ، ولا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة . كما أ نّه في صورة تفريق السورة على الركوعات ، لا تشرع «الفاتحة» إلاّ مرّة واحدة في القيام الأوّل ، إلاّ إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث مثلاً ، فإنّه تجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة «الفاتحة» ثمّ سورة أو بعضها ، وهكذا كلّما ركع عن تمام السورة وجبت «الفاتحة» في القيام منه ، بخلاف ما لو ركع عن بعضها ، فإنّه يقرأ من حيث قطع ، ولا يعيد «الحمد» كما عرفت . نعم ، لو ركع الركوع الخامس عن بعض السورة فسجد ثمّ قام للثانية ، فالأقوى وجوب «الفاتحة» ثمّ القراءة من حيث قطع . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالركوع الخامس عن آخر السورة وافتتاح سورة في الثانية بعد «الحمد» .

(مسألة 10) : يعتبر في صلاة الآيات ما يعتبر في الفرائض اليومية ؛ من الشرائط وغيرها وجميع ما عرفته وتعرفه ؛ من واجب وندب في القيام والقعود والركوع والسجود ، وأحكام السهو والشكّ في الزيادة والنقيصة بالنسبة إلى الركعات وغيرها . فلو شكّ في عدد ركعتيها بطلت ، كما في كلّ فريضة ثنائية ، فإنّها منها وإن اشتملت ركعتها على خمسة ركوعات ، ولو نقص ركوعاً منها أو زاده عمداً أو سهواً بطلت لأ نّها أركان ، وكذا القيام المتّصل بها ، ولو شكّ في ركوعها يأتي به ما دام في المحلّ ، ويمضي إن خرج عنه ، ولا تبطل إلاّ إذا بان بعد ذلك النقصان أو الزيادة أو رجع شكّه فيه إلى الشكّ في الركعات ، كما إذا لم يعلم أ نّه الخامس ، فيكون آخر الركعة الاُولى ، أو السادس فيكون أوّل الركعة الثانية .

ص: 202

(مسألة 11) : يستحبّ فيها الجهر بالقراءة ليلاً أو نهاراً حتّى صلاة كسوف الشمس ، والتكبير عند كلّ هويّ للركوع وكلّ رفع منه ، إلاّ في الرفع من الخامس والعاشر ، فإنّه يقول : «سمع اللّه لمن حمده» ثمّ يسجد . ويستحبّ فيها التطويل خصوصاً في كسوف الشمس ، وقراءة السور الطوال ك_ «يس» و«الروم» و«الكهف» ونحوها ، وإكمال السورة في كلّ قيام ، والجلوس في المصلّى مشتغلاً بالدعاء والذكر إلى تمام الانجلاء ، أو إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل تمام الانجلاء . ويستحبّ فيها في كلّ قيام ثانٍ بعد القراءة قنوت ، فيكون في مجموع الركعتين خمسة قنوتات ، ويجوز الاجتزاء بقنوتين : أحدهما قبل الركوع الخامس ، لكن يأتي به رجاءً ، والثاني قبل العاشر ، ويجوز الاقتصار على الأخير منها .

(مسألة 12) : يستحبّ فيها الجماعة ، ويتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة كما في اليومية ، دون غيرها من الأفعال والأقوال . والأحوط للمأموم الدخول في الجماعة قبل الركوع الأوّل - أو فيه - من الركعة الاُولى أو الثانية حتّى ينتظم صلاته .

القول : في الخلل الواقع في الصلاة

(مسألة 1) : من أخلّ بالطهارة من الحدث بطلت صلاته مع العمد والسهو والعلم والجهل ، بخلاف الطهارة من الخبث ، كما مرّ تفصيل الحال فيها وفي غيرها من الشرائط كالوقت والاستقبال والستر وغيرها . ومن أخلّ بشيء من واجبات صلاته عمداً - ولو حركة من قراءتها وأذكارها الواجبة - بطلت . وكذا

ص: 203

إن زاد فيها جزءاً متعمّداً قولاً أو فعلاً من غير فرق بين الركن وغيره ، بل ولا بين كونه موافقاً لأجزائها أو مخالفاً ، وإن كان الحكم في المخالف بل وفي غير الجزء الركني لا يخلو من تأمّل وإشكال . ويعتبر في تحقّق الزيادة في غير الأركان الإتيان بالشيء بعنوان أ نّه من الصلاة أو أجزائها ، فليس منها الإتيان بالقراءة والذكر والدعاء في أثنائها إذا لم يأتِ بها بعنوان أ نّها منها ، فلا بأس بها ما لم يحصل بها المحو للصورة ، كما لا بأس بتخلّل الأفعال المباحة الخارجية كحكّ الجسد ونحوه لو لم يكن مفوّتاً للموالاة أو ماحياً للصورة ، كما مرّ سابقاً .

وأمّا الزيادة السهوية : فمن زاد ركعة أو ركناً من ركوع أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهواً بطلت صلاته على إشكال في الأخير . وأمّا زيادة القيام الركني فلا تتحقّق إلاّ مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام . وأمّا النيّة فبناء على أ نّها الداعي لا تتصوّر زيادتها ، وعلى القول بالإخطار لا تضرّ . وزيادة غير الأركان سهواً لا تبطل وإن أوجبت سجدتي السهو على الأحوط ، كما سيأتي .

(مسألة 2) : من نقص شيئاً من واجبات صلاته سهواً ولم يذكره إلاّ بعد تجاوز محلّه ، فإن كان ركناً بطلت صلاته ، وإلاّ صحّت وعليه سجود السهو - على تفصيل يأتي في محلّه - وقضاء الجزء المنسيّ بعد الفراغ منها إن كان المنسيّ التشهّد أو إحدى السجدتين ، ولا يقضي من الأجزاء المنسيّة غيرهما . ولو ذكره في محلّه تداركه وإن كان رُكناً وأعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده .

والمراد بتجاوز المحلّ الدخول في رُكن آخر بعده ، أو كون محلّ إتيان

ص: 204

المنسيّ فعلاً خاصّاً وقد جاوز محلّ ذلك الفعل ، كالذكر في الركوع والسجود إذا نسيه وتذكّر بعد رفع الرأس منهما . فمن نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية ، أو نسي السجدتين حتّى دخل في الركوع من الركعة اللاحقة ، بطلت صلاته ، بخلاف ما لو نسي الركوع وتذكّر قبل أن يدخل في السجدة الاُولى ، أو نسي السجدتين وتذكّر قبل الركوع ، رجع وأتى بالمنسيّ ، وأعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مترتّب عليه . ولو نسي الركوع وتذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى ، فالأحوط أن يرجع ويأتي بالمنسيّ وما هو مترتّب عليه ، ويعيد الصلاة بعد إتمامها . ومن نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما وذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع ، تدارك ما نسيه وأعاد ما هو مترتّب عليه . ومن نسي القيام أو الطمأنينة في القراءة أو الذكر وذكر قبل الركوع ، فالأحوط إعادتهما بقصد القربة المطلقة لا الجزئية .

نعم ، لو نسي الجهر أو الإخفات في القراءة ، فالظاهر عدم وجوب تلافيهما ، وإن كان الأحوط التدارك ، سيّما إذا تذكّر في الأثناء ، فإنّه لا ينبغي له ترك الاحتياط بالإتيان بقصد القُربة المطلقة . ومن نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة فيه ، وذكر قبل الدخول في السجود ، انتصب مطمئنّاً ، لكن بقصد الاحتياط والرجاء في نسيان الطمأنينة ، ومضى في صلاته . ومن نسي الذكر في السجود أو الطمأنينة فيه أو وضع أحد المساجد حاله وذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود ، أتى بالذكر ، لكن في غير نسيان الذكر يأتي به بقصد القربة المطلقة لا الجزئية . ولو ذكر بعد رفع الرأس فقد جاز محلّ التدارك فيمضي في صلاته . ومن نسي الانتصاب من السجود الأوّل أو الطمأنينة فيه وذكر قبل الدخول في مسمّى السجود الثاني ، انتصب مطمئنّاً ومضى فيها ، لكن في نسيان

ص: 205

الطمأنينة يأتي رجاءً واحتياطاً . ولو ذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فقد جاز محلّ التدارك فيمضي فيها .

ومن نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو بعضه وذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو قبل التسليم ، إن كان المنسيّ السجدة الأخيرة أو التشهّد الأخير يتدارك المنسيّ ويعيد ما هو مترتّب عليه . ولو نسي سجدة واحدة أو التشهّد من الركعة الأخيرة وذكر بعد التسليم ، فإن كان بعد فعل ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث ، فقد جاز محلّ التدارك ، وإنّما عليه قضاء المنسيّ وسجدتا السهو . وإن كان قبل ذلك ، فالأحوط في صورة نسيان السجدة الإتيان بها من دون تعيين للأداء والقضاء ، ثمّ بالتشهّد والتسليم احتياطاً ، ثمّ سجدتي السهو احتياطاً ، وفي صورة نسيان التشهّد الإتيان به كذلك ، ثمّ بالتسليم وسجدتي السهو احتياطاً ؛ وإن كان الأقوى فوت محلّ التدارك فيهما بعد التسليم مطلقاً ، وعليه قضاء المنسيّ وسجدتا السهو . ومن نسي التسليم وذكره قبل حصول ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً تداركه ، فإن لم يتداركه بطلت صلاته ، وكذا لو لم يتدارك ما ذكره في المحلّ على ما تقدّم .

(مسألة 3) : من نسي الركعة الأخيرة - مثلاً - فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام وأتى بها ، ولو ذكرها بعده قبل فعل ما يبطل سهواً قام وأتمّ أيضاً ، ولو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس ؛ من غير فرق بين الرباعية وغيرها ، وكذا لو نسي أكثر من ركعة ، وكذا يستأنف لو زاد ركعة قبل التسليم بعد التشهّد أو قبله .

(مسألة 4) : لو علم إجمالاً - قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به ، وقبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه - إمّا بفوات سجدتين من

ص: 206

الركعة السابقة ، أو القراءة من هذه الركعة ، يكتفي بالإتيان بالقراءة على الأقوى . وكذا لو حصل له ذلك بعد الشروع في تكبير القنوت ، أو بعد الشروع فيه أو بعده ، فيكتفي بالقراءة على الأقوى ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة .

(مسألة 5) : لو علم بعد الفراغ أ نّه ترك سجدتين ولم يدرِ أ نّهما من ركعة أو ركعتين ، فالأحوط أن يأتي بقضاء سجدتين ، ثمّ بسجدتي السهو مرّتين ، ثمّ أعاد الصلاة . وكذا لو كان في الأثناء لكن بعد الدخول في الركوع . وأمّا لو كان قبل الدخول فيه فله صور لا يسع المجال بذكرها .

(مسألة 6) : لو علم بعد القيام إلى الثالثة أ نّه ترك التشهّد ، ولا يدري أ نّه ترك السجدة أيضاً أم لا ، فلا يبعد جواز الاكتفاء بالتشهّد ، والأحوط إعادة الصلاة مع ذلك .

القول : في الشكّ

وهو إمّا في أصل الصلاة ، وإمّا في أجزائها ، وإمّا في ركعاتها :

(مسألة 1) : من شكّ في الصلاة فلم يدرِ أ نّه صلّى أم لا ، فإن كان بعد مضيّ الوقت لم يلتفت وبنى على الإتيان بها ، وإن كان قبله أتى بها . والظنّ بالإتيان وعدمه هنا بحكم الشكّ .

(مسألة 2) : لو علم أ نّه صلّى العصر ، ولم يدرِ أ نّه صلّى الظهر أيضاً أم لا ، فالأحوط بل الأقوى وجوب الإتيان بها ؛ حتّى فيما لو لم يبقَ من الوقت إلاّ مقدار الاختصاص بالعصر . نعم ، لو لم يبقَ إلاّ هذا المقدار ، وعلم بعدم الإتيان بالعصر وكان شاكّاً في الإتيان بالظهر ، أتى بالعصر ولم يلتفت إلى الشكّ . وأمّا لو

ص: 207

شكّ في إتيان العصر في الفرض فيأتي به ، والأحوط قضاء الظهر . وكذا الحال فيما مرّ بالنسبة إلى العشاءين .

(مسألة 3) : إن شكّ في بقاء الوقت وعدمه يلحقه حكم البقاء .

(مسألة 4) : لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أ نّه صلّى الظهر أم لا ، فإن كان في وقت الاختصاص بالعصر بنى على الإتيان بالظهر ، وإن كان في وقت المشترك بنى على عدم الإتيان بها ، فيعدل إليها .

(مسألة 5) : لو علم أ نّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر ، ولم يدرِ المعيّن منهما ، فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر يأتي به ، والأحوط قضاء الظهر ، وإن كان في الوقت المشترك أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، ولو علم أ نّه صلّى إحدى العشاءين ، ففي الوقت المختصّ بالعشاء يأتي به ويقضي المغرب احتياطاً ، وفي الوقت المشترك يأتي بهما .

(مسألة 6) : إنّما لا يعتني بالشكّ في الصلاة بعد الوقت ، ويبني على إتيانها فيما إذا كان حدوثه بعده . فإذا شكّ فيها في أثناء الوقت ، ونسي الإتيان بها حتّى خرج الوقت ، وجب قضاؤها .

(مسألة 7) : لو شكّ في الإتيان واعتقد أ نّه خارج الوقت ، ثمّ تبيّن بعده أنّ شكّه كان في أثنائه قضاها ، بخلاف العكس ؛ بأن اعتقد حال الشكّ أ نّه في الوقت ، فترك الإتيان بها عمداً أو سهواً ، ثمّ تبيّن أ نّه كان خارج الوقت ، فليس عليه القضاء .

(مسألة 8) : حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره ،

ص: 208

فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه . وأمّا الوَسواسي فالظاهر أ نّه لا يعتني بالشكّ وإن كان في الوقت .

القول : في الشكّ في شيء من أفعال الصلاة

(مسألة 1) : من شكّ في شيء من أفعال الصلاة : فإن كان قبل الدخول في غيره ممّا هو مترتّب عليه وجب الإتيان به ، كما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل في القراءة حتّى الاستعاذة ، أو في «الحمد» قبل الدخول في السورة ، أو فيها قبل الأخذ في الركوع ، أو فيه قبل الهويّ إلى السجود ، أو فيه قبل القيام أو الدخول في التشهّد . وإن كان بعد الدخول في غيره ممّا هو مترتّب عليه - وإن كان مندوباً - لم يلتفت وبنى على الإتيان به ؛ من غير فرق بين الأوّلتين والأخيرتين ، فلا يلتفت إلى الشكّ في «الفاتحة» وهو آخذ في السورة ، ولا فيها وهو في القنوت ، ولا في الركوع أو الانتصاب منه وهو في الهويّ للسجود ، ولا في السجود وهو قائم أو في التشهّد ، ولا فيه وهو قائم ، بل وهو آخذ في القيام على الأقوى . نعم ، لو شكّ في السجود في حال الأخذ في القيام يجب التدارك .

(مسألة 2) : الأقوى في البناء على الإتيان وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الدخول في الغير ، عدم الفرق بين أن يكون الغير من الأجزاء المستقلّة - كالأمثلة المتقدّمة - وبين غيرها ، كما إذا شكّ في الإتيان بأوّل السورة وهو في آخرها ، أو أوّل الآية وهو في آخرها ، بل أوّل الكلمة وهو في آخرها ؛ وإن كان الأحوط الإتيان بالمشكوك فيه بقصد القربة المطلقة .

(مسألة 3) : لو شكّ في صحّة ما وقع وفساده - لا في أصل الوقوع - لم يلتفت

ص: 209

وإن كان في المحلّ ؛ وإن كان الاحتياط في هذه الصورة بإعادة القراءة والذكر بنيّة القربة وفي الركن بإتمام الصلاة ثمّ الإعادة مطلوباً .

(مسألة 4) : لو شكّ في التسليم لم يلتفت إن كان قد دخل فيما هو مترتّب على الفراغ من التعقيب ونحوه ، أو في بعض المنافيات ، أو نحو ذلك ممّا لا يفعله المصلّي إلاّ بعد الفراغ ، كما أنّ المأموم لو شكّ في التكبير مع اشتغاله بفعل مترتّب عليه - ولو كان بمثل الإنصات المستحبّ في الجماعة ونحو ذلك - لم يلتفت .

(مسألة 5) : ما شكّ في إتيانه في المحلّ فأتى به ثمّ ذكر أ نّه فعله ، لا يبطل الصلاة إلاّ أن يكون ركناً . كما أ نّه لو لم يفعله مع التجاوز عنه فبان عدم إتيانه ، لم يبطل ما لم يكن ركناً ولم يمكن تداركه ؛ بأن كان داخلاً في ركن آخر ، وإلاّ تداركه مطلقاً .

(مسألة 6) : لو شكّ وهو في فعل أ نّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة عليه سابقاً أم لا ؟ لا يعتني به ، وكذلك لو شكّ في أ نّه هل سها كذلك أم لا ؟ نعم ، لو شكّ في السهو وعدمه وهو في محلّ تدارك المشكوك فيه يأتي به .

القول : في الشكّ في عدد ركعات الفريضة

(مسألة 1) : لا حكم للشكّ المزبور بمجرّد حصوله إن زال بعد ذلك ، وأمّا لو استقرّ فهو مفسد للثنائية والثلاثية والاُوليين من الرباعية ، وغير مفسد بل له علاج في صور منها بعد إحراز الاُوليين منها ، الحاصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة ، وأمّا مع إكمال الذكر الواجب فيها ، فالأحوط البناء والعمل بالشكّ ثمّ الإعادة ؛ وإن كان الأقوى لزوم الإعادة ومفسديته :

ص: 210

الصورة الاُولى : الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين ، فيبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته ، ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، والأحوط الأولى الجمع بينهما مع تقديم الركعة من قيام ثمّ استئناف الصلاة .

الثانية : الشكّ بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان ، فيبني على الأربع ، وحكمه كالسابق حتّى في الاحتياط ، إلاّ في تقديم الركعة من قيام .

الثالثة : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين ، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته ، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام .

الرابعة : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين ، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته ، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، والأحوط بل الأقوى تقديم الركعتين من قيام .

الخامسة : الشكّ بين الأربع والخمس ، وله صورتان : إحداهما : بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، فيبني على الأربع ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يسجد سجدتي السهو . ثانيتهما : حال القيام ، وهذه مندرجة تحت الشكّ بين الثلاث والأربع حال القيام ؛ ولم يدرِ أ نّه ثلاثاً صلّى أو أربعاً ، فيبني على الأربع ، ويجب عليه هدم القيام والتشهّد والتسليم وصلاة ركعتين جالساً أو ركعة قائماً . وكذا الحال في جميع صور الهدم ، فإنّه لا يوجب انقلاب الشكّ ، بل هو مقدّمة للتسليم بعد صدق الشكّ بين الركعات حال القيام .

السادسة : الشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام ، وهو مندرج في الشكّ بين الاثنتين والأربع ، فيجلس ويتمّ الصلاة ويعمل عمل الشكّ .

السابعة : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام ، وهو راجع إلى

ص: 211

الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيجلس ويتمّ صلاته ويعمل عمله .

الثامنة : الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، وهو راجع إلى الشكّ بين الأربع والخمس ، فيجلس ويتمّ ويسجد سجدتي السهو مرّتين : مرّة وجوباً للشكّ المزبور ، ومرّة احتياطاً لزيادة القيام ، وإن كان عدم وجوبها لزيادته لا يخلو من قوّة . والأحوط في الصور الأربع المتأخّرة استئناف الصلاة مع ذلك .

(مسألة 2) : لو شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الثلاث والخمس أو بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام وعلم أ نّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة التي قام منها ، بطلت صلاته ؛ لأ نّه راجع إلى الشكّ بين الاثنتين والزائدة قبل إكمال السجدتين .

(مسألة 3) : في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين لو شكّ في الإكمال وعدمه ، فإن كان في المحلّ - أي حال الجلوس قبل القيام أو التشهّد - بطلت صلاته ، وإن كان بعد التجاوز عنه ففيه إشكال ؛ لا يترك الاحتياط بالبناء والعمل بالشكّ والإعادة .

(مسألة 4) : الشكّ في الركعات ما عدا الصور المزبورة موجب للبطلان وإن كان الطرف الأقلّ الأربع وكان بعد إكمال السجدتين ، أو كان الشكّ بين الأربع والأقلّ والأكثر بعد إكمالهما ، كالشكّ بين الثلاث والأربع والستّ .

(مسألة 5) : لو شكّ بين الاثنتين والثلاث وعمل عمل الشكّ ، وبعد الفراغ عن صلاة الاحتياط ، شكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده ، يبني على الصحّة ، ولا يعتني بشكّه . وأمّا لو شكّ في ذلك في أثناء الصلاة أو

ص: 212

بعدها ، وقبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها ، فالأحوط البناء وعمل الشكّ ، ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 6) : لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه كان موجباً لركعة أو ركعتين ، فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة . وكذا لو لم يدرِ أ نّه أيّ شكّ من الشكوك الصحيحة ، فإنّه يعيدها بعد العمل بموجب الجميع ؛ ويحصل ذلك بالإتيان بركعتين من قيام وركعتين من جلوس وسجود السهو . وكذا لو لم ينحصر المحتملات في الشكوك الصحيحة ، بل احتمل بعض الوجوه الباطلة ، فإنّ الأحوط العمل بموجب الشكوك الصحيحة ثمّ الإعادة .

(مسألة 7) : لو عرض له أحد الشكوك ولم يعلم الوظيفة ، فإن لم يسع الوقتُ أو لم يتمكّن من التعلّم في الوقت ، تعيّن عليه العمل بالراجح من المحتملات لو كان ، أو أحدها لو لم يكن ، ويُتمّ صلاته ويُعيدها احتياطاً مع سعة الوقت ، ولو تبيّن بعد ذلك أنّ عمل الشكّ مخالف للواقع ، يستأنف الصلاة لو لم يأتِ بها في الوقت ، وإن اتّسع الوقت وتمكّن من التعلّم فيه ، يقطع ويتعلّم وإن جاز له إتمام العمل على طبق بعض المحتملات ثمّ التعلّم ، فإن كان موافقاً اكتفى به ، وإلاّ أعاد ، وإن كان الأحوط الإعادة حتّى مع الموافقة .

(مسألة 8) : لو انقلب شكّه بعد الفراغ إلى شكّ آخر ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ، وبعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع ، أو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فانقلب إلى الثلاث والأربع ، فلا يبعد لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل وأشباهه ، ولزوم عمل الشكّ الثاني في أشباه الفرع الثاني ؛ أي الثلاثي الأطراف الذي خرج أحد الأطراف عن الطرفية . هذا إذا لم ينقلب إلى

ص: 213

ما يعلم معه بالنقيصة كالمثالين المذكورين . وأمّا إذا انقلب إلى ذلك ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ، ثمّ انقلب بعد السلام إلى الاثنتين والثلاث ، فلا شكّ في أنّ اللازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه ؛ لتبيُّن كونه في الصلاة ، وأنّ السلام وقع في غير محلّه ، فيضيف إلى عمل الشكّ الثاني سجدتي السهو للسلام في غير محلّه .

(مسألة 9) : إن شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ، ثمّ شكّ بين الثلاث البنائي والأربع ، فالظاهر انقلاب شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيعمل عمله .

(مسألة 10) : لو شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ، فلمّا أتى بالرابعة تيقّن أنّه حين الشكّ لم يأتِ بالثلاثة ، لكن يشكّ أ نّه في ذلك الحين أتى بركعة أو ركعتين ، يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي إلى الاثنتين والثلاث ، فيعمل عمله .

(مسألة 11) : من كان عاجزاً عن القيام وعرض له أحد الشكوك الصحيحة ، فالظاهر أنّ صلاته الاحتياطية القيامية بالتعيين تصير جلوسية ، والجلوسية بالتعيين تبقى على حالها ، وتتعيّن الجلوسية التي هي إحدى طرفي التخيير ، ففي الشكّ بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع ، تتعيّن عليه الركعتان من جلوس ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يأتي بالركعتين جالساً بدلاً عنهما قائماً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يأتي بالركعتين جالساً بدلاً عنهما قائماً ثمّ الركعتين جالساً لكونهما وظيفته ؛ مقدّماً للركعتين بدلاً على ما هما وظيفته . والأحوط الأولى في الجميع إعادة الصلاة بعد العمل المذكور .

ص: 214

(مسألة 12) : لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة واستئنافها ، بل يجب العمل على طبق وظيفة الشاكّ . نعم ، لو أبطلها يجب عليه الاستئناف ، وصحّت صلاته وإن أثم للإبطال .

(مسألة 13) : في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه وأتمّ صلاته ، ثمّ تبيّن له موافقتها للواقع ، ففي الصحّة وعدمها وجهان ، أوجههما الصحّة في غير الشكّ في الاُوليين ، فإنّ الأحوط فيه الإعادة .

(مسألة 14) : لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى القصر ، وشكّ في الركعات ، فلا يبعد تعيّن العمل بحكم الشكّ ولزوم العلاج ؛ من غير حاجة إلى نيّة العدول ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالشكّ بعد نيّة العدول وإعادة الصلاة .

(مسألة 15) : لو شكّ - وهو جالس - بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث ، وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة ، فالأقوى وجوب المضيّ بعد البناء على الثلاث وقضاء التشهّد بعد الصلاة . وكذا لو شكّ - وهو قائم - بين الثلاث والأربع ؛ مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد ، فيبني على الأربع ويمضي ويقضي التشهّد بعدها .

القول : في الشكوك التي لا اعتبار بها

وهي في مواضع :

منها : الشكّ بعد تجاوز المحلّ ، وقد مرّ .

ومنها : الشكّ بعد الوقت ، وقد مرّ أيضاً .

ومنها : الشكّ بعد الفراغ من الصلاة ؛ سواء تعلّق بشروطها أو أجزائها أو ركعاتها ؛ بشرط أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة ، فلو شكّ في الرباعية أ نّه

ص: 215

صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس ، وفي الثلاثية أ نّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس ، وفي الثنائية أ نّه صلّى اثنتين أو أزيد أو أقلّ ، بنى على الصحيح في الكلّ ، بخلاف ما إذا شكّ في الرباعية بين الثلاث والخمس ، وفي الثلاثية بين الاثنتين والأربع ، فإنّ صلاته باطلة في نظائرهما .

ومنها : شكُّ كثير الشكّ ؛ سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط ، فيبني على وقوع ما شكّ فيه وإن كان في محلّه ، إلاّ إذا كان مفسداً فيبني على عدمه . ولو كان كثير الشكّ في شيء خاصّ أو صلاة خاصّة يختصّ الحكم به ، فلو شكّ في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشكّ .

(مسألة 1) : المرجع في كثرة الشكّ إلى العرف ، ولا يبعد تحقّقه فيما إذا لم تخلُ منه ثلاث صلوات متوالية . ويعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض ؛ من خوف أو غضب أو همّ ونحو ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ .

(مسألة 2) : لو شكّ في أ نّه حصل له حالة كثرة الشكّ أم لا بنى على عدمها ، ولو شكّ كثير الشكّ في زوال تلك الحالة بنى على بقائها ؛ لو كان الشكّ من جهة الاُمور الخارجية لا الشبهة المفهومية ، وإلاّ فيعمل عمل الشكّ .

(مسألة 3) : لا يجوز لكثير الشكّ الاعتناء بشكّه ، فلو شكّ في الركوع وهو في المحلّ لا يجوز أن يركع ، ولو ركع بطلت صلاته . والأحوط ترك القراءة والذكر ولو بقصد القُربة لمراعاة الواقع رجاءً ، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة .

ومنها : شكّ كلّ من الإمام والمأموم في الركعات مع حفظ الآخر ، فيرجع

ص: 216

الشاكّ منهما إلى الآخر . وجريان الحكم في الشكّ في الأفعال أيضاً لا يخلو من وجه . ولا يرجع الظانّ إلى المتيقّن ، بل يعمل على طبق ظنّه ، ويرجع الشاكّ إلى الظانّ على الأقوى . ولو كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين في الاعتقاد لم يرجع إليهم . نعم ، لو كان بعضهم شاكّاً وبعضهم متيقّناً يرجع إلى المتيقّن منهم ، بل يرجع الشاكّ منهم بعد ذلك إلى الإمام لو حصل له الظنّ ، ومع عدم حصوله فالأقوى عدم رجوعه إليه ويعمل عمل شكّه .

(مسألة 4) : لو عرض الشكّ لكلّ من الإمام والمأموم ، فإن اتّحد شكّهما عمل كلٌّ منهما عمل ذلك الشكّ ، كما أ نّه لو اختلف ولم يكن بين الشكّين رابطة - كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث ، والآخر بين الأربع والخمس - ينفرد المأموم ، ويعمل كلٌّ عمل شكّه . وأمّا لو كان بينهما رابطة وقدر مشترك - كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث ، والآخر بين الثلاث والأربع - ففي مثله يبنيان على القدر المشترك ، كالثلاث في المثال ؛ لأنّ ذلك قضيّة رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ ؛ حيث إنّ الشاكّ بين الاثنتين والثلاث معتقد بعدم الأربع وشاكّ في الثلاث ، والشاكّ بين الثلاث والأربع معتقد بوجود الثلاث وشاكّ في الأربع ، فالأوّل يرجع إلى الثاني في تحقّق الثلاث ، والثاني يرجع إلى الأوّل في نفي الأربع ، فينتج بناءهما على الثلاث ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة . نعم ، يُكتفى - في تحقّق الاحتياط في الأوّل - البناء على الثلاث والإتيان بصلاة الاحتياط إذا عرض الشكّ بعد السجدتين .

ومنها : الشكّ في ركعات النافلة ؛ سواء كانت ركعة كالوتر أو ركعتين ، فيتخيّر بين البناء على الأقلّ أو الأكثر ، والأوّل أفضل ، وإن كان الأكثر مفسداً يبني على الأقلّ . وأمّا الشكّ في أفعال النافلة ، فهو كالشكّ في أفعال الفريضة يأتي بها في

ص: 217

المحلّ ، ولا يعتني به بعد التجاوز ، ولا يجب قضاء السجدة المنسيّة ولا التشهّد المنسيّ ، ولا يجب سجود السهو فيها لموجباته .

(مسألة 5) : النوافل التي لها كيفية خاصّة أو سورة مخصوصة - كصلاة ليلة الدفن والغفيلة - إذا نسي فيها تلك الكيفية ، فإن أمكن الرجوع والتدارك يتدارك ، وإن لم يمكن أعادها . نعم ، لو نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر ، قضاه متى تذكّر في حالة اُخرى من حالات الصلاة ، ولو تذكّر بعد الصلاة يأتي به رجاءً .

القول : في حكم الظنّ في أفعال الصلاة وركعاتها

(مسألة 1) : الظنّ في عدد الركعات مطلقاً حتّى فيما تعلّق بالركعتين الأوّلتين من الرباعية أو بالثنائية والثلاثية ، كاليقين ، فضلاً عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعية ، فيجب العمل بمقتضاه ولو كان مسبوقاً بالشكّ . فلو شكّ أوّلاً ثمّ ظنّ بعد ذلك فيما كان شاكّاً فيه كان العمل على الأخير . وكذا لو انقلب ظنّه إلى الشكّ أو شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير ، فلو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع ، فلمّا رفع رأسه من السجود - مثلاً - انقلب شكّه إلى الشكّ بين الأربع والخمس ، عمل عمل الشكّ الثاني وهكذا . والأحوطُ فيما تعلّق الظنّ بغير الركعتين الأخيرتين من الرباعية ، العملُ على الظنّ ثمّ الإعادة .

وأمّا الظنّ في الأفعال ففي اعتباره إشكال ، فلا يترك الاحتياط فيما لو خالف الظنّ مع وظيفة الشكّ - كما إذا ظنّ بالإتيان وهو في المحلّ - بإتيان مثل القراءة بنيّة القُربة المطلقة وإتيان مثل الركوع ثمّ الإعادة ، وكذا إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك . ومع تجاوز محلّه أيضاً يُتمّ الصلاة ، ويعيدها في مثل الركوع .

ص: 218

(مسألة 2) : لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ - كما قد يتّفق - ففيه إشكال لا يُترك الاحتياط بالعلاج ؛ أمّا في الركعات فيعمل على طبق أحدهما ويعيد الصلاة ، والأحوط العمل على طبق الشكّ ثمّ الإعادة ، وأمّا في الأفعال فمثل ما مرّ . نعم ، لو كان مسبوقاً بالظنّ أو الشكّ وشكّ في انقلابه ، فلا يبعد البناء على الحالة السابقة .

القول : في ركعات الاحتياط

(مسألة 1) : ركعات الاحتياط واجبة ، فلا يجوز تركها وإعادة الصلاة من الأصل ، وتجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة ، كما أ نّه لا يجوز الفصل بينها وبين الصلاة بالمنافي ، فإن فعل ذلك فالأحوط الإتيان بها وإعادة الصلاة ، ولو أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ، ثمّ تبيّن له تمامية صلاته ، لا تجب إعادتها .

(مسألة 2) : لا بدّ في صلاة الاحتياط من النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة «الفاتحة» - والأحوط الإسرار بها وبالبسملة أيضاً - والركوع والسجود والتشهّد والتسليم . ولا قنوت فيها وإن كانت ركعتين ، كما أ نّه لا سورة فيها .

(مسألة 3) : لو نسي رُكناً من ركعات الاحتياط أو زاده فيها بطلت ، فلا يُترك الاحتياط باستئناف الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 4) : لو بان الاستغناء عن صلاة الاحتياط قبل الشروع فيها لا يجب الإتيان بها ، وإن كان بعد الفراغ منها وقعت نافلة ، وإن كان في الأثناء أتمّها كذلك . والأحوط إضافة ركعة ثانية لو كانت ركعة من قيام . ولو تبيّن نقص

ص: 219

الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط ، فإن كان النقص بمقدار ما فعله من الاحتياط - كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، وأتى بركعة قائماً ، فتبيّن كونها ثلاثاً - تمّت صلاته ، والأحوط الاستئناف . لكن ذلك فيما إذا كان ما فعله أحد طرفي الشكّ من النقص ، كالمثال المذكور . وأمّا مجرّد موافقة ما فعله للنقص في المقدار ففي جبره إشكال ، كما لو شكّ بين الاثنتين والأربع ، وبنى على الأربع وأتى بركعة قائماً عوض ركعتي الاحتياط اشتباهاً ، فتبيّن أنّ النقص بركعة ، فالأحوط في مثله الإعادة . ولو كان النقص أزيد منه - كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، فبنى على الأربع ، وصلّى صلاة الاحتياط ، فتبيّن كونها ركعتين - تجب عليه الإعادة بعد الإتيان بركعة أو ركعتين متّصلة . وكذا لو كان أقلّ منه ، كما إذا

شكّ بين الاثنتين والأربع ، فبنى على الأربع ، وأتى بركعتين من قيام ، ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات ، فيأتي بركعة متّصلة ثمّ يعيد الصلاة . ولو تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط ، فالأقوى الاكتفاء بما جعله الشارع جبراً ؛ ولو كان مخالفاً في الكمّ والكيف لما نقص من صلاته ، فضلاً عمّا كان موافقاً له ، فمن شكّ بين الثلاث والأربع ، وبنى على الأربع ، وشرع في الركعتين جالساً ، فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات ، أتمّهما واكتفى بهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مطلقاً بالإعادة ، خصوصاً في صورة المخالفة . وأمّا في غير صورة ما جعله جبراً - كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ، واشتغل بصلاة ركعتين جالساً ، فتبيّن كونها ثنتين - فالأحوط قطعها وجبر الصلاة بركعتين موصولتين ثمّ إعادتها . وإذا تبيّن النقص قبل الدخول في صلاة الاحتياط ، كان له حكم من نقص من الركعات من غير عمد ؛ من التدارك الذي قد عرفته ، فلا تكفي صلاة الاحتياط ، بل اللازم حينئذٍ إتمام ما نقص وسجدتا السهو للسلام في غير محلّه .

ص: 220

(مسألة 5) : لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط ، فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه . وإن كان في الوقت ، فإن لم يدخل في فعل آخر ، ولم يأتِ بالمنافي ، ولم يحصل الفصل الطويل ، بنى على عدم الإتيان . ومع أحد الاُمور الثلاثة فللبناء على الإتيان بها وجه ، ولكن الأحوط الإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 6) : لو شكّ في فعل من أفعالها أتى به لو كان في المحلّ ، وبنى على الإتيان لو تجاوز كما في أصل الصلاة . ولو شكّ في ركعاتها فالأقوى وجوب البناء على الأكثر ، إلاّ أن يكون مبطلاً فيبني على الأقلّ ، لكن الأحوط مع ذلك إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة .

(مسألة 7) : لو نسيها ودخل في صلاة اُخرى من نافلة أو فريضة ، قطعها وأتى بها ، خصوصاً إذا كانت الثانية مترتّبة على الاُولى ، والأحوط مع ذلك إعادة أصل الصلاة . هذا إذا كان ذلك غير مخلٍّ بالفورية ، وإلاّ فلا يبعد وجوب العدول إلى أصل الصلاة إن كانت مترتّبة ، والأحوط إعادتها بعد ذلك أيضاً ، ومع عدم الترتّب يرفع اليد عنها ويعيد أصل الصلاة ، والأحوط الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة .

القول : في الأجزاء المنسيّة

(مسألة 1) : لا يقضي من الأجزاء المنسيّة في الصلاة ، غيرَ السجود والتشهّد على الأحوط في الثاني ، فينوي أ نّهما قضاء المنسيّ مقارناً للنيّة لأوّلهما ؛ محافظاً على ما كان واجباً فيهما حال الصلاة ، فإنّهما كالصلاة في الشرائط والموانع ، بل لا يجوز الفصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي على الأحوط ، فلو

ص: 221

فصل به يأتي بهما مع الشرائط ، والأحوط إعادة الصلاة ، خصوصاً في الترك العمدي ، وإن كان الأقوى عدم وجوبها . والأقوى عدم وجوب قضاء أبعاض التشهّد حتّى الصلاة على النبي وآله .

(مسألة 2) : لو تكرّر نسيان السجدة والتشهّد يتكرّر قضاؤهما بعدد المنسيّ ، ولا يشترط التعيين ولا ملاحظة الترتيب . نعم ، لو نسي السجدة والتشهّد معاً ، فالأحوط تقديم قضاء السابق منهما في الفوت ، ولو لم يعلم السابق احتاط بالتكرار ، فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً .

(مسألة 3) : لا يجب التسليم في التشهّد القضائي ، كما لا يجب التشهّد والتسليم في السجدة القضائية . نعم ، لو كان المنسيّ التشهّد الأخير ، فالأحوط إتيانه بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء والقضاء مع الإتيان بالسلام بعده ، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو . ولو كان المنسيّ السجدة من الركعة الأخيرة ، فالأحوط إتيانها كذلك مع الإتيان بالتشهّد والتسليم وسجدتي السهو ؛ وإن كان الأقوى كونها قضاءً ووقوع التشهّد والتسليم في محلّهما ، ولا يجب إعادتهما .

(مسألة 4) : لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما ، ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ ، فالأحوط وجوب القضاء ؛ وإن كان الأقوى عدمه .

(مسألة 5) : لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين

بنى على الأقلّ .

ص: 222

(مسألة 6) : لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد ، وتذكّر بعد الدخول في صلاة اُخرى ، قطعها إن كانت نافلة ، وأمّا إن كانت فريضة ففي قطعها إشكال ، خصوصاً إذا كان المنسيّ التشهّد .

(مسألة 7) : لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر ، فإن لم يدرك منها لو أتى به حتّى ركعة ، قدّم العصر وقضى الجزء بعدها ، وإن أدرك منها ركعة فلا يبعد وجوب تقديم العصر أيضاً . ولو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر ، فإن أدرك منها ركعة قدّم صلاة الاحتياط ، وإلاّ قدّم العصر ، ويحتاط بإتيان صلاة الاحتياط بعدها وإعادة الظهر .

القول : في سجود السهو

(مسألة 1) : يجب سجود السهو للكلام ساهياً ولو لظنّ الخروج ، ونسيان السجدة الواحدة إن فات محلّ تداركها ، والسلام في غير محلّه ، ونسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه على الأحوط فيهما ، والشكّ بين الأربع والخمس . والأحوط إتيانه لكلّ زيادة ونقيصة في الصلاة لم يذكرها في محلّها ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه لغير ما ذكر ، بل عدم وجوبه في القيام موضع القعود وبالعكس لا يخلو من قوّة ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط . وللكلام سجدتا سهو وإن طال إن عُدّ كلاماً واحداً . نعم ، إن تعدّد - كما لو تذكّر في الأثناء ثمّ سها بعده فتكلّم - تعدّد السجود .

(مسألة 2) : التسليم الزائد لو وقع مرّة واحدة - ولو بجميع صيغه - سجد له سجدتي السهو مرّة واحدة ، وإن تعدّد سجد له متعدّداً . والأحوط تعدّده لكلّ تسليم . وكذا الحال في التسبيحات الأربع .

ص: 223

(مسألة 3) : لو كان عليه سجود سهو وقضاء أجزاء منسيّة وركعات احتياطية ، أخّر السجود عنهما ، والأحوط تقديم الركعات الاحتياطية على قضاء الأجزاء ، بل وجوبه لا يخلو من رُجحان .

(مسألة 4) : تجب المبادرة في سجود السهو بعد الصلاة ، ويعصي بالتأخير وإن صحّت صلاته ، ولم يسقط وجوبه بذلك ولا فوريته فيسجد مبادراً ، كما أ نّه لو نسيه - مثلاً - يسجد حين الذكر فوراً ، فلو أخّر عصى .

(مسألة 5) : تجب في السجود المزبور النيّة مقارناً لأوّل مسمّاه ، ولا يجب فيه تعيين السبب ولو مع التعدّد ، كما لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى ، ولا يجب فيه التكبير وإن كان أحوط . والأحوط مراعاة جميع ما يجب في سجود الصلاة ، خصوصاً وضع المساجد السبعة ، وإن كان عدم وجوب شيء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه ، لا يخلو من قوّة . نعم ، لا يُترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس والمأكول . والأحوط فيه الذكر المخصوص ، فيقول في كلّ من السجدتين : «بِسمِ اللّه ِ وباللّه ِ ، وصَلّى اللّه ُ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ» أو يقول : «بسمِ اللّه ِ وباللّه ِ ، اللّهُمّ صلِّ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ» أو يقول : «بسمِ اللّه ِ وباللّه ِ ، السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورَحمةُ اللّه ِ وبركاتُه» . والأحوط اختيار الأخير ، لكن عدم وجوب الذكر - سيّما المخصوص منه - لا يخلو من قوّة . ويجب بعد السجدة الأخيرة التشهّد والتسليم ، والواجبُ من التشهّدِ المتعارَفُ منه في الصلاة ، ومن التسليم «السَّلامُ علَيكُم» .

(مسألة 6) : لو شكّ في تحقّق موجبه بنى على عدمه ، ولو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب الإتيان به ، ولو علم بالموجب وتردّد بين الأقلّ والأكثر

ص: 224

بنى على الأقلّ . ولو شكّ في فعل من أفعاله فإن كان في المحلّ أتى به ، وإن تجاوز لا يعتني به . وإذا شكّ في أ نّه سجد سجدتين أو واحدة بنى على الأقلّ ، إلاّ إذا كان شكّه بعد الدخول في التشهّد . ولو علم بأ نّه زاد سجدة أو علم أ نّه نقص واحدة أعاد .

ختام : فيه مسائل متفرّقة

اشارة

(مسألة 1) : لو شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر ، فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده ، وإن كان لم يُصلِّها ، أو شكّ في أ نّه صلاّها أو لا ، فإن كان لم يُصلِّ العصر ، وكان في الوقت المشترك ، عدل به إلى الظهر . وكذا إن كان في الوقت المختصّ بالعصر ؛ لو كان الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر وإدراك ركعة من العصر ، ومع عدم السعة فإن كان الوقت واسعاً لإدراك ركعة من العصر ، ترك ما بيده وصلّى العصر ويقضي الظهر ، وإلاّ فالأحوط إتمامه عصراً وقضاء الظهر والعصر خارج الوقت ؛ وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه . وفي المسألة صور كثيرة ربما تبلغ ستّاً وثلاثين . وممّا ذُكر ظهر حال ما إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء . نعم ، موضع جواز العدول هاهنا فيما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة .

(مسألة 2) : لو علم بعد الصلاة أ نّه ترك سجدتين من ركعتين - سواء كانتا من الأوّلتين أو الأخيرتين - صحّت ، وعليه قضاؤهما وسجدتا السهو مرّتين ، وكذا إن لم يدر أ نّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأ نّهما من ركعتين ، وكذا إن علم في أثنائها بعد فوت محلّ التدارك .

(مسألة 3) : لو كان في الركعة الرابعة - مثلاً - وشكّ في أنّ شكّه السابق بين

ص: 225

الاثنتين والثلاث ، كان قبل إكمال السجدتين أو بعده ، فالأحوط الجمع بين البناء وعمل الشكّ وإعادة الصلاة ، وكذلك إذا شكّ بعد الصلاة .

(مسألة 4) : لو شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر ، أو أ نّه أتمّها وهذه أوّل العصر ، فإن كان في الوقت المشترك جعلها آخر الظهر ، وإن كان في الوقت المختصّ بالعصر ، فالأقوى هو البناءُ على إتيان الظهر ورفعُ اليد عمّا بيده ؛ وإتيانُ العصر إن وسع الوقت لإدراك ركعة منه ، ومع عدم السعة له فالأحوط إتمامه عصراً وقضاؤه خارج الوقت ؛ وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه .

(مسألة 5) : لو شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع ، وتذكّر أ نّه لم يأتِ بالمغرب ، بطلت صلاته ، وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب .

(مسألة 6) : لو تذكّر في أثناء العصر أ نّه ترك من الظهر ركعة ، فالأقوى رفع اليد عن العصر وإتمام الظهر ثمّ الإتيان بالعصر ، بل لإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر وجه . والأحوط إعادة الصلاة بعد إتمام الظهر ، وأحوط منه إعادتهما . هذا في الوقت المشترك ، وفي المختصّ تفصيل .

(مسألة 7) : لو صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة - مثلاً - من إحداهما من غير تعيين ، فإن كان مع الإتيان بالمنافي بعد كلّ منهما ، فإن اختلفا في العدد أعادهما ، وإلاّ أتى بواحدة بقصد ما في الذمّة . وإن كان قبل المنافي في الثانية مع الإتيان بالمنافي بعد الاُولى ، ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان ثمّ أعاد الاُولى . ومع عدم الإتيان به بعدهما لا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة . هذا في الوقت المشترك . وأمّا في

ص: 226

المختصّ بالعصر فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية ، وعدم وجوب إعادة الاُولى .

(مسألة 8) : لو شكّ بين الثلاث والاثنتين أو غيره من الشكوك الصحيحة ، ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط ، يتمّها بقصد ما في الذمّة ، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط ، ولا تجب عليه إعادة الصلاة . هذا إذا كانت صلاة الاحتياط المحتملة ركعة واحدة . وأمّا إذا كانت ركعتين - كالشكّ بين الاثنتين والأربع - فالأحوط مع ذلك إعادة الصلاة .

(مسألة 9) : لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب ، أو أ نّه سلّم على الثلاث وهذه اُولى العشاء ، فإن كان بعد الركوع بطلت ، ووجبت عليه إعادة المغرب ، وإن كان قبله يجعلها من المغرب ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، ولا شيء عليه .

(مسألة 10) : لو شكّ - وهو جالس - بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث ، وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة ، يبني على الثلاث ويقضي التشهّد بعد الفراغ . وكذا لو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد .

(مسألة 11) : لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة ، فالظاهر بطلان صلاته . ولو انعكس ؛ بأن كان شاكّاً في أ نّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة ، فيبني على الأربع ويأتي بالركوع ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ ، لكن الأحوط إعادة الصلاة أيضاً .

(مسألة 12) : لو كان قائماً وهو في الركعة الثانية من الصلاة ، ويعلم أ نّه أتى

ص: 227

فيها بركوعين ، ولا يدري أ نّه أتى بهما في الاُولى ، أو أتى فيها بواحد وأتى بالآخر في هذه الركعة ، فالظاهر بطلان صلاته .

(مسألة 13) : لو علم بعد الفراغ من الصلاة أ نّه ترك سجدتين ، ولم يدرِ أ نّهما من ركعة واحدة ، أو من ركعتين ، فالأحوط قضاء السجدة مرّتين ، وكذا سجود السهو مرّتين ، ثمّ إعادة الصلاة . وكذا إذا كان في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّي ، وأمّا مع بقائه فالأقوى الإتيان بهما ، ولا شيء عليه .

(مسألة 14) : لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية - مثلاً - أ نّه إمّا ترك القراءة أو الركوع ، فالظاهر صحّة صلاته . وكذا لو حصل الشكّ بعد الفراغ من صلاته . ولو شكّ في الفرضين في أ نّه ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة ، تجب عليه الإعادة بعد الاحتياط بإتمام الصلاة وقضاء السجدة وسجدتي السهو .

(مسألة 15) : لو علم قبل أن يدخل في الركوع أ نّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة ، فمع بقاء المحلّ الشكّي فالأقوى الاكتفاء بإتيان القراءة . وكذا في كلّ علم إجمالي مشابه لذلك ، ومع التجاوز عن المحلّ لزوم العود لتداركهما مع بقاء محلّ التدارك .

(مسألة 16) : لو علم بعد القيام إلى الثالثة أ نّه ترك التشهّد وشكّ في أ نّه ترك السجدة أيضاً أم لا فالأقوى الاكتفاء بإتيان التشهّد .

(مسألة 17) : لو علم إجمالاً أ نّه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهّد من غير تعيين وشكّ في الآخر ؛ فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتنِ بشكّه ، وإن

ص: 228

كان في المحلّ الشكّي فالظاهر جواز الاكتفاء بالتشهّد ، ولا شيء عليه .

(مسألة 18) : لو علم أ نّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة ، فإن كان جالساً أتى بالتشهّد وأتمّ الصلاة ، ولا شيء عليه . وإن نهض إلى القيام - أو بعد الدخول فيه - فشكّ ، فالأقوى وجوب العود لتدارك التشهّد والإتمام وقضاء السجدة وسجود السهو ، وكذا الحال في نظائر المسألة ، كما إذا علم أ نّه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة .

(مسألة 19) : لو تذكّر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية - مثلاً - أ نّه ترك سجدة أو سجدتين من الاُولى وترك أيضاً ركوع هذه الركعة ، جعل السجدة أو السجدتين للركعة الاُولى ، وقام وقرأ وقنت وأتمّ صلاته ، ولا شيء عليه . وكذا الحال في نظير المسألة بالنسبة إلى سائر الركعات .

(مسألة 20) : لو صلّى الظهرين ، وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالاً أ نّه إمّا ترك ركعة من الظهر ، والتي بيده رابعة العصر ، أو أنّ ظهره تامّة وهذه الركعة ثالثة العصر ، يبني على أنّ الظهر تامّة ، وبالنسبة إلى العصر يبني على الأكثر ويتمّ ويأتي بصلاة الاحتياط ، ويحتمل جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة . وكذلك الحال في المغرب والعشاء .

(مسألة 21) : لو صلّى الظهرين ثماني ركعات والعشاءين سبع ركعات ، لكن لم يدرِ أ نّه صلاّها صحيحة ، أو نقص من إحدى الصلاتين ركعة وزاد في قرينتها ، صحّت ولا شيء عليه .

(مسألة 22) : لو شكّ - مع العلم بأ نّه صلّى الظهرين ثماني ركعات - قبل السلام من العصر ؛ في أ نّه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر ، أو صلاّها

ص: 229

خمساً فالتي بيده ثالثة العصر ، يبني على صحّة صلاة ظهره ، وبالنسبة إلى العصر يبني على الأربع ويعمل عمل الشكّ . وكذا الحال في العشاءين إذا شكّ - مع العلم بإتيان سبع ركعات - قبل السلام من العشاء في أ نّه سلّم في المغرب على الثلاث أو على الأربع .

(مسألة 23) : لو علم أ نّه صلّى الظهرين تسع ركعات ، ولم يدرِ أ نّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر ، فإن كان بعد السلام من العصر ، وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمّة . وإن كان قبل السلام ، فإن كان قبل إكمال السجدتين ، فالظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى ، وإن كان بعده عدل إلى الظهر وأتمّ الصلاة ولا شيء عليه .

(مسألة 24) : لو علم أ نّه صلّى العشاءين ثماني ركعات ، ولا يدري أ نّه زاد الركعة في المغرب أو العشاء ، وجبت إعادتهما مطلقاً إلاّ فيما كان الشكّ قبل إكمال السجدتين ، فإنّ الظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى .

(مسألة 25) : لو صلّى صلاة ثمّ اعتقد عدم الإتيان بها وشرع فيها ، وتذكّر قبل السلام أ نّه كان آتياً بها ، لكن علم بزيادة ركعة - إمّا في الاُولى أو الثانية - له أن يكتفي بالاُولى ويرفع اليد عن الثانية .

(مسألة 26) : لو شكّ في التشهّد وهو في المحلّ الشكّي الذي يجب الإتيان به ثمّ غفل وقام ، ليس شكّه بعد تجاوز المحلّ ، فيجب عليه الجلوس للتشهّد . ولو كان المشكوك فيه الركوع ثمّ دخل في السجود ، يرجع ويركع ويُتمّ الصلاة ويُعيدها احتياطاً ، ولو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته . ولو كان المشكوك فيه غير ركن ، وتذكّر بعد الدخول في

ص: 230

الركن ، صحّت وأتى بسجدتي السهو إن كان ممّا يوجب ذلك .

(مسألة 27) : لو علم نسيان شيء قبل فوات محلّ المنسيّ ، ووجب عليه التدارك ، فنسي حتّى دخل في ركن بعده ، ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّاً ، يحكم بالصحّة إن كان ذلك الشيء رُكناً ، وبعدم وجوب القضاء وسجدتي السهو فيما يوجب ذلك . هذا إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّي ، وأمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال وإن لا يخلو من قرب .

(مسألة 28) : لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي - عمداً أو سهواً - نقصان الصلاة ، وشكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان ، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، فيبني على الأكثر ويأتي بركعة ، ويأتي بصلاة الاحتياط ويسجد سجدتي السهو لزيادة السلام احتياطاً . وكذا لو تيقّن نقصان ركعة ، وبعد الشروع فيها شكّ في ركعة اُخرى . وعلى هذا إذا كان ذلك في صلاة المغرب يحكم ببطلانها .

(مسألة 29) : لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي نقصان ركعة ، ثمّ شكّ في أ نّه أتى بها أم لا ، يجب عليه الإتيان بركعة متّصلة . ولو كان ذلك الشكّ قبل السلام فالظاهر جريان حكم الشكّ من البناء على الأكثر في الرباعية ، والحكم بالبطلان في غيرها .

(مسألة 30) : لو علم أنّ ما بيده رابعة ، لكن لا يدري أ نّها رابعة واقعية أو رابعة بنائية ، وأ نّه شكّ سابقاً بين الاثنتين والثلاث ، فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة ، يجب عليه صلاة الاحتياط .

ص: 231

(مسألة 31) : لو تيقّن - بعد القيام إلى الركعة التالية - أنّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهّداً ، ثمّ شكّ في أ نّه هل رجع وتدارك ثمّ قام ، أو هذا هو القيام الأوّل ؟ فالظاهر وجوب العود والتدارك . ولو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ ثمّ أتى به نسياناً ، فالظاهر بطلان صلاته . ولو شكّ فيما يوجب زيادته سجدتي السهو - بعد تجاوز محلّه - ثمّ أتى به نسياناً ، فالأحوط وجوب سجدتي السهو عليه .

(مسألة 32) : لو كان في التشهّد فذكر أ نّه نسي الركوع ، ومع ذلك شكّ في السجدتين أيضاً ، فالظاهر لزوم العود إلى التدارك ثمّ الإتيان بالسجدتين ؛ من غير فرق بين سبق تذكّر النسيان وبين سبق الشكّ في السجدتين ، والأحوط إعادة الصلاة أيضاً .

(مسألة 33) : لو شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - وعلم أ نّه على فرض الثلاث ترك رُكناً ، أو عمل ما يوجب بطلان صلاته ، فالظاهر بطلان صلاته ، وكذا لو علم ذلك على فرض الأربع . ولو علم أ نّه على فرض الثلاث أو الأربع أتى بما يوجب سجدتي السهو ، أو ترك ما يوجب القضاء ، فلا شيء عليه .

(مسألة 34) : لو علم - بعد القيام أو الدخول في التشهّد - نسيانَ إحدى السجدتين وشكّ في الاُخرى ، فالأقرب العود إلى تدارك المنسيّ ، ويجري بالنسبة إلى المشكوك فيه قاعدة التجاوز . وكذا الحال في أشباه ذلك .

(مسألة 35) : لو دخل في السجود من الركعة الثانية ، فشكّ في ركوع هذه الركعة وفي السجدتين من الاُولى ، يبني على إتيانهما . وعلى هذا لو شكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشكّ في ركوع التي بيده وفي

ص: 232

السجدتين من السابقة ، يكون من الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد الإكمال ، فيعمل عمل الشكّ وصحّت صلاته . نعم ، لو علم بتركهما مع الشكّ المذكور بطلت صلاته .

(مسألة 36) : لا يجري حكم كثير الشكّ في أطراف العلم الإجمالي ، فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالاً ، يجب عليه مراعاته وإن كان شاكّاً بالنسبة إلى كلّ منهما .

(مسألة 37) : لو علم أنّه إمّا ترك سجدة من الاُولى أو زاد سجدة في الثانية ، فلا يجب عليه شيء ، ولو علم أ نّه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً ، وجب على الأحوط الإتيان بقضائهما وسجدتي السهو مرّة .

(مسألة 38) : لو كان مشغولاً بالتشهّد أو بعد الفراغ منه ، وشكّ في أ نّه صلّى ركعتين وأنّ التشهّد في محلّه ، أو ثلاث ركعات وأ نّه في غير محلّه ، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، وليس عليه سجدتا السهو وإن كان الأحوط الإتيان بهما .

(مسألة 39) : لو صلّى من كان تكليفه الصلاة إلى أربع جهات ، ثمّ بعد السلام من الأخيرة علم ببطلان واحدة منها ، بنى على صحّة صلاته ، ولا شيء عليه .

(مسألة 40) : لو قصد الإقامة وصلّى صلاة تامّة ، ثمّ رجع عن قصده وصلّى صلاة قصراً - غفلة أو جهلاً - ثمّ علم ببطلان إحداهما ، يبني على صحّة صلاته التامّة ، وتكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية .

ص: 233

القول : في صلاة القضاء

يجب قضاء الصلوات اليومية التي فاتت في أوقاتها - عدا الجمعة - عمداً كان أو سهواً أو جهلاً أو لأجل النوم المستوعب للوقت وغير ذلك ، وكذا المأتيّ بها فاسداً لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان . ولا يجب قضاء ما تركه الصبيّ في زمان صباه ، والمجنون في حال جنونه ، والمغمى عليه إذا لم يكن إغماؤه بفعله ، وإلاّ فيقضي على الأحوط ، والكافر الأصلي في حال كفره ، دون المرتدّ ، فإنّه يجب عليه قضاء ما فاته في حال ارتداده بعد توبته ، وتصحّ منه وإن كان عن فطرة على الأصحّ ، والحائض والنفساء مع استيعاب الوقت .

(مسألة 1) : يجب على المخالف بعد استبصاره قضاء ما فات منه أو أتى على وجه يخالف مذهبه ، بخلاف ما أتى به على وفق مذهبه ، فإنّه لا يجب عليه قضاؤها وإن كانت فاسدة بحسب مذهبنا . نعم ، إذا استبصر في الوقت يجب عليه الأداء ، فلو تركها أو أتى بها فاسداً بحسب المذهب الحقّ يجب عليه القضاء .

(مسألة 2) : لو بلغ الصبيّ أو أفاق المجنون أو المغمى عليه في الوقت ، وجب عليهم الأداء وإن لم يُدركوا إلاّ مقدار ركعة مع الطهارة ولو كانت ترابية ، ومع الترك يجب عليهم القضاء . وكذلك الحائض والنفساء إذا زال عذرهما . كما أ نّه لو طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم من السفر والحضر والوضوء والتيمّم ولم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء .

(مسألة 3) : فاقد الطهورين يجب عليه القضاء ، ويسقط عنه الأداء على الأقوى ، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالأداء أيضاً .

ص: 234

(مسألة 4) : يجب قضاء غير اليومية من الفرائض - سوى العيدين وبعض صور صلاة الآيات - حتّى المنذورة في وقت معيّن على الأحوط فيها .

(مسألة 5) : يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت ؛ من ليل أو نهار أو سفر أو حضر . ويصلّي في السفر ما فات في الحضر تماماً ، كما أ نّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصراً . ولو كان في أوّل الوقت حاضراً وفي آخره مسافراً أو بالعكس ، فالعبرة بحال الفوت على الأصحّ ، فيقضي قصراً في الأوّل وتماماً في الثاني ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع . وإذا فاتته فيما يجب عليه الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام ، يحتاط في القضاء أيضاً .

(مسألة 6) : لو فاتت الصلاة في أماكن التخيير ، فالظاهر التخيير في القضاء أيضاً إذا قضاها في تلك الأماكن ، وتعيّن القصر على الأحوط لو قضاها في غيرها .

(مسألة 7) : يستحبّ قضاء النوافل الرواتب ، ويكره أكيداً تركه إذا شغله عنها جمع الدنيا . ومن عجز عن قضائها استحبّ له التصدّق بقدر طوله ، وأدنى ذلك التصدّق عن كلّ ركعتين بمُدّ ، وإن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمُدّ ، وإن لم يتمكّن فمُدّ لصلاة الليل ومُدّ لصلاة النهار .

(مسألة 8) : إذا تعدّدت الفوائت ، فمع العلم بكيفية الفوت والتقديم والتأخير ، فالأحوط تقديم قضاء السابق في الفوات على اللاحق . وأمّا ما كان الترتيب في أدائها معتبراً شرعاً - كالظهرين والعشاءين من يوم واحد - فيجب في قضائها الترتيب على الأقوى . وأمّا مع الجهل بالترتيب فالأحوط ذلك وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة ، بل عدم وجوب الترتيب مطلقاً - إلاّ ما كان الترتيب في أدائها معتبراً - لا يخلو من قوّة .

ص: 235

(مسألة 9) : لو علم أنّ عليه إحدى الصلوات الخمس من غير تعيين ، يكفيه صبح ومغرب وأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ؛ مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء مخيّراً فيها بين الجهر والإخفات . وإذا كان مسافراً يكفيه مغرب وركعتان مردّدتان بين الأربع . وإن لم يعلم أ نّه كان حاضراً أو مسافراً ، يأتي بمغرب وركعتين مردّدتين بين الأربع وأربع ركعات مردّدة بين الثلاث . وإن علم أنّ عليه اثنتين من الخمس من يوم ، أتى بصبح ، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر ، ثمّ مغرب ، ثمّ أربع مردّدة بين العصر والعشاء ، وله أن يأتي بصبح ، ثمّ بأربعٍ مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ، ثمّ مغرب ، ثمّ أربع مردّدة بين العصر والعشاء . وإذا علم أ نّهما فاتتا في السفر ، أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع ، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاُولى ، وله أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر ، ومغرب وركعتين مردّدتين بين الظهرين والعشاء . وإن لم يعلم أنّ الفوت في الحضر أو السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع ، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاُولى ، وأربعٍ مردّدة بين الظهرين والعشاء ، وأربعٍ مردّدة بين العصر والعشاء . وإن علم أنّ عليه ثلاثاً من الخمس يأتي بالخمس إن كان في الحضر ، وإن كان في السفر يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهرين ، وركعتين مردّدتين بين الظهرين والعشاء ، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء . وتُتصوّر طرق اُخر للتخلّص . والميزان هو العلم بإتيان جميع المحتملات .

(مسألة 10) : إذا علم بفوات صلاة معيّنة كالصبح - مثلاً - مرّات ، ولم يعلم عددها ، يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى ، لكن الأحوط التكرار حتّى يغلب على ظنّه الفراغ ، وأحوط وأحسن منه التكرار حتّى حصل العلم بالفراغ ،

ص: 236

خصوصاً مع سبق العلم بالمقدار وحصول النسيان بعده . وكذلك الحال فيما إذا فاتت منه صلوات أيّام لا يعلم عددها .

(مسألة 11) : لا يجب الفور في القضاء ، بل هو موسّع ما دام العمر ؛ لو لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به .

(مسألة 12) : الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر ، إلاّ إذا علم ببقائه إلى آخر العمر ، أو خاف من مفاجأة الموت لظهور أماراته . نعم ، لو كان معذوراً عن الطهارة المائية ، فللمبادرة إلى القضاء مع الترابية وجه - حتّى مع رجاء زوال العذر - لا يخلو من إشكال ، فالأحوط تأخيره إلى الوجدان .

(مسألة 13) : لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة ، فيجوز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء ، وإن كان الأحوط تقديمها عليها ، خصوصاً في فائتة ذلك اليوم ، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها ، استحبّ له العدول منها إليها إن لم يتجاوز محلّ العدول ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم وترك العدول إلى الفائتة .

(مسألة 14) : يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى ، كما يجوز الإتيان بها أيضاً بعد دخول الوقت قبل إتيان الفريضة .

(مسألة 15) : يجوز الإتيان بالقضاء جماعة ؛ سواء كان الإمام قاضياً أو مؤدّياً ، بل يستحبّ ذلك ، ولا يجب اتّحاد صلاة الإمام والمأموم .

(مسألة 16) : يجب على الوليّ - وهو الولد الأكبر - قضاء ما فات عن والده من الصلوات لعذر من نوم ونسيان ونحوهما . ولا تُلحق الوالدة بالوالد وإن كان

ص: 237

أحوط . والأقوى عدم الفرق بين الترك عمداً وغيره . نعم ، لا يبعد عدم إلحاق ما تركه طغياناً على المولى ؛ وإن كان الأحوط إلحاقه ، بل لا يترك هذا الاحتياط . والظاهر وجوب قضاء ما أتى به فاسداً من جهة إخلاله بما اعتُبر فيه . وإنّما يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من صلاة نفسه ، دون ما وجب عليه بالإجارة ، أو من جهة كونه وليّاً . ولا يجب على البنات ، ولا على غير الولد الأكبر من الذكور ، ولا على سائر الأقارب حتّى الذكور ، كالأب والأخ والعمّ والخال ؛ وإن كان هو الأحوط في ذكورهم . وإذا مات الولد الأكبر بعد والده لا يجب على من دونه في السنّ من إخوته .

ولا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغاً عاقلاً عند الموت ، فيجب على الصبيّ إذا بلغ ، وعلى المجنون إذا عقل ، كما أ نّه لا يعتبر كونه وارثاً ، فيجب على الممنوع منه بسبب القتل أو الكفر أو نحوهما ، ولو تساوى الولدان في السنّ يقسّط القضاء عليهما ، ولو كان كسر يجب عليهما كفاية . ولا يجب على الوليّ المباشرة ، بل يجوز له أن يستأجر ، والأجير ينوي النيابة عن الميّت لا عن الوليّ . وإن باشر الوليّ أو غيره الإتيانَ يُراعي تكليف نفسه - باجتهاد أو تقليد - في أحكام الشكّ والسهو ، بل في أجزاء الصلاة وشرائطها دون تكليف الميّت ، كما أ نّه يُراعي تكليف نفسه في أصل وجوب القضاء ؛ إذا اختلف مقتضى تقليده أو اجتهاده مع الميّت .

القول : في صلاة الاستئجار

يجوز الاستئجار للنيابة عن الأموات في قضاء الصلوات كسائر العبادات ، كما تجوز النيابة عنهم تبرّعاً ، ويقصد النائب بفعله - أجيراً كان أو متبرّعاً - النيابة

ص: 238

والبدلية عن فعل المنوب عنه ، وتفرغ ذمّته ، ويتقرّب به ويثاب عليه ، ويعتبر فيه قصد تقرّب المنوب عنه لا تقرّب نفسه ، ولا يحصل له بذلك تقرّب ، إلاّ أن يقصد في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه الإحسانَ إليه للّه تعالى ، فيحصل له القرب أيضاً كالمتبرّع لو كان قصده ذلك ، وأمّا وصول الثواب إلى الأجير - كما يظهر من بعض الأخبار - فهو لمحض التفضّل ، ويجب تعيين الميّت المنوب عنه في نيّته ولو بالإجمال ، كصاحب المال ونحوه .

(مسألة 1) : يجب على من عليه واجب من الصلاة والصيام الإيصاء باستئجاره ، إلاّ من له وليّ يجب عليه القضاء عنه ويطمئنّ بإتيانه . ويجب على الوصيّ - لو أوصى - إخراجها من الثلث ، ومع إجازة الورثة من الأصل ، وهذا بخلاف الحجّ والواجبات المالية كالزكاة والخمس والمظالم والكفّارات ونحوها ، فإنّها تخرج من أصل المال - أوصى بها أو لم يوصِ - إلاّ إذا أوصى بأن تخرج من الثلث فتخرج منه ، فإن لم يفِ بها يخرج الزائد من الأصل . وإن أوصى بأن يُقضى عنه الصلاة والصوم ولم يكن له تركة ، لا يجب على الوصيّ المباشرة أو الاستئجار من ماله ، والأحوط للولد - ذكراً كان أو اُنثى - المباشرة لو أوصى إليه بها لو لم تكن حرجاً عليه . نعم ، يجب على وليّه قضاء ما فات منه إمّا بالمباشرة أو الاستئجار من ماله وإن لم يوصِ به كما مرّ .

(مسألة 2) : لو آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به ، فإن اشترط عليه المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه ، وتشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه ، فيخرج من تركته ، وإن لم يشترط المباشرة وجب الاستئجار من تركته إن كانت له تركة ، وإلاّ فلا يجب على الورثة ، كسائر ديونه مع فقد التركة .

ص: 239

(مسألة 3) : يشترط في الأجير أن يكون عارفاً بأجزاء الصلاة وشرائطها ومنافياتها وأحكام الخلل وغيرها ؛ عن اجتهاد أو تقليد صحيح . نعم ، لا يبعد جواز استئجار تارك الاجتهاد والتقليد ؛ إذا كان عارفاً بكيفية الاحتياط وكان محتاطاً في عمله .

(مسألة 4) : لا يشترط عدالة الأجير ، بل يكفي كونه أميناً بحيث يطمأنّ بإتيانه على الوجه الصحيح ، وهل يعتبر فيه البلوغ ، فلا يصحّ استئجار الصبيّ المميّز ونيابته وإن علم إتيانه على الوجه الصحيح ؟ لا يبعد عدمه وإن كان الأحوط اعتباره .

(مسألة 5) : لا يجوز استئجار ذوي الأعذار ، كالعاجز عن القيام مع وجود غيره ، بل لو تجدّد له العجز ينتظر زمان رفعه ، وإن ضاق الوقت انفسخت الإجارة ، بل الأحوط عدم جواز استئجار ذي الجبيرة ومن كان تكليفه التيمّم .

(مسألة 6) : لو حصل للأجير سهو أو شكّ ، يعمل بحكمه على طبق اجتهاده أو تقليده وإن خالف الميّت ، كما أ نّه يجب عليه أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليفه واعتقاده من اجتهاد أو تقليد لو استؤجر على الإتيان بالعمل الصحيح ، وإن عيّن له كيفية خاصّة يرى بطلانه بحسبها ، فالأحوط له عدم إجارة نفسه له .

(مسألة 7) : يجوز استئجار كلّ من الرجل والمرأة للآخر ، وفي الجهر والإخفات والتستّر وشرائط اللباس يُراعى حال النائب لا المنوب عنه ، فالرجل يجهر في الجهرية ولا يستر ستر المرأة وإن كان نائباً عنها ، والمرأة مخيّرة في الجهر والإخفات فيها ، ويجب عليها الستر بالكيفية التي لها وإن كانت نائبة عن الرجل .

ص: 240

(مسألة 8) : قد عرفت سابقاً : أنّ عدم وجوب الترتيب مطلقاً في القضاء - خصوصاً فيما إذا جهل بكيفية الفوت - لا يخلو من قوّة ، فيجوز استئجار جماعة عن واحد في قضاء صلواته ، ولا يجب تعيين الوقت لهم ، ويجوز لهم الإتيان في وقت واحد ، سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله .

(مسألة 9) : لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من المستأجر ، نعم لو تقبّل العمل من دون أن يؤاجر نفسه له يجوز أن يستأجر غيره له ، لكن حينئذٍ لا يجوز أن يستأجره بأقلّ من الاُجرة المجعولة له على الأحوط ، إلاّ إذا أتى ببعض العمل وإن قلّ .

(مسألة 10) : لو عيّن للأجير وقتاً ومدّة ، ولم يأتِ بالعمل أو تمامه في تلك المدّة ، ليس له أن يأتي به بعدها إلاّ بإذن من المستأجر ، ولو أتى به فهو كالمتبرّع لا يستحقّ اُجرة . نعم ، لو كان القرار على الإتيان في الوقت المعيّن بعنوان الاشتراط يستحقّ الاُجرة المسمّاة لو تخلّف ، وللمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط ، فإن فسخ يرجع إلى الأجير بالاُجرة المسمّاة ، وهو يستحقّ اُجرة المِثل للعمل .

(مسألة 11) : لو تبيّن بعد العمل بطلان الإجارة استحقّ الأجير اُجرة المِثل بعمله ، وكذا إذا فُسخت الإجارة من جهة الغَبن أو غيره .

(مسألة 12) : لو لم يعيّن كيفية العمل من حيث الإتيان بالمستحبّات ولم يكن انصراف ، يجب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة كالقنوت وتكبيرة الركوع ونحو ذلك .

ص: 241

البحث : في صلاة الجمعة

اشارة

(مسألة 1) : تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيّراً بينها وبين صلاة الظهر ، والجمعة أفضل والظهر أحوط ، وأحوط من ذلك الجمع بينهما ، فمن صلّى الجمعة سقطت عنه صلاة الظهر على الأقوى ، لكن الأحوط الإتيان بالظهر بعدها . وهي ركعتان كالصبح .

(مسألة 2) : من ائتمّ بإمام في الجمعة جاز الاقتداء به في العصر ، لكن لو أراد الاحتياط أعاد الظهرين بعد الائتمام ، إلاّ إذا احتاط الإمام بعد صلاة الجمعة قبل العصر بأداء الظهر ، وكذا المأموم ، فيجوز الاقتداء به في العصر ويحصل به الاحتياط .

(مسألة 3) : يجوز الاقتداء في الظهر الاحتياطي ، فإذا صلّوا الجمعة جاز لهم صلاة الظهر جماعة احتياطاً ، ولو ائتمّ بمن يصلّيها احتياطاً من لم يصلّ الجمعة ، لا يجوز له الاكتفاء بها ، بل تجب عليه إعادة الظهر .

القول : في شرائط صلاة الجمعة

وهي اُمور :

الأوّل : العدد ، وأقلّه خمسة نفر أحدهم الإمام ، فلا تجب ولا تنعقد بأقلّ منها . وقيل : أقلّه سبعة نفر ، والأشبه ما ذكرناه ، فلو اجتمع سبعة نفر وما فوق تكون الجمعة آكد في الفضل .

الثاني : الخطبتان ، وهما واجبتان كأصل الصلاة ، ولا تنعقد الجمعة بدونهما .

الثالث : الجماعة ، فلا تصحّ الجمعة فرادى .

ص: 242

الرابع : أن لا يكون هناك جمعة اُخرى وبينهما دون ثلاثة أميال ، فإذا كان بينهما ثلاثة أميال صحّتا جميعاً . والميزان هو البعد بين الجمعتين ، لا البلدين اللذين ينعقد فيهما الجُمعة ، فجازت إقامة جُمُعات في بلاد كبيرة تكون طولها فراسخ .

(مسألة 1) : لو اجتمع خمسة نفر للجمعة ، فتفرّقوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة ، ولم يعودوا ، ولم يكن هناك عدد بقدر النصاب ، تعيّن على كلّ صلاة الظهر .

(مسألة 2) : لو تفرّقوا في أثناء الخطبة ثمّ عادوا ، فإن كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب ، فالظاهر عدم وجوب إعادتها ولو طالت المدّة ، كما أ نّه كذلك لو تفرّقوا بعدها فعادوا . وإن كان قبل تحقّق الواجب منها ، فإن كان التفرّق للانصراف عن الجمعة فالأحوط استئنافها مطلقاً ، وإن كان لعذر كمطر - مثلاً - فإن طالت المدّة بمقدار أضرّ بالوحدة العرفية ، فالظاهر وجوب الاستئناف ، وإلاّ بَنَوا عليها وصحّت .

(مسألة 3) : لو انصرف بعضهم قبل الإتيان بمسمّى الواجب ، ورجع من غير فصل طويل ، فإن سكت الإمام في غيبته اشتغل بها من حيث سكت ، وإن أدامها ولم يسمعها الغائب أعادها من حيث غاب ولم يدركها ، وإن لم يرجع إلاّ بعد فصل طويل - يضرّ بوحدة الخطبة عرفاً - أعادها ، وإن لم يرجع وجاء آخر تجب استئنافها مطلقاً .

(مسألة 4) : لو زاد العدد على نصاب الجمعة ، لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب .

ص: 243

(مسألة 5) : إن دخل الإمام في الصلاة ، وانفضّ الباقون قبل تكبيرهم ولم يبقَ إلاّ الإمام ، فالظاهر عدم انعقاد الجمعة ، وهل له العدول إلى الظهر ، أو يجوز إتمامها ظهراً من غير نيّة العدول ، بل تكون ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة فيتمّها أربع ركعات ؟ فيه إشكال ، والأحوط نيّة العدول وإتمامها ثمّ الإتيان بالظهر ، وأحوط منه إتمامها جمعة ثمّ الإتيان بالظهر وإن كان الأقرب بطلانها ، فيجوز رفع اليد عنها والإتيان بالظهر .

(مسألة 6) : إن دخل العدد - أي أربعة نفر مع الإمام - في صلاة الجمعة ولو بالتكبير ، وجب الإتمام ولو لم يبقَ إلاّ واحد على قول معروف ، والأشبه بطلانها ؛ سواء بقي الإمام وانفضّ الباقون أو بعضهم ، أو انفضّ الإمام وبقي الباقون أو بعضهم ، وسواء صلّوا ركعة أو أقلّ . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام جمعة ثمّ الإتيان بالظهر . نعم ، لا يبعد الصحّة جُمعة إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانية ، بل بعد ركوعها ، والاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها لا ينبغي تركه .

(مسألة 7) : يجب في كلّ من الخطبتين التحميد ، ويعقّبه بالثناء عليه تعالى على الأحوط . والأحوط أن يكون التحميد بلفظ الجلالة ، وإن كان الأقوى جوازه بكلّ ما يُعدّ حمداً له تعالى ، والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم على الأحوط في الخطبة الاُولى ، وعلى الأقوى في الثانية ، والإيصاء بتقوى اللّه تعالى في الاُولى على الأقوى ، وفي الثانية على الأحوط ، وقراءة سورة صغيرة في الاُولى على الأقوى ، وفي الثانية على الأحوط ، والأحوط الأولى في الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين علیهم السلام ، بعد الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، والاستغفار للمؤمنين

ص: 244

والمؤمنات . والأولى اختيار بعض الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين علیه السلام ، أو المأثورة عن أهل بيت العصمة علیهم السلام .

(مسألة 8) : الأحوط إتيان الحمد والصلاة في الخطبة بالعربي وإن كان الخطيب والمستمع غير عربي ، وأمّا الوعظ والإيصاء بتقوى اللّه تعالى فالأقوى جوازه بغيره ، بل الأحوط أن يكون الوعظ ونحوه من ذكر مصالح المسلمين بلغة المستمعين ، وإن كانوا مختلطين يجمع بين اللغات . نعم ، لو كان العدد أكثر من النصاب جاز الاكتفاء بلغة النصاب ، لكن الأحوط أن يعظهم بلغتهم .

(مسألة 9) : ينبغي للإمام الخطيب أن يذكر - في ضمن خطبته - ما هو من مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم ، ويخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين وغيرها ؛ من الأحوال التي لهم فيها المضرّة أو المنفعة ، وما يحتاج المسلمون إليه في المعاش والمعاد ، والاُمور السياسية والاقتصادية ممّا هي دخيلة في استقلالهم وكيانهم ، وكيفية معاملتهم مع سائر الملل ، والتحذير عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة في اُمورهم - سيّما السياسية والاقتصادية - المنجرّ إلى استعمارهم واستثمارهم . وبالجملة : الجُمعة وخطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين ، كسائر المواقف العظيمة ، مثل الحجّ والمواقف التي فيه والعيدين وغيرها ، ومع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسية فيها وفي غيرها من المواقف السياسية الإسلامية ، فالإسلام دين السياسة بشؤونها ؛ يظهر لمن له أدنى تدبّر في أحكامه الحكومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فمن توهّم أنّ الدين منفكّ عن السياسة ، فهو جاهل لم يعرف الإسلام ولا السياسة .

ص: 245

(مسألة 10) : يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس بحيث إذا فرغ منهما زالت ، والأحوط إيقاعهما عند الزوال .

(مسألة 11) : يجب أن تكون الخطبتان قبل صلاة الجمعة ، فلو بدأ بالصلاة تبطل ، وتجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت ، والظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا كان الإتيان جهلاً أو سهواً ، فيأتي بالصلاة بعدهما . ولو قيل بعدم وجوب إعادة الصلاة أيضاً إذا كان التقديم عن غير عمد وعلم ، لكان له وجه .

(مسألة 12) : يجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة ، ويجب وحدة الخطيب والإمام ، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره ، وأمّهم الذي خطبهم ، ولو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر . نعم ، لو كانت الجمعة واجبة تعييناً خطبهم العاجز عن القيام جالساً ، والأحوط الإتيان بالظهر بعد الجمعة ، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة .

(مسألة 13) : الأحوط لو لم يكن الأقوى وجوب رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد ، بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها ، بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ والإيصاء ، وينبغي أن يرفع صوته بحيث يسمع الحُضّار ، بل هو أحوط ، أو يخطب بواسطة السمّاعات إذا كان الجماعة كثيرة ؛ لإبلاغ الوعظ والترغيب والترهيب والمسائل المهتمّ بها .

(مسألة 14) : الأحوط بل الأوجه وجوب الإصغاء إلى الخطبة ، بل الأحوط الإنصات وترك الكلام بينها ، وإن كان الأقوى كراهته . نعم ، لو كان التكلّم موجباً لترك الاستماع وفوات فائدة الخطبة لزم تركه . والأحوط الأولى استقبال المستمعين الإمام حال الخطبة ، وعدم الالتفات زائداً على مقدار الجواز

ص: 246

في الصلاة ، وطهارة الإمام حال الخطبة عن الحدث والخبث ، وكذا المستمعين . والأحوط الأولى للإمام أن لا يتكلّم بين الخطبة بما لا يرجع إلى الخطابة ، ولا بأس بالتكلّم بعد الخطبتين إلى الدخول في الصلاة . وينبغي أن يكون الخطيب بليغاً مراعياً لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد ، عارفاً بما جرى على المسلمين في الأقطار ، سيّما قطره ، عالماً بمصالح الإسلام والمسلمين ، شجاعاً لا يلومه في اللّه لومة لائم ، صريحاً في إظهار الحقّ وإبطال الباطل حسب المقتضيات والظروف ، مراعياً لما يوجب تأثير كلامه في النفوس ؛ من مواظبة أوقات الصلوات ، والتلبّس بزيّ الصالحين والأولياء ، وأن يكون أعماله موافقاً لمواعظه وترهيبه وترغيبه ، وأن يجتنب عمّا يوجب وهنه ووهن كلامه ؛ حتّى كثرة الكلام والمزاح وما لا يَعني . كلّ ذلك إخلاصاً للّه تعالى وإعراضاً عن حُبّ الدنيا والرئاسة - فإنّه رأس كلّ خطيئة - ليكون لكلامه تأثير في النفوس . ويستحبّ له أن يتعمّم في الشتاء والصيف ، ويتردّى ببرد يمني أو عدني ، ويتزيّن ، ويلبس أنظف ثيابه متطيّباً ، على وقار وسكينة ، وأن يسلّم إذا صعد المنبر ، واستقبل الناس بوجهه ، ويستقبلونه بوجوههم ، وأن يعتمد على شيء من قوس أو عصا أو سيف ، وأن يجلس على المنبر أمام الخطبة حتّى يفرغ المؤذّنون .

(مسألة 15) : قد مرّ اعتبار الفاصلة بين الجمعتين بثلاثة أميال ، فإن اُقيمت جمعتان دون الحدّ المعتبر ، فإن اقترنتا بطلتا جميعاً ، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة ؛ سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة أم لا ، وصحّت المتقدّمة ؛ سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا . والميزان في الصحّة :

ص: 247

تقدّم الصلاة لا الخطبة ، فلو تقدّم إحدى الجمعتين في الخطبة والاُخرى في الصلاة ، بطلت المتأخّرة في الشروع في الصلاة .

(مسألة 16) : الأحوط عند إرادة إقامة جمعة في محلٍّ ، إحرازُ أن لا جمعة هناك دون الحدّ المقرّر مقارنة لها أو منعقدة قبلها ؛ وإن كان الأشبه جواز الانعقاد وصحّة الجمعة ؛ ما لم يُحرز انعقاد جمعة اُخرى مقارنة لها أو مقدّمة عليها ، بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اُخرى وشكّ في مقارنتها أو سبقها .

(مسألة 17) : لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اُخرى ، واحتمل كلّ من الجماعتين السبق واللحوق ، فالظاهر عدم وجوب الإعادة عليهما - لا جمعةً ولا ظهراً - وإن كان الوجوب أحوط . ويجب على الجماعة التي لم يحضروا الجُمعتين إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة ، إحرازُ بطلان الجُمعتين المتقدّمتين ، ومع احتمال صحّة إحداهما لا يجوز إقامة جُمعة اُخرى .

القول : فيمن تجب عليه

(مسألة 1) : يشترط في وجوبها اُمور : التكليف ، والذكورة ، والحرّية ، والحضر ، والسلامة من العمى والمرض ، وأن لا يكون شيخاً كبيراً ، وأن لا يكون بينه وبين محلّ إقامة الجُمعة أزيد من فرسخين ، فهؤلاء لا يجب عليهم السعي إلى الجمعة لو قلنا بالوجوب التعييني ، ولا تجب عليهم ولو كان الحضور لهم غير حرجي ولا مشقّة فيه .

(مسألة 2) : كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه ، صحّت منهم

ص: 248

وأجزأت عن الظهر ، وكذا كلّ من رُخّص له في تركها لمانع ؛ من مطر ، أو برد شديد ، أو فقد رجل ، ونحوها ممّا يكون الحضور معه حرجاً عليه . نعم ، لا تصحّ من المجنون ، وصحّت صلاة الصبيّ . وأمّا إكمال العدد به فلا يجوز ، وكذا لا تنعقد بالصبيان فقط .

(مسألة 3) : يجوز للمسافر حضور الجمعة ، وتنعقد منه وتُجزيه عن الظهر ، لكن لو أراد المسافرون إقامتها من غير تبعية للحاضرين لا تنعقد منهم ، وتجب عليهم صلاة الظهر ، ولو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامتها ، ولا يجوز أن يكون المسافر مكمّلاً للعدد .

(مسألة 4) : يجوز للمرأة الدخول في صلاة الجمعة ، وتصحّ منها ، وتُجزيها عن الظهر إن كان عدد الجمعة - أي خمسة نفر - رجالاً ، وأمّا إقامتها للنساء ، أو كونها من جملة الخمسة ، فلا تجوز ، ولا تنعقد إلاّ بالرجال .

(مسألة 5) : تجب الجمعة على أهل القُرى والسواد ، كما تجب على أهل المدن والأمصار مع استكمال الشرائط ، وكذا تجب على ساكني الخيم والبوادي إذا كانوا قاطنين فيها .

(مسألة 6) : تصحّ الجمعة من الخُنثى المُشكل ، ولا يصحّ جعله إماماً أو مكمّلاً للعدد ، فلو لم يكمل إلاّ به لا تنعقد الجمعة ، وتجب الظهر .

القول : في وقتها

(مسألة 1) : يدخل وقتها بزوال الشمس ، فإذا زالت فقد وجبت ، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين عند الزوال فشرع فيها صحّت . وأمّا آخر وقتها بحيث تفوت

ص: 249

بمُضيّه ففيه خلاف وإشكال ، والأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفية من الزوال ، وإذا اُخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر ؛ وإن لا يبعد امتداده إلى قدمين من فيء المتعارف من الناس .

(مسألة 2) : لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينياً ، فلو فعل أَثِم ووجبت صلاة الظهر ، كما تجب الظهر في الفرض على التخيير أيضاً ، وليس للجمعة قضاء بفوات وقتها .

(مسألة 3) : لو دخلوا في الجمعة فخرج وقتها ، فإن أدركوا منها ركعة في الوقت صحّت ، وإلاّ بطلت على الأشبه ، والأحوط الإتمام جُمعة ثمّ الإتيان بالظهر . ولو تعمّدوا إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة ، فإن قلنا بوجوبها تعييناً أثموا وصحّت صلاتهم ، وإن قلنا بالتخيير - كما هو الأقوى - فالأحوط اختيار الظهر . بل لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر في الفرض الأوّل أيضاً مع القول بالتخيير .

(مسألة 4) : لو تيقّن أنّ الوقت يتّسع لأقلّ الواجب من الخطبتين وركعتين خفيفتين ، تخيّر بين الجمعة والظهر ، ولو تيقّن بعدم الاتّساع لذلك تعيّن الظهر ، ولو شكّ في بقاء الوقت صحّت ، ولو انكشف بعدُ عدم الاتّساع حتّى لركعة يأتي بالظهر ، ولو علم مقدار الوقت وشكّ في اتّساعه لها يجوز الدخول فيها ، فإن اتّسع صحّت ، وإلاّ يأتي بالظهر ، والأحوط اختيار الظهر ، بل لا يترك في الفرع السابق مع الاتّساع لركعة .

(مسألة 5) : لو صلّى الإمام بالعدد المعتبر في اتّساع الوقت ، ولم يحضر المأموم من غير العدد الخطبةَ وأوّلَ الصلاة ، ولكنّه أدرك مع الإمام ركعة ، صلّى جُمعة ركعة مع الإمام ، وأضاف ركعة اُخرى منفرداً ، وصحّت صلاته . وآخِرُ

ص: 250

إدراكِ الركعة إدراكُ الإمام في الركوع ، فلو ركع والإمام لم ينهض إلى القيام صحّت صلاته ، والأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات . ولو كبّر وركع ، ثمّ شكّ في أنّ الإمام كان راكعاً وأدرك ركوعه أو لا ، لم تقع صلاته جُمعة ، وهل تبطل ، أو تصحّ ويجب الإتمام ظهراً ؟ فيه إشكال ، والأحوط إتمامها ظهراً ثمّ إعادتها .

فروع :

اشارة

الأوّل : شرائط الجماعة في غير الجُمعة معتبرة في الجمعة أيضاً ؛ من عدم الحائل ، وعدم عُلُوّ موقف الإمام ، وعدم التباعد وغيرها ، وكذا شرائط الإمام في الجمعة هي الشرائط في إمام الجماعة ؛ من العقل والإيمان وطهارة المولد والعدالة . نعم ، لا يصحّ في الجمعة إمامة الصبيان ولا النساء ؛ وإن قلنا بجوازها لمثلهما في غيرها .

الثاني : الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة محرّمة ، وهو الأذان الذي يأتي المخالفون به بعد الأذان الموظّف ، وقد يُطلق عليه الأذان الثالث ، ولعلّه باعتبار كونه ثالث الأذان والإقامة ، أو ثالث الأذان للإعلام والأذان للصلاة ، أو ثالث باعتبار أذان الصبح والظهر ، والظاهر أ نّه غير الأذان للعصر .

الثالث : لا يحرم البيع ولا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا ؛ ممّا لا تجب الجُمعة فيها تعييناً .

الرابع : لو لم يتمكّن المأموم - لزحام ونحوه - من السجود مع الإمام في الركعة الاُولى التي أدرك ركوعها معه ، فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع أو فيه ، فعل وصحّت جمعته ، وإن لم يمكنه ذلك لم يتابعه في الركوع ، بل اقتصر على متابعته في السجدتين ، ونوى بهما للاُولى ، فيكمل له ركعة مع الإمام ، ثمّ

ص: 251

يأتي بركعة ثانية لنفسه ، وقد تمّت صلاته . وإن نوى بهما الثانية ، قيل : يحذفهما ويسجد للاُولى ، ويأتي بالركعة الثانية ، وصحّت صلاته ، وهو مرويّ . وقيل : تبطل الصلاة . ويحتمل جعلهما للاُولى إذا كانت نيّته للثانية لغفلة أو جهل ، وأتى بالركعة الثانية كالفرض الأوّل ، والمسألة لا تخلو من إشكال ، فالأحوط الإتمام بحذفهما والسجدة للاُولى والإتيان بالظهر . وكذا لو نوى بهما التبعية للإمام .

الخامس : صلاة الجمعة ركعتان ، وكيفيتها كصلاة الصبح ، ويُستحبّ فيها الجهر بالقراءة ، وقراءة «الجمعة» في الاُولى ، و«المنافقين» في الثانية . وفيها قنوتان : أحدهما قبل ركوع الركعة الاُولى ، وثانيهما بعد ركوع الثانية .

وقد مرّ بعض الأحكام الراجعة إليها في مباحث القراءة وغيرها . ثمّ إنّ أحكامها في الشرائط والموانع والقواطع والخلل والشكّ والسهو وغيرها ما تقدّمت في كتاب الطهارة والصلاة .

القول في صلاة العيدين : الفطر والأضحى

وهي واجبة مع حضور الإمام علیه السلام وبسط يده واجتماع سائر الشرائط ، ومستحبّة في زمان الغيبة ، والأحوط إتيانها فُرادى في ذلك العصر ، ولا بأس بإتيانها جماعة رجاءً ، لا بقصد الورود . ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، ولا قضاء لها لو فاتت . وهي ركعتان في كلّ منهما يقرأ «الحمد» وسورة ، والأفضل أن يقرأ في الاُولى سورة «الشمس» وفي الثانية سورة «الغاشية» ، أو في الاُولى سورة «الأعلى» وفي الثانية سورة «الشمس» ، وبعد السورة في

ص: 252

الاُولى خمس تكبيرات وخمسة قنوتات ؛ بعد كلّ تكبيرة قنوت ، وفي الثانية أربع تكبيرات وأربعة قنوتات ؛ بعد كلّ تكبيرة قنوت . ويجزي في القنوت كلّ ذكر ودعاء كسائر الصلوات ، ولو أتى بما هو المعروف رجاء الثواب لا بأس به وكان حسناً ، وهو : «اللّهُمّ أهلَ الكِبرياءِ والعَظَمة ، وأهلَ الجودِ والجبَروتِ، وأهلَ العَفوِ والرحمَةِ وأهلَ التقوى والمغفِرةِ ، أسأ لُكَ بحقِّ هذا اليَوم الّذي جعَلتَهُ للمُسلمينَ عيداً ، ولمُحمّدٍ صلّى اللّه عليهِ وآلهِ ذُخراً وشرَفاً وكرامَةً ومزِيداً ، أن تُصلِّي على مُحمّدٍ وآلِ مُحمَّد ، وأن تُدخلَني في كُلِّ خيرٍ أدخَلتَ فيهِ مُحمّداً وآلَ مُحمّدٍ ، وأن تُخرجني مِن كُلِّ سوءٍ أخرجتَ منهُ مُحمّداً وآلَ مُحمَّدٍ صلواتُكَ عليهِ وعليهِم ، اللّهُمّ إنِّي أسأ لُكَ خيرَ ما سأ لَكَ بهِ عبادُك الصالِحُونَ ، وأعوذُ بِكَ ممَّا استعاذَ منهُ عِبادُك المُخلَصُون» .

ولو صلّى جماعة رجاءً يأتي بخطبتين بعدها رجاءً أيضاً ، ويجوز تركهما في زمان الغيبة . ويستحبّ فيها الجهر للإمام والمنفرد ، ورفع اليدين حال التكبيرات ، والإصحار بها إلاّ في مكّة ، ويُكره أن يصلّي تحت السقف .

(مسألة 1) : لا يتحمّل الإمام فيها ما عدا القراءة كسائر الجماعات .

(مسألة 2) : لو شكّ في التكبيرات أو القنوتات وهو في المحلّ بنى على الأقلّ .

(مسألة 3) : لو أتى بموجب سجود السهو فيها فالأحوط الإتيان رجاءً ؛ وإن كان عدم وجوبه في صورة استحبابها لا يخلو من قوّة . وكذا الحال في قضاء التشهّد والسجدة المنسيّين .

(مسألة 4) : ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة . نعم ، يُستحبّ أن يقول المؤذّن : «الصلاة» ثلاثاً .

ص: 253

القول : في بعض الصلوات المندوبة

فمنها : صلاة جعفر بن أبي طالب علیه السلام

وهي من المستحبّات الأكيدة ، ومن المشهورات بين العامّة والخاصّة ، وممّا حباه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ابن عمّه حين قدومه من سفره حُبّاً له وكرامةً عليه ، فعن الصادق علیه السلام «أ نّه قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم لجعفر حين قدومه من الحبشة يوم فتح خيبر : ألا أمنحك ؟ ألا اُعطيك ؟ ألا أحبوك ؟ فقال : بلى يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال :

فظنّ الناس أ نّه يُعطيه ذهباً أو فضّة ، فأشرف الناس لذلك ، فقال له : إنّي اُعطيك شيئاً إن أنت صنعته في كلّ يوم ، كان خيراً لك من الدنيا وما فيها ، فإن صنعته بين يومين غفر اللّه لك ما بينهما ، أو كلّ جُمعة أو كلّ شهر أو كلّ سنةٍ غفر لك ما بينهما» .

وأفضل أوقاتها يوم الجمعة حين ارتفاع الشمس ، ويجوز احتسابها من نوافل الليل أو النهار ؛ تُحسب له من نوافله وتُحسب له من صلاة جعفر علیه السلام كما في الخبر ، فينوي بصلاة جعفر نافلة المغرب مثلاً .

وهي أربع ركعات بتسليمتين ، يقرأ في كلّ ركعة «الحمد» وسورة ، ثمّ يقول : «سبحانَ اللّه ِ والحمدُ للّه ِ ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ واللّه ُ أكبر» خمس عشرة مرّة ، ويقولها في الركوع عشر مرّات ، وكذا بعد رفع الرأس منه عشر مرّات ، وكذا في السجدة الاُولى ، وبعد رفع الرأس منها ، وفي السجدة الثانية ، وبعد رفع الرأس منها ، يقولها عشر مرّات ، فتكون في كلّ ركعة خمس وسبعون مرّة ، ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة . والظاهر الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع والسجود ، والأحوط عدم الاكتفاء بها عنه . ولا تتعيّن فيها سورة مخصوصة ، لكن الأفضل أن يقرأ في

ص: 254

الركعة الاُولى «إذا زلزلت» وفي الثانية «والعاديات» ، وفي الثالثة «إذا جاء نصر اللّه» ، وفي الرابعة «قل هو اللّه أحد» .

(مسألة 1) : يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلاً ، كما يجوز التفريق في أصل الصلاة إذا كانت له حاجة ضرورية ، فيأتي بركعتين ، وبعد قضاء تلك الحاجة يأتي بالبقيّة .

(مسألة 2) : لو سها عن بعض التسبيحات في محلّه ، فإن تذكّره في بعض المحالّ الاُخر ، قضاه في ذلك المحلّ مضافاً إلى وظيفته ، فإذا نسي تسبيحات الركوع وتذكّرها بعد رفع الرأس منه ، سبّح عشرين تسبيحة ، وهكذا في باقي المحالّ والأحوال ، وإن لم يتذكّرها إلاّ بعد الصلاة ، فالأولى والأحوط أن يأتي بها رجاءً .

(مسألة 3) : يستحبّ أن يقول في السجدة الثانية من الركعة الرابعة بعد التسبيحات : «يا مَن لبِسَ العِزَّ والوَقارَ ، يا مَن تَعطَّفَ بالمجدِ وتَكرَّمَ بهِ ، يا مَن لا يَنبغي التَّسبيحُ إلاّ لَهُ ، يا مَن أحصى كلَّ شيءٍ علمهُ ، يا ذا النعمَةِ والطَول ، يا ذا المَنِّ والفَضلِ ، يا ذا القدرَةِ والكرَمِ ، أسأ لُكَ بمعاقِدِ العزِّ مِن عرشِكَ ، ومُنتهى الرَّحمَةِ مِن كتابِكَ ، وباسمِكَ الأعظمِ الأعلى وكلِماتكَ التامَّات ، أن تُصلِّي على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ ، وأن تفعل بي كذا وكذا» ويذكر حاجاته .

ويستحبّ أن يدعو بعد الفراغ من الصلاة ما رواه الشيخ الطوسي والسيّد ابن طاووس ، عن المفضّل بن عمر ، قال : رأيت أبا عبداللّه علیه السلام يصلّي صلاة جعفر ، ورفع يديه ودعا بهذا الدعاء : «يا ربِّ يا ربِّ . . .» حتّى انقطع النفس ، «يا ربّاه يا ربّاه . . .» حتّى انقطع النفس ، «ربِّ ربِّ . . .» حتّى انقطع النفس ، «يا اللّه ُ يا اللّه ُ . . .»

ص: 255

حتّى انقطع النفس ، «يا حيُّ يا حَيُّ . . .» حتّى انقطع النفس ، «يا رحيمُ يا رحيمُ . . .» حتّى انقطع النفس ، «يا رحمانُ يا رحمانُ . . .» سبع مرّات ، «يا أرحم الراحمين» سبع مرّات ، ثمّ قال : «اللّهُمّ إنِّي أفتتحُ القولَ بحمدِكَ ، وأنطقُ بالثَّناءِ عليكَ واُمجِّدك ، ولا غايةَ لِمدحِكَ ، واُثني عَليكَ ، ومَن يبلغُ غايةَ ثنائِكَ وأمَدَ مجدِك ؟! وأ نّى لخليقتِكَ كُنهُ مَعرفةِ مَجدِكَ ؟! وأيُّ زمنٍ لم تكن مَمدُوحاً بفضلِكَ ، مَوصوفاً بمَجدِكَ ، عوَّاداً على المُذنبينَ بحِلمِك ؟! تخلَّفَ سُكَّان أرضِك عن طاعتِكَ ، فكنتَ عَليهم عَطوفاً بجُودِكَ ، جَواداً بفضلِكَ ، عَوّاداً بكرَمكَ ، يا لا إله إلاّ أنتَ المَنّانُ ذو الجلالِ والإكرامِ» ، ثمّ قال لي : «يا مفضّل إذا كانت لك حاجة مهمّة ، فصلّ هذه الصلاة ، وادعُ بهذا الدعاء ، وسل حاجتك يقضها اللّه إن شاء اللّه وبه الثقة» .

ومنها : صلاة الاستسقاء

وهو طلب السقيا ، وهي مستحبّة عند غور الأنهار وفتور الأمطار ، ومنع السماء قطرها لأجل شيوع المعاصي ، وكفران النعم ، ومنع الحقوق ، والتطفيف في المكيال والميزان ، والظلم ، والغدر ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنع الزكاة ، والحكم بغير ما أنزل اللّه ، وغير ذلك ممّا يوجب غضب الرحمان الموجب لحبس الأمطار ، كما في الأثر .

وكيفيتها - كصلاة العيدين - ركعتان في جماعة ، ولا بأس بالفُرادى رجاءً ، يقرأ في كلّ منهما «الحمد» وسورة ، ويكبّر بعد السورة في الاُولى خمس تكبيرات ، ويأتي بعد كلّ تكبيرة بقنوت ، وفي الثانية أربع تكبيرات ، يأتي بعد كلّ تكبيرة بقنوت . ويجزي في القنوت كلّ دعاء ، والأولى اشتماله على طلب الغيث والسقي واستعطاف الرحمن بإرسال الأمطار وفتح أبواب السماء بالرحمة ،

ص: 256

ويقدّم على الدعاء الصلاة على محمّد وآله عليهم الصلاة والسلام .

ومسنوناتها اُمور :

منها : الجهر بالقراءة ، وقراءة السور التي تستحبّ في العيدين .

ومنها : أن يصوم الناس ثلاثة أيّام ، ويكون خروجهم يوم الثالث ، ويكون ذلك الثالث يوم الاثنين ، وإن لم يتيسّر فيوم الجمعة لشرفه وفضله .

ومنها : أن يخرج الإمام ومعه الناس إلى الصحراء في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويتّخذوا مكاناً نظيفاً للصلاة . والأولى أن يكون الخروج في زيّ يجلب الرحمة ، ككونهم حفاة .

ومنها : إخراج المنبر معهم إلى الصحراء ، وخروج المؤذّنين بين يدي الإمام .

ومنها : ما ذكره الأصحاب : من أن يُخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم ، ويفرَّق بين الأطفال واُمّهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء ، ويكون سبباً لدرّ الرحمة ، ويمنعون خروج الكفّار كأهل الذمّة وغيرهم معهم .

(مسألة 1) : الأولى إيقاعها وقت صلاة العيد ؛ وإن لايبعد عدم توقيتها بوقت .

(مسألة 2) : لا أذان ولا إقامة لها ، بل يقول المؤذّن بدلاً عنهما : «الصلاة» ثلاث مرّات .

(مسألة 3) : إذا فرغ الإمام من الصلاة حوّل رداءه استحباباً ؛ بأن يجعل ما على اليمين على اليسار وبالعكس ، وصعد المنبر ، واستقبل القبلة ، وكبّر مائة تكبيرة رافعاً بها صوته ، ثمّ التفت إلى الناس عن يمينه ، فسبّح اللّه مائة تسبيحة رافعاً بها صوته ، ثمّ التفت إلى الناس على يساره ، فهلّل اللّه مائة تهليلة رافعاً بها صوته ، ثمّ استقبل الناس فحمد اللّه مائة تحميدة . ولا بأس برفع الصوت فيها

ص: 257

أيضاً ، كما لا بأس بمتابعة المأمومين الإمام في الأذكار ، بل وفي رفع الصوت ، ولعلّه أجلب للرحمة وأرجى لتحصيل المقصود . ثمّ يرفع الإمام يديه ، ويدعو ويدعو الناس ، ويبالغون في الدعاء والتضرّع والاستعطاف والابتهال إليه تعالى ، ولا بأس بأن يؤمّن الناس على دعاء الإمام ، ثمّ يخطب الإمام ويبالغ في التضرّع والاستعطاف ، والأولى اختيار بعض ما ورد عن المعصومين علیهم السلام ، كالواردة عن مولانا أمير المؤمنين علیه السلام ممّا أوّلها : «الحمدُ للّه ِ سابِق النِّعَم . . .» ، والأولى أن يخطب فيها خطبتين كما في العيدين ، ويأتي بالثانية رجاءً .

(مسألة 4) : كما تجوز هذه الصلاة عند قلّة الأمطار ، تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار .

(مسألة 5) : لو تأخّر الإجابة كرّروا الخروج حتّى يدركهم الرحمة إن شاء اللّه تعالى ، ولو لم يُجبهم فلمصالح هو تعالى عالم بها ، وليس لنا الاعتراض ولا اليأس من رحمة اللّه تعالى . ويجوز التكرار متّصلاً والاكتفاء بصوم الثلاثة ، وغير متّصل مع صوم ثلاثة أيّام اُخر يأتي بها رجاءً ، بل يأتي بالتكرار أيضاً رجاءً .

ومنها : صلاة الغُفيلة

وهي ركعتان بين المغرب والعشاء ، وقد تقدّم تفصيلها في المقدّمة الاُولى من كتاب الصلاة .

ومنها : صلاة ليلة الدفن

وقد مرّت في باب الدفن من أحكام الأموات أيضاً .

ومنها : صلاة أوّل الشهر، وصلاة الحاجة وغيرهما؛ ممّا هو مذكور في محالّها مفصّلاً .

ص: 258

فصل : في صلاة المسافر

اشارة

يجب القصر على المسافر في الصلوات الرباعية مع اجتماع الشروط الآتية ، وأمّا الصبح والمغرب فلا قصر فيهما . ويشترط في التقصير للمسافر اُمور :

أحدها : المسافة ، وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً أو إياباً أو ملفّقة ؛ بشرط عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة ؛ سواء اتّصل إيابه بذهابه ولم يقطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء ، أو قطعه بذلك ؛ لا على وجه تحصل به الإقامة القاطعة للسفر ولا غيرها من القواطع ، فيُقصِّر ويُفطر ، إلاّ أنّ الأحوط - احتياطاً شديداً - في الصورة الأخيرة التمام مع ذلك وقضاء الصوم .

(مسألة 1) : الفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، الذي طوله عرض أربعة وعشرين إصبعاً ، وكلّ إصبع عرض سبع شعيرات ، وكلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون ، فإن نقصت عن ذلك ولو يسيراً بقي على التمام .

(مسألة 2) : لو كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة وجب القصر ، بخلاف العكس ، ولو تردّد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهباً وجائياً مرّات حتّى بلغ المجموع ثمانية وأكثر لم يقصّر وإن كان خارجاً عن حدّ الترخّص ، فلا بدّ في التلفيق أن يكون المجموعُ من ذهاب واحد وإياب واحد ثمانيةً .

(مسألة 3) : لو كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة دون الأقرب ، فإن سلك الأبعد قصّر ، وإن سلك الأقرب أتمّ ، وإن ذهب من الأقرب وكان أقلّ من أربعة فراسخ بقي على التمام ؛ وإن رجع من الأبعد وكان المجموع مسافةً .

ص: 259

(مسألة 4) : مبدأ حساب المسافة سور البلد ، وفيما لا سور له آخر البيوت . هذا في غير البلدان الكبار الخارقة ، وأمّا فيها فهو آخر المحلّة إذا كان منفصل المحالّ ؛ بحيث تكون المحلاّت كالقُرى المتقاربة ، وإلاّ ففيه إشكال كالمتّصل المحالّ ، فالأحوط الجمع فيها فيما إذا لم يبلغ المسافة من آخر البلد وكان بمقدارها إذا لوحظ منزله ؛ وإن كان القول بأنّ مبدأ الحساب في مثلها من منزله ليس ببعيد .

(مسألة 5) : لو كان قاصداً للذهاب إلى بلد ، وكان شاكّاً في كونه مسافة أو معتقداً للعدم ، ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافة يقصّر وإن لم يكن الباقي مسافة .

(مسألة 6) : تثبت المسافة بالعلم وبالبيّنة ، ولو شهد العدل الواحد فالأحوط الجمع ، فلو شكّ في بلوغها أو ظنّ به بقي على التمام ، ولا يجب الاختبار المستلزم للحرج . نعم ، يجب الفحص بسؤال ونحوه عنها على الأحوط . ولو شكّ العامّي في مقدار المسافة شرعاً ولم يتمكّن من التقليد ، وجب عليه الاحتياط بالجمع .

