الامام الحسين عليه السلام في مكه المكرمه ، مع الركب الحسينى المجلد 4

اشارة

سرشناسه : طبسي، نجم الدين، - 1334

عنوان و نام پديدآور : الامام الحسين عليه السلام في مكه المكرمه/ تاليف نجم الدين الطبسي

مشخصات نشر : قم : سپهر انديشه ، 1427ق=1385.

مشخصات ظاهري : ص 480

فروست : (مع الركب الحسيني من المدينه الي المدينه؛ الجزآ الثاني)

شابك : 964-7935-51-x

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتابنامه: ص. 472 - 455؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : حسين بن علي (ع)، امام سوم، 61 - 4ق. -- سرگذشتنامه

موضوع : واقعه كربلا، ق 61

موضوع : مكه -- تاريخ -- قرن ق 1

رده بندي كنگره : BP41/4/م 63 ج. 2، 1385

رده بندي ديويي : 297/953

شماره كتابشناسي ملي : م 85-11105

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة (الجز الرابع)

الفصل الأول: كربلاء ..... ص : 13

إسم «كربلاء» .. الأصل والإشتقاق ..... ص : 13

اشارة

اختلف اللّغويون والمؤرّخون والجغرافيون في أصل كلمة كربلاء وفي اشتقاقها وفي معناها، فذهب بعضهم إلى أنّ أصل هذه الكلمة عربيٌّ محض، وذهب آخرون إلى أنَّ أصلها غير عربيّ، وقال آخرون إنها متداخلة الأصل من العربية وغيرها ...

1)- نظرية الأصل العربي لإسم كربلاء ..... ص : 13

قال ياقوت الحموي: «كربلاءُ، بالمدِّ: وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن عليّ رضي اللّه عنه، في طرف البريّة عند الكوفة، فأمّا اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مُكَرْبِلًا، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميّت بذلك.

ويُقال: كَرْبَلْتُ الحنطة، إذا هذّبتها ونقيّتها، ويُنشدُ في صفة الحنطة:

يحملنَ حمراء رسوباً للثقل قد غُربلتْ وكُربلت من القصل

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدّغل فسميّت بذلك.

والكربل: إسم نبت الحُمّاض، وقال أبووجزة السعدي يصف عهون الهودج:

وثامرُ كربلٍ وعميم دُفلى عليها والندى سبط يمورُ

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فَسُمِّي به.». «1»

2)- نظرية الأصل غير العربي (الأصل الديني) ..... ص : 13

وقال الدكتور مصطفى جواد في موضوع كتبه تحت عنوان (كربلاء قديماً) في موسوعة العتبات المقدّسة:

«.. وذكر السيّد العلّامة هبة الدين الشهرستاني أنّ «كربلاء» منحوتة من كلمتي «كور بابل» بمعنى مجموعة قُرى بابلية. «2»

وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي: «والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين: من (كربل) و (إل) أي حرم اللّه أو مقدس اللّه. «3»

قلنا: إنّ رجع الأعلام الأعجمية إلى أصول عربية كان ديدناً لعلماء اللغة العربية منذ القديم، فقلّما اعترفوا بأنّ علماً من الأعلام أصله أعجمي، دون أسماء الجنس فإنهم اعترفوا بعجمتها وسمّوها «المعرّبات»، لأنّ الذين يعرفون اللغة الفارسية كثير، ولأنهم يدرون أصول المعرّبات على التحقيق والتأكيد.

وكان الذي يسهّل عليهم اجتيال الأعلام وغيرها إلى اللغة العربية كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربية، كما مرَّ في «كربلا» والكربلة، والكربل، فهم قالوا بعروبة تلك الأعلام الأعجمية ثمّ حاروا في تخريجها اللغوي فبعثهم ذلك على التكلّف! كما فعلوا في كربلاء وغيرها من الأعلام الأعجمية.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 15

وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي ردّ

«كربلاء» إلى الأصول العربية غير مجدية ولايصحّ الإعتماد عليها! لأنها من بابة الظنّ والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعل العربية مصدراً لسائر أسماء الأمكنة والبقاع! مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية كبغداد وصرورا، وجوخا، وبابل، وكوش، وبعقوبا، وأنّ التأريخ لم ينصّ على عروبة إسم «كربلاء» فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق، وقبل سكنى العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور في غزوته لغربيّ العراق سنة 12 هجرية/ 634 م. قال ياقوت الحموي:

«ونزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاء، فشكا إليه عبداللّه بن وشيمة النصري «1» الذبّان، فقال رجل من أشجع في ذلك:

لقد حُبسَتْ في كربلاء مطيّتي وفي العين «2»

حتى عادغثّاً سمينا

إذا رحلتْ من منزل رجعتْ له لعمري وأيْها إنّني لأُهينها ويمنعها من ماء كلّ شريعةرفاقٌ من الذُّبانِ زُرقٌ عيونها

ومن أقدم الشعر الذي ذكرت فيه كربلاء قول معن بن أَوْس المزني من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وعمَّرَ حتىْ أدرك عصر عبداللّه بن الزبير وصار مصاحباً له! وقد كُفَّ بصره في آخر عمره. وذكر ياقوت الحموي هذا الشعر في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 16

«النوائح» من معجمه للبلدان .. وذكره قبله أبوالفرج الأصبهاني في ترجمة معن من الأغاني (12: 63/ دار الكتاب) وقال وهي قصيدة طويلة:

إذا هي حلّت كربلاءَ فلعلعاً فجوز العذيب دونها فالنوائحا

وقال الطبري في حوادث سنة 12: «وخرج خالد بن الوليد «1» في عمل عياض ابن غنم ليقضي ما بينه وبينه ولإغاثته فسلك الفلّوجة حتى نزل بكربلاء وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو ... وأقام خالد على كربلاء أيّاماً، وشكا إليه عبداللّه بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: إصبر فإنّي إنّما

أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنُسكنها العرب فتأمن جنود المسلمين أن يُؤتَوا من خلفهم وتجيئنا العرب آمنة غير متعتعة، وبذلك أمرنا الخليفة ورأيه يعدل نجدة الأمّة. وقال رجل من أشجع فيما شكا ابن وثيمة:

لقد حُبست في كربلاء مطيّتي ..». «2» الأبيات

وقال ياقوت الحموي في كلامه على الكوفة: «.. ثمّ توجّه سعد نحو المدائن إلى يزدجرد، وقدَّم خالد بن عرفطة «3» حليف بني زهرة بن كلاب، فلم يقدر عليه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 17

سعد حتّى فتح خالد ساباط المدائن، ثم توجّه إلى المدائن فلم يجد معابر فدلّوه على مخاضة عند قرية الصيّادين أسفل المدائن فأخاضوها الخيل حتى عبروا، وهرب يزدجرد إلى اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها، فقسّمها سعد بين أصحابه ...». «1»

ولقائلٍ أن يقول: إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية وفي حمايتها وخدمتها. والجواب: أنّ المؤرّخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سمّيت بهذا الإسم- أعني كربلاء، غير أنَّ وزن كربلاء أُلحق بالأوزان العربية، ونُقل «فَعْلَلا» إلى «فَعْلَلاء» في الشعر حَسْبُ ... «2»

أمّا قول الأب اللغوي أنستاس ما معناه أنّ كربلا منحوتة من (كرب) و (إل) فهو داخل في الإمكان، لأنّ هذه البقاع قد سكنها الساميّون، وإذا فسّرنا (كرب) بالعربية أيضاً دلّ على معنى «القُرب» فقد قالت العرب: «كرب يكرب كروباً: أي دنا» وقالت: «كرب فلان يفعل، وكرب أن يفعل: أي كاد يفعل، وكاد تفيد القرب، قال ابن مقبل يصف ناقته:

فبعثتها تَقِصُ المقاصر بعدما كربت حياةُ النار للمتنوّر «3»

وقال أبوزيد الأسلمي:

سقاها ذوو الأرحام سجلًا على الظما وقد كربت أعناقها أن تقطّعا «1»

وإذا فسّرنا «إل» كان معناه «إلاله» عند الساميين أيضاً، ودخول تفسير

التسمية في الإمكان لايعني أنها التسميّة الحقيقية لاغيرها، لأنّ اللّغة والتأريخ متعاونان دائماً فهي تؤيّده عند احتياجه إليها، وهو يؤيّدها عند احتياجها إليه، فهل ورد في التأريخ أنّ موضع كربلاء كان «حرم إله» قوم من الأقوام الذين سكنوا العراق؟ «2» أو مَقْدَسَ إلهٍ لهم؟ لايُجيبنا التأريخ عن ذلك! ومن الأسماء المضافة الى «إل» بابل وأربل وبابلي.

ومن العجيب أنّ لفظ «كرب» تطوّر معناه في اللغة العبريّة! قال بعض الأدباء الأمريكيين: «ممّا يصوّر لنا فكرة عن سوء أُسلوب الحياة أن نجد الكلمة العبرية (كَرَبَ Karab)- ومعناها يقترب- تعني في الوقت نفسه (يُقاتل ويحارب) ومن هنا كانت كلمة (كِراب Kerab) بمعنى معركة. «3»

لذلك يمكن القول بتطوّر الإسم «كربلاء» من الحقيقة الى المجاز، وبذلك لايجب الإلتزام بأصل معناه بل يجوز، وممّا قدّمنا يُفهم أن «كربلا» مقصور في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 19

الأصل، وأنّ الهمزة أُدخلت عليها لضرورة الشعر ...

وعلى حسبان «كربلا» من الأسماء الساميّة الآرامية أو البابلية، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا وهي من ناحية نينوى الجنوبية .. «1» ونينوى من الأسماء الآشورية ...». «2»

وقال الشيخ محمّد باقر المدرّس في كتابه (مدينة الحسين عليه السلام): «إنّ كربلاء تلخّصت من كلمتين في لغة الآراميين، وهما (كرب) بمعنى معبد أو الحرم، و (إيلا) بمعنى آلهة، فالمعنى: حرم الآلهة!». «3» ثم يقول الشيخ المدرّس: «لو أننا رجعنا إلى تأريخ هذه المدينة إلى عهد البابليين لوجدنا لها إسماً وأثراً! لأنّه بناءً على ما قاله المستشرق الفرنسي ماسينسيون- في كتابه: خطط الكوفة/ ترجمة تقي المصعبي- إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانيين الذين كانوا يقطنون في مدينة نينوى والعقر البابلي، وكلاهما كان بقرب كور كربلاء». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 20

نُبذة مختصرة من تأريخ كربلاء وجغرافيتها إلى سنة ستين للهجرة ..... ص : 20

«كربلاء» بلدة

عُرفت بهذا الإسم قبل الإسلام بزمن بعيد، بل لعلّ الظاهر من بعض الروايات أنّ إسم كربلاء موغل في القِدم إلى زمن آدم أبي البشر عليه السلام، «1» بل هي معروفة في السماء ب (أرض كرب وبلاء) كما في رواية عن أميرالمؤمنين عليه السلام. «2»

«وعلى حسبان «كربلا من الأسماء الساميّة الآراميّة أو البابليّة تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا وهي من ناحية نينوى الجنوبية ..

ونينوى من الأسماء الآشورية ..». «3»

ويوحي إحتمال كون إسمها منحوتاً من كلمتي «كور بابل» أي مجموعة قُرى بابلية أنها كانت آنذاك أُمَّ القُرى لقرى عديدة، منها نينوى، والعقر البابلي، والنواويس، والحَيْر، والعين: عين التمر، وغيرها من القرى العديدة التي كانت تقع بين البادية وشاطي ء الفرات.

ولعلّ «كربلاء» كانت قد أسست منذ عهد البابليين والآشوريين وورثها عنهم التنوخيون واللخميّون، أمراء المناذرة وسكّان الحيرة تحت حماية الأكاسرة في إيران الذين كانت سيطرتهم يومذاك قد امتدّت على مساحة واسعة جدّاً من آسيا.

كانت كربلاء عامرة ومتقدّمة من الناحية الزراعية آنذاك، لخصوبة أرضها وقربها من الفرات وملائمة مناخها لكثير من الزراعات، وكانت تموّن المنطقة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 21

والقوافل السيّارة المارة بها بالمنتوجات من حبوب وتمور وأثمار، وقد ازدهرت حتّى في العصر الكلداني، وكان يسكنها قومٌ من النصارى والدهاقين، وكانت تُسمّى آنذاك ب «كور بابل»، وقد أُقيم على أرضها معبد تقام فيه الصلاة، وحولها معابد أخرى، وقد عُثر في قرى مجاورة لها على جثث أموات في أوانٍ خزفية يعود تأريخها إلى ماقبل ميلاد المسيح عليه السلام.

وقد اشتهرت في عهد اللخميين الذين كانت الحيرة عاصمتهم، وقد كانت «عين التمر» يومئذٍ من البلاد التي تستورد منها أنواع التمور وتُنيخ فيها القوافل السيارة مُناخ ركابها للإستراحة فيها، وقد

اكتسبت كربلاء أهميتها التجارية يومذاك من موقعها المشرف آنذاك على الطرق المؤدّية إلى الحيرة والأنبار والشام والحجاز، كلّ ذلك كان قبل الفتح الإسلامي لتلك المنطقة ولأرض السواد من العراق.

ويرى الشيخ محمّد باقر المدرّس في كتابه (مدينة الحسين عليه السلام) أنّ الفرس في عصر الملك سابور ذي الأكتاف الذي بويع سنة 310 م في إيران- وهو من الملوك الفرس الساسانيين- كانوا قد قسّموا أرض العراق بعد فتحها إلى عشرة ألوية، وكلّ لواء إلى طسوج، وكلّ طسج إلى رساتيق، وكانت الأرض الواقعة بين عين التمر والفرات تُعَدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء. «1»

ولقد فُتحت كربلاء في جملة أراضي العراق التي فتحت عنوة على يد المسلمين في زمن أبي بكر (سنة 12 ه. ق)، وكان الذي أخذها عنوة خالد بن عرفطة- وكان قد بعثه سعد بن أبي وقّاص مقدّمة له- ولقد اتخذها مقرّاً ومعسكراً لجنده فترة من الزمن، وبعد أن استنفد منها غاياته الحربية تركها وانتقل إلى الكوفة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 22

لوخامة المناخ والرطوبة في كربلاء.

ثمّ لم تزل كربلاء- بعد ازدهار الكوفة وتعاظم أهميتها- قرية من قراها الكثيرة المبثوثة حولها، لا يأتي على ذكرها ذاكرٌ إلّا في مناسبة من نوادر المناسبات، كما في مرور أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام عليها في جيشه الزاحف نحو الشام، أو جرت على لسان متحدّث يروي خبراً من أخبار الملاحم عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو أميرالمؤمنين عليه السلام بصدد مقتل سيد الشهداء أبي عبداللّه الحسين عليه السلام وأرض مصرعه!

«وتقع كربلاء غرب نهر الفرات على حافة البادية، وسط المنطقة الرسوبية المعروفة بأرض السواد، وعلى شمالها الغربي مدينة الأنبار، وعلى شرقها مدينة بابل الأثرية، وفي الغرب منها الصحراء الغربية،

وفي الجنوب الغربي منها مدينة الحيرة عاصمة المناذرة ... وتقع كربلاء على حدود البادية، يقصدها البدو من بلاد الحجاز والشام للميرة والتموين، وإلى عهد قريب كان هذا شأنها، وهي على مسافة قريبة من العين، وهي واحة وارفة الأشجار وفيرة المياه، وقد كانت مدينة العين من المدن المهمة في منطقة البادية ...». «1»

«وكان للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة في الجهات الشمالية والغربية والجنوبية منه، تشكّل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العبّاس بن علي عليهما السلام.». «2»

ويقول السيّد هبة الدين الشهرستاني إنّ المنقبين وجدوا في أعماق البيوت

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 23

المحدقة بقبر الحسين عليه السلام آثاراً تدلّ على ارتفاعها القديم في أراضي جهات الشمال والغرب، ولايجدون في الجهه، الشرقيّة سوى تربة رخوة واطئة، الأمر الذي يُرشدنا إلى وضعيّة هذه البقعة، وأنها كانت في عصرها الأوّل واطئة من جهة الشرق، ورابية من جهتي الشمال والغرب على شكل هلالي، وفي هذه الدائرة الهلالية حوصر ابن الزهراء البتول الطاهرة. «1»

الأسماء الأُخرى لكربلاء ..... ص : 23

اشارة

هنالك أسماء أخرى تُطلق على أرض مصرع الإمام الحسين عليه السلام، هي إمّا أسماء عامّة للمنطقة التي منها كربلاء، فاطلقت من باب إطلاق الكلّ على الجزء كإطلاق الطفّ على كربلاء، أو هي أسماء لقُرىً مجاورة لكربلاء، فأطلقت أسماؤها على كربلاء أيضاً، ربّما من باب المجاز أو لعلاقة القرب والجوار كإطلاق نينوى أو الغاضرية على كربلاء، أو هي أسماء كانت تُطلق على أرض كربلاء في غابر الأزمان، فوردت أيضاً في لسان الروايات، كما في إطلاق عمورا على كربلاء، وأهمّ هذه الأسماء:

1)- الطفّ أو الطفوف: ..... ص : 23

من المواضع التي عرفها العرب قديماً قرب كربلاء «الطفّ»، قال ياقوت الحموي: «وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعي: وإنّما سُمّي طفّاً لأنه دانٍ من الريف .. وقال أبوسعيد: سُمّي الطفّ لأنه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 24

مشرف على العراق، مِنْ أطفَّ على الشي ء بمعنى أطلّ، والطفّ: طفّ الفرات أي الشاطي ء، والطفّ: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البريّة فيها كان مقتل الحسين بن علي رضي اللّه عنه، وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدّة عيون ماء جارية، منها: الصيد، والقطقطانة، والرُّهَيمة، وعين جمل، وذواتها، وهي عيون كانت للموكّلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم .. فلمّا كان يوم ذي قار ونصر اللّه العرب بنبيّه صلى الله عليه و آله، غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم، ثمّ لمّا قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعدما طمّت عامّة ما كان في أيديها منها! وبقي ما في أيدي العرب .. ولما انقضى أمر القادسيّة والمدائن وقع ماجلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون إلى المسلمين ...

قال أبودهبل الجُمحي «1» يرثي الحسين

بن عليّ رضي اللّه عنه، ومن قتل معه بالطفّ:

مررتُ على أبيات آل محمّدٍ فلم أرها أمثالها يوم حُلَّتِ

فلا يُبعد اللّهُ الديارَ وأهلها وإنْ أصبحتْ منهم برغمي تخلَّتِ

ألا إنّ قتلى الطفّ من آل هاشمٍ أذلّتْ رقاب المسلمين فذلّتِ ...

وقال أيضاً:

تبيتُ سكارى من أُميّة نُوَّماً وبالطفّ قتلى ما ينام حميمُها

وما أفسد الإسلام إلّا عصابة تأمّر نَوْكاها فدام نعيمها

فصارت قناة الدين في كفّ ظالمٍ إذا اعوجّ منها جانبٌ لايُقيمها.». «2»

2)- نينوى: ..... ص : 24

قال ياقوت الحموي: «.. وبسواد الكوفة ناحية يُقال لها نينوى منها كربلاء التي قُتل بها الحسين رضي اللّه عنه ...». «1»

وقال الأُستاذ الدكتور مصطفى جواد: «وزعم الأُستاذ فيردهوفر Ferd Hofer أنّ أسترابون Strabon الجغرافي اليوناني المولود في أواسط القرن الأوّل قبل الميلاد ذكر في كتابه «مابين النهرين: آشورية وبابل وكلدية» ذكر نينوى ثانية غير نينوى الشمالية، فإنّ صحّ زعمه كانت نينوى الجنوبية هي المقصود ذكرها ..

وكانت على نهر العلقمي.». «2»

وقال الطبري يصف رحلة الركب الحسيني من منزل قصر بني مقاتل إلى نينوى- ويعني بها كربلاء-: «فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجّل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أن يفرّقهم! فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه! فجعل إذا ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا! فلم يزالوا يتسايرون حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين.». «3»

3)- النواويس: ..... ص : 24

الناووس والقبر واحد، «4» والناووس: مقابر النصارى، «5» والنواويس كانت مقابر للنصارى الذين سكنوا «كربلاء» قبل الإسلام، وتقع هذه المقابر شمال غرب

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 26

«كربلاء» في الأيام الحاضرة. «1»

وقد ذكرها الإمام الحسين عليه السلام في خطبته بمكّة حيث قال: «.. كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ..». «2»

4)- الغاضرية: ..... ص : 26

قال ياقوت الحموي: «الغاضريّة .. منسوبة إلى غاضرة من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء.»، «3» وهذا الوصف يدلّ على أنّ الغاضرية أُنشئت بعد انتقال قبيلة بني أسد إلى العراق في صدر الإسلام، فليست الغاضرية قديمة التأريخ جاهلية. «4» وهي في شمال كربلاء إلى شمالها الشرقي، وتبعد عنها أقلّ من نصف كيلومتر. «5»

وكان الإمام الحسين عليه السلام بعد نزوله كربلاء في أوائل العشرة الأولى من المحرّم سنة 61 ه قد اشترى من أهل الغاضريّة ونينوى مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة أطراف مرقده المقدّس، كانت تبلغ مساحتها من حيث المجموع أربعة أميال في أربعة أميال، بستين ألف درهم، ثمّ تصدّق عليهم بتلك الأراضي الواسعة بشرط أن يقوم أهلها بإرشاد الزائرين إلى قبره الشريف وأن يقوموا بضيافتهم ثلاثة أيّام، غير أنهم لم يفوا بهذا الشرط فسقط حقّهم فيها، وبقيت تلك الأراضي المشتراة منهم ملكاً للإمام عليه السلام ولولده من بعده كما كان الحال قبل التصدق عليهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 27

بذلك الشرط. «1»

وقد ورد ذكر الغاضرية في أدب الطفّ كثيراً، من ذلك هذه الأبيات:

يا كوكب العرش الذي من نوره الكرسيّ والسبعُ العُلى تتشعشعُ

كيف اتخذت الغاضريّة مضجعاً والعرش ودَّ بأنه لك مضجعُ

5)- عمورا: ..... ص : 27

روى قطب الدين الراوندي (ره) بسند، عن جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

قال الحسين بن عليّ عليهما السلام لأصحابه قبل أن يُقتل:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: يا بُنيَّ، إنّك ستُساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبييّن، وهي أرض تُدعى «عمورا»، وإنّك تُستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لايجدون أَلَم مسَّ الحديد، وتلا: «قلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم»، تكون الحرب عليك

وعليهم برداً وسلاماً، فأبشروا ...» إلى آخر تفاصيل الرواية الشريفة. «2»

6)- أرض بابل: ..... ص : 27

روى ابن عساكر أنّ عمرة بنت عبدالرحمن كتبت إلى الإمام عليه السلام تعظّم عليه ما يريد أن يصنع من إجابة أهل الكوفة، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة! وتخبره أنّه إنّما يُساق إلى مصرعه، وتقول: أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: يُقتل حسينٌ بأرض بابل ... «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 28

8)- شطّ الفرات: ..... ص : 28

أخرج ابن أبي شيبة بسند، عن عبداللّه بن يحيى الحضرمي، عن أبيه، أنه سافر مع عليّ عليه السلام،- وكان صاحب مطهرته- حتّى حاذى «نينوى» وهو منطلق إلى «صفّين»، فنادى: صبراً أباعبداللّه! صبراً أبا عبداللّه!

فقلت: ماذا أباعبداللّه!؟

فقال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه و آله وعيناه تفيضان، قال: قلت: يارسول اللّه صلى الله عليه و آله مالعينيك تفيضان، أغضبك أحدٌ!؟

قال: قام من عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين عليه السلام يُقتل ب «شطّ الفرات» فلم أملك عينيَّ أن فاضتا! «1»

9)- أرض العراق: ..... ص : 28

أخرج أبونعيم الأصبهاني في دلائل النبوّة بسنده، عن سحيم، عن أنس بن الحارث (رض) قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «إنّ إبني هذا يُقتل بأرض العراق، فمن أدركه فلينصره». «2»

10)- ظهر الكوفة ..... ص : 28

أخرج ابن قولويه (ره) بإسناده، عن سعيد بن عمر الجلّاب، عن الحارث الأعور (ره) قال: قال عليٌّ عليه السلام: «بأبي وأمّي الحسين المقتول بظهر الكوفة، واللّه كأنّي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 29

أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحوش يبكونه ويرثونه ليلًا حتّى الصباح! فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء!». «1»

11)- الحائر والحَيْر ..... ص : 29

قال ياقوت الحموي: «الحاير: بعد الألف ياء مكسورة وراء، وهو في الأصل حوض يصبّ إليه مسيل الماء من الأمطار، سُمّي بذلك لأنّ الماء يتحير فيه يرجع من أقصاه إلى أدناه .. وأكثر الناس يُسمّون الحائر: الحَيْر، والحائر: قبر الحسين بن عليّ رضي اللّه عنه ... قال أبوالقاسم: هو الحائر إلّا أنّه لاجمع له لأنّه إسم لموضع قبر الحسين بن عليّ رضي اللّه عنه، فأمّا الحِيران فجمع حائر، وهو مستنقع ماءٍ يتحير فيه فيجي ء ويذهب .. يقولون الحَيْر بلا إضافة إذا عنوا كربلاء ..». «2»

وقال ابن منظور: «.. وحار الماء فهو حائر، وتحيّر: تردّد، وتحيّر الماء: اجتمع ودار، والحائر: مجتمع الماء ... والحائر: كربلاء، سُمّيت بأحد هذه الأشياء ..». «3»

وقد حار الماء عن قبر الإمام الحسين عليه السلام لمّا أجراه (الديزج) الذي بعثه المتوكل ليطمس آثار معالم القبر المقدّس ويعفي أثره سنة 236 ه. «4»

وقال الدكتور مصطفى جواد: «وقد ذكرنا أن الحائر إسم عربيّ وأنّ العرب سكنوا هذه البلاد منذ عصور الجاهلية، فلابدّ من أن يكون معروفاً قبل استشهاد الحسين عليه السلام، لأنّ هذه التسمية هي والحَيْر والحيرة من أصل واحد ..». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 30

لكنّ الدكتور عبدالجواد الكليدار زعم أنه: «لم يرد في التأريخ أو الحديث ذكر لكربلاء بإسم الحائر أو الحَيْر قبل وقعة الطفّ أو أثناء هذه الوقعة أو بعدها بزمن يسير،

إذ إنّ الأحاديث النبوية المنبئة بقتل الحسين عليه السلام بأرض العراق تضمّنت كُلَّ الأسماء عدا إسم الحائر ..». «1»

غير أنّ الطبري في تأريخه عن القاسم بن يحيى قال: «بعث الرشيد إلى إبن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن عليّ في الحَيْر، قال فأُتي بهم، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال: مالك!؟ قال: بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضرني ولست آمنُه على نفسي. قال له: فإذا دخلتَ عليه فسألك فقل له الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع. فلمّا دخل عليه قال هذا القول، قال: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن، أحضِروه!، قال فلمّا حضر قال ما حملك على أن صيّرتَ هذا الرجل في الحَيْر!؟ قال: رحم اللّه من صيّره في الحَير! أمرتني أمّ موسى أن أصيّره فيه وأن أُجري عليه في كلّ شهر ثلاثين درهماً. فقال: ردّوه إلى الحَيْر، وأجروا عليه ما أجرته أمّ موسى. وأمّ موسى هي أمّ المهدي ..». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 31

ولعلّ أوائل ماورد إسم «الحائر» في النصوص الدينية، ماجاء في بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام التي علّم بعض الأصحاب فيها بعض طرق زيارة سيّد الشهداء عليه السلام، كما في رواية يوسف بن الكناسيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قال:

إذا أتيت قبر الحسين فائتِ الفرات واغتسل بحيال قبره وتوجّه إليه، وعليك السكينة والوقار حتى تدخل الحائر من جانبه الشرقيَّ، وقل حين تدخله ...». «1»

وكما في رواية عن الحسن بن عطيّة، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قال: إذا دخلت الحائر فقل ...»، «2» وغيرها أيضاً مما روي عن الصادق عليه السلام. «3»

وكان المراد بالحائر في تلك الأيام ماحواه سور المشهد الحسيني على مشرّفه السلام، «4» وهذا

القول تؤيّده اللغة والقرائن والروايات معاً، لأنّ الحائر لغة هو فناء الدار أو ما يحيط بها من كل جانب» وقالوا: لهذه الدار حائر واسع ..». «5» ثم توسّع الإستعمال حتّى صار المراد بالحائر كربلاء نفسها.

ويمكن أن يُقال إنَّ كربلاء كانت من مساكن العرب منذ الجاهلية، وكانت تُسمّى «الحَيْر» بلا إضافة- كما ذكر ياقوت الحموي- لكنّ هذا الإسم ضعف

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 32

استعماله وندر إطلاقه بعدما غلب إسم «الحائر» على كربلاء مكانه، خصوصاً بعدما احيط به إسم «الحائر» من حرمة وتقديس وأنيط به من أعمال وأحكام في الرواية والفقه. «1»

فضل كربلاء وقداسة تربتها ..... ص : 32

أعطيت أرض كربلاء- حسب النصوص الواردة- من الشرف ما لاتُعطَ أيّ بقعة من بقاع الأرض حتّى مكّة المعظّمة منذ أن خلق اللّه الارض.

ففي حديث- على سبيل المثال لا الحصر- عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال:

«اتخذ اللّه أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام. وإنه إذا زلزل اللّه تبارك وتعالى الأرض وسيّرها، رُفعت كما هي بتربتها نورانيّة صافية فجُعلت في افضل روضة من رياض الجنّة، وأفضل مسكن في الجنّة، لايسكنها إلّا النبيّون والمرسلون- أو قال: أولوا العزم من الرسل- وإنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب لأهل الأرض، يُغشي نورها أبصار أهل الجنّة وهي تنادي «أنا أرض اللّه المقدسة، الطيبة، المباركة التي تضمنت سيّد الشهداء وسيد شباب أهل الجنّة». «2»

وهي التي في تربتها الشفاء كما قال الصادق عليه السلام: «في طين قبر الحسين عليه السلام الشفاء من كلّ داء، وهو الدواء الاكبر». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 33

والأحاديث في فضلها لم تنحصر فيما روى الشيعة عن أئمّة الهدى عليهم السلام بل هي متوفرة أيضاً في كتب بقية

الفرق الإسلامية. فقد روى السيوطي ما يناهز على عشرين حديثاً عن أكابر ثقاة أبناء العامة، كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم وأمثالهم. «1»

وناهيك عن أنَّ قداسة بعض البقاع أو التُرَب لم تكن منحصرة فيما رواه العلماء سلفاً عن سلف عند الفريقين، بل إنّ السيرة العملية المستمرة بين المسلمين منذ الصدر الأول وحتى في زمن النبي الأعظم صلى الله عليه و آله تحكي أنهم كانوا يقدّسون بعض البقاع والترب ويتبركون ويستشفون بترابها.

قال البرزنجي: «ويجب على من أخرج شيئاً من المدينة ردّه إلى محلّه، ولايزول عصيانه إلّا بذلك، نعم إستُثني من ذلك ما دعت الحاجة إليه من تراب الحرم للتداوي به منه! كترابب مصرع حمزة سيد الشهداء وتربة صهيب لإطباق السلف والخلف على ذلك. «2»

وهكذا استمرت هذه السيرة بعد زمن النبيّ صلى الله عليه و آله أيضاً، فقد قال العلّامة السمهمودي في كتاب وفاء الوفاء: «لمّا توفّي النبيّ صلى الله عليه و آله صاروا يأخذون من تربته الشريفة فأمرت عائشة بجدار فضُرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة فكانوا يأخذون منها فأمرت بالكوّة فسُدَّت. «3»

ولم يقتصروا على الإستشفاء بالتراب- بل كانوا يقدّسون مواضع أقدام بعض أولياء اللّه وغير ذلك. واذا كان كذلك فكيف لاتُقدّس تربة ابن الرسول الأعظم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 34

وريحانته وقلذة كبده وبضعته، وهي أطيب تربة وأزكاها!؟

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إنّ فاطمة عليها السلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت تديرها بيدها تكبّر وتسبّح حتى قتل حمزة بن عبدالمطلب، فاستعملت تربته، وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلما قُتل الحسين صلوات اللّه عليه عدل بالأمر اليه، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزيّة. «1»

وقال

العلامة كاشف الغطاء: «... حمزة دفن في أُحد وكان يسمّى سيّد الشهداء ويسجدون على تراب قبره ... ولما قتل الحسين عليه السلام صار هو سيد الشهداء وصاروا يسجدون على تربته. «2»

واستمرت سيرة شيعة أئمة أهل البيت خصوصاً الى زمن الصادق عليه السلام حيث كانوا يحملون معهم «حمزة»، وهي كانت عبارة عن مقدار من التراب في صرّة أعدّوها للسجود عليها، وقد تطوّرت إلى قطعة من تراب قبر الحسين عليه السلام بصورة ألواح تسهيلًا للمصلين- ولما كان تعفير الجبين والسجود على الأرض فريضة لكونه أبلغ في التواضع فلماذا لايكون السجود على أتقى وأزكى وأجود وأطيب وأقدس تربة في الأرض- وهي تربة الحسين عليه السلام التي نطقت الأحاديث بفضلها. «3»

وأئمة الهدى عليهم السلام هم الذين أسسوا ذلك. فنرى أول من صلى على تربة الحسين عليه السلام واتخذها مسجداً الإمام زين العابدين عليه السلام. إذ بعد أن دفن جثمان أبيه عليه السلام أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف وعمل منها سجادة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 35

وسبحة وكان عليه السلام يديرها حين دخوله على يزيد لعنه اللّه، وبعد ما رجع من الشام، وصار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها- فشاع عند العلويين وأتباعهم واشياعهم. «1»

ومن بعد الإمام زين العابدين عليه السلام تبعه في ذلك ابنه الإمام الباقر عليه السلام، ومن بعده الامام الصادق عليه السلام وهكذا.

ولعل من أسرار السجود على تربة الحسين عليه السلام أنَّ السجود على تربة الحسين عليه السلام يجعل المصلّي على ذكرٍ دائم لما جرى من المصائب والفجائع العظيمة على الإمام الحسين عليه السلام الذي حفظ بقيامه ضدّ الحكم الأمويّ الطاغوتي وبشهادته: الإسلام المحمديّ الخالص، والصلاة المحمّدية، من عبث وتحريفات الفئة

الباغية والشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن، «أشهد أنّك قد أقمتَ الصلاة ..»، فلولا قيام الحسين عليه السلام لما بقيت الصلاة، ولا كانت الزكاة، ولأُفرغ من معناه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لما بقي الإسلام، وصحَّ تماماً ذلك القول الرائع:

«الإسلام محمّدي الوجود حسينيّ البقاء!».

والذي ينبغي أن نشير إليه أنَّ تقديس تربةٍ ما لاينحصر بالإستشفاء بها، بل حتّى بالسجود للّه عليها- فهي بما أنها أرض طاهرة زاكية- ويجب السجود على الأرض، كان الأولى والأفضل السجود على تراب أقدس وأزكى وأطهر بقعة منها.

وما افتروه على الشيعة في قضية السجود على التربة الطاهرة الحسينية بأنَّ السجود على تربة الحسين عليه السلام ضرب من عبادة الأصنام والأوثان التي حاربها الإسلام. فهي مردودة للفرق بين السجود للشي ء والسجود على الشي ء، فالشيعة تسجد للّه على تربة الحسين لا لتربة الحسين عليه السلام.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 36

كربلاء في تأريخ بعض أنبياء اللّه عليهم السلام ..... ص : 36

1) عن سعد بن عبداللّه القمّي (ره) في جملة الأسئلة التي سأل الإمام القائم عليه السلام عنها: «قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن تأويل «كهيعص».

قال: هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريّا، ثمّ قصّها على محمد صلى الله عليه و آله، وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريّا إذا ذكر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن سُرِّيَ عنه همّه، وانجلى كربه، وإذا ذُكر إسم الحسين خنقته العبرة! ووقعت عليه البُهرة! فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟

فأنبأه اللّه تبارك وتعالى عن قصّته وقال: «كهيعص»، «فالكاف»: إسم كربلاء، و «الهاء» هلاك العترة الطاهرة، و «الياء» يزيد وهو ظالم الحسين، و «العين»

عطشه، و «الصاد» صبره ... إلى آخر الخبر». «1»

2) قال العلامة المجلسي (ره): «وروي مرسلًا أنّ آدم لمّا هبط إلى الأرض لم يَرَ حوّا، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمرَّ بكربلاء فاغتمَّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحسين حتّى سال الدمّ من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنبٌ آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفتُ جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض!

فأوحى اللّه إليه: يا آدم، ماحدث منك ذنب، ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظُلماً فسال دمُك موافقة لدمه.

فقال آدم: يا ربّ أيكون الحسين نبيّاً؟

قال: لا، ولكنّه سبط النبيّ محمّد.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 37

فقال: ومن القاتل له؟

قال: قاتله يزيد لعين أهل السموات والأرض!

فقال آدم: فأيّ شي ء أصنع يا جبرئيل؟

فقال: إلعنه يا آدم.

فلعنه أربع مرّات، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوّا هناك. «1»

3) وقال العلّامة المجلسي (ره): «وروي أنّ نوحاً لمّا ركب السفينة طافت به جميع الدنيا، فلمّا مرّت بكربلا أخذته الأرض، وخاف نوح الغرق فدعا ربّه وقال:

إلهي، طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض!

فنزل جبرئيل وقال: يا نوح في هذا الموضع يُقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء!

فقال: ومن القاتل له يا جبرئيل؟

قال: قاتله لعين أهل سبع سموات وسبع أرضين!

فلعنه نوح أربع مرّات، فسارت السفينة حتّى بلغت الجوديّ واستقرّت عليه.». «2»

4) وقال (ره) أيضاً: «وروي أنّ إبراهيم عليه السلام مرَّ في أرض كربلا وهو راكب فرساً، فعثرت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الإستغفار وقال:

إلهي، أيّ شي ء حدث منّي؟

فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم، ما حدث منك ذنب، ولكن

هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 38

قال: يا جبرئيل، ومن يكون قاتله؟

قال: لعين أهل السموات والأرضين، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربّه، فأوحى اللّه تعالى إلى القلم: إنك استحققت الثناء بهذا اللعن.

فرفع إبراهيم عليه السلام يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً، وأمّن فرسه بلسان فصيح! فقال إبراهيم لفرسه: أيّ شي ء عرفتَ حتى تؤمّن على دعائي؟

فقال: يا إبراهيم، أنا أفتخر بركوبك عليَّ، فلمّا عثرتُ وسقطتَ عن ظهري عظمت خجلتي، وكان سبب ذلك من يزيد لعنه اللّه تعالى.». «1»

5) وقال (ره) أيضاً: «وروي أنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشطّ الفرات، فأخبره الراعي أنها لاتشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً! فسأل ربّه عن سبب ذلك، فنزل جبرئيل وقال: يا إسماعيل، سلْ غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك!

فقال لها: لِمَ لاتشربين من هذا الماء!؟

فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أنّ ولدك الحسين عليه السلام سبط محمّد يُقتل هنا عطشاناً، فنحن لانشرب من هذه المشرعة حُزناً عليه!

فسألها عن قاتله، فقالت: يقتله لعين السموات والأرضين والخلائق أجمعين.

فقال إسماعيل: أللّهم العن قاتل الحسين عليه السلام.». «2»

6) وقال (ره) أيضاً: «وروي أنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي، أيّ شي ء حدث منّي؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 39

فأُوحي إليه أنّ هنا يُقتل الحسين عليه السلام، وهنا يُسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه.

فقال: ربِّ! ومن يكون الحسين؟

فقيل له: هو سبط محمّد المصطفى وابن عليٍّ المرتضى.

فقال: ومن يكون قاتله!؟

فقيل: هو لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء!

فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه،

وأمّن يوشع بن نون على دعائه، ومضى لشأنه.». «1»

7) وقال (ره) أيضاً: «وروي أنّ سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء، فمرَّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتّى خاف السقوط، فسكنت الريح، ونزل البساط في أرض كربلا.

فقال سليمان للريح: لِمَ سكنتي؟

فقالت: إنّ هاهنا يُقتل الحسين عليه السلام.

فقال: ومن يكون الحسين؟

فقالت: هو سبط محمّد المختار، وابن عليّ الكرّار.

فقال: ومن قاتله!؟

قالت: لعين أهل السموات والأرض يزيد.

فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه، وأمّن على دعائه الإنس والجنّ، فهبّت الريح وسار البساط.». «2»

8) وقال (ره) أيضاً: «وروي أنّ عيسى كان سائحاً في البراري ومعه الحواريّون، فمرّوا بكربلا فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق فتقدّم عيسى إلى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 40

الأسد فقال له: لِمَ جلست في هذا الطريق؟ وقال: لاتدعنا نمرّ فيه؟

فقال الأسد بلسان فصيح: إنّي لن أدع لكم الطريق حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام!

فقال عيسى عليه السلام: ومن يكون الحسين؟

قال: هو سبط محمّد النبيّ الأُميّ، وابن عليّ الوليّ.

قال: ومن قاتله!؟

قال: قاتله لعين الوحوش والذّباب والسباع أجمع، خصوصاً أيّام عاشورا!

فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه، وأمّن الحواريّون على دعائه، فتنحّى الأسد عن طريقهم، ومضوا لشأنهم.». «1»

9) وروى الشيخ الصدوق (ره) في أماليه وفي كمال الدين بإسنادين مختلفين إلى ابن عبّاس، عن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام في حديث طويل (جرى أثناء مروره عليه السلام بكربلاء حين خروجه إلى صفين)، قال ابن عبّاس: «... ثمّ قال: يا ابن عبّاس، اطلب لي حولها بعر الظباء، فواللّه ماكذبتُ ولاكُذّبت، وهي مصفرّة لونها لون الزعفران. قال ابن عبّاس فطلبتها فوجدتها مجتمعة! فناديته: يا أميرالمؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي! فقال عليٌّ عليه

السلام: صدق اللّه ورسوله. ثمّ قام عليه السلام يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال: هي هي بعينها، أتعلم يا ابن عبّاس ما هذه الأبعار؟

هذه قد شمّها عيسى بن مريم عليه السلام، وذلك أنّه مرَّ بها ومعه الحواريّون، فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى عليه السلام وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون وهم لايدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى، فقالوا: يا روح اللّه وكلمته، ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا: لا! قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخ الحرّة الطاهرة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 41

البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض. ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها، أللّهمّ فأبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة ...». «1»

ومصاب الحسين عليه السلام في حياة أنبياء اللّه عليهم السلام وأممهم ..... ص : 41

1) ونقل العلامة المجلسي (ره) عن كتاب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: «فتلقّى آدم من ربّه كلمات ..» «2»

أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة عليهم السلام فلقّنه جبرئيل: قل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان. فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟

قال جبرئيل: ولدك هذا يُصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب!

فقال: يا أخي، وما هي؟

قال: يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معين! ولو تراه يا آدم وهو يقول: واعطشاه! واقلّة ناصراه! حتى يحول العطش

بينه وبين السماء كالدخان! فلم يُجبه أحدٌ إلّا بالسيوف وشرب الحتوف! فيُذبح ذبح الشاة من قفاه! وينهب رحله أعداؤه! وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان! كذلك سبق في علم الواحد

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 42

المنّان. فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى.». «1»

2) روى الشيخ الصدوق (ره) بسند، عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لمّا أمر اللّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان إبنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح إبنه إسماعيل عليه السلام بيده، وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب!

فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، من أحبّ خلقي إليك؟

فقال: يا ربّ ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليَّ من حبيبك محمّد صلى الله عليه و آله.

فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟

قال: بل هو أحبُّ إليَّ من نفسي.

قال: فولده أحبّ إليك أو ولدك؟

قال: بل ولده.

قال: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

قال: يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.

قال: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنها من أمّة محمّد صلى الله عليه و آله ستقتل الحسين عليه السلام إبنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يُذبح الكبش، فيستوجبون بذلك سخطي.

فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجّع قلبه، وأقبل يبكي!

فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، قد فديت جزعك على إبنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 43

فذلك

قول اللّه عزّ وجلّ: «وفديناه بذبح عظيم»، ولاحول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.». «1»

3) ونقل الشيخ قطب الدين الراوندي عن تأريخ محمّد النجّار شيخ المحدّثين بالمدرسة المستنصرية بإسناد مرفوع إلى أنس بن مالك، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال: «لمّا أراد اللّه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شُقَّ ألواح الساج، فلمّا شقّها لم يدر ما يصنع بها، فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمّر بالمسامير كلّها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يُضي ء الكوكب في أُفق السماء فتحيّر نوح، فأنطق اللّه المسمار بلسان طلق ذلق: أنا على إسم خير الأنبياء محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله.

فهبط جبرئيل، فقال له: يا جبرئيل، ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟

فقال: هذا بإسم سيّد الأنبياء محمّد بن عبداللّه، أَسْمِرْهُ على جانب السفينة الأيمن.

ثمّ ضرب بيده على مسمار ثانٍ فأشرق وأنار!

فقال نوح: وما هذا المسمار؟

فقال: هذا مسمار أخيه وابن عمّه سيّد الأوصياء عليّ بن أبي طالب فأَسْمِرْهُ على جانب السفينة الأيسر في أوّلها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 44

فقال جبرئيل: هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار!

فقال جبرئيل: هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه. ثم ضرب إلى مسمار خامس فزهر وأنار وأظهر النداوة!

فقال جبرئيل: هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه.

فقال نوح: يا جبرئيل، ماهذه النداوة؟

فقال: هذا الدّم!

فذكر قصّة الحسين عليه السلام وماتعمل الأمّة به، فلعن اللّه قاتله وظالمه وخاذله.». «1»

4) وروى الشيخ الصدوق (ره) بإسنادٍ إلى

الإمام الرضا عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إنَّ موسى بن عمران سأل ربّه عزّ وجلّ فقال: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له. فأوحى اللّه تعالى إليه: يا موسى، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّي أنتقم له من قاتله.». «2»

5) وروى الشيخ الصدوق (ره) في علل الشرائع بسندٍ إلى الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إنّ إسماعيل الذي قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه: واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولًا نبياً، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبيّاً من الأنبياء بعثه اللّه عزّ وجلّ إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك فقال:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 45

إنّ اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت. فقال: لي أُسوة بما يُصنع بالحسين عليه السلام.». «1»

ورواه الشيخ الصدوق (ره) أيضاً بتفاوت وبسند آخر إلى الإمام الصادق عليه السلام. «2»

وروى ابن قولويه (ره) بسندٍ عن بُرير بن معاوية العجليِّ: «قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: يا ابن رسول اللّه، أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حيث يقول: «واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولًا نبيّاً» أكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام؟ فإنَّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم!

فقال عليه السلام: إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإنَّ إبراهيم كان حجّة للّه قائماً، صاحب شريعة، فإلى من أُرسل إسماعيل إذن؟

قلت: فمن كان جُعلتُ فداك؟

قال عليه السلام: ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ، بعثه اللّه إلى قومه فكذّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب اللّه له عليهم، فوجّه إليه سطاطائيل ملك العذاب، فقال له:

يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب، وجّهني إليك ربّ العزّة لأُعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئتَ.

فقال له إسماعيل: لاحاجة لي في ذلك! فأوحى اللّه إليه: فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربّ إنّك أخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرتَ خير خلقك بما تفعل أمّته بالحسين بن عليّ عليهما السلام من بعد نبيّها، وإنّك وعدت الحسين عليه السلام أنْ تُكِرَّه إلى الدنيا حتّى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرّني إلى الدنيا

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 46

حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي، كما تُكرُّ الحسين عليه السلام، فوعد اللّه إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يكرّ مع الحسين عليه السلام.». «1»

6) وروى الشيخ الصدوق في أماليه بسندٍ إلى سالم بن أبي جعدة قال:

سمعت كعب الأحبار يقول: إنّ في كتابنا أنّ رجلًا من ولد محمّد رسول اللّه يُقتل ولايجفّ عرَق دوابّ أصحابه حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين.

فمرَّ بنا الحسن عليه السلام، فقلنا: هو هذا؟

قال: لا

فمرَّ بنا الحسين عليه السلام فقلنا: هو هذا؟

قال: نعم.». «2»

7) وروى الشيخ الصدوق (ره) أيضاً بسندٍ إلى يحيى بن يمان، عن إمامٍ لبني سليم، عن أشياخ لهم: قالوا: غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوباً:

أيرجو معشر قتلوا حسيناً شفاعة جدّه يوم الحساب

قالوا: فسألنا: منذ كم هذا في كنيستكم؟

فقالوا: قبل أن يُبعث نبيّكم بثلاثمائة عام!». «3»

وقال الشيخ ابن نما (ره): «وحدّث عبدالرحمن بن مسلم، عن أبيه أنّه قال:

غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينية وعليها شي ء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 47

مكتوب، فسألنا أُناساً من أهل الشام يقرأون بالرومية، فإذا هو مكتوب هذا البيت [الشعر].

وذكر أبوعمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال: قال عبداللّه

بن الصفّار صاحب أبي حمزة الصوفي: غزونا غزاة وسبينا سبياً، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى، فأكرمناه وأحسنّا إليه، فقال لنا: أخبرني أبي، عن آبائه أنهم حضروا في بلاد الروم حضراً قبل أن يُبعث النبيّ العربي بثلاثمائة سنة، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند هذا البيت من الشعر:

أترجو عصبة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم الحساب

والمسند كلام أولاد شيث.». «1»

الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ومصاب الحسين عليه السلام ..... ص : 47

كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّما ذكر ما يجري على الإمام الحسين عليه السلام من المصائب الفادحة حزن واغتمّ وبكى وأبكى من حوله، منذ أن بشّرته الملائكة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 48

بالحسين عليه السلام، ثمّ منذ اليوم الأوّل من حياة الإمام الحسين عليه السلام إلى آخر أيّامه صلى الله عليه و آله، والمأثور المرويّ في هذا الصدد كثير متنوّع انتقينا منه نماذج على سبيل المثال تبرّكاً، وهي:

1) روى ابن قولويه (ره) بسندٍ عن الإمام أبي عبداللّه الصادق عليه السلام أنه قال:

«أتى جبرئيل رسول اللّه فقال له: السلام عليك يا محمّد، ألا أُبشرّك بغلام تقتله أمّتك من بعدك؟

فقال: لاحاجة لي فيه.

قال: فانتهض إلى السماء، ثمّ عاد إليه الثانية فقال له مثل ذلك.

فقال: لاحاجة لي فيه.

فانعرج إلى السماء، ثمّ انقضّ إليه الثالثة فقال له مثل ذلك.

فقال: لاحاجة لي فيه.

فقال: إنّ ربّك جاعل الوصيّة في عقبه.

فقال: نعم.

ثمّ قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدخل على فاطمة فقال لها: إنّ جبرئيل أتاني فبشّرني بغلام تقتله أمّتي من بعدي!

فقالت: لاحاجة لي فيه.

فقال لها: إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عقبه.

فقالت: نعم إذن.

قال فأنزل اللّه تعالى عند ذلك هذه الآية: «حملته أمّه كُرهاً ووضعته كُرهاً» لموضع إعلام جبرئيل إيّاها بقتله، «فحملته كرهاً» بأنّه مقتول، و «ووضعته كرهاً» لأنّه مقتول.». «1»

مع الركب

الحسينى (ج 4)، ص: 49

2) وروى ابن قولويه (ره) أيضاً بسندٍ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «لمّا حملت فاطمة بالحسين عليه السلام جاء جبرئيل إلى رسول اللّه فقال: إنّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أمّتك من بعدك. فلمّا حملت فاطمة الحسين كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه.

ثمّ قال أبوعبداللّه عليه السلام: هل رأيتم في الدنيا أُمّاً تلد غُلاماً فتكرهه!؟ ولكنها كرهته لأنها علمت أنّه سيُقتل.

قال: وفيه نزلت هذه الآية: «ووصّينا الإنسان بوالديه حُسناً، حملته أُمُّه كُرهاً ووضعته كُرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً «1»

.». «2»

3) قال الشيخ ابن نما (ره): «وقد روي عن زوجة العبّاس بن عبدالمطّلب وهي أمُّ الفضل «لبابة بنت الحارث» قالت: رأيت في النوم قبل مولده كأنّ قطعة من لحم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قُطعت ووضعت في حجري، فقصصت الرؤيا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: إن صدقت رؤياك فإنّ فاطمة ستلد غلاماً وأدفعه إليك لترضعيه. «3»

فجرى الأمر على ذلك، فجئت به يوماً فوضعته في حجره فبال، فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه و آله، فقرصته فبكى.

فقال كالمغضَب: مهلًا يا أمّ الفضل، فهذا ثوبي يُغسل، وقد أوجعتِ إبني! قالت فتركته ومضيت لآتيه بماء، فجئت فوجدته صلى الله عليه و آله يبكي، فقلت: ممّ بكاؤك يا رسول اللّه؟ فقال: إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ أمّتي تقتل ولدي هذا!». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 50

4) وأخرج الشيخ الطوسي (ره) بسند عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام قال:

«حدثتني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت: قبلتُ جدّتك فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالحسن والحسين عليهما السلام. قالت: فلمّا ولدت الحسن عليه السلام جاء النبيّ صلى الله

عليه و آله فقال: يا أسماء هاتي ابني. قالت: فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها وقال: ألم أعهد إليكنّ ألّا تلفّوا المولود في خرقة صفراء!؟

ودعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها، ثمّ أذنّ في أُذنه اليمنى، وأقام في أُذنه اليسرى، وقال لعليّ عليه السلام: بمَ سمّيتَ إبنك هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللّه. قال: وأنا ما كنت لأسبق ربّي عزّ وجلّ.

قال فهبط جبرئيل فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمّد، عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لانبيّ بعدك، فسمِّ إبنك باسم ابن هارون. قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يا جبرئيل، وما اسم ابن هارون؟ قال: جبرئيل: شُبّر. قال: وما شُبّر؟ قال:

الحسن. قالت أسماء: فسمّاه الحسن.

قالت أسماء: فلمّا ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام نفّستها به، فجاءني النبيّ صلى الله عليه و آله قال:

هلمّي إبني يا أسماء. فدفعته إليه في خرقة بيضاء، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام، قالت:

وبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال: إنّه سيكون لك حديث! أللّهمّ العن قاتله، لاتُعلمي فاطمة بذلك.

قالت: فلمّا كان يومه سابعه جاءني النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: هلمّي إبني.

فأتيته به، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام، وعقّ عنه كما عقّ عن الحسن كبشاً أملح، وأعطى القابلة رِجلًا، وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر وَرِقاً، «1» وخلّق رأسه بالخَلُوق، «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 51

وقال: إنّ الدّم من فعل الجاهليّة. قالت: ثمّ وضعه في حجره، ثمّ قال: يا أباعبداللّه، عزيزٌ عليَّ! ثمّ بكى. فقلت: بأبي أنت وأمّي، فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل، فما هو؟ فقال:

أبكي على إبني هذا، تقتله فئة باغية كافرة

من بني أميّة، لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامه، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر باللّه العظيم. ثمّ قال: أللّهمّ إنّي أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريّته، أللّهمّ أَحبهما، وأحبَّ من يُحبّهما، والعن من يبغضهما مل ء السماء والأرض.». «1»

5) وروى فرات الكوفي (ره) عن جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كان الحسين مع أُمّه تحمله، فأخذه النبيّ صلى الله عليه و آله وقال: لعن اللّه قاتلك، ولعن اللّه سالبك، وأهلك اللّه المتوازرين عليك، وحكم اللّه بيني وبين من أعان عليك.

قالت فاطمة الزهراء: يا أبتِ! أيّ شي ء تقول؟

قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم!

قالت: يا أبه! وأين هذا الموضع الذي تصف؟

قال: موضع يقال له كربلاء، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة (الأئمة) يخرج عليهم شرار أمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له من في السموات والأرضين ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار!

قالت: يا أبه! فيُقتلُ!؟

قال: نعم يا بنتاه! وما قُتل قتلته أحدٌ كان قبله، ويبكيه السموات والأرضون،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 52

والملائكة، والوحش، والنباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفّس، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم باللّه ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم، وكلُّ أهل دين يطلبون أئمّتهم، وهم يطلبوننا لايطلبون غيرنا، وهم قُّوام الأرض، وبهم ينزل الغيث.

فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبه! إنّا للّه! وبكت.

فقال لها: يا

بنتاه! إنّ أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقّاً، فما عند اللّه خير من الدنيا وما فيها، قتلة أهون من ميتة، ومن كُتب عليه القتل خرج إلى مضجعه، ومن لم يُقتل فسوف يموت.

يا فاطمة بنت محمّد! أما تحبّين أن تأمرين غداً بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون إبنك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟

أما ترضين أن يكون بعلُك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلُك قسيم النار! يأمر النار فتطيعه! يُخرج منها من يشاء ويترك من يشاء!

أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند اللّه، فما ترين اللّه صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته على الخلائق وأُمرت النار أن تطيعه؟

أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك، ويأسف عليه كلّ شي ء؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان اللّه، ويكون من أتاه بمنزلة من حجّ إلى بيت اللّه واعتمر، ولم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 53

يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإنْ بقي لم تزل الحفظة تدعوا له ما بقي، ولم يزل في حفظ اللّه وأمنه حتى يفارق الدنيا؟

قالت: يا أبه، سلّمتُ، ورضيتُ، وتوكّلت على اللّه.

فمسح على قلبها ومسح عينيها، وقال: إنّي وبعلك وأنت وإبنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك.». «1»

6) وروى الشيخ ابن نما (ره) قائلًا: «وعن عبداللّه بن يحيى قال: دخلنا مع عليّ عليه السلام إلى

صفّين، فلمّا حاذى نينوى نادى: صبراً أبا عبداللّه، فقال: دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعيناه تفيضان!

فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، مالعينيك تفيضان؟ أغضبك أحد؟

قال: لا، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشاطي ء الفرات، فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟ قلت: نعم. فمدَّ يده فأخذ قبضة من تراب وأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا، وإسم الأرض كربلاء.

فلمّا أتت عليه سنتان خرج النبيّ صلى الله عليه و آله (مع سفر) إلى سفر فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه! فسئل عن ذلك.

فقال: هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يُقال لها كربلاء يُقتل فيها ولدي الحسين.

فقيل: ومن يقتله!؟

قال: رجل يقال له يزيد، كأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها، وكأنّي أنظر على أقتاب المطايا وقد أُهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه، فواللّه ما ينظر أحد إلى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 54

رأس الحسين ويفرح إلّا خالف اللّه بين قلبه ولسانه، وعذّبه اللّه عذاباً أليما.

ثمّ رجع النبيّ من سفره مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين، وخطب ووعظ الناس، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين، ورفع رأسه إلى السماء وقال:

أللّهمّ إنّ محمّداً عبدك ورسولك ونبيّك، وهذان أطائب عترتي وخيار ذرّيتي وأرومتي، ومن أخلّفهما في أمّتي، وقد أخبرني جبرئيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسم، والآخر شهيد مضرّج بالدم، أَللّهمّ فبارك له في قتله، واجعله من سادات الشهداء، أللّهمّ ولاتبارك في قاتله وخاذله، وأصلِهِ حرَّ نارك واحشره في أسفل درك الجحيم.

قال فضجّ الناس بالبكاء والعويل!

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: أأتبكون ولاتنصرونه!؟ أَللّهمّ فكن أنت له وليّاً وناصراً.

ثم

قال: ياقوم، إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي وأرومتي ومزاج مائي، وثمرة فؤادي، ومهجتي، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلّا ما أمرني ربّي أن أسألكم عنه، أسألكم عن المودّة في القربى، واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم.

ألا إنّه سيرد عليَّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمّة:

الأولى: راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة، فتقف عليَّ فأقول لهم: من أنتم؟

فينسون ذكري! ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب. فأقول لهم: أنا أحمد نبيّ العرب والعجم. فيقولون: نحن من أمّتك. فأقول: كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربّي؟ فيقولون: أمّا الكتاب فضيّعناه! وأمّا العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض. فلمّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي، فيصدرون عطاشاً مسوّدة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية أخرى أشدّ سواداً من الأولى، فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدي في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 55

الثقلين كتاب اللّه وعترتي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فخالفناه! وأمّا الأصغر فمزّقناهم كل ممزّق! فأقول: إليكم عني.

فيصدرون عطاشاً مسوّدة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية تلمع وجوههم نوراً فأقول لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمّة محمّد المصطفى، ونحن بقيّة أهل الحق، حملنا كتاب ربّنا، وحلّلنا حلاله، وحرّمنا حرامه، وأحببنا ذريّة نبيّنا محمّد، ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم من ناواهم. فأقول لهم: أبشروا، فأنا نبيّكم محمّد، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم، ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مروييّن مستبشرين، ثم يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين.». «1»

7) روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن ابن عباس قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان جالساً

ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السلام، فلّما رآه بكى! ثمّ قال: إلى أين يا بُنيّ؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى.

ثمّ أقبل الحسين عليه السلام، فلمّا رآه بكى! ثم قال: إلى أين يا بُنيّ؟ فما زال يُدينه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.

ثمَّ أقبلت فاطمة عليها السلام، فلمّا رآها بكى! ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّة. فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، فلمّا رآه بكى! ثمّ قال: إليَّ يا أخي. فما زال يُدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول اللّه، ما ترى واحداً من هؤلاء إلّا بكيت! أَوَ ما فيهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 56

مَن تُسَرُّ برؤيته!؟

فقال صلى الله عليه و آله: والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إني وإيّاهم لأكرم الخلق على اللّه عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليَّ منهم، أمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ...

وأمّا الحسين فإنّه منّي، وهو ابني وولدي وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة ربّ العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجّة اللّه على خلقه أجمعين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وباب نجاة الأمّة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنّه مني، ومن عصاه فليس منّي، وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يُصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقربي فلايُجار! فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رُمي بسهمٍ فخرّ عن فرسه صريعاً، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً.

ثم بكى رسول

اللّه صلى الله عليه و آله، وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج! ثمّ قام صلى الله عليه و آله وهو يقول: أللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي! ثمّ دخل منزله.». «1»

8) «وروي عن عبداللّه بن عبّاس (رض) أنه قال: لمّا اشتدّ برسول اللّه صلى الله عليه و آله مرضه الذي مات فيه، وقد ضمَّ الحسين عليه السلام إلى صدره، يسيل من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: مالي وليزيد!؟ لابارك اللّه فيه، أَللّهمَّ العن يزيد.

ثمّ غشي عليه طويلًا، وأفاق وجعل يقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول: أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي اللّه عزّ وجلّ.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 57

أميرالمؤمنين عليٌّ عليه السلام ومصاب الحسين عليه السلام ..... ص : 57

وكما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعيش مأتماً متواصلًا ويكابد حزناً شديداً وجزعاً عظيماً ويبكي بكاءً مُرّاً ويُبكي من حوله لما سوف يُصيب الإمام الحسين عليه السلام من عظيم البلاء، كذلك كان أميرالمؤمنين عليه السلام، وإنَّ المأثور عنه عليه السلام في ذلك لكثير، لكننا لايسعنا هنا أيضاً إلّا أن ننتقي منه نماذج على سبيل المثال تبركاً:

1) روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن الأصبغ بن نُباتة (ره) قال: «خرج علينا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد إبنه الحسن عليه السلام وهو يقول: خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي.

