فقه الصادق المجلد 40

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

(يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِصاصُ فِي اَلْقَتْلى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ اَلْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ اَلْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ )

صدق اللّه العلي العظيم

ص: 5

ص: 6

الفصل الخامس: في كيفيّة القِصاص:

قتلُ العَمَد يوجبُ القِصاص، ولا يثبتُ الدِّية فيه إلّاصُلحاً.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتابُ القِصاص والدِّيات

اشارة

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدين، والهداية إلى الحقّ المُبين، وأفضل صلواته، وأكمل تسليماته، على صاحب الشريعة الخالدة، الكفيلة بإسعاد المجتمع، ومعالجة مشاكله، وعلى آله العلماءُ باللّه، الاُمناء على حَلاله وحرامه، سيّما بقيّة اللّه في الأرضين، أرواحنا له الفداء.

وبعدُ: فهذا هو الجزء الأربعون من كتابنا «فقه الصادق» وهو آخر أجزاء هذه الموسوعة الفقهيّة، المشتمل على كتابي القِصاص والدِّيات، وقد منَّ اللّه تعالى عليَّ بالتوفيق لإتمام هذا السفر الجليل، إنّه وليّ التوفيق.

الفَصلُ الخامس في كيفيّة القِصاص

اشارة

(الفَصلُ الخامس: في كيفيّة القِصاص):

أقول: وتنقيح القول في هذا الفصل يتحقّق بالبحث في مسائل:

المسألة الأُولى : (قَتل العَمد يوجبُ القِصاص) بالأصالة، (ولا يثبتُ الدِّية فيه إلّا صلحاً) فليس لوليّ المقتول مطالبة القاتل بها، إلّاإذا رضي بذلك، وعندئذٍ يسقط

ص: 7

عنه القِوَد، ويثبتُ الدِّية، كما هو المشهور بين الأصحاب(1) شهرة عظيمة.

وعن الحِلّي(2): نفي الخلاف فيه تارةً ، ونسبتُه إلى الأصحاب أُخرى ، والإجماع عليه ثالثةً .

وعن «الغُنية»(3): الإجماع عليه.

ويشهد به: آياتٌ كثيرة:

1 - كقوله تعالى : (اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (4).

2 - وقوله عزّ وجلّ : (وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (5).

وقوله تعالى : (فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (4).

إلى غير ذلك من الآيات.

وأمّا السُّنة: فهي كثيرة متواترة بإثبات القِوَد، وليس في أكثرها التخيير بينه وبين الدِّية، فإثباته لمخالفته الأصل يحتاجُ إلى دليلٍ .

أضف إليها خصوص صحيح الحلبي، وعبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «من قتل مؤمناً متعمّداً قِيد منه إلّاأن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدِّية، فإن رضوا بالدِّية وأحبّ ذلك القاتل، فالدِّية، الحديث»(5).

ومرسل يونس، عنه عليه السلام في حديثٍ قال عن قتل المؤمن متعمّداً:1.

ص: 8


1- راجع شرائع الإسلام: ج 4/1001، المختصر النافع: ص 291، قواعد الأحكام: ج 3/623.
2- السرائر: ج 3/326.
3- غنية النزوع: ص 403. (4و5) سورة المائدة: الآية 45.
4- سورة البقرة: الآية 194.
5- الإستبصار: ج 4/261 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/53 ح 35131.

«وإن تراجعوا قِيدوا»(1).

ونحوهما غيرهما.

وعن القديمين(2): التخيير بين الاقتصاص والدِّية.

واستدلّ له:

1 - بالنبويّين:

ففي أحدهما: «من قَتَل له قتيلٌ فهو بخير النظرين، إمّا أن يَفدي وإمّا أن يُقتل».

وفي الثاني: «من أُصيب بدمٍ أو خَبَلٍ ، فهو بالخيار بين إحدى الثلاث:

إمّا أن يقتصّ ، أو يأخذ العقل، أو يعفو».

2 - وبخبر العلاء بن الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «والعَمَد هو القِوَد، أو رضا وليّ المقتول»(3).

3 - وبصحيح الفاضلين، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المؤمن يَقتلُ المؤمن متعمّداً - إلى أن قال: - فقال: إنْ لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول، فأقرَّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدِّية، وأعتق نسمةً ، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستّين مسكيناً توبة إلى اللّه عزّ وجلّ »(4).

4 - وصحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل مؤمناً وهو يعلم أنّه مؤمن، غير أنّه حَمَله الغَضبُ على أن قتله، هل له من توبةٍ إن أراد ذلك أو لا توبةٍ له ؟3.

ص: 9


1- الكافي: ج 7/282 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/52 ح 35129.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 2/123.
3- التهذيب: ج 10/247 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/198 ح 35439.
4- الكافي: ج 7/276 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/30 ح 35073.

قال عليه السلام: توبته إنْ لم يعلم انطلق إلى أوليائه فأعلمهم أنّه قتله، فإنْ عَفي عنه، أعطاهم الدِّية وأعتق رقبةً ، وصام شهرين متتابعين، وتصدّق على ستّين مسكيناً»(1).

5 - وخبر الحضرمي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلتُ له: رجلٌ قتل رجلاً متعمّداً؟ قال: جزاءه جهنّم.

قلتُ له: هل له توبة ؟

قال: نعم، يصومُ شَهرين متتابعين، ويُطعم ستّين مسكيناً، ويعتق رقبة، ويؤدّي ديته.

قلتُ : لا يقبلون منه الدِّية ؟

قال: يتزوّج إليهم ثمّ يَجعلها صِلةً يصِلهم بها.

قلت: لا يقبلونَ منه ولا يزوّجونه ؟

قال: يُصرِّه صِرراً يرمي بها في دارهم»(2).

6 - وبأنّ فيه إسقاطُ بعض الحقّ ، فليس للجاني الامتناع منه كإبراء بعض الدَّين، وأنّ الرِّضا بالدِّية ذريعةٌ إلى حفظ نفس الجاني الواجب عليه.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا النبويّان، وخبرالحضرمي: فلأنّهما ضعاف سنداً، فلايمكن الاستدلال بها.

وأمّا خبر العلاء: فليس فيه الرضا بالدِّية، ولعلّ المراد منه العفو، فهو يدلّ على خلاف المقصود.

وأمّا الصحيحان: فلأنّ غاية ما قيل في وجه دلالتهما على هذا القول، أنّه إذا8.

ص: 10


1- الكافي: ج 7/276 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/399 ح 28887.
2- وسائل الشيعة: ج 22/399 ح 28888.

وجبَ على القاتل إعطاء الدِّية عند عفو الوليّ عن الاقتصاص، جاز للوليّ ترك القِصاص ومطالبته بالدِّية لا محالة، وهذا هو معنى التخيير.

ولكن يرد عليه: أنّ الخبرين إنّما هما في مورد رضا الجاني بكلّ ما يقترحه وليّ المقتول، ولا ريب أنّه في صورة الجاني تثبتُ الدِّية، وإنّما الكلام في فرض عدم رضاه بذلك.

مع أنّه لو سُلّم إطلاقهما، فلا ريب بحسب طبيعة الحال أنّ الجاني يرضى بالدِّية، فإنّ النفس عزيزة، فيكون الخبران منصرفين إلى هذه الصورة.

أضِف إلى ذلك كلّه: أنّ الخبرين لو تمّ دلالتهما عليه، يقع التعارض بينهما وبين صحيح الحلبي وعبد اللّه بن سنان المتقدّم، وهو يقدّم لموافقة الكتاب ومخالفة العامّة.

وأمّا أنّ فيه إسقاطُ بعض الحقّ : فلأنّه ممنوعٌ ، بل هي معاوضة صِرفة، تحتاجُ إلى مراضاة، كما لو أبرأ الدين أو بعضه بعوضٍ من غير جنسه.

وأمّا كونه ذريعةً إلى حفظ نفس الجاني الواجبَ عليه: - فمضافاً إلى عدم تسليمه، إذ كما لا يجبُ حفظ نفسه على غيره، يمكن أن لا يكون واجباً عليه، بل لعلّه كذلك قطعاً - أنّه لا يفيدُ ثبوت الخيار وتسلّطه على أخذ الدِّية، وإن وجب بذلها عليه، فإنّ لكلٍّ تكليفاً، وتكليفُ الجاني لا يغيّر تكليف الوليّ ، ولعلّه لذلك أنّ الشهيدين في اللّمعتين(1) مالا إلى وجوب بذل الدِّية على الجاني مع قدرته عليه، لو طلبها الوليّ مع اختيارهما المختار.

فالمتحصّل: أنّه لا تثبتُ الدِّية إلّابرضا الجاني.4.

ص: 11


1- الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 10/90 وفي (ط. ق): ج 2/414.

أقول: وتمام الكلام في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: إذا كان الاقتصاص يستدعي الرَّد من الوليّ ، كما لو كان المقتول امرأةً والقاتلُ رجلاً، أو كان القاتلُ جماعة والمقتول واحداً، وما شاكل، تخيّر وليّ المقتول بين القتل ومطالبة الدِّية، وقد مرّ وجه ذلك مفصّلاً في شرائط القِصاص(1).

فيمن يتولّى القِصاص

الفرع الثاني: لو أراد أولياءالمقتول القِصاص من القاتل، فخلَّصه قومٌمن أيديهم، حُبِس المخلّص حتّييتمكّن من القاتل، فإنْ مات أو لم يقدر عليه، فالدِّية على المخلّص.

ويشهد به: صحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلٍ قَتَل رجلاً عمداً، فرفع إلى الوالي، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه، فوثبَ عليه قومٌ فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟

قال: أرى أن يُحبس الذين خَلّصوا القاتل من أيدي الأولياء، حتّى يأتوا بالقاتل.

قيل: فإنْ ماتَ القاتلُ وهُم في السِّجن ؟

قال عليه السلام: إنْ مات فعليهم الدِّية يؤدّونها جميعاً إلى أولياء المقتول»(2).

الفرع الثالث: يتولّى القِصاص من يرثُ المال من الرِّجال.

وهل للنساء حقُّ الاقتصاص كما هو المشهور بين الأصحاب، بل يظهر من ابن فضّال الإجماع عليه(3)؟

ص: 12


1- راجع الجزء 39 الشرط الثاني في شرائط القِصاص.
2- التهذيب: ج 10/223 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/49 ح 35123.
3- التهذيب: ج 9/379، ذيل الحديث 12.

أم ليس لهنّ قِوَدٌ كما عن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(1)، وإن كان صاحب «الجواهر» قدس سره(2) لم يتحقّقه ؟ وجهان:

يشهد للأوّل: عمومات الإرث، وقوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (3)، بناءً على إرادة الوارث من الوليّ في الآية، وغيرها ممّا هو نحوها من سائر نصوص القِصاص.

واستدلّ للثاني: بمعتبر أبي العبّاس فضل البقباق، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت: هل للنساء قِوَدٌ أو عَفوٌ؟

قال عليه السلام: لا، وذلك للعَصَبة»(4).

وبما دلّ على أنّ النساء لا يرثن من الدِّية؛ فإنّه يدلّ على أنهنّ لا يستحقّن القِصاص بالأولويّة.

أقول: ولكن الخبر وإن كان في نفسه معتبراً، كما أفاده الأستاذ(5)، ولا ضعف فيه، كما أفاده الشهيد في «المسالك»(6)، إذ لا وجه لضعفه سوى أنّ في الطريق عليّبن محمّدبن الزبير، وهو لم يُذكر بمدحٍ ولا توثيق، لكنّه يندفع بأنّ المُخبر بكتب عليّ ابن الحسن بن فضّال بالنسبة إلى الشيخ والنجاشي واحدٌ، وهو أحمد بن عبدون، فالكتب التي كانت عند الشيخ، هي الكتب التي كانت عند النجاشي، وحيث أنّ 7.

ص: 13


1- المبسوط: ج 7/54.
2- جواهر الكلام: ج 42/284.
3- سورة الإسراء: الآية 33.
4- التهذيب: ج 9/397 ح 25، وسائل الشيعة: ج 26/87 ح 32548.
5- مباني تكملة المنهاج: ج 2/127.
6- مسالك الأفهام: ج 15/227.

للنجاشي طريقاً آخر معتبراً، فلا محالة يكون خبر الشيخ أيضاً معتبراً، ولكنّه لا اعتبار به لإعراض الأصحاب عنه، حتّى أنّ الشيخ رحمه الله بعد نقل الخبر قال: (قال عليّ ابن الحَسن بن فضّال: هذا خلافُ ما عليه أصحابنا)(1)، وقد حُقّق في محلّه أنّ الإعراض يُسقط الخبر عن الحجيّة.

وعليه، فلا بأس بما في «الوسائل» من حمله على التقيّة.

أمّا الأولويّة المشار إليها: - فمضافاً إلى إمكان الفرق بين القِصاص والدِّية بما ستسمع - لم أظفر بروايةٍ دالّة على عدم إرثهنّ من الدِّية ولا قائل به، بل الظاهر من صحيح أبي ولّاد الحنّاط الآتي، أنّ الاُمّ ترثُ من الدِّية، بل لمّا كان مورده قتل العَمد، وإنّما يستحقّ الدِّية مَن له القِوَد، لكون الدِّية بدلاً عنه، فهو يدلّ على أنّ حقّ الاقتصاص ثابتٌ للاُمّ أيضاً، وبضميمة عدم الفصل، يثبتُ لغيرها من النساء.

وهل يتولّى المتقرّب بالاُمّ القِصاص، كما لعلّه المشهور بين الأصحاب، أم لا كما اختاره المحقّق في «الشرائع»(2)؟

وعن الحِلّي(3): (أنّ كلالة الاُمّ لاترث الدِّية ولا القِصاص ولا القِوَد بلا خلافٍ ).

وجهان:

مدرك الأوّل: العمومات.

واستدلّ للثاني: بمعتبر البقباق، وبما دلّ من النصوص على أنّ المتقرّب بالاُمّ لايرثُ من الدِّية، فإنّها تدلّ بالأولويّة على عدم استحقاقه القِصاص.6.

ص: 14


1- حكاه عنه في التهذيب: ج 9/379.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1002.
3- السرائر: ج 3/336.

ولكن الخبر مضافاً إلى ما تقدّم من عدم عمل قدماء أصحابنا به، أنّه مجملٌ ، إذ السؤال عن ثبوت القِوَد للنساء، وجوابه عليه السلام بأنّ ذلك للعَصَبة غيرُ مرتبطٍ بالسؤال، فلا محالة يكون فيه سقط.

المبادرةُ إلى القِصاص من غير إذن الإمام

الفرع الرابع: هل يجوزُ لوليّ المقتول المبادرة إلى القِصاص بنفسه، بعد تيقّنه بثبوته من دون توقّفٍ على شيء، كما هو أحد قولي «المبسوط»(1)، وعليه أكثر المتأخّرين، بل عامّتهم على ما في «الرياض»(2)، وفي «المسالك»(3) نسبته إلى الأكثر؟

أم يعتبر الاستئذان من الإمام عليه السلام أو نائبه، كما هو أحد قولي «المبسوط»(4)، وعن «الخلاف»(5)، واختاره المصنّف قدس سره في «القواعد»(6)، وفي «الرياض»(7) ولعلّه الظاهر من «الغُنية» بل ظاهره دعوى الإجماع عليه كالشيخ رحمه الله في «الخلاف»(8)؟

وجهان: مقتضى إطلاقات أدلّة الاقتصاص، وعدم تقيّدها بالاستجازة من الإمام، هو الأوّل.

وقد استدلّ للثاني:

1 - بأنّه يحتاجُ في إثبات القِصاص واستيفائه إلى النظر والاجتهاد، لاختلاف

ص: 15


1- المبسوط: ج 7/56.
2- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/521.
3- مسالك الأفهام: ج 15/229.
4- المبسوط: ج 7/56.
5- الخلاف: ج 5/205.
6- قواعد الأحكام: ج 3/622.
7- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/521.
8- الخلاف: ج 5/205.

النّاس في شرائط الوجوب، وفي كيفيّة الاستيفاء.

2 - وبأنّ أمر الدِّماء خطيرٌ، فلا وجه لتسلّط الآحاد عليها.

3 - وبأنّه عقوبة تتعلّق ببدن الآدمي، فلابدَّ من مراجعة الحاكم كحَدّ القذف.

ولكن الأوّل: يندفع بأنّ لازمه عدم القتل مع عدم العلم بثبوت القِصاص، وهو مسلّمٌ ، وخارج عن محلّ النزاع، إذ هو تيقّن الوليّ بثبوت القِصاص.

والثاني: يَردّه أنّ خطر أمر الدّم لا يوجبُ عدم تسلّط مَن له الحقّ عليه.

ويُجابُ على الثالث: بأنّه عين الدعوى .

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار الاستئذان من الحاكم.

نعم، يأتي في المقام مسألةٌ أُخرى ، وهي أنّه إذا كان القاتلُ منكِراً للقتل، فقبل المرافعة إلى الحاكم، وثبوت كونه قاتلاً، إذا قَتَله وليّ المقتول، فإنّ لوليّه طرح الدّعوى عليه عند الحاكم، فلو لم يأتِ بمثبتٍ لدعواه كونه قاتلاً، للحاكم أن يحكم بالاقتصاص منه.

وعليه، فيمكن أن يقال: إنّه من جهة أنّ إيكال الأمر إلى الآحاد موجبٌ للهرج والمرج، يُعلم دخالة نظر الحاكم فيه، ولكنّه بالنسبة إلى تكليف الوليّ بينه وبين رَبّه لا دليل على اعتبار الاستئذان.

أقول: ثمّ إنّه اختلفَ القائلون بالتوقّف على الاستئذان - بعد اتّفاقهم على أنّه لو بادر إلى الاقتصاص قبل الاستئذان لايضمن أرشاً ولا ديةً في تعزيره مع المخالفة - فأثبته جمعٌ ونفاه آخرون.

أظهرهما الأوّل، لما تقدّم من ثبوت التعزير على فعل كلّ محرّمٍ .

ص: 16

وكذا الجِراح.

وأمّافي قِصاص الطَّرف: فقد ادّعى غير واحدٍعدم الخلاف في اعتبار الاستئذان:

لأنّه بمثابة الحَدّ، وهو من فروض الإمام أو نائبه.

ولجواز التخطّي، مع كون المقصود معه بقاء النفس، بخلاف القتل.

ولأنّ الطرف في معرض السِّراية.

ولئلّا يحصل مجاحدة.

ولكن شيئاً من ذلك لا يصلحُ مدركاً للحكم الشرعي، فالأظهر عدم اعتبار الاستئذان فيه أيضاً.

الثابت في الجراح القِصاص دون الدِّية

المسألة الثانية: كما أنّ الثابت ابتداءً في قتل العَمَد القِوَد، (و) لا تثبتُ الدِّية إلّا صلحاً (كذا الجِراح) يثبتُ فيها ابتداءً القِصاص، ولا تثبتُ فيها الدِّية إلّابالتراضي والتصالح، بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن السِّن والذراع يُكسران عَمداً، لهما أرش أو قِوَد؟ فقال عليه السلام: قِود.

قال: قلتُ : فإن أضعفوا الدِّية ؟ قال عليه السلام: إن أرضوه بما شاء فهو له»(1).

ومنها: معتبر إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيما كان

ص: 17


1- الكافي: ج 7/320 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/176 ح 35407.

ولا قِصاص إلّابالسّيف.

من جراحات الجسد، أنّ فيها القِصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيُعطاها»(1).

ويؤيّده: خبر الحَكَم بن عُتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قلت: ما تقولُ في العَمَد والخطأ في القتل والجراحات ؟

قال: فقال: ليس الخطأ مثل العَمَد، العَمَدُ فيه القتل، والجراحات فيها القِصاص، والخَطأ في القتل والجراحات فيها الدِّيات... الحديث»(2).

لا قِصاص إلّابالسّيف

المسألة الثالثة: (و) قد طَفَحت كلماتهم بأنّه (لا قِصاص إلّابالسّيف)، وتفصيل ذلك في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: لو كانت الجناية من الجاني بالتحريق للمجنيّ عليه، أو التغريق له، أو الرَّمي بالحجارة، ونحوها من كلّ مُثقَلٍ ، فالمشهور بين الأصحاب أنّه لايجوزُ الاقتصاص بمثل القتلة التي قُتل بها، بل لا بدَّ وأن يكون بالسّيف.

بل عن «المبسوط»(3): عندنا تارةً ، ومذهبنا أُخرى .

بل عن «الغُنية»: الإجماع(4) عليه.

ص: 18


1- الكافي: ج 7/320 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/176 ح 35406.
2- الفقيه: ج 4/109 ح 5209، وسائل الشيعة: ج 29/175 ح 35404.
3- المبسوط: ج 7/72.
4- غنية النزوع: ص 408.

بل عن «التنقيح»(1) و «الروضة»(2) حيث قالا - بعد نقل القول بجواز قتله بمثل القتلة التي قَتل بها ودليله -: وهو متَّجهٌ لولا انعقاد الإجماع على خلافه.

ويشهد به - مضافاً إلى ذلك -:

1 - صحيح الحلبي والكناني جميعاً عن الإمام الصادق عليه السلام، قالا: «سألناه عن رجلٍ ضَرب رجلاً بعصا، فلم يقلع عنه الضَّرب حتّى مات، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله ؟

قال: نعم، ولكن لا يُترك يَعبث به، ولكن يُجيز عليه بالسّيف»(3).

2 - وخبر موسيبن بكر، عن العبد الصالح عليه السلام: «في رجلٍ ضربَ رجلاً بعصا، فلم يرفع العصا حتّى مات ؟

قال عليه السلام: يُدفع إلى أولياء المقتول، ولكن لا يُترك يتلذّذ به، ولكن يُجاز عليه بالسّيف»(4).

3 - والنبويّ المرويّ عن «الجعفريّات»: «لا قِوَد إلّابالسّيف»(5).

4 - والمرتضويّ : «لا يُقاد من أحدٍ إذا قتل إلّابالسّيف، وإن قتل بغير ذلك»(6).

ونحوها غيرها من النصوص.

وعن الإسكافي: جواز قتله بمثل القتلة التي قُتِل بها، إمّا مطلقاً كما يُحكى5.

ص: 19


1- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/138.
2- شرح اللُّمعة: ج 10/92.
3- الكافي: ج 7/279 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/36 ح 35085.
4- الكافي: ج 7/279 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/39 ح 35093.
5- الجعفريّات: ص 117.
6- المستدرك: ج 18/255 ح 22675.

عنه كثيراً، أو مشروطاً بما إذا وثق بأنّه لا يتعدّى، كما عن «المختلف» حكايته، واستدلّ له:

1 - بالآية الكريمة: (فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1).

2 - وبالنبويّ : «من حَرَق حَرَقناه، ومن غَرق غرقناه»(2).

ونحوه آخر.

3 - وبأنّ المقصود من القِصاص التشفّي، وإنّما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قَتل به.

أقول: أمّا الآية الكريمة - فعلى فرض تسليم دلالتها على هذا القول - فإنّما هي بالإطلاق، فيقيّد بما مرّ، مع أنّها غير تامّة، وإن قال الشهيد في «المسالك»(3) بعد نقل هذا القول والاستدلال له بالاية: (وهذا القول لا بأس به).

وفي «الرياض»(4): (فإنّها (أي الآية) فيما ذكره ظاهرة).

ومرّ ما في «التنقيح» و «الروضة»، فإنّه يتوقّفُ على كون المراد من المماثلة هو المماثلة في الاعتداء، لا المعتدّى به، وهو ممنوع، إذ حملها على إرادة المماثلة في الاعتداء، يستلزمُ كون الباء زائدة، وكون المثل صفة لمفعولٍ مطلق محذوف، وهو الاعتداء، وهذا خلاف الظاهر.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه من جهة ما ورد في رَجلٍ قَتَل رجلاً في الحَرَم، الدّال2.

ص: 20


1- سورة البقرة: الآية 194.
2- سنن البهيقي: ج 8/48.
3- مسالك الأفهام: ج 15/236.
4- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/522.

ويُقتَصرُ على ضَرب العُنُق.

على أنّه يُقتل في الحرم، مستدلّاً بالآية الكريمة، وملاحظة موردها، وهو مقابلة المشركين في الأشهر الحُرُم، يكون المراد هو الأعمّ من المماثلة في الاعتداء وفي المعتدى به وكيفيّاته.

وعليه، فالعُمدة في الجواب هو الأوّل.

ويمكن أن يقال: إنّ الآية أجنبيّة عن المقام، فإنّ المخاطب هو من اعتدي عليه، وهو غير الوليّ ، والنبويّان ضعيفان، والأخير وجهٌ اعتباري لا يصلحُ مدركاً للحكم الشرعي.