(مسألة 7) : لو اعتقد كونه مسافة فقصّر ثمّ ظهر عدمها وجبت الإعادة ، ولو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة ، وجبت الإعادة في الوقت على الأقوى ، وفي خارجه على الأحوط .

(مسألة 8) : الذهاب في المسافة المستديرة هو السير إلى النقطة المقابلة لمبدأ السير ، فإذا أراد السير مستديراً يقصّر ولو كان شغله قبل البلوغ إلى النقطة المقابلة ؛ بشرط كون السير إليها أربعة فراسخ ، والأحوط الجمع إذا كان شغله قبلها .

ص: 260

ثانيها : قصد قطع المسافة من حين الخروج ، فلو قصد ما دونها ، وبعد الوصول إلى المقصد قصد مقداراً آخر دونها وهكذا ، يتمّ في الذهاب وإن كان المجموع مسافة وأكثر . نعم ، لو شرع في العود يقصّر إذا كملت المسافة ، وكان من قصده قطعها ، وكذا لو لم يكن له مقصد معيّن ، ولا يدري أيّ مقدار يقطع ، كما لو طلب دابّة شاردة - مثلاً - ولم يدرِ إلى أين مسيره ، لا يقصّر في ذهابه وإن قطع المسافة فأكثر . نعم ، يقصّر في العود بالشرط المتقدّم . ولو عيّن في الأثناء مقصداً يبلغ المسافة ولو بالتلفيق مع الشرط المتقدّم فيه يقصّر . ولو خرج إلى ما دون الأربعة وينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم ، وإلاّ فلا ، أو كان سفره منوطاً بحصول أمر ، ولم يطمئنّ بتيسّر الرفقة أو حصول ذلك الأمر ، يجب عليه التمام .

(مسألة 9) : المدار قصد قطع المسافة - وإن حصل ذلك منه في أيّام - مع عدم تخلّل أحد قواطع السفر ؛ ما لم يخرج بذلك عن صدق اسم السفر عرفاً ، كما لو قطع في كلّ يوم مقداراً يسيراً جدّاً للتنزّه ونحوه ؛ لا من جهة صعوبة السير ، فإنّه يتمّ حينئذٍ ، والأحوط الجمع .

(مسألة 10) : لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلاًّ ، بل يكفي ولو من جهة التبعية - سواء كان لوجوب الطاعة كالزوجة ، أو قهراً كالأسير ، أو اختياراً كالخادم - بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة ، وإلاّ بقي على التمام ، والأحوط الاستخبار وإن كان الأقوى عدم وجوبه . ولا يجب على المتبوع الإخبار وإن فرض وجوب الاستخبار على التابع .

(مسألة 11) : لو اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة ، أو شكّ في ذلك وعلم في الأثناء أ نّه كان قاصداً لها ، فإن كان الباقي مسافة يجب عليه القصر ،

ص: 261

وإلاّ فالظاهر وجوب التمام عليه .

ثالثها : استمرار القصد ، فلو عدل عنه قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردّد أتمّ ، ومضى ما صلاّه قصراً ، ولا إعادة عليه في الوقت ولا خارجه ، وإن كان العدول أو التردّد بعد بلوغ الأربعة بقي على التقصير ؛ وإن لم يرجع ليومه إذا كان عازماً على العود قبل عشرة أيّام .

(مسألة 12) : يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع وإن عدل عن الشخص ، كما لو قصد السفر إلى مكان خاصّ وكان مسافة ، فعدل في أثناء الطريق إلى آخر يبلغ ما مضى مع ما بقي إليه مسافة ، فإنّه يقصّر حينئذٍ على الأصحّ ، كما أ نّه يقصّر لو كان من أوّل الأمر قاصداً للنوع دون الشخص ؛ بأن يشرع في السفر قاصداً للذهاب إلى أحد الأمكنة التي كلّها مسافة ، ولم يعيّن أحدها ، بل أوكل التعيين إلى وقت الوصول إلى الحدّ المشترك بينها .

(مسألة 13) : لو تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ ، ثمّ عاد إلى الجزم ، فإن لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد ، بقي على القصر وإن لم يكن ما بقي مسافة ولو ملفّقة . وإن قطع شيئاً منه حاله فإن كان ما بقي مسافة بقي على القصر أيضاً ، وإن لم يكن مسافة فلا إشكال في وجوب التمام ؛ إذا لم يكن ما بقي بضمّ ما قطع - قبل حصول التردّد - مسافة . وأمّا إذا كان المجموع بإسقاط ما تخلّل في البين مسافة فالأحوط الجمع ؛ وإن لا يبعد العود إلى القصر ، خصوصاً إذا كان القطع يسيراً .

رابعها : أن لا ينوي قطع السفر ؛ بإقامة عشرة أيّام فصاعداً في أثناء المسافة ، أو بالمرور على وطنه كذلك ، كما لو عزم على قطع أربعة فراسخ قاصداً للإقامة

ص: 262

في أثنائها أو على رأسها ، أو كان له وطن كذلك وقد قصد المرور عليه ؛ فإنّه يُتمّ حينئذٍ ، وكذا لو كان متردّداً في نيّة الإقامة ، أو المرور على المنزل المزبور ؛ على وجه يُنافي قصد قطع المسافة ، ومنه ما إذا احتمل عروض عارض منافٍ لإدامة السير ، أو عروض مقتضٍ لنيّة الإقامة في الأثناء ، أو المرور على الوطن ؛ بشرط أن يكون ذلك ممّا يعتني به العقلاء . وأمّا مع احتمال غير معتنى به - كاحتمال حدوث مرض أو غيره ؛ ممّا يكون مخالفاً للأصل العقلائي - فإنّه يقصّر .

(مسألة 14) : لو كان حين الشروع قاصداً للإقامة ، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية ، أو كان متردّداً ثمّ عدل وبنى على عدم الأمرين ، فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة ولو ملفّقة قصّر ، وإلاّ فلا .

(مسألة 15) : لو لم يكن من نيّته الإقامة ، وقطع مقداراً من المسافة ، ثمّ بدا له قبل بلوغ الثمانية ، ثمّ عدل عمّا بدا له وعزم على عدم الإقامة ، فإن كان ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافةً قصّر بلا إشكال . وكذا إن لم يكن كذلك ، ولم يقطع بين العزمين شيئاً من المسافة ، وكان المجموع مسافة . وأمّا لو قطع شيئاً بينهما ، فهل يضمّ ما مضى قبل العدول إلى ما بقي بإسقاط ما تخلّل في البين إذا كان المجموع مسافة ، أم لا ؟ فالأحوط الجمع وإن لا يبعد العود إلى التقصير ، خصوصاً إذا كان القطع يسيراً ، كما مرّ نظيره .

خامسها : أن يكون السفر سائغاً ، فلو كان معصية لم يقصّر ؛ سواء كان بنفسه معصية كالفرار من الزحف ونحوه ، أو غايته كالسفر لقطع الطريق ونيل المظالم من السلطان ونحو ذلك . نعم ، ليس منه ما وقع المحرّم في أثنائه - مثل الغيبة ونحوها - ممّا ليس غاية لسفره ، فيبقى على القصر ، بل ليس منه ما لو ركب دابّة

ص: 263

مغصوبة على الأقوى . وكذا ما كان ضدّاً لواجب وقد تركه وسافر ، كما إذا كان مديوناً وسافر ؛ مع مطالبة الدُيّان وإمكان الأداء في الحضر دون السفر . نعم ، لا يترك الاحتياط بالجمع فيما إذا كان السفر لأجل التوصّل إلى ترك واجب ؛ وإن كان تعيّن الإتمام فيه لا يخلو من قوّة .

(مسألة 16) : التابع للجائر يقصّر إن كان مجبوراً في سفره ، أو كان قصده دفع مظلمة ونحوه من الأغراض الصحيحة . وأمّا إن كان من قصده إعانته في جوره ، أو كان متابعته له معاضدة له في جهة ظلمه ، أو تقوية لشوكته مع كون تقويتها محرّمة ، وجب عليه التمام .

(مسألة 17) : لو كانت غاية السفر طاعةً ، ويتبعها داعي المعصية - بحيث ينسب السفر إلى الطاعة - يقصّر . وأمّا في غير ذلك ؛ ممّا كانت الغاية معصية يتبعها داعي الطاعة ، أو كان الداعيان مشتركين ؛ بحيث لو لا اجتماعهما لم يسافر ، أو مستقلّين ، فيتمّ . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في غير الصورة الاُولى ؛ أي تبعية داعي الطاعة ، فإنّه يتمّ بلا إشكال .

(مسألة 18) : لو كان ابتداء سفره طاعة ، ثمّ قصد المعصية به في الأثناء ، فمع تلبّسه بالسير مع قصدها انقطع ترخّصه وإن كان قد قطع مسافات ، ولا تجب إعادة ما صلاّه قصراً ، ومع عدم تلبّسه به فالأوجه عدم انقطاعه ، والأحوط الجمع ما لم يتلبّس به . ثمّ لو عاد إلى قصد الطاعة بعد ضربه في الأرض ، فإن كان الباقي مسافة ولو ملفّقة ؛ بأن كان الذهاب إلى المقصد أربعة أو أزيد ، يجب عليه القصر أيضاً . وكذا لو لم يكن الباقي مسافة ، لكن مجموع ما مضى مع ما بقي بعد طرح ما تخلّل في البين من المصاحب للمعصية بقدر المسافة ،

ص: 264

لكن في هذه الصورة الأحوط الأولى ضمّ التمام أيضاً . ولو لم يكن المجموع مسافة إلاّ بضمّ ما تخلّل من المصاحب للمعصية ، فوجوب التمام لا يخلو من قوّة . والأحوط الجمع . وإن كان ابتداء سفره معصية ثمّ عدل إلى الطاعة ، يقصّر إن كان الباقي مسافة ولو ملفّقة ، وإلاّ فالأحوط الجمع وإن كان البقاء على التمام لا يخلو من قوّة .

(مسألة 19) : لو كان ابتداء سفره معصية فنوى الصوم ، ثمّ عدل إلى الطاعة ، فإن كان قبل الزوال وجب الإفطار إن كان الباقي مسافة ولو ملفّقة ، وإلاّ صحّ صومه . وإن كان بعده لا يبعد الصحّة ، لكن الأحوط الإتمام ثمّ القضاء . ولو كان ابتداؤه طاعة ثمّ عدل إلى المعصية في الأثناء ، فإن كان بعد تناول المفطر أو بعد الزوال لم يصحّ منه الصوم ، وإن كان قبلهما فصحّته محلّ تأمّل ، فلا يترك الاحتياط بالصوم والقضاء .

(مسألة 20) : الراجع من سفر المعصية : إن كان بعد التوبة ، أو بعد عروض ما يخرج العود عن جزئية سفر المعصية - كما لو كان محرّكه للرجوع غاية اُخرى مستقلّة ، لا الرجوع إلى وطنه - يقصّر ، وإلاّ فلا يبعد وجوب التمام عليه ، والأحوط الجمع .

(مسألة 21) : يلحق بسفر المعصية السفر للصيد لهواً ، كما يستعمله أبناء الدنيا . وأمّا إن كان للقوت يقصّر . وكذا إذا كان للتجارة بالنسبة إلى الإفطار ، وأمّا بالنسبة إلى الصلاة ففيه إشكال ، والأحوط الجمع . ولا يلحق به السفر بقصد مجرّد التنزّه ، فلا يوجب ذلك التمام .

سادسها : أن لا يكون من الذين بيوتهم معهم ، كبعض أهل البوادي الذين

ص: 265

يدورون في البراري ، وينزلون في محلّ الماء والعشب والكلأ ، ولم يتّخذوا مقرّاً معيّناً ، ومن هذا القبيل الملاّحون وأصحاب السفن الذين كانت منازلهم فيها معهم ، فيجب على أمثال هؤلاء التمام في سيرهم المخصوص . نعم ، لو سافروا لمقصد آخر من حجّ أو زيارة ونحوهما قصّروا كغيرهم . ولو سار أحدهم لاختيار منزل مخصوص أو لطلب محلّ الماء والعشب - مثلاً - وكان يبلغ مسافة ، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال ، فلا يُترك الاحتياط بالجمع .

سابعها : أن لا يتّخذ السفر عملاً له ، كالمكاري والساعي وأصحاب السيّارات ونحوهم ، ومنهم أصحاب السفن والملاّح إذا كان منزلهم خارج السفينة واتّخذوا الملاحة صنعة ، وأمّا إذا كان منزلهم معهم فهم من الصنف السابق ؛ فإنّ هؤلاء يتمّون الصلاة في سفرهم ، الذي هو عمل لهم وإن استعملوه لأنفسهم لا لغيرهم ، كحمل المكاري - مثلاً - متاعه وأهله من مكان إلى مكان آخر . نعم ، يقصّرون في السفر الذي ليس عملاً لهم ، كما لو فارق الملاّح - مثلاً - سفينته ، وسافر للزيارة أو غيرها . والمدار صدق اتّخاذ السفر عملاً وشغلاً له . ويتحقّق ذلك بالعزم عليه مع الاشتغال بالسفر مقداراً معتدّاً به ، ولا يحتاج في الصدق تكرّر السفر مرّتين أو مرّات . نعم ، لا يبعد وجوب القصر في السفر الأوّل مع صدق العناوين أيضاً ، وإن كان الأحوط الجمع فيه وفي السفر الثاني ، ويتعيّن التمام في الثالث .

(مسألة 22) : من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس ، فالظاهر أ نّه يجب عليه التمام في حال شغله وإن كان الأحوط الجمع . وأمّا مثل «الحملدارية» الذين يتشاغلون بالسفر في خصوص أشهر الحجّ ، فالظاهر وجوب القصر عليهم .

ص: 266

(مسألة 23) : يعتبر في استمرار من عمله السفر على التمام ، أن لا يُقيم في بلده أو غير بلده عشرة أيّام ولو غير منويّة ، وإلاّ انقطع حكم عملية السفر وعاد إلى القصر ، لكن في السفرة الاُولى خاصّة دون الثانية ، فضلاً عن الثالثة . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في السفرة الاُولى لمن أقام في غير بلده عشرة من دون نيّة الإقامة ، بل الأحوط الجمع في السفرة الثانية والثالثة أيضاً له مطلقاً ولمن أقام في بلده بنيّة أو بلا نيّة .

(مسألة 24) : لو لم يكن شغله السفر ، لكن عرض له عارض فسافر أسفاراً عديدة يقصّر ، كما لو كان له شغل في بلد ؛ وقد احتاج إلى التردّد إليه مرّات عديدة ، بل وكذا فيما إذا كان منزله إلى الحائر الحسيني - مثلاً - مسافة ونذر ، أو بنى على أن يزوره كلّ ليلة جمعة ، وكذا فيما إذا كان منزله إلى بلد كان شغله فيه مسافة ، ويأتي منه إليه كلّ يوم ، فإنّ الظاهر أنّ عليه القصر في السفر والبلد الذي ليس وطنه .

(مسألة 25) : ممّن شغله السفر الراعي الذي كان الرعي عمله ؛ سواء كان له مكان مخصوص أو لا ، والتاجر الذي يدور في تجارته ، ومنه السائح الذي لم يتّخذ وطناً ، وكان شغله السياحة ، ويمكن إدراجه في العنوان السادس . وكيف كان يجب عليهم التمام .

ثامنها : وصوله إلى محلّ الترخّص ، فلا يقصّر قبله . والمراد به : المكان الذي يخفى عليه فيه الأذان ، أو يتوارى عنه فيه الجدران وأشكالها لا أشباحها . ولا يترك الاحتياط في مراعاة حصولهما معاً . ويعتبر أن يكون الخفاء والتواري المذكوران لأجل البعد لا عوارض اُخر .

ص: 267

(مسألة 26) : كما أ نّه يعتبر في التقصير الوصول إلى محلّ الترخّص إذا سافر من بلده ، فهل يعتبر في السفر من محلّ الإقامة ومن محلّ التردّد ثلاثين يوماً أو لا ؟ فيه تأمّل ، فلا يُترك مراعاة الاحتياط فيهما .

(مسألة 27) : كما أ نّه من شروط القصر في ابتداء السفر الوصول إلى حدّ الترخّص ، كذلك عند العود ينقطع حكم السفر بالوصول إليه ، فيجب عليه التمام ، والأحوط مراعاة رفع الأمارتين ، والأحوط الأولى تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله ، أو الجمع بين القصر والتمام إن صلّى بعد الوصول إلى الحدّ . وأمّا بالنسبة إلى المحلّ الذي عزم على الإقامة فيه ، فهل يعتبر فيه حدّ الترخّص فينقطع حكم السفر بالوصول إليه أو لا ؟ فيه إشكال ، فلا يُترك الاحتياط إمّا بتأخير الصلاة إليه أو الجمع .

(مسألة 28) : المدار في عين الرائي واُذُن السامع وصوت المؤذّن والهواء هو المتوسّط المعتدل .

(مسألة 29) : الأقوى أنّ الميزان في خفاء الأذان : هو خفاؤه بحيث لا يتميّز بين كونه أذاناً أو غيره ، وينبغي الاحتياط فيما إذا تميّز كونه أذاناً ، لكن لا يتميّز بين فصوله ، وفيما إذا لم يصل إلى حدّ خفاء الصوت رأساً .

(مسألة 30) : لو لم يكن هناك بيوت ولا جدران يعتبر التقدير ، بل الأحوط ذلك في مثل بيوت الأعراب ونحوهم ممّن لا جدران لبيوتهم .

(مسألة 31) : لو شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه ، فيبقى على التمام في الذهاب ، وعلى القصر في الإياب ، إلاّ إذا استلزم منه محذور ، كمخالفة

ص: 268

العلم الإجمالي أو التفصيلي ببطلان صلاته ، كمن صلّى الظهر تماماً في الذهاب في المكان المذكور ، وأراد إتيان العصر في الإياب فيه قصراً .

(مسألة 32) : لو كان في السفينة ونحوها ، فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنيّة التمام ، ثمّ وصل إليه في الأثناء ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، أتمّها قصراً ، وصحّت صلاته إن كان معتقداً لإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص ، وإلاّ فإن وصل إليه قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصراً وصحّت ، ومع الدخول فيها فمحلّ إشكال ، فالأحوط إتمامها قصراً ثمّ إعادتها تماماً ، أو تماماً ثمّ الإعادة قصراً . كما أ نّه لو وصل إليه بعد الدخول في الركوع فمحلّ إشكال ، فلا يُترك الاحتياط بإتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً . ولو كان في حال العود ، وشرع في الصلاة بنيّة القصر قبل الوصول إلى الحدّ ، ثمّ وصل إليه في الأثناء ، أتمّها تماماً وصحّت .

القول : في قواطع السفر

وهي اُمور :

أحدها : الوطن ، فينقطع السفر بالمرور عليه ، ويحتاج في القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة ؛ سواء كان وطنه الأصلي ومسقط رأسه أو المستجدّ - وهو المكان الذي اتّخذه مسكناً ومقرّاً له دائماً - ولا يعتبر فيه حصول ملك ولا إقامة ستّة أشهر . نعم ، يعتبر في المستجدّ الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفاً أ نّه وطنه ومسكنه ، بل قد يصدق الوطن بواسطة طول الإقامة ؛ إذا أقام في بلد بلا نيّة للإقامة دائماً ولا نيّة تركها .

(مسألة 1) : لو أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجدّ وتوطّن في غيره ،

ص: 269

فإن لم يكن له فيه ملك ، أو كان ولم يكن قابلاً للسكنى ، أو كان ولم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبدي ، يزول عنه حكم الوطنية . وأمّا إذا كان له ملك وقد سكن فيه ستّة أشهر ، بعد اتّخاذه وطناً دائماً ، أو كونه وطناً أصلياً ، فالمشهور على أنّه بحكم الوطن الفعلي ، ويسمّونه بالوطن الشرعي ، فيوجبون عليه التمام بالمرور عليه ما دام ملكه باقياً فيه ، بل قال بعضهم : بوجوب التمام إذا كان له فيه ملك غير قابل للسكنى ولو نخلة ونحوها ، بل فيما إذا سكن ستّة أشهر ولو لم يكن بقصد التوطّن دائماً ، بل بقصد التجارة مثلاً . والأقوى خلاف ذلك كلّه ، فلا يجري حكم الوطن فيما ذكر كلّه . ويزول حكم الوطن مطلقاً بالإعراض ؛ وإن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن وغيره فيها ، خصوصاً الصورة الاُولى .

(مسألة 2) : يمكن أن يكون للإنسان وطنان فعليان في زمان واحد ؛ بأن جعل بلدين مسكناً له دائماً ، فيقيم في كلّ منهما ستّة أشهر - مثلاً - في كلّ سنة . وأمّا الزائد عليهما فمحلّ إشكال لا بدّ من مراعاة الاحتياط .

(مسألة 3) : الظاهر أنّ التابع الذي لا استقلال له في الإرادة والتعيّش ، تابع لمتبوعه في الوطن ، فيعدّ وطنه وطنه ؛ سواء كان صغيراً - كما هو الغالب - أو كبيراً شرعاً ، كما قد يتّفق للولد الذكر وكثيراً ما للاُنثى ، خصوصاً في أوائل البلوغ ، والميزان هو التبعية وعدم الاستقلال ، فربما يكون الصغير المميّز مستقلاًّ في الإرادة والتعيّش ، كما ربما لا يستقلّ الكبير الشرعي . ولا يختصّ ذلك بالآباء والأولاد ، بل المناط هو التبعية وإن كانت لسائر القرابات أو للأجنبيّ أيضاً . هذا كلّه في الوطن المستجدّ . وأمّا الأصلي ففي تحقّقه لا يحتاج إلى الإرادة ، وليس

ص: 270

اتّخاذياً إرادياً ، لكن في الإعراض الذي يحصل بالإعراض العملي يأتي الكلام المتقدّم فيه .

(مسألة 4) : لو تردّد في المهاجرة عن الوطن الأصلي ، فالظاهر بقاؤه على الوطنية ما لم يتحقّق الخروج والإعراض عنه ، وأمّا في الوطن المستجدّ فلا إشكال في زواله ؛ إن كان ذلك قبل أن يبقى فيه مقداراً يتوقّف عليه صدق الوطن عرفاً ، وإن كان بعد ذلك فالأحوط الجمع بين أحكام الوطن وغيره ؛ وإن كان الأقوى بقاؤه على الوطنية أيضاً .

الثاني من قواطع السفر: العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات ، أو العلم ببقائه كذلك وإن كان لا عن اختياره .

(مسألة 5) : الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة ، دون الليلة الاُولى والأخيرة ، فيكفي عشرة أيّام وتسع ليالٍ ، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأقوى ، كما إذا نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر . ومبدأ اليوم طلوع الفجر الثاني على الأقوى ، فلو دخل حين طلوع الشمس ، كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر ، لا غروب الشمس من العاشر .

(مسألة 6) : يشترط وحدة محلّ الإقامة ، فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر ، كما إذا عزم على الإقامة عشرة أيّام في النجف والكوفة معاً . نعم ، لا يضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ ونحوه ، بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي بغداد وإسلامبول ، فلو قصد الإقامة في مجموع الجانبين يكفي في انقطاع حكم السفر .

ص: 271

(مسألة 7) : لا يعتبر في نيّة الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد ، بل لو قصد حال نيّتها الخروج إلى بعض بساتينها ومزارعها ، جرى عليه حكم المقيم ، بل لو كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص ، بل إلى ما دون الأربعة ، أيضاً لا يضرّ إذا كان من قصده الرجوع قريباً ؛ بأن كان مكثه مقدار ساعة أو ساعتين - مثلاً - بحيث لا يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك البلد عرفاً ، وأمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال ، خصوصاً إذا كان من قصده المبيت .

(مسألة 8) : لا يكفي القصد الإجمالي في تحقّق الإقامة ، فالتابع للغير - كالزوجة والرفيق - إن كان قاصداً للمقام بمقدار ما قصده المتبوع ، لا يكفي وإن كان المتبوع قاصداً لإقامة العشرة ؛ إذا لم يدرِ من أوّل الأمر مقدار قصده ، فإذا تبيّن له بعد أيّام أنّه كان قاصداً للعشرة يبقى على القصر ، إلاّ إذا نوى بعد ذلك بقاء عشرة أيّام ، بل لو كان قاصداً للمقام إلى آخر الشهر أو إلى يوم العيد - مثلاً - وكان في الواقع عشرة أيّام ولم يكن عالماً به حين القصد ، لا يبعد عدم كفايته ووجوب القصر عليه ، ولكن لا يُترك الاحتياط ما أمكن .

(مسألة 9) : لو عزم على الإقامة ثمّ عدل عن قصده ، فإن صلّى مع العزم المذكور رباعية بتمام ، بقي على التمام ما دام في ذلك المكان ؛ ولو كان من قصده الارتحال بعد ساعة أو ساعتين ، وإن لم يصلِّ أو صلّى صلاة ليس فيها تقصير - كالصبح - يرجع بعد العدول إلى القصر ، ولو صلّى رباعية تماماً مع الغفلة عن عزمه على الإقامة ، أو صلاّها تماماً لشرف البقعة بعد الغفلة عن نيّة الإقامة ، فلا يُترك الاحتياط بالجمع ؛ وإن كان تعيُّنُ القصر فيهما لا يخلو من وجه .

ص: 272

(مسألة 10) : لو فاتته الصلاة على وجه يجب عليه قضاؤها ، فقضاها تماماً ، ثمّ عدل عن نيّة الإقامة ، بقي على حكم التمام على إشكال ، والأحوط الجمع . وأمّا إن عدل عنها قبل قضائها فالظاهر العود إلى القصر .

(مسألة 11) : لو عزم على الإقامة فنوى الصوم ، ثمّ عدل بعد الزوال قبل إتيان الصلاة تماماً ، رجع إلى القصر في صلاته ، لكن صحّ صومه ، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال .

(مسألة 12) : لا فرق في العدول عن قصد الإقامة ، بين أن يعزم على عدمها ، أو يتردّد فيها ؛ في أ نّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام ، ولو كان قبله رجع إلى القصر .

(مسألة 13) : إذا تمّت العشرة لا يحتاج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة ، فما دام لم يُنشئ سفراً جديداً يبقى على التمام .

(مسألة 14) : لو قصد الإقامة واستقرّ حكم التمام بإتيان صلاة واحدة بتمام ، ثمّ خرج إلى ما دون المسافة ، وكان من نيّته العود إلى مكان الإقامة ؛ من حيث إنّه مكان إقامته ؛ بأن كان رحله باقياً فيه ولم يعرض عنه ، فإن كان من نيّته مقام عشرة أيّام فيه بعد العود إليه ، فلا إشكال في بقائه على التمام . وإن لم يكن من نيّته ذلك ؛ سواء كان متردّداً أو ناوياً للعدم ، فالأقوى أيضاً البقاء على التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ؛ ما لم يُنشئ سفراً جديداً ، خصوصاً إذا كان المقصد في طريق بلده ، والأحوط الجمع خصوصاً في الإياب ومحلّ الإقامة ، وبالأخصّ فيما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده . نعم ، لو كان مُنشئاً

ص: 273

للسفر من حين الخروج عن محلّ الإقامة ، وكان ناوياً للعود إليه ؛ من حيث إنّه أحد منازله في سفره الجديد ، كان حكمه وجوب القصر في العود ومحلّ الإقامة ، وأمّا في الذهاب والمقصد فمحلّ إشكال ؛ لا يُترك الاحتياط بالجمع ؛ وإن لا يبعد وجوب التمام فيهما . هذا كلّه فيما إذا لم يكن من نيّته الخروج - في أثناء العشرة - إلى ما دون المسافة من أوّل الأمر ، وإلاّ فقد مرّ : أ نّه إن كان من

قصده العود قريباً جدّاً يكون حكمه التمام ، وإلاّ ففيه إشكال . ولو خرج إلى ما دون المسافة ، وكان متردّداً في العود إلى محلّ الإقامة وعدمه أو ذاهلاً عنه ، فالاحتياط بالجمع بين القصر والتمام لا ينبغي تركه ؛ وإن كان الأقوى البقاء على التمام ما لم يُنشئ سفراً جديداً .

(مسألة 15) : لو بدا للمقيم السفر ، ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة والبقاء عشرة أيّام ، فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب والمقصد والعود ، وإن كان قبله ، قصّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود ، ولا يجب عليه قضاء ما صلّى قصراً . وأمّا حال العزم فالأحوط الجمع وإن كان البقاء على القصر أقرب . وكذا إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة .

(مسألة 16) : لو دخل في الصلاة بنيّة القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها ، ولو نوى الإقامة ودخل فيها بنيّة التمام ثمّ عدل عنها في الأثناء ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصراً ، وإن كان بعده قبل الفراغ عن الصلاة ، فالأقوى بطلان صلاته والرجوع إلى القصر ؛ وإن كان الأحوط إتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً والجمع بينهما ما لم يسافر .

ص: 274

الثالث من القواطع : البقاء ثلاثين يوماً في مكان متردّداً ، ويُلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعده ولم يخرج ، وهكذا إلى أن يمضي ثلاثون يوماً ، بل يلحق به أيضاً إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام - مثلاً - ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة اُخرى وهكذا ، فيقصّر إلى ثلاثين يوماً ، ثمّ يتمّ وإن لم يبقَ إلاّ مقدار صلاة واحدة .

(مسألة 17) : الظاهر إلحاق الشهر الهلالي بثلاثين يوماً إن كان تردّده من أوّل الشهر .

(مسألة 18) : يشترط اتّحاد مكان التردّد كمحلّ الإقامة ، فمع التعدّد لا ينقطع حكم السفر .

(مسألة 19) : حكمُ المتردّد المستقرّ عليه التمام بعد ثلاثين يوماً ؛ إذا خرج عن مكان التردّد إلى ما دون المسافة ، وكان من نيّته العود إلى ذلك المكان ، حكمُ العازم على الإقامة ، وقد مرّ حكمه .

(مسألة 20) : لو تردّد في مكان تسعة وعشرين - مثلاً - أو أقلّ ، ثمّ سافر إلى مكان آخر وبقي متردّداً فيه كذلك ، بقي على القصر ما دام كذلك إلاّ إذا نوى الإقامة بمكان أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً .

القول : في أحكام المسافر

قد عرفت : أ نّه تسقط عن المسافر بعد تحقّق الشرائط ركعتان من الظهرين والعشاء ، كما أ نّه تسقط عنه نوافل الظهرين ، ويبقى سائر النوافل ، والأحوط الإتيان بالوتيرة رجاءً .

ص: 275

(مسألة 1) : لو صلّى المسافر بعد تحقّق شرائط القصر تماماً ، فإن كان عالماً بالحكم والموضوع بطلت صلاته وأعادها في الوقت وخارجه ، وإن كان جاهلاً بأصل الحكم - وأنّ حكم المسافر التقصير - لم يجب عليه الإعادة ، فضلاً عن القضاء ، وإن كان عالماً بأصل الحكم وجاهلاً ببعض الخصوصيات ، مثل جهله بأنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر ، أو أنّ من شغله السفر إذا أقام ببلده عشرة أيّام ، يجب عليه القصر في السفر الأوّل ، ونحو ذلك ، فأتمّ ، وجبت عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه . وكذا إذا كان عالماً بالحكم جاهلاً بالموضوع ، كما إذا تخيّل عدم كون مقصده مسافة فأتمّ مع كونه مسافة . وأمّا إذا كان ناسياً لسفره فأتمّ ، فإن تذكّر في الوقت وجبت عليه الإعادة ، وإن تذكّر في خارجه لا يجب عليه القضاء .

(مسألة 2) : يُلحق الصوم بالصلاة فيما ذُكر على الأقوى ، فيبطل مع العلم والعمد ، ويصحّ مع الجهل بأصل الحكم ، دون خصوصياته ودون الجهل بالموضوع . نعم ، لا يلحق بها في النسيان ، فمعه يجب عليه القضاء .

(مسألة 3) : لو قصّر من كانت وظيفته التمام بطلت صلاته مطلقاً ؛ حتّى المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام .

(مسألة 4) : لو تذكّر الناسي للسفر في أثناء الصلاة ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، أتمّ الصلاة قصراً واجتزأ بها ، وإن تذكّر بعد ذلك بطلت ، ووجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت ولو بإدراك ركعة منه .

(مسألة 5) : لو دخل الوقت وهو حاضر متمكّن من فعل الصلاة ، ثمّ سافر

ص: 276

قبل أن يصلّي حتّى تجاوز محلّ الترخّص والوقت باقٍ قصّر ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام أيضاً ، ولو دخل الوقت وهو مسافر فحضر قبل أن يصلّي والوقت باقٍ أتمّ ، والأحوط القصر أيضاً .

(مسألة 6) : لو فاتت منه الصلاة في الحضر ، يجب عليه قضاؤها تماماً ولو في السفر . كما أ نّه لو فاتت منه في السفر ، يجب قضاؤها قصراً ولو في الحضر .

(مسألة 7) : إن فاتت منه الصلاة ، وكان في أوّل الوقت حاضراً وفي آخره مسافراً أو بالعكس ، فالأقوى مراعاة حال الفوت في القضاء وهو آخر الوقت ، فيقضي في الأوّل قصراً وفي الثاني تماماً ، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع .

(مسألة 8) : يتخيّر المسافر مع عدم قصد الإقامة بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة : وهي المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومسجد الكوفة ، والحائر الحسيني على مشرّفه السلام ، والإتمام أفضل . وفي إلحاق بلدي مكّة والمدينة بمسجديهما تأمّل ، فلا يُترك الاحتياط باختيار القصر . ولا يُلحق بها سائر المساجد والمشاهد . ولا فرق في تلك المساجد بين السطوح والصحن والمواضع المنخفضة ، كبيت الطشت في مسجد الكوفة ، والأقوى دخول تمام الروضة الشريفة في الحائر ، فيمتدّ من طرف الرأس إلى الشبّاك المتّصل بالرواق ، ومن طرف الرجل إلى الباب المتّصل بالرواق ، ومن الخلف إلى حدّ المسجد ، ودخول المسجد والرواق الشريف فيه أيضاً لا يخلو من قوّة ، لكن الاحتياط بالقصر لا ينبغي تركه .

(مسألة 9) : التخيير في هذه الأماكن الشريفة استمراري ، فيجوز لمن شرع

ص: 277

في الصلاة بنيّة القصر ، العدولُ إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول ، بل لا بأس بأن ينوي الصلاة ؛ من غير تعيين للقصر والإتمام من أوّل الأمر ، فيختار أحدهما بعده .

(مسألة 10) : لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور ، فلا يصحّ له الصوم فيها ما لم ينوِ الإقامة أو لم يبقَ ثلاثين متردّداً .

(مسألة 11) : يُستحبّ أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة : «سُبحان اللّه ِ والحمدُ للّه ِ وَلا إلهَ إلاّ اللّه ُ وَاللّه ُ أكبر» .

فصل : في صلاة الجماعة

اشارة

وهي من المستحبّات الأكيدة في جميع الفرائض خصوصاً اليومية ، ويتأكّد في الصبح والعشاءين ، ولها ثواب عظيم . وليست واجبة بالأصل - لا شرعاً ولا شرطاً - إلاّ في الجُمعة مع الشرائط المذكورة في محلّها . ولا تشرع في شيء من النوافل الأصلية ؛ وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه ، عدا صلاة الاستسقاء . وقد مرّ : أنّ الأحوط في صلاة العيدين الإتيان بها فُرادى ، ولا بأس بالجماعة رجاءً .

(مسألة 1) : لا يشترط في صحّة الجماعة اتّحاد صلاة الإمام والمأموم نوعاً أو كيفية ، فيأتمّ مصلّي اليومية - أيّ صلاة كانت - بمصلّيها كذلك ؛ وإن اختلفتا في القصر والإتمام أو الأداء والقضاء . وكذا مصلّي الآية بمصلّيها وإن اختلفت الآيتان . نعم ، لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية بمصلّي العيدين والآيات والأموات ، بل وصلاة الاحتياط والطواف وبالعكس . وكذا لا يجوز الاقتداء في كلّ من

ص: 278

الخمس بعضها ببعض . بل مشروعية الجماعة في صلاة الطواف وكذا صلاة الاحتياط محلّ إشكال .

(مسألة 2) : أقلّ عدد تنعقد به الجماعة - في غير الجمعة والعيدين - اثنان أحدهما الإمام ؛ سواء كان المأموم رجلاً أو امرأة ، بل أو صبيّاً مميّزاً على الأقوى .

(مسألة 3) : لا يعتبر في انعقاد الجماعة في غير الجمعة والعيدين وبعض فروع المعادة بناء على المشروعية نيّةُ الإمام الجماعةَ والإمامةَ ؛ وإن توقّف حصول الثواب في حقّه عليها . وأمّا المأموم فلا بدّ له من نيّة الاقتداء ، فلو لم ينوِهِ لم تنعقد وإن تابع الإمام في الأفعال والأقوال . ويجب وحدة الإمام ، فلو نوى الاقتداء بالاثنين لم تنعقد ولو كانا متقارنين . وكذا يجب تعيين الإمام بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنية أو الخارجية ، كأن ينوي الاقتداء بهذا الحاضر ولو لم يعرفه بوجه ؛ مع علمه بكونه عادلاً صالحاً للاقتداء ، فلو نوى الاقتداء بأحد هذين ، لم تنعقد وإن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك .

(مسألة 4) : لو شكّ في أ نّه نوى الاقتداء أم لا ، بنى على العدم وإن علم أ نّه قام بنيّة الدخول في الجماعة ، بل وإن كان على هيئة الائتمام . نعم ، لو كان مشتغلاً بشيء من أفعال المؤتمّين ولو مثل الإنصات المستحبّ في الجماعة بنى عليه .

(مسألة 5) : لو نوى الاقتداء بشخص على أ نّه زيد ، فبان أ نّه عمرو ، فإن لم يكن عمرو عادلاً بطلت جماعته وصلاته إن زاد ركناً بتوهّم الاقتداء ، وإلاّ فصحّتها لا تخلو عن قوّة ، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة . وإن كان عادلاً فالأقوى صحّة صلاته وجماعته ؛ سواء كان من قصده الاقتداء بزيد وتخيّل أنّ الحاضر هو

ص: 279

زيد ، أو من قصده الاقتداء بهذا الحاضر ولكن تخيّل أ نّه زيد . والأحوط الإتمام والإعادة في الصورة الاُولى إن خالفت صلاة المنفرد .

(مسألة 6) : لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء على الأحوط .

(مسألة 7) : الظاهر جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد - ولو اختياراً - في جميع أحوال الصلاة وإن كان من نيّته ذلك في أوّل الصلاة ، لكن الأحوط عدم العدول إلاّ لضرورة ولو دنيوية ، خصوصاً في الصورة الثانية .

(مسألة 8) : لو نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع لا تجب عليه القراءة ، بل لو كان في أثناء القراءة تكفيه بعد نيّة الانفراد قراءة ما بقي منها ، وإن كان الأحوط استئنافها بقصد القُربة والرجاء ، خصوصاً في الصورة الثانية .

(مسألة 9) : لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام على الأحوط .

(مسألة 10) : لو أدرك الإمام في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه ولو بعد الذكر ، أو أدركه قبله ولم يدخل في الصلاة إلى أن ركع ، جاز له الدخول معه ، وتحسب له ركعة . وهو منتهى ما يُدرك به الركعة في ابتداء الجماعة ، فإدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه . وأمّا في الركعات الاُخر فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام ؛ بأن ركع بعد رفع رأسه منه ، لكن بشرط أن يُدرك بعض الركعة قبل الركوع ، وإلاّ ففيه إشكال .

(مسألة 11) : الظاهر أ نّه إذا دخل في الجماعة في أوّل الركعة أو في أثناء القراءة ، واتّفق تأخّره عن الإمام في الركوع وما لحق به فيه ، صحّت صلاته

ص: 280

وجماعته ، وتحسب له ركعة . وما ذكرناه في المسألة السابقة ، مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام ، أو قبله بعد تمام القراءة .

(مسألة 12) : لو ركع بتخيّل أ نّه يدرك الإمام راكعاً ولم يُدركه ، أو شكّ في إدراكه وعدمه ، فلا تبعد صحّة صلاته فُرادى ، والأحوط الإتمام والإعادة .

(مسألة 13) : لا بأس بالدخول في الجماعة بقصد الركوع مع الإمام رجاءً ؛ مع عدم الاطمئنان بإدراكه على الأقوى ، فإن أدركه صحّت صلاته ، وإلاّ بطلت لو ركع ، كما لا بأس بأن يكبّر للإحرام بقصد أ نّه إن أدركه لحق ، وإلاّ انفرد قبل الركوع ، أو انتظر الركعة الثانية بالشرط الآتي في المسألة اللاحقة .

(مسألة 14) : لو نوى الائتمام وكبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع ، لزمه الانفراد أو انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاُخرى ، فيجعلها الاُولى له ؛ بشرط أن لا يكون الإمام بطيئاً في صلاته ؛ بحيث يخرج به عن صدق القدوة ، وإلاّ فلا يجوز الانتظار .

(مسألة 15) : لو أدرك الإمام في السجدة الاُولى أو الثانية من الركعة الأخيرة ، وأراد إدراك فضل الجماعة نوى وكبّر وسجد معه السجدة أو السجدتين وتشهّد ، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام ، ولا يترك الاحتياط بأن يتمّ الصلاة ويعيدها ، وإن كان الاكتفاء بالنيّة والتكبير وإلقاء ما زاد تبعاً للإمام وصحّة صلاته ، لا تخلو من وجه . والأولى عدم الدخول في هذه الجماعة . ولو أدركه في التشهّد الأخير يجوز له الدخول معه ؛ بأن ينوي ويكبّر ثمّ يجلس معه ويتشهّد ، فإذا سلّم الإمام يقوم فيصلّي ، ويكتفي بتلك النيّة وذلك التكبير ، ويحصل له بذلك فضل الجماعة وإن لم يدرك ركعة .

ص: 281

القول : في شرائط الجماعة

وهي - مضافاً إلى ما مرّ - اُمور :

الأوّل : أن لا يكون بين المأموم والإمام ، أو بين بعض المأمومين مع بعض آخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام حائل يمنع المشاهدة . هذا إذا كان المأموم رجلاً . وأمّا المرأة : فإن اقتدت بالرجل فلا بأس بالحائل بينها وبينه ، ولا بينها وبين الرجال المأمومين . وأمّا بينها وبين النساء ممّن تكون واسطة في اتّصالها ، وكذا بينها وبين الإمام إذا كان امرأة على فرض المشروعية فمحلّ إشكال .

الثاني : أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين إلاّ يسيراً ، والأحوط الاقتصار على المقدار الذي لا يرى العرف أ نّه أرفع منهم ولو مسامحة . ولا بأس بعُلوّ المأموم على الإمام ولو بكثير ، لكن كثرة متعارفة كسطح الدكّان والبيت ، لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر على الأحوط .

الثالث : أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن الصفّ المتقدّم عليه بما يكون كثيراً في العادة ، والأحوط أن لا يكون بين مسجد المأموم وموقف الإمام أو بين مسجد اللاحق وموقف السابق ، أزيد من مقدار الخطوة المتعارفة ، وأحوط منه أن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل .

الرابع : أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف ، والأحوط تأخّره عنه ولو يسيراً . ولا يضرّ تقدّم المأموم في ركوعه وسجوده لطول قامته بعد عدم تقدّمه في الموقف ؛ وإن كان الأحوط مراعاته في جميع الأحوال ، خصوصاً حال الجلوس بالنسبة إلى ركبتيه .

ص: 282

(مسألة 1) : ليس من الحائل الظلمةُ والغبارُ المانعان من المشاهدة ، وكذا نحو النهر والطريق إن لم يكن فيه بُعد ممنوع في الجماعة ، بل الظاهر عدم كون الشُبّاك أيضاً منه ، إلاّ مع ضيق الثقب بحيث يصدق عليه السترة والجدار ، وأمّا الزجاج الحاكي عن ورائه فعدم كونه منه لا يخلو من قرب ، والأحوط الاجتناب .

(مسألة 2) : لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع المشاهدة في أحوال الصلاة ؛ وإن كان مانعاً منها حال السجود - كمقدار شبر وأزيد - لو لم يكن مانعاً حال الجلوس ، وإلاّ ففيه إشكال لا يترك فيه الاحتياط .

(مسألة 3) : لا يقدح حيلولة المأمومين المتقدّمين وإن لم يدخلوا في الصلاة إذا كانوا متهيّئين مُشرفين على العمل ، كما لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثرهم للإمام ؛ إن كان ذلك من جهة استطالة الصفّ ، وكذا عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الثاني للصفّ الأوّل ؛ إن كان من جهة أطوليته من الأوّل .

(مسألة 4) : لو وصلت الصفوف إلى باب المسجد - مثلاً - ووقف صفّ أو صفوف في خارج المسجد ؛ بحيث وقف واحد منهم - مثلاً - بحيال الباب والباقون في جانبيه ، فالأحوط بطلان صلاة من على جانبيه من الصفّ الأوّل ؛ ممّن كان بينهم وبين الإمام أو الصفّ المتقدّم حائل ، بل البطلان لا يخلو من قوّة ، وكذا الحال في المحراب الداخل . نعم ، تصحّ صلاة الصفوف المتأخّرة أجمع .

(مسألة 5) : لو تجدّد الحائل أو البعد في الأثناء فالأقوى كونه كالابتداء ، فتبطل الجماعة ويصير منفرداً .

ص: 283

(مسألة 6) : لا بأس بالحائل غير المستقرّ كمرور إنسان أو حيوان . نعم ، لو اتّصلت المارّة لا يجوز وإن كانوا غير مستقرّين .

(مسألة 7) : لو تمّت صلاة أهل الصفّ المتقدّم ، يشكل بقاء اقتداء المتأخّر وإن عادوا إلى الجماعة بلا فصل ، فلا يترك الاحتياط بالعدول إلى الانفراد .

(مسألة 8) : إن علم ببطلان صلاة أهل الصفّ المتقدّم ، تبطل جماعة المتأخّر لو حصل الفصل أو الحيلولة . نعم ، مع الجهل بحالهم تُحمل على الصحّة ، وإن كانت صلاتهم صحيحة بحسب تقليدهم ، وباطلة بحسب تقليد أهل الصفّ المتأخّر ، يشكل دخوله فيها مع الفصل أو الحيلولة .

(مسألة 9) : يجوز لأهل الصفّ المتأخّر الإحرام قبل المتقدّم ؛ إذا كانوا قائمين متهيّئين للإحرام تهيُّؤاً مُشرفاً على العمل .

القول : في أحكام الجماعة

الأقوى وجوب ترك المأموم القراءة في الركعتين الاُوليين من الإخفاتية ، وكذا في الاُوليين من الجهرية لو سمع صوت الإمام ولو هَمهَمته ، وإن لم يسمع حتّى الهمهمة جاز بل استحبّ له القراءة . والأحوط في الأخيرتين من الجهرية تركه القراءة لو سمع قراءته وأتى بالتسبيح ، وأمّا في الإخفاتية فهو كالمنفرد فيهما ، يجب عليه القراءة أو التسبيح مخيّراً بينهما ؛ سمع قراءة الإمام أو لم يسمع .

(مسألة 1) : لا فرق بين كون عدم السماع للبُعد أو لكثرة الأصوات أو للصمم أو لغير ذلك .

ص: 284

(مسألة 2) : لو سمع بعض قراءةِ الإمام دون بعض فالأحوط ترك القراءة مطلقاً .

(مسألة 3) : لو شكّ في السماع وعدمه أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره ، فالأحوط ترك القراءة وإن كان الأقوى جوازها .

(مسألة 4) : لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام وإن كان الأحوط ذلك ، وكذا لا تجب عليه المبادرة إلى القيام حال قراءته في الركعة الثانية ، فيجوز أن يُطيل سجوده ؛ ويقوم بعد أن قرأ الإمام بعض القراءة ؛ لو لم ينجرّ إلى التأخّر الفاحش .

(مسألة 5) : لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً غير القراءة في الاُوليين إذا ائتمّ به فيهما ، وأمّا في الأخيرتين فهو كالمنفرد ؛ وإن قرأ الإمام فيهما «الحمد» وسمع المأموم ؛ مع التحفّظ على الاحتياط المتقدّم في صدر الباب ، ولو لم يدرك الاُوليين وجب عليه القراءة فيهما ؛ لأ نّهما أوّلتا صلاته ، وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على «الحمد» وترك السورة ولحق به في الركوع ، وإن لم يمهله لإتمامه أيضاً فالأقوى جواز إتمام القراءة واللحوق بالسجود ، ولعلّه أحوط أيضاً ؛ وإن كان قصد الانفراد جائزاً .

(مسألة 6) : لو أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها ، ويتابع الإمام في القنوت والتشهّد ، والأحوط التجافي فيه ، ثمّ بعد القيام إلى الثانية تجب

عليه القراءة فيها ؛ لكونها ثالثة الإمام ؛ سواء قرأ الإمام فيها «الحمد» أو التسبيح .

(مسألة 7) : إذا قرأ المأموم خلف الإمام وجوباً - كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين - أو استحباباً - كما في الاُوليين من الجهرية إذا لم يسمع صوت

ص: 285

الإمام - يجب عليه الإخفات وإن كانت الصلاة جهرية .

(مسألة 8) : لو أدرك الإمام في الأخيرتين ، فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه ، وجبت عليه القراءة ، وإن لم يُمهله ترك السورة ، ولو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام «الفاتحة» ، فالأحوط عدم الدخول إلاّ بعد ركوعه ، فيحرم ويركع معه ، وليس عليه القراءة حينئذٍ .

(مسألة 9) : تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال ؛ بمعنى أن لا يتقدّم فيها عليه ولا يتأخّر عنه تأخّراً فاحشاً . وأمّا في الأقوال فالأقوى عدم وجوبها عدا تكبيرة الإحرام ، فإنّ الواجب فيها عدم التقدّم والتقارن ، والأحوط عدم الشروع فيها قبل تمامية تكبيرة الإمام ؛ من غير فرق فيما ذُكر بين المسموع من الأقوال وغيره ؛ وإن كانت أحوط في المسموع وفي خصوص التسليم . ولو ترك المتابعة فيما وجبت فيه عصى ، ولكن صحّت صلاته وجماعته أيضاً إلاّ فيما إذا ركع حال اشتغال الإمام بالقراءة في الاُوليين منه ومن المأموم ، فإنّ صحّة صلاته فضلاً عن جماعته مشكلة بل ممنوعة ، كما أ نّه لو تقدّم أو تأخّر فاحشاً على وجه ذهبت هيئة الجماعة بطلت جماعته فيما صحّت صلاته .

(مسألة 10) : لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم تكبيره كان منفرداً ، فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة وأتمّها ركعتين .

(مسألة 11) : لو رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً ، أو لزعم رفع رأسه ، وجب عليه العود والمتابعة ، ولا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ ، وإن لم يَعُد أثم وصحّت صلاته إن كان آتياً بذكرهما وسائر واجباتهما ، وإلاّ فالأحوط

ص: 286

البطلان ، وأحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة . ولو رفع رأسه قبله عامداً أثم وصحّت صلاته ؛ لو كان ذلك بعد الذكر وسائر الواجبات ، وإلاّ بطلت صلاته إن كان الترك عمداً . ومع الرفع عمداً لا يجوز له المتابعة ، فإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية ، وإن تابع سهواً فكذلك لو زاد ركناً .

(مسألة 12) : لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهواً ، ثمّ عاد إليه للمتابعة ، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع ، لا يبعد بطلان صلاته ، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة .

(مسألة 13) : لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة ، فتخيّل أ نّها الاُولى ، فعاد إليها بقصد المتابعة ، فبان كونها الثانية ، ففي احتسابها ثانية إشكال لا يترك الاحتياط بالإتمام والإعادة . ولو تخيّل أنّها الثانية فسجد اُخرى بقصدها فبان أ نّها الاُولى ، حُسبت ثانية ، فله قصد الانفراد والإتمام ، ولا يبعد جواز المتابعة في السجدة الثانية وجواز الاستمرار إلى اللحوق بالإمام ، والأوّل أحوط ، كما أ نّه مع المتابعة إعادة الصلاة أحوط .

(مسألة 14) : لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة . وإن كان سهواً فوجوبها بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود لا يخلو من وجه ؛ وإن لا يخلو من إشكال ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة .

(مسألة 15) : لو كان مشتغلاً بالنافلة ، فاُقيمت الجماعة وخاف عدم إدراكها ، استحبّ قطعها . ولو كان مشتغلاً بالفريضة منفرداً استحبّ العدول إلى النافلة وإتمامها ركعتين إن لم يتجاوز محلّ العدول ، كما لو دخل في ركوع الركعة الثالثة .

ص: 287

القول : في شرائط إمام الجماعة

ويشترط فيه اُمور :

الإيمان وطهارة المولد والعقل والبلوغ إذا كان المأموم بالغاً ، بل إمامة غير البالغ ولو لمثله محلّ إشكال ، بل عدم جوازه لا يخلو من قرب ، والذكورة إذا كان المأموم ذكراً ، بل مطلقاً على الأحوط ، والعدالة - فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق ولا مجهول الحال - وهي حالة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن ارتكاب الكبائر ، بل والصغائر على الأقوى ، فضلاً عن الإصرار عليها الذي عُدّ من الكبائر ، وعن ارتكاب أعمال دالّة عرفاً على عدم مبالاة فاعلها بالدين . والأحوط اعتبار الاجتناب عن منافيات المُروّة وإن كان الأقوى عدم اعتباره .

وأمّا الكبائر فهي كلّ معصية ورد التوعيد عليها بالنار أو بالعقاب أو شدّد عليها تشديداً عظيماً ، أو دلّ دليل على كونها أكبر من بعض الكبائر أو مثله ، أو حكم العقل بأ نّها كبيرة ، أو كان في ارتكاز المتشرّعة كذلك ، أو ورد النصّ بكونها كبيرة .

وهي كثيرة : منها اليأس من رَوح اللّه ، والأمن من مكره ، والكذب عليه أو على رسوله وأوصيائه علیهم السلام ، وقتل النفس التي حرّمها اللّه إلاّ بالحقّ ، وعقوق الوالدين ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، وقطيعة الرحم ، والسحر ، والزنا ، واللواط ، والسرقة ، واليمين الغموس ، وكتمان الشهادة ، وشهادة الزور ، ونقض العهد ، والحيف في الوصيّة ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ، وأكل السحت ، والقمار ، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما اُهلّ

ص: 288

لغير اللّه من غير ضرورة ، والبخس في المكيال والميزان ، والتعرُّب بعد الهجرة ، ومعونة الظالمين ، والركون إليهم ، وحبس الحقوق من غير عذر ، والكذب ، والكبر ، والإسراف ، والتبذير ، والخيانة ، والغيبة ، والنميمة ، والاشتغال بالملاهي ، والاستخفاف بالحجّ ، وترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، والإصرار على الصغائر من الذنوب . وأمّا الإشراك باللّه تعالى وإنكار ما أنزله ومحاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر ، لكن في عدّها من التي يعتبر اجتنابها في العدالة مسامحة .

(مسألة 1) : الإصرار الموجب لدخول الصغيرة في الكبائر : هو المداومة والملازمة على المعصية من دون تخلّل التوبة . ولا يبعد أن يكون من الإصرار العزم على العود إلى المعصية بعد ارتكابها وإن لم يَعُد إليها ، خصوصاً إذا كان عزمه على العود حال ارتكاب المعصية الاُولى . نعم ، الظاهر عدم تحقّقه بمجرّد عدم التوبة بعد المعصية من دون العزم على العود إليها .

(مسألة 2) : الأقوى جواز تصدّي الإمامة لمن يعرف من نفسه عدم العدالة ؛ مع اعتقاد المأمومين عدالته ؛ وإن كان الأحوط الترك . وهي جماعة صحيحة يترتّب عليها أحكامها .

(مسألة 3) : تثبت العدالة بالبيّنة والشياع الموجب للاطمئنان ، بل يكفي الوثوق والاطمئنان من أيّ وجه حصل ؛ ولو من جهة اقتداء جماعة من أهل البصيرة والصلاح . كما أ نّه يكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً عن العدالة ، بل الأقوى كفاية حسن الظاهر ولو لم يحصل منه الظنّ وإن كان الأحوط اعتباره .

(مسألة 4) : لا يجوز إمامة القاعد للقائم ، ولا المضطجع للقاعد ، ولا من

ص: 289

لا يحسن القراءة - بعدم تأدية الحروف من مخرجه ، أو إبداله بغيره ؛ حتّى اللحن في الإعراب وإن كان لعدم استطاعته - لمن يحسنها . وكذا الأخرس للناطق وإن كان ممّن لا يحسنها . وفي جواز إمامة من لا يحسن القراءة في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم ، كالركعتين الأخيرتين ، لمن يحسنها إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 5) : جواز الاقتداء بذوي الأعذار مشكل ، لا يترك الاحتياط بتركه ؛ وإن كان إمامته لمثله أو لمن هو متأخّر عنه رتبة - كالقاعد للمضطجع - لا يخلو من وجه . نعم ، لا بأس بإمامة القاعد لمثله والمتيمّم وذي الجبيرة لغيرهما .

(مسألة 6) : لو اختلف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً صحّ الاقتداء به وإن لم يتّحدا في العمل فيما إذا رأى المأموم صحّة صلاته مع خطئه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده ، كما إذا اعتقد المأموم وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثاً ، ورأى الإمام أنّ الواجب واحدة منها وعمل به . ولا يصحّ الاقتداء مع اعتقاده اجتهاداً أو تقليداً بطلان صلاته . كما يشكل ذلك فيما إذا اختلفا في القراءة ولو رأى المأموم صحّة صلاته - كما لو لم يَرَ الإمام وجوب السورة وتركها ، ورأى المأموم وجوبها - فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء . نعم ، إذا لم يعلم اختلافهما في الرأي يجوز الائتمام ، ولا يجب الفحص والسؤال . وأمّا مع العلم باختلافهما في الرأي والشكّ في تخالفهما في العمل ، فالأقوى عدم جواز الاقتداء فيما يرجع إلى المسائل التي لا يجوز معها الاقتداء مع وضوح الحال ، ويشكل فيما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال .

ص: 290

(مسألة 7) : لو دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت ، واعتقد المأموم عدمه أو شكّ فيه ، لا يجوز له الائتمام في تلك الصلاة . نعم ، لو علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام ، جاز له الائتمام عند دخوله إذا دخل الإمام على وجه يحكم بصحّة صلاته .

(مسألة 8) : لو تشاحّ الأئمّة فالأحوط الأولى ترك الاقتداء بهم جميعاً . نعم ، إذا تشاحّوا في تقديم الغير وكلٌّ يقول تقدّم يا فلان ، يرجّح من قدّمه المأمومون ، ومع الاختلاف أو عدم تقديمهم يقدّم الفقيه الجامع للشرائط ، وإن لم يكن أو تعدّد يقدّم الأجود قراءة ، ثمّ الأفقه في أحكام الصلاة ، ثمّ الأسنّ ، والإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره وإن كان أفضل ، لكن الأولى له تقديم الأفضل ، وصاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة ، والأولى له تقديم الأفضل ، والهاشمي أولى من غيره المساوي له في الصفات . والترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية والاستحباب ، لا على وجه اللزوم والإيجاب حتّى في أولوية الإمام الراتب ، فلا يحرم مزاحمة الغير له وإن كان مفضولاً من جميع الجهات ، لكن مزاحمته قبيحة ، بل مخالفة للمروّة وإن كان المزاحم أفضل منه من جميع الجهات .

(مسألة 9) : الأحوط للأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته ترك الإمامة وترك الاقتداء بهم . ويُكره إمامة الأغلف المعذور في ترك الختان ، ومن يَكره المأمومون إمامته ، والمتيمّم للمتطهّر ، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص للكامل .

(مسألة 10) : لو علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة كونه مُحدثاً أو

ص: 291

تاركاً لركن ونحوه ، لا يجوز له الاقتداء به ؛ وإن اعتقد الإمام صحّتها جهلاً أو سهواً .

(مسألة 11) : لو رأى المأموم في ثوب الإمام نجاسة غير معفوّ عنها ، فإن علم أنّه قد نسيها لا يجوز الاقتداء به ، وإن علم أنّه جاهل بها يجوز الاقتداء به ، وإن لم يدرِ أنّه جاهل أو ناسٍ ففي جوازه تأمّل وإشكال ، فلا يُترك الاحتياط .

(مسألة 12) : لو تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقاً أو مُحدثاً ، صحّ ما صلّى معه جماعة ، ويُغتفر فيه ما يُغتفر في الجماعة .

ص: 292

كتاب الصوم

القول : في النيّة

(مسألة 1) : يشترط في الصوم النيّة ؛ بأن يقصد تلك العبادة المقرّرة في الشريعة ، ويعزم على الإمساك عن المفطرات المعهودة بقصد القُربة . ولا يعتبر في الصحّة العلم بالمفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عن كلّ مفطر ؛ ولم يعلم بمفطرية بعض الأشياء كالاحتقان - مثلاً - أو زعم عدمها ، ولكن لم يرتكبه ، صحّ صومه . وكذا لو نوى الإمساك عن اُمور يعلم باشتمالها على المفطرات ، صحّ على الأقوى . ولا يعتبر في النيّة - بعد القربة والإخلاص - سوى تعيين الصوم الذي قصد إطاعة أمره . ويكفي في صوم شهر رمضان نيّة صوم غد ؛ من غير حاجة إلى تعيينه ، بل لو نوى غيره فيه - جاهلاً به أو ناسياً له - صحّ ووقع عن رمضان ، بخلاف العالم به فإنّه لا يقع لواحد منهما . ولا بدّ فيما عدا شهر رمضان من التعيين ؛ بمعنى قصد صنف الصوم المخصوص ، كالكفّارة والقضاء والنذر المطلق ، بل المعيّن أيضاً على الأقوى ، ويكفي التعيين الإجمالي ، كما إذا كان ما وجب في ذمّته صنفاً واحداً ، فقصد ما في الذمّة ، فإنّه يجزيه . والأظهر عدم

ص: 293

اعتبار التعيين في المندوب المطلق ، فلو نوى صوم غد للّه تعالى ، صحّ ووقع ندباً لو كان الزمان صالحاً له ، وكان الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم ، بل وكذا المندوب المعيّن أيضاً إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ ، كأيّام البيض والجمعة والخميس . نعم ، في إحراز ثواب الخصوصية يعتبر إحراز ذلك اليوم وقصده .

(مسألة 2) : يعتبر في القضاء عن الغير نيّة النيابة ولو لم يكن في ذمّته صوم آخر .

(مسألة 3) : لا يقع في شهر رمضان صوم غيره ؛ واجباً كان أو ندباً ؛ سواء كان مكلّفاً بصومه أم لا كالمسافر ونحوه ، بل مع الجهل بكونه رمضاناً أو نسيانه ، لو نوى فيه صوم غيره يقع عن رمضان كما مرّ .

(مسألة 4) : الأقوى أ نّه لا محلّ للنيّة شرعاً في الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره ، بل المعيار حصول الصوم عن عزم وقصد باقٍ في النفس ولو ذهل عنه بنوم أو غيره . ولا فرق في حدوث هذا العزم بين كونه مقارناً لطلوع الفجر أو قبله ، ولا بين حدوثه في ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها ، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي ، ونام على هذا العزم إلى آخر النهار ، صحّ على الأصحّ . نعم ، لو فاتته النيّة لعذر - كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضاناً أو مرض أو سفر - فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها شرعاً إلى الزوال لو لم يتناول المفطر ، فإذا زالت الشمس فات محلّها . نعم ، في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال ، بل في المرض لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من قرب . ويمتدّ محلّها اختياراً في غير المعيّن إلى الزوال دون ما بعده ، فلو أصبح ناوياً للإفطار ولم يتناول مفطراً ، فبدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء شهر رمضان أو

ص: 294

كفّارة أو نذراً مطلقاً ، جاز وصحّ دون ما بعده . ومحلّها في المندوب يمتدّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه .

(مسألة 5) : يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان يبني على أ نّه من شعبان ، فلا يجب صومه ، ولو صامه بنيّة أ نّه من شعبان ندباً ، أجزأه عن رمضان لو بان أ نّه منه . وكذا لو صامه بنيّة أ نّه منه قضاءً أو نذراً أجزأه لو صادفه . بل لو صامه على أ نّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإلاّ كان مندوباً ، لا يبعد الصحّة ولو على وجه الترديد في النيّة في المقام . نعم ، لو صامه بنيّة أ نّه من رمضان لم يقع لا له ولا لغيره .

(مسألة 6) : لو كان في يوم الشكّ بانياً على الإفطار ، ثمّ ظهر في أثناء النهار أنّه من شهر رمضان ، فإن تناول المفطر ، أو ظهر الحال بعد الزوال وإن لم يتناوله ، يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّباً وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان قبل الزوال ولم يتناول مفطراً يجدّد النيّة وأجزأ عنه .

(مسألة 7) : لو صام يوم الشكّ بنيّة أ نّه من شعبان ، ثمّ تناول المفطر نسياناً ، وتبيّن بعد ذلك أنّه من رمضان ، أجزأ عنه . نعم ، لو أفسد صومه برياء ونحوه لم يُجزِهِ منه ؛ حتّى لو تبيّن كونه منه قبل الزوال وجدّد النيّة .

(مسألة 8) : كما تجب النيّة في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه ، فلو نوى القطع في الواجب المعيّن - بمعنى قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم - بطل على الأقوى وإن عاد إلى نيّة الصوم قبل الزوال . وكذا لو قصد القطع لزعم اختلال صومه ثمّ بان عدمه . وينافي الاستدامة أيضاً التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه . وكذا لو كان تردّده في ذلك لعروض شيء لم يدرِ أنّه

ص: 295

مبطل لصومه أو لا . وأمّا في غير الواجب المعيّن لو نوى القطع ثمّ رجع قبل الزوال صحّ صومه . هذا كلّه في نيّة القطع . وأمّا نيّة القاطع - بمعنى نيّة ارتكاب المفطر - فليست بمفطرة على الأقوى وإن كانت مستلزمة لنيّة القطع تبعاً . نعم ، لو نوى القاطع والتفت إلى استلزامها ذلك فنواه استقلالاً ، بطل على الأقوى .

القول : فيما يجب الإمساك عنه

(مسألة 1) : يجب على الصائم الإمساك عن اُمور :

الأوّل والثاني : الأكل والشرب ؛ معتاداً كان كالخبز والماء ، أو غيره كالحصاة وعصارة الأشجار ؛ ولو كانا قليلين جدّاً كعُشر حَبّة وعُشر قطرة .

(مسألة 2) : المدار هو صدق الأكل والشرب ولو كانا على النحو غير المتعارف ، فإذا أوصل الماء إلى جوفه من طريق أنفه ، صدق الشرب عليه وإن كان بنحو غير متعارف .

الثالث : الجِماع ؛ ذكراً كان الموطوء أو اُنثى ، إنساناً أو حيواناً ، قُبلاً أو دُبراً ، حيّاً أو ميّتاً ، صغيراً أو كبيراً ، واطئاً كان الصائم أو موطوءاً . فتعمّد ذلك مبطل وإن لم يُنزل ، ولا يبطل مع النسيان أو القهر السالب للاختيار ، دون الإكراه ، فإنّه مبطل أيضاً ، فإن جامع نسياناً أو قهراً ، فتذكّر أو ارتفع القهر في الأثناء ، وجب الإخراج فوراً ، فإن تراخى بطل صومه . ولو قصد التفخيذ - مثلاً - فدخل بلا قصد لم يبطل ، وكذا لو قصد الإدخال ولم يتحقّق ؛ لما مرّ من عدم مفطرية قصد المفطر . ويتحقّق الجِماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها ، بل لا يبعد إبطال مسمّى الدخول في المقطوع وإن لم يكن بمقدارها .

الرابع : إنزال المنيّ باستمناء ، أو ملامسة ، أو قُبلة ، أو تفخيذ ، أو نحو ذلك من

ص: 296

الأفعال التي يُقصد بها حصوله ، بل لو لم يقصد حصوله وكان من عادته ذلك بالفعل المزبور ، فهو مبطل أيضاً . نعم ، لو سبقه المنيّ من دون إيجاد شيء يترتّب عليه حصوله - ولو من جهة عادته من دون قصد له - لم يكن مبطلاً .

(مسألة 3) : لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار ؛ وإن علم بخروج بقايا المنيّ الذي في المجرى إذا كان ذلك قبل الغُسل من الجنابة ، وأمّا الاستبراء بعده فمع العلم بحدوث جنابة جديدة به فالأحوط تركه ، بل لا يخلو لزومه من قوّة ، ولا يجب التحفّظ من خروج المنيّ بعد الإنزال إن استيقظ قبله ، خصوصاً مع الحرج والإضرار .

الخامس : تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان وقضائه . بل الأقوى في الثاني البطلان بالإصباح جُنُباً وإن لم يكن عن عمد . كما أنّ الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلاً قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام ، بل الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن ونحوه به وإن كان الأقوى خلافه إلاّ في قضاء شهر رمضان ، فلا يترك الاحتياط فيه . وأمّا غير شهر رمضان وقضائه من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب ، ففي بطلانه بسبب تعمّد البقاء على الجنابة إشكال ، الأحوط ذلك خصوصاً في الواجب الموسّع ، والأقوى العدم خصوصاً في المندوب .

(مسألة 4) : من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم مع علمه بذلك ، فهو كمتعمّد البقاء عليها ، ولو وسع التيمّم خاصّة عصى وصحّ صومه المعيّن ، والأحوط القضاء .

(مسألة 5) : لو ظنّ السعة وأجنب فبان الخلاف ، لم يكن عليه شيء إذا كان مع المراعاة ، وإلاّ فعليه القضاء .

ص: 297

(مسألة 6) : كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً ، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر ، فإذا طهرتا منهما قبل الفجر وجب عليهما الغسل أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومهما . وكذا يُشترط على الأقوى في صحّة صوم المستحاضة الأغسالُ النهارية التي للصلاة دون غيرها ، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل - كالمتوسّطة والكثيرة - فتركت الغسل بطل صومها ، بخلاف ما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الظهرين ، فتركت الغسل إلى الغروب ، فإنّه لا يبطله ، ولا يترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية ، ويكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر ، فصحّ صومها حينئذٍ على الأقوى .

(مسألة 7) : فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض أو النفاس . نعم ، فيما يفسده البقاء على الجنابة ولو عن غير عمدٍ - كقضاء شهر رمضان - فالظاهر بطلانه به .

(مسألة 8) : لا يُشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت ، كما لا يضرّ مسّه به في أثناء النهار .

(مسألة 9) : من لم يتمكّن من الغسل - لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم ؛ ولو لضيق الوقت - وجب عليه التيمّم للصوم ، فمن تركه حتّى أصبح كان كتارك الغسل . ولا يجب عليه البقاء على التيمّم مستيقظاً حتّى يصبح وإن كان أحوط .

(مسألة 10) : لو استيقظ بعد الصبح محتلماً ، فإن علم أنّ جنابته حصلت في الليل صحّ صومه إن كان مضيّقاً ، إلاّ في قضاء شهر رمضان ، فإنّ الأحوط فيه

ص: 298

الإتيان به وبعوضه ؛ وإن كان جواز الاكتفاء بالعوض بعد شهر رمضان الآتي لا يخلو من قوّة . وإن كان موسّعاً بطل إن كان قضاء شهر رمضان ، وصحّ إن كان غيره أو كان مندوباً ، إلاّ أنّ الأحوط إلحاقهما به . وإن لم يعلم بوقت وقوع الجنابة ، أو علم بوقوعها نهاراً ، لا يبطل صومه من غير فرق بين الموسّع وغيره والمندوب ، ولا يجب عليه البدار إلى الغسل ، كما لا يجب على كلّ من أجنب في النهار بدون اختيار ؛ وإن كان أحوط .

(مسألة 11) : من أجنب في الليل في شهر رمضان ، جاز له أن ينام قبل الاغتسال إن احتمل الاستيقاظ حتّى بعد الانتباه أو الانتباهتين ، بل وأزيد ، خصوصاً مع اعتياد الاستيقاظ ، فلا يكون نومه حراماً ؛ وإن كان الأحوط شديداً ترك النوم الثاني فما زاد . ولو نام مع احتمال الاستيقاظ فلم يستيقظ حتّى طلع الفجر ، فإن كان بانياً على عدم الاغتسال لو استيقظ ، أو متردّداً فيه ، أو غير ناوٍ له - وإن لم يكن متردّداً ولا ذاهلاً وغافلاً - لحقه حكم متعمّد البقاء على الجنابة ، فعليه القضاء والكفّارة كما يأتي ، وإن كان بانياً على الاغتسال لا شيء عليه ؛ لا القضاء ولا الكفّارة . لكن لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط - لو استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتّى طلع الفجر - بالجمع بين صوم يومه وقضائه وإن كان الأقوى صحّته . ولو انتبه ثمّ نام ثانياً حتّى طلع الفجر بطل صومه ، فيجب عليه الإمساك تأدّباً والقضاء . ولو عاد إلى النوم ثالثاً ولم ينتبه فعليه الكفّارة أيضاً على المشهور ، وفيه تردّد ، بل عدم وجوبها لا يخلو من قوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . ولو كان ذاهلاً وغافلاً عن الاغتسال ، ولم يكن بانياً عليه ولا على تركه ، ففي لحوقه بالأوّل أو الثاني وجهان ، أوجههما اللحوق بالثاني .

السادس : تعمّد الكذب على اللّه تعالى ورسوله والأئمّة - صلوات اللّه عليهم -

ص: 299

على الأقوى ، وكذا باقي الأنبياء والأوصياء علیهم السلام على الأحوط ؛ من غير فرق بين كونه في الدين أو الدنيا ، وبين كونه بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو الكناية ونحوها ؛ ممّا يصدق عليه الكذب عليهم علیهم السلام فلو سأله سائل : هل قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم كذا ؟ فأشار «نعم» في مقام «لا» ، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه . وكذا لو أخبر صادقاً عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ قال : ما أخبرتُ به عنه كذب ، أو أخبر عنه كاذباً في الليل ، ثمّ قال في النهار : إنّ ما أخبرتُ به في الليل صدق ، فسد صومه . والأحوط عدم الفرق بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها ، كالإخبار كاذباً بأ نّه فعل كذا ، أو كان كذا . والأقوى عدم ترتّب الفساد مع عدم القصد الجدّي إلى الإخبار ؛ بأن كان هازلاً أو لاغياً .

(مسألة 12) : لو قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ ، وكذا إذا قصد الكذب فبان صدقاً وإن علم بمفطريته .

(مسألة 13) : لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولاً له أو لغيره ، كما إذا كان مذكوراً في بعض كتب التواريخ أو الأخبار ؛ إذا كان على وجه الإخبار . نعم ، لا يُفسده إذا كان على وجه الحكاية والنقل من شخص أو كتاب .

السابع : رمس الرأس في الماء على الأحوط ولو مع خروج البدن ، ولا يلحق المضاف بالمطلق . نعم ، لا يُترك الاحتياط في مثل الجلاّب خصوصاً مع ذهاب رائحته ، ولا بأس بالإفاضة ونحوها ممّا لا يُسمّى رمساً وإن كثر الماء ، بل لا بأس برمس البعض وإن كان فيه المنافذ ، ولا بغمس التمام على التعاقب ؛ بأن غمس نصفه ثمّ أخرجه ، وغمس نصفه الآخر .

(مسألة 14) : لو ألقى نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل ، لم يبطل

ص: 300

صومه إذا لم تقضِ العادة برمسه ، وإلاّ فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلاّ مع القطع بعدمه .

(مسألة 15) : لو ارتمس الصائم مغتسلاً ، فإن كان تطوّعاً أو واجباً موسّعاً ، بطل صومه وصحّ غسله ، وإن كان واجباً معيّناً ، فإن قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس ، بطل صومه وغسله على تأمّل فيه ، وإن نواه بالمكث أو الخروج صحّ غسله دون صومه في غير شهر رمضان ، وأمّا فيه فيبطلان معاً ، إلاّ إذا تاب ونوى الغسل بالخروج ، فإنّه صحيح حينئذٍ .

الثامن : إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق ، بل وغير الغليظ على الأحوط وإن كان الأقوى خلافه ؛ سواء كان الإيصال بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، أو بإثارة الهواء ؛ مع تمكينه من الوصول وعدم التحفّظ ، وفيما يعسر التحرّز عنه تأمّل . ولا بأس به مع النسيان أو الغفلة أو القهر الرافع للاختيار أو تخيّل عدم الوصول ، إلاّ أن يجتمع في فضاء الفم ثمّ أكله اختياراً . والأقوى عدم لحوق البخار به إلاّ إذا انقلب في الفم ماء وابتلعه . كما أنّ الأقوى عدم لحوق الدخان به أيضاً . نعم ، يُلحق به شرب الأدخنة على الأحوط .

التاسع : الحُقنة بالمائع ولو لمرض ونحوه ، ولا بأس بالجامد المستعمل للتداوي كالشياف . وأمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين به وغيرهم للتغذّي والاستنعاش ففيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط باجتنابه ، وكذلك كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى ، بل وغيره كتلقيح ما يتغذّى به . نعم ، لا بأس بتلقيح غيره للتداوي ، كما لا بأس بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه .

العاشر : تعمّد القيء وإن كان للضرورة ، دون ما كان منه بلا عمد ، والمدار صدق مسمّاه . ولو ابتلع في الليل ما يجب عليه ردّه ، ويكون القيء في النهار

ص: 301

مقدّمة له ، صحّ صومه لو ترك القيء عصياناً ولو انحصر إخراجه به . نعم ، لو فرض ابتلاع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه ، ففي الصحّة والبطلان تردّد ، والصحّة أشبه .

(مسألة 16) : لو خرج بالتجشُّؤ شيء ووصل إلى فضاء الفم ، ثمّ نزل من غير اختيار ، لم يبطل صومه ، ولو بلعه اختياراً بطل وعليه القضاء والكفّارة . ولا يجوز للصائم التجشُّؤ اختياراً إذا علم بخروج شيء معه يصدق عليه القيء ، أو ينحدر بعد الخروج بلا اختيار ، وإن لم يعلم به بل احتمله ، فلا بأس به ، بل لو ترتّب عليه حينئذٍ الخروج والانحدار لم يبطل صومه . هذا إذا لم يكن من عادته ذلك ، وإلاّ ففيه إشكال ، ولا يُترك الاحتياط .

(مسألة 17) : لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم ؛ وإن كان بتذكّر ما كان سبباً لاجتماعه ، ولا بابتلاع النخامة التي لم تصل إلى فضاء الفم ؛ من غير فرق بين النازلة من الرأس والخارجة من الصدر على الأقوى . وأمّا الواصلة إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط بترك ابتلاعها ، ولو خرجت عن الفم ثمّ ابتلعها بطل صومه ، وكذا البصاق . بل لو كانت في فمه حصاة ، فأخرجها وعليها بِلّة من الريق ، ثمّ أعادها وابتلعها ، أو بلّ الخيّاط الخيط بريقه ، ثمّ ردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة ، أو استاك وأخرج المسواك المبلّل بالريق ، فردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة إلى غير ذلك ، بطل صومه . نعم ، لو استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه على وجه لا يصدق أ نّه ابتلع ريقه مع غيره لا بأس به . ومثله ذوق المرق ومضغ الطعام والمتخلّف من ماء المضمضة . وكذا لا بأس بالعلك على الأصحّ وإن وجد منه طعماً في ريقه ؛ ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزائه ولو كان بنحو الذَوَبان في الفم .

ص: 302

(مسألة 18) : كلّ ما مرّ من أ نّه يفسد الصوم - ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه - إنّما يُفسده إذا وقع عن عمد ، لا بدونه كالنسيان أو عدم القصد ، فإنّه لا يُفسده بأقسامه . كما أنّ العمد يفسده بأقسامه ؛ من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به ، مقصّراً على الأقوى ، أو قاصراً على الأحوط . ومن العمد من أكل ناسياً فظنّ فساده فأفطر عامداً . والمقهور المسلوب عنه الاختيار الموجَر في حَلقه لا يبطل صومه . والمكرَه الذي يتناول بنفسه يبطله . ولو اتّقى من المخالفين في أمر يرجع إلى فتواهم أو حكمهم فلا يفطره ، فلو ارتكب تقيّةً ما لا يرى المخالف مفطراً صحّ صومه على الأقوى . وكذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة ؛ بل وكذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّة - لحكم قضاتهم بحسب الموازين الشرعية التي عندهم - لا يجب عليه القضاء مع بقاء الشكّ على الأقوى . نعم ، لو علم بأنّ حكمهم بالعيد مخالف للواقع ، يجب عليه الإفطار تقيّة ، وعليه القضاء على الأحوط .

القول : فيما يكره للصائم ارتكابه

(مسألة 1) : يكره للصائم اُمور :

منها : مباشرة النساء تقبيلاً ولمساً وملاعبة ، وللشابّ الشبق ومن تتحرّك شهوته أشدّ . هذا إذا لم يقصد الإنزال بذلك ولم يكن من عادته ، وإلاّ حرم في الصوم المعيّن . بل الأولى ترك ذلك حتّى لمن لم تتحرّك شهوته عادةً مع احتمال التحرّك بذلك .

ومنها : الاكتحال إذا كان بالذرّ أو كان فيه مسك أو يصل منه إلى الحلق أو يخاف وصوله أو يجد طعمه فيه لما فيه من الصبر ونحوه .

ص: 303

ومنها : إخراج الدم المُضعِف بحجامة أو غيرها ، بل كلّ ما يورث ذلك أو يصير سبباً لهيجان المرّة ؛ من غير فرق بين شهر رمضان وغيره وإن اشتدّ فيه ، بل يحرم ذلك فيه ، بل في مطلق الصوم المعيّن إذا علم حصول الغَشَيان المبطل ولم تكن ضرورة تدعو إليه .

ومنها : دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف .

ومنها : السعوط ، وخصوصاً مع العلم بوصوله إلى الدماغ أو الجوف ، بل يفسد الصوم مع التعدّي إلى الحلق .

ومنها : شمّ الرياحين ، خصوصاً النرجس ، والمراد بها كلّ نبت طيّب الريح . نعم ، لا بأس بالطيب ، فإنّه تُحفة الصائم ، لكن الأولى ترك المِسك منه ، بل يكره التطيّب به للصائم . كما أنّ الأولى ترك شمّ الرائحة الغليظة حتّى تصل إلى الحلق .

(مسألة 2) : لا بأس باستنقاع الرجل في الماء ، ويكره للامرأة . كما أ نّه يُكره لهما بلّ الثوب ووضعه على الجسد . ولا بأس بمضغ الطعام للصبيّ ، ولا زقّ الطائر ، ولا ذوق المرق ، ولا غيرها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق ، أو تعدّى من غير قصد ، أو مع القصد ولكن عن نسيان ؛ ولا فرق بين أن يكون أصل الوضع في الفم لغرض صحيح أو لا . نعم ، يكره الذوق للشيء . ولا بأس بالسواك باليابس ، بل هو مستحبّ . نعم ، لا يبعد الكراهة بالرطب . كما أ نّه يكره نزع الضرس ، بل مطلق ما فيه إدماء .

القول : في شرائط صحّة الصوم ووجوبه

(مسألة 1) : شرائط صحّة الصوم اُمور : الإسلام والإيمان والعقل والخُلوّ من الحيض والنفاس ، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار ، فلو ارتدّ في الأثناء ثمّ عاد لم يصحّ ؛ وإن كان الصوم معيّناً وجدّد النيّة قبل الزوال . وكذا من المجنون ولو أدواراً مستغرقاً للنهار أو حاصلاً في بعضه ، وكذا السكران والمُغمى عليه . والأحوط لمن أفاق من السُكر - مع سبق نيّة الصوم - الإتمام ثمّ القضاء ، ولمن أفاق من الإغماء مع سبقها الإتمام ، وإلاّ فالقضاء . ويصحّ من النائم لو سبقت منه النيّة وإن استوعب تمام النهار . وكذا لا يصحّ من الحائض والنفساء وإن فاجأهما الدم قبل الغروب بلحظة ، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة .

ومن شرائط صحّته : عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم ؛ لإيجابه شدّته أو طول بُرئه أو شدّة ألمه ؛ سواء حصل اليقين بذلك أو الاحتمال الموجب للخوف ، ويلحق به الخوف من حدوث المرض والضرر بسببه ؛ إذا كان له منشأ

ص: 309

عقلائي يعتني به العقلاء ، فلا يصحّ معه الصوم ، ويجوز بل يجب عليه الإفطار . ولا يكفي الضعف وإن كان مفرطاً . نعم ، لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار . ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال ، بل عدمها لا يخلو من قوّة .

ومن شرائط الصحّة : أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة ، فلا يصحّ منه الصوم حتّى المندوب على الأقوى . نعم ، استثني ثلاثة مواضع : أحدها : صوم ثلاثة أيّام بدل الهدي . الثاني : صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ، وهو ثمانية عشر يوماً . الثالث : صوم النذر المشترط إيقاعه في خصوص السفر ، أو المصرّح بأن يوقع سفراً وحضراً ، دون النذر المطلق .

(مسألة 2) : يشترط في صحّة الصوم المندوب - مضافاً إلى ما مرّ - أن لا يكون عليه قضاء صوم واجب ، ولا يترك الاحتياط في مطلق الواجب من كفّارة وغيرها ، بل التعميم لمطلقه لا يخلو من قُوّة .

(مسألة 3) : كلّ ما ذكرنا من أ نّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضاً ، غير الإسلام والإيمان . ومن شرائط الوجوب أيضاً البلوغ ، فلا يجب على الصبيّ وإن نوى الصوم تطوّعاً وكمل في أثناء النهار . نعم ، إن كمل قبل الفجر يجب عليه . والأحوط لمن نوى التطوّع الإتمام لو كمل في أثناء النهار ، بل إن كمل قبل الزوال ولم يتناول شيئاً ، فالأحوط الأولى نيّة الصوم وإتمامه .

(مسألة 4) : لو كان حاضراً فخرج إلى السفر ، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه وصحّ ، ولو كان مسافراً وحضر بلده أو بلداً عزم على الإقامة به عشرة أيّام ، فإن كان قبل الزوال

ص: 310

ولم يتناول المفطر ، وجب عليه الصوم ، وإن كان بعده أو قبله لكن تناول المفطر فلا يجب عليه .

(مسألة 5) : المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه ويجزيه ؛ على حسب ما عرفت في الجاهل بحكم الصلاة ؛ إذ القصر كالإفطار ، والصيام كالتمام ، فيجري هنا حينئذٍ جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى الصلاة ، فمن كان يجب عليه التمام ، كالمكاري والعاصي بسفره والمقيم والمتردّد ثلاثين يوماً وغير ذلك ، يجب عليه الصيام . نعم ، يتعيّن عليه الإفطار في سفر الصيد للتجارة ، والاحتياط بالجمع في الصلاة ، ويجب قضاء الصوم في الناسي لو تذكّر بعد الوقت ، دون الصلاة كما مرّ ، ويتعيّن عليه الإفطار في الأماكن الأربعة ويتخيّر في الصلاة ، ويتعيّن عليه البقاء على الصوم لو خرج بعد الزوال ؛ وإن وجب عليه القصر ، ويتعيّن عليه الإفطار لو قدم بعده ؛ وإن وجب عليه التمام إذا لم يكن قد صلّى . وقد تقدّم في كتاب الصلاة : أنّ المدار في قصرها هو وصول المسافر إلى حدّ الترخّص ، فكذا هو المدار في الصوم ، فليس له الإفطار قبل الوصول إليه ، بل لو فعل كان عليه مع القضاء الكفّارة على الأحوط .

(مسألة 6) : يجوز على الأصحّ السفر اختياراً في شهر رمضان ؛ ولو كان للفرار من الصوم ، لكن على كراهية قبل أن يمضي منه ثلاثة وعشرون يوماً ، إلاّ في حجّ أو عمرة ، أو مال يخاف تلفه ، أو أخ يخاف هلاكه . وأمّا غير صوم شهر رمضان من الواجب المعيّن ، فالأحوط ترك السفر مع الاختيار ، كما أ نّه لو كان مسافراً فالأحوط الإقامة لإتيانه مع الإمكان ؛ وإن كان الأقوى في النذر المعيّن ، جواز السفر وعدم وجوب الإقامة لو كان مسافراً .

ص: 311

(مسألة 7) : يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه ؛ وإن كان الأقوى جوازه .

(مسألة 8) : يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص : الشيخ والشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم ، ومن به داء العطاش ؛ سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه ، والحامل المقرب التي يضرّ الصوم بها أو بولدها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها ، فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون ، ويجب على كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمُدّ من الطعام ، والأحوط مُدّان ، عدا الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم ، فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة ، كما أ نّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما - لا بولدهما - محلّ تأمّل .

(مسألة 9) : لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة ، والأحوط الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً ، أو باُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع .

(مسألة 10) : يجب على الحامل والمرضعة القضاء بعد ذلك ، كما أنّ الأحوط وجوبه على الأوّلين لو تمكّنا بعد ذلك .

القول : فيما يترتّب على الإفطار

(مسألة 1) : الإتيان بالمفطرات المذكورة - كما أ نّه موجب للقضاء - موجب للكفّارة أيضاً إذا كان مع العمد والاختيار من غير كُره على الأحوط في الكذب

ص: 304

على اللّه تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام وفي الارتماس والحُقنة ، وعلى الأقوى في البقيّة ، بل في الكذب عليهم علیهم السلام أيضاً لا يخلو من قوّة . نعم ، القيء لا يوجبها على الأقوى . ولا فرق بين العالم والجاهل المقصّر على الأحوط ، وأمّا القاصر غير الملتفت إلى السؤال ، فالظاهر عدم وجوبها عليه وإن كان أحوط .

(مسألة 2) : كفّارة إفطار شهر رمضان اُمور ثلاثة : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً مخيّراً بينها ؛ وإن كان الأحوط الترتيب مع الإمكان . والأحوط الجمع بين الخصال إذا أفطر بشيء محرّم ، كأكل المغصوب وشرب الخمر والجِماع المحرّم ونحو ذلك .

(مسألة 3) : الأقوى أ نّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد حتّى الجِماع وإن اختلف جنس الموجب ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الجِماع .

(مسألة 4) : تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعيَّن ، ولا تجب فيما عداها من أقسام الصوم ؛ واجباً كان أو مندوباً ، أفطر قبل الزوال أو بعده . نعم ، ذكر جماعة وجوبها في صوم الاعتكاف إذا وجب ، وهم بين معمِّم لها لجميع المفطرات ، ومخصّص بالجِماع ، ولكن الظاهر الاختصاص بالجِماع ، كما أنّ الظاهر أ نّها لأجل نفس الاعتكاف لا للصوم ، ولذا لا فرق بين وقوعه في الليل أو النهار . نعم ، لو وقع في نهار شهر رمضان تجب كفّارتان ، كما أ نّه لو وقع الإفطار فيه بغير الجِماع تجب كفّارة شهر رمضان فقط .

(مسألة 5) : لو أفطر متعمّداً لم تسقط عنه الكفّارة على الأقوى لو سافر

ص: 305

فراراً من الكفّارة ، أو سافر بعد الزوال ، وعلى الأحوط في غيره . وكذا لا تسقط لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص على الأحوط . بل الأحوط عدم سقوطها لو أفطر متعمّداً ، ثمّ عرض له عارض قهري من حيض أو نفاس أو مرض وغير ذلك ؛ وإن كان الأقوى سقوطها . كما أ نّه لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أ نّه من شوّال ، فالأقوى سقوطها كالقضاء .

(مسألة 6) : لو جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان ، فإن طاوعته فعلى كلّ منهما الكفّارة والتعزير ، وهو خمسة وعشرون سوطاً ، وإن أكرهها على ذلك يتحمّل عنها كفّارتها وتعزيرها ، وإن أكرهها في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ثمّ طاوعته في الأثناء ، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وكفّارة عليها ، وإن كان الإكراه على وجه صدر الفعل بإرادتها وإن كانت مكرهة ، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وعدم كفّارة عليها . وكذا الحال في التعزير على الظاهر . ولا تلحق بالزوجة المكرهة الأجنبيّة . ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة . ولو أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً .

(مسألة 7) : لو كان مفطراً لكونه مسافراً أو مريضاً ، وكانت زوجته صائمة ، لا يجوز إكراهها على الجِماع ، وإن فعل فالأحوط أن يتحمّل عنها الكفّارة .

(مسألة 8) : مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء : إمّا بإشباعهم ، وإمّا بالتسليم إلى كلّ واحد منهم مُدّاً من حِنطة ، أو شعير ، أو دقيق ، أو أرُز ، أو خبز ، أو غير ذلك من أقسام الطعام ، والأحوط مُدّان ، ولا يكفي في كفّارة واحدة - مع التمكّن من الستّين - إشباع شخص واحد مرّتين أو مرّات ، أو إعطاؤه مُدّين أو أمداداً ، بل لا بدّ من ستّين نَفساً . ولو كان للفقير عيال يجوز اعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد

ص: 306

مُدّاً ؛ مع الوثوق بأ نّه يُطعمهم أو يُعطيهم . والمُدّ ربع الصاع ، والصاع ستّمائة مثقال وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال .

(مسألة 9) : يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت ؛ لصوم كانت أو لغيره . وفي جوازه عن الحيّ إشكال ، والأحوط العدم ، خصوصاً في الصوم .

(مسألة 10) : يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني ، ويجوز له التفريق في البقيّة ولو اختياراً . ولو أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع لغير عذر وجب استئنافه ، وإن كان للعذر - كالمرض والحيض والنفاس والسفر الاضطراري - لم يجب عليه استئنافه ، بل يبني على ما مضى . ومن العذر نسيان النيّة حتّى فات وقتها ؛ بأن تذكّر بعد الزوال .

(مسألة 11) : لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان ، يجب عليه التصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن يستغفر اللّه ولو مرّة . والأحوط الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة .

(مسألة 12) : يجب القضاء دون الكفّارة في موارد :

الأوّل : فيما إذا نام المجنب في الليل ثانياً بعد انتباهه من النوم ، واستمرّ نومه إلى طلوع الفجر ، بل الأقوى ذلك في النوم الثالث بعد انتباهتين ؛ وإن كان الأحوط شديداً فيه وجوب الكفّارة أيضاً ، والنوم الذي احتلم فيه لا يُعدّ من النومة الاُولى ؛ حتّى يكون النوم الذي بعده النومة الثانية ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط الذي مرّ .

الثاني : إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النيّة أو بالرياء أو نيّة القطع ؛ مع عدم الإتيان بشيء من المفطرات .

ص: 307

الثالث : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ .

الرابع : إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر ، ثمّ ظهر سبق طلوعه ؛ إذا كان قادراً على المراعاة ، بل أو عاجزاً على الأحوط . وكذا مع المراعاة وعدم التيقّن ببقاء الليل ؛ بأن كان ظانّاً بالطلوع أو شاكّاً فيه على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء مع حصول الظنّ بعد المراعاة ، بل عدمه مع الشكّ بعدها لا يخلو من قوّة أيضاً . كما أ نّه لو راعى وتيقّن البقاء فأكل ثمّ تبيّن خلافه صحّ صومه . هذا في صوم شهر رمضان . وأمّا غيره من أقسام الصوم حتّى الواجب المعيّن فالظاهر بطلانه بوقوع الأكل بعد طلوع الفجر مطلقاً ؛ حتّى مع المراعاة وتيقُّن بقاء الليل .

الخامس : الأكل تعويلاً على إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعاً .

السادس : الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سُخرِيَة المخبر .

(مسألة 13) : يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص ، فلو أكل أو شرب والحال هذه ، ولم يتبيّن الطلوع ولا عدمه ، لم يكن عليه شيء . وأمّا مع عدم التيقّن بدخول الليل فلا يجوز له الإفطار ، فلو أفطر والحال هذه يجب عليه القضاء والكفّارة ؛ وإن لم يحصل له اليقين ببقاء النهار وبقي على شكّه .

السابع : الإفطار تعويلاً على من أخبر بدخول الليل ولم يدخل ؛ إذا كان المخبر ممّن جاز التعويل على إخباره ، كما إذا أخبر عدلان بل عدل واحد ، وإلاّ فالأقوى وجوب الكفّارة أيضاً .

الثامن : الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها ولم يدخل ؛ مع عدم وجود

ص: 308

علّة في السماء . وأمّا لو كانت فيها علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ ، فلا يجب عليه القضاء .

التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه ودخل الحلق . وكذا لو أدخله عبثاً . وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه . وكذا لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء فلا يجب عليه القضاء . والأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة ، وإن كان عدمه لمطلق الوضوء بل لمطلق الطهارة لا يخلو من قوّة .

القول : في طريق ثبوت هلال شهر رمضان وشوّال

يثبت الهلال بالرؤية وإن تفرّد به الرائي ، والتواتر والشياع المفيدين للعلم ، ومُضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق ، وبالبيّنة الشرعية ، وهي شهادة عدلين ، وحكم الحاكم إذا لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده . ولا اعتبار بقول المنجّمين ،

ص: 312

ولا بتطوّق الهلال أو غيبوبته بعد الشفق ؛ في ثبوت كونه للّيلة السابقة وإن أفاد الظنّ .

(مسألة 1) : لا بدّ في قبول شهادة البيّنة أن تشهد بالرؤية ، فلا تكفي الشهادة العلمية .

(مسألة 2) : لا يعتبر في حجّية البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعي ، فهي حجّة لكلّ من قامت عنده ، بل لو قامت عند الحاكم ، وردّ شهادتها من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده ، وكانا عادلين عند غيره ، يجب ترتيب الأثر عليها من الصوم أو الإفطار . ولا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية بعد توافقهما على الرؤية في الليل . نعم ، يعتبر توافقهما في الأوصاف ، إلاّ إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يُحتمل فيه اختلاف تشخيصهما ، ككون القمر مرتفعاً أو مطوّقاً أو له عرض شمالي أو جنوبي ، فإنّه لا يبعد معه قبول شهادتهما إذا لم يكن فاحشاً . ولو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع - ككون تحدُّبه إلى السماء عكس ما يرى في أوائل الشهر - لم يسمع شهادتهما ولو أطلقا أو وصف أحدهما بما لا يخالف الواقع وأطلق الآخر كفى .

(مسألة 3) : لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء ، ولا برجل وامرأتين ، ولا بشاهد واحد مع ضمّ اليمين .

(مسألة 4) : لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه ، كان في السماء علّة أو لا . نعم ، مع عدم العلّة والصحو واجتماع الناس للرؤية وحصول الخلاف والتكاذب بينهم ؛ بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين ، ففي قبول شهادتهما حينئذٍ إشكال .

ص: 313

(مسألة 5) : لا تختصّ حجّية حكم الحاكم بمقلّديه ، بل حجّة حتّى على حاكم آخر لو لم يثبت خطؤه أو خطأ مستنده .

(مسألة 6) : لو ثبت الهلال في بلد آخر دون بلده ، فإن كانا متقاربين أو علم توافق اُفقهما كفى ، وإلاّ فلا .

(مسألة 7) : لا يجوز الاعتماد على التلغراف ونحوه في الإخبار عن الرؤية ، إلاّ إذا تقارب البلدان أو عُلم توافقهما في الاُفق وتحقّق ثبوتها هناك ؛ إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعية ، ويكفي في تحقّق الثبوت كون المخابر بيّنة شرعية .

القول : في قضاء صوم شهر رمضان

لا يجب على الصبيّ قضاء ما أفطر في زمان صباه ، ولا على المجنون والمُغمى عليه قضاء ما أفطرا في حال العذر ، ولا على الكافر الأصلي قضاء ما أفطر في حال كفره . ويجب على غيرهم حتّى المرتدّ بالنسبة إلى زمان ردّته ، وكذا الحائض والنفساء وإن لم يجب عليهما قضاء الصلاة .

(مسألة 1) : قد مرّ عدم وجوب الصوم على من بلغ قبل الزوال ولم يتناول شيئاً . وكذا على من نوى الصوم ندباً وبلغ في أثناء النهار ، فلا يجب عليهما القضاء لو أفطرا وإن كان أحوط .

(مسألة 2) : يجب القضاء على من فاته الصوم لسُكر ؛ سواء كان شرب المسكر للتداوي أو على وجه الحرام ، بل الأحوط قضاؤه لو سبقت منه النيّة وأتمّ الصوم .

(مسألة 3) : المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به على وفق

ص: 314

مذهبه أو مذهب الحقّ إذا تحقّق منه قصد القربة ، وأمّا ما فاته في تلك الحال يجب عليه قضاؤه .

(مسألة 4) : لا يجب الفور في القضاء . نعم ، لا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان آخر على الأحوط ، وإذا أخّر يكون موسّعاً بعد ذلك .

(مسألة 5) : لا يجب الترتيب في القضاء ولا تعيين الأيّام ، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها بنيّة القضاء ، كفى وإن لم يعيّن الأوّل والثاني وهكذا .

(مسألة 6) : لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر ، يتخيّر بين تقديم السابق وتأخيره . نعم ، لو كان عليه قضاء رمضان هذه السنة مع قضاء رمضان سابق ، ولم يسع الوقت لهما إلى رمضان الآتي ، يتعيّن قضاء رمضان هذه السنة على الأحوط . ولو عكس فالظاهر صحّة ما قدّمه ولزمه الكفّارة ؛ أعني كفّارة التأخير .

(مسألة 7) : لو فاته صوم شهر رمضان - لمرض أو حيض أو نفاس - ومات قبل أن يخرج منه ، لم يجب القضاء وإن استُحبّ النيابة عنه .

(مسألة 8) : لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر ، واستمرّ إلى رمضان آخر ، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه ، وكفّر عن كلّ يوم بمُدّ ، ولا يجزي القضاء عن التكفير . وإن كان العذر غير المرض كالسفر ونحوه ، فالأقوى وجوب القضاء فقط . وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وسبب التأخير عذراً آخر أو العكس . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء والمدّ ، خصوصاً إذا كان العذر هو السفر ، وكذا في الفرع الأخير .

(مسألة 9) : لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل متعمّداً ولم يأتِ

ص: 315

بالقضاء إلى رمضان آخر ، وجب عليه - مضافاً إلى كفّارة الإفطار العمدي - التكفير بمُدّ بدل كلّ يوم والقضاء فيما بعد . وكذا يجب التكفير بمُدّ لو فاته لعذر ، ولم يستمرّ ذلك العذر ولم يطرأ عذر آخر ، فتهاون حتّى جاء رمضان آخر . ولو كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر ، فاتّفق عذر آخر عند الضيق ، فالأحوط الجمع بين الكفّارة والقضاء .

(مسألة 10) : لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين ، فإذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث رمضانات مت-تاليات ولم يقضها ، وجب عليه كفّارة واحدة للأوّل ، وكذا للثاني ، والقضاء فقط للثالث إذا لم يتأخّر إلى رمضان الرابع .

(مسألة 11) : يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد ، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مُدّاً واحداً ليوم واحد .

(مسألة 12) : يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق . وأمّا بعد الزوال فيحرم ، بل تجب به الكفّارة وإن لم يجب الإمساك بقيّة اليوم . والكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدّ ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام .

(مسألة 13) : الصوم كالصلاة في أ نّه يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الميّت مطلقاً . نعم ، لا يبعد عدم وجوبه عليه لو تركه على وجه الطغيان ، لكن الأحوط الوجوب أيضاً ، بل لا يترك هذا الاحتياط . لكن الوجوب على الوليّ فيما إذا كان فوته يوجب القضاء ، فإذا فاته لعذر ومات في أثناء رمضان ، أو كان مريضاً واستمرّ مرضه إلى رمضان آخر ، لا يجب ؛ لسقوط القضاء حينئذٍ . ولا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه ؛ وإن كان

ص: 316

الأحوط في الأوّل - مع رضا الورثة - الجمع بين التصدّق والقضاء . وقد تقدّم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلّقة بالمقام .

القول : في أقسام الصوم

وهي أربعة : واجب ومندوب ومكروه ومحظور .

فالواجب منه

صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم دم المتعة في الحجّ ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وصوم النذر وأخويه ؛ وإن كان في عدّ صوم النذر - وما يليه - من أقسام الصوم الواجب مسامحة .

القول : في صوم الكفّارة

وهو على أقسام :

منها : ما يجب مع غيره ، وهي كفّارة قتل العمد ، فتجب فيها الخصال الثلاث ، وكذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط .

ومنها : ما يجب بعد العجز عن غيره ، وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق . وكفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان ، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام . وكفّارة اليمين ، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، وإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام . وكفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته ونتفها رأسها فيه . وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو على ولده ، فإنّهما ككفّارة اليمين . وكفّارة الإفاضة

ص: 317

من عرفات قبل الغروب عامداً ، فإنّها ثمانية عشر يوماً بعد العجز عن بدنة .

وكفّارة صيد المحرم النعامة ، فإنّها بدنة ، فإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق به على ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّ على الأقوى ، والأحوط مُدّان ولو زاد عن الستّين اقتصر عليهم ، ولو نقص لم يجب الإتمام ، والاحتياط بالمُدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين ، وإلاّ اقتصر على المُدّ ويُتمّ الستّين ، ولو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مُدّ يوماً إلى الستّين ، وهو غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثمانية عشر يوماً . وكفّارة صيد المُحرِم البقرَ الوحشي ، فإنّها بقرة ، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق به على ثلاثين مسكيناً لكلّ واحد مُدّ على الأقوى ، والأحوط مُدّان ، فإن زاد فله ، وإن نقص لا يجب عليه الإتمام ، ولا يحتاط بالمُدّين مع إيجابه النقص كما تقدّم ، ولو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مُدّ يوماً إلى الثلاثين ، وهي غاية كفّارته ، ولو عجز صام تسعة أيّام ، وحمار الوحش كذلك ، والأحوط أنّه كالنعامة ، وكفّارة صيد المُحرم الغزالَ ، فإنّها شاة ، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق على عشرة مساكين ؛ لكلّ مُدّ على الأقوى ، ومُدّان على الأحوط . وحكم الزيادة والنقيصة ومورد الاحتياط كما تقدّم . ولو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى عشرة أيّام غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثلاثة أيّام .

ومنها : ما يجب مخيّراً بينه وبين غيره ، وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وكفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، وكفّارة النذر والعهد ، فإنّها فيها مخيّرة بين الخِصال الثلاث .

(مسألة) : يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع وكفّارة التخيير

ص: 318

والترتيب ، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني كما مرّ . وكذا يجب التتابع على الأحوط في الثمانية عشر بدل الشهرين ، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات . ولا يضرّ بالتتابع فيما يشترط فيه ذلك الإفطارُ في الأثناء لعذر من الأعذار ، فيبني على ما مضى كما تقدّم .

الصوم المندوب

وأمّا المندوب منه

فالمؤكّد منه أفراد :

منها : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر . وأفضل كيفيتها : أوّل خميس منه ، وآخر خميس منه ، وأوّل أربعاء في العشر الثاني .

ومنها : أيّام البيض ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .

ومنها : يوم الغدير ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة .

ومنها : يوم مولد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو السابع عشر من ربيع الأوّل .

ومنها : يوم مبعثه صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو السابع والعشرون من رجب .

ومنها : يوم دَحو الأرض ، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة .

ومنها : يوم عرفة لمن لم يُضعفه الصوم عمّا عزم عليه من الدعاء ؛ مع تحقّق الهلال على وجه لا يحتمل وقوعه في يوم العيد .

ومنها : يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة ، يصومه بقصد القربة المطلقة ؛ وشكراً لإظهار النبي صلی الله علیه و آله وسلم فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين علیه السلام .

ومنها : كلّ خميس وجمعة .

ومنها : أوّل ذي الحجّة إلى يوم التاسع .

ص: 319

ومنها : رجب وشعبان كلاًّ أو بعضاً ولو يوماً من كلّ منهما .

ومنها : يوم النيروز .

ومنها : أوّل يوم من المحرّم وثالثه .

الصوم المكروه

وأمّا المكروه

فصوم الضيف نافلة من دون إذن مُضيّفه ، وكذا مع نهيه ، والأحوط تركه حتّى مع عدم الإذن ، وصوم الولد من دون إذن والده مع عدم الإيذاء له من حيث الشفقة ، ولا يُترك الاحتياط مع نهيه وإن لم يكن إيذاء ، وكذا مع نهي الوالدة . والأحوط إجراء الحكم على الولد وإن نزل والوالد وإن علا ، بل الأولى مراعاة إذن الوالدة أيضاً . والأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يُضعفه الصوم عن الأدعية والاشتغال بها ، كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيداً ، وأمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتّى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها .

الصوم المحظور

وأمّا المحظور

فصوم يومي العيدين ، وصوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة أ نّه من رمضان ، وصوم أيّام التشريق لمن كان بمنى ناسكاً كان أو لا ، والصوم وفاء بنذر المعصية ، وصوم السكوت ؛ بمعنى كونه كذلك منويّاً ولو في بعض اليوم . ولا بأس بالسكوت إذا لم يكن منويّاً ولو كان في تمام اليوم ، وصوم الوصال ؛ والأقوى كونه أعمّ من نيّة صوم يوم وليلة إلى السحر ويومين مع ليلة ، ولا بأس بتأخير الإفطار إلى السحَر وإلى الليلة الثانية مع عدم النيّة بعنوان الصوم ؛ وإن كان الأحوط اجتنابه . كما أنّ الأحوط ترك الزوجة الصوم تطوّعاً بدون إذن الزوج ، بل لا تترك الاحتياط مع المزاحمة لحقّه ، بل مع نهيه مطلقاً .

ص: 320

خاتمة : في الاعتكاف

اشارة

وهو اللبث في المسجد بقصد التعبّد به . ولا يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة اُخرى خارجة عنه ؛ وإن كان هو الأحوط . وهو مستحبّ بأصل الشرع ، وربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو إجارة ونحوها . ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ، وأفضل أوقاته شهر رمضان ، وأفضله العشر الآخر منه . والكلام في شروطه وأحكامه .

القول : في شروطه

يشترط في صحّته اُمور :

الأوّل : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل .

الثاني : النيّة ، ولا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة والإخلاص . ولا يعتبر فيها قصد الوجه من الوجوب أو الندب كغيره من العبادات ؛ فيقصد الوجوب في الواجب والندب في المندوب ؛ وإن وجب فيه الثالث . والأولى ملاحظته في ابتداء النيّة ، بل تجديدها في الثالث .

ووقتها في ابتداء الاعتكاف : أوّل الفجر من اليوم الأوّل ؛ بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه ، ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع ، بل الأحوط إدخال الليلة الاُولى أيضاً والنيّةُ من أوّلها .

الثالث : الصوم ، فلا يصحّ بدونه ، ولا يعتبر فيه كونه له ، فيكفي صوم غيره ؛ واجباً كان أو مستحبّاً ، مؤدّياً عن نفسه أو متحمّلاً عن غيره ؛ من غير فرق بين

ص: 321

أقسام الاعتكاف وأنواع الصيام ، بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري والإجاري في شهر رمضان إن لم يكن انصراف في البين ، بل لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة وكان عليه صوم منذور ، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاءً بالنذر .