ألّا وإنّي أقول: خير الخلق بعدي، وسيّدهم إبني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنه سيُظلم بعدي كما ظُلمتُ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و

آله، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء، إما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة ...». «1»

2) وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسند عن جبلة المكيّة قالت: سمعت ميثم التمّار يقول: «واللّه لتقتلن هذه الأمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر مضين منه، وليتخذنّ أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة، وإنّ ذلك لكائن قد سبق في علم اللّه تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاى أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه، ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كلّ شي ء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس، والقمر، والنجوم، والسماء، والأرض،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 58

ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السموات ورضوان ومالك، وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً، ثمّ قال: وجبت لعنة اللّه على قتلة الحسين عليه السلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع اللّه إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس.

قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّ عليهما السلام يوم بركة!؟

فبكى ميثم، ثم قال: سيزعمون بحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم عليه السلام، وإنّما تاب اللّه على آدم عليه السلام في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي قبل اللّه فيه توبة داود، وإنّما قبل اللّه توبته في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج اللّه فيه يونس من بطن الحوت، وإنّما أخرجه اللّه من بطن الحوت في ذي القعدة، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجوديّ، وإنّما استوت على الجوديّ يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق اللّه

فيه البحر لبني إسرائيل، وإنما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل.

ثم قال ميثم: يا جبلة: إعلمي أنّ الحسين بن عليّ سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة إذا نظرتِ إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل!

قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة! فصحت حينئذٍ وبكيتُ، وقلت قد واللّه قُتل سيّدنا الحسين بن عليّ عليه السلام.». «1»

3) وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسندٍ عن ابن عبّاس قال:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 59

«كنت مع أميرالمؤمنين عليه السلام في خروجه (في خرجته) إلى صفّين، فلمّا نزل بنينوى وهو شطّ الفرات قال بأعلى صوته: يا ابن عبّاس، أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أميرالمؤمنين. فقال عليه السلام: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي.

قال فبكى طويلًا حتّى اخضلّت لحيته وسالت الدموع على صدره! وبكينا معاً، وهو يقول: أوه أوه! مالي ولآل أبي سفيان!؟ مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر!؟ صبراً يا أبا عبداللّه! فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم!

ثمّ دعا بماءٍ فتوضّأ وضوءه للصلاة، فصلّى ما شاء اللّه أن يصلّي، ثمّ ذكر نحو كلامه الأوّل، إلّا أنّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثمّ انتبه، فقال: يا ابن عبّاس! فقلت: ها أنا ذا؟

فقال: ألا أحدّثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟

فقلت: نامت عيناك ورأيتَ خيراً يا أميرالمؤمنين!

قالت: رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء، معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم وهى بيض تلمع، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثمّ رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدمٍ عبيط، وكأنّي بالحسين سُخيلي وفرخي ومضنّتي ومخّي

قد غرق فيه يستغيث فلا يُغاث، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون:

صبراً آلَ الرسول! فإنّكم تقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنّة يا أبا عبدالله إليك مشتاقة! ثمّ يعزّونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشر فقد أقرّ اللّه به عينك يوم القيامة يوم يقوم النّاس لربّ العالمين. ثمّ انتبهتُ!

وهكذا والذي نفس عليّ بيده، لقد حدّثني الصادق المصدّق أبوالقاسم صلى الله عليه و آله أنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يُدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلًا من ولدي وولد فاطمة، وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحرمين، وبقعة بيت المقدس.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 60

ثمّ قال: يا ابن عبّاس، أطلب لي حولها بعر الظباء، فواللّه ما كذبت ولاكُذبت، وهي مصفّرة لونها لون الزعفران!

قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أميرالمؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي!

فقال عليُّ عليه السلام: صدق اللّه ورسوله. ثمّ قام عليه السلام يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال: هي هي بعينها! أتعلُم يا ابن عبّاس ما هذا الأبعار؟

هذه قد شمّها عيسى بن مريم عليه السلام! وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريّون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى عليه السلام وجلس الحواريّون معه فبكى وبكى الحواريّون وهم لايدرون لمَ جلس ولَمَ بكى!

فقالوا: يا روح اللّه وكلمته، ما يبكيك!؟

قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟

قالوا: لا!

قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك!

وزعمت أنّها آمنة

في هذه الأرض! ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها! أَلّلهمَّ فأبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة.

قال: فبقيت إلى يوم الناس هذا! وقد اصفرّت لطول زمنها، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثمّ قال بأعلى صوته: يا ربّ عيسى بن مريم، لاتبارك في قَتَلَتِه، والمعين عليه، والخاذل له.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 61

ثمّ بكى بكاءً طويلًا وبكينا معه، حتّى سقط لوجهه وغشي عليه طويلًا! ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرَّهُ في ردائه، وأمرني أن أصرّها كذلك، ثم قال: يا ابن عبّاس، إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيل منها دم عبيط فاعلم أنّ أبا عبداللّه قد قُتل بها ودُفن.

قال ابن عبّاس: فواللّه لقد كنت أحفظها أشدّ من حفظي لبعض ما افترض اللّه عزّ وجلّ عليَّ وأنا لا أحلّها من طرف كُمّي، فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهتُ فإذا هي تسيل دماً عبيطاً، وكان كُمّي قد امتلأ دماً عبيطاً، فجلست وأنا باكٍ وقلت: قد قُتل واللّه الحسين! واللّه ماكذبني عليٌّ قطّ في حديث حدّثني، ولاأخبرني بشي ء قطّ أنّه يكون إلّا كان كذلك، لأنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يخبره بأشياء لايخبر بها غيره.

ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر، فرأيتُ واللّه المدينة كأنّها ضبابٌ لايستبين منها أثر عين، ثمّ طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط! فجلست وأنا باكٍ فقلت: قد قتل واللّه الحسين! وسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول:

إصبروا آلَ الرسول قُتل الفرخ النحول

نزل الروح الأمين ببكاء وعويل

ثمّ بكى بأعلى صوته وبكيتُ، فأثبتُّ عندي تلك الساعة، وكان شهر المحرّم يوم عاشوراء لعشر مضين منه، فوجدته قُتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه

كذلك، فحدّثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: واللّه لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولاندري ماهو فكنّا نرى أنّه الخضر عليه السلام.». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 62

3) وأخرج أبونعيم الأصبهاني عن الأصبغ بن نُباتة قال: «أتينا مع عليّ عليه السلام موضع قبر الحسين عليه السلام فقال: «هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فتية من آل محمّد صلى الله عليه و آله يُقتلون بهذه العرصة، تبكي عليهم السماء والأرض.». «1»

4) وأخرج الراوندي في الخرائج عن أبي سعيد عقيصا قال: «خرجنا مع عليّ عليه السلام نريد صفّين، فمررنا بكربلاء فقال: هذا موضع قبر الحسين عليه السلام وأصحابه.». «2»

5) وقال عليٌّ عليه السلام للبراء بن عازب: «يابراء! يُقتل ابني الحسين وأنت حيٌّ لاتنصره.». فلمّا قُتل الحسين عليه السلام كان البراء بن عازب يقول: صدق واللّه عليّ بن أبي طالب، قُتل الحسين ولم أنصره. ثمّ أظهر على ذلك الحسرة والندم.». «3»

6) وروى الشيخ ابن قولويه (ره) بسند عن أبي عبداللّه الجدلي قال:

«دخلت على أميرالمؤمنين عليه السلام والحسين إلى جنبه، فضرب بيده على كتف الحسين، ثمّ قال: إنّ هذا يُقتل ولاينصره أحدٌ!

قال: قلت: يا أميرالمؤمنين، واللّه إنّ تلك لحياة سوء!

قال: إنّ ذلك لكائن.». «4»

7) «وروي عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: مرَّ عليٌّ بكربلاء فقال لمّا مرَّ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 63

به أصحابه وقد أغرورقت عيناه يبكي ويقول: هذا مناخ ركابهم، وهذا مُلقى رحالهم، هاهنا مُراق دمائهم، طوبى لك من تربة عليها تُراق دماء الأحبّة!

وقال الباقر عليه السلام: خرج عليٌّ يسير بالنّاس حتّى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل تقدّم بين أيديهم حتى طاف بمكان يُقال له المقذفان، فقال: قُتل فيها مائتا نبيّ

ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء لايسبقهم من كان قبلهم ولايلحقهم من بعدهم.». «1»

إخبارات الإمام الحسين عليه السلام بمقتله قبل قيامه ..... ص : 63

إنّ إخبارات الإمام الحسين عليه السلام بمصرعه ومصرع أصحابه، وزمان ومكان هذا المصرع بعد أن أعلن عن قيامه ورفضه لبيعة يزيد أمام والي المدينة آنذاك الوليد بن عتبة كثيرة مبثوثة في لقاءاته ومحاوراته، خصوصاً في المدّة الممتدّة من قبيل رحيله عن مكة إلى ساعة استشهاده عليه السلام.

لكنّ الإمام الحسين عليه السلام كان قبل قيامه قد تحدّث وأخبر عن مصرعه وعن قاتله، منذ أن كان طفلًا صغيراً، ولم يزل يواصل الإخبار عن استشهاده إلى أواخر أيّام ما قبل الإعلان عن قيامه، ومن هذه الأخبار:

1) عن حذيفة بن اليمان قال: «سمعتُ الحسين بن عليّ يقول: واللّه ليجتمعنّ على قتلي طغاة بني أميّة، ويقدمهم عمر بن سعد. وذلك في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله! فقلتُ: أنبّأك بهذا رسول اللّه؟ قال: لا.

فأتيتُ النبيّ فأخبرته فقال: علمي علمه، وعلمه علمي، وإنّا لنعلم بالكائن قبل كينونته.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 64

2) وروي أنّ عمر بن سعد قال للحسين عليه السلام: «يا أبا عبداللّه، إنّ قِبَلَنا ناساً سفهاء يزعمون أَنّي أقتلك!

فقال له الحسين عليه السلام: إنّهم ليسوا بسفهاء، ولكنّهم حلماء، أما إنّه تقرّ عيني أن لاتأكل من برّ العراق بعدي إلّا قليلًا.». «1»

3) وروى الشيخ ابن قولويه (ره) بسند عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن جدّه عليه السلام، عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: «والذي نفس حسين بيده لايهنّي ء بني أميّة ملكهم حتى يقتلوني، وهم قاتليّ، فلو قد قتلوني لم يصلّوا جميعاً أبداً، ولم يأخذوا عطاءً في سبيل اللّه جميعاً أبداً، إنّ أوّل قتيل هذه الأمّة أنا وأهل

بيتي، والذي نفس حسين بيده لاتقوم الساعة وعلى الأرض هاشميٌّ يطرف.». «2»

4) وروى (ره) أيضاً بسند عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: «قال الحسين بن عليّ عليهما السلام: أنا قتيل العبرة، لايذكرني مؤمنٌ إلّا استعبر.». «3»

لماذا كان الإخبار بمقتله عليه السلام؟ ..... ص : 64

«إنَّ أخبار الملاحم والفتن المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام عامة وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصة فضلًا عن أنّها تؤكّد على أنّ علم هؤلاء المصطفين الأخيار عليهم السلام علمٌ لدنيٌّ ربّانيٌّ كاشف عن مكانتهم الإلهية الخاصة المنصوص عليها من قبل اللّه تعالى، تؤكّد أيضاً على مدى حرصهم الكبير على رعاية هذه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 65

الأمّة وإنقاذها من هلكات مدلهمّات الفتن التي أحاطت بها منذ بداية التيه في يوم السقيفة.

لقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعلم مدى الإنحراف الذي سيصيب الأمّة من بعده ويلقي بها في متاهات تنعدم فيها القدرة على الرؤية السديدة إلّا على قلّة من ذوي البصائر، ويصعب فيها تشخيص الحقّ من الباطل إلّا على من تمسّك بعروة الثقلين، وكان صلى الله عليه و آله يعلم خطورة حالة الشلل النفسي والإزدواجية في الشخصية التي ستتعاظم في الأمة من بعده حتى لايكاد ينجو منها إلّا أقلّ القليل.

لذا لم يألُ صلى الله عليه و آله جهداً في تبيان سبل الوقاية والنجاة من تلك الهلكات، ومن جملة تلك السبل سبيل إخبار الأمّة بملاحمها وبالفتن التي ستتعرّض لها إلى قيام الساعة، فكشف لها صلى الله عليه و آله عن كلّ الملاحم والفتن، وأوضح لها مزالق وعثرات الطريق إلى أن تنقضي الدنيا، يقول حذيفة بن اليمان (ره): واللّه ما ترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا

بلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلّا قد سمّاه لنا بإسمه وإسم أبيه وإسم قبيلته! «1»

وذلك لكي لاتلتبس على الأمّة الأمور، ولاتقع في خطأ الرؤية أو انقلابها فترى المنكر معروفاً والمعروف منكراً! «2» إضافة إلى ما يتضمّنه بيان الملاحم للأمّة من دعوة إلى نصرة صفّ الحق وخذلان صفّ الباطل بعد تشخيص كلٍّ من الصفَّين.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 66

وقد اختُصَّ قتل الحسين عليه السلام بنصيب وتركيز أكبر في الإخبارات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه و آله وعن أميرالمؤمنين عليه السلام، وذلك لعظيم حرمة الإمام الحسين عليه السلام، ولنوع مصرعه المفجع ومصارع أنصاره، ولشدّة مصابهما بتلك الوقعة الفظيعة والرزيّة العظيمة، «1» ولأهميّة واقعة عاشوراء بلحاظ مايترتّب عليها من حفظ الإسلام وبقائه، ولأهميّة المثوبة العظيمة والمنزلة الرفيعة المترتّبة على نصرة الحسين عليه السلام، واللعنة الدائمة والعقوبة الكبيرة التي تلحق من يقاتله ويخذله.

ولعلّ قرب عاشوراء الزمني من عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام عامل أيضاً من عوامل هذا التركيز، لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ووصيّه عليه السلام يعلمان أنَّ جماعة غير قليلة من الصحابة والتابعين سوف يدركون يوم عاشوراء، فالتركيز على الإخبار بمقتله عليه السلام ومخاطبة هؤلاء مخاطبة مباشرة بذلك يؤثّران التأثير البالغ في الدعوة إلى نصرته عليه السلام، والتحذير من الإنتماء إلى صف أعدائه، مع ما في ذلك من إتمام الحجّة على هؤلاء الناس آنئذٍ، ولذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخاطب الباكين معه لبكائه على الحسين عليه السلام خطاباً مباشراً فيقول لهم: «أيها الناس، أتبكونه ولاتنصرونه!؟»، «2»

ويخاطب عليٌّ عليه السلام البراء بن عازب قائلًا: «يا براء، يُقتل ابني الحسين وأنت حيٌّ لاتنصره». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 67

وفي المقابل

فقد انتفع بهذا الإخبار جمع من أهل الصدق والإخلاص من الصحابة والتابعين، فقد روى الصحابيّ الجليل أنس بن الحارث رضوان اللّه تعالى عليه عن النبيّ عليه السلام أنه قال: «إنّ ابني هذا- وأشار إلى الحسين- يُقتل بأرض يُقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره.»، ولمّا خرج الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء خرج معه الصحابي الجليل أنس بن الحارث رضوان اللّه تعالى عليه، واستشهد بين يدي الحسين عليه السلام. «1»

ولعلّ سرّ التحوّل في موقف زهير بن القين رضوان اللّه تعالى عليه ما كان يحفظه من قول سلمان الفارسيّ رضوان اللّه تعالى عليه وإخباره عن بشرى نصرة الإمام الحسين عليه السلام، يقول زهير: «سأحدّثكم حديثاً، إنّا غزونا البحر ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي رحمه اللّه: أفرحتم بما فتح اللّه عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم. فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد صلى الله عليه و آله فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم اليوم من الغنائم». «2»

و «قال العريان بن الهيثم: كان أبي يتبدّى، «3» فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنّا لانبدوا إلّا وجدنا رجلًا من بني أسدٍ هناك.

فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان؟؟

قال: بلغني أنّ حسيناً يُقتل هاهنا، فأنا أخرج إلى هذا المكان لعلّي أُصادفه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 68

فأُقتل معه!! قال ابن الهيثم: فلمّا قُتل الحسين قال أبي: انطلقوا بنا ننظر هل الأسديُّ فيمن قُتل مع الحسين؟ فأتينا المعركة وطوّفنا فإذا الأسديّ مقتول!». «1»». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 71

الفصل الثاني: الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ..... ص : 71

من اليوم الثاني من المحرّم سنة 61 ه ق حتّى فجر اليوم العاشر ..... ص : 71

اشارة

نزل الركب الحسينيّ أرض كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة، وكان ذلك في يوم الخميس، على ماهو المشهور القويّ. «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)،

ص: 72

وروي أنّ فرس الإمام الحسين عليه السلام عند وصوله أرض كربلاء وقفت ممتنعة عن الحركة فلم تنبعث خطوة واحدة، «فنزل عنها وركب أخرى فلم تنبعث خطوة واحدة! ولم يزل يركب فرساً بعد فرس حتى ركب سبعة أفراس وهنّ على هذه الحال! فلمّا رأى ذلك قال: يا قوم، ما اسم هذه الأرض؟

قالوا: أرض الغاضرية.

قال: فهل لها إسم غير هذا؟

قالوا: تُسمّى نينوى.

قال: أَهَلْ لها إسم غير هذا؟

قالوا: شاطى ء الفرات.

قال: أَهَلْ لها إسم غير هذا؟

قالوا: تسمّى كربلاء!

فعند ذلك تنفّس الصعداء! وقال: أرض كرب وبلاء! ثمّ قال: إنزلوا، هاهنا مناخ ركابنا، هاهنا تُسفك دماؤنا، هاهنا واللّه تُهتك حريمنا، هاهنا واللّه تُقتل رجالنا، هاهنا واللّه تُذبح أطفالنا، هاهنا واللّه تُزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ولاخُلف لقوله. ثمّ نزل عن فرسه!». «1»

وفي رواية: «ثمّ قال الحسين: ما يُقال لهذه الأرض؟

فقالوا: كربلاء ويُقال لها أرض نينوى قرية بها.

فبكى وقال: كرب وبلاء! أخبرتني أمّ سلمة قالت: كان جبرئيل عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 73

وأنت معي، فبكيتَ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: دعي ابني. فتركتك، فأخذك ووضعك في حجره، فقال جبرئيل: أتحبّه؟ قال: نعم. قال: فإنّ أُمّتك ستقتله! قال: وإنْ شئتَ أنْ أُريك تربة أرضه التي يُقتل فيها. قال: نعم. قالت: فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء فأراه إيّاها.». «1»

«فلمّا قيل للحسين هذه أرض كربلا شمّها (وفي رواية: قبض منها قبضة فشمّها) وقال: هذه واللّه هي الأرض التي أخبربها جبرئيل رسول اللّه، وأنّني أُقتل فيها!». «2»

وفي رواية ابن أعثم الكوفي أنّ الإمام عليه السلام لمّا نزل كربلاء «أقبل إلى أصحابه فقال لهم: أهذه كربلاء؟

قالوا: نعم.

فقال الحسين

لأصحابه: إنزلوا، هذا موضع كرب وبلاء، هاهنا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، وسفك دمائنا!

قال فنزل القوم، وحطّوا الأثقال ناحية من الفرات، وضُربت خيمة الحسين لأهله وبنيه، وضرب عشيرته خيامهم من حول خيمته.». «3»

وفي رواية السيّد ابن طاووس (ره): «فلمّا وصلها قال: ما اسم هذه الأرض؟

فقيل: كربلاء.

فقال عليه السلام: أللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء! ثمّ قال: هذا موضع كرب وبلاء إنزلوا، هاهنا محطّ رحالنا ومسفك دمائنا، وهنا محلّ قبورنا! بهذا حدّثني جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله! فنزلوا جميعاً.». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 74

وأقبل الحرُّ بن يزيد حتّى نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس ثمّ كتب إلى عبيداللّه بن زياد يخبره أنّ الحسين عليه السلام نزل بأرض كربلاء. «1»

إشارة رقم 1: ..... ص : 74

قال المرحوم السيّد المقرّم (ره): «لاتذهب على القارى ء النكتة في سؤال الحسين عليه السلام عن اسم الأرض- وكلّ قضايا سيّد الشهداء غامضة الأسرار!- والإمام عندنا معاشر الإمامية عالم بما يجري في الكون من حوادث وملاحم، عارف بما أودع اللّه تعالى في الكائنات من المزايا، إقداراً له من مبدع السموات والأرضين تعالى شأنه ... وكان السرّ في سؤاله عليه السلام عن إسم الأرض التي مُنعوا من اجتيازها، أو أنّ اللّه تعالى أوقف الجواد كما أوقف ناقة النبيّ صلى الله عليه و آله عند الحديبية، أن يعرّف أصحابه بتلك الأرض التي هي محلّ التضحية الموعودين بها بإخبار النبيّ أو الوصيّ صلّى عليهما لتطمئنّ القلوب، وتمتاز الرجال، وتثبت العزائم، وتصدق المفاداة، فتزداد بصيرتهم في الأمر والتأهب للغاية المتوخاة لهم، حتّى لايبقى لأحد المجال للتشكيك في موضع كربلا التي هي محل تربته! ولاجزاف في هذا النحو من الأسئلة بعد أن صدر مثله من النبيّ صلى الله

عليه و آله، فقد سأل عن إسم الرجلين اللذين قاما لحلب الناقة، وعن اسم الجبلين اللذين في طريقه إلى «بدر»، ألم يكن النبيّ صلى الله عليه و آله عالماً بذلك؟ بلى، كان عالماً، ولكنّ المصالح الخفية علينا دعته إلى السؤال ... وهذا باب من الأسئلة يُعرف عند علماء البلاغة «بتجاهل العارف»، وإذا كان فاطر الأشياء الذي لايغادر علمه صغيراً ولاكبيراً يقول لموسى عليه السلام: «وما تلك بيمينك يا موسى»، ويقول لعيسى عليه السلام: «أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين ..» لضرب من المصلحة، وقال سبحانه للخليل عليه السلام: «أَوَلم تؤمن» مع أنه عالم بإيمانه،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 75

فالإمام المنصوب من قبله أميناً على شرعه لاتخفى عليه المصالح.

كما أنّ سيّد الشهداء عليه السلام لم يكن في تعوّذه من الكرب والبلاء عندما سمع بإسم كربلاء متطيّراً، فإنّ المتطيّر لايعلم ما يرد عليه وإنّما يستكشف ذلك من الأشياء المعروفة عند العرب أنها سبب للشرّ، والحسين عليه السلام على يقين مما ينزل به في أرض الطفّ من قضاء اللّه، فهو عالم بالكرب الذي يحلّ به وبأهل بيته وصحبه كما أنبأ عنه غير مرّة.». «1»

إشارة رقم 2: ..... ص : 75

قال ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح: «ونزل الحسين في موضعه ذلك ونزل الحرّ بن يزيد حذاءه في ألف فارس، ودعا الحسين بدواة وبياض، وكتب إلى أشراف الكوفة ممّن كان يظنّ أنه على رأيه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وعبداللّه بن وال، وجماعة المؤمنين. أمّا بعدُ: فقد علمتم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قال في حياته: من رأى سلطاناً جائراً مستحلًّا لحرم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول

اللّه، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيّر عليه بقول ولافعل كان حقّاً على اللّه أن يُدخله مدخله، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 76

الأرض الفساد، وعطّلوا الحدود والأحكام، واستأثروا بالفي ء، وأحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله، وإنّي أحقّ من غيري بهذا الأمر لقرابتي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم بيعتكم أنكم لاتسلموني ولاتخذلوني، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حضّكم ورشدكم، ونفسي مع أنفسكم، وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم، فلكم فيَّ أُسوة، وإنْ لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ومواثيقكم، وخلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي، هل المغرور إلّا من اغترّ بكم، فإنما حضّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه وسيُغني اللّه عنكم.

والسلام.

قال: ثمّ طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي، وأمره أن يسير إلى الكوفة.

قال: فمضى قيس إلى الكوفة، وعبيداللّه بن زياد قد وضع المراصد والمسالح على الطرق، فليس أحدٌ يقدر أن يجوز إلّا فُتّش، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهّر لقيه عدوّ اللّه، يقال له الحصين بن نمير السكوني، فلمّا نظر إليه قيس كأنّه اتّقى على نفسه، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره!

قال: وأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّى أتوا به إلى عبيداللّه بن زياد.

فقال له عبيداللّه بن زياد: من أنت!؟

قال: أنا رجل من شيعة أميرالمؤمنين الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما!

قال: فَلِمَ خرقت الكتاب الذي كان معك!؟

قال: خوفاً حتّى لاتعلم ما فيه!

قال: وممّن كان هذا الكتاب وإلى من كان!؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 77

فقال: كان من الحسين

إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم!

قال فغضب ابن زياد غضباً عظيماً، ثمّ قال: واللّه لاتفارقني أبداً أو تدلّني على هؤلاء القوم الذين كتب إليهم هذا الكتاب! أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين وأباه وأخاه فتنجو من يدي أو لأقطّعنك!

فقال قيس: أمّا هؤلاء القوم فلا أعرفهم، وأمّا لعنة الحسين وأبيه وأخيه فإنّي أفعل!

قال فأمر به فأُدخل المسجد الأعظم، ثمّ صعد المنبر، وجُمع له النّاس ليجتمعوا ويسمعوا اللعنة! فلمّا علم قيس أنّ النّاس قد اجتمعوا وثب قائماً، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ صلّى على محمّد وآله، وأكثر الترحم على عليّ وولده، ثمّ لعن عبيداللّه بن زياد ولعن أباه ولعن عُتاة بني أميّة عن آخرهم، ثمّ دعا النّاس إلى نصرة الحسين بن عليّ.

فأُخبر بذلك عبيداللّه بن زياد، فأُصعد على أعلى القصر، ثم رُمي به على رأسه فمات رحمه اللّه، وبلغ ذلك الحسين فاستعبر باكياً ثم قال: أللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلًا كريماً عندك واجمع بيننا وإيّاهم في مستقرّ رحمتك إنّك على كلّ شي ء قدير.

قال فوثب إلى الحسين رجلٌ من شيعته يُقال له هلال «1» فقال: يا ابن بنت رسول اللّه! تعلم أنّ جدّك رسول اللّه لم يقدر أن يُشرب الخلائق محبّته، ولا أن يرجعوا من أمرهم إلى ما يُحبّ، وقد كان منهم منافقون يعدونه النصر ويضمرون له الغدر! يلقونه بأحلى من العسل ويلحقونه بأمرّ من الحنظل! حتّى توفّاه اللّه عزّ وجلّ، وأنّ أباك عليّاً قد كان في مثل ذلك، فقوم أجمعوا على نصره وقاتلوا معه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 78

المنافقين والفاسقين والمارقين والقاسطين حتّى أتاه أجله، وأنتم اليوم عندنا في مثل ذلك الحال، فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه، واللّه يُغني عنه، فسِرْ بنا راشداً مشرّقاً إنْ شئت

أو مغرّباً، فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، ولاكرهنا لقاء ربّنا، وإنّا على نيّاتنا ونصرتنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

قال فخرج الحسين وولده وإخوته وأهل بيته رحمة اللّه عليهم بين يديه، فنظر إليهم ساعة وبكى وقال: أللّهم إنّا عترة نبيّك محمّد صلى الله عليه و آله، وقد أُخرجنا وطردنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أميّة علينا، فخذ بحقّنا وانصرنا على القوم الكافرين. قال ثمّ صاح الحسين في عشيرته ورحل من موضعه ذلك حتى نزل كربلاء في يوم الأربعاء أو يوم الخميس، وذلك في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستين ...». «1»

ونقول:

1) إنّ المشهور تأريخياً هو أنّ الإمام عليه السلام خطب أصحابه وأصحاب الحرّ في منزل البيضة خطبته الشهيرة التي جاء فيها: «أيها النّاس، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلًّا لحُرم اللّه ...»، «2» ولعلّ ابن أعثم قد تفرّد برواية نصّ تلكم الخطبة على أنها متن رسالة بعث بها الإمام عليه السلام إلى مجموعة من وجهاء الشيعة وجماعة المؤمنين في الكوفة. «3»

2) وقد تُوهِم رواية ابن أعثم هذه- كما اختلط الأمر بالفعل على بعض المؤرّخين المتأخرين- أنّ الإمام عليه السلام كتب هذه الرسالة (نصّ خطبة البيضة) بعد

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 79

نزوله كربلاء! لكنّ التأمّل في جميع متن رواية ابن أعثم- بالرغم من اضطراب سياق الرواية اضطراباً بيّناً- يكشف عن أنّ الإمام عليه السلام كان قد كتبها في موضع من المواضع القريبة من كربلاء قبل نزوله كربلاء، بل قبل اشتداد محاصرة جيش الحرّ للركب الحسيني، بدليل قول نافع بن هلال مخاطباً الإمام عليه السلام: «فَسِرْ بنا راشداً مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً!»، إذ لو كان هذا القول في

كربلاء أو بعد اشتداد المحاصرة لكان قولًا بلا معنى، لأنّ الإمام عليه السلام- بعد ذلك- كان قد جُعجع به وحوصر، وما كان يملك الإختيار في الحركة لاشرقاً ولاغرباً.

هذا أوّلًا، أمّا ثانياً، فلأنّ آخر متن رواية ابن أعثم يصرّح هكذا، «ثمّ صاح الحسين في عشيرته، ورحل من موضعه ذلك حتّى نزل كربلاء ..»، وفي هذا دلالة لاريب فيها على أنّ الواقعة التي رواها ابن أعثم حصلت قبل كربلاء وليس فيها.

3) المشهور تأريخياً أنّ الإمام عليه السلام كان قد أرسل قيس بن مسهر الصيداوي (رض) برسالته الثانية إلى أهل الكوفة من منطقة الحاجر من بطن الرمّة، «1» فجرى عليه ما جرى حتّى استشهاده (رض)، وكان خبر مقتله قد وصل إلى الإمام عليه السلام في منطقة عذيب الهجانات، «2» لاكما تصف رواية ابن أعثم الكوفي.

المخيّم الحسينيّ ..... ص : 79

ونُصبت خيام الركب الحسينيّ بأمر الإمام عليه السلام في البقعة الطاهرة التي لاتزال

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 80

آثارها باقية إلى اليوم، وأقام الإمام عليه السلام في بقعة بعيدة عن الماء تحيط بها سلسلة ممدودة من تلال وربوات تبدأ من الشمال الشرقي متصلّة بموضع باب السدرة في الشمال، وهكذا إلى موضع الباب الزينبي إلى جهة الغرب، ثمّ تنزل إلى موضع الباب القِبْلي من جهة الجنوب، وكانت هذه التلال المتقاربة تشكّل للناظرين نصف دائرة، وفي هذه الدائرة الهلالية حوصر ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله. «1»

وضُربت خيمة الحسين لأهله وبنيه، وضرب عشيرته خيامهم من حول خيمته، «2» ثمّ خيام بقية الأنصار ..

وقد نفى السيد محمّد حسن الكليدار أن يكون الموضع المعروف بمخيم الحسين عليه السلام هو الموضع الذي حطّ فيه الإمام عليه السلام أثقاله، وذهب إلى أنّ المخيّم إنّما يقع بمكان ناءٍ بالقرب من

(المستشفى الحسينيّ)، مستنداً في ذلك إلى أنّ التخطيط العسكريّ المتّبع في تلك العصور يقضي بالفصل بين القوى المتحاربة بما يقرب من ميلين، وذلك لما تحتاجه العمليات الحربية من جولان الخيل وغيرها من مسافة، كما أنّ نصب الخيام لابدّ أن يكون بعيداً عن رمي السهام، والنبال المتبادلة بين المحاربين، وأستند أيضاً إلى بعض الشواهد التأريخية التي تؤيّد ماذهب إليه. «3»

وردّ الشيخ باقر شريف القرشي على ذلك قائلًا: «وأكبر الظنّ أنّ المخيّم إنّما هو في موضعه الحالي، أو يبعد عنه بقليل، وذلك لأنّ الجيش الأموي المكثّف الذي زحف لحرب الإمام لم يكن قباله إلّا معسكر صغير عبّر عنه الحسين

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 81

بالأُسرة، فلم تكن القوى العسكرية متكافئة في العدد حتى يفصل بينهما بميلين أو أكثر.

لقد أحاط الجيش الأمويّ بمعسكر الإمام حتّى أنّه لمّا أطلق ابن سعد السهم الذي أنذر به بداية القتال وأطلق الرماة من جيشه سهامهم لم يبق أحدٌ من معسكر الإمام إلّا أصابه سهم، حتّى اخترقت السهام بعض أُزر النساء، ولو كانت المسافة بعيدة لما أُصيبت نساء أهل البيت بسهامهم. وممّا يدعم ماذكرناه أنّ الإمام الحسين عليه السلام لمّا خطب في الجيش الأمويّ سمعت نساؤه خطابه، فارتفعت أصواتهم بالبكاء، ولو كانت المسافة بعيدة لما انتهى خطابه إليهنّ، وهناك كثير من البوادر التي تدلّ على أنّ المخيم في وضعه الحالي.». «1»

اليوم الثالث من المحرّم سنة 61 ه ..... ص : 81

اشارة

قال الشيخ المفيد (ره): «فلمّا كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص «2» من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى». «3»

أما الطبري فقال: «فأقبل في أربعة آلاف حتّى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.»، «4» وهناك انضمَّ إليه الحرّ بن يزيد الرياحي في ألف فارس، فصار

في خمسة آلاف فارس.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 82

حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة! ..... ص : 82

وقال الطبري: «وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السلام أنّ عبيداللّه بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى، «1» وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها، فكتب إليه ابن زياد عهده على الريّ وأمره بالخروج فخرج معسكراً بالناس بحمّام أعين، فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة، دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال: سِرْ إلى الحسين، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سِرتَ إلى عملك.

فقال له عمر بن سعد: إنْ رأيتَ رحمك اللّه أن تعفيني فافعل!

فقال عبيداللّه: نعم، على أن تردَّ لنا عهدنا!

قال فلمّا قال له ذلك، قال عمر بن سعد: أمهلني اليوم حتّى أنظر. «2»

قال فانصرف عمر يستشير نصحاءه! فلم يكن يستشير أحداً إلّا نهاه! قال

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 83

وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة، «1» وهو ابن أُخته، فقال: أُنشدك اللّه يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك وتقطع رحمك، فواللّه لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها- لو كان لك- خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين!

فقال له عمر بن سعد: فإنّي أفعل إن شاء اللّه!

قال هشام: حدّثني عوانة بن الحكم، عن عمّار بن عبداللّه بن يسار الجُهني، عن أبيه، قال: دخلت على عمر بن سعد وقد أُمر بالمسير إلى الحسين!

فقال لي: إنّ الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين، فأبيتُ ذلك عليه!

فقلت له: أصاب اللّه بك! أرشدك اللّه! أَحِلْ فلا تفعل ولاتسِرْ إليه! قال فخرجت من عنده، فأتاني آتٍ وقال: هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين!

قال فأتيته فإذا هو جالس، فلمّا رآني أعرض بوجهه! فعرفت أنه قد عزم على

المسير إليه، فخرجت من عنده!

قال فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد، فقال: أصلحك اللّه، إنّك ولّيتني هذا العمل وكتبت لي العهد، وسمع به النّاس، فإنْ رأيت أن تُنفذ لي ذلك فافعل، وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة مَن لستُ بأغنى ولاأجزأ عنك في الحرب منه. فسمّى له أُناساً.

فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف أهل الكوفة، ولستُ أستأمرك فيمن أريد أن أبعث! إنْ سِرْتَ بجندنا وإلّا فابعث إلينا بعهدنا.

فلمّا رآه قد لجَّ، قال: إنّي سائر! ...». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 84

هكذا أعمى طغيان حبّ الدنيا بصيرة عمر بن سعد لعنه اللّه، وشلّه روحياً حتّى أفقده القدرة والعزم على اتخاذ القرار الصائب الذي ينجيه من شديد عقاب اللّه تعالى، برغم كلّ النواهي والتحذيرات التي سبق أن بلغت مسامعه الصمّاء، فقد «روي عن محمّد بن سيرين، عن بعض أصحابه قال: قال عليٌّ لعمر بن سعد: كيف أنتَ إذا قُمتَ مقاماً تُخيّر فيه بين الجنّة والنار فتختار النار!؟». «1»

«وروى سالم بن أبي حفصة قال: قال عمر بن سعد للحسين: يا أبا عبداللّه، إنّ قِبلنا ناساً سفهاء يزعمون أنّي أقتلك!

فقال له الحسين عليه السلام: إنّهم ليسوا بسفهاء ولكنّهم حلماء، أما إنّه تقرّ عيني أن لاتأكل من برّ العراق بعدي إلّا قليلا!». «2»

«وروى عبداللّه بن شريك العامري قال: كنت أسمع أصحاب عليّ عليه السلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون: هذا قاتل الحسين بن عليّ عليهما السلام وذلك قبل أن يُقتل بزمان!». «3»

ولم يكن عمر بن سعد لعنه اللّه عبدالدنيا فحسب! بل كان ذا ميل وهوى أموي، فقد كان ممّن يتقرّب إلى سلطانهم، وكان من جملة الذين كتبوا إلى يزيد بن معاوية في

ضعف والي الكوفة النعمان بن بشير أو تضعّفه في مواجهة مسلم بن عقيل عليه السلام! «4»

وكان قد نفّذ تعاليم ابن زياد تماماً في قتل الإمام الحسين عليه السلام وفي أن يوطي ء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 85

الخيل صدره وظهره! «1»

وقد أكلت قلبه الحسرة- بعد أن غلبت عليه شقوته ونفّذ أبشع جريمة في تأريخ البشريّة- وندم على ما فرّط في أمر دنياه وآخرته، ولات ساعة مندم!

يروي لنا التأريخ أنّ عمر بن سعد لعنه اللّه لمّا لم ينل- بعد عاشوراء- من ابن زياد لعنه اللّه ما كان يأمله من ولاية الريّ والزلفى من السلطان، خرج من مجلس ابن زياد «يريد منزله إلى أهله وهو يقول في طريقه: ما رجع أحدٌ مثل مارجعت! أطعتُ الفاسق ابن زياد، الظالم ابن الفاجر! وعصيت الحاكم العدل! وقطعت القرابة الشريفة!

وهجره الناس، وكلّما مرَّ على ملأ من النّاس أعرضوا عنه، وكلّما دخل المسجد خرج النّاس منه، وكلّ من رآه قد سبّه! فلزم بيته إلى أن قُتل.». «2»

رُسُل عمر بن سعد إلى الإمام عليه السلام

قال الطبري: «فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عزرة بن قيس الأحمسي، «3» فقال: إئتهِ فَسَلْهُ ما الذي جاء به، وماذا يريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين، فاستحيا منه أن يأتيه!

قال فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه، فكلّهم أبى وكرهه!

قال وقام إليه كثير بن عبداللّه الشعبيّ، وكان فارساً شجاعاً ليس يردّ وجهه شي ء، فقال: أنا أذهب إليه، واللّه لئن شئتَ لأفتكنَّ به!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 86

فقال له عمر بن سعد: ما أريد أن يُفتك به! ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟

قال فأقبل إليه، فلمّا رآه أبوثمامة الصائدي «1» قال للحسين: أصلحك اللّه أبا عبداللّه، قد جاءك شرّ أهل

الأرض، وأجرأه على دم، وأفتكه! فقام إليه فقال: ضَعْ سيفك!

قال: لا واللّه ولاكرامة، انّما أنا رسول، فإنْ سمعتم منّي أبلغتكم ما أُرسلت به إليكم، وانْ أبيتم انصرفت عنكم.

فقال له: فإنّي آخذٌ بقائم سيفك، ثم تكلّمْ بحاجتك.

قال: لا واللّه لاتمسّه!

فقال له: أخبرني ما جئت به وأنا أبلّغه عنك، ولا أدعك تدنو منه فإنّك فاجر!

فاستبّا، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فدعا عمر قُرّةَ بن قيس الحنظلي، فقال له: ويحك يا قُرّة! إلقَ حسيناً فسله ما جاء به وماذا يريد؟

قال فأتاه قُرّة بن قيس، فلمّا رآه الحسين مقبلًا قال: أتعرفون هذا؟

فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من حنظلة تميميٌّ، وهو ابن أختنا ولقد كنتُ أعرفه بحسن الرأي، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد!

قال فجاء حتّى سلّم على الحسين، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له.

فقال الحسين عليه السلام: كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن اقدم، فأمّا إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم.

قال ثمَّ قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قُرّة بن قيس! أَنّى ترجع إلى القوم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 87

الظالمين!؟ أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك اللّه بالكرامة وإيّانا معك!

فقال له قُرَّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته، وأرى رأيى! «1»

قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: إنّي لأرجو أن يعافيني اللّه من حربه وقتاله!!.». «2»

تبادل الرسائل بين عمر بن سعد وابن زياد ..... ص : 87

ثمّ كتب عمر بن سعد إلى عبيداللّه بن زياد لعنهما اللّه كتاباً، كان نصه- على رواية الطبري-: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عمّا أقدمه، وماذا يطلب ويسأل؟ فقال: كتب إليَّ أهل هذه البلاد، وأتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غيرُ

مع الركب

الحسينى (ج 4)، ص: 88

ما أتتني به رسلهم فإنّي منصرف عنهم.». «1»

ويواصل الطبري: روايته قائلًا: «فلمّا قُري ء الكتاب على ابن زياد قال:

ألآن إذ علِقتْ مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناصِ

قال وكتب إلى عمر بن سعد: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فقد بلغني كتابك، وفهمتُ ماذكرتَ، فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية، هو وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأَينا رأينا، والسلام.».». «2»

وفي رواية الدينوري: «فلمّا وصل كتابه إلى ابن زياد كتب إليه في جوابه: «قد فهمت كتابك، فاعرض على الحسين البيعة ليزيد، فإذا بايع في جميع من معه، فأعلمني ذلك ليأتيك رأيي!»، فلمّا انتهى كتابه إلى عمر بن سعد قال: ما أحسبُ ابن زياد يريدُ العافية!

فأرسل عمر بن سعد بكتاب ابن زياد إلى الحسين!

فقال الحسين للرسول: لا أُجيب ابن زياد إلى ذلك أبداً، فهل هو إلّا الموت؟ فمرحباً به!

فكتب عمر بن سعد إلى زياد بذلك، فغضب، فخرج بجميع أصحابه إلى النخيلة «3» ..». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 89

الإمام عليه السلام يشتري ستّة عشر ميلًا مربعاً من أرض كربلاء ..... ص : 89

روى محمّد بن أحمد بن داود القمّي في كتاب الزيارات، وحكاه عنه السيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس (ره) في كتابه مصباح الزائر، ونقله عنه أيضاً الشيخ بهاء الدين محمّد العاملي (ره) في كتاب الكشكول «1» بما نصه: «روي أنّ الحسين عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضريّة بستّين ألف درهم، وتصدّق عليهم وشرط أن يُرشدوا إلى قبره، ويُضيّفوا من زاره ثلاثة أيّام»، «2» ثمّ بيّن في ذيل الخبر مقدار مساحة تلك الأراضي، وأنّها هي حرم الحسين عليه السلام بقوله: «قال الصادق عليه السلام: حرم الحسين عليه السلام الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال، فهو حلال لولده ومواليه، حرام على

غيرهم ممّن خالفهم، وفيه البركة.». «3»

«وذكر السيّد الجليل رضيّ الدين عليّ بن طاووس رحمه اللّه، أنّها إنّما صارت حلالًا بعد الصدقة لأنّهم لم يفوا بالشرط. قال: وقد روى محمد بن داود عدم وفائهم بالشرط في باب نوادر الزمان.». «4»

ابن زياد يُعبّي ء الكوفة لقتال الحسين عليه السلام ..... ص : 89

كان الحر بن يزيد الرياحي قد كتب إلى ابن زياد- بعد نزول الإمام عليه السلام في كربلاء- يخبره بذلك، ويروي بعض المؤرّخين أنّ ابن زياد عندئذٍ كتب إلى الإمام الحسين عليه السلام: «أمّا بعدُ ياحسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إليَ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 90

أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية أن لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير، أو أُلحقك باللطيف الخبير! أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية.

فلمّا ورد الكتاب قرأه الحسين ثمّ رمى به، ثمّ قال: لا أفلح قومٌ آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق! فقال له الرسول: أبا عبداللّه! جواب الكتاب؟

قال: ماله عندي جواب، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب!

فقال الرسول لابن زياد ذلك، فغضب من ذلك أشدّ الغضب ...». «1»

ثمّ إنّ ابن زياد- كما مرَّ بنا- أمر عمر بن سعد بتولّي قيادة الجيوش لقتال الإمام عليه السلام، فخرج بعد- تردد!؟- في أربعة آلاف حتى نزل كربلاء في الثالث من المحرّم، وانضمّ إليه الحرّ مع ألف فارس هناك، فصار في خمسة آلاف فارس.

وقال ابن أعثم الكوفي: «ثمّ جمع عبيداللّه بن زياد النّاس الى مسجد الكوفة، ثمّ خرج فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: أيها النّاس! إنّكم قد بلوتم آل سفيان فوجدتموهم على ما تحبّون! وهذا يزيد قد عرفتموه أنّه حسن السيرة! محمود الطريقة! محسن إلى الرعيّة! متعاهد الثغور! يعطي العطاء في حقّه، حتّى أنّه كان أبوه كذلك!، وقد زاد أميرالمؤمنين في

إكرامكم، وكتب إليَّ يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار ومائتي ألف درهم «2» أفرّقها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين بن عليّ! فاسمعوا وأطيعوا. والسلام.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 91

قال: ثمّ نزل عن المنبر، ووضع لأهل الشام «1» العطاء فأعطاهم ونادى فيهم بالخروج إلى عمر بن سعد ليكونوا أعواناً له على قتال الحسين.

قال فأوَّل من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن «2» السلولي لعنه اللّه في أربعة آلاف فارس، فصار عمر بن سعد في تسعة آلاف، ثمّ اتبعه زيد (يزيد) بن ركاب الكلبي في ألفين، والحصين بن نمير السكوني «3» في أربعة آلاف، والمصاب الماري «4» في ثلاثة آلاف، ونصر بن حربة في ألفين، فتمّ له عشرون ألفاً،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 92

ثمّ بعث ابن زياد إلى شبث بن ربعي الرياحي .. «1» فاعتلّ بمرض، فقال له ابن زياد:

أتتمارض؟ إن كنتَ في طاعتنا فاخرج إلى قتال عدوّنا، فخرج إلى عمر بن سعد في ألف فارس بعد أن أكرمه ابن زياد وأعطاه وحباه، وأتبعه بحجّار بن أبجر «2» في ألف فارس، فصار عمر بن سعد في إثنين وعشرين ألفاً ما بين فارس وراجل.». «3»

ويصف البلاذري التعبئة العامة التي قام بها ابن زياد لإخراج أهل الكوفة إلى قتال الإمام الحسين عليه السلام قائلًا: «ولمّا سرّح ابن زياد عمر بن سعد من (حمام أعين)، «4» أمر الناس فعسكروا بالنخيلة، وأمر ألّا يتخلّف أحدٌ منهم، وصعد المنبر فقرّظ معاوية وذكر إحسانه وإدراره الأعطيات، وعنايته بأمور الثغور، وذكر اجتماع الالفة به وعلى يده! وقال: إنّ يزيد إبنه المتقيّل «5» له، السالك لمناهجه المحتذي لمثاله، وقد زادكم مائة مائة في أعطياتكم، فلا يبقين رجل من العرفاء والمناكب

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص:

93

والتجّار والسكّان إلّا خرج فعسكر معي! فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة!

ثمّ خرج ابن زياد فعسكر، وبعث إلى الحصين بن تميم وكان بالقادسية في أربعة آلاف، فقدم النخيلة في جميع من معه، ثمّ دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي، ومحمّد بن الأشعث بن قيس، والقعقاع بن سويد بن عبدالرحمن المنقري، وأسماء بن خارجة الفزاري، وقال: طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والإستقامة، وخوّفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية! وحثّوهم على العسكرة!

فخرجوا فعذروا وداروا بالكوفة، ثمّ لحقوا به، غير كثير بن شهاب فإنّه كان مبالغاً يدور بالكوفة يأمر النّاس بالجماعة ويحذّرهم الفتنة والفرقة، ويخذّل عن الحسين!

وسرّح ابن زياد أيضاً حصين بن تميم في الأربعة آلاف الذين كانوا معه إلى الحسين بعد شخوص عمر بن سعد بيوم أو يومين، ووجّه أيضاً إلى الحسين حجّار بن أبجر العجلي في ألف، وتمارض شبث بن ربعي، فبعث إليه فدعاه وعزم عليه أن يشخص إلى الحسين في ألف ففعل. «1»

وكان الرجل يُبعث في ألف فلا يصل إلّا في ثلاثمائة أو أربعمائة وأقلّ من

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 94

ذلك كراهة منهم لهذا الوجه! «1»

ووجّه أيضاً يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم «2» في ألف أو أقلّ، ثمّ إنّ ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث، «3» وأمر القعقاع بن سويد بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 95

عبدالرحمن بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل، فوجد رجلًا من همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة، «1» فأتى به ابن زياد فقتله! فلم يبق بالكوفة محتلم إلّا خرج إلى العسكر بالنخيلة.

ثمّ جعل ابن زياد يُرسل العشرين والثلاثين والخمسين إلى المائة، غدوة وضحوة ونصف النهار وعشيّة، من النخيلة يمدُّ بهم عمر

بن سعد- وكان يكره أن يكون هلاك الحسين على يده! فلم يكن شي ء أحبّ إليه من أن يقع الصلح!- ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلّا يجوز أحدٌ من العسكر مخافة لأن يلحق الحسين مغيثاً له! ورتّب المسالح حولها، وجعل على حرس الكوفة والعسكر زحر بن قيس الجعفي، «2» ورتّب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلًا مضمرة مقدحة! فكان خبر ما قِبَله يأتيه في كلّ وقت.».»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 96

إكتمال تعبئة الكوفة لقتال الإمام عليه السلام في السادس من المحرّم ..... ص : 96

وفي رواية السيّد محمّد بن أبي طالب: «فما زال يُرسل إليه بالعساكر حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل.». «1»

وروى الشيخ الصدوق (ره) بسندٍ عن المفضّل بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام، عن جدّه عليه السلام: «أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه السلام، فلمّا نظر إليه بكى.

فقال له: ما يبكيك يا أبا عبداللّه!؟

قال: أبكي لما يُصنع بك!

فقال له الحسن عليه السلام: إنَّ الذي يؤتى إليَّ سمٌّ يُدسُّ إليَّ فأُقتل به، ولكن لايوم كيومك يا أباعبداللّه! يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه و آله، وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شي ء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار!». «2»

كما روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن ثابت بن أبي صفيّة قال: «نظر سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام إلى عبيداللّه بن عبّاس بن عليّ بن أبي طالب فاستعبر ثمّ قال: ما من يوم أشدّ على رسول اللّه صلى الله عليه و

آله من يوم أُحد، قُتل فيه عمّه حمزة بن عبدالمطّلب أسد اللّه وأسد رسوله، وبعده يوم مؤته، قُتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 97

ثم قال عليه السلام: ولايوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف عليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمّة، كلّ يتقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ بدمه! وهو باللّه يذكّرهم فلا يتّعظون حتّى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ...». «1»

فالصحيح إذن في عدد جيش عمر بن سعد لعنه اللّه هو الثلاثون ألفاً- كما يقّره الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والإمام السجّاد عليه السلام- وينبغي الإنتباه إلى أنهما عليهما السلام ربما عنيا- فقط- الذين يزدلفون يوم عاشوراء لقتال الإمام الحسين عليه السلام، وهذا يعني ضمناً أنّ في جيش ابن سعد من هو كاره لايزدلف لقتال الإمام عليه السلام، وهذا يعني أن سواد الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء يبلغ أكثر من ثلاثين ألف رجل.

وتقول رواية ابن أعثم الكوفي: «ثمّ كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد: إنّي لم أجعل لك علّة في قتال الحسين من كثرة الخيل والرجال، فانظر أن لاتبدأ أمراً حتى تشاورني غدوّاً وعشيّاً مع كلّ غادٍ ورائح- والسلام.

قال: وكان عبيداللّه بن زياد في كلّ وقت يبعث إلى عمر بن سعد، ويستعجله في قتال الحسين!

قال: والتأمت العساكر إلى عمر بن سعد لست مضين من المحرّم.». «2»

أحد أنصار الإمام عليه السلام يحاول اغتيال ابن زياد! ..... ص : 97

روى البلاذري قائلًا: «وهمَّ عمّار بن أبي سلامة الدالاني أن يفتك بعبيد اللّه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 98

بن زياد في عسكره بالنخيلة، فلم يمكنه ذلك، فلطف حتى لحق بالحسين فقُتل معه!». «1»

غير أنّ هذا اللطف والتخفّي لم ينفع هذا الشهيد البطل (رض) عند كلّ المفارز والمسالح التي ترصد حركة

كلّ عابر باتجاه كربلاء، فاضطرّ إلى الإصطدام مع إحدى المسالح الكبيرة الموجودة على جسر الصراة التي كان على رأسها اللعين زجر بن قيس الجعفي، فقد نقل المحقّق المرحوم السيّد المقرّم في مقتله يقول: «وجعل عبيداللّه بن زياد زجر بن قيس الجعفي على مسلحة في خمسمائة فارس! وأمره أن يُقيم بجسر الصراة، «2» يمنع من يخرج من الكوفة يريد الحسين عليه السلام، فمرَّ به عامر «3» بن أبي سلامة بن عبداللّه بن عرار الدالاني، فقال له زجر: قد عرفت حيث تريد فارجع! فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ومضى! وليس أحدٌ منهم يطمع في الدنوّ منه! فوصل كربلاء ولحق بالحسين عليه السلام حتّى قُتل معه، وكان قد شهد المشاهد مع أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.». «4»

رسالة الإمام عليه السلام إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة ..... ص : 98

اشارة

روى الشيخ ابن قولويه (ره) بسند عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «كتب الحسين

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 99

بن عليّ عليهما السلام إلى محمّد بن عليّ من كربلاء:

بسم اللّه الرحمن الرحيم.

من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قِبَلهُ من بني هاشم:

أمّا بعدُ، فكأنّ الدنيا لم تكن! وكأنّ الآخرة لم تزل! والسلام.». «1»

تأمّل: ..... ص : 99

إنّ غير المعصوم في أخذه وتلقّيه عن النبيّ الأكرم محمّد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليه و آله- كما في أخذه عن القرآن الكريم- إنّما يأخذ على قدر وعائه وأداته، ولايمكنه- مع قصوره- أن يدّعي أنّ ما فهمه من القرآن أو من المعصوم عليه السلام هو كلّ ما أراد المعصوم عليه السلام أو هو كلّ المراد القرآنيّ.

وهذه الرسالة التي كتبها الإمام الحسين عليه السلام من كربلاء الى أخيه محمّد بن الحنفيّة (رض)، وهي آخر ما كتبه الإمام عليه السلام من الرسائل، ولعلّها أقصر رسائله عليه السلام متناً، مثيرة للعجب وداعية إلى التأمّل!

ما هو المعنى الذي أراد الإمام الشهيد الفاتح عليه السلام أن يوصله خلال هذه الرسالة من أرض المصرع المختار إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة (رض) وإلى بني هاشم، وإلى الأجيال كافّة؟

لكلّ مغترف أن يغترف على قدر وعائه! ونحن على قدر وعائنا نقول: ربّما أراد الإمام عليه السلام في قوله: «فكأن الدنيا لم تكن، وكأنّ الآخرة لم تزل» نفس المعنى الذي أراده عليه السلام في قوله لأنصاره ليلة عاشوراء: «واعلموا أنّ الدنيا حلُوها ومُرّها حُلُم!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 100

والإنتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقي فيها! ..»، «1» ذلك لأنّ الإنسان ابن الأيّام الثلاثة: يوم ولدته أمّه، ويوم يخرج من هذه الدنيا، ويوم يقوم للحساب! وهذه الأيّام الثلاثة الكبرى

هي التي ورد السلام فيها من اللّه تبارك وتعالى على يحيى عليه السلام، في قوله تعالى: «وسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يُبعث حيّا»، «2»

وفي قوله تعالى عن لسان عيسى عليه السلام: «والسلام عليَّ يوم ولدت، ويوم أموت، ويوم أُبعث حيّا». «3»

وإذا تأمّل كلّ إنسان في الماضي من عمره طويلًا كان أم قصيراً، فكأنّما يتأمّل في رؤيا منام رآها البارحة! والآتي من العمر- بعد مروره- كما الماضيّ، حلمٌ أيضاً!

فالدنيا وهي عمر الإنسان بكلّ تفصيلاته الحلوة والمرّة حلُمٌ في الختام! فكأنّ الدنيا لم تكن!

فالعاقل السعيد من أخذ من هذه الدنيا كما يأخذ المارّ من ممّره لمقرّه، والعاقل السعيد من لم يتعلّق قلبه بهذه الدار الزائلة، ولم يقع في شباكها، وكان من المخفّين فيها، ليكون فراقها عليه سهلًا يسيراً هيّناً، فعن الإمام الصادق عليه السلام: «من كثر إشتباكه بالدنيا كان أشدَّ لحسرته عند فراقها». «4»

وإذا كانت هذه هي حقيقة الدنيا! وكان لابدّ من فراقها، فليكن الختام أفضل الختام! ولتكن النهاية أشرف نهاية، وأفضل الموت القتل في سبيل اللّه! فليكن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 101

الختام إذن قتلًا في سبيل اللّه! وهذا هو البِرُّ الذي ليس فوقه بِرٌّ! وفي ذلك فليتنافس المتنافسون! ولهذا فليعمل العاملون!

وأقوى الظنّ أنّ هذا المعنى الذي أراد أن يوصله الإمام عليه السلام في رسالته هذه التي كتبها من كربلاء أرض المصرع المختار وبقعة الفتح إلى محمد بن الحنفية وبقية بني هاشم في المدينة المنوّرة- وإلى كافّة الأجيال إلى قيام الساعة- متمّم ومكمّل لمعنى رسالته القصيرة الأولى التي بعثها عليه السلام إليهم من مكّة المكرّمة والتي جاء فيها: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قِبَله من بني هاشم: أمّا

بعدُ، فإنّ من لحق بي استُشهد! ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح! والسلام.». «1»

فتأمّل!

خطبة للإمام عليه السلام في أصحابه ..... ص : 101

اشارة

روى ابن عساكر يقول: «لمّا نزل عمر بن سعد بحسين، وأيقن أنّهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: «قد نزل بنا ما ترون من الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت حتّى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء! وإلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل!، ألا ترون أنّ الحقّ لايُعمل به! وأنّ الباطل لايُتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء اللّه، وإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة! والحياة مع الظالمين إلّا برما.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 102

إشارة: ..... ص : 102

مرَّ بنا قبل ذلك- في وقائع وأحداث منازل الطريق بين مكّة وكربلاء- كما في رواية الطبري «1» أنّ الإمام عليه السلام خطب هذه الخطبة في منطقة ذي حُسَم، وكان قد تمَّ التعليق على هذه الخطبة- هناك- بعدّة ملاحظات، فراجعها «2» وقد أوردناها أيضاً هنا لاحتمال وقوعها أصلًا في كربلاء، أو لاحتمال أنَّ الإمام عليه السلام كان قد كرّر مخاطبة أصحابه بهذا الكلام في الموضعين.

حبيب بن مظاهر (رض) «3» يستنفر حيّاً من بني أسد لنصرة الإمام عليه السلام ..... ص : 102

اشارة

في المقتل للخوارزمي: «قال: والتأمت العساكر عند عمر لستّة أيّام مضين من محرّم، فلمّا رأى ذلك حبيب بن مظاهر الأسدي جاء إلى الحسين فقال له: يا ابن رسول اللّه! إنّ هاهنا حيّاً من بني أسد قريباً منّا، أفتأذن لي بالمصير إليهم الليلة أدعوهم إلى نصرتك، فعسى اللّه أن يدفع بهم عنك بعض ماتكره؟

فقال له الحسين: قد أذنت لك!

فخرج إليهم حبيب من معسكر الحسين في جوف الليل متنكّراً، حتى صار إليهم فحيّاهم وحيّوه وعرفوه.

فقالوا له: ما حاجتك يا ابن عمّ؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 103

قال: حاجتي إليكم أني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم قط! أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم، فإنّه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم خيرٌ من ألف رجل! لن يخذلوه ولن يُسلموه وفيهم عين تطرف! وهذا عمر بن سعد قد أحاط به في إثنين وعشرين ألفاً! وأنتم قومي وعشيرتي وقد أتيتكم بهذه النصيحة، فأطيعوني اليوم تنالوا شرف الدنيا وحسن ثواب الآخرة، فإنّي أُقسم باللّه لايُقتل منكم رجل مع ابن بنت رسول اللّه صابراً محتسباً إلّا كان رفيق محمّد صلى الله عليه و آله في أعلى علّيين.

فقام رجلٌ من بني أسد يُقال له عبداللّه بن بشر فقال: أنا أوّل من يجيب إلى هذه الدعوة، ثمّ جعل

يرتجز ويقول:

قد علِمَ القوم اذا تناكلوا وأحجم الفرسان إذ تناضلوا

أنّي الشجاع البطل المقاتل كأنني ليثُ عرينٍ باسلُ

ثمّ بادر رجال الحيّ إلى حبيب، وأجابوه فالتأم منهم تسعون رجلًا وجاءوا مع حبيب يريدون الحسين، فخرج رجل من الحيّ، يُقال: فلان بن عمرو حتّى صار إلى عمر بن سعد في جوف الليل، فأخبره بذلك، فدعا عمر برجلٍ من أصحابه يقال له «الأزرق بن الحرث الصدائي» فضمّ إليه أربعمائة فارس، ووجّه به إلى حيّ بني أسد مع ذلك الذي جاء بالخبر، فبينا أولئك القوم من بني أسد قد أقبلوا في جوف الليل مع حبيب يريدون عسكر الحسين اذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطي ء الفرات، وكان بينهم وبين معسكر الحسين اليسير، فتناوش الفريقان واقتتلوا، فصاح حبيب بالأزرق بن الحرث: مالك ولنا!؟ إنصرف عنّا! يا ويلك دعنا واشقَ بغيرنا!