الفرع الثاني: لا يجوزُ في ضرب السّيف ضربه على غير العُنُق، بل لابدَّ (و) أن (يُقتَصر على ضَرب العُنُق).

وفي «الجواهر»(1): (كما هو الموجود في كلمات الأصحاب من «المقنعة» إلى «الرياض»، وهو المنصرف إليه النصوص). وهل يجوز قطعه، أم لا؟

أم يُفصَّل بين ما لو فَعَله الجاني فالأوّل، وعدمه فالثاني ؟

وجوهٌ : أظهرها الثاني إن صَدَق عليه المُثلة، كما ادّعاه كاشف الغطاء قدس سره للنهي عن المُثلة، ففي خبر إسحاق في بيان المراد من الإسراف في قوله تعالى : (فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ ) (2)، قال عليه السلام:

«نهى أن يَقتل غير قاتله أو يُمثّل بالقاتل»(3).2.

ص: 21


1- جواهر الكلام: ج 42/298.
2- سورة الإسراء: الآية 33.
3- الكافي: ج 7/370 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/127 ح 35312.

ولا يضمِنُ سِراية القِصاص مع عدم التعدّي.

وفي خبر أبي البختري، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثٍ :

«وإن مِتُّ فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تُمثِّلوا به»(1).

وفي «نهج البلاغة»: «انظروا إذا أنا مِتُّ من هذه الضربة، فاضربوه ضربةً بضربة، ولا يُمثَّل بالرّجل، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العَقور»(2).

والنسبة بين هذه النصوص ونصوص الضَّرب بالسّيف، ليست عموماً من وجه كما توهّم، بل عموم مطلق، لاحظ ما عن «نهج البلاغة».

الفرع الثالث: قال صاحب «المسالك»(3): (ليتفحَّص عن حال السّيف ليكون الاقتصاص بالصّارم لا بالكالّ المُعذِّب. وقد روي أنّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: إذا قتلتم فأحسِنُوا القَتل، وإذا ذَبَحتم فأحسِنوا الذّبح. ولو فعل بالكّال أساءَ ، ولا شيء عليه، ولكن يُعزَّر على فعل المحرّم، ولو قَتَل الجاني بسيفٍ كالّ قُتِل بالصّارم عند الأصحاب، عملاً بالعموم، ويحتمل جواز قتله بالكالّ لعموم الأمر بالعقوبة المماثلة)، انتهى .

عدم ضمان السراية

المسألة الرابعة: (ولا يَضمنُ سِراية القِصاص) في الطّرف إلى النفس أو غيرها (مع عدم التعدّي)، بلا خلافٍ ولا إشكال، ويدلّ عليه أخبار كثيرة:

ص: 22


1- وسائل الشيعة: ج 29/127 ح 35314.
2- نهج البلاغة: ص 422.
3- مسالك الأفهام: ج 15/234.

ولو كان،

منها: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من اقتصّمنه فهوقتيل القرآن»(1).

ومنها: موثّق أبي العبّاس، عنه عليه السلام: «عمّن اُقيم عليه الحَدّ أيقادُ منه أو تؤدّى ديته ؟ قال عليه السلام: لا، إلّاأن يزاد على القِوَد»(2).

ومنها: صحيح محمّدبن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام في حديثٍ : «ومن قتله القِصاص فلا دية له»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أيّما رجلٍ قَتَله الحَدّ أو القِصاص فلا دية له»(4).

إلى غير ذلك من النصوص الدّالة عليه.

وأمّا مع التعدّي: فيلزمُ القِصاص أو الدِّية بالنسبة إلى الزائد على حسب الجناية، للعمومات من الكتاب والسُّنة، بعد صدق الجناية حينئذٍ بغير حقّ ، وعلى هذا يُحمل ما في الموثّق، إلّاأن يزاد على القِوَد.

وبعبارة أُخرى : يُحمل ما فيه من الدِّية على ديتها خاصّة، لأنّ المستوفى من دونها حقّه، فلا وجه لأخذ الدِّية من أجله.

حكمُ ما لو تعدّد الأولياء

المسألة الخامسة: (ولو كان) للمقتول أولياء متعدّدون، فهل يجوزُ لكلّ واحدٍ

ص: 23


1- الكافي: ج 7/377 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/64 ح 35158.
2- التهذيب: ج 10/278 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/65 ح 35163.
3- التهذيب: ج 10/212 ح 43، وسائل الشيعة: ج 29/56 ح 35141.
4- الكافي: ج 7/290 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/59 ح 35147 و ج 29/65 ح 35165.

القِصاصُ لجماعةٍ ، وَقَف على الإجتماع.

منهم الاقتصاص من القاتل مستقلّاً وبدون اذن الباقين، كما عن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2)، وأبي عليّ (3)، وعلم الهدى(4)، والقاضي(5)،

والكيدري(6)، وابني حمزة(7)، وزُهرة(8)، بل عن «مجمع البُرهان»(9) نسبته إلى

الأكثر. بل عن(10) المرتضى و «الخلاف»(11) و «الغُنية»(12) الإجماع عليه ؟

أم لايجوزُلأحدهم الاستيفاءبنفسه كماعن المصنّف، والمحقّق(13)، والشهيدين(14)، وغيرهم من المتأخّرين، بل عن «غاية المرام»(15): أنّه المشهور؟

وجهان: مبنيّان على أنّ حقّ (القِصاص) الثابت (لجماعةٍ ) هل هو من قبيل حقٍّ واحدٍ قائم بالمجموع، أو أنّه حقٌّ مجعولٌ لطبيعي الوليّ على نحو الانحلال ؟

فعلى الأوّل (وقفٌ على الاجتماع)، وعلى الثاني يجوز لكلّ منهم الاقتصاص.

أقول: والظاهر من قوله تعالى :

(وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (16) وما ماثله من الروايات، جعل الحقّ لطبيعي الوليّ ، فبطبيعة الحال ينحلّ بانحلاله كما3.

ص: 24


1- المبسوط: ص 54.
2- الخلاف: ج 5/179.
3- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/289.
4- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/289.
5- المهذّب: ج 2/462.
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/289.
7- الوسيلة: ص 439.
8- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/289.
9- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/289.
10- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/289.
11- الخلاف: ج 5/179.
12- غنية النزوع: ص 404.
13- شرائع الإسلام: ج 4/1003.
14- شرح اللُّمعة: ج 10/95.
15- نسبه إليه في مباني تكملة المنهاج: ج 2/129.
16- سورة الإسراء: الآية 33.

في سائر القضايا الحقيقيّة، فكلُّ من يصدق عليه الوليّ يثبتُ له حقّ الاقتصاص.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - صحيح أبي ولّاد الحنّاط، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ قُتِل وله اُمٌّ وأب وابن، فقال الابن: أنا اُريد أن أقتل قاتِل أبي، وقال الأب: أنا اُريد أن أعفو، وقالت الاُمّ : أنا اُريد أن آخذ الدِّية ؟

فقال عليه السلام: فليعط الابن اُمّ المقتول السُّدس من الدِّية، ويُعطي ورثة القاتل السُّدس من الدِّية حقّ الأب، الذي عفا، وليقتله»(1).

وخبر جميل، عن بعض أصحابه، رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام: «في رجلٍ قُتِل وله وليّان، فعفا أحدهما وأبى الآخر أن يعفو؟

قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قَتَل ورَدّ نصف الدِّية على أولياء المقتول المُقاد منه»(2).

ولكنّه ضعيفٌ بعليّ بن حديد.

ويعارض هذه الطائفة طائفة أُخرى من الأخبار:

منها: صحيح عبد الرحمن في حديثٍ ، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلان قتلا رجلاً عمداً وله وليّان، فعفا أحد الوليّين ؟

قال: فقال: إذا عفى بعض الأولياء دُرئ عنهما القتل، وطُرح عنهما من الدِّية بقدر حصّة مَن عفا، وأدّيا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا»(3).

ومنها: معتبر أبي مريم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن عفا عن ذي سهمٍ فإنّ عفوه جائز، وقضى في أربعة إخوةٍ عفا أحدهم،7.

ص: 25


1- الكافي: ج 7/356 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/113 ح 35282.
2- الكافي: ج 7/356 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/113 ح 35283.
3- التهذيب: ج 10/176 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/115 ح 35287.

ولو طلبَ البعض الدِّية، ودفعها القاتلُ ، كان للباقي القِصاص بعد رَدّ نصيب الآخرين على القاتل، وكذا لو عَفى البعض.

قال عليه السلام: يُعطي بقيّتهم الدِّية، ويُرفع عنهم بحصّة الذي عفا»(1).

ومنها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: من عَفا عن الدّم من ذي سهم له فيه، فعفوه جائزٌ، وسقط الدّم، وتصير دية ويرفع عنه حصّة الذي عفى»(2).

وحيثُ لا يمكن الجمع العرفي بينهما، فيتعيّن الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم الأُولى؛ للشُّهرة، ومخالفة العامّة، إذ المشهور بين العامّة ما تضمّنه الطائفة الثانية.

فالمتحصّل: هو ثبوت حقّ الاقتصاص لكلّ واحدٍ من الأولياء على نحو الاستقلال، ويترتّب عليه جواز مبادرة كلّ واحدٍ منهم إلى الاقتصاص، بلا توقّف على إذن الآخرين.

أقول: بقي في المقام أُمورٌ لابدَّ من التنبيه عليها:

الأمر الأوّل: (و) على المختار (لو طَلَب البعض الدِّية، ودفعها القاتلُ ، كان للباقي القِصاص بعد رَدّ نصيب الآخرين على القاتل، وكذا لو عَفى البعض) بلا خلافٍ ولا إشكالٍ ، بل عليه الإجماع في كلمات جماعة.

ويشهد به: صحيح أبي ولّاد، وخبر جميل المتقدّمان.0.

ص: 26


1- الكافي: ج 7/357 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/115 ح 35288.
2- التهذيب: ج 10/177 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/116 ح 35290.

وما يظهر من المتن وغيره من اعتبار الضمان قبل القتل، لا دليل عليه، فإنّ الاستيفاء سببٌ للضمان، فلا يتقدّم عليه.

هذا كلّه على المختار من أنّه لكلّ من الأولياء حقّ الاقتصاص مستقلّاً.

وأمّا على القول الآخر الذي اختاره المصنّف، وهو التوقّف على الاجتماع، فظاهر المتن كونه كذلك وإن أثم، وهو حَسَنٌ ، لعدم اندراجه في موضوع القِصاص بعد أن كان بين المستحقّين له.

قال الشهيد قدس سره في محكي «غاية المراد»(1): (ويتفرّع على القولين التعزير لو فَعَل وعدمه، أمّا القتل فالأقرب عندنا أنّه لا يُقتل، لأنّه مهدورٌ بالنسبة إليه في بعضه، ولأنّه شُبهة لتجويز علماء المدينة والشيخ استبداد كلّ وارثٍ ، والخلافُ في إباحة السَّبب شُبهة، وبذلك يندفع ما قيل إنّه عاد في الزائد على حقّه فيترتّب عليه القِصاص، أو أنّه يكون كقتل الأجنبيّ له الذي لا ريب في ترتّب القِصاص عليه).

وعلى أيّ تقدير، الأمرُ سهلٌ بعد فساد أصل المبنى، ضرورة عدم القِصاص عليه، بعد أن كان مستوفياً لحقّه، وعدم صدق القتل ظلماً عليه.

الأمر الثاني: إذا كان بعض أولياء الميّت حاضراً دون بعض، أو كان بعضهم صغيراً، جاز الاقتصاص للحاضر البالغ مع ضمان حصّة الباقي من الدِّية، فإن حَضَر أو بَلَغ ورضي بالاقتصاص فلا كلام، وإلّا فيعطيه من الدِّية.

الأمر الثالث: إذا كان وليّ الميّت صغيراً، أو مجنوناً وكان للوليّ وليٌّ كالأب والجَدّ، فهل لوليّه القِصاص أم لا؟4.

ص: 27


1- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: ج 4/324.

ولو ماتَ القاتلُ قبل القِصاص، أُخِذَت الدِّية من تركته.

الظاهر هو الثاني، لعدم ثبوت إطلاقٍ أو عمومٍ يدلّ على ثبوت الولاية له عليه في أمثال ذلك.

نعم، مع اقتضاء المصلحة، له أخذ الدِّية من القاتل، أو المصالحة معه في أخذ شيء.

حكمُ ما لو تعذّر القِصاص

المسألة السادسة: (ولو) تعذّر القِصاص، بأن (ماتَ القاتلُ قبل القِصاص)، أو هَرَب، أو كانَ ممّن لا يمكن الاقتصاص منه لمانعٍ خارجي (أُخذت الدِّية من تركته)، وإن لم يكن له مالٌ ، فمن الأقرب فالأقرب إليه، وإن لم يكن أدّى الإمام الدِّية من بيت المال على المشهور في الهارب الميّت، بل عن «الغُنية»(1) الإجماع عليه.

والمستندُ: جملةٌ من النصوص الخاصّة:

منها: معتبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ قتل رجلاً متعمّداً، ثُمّ هرب القاتل، فلم يُقدر عليه ؟

قال عليه السلام: إن كان له مالٌ أُخذت الدِّية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابةٌ وداه الإمام، فإنّه لا يبطلُ دَم إمرئ مسلم»(2).

ومنها: صحيح البزنطي، عن أبي جعفرٍ(3) عليه السلام: «في رجلٍ قَتَل رجلاً عمداً، ثُمّ فَرّ

ص: 28


1- غنية النزوع: ص 405.
2- الكافي: ج 7/365 ح 3.
3- والمراد بأبي جعفر هنا الإمام الجواد عليه السلام، فلا يكون الخبر مرسلاً، وإن كان مراسيل البزنطي حُجّة.

فلم يُقدر عليه حتّى مات ؟

قال عليه السلام: إن كان له مالٌ أُخذ منه، وإلّا أُخذ من الأقرب فالأقرب»(1).

والأوّل مختصٌّ بالهارب الذي لا يقدر عليه.

ومقتضى إطلاق عدم القدرة، عدم القدرة حتّى الموت، وهو الذي صرّح به في الثاني.

أقول: وقد استدلّ للتعدّي عن موردهما بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ مقتضى التعليل في معتبر أبي بصير ثبوت الحكم في كلّ موردٍ يتعذّر فيه القِصاص، وعدم اختصاصه بمورد الفرار.

وفيه: أنّ الظاهر كون العلّة علّةٌ لخصوص الجملة الأخيرة، وهي تأدية الإمام عليه السلام، كما استدلّ بذلك لها في جملةٍ من النصوص الاُخر.

الوجه الثاني: استفادة الحكم من الروايتين من التفريع فيهما، حيث أنّ الظاهر أنّ موضوع الحكم هو عدم القدرة على الاقتصاص من دون خصوصيّة للمورد.

وفيه: أنّ المستفاد منه أنّ الموضوع هو عدم القدرة الناشئ عن الهرب وتقصير الجاني، لا مطلق عدم القدرة حتّى لو كان بواسطة الموت فجأةً .

الوجه الثالث: عدم القول بالفصل، وهو بيّن الفساد.

فالمتحصّل: أنّ الخبرين مختصّان بالهارب الميّت، ومع إلغاء الخصوصيّة يُتعدّى إلى كلّ موردٍ لم يُقدر عليه مع تقصير الجاني، مع أنّه مقتضى ما قيل إنّ الجاني بتقصيره كأنّه باشرالتفويت، فوجبَ عليه عِوضه، كمادلّ عليه صحيح حريزالمتقدّم(2).3.

ص: 29


1- التهذيب: ج 10/170 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/395 ح 35848.
2- وسائل الشيعة: ج 29/49 ح 35123.

وأمّا إذا لم يكن عن تقصير كما في الموت فجأة، فالنصوصُ لا نظر لها إليه، فلابدَّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة:

وقد يقال: إنّه سقوط الدِّية، لأنّ الواجب في العَمَد القِصاص، وأنّ الدِّية لاتجب إلّاصلحاً، فإذا سقط القِصاص لانتفاء الموضوع، سقط الدِّية.

وعن «المبسوط»(1): إنّ سقوط الدِّية في هذا المورد، هو الذي يقتضيه مذهبنا، ومع ذلك مقتضى إطلاق المتن.

وعن «القواعد»(2)، و «الإرشاد»(3): وجوبها في تركة الجاني.

وقد استدلّ له - مضافاً إلى ما مرَّ -:

1 - بقولهم عليهم السلام: «لا يَبطلُ دَم امرئ مسلم»(4).

2 - وبقوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (5).

3 - وبأنّه كمن قَطَع يَد رجلٍ ولا يد له، فإنّ عليه الدِّية وكذا النفس.

أقول: وفي الجميع نظر، إذ عدم بطلان دم امرئ مُسلمٍ لا يقتضي ثبوت الدِّية في تركة الجاني التي هي للوارث، وسلطنته إنّما هو على القتل لا الدِّية، والقياس على مقطوع اليَد ليس من مذهبنا.

وعليه، فالأظهر هو التفصيل في موارد عدم القدرة، بين أن يكون ناشئاً عن تقصير الجاني فالحكم ما تقدّم، وبين أن يكون لا عن تقصيرٍ، فالدِّية على بيت المال، كما في نظائره.3.

ص: 30


1- المبسوط: ج 7/63.
2- قواعد الأحكام: ج 3/706.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/201.
4- الكافي: ج 7/295 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/72 ح 35179.
5- سورة الإسراء: الآية 33.

ولو كان المقتولُ مقطوعَ اليد في قِصاص، أو أخذ ديتها، كان للوليّ القِصاص بعد رَدّ دية اليد.

ولو قُطِعت من غير جنايةٍ ، ولم يأخذ ديتها فلا رَدّ.

حكمُ ما لو قَتل صحيحٌ مقطوع اليد

المسألة السابعة: (ولو كان المقتولُ مقطوع اليد):

فإنْ كانت قُطِعت (في قصاصٍ ، أو أخذ) المقطوع (ديتها، كان للوليّ القِصاص بعد رَدّ دية اليد) إلى أولياء قاتله.

(ولو) كانت يده قد (قُطِعت من غير جنايةٍ ) كما لو سَقَطت بآفةٍ سماويّة أو غيرها، (ولم يأخذ ديتها) مع الجناية عليه (فلا رَدّ) بقتل قاتله.

بلا خلافٍ في الصورة الثانية، ويقتضيه عمومات القِصاص من الكتاب والسُّنة، وعند جماعةٍ منهم الحِلّي في «السرائر»(1)، والمصنّف في المتن(2)، و «التحرير»(3)، وغيرهما في الصورة الأُولى .

والمستندُ: خبر سورة بن كُليب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قتل رجلاً عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى؟

فقال: إن كانت قُطِعت يده في جنايةٍ جناها على نفسه، أو كان قُطِع فأخذ دية يده من الذي قَطَعها، فإنْ أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله، أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده

ص: 31


1- السرائر: ج 3/404.
2- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/256.
3- تبصرة المتعلّمين: 262.

الذي قِيد منها، إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإنْ شاءوا طَرَحوا عنه دية يدٍ، وأخذوا الباقي.

قال: وإنْ كانت يدهُ قُطِعت من غير جنايةٍ جناها على نفسه، ولا أخذ لها دية، قَتَلوا قاتله ولا يُغرمُ شيئاً، وإن شاءوا أخذوا ديةً كاملة.

قال: وهكذا وجدناه في كتاب عَليّ عليه السلام»(1).

أقول: والخبرُ صحيحٌ إلى سورة، وأمّا هو وإن كان لا يبعدُ حُسن حاله، إلّاأنّ مجرّد ذلك لا يكفي في الحجيّة، ولكن في المقام الراوي عنه ابن محبوب عن هشام، أضف إليه عمل الحِلّي به، وهو الذي لا يَعمَلُ إلّابالقطعيّات، والمصنّف قدس سره الذي هو خرِّيت صناعة الرِّجال.

وفي «الجواهر»(2): (بل لم نعرف من رَدّه صريحاً إلّاما سمعته من الشيخ، ويُحكى عن الفخر، ولعلّ هذا كلّه كاف في الاعتماد عليه).

ويؤيّده: أنّه لو قَطَع كفّه وقد ضُربت أصابعه قبل ذلك بالسّيف حتّى سقطت، يقطع كفّه بعد رَدّ دية الأصابع، ويدلّ عليه النَّص الآتي في محلّه(3).

إذا كان المقتولُ عمداً مديوناً ولم يكن له مال

المسألة الثامنة: لو قُتِل شخصٌ وعليه دينٌ وليس له مال:

فإنْ أخذ أوليائه الدِّية من القاتل وَجَب صرفها في ديون المقتول، وإخراج وصاياه منها، وقد مرَّ تفصيل القول في ذلك في كتاب الميراث في المسألة السادسة

ص: 32


1- الكافي: ج 7/316 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/111 ح 35279.
2- جواهر الكلام: ج 42/337.
3- صفحة 259 من هذا المجلّد.

من مسائل (الثاني من موانع الإرث)(1).

والكلامُ في المقام إنّما هو في حكم اقتصاصهم، وهل لهم العفو عن القِصاص، أو العفو عن الدِّية في قتل الخَطأ وشبيه العَمَد، أم لا؟ وعليه فيقع الكلام في المقام في فروع:

الفرع الأوّل: هل لأوليائه الاقتصاص من دون ضمان ما عليه من الدِّيون ؟

فيه قولان، وجَعل الشهيد في «المسالك»(2) جعل الثاني هو الأشهر.

وعن الشيخ رحمه الله(3)، والحِلّي(4)، والقاضي(5)، والإسكافي(6)، وابن زُهرة(7) مدّعياً عليه الإجماع اختيار الأوّل.

ومنشأ الاختلاف خبران لأبي بصير، رواهما الشيخ رحمه الله:

أحدهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن الصَّفار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن أسلم الجَبَلي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يُقتل وعليه دينٌ وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين ؟

فقال عليه السلام: إنّ أصحاب الدين هم الخُصَماء للقاتل، فإنْ وهبوا أولياؤه دية القاتلَ 7.

ص: 33


1- فقه الصادق: ج 37/277.
2- مسالك الأفهام: ج 15/248.
3- النهاية: ص 309.
4- السرائر: ج 3/220.
5- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 5/382.
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/313.
7- غنية النزوع: ص 407.

فجائزٌ، وإن أرادوا القِوَد فليس لهم ذلك حتّى يضمنوا الدين للغُرماء وإلّا فلا»(1).

ثانيهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن أسلم الجَبَلي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.

و رواه أيضاً بإسناده عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ يُقتل وعليه دينٌ ، وليس له مالٌ ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين ؟

قال: فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخُصماء للقاتل، فإنْ وهب أولياؤه دمه لقاتله، ضَمِنوا الدّين للغُرماء، وإلّا فلا»(2).

ورواه الصَّدوق في «الفقيه»(3) بإسناده عن الجبلي مثله.

وقد استند من ذهب إلى عدم الضمان إلى الثاني، فإنّه يدلّ على انحصار الضمان بفرض هبة الدّم للقاتل بمقتضى قوله عليه السلام: «وإلّا فلا» فيدلّ على عدم الضمان في فرض الاقتصاص، واستند من ذهب إلى الضمان إلى الخبر الأوّل.

وحيثُ أنّ الظاهر أنّهما خبرٌ واحد، وهو بالنقل الأوّل مضطربُ المتن، ومن المطمئن به وقوع الغَلَط في النسخة أو الاشتباه في النقل، والنقل الثاني مؤيّدٌ بما رواه الصَّدوق، وبخبر عليّ بن أبي حمزة عن الإمام الكاظم عليه السلام الدّال على أنّه يُقتل،5.

ص: 34


1- التهذيب: ج 6/312 ح 68، وسائل الشيعة: ج 18/365 ح 23859.
2- التهذيب: ج 10/314 ح 11.
3- الفقيه: ج 4/159 ح 5362، وسائل الشيعة: ج 29/122 ح 35305.

ويُؤدّى دينه من سهم الغارمين(1)، فإشكاله ظاهرٌ.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو عدم الضمان.

الفرع الثاني: أولياء المقتول الذي لا مال له وله دينٌ ، يجوزُ لهم العفو عن القِصاص بلا ديةٍ ، ولكن يضمنون الدين للغُرماء بما يُساوي الدِّية لا أزيد، ويشهد به صحيح أبي بصير المتقدّم، وخبر عليّ بن أبي حمزة الذي أشرنا إليه.

الفرع الثالث: إذا كان المقتول خطاءً أو شبه عمد مديوناً لا مال له، فإن أخذ أولياؤه الدِّية وَجَب صرفها في ديونه، كما تقدّم في كتاب الميراث(2).