الرابع : أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة . وأمّا الأزيد فلا بأس به ، ولا حدّ لأكثره وإن وجب الثالث لكلّ اثنين ، فإذا اعتكف خمسة أيّام وجب السادس ، وإذا صار ثمانية وجب التاسع على الأحوط وهكذا . واليوم من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقية ، فلو اعتكف من طلوع الفجر إلى غروب اليوم الثالث كفى ، ولا يشترط إدخال الليلة الاُولى ولا الرابعة وإن جاز ، وفي كفاية الثلاثة التلفيقية ؛ بأن يشرع من زوال يوم - مثلاً - إلى زوال الرابع ، تأمّل وإشكال .

الخامس : أن يكون في أحد المساجد الأربعة : المسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد البصرة ، وفي غيرها محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط في سائر المساجد الجامعة ؛ بإتيانه رجاءً ولاحتمال المطلوبية . وأمّا غير الجامع كمسجد القبيلة أو السوق فلا يجوز .

السادس : إذن من يعتبر إذنه ، كالمستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ إذا وقعت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف ، وإلاّ فاعتبار إذنه غير معلوم ، بل معلوم العدم في بعض الفروض ، وكالزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه على إشكال ، ولكن لا يُترك الاحتياط ، والوالدين بالنسبة إلى ولدهما إن كان مستلزماً لإيذائهما ، ومع عدمه لا يعتبر إذنهما وإن كان أحوط .

السابع : استدامة اللبث في المسجد ، فلو خرج عمداً واختياراً لغير الأسباب المبيحة ، بطل ولو كان جاهلاً بالحكم . نعم ، لو خرج ناسياً أو مكرهاً لا يبطل ،

ص: 322

وكذا لو خرج لضرورة عقلاً أو شرعاً أو عادة ، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة ونحو ذلك . ولا يجوز الاغتسال في المسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ويجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال ، وفي غيرهما أيضاً إن لزم منه اللبث أو التلويث ، ومع عدم لزومهما جاز ، بل هو الأحوط وإن جاز الخروج له .

(مسألة 1) : لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ ، فيصحّ من الصبيّ المميّز على الأقوى .

(مسألة 2) : لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر ؛ وإن اتّحدا في الوجوب والندب ، ولا عن نيابة شخص إلى نيابة شخص آخر ، ولا عن نيابة غيره إلى نفسه وبالعكس .

(مسألة 3) : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، وبعد تمامهما يجب الثالث ، بل يجب الثالث لكلّ اثنين على الأقوى في الثالث الأوّل والثاني ؛ أي السادس ، وعلى الأحوط في سائرهما . وأمّا المنذور فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب .

(مسألة 4) : لا بدّ من كون الأيّام متّصلة ، ويدخل الليلتان المتوسّطتان كما مرّ ، فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة أو من دون الليلتين ، لم ينعقد إن كان المنذور الاعتكاف الشرعي ، وكذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّداً بعدم الزيادة . نعم ، لو لم يقيّده به صحّ ووجب ضمّ يوم أو يومين .

(مسألة 5) : لو نذر اعتكاف شهر يجزيه ما بين الهلالين وإن كان ناقصاً ، لكن يضمّ إليه حينئذٍ يوماً على الأحوط .

ص: 323

(مسألة 6) : يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد ، فلا يجوز أن يجعله في المسجدين ولو كانا متّصلين ، إلاّ أن يعدّا مسجداً واحداً ، ولو تعذّر إتمام الاعتكاف في محلّ النيّة - لخوف أو هدم ونحو ذلك - بطل ، ولا يجزيه إتمامه في جامع آخر .

(مسألة 7) : سطوح المساجد وسراديبها ومحاريبها من المساجد ، فحكمها حكمها ما لم يُعلم خروجها ، بخلاف ما اُضيف إليها كالدهليز ونحوه ، فإنّها ليس منها ما لم يعلم دخولها وجعلها منها ، ومن ذلك بقعتا مسلم بن عقيل علیه السلام وهاني رحمه الله علیه ، فإنّ الظاهر أ نّهما خارجان عن مسجد الكوفة .

(مسألة 8) : لو عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلاًّ لاعتكافه لم يتعيّن ، ويكون قصده لغواً حتّى فيما لو عيّن السطح ، دون الأسفل أو العكس ، بل التعيين ربما يورث الإشكال في الصحّة في بعض الفروض .

(مسألة 9) : من الضروريات المبيحة للخروج ، إقامةُ الشهادة وعيادة المريض إذا كان له نحو تعلّق به ؛ حتّى يُعدّ ذلك من الضروريات العرفية ، وكذا الحال في تشييع الجنازة ، وتشييع المسافر ، واستقبال القادم ، ونحو ذلك ؛ وإن لم يتعيّن عليه شيء من ذلك . والضابط : كلّ ما يلزم الخروج إليه عقلاً أو شرعاً أو عادة من الاُمور الواجبة أو الراجحة ؛ سواء كانت متعلّقة باُمور الدنيا أو الآخرة ،

حصل ضرر بترك الخروج أو لا . نعم ، الأحوط مراعاة أقرب الطرق والاقتصار على مقدار الحاجة والضرورة . ويجب أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان ، والأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلاّ مع الضرورة ، بل الأحوط أن لا يمشي تحت الظلال وإن كان الأقوى جوازه . وأمّا حضور الجماعة في غير مكّة المعظّمة فمحلّ إشكال .

ص: 324

(مسألة 10) : لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال ؛ إذا لم يمكن إيقاعه فيه بلا لبث وتلويث ، وقد مرّ حكم المسجدين ، ولو ترك الخروج بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه .

(مسألة 11) : لو دفع من سبق إليه في المسجد وجلس فيه ، فلا يبعد عدم بطلان اعتكافه . وكذا لو جلس على فراش مغصوب ، كما لا إشكال في الصحّة لو كان جاهلاً بالغصب أو ناسياً . ولو فرش المسجد بتراب أو آجر مغصوب ، فإن أمكن التحرّز عنه وجب ، ولو عصى فلا يبعد الصحّة ، وإن لم يمكن فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه .

(مسألة 12) : لو طال الخروج في مورد الضرورة - بحيث انمحت صورة الاعتكاف - بطل .

(مسألة 13) : يجوز للمعتكف أن يشترط حين النيّة ، الرجوع عن اعتكافه متى شاء ؛ حتّى اليوم الثالث لو عرض له عارض وإن كان من الأعذار العرفية العادية ، كقدوم الزوج من السفر ، ولا يختصّ بالضرورات التي تبيح المحظورات ، فهو بحسب شرطه إن عامّاً فعامّ وإن خاصّاً فخاصّ . وأمّا اشتراط الرجوع بلا عروض عارض فمحلّ إشكال بل منع . ويصحّ للناذر اشتراط الرجوع عن اعتكافه لو عرضه عارض في نذره ؛ بأن يقول : للّه عليّ أن أعتكف ؛ بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا مثلاً ، فيجوز الرجوع ، ولا يترتّب عليه إثم ولا حنث ولا قضاء . ولا يترك الاحتياط بذكر ذلك الشرط حال الشروع في الاعتكاف أيضاً ، ولا اعتبار بالشرط المذكور قبل نيّة الاعتكاف ولا بعدها ، ولو شرط حين النيّة ثمّ أسقط شرطه فالظاهر عدم سقوطه .

ص: 325

القول : في أحكام الاعتكاف

يحرم على المعتكف اُمور :

منها : مباشرة النساء بالجِماع وباللمس والتقبيل بشهوة ، بل هي مبطلة للاعتكاف ، ولا فرق بين الرجل والمرأة ، فيحرم ذلك على المعتكفة أيضاً .

ومنها : الاستمناء على الأحوط .

ومنها : شمّ الطيب والريحان متلذّذاً ، ففاقد حاسّة الشمّ خارج .

ومنها : البيع والشراء ، والأحوط ترك غيرهما أيضاً من أنواع التجارة كالصلح والإجارة وغيرهما ، ولو أوقع المعاملة صحّت وترتّب عليها الأثر على الأقوى . ولا بأس بالاشتغال بالاُمور الدنيوية من أصناف المعايش ؛ حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما وإن كان الأحوط الاجتناب . نعم ، لا بأس بها مع الاضطرار ، بل لا بأس بالبيع والشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب مع عدم إمكان التوكيل ، بل مع تعذّر النقل بغير البيع والشراء أيضاً .

ومنها : الجدال على أمر دنيوي أو ديني إذا كان لأجل الغلبة وإظهار الفضيلة ، فإن كان بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ ، فلا بأس به ، والأحوط للمعتكف اجتناب ما يجتنبه المحرم ، لكن الأقوى خلافه ، خصوصاً لبس المخيط وإزالة الشعر وأكل الصيد وعقد النكاح ، فإنّ جميع ذلك جائز له .

(مسألة 1) : لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل والنهار ، عدا الإفطار .

(مسألة 2) : يفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم من حيث اشتراطه به ،

ص: 326

فبطلانه يوجب بطلانه ، وكذا يفسده الجِماع ولو وقع في الليل ، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة . ثمّ إنّ الجِماع يُفسده ولو سهواً ، وأمّا سائر ما ذكر من المحرّمات ، فالأحوط في صورة ارتكابها عمداً أو سهواً وكذا اللمس والتقبيل بشهوة إذا وقعا سهواً ، إتمام الاعتكاف ، وقضاؤه إن كان واجباً معيّناً ، واستئنافه في غير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين ، وإتمامه واستئنافه إن كان في اليوم الثالث . وإذا أفسده فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه ، ولا يجب الفور فيه وإن كان أحوط ، وإن كان غير معيّن وجب استئنافه ، وكذا يجب قضاء المندوب إن أفسده بعد اليومين . وأمّا قبلهما فلا شيء عليه ، بل في مشروعية قضائه إشكال . وإنّما يجب القضاء أو الاستئناف في الاعتكاف الواجب ؛ إذا لم يشترط الرجوع فيه بما مرّ ، وإلاّ فلا قضاء ولا استئناف .

(مسألة 3) : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجِماع ولو ليلاً وجبت الكفّارة . وكذا في المندوب على الأحوط لو جامع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، وأمّا معه فالأقوى عدم الكفّارة ، كما لا تجب في سائر المحرّمات وإن كان أحوط . وكفّارته ككفّارة شهر رمضان ؛ وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار .

(مسألة 4) : لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجِماع في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان . وكذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال . وإذا أكره زوجته الصائمة في شهر رمضان ، فإن لم تكن معتكفة فعليه كفّارتان : عن نفسه لاعتكافه وصومه ، وكفّارة عن زوجته لصومها . وكذا إن كانت معتكفة على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط كفّارة رابعة عن زوجته لاعتكافها ، ولو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة إن كان في الليل ، وكفّارتان إن كان في النهار .

ص: 327

كتاب الزكاة

اشارة

وهي في الجملة من ضروريات الدين ، وإنّ منكرها مندرج في الكفّار ؛ بتفصيل مرّ في كتاب الطهارة ، وقد ورد عن أهل بيت الطهارة علیهم السلام : «أنّ مانع قيراط منها ليس من المؤمنين ولا من المسلمين» و«ليمُت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً» و«ما من ذي مال أو نخل أو زرع أو كرم يمنع من زكاة ماله ، إلاّ طوّقه اللّه - عزّ وجلّ - ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة»

و«ما من عبد منع من زكاة ماله شيئاً ، إلاّ جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار ، مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب» إلى غير ذلك ممّا يبهر العقول .

وأمّا فضل الزكاة فعظيم وثوابها جسيم ، وقد ورد في فضل الصدقة الشاملة لها : «أنّ اللّه يربّيها - كما يربّي أحدكم ولده - حتّى يلقاه يوم القيامة وهو مثل اُحُد» و«أ نّها تدفع ميتة السوء» و«صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ» إلى غير ذلك .

وهنا مقصدان :

ص: 328

المقصد الأوّل : في زكاة المال

اشارة

والكلام فيمن تجب عليه الزكاة ، وفيما تجب فيه ، وفي أصناف المستحقّين لها ومصارفها ، وفي أوصافهم .

القول : فيمن تجب عليه الزكاة

(مسألة 1) : يشترط فيمن تجب عليه الزكاة اُمور :

أحدها : البلوغ ، فلا تجب على غير البالغ ، نعم لو اتّجر له الوليّ الشرعي استُحبّ له إخراج زكاة ماله ، كما يُستحبّ له إخراج زكاة غلاّته . وأمّا مواشيه فلا تتعلّق بها على الأقوى . والمعتبر البلوغ أوّل الحول فيما اعتبر فيه الحول ، وفي غيره قبل وقت التعلّق .

ثانيها : العقل ، فلا تجب في مال المجنون ، والمعتبر العقل في تمام الحول فيما اعتبر فيه ، وحال التعلّق في غيره ، فلو عرض الجنون فيما يعتبر فيه الحول يقطعه ، بخلاف النوم ، بل والسُكر والإغماء على الأقوى . نعم ، إذا كان عروض الجنون في زمان قصير ففي قطعه إشكال .

ثالثها : الحرّية ، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه .

رابعها : الملك ، فلا زكاة في الموهوب ولا في القرض إلاّ بعد قبضهما ، ولا في الموصى به إلاّ بعد الوفاة والقبول ؛ لاعتباره في حصول الملكية للموصى له على الأقوى .

خامسها : تمام التمكّن من التصرّف ، فلا زكاة في الوقف وإن كان خاصّاً ، ولا في نمائه إذا كان عامّاً وإن انحصر في واحد ، ولا في المرهون وإن أمكن فكّه ،

ص: 329

ولا في المجحود وإن كانت عنده بيّنة يتمكّن من انتزاعه بها أو بيمين ، ولا في المسروق ، ولا في المدفون الذي نسي مكانه ، ولا في الضالّ ، ولا في الساقط في البحر ، ولا في الموروث عن غائب ولم يصل إليه أو إلى وكيله ، ولا في الدين وإن تمكّن من استيفائه .

سادسها : بلوغ النصاب ، وسيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 2) : لو شكّ في البلوغ حين التعلّق ، أو في التعلّق حين البلوغ ، لم يجب الإخراج ، وكذا الحال في الشكّ في حدوث العقل في زمان التعلّق مع كونه مسبوقاً بالجنون ، ولو كان مسبوقاً بالعقل وشكّ في طروّ الجنون حال التعلّق وجب الإخراج .

(مسألة 3) : يعتبر تمام التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول في تمام الحول ، فإذا طرأ ذلك في أثناء الحول ثمّ ارتفع ، انقطع الحول ويحتاج إلى حول جديد . وفيما لا يعتبر فيه الحول ففي اعتباره حال تعلّق الوجوب تأمّل وإشكال ، والأقوى ذلك ، والأحوط العدم .

(مسألة 4) : ثبوت الخيار لغير المالك لا يمنع من تعلّق الزكاة ، إلاّ في مثل الخيار المشروط بردّ الثمن ؛ ممّا تكون المعاملة مبنيّة على إبقاء العين ، فلو اشترى نصاباً من الغنم ، وكان للبائع الخيار ، جرى في الحول من حين العقد ، لا من حين انقضائه .

(مسألة 5) : لا تتعلّق الزكاة بنماء الوقف العامّ ؛ قبل أن يقبضه من ينطبق عليه عنوان الموقوف عليه . وأمّا بعد القبض فهو كسائر أمواله تتعلّق به مع اجتماع شرائطه .

ص: 330

(مسألة 6) : زكاة القرض على المقترض بعد القبض وجريان الحول عنده ، وليس على المقرض والدائن شيء قبل أن يستوفي طلبه ، فلو لم يستوفه ولو فراراً من الزكاة لم تجب عليه .

(مسألة 7) : لو عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الوجوب ، أو بعد مضيّ الحول متمكّناً ، فقد استقرّ وجوب الزكاة ، فيجب عليه الأداء إذا تمكّن ، ولو تمكّن بعد ما لم يكن متمكّناً وقد مضى عليه سنون جرى في الحَول من حينه . واستحباب الزكاة لسنة واحدة إذا تمكّن بعد السنين محلّ إشكال ، فضلاً عمّا تمكّن بعد مضيّ سنة واحدة .

(مسألة 8) : لو كان المال الزكوي مشتركاً بين اثنين أو أزيد تعتبر الحصص لا المجموع ، فكلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب وجبت عليه الزكاة ، دون من لم تبلغ حصّته النصاب .

(مسألة 9) : لو استطاع الحجّ بالنصاب ، فإن تمّ الحول أو تعلّق الوجوب قبل وقت سير القافلة والتمكّن من الذهاب ، وجبت الزكاة ، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب الحجّ ، وإلاّ فلا ، وإن كان تمام الحول بعد زمان سير القافلة وأمكن صرف النصاب أو بعضه في الحجّ وجب ، فإن صرفه فيه سقط وجوب الزكاة ، وإن عصى ولم يحجّ وجبت الزكاة بعد تمام الحول ، وإن تقارن خروج القافلة مع تمام الحول أو تعلّق الوجوب ، وجبت الزكاة دون الحجّ .

(مسألة 10) : تجب الزكاة على الكافر وإن لم تصحّ منه لو أدّاها . نعم ، للإمام علیه السلام أو نائبه أخذها منه قهراً ، بل له أخذ عوضها منه لو كان أتلفها أو تلفت عنده على الأقوى . نعم ، لو أسلم بعد ما وجبت عليه سقطت عنه وإن كانت العين

ص: 331

موجودة على إشكال ، هذا لو أسلم بعد تمام الحول . وأمّا لو أسلم ولو بلحظة قبله فالظاهر وجوبها عليه .

القول : فيما تجب فيه الزكاة وما تُستحبّ

(مسألة 1) : تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، وفي النقدين : الذهب والفضّة ، وفي الغلاّت الأربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ولا تجب فيما عدا هذه التسعة . وتُستحبّ في الثمار وغيرها ممّا أنبتت الأرض حتّى الاُشنان ، دون الخضر والبقول كالقتّ والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحو ذلك . واستحبابها في الحبوب لا يخلو من إشكال ، وكذا في مال التجارة والخيل الإناث . وأمّا الخيل الذكور وكذا البغال والحمير فلا تستحبّ فيها . والكلام في التسعة المزبورة التي تجب فيها الزكاة يقع في ثلاثة فصول :

الفصل الأوّل : في زكاة الأنعام

اشارة

وشرائط وجوبها - مضافاً إلى الشرائط العامّة السابقة - أربعة : النصاب ، والسوم ، والحول ، وأن لا تكون عوامل .

القول : في النصاب

(مسألة 1) : في الإبل اثنا عشر نصاباً : خمس ، وفيها شاة ، ثمّ عشر ، وفيها شاتان ، ثمّ خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه ، ثمّ عشرون ، وفيها أربع شياه ، ثمّ خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه ، ثمّ ستّ وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، ثمّ

ص: 332

ستّ وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، ثمّ ستّ وأربعون ، وفيها حِقّة ، ثمّ إحدى وستّون ، وفيها جَذَعة ، ثمّ ستّ وسبعون ، وفيها بنتا لبون ، ثمّ إحدى وتسعون ، وفيها حِقّتان ، ثمّ مائة وإحدى وعشرون ، ففي كلّ خمسين حِقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ؛ بمعنى وجوب مراعاة المطابق منهما ، ولو لم تحصل المطابقة إلاّ بهما لوحظا معاً ، ويتخيّر مع المطابقة بكلٍّ منهما أو بهما ، وعلى هذا لا يتصوّر صورة عدم المطابقة ، بل هي حاصلة في العقود بأحد الوجوه المزبورة .

نعم ، فيما اشتمل على النيف - وهو ما بين العقدين من الواحد إلى التسعة - لا تتصوّر المطابقة ، فتراعى على وجه يستوعب الجميع ما عدا النيف ، ففي مائة وإحدى وعشرين تحسب ثلاث أربعينات ، وتدفع ثلاث بنات لبون ، وفي مائة وثلاثين تحسب أربعينان وخمسون ، فتدفع بنتا لبون وحِقّة ، وفي مائة وأربعين تحسب خمسينان وأربعون ، فتدفع حِقّتان وبنت لبون ، وفي مائة وخمسين تحسب ثلاث خمسينات ، فتدفع ثلاث حِقَق ، وفي مائة وستّين تحسب أربع أربعينات ، وتدفع أربع بنات لبون ، وهكذا إلى أن يبلغ مائتين ، فيتخيّر بين أن تحسب خمس أربعينات ويعطي خمس بنات لَبون ، وأن تحسب أربع خمسينات ويعطي أربع حِقَق .

وفي البقر - ومنه الجاموس - نصابان : ثلاثون وأربعون ، وفي كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مُسِنّة . ويجب مراعاة المطابقة هنا فيما تمكن ، ففي ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي أربعين مُسِنّة ، وليس إلى ستّين شيء . فإذا بلغ الستّين فلا يتصوّر عدم المطابقة في العقود ؛ إذا لوحظ ثلاثون ثلاثون أو أربعون أربعون أو هما معاً ، ففي الستّين يعدّ بالثلاثين ويدفع تبيعان ، وفي السبعين يعدّ بالثلاثين والأربعين فيدفع تبيع ومُسِنّة ، وفي الثمانين يحسب أربعينان ويدفع مُسِنّتان ،

ص: 333

وفي التسعين يحسب ثلاث ثلاثينات ، ويدفع ثلاث تبيعات ، وفي المائة يحسب ثلاثونان وأربعون ، ويدفع تبيعان ومسنّة ، وفي المائة والعشر يحسب أربعونان وثلاثون ، وفي المائة والعشرين يتخيّر بين أن يحسب أربع ثلاثينات أو ثلاث أربعينات .

وفي الغنم خمسة نُصُب : أربعون ، وفيها شاة ، ثمّ مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان ، ثمّ مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه ، ثمّ ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه على الأحوط ، والمسألة مشكلة جدّاً ، ثمّ أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة بالغاً ما بلغ .

(مسألة 2) : تجب الزكاة في كلّ نصاب من النصب المذكورة ، ولا تجب فيما نقص عن النصاب ، كما لا يجب فيما بين النصابين شيء غير ما وجب في النصاب السابق ؛ بمعنى أنّ ما وجب في النصاب السابق يتعلّق بما بين النصابين إلى النصاب اللاحق ، فما بين النصابين عفو ؛ بمعنى عدم تعلّق شيء به أكثر ممّا تعلّق بالنصاب السابق ؛ لا بمعنى عدم تعلّق شيء به رأساً .

(مسألة 3) : بنت المخاض : ما دخلت في السنة الثانية ، وكذا التبيع والتبيعة ، وبنت اللبون : ما دخلت في الثالثة ، وكذا المُسِنّة ، والحِقّة : ما دخلت في الرابعة ، والجَذَعَة : ما دخلت في الخامسة .

(مسألة 4) : من وجب عليه من الإبل كبنت المخاض - مثلاً - ولم تكن عنده ، وكان عنده أعلى منها بسنّ - كبنت اللبون - دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهماً ، وإن كان ما عنده أخفض بسنّ دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهماً ، ولا يجزي ابن اللبون عن بنت المخاض اختياراً على الأقوى . نعم ، إذا

ص: 334

لم يكونا معاً عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بشراء بنت المخاض .

(مسألة 5) : لا يضمّ مال شخص إلى غيره ؛ وإن كان مشتركاً أو مختلطاً متّحد المسرح والمراح والمشرب والفحل والحالب والمحلب ، بل يُعتبر في كلّ واحد منهما بلوغ النصاب ولو بتلفيق الكسور ، ولا يفرّق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكانهما .

القول : في السوم ؛ أي الرعي

(مسألة 1) : يعتبر السوم تمام الحول ، فلو علفت في أثنائه بما يخرجها عن اسم السائمة في الحول عرفاً ، فلا زكاة . نعم ، لا يقدح بمثل يوم أو يومين ، بل عدم قدح أيّام قلائل - إذا كانت متفرّقة جدّاً - غير بعيد .

(مسألة 2) : لا فرق في سقوط الزكاة في المعلوفة بين أن تعلف بنفسها ، أو علّفها مالكها ، أو غيره من ماله ، أو من مال المالك بإذنه ، أو لا . كما لا فرق بين أن يكون بالاختيار أو للاضطرار أو لوجود مانع عن السوم من ثلج ونحوه ، وكذا لا فرق بين أن يعلفها بالعلف المجزور أو يرسلها لترعى بنفسها في الزرع المملوك ، فإنّها تخرج عن السوم بذلك كلّه . نعم ، الظاهر عدم خروجها عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه إذا لم تكن مزروعاً ، ثمّ إنّ ما يخلّ به هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع ؛ إذا كان مزروعاً على النحو المتعارف المألوف ، وأمّا لو فرض بذر البذور التي هي من جنس كلأ المرعى في المراتع من غير عمل في نمائها ، فلا يبعد عدم إخلاله بالسوم مع الرعي فيها . وكذا لا تخرج عنه بما يدفع إلى الظالم على الرعي في الأرض المباحة .

ص: 335

القول : في الحول

(مسألة 1) : يتحقّق الحول بتمام الأحد عشر ، والظاهر أنّ الزكاة تنتقل إلى أربابها بحلول الشهر الثاني عشر ، فتصير ملكاً متزلزلاً لهم ، فيتبعه الوجوب غير المستقرّ ، فلا يجوز للمالك التصرّف في النصاب تصرّفاً مُعدِماً لحقّهم ، ولو فعل ضمن . نعم ، لو اختلّ أحد الشروط من غير اختيار ، كأن نقص من النصاب بالتلف في خلال الشهر الثاني عشر ، يرجع الملك إلى صاحبه الأوّل وينقطع الوجوب . والأقوى احتساب الشهر الثاني عشر من الحَول الأوّل لا الثاني ، وأمّا الشهر الأحد عشر فكما ينقطع الحول باختلال أحد الشروط فيه بغير اختيار ، جاز له التصرّف في النصاب بما يوجب اختلالها ؛ بأن عاوضها بغير جنسها وإن كان زكوياً ، أو بجنسها كغنم سائمة ستّة أشهر بغنم ، أو بمثلها كالضأن بالضأن أو غير ذلك ، بل الظاهر بطلان الحول بذلك وإن فعله فراراً من الزكاة .

(مسألة 2) : لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد فحال عليه أحوال ، فإن أخرج في كلّ سنة زكاته من غيره تكرّرت لبقاء النصاب حينئذٍ وعدم نقصانه . نعم ، لو أخّر إخراج الزكاة عن آخر الحول ولو بزمان يسير - كما هو الغالب - يتأخّر مبدأ الحول اللاحق عن تمام الحول السابق بذلك المقدار ، فلا يجري النصاب في الحول الجديد ، إلاّ بعد إخراج زكاته من غيره ، ولو أخرج زكاته منه أو لم يخرج أصلاً ، ليس عليه إلاّ زكاة سنة واحدة ، ولو كان مالكاً لما زاد عن النصاب ، ومضى عليه أحوال ولم يؤدِّ زكاته ، تجب عليه زكاة ما مضى من السنين بما زاد على تلك الزيادة بواحد ، فلو كان عنده واحدة وأربعون من الغنم ، ومضى عليه أحوال ولم يؤدِّ زكاتها ، تجب عليه زكاة سنتين ، ولو كان

ص: 336

عنده اثنتان وأربعون تجب عليه زكاة ثلاث سنين وهكذا ، ولا تجب فيما زاد لنقصانه عن النصاب .

(مسألة 3) : مالك النصاب إذا حصل له - في أثناء الحول - ملكٌ جديد بالنتاج أو بالإرث أو الشراء ونحوها ، فإن كان بمقدار العفو ، ولم يكن نصاباً مستقلاًّ ولا مكمّلاً لنصاب آخر ، فلا شيء عليه ، كما إذا كانت عنده أربعون من الغنم فولدت أربعين ، أو خمس من الإبل فولدت أربعاً . وأمّا لو كان نِصاباً مستقلاًّ ، كما لو ملك في أوّل السنة خمساً من الإبل ، وبعد ستّة أشهر ستّاً وعشرين ، أو مكمّلاً لنصاب آخر ؛ بأن كان بمقدار لو انضمّ إلى الأصل - بعد إخراج الفريضة - خرج من ذلك النصاب ودخل في نصاب آخر ، كما لو ولدت أحد وثلاثون من البقر عشراً ، أو ثلاثون منه أحد عشر ، ومنه ما إذا ملك خمساً من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر - مثلاً - خمساً ، فإنّ تلك الخمس مكمّلة للخمس السابقة وليست مستقلّة ، فالخمس نصاب ، والعشر نصاب واحد آخر ، لا نصابان ، وخمس عشرة نصاب واحد فيه ثلاث شياه ، ففي الأوّل يعتبر لكلّ من القديم والجديد حول بانفراده ، ففي المثال المتقدّم يجب عليه في آخر سنة الخمس شاة ، وفي آخر سنة الجديد بنت مخاض ، ثمّ يترك سنة الخمس ويستأنف للمجموع حَولاً ، وكذا لو ملك في أثناء السنة نصاباً مستقلاًّ كستٍّ وثلاثين وستٍّ وأربعين وهكذا ، ويكون مبدأ حول النتاج أو الملك الجديد حصول الأخير الذي يكمّل به النصاب لو كان التحقّق متفرّقاً ، وفي الثاني يستأنف حولاً واحداً للمجموع بعد تمام حول الأصل ، ويكون مبدأ حول المجموع عند زمان انتهاء حول الأصل ، وليس مبدأ حول النتاج حين الاستغناء عن اللبن بالرعي ؛ حتّى فيما إذا كانت اُمّها معلوفة على الأقوى .

ص: 337

القول : في الشرط الأخير

(مسألة) : يعتبر فيها أن لا تكون عوامل في تمام الحول ، فلو كانت كذلك ولو في بعضه ، فلا زكاة فيها وإن كانت سائمة ، والمرجع في صدق العوامل العرف .

بقي الكلام فيما يؤخذ في الزكاة

(مسألة 1) : لا يؤخذ المريضة من نصاب السليم ، ولا الهرمة من نصاب الشابّ ، ولا ذات العوار من نصاب الصحيح وإن عُدّت منه ، أمّا لو كان النصاب بأجمعه مريضاً بمرض متّحد لم يكلّف شراء صحيحة ، وأجزأت مريضة منها ، ولو كان بعضه صحيحاً وبعضه مريضاً ، فالأحوط لو لم يكن أقوى إخراج صحيحة من أواسط الشياه ؛ من غير ملاحظة التقسيط ، وكذا لا تؤخذ الربّى - وهي الشاة الوالدة إلى خمسة عشر يوماً - وإن بذلها المالك ، إلاّ إذا كان النصاب كلّه كذلك ، ولا الأكولة ، وهي السمينة المعدّة للأكل ، ولا فحل الضراب ، بل لا يعدّ المذكورات من النصاب على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط عدّها منه .

(مسألة 2) : الشاة المأخوذة في الزكاة في الغنم والإبل وفي الجبر ، ما كمل له سنة ودخل في الثانية إن كان من الضأن ، وما دخل في الثالثة إن كان من المعز ، وهو أقلّ ما يراد منها ، ويجزي الذكر عن الاُنثى وبالعكس ، والمعز عن الضأن وبالعكس ؛ لأ نّهما جنس واحد في الزكاة كالبقر والجاموس ، والإبل العراب والبخاتي .

(مسألة 3) : لو كان للمالك أموال متفرّقة في أماكن مختلفة ، كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء ، ولا يتعيّن عليه أن يدفع من النصاب ، ولا من جنس ما

ص: 338

تعلّقت به الزكاة ، بل له أن يدفع قيمتها السوقية من الدراهم والدنانير ، بل وغيرهما من سائر الأجناس إن كان خيراً للفقراء ، وإلاّ ففيه تأمّل وإن لا يخلو من وجه . والإخراج من العين أفضل . والمدار في القيمة : قيمة وقت الأداء والبلد الذي هي فيه لو كانت العين موجودة ، ولو كانت تالفة بالضمان فالظاهر أنّ المدار قيمة يوم التلف وبلده ، والأحوط أكثر الأمرين من ذلك ومن يوم الأداء وبلده .

الفصل الثاني : في زكاة النقدين

ويعتبر فيها - مضافاً إلى ما عرفت من الشرائط العامّة - اُمور :

الأوّل : النصاب ، وهو في الذهب عشرون ديناراً ، وفيه عشرة قراريط هي نصف الدينار ، والدينار مثقال شرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي ، فيكون العشرون ديناراً خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، وزكاته ربع المثقال وثمنه ، ولا زكاة فيما دون عشرين ، ولا فيما زاد عليها حتّى يبلغ أربعة دنانير - وهي ثلاثة مثاقيل صيرفية - ففيها قيراطان ؛ إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً ، وهكذا كلّما زاد أربعة ، وليس فيما نقص عن أربعة دنانير شيء ، لكن لا بمعنى عدم تعلّق الزكاة به رأساً كما قبل العشرين ، بل المراد بالعفو عمّا بين النصابين : هو أنّ ما زاد عن نِصاب إلى أن بلغ نصاباً آخر متعلَّق للفرض السابق ، فالعشرون مبدأ النصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين . وهو متعلّق للفرض الأوّل ؛ أي نصف الدينار ، فإذا بلغت أربعة وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين ، فزاد قيراطان وهكذا .

ونِصاب الفضّة مائتا درهم ، وفيه خمسة دراهم ، ثمّ كلّما زاد أربعين كان فيها

ص: 339

درهم بالغاً ما بلغ ، وليس فيما دون المائتين شيء ، وكذا فيما دون الأربعين ، لكن بالمعنى المتقدّم في الذهب ، والدرهم ستّة دوانيق عبارة عن نصف مثقال شرعي وخمسه ؛ لأنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية .

فائدة : الضابط الكلّي في تأدية زكاة النقدين : أ نّهما بعد ما بلغا حدّ النصاب - أعني عشرين ديناراً ، أو مائتي درهم - يُعطي من كلّ أربعين واحداً ، فقد أدّى ما وجب عليه ؛ وإن زاد على المفروض في بعض الصور بقليل ، ولا بأس به ، بل أحسن وزاد خيراً .

الثاني : كونهما منقوشين بسكّة المعاملة من سلطان أو شبهه - ولو في بعض الأزمنة والأمكنة - بسكّة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها ؛ ولو صارا ممسوحين بالعارض ، وأمّا الممسوحان بالأصل فلا تجب فيهما ، إلاّ إذا كانا رائجين فتجب على الأحوط ، ولو اتّخذ المسكوك حلية للزينة - مثلاً - فلا تجب الزكاة فيه ؛ زاده الاتّخاذ في القيمة أو نقصه ، كانت المعاملة على وجهها ممكنة أو لا .

الثالث : الحول ، ويُعتبر أن يكون النصاب موجوداً فيه أجمع ، فلو نقص عنه في أثنائه ، أو تبدّلت أعيان النصاب بجنسه أو غيره ، أو بالسبك ولو بقصد الفرار ، لم تجب فيه زكاة وإن استحبّت في هذه الصورة ، بل هو الأحوط . نعم ، لو كان السبك بعد وجوب الزكاة بحول الحول لم تسقط .

(مسألة 1) : يُضمّ الدراهم والدنانير بعضها إلى بعض - بالنسبة إلى تحقّق النصاب - وإن اختلف من حيث الاسم والسكّة ، بل من حيث القيمة واختلاف الرغبة ، فيُضمّ القِران الإيراني إلى المجيدي والروپية ، بل يضمّ الرائج الفعلي إلى المهجور . وأمّا بالنسبة إلى إخراج الزكاة ، فإن تطوّع المالك بالإخراج من

ص: 340

الأرغب والأكمل فقد أحسن وزاد خيراً ، وإلاّ أخرج من كلّ بقسطه ونسبته على الأقوى ، ولا يجوز الاجتزاء بالفرد الأدون عن الجميع .

(مسألة 2) : الدراهم المغشوشة - بما يخرجها عن اسم الفضّة الخالصة ولو الرديّة - لا زكاة فيها حتّى بلغ خالصها النصاب ، ولو شكّ فيه ولم يكن طريق إلى التعرّف لم تجب الزكاة ، والأحوط التصفية ونحوها للاختبار ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 3) : لو أخرج المغشوشة زكاة عن الخالصة أو المغشوشة ، فإن علم بأنّ ما فيها من الخالصة بمقدار الفريضة فهو ، وإلاّ فلا بدّ من تحصيل العلم بذلك ؛ ولو بإعطاء مقدار يعلم بأنّ ما فيه من الخالصة ليس بأنقص منها .

(مسألة 4) : لو ملك النصاب ولم يعلم هل فيه غشّ أم لا ؟ فالأقوى عدم وجوب شيء ؛ وإن كان الأحوط التزكية .

(مسألة 5) : لو اقترض النصاب وتركه بحاله عنده حتّى حال عليه الحول ، يكون زكاته عليه لا على المقرض ، بل لو شرط كونها عليه لم يلزم الشرط إذا كان المقصود وجوبها عليه . نعم ، لو شرط عليه التبرّع عنه بأداء ما وجب عليه يلزمه ، ولو لم يفِ المقرض بالشرط لم تسقط عن المقترض ، بل يجب عليه أداؤها .

الفصل الثالث : في زكاة الغلاّت

اشارة

وقد تقدّم أنّه لا تجب الزكاة إلاّ في أربعة أجناس : أي الحِنطة والشعير والتمر والزبيب . ولا يلحق السلت الذي هو كالشعير في طبعه - على ما قيل - وكالحنطة

ص: 341

في ملاسته وعدم قشره بالشعير ، فلا تجب فيها الزكاة وإن كان أحوط . ولا يُترك الاحتياط بإلحاق العلس بالحنطة ، ولا تجب في غيرها ؛ وإن استحبّت في بعض الأشياء كما مرّ . وحكم ما تستحبّ فيه حكم ما تجب فيه ؛ من اعتبار بلوغ النصاب ، ومقدار ما يخرج منه ، ونحو ذلك .

ويقع الكلام في زكاة الغلاّت في مطالب :

المطلب الأوّل

يعتبر فيها أمران :

الأوّل : بلوغ النصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستّون صاعاً ، فهو ثلاثمائة صاع ، والصاع تسعة أرطال بالعراقي ، وستّة بالمدني ؛ لأ نّه أربعة أمداد ، والمُدّ رِطلان وربع بالعراقي ، ورِطل ونصف بالمدني ، فيكون النصاب ألفين وسبعمائة رِطل بالعراقي ، وألفاً وثمانمائة رِطل بالمدني ، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهماً عبارة عن أحد وتسعين مثقالاً شرعياً وثمانية وستّين مثقالاً وربع مثقال صيرفي ، وبحسب حُقّة النجف - التي هي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالاً صيرفياً وثلث مثقال - ثماني وزنات وخمس حُقق ونصف إلاّ ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال ، وبحُقّة الإسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - سبع وعشرون وزنة وعشر حُقق وخمسة وثلاثون مثقالاً ، وبالمنّ الشاهي المتداول في بعض بلاد إيران - الذي هو عبارة عن ألف ومائتي مثقال وثمانين مثقالاً صيرفياً - مائة منّ وأربعة وأربعون منّاً إلاّ خمسة وأربعين مثقالاً صيرفياً ، وبالمنّ التبريزي المتداول في بعض بلاد إيران مائتان وثمانية وثمانون

ص: 342

منّاً إلاّ خمسة وأربعين مثقالاً صيرفياً ، وبالكيلو المتعارف في هذا العصر (207 / 847) تقريباً ، فلا زكاة في الناقص عن النصاب ولو يسيراً ، كما أ نّه تجب في النصاب وما زاد عليه ولو يسيراً .

(مسألة 1) : المدار في بلوغ النصاب ملاحظة حال الجفاف وإن كان زمان التعلّق قبل ذلك ، فلو كان عنده خمسة أوسق من الرطب لكن ينقص عنها حال الجفاف فلا زكاة ؛ حتّى أنّ مثل البربن وشبهه ممّا يؤكل رطباً إنّما تجب الزكاة فيه

إذا بلغ النصاب تمراً وإن قلّ التمر منه ، ولو فرض عدم صدق التمر على يابسه لم تجب الزكاة .

(مسألة 2) : إذا كان له نخيل أو كُروم أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ولو بشهر أو شهرين أو أكثر ، يضمّ بعضها إلى بعض بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد ، وحينئذٍ إن بلغ ما أدرك منه النصاب تعلّق الوجوب به وأخرج ما هو فريضته ، وما لم يدرك يجب ما هو فريضته عند إدراكه قلّ أو كثر ، وإن لم يبلغ النصاب ما سبق إدراكه تربّص حتّى يدرك ما يكمل النصاب ، ولو كان له نخل يطلع أو كرم يُثمر في عام مرّتين ، ضمّ الثاني إلى الأوّل على إشكال .

الأمر الثاني : التملّك بالزراعة إن كان ممّا يزرع ، أو انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردة إلى ملكه قبل تعلّق الزكاة ، فتجب عليه الزكاة على الأقوى فيما إذا نمت مع ذلك في ملكه ، وعلى الأحوط في غيره .

(مسألة 3) : المشهور عند المتأخّرين أنّ وقت تعلّق الزكاة عند اشتداد الحبّ في الزرع ، وحين بدوّ الصلاح ؛ أعني حين الاصفرار أو الاحمرار في ثمرة النخل ، وعند انعقاد الحصرم في ثمرة الكرم . والأقوى أنّ المدار هو التسمية

ص: 343

حِنطة أو شعيراً أو تمراً ، ولا يترك الاحتياط في الزبيب في الثمرة المترتّبة على القولين في المسألة .

(مسألة 4) : وقت وجوب الإخراج حين تصفية الغَلّة واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب . وهذا هو الوقت الذي لو أخّرها عنه ضمن ، ويجوز للساعي مطالبة المالك فيه ويلزمه القبول ، ولو طالبه قبله لم يجب عليه القبول . وفي جواز الإخراج في هذا الحال إشكال ، بل الأقوى عدمه لو انجرّ الإخراج إلى الفساد ؛ ولو قلنا بأنّ وقت التعلّق حين بدوّ الصلاح .

(مسألة 5) : لو أراد المالك الاقتطاف حصرماً أو عنباً أو بسراً أو رطباً جاز ، ووجب أداء الزكاة على الأحوط من العين أو القيمة ، بعد فرض بلوغ تمرها وزبيبها النصاب ؛ وإن كان الأقوى عدم الوجوب .

(مسألة 6) : يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ وبعد التعلّق من نفس الثمر أو قيمته .

(مسألة 7) : لو ملك نخلاً أو كرماً أو زرعاً قبل زمان التعلّق ، فالزكاة عليه فيما نمت مع ذلك في ملكه على الأقوى ، وفي غيره على الأحوط كما مرّ ، فيجب عليه إخراج الزكاة بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط . بخلاف ما إذا ملك بعد زمان التعلّق ، فإنّ الزكاة على من انتقل عنه ممّن كان مالكاً حال التعلّق ، ولو باعه - مثلاً - قبل أداء ما عليه فهو فضولي بالنسبة إلى حصّة الزكاة ؛ يحتاج إلى إجازة الحاكم ، فإن أجاز ردّ الثمن إليه بالنسبة ورجع إلى البائع به ، وإن ردّه أدّى الزكاة ، وله الرجوع إلى البائع بثمنه بالنسبة . هذا إذا أحرز عدم التأدية ، ومع إحرازها أو احتمالها لا شيء عليه .

ص: 344

(مسألة 8) : لو باع الزرع أو الثمر ، وشكّ في أنّ البيع كان بعد زمان التعلّق حتّى تكون الزكاة عليه ، أو قبله حتّى تكون على المشتري ، لم يكن عليه شيء إلاّ إذا علم زمان التعلّق وجهل زمان البيع ، فيجب عليه حينئذٍ إخراجها على الأقوى . ولو شكّ المشتري في ذلك ، فإن كان قاطعاً بأنّ البائع لم يؤدِّ زكاته - على تقدير كون الشراء بعد زمان التعلّق - يجب عليه إخراجها مطلقاً ؛ على الأحوط فيما إذا احتمل أنّ الشراء في زمان تمّ نماء الزرع ولم ينم في ملكه ، وعلى الأقوى في غيره . وإن لم يكن قاطعاً بذلك ، بل كان قاطعاً بأدائها على ذلك التقدير أو احتمله ، ليس عليه شيء مطلقاً ؛ حتّى فيما إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره على الأقوى ، وإن كان الأحوط في هذه الصورة إخراجها .

(مسألة 9) : لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة وقبل إخراجها ، تخرج من عين ما تعلّقت به الزكاة إن كان موجوداً ، ومن تركته إن تلف مضموناً عليه . نعم ، لورثته أداء قيمة الزكوي مع بقائه أيضاً . ولو مات قبله وجبت على من بلغ سهمه النصاب من الورثة مع اجتماع سائر الشرائط ؛ على الأحوط فيما إذا انتقل إليهم بعد تمام نموّه وقبل تعلّق الوجوب ، وعلى الأقوى إذا كان الانتقال قبل تمامه ، فإذا لم يبلغ سهم واحد منهم النصاب ، أو اختلّ بعض شروط اُخر ، فلا زكاة . ولو لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده ، فمن بلغ سهمه النصاب يجب عليه إخراج زكاة حصّته على الأقوى في بعض الصور ، وعلى الأحوط في بعض ، ومن لم يبلغ نصيبه حدّ النصاب لا يجب عليه شيء ، إلاّ إذا علم زمان التعلّق وشكّ في زمان الموت ، فتجب على الأقوى .

(مسألة 10) : لو مات الزارع أو مالك النخل والكرم وكان عليه دين ، فإن كان

ص: 345

موته بعد تعلّق الوجوب وجب إخراج الزكاة كما مرّ حتّى فيما إذا كان الدين مستوعباً للتركة ، ولا يتحاصّ الغرماء مع أرباب الزكاة ، إلاّ إذا صارت في ذمّته في زمان حياته بسبب إتلافه أو التلف مع التفريط ، فيقع التحاصّ بينهم كسائر الديون . وإن كان موته قبل تعلّق الوجوب ، فإن كان قبل ظهور الحبّ والثمر ، فمع استيعاب الدين التركة وكونه زائداً عليها بحيث يستوعب النماءات أيضاً ، لا تجب على الورثة الزكاة ، بل تكون - كأصل التركة - بحكم مال الميّت على الأقوى يؤدّى منها دينه . ومع استيعابه التركة وعدم زيادته عليها ، لو ظهرت الثمرة بعد الموت ، يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة أصلاً ونماءً بحكم مال الميّت بنحو الإشاعة بينه وبين الورثة ، ولا تجب الزكاة فيما يقابله ، ويحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل والثمرة ، فإن زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع وبلغت النصاب تجب الزكاة عليه ، ولو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّى منه الدين ، وعدم كونه بحكم مال الميّت ، وكان ماله فيما سوى التالف واقعاً . ومنه يظهر الحال لو كان الموت بعد ظهوره وقبل تعلّق الوجوب . نعم ، الاحتياط بالإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم مطلقاً حسن ، سيّما فيما كان الموت قبل ظهوره ، ولو كان الورثة قد أدّوا الديون أو ضمنوه برضا الديّان قبل تعلّق الوجوب ، وجبت الزكاة على من بلغ سهمه النصاب مع اجتماع الشرائط .

(مسألة 11) : في المزارعة والمساقاة الصحيحتين - حيث إنّ الحاصل مشترك بين المالك والعامل - تجب على كلّ منهما الزكاة في حصّته مع اجتماع الشرائط بالنسبة إليه . بخلاف الأرض المستأجرة للزراعة ، فإنّ الزكاة على المستأجر مع اجتماع الشرائط ، وليس على المؤجر شيء وإن كانت الاُجرة من الجنس الزكوي .

ص: 346

(مسألة 12) : في المزارعة الفاسدة تكون الزكاة على صاحب البذر ، واُجرة الأرض والعامل من المؤن . وفي المساقاة الفاسدة تكون الزكاة على صاحب الاُصول ، وتحسب اُجرة مثل عمل المساقي من المؤن .

(مسألة 13) : لو كان عنده أنواع من التمر - كالزاهدي والخستاوي والقنطار وغير ذلك - يُضمّ بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب ، والأحوط الدفع من كلّ نوع بحصّته ؛ وإن كان الأقوى جواز الاجتزاء بمطلق الجيّد عن الكلّ وإن اشتمل على الأجود . ولا يجوز دفع الرديء عن الجيّد على الأحوط . وهكذا الحال في أنواع العنب .

(مسألة 14) : يجوز تقبّل كلّ من المالك والحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرص أهل الخبرة . والظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة ممّا وردت فيها النصوص ، وهو معاملة عقلائية برأسها ، وفائدتها صيرورة المال المشاع معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل . ولا بدّ في صحّتها وقوعها بين المالك ووليّ الأمر ، وهو الحاكم أو من يبعثه لعمل الخرص ، فلا يجوز للمالك الاستبداد بالخرص والتصرّف بعده كيف شاء . نعم ، بعد التقبّل بالتخريص مع الوالي يجوز له التصرّف بما شاء ؛ من دون احتياج إلى الضبط والحساب . ويشترط فيه الصيغة ، وهي ما دلّت على ذاك التقبّل وتلك المعاملة . والظاهر أنّ التلف بآفة سماوية وظلم ظالم على المتقبّل ، إلاّ أن يكون مستغرقاً أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي ، فلا يضمن ما تلف ، ويجب ردّ ما بقي إلى الحاكم إن كان المتقبّل المالك دون الحاكم ، ثمّ إن زاد ما في يد المالك المتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له ، وإن نقص كان عليه ، ووقت الخرص بعد تعلّق الزكاة .

ص: 347

المطلب الثاني

إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان من عين الحاصل بعنوان المقاسمة ، وما يأخذه نقداً باسم الخراج - أيضاً على الأصحّ - إذا كان مضروباً على الأرض باعتبار الجنس الزكوي ، ولو كان باعتبار الأعمّ منه فبحسابه . ولو أخذ العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً ، فإن أخذوا من نفس الغلّة قهراً فالظلم وارد على الكلّ ، ولا يضمن المالك حصّة الفقراء ، ويكون بحكم الخراج في أنّ اعتبار الزكاة بعد إخراجه بالنسبة . وإن أخذوا من غيرها فالأحوط عدم الاحتساب على الفقراء ، خصوصاً إذا كان الظلم شخصياً ، بل عدم جوازه حينئذٍ لا يخلو من قوّة ، وإنّما يعتبر إخراج ما يأخذه بالنسبة إلى اعتبار الزكاة ، فيخرج من الوسط ، ثمّ يؤدّي العشر أو نصف العشر ممّا بقي . وأمّا بالنسبة إلى اعتبار النصاب ، فإن كان ما ضُرب على الأرض بعنوان المقاسمة فلا إشكال في أنّ اعتباره بعده ؛ بمعنى أ نّه يلاحظ بلوغ النصاب في حصّته ، لا في المجموع منها ومن حصّة السلطان ، ولو كان بغير عنوان المقاسمة ففيه إشكال ، والأحوط لو لم يكن الأقوى اعتباره قبله .

(مسألة 1) : الظاهر عدم اختصاص حكم الخراج بما يأخذه السلطان المخالف المدّعي للخلافة والولاية على المسلمين بغير استحقاق ، بل يعمّ سلاطين الشيعة الذين لا يدّعون ذلك ، بل لا يبعد شموله لكلّ مستولٍ على جباية الخراج ؛ حتّى فيما إذا لم يكن سلطان ، كبعض الحكومات المتشكّلة في هذه الأعصار ، وفي تعميم الحكم لغير الأراضي الخراجية - مثل ما يأخذه الجائر من أراضي الصلح ، أو التي كانت مواتاً فتملّكت بالإحياء - وجه لا يخلو من قوّة .

ص: 348

(مسألة 2) : الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ من غير فرق بين السابقة على زمان التعلّق واللاحقة ، والأحوط - لو لم يكن الأقوى - اعتبار النصاب قبل إخراجها ، فإذا بلغ النصاب تعلّق الزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط ، ولكن تخرج المؤن من الكلّ ، ثمّ يخرج العُشر أو نصف العُشر من الباقي قلّ أو كثر . ولو استوعبت المؤونة تمام الحاصل فلا زكاة . والمراد بالمؤونة : كلّ ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة ؛ ويصرفه في تنميتها وحفظها وجمعها ، كالبذر وثمن الماء المشترى لسقيها ، واُجرة الفلاّح والحارث والحارس والساقي والحصّاد والجذّاذ ، واُجرة العوامل التي يستأجرها للزرع ، واُجرة الأرض ولو كانت غصباً ولم ينوِ إعطاء اُجرتها لمالكها ، وما يصرفه لتجفيف الثمرة وإصلاح النخل وتسطيح الأرض وتنقية النهر ، بل وفي إحداثه لو كان هذا الزرع والنخل والكرم محتاجاً إليه . والظاهر أ نّه ليس منها ما يصرفه مالك البستان - مثلاً - في حفر بئر أو نهر أو بناء دولاب أو ناعور أو حائط ، ونحو ذلك ممّا يعدّ من مؤونة تعمير البستان ، لا من مؤونة ثمرته . نعم ، إذا صرف ذلك مشتري الثمرة ونحوه ؛ لأجل الثمر الذي اشتراه أو ملكه بالإجارة ، يكون من مؤونته . ولا يحسب منها اُجرة المالك إذا كان هو العامل ، ولا اُجرة المتبرّع بالعمل ، ولا اُجرة الأرض والعوامل إذا كانت مملوكة له . بل الأحوط عدم احتساب ثمن العوامل والآلات التي يشتريها للزرع والسقي ممّا يبقى عينها بعد استيفاء الحاصل . نعم ، في احتساب ما يرد عليها من النقص بسبب استعمالها في الزرع والسقي وجه ، لكن الأحوط خلافه . وفي احتساب ثمن الزرع والثمر إشكال ، لا يبعد الاحتساب ، لكن يقسّط على التبن والحنطة - مثلاً - بالنسبة .

ص: 349

(مسألة 3) : الظاهر أ نّه يلاحظ في البذر قيمته يوم الزرع لا مثله ؛ سواء كان من ماله أو اشتراه ، فلو كان بعضه من ماله الغير المزكّى ، فالظاهر صيرورة الفقراء شريكاً مع الزارع بمقدار حصّتهم ، وتحسب البقيّة من المؤونة .

(مسألة 4) : لو كان مع الزكوي غيره وزّعت المؤونة عليهما بالنسبة ، وكذا الخراج الذي يأخذه السلطان ؛ إن كان مضروباً على الأرض باعتبار مطلق الزرع لا خصوص الزكوي ، والظاهر توزيعها على التبن والحبّ .

(مسألة 5) : لو كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة ، فلا يبعد التفصيل بين ما كان عمله لها فيوزّع عليها ، وبين ما إذا عمل للسنة الاُولى وإن انتفع منه في سائر السنين قهراً ، فيحسب من مؤونة الاُولى ، فيكون غيرها بلا مؤونة من هذه الجهة .

(مسألة 6) : لو شكّ في كون شيء من المؤن أو لا ، لم يُحسب منها .

المطلب الثالث

كلّ ما سقي سيحاً - ولو بحفر نهر ونحوه - أو بعلاً - وهو ما يشرب بعروقه - أو عذياً - وهو ما يسقى بالمطر - ففيه العشر ، وما يُسقى بالعلاج - بالدلو والدوالي والنواضح والمكائن ونحوها من العلاجات - ففيه نصف العشر ، وإن سقي بهما فالحكم للأكثر الذي يسند السقي إليه عرفاً ، وإن تساويا - بحيث لم يتحقّق الإسناد المذكور ، بل يصدق أنّه سقي بهما - ففي نصفه العشر وفي نصفه الآخر نصف العشر . لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج العشر إذا كان الأكثر بغير علاج ولو مع صدق السقي بهما ، ومع الشكّ فالواجب الأقلّ إلاّ في

ص: 350

المسبوق بالسقي بغير علاج ، ولو شكّ في سلب ذلك يجب الأكثر ، بل الأحوط ذلك مطلقاً .

(مسألة 1) : الأمطار العادية في أيّام السنة لا تُخرج ما يُسقى بالدوالي عن حكمه ، إلاّ إذا استُغني بها عن الدوالي أو صار مشتركاً بينهما .

(مسألة 2) : لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة - مثلاً - عبثاً أو لغرض ، فزرعها آخر وشرب الزرع بعروقه ، يجب العشر على الأقوى . وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ، ثمّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه ، بل وكذا إذا أخرجه لزرع ، فزاد وجرى على أرض اُخرى ، فبدا له أن يزرع فيها زرعاً يشرب بعروقه .

القول : في أصناف المستحقّين للزكاة ومصارفها

وهي ثمانية :

الأوّل والثاني : الفقراء والمساكين ، والثاني أسوأ حالاً من الأوّل ، وهم الذين لا يملكون مؤونة سنتهم اللائقة بحالهم - لهم ولمن يقومون به - لا فعلاً ولا قوّة ، فمن كان ذا اكتساب يموّن به نفسه وعياله على وجه يليق بحاله ، ليس من الفقراء والمساكين ، ولا تحلّ له الزكاة ، وكذا صاحب الصنعة والضيعة وغيرهما ممّا يحصل به مؤونته . ولو كان قادراً على الاكتساب لكن لم يفعل تكاسلاً ، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عن أخذها وإعطائها إيّاه ، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة .

(مسألة 1) : مبدأ السنة التي تدور صفتا الفقر والغنى مدار مالكية مؤونتها

ص: 351

وعدمها ، هو زمان إعطاء الزكاة ، فيلاحظ كفايته وعدمها في ذلك الزمان ، فكلّ زمان كان مالكاً لمقدار كفاية سنته كان غنيّاً ، فإذا نقص عن ذلك بعد صرف بعضه يصير فقيراً .

(مسألة 2) : لو كان له رأس مال يكفي لمؤونة سنته لكن لم يكفه ربحه ، أو ضيعة تقوم قيمتها بمؤونة سنة أو سنوات لكن لا تكفيه عوائدها ، لا يكون غنيّاً ، فيجوز له أن يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة .

(مسألة 3) : الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مؤونة سنته ، كما أنّ الأحوط للفقير عدم أخذه ، وأنّ الأحوط أيضاً في المكتسب الذي لا يفي كسبه ، وصاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها ، والتاجر الذي لا يكفي ربحه بمؤونته ، الاقتصار على التتمّة أخذاً وإعطاءً .

(مسألة 4) : دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله - ولو لعزّه وشرفه - والثياب والألبسة الصيفية والشتوية والسفرية والحضرية - ولو كانت للتجمّل - والفرش والظروف وغير ذلك ، لا يمنع عن إعطاء الزكاة وأخذها . نعم ، لو كان عنده أزيد من مقدار حاجته المتعارفة - بحسب حاله وزيّه - بحيث لو صرفها تكفي لمؤونة سنته ، لا يجوز له الأخذ .

(مسألة 5) : لو كان قادراً على التكسّب - ولو بالاحتطاب والاحتشاش - لكن ينافي شأنه ، أو يشقّ عليه مشقّة شديدة لكبر أو مرض ونحو ذلك ، يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا إذا كان صاحب صنعة أو حرفة لا يمكنه الاشتغال بها ؛ لفقد الأسباب أو عدم الطالب .

(مسألة 6) : إن لم يكن له حرفة وصنعة لائقة بشأنه فعلاً ، ولكن يقدر على

ص: 352

تعلّمها بغير مشقّة شديدة ، ففي جواز تركه التعلّم وأخذه الزكاة إشكال ، فلا يترك الاحتياط . نعم ، لا إشكال في جوازه إذا اشتغل بالتعلّم ما دام مشتغلاً به .

(مسألة 7) : يجوز لطالب العلم - القادر على التكسّب اللائق بشأنه - أخذُ الزكاة من سهم سبيل اللّه ؛ إذا كان التكسّب مانعاً عن الاشتغال أو موجباً للفتور فيه ؛ سواء كان ممّا يجب تعلّمه - عيناً أو كفاية - أو يستحبّ .

(مسألة 8) : لو شكّ أنّ ما في يده كافٍ لمؤونة سنته ، لا يجوز له أخذ الزكاة ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بعدم وجود ما به الكفاية ، ثمّ وجد ما يشكّ في كفايته .

(مسألة 9) : لو كان له دَين على الفقير جاز احتسابه زكاةً ؛ ولو كان ميّتاً بشرط أن لا يكون له تركة تفي بدينه ، وإلاّ لا يجوز . نعم ، لو كانت له تركة ، لكن لا يمكن استيفاء الدين منها لامتناع الورثة أو غيره ، فالظاهر الجواز .

(مسألة 10) : لو ادّعى الفقر فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل به ، ولو جُهل حاله اُعطي من غير يمين مع سبق فقره ، وإلاّ فالأحوط اعتبار الظنّ بصدقه الناشئ من ظهور حاله ، خصوصاً مع سبق غِناه .

(مسألة 11) : لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة ، بل يُستحبّ دفعها على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً ؛ إذا كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها .

(مسألة 12) : لو دفع الزكاة إلى شخص على أ نّه فقير فبان غناه ، استرجعت منه مع بقاء العين ، بل مع تلفها ضامن مع علمه بكونها زكاة ؛ وإن كان جاهلاً بحرمتها على الغنيّ ، بل مع احتمال أ نّها زكاة فالظاهر ضمانه . نعم ، مع إعطائه بغير عنوانها سقط الضمان ، كما أ نّه مع قطعه بعدمها سقط . ولا فرق في ذلك بين

ص: 353

الزكاة المعزولة وغيرها . وكذا الحال فيما لو دفعها إلى غنيّ جاهلاً بحرمتها عليه . ولو تعذّر استرجاعها في الصورتين ، أو تلفت بلا ضمان أو معه ، وتعذّر أخذ العوض منه ، كان ضامناً وعليه الزكاة ، إلاّ إذا أعطاه بإذن شرعي ، كدعوى الفقر بناء على اعتبارها ، فالأقوى حينئذٍ عدم الضمان . نعم ، لو كان إحرازه بأمارة عقلية كالقطع فالظاهر الضمان . ولو كان الدافع هو المجتهد أو وكيله لا ضمان عليه مع عدم التقصير ، بل ولا على المالك أيضاً لو دفعه إليه أو إلى وكيله بعنوان أ نّه وليّ عامّ على الفقراء ، وأمّا إذا كان بعنوان الوكالة عن المالك فالظاهر ضمانه ، فيجب عليه أداء الزكاة ثانياً .

الثالث : العاملون عليها ، وهم الساعون في جبايتها ، المنصوبون من قِبَل الإمام علیه السلام أو نائبه لأخذها وضبطها وحسابها ، فإنّ لهم من الزكاة سهماً لأجل عملهم وإن كانوا أغنياء ، والإمام علیه السلام - أو نائبه - مخيّر بين أن يقدّر لهم جعالة أو اُجرة عن مدّة مقرّرة ، وبين أن لا يجعل لهم جعلاً فيعطيهم ما يراه ، والأقوى عدم سقوط هذا الصنف في زمان الغيبة ؛ مع بسط يد الحاكم ولو في بعض الأقطار .

الرابع : المؤلّفة قلوبهم ، وهم الكفّار الذين يراد اُلفتهم إلى الجهاد أو الإسلام ، والمسلمون الذين عقائدهم ضعيفة ، فيعطون لتأليف قلوبهم ، والظاهر عدم سقوطه في هذا الزمان .

الخامس : في الرقاب ، وهم المكاتَبون العاجزون عن أداء مال الكتابة ، والعبيد تحت الشدّة ، بل مطلق عتق العبد ؛ سواء وجد المستحقّ للزكاة أم لا ، فهذا الصنف عامّ لمطلق عتق الرقبة ، لكن يُشترط في المكاتب العجز المذكور .

ص: 354

السادس : الغارمون ، وهم الذين علتهم الديون في غير معصية ولا إسراف ، ولم يتمكّنوا من وفائها ولو ملكوا قوت سنتهم .

(مسألة 13) : المراد بالدين : كلّ ما اشتغلت به الذمّة ولو كان مهراً لزوجته ، أو غرامة لما أتلفه أو تلف عنده مضموناً . والأقوى عدم اعتبار الحلول فيه ، والأحوط اعتباره .

(مسألة 14) : لو كان المديون كسوباً يتمكّن من قضائه تدريجاً ، فإن لم يرضَ بذلك الديّان ، ويطلبون منه التعجيل ، فلا إشكال في جواز إعطائه من هذا السهم ، وإلاّ فالأحوط عدم إعطائه .

(مسألة 15) : لو كان المديون ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة ، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه وإن لم يجز لنفقته .

(مسألة 16) : كيفية صرف الزكاة في هذا المصرف : إمّا بدفعها إلى المديون ليوفي دينه ، وإمّا بالدفع إلى الدائن وفاءً عن دينه ، ولو كان الغريم مديوناً لمن عليه الزكاة جاز له احتساب ما في ذمّته زكاة ، كما جاز له أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين الذي على الغريم ، ويبرأ بذلك ذمّته وإن لم يقبضها ولم يوكّل المالك في قبضها ، بل ولم يكن له اطّلاع بذلك .

(مسألة 17) : لو كان لمن عليه الزكاة دين على شخص ، وكان لذلك الشخص دين على فقير ، جاز له احتساب ما على ذلك الشخص زكاة ، ثمّ احتسابه له وفاءً عمّا له على ذلك الفقير ، كما جاز أن يُحيله ذلك الشخص على ذلك الفقير ، فيبرأ بذلك ذمّةُ ذلك الشخص عن دين من عليه الزكاة ، وذمّةُ الفقير عن دين

ص: 355

ذلك الشخص ، ويشتغل لمن عليه الزكاة ، فجاز له أن يحسب ما في ذمّته زكاة كما مرّ .

(مسألة 18) : قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية ، والمدار صرفه فيها ، لا كون الاستدانة لأجلها ، فلو استدان لا للمعصية فصرفه فيها ، لم يعط من هذا السهم ، بخلاف العكس .

السابع : في سبيل اللّه ، ولا يبعد أن يكون هو المصالح العامّة للمسلمين والإسلام ، كبناء القناطر وإيجاد الطرق والشوارع وتعميرها ، وما يحصل به تعظيم الشعائر وعُلوّ كلمة الإسلام ، أو دفع الفتن والمفاسد عن حوزة الإسلام وبين القبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك ، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوجين والولد والوالد .

الثامن : ابن السبيل ، وهو المنقطَع به في الغُربة وإن كان غنيّاً في بلده إذا كان سفره مباحاً ، فلو كان في معصية لم يعط . وكذا لو تمكّن من الاقتراض وغيره ، فيدفع إليه منها ما يوصله إلى بلده على وجه يليق بحاله وشأنه ، أو إلى محلّ يمكنه تحصيل النفقة ولو بالاستدانة ، ولو وصل إلى بلده وفضل ممّا اُعطي شيء - ولو بسبب التقتير على نفسه - أعاده على الأقوى حتّى في مثل الدابّة والثياب ونحوها ، فيوصله إلى الدافع أو وكيله ، ومع تعذّره أو حرجيته يوصله إلى الحاكم ، وعليه أيضاً إيصاله إلى أحدهما ، أو الاستئذان من الدافع في صرفه على الأحوط لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 19) : إذا التزم بنذر أو شبهه أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً ، أو صرفها في مصرف معيّن من مصارف الزكاة ، وجب عليه ، لكن لو سها وأعطى غيره أو

ص: 356

صرفها في غيره أجزأه ، ولا يجوز استردادها من الفقير حتّى مع بقاء العين ، بل الظاهر كذلك فيما لو أعطاه أو صرفها مع الالتفات والعمد ؛ وإن أثم بسبب مخالفة النذر حينئذٍ وتجب عليه الكفّارة .

القول : في أوصاف المستحقّين للزكاة

وهي اُمور :

الأوّل : الإيمان ، فلا يعطى الكافر ، ولا المخالف للحقّ وإن كان من فرق الشيعة ، بل ولا المستضعف من فرق المخالفين ، إلاّ من سهم المؤلّفة قلوبهم ، ولا يعطى ابن الزنا من المؤمنين في حال صغره ، فضلاً عمّن كان من غيرهم . ويعطى أطفال الفرقة الحقّة ؛ من غير فرق بين الذكر والاُنثى ، ولا بين المميّز وغيره ، بل لو تولّد بين المؤمن وغيره اُعطي منها إذا كان الأب مؤمناً ، ومع عدم إيمانه لا يعطى وإن كانت الاُمّ مؤمنة . ولا تسلّم إلى الطفل ، بل تدفع إلى وليّه ، أو يصرفها عليه بنفسه أو بواسطة أمين . والمجنون كالطفل . أمّا السفيه فيجوز الدفع إليه وإن تعلّق الحجر به مع شرائطه .

الثاني : أن لا يكون شارب الخمر على الأحوط ، بل غير متجاهر بمثل هذه الكبيرة على الأحوط . ولا يشترط فيه العدالة وإن كان أحوط ، فيجوز الدفع إلى غير العادل من المؤمنين مع عدم التجاهر بما ذكر ؛ وإن تفاوتت مراتب الرجحان في الأفراد . نعم ، يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح ، وفي المنع ردع عن المنكر . والأحوط اعتبار العدالة في العامل حال عمله ؛ وإن لا تبعد كفاية الوثوق والاطمئنان به . وأمّا في الغارم وابن السبيل والرقاب فغير معتبرة ، فضلاً عن المؤلّفة وفي سبيل اللّه .

ص: 357

الثالث : أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة الدائمة التي لم يسقط عنه وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية ، فلا يجوز دفعها إليهم للإنفاق وإن سقط عنه وجوبه لعجزه ؛ من غير فرق بين إعطاء تمام الإنفاق أو إتمام ما يجب عليه بها ، كما لو كان قادراً على إطعامهم وعجز عن إكسائهم فأراد إعطاءه منها . نعم ، لا يبعد جوازه للتوسعة عليهم وإن كان الأحوط خلافه . ويجوز دفعها إليهم لأجل إنفاقهم على من تجب نفقته عليهم دونه ، كالزوجة للوالد أو الولد مثلاً ، كما أ نّه يجوز دفع الغير إليهم ولو للإنفاق . ولو كان من تجب عليه باذلاً فالأحوط عدم الدفع ؛ وإن كان الأقوى في غير الزوجة جوازه . ولو عال أحداً تبرّعاً جاز له ولغيره دفع زكاته إليه حتّى للإنفاق ؛ من غير فرق بين كون الشخص المزبور قريباً أو أجنبيّاً . ولا بأس بدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها وإن أنفقها عليها ، وكذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب .

(مسألة 1) : الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة ؛ هو ما كان من سهم الفقراء ولأجل فقرهم ، وأمّا من غيره كسهم الغارمين والمؤلّفة قلوبهم وسبيل اللّه والرقاب وابن السبيل فيما زاد على نفقته الواجبة في الحضر ، فلا مانع منه إذا كانوا من مصاديقها على إشكال في الأخير ، فيجوز للوالد إعطاء الزكاة ولده المشتغل بتحصيل العلم ؛ لما يحتاج إليه من الكتب العلمية وغيرها من سهم سبيل اللّه .

(مسألة 2) : يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة ، التي سقط وجوب نفقتها بالشرط ونحوه كما مرّ . وأمّا إذا كان السقوط لأجل النشوز فيشكل الجواز

ص: 358

لتمكّنها من تحصيلها بتركه . وكذا يجوز الدفع إلى المتمتَّع بها حتّى من زوجها . نعم ، لو وجب على الزوج نفقتها من جهة الشرط ، لا يجوز له أن يدفع إليها ، ولا لغيره مع يسار الزوج وكونه باذلاً .

الرابع : أن لا يكون هاشمياً لو كانت الزكاة من غيره ، أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بتناولها منه ، كما لا بأس بتناولها من غيره مع الاضطرار ، ولكن الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً ، كما أنّ الأحوط له اجتناب مطلق الصدقة الواجبة - ولو كان بالعارض - وإن كان الأقوى خلافه . نعم ، لا بأس بدفع الصدقات المندوبة إليهم . والمشكوك كونه هاشمياً مع عدم بيّنة أو شياع بحكم غيره ، فيُعطى من الزكاة . نعم ، لو ادّعى كونه هاشمياً لا تُدفع إليه من جهة إقراره بعدم الاستحقاق ، لا من جهة ثبوت مدّعاه بمجرّد دعواه ، ولذا لا يُعطى من الخمس أيضاً بذلك ما لم يثبت صحّة دعواه من الخارج .

القول : في بقيّة أحكام الزكاة

(مسألة 1) : لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية ؛ وإن استحبّ مع سعتها ووجود الأصناف ، فيجوز التخصيص ببعضها ، وكذا لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده ، فيجوز التخصيص ببعض .

(مسألة 2) : تجب النيّة في الزكاة ، ولا تجب فيها أزيد من القربة والتعيين ، دون الوجوب والندب وإن كان أحوط ، فلو كان عليه زكاة وكفّارة - مثلاً - وجب تعيين أحدهما حين الدفع ، بل الأقوى ذلك بالنسبة إلى زكاة المال والفطرة . نعم ، لا يُعتبر تعيين الجنس الذي تخرج منه الزكاة ؛ أ نّه من الأنعام أو النقدين أو

ص: 359

الغلاّت ، فيكفي مجرّد كونه زكاة ، لكن ذلك إذا كان المدفوع من غير الجنس الزكوي قيمة فيوزّع عليها بالنسبة ، وأمّا إذا كان من أحدها فينصرف إليه إلاّ مع قصد كونه بدلاً أو قيمة . نعم ، لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل ، فأخرج شاة من غير تعيين ، يوزّع بينهما إلاّ مع الترديد في كونه إمّا من الإبل وإمّا من الغنم ، فإنّ الظاهر عدم الصحّة . ويتولّى النيّة الحاكم عن الممتنع . ولو وكّل أحداً في أداء زكاته ، يتولّى الوكيل النيّة إذا كان المال الذي يزكّيه عند الوكيل وكان مُخرجاً لزكاته ، وأمّا إذا أخرج مقدار الزكاة ودفع إلى شخص ليوصله إلى محلّه ، يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاة ، ويكفي بقاؤها في خزانة نفسه وإن لم يحضرها وقت الأداء تفصيلاً . ولو دفع المال إلى الفقير بلا نيّة ، فله تجديدها ولو بعد زمان طويل مع بقاء العين ، وأمّا لو كانت تالفة ، فإن كانت مضمونة على وجه لم يكن معصية اللّه ، واشتغلت ذمّة الآخذ بها له أن يحسبها زكاة كسائر الديون ، وأمّا مع الضمان على وجه المعصية لا يجوز احتسابها زكاة ، كما أ نّه مع تلفها بلا ضمان لا محلّ لما ينويها زكاة .

(مسألة 3) : لو كان له مال غائب ودفع إلى الفقير مقدار زكاته ، ونوى أ نّه إن كان باقياً فهذا زكاته ، وإلاّ فصدقة مستحبّة ، أو من المظالم - مثلاً - صحّ وأجزأ .

(مسألة 4) : الأحوط - لو لم يكن الأقوى - عدم جواز تأخير الزكاة - ولو بالعزل مع الإمكان - عن وقت وجوبها الذي يغاير وقت التعلّق كالغلاّت ، بل فيما يعتبر فيه الحول أيضاً ؛ لاحتمال أن يكون وقت الوجوب هو وقت الاستقرار بمضيّ السنة ، بل الأحوط عدم تأخير الدفع والإيصال أيضاً مع وجود المستحقّ ، وإن كان الأقوى الجواز ، خصوصاً مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل إلى

ص: 360

شهرين أو أزيد في خلال السنة ، والأحوط عدم التأخير عن أربعة أشهر ، ولو تلفت مع التأخير بغير عذر ضمنها . ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب إلاّ قرضاً على المستحقّ ، فيحسبها - حينه - عليه زكاة مع بقائه على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على شرائط الوجوب ، وله أن يستعيد منه ويدفع إلى غيره ، إلاّ أنّ الأحوط الأولى الاحتساب حينئذٍ .

(مسألة 5) : الأفضل بل الأحوط دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة ، سيّما إذا طلبها ؛ لأ نّه أعرف بمواقعها ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه إلاّ إذا حكم بالدفع إليه لمصلحة الإسلام أو المسلمين ، فيجب اتّباعه وإن لم يكن مقلّداً له .

(مسألة 6) : يستحبّ ترجيح الأقارب على غيرهم ، وأهل الفضل والفقه والعقل على غيرهم ، ومن لا يسأل من الفقراء على غيره .

(مسألة 7) : يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص حتّى مع وجود المستحقّ . والتعيين في غير الجنس محلّ إشكال وإن لا يخلو من وجه ، فتكون أمانة في يده ، لا يضمنها إلاّ مع التعدّي أو التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ ، وليس له تبديلها بعد العزل .

(مسألة 8) : لو أتلف الزكاة المعزولة متلف ، فإن كان مع عدم ما يوجب الضمان كالتأخير - مثلاً - يكون الضمان على المُتلِف فقط ، وإلاّ فعلى المالك أيضاً وإن كان قراره على المُتلِف .

(مسألة 9) : لو اتّجر بما عزله تكون الخسارة عليه والربح للفقير ؛ إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة فأجاز وليّ الأمر ، وكذا في الاتّجار بالنصاب قبل إخراج الزكاة على الأقرب . وأمّا إذا اتّجر بهما لنفسه وأوقع التجارة بالعين الخارجي ،

ص: 361

فتصحيحهما في الموردين بالإجازة محلّ إشكال ، بل يقع باطلاً في الجميع في الأوّل ، وبالنسبة في الثاني . وإن أوقع التجارة بالذمّة وأدّى من المعزول أو النصاب ، يكون ضامناً والربح له ، إلاّ إذا أراد الأداء بهما حال إيقاع التجارة ، فإنّه حينئذٍ محلّ إشكال .

(مسألة 10) : يجوز نقل الزكاة من بلده ؛ سواء وجد المستحقّ في البلد أم لا ، ولو تلفت يضمن في الأوّل دون الثاني ، كما أنّ مؤونة النقل عليه مطلقاً .

(مسألة 11) : لو قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية على أخذها ، برئت ذمّة المالك وإن تلفت عنده بتفريط أو غيره ، أو أعطى غير المستحقّ اشتباهاً ، وإذا قبضها بعنوان الوكالة عن المالك ، لم تبرأ ذمّته إلاّ بعد الدفع إلى المحلّ .

(مسألة 12) : اُجرة الكيّال والوزّان والكيل ونحو ذلك على المالك .

(مسألة 13) : من كان عليه أو في تَرِكَته الزكاة وأدركه الموت ، يجب عليه الإيصاء بإخراجها من تركته ، وكذا سائر الحقوق الواجبة . ولو كان الورّاث مستحقّين جاز للوصيّ أداؤها إليهم من مال الميّت ، وكذا جاز أخذها لنفسه ؛ مع الاستحقاق وعدم انصرافٍ في الوصيّة إلى أدائها إلى الغير . ويُستحبّ دفع شيء منها إلى غير الوارث إذا أراد دفعها إليه .

(مسألة 14) : يكره لربّ المال أن يطلب من الفقير تملّك ما دفعه إليه صدقة ولو مندوبة ؛ سواء كان التملّك مجّاناً أو بالعوض ، ولو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد ، كان المالك أحقّ به ، لكن زوال الكراهة غير معلوم . نعم ، لو كانت الصدقة جزء حيوان لا يتمكّن الفقير من الانتفاع به ، ولا يشتريه غير المالك ، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره ، جاز شراؤه من دون كراهة .

ص: 362

(مسألة 15) : لو دفع شخص زكاته إلى شخص ليصرفها في الفقراء ، أو خمسه إليه ليصرفه في السادة ، ولم يعيّن شخصاً ، وكان المدفوع إليه مصرفاً ، ولم ينصرف اللفظ عنه ، جاز له أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة ، وكذا له أن يصرفه في عياله ، خصوصاً إذا قال : هذا للفقراء أو للسادة ، أو هذا مصرفه الفقراء والسادة ؛ وإن كان الأحوط عدم الأخذ إلاّ بإذن صريح ، وكذا الحال لو دفع إليه مالَ آخر ليصرفه في طائفة ، وكان المدفوع إليه بصفتهم .

المقصد الثاني : في زكاة الأبدان

اشارة

وهي المسمّاة بزكاة الفطرة ، وقد ورد فيها : «أ نّه يتخوّف الفوت على من لم تدفع عنه» و«أ نّها من تمام الصوم ، كما أنّ الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم من تمام الصلاة» .

والكلام فيمن تجب عليه ، وفي جنسها وفي قدرها ، وفي وقتها ، وفي مصرفها :

القول : فيمن تجب عليه

(مسألة 1) : تجب زكاة الفطرة على المكلّف الحرّ الغنيّ فعلاً أو قوّة ، فلاتجب على الصبيّ ، ولا المجنون ؛ ولو أدوارياً إذا كان دور جنونه عند دخول ليلة العيد ، ولا يجب على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما ، بل الأقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى من يعولانه ، ولا على من هو مُغمىً عليه عند دخول ليلة العيد ، ولا على المملوك ، ولا على الفقير الذي لا يملك مؤونة سنته له ولعياله - زائداً على ما يقابل الدين ومستثنياته - لا فعلاً ولا قوّة ، والأحوط اعتبار الدين الحالّ في

ص: 363

هذه السنة لا غيره . نعم ، الأحوط الأولى لمن زاد على مؤونة يومه وليلته صاعٌ إخراجها ، بل يستحبّ للفقير مطلقاً إخراجها ؛ ولو بأن يُدير صاعاً على عياله ، ثمّ يتصدّق على الأجنبيّ بعد أن ينتهي الدور إليه ، هذا إذا لم يكن بينهم قاصر ، وإلاّ فالأحوط أن يقتصر في الإدارة بينهم على المكلّفين ، ولو أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها له ، ولا يردّها إلى غيره .

(مسألة 2) : يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد ؛ أي قبيله ولو بلحظة ؛ بأن كان واجداً لها فأدرك الغروب ، فلا يكفي وجودها قبله إذا زال عنده ، ولا بعده لو لم يكن عنده ، فتجب على من بلغ - مثلاً - عنده أو زال جنونه ، ولا تجب على من بلغ بعده أو زال جنونه . نعم ، يُستحبّ أداؤها إذا كان ذلك قبل الزوال من يوم العيد .

(مسألة 3) : يجب على من استكمل الشرائط المزبورة إخراجها عن نفسه وعمّن يعوله ؛ من مسلم وكافر وحرّ وعبد وصغير وكبير ؛ حتّى المولود قبل هلال شوّال ولو بلحظة . وكذا كلّ من يدخل في عيلولته قبله ؛ حتّى الضيف وإن لم يتحقّق منه الأكل ، مع صدق كونه ممّن يعوله وإن لم يصدق أ نّه عياله ، بخلاف المولود بعده ، وكذا من دخل في عيلولته بعده ، فلا تجب عليه فطرتهم . نعم ، هي مستحبّة إذا كان ما ذكر قبل الزوال من العيد .

(مسألة 4) : من وجبت فطرته على الغير لضيافة أو عيلولة ، سقطت عنه ولو كان غنيّاً جامعاً لشرائط الوجوب لو لا العيلولة . بل الأقوى سقوطها عنه وإن كان المضيِّف والمعيل فقيراً وهو غنيّ ، والأحوط إخراجه عن نفسه لو علم بعدم إخراج الغير الذي خوطب بها نسياناً أو عصياناً ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه ،

ص: 364

والأقوى وجوبها على الضيف إذا لم يصدق أ نّه ممّن يعوله ، لكن لا ينبغي للمضيّف ترك الاحتياط بالإخراج أيضاً ، مضافاً إلى إخراج الضيف .

(مسألة 5) : الغائب عن عياله يجب عليه أن يخرجها عنهم ، إلاّ إذا وكّلهم في إخراجها من ماله ، وكانوا موثوقاً بهم في الأداء .

(مسألة 6) : الظاهر أنّ المدار في العيال هو فعلية العيلولة ، لا على وجوب النفقة وإن كان الأحوط مراعاة أحد الأمرين ، فلو كانت له زوجة دائمة في عيلولة الغير ، تجب على ذلك الغير فطرتها لا عليه ، ولو لم تكن في عيلولة أحد تجب عليها مع اجتماع الشرائط ، ومع عدمه لا تجب على أحد . وكذا الحال في المملوك .

(مسألة 7) : لو كان شخص في عيلولة اثنين تجب فطرته عليهما مع يسارهما ، ومع يسار أحدهما تجب عليه حصّته دون الآخر على الأحوط في الصورتين .

(مسألة 8) : تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي . والمدار هو المعيل لا العيال ، والأحوط مراعاة كليهما .

(مسألة 9) : تجب فيها النيّة كغيرها من العبادات ، ويجوز أن يتولّى الإخراج من وجبت عليه ، أو يوكّل غيره في التأدية ، فحينئذٍ لا بدّ للوكيل من نيّة التقرّب ، وإن وكّله في الإيصال يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاة . ويكفي بقاء النيّة في خزانة نفسه ، ولا يجب خطورها تفصيلاً . ويجوز أن يوكّل غيره في الدفع من ماله والرجوع إليه ، فيكون بمنزلة الوكيل في دفعه من مال الموكّل ، ولا يبعد جواز التوكيل في التبرّع ؛ بأن يوكّله أن يؤدّي زكاته من ماله بدون الرجوع إليه . نعم ، أصل التبرّع بها بلا توكيل محلّ إشكال .

ص: 365

القول : في جنسها

(مسألة 1) : لا يبعد أن يكون الضابط فيه ما يتعارف - في كلّ قوم أو قطر - التغذّي به وإن لم يكتفوا به ، كالبُرّ والشعير والأرُز في مثل غالب بلاد إيران والعراق ، والأرُز في مثل الجيلان وحواليه ، والتمر والاُقط واللبن في مثل النجد وبراري الحجاز ؛ وإن كان الأقوى الجواز في الغلاّت الأربع مطلقاً ، فإذا غلب في قطر التغذّي بالذرة ونحوها ، يجوز إخراجها ، كما يجوز إخراج الغلاّت الأربع ، ومع عدم الغلبة فالأحوط إخراج الغلاّت الأربع . ويجوز دفع الأثمان قيمة ، وفي إخراج غيرها ممّا لا يكون من جنسها قيمة إشكال ، بل عدم الاجتزاء لا يخلو من وجه ، وتعتبر في القيمة حال وقت الإخراج وبلده .

(مسألة 2) : يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً ، فلا يجزي المعيب . كما لا يجزي الممزوج بما لا يتسامح فيه ، بل يشكل إعطاء المعيب والممزوج قيمة عن الصحيح وغير الممزوج .

(مسألة 3) : الأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب ، وقد يترجّح الأنفع بملاحظة المرجّحات الخارجية ، كما يرجّح لمن يكون قوته من البُرّ الأعلى الدفع منه ، لا من الأدون أو الشعير .

القول : في قدرها

وهو صاع من جميع الأقوات حتّى اللبن . والصاع أربعة أمداد ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ، وستّة بالمدني ، وهي عبارة عن ستّمائة وأربعة عشر مثقالاً صيرفياً وربع مثقال ، فيكون بحسب حُقّة النجف - التي هي تسعمائة مثقال

ص: 366

وثلاثة وثلاثون مثقالاً وثُلُث مثقال - نصفَ حُقّةٍ ونصف وقيّة وأحد وثلاثون مثقالاً إلاّ مقدار حمّصتين ، وبحسب حُقّة إسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - حُقّتان وثلاثة أرباع الوقيّة ومثقال وثلاثة أرباع المثقال ، وبحسب المنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - نصف منّ إلاّ خمسة وعشرين مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال ، وبحسب الكيلو في هذا العصر ما يقارب ثلاث كيلوات .

القول : في وقت وجوبها

وهو دخول ليلة العيد ، ويستمرّ وقت دفعها إلى وقت الزوال ، والأفضل بل الأحوط التأخير إلى النهار ، ولو كان يصلّي العيد فلا يترك الاحتياط بإخراجها قبل صلاته ، فإن خرج وقتها وكان قد عزلها دفعها إلى مستحقّها ، وإن لم يعزلها فالأحوط عدم سقوطها ، بل يؤدّي ناوياً بها القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء .

(مسألة 1) : لا يجوز تقديمها على شهر رمضان ، بل مطلقاً على الأحوط . نعم ، لا بأس بإعطاء الفقير قرضاً ، ثمّ احتسابه عليه فطرة عند مجيء وقتها .

(مسألة 2) : يجوز عزل الفطرة وتعيينها في مال مخصوص من الأجناس ، أو عزل قيمتها من الأثمان ، والأحوط بل الأوجه الاقتصار في عزل القيمة على الأثمان ، ولو عزل أقلّ ممّا تجب عليه اختصّ الحكم به ، وبقي الباقي غير معزول ، ولو عزلها في الأزيد ففي انعزالها بذلك حتّى يكون المعزول مشتركاً بينه وبين الزكاة إشكال . نعم ، لو عيّنها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعاً ،

ص: 367

فالأظهر انعزالها بذلك إذا كانت حصّته بقدرها أو أقلّ منها . ولو خرج الوقت وقد عزلها في الوقت جاز تأخير دفعها إلى المستحقّ ، خصوصاً مع ملاحظة بعض المرجّحات ؛ وإن كان يضمنها مع التمكّن ووجود المستحقّ لو تلفت ، بخلافه فيما إذا لم يتمكّن ، فإنّه لا يضمن إلاّ مع التعدّي والتفريط في حفظه كسائر الأمانات .

(مسألة 3) : الأحوط عدم نقلها بعد العزل إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ .

القول : في مصرفها

الأقوى أنّ مصرفها مصرف زكاة المال ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار على دفعها إلى الفقراء المؤمنين وأطفالهم ، بل المساكين منهم ؛ وإن لم يكونوا عدولاً ، ويجوز إعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود المؤمنين .

والأحوط أن لا يدفع إلى الفقير أقلّ من صاع أو قيمته وإن اجتمع جماعة لا تسعهم كذلك . ويجوز أن يُعطى الواحد أصواعاً ، بل إلى مقدار مؤونة سنته ، والأحوط عدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونتها . ويستحبّ اختصاص ذوي الأرحام والجيران وأهل الهجرة في الدين والفقه والعقل ، وغيرهم ممّن يكون فيه بعض المرجّحات . ولا يترك الاحتياط بعدم الدفع إلى شارب الخمر والمتجاهر بمثل هذه الكبيرة ، ولا يجوز أن يدفع إلى من يصرفها في المعصية .

ص: 368

كتاب الخمس

اشارة

وهو الذي جعله اللّه تعالى لمحمّد صلی الله علیه و آله وسلم وذرّيته - كثّر اللّه نسلهم المبارك - عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ أيدي الناس إكراماً لهم ، ومن منع منه درهماً كان من الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم ، فعن مولانا الصادق علیه السلام : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام ، والخمس لنا فريضة ، والكرامة لنا حلال» ، وعنه علیه السلام : «لا يُعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول : يا ربّ اشتريته بمالي ؛ حتّى يأذن له أهل الخمس» ، وعن أبي جعفر علیه السلام : «ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا نصيبنا» .

والكلام فيما يجب فيه الخمس ، وفي مستحقّيه ، وكيفية قسمته بينهم ، وفي الأنفال .

القول : فيما يجب فيه الخمس

يجب الخمس في سبعة أشياء :

الأوّل : ما يُغتنم قهراً ، بل سرقة وغيلة - إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه - من

ص: 369

أهل الحرب الذين يُستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم ؛ إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام علیه السلام ؛ من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه كالأرض ونحوها على الأصحّ . وأمّا ما اغتُنم بالغزو من غير إذنه ، فإن كان في حال الحضور والتمكّن من الاستئذان منه فهو من الأنفال ، وأمّا ما كان في حال الغيبة وعدم التمكّن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه ، سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، وكذا ما اغتُنم منهم عند الدفاع - إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم - ولو في زمن الغيبة ، وما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة - غير ما مرّ - وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها ، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة ، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة ، ولكن الأقوى خلافه . ولا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصحّ . نعم ، يعتبر فيه أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد ونحوهم من محترمي المال ، بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب وإن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة . والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتُنم منهم وتعلّق الخمس به ، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأيّ نحو كان ، ووجوب إخراج خمسه .

الثاني : المعدن ، والمرجع فيه العرف ، ومنه الذهب ، والفضّة ، والرصاص ، والحديد ، والصفر ، والزئبق ، وأنواع الأحجار الكريمة ، والقير ، والنفط ، والكبريت ، والسبخ ، والكحل ، والزرنيخ ، والملح ، والفحم الحجري ، بل والجصّ ، والمغرة ، وطين الغسل والأرمني على الأحوط . وما شُكّ أ نّه منه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة . ويعتبر فيه - بعد إخراج مؤونة الإخراج والتصفية - بلوغه عشرين ديناراً أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط .

ص: 370

ولو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط ، وتلاحظ القيمة حال الإخراج ، والأحوط الأولى إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً ، بل لا ينبغي تركه . ولا يعتبر الإخراج دفعة على الأقوى ، فلو اُخرج دفعات وبلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع ؛ حتّى فيما لو أخرج أقلّ منه وأعرض ثمّ عاد وأكمله على الأحوط لو لم يكن الأقوى . ولو اشترك جماعة في استخراجه ، فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب ؛ وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك . ولو اشتمل معدن واحد على جنسين أو أزيد ، كفى بلوغ قيمة المجموع نصاباً على الأقوى . ولو كانت معادن متعدّدة لا يُضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد . نعم ، لو عدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية يضمّ بعض إلى بعض .

(مسألة 1) : لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة ؛ وإن كان الأوّل لمن استنبطه ، والثاني لصاحب الأرض وإن أخرجه غيره ، وحينئذٍ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المؤونة ، ومنها اُجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً ، وإن لم يكن بأمره يكون المخرج له وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة ؛ لأ نّه لم يصرف مؤونة ، وليس عليه ما صرفه المخرج . ولو كان المعدن في أرض مفتوحة عنوة ، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين ، وأخرجه أحد منهم ملكه ، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين ، وإلاّ فمحلّ إشكال ، كما أ نّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال . وإن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج ، وعليه الخمس ولو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة ، ولو

ص: 371

استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى ، ووجب على الوليّ إخراجه .

(مسألة 2) : قد مرّ : أ نّه لا فرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن ؛ بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بتفصيل مرّ ذكره ، فالمعادن التي يستخرجها الكفّار من الذهب والفضّة والحديد والنفط والفحم الحجري وغيرها يتعلّق بها الخمس ، ومع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم ، لكن إذا انتقل منهم إلى الطائفة المحقّة لا يجب عليهم تخميسها ؛ حتّى مع العلم بعدم التخميس ، فإنّ الأئمّة علیهم السلام قد أباحوا لشيعتهم خُمس الأموال غير المخمّسة ، المنتقلة إليهم ممّن لا يعتقد وجوب الخمس ؛ كافراً كان أو مخالفاً ، معدناً كان المتعلَّق أو غيره من ربح التجارة ونحوه . نعم ، لو وصل إليهم ممّن لا يعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلّق به الخمس من الإمامية - اجتهاداً أو تقليداً - أو يعتقد عدم وجوبه مطلقاً بزعم أ نّهم علیهم السلام أباحوه مطلقاً لشيعتهم ما يتعلّق به الخمس ، يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه . نعم ، مع الشكّ في رأيه لا يجب عليه الفحص ولا التخميس مع احتمال أدائه ، ولكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط بل الأقوى التجنّب حتّى يخمّس .

الثالث : الكنز ، والمرجع في تشخيص مسمّاه العرف ، فإذا لم يعرف صاحبه - سواء كان في بلاد الكفّار ، أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام ؛ سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا - ففي جميع هذه الصور يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس . نعم ، لو وجده في أرض مملوكة له - بابتياع ونحوه - عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له ، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أ نّه له ، فيكون له وعليه الخمس إذا بلغ عشرين ديناراً في

ص: 372

الذهب ومائتي درهم في الفضّة ، وبأيّهما كان في غيرهما . ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في جوف الدابّة المشتراة مثلاً ، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع ، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب ، بل يلحق به أيضاً على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة ، بل لا تعريف فيه للبائع إلاّ في فرض نادر ، بل الأحوط إلحاق غير السمكة والدابّة من الحيوان بهما .

الرابع : الغوص ، فكلّ ما يخرج به من الجواهر - مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما ممّا يُتعارف إخراجه بالغوص - يجب فيه الخمس إذا بلغ قيمته ديناراً فصاعداً ، ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه ، وبين الدفعة والدفعات ، فيضمّ بعضها إلى بعض ، فلو بلغ المجموع ديناراً وجب الخمس . واشتراك جماعة في الإخراج هاهنا كالاشتراك في المعدن في الحكم .

(مسألة 3) : لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط . نعم ، لو خرجت بنفسها على الساحل أو على وجه الماء ، فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك ، فيعتبر فيها إخراج مؤونة السنة ، ولا يعتبر فيها النصاب . وأمّا لو عثر عليها من باب الاتّفاق ، فتدخل في مطلق الفائدة ، ويجيء حكمه .

(مسألة 4) : لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر والأنهار الكبيرة - كدجلة والفرات والنيل - إذا فرض تكوُّن الجواهر فيها كالبحر .

(مسألة 5) : لو غرق شيء في البحر وأعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص ملكه ، والأحوط إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر ، وأمّا غيرها فالأقوى عدمه .

ص: 373

(مسألة 6) : لو اُخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه ، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل ، فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي دخل في مطلق الفائدة .

(مسألة 7) : إنّما يجب الخمس في الغوص والمعدن والكنز ، بعد إخراج ما يغرمه على الحفر والسبك والغوص والآلات ونحو ذلك ، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج .

الخامس : ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات ، بل وسائر التكسّبات ؛ ولو بحيازة مباحات ، أو استنماءات ، أو استنتاجات ، أو ارتفاع قيم ، أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة وإن لم يدخل في مسمّى التكسّب ، كالهبات والهدايا والجوائز والميراث الذي لا يحتسب ، وكذا فيما يملك بالصدقة المندوبة ؛ وإن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب لا يخلو من قوّة ، كما أنّ الأقوى عدم تعلّقه بمطلق الإرث والمهر وعوض الخلع ، والاحتياط حسن . ولا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة وإن زاد عن مؤونة السنة . نعم ، يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح والاستنماء لا مطلقاً .

(مسألة 8) : لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس ، أو أدّى خمسها وارتفعت قيمتها السوقية ، لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها ، كما إذا كان المقصود من شرائها وإبقائها اقتناءها والانتفاع بمنافعها ونمائها ، وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها ، فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها - بعد تمام السنة - إن أمكن بيعها وأخذ قيمتها ، وإن

ص: 374

لم يمكن إلاّ في السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة - لا الماضية - على الأظهر .

(مسألة 9) : لو كان بعض الأموال التي يتّجر بها وارتفعت قيمتها ، موجوداً عنده في آخر السنة ، وبعضها ديناً على الناس ، فإن باع الموجود أو أمكن بيعه وأخذ قيمته ، يجب عليه خمس ربحه وزيادة قيمته ، وأمّا الذي على الناس فإن كان يطمئنّ باستحصاله متى أراد - بحيث يكون كالموجود عنده - يخمّس المقدار الزائد على رأس ماله ، وما لا يطمئنّ باستحصاله يصبر إلى زمان تحصيله ، فمتى حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل .

(مسألة 10) : الخمس في هذا القسم ، بعد إخراج الغرامات والمصارف التي تصرف في تحصيل النماء والربح ، وإنّما يتعلّق بالفاضل من مؤونة السنة ؛ التي أوّلها حال الشروع في التكسّب فيمن عمله التكسّب واستفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلاً ، وفي غيره من حين حصول الربح والفائدة ، فالزارع مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع ووصولها بيده ، وهو عند تصفية الغلّة ، ومن كان عنده الأشجار المثمرة مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة واجتذاذها . نعم ، لو باع الزرع أو الثمار قبل ذلك ، يكون مبدأ سنته وقت أخذ ثمن المبيع ، أو كونه كالموجود بأن يستحصل بالمطالبة .

(مسألة 11) : المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم ، ومنها ما يصرفه في زياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وضيافاته ومصانعاته ، والحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة ونحو ذلك ، وما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب ، بل ما يحتاج إليه لتزويج

ص: 375

أولاده واختتانهم ولموت عياله وغير ذلك ممّا يعدّ من احتياجاته العرفية . نعم ، يعتبر فيما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً وسرفاً ، فلو زاد على ذلك لا يُحسب منها ، بل الأحوط مراعاة الوسط من المؤونة المناسب لمثله ، لا صرف غير اللائق بحاله وغير المتعارف من مثله ، بل لا يخلو لزومها من قوّة . نعم ، التوسعة المتعارفة من مثله من المؤونة . والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلاً لا مقدارها ، فلو قتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يُحسب مقداره منها ، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شيء - كالحجّ أو أداء دين أو كفّارة ونحوها - ولم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً ونحوه ، لم يحسب مقداره منها على الأقوى .

(مسألة 12) : لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة والزرع وعمل اليد وغير ذلك ، يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع ، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته ، ولا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة .

(مسألة 13) : الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة ، فيجب عليه خمسه إذا كان من أرباح المكاسب ، إلاّ إذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته أو إعاشته ممّا يليق بحاله ، كما لو فرض أ نّه مع إخراج خمسه ، يتنزّل إلى كسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمؤونته ، فإذا لم يكن عنده مال ، فاستفاد بإجارة أو غيرها مقداراً ، وأراد أن يجعله رأس ماله للتجارة ويتّجر به ، يجب عليه إخراج خمسه ، وكذلك الحال في الملك الذي يشتريه من الأرباح ليستفيد من عائداته .

(مسألة 14) : لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان - مثلاً - ولم يتعلّق بها

ص: 376

الخمس ، كما إذا انتقل إليه بالإرث ، أو تعلّق بها لكن أدّاه ، فتارة يُبقيها للتكسّب بعينها ، كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها ، فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم الذكر الذي يُبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بلحمه . واُخرى للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها . وثالثة للتعيّش بنمائها وثمرها ؛ بأن كان لأكل عياله وأضيافه . أمّا في الصورة الاُولى : فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل ، فضلاً عن المنفصل . كالصوف والشعر والوبر . وفي الثانية : لا يتعلّق بنمائها المتّصل ، وإنّما يتعلّق بالمنفصل منه . كما أنّ في الثالثة : يتعلّق بما زاد على ما صرفه في معيشته .

(مسألة 15) : لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة ، فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر ، يجبر الخسران بالربح ، فإذا تساويا فلا ربح ، وإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة . وكذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات ، بل وكذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد ، كما لو كان لتجارة واحدة بحسب الدفتر والجمع والخرج شعب كثيرة مختلفة ، كلّ شعبة تختصّ بنوع تجمعها شعبة مركزية ، أو مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض . نعم ، لو كان أنواع مختلفة من التجارة ، ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج والدخل والدفتر والحساب ، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر ، بل يمكن أن يقال : إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها .

ص: 377

(مسألة 16) : لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء ، كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك ، وزاد منها مقدار في آخر السنة ، يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً ، وأمّا لو اشترى فرشاً أو ظرفاً أو فرساً ونحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها ، فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها ، إلاّ إذا خرجت عن مورد الحاجة ، فيجب الخمس فيها على الأحوط(1) .

(مسألة 17) : إذا احتاج إلى دار لسكناه - مثلاً - ولا يمكنه شراؤها إلاّ من أرباحه في سنين عديدة ، فالأقوى أ نّه من المؤونة إن اشترى في كلّ سنة بعض ما يحتاج إليه الدار ، فاشترى في سنة أرضها مثلاً ، وفي اُخرى أحجارها ، وفي ثالثة أخشابها وهكذا ، أو اشترى - مثلاً - أرضها وأدّى من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلاّ كذلك . وأمّا إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا يُعدّ من المؤونة ، فيجب إخراج خمسه . كما أنّ جمع صوف غنمه من سنين عديدة - لفراشه اللازم أو لباسه - إذا لم يمكنه بغير ذلك ، يُعدّ من المؤونة على الأقوى . وكذلك اشتراء الجهيزية لصبيّته من أرباح السنين المتعدّدة في كلّ سنة مقدارها ، يعدّ من المؤونة لا إبقاء الأثمان للاشتراء .

(مسألة 18) : لو مات في أثناء حول الربح ، سقط اعتبار إخراج مؤونة بقيّة السنة على فرض حياته ، ويخرج خمس ما فضل عن مؤونته إلى زمان الموت .

(مسألة 19) : لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس ، فالأقوى جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة وإن كان الأحوط التوزيع ، فلو قام بمؤونته غيره - لوجوب أو تبرّع - لم تُحسب المؤونة ، ووجب الخمس من جميع الربح .

ص: 378


1- في (أ) لم يرد من «إلاّ» إلى آخر المسألة .

(مسألة 20) : لو استقرض في ابتداء سنته لمؤونته ، أو اشترى بعض ما يحتاج إليه في الذمّة ، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح ، يجوز له وضع مقداره من الربح .

(مسألة 21) : الدين الحاصل قهراً - مثل قيم المتلفات واُروش الجنايات ، ويُلحق بها النذور والكفّارات - يكون أداؤه في كلّ سنة من مؤونة تلك السنة ، فيوضع من فوائدها وأرباحها كسائر المؤن ، وكذا الحاصل بالاستقراض والنسيئة وغير ذلك ؛ إن كان لأجل مؤونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح ، فإنّه من المؤونة على الأقوى ، خصوصاً إذا كانت تلك السنة وقت أدائه . وأمّا الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس - المعبّر عنه ب_ «دستگردان» - فلا يُعدّ من المؤونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح ، أو كان زمان أدائه في تلك السنة وأدّاه ، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس ، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه .

(مسألة 22) : لو استطاع في عام الربح ، فإن مشى إلى الحجّ في تلك السنة يكون مصارفه من المؤونة ، وإذا أخّر لعذر أو عصياناً يجب إخراج خمسه ، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة ، وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة . وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلى الحجّ . وقد مرّ جواز صرف ربح السنة في المؤونة ، ولا يجب التوزيع بينه وبين غيره ممّا لا يجب فيه الخمس ، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحجّ ، وإبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه .

(مسألة 23) : الخمس متعلّق بالعين ، وتخيير المالك بين دفعه منها أو من مال

ص: 379

آخر لا يخلو من إشكال ؛ وإن لا يخلو من قرب إلاّ في الحلال المختلط بالحرام ، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين ، وليس له أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف في المال المتعلَّق للخمس . نعم ، يجوز للحاكم الشرعي ووكيله المأذون أن يصالح معه ونقل الخمس إلى ذمّته ، فيجوز حينئذٍ التصرّف فيه . كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضاً .

(مسألة 24) : لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها ؛ وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب ، ولو أراد التعجيل جاز له ، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأ نّه من باب التعجيل .

السادس : الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم ، فإنّه يجب على الذمّي خمسها ، ويؤخذ منه قهراً إن لم يدفعه بالاختيار ، ولا فرق بين كونها أرض مزرع أو بستان أو دار أو حمّام أو دكّان أو خان أو غيرها مع تعلّق البيع والشراء بأرضها مستقلاًّ ، ولو تعلّق بها تبعاً ؛ بأن كان المبيع الدار والحمّام - مثلاً - فالأقوى عدم التعلّق بأرضه . وهل يختصّ وجوب الخمس بما إذا انتقلت إليه بالشراء أو يعمّ سائر المعاوضات ؟ فيه تردّد ، والأحوط اشتراط أداء مقدار خمس الأرض عليه في عقد المعاوضة ؛ لنفوذه في مورد عدم ثبوته ، ولا يصحّ اشتراط سقوطه في مورد ثبوته ، فلو اشترط الذمّي - في ضمن عقد المعاوضة - مع المسلم عدم الخمس أو كونه على البائع بطل . نعم ، لو اشترط عليه أن يعطي مقداره عنه صحّ . ولو باعها من ذمّي آخر أو مسلم لم يسقط عنه الخمس بذلك ، كما لا يسقط لو أسلم بعد الشراء ، ومصرف هذا الخمس كغيره على الأصحّ . نعم ، لا نِصاب له ، ولا نيّة حتّى على الحاكم ، لا حين الأخذ ولا حين الدفع على الأصحّ .

ص: 380

(مسألة 25) : إنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض ، والكلام في تخييره كالكلام فيه على ما مرّ قريباً ، ولو كانت مشغولة بالغرس أو البناء - مثلاً - ليس لوليّ الخمس قلعه ، وعليه اُجرة حصّة الخمس لو بقيت متعلّقة له ، ولو أراد دفع القيمة في الأرض المشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء ، تقوّم مع وصف كونها مشغولة بها بالاُجرة ، فيؤخذ خمسها .

(مسألة 26) : لو اشترى الذمّي الأرض المفتوحة عنوة ، فإن بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها كذلك - كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم - فلا إشكال في وجوب الخمس عليه . وأمّا إذا بيعت تبعاً للآثار فيما كانت فيها آثار من غرس أو بناء ، وكذا فيما إذا انتقلت إليه الأرض الزراعية بالشراء من المسلم المتقبّل من الحكومة الذي مرجعه إلى تملّك حقّ الاختصاص الذي كان للمتقبّل ، فالأقوى عدم الخمس وإن كان الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلى أهله عليه .

(مسألة 27) : إذا اشترى الذمّي من وليّ الخمس ، الخمس الذي وجب عليه بالشراء ، وجب عليه خمس ذلك الذي اشتراه وهكذا على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدمه فيما إذا قوّمت الأرض التي تعلّق بها الخمس وأدّى قيمتها . نعم ، لو ردّ الأرض إلى صاحب الخمس أو وليّه ثمّ بدا له اشتراؤها ، فالظاهر تعلّقه بها .

السابع : الحلال المختلط بالحرام مع عدم تميّز صاحبه أصلاً ولو في عدد محصور ، وعدم العلم بقدره كذلك ؛ فإنّه يخرج منه الخمس حينئذٍ . أمّا لو علم قدر المال فإن علم صاحبه دفعه إليه ولا خمس ، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلّص منهم ، فإن لم يمكن فالأقوى الرجوع إلى القرعة ، ولو جهل صاحبه ، أو كان في عدد غير محصور ، تصدّق بإذن الحاكم على الأحوط

ص: 381

على من شاء ما لم يظنّه بالخصوص ، وإلاّ فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عليه إن كان محلاًّ له . نعم ، لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور . ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح . ومصرف هذا الخمس كمصرف غيره على الأصحّ .

(مسألة 28) : لو علم أنّ مقدار الحرام أزيد من الخمس ولم يعلم مقداره ، فالظاهر كفاية إخراج الخمس في تحليل المال وتطهيره ، إلاّ أنّ الأحوط - مع إخراج الخمس - المصالحةُ عن الحرام مع الحاكم الشرعي - بما يرتفع به اليقين بالاشتغال - وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وأحوط منه تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم والمصالحة معه في المشكوك فيه ، ويحتاط الحاكم بتطبيقه على المصرفين .