فأبى الأزرق، وعلمت بنو أسد أن لاطاقة لهم بخيل ابن سعد فانهزموا راجعين إلى حيّهم! ثمَّ تحمّلوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يكبسهم،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 104

ورجع حبيب إلى الحسين فأخبره، فقال: لاحول ولاقوّة إلّا باللّه العليّ العظيم!». «1»

من غرائب ما تفرّد به البلاذري! ..... ص : 104

وكان البلاذري ممّن روى قصة استنفار حبيب بن مظاهر (رض) حيّاً من بني أسد لنصرة الإمام الحسين عليه السلام- وقد أوردنا روايته في الحاشية- لكنّ البلاذري قال في ذيل روايته لهذه القصة:

«وكان فراس بن جعدة بن هبيرة المخزومي مع الحسين، وهو يرى أنّه لايُخالَف! فلمّا رأى الأمر وصعوبته هاله ذلك! فأذن له الحسين في الإنصراف، فانصرف ليلًا!». «2»

ونقول:

أولًا: لم يُعرف في كتب التواريخ وكتب الرجال أنَّ لجعدة بن هبيرة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 105

المخزومي ولداً إسمه فراس (كما ذكر البلاذري)، بل إنّ له ولدين معروفين أحدهما يحيى، وله رواية عن الإمام

الحسين عليه السلام، وهو من رواة الغدير، وعبداللّه (وهو الذي فتح القهندر وكثيراً من خراسان)، وقيل إنّ له ولداً آخر إسمه عمر. «1»

ولو فرضنا- جدلًا- أنّ لجعدة بن هبيرة المخزومي ولداً إسمه فراس كما زعم البلاذري، فإنَّ ما نسبه البلاذري لهذا الولد من تخلّيه عن الإمام الحسين عليه السلام في الشدّة أمرٌ مستبعدٌ جدّاً! ذلك لأنّ جعدة بن هبيرة هو ابن أمّ هاني بنت أبي طالب عليه السلام فجعدة ابن عمّة الإمام عليه السلام، ففراس (المزعوم) هذا وهو ابن جعدة يكون ذا قرابة قريبة من الإمام عليه السلام، هذا فضلًا عن أنّ التأريخ- بل البلاذري نفسه- حدّثنا عن أنّ بني جعدة كانوا من أهل المعرفة بأهل البيت عليهم السلام ومن شيعتهم، «2» وهذا- أيضاً- فضلًا عن أنّ جعدة وأبناءه قد عُرفوا بالشجاعة والبأس والشدّة في الحرب والكريهة، ولم يُعرف لهم موقف متخاذل، أو أخزاهم خوف من الأعداء! هذا جعدة وقد عُرفت عنه الشدّة في الحرب، يقول له عتبة بن أبي سفيان: إنّما لك هذه الشدّة في الحرب من قِبَل خالك- يعني عليّاً عليه السلام! فيقول له جعدة: لو كان لك خال مثل خالي لنسيت أباك! «3»

فهل يُتصور أنَّ ولداً من أولاد جعدة الشجاع هذا يعرّض نفسه وشرفه لعار الجبن على صفحة التأريخ إلى قيام الساعة فيتخلّى ساعة الشدّة عن رجل محتاج

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 106

إليه وذي رحم ماسة به كانت الأعداء قد أحاطت به من كلّ جانب!؟ فما بالك إذا كان هذا المحتاج إليه ابن رسول اللّه وابن خال أبيه وهو الحسين عليه السلام!؟

هذا مالو تأمّل البلاذريّ نفسه فيه لما تجرّأ على الإتيان به!

وممّا يؤسف له أن بعض المتتبّعين أخذ هذا عن البلاذري أخذ المسلّمات،

ولم يكلّف نفسه مناقشة تلك الدعوى. «1»

وقايع اليوم السابع من المحرّم! ..... ص : 106

بعد أن روى الخوارزمي في مقتله قصة المواجهة بين جماعة بني أسد الذين استجابوا لدعوة حبيب بن مظاهر (رض) وبين خيل عمر بن سعد (أربعمائة فارس) بقيادة الأزرق بن الحرث الصدائي، وكيف انهزمت مجموعة بني أسد بعد قتال شديد، ورجوعهم إلى حيّهم، ثمّ ارتحالهم عنه في جوف الليل خوفاً من بأس جيش ابن سعد، وعودة حبيب (رض) إلى معسكر الإمام عليه السلام!

يتابع الخوارزمي سرد بقيّة قصة كربلاء فيقول: «ورجعت تلك الخيل حتّى نزلت على الفرات، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فأضرّ العطش بالحسين وبمن معه، فأخذ الحسين عليه السلام فأساً، وجاء إلى وراء خيمة النساء، فخطا على الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة، ثمّ احتفر هنالك فنبعت له هناك عين من الماء العذب! فشرب الحسين وشرب النّاس بأجمعهم! وملاؤا أسقيتهم، ثمّ غارت العين فلم يُرَ لها أثر!

وبلغ ذلك إلى عبيداللّه فكتب إلى عمر بن سعد: بلغني أنَّ الحسين يحفر

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 107

الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت، وضيّق عليهم ولاتدعهم أن يذوقوا من الماء قطرة! وافعل بهم كما فعلوا بالزكيِّ عثمان! والسلام.». «1»

«فلمّا ورد على عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجّاج أن يسير في خمسمائة راكب، فينيخ على الشريعة، ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، وذلك قبل مقتله بثلاثة ايّام، فمكث أصحاب الحسين عطاشى». «2»

«وناداه عبداللّه بن أبي حصين الأزدي (عبداللّه بن حصن الأزدي) «3» فقال: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء! واللّه لاتذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً! فقال حسين: أللّهمّ اقتله عطشاً ولاتغفر له أبداً. قال حميد

بن مسلم: «4» واللّه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 108

لعُدْتُه بعد ذلك في مرضه، فواللّه الذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر! «1» ثم يقي ء ثم يعود فيشرب حتّى يبغر فما يروى! فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غُصَّته يعنى نفسه!». «2»

ويواصل الطبري قصة منع الماء يوم السابع من المحرّم قائلًا: «ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش دعا العبّاس بن عليّ بن أبي طالب أخاه، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلًا، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلًا، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي: من الرجل!؟ فَجِي ءْ! ما جاء بك!؟

قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه!

قال: فاشرب هنيئاً!

قال: لا واللّه، لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه! فطلعوا عليه، فقال: لاسبيل إلى سقي هؤلاء! إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء!

فلمّا دنا منه- أي نافع- أصحابه قال لرجاله: إملؤا قربكم!

فشدَّ الرجّالة فملؤا قربهم، وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العبّاس ابن عليّ ونافع بن هلال فكفّوهم! ثمّ انصرفوا إلى رحالهم فقالوا:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 109

إمضوا! ووقفوا دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه، واطّردوا قليلًا، ثمّ إنّ رجلًا من صُدَاء طُعِن، من أصحاب عمرو بن الحجّاج، طعنه نافع بن هلال، فظنّ أنها ليست بشي ء، ثمّ إنّها انتقضت بعد ذلك فمات منها! وجاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه.». «1»

وفي رواية ابن أعثم الكوفي: «... فاقتتلوا على الماء قتالًا عظيماً! فكان قوم يقتتلون وقوم يملؤون القرب حتّى ملؤها، فقُتل من أصحاب عمرو جماعة ولم يُقتل من أصحاب الحسين أحد! ثُمَّ رجع القوم إلى معسكرهم وشرب الحسين من القرب ومن كان معه.».

«2»

وفي رواية البلاذري: «ويُقال إنهم حالوا بينهم وبين ملئها، فانصرفوا بشي ء يسير من الماء، ونادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيَّات، واللّه لاتذوقه أو تموت! فقال: إنّي لأرجو أن يوردنيه اللّه ويحلأكم عنه.

ويُقال: إنّ عمرو بن الحجّاج قال: يا حسين! إنّ هذا الفرات تلغ فيه الكلاب وتشرب منه الحمير والخنازير، واللّه لاتذوق منه جرعة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم!!». «3»

أمّا الدينوري يصف واقعة الشريعة يوم السابع وصفاً مختصراً ودقيقاً حيث يقول: «فمضى العبّاس نحو الماء، وأمامهم نافع بن هلال، حتّى دنوا من الشريعة، فمنعهم عمرو بن الحجّاج، فجالدهم العبّاس على الشريعة بمن معه حتّى أزالوهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 110

عنها! واقتحم رجّالة الحسين الماء فملأوا قِرَبَهم، ووقف العبّاس في أصحابه يذبّون عنهم حتّى أوصلوا الماء إلى عسكر الحسين!». «1»

من هو أبوالفضل العبّاس بن أميرالمؤمنين عليهما السلام؟ ..... ص : 110

مولانا أبوالفضل العبّاس بن أميرالمؤمنين عليّ عليهما السلام، وأمّه أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّ صلوات اللّه عليها، وهو أكبر أولادها، ولدته في الرابع من شعبان سنة ستّ وعشرين من الهجرة، وكان عمره الشريف عند شهادته أربعاً وثلاثين سنة. «2»

والحديث حول هذه الشخصيّة الإسلاميّة المقدّسة الفذّة يستدعي بالضرورة أنْ يُفرد له كتاب مستقل، «3» وحيث لايسعنا ذلك في إطار هذه الدراسة (مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة)، فإننّا هنا- لكي لانُحرم من توفيق أداء بعض حقّه العظيم علينا- نقدّم تبرّكاً باقة من النصوص الواردة في حقّه عليه السلام، الكاشفة عن عظمته وسموّ منزلته:

قال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام:

«رحم اللّه العبّاس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه، فأبدله اللّه عزّ وجلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما

جعل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 111

لجعفر بن أبي طالب! وإنّ للعباس عند اللّه تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.». «1»

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبداللّه عليه السلام، وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً ..». «2»

وفي زيارته الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام من العبائر العجيبة الكاشفة عن جلالة رتبة مولانا أبي الفضل عليه السلام وعظمة منزلته ما يحيّر الألباب! فلنقرأ معاً: «قال الصادق عليه السلام: إذا أردت زيارة قبر العبّاس بن عليّ، وهو على شطّ الفرات بحذاء الحائر، فقف على باب السقيفة وقل:

سلامُ اللّه، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين، والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح، عليك يا ابن أميرالمؤمنين.

أشهدُ لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبيّ صلى الله عليه و آله المُرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصيّ المبلّغ، والمظلوم المهتضم، فجزاك اللّه عن رسوله، وعن أميرالمؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات اللّه عليهم، أفضل الجزاء بما صبرت واحتسبت وأعنت، فنعم عقبى الدّار، لعن اللّه من قتلك، ولعن اللّه من جهل حقّك واستخفّ بحرمتك، ولعن اللّه من حال بينك وبين ماء الفُرات، أَشهدُ أنك قُتلت مظلوماً، وأنّ اللّه منجزٌ لكم ما وعدكم.

جئتك يا ابن أميرالمؤمنين وافداً إليكم، وقلبي مُسلّم لكم، وأنا لكم تابع، ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين، فمعكم معكم لامع عدوّكم، إنّي بكم وبإيابكم من

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 112

المؤمنين، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين، قتل اللّه أمّة قتلتكم بالأيدي والألسن.

ثمَّ ادخل وانكبّ على القبر وقُلْ:

السّلام عليك ايها العبدُ الصالح، المطيع للّه، ولرسوله، ولأميرالمؤمنين، والحسن، والحسين عليهم السّلام، السّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته ورضوانه، وعلى روحك وبدنك، وأُشهدُ

اللّه أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البدريّون، المجاهدون في سبيل اللّه، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذّابون عن أحبّائه، فجزاك اللّه أفضل الجزاء، وأكثر الجزاء، وأوفر الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممّن وفى ببيعته، واستجاب له دعوته، وأطاع ولاة أمره، أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود، فبعثك اللّه في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح الشهداء (السعداء)، «1» وأعطاك من جنانه أفسحها منزلًا، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في عليّين، وحشرك مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، أَشهدُ أنّك لم تَهِنْ ولم تنكُل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتّبعاً للنبيين، فجمع اللّه بيننا وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فإنّه أرحم الراحيمن.». «2»

وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السّلام على أبي الفضل العبّاس بن أميرالمؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن اللّه قاتله يزيد «3» بن الرُقّاد الجُهَنيّ، وحكيم بن الطُّفيل الطّائي.». «4»

وكان مولانا أبوالفضل عليه السلام قد قدّم إخوته لأمّه وأبيه وهم: عبداللّه، وجعفر،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 113

وعثمان إلى القتال يوم عاشوراء ليستشهدوا قبله فيحتسبهم عند اللّه تعالى، فقد قال لأوّلهم: «تقدّم بين يدي حتى أراك واحتسبك فإنّه لا ولد لك!». «1»

«وكان العبّاس رجلًا وسيما جميلًا، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض، وكان يُقال له: قمر بني هاشم!، وكان لواء الحسين بن علي عليه السلام معه يوم قُتل.». «2»

وفي اليوم العاشر «لمّا نشبت الحرب بين الفريقين تقدّم عمرو بن خالد الصيداوي، ومولاه سعد، ومجمع بن عبداللّه، وجنادة بن الحرث، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا

يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسين عليه السلام لهم أخاه العبّاس، فحمل على القوم وحده! فضرب فيهم بسيفه حتّى فرّقهم عن أصحابه وخلص إليهم فسلّموا عليه، فأتى بهم، ولكنّهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتّى قُتلوا في مكان واحد فعاد العباس إلى أخيه وأخبره خبرهم.». «3»

وكان صلوات اللّه عليه يُلقّب بالسقّاء، «4» وهو حامل لواء الحسين عليه السلام. «5»

وكان الإمام الحسين عليه السلام يحبّ أخاه العبّاس حبّاً خاصاً فائقاً، حتّى كان عليه السلام

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 114

يفدّي أبا الفضل عليه السلام بنفسه القدسيّة!

روى الطبري أنّ عمر بن سعد لعنه اللّه لمّا زحف يوم الخميس التاسع من المحرّم بعد صلاة العصر بجيوشه نحو معسكر الإمام الحسين عليه السلام، قال الإمام عليه السلام لأخيه أبي الفضل عليه السلام: «يا عبّاس! إركب- بنفسي أنتَ يا أخي!- حتّى تلقاهم فتقول لهم مالكم وما بدالكم، وتسألهم عمّا جاء بهم!؟». «1»

ولقد نجح أبوالفضل العبّاس عليه السلام في جميع الإختبارات الإلهية الصعبة التي تعرّض لها حتّى استُشهد صلوات اللّه عليه، لكنّ أسمى وأروع تلك الإختبارات في مراقي الكمال والفداء والإيثار كان يوم العاشر بعد أن قُتل أنصار الإمام عليه السلام من أهل بيته وصحبه الكرام، وضاق صدر أبي الفضل عليه السلام بالبقاء في دار الفناء وسئم الحياة، فجاء إلى الإمام الحسين يستأذنه في قتال القوم، فقال له الحسين عليه السلام: إنْ عزمت فاستقِ لنا ماءً! «2» فأخذ قربته وحمل على آلاف الأعداء حتّى كشفهم عن الشريعة، ثمَّ ملأ القربة، واغترف من الماء غرفة ليشرب وقلبه كما الجمر من العطش! لكنّه ذكر عطش الحسين عليه السلام ومن معه فرمى بالماء من يده وقال:

يا نفسىُ مِنْ بعدِ

الحسين هوني وبعده لا كُنتِ أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون وتشربين بارد المعين!؟

تا اللّه ما هذا فعال ديني «3»

ولمّا صُرع أبوالفضل وخرّ إلى الأرض- بلا يدين!- نادى بأعلى صوته: أدركني يا أخي! فانقضّ عليه أبوعبداللّه كالصقر! فرآه مقطوع اليمين واليسار، مرضوخ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 115

الجبين، مشكوك العين بسهم، مرتثّاً بالجراحة، فوقف عليه منحنياً! وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه المقدّسة، ثمّ حمل الإمام عليه السلام على القوم فجعل يضرب فيهم يميناً وشمالًا، فيفرّون من بين يديه كما تفرّ المعزى إذا شدَّ فيها الذئب! وهو يقول: أين تفرّون وقد قتلتم أخي!؟ أين تفرّون وقد فتتم عضدي!؟ ثم عاد إلى موقفه منفرداً! «1»

«ولمّا قُتل العباس قال الحسين عليه السلام: الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي!». «2»

ولقد تركه الإمام الحسين عليه السلام في المكان الذي صُرع فيه، ولم يحمله إلى خيمة الشهداء كما فعل بمن سبقه منهم!

ولقد أجاد المحقّق المرحوم السيّد المقرّم حيث قال: «وتركه في مكانه لسرٍّ مكنون أظهرته الأيّام، وهو أن يُدفن في موضعه منحازاً عن الشهداء، ليكون له مشهدٌ يُقصد بالحوائج والزيارات! وبقعة يزدلف إليها النّاس، وتتزلّف إلى المولى سبحانه تحت قبّته التي ضاهت السماء رفعة وسناءً، فتظهر هنالك الكرامات الباهرة، وتعرف الأمّة مكانته السامية، ومنزلته عند اللّه تعالى، فتؤدّي ما وجب عليهم من الحبّ المتأكد والزيارات المتواصلة، ويكون عليه السلام حلقة الوصل فيما بينهم وبين اللّه تعالى، فشاء حجّة الوقت أبوعبداللّه عليه السلام كما شاء المهيمن سبحانه أن تكون منزلة «أبي الفضل» الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الأُخروية، فكان كما شاءا وأَحبّا». «3»

والسلام على مولانا أبي الفضل العباس مادام الليل والنهار!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 116

المحاورة بين الإمام عليه السلام وبين عمر بن سعد لعنه اللّه ..... ص : 116

اشارة

قال ابن أعثم الكوفي: «ثمَّ أرسل «1» الحسين رحمه اللّه

إلى عمر بن سعد: إنّي أُريد أنْ أكلّمك، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك.

قال فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارساً، وأقبل الحسين في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسين أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه أخوه العبّاس وابنه عليّ الأكبر رضي اللّه عنهم، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا، وبقي معه حفص ابنه وغلام له يُقال له لاحق.

فقال له الحسين رضي اللّه عنه:

ويحك يا ابن سعد! أما تتّقي اللّه الذي إليه معادك أن تقاتلني، وأنا ابن من علمتَ يا هذا مِن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم!؟ فاترك هؤلاء وكنْ معي، فإنّي أقرّبك إلى اللّه عزّ وجلّ.

فقال له عمر بن سعد: أبا عبداللّه! أخاف أن تُهدم داري!

فقال له الحسين رضي اللّه عنه: أنا أبنيها لك.

فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي!

فقال الحسين: أنا أُخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز.

فقال: لي عيال أخاف عليهم!

فقال: أنا أضمن سلامتهم.». «2»

قال فلم يُجب عمر إلى شي ء من ذلك! فانصرف عنه الحسين رضي اللّه عنه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 117

وهو يقول: مالك!؟ ذبحك اللّه (من) «1» على فراشك سريعاً عاجلًا! ولاغفر اللّه لك يوم حشرك ونشرك! فواللّه إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلّا يسيراً.». «2»

«فقال له عمر: يا أبا عبداللّه! في الشعير عوض عن البرّ!! ثمّ رجع عمر الى معسكره.». «3»

ولقد روى الطبري هذا اللقاء بين الإمام عليه السلام وبين عمر بن سعد من طريق أحد مجرمي جيش ابن سعد وهو (هاني ء بن ثبيت الحضرميّ)، وفي روايته: «...

فلمّا التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحّوا عنه، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك. قال: فانكشفنا عنهما بحيث لانسمع أصواتهما ولاكلامهما، فتكلّما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيعٌ، ثمّ انصرف

كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه ..». «4»

وهنا يُقحم الظنّ الآثم ليختلط بالحق!! ..... ص : 117

يقول الطبري بعد هذا: «وتحدّث النّاس فيما بينهما ظنّاً يظنونه أنّ حسيناً قال لعمر بن سعد: أُخرج معي إلى يزيد بن معاوية! وندع العسكرين! قال عمر: إذن تُهدم داري! قال: أنا أبنيها لك! قال: إذن تؤخذ ضياعي! قال: إذن أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز. قال فتكرّه ذلك عمر، قال فتحدّث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولاعلموه!». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 118

ثُمَّ يزيد الطبري الطين بِلَّة! ..... ص : 118

حيث يقول بعد ذلك: «وأمّا ما حدّثنا به الماجد بن سعيد، والصقعب بن زهير الأزدي وغيرهما من المحدّثين فهو ما عليه جماعة المحدّثين! قالوا: إنه قال:

اختاروا مني خصالًا ثلاثاً، إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه!، وإمّا أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلًا من أهله، لي مالهم وعليَّ ما عليهم.». «1»

لكنَّ شاهد عيان يروي الحقيقة فيقول: ..... ص : 118

وممّا يخفّف الغمَّ والهمَّ عن قلب طالب الحقيقة التأريخية أنّ الطبري مع روايته لتلك المظنونات الكاذبة الآثمة روى أيضاً حقيقة القضيّة عن لسان عقبة بن سمعان (رض) مولى الرباب زوج الإمام الحسين عليه السلام، وكان ممّن صحب الإمام عليه السلام من المدينة إلى كربلاء، وكان في خدمة الإمام عليه السلام فلم يغب عن شي ء ممّا خاطب الإمام عليه السلام به الناس!

قال الطبري: «قال أبو مخنف: فأمّا عبدالرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان «2» قال: صحبتُ حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق، ولم أفارقه حتّى قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولابمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر النّاس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية! ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين! ولكنّة قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر النّاس.». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 119

أُكذوبة عمر بن سعد التي افتراها على الإمام عليه السلام ..... ص : 119

اشارة

ويروي الطبري أنّ عمر بن سعد بعد لقائه مع الإمام عليه السلام كان قد كتب إلى ابن زياد كتاباً نصّه: «أمّا بعدُ، فإنَّ اللّه قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمّة! هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلًا من المسلمين، له مالهم وعليه ما عليه، أو أن يأتي يزيد أميرالمؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضىً وللأمّة صلاح!». «1»

إشارة: ..... ص : 119

يلفت انتباه المتتبع أنّ رواية هذا الكتاب والرواية التي ذكرت المطالب الثلاثة المفتراة على الإمام عليه السلام قد رواهما الطبري عن أبي مخنف، عن مجالد بن سعيد «2» الهمداني، والصقعب بن زهير، «3» فإن كان خبر هذه الرسالة صادقاً، وقد علم هذان الراويان بمحتواها، فالظنّ قويّ بأنّ خبر المطالب الثلاثة المفتراة على الإمام عليه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 120

قد نُسِجَ عن محتوى هذه الرسالة! وإنْ لم يكن حتّى خبر هذه الرسالة صادقاً! فإنَّ الخبر الأوّل والثاني كليهما قد صدرا عن منبع واحد كاذب!

وعلى فرض صحة خبر هذه الرسالة! فما هو الداعي الذي دفع عمر بن سعد إلى أن يفتري على الإمام عليه السلام هذه الفرية!؟

لاشكَّ أنّ عمر بن سعد- كغيره من مجرمي جيش ابن زياد- كان يعلم علماً يقيناً بأحقيّة الإمام عليه السلام بهذا الأمر! كما كان يعلم بما لايرتاب فيه بالعار العظيم وبالسقوط الفظيع الذي سيلحقه مدى الدهر إذا ما قتل الإمام عليه السلام في هذه المواجهة التي صار هو فيها على رأس الجيش الأموي! ولكنّه كان في باطنه أيضاً أسير رغبته الجامحة في ولاية الريّ ونعمائها! من هنا فقد سعى إلى

أن يجد المخرج من هذه الورطة فيُعافى من ارتكاب جريمة قتل الإمام عليه السلام، ولايخسر أمنيته في ولاية الري!

وفي صفوف جيش ابن زياد أفراد كثيرون من نوع عمر بن سعد يتمنّون بقاء مواقعهم ومنافعهم الدنيوية مع العافية من الإشتراك في جريمة قتل الإمام عليه السلام! كشبث بن ربعي وغيره كثير، لكنّ هؤلاء قد غلبت عليهم شقوتهم- إذ سلبهم الشلل النفسي والروحي كلّ قدرة على اتخاذ الموقف الصحيح- فاستحوذ عليهم الشيطان، فدفعهم إلى ارتكاب أفحش وأفجع الجرائم وهم يتوهمون نوال ما يتمنّونه من هذه الدنيا الفانية! أو بقاء ما في أيديهم- الخالية- منها!

شمر بن ذي الجوشن يُحبط خطّة عمر بن سعد! ..... ص : 120

ويواصل الطبري رواية مجرى هذا الحدث فيقول: «فلمّا قرأ عبيداللّه الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه! نعم قد قبلتُ!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 121

قال فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه، وقد نزل بأرضك إلى جنبك!؟ واللّه لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّ! ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز! فلا تعطه هذه المنزلة فإنّها من الوهن، ولكنْ لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإنْ عاقبتَ فأنت وليُّ العقوبة! وإنْ غفرت كان ذلك لك! واللّه لقد بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة الليل!

فقال له ابن زياد: نعم ما رأيتَ، الرأي رأيك!!». «1»

ويواصل الطبري رواية ذلك الحدث، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: «ثمّ إنّ عبيداللّه بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن، فقال له: أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي! فإنْ فعلوا فليبعث بهم إليَّ سلماً! وإنْ هم أبوا فليقاتلهم! فإنْ فعل فاسمع له

وأطع! وإنْ هو أبى فقاتلهم فأنت أميرالنّاس! وَثِبْ عليه فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه!». «2»

وكان كتاب ابن زياد لعمر بن سعد: «أمّا بعدُ، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولالتقعد له عندي شافعاً! أُنظر فإنْ نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلماً! وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم فإنّهم لذلك مستحقّون! فإنْ قُتل حسينٌ فأَوْطِى ء الخيلَ صدره وظهره! فإنّه عاقٌ مشاقّ قاطع ظلوم!! ولستُ أرى في هذا أن يضرَّ بعد الموت شيئاً، ولكنْ عليَّ قول لو قد قتلته فعلتُ هذا به! فإنْ أنت مضيت

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 122

لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإنْ أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخَلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنّا قد أمرناه بأمرنا! والسلام.». «1»

إبن زياد يكتب أماناً لأبي الفضل العباس وإخوته عليهم السلام! ..... ص : 122

يروي الطبري، عن أبي مخنف، عن الحارث بن حصيرة، عن عبداللّه بن شريك العامري قال: «لمّا قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب، قام هو وعبداللّه بن أبي المحل، وكانت عمّته أمّ البنين ابنة حزام عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فولدت له العبّاس، وعبداللّه، وجعفراً وعثمان، فقال عبداللّه بن أبي المحلّ بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب: أصلح اللّه الأمير! إنّ بني أختنا مع الحسين، فإنْ رأيتَ أنْ تكتب لهم أماناً فعلت. قال: نعم، ونعمة عين! فأمر

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 123

كاتبه فكتب لهم أماناً، فبعث به عبداللّه بن أبي المحل مع مولى له يُقال له: كُزمان، فلمّا قدم عليهم دعاهم فقال: هذا أمانٌ بعث به خالكم!

فقال له الفتية: أَقرى ء خالنا السلام، وقل له أنْ لاحاجة لنا في أمانكم! أمان اللّه خيرٌ من

أمان ابن سميّة!». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 124

وقائع اليوم التاسع من المحرّم الحرام ..... ص : 124

ويواصل الطبري رواية قصة كربلاء قائلًا: «فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيداللّه بن زياد إلى عمر بن سعد، فلمّا قدم به عليه فقرأه قال له عمر:

ما لك!؟ ويلك، لاقرّب اللّه دارك! وقبّح اللّه ما قدمتَ به عليَّ! واللّه إنّي لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبتُ به إليه! أفسدت علينا أمراً كُنّا رجونا أن يصلح! لايستسلمُ واللّهِ حسينٌ، إنّ نفساً أبيّة لبَيْنَ جنبيه!

فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع!؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه!؟ وإلّا فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر!

قال: لا! ولا كرامة لك! وأنا أتولّى ذلك!! فدونك «1» فكن أنت على الرجّالة.». «2»

شمر بن ذي الجوشن يبذل الأمان للعبّاس وإخوته عليهم السلام! ..... ص : 124

«وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال: أين بنو أُختنا!؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 125

فخرج إليه العبّاس وجعفر وعبداللّه وعثمان بنو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقالوا له:

ما تريد!؟

فقال: أنتم يا بني أُختي آمنون!

فقال له الفتية: لعنك اللّه ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول اللّه لا أمان له!؟». «1»

جيش الضلال يزحف على معسكر الحقّ والهدى! ..... ص : 125

اشارة

ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه اللّه- وقد آثر العمى على الهدى، والدنيا الفانية على الآخرة، وانقاد مستسلماً لهواه فيها- نفر بجيشه لقتال الإمام عليه السلام «فنهض إليه عشيّة «2» الخميس لتسع مضين من المحرّم». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 126

ويقول المؤرخون أيضاً: «ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى: يا خيل اللّه اركبي وأبشري! فركب في النّاس، ثمّ زحف نحوهم بعد صلاة العصر، وحسين جالس أمام بيته محتباً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه!

وسمعت أُخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها فقالت: يا أخي! أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟

قال: فرفع الحسين رأسه فقال: إني رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام فقال لي: إنّك تروح إلينا! «1»

قال فلطمت أخته وجهها وقالت: يا ويلتا!

فقال: ليس لك الويل يا أخيتي! اسكني رحمكِ الرحمن. «2»

وقال العبّاس بن عليّ: يا أخي! أتاك القوم!

قال فنهض ثمّ قال: يا عبّاس، إركب بنفسي أنت يا أخي! حتّى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم، وما بدا لكم، وتسألهم عمّا جاء بهم!؟

فأتاهم العبّاس، فاستقبلهم في نحو من عشرين فارساً، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العبّاس: ما بدا لكم وما تريدون!؟

قالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 127

قال: فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبداللّه فأعرض عليه ما ذكرتم.

قال فوقفوا، ثمّ

قالوا: إلْقَهْ فأعلمه ذلك ثم الْقَنا بما يقول.

قال فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين يخبره بالخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم!

فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كَلِّم القومَ إنْ شئتَ، وإنْ شئتَ كلَّمتهم.

فقال له زهير: أنت بدأت بهذا، فكنْ أنت الذي تلكلّمهم.

فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما واللّه لبئس القوم عند اللّه غداً قومٌ يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيّه عليه السلام وعترته وأهل بيته عليهم السلام، وعُبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين اللّه كثيراً!

فقال له عزرة بن قيس: إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت!

فقال له زهير: يا عزرة، انّ اللّه قد زكّاها وهداها، فاتّقِ اللّه يا عزرة فإنّي لك من الناصحين، أُنشدك اللّه يا عزرة أن تكون ممّن يُعين الضُلّالَ على قتل النفوس الزكيّة!

قال: يا زهير! ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانياً!؟ «1»

قال: أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم!؟ أما واللّه ماكتبت إليه كتاباً قطّ، ولا أرسلت إليه رسولًا قطّ، ولاوعدته نصرتي قطّ، ولكنّ الطريق جمع بيني وبينه، فلمّا رأيته ذكرتُ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم! فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 128

لما ضيّعتم من حقّ اللّه وحقّ رسول عليه السلام!

قال وأقبل العبّاس بن عليّ يركض حتّى انتهى إليهم.

فقال: يا هؤلاء! إنّ أبا عبداللّه يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر، فإنّ هذا أمرٌ لم يحر بينكم وبينه فيه منطقٌ فإذا أصبحنا إلتقينا إنْ شاء اللّه، فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه! أو كرهنا فرددناه.

وإنّما أراد بذلك أن يردَّهم عنه تلك العشيّة حتّىْ

يأمر بأمره ويوصي أهله! «1»

فلمّا أتاهم العبّاس بن عليّ بذلك قال عمر بن سعد: ما ترى ياشمر!؟

قال: ما ترى أنت!؟ أنت الأمير والرأي رأيك!

قال: قد أردتُ ألّا أكون!! «2»

ثمّ أقبل على الناس فقال: ماذا ترون؟

فقال عمرو بن الحجّاج بن سلمة الزبيدي: سبحان اللّه! واللّه لو كانوا من الديلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها! «3»

وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبُحنّك بالقتال غدوة!

فقال: واللّه لو أعلم أن يفعلوا ما أخّرتهم العشيّة!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 129

قال وكان العبّاس بن عليّ حين أتى حسيناً بما عرض عليه عمر بن سعد قال:

إرجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والإستغفار.». «1»

ويروي الطبري، عن أبي مخنف، عن الحارث بن حصيرة، عن عبداللّه بن شريك العامري، عن الإمام السجّاد عليه السلام قال: «أتانا رسول من قِبَل عمر بن سعد، فقام مثل حيث يُسمع الصوت فقال: إنّا قد أجلّناكم إلى غدِ، فإنْ استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيداللّه بن زياد، وإنْ أبيتم فلسنا بتاركيكم.». «2»

أمّا ابن أعثم الكوفي فيروي قائلًا: «... فقال عمر بن سعد: إنّا قد أجّلناهم في يومنا هذا. قال فنادى رجل من أصحاب عمر: يا شيعة الحسين بن عليّ! قد أجّلناكم يومكم هذا إلى غد، فإنْ استسلمتم ونزلتم على حكم الأمير وجّهنا بكم إليه، وإنْ أبيتم ناجزناكم.

قال فانصرف الفريقان بعضهم من بعض.». «3»

إشارة: ماذا لو حصلت فاجعة عاشوراء في الليل!؟ ..... ص : 129

مرَّ بنا قول الراوي- في رواية الطبري- في تعليله لطلب الإمام عليه السلام من عمر

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 130

بن سعد أن يؤجّلهم إلى صباح يوم العاشر: «وإنّما

أراد بذلك أن يردَّهم عنه تلك العشيّة حتّى يأمر بأمره ويوصي أهله.». «1»

كما مرَّ بنا أيضاً قول الإمام الحسين عليه السلام نفسه لأخيه أبي الفضل العبّاس عليه السلام:

«إرجع إليهم، فإنْ استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والإستغفار.».

ولعلّ ماظنّه الراوي- في رواية الطبري- كان صحيحاً، في أنه عليه السلام أراد المهلة إلى الصباح حتّى يأمر- من ينجو من أهله- بأوامره ويوصيهم بوصاياه، وهذا لاينافي ما ورد في الأثر أنه عليه السلام ترك وصاياه وأماناته عند أمّ سلمة (رض) «2» حتّى تسلّمها إلى الإمام السجّاد عليه السلام بعد عودته، كما لاينافي كون الإمام السجّاد عليه السلام والعقيلة زينب عليه السلام وسواهما من أهله كانوا معه منذ بدء رحلة الركب من المدينة حتّى كربلاء.

لكنّ هذا سببٌ من جملة أسباب متعددة كانت الدافع لطلب الإمام عليه السلام المهلة حتّى الصباح، ولم يكن السبب الوحيد الذي انحصرت به القضيّة كما عبّر الراوي عن ذلك بأداة الحصر (إنّما)!

وصحيح تماماً أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يحبّ أن يقضي الليلة الأخيرة من عمره الشريف- خصوصاً وأنها ليلة جمعة- في صلاة وكثرة دعاء واستغفار وتلاوة القرآن.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 131

نعم، لكنّ هذا أيضاً- مع أهميّته البالغة- كان من جملة الأسباب!

«إنّ الإمام الحسين عليه السلام كان قد تعامل في العمق مع كلّ قضيّة في مسار النهضة المقدّسة بمنطق (الشهيد الفاتح)، وخاطبها بلغة الشهادة التي هي عين الفتح! وإنْ كان في نفس الوقت قد تعاطى مع ظواهر القضايا بمنطق الحج الظاهرة، ولامنافاة بين المنطقين بل هما في طول بعضهما البعض ...

فحيث إنْ لم يبايع عليه

السلام يُقتل! فقد سعى عليه السلام ألّا يُقتل في ظروف زمانية ومكانية وبكيفيّة يختارها ويخطّط لها ويُعدّها العدوّ، وسعى عليه السلام بمنطق (الشهيد الفاتح) أن يتحقّق مصرعه الذي لابدّ منه على أرض يختارها هو، «1» لايتمكّن العدوّ فيها أن يعتمّ على مصرعه فتختنق الأهداف المرجوّة من وراء هذا المصرع الذي سيهزّ الأعماق في وجدان الأمّة ويحرّكها بالإتجاه الذي أراد الحسين عليه السلام، كما سعى عليه السلام أن تجري وقائع المأساة في وضح النهار لا في ظلمة الليل، ليرى جريان وقائعها أكبر عدد من الشهود، فلا يتمكّن العدوّ من أن يعتمّ على هذه الوقائع الفجيعة ويغطّي عليها، وهذا هو الهدف المنشود من وراء العامل الإعلامي والتبليغي في طلب الإمام عليه السلام عصر تاسوعاء أن يمهلوه إلى صبيحة عاشوراء!». «2»

نعم، فهذا السبب- وإن كان من جملة حسابات التخطيط الحربي خصوصاً بالنسبة إلى قوّة محاصرة في بقعة محدودة ضيّقة- إلّا أنّه سبب أوّل وأساس في حسابات التخطيط الإعلامي والتبليغي، خصوصاً بالنسبة إلى إمام مفترض الطاعة مظلوم مع مجموعة من الأنصار الربانيين، يريد أن يكشف للأمّة- وللعالم أجمع- عن حقّانيته وأحقيته ومظلوميته، وعن وحشيّة أعدائه وعدم مراعاتهم لأيّ معنى والتزام أخلاقي ودينيّ!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 132

فكان لابدّ من النهار، «وأنْ يُحشرَ الناس ضحى»، «1» حتّى يشهد النّاس التفاصيل الكبيرة والصغيرة من الفاجعة والمأساة، ويسمعوا كلّ البلاغات والنداءات والإحتجاجات الإلهية عن لسان الإمام عليه السلام وأنصاره الكرام! ثمّ لينظروا كيف لاتستجيب الوهدة لنداء الذروة! ويروا في واضحة النهار كيف تفترس أسنّة الرذيلة النواهش وسيوفها البواتر هيكل الفضيلة الطاهر!، وكيف تهشّم حوافر خيولها العمياء أضلاع الصدر القدسيّ الذي في طيّه سرُّ الإله مصون!، وكيف تُباد عصبة الأبرار، وتُحزُّ الرؤوس، ويُقتل الصغار،

وكيف تنحرُ سهام الضلالة الحاقدة حتى الطفل الرضيع! وكيف تُحرقُ الخيام! وتُسلبُ النساء! وينتهب الرحل! .. الى ما سوى ذلك من تفاصيل مأساوية فجيعة، شوهدت في رابعة النهار، فرواها المشاهدون، وتناقلها الناس والتأريخ.

لقد كان النهار عاملًا مهمّاً من عوامل نجاح حفظ حقيقة فاجعة الطفّ كما هي وبكلّ تفاصيلها، إذ لو كانت قد حصلت الواقعة في ليل لغطّت ظلمته على جلّ تفاصيلها المفجعة وبطولاتها المشرقة، ولما رأى من حضرها إلّا نزراً قليلًا من وقائعها، ثمّ لما بلغنا منها إلّا حكاية مبهمة وجيزة لاتحمل في طيّاتها من الفعل والتأثير إلّا شيئاً يسيرا!

وقايع ليلة عاشوراء! ..... ص : 132

يروي الطبري، عن أبي مخنف، عن الحارث بن حصيرة، عن عبداللّه بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 133

شريك العامري، عن الإمام السجّاد عليه السلام قال: «جمع الحسين أصحابه بعدما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، فدنوت منه لأسمع وأنا مريض، فسمعتُ أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على اللّه تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء، أللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين.

أمّا بعدُ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولاخيراً من أصحابي! ولا أهل بيتٍ أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي! فجزاكم اللّه عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي قد أذنت لكم! فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم منّي ذمام! هذا الليل غشيكم فاتخذوه جَملًا!». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 134

وفي رواية بعدها للطبري أيضاً أنه عليه السلام قال: «هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا، ثمّ ليأخذ كلُّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج اللّه، فإنّ القوم

إنّما يطلبونني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.

فقال له إخوته، وأبناؤه، وبنوأخيه، وإبنا عبداللّه بن جعفر: لِمَ نفعل!؟ لنبقى بعدك!؟ لا أرانا اللّه ذلك أبداً!

بدأهم بهذا القول العبّأس بن عليّ، ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه!

فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل! حسبكم من القتل بمسلم، إذهبوا قد أذنت لكم!

قالوا: فما يقول النّاس!؟ يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف! ولاندري ماصنعوا!؟ لا واللّه لانفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك! فقبّح اللّه العيش بعدك!». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 135

«قال فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسديّ فقال: أنحنُ نخلّي عنك ولمّا نعذر إلى اللّه في أداء حقّك!؟ أما واللّه حتّى أكسر في صدورهم رمحي! وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي! ولا أفارقك! ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك!

وقال سعد بن عبداللّه الحنفي: «1» واللّه لانخلّيك حتّى يعلم اللّه أنّا قد حفظنا غيبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيك، واللّه لو علمت أنّي أُقتل ثم أحيا ثمّ أُحرق حيّاً ثمّ أُذَرُّ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك! فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثمَّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!؟

وقال زهير بن القين: واللّه لوددت أنّي قُتلتُ ثمّ نُشرتُ ثمّ قُتلتُ حتّى أُقتل كذا ألف قتلة وأنّ اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك!

قال وتكلّم جماعة بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد فقالوا: واللّه لانفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء! نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا!

فإذا نحنُ قُتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا!». «2»

وفي مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: «ثُمّ تكلّم بُرير بن خضير الهمداني، وكان من الزهّاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل، فقال: يا ابن رسول اللّه!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 136

إئذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد فأعظه لعلّه يتّعظ ويرتدع عمّا هو عليه!

فقال الحسين: ذاك إليك يا بُرير.

فذهب إليه حتّى دخل على خيمته، فجلس ولم يسلّم! فغضب عمر وقال: يا أخا همدان مامنع من السلام عليَّ!؟ ألستُ مسلماً أعرف اللّه ورسوله! وأشهد بشهادة الحقّ!؟

فقال له برير: لو كنت عرفت اللّه ورسوله كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول اللّه تريد قتلهم! وبعدُ فهذا الفرات يلوح بصفائه، ويلج كأنّه بطون الحيّات، تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها، وهذا الحسين بن عليّ وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً! وقد حِلْتَ بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه! وتزعم أنّك تعرف اللّه ورسوله!؟

فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض، ثمّ رفع رأسه وقال: واللّه يا بُرير إنّي لأعلم يقيناً أنَّ كُلَّ من قاتلهم وغصبهم حقّهم هو في النار لامحالة، ولكن يا بُرير! أفتشير عليَّ أن أترك ولاية الريّ فتكون لغيري!؟ فواللّه ما أجد نفسي تجيبني لذلك، ثمّ قال:

دعاني عبيداللّه من دون قومه إلى خطّة فيها خرجتُ لِحَيني

فواللّه ما أدري وإنّي لحائر أفكّر في أمري على خطرينِ

أأترك مُلك الريّ والريّ منيتي أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ؟

وفي قتله النّار التي ليس دونها حجابٌ، ومُلك الريّ قرّة عينيِ «1»

فرجع برير إلى الحسين وقال: يا ابن رسول اللّه! إنّ عمر بن سعد قد رضي لقتلك بملك الريّ!». «1»

وفي رواية أخرى عن الإمام السجّاد عليه السلام! ..... ص : 136

روى السيّد هاشم البحراني مرسلًا عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعتُ عليَّ بن الحسين زين العابدين عليهما

السلام يقول: «لمّا كان اليوم الذي استشهد فيه أبي، جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم.

فقال لهم: يا أهلي وشيعتي اتّخذوا هذا الليل جملًا لكم، وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكّروا فيكم، فانجوا رحمكم اللّه، وأنتم في حِلّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني.

فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد: واللّه يا سيّدنا يا أباعبداللّه، لاخذلناك أبداً، واللّه لا قال النّاس: تركوا إمامهم وكبيرهم وسيّدهم وحده حتّى قُتل! ونبلوا بيننا وبين اللّه عُذراً ولانخليّك أو نُقتل دونك!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 138

فقال عليه السلام لهم: يا قوم إنّي غداً أُقتل وتُقتلون كلّكم معي، ولايبقى منكم واحد!

فقالوا: الحمد للّه الذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك! أو لاترضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول اللّه؟

فقال عليه السلام: جزاكم اللّه خيراً. ودعا لهم بخير، فأصبح وقُتل وقتلوا معه أجمعون! «1»

فقال له القاسم بن الحسن عليهما السلام: وأنا فيمن يُقتل؟

فأشفق عليه فقال له: يا بُنيّ كيف الموت عندك؟

قال: يا عمّ، أحلى من العسل!

فقال عليه السلام: إي واللّه، فداك عمّك! إنّك لأحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاءٍ عظيم! وإبني عبداللّه!

فقال: يا عمّ! ويصلون إلى النساء حتّى يُقتل عبداللّه وهو رضيع!؟

فقال عليه السلام: فداك عمّك! يُقتل عبداللّه إذ جفّت روحي عطشاً، وصرتُ إلى خِيَمنا فطلبت ماءً ولبناً فلا أجد قطّ! فأقول: ناولوني إبني لأشرب مِن فيه! فيأتوني به فيضعونه على يدي، فأحمله لأُدنيه مِن فِيَّ فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يُناغي! فيفيض دمه في كفّي! فأرفعه إلى السماء وأقول: أللّهمَّ صبراً واحتساباً فيك! فتعجلني الأسنّة فيهم والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم، فأكرّ عليهم في أمرِّ أوقات في الدنيا! فيكون ما يريد اللّه!

مع الركب

الحسينى (ج 4)، ص: 139

فبكى وبكينا، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الخيم.

ويسأل زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عنّي، فيقولون: يا سيّدنا! فسيّدنا عليّ- فيشيرون إليَّ- ماذا يكون حاله؟

فيقول مستعبراً: ما كان اللّه ليقطع نسلي من الدنيا! فكيف يصلون وهو أبوثمانية أئمّة!؟». «1»

وفي رواية أخرى ... ..... ص : 139

جاء في التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: «ولمّا امتُحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه، قال لعسكره: أنتم في حِلّ من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم. وقال لأهل بيته: قد جعلتكم في حِلّ من مفارقتي، فانّكم لاتطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري، فدعوني والقوم، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يعينني ولايخلّيني من حسن نظره كعادته في أسلافنا الطيّبين.

فأمّا عسكره ففارقوه، «2» وأمّا أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا: لانفارقك

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 140

ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنّا أقرب ما نكون إلى اللّه إذا كُنّا معك!

فقال لهم: فإن كنتم قد وطّنتم أنفسكم على ما وطّنت نفسي عليه فاعلموا أنّ اللّه يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأنّ اللّه وإنْ كان خصّني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاءً في الدنيا من الكرامات بما يسهل عليَّ معها احتمال المكروهات، فإنّ لكم شطر ذلك من كرامات اللّه تعالى، وأعلموا أنّ الدنيا حلّوها ومُرّها حلم! والإنتباه في الآخرة! والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقي فيها ...». «1»

الحضرمي: أكلتني السباع حيّاً إنْ فارقتك! ..... ص : 140

وروى السيّد ابن طاووس (ره) أنّه: «وقيل لمحمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال: قد أُسِرَ ابنك بثغر الريّ! قال: عند اللّه أحتسبه ونفسي، ما كنتُ أُحبُّ أن يؤسر وأن أبقى بعده!

فسمع الحسين عليه السلام قوله: فقال: رحمك اللّه! أنت في حِلٍّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك!

فقال: أكلتني السباع حيّاً إنْ فارقتك!!

قال: فاعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه! فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار!». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 141

إشارة

في زيارة الناحية المقدّسة ورد السلام على بشر بن عمر الحضرميّ والثناء عليه بما قاله للإمام الحسين عليه

السلام هكذا: «السلام على بِشر بن عمر الحضرمي، شكر اللّه لك قولك للحسين وقد أذن لك في الإنصراف: أكلتني إذن السباع حيّاً إنْ فارقتك! وأسأل عنك الركبان!؟ وأخذلك مع قلّة الأعوان!؟ لايكون هذا أبداً!». «1»

وقال المحقّق السماويّ (ره): «بشر بن عمرو بن الأُحدوث الحضرمي الكندي: كان بشر من حضرموت، وعداده في كندة، وكان تابعياً، وله أولاد معروفون بالمغازي، وكان بشر ممّن جاء إلى الحسين عليه السلام أيّام المهادنة. وقال السيّد الداودي: لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال، قيل لبشر وهو في تلك الحال: إنّ إبنك عمراً قد أُسر في ثغر الريِّ! فقال: عند اللّه أحتسبه ونفسي! ما كُنت أحبّ أن يؤسر وأن أبقى بعده! فسمع الحسين عليه السلام مقالته، فقال له: رحمك اللّه! أنت في حلّ من بيعتي، فاذهب واعمل في فكاك إبنك!

فقال له: أكلتني السباع حيّاً إنْ أنا فارقتك يا أبا عبداللّه!

فقال له: فأعطِ إبنك محمّداً- وكان معه- هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك أخيه. وأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار!». «2»

فالمستفاد ممّا أورده المحقّق السماوي (ره): أنّ هذا الشهيد (رض) إسمه بشر، وإسم إبنه الذي كان معه محمّد، وإسم ابنه الأسير في ثغر الريّ عمرو.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 142

إذن فإسم هذا الشهيد (رض)- وهو الموافق لما ورد في زيارة الناحية المقدّسة- بشر بن عمرو (أوعمر) الحضرمي، وليس اسمه محمّد بن بشير الحضرمي كما ورد في تاريخ ابن عساكر واللهوف! هذا أوّلًا.

أمّا ثانياً: فإنْ ما أورده المحقق السماوي (ره) صريح في أنّ هذه الواقعة كانت يوم العاشر وليس ليلة العاشر كما يُشعر به سياق كتاب اللهوف!

ويؤيّد أنّ هذه الواقعة كانت يوم العاشر ما ذكره أبوالفرج الأصبهاني في كتابه مقاتل الطالبيين مشيراً

إلى هذه قصة، حيث يقول: «وجاء رجل حتى دخل عسكر الحسين، فجاء إلى رجل من أصحابه فقال له: إنّ خبر إبنك فلان وافى أنّ الديلم أسروه! فتنصرف معي حتّى نسعى في فدائه؟

فقال: حتّى أصنع ماذا!؟ عند اللّه أحتسبه ونفسي!

فقال له الحسين عليه السلام: انصرف، وأنت في حلّ من بيعتي، وأنا أعطيك فداء إبنك!

فقال: هيهات أن أفارقك ثم أسأل الركبان عن خبرك! لايكن واللّه هذا أبداً ولا أُفارقك!

ثمّ حمل على القوم فقاتل حتّى قُتل رحمة اللّه عليه ورضوانه.». «1»

ولاندري .. فلعلّ العبارة الأخيرة في خبر أبي الفرج الأصبهاني كانت هي مستند القول فيما بعد أنّ هذه الواقعة كانت يوم العاشر وليس ليلة العاشر، كما قال به الشيخ السماويّ (ره) نقلًا عن السيّد رضيّ الدين الداودي، واللّه العالم.

الإمام عليه السلام يُري أنصاره منازلهم في الجنّة! ..... ص : 142

روى القطب الراوندي (ره) عن أبي حمزة الثمالي (ره) قال: قال عليّ بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 143

الحسين عليهما السلام: «كُنت مع أبي الليلة التي قُتل صبيحتها، فقال لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جملًا، فإنّ القوم إنّما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حلّ وسعة!

فقالوا: لا واللّه! لايكون ذلك أبداً!

قال: إنّكم تُقتلون غداً كذلك لايفلت منكم رجل! «1»

قالوا: الحمد للّه الذي شرّفنا بالقتل معك!

ثمّ دعا، وقال لهم: إرفعوا رؤوسكم وانظروا!

فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة! وهو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان! وهذا قصرك يا فلان! وهذه درجتك يا فلان!

فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنّة!». «2»

وروى الشيخ الصدوق (ره) في العلل بسند عن محمّد بن عمارة أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام: «قال: قلتُ له: أخبرني عن أصحاب الحسين عليه السلام وإقدامهم على الموت؟

فقال: إنهم كُشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من

الجنّة! فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها! وإلى مكانه من الجنّة!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 144

حبيب بن مظاهر وسرُّ المزاح ليلة عاشوراء! ..... ص : 144

اشارة

نقل الكشّي (ره) عن كتاب (مفاخر الكوفة والبصرة) قائلًا:

«ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي، فقال له يزيد بن خضير الهمداني، وكان يُقال له سيّد القرّاء: يا أخي! ليس هذه بساعة ضحك!

قال: فأيُّ موضع أحقّ من هذا بالسرور!! واللّه ماهو إلّا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين!». «1»

إشارة ..... ص : 144

ليس في أنصار الإمام الحسين عليه السلام الذين استشهدوا بين يديه في كربلاء رجل من آل همدان إسمه يزيد بن خضير الهمداني، بل إنّ هذا الرجل هو برير بن خضير الهمداني، ويؤكّد صحة هذا ماوصفه الخبر بأنّه كان سيّد القراء، لأنّ بريراً كان معروفاً بشيخ القرّاء أو سيّد القرّاء في الكوفة، إذن فيزيد تصيحف البرير.

ونقل السيّد المقرّم (ره) في المقتل «2» هذه الواقعة عن رجال الكشّي أيضاً قائلًا:

«وخرج حبيب بن مظاهر يضحك، فقال له يزيد بن الحصين الهمداني: ما هذه ساعة ضحك! ...».

وقد ورد في زيارة الناحية المقدّسة أيضاً: «السلام على يزيد بن حصين الهمدانيّ المشرقيّ القاري». «3»

قال المحقّق السماوي (ره): «برير: في ضبط هذا الإسم وضبط إسم أبيه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 145

خلاف، فقد كُتب في الرجال: يزيد بن حصين ...». «1»

وقال المحقّق التستري: «هذا، وقد قلنا في عنوان بُرير بن حصين: إنّ يزيد بن حصين في نسخة الكشّي محرّف «برير بن خضير» هذا. «2»

أصحاب الإمام الحسين عليه السلام لايجدون أَلَمَ مسَّ الحديد! ..... ص : 145

روى القطب الراوندي (ره) بسندٍ عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «قال الحسين بن عليّ عليهما السلام لأصحابه قبل أن يُقتل: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: يا بُنيّ، إنك ستُساق إلى العراق، وهي أرض التقى بها النبيّون وأوصياء النبيين، وهي أرض تُدعى (عمورا)، وإنك تستشهدُ بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لايجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: «قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم»، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً! فأبشروا! فواللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا ...». «3»

وفي حديث عن الإمام الباقر عليه السلام أن الإمام الحسين عليه السلام قال لأصحابه:

«أبشروا بالجنّة! فواللّه إنّا نمكث ما شاء اللّه بعدما يجري علينا، ثم يخرجنا

اللّه وايّاكم حتّى يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين! وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب! فقيل له: من قائمكم يا ابن رسول اللّه؟

قال: السابع من ولد إبني محمّد بن عليّ الباقر: وهو الحجّة ابن الحسن بن عليّ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 146

بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ إبني، وهو الذي يغيب مدّة طويلة ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً.». «1»

الإمام عليه السلام يأمر بحفر خندق حول معسكره ..... ص : 146

«ثمّ إنّ الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر فحُشيت حطباً، وأرسل عليّاً إبنه عليه السلام في ثلاثين فارساً وعشرين راجلًا ليستقوا الماء، وهم على وجل شديد! «2» وأنشأ الحسين عليه السلام يقولُ:

يا دهرُ أُفٍّ لك من خليل كم لك في الإشراق والأصيلِ

من طالب وصاحب قتيلِ والدهر لايقنع بالبديلِ

وإنّما الأمر إلى الجليل وكلُّ حيٍّ سالك سبيلي

ثمّ قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم! ...». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 147

أما الخوارزمي فقد نقل قضيّة حفر الخندق عن ابن أعثم الكوفي هكذا: «فلمّا أيس الحسين من القوم، وعلِمَ أنّهم مقاتلوه، قال لأصحابه: قوموا فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا، وأججّوا فيها ناراً حتّى يكون قتال هؤلاء القوم من وجه واحد، فإنّهم لو قاتلونا وشُغلنا بحربهم لضاعت الحرم.

فقاموا من كلّ ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة، ثمَّ جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة وأججّوا فيها النّار.». «1»

يا دهرُ أُفٍّ لك من خليل! ..... ص : 147

قال الشيخ المفيد (ره): «قال عليّ بن الحسين عليه السلام: إنّي جالسٌ في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذرّ الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:

يا دهرُ أُفٍّ لك من خليلِ كم لك بالإشراق والأصيلِ

من صاحبٍ أو طالبِ قتيلِ والدهر لايقنع بالبديلِ

وإنّما الأمر إلى الجليلِ وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلي

فأعادها مرتين أو ثلاثاً، حتّى فهمتها وعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها، ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي فإنها سمعتْ ما سمعتُ، وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها إذ وثبت تجرُّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه.

فقالت: واثكلاه! ليت

الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت أمّي فاطمة، وأبي عليّ، وأخي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 148

الحسن عليهم السلام! يا خليفة الماضين وثمال «1» الباقين!

فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها: يا أُخيّة لايُذهبنّ حلمَك الشيطان! وترقرقت عيناه بالدموع وقال: لو تُرك القطا لنام!

فقالت: يا ويلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أقرح لقلبي وأشدُّ على نفسي!

ثمّ لطمت وجهها! وهوت إلى جيبها فشقّته! وخرّت مغشيّاً عليها!

فقام إليها الحسين عليه السلام، فصبّ على وجهها الماء، وقال لها: إيهاً يا أُختاه! إتّقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لايبقون، وأنّ كلّ شي ء هالك إلّا وجه اللّه الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعيدهم، وهو فردٌ وحده، جدّي خيرٌ منّي، وأبي خيرٌ منّي، وأمّي خيرٌ منّي، وأخي خيرٌ منّي، ولي ولكلّ مسلم برسول اللّه صلى الله عليه و آله أُسوة!

فعزّاها بهذا ونحوه وقال لها: يا أُخيّة، إنّي أقسمتُ عليك فأبرّي قسمي، لاتشقّي عليَّ جيباً، ولاتخمشي عليَّ وجهاً، ولاتدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكتُ!

ثمَّ جاء بها حتّى أجلسها عنده، ثمّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يُدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت، فيستقبلون القوم من وجه واحد، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، قد حفّت بهم إلّا الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم، ورجع عليه السلام إلى مكانه، فقام الليل كلّه يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع! وقام أصحابه كذلك يُصلّون ويدعون ويستغفرون.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 150

الإمام الحسين عليه السلام يتفقّد التلاع والروابي! ..... ص : 150

«وخرج عليه السلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقّد التلاع والعقبات، فتبعه نافع بن هلال الجملي، فسأله الحسين عمّا أخرجه.

قال: يا ابن رسول اللّه! أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي!

فقال الحسين عليه

السلام: إنّي خرجت أتفقّد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون!

ثمّ رجع عليه السلام وهو قابض على يد نافع ويقول: هي هي واللّه! وعدٌ لاخُلف فيه!

ثمّ قال له: ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟

فوقع نافع على قدميه يُقبّلها ويقول: ثكلتني أمّيّ! إنّ سيفي بألف وفرسي مثله، فواللّه الذي منَّ بك عليَّ لافارقتك حتّى يكلّا عن فري وجري!

ثمّ دخل الحسين خيمة زينب، ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره، فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخشى أن يُسلموك عند الوثبة!

فقال لها: واللّه لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلّا الأشوس الأقعس «1» يستأنسون بالمنيّة دوني استيناس الطفل إلى محالب أمّه.

قال نافع: فلمّا سمعت هذا منه بكيت، وأتيتُ حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن أخته زينب.

قال حبيب: واللّه، لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة!

قلت: إنّي خلّفته عند أُخته، وأظنُّ النساء أفقن وشاركنها في الحسرة! فهل لك

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 151

أن تجمع أصحابك وتواجهوهنّ بكلام يطيّب قلوبهن!

فقام حبيب ونادى: يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة!

فتطالعوا من مضاربهم كالأُسود الضارية! فقال لبني هاشم: إرجعوا إلى مقرّكم لاسهرت عيونكم! ثمّ التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع.

فقالوا بأجمعهم: واللّه الذي منَّ علينا بهذا الموقف، لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفساً وقُرَّ عيناً!

فجزّاهم خيراً، وقال: هلمّوا معي لنواجه النسوة ونطيّب خاطرهن.

فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول اللّه! هذه صوارم فتيانكم آلوا ألّا يغمدوها إلّا في رقاب من يريد السوء فيكم! وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألّا يركزوها إلّا في صدور من يفرّق ناديكم!

فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن: أيّها الطيّبون! حاموا عن بنات رسول

اللّه وحرائر أميرالمؤمنين!

فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأنّ الأرض تميد بهم.». «1»

قُلْ: لايستوي الخبيث والطيّب «2» ..... ص : 151

وفي رواية للطبري عن الضحّاك ابن عبداللّه المشرقي قال: «فلمّا أمسى حسينٌ وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرن ويدعون ويتضرّعون، قال

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 152

فتمرُّ بنا خيلٌ لهم تحرسنا، وإنّ حسيناً ليقرأ: «ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم، إنّما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين، ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطيّب»، «1» فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا، فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون! مُيّزنا منكم!

قال فعرفته، فقلت لبرير بن خضير: تدري من هذا!؟ قال: لا!

قلتُ: هذا أبوحرب السبيعي، عبداللّه بن شهر. وكان مضحاكاً بطّالًا! وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً! وكان سعيد بن قيس ربّما حبسه في جناية.

فقال له برير بن خضير: يا فاسق! أنت يجعلك اللّه في الطيبين!؟

فقال له: من أنت!؟

قال: أنا برير بن خضير!

قال: إنّا للّه! عزّ عليَّ! هلكتَ واللّه هلكتَ واللّه يا بُرير!

قال: يا أبا حرب! هل لك أن تتوب إلى اللّه من ذنوبك العظام؟ فواللّه إنّا لنحن الطيّبون ولكنّكم لأنتم الخبيثون.

قال: وأنا على ذلك من الشاهدين!!

قلتُ: ويحك! أفلا ينفعك معرفتك!؟

قال: جُعلتُ فداك! فمن يُنادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل!؟ قال:

هاهو ذا معي!

قال: قبّح اللّه رأيك! على كلّ حالٍ أنت سفيه!