وهل لهم العفو عن الدِّية بدون أداء الدين أو ضمانه، أم ليس لهم ذلك ؟

وجهان، أوجههما الثاني، فإنّ الدِّية إنّما هي ملكٌ للميّت وبحكم أمواله الاُخر، كما مرّ في محلّه، ولذا تُصرَف في وصاياه، وتؤدّى ديونه أوّلاً، ثُمّ يرثها الورّاث بحسب ما لهم من الفرض، وعلى ذلك فمادام دينه يكون باقياً، ليس للورثة العفو، لعدم كونها لهم حتّى يكون لهم العفو عنها.

حكمُ ما لو قَتَل واحدٌ متعدّداً

المسألة التاسعة: إذا قَتَل واحدٌ جماعةً ، ثبت لوليّ كلّ واحدٍ منهم القِوَد، بلا خلافٍ ولا إشكالٍ ؛ لصدق سببه في كلّ واحدٍ. وإن رضى أولياء بعض المقتولين بالدِّية، وقَبل القاتل، أو عفوا عن القِصاص مجّاناً، لم يسقط حقّ أولياء الآخر، لإطلاقات الأدلّة كتاباً وسُنّةً ، المقتضية لثبوت حقٍّ على نحو الاستقلال لأولياء كلّ من المقتولين، وعدم الموجب لسقوطه عنهم بعفو البعض عن القِصاص، وصحيح عبد الرحمن المتقدّم شاهدٌ به.

ص: 35


1- الفقيه: ج 4/112 ح 5220، وسائل الشيعة: ج 29/123 ح 35306.
2- فقه الصادق: ج 37/290.

وإن استوفى الجميع مباشرةً أو تسبيباً فلا كلام، لأنّهم استوفوا حقوقهم جميعاً، إذ ليس لهم إلّانفسه، إذ الجاني لا يَجني على أكثر منها.

وعليه، فما عن عثمان البُستي(1)، من أنّه: (إذا قتلوه سَقَط من الدِّيات واحدة، وكان لهم في تركته الباقي من الدِّيات).

لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلّة خلافه.

وإن لم يجتمعوا، فهل الحقّ للسابق لاستحقاقه منفرداً من غير معارض ؟

أو لمن تخرجه القُرعة، لأنّ السَّبب الموجب للقصاص هو قتل النفس المكافئة، وهو متساوٍ في الكلّ ، من غير فرقٍ بين المتقدّم والمتأخّر، فيتعيّن القرعة ؟

أو يكون لكلّ واحدٍ منهم المبادرة إلى قتله، لفرض استحقاق كلّ منهم إزهاق نفسه مجّاناً؟ وجوه:

أقول: الأظهر هو الأخير، فلو بادر الأخيرُ إلى قتله حينئذٍ بلا قرعةٍ ، لم يكن عليه إساءة ولا تعزيرٌ، بخلافه على الأوّلين.

فان بادر أحدهم إلى الاستيفاء، أو استوفى الأوّل لسَّبقه، أو بالقرعة، على اختلاف «المسالك»(2):

فعن الشيخين(3)، وبني حمزة(4)، والبرّاج(5)، وسعيد(6)، وإدريس(7)،3.

ص: 36


1- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/316.
2- ذكرها الشهيد في مسالك الأفهام: ج 15/249.
3- المبسوط: ج 7/60.
4- الوسيلة: ص 432.
5- نسبه إليه في كشف اللِّثام (ط. ج): ج 11/151.
6- الجامع للشرايع: 579.
7- السرائر: ج 3/413.

والشهيد(1)، بل عن «المبسوط»(2)، و «الخلاف»(3): الإجماع عليه، وسقط حقّ الباقين لا إلى بدل.

وعن أبي عليّ (4)، والمصنّف في «القواعد»(5)، و «الإرشاد»(6)، وولده في موضعين من «الإيضاح»(7)، والمقداد(8): لغيره الدِّية.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الواجب هو القِصاص عندنا، وقد فاتَ محلّه، والدِّية لاتجبُ إلّاصلحاً، والفرضُ عدمه، وهو حَسنٌ .

نعم، من يرى أنّ تعذّر القِصاص موجبٌ للانتقال إلى الدِّية، لابدّ له من الالتزام به، ولكن عرفت أنّ هذه الكليّة لا دليل عليها.

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّ الدِّية بدلٌ عن القِوَد، فإذا تعذّر أحد الفردين تعيّن الآخر.

2 - وبأنّه لا يبطلُ دَم امرئ مسلمٍ .

3 - وبفحوى ما دلّ على ثبوتها لو قَتَله أجنبيٌ أو مات.

ولكن الأوّل: قد مرَّ فساده، وأنّه ينتقل إلى الدِّية صُلحاً لا بدونه.

والثاني: لا يقتضي كونها في تركته، فلتكن في بيت المال.7.

ص: 37


1- شرح اللُّمعة: ج 10/31.
2- المبسوط: ج 7/61.
3- الخلاف: ج 5/182.
4- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/317.
5- قواعد الأحكام: ج 3/623.
6- إرشاد الأذهان: ج 2/199.
7- إيضاح الفوائد: ج 4/595 و 653.
8- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/317.

والثالث: يندفع بمنع الفحوى .

وعليه، فالأظهر أنّه لا دية لهم في تركته، وإنّما هي لهم في بيت المال.

المسألة العاشرة: لو قَطَع يَدُ شخصٍ ثَبتَ عليه حقّ الاقتصاص لمقطوع اليد، ثُمّ لو قتل شخصاً آخر، فالمشهور بين الأصحاب أنّه يُقطع يده أوّلاً ثُمّ يُقتل، وسِرّه ظاهرٌ فإنّ في ذلك جمعاً بين الحقّين.

أقول: ولا يهمّنا البحثُ في أنّ هذا حقٌّ أو حكم، ولكن إن أساء وليّ المقتول وقَتله قبل قطع يده، فقد استوفى حقّه، وهل يثبت دية الطرف في تركته، أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بأنّ حقّ المسلم لا يذهبُ هَدراً.

وفيه: إنّ حقّه متعلّقٌ بالاقتصاص منه، وثبوته في الدِّية أوّل الكلام، فالأظهر هو الثاني.

حكمُ ما لو قَطَع يَدُ رجلٍ ، ثُمّ قَتَل آخر، ثُمّ سَرَت الجناية

المسألة الحادية عشرة: إذا قَطَع يَدُ رجلٍ ، ثُمّ قَتَل شخصاً آخر، فاقتصّ منه بقطع يده وبقتله، ثُمّ سَرَتِ الجناية في المجني عليه فمات، ففيه أقوال:

القول الأوّل: ما في «الشرائع»(1)، وعن «المبسوط»(2) من ثبوت نصف الدِّية لوليّ المقتول من تركة الجاني، لأنّ قطع اليد وَقَع بدلاً عن نصف الدِّية، فيكمل له عليهما، ليكون الجميع عِوضاً عن النفس.

وفيه: إنّه لم يدلّ دليلٌ على وقوع القِصاص بدلاً عن نصف الدِّية، بل مقتضى الإطلاقات هو تمام الدِّية، من غير فرقٍ بين وقوع القِصاص وعدمه.

ص: 38


1- شرائع الإسلام: ج 4/1005.
2- المبسوط: ج 7/62.

القول الثاني: عدم وجوب شيء عليه، اختاره صاحب «الجواهر»(1)، لأنّ دية العَمَد إنّما تثبتُ صُلحاً، وسراية العَمَد توجبُ كون القتل عَمديّاً، وقد فات محلّ القِصاص.

وفيه: إنّه قد مرّ في مبحث السراية(2) أنّ الجناية إنْ قصد بها القتل، أو كان العمل ممّا يوجبُ القتل غالباً، فهو عَمدٌ، وإلّا فالقتل شبيه العَمَد والمجعولُ ابتداءً فيه الدِّية لا القِوَد.

القول الثالث: ما عن المصنّف في «التحرير»(3) - وفي «المسالك»(4): أنّه متّجهٌ ، وعن «كشف اللّثام»(5): أنّه المشهور - من أنّه يرجع بالدِّية أجمع، لإطلاق الأدلّة، والنفس ديةٌ على انفرادها، والذي استوفاه في اليد وَقَع قصاصاً، فلا يتداخل.

وفيه: إنّ الدليل دلّ على ثبوت الدِّية في أموال الجاني، والمفروض أنّه بالموت خَرَجت الأموال عن مِلْكه، ودخلت في مِلْك الوارث، فثبوت الدِّية فيها يحتاجُ إلى دليلٍ آخر مفقود.

فإنْ قيل: إنّها تثبتُ في ذمّته، وقد دلّ الدليل على لزوم أداء الدين الثابت عليه من تركته أوّلاً، ثُمّ تقسّم الأموال بين الورّاث.

أجبنا عنه: بأنّ الدليل دلّ على لزوم أداء دينه الثابت قبل الموت، ولا دليل على لزوم أداء ما ثبت بعد ذلك من الأموال المنتقلة إلى الورثة قبل ذلك.8.

ص: 39


1- جواهر الكلام: ج 42/334.
2- صفحة 22 من هذا المجلّد.
3- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/256-257.
4- مسالك الأفهام: ج 15/257.
5- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/468.

فالمتحصّل: أنّ القول الثاني أظهر.

المسألة الثانية عشرة: قال في «الشرائع»(1): (لو اقتصَّ من قاطع اليد، ثُمّ مات المجنيّ عليه بالسِّراية ثُمَّ الجاني، وقع القِصاص بالسِّراية موقعه.

وكذا لو قَطَع يده ثُمّ قتله، فَقَطع الوليّ يد الجاني، ثُمّ سَرت إلى نفسه، أمّا لو سَرى القطعُ إلى الجاني، ثُمّ سَرى قطعُ المَجنيّ عليه، لم يقع سراية الجاني قصاصاً، لأنّها حاصلة قبل سراية المجنيّ عليه هَدراً)، انتهى .

وفي «المسالك»(2): (الحكمُ في الأوّل واضحٌ ، لوقوع القِصاص موقعه بعد وجوبه عليه، فيتأدّى به القِصاص، كما لو باشر قتله).

والظاهر أنّه المشهور بين الأصحاب، وعلى ما ذكروه فلا يستحقّ وليّ المجنيّ عليه في مال الجاني شيئاً.

أقول: الظاهر أنّ الجرح إن كان ممّا يَقتلُ عادةً ، أو قُصِد به القتل، فما أفاده المشهور من عدم ثبوت الدِّية في مال الجاني وإن كان صحيحاً، إلّاأنّ ما ذكروه علّةً لا يتمّ ، لأنّ القِصاص بمقتضى قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (3) حقّ للوليّ دون المجنيّ عليه.

وعليه، فما وقع لا يكون قصاصاً، بل الوجه فيه أنّ موت الجاني مستندٌ إلى المجنيّ عليه، وقد دلّ الدليل على أنّ الجاني لا يَجني أكثر من نفسه، فلا يستحقّ وليّ المجنيّ عليه شيئاً في مال الجاني، وإن لم يكن ممّا يقتل عادةً ، ولم يقصد به القتل.3.

ص: 40


1- شرائع الإسلام: ج 4/1006.
2- مسالك الأفهام: ج 15/262.
3- سورة الإسراء: الآية 33.

فيرد على ما أفاده المشهور: أنّ السراية في هذا الفرض ليست من قبيل العَمَد، بل هي شبيه العَمَد كما عرفت، فالمجعول أوّلاً هو الدِّية، فبموتِ المجني عليه ثبتت الدِّية على الجاني، وموته بعد ذلك بعد كونه عن القِصاص يكون هَدراً، ولايوجبُ سقوط الدِّية.

ودعوى: أنّ قطع يد الجاني قصاصاً، بدلٌ عن نصف الدِّية، فلا يثبتُ أكثر من النصف، تقدّم في المسألة السابقة اندفاعها.

وأمّا الثاني: وهو ما لو تقدّمت سراية الجاني، فالمشهور أنّ موت الجاني هَدرٌ كما مرَّ، ولكن فيما كان الجَرحُ يَقتلُ عادةً ، أو قَصَد به القتل لا يقعُ هَدراً، بل بما أنّه مستندٌ إلى المجنيّ عليه، وهو قتلُ عمدٍ له، واعتداءٌ بالمثل، والجاني لا يَجني أكثر من نفسه، فلا شيء في ماله.

وإن لم يكن الجَرحُ كذلك فسرايته ليست قَتلُ عَمدٍ، بل هي شبيه العَمَد، وفيه الدِّية، إلّاأنّ ثبوتها في تركته لا دليل عليه كما مرّ، إلّاعلى القول بأنّه إن ماتَ القاتل فالدِّية في تركته، وقد مرّ أنّ هذه الكليّة غير ثابتة، وعدم بطلان دَم إمرئ مسلمٍ ، لايقتضي ثبوت الدِّية في تركته، فلتكن على بيت المال.

وبذلك كلّه ظهر ما في كلمات القوم في المقام.

لو ضربَ الوليُّ الجانيَ قصاصاً فظنَّ موته

المسألة الثالثة عشرة: لو ضَرب وليُّ الدّم الجانيَ قِصاصاً، وظنّ أنّه قَتَله، وكان به رمقٌ فعالج في نفسه وبَرئ:

ص: 41

فعن الشيخ(1) وأتباعه: ليس للوليّ قتله حتّى يقتصّ ، هو من الوليّ بمثل ما فعله.

وعن المحقّق(2) وجميع من تأخّر عنه: أنّه إن ضربه الوليّ بما ليس له الاقتصاص به كالعصا ونحوها، اقتصّ به إن كان الجَرح ممّا فيه القِصاص، وأخذ أرشه إن لم يكن كذلك.

وإن ضربه بما له ذلك، وكان سائغاً، بأن اقتصّ منه بضرب السّيف في عُنقه، كان له قتله ثانياً، ولا يقتصّ من الوليّ بما وقع فيه من الضربات بالسّيف.

واستدلّ الأوّلون: بخبر أبان، عمّن أخبره، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«اُتي عمر بن الخطّاب برجلٍ قد قَتَل أخا رجلٍ ، فدفعه إليه وأمره بقتله، فضربه الرَّجل حتّى رأى أنّه قد قتله، فحُمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه فبَرئ، فلمّا خَرَج أخذه أخ المقتول الأوّل، فقال: أنتَ قاتل أخي ولي أن أقتلك، فقال: قد قتلتني مرّة!

فانطلق به إلى عُمَر، فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: واللّه قتلتني مرّة، فمرّوا على أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره خبره، فقال: لا تَعجل حتّى أخرُج إليك، فَدَخل على عُمَر، فقال: ليس الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن ؟

فقال عليه السلام: يقتصّ هذا من أخ المقتول الأوّل ما صَنَع به، ثُمّ يَقتله بأخيه، فنظر الرّجل إنّه إن اقتُصّ منه أتى على نفسه فعفا عنه وتتاركا»(3).0.

ص: 42


1- المبسوط: ج 7/60.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1006.
3- الكافي: ج 7/360 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/125 ح 35310.

وفي «الشرائع»(1): (وفي أبان ضعفٌ مع إرسال السَّند).

وفي «المسالك»(2): (وهذه الرواية ضعيفة بالرِّجال والإرسال).

فها هناك اشكالات:

1 - ضعف رجال السَّند، والظاهر أنّه من جهة أنّ الخَبر مرويٌّ في «الكافي»(3)، والواسطة بين إبراهيم بن هاشم وأبان مجهولٌ ، ومرويٌّ في «التهذيب»(4) والواسطة بين أبان وابن مهزيار، إبراهيم بن عبد اللّه، وهو مجهولٌ .

ولكن الصَّدوق رواه في «الفقيه»(5) بإسناده عن أبان، وسنده إليه صحيح.

2 - كون أبان من طائفة الناووسيّة:

وفيه أوّلاً: أنّه لا يضرّ بالاعتماد على خَبره.

وثانياً: إنّ الأردبيلي، قال: (إنّ الموجود في النسخة التي عندي كان من القادسية، وهي قرية معلومة لا من الناووسيّة)(6).

والظاهر أنّها صحيحةٌ لشهادة الشيخ والنجاشي بأنّ أبان رَوى عن أبي الحسن عليه السلام، ومعه كيف يُمكن أن يكون من طائفة الناووسيّة، وهم الذين وقَفَوا على أبي عبد اللّه عليه السلام وقالوا إنّه حَيّ لم يمت، وأنّه المهدي الموعود.

3 - كونه مرسلاً، والواسطة بين أبان والإمام مجهولٌ :

وفيه أوّلاً: إنّ أبان من أصحاب الإجماع، فمُرسِله بحُكم الصحيح.2.

ص: 43


1- شرائع الإسلام: ج 4/1006.
2- مسالك الأفهام: ج 15/268.
3- الكافي: ج 7/360 ح 1.
4- التهذيب: ج 10/278 ح 13.
5- الفقيه: ج 4/174 ح 5401.
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/342.

وثانياً: أنّ قدماء الأصحاب عملوا بروايته.

وعليه، فالخبرُ من حيث السَّند لا إشكال فيه.

وأمّا من حيث الدلالة: فقد يقال إنّه متضمّنٌ لقضيّةٍ في واقعة لا عموم فيه، فهو منزّلٌ على ما لو كان ما فعله الوليّ سائغاً، ففي فرض حرمته يرجعُ إلى ما يقتضيه القاعدة، وهو أنّه إذا لم يكن فعل الوليّ سائغاً، فهو ظالمٌ في فعله، وللجاني الاقتصاص منه، فيثبت القول الثاني.

ولكن يرد عليه: أنّ نقل الإمام عليه السلام لبيان الحكم، وتلك الواقعة لا محالة يكون مع بيان جميع الخصوصيّات الدخيلة في الحكم، وحيث إنّه لم يبيّن الخصوصيّة المُشار إليها، فيستفاد عدم دخالتها.

وعليه، فما أفاده الشيخ وأتباعه أظهر.

المسألة الرابعة عشرة: حقّ القِصاص من الجاني إنّما يثبتُ بعد موت المجنيّ عليه، للآية الكريمة: (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (1)، والنصوص الدّالة على ذلك، فلو قَتَله قبل موته، كان قتله ظُلماً وعدواناً، يجوزُ لوليّ الجاني الاقتصاص من قاتله، أو أخذ الدِّية مع التراضي.

وأمّا دية المجنيّ عليه، فقيل إنّها في تركة الجاني، لأنّه لا يبطلُ دَم امرئ مسلم، لكن قد عرفت مراراً أنّه لا يقتضي أزيد من ثبوت الدِّية، فلتكن في بيت المال.

والكبرى الكليّة، وهي: كلّ قاتلٍ لم يقدر على الاقتصاص منه، فدية المقتول في ماله، غير ثابتة.

وعليه، فالأظهر أنّ ديته في بيت المال.

***3.

ص: 44


1- سورة الإسراء: الآية 33.

ويثبتُ القِصاص في الطرف،

قصاصُ الأطراف

الموضع الثاني: في قِصاص الطَرف.

والمرادُ به ما دون النفس، وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد والرِّجل والاُذُن والأنف وغيرها، كالجَرح على البطن والظهر وغيرهما، (ويثبتُ القِصاص في الطرف) إجماعاً، بل ضررورة.

ويشهد به:

1 - من الكتاب: آياتٌ :

منها، قوله تعالى : (وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ اَلْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (1) وقد تقدّم في أوّل كتاب القِصاص(2) كيفيّة الاستدلال بهذه الآية الشريفة، كما تقدّم(3) أنّ آياتٍ

اُخر بعمومها تدلّ على ذلك.

ومن السُّنة: نصوصٌ متواترة، ستأتي جملةٌ منها في ضمن المسائل الآتية:

منها: خبر الحكم بن عُتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قلتُ : ما تقول في العَمَد والخَطأ في القتل والجراحات ؟

ص: 45


1- سورة المائدة: الآية 45.
2- صفحة 8 من هذا المجلّد.
3- صفحة 8 من هذا المجلّد.

لكلِّ مَن يثبتُ له القِصاصُ في النفس.

فقال عليه السلام: ليس الخَطأُ مثل العَمَد، العَمَد فيه القتل، والجراحات فيها القِصاص، والخطأ في القتل والجراحات فيها الدِّيات، الحديث»(1).

ومنها: معتبرإسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام فيماكان من جراحات الجَسَد أنّفيهاالقِصاص، أو يَقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(2).

ومنها: معتبره الآخر عنه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللَّطمة...

إلى أن قال: وأمّا ما كان من جراحاتٍ في الجَسَد، فإنّ فيها القِصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(3).

ومنها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدّالة عليه(4).

أقول: قد تقدّم أنّ حقّ القِصاص إنّما يثبتُ في القَتل العَمَدي دون الخطائي وشبيه العَمَد، ولا يثبتُ فيهما إلّاالدِّية، وعرفت الفرق بين هذه الأقسام، ومعلومٌ أنّه لا فرق في ذلك بين قِصاص النفس وقِصاص الطرف، فهو يثبتُ (لكلّ من يثبت له القِصاص في النفس) فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس.

وكذا يُشترط في جواز الاقتصاص فيه، ما يُشترط في قِصاص النفس، بلا خلافٍ في شيء من ذلك ولا إشكال.ة.

ص: 46


1- التهذيب: ج 10/174 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/175 ح 35404.
2- الكافي: ج 7/320 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/176 ح 35406.
3- التهذيب: ج 10/277 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/177 ح 35408.
4- راجع نفس أبواب المصادر السابقة.

وعن «الغُنية»(1) وغيرها: الإجماع عليه، وهو كذلك، مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ دليل كلّ شرطٍ عامّ للقسمين.

وتمام الكلام في هذا الموضع يتحقّق في طيّ مسائل:

***8.

ص: 47


1- غنية النزوع: ص 408.

ويُقتصُّ للرَّجلِ من المرأة ولا رَدَّ، وللمرأة من الرَّجل مع الرَّد فيما زاد على الثُّلث.

جناية المرأة على الرَّجل وعكسها

المسألة الأُولى : (ويقتصُّ للرَّجل من المرأة ولا رَدّ، وللمرأة من الرّجل مع الرَّد فيما زاد على الثُّلث) ولا رَدّ فيما نَقَص عن الثُّلث، وفيما بلغه خلافٌ ستعرف ما هو الحقّ فيه.

أقول: ويشهد للحكم نصوصٌ :

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «جراحات الرِّجال والنساء سواء، سِنّ المرأة بسنّ الرّجل، وموضحة المرأة بموضحة الرّجل، وإصبع المرأة باصبع الرّجل، حتّى تبلغ الجراحة ثُلث الدِّية، فإذا بَلَغت ثُلث الدِّية ضعفت دية الرَّجل على دية المرأة»(1).

ومنها: صحيحه الثاني، عنه عليه السلام: «عن جراحاتِ الرِّجال والنساء في الدِّيات والقِصاص فقال: الرِّجال والنساء في القصاص السِّن بالسِّن، والشجَّة بالشجَّة، والإصبع بالأصبع سواء حتّى تبلغ الجراحات ثُلث الدِّية، فإذا جازت الثُّلث صيرت دية الرِّجال في الجراحات ثُلثي الدِّية، ودية النساء ثُلث الدِّية»(2).

ومنها: معتبر ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قطع إصبع امرأة ؟

ص: 48


1- الكافي: ج 7/298 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/163 ح 35380.
2- الكافي: ج 7/300 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/165 ح 35385.

قال عليه السلام: تُقطع إصبعه حتّى تنتهي إلى ثُلث المرأة، فإذا جاز الثُّلث أضعف الرَّجل»(1).

وجاء في ذيل الحديث في «الكافي»: (فإذا جازَ الثُّلث كان في الرَّجل الضِّعف)(2).

ومنها: صحيح جميل، عنه عليه السلام: «عن المرأة بينها وبين الرّجل قِصاص ؟

قال عليه السلام: نعم في الجراحات حتّى تبلغُ الثُّلث سواء، فإذا بلغت الثُّلث سواء ارتفع الرّجل وسَفِلت المرأة»(3).

ومثله صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران، إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا موثّق زيد: «ليس بين الرِّجال والنساء قِصاصٌ إلّافي النفس»(4)فلمعارضته مع ما تقدّم، وعدم العامل به، ومخالفته لظاهر الكتاب يتعيّن طرحه.

أقول: إنّما الخلاف في موردين:

المورد الأوّل: إذا بلغت الجناية الثُّلث ولم تتجاوز عنه، فهل يردّ التفاوت عليه كما هو المشهور على الظاهر المصرّح به في جملةٍ من العبائر، بل عن «الخلاف»(5)الإجماع عليه ؟

أم لا يرد كما عن «النهاية»(6)، و «السرائر»(7)، و «القواعد»(8)؟2.