(مسألة 29) : لو كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله لا محلّ للخمس ، بل حينئذٍ لو علم مقداره ولم يعلم صاحبه حتّى في عدد محصور تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي ، أو دفعه إليه . وإن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوى الرجوع إلى القرعة . وإذا لم يعلم مقداره وتردّد بين الأقلّ والأكثر ، أخذ بالأقلّ ودفعه إلى مالكه لو كان معلوماً بعينه . وإن كان مردّداً بين محصور فحكمه كما مرّ . ولو كان مجهولاً أو معلوماً في غير محصور تصدّق به كما مرّ ، والأحوط حينئذٍ المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر ، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار .

(مسألة 30) : لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ ، فهو كمعلوم المالك ، ولا يجزيه إخراج الخمس .

ص: 382

(مسألة 31) : لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس ، وجب عليه بعد تخميس التحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه ، وله الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال ؛ إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل ، وبخمس البقيّة إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى ، والأحوط المصالحة مع الحاكم في موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر .

(مسألة 32) : لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ضمنه ، فعليه غرامته له على الأحوط ، ولو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أقلّ منه لا يستردّ الزائد ، ولو علم أ نّه أزيد منه فالأحوط التصدّق بالزائد ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة .

(مسألة 33) : لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس ، تعلّق الحرام بذمّته ، والظاهر سقوط الخمس ، فيجري عليه حكم ردّ المظالم ، وهو وجوب التصدّق ، والأحوط الاستئذان من الحاكم ، كما أنّ الأحوط دفع مقدار الخمس إلى الهاشمي بقصد ما في الذمّة بإذن الحاكم . ولو تصرّف فيه بمثل البيع يكون فضولياً بالنسبة إلى الحرام المجهول المقدار ، فإن أمضاه الحاكم يصير العوض - إن كان مقبوضاً - متعلَّقاً للخمس ؛ لصيرورته من المختلط بالحرام الذي لا يعلم مقداره ولم يعرف صاحبه ، ويكون المعوّض بتمامه ملكاً للمشتري . وإن لم يمضه يكون العوض المقبوض من المختلط بالحرام الذي جهل مقداره وعلم صاحبه ، فيجري عليه حكمه . وأمّا المعوّض فهو باقٍ على حكمه السابق ، فيجب تخميسه ، ولوليّ الخمس الرجوع إلى البائع ، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري بعد قبضه .

ص: 383

القول : في قسمته ومستحقّيه

(مسألة 1) : يقسّم الخمس ستّة أسهم : سهم للّه تعالى ، وسهم للنبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وسهم للإمام علیه السلام ، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر - أرواحنا له الفداء وعجّل اللّه تعالى فرجه - وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ممّن انتسب بالأب إلى عبدالمطّلب ، فلو انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس ، وحلّت له الصدقة على الأصحّ .

(مسألة 2) : يعتبر الإيمان - أو ما في حكمه - في جميع مستحقّي الخمس ، ولا يعتبر العدالة على الأصحّ ، والأحوط عدم الدفع إلى المتهتّك المتجاهر بالكبائر ، بل يقوى عدم الجواز ؛ إن كان في الدفع إعانة على الإثم والعدوان وإغراء بالقبيح ، وفي المنع ردع عنه . والأولى ملاحظة المرجّحات في الأفراد .

(مسألة 3) : الأقوى اعتبار الفقر في اليتامى ، أمّا ابن السبيل - أي المسافر في غير معصية - فلا يعتبر فيه في بلده . نعم ، يعتبر الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيّاً في بلده ، كما مرّ في الزكاة .

(مسألة 4) : الأحوط - إن لم يكن الأقوى - عدم دفع من عليه الخمس إلى من تجب نفقته عليه ، سيّما زوجته إذا كان للنفقة ، أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه ولم يكن واجباً عليه فلا بأس ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه ولو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها .

(مسألة 5) : لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه . نعم ، يكفي في ثبوتها كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد ، ويمكن الاحتيال في

ص: 384

الدفع إلى مجهول الحال - بعد إحراز عدالته - بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه ؛ أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، ولكن الأولى عدم إعمال هذه الحيلة .

(مسألة 6) : الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مؤونة سنته ولو دفعة ، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه .

(مسألة 7) : النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوى(1) ، فلا بدّ إمّا من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه وأمره(2) ، كما أنّ النصف الذي للإمام علیه السلام أمره راجع إلى الحاكم ، فلا بدّ من الإيصال إليه حتّى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه ، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف . ويشكل دفعه إلى غير من يقلّده ، إلاّ إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّاً وكيفاً ، أو يعمل على طبق نظره .

(مسألة 8) : الأقوى جواز نقل الخمس إلى بلد آخر ، بل ربما يترجّح عند وجود بعض المرجّحات حتّى مع وجود المستحقّ في البلد ؛ وإن ضمن حينئذٍ لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل إليه ، بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحقّ فإنّه لا ضمان عليه . وكذا لو كان النقل بإذن المجتهد وأمره ، فإنّه لا ضمان عليه حينئذٍ حتّى مع وجود المستحقّ في البلد ، وربما وجب النقل لو لم يوجد المستحقّ في البلد ولم يتوقّع وجوده بعدُ ، أو أمر المقلَّد بالنقل ، وليس من النقل لو كان له دين على من في بلد آخر ، فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعي .

ص: 385


1- في (أ) : «الأحوط» بدل «الأقوى» .
2- في (أ) بعد «أمره» : «على الأحوط ، لو لم يكن الأقوى» .

(مسألة 9) : لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام علیه السلام إليه ، أو الاستئذان منه في صرفها في بلده ، بل الأقوى جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضاً ، لكنّه ضامن إلاّ إذا تعيّن عليه النقل ، بل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل ، أو كان هنا بعض المرجّحات ، ولو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مقلَّده يتعيّن النقل إليه ، إلاّ إذا أذن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظر مقلَّده ، أو كان يعمل على طبق نظره .

(مسألة 10) : يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر وإن كان عروضاً ، ولكن الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات .

(مسألة 11) : إذا كان له في ذمّة المستحقّ دَين ، جاز له احتسابه خُمساً مع إذن الحاكم على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، كما أنّ احتساب حقّ الإمام علیه السلام موكول إلى نظر الحاكم .

(مسألة 12) : لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك ، إلاّ في بعض الأحوال ، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه ؛ بأن صار معسراً لا يرجى زواله وأراد تفريغ ذمّته ، فلا مانع حينئذٍ منه لذلك .

(مسألة 13) : لو انتقل إلى شخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه - كالكفّار والمخالفين - لا يجب عليه إخراجه كما مرّ ؛ سواء كان من ربح تجارة أو معدن أو غير ذلك ، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها ، فإنّ أئمّة المسلمين علیهم السلام قد أباحوا ذلك لشيعتهم ، كما أباحوا لهم في أزمنة عدم بسط أيديهم تقبّل الأراضي الخراجية من يد الجائر والمقاسمة معه ، وعطاياه في

ص: 386

الجملة ، وأخذ الخراج منه ، وغير ذلك ممّا يصل إليهم منه ومن أتباعه . وبالجملة : نزّلوا الجائر منزلتهم ، وأمضوا أفعاله بالنسبة إلى ما يكون محلّ الابتلاء للشيعة ؛ صوناً لهم عن الوقوع في الحرام والعسر والحرج .

القول : في الأنفال

وهي ما يستحقّه الإمام علیه السلام على جهة الخصوص لمنصب إمامته ، كما كان للنبي صلی الله علیه و آله وسلم لرئاسته الإلهية .

وهي اُمور :

منها : كلّ ما لم يوجف عليها بخيل وركاب ؛ أرضاً كانت أو غيرها ، انجلى عنها أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعاً .

ومنها : الأرض الموات التي لا يُنتفع بها إلاّ بتعميرها وإصلاحها ؛ لاستيجامها ، أو لانقطاع الماء عنها ، أو لاستيلائه عليها ، أو لغير ذلك ؛ سواء لم يجرِ عليها ملك لأحد كالمفاوز ، أو جرى ولكن قد باد ولم يُعرف الآن . ويلحق بها القُرى التي قد جلى أهلها فخربت ، كبابل والكوفة ونحوهما ، فهي من الأنفال بأرضها وآثارها كالأحجار ونحوها . والموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوة كغيرها على الأقوى . نعم ، ما علم أ نّها كانت معمورة حال الفتح ، فعرض لها الموتان بعد ذلك ، ففي كونها من الأنفال ، أو باقية على ملك المسلمين كالمعمورة فعلاً ، تردّد وإشكال ، لا يخلو ثانيهما من رجحان .

ومنها : أسياف البحار وشطوط الأنهار ، بل كلّ أرض لا ربّ لها - على إشكال في إطلاقه ؛ وإن لا يخلو من قُرب - وإن لم تكن مواتاً ، بل كانت قابلة للانتفاع بها من غير كلفة ، كالجزائر التي تخرج في دجلة والفرات ونحوهما .

ص: 387

ومنها : رؤوس الجبال وما يكون بها من النبات والأشجار والأحجار ونحوها ، وبطون الأودية ، والآجام - وهي الأراضي الملتفّة بالقصب والأشجار - من غير فرق في هذه الثلاثة بين ما كان في أرض الإمام علیه السلام ، أو المفتوحة عنوة ، أو غيرهما . نعم ، ما كان ملكاً لشخص ثمّ صار أجمة - مثلاً - فهو باقٍ على ما كان .

ومنها : ما كان للملوك من قطائع وصفايا .

ومنها : صفو الغنيمة كفرس جواد ، وثوب مرتفع ، وسيف قاطع ودرع فاخر ، ونحو ذلك .

ومنها : الغنائم التي ليست بإذن الإمام علیه السلام .

ومنها : إرث من لا وارث له .

ومنها : المعادن التي لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحياء .

(مسألة) : الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة ؛ على وجه يجري عليها حكم الملك ؛ من غير فرق بين الغنيّ منهم والفقير ، إلاّ في إرث من لا وارث له ، فإنّ الأحوط - لو لم يكن الأقوى - اعتبار الفقر فيه ، بل الأحوط تقسيمه على فقراء بلده ، والأقوى إيصاله إلى الحاكم الشرعي . كما أنّ الأقوى حصول الملك لغير الشيعي أيضاً ؛ بحيازة ما في الأنفال من العشب والحشيش والحطب وغيرها ، بل وحصول الملك لهم أيضاً للموات بسبب الإحياء كالشيعي .

ص: 388

كتاب الحجّ

اشارة

وهو من أركان الدين ، وتركه من الكبائر . وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية .

(مسألة 1) : لا يجب الحجّ طول العمر في أصل الشرع إلاّ مرّة واحدة ، ووجوبه مع تحقّق شرائطه فوري ؛ بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة ، ولا يجوز تأخيره ، وإن تركه فيه ففي الثاني وهكذا .

(مسألة 2) : لو توقّف إدراكه على مقدّمات بعد حصول الاستطاعة من السفر وتهيئة أسبابه ، وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام . ولو تعدّدت الرفقة ، وتمكّن من المسير بنحو يدركه مع كلّ منهم ، فهو بالتخيير ، والأولى اختيار أوثقهم سلامة وإدراكاً ، ولو وجدت واحدة ولم يكن له محذور في الخروج معها ، لا يجوز التأخير إلاّ مع الوثوق بحصول اُخرى .

(مسألة 3) : لو لم يخرج مع الاُولى مع تعدّد الرفقة في المسألة السابقة أو مع وحدتها ، واتّفق عدم التمكّن من المسير ، أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير ، استقرّ عليه الحجّ وإن لم يكن آثماً . نعم ، لو تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً لم يستقرّ ، بل وكذا لو لم يتبيّن إدراكه لم يحكم بالاستقرار .

ص: 389

القول : في شرائط وجوب حجّة الإسلام

وهي اُمور :

أحدها : الكمال بالبلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا على المجنون وإن كان أدوارياً ؛ إن لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال مع مقدّماتها غير الحاصلة ، ولو حجّ الصبيّ المميّز صحّ لكن لم يجز عن حجّة الإسلام ، وإن كان واجداً لجميع الشرائط عدا البلوغ . والأقوى عدم اشتراط صحّة حجّه بإذن الوليّ ؛ وإن وجب الاستئذان في بعض الصور .

(مسألة 1) : يستحبّ للوليّ أن يُحرم بالصبيّ غير المميّز ، فيجعله محرماً ويلبسه ثوبي الإحرام ، وينوي عنه ، ويلقِّنه التلبية إن أمكن ، وإلاّ يلبّي عنه ، ويجنّبه عن محرّمات الإحرام ، ويأمره بكلٍّ من أفعاله ، وإن لم يتمكّن شيئاً منها ينوب عنه ، ويطوف به ، ويسعى به ، ويقف به في عرفات والمشعر ومنى ، ويأمره بالرمي ، ولو لم يتمكّن يرمي عنه ، ويأمره بالوضوء وصلاة الطواف(1) ، وإن لم يقدر يصلّي عنه(2) ، وإن كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء والصلاة أيضاً ، وأحوط منه توضّؤه لو لم يتمكّن من إتيان صورته .

(مسألة 2) : لا يلزم أن يكون الوليّ مُحرِماً في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز ذلك وإن كان مُحلاًّ .

(مسألة 3) : الأحوط أن يقتصر في الإحرام بغير المميّز على الوليّ الشرعي ؛

ص: 390


1- في (أ) : «ويأمره بصلاة الطواف» .
2- في (أ) : بعد «عنه» : «ويأمره بالوضوء للصلاة ، ومع عدم تمكّنه يتوضّأ عنه ويصلّي الوليّ» .

من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما والحاكم وأمينه أو الوكيل منهم والاُمّ وإن لم تكن وليّاً ، والإسراء إلى غير الوليّ الشرعي - ممّن يتولّى أمر الصبيّ ويتكفّله - مشكل وإن لا يخلو من قرب .

(مسألة 4) : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ ، لا من مال الصبيّ إلاّ إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به ، فمؤونة أصل السفر حينئذٍ على الطفل ، لا مؤونة الحجّ به لو كانت زائدة .

(مسألة 5) : الهدي على الوليّ ، وكذا كفّارة الصيد ، وكذا سائر الكفّارات على الأحوط(1) .

(مسألة 6) : لو حجّ الصبيّ المميّز وأدرك المشعر بالغاً ، والمجنون وعقل قبل المشعر ، يجزيهما عن حجّة الإسلام على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الإعادة بعد ذلك مع الاستطاعة .

(مسألة 7) : لو مشى الصبيّ إلى الحجّ ، فبلغ قبل أن يحرم من الميقات ، وكان مستطيعاً ولو من ذلك الموضع ، فحجّه حجّة الإسلام .

(مسألة 8) : لو حجّ ندباً باعتقاد أ نّه غير بالغ ، فبان بعد الحجّ خلافه ، أو باعتقاد عدم الاستطاعة ، فبان خلافه ، لا يجزي عن حجّة الإسلام على الأقوى ، إلاّ إذا أمكن الاشتباه في التطبيق(2) .

ثانيها : الحرّية .

ص: 391


1- في (أ) : «على الأقوى» .
2- في (أ) : «يجزي عن حجّة الإسلام على الأقوى» وليس فيه «إلاّ إذا أمكن الاشتباه في التطبيق» .

ثالثها : الاستطاعة من حيث المال ، وصحّة البدن وقوّته ، وتخلية السرب وسلامته ، وسعة الوقت وكفايته .

(مسألة 9) : لا تكفي القدرة العقلية في وجوبه ، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية ، وهي الزاد والراحلة وسائر ما يُعتبر فيها ، ومع فقدها لا يجب ولا يكفي عن حجّة الإسلام ؛ من غير فرق بين القادر عليه بالمشي مع الاكتساب بين الطريق وغيره ، كان ذلك مخالفاً لزيّه وشرفه أم لا ، ومن غير فرق بين القريب والبعيد .

(مسألة 10) : لا يشترط وجود الزاد والراحلة عنده عيناً ، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلها من المال ؛ نقداً كان أو غيره من العروض .

(مسألة 11) : المراد من الزاد والراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً وشرفاً وضِعة ، ولا يكفي ما هو دون ذلك ، وكلّ ذلك موكول إلى العرف . ولو تكلّف بالحجّ مع عدم ذلك لا يكفي عن حجّة الإسلام . كما أ نّه لو كان كسوباً قادراً على تحصيلهما في الطريق لا يجب ولا يكفي عنها .

(مسألة 12) : لا يعتبر الاستطاعة من بلده ووطنه ، فلو استطاع العراقي أو الإيراني وهو في الشام أو الحجاز ، وجب وإن لم يستطع من وطنه ، بل لو مشى إلى قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة وكان هناك جامعاً لشرائط الحجّ وجب ، ويكفي عن حجّة الإسلام ، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع ، وكان أمامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه وإن لا يخلو من إشكال .

ص: 392

(مسألة 13) : لو وُجد مركب كسيّارة أو طيّارة ، ولم يوجد شريك للركوب ، فإن لم يتمكّن من اُجرته لم يجب عليه ، وإلاّ وجب إلاّ أن يكون حرجياً عليه . وكذا الحال في غلاء الأسعار في تلك السنة ، أو عدم وجود الزاد والراحلة إلاّ بالزيادة عن ثمن المثل ، أو توقّف السير على بيع أملاكه بأقلّ منه .

(مسألة 14) : يعتبر في وجوب الحجّ وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده ، أو إلى ما أراد التوقّف فيه بشرط أن لا تكون نفقة العود إليه أزيد من العود إلى وطنه إلاّ إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه .

(مسألة 15) : يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب والإياب ؛ زائداً عمّا يحتاج إليه في ضروريات معاشه ، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله ، ولا ثياب تجمّله ، ولا أثاث بيته ، ولا آلات صناعته ، ولا فرس ركوبه أو سيّارة ركوبه ، ولا سائر ما يحتاج إليه بحسب حاله وزيّه وشرفه ، بل ولا كتبه العلمية المحتاج إليها في تحصيل العلم ؛ سواء كانت من العلوم الدينية ، أو من العلوم المباحة المحتاج إليها في معاشه وغيره ، ولا يعتبر في شيء منها الحاجة الفعلية ، ولو فرض وجود المذكورات - أو شيء منها - بيده من غير طريق الملك - كالوقف ونحوه - وجب بيعها للحجّ بشرط كون ذلك غير منافٍ لشأنه ، ولم يكن المذكورات في معرض الزوال .

(مسألة 16) : لو لم يكن المذكورات زائدة على شأنه عيناً لا قيمة يجب تبديلها وصرف قيمتها في مؤونة الحجّ أو تتميمها ؛ بشرط عدم كونه حرجاً ونقصاً ومهانة عليه ، وكانت الزيادة بمقدار المؤونة أو متمّمة لها ولو كانت قليلة .

(مسألة 17) : لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه

ص: 393

وتكسّبه ، وكان عنده من النقود ونحوها ما يمكن شراؤها ، يجوز صرفها في ذلك ؛ من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداءً ، أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده ، بل لو صرفها في الحجّ ففي كفاية حجّه عن حجّة الإسلام إشكال بل منع . ولو كان عنده ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه للنكاح ، جاز صرفه فيه بشرط كونه ضرورياً بالنسبة إليه ؛ إمّا لكون تركه مشقّة عليه ، أو موجباً لضرر أو موجباً للخوف في وقوع الحرام ، أو كان تركه نقصاً ومهانة عليه . ولو كانت عنده زوجة ولا يحتاج إليها ، وأمكنه طلاقها وصرف نفقتها في الحجّ ، لا يجب ولا يستطيع .

(مسألة 18) : لو لم يكن عنده ما يحجّ به ، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته أو تتميمها ، يجب اقتضاؤه إن كان حالاًّ ؛ ولو بالرجوع إلى حاكم الجور مع فقد حاكم الشرع أو عدم بسط يده . نعم ، لو كان الاقتضاء حرجياً أو المديون معسراً لم يجب ، وكذا لو لم يمكن إثبات الدين . ولو كان مؤجّلاً والمديون باذلاً يجب أخذه وصرفه فيه ، ولا يجب في هذه الصورة مطالبته وإن علم بأدائه لو طالبه . ولو كان غير مستطيع وأمكنه الاقتراض للحجّ والأداء بعده بسهولة ، لم يجب ولا يكفي عن حجّة الإسلام . وكذا لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر كذلك ، أو دين مؤجّل لا يبذله المديون قبل أجله ، لا يجب الاستقراض والصرف في الحجّ ، بل كفايته على فرضه عن حجّة الإسلام مشكل بل ممنوع .

(مسألة 19) : لو كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين ؛ فإن كان مؤجّلاً وكان مطمئنّاً بتمكّنه من أدائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب ، بل لا يبعد وجوبه مع التعجيل ورضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بإمكان الأداء عند المطالبة ،

ص: 394

وفي غير هاتين الصورتين لا يجب . ولا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة أو بعدها ؛ بأن تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها . وإن كان عليه خمس أو زكاة ، وكان عنده ما يكفيه للحجّ لو لا هما ، فحالهما حال الدين مع المطالبة ، فلا يكون مستطيعاً . والدين المؤجّل بأجل طويل جدّاً كخمسين سنة ، وما هو مبنيّ على المسامحة وعدم الأخذ رأساً ، وما هو مبنيّ على الإبراء مع الاطمئنان بذلك ، لم يمنع عن الاستطاعة .

(مسألة 20) : لو شكّ في أنّ ماله وصل إلى حدّ الاستطاعة ، أو علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأ نّه يكفيه ، يجب عليه الفحص على الأحوط .

(مسألة 21) : لو كان ما بيده بمقدار الحجّ ، وله مال لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود وشكّ في بقائه ، فالظاهر وجوب الحجّ ؛ كان المال حاضراً عنده أو غائباً .

(مسألة 22) : لو كان عنده ما يكفيه للحجّ ، فإن لم يتمكّن من المسير ؛ لأجل عدم الصحّة في البدن أو عدم تخلية السرب ، فالأقوى جواز التصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وإن كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة ، فلا يجوز مع احتمال الحصول ، فضلاً عن العلم به ، وكذا لا يجوز التصرّف قبل مجيء وقت الحجّ ، فلو تصرّف استقرّ عليه لو فرض رفع العذر فيما بعد في الفرض الأوّل ، وبقاء الشرائط في الثاني ، والظاهر جواز التصرّف لو لم يتمكّن في هذا العام وإن علم بتمكّنه في العام القابل ، فلا يجب إبقاء المال إلى السنين القابلة .

(مسألة 23) : إن كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره ،

ص: 395

وتمكّن من التصرّف فيه ولو بالتوكيل يكون مستطيعاً وإلاّ فلا ، فلو تلف في الصورة الاُولى بعد مُضيّ الموسم أو كان التلف بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة ، استقرّ عليه الحجّ على الأقوى . وكذا الحال لو مات مورّثه وهو في بلد آخر .

(مسألة 24) : لو وصل ماله بقدر الاستطاعة وكان جاهلاً به أو غافلاً عن وجوب الحجّ عليه ، ثمّ تذكّر بعد تلفه بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة ، أو تلف ولو بلا تقصير منه بعد مضيّ الموسم ، استقرّ عليه مع حصول سائر الشرائط حال وجوده .

(مسألة 25) : لو اعتقد أ نّه غير مستطيع فحجّ ندباً ، فإن أمكن فيه الاشتباه في التطبيق صحّ وأجزأ عن حجّة الإسلام ، لكن حصوله مع العلم والالتفات بالحكم والموضوع مشكل ، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنه ، وفي صحّة حجّه تأمّل . وكذا لو علم باستطاعته ثمّ غفل عنها . ولو تخيَّل عدم فوريته فقصد الندب لا يجزي ، وفي صحّته تأمّل .

(مسألة 26) : لا يكفي في وجوب الحجّ الملك المتزلزل ، كما لو صالحه شخص بشرط الخيار إلى مدّة معيّنة ، إلاّ إذا كان واثقاً بعدم فسخه ، لكن لو فرض فسخه يكشف عن عدم استطاعته .

(مسألة 27) : لو تلفت بعد تمام الأعمال مؤونة عوده إلى وطنه ؛ أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه ؛ بناء على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة ، لا يجزيه عن حجّة الإسلام ، فضلاً عمّا لو تلف قبل تمامها ، سيّما إذا لم يكن له مؤونة الإتمام .

ص: 396

(مسألة 28) : لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحجّ ، ولو اُوصي له بما يكفيه له فلا يجب عليه بمجرّد موت الموصي ، كما لا يجب عليه القبول .

(مسألة 29) : لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبداللّه الحسين علیه السلام - مثلاً - في كلّ عَرَفة فاستطاع يجب عليه الحجّ بلا إشكال ، وكذا الحال لو نذر أو عاهد - مثلاً - بما يضادّ الحجّ . ولو زاحم الحجّ واجب أو استلزمه فعل حرام ، يلاحظ الأهمّ عند الشارع الأقدس .

(مسألة 30) : لو لم يكن له زاد وراحلة ، ولكن قيل له : «حجّ وعليَّ نفقتك ونفقة عيالك» ، أو قال : «حجّ بهذا المال» ، وكان كافياً لذهابه وإيابه ولعياله ، وجب عليه ؛ من غير فرق بين تمليكه للحجّ أو إباحته له ، ولا بين بذل العين أو الثمن ، ولا بين وجوب البذل وعدمه ، ولا بين كون الباذل واحداً أو متعدّداً . نعم ، يعتبر الوثوق بعدم رجوع الباذل . ولو كان عنده بعض النفقة فبذل له البقيّة وجب أيضاً . ولو لم يبذل تمام النفقة أو نفقة عياله لم يجب . ولا يمنع الدين من وجوبه .

ولو كان حالاًّ والدائن مطالباً ، وهو متمكّن من أدائه لو لم يحجّ ، ففي كونه مانعاً وجهان ، ولا يشترط الرجوع إلى الكفاية فيه . نعم ، يعتبر أن لا يكون الحجّ موجباً لاختلال اُمور معاشه فيما يأتي ؛ لأجل غيبته .

(مسألة 31) : لو وهبه ما يكفيه للحجّ لأن يحجّ وجب عليه القبول على الأقوى ، وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ أو لا . وأمّا لو لم يذكر الحجّ بوجه فالظاهر عدم وجوبه . ولو وقف شخص لمن يحجّ ، أو أوصى ، أو نذر كذلك ، فبذل المتصدّي الشرعي وجب ، وكذا لو أوصى له بما يكفيه بشرط أن يحجّ فيجب بعد موته ، ولو أعطاه خُمساً أو زكاة وشرط عليه الحجّ لغا الشرط

ص: 397

ولم يجب . نعم ، لو أعطاه من سهم سبيل اللّه ليحجّ لا يجوز صرفه في غيره ، ولكن لا يجب عليه القبول ، ولا يكون من الاستطاعة المالية ولا البذلية ، ولو استطاع بعد ذلك وجب عليه الحجّ .

(مسألة 32) : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام ، وكذا بعده على الأقوى . ولو وهبه للحجّ فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه . ولو رجع عنه في أثناء الطريق فلا يبعد أن يجب عليه نفقة عوده ، ولو رجع بعد الإحرام فلا يبعد وجوب بذل نفقة إتمام الحجّ عليه .

(مسألة 33) : الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل ، وأمّا الكفّارات فليست على الباذل ؛ وإن أتى بموجبها اضطراراً أو جهلاً أو نسياناً ، بل على نفسه .

(مسألة 34) : الحجّ البذلي مجزٍ عن حجّة الإسلام ؛ سواء بذل تمام النفقة أو متمّمها ، ولو رجع عن بذله في الأثناء ، وكان في ذلك المكان متمكّناً من الحجّ من ماله ، وجب عليه ، ويجزيه عن حجّة الإسلام إن كان واجداً لسائر الشرائط قبل إحرامه ، وإلاّ فإجزاؤه محلّ إشكال .

(مسألة 35) : لو عيّن مقداراً ليحجّ به واعتقد كفايته فبان عدمها ، فالظاهر عدم وجوب الإتمام عليه ؛ سواء جاز الرجوع له أم لا . ولو بذل مالاً ليحجّ به فبان بعد الحجّ أ نّه كان مغصوباً ، فالأقوى عدم كفايته عن حجّة الإسلام . وكذا لو قال : «حجّ وعليّ نفقتك» فبذل مغصوباً .

(مسألة 36) : لو قال : «اقترض وحجّ وعليّ دينك» ففي وجوبه عليه نظر . ولو قال : «اقترض لي وحجّ به» وجب مع وجود المقرض كذلك .

ص: 398

(مسألة 37) : لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ باُجرة يصير بها مستطيعاً ، وجب عليه الحجّ ، ولو طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير مستطيعاً لا يجب عليه القبول ، ولو آجر نفسه للنيابة عن الغير فصار مستطيعاً بمال الإجارة ، قدّم الحجّ النيابي إن كان الاستئجار للسنة الاُولى ، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه الحجّ لنفسه . ولو حجّ بالإجارة أو عن نفسه أو غيره تبرّعاً مع عدم كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام .

(مسألة 38) : يشترط في الاستطاعة وجود ما يموّن به عياله حتّى يرجع ، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً ؛ وإن لم يكن واجب النفقة شرعاً على الأقوى .

(مسألة 39) : الأقوى اعتبار الرجوع إلى الكفاية ؛ من تجارة أو زراعة أو صنعة أو منفعة ملك كبستان ودكّان ونحوهما ؛ بحيث لا يحتاج إلى التكفّف ولا يقع في الشدّة والحرج . ويكفي كونه قادراً على التكسّب اللائق بحاله أو التجارة باعتباره ووجاهته . ولا يكفي أن يمضي أمره بمثل الزكاة والخمس ، وكذا من الاستعطاء كالفقير الذي من عادته ذلك ولم يقدر على التكسّب ، وكذا من لا يتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده على الأقوى ، فإذا كان لهم مؤونة الذهاب والإياب ومؤونة عيالهم لم يكونوا مستطيعين ، ولم يجز حجّهم عن حجّة الإسلام .

(مسألة 40) : لا يجوز لكلّ من الولد والوالد أن يأخذ من مال الآخر ويحجّ به ، ولا يجب على واحد منهما البذل له ، ولا يجب عليه الحجّ وإن كان فقيراً ، وكانت نفقته على الآخر ، ولم يكن نفقة السفر أزيد من الحضر على الأقوى .

ص: 399

(مسألة 41) : لو حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحجّ من ماله ، فلو حجّ متسكّعاً أو من مال غيره ولو غصباً صحّ وأجزأه . نعم ، الأحوط عدم صحّة صلاة الطواف مع غصبية ثوبه ، ولو شراه بالذمّة أو شرى الهدي كذلك ، فإن كان بناؤه الأداء من الغصب ففيه إشكال ، وإلاّ فلا إشكال في الصحّة ، وفي بطلانه مع غصبية ثوب الإحرام والسعي إشكال ، والأحوط الاجتناب .

(مسألة 42) : يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنية ، فلا يجب على مريض لا يقدر على الركوب ، أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل والسيّارة والطيّارة . ويشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية ، فلا يجب لو كان الوقت ضيّقاً لا يمكن الوصول إلى الحجّ أو أمكن بمشقّة شديدة . والاستطاعة السربية ؛ بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات ، أو إلى تمام الأعمال ، وإلاّ لم يجب . وكذا لو كان خائفاً على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله ، وكان الطريق منحصراً فيه ، أو كان جميع الطرق كذلك . ولو كان طريق الأبعد مأموناً يجب الذهاب منه . ولو كان الجميع مخوفاً ، لكن يمكنه الوصول إليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعدّ طريقاً إليه ، لا يجب على الأقوى .

(مسألة 43) : لو استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به - بحيث يكون تحمّله حرجاً عليه - لم يجب . ولو استلزم ترك واجب أهمّ منه أو فعل حرام كذلك يقدّم الأهمّ ، لكن إذا خالف وحجّ ، صحّ وأجزأه عن حجّة الإسلام . ولو كان في الطريق ظالم لا يندفع إلاّ بالمال ، فإن كان مانعاً عن العبور ، ولم يكن السرب مخلّى عرفاً ولكن يمكن تخليته بالمال ، لا يجب . وإن لم يكن كذلك - لكن يأخذ من كلّ عابر شيئاً - يجب إلاّ إذا كان دفعه حرجياً .

ص: 400

(مسألة 44) : لو اعتقد كونه بالغاً فحجّ ثمّ بان خلافه لم يجز عن حجّة الإسلام . وكذا لو اعتقد كونه مستطيعاً مالاً فبان الخلاف . ولو اعتقد عدم الضرر أو الحرج فبان الخلاف ، فإن كان الضرر نفسياً أو مالياً بلغ حدّ الحرج ، أو كان الحجّ حرجياً ، ففي كفايته إشكال ، بل عدمها لا يخلو من وجه . وأمّا الضرر المالي غير البالغ حدّ الحرج فغير مانع عن وجوب الحجّ . نعم ، لو تحمّل الضرر والحرج حتّى بلغ الميقات ، فارتفع الضرر والحرج وصار مستطيعاً ، فالأقوى كفايته . ولو اعتقد عدم المزاحم الشرعي الأهمّ فحجّ فبان الخلاف صحّ . ولو اعتقد كونه غير بالغ فحجّ ندباً فبان خلافه ، ففيه تفصيل مرّ نظيره . ولو تركه مع بقاء الشرائط إلى تمام الأعمال استقرّ عليه ، ويحتمل اشتراط بقائها إلى زمان إمكان العود إلى محلّه على إشكال . وإن اعتقد عدم كفاية ماله عن حجّة الإسلام فتركها فبان الخلاف ، استقرّ عليه مع وجود سائر الشرائط . وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الحرج أو الضرر المستلزم له ، فترك فبان الخلاف ، فالظاهر استقراره عليه ، سيّما في الحرج . وإن اعتقد وجود مزاحم شرعي أهمّ فترك فبان الخلاف استقرّ عليه .

(مسألة 45) : لو ترك الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّداً ، استقرّ عليه مع بقائها إلى تمام الأعمال ، ولو حجّ مع فقد بعضها ، فإن كان البلوغ فلا يجزيه إلاّ إذا بلغ قبل أحد الموقفين ، فإنّه مُجزٍ على الأقوى . وكذا لو حجّ مع فقد الاستطاعة المالية . وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو عدم صحّة البدن وحصول الحرج ، فإن صار قبل الإحرام مستطيعاً وارتفع العذر صحّ وأجزأ ، بخلاف ما لو فقد شرط في حال الإحرام إلى تمام الأعمال ، فلو كان نفس الحجّ ولو ببعض أجزائه حرجياً أو ضررياً على النفس فالظاهر عدم الإجزاء .

ص: 401

(مسألة 46) : لو توقّف تخلية السرب على قتال العدوّ لا يجب ولو مع العلم بالغلبة ، ولو تخلّى لكن يمنعه عدوّ عن الخروج للحجّ ، فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم بالسلامة والغلبة أو الاطمئنان والوثوق بهما ، ولا تخلو المسألة عن إشكال .

(مسألة 47) : لو انحصر الطريق في البحر أو الجوّ وجب الذهاب ، إلاّ مع خوف الغرق أو السقوط أو المرض خوفاً عقلائياً ، أو استلزم الإخلال بأصل صلاته لا بتبديل بعض حالاتها . وأمّا لو استلزم أكل النجس وشربه ، فلا يبعد وجوبه مع الاحتراز عن النجس حتّى الإمكان والاقتصار على مقدار الضرورة ، ولو لم يحترز كذلك صحّ حجّه وإن أثم ، كما لو ركب المغصوب إلى الميقات بل إلى مكّة ومنى وعرفات ، فإنّه آثم ، وصحّ حجّه . وكذا لو استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة ، فإنّه يجب أداؤها ، فلو مشى إلى الحجّ مع ذلك أثم وصحّ حجّه . نعم ، لو كانت الحقوق في عين ماله فحكمه حكم الغصب وقد مرّ .

(مسألة 48) : يجب على المستطيع الحجّ مباشرة ، فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرّعاً أو بالإجارة . نعم ، لو استقرّ عليه ولم يتمكّن منها لمرض لم يرج زواله ، أو حصر كذلك ، أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجاً عليه ، وجبت الاستنابة عليه . ولو لم يستقرّ عليه لكن لا يمكنه المباشرة لشيء من المذكورات ، ففي وجوبها وعدمه قولان ، لا يخلو الثاني من قوّة ، والأحوط فورية وجوبها ، ويجزيه حجّ النائب مع بقاء العذر إلى أن مات ، بل مع ارتفاعه بعد العمل ، بخلاف أثنائه ، فضلاً عن قبله ، والظاهر بطلان الإجارة . ولو لم يتمكّن من الاستنابة سقط الوجوب وقضي عنه . ولو استناب مع رجاء الزوال لم يجز عنه ، فيجب بعد زواله . ولو

ص: 402

حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية . والظاهر عدم كفاية حجّ المتبرّع عنه في صورة وجوب الاستنابة . وفي كفاية الاستنابة من الميقات إشكال وإن كان الأقرب الكفاية .

(مسألة 49) : لو مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق ، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه ؛ وإن كان موته بعد الإحرام على الأقوى . كما لا يكفي الدخول في الحرم قبل الإحرام ، كما إذا نسيه ودخل الحرم فمات . ولا فرق في الإجزاء بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الحِلّ ، كما إذا مات بين الإحرامين . ولو مات في الحِلّ بعد دخول الحرم مُحرِماً ففي الإجزاء إشكال ، والظاهر أ نّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه . والظاهر عدم جريان الحكم في حجّ النذر والعمرة المفردة لو مات في الأثناء ، وفي الإفسادي تفصيل . ولا يجري فيمن لم يستقرّ عليه الحجّ ، فلا يجب ولا يستحبّ عنه القضاء لو مات قبلهما .

(مسألة 50) : يجب الحجّ على الكافر ولا يصحّ منه ، ولو أسلم وقد زالت استطاعته قبله لم يجب عليه ، ولو مات حال كفره لا يُقضى عنه . ولو أحرم ثمّ أسلم لم يكفه ، ووجب عليه الإعادة من الميقات إن أمكن ، وإلاّ فمن موضعه . نعم ، لو كان داخلاً في الحرم فأسلم ، فالأحوط مع الإمكان أن يخرج خارج الحرم ويُحرم . والمرتدّ يجب عليه الحجّ ؛ سواء كانت استطاعته حال إسلامه أو بعد ارتداده ، ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب عليه ، ولا يُقضى عنه على الأقوى ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه على الأقوى ؛ سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته . ولو أحرم حال ارتداده فكالكافر الأصلي ، ولو

ص: 403

حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى ، ولو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ .

(مسألة 51) : لو حجّ المخالف ثمّ استبصر لا تجب عليه الإعادة ؛ بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ؛ من غير فرق بين الفرق .

(مسألة 52) : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إن كانت مستطيعة ، ولا يجوز له منعها منه ، وكذا في الحجّ النذري ونحوه إذا كان مضيَّقاً ، وفي المندوب يشترط إذنه ، وكذا الموسّع قبل تضييقه على الأقوى ، بل في حجّة الإسلام له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة ؛ مع وجود اُخرى قبل تضييق الوقت ، والمطلّقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العِدّة ، بخلاف البائنة والمعتدّة للوفاة ، فيجوز لهما في المندوب أيضاً . والمنقطعة كالدائمة على الظاهر ، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع لمرض ونحوه أو لا .

(مسألة 53) : لا يُشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إن كانت مأمونة على نفسها وبضعها ؛ كانت ذات بعل أو لا ، ومع عدم الأمن يجب عليها استصحاب محرم أو من تثق به ولو بالاُجرة ، ومع العدم لا تكون مستطيعة ، ولو وجد ولم تتمكّن من اُجرته لم تكن مستطيعة . ولو كان لها زوج وادّعى كونها في معرض الخطر وادّعت هي الأمن ، فالظاهر هو التداعي . وللمسألة صور . وللزوج في الصورة المذكورة منعها ، بل يجب عليه ذلك ، ولو انفصلت المخاصمة بحلفها ، أو أقامت البيّنة وحكم لها القاضي ، فالظاهر سقوط حقّه . وإن حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها ، سيّما مع حصول الأمن قبل الشروع في الإحرام .

ص: 404

(مسألة 54) : لو استقرّ عليه الحجّ ؛ بأن استُكملت الشرائط ، وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها ، وجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات يجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصحّ التبرّع عنه . ويتحقّق الاستقرار على الأقوى ببقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه ؛ بالنسبة إلى الاستطاعة المالية والبدنية والسربية ، وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال . ولو استقرّ عليه العمرة فقط أو الحجّ فقط - كما فيمن وظيفته حجّ الإفراد أو القران - ثمّ زالت استطاعته ، فكما مرّ يجب عليه بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات يُقضى عنه .

(مسألة 55) : تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إن لم يوص بها ؛ سواء كانت حجّ التمتّع أو القران أو الإفراد أو عمرتهما ، وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً ، ولو أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه ، وتقدّمت على الوصايا المستحبّة وإن كانت متأخّرة عنها في الذكر ، وإن لم يفِ الثلث بها اُخذت البقيّة من الأصل ، والحجّ النذري كذلك يخرج من الأصل . ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة ، فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قُدّما ، فلا يجوز صرفه في غيرهما ، وإن كانا في الذمّة فالأقوى توزيعه على الجميع بالنسبة ، فإن وفت حصّة الحجّ به فهو ، وإلاّ فالظاهر سقوطه وإن وفت ببعض أفعاله كالطواف فقط مثلاً ، وصرف حصّته في غيره ، ومع وجود الجميع توزّع عليها ، وإن وفت بالحجّ فقط أو العمرة فقط ، ففي مثل حجّ القران والإفراد لا يبعد وجوب تقديم الحجّ ، وفي حجّ التمتّع فالأقوى السقوط وصرفها في الدين .

(مسألة 56) : لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار الحجّ ، أو تأدية مقدار المصرف إلى وليّ أمر الميّت لو كان مصرفه مستغرقاً لها ، بل مطلقاً على

ص: 405

الأحوط وإن كانت واسعة جدّاً وكان بناء الوَرَثة على الأداء من غير مورد التصرّف ، وإن لا يخلو الجواز من قرب ، لكن لا يُترك الاحتياط .

(مسألة 57) : لو أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على الميّت وأنكره الآخرون ، لا يجب عليه إلاّ دفع ما يخصّه من التركة بعد التوزيع لو أمكن الحجّ بها ولو ميقاتاً ، وإلاّ لا يجب دفعها ، والأحوط حفظ مقدار حصّته رجاءً لإقرار سائر الورثة أو وجدان متبرّع للتتمّة ، بل مع كون ذلك مرجوّ الوجود يجب حفظه على الأقوى ، والأحوط ردّه إلى وليّ الميّت ، ولو كان عليه حجّ فقط ولم يكف تركته به فالظاهر أ نّها للورثة . نعم ، لو احتمل كفايتها للحجّ بعد ذلك ، أو وجود متبرّع يدفع التتمّة ، وجب إبقاؤها ، ولو تبرّع متبرّع بالحجّ عن الميّت رجعت اُجرة الاستئجار إلى الورثة ؛ سواء عيّنها الميّت أم لا ، والأحوط صرف الكبار حصّتهم في وجوه البرّ .

(مسألة 58) : الأقوى وجوب الاستئجار عن الميّت من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، والأحوط الاستئجار من البلد مع سعة المال ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، لكن لا يُحسب الزائد على اُجرة الميقاتية على صغار الورثة ، ولو أوصى بالبلدي يجب ، ويُحسب الزائد على اُجرة الميقاتية من الثلث ، ولو أوصى ولم يعيّن شيئاً كفت الميقاتية ، إلاّ إذا كان هناك انصراف إلى البلدية ، أو قامت قرينة على إرادتها ، فحينئذٍ تكون الزيادة على الميقاتية من الثلث ، ولو زاد على الميقاتية ونقص عن البلدية ، يستأجر من الأقرب إلى بلده فالأقرب على الأحوط ، ولو لم يمكن الاستئجار إلاّ من البلد وجب ، وجميع مصرفه من الأصل .

ص: 406

(مسألة 59) : لو أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً ، فخولف واستؤجر من الميقات وأتى به ، أو تبرّع عنه متبرّع منه ، برئت ذمّته وسقط الوجوب من البلد ، وكذا لو لم يسع المال إلاّ من الميقات ، ولو عيّن الاستئجار من محلّ غير بلده تعيّن ، والزيادة على الميقاتية من الثلث ، ولو استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد مع عدم الإيصاء بتخيّل عدم كفاية الميقاتية ضمن ما زاد على الميقاتية للورثة أو لبقيّتهم .

(مسألة 60) : لو لم تفِ التركة بالاستئجار من الميقات إلاّ الاضطراري منه - كمكّة أو أدنى الحِلّ - وجب ، ولو دار الأمر بينه وبين الاستئجار من البلد قدّم الثاني ، ويخرج من أصل التركة ، ولو لم يمكن إلاّ من البلد وجب ، وإن كان عليه دين أو خمس أو زكاة يوزّع بالنسبة لو لم يكفِ التركة .

(مسألة 61) : يجب الاستئجار عن الميّت في سنة الفوت ، ولا يجوز التأخير عنها ، خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير ، ولو لم يمكن إلاّ من البلد وجب وخرج من الأصل ؛ وإن أمكن من الميقات في السنين الاُخر ، وكذا لو أمكن من الميقات بأزيد من الاُجرة المتعارفة في سنة الفوت وجب ولا يؤخّر ، ولو أهمل الوصيّ أو الوارث فتلفت التركة ضمن ، ولو لم يكن للميّت تركة لم يجب على الورثة حجّه وإن استحبّ على وليّه .

(مسألة 62) : لو اختلف تقليد الميّت ومن كان العمل وظيفته في اعتبار البلدي والميقاتي ، فالمدار تقليد الثاني ، ومع التعدّد والاختلاف يرجع إلى الحاكم . وكذا لو اختلفا في أصل وجوب الحجّ وعدمه فالمدار هو الثاني ، ومع التعدّد والاختلاف فالمرجع هو الحاكم ، وكذا لو لم يعلم فتوى مجتهده ، أو لم يعلم

ص: 407

مجتهده ، أو لم يكن مقلِّداً ، أو لم يعلم أ نّه كان مقلِّداً أم لا ، أو كان مجتهداً واختلف رأيه مع متصدّي العمل ، أو لم يعلم رأيه .

(مسألة 63) : لو علم استطاعته مالاً ولم يعلم تحقّق سائر الشرائط ، ولم يكن أصل محرز لها ، لا يجب القضاء عنه . ولو علم استقراره عليه وشكّ في إتيانه يجب القضاء عنه ، وكذا لو علم بإتيانه فاسداً . ولو شكّ في فساده يحمل على الصحّة .

(مسألة 64) : يجب استئجار من كان أقلّ اُجرةً ؛ مع إحراز صحّة عمله وعدم رضا الورثة ، أو وجود قاصر فيهم . نعم ، لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عنه وإن كان أحوط .

(مسألة 65) : من استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ، ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة ، وكذا ليس أن يتطوّع به ، فلو خالف ففي صحّته إشكال ، بل لا يبعد البطلان من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه وعدمه ، ولو لم يتمكّن منه صحّ عن الغير ، ولو آجر نفسه مع تمكّن حجّ نفسه ، بطلت الإجارة وإن كان جاهلاً بوجوبه عليه .

القول : في الحجّ بالنذر والعهد واليمين

(مسألة 1) : يشترط في انعقادها البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا تنعقد من الصبيّ وإن بلغ عشراً وإن صحّت العبادات منه ، ولا من المجنون والغافل والساهي والسكران والمكره ، والأقوى صحّتها من الكافر المقرّ باللّه تعالى ، بل وممّن يحتمل وجوده تعالى ويقصد القربة رجاءً فيما يعتبر قصدها .

ص: 408

(مسألة 2) : يعتبر في انعقاد يمين الزوجة والولد إذن الزوج والوالد ، ولا تكفي الإجازة بعده ، ولا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب أو ترك حرام وغيرهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيهما بل لا يترك . ويعتبر إذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة . وأمّا نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار إذن والده فيه . كما أنّ انعقاد العهد لا يتوقّف على إذن أحد على الأقوى . والأقوى شمول الزوجة للمنقطعة ، وعدم شمول الولد لولد الولد . ولا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى . ولا تلحق الاُمّ بالأب ، ولا الكافر بالمسلم .

(مسألة 3) : لو نذر الحجّ من مكان معيّن فحجّ من غيره لم تبرأ ذمّته ، ولو عيّنه في سنة فحجّ فيها من غير ما عيّنه وجبت عليه الكفّارة . ولو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا ، فحجّ من غيره صحّ ، ووجبت الكفّارة . ولو نذر أن يحجّ في سنة معيّنة لم يجز التأخير ، فلو أخّر مع التمكّن عصى وعليه القضاء والكفّارة . ولو لم يقيّده بزمان جاز التأخير إلى ظنّ الفوت ، ولو مات بعد تمكّنه يُقضى عنه من أصل التركة على الأقوى ، ولو نذر ولم يتمكّن من أدائه حتّى مات لم يجب القضاء عنه ، ولو نذر معلّقاً على أمر ولم يتحقّق المعلّق عليه حتّى مات لم يجب القضاء عنه . نعم ، لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط ، فمات قبل حصوله ، وحصل بعد موته مع تمكّنه قبله ، فالظاهر وجوب القضاء عنه ، كما أ نّه لو نذر إحجاج شخص في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء والكفّارة ، وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة ، وكذا لو نذر إحجاجه مطلقاً ، أو معلّقاً على شرط وقد حصل وتمكّن منه وترك حتّى مات .

(مسألة 4) : لو نذر المستطيع أن يحجّ حجّة الإسلام انعقد ، ويكفيه إتيانها ، ولو تركها حتّى مات وجب القضاء عنه والكفّارة من تركته ، ولو نذرها غير

ص: 409

المستطيع انعقد ، ويجب عليه تحصيل الاستطاعة إلاّ أن يكون نذره الحجّ بعد الاستطاعة .

(مسألة 5) : لا يعتبر في الحجّ النذري الاستطاعة الشرعية ، بل يجب مع القدرة العقلية إلاّ إذا كان حرجياً أو موجباً لضرر نفسي أو عِرضي أو مالي إذا لزم منه الحرج .

(مسألة 6) : لو نذر حجّاً غير حجّة الإسلام في عامها وهو مستطيع انعقد ، لكن تُقدّم حجّة الإسلام ، ولو زالت الاستطاعة يجب عليه الحجّ النذري ، ولو تركهما لا يبعد وجوب الكفّارة . ولو نذر حجّاً في حال عدمها ثمّ استطاع ، يقدّم حجّة الإسلام ولو كان نذره مضيّقاً . وكذا لو نذر إتيانه فوراً ففوراً تقدّم حجّة الإسلام ، ويأتي به في العام القابل ، ولو نذر حجّاً من غير تقييد ، وكان مستطيعاً أو حصل الاستطاعة بعده ، ولم يكن انصراف ، فالأقرب كفاية حجّ واحد عنهما مع قصدهما ، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجّة الإسلام ؛ بإتيان كلّ واحد مستقلاًّ مقدّماً لحجّة الإسلام .

(مسألة 7) : يجوز الإتيان بالحجّ المندوب قبل الحجّ النذري الموسّع ، ولو خالف في المضيّق وأتى بالمستحبّ صحّ وعليه الكفّارة .

(مسألة 8) : لو علم أنّ على الميّت حجّاً ، ولم يعلم أ نّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر ، وجب قضاؤه عنه من غير تعيين ولا كفّارة عليه . ولو تردّد ما عليه بين ما بالنذر أو الحلف مع الكفّارة وجبت الكفّارة أيضاً . ويكفي الاقتصار على إطعام عشرة مساكين ، والأحوط الستّين .

(مسألة 9) : لو نذر المشي في الحجّ انعقد حتّى في مورد أفضلية الركوب .

ص: 410

ولو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب حتّى لو نذر في مورد يكون المشي أفضل ، وكذا لو نذر المشي في بعض الطريق ، وكذا لو نذر الحجّ حافياً . ويشترط في انعقاده تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما وعدم كونهما حرجيين ، فلا ينعقد مع أحدها لو كان في الابتداء ، ويسقط الوجوب لو عرض في الأثناء ، ومبدأ المشي أو الحفاء تابع للتعيين ولو انصرافاً ، ومنتهاه رمي الجمار مع عدم التعيين .

(مسألة 10) : لا يجوز لمن نذره ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر ونحوه . ولو اضطرّ إليه لمانع في سائر الطرق سقط . ولو كان كذلك من الأوّل لم ينعقد . ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لا يمكن العبور إلاّ بالمركب ، يجب أن يقوم فيه على الأقوى .

(مسألة 11) : لو نذر الحجّ ماشياً فلا يكفي عنه الحجّ راكباً ، فمع كونه موسّعاً يأتي به ، ومع كونه مضيّقاً يجب الكفّارة لو خالف دون القضاء . ولو نذر المشي في حجّ معيّن وأتى به راكباً صحّ وعليه الكفّارة دون القضاء ، ولو ركب بعضاً دون بعض فبحكم ركوب الكلّ .

(مسألة 12) : لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحجّ راكباً مطلقاً ؛ سواء كان مقيّداً بسنة أم لا ، مع اليأس عن التمكّن بعدها أم لا . نعم ، لا يُترك الاحتياط بالإعادة في صورة الإطلاق ؛ مع عدم اليأس من المكنة ، وكون العجز قبل الشروع في الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك ، والأحوط المشي بالمقدار الميسور ، بل لا يخلو من قوّة . وهل الموانع الاُخر كالمرض أو خوفه أو عدوّ أو نحو ذلك بحكم العجز أو لا ؟ وجهان ، ولا يبعد التفصيل بين المرض ونحو العدوّ ؛ باختيار الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني .

ص: 411

القول : في النيابة

وهي تصحّ عن الميّت مطلقاً ، وعن الحيّ في المندوب وبعض صور الواجب .

(مسألة 1) : يشترط في النائب اُمور :

الأوّل : البلوغ على الأحوط ؛ من غير فرق بين الإجاري والتبرّعي بإذن الوليّ أو لا ، وفي صحّتها في المندوب تأمّل .

الثاني : العقل ، فلا تصحّ من المجنون ولو أدوارياً في دور جنونه ، ولا بأس بنيابة السفيه .

الثالث : الإيمان .

الرابع : الوثوق بإتيانه ، وأمّا بعد إحراز ذلك فلا يعتبر الوثوق بإتيانه صحيحاً ، فلو علم بإتيانه وشكّ في أ نّه يأتي به صحيحاً ، صحّت الاستنابة ولو قبل العمل على الظاهر ، والأحوط اعتبار الوثوق بالصحّة في هذه الصورة .

الخامس : معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه ولو بإرشاد معلّم حال كلّ عمل .

السادس : عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام كما مرّ .

السابع : أن لا يكون معذوراً في ترك بعض الأعمال . والاكتفاء بتبرّعه أيضاً مشكل .

(مسألة 2) : يشترط في المنوب عنه الإسلام ، فلا يصحّ من الكافر . نعم ، لو فرض انتفاعه به بنحو إهداء الثواب ، فلا يبعد جواز الاستئجار لذلك . ولو مات مستطيعاً لا يجب على وارثه المسلم الاستئجار عنه . ويشترط كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب . ولا يشترط فيه البلوغ والعقل ، فلو استقرّ على المجنون حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً يجب الاستئجار عنه ، ولا المماثلة بين

ص: 412

النائب والمنوب عنه في الذكورة والاُنوثة ، وتصحّ استنابة الصرورة ؛ رجلاً كان أو امرأة عن رجل أو امرأة .

(مسألة 3) : يشترط في صحّة الحجّ النيابي قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو إجمالاً ، لا ذكر اسمه وإن كان مستحبّاً في جميع المواطن والمواقف . وتصحّ النيابة بالجُعالة كما تصحّ بالإجارة والتبرّع .

(مسألة 4) : لا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلاّ بإتيان النائب صحيحاً . نعم ، لو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه ، وإلاّ فلا وإن مات بعد الإحرام . وفي إجراء الحكم في الحجّ التبرّعي إشكال ، بل في غير حجّة الإسلام لا يخلو من إشكال .

(مسألة 5) : لو مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم ، يستحقّ تمام الاُجرة إن كان أجيراً على تفريغ الذمّة كيف كان ، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على نفس الأعمال المخصوصة ولم تكن المقدّمات داخلة في الإجارة ، ولم يستحقّ شيئاً حينئذٍ إذا مات قبل الإحرام . وأمّا الإحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه ، والذهاب إلى مكّة بعد الإحرام وإلى منى وعرفات غير داخل فيه ، ولا يستحقّ به شيئاً ، ولو كان المشي والمقدّمات داخلاً في الإجارة ، فيستحقّ بالنسبة إليه مطلقاً ولو كان مطلوباً من باب المقدّمة . هذا مع التصريح بكيفية الإجارة ، ومع الإطلاق كذلك أيضاً . كما أ نّه معه يستحقّ تمام الاُجرة لو أتى بالمصداق الصحيح العرفي ؛ ولو كان فيه نقص ممّا لا يضرّ بالاسم . نعم ، لو كان النقص شيئاً يجب قضاؤه فالظاهر أ نّه عليه لا على المستأجر .

ص: 413

(مسألة 6) : لو مات قبل الإحرام تنفسخ الإجارة ؛ إن كانت للحجّ في سنة معيّنة مباشرة ، أو الأعمّ مع عدم إمكان إتيانه في هذه السنة . ولو كانت مطلقة ، أو الأعمّ من المباشرة في هذه السنة ، ويمكن الإحجاج فيها ، يجب الإحجاج من تركته ، وليس هو مستحقّاً لشيء على التقديرين لو كانت الإجارة على نفس الأعمال فيما فعل .

(مسألة 7) : يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ فيما إذا كان التخيير بين الأنواع ، كالمستحبّي والمنذور المطلق مثلاً ، ولا يجوز على الأحوط العدول إلى غيره وإن كان أفضل إلاّ إذا أذن المستأجر ، ولو كان ما عليه نوعاً خاصّاً لا ينفع الإذن بالعدول . ولو عدل مع الإذن يستحقّ الاُجرة المسمّاة في الصورة الاُولى ، واُجرة مثل عمله في الثانية إن كان العدول بأمره . ولو عدل في الصورة الاُولى بدون الرضا صحّ عن المنوب عنه ، والأحوط التخلّص بالتصالح في وجه الإجارة إذا كان التعيين على وجه القيدية ، ولو كان على وجه الشرطية فيستحقّ إلاّ إذا فسخ المستأجر الإجارة ، فيستحقّ اُجرة المثل لا المسمّاة .

(مسألة 8) : لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ البلدي ، لكن لو عيّن لا يجوز العدول عنه إلاّ مع إحراز أ نّه لا غرض له في الخصوصية ، وإنّما ذكرها على المتعارف وهو راضٍ به ، فحينئذٍ لو عدل يستحقّ تمام الاُجرة ، وكذا لو أسقط حقّ التعيين بعد العقد . ولو كان الطريق المعيّن معتبراً في الإجارة فعدل عنه ، صحّ الحجّ عن المنوب عنه ، وبرئت ذمّته إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصية الطريق المعيّن ، ولا يستحقّ الأجير شيئاً لو كان اعتباره على وجه القيدية ؛ بمعنى أنّ الحجّ المتقيّد بالطريق الخاصّ كان مورداً للإجارة ، ويستحقّ

ص: 414

من المسمّى بالنسبة ، ويسقط منه بمقدار المخالفة ؛ إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية .

(مسألة 9) : لو آجر نفسه للحجّ المباشري عن شخص في سنة معيّنة ، ثمّ آجر عن آخر فيها مباشرة ، بطلت الثانية ، ولو لم يشترط فيهما أو في إحداهما المباشرة صحّتا ، وكذا مع توسعتهما أو توسعة إحداهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما لو لم يكن انصراف منهما إلى التعجيل ، ولو اقترنت الإجارتان في وقت واحد بطلتا مع التقييد بزمان واحد ومع قيد المباشرة فيهما .

(مسألة 10) : لو آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة ، لا يجوز له التأخير والتقديم إلاّ برضا المستأجر ، ولو أخّر فلا يبعد تخيّر المستأجر بين الفسخ ومطالبة الاُجرة المسمّاة ، وبين عدمه ومطالبة اُجرة المثل ؛ من غير فرق بين كون التأخير لعذر أو لا . هذا إذا كان على وجه التقييد . وإن كان على وجه الاشتراط فللمستأجر خيار الفسخ ، فإن فسخ يرجع إلى الاُجرة المسمّاة ، وإلاّ فعلى المؤجر أن يأتي به في سنة اُخرى ويستحقّ الاُجرة المسمّاة ، ولو أتى به مؤخّراً لا يستحقّ الاُجرة على الأوّل ؛ وإن برئت ذمّة المنوب عنه به ، ويستحقّ المسمّاة على الثاني إلاّ إذا فسخ المستأجر ، فيرجع إلى اُجرة المِثل . وإن أطلق وقلنا بوجوب التعجيل لا يبطل مع الإهمال ، وفي ثبوت الخيار للمستأجر وعدمه تفصيل .

(مسألة 11) : لو صدّ الأجير أو اُحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال ، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة ، ويبقى الحجّ على ذمّته مع الإطلاق ، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبارها على وجه

ص: 415

الاشتراط في ضمن العقد ، ولا يجزي عن المنوب عنه ولو كان ذلك بعد الإحرام ودخول الحرم ، ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته ، ويستحقّ الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال على التفصيل المتقدّم .

(مسألة 12) : ثوبا الإحرام وثمن الهدي على الأجير إلاّ مع الشرط ، وكذا لو أتى بموجب كفّارة فهو من ماله .

(مسألة 13) : إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل ؛ بمعنى الحلول في مقابل الأجل ، لا بمعنى الفورية بشرط عدم انصراف إليها ، فحينئذٍ حالها حال البيع ، فيجوز للمستأجر المطالبة ، وتجب المبادرة معها . كما أنّ إطلاقها يقتضي المباشرة ، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلاّ مع الإذن .

(مسألة 14) : لو قصرت الاُجرة لا يجب على المستأجر إتمامها ، كما أ نّها لو زادت ليس له الاسترداد .

(مسألة 15) : يملك الأجير الاُجرة بالعقد ، لكن لا يجب تسليمها إلاّ بعد العمل ؛ لو لم يشترط التعجيل ، ولم تكن قرينة على إرادته ؛ من انصراف أو غيره كشاهد حال ونحوه . ولا فرق في عدم وجوبه بين أن تكون عيناً أو ديناً ، ولو كانت عيناً فنماؤها للأجير . ولا يجوز للوصيّ والوكيل التسليم قبله إلاّ بإذن من الموصي أو الموكّل ، ولو فعلا كانا ضامنين على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلاً . ولا يجوز للوكيل اشتراط التعجيل بدون إذن الموكّل ، وللوصيّ اشتراطه إذا تعذّر بغير ذلك ، ولا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر . ولو لم يقدر الأجير على العمل كان للمستأجر خيار الفسخ ، ولو بقي على هذا الحال حتّى

ص: 416

انقضى الوقت فالظاهر انفساخ العقد ، ولو كان المتعارف تسليمها أو تسليم مقدار منها قبل الخروج ، يستحقّ الأجير مطالبتها على المتعارف في صورة الإطلاق ، ويجوز للوكيل والوصيّ دفع ذلك من غير ضمان .

(مسألة 16) : لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعاً وكانت وظيفته العدول إلى الإفراد عمّن عليه حجّ التمتّع ، ولو استأجره في سعة الوقت ثمّ اتّفق الضيق فالأقوى وجوب العدول ، والأحوط عدم إجزائه عن المنوب عنه .

(مسألة 17) : يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب مطلقاً والمندوب ، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كان عليه الواجب حتّى قبل الاستئجار له ، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب مطلقاً . وقد مرّ حكم الحيّ في الواجب . وأمّا المندوب فيجوز التبرّع عنه - كما يجوز الاستئجار له - حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لا يتمكّن من أدائه فعلاً ، بل مع تمكّنه أيضاً ، فجواز الاستئجار للمندوب قبل أداء الواجب إذا لم يخلّ بالواجب لا يخلو من قوّة ، كما أنّ الأقوى صحّة التبرّع عنه .

(مسألة 18) : لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحجّ الواجب ، إلاّ إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة ، كما إذا نذر كلّ منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحجّ ، ويجوز في المندوب كما يجوز بعنوان إهداء الثواب .

(مسألة 19) : يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة ، بل يجوز ذلك في الحجّ الواجب أيضاً ، كما إذا

ص: 417

كان على الميّت حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنذر ، أو متّحدان نوعاً كحجّتين للنذر . وأمّا استنابة الحجّ النذري للحيّ المعذور فمحلّ إشكال كما مرّ . وكذا يجوز إن كان أحدهما واجباً والآخر مستحبّاً ، بل يجوز استئجار أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد ، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً ، لكنّهما يراعيان التقارن في الختم .

القول : في الوصيّة بالحجّ

(مسألة 1) : لو أوصى بالحجّ اُخرج من الأصل لو كان واجباً ، إلاّ أن يصرّح بخروجه من الثلث فاُخرج منه ، فإن لم يف اُخرج الزائد من الأصل . ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذري والإفسادي ، واُخرج من الثلث لو كان ندبياً . ولو لم يعلم كونه واجباً أو مندوباً فمع قيام قرينة أو تحقّق انصراف فهو ، وإلاّ فيخرج من الثلث ، إلاّ أن يعلم وجوبه عليه سابقاً وشكّ في أدائه فمن الأصل .

(مسألة 2) : يكفي الميقاتي ؛ سواء كان الموصى به واجباً أو مندوباً ، لكنّ الأوّل من الأصل والثاني من الثلث ، ولو أوصى بالبلدية فالزائد على اُجرة الميقاتية من الثلث في الأوّل ، وتمامها منه في الثاني .

(مسألة 3) : لو لم يعيّن الاُجرة فاللازم على الوصيّ - مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم - الاقتصار على اُجرة المثل . نعم ، لغير القاصر أن يؤدّي لها من سهمه بما شاء . ولو كان هناك من يرضى بالأقلّ منها ، وجب على الوصيّ استئجاره مع الشرط المذكور ، ويجب الفحص عنه على الأحوط مع عدم

ص: 418

رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده . نعم ، الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ . ولو وجد متبرّع عنه يجوز الاكتفاء به ؛ بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ، بل هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة ، فإن أتى به صحيحاً كفى ، وإلاّ وجب الاستئجار . ولو لم يوجد من يرضى باُجرة المثل ، فالظاهر وجوب دفع الأزيد لو كان الحجّ واجباً ، ولا يجوز التأخير إلى العام القابل ؛ ولو مع العلم بوجود من يرضى باُجرة المثل أو الأقلّ . وكذا لو أوصى بالمبادرة في الحجّ المندوب . ولو عيّن المُوصيّ مقداراً للاُجرة ، تعيّن وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اُجرة المِثل ، وإلاّ فالزيادة من الثلث ، وفي المندوب كلّه من الثلث ، فلو لم يكف ما عيّنه للحجّ فالواجب التتميم من الأصل في الحجّ الواجب ، وفي المندوب تفصيل .

(مسألة 4) : يجب الاقتصار على استئجار أقلّ الناس اُجرة مع عدم رضا الورثة أو وجود القاصر فيهم . والأحوط لكبار الورثة أن يستأجروا ما يناسب حال الميّت شرفاً .

(مسألة 5) : لو أوصى وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن ، ولو لم يعيّن كفى حجّ واحد إلاّ مع قيام قرينة على إرادته التكرار ، ولو أوصى بالثلث ولم يعيّن إلاّ الحجّ لا يبعد لزوم صرفه في الحجّ ، ولو أوصى بتكرار الحجّ كفى مرّتان إلاّ أن تقوم قرينة على الأزيد . ولو أوصى في الحجّ الواجب وعيّن أجيراً معيّناً تعيّن ، فإن كان لا يقبل إلاّ بأزيد من اُجرة المثل خرجت الزيادة من الثلث إن أمكن ، وإلاّ بطلت الوصيّة واستؤجر غيره باُجرة المثل ، إلاّ أن يأذن الورثة ، وكذا في نظائر المسألة . ولو أوصى في المستحبّ خرج من الثلث ، فإن لم يقبل إلاّ

ص: 419

بالزيادة منه بطلت ، فحينئذٍ إن كانت وصيّة بنحو تعدّد المطلوب يُستأجر غيره منه ، وإلاّ بطلت .

(مسألة 6) : لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة ، وعيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً ، واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة ، صُرف نصيب سنتين في سنة ، أو ثلاث سنين في سنتين - مثلاً - وهكذا ، ولو فَضُل من السنين فَضلة لا تفي بحجّة ولو من الميقات ، فالأوجه صرفها في وجوه البرّ . ولو كان الموصى به الحجّ من البلد ، ودار الأمر بين جعل اُجرة سنتين - مثلاً - لسنة وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة يتعيّن الأوّل . هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد ، وإلاّ فتبطل الوصيّة إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير ، أو كانت مقيّدة بسنين معيّنة .

(مسألة 7) : لو أوصى وعيّن الاُجرة في مقدار ، فإن كان واجباً ولم يزد على اُجرة المثل ، أو زاد وكفى ثلثه بالزيادة ، أو أجاز الورثة ، تعيّن ، وإلاّ بطلت ويرجع إلى اُجرة المثل . وإن كان مندوباً فكذلك مع وفاء الثلث به ، وإلاّ فبقدر وفائه إذا كان التعيين لا على وجه التقييد ، وإن لم يف به حتّى من الميقات ولم يأذن الورثة أو كان على وجه التقييد بطلت .

(مسألة 8) : لو عيّن للحجّ اُجرة لا يرغب فيها أحد ولو للميقاتي ، وكان الحجّ مستحبّاً بطلت الوصيّة إن لم يرج وجود راغب فيها ، وتُصرف في وجوه البرّ ، إلاّ إذا علم كونه على وجه التقييد فترجع إلى الوارث ؛ من غير فرق في الصورتين بين التعذّر الطارئ وغيره ، ومن غير فرق بين ما لو أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وغيره .

ص: 420

(مسألة 9) : لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً أو مع مركوب خاصّ صحّ ، واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً ، وخروج الزائد عن اُجرة الحجّ الميقاتي ، وكذا التفاوت بين المذكورات والحجّ المتعارف إن كان واجباً ، ولو كان عليه حجّ نذري ماشياً ونحوه ، خرج من أصل التركة أوصى به أم لا . ولو كان نذره مقيّداً بالمباشرة فالظاهر عدم وجوب الاستئجار إلاّ إذا اُحرز تعدّد المطلوب .

(مسألة 10) : لو أوصى بحجّتين أو أزيد ، وقال : «إنّها واجبة عليه» صدّق ، وتخرج من أصل التركة ، إلاّ أن يكون إقراره في مرض الموت ، وكان متّهماً فيه ، فتخرج من الثلث .

(مسألة 11) : لو أوصى بما عنده من المال للحجّ ندباً ولم يعلم أ نّه يخرج من الثلث أم لا لم يجز صرف جميعه ، ولو ادّعى أنّ عند الورثة ضعف هذا ، أو أ نّه أوصى بذلك وأجازوا الورثة ، يسمع دعواه بالمعنى المعهود في باب الدعاوي ، لا بمعنى إنفاذ قوله مطلقاً .

(مسألة 12) : لو مات الوصيّ بعد قبض اُجرة الاستئجار من التركة ، وشكّ في استئجاره له قبل موته ، فإن كان الحجّ موسّعاً يجب الاستئجار من بقيّة التركة إن كان واجباً ، وكذا إن لم تمض مدّة يمكن الاستئجار فيها ، بل الظاهر وجوبه لو كان الوجوب فورياً ومضت مدّة يمكن الاستئجار فيها ، ومن بقيّة ثلثها إن كان مندوباً ، والأقوى عدم ضمانه لما قبض ، ولو كان المال المقبوض موجوداً عنده اُخذ منه . نعم ، لو عامل معه معاملة الملكية في حال حياته أو عامل ورثته كذلك ، لا يبعد عدم جواز أخذه على إشكال ، خصوصاً في الأوّل .

ص: 421

(مسألة 13) : لو قبض الوصيّ الاُجرة وتلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً ، ووجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث ، وإن اقتسمت استرجعت ، ولو شكّ في أنّ تلفها كان عن تقصير أو لا لم يضمن ، ولو مات الأجير قبل العمل ولم يكن له تركة أو لم يمكن أخذها من ورثته ، يستأجر من البقيّة أو بقيّة الثلث .

(مسألة 14) : يجوز النيابة عن الميّت في الطواف الاستحبابي ، وكذا عن الحيّ إذا كان غائباً عن مكّة أو حاضراً ومعذوراً عنه ، وأمّا مع حضوره وعدم عذره فلا تجوز . وأمّا سائر الأفعال فاستحبابها مستقلاًّ وجواز النيابة فيها غير معلوم حتّى السعي ، وإن يظهر من بعض الروايات استحبابه .

(مسألة 15) : لو كان عند شخص وديعة ، ومات صاحبها وكان عليه حجّة الإسلام ، وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون عنه إن ردّها إليهم ، وجب عليه أن يحجّ بها عنه ، وإن زادت عن اُجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم ، والأحوط الاستئذان من الحاكم مع الإمكان ، والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء ، وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعي بنفسه . وفي إلحاق غير حجّة الإسلام بها من أقسام الحجّ الواجب أو سائر الواجبات مثل الزكاة ونحوها إشكال . وكذا في إلحاق غير الوديعة كالعين المستأجرة والعارية ونحوهما ، فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم وعدم استبداده به . وكذا الحال لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً وأمكن إثباته عند الحاكم أو أمكن إجباره ، فيرجع في الجميع إلى الحاكم ولا يستبدّ به .

(مسألة 16) : يجوز للنائب - بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه - أن يطوف عن نفسه وعن غيره ، وكذا يجوز أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره .

ص: 422

(مسألة 17) : يجوز لمن أعطاه رجل مالاً لاستئجار الحجّ ، أن يحجّ بنفسه ما لم يعلم أنّه أراد الاستئجار من الغير ولو بظهور لفظه في ذلك ، ومع الظهور لا يجوز التخلّف إلاّ مع الاطمئنان بالخلاف ، بل الأحوط عدم مباشرته إلاّ مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج ، وإذا عيّن شخصاً تعيّن إلاّ إذا علم عدم أهليته ، وأنّ المعطي مشتبه في ذلك ، أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد .

القول : في الحجّ المندوب

(مسألة 1) : يستحبّ لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما أن يحجّ مهما أمكن ، وكذا من أتى بحجّه الواجب . ويستحبّ تكراره بل في كلّ سنة ، بل يكره تركه خمس سنين متوالية . ويستحبّ نيّة العود إليه عند الخروج من مكّة ، ويكره نيّة عدمه .

(مسألة 2) : يستحبّ التبرّع بالحجّ عن الأقارب وغيرهم أحياءً وأمواتاً ، وكذا عن المعصومين علیهم السلام أحياءً وأمواتاً ، والطواف عنهم علیهم السلام وعن غيرهم أمواتاً وأحياءً ؛ مع عدم حضورهم في مكّة أو كونهم معذورين . ويستحبّ إحجاج الغير استطاع أم لا ، ويجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحجّ ليحجّ بها .

(مسألة 3) : يستحبّ لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحجّ إذا كان واثقاً بالوفاء .

(مسألة 4) : يُستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ ، والحجّ أفضل من الصدقة بنفقته .

ص: 423

(مسألة 5) : لا يجوز الحجّ بالمال الحرام ، ويجوز بالمشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها .

(مسألة 6) : يجوز إهداء ثواب الحجّ إلى الغير بعد الفراغ عنه ، كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه .

(مسألة 7) : يستحبّ لمن لا مال له يحجّ به أن يأتي به ولو بإجارة نفسه عن غيره .

القول : في أقسام العمرة

(مسألة 1) : تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب ، فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ مرّة في العمر . وهي واجبة فوراً كالحجّ ، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ ، بل تكفي استطاعتها فيه وإن لم يتحقّق استطاعته ، كما أنّ العكس كذلك ، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها .

(مسألة 2) : تُجزي العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة ، وهل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحجّ ؟ المشهور عدمه ، وهو الأقوى ، وعلى هذا لا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة ؛ وإن كان مستطيعاً لها ، وهو في مكّة ، وكذا لا تجب على من تمكّن منها ولم يتمكّن من الحجّ لمانع ، لكن الأحوط الإتيان بها .

(مسألة 3) : قد تجب العمرة بالنذر والحلف والعهد والشرط في ضمن العقد والإجارة والإفساد ؛ وإن كان إطلاق الوجوب عليها في غير الأخير مسامحة

ص: 424

على ما هو التحقيق . وتجب أيضاً لدخول مكّة بمعنى حرمته بدونها ، فإنّه لا يجوز دخولها إلاّ محرماً إلاّ في بعض الموارد : منها : من يكون مقتضى شغله الدخول والخروج كراراً ، كالحطّاب والحشّاش ، وأمّا استثناء مطلق من يتكرّر منه فمشكل . ومنها : غير ذلك كالمريض والمبطون ممّا ذُكر في محلّه ، وما عدا ذلك مندوب . ويستحبّ تكرارها كالحجّ ، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين ، والأحوط فيما دون الشهر الإتيان بها رجاءً .

القول : في أقسام الحجّ

وهي ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، والأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة ، والآخران فرض من كان حاضراً ؛ أي غير بعيد . وحدّ البعد ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب على الأقوى من مكّة . ومن كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع ، ولو شكّ في أنّ منزله في الحدّ أو الخارج وجب عليه الفحص ، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط . ثمّ إنّ ما مرّ إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام . وأمّا الحجّ النذري وشبهه فله نذر أيّ قسم شاء ، وكذا حال شقيقيه . وأمّا الإفسادي فتابع لما أفسده .

(مسألة 1) : من كان له وطنان ؛ أحدهما دون الحدّ ، والآخر خارجه أو فيه ، لزمه فرض أغلبهما ، لكن بشرط عدم إقامة سنتين بمكّة ، فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين ؛ وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ، وإن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة .

(مسألة 2) : من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها ، فالأحوط أن يأتي بفرض المكّي ، بل لا يخلو من قوّة .

ص: 425

(مسألة 3) : الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة ، فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتّع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه ؛ سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين . وأمّا لو لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة ، فينقلب فرضه إلى فرض المكّي بعد الدخول في السنة الثالثة ، لكن بشرط أن تكون الإقامة بقصد المجاورة . وأمّا لو كان بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل ، وفي صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً ، فتكفي في وجوبه استطاعته منها ، ولا يشترط فيه حصولها من بلده . ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة قبل مضيّ السنتين ، لكن بشرط وقوع الحجّ على فرض المبادرة إليه قبل تجاوز السنتين ، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده ، فيجب عليه التمتّع ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد . وأمّا المكّي إذا خرج إلى سائر الأمصار مجاوراً لها ، فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه إلاّ إذا توطّن وحصلت الاستطاعة بعده ، فيتعيّن عليه التمتّع ولو في السنة الاُولى .

(مسألة 4) : المقيم في مكّة لو وجب عليه التمتّع - كما إذا كانت استطاعته في بلده ، أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه - يجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع ، والأحوط أن يخرج إلى مهلّ أرضه فيحرم منه ، بل لا يخلو من قوّة ، وإن لم يتمكّن فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ ، والأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات ، وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه ، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن .

ص: 426

القول : في صورة حجّ التمتّع إجمالاً

وهي أن يحرم في أشهر الحجّ من إحدى المواقيت بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة المعظّمة فيطوف بالبيت سبعاً ، ويصلّي عند مقام إبراهيم علیه السلام ركعتين ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعاً ، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً سبعاً ثمّ ركعتين له ، وإن كان الأقوى عدم وجوب طواف النساء وصلاته ، ثمّ يقصّر فيحلّ عليه كلّ ما حرم عليه بالإحرام . وهذه صورة عمرة التمتّع التي هي أحد جزأي حجّه . ثمّ يُنشئ إحراماً للحجّ من مكّة المعظّمة في وقت يعلم أ نّه يدرك الوقوف بعرفة ، والأفضل إيقاعه يوم التروية بعد صلاة الظهر ، ثمّ يخرج إلى عرفات فيقف بها من زوال يوم عرفة إلى غروبه ، ثمّ يفيض منها ويمضي إلى المشعر فيبيت فيه ، ويقف به بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس منه ، ثمّ يمضي إلى منى لأعمال يوم النحر ، فيرمي جمرة العقبة ، ثمّ ينحر أو يذبح هديه ، ثمّ يحلق إن كان صرورة على الأحوط ، ويتخيّر غيره بينه وبين التقصير ، ويتعيّن على النساء التقصير ، فيحلّ بعد التقصير من كلّ شيء إلاّ النساء والطيب . والأحوط اجتناب الصيد أيضاً ، وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام ، نعم يحرم عليه لحرمة الحرم . ثمّ يأتي إلى مكّة ليومه إن شاء ، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه ، فيحلّ له الطيب ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء . ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق ، وهي الحادية عشرة والثانية عشرة والثالث عشرة ، وبيتوتة الثالث عشرة إنّما هي في بعض الصور كما يأتي . ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث ، ولو شاء لا يأتي إلى مكّة ليومه ، بل يقيم بمنى حتّى يرمي

ص: 427

جماره الثلاث يوم الحادي عشر ، ومثله يوم الثاني عشر ، ثمّ ينفر بعد الزوال لو كان قد اتّقى النساء والصيد ، وإن أقام إلى النفر الثاني - وهو الثالثة عشر - ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي ، جاز أيضاً . ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي ، والأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة ، والأفضل الأحوط أن يمضي إلى مكّة يوم النحر ، بل لا ينبغي التأخير لغده ، فضلاً عن أيّام التشريق إلاّ لعذر .

(مسألة 1) : يشترط في حجّ التمتّع اُمور :

أحدها : النيّة ، أي قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة ، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ .

ثانيها : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها ، وأشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بتمامه على الأصحّ .

ثالثها : أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو أتى بالعمرة في سنة وبالحجّ في الاُخرى ، لم يصحّ ولم يُجزِ عن حجّ التمتّع ؛ سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أم لا ، وسواء أحلّ من إحرام عمرته ، أو بقي عليه إلى العام القابل .

رابعها : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار ، وأمّا عمرته فمحلّ إحرامها المواقيت الآتية ، وأفضل مواضعها المسجد ، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم علیه السلام أو حجر إسماعيل علیه السلام . ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن . ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولا يكفيه العود إليها من غير تجديد ، بل يجب أن يجدّده فيها ؛ لأنّ

ص: 428

إحرامه من غيرها كالعدم . ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه .

خامسها : أن يكون مجموع العمرة والحجّ من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يجز عنه . وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ .

(مسألة 2) : الأحوط أن لا يخرج من مكّة بعد الإحلال عن عمرة التمتّع بلا حاجة ، ولو عرضته حاجة فالأحوط أن يحرم للحجّ من مكّة ويخرج لحاجته ، ويرجع محرماً لأعمال الحجّ ، لكن لو خرج من غير حاجة ومن غير إحرام ، ثمّ رجع وأحرم وحجّ ، صحّ حجّه .

(مسألة 3) : وقت الإحرام للحجّ موسّع ، فيجوز التأخير إلى وقت يدرك وقوف الاختياري من عرفة ، ولا يجوز التأخير عنه ، ويستحبّ الإحرام يوم التروية ، بل هو أحوط .

(مسألة 4) : لو نسي الإحرام وخرج إلى عرفات ، وجب الرجوع للإحرام من مكّة ، ولو لم يتمكّن لضيق وقت أو عذر أحرم من موضعه ، ولو لم يتذكّر إلى تمام الأعمال صحّ حجّه . والجاهل بالحكم في حكم الناسي . ولو تعمّد ترك الإحرام إلى زمان فوت الوقوف بعرفة والمشعر بطل حجّه .

(مسألة 5) : لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً . نعم ، لو ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ ، جاز له نقل النيّة إلى الإفراد ، ويأتي بالعمرة بعد الحجّ . وحدّ ضيق الوقت خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة على الأصحّ . والظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى

ص: 429

الحجّ المندوب ، فلو نوى التمتّع ندباً ، وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ ، جاز له العدول إلى الإفراد ، والأقوى عدم وجوب العمرة عليه .

(مسألة 6) : لو علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة ، لا يبعد جواز العدول من الأوّل إلى الإفراد ، بل لو علم حال الإحرام بضيق الوقت ، جاز له الإحرام بحجّ الإفراد وإتيانه ثمّ إتيان عمرة مفردة بعده ، وتمّ حجّه وكفى عن حجّة الإسلام ، ولو دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت ، وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى أن ضاق الوقت ، ففي جواز العدول وكفايته إشكال ، والأحوط العدول وعدم الاكتفاء لو كان الحجّ واجباً عليه .

(مسألة 7) : الحائض أو النفساء إذا ضاق وقتها عن الطهر وإتمام العمرة ، يجب عليها العدول إلى الإفراد والإتمام ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ . ولو دخل مكّة من غير إحرام لعذر وضاق الوقت أحرم لحجّ الإفراد ، وأتى بعد الحجّ بعمرة مفردة ، وصحّ وكفى عن حجّة الإسلام .

(مسألة 8) : صورة حجّ الإفراد كحجّ التمتّع إلاّ في شيء واحد ، وهو أنّ الهدي واجب في حجّ التمتّع ومستحبّ في الإفراد .

(مسألة 9) : صورة العمرة المفردة كعمرة التمتّع إلاّ في اُمور :

أحدها : أنّ في عمرة التمتّع يتعيّن التقصير ولا يجوز الحلق ، وفي العمرة المفردة تخيّر بينهما .

ثانيها : أ نّه لا يكون في عُمرة التمتّع طواف النساء وإن كان أحوط ، وفي العمرة المفردة يجب طواف النساء .

ص: 430

ثالثها : ميقات عمرة التمتّع أحد المواقيت الآتية ، وميقات العمرة المفردة أدنى الحلّ وإن جاز فيها الإحرام من تلك المواقيت .

القول : في المواقيت

وهي المواضع التي عُيّنت للإحرام ، وهي خمسة لعمرة الحجّ :

الأوّل : ذو الحليفة ، وهو ميقات أهل المدينة ومن يمرّ على طريقهم ، والأحوط الاقتصار على نفس مسجد الشجرة ، لا عنده في الخارج ، بل لا يخلو من وجه .

(مسألة 1) : الأقوى عدم جواز التأخير اختياراً إلى الجحفة ، وهي ميقات أهل الشام . نعم ، يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار .

(مسألة 2) : الجنب والحائض والنفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد إذا لم يستلزم الوقوف فيه ، بل وجب عليهم حينئذٍ ، ولو لم يمكن لهم بلا وقوف ، فالجنب مع فقد الماء أو العذر عن استعماله ، يتيمّم للدخول والإحرام في المسجد ، وكذا الحائض والنفساء بعد نقائهما ، وأمّا قبل نقائهما ، فإن لم يمكن لهما الصبر إلى حال النقاء فالأحوط لهما الإحرام خارج المسجد عنده وتجديده في الجحفة أو محاذاتها .

الثاني : العقيق ، وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه من غيرهم ، وأوّله المسلخ ، ووسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، والأقوى جواز الإحرام من جميع مواضعه اختياراً ، والأفضل من المسلخ ثمّ من غمرة ، ولو اقتضت التقيّة عدم الإحرام من أوّله والتأخير إلى ذات عرق ، فالأحوط التأخير ، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه .

ص: 431

الثالث : الجُحفة ، وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليها من غيرهم .

الرابع : يلملم ، وهو لأهل يمن ومن يمرّ عليه .

الخامس : قرن المنازل ، وهو لأهل الطائف ومن يمرّ عليه .

(مسألة 3) : تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبيّنة الشرعية أو الشياع الموجب للاطمئنان ، ومع فقدهما بقول أهل الاطّلاع مع حصول الظنّ ، فضلاً عن الوثوق ، فلو أراد الإحرام من المسلخ - مثلاً - ولم يثبت كون المحلّ الكذائي ذلك لا بدّ من التأخير حتّى يتيقّن الدخول في الميقات .

(مسألة 4) : من لم يمرّ على أحد المواقيت جاز له الإحرام من محاذاة أحدها . ولو كان في الطريق ميقاتان يجب الإحرام من محاذاة أبعدهما إلى مكّة على الأحوط ، والأولى تجديد الإحرام في الآخر(1) .

(مسألة 5) : المراد من المحاذاة : أن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو يساره بخطّ مستقيم ؛ بحيث لو جاوز منه يتمايل الميقات إلى الخلف . والميزان هو المحاذاة العرفية لا العقلية الدقّية . ويشكل الاكتفاء بالمحاذاة من فوق ، كالحاصل لمن ركب الطائرة لو فرض إمكان الإحرام مع حفظ المحاذاة فيها ، فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بها .

(مسألة 6) : تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات على ما مرّ ، بل بقول أهل الخبرة وتعيينهم بالقواعد العلمية مع حصول الظنّ منه .

ص: 432


1- في (أ) لم يرد : «والأولى . . .» إلى آخر المسألة .

(مسألة 7) : ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة الحجّ ، وهنا مواقيت اُخر :

الأوّل : مكّة المعظّمة ، وهي لحجّ التمتّع .

الثاني : دويرة الأهل ؛ أي المنزل ، وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة بل لأهل مكّة ، وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة ؛ وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة ، فإنّهم يحرمون بحجّ الإفراد والقران من مكّة . والظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة ، وإلاّ فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت .

الثالث : أدنى الحلّ ، وهو لكلّ عمرة مفردة ؛ سواء كانت بعد حجّ القران أو الإفراد أم لا ، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم ، وهو أقرب من غيره إلى مكّة .

القول : في أحكام المواقيت

(مسألة 1) : لا يجوز الإحرام قبل المواقيت ، ولا ينعقد ، ولا يكفي المرور عليها محرماً ، بل لا بدّ من إنشائه في الميقات ، ويُستثنى من ذلك موضعان :

أحدهما : إذا نذر الإحرام قبل الميقات ، فإنّه يجوز ويصحّ ويجب العمل به ، ولا يجب تجديد الإحرام في الميقات ولا المرور عليها . والأحوط اعتبار تعيين المكان ، فلا يصحّ نذر الإحرام قبل الميقات بلا تعيين على الأحوط ، ولا يبعد الصحّة على نحو الترديد بين المكانين ؛ بأن يقول : «للّه عليّ أن اُحرم إمّا من الكوفة أو البصرة» وإن كان الأحوط خلافه . ولا فرق بين كون الإحرام للحجّ الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة . نعم ، لو كان للحجّ أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحجّ .

ص: 433

(مسألة 2) : لو نذر وخالف نذره عمداً أو نسياناً ولم يحرم من ذلك المكان ، لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات ، وعليه الكفّارة إذا خالفه عمداً .

ثانيهما : إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي فوتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات ، فيجوز أن يحرم قبل الميقات ، وتحسب له عمرة رجب وإن أتى ببقيّة الأعمال في شعبان ، والأولى الأحوط تجديده في الميقات . كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت ؛ وإن كان الظاهر جوازه قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات ، والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة والمنذور فيها ونحوه .

(مسألة 3) : لا يجوز تأخير الإحرام عن الميقات ، فلا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختياراً بلا إحرام ، بل الأحوط عدم التجاوز عن محاذاة الميقات أيضاً وإن كان أمامه ميقات آخر ، فلو لم يحرم منه وجب العود إليه ، بل الأحوط العود وإن كان أمامه ميقات آخر . وأمّا إذا لم يرد النسك ولا دخول مكّة - بأن كان له شغل خارج مكّة وإن كان في الحرم - فلا يجب الإحرام .

(مسألة 4) : لو أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ، ولم يتمكّن من العود إليه لضيق الوقت أو لعذر آخر ، ولم يكن أمامه ميقات آخر ، بطل إحرامه وحجّه ، ووجب عليه الإتيان في السنة الآتية إذا كان مستطيعاً ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب وإن أثم بترك الإحرام .

(مسألة 5) : لو كان مريضاً ولم يتمكّن من نزع اللباس ولبس الثوبين ، يجزيه النيّة والتلبية ، فإذا زال العذر نزعه ولبسهما ، ولا يجب عليه العود إلى الميقات .

ص: 434

(مسألة 6) : لو كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام في الميقات(1) - لمرض أو إغماء ونحو ذلك - فتجاوز عنه(2) ثمّ زال ، وجب عليه العود إلى الميقات مع التمكّن منه ، وإلاّ أحرم من مكانه ، والأحوط العود إلى نحو الميقات بمقدار الإمكان ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه . نعم ، لو كان في الحرم خرج إلى خارجه مع الإمكان ، ومع عدمه يحرم من مكانه . والأولى الأحوط الرجوع إلى نحو خارج الحرم بمقدار الإمكان . وكذا الحال لو كان تركه لنسيان أو جهل بالحكم أو الموضوع . وكذا الحال لو كان غير قاصد للنسك ولا لدخول مكّة ، فجاوز الميقات ثمّ بدا له ذلك ، فإنّه يرجع إلى الميقات بالتفصيل المتقدّم ، ولو نسي الإحرام ولم يتذكّر إلى آخر أعمال العمرة ، ولم يتمكّن من الجبران ، فالأحوط بطلان عمرته ؛ وإن كانت الصحّة غير بعيدة . ولو لم يتذكّر إلى آخر أعمال الحجّ صحّت عمرته وحجّه .

القول : في كيفية الإحرام

الواجبات وقت الإحرام ثلاثة :

الأوّل : القصد ، لا بمعنى قصد الإحرام ، بل بمعنى قصد أحد النسك ، فإذا قصد العمرة - مثلاً - ولبّى صار مُحرِماً ويترتّب عليه أحكامه . وأمّا قصد الإحرام فلا يعقل أن يكون محقّقاً لعنوانه ، فلو لم يقصد أحد النسك لم يتحقّق إحرامه ؛ سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل ، ويبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عن عمد ، وأمّا مع السهو والجهل فلا يبطل ، ويجب عليه تجديد الإحرام من

ص: 435


1- في (أ) لم يرد : «في الميقات» .
2- في (أ) لم يرد : «فتجاوز عنه» .

الميقات إن أمكن ، وإلاّ فمن حيث أمكن على التفصيل المتقدّم .

(مسألة 1) : يعتبر في النيّة القربة والخلوص كما في سائر العبادات ، فمع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل إحرامه ، ويجب أن تكون مقارنة للشروع فيه ، فلا يكفي حصولها في الأثناء ، فلو تركها وجب تجديدها .

(مسألة 2) : يعتبر في النيّة تعيين المنويّ من الحجّ والعمرة ، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد ، وأ نّه لنفسه أو غيره ، وأ نّه حجّة الإسلام أو الحجّ النذري أو الندبي ، فلو نوى من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل . وأمّا نيّة الوجه فغير واجبة إلاّ إذا توقّف التعيين عليها ، ولا يعتبر التلفّظ بالنيّة ولا الإخطار بالبال .

(مسألة 3) : لا يعتبر في الإحرام قصد ترك المحرّمات ؛ لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرّمات لم يضرّ بإحرامه . نعم ، قصد ارتكاب ما يُبطل الحجّ من المحرّمات لا يجتمع مع قصد الحجّ .

(مسألة 4) : لو نسي ما عيّنه من حجّ أو عمرة ، فإن اختصّت الصحّة واقعاً بأحدهما تجدّد النيّة لما يصحّ فيقع صحيحاً ، ولو جاز العدول من أحدهما إلى الآخر يعدل فيصحّ ، ولو صحّ كلاهما ، ولا يجوز العدول ، يعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان وعدم الحرج ، وإلاّ فبحسب إمكانه بلا حرج .

(مسألة 5) : لو نوى : كحجّ فلان ، فإن علم أنّ حجّه لماذا صحّ ، وإلاّ فالأوجه البطلان .

(مسألة 6) : لو وجب عليه نوع من الحجّ أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل ، ولو كان عليه ما وجب بالنذر وشبهه فلا يبطل لو نوى غيره ، ولو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار ما نوى ، ولو كان في أثناء نوع وشكّ في أنّه

ص: 436

نواه أو نوى غيره بنى على أ نّه نواه .

(مسألة 7) : لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلاً ، فإن كان من قصده إتيان العمل الذي يأتي به غيره ، وظنّ أنّ ما يأتي به أوّلاً اسمه الحجّ ، فالظاهر صحّته ويقع عمرة ، وأمّا لو ظنّ أنّ حجّ التمتّع مقدّم على عمرته ، فنوى الحجّ بدل العمرة ؛ ليذهب إلى عرفات ويعمل عمل الحجّ ثمّ يأتي بالعمرة ، فإحرامه باطل يجب تجديده في الميقات إن أمكن ، وإلاّ فبالتفصيل الذي مرّ في ترك الإحرام .

الثاني من الواجبات : التلبيات الأربع ، وصورتها على الأصحّ أن يقول : «لَبَّيكَ اللّهُمّ لَبَّيك ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك» ، فلو اكتفى بذلك كان مُحرِماً وصحّ إحرامه ، والأحوط الأولى أن يقول عقيب ما تقدّم : «إنَّ الحمدَ والنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلك لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك» ، وأحوط منه أن يقول بعد ذلك : «لَبَّيكَ اللّهُمّ لَبَّيك ، إنَّ الحمدَ والنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلك ، لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك» .

(مسألة 8) : يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربية ، فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو أمكنه وترجمتها بلغته ، والأولى الاستنابة مع ذلك . ولا تصحّ الترجمة مع التمكّن من الأصل . والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى الاستنابة مع ذلك ، ويُلبّى عن الصبيّ غير المميّز .

(مسألة 9) : لا ينعقد إحرام عمرة التمتّع وحجّه ، ولا إحرام حجّ الإفراد ، ولا إحرام العمرة المفردة ، إلاّ بالتلبية . وأمّا في حجّ القِران فيتخيّر بينها وبين الإشعار أو التقليد ، والإشعار مختصّ بالبدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع

ص: 437

الهدي . والأولى في البُدن الجمع بين الإشعار والتقليد . فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الاُمور الثلاثة ، لكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً ، والأحوط وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها على الأحوط .

(مسألة 10) : لو نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها ، وإن لم يتمكّن يأتي فيه التفصيل المتقدّم في نسيان الإحرام على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، ولو أتى قبل التلبية بما يوجب الكفّارة للمُحرم لم تجب عليه ؛ لعدم انعقاده إلاّ بها .

(مسألة 11) : الواجب من التلبية مرّة واحدة . نعم ، يستحبّ الإكثار بها وتكرارها ما استطاع ، خصوصاً في دبر كلّ فريضة أو نافلة ، وعند صعود شَرَفٍ أو هبوط وادٍ ، وفي آخر الليل ، وعند اليقظة ، وعند الركوب ، وعند الزوال ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار .

(مسألة 12) : المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة ، والأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي يعتمر فيه إن وسع البلد . والمعتمر عمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان خرج من مكّة لإحرامها . والحاجّ بأيّ نوع من الحجّ يقطعها عند زوال يوم عرفة . والأحوط أنّ القطع على سبيل الوجوب .

(مسألة 13) : الظاهر أنّه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام ، بل يكفي أن يقول : «لَبَّيكَ اللّهُمّ لَبَّيك» بل لا يبعد كفاية لفظة «لَبَّيكَ» .

ص: 438

(مسألة 14) : لو شكّ بعد التلبية أ نّه أتى بها صحيحة أم لا ، بنى على الصحّة ، ولو أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في إتيان التلبية ، بنى على العدم ما دام في الميقات ، وأمّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الإتيان ، خصوصاً إذا تلبّس ببعض الأعمال المتأخّرة .

(مسألة 15) : إذا أتى بما يوجب الكفّارة ، وشكّ في أ نّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه ، أو قبلها ، لم تجب عليه ؛ من غير فرق بين مجهولي التأريخ ، أو كون تأريخ أحدهما مجهولاً .

الثالث من الواجبات : لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يحرُم على المُحرِم لبسه ؛ يتّزر بأحدهما ويتردّى بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام ، بل واجباً تعبّدياً . والظاهر عدم اعتبار كيفية خاصّة في لبسهما ، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء ، والارتداء بالآخر ، أو التوشّح به ، أو غير ذلك من الهيئات ، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف . وكذا الأحوط عدم عقد الثوبين ولو بعضهما ببعض ، وعدم غرزهما بإبرة ونحوها ، لكن الأقوى جواز ذلك كلّه ما لم يخرج عن كونهما رداءً وإزاراً . نعم ، لا يترك الاحتياط بعدم عقد الإزار على عنقه . ويكفي فيهما المسمّى وإن كان الأولى بل الأحوط كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة ، والرداء ممّا يستر المنكبين .

(مسألة 16) : الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي إلاّ في حال الضرورة ، ومع رفعها في أثناء العمل لبس الثوبين . وكذا الأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية ، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده ، والأحوط النيّة وقصد التقرّب في اللبس . وأمّا التجرّد عن اللباس فلا يعتبر فيه النيّة ؛ وإن كان الأحوط والأولى الاعتبار .

ص: 439

(مسألة 17) : لو أحرم في قميص عالماً عامداً فعل محرّماً ، ولا تجب الإعادة ، وكذا لو لبسه فوق الثوبين أو تحتهما ؛ وإن كان الأحوط الإعادة ، ويجب نزعه فوراً . ولو أحرم في القميص جاهلاً أو ناسياً وجب نزعه وصحّ إحرامه . ولو لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه وإخراجه من تحت ، بخلاف ما لو أحرم فيه ، فإنّه يجب نزعه لا شقّه .

(مسألة 18) : لا تجب استدامة لبس الثوبين ، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير ، بل الظاهر جواز التجرّد منهما في الجملة .

(مسألة 19) : لابأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط ولو اختياراً .

(مسألة 20) : يشترط في الثوبين أن يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما ، فلا يجوز في الحرير وغير المأكول والمغصوب والمتنجّس بنجاسة غير معفوّة في الصلاة ، بل الأحوط للنساء أيضاً أن لا يكون ثوب إحرامهنّ من حرير خالص ، بل الأحوط لهنّ عدم لبسه إلى آخر الإحرام .

(مسألة 21) : لا يجوز الإحرام في إزار رقيق ؛ بحيث يرى الجسم من ورائه ، والأولى أن لا يكون الرداء أيضاً كذلك .

(مسألة 22) : لا يجب على النساء لبس ثوبي الإحرام ، فيجوز لهنّ الإحرام في ثوبهنّ المخيط .

(مسألة 23) : الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة ؛ سواء كان في أثناء الأعمال أم لا ، والأحوط المبادرة إلى تطهير البدن أيضاً حال الإحرام ، ومع عدم التطهير لا يبطل إحرامه ولا تكون عليه كفّارة .

ص: 440

(مسألة 24) : الأحوط أن لا يكون الثوب من الجلود ؛ وإن لا يبعد جوازه إن صدق عليه الثوب . كما لا يجب أن يكون منسوجاً ، فيصحّ في مثل اللبد مع صدق الثوب .

(مسألة 25) : لو اضطرّ إلى لبس القباء أو القميص لبرد ونحوه جاز لبسهما ، لكن يجب أن يقلب القباء ذيلاً وصدراً ، وتردّى به ولم يلبسه ، بل الأحوط أن يقلبه بطناً وظهراً ، ويجب أيضاً أن لا يلبس القميص وتردّى به . نعم ، لو لم يرفع الاضطرار إلاّ بلبسهما جاز .

(مسألة 26) : لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالماً عامداً أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام عصى ، لكن صحّ إحرامه . ولو كان ذلك عن عذر لم يكن عاصياً أيضاً .

(مسألة 27) : لا يشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر ولا الأكبر ، فيجوز الإحرام حال الجنابة والحيض والنفاس .

القول : في تروك الإحرام

والمحرّمات منه اُمور :

الأوّل : صيد البرّ اصطياداً وأكلاً - ولو صاده محلّ - وإشارة ودلالة وإغلاقاً وذبحاً وفرخاً وبيضة ، فلو ذبحه كان ميتة على المشهور ، وهو أحوط . والطيور حتّى الجراد بحكم الصيد البرّي . والأحوط ترك قتل الزنبور والنحل إن لم يقصدا إيذاءه ، وفي الصيد أحكام كثيرة تركناها لعدم الابتلاء بها .

الثاني : النساء وطئاً وتقبيلاً ولمساً ونظراً بشهوة ، بل كلّ لذّة وتمتّع منها .

(مسألة 1) : لو جامع في إحرام عمرة التمتّع - قبلاً أو دبراً بالاُنثى أو الذكر -

ص: 441

عن علم وعمد ، فالظاهر عدم بطلان عمرته ، وعليه الكفّارة ، لكن الأحوط إتمام العمل واستئنافه لو وقع ذلك قبل السعي ، ولو ضاق الوقت حجّ إفراداً وأتى بعده بعمرة مفردة ، وأحوط من ذلك إعادة الحجّ من قابل ، ولو ارتكبه بعد السعي فعليه الكفّارة فقط ، وهي على الأحوط بدنة من غير فرق بين الغنيّ والفقير .

(مسألة 2) : لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالماً عامداً بطل حجّه إن كان قبل وقوف عرفات بلا إشكال . وإن كان بعده وقبل الوقوف بالمشعر فكذلك على الأقوى . فيجب عليه في الصورتين إتمام العمل والحجّ من قابل ، وعليه الكفّارة ، وهي بدنة . ولو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر ، فإن كان قبل تجاوز النصف من طواف النساء ، صحّ حجّه وعليه الكفّارة ، وإن كان بعد تجاوزه عنه صحّ ولا كفّارة على الأصحّ .

(مسألة 3) : لو قبّل امرأة بشهوة فكفّارته بدنة ، وإن كان بغير شهوة فشاة وإن كان الأحوط بدنة . ولو نظر إلى أهله بشهوة فأمنى فكفّارته بدنة على المشهور ، وإن لم يكن بشهوة فلا شيء عليه . ولو نظر إلى غير أهله فأمنى فالأحوط أن يكفّر ببدنة مع الإمكان ، وإلاّ فببقرة ، وإلاّ فبشاة . ولو لامسها بشهوة فأمنى فعليه الكفّارة ، والأحوط بدنة ، وكفاية الشاة لا تخلو من قوّة ، وإن لم يمن فكفّارته شاة .

(مسألة 4) : لو جامع امرأته المحرمة فإن أكرهها فلا شيء عليها ، وعليه كفّارتان ، وإن طاوعته فعليها كفّارة وعليه كفّارة .

(مسألة 5) : كلّ ما يوجب الكفّارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان ، لا يبطل به حجّه وعمرته ولا شيء عليه .

ص: 442

الثالث : إيقاع العقد لنفسه أو لغيره ولو كان محلاًّ ، وشهادة العقد وإقامتها عليه على الأحوط ولو تحمّلها محلاًّ ؛ وإن لا يبعد جوازها ، ولو عقد لنفسه في حال الإحرام حرمت عليه دائماً مع علمه بالحكم ، ولو جهله فالعقد باطل ، لكن لا تحرم عليه دائماً ، والأحوط ذلك ، سيّما مع المقاربة .

(مسألة 6) : تجوز الخطبة في حال الإحرام ، والأحوط تركها . ويجوز الرجوع في الطلاق الرجعي .

(مسألة 7) : لو عقد محلاًّ على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع ونحوه ، ومفارقتها بطلاق . ولو كان عالماً بالحكم طلّقها ، ولا ينكحها أبداً .

(مسألة 8) : لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم فعلى كلّ واحد منهم كفّارة ، وهي بدنة ، ولو لم يدخل بها فلا كفّارة على واحد منهم . ولا فرق فيما ذكر بين كون العاقد والمرأة محلّين أو محرمين ، ولو علم بعضهم الحكم دون بعض يكفّر العالم عن نفسه دون الجاهل .

(مسألة 9) : الظاهر عدم الفرق فيما ذكر من الأحكام بين العقد الدائم والمنقطع .

الرابع : الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة ؛ فإن أمنى فعليه بدنة ، والأحوط بطلان ما يوجب الجماع بطلانه على نحو ما مرّ .

الخامس : الطيب بأنواعه حتّى الكافور ؛ صبغاً وإطلاءً وبخوراً على بدنه أو لباسه ، ولا يجوز لبس ما فيه رائحته ، ولا أكلُ ما فيه الطيب كالزعفران والأقوى عدم حرمة الزنجبيل والدارصيني ، والأحوط الاجتناب .

(مسألة 10) : يجب الاجتناب عن الرياحين ؛ أي كلّ نبات فيه رائحة طيّبة ، إلاّ

ص: 443

بعض أقسامها البرّية كالخُزامى ، وهو نبت زهره من أطيب الأزهار على ما قيل ، والقيصوم والشيح والإذخر . ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة ، وهو مجهول عندنا ، فالأحوط الاجتناب من الطيب المستعمل فيها .

(مسألة 11) : لا يجب الاجتناب عن الفواكه الطيّبة الريح ، كالتفّاح والاُترجّ أكلاً واستشماماً ؛ وإن كان الأحوط ترك استشمامه .

(مسألة 12) : يستثنى ما يستشمّ من العطر في سوق العطّارين بين الصفا والمروة ، فيجوز ذلك .

(مسألة 13) : لو اضطرّ إلى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفه . ولا يجوز إمساك أنفه من الرائحة الخبيثة . نعم ، يجوز الفرار منها والتنحّي عنها .

(مسألة 14) : لا بأس ببيع الطيب وشرائه والنظر إليه ، لكن يجب الاحتراز عن استشمامه .

(مسألة 15) : كفّارة استعمال الطيب شاة على الأحوط ، ولو تكرّر منه الاستعمال فإن تخلّل بين الاستعمالين ، الكفّارة تكرّرت ، وإلاّ فإن تكرّر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفّارة ، وإن تكرّر في وقت واحد لا يبعد كفاية الكفّارة الواحدة .

السادس : لبس المخيط للرجال ، كالقميص والسراويل والقباء وأشباهها ، بل لا يجوز لبس ما يُشبه بالمخيط ، كالقميص المنسوج والمصنوع من اللَبَد ، والأحوط الاجتناب من المخيط ولو كان قليلاً كالقلنسوة والتكّة . نعم ، يستثنى من المخيط شدّ الهميان المخيط الذي فيه النقود .

ص: 444

(مسألة 16) : لو احتاج إلى شدّ فتقه بالمخيط جاز ، لكن الأحوط الكفّارة ، ولو اضطرّ إلى لبس المخيط - كالقباء ونحوه - جاز وعليه الكفّارة .

(مسألة 17) : يجوز للنساء لبس المخيط بأيّ نحو كان . نعم ، لا يجوز لهنّ لبس القفّازين .

(مسألة 18) : كفّارة لبس المخيط شاة ، فلو لبس المتعدّد ففي كلّ واحد شاة ، ولو جعل بعض الألبسة في بعض ولبس الجميع دفعة واحدة ، فالأحوط الكفّارة لكلّ واحد منها ، ولو اضطرّ إلى لبس المتعدّد جاز ولم تسقط الكفّارة .

(مسألة 19) : لو لبس المخيط كالقميص - مثلاً - وكفّر ، ثمّ تجرّد عنه ولبسه ثانياً ، أو لبس قميصاً آخر ، فعليه الكفّارة ثانياً ، ولو لبس المتعدّد من نوع واحد - كالقميص أو القباء - فالأحوط تعدّد الكفّارة وإن كان ذلك في مجلس واحد .