قال ثمّ انصرف عنا! وكان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وكان على الخيل.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 153

أنصارٌ جددٌ ..... ص : 153

«وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد إثنان وثلاثون رجلًا! «1» وكذا كانت سجيّة الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته!». «2»

رؤيا حقّة! ساعة السحر ..... ص : 153

«فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة، ثم استيقظ فقال: أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟

قالوا: فما رأيت يا ابن رسول اللّه؟

قال: رأيت كلاباً قد شدّت عليَّ (تناشبني) لتنهشني! وفيها كلب أبقع رأيته كأشدّها عليَّ! وأظنّ الذي يتولّى قتلي رجلًا أبرص من بين هؤلاء القوم. ثمّ إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ومعه جماعة من أصحابه، وهو يقول لي: يا بُنيَّ! أنت شهيد آل محمّد، وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى! فليكن إفطارك عندي الليلة! عجّل يا بُني ولاتتأخّر! فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء! فهذا ما رأيت، وقد أزف الأمر، واقترب الرحيل من هذه الدنيا.». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 154

الأنصار الملتحقون به عليه السلام في كربلاء حتّى ليلة العاشر! ..... ص : 154

1)- أنس بن الحارث الكاهلي- الصحابي- (رض) ..... ص : 154

مرّت بنا ترجمته في وقايع الطريق بين مكّة وكربلاء، في وقايع منزل (قصر بني مقاتل) فراجع ترجمته هناك. «1»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على أنس بن كاهل الأسدي». «2»

وقد قال المحقّق الشيخ السماوي (ره) في إبصار العين أنّه: «كان جاء إلى الحسين عليه السلام عند نزوله كربلاء، والتقى معه ليلًا فيمن أدركته السعادة!». «3»

2)- جوين بن مالك بن قيس بن ثعلبة التميمي (رض) ..... ص : 154

«كان جوين نازلًا في بني تيم، فخرج معهم إلى حرب الحسين عليه السلام، وكان من الشيعة، فلمّا رُدَّت الشروط على الحسين عليه السلام مال معه فيمن مال، ورحلوا إلى الحسين عليه السلام ليلًا، وقُتل بين يديه، قال السروي: وقتل في الحملة الأولى». «4»

وقال الزنجاني: «قال المحقّق الأسترآبادي في رجاله: جوين بن مالك التميمي .. وقال ابن عساكر في تأريخه: هو جوين بن مالك بن قيس بن ثعلبة التميمي له ذكر في المغازي والحروب.». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 155

وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على جوين بن مالك الضبعي». «1»

3)- حبيب بن مظاهر (مُظَهّر) الأسدي الفقعسي- الصحابي- (رض) ..... ص : 155

«هو حبيب بن مُظهَّر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد.

أبوالقاسم الأسديّ الفقعسي، كان صحابياً رأى النبيّ صلى الله عليه و آله، ذكره ابن الكلبي، «2» وكان ابن عمّ ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أباثور الشاعر الفارس.

قال أهل السير: إنّ حبيباً نزل الكوفة، وصحب عليّاً عليه السلام في حروبه كلّها وكان من خاصّته وحملة علومه.

وروى الكشّي عن فضيل بن الزبير قال: مرّ ميثم التمّار على فرس له، فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحادثا حتى اختلف عنقا فرسيهما، ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حبّ أهل بيت نبيّه، فتبقر بطنه على الخشبة!

فقال ميثم: وإنّي أعرف رجلًا أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه، فيُقتل ويُجال برأسه في الكوفة!

ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أكذب من هذين!؟

قال فلم يفترق المجلس حتّى أقبل رشيد الهجري فطلبهما، فقالوا: افترقا، وسمعناهما يقولان كذا وكذا! فقال رشيد: رحم

اللّه ميثماً! نسي ويُزاد في عطاء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 156

الذي يجي ء بالرأس مائة درهم.

ثمّ أدبر، فقال القوم: هذا واللّه أكذبهم!

قال فما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأينا ميثماً مصلوباً على باب عمرو بن حريث!

وجي ء برأس حبيب قد قُتل مع الحسين عليه السلام! ورأينا كلّما قالوا. «1»

وذكر أهل السير: أنّ حبيباً كان ممّن كاتب الحسين عليه السلام. «2»

قالوا: ولمّا ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار، وأخذت الشيعة تختلف إليه، قام فيهم جماعة من الخطباء، تقدّمهم عابس الشاكري، وثنّاه حبيب فقام وقال لعابس بعد خطبته: رحمك اللّه، لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول، وأنا واللّه الذي لا إله إلّا هو لعلى مثل ما أنت عليه! «3»

قالوا: وجعل حبيب ومسلم (ابن عوسجة) يأخذان البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة، حتّى إذا دخل عبيداللّه بن زياد الكوفة، وخذّل أهلها عن مسلم، وفرَّ أنصاره، حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلّما ورد الحسين كربلا خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه!.

وروى ابن أبي طالب: أنّ حبيباً لمّا وصل إلى الحسين عليه السلام ورأى قلّة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين: إنّ هاهنا حيّاً من بني أسد، فلو أذنت لي لسرتُ إليهم ودعوتهم إلى نصرتك، لعلّ اللّه أن يهديهم ويدفع بهم عنك!

فأذن له الحسين عليه السلام، فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 157

وقال في كلامه: يا بني أسد! قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن عليّ أميرالمؤمنين، وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين، وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه! فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول اللّه صلى الله عليه

و آله فيه، فواللّه لئن نصرتموه ليعطينّكم اللّه شرف الدنيا والآخرة! وقد خصصتكم بهذه المكرمة لأنّكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحماً! فقام عبداللّه بن بشير الأسدي وقال: شكر اللّه سعيك يا أبا القاسم، فواللّه لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحبّ فالأحبّ! أمّا أنا فأوّل من أجاب، وأجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب، وانسلّ منهم رجل فأخبر ابن سعد! فأرسل الأزرق في خمسمائة فارس فعارضهم ليلًا، ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلمّا علموا أن لاطاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل، وتحمّلوا عن منازلهم، وعاد حبيب إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما كان، فقال عليه السلام: وما تشاؤون إلّا أن يشاء اللّه، ولاحول ولاقوّة إلّا باللّه.». «1»

ومن متابعة هذه الواقعة (دعوة حبيب حىّ بني أسد لنصرة الإمام عليه السلام) في المصادر التأريخية التي تعرّضت لذكرها يُستفاد أنّ حبيب (رض) كان قد التحق بالإمام عليه السلام في كربلاء قبل اليوم السادس من المحرّم، ويتضح هذا جليّاً في قول الخوارزمي: «والتأمت العساكر عند عمر لستّة أيّام مضين من محرّم، فلمّا رأى ذلك حبيب بن مظاهر الأسدي جاء الى الحسين فقال له: يا ابن رسول اللّه، إنّ هاهنا حيّاً من بني أسد قريباً منّا ...». «2»

ولمّا جاء قُرّة بن قيس الحنظلي إلى الإمام عليه السلام رسولًا من ابن سعد، وأبلغه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 158

رسالة عمر، ثمّ أجابه الإمام عليه السلام، قال له حبيب: ويحك يا قُرَّة بن قيس أنّى ترجع إلى القوم الظالمين!؟ أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك اللّه بالكرامة وإيّانا معك! فقال له قُرّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي! «1»

وكلّم حبيب القوم عصر يوم تاسوعاء قائلًا: «أما واللّه لبئس القوم عند اللّه غداً

قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيّه عليه السلام وعترته وأهل بيته صلى الله عليه و آله، وعُبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين اللّه كثيراً!». «2»

ولمّا ردّ شمر بن ذي الجوشن على إحدى مواعظ الإمام عليه السلام قائلًا: «هو يعبداللّه على حرف إنْ كان يدري ما تقول! فقال له حبيب بن مظاهر: واللّه إنّي لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفاً! وأنا أشهد انّك صادق ما تدري ما يقول! قد طبع اللّه على قلبك!». «3»

وذكر الطبري وغيره أنّ حبيباً كان على ميسرة الحسين عليه السلام، وزهيراً على الميمنة، «4» وأنّه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارز. «5»

«قالوا: ولمّا صُرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب، فقال حبيب: عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم، أَبشر بالجنّة!

فقال له مسلم قولًا ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير.

فقال حبيب: لولا أنّي أعلمُ أنّي في إثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببتُ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 159

أن توصي إليَّ بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة.

فقال له: بلى، أوصيك بهذا رحمك اللّه!- وأومأ بيديه إلى الحسين عليه السلام- أنْ تموت دونه!

فقال حبيب: أفعل وربّ الكعبة!». «1»

«قالوا: ولمّا استأذن الحسين عليه السلام لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال له الحصين بن تميم: إنها لاتُقبل منك!

فقال له حبيب: زعمت لاتُقبل الصلاة من آل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتُقبل منك يا حمار!

فحمل الحصين وحمل عليه حبيب، فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف، فشبَّ به الفرس ووقع عنه، فحمله أصحابه واستنقذوه، وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول:

أُقسمُ لو كُنّا لكم أعدادا أو شطركم ولّيتمُ أكتادا «2»

يا شرَّ قوم حسباً وآدا

ثمّ

قاتل القوم، فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول:

أنا حبيبٌ وأبي مُظهَّر فارس هيجاء وحرب تسعر

أنتم أعدُ عدّة وأكثر ونحن أوفى منكم وأصبر

ونحن أعلى حُجَّة وأظهر حقّاً وأتقى منكم وأعذر

ولم يزل يقولها حتّى قتل من القوم مقتلة عظيمة!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 160

وروي أنَّ القاسم بن حبيب- وهو يومئذٍ قد راهق- بصر بقاتل أبيه قد علّق رأس أبيه حبيب في لبان فرسه، «فأقبل مع الفارس لايفارقه، كلّما دخل القصر دخل معه، وإذا خرج خرج معه، فارتاب به فقال: مالك يا بُنيَّ تتبّعني!؟ قال:

لاشي ء! قال: بلى با بُنييَّ فأخبرني!؟ قال: إنّ هذا رأس أبي! أفتعطنيه حتّى أدفنه؟

قال: يا بُنيَّ لايرضى الأمير أن يُدفن! وأنا أريد أن يُثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً! فقال القاسم: لكنّ اللّه لايثيبك على ذلك إلّا أسوأ الثواب! أمَ واللّه لقد قتلته خيراً منك، وبكى ثمّ فارقه، ومكث القاسم حتّى إذا أدرك لم تكن له همّة إلّا اتّباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه، فلمّا كان زمان مصعب ابن الزبير وغزا مصعب باجميرا، «1» دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه! فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرّته، فدخل عليه وهو قائل «2» نصف النهار فضربه بسيفه حتّى برد.». «3»

«وقيل: بل قتله رجلٌ يُقال له: بديل بن صُريم، وأخذ رأسه فعلّقه في عنق فرسه، فلما دخل الكوفة رآه ابن حبيب بن مظاهر- وهو غلام غير مراهق- فوثب عليه وقتله، وأخذ رأسه.». «4»

ولمّا قُتل حبيب (رض) هدَّ ذلك الحسين عليه السلام وقال: «عند اللّه أحتسب نفسي وحماة أصحابي.». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 161

وفي بعض المقاتل أنه عليه السلام قال: «للّه درّك يا حبيب! لقد كنت فاضلًا تختم القرآن في ليلة واحدة!».

«1»

وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي». «2»

4)- مسلم بن عوسجة الأسدي- الصحابي- (رض) ..... ص : 161

«هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. أبو حجَل الأسدي السعدي، كان رجلًا شريفاً سريّاً عابداً متنسّكاً.

قال ابن سعد في طبقاته: «3» وكان صحابياً ممّن رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وروى عنه الشعبي، وكان فارساً شجاعاً، له ذكر في المغازي والفتوح الإسلامية.

وقال أهل السير: إنّه ممّن كاتب الحسين عليه السلام من الكوفة ووفى له، وممّن أخذ البيعة له عند مجي ء مسلم بن عقيل إلى الكوفة.». «4»

وكان مسلم بن عوسجة (رض) أحد القادة الأربعة الذين عقد لهم مسلم بن عقيل عليه السلام على الأرباع في الكوفة أثناء هجومه على قصر الإمارة، فعقد لابن عوسجة (رض) على ربع مذحج وأسد. «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 162

وقد احتال عبيداللّه بن زياد لمعرفة مكان مسلم بن عقيل عليه السلام بحيلة اختراق حركة الثوّار من داخلها، «فبعث معقلًا مولاه وأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وأمره أن يستدلّ بها على مسلم، فدخل الجامع وأتى إلى مسلم بن عوسجة فرآه يصلّي إلى زاوية، فانتظره حتى انفتل من صلاته، فسلّم عليه ثمّ قال: يا عبداللّه، إني امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع، وقد منّ اللّه عليَّ بحبّ هذا البيت وحبّ من أحبّهم! فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يدلّني أحد عليه، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت! فأتيتك لتقبض هذا المال، وتدلّني على صاحبك فأبايعه! وإنْ شئت أخذت البيعة له قبل لقائه! فقال

له مسلم بن عوسجة:

أحمد اللّه على لقائك إيايّ فقد سرّني ذلك لتنال ما تحبّ، ولينصر اللّه بك أهل بيت نبيّه صلى الله عليه و آله، ولقد ساءتني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. ثمّ إنّه أخذ بيعته قبل أن يبرح وحلّفه بالأيمان المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ، فأعطاه ما رضي، ثمّ قال له: إختلف إليَّ أيّاماً حتّى أطلب لك الإذن، فاختلف إليه ثمّ اذن له فدخل، ودلّ عبيداللّه على موضعه ..». «1»

«قالوا: ثمّ إنّ مسلم بن عوسجة بعد أن قُبض على مسلم وهاني وقُتلا اختفى مدّة، ثمّ فرّ بأهله إلى الحسين فوافاه بكربلا، وفداه بنفسه.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 163

وكان مسلم بن عوسجة (رض) قد قاتل يوم عاشوراء قتالا شديداً لم يُسمع بمثله، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه فيقول:

إنْ تسألوا عنّي فإني ذو لبد وإنّ بيتي في ذُرىْ بني أسد

فمن بغاني حائدٌ عن الرشد وكافرٌ بدين جبّار صمد «1»

ولما صُرع (رض) مشى إليه الحسين عليه السلام فإذا به رمق، فقال له الحسين عليه السلام:

«رحمك اللّه يا مسلم! فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا»، ثمّ دنا منه، فقال له حبيب بن مظاهر (رض)- ما ذكرناه في ترجمته- فقال له مسلم (رض):

«بلى، أوصيك بهذا رحمك اللّه- وأومأ بيديه إلى الحسين عليه السلام- أن تموت دونه!». «2»

ولمّا فاضت روحه الطاهرة صاحت جارية له: «واسيّداه! يا ابن عوسجتاه! فتباشر أصحاب عمر بذلك، فقال لهم شبث بن ربعي: ثكلتكم أمهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلّون أنفسكم لغيركم! أتفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة!؟ أما والذي أسلمتُ له! لَرُبَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سَلَق

آذربايجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تتامّ خيول المسلمين! أفيُقتل منكم مثله وتفرحون!؟». «3»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة مع ثناء عاطر: «السلام على مسلم بن عوسجة الأسديّ، القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف: أنحن نُخلّي عنك!؟

وبمَ نعتذر عنداللّه من أداء حقّك؟ لا واللّه حتّى أكسر في صدورهم رُمحي هذا، وأضربهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 164

بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، ولا أُفارقك! ولو لم يكن معي سلاحٌ أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك حتّى أموت معك!

وكُنت أوّل من شرى نفسه! وأوّل شهيد شهد للّه وقضى نحبه! ففزت وربّ الكعبة، شكر اللّه استقدامك ومواساتك إمامك، إذ مشى إليك وأنت صريع، فقال: يرحمك اللّه يا مسلم ابن عوسجة، وقرأ: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا.

لعن اللّه المشتركين في قتلك: عبداللّه الضبابي، وعبداللّه بن خُشكارة البجلي، ومسلم بن عبداللّه الضبابي.». «1»

5)- مسلم أو أسلم بن كثير الأعرج الأزدي- الصحابي- (رض) ..... ص : 164

قال المحقّق السماوي (ره): «مسلم بن كثير الأعرج الأزدي- أزد شنؤة- الكوفي: كان تابعياً كوفياً صحب أميرالمؤمنين عليه السلام، وأصيبت رجله في بعض حروبه.

قال أهل السير: إنّه خرج إلى الحسين عليه السلام من الكوفة، فوافاه لدن نزوله في كربلاء. وقال السروي: إنّه قُتل في الحملة الأولى.». «2»

وقال النمازي: «مسلم بن كثير الأعرج: من أصحاب الرسول وأميرالمؤمنين صلوات اللّه عليهما، وتشرّف بشهادة الطفّ في الحملة الأولى». «3»

وقال الزنجاني: «وقال العسقلاني في (الإصابة): هو أسلم بن كثير بن قليب الصدفي الأزدي الكوفي، له إدراك مع النبيّ صلى الله عليه و آله، وذكره ابن يونس، وقال: شهد فتح مصر في زمان عمر بن الخطّاب». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 165

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على أسلم بن كثير الأزدي

الأعرج». «1»

6)- رافع بن عبداللّه مولى مسلم بن كثير (رض) ..... ص : 165

قال المحقق السماوي (ره): «كان رافع خرج إلى الحسين عليه السلام مع مولاه مسلم المذكور قبله، وحضر القتال فقُتل». «2»

وقال الزنجاني: «رافع بن عبداللّه الأزدي الكوفي: وهو مولى مسلم بن كثير الذي قُتل في الحملة الأولى بعد أن قتل من عساكر ابن سعد، وقُتل رافع مبارزة بعد صلاة الظهر في حومة الحرب بعدما قتل من القوم جماعة كثيرة وجرح آخرين، ثمّ اشتركا في قتله كثير بن شهاب التميمي، ومخضر بن أوس الضبيبي على قول الذخيرة. «3»». «4»

7)- القاسم بن حبيب بن أبي بشر الأزدي (رض) ..... ص : 165

قال المحقق السماوي (ره): «كان القاسم فارساً من الشيعة الكوفيين، خرج مع ابن سعد، فلمّا صار في كربلا مال إلى الحسين عليه السلام أيّام المهادنة، وما زال معه حتّى قُتل بين يديه في الحملة الأولى.». «5»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على قاسم بن حبيب الأزديّ». «6»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 166

8)- زهير بن سليم الأزدي (رض) ..... ص : 166

قال المحقق السماوي (ره): «كان زهير ممّن جاء إلى الحسين عليه السلام في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله، فانضمّ إلى أصحابه، وقُتل في الحملة الأولى.». «1»

وقال الزنجاني: «قال العسقلاني في الإصابة: هو زهير بن سليم بن عمرو الأزدي، وقال صاحب الحدائق: كان زهير بن سليم من الذين جاءوا إلى الحسين في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله، فانضمّ إلى أصحابه الأزديين الذين كانوا مع الحسين. وقال أبومخنف: فلمّا شبّ القتال وحمل أهل الكوفة على عسكر الحسين عليه السلام تقدّم زهير بن سليم أمام الحسين وقاتل قتال المشتاقين حتّى قُتل في الحملة الأولى.». «2»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على زهير بن سليم الأزدي». «3»

9)- النعمان بن عمرو الأزدي الراسبي (رض) ..... ص : 166
10)- الحُلاس بن عمرو الأزدي الراسبي (رض) ..... ص : 166

قال المحقق السماوي (ره): «كان النعمان والحُلاس إبنا عمرو الراسبيان من أهل الكوفة، وكانا من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، وكان الحُلاس على شرطته بالكوفة.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 167

قال صاحب الحدائق: خرجا مع عمر بن سعد، فلمّا ردّ ابن سعد الشروط جاءا إلى الحسين ليلًا فيمن جاء، وما زالا معه حتّى قُتلا بين يديه.

وقال السروي: قُتلا في الحملة الأولى.». «1»

ونقل الزنجاني في (وسيلة الدارين) أنهما انضمّا إلى الإمام عليه السلام ليلة الثامن من المحرّم، ومازالا معه إلى يوم العاشر، فلمّا شبّ القتال تقدّم الحُلاس أمام الحسين عليه السلام إلى الجهاد فقُتل في الحملة الأولى مع من قُتل من أصحاب الحسين، وقُتل أخوه النعمان أيضاً مبارزة فيما بين الحملة الأولى والظهر في حومة الحرب بعدما عقروا فرسه». «2»

11)- جابر بن الحجّاج مولى عامر بن نهشل التيمي (رض) ..... ص : 167

قال المحقّق السماوي (رض): «كان جابر فارساً شجاعاً، قال صاحب الحدائق: حضر مع الحسين عليه السلام في كربلا وقُتل بين يديه، وكان قتله قبل الظهر في الحملة الأولى». «3»

ونقل الزنجانيّ يقول: «قال المامقاني في رجاله إنّه من قبيلة تيم، وكان شجاعاً وذا فكر، قال الذهبي في التجريد: هو جابر بن الحجّاج بن عبداللّه بن رئاب ابن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي، مولى عامر بن نهشل التيمي، من بني تيم اللّه بن ثعلبة. وقال صاحب الحدائق: كان جابر فارساً شجاعاً كوفياً ممّن تابع مسلماً، فلمّا تخاذل النّاس عن مسلم بن عقيل وقُبض عليه اختفى جابر عند قومه، فلمّا سمع بمجي ء الحسين إلى كربلاء خرج من الكوفة مع عمر بن سعد، حتّى إذا كان

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 168

له فرصة أيّام المهادنة جاء إلى الحسين وسلّم عليه، فبقي عنده إلى يوم الطف، فلمّا شبّ القتال تقدّم بين يدي الحسين وقاتل

حتى قُتل رضوان اللّه عليه.». «1»

12)- مسعود بن الحجّاج التيمي- تيم اللّه بن ثعلبة- (رض) ..... ص : 168
13)- عبدالرحمن بن مسعود بن الحجّاج التيمي (رض) ..... ص : 168

قال المحقّق السماوي (ره): «كان مسعود وابنه من الشيعة المعروفين، ولمسعود ذكر في المغازي والحروب، وكانا شجاعين مشهورين، خرجا مع ابن سعد حتّى إذا كانت لهما فرصة أيّام المهادنة جاءا إلى الحسين عليه السلام يسلّمان عليه فبقيا عنده، وقُتلا في الحملة الأولى كما ذكره السروي.». «2»

وقد ورد السلام عليهما في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على مسعود بن الحجّاج وإبنه». «3»

14)- عمر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي- الصحابي- (رض) ..... ص : 168

نقل الزنجاني يقول: «قال المحقّق الأسترآبادي في رجاله: عمرو بن ضبعة الضبعي من أصحب الحسين عليه السلام قُتل معه بالطف، وقال العسقلاني في الإصابة:

هو عمرو بن ضبعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي، له ذكر في المغازي والحروب، وكان فارساً شجاعاً له إدراك. قال أبومخنف: حدّثني فضيل بن خديج الكندي أنّ عمرو بن ضبعة بن قيس كان ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى حرب الحسين، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين عليه السلام مال إليه، ثمّ دخل في أنصار

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 169

الحسين عليه السلام فيمن دخل، وقاتل بين يديه حتّى قُتل في الحملة الأولى مع من قُتل رضوان اللّه عليه.». «1»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على عمرو بن ضبيعة الضبعي». «2»

15)- أُميّة بن سعد الطائي (رض) ..... ص : 169

قال المحقّق السماوي (ره): «كان أميّة من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام تابعياً نازلًا في الكوفة، سمع بقدوم الحسين عليه السلام إلى كربلاء فخرج إليه أيّام المهادنة، وقتل بين يديه. قال صاحب الحدائق: قُتل في أوّل الحرب، يعني في الحملة الأولى.». «3»

ونقل الزنجاني يقول: «قال العسقلاني في الإصابة: هو أميّة بن سعد بن زيد الطائي. قال علماء السير والتراجم: كان أميّة بن سعد فارساً شجاعاً تابعيّاً من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام نازلًا في الكوفة، له ذكر في المغازي والحروب، خصوصاً يوم صفّين، فلمّا سمع بقدوم الحسين إلى كربلاء خرج من الكوفة مع من خرج أيّام المهادنة حتّى جاء إلى الحسين عليه السلام ليلة الثامن من المحرّم ...». «4»

16)- الضرغامة بن مالك التغلبي (رض) ..... ص : 169

قال المحقّق السماوي (ره): «كان كإسمه ضرغاماً، وكان من الشيعة، وممّن بايع مسلماً، فلمّا خُذل خرج فيمن خرج مع ابن سعد، ومال إلى الحسين عليه السلام

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 170

فقاتل معه، وقتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر، رضي اللّه عنه.». «1»

«وقال أبومخنف: ثمّ برز ضرغامة بن مالك وهو يرتجز ويقول:

إليكم من مالك ضرغام ضرب فتىً يحمي عن الكرام

يرجو ثواب اللّه بالتمام سبحانه من مالك علّام

ثمّ حمل على القوم فقاتل قتال الرجل الباسل، وصبر على الخطب الهائل، حتّى قتل ستين فارساً سوى من جرح، ثمّ قُتل رضوان اللّه عليه.». «2»

وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على ضرغامة بن مالك.». «3»

17)- كنانة بن عتيق التغلبي- الصحابي- (رض) ..... ص : 170

نقل الزنجانيّ يقول: «قال أبوعلي في رجاله: كنانة بن عتيق التغلبي من أصحاب الحسين عليه السلام قُتل معه بكربلاء. وقال العسقلاني في الإصابة: هو كنانة بن عتيق بن معاوية بن الصامت بن قيس التغلبي، الكوفي شهد أُحداً هو وأبوه عتيق- بالتاء المثنّاة ثم القاف- فارس رسول اللّه عليه السلام، وقد ذكره ابن مندة في تاريخه.

وقال العلّامة في الخلاصة: كنانة بن عتيق بن معاوية بن الصامت، فارس رسول اللّه صلى الله عليه و آله. وقال علماء السير وأرباب المقاتل: كان كنانة بن عتيق بطلًا من أبطال الكوفة، وعابداً من عُبّادها، وقارئاً من قُرّائها، جاء إلى الحسين عليه السلام من الطفّ أيام المهادنة، وجاهد بين يديه حتّى قُتل. وقال صاحب الحدائق عن أحمد بن محمد

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 171

السروي قال: وقُتل كنانة بن عتيق في الحملة الأولى مع من قُتل. وقال غيره: قُتل مبارزة فيما بين الحملة الأولى والظهر ...». «1»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على كنانة بن عتيق». «2»

18)- قاسط بن زهير بن الحرث التغلبي (رض) ..... ص : 171
19)- كردوس بن زهير بن الحرث التغلبي (رض) ..... ص : 171
20)- مقسط بن زهير بن الحرث التغلبي (رض) ..... ص : 171

قال المحقّق السماوي (ره): «كان هؤلاء الثلاثة من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ومن المجاهدين بين يديه في حروبه، صحبوه أوّلًا، ثمّ صحبوا الحسن عليه السلام، ثمّ بقوا في الكوفة، ولهم ذكر في الحروب، ولاسيّما صفين، ولمّا ورد الحسين عليه السلام كربلا خرجوا إليه، فجاؤه ليلًا، وقتلوا بين يديه ..». «3»

ونقل الزنجاني يقول: «قال أبوعليّ في رجاله: قاسط بن عبداللّه بن زهير بن الحارث التغلبي من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام. وقال نصر بن مزاحم المنقري الكوفي في كتاب صفّين إنّ عليّاً عليه السلام لمّا عقد الألوية للقبائل فأعطاها قوماً بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم، وجعل على قريش وأسد وكنانة عبداللّه بن عبّاس بن عبدالمطلّب، وعلى

كندة حُجر بن عديّ الكندي، وعلى بكر البصرة حصين بن المنذر، وعلى تميم البصرة الأحنف بن قيس وقاسط بن عبداللّه بن زهير بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 172

الحرث التغلبي، وعلى حنظلة البصرة أَعيَن بن ضبيع وكردوس بن عبداللّه بن زهير التغلبي «1» ...». «2»

وقد ورد السلام في زيارة الناحية المقدّسة على قاسط وأخيه كردوس فقط ولم يُذكر مقسط فيها: «السلام على قاسط وكردوس إبني زهير التغلبيين». «3»

21)- رجل من بني أسد (رض)! ..... ص : 172

روى ابن عساكر، عن العريان بن الهيثم قال: «كان أبي يتبدّى فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنّا لانبدو إلّا وجدنا رجُلًا من بني أسد هناك.

فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان!؟

قال: بلغني أنّ حسيناً يُقتل ها هنا! فأنا أخرج إلى هذا المكان لعليّ أُصادفه فأُقتل معه!!

قال ابن الهيثم: فلمّا قُتل الحسين قال أبي: إنطلقوا بنا ننظر هل الأسديُّ فيمن قُتل مع الحسين؟

فأتينا المعركة وطوّفنا فإذا الأسديُّ مقتول!». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 173

22)- حنظلة بن أسعد الشبامي (رض) ..... ص : 173

قال المحقّق السماوي (ره): «هو حنظلة بن أسعد بن شبام بن عبداللّه «1» بن أسعد بن حاشد بن همدان، الهمداني الشبامي، وبنو شبام بطن من همدان.

كان حنظلة بن أسعد الشبامي وجهاً من وجوه الشيعة، ذا لسان وفصاحة، شجاعاً قارئاً، وكان له ولد يُدعى عليّاً، له ذِكر في التأريخ.

قال أبومخنف: جاء حنظلة إلى الحسين عليه السلام عندما ورد الطفّ، وكان الحسين عليه السلام يُرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيّام الهدنة، فلمّا كان اليوم العاشر جاء إلى الحسين عليه السلام يطلب منه الإذن، فتقدّم بين يديه وأخذ يُنادي:

«يا قومِ إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلماً للعباد، ويا قومِ إنّي أخاف عليكم يوم التنادِ يوم تولّون مدبرين مالكم من اللّه من عاصم، ومن يُضلل اللّهُ فماله من هاد»، «2»

يا قوم لاتقتلوا حسيناً «فيسحتكم اللّه بعذاب وقد خاب من أفترى» «3».

فقال الحسين عليه السلام: يا ابن أسعد! إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 174

إليه من الحقّ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك!! فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين!؟

قال: صدقت، جعلتُ فداك! أفلا نروح إلى

ربّنا ونلحق بإخواننا؟

قال: رُحْ إلى خيرٍ من الدنيا وما فيها، إلى ملك لايبلى!

فقال حنظلة: السلام عليك يا أبا عبداللّه، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعرّف بينك وبيننا في جنّته!

فقال الحسين عليه السلام: آمين آمين!

ثمّ تقدّم إلى القوم مصلتاً سيفه يضرب فيهم قُدُماً! حتّى تعطّفوا عليه فقلتوه في حومة الحرب رضوان اللّه عليه.». «1»

ونقل الزنجاني يقول: «وقال أبومخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: جاء حنظلة بن أسعد الشبامي إلى الحسين عند نزوله كربلاء، وكان الحسين يُرسله إلى عمر بن سعد للمكالمة أيّام المهادنة، فلمّا صار يوم العاشر ورأى أصحاب الحسين قد أُصيبوا كلّهم، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن المطاع الخثعمي، وبشر بن عمرو الحضرمي، جاء حنظلة فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره، ويطلب منه الإذن، وأخذ ينادي ...». «2»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على حنظلة بن أسعد الشبامي.». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 175

23)- سيف بن الحرث بن سريع بن جابر الهمداني الجابري (رض) ..... ص : 175
24)- مالك بن عبداللّه بن سريع بن جابر الهمداني الجابري (رض) ..... ص : 175

قال المحقّق السماوي (ره): «وبنو جابر بطن من همدان، كان سيف ومالك الجابريّان إبني عمّ وأخوين لأمّ، جاءا إلى الحسين عليه السلام ومعهما شبيب مولاهما فدخلا في عسكره وانضمّا إليه.

قالوا: فلمّا رأيا الحسين عليه السلام في اليوم العاشر بتلك الحال، جاءا إليه وهما يبكيان، فقال لهما الحسين عليه السلام: أي ابني أخويَّ ما يبكيكما؟ فواللّه إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين!

فقالا: جعلنا اللّه فداك! لا واللّه ما على أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك! نراك قد أُحيط بك ولانقدر على أن نمنعك بأكثر من أنفسنا!

فقال الحسين عليه السلام: جزاكما اللّه يا ابني أخويَّ عن وجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي أحسن جزاء المتقين!

قال أبومخنف: فهما في

ذلك إذ تقدّم حنظلة بن أسعد يعظ القوم، فوعظ وقاتل فقُتل- كما تقدّم- فاستقدما يتسابقان إلى القوم ويلتفتان إلى الحسين عليه السلام فيقولان: السلام عليك يا ابن رسول اللّه!

ويقول الحسين عليه السلام: وعليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته!

ثمّ جعلا يقاتلان جميعاً، وإنّ أحدهما ليحمي ظهر صاحبه «1» حتّى قُتلا.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 176

وقد ورد السلام عليهما في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على شبيب بن الحارث بن سريع، السلام على مالك بن عبداللّه بن سريع». «1»

25)- شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري (رض) ..... ص : 176

قال المحقّق السماوي: «كان شبيب بطلًا شجاعاً جاء مع سيف ومالك إبني سريع. قال ابن شهرآشوب: قُتل في الحملة الأولى التي قُتل فيها جملة من أصحاب الحسين، وذلك قبل الظهر في اليوم العاشر.». «2»

ونقل الزنجاني تحت عنوان (شبيب بن عبداللّه مولى الحرث بن سريع الكوفي) يقول: «... قال العسقلاني في الإصابة هو شبيب بن عبداللّه بن مشكل بن حي بن جديه (بفتح الجيم وسكون الدال بعدها ياء تحتانية)، مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري، وبنو جابر بطن من همدان، وقال ابن الكلبي: «3» شبيب بن عبداللّه كان صحابياً أدرك صحبة رسول اللّه وشهد مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام مشاهده كلّها وعداده من الكوفيين، وكان شبيب هذا بطلًا شجاعاً جاء مع سيف بن الحارث ومالك بن عبداللّه بن سريع ...». «4»

وقد ورد السلام في زيارة الناحية المقدّسة على من إسمه شبيب في موضعين: الأول: «السلام على شبيب بن عبداللّه النهشلي»، «5» وهذا من شهداء الطفّ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 177

أيضاً ولكنه غير المقصود. والثاني: «السلام على شبيب بن الحارث بن سريع»، والظاهر أنّ شبيب هنا تصحيف لسيف. «1»

26)- عمّار بن أبي سلامة الدالاني- الصحابي- (رض) ..... ص : 177

قال المحقق السماوي (ره): «هو عمّار بن أبي سلامة بن عبداللّه بن عمران بن راس بن دالان، أبوسلامة الدالاني، وبنو دالان بطن من همدان.

كان أبوسلامة عمّار صحابياً له رؤية كما ذكره الكلبي وابن حجر «2» وقال أبوجعفر الطبري: وكان من أصحاب عليّ عليه السلام ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث، وهو الذي سأل أميرالمؤمنين عليه السلام عندما سار من ذي قار إلى البصرة فقال: يا أميرالمؤمنين إذا قدمتَ عليهم فماذا تصنع؟

فقال: أدعوهم إلى اللّه وطاعته، فإنْ أبوا قاتلتهم.

فقال أبوسلامة: إذن لن يغلبوا داعي اللّه- في كلام

له-

وقال ابن حجر في الإصابة: إنّه أتى إلى الحسين عليه السلام في الطفّ وقُتل معه، «3» وذكر صاحب الحدائق، والسروي: أنّه قُتل في الحملة الأولى حيث قُتل جملة من أصحاب الحسين عليه السلام.». «4»

وروى البلاذري قائلًا: «وهمّ عمّار بن أبي سلامة الدالاني أن يفتك بعبيد اللّه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 178

بن زياد في عسكره بالنخيلة، فلم يمكنه ذلك، فلطف حتّى لحق بالحسين فقُتل معه.». «1»

وفي طريقه إلى كربلاء كان عمّار (رض) قد أصطدم بمسلحة كبيرة من مسالح ابن زياد التي حاصرت الطريق الى كربلاء، ينقل المحقّق السيّد المقرّم (ره) عن كتاب الإكليل للهمداني قائلًا: «وجعل عبيداللّه بن زياد زجر بن قيس الجعفي على مسلحة في خمسمائة فارس! وأمره أن يُقيم بجسر الصراة، يمنع من يخرج من الكوفة يريد الحسين عليه السلام، فمرَّ به عامر بن أبي سلامة بن عبداللّه بن عرار الدالاني، فقال له زجر: قد عرفت حيث تريد، فارجع!

فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ومضى، وليس أحد منهم يطمع في الدنوّ منه! فوصل كربلاء، ولحق بالحسين عليه السلام حتّى قُتل معه، وكان قد شهد المشاهد مع أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.». «2»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على عمّار بن أبي سلامة الهمداني». «3»

27)- حبشي بن قيس النهمي (رض) ..... ص : 178

قال المحقّق السماوي (ره): «هو حبشي بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بن سلمة بن حارثة، الهمدانيّ النهمي، وبنو نهم بطن من همدان.

كان سلمة صحابياً ذكره جماعة من أهل الطبقات، وإبنه قيس له إدراك ورؤية،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 179

وابن قيس حبشيٌّ ممّن حضر الطفّ وجاء الى الحسين فيمن جاء أيّام الهدنة. قال ابن حجر: وقتل مع الحسين عليه السلام. «1»». «2»

28)- زياد بن عريب الهمداني الصائدي، أبوعمرة (رض) ..... ص : 179

قال المحقّق السماوي (ره): «هو زياد بن عريب بن حنظلة بن دارم بن عبداللّه بن كعب الصائد بن شرحبيل بن ... بن همدان، أبوعمرة الهمداني، كان عريب صحابياً ذكره جملة من أهل الطبقات، وأبو عمرة ولده هذا له إدراك، وكان شجاعاً ناسكاً معروفاً بالعبادة، قال صاحب الإصابة: إنه حضر وقُتل مع الحسين عليه السلام.

وروى الشيخ (ابن نما) عن مهران الكاهلي مولى لهم- أي مولى لبني كاهل-، قال: شهدتُ كربلا مع الحسين عليه السلام فرأيت رجلًا يُقاتل قتالًا شديداً، لايحمل على قوم إلّا كشفهم! ثمّ يرجع إلى الحسين عليه السلام فيقول له:

أَبشرْ هُديتَ الرشد يا ابن أحمدا في جنّة الفردوس تعلو صعّدا

فقلت: من هذا؟ قالوا: أبوعمرة الحنظلي.

فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني اللّات بن ثعلبة فقتله واحتزَّ رأسه. قال وكان متهجّداً.». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 180

29)- سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهمي (رض) ..... ص : 180

قال المحقّق السماوي (ره): «كان سوار ممّن أتى إلى الحسين عليه السلام أيّام الهدنة، وقاتل في الحملة الأولى فجُرح وصُرع. قال في الحدائق الوردية: قاتل سوار حتّى إذا صُرع أُتي به أسيراً إلى عمر بن سعد فأراد قتله، فشفع فيه قومه، وبقي عندهم جريحاً حتّى توفّي على رأس ستّة أشهر.

وقال بعض المؤرّخين: إنّه بقي أسيراً حتّى توفي، وإنّما كانت شفاعة قومه للدفع عن قتله، ويشهد له ما ذكر في القائميات من قوله عليه السلام: «السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير النهمي»، «1» على أنه يمكن حمل العبارة على أسره في أوّل الأمر.». «2»

30)- عمرو بن عبداللّه الجندعي (رض) ..... ص : 180

قال المحقّق السماوي (ره): «وبنو جندع بطن من همدان، كان عمرو الجندعي ممّن أتى الى الحسين عليه السلام أيّام المهادنة في الطفّ، وبقي معه.

قال في الحدائق: إنّه قاتل مع الحسين عليه السلام فوقع صريعاً مرتثّاً بالجراحات، قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه، فاحتمله قومه، وبقي مريضاً من الضربة صريع فراش سنة كاملة، ثمّ توفّي على رأس السنة، رضي اللّه عنه، ويشهد له ما ذكر في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 181

القائميات من قوله عليه السلام: «السلام على الجريح المرتثّ عمرو الجندعي «1»

.». «2»

31)- عمرو بن قرظة الأنصاري (رض) ..... ص : 181

قال المحقّق السماوي (ره): «هو عمرو بن قرظة بن كعب بن عمرو بن عائذ ابن زيد مناة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، الأنصاري الخزرجي الكوفي.

كان قرظة من الصحابة الرواة، وكان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام نزل الكوفة، وحارب مع أميرالمؤمنين عليه السلام في حروبه، وولّاه فارس، وتوفي سنة إحدى وخمسين، وهو أوّل من نيح عليه بالكوفة، وخلّف أولاداً أشهرهم عمرو، وعليّ.

أمّا عمرو فجاء إلى أبي عبداللّه الحسين عليه السلام أيّام المهادنة في نزوله بكربلا قبل الممانعة، وكان الحسين عليه السلام يُرسله إلى عمر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل إرسال شمر بن ذي الجوشن فيأتيه بالجواب، حتّى كان القطع بينهما بوصول شمر.

فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم استأذن الحسين عليه السلام في القتال، ثمّ برز وهو يقول:

قد علمت كتائبُ الأنصار إنّي سأحمي حوزة الذمار

فعل غلام غير نكسٍ، شار دون حسين مهجتي وداري

قال الشيخ ابن نما: عرّض بقوله (دون حسين مهجتي وداري) بعمر بن سعد فإنّه لمّا قال له الحسين عليه السلام: صِر معي! قال: أخاف على داري!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 182

فقال الحسين عليه السلام له: أنا أعوّضك عنها. قال: أخاف

على مالي!

فقال له: أنا أعوّضك عنه من مالي بالحجاز. فتكرّه! إنتهى كلامه. «1»

ثُمّ إنّه قاتل ساعة ورجع للحسين عليه السلام فوقف دونه ليقيه من العدوّ! قال الشيخ ابن نما: فجعل يتلقّى السهام بجبهته وصدره فلم يصل إلى الحسين عليه السلام سوء حتّى أُثخن بالجراح! فالتفت إلى الحسين عليه السلام فقال: أوفيتُ يا ابن رسول اللّه؟ قال: نعم! أنت أمامي في الجنّة! فأقرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله السلام وأعلمه أنّي في الأثر!

فخرَّ قتيلًا رضوان اللّه عليه. «2»

وأمّا عليٌّ فخرج مع عمر بن سعد! فلمّا قُتل أخوه عمرو برز من الصفّ ونادى: يا حسين يا كذّاب أغررت أخي وقتلته؟ فقال له الحسين عليه السلام: إنّي لم أغرَّ أخاك ولكن هداه اللّه وأضلّك! فقال عليٌّ: قتلني اللّه إنْ لم أقتلك أو أموت دونك! ثمّ حمل على الحسين عليه السلام، فاعترضه نافع بن هلال فطعنه حتّى صرعه، فحمل أصحابه عليه واستنقذوه، فَدُوِيَ بعد فبري ء. ولعليٍّ هذا دون أخيه الشهيد ترجمة في كتب القوم ورواية عنه ومدح فيه!.». «3»

وقد ورد السلام على عمرو بن قرظة في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على عمرو بن قرظة الأنصاري.». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 183

32)- عبداللّه بن بشر الخثعمي (رض) ..... ص : 183

قال المحقّق السماوي (ره): «هو عبداللّه بن بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قُمَيْر بن عامر بن رائسة بن مالك بن واهب بن جليحة بن كلب بن ربيعة بن عفرس بن خلف بن أقبل بن أنمار، الأنماريّ الخثعمي.

كان عبداللّه بن بشر الخثعمي من مشاهير الكماة، الحماة للحقائق، وله ولأبيه ذكر في المغازي والحروب.

قال ابن الكلبي: بشر بن ربيعة الخثعمي هو صاحب الخطّة بالكوفة التي يُقال لها: جبانة بشر. وهو القائل يوم القادسية:

أنختُ بباب القادسية ناقتي

وسعد بن وقّاص عليَّ أمير

وكان ولده عبداللّه ممن خرج مع عسكر ابن سعد، ثمّ صار إلى الحسين عليه السلام فيمن صار إليه أيّام المهادنة. قال صاحب الحدائق وغيره: إنّ عبداللّه بن بشر قُتل في الحملة الأولى قبل الظهر.». «1»

33)- الحارث بن امرء القيس الكندي (رض) ..... ص : 183

نقل الزنجاني يقول: «قال في الإصابة: هو حارث بن امرء القيس بن عابس بن المنذر بن امرء القيس بن عمرو بن معاوية الأكرمين الكندي ... قال صاحب الحدائق: كان الحرث ممّن خرج مع عسكر عمر بن سعد حتّى أتى كربلاء، فلمّا ردوّا الشروط على الحسين مال إلى الحسين، وجاء إليه فسلّم وانضمّ إلى أصحابه الكنديين- وهم أربعة أشخاص كما ذكرنا بعضهم- وما زال مع الحسين عليه السلام، فلمّا شبّ القتال تقدّم أمام الحسين مع من تقدّم، وقُتل في الحملة الأولى رضوان اللّه عليه.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 184

«كان الحارث من الشجعان العُبّاد، وله ذكر في المغازي ..». «1»

34)- بشر بن عمرو بن الأُحدوث الحضرمي الكندي (رض) ..... ص : 184

مرّت بنا ترجمته (رض) في وقائع ليلة عاشوراء، فراجعها هناك تحت عنوان (الحضرمي: أكلتني السباع حيّاً إنْ فارقتك!) مع الإشارة المرتبطة بهذا العنوان.

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على بشر بن عمر الحضرمي، شكر اللّه لك قولك للحسين وقد أذن لك في الإنصراف: أكلتني إذن السباع حيّاً إذا فارقتك! وأسأل عنك الركبان!؟ وأخذلك مع قلّة الأعوان!؟ لايكون هذا أبداً!». «2»

35)- عبداللّه بن عروة بن حرّاق الغفاري (رض) ..... ص : 184
36)- عبدالرحمن بن عروة بن حرّاق الغفاري (رض) ..... ص : 184

قال المحقّق السماوي (ره): «كان عبداللّه وعبدالرحمن الغفاريان من أشراف الكوفة ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم، وكان جدّهما حرّاق من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام وممّن حارب معه في حروبه الثلاث.

وجاء عبداللّه وعبدالرحمن إلى الحسين عليه السلام بالطفّ.

وقال أبومخنف: لمّا رأى أصحاب الحسين أنّهم قد كُثروا، وأنّهم لايقدورن على أن يمنعوا الحسين ولا أنفسهم، تنافسوا في أن يُقتلوا بين يديه، فجاءه عبداللّه وعبدالرحمن إبنا عروة الغفاريّان فقالا: يا أبا عبداللّه السلام عليك! حازنا العدوّ إليك فأحببنا أنْ نُقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك! فقال: مرحباً بكما! أدنوا منّي.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 185

فدنوا منه، فجعلا يقاتلان قريباً منه، وإنّ أحدهما ليرتجز ويتمّ له الآخر، فيقولان:

قد علمتْ حقّاً بنوغفار وخندف بعد بني نِزار

لنضربنّ معشر الفجّار بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأطهار بالمشرفيّ والقنا الخطّار

فلم يزالا يُقاتلان حتّى قُتلا.

وقال السرويّ: إنّ عبداللّه قُتل في الحملة الأولى، وعبدالرحمن قُتل مبارزة.

وقال غيره: إنّهما قُتلا مبارزة. وهو الظاهر من المراجعة.». «1»

وقد ورد السلام عليهما في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على عبداللّه وعبدالرحمن إبني عروة بن حرّاق الغفاريين». «2»

37)- عبداللّه بن عمير الكلبي (رض) ..... ص : 185

قال المحقّق السماوي (ره): «هو عبداللّه بن عمير بن عبّاس بن عبدقيس بن عُلَيْم بن جناب، الكلبي العُلَيمي، أبووهب.

كان عبداللّه بن عمير بطلًا شجاعاً شريفاً، نزل الكوفة واتّخذ عند بئر الجعد من همدان داراً، فنزلها ومعه زوجته أمُّ وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط.

قال أبومخنف: فرأى القوم بالنخيلة يُعرضون ليسرّحوا إلى الحسين عليه السلام، فسأل عنهم، فقيل له: يُسرّحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه!

فقال: واللّه، لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإنّي لأرجو ألّا يكون

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 186

جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر

ثواباً عند اللّه من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين!

فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع، وأعلمها بما يُريد، فقالت له: أصبتَ أصاب اللّه بك أرشد أمورك، إفعل وأخرجني معك!

قال: فخرج بها ليلًا حتّى أتى حُسيناً فأقام معه.

فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس، خرج يسار مولى زياد، وسالم مولى عبيداللّه، فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم!

فوثب حبيب وبرير، فقال لهما الحسين: أجلسا!

فقام عبداللّه بن عمير فقال: أباعبداللّه! رحمك اللّه إئذن لي لأخرج إليهما! فرأى الحسين رجلًا آدم، طوالًا، شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين!

فقال الحسين: إنّي لأحسبه للأقران قتّالًا! أُخرجْ إنْ شئت.

فخرج إليهما، فقالا له: من أنت!؟ فانتسب لهما فقالا: لانعرفك، ليخرج إلينا زهيرٌ أوحبيب أو برير!

ويسارُ مستنتل أمام سالم، فقال له عبداللّه: يا ابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحدٍ من الناس!؟ أَوَ يخرج إليك أحدٌ من الناس إلّا وهو خير منك!

ثمَّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد، فإنه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم، فصاح به أصحابه: قد رهقك العبد. فلم يأبه له حتّى غشيه فبدره بضربة فاتّقاها عبداللّه بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى، ثمَّ مال عليه فضربه حتّى قتله، وأقبل إلى الحسين عليه السلام يرتجز أمامه وقد قتلهما جميعاً فيقول:

إنْ تُنكروني فأنا ابن كلب حسبي ببيتي في عُلَيْمٍ حسبي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 187

إنّي امرؤٌ ذو مِرّة وعصبِ ولستُ بالخوّار عند النكب

إنّي زعيمٌ لكِ أمَّ وهبِ بالطعن فيهم مقدماً والضرب

قال: فأخذت أمُّ وهب إمرأته عموداً، ثمَّ أقبلت نحو زوجها تقول: فداك أبي وأمّي! قاتل دون الطيبين ذريّة محمّد صلى الله عليه و آله. فأقبل إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه وتقول: إني لن أدعك دون أن أموت معك. (وإنّ

يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلايستطيع ردّ امرأته)، فجاء إليها الحسين عليه السلام وقال: جُزيتم من أهل بيتٍ خيراً! إرجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهنّ فإنّه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهنّ .. وقاتل الكلبي وكان في الميسرة قتال ذي لبدٍ! وقتل من القوم رجالًا، فحمل عليه هاني بن ثُبيت الحضرمي، وبكير بن حيّ التيمي- من تيم اللّه بن ثعلبة- فقتلاه ... وانجلت الغبرة فخرجت إمرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتّى جلست عند رأسه تمسح التراب عنه وتقول: هنيئاً لك الجنّة! أسأل اللّه الذي رزقك الجنّة أن يصحبني معك!

فقال شمر لغلامه رستم: إضرب رأسها بالعمود!

فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.». «1»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على عبداللّه بن عمير الكلبي». «2»

38)- سالم بن عمرو مولى بني المدينة الكلبي (رض) ..... ص : 187

قال المحقّق السماوي (ره): «كان سالم مولى لبني المدينة، وهم بطن من

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 188

كلب، كوفيّاً من الشيعة، خرج إلى الحسين عليه السلام أيّام المهادنة، فانضمّ إلى أصحابه.

قال في الحدائق: ومازال معه حتّى قُتل.

وقال السرويّ: قُتل في أوّل حملة مع من قُتل من أصحاب الحسين عليه السلام وله في القائميات ذكر وسلام.». «1»

ونقل الزنجاني قائلًا: «وقال في الذخيرة ص 242: وقال أهل السير: كان سالم فارساً شجاعاً خرج مع مسلم بن عقيل أوّلًا، ولمّا تخاذل النّاس عن مسلم قبض عليه كثير بن شهاب التميمي مع جماعة من الشيعة، فأراد تسليمه إلى عبيداللّه بن زياد مع أصحابه الذين كانوا معه، فأفلت واختفى عند قومه، فلمّا سمع نزول الحسين بن علي إلى كربلاء خرج إليه أيّام المهادنة فانضمّ إلى أصحابه الذين كانوا مع الحسين من الكلبيين ...». «2»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على سالم مولى

بني المدينة الكلبي.». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 191

الفصل الثالث: كربلاء يوم العاشر من المحرّم سنة 61 ه ق ..... ص : 191

أنصار الامام الحسين عليه السلام ..... ص : 191

قبل الحديث حول أنصار الإمام الحسين عليه السلام، في عددهم، وأسمائهم، وأنسابهم، وكلّ ما يتعلّق بهم، لابدّ من الحديث- ولو على نحو الإشارة- في علوّ منزلتهم، وسموّ مقامهم، وخصوصية تلك المنزلة وذلك المقام.

وحيث يعجز البيان، وتقصر قدرة العارف البليغ عن بلوغ الغاية في وصف هذه النخبة المصطفاة التي اختارها اللّه تبارك وتعالى لتكون رمز الإنسانية (لنصرة الحقّ) على مرّ الدهور وإلى قيام الساعة، كان لابدَّ من الرجوع في وصف هؤلاء الأنصار الكرام إلى سادة البيان ومعدن العلم والحكمة، أهل البيت عليهم السلام، إذ هم خير وأقدر من يستطيع القيام بمهمّة تعريف البشرية بهذه الكوكبة الفذّة الفريدة من أنصار الحقّ، ولعلّ أوّل وأولى وصف لهم بلغ الغاية في تعريفهم، هو ما وصفهم به الإمام الحسين عليه السلام نفسه، حين جمع أصحابه عند قرب مساء ليلة عاشوراء ليلقي إليهم بإحدى كلماته الخالدة- يقول الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام في نقله تفاصيل هذه الواقعة-:

«فدنوت لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذْ ذاك مريض، فسمعتُ أبي يقول لأصحابه:

أُثني على اللّه أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء، أَللهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 192

أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.

أمّا بعدُ: فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولاخيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه عنّي خيراً ...». «1»

وهذا القول على إطلاقه «لا أعلم أصحاباً أوفى ولاخيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي» صادر عن الإمام المعصوم الذي وهبه اللّه علم ما كان ومايكون إلى قيام الساعة، «2» فمفاد هذا

النصّ الشريف إذن هو أنّ أنصار الإمام الحسين عليه السلام من أهل بيته وصحبه الكرام على مرتبة من الشرف والسموّ ورفعة المقام بحيث لم يسبقهم إليها سابق ولايلحق بهم لاحق.

ويؤكّد هذا المفاد ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام فيما رواه عن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، حيث قال:

«خرج عليّ يسير بالنّاس، حتّى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل تقدّم بين أيديهم حتّى طاف بمكان يُقال لها المقذفان، فقال: قُتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء، لايسبقهم من

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 193

كان قبلهم، ولايلحقهم من بعدهم.». «1»

فشهداء الطفّ إذن أعلى مقاماً وأشرف رتبة حتّى من شهداء بدر. «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 194

ولسمّو منزلتهم كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد حفر لهم قبورهم! فقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه شيخ الطائفة بسنده عن غياث بن إبراهيم، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«أصبحت يوماً أمّ سلمة تبكي، فقيل لها: ممّ بكاؤك؟ قالت: لقد قُتل ابني الحسين الليلة، «1» وذلك أنّني ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله منذ مضى إلا الليلة، فرأيته شاحباً كئيباً، فقالت: قلت: مالي أراك يا رسول اللّه شاحباً كئيباً؟

قال: مازلت الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه عليه السلام». «2»

و من خصائص شهداء الطفّ عليهم السلام أنّهم كُشف لهم الغطاء فرأوا جزاء ثباتهم وشجاعتهم وإصرارهم على التضحية مع ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، حيث رأوا منازلهم في الجنّة- وذلك بعد سلسلة الإمتحانات التي امتحنهم الإمام عليه السلام بها- فكانوا أهلًا لهذا الكشف المبين وأحقَّ به، فقد روي عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن أبي عبداللّه عليه

السلام، قال: قلت له: أخبرني عن أصحاب الحسين عليه السلام وإقدامهم على الموت! فقال عليه السلام:

«إنّهم كُشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنّة!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 196

ولقد أشير إلى ذلك في زيارة الناحية المقدّسة: «اشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء، ومهّد لكم الوطاء، وأجزل لكم العطاء ..». «1»

وقد اعترف الأعداء أنفسهم بشجاعة وعجيب ثبات أنصار الإمام عليه السلام، فهذا عمرو بن الحجّاج الزبيدي لعنه اللّه، وهو من قادة الجيش الأمويّ في كربلاء يوم عاشوراء، يخاطب جيش الضلالة قائلًا: «يا حمقى! أتدرون من تقاتلون!؟ إنّما تقاتلون نقاوة فرسان أهل المصر، وقوماً مستقتلين مستميتين، فلا يبرزنّ لهم منكم أحد ...». «2»

ويستغيث عروة (عزرة) بن قيس وهو قائد خيل جيش الضلال بأميره عمر بن سعد قائلًا: «أما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة ...». «3»

«وقيل لرجل شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرّية رسول اللّه صلى الله عليه و آله!؟ فقال: عضضت بالجندل! «4» إنك لوشهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا! ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالًا، وتُلقي أنفسها على الموت، لاتقبل الأمان! ولاترغب في المال!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 197

ولايحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الإستيلاء على الملك! فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها! فما كنّا فاعلين لا أُمَّ لك!؟». «1»

عدد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف ..... ص : 197

في البدء لابدّ أن نذكّر بالفرق بين قولنا: أنصار الإمام الحسين عليه السلام (عامّة) وبين قولنا: أنصار الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وكذلك بين قولنا: (شهداء النهضة الحسينية) وبين قولنا:

(شهداء الطفّ)، ذلك لأنّ أنصار الإمام الحسين عليه السلام (عامّة) أوسع مراداً من أنصاره يوم عاشوراء، إذ في عامّة أنصاره من قتل في البصرة أو في الكوفة، أو سجن في محابس ابن زياد لعنه اللّه وأباه، وفيهم من لم يُدرك نصرة الإمام عليه السلام كالطرماح مثلًا.

وكذلك فإنّ (شهداء النهضة الحسينية) أوسع مراداً أيضاً من (شهداء الطفّ)، لأنّ في العنوان الأوّل من استشهد في البصرة كسليمان بن رزين (رض) رسول الإمام عليه السلام إلى أشرافها، ومنهم من استشهد في الكوفة كمسلم بن عقيل عليه السلام، وعبداللّه بن يقطر (رض)، وقيس بن مسهّر الصيداوي (رض)، وهاني بن عروة (رض)، وعمارة بن صلخب الأزدي (رض)، وعبدالأعلى بن يزيد الكلبي (رض)، وغيرهم.

كذلك يحسن التذكير هنا أيضاً بأنّ (أنصار الإمام عليه السلام يوم الطفّ) أوسع مراداً من (شهداء الطفّ)، ذلك لأنّ بعضاً من أنصاره عليه السلام الذين جاهدوا بين يديه يوم عاشوراء لم يستشهدوا يوم الطفّ كالحسن المثنى (رض) وغيره.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 198

أمّا عدد أنصار الإمام عليه السلام يوم الطفّ فقد اختلف فيه المؤرّخون اختلافاً شديداً، ووقع في حساب هذا العدد المبارك خلط بين عدد الأنصار وعدد القتلى منهم، ذلك لأنّ بعضاً من المؤرّخين استنتج عدد الأنصار من مجموع عدد الرؤوس الشريفة التي حملتها القبائل الى ابن زياد مثلًا.

وهنا نعرض بعض هذه الأرقام المتفاوتة مشيرين إلى مصادرها في الحاشية:

(70) شخصاً، «1» (72) شخصاً، «2» (82) شخصاً، «3» (87) شخصاً، «4» (100) شخص، «5» (145) شخصاً، «6» (500) فارس و (100) راجل، «7» وورد في بعض المصادر أنّ عددهم كان (60)، «8» أو (61)، «9» غير أنّ أشهر عدد لأنصار الإمام عليه السلام يوم الطف هو إثنان وسبعون.

الهاشميون من أنصار الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ..... ص : 198

اختلفت المصادر

التأريخية اختلافاً شديداً في عدد رجال «10» بني هاشم الذين

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 199

حضروا كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام، والظاهر أنّ منشأ هذا الإختلاف هو اختلاف هذه المصادر في عدد مَن قُتل مِن بني هاشم مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.

بل لقد اختلفت هذه المصادر في عدد الناجين منهم من القتل وفي أسماء بعضهم. «1»

ولذا فمن الصعب الوصول بدقّة تامّة وعلى نحو اليقين إلى عدد من حضر من بني هاشم في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام، لكنّ إضافة عدد الناجين منهم إلى عدد من قُتل منهم- عدا الإمام عليه السلام- يوصلنا الى عدد تقريبيّ ظنّيّ لهؤلاء الأنصار

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 200

الهاشميين عليه السلام، يختلف باختلاف عدد الناجين الذي يكون الحساب على أساسه، ويتفاوت أيضاً بتفاوت عدد القتلى المعتمد والمضاف إليه.

إنّ أقلّ عدد لشهداء الطفّ من الأنصار الهاشميين ذكرته المصادر التأريخية هو أحد عشر. «1» أللّهمّ إلّا ما ذكره ابن أبي حاتم في كتابه السيرة النبوية أنّ شهداء بني هاشم كانوا تسعة أشخاص!. «2»

وإنّ أشهر عدد لمن قُتل منهم هو سبعة عشر، «3» وإن أكبر الأعداد المذكورة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 201

لهم عليهم السلام هو سبعة وعشرون شهيداً، «1» وبين الأقلّ والأكثر كانت بعض المصادر قد ذكرت أعداداً أخرى متفاوتة. «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 202

فإذا أخذنا عدد الناجين منهم من القتل- في ضوء رواية ابن سعد في الطبقات- وهو خمسة، فإنّ أقلّ عدد لأنصار الإمام عليه السلام من بني هاشم في كربلاء يكون ستّة عشر، ويكون أكبر عدد لهم إثنين وثلاثين، هذا على وجه التقريب، ويكون أقوى وأشهر عدد لهم إثنين وعشرين.

عدد الصحابة في جيش الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف ..... ص : 202

اشارة

لقد كان في جيش الإمام عليه السلام- عدا الإمام الحسين عليه السلام-

جملة من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، سواء ممّن صحبه وروى عنه، أو ممّن أدركه ورآه. «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 203

وفي هذه الجملة من أصحابه من لم يُناقش مورّخ أو رجاليٌّ في صحبته (فهو متّفق عليه)، وفيهم من نوقش في أنّه كان صحابياً أم لا، وفيهم من شُكّ في كونه هو ذلك الصحابيّ المقصود لتشابه الإسم بينه وبين آخر معروف بالصحبة، وعند عرضنا لأسمائهم المباركة سنشير إلى المختلف فيهم وإلى سبب الاختلاف، وهذه المجموعة المباركة من الصحابة الكرام والأنصار العظام هي:

1 أنس بن الحارث الكاهلي الأسدي (رض): ..... ص : 203

وهو ممّن روى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله حديثه: «إنّ إبني هذا- يعني الحسين- يُقتل بأرض يُقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره». «1»

2 عبدالرحمن بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي (رض): ..... ص : 203

وهو ممن شهد حينما استشهد الامام عليّ عليه السلام الناس في الرحبة أنه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول:

«ألا إنّ اللّه عزّ وجلّ ولييّ، وأنا وليُّ المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وأَعِنْ من أعانه». «2»

3 حبيب بن مظاهر (مظهّر) الأسدي (رض): ..... ص : 203

كان صحابياً رأى النبي صلى الله عليه و آله. «3»

4 عبداللّه بن يقطر الحميري (رض): ..... ص : 203

كان صحابياً، لأنه كان لدة الحسين عليه السلام (في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 204

مثل عمره)، وكان ابن حاضنة الحسين عليه السلام، فهو قد أدرك النبيّ صلى الله عليه و آله ورآه. «1»

5 مسلم بن عوسجة الأسدي (رض): ..... ص : 204

كان صحابياً رأى النبيّ صلى الله عليه و آله «2».