ص: 49


1- التهذيب: ج 10/185 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/164 ح 35383.
2- الكافي: ج 7/301 ح 14.
3- الكافي: ج 7/300 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/164 ح 35382.
4- التهذيب: ج 10/279 ح 18، وسائل الشيعة: ج 29/165 ح 35386.
5- الخلاف: ج 5/256.
6- النهاية: ص 773.
7- السرائر: ج 3/351.
8- قواعد الأحكام: ج 3/632.

وبعبارة أُخرى : هل يعتبر في الرَّد البلوغ، أو التجاوز عن الثُّلث ؟

وجهان: صحيح الحلبي الثاني، ومعتبر ابن أبي يعفور يدلّان على الثاني، والصِّحاح الاُخر دالّة على الأوّل.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ صحيح الحلبي وخبر ابن أبي يعفور بأنفسهما غير صالحين للاستدلال بهما، لأنّ مفهوم الغاية في صدرهما يُعارضُ الشرط في ذيلهما، فيصيران مُجمَلين من هذه الجهة، ممّا يوجب أن تصبح الصِّحاح الاُخر لا معارض لها.

مع أنّه لو سُلّم تعارض الطائفتين، فإمّا أن يرجع إلى أخبار الترجيح، فهي تقتضي تقديم الصحاح للشهرة، وإمّا أن يتساقط الإطلاقات في الجميع، فيرجع إلى عموم ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرّجل الآتي.

وعليه، فالقول الأوّل أظهر.

المورد الثاني: ولو قطع أربعاً من أصابعها، لم تقطع الأربع إلّابعد رَدّ دية إصبعين، وهل لها القِصاص في اصبعين من دون رَدّ؟

وجهان: من أنّ النصوص تدلّ على أنّه ليس لها الاقتصاص في الجناية الخاصّة إلّا بعد الرَّد.

ومن إيجاب قطع إصبعين ذلك، فالزائد أولى .

أظهرهما الأوّل، لأنّ الوجه الثاني لايخرجُ عن القياس، وقد نُهي عنه خصوصاً في المقام، ويشهد به صحيح أبان الآتي في محلّه.

ويقوى الإشكال لو طلبت القِصاص في الثلاث، والعفو في الرابعة، وإنْ كان على ما ذكرناه عدم إجابتها أقوى .

ص: 50

هذا إذا كان قطع الأربع بجنايةٍ واحدة.

ولو كان بأربع جنايات، يثبتُ القِصاص في الجميع من غير رَدّ، لأنّ كلّ جنايةٍ موضوعٌ لحكمٍ مستقلّ ، وليس شيء منها مورداً للرَّد.

***

ص: 51

ويُعتبر سَلامة العضو، فلا يُقطع الصحيحُ بالأشلّ .

اعتبار التساوي في السَّلامة

المسألة الثانية: (ويعتبر) هنا - زيادةً على شروط النفس المتقدّمة - التساوي، أي تساوي العضوين المقتصّ به ومنه، في (سَلامة العضو) من الشَّلل في الاقتصاص.

والشَّلل: قيل هو يَبس اليد والرِّجل بحيثُ لا يَعمل، وإنْ بقي فيها حِسٌّ أو حركة ضعيفة، واعتبر بعضهم بطلانها، ولذلك تُسمّى اليد الشلّاء ميّتة.

ورُدّ: بأنّها لو كانت كذلك لا تثبتُ وليس كذلك.

وكيف كان، (فلا يُقطع) العضو (الصحيح) منه من يَدٍ أو رِجلٍ (بالأشلّ ) بلا خلافٍ ، بل عن ظاهر «المبسوط»(1)، وصريح «الخلاف»(2) الإجماع عليه.

واستدلّ له: بإطلاق خبر سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ قطع يد رجلٍ شلّاء؟ قال عليه السلام: عليه ثُلث الدِّية»(3).

وأُورد عليه تارةً : بضعف السَّند، لأنّ في سنده حمّاد بن زياد، وهو مجهول.

وأُخرى : بضعف الدلالة، لأنّه في مقام بيان مقدار الدِّية، ولم يتعرّض للقصاص لا نفياً ولا إثباتاً.

ولو سُلّم إطلاقه، فلابدَّ من تقييده بإطلاق قوله تعالى : (وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ )

ص: 52


1- المبسوط: ج 7/152-153.
2- الخلاف: ج 5/260.
3- الكافي: ج 7/318 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/332 ح 35716.

فإنّ النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه، إلّاأنّ الآية متقدّمة عليها لا محالة.

أقول: ولكنّه يمكن الجواب عن ضعف السَّند، بأنّ الرواي عن حمّاد هو الحسن ابن محبوب، وهو من أصحاب الإجماع، وأمّا ضعف الدّلالة فالظاهر أنّه كذلك.

فإنْ قيل: إنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «عليه ثُلث الدِّية» تعيّن ذلك حتّى في مورد الجناية العَمَديّة، مع عدم رضا المجنيّ عليه، ولازم ذلك عدم حقّ الاقتصاص.

أجبنا عنه أوّلاً بالنقض: فإنّ النصوص الواردة في ديات الأطراف جملة منها كذلك، مع ثبوت القِصاص في مواردها.

لاحظ صحيح الحلبي، المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يكسر ظهره ؟

قال: فيه الدِّية كاملة، وفي العينين الدِّية، وفي إحداهما نصف الدِّية، وفي الاُذُنين الدِّية، وفي إحداهما نصف الدِّية، وفي الذَكَر إذا قُطِعتِ الحَشَفة وما فوق الدِّية، وفي الأنف إذا قطع المارن الدِّية، وفي الشَّفتين الدِّية»(1). ونحوه غيره.

وثانياً بالحَلّ : وهو أنّ الخبر واردٌ في مقام بيان الدِّية لا في مقام بيان موردها.

فإنْ قيل: إنّه من الخبر يستفاد عدم مساواة اليد الصحيحة والشلّاء قيمةً في نظر الشارع، ومعه لا يُقتصّ الأعلى والأرفع بالأسفل.

قلنا: إنّ الميزان في القِصاص ليس هو الدِّية، ولذلك لا يقتصّ من قاطع اليدين بقتله، مع أنّ ديتهما متساويتان.

وأمّا الإجماعُ فغير ثابتٍ ، وعلى فرضه تعبّديّته غير معلومة، فلا يصلحُ مدركاً للحكم الشرعي، فإذاً لا مقيّد لإطلاق آية القِصاص(2).8.

ص: 53


1- الكافي: ج 7/311 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35628.
2- سورة البقرة: الآية 178.

ويُقطعُ الأشلّ بالصحيح إذا كان ممَّا يَنحَسِم.

وعليه، فالأظهر بحسب الدليل أنّه تُقطع اليد الصحيحة بالشلّاء.

ولكن قال صاحب «الجواهر»(1): (إنّ الحكم مفروغ عنه بينهم)، ولذلك أعرض عن المناقشة في الدليل وجوابها.

(ويقطع) العضو (الأشلّ ) بمثله، و (بالصحيح) لإطلاق الأدلّة، وعدم المقيّد، ولكن المشهور أنّه يراجع فيه أهل الخبرة، ف (إذا كان) اليد الشلّاء، لو قُطعت ينسدّ فم العروق، وكان (ممّا ينحسِمُ ) وينقطع الدّم، وإلّا فلا يُقطع بها، للتحفّظ على النفس، لفرض أنّه مع قطع يده والحال هذه يوجبُ إتلاف نفسه فلا يجوز ذلك.

وبعبارة أُخرى: إنّه حينئذٍ من استيفاء النفس بالطرف، وهو لا يجوزُ قطعاً، فينتقل الأمر إلى الدِّية، وإنْ تُمسّك بخبر سليمان بن خالد المتقدّم لإثبات أنّ الدِّية عليه لا من بيت المال، لم يكن به بأس.

***8.

ص: 54


1- جواهر الكلام: ج 42/348.

حكمُ قاطِع اليمين إذا لم يَكُن له يمين

المسألة الثالثة: لا خلاف ولا إشكال في اعتبار التساوي في المَحلّ ، فلو قَطَع يمين رَجلٍ قُطِعت يمينه، والآية الكريمة والنصوص تدلّان عليه.

وعلى الجملة: المجنيّ عليه يستحقّ على الجاني مثل ما جَنَى عليه، ومن المعلوم أنّ مثل اليد اليُمنى المقطوعة هو اليد اليُمنى للجاني، ولو لم يكن له يمينٌ ، يُقطع يساره، بلا خلافٍ ولا إشكال.

ويشهد به: - مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه، وخبر حبيب السَّجستاني الآتي - ما ادّعاه بعض الأساطين(1) من صدق المماثلة عرفاً عليها عند فقد اليُمنى ، قالوا: ويشهد بذلك صحيح محمّد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن أعور فقأ عين صحيحٍ؟ فقال عليه السلام: تُفقأ عينه.

قال: قلتُ : يبقى أعمى؟ قال عليه السلام: الحقّ أعماه»(2).

فإنّه بإطلاقه يدلّ على القِصاص فيما إذا كانت عين الأعور الصحيحة غير مماثلة للعين المفقوءة من جهة الطرف.

والظاهر من السؤال والجواب أنّ توقّف السّائل لم يكن من ناحية عدم المماثلة، بل من جهة بقائه أعمى ، وهذا أقوى شاهدٍ على أنّه يكونُ صدق المماثلة مفروغاً عنه.

ص: 55


1- جواهر الكلام: ج 42/383.
2- الكافي: ج 7/319 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/178 ح 35411.

إنّما الكلام فيما إذا لم يكن له يسارٌ:

فالمشهور بين الأصحاب: أنّه يُقطع رِجله، وعن «الخلاف»(1)، و «الغُنية»(2)، إجماع الفرقة عليه مع زيادة أخبارهم في الثاني.

وعن جماعةٍ منهم الحِلّي(3)، والشهيدالثاني(4)، وفخرالمحقّقين(5)، والأستاذ(6):

عدم قطعها، ولزوم الرجوع إلى الدِّية، كما لم يكن له رِجلٌ .

أقول: مقتضى إطلاق الأدلّة هو القول الثاني، ولذا لم يتوهّم أحدٌ أنّه إن لم يكن له رجلٌ يُفقأ إحدى عينيه، وهذا من الوضوح بمكان.

واستدلّ للأوّل: بخبر حبيب السَّجستاني، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ قطع يدين لرجلين اليمينين ؟

قال: فقال: يا حبيب تُقطع يمينه للذي قَطَع يمينه أوّلاً، وتُقطع يساره للرَّجل الذي قَطَع يمينه أخيراً، لأنّه إنّما قَطَع يد الرّجل الأخير، ويمينه قِصاصٌ للرَّجل الأوّل.

قال: فقلتُ : إنّ عليّاً عليه السلام إنّما كان يقطع اليد اليُمنى والرِّجل اليُسرى؟.

فقال: إنّما كان يفعل ذلك فيما يجبُ من حقوق اللّه، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين، فإنّه تُؤخذ لهم حقوقهم في القِصاص؛ اليدُ باليد إذا كانت للقاطع يَد، والرِّجل باليد إذا لم يكن للقاطع يدٌ.5.

ص: 56


1- الخلاف: ج 5/193.
2- غنية النزوع: ص 410.
3- السرائر: ج 3/396.
4- إيضاح الفوائد: ج 4/573.
5- مسالك الأفهام: ج 15/271.
6- مباني تكملة المنهاج: ج 2/155.

فقلت له: أو ما تجبُ عليه الدِّية وتُترك له رجله ؟

فقال: إنّما تجبُ عليه الدِّية إذا قَطَع يد رجلٍ ، وليس للقاطع يدان ولا رِجلان، فثمَّ تجبُ عليه الدِّية، لأنّه ليس له جارحة يقاصّ منها»(1).

وهذا الخبر من حيث الدلالة لا كلام فيه.

وأمّا من حيث السَّند: فقد أُورد عليه بأنّ حبيب السجستاني لم يُذكر بتوثيقٍ ولا مدحٍ ، فلا يمكن الاستدلال به على حكمٍ شرعي أصلاً.

أقول: ولكن يندفع هذا الإيراد:

أوّلاً: بأنّ المحكيّ عن «المختلف»(2)، و «الإيضاح»(3)، و «المهذّب البارع»(4)، و «التنقيح»(5) توصيف الخبر بالصحيح، بل عن «الروضة»(6) نسبة وصفها بالصِّحة إلى الأصحاب.

وثانياً: أنّ صاحب «البُلغة» حكم بكون حبيب ممدوحاً، بل نقل وحيد عصره آقا محمّد باقر البهبهاني عن جَدّه أنّه حكم بأنّه ثقة، فإذاً لا وجه للتوقّف في اعتبار خبره.

وثالثا: أنّ الأصحاب إلى زمان الحِلّي بأجمعهم استندوا إلى هذا الخبر، وهذا0.

ص: 57


1- الكافي: ج 7/319 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/174 ح 35402.
2- مختلف الشيعة: ج 9/395.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/573.
4- المهذّب البارع: ج 5/173.
5- التنقيح الرائع: ج 4/422 قوله: (وحبيب هذا من رجال الباقر والصادق عليهما السلام كان شارياً، ثمّ دخل في مذهبهماوانقطع إليهما).
6- شرح اللُّمعة: ج 10/50.

يوجبُ جَبر الضعف لو كان.

فالمتحصّل: أنّ ما هو المشهور أقربُ ، فلا يُنتقل إلى الدِّية ما دام له رِجلٌ .

ثمّ إنّ الخبر لا يدلّ على الترتيب بين الرّجلين، ولكن ورد التصريح به في معقد إجماع «الخلاف»(1)، و «الغُنية»(2)، ولعلّه كافٍ في إثبات هذا الحكم المخالف للقاعدة.

نعم، يستفاد من الخبر - سيّما بواسطة ما فيه من التعليل - أنّه وإن لم يكن له رِجلان يُقطع الرِّجل باليد، وهل يُتعدّى إلى أصابع اليدين، فلو قطع إصبعاً من يد اليُمنى لرجلٍ ، ولم يكن له يدُ يمنى ، أو كانت له ولم تكن لها أصابع، فهل يُقطع إصبعه من اليد اليُسرى وإن لم يكن فمن رجله ؟

وجهان: من عموم العلّة، ومن لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على المتيقّن، ولعلّ الأوّل أظهر.

وأولى بذلك ما لو فَقَأ أعورٌ - لا عين يُمنى له - عين الصحيح الُيمنى ، فإنّه لا ينبغي التوقّف في أنّه يقتصّ منه بفقأ عينه اليسرى ، للعلّة المذكورة، وإطلاق قوله تعالى :

(وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (3) ، بعد اختصاص دليل الترتيب بصورة الإمكان، وإطلاق صحيح محمّد بن قيس المتقدّم.

ولو قَطَع أيدي جماعةٍ على التعاقب، قُطع يمينه للأوّل، ويساره للثاني، ورِجليه للثالث والرابع، لما بعد الرابع، ويستفاد ذلك كلّه من خبر السجستاني.

ولو انعكس الأمر، بأن قَطَع اثنان مثلاً يد واحدٍ، جاز له الاقتصاص منهما بعد5.

ص: 58


1- الخلاف: ج 5/193.
2- غنية النزوع: ص 620.
3- سورة المائدة: الآية 45.

رَدّ دية واحدة إليهما، وله أن يقتصّ من أحدهما، ويردّ الآخر نصف دية اليد إلى المقتصّ منه، كما أنّ له مطالبة الدِّية منهما من الأوّل.

ويشهد بذلك: - مضافاً إلى ما مرَّ في اشتراك اثنين في قتل واحدٍ - صحيح أبي مريم الأنصاري، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في رجلين اجتمعا على قطع يد رجلٍ؟

قال عليه السلام: إن أحبَّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثمّ يقطعهما، وإن أحبّ أَخَذ منهما دية يدٍ.

قال: وإن قطع يَد أحدهما رَدّ الذي لم تُقطع يده على الذي قُطعت يده رُبع الدِّية»(1).

***6.

ص: 59


1- الكافي: ج 7/284 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/186 ح 35426.

القِصاص في الشِّجاج

المسألة الرابعة: لا خلاف ولا إشكال في أنّه يثبتُ القِصاص في الشِّجاج، الشَّجة بالشَّجة، ويشهد به:

1 - قوله تعالى : (وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (1).

2 - وجملةٌ من الأخبار:

منها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام فيماكان من جراحات الجَسَد أنّفيهاالقِصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيُعطاها»(2).

ومنها: معتبره الآخر عنه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللَّطمة...

إلى أن قال: وأمّا ما كان من جراحاتٍ في الجسد، فإنّ فيها القِصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(3).

ومنها: خبر الحكم بن عُتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في العَمَد والخطأ في القتل والجراحات ؟

قال عليه السلام: ليس الخطأ مثل العَمَد العَمد فيه القتل، والجراحات فيها القِصاص، والخطأ في القتل والجراحات فيها الدِّيات، الحديث»(4).

ونحوها غيرها.

ص: 60


1- سورة المائدة: الآية 45.
2- الكافي: ج 7/320 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/176 ح 35406.
3- التهذيب: ج 10/277 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/177 ح 35408.
4- التهذيب: ج 10/174 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/175 ح 35404.

وتساوي المساحة في الشِّجاج طولاً وعَرْضاً، ولا نزولاً وعُمقاً، بل يُعتبر الاسم كالموضَّحة.

(و) يعتبرُ في القِصاص فيها (تساوي المساحة في الشِّجاج طولاً وعرضاً) اتّفاقاً، على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر، كذا في «الرياض»(1).

ويدلّ عليه: ما دلّ على اعتبار المماثلة في القِصاص، وممّا يدلّ على ذلك لفظ القِصاص، على ما عرفت في أوّل هذا الكتاب، فلا يُقابل ضيقة بواسعةٍ ، ولا يقنع بضيقة عن واسعة، بل يُستوفى بقدر الشَّجة في البُعدين.

و (لا) يُعتبر التساوي (نزولاً وعُمقاً، بل يُعتبر الإسم) المخصوص الذي جُعلت الجناية به (كالموضّحة)، والخارصة، والباضعة، وما شاكل، بإجماعنا المصرّح به في جملةٍ من العبائر، كما في «الرياض»(2)، والوجه فيه - مضافاً إلى ذلك - ندرة التساوي فيه، سيّما مع اختلاف الرؤوس في السمن والهزال وغلظ الجلد ودقّته.

وعليه، فالعبرة إنّما هي بصدق الاسم حتّى لو كان المتلاحمة مثلاً نصف أنملةٍ ، جاز في القِصاص الزيادة عليه، ما لم ينته إلى ما فوقها، فيُمنع عنها حينئذٍ لاختلاف الاسم.

وليس الاستدلال بعدم التمكّن من رعاية التساوي فيه حتّى يورد عليه - كما في «الرياض»(3) و «الجواهر»(4) - بأنّ ذلك ليس بموجبٍ ، إذ يؤتى بما يمكن، ويسقط4.

ص: 61


1- رياض المسائل: ج 14/13.
2- رياض المسائل: ج 14/155.
3- رياض المسائل: ج 14/155.
4- جواهر الكلام: ج 42/384.

الباقي، ويؤخذ أرش الزائد، بل الاستدلال بالفهم العرفي، من تعليق الحكم على عنوانٍ من دون إشارة إلى شيء نادر التحقّق، فإنّ المفهوم عرفاً هو عدم اعتبار ذلك.

***

ص: 62

ويَثبتُ القِصاص فيما لا تغرير فيه، ولا قِصاصَ فيما فيه تغريرٌ، كالمأمومة، والجائقة، وكَسر العظام.

ثبوت القصاص في ما لا تغرير فيه

المسألة الخامسة: (ويثبتُ القِصاص فيما لا تغرير فيه) بالنفس أو الطرف، كالخارصة، والباضعة، والسِّمحاق، والموضّحة، وسيأتي تفسيرها، وكذا كلّ جُرحٍ يكون مضبوطاً، بأن كان القِصاص بمقدار الجرح، لعموم الأدلّة.

(ولا قِصاص فيما فيه تغريرٌ) وكان موجباً لتعريض النفس على الهلاك، أو تلف العضو، أو زيادة في الجراح (كالمأمومة(1)، والجائفة(2)، وكَسر العظام) بلا خلافٍ ، فإنّه وإنْ حُكي الخلاف عن الشيخين(3)، وابن حمزة(4)، وسلّار(5)، إلّاأنّ الأولين وإن أثبتا القِصاص في «المقنعة»(6) و «النهاية»(7) في جميع الجراح، إلّاأنّهما استثنيا المأمومة والجائفة فيهما، معلّلين ذلك بأنّ فيهما تغريراً بالنفس.

ومقتضاه تعديته في كلّ ما فيه ذلك، وكذلك الأخير، وينحصر المخالف في ابن حمزة، وفي خصوص الجائفة والمأمونة قد تكرّر دعوى الإجماع(8) على أنّه لا قِصاص فيهما.

أقول: ويمكن أن يُستدلّ لهذا الحكم بوجوه:

ص: 63


1- وهي: الشَّجة التي بلغت أُمّ الرأس، انظر: مجمع البحرين: 6-14 أمم.
2- وهي: الطعنة التي تبلغ الجوف، انظر: مجمع البحرين: 5-34 جوف.
3- كما سياتي في المقنعة والنهاية.
4- الوسيلة: 444-445.
5- المراسم: ص 247.
6- المقنعة: ص 766.
7- النهاية: ص 775.
8- راجع الخلاف: ج 5/163.

1 - نفس مفهوم القِصاص الوارد في الكتاب والسُّنة على ما مرّ.

2 - وجوب المحافظة على النفس والطرف المحترمتين.

3 - جملةٌ من الأخبار:

منها: مقطوع أبان، قال عليه السلام: «الجائفة ما وقعت في الجوف، ليس لصاحبها قِصاصٌ إلّاالحكومة، والمنقّلة تنقُل منها العظام، وليس فيها قِصاصٌ إلّاالحكومة، وفي المأمومة ثُلث الدِّية، ليس فيها قِصاصٌ إلّاالحكومة»(1).

ونحوه مقطوع أبي حمزة(2).

والإيراد عليه: بأنّه لعلّه فتوى نفسه، وهي ليست حُجّة لنا.

مندفع: بأنّ الصَّدوق يقول في روايته لا في فتواه، واحتمال أنّه يروى عن غير الإمام من الممتنع عادةً .

ومنها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: ليس في عظمٍ قِصاصٌ ، الحديث»(3).

وأمّا صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن السِّن والذّراع يُكسران عمداً، لهما أرشٌ أو قِود؟ قال عليه السلام: قِود.. الحديث»(4).

فقد حَمَله الشيخان(5) على ما إذا كان المكسور شيئاً لا يُرجى صلاحه، فإن تمّ وإلّا فيُردّ علمه إلى أهله.

***6.

ص: 64


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/169 ح 5385، وسائل الشيعة: ج 29/179 ح 35413.
2- تهذيب الأحكام: ج 10/294 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/180 و 383 ح 35414 و 35825.
3- التهذيب: ج 10/280 ح 23، وسائل الشيعة: ج 29/185 ح 35424.
4- الكافي: ج 7/320 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/176 ح 35407.
5- نسبه إليهما في رياض المسائل: ج 14/156.

ولا يُقتصُّ للذِّمي من المُسلِم.

الاقتصاصُ للمسلم من الذِّمي

المسألة السادسة: ويقتصُّ المسلم من الذِّمي، ويأخذ منه فضل ما بين الدِّيتين بلا خلافٍ ، ويشهد به صحيح أبي بصير، قال:

«سألته عن ذمّي قَطع يد مسلمٍ؟

قال عليه السلام: تُقطع يده إنْ شاء أولياؤه، ويأخذون فضل ما بين الدِّيتين، وإن قَطَع المسلمُ يد المعاهد خُيّر أولياه المعاهد، فإنْ شاءوا أخذوا دية يده، وإنْ شاءوا قَطَعوا يد المسلم، وأدّوا إليه فَضل ما بين الدِّيتين، وإذا قتله المُسلم صَنع كذلك»(1).

ولا يضرّ إضماره بعد كون المُضمِر زرارة، كما لا يضرّ ما في ذيله كما سيمرّ عليك.

(ولا يقتصّ للذِّمي من المُسلم) فلو قَطَع المسلمُ يد ذمّي مثلاً، لم تُقطع يده، ولكن عليه دية اليد بلا خلافٍ .

ويشهد به: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «لا يُقادُ مسلمٌ بذِّمي في القتل، ولا في الجراحات، ولكن يؤخَذُ من المسلم جنايته للذِّمي على قدر دية الذِّمي ثمانمائة درهم»(2).