السابع : الاكتحال بالسواد إن كان فيه الزينة وإن لم يقصدها . ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن مطلق الكحل الذي فيه الزينة ، ولو كان فيه الطيب فالأقوى حرمته .

(مسألة 20) : لا تختصّ حرمة الاكتحال بالنساء ، فيحرم على الرجال أيضاً .

(مسألة 21) : ليس في الاكتحال كفّارة ، لكن لو كان فيه الطيب فالأحوط التكفير .

(مسألة 22) : لو اضطرّ إلى الاكتحال جاز .

الثامن : النظر في المرآة ؛ من غير فرق بين الرجل والمرأة ، وليس فيه الكفّارة ، لكن يستحبّ بعد النظر أن يُلبّي . والأحوط الاجتناب عن النظر في المرآة ولو لم يكن للتزيين .

ص: 445

(مسألة 23) : لا بأس بالنظر إلى الأجسام الصقيلة والماء الصافي ممّا يُرى فيه الأشياء . ولا بأس بالمنظرة إن لم تكن زينة ، وإلاّ فلا تجوز .

التاسع : لبس ما يستر جميع ظهر القدم ؛ كالخُفّ والجورب وغيرهما ، ويختصّ ذلك بالرجال ، ولا يحرم على النساء ، وليس في لبس ما ذكر كفّارة ، ولو احتاج إلى لبسه فالأحوط شقّ ظهره .

العاشر : الفسوق ، ولا يختصّ بالكذب ، بل يشمل السباب والمفاخرة أيضاً . وليس في الفسوق كفّارة ، بل يجب التوبة عنه . ويستحبّ الكفّارة بشيء ، والأحسن ذبح بقرة .

الحادي عشر : الجدال ، وهو قول : «لا واللّه» و«بلى واللّه» ، وكلّ ما هو مرادف لذلك في أيّ لغة كان ؛ إذا كان في مقام إثبات أمر أو نفيه . ولو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال ، والأحوط إلحاق سائر أسماء اللّه تعالى - كالرحمان والرحيم وخالق السماوات ونحوها - بالجلالة . وأمّا القسم بغيره تعالى من المقدّسات فلا يلحق بالجدال .

(مسألة 24) : لو كان في الجدال صادقاً فليس عليه كفّارة إذا كرّر مرّتين ، وفي الثالث كفّارة وهي شاة . ولو كان كاذباً فالأحوط التكفير في المرّة بشاة ، وفي المرّتين ببقرة ، وفي ثلاث مرّات ببدنة ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 25) : لو جادل بكذب فكفّر ثمّ جادل ثانياً فلا يبعد وجوب شاة لا بقرة ، ولو جادل مرّتين فكفّر ببقرة ثمّ جادل مرّة اُخرى ، فالظاهر أنّ كفّارته شاة ، ولو جادل في الفرض مرّتين فالظاهر أ نّها بقرة لا بدنة .

(مسألة 26) : لو جادل صادقاً زائداً على ثلاث مرّات فعليه شاة . نعم ، لو كفّر

ص: 446

بعد الثلاث ثمّ جادل ثلاثاً فما فوقها يجب عليه كفّارة اُخرى . ولو جادل كاذباً عشر مرّات أو أزيد فالكفّارة بدنة . نعم ، لو كفّر بعد الثلاثة أو أزيد ثمّ جادل تكرّرت على الترتيب المتقدّم .

(مسألة 27) : يجوز في مقام الضرورة لإثبات حقّ أو إبطال باطل القسم بالجلالة وغيرها .

الثاني عشر : قتل هوامّ الجسد من القملة والبرغوث ونحوهما ، وكذا هوامّ جسد سائر الحيوانات . ولا يجوز إلقاؤها من الجسد ولا نقلها من مكانها إلى محلّ تسقط منه ، بل الأحوط عدم نقلها إلى محلّ يكون معرض السقوط ، بل الأحوط الأولى أن لا ينقلها إلى مكان يكون الأوّل أحفظ منه . ولا يبعد عدم الكفّارة في قتلها ، لكن الأحوط الصدقة بكفّ من الطعام .

الثالث عشر : لبس الخاتم للزينة ، فلو كان للاستحباب أو الخاصّية فيه - لا للزينة - لا إشكال فيه . والأحوط ترك استعمال الحنّاء للزينة ، بل لو كان فيه الزينة فالأحوط تركه وإن لم يقصدها ، بل الحرمة في الصورتين لا تخلو من وجه ، ولو استعمله قبل الإحرام للزينة أو لغيرها ، لا إشكال فيه ولو بقي أثره حال الإحرام . وليس في لبس الخاتم واستعمال الحنّاء كفّارة وإن فعل حراماً .

الرابع عشر : لبس المرأة الحلي للزينة ، فلو كان زينة فالأحوط تركه وإن لم يقصدها ، بل الحرمة لا تخلو عن قوّة(1) . ولا بأس بما كانت معتادة به قبل الإحرام ، ولا يجب إخراجه ، لكن يحرم عليها إظهاره للرجال حتّى

ص: 447


1- في (أ) لم يرد : «بل الحرمة لا تخلو عن قوّة» .

زوجها . وليس في لبس الحلي كفّارة وإن فعلت حراماً .

الخامس عشر : التدهين وإن لم يكن فيه طِيب ، بل لا يجوز التدهين بالمطيّب قبل الإحرام لو بقي طيبه إلى حين الإحرام ، ولا بأس بالتدهين مع الاضطرار ، ولا بأكل الدهن إن لم يكن فيه طيب ، ولو كان في الدهن طيب فكفّارته شاة حتّى للمضطرّ به ، وإلاّ فلا شيء عليه .

السادس عشر : إزالة الشعر كثيره وقليله حتّى شعرة واحدة عن الرأس واللحية وسائر البدن بحلق أو نتف أو غيرهما ؛ بأيّ نحو كان ولو باستعمال النورة ؛ سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره ولو كان محلاًّ .

(مسألة 28) : لا بأس بإزالة الشعر للضرورة ، كدفع القملة وإيذائه العين مثلاً ، ولا بأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل بلا قصد الإزالة .

(مسألة 29) : كفّارة حلق الرأس إن كان لغير ضرورة شاة على الأحوط ، بل لا يبعد ذلك ، ولو كان للضرورة اثنا عشر مُدّاً من الطعام لستّة مساكين لكلّ منهم مُدّان ، أو دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام(1) ، والأحوط في إزالة شعر الرأس بغير حلق كفّارة الحلق .

(مسألة 30) : كفّارة نتف الإبطين شاة ، والأحوط ذلك في نتف إحداهما ، وإذا مسّ شعره فسقط شعرة أو أكثر فالأحوط كفّ طعام يتصدّق به .

السابع عشر : تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه ؛ حتّى الحشيش والحنّاء والطين ونحوها على الأحوط فيها ، بل الأحوط أن لا يضع على رأسه شيئاً

ص: 448


1- ليس في (أ) : «أو دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام» .

يغطّي به رأسه . وفي حكم الرأس بعضه ، والاُذُن من الرأس ظاهراً فلا يجوز تغطيته . ويستثنى من الحكم عصام القربة وعصابة الرأس للصداع(1) .

(مسألة 31) : لا يجوز ارتماسه في الماء ولا غيره من المائعات ، بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتّى اُذنه فيما يغطّيه . ولا يجوز تغطية رأسه عند النوم ، فلو فعل غفلة أو(2) نسياناً أزاله فوراً ، ويستحبّ التلبية حينئذٍ بل هي الأحوط . نعم ، لا بأس بوضع الرأس عند النوم على المخدّة ونحوها ، ولا بأس بتغطية وجهه مطلقاً .

(مسألة 32) : كفّارة تغطية الرأس بأيّ نحو شاة ، والأحوط ذلك في تغطية بعضه ، والأحوط تكرّرها في تكرّر التغطية ؛ وإن لا يبعد عدم وجوبه حتّى إذا تخلّلت الكفّارة ؛ وإن كان الاحتياط مطلوباً فيه جدّاً .

(مسألة 33) : تجب الكفّارة إذا خالف عن علم وعمد ، فلا تجب على الجاهل بالحكم ولا على الغافل والساهي والناسي .

الثامن عشر : تغطية المرأة وجهها بنقاب وبرقع ونحوهما حتّى المروحة ، والأحوط عدم التغطية بما لا يتعارف كالحشيش والطين . وبعض الوجه في حكم تمامه . نعم ، يجوز وضع يديها على وجهها ، ولا مانع من وضعه على المخدّة ونحوها للنوم .

(مسألة 34) : يجب ستر الرأس عليها للصلاة ، ووجب ستر مقدار من أطراف

ص: 449


1- ليس في (أ) : «وعصابة الرأس للصداع» .
2- ليس في (أ) : «غفلة أو» .

الوجه مقدّمة ، لكن إذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فوراً .

(مسألة 35) : يجوز إسدال الثوب وإرساله من رأسها إلى وجهها إلى أنفها ، بل إلى نحرها للستر عن الأجنبيّ ، والأولى الأحوط أن تُسدله بوجه لا يلصق بوجهها ولو بأخذه بيدها .

(مسألة 36) : لا كفّارة على تغطية الوجه ، ولا على عدم الفصل بين الثوب والوجه ؛ وإن كانت أحوط في الصورتين .

التاسع عشر : التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء ، فيجوز لهنّ بأيّة كيفية ، وكذا جاز للأطفال . ولا فرق في التظليل بين كونه في المحمل المغطّى فوقه بما يوجبه ، أو في السيّارة والقطار والطائرة والسفينة ونحوها المسقّفة بما يوجبه . والأحوط عدم الاستظلال بما لا يكون فوق رأسه ، كالسير على جنب المحمل أو الجلوس عند جدار السفينة والاستظلال بهما ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة .

(مسألة 37) : حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السير وطيّ المنازل ؛ من غير فرق بين الراكب وغيره . وأمّا لو نزل في منزل كمنى أو عرفات أو غيرهما ، فيجوز الاستظلال تحت السقف والخيمة وأخذ المظلّة حال المشي ، فيجوز لمن كان في مِنى أن يذهب مع المظلّة إلى المذبح أو إلى محلّ رمي الجمرات ؛ وإن كان الاحتياط في الترك .

(مسألة 38) : جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل وغيره ممّا هو مسقّف إذا كان السير في الليل خلاف الاحتياط ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة ، فيجوز السير محرماً مع الطائرة السائرة في الليل .

ص: 450

(مسألة 39) : إذا اضطرّ إلى التظليل حال السير - لبردٍ أو حرٍّ أو مطر أو غيرها من الأعذار - جاز ، وعليه الكفّارة .

(مسألة 40) : كفّارة الاستظلال شاة وإن كان عن عذر على الأحوط ، والأقوى كفاية شاة في إحرام العمرة وشاة في إحرام الحجّ وإن تكرّر منه الاستظلال فيهما .

العشرون : إخراج الدم من بدنه ولو بنحو الخدش أو المسواك . وأمّا إخراجه من بدن غيره - كقلع ضِرسه أو حجامته - فلا بأس به ، كما لا بأس بإخراجه من بدنه عند الحاجة والضرورة . ولا كفّارة في الإدماء ولو لغير ضرورة .

الحادي والعشرون : قلم الأظفار وقصّها - كلاًّ أو بعضاً - من اليد أو الرجل ؛ من غير فرق بين آلاته كالمقراضين والمدية ونحوهما ، والأحوط عدم إزالته ولو بالضرس ونحوه ، بل الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الإصبع الزائدة ؛ وإن لا يبعد الجواز لو علم أ نّهما زائدان .

(مسألة 41) : الكفّارة في كلّ ظفر من اليد أو الرجل مُدّ من الطعام ما لم يبلغ في كلّ منهما العشرة ، فلو قصّ تسعة أظفار من كلّ منهما فعليه لكلّ واحد مُدّ .

(مسألة 42) : الكفّارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة ، ولقصّ جميع أظفار الرجل شاة . نعم ، لو قصّهما في مجلس واحد فللمجموع شاة ، إلاّ مع تخلّل الكفّارة بين قصّ الأوّل والثاني فعليه شاتان ، ولو قصّ جميع أظفار إحداهما وبعض الاُخرى فللجميع شاة ، وللبعض لكلّ ظفر مُدّ ، ولو قصّ جميع إحداهما في مجلس أو مجلسين ، وجميع الاُخرى في مجلس آخر أو مجلسين آخرين ،

ص: 451

فعليه شاتان ، ولو قصّ جميع أظفار يده في مجالس عديدة فعليه شاة ، وكذا في قصّ ظفر الرجل .

(مسألة 43) : لو كان أظفار يده أو رجله أقلّ من عشرة فقصّ الجميع ، فلكلّ واحد مُدّ ، والأحوط دم شاة ، ولو كانت أكثر فقصّ الجميع فعليه شاة . وكذا لو قصّ جميع أظفاره الأصلية على الأحوط ، ولو قصّ بعض الأصلية وبعض الزائدة فلكلٍّ من الأصلية مُدّ ، والأولى الأحوط تكفير مُدّ لكلّ من الزائدة .

(مسألة 44) : لو اضطُرّ إلى قلم أظفاره أو بعضها جاز ، والأحوط الكفّارة بنحو ما ذكر .

الثاني والعشرون : قلع الضرس ولو لم يدم على الأحوط . وفيه شاة على الأحوط .

الثالث والعشرون : قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم وقطعهما . ويستثنى منه موارد : الأوّل : ما نبت في داره ومنزله بعد ما صارت داره ومنزله ، فإن غرسه وأنبته بنفسه جاز قلعهما وقطعهما ، وإن لم يغرس الشجر بنفسه فالأحوط الترك وإن كان الأقوى الجواز ، ولا يترك الاحتياط في الحشيش إن لم ينبته بنفسه ، ولو اشترى داراً فيها شجر وحشيش فلا يجوز له قطعهما . الثاني : شجر الفواكه والنخيل ؛ سواء أنبته اللّه تعالى أو الآدمي . الثالث : الإذخِر وهو حشيش .

(مسألة 45) : لو قطع الشجرة التي لا يجوز قطعها أو قلعها ، فإن كانت كبيرة فعليه بقرة ، وإن كانت صغيرة فعليه شاة على الأحوط .

ص: 452

(مسألة 46) : لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفّارة بقيمته . وليس في الحشيش كفّارة إلاّ الاستغفار .

(مسألة 47) : لو مشى على النحو المتعارف وقطع حشيشاً فلا بأس به ، كما جاز تعليف ناقته به ، لكن لا يقطع هو لها .

(مسألة 48) : لا يجوز للمحلّ أيضاً قطع الشجر والحشيش من الحرم فيما لا يجوز للمحرم .

الرابع والعشرون : لبس السلاح على الأحوط(1) ، كالسيف والخنجر والطبنجة ونحوها ممّا هو آلات الحرب إلاّ لضرورة . ويُكره حمل السلاح إذا لم يلبسه إن كان ظاهراً ، والأحوط الترك .

القول : في الطواف

الطواف : أوّل واجبات العمرة ، وهو عبارة عن سبعة أشواط حول الكعبة المعظّمة بتفصيل وشرائط آتية ، وهو ركن يبطل العمرة بتركه عمداً إلى وقت فوته ؛ سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلاً . ووقت فوته ما إذا ضاق الوقت عن إتيانه وإتيان سائر أعمال العمرة وإدراك الوقوف بعرفات .

(مسألة 1) : الأحوط لمن أبطل عمرته عمداً ، الإتيان بحجّ الإفراد وبعده بالعمرة والحجّ من قابل .

(مسألة 2) : لو ترك الطواف سهواً يجب الإتيان به في أيّ وقت أمكنه ، وإن رجع إلى محلّه وأمكنه الرجوع بلا مشقّة وجب ، وإلاّ استناب لإتيانه .

ص: 453


1- في (أ) لم يرد : «على الأحوط» .

(مسألة 3) : لو لم يقدر على الطواف لمرض ونحوه ، فإن أمكن أن يُطاف به - ولو بحمله على سرير - وجب ، ويجب مراعاة ما هو معتبر فيه بقدر الإمكان ، وإلاّ تجب الاستنابة عنه .

(مسألة 4) : لو سعى قبل الطواف فالأحوط إعادته بعده . ولو قدّم الصلاة عليه يجب إعادتها بعده .

القول : في واجبات الطواف

وهي قسمان : الأوّل في شرائطه ، وهي اُمور :

الأوّل : النيّة بالشرائط المتقدّمة في الإحرام .

الثاني : الطهارة من الأكبر والأصغر ، فلا يصحّ من الجنب والحائض ومن كان مُحدثاً بالأصغر ؛ من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي .

(مسألة 1) : لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر ، فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع توضّأ وأتى بالبقيّة وصحّ ، وإن كان قبله فالأحوط الإتمام مع الوضوء والإعادة . ولو عرضه الأكبر وجب الخروج من المسجد فوراً ، وأعاد الطواف بعد الغسل لو لم يتمّ أربعة أشواط ، وإلاّ أتمّه .

(مسألة 2) : لو كان له عذر عن المائية يتيمّم بدلاً عن الوضوء أو الغسل ، والأحوط مع رجاء ارتفاع العذر الصبر إلى ضيق الوقت .

(مسألة 3) : لو شكّ في أثناء الطواف أنّه كان على وضوء ، فإن كان بعد تمام الشوط الرابع توضّأ وأتمّ طوافه وصحّ ، وإلاّ فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة . ولو شكّ في أثنائه في أ نّه اغتسل من الأكبر ، يجب الخروج فوراً ، فإن أتمّ الشوط

ص: 454

الرابع فشكّ أتمّ الطواف بعد الغسل وصحّ ، والأحوط الإعادة ، وإن عرضه الشكّ قبله أعاد الطواف بعد الغسل ، ولو شكّ بعد الطواف لا يعتني به ، ويأتي بالطهور للأعمال اللاحقة .

الثالث : طهارة البدن واللباس ، والأحوط الاجتناب عمّا هو المعفوّ عنه في الصلاة ، كالدم الأقلّ من الدرهم ، وما لا تتمّ فيه الصلاة حتّى الخاتم . وأمّا دم القروح والجروح فإن كان في تطهيره حرج عليه لا يجب . والأحوط تأخير الطواف مع رجاء إمكان التطهير بلا حرج ؛ بشرط أن لا يضيق الوقت . كما أنّ الأحوط تطهير اللباس أو تعويضه مع الإمكان .

(مسألة 4) : لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله فالأصحّ صحّة طوافه ، ولو شكّ في طهارتهما قبل الطواف جاز الطواف بهما وصحّ ، إلاّ مع العلم بالنجاسة والشكّ في التطهير .

(مسألة 5) : لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير وصحّ . وكذا لو رأى نجاسة واحتمل عروضها في الحال ، ولو علم أ نّها كانت من أوّل الطواف فالأحوط الإتمام بعد التطهير ثمّ الإعادة ، سيّما إذا طال زمان التطهير ، فالأحوط حينئذٍ الإتيان بصلاة الطواف بعد الإتمام ثمّ إعادة الطواف والصلاة ، ولا فرق في ذلك الاحتياط بين إتمام الشوط الرابع وعدمه .

(مسألة 6): لو نسي الطهارة وتذكّر بعد الطواف أو في أثنائه فالأحوط الإعادة .

الرابع : أن يكون مختوناً ، وهو شرط في الرجال لا النساء ، والأحوط مراعاته في الأطفال ، فلو أحرم الطفل الأغلف بأمر وليّه أو أحرمه وليّه ، صحّ إحرامه ولم يصحّ طوافه على الأحوط ، فلو أحرم بإحرام الحجّ حرم عليه النساء

ص: 455

على الأحوط ، وتحلّ بطواف النساء مختوناً أو الاستنابة له للطواف ، ولو تولّد الطفل مختوناً صحّ طوافه .

الخامس : ستر العورة ، فلو طاف بلا ستر بطل طوافه . وتعتبر في الساتر الإباحة فلا يصحّ مع المغصوب ، بل لا يصحّ على الأحوط مع غصبية غيره من سائر لباسه .

السادس : الموالاة بين الأشواط عرفاً على الأحوط ؛ بمعنى أن لا يفصل بين الأشواط بما يخرج عن صورة طواف واحد .

القسم الثاني : ما عُدّ جزءاً لحقيقته ، ولكن بعضها من قبيل الشرط ، والأمر سهل .

وهي اُمور :

الأوّل : الابتداء بالحجر الأسود ، وهو يحصل بالشروع من الحجر الأسود من أوّله أو وسطه أو آخره .

الثاني : الختم به ، ويجب الختم في كلّ شوط بما ابتدأ منه ، ويتمّ الشوط به . وهذان الشرطان يحصلان بالشروع من جزء منه ، والدور سبعة أشواط ، والختم بما بدأ منه ، ولا يجب بل لا يجوز ما فعله بعض أهل الوسوسة وبعض الجهّال ممّا يوجب الوهن على المذهب الحقّ ، بل لو فعله ففي صحّة طوافه إشكال .

(مسألة 7) : لا يجب الوقوف في كلّ شوط ، ولا يجوز ما فعله الجهّال من الوقوف والتقدّم والتأخّر بما يوجب الوهن على المذهب .

الثالث : الطواف على اليسار ؛ بأن تكون الكعبة المعظّمة حال الطواف على يساره ، ولا يجب أن يكون البيت في تمام الحالات محاذياً حقيقة للكتف ، فلو انحرف قليلاً حين الوصول إلى حجر إسماعيل علیه السلام صحّ وإن تمايل البيت إلى

ص: 456

خلفه ، ولكن كان الدور على المتعارف ، وكذا لو كان ذلك عند العبور عن زوايا البيت ، فإنّه لا إشكال فيه بعد كون الدور على النحو المتعارف ممّا يفعله سائر المسلمين .

(مسألة 8) : الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر وإن كان ضعيفاً جدّاً ، ويجب على الجهّال والعوامّ الاحتراز عنه لو كان موجباً للشهرة ووهن المذهب ، لكن لا مانع منه لو فعله عالم عاقل بنحو لا يكون مخالفاً للتقيّة أو موجباً للشهرة .

(مسألة 9) : لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه مثلاً - كما لو صار بواسطة المزاحمة وجهه إلى الكعبة أو خلفه إليها ، أو طاف على خلفه على عكس المتعارف - يجب جبرانه ، ولا يجوز الاكتفاء به .

(مسألة 10) : لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه ، فطاف ولو على اليسار بلا اختيار وجب جبرانه وإتيانه باختيار ، ولا يجوز الاكتفاء بما فعل .

(مسألة 11) : يصحّ الطواف بأيّ نحو من السرعة والبط ء ماشياً وراكباً ، لكن الأولى المشي اقتصاداً .

الرابع : إدخال حجر إسماعيل علیه السلام في الطواف ، فيطوف خارجه عند الطواف حول البيت ، فلو طاف من داخله أو على جداره(1) بطل طوافه وتجب الإعادة ، ولو فعله عمداً فحكمه حكم من أبطل الطواف عمداً كما مرّ ، ولو كان سهواً فحكمه حكم إبطال الطواف سهواً . ولو تخلّف في بعض الأشواط فالأحوط

ص: 457


1- ليس في (أ) : «أو على جداره» .

إعادة الشوط ، والظاهر عدم لزوم إعادة الطواف وإن كانت أحوط .

الخامس : أن يكون الطواف بين البيت ومقام إبراهيم علیه السلام ، ومقدار الفصل بينهما في سائر الجوانب ، فلا يزيد عنه . وقالوا : إنّ الفصل بينهما ستّة وعشرون ذراعاً ونصف ذراع ، فلا بدّ أن لا يكون الطواف في جميع الأطراف زائداً على هذا المقدار .

(مسألة 12) : لا يجوز جعل مقام إبراهيم داخلاً في طوافه ، فلو أدخله بطل ، ولو أدخله في بعضه أعاد ذلك البعض ، والأحوط إعادة الطواف بعد إتمام دوره بإخراجه .

(مسألة 13) : يضيق محلّ الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره ، وقالوا : بقي هناك ستّة أذرع ونصف تقريباً ، فيجب أن لا يتجاوز هذا الحدّ ، ولو تخلّف أعاد هذا الجزء في الحدّ .

السادس : الخروج عن حائط البيت وأساسه ، فلو مشى عليهما لم يجز ويجب جبرانه ، كما لو مشى على جدران الحجر وجب الجبران وإعادة ذاك الجزء ، ولا بأس بوضع اليد على الجدار عند الشاذروان ، والأولى تركه .

السابع : أن يكون طوافه سبعة أشواط .

(مسألة 14) : لو قصد الإتيان زائداً عليها أو ناقصاً عنها بطل طوافه ولو أتمّه سبعاً ، والأحوط إلحاق الجاهل بالحكم بل الساهي والغافل بالعامد في وجوب الإعادة .

(مسألة 15) : لو تخيّل استحباب شوط بعد السبعة الواجبة ، فقصد أن يأتي بالسبعة الواجبة ، وأتى بشوط آخر مستحبّ ، صحّ طوافه .

ص: 458

(مسألة 16) : لو نقص من طوافه سهواً ، فإن جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه إلاّ أن يتخلّل الفعل الكثير ، فحينئذٍ الأحوط الإتمام والإعادة ، وإن لم يجاوزه أعاد الطواف ، لكن الأحوط الإتمام والإعادة .

(مسألة 17) : لو لم يتذكّر بالنقص إلاّ بعد الرجوع إلى وطنه - مثلاً - يجب مع الإمكان الرجوع إلى مكّة لاستئنافه ، ومع عدمه أو حرجيته تجب الاستنابة ، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة .

(مسألة 18) : لو زاد على سبعة سهواً ، فإن كان الزائد أقلّ من شوط قطع وصحّ طوافه . ولو كان شوطاً أو أزيد فالأحوط إتمامه سبعة أشواط بقصد القربة ؛ من غير تعيين الاستحباب أو الوجوب ، وصلّى ركعتين قبل السعي ، وجعلهما للفريضة من غير تعيين للطواف الأوّل أو الثاني ، وصلّى ركعتين بعد السعي لغير الفريضة .

(مسألة 19) : يجوز قطع الطواف المستحبّ بلا عذر ، وكذا المفروض على الأقوى ، والأحوط عدم قطعه ؛ بمعنى قطعه بلا رجوع إلى فوت الموالاة العرفية .

(مسألة 20) : لو قطع طوافه ولم يأتِ بالمنافي حتّى مثل الفصل الطويل أتمّه وصحّ طوافه ، ولو أتى بالمنافي فإن قطعه بعد تمام الشوط الرابع فالأحوط إتمامه وإعادته .

(مسألة 21) : لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار ، فإن كان بعد تمام الشوط الرابع أتمّه بعد رفع العذر وصحّ ، وإلاّ أعاده .

(مسألة 22) : لو شكّ بعد الطواف والانصراف في زيادة الأشواط ، لا يعتني به وبنى على الصحّة ، ولو شكّ في النقيصة فكذلك على إشكال ، فلا يترك

ص: 459

الاحتياط . ولو شكّ بعده في صحّته من جهة الشكّ في أ نّه طاف مع فقد شرط أو وجود مانع ، بنى على الصحّة حتّى إذا حدث قبل الانصراف بعد حفظ السبعة بلا نقيصة وزيادة .

(مسألة 23) : لو شكّ بعد الوصول إلى الحجر الأسود في أ نّه زاد على طوافه ، بنى على الصحّة ، ولو شكّ قبل الوصول في أنّ ما بيده السابع أو الثامن - مثلاً - بطل ، ولو شكّ في آخر الدور أو في الأثناء أ نّه السابع أو السادس أو غيره من صور النقصان ، بطل طوافه .

(مسألة 24) : كثير الشكّ في عدد الأشواط لا يعتني بشكّه ، والأحوط استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط ، والظنّ في عدد الأشواط في حكم الشكّ .

(مسألة 25) : لو علم في حال السعي عدم الإتيان بالطواف ، قطع وأتى به ثمّ أعاد السعي . ولو علم نقصان طوافه قطع وأتمّ ما نقص ، ورجع وأتمّ ما بقي من السعي وصحّ ، لكن الأحوط فيها الإتمام والإعادة لو طاف أقلّ من أربعة أشواط . وكذا لو سعى أقلّ منها فتذكّر .

(مسألة 26) : التكلّم والضحك وإنشاد الشعر لا تضرّ بطوافه ، لكنّها مكروهة ، ويستحبّ فيه القراءة والدعاء وذكر اللّه تعالى .

(مسألة 27) : لا يجب في حال الطواف كون صفحة الوجه إلى القدّام ، بل يجوز الميل إلى اليمين واليسار والعقب بصفحة وجهه . وجاز قطع الطواف وتقبيل البيت والرجوع لإتمامه . كما جاز الجلوس والاستلقاء بينه بمقدار لا يضرّ بالموالاة العرفية ، وإلاّ فالأحوط الإتمام والإعادة .

ص: 460

القول : في صلاة الطواف

(مسألة 1) : يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له ، وتجب المبادرة إليها بعده على الأحوط . وكيفيتها كصلاة الصبح ، ويجوز فيهما الإتيان بكلّ سورة إلاّ العزائم ، ويستحبّ في الاُولى «التوحيد» وفي الثانية «الجحد» . وجاز الإجهار بالقراءة والإخفات .

(مسألة 2) : الشكّ في عدد الركعات موجب للبطلان ، ولا يبعد اعتبار الظنّ فيه . وهذه الصلاة كسائر الفرائض في الأحكام .

(مسألة 3) : يجب أن تكون الصلاة عند مقام إبراهيم علیه السلام ، والأحوط وجوباً(1) كونها خلفه ، وكلّما قرب إليه أفضل ، لكن لا بحيث يزاحم الناس(2) ، ولو تعذّر الخلف للازدحام أتى عنده من اليمين أو اليسار ، ولو لم يمكنه أن يصلّي عنده يختار الأقرب من الجانبين والخلف ، ومع التساوي يختار الخلف ، ولو كان الطرفان أقرب من الخلف - لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده - لا يبعد الاكتفاء بالخلف ، لكن الأحوط إتيان صلاة اُخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربية ، والأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكّن بعدها إلى أن يضيق وقت السعي .

(مسألة 4) : لو نسي الصلاة أتى بها أينما تذكّر عند المقام ، ولو تذكّر بين السعي رجع وصلّى ثمّ أتمّ السعي من حيث قطعه وصحّ ، ولو تذكّر بعد الأعمال

ص: 461


1- في (أ) بدل : «والأحوط وجوباً كونها خلفه» ورد : «والأحوط الذي لا يترك خلفه» .
2- في (أ) لم يرد : «وكلّما قرب... الناس» .

المترتّبة عليها لا تجب إعادتها بعدها ، ولو تذكّر في محلّ يشقّ عليه الرجوع إلى المسجد الحرام صلّى في مكانه ولو كان بلداً آخر ، ولا يجب الرجوع إلى الحرم ولو كان سهلاً . والجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الأحكام .

(مسألة 5) : لو مات وكان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء .

(مسألة 6) : لو لم يتمكّن من القراءة الصحيحة ولم يتمكّن من التعلّم صلّى بما أمكنه وصحّت ، ولو أمكن تلقينه فالأحوط ذلك ، والأحوط الاقتداء بشخص عادل ، لكن لا يكتفي به ، كما لا يكتفي بالنائب .

القول : في السعي

(مسألة 1) : يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا والمروة ، ويجب أن يكون سبعة أشواط ؛ من الصفا إلى المروة شوط ، ومنها إليه شوط آخر . ويجب البدأة بالصفا والختم بالمروة ، ولو عكس بطل ، وتجب الإعادة أينما تذكّر ولو بين السعي .

(مسألة 2) : يجب على الأحوط أن يكون الابتداء بالسعي من أوّل جزء من الصفا ، فلو صعد إلى بعض الدرج في الجبل وشرع كفى ، ويجب الختم بأوّل جزء من المروة ، وكفى الصعود إلى بعض الدرج . ويجوز السعي ماشياً وراكباً ، والأفضل المشي .

(مسألة 3) : لا يعتبر الطهارة من الحدث ولا الخبث ولا ستر العورة في السعي ؛ وإن كان الأحوط الطهارة من الحدث .

(مسألة 4) : يجب أن يكون السعي بعد الطواف وصلاته ، فلو قدّمه على

ص: 462

الطواف أعاده بعده ولو لم يكن عن عمد وعلم .

(مسألة 5) : يجب أن يكون السعي من الطريق المتعارف ، فلا يجوز الانحراف الفاحش . نعم ، يجوز من الطبقة الفوقانية أو التحتانية لو فرض حدوثها ؛ بشرط أن تكون بين الجبلين ؛ لا فوقهما أو تحتهما . والأحوط اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث الطبقتين .

(مسألة 6) : يعتبر عند السعي إلى المروة أو إلى الصفا الاستقبال إليهما ، فلا يجوز المشي على الخلف أو أحد الجانبين ، لكن يجوز الميل بصفحة وجهه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف . كما يجوز الجلوس والنوم على الصفا أو المَروة أو بينهما قبل تمام السعي ولو بلا عذر .

(مسألة 7) : يجوز تأخير السعي عن الطواف وصلاته للاستراحة وتخفيف الحرّ بلا عذر حتّى إلى الليل ، والأحوط عدم التأخير إلى الليل ، ولا يجوز التأخير إلى الغد بلا عذر .

(مسألة 8) : السعي عبادة يجب فيه ما يعتبر فيها ؛ من القصد وخلوصه ، وهو ركن ، وحكم تركه عمداً أو سهواً حكم ترك الطواف كما مرّ .

(مسألة 9) : لو زاد فيه سهواً شوطاً أو أزيد صحّ سعيه ، والأولى قطعه من حيث تذكّر وإن لا يبعد جواز تتميمه سبعاً . ولو نقصه وجب الإتمام أينما تذكّر ، ولو رجع إلى بلده وأمكنه الرجوع بلامشقّة وجب ، ولو لم يمكنه أو كان شاقّاً استناب . ولو أتى ببعض الشوط الأوّل وسها ولم يأتِ بالسعي فالأحوط الاستئناف .

(مسألة 10) : لو أحلّ في عمرة التمتّع قبل تمام السعي سهواً - بتخيّل الإتمام - وجامع زوجته ، يجب عليه إتمام السعي ، والكفّارة بذبح بقرة على الأحوط ، بل

ص: 463

لو قصّر قبل تمام السعي سهواً وفعل ذلك(1) فالأحوط الإتمام والكفّارة ، والأحوط إلحاق السعي في غير عمرة التمتّع به فيها في الصورتين .

(مسألة 11) : لو شكّ في عدد الأشواط بعد التقصير يمضي ويبني على الصحّة . وكذا لو شكّ في الزيادة بعد الفراغ عن العمل . ولو شكّ في النقيصة بعد الفراغ والانصراف ففي البناء على الصحّة إشكال ، فالأحوط إتمام ما احتمل من النقص . ولو شكّ بعد الفراغ أو بعد كلّ شوط في صحّة ما فعل بنى على الصحّة . وكذا لو شكّ في صحّة جزء من الشوط بعد المضيّ .

(مسألة 12) : لو شكّ وهو في المروة بين السبع والزيادة كالتسع - مثلاً - بنى على الصحّة . ولو شكّ في أثناء الشوط أ نّه السبع أو الستّ - مثلاً - بطل سعيه ، وكذا في أشباهه من احتمال النقيصة . وكذا لو شكّ في أنّ ما بيده سبع أو أكثر قبل تمام الدور .

(مسألة 13) : لو شكّ بعد التقصير في إتيان السعي بنى على الإتيان ، ولو شكّ بعد اليوم الذي أتى بالطواف في إتيان السعي ، لا يبعد البناء عليه أيضاً ، لكن الأحوط الإتيان به إن شكّ قبل التقصير .

القول : في التقصير

(مسألة 1) : يجب بعد السعي التقصير ؛ أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللحية . والأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقصّ الظفر ، ولا يكفي حلق الرأس ، فضلاً عن اللحية .

ص: 464


1- في (أ) لم يرد : «وفعل ذلك» .

(مسألة 2) : التقصير عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها ، فلو أخلّ بها بطل إحرامه إلاّ مع الجبران .

(مسألة 3) : لو ترك التقصير عمداً وأحرم بالحجّ بطلت عمرته ، والظاهر صيرورة حجّه إفراداً ، والأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة وحجّ من قابل . ولو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحجّ صحّت عمرته ، ويستحبّ الفدية بشاة ، بل هي أحوط .

(مسألة 4) : يحلّ بعد التقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام حتّى النساء .

(مسألة 5) : ليس في عمرة التمتّع طواف النساء ، ولو أتى به رجاءً واحتياطاً لا مانع منه .

القول : في الوقوف بعرفات

(مسألة 1) : يجب بعد العمرة الإحرام بالحجّ والوقوف بعرفات بقصد القربة كسائر العبادات ، والأحوط كونه من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي . ولا يبعد جواز التأخير بعد الزوال بمقدار صلاة الظهرين إذا جمع بينهما ، والأحوط عدم التأخير ، ولا يجوز التأخير إلى العصر .

(مسألة 2) : المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف ؛ من غير فرق بين الركوب وغيره ، والمشي وعدمه . نعم ، لو كان في تمام الوقت نائماً أو مغمىً عليه بطل وقوفه .

(مسألة 3) : الوقوف المذكور واجب ، لكن الركن منه مسمّى الوقوف ولو دقيقة أو دقيقتين ، فلو ترك الوقوف حتّى مسمّاه عمداً بطل حجّه ، ولكن لو

ص: 465

وقف بقدر المسمّى وترك الباقي عمداً صحّ حجّه وإن أثم .

(مسألة 4) : لو نفر عمداً من عرفات قبل الغروب الشرعي ، وخرج من حدودها ولم يرجع ، فعليه الكفّارة ببدنة يذبحها للّه في أيّ مكان شاء ، والأحوط الأولى أن يكون في مكّة ، ولو لم يتمكّن من البدنة صام ثمانية عشر يوماً ، والأحوط الأولى أن يكون على ولاء . ولو نفر سهواً وتذكّر بعده يجب الرجوع ، ولو لم يرجع أثم ولا كفّارة عليه وإن كان أحوط . والجاهل بالحكم كالناسي . ولو لم يتذكّر حتّى خرج الوقت فلا شيء عليه .

(مسألة 5) : لو نفر قبل الغروب عمداً ، وندم ورجع ووقف إلى الغروب ، أو رجع لحاجة لكن بعد الرجوع وقف بقصد القربة ، فلا كفّارة عليه .

(مسألة 6) : لو ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب لعذر - كالنسيان وضيق الوقت ونحوهما - كفى له إدراك مقدار من ليلة العيد ولو كان قليلاً ، وهو الوقت الاضطراري للعرفات . ولو ترك الاضطراري عمداً وبلا عذر فالظاهر بطلان حجّه وإن أدرك المشعر . ولو ترك الاختياري والاضطراري لعذر ، كفى في صحّة حجّه إدراك الوقوف الاختياري بالمشعر الحرام كما يأتي .

(مسألة 7) : لو ثبت هلال ذي الحجّة عند القاضي من العامّة وحكم به ، ولم يثبت عندنا ، فإن أمكن العمل على طبق المذهب الحقّ بلا تقيّة وخوف وجب ، وإلاّ وجبت التبعية عنهم ، وصحّ الحجّ لو لم تتبيّن المخالفة للواقع ، بل لا يبعد الصحّة مع العلم بالمخالفة ، ولا تجوز المخالفة ، بل في صحّة الحجّ مع مخالفة التقيّة إشكال ، ولمّا كان اُفق الحجاز والنجد مخالفاً لآفاقنا - سيّما اُفق إيران - فلا يحصل العلم بالمخالفة إلاّ نادراً .

ص: 466

القول : في الوقوف بالمشعر الحرام

يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس ، وهو عبادة يجب فيه النيّة بشرائطها ، والأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر ، ثمّ ينوي الوقوف بين الطلوعين . ويستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو لا يتجاوز عن وادي محسّر ، ولو جاوزه عصى ولا كفّارة عليه ، والأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر . والركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمّى الوقوف ولو دقيقة أو دقيقتين فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقاً بطل حجّه بتفصيل يأتي .

(مسألة 1) : يجوز الإفاضة من المشعر ليلة العيد بعد وقوف مقدار منها للضعفاء كالنساء والأطفال والشيوخ ، ومن له عذر كالخوف والمرض ، ولمن ينفر بهم ويُراقبهم ويُمرّضهم . والأحوط الذي لا يترك أن لا ينفروا قبل نصف الليل . فلا يجب على هذه الطوائف الوقوف بين الطلوعين .

(مسألة 2) : من خرج قبل طلوع الفجر بلا عذر ومتعمّداً ولم يرجع إلى طلوع الشمس ، فإن لم يفته الوقوف بعرفات ووقف بالمشعر ليلة العيد إلى طلوع الفجر ، صحّ حجّه على المشهور ، وعليه شاة . لكن الأحوط خلافه ، فوجب عليه بعد إتمامه الحجّ من قابل على الأحوط .

(مسألة 3) : من لم يدرك الوقوف بين الطلوعين والوقوف بالليل لعذر ، وأدرك الوقوف بعرفات ، فإن أدرك مقداراً من طلوع الفجر من يوم العيد إلى

ص: 467

الزوال ، ووقف بالمشعر ولو قليلاً ، صحّ حجّه .

(مسألة 4) : قد ظهر ممّا مرّ أنّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات : وقتاً اختيارياً ، وهو بين الطلوعين ، ووقتين اضطراريين : أحدهما ليلة العيد لمن له عذر ، والثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك . وأنّ لوقوف عرفات وقتاً اختيارياً هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي ، واضطرارياً هو ليلة العيد للمعذور . فحينئذٍ بملاحظة إدراك أحد الموقفين أو كليهما - اختياراً أو اضطرارياً ، فرداً وتركيباً ، عمداً أو جهلاً أو نسياناً - أقسامٌ كثيرة ، نذكر ما هو مورد الابتلاء :

الأوّل : إدراك اختياريّهما ، فلا إشكال في صحّة حجّه من هذه الناحية .

الثاني : عدم إدراك الاختياري والاضطراري منهما ، فلا إشكال في بطلانه ؛ عمداً كان أو جهلاً أو نسياناً ، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحجّ ، والأولى قصد العدول إليها ، والأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه . ولو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحجّ ، إلاّ مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل . وإن كان عن تقصير يستقرّ عليه الحجّ ، ويجب من قابل ولو لم يحصل شرائطها .

الثالث : درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري ، فإن ترك اختياري المشعر عمداً بطل ، وإلاّ صحّ .

الرابع : درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة ، فإن ترك اختياري عرفة عمداً بطل وإلاّ صحّ .

الخامس : درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي ، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ ، وإلاّ بطل على الأحوط .

السادس : درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر الليلي ، فإن كان صاحب

ص: 468

عذر ؛ وترك اختياري عرفة عن غير عمد ، صحّ على الأقوى . وغير المعذور إن ترك اختياري عرفة عمداً بطل حجّه ، وإن ترك اختياري المشعر عمداً فكذلك على الأحوط ، كما أنّ الأحوط ذلك في غير العمد أيضاً .

السابع : درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر اليومي ، فإن ترك أحد الاختياريين متعمّداً بطل ، وإلاّ فلا يبعد الصحّة وإن كان الأحوط الحجّ من قابل لو استطاع فيه .

الثامن : درك اختياري عرفة فقط ، فإن ترك المشعر متعمّداً بطل حجّه ، وإلاّ فكذلك على الأحوط .

التاسع : درك اضطراري عرفة فقط ، فالحجّ باطل .

العاشر : درك اختياري المشعر فقط ، فصحّ حجّه إن لم يترك اختياري عرفة متعمّداً ، وإلاّ بطل .

الحادي عشر : درك اضطراري المشعر النهاري فقط ، فبطل حجّه .

الثاني عشر : درك اضطراريّه الليلي فقط ، فإن كان من اُولي الأعذار ، ولم يترك وقوف عرفة متعمّداً ، صحّ على الأقوى ، وإلاّ بطل .

القول : في واجبات منى

وهي ثلاثة :

الأوّل : رمي جمرة العقبة بالحصى؛ والمعتبر صدق عنوانها ، فلا يصحّ بالرمل ولا بالحجارة ولا بالخزف ونحوها . ويشترط فيها أن تكون من الحرم ، فلا تجزي من خارجه ، وأن تكون بِكراً لم يُرمَ بها ولو في السنين السابقة ، وأن تكون مباحة ، فلا يجوز بالمغصوب ، ولا بما حازها غيره بغير إذنه . ويستحبّ أن تكون من المشعر .

ص: 469

(مسألة 1) : وقت الرمي من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبه ، ولو نسي جاز إلى اليوم الثالث عشر ، ولو لم يتذكّر إلى بعده فالأحوط الرمي من قابل ولو بالاستنابة .

(مسألة 2) : يجب في رمي الجمار اُمور :

الأوّل : النيّة الخالصة للّه تعالى كسائر العبادات .

الثاني : إلقاؤها بما يسمّى رمياً ، فلو وضعها بيده على المرمى لم يجز .

الثالث : أن يكون الإلقاء بيده ، فلا يجزي لو كان برجله . والأحوط أن لا يكون الرمي بآلة - كالمقلاع - وإن لا يبعد الجواز .

الرابع : وصول الحصاة إلى المرمى ، فلا يُحسب ما لا تصل .

الخامس : أن يكون وصولها برميه ، فلو رمى ناقصاً فأتمّه حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز . نعم ، لو رمى فأصابت حجراً أو نحوه وارتفعت منه ووصلت المرمى صحّ .

السادس : أن يكون العدد سبعة .

السابع : أن يتلاحق الحصيات ، فلو رمى دفعة لا يُحسب إلاّ واحدة ولو وصلت على المرمى متعاقبة ، كما أ نّه لو رماها متعاقبة صحّ وإن وصلت دفعة .

(مسألة 3) : لو شكّ في أ نّها مستعملة أم لا جاز الرمي بها ، ولو احتمل أ نّها من غير الحرم وحُملت من خارجه لا يعتني به ، ولو شكّ في صدق الحصاة عليها لم يجز الاكتفاء بها . ولو شكّ في عدد الرمي يجب الرمي حتّى يتيقّن كونه سبعاً ، وكذا لو شكّ في وصول الحصاة إلى المرمى يجب الرمي إلى أن يتيقّن به . والظنّ فيما ذُكر بحكم الشكّ .

ص: 470

ولو شكّ بعد الذبح أو الحلق في رمي الجمرة أو عدده لا يعتني به ، ولو شكّ قبلهما بعد الانصراف في عدد الرمي ، فإن كان في النقيصة فالأحوط الرجوع والإتمام ، ولا يعتني بالشكّ في الزيادة . ولو شكّ بعد الفراغ في الصحّة بنى عليها بعد حفظ العدد .

(مسألة 4) : لا يعتبر في الحصى الطهارة ، ولا في الرامي الطهارة من الحدث أو الخبث .

(مسألة 5) : يستناب في الرمي عن غير المتمكّن كالأطفال والمرضى والمُغمى عليهم ، ويستحبّ حمل المريض مع الإمكان عند المرمى ويُرمى عنده ، بل هو أحوط ، ولو صحّ المريض أو أفاق المُغمى عليه بعد تمامية الرمي من النائب ، لا تجب الإعادة ، ولو كان ذلك في الأثناء استأنف من رأس ، وكفاية ما رماه النائب محلّ إشكال .

(مسألة 6) : من كان معذوراً في الرمي يوم العيد جاز له الرمي في الليل .

(مسألة 7) : يجوز الرمي ماشياً وراكباً ، والأوّل أفضل .

الثاني من الواجبات: الهدي، ويجب أن يكون إحدى النعم الثلاث : الإبل والبقر والغنم ، والجاموس بقر ، ولا يجوز سائر الحيوانات . والأفضل الإبل ثمّ البقر . ولا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالاشتراك حال الاختيار ، وفي حال الاضطرار يشكل الاجتزاء ، فالأحوط الشركة والصوم معاً .

(مسألة 8) : يعتبر في الهدي اُمور :

الأوّل : السنّ ، فيعتبر في الإبل الدخول في السنة السادسة ، وفي البقر

ص: 471

الدخول في الثالثة على الأحوط ، والمعز كالبقر ، وفي الضأن الدخول في الثانية على الأحوط .

الثاني : الصحّة والسلامة ، فلا يجزي المريض حتّى الأقرع على الأحوط .

الثالث : أن لا يكون كبيراً جدّاً .

الرابع : أن يكون تامّ الأجزاء ، فلا يكفي الناقص كالخصيّ ، وهو الذي اُخرجت خصيتاه ، ولا مرضوض الخصية على الأحوط(1) ، ولا الخصيّ في أصل الخلقة ، ولا مقطوع الذنب ولا الاُذن ، ولا ما يكون قرنه الداخل مكسوراً ، ولا بأس بما كسر قرنه الخارج ، ولا يبعد الاجتزاء بما لا يكون له اُذن ولا قرن في أصل خِلقته ، والأحوط خلافه ، ولو كان عماه أو عرجه واضحاً لا يكفي على الأقوى ، وكذا لو كان غير واضح على الأحوط ، ولا بأس بشقاق الاُذن وثقبه ، والأحوط عدم الاجتزاء به ، كما أنّ الأحوط عدم الاجتزاء بما ابيضّت عينه .

الخامس : أن لا يكون مهزولاً ، ويكفي وجود الشحم على ظهره ، والأحوط أن لا يكون مهزولاً عرفاً .

(مسألة 9) : لو لم يوجد غير الخصيّ لا يبعد الاجتزاء به ؛ وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين التامّ في ذي الحجّة من هذا العام ، وإن لم يتيسّر ففي العام القابل أو الجمع بين الناقص والصوم . ولو وجد الناقص غير الخصيّ ، فالأحوط الجمع بينه وبين التامّ في بقيّة ذي الحجّة ، وإن لم يمكن ففي العام القابل ، والاحتياط التامّ الجمع بينهما وبين الصوم .

(مسألة 10) : لو ذبح فانكشف كونه ناقصاً أو مريضاً يجب آخر . نعم ، لو

ص: 472


1- في (أ) لم يرد : «على الأحوط» .

تخيّل السمن ثمّ انكشف خلافه يكفي ، ولو تخيّل هزاله فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبيّن سمنه(1) يكفي . ولو لم يحتمل السمن أو يحتمله ، لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة ، لا يكفي ، ولو اعتقد الهزال وذبح جهلاً بالحكم ثمّ انكشف الخلاف فالأحوط الإعادة . ولو اعتقد النقص فذبح جهلاً بالحكم فانكشف الخلاف فالظاهر الكفاية .

(مسألة 11) : الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة ، والأحوط عدم التأخير من يوم العيد ، ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيّام التشريق ، وإلاّ ففي بقيّة ذي الحجّة . وهو من العبادات ، يعتبر فيه النيّة نحوها ، ويجوز فيه النيابة وينوي النائب ، والأحوط نيّة المنوب عنه أيضاً . ويعتبر كون النائب شيعيّاً على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة ، وكذا في ذبح الكفّارات(2) .

(مسألة 12) : لو شكّ بعد الذبح في كونه جامعاً للشرائط أو لا ، لا يعتني به ، ولو شكّ في صحّة عمل النائب لا يعتني به ، ولو شكّ في أنّ النائب ذبح أو لا ، يجب العلم بإتيانه ، ولا يكفي الظنّ ، ولو عمل النائب على خلاف ما عيّنه الشرع في الأوصاف أو الذبح ، فإن كان عامداً عالماً ضمن ويجب الإعادة ، فإن فعل جهلاً أو نسياناً ومن غير عمدٍ فإن أخذ للعمل اُجرة ضمن أيضاً ، وإن تبرّع فالضمان غير معلوم ، وفي الفرضين تجب الإعادة .

(مسألة 13) : يستحبّ أن يقسّم الهدي أثلاثاً ، يأكل ثلثه ، ويتصدّق بثلثه ، ويهدي ثلثه . والأحوط أكل شيء منه وإن لا يجب .

ص: 473


1- في (أ) بدل «سمنه» ورد : «عدمه» .
2- في (أ) لم يرد : «ويعتبر . . . الكفّارات» .

(مسألة 14) : لو لم يقدر على الهدي - بأن لا يكون هو ولا قيمته عنده - يجب بدله صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة أيّام بعد الرجوع منه .

(مسألة 15) : لو كان قادراً على الاقتراض بلا مشقّة وكلفة وكان له ما بإزاء القرض - أي كان واجداً لما يؤدّي به وقت الأداء - وجب الاقتراض والهدي ، ولو كان عنده من مؤن السفر زائداً على حاجته ويتمكّن من بيعه بلا مشقّة ، وجب بيعه لذلك ، ولا يجب بيع لباسه كائناً ما كان ، ولو باع لباسه الزائد وجب شراء الهدي ، والأحوط الصوم مع ذلك .

(مسألة 16) : لا يجب عليه الكسب لثمن الهدي ، ولو اكتسب وحصل له ثمنه يجب شراؤه .

(مسألة 17) : يجب وقوع صوم ثلاثة أيّام في ذي الحجّة ، والأحوط وجوباً(1) أن يصوم من السابع إلى التاسع ، ولا يتقدّم عليه ، ويجب التوالي فيها ، ويشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة ، ولا يجوز قبله ، ولو لم يتمكّن من صوم السابع صام الثامن والتاسع ، وأخّر اليوم الثالث إلى بعد رجوعه من منى ، والأحوط أن يكون بعد أيّام التشريق ؛ أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر .

(مسألة 18) : لا يجوز صيام الثلاثة في أيّام التشريق في منى ، بل لا يجوز الصوم في أيّام التشريق في منى مطلقاً ؛ سواء في ذلك الآتي بالحجّ وغيره .

(مسألة 19) : الأحوط الأولى لمن صام الثامن والتاسع ، صوم ثلاثة أيّام

ص: 474


1- في (أ) لم يرد : «وجوباً» .

متوالية بعد الرجوع من منى ، وكان أوّلها يوم النفر ؛ أي اليوم الثالث عشر ، وينوي أن يكون ثلاثة من الخمسة للصوم الواجب .

(مسألة 20) : لو لم يصم اليوم الثامن أيضاً أخّر الصيام إلى بعد الرجوع من مِنى ، فصام ثلاثة متوالية ، ويجوز لمن لم يصم الثامن ، الصوم في ذي الحجّة ، وهو موسّع له إلى آخره ؛ وإن كان الأحوط المبادرة إليه بعد أيّام التشريق .

(مسألة 21) : يجوز صوم الثلاثة في السفر ، ولا يجب قصد الإقامة في مكّة للصيام ، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكّة جاز الصوم في الطريق ، ولو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجّة ، يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في مِنى ، ولا يُفيده الصوم .

(مسألة 22) : لو صام الثلاثة ثمّ تمكّن من الهدي لا يجب عليه الهدي ، ولو تمكّن في أثنائها يجب .

(مسألة 23) : يجب صوم سبعة أيّام بعد الرجوع من سفر الحجّ ، والأحوط كونها متوالية ، ولا يجوز صيامها في مكّة ولا في الطريق . نعم ، لو كان بناؤه الإقامة في مكّة ، جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم قصد الإقامة(1) ، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدّة لو رجع وصل إلى وطنه ، ولو أقام في غير مكّة من سائر البلاد أو في الطريق ، لا يجوز صيامها ولو مضى المقدار المتقدّم . نعم ، لا يجب أن يكون الصيام في بلده ، فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها .

ص: 475


1- في (أ) : بدل «بعد شهر من يوم قصد الإقامة» ورد : «بعد شهر من يوم القصد للجوار والإقامة» .

(مسألة 24) : من قصد الإقامة في مكّة هذه الأيّام مع وسائل النقل الحديثة فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضيّ مقدار الوصول معها إلى وطنه ؛ وإن كان الأحوط خلافه ، لكن لا يترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة والسبعة .

(مسألة 25) : لو لم يتمكّن من صوم ثلاثة أيّام في مكّة ورجع إلى محلّه ، فإن بقي شهر ذي الحجّة صام فيه في محلّه ، لكن يفصل بينها وبين السبعة ، ولو مضى الشهر يجب الهدي ، يذبحه في منى ولو بالاستنابة .

(مسألة 26) : لو تمكّن من الصوم ولم يصم حتّى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه ، والأحوط قضاء السبعة أيضاً .

الثالث من واجبات منى : التقصير.

(مسألة 27) : يجب بعد الذبح الحلق أو التقصير ويتخيّر بينهما إلاّ طوائف :

الاُولى : النساء ، فإنّ عليهنّ التقصير لا الحلق ، فلو حلقن لا يجزيهنّ .

الثانية : الصرورة ؛ أي الذي كان أوّل حجّه ، فإنّ عليه الحلق على الأحوط .

الثالثة : الملبّد ، وهو الذي ألزق شعره بشيء لزج كعسل أو صمغ ؛ لدفع القمّل ونحوه ، فعليه الحلق على الأحوط .

الرابعة : من عقص شعره - أي جمعه ولفّه وعقده - فعليه الحلق على الأحوط .

الخامسة : الخنثى المشكل ، فإنّه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير ، وإلاّ جمع بينه وبين الحلق على الأحوط .

(مسألة 28) : يكفي في التقصير قصّ شيء من الشعر أو الظفر بكلّ آلة شاء ، والأولى قصّ مقدار من الشعر والظفر أيضاً ، والأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق

ص: 476

جميع رأسه . ويجوز فيهما المباشرة والإيكال إلى الغير ، ويجب فيهما النيّة بشرائطها ينوي بنفسه ، والأولى نيّة الغير أيضاً مع الإيكال إليه .

(مسألة 29) : لو تعيّن عليه الحلق ولم يكن على رأسه شعر يكفي إمرار الموسى على رأسه ، ويجزي عن الحلق ، ولو تخيّر من لا شعر له بينه وبين التقصير يتعيّن عليه التقصير . ولو لم يكن له شعر حتّى في الحاجب ولا ظفر ، يكفي له إمرار الموسى على رأسه .

(مسألة 30) : الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط مشكل ، وحلق اللحية لا يجزي عن التقصير ولا الحلق .

(مسألة 31) : الأحوط أن يكون الحَلق والتقصير في يوم العيد ؛ وإن لا يبعد جواز التأخير إلى آخر أيّام التشريق ، ومحلّهما مِنى ، ولا يجوز اختياراً في غيره .

ولو ترك فيه ونفر يجب عليه الرجوع إليه ؛ من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي وغيره ، ولو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصّر في مكانه ، وأرسل بشعره إلى منى لو أمكن ، ويستحبّ دفنه مكان خيمته .

(مسألة 32) : الأحوط تأخير الحلق والتقصير عن الذبح ، وهو عن الرمي ، فلو خالف الترتيب سهواً لا تجب الإعادة لتحصيله ، ولا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي ، ولو كان عن علم وعمد فالأحوط تحصيله مع الإمكان .

(مسألة 33) : يجب أن يكون الطواف والسعي بعد التقصير أو الحلق ، فلو قدّمهما عمداً يجب أن يرجع ويقصّر أو يحلق ، ثمّ يعيد الطواف والصلاة والسعي ، وعليه شاة . وكذا لو قدّم الطواف عمداً ، ولا كفّارة في تقديم السعي وإن وجبت

ص: 477

الإعادة وتحصيل الترتيب . ولو قدّمهما جهلاً بالحكم أو نسياناً وسهواً فكذلك إلاّ في الكفّارة ، فإنّها ليست عليه .

(مسألة 34) : لو قصّر أو حلق بعد الطواف أو السعي ، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب . ولو كان عليه الحلق عيناً يمرّ الموسى على رأسه احتياطاً .

(مسألة 35) : يحلّ للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلاّ النساء والطيب ، ولا يبعد حلّية الصيد أيضاً ، نعم يحرم الصيد في الحرم للمُحرم وغيره لاحترامه .

القول : فيما يجب بعد أعمال منى

وهو خمسة : طواف الحجّ ، وركعتاه ، والسعي بين الصفا والمروة ، وطواف النساء ، وركعتاه .

(مسألة 1) : كيفية الطواف والصلاة والسعي ، كطواف العمرة وركعتيه والسعي فيها بعينها إلاّ في النيّة ، فتجب هاهنا نيّة ما يأتي به .

(مسألة 2) : يجوز بل يستحبّ بعد الفراغ عن أعمال منى الرجوع يوم العيد إلى مكّة للأعمال المذكورة ، ويجوز التأخير إلى اليوم الحادي عشر ، ولا يبعد جوازه إلى آخر الشهر ، فيجوز الإتيان بها حتّى آخر يوم منه .

(مسألة 3) : لا يجوز تقديم المناسك الخمسة المتقدّمة على الوقوف بعرفات والمشعر ومناسك منى اختياراً ، ويجوز التقديم لطوائف :

الاُولى : النساء إذا خفن عروض الحيض أو النفاس عليهنّ بعد الرجوع ، ولم تتمكّن من البقاء إلى الطهر .

ص: 478

الثانية : الرجال والنساء إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع لكثرة الزحام ، أو عجزوا عن الرجوع إلى مكّة .

الثالثة : المرضى إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع للازدحام أو خافوا منه .

الرابعة : من يعلم أ نّه لا يتمكّن من الأعمال إلى آخر ذي الحجّة .

(مسألة 4) : لو انكشف الخلاف فيما عدا الأخيرة من الطوائف - كما لو لم يتّفق الحيض والنفاس ، أو سلم المريض ، أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه - لا تجب عليهم إعادة مناسكهم وإن كان أحوط . وأمّا الطائفة الأخيرة ، فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو العلّة يجزيهم الأعمال المتقدّمة ، وإلاّ فلا يجزيهم ، كمن اعتقد أنّ السيل يمنعه أو أ نّه يحبس فانكشف خلافه .

(مسألة 5) : مواطن التحلّل ثلاثة :

الأوّل : عقيب الحلق أو التقصير ، فيحلّ من كلّ شيء إلاّ الطيب والنساء والصيدِ ظاهراً ؛ وإن حرم لاحترام الحرم .

الثاني : بعد طواف الزيارة وركعتيه والسعي فيحلّ له الطيب .

الثالث : بعد طواف النساء وركعتيه فيحلّ له النساء .

(مسألة 6) : من قدّم طواف الزيارة والنساء لعذر - كالطوائف المتقدّمة - لا يحلّ له الطيب والنساء ، وإنّما تحلّ المحرّمات جميعاً له بعد التقصير والحلق .

(مسألة 7) : لا يختصّ طواف النساء بالرجال ، بل يعمّ النساء والخنثى والخصيّ والطفل المميّز ، فلو تركه واحد منهم لم يحلّ له النساء ، ولا الرجال لو كان امرأة ، بل لو أحرم الطفل غير المميّز وليّه يجب على الأحوط

ص: 479

أن يطوف به طواف النساء حتّى يحلّ له النساء .

(مسألة 8) : طواف النساء وركعتاه واجبان ، وليسا ركناً ، فلو تركهما عمداً لم يبطل الحجّ به وإن لا تحلّ له النساء ، بل الأحوط عدم حلّ العقد والخطبة والشهادة على العقد له .

(مسألة 9) : لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة ، ولا على صلاته اختياراً ، ولا تقديم طواف النساء عليهما ، ولا على السعي اختياراً ، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه .

(مسألة 10) : يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ، كالخوف عن الحيض وعدم التمكّن من البقاء إلى الطهر ، لكن الأحوط الاستنابة لإتيانه ، ولو قدّمه عليه سهواً أو جهلاً بالحكم صحّ سعيه وطوافه ؛ وإن كان الأحوط إعادة الطواف .

(مسألة 11) : لو ترك طواف النساء سهواً ورجع إلى بلده ، فإن تمكّن من الرجوع بلا مشقّة يجب ، وإلاّ استناب فيحلّ له النساء بعد الإتيان .

(مسألة 12) : لو نسي وترك الطواف الواجب من عمرة أو حجّ أو طواف النساء ورجع وجامع النساء ، يجب عليه الهدي ينحره أو يذبحه في مكّة ، والأحوط نحر الإبل ، ومع تمكّنه بلا مشقّة يرجع ويأتي بالطواف ، والأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء ، ولو لم يتمكّن استناب .

(مسألة 13) : لو ترك طواف العمرة أو الزيارة جهلاً بالحكم ورجع ، يجب عليه بدنة وإعادة الحجّ .

ص: 480

القول : في المبيت بمنى

(مسألة 1) : إذا قضى مناسكه بمكّة يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة والثانية عشرة ، والواجب من الغروب إلى نصف الليل .

(مسألة 2) : يجب المبيت ليلة الثالثة عشرة إلى نصفها على طوائف :

منهم : من لم يتّق الصيد في إحرامه للحجّ أو العمرة ، والأحوط لمن أخذ الصيد ولم يقتله المبيتُ ، ولو لم يتّق غيرهما من محرّمات الصيد - كأكل اللحم والإراءة والإشارة وغيرها - لم يجب .

ومنهم : من لم يتّقِ النساء في إحرامه للحجّ أو العمرة وطئاً ؛ دبراً أو قبلاً ، أهلاً له أو أجنبيّةً ، ولا يجب في غير الوط ء كالتقبيل واللمس ونحوهما .

ومنهم : من لم يفض من منى يوم الثاني عشر ، وأدرك غروب الثالث عشر .

(مسألة 3) : لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص :

الأوّل : المرضى والممرّضون لهم ، بل كلّ من له عذر يشقّ معه البيتوتة .

الثاني : من خاف على ماله المعتدّ به من الضياع أو السرقة في مكّة .

الثالث : الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل .

الرابع : أهل سقاية الحاجّ بمكّة .

الخامس : من اشتغل في مكّة بالعبادة إلى الفجر ، ولم يشتغل بغيرها إلاّ الضروريات ، كالأكل والشرب بقدر الاحتياج ، وتجديد الوضوء وغيرها ، ولا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكّة ؛ حتّى بين طريقها إلى منى على الأحوط .

ص: 481

(مسألة 4) : من لم يكن في منى أوّل الليل بلا عذر ، يجب عليه الرجوع قبل نصفه ، وبات إلى الفجر على الأحوط(1) .

(مسألة 5) : البيتوتة : من العبادات ، تجب فيها النيّة بشرائطها .

(مسألة 6) : من ترك المبيت الواجب بمنى يجب عليه لكلّ ليلة شاة ؛ متعمّداً كان أو جاهلاً أو ناسياً ، بل تجب الكفّارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة إلاّ الخامس منهم ، والحكم في الثالث والرابع مبنيّ على الاحتياط .

(مسألة 7) : لا يعتبر في الشاة في الكفّارة المذكورة شرائط الهدي ، وليس لذبحه محلّ خاصّ ، فيجوز بعد الرجوع إلى محلّه .

(مسألة 8) : من لم يكن تمام الليل في خارج منى ، فإن كان مقداراً من أوّل الليل إلى نصفه في منى لا إشكال في عدم الكفّارة عليه . وإن خرج قبل نصفه ، أو كان مقداراً من أوّل الليل خارجاً ، فالأحوط لزوم الكفّارة عليه .

(مسألة 9) : من جاز له النفر يوم الثاني عشر ، يجب أن ينفر بعد الزوال ولا يجوز قبله ، ومن نفر يوم الثالث عشر جاز له ذلك في أيّ وقت منه شاء .

القول : في رمي الجمار الثلاث

(مسألة 1) : يجب رمي الجِمار الثلاث - أي الجمرة الاُولى والوُسطى والعقبة - في نهار الليالي التي يجب عليه المبيت فيها حتّى الثالث عشر لمن

ص: 482


1- في (أ) لم يرد : «على الأحوط» .

يجب عليه مبيت ليله ، فلو تركه صحّ حجّه ولو كان عن عمد وإن أثم معه .

(مسألة 2) : يجب في كلّ يوم رمي كلّ جمرة بسبع حصيات ، ويعتبر فيها وفي الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة على ما تقدّم بلا افتراق .

(مسألة 3) : وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب ، فلا يجوز في الليل اختياراً ، ولو كان له عذر من خوف أو مرض أو علّة أو كان راعياً جاز في ليل يومه أو الليل الآتي .

(مسألة 4) : يجب الترتيب ؛ بأن يبتدئ بالجمرة الاُولى ثمّ الوسطى ثمّ العقبة ، فإن خالف - ولو عن غير عمد - تجب الإعادة حتّى يحصل الترتيب .

(مسألة 5) : لو رمى الجمرة الاُولى بأربع حصيات ، ثمّ رمى الوُسطى بأربع ، ثمّ اشتغل بالعَقبة صحّ ، وعليه إتمام الجميع بأيّ نحو شاء ، لكن الأحوط لمن فعل ذلك عمداً الإعادة . وكذا جاز رمي المتقدّمة بأربع ثمّ إتيان المتأخّرة ، فلا يجب التقديم بجميع الحصيات .

(مسألة 6) : لو نسي الرمي من يوم قضاه في اليوم الآخر ، ولو نسي من يومين قضاهما في اليوم الثالث . وكذا لو ترك عمداً . ويجب تقديم القضاء على الأداء ، وتقديم الأقدم قضاءً ، فلو ترك رمي يوم العيد وبعده ، أتى يوم الثاني عشر أوّلاً بوظيفة العيد ، ثمّ بوظيفة الحادي عشر ، ثمّ الثاني عشر .

وبالجملة : يعتبر الترتيب في القضاء كما في الأداء في تمام الجمار وفي بعضها ، فلو ترك بعضها كالجمرة الاُولى - مثلاً - وتذكّر في اليوم الآخر ، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتّبة ، ثمّ بوظيفة اليوم ، بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات

ص: 483

أو بعضها بأربع حصيات ، فتذكّر في اليوم الآخر ، أن يقدّم القضاء على الأداء وأقدم قضاءً على غيره .

(مسألة 7) : لو رمى على خلاف الترتيب وتذكّر في يوم آخر ، أعاد حتّى يحصل الترتيب ، ثمّ يأتي بوظيفة اليوم الحاضر .

(مسألة 8) : لو نسي رمي الجمار الثلاث ودخل مكّة ، فإن تذكّر في أيّام التشريق يجب الرجوع مع التمكّن ، والاستنابة مع عدمه ، ولو تذكّر بعدها أو أخّر عمداً إلى بعدها ، فالأحوط الجمع بين ما ذكر والقضاء في العام القابل في الأيّام التي فات منه إمّا بنفسه أو بنائبه ، ولو نسي رمي الجمار الثلاث حتّى خرج من مكّة ، فالأحوط القضاء في العام القابل ولو بالاستنابة ، وحكم نسيان البعض في جميع ما تقدّم كنسيان الكلّ ، بل حكمُ من أتى بأقلّ من سبع حصيات في الجمرات الثلاث أو بعضها ، حكمُ نسيان الكلّ على الأحوط .

(مسألة 9) : المعذور كالمريض والعليل وغير القادر على الرمي كالطفل يستنيب ، ولو لم يقدر على ذلك - كالمغمى عليه - يأتي عنه الوليّ أو غيره ، والأحوط تأخير النائب إلى اليأس من تمكّن المنوب عنه ، والأولى مع الإمكان حمل المعذور والرمي بمشهد منه ، ومع الإمكان وضع الحصى على يده والرمي بها ، فلو أتى النائب بالوظيفة ثمّ رفع العذر ، لم يجب عليه الإعادة لو استنابه مع اليأس ، وإلاّ تجب على الأحوط .

(مسألة 10) : لو يئس غير المعذور كوليّه - مثلاً - عن رفع عذره ، لا يجب استئذانه في النيابة وإن كان أحوط ، ولو لم يقدر على الإذن لا يعتبر ذلك .

ص: 484

(مسألة 11) : لو شكّ بعد مضيّ اليوم في إتيان وظيفته لا يعتني به ، ولو شكّ بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخّرة في إتيان المتقدّمة أو صحّتها ، لا يعتني به ، كما لو شكّ بعد الفراغ أو التجاوز في صحّة ما أتى بنى على الصحّة ، ولو شكّ في العدد واحتمل النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخّرة يجب الإتيان ليحرز السبع حتّى مع الانصراف والاشتغال بأمر آخر على الأحوط ، ولو شكّ بعد الدخول في المتأخّرة في عدد المتقدّمة ؛ فإن أحرز رمي أربع حصيات وشكّ في البقيّة ، يتمّها على الأحوط ، بل وكذا لو شكّ في ذلك بعد إتيان وظيفة المتأخّرة ، ولو شكّ في أ نّه أتى بالأربع أو أقلّ بنى على إتيان الأربع وأتى بالبقيّة .

(مسألة 12) : لو تيقّن بعد مضيّ اليوم بعدم إتيان واحدة من الجمار الثلاث ، جاز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة ، والأحوط قضاء الجميع . ولو تيقّن بعد رمي الجمار الثلاث بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها ، يجب إتيان ما يحتمل النقصان والرمي بكلّ واحدة من الثلاث . ولو تيقّن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع ، لا يبعد جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة وتتميم ما نقص ، والأحوط الإتيان بتمام الوظيفة في الجمرة العقبة ، وأحوط منه استئناف العمل في جميعها .

(مسألة 13) : لو تيقّن بعد مضيّ الأيّام الثلاثة بعدم الرمي في يوم من غير العلم بعينه ، يجب قضاء رمي تمام الأيّام مع مراعاة الترتيب ، وإن احتمل جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيّام .

ص: 485

القول : في الصدّ والحصر

(مسألة 1) : المصدود : من منعه العدوّ أو نحوه عن العمرة أو الحجّ ، والمحصور : من منعه المرض عن ذلك .

(مسألة 2) : من أحرم للعمرة أو الحجّ يجب عليه الإتمام ، ولو لم يتمّ بقي على إحرامه ، فلو أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه - كعمّال الدولة أو غيرهم - عن الذهاب إلى مكّة ولم يكن له طريق غير ما صدّ عنه ، أو كان ولم يكن له مؤونة الذهاب منه ، يجوز له التحلّل من كلّ ما حرم عليه ؛ بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلاً ، والأحوط قصد التحلّل بذلك ، وكذا الأحوط التقصير ، فيحلّ له كلّ شيء حتّى النساء .

(مسألة 3) : لو دخل بإحرام العمرة مكّة المعظّمة ، ومنعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة ، فحكمه ما مرّ ، فيتحلّل بما ذكر ، بل لا يبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي . ولو حبسه ظالم ، أو حبس لأجل الدين الذي لم يتمكّن من أدائه ، كان حكمه كما تقدّم .

(مسألة 4) : لو أحرم لدخول مكّة أو لإتيان النسك ، وطالبه ظالم ما يتمكّن من أدائه ، يجب إلاّ أن يكون حرجاً ، ولو لم يتمكّن أو كان حرجاً عليه فالظاهر أ نّه بحكم المصدود .

(مسألة 5) : لو كان له طريق إلى مكّة غير ما صدّ عنه ، وكانت له مؤونة الذهاب منها ، بقي على الإحرام ، ويجب الذهاب إلى الحجّ ، فإن فات منه الحجّ يأتي بأعمال العمرة المفردة ويتحلّل . ولو خاف في المفروض عدم إدراك الحجّ

ص: 486

لا يتحلّل بعمل المصدود ، بل لا بدّ من الإدامة ، ويتحلّل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة .

(مسألة 6) : يتحقّق الصدّ عن الحجّ ؛ بأن لا يدرك لأجله الوقوفين ؛ لا اختياريّهما ولا اضطراريّهما ، بل يتحقّق بعدم إدراك ما يفوت الحجّ بفوته ولو عن غير علم وعمد ، بل الظاهر تحقّقه بعد الوقوفين ؛ بمنعه عن أعمال منى ومكّة أو أحدهما ولم يتمكّن من الاستنابة . نعم ، لو أتى بجميع الأعمال ، ومنع عن الرجوع إلى منى للمبيت وأعمال أيّام التشريق ، لا يتحقّق به الصدّ ، وصحّ حجّه ويجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه ، ولو لم يتمكّن ففي العام القابل .

(مسألة 7) : المصدود عن العمرة أو الحجّ ، لو كان ممّن استقرّ عليه الحجّ ، أو كان مستطيعاً في العام القابل ، يجب عليه الحجّ ، ولا يكفي التحلّل المذكور عن حجّة الإسلام .

(مسألة 8) : المصدود جاز له التحلّل بما ذكر ولو مع رجاء رفع الصدّ .

(مسألة 9) : من أحرم للعمرة ، ولم يتمكّن - بواسطة المرض - من الوصول إلى مكّة لو أراد التحلّل ، لا بدّ من الهدي ، والأحوط إرسال الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكّة ، ويواعده أن يذبحه أو ينحره في يوم معيّن وساعة معيّنة ، فمع بلوغ الميعاد يقصّر ، فيتحلّل من كلّ شيء إلاّ النساء ، والأحوط أن يقصد النائب عند الذبح تحلّل المنوب عنه .

(مسألة 10) : لو أحرم بالحجّ ولم يتمكّن بواسطة المرض عن الوصول إلى

ص: 487

عرفات والمشعر وأراد التحلّل ، يجب عليه الهدي ، والأحوط بعثه أو بعث ثمنه إلى منى للذبح ، وواعد أن يذبح يوم العيد بمنى ، فإذا ذبح يتحلّل من كلّ شيء إلاّ النساء .

(مسألة 11) : لو كان عليه حجّ واجب فحصر بمرض ، لم يتحلّل من النساء إلاّ أن يأتي بأعمال الحجّ وطواف النساء في القابل ، ولو عجز عن ذلك لا يبعد كفاية الاستنابة ، ويتحلّل بعد عمل النائب . ولو كان حجّه مستحبّاً لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلّل عنها ، والأحوط إتيانه بنفسه .

(مسألة 12) : لو تحلّل المصدود في العمرة ، وأتى النساء ثمّ بان عدم الذبح في اليوم الموعود ، لا إثم عليه ولا كفّارة ، لكن يجب إرسال الهدي أو ثمنه ويواعد ثانياً ، ويجب عليه الاجتناب من النساء ، والأحوط لزوماً الاجتناب من حين كشف الواقع ؛ وإن احتمل لزومه من حين البعث .

(مسألة 13) : يتحقّق الحصر بما يتحقّق به الصدّ .

(مسألة 14) : لو برئ المريض وتمكّن من الوصول إلى مكّة بعد إرسال الهدي أو ثمنه ، وجب عليه الحجّ ، فإن كان محرماً بالتمتّع وأدرك الأعمال فهو ، وإن ضاق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة يحجّ إفراداً ، والأحوط نيّة العدول إلى الإفراد ، ثمّ بعد الحجّ يأتي بالعمرة المفردة ، ويجزيه عن حجّة الإسلام ، ولو وصل إلى مكّة في وقت لم يدرك اختياري المشعر تتبدّل عمرته بالمفردة ، والأحوط قصد العدول ويتحلّل ، ويأتي بالحجّ الواجب في القابل مع حصول الشرائط ، والمصدود كالمحصور في ذلك .

ص: 488

(مسألة 15) : لا يبعد إلحاق غير المتمكّن - كالمعلول والضعيف - بالمريض في الأحكام المتقدّمة . ولكن المسألة مشكلة ، فالأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق ، فإن فات الحجّ منه يأتي بعمرة مفردة ويتحلّل ، ويجب عليه الحجّ مع حصول الشرائط في القابل .

(مسألة 16) : الأحوط أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتّع قبل خروج الحاجّ إلى عرفات ، وفي إحرام الحجّ يوم العيد .

ص: 489

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

وهما من أسمى الفرائض وأشرفها ، وبهما تقام الفرائض ، ووجوبهما من ضروريات الدين ، ومنكره مع الالتفات بلازمه والالتزام به من الكافرين .

وقد ورد الحثّ عليهما في الكتاب العزيز والأخبار الشريفة بألسنة مختلفة ، قال اللّه تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)إلى غير ذلك .

وعن الرضا علیه السلام : «كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إذا اُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من اللّه» ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه - عزّ وجلّ - ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له»، فقيل : وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له ؟ قال : «الذي لا ينهى عن المنكر» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «لا تزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرِّ ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات ، وسُلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء» ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه خطب ،

ص: 490

فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ، ولم ينههم الربّانيون والأحبار عن ذلك ، وأ نّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات ، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلاً ، ولن يقطعا رزقاً . . .» الحديث .

وعن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال : «يكون في آخر الزمان قوم يتّبع فيهم قوم مراؤون ، فيتقرّؤون ويتنسّكون حدثاء سفهاء ، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير - ثمّ قال - : ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها ، كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها ؛ إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض ، هنالك يتمّ غضب اللّه - عزّ وجلّ - عليهم فيعمّهم بعقابه ، فيهلك الأبرار في دار الأشرار ، والصغار في دار الكبار» .

وعن محمّد بن مسلم قال : كتب أبو عبداللّه علیه السلام إلى الشيعة : «ليعطفنّ ذوو السنّ منكم والنهى على ذوي الجهل وطلاّب الرئاسة ، أو لتصيبنّكم لعنتي أجمعين» إلى غير ذلك من الأحاديث .

القول : في أقسامهما وكيفية وجوبهما

(مسألة 1) : ينقسم كلّ من الأمر والنهي في المقام إلى واجب ومندوب ، فما وجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به ، وما قبح عقلاً أو حرم شرعاً وجب النهي عنه ، وما ندب واستحبّ فالأمر به كذلك ، وما كره فالنهي عنه كذلك .

ص: 491

(مسألة 2) : الأقوى أنّ وجوبهما كفائي ، فلو قام به من به الكفاية سقط عن الآخرين ، وإلاّ كان الكلّ مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب .

(مسألة 3) : لو توقّف إقامة فريضة أو إقلاع منكر على اجتماع عدّة في الأمر أو النهي ، لا يسقط الوجوب بقيام بعضهم ، ويجب الاجتماع في ذلك بقدر الكفاية .

(مسألة 4) : لو قام عدّة دون مقدار الكفاية ، ولم يجتمع البقيّة ، ولم يمكن للقائم جمعهم ، سقط عنه الوجوب ، وبقي الإثم على المتخلّف .

(مسألة 5) : لو قام شخص أو أشخاص بوظيفتهم ولم يؤثّر ، لكن احتمل آخر أو آخرون التأثير ، وجب عليهم مع اجتماع الشرائط .

(مسألة 6) : لو قطع أو اطمأنّ بقيام الغير لا يجب عليه القيام . نعم ، لو ظهر خلاف قطعه يجب عليه . وكذا لو قطع أو اطمأنّ بكفاية من قام به لم يجب عليه ، ولو ظهر الخلاف وجب .

(مسألة 7) : لا يكفي الاحتمال أو الظنّ بقيام الغير أو كفاية من قام به ، بل يجب عليه معهما . نعم ، يكفي قيام البيّنة .

(مسألة 8) : لو عدم موضوع الفريضة أو موضوع المنكر ، سقط الوجوب وإن كان بفعل المكلّف ، كما لو أراق الماء المنحصر الذي يجب حفظه للطهارة أو لحفظ نفس محترمة .

(مسألة 9) : لو توقّفت إقامة فريضة أو قلع منكر على ارتكاب محرّم أو ترك

واجب ، فالظاهر ملاحظة الأهمّية .

ص: 492

(مسألة 10) : لو كان قادراً على أحد الأمرين : الأمر بالمعروف الكذائي ، أو النهي عن المنكر الكذائي ، يلاحظ الأهمّ منهما ، ومع التساوي مخيّر بينهما .

(مسألة 11) : لا يكفي في سقوط الوجوب ، بيان الحكم الشرعي أو بيان مفاسد ترك الواجب وفعل الحرام ، إلاّ أن يفهم منه عرفاً - ولو بالقرائن - الأمر أو النهي ، أو حصل المقصود منهما ، بل الظاهر كفاية فهم الطرف منه الأمر أو النهي لقرينة خاصّة ؛ وإن لم يفهم العرف منه .

(مسألة 12) : الأمر والنهي في هذا الباب مولوي من قبل الآمر والناهي ولو كانا سافلين ، فلا يكفي فيهما أن يقول : إنّ اللّه أمرك بالصلاة ، أو نهاك عن شرب الخمر ، إلاّ أن يحصل المطلوب منهما ، بل لا بدّ وأن يقول : صلّ - مثلاً - أو لا تشرب الخمر ، ونحوهما ممّا يفيد الأمر والنهي من قبله .

(مسألة 13) : لا يعتبر فيهما قصد القربة والإخلاص ، بل هما توصّليان لقطع الفساد وإقامة الفرائض . نعم ، لو قصدها يؤجر عليهما .

(مسألة 14) : لا فرق في وجوب الإنكار بين كون المعصية كبيرة أو صغيرة .

(مسألة 15) : لو شرع في مقدّمات حرام بقصد التوصّل إليه ، فإن علم بموصّليتها يجب نهيه عن الحرام ، وإن علم عدمها لا يجب ، إلاّ على القول بحرمة المقدّمات أو حرمة التجرّي ، وإن شكّ في كونها موصلة فالظاهر عدم الوجوب ، إلاّ على المبنى المذكور .

(مسألة 16) : لو همّ شخص بإتيان محرّم وشكّ في قدرته عليه ، فالظاهر عدم وجوب نهيه . نعم ، لو قلنا بأنّ عزم المعصية حرام يجب النهي عن ذلك .

ص: 493

القول : في شرائط وجوبهما

وهي اُمور :

الأوّل : أن يعرف الآمر أو الناهي أنّ ما تركه المكلّف أو ارتكبه معروف أو منكر ، فلا يجب على الجاهل بالمعروف والمنكر . والعلم شرط الوجوب كالاستطاعة في الحجّ .

(مسألة 1) : لا فرق في المعرفة بين القطع أو الطرق المعتبرة الاجتهادية أو التقليد ، فلو قلّد شخصان عن مجتهد يقول بوجوب صلاة الجمعة عيناً ، فتركها واحد منهما ، يجب على الآخر أمره بإتيانها . وكذا لو رأى مجتهدهما حرمة العصير الزبيبي المغليّ بالنار ، فارتكبه أحدهما ، يجب على الآخر نهيه .

(مسألة 2) : لو كانت المسألة مختلفاً فيها ، واحتمل أنّ رأي الفاعل أو التارك أو تقليده مخالف له ، ويكون ما فعله جائزاً عنده ، لا يجب ، بل لا يجوز إنكاره ، فضلاً عمّا لو علم ذلك .

(مسألة 3) : لو كانت المسألة غير خلافية واحتمل أن يكون المرتكب جاهلاً بالحكم ، فالظاهر وجوب أمره ونهيه ، سيّما إذا كان مقصِّراً ، والأحوط إرشاده إلى الحكم أوّلاً ثمّ إنكاره إذا أصرّ ، سيّما إذا كان قاصراً .

(مسألة 4) : لو كان الفاعل جاهلاً بالموضوع لا يجب إنكاره ولا رفع جهله ، كما لو ترك الصلاة غفلة أو نسياناً ، أو شرب المسكر جهلاً بالموضوع . نعم ، لو كان ذلك ممّا يهتمّ به ولا يرضى المولى بفعله أو تركه مطلقاً ، يجب إقامته وأمره أو نهيه ، كقتل النفس المحترمة .

ص: 494

(مسألة 5) : لو كان ما تركه واجباً برأيه أو رأي من قلّده ، أو ما فعله حراماً كذلك ، وكان رأي غيره مخالفاً لرأيه ، فالظاهر عدم وجوب الإنكار ، إلاّ إذا قلنا بحرمة التجرّي أو الفعل المتجرّى به .

(مسألة 6) : لو كان ما ارتكبه مخالفاً للاحتياط اللازم بنظرهما أو نظر مقلّدهما فالأحوط إنكاره ، بل لا يبعد وجوبه .

(مسألة 7) : لو ارتكب طرفي العلم الإجمالي للحرام أو أحد الأطراف ، يجب في الأوّل نهيه ، ولا يبعد ذلك في الثاني أيضاً ، إلاّ مع احتمال عدم منجّزية العلم الإجمالي عنده مطلقاً ، فلا يجب مطلقاً ، بل لا يجوز ، أو بالنسبة إلى الموافقة القطعية فلا يجب ، بل لا يجوز في الثاني . وكذا الحال في ترك أطراف المعلوم بالإجمال وجوبه .

(مسألة 8) : يجب تعلّم شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وموارد الوجوب وعدمه والجواز وعدمه ؛ حتّى لا يقع في المنكر في أمره ونهيه .

(مسألة 9) : لو أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر في مورد لا يجوز له ، يجب على غيره نهيه عنهما .

(مسألة 10) : لو كان الأمر أو النهي في مورد بالنسبة إلى بعض موجباً لوهن الشريعة المقدّسة ولو عند غيره لا يجوز ، خصوصاً مع صرف احتمال التأثير ، إلاّ أن يكون المورد من المهمّات ، والموارد مختلفة .

الشرط الثاني : أن يجوّز ويحتمل تأثير الأمر أو النهي ، فلو علم أو اطمأنّ بعدمه فلا يجب .

ص: 495

(مسألة 1) : لا يسقط الوجوب مع الظنّ بعدم التأثير ولو كان قوياً ، فمع الاحتمال المعتدّ به عند العقلاء يجب .

(مسألة 2) : لو قامت البيّنة العادلة على عدم التأثير فالظاهر عدم السقوط مع احتماله .

(مسألة 3) : لو علم أنّ إنكاره لا يؤثّر إلاّ مع الإشفاع بالاستدعاء والموعظة ، فالظاهر وجوبه كذلك ، ولو علم أنّ الاستدعاء والموعظة مؤثّران فقط دون الأمر والنهي فلا يبعد وجوبهما .

(مسألة 4) : لو ارتكب شخص حرامين أو ترك واجبين ، وعلم أنّ الأمر بالنسبة إليهما معاً لا يؤثّر ، واحتمل التأثير بالنسبة إلى أحدهما بعينه ، وجب بالنسبة إليه دون الآخر . ولو احتمل التأثير في أحدهما لا بعينه تجب ملاحظة الأهمّ . فلو كان تاركاً للصلاة والصوم وعلم أنّ أمره بالصلاة لا يؤثّر واحتمل التأثير في الصوم يجب ، ولو احتمل التأثير بالنسبة إلى أحدهما يجب الأمر بالصلاة . ولو لم يكن أحدهما أهمّ يتخيّر بينهما ، بل له أن يأمر بأحدهما بنحو الإجمال مع احتمال التأثير كذلك .

(مسألة 5) : لو علم أو احتمل أنّ أمره أو نهيه مع التكرار يؤثّر وجب التكرار .

(مسألة 6) : لو علم أو احتمل أنّ إنكاره في حضور جمع مؤثّر دون غيره ، فإن كان الفاعل متجاهراً جاز ووجب ، وإلاّ ففي وجوبه بل جوازه إشكال .

(مسألة 7) : لو علم أنّ أمره أو نهيه مؤثّر لو أجازه في ترك واجب آخر أو ارتكاب حرام آخر ، فمع أهمّية مورد الإجازة لا إشكال في عدم الجواز وسقوط

ص: 496

الوجوب ، بل الظاهر عدم الجواز مع تساويهما في الملاك وسقوط الوجوب . وأمّا لو كان مورد الأمر والنهي أهمّ ، فإن كانت الأهمّية بوجه لا يرضى المولى بالتخلّف مطلقاً - كقتل النفس المحترمة - وجبت الإجازة ، وإلاّ ففيه تأمّل وإن لا يخلو من وجه .

(مسألة 8) : لو علم أنّ إنكاره غير مؤثّر بالنسبة إلى أمر في الحال ، لكن علم أو احتمل تأثير الأمر الحالي بالنسبة إلى الاستقبال وجب . وكذا لو علم أنّ نهيه عن شرب الخمر بالنسبة إلى كأس معيّن لا يؤثّر ، لكن نهيه عنه مؤثّر في تركه فيما بعد - مطلقاً ، أو في الجملة - وجب .

(مسألة 9) : لو علم أنّ أمره أو نهيه بالنسبة إلى التارك والفاعل لا يؤثّر ؛ لكن يؤثّر بالنسبة إلى غيره بشرط عدم توجّه الخطاب إليه ، وجب توجّهه إلى الشخص الأوّل بداعي تأثيره في غيره .

(مسألة 10) : لو علم أنّ أمر شخص خاصّ مؤثّر في الطرف دون أمره ، وجب أمره بالأمر إذا تواكل فيه مع اجتماع الشرائط عنده .

(مسألة 11) : لو علم أنّ فلاناً همّ بارتكاب حرام واحتمل تأثير نهيه عنه وجب .

(مسألة 12) : لو توقّف تأثير الأمر أو النهي على ارتكاب محرّم أو ترك واجب ، لا يجوز ذلك ، وسقط الوجوب ، إلاّ إذا كان المورد من الأهمّية بمكان لا يرضى المولى بتخلّفه كيف ما كان - كقتل النفس المحترمة - ولم يكن الموقوف عليه بهذه المثابة ، فلو توقّف دفع ذلك على الدخول في الدار المغصوبة ونحو ذلك وجب .

ص: 497

(مسألة 13) : لو كان الفاعل بحيث لو نهاه عن المنكر أصرّ عليه ولو أمره به تركه ، يجب الأمر مع عدم محذور آخر . وكذا في المعروف .

(مسألة 14) : لو علم أو احتمل تأثير النهي أو الأمر في تقليل المعصية لا قلعها وجب ، بل لا يبعد الوجوب لو كان مؤثّراً في تبديل الأهمّ بالمهمّ ، بل لا إشكال فيه لو كان الأهمّ بمثابة لا يرضى المولى بحصوله مطلقاً .

(مسألة 15) : لو احتمل أنّ إنكاره مؤثّر في ترك المخالفة القطعية لأطراف العلم - لا الموافقة القطعية - وجب .

(مسألة 16) : لو علم أنّ نهيه - مثلاً - مؤثّر في ترك المحرّم المعلوم تفصيلاً وارتكاب بعض أطراف المعلوم بالإجمال مكانه ، فالظاهر وجوبه ، إلاّ مع كون المعلوم بالإجمال من الأهمّية بمثابة ما تقدّم - دون المعلوم بالتفصيل - فلا يجوز . فهل مطلق الأهمّية يوجب الوجوب ؟ فيه إشكال .

(مسألة 17) : لو احتمل التأثير واحتمل تأثير الخلاف فالظاهر عدم الوجوب .

(مسألة 18) : لو احتمل التأثير في تأخير وقوع المنكر وتعويقه ، فإن احتمل عدم تمكّنه في الآتية من ارتكابه وجب ، وإلاّ فالأحوط ذلك ، بل لا يبعد وجوبه .

(مسألة 19) : لو علم شخصان إجمالاً بأنّ إنكار أحدهما مؤثّر دون الآخر ، وجب على كلّ منهما الإنكار ، فإن أنكر أحدهما فأثّر سقط عن الآخر ، وإلاّ يجب عليه .

(مسألة 20) : لو علم إجمالاً أنّ إنكار أحدهما مؤثّر والآخر مؤثّر في الإصرار على الذنب ، لا يجب .

ص: 498

الشرط الثالث : أن يكون العاصي مصرّاً على الاستمرار ، فلو علم منه الترك سقط الوجوب .

(مسألة 1) : لو ظهرت منه أمارة الترك فحصل منها القطع ، فلا إشكال في سقوط الوجوب ، وفي حكمه الاطمئنان . وكذا لو قامت البيّنة عليه إن كان مستندها المحسوس أو قريباً منه . وكذا لو أظهر الندامة والتوبة .

(مسألة 2) : لو ظهرت منه أمارة ظنّية على الترك ، فهل يجب الأمر أو النهي أو لا ؟ لا يبعد عدمه . وكذا لو شكّ في استمراره وتركه . نعم ، لو علم أ نّه كان قاصداً للاستمرار والارتكاب وشكّ في بقاء قصده ، يحتمل وجوبه على إشكال .

(مسألة 3) : لو قامت أمارة معتبرة على استمراره وجب الإنكار ، ولو كانت غير معتبرة ففي وجوبه تردّد ، والأشبه عدمه .

(مسألة 4) : المراد بالاستمرار الارتكاب ولو مرّة اُخرى ، لا الدوام ، فلو شرب مسكراً وقصد الشرب ثانياً فقط وجب النهي .

(مسألة 5) : من الواجبات : التوبة من الذنب ، فلو ارتكب حراماً أو ترك واجباً تجب التوبة فوراً ، ومع عدم ظهورها منه وجب أمره بها ، وكذا لو شكّ في توبته . وهذا غير الأمر والنهي بالنسبة إلى سائر المعاصي ، فلو شكّ في كونه مصرّاً أو علم بعدمه ، لا يجب الإنكار بالنسبة إلى تلك المعصية ، لكن يجب بالنسبة إلى ترك التوبة .

(مسألة 6) : لو ظهر من حاله - علماً أو اطمئناناً أو بطريق معتبر - أ نّه أراد ارتكاب معصية لم يرتكبها إلى الآن ، فالظاهر وجوب نهيه .

ص: 499

(مسألة 7) : لا يشترط في عدم وجوب الإنكار إظهار ندامته وتوبته ، بل مع العلم ونحوه على عدم الاستمرار لم يجب ؛ وإن علم عدم ندامته من فعله . وقد مرّ أنّ وجوب الأمر بالتوبة غير وجوب النهي بالنسبة إلى المعصية المرتكبة .

(مسألة 8) : لو علم عجزه أو قام الطريق المعتبر على عجزه عن الإصرار واقعاً ، وعلم أنّ من نيّته الإصرار لجهله بعجزه ، لا يجب النهي بالنسبة إلى الفعل غير المقدور ؛ وإن وجب بالنسبة إلى ترك التوبة والعزم على المعصية لو قلنا بحرمته .

(مسألة 9) : لو كان عاجزاً عن ارتكاب حرام ، وكان عازماً عليه لو صار قادراً ، فلو علم - ولو بطريق معتبر - حصول القدرة له ، فالظاهر وجوب إنكاره ، وإلاّ فلا ، إلاّ على عزمه على القول بحرمته .

(مسألة 10) : لو اعتقد العجز عن الاستمرار وكان قادراً واقعاً ، وعلم بارتكابه مع علمه بقدرته ، فإن علم بزوال اعتقاده فالظاهر وجوب الإنكار بنحو لا يعلمه بخطئه ، وإلاّ فلا يجب .

(مسألة 11) : لو علم إجمالاً بأنّ أحد الشخصين أو الأشخاص مصرّ على ارتكاب المعصية ، وجب ظاهراً توجّه الخطاب إلى عنوان منطبق عليه ؛ بأن يقول : من كان شارب الخمر فليتركه . وأمّا نهي الجميع أو خصوص بعضهم فلا يجب ، بل لا يجوز ، ولو كان في توجّه النهي إلى العنوان المنطبق على العاصي هتكٌ عن هؤلاء الأشخاص ، فالظاهر عدم الوجوب ، بل عدم الجواز .

(مسألة 12) : لو علم بارتكابه حراماً أو تركه واجباً ولم يعلم بعينه ، وجب

ص: 500

على نحو الإبهام ، ولو علم إجمالاً بأ نّه إمّا تارك واجباً أو مرتكب حراماً ، وجب كذلك أو على نحو الإبهام .

الشرط الرابع : أن لا يكون في إنكاره مفسدة .

(مسألة 1) : لو علم أو ظنّ أنّ إنكاره موجب لتوجّه ضرر نفسي أو عِرضي أو مالي يعتدّ به عليه ، أو على أحد متعلّقيه كأقربائه وأصحابه وملازميه ، فلا يجب ويسقط عنه ، بل وكذا لو خاف ذلك لاحتمال معتدّ به عند العقلاء . والظاهر إلحاق سائر المؤمنين بهم أيضاً .

(مسألة 2) : لا فرق في توجّه الضرر بين كونه حالياً أو استقبالياً ، فلو خاف توجّه ذلك في المآل عليه أو على غيره سقط الوجوب .

(مسألة 3) : لو علم أو ظنّ أو خاف للاحتمال المعتدّ به وقوعه أو وقوع متعلّقيه في الحرج والشدّة على فرض الإنكار لم يجب ، ولا يبعد إلحاق سائر المؤمنين بهم .

(مسألة 4) : لو خاف على نفسه أو عرضه أو نفوس المؤمنين وعرضهم حرم الإنكار ، وكذا لو خاف على أموال المؤمنين المعتدّ بها . وأمّا لو خاف على ماله بل علم توجّه الضرر المالي عليه ، فإن لم يبلغ إلى الحرج والشدّة عليه فالظاهر عدم حرمته ، ومع إيجابه ذلك فلا تبعد الحرمة .

(مسألة 5) : لو كانت إقامة فريضة أو قلع منكر موقوفاً على بذل المال المعتدّ به ، لا يجب بذله ، لكن حسن مع عدم كونه بحيث يقع في الحرج والشدّة ، ومعه فلا يبعد عدم الجواز . نعم ، لو كان الموضوع ممّا يهتمّ به الشارع ولا يرضى بخلافه مطلقاً يجب .

ص: 501

(مسألة 6) : لو كان المعروف والمنكر من الاُمور التي يهتمّ بها الشارع الأقدس ، كحفظ نفوس قبيلة من المسلمين ، وهتك نواميسهم ، أو محو آثار الإسلام ومحو حجّته ؛ بما يوجب ضلالة المسلمين ، أو إمحاء بعض شعائر الإسلام ، كبيت اللّه الحرام بحيث يُمحى آثاره ومحلّه ، وأمثال ذلك ، لا بدّ من ملاحظة الأهمّية ، ولا يكون مطلق الضرر - ولو النفسي - أو الحرج موجباً لرفع التكليف ، فلو توقّفت إقامة حجج الإسلام بما يرفع بها الضلالة على بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه ، فضلاً عن الوقوع في ضرر أو حرج دونها .

(مسألة 7) : لو وقعت بدعة في الإسلام ، وكان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - موجباً لهتك الإسلام وضعف عقائد المسلمين ، يجب عليهم الإنكار بأيّة وسيلة ممكنة ؛ سواء كان الإنكار مؤثّراً في قلع الفساد أم لا . وكذا لو كان سكوتهم عن إنكار المنكرات موجباً لذلك ، ولا يلاحظ الضرر والحرج بل تلاحظ الأهمّية .

(مسألة 8) : لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - خوف أن يصير المنكر معروفاً أو المعروف منكراً ، يجب عليهم إظهار علمهم ، ولا يجوز السكوت ولو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل ، ولا يلاحظ الضرر والحرج مع كون الحكم ممّا يهتمّ به الشارع الأقدس جدّاً .

(مسألة 9) : لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - تقوية للظالم وتأييد له - والعياذ باللّه - يحرم عليهم السكوت ، ويجب عليهم الإظهار ولو لم يكن مؤثّراً في رفع ظلمه .

(مسألة 10) : لو كان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه

ص: 502

كلمتهم - موجباً لجرأة الظلمة على ارتكاب سائر المحرّمات وإبداع البدع ، يحرم عليهم السكوت ، ويجب عليهم الإنكار وإن لم يكن مؤثّراً في رفع الحرام الذي يرتكب .

(مسألة 11) : لو كان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - موجباً لإساءة الظنّ بهم وهتكهم وانتسابهم إلى ما لا يصحّ ولا يجوز الانتساب إليهم ، ككونهم - نعوذ باللّه - أعوان الظلمة ، يجب عليهم الإنكار لدفع العار عن ساحتهم ولو لم يكن مؤثّراً في رفع الظلم .

(مسألة 12) : لو كان ورود بعض العلماء - مثلاً - في بعض شؤون الدول ، موجباً لإقامة فريضة أو فرائض أو قلع منكر أو منكرات ، ولم يكن محذور أهمّ - كهتك حيثية العلم والعلماء وتضعيف عقائد الضعفاء - وجب على الكفاية ، إلاّ أن لا يمكن ذلك إلاّ لبعض معيّن لخصوصيات فيه ، فتعيّن عليه .

(مسألة 13) : لا يجوز لطلاّب العلوم الدينية الدخول في المؤسّسات التي أسّسها الدولة باسم المؤسسة الدينية ، كالمدارس القديمة التي قبضتها الدولة وأجرى على طلاّبها من الأوقاف ، ولا يجوز أخذ راتبها ؛ سواء كان من الصندوق المشترك ، أو من موقوفة نفس المدرسة ، أو غيرهما ؛ لمفسدة عظيمة يُخشى منها على الإسلام .

(مسألة 14) : لا يجوز للعلماء وأئمّة الجماعات تصدّي مدرسة من المدارس الدينية من قبل الدولة ؛ سواء اُجري عليهم وعلى طلاّبها من الصندوق المشترك ، أو من موقوفات نفس المدرسة ، أو غيرهما ؛ لمفسدة عظيمة على الحوزات الدينية والعلمية في الآجل القريب .

ص: 503

(مسألة 15) : لا يجوز لطلاّب العلوم الدينية الدخول في المدارس الدينية ، التي تصدّاها بعض المتلبّسين بلباس العلم والدين من قبل الدولة الجائرة ، أو بإشارة من الحكومة - سواء كان المنهج من الحكومة ، أو من المتصدّي وكان دينياً - لمفسدة عظيمة على الإسلام والحوزات الدينية في الآجل ، والعياذ باللّه .

(مسألة 16) : لو قامت قرائن على أنّ مؤسّسة دينية ، كان تأسيسها أو إجراء مؤونتها من قبل الدولة الجائرة ولو بوسائط ، لا يجوز للعالم تصدّيها ولا لطلاّب العلوم الدخول فيها ، ولا أخذ راتبها ، بل لو احتمل احتمالاً معتدّاً به لزم التحرّز عنها ؛ لأنّ المحتَمل ممّا يهتمّ به شرعاً ، فيجب الاحتياط في مثله .

(مسألة 17) : المتصدّي لمثل تلك المؤسّسات والداخل فيها محكوم بعدم العدالة ، لا يجوز للمسلمين ترتيب آثار العدالة عليه من الاقتداء في الجماعة وإشهاد الطلاق وغيرهما ممّا يعتبر فيه العدالة .

(مسألة 18) : لا يجوز لهم أخذ سهم الإمام علیه السلام وسهم السادة ، ولا يجوز للمسلمين إعطاؤهم من السهمين ما داموا في تلك المؤسّسات ولم ينتهوا ويتوبوا عنه .

(مسألة 19) : الأعذار التي تشبّث بها بعض المنتسبين بالعلم والدين للتصدّي ، لا تُسمع منهم ولو كانت وجيهة عند الأنظار السطحية الغافلة .

(مسألة 20) : لا يشترط في الآمر والناهي العدالة أو كونه آتياً بما أمر به وتاركاً لما نهى عنه ، ولو كان تاركاً لواجب وجب عليه الأمر به مع اجتماع الشرائط ، كما يجب أن يعمل به ، ولو كان فاعلاً لحرام يجب عليه النهي عن ارتكابه ، كما يحرم عليه ارتكابه .

ص: 504

(مسألة 21) : لا يجب الأمر والنهي على الصغير ولو كان مراهقاً مميّزاً ، ولا يجب نهي غير المكلّف كالصغير والمجنون ولا أمره . نعم ، لو كان المنكر ممّا لا يرضى المولى بوجوده مطلقاً ، يجب على المكلّف منع غير المكلّف عن إيجاده .

(مسألة 22) : لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً فيه - شرعاً أو عقلاً - لا يجب بل لا يجوز الإنكار .

(مسألة 23) : لو احتمل كون المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً في ذلك ، لا يجب الإنكار ، بل يشكل ، فمع احتمال كون المفطر في شهر رمضان مسافراً - مثلاً - لا يجب النهي ، بل يشكل ، نعم لو كان فعله جهراً موجباً لهتك أحكام الإسلام أو لجرأة الناس على ارتكاب المحرّمات ، يجب نهيه لذلك .

(مسألة 24) : لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معتقداً جواز ذلك وكان مخطئاً فيه ، فإن كان لشبهة موضوعية - كزعم كون الصوم مضرّاً به ، أو أنّ الحرام علاجه المنحصر - لا يجب رفع جهله ولا إنكاره . وإن كان لجهل في الحكم ، فإن كان مجتهداً أو مقلّداً لمن يرى ذلك ، فلا يجب رفع جهله وبيان الحكم له ، وإن كان جاهلاً بالحكم الذي كان وظيفته العمل به ، يجب رفع جهله وبيان حكم الواقعة ، ويجب الإنكار عليه .

القول : في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فإنّ لهما مراتب لا يجوز التعدّي عن مرتبة إلى الاُخرى مع حصول المطلوب من المرتبة الدانية ، بل مع احتماله .

ص: 505

المرتبة الاُولى : أن يعمل عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر ، وأ نّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر ، وله درجات : كغمض العين ، والعبوس والانقباض في الوجه ، وكالإعراض بوجهه أو بدنه ، وهجره وترك مراودته ونحو ذلك .

(مسألة 1) : يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة مع احتمال التأثير ورفع المنكر بها . وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والأيسر فالأيسر ، سيّما إذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله ، فلا يجوز التعدّي عن المقدار اللازم ، فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب ، لا يجوز التعدّي إلى مرتبة فوقه .

(مسألة 2) : لو كان الإعراض والهجر - مثلاً - موجباً لتخفيف المنكر - لا قلعه - ولم يحتمل تأثير أمره ونهيه لساناً في قلعه ، ولم يمكنه الإنكار بغير ذلك ، وجب .

(مسألة 3) : لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - عن الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير - ولو في تخفيف ظلمهم - يجب عليهم ذلك ، ولو فرض العكس - بأن كانت مراودتهم ومعاشرتهم موجبة له - لا بدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ ، ومع عدم محذور آخر - حتّى احتمال كون عشرتهم موجباً لشوكتهم وتقويتهم ، وتجرّيهم على هتك الحرمات ، أو احتمال هتك مقام العلم والروحانية ، وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام - وجبت لذلك المقصود .

(مسألة 4) : لو كانت عشرة علماء الدين ورؤساء المذهب خاليةً عن

ص: 506

مصلحة راجحة لازمة المراعاة ، لا تجوز لهم ، سيّما إذا كانت موجبة لاتّهامهم وانتسابهم إلى الرضا بما فعلوا .

(مسألة 5) : لو كان في ردّ هدايا الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير في تخفيف ظلمهم أو تخفيف تجرّيهم على مبتدعاتهم ، وجب الردّ ، ولا يجوز القبول ، ولو كان بالعكس لا بدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ كما تقدّم .

(مسألة 6) : لو كان في قبول هداياهم تقوية شوكتهم وتجرّيهم على ظلمهم أو مبتدعاتهم يحرم القبول ، ومع احتمالها فالأحوط عدم القبول ، ولو كان الأمر بالعكس تجب ملاحظة الجهات وتقديم الأهمّ .

(مسألة 7) : يحرم الرضا بفعل المنكر وترك المعروف ، بل لا يبعد وجوب كراهتهما قلباً ، وهي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

(مسألة 8) : لا يشترط حرمة الرضا ووجوب الكراهة بشرط ، بل يحرم ذلك وتجب ذاك مطلقاً .

المرتبة الثانية : الأمر والنهي لساناً .

(مسألة 1) : لو علم أنّ المقصود لا يحصل بالمرتبة الاُولى ، يجب الانتقال إلى الثانية مع احتمال التأثير .

(مسألة 2) : لو احتمل حصول المطلوب بالوعظ والإرشاد والقول الليّن يجب ذلك ، ولا يجوز التعدّي عنه .

(مسألة 3) : لو علم عدم تأثير ما ذكر انتقل إلى التحكّم بالأمر والنهي ،

ص: 507

ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير ، ولا يجوز التعدّي ، سيّما إذا كان المورد ممّا يهتك الفاعل بقوله .