6 كنانة بن عتيق التغلبي (رض): ..... ص : 204

شهد موقعة أُحدٍ مع أبيه عتيق، وكان فارس رسول اللّه صلى الله عليه و آله. «3»

7 عمّار بن أبي سلامة الدالاني الهمداني (رض): ..... ص : 204

كان صحابياً له رؤية أي أنّه (رض) قد أدرك النبيّ صلى الله عليه و آله ورآه. «4»

8 الحرث بن نبهان (رض) مولى حمزة عليه السلام: ..... ص : 204

كان والده نبهان (ره) عبداً لحمزة بن عبدالمطلب، وقد مات والده بعد شهادة حمزة بسنتين، وهذا يعني أنّ الحرث قد أدرك زمان النبيّ صلى الله عليه و آله، وبما أنّ الحرث قد ترعرع ونشأ في كنف أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام فلابدّ أن يكون قد رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قرب مراراً كثيرة. «5»

وهناك إثنان من الأنصار عليهم السلام ..... ص : 204

اشارة

ذُكر أنّهما أدركا زمن النبي صلى الله عليه و آله، ولم يُعلم أنّهما هل لقياه فرأياه أم لا؟ وهما:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 205

1 زياد بن عريب الهمداني الصائدي (رض): ..... ص : 205

وهو أبوعمرة، كان أبوه عريب صحابياً ذكره جملة من أهل الطبقات، وأبوعمرة ولده هذا له إدراك. «1»

2 عمرو بن ضبعة الضبعي التميمي (رض): ..... ص : 205

نقل الزنجاني قائلًا: «وقال العسقلاني في الإصابة: هو عمرو بن ضبعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي، له ذكر في المغازي والحروب، وكان فارساً شجاعاً له إدراك.». «2»

أمّا من وقع الإختلاف ..... ص : 205

اشارة

في صحبتهم من الأنصار عليهم السلام، فهم:

1 أسلم (مسلم) بن كثير الأعرج الأزدي (رض): ..... ص : 205

فقد ذكر المحقّق السماوي (ره) أنه كان تابعياً، «3» لكنّ النمازي في المستدركات ذكر أنّ له صحبة، «4» وذكر الزنجاني نقلًا عن العسقلاني في الإصابة أنّه أدرك النبيّ صلى الله عليه و آله. «5»

2 زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي (رض): ..... ص : 205

هكذا ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة، «6» وذكر بعض الرجاليين: زاهر صاحب عمرو بن الحمق، «7» وذكره المحقّق السماوي (ره): زاهر بن عمرو الكندي، «8» وكذلك ذكره الزنجاني في ترجمته، «9» ونقل النمازي (ره) عن المامقاني (ره) أنّه: هو زاهر بن عمر الأسلمي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 206

الكندي من أصحاب الشجرة وروى عن النبيّ صلى الله عليه و آله وشهد الحديبية وخيبر، «1» لكنّ السماوي (ره) لم يذكر له صحبة، «2» أمّا السيّد الخوئي (ره) فقد فصل بين زاهر صاحب عمرو بن الحمق وبين زاهر الأسلمي (الذي هو والد مجزأة- أو محذأة- من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله) ولم ير إتحادهما. «3»

وقد نقل الزنجاني أيضاً في ترجمته لزاهر (رض) عن العسقلاني في الإصابة قوله: «هو زاهر بن عمرو بن الأسود بن حجّاج بن قيس الأسلمي الكندي من أصحاب الشجرة وتحتها بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وسكن الكوفة، وروى عن النبيّ صلى الله عليه و آله وشهد الحديبية وخيبر». «4»

لكنّ الشيخ التستري (ره) ذهب- كما السيّد الخوئي (ره)- إلى أنّ زاهر صاحب عمرو بن الحمق (رض) ليس زاهر الأسلمي الكندي، لأنّ هذا الثاني وهو عربيّ لايكون مولىً لعمرو بن الحمق (رض)، كما ذهب إلى أنّ قولهم (زاهر بن عمرو) تخليط، بل هو زاهر مولى عمرو. «5»

3 سعد بن الحرث (رض) مولى عليّ بن أبي طالب عليهما السلام: ..... ص : 206

لم يذكر له المحقّق السماوي (ره) صحبة أو إدراكاً، بل قال: «كان سعد مولىً لعليّ عليه السلام فانضمّ بعده إلى الحسن عليه السلام ثم إلى الحسين عليه السلام، فلمّا خرج من المدينة خرج معه إلى مكّة ثمّ إلى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 207

كربلاء فقُتل بها في الحملة الأولى ...». «1»

لكنّ الزنجاني نقل عن العسقلاني

في الإصابة أنه «هو سعد بن الحرث بن سارية بن مرّة ... بن كنجب الخزاعي، مولى علي بن أبي طالب، له إدراك مع النبيّ وكان على شرطة عليّ عليه السلام بالكوفة ...». «2»

وقال النمازي اعتماداً على المامقاني: «سعد بن الحارث الخزاعي مولى أميرالمؤمنين عليه السلام، ومن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ومن شرطة الخميس مع أميرالمؤمنين عليه السلام، وكان والياً من قِبَله على آذربيجان ...». «3»

لكن التستري (ره) ردّ قول المامقاني (ره) قائلًا: «اقول: لم يذكر مستنداً له، وكيف يجتمع كونه خزاعياً ومولاه عليه السلام؟ ولوكان صحابياً، كيف لم تعنونه الكتب الصحابية!؟ ..». «4»

4 يزيد بن مغفل الجعفي (رض): ..... ص : 207

نقل المحقّق السماوي (ره) عن المرزباني في معجم الشعراء أنه: «كان من التابعين، وأبوه من الصحابة». «5»

لكن المامقاني (ره) ذكر أنه «أدرك النبيّ صلى الله عليه و آله، وشهد القادسية في عهد عمر ...». «6»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 208

ونقل الزنجاني عن العسقلاني في الإصابة أنه: «هو يزيد بن مغفل بن عوف بن عمير بن كلب بن ذهل ... بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي له إدراك مع النبيّ، وشهد حرب القادسية هو وأخوه زهير بن مغفل في عهد ابن الخطّاب.». «1»

5 شبيب بن عبداللّه مولى الحرث بن سريع الكوفي (رض): ..... ص : 208

لم يذكر له المحقّق السماوي (ره) صحبة أو إدراكاً، «2» لكنّ الزنجاني نقل عن ابن الكلبي قوله: «شبيب بن عبدالله كان صحابياً أدرك صحبة رسول اللّه، وشهد مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام مشاهده كلّها ..»، «3» غير أنّه لادليل على أنّ هذا هو شبيب بن عبداللّه مولى الحرث، كما أنّ الزنجاني ذكر نسبه نقلًا عن العسقلاني في الإصابة- نقلًا غير دقيق «4»- إذ قد وجدنا ما ذكره العسقلاني هكذا: «شبيب بن عبداللّه بن شكل بن حي بن جدية ...

المذحجي- له إدراك وشهد مع عليّ مشاهده، ذكر ذلك ابن الكلبي.»، «5» ولادليل أيضاً على أنّ هذا هو شبيب بن عبداللّه مولى الحرث، خصوصاً وأنّ من ذكره العسقلاني عربي (مذحجي) فكيف يكون مولى للحرث بن سريع الكوفي؟

ولانعلم الدليل الذي استند إليه المامقاني (ره)، «6» والنمازي (ره)، «7» حيث ذكرا أنه (أي شبيب بن عبداللّه مولى حارث بن سريع): من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 209

وقد ردّ التستري (ره) على قول المامقاني (ره) قائلًا: «قال: صرّح أهل السير:

أنّه أدرك النبيّ صلى الله عليه و آله، وشهد مشاهد عليّ

عليه السلام، وحضر الطفّ واستشهد، ووقع التسليم عليه في الناحية.

أقول: لم يعيّن من كان من أهل السير ذكر ماقال! ولو كان صحابياً كيف لم تعنونه الكتب الصحابية؟ وقد عنونوا المختلف فيه! وليس في الناحية، وإنّما في نسختها «شبيب بن الحارث بن سريع» وهو محرّف «سيف بن الحارث بن سريع» المتقدّم، وبالجملة: العنوان لم يُعلم أصله، فضلًا عن فرعه». «1»

6 جنادة بن الحرث السلماني الأزدي الكوفي (رض): ..... ص : 209

قال الزنجاني: «.. وقال علي بن الحسين بن عساكر في تاريخه: هو جنادة بن الحرث بن عوف بن أميّة بن قلع بن عبادة بن حذيق بن عدي بن زيد بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن الحرث، المذحجي المرادي السلماني الكوفي، له إدراك وصحبة مع النبيّ.». «2» كذلك ذكر المامقانى عن أهل السير أنه كان من أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله، «3» لكنّ الشيخ السماوي (ره) لم يذكر له إدراكاً وصحبة، بل قال: «كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة، ومن أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ...». «4»

7 جندب بن حجير الخولاني الكوفي (رض): ..... ص : 209

قال الزنجاني: «قال ابن عساكر في تاريخه: هو جندب بن حجير بن جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن جشم بن حجير الكندي الخولاني الكوفي، يُقال له صحبة مع رسول اللّه، وهو من أهل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 210

الكوفة وشهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام حرب صفين، وكان أميراً على كندة والأزد ..»، «1» وقال المامقاني أيضاً: «ذكر أهل السير أنّ له صحبة»، «2» لكنّ الشيخ السماوي لم يذكر له صحبة، بل قال: «كان جندب من وجوه الشيعة، وكان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ...». «3»

أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام من أنصار الإمام الحسين عليه السلام في الطّف ..... ص : 210

شكّل أصحاب أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام عدداً كبيراً من أنصار الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، فهم عدا من مرَّ ذكره من صحابة الرسول صلى الله عليه و آله، وعدا الهاشميين منهم، وعدا من لم يصرّح المؤرّخون بصحبته لعليّ عليه السلام، «4» وعدا من ظلم التأريخ سيرته، «5» قد بلغ عددهم على أقلّ التقادير وعلى حدّ اليقين عشرين رجلًا، وهم:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 211

1 سعد بن الحرث (رض) مولى عليّ عليه السلام.

2 نصر بن أبي نيزر (رض) مولى عليّ عليه السلام.

3 أبوثمامة الصائدي (رض).

4 برير بن خضير (رض).

5 شوذب بن عبداللّه (رض). 6 جنادة بن الحرث السلماني المذحجي (رض).

7 مجمع بن عبدالله العائذي (رض).

8 نافع بن هلال الجملي (رض).

9 الحجّاج بن مسروق الجعفي (رض).

10 يزيد بن مغفل الجعفي (رض).

11 نعيم بن العجلان الأنصاريّ الخزرجي (رض).

12 جُندب بن حجير الكندي الخولاني (رض).

13 جون بن حوي مولى أبي ذرّ الغفاري (رض).

14 أسلم (مسلم) بن كثير الأعرج الأزدي (رض).

15 النعمان بن عمرو الأزدي الراسبي (رض).

16 الحُلاس بن عمرو الأزدي الراسبي (رض).

17 أُميّة بن سعد الطائي (رض).

18 قاسط بن زهير بن

الحرث التغلبي (رض).

19 كردوس بن زهير بن الحرث التغلبي (رض).

20 مقسط بن زهير بن الحرث التغلبي (رض).

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 212

جيش الإمام الحسين عليه السلام ... حجازيّون وكوفيّون وبصريون ..... ص : 212

تكوّن جيش الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء من ثلاثة بلدان من بلاد العالم الإسلامي، هي الحجاز (المدينة المنّورة بالأساس ومياه جهينة)، والكوفة، والبصرة.

وتتألف مجموعة الحجازيين- في ضوء ماحقّقه المرحوم الشيخ السماوي (ره)، وعلى هذا عمدة التحقيقات الأخرى أيضاً «1»- من بني هاشم عليهم السلام ومواليهم، والصحابي عبدالرحمن بن عبدربّ الأنصاري الخزرجي، وجنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري، وابنه عمرو بن جنادة، وجون مولى أبي ذرّ الغفاري رضوان اللّه عليهم، وثلاثة التحقوا بالإمام عليه السلام من مياه جهينة ولازموه حتى استشهدوا بين يديه في كربلاء، وهم: مجمع بن زياد الجهني، وعبّاد بن المهاجر الجهني، وعقبة بن الصلت الجهني رضوان الله عليهم.

أمّا الكوفيّون من أنصار الإمام عليه السلام في كربلاء فقد بلغ عددهم- في ضوء تحقيق الشيخ السماوي (ره)- ثمانية وستين مع مواليهم، وقد شكّل هؤلاء الكوفيّون رضوان اللّه تعالى عليهم الأكثرية في جيش الإمام عليه السلام.

أمّا البصريون فقد بلغ عددهم تسعة مع مواليهم «2» في جيش الإمام عليه السلام وهم:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 213

يزيد ثبيط العبدي (عبدقيس) البصري، وإبناه: عبداللّه، وعبيداللّه، وعامر بن مسلم العبدي البصري، ومولاه سالم، وسيف بن مالك العبدي البصري، والأدهم بن أُميّة العبدي البصري، والحجّاج بن بدر التميمي البصري، وقعنب بن عمر النمري البصري، رضوان اللّه تعالى عليهم.

الموالي من أنصار الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ..... ص : 213

بلغ عدد الموالي- المقطوع به على وجه اليقين- من أنصار الإمام الحسين عليه السلام الذين حضروا معه كربلاء- في ضوء ماصرّح به المحقّق السماوي (ره)- ستة عشر رجلًا، وهذا العدد هو على الأقلّ كما لايخفى، لأنّ هناك من الموالي من لم يذكرهم التأريخ، ومنهم من لم يعرف مصيره كمولى نافع بن هلال الجملي (رض) «1» وهم:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 214

1 نصر بن أبي

نيزر (رض) مولى عليّ عليه السلام. 2 سعد بن الحرث (رض) مولى عليّ عليه السلام.

3 أسلم بن عمرو (رض) مولى الحسين عليه السلام.

4 قارب بن عبداللّه الدئلي (رض) مولى الحسين عليه السلام.

5 منجح بن سهم (رض) مولى الحسين عليه السلام.

6 الحرث بن نبهان (رض) مولى حمزة عليه السلام.

7 سعد (رض) مولى عمرو بن خالد الصيداوي (رض).

8 شوذب (رض) مولى شاكر.

9 شبيب (رض) مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري.

10 واضح التركي (رض) مولى الحرث المذحجي السلماني.

11 زاهر (رض) مولى عمرو بن الحمق الخزاعي. «1»

12 جون بن حوي (رض) مولى أبي ذرّ (رض).

13 سالم بن عمرو (رض) مولى بني المدينة.

14 رافع بن عبداللّه (رض) مولى أسلم (مسلم) بن كثير (رض).

15 سالم (رض) مولى عامر بن مسلم العبدي (رض).

16 عقبة بن سمعان (رض) مولى الرباب (رض). «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 215

17 غلام تركي (رض) مولىً للحرّ بن يزيد الرياحي (رض). «1»

من ألقاب الجيش الحسينيّ ..... ص : 215

هناك ألقاب كثيرة كريمة سامية في المتون الروائية والتأريخيّة كانت قد أُطلقت على الجيش الحسينيّ في كربلاء، نورد هنا ما تيسّر منها:

عباد الله الصالحون. «2»

عشّاق شهداء. «3»

العُبّاد النُسّاك. «4»

الطيّبون. «5»

الذاكرون اللّه. «6»

أهل البصائر. «7»

حملة الحديث. «8»

الأتقياء الأبرار. «9»

المجتهدون بالأسحار. «10»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 216

شيوخ القُرّاء، قُرّاء القرآن. «1»

أُسُدُ الأُسود. «2»

فرسان المصر. «3»

القوم المستميتون. «4»

قتلة المشركين. «5»

فقرة الظهر ورأس الفخر. «6»

عُمر الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء سنة 61 ه ..... ص : 216

اختلفت الروايات والأقوال في عمر الإمام عليه السلام يوم استشهاده، ويمكن تصنيف هذه الأقوال من الأقلّ إلى الأكثر كما يلي:

1- أربع وخمسون سنة وستّة أشهر: ذهب إلى ذلك قتادة، «7» وذكر ذلك أيضاً الخوارزمي في المقتل. «8»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 217

2- خمس وخمسون سنة: ذهب إلى ذلك الواقدي، «1» والمسعودي. «2» 3- ستٌّ وخمسون سنة: ذهب إلى ذلك اليعقوبي في تأريخه، «3» وابن عبد ربّه الأندلسي، «4» وأبوالفرج الإصبهاني، «5» وسعد بن عبداللّه القمي، «6» وابن سعد في طبقاته. «7»

4- سبع وخمسون سنة: ذهب إلى ذلك الشيخ الصدوق (ره) في أماليه، «8» والكليني في الكافي، «9» وابن الدارع، «10» والزرندي في نظم درر السمطين. «11»

وهذا القول هو الأشهر والأقوى، وأمّا ما قاله الشيخ المفيد (ره): «ومضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرّم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 218

صلاة الظهر منه، قتيلًا مظلوماً ظمآنَ صابراً محتسباً، على ماشرحناه، وسنّه يومئذٍ ثمان وخمسون سنة، أقام منها مع جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع سنين، ومع أبيه أميرالمؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين، وكانت مدّة خلافته بعد أخيه إحدى عشرة سنة ...». «1»

ففيه اشتباه ظاهر، وذلك لأنّ الشيخ المفيد نفسه يذكر أنه

عليه السلام ولد في الخامس من شعبان سنة أربع من الهجرة، «2» فبطرح أربع من إحدى وستين يكون الباقي سبعاً وخمسين، «3» هذا مع العلم أنه عليه السلام لم يعش من سنة إحدى وستين إلّا عشرة أيّام، ولهذا أيضاً تكون مدّة خلافته عليه السلام «4» بعد أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين لا إحدى عشرة سنة، فتأمّل.

5- ثمان وخمسون سنة: وذهب إلى ذلك ابن العديم، «5» وابن قتيبة، «6» وابن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 219

حبّان، «1» والبخاري، «2» والمزيّ، «3» وروي ذلك عن أحمد بن حنبل، «4» وابن أبي شيبة، «5» وروى الخطيب «6» ذلك عن ابن عيينة عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ورواه ابن سعد في طبقاته أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام. «7»

6- تسع وخمسون سنة: ذكر ذلك المسعودي في مروجه أيضاً. «8»

الجيش الأموي: الألقاب والأوصاف ..... ص : 219

لقد وُصِف الجيش الأمويّ الذي ارتكب بقيادة عمر بن سعد لعنه اللّه أبشع جريمة في تأريخ الأرض بأوصاف سيئة وألقاب ذميمة كثيرة، على لسان الإمام الحسين عليه السلام ولسان أصحابه رضوان اللّه تعالى عليهم، نورد هنا بعضاً من هذه الأوصاف- وجُلّها عن لسان الإمام عليه السلام- للتعريف بهويّة هذا الجيش الآثم:

شيعة آل أبي سفيان. «9»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 220

العتاة. «1»

الطغاة. «2» الجُهّال. «3»

شيعة الشيطان. «4»

الفُسّاق. «5»

المليئة بطونهم من الحرام. «6»

الممسوخون. «7»

عبيدالأمة. «8»

شُذّاذ الأحزاب. «9»

شرار الأحزاب. «10»

نَبَذَة الكتاب، محرّفو الكلم، عصبة الإثم، نفثة الشيطان، مطفئو السنن. «11»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 221

الظالمون. «1»

السفهاء. «2» المطبوع على قلوبهم. «3»

أمّة السوء. «4»

شاربو الخمر. «5»

مؤذو المؤمنين، صراخ أئمة المستهزئين، أكلة الغاصب، قتلة أولاد الأنبياء، مبيرو عترة الأوصياء، ملحقو العهار بالنسب. «6»

عظماء الجبّارين. «7»

قتلة أولاد البدريين، قتلة عترة خير المرسلين، قتلة المؤمنين. «8»

الخبيثون. «9»

أولاد

الزنا. «10»

الطُغام. «11»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 222

مُظهرو الفساد في الأرض، مبطلو الحدود، المستأثرون في أموال الفقراء والمساكين. «1»

عدد الجيش الأموي ..... ص : 222

اشارة

تفاوتت الروايات والمتون التأريخيّة في عدد الجيش الأمويّ الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء، وهذه الأعداد على الترتيب من الأقلّ إلى الأكثر هي:

1- ألف مقاتل. «2»

2- أربعة آلاف. «3»

3- ستّة آلاف. «4»

4- ثمانية آلاف. «5»

5- إثنا عشر ألفاً. «6»

6- ستّة عشر ألفاً. «7»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 223

7- عشرون ألفاً. «1»

8- إثنان وعشرون ألفاً. «2» 9- ثلاثون ألفاً. «3»

10- خمسة وثلاثون ألفاً. «4»

11- أربعون ألفاً. «5»

12- خمسون ألفاً. «6»

13- مائة ألف. «7»

إشارة ..... ص : 223

لقد أُنشئت مدينة الكوفة لغرض عسكري بالأساس، وكانت تتمتع بقدرات تعبوية كبيرة من حيث العدد والعدّة، وفي الروايات والمتون التأريخية دلائل كثيرة على هذه الحقيقة، فقد روي مثلًا أنّ سليمان بن صُرَد الخزاعي كان قد خاطب الإمام الحسن عليه السلام- وقد أنكر عليه أمر الصلح- قائلًا: «لاينقضي تعجبي من بيعتك معاوية ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق.»، «8» وورد في بعض رسائل أهل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 224

الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام: «إنّ لك هاهنا مائة ألف سيف فلاتتأخر.»، «1» ولاشكّ أنّ قدرة الكوفة التعبوية عسكرياً أكبر من ذلك بكثير لأنّ هذه المائة ألف المشار إليها في هذين النصّين إنّما تُعبّأ لطرف من طرفي النزاع الداخلي على الحكم، لا لمواجهة أمر خارجي يستدعي تعبئة كلّ الأمّة حيث يكون العدد أكبر وأكبر.

وإذا كان الحديث عن العدّة كاشفاً عن العدد، فإنّ عدّة السلاح والإمداد في جيش ابن زياد وضخامتها دليل على أنّ جيش ابن زياد كان كبيراً جدّاً، يقول الشيخ القرشي: «وتسلّح جيش ابن زياد بجميع أدوات الحرب السائدة في تلك العصور، فقد كان إستعداده لحرب الإمام إستعداداً هائلًا، ويحدّثنا المؤرّخون عن ضخامة ذلك الإستعداد، فقالوا: إنّ الحدّادين وصانعي أدوات الحرب

في الكوفة كانوا يعملون ليلًا ونهاراً في بري ء النبال وصقل السيوف في مدّة كانت تربو على عشرة ايّام ... لقد دفع ابن زياد لحرب الحسين بقوّة عسكرية مدجّجة بالسلاح بحيث كانت لها القدرة على فتح قطر من الأقطار.». «2»

ويذهب بعض المتتبّعين إلى أنّ الأقرب الأقوى أنّ عدد الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء هو ثلاثون ألفاً، لأنّ هناك رواية عن الإمام الحسن عليه السلام أنّه خاطب الإمام الحسين عليه السلام قائلًا:

«ولكن لايوم كيومك يا أبا عبداللّه! يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه و آله وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 225

ثقلك ...». «1»

ورواية أخرى عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال:

«ولايوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف عليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمّة! كلٌّ يتقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ بدمه!! وهو باللّه يذكّرهم فلايتّعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ...». «2»

لكنَّ التأمّل مليّاً في هذين النصّين الشريفين يكشف أنّ هؤلاء الثلاثين ألفاً هم فقط الذين يزدلفون إليه عليه السلام متقرّبين الى اللّه تعالى بقتله! ومن الثابت تأريخياً أنّ جُلَّ أهل الكوفة كانت قلوبهم مع الحسين عليه السلام ويكرهون قتاله، وقد أُحضروا إلى كربلاء مُكرهين مرغمين، «3» ومثل هؤلاء وهم كثرة لايزدلفون إليه عليه السلام لقتله

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 226

طائعين، وإذا ازدلفوا إليه مرغمين فهم ليسوا ممّن يتقرّب إلى اللّه تعالى بقتله!

إذن فإذا أضفنا عدد هؤلاء المرغمين على الحضور في كربلاء الكارهين لقتل الإمام عليه السلام وقتاله إلى الثلاثين ألفاً المزدلفين إليه المتقرّبين إلى الله تعالى بقتله فإنّ عدد الجيش الأموي

بلاشك يزيد على الثلاثين ألفاً بكثير، ولكننا لايمكن لنا أن نقطع بالرقم اليقين لعدد هذا الجيش، لأننا لانملك وثائق تأريخية تمكّننا من هذا القطع، والى هنا مبلغ علمنا، واللّه العالم.

أبرز القادة العسكريين في جيش ابن زياد ..... ص : 226

ذكرت بعض كتب التأريخ أسماء أبرز القادة العسكريين في جيش ابن زياد، والمهمّات الحربية التي أُنيطتْ بهم، والمناصب العسكرية التي كانت لهم، وهم:

1- عمر بن سعد بن أبي وقّاص: وهو القائد الميداني العام لهذا الجيش، وكان ابن زياد قد سرّحه على أربعة آلاف أيّام تعبئة الجيش. «1»

2- شمر بن ذي الجوشن: ويأتي من حيث الرتبة والأهميّة بعد عمر بن سعد، وكان على أربعة آلاف في تعبئة الجيش، كما كان قائد الميسرة في جيش ابن سعد

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 227

يوم عاشوراء. «1»

3- الحصين بن نمير (بن تميم): «2» وكان على أربعة آلاف في تعبئة الجيش، كما كان قائد قوّات محاصرة حدود الكوفة قبل ذلك. «3»

4- شبث بن ربعي: وكان على ألف فارس في تعبئة الجيش، وكان أميرالرجّالة في جيش ابن سعد يوم عاشوراء. «4»

5- الحرّ بن يزيد الرياحي: وكان على ألف فارس لمحاصرة الركب الحسيني، كما كان على ربع تميم وهمدان في كربلاء يوم عاشوراء. «5»

6- عبداللّه بن زهير بن سليم الأزدي: وكان على ربع أهل المدينة في كربلاء يوم عاشوراء. «6»

7- قيس بن الأشعث: وكان على ربع ربيعة وكندة في كربلاء يوم عاشوراء. «7»

8- عبدالرحمن بن أبي سبرة الحنفي: وكان على ربع مذحج وأسد في كربلاء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 228

يوم عاشوراء. «1»

9- مضاير بن رهينة المازني: وكان على ثلاثة آلاف في تعبئة الجيش. «2»

10- كعب بن طلحة: وكان على ثلاثة آلاف في تعبئة الجيش. «3» 11- عزرة بن قيس الأحمسي: وكان أميرالخيل في جيش ابن سعد

يوم عاشوراء. «4»

12- نصر بن حرشة: وكان على ألفين في تعبئة الجيش. «5»

13- يزيد بن ركاب الكلبي: وكان على ألفين في تعبئة الجيش. «6»

14- يزيد بن الحرث بن رويم: وكان على ألف في تعبئة الجيش. «7»

15- عمرو بن الحجّاج الزبيدي: وكان أميراً على قوّات منع الماء منذ اليوم السابع من المحرّم، وكان أمير ميمنة جيش ابن سعد يوم عاشوراء. «8»

16- حجّار بن أبجر: وكان على ألف في تعبئة الجيش. «9»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 229

17- الأزرق بن الحرث الصُدائي: وكان أميراً على أربعمائة فارس قاتلوا جماعة بني أسد الذين أرادوا الإلتحاق بمعسكر الإمام الحسين عليه السلام. «1»

18- زجر بن قيس الجعفي: وكان على خمسمائة فارس في مسلحة عند جسر الصراة لمنع من يخرج من الكوفة ملتحقاً بالإمام عليه السلام. «2»

وهناك قادة آخرون كانوا قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، غير أنّ المصادر التأريخية- حسب متابعتنا- لم تشخّص مهمّاتهم ومناصبهم العسكرية، منهم:

محمّد بن الأشعث، وكثير بن شهاب الحارثي، والقعقاع بن سويد بن عبدالرحمن المنقري، وأسماء بن خارجة الفزاري ... «3»

عناصر الجيش الأموي ..... ص : 229

اشارة

يمكن تصنيف الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء من حيث نوع العناصر التي تألّف منها إلى الأصناف التالية:

1- المزدلفون إلى الإمام عليه السلام لقتله: ..... ص : 229

متقرّبين إلى اللّه بذلك، وبانتهاك حرمته، وسبي ذراريه ونسائه، وانتهاب ثقله، مجتمعين على هذا الرأي، وهم مع هذا يدّعون ويزعمون أنهم من أمّة محمّد صلى الله عليه و آله! وهم ثلاثون ألفاً على ما حدّده الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والإمام زين العابدين عليه السلام فيما أُثر عنهما، «4» وهذا الصنف

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 230

الضالّ ربّما شكّل من حيث العدد الأكثرية الساحقة في جيش ابن زياد، ولاشك أنّ هؤلاء ممّن أضلّهم الإعلام الأموي وطمس على أبصارهم وبصائرهم، فكانوا يرون الإمامة والخلافة الشرعيّة ليزيد بن معاوية!! ويرون الإمام الحقّ عليه السلام خارجاً عن طاعة الإمام!! شاقّاً لعصا هذه الأمّة ومفرّقاً لكلمتها، ولو لم يكن هذا ما يعتقدونه لما تقرّبوا إلى اللّه بقتل الإمام الحسين عليه السلام على حدّ قول الإمام السجّاد عليه السلام.

2- أهل الأهواء والأطماع: ..... ص : 230
اشارة

ويمكن تقسيم هؤلاء أيضاً إلى:

أ- الإنتهازيّون: ..... ص : 230

وهم الساعون وراء مصالحهم الدنيوية مهما فرضت عليهم هذه المصالح والمطامع من تقلّبات في الإنتماء بين الرايات المتعارضة، ولايعني هذا أنّ الإنتهازيّ لايعرف أين الحقّ ومن هم أهله! لكنّ حبّه للدنيا وللرئاسة والمقام يضطرّه إلى التنكّر لأهل الحقّ، كما قد يضطّره إلى قتلهم ومل ءُ قلبه حسرة عليهم ودموعه تجري أسىً لما أصابهم، ومن أوضح الأمثلة على هؤلاء: عمر بن سعد لعنه اللّه، وشبث بن ربعي وحجّار بن أبجر، وغيرهم كثير. «1»

ب- المرتزقة: ..... ص : 230

وهم الذين يخدمون من يعطي أكثر من غيره، ولايعبأون بما إذا كان مبطلًا أو محقّاً! ولاترقّ قلوب هؤلاء لمظلوميّة مظلوم ولاتأخذهم شفقة لبشاعة مقتله! ومن أوضح الأمثلة على هؤلاء:

سنان بن أنس، وشمر بن ذي الجوشن، وحرملة بن كاهل، ومسروق بن وائل وحكيم بن طفيل، ومنهم أولئك الذين سلبوا جميع ملابس الحسين عليه السلام حتّى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 231

تركوه عرياناً لعنهم اللّه جميعاً.

وهؤلاء- كما هو شأنهم في القديم والحاضر- ممسوخون روحيّاً ونفسياً، قد امتلأت صدورهم بالحقد والكراهية لجميع الناس عامة ولأهل الفضل منهم خاصة، فهم يندفعون بسهولة إلى ارتكاب المذابح الطائشة والجرائم الفجيعة بقساوة فظيعة كما الوحوش الكواسر. «1»

ج- الفسقة والبطّالون: ..... ص : 231

وهم الذين لايهمهم من دنياهم إلّا قضاء أوطارهم من المفاسد التي ألفوها وتعوَّدوا عليها، ومن العادة وطبيعة الأمور أن يتواجد هؤلاء في صفّ أهل الباطل عند مواجهتهم لأهل الحقّ، وهؤلاء يشهدون على أنفسهم بأنّهم أهل فساد وباطل، ويتذرّعون لأنفسهم بأسخف العلل لعدم انتمائهم لصف الحقّ مع معرفتهم به، ومن أوضح الأمثلة على هؤلاء في جيش عمر بن سعد: أبو

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 232

حريث عبداللّه بن شهر السبيعي ويزيد بن عذرة العنزي. «1»

3- الخوارج: ..... ص : 232

المشهور بين المؤرّخين أنّ الخوارج كانوا من جملة المشتركين في جيش ابن زياد الذي عبّأه لقتال الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وورد في أكثر كتب المقاتل والتراجم أنّ سعد بن الحرث الأنصاري العجلاني وأخاه أبا الحتوف كانا من الخوارج (المحكّمة) وخرجا مع ابن سعد إلى قتال الحسين عليه السلام، ولمّا قُتل أصحاب الحسين عليه السلام، وجعل يقول: «ألا ناصرٌ فينصرنا؟» وسمعته النساء والأطفال فتصارخن، وسمع سعد وأخوه أبوالحتوف النداء من الحسين عليه السلام والصراخ من العيال، فمالا مع الحسين عليه السلام على أعدائه حتّى استشهدا بين يديه. «2»

فإذا افترضنا أنّ الخوارج كانوا قد خرجوا مع ابن زياد لقتال الإمام الحسين عليه السلام

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 233

راغبين كما ذهب إلى ذلك الشيخ القرشي حيث يقول: «ومن بين العناصر التي اشتركت في حرب الإمام عليهما السلام الخوارج، وهم من أحقد الناس على آل النبي عليهم السلام لإنّ الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام قد وترهم في واقعة النهروان، فتسابقوا إلى قتل العترة الطاهرة للتشفّي منها»، «1» إذن فهم بلا شك من المزدلفين إلى قتل الإمام عليه السلام المتقرّبين إلى اللّه تعالى بذلك، فهم إذن من الصنف الأوّل.

لكنّنا إذا أخذنا رأي المحقّق التستري (ره) في ردّه على

الشيخ المامقاني (ره)، بصدد كون الأخوين سعد بن الحارث العجلاني (رض) وأخيه أبي الحتوف (رض) من الخوارج، حيث يقول التستري (ره): «... ثمّ خروج الخارجيّ مع ابن سعد غير معقول، فكانت الخوارج لايعاونون الجبابرة في قتال الكفّار، فكيف في حربه عليه السلام؟ ثمّ كيف ينصر الحسين من يقول: لاحكم الّا للّه ويعلم أنّ الحسين عليه السلام مثل أبيه يجوّز التحكيم بكتاب اللّه؟»، «2» أمكن لنا القول بأنّ حضور الخوارج في جيش ابن زياد لقتال الإمام الحسين عليه السلام ربّما كان على كُرهٍ منهم، فهم من حيث التصنيف من المكرهين الآتي ذكرهم.

4- المُكرهون: ..... ص : 233

ومنهم الخوارج- على احتمال- كما قدّمنا، ومنهم مخلص في حب الإمام عليه السلام وطاعته، لكنّه لم يستطع اللحوق به بسبب الحصار وشدّة المراقبة، حتّى إذا حضر كربلاء في جيش ابن زياد، تحيّن الفرصة ليلة العاشر أو قبلها فالتحق بالإمام عليه السلام، وهؤلاء في حساب العدد أفراد قليلون، ورد ذكرهم في تراجم أنصار الحسين عليه السلام، وربّما أمكن القول إنّ من هؤلاء أيضاً من خرج في جيش ابن سعد وهو لايتوقّع نشوب الحرب بل يتوقّع الصلح، حتّى إذا رُدَّت على الإمام عليه السلام

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 234

شروطه وصارت الحرب حتماً مقضيّاً انحاز إلى الإمام عليه السلام وجاهد بين يديه حتى استشهد، وهؤلاء أيضاً أفراد قليلون.

غير أنّ القسم الأعظم من صنف المكرهين أولئك الذين خرجوا في جيش ابن سعد مرغمين خوفاً من بطش ابن زياد إبّان التعبئة الشاملة القاهرة التي فرضها على أهل الكوفة، وهم الذين غلب الشلل النفسي على وجودهم، وطغى مرض الإزدواجية على شخصيتهم، فكانت قلوبهم مع الإمام عليه السلام وسيوفهم عليه مع سيوف أعدائه، فكانوا حطب نار الفاجعة، ومادّة ارتكاب الجريمة، وعدد هؤلاء

كبير جداً نسبة إلى مجموع جيش ابن سعد في كربلاء.

هل اشترك أهل الشام في واقعة الطفّ؟ ..... ص : 234

ذهب المسعودي إلى أنّ واقعة الطفّ لم يحضرها شاميٌّ، حيث قال: «وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولّى قتله من أهل الكوفة خاصة، لم يحضرهم شاميٌّ ...»، «1» لكنّ هناك متوناً تأريخية قد يُستفاد منها أنّ أهل الشام قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، منها:

ما رواه ابن سعد في طبقاته قائلًا: «ودعا رجل من أهل الشام عليَّ بن حسين الأكبر- وأمّه آمنة بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمّها بنت أبي سفيان ابن حرب- فقال: إنَّ لك بأمير المؤمنين قرابة ورحماً، فإنْ شئت آمنّاك وامضِ حيث ما أحببت فقال: أما واللّه لقرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت أولى أن تُرعى من قرابة أبي سفيان، ثمّ كرّ عليه ...». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 235

وما رواه ابن عبد ربّه قائلًا: «ورأى رجل من أهل الشام عبداللّه بن حسن بن عليّ- وكان من أجمل النّاس- فقال: لأقتلنّ هذا الفتى ...». «1»

وما رواه ابن قتيبة قائلًا: «قال الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: فممّا فهمته وعقلته يومئذٍ مع علّتي وشدّتها أنّه أُتي بي إلى عمر بن سعد، فلمّا رأى ما بي أعرض عنّي فبقيت مطروحاً لما بي، فأتاني رجل من أهل الشام فاحتملني فمضى بي وهو يبكي ...». «2»

وما رواه ابن أعثم الكوفي قائلًا: «ثمّ حمل رضي اللّه عنه- أي عليّ الأكبر عليه السلام- فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ أهل الشام من يده ومن كثرة من قتل منهم ...». «3»

وورد في كتاب مناقب آل أبي طالب عليه السلام: «عندما صاح القاسم بن الحسن:

ياعمّاه. حمل الحسين على قاتله عمر بن سعيد الأزدي فقطع

يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين ..»، «4» وفيه أيضاً: «وبعث ابن زياد شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف من أهل الشام ...». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 236

وممّا رواه الشيخ الصدوق (ره): «.. وأقبل عدوّ اللّه سنان بن أنس الأيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنظرون!؟ أريحوا الرجل ...». «1»

ومّما رواه الشيخ الكليني (ره) عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «.. تاسوعاء يومٌ حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه رضي اللّه عنهم بكربلا، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ...». «2» وممّا يُلاحظ على هذه المتون أنّ مصطلح «أهل الشام» فيها ربما كان المراد منه- وهذا هو الأظهر والأقوى-: هوية إنتماء هذا الجيش سياسياً «الهويّة السياسية» لا أنَّ هذا الجيش متكوّن من أفراد هم من سكّان الشام، وممّا يؤكّد هذا:

ما ورد في رواية الكليني (ره): «واجتمع عليه خيل الشام ...»، وما ورد في رواية ابن أعثم الكوفي «حتّى ضجَّ أهل الشام من يده ومن كثرة من قتل منهم ..»، وما ورد في رواية المناقب «وسلبه أهل الشام من يد الحسين»، فإنّ المراد في كلّ هذه المتون الثلاثة هو جيش ابن زياد المتألّف جُلّه من أهل الكوفة وقبائلها، ومن الأدلّة على ذلك أنّ ما ورد في هذه المتون الثلاثة ذكرته مصادر أخرى بدون مصطلح «أهل الشام» بل أشارت إلى أنّ أولئك هم أهل الكوفة.

نعم، قد يكون أظهر هذه المتون دلالة- على حضور أهل الشام- ما ورد في كتاب مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: «وبعث ابن زياد شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف من أهل

الشام»، غير أنّ ابن شهرآشوب قد تفرّد بهذه الإضافة «من أهل الشام» إذ إنّ جميع المصادر التأريخية التي ذكرت أنّ ابن زياد سرّح شمر بن ذي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 237

الجوشن في أربعة آلاف- أيّام التعبئة- لم تذكر أنّ هؤلاء كانوا من أهل الشام، «1» ويضاف إلى هذا أنّ المصادر التأريخية أيضاً لم تذكر أنَّ واحداً أو أكثر من القادة العسكريين الشاميين قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، ولو أنّ بعض القطعات العسكرية الشاميّة كانت قد حضرت كربلاء، لكان التأريخ قد ذكر القادة العسكريين الذين كانوا أمراء عليها، وهذا مالم نعثر عليه- حسب متابعتنا- في المصادر التأريخيّة المبذولة.

من هنا نقول: إننا لانقطع- كما يقطع المسعوديّ- أنَّ جيش ابن زياد لم يحضر فيه حتى شاميٌّ واحد بل نقول: من الممكن العادي أن يحضر في جيش ابن زياد أفراد متفرّقون كثيرون من الشام، بل لعلَّ من غير الممكن أنّ لايتحقق هذا، ذلك لأنّه لابدّ للسلطة المركزية في الشام من مراسلين وجواسيس شاميين يعتمدهم يزيد بن معاوية، يواصلونه بكلّ جديد عن حركة الأحداث في العراق عامّة والكوفة خاصة.

لكننا نقطع: بأنّ الشام لم يبعث الى ابن زياد بأيّة قطعات عسكرية شاميّة للمساعدة في مواجهة الإمام الحسين عليه السلام، وذلك لخلوّ التأريخ من أية إشارة معتبرة تفيد ذلك، بل التأريخ يشير من خلال دلائل كثيرة إلى أنّ ابن زياد أراد أن يثبت ليزيد قدرته الإدارية الفائقة من خلال الإكتفاء بتعبئة الكوفة فقط للقضاء على الإمام عليه السلام وأصحابه رضوان اللّه تعالى عليهم.

وإنّ من يتابع هذا المعنى- الذي قدّمناه- في المصادر التأريخية يجده واضحاً بيّناً.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 238

من الأعراف الحربية في ذلك العصر ..... ص : 238

يقول المرحوم القزويني: «ثمّ اعلم أنّ قانون المحاربة في ذلك الوقت- على ما استفدناه

من الحروب المعظّمة كحرب صفين وغيرها- أنّ من تهيأ ميمنة وميسرة وقلباً وجناحاً وساقية، ومكاناً للرامية، وموضعاً لأصحاب الأحجار، ويكون لأصحاب الميمنة عدّة مخصوصة من النبالة والحجارة، وكذا لأصحاب الميسرة ولأصحاب القلب عدّة مخصوصة لايتجاوزون عن مقرّهم وعن وظيفتهم، وأصحاب القلب لايبرحون عن مكانهم، ولايحملون مادام أصحاب الميمنة والميسرة باقين. نعم، لاتتفّق المبارزة بين أصحاب القلب مع من يحذوهم من أصحاب القلب، وأوّل من يحمل أو يبارز أصحاب الميمنة على الميسرة، ثمّ أصحاب الميسرة على أصحاب الميمنة. فما في جُلّ المقاتل أنّه حمل ميمنة ابن زياد على ميمنة الحسين عليه السلام لعلّه اشتباه ناشي ء عن عدم التأمّل وعدم العلم بقانون الحرب، إذ مقتضى الطبيعة في التعبئة أنّ الميمنة إزاء الميسرة، ولايمكن أن يحمل الميمنة على الميمنة إلّا بعد التجاوز عن الميسرة، إلّا أن يكون البعد بين الفريقين كثيراً بحيث يمكن حمل الميمنة على الميمنة، ثمَّ لامنافاة بين حمل الميمنة على الميسرة ومبارزة الميسرة مع أصحاب الميمنة، فتكون بين الميمنة والميسرة حملة وحملة، وبين الميسرة والميمنة مبارزة يبارز رجل بعد رجل، فيقاتلان، والقلب ثابت على مكانه لايحمل.

نعم، بعد مغلوبية الميمنة والميسرة- بحيث لايبقى ميمنة ولاميسرة- يكون الجند كلّه بمنزلة القلب، والقلب يحمل عليه، حتّى إذا لم يبق من طرف إلّا واحداً أو اثنين يحملون عليه بأجمعهم أو يتبارزون.». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 239

الفصل الرابع: ملحمة كربلاء- يوم عاشوراء من المحرّم سنة 61 ه ق ..... ص : 239

اشارة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 241

الفصل الرابع: ملحمة كربلاء يوم عاشوراء من المحرّم سنة 61 ه

روى الطبري قائلًا: «وعبّأ الحسين عليه السلام أصحابه، وصلّى بهم صلاة الغداة، وكان معه إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلًا، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العبّاس بن عليّ أخاه،»

وجعلوا البيوت

في ظهورهم، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت تحرق بالنّار مخافة أن يأتوهم من ورائهم. قال: وكان الحسين عليه السلام أتى بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنّه ساقية فحفروه في ساعة من الليل فجعلوه كالخندق، ثمّ ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب، وقالوا إذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا وقاتلونا القوم من وجه واحد، ففعلوا وكان ذلك لهم نافعاً.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 242

كما روى الطبري أيضاً قائلًا: «فلمّا صلّى عمر بن سعد الغداة يوم السبت، وقد بلغنا أيضاً أنّه كان يوم الجمعة، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، خرج فيمن معه من الناس» وقال أيضاً: «لمّا خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذٍ عبداللّه بن زهير بن سُليم الأزدي، وعلى ربع مذحج وأسد عبدالرحمن بن أبي سبرة الحنفي، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحي- فشهد هؤلاء كلّهم مقتل الحسين إلّا الحرّ ابن يزيد فإنّه عدل إلى الحسين وقُتل معه- وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجّاج الزبيدي على ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية وهو الضِّباب بن كلاب، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسيّ،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 243

وعلى الرجال شبث بن ربعي اليربوعي، وأعطى الراية ذويداً مولاه.». «1»

دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ..... ص : 243

وروي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام أنه قال: «لمّا صبّحتِ الخيلُ الحسينَ رفع يديه وقال:

ألّلهمَّ أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقةٌ وعُدّة، كم من همٍّ يضعُف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذلُ فيه

الصديق، ويشمتُ فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت وليُّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 244

إشعال النار في الخندق خلف المخيّم ..... ص : 244

وأمر الإمام الحسين عليه السلام صبيحة يوم عاشوراء بحطب وقصب كانوا قد جمعوه خلف الخيّم- فوضع في المكان المنخفض خلف المخيّم كأنّه ساقية، بعد أن حفروه ليلة العاشر فجعلوه كالخندق- فأُشعلت فيه النار، حتّى لايتمكّن العدو أن يقاتلهم إلّا من وجه واحد. «1»

ردّة فعل العدوّ على إشعال النار ..... ص : 244

اشارة

أدرك أعداء الإمام الحسين عليه السلام أنّ مكيدة إشعال النار في الخندق خلف مخيم الإمام عليه السلام قد ضيّقت عليهم سعة ميدان الحرب، وجعلت المواجهة من وجه واحد، فاستفزّ ذلك أعصابهم، وصدرت من بعض وجهائهم ردود فعل هستيرية، فقد روى الطبري بسنده عن الضحّاك المشرقيّ أنّه قال: «لمّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلّا يأتونا من خلفنا، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة، فلم يكلّمنا حتّى مرَّ على أبياتنا، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لايرى إلّا حطباً تلتهب النّار فيه، فرجع فنادى بأعلى صوته: يا حسين! استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة!؟

فقال الحسين: من هذا، كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟

فقالوا: نعم أصلحك اللّه، هو هو!

فقال: يا ابن راعية المعزى، أنت أولى بها صِليّا!

فقال له مسلم بن عوسجة: يا ابن رسول اللّه، جُعلت فداك، ألا أرميه فإنّه قد

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 245

أمكنني، وليس يسقط سهم، فالفاسق من أعظم الجبّارين.

فقال له الحسين: لا ترمِه، فإنّي أكره أن أبدأهم!». «1»

وروى البلاذري يقول: «وقال رجل من بني تميم يقال له: عبداللّه ابن حوزة، وجاء حتى وقف بحيال الحسين عليه السلام فقال: أبشر يا حسين بالنار!

فقال: كلّا، إنّي أقدم على ربّ رحيم وشفيع مطاع. ثمّ قال: من هذا!؟

قالوا: ابن حوزة.

قال: حازه اللّه إلى النّار.

فاضطربت به فرسه في جدول، فعلقت رجله بالركاب،

ووقع رأسه في الأرض، ونفر في الفرس فجعل يمرّ برأسه على كلّ حجر وأصل شجرة حتّى مات، ويقال: بقيت رجله اليسرى في الركاب فشدَّ عليه مسلم بن عوسجة الأسدي فضرب رجله اليمنى فطارت، ونفر به فرسه يضرب به كلّ شي ء حتّى مات.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 246

وروى البلاذري أيضاً أنّ محمّد بن الأشعث جاء «فقال: أين حسين؟

قال: ها أنذا.

قال: أبشر بالنّار تردها الساعة!

قال: بل أبشر بربٍّ رحيم وشفيع مطاع، فمن أنت؟

قال: محمّد بن الأشعث.». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 247

وقال البلاذري: «ثمّ جاء رجل آخر فقال أين الحسين؟ قال: ها أنذا. قال: أبشر بالنّار تردها الساعة! قال: بل أبشر بربّ رحيم وشفيع مطاع، فمن أنت؟

قال: شمر بن ذي الجوشن.

فقال الحسين: أللّه أكبر! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إنّي رأيت كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي!». «1»

إشارة: ..... ص : 247

قد يُلفت انتباه المتابع في رواية البلاذري الأولى هنا قول الإمام عليه السلام لمسلم بن عوسجة (رض): «لاترمه فإنّي أكره أن أبدأهم»، وقوله عليه السلام لزهير بن القين (رض)- إبّان تضييق الحرّ عليهم-: «... ولكن ما كنتُ لأبدأهم بالقتال حتّى يبدأوني»، «2»

ردّاً على قول زهير: «... ذرنا نقاتل هؤلاء القوم، فإنّ قتالنا إيّاهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 248

إن إصرار الإمام عليه السلام على عدم البدء بالقتال من سنن الدعاة إلى الحقّ في مواجهة المنحرفين عن الهدى ودعوتهم الى الصراط المستقيم- ومِن قبله كان أبوه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قد امتنع عن البدء في القتال في الجمل وصفّين «1» ذلك لأنّ الداعي إلى الحقّ الواثق من قوّة حجّته وصحّة دليله على موقفه لايرى إلى القتال حاجة

مادام طريق مخاطبة العقول والقلوب بنور الحقيقة مفتوحاً لم يوصد بعدُ، إذ الأصل في الغاية عند هذا الداعي هو الهداية إلى الحقّ لا الحرب، فلو بدأهم بقتال لأوصد- هو بنفسه- على حجّته طريق النفوذ إلى القلوب والعقول التي يريد هدايتها، ولمنع حجّته من بلوغ تمامها، بل وجعل الحجّة عليه بيد خصومه فيكون بذلك قد نقض حجّته، ذلك لأنّ لهم أن يقولوا عند ذاك إذا كنت تريد لنا الهداية بالحقّ فلماذا ابتدأتنا بالقتال!؟

وهذا مالايصدر عن الساحة المقدّسة لأهل بيت العصمة والطهارة عليه السلام أبداً، بل قد لايصدر عمّن يقتدي بهديهم وسنّتهم.

إحتجاجات الإمام عليه السلام في ساحة المعركة ..... ص : 248

حرص الإمام الحسين عليه السلام على مواصلة احتجاجاته على أعدائه- وهو يعلم أنّ القوم قاتلوه- ليتمّ الحجّة عليهم أمام اللّه تبارك وتعالى، وليستنقذ من يمكن أن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 249

ينتفع بمعرفة الحقّ والحقيقة، وليكشف للأمّة عامة ولأجيالها الآتية فيما بعد عصره خاصة- من خلال بياناته الاحتجاجيّة- عن حقّانيّة قيامه، وعن أحقيته بالأمر، وعن أبعاد مظلوميّته عليه السلام.

قال اليعقوبي في تأريخه: «فلمّا كان من الغد خرج فكلّم القوم، وعظّم عليهم حقّه، وذكّرهم اللّه عزّ وجلّ ورسوله، وسألهم أن يخلّوا بينه وبين الرجوع، فأبوا إلّا قتاله أو أخذه حتّى يأتوا به عبيد اللّه بن زياد، فجعل يكلّم القوم بعد القوم، والرجل بعد الرجل، فيقولون ماندري ما تقول!». «1»

خطابه عليه السلام قبل بدء القتال ..... ص : 249

اشارة

روى الشيخ المفيد (ره) في الإرشاد يقول: «ثمّ دعا الحسين براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته: «يا أهل العراق»- وجُلّهم يسمعون- فقال:

«أيّها النّاس إسمعوا قولي ولاتعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليَّ، وحتّى أُعذِر إليكم، فإنْ أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد، وإنْ لم تعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأيكم ثمّ لايكنْ أمركم عليكم غُمّة ثمَّ اقضوا إليَّ ولاتنظرون، إنَّ ولييَّ اللّه الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين».

ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وذكر اللّه بما هو أهله، وصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى ملائكته اللّه وأنبيائه، فلم يُسمع متكلِّمٌ قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه، ثمّ قال:

«أمّا بعد: فانسبوني فانظروا من أنا، ثمّ أرجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلحُ لكم قتلي وانتهاك حرمتي!؟ ألستُ ابن بنت نبيّكم، وابن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 250

وصيّه وابن عمِّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول اللّه بما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أوليس جعفر الطيّار في

الجنّة بجناحين عمِّي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول اللّه لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟

فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، واللّه ما تعمّدت كذباً منذ علمتُ أنّ اللّه يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبداللّه الأنصاريّ، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعديّ، وزيد ابن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لي ولأخيّ، أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي!؟».

فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبدُ اللّه على حرف إنّ كان يدري ما تقول! «1» فقال له حبيب بن مظاهر: واللّه إنّي لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفاً! وأنا أشهد أنّك صادقٌ ما تدري ما يقول، قد طبع اللّه على قلبك.

ثمّ قال لهم الحسين عليه السلام:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 251

«فإنْ كنتم في شكّ من هذا! أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم!؟ فواللّه ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته!؟ أو مالٍ لكم استهلكته!؟ أو بقصاص جراحة!؟».

فأخذوا لايكلِّمونه! فنادى:

«يا شبث بن ربعي، يا حجّار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألمْ تكتبوا إليَّ أن قد أينعت الثمار واخضّر الجناب، وإنّما تقدم على جُندٍ لك مُجنَّد!؟».

فقال له قيس بن الأشعث: ماندري ما تقول! ولكن انزل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يُروك إلّا ما تحبّ!

فقال له الحسين:

«لا واللّهِ، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»، ثمّ نادى:

«يا عباد اللّه، إنّي عُذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لايؤمن بيوم الحساب.».

ثمّ إنّه أناخ راحلته، وأمر

عُقبة بن سمعان فعقلها». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 252

أمّا الخوارزمي فقد روى تفاصيل هذا الخطاب على نحو آخر يتفاوت كثيراً مع رواية الشيخ المفيد (ره) والطبري وابن الأثير، قال الخوارزمي: «وأصبح الحسين فصلّى بأصحابه، ثمّ قرّب إليه فرسه، فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير الهمداني، فقال له الحسين: كلِّم القوم يا برير وانصحهم. فتقدّم برير حتى وقف قريباً من القوم، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم، فقال لهم برير: يا هؤلاء! اتّقوا اللّه فإنّ ثقل محمّد قد أصبح بين

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 253

أظهركم، هؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه! فهاتوا ما عندكم؟ وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم!؟

فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيداللّه بن زياد فيرى رأيه فيهم!

فقال برير: أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي أقبلوا منه!؟ ويلكم يا أهل الكوفة! أنسيتم كتبكم إليه وعهودكم التي أعطيتموها من أنفسكم وأشهدتم اللّه عليها، وكفى باللّه شهيداً!؟ ويلكم، دعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم من دونهم، حتّى إذا أتوكم أسلمتوهم لعبيد اللّه! وحلأتموهم عن ماء الفرات الجاري، وهو مبذول يشرب منه اليهود والنصارى والمجوس! وترده الكلاب والخنازير! بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته! مالكم!؟ لاسقاكم اللّه يوم القيامة! فبئس القوم أنتم!

فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟

فقال برير: الحمدُ للّه الذي زادني فيكم بصيرة، أللهمّ إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم! أللهمّ ألقِ بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان!

فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه.

فتقدّم الحسين عليه السلام حتّى وقف قبالة القوم، وجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّها السيل! ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال:

الحمدُ للّه الذي

خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالًا بعد حال، فالمغرور من غرّته، والشقيّ من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيّب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمرٍ قد أسخطتم اللّه فيه عليكم! فأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته! فنِعم الربّ ربّنا، وبئس العبيد أنتم! أقررتم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 254

بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيته تريدون قتلهم! لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم! فتبّاً لكم وما تريدون، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم قد كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين!

فقال عمر بن سعد: ويلكم! كلِّموه فإنّه ابن أبيه! فواللّه لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما قطع ولما حصر! فكلِّموه.

فتقدّم إليه شمرٍ بن ذي الجوشن فقال: يا حسين! ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم!

فقال عليه السلام:

أقول لكم أتّقوا اللّه ربّكم ولا تقتلون، فإنّه لايحلّ لكم قتلي ولاانتهاك حرمتي، فإنّي ابن بنت نبيّكم، وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم، ولعلّه قد بلغكم قول نبيّكم محمّد صلى الله عليه و آله: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ما خلا النبييّن والمرسلين، فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، فواللّه ماتعمّدت كذباً منذ علمتُ أنّ اللّه يمقت عليه أهله، وإنْ كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبداللّه، وسهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، فاسألوهم عن هذا، فإنّهم يخبرونكم أنّهم سمعوه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإنّ كنتم في شكّ من أمري أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم!؟ فواللّه ما بين المشرقين والمغربين ابن بنت نبيّ غيري! ويلكم! أتطلبوني بدم أحد منكم قتلته أو بمالٍ استملكته،

أو بقصاص من جراحات استهلكته!؟

فسكتوا عنه لايجيبونه! ثمّ قال عليه السلام:

واللّه لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد، عباد اللّه! إنّي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 255

عذت بربّي وربّكم أن ترجمونِ، وأعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لايؤمن بيوم الحساب!

فقال له شمر بن ذي الجوشن: يا حسين بن علي! أنا أعبداللّه على حرف إنْ كنتُ أدري ما تقول!

فسكت الحسين عليه السلام، فقال حبيب بن مظاهر للشمر: يا عدوَّ اللّه وعدوَّ رسول اللّه، إنّي لأظنّك تعبد اللّه على سبعين حرفاً! وأنا أشهد أنّك لاتدري ما يقول، فإنّ اللّه تبارك وتعالى قد طبع على قلبك!

فقال له الحسين عليه السلام:

«حسبك يا أخا بني أسد! فقد قُضي القضاء، وجفّ القلم، واللّه بالغ أمره، واللّه إنّي لأشوق إلى جدّي وأبي وأمّي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه! ولي مصرعٌ أنا لاقيه.». «1»

وأمّا السيّد ابن طاووس (ره) فقد روى تفاصيل هذا الخطاب على نحو آخر أيضاً، قال: «قال الراوي: وركب أصحاب عمر بن سعد لعنهم اللّه، فبعث الحسين عليه السلام برير بن خضير، فوعظهم فلم يستمعوا، وذكّرهم فلم ينتفعوا، فركب الحسين عليه السلام ناقته- وقيل فرسه- فاستنصتهم فأنصتوا، «2» فحمد اللّه وأثنى عليه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 256

وذكره بما هو أهله، وصلّى على محمّد صلى الله عليه و آله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل، وأبلغ في المقال، ثمّ قال:

تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً! حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين! سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم! وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم! فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أملٍ أصبح لكم فيهم! فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لمّا يستحصف!؟ ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدُبى «1»،

وتداعيتم إليها كتهافت الفراش! فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشُذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحّرفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن! أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون!؟ أجل والله، غدر فيكم قديم! وشجت عليه أصولكم، وتآزرت عليه فروعكم! فكنتم أخبث ثمر، شجىَ للناظر وأكلة للغاصب! ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى اللّه ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأُسرة مع قلّة العدد وخذلة الناصر!

ثمّ أوصل كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي:

فإنْ نُهزم فهزّامون قِدماً وإنْ نُغلب فغير مُغلَّبينا

وما إنْ طبّنا جُبنٌ ولكنْ منايانا ودولة آخرينا

إذا ما الموت رفّع عن أُناسٍ كلاكله أناخ بآخرينا

فأفنى ذلكم سروات قومي كما أفنى القرون الأوّلينا

فلو خلُد الملوك إذاً خلُدنا ولو بقي الملوك إذاً بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

ثُمَّ أَيمُ اللّه، لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس! حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور! عهدٌ عهده إليَّ أبي عن جدّي، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمَّ لايكن أمركم عليكم غمَّة ثمَّ اقضوا إليَّ ولا تنظرونِ، إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم، ما من دابّة إلّا هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم. أللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيِّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأساً مصبَّرة، «1» فإنّهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

ثمّ نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول اللّه صلى الله عليه و آله المرتجز فركبه وعبّأ أصحابه للقتال». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 258

إشارات ..... ص : 258

1 المستفاد من ظاهر متون الأصول التأريخية

التي روت نصّ خطاب الإمام عليه السلام قبل بدء القتال- على ما هي عليه من الإختلاف فيما بينها- هو أنّ كُلّا من هذه النصوص يشكّل وحده متن هذا الخطاب، ومع فرض صحة صدور هذه النصوص جميعاً عن الإمام عليه السلام، فلا محيص من أن تكون هذه النصوص خطباً متعددة خطبها عليه السلام قبل بدء القتال، أو أن تكون أجزاء و مقاطع متعددة من خطاب واحد، فصلت بينها فواصل قطعت اتصالها ووحدة سياقها. وبحسب طبيعة تدرّج الأمور والأشياء فلابدَّ أن يكون عليه السلام قد بدأهم بتعريفهم بنفسه الشريفة وبنصيحتهم ودعوتهم الى الحقّ، وتذكيرهم بكتبهم وعهودهم، ثمّ حيث لم يجد منهم الإستجابة والتسليم، بل الإصرار والعناد، فإنّ لهجة خطابه اشتدّت تبعاً لذلك.

من هنا فإنّ الأرجح أن يكون النصّ الذي رواه الطبري والمفيد (ره) والذي كانت بدايته «أيّها النّاس إسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ ... أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا، ثمَّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ...». هو المقطع الأوّل من خطابه عليه السلام، ثمَّ يأتي بعده- مقطعاً ثانياً- ما رواه الخوارزمي:

«الحمدُ للّه «1» الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالًا بعد حال ...»، ثمّ حيث لم تنفع بهم المواعظ والإحتجاجات فإنّ لهجة خطابه اشتدّت فقرّعهم عليه السلام ووبّخهم فقال: «تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً ...» فكان هذا المقطع هو

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 259

الجزء الأخير من خطابه عليه السلام.

2 وربّما يستظهر المتأمّل أنّ خطاب برير (رض) كان فاصلًا بين المقطع الأوّل والمقطع الثاني من خطابه عليه السلام، ولربّما كانت خطبة زهير ابن القين (رض)- وتأتي فيما بعد- فاصلًا بين مقطعين من مقاطع خطابه عليه السلام، أي أنّ خطابه قبل بدء

القتال تخللّته فواصل بسبب خطابي برير وزهير رضوان اللّه عليهما.