وأمّا صحيح أبي بصير، فهو مشتملٌ لأحكام ثلاثة:

ص: 65


1- التهذيب: ج 10/280 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/183 ح 35420.
2- الكافي: ج 7/310 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35274.

1 - صدرهُ متضمّنٌ لحكم ما لو قَطَع ذمّيٌ يد مسلمٍ ، وهو معمولٌ به.

2 - وذيله متضمّنٌ لحكم قَتل المسلم الذِّمي، ومفاده جواز قتله، فسبيله سبيل غيره من النصوص الدّالة عليه، المحمولة على صورة الاعتياد، بقرينة نصوص اُخر.

3 - ووسطه متضمّنٌ لحكم قطع المُسلم يد الذِّمي، فيُحمل على صورة الاعتياد، أو يُطرح لعدم العمل به.

والمتعيّن هو الثاني، لعدم القرينة على الأوّل، ولا مانع من التفكيك في رواية واحدة بين جملاتها.

***

ص: 66

ويُقطَعُ الأنف الشَّام بفاقده، والاُذُن الصَّحيحة بالصَّماء.

كيفيّة قصاص الأنف والاُذُن

المسألة السابعة: (ويُقطع الأنف الشَّام بفاقده، والاُذُن الصحيحة بالصَّماء) بلا خلافٍ ولا إشكال، لعموم قوله تعالى : (وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ اَلْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ) (1)، وكونه اعتداءً بمثل ما اعتدى، بناءً على ما هو الحقّ من خروج الخَلل في الشَّم والسَّمع عن العضوين، وثبوت أحدهما في الدماغ والآخر في الصماخ ونحوهما، فالمرضُ غير متعلّق بالعضو، ولذا لو قَطَع أنفه فزال شَمّه، أو قَطَع اُذُنه فزال سمعه، كان هناك جنايتان.

ويستوي في ذلك الأقنى، والأفطس، والكبير والصغير، لأنّ المقابلة في الأطراف بين طبيعي الأنف والأنف، والاُذُن والاُذُن، والعين والعين، وهكذا، ولا نظر فيها للصِغر والكبر، وهذا بخلاف الجروح، فإنّ المقابلة فيها بين الجرح ومماثله، فلا محالة يعتبر فيه المساحة.

وهذا كلّه لا كلام فيه، إنّما الكلام فيما لو قَطَع نصف الأنف مثلاً، وكان أنف المجنيّ عليه كبيراً، وأنف الجاني صغيراً، فهل يُنسب المقطوع إلى أصله، ثمّ يُؤخذ من الجاني بحسابه، ففي الفرض يُقطع نصف أنف الجاني، ولا يُراعى المساحة بين الأنفين حتّى يقتصّ بقدر ما قَطَع، وإن كان تمام الآخر مثلاً، كما عن الشيخ(2)،

ص: 67


1- سورة المائدة: الآية 45.
2- المبسوط: ج 7/96 قوله: (وأمّا إن قطع بعض المارن نظرنا إلى قدره بالأجزاء، فإن كان ثُلثاً أو عشراً، عرفنا ثمّ يأخذ بحسابه من أنف القاطع، و لا يأخذ بالمساحة، لأنّه قد يكون نصف المقطوع ككلّ أنف القاطع، فيفضي إلى أن يأخذ أنفاً بنصف أنف، وهذا لا سبيل إليه).

والمصنّف(1)، والشهيد الثاني(2)، وكاشف اللِّثام(3)؟

أم يكون ذلك من قبيل الشِّجاج، يُراعى فيه المساحة دون الاسم ؟

أم ينتقل إلى الدِّية لخروج الفرض عنهما؟

وجوهٌ : والأظهر هو الأوّل، فإنّ المستفاد من قوله تعالى : (وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ) مقابلة مجموع الأنف لمجموع الأنف، بلا رعاية المساحة، والمفهوم منه عرفاً مقابلة كلّ كسرٍ كالنصف والثُّلث وما شاكل من أحدهما بالآخر، فلو قطع نصف أنف المجنيّ عليه، له أن يقتصّ من الجاني بقطع نصف أنفه، ويؤكّده ما قيل من صدق القِصاص بذلك عرفاً.

أقول: بقي في المقام فرعان:

الفرع الأوّل: لو قُطِعت اُذُن شخصٍ أو أنفه، ثمّ ألصقها المجنيّ عليه قبل الاقتصاص من الجاني، والتحمت، فهل يسقطالقِصاص، أم لا كما عن المشهور؟ وجهان:

وجه الأوّل: قوله عليه السلام في معتبر إسحاق الآتي: «إنّما يكون القِصاص من أجل الشين»(4)، وبه يقيّد إطلاق الأدلّة.

ووجه الثاني: وجود المقتضى للقصاص، وهو إطلاق أدلّته، وعدم ما يدلّ على منع الإلصاق عنه.3.

ص: 68


1- قواعد الأحكام: ج 3/640، تحرير الأحكام: ج 2/259.
2- مسالك الأفهام: ج 15/285.
3- كشف اللِّثام (ط. ج): ج 11/214.
4- التهذيب: ج 10/279 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/185 ح 35423.

أقول: والثاني أظهر، لأنّ التساوي في الشين لا يكون علّةً للقصاص، فإنّ الجروح مطلقاً يثبتُ فيها القِصاص، بعد الاندمال، وارتفاع الشين، وفي الأطراف يثبتُ القِصاص، وإن لم يكن قَطعُ الطرف موجباً للشين بل للزين، كما إذا كان إحدى الاُذُنين أكبر من الأُخرى ، وبقطع إحداهما ارتفع الشين، ومع ذلك يثبتُ القِصاص بلا كلام.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من الآية الكريمة هو أنّ التقابل بين كلّ طرفٍ من المجنيّ عليه وما يماثله من الجاني، فإذا التحم العضو المقطوع، فمن حيث الطرف ينتفى القِصاص، ويبقى من حيث الجراحة، فإذا أمكن قطع اُذُن الجاني ووصلها، يجوز ذلك اقتصاصاً لتلك الجراحة الواردة، وإلّا فينتقل الحقّ إلى الدِّية دية الجرح.

نعم، لا إشكال ولا خلاف ظاهراً في أنّه للجاني إزالته.

ويشهد به: معتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «إنّ رجلاً قطع من بعض اُذُن رجلٍ شيئاً، فرُفِع ذلك إلى عليٍّ عليه السلام فأقاده فأخذ الآخر ما قَطَع من اُذُنه فردّه على اُذنه بدمه، فالتحمت وبَرئت، فعاد الآخر إلى عليٍّ عليه السلام فاستقاده، فأمر بها فقُطِعت ثانيةً ، وأمر بها فدُفنت، وقال عليه السلام: إنّما يكون القِصاص من أجل الشين»(1).

ومن الغريب ما قيل في المقام من أنّه يجوزُ الإزالة من باب النهي عن المنكر، لأنّها ميتة لا يصحّ الصلاة معها، فإنّ محلّ الكلام ما لو التحم وحَلّت به الحياة، وصار حيّاً، وتبدّل عنوان كونه ميتة، أضف إليه أنّه خلاف صريح المعتبر وتعليله.

الفرع الثاني: لو اقتصَّ المجنيّ عليه من الجاني، ثُمّ ألصق الجاني عضوه المقطوع3.

ص: 69


1- التهذيب: ج 10/279 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/185 ح 35423.

بمحلّه فالتحم وبرئ، ففيه الوجهان المتقدّمان.

نعم، لا يبعدُ أن يقال: إنّ المجنيّ عليه، إن كان ألصَق عضوه المقطوع، فلا ينبغي التوقّف في أنّه ليس له إزالته، وإلّا فيجوز ذلك، انظر إلى ما في معتبر إسحاق من التعليل، فتدبّر حتّى لا تُبادر بالإشكال.

***

ص: 70

ثُبُوت القِصاص في قَطع الذَكَر

المسألة الثامنة: لا خلاف ولا إشكال في أنّه يثبتُ القِصاص في قطع الذَكَر، بل عن «كشف اللّثام»(1) و «التحرير»(2) الإجماع عليه، ويشهد به:

1 - إطلاق قوله تعالى : (وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (3)، وقوله عزّ وجلّ :

(فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (4) .

2 - وإطلاقات النصوص:

منها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللّطمة - إلى أن قال: - وأمّا ما كان من جراحات في الجَسَد، فإنّ فيها القِصاص، الحديث»(5).

ومثله معتبره الثاني(6).

وخبر ابن عُتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ : «والجراحات فيها القِصاص»(7). إلى غير ذلك من النصوص.

والمشهور بين الأصحاب أنّه لا فرق بين الصغير والكبير، وفي «الجواهر»(8)

ص: 71


1- كشف اللِّثام: ج 11/226، (الفصل الخامس في الجناية على العورة).
2- راجع تحرير الأحكام: ج 2/270 و 273 (ط. ق).
3- سورة المائدة: الآية 45.
4- سورة البقرة: الآية 194.
5- التهذيب: ج 10/277 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/177 ح 35408.
6- وسائل الشيعة: ج 29/176 ح 35406.
7- الفقيه: ج 4/109 ح 5209، وسائل الشيعة: ج 29/175 ح 35404.
8- جواهر الكلام: ج 42/375.

ولا يُقطَعُ الذَّكَر الصحيح بالعنّين.

نفى عنه الخلاف بيننا، واستدلّ له بإطلاق الأدلّة.

ولكن أشكل فيه الأستاذ(1) من جهة أنّ قوله عليه السلام في صحيح أبي بصير المتقدّم:

«لا قِوَد لمن لا يُقاد منه»(2)، يدلّ على عدم ثبوت القِصاص فيما إذا كان المجنيّ عليه صغيراً، من دون فرقٍ بين القتل وغيره من الجنايات، وهو حَسنٌ .

ولا يَردُ عليه: بأنّ النسبة بينه وبين أدلّة قِصاص الطرف عمومٌ من وجه.

فإنّه يجاب: بحكومة الصحيح على تلك الأدلّة، فإنْ تمّ إجماعٌ ، وإلّا فالظاهر عدم ثبوت القِصاص.

وبه يظهر الحال في قطع غير الذَكَر من الجنايات على الصغير.

(و) قد طَفَحت كلماتهم بأنّه (لا يُقطع الذَكَر الصحيح بالعنّين).

وفي «الرياض»(3): نفى الخلاف فيه.

وقد استدلّ له بوجهين:

أحدهما: إلحاقه باليد الشلّاء، حيث لا يقتصّ من الصحيحة لو قطعها.

وفيه أوّلاً: أنّه قياسٌ لا نقول به.

وثانياً: قد عرفت أنّه يُقطع الصحيح بالأشلّ .

ثانيهما: ما دلّ على أنّ في قَطع ذَكَر العِنّين ثُلث الدِّية.0.

ص: 72


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/167.
2- الكافي: ج 7/294 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/71 ح 35177.
3- رياض المسائل: ج 14/160.

ويَردّه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ الدِّية غير القِصاص، فيمكنُ تساويهما في القِوَد، وعدم تساويهما في الدِّية.

وثانياً: أنّه سيأتي الكلام في محلّه أنّ ما دلّ على أنّ فيه ثُلث الدِّية معارضٌ بما دلّ على أنّه فيه الدِّية كاملة، وإن كان المعتمد هو الأوّل.

أقول: وتمام الكلام في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: لو قطعتِ المرأةُ ذَكَر الرَّجل، فلا قِصاص لعدم إمكانه، وعليها الدِّية، لما مرّ من أنّ مقتضى إطلاق أدلّة الدِّية في الأطراف ثبوتها في جميع الموارد، خرج عنها ما دلّ الدليل على ثبوت القِصاص فيه، وبقي الباقي.

الفرع الثاني: يثبتُ القِصاص في الخصيتين، وفي إحداهما بلا خلافٍ ، لإطلاق الأدلّة، مع عدم وجود المقيّد، فإن قُطِعتِ اليُمنى اقتصّ من الُيمنى ، وإنْ قُطِعت اليسرى فمن اليسرى ، لأجل تحقّق المماثلة المعتبرة على ما تقدّم.

ولو خُشي ذهاب منفعة الأُخرى ، فإن أوجب قطعها من المجنيّ عليه ذلك، فلا إشكال في القِصاص، وإلّا فالأظهر عدم جواز القِصاص، كما هو المشهور بين الأصحاب، للتغرير في العضو الآخر الذي مرّ أنّه مانعٌ عن القِصاص، فيؤخذ حينئذٍ ديتها، لإطلاق أدلّة الدِّية.

الفرع الثالث: ولو قطعت المرأة فَرج امرأةٍ ، يثبتُ لها القِصاص بلا إشكالٍ ، ولو كان القاطع رجلاً فلا قِصاص، لعدم المماثلة، ويُؤخذ ديتها كما مرّ.

نعم، لو امتنع عن الدِّية، وطالبت المرأة قَطْع فَرجه قُطِعت، لمعتبرة عبد الرحمن ابن سيّابة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

ص: 73

«إنّ في كتاب عليّ عليه السلام: لو أنّ رجلاً قَطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها، وإن لم يؤدّ إليها الدِّية قَطعتُ لها فرجه إنْ طَلبتْ ذلك»(1).

وفي «الشرائع»(2): (وهي متروكة).

وفي «المسالك»(3): (وفي الطريق جهالة، وفي الحكمِ مخالفةٌ للاُصول الدّالة على اعتبار المماثلة بين الأعضاء، وهي مفقودة هنا).

أقول: أمّا الجهالة في الطريق، فلم أفهمها، إذ الخبر مرويٌّ في «الكافي»(4)بإسناده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن، ورجال الحديث كلّهم ثُقات.

وأمّا المخالفة للعمومات: فكم لها نظيرٌ في الفقه، فتخصَّص بالخبر.

وأمّا المتروكيّة: فإنْ ثبت الإعراض فهو يُسقطها عن الحجيّة، لكنّه غير ثابتٍ ، فلا إشكال في الحكم.

وأمّا صحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ قَطَع فرج امرأته ؟

قال: أغرمه لها نصف الدِّية»(5) هكذا في «الوسائل».

فهو إمّا من سَهو القلم، أو غلط النسخة، لأنّ المذكور في «الكافي»(6)7.

ص: 74


1- التهذيب: ج 10/251 ح 29، وسائل الشيعة: ج 29/171 ح 35398.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1009.
3- مسالك الأفهام: ج 15/284.
4- الكافي: ج 7/313 ح 15.
5- وسائل الشيعة: ج 29/171 ح 35397.
6- الكافي: ج 7/314 ح 17.

و «التهذيب»(1): «رجلٌ قَطَع ثدي امرأته».

ثُمّ إنّ صاحب «الجواهر»(2) زاد على ذلك اشتباهاً آخر، قال: (وفي آخر:

«رجلٌ قَطَع فرج امرأته، قال: أغرمه نصف ديتها».

وبالجملة: بما ذكرناه ظهر حكم ما لو قَطَع أحد الشَّفرين، فإنّ القاطع إنْ كان هي المرأة يقتصّ منها، وإن كان هو الرّجل يُؤخذ منه الدِّية، ولا يُقطع منه شيءٌ لاختصاص الخبر بمورده.

***8.

ص: 75


1- التهذيب: ج 10/252 ح 31.
2- جواهر الكلام: ج 42/378.

وتُقلع عين الأعور الصَّحيحة بعين السليم قصاصاً وإنْ عَمى.

قلعُ الأعور عين الصَّحيح

المسألة التاسعة: (وتُقلَعُ عينُ الأعور الصحيحة) أي ذي العين الواحدة خِلقةً ، أو بآفةٍ ، أو قِصاصٍ ، أو جنايةٍ (بعين السليم قصاصاً، وإن عَمى) بذلك الأعور، وبقي بلا بصر، بلا خلافٍ يظهر، كما صرّح به غير واحدٍ.

وعن «الخلاف»(1): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى إطلاقات الكتاب والسُّنة - خصوص صحيح محمّد بن قيس، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: أعورٌ فَقأ عينِ صحيحٍ؟ فقال عليه السلام: تُفقأ»(2).

وما في «المسالك»(3): من ضعف سند الخبر، لاشتراك محمّد بن قيس بين الثقة والضعيف.

يندفع: بأنّ المراد به في المقام الثقة، لرواية عاصم بن حميد عنه، ولأنّه الذي روى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، ولأنّه المعروف المشهور، أضف إلى ذلك كلّه عَمل الأصحاب به.

وعليه، فلا إشكال في الخبر سنداً، ودلالته واضحة، فالمسألة خالية عن الإشكال.

ص: 76


1- الخلاف: ج 5/252.
2- الكافي: ج 7/319 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/178 ح 35411.
3- مسالك الأفهام: ج 15/279.

ولو قَلَع صحيحُ العينين العينَ الصحيحة من الأعور:

فعن الأكثر: كون المجنيّ عليه مخيّراً بين قَلع إحدى عيني الصحيح، وأخذ نصف الدِّية منه، وبين العفو وأخذ تمام الدِّية، ويشهد به:

1 - صحيح محمّد بن قيس، قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: قَضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ أعورٍ اُصيبت عينه الصحيحة ففُقِئت، أن تُفقأ إحدى عيني صاحبه، ويعقل له نصف الدِّية، وإن شاء أخذ دِّيةً كاملة، ويعفو عن عين صاحبه»(1).

2 - وخبر عبد اللّه بن الحَكَم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ صحيح فَقَأ عين رجلٍ أعور؟

فقال: عليه الدِّية كاملة، فإنْشاء الذي فُقِئَت عينه أن يقتصّمن صاحبه، ويأخذ منه خمسة الآف درهم فعل، لأنّ له الدِّية كاملة، وقد أخذ نصفهابالقصاص»(2).

وعليه، فما عن الشيخ في «الخلاف»(3)، والمفيد(4)، والحِلّي(5) من عدم رَدّ نصف الدِّية تمسّكاً بالأصل، وبعموم قوله تعالى : (وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) غَير تامّ ، لأنّه يتعيّن الخروج عنهما بالأخبار المتقدّمة، فما عن الأكثر أظهر.

هذا فيما إذا لم يكن أعورٌ بجنايةِ جانٍ ، وإلّا فليس له إلّاقلع إحدى عيني الصحيح، بلا خلافٍ ، بل عن «الخلاف»(6) و «الغُنية»(7) الإجماع عليه، وعن ديات6.

ص: 77


1- الكافي: ج 7/317 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/180 ح 35415.
2- التهذيب: ج 10/269 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/331 ح 35715.
3- الخلاف: ج 5/251.
4- المقنعة: ص 759.
5- تحرير الأحكام: ج 5/585.
6- راجع الخلاف: ج 5/251، مسألة 57 (قلع عين أعور العين).
7- غنية النزوع: ص 416.

«كشف اللّثام»(1) أنّه اتّفاقي، وهو الحجّة فيه.

وإلّا فما قيل: من أنّ صحيح محمّد بن قيس لا إطلاق فيها، وإنّما المحكيّ فيها قضاء عليّ عليه السلام في قضيّةٍ شخصيّةٍ ، ونتيجة ذلك الاقتصار على القدر المتيقّن، والرجوع في غيره إلى إطلاق قوله تعالى : (وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (2)، وخبر عبد اللّه بن الحكم، ضعيفٌ لا يمكن الاعتماد عليه.

يمكن الجوابُ عنه: بأنّ نقل الإمام الباقر عليه السلام تلك القضيّة الشخصيّة في مقام بيان الحكم من غير استفصالٍ ، دليلُ عدم الفصل.

وأمّا الإجماع: فإنّما هو على الفرق بين الموردين بوجوب الدِّية كاملة في المورد الأوّل، ونصف الدِّية في الثاني، وقد مرّ أنّ الدِّية غير القِصاص.

وعليه، فالأظهر عدم الفرق بين الموردين. وعلى كلّ حالٍ ، فليس له قلع العينين بعينه قطعاً نصّاً وفتوىً ، إلّاعن الإسكافي(3) وهو ضعيفٌ .

أقول: وتمام الكلام في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: لا فرق في ثبوت القِصاص بين الصَّحيحة والحولاء (أي المعوجة) والعَمْشاء (والعَمَش خَلَلٌ في الأجفان، يقتضي سيلان الدمع غالباً)، والخَفشاء (والخَفش عدمُ حِدّةٍ في البصر، بحيثُ لا يَرى من بَعُد، أو عدم البصر في اللّيل خاصّة، أو في يوم غيمٍ ، أو فساد الأجفان، أو صِغر العين)، والجَهراء (والجهر عدم البصر نهاراً) والعشياء (والعشاء عدم البَصر ليلاً)، كلّ ذلك لإطلاق قوله تعالى :1.

ص: 78


1- كشف اللِّثام: ج 11/207.
2- سورة المائدة: الآية 45.
3- كما حكاه عنه في الجواهر: ج 42/371.

(وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (1) .

الفرع الثاني: ولو جَنى عليه فأذهبَ ضوء العين دون الحَدَقة، كان للمجنيّ عليه الاقتصاص بمثل ذلك إن أمكن، بأن لا يلزمَ منه تغريرٌ في عضوٍ آخر، أو في النفس، أو بزيادةٍ .

ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه -:

عموم أدلّة القِصاص بالمثل، كالآية الكريمة: (فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (2).

وخبر رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ عثمان أتاهُ رجلٌ من قيس بمولىً له قد لَطَم عينه، فأنزل الماء فيها، وهي قائمة، ليس يَبصُر بها شيئاً، فقال له: أعطيك الدِّية فأبى؟

قال: فأرسل بهما إلى عليٍّ عليه السلام وقال: احكم بين هذين، فأعطاه الدِّية فأبى ، قال:

فلم يزالوا يعطونه حتّى أعطوه ديتين، قال: فقال: ليس اُريد إلّاالقِصاص.

قال: فدعا عليٌّ عليه السلام بمرآةٍ فحماها، ثمّ دَعا بكرسفٍ فَبلّه ثُمّ جعله على أشفار عينيه، وعلى حواليها، ثمّ استقبل بعينه عين الشمس، قال: وجاء بالمرآة، فقال:

انظر، فَنَظر فذاب الشَّحم، وبقيت عينه قائمةً وذهب البصر»(3).

وما تضمّنه من بيان الطريق للقصاص غير متعيّن، لأنّه لا يدلّ على تعيّنه، بل هو أحد الطرق، فلا مقيّد لإطلاق أدلّة القِصاص المقتضي للاقتصاص كيف اتّفق،0.

ص: 79


1- سورة المائدة: الآية 45.
2- سورة البقرة: الآية 194.
3- الكافي: ج 7/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/173 ح 35400.

فما يوهمه ظواهر كلمات جمعٍ من الأساطين من تعيّن تلك الكيفيّة لا وجه له.

الفرع الثالث: ويثبتُ القِصاص في الحاجبين، واللِّحية، وشَعر الرأس، وماشاكل ذلك، لعموم أدلّة القِصاص، غاية الأمر لابدّ وأن يُراعى المماثلة، فإذا كانت إزالة الشعر مجرّدة عن إفساد المحلّ ، يقتصّ منه بمثل ذلك لا بالاقتصاص بما يفسد المحلّ ، لما مرَّ من اشتراط عدم تغرير النفس، أو الطرف، أو الزيادة.

وأمّا النصوص التي استدلّ بها في المقام: فكلّها في بيان الدِّية، ولا ربط لها بالقصاص، وسيأتي الكلام فيها في الدِّيات إنْ شاء اللّه تعالى .

***

ص: 80

ثبوتُ القِصاص في السِّن

المسألة العاشرة: يثبتُ القِصاص في السِّن في الجملة، كتاباً وسُنّةً وإجماعاً بقسميه، كذا في «الجواهر»(1).

فلو قَلَع سِنّ شخصٍ ، فله قَلع سنّه، ولو عادت اتّفاقاً، فالمشهور بين الأصحاب(2) أنّه لا قِصاص.

وفي «الجواهر»(3): (بلا خلافٍ محقّق أجده فيه)، ولعلّه لأجل ما في معتبر إسحاق المتقدّم من قوله عليه السلام: «إنّما يكون القِصاص من الأجل الشين»(4).

ولكن يرد عليه: - مضافاً إلى ما تقدّم من أنّه في إزالته ثانياً لا في القِصاص - أنّ عود السِّن غير إلصاق العضو والتحامه، فإنّها هبةٌ جديدة من اللّه تعالى، لا علاقة لها بالسِّن المقلوعة، فهو لا يشملُ المقام، فإنْ تَمّ إجماعٌ تعبّدي، وإلّا فالأظهر أنّ له القِصاص لإطلاق قوله تعالى : (وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ ) (5)، والعودُ لا يوجبُ سقوط القِصاص.