(مسألة 4) : لو توقّف رفع المنكر وإقامة المعروف على غلظة القول ، والتشديد في الأمر والتهديد والوعيد على المخالفة ، تجوز ، بل تجب مع التحرّز عن الكذب .

(مسألة 5) : لا يجوز إشفاع الإنكار بما يحرم وينكر كالسبّ والكذب والإهانة . نعم ، لو كان المنكر ممّا يهتمّ به الشارع ولا يرضى بحصوله مطلقاً - كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة - جاز ، بل وجب المنع والدفع ولو مع استلزامه ما ذكر لو توقّف المنع عليه .

(مسألة 6) : لو كان بعض مراتب القول أقلّ إيذاء وإهانة من بعض ما ذكر في المرتبة الاُولى ، يجب الاقتصار عليه ، ويكون مقدّماً على ذلك ، فلو فرض أنّ الوعظ والإرشاد بقول ليّن ووجه منبسط مؤثّر أو محتمل التأثير ، وكان أقلّ إيذاء من الهجر والإعراض ونحوهما ، لا يجوز التعدّي منه إليهما ، والأشخاص - آمراً ومأموراً - مختلفون جدّاً ، فربّ شخصٍ يكون إعراضه وهجره أثقل وأشدّ إيذاءً وإهانة من قوله وأمره ونهيه ، فلا بدّ للآمر والناهي ملاحظة المراتب والأشخاص ، والعمل على الأيسر ثمّ الأيسر .

(مسألة 7) : لو فرض تساوي بعض ما في المرتبة الاُولى مع بعض ما في المرتبة الثانية ، لم يكن ترتيب بينهما ، بل يتخيّر بينهما ، فلو فرض أنّ الإعراض مساوٍ للأمر في الإيذاء ، وعلم أو احتمل تأثير كلّ منهما ، يتخيّر بينهما ، ولا يجوز الانتقال إلى الأغلظ .

ص: 508

(مسألة 8) : لو احتمل التأثير وحصول المطلوب بالجمع بين بعض درجات المرتبة الاُولى أو المرتبة الثانية ، أو بالجمع بين تمام درجات الاُولى أو الثانية ممّا أمكن الجمع بينها ، أو الجمع بين المرتبتين ممّا أمكن ذلك ، وجب ذلك بما أمكن ، فلو علم عدم التأثير لبعض المراتب ، واحتمل التأثير في الجمع بين الانقباض والعبوس والهجر والإنكار لساناً ، مشفوعاً بالغلظة والتهديد ورفع الصوت والإخافة ونحو ذلك وجب الجمع .

(مسألة 9) : لو توقّف دفع منكر أو إقامة معروف على التوسّل بالظالم ليدفعه عن المعصية جاز ، بل وجب مع الأمن عن تعدّيه ممّا هو مقتضى التكليف ، ووجب على الظالم الإجابة ، بل الدفع واجب على الظالم كغيره ، ووجبت عليه مراعاة ما وجبت مراعاته على غيره من الإنكار بالأيسر ثمّ الأيسر .

(مسألة 10) : لو حصل المطلوب بالمرتبة الدانية من شخص وبالمرتبة التي فوقها من آخر ، فالظاهر وجوب ما هو تكليف كلّ منهما كفائياً ، ولا يجب الإيكال إلى من حصل المطلوب منه بالمرتبة الدانية .

(مسألة 11) : لو كان إنكار شخص مؤثّراً في تقليل المنكر وإنكار آخر مؤثّراً في دفعه ، وجب على كلّ منهما القيام بتكليفه ، لكن لو قام الثاني بتكليفه وقلع المنكر سقط عن الآخر ، بخلاف قيام الأوّل الموجب للتقليل ، فإنّه لا يسقط بفعله تكليف الثاني .

(مسألة 12) : لو علم إجمالاً بأنّ الإنكار بإحدى المرتبتين مؤثّر يجب بالمرتبة الدانية ، فلو لم يحصل بها المطلوب انتقل إلى العالية .

ص: 509

المرتبة الثالثة : الإنكار باليد .

(مسألة 1) : لو علم أو اطمأنّ بأنّ المطلوب لا يحصل بالمرتبتين السابقتين ، وجب الانتقال إلى الثالثة ، وهي إعمال القدرة مراعياً للأيسر فالأيسر .

(مسألة 2) : إن أمكنه المنع بالحيلولة بينه وبين المنكر ، وجب الاقتصار عليها لو كان أقلّ محذوراً من غيرها .

(مسألة 3) : لو توقّفت الحيلولة على تصرّف في الفاعل أو آلة فعله - كما لو توقّفت على أخذ يده أو طرده ، أو التصرّف في كأسه الذي فيه الخمر ، أو سكّينه ونحو ذلك - جاز بل وجب .

(مسألة 4) : لو توقّف دفع المنكر على الدخول في داره أو ملكه ، والتصرّف في أمواله - كفرشه وفراشه - جاز لو كان المنكر من الاُمور المهمّة التي لا يرضى المولى بخلافه كيف ما كان ، كقتل النفس المحترمة ، وفي غير ذلك إشكال ؛ وإن لا يبعد بعض مراتبه في بعض المنكرات .

(مسألة 5) : لو انجرّت المدافعة إلى وقوع ضرر على الفاعل - ككسر كأسه أو سكّينه - بحيث كان من قبيل لازم المدافعة فلا يبعد عدم الضمان ، ولو وقع الضرر على الآمر والناهي من قِبل المرتكب كان ضامناً وعاصياً .

(مسألة 6) : لو كسر القارورة التي فيها الخمر - مثلاً - أو الصندوق الذي فيه آلات القمار ؛ ممّا لم يكن ذلك من قبيل لازم الدفع ، ضمن وفعل حراماً .

(مسألة 7) : لو تعدّى عن المقدار اللازم في دفع المنكر ، وانجرّ إلى ضرر على فاعل المنكر ضمن ، وكان التعدّي حراماً .

ص: 510

(مسألة 8) : لو توقّفت الحيلولة على حبسه في محلّ أو منعه عن الخروج من منزله جاز ، بل وجب مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل ، ولا يجوز إيذاؤه والضيق عليه في المعيشة .

(مسألة 9) : لو لم يحصل المطلوب إلاّ بنحو من الضيق والتحريج عليه ، فالظاهر جوازه بل وجوبه مراعياً للأيسر فالأيسر .

(مسألة 10) : لو لم يحصل المطلوب إلاّ بالضرب والإيلام ، فالظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل ، وينبغي الاستئذان من الفقيه الجامع للشرائط ، بل ينبغي ذلك في الحبس والتحريج ونحوهما .

(مسألة 11) : لو كان الإنكار موجباً للجرّ إلى الجرح أو القتل ، فلا يجوز إلاّ بإذن الإمام علیه السلام على الأقوى ، وقام في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط .

(مسألة 12) : لو كان المنكر ممّا لا يرضى المولى بوجوده مطلقاً - كقتل النفس المحترمة - جاز بل وجب الدفع ولو انجرّ إلى جرح الفاعل أو قتله ، فيجب الدفاع عن النفس المحترمة بجرح الفاعل أو قتله لو لم يمكن بغير ذلك ؛ من غير احتياج إلى إذن الإمام علیه السلام أو الفقيه مع حصول الشرائط ، فلو هجم شخص على آخر ليقتله وجب دفعه ولو بقتله مع الأمن من الفساد ، وليس على القاتل حينئذٍ شيء .

(مسألة 13) : لا يجوز التعدّي إلى القتل مع إمكان الدفع بالجرح ، ولا بدّ من مراعاة الأيسر فالأيسر في الجرح ، فلو تعدّى ضمن ، كما أ نّه لو وقع عليه من فاعل المنكر جرحٌ ضمن ، أو قتلٌ يقتصّ منه .

ص: 511

(مسألة 14) : ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق ، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب ، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصّة ، وعلى الاُمّة عامّة ، وأن يجرّد قصده للّه تعالى ولمرضاته ، ويخلّص عمله ذلك عن شوائب أهوية نفسانية وإظهار العلوّ ، وأن لا يرى نفسه منزّهة ، ولا لها علوّاً أو رفعة على المرتكب ، فربما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانية مرضيّة للّه تعالى أحبّه تعالى لها وإن أبغض عمله ، وربما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه .

(مسألة 15) : من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثيراً وأوقعها في النفوس سيّما إذا كان الآمر أو الناهي من علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - هو الصادر عمّن يكون لابساً رداء المعروف واجبه ومندوبه ، ومتجنّباً عن المنكر بل المكروه ، وأن يتخلّق بأخلاق الأنبياء والروحانيّين ، ويتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنيا ؛ حتّى يكون بفعله وزيّه وأخلاقه آمراً وناهياً ، ويقتدي به الناس ، وإن كان - والعياذ باللّه تعالى - بخلاف ذلك ورأى الناس أنّ العالم المدّعي لخلافة الأنبياء وزعامة الاُمّة غير عامل بما يقول ، صار ذلك موجباً لضعف عقيدتهم وجرأتهم على المعاصي وسوء ظنّهم بالسلف الصالح ، فعلى العلماء - سيّما ورؤساء المذهب - أن يتجنّبوا مواضع التُهم ، وأعظمها التقرّب إلى سلاطين الجور والرؤساء الظلمة ، وعلى الاُمّة الإسلامية أن لو رأوا عالماً كذلك حملوا فعله على الصحّة مع الاحتمال ، وإلاّ أعرضوا عنه ورفضوه ، فإنّه غير روحاني تلبّس بزيّ الروحانيّين ، وشيطان في رداء العلماء ، نعوذ باللّه من مثله ومن شرّه على الإسلام .

ص: 512

ختام فيه مسائل :

(مسألة 1) : ليس لأحد تكفّل الاُمور السياسية - كإجراء الحدود - والقضائية والمالية - كأخذ الخراجات والماليات الشرعية - إلاّ إمام المسلمين علیه السلام ومن نصبه لذلك .

(مسألة 2) : في عصر غيبة وليّ الأمر وسلطان العصر - عجّل اللّه فرجه الشريف - يقوم نوّابه العامّة - وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء - مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام علیه السلام إلاّ البدأة بالجهاد .

(مسألة 3) : يجب كفاية على النوّاب العامّة القيام بالاُمور المتقدّمة ؛ مع بسط يدهم وعدم الخوف من حكّام الجور ، وبقدر الميسور مع الإمكان .

(مسألة 4) : يجب على الناس كفاية مساعدة الفقهاء في إجراء السياسات وغيرها ؛ من الحسبيات التي من مختصّاتهم في عصر الغيبة مع الإمكان ، ومع عدمه فبمقدار الميسور الممكن .

(مسألة 5) : لا يجوز التولّي للحدود والقضاء وغيرها من قبل الجائر ، فضلاً عن إجراء السياسات غير الشرعية ، فلو تولّى من قبله مع الاختيار فأوقع ما يوجب الضمان ضمن ، وكان فعله معصية كبيرة .

(مسألة 6) : لو أكرهه الجائر على تولّي أمر من الاُمور جاز إلاّ القتل وكان الجائر ضامناً ، وفي إلحاق الجرح بالقتل تأمّل . نعم ، يلحق به بعض المهمّات ، وقد أشرنا إليه سابقاً .

(مسألة 7) : لو تولّى الفقيه الجامع للشرائط أمراً من قبل والي الجور من

ص: 513

السياسات والقضاء ونحوها لمصلحة ، جاز بل وجب عليه إجراء الحدود الشرعية ، والقضاء على الموازين الشرعية ، وتصدّى الحسبيات ، وليس له التعدّي عن حدود اللّه تعالى .

(مسألة 8) : لو رأى الفقيه أنّ تصدّيه من قبل الجائر موجب لإجراء الحدود الشرعية والسياسات الإلهية يجب عليه التصدّي ، إلاّ أن يكون تصدّيه أعظم مفسدة .

(مسألة 9) : ليس للمتجزّي شيء من الاُمور المتقدّمة ، فحاله حال العامّي في ذلك على الأحوط . نعم ، لو فقد الفقيه والمجتهد المطلق ، لا يبعد جواز تصدّيه للقضاء إذا كان مجتهداً في بابه ، وكذا هو مقدّم على سائر العدول في تصدّي الاُمور الحسبية على الأحوط .

(مسألة 10) : لا يجوز الرجوع في الخصومات إلى حكّام الجور وقضاته ، بل يجب على المتخاصمين الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط ، ومع إمكان ذلك لو رجع إلى غيره ، كان ما أخذه بحكمه سحتاً على تفصيل فيه .

(مسألة 11) : لو دعا المدّعي خصمه للتحاكم عند الفقيه يجب عليه القبول . كما أ نّه لو رضي الخصم بالترافع عنده لا يجوز للمدّعي الرجوع إلى غيره .

(مسألة 12) : لو رفع المدّعي إلى الحاكم الشرعي فطلب الحاكم المدّعى عليه ، يجب عليه الحضور ، ولا يجوز التخلّف .

(مسألة 13) : يجب كفاية على الحكّام الشرعية قبول الترافع ، ومع الانحصار يتعيّن عليه .

ص: 514

فصل : في الدفاع

اشارة

وهو على قسمين : أحدهما : الدفاع عن بيضة الإسلام وحوزته . ثانيهما : عن نفسه ونحوها .

القول : في القسم الأوّل

(مسألة 1) : لو غشي بلادَ المسلمين أو ثغورها عدوٌّ يُخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم ، يجب عليهم الدفاع عنها بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس .

(مسألة 2) : لا يشترط ذلك بحضور الإمام علیه السلام وإذنه ، ولا إذن نائبه الخاصّ أو العامّ ، فيجب الدفاع على كلّ مكلّف بأيّة وسيلة بلا قيد وشرط .

(مسألة 3) : لو خيف على زيادة الاستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك وأخذ بلادهم أو أسرهم ، وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة .

(مسألة 4) : لو خيف على حوزة الإسلام من الاستيلاء السياسي والاقتصادي ، المنجرّ إلى أسرهم السياسي والاقتصادي ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم ، يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات المنفية ، كترك شراء أمتعتهم ، وترك استعمالها ، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقاً .

(مسألة 5) : لو كان في المراودات التجارية وغيرها مخافة على حوزة الإسلام وبلاد المسلمين من استيلاء الأجانب عليها سياسياً أو غيرها - الموجب لاستعمارهم أو استعمار بلادهم ولو معنوياً - يجب على كافّة المسلمين التجنّب عنها ، وتحرم تلك المراودات .

ص: 515

(مسألة 6) : لو كانت الروابط السياسية بين الدول الإسلامية والأجانب ، موجبةً لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم ، أو موجبة لأسرهم السياسي ، يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات ، وبطلت عقودها ، ويجب على المسلمين إرشادهم وإلزامهم بتركها ولو بالمقاومات المنفية .

(مسألة 7) : لو خيف على إحدى الدول الإسلامية من هجمة الأجانب ، يجب على جميع الدول الإسلامية الدفاع عنها بأيّ وسيلة ممكنة ، كما يجب على سائر المسلمين .

(مسألة 8) : لو أوقع إحدى الدول الإسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين ، يجب على سائر الدول الجدّ على حلّ عقدها بوسائل سياسية أو اقتصادية ، كقطع الروابط السياسية والتجارية معها ، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات المنفية . وأمثال تلك العقود محرّمة باطلة في شرع الإسلام .

(مسألة 9) : لو صار بعض رؤساء الدول الإسلامية أو وكلاء المجلسين موجباً لنفوذ الأجانب سياسياً أو اقتصادياً على المملكة الإسلامية ؛ بحيث يخاف منه على بيضة الإسلام أو على استقلال المملكة ولو في الاستقبال ، كان خائناً ومنعزلاً عن مقامه أيّ مقام كان لو فرض أن تصدّيه حقّ ، وعلى الاُمّة الإسلامية مجازاته ولو بالمقاومات المنفية كترك عشرته وترك معاملته والإعراض عنه بأيّ وجه ممكن ، والاهتمام بإخراجه عن جميع الشؤون السياسية وحرمانه عن الحقوق الاجتماعية .

(مسألة 10) : لو كان في الروابط التجارية من الدول أو التجّار مع بعض

ص: 516

الدول الأجنبيّة أو التجّار الأجنبيّين ، مخافة على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصادية ، وجب تركها وحرمت التجارة المزبورة ، وعلى رؤساء المذهب مع خوف ذلك أن يحرّموا متاعهم وتجارتهم حسب اقتضاء الظروف ، وعلى الاُمّة الإسلامية متابعتهم ، كما يجب على كافّتهم الجدّ في قطعها .

القول : في القسم الثاني

(مسألة 1) : لا إشكال في أنّ للإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع .

(مسألة 2) : لو هجم عليه لصّ أو غيره في داره أو غيرها ليقتله ظلماً ، يجب عليه الدفاع بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم ، ولا يجوز له الاستسلام والانظلام .

(مسألة 3) : لو هجم على من يتعلّق به من ابن أو بنت أو أب أو أخ أو سائر من يتعلّق به حتّى خادمه وخادمته ليقتله ظلماً ، جاز بل وجب الدفاع عنه ولو انجرّ إلى قتل المهاجم .

(مسألة 4) : لو هجم على حريمه - زوجة كانت أو غيرها - بالتجاوز عليها وجب دفعه بأيّ نحو ممكن ولو انجرّ إلى قتل المهاجم ، بل الظاهر كذلك لو كان الهجمة على عرض الحريم بما دون التجاوز .

(مسألة 5) : لو هجم على ماله أو مال عياله ، جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم .

(مسألة 6) : يجب على الأحوط في جميع ما ذكر أن يتصدّى للدفاع من

ص: 517

الأسهل فالأسهل ، فلو اندفع بالتنبيه والإخطار بوجه كالتنحنح - مثلاً - فعل ، فلو لم يندفع إلاّ بالصياح والتهديد المدهش فعل واقتصر عليه ، وإن لم يندفع إلاّ باليد اقتصر عليها ، أو بالعصا اقتصر عليها ، أو بالسيف اقتصر عليه جرحاً إن أمكن به الدفع ، وإن لم يمكن إلاّ بالقتل جاز بكلّ آلة قتّالة . وإنّما يجب مراعاة الترتيب مع الإمكان والفرصة وعدم الخوف من غلبته ، بل لو خاف فوت الوقت وغلبة اللصّ مع مراعاة الترتيب لا يجب ، ويجوز التوسّل بما يدفعه قطعاً .

(مسألة 7) : لو لم يتعدّ عن الحدّ اللازم ، ووقع على المهاجم نقص مالي أو بدني أو قتل ، يكون هدراً ، ولا ضمان على الفاعل .

(مسألة 8) : لو تعدّى عمّا هو الكافي في الدفع بنظره وواقعاً ، فهو ضامن على الأحوط .

(مسألة 9) : لو وقع نقص على المدافع من قبل المهاجم - مباشرة أو تسبيباً - يكون ضامناً ؛ جرحاً أو قتلاً أو مالاً ونحوها .

(مسألة 10) : لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه وجب الدفاع ولو علم أ نّه يصير مقتولاً ، فضلاً عمّا دونه ، وفضلاً عمّا لو ظنّ أو احتمل ، وأمّا المال فلا يجب ، بل الأحوط الاستسلام مع احتمال القتل ، فضلاً عن العلم به .

(مسألة 11) : لو أمكن التخلّص عن القتال بالهرب ونحوه فالأحوط التخلّص به ، فلو هجم على حريمه وأمكن التخلّص بوجه غير القتال فالأحوط ذلك .

(مسألة 12) : لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه ، وجبت المقاتلة ولو علم أنّ قتاله لا يفيد في الدفع ، ولا يجوز له الاستسلام ، فضلاً عمّا لو ظنّ أو احتمل ذلك . وأمّا المال فلا يجب ، بل الأحوط الترك .

ص: 518

(مسألة 13) : بعد تحقّق قصد المهاجم إليه ولو بالقرائن الموجبة للوثوق ، يجوز له الدفع بلا إشكال . فهل يجوز مع الظنّ أو الاحتمال الموجب للخوف ؟ الظاهر عدم الجواز مع الأمن من ضرره لو كان قاصداً لشدّة بطشه وقدرته ، أو إمكان الدفاع بوجه لو كان قاصداً له ، ومع عدمه ففيه إشكال .

(مسألة 14) : لو أحرز قصده إلى نفسه أو عرضه أو ماله ، فدفعه فأضرّ به أو جنى عليه ، فتبيّن خطؤه كان ضامناً وإن لم يكن آثماً .

(مسألة 15) : لو قصده لُصّ أو محارب فاعتقد خلافه ، فحمل عليه لا للدفع ، بل لغرض آخر ، فالظاهر عدم الضمان ولو قتله وإن كان متجرّياً .

(مسألة 16) : لو هجم لصّان أو نحوهما كلّ على الآخر ، فإن كان أحدهما بادئاً والآخر مدافعاً ضمن البادئ ، ولا يضمن المدافع وإن كان لو لم يبتدئه ابتدأه ، وإن هجما فالظاهر ضمان كلّ منهما لو جنى على صاحبه ، ولو كفّ أحدهما فصال الآخر وجنى عليه ضمن .

(مسألة 17) : لو هجم عليه لصّ ونحوه ، لكن علم أ نّه لا يمكنه إجراء ما قصده لمانع - كنهر أو جدار - كفّ عنه ، ولا يجوز الإضرار به جرحاً أو نفساً أو غيرهما ، ولو أضرّ به ضمن . وكذا لو كان عدم المكنة لضعفه .

(مسألة 18) : لو هجم عليه وقبل الوصول إليه ندم وأظهر الندامة ، لا يجوز الإضرار به بشيء ، ولو فعل ضمن . نعم ، لو خاف أن يكون ذلك خدعة منه ، وخاف ذهاب الفرصة لو أمهله ، فلا يبعد الجواز ، لكن ضمن لو كان صادقاً .

(مسألة 19) : يجوز الدفاع لو كان المحارب ونحوه مقبلاً مع مراعاة الترتيب

ص: 519

- كما تقدّم - مع الإمكان ، وأمّا لو كان مدبراً معرضاً فلا يجوز الإضرار به ، ويجب الكفّ عنه ، فلو أضرّ به ضمن .

(مسألة 20) : لو كان إدباره لإعداد القوّة جاز دفعه لو علم أو اطمأنّ به ، ولو بان الخطأ ضمن ما أضرّ به .

(مسألة 21) : لو ظنّ أو احتمل احتمالاً عقلائياً أنّ إدباره لتجهيز القوى ، وخاف لأجله على نفسه أو عرضه ، وخاف مع ذلك عن فوت الوقت لو أمهله ، وأ نّه يغلبه لو صار مجهّزاً ، فالظاهر جواز دفعه مراعياً للترتيب مع الإمكان . ولو بان الخطأ ضمن لو فعل ما يوجبه ، والأحوط في المال الترك ، سيّما في مثل الجرح والقتل .

(مسألة 22) : لو أخذ اللصّ أو المحارب وربطه ، أو ضربه وعطّله عمّا قصده ، لا يجوز الإضرار به ضرباً أو قتلاً أو جرحاً ، فلو فعل ضمن .

(مسألة 23) : لو لم يمكنه دفعه وجب - في الخوف على النفس أو العرض - التوسّل بالغير ولو كان جائراً ظالماً بل كافراً ، وجاز في المال .

(مسألة 24) : لو علم أنّ الجائر الذي يتوسّل به للدفاع عن نفسه أو عرضه يتعدّى عن المقدار اللازم في الدفاع ، جاز التوسّل به بل وجب ، ومع اجتماع الشرائط يجب عليه النهي عن تعدّيه ، فلو تعدّى كان الجائر ضامناً . نعم ، لو أمكن دفعه بغير التوسّل به لا يجوز التوسّل به .

(مسألة 25) : لو ضرب اللصّ - مثلاً - مقبلاً ، فقطع عضواً منه - مع توقّف الدفع عليه - فلا ضمان فيه ، ولا في السراية ولو تنتهي إلى الموت ، ولو ولّى بعد

ص: 520

الضرب مُدبراً للتخلّص والفرار يجب الكفّ عنه ، فلو ضربه فجرحه أو قطع منه عضواً أو قتله ضمن .

(مسألة 26) : لو قطع يده حال الإقبال دفاعاً ، ويده الاُخرى حال الإدبار فراراً ، فاندملت اليدان ثبت القصاص في الثانية ، ولو اندملت الثانية وسرت الاُولى فلا شيء عليه في السراية ، ولو اندملت الاُولى وسرت الثانية فمات ثبت القصاص في النفس .

(مسألة 27) : لو وجد مع زوجته أو أحد قرابته من ولده أو بنته أو غيرهما من أرحامه من ينال منه من الفاحشة ولو دون الجماع ، فله دفعه مراعياً للأيسر فالأيسر مع الإمكان ولو أدّى إلى القتل ، ويكون هدراً ، بل له الدفع عن الأجنبيّ كالدفع عن نفسه ، وما وقع على المدفوع هدر .

(مسألة 28) : لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها وعلم بمطاوعتها له فله قتلهما ، ولا إثم عليه ولا قود ؛ من غير فرق بين كونهما محصنين أو لا ، وكون الزوجة دائمة أو منقطعة ، ولا بين كونها مدخولاً بها أو لا .

(مسألة 29) : في الموارد التي جاز الضرب والجرح والقتل إنّما يجوز بينه وبين اللّه ، وليس عليه شيء واقعاً ، لكن في الظاهر يحكم القاضي على ميزان القضاء ، فلو قتل رجلاً ، وادّعى أ نّه رآه مع امرأته ، ولم يكن له شهود على طبق ما قرّره الشارع ، يحكم عليه بالقصاص ، وكذا في الأشباه والنظائر .

(مسألة 30) : من اطّلع على عورات قوم بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم ، فلهم زجره ومنعه ، بل وجب ذلك ، ولو لم ينزجر جاز دفعه بالضرب ونحوه ، فلو لم ينزجر فرموه بحصاة أو غيرها حتّى الآلات القتّالة فاتّفق الجناية عليه

ص: 521

كانت هدراً ؛ ولو انجرّ إلى القتل ولو بادروا بالرمي قبل الزجر والتنبيه ضمنوا على الأحوط .

(مسألة 31) : لو زجره فلم ينزجر جاز رميه بقصد جرحه لو توقّف الدفع عليه ، وكذا بقصد قتله لو توقّف عليه .

(مسألة 32) : لو كان المطّلع رحماً لنساء صاحب البيت ، فإن نظر إلى ما جاز نظره إليه من غير شهوة وريبة لم يجز رميه ، فلو رماه وجنى عليه ضمن .

(مسألة 33) : لو كان الرحم ناظراً إلى ما لا يجوز له النظر إليه - كالعورة - أو كان نظره بشهوة ، كان كالأجنبيّ ، فجاز رميه بعد زجره والتنبيه ، ولو جنى عليه كان هدراً .

(مسألة 34) : لو كان المشرف على العورات أعمى لا يجوز أن يناله بشيء ، فلو نال وجنى عليه ضمن . وكذا لو كان ممّن لا يرى البعيد ، وكان بينه وبينهنّ بمقدار لا يراهنّ أو لا يميّزهنّ .

(مسألة 35) : لو اطّلع للنظر إلى ابن صاحب البيت بشهوة فله دفعه وزجره ، ومع عدم الانزجار فله رميه ، وكان الجناية هدراً .

(مسألة 36) : لو اطّلع على بيت لم يكن فيه من يحرم النظر إليه لم يجز رميه ، فلو رمى وجنى عليه ضمن .

(مسألة 37) : لو اطّلع على العورة فزجره ولم ينزجر ، فرماه فجنى عليه ، وادّعى عدم قصد النظر أو عدم رؤيتها لم يسمع دعواه ، ولا شيء على الرامي في الظاهر .

ص: 522

(مسألة 38) : لو كان بعيداً جدّاً بحيث لم يمكنه رؤية العورات ، ولكن رآهنّ بالآلات الحديثة ، كان الحكم كالمطّلع من قريب ، فيجوز دفعه بما تقدّم ، والجناية عليه هدر .

(مسألة 39) : لو وضع مرآة واطّلع على العورات بوسيلتها ، فالظاهر جريان حكم المطّلع بلا وسيلة ، لكن الأحوط عدمُ رميه والتخلّصُ بوجه آخر ، بل لا يترك الاحتياط .

(مسألة 40) : الظاهر جواز الدفع بما تقدّم ولو أمكن للنساء الستر أو الدخول في محلّ لا يراهنّ الرائي .

(مسألة 41) : للإنسان دفع الدابّة الصائلة عن نفسه وعن غيره وعن ماله ، فلو تعيّبت أو تلفت مع توقّف الدفع عليه فلا ضمان ، ولو تمكّن من الهرب فالظاهر عدم جواز الإضرار بها ، فلو أضرّ ضمن .

ص: 523

كتاب المكاسب والمتاجر

اشارة

وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة به في طيّ كتب .

مقدّمة تشتمل على مسائل :

(مسألة 1) : لا يجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها - على إشكال في العموم ، لكن لا يترك الاحتياط فيها - بالبيع والشراء وجعلها ثمناً في البيع ، واُجرة في الإجارة ، وعوضاً للعمل في الجعالة ، بل مطلق المعاوضة عليها ؛ ولو بجعلها مهراً ، أو عوضاً في الخلع ونحو ذلك ، بل لا يجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض . بل لا يجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة ، كالتسميد في العذرة . ويستثنى من ذلك ، العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته ، والكافر بجميع أقسامه ، حتّى المرتدّ عن فطرة على الأقوى ، وكلب الصيد بل والماشية والزرع والبستان والدور .

(مسألة 2) : الأعيان النجسة - عدا ما استثني - وإن لم يعامل معها شرعاً معاملة الأموال ، لكن لمن كانت هي في يده وتحت استيلائه حقّ اختصاص

ص: 524

متعلّق بها ناشئ : إمّا من حيازتها ، أو من كون أصلها مالاً له ، ونحو ذلك ، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة ، أو صار عنبه خمراً . وهذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث وغيره ، ولا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ ، فيصحّ أن يصالح عليه بلا عوض ، لكن جعله عوضاً لا يخلو من إشكال ، بل لا يبعد دخوله في الاكتساب المحظور . نعم ، لو بذل له مالاً ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها الباذل ، سلم من الإشكال ، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة - كالمسجد والمدرسة - ليرفع يده عنه ، فيسكن الباذل .

(مسألة 3) : لا إشكال في جواز بيع ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ؛ ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة ، كشعرها وصوفها ، بل ولبنها إن قلنا بطهارته ، وفي جواز بيع الميتة الطاهرة - كالسمك ونحوه - إذا كانت له منفعة ولو من دهنه ، إشكال لا يترك الاحتياط .

(مسألة 4) : لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة . وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل ، وأمّا غيره ففيه إشكال ، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة .

(مسألة 5) : لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير ، وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار ، كالدهن المتنجّس الذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن ، والصبغ والطين المتنجّسين ، والصابون ونحو ذلك . وأمّا ما لا يقبل التطهير ، وكان جواز الانتفاع به متوقّفاً على طهارته - كالسكنجبين النجس ونحوه - فلا يجوز بيعه والمعاوضة عليه .

ص: 525

(مسألة 6) : لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أ نّها من ذوات الأنفس السائلات ومع استهلاكها فيه - كما هو الغالب بل المتعارف - جاز استعماله وينتفع به . وأمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه ؛ لعدم قابليته للتطهير ، وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار الذي هو المدار لا الجواز عند الاضطرار .

(مسألة 7) : يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال ، وأمّا غيرها من أنواع السباع ، فالظاهر جوازه إذا كان ذا منفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء . وكذا الحشرات ، بل المسوخ أيضاً إذا كانت كذلك . فهذا هو المدار في جميع الأنواع ، فلا إشكال في بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد ، ودود القزّ ، ونحل العسل وإن كانت من الحشرات ، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ .

(مسألة 8) : يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام ؛ بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرة فيه ، مثل آلات اللهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها ، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما ، وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها والاُجرة عليها ، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها . نعم ، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر - مثلاً - بعد الكسر ، بل قبله أيضاً إذا اشترط على المشتري كسرها ، أو بيع المادّة ممّن يثق به أ نّه يكسرها . ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال . ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء .

(مسألة 9) : الدراهم الخارجة عن الاعتبار ، أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس ، تحرم المعاملة بها وجعلها عوضاً أو معوّضاً في المعاملات مع جهل

ص: 526

من تدفع إليه ، بل مع علمه واطّلاعه أيضاً على الأحوط لو لم يكن الأقوى إلاّ إذا وقعت المعاملة على مادّتها ، واشترط على المتعامل كسرها ، أو كان موثوقاً به في الكسر ؛ إذ لا يبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها ؛ دفعاً لمادّة الفساد .

(مسألة 10) : يحرم بيع العنب والتمر ليعمل خمراً ، والخشب - مثلاً - ليعمل صنماً أو آلة للّهو أو القمار ونحو ذلك ؛ وذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم والالتزام به في العقد ، أو تواطُئِهما على ذلك ؛ ولو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلاً : بعني منّاً من العنب لأعمله خمراً ، فباعه . وكذا تحرم إجارة المساكن ليُباع ويُحرز فيها الخمر ، أو ليُعمل فيها بعض المحرّمات ، وإجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر وشبهها بأحد الوجهين المتقدّمين . وكما يحرم البيع والإجارة فيما ذكر يفسدان أيضاً ، فلا يحلّ له الثمن والاُجرة ، وكذا بيع الخشب لمن يعلم أ نّه يجعله صليباً أو صنماً ، بل وكذا بيع العنب والتمر والخشب ممّن يعلم أ نّه يجعلها خمراً وآلة للقمار والبرابط ، وإجارة المساكن لمن يعلم أ نّه يعمل فيها ما ذكر أو يبيعها وأمثال ذلك ؛ في وجه قويّ . والمسألة من جهة النصوص مُشكلة جدّاً ، والظاهر أ نّها معلّلة .

(مسألة 11) : يحرم بيع السلاح من أعداء الدين حال مقاتلتهم مع المسلمين ، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم . وأمّا في حال الهدنة معهم ، أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض ؛ فلا بدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم ، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين ، وليس لغيره الاستبداد بذلك . ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة ، ولا يبعد التعدّي إلى قُطّاع الطريق وأشباههم ، بل

ص: 527

لا يبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ؛ ممّا يكون سبباً لتقويتهم على أهل الحقّ ، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها .

(مسألة 12) : يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمة ، كالمعمولة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها . والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه . ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح ، كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم ، ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك . ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة ، بل الظاهر أ نّه ليس من التصوير . وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمة ، يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه . هذا كلّه في عمل الصور . وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها ، فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات . نعم ، يُكره اقتناؤها وإمساكها في البيت .

(مسألة 13) : الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به ، وليس هو مجرّد تحسين الصوت ، بل هو مدّه وترجيعه بكيفية خاصّة مطربة ، تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي ، ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ ؛ من قراءة القرآن والدعاء والمرثية ، وغيره من شعر أو نثر ، بل يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يطاع به اللّه تعالى . نعم ، قد يستثنى غناء المغنّيات في الأعراس ، وهو غير بعيد . ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّماً ومؤخّراً ، لا مطلق المجالس ، بل الأحوط الاجتناب مطلقاً .

ص: 528

(مسألة 14) : معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلّ محرّم حرام بلا إشكال ، بل ورد عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أ نّه ظالم ، فقد خرج من الإسلام» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ : أين الظلمة وأعوان الظلمة ؛ حتّى من برى لهم قلماً ، ولاق لهم دواة ؟» قال : «فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يُرمى بهم في جهنّم» . وأمّا معونتهم في غير المحرّمات ، فالظاهر جوازها ما لم يُعدّ من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم ، ولم يكن اسمه مقيّداً في دفترهم وديوانهم ، ولم يكن ذلك موجباً لازدياد شوكتهم وقوّتهم .

(مسألة 15) : يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها ؛ إن لم يكن غرض صحيح في ذلك ، كأن يكون قاصداً لنقضها وإبطالها ، وكان أهلاً لذلك ومأموناً من الضلال . وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها ، فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس ؛ من العوام الذين يخشى عليهم الضلال والزلل ، فاللازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين ، خصوصاً ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها ، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها ، بل يجب عليهم إتلافها .

(مسألة 16) : عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام . والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله ، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك .

ويلحق بذلك استخدام الملائكة ، وإحضار الجنّ وتسخيرهم ، وإحضار

ص: 529

الأرواح وتسخيرها ، وأمثال ذلك . بل يلحق به - أو يكون منه - الشعبذة : وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة .

وكذلك الكهانة : وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان ؛ بزعم أ نّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ ، أو بزعم أ نّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها .

والقِيافة : وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض ، وسلب بعض عن بعض ؛ على خلاف ما جعله الشارع ميزاناً للإلحاق وعدمه ؛ من الفراش وعدمه .

والتنجيم : وهو الإخبار على البتّ والجزم عن حوادث الكون ؛ من الرخص والغلاء والجدب والخصب وكثرة الأمطار وقلّتها ، وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر ؛ مستنداً إلى الحركات الفلكية والنظرات والاتّصالات الكوكبية ؛ معتقداً تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه - تعالى عمّا يقول الظالمون - دون مطلق التأثير ؛ ولو بإعطاء اللّه تعالى إيّاها إذا كان عن دليل قطعي . وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهِلّة واقتران الكواكب وانفصالها ، بعد كونه ناشئاً عن اُصول وقواعد سديدة ، والخطأ الواقع منهم أحياناً ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد ، كسائر العلوم .

(مسألة 17) : يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء ، كشوب اللبن بالماء ، وخلط الطعام الجيّد بالرديء ، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتي ، ونحو ذلك ؛ من دون إعلام . ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله ، وأوجب الخيارَ للطرف بعد الاطّلاع . نعم ، لو كان الغشّ بإظهار الشيء على خلاف جنسه - كبيع المموّه على أ نّه ذهب أو فضّة ونحو ذلك - فسد أصل المعاملة .

ص: 530

(مسألة 18) : يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عيناً ، بل ولو كفائياً على الأحوط فيه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم . نعم ، لو كان الواجب توصّلياً - كالدفن - ولم يبذل المال لأجل أصل العمل ، بل لاختيار عمل خاصّ ، لا بأس به ، فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن . وأمّا لو اختار الوليّ مكاناً خاصّاً وقبراً مخصوصاً ، وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ ، فالظاهر أ نّه لا بأس به . كما لا بأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض ؛ وإن أشكل أخذها لأصل المعالجة ؛ وإن كان الأقوى جوازه . ولو كان العمل تعبّدياً يشترط فيه التقرّب - كالتغسيل - فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال . نعم ، لا بأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة كما تقدّم في غسل الميّت . وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام ، فلا يجوز أخذها عليه ، وأمّا تعليم القرآن ، فضلاً عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك ، فلا بأس بأخذها عليه . والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير . وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة ، فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه ؛ حتّى في العبادات التي يشرع فيها النيابة ، فلا بأس بالاستئجار للأموات في العبادات كالحجّ والصوم والصلاة .

(مسألة 19) : يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفة ، وكذا بيع الرقيق ؛ فإنّ شرّ الناس من باع الناس ، وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعة ، وكذا صنعة الحياكة والحجامة ، وكذا التكسّب بضراب الفحل ؛ بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة أو بغير الإجارة . نعم ، لا بأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك .

(مسألة 20) : لا ريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب

ص: 531

محبوب عند اللّه تعالى ، وقد ورد عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام الحثّ والترغيب عليه مطلقاً ، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة . نعم ، ورد النهي عن إكثار الإبل .

(مسألة 21) : يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب ، تعلُّمُ أحكامها والمسائل المتعلّقة بها ؛ ليعرف صحيحها عن فاسدها ، ويسلم من الربا . والقدر اللازم أن يكون عالماً - ولو عن تقليد - بحكم التجارة والمعاملة التي يوقعها حين إيقاعها ، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط ، وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّية - لا من جهة مجرّد الصحّة والفساد - يجب الاجتناب عنها ، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربوية ؛ بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضاً ، كما هو كذلك على الأحوط .

(مسألة 22) : للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة : أمّا المستحبّة : فأهمّها : الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه ؛ بحيث لا يكون مضيّعاً ولا حريصاً .

ومنها : إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله .

ومنها : التسوية بين المتبايعين في السعر ، فلا يفرّق بين المماكس وغيره ؛ بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني . نعم ، لا بأس بالفرق بسبب الفضل والدين ونحو ذلك ظاهراً .

ومنها : أن يقبض لنفسه ناقصاً ويُعطي راجحاً .

وأمّا المكروهة : فاُمور :

منها : مدح البائع لمتاعه .

ومنها : ذمّ المشتري لما يشتريه .

ص: 532

ومنها : اليمين صادقاً على البيع والشراء .

ومنها : البيع في موضع يستتر فيه العيب .

ومنها : الربح على المؤمن إلاّ مع الضرورة ، أو كان الشراء للتجارة ، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم ، فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه .

ومنها : الربح على من وعده بالإحسان إلاّ مع الضرورة .

ومنها : السوم ما بين الطلوعين .

ومنها : الدخول في السوق أوّلاً والخروج منه آخراً .

ومنها : مبايعة الأدنين الذين لا يبالون بما قالوا وما قيل لهم .

ومنها : التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه .

ومنها : الاستحطاط من الثمن بعد العقد .

ومنها : الدخول في سوم المؤمن على الأظهر . وقيل بالحرمة . ولا يكون منه الزيادة فيما إذا كان المبيع في المزايدة .

ومنها : تلقّي الرُكبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد . وقيل : يحرم وإن صحّ البيع والشراء ، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة .

وإنّما يكره بشروط :

أحدها : كون الخروج بقصد ذلك .

ثانيها : تحقّق مسمّى الخروج من البلد .

ثالثها : أن يكون دون الأربعة فراسخ ، فلو تلقّى في الأربعة فصاعداً لم يثبت الحكم ، بل هو سفر تجارة . والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلاً بسعر البلد . وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء ، كالإجارة ونحوها ؟ وجهان .

ص: 533

(مسألة 23) : يحرم الاحتكار ، وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء ؛ مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم . نعم ، مجرّد حبس الطعام انتظاراً لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ، ليس بحرام وإن كان مكروهاً . ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة . والأقوى عدم تحقّقه إلاّ في الغلاّت الأربع والسمن والزيت . نعم ، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس ، لكن لا يثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار . ويُجبر المحتكر على البيع ، ولا يعيَّن عليه السعر على الأحوط ، بل له أن يبيع بما شاء إلاّ إذا أجحف ، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه ، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة .

(مسألة 24) : لا يجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر ؛ وإن كان أصل الشغل مشروعاً مع قطع النظر عن تولّيه من قبله ، كجباية الخراج ، وجمع الزكاة ، وتولّي المناصب الجندية والأمنية ، وحكومة البلاد ونحو ذلك ، فضلاً عمّا كان غير مشروع في نفسه ، كأخذ العشور والمكوس وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة . نعم ، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه ؛ بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به ، إلاّ في الدماء المحترمة ، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم ، كهتك أعراض طائفة من المسلمين ونهب أموالهم وسبي نسائهم وإيقاعهم في الحرج ، مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة ، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج ، بل مطلقاً في بعضها ، إشكال بل منع ، ويسوِّغ خصوص القسم الأوّل - وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه - القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدين ، بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع

ص: 534

الضرر عنهم كان راجحاً ، بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحياناً إلى حدّ الوجوب ، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينية ، أو المنع عن بعض المنكرات الشرعية مثلاً ، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلاّ لمن عصمه اللّه تعالى .

(مسألة 25) : ما يأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها - جنساً أو نقداً - وعلى النخيل والأشجار ، يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل ، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الذي هو اُجرة الأرض الخراجية ، ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّاناً وبالعوض ، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف ، بل لو لم يأخذه الحكومة وحوّل شخصاً على من عليه الخراج بمقدار ، فدفعه إلى المحتال يحلّ له ، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه ، لكن الأحوط خصوصاً في مثل هذه الأزمنة ، رجوع من ينتفع بهذه الأراضي ويتصرّف فيها في أمر خراجها وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شيء ، إلى حاكم الشرع أيضاً - والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف - وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ .

(مسألة 26) : يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجية ، ويضمنها من الحكومة بشيء ، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره ، أو يقبّلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة ؛ على كراهية في هذه الصورة ، إلاّ أن يُحدث فيها حدثاً كحفر نهر ، أو عمل فيها بما يُعين المستأجر ، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلاّ معه .

ص: 535

كتاب البيع

اشارة

(مسألة 1) : عقد البيع يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وقد يستغني بالإيجاب عن القبول ، كما إذا وكّل المشتري أو البائع صاحبه في البيع والشراء ، أو وكّلا ثالثاً ، فيقول : «بعت هذا بهذا» ، فإنّ الأقوى عدم الاحتياج حينئذٍ إلى القبول . والأقوى عدم اعتبار العربية ، بل يقع بكلّ لغة ولو مع إمكان العربي . كما أنّه لا يعتبر فيه الصراحة ، بل يقع بكلّ لفظ دالّ على المقصود عند أهل المحاورة ، ك_ «بعت» و«ملّكت» ونحوهما في الإيجاب ، و«قبلت» و«اشتريت» و«ابتعت» ونحو ذلك في القبول . والظاهر عدم اعتبار الماضوية ، فيجوز بالمضارع ، وإن كان أحوط . ولا يعتبر فيه عدم اللحن من حيث المادّة والهيئة والإعراب ؛ إذا كان دالاًّ على المقصود عند أبناء المحاورة ، وعُدّ ملحوناً منه لا كلاماً آخر ذكر في هذا المقام ، كما إذا قال : «بعت» بفتح الباء أو بكسر العين وسكون التاء ، وأولى بذلك ، اللغات المحرّفة ، كالمتداولة بين أهل السواد ومن ضاهاهم .

ص: 536

(مسألة 2) : الظاهر جواز تقديم القبول على الإيجاب إذا كان بمثل «اشتريت» و«ابتعت» ؛ إذا اُريد به إنشاء الشراء ، لا المعنى المطاوعي ، ولا يجوز بمثل «قبلت» و«رضيت» . وأمّا إذا كان بنحو الأمر والاستيجاب ، كما إذا قال من يريد الشراء : بعني الشيء الفلاني بكذا ، فقال البائع : بعتكه بكذا ، فالظاهر الصحّة وإن كان الأحوط إعادة المشتري القبول .

(مسألة 3) : يعتبر الموالاة بين الإيجاب والقبول ؛ بمعنى عدم الفصل الطويل بينهما بما يخرجهما عن عنوان العقد والمعاقدة ، ولا يضرّ القليل ؛ بحيث يصدق معه أنّ هذا قبول لذلك الإيجاب .

(مسألة 4) : يعتبر في العقد التطابق بين الإيجاب والقبول ، فلو اختلفا - بأن أوجب البائع على وجه خاصّ ؛ من حيث المشتري أو المبيع أو الثمن أو توابع العقد من الشروط ، وقبل المشتري على وجه آخر - لم ينعقد . فلو قال البائع : بعت هذا من موكّلك بكذا ، فقال الوكيل : اشتريته لنفسي ، لم ينعقد . نعم ، لو قال :

بعت هذا من موكّلك ، فقال الموكّل الحاضر غير المخاطب : قبلت ، لا يبعد الصحّة . ولو قال : بعتك هذا بكذا ، فقال : قبلت لموكّلي ، فإن كان الموجب قاصداً لوقوع البيع للمخاطب نفسه لم ينعقد ، وإن كان قاصداً له أعمّ من كونه أصيلاً أو وكيلاً صحّ . ولو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : اشتريت نصفه بألف أو بخمسمائة ، لم ينعقد ، بل لو قال : اشتريت كلّ نصف منه بخمسمائة ، لا يخلو من إشكال . نعم ، لا يبعد الصحّة لو أراد كلّ نصف مشاعاً . ولو قال لشخصين : بعتكما هذا بألف ، فقال أحدهما : اشتريت نصفه بخمسمائة ، لم ينعقد ، ولو قال كلّ منهما ذلك لا يبعد الصحّة وإن لا يخلو من إشكال . ولو قال : بعت هذا بهذا

ص: 537

على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيّام - مثلاً - فقال : اشتريتُ بلا شرط ، لم ينعقد ، ولو انعكس ؛ بأن أوجب البائع بلا شرط وقبل المشتري معه ، فلا ينعقد مشروطاً ، وهل ينعقد مطلقاً وبلا شرط ؟ فيه إشكال .

(مسألة 5) : لو تعذّر التلفّظ - لخرس ونحوه - تقوم الإشارة المفهمة مقامه ؛ حتّى مع التمكّن من التوكيل على الأقوى ، ولو عجز عن الإشارة أيضاً فالأحوط التوكيل أو المعاطاة ، ومع تعذّرهما إنشاؤه بالكتابة .

(مسألة 6) : الأقوى وقوع البيع بالمعاطاة في الحقير والخطير . وهي : عبارة عن تسليم العين بقصد صيرورتها ملكاً للغير بالعوض وتسلّم العوض بعنوان العوضية ، والظاهر تحقّقها بمجرّد تسليم المبيع بقصد التمليك بالعوض مع قصد المشتري في أخذه التملّك بالعوض ، فيجوز جعل الثمن كلّياً في ذمّة المشتري ، وفي تحقّقها بتسلّم العوض فقط من المشتري بقصد المعاوضة إشكال وإن كان التحقّق به لا يخلو من قوّة .

(مسألة 7) : يعتبر في المعاطاة جميع ما يعتبر في البيع بالصيغة من الشروط الآتية ما عدا اللفظ ، فلا تصحّ مع فقد واحد منها ؛ سواء كان ممّا اعتُبر في المتبايعين أو في العوضين ، كما أنّ الأقوى ثبوت الخيارات الآتية فيها .

(مسألة 8) : البيع بالصيغة لازم من الطرفين إلاّ مع وجود الخيار . نعم ، يجوز الإقالة ، وهي الفسخ من الطرفين . والأقوى أنّ المعاطاة أيضاً لازمة من الطرفين إلاّ مع الخيار ، وتجري فيها الإقالة .

(مسألة 9) : البيع المعاطاتي ليس قابلاً للشرط على الأحوط ، فلو اُريد

ص: 538

ثبوت خيار بالشرط أو سقوطه به أو شرط آخر ؛ حتّى جعل مدّة وأجل لأحد العوضين ، يتوسّل بإجراء البيع بالصيغة وإدراجه فيه ، وإن كان قبوله لذلك بالمقاولة قُبيله والتعاطي مبنيّاً عليها ، لا يخلو من وجه وقوّة .

(مسألة 10) : هل تجري المعاطاة في سائر المعاملات مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو في بعضها دون بعض ؟ سيظهر الأمر في الأبواب الآتية إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 11) : كما يقع البيع والشراء بمباشرة المالك ، يقع بالتوكيل أو الولاية من طرف واحد أو الطرفين ، ويجوز لشخص واحد تولّي طرفي العقد ؛ أصالة من طرف ووكالة أو ولاية من آخر ، أو وكالة من الطرفين ، أو ولاية منهما ، أو وكالة من طرف وولاية من آخر .

(مسألة 12) : لا يجوز على الأحوط تعليق البيع على شيء غير حاصل حين العقد ؛ سواء علم حصوله فيما بعد أم لا ، ولا على شيء مجهول الحصول حينه . وأمّا تعليقه على معلوم الحصول حينه - كأن يقول : بعتُك إن كان اليومُ يومَ السبت ؛ مع العلم به - فالأقوى جوازه .

(مسألة 13) : لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه ، وكان مضموناً عليه ؛ بمعنى أ نّه يجب عليه أن يردّه إلى مالكه ، ولو تلف - ولو بآفة سماوية - يجب عليه ردّ عوضه من المثل أو القيمة . نعم ، لو كان كلٌّ من البائع والمشتري راضياً بتصرّف الآخر مطلقاً فيما قبضه - ولو على تقدير الفساد - يُباح لكلّ منهما التصرّف والانتفاع بما قبضه ولو بإتلافه ، ولا ضمان عليه .

ص: 539

القول : في شروط البيع

وهي : إمّا في المتعاقدين ، وإمّا في العوضين

القول : في شرائط المتعاقدين

وهي اُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلا يصحّ بيع الصغير - ولو كان مميّزاً ، وكان بإذن الوليّ - إذا كان مستقلاًّ في إيقاعه ؛ على الأقوى في الأشياء الخطيرة ، وعلى الأحوط في غيرها ، وإن كان الصحّة في اليسيرة إذا كان مميّزاً ممّا جرت عليها السيرة لا تخلو من وجه وقوّة ، كما أ نّه لو كان بمنزلة الآلة - بحيث تكون حقيقة المعاملة بين البالغين - ممّا لا بأس به مطلقاً . وكما لا تصحّ معاملة الصبيّ في الأشياء الخطيرة لنفسه ، كذلك لا تصحّ لغيره أيضاً إذا كان وكيلاً ؛ حتّى مع إذن الوليّ في الوكالة . وأمّا لو كان وكيلاً لمجرّد إجراء الصيغة ، وكان أصل المعاملة بين البالغين ، فصحّته لا تخلو من قرب ، فليس هو مسلوب العبارة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

الثاني : العقل ، فلا يصحّ بيع المجنون .

الثالث : القصد ، فلا يصحّ بيع غير القاصد كالهازل والغالط والساهي .

الرابع : الاختيار ، فلا يقع البيع من المكره ، والمراد به الخائف على ترك البيع من جهة توعيد الغير عليه بإيقاع ضرر أو حرج عليه . ولا يضرّ بصحّته الاضطرار الموجب للإلجاء ؛ وإن كان حاصلاً من إلزام الغير بشيء ، كما لو ألزمه ظالم على دفع مال ، فالتجأ إلى بيع ماله لدفعه إليه . ولا فرق في الضرر المتوعّد بين أن يكون متعلّقاً بنفس المُكره - نفساً أو عرضاً أو مالاً - أو بمن يكون متعلّقاً به

ص: 540

كعياله وولده ؛ ممّن يكون إيقاع المحذور عليه بمنزلة إيقاعه عليه ، ولو رضي المكره بعد زوال الإكراه صحّ ولزم .

(مسألة 1) : الظاهر أ نّه لا يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصّي بالتورية ، فلو اُلزم بالبيع واُوعد على تركه ، فباع قاصداً للمعنى مع إمكان أن لا يقصد ، أو يقصد معنى آخر غير البيع ، يكون مكرهاً إذا كان التفصّي مشكلاً ومحتملاً لوقوعه في المحذور ، كما هو كذلك نوعاً في مثل المقام . وأمّا مع التفاته إلى التورية وسهولتها له بلا محذور فمحلّ إشكال ، بل اعتبار عدم سهولتها كذلك لا يخلو من وجه .

(مسألة 2) : لو أكرهه على أحد الأمرين : إمّا بيع داره ، أو عمل آخر ، فباع داره ، فإن كان في العمل الآخر محذور ديني أو دنيوي يتحرّز منه ، وقع البيع مكرهاً عليه ، وإلاّ وقع مختاراً .

(مسألة 3) : لو أكرهه على بيع أحد الشيئين على التخيير ، فكلّ ما وقع منه لدفع ضرره يقع مكرهاً عليه ، ولو أوقعهما معاً فإن كان تدريجاً فالظاهر وقوع الأوّل مكرهاً عليه ، دون الثاني إلاّ إذا قصد إطاعة المكره بالثاني فيقع الأوّل صحيحاً ، فهل الثاني يقع صحيحاً أو لا ؟ وجهان أوجههما الأوّل . ولو أوقعهما دفعة ففي صحّته بالنسبة إلى كليهما ، أو فساده كذلك ، أو صحّة أحدهما والتعيين بالقرعة ، وجوه لا يخلو أوّلها من رجحان ، ولو أكرهه على بيع معيّن فضمّ إليه غيره وباعهما دفعة ، فالظاهر البطلان فيما اُكره عليه والصحّة في غيره .

الخامس : كونهما مالكين للتصرّف ، فلا يقع المعاملة من غير المالك إذا لم يكن وكيلاً عنه أو وليّاً عليه - كالأب والجدّ للأب والوصيّ عنهما والحاكم - ولا من المحجور عليه لسفه أو فلس أو غير ذلك من أسباب الحجر .

ص: 541

(مسألة 4) : معنى عدم الوقوع من غير المالك للتصرّف عدم النفوذ والتأثير ، لا كونه لغواً ، فلو أجاز المالك عقد غيره ، أو الوليّ عقد السفيه ، أو الغرماء عقد المفلّس ، صحّ ولزم .

(مسألة 5) : لا فرق في صحّة البيع الصادر من غير المالك مع إجازته ، بين ما إذا قصد وقوعه للمالك أو لنفسه ، كما في بيع الغاصب ، ومن اعتقد أ نّه مالك ، كما لا فرق بين ما إذا سبقه منع المالك عنه وغيره ؛ على إشكال فيه . نعم ، يعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيتها بردّ المالك بعد العقد ، فلو باع فضولاً وردّه المالك ثمّ أجازه ، لغت الإجازة على الأقرب وإن لا يخلو من إشكال ، ولو ردّه بعد الإجازة لغا الردّ .

(مسألة 6) : الإجازة كما تقع باللفظ الدالّ على الرضا بالبيع بحسب متفاهم العرف ولو بالكناية ، كقوله : «أمضيت» و«أجزت» و«أنفذت» و«رضيت» وشبه ذلك ، وكقوله للمشتري : «بارك اللّه لك فيه» وشبه ذلك من الكنايات ، كذلك تقع بالفعل الكاشف عرفاً عنه ، كما إذا تصرّف في الثمن مع الالتفات ، ومن ذلك ما إذا أجاز البيع الواقع عليه معه ؛ لأ نّها مستلزمة لإجازة البيع الواقع على المثمن ، وكما إذا مكّنت الزوجة من نفسها بعنوانها إذا زوّجت فضولاً .

(مسألة 7) : هل الإجازة كاشفة عن صحّة العقد الصادر من الفضولي من حين وقوعه ، فتكشف عن أنّ المبيع كان ملكاً للمشتري والثمن ملكاً للبائع من زمان وقوع العقد ، أو ناقلة بمعنى كونها شرطاً لتأثير العقد من حين وقوعها ؟ وتظهر الثمرة في النماء المتخلّل بين العقد والإجازة ، فعلى الأوّل نماء المبيع للمشتري ونماء الثمن للبائع ، وعلى الثاني بالعكس . والمسألة مشكلة ؛ لا يترك الاحتياط بالتخلّص بالصلح بالنسبة إلى النماءات .

ص: 542

(مسألة 8) : لو كان المالك راضياً بالبيع باطناً ، لكن لم يصدر منه إذن وتوكيل للغير في البيع والشراء ، لا يبعد خروجه عن الفضولي ، سيّما مع التفاته بالعقد والرضا به . نعم ، لو كان بحيث لو التفت إليه صار راضياً فهو فضولي وخارج عن موضوع المسألة . وأمّا إذا كان راضياً لكن لم يلتفت تفصيلاً إليه ، فهو أيضاً كافٍ في الخروج عن الفضولي بوجه لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 9) : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً فتبيّن خلافه يكون من الفضولي ، ويصحّ بالإجازة . وأمّا العكس - بأن تخيّل كونه غير جائز التصرّف فتبيّن كونه وكيلاً أو وليّاً - فالظاهر صحّته وعدم احتياجه إلى الإجازة على إشكال في الثاني . ومثله ما إذا تخيّل كونه غير مالك فتبيّن كونه مالكاً ، لكن عدم الصحّة والاحتياج إلى الإجازة فيه لا يخلو من قوّة .

(مسألة 10) : لو باع شيئاً فضولياً ثمّ ملكه - إمّا باختياره كالشراء ، أو بغيره كالإرث - فالبطلان بحيث لا تجدي الإجازة لا يخلو من قوّة .

(مسألة 11) : لا يعتبر في المجيز أن يكون مالكاً حين العقد ، فيجوز أن يكون المالك حين العقد غيره حين الإجازة ، كما إذا مات المالك حين العقد قبل الإجازة فيصحّ بإجازة الوارث ، وأولى به ما إذا كان المالك حين العقد غير جائز التصرّف لمانع من صغر أو سفه ونحوهما ثمّ ارتفع المانع ، فإنّه يصحّ بإجازته .

(مسألة 12) : لو وقع بيوع متعدّدة على مال الغير ، فإمّا أن تقع على نفسه أو على عوضه . وعلى الأوّل : فإمّا أن تقع من فضولي واحد ، كما إذا باع دار زيد مكرّراً على أشخاص متعدّدين ، أو تقع من أشخاص متعدّدين ، كما إذا باعها من شخص بفرس ، ثمّ باعها المشتري من شخص آخر بحمار ، ثمّ باعها المشتري

ص: 543

الثاني بكتاب وهكذا . وعلى الثاني : فإمّا أن تقع من شخص واحد على الأعواض والأثمان بالترامي ، كما إذا باع دار زيد بثوب ، ثمّ باع الثوب ببقر ، ثمّ باع البقر بفراش وهكذا ، وإمّا أن تقع على ثمن شخصي مراراً ، كما إذا باع الثوب في المثال المذكور مراراً من أشخاص متعدّدين ، فهذه صور أربع ، ثمّ إنّ للمالك في جميع هذه الصور أن يجيز أيّما شاء منها ، ويصحّ بإجازته ذلك العقد المجاز ، وأمّا غيره فيحتاج إلى تفصيل وشرح لا يناسب هذا المختصر .

(مسألة 13) : الردّ الذي يكون مانعاً عن تأثير الإجازة - على إشكال قد مرّ - قد يكون مانعاً عن لحوقها مطلقاً ولو من غير المالك حين العقد ، كقوله : «فسخت» و«رددت» وشبه ذلك ممّا هو ظاهر فيه ، كما أنّ التصرّف فيه بما يوجب فوات محلّ الإجازة - عقلاً كالإتلاف ، أو شرعاً كالعتق - كذلك أيضاً . وقد يكون مانعاً عن لحوقها بالنسبة إلى خصوص المالك حين العقد - لا مطلقاً - كالتصرّف الناقل للعين مثل البيع والهبة ونحوهما ؛ حيث إنّ بذلك لا يفوت محلّ الإجازة إلاّ بالنسبة إلى المنتقل عنه ، فللمنتقل إليه أن يجيز ؛ بناءً على عدم اعتبار كون المجيز مالكاً حين العقد كما مرّ . وأمّا الإجارة فلا تكون مانعة عن الإجازة مطلقاً حتّى بالنسبة إلى المالك المؤجر ؛ لعدم التنافي بينهما ، غاية الأمر أنّه تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة .

(مسألة 14) : حيثما لم تتحقّق الإجازة من المالك ؛ سواء تحقّق منه الردّ أم لا كالمتردّد ، له انتزاع عين ماله مع بقائه ممّن وجده في يده ، بل وله الرجوع إليه بمنافعه المستوفاة وغير المستوفاة على الأقوى في هذه المدّة ، وله مطالبة البائع الفضولي بردّ العين ومنافعها إذا كانت في يده وقد سلّمها إلى المشتري ،

ص: 544

وكذا له مطالبة المشتري بردّ العين ومنافعها التي استوفاها أو تلفت تحت يده ، ولو كانت مؤونة لردّها له مطالبتها أيضاً . هذا مع بقاء العين . وأمّا مع تلفها فيرجع ببدلها إلى البائع لو تلفت عنده . ولو تعاقبت أيادي متعدّدة عليها ؛ بأن كانت - مثلاً - بيد البائع الفضولي وسلّمها إلى المشتري ، وهو إلى آخر وهكذا ، وتلفت ، يتخيّر المالك في الرجوع بالبدل إلى أيٍّ منهم ، وله الرجوع إلى الكلّ موزّعاً عليهم بالتساوي أو بالتفاوت ، فإن أخذ البدل والخسارة من واحد ليس له الرجوع إلى الباقين . هذا حكم المالك مع البائع والمشتري وكلّ من وقع المال تحت يده . وأمّا حكم المشتري مع البائع الفضولي ، فمع علمه بكونه غاصباً ليس له الرجوع إليه بشيء ممّا رجع المالك إليه ، وما وردت من الخسارات عليه . نعم ، لو دفع الثمن إلى البائع فله استرداده مع بقائه ، والرجوع إلى بدله لو تلف أو أتلف ، ومع جهله بالحال فله أن يرجع إليه بكلّ ما اغترم للمالك ، وبكلّ خسارة وردت عليه في ذلك ؛ من المنافع والنماءات وإنفاق الدابّة وما صرفه في العين وما تلف منه وضاع ؛ من الغرس أو الزرع أو الحفر وغيرها ، فإنّ البائع الفضولي ضامن لدرك ذلك كلّه ، وللمشتري الجاهل أن يرجع بها إليه .

(مسألة 15) : لو أحدث المشتري لمال الغير فيما اشتراه بناءً أو غرساً أو زرعاً ، فللمالك إلزامه بإزالة ما أحدثه وتسوية الأرض ، ومطالبته بالأرش لو نقص من دون أن يضمن ما يرد عليه من الخسران . كما أنّ للمشتري إزالة ذلك مع ضمانه أرش النقص الوارد على الأرض ، وليس للمالك إلزامه بالإبقاء ولو مجّاناً . كما أ نّه ليس للمشتري حقّ الإبقاء ولو بالاُجرة . ولو حفر بئراً أو كرى نهراً - مثلاً - وجب عليه طمّها وردّها إلى الحالة الاُولى لو أراد المالك وأمكن ، وضمن أرش النقص لو كان ، وليس له مطالبة المالك اُجرة عمله ، أو ما صرفه فيه

ص: 545

من ماله وإن زاد به القيمة ، كما أ نّه ليس له ردّها إلى الحالة الاُولى بالطمّ ونحوه لو لم يرض به المالك . نعم ، يرجع إلى البائع الغاصب - مع جهله بالحال - باُجرة عمله وكلّ ما صرف من ماله وكلّ خسارة وردت عليه . وكذلك الحال فيما إذا أحدث المشتري فيما اشتراه صفة من دون أن يكون له عين في العين المشتراة كما إذا طحن الحنطة أو غزل ونسج القطن أو صاغ الفضّة . وهنا فروع كثيرة نتعرّض لها في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 16) : لو جمع البائع بين ملكه وملك غيره ، أو باع ما كان مشتركاً بينه وبين غيره ، نفذ البيع في ملكه بما قابله من الثمن . وصحّته في ملك الغير موقوفة على إجازته ، فإن أجازه وإلاّ فللمشتري خيار فسخ البيع من جهة التبعيض إن كان جاهلاً . هذا إذا لم يلزم من التبعيض مع عدم الإجازة محذور ، كلزوم الربا ونحوه ، وإلاّ بطل من أصله .

(مسألة 17) : طريق معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن : أن يقوّم كلّ منهما بقيمته الواقعية ، ثمّ تلاحظ نسبة قيمة أحدهما مع قيمة الآخر ، فيجعل نصيب كلّ منهما من الثمن بتلك النسبة ، فإذا باعهما معاً بستّة ، وكانت قيمة أحدهما ستّة وقيمة الآخر ثلاثة ، تكون حصّة ما كانت قيمته ثلاثة من الثمن - أي الستّة - نصفَ حصّة الآخر ، فلأحدهما اثنان وللآخر أربعة . لكن هذا يصحّ في نوع البيوع المتعارفة ، التي لا يختلف فيها المبتاعان حال الانفراد والانضمام . وأمّا مع اختلافهما فيهما - زيادة أو نقيصة أو بالاختلاف - فلا . والظاهر أنّ الضابط : هو تقويم كلّ منهما منفرداً بلحاظ حال الانضمام ، ثمّ يؤخذ من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين .

ص: 546

(مسألة 18) : يجوز للأب والجدّ للأب - وإن علا - أن يتصرّفا في مال الصغير بالبيع والشراء والإجارة وغيرها ، وكلّ منهما مستقلّ في الولاية . والأقوى عدم اعتبار العدالة فيهما ، ولا يشترط في نفوذ تصرّفهما المصلحة ، بل يكفي عدم المفسدة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاتها . وكما لهما الولاية في ماله بأنواع التصرّفات ، لهما الولاية في نفسه بالإجارة والتزويج وغيرهما إلاّ الطلاق ، فلا يملكانه بل يُنتظر بلوغه . وهل يُلحق به فسخ عقد النكاح عند موجبه وهبة المدّة في المتعة ؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما العدم ، وليس لغيرهما من الأقارب الولاية عليه حتّى الاُمّ والأخ والجدّ للاُمّ ، فإنّهم كالأجانب .

(مسألة 19) : كما للأب والجدّ الولاية على الصغير في زمان حياتهما ، كذلك لهما نصب القيّم عليه لبعد وفاتهما ، فينفذ منه ما كان ينفذ منهما ؛ على إشكال في التزويج . والظاهر اعتبار المصلحة في تصرّفه ، ولا يكفي عدم المفسدة . كما أنّ الأحوط فيه اعتبار العدالة ؛ وإن كانت كفاية الأمانة والوثاقة ليست ببعيدة .

(مسألة 20) : إذا فقد الأب والجدّ والوصيّ عنهما ، يكون للحاكم الشرعي - وهو المجتهد العادل - ولاية التصرّف في أموال الصغار مشروطاً بالغبطة والصلاح ، بل الأحوط له الاقتصار على ما إذا كان في تركه الضرر والفساد . ومع فقدان الحاكم يرجع الأمر إلى المؤمنين بشرط العدالة على الأحوط ، فلهم ولاية التصرّف في أموال الصغير بما يكون في فعله صلاح وغِبطة ، بل وفي تركه مفسدة على الأحوط .

ص: 547

القول : في شروط العوضين

وهي اُمور :

الأوّل : يشترط في المبيع أن يكون عيناً على الأحوط ، متموّلاً ؛ سواء كان موجوداً في الخارج أو كلّياً في ذمّة البائع أو في ذمّة غيره ، فلا يجوز على الأحوط أن يكون منفعة كمنفعة الدار أو الدابّة ، أو عملاً كخياطة الثوب أو حقّاً ، وإن كان الجواز - خصوصاً في الحقوق - لا يخلو من قوّة . وأمّا الثمن فيجوز أن يكون منفعة أو عملاً متموّلاً ، بل يجوز أن يكون حقّاً قابلاً للنقل والانتقال ، كحقّي التحجير والاختصاص ، وفي جواز كونه حقّاً قابلاً للإسقاط غير قابل للنقل - كحقّي الخيار والشفعة - إشكال .

الثاني : تعيين مقدار ما كان مقدّراً بالكيل أو الوزن أو العدّ بأحدها في العوضين ، فلا تكفي المشاهدة ، ولا تقديره بغير ما يكون به تقديره ، فلا يكفي تقدير الموزون بالكيل أو العدّ ، والمعدود بغير العدّ . نعم ، لا بأس بأن يكال جملة ممّا يعدّ أو ممّا يوزن ، ثمّ يعدّ أو يوزن ما في أحد المكاييل ، ثمّ يحسب الباقي بحسابه لو أمن من الاختلاف والجهالة . وهذا ليس من تقديرهما بالكيل .

(مسألة 1) : يجوز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار المبيع ، فيشتريه مبنيّاً على ما أخبر به ، ولو تبيّن النقص فله الخيار ، فإن فسخ يردّ تمام الثمن ، وإن أمضاه ينقص من الثمن بحسابه .

(مسألة 2) : تكفي المشاهدة فيما تعارف بيعه حملاً ، كالتبن والعشب والرطبة وكبعض أنواع الحطب . نعم ، لو تعارف في بعض البلدان بيعه مطلقاً حملاً تكفي فيه ، ومثل ذلك كثير من المائعات والأدوية المحرزة في الظروف

ص: 548

والقناني ممّا تعارف بيعها كذلك ، فلا بأس ببيعها كذلك ما دام فيها ، ويكفي في بيعها المشاهدة ، بل الظاهر أنّ المذبوح من الغنم قبل أن يسلخ تكفي فيه المشاهدة ، وبعده يحتاج إلى الوزن . وبالجملة : قد يختلف حال الشيء باختلاف الأحوال والمحالّ ، فيكون من الموزون في محلّ دون محلّ وفي حال دون حال ، وكذلك الحال في المعدود أيضاً .

(مسألة 3) : الظاهر عدم كفاية المشاهدة في بيع الأراضي التي تقدّر ماليتها بحسب المتر والذراع ، بل لا بدّ من الاطّلاع على مساحتها ، وكذلك كثير من الأثواب قبل أن يخاط أو يفصل . نعم ، إذا تعارف عدد خاصّ في أذرع الطاقات من بعض الأثواب ، جاز بيعها وشراؤها اعتماداً على ذلك التعارف ومبنيّاً عليه ، نظير الاعتماد على إخبار البائع .

(مسألة 4) : لو اختلف البلدان في شيء ؛ بأن كان موزوناً في بلد - مثلاً - ومعدوداً في آخر ، فالظاهر أنّ المدار بلد المعاملة .

الثالث : معرفة جنس العوضين وأوصافهما التي تتفاوت بها القيمة وتختلف لها الرغبات ؛ وذلك إمّا بالمشاهدة أو بالتوصيف الرافع للجهالة . ويجوز الاكتفاء بالرؤية السابقة فيما جرت العادة على عدم تغيّره إذا لم يعلم تغيّره ، وفي غير ذلك إشكال ، بل عدم الجواز قريب .

الرابع : كون العوضين ملكاً طلقاً ، فلا يجوز بيع الماء والعشب والكلأ قبل حيازتها ، والسمُوك والوحوش قبل اصطيادها ، والموات من الأراضي قبل إحيائها . نعم ، إذا استنبط بئراً في أرض مباحة ، أو حفر نهراً وأجرى فيه الماء المباح كالشطّ ونحوه ، ملك ماءهما ، فله حينئذٍ بيعه . وكذا لا يجوز بيع الرهن إلاّ

ص: 549

بإذن المرتهن أو إجازته ، ولو باع الراهن ثمّ افتكّ فالظاهر الصحّة من غير حاجة إلى الإجازة ، وكذا لا يجوز بيع الوقف إلاّ في بعض الموارد .

(مسألة 5) : يجوز بيع الوقف في مواضع :

منها : إذا خرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع بعينه مع بقائه ، كالجذع البالي ، والحصير الخلق ، والدار الخَرِبة التي لا يمكن الانتفاع حتّى بعرصتها . ويلحق به ما إذا خرج عن الانتفاع أصلاً ؛ من جهة اُخرى غير الخراب ، وكذا ما إذا خرج عن الانتفاع المعتدّ به بسبب الخراب أو غيره ؛ بحيث يقال في العرف : لا منفعة له ، كما إذا انهدمت الدار ، وصارت عرصة يمكن إجارتها بمبلغ جزئي ، وكانت بحيث لو بيعت وبدّلت بمال آخر يكون نفعه مثل الأوّل أو قريباً منه . هذا كلّه إذا لم يرج العود ، وإلاّ فالأقوى عدم الجواز . كما أ نّه إذا قلّت منفعته ، لكن لا إلى حدّ يُلحق بالمعدوم ، فالظاهر عدم جواز بيعه ولو أمكن أن يُشترى بثمنه ما له نفع كثير . هذا كلّه إذا خرب أو خرج عن الانتفاع فعلاً . وأمّا إذا كان يؤدّي بقاؤه إلى خرابه ففي الجواز إشكال ، سيّما إذا كان أداؤه إليه مظنوناً ، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة . كما لا يجوز بلا إشكال لو فرض إمكان الانتفاع به بعد الخراب ، كالانتفاع السابق بوجه آخر .

ومنها : إذا شَرَط الواقف بيعه عند حدوث أمر ؛ من قلّة المنفعة ، أو كثرة الخراج ، أو وقوع الخلاف بين الموقوف عليهم ، أو حصول ضرورة وحاجة شديدة لهم ، فإنّه لا مانع حينئذٍ من بيعه وتبديله على إشكال .

(مسألة 6) : لا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوة ؛ وهي المأخوذة من يد الكفّار قهراً المعمورة وقت الفتح ؛ فإنّها ملك للمسلمين كافّة ، فتبقى على حالها

ص: 550

بيد من يعمرها ، ويؤخذ خراجها ويصرف في مصالح المسلمين . وأمّا ما كانت مواتاً حال الفتح ثمّ عرضت لها الإحياء فهي ملك لمحييها ، وبذلك يسهل الخطب في الدور والعقار وبعض الأقطاع من تلك الأراضي التي يعامل معها معاملة الأملاك ؛ حيث إنّه من المحتمل أنّ المتصرّف فيها ملكها بوجه صحيح ، فيحكم بملكية ما في يده ما لم يعلم خلافها .

الخامس : القدرة على التسليم ، فلا يجوز بيع الطير المملوك إذا طار في الهواء ، ولا السمك المملوك إذا أرسل في الماء ، ولا الدابّة الشاردة . وإذا لم يقدر البائع على التسليم وكان المشتري قادراً على تسلّمه ، فالظاهر الصحّة .

القول : في الخيارات

اشارة

وهي أقسام :

الأوّل : خيار المجلس

إذا وقع البيع فللمتبايعين الخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا ولو بخطوة وتحقّق بها الافتراق عرفاً ، سقط الخيار من الطرفين ولزم البيع ، ولو فارقا من مجلس البيع مصطحبين بقي الخيار .

الثاني : خيار الحيوان

من اشترى حيواناً ثبت له الخيار إلى ثلاثة أيّام من حين العقد . وفي ثبوته للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .

(مسألة 1) : لو تصرّف المشتري في الحيوان تصرّفاً يدلّ على الرضا دلالة

ص: 551

نوعية ، ويكشف عنه كشفاً غالبياً ، سقط خياره ، مثل نعل الدابّة وأخذ حافرها وقرض شعرها وصبغها بل وصبغ شعرها إلى غير ذلك ، وليس مطلق التصرّف منه ، ولا إحداث الحدث كركوبها ركوباً غير معتدّ به وتعليفها وسقيها .

(مسألة 2) : لو تلف الحيوان في مدّة الخيار فهو من مال البائع ، فيبطل البيع ويرجع إليه المشتري بالثمن إذا دفعه إليه .

(مسألة 3) : العيب الحادث في الثلاثة من غير تفريط من المشتري لا يمنع عن الفسخ والردّ .

الثالث : خيار الشرط

أي الثابت بالاشتراط في ضمن العقد ، ويجوز جعله لهما أو لأحدهما أو لثالث ، ولا يتقدّر بمدّة ، بل هي بحسب ما اشترطاه قلّت أو كثرت ، ولا بدّ من كونها مضبوطة من حيث المقدار ومن حيث الاتّصال والانفصال . نعم ، إذا ذكرت مدّة معيّنة - كشهر مثلاً - واُطلقت فالظاهر اتّصالها بالعقد .

(مسألة 1) : يجوز أن يشترط لأحدهما أو لهما الخيار بعد الاستئمار والاستشارة - بأن يشاور مع ثالث في أمر العقد - فكلّ ما رأى من الصلاح إبقاءً له أو فسخاً يكون متّبعاً . ويعتبر في هذا الشرط أيضاً تعيين المدّة ، وليس للمشروط له الفسخ قبل أمر ذلك الثالث ، ولا يجب عليه لو أمره ، بل جاز له ، فإذا اشترط البائع على المشتري - مثلاً - ب_ «أنّ له المهلة إلى ثلاثة أيّام حتّى يستشير صديقه أو الدلاّل ، فإن رأى الصلاح يلتزم به ، وإلاّ فلا» يكون مرجعه إلى جعل الخيار له على تقدير أن لا يرى صديقه أو الدلاّل الصلاح ، لا مطلقاً ، فليس له الخيار إلاّ على ذلك التقدير .

ص: 552

(مسألة 2) : لا إشكال في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع ، بل يجري في كثير من العقود اللازمة ، ولا إشكال في عدم جريانه في الإيقاعات ، كالطلاق والعتق والإبراء ونحوها .

(مسألة 3) : يجوز اشتراط الخيار للبائع إذا ردّ الثمن بعينه أو ما يعمّ مثله إلى مدّة معيّنة ، فإن مضت ولم يأت بالثمن كاملاً لزم البيع ، وهو المسمّى ببيع الخيار في العرف . والظاهر صحّة اشتراط أن يكون للبائع فسخ الكلّ بردّ بعض الثمن أو فسخ البعض بردّ بعضه . ويكفي في ردّ الثمن فعل البائع ما له دخل في القبض من طرفه وإن أبى المشتري من قبضه ، فلو أحضر الثمن وعرضه عليه ومكّنه من قبضه فأبى وامتنع ، فله الفسخ .

(مسألة 4) : نماء المبيع ومنافعه في هذه المدّة للمشتري ، كما أنّ تلفه عليه ، والخيار باقٍ مع التلف إن كان المشروط الخيار والسلطنة على فسخ العقد ، فيرجع بعده إلى المثل أو القيمة ، وساقط إن كان المشروط ارتجاع العين بالفسخ ، وليس للمشتري قبل انقضاء المدّة التصرّف الناقل وإتلاف العين إن كان المشروط ارتجاعها ، ولا يبعد جوازهما إن كان السلطنة على فسخ العقد .

(مسألة 5) : الثمن المشروط ردّه إن كان كلّياً في ذمّة البائع ، كما إذا كان في ذمّته ألف درهم لزيد ، فباع داره بما في ذمّته ، وجعل له الخيار مشروطاً بردّ الثمن ، يكون ردّه بأداء ما كان في ذمّته وإن برئت ذمّته عمّا كان عليه بجعله ثمناً .

(مسألة 6) : إن لم يقبض البائع الثمن أصلاً ؛ سواء كان كلّياً في ذمّة المشتري ، أو عيناً موجوداً عنده ، فهل له الخيار والفسخ قبل انقضاء المدّة المضروبة أم لا ؟ وجهان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان . ولو قبضه ، فإن كان الثمن

ص: 553

كلّياً ، فالظاهر أ نّه لا يتعيّن عليه ردّ عين ذلك الفرد المقبوض ، بل يكفي ردّ فرد آخر ينطبق الكلّي عليه ، إلاّ إذا صرّح باشتراط ردّ عينه . وإن كان عيناً شخصياً لم يتحقّق الردّ إلاّ بردّ عينه ، فلو لم يمكن ردّه لتلف ونحوه سقط الخيار ، إلاّ إذا شرط صريحاً بردّ ما يعمّ بدله مع عدم التمكّن من العين . نعم ، إذا كان الثمن ممّا انحصر انتفاعه المتعارف بصرفه - لا ببقائه - كالنقود ، يمكن أن يقال : إنّ المنساق من الإطلاق في مثله ما يعمّ بدله ما لم يصرّح بالخلاف .

(مسألة 7) : كما يتحقّق الردّ بإيصاله إلى المشتري يتحقّق بإيصاله إلى وكيله المطلق ، أو في خصوص ذلك ، أو وليّه كالحاكم لو صار مجنوناً أو غائباً ، بل وعدول المؤمنين في مورد ولايتهم . هذا إذا كان الخيار مشروطاً بردّ الثمن أو ردّه إلى المشتري وأطلق . وأمّا لو اشترط ردّه إليه بنفسه وإيصاله بيده لا يتعدّى منه إلى غيره .

(مسألة 8) : لو اشترى الوليّ شيئاً للمولّى عليه ببيع الخيار ، فارتفع حجره قبل انقضاء المدّة وردّ الثمن ، فالظاهر تحقّقه بإيصاله إلى المولّى عليه ، فيملك البائع الفسخ بذلك ، ولا يكفي الردّ إلى الوليّ بعد سلب ولايته . ولو اشترى أحد الوليّين كالأب ، فهل يصحّ الفسخ مع ردّ الثمن إلى الوليّ الآخر كالجدّ ؟ لا يبعد ذلك ، خصوصاً فيما إذا لم يتمكّن من الردّ إلى الأب في المثال . وأمّا لو اشترى الحاكم ولاية فالأقوى عدم كفاية الردّ إلى حاكم آخر مع إمكان الردّ إليه ، ومع عدم إمكانه يردّ إلى حاكم آخر . وهذا أيضاً -كما مرّ في المسألة السابقة - فيما إذا لم يصرّح بردّه إلى خصوص المشتري بنفسه ، وإلاّ فلا يتعدّى منه إلى غيره .

ص: 554

(مسألة 9) : لو مات البائع ينتقل هذا الخيار كسائر الخيارات إلى ورّاثه ، فيردّون الثمن ويفسخون ، فيرجع إليهم المبيع على قواعد الإرث ، كما أنّ الثمن المردود أيضاً يوزّع عليهم بالحصص . ولو مات المشتري فالظاهر جواز الفسخ بردّ الثمن إلى ورثته . نعم ، لو جعل الشرط ردّه إلى المشتري بخصوصه وبنفسه وبمباشرته ، فالظاهر عدم قيام ورثته مقامه ، فيسقط الخيار بموته .

(مسألة 10) : كما يجوز للبائع اشتراط الخيار له بردّ الثمن ، كذا يجوز للمشتري اشتراطه له بردّ المثمن ، والظاهر المنصرف إليه الإطلاق فيه ردّ العين ، فلا يتحقّق بردّ بدله ولو مع التلف ، إلاّ أن يصرّح بردّ ما يعمّ البدل ، ويجوز اشتراط الخيار لكلّ منهما بردّ ما انتقل إليه .

الرابع : خيار الغبن

وهو فيما إذا باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه مع الجهل بالقيمة ، فللمغبون خيار الفسخ ، وتعتبر الزيادة والنقيصة مع ملاحظة ما انضمّ إليه من الشرط ، فلو باع ما يسوى مائة دينار بأقلّ منه بكثير مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن ؛ لأنّ المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم . وهكذا غيره من الشروط . ويشترط فيه أن يكون التفاوت بما لا يتسامح فيه في مثل هذه المعاملة ، وتشخيص ذلك موكول إلى العرف ، وتختلف المعاملات في ذلك ، فربما يكون التفاوت بنصف العشر بل بالعشر ممّا يتسامح فيه ، ولا يعدّ غبناً ، وربما يكون بعشر العشر غبناً ولا يتسامح فيه ، ولا ضابط لذلك ، بل هو موكول إلى العرف .

(مسألة 1) : ليس للمغبون مطالبة الغابن بتفاوت القيمة ، بل له الخيار بين

ص: 555

أن يفسخ البيع أو يرضى به بالثمن المسمّى ، كما أ نّه لا يسقط خياره ببذل الطرف التفاوت . نعم ، مع تراضيهما لا بأس به .

(مسألة 2) : الخيار ثابت للمغبون من حين العقد ، وليس بحادث عند علمه بالغبن ، فلو فسخ قبل ذلك وصادف الغبن انفسخ .

(مسألة 3) : لو اطّلع على الغبن ولم يبادر بالفسخ ، فإن كان لأجل جهله بحكم الخيار فلا إشكال في بقائه ، وإن كان عالماً به فإن كان بانياً على الفسخ غير راضٍ بالبيع بهذا الثمن لكن أخّر الفسخ لغرض ، فالظاهر بقاؤه . نعم ، ليس له التواني فيه بحيث يؤدّي إلى ضرر وتعطيل أمر على الغابن ، بل بقاؤه مع عدم البناء على الفسخ - وإنّما بدا له بعد ذلك - لا يخلو من قوّة .

(مسألة 4) : المدار في الغبن هو القيمة حال العقد ، فلو زادت بعده لم يسقط ولو قبل علم المغبون بالنقصان حينه ، ولو نقصت بعده لم يثبت .

(مسألة 5) : يسقط هذا الخيار باُمور :

الأوّل : اشتراط سقوطه في ضمن العقد ، ويقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت مقصودة عند الاشتراط وشملته العبارة ، فلو كان المشروط سقوط مرتبة من الغبن كالعشر فتبيّن كونه الخمس ، لم يسقط ، بل لو اشترط سقوطه وإن كان فاحشاً أو أفحش ، لا يسقط إلاّ ما كان كذلك بالنسبة إلى ما يحتمل في مثل هذه المعاملة لا أزيد ، فلو فرض أنّ ما اشتراه بمائة لا يحتمل فيه أن يسوى عشرة أو عشرين ، وأنّ المحتمل فيه من الفاحش إلى خمسين والأفحش إلى ثلاثين ، لم يسقط مع الشرط المذكور إذا كان يسوى عشرة أو عشرين . هذا كلّه إذا اشترط سقوط الخيار الآتي من قبل العشر - مثلاً - بنحو التقييد ، ويأتي الكلام في غيره في الأمر الثاني .

ص: 556

الثاني : إسقاطه بعد العقد ولو قبل ظهور الغبن إذا أسقطه على تقدير ثبوته . وهذا أيضاً كسابقه يقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت مشمولة للعبارة ، فلو أسقط مرتبة خاصّة منه كالعشر فتبيّن كونه أزيد ، لم يسقط إذا كان الإسقاط بنحو التقييد بأن يسقط الخيار الآتي من قبل العشر - مثلاً - بنحو العنوان الكلّي المنطبق على الخارج بحسب وعائه المناسب له ، وأمّا إذا أسقط الخيار المتحقّق في العقد بتوهّم أ نّه مسبّب من العشر ، فالظاهر سقوطه ؛ سواء وصفه بالوصف المتوهّم أم لا ، فلو قال : أسقطت الخيار المتحقّق في العقد الذي هو آتٍ من قبل العشر ، فتخلّف الوصف سقط خياره على الأقوى ، وأولى بذلك ما لو أسقطه بتوهّم أنّه آتٍ منه . وكذا الحال في اشتراط سقوطه بمرتبة وإن كان فاحشاً بل أفحش . وكذا يأتي ما ذكر فيما صالح على خياره فبطل إن كان بنحو التقييد ، فتبيّن الزيادة ، دون النحوين الآخرين . وكما يجوز إسقاطه بعد العقد مجّاناً يجوز المصالحة عليه بالعِوَض ، فمع العلم بمرتبة الغبن لا إشكال ، ومع الجهل بها صحّ المصالحة مع التصريح بعموم المراتب ؛ بأن يصالح على خيار الغبن المتحقّق في هذه المعاملة بأيّ مرتبة كانت .

الثالث : تصرّف المغبون بعد العلم بالغبن فيما انتقل إليه بما يكشف كشفاً عقلائياً عن الالتزام بالعقد وإسقاط الخيار ، كالتصرّف بالإتلاف ، أو بما يمنع الردّ ، أو بإخراجه عن ملكه كالبيع اللازم ، بل وغير اللازم ، ونحو التصرّفات التي مرّ ذكرها في خيار الحيوان . وأمّا التصرّفات الجزئية نحو الركوب غير المعتدّ به والتعليف ونحو ذلك ممّا لا يدلّ على الرضا فلا . كما أنّ التصرّف قبل ظهور الغبن لا يسقط ، كتصرّف الغابن فيما انتقل إليه مطلقاً .

(مسألة 6) : لو فسخ البائع المغبون البيع ، فإن كان المبيع موجوداً عند

ص: 557

المشتري باقياً على حاله استردّه ، وإن كان تالفاً أو متلفاً رجع إليه بالمثل أو القيمة ، وإن حدث به عيب عنده - سواء كان بفعله أو بغيره ؛ من آفة سماوية ونحوها - أخذه مع الأرش ، ولو أخرجه عن ملكه بوقف أو معاملة لازمة ، فالظاهر أنّه بحكم الإتلاف فيرجع إليه بالمثل أو القيمة ، وإن كان بنقل غير لازم - كالبيع بخيار والهبة - ففي جواز إلزامه بالفسخ وإرجاع العين إشكال ، ولو رجعت العين إلى المشتري بإقالة أو عقد جديد أو فسخ قبل رجوع البائع إليه بالبدل ، لا يبعد أن يكون له إلزامه بردّ العين ولو كان الانتقال السابق لازماً . ولو نقل منفعتها إلى الغير بعقد لازم كالإجارة لم يمنع ذلك عن الفسخ ، كما أنّه بعد الفسخ تبقى الإجارة على حالها ، وترجع العين إلى الفاسخ مسلوب المنفعة ، وله سائر المنافع غير ما ملكه المستأجر لو كانت ، وفي جواز رجوعه إلى المشتري باُجرة المثل بالنسبة إلى بقيّة المدّة وجه قويّ ، كما يحتمل أن يرجع إليه بالنقص الطارئ على العين من جهة كونها مسلوبة المنفعة في تلك المدّة ، فتقوّم بوصف كونها ذات منفعة في تلك المدّة مرّة ، ومسلوبة المنفعة فيها اُخرى ، فيأخذ مع العين التفاوت بين القيمتين ، والظاهر أنّه لا تفاوت غالباً بين الوجهين .

(مسألة 7) : بعد فسخ البائع المغبون لو كان المبيع موجوداً عند المشتري ، لكن تصرّف فيه تصرّفاً مغيِّراً له إمّا بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج ، فلو كان بالنقيصة أخذه ورجع إليه بالأرش كما مرّ ، ولو كان بالزيادة ، فإمّا أن تكون صفة محضة كطحن الحنطة وقصارة الثوب وصياغة الفضّة ، أو صفة مشوبة بالعين كالصبغ إذا كان له عين عرفاً ، أو عيناً محضاً كالغرس والزرع والبناء .

أمّا الأوّل فإن لم يكن للزيادة دخل في زيادة القيمة يرجع إلى العين ، ولا شيء عليه ، كما أ نّه لا شيء على المشتري ، وإن كان لها دخل في زيادتها يرجع

ص: 558

إلى العين ، وفي كون زيادة القيمة للمشتري - لأجل الصفة - فيأخذ البائع العين ويدفع زيادة القيمة ، أو كونه شريكاً معه في القيمة ، فيباع ويقسّم الثمن بينهما بالنسبة ، أو شريكاً معه في العين بنسبة تلك الزيادة ، أو كون العين للبائع ، وللمشتري اُجرة عمله ، أو ليس له شيء أصلاً ، وجوه : أقواها الثاني ، ولا يكون البائع ملزماً بالبيع ، بل له أخذ المبيع وتأدية ما للمشتري بالنسبة .

أمّا الثاني فيأتي الوجوه المذكورة فيه أيضاً .

وأمّا الثالث فيرجع البائع إلى المبيع ، ويكون الغرس ونحوه للمشتري ، وليس للبائع إلزامه بالقلع والهدم ولا بالأرش ، ولا إلزامه بالإبقاء ولو مجّاناً ، كما أ نّه ليس للمشتري حقّ الإبقاء مجّاناً وبلا اُجرة ، فعلى المشتري إمّا إبقاؤها بالاُجرة ، وإمّا قلعها مع طمّ الحفر وتدارك النقص الوارد على الأرض ، وللبائع إلزامه بأحد الأمرين . نعم ، لو أمكن غرس المقلوع - بحيث لم يحدث فيه شيء إلاّ تبدّل المكان - فللبائع أن يلزمه به ، والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الزرع وغيره . وأمّا إن كان بالامتزاج ، فإن كان بغير جنسه بحيث لا يتميّز فكالمعدوم يرجع بالمثل أو القيمة ؛ من غير فرق بين ما كان مستهلكاً وعدّ تالفاً ، كما إذا خلط ماء الورد بالزيت أو انقلبا إلى حقيقة اُخرى عرفاً ، ولا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي في غير الصورتين ؛ وإن كان جريان حكم التالف في الخلط الذي يرفع به الامتياز لا يخلو من قوّة . وإن كان الامتزاج بالجنس فالظاهر ثبوت الشركة بحسب الكمّية وإن كان بالأردأ أو الأجود ، مع أخذ الأرش في الأوّل ، وإعطاء زيادة القيمة في الثاني ، لكن الأحوط التصالح ، خصوصاً في الثاني .

(مسألة 8) : لو باع أو اشترى شيئين صفقة واحدة ، وكان مغبوناً في أحدهما

ص: 559

دون الآخر ، ليس له التبعيض في الفسخ ، بل عليه إمّا فسخ البيع بالنسبة إلى الجميع ، أو الرضا به كذلك .

الخامس : خيار التأخير

وهو فيما باع شيئاً ولم يقبض تمام الثمن ، ولم يسلّم المبيع إلى المشتري ، ولم يشترط تأخير تسليم أحد العوضين ، فحينئذٍ يلزم البيع ثلاثة أيّام ، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحقّ بالسلعة ، وإلاّ فللبائع فسخ المعاملة . ولو تلف السلعة كان من مال البائع ، وقبضُ بعض الثمن كلا قبض .

(مسألة 1) : الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور ، فلو أخّر الفسخ عن الثلاثة لم يسقط إلاّ بأحد المسقطات .

(مسألة 2) : يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد ، وبإسقاطه بعد الثلاثة ، وفي سقوطه بالإسقاط قبلها إشكال ، والأقوى عدمه . كما أنّ الأقوى عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعدها قبل فسخ البائع ، ويسقط لو أخذه بعدها بعنوان الاستيفاء لا بعنوان آخر ، وفي سقوطه بمطالبة الثمن وجهان ، الظاهر عدمه .

(مسألة 3) : المراد بثلاثة أيّام : هو بياض اليوم ، ولا يشمل الليالي ، عدا الليلتين المتوسّطتين ، فلو أوقع البيع في أوّل النهار يكون آخر الثلاثة غروب النهار الثالث . نعم ، لو وقع في الليل تدخل الليلة الاُولى أو بعضها أيضاً في المدّة . والظاهر كفاية التلفيق ، فلو وقع في أوّل الزوال يكون مبدأ الخيار بعد زوال اليوم الرابع ، وهكذا .

(مسألة 4) : لا يجري هذا الخيار في غير البيع من سائر المعاملات .

ص: 560

(مسألة 5) : لو تلف المبيع كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها على الأقوى .

(مسألة 6) : لو باع ما يتسارع إليه الفساد ؛ بحيث يفسد لو صار بائتاً ، كالبقول وبعض الفواكه واللحم في بعض الأوقات ونحوها ، وبقي عنده وتأخّر المشتري ، فللبائع الخيار قبل أن يطرأ عليه الفساد ، فيفسخ البيع ويتصرّف في المبيع كيف شاء .

السادس : خيار الرؤية

وهو فيما إذا اشترى شيئاً موصوفاً غير مشاهد ، ثمّ وجده على خلاف ذلك الوصف ؛ بمعنى كونه ناقصاً عنه ، وكذا إذا وجده على خلاف ما رآه سابقاً ، فيكون له خيار الفسخ . وفيما إذا باع شيئاً بوصف غيره ، ثمّ وجده زائداً على ما وصف ، أو وجده زائداً على ما يراه سابقاً ، أو وجد الثمن على خلاف ما وصف ؛ أي ناقصاً عنه ، فله خيار الفسخ في هذه الموارد .

(مسألة 1) : الخيار هنا بين الردّ والإمساك مجّاناً ، وليس لذي الخيار الإمساك بالأرش . كما لا يسقط خياره ببذله ، ولا بإبدال العين بالاُخرى . نعم ، لو كان للوصف المفقود دخل في الصحّة توجّه أخذ الأرش للعيب ، لا لتخلّف الوصف .

(مسألة 2) : مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة حين المبايعة . ويشترط في صحّته : إمّا الرؤية السابقة مع حصول الاطمئنان ببقاء تلك الصفات ، وإلاّ ففيه إشكال ، وإمّا توصيفه بما يرفع به الجهالة عرفاً ؛ بأن حصل له الوثوق من توصيفه الموجب لرفع الغَرَر ؛ بذكر جنسها ونوعها وصفاتها التي تختلف باختلافها الأثمان ورغبات الناس .

ص: 561

(مسألة 3) : هذا الخيار فوري عند الرؤية على المشهور ، وفيه إشكال .

(مسألة 4) : يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد إذا لم يرفع به الوثوق الرافع للجهالة ، وإلاّ فيفسد ويفسد العقد ، وبإسقاطه بعد الرؤية ، وبالتصرّف في العين بعدها تصرّفاً كاشفاً عن الرضا بالبيع ، وبعدم المبادرة إلى الفسخ بناء على فوريته .

السابع : خيار العيب

وهو فيما إذا وجد المشتري في المبيع عيباً ، فيخيّر بين الفسخ والإمساك بالأرش ما لم يسقط الردّ قولاً أو بفعل دالّ عليه ، ولم يتصرّف فيه تصرّفاً مغيّراً للعين ، ولم يحدث فيه عيب عنده بعد خيار المشتري المضمون على البائع ، كخيار الحيوان ، وكخيار المجلس والشرط إذا كانا له خاصّة . والظاهر أنّ الميزان في سقوطه : عدم كون المبيع قائماً بعينه بتلف أو ما بحكمه أو عيب أو نقص وإن لم يكن عيباً . نعم ، الظاهر أنّ التغيير بالزيادة لا يسقطه إذا لم يستلزم نقصاً ولو بمثل حصول الشركة . وكيف كان مع وجود شيء ممّا ذكر ليس له الردّ ، بل يثبت له الأرش خاصّة . وكما يثبت هذا الخيار للمشتري إذا وجد العيب في المبيع ، كذلك يثبت للبائع إذا وجده في الثمن المعيّن . والمراد بالعيب كلّ ما زاد أو نقص عن المجرى الطبيعي والخلقة الأصلية ، كالعمى والعرج وغيرهما .

(مسألة 1) : يثبت هذا الخيار بمجرّد العيب واقعاً عند العقد وإن لم يظهر بعد ، فظهوره كاشف عن ثبوته من أوّل الأمر ، لا سبب لحدوثه عنده ، فلو أسقطه قبل ظهوره سقط ، كما يسقط بإسقاطه بعده ، وكذلك باشتراط سقوطه في ضمن

ص: 562

العقد ، وبالتبرّي من العيوب عنده ؛ بأن يقول : بعته بكلّ عيب ، وكما يسقط بالتبرّي من العيوب الخيار ، يسقط استحقاق مطالبة الأرش أيضاً ، كما أنّ سقوطه بالإسقاط في ضمن العقد أو بعده تابع للجعل .

(مسألة 2) : كما يثبت الخيار بوجود العيب عند العقد ، كذلك يثبت بحدوثه بعده قبل القبض ، والعيب الحادث بعد العقد ، يمنع عن الردّ لو حدث بعد القبض وبعد خيار المشتري المضمون على البائع كما مرّ ، ولو حدث قبل القبض فهو سبب للخيار ، فلا يمنع عن الردّ والفسخ بسبب العيب السابق بطريق أولى .

(مسألة 3) : لو كان معيوباً عند العقد وزال العيب قبل ظهوره ، فالظاهر سقوط الخيار ، بل سقوط الأرش - أيضاً - لا يخلو من قرب ، والأحوط التصالح .

(مسألة 4) : كيفية أخذ الأرش : بأن يقوّم الشيء صحيحاً ثمّ يقوّم معيباً ، وتلاحظ النسبة بينهما ، ثمّ ينقص من الثمن المسمّى بتلك النسبة ، فإذا قوّم صحيحاً بتسعة ومعيباً بستّة وكان الثمن ستّة ، ينقص من الستّة اثنان وهكذا . والمرجع في تعيين ذلك أهل الخبرة ، والأقوى اعتبار قول الواحد الموثوق به من أهلها ؛ وإن كان الأحوط اعتبار ما يعتبر في الشهادة من التعدّد والعدالة .

(مسألة 5) : لو تعارض المقوّمون في تقويم الصحيح أو المعيب أو كليهما ، فالأحوط التخلّص بالتصالح ، ولا تبعد القرعة ، خصوصاً في بعض الصور .

(مسألة 6) : لو باع شيئين صفقة واحدة فظهر العيب في أحدهما ، كان للمشتري أخذ الأرش أو ردّ الجميع ، وليس له التبعيض بردّ المعيب وحده . وكذا لو اشترك اثنان في شراء شيء وكان معيباً ، ليس لأحدهما ردّ حصّته خاصّة إن

ص: 563

لم يوافقه شريكه على إشكال فيهما ، خصوصاً في الثاني . نعم ، لو رضي البائع يجوز ويصحّ التبعيض في المسألتين بلا إشكال .

القول : في أحكام الخيار

وله أحكام مشتركة بين الجميع ، وأحكام مختصّة ببعض لا يناسب هذا المختصر تفصيلها .

فمن الأحكام المشتركة : أنّه إذا مات من له الخيار انتقل خياره إلى وارثه ؛ من غير فرق بين أنواعه . وما هو المانع عن إرث الأموال - لنقصان في الوارث كالقتل والكفر - مانع عن هذا الإرث أيضاً ، كما أنّ ما يحجب به حجب حرمان - وهو وجود الأقرب إلى الميّت - يحجب به هنا أيضاً . ولو كان الخيار متعلِّقاً بمال خاصّ يحرم عنه بعض الورثة ، كالأرض بالنسبة إلى الزوجة ، والحبوة بالنسبة إلى غير الولد الأكبر ، فلا يحرم ذلك الوارث عن الخيار المتعلّق به مطلقاً .

(مسألة 1) : لا إشكال فيما إذا كان الوارث واحداً ، ولو تعدّد فالأقوى أنّ الخيار للمجموع ؛ بحيث لا أثر لفسخ بعضهم بدون ضمّ فسخ الباقين ؛ لا في تمام المبيع ، ولا في حصّته .

(مسألة 2) : لو اجتمع الورثة على الفسخ فيما باعه مورّثهم ، فإن كان عين الثمن موجوداً دفعوه إلى المشتري ، وإن لم يكن موجوداً اُخرج من مال الميّت . ولو لم يكن له مال ، ففي كونه على الميّت واشتغال ذمّته به - فيجب تفريغها بالمبيع المردود إليه ، فإن بقي شيء يكون للورثة ، وإن لم يف بتفريغ ما عليه يبقى الباقي في ذمّته - أو كونه على الورثة كلّ بقدر حصّته ، وجهان ، أوجههما أوّلهما .

ص: 564

القول : فيما يدخل في المبيع عند الإطلاق

(مسألة 1) : من باع بستاناً دخل فيه الأرض والشجر والنخل ، وكذا الأبنية من سوره وما تعدّ من توابعه ومرافقه ، كالبئر والناعور إذا جرت العادة بدخوله فيه ، والحظيرة ونحوها . بخلاف ما لو باع أرضاً فإنّه لا يدخل فيها النخل والشجر الموجودان فيها إلاّ مع الشرط . وكذا لا يدخل الحمل في ابتياع الاُمّ ما لم يشترط ، إلاّ إذا كان تعارف يوجب التقييد كما أنّه كذلك نوعاً . وكذلك الحال في ثمر الشجر . ولو باع نخلاً فإن كان مؤبّراً فالثمرة للبائع ، ويجب على المشتري إبقاؤها على الاُصول بما جرت العادة على إبقاء تلك الثمرة ، ولو لم يؤبّر كانت للمشتري ، والظاهر اختصاص ذلك بالبيع ، أمّا في غيره فالثمرة للناقل بدون الشرط والتعارف ؛ سواء كانت مؤبّرة أو لا ، كما أنّ الحكم مختصّ بالنخل ، فلا يجري في غيره ، بل الثمرة للبائع إلاّ مع الشرط أو التعارف الموجب للتقييد .

(مسألة 2) : لو باع الاُصول وبقي الثمرة للبائع واحتاجت الثمرة إلى السقي ، يجوز لصاحبها أن يسقيها ، وليس لصاحب الاُصول منعه ، وكذلك العكس . ولو تضرّر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ، ففي تقديم حقّ البائع المالك للثمرة أو المشتري المالك للاُصول ، وجهان ، لا يخلو ثانيهما من رُجحان . والأحوط التصالح والتراضي على تقديم أحدهما ولو بأن يتحمّل ضرر الآخر .

(مسألة 3) : لو باع بستاناً واستثنى نخلة - مثلاً - فله الممرّ إليها والمخرج ومدى جرائدها وعروقها من الأرض ، وليس للمشتري منع شيء من ذلك . ولو باع داراً دخل فيها الأرض والأبنية الأعلى والأسفل إلاّ أن يكون الأعلى

ص: 565

مستقلاًّ من حيث المدخل والمخرج والمرافق وغير ذلك ؛ ممّا يكون أمارة على خروجه واستقلاله بحسب العادة . وكذا يدخل السراديب والبئر والأبواب والأخشاب المتداخلة في البناء والأوتاد المثبتة فيه ، بل السلّم المثبت على حذو الدرج . ولا يدخل الرحى المنصوبة إلاّ مع الشرط ، وكذا لو كان فيها نخل أو شجر إلاّ مع الشرط ؛ ولو بأن قال : وما دار عليها حائطها ، أو تعارف موجب للتقييد ، كما هو كذلك غالباً ، ولا يبعد دخول المفاتيح فيها .

(مسألة 4) : الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكوّنة فيها تدخل في بيعها ، بخلاف الأحجار المدفونة فيها كالكنوز المودعة فيها ونحوها .

القول : في القبض والتسليم

(مسألة 1) : يجب على المتبايعين تسليم العوضين بعد العقد لو لم يشترط التأخير ، فلا يجوز لكلّ منهما التأخير مع الإمكان إلاّ برضا صاحبه ، فإن امتنعا اُجبرا ، ولو امتنع أحدهما اُجبر ، ولو اشترط البائع أو المشتري تأخير التسليم إلى مدّة معيّنة جاز ، وليس لصاحبه الامتناع عن التسليم في زمان تأخير صاحبه بالشرط . نعم ، لو اتّفق التأخير إلى حلول الأجل ، فالظاهر أنّ له ذلك إذا امتنع المشروط له . وكذا يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار ، أو ركوب الدابّة ، أو زرع الأرض ، ونحو ذلك ، مدّةً معيّنة . والقبض والتسليم فيما لا ينقل - كالدار والعقار - هو التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات ، والإذن منه لصاحبه في التصرّف بحيث صار تحت استيلائه ، وأمّا في المنقول - كالطعام والثياب ونحوهما - ففي كونه التخلية أيضاً ، أو الأخذ باليد مطلقاً ، أو التفصيل بين أنواعه ،

ص: 566

أقوال ، لا تبعد كفاية التخلية في مقام وجوب تسليم العوضين على المتبايعين ؛ وإن كان ذلك لا يوجب خروجه عن ضمانه وعدم كون تلفه عليه - على احتمال غير بعيد - وإن لم يكتف بها في سائر المقامات التي يعتبر فيها القبض ؛ ممّا لا يسع المقام تفصيلها .

(مسألة 2) : لو تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري كان من مال البائع ، فينفسخ البيع ويعود الثمن إلى المشتري ، ولو حصل للمبيع نماء قبل القبض - كالنتاج والثمرة - كان للمشتري ، ولو تعيّب قبل القبض كان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء بكلّ الثمن ، وفي استحقاقه لأخذ الأرش تردّد ، والأقوى العدم .

(مسألة 3) : لو باع جملة فتلف بعضها قبل القبض ، انفسخ البيع بالنسبة إلى التالف ، وعاد إلى المشتري ما يخصّه من الثمن ، وله فسخ العقد والرضا بالموجود بحصّته من الثمن .

(مسألة 4) : يجب على البائع - مضافاً إلى تسليم المبيع - تفريغه عمّا كان فيه من أمتعة وغيرها ؛ حتّى لو كان مشغولاً بزرعٍ آنَ وقت حصاده وجبت إزالته ، ولو كان له عروق تضرّ بالانتقال كالقطن والذرة ، أو كان في الأرض حجارة مدفونة ، وجبت إزالتها وتسوية الأرض ، ولو كان فيها شيء لا يخرج إلاّ بتغيير شيء من الأبنية ، وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم ، ولو كان فيه زرع لم يأنِ وقت حصاده ، ففي حقّ إبقائه إلى أوان حصاده بلا اُجرة إشكال لا يُترك الاحتياط بالتصالح .