3 ذهب المحققّ الشيخ السماوي (ره) إلى أنّ كلامه عليه السلام الأوّل هو خطبته الأولى، وهي تنتهي بنزوله عليه السلام عن راحلته التي عقلها عقبة بن سمعان، وأنّ خطبته الثانية هي التي تبدأ بقوله: «تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً ...». «1»

4 وذهب المحققّ السيّد المقرّم (ره) إلى أنّ كلامه عليه السلام الأوّل هو خطبته الأولى. «2»

وأنّ وقائع: حادثة عبداللّه بن حوزة التميمي، «3» وحادثة محمّد بن الأشعث، «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 260

وما حصل لمسروق بن وائل الحضرمي، «1» وخطبة زهير بن القين (رض)، وخطبة برير (رض)، جميعها تأتي بعد خطبته عليه السلام الأولى، ثمّ تأتي بعد هذه الوقائع خطبته عليه السلام الثانية، حيث يقول السيّد المقرّم (ره): «ثمّ إنّ الحسين عليه السلام ركب فرسه، وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم، وقال: يا قومِ، إنّ بيني وبينكم كتاب اللّه وسُنّة جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله. ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة وما عليه من سيف النبيّ صلى الله عليه و آله ولامته وعمامته، فأجابوه بالتصديق، فسألهم عمّا أقدمهم على قتله!؟ قالوا: طاعة للأمير عبيداللّه بن زياد! فقال عليه السلام: تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً ..». «2»

5 أمّا المحقّق الشيخ القرشي فقد ذهب إلى ما ذهبنا إليه في أنّ الإمام عليه السلام كان قد خطب خطبة واحدة، متألّفة من مقاطع فصلت بينها فواصل، لكنّه ذكر أنّ خطبة زهير (رض) ثمّ خطبة برير (رض) فصلتا بين مقطعي خطبته عليه السلام، إذ إنَّ الشيخ القرشي- كما السيّد المقرّم- أدرج المقطع الذي رواه الخوارزمي: «الحمد للّه الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ...» «3» في المقطع

الأوّل، وذكره بعد إسكات النساء عن الصراخ والبكاء، ولانعلم أيضاً المستند التأريخي أو التحليلي للسياق الذي اعتمده؟ ولعلّه اعتمد على ما ذهب إليه السيّد المقرّم رحمة اللّه عليه.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 261

خطاب زهير بن القين (رض) ..... ص : 261

لم تحدّد المصادر التأريخية الأساسية التي روت خطاب زهير بن القين (رض) قبل بدء القتال موقع هذا الخطاب بدقة، أي هل كان قبل خطاب الإمام عليه السلام أم بعده، أم كان في أثنائه، وهل كان قبل خطاب برير (رض) أم بعده؟

يروي الطبري عن كثير بن عبداللّه الشعبي أنه قال: «لمّا زحفنا قِبَل الحسين خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب، شاك في السلاح، فقال: يا أهل الكوفة! نذارِ لكم من عذاب اللّه نذار! إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوة، وعلى دين واحد وملّة واحدة، مالم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهلٌ فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنّا أمّة وأنتم أمّة. إنّ اللّه قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيداللّه بن زياد، فإنّكم لاتُدركون منهما إلّا بسوءٍ عُمُرَ سلطانهما كلّه! ليسمّلان أعينكم ويقطّعان أيديكم وأرجلكم، ويمثّلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقُرّاءكم، أمثال حُجر بن عدي وأصحابه، وهاني ء بن عروة وأشباهه!

قال: فسبّوه وأثنوا على عبيداللّه بن زياد ودعوا له! وقالوا: واللّه لانبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيداللّه سِلماً!

فقال لهم: عبادَ اللّه! إنّ وُلْدَ فاطمة رضوان اللّه عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة، فإنْ لم تنصروهم فأعيذكم باللّه أن تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية،

فلعمري إنّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين!

قال: فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: أُسكتْ، أَسكتَ اللّه نامتك!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 262

أبرمتنا بكثرة كلامك.

فقال له زهير: يا ابن البوّال على عقبيه! ما إيّاك أُخاطب إنّما أنت بهيمة! واللّه ما أظنّك تُحكم من كتاب اللّه آيتين! فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.

فقال له شمر: إنّ اللّه قاتلك وصاحبك عن ساعة!

قال: أفبالموت تخوّفني!؟ فواللّه للموت معه أحبّ إليَّ من الخلد معكم!

قال: ثمّ أقبل على النّاس رافعاً صوته فقال: عبادَ اللّه! لايغرّنكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه! فواللّه لاتنال شفاعة محمّد صلى الله عليه و آله قوماً أهرقوا دماء ذرّيته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذبَّ عن حريمهم.

قال: فناداه رجل فقال له: إنّ أبا عبداللّه يقول لك: أقبل: فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ!». «1»

الحرُّ بن يزيد الرياحي .. والموقف الخالد ..... ص : 262

قال الشيخ المفيد (ره): «فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد: أَيْ عُمر! أمقاتلٌ أنت هذا الرجل!؟

قال: إي واللّه، قتالًا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي!!

قال: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضى!؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 263

قال عمر: أما لو كان الأمرُ إليَّ لفعلت! ولكنّ أميرك قد أبى.

فأقبل الحرُّ حتى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له قُرّة بن قيس، فقال: يا قُرّة هل سقيت فرسك اليوم؟

قال: لا!

قال: فما تريد أن تسقيه؟

قال قُرّة فظننتُ واللّه أنّه يُريد أن يتنحّى فلايشهد القتال، ويكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له: لمْ أسقِه، وأنا منطلق فأسقيه.

فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فواللّه لو أنّه أطلعني على الذي

يُريد لخرجت معه إلى الحسين بن عليّ عليه السلام. «1»

فأخذ يدنو من الحسين قليلًا قليلًا، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد، أتريد أن تحمل؟

فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل- وهي الرعدة- فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمريب!! واللّه ما رأيت منك في موقف قطُّ مثلَ هذا، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة؟ ماعدوتك! فما هذا الذي أرى منك!؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 264

فقال له الحر: إنّي واللّه أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنار! فواللّه لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعتُ وحُرّقت!

ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام فقال له: جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعتُ بك في هذا المكان، وما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم! ولايبلغون منك هذه المنزلة! واللّه لو علمتُ أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ماركبت منك الذي ركبت، وإنّي تائب إلى اللّه مما صنعتُ! فترى لي من ذلك توبة؟ «1»

فقال له الحسين عليه السلام: نعم، يتوب اللّه عليك، فانزل. «2»

قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلًا، أُقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري.

فقال له الحسين عليه السلام: فاصنع يرحمك اللّه ما بدالك.

فاستقدم أمام الحسين عليه السلام «3» ثم قال:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 265

يا أهل الكوفة، لأُمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ! أدعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه!؟ وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه!؟ أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد اللّه العريضة! «1» فصار كالأسير في أيديكم لايملك لنفسه نفعاً ولايدفع عنها ضرّاً! وحلأتموه ونساءَه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى

والمجوس! وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش! بئس ما خلفتم محمّداً في ذرّيته، لاسقاكم اللّه يوم الظمأ الأكبر. «2»

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل! فأقبل حتّى وقف أمام الحسين عليه السلام». «3»

هل التحق ثلاثون رجلًا بالإمام عليه السلام يوم عاشوراء؟ ..... ص : 265

اشارة

يقول ابن عبدربّه الأندلسي: «وكان مع عمر بن سعد ثلاثون رجلًا من أهل الكوفة فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاث خصال فلاتقبلون منها شيئاً!؟ فتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا معه». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 266

إشارة: ..... ص : 266

إنّ المتأمّل في متون المصادر التأريخية «1» التي ذكرت قضيّة تحوّل والتحاق ثلاثين رجلًا من جيش ابن سعد بالإمام عليه السلام يجد أنّ هذه المتون لا تشخّص ساعة وزمان إلتحاقهم بالتحديد، لكنّ ظاهر هذه المتون يوحي بأنّ هذا الإلتحاق كان قد حصل يوم عاشوراء، ولذا فإنّ بعض المؤرّخين المتأخرين- أخذاً بهذا الظاهر- ذكر قضيّة هذا الإلتحاق بعد ذكره إلتحاق الحرّ (رض) بالإمام عليه السلام، «2» بل ذهب آخر إلى القول: «ولاشكّ في أنّ موقف الحرّ بن يزيد كان له أعمق الأثر في نفوس الكثيرين من جيش ابن زياد ... ولذلك لم يلبث أن انحاز إلى الحرّ بن يزيد في انتصاره للحسين جماعة من أعيان الكوفة وفرسانها يُقدّر عددهم بثلاثين فارساً!»، «3» فهذا الكاتب يصرّح بأنّ التحاق هؤلاء الثلاثين كان نتيجة التأثّر بالتحاق الحرّ (رض) بالإمام عليه السلام صبيحة عاشوراء.

ولنا هنا ملاحظات في هذا الصدد:

1- ليس هناك دليل تأريخي يفيد أنّ التحاق هؤلاء الثلاثين (رض) كان بعد التحاق الحرّ (رض) أو كان نتيجة له!

2 هناك مصادر تأريخية أخرى تروي أنّ عملية التحوّل والإلتحاق

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 267

بالإمام عليه السلام من قبل مجموعة من جيش ابن سعد كانت قد تمّت ليلة العاشر، فهذا السيّد ابن طاووس (ره) يروي قائلًا: «وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد

إثنان وثلاثون رجلًا ..». «1»

3 إنّ هذه الخصال أو الشروط التي تتحدّث مصادر تأريخية أنّ الإمام عليه السلام عرضها على ابن سعد ورُدَّت عليه «2»- على فرض أنها عُرضت يوم عاشوراء أيضاً- كانت قد عُرضت أيضاً قبل يوم عاشوراء وبالتحديد بعد إحكام الحصار على معسكر الإمام عليه السلام، أي في اليوم السابع أو الثامن، وقد وردت هذه الخصال المزعومة في رسالة ابن سعد إلى ابن زياد، «3» ولاشكّ أنّ أمر هذه الرسالة ومحتواها- على فرض صحّة خبرها- كان قد انتشر في صفوف جيش ابن سعد لأهميتها البالغة.

4 تذكر كتب التراجم والتواريخ أسماء مجموعة من الأنصار قد تحوّلوا إلى معسكر الامام عليه السلام في سواد ليلة عاشوراء- بعد ردّ الجيش الأموي ما عرضه الامام عليه السلام- ومن هؤلاء الأنصار (رض) على سبيل المثال لا الحصر: جوين بن مالك بن قيس بن ثعلبة التميمي (رض)، وزهير بن سليم الأزدي (رض)، والنعمان بن عمرو الأزدي الراسبي (رض)، وأخوه الحُلاس (رض). «4»

بل تذكر كتب التراجم والتأريخ أنّ بعض هؤلاء الأنصار (رض) كان قد تحوّل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 268

إلى معسكر الإمام عليه السلام- بعد ردّ ما عرضه الإمام عليه السلام- دون أن تشخّص أنّ هذا التحوّل كان ليلة عاشوراء، ممّا يفيد أنّ هذا الإلتحاق ربّما كان قبل ليلة عاشوراء، ومن هؤلاء على سبيل المثال: عمرو بن ضبيعة الضبعي (رض)، «1» والحارث بن امرء القيس الكندي (رض). «2»

إذن فالصحيح أنّ تحوّل والتحاق مجموعة من رجال جيش ابن سعد إلى معسكر الإمام عليه السلام قد بدأ ليلة العاشر- أو قبل ذلك على احتمال- ثمّ استمرت عمليّة التحوّل هذه حتى يوم عاشوراء، إلى أن تمّ في يوم عاشوراء عدد الرجال الذين تحوّلوا إلى

معسكر الإمام الحسين عليه السلام ثلاثين أو يزيدون، وهذا ما ذهب إليه أيضاً المحقّق السماوي (ره) في تلخيصه لمجريات وقائع نهضة الإمام عليه السلام، حيث يقول: «.. فقطع- أي عمر بن سعد- المراسلات بينه وبين الحسين، وضيّق عليه ومنع عليه ورود الماء، وطلب منه إحدى الحالتين النزول أوالمنازلة، فجعل يتسلل إلى الحسين من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل الواحد أو الإثنان حتى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ممّن هداهم اللّه إلى السعادة ووفّقهم إلى الشهادة.». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 269

بداية الحرب- الحملة الأولى ..... ص : 269

عمر بن سعد: إشهدوا أنّي أوّلُ من رمى!! ..... ص : 269

قال الشيخ المفيد (ره): «ونادى عمر بن سعد: يا ذويد، «1» أَدْنِ رايتك. فأدناها، ثمّ وضع سهمه في كبد قوسه، ثم رمى، وقال: إشهدوا أنّي أوّل من رمى!! ثمّ ارتمى النّاس وتبارزوا ...». «2»

وروى الخوارزمي قائلًا: «وزحف عمر بن سعد، فنادى غلامه دريداً: قدِّمْ رايتك يا دريد! ثمَّ وضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى به وقال: إشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى! فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم في أثره رشقة احدة!! فما بقي من أصحاب الحسين أحدٌ إلّا أصابه من رميتهم سهم!». «3»

الإمام عليه السلام يأذن لأنصاره (رض) بالقتال ..... ص : 269

وقال السيد ابن طاووس (ره): «فتقدّم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم، وقال: إشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى! وأقبلت السهام من القوم كأنّها القطر! فقال عليه السلام لأصحابه: قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لابدّ منه! فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم! فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتّى قُتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 270

قال: فعندها ضرب الحسين عليه السلام بيده إلى لحيته، وجعل يقول:

«اشتدّ غضب اللّه تعالى على اليهود إذ جعلوا له ولداً! واشتدّ غضب اللّه تعالى على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة! واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه! واشتدّ غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم! أما واللّه لا أجيبهم إلى شي ء ممّا يريدون حتّى ألقى اللّه تعالى وأنا مخضّب بدمي!». «1»

وقال الخوارزمي: «قال أبومخنف: فلمّا رموهم هذه الرمية قلّ أصحاب الحسين عليه السلام، فبقي في هؤلاء القوم الذين يُذكرون في المبارزة، وقد قُتل منهم ما يُنيف على خمسين رجلًا ...». «2»

النصر يرفرف على رأس الحسين عليه السلام ..... ص : 270

روى الشيخ الكليني (ره) عن الامام الباقر عليه السلام قال: «أنزل اللّه تعالى النصر على الحسين عليه السلام حتى كان ما بين السماء والأرض، ثم خُيِّر: النصر أو لقاء اللّه، فاختار

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 271

لقاء اللّه!». «1»

وينقلها السيّد ابن طاووس (ره) عن معالم الدين للنرسي هكذا: «لمّا التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه اللّه وقامت الحرب، أُنزل النصر حتّى رفرف على رأس الحسين عليه السلام، ثمَّ خُيِّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء اللّه تعالى، فاختار لقاء اللّه تعالى.». «2»

المبارزة التي وقعت قبل الحملة الأولى ..... ص : 271

عبداللّه بن عمير الكلبي (رض) ... والموقف البطولي! ..... ص : 271

لمّا أدنى عمر بن سعد رايته ورمى بالسهم معلناً بداية الحرب ارتمى الناس «فلمّا ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان!!، وسالم مولى عبيداللّه بن زياد، فقالا: من يُبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم!

قال فوثب حبيب بن مظاهر، وبرير بن خضير، فقال لهما الحسين: أجلسا.

فقام عبداللّه بن عمير الكلبي فقال: أبا عبداللّه! رحمك اللّه، إئذن لي فلأَخرج إليهما!

فرأى حسين رجلًا آدم طويلًا، شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين، فقال حسين: إنيّ لأحسبه للأقران قتّالًا! أخرج إنْ شئت.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 272

قال فخرج إليهما، فقالا له: من أنت!؟

فانتسب لهما، فقالا: لانعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين، أو حبيب بن مظاهر، أو برير بن خضير!

ويسار مستنتل أمام سالم، فقال له الكلبي: يا ابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس!؟ ويخرج إليك أحد من الناس إلّا وهو خيرٌ منك!؟ ثمّ شدَّ عليه فضربه بسيفه حتى برد! فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شدَّ عليه سالم، فصاح به أصحابه: قد رهقك العبد! فلم يأبه له حتى غشيه فبدره الضربة، فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى، فأطار أصابع كفّه اليسرى! ثمّ مال عليه الكلبيّ فضربه حتّى قتله! وأقبل الكلبيّ

مرتجزاً وهو يقول وقد قتلهما جميعاً:

إنْ تُنكروني فأنا ابن كلب حسبي ببيتي في عُلَيْمٍ حسبي

إنّي امرؤٌ ذو مِرَّةٍ وعصبِ ولستُ بالخوّار عند النّكبِ

إنّي زعيمٌ لكِ أُمَّ وهبِ بالطعن فيهم مُقدماً والضربِ

ضرب غُلامٍ مؤمنِ بالربِ

فأخذت أمّ وهب امرأته عموداً ثمَّ أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمّي! قاتل دون الطيبين ذرّية محمّد.

فأقبل اليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه! «1» ثمّ قالت: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك! فناداها حسينٌ فقال:

«جُزيتم من أهل بيت خيراً! إرجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهنّ، فإنّه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهنّ.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 273

بعض تفاصيل الحملة الأولى ..... ص : 273

يظهر من المتون التأريخية أنّ الحملة الأولى كان قد شنّها جيش عمر بن سعد على جيش الإمام عليه السلام عقيب المبارزة التي قتل فيها عبداللّه بن عمير الكلبي (رض) كُلًّا من يسار مولى زياد بن أبيه، وسالم مولى عبيداللّه بن زياد، يروي الطبري بداية الحملة الأولى فيقول: «وحمل عمرو بن الحجّاج «1» وهو على ميمنة الناس في الميمنة، «2» فلمّا أن دنا من حسين جثوا على الرُكَبِ وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع، فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين ..». «3»

وروى الطبري عمّن سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسين عليه السلام أنّه كان يقول: «يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرَقَ من الدين وخالف الإمام!!

فقال له الحسين: يا عمرو بن الحجّاج! أعليَّ تِحرّض الناس!؟ أنحن مرقنا

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 274

وأنتم ثبتم عليه!؟ أما واللّه لتعلمُنَّ لو قد قُبضت أرواحكم ومِتُّمُ على أعمالكم أيّنا مرق من الدين، ومن هو أولى بصلي النّار!؟ ...».

ثُمَّ إنَّ عمرو بن

الحجّاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات فاضطربوا ساعة، فصُرع مسلم بن عوسجة الأسدي، أوّل أصحاب الحسين، ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه، وارتفعت الغبرة فإذا هم به صريع، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق، فقال: رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة! منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا!

ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنّة!

فقال له مسلم قولًا ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير.

فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببتُ أن توصيني بكلّ ما أهمَّك، حتى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين.

قال: بل أنا أوصيك بهذا رحمك اللّه- وأهوى بيده إلى الحسين- أن تموت دونه!

قال: أفعلُ وربّ الكعبة!

قال فما كان بأسرع من أن مات بأيديهم!

وصاحت جارية له فقالت: يا ابن عوسجتاه يا سيّداه!

فتنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة!

فقال شبث لبعض مَن حوله مِن أصحابه: ثكلتكم أمّهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذللّون أنفسكم لغيركم! تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 275

عوسجة!؟ أما والذي أسلمتُ له، لرُبَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سَلق آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تتامّ خيول المسلمين! أفيُقتل منكم مثله وتفرحون!؟

قال وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة: مسلم بن عبداللّه الضبّابي، وعبدالرحمن بن أبي خُشكارة البجلي ...». «1»

زيارة الناحية المقدّسة تؤيّد أنّ مسلم بن عوسجة (رض) أوّل شهداء الحملة الأولى، أي أوّل شهداء الطفّ رضوان اللّه تعالى عليهم، فقد ورد فيها السلام على مسلم ابن عوسجة هكذا:

«السلام على مسلم بن عوسجة الأسديّ، القائل للحسين وقد

أذن له في الإنصراف: أنحن نخلّي عنك!؟ وبمَ نعتذر عند اللّه من أداء حقّك؟ لا واللّه حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا! وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي! ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة! ولم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 276

أفارقك حتى أموت معك! وكُنت أوّل من شرى نفسه، وأوّل شهيد شهد للّه وقضى نحبه، ففزتَ وربّ الكعبة، شكر اللّه استقدامك ومواساتك إمامك، إذ مشى إليك وأنت صريع فقال: يرحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة. وقرأ:

«فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا»، لعن اللّه المشتركين في قتلك: عبداللّه الضبّابي، وعبداللّه بن خُشكارةَ البجلي، ومسلم بن عبداللّه الضبّابي.». «1»

شمر بن ذي الجوشن .. يواصل الحملة في الميسرة! ..... ص : 276

ونعود إلى رواية الطبري- التي ذكرت مصرع مسلم بن عوسجة (رض) في حملة عمرو بن الحجّاج في ميمنة جيش ابن سعد- فنقرأ فيها أيضاً: «وحمل شمر ابن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة، فثبتوا له فطاعنوه وأصحابه ..». «2»

ثم صارت الحملة من كل جانب! ..... ص : 276

وتقول نفس رواية الطبري: «وحُمِلَ على حسين وأصحابه من كلّ جانب!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 277

فقُتل الشهيد الثاني عبدالله بن عمير الكلبي (رض) ..... ص : 277

وتتابع رواية الطبري وصف تفاصيل هذه الحملة فتقول: «فقُتِل الكلبيّ وقد قَتَل رجلين بعد الرجلين الأوْلَيْن، وقاتل قتالًا شديداً، فحمل عليه هاني ء بن ثُبَيت الحضرمي، وبُكَير بن حيّ التيمي من تيم اللّه بن ثعلبة فقتلاه، وكان القتيل الثاني من أصحاب الحسين.». «1»

خيل الإمام عليه السلام تحمل على الأعداء!! ..... ص : 277

تواصل رواية الطبري وصف تفاصيل الحملة الأولى فتقول: «وقاتلهم أصحاب الحسين قتالًا شديداً، وأخذت خيلهم تحمل- وإنّما هم إثنان وثلاثون فارساً- وأخذت لاتحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلّا كشفته!، فلمّا رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة- أنّ خيله تنكشف من كلّ جانب!- بعث إلى عمر بن سعد عبدالرحمن بن حصن، فقال: أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة!؟ إبعث إليهم الرجال والرماة ...». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 278

مشهد كريم من مشاهد بطولة الحرّ (رض) ..... ص : 278

روى الطبري، عن أبي مخنف، عن النضر بن صالح العبسي: أنّ الحرّ بن يزيد الرياحي (رض) لمّا لحق بالإمام الحسين عليه السلام: «قال رجل من بني تميم من بني شقرة، وهم بنو الحارث بن تميم، يُقال له يزيد بن سفيان: أما واللّه لو أنّي رأيتُ الحرّ بن يزيد حين خرج لأتبعته السِنان!

... فبينا النّاس يتجاولون ويقتتلون، والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدماً ويتمثّل قول عنترة:

ما زِلتُ أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتّى تسربل بالدّمِ

.. وإنّ فرسه لمضروب على أُذنيه وحاجبه، وإنّ دماءه لتسيل .. فقال الحصين ابن تميم «1»- وكان على شرطة عبيداللّه، فبعثه إلى الحسين، وكان مع عمر بن سعد، فولّاه عمر مع الشرطة المجفّفة «2»- ليزيد بن سفيان: هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى!! قال: نعم. فخرج إليه، فقال له: هل لك يا حرّ بن يزيد في المبارزة؟ قال:

نعم قد شئتُ! فبرز له.

قال (الراوي): فأنا سمعت الحصين بن تميم يقول: واللّه لبرز له، فكأنّما كانت نفسه في يده! فما لبث الحرّ حين خرج إليه أن قتله!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 279

مقتل مجموعة عمرو بن خالد الصيداوي (رض) ..... ص : 279

قال الطبري: «فأمّا الصيداوي عمرو بن خالد، وجابر «1» بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبداللّه العائذي، «2» فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ فاستنقذهم، فجاؤا قد جُرّحوا، فلمّا دنا منهم عدوّهم شدّوا بأسيافهم فقاتلوا في أول الأمر حتّى قُتلوا في مكان واحد.». «3»

رُماة ابن سعد يعقرون خيل الإمام عليه السلام ..... ص : 279

وتواصل رواية الطبري خبر هذه الحملة فتقول: «ودعا عمر بن سعد الحصين ابن تميم، فبعث معه المجفّفة «4» وخمسمائة من المرامية، فأقبلوا حتّى إذا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وصاروا رجَّالة كلّهم!». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 280

ويروي الطبري أيضاً أنّ أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول: «أنا واللّه عقرتُ بالحرّ بن يزيد فرسه، حشأته سهماً فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث! والسيف في يده وهو يقول:

إن تعقِروا بي فأنا ابن الحُرّ أشجع من ذي لَبَدٍ هِزَبْرِ

فما رأيتُ أحداً قطُّ يفري فريه!.». «1»

اشتداد القتال حتّى منتصف النهار! ..... ص : 280

ويروي الطبري أيضاً فيقول: «وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشدّ قتالٍ خلقه اللّه! وأخذوا لايقدورن على أن يأتوهم إلّا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض. قال: فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالًا يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم.

قال فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو يقوِّض وينتهب فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه، فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال إحرقوها بالنّار ولاتدخلوا بيتاً ولا تقوّضوه! فجاءوا بالنار فأخذوا يحرّقون!

فقال حسينٌ:

دعوهم فليحرّقوها، فإنّهم لو قد حرّقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها.

وكان ذلك كذلك وأخذوا لايقاتلونهم إلّا من وجه واحد.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 281

أمُّ وهب (رض) تستشهد عند مصرع زوجها (رض)! ..... ص : 281

ويسجّل لنا تأريخ وقائع يوم عاشوراء أنّ أمّ وهب (رض) زوجة عبداللّه بن عمير الكلبي (رض) كانت من شهداء الحملة الأولى، وهي أوّل شهيدة من النساء يوم عاشوراء، تقول رواية الطبري: «وخرجت إمرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتّى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول: هنيئاً لك الجنّة!

فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يُسمّى رستم: إضرب رأسها بالعمود! فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.». «1»

زهير في عشرة من الأنصار يكشف جند الشمر عن الخيام ..... ص : 281

ويواصل الطبري رواية وقائع الحملة الأولى فيقول: «وحمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسين برمحه، ونادى عليَّ بالنار حتّى أُحرق هذا البيت على أهله! .. فصاح النساء وخرجن من ا لفسطاط .. وصاح به الحسين: يا ابن ذي الجوشن! أنت تدعو بالنّار لتحرق بيتي على أهلي!؟ حرّقك اللّه بالنار ... وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة، فشدّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها، فصرعوا أبا عزّة الضّبابي وكان من أصحاب شمر ..». «2»

وحين زالت الشمس وحضر وقت الصلاة! ..... ص : 281

تجمع المصادر التأريخية «3» أنّ جيش عمر بن سعد في حملته الأولى على

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 282

جيش الإمام عليه السلام كان قد أحاط بأصحاب الإمام عليه السلام وبمعسكره من كل جانب، ثمّ تعطّف عليهم من كلّ جهة وبجميع الأسلحة، فكان إذا قُتل الرجل والرجلان من أصحاب الإمام عليه السلام يبين ذلك فيهم لقلّتهم، ولا يبين القتل في جيش ابن سعد مع كثرة من يُقتل منهم لكثرتهم، وكان قد قُتل من أنصار الإمام ما يناهز الخمسين نفساً زكيّة طاهرة مقدّسة، والحرب لم تزل حتّى تلك الساعة على استعارها واشتدادها، والشمس في أوّل زوالها، «فلمّا رأى ذلك أبوثمامة عمرو بن عبداللّه الصائدي، قال للحسين: يا أبا عبداللّه! نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك! ولا واللّه لاتُقتل حتّى أُقتل دونك إن شاء اللّه، وأُحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة التي قد دنا وقتها! فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال: ذكرت الصلاة! جعلك اللّه من المصلّين الذاكرين، نعم، هذا أوّل وقتها.

ثمّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنا حتّى نصلّي.». «1»

أسماء شهداء الحملة الأولى ..... ص : 282

يُستفاد من جملة من كتب التراجم والتواريخ أنّ شهداء الحملة الأولى هم:

1 مسلم بن عوسجة الأسدي (رض).

2 عبداللّه بن عمير الكلبي (رض).

3 نعيم بن عجلان (رض).

4 عمران بن كعب بن حارث الأشجعي (رض). «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 283

5 حنظلة بن عمرو الشيباني (رض). «1»

6 قاسط بن زهير التغلبي (رض).

7 مقسط بن زهير التغلبي (رض).

8 كنانة بن عتيق التغلبي (رض). «2»

9 عمرو بن ضبعة الضبعي (رض). «3»

10 ضرغامة بن مالك التغلبي (رض). «4»

11 عامر بن مسلم العبدي البصري (رض).

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 284

12 سالم مولى عامر بن مسلم (رض).

13 سيف بن مالك العبدي البصري (رض). «1»

14 عبدالرحمن

بن عبداللّه الأرجبي (رض). «2»

15 الحبّاب بن عامر التميمي (رض). «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 285

1 عمرو الجندعي (رض). «1»

17 الحُلاس بن عمرو الراسبي الأزدي (رض).

18 النعمان بن عمرو الراسبي الأزدي (رض).

19 سوار بن أبي عمير النهمي (رض). «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 286

20 عمّار الدالاني (رض).

21 زاهر بن عمرو الكندي (رض) صاحب عمرو بن الحمق (رض).

22 جبلّة بن علي الشيباني (رض). «1»

23 مسعود بن الحجّاج التيمي (رض).

24 عبدالرحمن بن مسعود بن الحجّاج (رض). «2»

25 زهير بن بشر الخثعمي (رض). «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 287

26 مسلم بن كثير الأزدي (رض).

27 زهير بن سليم الأزدي (رض).

28 عمّار بن حسّان الطائي (رض).

29 عبيد اللّه بن يزيد العبدي البصري (رض).

30 عبداللّه بن يزيد العبدي البصري (رض).

31 الأدهم بن أميّة العبدي البصري (رض).

32 جندب بن حجير الكندي (رض).

33 حجير بن جندب بن حجير الكندي (رض). «1»

34 جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري (رض).

35 عبدالرحمن بن عبد ربّ الأنصاري (رض). «2»

36 عبدالله بن عروة الغفاري (رض). «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 288

37 عائذ بن مجمع بن عبدالله العائذي (رض).

38 مجمع بن عبدالله العائذي (رض).

39 أمّ وهب (رض) زوج عبدالله بن عمير الكلبي (رض).

40 أميّة بن سعد الطائي (رض).

41 القاسم بن حبيب بن أبي بشر الأزدي (رض).

42 جوين بن مالك التيمي (رض). «1»

43 عبداللّه بن بشر الخثعمي (رض). «2»

44 بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي (رض). «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 289

45 الحجّاج بن بدر التميمي السعدي (رض). «1»

46 قارب بن عبداللّه الدئلي (رض).

47 عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي (رض). «2»

48 جنادة بن الحرث المذحجي السلماني (رض).

49 سعد (رض) مولى عمرو بن خالد الصيداوي (رض).

50 منجح بن سهم (رض) مولى الحسن عليه السلام. «3»

مع الركب

الحسينى (ج 4)، ص: 290

51 أسلم بن عمرو التركي مولى الحسين عليه السلام. «1»

52 سعد بن الحرث (رض) مولى عليّ عليه السلام. «2» 53 نصر بن أبي نيزر (رض) مولى علي عليه السلام. «3»

54 الحرث بن نبهان (رض) مولى حمزة عليه السلام.

55 جون بن حويّ (رض) مولى أبي ذرّ (رض). «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 291

56 جابر بن الحجّاج (رض) مولى عامر بن نهشل التيمي. «1»

57 الحارث بن امرء القيس الكندي (رض). «2»

58 شبيب (رض) مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري. «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 292

59 شبيب بن عبداللّه النهشلي (رض). «1»

مقتل حبيب بن مظاهر (رض) «2» قبيل الصلاة! ..... ص : 292

مرَّ بنا أنّه لمّا رأى أبوثمامة الصائدي (رض) قلّة من بقي من الأنصار مع الإمام عليه السلام نتيجة الحملة العامة طلب إلى الإمام عليه السلام قائلًا: «يا أبا عبداللّه نفسي لك الفداء! إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللّه لا تُقتل حتّى أُقتل دونك إنْ شاء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 293

اللّه، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها»، «1» فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثمّ قال: «ذكرت الصلاة! جعلك اللّه من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها»، «2»

ثم قال: «سلوهم أن يكفوا عنّا حتّى نصلّي»، «3»

ففعلوا. «4»

«فقال لهم الحصين بن تميم: إنّها لاتقبل!

فقال له حبيب بن مظاهر: لاتُقبل!! زعمتَ الصلاة من آل الرسول صلى الله عليه و آله لاتُقبلُ، وتُقبلُ منك يا حمار!؟

.. فحمل عليهم حصين بن تميم، وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسّيف، فشبَّ ووقع عنه، وحمله أصحابه فاستنقذوه، وأخذ حبيب يقول:

أُقسمُ لو كُنّا لكم أعدادا أو شطركم ولّيتمُ أكتادا

ياشرَّ قومٍ حَسَباً وَآدا

.. وجعل يقول يومئذٍ:

أنا حبيبٌ وأبي مُظاهرُ فارسُ هيجاءَ وحربٍ تُسعرُ

أنتم أعدُّ عدّةً وأكثرُ

ونحن أوفى منكم وأصبرُ

ونحن أعلى حُجَّةً وأظهرُ حقّاً وأتقى منكمُ وأعذرُ

وقاتل قتالًا شديداً، «5» فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه بالسيف على

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 294

رأسه فقتله، «1» وكان يُقال له بديل بن صُريم من بني عقفان، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه فوقع، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع، ونزل إليه التميميّ فاحتزَّ رأسه، فقال له الحصين: إنّي لشريكك في قتله.

فقال الآخر: واللّه ماقتله غيري. فقال الحصين: أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي، كيما يرى النّاس ويعلموا أنّي شركت في قتله، ثمّ خذه أنت بعدُ فامضِ به إلى عبيداللّه ابن زياد فلاحاجة لي فيما تُعطاه على قتلك إيّاه! .. فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر، فجال به في العسكر قد علّقه في عُنق فرسه! ثمّ دفعه بعد ذلك إليه، فلمّا رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب ثمّ أقبل به إلى ابن زياد في القصر ...». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 295

ولقد ذكر ابن شهرآشوب أنّ حبيب بن مظاهر (رض) كان قد قتل إثنين وستين رجلًا، وأنّ الذي قتله الحصين بن نمير وعلّق رأسه في عنق فرسه. «1»

وروي أنّه لمّا قُتل حبيب بن مظاهر (رض) هدَّ ذلك الحسين عليه السلام وقال عند ذلك: «عند اللّه أحتسب نفسي وحماة أصحابي!». «2»

«وفي بعض المقاتل: قال عليه السلام: للّه درّك يا حبيب! لقد كنت فاضلًا تختم القرآن في ليلة واحدة!». «3»

مقتل الحرّ بن يزيد الرياحي (رض) ..... ص : 295

يروي الطبري- ويتابعه في ذلك جمع من المؤرّخين- أنه لمّا قُتل حبيب بن مظاهر الأسدي (رض)، وهدَّ ذلك الإمام الحسين عليه السلام وقال: «عند اللّه أحتسب نفسي وحُماة أصحابي!»، أخذ الحرّ (رض) يقاتل- راجلًا-

«4» فحمل على القوم وهو يرتجز ويقول:

آليتُ لا أُقتلُ حتّى أَقْتُلا ولن أُصاب اليومَ إلّا مُقبلا

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 296

أضربهم بالسيف ضرباً مفصلا لا ناكلًا عنهم ولا مُهَلَّلا

وأخذ يقول أيضاً:

أضرب في أعراضهم بالسَيْف عن خير من حَلَّ مِنىً والخيف «1»

فقاتل هو وزهير بن القين قتالًا شديداً، فكان إذا شدّ أحدهما فإنْ استُلحم شدَّ الآخر حتّى يخلّصه، ففعلا ذلك ساعة، ثمّ إنَّ رجّالة شدَّت على الحرّ بن يزيد فقُتل.»، «2» فكان مقتله (رض) بعد مقتل حبيب (رض) وقبل صلاة الظهر أيضاً. «3»

وقال الشيخ المفيد (ره): «وتكاثروا عليه، فاشترك في قتله أيّوب بن مُسَرِّح، ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة.». «4»

غير أنّ مصادر تأريخيّة أخرى «5» تذكر أنّ التحاق الحرّ (رض) بالإمام الحسين عليه السلام بعد أن قُتل من أصحابه عليه السلام ما يربو على الخمسين في الحملة العامة، حيث سمع الحرّ (رض) الإمام عليه السلام يقول على أثرها: «أما من مغيث يُغيثنا لوجه اللّه؟

أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه؟»، فأقبل الحرّ (رض) إلى عمر بن سعد فقال:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 297

أمقاتل أنت هذا الرجل!؟ إلى آخر محاورته مع ابن سعد التي مرّت بنا في قصة تحوّله والتحاقه بالإمام عليه السلام!

والمتأمّل في سياق كلّ من اللهوف ومقتل الخوارزمي يلحظ تعارضاً بيّناً في سردهما لقصة إلتحاق الحرّ (رض)، حيث يجد أنّ الحرّ بعد مقتل خمسين رجلًا أو أكثر من أنصار الإمام عليه السلام يسأل عمر بن سعد: أمقاتلٌ أنت هذا الرجل؟!! الأمر الذي يُضعف من الوثوق بسياق قصّة الحرّ (رض) في هذين الكتابين!

وتقول مصادر تأريخية أنّ الحرّ (رض) كان أوّل من تقدّم إلى قتال القوم، وأنّه كان قد قال للإمام عليه السلام: يا ابن رسول اللّه،

كنت أوّل خارج عليك فائذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك، فلعلّي أن أكون أوّل من يصافح جدّك محمّداً غداً في القيامة!». «1»

يقول صاحب تسلية المجالس في معنى ذلك: «وإنّما قال الحرُّ لأكون أوّل قتيل من المبارزين وإلّا فإنَّ جماعة كانوا قد قُتِلوا في الحملة الأولى كما ذُكر: فكان أوّل من تقدّم إلى براز القوم ...». «2»

وقال الشيخ الصدوق في شأن الحرّ (رض): «فقتل منهم ثمانية عشر رجلًا». «3» وقال الخوارزمي: «وقتل أربعين فارساً وراجلًا». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 298

وقال ابن شهرآشوب: «فقتل نيفاً وأربعين رجلًا». «1» وقال السيّد ابن طاووس:

«حتّى قتل جماعة من شجعان وأبطال». «2»

وروي أنه لمّا استشهد الحرّ (رض) احتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتّى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق، فجعل الحسين عليه السلام يمسح وجهه ويقول:

أنت الحرُّ كما سمّتك أمُّك! وأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة!. «3»

وقيل: «ثُمَّ أنشأ الحسين يقول:

لَنِعمَ الحرُّ بني رياح ونِعمَ الحرُّ عند مختلف الرماحِ

ونعم الحرُّ إذ نادى «4»

حسيناً فجاد بنفسه عند الصباحِ». «5»

وقيل رثاه بهذه الأبيات بعض أصحاب الحسين عليه السلام. «6»

وذكر الخوارزمي عن الحاكم الجشمي أنه قال: بل رثاه عليّ بن الحسين عليه السلام «7».

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 299

كيف كانت صلاة الإمام عليه السلام ظهر عاشوراء؟ ..... ص : 299

ذكر أكثر المؤرّخين أنّ الإمام عليه السلام صلّى بأصحابه صلاة الخوف، «1» وقال الشيخ ابن نما (ره): «وقيل: صلّى الحسين عليه السلام وأصحابه فرادى بالإيماء!». «2»

وقال المرحوم المحقّق السيّد المقرّم: «والذي أراه أنّ صلاة الحسين عليه السلام كانت قصراً، لأنّه نزل كربلاء في الثاني من المحرّم، ومن أخبار جدّه الرسول صلى الله عليه و آله مضافاً إلى علمه بأنّه يُقتل يوم عاشوراء لم يستطع أن ينوي الإقامة إذا لم تكمل

له عشرة أيّام، وتخيّل من لامعرفة له بذلك أنّه صلّى صلاة الخوف!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 300

مقتل سعيد بن عبداللّه الحنفي (رض) أثناء صلاة الإمام عليه السلام ..... ص : 300

ذكر الطبري وتابعه على ذلك ابن الأثير أنّ سعيد بن عبداللّه (رض) قُتل بعد الصلاة، حيث يقول: «ثمَّ اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ قتالهم، وَوُصِلَ إلى الحسين، فاستقدم الحنفيُّ أمامه، فاستُهدِف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالًا قائماً بين يديه، فما زال يُرمى حتّى سقط!». «1»

لكنّ المؤرّخين الآخرين رووا أنّ سعيد بن عبداللّه (رض) قُتل أثناء صلاة الإمام عليه السلام، فقد روى الخوارزمي في المقتل يقول: «فقال الحسين لزهير بن القين وسعيد بن عبداللّه: تقدَّما أمامي. فتقدّما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف. وروي أنَّ سعيد بن عبداللّه تقدّم أمام الحسين عليه السلام، فاستهدف له يرمونه بالنبل، فما أخذ الحسين عليه السلام يميناً وشمالًا إلّا قام بين يديه!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 301

فما زال يُرمى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: أللّهمَّ العنهم لعن عادٍ وثمود، أللّهمّ أبلغ نبيّك عنّي السلام، وأبلغه مالقيتُ من ألم الجراح، فإنّي أردت بذلك نصرة نبيّك، ثمّ مات، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح!»، «1» ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام فقال: أوفيت يا ابن رسول اللّه؟

فقال عليه السلام: نعم، أنت أمامي في الجنّة! ثمّ فاضت نفسه النفيسة. «2»

وينبغي التذكير هنا بأنّ السلام على سعيد بن عبداللّه الحنفي (رض) الوارد في زيارة الناحية المقدّسة كاشف عن مكانة سامية خاصة له عند أهل البيت عليهم السلام، فقد ورد السلام عليه فيها هكذا:

«السلام على سعد «3» بن عبداللّه الحنفيّ، القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف: لا واللّه لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنّا قد حفظنا

غيبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيك، واللّه لو أعلم أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُذرى ويُفعل ذلك بي سبعين مرَّة ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك! وكيف أفعل ذلك وإنّما هي موتة أو قتلة واحدة!؟ ثمّ هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!!

فقد لقيتَ حِمامك، وواسيت إمامك، ولقيت من اللّه الكرامة في دار المقامة، حشرنا اللّه معكم في المستشهدين، ورزقنا مرافقتكم في أعلى علّييّن!». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 302

مقتل أنس بن الحارث الكاهلي (رض) «1» ..... ص : 302

واستأذن الصحابي الجليل أنس بن الحارث الكاهلي (رض) الإمام الحسين عليه السلام لمبارزة الأعداء فأذن له، «وبرز شادّاً وسطه بالعمامة، رافعاً حاجبيه بالعصابة، ولمّا نظر اليه الحسين عليه السلام بهذه الهيئة بكى وقال: شكر اللّه لك يا شيخ. فقتل على كبره ثمانية عشر رجلًا، وقُتل». «2»

وكان في قتاله يرتجز قائلًا:

قد علمتْ كاهلها ودودان والخندفيّون وقيس عيلان

بأنّ قومي آفة للأقران». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 303

مقتل يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي (رض) ..... ص : 303

روى الطبري، عن أبي مخنف، عن فضيل بن خديج الكندي: «أنّ يزيد بن زياد، «1» وهو أبوالشعثاء الكندي- من بني بهدلة- جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلّا خمسة أسهم، وكان رامياً، فكان كلّما رمى قال:

أنا ابن بهدله فرسان العرجله

ويقول حسين: ألّلهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنة.

فلمّا رمى بها قام فقال: ما سقط منها إلّا خمسة أسهم، ولقد تبيّن لي أنّي قد قتلتُ خمسة نفر. وكان في أوّل من قُتل ..». «2»

«ثمَّ حمل على القوم بسيفه وقال:

أنا يزيدٌ وأبي مُهاصرُ كأنّني ليثٌ بِغيلٍ خادرُ

يا ربّ إنّي للحسين ناصرُ ولابن سعدِ تاركٌ وهاجرُ

فلم يزل يُقاتل حتّى قُتل رضوان اللّه عليه.». «3»

وروى الصدوق (ره) أنّ أبا الشعثاء (رض) قتل تسعة من الأعداء، وذكر

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 304

مبارزته بعد مبارزة الكاهلي (رض). «1»

أما ابن شهرآشوب فذكر مبارزته بعد مبارزة أنيس بن معقل الأصبحي. «2»

وهذا بخلاف ما ذكر الطبري في روايتة أنه «كان في أوّل من قتل» وماذكره ابن الأثير «وكان أوّل من قُتل بين يدي الحسين». «3»

وقد ورد السلام عليه من الناحية المقدّسة: «السلام على يزيد بن زياد بن مُهاصر الكندي». «4»

مقتل وهب بن وهب (رض) ..... ص : 304

روى الشيخ الصدوق (ره) «5» في أماليه يصف جملة من وقائع فاجعة عاشوراء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 305

وتتابع أصحاب الإمام عليه السلام في التقدّم إلى القتال والمبارزة قائلًا: «وبرز من بعده- أي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 306

من بعد يزيد بن زياد بن المهاصر، أبي الشعثاء الكندي (رض)- وهب بن وهب، وكان نصرانياً أسلم على يد الحسين عليه السلام هو وأمّه، فاتّبعوه إلى كربلاء، فركب فرساً وتناول بيده عود الفسطاط (عمود الفسطاط)، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية، ثمّ أستؤسر فأُتي به

عمر بن سعد لعنه الله، فأمر بضرب عنقه، ورمى به إلى عسكر الحسين عليه السلام، وأخذت أمّه سيفه وبرزت، فقال لها الحسين عليه السلام:

يا أُمَّ وهب! إجلسي فقد وضع اللّه الجهاد عن النساء، إنّك وابنك مع جدّي محمّد صلى الله عليه و آله في الجنّة.». «1»

مقتل الحجّاج بن مسروق المذحجي الجعفي (رض) ..... ص : 306

وهو (رض) مؤذّن الإمام الحسين عليه السلام في أوقات الصلاة، وكان قد خرج من الكوفة إلى الإمام عليه السلام والتحق به في مكّة المكرّمة، ولما كان يوم العاشر وبرز بقية أصحاب الإمام عليه السلام بعد الحملة الأولى إلى مقاتلة الأعداء تباعاً، برز الحجّاج بن مسروق الجعفي (رض) بعد أبي الشعثاء الكندي يزيد بن زياد (رض)- على رواية الخوارزمي وابن شهرآشوب- وهو يقول:

أقدم حسين هادياً مهديّا اليوم نلقى جدّك النبيّا

ثمَّ أباك ذا العُلا عليّا والحسن الخير الرضا الوليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا وأسد اللّه الشهيد الحيّا «2»

ثمّ حمل فقاتل حتى قُتل، «3» وكان قد قتل خمسة وعشرين رجلًا. «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 307

وقد ذكر كلٌّ من المحقّق السماوي (ره)، والمحقّق المقرّم (ره)، أنّ مسروق بن الحجّاج (رض) بعد أن استأذن الإمام عليه السلام قاتل قتالًا شديداً ثمّ عاد إليه وأنشده:

فدتك نفسي هادياً مهديّا اليوم ألقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا الندى عليّا ذاك الذي نعرفه الوصيّا

فقال له الحسين عليه السلام: نعم، وأنا ألقاهما على أثرك. فرجع يُقاتل حتى قتل رضي الله عنه. «1»

مقتل زهير بن القين (رض) ..... ص : 307

قال الطبري بعد ذكره مقتل سعيد بن عبداللّه (رض): «وقاتل زهير بن القين قتالًا شديداً، وأخذ يقول:

أنا زهير وأنا ابن القَيْنِ أذودهم بالسيّف عن حسينِ

.. وأخذ يضرب على منكب حسين «2» ويقول:

أَقَدمْ هُديتَ «3»

هادياً مهديّا فاليوم نلقى جدَّك النبيّا

وحسناً والمرتضى عليّاوذا الجناحينِ الفتى الكميّا

وأسدَ اللّهِ الشهيدَ الحيّا

... فشدَّ عليه كثير بن عبداللّه الشعبي، ومهاجر بن أوس، فقتلاه.». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 308

وقال الخوارزمي في مقتله: «فقال الحسين حين صُرع زهير: لايبعدنّك اللّه يا زهير! ولعن اللّه قاتلك لعن الذين مسخهم قردة وخنازير.». «1»

وذكر الشيخ الصدوق (ره) أنّ زهيراً (رض) قتل من الأعداء تسعة عشر رجلًا.

«2»

وذكر ابن شهرآشوب (ره)، والسيّد محمّد بن أبي طالب (ره)، أنّ زهيراً قتل مائة وعشرين رجلًا. «3»

إنّ السلام الوارد في زيارة الناحية المقدّسة على زهير بن القين كاشف عن منزلة خاصة له (رض) عند أهل البيت عليهم السلام، إذ ورد فيها:

«السلام على زهير بن القين البجلي، القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف: لا واللّه لايكون ذلك أبداً! أترك ابن رسول اللّه أسيراً في يد الأعداء وأنجو!؟ لا أراني اللّه ذلك اليوم!». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 309

مقتل سلمان بن مضارب البجلي (رض) ..... ص : 309

كان سلمان (رض) مع ابن عمّه زهير (رض) في سفر الحجّ سنة ستين للهجرة، ولمّا مال زهير (رض) في الطريق إلى الإمام عليه السلام وانضم إليه، مال معه ابن عمّه سلمان هذا (رض) وانضمّ إلى الإمام عليه السلام أيضاً.

ونقل المحقق السماوي رحمه اللّه عن صاحب الحدائق الوردية قوله: إنّ سلمان قُتل فيمن قُتل بعد صلاة الظهر، «1» فكأنّه قُتل قبل زهير. «2»

مقتل أبي ثمامة الصائدي (رض) ..... ص : 309

قال ابن شهرآشوب: «ثمّ برز أبوثمامة الصائدي وقال:

عزاءً لآل المصطفى وبناته على حبس خير الناس سبط محمّد

عزاءً لزهراء النبيّ وزوجها خزانة علم اللّه من بعد أحمد

عزاءً لأهل الشرق والغرب كلّهم وحزناً على حبس الحسين المسدَّد

فمنْ مبلغٌ عنّي النبيَّ وبنته بأنّ ابنكم في مجهد أيّ مجهد». «3»

ويُفهم من سياق الطبري- ويتابعه على ذلك ابن الأثير- بأنّ أبا ثمامة الصائدي (رض) كان قد قتلَ ابنَ عمِّ له في فترة ما قبل إقامة صلاة الظهر، إذ يقول الطبري: «.. ثمّ إنّ رجّالة شدَّت على الحرّ بن يزيد فقُتل، وقتل أبوثمامة الصائدي ابن عمّ له كان عدوّاً له، ثمّ صلّوا الظهر ...». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 310

أمّا كيف قُتل أبوثمامة (رض) ومن قتله؟ فلم نعثر- حسب متابعتنا- على مصدر من المصادر التأريخية القديمة كان قد ذكر ذلك! إلّا أنّ المحقّق السماوي (ره) ذكر قائلًا: «قال: ثُمَّ إنّ أبا ثمامة قال للحسين، وقد صلّى: يا أبا عبداللّه، إنّي قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيداً من أهلك قتيلًا. فقال له الحسين عليه السلام: تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة.

فتقدّم فقاتل حتّى أُثخن بالجراحات، فقتله قيس بن عبداللّه الصائدي ابن عمّ له، كان له عدوّاً! وكان ذلك بعد قتل الحرّ.». «1»

ويبدو أنّ المحقّق المقرّم (ره) قد

أخذ ذلك عن الشيخ السماوي (ره)، إذ يقول: «وخرج أبوثمامة الصائدي فقاتل حتّى أُثخن بالجراح، وكان مع عمر بن سعد ابن عمّ له يُقال له قيس بن عبداللّه، بينهما عداوة، فشدَّ عليه وقتله.». «2»

وإلى هنا لابدّ أنّ نقول: ربّما كان المحقّق السماوي (ره) والمحقّق المقرّم (ره) قد أخذا ذلك عن مصدر لم نوفّق للإطّلاع عليه، خصوصاً وأنّهما قد ذكرا إسم قاتله: قيس بن عبداللّه الصائدي! أمّا إذا كان أخذهما عن الطبري أو ابن الأثير، فإنّ هذين قد ذكرا أنّ ابا ثمامة هو قاتل ابن عمّه لا العكس!

مقتل برير بن خضير الهمداني (رض) ..... ص : 310

يروي الطبري عن أبي مخنف بسنده إلى عفيف بن زهير بن أبي الأخنس، وكان قد شهد مقتل الحسين عليه السلام «قال: وخرج يزيد بن معقل- من بني عميرة بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 311

ربيعة، وهو حليف لبني سليمة من عبدالقيس- فقال: يا برير بن خضير، كيف ترى اللّه صنع بك!؟ قال: صنع اللّهُ واللّهِ بي خيراً، وصنع اللّه بك شرّاً!

قال: كذبتَ، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً! هل تذكر وأنا أُماشيك في بني لوذان، وأنت تقول: إنَّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالٌّ مُضِلٌّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب؟

فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيى وقولي.

فقال له يزيد بن معقل: فإني أشهد أنّك من الضالين!

فقال له برير بن خضير: هل لك فلأباهلك، ولندع اللّه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المبطل! ثمّ اخرج فلأبارزك!

قال فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللّه يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقُّ المبطلَ، ثمّ برز كلّ واحدٍ منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد ابن معقل برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً! وضربه برير بن خضير

ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ! فخرَّ كأنما هوى من حالق، وإنّ سيف ابن خضير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه، وحمل عليه رضيُّ بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً، فاعتركا ساعة، ثمّ إنّ بريراً قعد على صدره، فقال رضيٌّ:

أين أهل المصاع «1» والدفاع!؟

قال فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلت: إنّ هذا برير ابن خضير القاري ء الذي كان يُقرؤنا القرآن في المسجد! فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره، فلمّا وجد مسّ الرمح برك عليه فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 312

فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عنه وقد غيّب السنان في ظهره، ثمَّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله!». «1»

وذكر ابن شهرآشوب أنّ بريراً (رض) برز بعد الحرّ (رض)، وهو يقول:

أنا بُرير وأبي خُضَيْر ليث يروع الأُسَد عند الزئر

يعرف فينا الخير أهل الخير أضربكم ولا أرى من ضير

كذاك فعل الخير في بُرير

وأنّ الذي قتله بُحير بن أوس الضبّي. «2»

أمّا الشيخ الصدوق فقد روى أنّ بُريراً (رض) برز من بعد عبداللّه بن أبي عروة الغفاري (رض)، «3» الذي برز من بعد حبيب بن مظاهر (رض)، وكان

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 313

برير يقول:

أنا بُريرٌ وأبي خُضَيْر لاخير فيمن ليس فيه خير

وأنّه قتل من الأعداء ثلاثين رجلًا ثُمَّ قُتل. «1»

وفي كتاب تسلية المجالس أنّ بريراً (رض) كان يحمل على القوم وهو يقول:

«إقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين، إقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول رب العالمين وذريّته الباقين.». «2»

مقتل عمرو بن قرضة الأنصاري (رض) ..... ص : 313

وروى الطبري يقول: «وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يقاتل دون حسين وهو يقول:

قد علمتْ كتيبة الأنصارِ أنّي سأحمي حوزة الذّمار

ضرب غلام غيرِ نكسٍ شارِ دون حسين مهجتي وداري».

«3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 314

ويتابع الطبري فيقول: «قال أبومخنف، عن ثابت بن هبيرة: فقُتل عمرو بن قرظة بن كعب وكان مع الحسين، وكان عليٌّ أخوه مع عمر بن سعد! فنادى عليٌّ بن قرظة: يا حسين «1» ... أضللتَ أخي وغررته حتّى قتلته!؟ قال: إنّ اللّه لم يُضلَّ أخاك ولكنه هدى أخاك وأضلّك! قال: قتلني اللّه إنْ لم أقتلك أو أموت دونك! فحمل عليه، فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه فدوويَ بعدُ فبرأ.». «2»

مقتل نافع بن هلال الجملي (رض) ..... ص : 314

كان لنافع بن هلال الجملي (رض) مواقف بطولية عديدة في عرصة الطفّ، وكان من تلك المواقف مارواه الطبري عن يحيى بن هاني بن عروة «أنّ نافع بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 315

هلال كان يُقاتل يومئذٌ وهو يقول:

أنا الهِزبرُ الجملي أنا على دين علي «1»

فخرج إليه رجلٌ يُقال له مُزاحم بن حُريث فقال: أنا على دين عثمان!

فقال له: أنت على دين شيطان! ثمّ حمل عليه فقتله، فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس: يا حمقى أتدورن من تقاتلون!؟ فرسانَ المِصر، قوماً مستميتين! لايبرزنّ لهم منكم أحد، فإنّهم قليل وقلَّ ما يبقون، واللّه لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد: صدقتَ، الرأيُ ما رأيت. وأرسلَ إلى الناس يعزم عليهم ألّا يبارزُ رجلٌ منكم رجلًا منهم!». «2»

وكان نافع بن هلال الجملي (رض) قد كتب إسمه على أفواق نبله، فجعل يرمي بها مسمومةً وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأنَّ أرضها رشاقها والنفس لاينفعها إشفاقها

فقتل إثني عشر رجلًا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح! حتّى إذا فنيت نباله جرَّد فيهم سيفه فحمل عليهم وهو يقول:

أنا الهزبرُ الجملي أنا على دين علي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 316

فتواثبوا عليه وأطافوا به

يضاربونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه، فأخذوه أسيراً، فأمسكه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحابه يسوقونه حتّى أتى به عمر بن سعد، فقال له عمر: ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك!؟

قال: إنّ ربّي يعلمُ ما أردتُ. فقال له رجل وقد نظر الدماء تسيل على لحيته: أما ترى ما بك!؟ قال: واللّه لقد قتلتُ منكم إثني عشر رجلًا سوى من جرحتُ، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني!

فقال شمر لابن سعد: أقتله أصلحك اللّه! قال: أنت جئت به، فإن شئت فاقتله! فانتضى شمر سيفه، فقال له نافع: أما واللهِ لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا، فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. ثمّ قتله شمر لعنه اللّه. «1»

وقد روى الخوارزمي أنّ مقتل نافع بن هلال (رض) كان بعد مقتل سعيد بن عبداللّه الحنفي (رض) حيث قال: «ثمّ خرج من بعده نافع بن هلال الجملي، وقيل:

هلال بن نافع، وجعل يرميهم بالسهام فلا يُخطي ء، وكان خاضباً يده ...». «2»

ويرى المحقّق السماوي (ره) أنّ مقتل نافع (رض) بعد مقتل عمرو بن قرظة (رض)، بعد أن قتل نافع (رض) عليّاً أخا عمرو بن قرظة، حيث يقول السماوي (ره): «وحدّث هاني بن عروة المرادي أنّه لمّا جالت الخيل بعد ضرب نافع عليّاً، حمل عليها نافع بن هلال، فجعل يضرب بها قدماً وهو يقول:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 317

إن تُنكروني فأنا ابن الجملي ديني على دين حسين بن علي». «1»

ولعلّ الشيخ السماوي (ره) قد استفاد ذلك من سياق نصوص الطبري.

أمّا الشيخ الصدوق (ره) فقد روى مقتل نافع (رض) بعد مقتل وهب بن وهب (رض)، وذكره بإسم (هلال بن حجّاج)،

«2» حيث قال (ره): «ثمّ برز بعده هلال بن حجّاج وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها (أفواهها) والنفس لاينفعها إشفاقها

فقتل منهم ثلاثة عشر رجلًا ثمّ قُتل.». «3»

أمّا ابن شهرآشوب (ره) فقد ذكر مقتله (رض) بعد مقتل زهير بن القين (رض) حيث قال: «ثمّ برز نافع بن هلال البجلي «4» قائلًا:

أنا الغلام اليمنيُّ البجلي ديني على دين حسين بن علي

أضربكم ضرب غلام بطلِ ويختم اللّه بخيرٍ عملي «5»

فقتل إثني عشر رجلًا، وروي سبعين رجلًا.». «1»

مقتل يزيد بن مغفل الجعفي (رض) «2» ..... ص : 317

قال المحقّق السماوي (ره): «وذكر أهل المقاتل والسير أنّه لمّا التحم القتال في اليوم العاشر استأذن يزيد بن مغفل الحسين عليه السلام في البراز فأذن له، فتقدّم وهو يقول:

أنا يزيدُ وأنا ابن مغفل وفي يميني نصل سيف منجل

أعلو به الهامات وسط القسطل «3»

عن الحسين الماجد المفضّل

ثُمّ قاتل حتّى قُتل.». «4»

لكنّ الخوارزمي «5» وابن شهرآشوب «6» ذكرا مثل هذه الأبيات في الرجز لإسم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 319

آخر هو (أنيس بن معقل الأصبحي)، ولعلّه هو يزيد بن مغفل الجعفي (رض)، والله العالم.

مصرع الموقَّع «1» بن ثمامة الأسدي الصيداوي (رض) ..... ص : 319

قال المحقّق السماوي (ره): «كان الموقّع ممّن جاء إلى الحسين في الطفّ، وخلص إليه ليلًا مع من خلص. قال أبومخنف: «2» إنّ الموقَّع صُرع فاستنقذوه قومه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 320

وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه، وبلغ ابن زياد خبره فأرسل إليه ليقتله، فشفع فيه جماعة من بني أسد، فلم يقتله ولكن كبّله بالحديد ونفاه إلى الزارة، «1» وكان مريضاً من الجراحات التي به، فبقي في الزارة مريضاً مكبّلًا حتّى مات بعد سنة، وفيه يقول الكُميت الأسدي: وإنّ أباموسى أسيرٌ مُكبَّلُ- يعني به الموقَّع.». «2»

مقتل عمر «3» (عمرو) بن جنادة الأنصاري الخزرجي (رض) ..... ص : 320

كان جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي (رض) ممّن قتل في الحملة الأولى من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، وكان قد قتل من الأعداء ستّة عشر رجلًا، «4» وكان جنادة قد صحب الإمام عليه السلام من مكّة وجاء معه هو وأهله، وكان ابنه عمرو وهو ابن إحدى عشرة سنة «5» قد تقدّم- بعد مقتل أبيه (رض)- إلى الإمام عليه السلام يستأذنه في القتال، فأبى عليه السلام «وقال: هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأولى «6» ولعلّ أمّه تكره ذلك. قال: إنّ أمّي أمرتني! فأذن له فما أسرع أن قُتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين، فأخذته أمُّه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلًا قريباً منها فمات! وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً، وقيل سيفاً، وأنشأت:

إنّي عجوز في النسا ضعيفه خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه دون بني فاطمة الشريفه

فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلين». «1»

لكنّ الخوارزمي في المقتل ذكر مصرع جنادة ثم مصرع ابنه عمرو هكذا: «ثمّ خرج من بعده «2» جناده بن الحرث الأنصاري، «3» وهو يقول:

أنا جنادة أنا ابن الحارث لستُ بخوّارٍ ولا بناكثِ

عن بيعتي حتّى يقوم وارثي من

فوق شلوٍ في الصعيد ماكثِ

فحمل، ولم يزل يُقاتل حتّى قُتل.