وبذلك يظهر أنّه لو اقتصّ المجنيّ عليه من الجاني، وقَلَع سِنّه ثُمّ عادت، فليس له قلعها، لأنّها هبةٌ جديدة لا علاقة لها بالمقلوعة.

ولو كسر السِّن الظاهرة منه، فهل لا قِصاص فيها كما في كسر غيرها من

ص: 81


1- جواهر الكلام: ج 42/385 و 387.
2- راجع شرائع الإسلام: ج 4/1011، مسالك الأفهام: ج 15/420.
3- جواهر الكلام: ج 42/385 و 387.
4- التهذيب: ج 10/279 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/185 ح 35423.
5- سورة المائدة: الآية 45.

ويُنتظر بسِنّ الصَّبي سنةً ، فإنْ عادَت فالأرش،

العظام كما تقدّم، أم فيها القِصاص ؟ نظراً إلى الفرق بينها وبين غيرها، بأنّها لمّا كانت مشاهدة من أكثر جوانبها، أمكن حصول المماثلة فيها، فيشملها عموم أدلّة القِصاص، وهذا هو الأظهر.

هذا في سِنّ المُثغر.

(ويَنتظرُ في سِنّ الصَّبي) الذي لم يَثغر بلا خلافٍ فيه، مدّة جَرَت العادة بالإنبات فيها، وفي كتب المصنّف(1) منها المتن (سَنَةً ) واستغربه جماعةٌ منهم الشهيد رحمه الله(2)، فقال: (فإنّي لم أقفُ عليه في كتبِ أحدٍ من الأصحاب، مع كثرة تصفّحي لها، ولا في رواياتهم، ولا سمعتُ من الفضلاء الذين لقيتهم، بل الجميع أطلقوا الانتظار بها، أو قيّدوا بنبات بقيّة أسنانه بعد سقوطها).

(فإنْ عادَت ف) لا قِصاص، بلا خلافٍ :

1 - لانصراف إطلاق الآية الكريمة عن مثل ذلك، لأنّ عودها يكشفُ عن كونها فضلة، وعدم كونها سِنّاً أصليّة.

2 - ولمرسل جميل، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: «في سِنّ الصَّبي يضربها الرّجل فتسقط، ثُمّ تثبت ؟ قال عليه السلام: ليس عليه قِصاص، وعليه الأرش»(3).

وفيها (الأرش) لمرسل جميل المتقدّم، وإرساله لا يضرّ بعد كون المُرسِل من0.

ص: 82


1- راجع إرشاد الأذهان: ج 2/207، تحرير الأحكام: ج 5/516.
2- نسبه إليه في مجمع الفائدة: ج 14/95.
3- الكافي: ج 7/320 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/177 ح 35410.

وإلّا فالقصاص.

أصحاب الإجماع، مضافاً إلى عمل المشهور به.

وما أفاده الأستاذ(1): من أنّ فيها الدِّية، لإطلاق أدلّتها.

يَردّه: أنّه كما أفاده من انصراف دليل القِصاص، لكونها فُضلة، يكون دليل الدِّية أيضاً منصرفاً عنها.

(وإلّا) أي وإن لم تَعُد، وحَصَل اليأس من عودها ولو بإخبار أهل الخبرة، الكاشف ذلك عن كونها أصليّة، (ف) فيها (القِصاص) بلا خلافٍ مُحقَّق؛ لإطلاق الآية الكريمة: (وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ ) .

ودعوى(2): أنّ سِنّ الصَّبي فضلة في الأصل، نازلة منزلة الشَّعر الذي ينبتُ مرّةً بعد أُخرى ، وسِنّ البالغ أصليّة فلا تكون مماثلة لها.

مندفعة: بأنّ كونها أصليّة أو زائدة إنّما هو بسقوطها ونبات أُخرى مكانها وعدمه، فإذا لم تَنبُت يكشف ذلك عن كونها أصليّة، ولا أقلّ من عدم انصراف الآية عنها.

ولكن قد عرفت أنّ مقتضى قول الإمام الباقر عليه السلام في خبر أبي بصير: «لا قِوَد لمن لا يُقاد منه»(3) عدم القِصاص في الجناية على الصغير مطلقاً، ولازمه ثبوت الدِّية، لإطلاق أدلّته، إلّاأنْ يثبُتَ إجماعٌ على خلافه.7.

ص: 83


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/170.
2- مسالك الأفهام: ج 15/289.
3- الكافي: ج 7/294 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/71 ح 35177.

وأمّا ما عن جماعةٍ منهم القديمان(1)، وأبو حمزة(2)، والمصنّف في محكي «المختلف»(3): من أنّ في قَلع سِنّ الصَّبي الذي لم يَثغر بعيرٌ مطلقاً، فقد استدلّوا له بخبر مسمع بن عبد الملك، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «إنّ عليّاً عليه السلام قضى في سِنّ الصَّبي قبل أن يثغر بعيراً بعيراً في كلّ سِنّ »(4). ومثله خبر السكوني(5).

ويردُ عليه: أنّهما ضعيفان:

أمّا الأوّل: فلابن شمون، والأصَّم.

وأمّا الثاني: فلأنّ طريق الشيخ إلى النوفلي ضعيفٌ بأبي المفضّل وابن بُطة، مع أنّهما في مقام بيان الدِّية، ولا نظر لهما إلى القِصاص كبقيّة نصوص ديات الأطراف.

والمنسوب إلى المشهور اعتبار التساوي في المَحلّ والموضع في قِصاص الأسنان، بل اُدّعي عليه الإجماع(6)، ولكن غاية ما يُستفاد من الأدلّة اعتبار المماثلة بين المقتصّ به، والمقتصّ منه، وأمّا اعتبار المماثلة في محلّهما فلا دليل عليه، فلو كانتا متماثلتين بأن كانتا من الضِّرس أو الناب وما شاكل، واختلفتا بكون إحداهما عُليا والأُخرى سُفلى ، أو كون إحداهما يُمنى والأُخرى يُسرى ، يجوز القِصاص.

وبذلك يظهر أنّه إن كانتا زائدتين، يجوزُ القِصاص مع تغاير المحلّين، لصدق المماثلة بينهما.

***5.

ص: 84


1- نسبه العلّامة في المختلف: ص 806 إلى ابن الجُنيد، وقال الشهيد في المسالك: ج 15/289: (والقول بوجوب بعير لقلع سِنّ الصبيّ لجماعة منهم ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن حمزة، واختاره في المختلف).
2- الوسيلة: ص 448.
3- نقل الحكاية في جواهر الكلام: ج 42/391.
4- الكافي: ج 7/334 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/299 ح 35660.
5- وسائل الشيعة: ج 29/338 ح 35730.
6- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/215.

والملتجيء إلى الحَرَم يُضيّق عليه في المَطْعَم والمَشرَب ليخرُجَ ويُقتصَّ منه.

الإقتصاصُ من اللّاجيء بحَرَم اللّه

المسألة الحادية عشرة: المشهورُ بين الأصحاب، بل (و) قد اُدّعي عليه الإجماع(1) في كلماتِ غيرِ واحدٍ، أنّ (المُلتَجيء إلى الحَرَم) الجاني عمداً، لا يُقتصّ منه، ولكن (يُضيّق عليه في المَطعَم والمَشْرَب) ولا يؤوى، ولا يُتكلّم، ولا يُجالَس (ليخرج ويقتصّ منه).

أقول: والأصل في ذلك:

1 - قوله تعالى : (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (2).

2 - وجملةٌ من الأخبار:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل رجلاً في الحِلّ ثُمّ دخل الحَرَم ؟

فقال عليه السلام: لا يُقتل ولا يُطعم ولا يُسقى ولا يُبايع ولا يُؤوى حتّى يخرج من الحَرَم فيُقام عليه الحَدّ.

قلت: فما تقولُ في رجلٍ قَتَل في الحَرَم أو سرَق ؟

قال: يُقام عليه الحَدّ في الحَرَم، لأنّه لم يُرَ للحَرَم حُرمة صاغراً، وقد قال اللّه

ص: 85


1- حكاه في رياض المسائل: ج 2/469 (ط. ق).
2- سورة آل عمران: الآية 97.

تعالى : (فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1) فقال:

هذا هو في الحَرَم، وقال: (فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى اَلظّالِمِينَ (2)) »(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (4)؟ قال عليه السلام: إذا أحدثَ العبدُ في غير الحَرَم جنايةً ثُمّ فَرّ إلى الحَرَم، لم يَسَع لأحدٍ أن يأخذه في الحَرَم، ولكن يُمنع من السوق، ولا يُبايع، ولا يُطعَم، ولا يُسقى ، ولا يُكلَّم، فإنّه إذا فعل ذلك يوشَك أن يخرج فيُؤخذ، وإذا جَنى في الحَرَم جنايةً اُقيم عليه الحَدّ في الحَرَم، لأنّه لم يَرع للحَرم حُرمة»(5).

ومنها: صحيح حفص بن البختري، عنه عليه السلام: «عن الرّجل الذي يَجني الجناية في غَير الحَرَم، ثُمّ يَلجأ إلى الحَرَم، أيقامُ عليه الحَدّ؟ قال: لا، ولا يُطعم ولا يُسقى ولا يُكلَّم ولا يُبايع، فإنّه إذا فعل ذلك به يوشَك أن يخرج، فيُقام عليه الحَدّ، وإذا جَنى في الحَرَم جنايةً اُقيم عليه الحَدّ في الحَرَم، لأنّه لم يَرَ للحَرَم حُرمة»(6).

ومنها: خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ :

(وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ؟

قال: إنْ سَرَق سارقٌ بغير مكّة، أو جنى جنايةً على نفسه، فَفرّ إلى مكّة، لم يُؤخَذ ما دام في الحَرَم حتّى يخرجُ منه، ولكن يُمنع من السوق، فلا يُبايع ولا يُجالس1.

ص: 86


1- سورة البقرة: الآية 194.
2- سورة البقرة: الآية 193.
3- الكافي: ج 4/227 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/225 ح 17607.
4- سورة آل عمران: الآية 97.
5- الكافي: ج 4/226 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/225 ح 17608.
6- وسائل الشيعة: ج 13/227 ح 17611.

حتّى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدثَ في الحَرَم ذلك الحَدَث أُخذ فيه»(1).

ونحوها غيرها.

ومفاد هذه النصوص ترك الإطعام والإسقاء والإيواء والتكلّم والمجالسة، وفي متون الفتاوى: (يُضيّق عليه من هذه الاُمور):

وفسَّره بعضهم: بأنْ لا يُطعم ولا يُسقى إلّابما يَسدّ به الرّمق، أو بما لا يحتمله مثله عادةً .

وفسَّره بعضٌ آخر: بأن لا يُمكَّن من ماله إلّابما يَطعم ويَسقى ما لا يحتمله مثله، أو يَسدّ به الرَّمق.

أقول: والذي ألجأهم إلى ذلك، مع كونه خلاف النصوص، أنّ العمل بالأخبار قد يؤدّي إلى تلف النفس المحترمة، حيث لا تكون جنايته لنفسه مستغرقة، بل ولو كانت مستغرقة، فإنّ إمساك الطعام منه والشراب إتلافٌ له من هذا الوجه، فقد حَصَل في الحَرَم ما اُريد الهَرَب منه.

ولكن يرد عليه: أنّ التلف حينئذٍ مستندٌ إلى نفسه، فإنّ له أن يَخرُجَ من الحَرَم فلا يتلف.

ثمّ إنّ فيما أفاده جمعٌ من الفقهاء(2): من أنّه لا يُمكَّن من ماله إلّابما يَسدّ به الرَّمق إشكالاً من وجهٍ آخر، وهو أنّ النصوص ناهية عن الإطعام والإسقاء والإيواء، فلو كان له مأوى ، أو ما يكفيه من الطعام والماء، لا دليل على منعه منه، لا كُلّاً ولا بعضاً، ومقتضى الأصل جوازه.9.

ص: 87


1- الكافي: ج 4/227 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/226 ح 17609.
2- نسبه إليهم في رياض المسائل: ج 7/159.

ولو جَنى في الحَرَم اقتُصَّ منه فيه.

(ولو جَنى في الحَرَم، اقتُصَّ منه فيه) بلاخلافٍ ولا إشكال، للنصوص المتقدّمة.

ولا يتوهّم لزوم الاقتصاص فيه، فإنّ المفهوم منه عرفاً - لورود ذلك موقع الحظر - هو الجواز، وعدم لزوم الاقتصاص منه خارجه، وفي المَثَل: (كما تُدين تُدان)، مع أنّه أيضاً لا خلاف فيه، وعموم أدلّة القِصاص السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة، يقتضيه.

وإطلاق النصوص يقتضي جريان الحكم في حَرَم النبيّ صلى الله عليه و آله، وجماعة من الأصحاب كالشيخين(1)، والقاضي(2)، والحِلّي(3)، والمصنّف(4) ألحقوا المشاهد المُشرَّفة بالحَرَم، واستدلّوا له:

1 - بزيادة شرفها على الحَرَم، بل ظاهر «التحرير»:

(أنّ المشهد هو البلد فضلاً عن الصحن الشريف والروضة المنوّرة).

وقد ورد في كثيرٍ من الأخبار(5) في حقّ كربلاء، أنّ اللّه تعالى اتّخذه حَرَماً آمناً، وأنّ لموضع قبر الحسين حُرمة معلومة، من عرفها واستجار بها اُجر، وأنّها أعظمُ حرمةً من الحَرَم، ومن جميع بقاع الأرض.

وفي بعض تلك الأخبار: «أنّ حُرمة موضع القبر من فرسخٍ إلى فرسخ من2.

ص: 88


1- المقنعة: ص 744.
2- الكافي في الفقه: ص 331.
3- السرائر: ج 3/363.
4- إرشاد الأذهان: ج 1/339.
5- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/32.

أربع جوانب القبر»(1)، ومقتضى ذلك كلّه إجارة مَن استجاره.

2 - وبأنّ التعرّض لمن لجأ بأحدِ المشاهد المُشرّفة نوعُ استخفافٍ وإهانة لمن شَرّفه عرفاً، فإنْ شئت فاختبر ذلك من حال من التجأ بأحدِ كبار العصر، هل لا يعدّ التعرّض له استخفافاً وإهانةً بمَن التجأ به ؟!

3 - وبأنّه تواتر من رفع العذاب الاُخروي عمّن يُدفن بها، فالعذابُ الدنيوي أولى .

4 - وباستمرار سيرة المتشرِّعة عليه، بل كان بناء المسلمين على إجراء ذلك في منازل العلماء.

أقول: وبعض هذه الوجوه وإنْ كان لا يخلو عن نظرٍ، بل جميعها بحسب الصناعة، إلّاأنّه من مجموع ما ذُكر يُطمئن الإنسان بالإلحاق.

***1.

ص: 89


1- تهذيب الأحكام: ج 6/71 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/510 ح 19711.

من القِصاص في اليد

المسألة الثانية عشرة: ويدور البحث فيهافي فروع القِصاص في اليد، وهي خمسة:

الفرع الأوّل: لو قَطَع كفّاً تامّة مَن ليسَ له أصابعٌ أصلاً، أو ليس له بعضها، قُطِعت كفّه قصاصاً بلا كلامٍ ، لأنّها حقّه فما دون.

وهل يؤخذ دية الإصبع الزائدة ؟ قولان للشيخ قدس سره(1)، وادّعى في «الخلاف»(2)

الإجماع على الأوّل، واستدلّ له - مضافاً إلى الإجماع - بقوله تعالى : (فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (3).

بتقريب: أنّ المِثْل إمّا من طريق الصورة، وهو هنا متعذّرٌ، أو من طريق القيمة، فيجبُ وإلّا لم يتحقّق المماثلة.

ولكن الإجماع غير تامّ .

والمماثلة من طريق القيمة، ليست مماثلةً معتبرةً في القِصاص، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الاكتفاء بما يَصدُق عليه قطع اليد.

وعن موضعٍ من «المبسوط»(4): التفصيل بين ما إذا كان ذلك خِلقةً ، أو بآفةٍ من اللّه تعالى فالإجزاء، وبين ما إذا أخذ ديتها أو استحقّها فللمَجنيّ عليه أخذ دية الأصابع منه، نظراً إلى أنّه لمّا لم يكن سبباً في النقصان، ولم يأخذ عِوض الناقص، لم يكن مضموناً، ولأنّه كالقاتل، ويده أو يد مقتوله ذاهبة، فإنّه قيل فيهما هذا التفصيل.

ص: 90


1- الخلاف: ج 5/200 و 194.
2- الخلاف: ج 5/200 و 194.
3- سورة البقرة: الآية 194.
4- المبسوط: ج 7/85.

ولكن الأوّل: مردودٌ بأنّه وجهٌ اعتباري لا يصلحُ مدركاً للحكم.

وأمّا الثاني: فقد مرّ أنّ مدركه خبرُ سورة بن كُليب(1)، والتعدّي عن مورد النَّص يحتاجُ إلى دليلٍ ، مع أنّ مورده نقصان يد المقتول دون القاتل، ومورد مسألتنا هذه نقصان يد الجاني باصبعٍ أو أصابع.

أقول: والأظهر هو الأوّل، لما مرّ من أنّ كلّ عضوٍ يُقاد، تؤخذ الدِّية مع فقده، لعموم أخبار الدِّية، ولذا لو قَطَع مقطوع الرِّجلين رجلي شخصٍ أخذ ديتهما.

وعليه، ففي المقام الجاني قَطَع إصبعاً أو أصابع، وليست لها مماثلة، فللمجنيّ عليه أخذ الدِّية.

الفرع الثاني: لو انعكس الفرض بأن قَطَع كفّاً ناقصة من كفّة تامّةً من حيث الأصابع:

فالمشهور بين الأصحاب(2) جواز القِصاص بقطع اليد، بعد رَدّ دية الفاضل من الجاني.

بل عن «الغُنية»(3): دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له: بخبر الحسين بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفرٍالثاني عليه السلام، قال: «قال أبو جعفر الأوّل عليه السلام لعبد اللّه بن عبّاس: يا ابن عبّاس أنشِدُك اللّه هل في حكم اللّه اختلاف ؟

قال: فقال: لا.8.

ص: 91


1- المبسوط: ج 7/90.
2- نسبه إليه في مباني تكملة المنهاج: ج 2/175.
3- راجع غنية النزوع: ص 418.

قال: فما تقولُ في رجلٍ قَطَع رجلٌ أصابعه بالسّيف حتّى سقطت، فذهب وأتى رجلاً آخر فأطار كفّ يده، فاُتي به إليك وأنتَ قاضٍ ، كيف أنتَ صانع ؟

قال: أقول لهذا القاطع أعطِه دية كفّه، وأقول لهذا المقطوع صالِحهُ على ما شئت، وابعث إليهما ذوي عَدل.

فقال له: قد جاء الاختلاف في حُكم اللّه، ونَقَضت القول الأوّل، أبى اللّه أنْ يُحدِث في خلقه شيئاً من الحدود، وليس تفسيره في الأرض، اقطع يد قاطع الكفّ أصلاً، ثُمّ اعطه دية الأصابع، هذا حكمُ اللّه»(1).

وبخبر سورة المتقدّم(2).

وأورد على الأوّل: بضعف السَّند، لأنّ الحسين بن العبّاس بن الجريش ضعيفٌ جدّاً، وبأنّه مقطوع البطلان، لأنّ عبد اللّه بن العبّاس لم يُدرِك زمان أبي جعفر عليه السلام.

ويردّ الأوّل: أنّ عمل المشهور به يوجبُ جَبر ضعفه.

والثاني: بأنّه لعلّ المراد غير عبد اللّه بن العبّاس المعروف، ولعلّه كان أحد أصحابه عليه السلام، أو غَلَط النسخة، وهذا لا يوجبُ طَرح الخبر.

نعم، خبر سورة لا يدلّ على ذلك، كما مرّ، ولكنّه يصلح مؤيّداً.

وعن الحِلّي(3): عدم جواز القِصاص لفقد المماثلة.

وفيه: إنّ المماثلة وإن كانت معتبرة، لأنّه إذا قَطَع كفّ الجاني، فقد قَطَع إصبعاً أو أصابع من غير حقّ ، وقد مرّ سقوط القِصاص مع استلزامه تغرير النفس، أو الطرف، أو الزيادة.7.

ص: 92


1- الكافي: ج 7/317 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/172 ح 35399.
2- تقدّم في الصفحة السابقة.
3- السرائر: ج 3/396-397.

ولو قَطَع يد رجلٍ وإصبع آخر، اقتُصَّ للأوّل، وكان للثاني دية.

ولا يَردُ عليه: ما أفاده الأستاذ(1) من أنّه لا دليل على اعتبار المماثلة زائداً على صدق اليد، ولكن الخبر يصلحُ دليلاً لجواز القِصاص، مع أنّ لازم ذلك اختيار القول الثالث، وهو ما عن المصنّف في «القواعد»(2)، والشهيد في «المسالك»(3)، من أنّه لا تُقطع يد الجاني، بل تُقطع الأصابع منها بمقدار أصابع المجنيّ عليه فحسب، وتؤخذ منه دِية الكَفّ حكومةً :

أمّا عدم قطع الكفّ : فلما مرّ.

وأمّا قطع الأصابع: فلأنّ الجاني قَطَع مماثلها من المجنيّ عليه، فله قطعها قصاصاً، وهو حَسنٌ لولا الخبر.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أن ما أفاده المشهور أظهر.

الفرع الثالث: (ولو قَطَع يَد رجلٍ وإصبع آخر) على نحو التعاقب، (اقتُصَّ للأوّل) لتحقّق موضوع القِصاص بالنسبة إليه، فالمقتضى موجودٌ، والمانعُ مفقودٌ، فصارت يده مستحقّة للقصاص، (وكان للثاني دية) لعدم إمكان القِصاص بانتفاء موضوعه، فينتقل الأمر إلى الدِّية، لما مرَّ من أنّه في كلّ موردٍ لم يمكن القِصاص في الطرف، يثبت الدِّية لإطلاق دليلها.

أقول: ولكن قد مرَّ في المسألة الثالثة أنّه إن لم يمكن القِصاص بقطع إصبع اليد5.

ص: 93


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/176.
2- قواعد الأحكام: ج 3/633
3- مسالك الأفهام: ج 15/295.

ولو قَطَع الإصبع أوّلاً، اقتُصَّ صاحبها، ثُمّ صاحب اليد، ورَجع بدية الإصبع.

الُيمنى ، يُقطع إصبع يده اليُسرى مكانها، فلابدَّ في الحكم بالدِّية بما إذا لم يمكن ذلك أيضاً.

وهل للثاني أن يقتصّ أوّلاً بقطع إصبعه، من جهة أنّ تقدّم حقّ الأوّل لا يُخرج المحلّ عن القابليّة لتعلّق حقّ الثاني به، ودليل القِصاص لا يتضمّن إلّالحكمٍ تكليفي، فلو قطع أساءَ ، ولكن وقع القِصاص في محلّه، أم ليس له ذلك ؟

وجهان: أقربهما الأوّل كما مرّ.

وبالجملة: ممّا ذكرناه في الفرعين السابقين، يظهر أنّه لو اقتصّ مقطوع الإصبع، يرجعُ مقطوع اليد إليه بدية الإصبع.

(ولو قَطَع الإصبعَ أوّلاً اقتصّ صاحبها) لوجود المقتضي وعدم المانع، (ثُمّ صاحب اليد، ورَجَع بدية الإصبع) على ما تقدّم.

الفرع الرابع: لو قَطَع يمين شخصٍ فبذل الجاني شماله فَقَطعها المجنيّ عليه، لا يُسقط القِصاص عنه، لأنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ اليد باليد وإن كان سقوط القِوَد والقِصاص، كما أفاده الشيخ رحمه الله في محكي «المبسوط»(1)، إلّاأنّ مقتضى إطلاق دليل المقيّد، المقدّم على إطلاق دليل المطلق، الدّال على أنّ اليد اليُمنى يُقتصّ منها باليُمنى ، واليُسرى باليُسرى ، يوجبُ عدم إجزائه، وعدم سقوط القِصاص، فللمجنيّ عليه أن يقطع يده اليُمنى .1.

ص: 94


1- المبسوط: ج 7/91.

وحينئذٍ، فهل في قطعها شيءٌ أم لا؟ وعلى فرض ثبوت الدِّية على من تكون الدِّية ثابتة ؟

أقول: وملخّص القول فيه إنّه:

تارةً : يكونان عالمين بأنّ قَطع اليُسرى ، لا يُجزي، وأنّها اليُسرى .

وأُخرى : يكونان جاهلين.

وثالثة: يكون الجاني عالماً والمجنيّ عليه جاهلاً.

ورابعة: عكس ذلك.