(مسألة 5) : من اشترى شيئاً ولم يقبضه ، فإن كان ممّا لا يكال ولا يوزن

ص: 567

جاز بيعه قبل قبضه . وكذا إذا كان منهما وباع تولية ؛ أي بما اشتراه . وأمّا لو باع بالمرابحة ففيه إشكال ، والأقوى جوازه على كراهية ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . هذا إذا باعه من غير البائع ، وإلاّ فلا إشكال في جوازه مطلقاً . كما أ نّه لا إشكال فيه فيما إذا ملك شيئاً بغير الشراء ، كالميراث والصداق والخلع وغيرها ، بل الظاهر اختصاص المنع - حرمة أو كراهة - بالبيع ، فلا منع في جعله صِداقاً أو اُجرة وغير ذلك .

القول : في النقد والنسيئة

(مسألة 1) : من باع شيئاً ولم يشترط فيه تأجيل الثمن يكون نقداً وحالاًّ ، فللبائع بعد تسليم المبيع مطالبته في أيّ وقت ، وليس له الامتناع من أخذه متى أراد المشتري دفعه إليه .

ولو اشترط تأجيله يكون نسيئة ؛ لا يجب على المشتري دفعه قبل الأجل وإن طولب ، كما أ نّه لا يجب على البائع أخذه إذا دفعه المشتري قبله . ولا بدّ أن يكون الأجل معيّناً مضبوطاً ؛ لا يتطرّق إليه احتمال الزيادة والنقصان ، فلو اشترط التأجيل ولم يعيّن أو عيّن مجهولاً بطل البيع ، والأقوى عدم كفاية تعيّنه في نفسه مع عدم معرفة المتعاقدين .

(مسألة 2) : لو باع شيئاً بثمن حالاًّ وبأزيد منه إلى أجل ؛ بأن قال : بعتك نقداً بعشرة ونسيئة إلى سنة بخمسة عشر وقبل المشتري ، ففي البطلان إشكال ، ولو قيل بصحّته وأنّ للبائع أقلّ الثمنين ولو عند الأجل فليس ببعيد ، لكن لا يترك الاحتياط . نعم ، لا إشكال في البطلان لو باع بثمن إلى أجل وبأزيد منه إلى آخر .

ص: 568

(مسألة 3) : لا يجوز تأجيل الثمن الحالّ بل مطلق الدين بأزيد منه ؛ بأن يزيد في الثمن الذي استحقّه البائع مقداراً ليؤجّله إلى أجل كذا . وكذلك لا يجوز أن يزيد في الثمن المؤجّل ليزيد في الأجل ؛ سواء وقع ذلك على جهة البيع أو الصلح أو الجعالة أو غيرها ، ويجوز عكس ذلك ، وهو تعجيل المؤجّل بنقصان منه على جهة الصلح أو الإبراء .

(مسألة 4) : لو باع شيئاً نسيئة ، يجوز شراؤه منه قبل حلول الأجل وبعده بجنس الثمن أو بغيره ؛ سواء كان مساوياً للثمن الأوّل أم لا ، وسواء كان البيع الثاني حالاًّ أو مؤجّلاً(1) . وإنّما يجوز ذلك إذا لم يشترط في البيع الأوّل ، فلو اشترط البائع في بيعه على المشتري أن يبيعه منه بعد شرائه ، أو شرط المشتري على البائع أن يشتريه منه ، لم يصحّ على الأحوط . كما أ نّه لا يجوز ذلك مطلقاً لو احتال به للتخلّص من الربا(2) .

القول : في الربا

وقد ثبت حرمته بالكتاب والسنّة وإجماع من المسلمين ، بل لا يبعد كونها من ضروريات الدين ، وهو من الكبائر العظام ، وقد ورد التشديد عليه في الكتاب العزيز والأخبار الكثيرة ؛ حتّى ورد فيه في الخبر الصحيح عن مولانا الصادق علیه السلام ، قال : «درهم رباً عند اللّه أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم» ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في وصيّته لعلي علیه السلام ، قال : «يا علي الربا سبعون

ص: 569


1- في (أ) ورد بعد «مؤجّلاً» : «وربما يحتال بذلك عن التخلّص من الربا» .
2- في (أ) لم يرد : «كما أ نّه . . . الربا» .

جزءاً ، فأيسرها مثل أن ينكح الرجل اُمّه في بيت اللّه الحرام» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «ومن أكل الربا ملأ اللّه بطنه من نار جهنّم بقدر ما أكل ، وإن اكتسب منه مالاً

لم يقبل اللّه منه شيئاً من عمله ، ولم يزل في لعنة اللّه والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه»

إلى غير ذلك .

وهو قسمان : معاملي وقرضي .

أمّا الأوّل : فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية ، كبيع منّ من الحِنطة بمنّين أو بمنّ منها ودرهم . أو حكمية كمنّ منها نقداً بمَنٍّ منها نسيئة .

والأقوى عدم اختصاصه بالبيع ، بل يجري في سائر المعاملات كالصلح ونحوه . وشرطه أمران :

الأوّل : اتّحاد الجنس عرفاً ، فكلّما صدق عليه الحنطة أو الأرُز أو التمر أو العنب بنظر العرف ، وحكموا بالوحدة الجنسية ، فلا يجوز بيع بعضها ببعض بالتفاضل وإن تخالفا في الصفات والخواصّ ، فلا يجوز التفاضل بين الحنطة الرديّة الحمراء والجيّدة البيضاء ، ولا بين العنبر الجيّد من الأرُز والرديء من الشنبة ، ورديء الزاهدي من التمر وجيّد الخستاوي ، وغير ذلك ممّا يُعدّ عرفاً جنساً واحداً ، بخلاف ما لا يعدّ كذلك كالحنطة والعدس ، فلا مانع من التفاضل بينهما .

الثاني : كون العوضين من المكيل أو الموزون ، فلا ربا فيما يباع بالعدّ أو المشاهدة .

(مسألة 1) : الشعير والحنطة في باب الربا بحكم جنس واحد ، فلا يجوز المعاوضة بينهما بالتفاضل ؛ وإن لم يكونا كذلك عرفاً وفي باب الزكاة ونحوه ،

ص: 570

فلا يكمل نصاب أحدهما بالآخر . وهل العلس من جنس الحنطة والسلت من جنس الشعير ؟ فيه إشكال ، والأحوط أن لا يباع أحدهما بالآخر ، وكلّ منهما بالحنطة والشعير إلاّ مثلاً بمثل .

(مسألة 2) : كلّ شيء مع أصله بحكم جنس واحد وإن اختلفا في الاسم كالسمسم والشيرج ، واللبن مع الجبن والمخيض واللباء وغيرها ، والتمر والعنب مع خلّهما ودبسهما ، وكذا الفرعان من أصل واحد كالجبن مع الاُقط والزبد وغيرهما .

(مسألة 3) : اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان ، فيجوز التفاضل بين لحم الغنم ولحم البقر ، وكذا بين لبنهما أو دهنهما .

(مسألة 4) : لا تجري تبعية الفرع للأصل في المكيلية والموزونية ، فما كان أصله ممّا يُكال أو يُوزن ، فخرج منه شيء لا يكال ولا يوزن ، لا بأس بالتفاضل بين الأصل وما خرج منه ، وكذا بين ما خرج منه بعضه مع بعض ، فلا بأس بالتفاضل بين القطن ومنسوجه ، ولا بين منسوجين منه ؛ بأن يباع ثوبان بثوب ، وربما يكون شيء مكيلاً أو موزوناً في حال دون حال ، كالثمرة على الشجرة وحال الاجتناء ، وكالحيوان قبل أن يذبح ويسلخ وبعدهما ، فيجوز بيع شاة بشاتين بلا إشكال . نعم ، الظاهر أنّه لا يجوز بيع لحم حيوان بحيوان حيّ من جنسه كلحم الغنم بالشاة ، وحرمة ذلك ليست من جهة الربا ، بل لا يبعد تعميم الحكم إلى بيع اللحم بحيوان من غير جنسه ، كلحم الغنم بالبقر .

(مسألة 5) : لو كان لشيء حالة رطوبة وجفاف - كالرطب والتمر والعنب والزبيب ، وكذا الخبز ، بل واللحم يكون نِيّاً ثمّ صار قديداً - فلا إشكال في بيع

ص: 571

جافّه بجافّه ورطبه برطبه مثلاً بمثل ، كما أنّه لا يجوز بالتفاضل . وأمّا جافّه برطبه كبيع التمر بالرطب ففي جوازه إشكال ، والأحوط العدم ؛ سواء كان بالتفاضل أو مثلاً بمثل .

(مسألة 6) : التفاوت بالجودة والرداءة لا يوجب جواز التفاضل في المقدار ، فلا يجوز بيع مثقال من ذهب جيّد بمثقالين من رديء وإن تساويا في القيمة .

(مسألة 7) : ذكروا للتخلّص من الربا وجوهاً مذكورة في الكتب(1) ، وقد جدّدتُ النظر في المسألة ، فوجدت أنّ التخلّص من الربا غير جائز بوجه من الوجوه ، والجائز هو التخلّص من المماثلة مع التفاضل ، كبيع مَنّ من الحنطة المساوي في القيمة لمنَّين من الشعير أو الحنطة الرديّة ، فلو اُريد التخلّص من مبايعة المماثلين بالتفاضل ، يضمّ إلى الناقص شيء فراراً من الحرام إلى الحلال ، وليس هذا تخلّصاً من الربا حقيقة . وأمّا التخلّص منه فغير جائز بوجه من وجوه الحيل .

(مسألة 8) : لو كان شيء يباع جزافاً في بلد وموزوناً في آخر ، فلكلّ بلد حكم نفسه .

(مسألة 9) : لا ربا بين الوالد وولده ، ولا بين الرجل وزوجته ، ولا بين المسلم والحربي ؛ بمعنى أ نّه يجوز أخذ الفضل للمسلم . ويثبت بين المسلم والذمّي .

هذا بعض الكلام في الربا المعاملي ، وأمّا الربا القرضي فيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى .

ص: 572


1- في (أ) ورد بعد «الكتب» : «ونعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال، كضمّ غير الجنس بالطرفين» ولم ترد فيه : «وقد جدّدت» إلى آخر المسألة .

القول : في بيع الصرف

وهو بيع الذهب بالذهب أو بالفضّة ، أو الفضّة بالفضّة أو بالذهب ، ولا فرق بين المسكوك منهما وغيره ؛ حتّى في الكلبتون المصنوع من الإبريسم . وأحد النقدين إذا بيع بالآخر وقوبل بين النقدين اللذين فيهما يكون صرفاً ، وأمّا إذا قوبل بين الثوبين فالظاهر عدم جريان الصرف فيه ، وكذا إذا بيع بأحدهما . ويشترط في صحّته التقابض في المجلس ، فلو تفرّقا ولم يتقابضا بطل البيع ، ولو قبض بعض صحّ فيه خاصّة وبطل فيما لا يقبض ، وكذا إذا بيع أحد النقدين مع غيرهما صفقة واحدة بأحدهما ولم يقبض الجملة حتّى تفرّقا ، بطل في النقد وصحّ في غيره .

(مسألة 1) : لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل البيع ، فإذا تقابضا قبل أن يفترقا صحّ .

(مسألة 2) : إنّما يشترط التقابض في معاوضة النقدين إذا كانت بالبيع دون غيره ، كالصلح والهبة المعوَّضة وغيرهما .

(مسألة 3) : لو وقعت المعاملة على النوت والمنات والأوراق النقدية المتعارفة في زماننا من طرف واحد أو الطرفين ، فالظاهر عدم جريان أحكام بيع الصرف عليها(1) ، ولكن لا يجوز التفاضل لو اُريد التخلّص من الربا ، فمن أراد الإقراض بربح فتخلّص منه ببيع الأوراق النقدية متفاضلاً فعل حراماً ، وبطل

ص: 573


1- في (أ) بعد «عليها» : «وعدم ثبوت الربا مع الزيادة ، نعم ، لو فرض» وليس فيها «ولكن . . . أيضاً و» .

البيع أيضاً ، ولو فرض في مورد وقوع المعاملة بين النقدين وكانت المذكورات كالصكوك التجارية ، يجري فيها الصرف ويثبت الربا ، لكنّه مجرّد فرض في أمثالها في هذا الزمان ، وحينئذٍ لا يكفي في التقابض المعتبر في الصرف قبض المذكورات .

(مسألة 4) : الظاهر أنّه يكفي في القبض كونه في الذمّة ، ولا يحتاج إلى قبض خارجي ، فلو كان في ذمّة زيد دراهم لعمرو فباعها بالدنانير وقبضها قبل التفرّق صحّ ، بل لو وكّل زيداً بأن يقبضها عنه صحّ .

(مسألة 5) : لو اشترى دراهم ببيع الصرف ثمّ اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم لم يصحّ الثاني ، فإذا حصل التقابض بعد ذلك قبل التفرّق صحّ الأوّل ، وإن افترقا قبله بطل الأوّل أيضاً .

(مسألة 6) : لو كان له عليه دراهم ، فقال للذي هي عليه : حوّلها دنانير ، فرضي وتقبّلها في ذمّته بدل الدراهم ، فإن كان ذلك توكيلاً منه في بيع ما في ذمّته بالآخر صحّ ، وإلاّ فبمجرّد الرضا بالتحويل والتقبّل المذكور يشكل أن تقع المعاملة . واحتمال أن يكون ذلك عنواناً آخر غير البيع بعيد .

(مسألة 7) : الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجة بين عامّة الناس ولو علموا بالحال ، يجوز صرفها وإنفاقها والمعاملة بها ، وإلاّ فلا يجوز إلاّ بعد إظهار حالها ، والأحوط كسرها وإن لم تعمل للغشّ .

(مسألة 8) : حيث إنّ الذهب والفضّة من الربوي ، فإذا بيع كلُّ منهما بجنسه ، يلزم على المتعاملين إيقاعه على نحو لا يقعان في الربا ؛ بأن لا يكون

ص: 574

التفاضل(1) ، وهذا ممّا ينبغي أن يهتمّ به المتعاملون خصوصاً الصيارفة ، وقد نهي عن الصرف معلّلاً بأنّ الصيرفي لا يسلم من الربا .

(مسألة 9) : يكفي في الضميمة وجود دخيل في الذهب والفضّة إن كان له مالية لو تخلّص منهما ، فإذا بيعت فضّة ذات دخيل بمثلها ، جاز بالمثل وبالتفاضل إذا لم يكن المقصود الفرار من الربا(2) ، وإذا بيعت بالخالصة لا بدّ أن تكون الخالصة زائدة منها حتّى تقع الزيادة مقابل الدخيل ، وإذا لم يعلم مقدار الدخيل والفضّة تباع بغير جنسها ، أو بمقدار يعلم إجمالاً زيادته على الفضّة في ذات الدخيل ، وكذلك الأشياء المحلاّة بالذهب أو الفضّة ونحوها .

(مسألة 10) : لو اشترى فضّة معيّنة بفضّة أو بذهب - مثلاً - فوجدها من غير جنسها - كالنحاس والرصاص - بطل البيع ، وليس له مطالبة البدل ، كما أنّه ليس للبائع إلزامه به ، ولو وجد بعضها كذلك بطل فيه وصحّ في الباقي ، وله ردّ الكلّ ؛ لتبعّض الصفقة ، وللبائع أيضاً ردّه مع جهله بالحال . ولو اشترى فضّة كلّياً في الذمّة بذهب أو فضّة ، وبعد ما قبضها وجد المدفوع كلاًّ أو بعضاً من غير جنسها ، فإن كان قبل أن يفترقا فللبائع الإبدال بالجنس ، وللمشتري مطالبة البدل ، وإن كان بعد التفرّق بطل في الكلّ أو البعض على حذو ما سبق . هذا إذا كان من غير الجنس .

وأمّا إذا كان من الجنس ، ولكن ظهر بها عيب - كخشونة الجوهر ، والدخيل الزائد على المتعارف ، واضطراب السكّة ، ونحوها - ففي الأوّل ، وهو ما

ص: 575


1- في (أ) ورد بعد «التفاضل» : «أو يتخلّص منه بوجه آخر» .
2- في (أ) لم يرد : «إذا لم يكن المقصود الفرار من الربا» .

إذا كان المبيع فضّة معيّنة في الخارج ، كان له الخيار بردّ الجميع أو إمساكه ، وليس له ردّ المعيب وحده لو كان هو البعض ؛ على إشكال تقدّم في خيار العيب ، وليس له مطالبة الأرش لو كان العوضان متجانسين ، كالفضّة بالفضّة في مثل خشونة الجوهر واضطراب السكّة على الأحوط لو لم يكن الأقوى ؛ للزوم الربا . ولو تخالفا - كالفضّة بالذهب - فله ذلك قبل التفرّق ، وأمّا بعده ففيه إشكال ، خصوصاً إذا كان الأرش من النقدين ، ولكن الأقوى أنّ له ذلك ، خصوصاً إذا كان من غيرهما . وأمّا في الثاني وهو ما لو كان المبيع كلّياً في الذمّة ، وظهر عيب في المدفوع ، فلا يبعد أن يكون مخيّراً بين إمساك المعيب بالثمن ومطالبة البدل قبل التفرّق ، وأمّا بعده ففيه إشكال . وهل له أخذ الأرش ؟ الأقرب عدم ثبوته حتّى في المتخالفين كالفضّة بالذهب ، وحتّى قبل التفرّق .

(مسألة 11) : لا يجوز أن يشتري من الصائغ خاتماً أو قرطاً - مثلاً - من فضّة أو ذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة اُجرته ، بل إمّا أن يشتريه بغير جنسه أو يشتري منه مقداراً منهما بجنسه مثلاً بمثل ، ويعيّن له اُجرة لصياغته . نعم ، لو كان فصّ الخاتم - مثلاً - من الصائغ ، وكان من غير جنس حلقته ، جاز الشراء بجنسه مع الزيادة في غير صورة التخلّص من الربا(1) .

(مسألة 12) : لو كان على زيد دنانير ، وأخذ منه دراهم تدريجاً شيئاً فشيئاً ، فإن كان ذلك بعنوان الوفاء والاستيفاء ، ينتقص من الدنانير في كلّ دفعة بمقدار ما أخذه من الدراهم بسعر ذلك الوقت ، وإن كان أخذها بعنوان الاقتراض

ص: 576


1- في (أ) لم يرد : «في غير صورة التخلّص من الربا» .

اشتغلت ذمّته بالدراهم ، وبقيت ذمّة زيد مشغولة بتلك الدنانير ، فلكلٍّ منهما مطالبة صاحبه حقّه ، وفي احتساب كلّ منهما ما له على الآخر وفاءً عمّا عليه للآخر ولو مع التراضي إشكال ، كما أنّ في بيع إحداهما بالاُخرى إشكالاً ، فلا محيص إلاّ من إبراء كلّ منهما ما له على الآخر أو مصالحة الدنانير بالدراهم . نعم ، لو كانت الدراهم المأخوذة تدريجاً قد اُخذت بعنوان الأمانة حتّى إذا اجتمعت عنده بمقدار الدنانير تحاسبا ، فلا إشكال في جواز جعلها عند الحساب وفاء ، كما أنّه يجوز بيع الدنانير التي في الذمّة بالدراهم الموجودة . وعلى أيّ حال يلاحظ سعر الدنانير والدراهم عند الحساب ، ولا ينظر إلى اختلاف الأسعار السابقة .

(مسألة 13) : لو أقرض زيداً نقداً معيّناً ، أو باعه شيئاً بنقد معيّن كالليرة إلى أجل معلوم ، وزاد سعر ذلك النقد أو نقص عند حلول الأجل عن سعره يوم الإقراض أو البيع ، لا يستحقّ إلاّ عين ذلك النقد ، ولا ينظر إلى زيادة سعره ونقصانه .

(مسألة 14) : يجوز أن يبيع مثقالاً من فضّة خالصة من الصائغ - مثلاً - بمثقال من فضّة فيها دخيل متموّل ، واشترط عليه أن يصوغ له خاتماً مثلاً . وكذا يجوز أن يقول للصائغ : صغ لي خاتماً وأنا أبيعك عشرين مثقالاً من فضّة جيّدة بعشرين مثقالاً من فضّة رديّة ، ولم يلزم الربا في الصورتين ؛ بشرط أن لا يكون المقصود التخلّص من الربا(1) .

(مسألة 15) : لو باع عشر روپيات - مثلاً - بليرة واحدة إلاّ روپية واحدة ،

ص: 577


1- في (أ) لم يرد : «بشرط أن... الربا» .

صحّ بشرط أن يعلما نسبة الروپية بحسب سعر الوقت إلى الليرة ؛ حتّى يعلما أيّ مقدار استُثني منها ، وبشرط أن لا يكون المراد التخلّص من الربا(1) .

القول : في السلف

ويقال : السلم أيضاً ، وهو ابتياع كلّي مؤجّل بثمن حالّ عكس النسيئة . ويقال للمشتري : المسلم بكسر اللام ، وللثمن بفتحها ، وللبائع : المسلم إليه ، وللمبيع : المسلم فيه . وهو يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وكلّ واحد من البائع والمشتري صالح لأن يوجب أو يقبل من الآخر ، فالإيجاب من البائع بلفظ البيع وأشباهه بأن يقول : «بعتك وزنة من حنطة بصفة كذا إلى أجل كذا بثمن كذا» . ويقول المشتري : «قبلت» أو «اشتريت» . وأمّا الإيجاب من المشتري فهو بلفظي «أسلمت» أو «أسلفت» بأن يقول : «أسلمت إليك أو أسلفت مائة درهم - مثلاً - في وزنة من حنطة بصفة كذا إلى أجل كذا» ، فيقول المسلم إليه وهو البائع : «قبلت» . ويجوز إسلاف غير النقدين في غيرهما ؛ بأن يكون كلّ من الثمن والمثمن من غيرهما ، مع اختلاف الجنس ، أو عدم كونهما أو أحدهما من المكيل والموزون . وكذا إسلاف أحد النقدين في غيرهما وبالعكس . ولا يجوز إسلاف أحد النقدين في أحدهما مطلقاً . ولا يصحّ أن يباع بالسلف ما لا يمكن ضبط أوصافه التي تختلف القيمة والرغبات باختلافها ، كالجواهر واللآلي والعقار والأرضين وأشباهها ؛ ممّا لا يرتفع الجهالة والغَرَر فيها إلاّ بالمشاهدة . بخلاف ما يمكن ضبطها بما لا يؤدّي إلى عزّة الوجود ، كالخضر والفواكه والحبوبات

ص: 578


1- في (أ) لم يرد : «وبشرط أن... الربا» .

كالحنطة والشعير والأرُز ونحو ذلك ، بل البيض والجوز واللوز ونحوها ، وكذا أنواع الحيوان والملابس والأشربة والأدوية بسيطها ومركّبها .

ويشترط فيه اُمور :

الأوّل : ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة .

الثاني : قبض الثمن قبل التفرّق من مجلس العقد ، ولو قبض البعض صحّ فيه وبطل في الباقي ، ولو كان الثمن دَيناً في ذمّة البائع ، فإن كان مؤجّلاً لا يجوز جعله ثمناً للمسلم فيه ، وإن كان حالاًّ فالظاهر جوازه وإن لم يخلُ من إشكال ، فالأحوط تركه ، ولو جعل الثمن كلّياً في ذمّة المشتري ، ثمّ حاسبه به بماله في ذمّة البائع المسلم إليه ، سلم عن الإشكال .

الثالث : تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن أو العدّ بمقدّره .

الرابع : تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيّام أو الشهور أو السنين ونحو ذلك ، ولو جعل الأجل إلى أوان الحصاد أو الدياس ونحو ذلك بطل . ولا فرق في الأجل بعد كونه مضبوطاً بين أن يكون قليلاً كيوم أو نصف يوم ، أو كثيراً كعشرين سنة .

الخامس : غلبة الوجود وقت الحلول وفي البلد الذي شرط أن يسلّم فيه المسلم فيه لو اشترط ذلك ؛ بحيث يكون مأمون الانقطاع ومقدور التسليم عادة .

(مسألة 1) : الأحوط تعيين بلد التسليم ، إلاّ إذا كان انصراف إلى بلد العقد أو بلد آخر .

(مسألة 2) : لو جعل الأجل شهراً أو شهرين ، فإن كان وقوع المعاملة في أوّل الشهر عدّ شهراً هلالياً أو شهرين كذلك ، ولا ينظر إلى نقصان الشهر وتمامه ، وإن

ص: 579

أوقعاها في أثنائه فالأقوى التلفيق ؛ بأن يُعدّ من الشهر الآخر ما فات وانقضى من الشهر الأوّل ، فلو وقع في العاشر وكان الأجل شهراً حلّ الأجل في عاشر الثاني وهكذا ، فربما لا يكون ثلاثين يوماً ، وهو ما إذا كان الأوّل ناقصاً ، والأحوط التصالح ؛ لما قيل من أنّ اللازم عدّ ثلاثين يوماً في الفرض .

(مسألة 3) : لو جعل الأجل إلى جُمادى أو الربيع حمل على أقربهما ، وكذا لو جعل إلى الخميس أو الجمعة ، فيحلّ بأوّل جزء من الهلال في الأوّل ، ومن نهار اليوم في الثاني .

(مسألة 4) : لو اشترى شيئاً سلفاً لم يجز بيعه قبل حلول الأجل ؛ لا على البائع ولا على غيره ؛ سواء باعه بجنس الثمن الأوّل أو بغيره ، وسواء كان مساوياً له أو أكثر أو أقلّ ، ويجوز بعده - سواء قبضه أم لا - على البائع وغيره بجنس الثمن وغيره ، بالمساوي له أو بالأقلّ أو الأكثر ما لم يستلزم الربا .

(مسألة 5) : لو دفع المسلم إليه إلى المشتري - بعد الحلول - الجنس الذي أسلم فيه ، وكان دونه من حيث الصفة أو المقدار ، لم يجب قبوله ، وإن كان مثله يجب القبول كغيره من الديون . وكذا إذا كان فوقه من حيث الصفة ؛ بأن كان مصداقاً للموصوف مع كمال زائد . وفي غير ذلك فالظاهر عدم وجوبه ، كما إذا أسلم في الفرس الشموس وأراد إعطاء المرتاض . وكذا إذا كان أكثر منه بحسب المقدار لم يجب قبول الزيادة .

(مسألة 6) : إذا حلّ الأجل ولم يتمكّن البائع من أداء المسلم فيه لعارض من آفة ، أو عجز له من تحصيله ، أو إعوازه في البلد مع عدم إمكان جلبه من غيره ، إلى غير ذلك من الأعذار حتّى انقضى الأجل ، كان المشتري بالخيار

ص: 580

بين أن يفسخ ويرجع بثمنه ورأس ماله ، ويصبر إلى أن يتمكّن البائع من الأداء ، وليس له إلزامه بقيمته وقت حلول الأجل على الأقوى .

القول : في المرابحة والمواضعة والتولية

ما يقع من المتعاملين في مقام البيع والشراء على نحوين :

أحدهما : أن لا يقع منهما إلاّ المقاولة وتعيين الثمن والمثمن ؛ من دون ملاحظة رأس المال وأنّ في هذه المعاملة نفعاً للبائع أو خسراناً ، فيوقعان البيع على شيء معلوم بثمن معلوم ، ويسمّى ذلك البيع بالمساومة ، وهو أفضل أنواعه .

وثانيهما : أن يكون الملحوظ كونها رابحة أو خاسرة أو لا رابحة ولا خاسرة . ومن هذه الجهة ينقسم البيع إلى المرابحة والمواضعة والتولية ، فالأوّل البيع برأس المال مع الزيادة ، والثاني البيع مع النقيصة ، والثالث البيع بلا زيادة أو نقيصة . ولا بدّ في تحقّق هذه العناوين من إيقاع عقده بما يفيد أحدها ، ويعتبر في الاُولى تعيين مقدار الربح ، وفي الثانية مقدار النقصان : فيقال في الاُولى : بعتك بما اشتريت مع ربح كذا ، فيقبل المشتري . وفي الثانية : بعتك بما اشتريت مع نقصان كذا . وفي الثالثة : بعتك بما اشتريت .

(مسألة 1) : لو قال البائع في المرابحة : بعتك هذا بمائة وربح درهم في كلّ عشرة ، وفي المواضعة : بوضيعة درهم في كلّ عشرة ، فإن تبيّن عنده مبلغ الثمن ومقداره صحّ البيع على الأقوى على كراهية ، بل الصحّة لا تخلو من قوّة إن لم يتبيّن له ذلك بعد ضمّ الربح وتنقيص الوضيعة عند البيع .

(مسألة 2) : لو تعدّدت النقود واختلف سعرها وصرفها ، لا بدّ من ذكر النقد

ص: 581

والصرف ؛ وأ نّه اشتراه بأيّ نقد وأيّ مقدار كان صرفه . وكذا لا بدّ من ذكر الشروط والأجل ونحو ذلك ممّا يتفاوت لأجلها الثمن .

(مسألة 3) : لو اشترى متاعاً بثمن معيّن ، ولم يحدث فيه ما يوجب زيادة قيمته ، فرأس ماله ذلك الثمن ، فلا يجوز الإخبار بغيره . وإن أحدث فيه ذلك ، فإن كان بعمل نفسه لم يجز أن يضمّ اُجرة عمله إلى الثمن المسمّى ؛ ويخبر : بأنّ رأس ماله كذا ، أو اشتريته بكذا ، بل عبارته الصادقة أن يقول : اشتريته بكذا - وأخبر بالثمن المسمّى - وعملت فيه كذا . وإن كان باستئجار غيره جاز أن يضمّ الاُجرة إلى الثمن ، ويخبر : بأ نّه تقوّم عليّ بكذا ؛ وإن لم يجز أن يقول : اشتريته بكذا ، أو رأس ماله كذا . ولو اشترى معيباً ورجع بالأرش إلى البائع ، له أن يخبر بالواقعة ، وله أن يسقط مقدار الأرش من الثمن ، ويجعل رأس ماله ما بقي ، وأخبر به ، وليس له أن يخبر بالثمن المسمّى من دون إسقاط قدر الأرش . ولو حطّ البائع بعض الثمن - بعد البيع تفضّلاً - جاز أن يُخبر بالأصل من دون إسقاط الحطيطة .

(مسألة 4) : يجوز أن يبيع متاعاً ، ثمّ يشتريه بزيادة أو نقيصة ؛ إن لم يشترط على المشتري بيعه منه وإن كان من قصدهما ذلك . وبذلك ربما يحتال من أراد أن يجعل رأس ماله أزيد ممّا اشترى ؛ بأن يبيعه من ابنه - مثلاً - بثمن أزيد ثمّ يشتريه بذلك الثمن للإخبار به في المرابحة . وهذا وإن لم يكذب في رأس ماله - إن كان البيع والشراء من ابنه جدّاً - وصحّ بيعه على أيّ حال ، لكنّه خيانة وغشّ ، فلا يجوز ارتكابه . نعم ، لو لم يكن ذلك عن مواطأة وبقصد الاحتيال جاز ولا محذور فيه .

(مسألة 5) : لو ظهر كذب البائع في إخباره برأس المال صحّ البيع ، وتخيّر

ص: 582

المشتري بين فسخه وإمضائه بتمام الثمن . ولا فرق بين تعمّد الكذب وصدوره غلطاً أو اشتباهاً من هذه الجهة ، وهل يسقط هذا الخيار بالتلف ؟ فيه إشكال ، ولا يبعد عدم السقوط .

(مسألة 6) : لو سلّم التاجر متاعاً إلى الدلاّل ليبيعه له ، فقوّمه عليه بثمن معيّن ، وجعل ما زاد عليه له ؛ بأن قال له : «بعه عشرة رأس ماله ، فما زاد عليه فهو لك» ، لم يجز له أن يبيعه مرابحة ؛ بأن يجعل رأس المال ما قوّم عليه التاجر ، ويزيد عليه مقداراً بعنوان الربح ، بل اللازم إمّا بيعه مساومة ، أو يبيّن ما هو الواقع ؛ من أنّ ما قوّم عليّ التاجر كذا وأنا اُريد النفع كذا ، فإن باعه بزيادة كانت الزيادة له ، وإن باعه بما قوّم عليه صحّ البيع ، والثمن للتاجر ، وهو لم يستحقّ شيئاً وإن كان الأحوط إرضاؤه ، وإن باعه بالأقلّ يكون فضولياً يتوقّف على إجازة التاجر .

(مسألة 7) : لو اشترى شخص متاعاً أو داراً أو غيرهما ، جاز أن يشرك فيه غيره بما اشتراه ؛ بأن يشركه فيه بالمناصفة بنصف الثمن ، أو بالمثالثة بثلثه وهكذا ، ويجوز إيقاعه بلفظ التشريك ؛ بأن يقول : شرّكتك في هذا المتاع نصفه بنصف الثمن ،أو ثلثه بثلثه مثلاً ، فقال : «قبلت» ، ولو أطلق لا يبعد انصرافه إلى المناصفة ، وهل هو بيع ، أو عنوان مستقلّ ؟ كلٌّ محتمل ، وعلى الأوّل فهو بيع التولية .

القول : في بيع الثمار على النخيل والأشجار

المسمّى في العرف الحاضر بالضمان . ويلحق بها الزرع والخضراوات .

(مسألة 1) : لا يجوز بيع الثمار على النخيل والأشجار قبل بروزها وظهورها عاماً واحداً بلا ضميمة ، ويجوز بيعها عامين فما زاد أو مع الضميمة .

ص: 583

وأمّا بعد ظهورها ، فإن بدا صلاحها ، أو كان في عامين ، أو مع الضميمة ، جاز بيعها بلا إشكال ، ومع انتفاء الثلاثة فيه قولان ، أقواهما الجواز مع الكراهة ، ولا يبعد أن تكون للكراهة مراتب إلى بلوغ الثمرة وترتفع به .

(مسألة 2) : بدوّ الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره ، وفي غيره انعقاد حبّه بعد تناثر ورده وصيرورته مأموناً من الآفة .

(مسألة 3) : يعتبر في الضميمة في مورد الاحتياج إليها كونها ممّا يجوز بيعها منفردة ، وكونها مملوكة للمالك ، ومنها الاُصول لو بيعت مع الثمرة . وهل يعتبر كون الثمرة تابعة أو لا ؟ الأقوى عدمه .

(مسألة 4) : لو ظهر بعض ثمرة البستان جاز بيع ثمرته أجمع : الموجودة والمتجدّدة في تلك السنة ؛ سواء اتّحدت الشجرة أو تكثّرت ، وسواء اختلف الجنس أو اتّحد . وكذلك لو أدركت ثمرة بستان ، جاز بيعها مع ثمرة بستان آخر لم تدرك .

(مسألة 5) : لو كانت الشجرة تثمر في سنة واحدة مرّتين فالظاهر أنّ ذلك بمنزلة عامين ، فيجوز بيع المرّتين قبل الظهور .

(مسألة 6) : لو باع الثمرة سنة أو أزيد ، ثمّ باع الاُصول من شخص آخر ، لم يبطل بيع الثمرة ، فتنتقل الاُصول إلى المشتري مسلوبة المنفعة . ولو كان جاهلاً كان له الخيار في الفسخ . وكذا لا يبطل بيع الثمار بموت بائعها ولا بموت مشتريها ، بل تنتقل الاُصول في الأوّل إلى ورثة البائع مسلوبة المنفعة ، والثمرة في الثاني إلى ورثة المشتري .

(مسألة 7) : لو باع الثمرة بعد ظهورها أو بدوّ صلاحها ، فاُصيبت بآفة

ص: 584

سماوية أو أرضية قبل قبضها - وهو التخلية على وجه مرّ في باب القبض - كان من مال بائعها . والظاهر إلحاق النهب والسرقة ونحوهما بالآفة . نعم ، لو كان المتلف شخصاً معيّناً كان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف بالبدل . ولو كان التلف بعد القبض كان من مال المشتري ، ولم يرجع إلى البائع .

(مسألة 8) : يجوز أن يستثني البائع لنفسه حصّة مشاعة من الثمر كالثلث والربع ، أو مقداراً معيّناً كمنّ أو منّين ، كما أنّ له أن يستثني ثمرة نخيل أو شجر معيّن ، فإن خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه في الأوّل ، والأحوط التصالح في الثاني .

(مسألة 9) : يجوز بيع الثمرة على النخل والشجر بكلّ شيء يصحّ أن يجعل ثمناً في أنواع البيوع ؛ من النقود والأمتعة وغيرهما ، بل المنافع والأعمال ونحوهما . نعم ، لا يجوز بيع التمر على النخيل بالتمر ؛ سواء كان من تمرها ، أو تمر آخر على النخيل ، أو موضوعاً على الأرض ، وهذا يسمّى بالمزابنة . والأحوط إلحاق ثمرة ما عدا النخيل من الأشجار بها ، فلا تباع بجنسها ؛ وإن كان الأقوى عدم الإلحاق . نعم ، لا يجوز بيعها بمقدار منها على الأقوى .

(مسألة 10) : يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمرة بزيادة عمّا ابتاعه أو بنقصان قبل قبضه وبعده .

(مسألة 11) : لا يجوز بيع الزرع بذراً قبل ظهوره ، وفي جواز الصلح عليه وجه ، وبيعه تبعاً للأرض لو باعها وأدخله في المبيع بالشرط محلّ إشكال . وأمّا بعد ظهوره وطلوع خُضرته فيجوز بيعه قصيلاً ؛ بأن يبيعه بعنوانه وأن يقطعه المشتري قبل أن يسنبل ؛ سواء بلغ أوان قصله ، أو لم يبلغ وعيّن مدّة لإبقائه ، وإن

ص: 585

أطلق فله إبقاؤه إلى أوان قصله . ويجب على المشتري قطعه إذا بلغ أوانه إلاّ إذا رضي البائع ، ولو لم يرض به ولم يقطعه المشتري فللبائع قطعه ، والأحوط أن يكون بعد الاستئذان من الحاكم مع الإمكان . وله تركه والمطالبة باُجرة أرضه مدّة بقائه وأرش نقصها على فرضه . ولو أبقاه إلى أن طلعت سنبلته فهل تكون ملكاً للمشتري ، أو للبائع ، أو هما شريكان ؟ وجوه ، والأحوط التصالح . وكما يجوز بيع الزرع قصيلاً يجوز بيعه من أصله ، لا بعنوان كونه قصيلاً وبشرط أن يقطعه ، فهو ملك للمشتري إن شاء قصله وإن شاء تركه إلى أن يسنبل .

(مسألة 12) : لا يجوز بيع السنبل قبل ظهوره وانعقاد حبّه ، ويجوز بعد انعقاده ؛ سواء كان حبّه بارزاً كالشعير أو مستوراً كالحنطة ، منفرداً أو مع اُصوله ، قائماً أو حصيداً . ولا يجوز بيعه بحبٍّ من جنسه ؛ بأن يباع سنابل الحنطة بالحنطة وسنابل الشعير بالشعير على الأحوط ، وهذا يسمّى بالمحاقلة . وفي شمولها لبيع سنبل الحنطة بالشعير وسنبل الشعير بالحنطة إشكال ، لكن لا يترك الاحتياط ، خصوصاً في سنبل الشعير بالحنطة . والأقوى عدم جريان هذا الحكم في غيرهما - كالأرُز والذرة وغيرهما - وإن كان جريانه أحوط . نعم ، الأقوى عدم جواز بيع كلّ منهما بمقدار حصل منه .

(مسألة 13) : لا يجوز بيع الخضر - كالخيار والباذنجان والبطّيخ ونحوها - قبل ظهورها ، ويجوز بعد انعقادها وظهورها لقطة واحدة أو لقطات معلومة . والمرجع في اللقطة إلى عرف الزرّاع وعادتهم ، والظاهر أنّ ما يلتقط منها من الباكورة لا تعدّ لقطة .

(مسألة 14) : إنّما يجوز بيع الخضر - كالخيار والبطّيخ - مع مشاهدة ما يمكن

ص: 586

مشاهدته في خلال الأوراق ، ولا يضرّ عدم مشاهدة بعضها المستور ، كما لا يضرّ عدم بلوغ رشدها كلاًّ أو بعضاً ، وكذا لا يضرّ انعدام ما عدا الاُولى من اللقطات بعد ضمّها إليها .

(مسألة 15) : إذا كانت الخضر ممّا كان المقصود منها مستوراً في الأرض - كالجزر والشلجم - يشكل جواز بيعها قبل قلعها . نعم ، في مثل البصل ممّا كان الظاهر منه أيضاً مقصوداً يجوز بيعه منفرداً ومع اُصوله .

(مسألة 16) : يجوز بيع نحو الرطبة والكرّاث والنعناع بعد الظهور جزّة وجزّات معيّنة . وكذا ورق التوت والحنّاء خرطة وخرطات . والمرجع في الجزّة والخرطة هو العرف والعادة . ولا يضرّ انعدام بعض الأوراق بعد وجود مقدار يكفي للخرط وإن لم يبلغ أوان خرطه ، فيضمّ الموجود إلى المعدوم .

(مسألة 17) : لو كان نخل أو شجر أو زرع بين اثنين - مثلاً - بالمناصفة ، يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين حصّة صاحبه بخرص معلوم ؛ بأن يخرص المجموع بمقدار فيتقبّل أن يكون المجموع له ، ويدفع لصاحبه من الثمرة نصف المجموع بحسب خرصه زاد أو نقص ، ويرضى به صاحبه . والظاهر أ نّه معاملة خاصّة برأسها ، كما أنّ الظاهر أ نّه ليس له صيغة خاصّة ، فيكفي كلّ لفظ يكون ظاهراً في المقصود بحسب متفاهم العرف .

(مسألة 18) : من مرّ بثمرة نخل أو شجر مجتازاً - لا قاصداً لأجل الأكل - جاز له أن يأكل منها بمقدار شبعه وحاجته ؛ من دون أن يحمل منها شيئاً ، ومن دون إفساد للأغصان أو إتلاف للثمار . والظاهر عدم الفرق بين ما كان على الشجر أو متساقطاً عنه ، والأحوط الاقتصار على ما إذا لم يعلم كراهة المالك .

ص: 587

القول : في بيع الحيوان

(مسألة 1) : كلّ حيوان مملوك كما يجوز بيع جميعه يجوز بيع بعضه المشاع كالنصف والربع . وأمّا جزؤه المعيّن - كرأسه وجلده ، أو يده ورجله - أو نصفه الذي فيه رأسه - مثلاً - فإن كان ممّا لا يؤكل لحمه ، أو لم يكن المقصود منه اللحم بل الركوب والحمل وإدارة الرحى ونحو ذلك ، لم يجز بيعه . نعم ، لو كان ما لا يؤكل قابلاً للتذكية يجوز بيع جلده . وكذا ما لم يكن المقصود منه اللحم - كالفرس والحمار - إذا اُريد ذبحه لإهابه ، يجوز بيعه . وأمّا إذا كان المقصود منه اللحم والذبح - مثل ما يشتريه القصّابون ويباع منهم - فالظاهر صحّة بيعه ، فإن ذبحه فللمشتري ما اشتراه ، وإن باعه يكون شريكاً في الثمن بنسبة ماله ؛ بأن ينسب قيمة الرأس والجلد - مثلاً - على تقدير الذبح إلى قيمة البقيّة ، فله من الثمن بتلك النسبة . وكذا الحال فيما لو باع حيواناً قصد به اللحم واستثنى الرأس والجلد ، أو اشترك اثنان أو جماعة ، وشرط أحدهم لنفسه الرأس والجلد أو الرأس والقوائم مثلاً ، أو اشترى شخص حيواناً ثمّ شرّك غيره معه في الرأس والجلد مثلاً ، فيصحّ في الجميع فيما يراد ذبحه ، فإذا ذبح يستحقّ العين ، وإلاّ كان شريكاً بالنسبة كما مرّ .

(مسألة 2) : لو قال شخص لآخر : اشتر حيواناً - مثلاً - بشركتي ، كان ذلك منه توكيلاً في الشراء ، فلو اشتراه بحسب أمره كان المبيع بينهما نصفين ، إلاّ إذا صرّح بكون الشركة على نحو آخر . ولو دفع المأمور عن الآمر ما عليه من الثمن ، ليس له الرجوع إليه ما لم تكن قرينة تقتضي أنّ المقصود

ص: 588

الشراء له ودفع ما عليه عنه - كالشراء مثلاً من مكان بعيد لا يدفع المبيع حتّى يدفع الثمن - فحينئذٍ يرجع إليه .

القول : في الإقالة

وحقيقتها : فسخ العقد من الطرفين . وهي جارية في جميع العقود سوى النكاح . والأقرب عدم قيام وارثهما مقامهما . وتقع بكلّ لفظ أفاد المعنى المقصود عند أهل المحاورة ؛ كأن يقولا : «تقايلنا» ، أو «تفاسخنا» ، أو يقول أحدهما : «أقلتك» فقبل الآخر ، بل الظاهر كفاية التماس أحدهما مع إقالة الآخر . ولا يعتبر فيها العربية . والظاهر وقوعها بالمعاطاة ؛ بأن يردّ كلّ منهما ما انتقل إليه إلى صاحبه بعنوان الفسخ .

(مسألة 1) : لا تجوز الإقالة بزيادة على الثمن المسمّى ولا نقصان منه ، فلو أقال المشتري بزيادة أو البائع بوضيعة ، بطلت وبقي العوضان على ملك صاحبهما .

(مسألة 2) : لا يجري في الإقالة الفسخ والإقالة .

(مسألة 3) : تصحّ الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد وفي بعضه ، ويقسّط الثمن حينئذٍ على النسبة ، بل إذا تعدّد البائع أو المشتري ، تصحّ إقالة أحدهما مع الطرف الآخر بالنسبة إلى حصّته وإن لم يوافقه صاحبه .

(مسألة 4) : التلف غير مانع عن صحّة الإقالة ، فلو تقايلا رجع كلّ عوض إلى مالكه ، فإن كان موجوداً أخذه ، وإن كان تالفاً يرجع إلى المثل في المثلي ، والقيمة في القيمي .

ص: 589

كتاب الشفعة

(مسألة 1) : لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ ، فللشريك الآخر - مع اجتماع الشروط الآتية - حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن ، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع .

(مسألة 2) : لا إشكال في ثبوت الشفعة في كلّ ما لا ينقل إن كان قابلاً للقسمة ، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها . وفي ثبوتها فيما يُنقَل - كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان - وفيما لا يُنقَل إن لم يكن قابلاً للقسمة - كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار ، وغالب الأرحية والحمّامات ، وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار - إشكال ، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلاّ برضا المشتري ، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها .

(مسألة 3) : إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة ، فلا شفعة بالجوار ، فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة ، وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة ، إلاّ إذا

ص: 590

كانت داراً قد قسمت بعد اشتراكها ، أو كانت من أوّل الأمر مفروزة ولها طريق مشترك ، فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار ، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها ، بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما ، فلا شفعة حينئذٍ في بيع الحصّة . وفي إلحاق الاشتراك في الشرب - كالبئر والنهر والساقية - بالاشتراك في الطريق إشكال ، لا يترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه ، وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار ، فلا يترك فيها أيضاً .

(مسألة 4) : لو باع شيئاً وشِقصاً من دار ، أو باع حصّة مفروزة من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقة واحدة ، كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ .

(مسألة 5) : يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الحصّة بالبيع ، فلو انتقلت بجعلها صداقاً أو فدية للخلع أو بالصلح أو الهبة فلا شفعة .

(مسألة 6) : إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين ، فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها ؛ من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة - مثلاً - فكان الشفيع واحداً وبالعكس . نعم ، لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين - مثلاً - دفعة أو تدريجاً ، فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع ، لا مانع من الشفعة للشريك الآخر ، فهل له التبعيض ؛ بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر ، أو لا ؟ وجهان ، بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من قوّة .

(مسألة 7) : لو كانت الدار مشتركة بين الطلق والوقف وبيع الطلق ، لم يكن

ص: 591

للموقوف عليه ولو كان واحداً ولا لوليّ الوقف شفعة ، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه ، فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال . والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين .

(مسألة 8) : يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادراً على أداء الثمن ، فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن ، إلاّ أن يرضى المشتري بالصبر . بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها ، ولو اعتذر بأ نّه في مكان آخر فذهب ليحضره ، فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام ، وإن كان في بلد آخر ، ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام ؛ إذا لم يكن ذلك البلد بعيداً جدّاً يتضرّر المشتري بتأجيله ، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له .

(مسألة 9) : يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلماً ، فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر ، وتثبت للكافر على مثله ، وللمسلم على الكافر .

(مسألة 10) : تثبت الشفعة للغائب ، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل . ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها ، واطّلع هو على البيع دون موكّله ، له أن يأخذ بالشفعة له .

(مسألة 11) : تثبت الشفعة للسفيه وإن لم ينفذ أخذه بها إلاّ بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره . وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما . نعم ، لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلاّ مع الغِبطة والمصلحة ، بخلاف الأب والجدّ ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة ، لكن لا ينبغي

ص: 592

لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة ، ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها .

(مسألة 12) : إذا كان الوليّ شريكاً مع المولّى عليه فباع حصّته من أجنبيّ ، أو الوكيل المطلق كان شريكاً مع موكّله فباع حصّة موكّله من أجنبيّ ، ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال ، بل عدمه لا يخلو من وجه .

(مسألة 13) : الأخذ بالشفعة إمّا بالقول ؛ كأن يقول : أخذت بالشفعة ، أو تملّكت الحصّة الكذائية ، ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ ، وإمّا بالفعل ؛ بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة ؛ بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها . ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها - قولاً أو فعلاً - إلاّ إذا رضي المشتري بالتأخير . نعم ، لو كان الثمن مؤجّلاً ، فالظاهر أ نّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلاً ، ويكون الثمن عليه إلى وقته ، كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلاً ، بل يجوز التأخير في الأخذ والإعطاء إلى وقته ، لكن الأحوط الأخذ بها عاجلاً .

(مسألة 14) : ليس للشفيع تبعيض حقّه ، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع .

(مسألة 15) : الذي يلزم على الشفيع عند أخذه بالشفعة دفع مثل الثمن الذي وقع عليه العقد ؛ سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر ، ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المؤن كاُجرة الدلاّل ونحوها ، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد ، كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئاً من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار .

ص: 593

(مسألة 16) : لو كان الثمن مثلياً - كالذهب والفضّة ونحوهما - يلزم على الشفيع دفع مثله ، وأمّا لو كان قيمياً - كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها - ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلاً ، وجهان ، بل قولان ، ثانيهما هو الأقوى .

(مسألة 17) : لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال ، وتبطل شُفعته بالمماطلة والتأخير بلا داعٍ عقلائي وعذر عقلي أو شرعي أو عادي ، بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر . ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به ، وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة . بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه ، أو كونه نقداً يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه ، وغير ذلك .

(مسألة 18) : الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع ، بل لو رضي بالبيع من الأجنبيّ من أوّل الأمر ، أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى ، لم تكن له شفعة من الأصل . وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه .

(مسألة 19) : لو تصرّف المشتري فيما اشتراه ، فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن ، فيبطل الشراء الثاني ، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل . وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله ، فتبطل البيوع اللاحقة ، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة ، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر . وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك ، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري ،

ص: 594

ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاة بعدم الأخذ بها ، وإلاّ فهي باطلة من الأصل ، وفيه تردّد .

(مسألة 20) : لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة - بحيث لم يبق منها شيء أصلاً - سقطت الشفعة ، ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ، وكان التلف بفعل المشتري ، أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه ، ضمنه . وأمّا لو بقي منها شيء ، كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت ، لم تسقط ، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض - مثلاً - بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري ، ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمنه قيمة التالف ، أو أرش العيب إذا كان بفعله ، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم .

(مسألة 21) : يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، فلو قال : أخذت بالشفعة بالثمن بالغاً ما بلغ ، لم يصحّ وإن علم بعد ذلك .

(مسألة 22) : الشفعة موروثة على إشكال . وكيفية إرثها : أ نّه عند أخذ الورثة بها ، يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض اللّه في المواريث ، فلو خلّف زوجة وابناً فالثمن لها والباقي له ، ولو خلّف ابناً وبنتاً فللذكر مثل حظّ الاُنثيين ، وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون ، ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال .

(مسألة 23) : لو باع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها ، خصوصاً إذا كان بعد علمه بها .

ص: 595

(مسألة 24) : يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه ، ويكون أثره سقوطها ، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط ، ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضاً ، ولزم الوفاء به ، ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها ، فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم ، أو لا أثر له ؟ وجهان ، أوجههما أوّلهما في الأوّل ، بل في الثاني أيضاً إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها ، لا جعله كناية عن سقوطها .

(مسألة 25) : لو كانت دار - مثلاً - بين حاضر وغائب ، وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه ، لا إشكال في جواز الشراء منه ، وتصرّف المشتري فيما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه . وإنّما الإشكال : في أ نّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا ؟ الأشبه الثاني .

ص: 596

كتاب الصلح

وهو التراضي والتسالم على أمر ؛ من تمليك عين أو منفعة ، أو إسقاط دين أو حقّ ، وغير ذلك ، ولا يشترط بكونه مسبوقاً بالنزاع ، ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلاّ ما استثني ، كما يأتي بعضها ، وفي كلّ مقام إلاّ إذا كان محرّماً لحلال أو محلّلاً

لحرام .

(مسألة 1) : الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه ، فلم يلحقه أحكام سائر العقود ، ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها ، فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه وشروطه ، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع ، كخياري المجلس والحيوان ولا الشفعة ، ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين . وما أفاد فائدة الهبة لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها وهكذا .

(مسألة 2) : الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقاً ؛ حتّى فيما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى ، فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا على القبول ، لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه .

(مسألة 3) : لا يعتبر في الصلح صيغة خاصّة ، بل يقع بكلّ لفظ أفاد التسالم

ص: 597

على أمر من نقل أو قرار بين المتصالحين ، ك_ «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» ، أو ما يفيد ذلك .

(مسألة 4) : عقد الصلح لازم من الطرفين ؛ لا يفسخ إلاّ بالإقالة أو الخيار ؛ حتّى فيما أفاد فائدة الهبة الجائزة ، والظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلاّ خيار المجلس والحيوان والتأخير ، فإنّها مختصّة بالبيع ، وفي ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها إشكال ، بل لا يخلو عدم الثبوت من قوّة ، كما أنّ الأقوى عدم ثبوت الردّ من أحداث السنة .

(مسألة 5) : متعلّق الصلح : إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ . وعلى التقادير : إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه . وعلى الأوّل : إمّا أن يكون العوض عيناً أو منفعة أو ديناً أو حقّاً . فهذه الصور كلّها صحيحة .

(مسألة 6) : لو تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح ؛ سواء كان مع العوض أو لا . وكذا إذا تعلّق بدين على غير المصالح له ، أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص . ولو تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه ، وكذا لو تعلّق بحقّ قابل للإسقاط غير قابل للنقل كحقّي الشفعة والخيار .

(مسألة 7) : يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين أو فضاء ؛ كأن يصالحه على أن يسكن داره ، أو يلبس ثوبه مدّة ، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه ، أو يجري ماؤه على سطح داره ، أو يكون ميزابه على عرصة داره ، إلى غير ذلك ، أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه ، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه ، وغير ذلك ، فهذه كلّها صحيحة بعوض وبغيره .

ص: 598

(مسألة 8) : إنّما يصحّ الصلح عن الحقوق القابلة للنقل والإسقاط ، وما لا يقبل النقل والإسقاط لا يصحّ الصلح عنه ، كحقّ مطالبة الدين ، وحقّ الرجوع في الطلاق الرجعي ، وحقّ الرجوع في البذل في باب الخلع ، وغير ذلك .

(مسألة 9) : يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين ؛ من البلوغ والعقل والقصد والاختيار .

(مسألة 10) : الظاهر أ نّه تجري الفضولية في الصلح ؛ حتّى فيما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ ، وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لا تجري فيهما الفضولية .

(مسألة 11) : يجوز الصلح على الثمار والخضر وغيرهما قبل وجودها ؛ ولو في عام واحد وبلا ضميمة وإن لم يجز بيعها .

(مسألة 12) : لا إشكال في أ نّه يغتفر الجهالة في الصلح فيما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقاً ، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر ولم يعلما مقدار كلّ منهما ، فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف ، وكذا إذا تعذّر عليهما معرفته في الحال - لتعذّر الميزان والمكيال - على الأظهر ، بل لا يبعد اغتفارها حتّى مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال .

(مسألة 13) : لو كان لغيره عليه دين ، أو كان منه عنده عين ، هو يعلم مقدارهما والغير لا يعلمه ، فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ ، لم يحلّ له الزائد إلاّ أن يعلمه ويرضى به . وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما ، لكن علم إجمالاً زيادة المصالح عليه على مال الصلح . نعم ، لو رضي بالصلح عن حقّه

ص: 599

الواقعي على كلّ حال ؛ بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه ، حلّ له الزائد .

(مسألة 14) : لو صولح عن الربوي بجنسه بالتفاضل ، فالأقوى جريان حكم الربا فيه فيبطل . نعم ، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل ، كما إذا كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره ، فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهما ما عنده مع احتمال التفاضل .

(مسألة 15) : يصحّ الصلح عن دين بدين حالّين أو مؤجّلين أو بالاختلاف ، متجانسين أو مختلفين ، سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد ، كما إذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة ، ولعمرو عليه وزنة شعير ، فصالح مع عمرو على ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته ، فيصحّ في الجميع إلاّ في المتجانسين ممّا يكال أو يوزن مع التفاضل . نعم ، لو صالح عن الدين ببعضه ، كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل ، فصالح عنها بنصفها حالاًّ ، فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص ، كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة ، لا المعاوضة بين الزائد والناقص .

(مسألة 16) : يجوز أن يصالح الشريكان : على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه .

(مسألة 17) : يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدّعى به أو بشيء آخر ؛ حتّى مع إنكار المدّعى عليه ، ويسقط به حقّ الدعوى ، وكذا حقّ اليمين الذي كان للمدّعي على المنكر ، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى . لكن هذا فصل ظاهري ينقطع به الدعوى ظاهراً ،

ص: 600

ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه ، فلو ادّعى ديناً على غيره فأنكره فتصالحا على النصف ، فهذا الصلح موجب لسقوط دعواه ، لكن إذا كان محقّاً بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولة بالنصف ؛ وإن كان معتقداً لعدم محقّيته ، إلاّ إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعاً ، وإن كان مبطلاً واقعاً يحرم عليه ما أخذه من المنكر ، إلاّ مع فرض طيب نفسه واقعاً ، لا أنّ رضاه لأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة .

(مسألة 18) : لو قال المدّعى عليه للمدّعي : صالحني ، لم يكن هذا إقراراً بالحقّ ؛ لما مرّ من أنّ الصلح يصحّ مع الإنكار . وأمّا لو قال : بعني أو ملّكني ، فهو إقرار بعدم كونه ملكاً له ، وأمّا كونه إقراراً بملكية المدّعي فلا يخلو من إشكال .

(مسألة 19) : لو كان لشخص ثوب قيمته عشرون ولآخر ثوب قيمته ثلاثون واشتبها ، فإن خيّر أحدهما صاحبه ، فقد أنصفه وأحلّ له ما اختاره ولصاحبه الآخر ، وإن تضايقا فإن كان المقصود لكلّ منهما المالية - كما إذا اشترياهما للمعاملة - بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة مالهما ، وإن كان المقصود عينهما - لا المالية - فلا بدّ من القرعة .

(مسألة 20) : لو كان لأحد مقدار من الدراهم ولآخر مقدار منها عند ودعي أو غيره ، فتلف مقدار لا يدرى أ نّه من أيّ منهما ، فإن تساوى مقدار الدراهم منهما - بأن كان لكلّ منهما درهمان مثلاً - فلا يبعد أن يقال : يحسب التالف عليهما ، ويقسّم الباقي بينهما نصفين . وإن تفاوتا : فإمّا أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما وأقلّ ممّا للآخر ، أو يكون أقلّ من كلّ منهما .

فعلى الأوّل : لا يبعد أن يقال : يعطى للآخر ما زاد من ماله على التالف ، ويقسّم الباقي بينهما نصفين ، كما إذا كان لأحدهما درهمان وللآخر درهم وكان

ص: 601

التالف درهماً ، يعطى صاحب الدرهمين درهماً ، ويقسّم الدرهم الباقي بينهما نصفين ، أو كان لأحدهما خمسة وللآخر درهمان وكان التالف درهمين ، يعطى لصاحب الخمسة ثلاثة ، ويقسّم الباقي - وهو الدرهمان - نصفين .

وعلى الثاني : لا يبعد أن يقال : إنّه يُعطى لكلّ منهما ما زاد من ماله على التالف ، ويقسّم الباقي بينهما نصفين ، فإذا كان لأحدهما خمسة وللآخر أربعة وكان التالف ثلاثة ، يُعطى لصاحب الخمسة اثنان ولصاحب الأربعة واحد ، ويقسّم الباقي بينهما نصفين .

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالتصالح في شقوق المسألة ، خصوصاً في غير ما استودع رجلاً غيره دينارين ، واستودعه الآخر ديناراً ، فضاع دينار منهما . هذا كلّه في مثل الدرهم والدينار ، ولا يبعد جريان حكمهما في مطلق المثليين الممتازين ، كمنّين ومنّ لو تلف منّ واشتبه الأمر ، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا أيضاً . نعم ، إذا كان المثليان ممّا يقبل الاختلاط والامتزاج - كالزيت والحنطة - فامتزجا فتلف البعض يكون التلف بنسبة المالين ، ففي المَنَّينِ والمَنّ إذا امتزجا وتلف منّ تكون البقيّة بينهما تثليثاً ، ولو كان المالان قيميين - كالثياب والحيوان - فلا بدّ من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة .

(مسألة 21) : يجوز إحداث الروشن - المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل - على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عالية بحيث لم تضرّ بالمارّة ، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق ؛ بحيث كان مانعاً عن إحداث روشن في مقابله ما لم يضع منه شيئاً على جداره . نعم ، إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه تردّد وإشكال ؛ وإن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء على ملكه ، فلا يترك الاحتياط .

ص: 602

(مسألة 22) : لو بنى روشناً على الجادّة ثمّ انهدم أو هدمه ، فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه ، لا مانع من أن يبني الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء ولم يحتَج إلى الاستئذان من الباني الأوّل ، وإلاّ ففيه إشكال ، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة إذا هدمه ليبنيه جديداً .

(مسألة 23) : لو أحدث شخص روشناً على الجادّة فهل للطرف المقابل إحداث روشن آخر فوقه أو تحته بدون إذنه ؟ فيه إشكال خصوصاً في الأوّل ، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة . نعم ، لو كان الثاني أعلى بكثير ؛ بحيث لم يشغل الفضاء الذي يحتاج إليه صاحب الأوّل بحسب العادة من جهة التشميس ونحوه ، لا بأس به .

(مسألة 24) : كما يجوز إحداث الرواشن على الجادّة ، يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها ؛ سواء كان له باب آخر أم لا ، وكذا فتح الشبّاك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها ، وكذا بناء ساباط عليها ؛ إن لم يكن معتمداً على حائط غيره مع عدم إذنه ، ولم يكن مضرّاً بالمارّة ولو من جهة الظلمة ، ولو فرض أ نّه كما يضرّهم من جهة ينفعهم من جهة أو جهات اُخر - كالوقاية عن الحرّ والبرد ، والتحفّظ عن الطين وغير ذلك - فالظاهر وجوب الرجوع إلى حاكم الشرع فيتّبع نظره ، وفي جواز إحداث البالوعة للأمطار فيها حتّى مع التحفّظ عن كونها مضرّة بالمارّة وكذا نقب السرداب تحت الجادّة حتّى مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام ، إشكال وإن كان جوازه لا يخلو من قرب .

(مسألة 25) : لا يجوز لأحد إحداث شيء من روشن ، أو جناح ، أو بناء

ص: 603

ساباط ، أو نصب ميزاب ، أو فتح باب ، أو نقب سرداب ، وغير ذلك ، على الطرق غير النافذة إلاّ بإذن أربابها ؛ سواء كان مضرّاً أم لا . وكذا لا يجوز لأحد من الأرباب إلاّ بإذن شركائه فيها ، ولو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شيء من ذلك ، صحّ ولزم سواء كان مع العوض أم لا . ويأتي - إن شاء اللّه - في كتاب إحياء الموات بعض ما يتعلّق بالطريق .

(مسألة 26) : لا يجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره ، أو يضع جذوع سقفه عليه ، إلاّ بإذنه ورضاه ، وإن التمس ذلك منه لم يجب عليه إجابته ، وإن استُحبّ له مؤكّداً . ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه ، فإن كان ذلك بعنوان ملزم - كالشرط والصلح ونحوهما - لم يجز له الرجوع . وأمّا لو كان مجرّد الإذن والرخصة ، فجاز الرجوع قبل البناء والوضع والبناء على الجذع قطعاً ، وأمّا بعد ذلك فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ؛ ولو بالإبقاء مع الاُجرة ، أو الهدم مع الأرش وإن كان الأقرب جواز الرجوع بلا أرش .

(مسألة 27) : لا يجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء أو تسقيف أو إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك ، إلاّ بإذن شريكه أو إحراز رضاه ولو بشاهد الحال ، كما هو كذلك في التصرّفات اليسيرة ، كالاستناد إليه ، ووضع يده ، أو طرح ثوب عليه ، أو غير ذلك ، بل الظاهر أنّ مثل هذه الاُمور اليسيرة لا يحتاج إلى إحراز الإذن والرضا ، كما جرت به السيرة . نعم ، إذا صرّح بالمنع وأظهر الكراهة لم يجز .

(مسألة 28) : لو انهدم الجدار المشترك وأراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته ، وهل له التعمير من ماله مجّاناً بدون إذن

ص: 604

شريكه ؟ لا إشكال في أنّ له ذلك إذا كان الأساس مختصّاً به وبناه بآلات مختصّة به . كما لا إشكال في عدم الجواز إن كان الأساس مختصّاً بشريكه . وأمّا إذا كان مشتركاً ، فإن كان قابلاً للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه . نعم ، له المطالبة بالقسمة فيبني على حصّته المفروزة . وإن لم يكن قابلاً لها ولم يوافقه الشريك في شيء ، يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة اُمور : من بيع ، أو إجارة ، أو المشاركة معه في العمارة ، أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّاناً . وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور ونحو ذلك ، ففي جميع ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم فيما لا يمكن القسمة ، ولو أنفق في تعميرها من ماله فنبع الماء أو زاد ، ليس له أن يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء .

(مسألة 29) : لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره ، ولم يعلم على أيّ وجه وضعت ، حكم في الظاهر بكونه عن حقّ حتّى يثبت خلافه ، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه ، بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف . وكذا الحال لو وجد بناء أو مجرى ماء أو نصب ميزاب في ملك غيره ولم يعلم سببه ، فيحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ ، إلاّ أن يثبت كونها عن عدوان ، أو بعنوان العارية التي يجوز فيها الرجوع .

(مسألة 30) : لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه ، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها ، ومع إمكان الأوّل لا يجوز الثاني .

ص: 605

كتاب الإجارة

وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها ، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض ، أو متعلّقة بالنفس كإجارة الحرّ نفسه لعمل ، فتفيد غالباً تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة ، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله ، كإجارة المرضعة نفسها للرضاع ، لا الإرضاع .

(مسألة 1) : عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب الدالّ بالظهور العرفي على إيقاع إضافة خاصّة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض والقبول الدالّ على الرضا به وتملّكهما بالعوض . والعبارة الصريحة في الإيجاب : «آجرتك أو أكريتك هذه الدار مثلاً بكذا» . وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريداً به الإجارة ، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها . ولا يعتبر فيه العربية ، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان . ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع . والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها ؛ وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة . وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصداً تحقّق معنى الإجارة - أي الإضافة الخاصّة - وتسلّم

ص: 606

الغير لها بهذا العنوان . ولا يبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضاً بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان ، أو بالشروع في العمل كذلك .

(مسألة 2) : يشترط في صحّة الإجارة اُمور : بعضها في المتعاقدين ؛ أعني المؤجر والمستأجر ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة ، وبعضها في الاُجرة .

أمّا المتعاقدان : فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين : من البلوغ ، والعقل ، والقصد ، والاختيار ، وعدم الحجر ؛ لفلس أو سفه ونحوهما .

وأمّا العين المستأجرة : فيعتبر فيها اُمور :

منها : التعيين ، فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ .

ومنها : المعلومية ، فإن كانت عيناً خارجية ؛ فإمّا بالمشاهدة ، وإمّا بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها . وكذا لو كانت غائبة ، أو كانت كلّية .

ومنها : كونها مقدوراً على تسليمها ، فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها .

ومنها : كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصحّ إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها ، كما إذا آجر أرضاً للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها ، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه . وكذا ما لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بإذهاب عينها ، كالخبز للأكل ، والشمع أو الحطب للإشعال .

ومنها : كونها مملوكة أو مستأجرة ، فلا تصحّ إجارة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته .

ومنها : جواز الانتفاع بها ، فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرة .

وأمّا المنفعة : فيعتبر فيها اُمور :

ص: 607

منها : كونها مباحة ، فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها ، ولا الدابّة والسفينة لحملها ، ولا الجارية المغنّية للتغنّي ونحو ذلك .

ومنها : كونها متموّلة يبذل بإزائها المال عند العقلاء .

ومنها : تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة ، فلو استأجر الدابّة يعيّن أ نّها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها . نعم ، تصحّ إجارتها لجميع منافعها ، فيملك المستأجر جميعها .

ومنها : معلوميتها : إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم ، كسكنى الدار شهراً ، أو الخياطة أو التعمير والبناء يوماً ، وإمّا بتقدير العمل ، كخياطة الثوب المعيّن خياطة كذائية فارسية أو رومية ؛ من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات ، وإلاّ فلا بدّ من تعيين منتهاه .

وأمّا الاُجرة : فتعتبر معلوميتها ، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود ، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها . ويجوز أن تكون عيناً خارجية ، أو كلّياً في الذمّة ، أو عملاً ، أو منفعة ، أو حقّاً قابلاً للنقل ، مثل الثمن في البيع .

(مسألة 3) : لو استأجر دابّة للحمل لا بدّ من تعيين جنس ما يحمل عليها ؛ لاختلاف الأغراض باختلافه ، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين ، ولو استأجرها للسفر لا بدّ من تعيين الطريق وزمان السير ؛ من ليل أو نهار ونحو ذلك ، بل لا بدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر .

(مسألة 4) : ما كانت معلومية المنفعة بحسب الزمان ، لا بدّ من تعيينه يوماً أو شهراً أو سنة أو نحو ذلك ، فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول .

ص: 608

(مسألة 5) : لو قال : كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار - مثلاً - بطل إن كان المقصود الإجارة ، وصحّ ظاهراً لو كان المقصود الإباحة بالعوض . والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة ، دون المباح له ، فإنّه غير مالك لها ، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء ، ولو قال : إن خطت هذا الثوب فارسياً فلك درهم ، وإن خطته رومياً فلك درهمان ، بطل إجارة وصحّ جعالة .

(مسألة 6) : لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن ، كأن استأجر دابّة لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ، ولم توصله ، فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت ، أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى ، فالإجارة باطلة ، ولو كان الزمان واسعاً ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئاً ؛ سواء كان بتقصير منه أم لا ، كما لو ضلّ الطريق . ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن ، لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا فتعذّر أو تخلّف ، فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة ، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّاة إلى المستأجر ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل .

(مسألة 7) : لو كان وقت زيارة عرفة ، واستأجر دابّة للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة ، ويستحقّ المؤجر تمام الاُجرة بلا خيار ؛ ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ، ولم يكن انصراف موجب للتقييد .

(مسألة 8) : لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد ، فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ ؛ سواء كانت مستأجرة في سابقه أم لا ، ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرة ، فلو قال : «آجرتك داري شهراً» اقتضى

ص: 609

الإطلاق اتّصاله بزمان العقد . ولو آجرها شهراً وفهم الإطلاق - أعني الكلّي الصادق على المتّصل والمنفصل - فالأقوى البطلان .

(مسألة 9) : عقد الإجارة لازم من الطرفين ، لا ينفسخ إلاّ بالتقايل ، أو بالفسخ مع الخيار . والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات ، إلاّ خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير ، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها . والإجارة المعاطاتية كالبيع المعاطاتي لازمة على الأقوى ، وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك .

(مسألة 10) : لا تبطل الإجارة بالبيع ، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّتها . نعم ، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أ نّها طويلة ، ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت ، رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري ، وكما لا تبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر ، لا تبطل ببيعها عليه ، فلو استأجر داراً ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها ، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لا تبعية العين ، فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله .

(مسألة 11) : الظاهر أنّه لا تبطل إجارة الأعيان بموت المؤجر ولا بموت المستأجر ، إلاّ إذا كانت ملكية المؤجر للمنفعة محدودة بزمان حياته فتبطل بموته ، كما إذا كانت منفعة دار موصى بها لشخص مدّة حياته ، فآجرها سنتين ومات بعد سنة . نعم ، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم ،

ص: 610

فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة ، ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة ، فتبطل إلاّ أن يجيز البطن اللاحق . نعم ، لو آجرها المتولّي للوقف - لمصلحة الوقف والبطون اللاحقة - مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون ، تكون نافذة على البطون اللاحقة ، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة . هذا كلّه في إجارة الأعيان . وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير . نعم ، لو تقبّل عملاً وجعله في ذمّته لم تبطل بموته ، بل يكون ديناً عليه يستوفى من تركته .

(مسألة 12) : لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو مِلكَه مدّة مع مراعاة المصلحة والغبطة ، فبلغ الرشد قبل انقضائها ، فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، إلاّ أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة فيما قبل الرشد ، الإجارة مدّة زائدة على زمان تحقّقه ؛ بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته ، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد .

(مسألة 13) : لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيباً سابقاً ، كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجباً لنقص المنفعة ، كالعرج في الدابّة ، أو الاُجرة ، كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب . هذا إذا كان متعلَّق الإجارة عيناً شخصية . ولو كان كلّياً وكان الفرد المقبوض معيباً فليس له فسخ العقد ، بل له مطالبة البدل إلاّ إذا تعذّر ، فله الفسخ . هذا في العين المستأجرة . وأمّا الاُجرة فإن كانت عيناً شخصية ووجد المؤجر بها عيباً ، كان له الفسخ ، فهل له مطالبة الأرش ؟ فيه إشكال . ولو كانت كلّية فله مطالبة البدل ، وليس له فسخ العقد إلاّ إذا تعذّر البدل .

ص: 611

(مسألة 14) : لو ظهر الغبن للمؤجر أو المستأجر فله خيار الغبن إلاّ إذا شرط سقوطه .

(مسألة 15) : يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان ، والعمل في إجارة النفس على الأعمال ، وكذا المؤجر والأجير الاُجرة بمجرّد العقد ، لكن ليس لكلّ منهما مطالبة ما ملكه إلاّ بتسليم ما ملّكه ، فعلى كلّ منهما وإن وجب التسليم ، لكن لكلّ منهما الامتناع عنه إذا رأى من الآخر الامتناع عنه .

(مسألة 16) : لو تعلّقت الإجارة بالعين فتسليم منفعتها بتسليم العين . وأمّا تسليم العمل فيما إذا تعلّقت بالنفس فبإتمامه إذا كان مثل الصلاة والصوم والحجّ وحفر بئر في دار المستأجر ، وأمثال ذلك ممّا لم يكن متعلّقاً بماله الذي بيد المؤجر ، فقبل إتمام العمل لا يستحقّ الأجير مطالبة الاُجرة ، وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة . نعم ، لو كان شرط منهما على تأدية الاُجرة كلاًّ أو بعضاً قبل العمل صريحاً أو ضمنياً - كما إذا كانت عادة تقتضي التزام المستأجر بذلك - كان هو المتّبع ، وأمّا إذا كان متعلّقاً بمال من المستأجر بيد المؤجر - كالثوب يخيطه والخاتم يصوغه وأمثال ذلك - ففي كون تسليمه بإتمام العمل كالأوّل ، أو بتسليم مورد العمل كالثوب والخاتم ، وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل . فعلى هذا لو تلف الثوب - مثلاً - بعد تمام العمل على نحوٍ لا ضمان عليه ، لا شيء عليه ، ويستحقّ مطالبة الاُجرة . نعم ، لو تلف مضموناً عليه ضمنه بوصف المخيطية - لا بقيمته قبلها - على أيّ حال حتّى على الوجه الثاني ؛ لكون الوصف مملوكاً له تبعاً للعين ، وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه ، تكون له المطالبة بالاُجرة المسمّاة لتسليم العمل ببدله .

ص: 612

(مسألة 17) : لو بذل المستأجر الاُجرة ، أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط ، وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة ، يجبر عليه ، وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الاُجرة ، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من المؤجر . وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة ، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الاُجرة .

(مسألة 18) : لو آجر دابّة من زيد فشردت بطلت الإجارة ؛ سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة ؛ إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها .

(مسألة 19) : لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ، ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة - كما إذا استأجر داراً مدّة وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة - فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة . وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة ، فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت . وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال ، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل ، وامتنع المستأجر عن تسلّمه - كما إذا استأجر شخصاً يخيط له ثوباً معيّناً في وقت معيّن ، وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت - فقد استحقّ عليه الاُجرة ؛ سواء اشتغل الأجير - في ذلك الوقت مع امتناعه - بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغاً ، وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة ، ولم يستحقّ المؤجر شيئاً من الاُجرة ؛ إن كان ذلك عذراً عامّاً لم تكن العين معه قابلة لأن تُستوفى منها المنفعة ، كما إذا استأجر دابّة للركوب إلى مكان ، فنزل ثلج مانع عن الاستطراق ، أو انسدّ الطريق بسبب آخر ، أو داراً للسكنى فصارت غير

ص: 613

مسكونة ؛ لصيرورتها معركة أو مسبعة ونحو ذلك . ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقداراً من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة ، وإن كان عذراً يختصّ به المستأجر - كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة - ففي كونه موجباً للبطلان وعدمه وجهان ، لا يخلو ثانيهما من رجحان . هذا إذا اشترط المباشرة ؛ بحيث لم يمكن له استيفاء المنفعة ولو بالإجارة ، وإلاّ لم تبطل قطعاً .

(مسألة 20) : إذا غصب العين المستأجرة غاصب ، ومنع المستأجر عن استيفاء المنفعة ، فإن كان قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرة المسمّاة على المؤجر لو أدّاها وبين الرجوع إلى الغاصب باُجرة المثل ، وإن كان بعد القبض تعيّن الثاني .

(مسألة 21) : لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة ، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به ، أو قبل مجيء زمان الإجارة ، ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها ، ويرجع من الاُجرة بما قابلها ؛ إن نصفاً فنصف ، أو ثلثاً فثلث وهكذا . هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان . وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة ؛ مثلاً : لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول ، وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّاة ، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها ، وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب . هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها . ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ .

ص: 614

(مسألة 22) : لو آجر داراً فانهدمت بطلت الإجارة إن خرجت عن الانتفاع الذي هو مورد الإجارة بالمرّة ، فإن كان قبل القبض ، أو بعده بلا فصل قبل أن يسكن فيها ، رجعت الاُجرة بتمامها ، وإلاّ فبالنسبة كما مرّ . وإن أمكن الانتفاع بها من سنخ مورد الإجارة بوجه يعتدّ به عرفاً ، كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ ، ولو فسخ كان حكم الاُجرة على حذو ما سبق . وإن انهدم بعض بيوتها ، فإن بادر المؤجر إلى تعميرها - بحيث لم يفت الانتفاع أصلاً - ليس فسخ ولا انفساخ على الأقوى ، وإلاّ بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما انهدمت ، وبقيت بالنسبة إلى البقيّة بما يقابلها من الاُجرة ، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة .

(مسألة 23) : كلّ موضع كانت الإجارة فاسدة ، تثبت للمؤجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة ، أو تلفت تحت يده أو في ضمانه . وكذلك في إجارة النفس للعمل ، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله . والظاهر عدم الفرق في ذلك بين جهل المؤجر والمستأجر ببطلان الإجارة وعلمهما به . نعم ، لو كان البطلان من ناحية الإجارة بلا اُجرة أو بما لا يتموّل عرفاً لا يستحقّ شيئاً ؛ من غير فرق بين العلم ببطلانها وعدمه . ولو اعتقد تموّل ما لا يتموّل عرفاً فالظاهر استحقاقه اُجرة المثل .

(مسألة 24) : تجوز إجارة المشاع ؛ سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره ، أو كان مالكاً للكلّ وآجر جزءاً مشاعاً منه كنصفه أو ثلثه ، لكن في الصورة الاُولى لا يجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلاّ بإذن شريكه . وكذا يجوز أن يستأجر اثنان - مثلاً - داراً على نحو الاشتراك ، ويسكناها معاً بالتراضي ، أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة ، كتقسيم الشريكين

ص: 615

الدار المشتركة ، أو يقتسما منفعتها بالمهاياة ؛ بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر - مثلاً - ثمّ الآخر ، كما إذا استأجرا معاً دابّة للركوب على التناوب ، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبية لا يكون إلاّ بالمهاياة ؛ بأن يركبها أحدهما يوماً والآخر يوماً مثلاً ، أو يركبها أحدهما فرسخاً والآخر فرسخاً .

(مسألة 25) : لو استأجر عيناً ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة ، يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر . هذا في غير البيت والدار والدكّان والأجير ، وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلاّ إذا أحدث فيها حدثاً من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك ، ولا يبعد جوازها أيضاً إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة . والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها ، وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة . ولو استأجر داراً - مثلاً - بعشرة دراهم ، فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز ، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر . وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة . نعم ، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لا يجوز .

(مسألة 26) : لو تقبّل عملاً من غير اشتراط المباشرة ، ولا مع الانصراف إليها ، يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الاُجرة وبالأكثر . وأمّا بالأقلّ فلا يجوز إلاّ إذا أحدث حدثاً ، أو أتى ببعض العمل ولو قليلاً ، كما إذا تقبّل خياطة ثوب بدرهم ففصّله أو خاط منه شيئاً ولو قليلاً ، فلا بأس باستئجار غيره على خياطته بالأقلّ ولو بعشر درهم أو ثمنه ، لكن في جواز دفع متعلّق العمل - وكذا العين المستأجرة - إليه بدون الإذن إشكال ؛ وإن لا يخلو من وجه .

ص: 616

(مسألة 27) : الأجير إذا آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة لا يجوز له في تلك المدّة العمل لنفسه أو لغيره ؛ لا تبرّعاً ، ولا بالجُعالة أو الإجارة . نعم ، لا بأس ببعض الأعمال التي انصرفت عنها الإجارة ولم تشملها ، ولم تكن منافية لما شملته . كما أ نّه لو كان مورد الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار ، فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في الليل له أو لغيره ، إلاّ إذا أدّى إلى ما ينافي الاشتغال بالنهار ولو قليلاً ، فإذا عمل في تلك المدّة عملاً ممّا ليس خارجاً عن مورد الإجارة ، فإن كان العمل لنفسه ، تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الاُجرة إذا لم يعمل له شيئاً ، أو بعضها إذا عمل شيئاً ، وبين أن يُبقيها ويطالبه اُجرة مثل العمل الذي عمله لنفسه ، وكذا لو عمل للغير تبرّعاً ، ولو عمل للغير بعنوان الجُعالة أو الإجارة فله - مضافاً إلى ذلك - إمضاء الجُعالة أو الإجارة وأخذ الاُجرة المسمّاة .

(مسألة 28) : لو آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معيّن ، لا مانع من أن يعمل لنفسه أو غيره في ذلك الوقت ما لا ينافيه ، كما إذا آجر نفسه يوماً للخياطة أو الكتابة ، ثمّ آجر نفسه في ذلك اليوم للصوم عن الغير ؛ إذا لم يؤدِّ إلى ضعفه في العمل ، وليس له أن يعمل في ذلك الوقت من نوع ذلك العمل ومن غيره ممّا ينافيه لنفسه ولا لغيره ، فلو فعل فإن كان من نوع ذلك العمل - كما إذا آجر نفسه للخياطة في يوم ، فاشتغل فيه بالخياطة لنفسه أو لغيره تبرّعاً أو بالإجارة - كان حكمه حكم الصورة السابقة من تخيير المستأجر بين أمرين لو عمل لنفسه أو لغيره تبرّعاً ، وبين اُمور ثلاثة لو عمل بالجعالة أو الإجارة ، وإن كان من غير نوع ذلك العمل - كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة -

ص: 617

فللمستأجر التخيير بين أمرين مطلقاً ؛ من فسخ الإجارة واسترجاع الاُجرة ، ومن مطالبة عوض المنفعة الفائتة .

(مسألة 29) : لو آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو في وقت معيّن ، أو من غير تعيين الوقت ولو مع اعتبار المباشرة ، جاز له أن يؤجر نفسه للغير على نوع ذلك العمل أو ما يضادّه قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه .

(مسألة 30) : لو استأجر دابّة للحمل إلى بلد في وقت معيّن ، فركبها في ذلك الوقت إليه عمداً أو اشتباهاً لزمته الاُجرة المسمّاة ؛ حيث إنّه قد استقرّت عليه بتسليم الدابّة وإن لم يستوف المنفعة . وهل تلزمه اُجرة مثل المنفعة التي استوفاها أيضاً ، فتكون عليه اُجرتان ، أو لم يلزمه إلاّ التفاوت بين اُجرة المنفعة التي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها - لو كان - فإذا استأجرها للحمل بخمسة فركبها ، وكان اُجرة الركوب عشرة ، لزمته العشرة ، ولو لم يكن تفاوت بينهما لم تلزم عليه إلاّ الاُجرة المسمّاة ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما من رجحان ، والأحوط التصالح .

(مسألة 31) : لو آجر نفسه لعمل ، فعمل للمستأجر غير ذلك العمل بغير أمر منه - كما إذا استؤجر للخياطة فكتب له - لم يستحقّ شيئاً ؛ سواء كان متعمّداً أم لا . وكذا لو آجر دابّته لحمل متاع زيد إلى مكان ، فحمل متاع عمرو لم يستحقّ الاُجرة على واحد منهما .

(مسألة 32) : يجوز استئجار المرأة للإرضاع ، بل للرضاع أيضاً ؛ بأن يرتضع الطفل منها مدّة معيّنة وإن لم يكن منها فعل . ولا يعتبر في صحّة إجارتها لذلك

ص: 618

إذن الزوج ورضاه ، بل ليس له المنع عنها إن لم يكن مانعاً عن حقّ استمتاعه منها . ومع كونه مانعاً يعتبر إذنه أو إجازته في صحّتها . وكذا يجوز استئجار الشاة الحلوب للانتفاع بلبنها ، والبئر للاستقاء منها ، بل لا تبعد صحّة إجارة الأشجار للانتفاع بثمرها .

(مسألة 33) : لو استؤجر لعمل من بناء وخياطة ثوب معيّن أو غير ذلك لا بقيد المباشرة ، فعمله شخص آخر تبرّعاً عنه ، كان ذلك بمنزلة عمله ، فاستحقّ الاُجرة المسمّاة ، وإن عمله تبرّعاً عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئاً ، بل تبطل الإجارة لفوات محلّها ، ولا يستحقّ العامل على المالك اُجرة .

(مسألة 34) : لا يجوز للإنسان أن يؤجر نفسه للإتيان بما وجب عليه عيناً كالصلوات اليومية ، ولا ما وجب عليه كفائياً على الأحوط إذا كان وجوبه كذلك بعنوانه الخاصّ ، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم . وأمّا ما وجب من جهة حفظ النظام وحاجة الأنام - كالصناعات المحتاج إليها والطبابة ونحوها - فلا بأس بالإجارة وأخذ الاُجرة عليها ، كما أنّ إجارة النفس للنيابة عن الغير حيّاً وميّتاً - فيما وجب عليه وشرّعت فيه النيابة - لا بأس به .

(مسألة 35) : يجوز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة مدّة معيّنة ، ويجوز اشتراط الضمان عليه لو حصل الضياع أو السرقة ؛ ولو من غير تقصير منه ؛ بأن يلتزم في ضمن عقد الإجارة : بأنّه لو ضاع المتاع أو سُرق من البستان أو الدار شيء خسره ، فتضمين الناطور إذا ضاع أمر مشروع لو التزم به على نحو مشروع .

(مسألة 36) : لو طلب من شخص أن يعمل له عملاً فعمل ، استحقّ عليه اُجرة

ص: 619

مثل عمله إن كان ممّا له اُجرة ، ولم يقصد العامل التبرّع بعمله ، وإن قصد التبرّع لم يستحقّ اُجرة ؛ وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة .

(مسألة 37) : لو استأجر أحداً في مدّة معيّنة لحيازة المباحات - كما إذا استأجره شهراً للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاستقاء - وقصد باستئجاره له ملكية ما يحوزه ، فكلّ ما يحوزه المستأجر في تلك المدّة يصير ملكاً للمستأجر ؛ إذا قصد الأجير العمل له والوفاء بعقد الإجارة ، وأمّا لو قصد ملكيتها لنفسه تصير ملكاً له ولم يستحقّ الاُجرة ، ولو لم يقصد شيئاً فالظاهر بقاؤها على إباحتها على إشكال . ولو استأجره للحيازة لا بقصد التملّك - كما إذا كان له غرض عقلائي لجمع الحطب والحشيش فاستأجره لذلك - لم يملك ما يحوزه ويجمعه الأجير مع قصد الوفاء بالإجارة ، فلا مانع من تملّك الغير له .

(مسألة 38) : لا تجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة والشعير بل ولا لما يحصل منها مطلقاً بمقدار معيّن من حاصلها ، بل وكذا بمقدار منها في الذمّة مع اشتراط أدائه ممّا يحصل منها . وأمّا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من غير تقييد ولا اشتراط بكونها منها ، فالأقرب جوازها .

(مسألة 39) : العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر في مدّة الإجارة ، فلا يضمن تلفها ولا تعيّبها إلاّ بالتعدّي والتفريط ، وكذا العين التي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها ، كالثوب للخياطة والذهب للصياغة ، فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط . نعم ، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ، ضمن وإن كان بغير قصده ، بل وإن كان

ص: 620

اُستاذاً ماهراً وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله . وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه ، ومن ذلك ما لو استُؤجر القصّاب لذبح الحيوان ، فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراماً ، فإنّه ضامن لقيمته ، بل الظاهر كذلك لو ذبحه تبرّعاً .

(مسألة 40) : الختّان ضامن لو تجاوز الحدّ وإن كان حاذقاً ، وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال ، أظهره العدم .

(مسألة 41) : الطبيب ضامن إذا باشر بنفسه العلاج ، بل لا يبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف وإن لم يباشر . نعم ، إذا وصف الدواء الفلاني ؛ وقال : إنّه نافع للمرض الفلاني ، أو قال : إنّ دواءك كذا ؛ من دون أن يأمره بشربه فالأقوى عدم الضمان .

(مسألة 42) : لو عثر الحمّال فانكسر ما كان على ظهره أو رأسه - مثلاً - ضمن ، بخلاف الدابّة المستأجرة للحمل إذا عثرت ، فتلف أو تعيّب ما حملته ، فإنّه لا ضمان على صاحبها إلاّ إذا كان هو السبب ؛ من جهة ضربها أو سوقها في مزلق ونحو ذلك .

(مسألة 43) : لو استأجر دابّة للحمل لم يجز أن يحمّلها أزيد ممّا اشترط ، أو المقدار المتعارف لو أطلق ، فلو حمّلها أزيد منه ضمن تلفها وعوارها . وكذلك إذا سار بها أزيد ممّا اشترط .

(مسألة 44) : لو استُؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلاّ مع التقصير أو اشتراط الضمان .

ص: 621

(مسألة 45) : صاحب الحمّام لا يضمن الثياب وغيرها إن سرقت ، إلاّ إذا اُودعت عنده وفرّط أو تعدّى .

(مسألة 46) : لو استأجر أرضاً للزراعة فحصلت آفة أفسدت الحاصل لم تبطل الإجارة ، ولا يوجب ذلك نقصاً في الاُجرة . نعم ، لو شرط على المؤجر إبراءه من الاُجرة بمقدار ما نقص أو نصفاً أو ثلثاً منه مثلاً ، صحّ ولزم الوفاء به .

(مسألة 47) : تجوز إجارةُ الأرض للانتفاع بها بالزرع وغيره مدّة معلومة ، وجعل الاُجرة تعميرها ؛ من كري الأنهار ، وتنقية الآبار ، وغرس الأشجار ، وتسوية الأرض ، وإزالة الأحجار ، ونحو ذلك ؛ بشرط أن يعيّن تلك الأعمال على نحو يرتفع الغرر والجهالة ، أو كان تعارف مغنٍ عن التعيين .

ص: 622

كتاب الجعالة

وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود ، أو هي إنشاء الالتزام به ، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك ، والأمر سهل . ويقال للملتزم : الجاعل ، ولمن يعمل ذلك العمل : العامل ، وللعوض : الجعل والجعيلة . وتفتقر إلى الإيجاب ، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام ، وهو إمّا عامّ ، كما إذا قال : من ردّ دابّتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي - مثلاً - فله كذا ، وإمّا خاصّ كما إذا قال لشخص : إن رددت دابّتي - مثلاً - فلك كذا . ولا تفتقر إلى قبول حتّى في الخاصّ .

(مسألة 1) : بين الإجارة على العمل والجُعالة فروق : منها : أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير ، وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد ، بخلاف الجعالة ؛ إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل . ومنها : أنّ الإجارة من العقود ، وهي من الإيقاعات على الأقوى .

(مسألة 2) : إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة ، فلا تصحّ على المحرّم ، ولا على ما يكون لغواً عند العقلاء وبذل المال

ص: 623

بإزائه سفهاً ، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة ، والصعود على الجبال الشاهقة ، والأبنية المرتفعة ، والوثبة من موضع إلى آخر ؛ إذا لم تكن فيها أغراض عقلائية .

(مسألة 3) : كما لا تصحّ الإجارة على الواجبات العينية ، بل والكفائية على الأحوط - على التفصيل الذي مرّ في كتابها - لا تصحّ الجعالة عليها على حَذوها .

(مسألة 4) : يعتبر في الجاعل أهلية الاستئجار ؛ من البلوغ والعقل والرشد والقصد والاختيار وعدم الحجر . وأمّا العامل فلا يعتبر فيه إلاّ إمكان تحصيل العمل ؛ بحيث لم يكن مانع منه عقلاً أو شرعاً ، فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلا يمكن حصوله شرعاً من الجنب والحائض ، فلو كنساه لم يستحقّا شيئاً على ذلك . ولا يعتبر فيه نفوذ التصرّف ، فيجوز أن يكون صبيّاً مميّزاً ولو بغير إذن الوليّ ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنوناً على الأظهر ، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم .

(مسألة 5) : يجوز أن يكون العمل مجهولاً في الجعالة بما لا يغتفر في الإجارة ، فإذا قال : من ردّ دابّتي فله كذا ، صحّ وإن لم يعيّن المسافة ، ولا شخص الدابّة ؛ مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة . وكذا يجوز إيقاعها على المردّد مع اتّحاد الجعل كما إذا قال : من ردّ فرسي أو حماري فله كذا ، أو بالاختلاف ، كما لو قال : من ردّ فرسي فله عشرة ، ومن ردّ حماري فله خمسة . نعم ، لا يجوز على المجهول والمبهم الصرف بحيث لا يتمكّن العامل من تحصيله ، كما لو قال : من ردّ ما ضاع منّي فله كذا ، أو من ردّ حيواناً ضاع منّي فله كذا ، ولم يعيّن ذلك بوجه . هذا كلّه في العمل . وأمّا العوض فلا بدّ من

ص: 624

تعيينه جنساً ونوعاً ووصفاً ، بل كيلاً أو وزناً أو عدّاً إن كان منها ، فلو جعله ما في يده أو كيسه بطلت الجعالة . نعم ، الظاهر أ نّه يصحّ أن يجعل الجعل حصّة معيّنة ممّا يردّه ولو لم يشاهد ولم يوصف . وكذا يصحّ أن يجعل للدلاّل ما زاد على رأس المال ، كما إذا قال : بِع هذا المال بكذا والزائد لك ، كما مرّ فيما سبق .

(مسألة 6) : كلّ مورد بطلت الجعالة للجهالة استحقّ العامل اُجرة المثل ، والظاهر أ نّه من هذا القبيل ما هو المتعارف ؛ من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابّة ضالّة .

(مسألة 7) : لا يعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل ، فيجوز أن يجعل شخص جعلاً من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابّته .

(مسألة 8) : لو عيّن الجعل لشخص وأتى غيره بالعمل ، لم يستحقّ الجعل ذلك الشخص لعدم العمل ، ولا ذلك الغير ؛ لأنّه ما اُمر بإتيان العمل ولا جعل لعمله جعل ، فهو كالمتبرّع . نعم ، لو جعل الجعالة على العمل لا بقيد المباشرة ؛ بحيث لو حصّل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة ، شملته الجعالة ، وكان عمل ذلك الغير تبرّعاً عن المجعول له ومساعدة له ، استحقّ الجعل المقرّر .

(مسألة 9) : لو جعل الجعل على عمل ، وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة ، أو بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض ، يقع عمله بلا جعل واُجرة .

(مسألة 10) : يستحقّ العامل الجعل المقرّر مع عدم كونه متبرّعاً ولو لم يكن عمله لأجل ذلك ، فلا يعتبر اطّلاعه على التزام الجاعل به ، بل لو عمله خطأً

ص: 625

وغفلةً ، بل من غير تمييز - كالطفل غير المميّز والمجنون - فالظاهر استحقاقه له كما مرّ . نعم ، لو تبيّن كذب المخبر - كما إذا أخبر مخبر : بأنّ فلاناً قال : من ردّ دابّتي فله كذا ، فردّها اعتماداً على إخباره - لم يستحقّ شيئاً ؛ لا على صاحب الدابّة ، ولا على المخبر الكاذب . نعم ، لو أوجب قوله الاطمئنان لا يبعد ضمانه اُجرة مثل عمله للغرور .

(مسألة 11) : لو قال : من دلّني على مالي فله كذا ، فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئاً ؛ لأ نّه واجب عليه شرعاً . ولو قال : من ردّ مالي فله كذا ، فإن كان المال ممّا في ردّه كلفة ومؤونة - كالدابّة الشاردة - استحقّ الجعل المقرّر إذا لم يكن في يده على وجه الغصب ، وإن لم يكن كذلك - كالدرهم والدينار - لم يستحقّ شيئاً .

(مسألة 12) : إنّما يستحقّ العامل الجعل بتسليم العمل ، فلو جعل على ردّ الدابّة إلى مالكها ، فجاء بها في البلد فشردت ، لم يستحقّ شيئاً ، ولو كان الجعل على مجرّد إيصالها إلى البلد استحقّه ، ولو كان على مجرّد الدلالة عليها استحقّ بها ولو لم يكن منه إيصال أصلاً .

(مسألة 13) : لو قال : من ردّ دابّتي - مثلاً - فله كذا ، فردّها جماعة ، اشتركوا في الجعل بالسويّة إن تساووا في العمل ، وإلاّ فيوزّع عليهم بالنسبة .

(مسألة 14) : لو جعل جُعلاً لشخص على عمل - كبناء حائط وخياطة ثوب - فشاركه غيره في ذلك العمل ، يسقط عن جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير ، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل ، وإلاّ فبالنسبة ، وأمّا الآخر فلا يستحقّ شيئاً . نعم ، لو لم يشترط على العامل المباشرة ؛ بل اُريد منه العمل مطلقاً ولو

ص: 626

بمباشرة غيره ، وكان اشتراك الغير معه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته ، استحقّ المجعول له تمام الجعل .

(مسألة 15) : الجعالة قبل تمامية العمل جائزة من الطرفين ؛ ولو بعد تلبّس العامل بالعمل وشروعه فيه ، فله رفع اليد عن العمل . كما أنّ للجاعل فسخ الجعالة ونقض التزامه على كلّ حال ، فإن كان ذلك قبل التلبّس لم يستحقّ المجعول له شيئاً ، ولو كان بعده فإن كان الرجوع من العامل لم يستحقّ شيئاً ، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اُجرة مثل ما عمل . ويحتمل الفرق في الأوّل - وهو ما كان الرجوع من العامل - بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل ، وبين ما كان مثل ردّ الضالّة ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدّماته الخارجية ، فله من المسمّى بالنسبة إلى ما عمل في الأوّل ، بخلاف الثاني ، فإنّه لم يستحقّ شيئاً . لكن هذا لو لم يكن الجعل في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط على إتمام العمل ، وإلاّ يكون الحكم كردّ الضالّة . ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل ، فيقال : إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الاُولى ، وله اُجرة المثل في الثانية ، فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء ، فأوجد بعضه ، فرجع الجاعل ، فللعامل من المسمّى بالنسبة ، وإذا كان مثل ردّ الضالّة وكذا إتمام الخياطة فله اُجرة المثل . والمسألة محلّ إشكال ، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أيّ حال .

(مسألة 16) : ما ذكرناه : من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال - ولو بعد التلبّس والاشتغال - إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر

ص: 627

على الجاعل ، وإلاّ يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه ، مثلاً : لو وقعت الجعالة على قصّ عينه ، أو بعض العمليات المتداولة بين الأطبّاء في هذه الأزمنة ، لا يجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبّس به والشروع فيه ؛ حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتّب على تكميلها ، وفي عدمه فساد ، ولو رفع اليد عنه لم يستحقّ في مثله شيئاً بالنسبة إلى ما عمل ؛ وذلك لأنّ الجعل في أمثاله إنّما هو على إتمام العمل ، فلو فرض كونه على العمل - نحو خياطة الثوب - فالظاهر استحقاقه على ما عمل بالنسبة ، وعليه غرامة الضرر الوارد .

ص: 628

كتاب العارية

وهي التسليط على العين للانتفاع بها على جهة التبرّع ، أو هي عقد ثمرته ذلك ، أو ثمرته التبرّع بالمنفعة . وهي من العقود تحتاج إلى إيجاب بكلّ لفظ له ظهور عرفي في هذا المعنى ، كقوله : «أعرتك» ، أو «أذنت لك في الانتفاع به» ، أو «انتفع به» ، أو «خذه لتنتفع به» ، ونحو ذلك ، وقبول : وهو كلّ ما أفاد الرضا بذلك ، ويجوز أن يكون بالفعل ؛ بأن يأخذه - بعد إيجاب المعير - بهذا العنوان . بل الظاهر وقوعها بالمعاطاة ، كما إذا دفع إليه قميصاً ليلبسه فأخذه لذلك ، أو دفع إليه إناءً أو بساطاً ليستعمله فأخذه واستعمله .

(مسألة 1) : يعتبر في المعير أن يكون مالكاً للمنفعة ، وله أهلية التصرّف ، فلا تصحّ إعارة الغاصب عيناً أو منفعة ، وفي جريان الفضولية فيها حتّى تصحّ بإجازة المالك وجه قويّ . وكذا لا تصحّ إعارة الصبيّ والمجنون والمحجور عليه لسفه أو فلس إلاّ مع إذن الوليّ أو الغرماء . وفي صحّة إعارة الصبيّ بإذن الوليّ احتمال لا يخلو من قوّة .

(مسألة 2) : لا يشترط في المعير أن يكون مالكاً للعين ، بل تكفي ملكية

ص: 629

المنفعة بالإجارة ، أو بكونها موصىً بها له بالوصيّة . نعم ، إذا اشترط استيفاء المنفعة في الإجارة بنفسه ليس له الإعارة .

(مسألة 3) : يعتبر في المستعير أن يكون أهلاً للانتفاع بالعين ، فلا تصحّ استعارة المصحف للكافر ، واستعارة الصيد للمحرم ؛ لا من المحلّ ولا من المحرم . وكذا يعتبر فيه التعيين ، فلو أعار شيئاً أحد هذين ، أو أحد هؤلاء لم تصحّ . ولا يشترط أن يكون واحداً ، فيصحّ إعارة شيء واحد لجماعة ، كما إذا قال : أعرت هذا الكتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة ، فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب والقرعة ، كالعين المستأجرة ، ولا يجوز الإعارة لجماعة غير محصورة على الأقوى .

(مسألة 4) : يعتبر في العين المستعارة كونها ممّا يمكن الانتفاع بها منفعة محلّلة ؛ مع بقاء عينها ، كالعقارات والدوابّ والثياب والكتب والأمتعة ونحوها ، بل وفحل الضراب والهرّة والكلب للصيد والحراسة وأشباه ذلك ، فلا يجوز إعارة ما لا منفعة محلّلة له كآلات اللهو ، وكذا آنية الذهب والفضّة ؛ لاستعمالها في المحرّم . وكذا ما لا ينتفع به إلاّ بإتلافه ، كالخبز والدهن والأشربة وأشباهها للأكل والشرب .

(مسألة 5) : جواز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها والبئر للاستقاء منها ، لا يخلو من وجه وقوّة .

(مسألة 6) : لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة ، فلو قال : أعرني إحدى دوابّك ، فقال : خذ ما شئت منها ، صحّت .

(مسألة 7) : العين التي تعلّقت بها العارية ، إن انحصرت جهة الانتفاع بها في

ص: 630

منفعة خاصّة - كالبساط للافتراش ، واللحاف للتغطية ، والخيمة للاكتنان ، وأشباه ذلك - لا يلزم التعرّض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها ، وإن تعدّدت - كالأرض ينتفع بها للزرع والغرس ، والبناء والدابّة للحمل والركوب ، ونحو ذلك - فإن كانت الإعارة لأجل منفعة أو منافع خاصّة من منافعها ، يجب التعرّض لها ، واختصّت حلّية الانتفاع بما استعيرت لها ، وإن كانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعميم والتصريح بالعموم ، وجاز الإطلاق ؛ بأن يقول : أعرتك هذه الدابّة ، فيجوز الانتفاع بكلّ منفعة مباحة منها . نعم ، ربما يكون لبعض الانتفاعات خفاء لا يندرج في الإطلاق ، ففي مثله لا بدّ من التنصيص به أو التعميم على وجه يعمّه ، وذلك كالدفن ، فإنّه وإن كان من أحد وجوه الانتفاع من الأرض ، لكنّه لا يعمّه الإطلاق .

(مسألة 8) : العارية جائزة من الطرفين ، فللمعير الرجوع متى شاء ، وللمستعير الردّ كذلك . نعم ، في خصوص إعارة الأرض للدفن ، لم يجز بعد المواراة فيها الرجوع ونبش القبر على الأحوط ، وأمّا قبل ذلك فله الرجوع حتّى بعد وضع الميّت في القبر قبل مواراته ، وليس على المعير اُجرة الحفر ومؤونته لو رجع بعده ، كما أنّه ليس على وليّ الميّت طمّ الحفر بعد ما كان بإذن المعير .

(مسألة 9) : تبطل العارية بموت المعير ، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه .

(مسألة 10) : يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عيّنها المعير ، فلا يجوز له التعدّي إلى غيرها ولو كان أدنى وأقلّ ضرراً على المعير ، وكذا يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة ، فلو أعاره دابّة

ص: 631

للحمل لا يحمّلها إلاّ القدر المعتاد ؛ بالنسبة إلى ذلك الحيوان وذلك المحمول وذلك الزمان والمكان ، فلو تعدّى نوعاً أو كيفية كان غاصباً وضامناً ، وعليه اُجرة ما استوفاه من المنفعة لو تعدّى نوعاً ، وأمّا لو تعدّى كيفية فلا تبعد أن تكون عليه اُجرة الزيادة .

(مسألة 11) : لو أعاره أرضاً للبناء أو الغرس جاز له الرجوع ، وله إلزام المستعير بالقلع ، لكن عليه الأرش . وكذا في عاريتها للزرع إذا رجع قبل إدراكه ، ويحتمل عدم استحقاق المعير إلزام المستعير بقلع الزرع لو رضي بالبقاء بالاُجرة ، ويحتمل جواز الإلزام بلا أرش . والمسألة بشقوقها مشكلة جدّاً ، فلا يترك الاحتياط في أشباهها بالتصالح والتراضي . ومثل ذلك ما إذا أعار جذوعه للتسقيف ، ثمّ رجع بعد ما أثبتها المستعير في البناء .

(مسألة 12) : العين المستعارة أمانة بيد المستعير ؛ لا يضمنها لو تلفت إلاّ بالتعدّي أو التفريط . نعم ، لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن تعدّ وتفريط ، كما أ نّه لو كان العين ذهباً أو فضّة ضمنها مطلقاً إلاّ أن يشترط السقوط .

(مسألة 13) : لا تجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلاّ بإذن المالك ، فتكون إعارته حينئذٍ في الحقيقة إعارة المالك ، وهو وكيل ونائب عنه ، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك - كما إذا جنّ - بقيت العارية الثانية على حالها .

(مسألة 14) : لو تلفت العين بفعل المستعير ، فإن كان بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون التعدّي عن المتعارف ، ليس عليه ضمان ، وإن كان بسبب آخر ضمنها .

ص: 632

(مسألة 15) : إنّما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردّها إلى مالكها أو وكيله أو وليّه ، ولو ردّها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد من المالك ولا إذن منه لم يبرأ ، كما إذا ردّ الدابّة إلى الإصطبل وربطها فيه بلا إذن من المالك فتلفت أو أتلفها مُتلف .

(مسألة 16) : لو استعار عيناً من الغاصب ، فإن لم يعلم بغصبه كان قرار الضمان على الغاصب ، فإن تلفت في يد المستعير ، أو لا في يده بعد وقوعها عليها ، فللمالك الرجوع بعوض ماله على كلّ من الغاصب والمستعير ، فإن رجع على المستعير يرجع هو على الغاصب ، وإن رجع على الغاصب ليس له الرجوع على المستعير ، وكذلك بالنسبة إلى بدل ما استوفاه المستعير من المنفعة وغيرها من المنافع الفائتة على ضمانه ، فإنّه لو رجع بها على المستعير يرجع هو على الغاصب ، دون العكس . ولو كان عالماً بالغصب لم يرجع على الغاصب لو رجع المالك عليه ، بل الأمر بالعكس ، فيرجع الغاصب عليه لو رجع المالك عليه إذا تلفت في يد المستعير . ولا يجوز له أن يردّ العين إلى الغاصب بعد علمه بالغصبية ، بل يجب ردّها إلى مالكها .

ص: 633

كتاب الوديعة

اشارة

وهي عقد يفيد استنابة في الحفظ ، أو هي استنابة فيه . وبعبارة اُخرى : هي وضع المال عند الغير ليحفظه لمالكه .

وتطلق كثيراً على المال الموضوع ، ويقال لصاحب المال : المودِع ، ولذلك الغير : الودعي والمستودع . وتحتاج إلى الإيجاب ، وهو كلّ لفظ دالّ على تلك الاستنابة ، كأن يقول : «أودعتك هذا المال» ، أو «احفظه» ، أو «هو وديعة عندك» ، ونحو ذلك ، والقبول الدالّ على الرضا بالنيابة في الحفظ . ولا يعتبر فيه العربية ، بل يقع بكلّ لغة . ويجوز أن يكون الإيجاب باللفظ ، والقبول بالفعل ؛ بأن تسلّم بعد الإيجاب لذلك ، بل تصحّ بالمعاطاة بأن يسلّمه للحفظ ، وتسلّم لذلك .