ثمّ خرج من بعده عمرو بن جنادة، وهو ينشد ويقول:

أَضِق الخِناقَ من ابن هندٍ وارمِه في عِقره بفوارس الأنصارِ

ومهاجرين مخضّبين رماحهم تحت العجاجة من دم الكفّار

خضبت على عهد النبيّ محمّد فاليوم تُخضب من دمِ الفجّار

واليوم تُخضب من دماء معاشرٍ رفضوا القران لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدرٍ وانثنوا بالمرهفات وبالقنا الخطّار

واللّهِ ربي لا أزال مضارباً للفاسقين بمرهف بتّارِ

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 322

هذا عليَّ اليومَ حقٌّ واجبٌ في كلّ يوم تعانقٍ وحوار

ثمّ حمل، فقاتل حتّى قُتل». «1»

ثمّ يروي الخوارزمي الواقعة- التي ذكرها كلُّ من المحقّق السماوي (ره)، والمحقّق المقرّم (ره)- لشاب آخر، قائلًا: «ثُمَّ خرج من بعده شابٌ قُتل أبوه في المعركة، وكانت أمّه عنده، فقالت: يا بُنيّ اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول اللّه حتى تُقتل! فقال: أَفعلُ. فخرج، فقال الحسين: هذا شابٌ قُتل أبوه، ولعلَّ أُمَّه تكره خروجه. فقال الشاب: أمّي أمرتني يا ابن رسول اللّه! فخرج وهو يقول:

أميري حسينٌ ونِعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير

عليٌّ وفاطمةٌ والداه فهل تعلمون له من نظير

ثُمّ قاتل فقُتل، وحُزَّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين، فأخذت أمُّه رأسه وقالت له: أحسنتَ يا بُنيَّ! ياقُرَّة عيني وسرورَ قلبي!

ثمّ رمت برأس ابنها رجلًا فقتلته، وأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول:

أنا عجوزٌ في النسا ضعيفه بالية خاوية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه دون بني فاطمة الشريفه

فضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 323

مقتل الأخوين الغفاريين (رض) ..... ص : 323

يروي الطبري قائلًا: «فلمّا رأى أصحاب الحسين أنّهم قد كُثروا، وأنّهم لايقدرون على أن يمنعوا حسيناً ولا أنفسهم تنافسوا في أن يُقتلوا بين يديه، فجاءه عبداللّه وعبدالرحمن إبنا عزرة (عروة) «1» الغفاريّان، فقالا: يا

أبا عبداللّه، عليك السلام! حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نُقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك!

قال: مرحباً بكما أُدنوا منّي!

فدنوا منه، فجعلا يقاتلان قريباً منه، وأحدهما يقول:

قد علمتْ حقّاً بنو غِفارِ وخِندَفٌ بعد بني نزار

لنضربنَّ معشرَ الفُجّار بكلّ عضبٍ صارمٍ بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار «2»

بالمشرفيّ والقنا الخطّار». «3»

أمّا الخوارزمي فقد ذكر أنَّ (قُرّة بن أبي قُرّة الغفاري) خرج بعد خروج (يحيى بن سليم المازني) وهو يقول:

قد علمتْ حقّاً بنو غفار وخندفٌ بعد بني نزارِ «1»

ثمَّ حمل فقاتل حتّى قُتِل. «2»

والظاهر أنّ هذا هو نفسه (عبداللّه بن عروة الغفاري)، ذلك لأنّ الخوارزمي يذكر أنّ أخاه (عبدالرحمن بن عروة) كان قد خرج بعد خروج عمرو بن قرظة، وأنّه كان يقول أيضاً:

قد علمتْ حقّاً بنو غفار وخندف بعد بني نزارِ

ثمّ قاتل حتّى قُتل. «3»

والجدير بالذكر أنّ ابن شهرآشوب كان قد ذكر أنّ عبداللّه قد قُتل في الحملة الأولى، «4» كما أنَّ ما ذكره المحقّق السماوي (ره) أنّ عبداللّه وأخاه عبدالرحمن كانا قد دنوا من الإمام عليه السلام، وجعلا يقاتلان قريباً منه، وإنّ أحدهما ليرتجز ويُتمّ له الآخر .. فلم يزالا يقاتلان حتّى قُتلا، «5» لايبعد أن يكون قتالهما هذا ومقتلهما أثناء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 325

الحملة الأولى.

وقد ورد السلام عليهما من الناحية المقدّسة هكذا: «السلام على عبداللّه وعبدالرحمن ابني عروة بن حراق الغفاريين». «1»

مقتل حنظلة بن أسعد الشبامي والأخوين الجابريين سيف ومالك (رض) ..... ص : 325

روى الطبري قائلًا: «وجاء الفتيان الجابريّان سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد «2» بن سريع، وهما إبنا عمّ وأخوان لأُمّ، فأتيا حسيناً فدنوا منه وهما يبكيان، فقال: أي ابنَيْ أخي! ما يُبكيكما؟ فواللّه إنّي لأرجو أن تكونا عن ساعة قريريْ عين.

قالا: جعلنا اللّه فداك! لا واللّه ما على أنفسنا نبكي، ولكنّا نبكي

عليك! نراك قد أُحيط بك ولانقدر على أن نمنعك!

فقال: جزاكما اللّه يا ابنيْ أخي بوُجْدكما من ذلك ومواساتكما إيّايَ بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين.

وجاء حنظلة بن أسعد الشباميّ فقام بين يدي حسين، فأخذ يُنادي: يا قومِ! إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما اللّه يريد ظلماً للعباد، ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التنادِ يومَ تُولّون مدبرين مالكم من اللّه من عاصم، ومن يُظللِ اللّهُ فماله من هادٍ، يا قومِ لا تقتلوا

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 326

حسيناً فيسحتكم اللّه بعذاب وقد خاب من أفترى.

فقال له حسين: يا ابن أسعد رحمك اللّه، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك! فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصادقين!؟

قال: صدقت جُعلت فداك! أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟

قال: رُحْ إلى خيرٍ من الدنيا وما فيها! وإلى مُلكٍ لايبلى!

فقال: السلام عليك أبا عبداللّه، صلّى اللّه عليك وعلى أهل بيتك، وعرّف بيننا وبينك في جنّته!

فقال: آمين آمين!

فاستقدم فقاتل حتّى قُتل.

ثُمّ استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين ويقولان: السلام عليك يا ابن رسول اللّه!

فقال: وعليكما السلام ورحمة اللّه!

فقاتلا حتّى قُتلا». «1»

وقد ورد السلام على حنظلة من الناحية المقدّسة هكذا: «السلام على حنظلة بن أسعد الشِّباميّ». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 327

وعلى الجابريّن: «السلام على شبيب «1» بن الحارث بن سريع، السلام على مالك بن عبداللّه بن سريع». «2»

مقتل شوذب بن عبداللّه (رض) «3» ..... ص : 327

وروى الطبري أيضاً يقول: «وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر، فقال: يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟

قال: ما أصنع!؟ أُقاتل معك دون ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه

و آله حتّى أُقتل!

قال: ذلك الظنّ بك! أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبداللّه حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتّى أحتسبك أنا، فإنّه لوكان معيَ الساعة أحدٌ أنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديَّ حتى أحتسبه، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه، فإنّه لاعمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب!

.. فتقدّم فسلمّ على الحسين، ثمّ مضى فقاتل حتّى قُتل!». «4»

وقال الشيخ المفيد (ره): «وتقدّم بعده «5» شوذب مولى شاكر فقال: السلام عليك يا أبا عبداللّه ورحمة اللّه وبركاتُه، أستودعك اللّه وأسترعيك. ثمّ قاتل حتّى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 328

قُتل رحمه اللّه.». «1»

مقتل عابس بن أبي شبيب الشاكري (رض) ..... ص : 328

ثمَّ لمّا قُتل شوذب (رض) تقدّم عابس (رض) الى الإمام عليه السلام «ثمّ قال: يا أبا عبداللّه! أما واللّه ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولابعيدٌ أَعزّ عليَّ ولا أحبّ إليَّ منك! ولو قدرتُ على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشي ء أعزّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلتُه! السلام عليك يا أبا عبداللّه، أُشهدُ اللّه أنّي على هديك وهَدْيِ أبيك.

ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحوهم وبه ضربةٌ على جبينه!». «2»

ويقول رجل همداني- يُقال له ربيع بن تميم- شهد ذلك اليوم: «لمّا رأيته مُقبلًا عرفته، وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس، فقلت: أيّها النّاس هذا أسدُ الأُسود! هذا ابن أبي شبيب! لايخرجنّ إليه أحدٌ منكم. فأخذ يُنادي: ألا رجلٌ لرجل!؟ فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة!

قال: فرمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى دِرعه ومِغْفَره، ثمّ شدَّ على الناس، فواللّه لرأيته يكرد «3» أكثر من مائتين من النّاس، ثمّ إنهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقُتل.

قال: فرأيتُ رأسه في أيدي رجالٍ ذوي عدَّة،

هذا يقول: أنا قتلته! وهذا يقول:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 329

أنا قتلته! فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان «1» واحد! ففرّق بينهم بهذا القول». «2»

مقتل الأخوين الأنصاريين (رض) ..... ص : 329

وهما سعد بن الحرث الأنصاري العجلانيّ (رض) وأخوه أبوالحتوف بن الحرث الأنصاري العجلاني (رض)، وكانا قد التحقا بالإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، يقول المحقّق السماوي (ره): «كانا من أهل الكوفة ومن المحكّمة، «3» فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الحسين عليه السلام. قال صاحب الحدائق: فلمّا كان اليوم العاشر، وقُتل أصحاب الحسين فجعل الحسين يُنادي: ألا ناصرٌ فينصرنا.

فسمعته النساء والأطفال، فتصارخن، وسمع سعدٌ وأخوه أبوالحتوف النداء من الحسين عليه السلام والصراخ من عياله، فمالا بسيفيهما مع الحسين على أعدائه، فجعلا يُقاتلان حتّى قتلا جماعة وجرحا آخرين، ثمّ قُتلا معاً». «4»

وذكر صاحب الحدائق أنّهما (رض) قد قتلا من الأعداء ثلاثة نفر. «5»

وفي ضوء هذا الخبر: إذا كان المراد من «وقتل أصحاب الحسين» قتل أصحابه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 330

بعد الحملة العامة الأولى، فإنّ هذين الأنصاريين (رض) يكونان- حسب الظاهر- قد قتلا أواخر الحملة الأولى أو بعدها مباشرة، وإذا كان المراد من «وقتل أصحاب الحسين» قتل أصحابه جميعاً، فإنّ هذين الأنصاريين (رض) يكونان آخر من قُتل معه عليه السلام، والنصوص المتوفّرة في مقتلهما لاتساعد بأكثر من هذا على تشخيص ساعة مقتلهما في الملحمة.

مقتل الأنصار الجهنيين الثلاثة (رض) ..... ص : 330

وهم مجمع بن زياد بن عمرو الجهني (رض)، «1» وعبّاد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهني (رض)، «2» وعقبة بن الصلت الجهني (رض)، «3» وكان هؤلاء الأبرار

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 331

قد التحقوا بالإمام عليه السلام من مياه جهينة (منازل جهينة) وهو في طريقه من المدينة إلى مكّة، وثبتوا معه ولازموه، فلم ينفضّوا عنه حين انفض كثير من الأعراب عنه عليه السلام في زُبالة، فلما كان يوم العاشر قاتلوا بين يديه حتّى قتلوا رضوان اللّه عليهم.

مقتل يزيد بن ثبيط العبدي البصري (رض) ..... ص : 331

اشارة

كان ولداه عبداللّه وعبيداللّه رضي اللّه عنهما قد قُتلا في الحملة الأولى، «1» أمّا هو رضوان اللّه تعالى عليه فقد قُتل مبارزة، «2» وقد مرّت بنا ترجمته وقصة ارتحاله إلى الإمام عليه السلام من البصرة مع مجموعة من المجاهدين البصريين والتحاقهم بالإمام عليه السلام في مكّة المكرّمة، وملازمتهم الإمام عليه السلام حتى فوزهم بالشهادة بين يديه. «3»

مقتل رافع بن عبداللّه (رض) مولى مسلم الأزدي (رض) ..... ص : 331

كان رافع بن عبداللّه (رض) قد خرج إلى الإمام الحسين عليه السلام مع مولاه مسلم بن كثير الأعرج الأزدي (رض) من الكوفة، وانضمّا إلى الإمام عليه السلام في كربلاء، ولمّا كان اليوم العاشر ونشب القتال قُتل مسلم بن كثير (رض) في الحملة الأولى، أمّا مولاه عبداللّه فتقدّم بعد صلاة الظهر مبارزاً للأعداء بين يدي الإمام الحسين عليه السلام،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 332

فقاتل ثمّ نال شرف الشهادة. «1»

مقتل حبشي بن قيس النهمي (رض) «2» ..... ص : 332

ومن أنصاره عليه السلام الذين قُتلوا معه في كربلاء حبشي (حبشة) «3» بن قيس النهمي (رض)، ولم نعثر في المصادر الأخرى على تفصيل مصرعه ومقتله.

مقتل زياد بن عريب الهمداني الصائدي (رض) «4» ..... ص : 332

وكنيته أبوعمرة «5» وهو ممن أدرك زمان النبيّ صلى الله عليه و آله، وقد روى الشيخ (ابن نما) عن مهران الكاهلي- أي مولى لبني كاهل- قال: شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام فرأيت رجلًا يُقاتل قتالًا شديداً، لايحمل على قوم إلّا كشفهم! ثمّ يرجع إلى الحسين عليه السلام ويرتجز ويقول:

أَبشر هُديتَ الرُشد يا ابن أحمدا في جنّة الفردوس تعلوا صعّدا

فقلت: من هذا؟ قالوا: أبوعمر النهشلي. «1» وقيل: الخثعمي فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني اللات بن ثعلبة فقتله واحتزّ رأسه.

قال: وكان أبوعمرو هذا متهجّداً كثير الصلاة.». «2»

مقتل قعنب بن عمر النمري (رض) ..... ص : 332

ومن أنصاره عليه السلام الذين استشهدوا بين يديه في كربلاء قعنب بن عمر النمري البصري (رض)، الذي كان قد جاء إلى الإمام عليه السلام مع الحجّاج بن بدر السعدي (رض) من البصرة، والتحقا به في مكّة، ولم يزل ملازماً له، حتى نشب القتال يوم عاشوراء، فقاتل في الطفّ بين يدي الإمام عليه السلام حتّى قُتل رضوان اللّه عليه، «3» ولم تذكر المصادر التأريخية تفصيلًا لمصرعه إلّا أنّ الزنجاني نقل عن صاحب الذخيرة أنه قتل في الحملة الأولى، «4» وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا: «السلام على قعنب بن عمرو النمري». «5»

مقتل بكر بن حي التيمي (رض) ..... ص : 332

قال المحقّق السماوي (ره): «كان بكر ممّن خرج مع ابن سعد إلى حرب الحسين عليه السلام، حتّى إذا قامت الحرب على ساق، مال مع الحسين على ابن سعد، فقُتل بين يدي الحسين عليه السلام بعد الحملة الأولى، ذكره صاحب الحدائق «6» وغيره.». «7»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 334

ولم نعثر على تفصيل لمصرعه (رض) في مصادر أخرى.

مقتل سالم بن عمرو (رض) مولى بني المدينة ..... ص : 334

وقال المحقّق السماوي (ره) أيضاً: «كان سالم مولى لبني المدينة، وهم بطن من كلب، كوفيّاً من الشيعة، خرج إلى الحسين عليه السلام أيّام المهادنة، فانضمّ إلى أصحابه. قال في الحدائق: ومازال معه حتّى قُتل. «1»

وقال السروي: قُتل في أوّل حملة مع من قُتل من أصحاب الحسين عليه السلام. «2» وله في القائميات ذكر وسلام. «3»». «4»

مقتل الغلام التركي (رض) ..... ص : 334

قال الخوارزمي: «ثمّ خرج غلام تركيّ مبارز، قاري ء للقرآن، عارف بالعربية، وهو من موالي الحسين، فجعل يقاتل ويقول:

البحر من طعني وضربي يصطلي والجوُّ من سهمي ونبلي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي ينشقُّ قلب الحاسد المبجّل

فقتل جماعة، فتحاوشوه فصرعوه، فجاءه الحسين وبكي ووضع خدَّه على خدّه، ففتح عينيه ورآه فتبسّم، ثمّ صار إلى ربّه.». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 335

لكنّ ابن شهرآشوب ذكر هذه الأبيات لغلامٍ تركيّ للحرّ، قائلًا «وروي أنّه برز غلام تركيّ للحرّ، وجعل يقول ...»، كما ذكر أنه قتل سبعين رجلًا. «1»

أما المحقّق السماوي (ره) فقد قال في ترجمة (أسلم بن عمرو مولى الحسين بن علي عليه السلام): «كان أسلم من موالي الحسين، وكان أبوه تركيّاً، وكان ولده أسلم كاتباً. قال بعض أهل السير والمقاتل: إنّه خرج إلى القتال وهو يقول:

أميري حسينٌ ونِعمَ الأمير سرور فؤاد البشير النذير

فقاتل حتّى قُتل، فلمّا صُرع مشى إليه الحسين عليه السلام، فرآه وبه رمقٌ يومي إلى الحسين عليه السلام فاعتنقه الحسين ووضع خدّه على خدّه، فتبسّم وقال: من مثلي وابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله واضعٌ خدّه على خدّي، ثُمّ فاضت نفسه رضوان اللّه عليه». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 336

وقال صاحب ذخيرة الدارين: «ومشى الحسين عليه السلام إلى أسلم مولاه واعتنقه، وكان به رمق فتبسّم وافتخر بذلك.». «1»

مقتل بشر «2» بن عمرو بن الأُحدوث الحضرمي (رض) ..... ص : 336

ذكرنا فيما مضى في قائمة أسماء شهداء الحملة الأولى إسم «بشر بن عمرو الحضرمي» في جملة أولئك الشهداء رضوان اللّه عليهم، وقلنا في حاشية إسمه إنّ المحقّق السماوي (ره) ذكر أنّه قُتل في الحملة الأولى نقلًا عن قول ابن شهرآشوب السرويّ في المناقب. «3»

وقلنا: إننا بعد مراجعة كتاب المناقب وجدنا أنّ ابن شهرآشوب لم يذكره في أسماء شهداء

الحملة الأولى، «4» لكنّ الزنجاني في وسيلة الدارين ذكره في أسماء شهداء الحملة الأولى «5» وقال في ترجمته: «قال أهل السير: فلمّا ثبت القتال بين الفريقين تقدّم بشر بن عمرو الحضرمي إلى الحرب، وقاتل حتّى قُتل في الحملة الأولى مع من قُتل في أصحاب الحسين عليه السلام»، «6» ولانعلم من هم أهل السير الذين

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 337

عناهم الزنجاني!؟

لكنّ الطبري في تاريخه «1» روى أنّ آخر من بقي مع الإمام عليه السلام من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي (رض)، وبشير بن عمرو الحضرمي (رض).

و من الغريب أنَّ المحقّق السماوي (ره) «2» في موضع آخر من كتابه ذكر أيضاً أنّ بشراً الحضرمي (رض) قُتل في آخر أصحاب الإمام عليه السلام قبل سويد بن عمرو (رض)!.

وروى البلاذري يقول: «وقاتل بشير بن عمرو الحضرمي وهو يقول:

اليومَ يا نفسُ أُلاقي الرحمن واليومَ تُجزَين بكلّ إحسان

لاتجزعي فكلُّ شي ءٍ فان والصبر أحظى لكِ عند الديّان». «3»

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا: «السلام على بشر بن عمر الحضرمي، شكر اللّه لك قولك للحسين وقد أذن لك في الإنصراف: أكلتني اذن السباعُ حيّاً إن فارقتك! وأسأل عنك الركبان!؟ وأخذلك مع قلّة الأعوان!؟ لايكون هذا أبداً!». «4»

مقتل سويد بن عمرو بن أبي المطاع (رض) ..... ص : 337

روى الطبري أنّ سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي (رض) كان آخر من

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 338

بقي مع الحسين عليه السلام من أصحابه، «1» وقال المحقّق السماوي (ره) في ترجمته: «كان سويد شيخاً شريفاً عابداً كثير الصلاة، وكان شجاعاً مجرّباً في الحروب، كما ذكره الطبري والداوودي». «2»

وقال السيّد ابن طاووس (ره): «وتقدّم سويد بن عمرو بن أبي المطاع، وكان شريفاً كثير الصلاة، فقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ في الصبر على

البلاء النازل حتّى سقط بين القتلى وقد أُثخن بالجراح، ولم يزل كذلك وليس به حراك، حتّى سمعهم يقولون: قُتل الحسين. فتحامل وأخرج من خفّه سكيناً، وجعل يقاتلهم بها حتّى قتل رضوان اللّه عليه.». «3»

وقال المحقّق السماوي (ره): «وقال أهل السير: إنّ بشراً الحضرمي قُتل، فتقدّم سويد وقاتل حتّى أُثخن بالجراح، وسقط على وجهه فظُنَّ بأنّه قُتل، فلمّا قُتل الحسين عليه السلام وسمعهم يقولون: قُتل الحسين. وجد به إفاقة، وكانت معه سكّين خبّأها، وكان قد أُخذ سيفه منه، فقاتلهم بسكينه ساعة، ثمّ إنّهم عطفوا عليه، فقتله عروة بن بكّار التغلبي، وزيد بن ورقاء الجهني. «4»». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 339

قصّة الضحّاك بن عبداللّه المشرقي! ..... ص : 339

قال الطبري: «قال أبومخنف، حدّثنا عبداللّه بن عاصم الفائشيّ- بطن من همدان- عن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي قال: قدمتُ ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين، فسلّمنا عليه ثمّ جلسنا إليه، فردّ علينا ورحّب بنا، وسألنا عمّا جئنا له، فقلنا جئنا لنسلّم عليك وندعوا اللّه لك بالعافية، ونُحدث بك عهداً، ونخبرك خبر النّاس، وإنّا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك! فَرِ رأيك.

فقال الحسين عليه السلام: حسبي اللّه ونعم الوكيل.

قال: فتذممّنا وسلّمنا عليه ودعونا اللّه له!

قال: فما يمنعكما من نصرتي!؟

فقال مالك بن النضر: عليَّ دَين، ولي عيال!!

فقلت: إنّ عليَّ دَيناً، وإنّ لي لعيالًا، ولكنّك إنْ جعلتني في حِلّ من الإنصراف إذا لم أجد مقاتلًا، قاتلتُ عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً!

قال: قال: فأنتَ في حِلّ! فأقمتُ معه.». «1»

ويستفاد من هذا المتن أنّ هذا اللقاء كان في الطريق إلى كربلاء، «2» أو في كربلاء قبل الحصار، ذلك لأنّ مالك بن النضر كان قد ترك الإمام عليه السلام، ولايكون ذلك بمقدوره إلّا قبل الحصار.

ثمّ نجد الطبري يروي بنفس السند

عن الضحّاك هذا تفاصيل عن وقائع مهمّة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 340

في ليلة عاشوراء، وفي يوم عاشوراء، منها احتجاج الإمام عليه السلام على أعدائه قبل نشوب الحرب.

ثمّ يروي الطبري بنفس السند عن الضحّاك المشرقي كيف استأذن الإمام عليه السلام بالتخلّي عنه آخر الأمر، وكيف فرّ من الميدان، وكيف نجا من القتل!!

قال الضحّاك: «لمّا رأيتُ أصحاب الحسين قد أُصيبوا، وقد خَلُص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبق معه غيرُ سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا ابن رسول اللّه! قد علمتَ ما كان بيني وبينك، قلتُ لك: أقاتلُ عنك ما رأيت مقاتلًا، فإذا لم أرَ مقاتلًا فأنا في حلّ من الإنصراف.

فقلتَ: نعم.

قال: صدقتَ! وكيف لك بالنجاء؟ إنْ قدرتَ على ذلك فأنتَ في حِلّ! قال فأقبلتُ إلى فرسي وقد كُنت حيث رأيتُ خيل أصحابنا تُعقَر أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلتُ أقاتل معهم راجلًا، فقتلتُ يومئذٍ بين يدي الحسين رجلين، وقطعتُ يدَ آخر، وقال لي الحسين يومئذٍ مراراً لاتُشلل! لايقطع اللّه يدك! جزاك اللّه خيراً عن أهل بيت نبيّك صلى الله عليه و آله.

فلمّا أذن لي استخرجتُ الفرس من الفسطاط، ثمّ استويتُ على متنها ثمّ ضربتها، حتّى إذا قامت على السنابك رميتُ بها عرض القوم فأفرجوا لي، واتبعني منهم خمسة عشر رجلًا، حتّى انتهيتُ إلى شُفيّة قرية قريبة من شاطي ء الفرات، فلمّا لحقوني عطفتُ عليهم، فعرفني كثير بن عبداللّه الشعبي، وأيوب بن مشرح الخيوانيّ، وقيس بن عبداللّه الصائدي، فقالوا: هذا الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، هذا ابن عمّنا! ننشدكم اللّه لما كففتم عنه! فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم:

بلى والله، لنجيبنّ إخواننا وأهلَ دعوتنا إلى ما أحبّوا

من الكفّ عن صاحبهم. قال:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 341

فلمّا تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون، قال: فنجّاني اللّه!». «1»

أسماء أخرى وملاحظات: ..... ص : 341

1- مالك بن دودان:

قال ابن شهرآشوب السروي: «ثمّ برز مالك بن دودان وأنشأ يقول:

إليكم من مالك الضرغام ضرب فتىً يحمي عن الكرام

يرجو ثواب اللّه ذي الإنعام». «2»

2- أنيس بن معقل الأصبحي:

وقال أيضاً: «ثمّ برز أنيس بن معقل الأصبحي وهو يقول:

أنا أنيس وأنا ابن معقل وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو بها الهامات وسط القسطل عن الحسين الماجد المفضّل

ابن رسول اللّه خير مُرسل».

فقتل نيفاً وعشرين رجلًا.». «3»

3- ربيعة بن خوط:

قال الحائري في ذخيرة الدارين: «نزل الكوفة، وكان بها إلى أن جاء

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 342

الحسين عليه السلام من مكّة إلى العراق حتّى نزل بكربلاء، ثمّ خرج ربيعة بن خوط من الكوفة وجاء إلى الحسين عليه السلام مع ابن عمّه حبيب، وكان حبيب معه إلى أن قُتل بين يديه في الحملة الأولى مع من قُتل من أصحاب الحسين عليه السلام». «1»

4- زيد بن معقل:

عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، «2» وذكره ابن شهرآشوب السروي في المناقب، «3» وقد ورد عليه السلام في زيارة الناحية المقدّسة. «4»

5- هلال بن الحجّاج:

ذكره الشيخ الصدوق قائلًا: «ثمّ برز من بعده- أي من بعد وهب بن وهب النصراني (رض)- هلال بن الحجّاج وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها (أفواهها) والنفس لاينفعها إشفاقها

فقتل منهم ثلاثة عشر رجلًا ثمّ قُتل.». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 343

6- بدر بن رقيط وإبنيه

ورد في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووس (ره) هكذا:

«السلام على بدر بن رقيط وإبنيه عبداللّه وعبيداللّه». «1»

أمّا في زيارة الناحية المقدّسة فقد ورد السلام هكذا: «السلام على زيد بن ثبيت القيسي، السلام على عبداللّه

وعبيداللّه ابني يزيد بن ثبيت القيسي». «2»

ومن الواضح أنّ هذا ناشي ء عن تصحيف النُسّاخ، إذ لم يُعرف أحدٌ من أنصار الإمام عليه السلام من شهداء الطفّ مع إبنين له بهذين الإسمين: عبداللّه وعبيداللّه غير يزيد بن ثبيط العبدي (القيسي) البصري (رض) كما ضبط إسمه المحقّق السماوي (ره).

7- خالد بن عمرو بن خالد الأزدي:

وقد ذكره ابن شهرآشوب السروي قائلًا: «ثمّ برز إبنه خالد- أي ابن عمرو بن خالد الأزدي- وهو يقول:

صبراً على الموت بني قحطان كيما تكونوا في رضى الرحمن

ذي المجد والعزّة والبرهان وذو العُلى والطول والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان في قصر درٍّ حسن البنيان». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 344

وعمرو بن خالد وهو من شهداء الطفّ ويُكنّى بأبي خالد، «1» ليس من الأزد، بل هو أسدي صيداوي، ولم يذكر المؤرّخون والرجاليون الذين ترجموا له بأنّ خالداً إبنه كان معه في شهداء الطفّ.

8- جابر بن عروة الغفاري:

قال النمازي: «لم يذكروه، وهو من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شهد بدراً وغيرها، وكان شيخاً كبيراً تعصّب بعصابة ترفع حاجبيه عن عينيه، فلمّا رأى غربة مولانا الحسين صلوات اللّه عليه، إستأذن، فقال له الحسين: شكر اللّه سعيك يا شيخ. فقاتل وقتل جمعاً حتّى استشهد بين يديه. نقل ذلك كلّه في الناسخ عن أبي مخنف، وكذا في فرسان الهيجا، وعطيّة الذرّة». «2»

ولايخفى على المتتبّع أنّ هذه الترجمة منسوبة في المصادر الأخرى إلى الصحابي الجليل أنس بن الحارث الأسدي الكاهلي (رض). «3»

9- عمرو بن جندب الحضرمي:

قال النمازي: «من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، وشهد في الجمل وصفين معه، ووفّق للشهادة يوم الطفّ، وتشرّف بسلام الناحية المقدّسة». «4»

10- شبيب بن جراد الكلابي الوحيدي:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 345

قال النمازي: «من

أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، من شجعان الشيعة في الكوفة، وله ذكر في المغازي والحروب سيّما في صفّين، وبايع مسلماً، وكان يأخذ البيعة له حتّى إذا رأى الخذلان انحرف وخرج مع عمر بن سعد إلى كربلاء، فلمّا جاء الشمر بكتاب ابن زياد وايقن بالحرب لحق بالحسين عليه السلام ليلة عاشوراء، وانضمّ إلى أبي الفضل العبّاس لكونه من قبيلته، «1» واستشهد يوم عاشوراء بين يدي الحسين عليه السلام».

11- جعبة بن قيس بن مسلمة:

قال ابن حجر في الإصابة: «جعبة بن قيس بن مسلمة بن طريف، قُتل مع الحسين بن علي، قاله الكلبي.». «2»

12- أبوالهياج:

وقال ابن حجر أيضاً: «أبوالهياج قُتل مع الحسين. قال: ذكر الواقدي في مقتل الحسين إنّ أبا الهياج قُتل معه.». «3»

13- يزيد بن حُصين الهمداني المشرقيّ:

يرد ذكره في بعض كتب التأريخ والتراجم، «4» وينسب إليه كلّ ما تنسبه كتب التأريخ والتراجم الأخرى لبرير بن خضير الهمداني المشرقيّ (رض)، وهو تصحيف ظاهر لبرير بن خضير، وهذا ممّا لايخفى على المتأمّل بدقّة، وذهب إلى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 346

ماقلناه أيضاً الشيخ التستري (ره) في قاموس الرجال. «1»

14- عمرو بن مطاع الجعفي «2»

قال ابن شهرآشوب السروي: «ثمّ برز عمرو بن مطاع الجعفي وقال:

اليومَ قد طاب لنا الفراع دون حسينِ الضرب والسطاع «3»

ترجو بذاك الفوزُ والدفاع من حرِّ نارٍ حين لا امتناع». «4»

وقال الخوارزمي: «ثمّ خرج من بعده- أي من بعد الكاهلي (رض)- عمر بن مطاع الجعفي، وهو يقول:

أنا ابن جعفي وأبي مطاع وفي يميني مرهفٌ قطّاع

وأسمرٌ سنانه لمّاعُ يُرى له من ضوئه شعاعُ

قد طاب لي في يومي القراع دون حسينٍ وله الدفاع

ثمّ حمل فقاتل حتى قُتل». «5»

15- عبدالرحمن بن عبداللّه اليزني:

قال ابن شهرآشوب السرويّ: «ثمّ برز عبدالرحمن بن عبداللّه اليزني قائلًا:

أنا

ابن عبداللّه من آل يزن ديني على دين حسين وحسن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 347

أضربكم ضرب فتىً من اليمن أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن». «1»

وذكره محمد بن أبي طالب أيضاً، وأتمّ قائلًا: «ثمّ حمل فقاتل حتى قُتل». «2»

16- يحيى بن سليم المازني

ثم قال ابن شهرآشوب: «ثم برز يحيى بن سليم المازني وهو يقول:

لأضربنّ القوم ضرباً فيصلا ضرباً شديداً في العدى معجّلا

لاعاجزاً فيها ولا مولولا ولا أخاف اليوم موتاً مقبلا». «3»

وذكره الخوارزمي أيضاً بتفاوت في الشعر. «4»

17- جبلّة بن عبداللّه

وقد ورد السلام عليه في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووس، «5» والظاهر أنّ هذا الإسم تصحيف ل «جبلّة بن عليّ الشيباني» الذي ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة. «6»

18- سعد بن حنظلة التميمي:

قال الخوارزمي: «ثم خرج من بعده- أي من بعد خالد بن عمرو بن خالد الأزدي (وقد مرَّ ذكره)- سعد بن حنظلة التميمي، وهو يقول:

صبراً على الأسياف والأسنّه صبراً عليها لدخول الجنّه

وحور عين ناعمات هنّه لمن يريد الفوز لابالظنّه

يا نفس للراحة فاطرحنّه وفي طلاب الخير فاطلبنّه

ثمّ حمل وقاتل قتالًا شديداً فقُتل». «1»

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السروي بتفاوت يسير في الشعر. «2»

ويُلاحظ أنّ مصادر تأريخية أخرى «3» ذكرت نصيراً آخر غير هذا وهو «حنظلة بن أسعد الشبامي» الذي ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة، «4» كما أنّ مصادر تأريخية أخرى ذكرت هذا الشعر لنصير آخر هو عبدالرحمن الأرحبي (رض). «5»

19- عمير بن عبداللّه المذحجي:

ثم قال الخوارزمي: «ثمّ خرج من بعده عمير بن عبداللّه المذحجي وهو يقول:

قد علمتْ سعدُ وحيّ مذحجِ أنّيَ ليث الغاب لم أهجهجِ

أعلو بسيفي هامة المدجَّجِ وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرجِ فمن تراه واقفاً بمنهجي

ولم يزل يقاتل قتالًا شديداً،

حتّى قتله مسلم الضبابي، وعبداللّه البجلي،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 349

اشتركا في قتله». «1»

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السرويّ بتفاوت يسير في الشعر. «2»

20- إبراهيم بن الحصين الأسدي:

قال ابن شهرآشوب السروي: «ثمّ برز إبراهيم بن الحصين الأسدي يرتجز:

أضرب منكم مفصلًا وساقا ليُهرقَ اليوم دمي إهراقا

ويُرزق الموت أبو إسحاقا أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتل منهم أربعة وثمانين رجلًا!». «3»

21- دارم بن عبداللّه الصائدي:

ذكره أبومحمّد علي بن أحمد الأندلسي «4» وقال: «قُتل مع الحسين»، وذكره أبوعبيد «5» وقال أيضاً: «قُتل مع الحسين»، وذكره الشيخ الطوسي أيضاً في رجاله. «6»

22- يحيى بن هاني بن عروة

كان يحيى بن هاني من وجوه العرب، والمعروفين بينهم، وأبوه هاني بن عروة قُتل بالكوفة، قال المزي: يحيى بن هاني بن عروة بن قعاص، «7» أبوداود

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 350

الكوفي، وكان من أشراف العرب، وكان أبوه ممّن قتله عبيداللّه بن زياد في شأن الحسين بن عليّ بن أبي طالب. وعن شعبة: كان سيّد أهل الكوفة. وعن أبي حاتم:

صالح من سادات أهل الكوفة. «1»

وقال المامقاني: «يحيى بن هاني بن عروة المرادي العطيفي، نسبة إلى بني عطيف بطن من مراد، وقد ذكر أهل السير: أنه لمّا قُتل هاني مع مسلم بن عقيل، فرَّ إبنه يحيى واختفى عند قومه خوفاً من ابن زياد، فلمّا سمع بنزول الحسين بكربلا جاء وانضمّ إليه ولزمه إلى أن شبّ القتال يوم الطفّ، فتقدّم وقتل من القوم رجالًا كثيرة ثمّ نال شرف الشهادة رضوان اللّه عليه»، «2» ولكننا لم نعثر- حسب متابعتنا- على أحد من أهل السير الأقدمين حكى ذلك!

ويلاحظ أيضاً أنّ الطبري في تأريخه يروي عن هشام بن محمّد، عن أبي مخنف، عن يحيى بن هاني ء بن عروة، أنّ نافع بن هلال كان يقاتل

يومئذٍ وهو يقول: أنا الجملي، أنا على دين عليّ ... إلى آخر قصة قتله مزاحم بن حريث. «3»

وهذا كاشف عن أن يحيى بن هاني لم يكن من شهداء الطفّ يوم عاشوراء، فتأمّل!

23- الهفهاف بن المهنّد الراسبي «4» البصري

قال الزنجاني: «ذكر في ذخيرة الدارين ص 257: الهفهاف بن المهنّد الراسبي البصري الذي قُتل يوم الطفّ بعد شهادة الحسين على ما رواه حميد بن أحمد في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 351

كتاب الحدائق، قال: كان الهفهاف هذا فارساً شجاعاً بصرياً، من الشيعة ومن المخلصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، وكان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، وحضر معه مشاهده كلّها، ولمّا عقد الألوية أميرالمؤمنين عليه السلام يوم صفين ضمّ تميم البصرة إلى الأحنف بن قيس، وأمّر على حنظلة البصرة أَعيَن بن ضبعة، وعلى أزد البصرة الهفهاف بن المهنّد الراسبي الأزدي ... وكان ملازماً لعليّ عليه السلام إلى أن قُتل، فانضمّ بعده إلى إبنه الحسن عليه السلام، ثمّ إلى الحسين عليه السلام بعد صلاة العصر، «1» سأل: أين الحسين؟ فدخل على عمر بن سعد فسأل القوم: ما الخبر أين الحسين بن علي؟ فقالوا له: من أنت؟

فقال: أنا الهفهاف الراسبي البصري جئت لنصرة الحسين عليه السلام حين سمعت خروجه من مكّة إلى العراق.

فقالوا له: وقد قتلنا الحسين وأصحابه وأنصاره وكلّ من لحق به وانضمّ إليه، ولم يبق غير النساء والأطفال وابنه العليل علي بن الحسين، أما ترى هجوم القوم على المخيّم وسلبهم بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلمّا سمع الهفهاف بقتل الحسين عليه السلام وهجوم الناس انتضى سيفه وهو يرتجز ويقول:

يا أيّها الجندَ المجنّدأنا الهفهاف بن المهنّدأحمي عيالات محمّد

ثمّ شدّ عليهم كليث العرين يضربهم بسيفه، فلم يزل

يقتل كلَّ من دنا منه من عيون الرجال حتّى قتل من القوم جماعة كثيرة سوى من جرح، وقد كانت الرجال

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 352

تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، وهو في ذلك يرتجز بالشعر المتقدّم وقد أُثخن بالجراح، فصاح عمر بن سعد بقومه:

الويل لكم! إحملوا عليه من كلّ جانب. ثمّ قال علي بن الحسين عليه السلام في ذلك اليوم:

قلّما رأى الناس منذ بعث اللّه محمداً فارساً بعد علي بن أبي طالب قتل ما قتل بعده كهذا الرجل. فتداعوا عليه فأقبل خمسة عشر نفراً «1» فاحتوشوه حتّى قتلوه في حومة الحرب بعدما عقروا فرسه رضوان اللّه عليه». «2»

24- سليمان بن سليمان الأزدي

ورد السلام عليه في زمرة الشهداء في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووس رحمه اللّه، وكذلك ورد السلام فيها في زمرة الشهداء على كلّ من الأسماء التالية:

25- عامر بن مالك.

26- منيع بن زياد.

27- عامر بن جليدة.

28- حمّاد بن حمّاد الخزاعي.

29- رميث بن عمرو. «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 353

30- منذر بن المفضّل الجعفي.

31- حيّان بن الحارث. «1»

32- عمر بن أبي كعب. 33- سليمان بن عون الحضرمي.

34- عثمان بن فروة الغفاري.

35- غيلان بن عبدالرحمن.

36- قيس بن عبدالله الهمداني.

37- عمر بن كنّاد.

38- زائدة بن مهاجر. «2»

39- سليمان بن كثير.

40- سويد مولى شاكر. «3»

وقد أعرضنا عن ذكر أسماء أخرى لأنها برأينا تصحيفات ظاهرة لأسماء أنصار معروفين في كتب التواريخ والتراجم. «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 354

مقاتل ومصارع بني هاشم ..... ص : 354

اشارة

وبعد ما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الامام عليه السلام هبّ أبناء الأسرة النبوية شباباً وأطفالًا للتضحية والفداء، وهم بالرغم من صغر أسنانهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت ولم تفزعهم الأهوال، وتسابقوا بشوق إلى ميادين الجهاد،

وقد ظنَّ الإمام عليه السلام على بعضهم بالموت، فلم يسمح لهم بالجهاد إلّا أنهم أخذوا يتضرّعون إليه ويقبّلون يديه ورجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه. والمنظر الرهيب الذي يذيب القلوب، ويذهل كل كائن حي هو أنّ أولئك الفتية جعل يودّع بعضهم بعضاً الوداع الأخير فكان كلّ واحد منهم يوسع أخاه وابن عمه تقبيلًا، وهم غارقون بالدموع حزناً وأسى على ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث يرونه وحيداً غريباً قد أحاطت به جيوش الأعداء، ويرون عقائل النبوة ومخدّرات الوحي وقد تعالت أصواتهن بالبكاء والعويل .. وساعد اللّه الامام عليه السلام على تحمّل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب، وتذهل الألباب، ولايطيقها أيّ إنسان إلّا من إمتحن الله قلبه للايمان، «1» بل لايطيقها إلّا من عصمه اللّه بعصمة الإمامة.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 355

مقتل عليّ الأكبر عليه السلام ..... ص : 355

اشارة

أمّا أوّل الهاشميين «1» الذين تقدّموا إلى الشهادة بين يدي الإمام أبي عبداللّه الحسين عليه السلام فهو إبنه عليٌّ الأكبر عليه السلام. «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 357

وقد لايسع الواصف الساعي إلى وصفه بما يكشف عن عِظم شأنه وعلّو منزلته وسموّ مقامه إلّا أن يتمسّك بالوصف الجامع المانع الذي وصفه به أبوه الحسين عليه السلام حين قال: «غلامٌ أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً!!».

وكان عمره الشريف يومئذٍ- على أعلى الأقوال- سبعاً وعشرين سنة، «1» وعلى- أقلّها- ثماني عشرة سنة. «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 358

قال الخوارزمي يصف خروج علي الأكبر عليه السلام إلى قتال القوم: «فتقدّم عليّ بن الحسين، وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود ا لثقفي، «1» وهو يومئذ ابن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 359

ثماني عشرة سنة، فلمّا رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء، وقال:

أللّهمَّ

اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّد صلى الله عليه و آله، كنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه! أللّهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإنْ منعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا!.

ثم صاح الحسين بعمر بن سعد: مالك! قطع اللّه رحمك، ولابارك اللّه في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي، من رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ثمّ رفع صوته وقرأ: «إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم».

ثمّ حمل عليّ بن الحسين وهو يقول:

أنا عليُّ بن الحسين بن علي نحن وبيت اللّه أولى بالنبي

واللّه لايحكم فينا ابن الدعي أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي ضرب غلام هاشميّ علوي

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم، حتّى أنه روي: أنه على عطشه قتل مائة وعشرين رجلًا! ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبة! العطش قد قتلني! وثقل الحديد قد أجهدني! فهل إلى شربة من ماءٍ سبيل؟ أتقوّى بها على الأعداء!

فبكى الحسين وقال: يا بُنيّ! عزّ على محمّد، وعلى عليّ، وعلى أبيك، أن تدعوهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 360

فلايجيبونك، وتستغيث بهم فلايُغيثونك، يا بُنيّ هاتِ لسانك.

فأخذ لسانه فمصّه! ودفع إليه خاتمه وقال: خُذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك، فإني أرجو أن لاتمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لاتظمأ بعدها أبداً!

فرجع عليّ بن الحسين إلى القتال، وحمل وهو يقول:

الحربُ قد بانت لها حقائق وظهرت من

بعدها مصادق

واللّه ربِّ العرش، لانفارق جموعكم أو تُغمد البوارقُ

وجعل يُقاتل حتّى قتل تمام المائتين! ثمّ ضربه منقذ بن مُرّة العبدي «1» على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها، «2» وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنق الفرس، فحمله

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 361

الفرس إلى عسكر عدوّه! فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً! فلمّا بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته: يا أبتاه! هذا جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً! وهو يقول لك: العجَل! فإنّ لك كأساً مذخورة!

فصاح الحسين: قتل اللّه قوماً قتلوك يا بُنيّ! ما أجرأهم على اللّه وعلى انتهاك حرمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله! على الدنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم: لكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس طالعة، تنادي بالويل والثبور، تصيح: واحبيباه! واثمرة فؤاداه! وانور عيناه! فسألت عنها فقيل: هذه زينب بنت علي! «1» ثمّ جاءت حتّى انكبّت عليه، فجاء إليها الحسين حتّى أخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط، ثمّ أقبل مع فتيانه إلى ابنه فقال: إحملوا أخاكم.

فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه عند الفسطاط الذي يقاتلون أمامه».»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 362

ويقول السيّد المقرّم في كتابه المقتل: «1» «فأتاه الحسين عليه السلام وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّه! «2» وهو يقول:

على الدنيا بعدك العفا! ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول!؟ «3» يعزُّ على جدّك وأبيك أن تدعوهم فلايجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك!

ثمّ أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء، فلم يسقط منه قطرة! وفي هذا جاءت زيارته:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 363

«بأبي أنت وأميّ من مذبوح ومقتول من غير جرم، بأبي أنت وأمّي، دمك المرتقى به إلى حبيب اللّه، بأبي أنت وأمّي من مقدّم

بين يدي أبيك يحتسبك، ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه، يرفع دمك الى عنان السماء لايرجع منه قطرة، ولاتسكن عليك من أبيك زفرة.». «1»

ولعليٍّ الأكبر عليه السلام سلام في زيارة الناحية المقدّسة كاشف عن منزلته السامية ومقامه الشامخ، فقد ورد السلام عليه فيها هكذا:

«السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل، من سلالة إبراهيم الخليل، صلّى اللّه عليك وعلى أبيك، إذ قال فيك: قتل اللّه قوماً قتلوك يا بُنيَّ! ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول!؟ على الدنيا بعدك العفا! كأنّي بك بين يديه ماثلًا، وللكافرين قاتلًا قائلًا:

أنا عليُّ بن الحسين بن علي نحن وبيتِ اللّه أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشميّ عربي واللّهِ لايحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيت نحبك، ولقيت ربّك، أشهد أنك أولى باللّه وبرسوله، وأنّك ابن رسوله، وحجّته وأمينه، وابن حجّته وأمينه، حكم اللّه على قاتلك مُرّة بن منقذ بن النعمان العبدي، لعنه اللّه وأخزاه ومن شركه في قتلك، وكانوا عليك ظهيراً، أصلاهم اللّه جهنم وساءت مصيراً، وجعلنا اللّه من ملاقيك، ومرافقي جدّك وأبيك وعمّك وأخيك، وأمّك المظلومة، وأبرء إلى اللّه من أعدائك أولي الجحود، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 364

هل كان لعليّ الأكبر ذريّة؟ ..... ص : 364

صرّح المرحوم العلوي بأنّ علي الاكبر عليه السلام لم يخلف عقباً وقال: روى ذلك غير واحد من شيوخنا، «1» وذكر حسام الدين في الحدائق الوردية «2» بأنه كان له عقب.

ونحن بدورنا نعتقد بهذا القول الثاني، ويشهد لذلك ما ورد في زيارته عليه السلام المرويّة عن أبي حمزة الثمالي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال له:

«ضع خدّك على القبر وقل: صلى اللّه عليك يا أبا الحسن».

وكما يحتمل أن تكون الكنية للتفأل

بالولد الحسن، فإنه يحتمل أيضاً أنّها صدرت على الحقيقة وأنه كان له ولد إسمه الحسن.

ورواية أحمد بن أبي نصر البزنطي تشهد بأنه كان متزوجاً من جارية له ولد منها، فإنه قال للإمام الرضا عليه السلام: الرجل يتزوج المرأة وأمَّ ولد أبيها؟

قال عليه السلام: لا بأس. فقال أحمد: بلغنا أنّ عليّ بن الحسين السجّاد تزوّج بنت الحسن بن علي عليهما السلام وأمّ ولد أبيها؟ فقال عليه السلام:

ليس هكذا إنّما تزوج ابنة الحسن عليه السلام وأُمَّ ولد لعليّ بن الحسين المقتول عندكم.

ومن المعلوم أنّ الجارية لايقال لها أمُّ ولد إلّا إذا ولدت من سيّدها، فهذا الحديث شاهد صريح على أنّ عليّ الأكبر كانت عنده جارية قد أولدها.

على أنَّ الإستضاءة بقول الإمام الصادق عليه السلام في تلك الزيارة التي رواها

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 365

أبوحمزة الثمالي تكشف لنا عن حقيقة ناصعة أضاعتها الحقب وهي أنّ للأكبر الشهيد أهلًا وولداً، وإن كان عقبه منقطعاً هو الآخر، فإنّ الامام عليه السلام يقول فيها:

«صلّى اللّه عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وابنائك وأمهاتك الأخيار الأبرار الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

ولفظ الأبناء جمع يدل على أكثر من اثنين، وكما يحتمل إرادة الصلبيين خاصّة يحتمل أيضاً أن يراد ما يعمّهم وأبناءهم لكنّ الإحتمال الثاني مدفوع بظاهر إطلاق اللفظ عند العرف، فإنه يختص بالصلبيين.

كما أنّ قوله عليه السلام «وعلى عترتك» دالٌّ عليه فإنّ عترة الرجل ذرّيته فلولم يكن له ذرّية لما صحّ استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة ومقتضيات الأحوال أقوى برهان. «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 366

مقاتل آل عقيل عليهم السلام «1» في يوم عاشوراء ..... ص : 366

اشارة

إنّ أنصار الإمام الحسين عليه السلام من آل عقيل عليهم السلام الذين اشتهر عند المؤرّخين وأهل التراجم أنهم استشهدوا مع

الإمام عليه السلام يوم عاشوراء، هم:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 367

عبداللّه «1» بن مسلم بن عقيل عليهم السلام ..... ص : 367

يرى ابن أعثم الكوفي، وكذلك الخوارزمي، أنّ أوّل من خرج من الطالبيين عليهم السلام إلى قتال الأعداء هو عبداللّه بن مسلم عليهما السلام، وكان يقول:

أليومَ ألقى مُسلماً وهو أبي وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا كقومٍ عُرفوا بالكذب لكنْ خيارٌ وكرامُ النسبِ

من هاشم السادات أهل الحسبِ

ثمّ حمل فقاتل حتى قتل منهم جماعة وقُتل. «2»

وقال ابن شهرآشوب: «فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلًا بثلاث حملات، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي، «3» وأسد بن مالك». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 368

وقال البلاذري: «ورمى عمرو بن صبيح الصيداوي عبداللّه بن مسلم بن عقيل، واعتوره الناس فقتلوه، ويقال: إن رقاد الجنبي كان يقول: رميت فتى من آل الحسين ويده على جبهته فأثبتها فيها، وجعلت أنضنض «1» سهمي حتى نزعته من جبهته وبقي النصل فيها». «2»

وقال المحقّق السماوي (ره): وكانت قتلته بعد عليّ بن الحسين فيما ذكره أبومخنف والمدايني وأبوالفرج دون غيرهم». «3»

وقال الطبري: «ثم إنّ عمرو بن صُبيح الصّدائي رمى عبداللّه بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع كفّه على جبهته، فأخذ لايستطيع أن يحرك كفّيه، ثم انتهى له بسهم آخر ففلق قلبه، فاعَتَورهم الناس من كل جانب». «4»

محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 368

وبرز إلى ميدان الحرب محمد بن مسلم بن عقيل وأُمّه أم ولد، فشدّ عليه أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 369

قال المحقّق السماوي (ره): «حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبداللّه حملة واحدة، فصاح بهم الحسين عليه السلام: صبراً على الموت يا بني عمومتي! فوقع فيهم محمّد بن مسلم، قتله أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني». «1»

جعفر بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 369

وبرز الى ميدان الحرب جعفر «2» بن عقيل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم وغالب

ونحن حقّاً سادة الذوائب هذا حسين سيد الأطائب

قال أبوالفرج: قتله عروة بن عبداللّه الخثعمي فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، وعن حميد بن مسلم. «3»

وقال السروي: «فقتل رجلين وفي قول خمسة عشر فارسا»، «4» وقال لمحقّق السماوي (ره): «فقتل خمسة عشر رجلًا، ثم قتله بشر بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 370

حوط قاتل أخيه عبدالرحمن». «1»

عبد الرحمن بن عقيل عليه السلام ..... ص : 370

وأُمّه أُم ولد، «2» وانبرى إلى ساحة القتال وهو يرتجز ويقول:

أبي عقيل فأعرفوا مكاني من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة القرآن هذا حسين شامخ البنيان». «3»

وقال الطبري: «وشدّ عثمان بن خالد بن أسير الجهني، وبشر بن سوط الهمداني ثم القابضي على عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتلاه». «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 371

محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 371

محمد بن أبي سعيد أُمّه أم ولد، وبرز الى ساحة الحرب. وقتله لقيط بن ياسر الجهني، وفي كتاب تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام: قتله ابن زهير الأزدي، ولقيط بن ياسر الجهني، اشتركا فيه. «1» وعن ابن سعد: قتله لقيط الجهني ورجل من آل أبي لهب لم يُسمّ لنا. «2»

قال المحقّق السماوي (ره): «قال أهل السير نقلًا عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال: لمّا صرع الحسين خرج غلام مذعوراً يلتفت يميناً وشمالًا، فشدَّ عليه فارس فضربه! فسألت عن الغلام؟ فقيل: محمّد بن أبي سعيد. وعن الفارس؟

فقيل: لقيط بن أياس الجهني.

وقال هشام الكلبي: حدّث هاني بن ثبيت الحضرمي قال: كنت ممّن شهد قتل الحسين عليه السلام، فواللّه إنّي لواقف عاشر عشرة ليس منّا إلّا رجل على فرس، وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلامٌ من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص، وهو مذعور يتلفّت يميناً وشمالًا، فكأنّي أنظر إلى درّتين في أذنيه يتذبذبان كلّما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف!

قال هشام الكلبي: هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب- أي قاتل- الغلام، وكنّى عن نفسه استحياءً أو خوفاً.».»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 372

وأمّا الآخرون من آل عقيل عليهم السلام ..... ص : 372

اشارة

الذين ذكرهم بعض المؤرّخين فهم:

عبداللّه بن عقيل الأكبر: ..... ص : 372

وانبرى إلى ساحة القتال عبداللّه بن عقيل «1» وقاتل قتال الأبطال وقُتل. وقتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني ورجل من همدان. «2» وقال ابن فندق: قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. «3»

وعن سبط ابن الجوزي: ان قاتل عبداللّه بن عقيل: عمر بن صبيح. «4» ولم يذكره بعض المحققّين مثل السماوي (ره) في كتاب إبصار العين.

عبيداللّه بن عقيل: ..... ص : 372

قد ذكر ابن قتيبة أنَّ عبيداللّه بن عقيل أحد أولاد مسلم بن عقيل. وقيل: أُمّه الحوصا بنت حفصة، قتل مع الحسين عليه السلام. «5»

محمد بن عقيل: ..... ص : 372

وهو صهر الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام «6» وذكره السروي في عداد شهداء أولاد آل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 373

عقيل. «1» وقال الدينوري: ثُمَّ قُتل محمد بن عقيل، رماه هو لقيط بن ناشر الجهني بسهم فقتله. «2»

عون بن عقيل: ..... ص : 373

ذكره السروي والنمازي في عداد شهداء الطف. «3»

علي بن عقيل: ..... ص : 373

ذكر الحائري والنمازي أنّ من جملة شهداء آل عقيل: علي بن عقيل. «4»

موسى بن عقيل: ..... ص : 373

وذكر صاحب ذخيرة الدارين أنّ موسى بن عقيل أحد شهداء الطف. «5»

أحمد بن محمد بن عقيل: ..... ص : 373

قال المامقاني (ره): «أحمد بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام، وأمّه أمّ ولد، برز يوم الطفّ وهو يرتجز ويقول:

اليوم أتلو حسبي وديني بصارمٍ تحمله يميني

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 374

وقتل من القوم جمعاً كثيراً وجرح آخرين، ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقتلوه في حومة الحرب بعدما عقروا فرسه رضوان اللّه عليه.». «1»

مقاتل آل جعفر بن أبي طالب عليهم السلام ..... ص : 374

مقتل عون بن عبداللّه بن جعفر عليه السلام ..... ص : 374

وأُمّه العقيلة «2» زينب بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام. وقد برز يوم عاشوراء الى حومة الحرب لنصرة سيد شباب أهل الجنّة وهو يرتجز ويقول:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 375

إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفاً في المحشر

فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلًا. قتله عبداللّه بن قطنة الطائي. «1»

مقتل محمد بن عبداللّه بن جعفر عليه السلام ..... ص : 375

محمد بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب، وأُمّه الخوصاء بنت حفصة بنت ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم اللّه بن ثعلبة بن بكر بن وائل. «2» برز الى ميدان المعركة وهو يرتجز:

نشكو إلى اللّه من العدوان فعالِ قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان». «3»

فقاتل، وقتله عامر بن نهشل التيمي. «4»

وقد رثاه سليمان بن قتة:

وسميّ النبيّ غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول

فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كلّ مسيل». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 376

وقال الحائري: ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي. «1»

مقتل القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 376

قال المامقاني (ره): «.. وأمّه أمّ ولد، كان ملازماً لابن عمّه الحسين عليه السلام ولم يفارقه ابداً، وقد زوّجه عليه السلام بنت عمّه عبداللّه بن جعفر التي خطبها معاوية لإبنه يزيد- وله قصّة مذكورة في محلّها- وأمّها زينب بنت أميرالمؤمنين عليه السلام، وإسمها أمّ كلثوم الصغرى، وقد انتقل القاسم مع زوجته مع الحسين عليه السلام الى كربلاء، وخرج بعد عون بن عبداللّه بن جعفر، وقاتل فقتل منهم جمعاً كثيراً عدَّ بعضهم فارسهم بثمانين، وراجلهم إثني عشر، وأُثخن بالجراح، فتعطّفوا عليه من كلّ جانب، فقتلوه في حومة الحرب رضوان اللّه عليه». «2»

مقتل عبيداللّه بن عبداللّه بن جعفر عليه السلام ..... ص : 376

قال أبوالفرج الأصبهاني: و «وأمّه الخوصاء بنت حفصة، ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدّثني به أحمد بن سعيد عنه: أنه قُتل مع الحسين بالطفّ، رضوان اللّه عليه وصلواته على الحسين وآله». «3»

مقتل عبداللّه بن عبداللّه بن جعفر عليهما السلام ..... ص : 376

ذكره السروي ابن شهرآشوب فيمن قُتل من أهل بيت الحسين عليهما السلام، «4» ولعلّه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 377

هو عبيداللّه الذي ذكره أبوالفرج الأصبهاني على احتمال قويّ لكثرة ما يقع في التصحيف من سهو النُسّاخ بين عبيداللّه وعبداللّه، واللّه العالم.

أبناء الامام الحسن بن علي عليهم السلام ..... ص : 377

اشارة

لقد لازم أبناء الإمام الحسن عليه السلام عمّهم الحسين عليه السلام في نهضته منذ البدء حتى يوم العاشر من المحرم في كربلاء، ومثّلوا أباهم خير تمثيل يوم عاشوراء، حتّى كأنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قد حضر كربلاء بكلّ ما عنده ليفدي أخاه الإمام الحسين عليه السلام.

مقتل القاسم «1» بن الحسن عليهما السلام ..... ص : 377

كان مولانا القاسم عليه السلام يقول: «لايُقتل عمّي وأنا أحمل السيف». «2» ولمّا رأى وحدة عمّه استأذنه في القتال فلم يأذن له لصغره، فما زال به حتّى أذن له، «3» روى

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 378

الشيخ المفيد (ره) قائلًا: «قال حميد بن مسلم: فإنّا لكذلك إذْ خرج علينا غلام كأنّ وجهه شِقَّهُ قمر في يده سيف، وعليه قميص وإزار، ونعلان قد انقطع شسعُ إحداهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي: واللّه لأشدنّ عليه. فقلت:

سبحان اللّه، وما تريد بذلك؟! دَعه يكفيكه هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم! فقال: والله لأشدّنَّ عليه. فشدَّ عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه، ووقع الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فجلّى الحسين عليه السلام كما يُجلّي الصّقر، ثم شدَّ شدة ليث أُغضب، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسيف فاتّقاها بالساعد، فأطّنها من لدُنِ المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر، ثمّ تنحّى عنه الحسين عليه السلام، وحملت خيلُ الكوفة لتستنقذه فتوطّأته بأرجلها حتى مات.

وانجلت الغبرةُ فرأيت الحسين عليه السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجله والحسين عليه السلام يقول: بعداً لقومٍ قتلوك، ومن خصُمُهم يوم القيامة فيك جدّك. ثم قال: عزّ- واللّه- على عمُّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت- واللّه- كثر واتروه وقلّ ناصروه!!

ثم حمله على صدره، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان الأرض. فجاء

به حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين عليه السلام والقتلى من أهل بيته، فسالتُ عنه فقيل لي:

القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 379

وفي المقتل للخوارزمي:

«عزّ واللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك، بعداً لقوم قتلوك، الويل لقاتلك.

ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان الأرض، وقد وضع صدره إلى صدره. فقلت في نفسي: ماذا يصنع به؟ فجاء به حتّى ألقاه مع القتلى من أهل بيته، ثم رفع صراخه إلى السماء وقال:

أللّهمّ أحصهم عدداً، ولاتغادر منهم أحداً، ولاتغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هواناًبعد هذا اليوم أبداً». «1»

وفي المناقب لابن شهرآشوب: «برز أخوه القاسم- يعني أخا عبدالله بن الحسن- وعليه ثوب وإزار، ونعلان فقط، وكأنه فلقه قمر وأنشأ يقول:

إني أنا القاسم من نسل علي نحن وبيت الله أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن او ابن الدعي

فقتله عمر بن سعيد الأزدي فخرّ وصاح: يا عمّاه. فحمل عليه الحسين فقطع يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين». «2»

وقال البلاذري: «وقتل عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي القاسم بن الحسن فصاح: يا عماه. فوثب الحسين وثبة ليث فضرب عمراً فأطّن يده، وجاء أصحابه ليستنقذوه فسقط بين حوافر الخيل فتوطّأته حتى مات!». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 380

مقتل عبداللّه «1» بن الحسن عليه السلام ..... ص : 380

كان عبداللّه غلاماً له من العمر إحدى عشرة سنة، «2» ولمّا رأى وحدة عمّه عليه السلام بين أعدائه الذين قد أحاطوا به بعد مقتل أنصاره، وكان نزف رأسه قد اشتدّ به من ضربة مالك بن النسر الكندي «3» لعنه اللّه، خرج إليه عبداللّه بن الحسن «- وهو غلام لم

يراهق- من عند النساء حتى وقف الى جنب الحسين، فلحقته زينب بنت عليّ عليهما السلام لتحبسه، فقال لها الحسين عليه السلام: «إحبسيه يا أختي» فأبى وامتنع عليها امتناعاً شديداً وقال: والله لا أُفارق عمِّي! وأهوى أبجر بن كعب «4» إلى الحسين عليه السلام بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمي!؟ فضربه أبجر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده، فأطّنها إلى الجلدة فإذايده معلّقة، ونادى الغلام: يا أُمتّاه! فأخذه الحسين عليه السلام فضمّه إليه وقال:

يا ابن أخي إصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنَّ الله يُلحقك بآبائك الصالحين».

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 381

ثم رفع الحسين عليه السلام يده وقال:

«اللّهمّ إن متّعتهم إلى حين ففرقّهم فِرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولاتُرض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا!». «1»

لكنّ الخوارزمي قال: «ثمّ خرج عبداللّه بن الحسن الذي ذكرناه أوّلًا- في رواية- والأصحّ أنه برز بعد القاسم في الرواية الثانية، وهو يقول:

إنْ تنكروني فأنا ابن حيدره ضرغام آجام وليث قسوره

على الأعادي مثل ريح صرصره أكيلكم بالسيف كيل السندره

وقاتل حتّى قُتل». «2»

وفي المناقب لابن شهرآشوب: «ثم برز عبداللّه بن الحسن بن علي عليه السلام وهو يقول:

إن تنكروني فأنا فرع الحسن سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن

هذا الحسين كالأسير المرتهن بين أُناس لاسقوا صوب المزن

فقتل أربعة عشر رجلا، قتله هاني بن شبيب الحضرمي فاسوَّد وجه.». «3» وفي مقاتل الطالبيين: أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله. «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 382

وقال السيد ابن طاووس: فرماه حرملة بن الكاهل لعنه اللّه بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام. «1»

مقتل أحمد بن الحسن عليهما السلام ..... ص : 382

قال المامقاني: «أحمد بن الحسن بن أميرالمؤمنين عليه السلام، وأمّه أمّ بشر بنت أبي مسعود الأنصاري، خرج مع

عمّه الحسين عليه السلام هو وأمّه وأخوه القاسم وأختاه أمّ الحسن وأمّ الخير إلى مكّة، ثمّ إلى كربلاء، وله من العمر ستّ عشرة سنة، وحمل على القوم عند اشتداد القتال بعد صلاة الظهر وهو يرتجز، وقتل من القوم على ما قيل ثمانين فارساً، وأُثخن بالجراح، فتعطّفوا عليه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 383

جماعة كثيرة فقتلوه في حومة الحرب». «1»

مقتل أبي بكر بن الحسن عليه السلام ..... ص : 383

قال البلاذري: «ورمى عبداللّه بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن بن علي بسهم فقتله. ففي ذلك يقول ابن أبي عقب:

وعند غَنّي قطرة من دمائنا وفي أسد أخرى تعدُّ وتذكر». «2»

وفي مقاتل الطالبيين: وفي حديث عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر: أن عقبة الغنوي قتله. «3»

وصرّح الطبرسي بأن عبداللّه الغنوي هو قاتل أبي بكر بن الحسن. «4»

مصرع الحسن بن الحسن عليهما السلام ..... ص : 383

قال السيّد ابن طاووس (ره): «وروى مصنف كتاب المصابيح أن الحسن بن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 384

الحسن المثنّى قتل بين يدي عمّه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفساً، وأصابته ثماني عشرة جراحة، فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برى ء وحمله إلى المدينة. «1»

وأصابت الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن عليه السلام ثماني عشرة جراحة وقطعت يده اليمنى ولم يستشهد. «2»

مقتل عمر بن الحسن عليه السلام ..... ص : 384

قيل إنّه من شهداء الطف، «3» ولكنّ ابن الجوزي قال: «واستصغروا أيضاً عمر

ابن الحسن بن علي عليهما السلام فلم يقتلوه وتركوه». «4»

مقاتل إخوان الإمام الحسين عليه السلام ..... ص : 384

اشارة

هناك اختلاف بين المؤرّخين حول عدد أولاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذين قتلوا مع ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في واقعة الطف، فعن المفيد والطبري أنهم كانوا خمسة، وعن آخرين أنهم كانوا تسعة أشخاص، ونحن نذكر هنا المشهورين منهم أوّلًا:

مقتل عبدالله بن علي عليه السلام ..... ص : 384

قال الشيخ المفيد: «فلما رأى العبّاس بن علي رحمة اللّه عليه كثرة القتلى في

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 385

أهله، قال لإخوته من أُمّه- وهم عبداللّه وجعفر وعثمان «1»- يا بني أُمي، تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله، فإنّه لا ولد لكم. «2» فتقدّم عبداللّه فقاتل قتالًا شديداً، فاختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي «3» ضربتني فقتله هاني لعنه اللّه». «4»

قال ابن شهرآشوب: «ثمّ برز أخوه عبداللّه- أي من بعد أخيه جعفر- قائلًا:

أنا ابن ذي النجدة والإفضال ذاك عليُّ الخير ذو الفعال

سيف رسول الله ذو النكال في كل يوم ظاهر الأهوال

قتله هاني بن شبيب الحضرمي.». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 386

مقتل جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 386

قال الشيخ المفيد: «وتقدم بعده (أي بعد عبداللّه) جعفر «1» بن علي رحمه اللّه فقتله أيضاً هاني ء». «2»

وقال ابن شهرآشوب: «ثم برز أخوه جعفر- يعني أخا عثمان- منشئاً:

إنّي أنا جعفر ذو المعالي ابن عليّ الخير ذو النوال

ذاك الوصيّ ذو السنا والوالي حسبي بعمّي جعفرٍ والخالِ

أحمى حسينا ذا الندى المفضال

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 387

رماه خولي الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينه». «1»

وقال الطبري: «ثمَّ شدَّ (أي هاني بن ثُبيت) على جعفر بن عليّ فقتله وجاء برأسه». «2»

وقال أبوالفرج: «قال نصر بن مزاحم: حدثني عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي: أنّ خولّي بن يزيد الأصبحي- لعنه اللّه- قتل جعفر بن علي». «3»

وقال أبوالفرج الأصبهاني ايضاً: قال يحيى بن الحسن، عن علي بن ابراهيم، بالإسناد الذي قدّمته في خبر عبداللّه: قُتل جعفر بن علي بن أبي طالب، وهو ابن تسع عشرة سنة». «4»

مقتل عثمان بن علي عليه السلام ..... ص : 387

وقال الشيخ المفيد: «وتعمّد خوليُّ بن يزيد الأصبحي «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 388

عثمان «1» بن علي رضي اللّه عنه وقد قام مقام إخوته، فرماه بسهم فصرعه، وشدّ عليه رجل من بني دارم فاحتزَّ رأسه». «2»

وقال السرويّ: «ثم برز أخوه عثمان- أي بعد أخيه عمر- وهو ينشد:

إني أنا عثمان ذو المفاخر شيخى علي ذو الفعال الطاهر

هذا حسين سيد الأخاير وسيد الصغار والأكابر

بعد النبي والوصيّ الناصر

رماه خولي بن يزيد على جنبه فسقط عن فرسه، وحزّ رأسه رجل من بني أبان بن حازم.». «3»

وقال أبوالفرج: «قتل عثمان بن علي، وهو ابن إحدى وعشرين سنة». «4»

مقتل أبي بكر بن عليّ عليه السلام ..... ص : 388

قال ابن شهرآشوب: «ثمّ برز أبوبكر بن علي عليهما السلام قائلًا:

شيخي عليٌّ ذو الفخار الأطولِ من هاشم الخير الكريم المُفضل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 389

هذا حسين ابن النبيّ المرسل عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخٍ مبجَّلِ

فلم يزل يقاتل حتّى قتله زجر بن بدر الجحفي، «1» ويُقال: عقبة الغنوي». «2»

وقال أبوالفرج الأصبهاني: «وأبوبكر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لم يُعرف إسمه، وأمّه ليلى بنت مسعود بن خالد ... بن تميم ... ذكر أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين وفي الإسناد الذي تقدّم: أنّ رجلًا من همدان قتله. وذكر المدائني: أنه وُجد في ساقية مقتولًا لايُدرى من قتله». «3»

مقتل محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 389

قال الطبري: «ورمى رجل من بني أبان بن دارم محمّد بن عليّ بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه»، «4» وقال أبوالفرج الأصبهاني: «ومحمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، وأمّه أمّ ولد، حدّثني أحمد بن عيسى قال: حدّثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، وحدّثني أحمد بن شيبة، عن أحمد بن الحرث، عن المدائني: أنّ رجلًا من تميم من بني ابان بن دارم قتله-

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 390

رضوان اللّه عليه- ولعن قاتله». «1»

وقال ابن شهرآشوب بعد أن ذكر إسمه في قتلى بني هاشم: «ويقال لم يُقتل محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب لمرضه». «2»

وقال المحقّق السماوي (ره) في ترجمة أبي بكر بن علي بن أبي طالب عليه السلام:

«إسمه محمّد الأصغر أو عبداللّه»، لكنّه ذكر أنّ إسم أمّ أبي بكر «ليلى بنت مسعود الثقفية». «3»

كذلك ذهب الشيخ المفيد (ره) «4» من قبله إلى أنّ محمّداً الأصغر هو المكنّى بأبي بكر، وتابعه على ذلك الشيخ الطبرسي (ره)

في تاج المواليد، «5» وأخذ بذلك المرحوم الأربلي نقلًا عن المفيد. «6»

من هنا فيحتمل قوياً أنّ محمّداً الأصغر هو أبوبكر بن علي، والمسألة لم تزل بحاجة إلى تحقيق أعمق وأدقّ، واللّه العالم.

مقتل عمر بن علي عليه السلام ..... ص : 390

وقال ابن شهرآشوب السروي: «ثم برز أخوه عمر- أي من بعد أبي بكر- وهو يرتجز:

خلّوا عداة اللّه خلّوا عن عمر خلّوا عن الليث الهصور المكفهر

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 391

يضربكم بسيفه ولايفر يازجر يازجرتدانَ من عمر

وقتل زجراً قاتل أخيه ثم دخل حومة الحرب». «1»

وفي تسلية المجالس: «ثم برز عمر بن علي، وهو يقول:

أضربكم ولا أرى فيكم زحَر ذاك الشقيّ بالنبيّ قد كفر

يا زجر يا زجر تدان من عمر لعلّك اليوم تبوء من سقر

شرّ مكانٍ في حريق وسعر لأنّك الجاحد يا شرّ البشر

ثم حمل على زجر قاتل أخيه فقتله، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً .. فلم يزل يقاتل حتى قتل». «2»

هل قُتل عمر في واقعة الطفّ؟ ..... ص : 391

قال الداودي: «وتخلّف عمر عن أخيه الحسين عليه السلام ولم يسر معه إلى الكوفة، ولايصح رواية من روى أن عمر حضر كربلاء، ومات عمر بينبع «3» وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقيل خمس وسبعين سنة». «4»

وقال ابن سعد في الطبقات: «عمر الأكبر ... وأُمّه الصهباء بنت ربيعة ... بن تغلب بن وائل، وكانت سبيّة أصابها خالد بن الوليد حيث أغار على بني تغلب بناحية عين التمر ...». «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 392

وقال خليفة بن خياط في حوادث سنة سبع وستين: «وفيها وقعة المذار وفيها قتل عمر بن عليّ بن أبي طالب». «1»

وفي مقابل هذه التصريحات بعدم قتله مع الحسين عليه السلام يوجد تصريح ابن شهرآشوب حيث أورده في عداد أولاد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام المقتولين بكربلاء، ولم نعثر على نصوص مهمّة وقديمة تصرّح بقتله في كربلاء. ولايخفى على المتتبع الخبير أنَّ المناقب لا يخلو من أخطاء تاريخية ورجالية.

يقول المرحوم الشيخ القمي: «المشهور بين أهل التواريخ والسير أنّ عمر لم يشهد مع أخيه الحسين عليه

السلام بالطف». «2»

ويرى النمازي أنّ لأمير المؤمنين عليه السلام إبنين بإسم عمر، عمر الأصغر وأمّه الصهباء وهو من شهداء الطفّ، أمّا عمر الأكبر فعاش خمساً وثمانين سنة!». «3»

وعمر الأصغر الذي عناه النمازي هو عمر الأطرف وهو ابن الصهباء وشقيق رقيّة وتوأمها، وقد تخلّف عن نصرة الحسين عليه السلام بلا عذر معروف، وعاش سبعاً وسبعين سنة. «4»

مقتل إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 392

لقد اختلفت كلمات المؤرخين حول مقتل ابراهيم في وقعة الطّف. ولعلّ أقدم نص شكّك في ذلك أبوالفرج حيث قال: «وقد ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي طالب. وأمّه أمّ ولد. وما سمعت بهذا من غيره،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 393

ولا رأيت لإبراهيم في شي ء من كتب الأنساب ذكراً». «1»

وفي مقابل ذلك توجد تصريحات بأنه قد قتل أيضاً في كربلاء، فقد ذكر ابن عبد ربّه الأندلسي، «2» وابن شهرآشوب «3» والمرحوم النمازي، «4» والخوارزمي «5» بأنّ إبراهيم هذا قتل بين يدي ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

وقال المرحوم المظفّر: يستفاد من مجموع الأقوال أنّ الشهداء من ولد أميرالمؤمنين عليه السلام يوم كربلاء أحد عشر رجلًا سيّدهم وسيّد الناس جميعاً الحسين بن علي عليه السلام ... وإبراهيم على قول مشهور. «6»

مقتل عتيق بن علي بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 393

وذكر ابن قتيبة أنّ أمّه أمّ ولد «7» وعدَّه الذهبي واليافعي والديار بكري في عداد شهداء كربلاء. «8»

مقتل عون بن علي عليه السلام ..... ص : 393

ذكر كلٌّ من السيد جعفر الأعرجي (ره)، والذهبي، أنَّ عون بن علي من جملة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 394

أولاد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام المقتولين ظلماً بين يدي سيد شباب أهل الجنة. «1»

مقتل يحيى بن علي عليه السلام ..... ص : 394

ذكر السيّد الأعرجي (ره) في مناهل الضرب أنَّ يحيى بن علي عليه السلام من شهداء الطف «2» وذكر النمازي (ره) في مستدركات علم رجال الحديث: أنّ أمّه أسماء بنت عميس. «3»

لكنّ أبا الفرج ذكر أنّ يحيى توفي في حياة أميرالمؤمنين عليه السلام.»

مقتل عبيداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام ..... ص : 394

لعلّ أقدم من صرّح بأنه قتل بكربلاء هو الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه الشريف في الإرشاد حيث أورده في باب ذكر أولاد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام وقال:

ومحمد الأصغر المكنّى ابابكر، وعبيداللّه، الشهيدان مع أخيهما الحسين عليه السلام بالطف، أُمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية». «5»

كذلك قال المرحوم الشيخ الطبرسي في ذكر أولاد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام:

«ومحمد الأصغر المكنى بأبي بكر، وعبيداللّه، الشهيدان مع أخيهم الحسين عليه السلام

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 395

بالطفّ، أمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية». «1»

وتابعهما على ذلك الإربلي في كشف الغمة ناقلًا عن المرحوم المفيد. «2» وصرّح المرحوم المظفّر بأنّه من شهداء الطف. «3»

كذلك قال بذلك القلقشندي «4» وقال المزي في ذكر أولاد الامام أميرالمؤمنين عليه السلام: «وعبيداللّه يكنّى أبا علي، يقال إنه قتل بكربلا». «5»

وورد في تاريخ خليفة أنه قتل مع الحسين عليه السلام، وأمّه الرباب بنت امرى القيس. «6»

وورد في الزيارة الرجبية: «السلام على عبيداللّه بن أميرالمؤمنين عليه السلام». «7»

لكنّ اباالفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين قال: «وذكر يحيى بن الحسن، فيما حدثني به أحمد بن سعيد أنّ أبا بكر بن عبيداللّه الطلحي حدّثه عن أبيه أنّ عبيداللّه بن علي قتل مع الحسين، وهذا خطأ، وإنما قتل عبيداللّه يوم المدار، «8» قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة، وقد رأيته بالمدار». «9»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 396

وقال ابن ادريس: «وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى أنّ عبيداللّه بن النهشلية قتل بكربلاء

مع أخيه الحسين عليه السلام، وهذا خطأ، محض بلا مراء، لأنّ عبيداللّه بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير، ومن جملة أصحابه، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد بالمذار «1» وقبره هناك ظاهر.

الخبر بذلك متواتر وقد ذكره شيخنا أبوجعفر في الحائريات لمّا سأله السائل عما ذكر المفيد في الإرشاد فأجاب بأنَّ عبيداللّه بن النهشلية قتله أصحاب المختار

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 397

بالمذار، وقبره هناك معروف عند أهل تلك البلاد». «1»

يستفاد من مجموع ما ذكرنا أنّ النصوص التي تشير الى أنّ عبيداللّه بن علي عليه السلام قتل في واقعة الطف لايمكن الاعتماد عليها بسهولة، وكلّها ترجع الى كلام المرحوم المفيد (ره)، وفي مقابل هذا القول تتوافر الأقوال الكثيرة التي تصرّح بأنه لم يقتل بكربلاء، ولايمكن الإغماض عنها خصوصاً وأنّ في أصحابها من له الخبرة التامة في علم الأنساب، نظير مصعب الزبيري في نسب قريش أو ابن فندق في كتابه لباب الأنساب، أو الأندلسي في جمهرة أنساب العرب، وغيرهم.

و من الغريب جدّاً كلام البعض «2» حيث صرّح بأنّه اتفقت كلمة المورّخين على قتله يوم عاشوراء!!.

من هو «العبّاس الأصغر»، وابن من هو؟ ..... ص : 397

قال الشيخ القرشي: «وهو أخو الإمام لأبيه، وأمّه لبابة بنت عبيداللّه بن العبّاس، استشهد يوم الطفّ». «3» وقال خليفة بن خيّاط: «وقتل مع الحسين عليه السلام العبّاس الأصغر، أمّه لبابة بنت عبيداللّه بن العبّاس». «4»

وممّا يؤيّد ذلك ما رواه سبط ابن الجوزي، عن هشام بن محمد، عن القاسم ابن الأصبغ المجاشعي قال: «لمّا أُتي بالرؤوس إلى الكوفة إذا بفارس أحسن الناس وجهاً! قد علق في لبب فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر ليلة تمامه!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 398

والفرس يمرح فإذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالأرض، فقلت له: رأس من هذا؟

فقال: هذا رأس العبّاس بن

علي. قلت: ومن أنت؟ قال: حرملة بن الكاهل الأسدي.

قال: فلبثت أيّاماً وإذا بحرملة وجهه أشدُّ سواداً من القار! فقلت له: لقد رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب أنظر وجهاً منك! وما أرى اليوم لا أقبح ولا أسود وجهاً منك!؟ فبكى وقال: واللّه منذ حملت الرأس وإلى اليوم ما تمرّ عليَّ ليلة إلّا وإثنان يأخذان بضبعي ثمّ ينتهيان بي إلى نار تأجّج، فيدفعاني فيها، وأنا أنكص فتسفعني كما ترى، ثمّ مات على أقبح حال». «1»

فالعبّاس هذا على أساس هذه الرواية هو ابن أميرالمؤمنين عليه السلام، وهو في هذه الرواية غلام أمرد!

ويقول الشيخ القرشي تعقيباً: «وهذا ممّا يؤكّد وجود العبّاس الأصغر لأنّ العبّاس الأكبر كان عمره يوم قُتل إثنين وثلاثين سنة، وليس غلاماً أمرداً». «2»

لكنّ النمازيّ (ره) يقول في ترجمة (لبابة بنت عبيداللّه بن عبّاس بن عبدالمطّلب): «تزوّجها أبوالفضل العبّاس بن أميرالمؤمنين عليه السلام، فولد له منها عبيداللّه وفضل، وكانت جميلة عاقلة، وبعد شهادة العبّاس عليه السلام تزوّجها زيد بن الحسن المجتبى عليه السلام، فولد له منها نفيسة والحسن، ثمّ بعده تزوّجها وليد بن عبدالملك، وعن المجدي تزوّجها وليد بن عتبة بن أبي سفيان، فولد له منها

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 399

القاسم». «1»

من هنا نقول: إذا كان العبّاس الأصغر- على فرض وجوده حقّاً- ابن لبابة بنت عبيداللّه بن العبّاس، زوجة مولانا أبي الفضل عليه السلام، فهو إذن ابن العبّاس وليس أخاه كما في رواية سبط ابن الجوزي وكما استنتج الشيخ القرشي، ذلك لأن لبابة لا يمكن أن تكون زوجة لأميرالمؤمنين عليه السلام، ثمّ زوجة لابنه أبي الفضل عليه السلام.

هذا مبلغ علمنا في قضية «العبّاس الأصغر»، والمسألة بحاجة إلى مزيد من الوثائق التأريخية الكاشفة عن حقيقة الأمر، وإلى

مزيد من التعمّق والمتابعة والتحقيق، وكم ترك الأوّل للآخر!

مقتل مولانا أبي الفضل العبّاس عليه السلام ..... ص : 399

كان مولانا أبوالفضل العباس بن أميرالمؤمنين عليهما السلام أكبر أولاد عليّ عليه السلام من أمّهم أمّ البنين فاطمة بنت حزام الكلابية (رض)، وقد ولد في الرابع من شعبان سنة ست وعشرين للهجرة، وكان عمره الشريف عند استشهاده أربعاً وثلاثين سنة. «2»

وكان صلوات اللّه عليه عماد وركيزة الجيش الحسيني في كربلاء، وقد أعطاه الإمام الحسين عليه السلام رايته يوم عاشوراء: «لأنه وجد قمر الهاشميين أكفأ ممّن معه لحملها، وأحفظهم لذمامه، وأرأفهم به، وأدعاهم إلى مبدئه، وأوصلهم لرحمه، وأحماهم لجواره، وأثبتهم للطعان، واربطهم جأشاً، واشدّهم مراساً». «3»

قال الدينوري: «بقي العبّاس بن عليّ قائماً أمام الحسين يقاتل دونه، ويميل

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 400

معه حيث مال». «1» قال الشيخ المفيد (ره): «وحملتِ الجماعة على الحسين عليه السلام فغلبوه على عسكره، واشتدّ به العطش، فركب المُسنَّاة يريد الفرات، وبين يديه العبّاس أخوه، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم:

ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولاتمكّنوه من الماء! فقال الحسين عليه السلام: أللّهمّ أظمئه. فغضب الدارميّ ورماه بسهم فأثبته في حَنَكِه، فانتزع الحسين عليه السلام السهم، وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدّم! فرمى به ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك! ثمّ رجع إلى مكانه وقد اشتدّ به العطش، وأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه عنه، فجعل يقاتلهم وحده حتّى قُتل- رضوان اللّه عليه- وكان المتولّي لقتله زيد بن ورقاء الحنفيّ، «2» وحكيم بن الطُفَيل السنبسي، «3» بعد أن أُثخن بالجراح فلم يستطع حراكاً!». «4»

أمّا الخوارزمي فقد قال: «ثمّ خرج من بعده العبّاس بن عليّ- أيّ من بعد أخيه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 401

عبداللّه- وأمّه أمّ البنين

أيضاً، وهو «السقّاء» فحمل وهو يقول:

أقسمتُ باللّه الأعزّ الأعظم وبالحجون صادقاً وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرَّم ليخضبنَّ اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم إمام أهل الفضل والتكرّم

فلم يزل يقاتل حتّى قتل جماعةً من القوم، ثُمّ قُتل، فقال الحسين: ألآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي!». «1»

أمّا ابن شهرآشوب السروي فقال: «وكان عبّاس السقّاء قمر بني هاشم، صاحب لواء الحسين، وهو أكبر الإخوان، مضى يطلب الماء، «2» فحملوا عليه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 402

وحمل هو عليهم وجعل يقول:

لا أرهب الموتَ إذا الموت رقى «1»

حتى أُوارى في المصاليت لقا «2»

نفسي لنفسى المصطفى الطهر وقاإني أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرَّ يوم الملتقى

ففرّقهم، فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه «3» فأخذ السيف بشماله، وحمل عليهم وهو يرتجز:

واللّهِ إنْ قطعتُم يميني إنّي أُحامي أبداً عن دينى

وعن إمام صادق اليقينِ نجل النبيّ الطاهر الأمينِ

فقاتل حتّى ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله «4» فقال:

يا نفسُ لاتخشي من الكفّار وأبشري برحمة الجبّارِ

مع النبيّ السيّد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرَّ النّارِ

فقتله الملعون بعمود من حديد». «1»

ومن الجميل في ساحة عزاء أبي الفضل عليه السلام أن نورد هذه الفقرة الحزينة الرائعة التي جادت بها روح المرحوم المحقّق السيّد المقرّم، الطافحة بالولاء لأهل البيت عليهم السلام، قال رحمه اللّه:

«وسقط على الارض ينادي: عليك منّي السلام أبا عبداللّه! فأتاه الحسين عليه السلام، وليتني علمتُ بماذا أتاه؟ أبحياة مستطارة منه بهذا الفادح الجلل؟ أم بجاذب من الأخوّة إلى مصرع صنوه المحبوب؟

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 404

نعم، حصل الحسين عليه السلام عنده، وهو يبصر قربان القداسة فوق الصعيد قد غشيته الدماء وجللّته

النبال! «1» فلا يمين تبطش، ولامنطق يرتجز، ولاصولة تُرهب، ولاعين تبصر، ومرتكز الدماغ على الأرض مبدَّد!!

أصحيحٌ أنّ الحسين عليه السلام ينظر إلى هذه الفجائع ومعه حياة ينهض بها؟

لم يبق الحسين بعد أبي الفضل إلّا هيكلًا شاخصاً مُعرّى عن لوازم الحياة، وقد أعرب سلام اللّه عليه عن هذا الحال بقوله: ألآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي!

وبان الإنكسار في جبينه فاندكّت الجبال من حنينه

وكيف لا؟ وهو مجال بهجته وفي محيّاه سرور مهجته

كافل أهله وساقي صبيته وحامل اللوا بعالي همّته «2»

ورجع الحسين إلى المخيّم منكسراً حزيناً باكياً، يكفكف دموعه بكمّه، وقد تدافعت الرجال على مخيمه فنادى: أما من مغيث يُغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حقّ ينصرنا؟ أما من خائف من النّار فيذبّ عنّا؟ «3»

فأتته سكينة وسألته عن عمّها، فأخبرها بقتله! وسمعته زينب فصاحت: وا أخاه وا عبّاساه، وا ضيعتنا بعدك! وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقال: واضيعتنا بعدك!!». «4»

الإمام الحسين عليه السلام وحيداً فريداً في الميدان ..... ص : 404

اشارة

«ولمّا قُتل العباس عليه السلام إلتفت الحسين عليه السلام فلم ير أحداً ينصره! ونظر إلى أهله

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 405

وصحبه مجزّرين كالأضاحي، وهو إذْ ذاك يسمع عويل الأيامى وصراخ الأطفال، صاح بأعلى صوته: هل من ذابٍّ عن حُرم رسول اللّه؟ هل من موحّدٍ يخاف اللّه فينا؟ هل من مغيث يرجو اللّه في إغاثتنا؟ فارتفعت أصوات النساء بالبكاء!!». «1»

خروج الإمام زين العابدين عليه السلام!! ..... ص : 405

«فخرج علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وكان مريضاً لايقدر أن يقلّ سيفه، وأمّ كلثوم «2» تنادي خلفه: يا بنيَّ ارجع! فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول اللّه! وقال الحسين عليه السلام: يا أمَّ كلثوم! خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلى الله عليه و آله». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 406

مقتل الرضيع عبداللّه بن الحسين عليه السلام

النصوص الورادة في مقتل ابنه الرضيع عليه السلام يوم الطف مختلفة جدّاً، وهي على أقسام:

1- النصوص التي تصرّح باسمه وهو عبداللّه.

2- النصوص التي لاتصريح فيها بأسمه.

3- النصوص التي تقول بأنَّ الطفل إسمه عليّ الأصغر.

4- النصوص التي تصرّح بمقدار سنّه فقط.

أمّا الطائفة الأولى: فقد روى الشيخ المفيد قائلًا: «ثمَّ جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط فأُتي بابنه عبداللّه بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقى الحسين عليه السلام دمه فلمّا ملأ كفّه صبّه في الأرض ثم قال: «ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين». ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 407

وفي ضمن رواية عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام السجّاد عليه السلام يصف فيها كيف جمع الإمام الحسين عليه السلام أصحابه

ليلة عاشوراء، وردت هذه المحاورة بين الإمام عليه السلام وبين ابن أخيه القاسم عليه السلام هكذا: «فقال له القاسم بن الحسن عليه السلام: وأنا فيمن يُقتل؟ فأشفق عليه فقال له: يا بُنيّ كيف الموت عندك؟

قال: يا عمّ، أحلى من العسل!

فقال عليه السلام: إي واللّه، فداك عمّك! إنّك لأحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاء عظيم! وإبني عبداللّه!

فقال: يا عمّ! ويصلون إلى النساء حتّى يُقتل عبداللّه وهو رضيع!؟

فقال عليه السلام: فداك عمّك! يُقتل عبداللّه إذا جفّت روحي عطشاً، وصرتُ الى خيمنا فطلبتُ ماءً ولبناً فلا أجد قطّ! فأقول: ناولوني إبني لأشرب مِن فيه! فيأتوني به فيضعونه على يدي، فأحمله لأُدنيه مِن فيَّ، فيرميه فاسقٌ بسهم فينحره وهو يناغي! فيفيض دمه في كفّي! فأرفعه إلى السماء وأقول: أللّهمّ صبراً

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 408

واحتساباً فيك! ...». «1»

و من الملفت للإنتباه والمثير للعجب والحزن والمصاب في هذه الرواية هو أنّ الإمام عليه السلام لجفاف روحه من العطش الشديد أراد أن يروي ظمأه من نداوة ورطوبة فم الطفل عبداللّه الرضيع! لا أنّ الإمام عليه السلام كان قد أخذ الطفل الرضيع العطشان ليعرضه على القوم لعلّهم يسقونه ماء كما هو المشهور!!

وجاء في تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام: «وعبيداللّه بن الحسين عليه السلام، وأُمّه الرباب بنت إمرى ء القيس ..، قتله حرملة بن الكاهل الأسدي الوالبي، وكان ولد للحسين عليه السلام في الحرب فأتي به وهو قاعد، وأخذه في حجره ولبّاه بريقه وسمّاه عبداللّه، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسين عليه السلام دمه فجمعه ورمى به نحو السماء فما وقعت منه قطرة الى الأرض!

قال فضيل: وحدثني أبوالورد: أنه سمع أباجعفر يقول: لو وقعت منه

الى الأرض قطرة لنزل العذاب. وهو الذي يقول الشاعر فيه:

وعند غنّي قطرة من دمائنا وفي أسد أخرى تُعُد وتذكر «2»

أمّا الطائفة الثانية من النصوص فمنها ما رواه الدينوري قائلًا: فدعا بصبي له صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد، وهو في حجر الحسين عليه السلام بمشقص، فقتله. «3»

ومنها ما رواه سبط ابن الجوزي عن هشام بن محمد، قال: «فالتفت الحسين

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 409

فإذا بطفل له يبكي عطشاً، فأخذه على يده وقال: يا قوم إنْ لم ترحموني فأرحموا هذا الطفل. فرماه رجل منهم بسهم فذبحه. فجعل الحسين يبكي ويقول: أللّهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا. فنودي من الهواء: دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة». «1»

وأمّا النصوص المصرّحة أنّ الطفل القتيل إسمه عليّ الأصغر، فمنها ما رواه ابن أعثم الكوفي قائلًا: «وله ابن آخر يقال له عليّ في الرضاع، فتقدم الى باب الخيمة فقال:

ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه، فناولوه الصبي فجعل يقبله وهو يقول: يا بني ويل لهؤلاء القوم إذا كان غداً خصمهم جدّك محمّد!، قال: وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي فقتله.

فنزل الحسين عن فرسه وحفر له بطرف السيف ورمّله «2» بدمه وصلّى عليه ودفنه». «3»

وقال ابن الطقطقى: «وعلي الأصغر أصابه سهم بكربلاء فمات». «4»

وأمّا النصوص التي تصرّح بمقدار عمره الشريف، فما ورد عن الذهبي قوله:

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 410

«فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين». «1»

أمّا اليعقوبي فقد قال: «ثم تقدّموا رجلًا رجلًا حتّى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه، فإنّه لواقف على فرسه إذ أُتي بمولود قد ولد في تلك الساعة فأذَّن في أُذنه وجعل يحنّكه إذ أتاه

سهم فوقع في حلق الصبي فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه وجعل يلطّخه بدمه ويقول: «واللّهِ لأنتَ أكرم على اللّه من الناقة، ولمحمّد أكرم على اللّه من صالح. ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 411

ومن الشعر الذي أنشده الإمام عليه السلام في مواجهته القوم وحيداً- بعد مقتل عبداللّه الرضيع- على ما روي:

كفر القوم وقِدماً رغبوا عن ثواب اللّه ربّ الثقلين

قتل القوم عليّاً وابنه حسن الخير كريم الأبوين

حنقاً منهم وقالوا أجمعوا واحشروا الناس إلى حرب الحسين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا اللّه في سفكِ دمي لعبيداللّه نسل الكافرين

وابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشي ءٍ كان منّي قبل ذا غير فخري بضياءالنيّرين

بعليّ الخير من بعد النبيّ والنبيّ القرشيّ الوالدين

خيرة اللّه من الخلق أبي ثم أمّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب فأنا الفضّة وابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن العلَمَين

فاطم الزهراء أمّي وأبي قاصم الكفر ببدر وحنين

عبدالله غلاما يافعاً وقريش يعبدون الوثنَينْ

يعبدون اللّات والعزّى معاً وعليّ كان صلّى القبلتين

وأبي شمس وأُمي قمر فأنا الكوكب وابن القمرَيْن

وله في يوم أُحدٍ وقعةٌ شفت الغلّ بفضّ العسكرين

ثمّ في الأحزاب والفتح معاً كان فيها حتف أهل الفيلقين

في سبيل اللّه، ماذا صنَعت أُمّة السوء معاً بالعترتين

عترة البرّ النبيّ المصطفى وعليّ القَرمِ يوم الجحفلين

ثم وقف صلوات الله عليه قبالة القوم وسيفه مُصلت في يده آيساً من الحياة

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 412

عازماً على الموت، وهو يقول:

أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشم كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وجدّي رسول اللّه أكرم من مضى ونحن سراج اللّه في الأرض نزهر

وفاطم أُمي من سلالة أحمد وعمّيَ يدعي ذو الجناحين جعفر

وفينا كتاب اللّه أُنزل

صادقاً وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان اللّه للناس كلّهم نسرّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا بكأس رسول اللّه ماليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة ومبغضنا يوم القيامة يخسر

وذكر أبوعلي السلامي في تاريخه أنّ هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه وقال: وليس لأحد مثلها:

وإنْ تكن الدنيا تعدّ نفيسة فإنّ ثواب الله أعلى وأنبلُ

وان تكن الأبدان للموت أنشئت فقتل امرى ء بالسيف في الله أفضل

وان تكن الأرزاق قسماً مقدّراً فقلّة سعي المرء في الكسب أجملُ

وإن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرءُ يبخلُ

سأمضي وما بالقتل عار على الفتى إذا في سبيل اللّه يمضي ويقتل

ثم إنه عليه السلام دعا الناس الى البراز، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة. «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 413

ثم حمل على الميمنة وقال:

الموت خير من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

ثم حمل على الميسرة وقال:

أنا الحسين بن علي أحمي عيالات أبي

آليت أن لا أنثني أمضي على دين النبي

وجعل يقاتل حتى قتل ألفاً وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين. «1»

الامام الحسين عليه السلام يطلب ثوباً لايُرغبُ فيه! ..... ص : 413

روى الطبري يقول: «ولمّا بقي الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة، دعا بسراويل «2» محققة يلمع «3» فيها البصر، يمانيّ محقَّق، ففزره «4» ونكثه لكيلا يسلبه، فقال له بعض أصحابه: لو لبست تحته تُبّاناً «5» قال: ذلك ثوب مذّلة، ولاينبغي لي أن ألبسه.». «6»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 414

وروى الطبراني عن ابن أبي ليلى قال: «قال حسين بن علي عليه السلام حين أحسّ بالقتل: إئتوني ثوباً لايرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي ...». «1»

وذكر ابن شهرآشوب أنه عليه السلام قال: «ائتوني بثوب لايرغب فيه ألبسه غير ثيابي لا أجرّد فإني مقتول مسلوب،

فأتوه بتبّان فأبى أن يلبسه، وقال: هذا لباس أهل الذمّة، ثم أتوه بشي ء أوسع منه دون السراويل وفوق التبّان فلبسه». «2»

وقال الطريحي: «لمّا قُتل أصحاب الحسين كلّهم وتفانوا وأبيدوا ولم يبق أحد، بقي عليه السلام يستغيث فلايغاث وأيقن بالموت أتى إلى نحو الخيمة وقال لأخته:

إئتيني بثوب عتيق لايرغب فيه أحد من القوم، أجعله تحت ثيابي لئلّا أُجرّد منه بعد قتلي. قال: فأرتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب، ثم أوتي بثوب فخرقه ومزّقه من أطرافه وجعله تحت ثيابه، وكانت له سراويل جديدة فخرقها أيضاً لئلّا تُسلب منه». «3»

ثبات الإمام الحسين عليه السلام ورباطة جأشه! ..... ص : 414

يروي الطبري عن عبداللّه بن عمّار بن عبد يغوث البارقيّ قوله في وصف شجاعة الإمام عليه السلام: «فواللّه ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً، ولا أمضى جناناً منه، ولا أجرأ مقدماً! واللّه ما رأيت قبله ولابعده مثله! إنْ كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله إنكشاف المعزى إذا شدّ فيها

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 415

الذئب ...». «1»

وفي عيون الأخبار عن هذا البارقيّ «2» أيضاً: «مارأيتُ قطّ أربط جأشاً من الحسين! قُتل ولده وجميع أصحابه حوله، وأحاطت به الكتائب، فواللّه لكان يشدّ عليهم فينكشفوا عنه إنكشاف المعزى شدّ عليهم الأسد! فمكث مليّاً والناس يدافعونه ويكرهون الإقدام عليه». «3»

ويقول السيّد ابن طاووس (ره) فيما يرويه: «.. ولقد كان يحمل فيهم، ولقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً فيُهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر!! ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه!». «4»

ويقول ابن شهرآشوب: «وجعل يُقاتل حتّى قتل ألفاً وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: ويلكم أتدرون من تبارزون!؟ هذا ابن الأنزع البطين! هذا ابن قتّال العرب! فاحملوا عليه من كلّ جانب!

فحملوا بالطعن مائة وثمانين! وأربعة آلاف بالسهام! ...». «5»

الإمام عليه السلام يستولي على شريعة الفرات! ..... ص : 415

قال ابن شهرآشوب: «وروى أبومخنف عن الجلودي أنّ الحسين حمل على

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 416

الأعور السلمي وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة، وأقحم الفرس على الفرات! فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام:

أنت عطشان: وأنا عطشان، واللّه لا أذوق الماء حتّى تشرب! فلمّا سمع الفرس كلام الحسين شال راسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام! فقال الحسين: إشرب فأنا أشرب. فمدَّ الحسين يده فغرف من الماء، فقال فارس: يا أباعبداللّه! تتلذذ بشرب الماء وقد هُتكت حرمتك!؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة!». «1»

الوداع الأخير ..... ص : 416

قال العلّامة المجلسي (ره) في كتابه (جلاء العيون): «ثمّ ودّع ثانياً أهل بيته،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 417

وأمرهم بالصبر، ووعدهم بالثواب والأجر، وأمرهم بلبس أُزرهم، وقال لهم:

استعدّوا للبلاء، وأعلموا أنّ اللّه تعالى حافظكم وحاميكم، وسينجيكم من شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذّب أعاديكم بأنواع البلاء، ويعوّضكم اللّه عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولاتقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم!». «1»

وقال المحققّ السيّد المقرّم (ره): «حقاً لو قيل بأن هذا الموقف من أعظم ما لاقاه سيد الشهداء عليه السلام في هذا اليوم، فإنّ عقائل النبوة تشاهد عماد أخبيتها، وسياج صونها، وحمى عزّها، ومعقد شرفها مؤذناً بفراق لارجوع بعده فلايدرين بمن يعتصمن من عادية الأعداء، وبمن العزاء بعد فقده، فلا غرو إذا اجتمعن عليه وأحطن به وتعلّقن بأطرافه بين صبيٍّ يئنُّ، ووالهةٍ أذهلها المصاب، وطفلة تطلب الأمن، وأخرى تنشد الماء!

إذاً فما حال سيد الغيارى ومثال الحنان وهو ينظر بعلمه الواسع إلى ودائع الرسالة وحرائر بيت العصمة وهنّ لايعرفن إلّا سجف العزّ وحجب الجلال، كيف يتراكضن في هذه البيداء المقفرة بعولة مشجية،

وهتاف يفطر الصخر الأصم، وزفرات متصاعدة من أفئدة حرّى! فإنْ فررن فعن السلب، وإن تباعدن فمن الضرب، ولامحام لهنّ غير الإمام الذي أنهتكه العلّة!». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 418

الإمام عليه السلام وابنته سكينة عليها السلام ..... ص : 418

والتفت الحسين إلى ابنته سكينة التي يصفها للحسن المثنّى بأنّ الإستغراق مع اللّه غالب عليها! فرأها منحازة عن النساء باكية نادبة فوقف عليها مصبّراً، ومسلّياً ولسان حاله يقول:

هذا الوداع عزيزتي والملتقى يوم القيامة عند حوض الكوثر

فدعي البكاء وللأسار تهيأي واستشعري الصبر الجميل وبادري

وإذا رأيتيني على وجه الثرى دامي الوريد مبضَّعاً فتصبّري «1»

فقال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولًا بنفسه وحرمه، واللّه إن فرغ لكم لاتمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم، فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيّم، وشكّ سهم بعض أزر النساء فدهشن وأرعبن وصحن ودخلن الخيمة ينظرن إلى الحسين كيف يصنع، فحمل عليهم كالليث الغضبان فلا يلحق أحداً إلّا بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره.». «2»

وقال ابن شهرآشوب: «ثم ودّع النساء وكانت سكينة تصيح فضمّها إلى صدره وقال:

سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي منك البكاء إذا الحِمام دهاني

لاتحرقي قلبي بدمعك حسرة مادام منّي الروح في جثماني

فإذا قُتلتُ فأنتِ أولى بالذي تأتينه يا خيرة النسوان». «3»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 419

وصايا الإمام عليه السلام ..... ص : 419

من جملة الأعمال المهمّة التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء قبل مقتله دفع الوصايا إلى إبنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام حيث كان مريضاً ولم يستطع الجهاد بين يدي أبيه الحسين عليه السلام.

قال المسعودي: «ثم أحضر علي بن الحسين عليه السلام- وكان عليلًا- فأوصى إليه بالإسم الأعظم ومواريث الأنبياء عليهم السلام، وعرّفه أنّ قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أمّ سلمة رضي اللّه عنها وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه». «1»

وفي دعوات الراوندي الراوندي: عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال:

ضمّني والدي عليه السلام إلى صدره حين قتل والدماء تغلي،

وهو يقول: يا بني احفظ عنّي دعاءً علمتنيه فاطمه صلوات اللّه عليها، وعلّمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وعلّمه جبرئيل في الحاجة، والهمّ والغمّ، والنازلة إذا نزلت، والأمر العظيم الفادح.

قال: أُدع: «بحق يس والقرآن الحكيم، وبحقّ طه والقرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما في الضمير، يا منفّس عن المكروبين، يا مفرّج عن

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 420

المغمومين، يا راحم الشيخ الكبير، يارازق الطفل الصغير، يا من لايحتاج إلى التفسير، صلّ على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا». «1»

وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: انّ الحسين عليه السلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام «2» فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين عليهما السلام مبطوناً معهم لايرون إلا أنّه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليهما السلام ثم صار ذلك إلينا.». «3»

الهجوم على رحل الإمام عليه السلام وعياله ..... ص : 420

روى الطبري عن أبي مخنف: «ثم إنّ شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر من عشرة من رجّالة أهل الكوفة قِبَل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله، فمشى نحوه، فحالوا بينه وبين رحله، فقال الحسين:

ويلكم إن لم يكن لكم دين، وكنتم لاتخافون يوم المعاد، فكونوا في أمر دنياكم أحراراً ذوي أحساب، إمنعوا رحلي وأهلي من طغامكم «4» وجهالكم.

فقال ابن ذي الجوشن: ذلك لك يابن فاطمة. «5»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 421

وفي اللهوف أنه عليه السلام قال لهم:

«يا شيعة آل أبي سفيان إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون». «1»

وعن ابن صبّاغ المالكي أنّه: «حمل عليهم حملة منكرة قتل فيها كثيراً

من الرجال والأبطال، ورجع سالماً إلى موقفه عند الحريم، ثم حمل حملة أخرى وأراد الكرَّ راجعاً إلى موقفه، فحال الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله بينه وبين الحريم والمرجع إليهم في جماعة من أبطالهم وشجعانهم، وأحدقوا به، ثم إنّ جماعة منهم تبادروا إلى الحريم والأطفال يريدون سلبهم فصاح الحسين:

ويحكم يا شيعة الشيطان كفّوا سفهاءكم عن التعرض للنساء والأطفال فإنهم لم يقاتلوا.

فقال الشمر لعنه اللّه: كفّوا عنهم واقصدوا الرجل بنفسه». «2»

وعن المدائني: وحمل شمر- لعنه اللّه- على عسكر الحسين، فجاء الى فسطاطه لينهبهُ، فقال له الحسين عليه السلام: ويلكم إنْ لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في الدنيا، فرحلي لكم عن ساعة مباح، قال: فاستحيا ورجع». «3»

العطش يشتدّ بالإمام عليه السلام في حملته الأخيرة! ..... ص : 421

قال الخوارزمي: «فقصده القوم بالحرب من كلّ جانب، فجعل يحمل عليهم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 422

ويحملون عليه، وهو في ذلك يطلب الماء ليشرب منه شربة! «1» فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه حتّى أجلوه عنه، ثمّ رماه رجل يُقال له أبو الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزع الحسين السهم ورمى به، فسال الدم

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 423

على وجهه ولحيته، «1» فقال:

أللّهمّ قد ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العُصاة العتاة! أللّهمّ فاحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولاتذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولاتغفر لهم أبداً!

ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لايلحق أحداً إلّا بعجه بسيفه وألحقه بالحضيض، والسهام تأخذه من كلّ ناحية، وهو يتلقّاها بنحره وصدره، ويقول:

يا أُمّة السوء! بئسما خلفتم محمّداً صلى الله عليه و آله في عترته! أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد اللّه الصالحين فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وايمُ اللّه إنّي لأرجو أن يُكرمني ربّي بهوانكم، ثمّ ينتقم

منكم من حيث لاتشعرون!

فصاح به الحصين بن مالك السكوني: يا ابن فاطمة! بماذا ينتقم لك منّا؟

فقال:

يُلقي بأسكم بينكم، ويسفك دماءكم، ثم يصبّ عليك العذاب الأليم.

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 424

ثمّ جعل يُقاتل حتّى أصابته إثنتان وسبعون جراحة. «1»». «2»

أمّا الطبري فيروي هذه اللحظات المأساوية عن لسان حميد بن مسلم قال:

«كانت عليه جُبّة من خزّ، وكان معتمّاً وكان مخضوباً بالوسمة، وسمعته يقول قبل أن يُقتل، وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع، يتّقي الرميّة، ويفترص العورة، ويشدّ على الخيل، وهو يقول:

أعلى قتلي تحاثون!؟ أما واللّه لاتقتلون بعدي عبداً من عباد اللهِ اللّهُ أسخط عليكم لقتله منّي، وأيمُ اللّه إنّي لأرجو أنْ يُكرمني اللّه بهوانكم، ثمّ ينتقم لي

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 425

منكم من حيث لاتشعرون، أمّا واللّه أنْ لو قتلتموني لقد ألقى اللّه بأسكم بينكم، وسفك دماءكم، ثمّ لايرضى لكم حتّى يضاعف لكم العذاب الأليم.

قال: ولقد مكث طويلًا من النهار، ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء!

قال: فنادى شمر في الناس: ويحكم! ماذا تنتظرون بالرجل!؟ اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم!

قال: فحُملَ عليه من كلّ جانب فضُربت كفّه اليسرى ضربة، ضربها زرعة بن شريك التميمي، وضُرب على عاتقه، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو!». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 426

السهم المحدّد المسموم القاتل! ..... ص : 426

أمّا الخوارزمي فيواصل تفاصيل المقتل- بعد أن ذكر كيف أنّ الإمام عليه السلام حمل على القوم حملة الليث المغضب، فجعل لايلحق أحداً إلّا بعجه بسيفه وألحقه بالحضيض، والسهام تأخذه من كلّ ناحية، وهو يتلقاها بنحره وصدره، حتّى أصابته إثنتان وسبعون جراحة- فيقول: «فوقف يستريح وقد ضعف عن القتال، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته، فسالت الدماء من جبهته، فأخذ الثوب ليمسح

عن جبهته فأتاه سهم محدّد، مسموم، له ثلاث شُعب، فوقع في قلبه، فقال الحسين عليه السلام: بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه- ورفع رأسه إلى السماء- وقال: إلهي، إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلًا ليس عى وجه الأرض ابن نبيّ غيره!

ثمّ أخذ السهم وأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدّم كالميزاب! فوضع يده على الجرح، فلّما امتلأت دماً رمى بها إلى السماء، فما رجع من ذلك قطرة! وما عُرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء! ثمّ وضع يده على الجرح ثانياً، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته! وقال:

هكذا واللّهِ أكون حتّى ألقى جدّي محمّداً صلى الله عليه و آله وأنا مخضوب بدمي، وأقول: يا رسول اللّه! قتلني فلان وفلان!

ثمّ ضعف عن القتال، فوقف مكانه، فكلّما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه انصرف عنه، وكره أن يلقى اللّه بدمه! حتّى جاءه رجلٌ من كندة يقال له مالك بن نسر، فضربه بالسيف على رأسه، وكان عليه برنس، فقطع البرنس وامتلأ دماً، فقال له الحسين: لا أكلتَ بيمينك ولاشربت بها، وحشرك اللّه مع الظالمين. «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 427

ثمّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها، وقد أعيى وتبلَّد، وجاء الكندي فأخذ البرنس «1»- وكان من خزّ- فلّما قُدم به بعد ذلك على امرأته أم عبداللّه ليغسله من الدّم، قالت له امرأتُه: أتسلب ابن بنت رسول اللّه برنسه وتدخل بيتي!؟ أُخرجْ عنّي حشا اللّهُ قبرك ناراً. وذكر أصحابه أنّه يبست يداه، ولم يزل فقيراً بأسوء حال إلى أن مات.

ثمّ نادى شمر: ما تنتظرون بالرجل؟ فقد أثخنته السهام، فأخذت به الرماح والسيوف، فضربه رجل يُقال له: زرعة بن شريك التميمي ضربة منكرة، ورماه سنان بن أنس بسهم في

نحره، وطعنه صالح بن وهب المرّي على خاصرته طعنة منكرة، فسقط الحسين عن فرسه «2» إلى الأرض على خدّه الأيمن، ثم استوى جالساً

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 428

ونزع السهم من نحره، «1» ثم دنا عمر بن سعد من الحسين ليراه!

قال حميد بن مسلم: وخرجت زينب بنت عليّ وقرطاها يجولان في أُذنيها «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 429

وهي تقول: ليت السماء أطبقت على الأرض! يا ابن سعد! أيُقتل أبوعبداللّه وأنت تنظر إليه!؟ فجعلت دموعه تسيل على خدّيه ولحيته، فصرف وجهه عنها، والحسين جالسٌ وعليه جُبّة خز، وقد تحاماه الناس، فصاح شمر: ويحكم ما تنتظرون!؟ اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم! فضربه زرعة بن شريك فأبان كفّه اليسرى، ثمّ ضربه على عاتقه فجعل عليه السلام يكبو مرّة ويقوم أخرى، فحمل عليه سنان ابن أنس في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه، «1» وقال لخولّي بن يزيد: احتزّ رأسه. فضعف وارتعدت يداه، فقال له سنان: فتّ اللّه عضدك وأبان يدك. «2» فنزل إليه نصر بن خرشة الضبابي، وقيل: بل شمر بن ذي الجوشن، «3» وكان أبرص، فضربه برجله، وألقاه على قفاه، ثمّ أخذ بلحيته! فقال له الحسين عليه السلام: أنت الكلبُ الأبقع الذي رأيته في منامي!!

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 430

فقال شمر: أتشبّهني بالكلاب يا ابن فاطمة؟ ثمّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام ويقول:

أقتلك اليوم ونفسي تعلمُ علماً يقيناً ليس فيه مزعم

ولا مجالٌ لا ولاتكتّم أنّ أباك خير من يُكلَّم

وروي أنّه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن، وسنان بن أنس، والحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش! فرفسه شمر برجله وقال: يا ابن أبي تراب! ألستَ تزعم أنّ اباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه!؟ فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده.

ثم

قال لسنان بن أنس: احتزّ رأسه من قفاه! فقال: لا واللّه، لا أفعل ذلك فيكون جدُّه محمّد خصمي!! فغضب شمر منه، وجلس على صدر الحسين عليه السلام، وقبض على لحيته وهمَّ بقتله، فضحك الحسين وقال له: أتقتلني!؟ أولا تعلم من أنا!؟

قال: أعرفك حقَّ المعرفة، أمُّك فاطمة الزهراء، وابوك عليٌّ المرتضى، وجدّك محمّد المصطفى، وخصيمك اللّه العليّ الأعلى، وأقتلك ولا أُبالي! وضربه بسيفه إثنتي عشرة ضربة، ثمّ حزَّ رأسه». «1»

«وروى هلال بن نافع قال: إنّي لواقفٌ مع أصحاب عمر بن سعد، إذ صرخ صارخ: أبشر أيها الأمير، فهذا شمر قتل الحسين! قال: فخرجت بين الصفّين،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 431

فوقفت عليه، فإنّه ليجود بنفسه، فواللّه ما رأيت قتيلًا مضمّخاً بدمه أحسنَ منه ولا أنور وجهاً! ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكر في قتله! فاستسقى في تلك الحال ماءً، فسمعت رجلًا يقول له: واللّه لاتذوق الماء حتّى ترد الحامية فتشرب من حميمها! فقال له الحسين عليه السلام:

بل أرد على جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشرب من ماءٍ غير آسن، واشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي!

قال: فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ اللّه لم يجعل في قلب أحدٍ منهم من الرحمة شيئاً! فاحتزّوا رأسه وإنّه ليكلّمهم! فعجبت من قلّة رحمتهم، وقلت واللّهِ لا أُجامعكم على أمرٍ أبداً». «1»

وروى الشيخ الصدوق (ره) والشيخ الكليني (ره) أيضاً، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه: «لمّا ضُرب الحسين بن عليّ عليهما السلام بالسيف، ثمّ ابتُدر ليُقطع رأسه، نادى منادٍ من قبل ربّ العزّة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال: ألا أيتها الأمّة المتحيّرة الظالمة بعد نبيها، لا وفّقكم اللّه

لأضحى ولافطر.

قال: ثمّ قال أبوعبداللّه عليه السلام: لا جرم واللّه، ما وفّقوا ولايوفّقون أبداً حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السلام». «2»

وقال الخوارزمي: «وارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة مظلمة، فيها ريحٌ حمراء، لايُرى فيها عين ولا أثر، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم،

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 432

فلبثوا بذلك ساعة، ثمّ انجلت عنهم». «1»

وروى ابن المغازلي بسندٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنه قال:

«إنّ قاتل الحسين عليه السلام في تابوت من نارٍ، عليه نصف عذاب أهل النّار، وقد شُدَّ يداه ورجلاه بسلاسل من نار، مُنَكَّسٌ في النار حتى يقع في قعر جهنّم، وله ريح يتعوَّذ أهل النار إلى ربّهم عزّ وجل من شدَّة ريح نتنه، وهو فيها خالدٌ ذائق العذاب العظيم، كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها، حتّى يذوقوا العذاب الأليم، لايُفتَّر عنهم ساعة، وسقوا من حميم جهنّم، الويل لهم من عذاب اللّه عزّ وجلّ». «2»

سلب الإمام عليه السلام بعد قتله! ..... ص : 432

قال السيّد ابن طاووس (ره): «ثمّ أقبلوا على سلب الحسين، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي، فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره! .. وأخذ سراويله بحر بن كعب التيمي لعنه اللّه تعالى، فروي أنّه صار زمناً مقعداً من رجليه! وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي، وقيل: جابر بن يزيد الأودي لعنهما اللّه، فاعتمّ بها فصار معتوهاً! وأخذ نعليه الأسود بن خالد لعنه اللّه، وأخذ خاتمه

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 433

بجدل بن سليم الكلبي وقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحّط في دمه حتّى هلك، وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خزّ قيس بن الأشعث «1»، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد. فلمّا قُتل عمر وهبها المختار

لأبي عمرة قاتله، وأخذ سيفه جُميع بن الخلق الأودي، وقيل: رجل من بني تميم يُقال له أسود بن حنظلة، وفي رواية ابن أبي سعد أنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي، وزاد محمد بن زكريا: أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بُديل، وهذا السيف المنهوب المشهور ليس بذي الفقار، فإنّ ذلك كان مذخوراً ومصوناً مع أمثاله من ذخائر النبوّة والإمامة، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه». «2»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 434

رضّ جسد الإمام عليه السلام بحوافر الخيل ..... ص : 434

قال السيد ابن طاووس (ره): «قال الراوي: ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه:

من ينتدب للحسين فيواطي ء الخيل ظهره وصدره! فانتدب منهم عشرة، وهم:

إسحاق بن حويّة الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، وأخنس بن مرثد، وحكيم بن طفيل السنبسي، وعمر بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن منقذ العبدي، وسالم بن خثيمة الجعفي، وواحظ بن ناعم، وصالح بن وهب الجعفي، وهاني بن ثبيت الحضرمي، واسيد بن مالك، لعنهم اللّه تعالى فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتّى رضّوا صدره وظهره». «1»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 435

وكان ابن زياد قد أمر ابن سعد بذلك! ..... ص : 435

كان آخر ما كتبه عبيداللّه بن زياد- وأرسله بيد شمر- إلى عمر بن سعد: «إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعتذر له، ولا لتكون له عندي شافعاً، أنظر فإنْ نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليَّ سِلماً، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثِّل بهم! فإنّهم لذلك مستحقّون! وإن قُتل الحسين فأوطى ء الخيل صدره وظهره! فإنّه عاتٍ ظلوم!! وليس أرى أنّ هذا يضرُّ بعد الموت شيئاً، ولكنْ عليَّ قولٌ قد قلته: لو قتلته لفعلتُ هذا به.

فإن أنتَ مضيتَ لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإنْ أبيتَ فاعتزل عملنا وجُندنا، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسلام.». «1»

وأكثر المصادر التأريخية تؤكّد على أنّ عمر بن سعد كان قد امتثل أمر ابن زياد في تنفيذ هذه الجريمة بعد قتل الإمام عليه السلام، «2» لكنّ العلامة المجلسي (ره) بعدما

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 436

ذكر في كتابه بحار الأنوار كلام السيّد ابن طاووس (ره) في هذه القضية، قال:

المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسّر لهم ذلك!. «1»

وأمّا رواية الكليني (ره) ..... ص : 436

التي اعتمد عليها العلّامة المجلسي (ره) فهي:

«الحسين بن أحمد قال: حدثني أبوكريب، وأبوسعيد الأشجّ قال، حدّثنا عبداللّه بن إدريس، عن أبيه إدريس بن عبداللّه الأودي قال: لمّا قُتل الحسين عليه السلام أراد القوم أن يوطّئوه الخيل فقالت فضّة لزينب: يا سيدتي إنَّ سفينة «2» كُسر به في البحر، فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله! فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق، والأسد رابض في ناحية فدعيني أمضي إليه فأعلمه ماهم صانعون

غداً! فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث.

فرفع رأسه- ثم قالت: أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبداللّه عليه السلام؟ يريدون أن يوطّئوا الخيل ظهره! قال: فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السلام! فأقبلت الخيل فلمّا نظروا إليه قال لهم: عمر بن سعد- لعنه اللّه- فتنة لاتثيروها، فانصرفوا». «3»

ومن الغريب جدّاً اعتماد العلامة المجلسي (ره) في قوله (لم يتيسّر لهم ذلك) على هذه الرواية فقط التي حكم هو بجهالتها في مرآة العقول، حيث قال: الحديث مجهول. «4»

مع الركب الحسينى (ج 4)، ص: 437

التحقيق في رجال السند: ..... ص : 437

أمّا الحسين بن محمّد فغايته ما قيل في حقّه إنّ طريق الشيخ الطوسي في المشيخة صحيح إليه، «1» وأمّا أبوكريب وأبوسعيد الأشجّ فلم يرد في حقّهما مدح ولا ذم، «2» وأمّا إدريس بن عبداللّه الأزدي أو الأودي فعدّه المرحوم المامقاني في عداد المجاهيل، «3» وأمّا إدريس بن عبداللّه فلم يرد أيضاً فيه مدح ولاذم. «4»

فتكون الرواية ضعيفة السند بلا إشكال. ومع غضّ النظر عن مسألة السند فإن هذه الرواية لاتنتهي إلى كلام المعصوم الذي يعدّ حجّة لنا بل تنتهي إلى إدريس بن عبداللّه الأودي وهو ضعيف.

كلام البرغاني: ..... ص : 437

قال الفاضل البرغاني: «وكأنهم- لعنهم اللّه- أرادوا أن يوطّئوا الخيل بحيث لايبقى من جسده الشريف أثر. فمنعم الأسد من ذلك، وإلّا فالعشرة المتقدّمة لعنهم اللّه قد رضّوا صدره وظهره على حسب ما أمر عبيداللّه بن زياد أوّلًا، وجاءهم أمرٌ آخر بأن لايبقوا من جسده الشريف أثراً! فحال بينهم وبينه الأسد.

وحكي عن السيّد المرتضى ذلك.». «5»

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.