أمّا في الصورة الأُولى : فالظاهر أنّ عليه الضمان، لأنّه يدخل قطعها في الجناية العَمَدية العدوانيّة الّتي هي موضوع الضمان.

ودعوى:(1) أنّ الجاني مع علمه بالحال يكون بَذلُ شماله إذناً صريحاً في قطعها، فلا ضمان.

مندفعة: بأنّ الأمر في البدن لم يُجعل إليه كي يؤثّر إذنه.

وما عن «غاية المراد»(2): (من أنّه أخرجها بنيّة الإباحة)، وأوضحه بعضهم بأنّه من قبيل تقديم الطعام إلى الضيف، الذي لا ضمان فيه قطعاً.

غير تامّ : فإنّ الإذن في قطع اليد، غير الإذن في إتلاف المال، فإنّ الثاني له بخلاف الأوّل، فيكون إذنه كاذن عمروٍ في الاقتصاص منه عِوضاً عن زيد الجاني.

وهل يضمن اليسار بالدِّية، كما عن الشيخ في «المبسوط»(3)، أم بالقصاص كما1.

ص: 95


1- ذكر هذا الوجه في مفتاح الكرامة: ج 11/140.
2- ذكرها في مسالك الأفهام: ج 15/299.
3- المبسوط: ج 7/101.

اختاره المحقّق في «الشرائع»(1)؟

وجهان: أقربهما الثاني، لأنّه جناية عَمديّة عدوانيّة معلومة، ففيها القِصاص.

وما عن «المبسوط»(2): من أنّه بَذَلها للقطع، فكانت شُبهةً في سقوط القِوَد.

يردّه: أنّه مع علمه بالحال لا يكون شُبهة.

وبما ذكرناه يظهر حكم الصورة الرابعة، وأنّه يثبتُ على المجنيّ عليه القِصاص بقطع شمال الجاني.

وأمّا في الصورة الثانية: فلا إشكال في عدم القِصاص في قطع شمال الجاني، لعدم كونه جناية عَمديّة، بل هي داخلة في الشبيهة بالعمد، فيثبُتُ عليه الدِّية.

وأمّا في الصورة الثالثة: فالظاهر عدم الدِّية أيضاً، لأنّ الجاني أقدم على ذلك عالماً عامداً، مع كون المجنيّ عليه جاهلاً، فهو غارٌ، وهذا مغرورٌ، فلا ضمان عليه.

ولا يبعدُ أن يقال: إنّه ببذله شماله مع العلم بالحال، وكون المجنيّ عليه جاهلاً، فقد أبرأه من الضمان.

وكونه من قبيل إسقاط ما لم يجب، لا يضرّ بعد عدم المحذور فيه.

الفرع الخامس: لو قَطَع إصبع شخصٍ ، وسَرَت الجناية إلى كفّه:

فإنْ تعمّد السراية، أو كانت السراية ممّا تَسري عادة، فله القِصاص في تمام الكَفّ ، والعفو، وأخذ الدِّية مع التراضي، لتحقّق موضوع القِصاص بالإضافة إلى الكَفّ ، وحيثُ أنّ الجناية واحدة، فهو مخيّرٌ بين الأمرين، وليس له التبعيض بالاقتصاص من الأصابع، ومطالبة الدِّية بالإضافة إلى الكَفّ .2.

ص: 96


1- شرائع الإسلام: ج 4/1013.
2- المبسوط: ج 7/102.

ولو كانت السراية اتّفاقيّة، ولم يقصدها الجاني، فالمشهور بين الأصحاب(1)ثبوت القِصاص في الكَفّ ، وذلك يتمُّ على القول بأنّ السراية توجبُ القِصاص مطلقاً، وقد مرّ الكلام فيه(2)، وعرفتَ أنّ هذه الكليّة غير ثابتة.

وعليه، فبالنسبة إلى الإصبع تكون الجناية عَمديّة، فإنّه قَطَع إصبع الجاني، وبالنسبة إلى الكَفّ حيثُ لا تكون عَمديّة فلا قِصاص، ويثبتُ فيها الدِّية، لأنّها من قبيل الجناية الشبيهة بالعمد ففيها الدِّية.

وإنْ شئت قلت: إنّه في كلّ موردٍ لم يَثبُت القِصاص تَثبُتُ الدِّية، لعموم أدلّتها.

هذا تمام كتاب القِصاص، ويتلوه كتاب الدِّيات إنْ شاء اللّه تعالى .

***د.

ص: 97


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/177.
2- صفحة 22 من هذا المجلّد.

الفَصلُ السّادس: في دية النفس:

دية الحُرّ المُسلم في العَمَد،

كتابُ الدِّيات

اشارة

الدِّيات: جَمعُ دِية - بتخفيف الياء - وهي المال المفروض في الجناية على النفس، أو الطرف، أو الجَرح، أو نحو ذلك، وربما اختصّت بالمقدّر بالأصالة، واُطلق على غيره اسم الأرش والحكومة.

والمرادُ بالعنوان مايعمّ الأمرين، والمصنّف رحمه الله جَعَلها من أفراد القِصاص، ولذلك لم يجعل لها كتاباً مستقلّاً، وإنّما جعل مباحثها من فصول كتاب القِصاص، قال:

الفصلُ السَّادس: في دية النفس

اشارة

(الفصلُ السَّادس: في دية النفس): وفيه مسائل:

المسألة الأُولى : في (دية الحُرّ المُسلم في العَمَد):

فائدة: تعيين دية العَمَد، مع أنّ الثابت في العَمَد هو القِوَد، وإنّما تثبتُ الدِّية مع التراضي، ويَصحّ التراضي بالأقلّ من الدِّية المجعولة وبأكثر منها، إنّما تظهرُ مع التراضي بالدِّية من غير تقييد، وفي قتلٍ لا يوجب القِوَد، كقتل الوالد ولده، وفيما لو بادرَ أحد الأولياء إلى قتله بالنسبة إلى حِصص الباقين، أو ماتَ القاتلُ ، أو كان القاتلُ عاقلاً والمقتولُ مجنوناً، أو كان القتلُ في أشهر الحُرُم بالنسبة إلى وجوب ثُلث الدِّية زيادةً على ما يجبُ على غيره، وما شاكل.

ص: 98

مائةٌ من مسان الإبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حُلّة، هي أربعمائة ثوبٍ من برود اليمن، أو ألفَ شاةٍ ، أو ألفَ دينارٍ، أو عَشَرة آلاف درهم.

وكيف كان، فهي (مائةٌ من مسّان الإبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حُلّة، هي أربعمائة ثوب من بُرُود اليمن، أو ألف شاةٍ ، أو ألف دينارٍ، أو عشرة آلاف درهم) بلا خلافٍ أجده في شيء من الستّة المزبورة، كما عن بعضٍ (1) الاعتراف به، بل عن «الغُنية»(2) الإجماع عليه أيضاً، وعلى التخيير بينها.

ويشهد به: عدّة من الأخبار:

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سمعتُ ابن أبي ليلى يقول: كانت الدِّية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ثُمّ أنّه فَرَض على أهل البقر مائتي بقرة، وفَرَض على أهل الشّاة ألف شاةٍ ثنيّة، وعلى أهل الذَّهب ألف دينارٍ، وعلى أهل الوَرِق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل اليمن الحُلَل مائتي حُلّة.

قال عبد الرحمن بن الحجّاج: فسألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا رَوى ابن أبي ليلى، فقال:

كان عليٌّ عليه السلام يقول: الدِّية ألف دينار، وقيمة الدينار عَشرة دراهم، وعشرة آلاف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي مائةٌ من الإبل، ولأهل السَّواد مائتاً بقرة أو ألف شاة»(3).7.

ص: 99


1- جواهر الكلام: ج 43/4.
2- غنية النزوع: ص 412.
3- الكافي: ج 7/280 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/193 ح 35427.

ومنها: صحيح ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج: «في الدِّية ؟

قال: ألف دينارٍ أو عشرة آلاف درهمٍ ، ويؤخذُ من أصحاب الحُلَل الحُلَل، ومن أصحاب الإبل الإبل، ومن أصحاب الغَنَم الغَنَم، ومن أصحاب البَقر البَقر»(1).

والظاهر من الخبرين، حيث إنّهما في مقام الإرفاق والتسهيل للنّاس، هو التخيير بين هذه الاُمور، ولا يدلّان على تعيين كلّ واحدٍ منهما على أهله.

وهناك روايات اُخر يُستفاد منها ذلك، ستمرّ عليك في ضمن المباحث الآتية.

أقول: وفي المقام طوائف من الأخبار تُعارض ما ذُكِر:

منها: ما تضمّن أنّ قيمة كلّ بعيرٍ عشرون غَنَماً:

1 - صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «إنّ الدِّية مائة من الإبل، وقيمة كلّ بعيرٍ من الوَرِق مائة وعشرون درهماً أو عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كلّ نابٍ من الإبل عشرون شاة»(2).

2 - وصحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن دية العَمَد؟

فقال: مائة من فحولة الإبل المسّان، فإنْ لم يكن إبلٌ فمكان كلّ جَمَلٍ عشرون من فحولة الغنم»(3).

3 - ومعتبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن دية العَمَد الذي يُقتل الرَّجل عمداً؟

قال: فقال: مائة من فحولة الإبل المسّان، فإن لم يكن إبلٌ فمكان كلّ جَمَلٍ عشرون من فحولة الغنم»(4).3.

ص: 100


1- الكافي: ج 7/281 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/195 ح 35430.
2- الكافي: ج 7/281 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/194 ح 35429.
3- الفقيه: ج 4/106 ح 5197، وسائل الشيعة: ج 29/200 ح 35442.
4- التهذيب: ج 10/160 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/200 ح 35443.

أقول: وهذه النصوص - مضافاً إلى إعراض الأصحاب عنها، والقطع ببطلانها، لأنّه ليس قيمة كلّ بعيرٍ عشرون شاة - معارضة بما دلَّ على أنّ الدِّية ألف شاة، المتقدّم بعض تلك الأخبار، وعليه فيتعيّن حملها على التقيّة لموافقتها للعامّة كما عن «المغني»(1).

ومنها: ما دلَّ على أنّ الدِّية إذا كانت من الدَّراهم، كانت إثنى عشر ألف درهم:

1 - كصحيح عبد اللّه بن سنان، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من قَتَل مؤمناً متعمّداً قِيد منه، إلّاأن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدِّية، فإن رضوا بالدِّية وأحبَّ ذلك القاتلُ ، فالدِّية اثنى عشر ألفاً.

إلى أن قال: فدراهم بحساب ذلك إثنى عشر ألفاً»(2).

2 - وصحيح عُبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الدِّية ألف دينار، أو اثنى عشر ألف درهم»(3).

وهذه الطائفة لمعارضتها مع ما دلّ على أنّها إنْ كانت من الدراهم كانت عشرة آلاف درهم، وقد تقدّم بعض تلك الأخبار، لابدّ من طرحها؛ لأنّ تلك النصوص أشهر، بل مُجمعٌ عليها، ومخالفة للعامّة، مع أنّ هذه في أنفسها غير معمولٍ بها.

ومنها: ما دلّ على عدم إجزاء غير الإبل: كصحيحة محمّد بن مسلم وزرارة، وغيرهما، عن أحدهما عليهما السلام: «في الدِّية ؟8.

ص: 101


1- نسبه إليه في مباني تكملة المنهاج: ج 2/188.
2- التهذيب: ج 10/159 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/196 ح 35435.
3- التهذيب: ج 10/159 ح 18.

قال عليه السلام: هي مائة من الإبل، وليس فيها دنانير، ولا دراهم، ولا غير ذلك»(1).

ولكنّه للإعراض عنها، ومعارضتها مع النصوص الاُخر، تُطرح، أو تُحمل على التقيّة.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في كلّ واحدٍ من الاُمور السِّتة المذكورة:

أمّا الأوّل: فقد مرَّ ما ورد في المتن، وبه صرّح في «القواعد»(2)، وعن «الغُنية»(3)، وظاهر «المبسوط»(4)، و «السرائر»(5)، و «المفاتيح»(6)، و «كشف اللّثام»(6): من الإجماع عليه، والنصوص منها ما تقدّم، تدلّ عليه.

إنّما الكلام فيما عن «الجامع»(8) من اعتبار الفحولة، حيث قال: (من فحولة مسّان الإبل)، ووافقه الأستاذ(7)، والأكثر كما في «الرياض»(8) على الإطلاق، بل لم يجد صاحب «الجواهر»(9) مَن حَكى عنه اعتبار الفحولة.

وما في بعض المتون الفقهيّة كالشرائع(10) من التعبير بالبعير لا إشعار فيه بذلك، إذ البعير من الإبل بمنزلة الإنسان من النّاس، كما عن «الصحاح»(11).3.

ص: 102


1- الكافي: ج 7/282 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/195 ح 35432.
2- قواعد الأحكام: ج 3/666.
3- غنية النزوع: ص 412.
4- المبسوط: ج 7/114.
5- السرائر: ج 3/329. (6و8) نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/4 و 6.
6- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/494.
7- مباني تكملة المنهاج: ج 2/187.
8- رياض المسائل: ج 14/175.
9- جواهر الكلام: ج 43/6.
10- شرائع الإسلام: ج 4/1016.
11- التهذيب: ج 10/160 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/200 ح 35443.

وربما يُستدلّ له:

1 - بمعتبر أبي بصير، قال: «سألته عن دية العَمَد الذي يَقتل الرّجل عمداً؟

فقال: مائة من فحولة الإبل المسّان، الحديث»(1).

2 - وخبر الحكم بن عتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام في الدِّيات في حديثٍ ، قال:

«قلت له: فما أسنان المائة بعير؟

فقال: ما حالَ عليه الحَول»(2).

3 - وصحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن دية العَمَد؟

فقال عليه السلام: مائة من فحولة الإبل المَسّان، الحديث»(3).

ونحوها غيرها(4).

قيل: وبها يُقيّد إطلاق بقيّة النصوص.

ولا يَردُ عليه: أنّه لا يُحمل المطلق على المقيّد في المثبتين، وهما مثبتان.

فإنّه يندفع: بأنّ المقيّدات لورودها في مقام التحديد، لا محالة لها مفهومٌ ، فبمفهومها يقيّد إطلاق تلك الأخبار.

ولكن بما أنّ الأصحاب لم يعملوا بها، مع أنّ فيها الصحيح والموثّق، وهي بمرأى ومنظر منهم، وحَمْلُ المطلق على المقيّد من أوّليّات الفقه، فهي ساقطة عن الحجيّة بالإعراض.

ويؤيّد ذلك: أنّ المعتبر منها لاشتماله على أنّ مكان كلّ إبلٍ عشرون شاة، ولمد.

ص: 103


1- التهذيب: ج 10/160 ح 21.
2- الكافي: ج 7/329 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/202 ح 35448.
3- الفقيه: ج 4/106 ح 5197، وسائل الشيعة: ج 29/200 ح 35442.
4- وسائل الشيعة: ج 29/199 باب تفصيل أسنان الإبل في دية العَمَد.

يعمل به أحدٌ، يكون موهوناً، ولذلك حَمَلها الشيخ على التقيّة(1).

والمراد بالمَسَّان، الكِبار كما عن «القاموس»(2).

وعن «حواشي الشهيد»(3): (أنّ المُسنَّة من الثنيّة إلى بازل عامها).

وفي النبويّ المرويّ عن زكاة «المبسوط»(4): (المُسنَّة هي الثنيّة فصاعداً).

وعن «المُغرِب»(4): (الثنيّ من الإبل الذي أثنى أي (ألقى)، ونبتت ثنيته، وهو ما استكمل السَّنة الخامسة ودخل في السادسة).

وفي «الفقيه»(5): قال مصنّف هذا الكتاب: (اسنانُ الإبل من أوّل ما تطرحه اُمّه إلى تمام السَّنة حَوار، فإذا دَخل في الثانية سُمّي ابنُ مخاضٍ ، لأنّ اُمّه قد حَمَلت، فإذا دَخَل في الثالثة سُمّي ابنُ لبونٍ ذلك أنّ اُمّه قد وضعت وصار لها لبن، فإذا دَخَل في الرابعة سُمّي الذَكر حُقّاً والاُنثى حُقّة، لأنّه قد استحقّ أن يُحمل عليه، فإذا دَخَل في الخامسة سُمّي جِذْعاً، فإذا دَخَل في السّادسة سُمّي ثنيّاً لأنّه قد ألقى ثنيته، فإذا دَخَل في السابعة ألقى رباعيته وسُمِّي رباعاً، فإذا دَخَل في الثامنة ألقى السِّن التي بعد الرباعية وسُمِّي سُديساً، فإذا دَخَل في التاسعة فَطَر نابه وسُمّي بازلاً، فإذا دَخَل في العاشرة فهو مُخلِفٌ ، وليس له بعد هذا اسمٌ ) انتهى .

وبمثل ذلك صرّح الكليني(6)، والشيخ(8) رحمهم اللّه تعالى .3.

ص: 104


1- الإستبصار: ج 4/261 ذيل الحديث 10.
2- القاموس المحيط: ج 3/349.
3- شرح اللُّمعة: ج 10/176. (4و8) المبسوط: ج 1/198 و 192.
4- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/5.
5- الفقيه: ج 2/25 ذيل الحديث 1606.
6- الكافي: ج 3/533.

وأمّا الثاني: أي مائتا بقرة، فقد عرفت أنّ كونها من أفراد الدِّية مجمعٌ عليه، وأمّا البقرة فهي ما يُطلق عليها اسم البقرة، ولو كان غير مُسنّة، على ما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من النصوص والفتاوى.

ولا يُعتبر الفحولة هنا، ولا الأنوثة، إذ التاء في البقرة للوحدة الجنسيّة، لا التأنيث كتمر وتمرة، كما هو واضح.

نعم، عن «النهاية»(1)، و «المهذّب»(2)، و «الجامع»(3): اعتبار المُسنَّة في البقرة، ولم أجد ولم يَجد غيري ما يَشهدُ له، فضلاً عن كونه صالحاً لتقييد إطلاق غيره من النصوص ومعاقد الإجماعات، وعليه فالأظهر عدم اعتبارها.

وأمّا الثالث: أي مائتا حُلّة، فالظاهر أنّ كونهما من أفراد الدِّية مجمعٌ عليه، ومقطوعٌ به، والشاهد به صحيحا عبد الرحمن، وجميل المتقدّم، والأوّل منهما وإن لم يُرو ذلك فيه عن الإمام عليه السلام، وإنّما رواه عن ابن أبي ليلى، ومسانيد ابن أبي ليلى ليست بحجّة، فضلاً عن مراسيله، بل الرّاوي سأل أباعبداللّه عليه السلام عمّا رواه، وليس فيما صَدّقه الإمام ذلك، إلّاأنّ إفتاء الأصحاب بما تضمّنه يوجبُ جَبر ضعفه، فهو المستند.

فإنْ قيل: إنّ ما نُقل إنّما هو بمقتضى ما هو مدوّنٌ في نسخة «التهذيب»، وأمّا على نسخة «الكافي»، و «الفقيه» و «الاستبصار»(4)، فإنّما هو مائة حُلّة، ولذا قال الصَّدوق(5) بها في «المُقنع».4.

ص: 105


1- النهاية: ص 763.
2- المهذّب البارع: ج 5/240.
3- جامع الخلاف والوفاق: ص 560.
4- الإستبصار: ج 4/259 ح 3.
5- المقنع: ص 514.

أجبنا عنه: بأنّه يُستكشف من فتوى الأصحاب استنادهم إلى النقل الأوّل، فكما أنّ أصل الخبر حُجّة للعمل، كذلك ذلك النقل.

وأمّا صحيح جميل فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحُلّة دون عددها، مع أنّ في بعض نسخ «التهذيب» الخيل بدل الحُلَل، وعليه فلا دلالة فيه على الأصل أيضاً، لكن قال صاحب «الرياض»(1):

(إنّ نسخة «الكافي» بما نقلناه واحدة، وهي أرجح من نسخة «التهذيب» المزبورة، سيّما مع أنّ بعض نسخه أيضاً له موافقة)، انتهى .

وأمّا عدم دلالته على العدد، فلا يضرّ، فإنّه يُحمل على إرادة المائتين بقرينة الخبر الأوّل، والمناسبة في القيمة لغيرها.

وكونه موقوفاً لا يضرّ بعد كون الراوي عنه ابن أبي عمير، الذي هو من أجلّاء الأصحاب، ومن الفقهاء الكبار، ولا يروي فتوى جميل نفسه.

أقول: الظاهر - كما صرّح به صاحب «الجواهر»(2) - المفروغيّة عن كون كُلّ حُلّةٍ ثوبين، على ما نصّ عليه أكثر الأصحاب وأهل اللّغة:

فعن أبي عُبيدة: الحُلَل بُرُود اليمن، والحُلّة إزارٌ ورداء، لا تُسمّى حُلّة حتّى يكون ثوبين، قال:

(وممّا يبيّن ذلك حديث عُمر أنّه رأى رجلاً عليه حُلّة قد اتّزر بأحدهما وارتدى بالآخر فهذان ثوبان).9.

ص: 106


1- رياض المسائل: ج 14/176.
2- جواهر الكلام: ج 43/9.

وفي «الجواهر»(1): (قلت: والصحيح في تفسير الحُلّة ما قال أبو عُبيده، لأنّ أحاديث السَّلف تدلّ على ما قال، مضافاً إلى شهادة ما سمعته من الأصحاب له).

وقد نقل قبل ذلك كلمات جمعٍ من أساطين اللّغة، مصرّحةً بذلك.

وهذا بضميمة فتوى الأصحاب يوجبُ الاطمئنان بالحكم.

ثمّ إنّ المصرّح به في كلمات جمع من اللّغويين، أنّها اسمٌ لما يكون من أبراد اليمن:

فعن ابن الأثير(2): (الحُلّة واحدة الحُلَل، وهي بُرُود اليمن).

وعن أبي عُبيدة(3): (الحُلَل بُرُود اليمن).

وكذا في كلماتِ جماعةٍ من الفقهاء، كالشهيد الأوّل(4)، و المصنّف(5)، والمحقّق(6)، وغيرهم(7).

أقول: لكن لمعارضة كلمات اللّغويين بكلمات آخرين - إمّا مصرّحةً بكونها من البرود أو غيرها كالعين، أو مطلقة - وعدم التقييد في كلماتِ جمعٍ كثير من الفقهاء سيّما القدماء، والأصلُ يقتضي عدم الاعتبار، يكون الأقرب عدم اعتبار ذلك.

أمّا الرابع: أي الألف شاة، فلا خلاف بين الأصحاب في عددها، بل فيم.

ص: 107


1- جواهر الكلام: ج 43/9.
2- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/306.
3- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/176.
4- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 260.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/233.
6- المختصر النافع: ص 294.
7- حكاه في استقصاء الاعتبار: ج 3/445 عن النهاية، وكذلك في الجواهر: ج 43/9، ونقله عن ابن الأثير في رياض المسائل: ج 16/347 (ط. ج)، وغيرهم.

«الغُنية»(1) وغيرها الإجماع عليه، وما يوهم خلاف ذلك من النصوص قد عرفت حاله، وأنّه لابدَّ من طرحه، لمعارضته بما هو أرجح.

كما لا خلاف ظاهراً في إجزاء ما يُطلق عليه اسم الشَّاة، ولو كان اُنثى .

وأمّا صحيح معاوية، ومعتبر أبي بصير: أنّ مكان جمل عشرون من فحولة الغنم، فلعدم العامل بهما، ومعارضتهما مع غيرهما، لابدَّ وأن يُطرحان.

وأمّا الخامس: أي الألف دينار، فلا خلاف فيه.

بل عن «الغُنية»(2)، وظاهر «المبسوط»(3)، و «السرائر»(4)، و «التحرير»(5)وغيرها: الإجماع عليه، والنصوص المستفيضة دالّة عليه.

ولا خلافَ أيضاً في أنّ كلّ دينارٍ يُساوي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذَّهب المسكوك، بل نفى العلّامة المجلسي رحمه الله(6) عن كونه مساوياً لثلاثة أرباع الصيرفي الشَّك في «رسالته في الأوزان» ووالده في «حُلية المتّقين»(7).

والمثقالُ الصِّيرفي - على ما صرّحوا به - يُساوي ثلاثة وتسعين حَبّة من حَبّات الشعير، فالدينار مساوٍ لتسعة وستّين وثلاثين من حَبّة الشعير. وإلى ذلك يرجعُ مع أفاده النراقي(8) من أنّ الدينار سبعون حَبّة تقريباً، على ما حاصله بالوجدان بعد التدقيق.7.