(مسألة 1) : لو طرح ثوباً - مثلاً - عند أحد ، وقال : هذا وديعة عندك ، فإن قبلها بالقول أو الفعل الدالّ عليه صار وديعة ، وفي تحقّقها بالسكوت الدالّ على الرضا إشكال . ولو لم يقبلها لم يصر وديعة ؛ حتّى فيما إذا طرحه عنده بهذا القصد وذهب وتركه عنده ، وليس عليه ضمان حينئذٍ ، وإن كان الأحوط القيام بحفظه مع الإمكان .

ص: 634

(مسألة 2) : إنّما يجوز قبول الوديعة لمن كان قادراً على حفظها ، فمن كان عاجزاً لم يجز له قبولها على الأحوط ، إلاّ إذا كان المودِع أعجز منه في الحفظ مع عدم مستودع آخر قادر عليه ، فإنّ الجواز في هذه الصورة غير بعيد ، خصوصاً مع التفات المودع .

(مسألة 3) : الوديعة جائزة من الطرفين ، فللمالك استرداد ماله متى شاء ، وللمستودع ردّه كذلك ، وليس للمودع الامتناع من قبوله . ولو فسخها المستودع عند نفسه انفسخت وزالت الأمانة المالكية ، وصار عنده أمانة شرعية ، فيجب عليه ردّه إلى مالكه أو من يقوم مقامه ، أو إعلامه بالفسخ ، فلو أهمل لا لعذر شرعي أو عقلي ضمن .

(مسألة 4) : يعتبر في كلّ من المستودع والمودع : البلوغ والعقل ، فلا يصحّ استيداع الصبيّ ولا المجنون ، وكذا إيداعهما ؛ من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين ، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه ، ولو أخذه منهما ضمنه ولا يبرأ بردّه إليهما ، وإنّما يبرأ بإيصاله إلى وليّهما . نعم ، لا بأس بأخذه إذا خيف هلاكه وتلفه في يدهما ، فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ ، ولكن لا يصير بذلك وديعة وأمانة مالكية ، بل تكون أمانة شرعية ، يجب عليه حفظها والمبادرة إلى إيصالها إلى وليّهما أو إعلامه بكونها عنده ، وليس عليه ضمان لو تلفت في يده .

(مسألة 5) : لو أرسل شخص كامل مالاً - بواسطة الصبيّ أو المجنون - إلى شخص ليكون وديعة عنده ، وأخذه منه بهذا العنوان ، فالظاهر صيرورته وديعة عنده ؛ لكونهما بمنزلة الآلة للكامل .

ص: 635

(مسألة 6) : لو أودع عند الصبيّ والمجنون مالاً لم يضمناه بالتلف ، بل بالإتلاف أيضاً إذا لم يكونا مميّزين ، وإن كانا مميّزين صالحين للاستئمان ، لا يبعد ضمانهما مع التلف مع تفريطهما في الحفظ ، فضلاً عن الإتلاف .

(مسألة 7) : يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به ؛ ووضعها في الحرز الذي يناسبها ، كالصندوق المقفل للثوب والدراهم والحلي ونحوها ، والإصطبل المضبوط بالغلق للدابّة ، والمراح كذلك للشاة . وبالجملة : حفظها في محلّ لا يُعدّ معه عند العرف مضيّعاً ومفرّطاً وخائناً ؛ حتّى فيما إذا علم المودِع بعدم وجود حرز لها عند المستودع ، فيجب عليه بعد القبول تحصيله مقدّمة للحفظ الواجب عليه . وكذا يجب عليه القيام بجميع ما له دخل في صونها من التعيّب أو التلف ، كالثوب ينشره في الصيف إذا كان من الصوف أو الإبريسم ، والدابّة يعلفها ويسقيها ويقيها من الحرّ والبرد ، فلو أهمل عن ذلك ضمنها .

(مسألة 8) : لو عيّن المودع موضعاً خاصّاً لحفظ الوديعة وفهم منه القيدية اقتصر عليه ، ولا يجوز نقلها إلى غيره بعد وضعها فيه وإن كان أحفظ ، فلو نقلها منه ضمنها . نعم ، لو كانت في ذلك المحلّ في معرض التلف ، جاز نقلها إلى مكان آخر أحفظ ، ولا ضمان عليه حتّى مع نهي المالك ؛ بأن قال : لا تنقلها وإن تلفت ، وإن كان الأحوط حينئذٍ مراجعة الحاكم مع الإمكان .

(مسألة 9) : لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعدّ منه ولا تفريط لم يضمنها . وكذا لو أخذها منه ظالم قهراً ؛ سواء انتزعها من يده ، أو أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرهاً . نعم ، يقوى الضمان لو كان هو السبب لذلك ؛ ولو من جهة

ص: 636

إخباره بها ، أو إظهارها في محلٍّ كان مظنّة الوصول إلى الظالم ، فحينئذٍ لا يبعد انقلاب يده إلى يد الضمان ؛ سواء وصل إليها الظالم أم لا .

(مسألة 10) : لو تمكّن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب ؛ حتّى أ نّه لو توقّف دفعه على إنكارها كاذباً بل الحلف عليه ، جاز بل وجب ، فإن لم يفعل ضمن . وفي وجوب التورية عليه مع الإمكان إشكال ، أحوطه ذلك ، وأقواه العدم .

(مسألة 11) : إن كانت مدافعته عن الظالم مؤدّية إلى الضرر على بدنه من جرح وغيره ، أو هتك في عرضه ، أو خسارة في ماله ، لا يجب تحمّله ، بل لا يجوز في غير الأخير ، بل فيه أيضاً ببعض مراتبه . نعم ، لو كان ما يترتّب عليها يسيراً جدّاً بحيث يتحمّله غالب الناس - كما إذا تكلّم معه بكلام خشن ؛ لا يكون هاتكاً له بالنظر إلى شرفه ورفعة قدره وإن تأذّى منه بالطبع - فالظاهر وجوب تحمّله .

(مسألة 12) : لو توقّف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره ، فإن كان بدفع بعضها وجب ، فلو أهمل وأخذ الظالم كلّها ، ضمن المقدار الزائد على ما يندفع به منها ، لا تمامها ، فلو يندفع بالنصف ضمن النصف ، أو بالثلث ضمن الثلثين وهكذا . وكذا الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان وكان الظالم يندفع بدفع إحداهما فأهمل حتّى أخذ كلتيهما ، فإن كان يندفع بإحداهما المعيّنة ضمن الاُخرى ، وإن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة . ولو توقّف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من المستودع لم يجب عليه الدفع تبرّعاً ومجّاناً ، وأمّا مع قصد الرجوع به على المالك ، فإن أمكن الاستئذان منه أو ممّن يقوم

ص: 637

مقامه - كالحاكم عند عدم الوصول إليه - لزم ، فإن دفع بلا استئذان لم يستحقّ الرجوع به عليه ، وإن لم يمكن الاستئذان وجب عليه على الأحوط أن يدفع ، وله أن يرجع على المالك بعد ما كان قصده ذلك .

(مسألة 13) : لو كانت الوديعة دابّة يجب عليه سقيها وعلفها ولو لم يأمره المالك ، بل ولو نهاه ، أو ردّها إلى مالكها أو القائم مقامه ، ولا يجب أن يكون السقي ونحوه بمباشرته ، ولا أن يكون ذلك في محلّها ، فيجوز التسبيب لذلك ، وكذا يجوز إخراجها من منزله لذلك ؛ وإن أمكن حصوله في محلّها بعد جريان العادة بذلك . نعم ، لو كان الطريق - مثلاً - مخوفاً لم يجز إخراجها . كما أ نّه لا يجوز أن يُولّي غيره لذلك إذا كان غير مأمون ، إلاّ مع مصاحبته أو مصاحبة أمين معه . وبالجملة : لا بدّ من مراعاة حفظها على المعتاد ؛ بحيث لا يُعدّ معها عرفاً مفرّطاً ومتعدّياً . هذا بالنسبة إلى أصل سقيها وعلفها . وأمّا بالنسبة إلى نفقتها فإن وضع المالك عنده عينها أو قيمتها ، أو أذن له في الإنفاق عليها من ماله على ذمّته ، فلا إشكال . وإلاّ فالواجب أوّلاً الاستئذان من المالك أو وكيله ، فإن تعذّر رفع الأمر إلى الحاكم ؛ ليأمره بما يراه صلاحاً ولو ببيع بعضها للنفقة ، فإن تعذّر الحاكم أنفق هو من ماله ، وأشهد عليه على الأولى الأحوط ، ويرجع على المالك مع نيّته .

(مسألة 14) : تبطل الوديعة بموت كلّ واحد من المودع والمستودع أو جنونه ، فإن كان هو المودع تكون الوديعة في يد الودعيّ أمانة شرعية ، فيجب عليه فوراً ردّها إلى وارث المودِع أو وليّه أو إعلامهما بها ، فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن . نعم ، لو كان ذلك لعدم العلم بكون من يدّعي الإرث وارثاً ، أو انحصار الوارث

ص: 638

فيمن علم كونه وارثاً ، فأخّر الردّ والإعلام للتروّي والفحص ، لم يكن عليه ضمان على الأقوى ، وإن كان الوارث متعدّداً سلّمها إلى الكلّ أو إلى من يقوم مقامهم . ولو سلّمها إلى بعض من غير إذن ضمن حصص الباقين . وإن كان هو المستودع تكون أمانة شرعية في يد وارثه أو وليّه ؛ على فرض كونها تحت يدهما ، ويجب عليهما الردّ إلى المودِع أو من يقوم مقامه أو إعلامه فوراً .

(مسألة 15) : يجب ردّ الوديعة عند المطالبة في أوّل وقت الإمكان ؛ وإن كان المودع كافراً محترم المال ، بل وإن كان حربياً مباح المال على الأحوط . والذي هو الواجب عليه رفع يده عنها والتخلية بينها وبين المالك ، لا نقلها إليه . فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ، ففتحهما عليه ، فقال : خُذ وديعتك ، فقد أدّى ما هو تكليفه وخرج من عهدته . كما أنّ الواجب عليه مع الإمكان الفورية العرفية ، فلا يجب عليه الركض ونحوه ، والخروج من الحمّام - مثلاً - فوراً ، وقطع الطعام والصلاة وإن كانت نافلة ونحو ذلك . وهل يجوز له التأخير ليشهد عليه ؟ قولان ، أقواهما ذلك إذا كان الإشهاد غير موجب للتأخير الكثير ، وإلاّ فلا يجوز ، خصوصاً لو كان الإيداع بلا إشهاد . هذا إذا لم يرخّص في التأخير وعدم الإسراع والتعجيل ، وإلاّ فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة .

(مسألة 16) : لو أودع اللصّ ما سرقه عند شخص ، لا يجوز له ردّه إليه مع الإمكان ، بل يكون أمانة شرعية في يده ، فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه إن عرفه ، وإلاّ عرّف سنة ، فإن لم يجد صاحبه فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عنه ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار أجر الصدقة كان له ، وإن اختار الغرامة غرم له ، وكان الأجر للغارم ، وإن لا يبعد جريان حكم اللقطة عليه .

ص: 639

(مسألة 17) : كما يجب ردّ الوديعة عند مطالبة المالك ، يجب ردّها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو حرق ونحو ذلك ، فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاصّ أو العامّ تعيّن ، وإلاّ فليوصلها إلى الحاكم لو كان قادراً على حفظها ، ولو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضاً في معرض التلف ، أودعها عند ثقة أمين متمكّن من حفظها .

(مسألة 18) : إذا ظهرت للمستودع أمارة الموت بسبب المرض أو غيره يجب عليه ردّها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان ، وإلاّ فإلى الحاكم ، ومع فقده يوصي ويشهد بها ، فلو أهمل عن ذلك ضمن ، وليكن الإيصاء والإشهاد بنحو يترتّب عليهما حفظها لصاحبها ، فلا بدّ من ذكر الجنس والوصف وتعيين المكان والمالك ، فلا يكفي قوله : عندي وديعة لشخص . نعم ، يقوى عدم لزومهما رأساً فيما إذا كان الوارث مطّلعاً عليها ، وكان ثقة أميناً .

(مسألة 19) : يجوز للمستودع أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها السابق عند أهله وعياله لو لم يكن السفر ضرورياً ؛ إذا لم يتوقّف حفظها على حضوره ، وإلاّ فعليه إمّا ترك السفر ، وإمّا ردّها إلى مالكها أو وكيله ، ومع التعذّر إلى الحاكم ، ومع فقده فالظاهر تعيّن الإقامة وترك السفر ، ولا يجوز أن يسافر بها على الأحوط ؛ ولو مع أمن الطريق ومساواة السفر للحضر في الحفظ . ولو قيل باختلاف الودائع فيجوز في بعضها السفر بها لكان حسناً ، لكن لا يترك الاحتياط مطلقاً ، والأقوى عدم جواز إيداعها عند الأمين . وأمّا لو كان السفر ضرورياً له ، فإن تعذّر ردّها إلى المالك أو وكيله أو الحاكم تعيّن إيداعها عند الأمين ، فإن تعذّر سافر بها محافظاً لها بقدر الإمكان ، وليس عليه ضمان . نعم ، في مثل الأسفار

ص: 640

الطويلة الكثيرة الخطر ، اللازم أن يعامل فيه معاملة من ظهر له أمارة الموت على ما سبق تفصيله .

(مسألة 20) : المستودَع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيّبت بيده ، إلاّ عند التفريط والتعدّي ، كما هو الحال في كلّ أمين . أمّا التفريط فهو الإهمال في محافظتها ، وترك ما يوجب حفظها على مجرى العادة ؛ بحيث يُعدّ معه عند العرف مضيّعاً ومسامحاً ، كما إذا طرحها في محلّ ليس بحرز وذهب عنها غير مراقب لها ، أو ترك سقي الدابّة وعلفها ، أو نشر ثوب الصوف والإبريسم في الصيف ، أو أودعها ، أو ترك تحفّظها من النداوة فيما تفسدها النداوة كالكتب وبعض الأقمشة ، أو سافر بها . نعم ، في كون مطلق السفر والسفر بمطلقها من التفريط منع . وأمّا التعدّي فهو أن يتصرّف فيها بما لم يأذن له المالك ، مثل أن يلبس الثوب ، أو يفرش الفراش ، أو يركب الدابّة إذا لم يتوقّف حفظها على التصرّف ، كما إذا توقّف حفظ الثوب والفراش من الدود على اللبس والافتراش ، أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة وتكون يده عليها على وجه الخيانة ، كما إذا جحدها ؛ لا لمصلحة الوديعة ، ولا لعذر من نسيان ونحوه . وقد يجتمع التفريط مع التعدّي ، كما إذا طرح الثوب والقماش والكتب ونحوها في موضع يفسدها ، ولعلّ من ذلك ما إذا أودعه دراهم - مثلاً - في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود ، فكسر ختمه أو حلّ خيطه وشدّه من دون ضرورة ومصلحة . ومن التعدّي خلطها بماله ؛ سواء كان بالجنس أو بغيره ، وسواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردأ ، ولو مزجها بالجنس من مال المودع ، كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين ولا مشدودين ، فجعلهما كيساً واحداً ، فالظاهر كونه تعدّياً مع احتمال تعلّق غرضه بانفصالهما ، فضلاً عن إحرازه .

ص: 641

(مسألة 21) : المراد بكونها مضمونة بالتفريط والتعدّي : أنّ ضمانها عليه لو تلفت ولو لم يكن مستنداً إلى تفريطه وتعدّيه . وبعبارة اُخرى : تنقلب يده الأمانية غير الضمانية إلى الخيانية الضمانية .

(مسألة 22) : لو نوى التصرّف ولم يتصرّف فيها لم يضمن . نعم ، لو نوى الغصب ؛ بأن قصد الاستيلاء عليها لنفسه والتغلّب على مالكها ، كسائر الغاصبين ضمنها ، وتصير يده يد عدوان ، ولو رجع عن قصده لم يزل الضمان . ومثله ما إذا جحدها ، أو طلبت منه فامتنع من الردّ مع التمكّن عقلاً وشرعاً ، فإنّه يضمنها بمجرّد ذلك ، ولم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه .

(مسألة 23) : لو كانت الوديعة في كيس مختوم - مثلاً - ففتحه وأخذ بعضها ضمن الجميع ، بل المتّجه الضمان بمجرّد الفتح كما سبق . وأمّا لو لم تكن مودعة في حرز ، أو كانت في حرز من المستودع فأخذ بعضها ، فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان عليه ، وأمّا لو كان من قصده أخذ التمام شيئاً فشيئاً ، فلا يبعد أن يكون ضامناً للجميع . هذا إذا جعلها المستودع في حرزه . وأمّا لو أخذ المودع الحرز منه وجعلها فيه وختمه أو خاطه فأودعها ، فالوجه ضمان الجميع بمجرّد الفتح من دون مصلحة أو ضرورة .

(مسألة 24) : لو سلّمها إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها ، ضمن إلاّ أن يكونوا كالآلة ؛ لكون ذلك بمحضره وباطّلاعه وبمشاهدته .

(مسألة 25) : لو فرّط في الوديعة ثمّ رجع عن تفريطه ؛ بأن جعلها في الحرز المضبوط ، وقام بما يوجب حفظها ، أو تعدّى ثمّ رجع ، كما إذا لبس الثوب ثمّ نزعه ، لم يبرأ من الضمان . نعم ، لو جدّد المالك معه عقد الوديعة بعد فسخ الأوّل

ص: 642

ارتفع الضمان ، فهو مثل ما إذا كان مال بيد الغاصب فجعله أمانة عنده ، فإنّ الظاهر أ نّه بذلك يرتفع الضمان ؛ من جهة تبدّل عنوان العدوان إلى الاستئمان . ولو أبرأه من الضمان ففي سقوطه قولان ، أوجههما السقوط . نعم ، لو تلفت في يده واشتغلت ذمّته بعوضها لا إشكال في صحّة الإبراء .

(مسألة 26) : لو أنكر الوديعة ، أو اعترف بها وادّعى التلف أو الردّ ولا بيّنة ، فالقول قوله بيمينه . وكذلك لو تسالما على التلف ، ولكن ادّعى عليه المودع التفريط أو التعدّي .

(مسألة 27) : لو دفعها إلى غير المالك وادّعى الإذن منه فأنكر ولا بيّنة ، فالقول قول المالك . وأمّا لو صدّقه على الإذن ، لكن أنكر التسليم إلى من أذن له ، فهو كدعواه الردّ إلى المالك في أنّ القول قوله .

(مسألة 28) : لو أنكر الوديعة ، فلمّا أقام المالك البيّنة عليها صدّقها ، لكن ادّعى كونها تالفة قبل أن ينكرها ، لا تسمع دعواه ، فلا يُقبل منه اليمين ولا البيّنة على إشكال . وأمّا لو ادّعى تلفها بعد ذلك تسمع دعواه ، لكن يحتاج إلى البيّنة ، ومع ذلك عليه الضمان لو كان إنكاره بغير عذر .

(مسألة 29) : لو أقرّ بالوديعة ثمّ مات ، فإن عيّنها في عين شخصية معيّنة موجودة حال موته اُخرجت من التركة . وكذا لو عيّنها في ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت ، كما إذا قال : «إحدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان» ، فعلى الورثة إذا احتملوا صدقه ولم يميّزوا أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالاً بأنّ إحداها لفلان ، والأقوى التعيين بالقرعة . وإن عيّن الوديعة ولم يعيّن المالك كان من مجهول المالك ، وقد مرّ حكمه في كتاب

ص: 643

الخمس . وهل يعتبر قول المودع ويجب تصديقه لو عيّنها في معيّن واحتمل صدقه ؟ وجهان ، أوجههما عدمه . ولو لم يعيّنها بأحد الوجهين ؛ بأن قال : «عندي في هذه التركة وديعة من فلان» ، فمات بلا فصل يحتمل معه ردّها أو تلفها بلا تفريط ، فالظاهر اعتبار قوله ، فيجب التخلّص بالصلح على الأحوط ، ويحتمل قويّاً العمل بالقرعة . ومع أحد الاحتمالين المتقدّمين ففي الوجوب تردّد لو قال : «عندي في هذه التركة وديعة» . نعم ، لو قال : «عندي وديعة» من غير تعيين مطلقاً ، أو مع تعيين ما ولم يذكر أ نّها في تركتي ، فالظاهر عدم وجوب شيء في التركة ما لم يعلم بالتلف تفريطاً أو تعدّياً .

خاتمة : في الأمانة المالكية والشرعية

خاتمة

الأمانة على قسمين : مالكية وشرعية .

أمّا الأوّل : فهو ما كان باستئمان من المالك وإذنه ؛ سواء كان عنوان عمله ممحّضاً في ذلك كالوديعة ، أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات ، كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة ، فإنّ العين فيها بيد الطرف أمانة مالكية ؛ حيث إنّ المالك قد سلّمها إليه وتركها بيده من دون مراقبة منه ، وجعل حفظها على عهدته .

وأمّا الثاني : فهو ما لم يكن الاستيلاء عليها ووضع اليد باستئمان وإذن من المالك ، وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان ؛ بل إمّا قهراً ، كما إذا أطارتها الريح ، أو جاء بها السيل - مثلاً - في ملكه ، ووقعت تحت يده . وإمّا بتسليم المالك لها بدون اطّلاع منهما ، كما إذا اشترى صندوقاً فوجد فيه شيئاً من مال البائع بدون اطّلاعه ، أو تسلّم البائع أو المشتري زائداً على حقّهما من جهة الغلط في الحساب مثلاً . وإمّا برخصة من الشرع كاللقطة والضالّة ، وما ينتزع من يد

ص: 644

السارق أو الغاصب للإيصال إلى صاحبه . وكذا ما يُؤخذ من الصبيّ أو المجنون من مالهما - عند خوف التلف في أيديهما - حسبة للحفظ ، وما يؤخذ ممّا كان في معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة ، كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك ، فإنّ العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية ؛ يجب عليه حفظها وإيصالها - في أوّل أزمنة الإمكان - إلى صاحبها ولو مع عدم المطالبة ، وليس عليه ضمان لو تلفت في يده ، إلاّ مع التفريط أو التعدّي كالأمانة المالكية . ويحتمل عدم وجوب إيصالها ؛ وكفاية إعلام صاحبها بكونها عنده ، والتخلية بينها وبينه بحيث كلّما أراد أن يأخذها أخذها ، بل لا يخلو هذا من قوّة . ولو كانت العين أمانة مالكية بتبع عنوان آخر وقد ارتفع ذلك العنوان - كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدّة الإجارة ، والعين المرهونة بعد فكّ الرهن ، والمال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة - ففي كونها أمانة مالكية أو شرعية وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان .

ص: 645

كتاب المضاربة

وتسمّى قِراضاً ، وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر ، ولو حصل ربح يكون بينهما . ولو جعل تمام الربح للمالك يقال له : البضاعة . وحيث إنّها عقد ، تحتاج إلى الإيجاب من المالك والقبول من العامل ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفي ، كقوله : «ضاربتُك» أو «قارضتُك» أو «عاملتُك» على كذا ، وفي القبول : «قبلتُ» وشبهه .

(مسألة 1) : يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار ، وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس . وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال ، فلو كان عاجزاً مطلقاً بطلت ، ومع العجز في بعضه لا تبعد الصحّة بالنسبة على إشكال . نعم ، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقاً ، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى . وفي رأس المال أن يكون عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين ؛ سواء كان على العامل أو غيره إلاّ بعد قبضه . وأن يكون درهماً وديناراً ، فلا تصحّ بالذهب والفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض .

ص: 646

نعم ، جوازها بمثل الأوراق النقدية ونحوها من الأثمان - غير الذهب والفضّة - لا يخلو من قوّة ، وكذا في الفلوس السود . وأن يكون معيّناً ، فلا تصحّ بالمبهم ، كأن يقول : قارضتُك بأحد هذين أو بأيّهما شئت . وأن يكون معلوماً قدراً ووصفاً . وفي الربح أن يكون معلوماً ، فلو قال : «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» ولم يعلماه بطلت . وأن يكون مشاعاً مقدّراً بأحد الكسور كالنصف أو الثلث ، فلو قال : على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي ، أو بالعكس ، أو لك نصف الربح وعشرة دراهم مثلاً ، لم تصحّ . وأن يكون بين المالك والعامل لا يشاركهما الغير ، فلو جعلا جزءاً منه لأجنبيّ بطلت إلاّ أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة .

(مسألة 2) : يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة ، فلو دفع إلى الزارع مالاً ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما ، أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته ويكون الفائدة بينهما ، لم يصحّ ولم يقع مضاربة .

(مسألة 3) : الدراهم المغشوشة إن كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها ، ولا يعتبر الخلوص فيها . نعم ، لو كانت قلباً يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها ، لم تصحّ .

(مسألة 4) : لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحداً في استيفائه ، ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجباً وقابلاً من الطرفين . وكذا لو كان المديون هو العامل ، يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن ، ثمّ إيقاعها عليه موجباً وقابلاً .

(مسألة 5) : لو دفع إليه عروضاً وقال : بعها ويكون ثمنها مضاربة ، لم تصحّ إلاّ إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها .

ص: 647

(مسألة 6) : لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف - مثلاً - لم يكن مضاربة ، بل هي معاملة فاسدة ، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حِصّته التي قصدها لنفسه ، وما قصده لغيره فمالكيته له محلّ إشكال ، ويحتمل بقاؤه على إباحته ، وعليه اُجرة مثل الشبكة .

(مسألة 7) : لو دفع إليه مالاً ؛ ليشتري نخيلاً أو أغناماً على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما ، لم يكن مضاربة ، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال ، وعليه اُجرة مثل عمل العامل .

(مسألة 8) : تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز ، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين ، فقال أحدهما للعامل : «قارضتُك بحصّتي من هذه الدراهم» ، صحّ مع العلم بمقدار حصّته ، وكذا لو كان عنده ألف دينار - مثلاً - وقال : «قارضتك بنصف هذه الدنانير» .

(مسألة 9) : لا فرق بين أن يقول : «خذ هذا المال قراضاً ولكلّ منّا نصف الربح» ، وأن يقول : « . . . والربح بيننا» ، أو يقول : « . . . ولك نصف الربح» ، أو « . . . لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أ نّه جعل لكلّ منهما نصف الربح . وكذلك لا فرق بين أن يقول : «خذه قراضاً ولك نصف ربحه» ، أو يقول : « . . . لك ربح نصفه» ، فإنّ مفاد الجميع واحد عرفاً .

(مسألة 10) : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد ؛ مع اشتراط تساويهما فيما يستحقّان من الربح وفضل أحدهما على الآخر ؛ وإن تساويا في العمل . ولو قال : «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ؛ بأن كان المال مشتركاً بين اثنين ، فقارضا واحداً

ص: 648

بالنصف - مثلاً - متساوياً بينهما ؛ بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة وبالاختلاف ؛ بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً ، فإذا كان الربح اثني عشر ، استحقّ العامل خمسة وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة . نعم ، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين ، وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط ، كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل ، مع تساويهما في رأس المال ؛ بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ، ولأحد الشريكين اثنان وللآخر أربعة ، ففي صحّته وجهان بل قولان ، أقواهما البطلان .

(مسألة 11) : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها ؛ قبل الشروع في العمل وبعده ، قبل حصول الربح وبعده ، صار المال كلّه نقداً أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد ، بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه . ولو اشترطا فيها عدم الفسخ ، فإن كان المقصود لزومها بحيث لا تنفسخ بفسخ أحدهما - بأن جعل ذلك كناية عن لزومها ، مع ذكر قرينة دالّة عليه - بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى ، وإن كان المقصود التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به ، ولا يبعد لزوم العمل عليهما ، وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ ، وأمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم - كالبيع والصلح ونحوهما - فلا إشكال في لزوم العمل به .

(مسألة 12) : الظاهر جريان المعاطاة والفضولية في المضاربة ، فتصحّ بالمعاطاة ، ولو وقعت فضولاً من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما .

(مسألة 13) : تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك والعامل . وهل يجوز

ص: 649

لورثة المالك إجازة العقد فتبقى بحالها بإجازتهم أم لا ؟ الأقوى عدم الجواز .

(مسألة 14) : العامل أمين ، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده ، إلاّ مع التعدّي أو التفريط . كما أ نّه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة ، بل هي واردة على صاحب المال . ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكاً معه في الخسارة كما هو شريك في الربح ففي صحّته وجهان ، أقواهما العدم . نعم ، لو كان مرجعه إلى اشتراط أ نّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه - مثلاً - من كيسه لا بأس به ، ولزم العمل به لو وقع في ضمن عقد لازم ، بل لا يبعد لزوم الوفاء به ولو كان في ضمن عقد جائز ما دام باقياً . نعم ، له فسخه ورفع موضوعه ، كما أ نّه لا بأس بالشرط - على وجه غير بعيد - لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة إلى عهدته بعد حصولها في ملكه ؛ بنحو شرط النتيجة .

(مسألة 15) : يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته ؛ من تولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ومثل ذلك العامل ؛ من عرض القماش والنشر والطيّ مثلاً وقبض الثمن وإحرازه في حرزه ، واستئجار ما جرت العادة باستئجاره ، كالدلاّل والوزّان والحمّال ، ويُعطي اُجرتهم من أصل المال ، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع ، فالظاهر جواز أخذ الاُجرة . نعم ، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الاُجرة .

(مسألة 16) : مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما

ص: 650

يراه من المصلحة ؛ من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك حتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، إلاّ أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق . ولو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من الشخص الفلاني ، أو الطائفة الفلانية ، وغير ذلك من الشروط ، لم يجز له المخالفة ، ولو خالف ضمن المال والخسارة ، لكن لو حصل الربح ، وكانت التجارة رابحة ، شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة .

(مسألة 17) : لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره ، إلاّ بإذن المالك عموماً أو خصوصاً ، فلو خلط ضمن المال والخسارة ، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة .

(مسألة 18) : لا يجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئة ، خصوصاً في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص ، إلاّ أن يكون متعارفاً بين التجّار - ولو في ذلك البلد أو الجنس الفلاني - بحيث ينصرف إليه الإطلاق ، فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن ، لكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما .

(مسألة 19) : ليس للعامل أن يسافر بالمال - برّاً وبحراً - والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال ، إلاّ مع إذن المالك ولو بالانصراف لأجل التعارف ، فلو سافر به ضمن التلف والخسارة ، لكن لو حصل ربح يكون بينهما . وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها .

(مسألة 20) : ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض وإن قلّ حتّى فلوس السقاء ، وكذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك ، وأمّا لو كان بإذنه فله

ص: 651

الإنفاق من رأس المال ، إلاّ إذا اشترط المالك أن تكون النفقة على نفسه ، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه ؛ من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وآلات وأدوات - كالقربة والجوالق - واُجرة المسكن ونحو ذلك ، مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد ، فلو أسرف حسب عليه ، ولو قتّر على نفسه ، أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفاً - مثلاً - لم يُحسب له ، ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك ، فهي على نفسه إلاّ إذا كانت لمصلحة التجارة .

(مسألة 21) : المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفي لا الشرعي ، فيشمل ما دون المسافة ، كما أ نّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد ؛ إذا كانت لأجل عوارض السفر ، كما إذا كانت للراحة من التعب ، أو لانتظار الرفقة ، أو خوف الطريق ، وغير ذلك ، أو لاُمور متعلّقة بالتجارة ، كدفع العشور ، وأخذ جواز السفر . وأمّا لو بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك ، فالظاهر كون نفقته على نفسه إذا كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل . وأمّا قبله فإن كان بقاؤه لإتمامه وغرض آخر ، فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما ، والأحوط احتسابها على نفسه ، وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء وإنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه ، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به . وإن عرض في الأثناء غرض آخر وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة ، وأحوط منه الاحتساب على نفسه .

(مسألة 22) : لو كان عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره ، توزّع النفقة . وهل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين ؟ فيه تأمّل وإشكال ، فلا يترك

ص: 652

الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ؛ والتخلّص بالتصالح بينهما ، ومعهما إذا كان عاملاً لاثنين مثلاً .

(مسألة 23) : لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح . نعم ، لو أنفق وحصل الربح فيما بعد ، يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات ، فيعطي المالك تمام رأس ماله فإن بقي شيء يكون بينهما .

(مسألة 24) : الظاهر أ نّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة ؛ بأن يعيّن دراهم شخصية ويشتري بها شيئاً ، كما يجوز الشراء بالكلّي في الذمّة والدفع والأداء منه ؛ بأن يشتري جنساً بألف درهم كلّي على ذمّة المالك ، ودفعه بعد ذلك من المال الذي عنده ، ولو تلف مال المضاربة قبل الأداء ، لم يجب على المالك الأداء من غيره ؛ لعدم الإذن على هذا الوجه ، وما هو لازم عقد المضاربة ، هو الإذن بالشراء كلّياً متقيّداً بالأداء من مال المضاربة ؛ لأ نّه من الاتّجار بالمال عرفاً . نعم ، للعامل أن يعيّن دراهم شخصية ويشتري بها ؛ وإن كان غير متعارف في المعاملات ، لكنّه مأذون فيه قطعاً وأحد مصاديق الاتّجار بالمال . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه .

(مسألة 25) : لا يجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار - بأن يوكّل إليه أصل التجارة - من دون إذن المالك . نعم ، يجوز له التوكيل والاستئجار في بعض المقدّمات ، بل وفي إيقاع بعض المعاملات التي تعارف إيكالها إلى الدلاّل ، وكذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلاّ بإذن المالك ، ومع الإذن إذا ضارب غيره ، يكون مرجعه إلى فسخ المضاربة الاُولى ؛ وإيقاع مضاربة

ص: 653

جديدة بين المالك وعامل آخر ، أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك ، وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره - بأن يكون العامل الثاني عاملاً للعامل الأوّل - فالأقوى عدم الصحّة .

(مسألة 26) : الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً وبالعكس .

(مسألة 27) : الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ، ولا يتوقّف على الإنضاض - بمعنى جعل الجنس نقداً - ولا على القسمة . كما أنّ الظاهر صيرورته شريكاً مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة ، فيصحّ له مطالبة القسمة ، وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح ، ويترتّب عليه جميع آثار الملكية ؛ من الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة وتعلّق حقّ الغرماء وغير ذلك .

(مسألة 28) : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة ، تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية ؛ سواء كانت سابقة عليه أو لاحقة ، فملكية العامل له بالظهور متزلزلة ؛ تزول كلّها أو بعضها بعروض الخسران إلى أن تستقرّ ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعاً ، فلا جبران بعد ذلك . وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال ، أقواها تحقّقه بالفسخ مع القسمة وإن لم يحصل الإنضاض ، بل لا يبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض وإن لم يحصل القسمة ، بل تحقّقه بالفسخ فقط ، أو بتمام أمدها لو كان لها أمد ، لا يخلو من وجه .

ص: 654

(مسألة 29) : كما يجبر الخسران في التجارة بالربح ، كذلك يجبر به التلف ؛ سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها ، وسواء تلف بعضه أو كلّه ، فلو اشترى في الذمّة بألف ، وكان رأس المال ألفاً فتلف ، فباع المبيع بألفين فأدّى الألف ، بقي الألف الآخر جبراً لرأس المال . نعم ، لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة ، إلاّ مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول .

(مسألة 30) : لو حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة ، فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدّماته فلا إشكال ، ولا شيء للعامل ولا عليه . وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض ؛ إذ مع حصول الربح يقتسمانه ، ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله ، ولا شيء للعامل ولا عليه . وإن كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل ، فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شيء ولا اُجرة له لما مضى من عمله ؛ سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ قهراً . كما أ نّه ليس عليه شيء حتّى فيما إذا حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك ، فلا يضمن ما صرفه في نفقته من رأس المال ، ولو كان في المال عروض لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك ، كما أ نّه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض . وإن كان بعد حصول الربح فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل ، فيقتسمان ويأخذ كلّ منهما حقّه ، وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ ؛ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ، شارك المالك في العين ، فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال ، أو انتظرا إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض ، كان لهما ولا إشكال . وإن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته ، وكذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته ؛ وإن قلنا بعدم استقرار ملكيته للربح إلاّ بعد

ص: 655

الإنضاض ، غاية الأمر حينئذٍ لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح ، لكن قد مرّ المناط في استقرار ملك العامل .

(مسألة 31) : لو كان في المال ديون على الناس ، فهل يجب على العامل أخذها وجمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا ؟ الأشبه عدمه ، خصوصاً إذا استند الفسخ إلى غير العامل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً مع فسخه وطلب المالك منه .

(مسألة 32) : لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلا يجب عليه الإيصال إليه ؛ حتّى لو أرسل المال إلى بلد آخر غير بلد المالك وكان ذلك بإذنه ، ولو كان بدون إذنه يجب عليه الردّ إليه ؛ حتّى أ نّه لو احتاج إلى اُجرة كانت عليه .

(مسألة 33) : لو كانت المضاربة فاسدة كان الربح بتمامه للمالك إن لم يكن إذنه في التجارة متقيّداً بالمضاربة ، وإلاّ تتوقّف على إجازته ، وبعد الإجازة يكون الربح له ؛ سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين . وللعامل اُجرة مثل عمله لو كان جاهلاً بالفساد ؛ سواء كان المالك عالماً به أو جاهلاً ، بل لو كان عالماً بالفساد فاستحقاقه لاُجرة المثل أيضاً لا يخلو من وجه ؛ إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساوياً لاُجرة المثل أو أزيد . وأمّا مع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها ، فمع علمه بالفساد لا يبعد عدم استحقاقه على الأوّل ، وعدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني ، ومع جهله به فالأحوط التصالح ، بل لا يترك الاحتياط به مطلقاً . وعلى كلّ حال لا يضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال . نعم ، يضمن على الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه وإن كان جاهلاً بالفساد .

ص: 656

(مسألة 34) : لو ضارب بمال الغير من دون وكالة ولا ولاية وقع فضولياً ، فإن أجازه المالك وقع له ، وكان الخسران عليه ، والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه . وإن ردّه فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه ، ويجب على العامل ردّه إليه ، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل ، فإن رجع على الأوّل لم يرجع هو على الثاني ، وإن رجع على الثاني رجع هو على الأوّل . هذا إذا لم يعلم العامل بالحال ، وإلاّ يكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده ، فينعكس الأمر في المفروض . وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضولية ، فإن أمضاها وقعت له ، وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه ، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف ، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح ، ويردّها على تقدير الخسران ؛ بأن يلاحظ مصلحته ، فإن رآها رابحة أجازها وإلاّ ردّها . هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل . وأمّا معاملة العامل مع المضارب ، فإن لم يعمل عملاً لم يستحقّ شيئاً ، وكذا إذا عمل وكان عالماً بكون المال لغير المضارب . وأمّا لو عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ اُجرة مثل عمله ، ورجع بها على المضارب .

(مسألة 35) : لو أخذ العامل رأس المال ، ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجرِ العادة عليه وعدّ متوانياً متسامحاً . فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف ، لكن لم يستحقّ المالك غير أصل المال ، وليس له مطالبة الربح الذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به .

(مسألة 36) : لو اشترى نسيئة بإذن المالك كان الدين في ذمّة المالك ، فللدائن الرجوع عليه ، وله أن يرجع على العامل ، خصوصاً مع جهله بالحال ، وإذا رجع

ص: 657

عليه رجع هو على المالك . ولو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل ؛ وإن كان له في الواقع الرجوع على المالك .

(مسألة 37) : لو ضاربه بخمسمائة - مثلاً - فدفعها إليه وعامل بها ، وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة ، فالظاهر أ نّهما مضاربتان ، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى . ولو ضاربه على ألف - مثلاً - فدفع خمسمائة فعامل بها ، ثمّ دفع إليه خمسمائة اُخرى ، فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كلّ بربح الاُخرى .

(مسألة 38) : لو كان رأس المال مشتركاً بين اثنين فضاربا شخصاً ، ثمّ فسخ أحد الشريكين تنفسخ بالنسبة إلى حصّته ، وأمّا بالنسبة إلى حصّة الآخر فمحلّ إشكال .

(مسألة 39) : لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم تكن بيّنة ، قدّم قول العامل ؛ سواء كان المال موجوداً أو تالفاً ومضموناً عليه . هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى مقدار نصيب العامل من الربح ، وإلاّ ففيه تفصيل .

(مسألة 40) : لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول المطالبات ؛ مع عدم كون ذلك مضموناً عليه ، وادّعى المالك خلافه ، ولم تكن بيّنة ، قدّم قول العامل .

(مسألة 41) : لو اختلفا في الربح ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل ؛ سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره . بل وكذا الحال لو قال العامل : ربحت كذا ، لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح .

ص: 658

(مسألة 42) : لو اختلفا في نصيب العامل من الربح ؛ وأ نّه النصف - مثلاً - أو الثلث ، ولم تكن بيّنة ، قدّم قول المالك .

(مسألة 43) : لو تلف المال أو وقع خسران ، فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ ، ولم تكن له بيّنة ، قدّم قول العامل . وكذا لو ادّعى عليه الاشتراط أو مخالفته لما شرط عليه ، كما لو ادّعى : أ نّه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني وقد اشتراه فخسر ، وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط ، أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه . نعم ، لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلاّ بإذنه ، كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر ، فادّعى العامل كونه بإذنه وأنكره ، قدّم قول المالك .

(مسألة 44) : لو ادّعى ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المنكر .

(مسألة 45) : لو اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح ، فقال : اشتريتها لنفسي ، وقال المالك : اشتريته للقراض ، أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراها للقراض ، وقال صاحب المال : اشتريتها لنفسك ، قدّم قول العامل بيمينه .

(مسألة 46) : لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أ نّه أقرضه ، وادّعى العامل أ نّه قارضه ، يحتمل التحالف بلحاظ محطّ الدعوى ، ويحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها . ولو حصل ربح فادّعى المالك قراضاً والعامل إقراضاً ، يحتمل التحالف أيضاً بلحاظ محطّها ، وتقديم قول المالك بلحاظ مرجعها ، ولعلّ الثاني في الصورتين أقرب .

(مسألة 47) : لو ادّعى المالك أ نّه أعطاه المال بعنوان البضاعة ؛ فلا يستحقّ

ص: 659

العامل شيئاً من الربح ، وادّعى العامل المضاربة ؛ فله حصّة منه ، فالظاهر أنّه يقدّم قول المالك بيمينه ، فيحلف على نفي المضاربة ، فله تمام الربح لو كان . واحتمال التحالف هنا ضعيف .

(مسألة 48) : يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال ؛ وجعل الجعل حصّة من الربح ؛ بأن يقول : إن اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه ، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة ، لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة ، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود ، بل يجوز أن يكون عروضاً أو ديناً أو منفعة .

(مسألة 49) : يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة ، لكن لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة . وكذا يجوز للقيّم الشرعي كالوصيّ والحاكم الشرعي مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة ، بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه مضاربة ، وصرف حصّته من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت ، بل وإن لم يوص به ، لكن فوّض أمر الثلث إلى نظر الوصيّ ، فرأى الصلاح في ذلك .

(مسألة 50) : لو مات العامل وكان عنده مال المضاربة ، فإن علم بوجوده فيما تركه بعينه فلا إشكال ، وإن علم به فيه من غير تعيين ؛ بأن كان ما تركه مشتملاً عليه وعلى مال نفسه ، أو كان عنده أيضاً ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض ، يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال متعدّدين . وهل هو بإعمال القرعة ، أو إيقاع التصالح ، أو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم ؟ وجوه ، أقواها القرعة ، وأحوطها التصالح . نعم ، لو كان للميّت ديّان وعنده مال

ص: 660

مضاربة ، ولم يعلم أ نّه بعينه لفلان ، فهو اُسوة الغرماء . وكذا الحال لو علم المال جنساً وقدراً ، واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج ، فالأقوى فيه القرعة أيضاً ، خصوصاً إذا كانت الأجناس مختلفة في الجودة والرداءة ، ومع الامتزاج كان المجموع مشتركاً بين أربابه بالنسبة . ولو علم بعدم وجوده فيها ، واحتمل أ نّه قد ردّه إلى مالكه ، أو تلف بتفريط منه أو بغيره ، فالظاهر أ نّه لم يحكم على الميّت بالضمان ، وكان الجميع لورثته . وكذا لو احتمل بقاؤه فيها . ولو علم بأنّ مقداراً من مال المضاربة ، قد كان قبل موته داخلاً في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ، ولم يعلم أ نّه هل بقي فيها أو ردّه إلى المالك أو تلف ، ففيه إشكال ، وإن كانت مورّثية الأموال لا تخلو من قوّة ، والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة .

ص: 661

كتاب الشركة

اشارة

وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، وهي إمّا في عين أو دين أو منفعة أو حقّ . وسببها : قد يكون إرثاً ، وقد يكون عقداً ناقلاً ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً ، أو استأجرا عيناً ، أو صولحا عن حقّ . ولها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان :

أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً بآنية واحدة دفعة .

وثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر ؛ سواء وقع قهراً أو عمداً واختياراً .

ولها سبب آخر : وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ، ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقدية بوجه .

(مسألة 1) : الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعية الحقيقية ، وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مائعين متجانسين ، كالماء بالماء ، والدهن بالدهن ، بل وغير متجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً ، رافع للامتياز عرفاً بحسب

ص: 662

الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك . وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، ففي كونه موجباً للشركة الواقعية تأمّل وإشكال ، ولا يبعد كونها ظاهرية . وقد يوجب الشركة الظاهرية الحكمية ، وهي مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير . ومنها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها على الأقوى ، كالخشخاش بالخشخاش ، والدخن والسمسم بمثلهما وجنسهما . وأمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة ، فيتخلّص بالصلح ونحوه . كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز ، وكذا الدراهم والدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز . ولا تتحقّق الشركة لا واقعاً ولا ظاهراً بخلط القيميات بعضها ببعض ، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات ، والأغنام بالأغنام ونحو ذلك ، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة .

(مسألة 2) : لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلاّ برضا الباقين ، بل لو أذن أحد الشريكين لشريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلاّ بإذن صاحبه ، ويجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً . نعم ، الإذن في الشيء إذن في لوازمه عند الإطلاق ، والموارد مختلفة لا بدّ من لحاظها ، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله وعياله وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، فيجوز ذلك كلّه إلاّ أن يمنع عنه كلاًّ أو بعضاً فيتّبع .

(مسألة 3) : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم - وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد - تطلق أيضاً على معنى آخر ، وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد

ص: 663

على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية . وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما : اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر ، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها ؛ بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به .

(مسألة 4) : يعتبر في الشركة العقدية كلّ ما اعتبر في العقود المالية ؛ من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه .

(مسألة 5) : لا تصحّ الشركة العقدية إلاّ في الأموال نقوداً كانت أو عروضاً ، وتسمّى تلك : شركة العنان . ولا تصحّ في الأعمال ، وهي المسمّاة بشركة الأبدان ؛ بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ؛ سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، ومن ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة من الحطب - مثلاً - يكون مشتركاً بينهما ، فلا تتحقّق الشركة بذلك ، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه . نعم ، لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة - كسنة أو سنتين - على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبل الآخر صحّ ، واشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر والحيازة ، وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن - كدينار مثلاً - وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض .

ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه . وأشهر معانيها على المحكيّ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس - لا مال لهما - على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته

ص: 664

إلى أجل ، ويكون ذلك بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما . ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع ، وكّل كلّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه ؛ بأن يشتري لهما وفي ذمّتهما ، فيكون حينئذٍ الربح والخسران بينهما .

ولا تصحّ أيضاً شركة المفاوضة ، وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما من ربح تجارة ، أو فائدة زراعة ، أو اكتساب ، أو إرث ، أو وصيّة ، أو غير ذلك شاركه فيه الآخر ، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما . فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بشركة العنان .

(مسألة 6) : لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة ، كانت الاُجرة مشتركة بينهما . وكذا لو حاز اثنان معاً مباحاً ، كما لو اقتلعا معاً شجرة ، أو اغترفا ماءً دفعة بآنية واحدة ، كان ما حازاه مشتركاً بينهما . وليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلة . وتقسم الاُجرة وما حازاه بنسبة عملهما ، ولو لم تُعلم النسبة فالأحوط التصالح .

(مسألة 7) : يشترط في عقد الشركة العنانية : أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز قبل العقد أو بعده ؛ سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة كالمائعات أم لا ، كالدراهم والدنانير ، كانا مثليين أم قيميين . وفي الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتميّز ، لا بدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط ، ولو كان المال مشتركاً كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه ، وفائدته الإذن في التجارة في مثله .

(مسألة 8) : لا يقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من

ص: 665

الشريكين في مال الآخر بالتكسّب ، إلاّ إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه ، كما إذا كانت الشركة حاصلة - كالمورّث - فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال ، ويتّبع في الإطلاق والتقييد ، وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معاً فهو المتّبع . هذا من حيث العامل . وأمّا من حيث العمل والتكسّب ، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ، ولو عيّنا جهة خاصّة - كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غير ذلك - اقتصر عليه ، ولا يتعدّى إلى غيره .

(مسألة 9) : حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ ، يقتصر على المتعارف ، فلا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال إلاّ مع التعارف ، والموارد فيهما مختلفة ، وإلاّ مع الإذن الخاصّ ، وجاز لهما كلّ ما تعارف ؛ من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال ذلك . نعم ، لو عيّنا شيئاً لم يجز لهما المخالفة عنه إلاّ بإذن الشريك ، وإن تعدّى عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف .

(مسألة 10) : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة مالهما ، فإن تساوى تساويا فيهما ، وإلاّ يتفاضلان حسب تفاوته ؛ من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما ، مع التساوي فيه أو الاختلاف . ولو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، أو تساويهما فيه مع التفاوت فيه ، فإن جعل الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال ، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ، ففي صحّة العقد والشرط معاً ، أو بطلانهما ، أو صحّة العقد دون الشرط ، أقوال أقواها أوّلها .

ص: 666

(مسألة 11) : العامل من الشريكين أمين ، فلا يضمن التلف إلاّ مع التعدّي أو التفريط . وإن ادّعى التلف قبل قوله . وكذا لو ادّعى الشريك عليه التعدّي والتفريط وقد أنكر .

(مسألة 12) : عقد الشركة جائز من الطرفين ، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ . والظاهر بطلان أصل الشركة به فيما إذا تحقّقت بعقدها ، لا بالمزج ونحوه ، كمزج اللوز باللوز ، والجوز بالجوز ، والدرهم والدينار بمثلهما . ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه ، فيتخلّص فيه بالتصالح . وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه . ولا يبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً ؛ مع عدم جواز تصرّف الشريك .

(مسألة 13) : لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه ، إلاّ إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع ، فيجب عليهما الوفاء ، بل وكذا في ضمن عقد جائز ، فيجب الوفاء ما دام العقد باقياً .

(مسألة 14) : لو تبيّن بطلان عقد الشركة ، كانت المعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد ، أو بصحّة عقدها في غيره . هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلاًّ ، وإلاّ فلا إشكال . وعلى الصحّة لهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر .

القول : في القسمة

وهي تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض ؛ بمعنى جعل التعيين بعد ما لم تكن معيّنة بحسب الواقع ، لا تمييز ما هو معيّن واقعاً ومشتبه ظاهراً . وليست

ص: 667

ببيع ولا معاوضة ، فلا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصّان بالبيع ، ولا يدخل فيها الربا وإن عمّمناه لجميع المعاوضات .

(مسألة 1) : لا بدّ في القسمة من تعديل السهام : وهو إمّا بحسب الأجزاء والكمّية ؛ كيلاً أو وزناً أو عدّاً أو مساحة ، وتسمّى قسمة إفراز ، وهي جارية في المثليات ، كالحبوب والأدهان والأخلّ والألبان ، وفي بعض القيميات المتساوية الأجزاء ، كطاقة واحدة من الأقمشة التي تساوت أجزاؤها ، وقطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها . وإمّا بحسب القيمة والمالية ، كما في القيميات إذا تعدّدت ، كالأغنام والعقار والأشجار إذا ساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة ، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوت قيمة أحدها مع اثنين منها ، فيجعل الواحد سهماً والاثنان سهماً . وتسمّى هذه قسمة التعديل . وإمّا بضمّ مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل الآخر ، كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير والآخر أربعة ، فإذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار تساوى مع الأوّل . وتسمّى هذه قسمة الردّ .

(مسألة 2) : الظاهر إمكان جريان قسمة الردّ في جميع صور الشركة ممّا يمكن فيها التقسيم ؛ حتّى فيما إذا كانت في جنس واحد من المثليات ؛ بأن يقسّم متفاضلاً ويضمّ إلى الناقص دراهم - مثلاً - تجبر نقصه ويساوي مع الزائد قيمة ، وكذا إذا كانت في ثلاثة أغنام تساوي قيمة واحد منها مع الآخرين ؛ بأن يُجعل غالي قيمةً مع أحد الآخرين سهماً وضمّ إلى السهم الآخر ما يساويهما قيمة وهكذا .

وأمّا قسمة التعديل فقد لا تتأتّى في بعض الصور كالمثال الأوّل ، كما أنّ قسمة الإفراز قد لا تتأتّى كالمثال الثاني .

ص: 668

وقد تتأتّى الأقسام الثلاثة ، كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم ، ووزنة شعير قيمتها خمسة ، ووزنة حمّص قيمتها خمسة عشر ، فإذا قسّم كلّ منها بانفرادها كانت قسمة إفراز ، وإن جعلت الحنطة مع الشعير سهماً والحمّص سهماً كانت قسمة تعديل ، وإن جعل الحمّص مع الشعير سهماً والحنطة مع خمسة دراهم سهماً كانت قسمة الردّ ، ولا إشكال في صحّة الجميع مع التراضي إلاّ قسمة الردّ مع إمكان غيرها ، فإنّ في صحّتها إشكالاً ، بل الظاهر العدم . نعم ، لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها .

(مسألة 3) : لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة ، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة ، فجعلت ثلاثة أقسام معدّلة بمكيال مجهول المقدار ، أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الأجزاء ، فقسّمت ثلاثة أقسام معدّلة بخشبة أو حبل لا يدرى مقدار طولهما ، صحّ .

(مسألة 4) : لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها ، فإن كانت قسمة ردّ أو كانت مستلزمة للضرر ، فللشريك الآخر الامتناع ولم يجبر عليها ، وتسمّى هذه قسمة تراض ، وإن لم تكن قسمة ردّ ولا مستلزمة للضرر يجبر عليها الممتنع ، وتسمّى قسمة إجبار . فإن كان المال لا يمكن فيه إلاّ قسمة الإفراز أو التعديل فلا إشكال . وأمّا فيما أمكن كلتاهما ، فإن طلب قسمة الإفراز يجبر الممتنع ، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل ، فإذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء - كحنطة وشعير وتمر وزبيب - فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع بانفراده قسمة إفراز اُجبر الممتنع ، وإن طلب قسمة تعديل بحسب القيمة لم يجبر ، وكذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكّانان ، فيجبر الممتنع عن قسمة كلّ منها

ص: 669

على حدة ، ولا يجبر على قسمة التعديل . نعم ، لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل ، اُجبر الممتنع على الثانية دون الاُولى .

(مسألة 5) : لو اشترك اثنان في دار ذات علو وسفل ، وأمكن قسمتها إفرازاً ؛ بأن يصل إلى كلّ بمقدار حصّته منهما ، وقسمتها على نحو يحصل لكلّ منهما حصّة من العلو والسفل بالتعديل ، وقسمتها على نحو يحصل لأحدهما العلو وللآخر السفل ، فإن طلب أحد الشريكين النحو الأوّل ولم يستلزم الضرر يجبر الآخر ، ولا يجبر لو طلب أحد النحوين الآخرين . هذا مع إمكان الأوّل وعدم استلزام الضرر ، وإلاّ ففي النحوين الآخرين يقدّم الأوّل منهما ، ويجبر الآخر لو امتنع ، بخلاف الثاني . نعم ، لو انحصر الأمر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر ولا الردّ ، وإلاّ لم يجبر كما مرّ . وما ذكرناه جار في أمثال المقام .

(مسألة 6) : لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر بين جماعة ، وطلب بعض الشركاء القسمة ، اُجبر الباقون ، إلاّ إذا استلزم الضرر من جهة ضيقهما وكثرة الشركاء .

(مسألة 7) : لو كان بينهما بستان مشتمل على نخيل وأشجار ، فقسمته بأشجاره ونخيله بالتعديل قسمة إجبار ، بخلاف قسمة كلّ من الأرض والأشجار على حدة ، فإنّها قسمة تراض لا يجبر عليها الممتنع .

(مسألة 8) : لو كانت بينهما أرض مزروعة ، يجوز قسمة كلّ من الأرض

والزرع - قصيلاً كان أو سنبلاً - على حدة ، وتكون قسمة إجبار . وأمّا قسمتهما معاً فهي قسمة تراضٍ ؛ لا يجبر الممتنع عليها ، إلاّ إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها . هذا إذا كان قصيلاً أو سنبلاً ، وأمّا إذا كان حبّاً

ص: 670

مدفوناً ، أو مخضرّاً في الجملة ولم يكمل نباته ، فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها وبقاء الزرع على إشاعته ، والأحوط إفراز الزرع بالمصالحة . وأمّا قسمة الأرض بزرعها - بحيث يجعل من توابعها - فمحلّ إشكال .

(مسألة 9) : لو كانت بينهم دكّاكين متعدّدة - متجاورة أو منفصلة - فإن أمكن قسمة كلّ منها بانفراده وطلبها بعض الشركاء ، وطلب بعضهم قسمة تعديل لكي تتعيّن حصّة كلّ منهم في دكّان تامّ أو أزيد ، يقدّم ما طلبه الأوّل ويجبر عليها الآخر ، إلاّ إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر بالنحو الثاني ، فيجبر الأوّل .

(مسألة 10) : لو كان بينهما حمّام وشبهه ممّا لا يقبل القسمة الخالية عن الضرر لم يجبر الممتنع . نعم ، لو كان كبيراً ؛ بحيث يقبل الانتفاع بصفة الحمّامية من دون ضرر ولو بإحداث مستوقد أو بئر اُخرى فالأقرب الإجبار .

(مسألة 11) : لو كان لأحد الشريكين عشر من دار - مثلاً - وهو لا يصلح للسكنى ، ويتضرّر هو بالقسمة دون الشريك الآخر ، فلو طلب القسمة لغرض يجبر شريكه ، ولم يجبر هو لو طلبها الآخر .

(مسألة 12) : يكفي في الضرر المانع عن الإجبار ، حدوثُ نقصان في العين أو القيمة بسبب القسمة - بما لا يتسامح فيه في العادة - وإن لم يسقط المال عن قابلية الانتفاع بالمرّة .

(مسألة 13) : لا بدّ في القسمة من تعديل السهام ثمّ القرعة . أمّا كيفية التعديل : فإن كانت حصص الشركاء متساوية - كما إذا كانوا اثنين ولكلّ منهما النصف ، أو ثلاثة ولكلّ منهم الثلث وهكذا - يعدّل السهام بعدد الرؤوس ، ويعلّم كلّ سهم

ص: 671

بعلامة تميّزه عن غيره . فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة - مثلاً - تجعل ثلاث قطع متساوية مساحة ، ويميّز بينها بمميّز كالاُولى لإحداها ،

والثانية للاُخرى ، والثالثة للثالثة . وإذا كانت دار مشتملة على بيوت بين أربعة - مثلاً - تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة إن لم يمكن قسمة إفراز إلاّ بالضرر ، وتميّز كلّ منها بمميّز كالقطعة الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية المحدودات بحدود كذائية . وإن كانت الحصص متفاوتة - كما إذا كان المال بين ثلاثة : سدس لعمرو ، وثلث لزيد ، ونصف لبكر - تجعل السهام على أقلّ الحصص ، ففي المثال تجعل السهام ستّة معلّمة كلّ منها بعلامة ، كما مرّ .

وأمّا كيفية القرعة : ففي الأوّل - وهو ما كانت الحصص متساوية - تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء ؛ رقعتان إذا كانوا اثنين ، وثلاث إذا كانوا ثلاثة وهكذا ، ويتخيّر بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء ؛ على إحداها زيد ، واُخرى عمرو مثلاً ، أو أسماء السهام ؛ على إحداها أوّل ، وعلى الاُخرى ثاني وهكذا ، ثمّ تشوّش وتستر ، ويؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة ؛ فإن كتب عليها اسم الشركاء يعيّن سهم كالأوّل ، وتخرج رقعة باسم هذا السهم قاصدين أن يكون لكلّ من خرج اسمه ، فكلّ من خرج اسمه يكون له ، ثمّ يعيّن السهم الآخر وتخرج رقعة اُخرى لذلك السهم ، فمن خرج اسمه فهو له وهكذا . وإن كتب عليها اسم السهام يعيّن أحد الشركاء وتخرج رقعة ، فكلّ سهم خرج اسمه فهو له ، ثمّ تخرج اُخرى لشخص آخر وهكذا .

وفي الثاني - وهو ما كانت الحصص متفاوتة ، كالمثال المتقدّم الذي قد تقدّم : أ نّه تجعل السهام على أقلّ الحصص وهو السدس - يتعيّن فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرؤوس ؛ يكتب - مثلاً - على إحداها زيد ، وعلى الاُخرى عمرو ، وعلى

ص: 672

الثالثة بكر ، وتستر كما مرّ . ويقصد أنّ كلّ من خرج اسمه على سهم ، كان له ذلك مع ما يليه بما يكمّل تمام حصّته ، ثمّ تخرج إحداها على السهم الأوّل ، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعيّن له ، ثمّ تخرج اُخرى على السهم الثاني ، فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني والثالث له ، ويبقى الرابع والخامس والسادس لصاحب النصف ، ولا يحتاج إلى إخراج الثالثة . وإن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني والثالث والرابع ، ويبقى الباقي لصاحب الثلث . وإن كان ما خرج على السهم الأوّل اسم صاحب الثلث كان الأوّل والثاني له ، ثمّ تخرج اُخرى على السهم الثالث ، فإن خرج اسم صاحب السدس فهو له ، وتبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف . وإن خرج اسم صاحب النصف كان الثالث والرابع والخامس له ، ويبقى السادس لصاحب السدس . وقس على ذلك غيره .

(مسألة 14) : الظاهر أنّه ليست للقرعة كيفية خاصّة ، وإنّما تكون منوطة بمواضعة القاسم والمتقاسمين ؛ بإناطة التعيّن بأمر ليست إرادة المخلوق دخيلة فيه ؛ مفوّضاً للأمر إلى الخالق جلّ شأنه ؛ سواء كان بكتابة رقاع ، أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب ، أو غير ذلك .

(مسألة 15) : الأقوى أنّه تتمّ القسمة بإيقاع القرعة كما تقدّم ، ولا يحتاج إلى تراضٍ آخر بعدها ، فضلاً عن إنشائه وإن كان أحوط في قسمة الردّ .

(مسألة 16) : لو طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة : إمّا بحسب الزمان ؛ بأن يسكن هذا في شهر وذاك في شهر مثلاً ، وإمّا بحسب الأجزاء ؛ بأن يسكن هذا في الفوقاني وذلك في التحتاني مثلاً ، لم يلزم على شريكه القبول ، ولم يجبر إذا امتنع ، نعم يصحّ مع التراضي لكن ليس بلازم ،

ص: 673

فيجوز لكلّ منهما الرجوع . هذا في شركة الأعيان . وأمّا في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة ، لكنّها فيها أيضاً غير لازمة . نعم ، لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد - لأجل حسم النزاع - يجبر الممتنع وتلزم .

(مسألة 17) : القسمة في الأعيان بعد التمامية والإقراع لازمة ، وليس لأحد من الشركاء إبطالها وفسخها ، بل الظاهر أنّه ليس لهم فسخها وإبطالها بالتراضي ، لأنّ الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها . وأمّا بغير القرعة فلزومها محلّ إشكال .

(مسألة 18) : لا تشرع القسمة في الديون المشتركة ، فإذا كان لزيد وعمرو معاً ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث ، فأرادا تقسيمها قبل استيفائها ، فعدّلا بينها وجعلا ما على الحاضر - مثلاً - لأحدهما ، وما على البادي للآخر ، لم تفرز ، بل تبقى على إشاعتها . نعم ، لو اشتركا في دين على أحد واستوفى أحدهما حصّته ؛ بأن قصد كلّ من الدائن والمديون أن يكون ما يأخذه وفاءً وأداءً لحصّته ، فالظاهر تعيّنه وبقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون .

(مسألة 19) : لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها وأنكر الآخر ، لا تُسمع دعواه إلاّ بالبيّنة ، فإن أقامت نقضت واحتاجت إلى قسمة جديدة ، وإن لم تكن بيّنة كان له إحلاف الشريك .

(مسألة 20) : لو قسّم الشريكان ، فصار في كلّ حصّة بيت ، وقد كان يجري ماء أحدهما على الآخر ، لم يكن للثاني منعه إلاّ إذا اشترطا حين القسمة ردّه عنه . ومثله ما لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدار .

ص: 674

(مسألة 21) : لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم إلاّ إذا وقع تشاحّ بينهم مؤدٍّ إلى خرابه ، ولا ترتفع غائلته إلاّ بالقسمة ، فيقسّم بين الطبقة الموجودة ، ولا ينفذ التقسيم بالنسبة إلى الطبقة اللاحقة إذا كان مخالفاً لمقتضى الوقف ؛ بسبب اختلاف البطون قلّة وكثرة . نعم ، يصحّ إفراز الوقف عن الطلق وتقسيمهما ؛ بأن كان ملك نصفه المشاع وقفاً ونصفه ملكاً ، بل الظاهر جواز إفراز وقف عن وقف ، وهو فيما إذا كان ملك لأحد ؛ فوقف نصفه على زيد وذرّيته ونصفه على عمرو كذلك ، أو كان ملك بين اثنين ؛ فوقف أحدهما حصّته على ذرّيته - مثلاً - والآخر حصّته على ذرّيته ، فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة . والمتصدّي لها الموجودون من الموقوف عليهم ووليّ البطون اللاحقة .

ص: 675

كتاب المزارعة

وهي المعاملة على أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض - وهو كلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنى ، كقوله : «زارعتك» أو «سلّمت إليك الأرض مدّة كذا على أن تزرعها على كذا» ، وأمثال ذلك - وقبول من الزارع بلفظ أفاد ذلك كسائر العقود . والظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي ؛ بأن يتسلّم الأرض بهذا القصد . ولا يعتبر في عقدها العربية ، فيقع بكلّ لغة . ولا يبعد جريان المعاطاة فيها بعد تعيين ما يلزم تعيينه .

(مسألة 1) : يعتبر فيها زائداً على ما اعتبر في المتعاقدين من البلوغ ، والعقل ، والقصد ، والاختيار ، والرشد ، وعدم الحجر لفلس إن كان تصرّفه مالياً ، دون غيره كالزارع إذا كان منه العمل فقط ، اُمور :

أحدها : جعل الحاصل مشاعاً بينهما ، فلو جعل الكلّ لأحدهما ، أو بعضه الخاصّ - كالذي يحصل متقدّماً ، أو الذي يحصل من القطعة الفلانية - لأحدهما ، والآخر للآخر ، لم يصحّ .

ثانيها : تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك .

ص: 676

ثالثها : تعيين المدّة بالأشهر أو السنين ، ولو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة ، ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان ، أوجههما الأوّل ، لكن فيما إذا عيّن مبدأ الشروع في الزرع ، وإذا عيّن المدّة بالزمان ، لا بدّ أن يكون مدّة يُدرك فيها الزرع بحسب العادة ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراكه .

رابعها : أن تكون الأرض قابلة للزرع ؛ ولو بالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلك ، فلو كانت سبخة لا تقبل للزرع ، أو لم يكن لها ماء ، ولا يكفيه ماء السماء ، ولا يمكن تحصيل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء ، لم يصحّ .

خامسها : تعيين المزروع ؛ من أ نّه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، ويكفي فيه تعارف يوجب الانصراف ، ولو صرّح بالتعميم صحّ ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه .

سادسها : تعيين الأرض ، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات ، أو مزرعة من هذه المزارع ، بطل . نعم ، لو عيّن قطعة معيّنة من الأرض التي لم تختلف أجزاؤها ، وقال : زارعتك على جريب من هذه القطعة ؛ على النحو الكلّي في المعيّن ، فالظاهر الصحّة ، ويكون التخيير في تعيّنه لصاحب الأرض .

سابعها : أن يعيّنا كون البذر وسائر المصارف على أيٍّ منهما إن لم يكن تعارف .

(مسألة 2) : لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مالكاً لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها ؛ مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة ، أو أخذها من مالكها بعنوان المزارعة ، أو كانت أرضاً خراجية وقد تقبّلها من السلطان أو غيره مع عدم الاشتراط المتقدّم . ولو لم يكن له

ص: 677

فيها حقّ ولا عليها سلطنة أصلاً كالموات ، لم تصحّ مزارعتها ؛ وإن أمكن أن يتشارك مع غيره في زرعها وحاصلها مع الاشتراك في البذر ، لكنّه ليس من المزارعة .

(مسألة 3) : إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذناً عامّاً - بأنّ كلّ من زرع ذلك فله نصف الحاصل مثلاً - فأقدم شخص عليه استحقّ المالك حصّته .

(مسألة 4) : لو اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لباذله ، أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه ، فإن اطمأ نّا ببقاء شيء بعد ذلك من الحاصل ليكون بينهما صحّ ، وإلاّ بطل .

(مسألة 5) : لو انقضت المدّة المعيّنة ولم يدرك الزرع لم يستحقّ الزارع إبقاءه ولو بالاُجرة ، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش ، وله إبقاؤه مجّاناً ، أو مع الاُجرة إن رضي الزارع بها .

(مسألة 6) : لو ترك الزارع الزرع حتّى انقضت المدّة ، فهل يضمن اُجرة المثل ، أو ما يعادل حصّة المالك بحسب التخمين ، أو لا يضمن شيئاً ؟ وجوه ، أوجهها ضمان اُجرة المثل ؛ فيما إذا كانت الأرض تحت يده وترك الزراعة بتفريط منه ، وفي غيره عدم الضمان ، والأحوط التراضي والتصالح . هذا إذا لم يكن تركها لعذر عامّ ، كالثلوج الخارقة أو صيرورة المحلّ معسكراً أو مسبعة ونحوها ، وإلاّ انفسخت المزارعة .

(مسألة 7) : لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أ نّه لا ماء لها فعلاً ، لكن أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه صحّت ، لكن للعامل خيار الفسخ . وكذا لو تبيّن كون الأرض غير صالحة للزراعة إلاّ بالعلاج التامّ ، كما إذا كان الماء مستولياً

ص: 678

عليها ويمكن قطعه . نعم ، لو تبيّن أ نّه لا ماء لها فعلاً ولا يمكن تحصيله ، أو كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته ولا يرجى زواله ، بطل .

(مسألة 8) : لو عيّن المالك نوعاً من الزرع كالحنطة - مثلاً - فزرع غيره ببذره ، فإن كان التعيين على وجه الشرطية في ضمن عقد المزارعة ، كان له الخيار بين الفسخ والإمضاء ، فإن أمضاه أخذ حصّته ، وإن فسخ كان الزرع للزارع وعليه للمالك اُجرة الأرض . وأمّا إذا كان على وجه القيدية فله عليه اُجرة الأرض وأرش نقصها على فرضه .

(مسألة 9) : الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر ، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر ، بل الظاهر صحّة الاشتراك في الكلّ ، ولا بدّ من تعيين ذلك حين العقد ، إلاّ إذا كان هناك معتاد يغني عنه . والظاهر عدم لزوم كون المزارعة بين الاثنين ، فيجوز أن تجعل الأرض من أحدهم ، والبذر من الآخر ، والعمل من الثالث ، والعوامل من الرابع ؛ وإن كان الأحوط ترك هذه الصورة ، وعدم التعدّي عن اثنين ، بل لا يترك ما أمكن .

(مسألة 10) : يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته ؛ بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه ، كما يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير ويشترط عليه القيام بأمر الزراعة ، والناقل طرف للمالك ، وعليه القيام بأمرها ولو بالتسبيب . وأمّا مزارعة الثاني - بحيث كان الزارع الثاني طرفاً للمالك - فليست بمزارعة ، ولا يصحّ العقد كذلك . ولا يعتبر في صحّة التشريك في المزارعة ، ولا في نقل حصّته ، إذن المالك . نعم ، لا يجوز على الأحوط تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه ، كما

ص: 679

أ نّه لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه - بحيث لا يشاركه غيره ، ولا ينقل حصّته إلى الغير - كان هو المتّبع .

(مسألة 11) : عقد المزارعة لازم من الطرفين ، فلا ينفسخ بفسخ أحدهما إلاّ إذا كان له خيار ، وينفسخ بالتقايل كسائر العقود اللازمة ، كما أ نّه يبطل وينفسخ قهراً ؛ بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع بسبب مع عدم تيسّر العلاج .

(مسألة 12) : لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين ، فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه ، وإن مات العامل فكذلك ، فإمّا أن يتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم ، وإمّا أن يستأجروا شخصاً لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة المزبورة ، فإن زاد شيء كان لهم . نعم ، لو شرط على العامل مباشرته للعمل تبطل بموته .

(مسألة 13) : لو تبيّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض ، فإن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له ، وعليه اُجرة العامل والعوامل إن كانت من العامل ، إلاّ إذا كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض ، فإنّ الأقوى حينئذٍ عدم اُجرة العمل والعوامل عليه . وإن كان من العامل كان الزرع له وعليه اُجرة الأرض ، وكذا العوامل إن كانت من صاحب الأرض ، إلاّ إذا كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل للزارع ، فالأقوى حينئذٍ عدم اُجرة الأرض والعوامل عليه . وليس للزارع إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة ، فللمالك أن يأمر بقلعه .

(مسألة 14) : كيفية اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما ، فتارة : يشتركان في الزرع من حين طلوعه وبروزه ، فيكون حشيشه

ص: 680

وقصيله وتبنه وحبّه كلّها مشتركة بينهما . واُخرى : يشتركان في خصوص حبّه ؛

إمّا من حين انعقاده ، أو بعده إلى زمان حصاده ، فيكون الحشيش والقصيل والتبن كلّها لصاحب البذر ، ويمكن أن يجعل البذر لأحدهما والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع اشتراكهما في الحبّ . هذا مع التصريح ، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل ، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه يكون مشتركاً بينهما .

ويترتّب على ذلك اُمور :

منها : كون القصيل والتبن أيضاً بينهما .

ومنها : تعلّق الزكاة بكلّ منهما إذا كان حصّة كلّ منهما بالغاً حدّ النصاب ، وتعلّقها بمن بلغ نصيبه حدَّه إن بلغ نصيب أحدهما ، وعدم التعلّق أصلاً إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما .

ومنها : أ نّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار ، أو منهما بالتقايل في الأثناء ، يكون الزرع بينهما ، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه ، ولا للعامل عليه اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى . وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد ، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء - بلا اُجرة ، أو معها ، أو على القطع قصيلاً - فلا إشكال ، وإلاّ فكلّ منهما مسلّط على حصّته ، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته ، كما أنّ للزارع مطالبتها ليقطع حصّته .

(مسألة 15) : خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع ، لا الزارع إلاّ إذا اشترط عليه كلاًّ أو بعضاً ، وأمّا سائر المؤن - كشقّ الأنهار ، وحفر الآبار ، وإصلاح النهر ، وتهيئة آلات السقي ، ونصب الدولاب والناعور ، ونحو ذلك - فلا بدّ من تعيين كونها على أيٍّ منهما ، إلاّ إذا كانت عادة تغني عن التعيين .

ص: 681

(مسألة 16) : يجوز لكلّ من الزارع والمالك - عند بلوغ الحاصل - تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معيّن من حاصله بالتراضي . والأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول وإن تبيّن بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها ، فعلى المتقبّل تمام ذلك المقدار ولو تبيّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه ، كما أنّ على صاحبه قبول ذلك وإن تبيّن كونها أكثر منه ، وليس له مطالبة الزائد .

(مسألة 17) : لو بقيت في الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة ، فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل ، فإن كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع واُصوله ، كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق ، وإن كان على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك العام ، فهو لصاحب البذر ، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق .

(مسألة 18) : تجوز المزارعة على أرض بائرة - لا يمكن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها - على أن يعمّرها ويصلحها ويزرعها سنة أو سنتين - مثلاً - لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصّة معيّنة في مدّة مقدّرة .

ص: 682

كتاب المساقاة

وهي المعاملة على اُصول ثابتة ؛ بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة من ثمرها . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب - كقول صاحب الاُصول : «ساقيتك» ، أو «عاملتك» ، أو «سلّمت إليك» ، وما أشبه ذلك - وقبول نحو «قبلت» وشبهه . ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور بأيّ لغة كانت . والظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي ، كما تجري فيها المعاطاة على ما مرّ في المزارعة .

ويعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين من البلوغ ، والعقل ، والقصد ، والاختيار ، وعدم الحَجر لسفه فيهما ، ولفلس من غير العامل ، أن تكون الاُصول مملوكة عيناً أو منفعةً ، أو يكون المتعامل نافذ التصرّف لولاية أو غيرها ، وأن تكون معيّنة عندهما معلومة لديهما ، وأن تكون مغروسة ثابتة ، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس ، ولا على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والخيار ونحوهما . وأن تكون المدّة معلومة مقدّرة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر والسنين . والظاهر كفاية جعل المدّة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عيّن مبدأ الشروع في السقي ، وأن تكون الحصّة معيّنة مشاعة بينهما مقدّرة بمثل النصف أو الثلث ونحوهما ،

ص: 683

فلا يصحّ أن يجعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر ، أو يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى . نعم ، لا يبعد جواز أن يشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة ، أو يشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة ؛ إذا علم كون الثمر أزيد منه وأ نّه تبقى بقيّة .

(مسألة 1) : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر ، وفي صحّتها بعد الظهور وقبل البلوغ قولان ، أقواهما الصحّة إذا كانت الأشجار محتاجة إلى السقي ، أو عمل آخر ممّا تستزاد به الثمرة ولو كيفية ، وفي غيره محلّ إشكال ، كما أنّ الصحّة بعد البلوغ والإدراك - بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف - محلّ إشكال .

(مسألة 2) : لا تجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخِلاف ونحوه . نعم ، لا يبعد جوازها على ما ينتفع بورقه أو ورده منها ، كالتوت الذكر والحنّاء وبعض أقسام الخلاف ذي الورد ونحوها .

(مسألة 3) : تجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن تصير مثمرة ؛ بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرة فيها ، كخمس سنين أو ستّ أو أزيد .

(مسألة 4) : لو كانت الأشجار لا تحتاج إلى السقي - لاستغنائها بماء السماء ، أو لمصّها من رطوبات الأرض - ولكن احتاجت إلى أعمال اُخر ، فالأقرب الصحّة إذا كانت الأعمال يستزاد بها الثمر ؛ كانت الزيادة عينية أو كيفية ، وفي غيرها تشكل الصحّة ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 5) : لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر والنخيل ، يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر ، كما إذا جعل النصف في

ص: 684

ثمرة النخيل ، والثلث في الكرم ، والربع في الرمّان مثلاً ، لكن إذا علما بمقدار كلّ نوع من الأنواع . كما أنّ العلم الرافع للغرر شرط في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة .

(مسألة 6) : من المعلوم أنّ ما يحتاج إليه البساتين والنخيل والأشجار - في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها - أعمال كثيرة :

فمنها : ما يتكرّر في كلّ سنة ، مثل إصلاح الأرض ، وتنقية الأنهار ، وإصلاح طريق الماء ، وإزالة الحشيش المضرّ ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح ، والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة ، وغير ذلك .

ومنها : ما لا يتكرّر غالباً ، كحفر الآبار والأنهار ، وبناء الحائط والدولاب والدالية ، ونحو ذلك . فمع إطلاق عقد المساقاة الظاهر أنّ القسم الثاني على المالك ، وأمّا القسم الأوّل فيتّبع التعارف والعادة ، فما جرت على كونه على المالك أو العامل كان هو المتّبع ، ولا يحتاج إلى التعيين . ولعلّ ذلك يختلف باختلاف البلاد . وإن لم تكن عادة لا بدّ من تعيين أ نّه على أيّهما .

(مسألة 7) : المساقاة لازمة من الطرفين لا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار ، ولا تبطل بموت أحدهما ، بل يقوم وارثهما مقامهما . نعم ، لو كانت مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته .

(مسألة 8) : لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشراً بنفسه ، فيجوز أن يستأجر أجيراً لبعض الأعمال أو تمامها ، وتكون عليه الاُجرة . وكذا يجوز أن يتبرّع متبرّع بالعمل ، ويستحقّ العامل الحصّة المقرّرة . نعم ، لو لم يقصد التبرّع عنه ففي كفايته إشكال ، وأشكل منه لو قصد التبرّع عن المالك . وكذا

ص: 685

الحال لو لم يكن عليه إلاّ السقي ، ويستغنى عنه بالأمطار ولم يحتج إليه أصلاً . نعم ، لو كان عليه أعمال اُخر غير السقي ، واستغني عنه بالمطر وبقي سائر الأعمال ، فإن كانت بحيث يستزاد بها الثمر فالظاهر استحقاق حصّته ، وإلاّ فمحلّ إشكال .

(مسألة 9) : يجوز أن يشترط للعامل مع الحصّة من الثمر شيئاً آخر من نقد وغيره ، وكذا حصّة من الاُصول مشاعاً أو مفروزاً .

(مسألة 10) : كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة تكون الثمرة للمالك ، وللعامل عليه اُجرة مثل عمله حتّى مع علمه بالفساد شرعاً . نعم ، لو كان الفساد مستنداً إلى اشتراط كون جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاُجرة حتّى مع جهله بالفساد .

(مسألة 11) : يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره ، فإن مات بعده قبل القسمة ، وبطلت المساقاة من جهة اشتراط مباشرته للعمل انتقلت حصّته إلى وارثه ، وتجب عليه الزكاة لو بلغت النصاب .

(مسألة 12) : المغارسة باطلة ، وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها ؛ على أن يكون المغروس بينهما ؛ سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا ، وسواء كانت الاُصول من المالك أو من العامل . وحينئذٍ يكون الغرس لصاحبه ، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس ، وإن كانت من الغارس فعليه اُجرة الأرض ، فإن تراضيا على الإبقاء بالاُجرة أو لا معها فذاك ، وإلاّ فلمالك الأرض الأمر بالقلع ، وعليه أرش النقص إن نقص بالقلع ، كما أنّ للغارس قلعه ، وعليه طمّ الحفر ونحو ذلك ممّا حصل بالغرس ، وليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء ولو بلا اُجرة .

ص: 686

(مسألة 13) : بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها ؛ بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع ، يشتركان في الاُصول : إمّا بشرائها بالشركة ؛ ولو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارس ؛ في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما ، ثمّ يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة أو بنصف عينها . أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الاُصول - مثلاً - إن كانت من أحدهما ، ويجعل العوض - إذا كانت لصاحب الأرض - الغرس والخدمة إلى مدّة معيّنة ؛ شارطاً على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّاناً إلى تلك المدّة ، وإذا كانت من الغارس ، يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدّة معيّنة ؛ شارطاً على نفسه غرس حصّة صاحب الأرض وخدمتها إلى تلك المدّة .

(مسألة 14) : الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في الأراضي الخراجية على المالك ، إلاّ إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما .

(مسألة 15) : لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلاّ بإذن المالك ، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة اُخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ الاُولى ، فلا يستحقّ العامل الأوّل شيئاً . نعم ، يجوز للعامل تشريك غيره في العمل على الظاهر .

ص: 687

كتاب الدين والقرض

اشارة

الدين : مال كلّي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب ، ويقال لمن اشتغلت ذمّته به : المديون والمدين ، وللآخر : الدائن والغريم . وسببه : إمّا الاقتراض ، أو اُمور اُخر اختيارية ، كجعله مبيعاً في السلم ، أو ثمناً في النسيئة ، أو اُجرة في الإجارة ، أو صداقاً في النكاح ، أو عوضاً في الخلع ، وغير ذلك ، أو قهرية ، كما في موارد الضمانات ، ونفقة الزوجة الدائمة ، ونحو ذلك . وله أحكام مشتركة ، وأحكام مختصّة بالقرض .

القول : في أحكام الدين

(مسألة 1) : الدين : إمّا حالّ ، فللدائن مطالبته واقتضاؤه ، ويجب على المديون أداؤه مع التمكّن واليسار في كلّ وقت ، وإمّا مؤجّل ، فليس للدائن حقّ المطالبة ، ولا يجب على المديون القضاء إلاّ بعد انقضاء المدّة المضروبة وحلول الأجل ، وتعيين الأجل تارة بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة ، واُخرى بجعل الشارع كالنجوم والأقساط المقرّرة في الدية .

(مسألة 2) : لو كان الدين حالاًّ أو مؤجّلاً وقد حلّ أجله ، فكما يجب على

ص: 688

المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن ، كذلك يجب على الدائن أخذه وتسلّمه ؛ إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمّته . وأمّا الدين المؤجّل قبل حلول أجله فلا إشكال في أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة . وإنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو تبرّع المديون بأدائه أم لا ؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما الثاني ، إلاّ إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون ؛ من دون أن يكون حقّاً للدائن .

(مسألة 3) : قد عرفت أ نّه إذا أدّى المديون دينه الحالّ يجب على الدائن أخذه ، فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون ، ولو تعذّر إجباره أحضره عنده ومكّنه منه ؛ بحيث صار تحت يده وسلطانه عرفاً ، وبه تفرغ ذمّته ، ولو تلف بعد ذلك فلا ضمان عليه . ولو تعذّر عليه ذلك فله أن يسلّمه إلى الحاكم ، وبه تفرغ ذمّته . وهل يجب على الحاكم القبول ؟ فيه تأمّل وإشكال . ولو لم يوجد الحاكم فهل له أن يعيّن الدين في مال مخصوص ويعزله ؟ فيه تأمّل وإشكال . ولو كان الدائن غائباً ، ولا يمكن إيصاله إليه ، وأراد المديون تفريغ ذمّته ، أوصله إلى الحاكم عند وجوده . وفي وجوب القبول عليه الإشكال السابق . ولو لم يوجد الحاكم ، يبقى في ذمّته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه .

(مسألة 4) : يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّاً كان أو ميّتاً ، وبه تبرأ ذمّته وإن كان بغير إذنه بل وإن منعه ، ويجب على من له الدين القبول .

(مسألة 5) : لا يتعيّن الدين فيما عيّنه المدين ، ولا يصير ملكاً للدائن ما لم يقبضه . وقد مرّ التأمّل والإشكال في تعيّنه بالتعيين - عند امتناع الدائن عن القبول - في المسألة الثالثة . فلو كان عليه درهم ، وأخرج من كيسه درهماً ليدفعه

ص: 689

إليه - وفاءً عمّا عليه - وقبل وصوله بيده تلف ، كان من ماله ، وبقي ما في ذمّته على حاله .

(مسألة 6) : يحلّ الدين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله ، لا موت الدائن ، فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه ، فلو كان الصداق مؤجّلاً إلى مدّة معيّنة ، ومات الزوج قبل حلوله ، استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته ، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة ، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه . ولا يلحق بموت الزوج طلاقه ، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله . كما أ نّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس ، فلو كان عليه ديون حالّة وديون مؤجّلة ، يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة ، ولا يشاركهم أرباب المؤجّلة .

(مسألة 7) : لا يجوز بيع الدين بالدين على الأقوى فيما إذا كانا مؤجّلين وإن حلّ أجلهما ، وعلى الأحوط في غيره ؛ بأن كان العوضان كلاهما ديناً قبل البيع ، كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة ، وللآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير ، فباع الشعير بالحنطة ، أو كان لأحدهما على شخص طعام ، وللآخر على ذلك الشخص طعام آخر ، فباع ما له على ذلك الشخص بما للآخر عليه ، أو كان لأحدهما على شخص طعام ، وللآخر طعام على شخص آخر ، فبيع أحدهما بالآخر . وأمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما ديناً قبل البيع ؛ وإن صار أحدهما أو كلاهما ديناً بسبب البيع ، كما إذا باع ما له في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئة مثلاً ، فله شقوق وصور كثيرة لا يسعها هذا المختصر .

(مسألة 8) : يجوز تعجيل الدين المؤجّل بنقصان مع التراضي ، وهو الذي

ص: 690

يسمّى في لسان تجّار العصر ب_ «النزول» ، ولا يجوز تأجيل الحالّ ولا زيادة أجل المؤجّل بزيادة .

(مسألة 9) : لا يجوز قسمة الدين ، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدّدة ، كما إذا باعا عيناً مشتركة بينهما من أشخاص ، أو كان لمورّثهما دين على أشخاص ، فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمّة بعضهم لأحدهما وما في ذمّة آخرين لآخر ، فإنّه لا يصحّ . نعم ، الظاهر - كما مرّ في الشركة - أ نّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصّته ، فيتعيّن له ، وتبقى حصّة الآخر في ذمّته . وهذا ليس من قسمة الدين .

(مسألة 10) : يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن ، السعي في أدائه بكلّ وسيلة ؛ ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره ، أو مطالبة غريم له ، أو إجارة أملاكه ، وغير ذلك . وهل يجب عليه التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف والقدرة ؟ وجهان بل قولان ، أحوطهما ذلك ، خصوصاً فيما لا يحتاج إلى تكلّف وفيمن شغله التكسّب ، بل وجوبه حينئذٍ قويّ . نعم ، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه ، وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمّل ، ودابّة ركوبه إذا كان من أهله واحتاج إليه ، بل وضروريات بيته ؛ من فراشه وغطائه وظروفه وإنائه ؛ لأكله وشربه وطبخه ولو لأضيافه ؛ مراعياً في ذلك كلّه مقدار الحاجة بحسب حاله وشرفه ، وأ نّه بحيث لو كلّف ببيعها لوقع في عسر وشدّة وحزازة ومنقصة . وهذه كلّها من مستثنيات الدين ، لا خصوص بعض المذكورات ، بل لا يبعد أن يعدّ منها الكتب العلمية لأهلها ؛ بمقدار حاجته بحسب حاله ومرتبته .

(مسألة 11) : لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه ، سكن ما احتاجه وباع ما

ص: 691

فضل عنه ، أو باعها واشترى ما هو أدون ممّا يليق بحاله . وإذا كانت له دور متعدّدة واحتاج إليها لسكناها لا يبيع شيئاً منها ، وكذلك الحال في المركوب والثياب ونحوهما .

(مسألة 12) : لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه - ولم يكن سُكناه فيها موجباً لمنقصة وحزازة - وله دار مملوكة ، فالأحوط أن يبيع المملوكة .

(مسألة 13) : إنّما لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيّاً ، فلو مات ولم يترك غير دار سكناه ، أو ترك وكان دينه مستوعباً أو كالمستوعب ، تباع وتصرف فيه .

(مسألة 14) : معنى كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين : أ نّه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه ، ولا يجب عليه ذلك ، وأمّا لو رضي به لقضائه جاز للدائن أخذه . نعم ، ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه ، ولا يصير سبباً له وإن رضي به ، ففي خبر عثمان بن زياد ، قال قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ لي على رجل ديناً ، وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «اُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه» ، بل الاحتياط والتورّع في الدين يقتضي ذلك بعد قصّة ابن أبي عمير رضوان اللّه عليه .

(مسألة 15) : لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائداً على المستثنيات لا تباع إلاّ بأقلّ من قيمتها ، يجب بيعها للدين عند حلوله ومطالبة صاحبه ، ولا يجوز له التأخير وانتظار من يشتريها بالقيمة . نعم ، لو كان ما يشترى به أقلّ من قيمته بكثير جدّاً - بحيث يعدّ بيعه به تضييعاً للمال وإتلافاً له - لا يبعد عدم

وجوب بيعه .

ص: 692

(مسألة 16) : كما لا يجب على المُعسر الأداء ، يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة والاقتضاء ، بل يجب أن يُنظره إلى اليسار .

(مسألة 17) : مماطلة الدائن مع القدرة معصية ، بل يجب عليه نيّة القضاء مع عدم القدرة ؛ بأن يكون من نيّته الأداء عندها .

القول : في القرض

وهو تمليك مال لآخر بالضمان ؛ بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته . ويقال للمملِّك : المقرض ، وللمتملّك : المقترض والمستقرض .

(مسألة 1) : يكره الاقتراض مع عدم الحاجة ، وتخفّ كراهته مع الحاجة ، وكلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة ، وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول ، بل ربما وجب لو توقّف عليه أمر واجب ، كحفظ نفسه أو عرضه ونحو ذلك ، والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه - ولم يترقّب حصوله - عدم الاستدانة ، إلاّ عند الضرورة أو علم المستدان منه بحاله .

(مسألة 2) : إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة ، سيّما لذوي الحاجة ؛ لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من أقرض أخاه المسلم كان بكلّ درهم أقرضه وزن جبل اُحُد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وإن رفق به في طلبه ، تعدّى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب ، ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه ، حرّم اللّه - عزّ وجلّ - عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين» .

(مسألة 3) : القرض عقد يحتاج إلى إيجاب - كقوله : «أقرضتك» أو ما يؤدّي

ص: 693

معناه - وقبول دالّ على الرضا بالإيجاب . ولا يعتبر فيه العربية ، بل يقع بكلّ لغة . بل تجري المعاطاة فيه بإقباض العين وقبضها بهذا العنوان . ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين ؛ من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وغيره .

(مسألة 4) : يعتبر في المال أن يكون عيناً - على الأحوط - مملوكاً ، فلا يصحّ إقراض الدين ولا المنفعة ، ولا ما لا يصحّ تملّكه كالخمر والخنزير . وفي صحّة إقراض الكلّي - بأن يوقع العقد عليه وأقبضه بدفع مصداقه - تأمّل . ويعتبر في المثليات كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه وخصوصياته التي تختلف باختلافها القيمة والرغبات . وأمّا في القيميات - كالأغنام والجواهر - فلا يبعد عدم اعتبار إمكان ضبط الأوصاف ، بل يكفي فيها العلم بالقيمة حين الإقراض ، فيجوز إقراض الجواهر ونحوها على الأقرب مع العلم بقيمتها حينه وإن لم يمكن ضبط أوصافها .

(مسألة 5) : لا بدّ أن يقع القرض على معيّن ، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين ، وأن يكون قدره معلوماً بالكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والعدّ فيما يقدّر بالعدّ ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافاً ولو قدّر بكيلة معيّنة وملأ إناء معيّن غير الكيل المتعارف ، أو وزن بصخرة معيّنة غير العيار المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به ، لكن الأحوط خلافه .

(مسألة 6) : يشترط في صحّة القرض القبض والإقباض ، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلاّ بعد القبض ، ولا يتوقّف على التصرّف .

(مسألة 7) : الأقوى أنّ القرض عقد لازم ، فليس للمقرض فسخه والرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة ، ولا للمقترض فسخه وإرجاع العين في

ص: 694

القيميات . نعم ، للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء ؛ ولو قبل قضاء وطره أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك .

(مسألة 8) : لو كان المال المقترض مثلياً - كالحنطة والشعير والذهب والفضّة - ثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض . ويلحق به أمثال ما يخرج من المكائن الحديثة كظروف البلّور والصيني ، بل وطاقات الملابس على الأقرب . ولو كان قيمياً - كالغنم ونحوها - ثبت في ذمّته قيمته . وفي اعتبار قيمة وقت الاقتراض والقبض أو قيمة حال الأداء ، وجهان ، أقربهما الأوّل ؛ وإن كان الأحوط التراضي والتصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين .

(مسألة 9) : لا يجوز شرط الزيادة ؛ بأن يقرض مالاً على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه ؛ سواء اشترطاه صريحاً ، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّاً عليه ، وهذا هو الربا القرضي المحرّم الذي ورد التشديد عليه . ولا فرق في الزيادة بين أن تكون عينية كعشرة دراهم باثني عشر ، أو عملاً كخياطة ثوب له ، أو منفعة أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده ، أو صفة مثل أن يُقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة . وكذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربوياً ؛ بأن كان من المكيل والموزون ، وغيره بأن كان معدوداً كالجوز والبيض .

(مسألة 10) : لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته ، أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كان داخلاً في شرط الزيادة . نعم ، لو باع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قيمته ، وشرط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً لا بأس به .

(مسألة 11) : إنّما تحرم الزيادة مع الشرط ، وأمّا بدونه فلا بأس ، بل تستحبّ

ص: 695

للمقترض ؛ حيث إنّه من حسن القضاء ، وخير الناس أحسنهم قضاءً . بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذاً ؛ لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء ، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض ، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ، ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لو لا ذلك لم يقرضه . نعم ، يكره أخذه للمقرض ، خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك ، بل يستحبّ أ نّه إذا أعطاه شيئاً بعنوان الهديّة ونحوها يحسبه عوض طلبه ؛ بمعنى أ نّه يسقط منه بمقداره .

(مسألة 12) : إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض ، فلا بأس بشرطها للمقترض ، كما أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية ، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة . فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل ، المسمّى عندهم بصرف البرات ، ويطلقون عليه - على المحكيّ - بيع الحوالة وشرائها ، إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه ، فلا بأس به ، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلاً في الربا .

(مسألة 13) : القرض المشروط بالزيادة صحيح ، لكن الشرط باطل وحرام ، فيجوز الاقتراض ممّن لا يقرض إلاّ بالزيادة - كالبنك وغيره - مع عدم قبول الشرط على نحو الجدّ وقبول القرض فقط ، ولا يحرم إظهار قبول الشرط من دون جدّ وقصد حقيقيّ به ، فيصحّ القرض ويبطل الشرط من دون ارتكاب الحرام(1) .

ص: 696


1- لم يرد هذه المسألة في النسخة (أ).

(مسألة 14) : المال المقترض إن كان مثلياً - كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير - كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه ؛ سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الإقراض أو ترقّى أو تنزّل ، وهذا هو الوفاء الذي لا يتوقّف على التراضي ، فللمقرض أن يطالب المقترض به ، وليس له الامتناع ولو ترقّى سعره عمّا أخذه بكثير ، وللمقترض إعطاؤه وليس للمقرض الامتناع ولو تنزّل بكثير ، ويمكن أن يؤدّي بالقيمة بغير جنسه ؛ بأن يعطي بدل الدراهم الدنانير - مثلاً - وبالعكس ، ولكنّه يتوقّف على التراضي ، فلو أعطى بدل الدراهم الدنانير فللمقرض الامتناع ولو تساويا في القيمة ، بل ولو كانت الدنانير أغلى ، كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع ولو كانت الدنانير أرخص . وإن كان قيمياً فقد مرّ أ نّه تشتغل ذمّته بالقيمة ، وهي النقود الرائجة ، فأداؤه الذي لا يتوقّف على التراضي ، بإعطائها ، ويمكن أن يؤدّي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة ، لكنّه يتوقّف على التراضي ، ولو كانت العين المقترضة موجودة ، فأراد المقترض أو المقرض أداء الدين بإعطائها ، فالأقوى جواز الامتناع .

(مسألة 15) : يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه ، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة ، أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترض .

(مسألة 16) : الأقوى أ نّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به ، وليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل .

(مسألة 17) : لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن ،

ص: 697

صحّ ولزم وإن كان في حمله مؤونة ، فإن طالبه في غيره لم يلزم عليه الأداء ، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم على المقرض القبول . وإن أطلق القرض ولم يعيّن بلد التسليم ، فلو طالبه المقرض في بلد القرض يجب عليه الأداء ، ولو أدّاه فيه يجب عليه القبول ، وأمّا في غيره فالأحوط للمقترض - مع عدم الضرر وعدم الاحتياج إلى المؤونة - الأداء لو طالبه الغريم ، كما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما ، ومع لزوم أحدهما يحتاج إلى التراضي .

(مسألة 18) : يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن ، أو الضامن ، أو الكفيل ، وكلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض ولو كان مصلحة له .

(مسألة 19) : لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها ، لم يكن عليه إلاّ الدراهم الاُولى . نعم ، في مثل الأوراق النقدية المتعارفة في هذه الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار ، فالظاهر الاشتغال بالدراهم والدنانير الرائجة . نعم ، لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه - بأن قال : أقرضتُك هذا الكاغذ المسمّى بالنوت - كان حاله حال الدراهم ، وهكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك .

ص: 698

فهرس المحتويات

مقدّمة التحقيق ··· ه_

المقدّمة : في الاجتهاد والتقليد ··· 3

كتاب الطهارة

فصل : في المياه ··· 11

فصل : في أحكام التخلّي ··· 17

فصل : في الاستنجاء ··· 18

فصل : في الاستبراء ··· 19

فصل : في الوضوء ··· 21

القول : في الواجبات ··· 21

القول : في شرائط الوضوء ··· 25

فصل : في موجبات الوضوء ··· 31

فصل : في غايات الوضوء ··· 33

القول : في أحكام الخلل ··· 34

فصل : في وضوء الجبيرة ··· 35

فصل : في الأغسال ··· 38

ص: 699

فصل : في غسل الجنابة ··· 38

القول : في السبب ··· 38

القول : في أحكام الجُنُب ··· 39

القول : في واجبات الغسل ··· 41

فصل : في غسل الحيض ··· 46

القول : في أحكام الحائض ··· 55

فصل : في الاستحاضة ··· 59

فصل : في النفاس ··· 64

فصل : في غسل مسّ الميّت ··· 66

فصل : في أحكام الأموات ··· 68

القول : في غسل الميّت ··· 69

القول : في كيفية غسل الميّت ··· 73

القول : في آداب الغسل ··· 76

القول : في تكفين الميّت ··· 77

القول : في مستحبّات الكفن وآداب التكفين ··· 79

القول : في الحنوط ··· 80

القول : في الجريدتين ··· 81

القول : في تشييع الجنازة ··· 81

القول : في الصلاة على الميّت ··· 83

القول : في كيفية صلاة الميّت ··· 85

القول : في شرائط صلاة الميّت ··· 87

القول : في آداب الصلاة على الميّت ··· 90

ص: 700

القول : في الدفن ··· 91

القول : في مستحبّات الدفن ومكروهاته ··· 94

خاتمة : تشتمل على مسائل ··· 97

ختام : فيه أمران ··· 100

القول : في الأغسال المندوبة ··· 102

فصل : في التيمّم ··· 106

القول : في مسوّغاته ··· 106

القول : فيما يتيمّم به ··· 111

القول : في كيفية التيمّم ··· 113

القول : فيما يعتبر في التيمّم ··· 114

القول : في أحكام التيمّم ··· 116

فصل : في النجاسات ··· 119

القول : في النجاسات ··· 119

القول : في أحكام النجاسات ··· 124

القول : في كيفية التنجّس بها ··· 127

القول : فيما يعفى عنه في الصلاة ··· 129

فصل : في المطهّرات ··· 132

القول : في الأواني ··· 139

كتاب الصلاة

فصل : في مقدّمات الصلاة ··· 142

المقدّمة الاُولى : في أعداد الفرائض ومواقيت اليومية ونوافلها ··· 142

ص: 701

المقدّمة الثانية : في القبلة ··· 148

المقدّمة الثالثة : في الستر والساتر ··· 149

المقدّمة الرابعة : في المكان ··· 154

المقدّمة الخامسة : في الأذان والإقامة ··· 161

المقدّمة السادسة : في إحضار القلب ··· 163

فصل : في أفعال الصلاة ··· 163

القول : في النيّة ··· 164

القول : في تكبيرة الإحرام ··· 168

القول : في القيام ··· 170

القول : في القراءة والذكر ··· 172

القول : في الركوع ··· 178

القول : في السجود ··· 181

القول : في سجدتي التلاوة والشكر ··· 185

القول : في التشهّد ··· 188

القول : في التسليم ··· 189

القول : في الترتيب ··· 189

القول : في الموالاة ··· 190

القول : في القنوت ··· 191

القول : في التعقيب ··· 192

القول : في مبطلات الصلاة ··· 193

القول : في صلاة الآيات ··· 199

القول : في الخلل الواقع في الصلاة ··· 203

ص: 702

القول : في الشكّ ··· 207

القول : في الشكّ في شيء من أفعال الصلاة ··· 209

القول : في الشكّ في عدد ركعات الفريضة ··· 210

القول : في الشكوك التي لا اعتبار بها ··· 215

القول : في حكم الظنّ في أفعال الصلاة وركعاتها ··· 218

القول : في ركعات الاحتياط ··· 219

القول : في الأجزاء المنسيّة ··· 221

القول : في سجود السهو ··· 223

ختام : فيه مسائل متفرّقة ··· 225

القول : في صلاة القضاء ··· 234

القول : في صلاة الاستئجار ··· 238

البحث : في صلاة الجمعة ··· 242

القول : في شرائط صلاة الجمعة ··· 242

القول : فيمن تجب عليه ··· 248

القول : في وقتها ··· 249

فروع : ··· 251

القول : في صلاة العيدين : الفطر والأضحى ··· 252

القول : في بعض الصلوات المندوبة ··· 254

فصل : في صلاة المسافر ··· 259

القول : في قواطع السفر ··· 269

القول : في أحكام المسافر ··· 275

ص: 703

فصل : في صلاة الجماعة ··· 278

القول : في شرائط الجماعة ··· 282

القول : في أحكام الجماعة ··· 284

القول : في شرائط إمام الجماعة ··· 288

كتاب الصوم

القول : في النيّة ··· 293

القول : فيما يجب الإمساك عنه ··· 296

القول : فيما يكره للصائم ارتكابه ··· 303

القول : فيما يترتّب على الإفطار ··· 304

القول : في شرائط صحّة الصوم ووجوبه ··· 309

القول : في طريق ثبوت هلال شهر رمضان وشوّال ··· 312

القول : في قضاء صوم شهر رمضان ··· 314

القول : في أقسام الصوم ··· 317

القول : في صوم الكفّارة ··· 317

الصوم المندوب ··· 319

الصوم المكروه ··· 320

الصوم المحظور ··· 320

خاتمة : في الاعتكاف ··· 321

القول : في شروطه ··· 321

القول : في أحكام الاعتكاف ··· 326

ص: 704

كتاب الزكاة

المقصد الأوّل : في زكاة المال ··· 329

القول : فيمن تجب عليه الزكاة ··· 329

القول : فيما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ ··· 332

الفصل الأوّل : في زكاة الأنعام ··· 332

القول : في النصاب ··· 332

القول : في السوم ؛ أي الرعي ··· 335

القول : في الحول ··· 336

القول : في الشرط الأخير ··· 338

بقي الكلام فيما يؤخذ في الزكاة ··· 338

الفصل الثاني : في زكاة النقدين ··· 339

الفصل الثالث : في زكاة الغلاّت ··· 341

القول : في أصناف المستحقّين للزكاة ومصارفها ··· 351

القول : في أوصاف المستحقّين للزكاة ··· 357

القول : في بقيّة أحكام الزكاة ··· 359

المقصد الثاني : في زكاة الأبدان ··· 363

القول : فيمن تجب عليه ··· 363

القول : في جنسها ··· 366

القول : في قدرها ··· 366

القول : في وقت وجوبها ··· 367

القول : في مصرفها ··· 368

ص: 705

كتاب الخمس

القول : فيما يجب فيه الخمس ··· 369

القول : في قسمته ومستحقّيه ··· 384

القول : في الأنفال ··· 387

كتاب الحجّ

القول : في شرائط وجوب حجّة الإسلام ··· 390

القول : في الحجّ بالنذر والعهد واليمين ··· 408

القول : في النيابة ··· 412

القول : في الوصيّة بالحجّ ··· 418

القول : في الحجّ المندوب ··· 423

القول : في أقسام العمرة ··· 424

القول : في أقسام الحجّ ··· 425

القول : في صورة حجّ التمتّع إجمالاً ··· 427

القول : في المواقيت ··· 431

القول : في أحكام المواقيت ··· 433

القول : في كيفية الإحرام ··· 435

القول : في تروك الإحرام ··· 441

القول : في الطواف ··· 453

القول : في واجبات الطواف ··· 454

القول : في صلاة الطواف ··· 461

القول : في السعي ··· 462

ص: 706

القول : في التقصير ··· 464

القول : في الوقوف بعرفات ··· 465

القول : في الوقوف بالمشعر الحرام ··· 467

القول : في واجبات منى ··· 469

القول : فيما يجب بعد أعمال منى ··· 478

القول : في المبيت بمنى ··· 481

القول : في رمي الجمار الثلاث ··· 482

القول : في الصدّ والحصر ··· 486

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

القول : في أقسامهما وكيفية وجوبهما ··· 491

القول : في شرائط وجوبهما ··· 494

القول : في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ··· 505

ختام فيه مسائل ··· 513

فصل : في الدفاع ··· 515

القول : في القسم الأوّل ··· 515

القول : في القسم الثاني ··· 517

كتاب المكاسب والمتاجر

مقدّمة تشتمل على مسائل : ··· 524

كتاب البيع ··· 536

القول : في شروط البيع ··· 540

ص: 707

القول : في شرائط المتعاقدين ··· 540

القول : في شروط العوضين ··· 548

القول : في الخيارات ··· 551

الأوّل : خيار المجلس ··· 551

الثاني : خيار الحيوان ··· 551

الثالث : خيار الشرط ··· 552

الرابع : خيار الغبن ··· 555

الخامس : خيار التأخير ··· 560

السادس : خيار الرؤية ··· 561

السابع : خيار العيب ··· 562

القول : في أحكام الخيار ··· 564

القول : فيما يدخل في المبيع عند الإطلاق ··· 565

القول : في القبض والتسليم ··· 566

القول : في النقد والنسيئة ··· 568

القول : في الربا ··· 569

القول : في بيع الصرف ··· 573

القول : في السلف ··· 578

القول : في المرابحة والمواضعة والتولية ··· 581

القول : في بيع الثمار على النخيل والأشجار ··· 583

القول : في بيع الحيوان ··· 588

القول : في الإقالة ··· 589

ص: 708

كتاب الشفعة ··· 590

كتاب الصلح ··· 597

كتاب الإجارة ··· 606

كتاب الجعالة ··· 623

كتاب العارية ··· 629

كتاب الوديعة ··· 634

خاتمة : في الأمانة المالكية والشرعية ··· 644

كتاب المضاربة ··· 646

كتاب الشركة ··· 662

القول : في القسمة ··· 667

كتاب المزارعة ··· 676

كتاب المساقاة ··· 683

كتاب الدين والقرض ··· 688

القول : في أحكام الدين ··· 688

القول : في القرض ··· 693

ص: 709

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.