ص: 108


1- غنية النزوع: ص 412.
2- غنية النزوع: ص 412.
3- المبسوط: ج 7/115.
4- السرائر: ج 3/324.
5- تحرير الأحكام: ج 5/565، قال: (والمشهور بين علمائنا عشرة آلاف درهم لروايات أُخرى ).
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 15/175.
7- نسبه إليه في مستمسك العروة: ج 9/117.
8- مستند الشيعة: ج 9/147.

وعليه، فلا يُصغى إلى ما عن «المصباح»(1): من أنّ الدينار وزان إحدى وسبعين شعيرة تقريباً.

وأمّا اعتبار كونه مسكوكاً: فهو من المتَّفق عليه.

فما في «الرياض»(2): - أي مثقال من الذَّهب الخالص، كما في صريح الخبر(3) - من أنّ (دية المسلم عشرة آلاف من الفضّة، وألف مثقال من الذَّهب، الحديث).

يندفع أوّلاً: بأنّ المراد منه الإشارة إلى ما في غيره من النصوص من الدينار المعروف وزنه أنّه مثقال، لا أنّ المراد كفاية الألف مثقال وإن لم يكن مسكوكاً.

وثانياً: أنّ غايته الإطلاق، فيقيّد بالنصوص المعتبرة الدّالة على الدينار، بناءً على ثبوت المفهوم لها، لكونها في مقام التحديد كما مرّ.

وأمّا السادس: أي العشرة آلاف درهم، فقد مرَّ الكلام في النصوص المتضمّنة لأنّها اثنى عشر ألفاً، وأنّه لابد من طرحها لمعارضتها لما هو الأرجح منها، ولا خلاف أيضاً في أنّ كلّ درهمٍ يُساوي 6/12 حُمّصة من الفضّة المسكوكة:

فعن «الخلاف»(4): دعوى الإجماع على أنّ الدرهم سَبعة أعشار المثقال الشرعي، فكلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة.

وعن رسالة المجلسي(5): أنّه ممّا لا شك فيه، وممّا اتّفقت العامّة والخاصّة عليه.

والكلام في كفاية الخالص أو اعتبار المسكوك ما في الدينار.7.

ص: 109


1- المصباح المنير: ج 3/263 باب الدّال مع النون وما يثلثهما.
2- رياض المسائل: ج 14/177.
3- الكافي: ج 7/281 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/194 ح 35428.
4- الخلاف: ج 2/79.
5- الكتاب مخطوط ولكن نسبه إليه في مستند الشيعة: ج 9/147.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: استفادة الحكم بجميع خصوصيّاته من النصوص، ومعاقد الإجماعات.

أقول: بقي في المقام أمران لابدَّ من التنبيه عليهما:

الأمر الأوّل: إنّ المشهور بين الأصحاب هو التخيير بين الاُمور الستّة المذكورة، بل عليه عامّة المتأخّرين، كما في «الرياض»(1).

وعن الشيخين(2) وغيرهما من القدماء: أنّها على التنويع، بمعنى أنّه يجبُ كلّ صنفٍ منها على أهله.

والأوّل أظهر، إذ النصوص بعد ضَمّ بعضها إلى بعض، وحَمل الواو في بعضها على أو بقرينة غيره من الأخبار ومعاقد الإجماعات شاهدة بذلك.

واستدلّ للثاني: بما في عدّةٍ من الأخبار من أنّ الإبل على أهلها، والبقر على أهلها، وهكذا.

ولكن عرفت ظهورها - خصوصاً بقرينة غيرها من النصوص والفتاوى - في إرادة التسهيل على القاتل، كما يُومي إليه خبر الحكم بن عتيبة عن الإمام الباقر عليه السلام(3).

بل الظاهر ممّن عادته تحريرالخلاف كالحِلّي(4) والمصنّف في «المختلف»(5) وغيره، أنّهما لم يفهما الخلاف في المسألة ممّن ذكرناهم، حيث لم يُحرّرالخلاف في المسألة.

وعليه، فالتخيير بين الستّة واضحٌ لا سُترة عليه.5.

ص: 110


1- رياض المسائل: ج 14/179.
2- المقنعة: ص 735، النهاية: ص 364.
3- وسائل الشيعة: ج 29/196 ح 35404.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1016.
5- مختلف الشيعة: ج 9/465.

وتُستَأدى في سنةٍ واحدة من مال الجاني.

الأمر الثاني: (وتستأدى) هذه الدِّية (في سنةٍ واحدة)، ولا يجوز تأخيرها عنها بغير رضا المستحقّ ، ولا يجبُ عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السَّنة بلا خلافٍ ولا إشكال، بل عن «الغُنية»(1)، و «السرائر»(2): (عليه إجماع الإماميّة).

ويشهد به: صحيح أبي ولّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«كان عليٌّ عليه السلام يقول: تُستأدى دِية الخطأ في ثلاث سنين، وتُستأدى دية العَمَد في سنة»(3). وعليه، فما عن «الخلاف»(4): من جعلها حالّة، مدّعياً أنّ عليه إجماع الفرقة وأخبارها، لا دليل عليه ولا نصّ ، ولا وافقه أحدٌ.

وهي (من مال الجاني)، لا من بيت المال، ولا العاقلة، بلا خلافٍ في ذلك كما صرّح به غير واحدٍ، بل ظاهر «الغُنية»(5) نفي الخلاف فيه بين المسلمين، وعن ظاهر «المبسوط»(6) الإجماع عليه عندنا.

ويشهد به:

1 - معتبر السكوني، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:

العاقلة لا تَضمنُ عَمداً ولا إقراراً ولا صُلحاً»(7).5.

ص: 111


1- غنية النزوع: ص 412 و 413.
2- السرائر: ج 3/322.
3- الكافي: ج 7/283 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/205 ح 35456.
4- نقل الحكاية في جواهر الكلام: ج 43/13.
5- غنية النزوع: ص 412 و 413.
6- المبسوط: ج 7/184.
7- تهذيب الأحكام: ج 10/170 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/394 ح 35845.

2 - ومعتبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «لا تضمن العاقلة عَمداً ولا إقراراً ولا صُلحاً»(1).

وهذان يدلّان على عدم كونها على العاقلة.

وأمّا أنّ الدِّية ليست من بيت المال: فيشهدُ به - مضافاً إلى أنّ الظاهر من جعل الشيء عقوبةً كونه على الجاني، وإلى ما تقدّم من النصوص الدّالة على أنّ اللّه جَعَل على أهل الذَّهب ألف دينار، وعلى أهل الإبل مائة إبل وهكذا، منها صحيحا البَجَليّ وجميل المتقدّمان، وإلى ما صرّح فيه أنّه: «يُصالح أولياء المقتول ما يقدرُ عليه الجاني»(2) - عِدّة من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ دفع رجلاً على رجلٍ فقتله ؟

قال عليه السلام: الدِّية على الذي دفع - إلى أن قال - وإنْ أصاب المدفوع شيئاً، فهو على الدّافع أيضاً»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ ينفر برجلٍ فيعقره، وتَعقر دابته رجلاً آخر؟

قال: هو ضامنٌ لما كان من شيء»(4).

ونحوهما غيرهما(5).

وفي جملةٍ من الأخبار أنّه إنْ لم يكن له مالٌ فمن بيت المال، المتقدّم طرفٌ منها.ه.

ص: 112


1- الكافي: ج 7/366 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/394 ح 35844.
2- وسائل الشيعة: ج 29/203 باب أنّ من قتل في الأشهر الحُرُم فعليه دية وثُلث وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحُرُم.
3- الكافي: ج 7/288 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/57 ح 35144.
4- الكافي: ج 7/351 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/58 ح 35145.
5- وسائل الشيعة: ج 29/57 باب حكم من دفع إنساناً على آخر فقتله.

ولا تَثبتُ إلّابالتراضي.

أقول: (و) ممّا أسلفناه في أنّ الثابت في قَتل العَمَد هو القِوَد، يظهر أنّه (لا تثبتُ ) الدِّية (إلّا بالتراضي)، ولكن حيث يتعيّن القِوَد.

وأمّا في غير مورد تعيّن القِوَد - كقتل الوالد الولد، والمسلمُ الذِّمي - أو مع تعيّنه وفوات موضوعه، كما لو بادر أحد الأولياء إلى القِوَد، أو موت القاتل وما شاكل، فلا يعتبر التراضي، بل الخيار بيد الجاني أو وليّه كما تقدّم.

***

ص: 113

وديةُ شبيه العَمَد من الإبل ثلاثة وثلاثون بنتِ لبون، وثلاثٌ وثلاثون حُقّة، وأربعٌ وثلاثون ثنيّة طروقة الفَحَل،

ديةُ شَبيه العَمَد

المسألة الثانية: (وديةُ شَبيه العَمَد) أيضاً أحد الاُمور الستّة، بلا خلافٍ بين الأصحاب.

ويشهد به: أنّ ما دلّ على كون دية القتل أحد تلكم الاُمور، لا يختصّ بالعَمد، بل يدلّ على أنّ دية القتل ذلك، بلا فرقٍ بين كونه عَمديّاً أو خطائيّاً.

وأيضاً: اتّفقوا على أنّه إذا اختار تأديتها (من الإبل) يُعتبر أن يكون على أوصافٍ خاصّة، وإنّما وَقَع الخلاف في تلك الأوصاف:

ففي المتن، و «القواعد»(1)، و «اللُّمعة»(2)، و «النافع»(3)، و «الرّوضة»(4)، وعن الشيخ في «النهاية»(5)، وابن حمزة(6): أنّها:

1 - (ثلاثٌ وثلاثون بنت لبون) سِنّها سَنتان فصاعداً.

2 - (وثلاثٌ وثلاثون حُقّة) سِنّها ثلاثُ سنين فصاعداً.

3 - (وأربعٌ وثلاثون ثنيّة) سِنّها خمسُ سنين فصاعداً من (طروقة الفَحل) أي

ص: 114


1- قواعد الأحكام: ج 3/667.
2- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 260.
3- المختصر النافع: ص 294.
4- شرح اللُّمعة: ج 10/179.
5- النهاية: ص 738.
6- الوسيلة: ص 441.

التي بَلَغت أن يضربها الفَحل.

ونُسب هذا القول في محكيّ «الخلاف»(1) إلى إجماع الفرقة وأخبارها.

وفي «النافع»(2): (أنّه أشهر الروايتين).

وعن «المفاتيح»(3): (أنّه المشهور وبه روايتان).

وفي «المسالك»(4): (أنّ به رواية أبي بصير وعلاء بن الفضيل).

وفي «الجواهر»(5): (ولكن لم نقف على شيء من ذلك، كما اعترف به الآبي، وأبو العبّاس، والأصبهاني، والمقدّس الأردبيلي، وفاضل «الرياض» وغيرهم، على ماحُكي عن بعضهم). وعن أبي عليّ (6)، و «المقنع»(7)، و «الجامع»(8)، و «المختصر»(9)، و «الغُنية»(10) و «التحرير»(11)، وغيرها: أنّ الدِّية ثلاثون حُقّة، وثلاثون بنت لبون، وأربعون خِلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها.

وعن جماعةٍ منهم المحقّق في «الشرائع»(12)، ونُسب إلى الشيخ في7.

ص: 115


1- الخلاف: ج 5/221.
2- المختصر النافع: ص 294.
3- نسبه إليه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 10/359 من الطبعة القديمة، وصاحب الجواهر: ج 43/19 في مقادير الدِّيات، والسيّد الخوئي في تكملة مباني المنهاج: ج 2/194.
4- مسالك الأفهام: ج 15/318.
5- جواهر الكلام: ج 43/19.
6- نسبه إليه في المهذّب البارع: ج 5/241.
7- المقنع: ص 514.
8- الجامع للشرايع: ص 573.
9- المختصر النافع: ص 294.
10- غنية النزوع: ص 413.
11- تحرير الأحكام: ج 5/563.
12- شرائع الإسلام: ج 4/1017.

«المبسوط»(1): أنّها ثلاثٌ وثلاثون حُقّة، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعة، وأربعٌ ثلاثون ثنيّة كلّها طروقة الفَحل.

هذه هي الأقوال في المسألة.

وأمّا النصوص: الواصلة إلينا فهي على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما استدلّ به للقول الأخير، وهي ثلاث روايات:

الرواية الاُولى: رواية أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «دية الخطأ إذا لم يَرد الرّجل القتلَ - إلى أن قال - وقال: دية المغلّظة التي تشبه العَمَد وليست بعمدٍ أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل، ثلاثٌ وثلاثون حُقّة، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعة، وأربعٌ وثلاثون ثنيّة، كلّها طروقة الفَحل، الحديث»(2).

الرواية الثانية: رواية العلاء بن الفضيل، عنه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«والخطأ مائة من الإبل، أو ألفٍ من الغنم.

إلى أن قال: والدِّية المغلّظة في الخطأ الذي يَشبه العَمَد الذي يَضرب بالحَجَر والعَصا الضَّربة والاثنتين، فلايريدُ قتله، فهي أثلاث: ثلاثٌ وثلاثون حُقّة، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعة، وأربعٌ وثلاثون ثنيّة، كلّها خِلفة من طروقة الفَحل، الحديث»(3).

ثالثتها: صحيحة محمّدبن مسلم وزرارة وغيرهما، عن أحدهما عليهما السلام: «في الدِّية ؟ قال: هي مائة من الإبل.

إلى أن قال ابن أبي عُمير: فقلتُ لجميل: هل للإبل أسنانٌ معروفة ؟9.

ص: 116


1- المبسوط: ج 7/115.
2- الكافي: ج 7/281 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/200 ح 35444.
3- وسائل الشيعة: ج 29/198 ح 35439.

فقال: نعم، ثلاثٌ وثلاثون حُقّة، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعة، وأربعٌ وثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها، كلّها خِلفة إلى بازل عامها، الحديث»(1).

أقول: وأُورد على الاستدلال بها بأنّ الأوليين ضعيفتان سنداً، حيث إنّه في سند الأُولى عليّ بن أبي حمزة البطائني الضعيف، وفي سند الثانية محمّد بن سنان، وهو لم يثبتُ توثيقه ولا مدحه، والثالثة - مضافاً إلى أنّها لم تَرد في دية الشبيه بالعمد، وإنّما وردت في الدِّية مطلقاً، وخصّها عليّ بن حديد بدية الخَطأ على ما يأتي - بأنّ هذا التحديد من جميل ولم ينسبه إلى معصوم، فلا حجيّة فيه.

ولكن يمكن دفع الأخير: بأنّ ابن أبي عُمير الفقيه الجليل لا يروي فتوى جميل، ما لم يطمئنّ بسماع ذلك من الإمام عليه السلام، فهذا الخبر بإطلاقه يدلّ على هذا القول.

الطائفة الثانية: صحيحة المُعلّى أبي عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال: «وفي شبيه العَمَد المغلّظة ثلاثة وثلاثون حُقّة، وأربعةٌ وثلاثون جَذَعة، وثلاثة وثلاثون ثنيّة، خلفة طروقة الفَحل، الحديث»(2).

الطائفة الثالثة: رواية عبد الرحمن، عنه عليه السلام، قال: «كان عليٌّ عليه السلام يقول...

إلى أن قال: وقال: في شِبه العَمَد ثلاثٌ وثلاثون جَذَعة، وثلاثٌ وثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها، كلّها خِلفة، وأربعٌ وثلاثون ثنيّة».(3)

لكن هاتين الطائفتين لم يوجد عاملٌ بهما من الأصحاب، على أنّ الثانية منهما مرسلة.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على القول الثاني، لاحظ صحيحة عبد اللّه بن سنان،

ص: 117


1- الكافي: ج 7/282 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/201 ح 35447. (2و3) وسائل الشيعة: ج 29/202 ح 35449 و ح 35450.
2- وسائل الشيعة: ج 29/202 ح 35449 و ح 35450.
3- وسائل الشيعة: ج 29/202 ح 35449 و ح 35450.

أو ما ذكرناه في مال الجاني.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطأ شبه العَمَد أنْ يَقتُلَ بالسّوط أو بالعصا أو بالحَجَر، أنّ دية ذلك تُغلّظ وهي مائة من الإبل، منها أربعون خِلفة من بين ثنيّةٍ إلى بازل عامها، وثلاثون حُقّة، وثلاثون بنت لبون... الحديث»(1).

وحيث إنّها أخصّ من صحيحة زرارة ومحمّد، فيقيّد إطلاقها بها، فتختصّ تلك الصحيحة بالخَطاء المَحض، كما خَصّها بدية الخطأ عليّ بن حديد.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول الثاني أظهر، وأنّ الأوّل لم يُوجَد خبرٌ به.

وأيضاً: قد ظهر ممّا ذكرناه أنّ القاتل مخيّرٌ بين تأدية الدِّية من الإبل على الأوصاف المذكورة، (أو ما ذكرناه) من باقي الأصناف الخمسة المتقدّمة.

وتكون هذه الدِّية أيضاً (في مال الجاني) بلا خلافٍ يُعتدّ به، بل عن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه، ولم يُنقل الخلاف إلّاعن الحلبي(3)، حيث قال: (إنّها على العاقلة).

ويشهدُ بما هو المشهور:

1 - مرسل يونس، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إن ضَرَب رجلٌ رجلاً بعصا أو بحجرٍ فمات من ضربةٍ واحدةٍ قبل أن يتكلّم، فهو شِبه العَمَد،2.

ص: 118


1- الكافي: ج 7/281 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/199 ح 35441.
2- السرائر: ج 3/334.
3- الكافي في الفقه: 392.

فالدِّية على القاتل، الحديث»(1).

2 - وإطلاق الآية الكريمة: (وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (2).

3 - وإطلاق صحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل رجلاً خَطاءً في أشهر الحُرُم ؟

فقال عليه السلام: عليه الدِّية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحُرُم، الحديث»(3).

ومقتضى إطلاقهما أنّ الدِّية في قتل الخطائي مطلقاً على القاتل، وإنّما يخرجُ عنه في الخطائي المحض، لما سيأتي.

4 - وصحيحا عبد اللّه والحلبي المتقدّمان في مسألة كون دية العَمَد على الجاني، دالّان على ذلك.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك كلّه - ما ورد في الأبواب المتفرّقة:

منها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: من وطأ امرأةً من قبل أن يتمّ لها تسعُ سنين فأعنفَ ضَمِن»(4).

ومنها: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام:

من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلّا فهو له ضامن»(5).

ونحوهما غيرهما(6).ة.

ص: 119


1- الكافي: ج 7/280 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35088.
2- سورة النساء: الآية 92.
3- الفقيه: ج 4/110 ح 5212، وسائل الشيعة: ج 29/204 ح 35454
4- التهذيب: ج 10/234 ح 57، وسائل الشيعة: ج 29/282 ح 35624.
5- الكافي: ج 7/364 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/260 ح 35582.
6- وسائل الشيعة: ج 29/260 باب ضمان الطبيب والبيطار إذا لم يأخذا البراءة.

وتُستأدى في سنتين.

(و) المشهور بين الأصحاب أنّها (تُستأدى في سنتين)، بل ظاهر «المبسوط»(1)الإجماع عليه.

وعن ابن حمزة(2): أنّها تُؤدّى في سنةٍ واحدة إن كان موسراً، وإلّا ففي سنتين.

وعن «الخلاف»(3): أنّها تُستأدى سنةًواحدة، وقيل إنّهاتُؤدّى إليثلاث سنين.

وقد استدلّ للأوّل: بأنّه كما لو ظهر التفاوت بين العَمَد والخطأ في الأجل، لتفاوت الجناية فيهما، وَجَب أن يَظهر بالنسبة إليهما، وإلى شبيه العَمَد، لوجود المقتضي، عملاً بالمناسبة.

أقول: ولكنّه كما ترى وجهٌ اعتباري لايَصلحُ مدركاً للحكم الشرعي، وعليه فالأولى الاستدلال له بالإجماع المُدّعى ، وجعل ذلك مؤيّداً، كما صنعه سيّد «الرياض» رحمه الله(4).

وأمّا القول الثاني والثالث: فهما ساقطان.

وأمّا الرابع: فقد استدلّ له بإطلاق صحيح أبي ولّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كان عليٌّ عليه السلام يقول: تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين»(5).

ولكنّه يتعيّن تقييد إطلاقه بالإجماع المُدّعى. وعليه، فالأظهر ما هو المشهور.

***6.

ص: 120


1- النهاية: ص 739، المهذّب: ج 2/459.
2- المبسوط: ج 7/173.
3- الخلاف: ج 5/221.
4- رياض المسائل: ج 14/184.
5- الكافي: ج 7/283 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/205 ح 35456.

ودية الخطأ من الإبل عشرونَ بنتُ مخاضٍ ، وعشرون ابنُ لبونٍ ، وثلاثونَ بنت لبونٍ ، وثلاثون حُقّة.

دية الخَطأ المَحض

المسألة الثالثة: (و) في (دية الخطأ) المحض إذا اُريد أداء الدِّية (من الإبل) أقوال:

القول الأوّل: ما هو المشهور بين الأصحاب(1)، وفي «الجواهر»(2): أنّ عليه عامّة المتأخّرين، من أنّ عليه دفع (عشرون بنتِ مخاضٍ ، وعشرون ابن لبونٍ ، وثلاثون بنتِ لبونٍ ، وثلاثون حُقّة).

القول الثاني: ما عن ابن حمزة(3): من أنّ عليه دفع خمسٌ وعشرون بنت مخاض، وخمسٌ وعشرون بنت لبون، وخمسٌ وعشرون حُقّة، وخمسٌ وعشرون جَذَعة.

القول الثالث: ما عن الشيخ في «المبسوط»(4)، وابن إدريس في «السرائر»(5):

من أنّ دية الخطأ المحض من الإبل عشرونَ بنتِ مخاضٍ ، وعشرونَ ابنُ لبونٍ ، وعشرونَ بنتِ لبونٍ ، وعشرون حُقّة، وعشرون جَذَعة.

أقول: والنصوص الواردة في المقام طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على ما هو المشهور: كصحيح عبد اللّه بن سنان، عن

ص: 121


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/312.
2- جواهر الكلام: ج 43/23.
3- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/43.
4- المبسوط: ج 7/115.
5- السرائر: ج 3/322.

الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطأ شبه العَمَد أن يَقتل بالسّوط أو بالعصا أو بالحَجَر، أنّ دية ذلك تُغلّظ، وهي مائة من الإبل، منها أربعون خِلفة.

إلى أن قال: والخطأ يكون فيه ثلاثون حُقّة، وثلاثون ابنة لبون، وعشرون بنتِ مخاض، وعشرون ابن لبونٍ ذَكراً، الحديث»(1).

الطائفة الثانية: ما استدلّ به للقول الثاني:

1 - خبر العلاء بن الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«والخطأ مائة من الإبل، أو ألف من الغنم، أو عشرة الآف درهمٍ ، أو ألف دينارٍ، وإن كانت الإبل فخمسٌ وعشرون بنت مخاض، وخمسٌ وعشرون بنت لبون، وخمسٌ وعشرون حُقّة، وخمسٌ وعشرون جَذَعة، الحديث»(2).

2 - وخبر البَجَلي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كان عليٌّ عليه السلام يقول في الخطأ:

خمسةٌ وعشرون بنت لبون، وخمسٌ وعشرون بنت مخاض، وخمسٌوعشرون حُقّة، وخمسٌ وعشرون جَذَعة، الحديث»(3).

الطائفة الثالثة: صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم وغيرهما، عن أحدهما عليهما السلام في الدِّية، قال: «هي مائة من الإبل، وليس فيها دنانير ولا دراهم، ولا غير ذلك.

قال أبي عمير: فقلت لجميل: هل للإبل أسنانٌ معروفة ؟

فقال: نعم، ثلاثٌ وثلاثون حُقّة، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعة، وأربعُ وثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها، كلّها خِلفة إلى بازل عامها.0.

ص: 122


1- الفقيه: ج 4/105 ح 5196، وسائل الشيعة: ج 29/199 ح 35441.
2- الكافي: ج 7/282 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/198 ح 35439.
3- وسائل الشيعة: ج 29/202 ح 35450.

أو ما ذكرناه من باقي الأصناف،

قال: وروى ذلك بعض أصحابنا عنهما، وزاد عليّ بن حديد في حديثه: أنّ ذلك في الخطأ»(1).

والإيراد عليه: بأنّ هذه الجملة التي زادها عليّ بن حديد، غير ثابتة، فإنّ عليّ ابن حديد، ضعيفٌ جدّاً، على أنّ التحديد المذكور فيها من جميل نفسه، وليس منسوباً إلى الإمام عليه السلام، يتمُّ بالنسبة إلى ما ذكر بالنسبة إلى ابن حديد، ولا يتمُّ بالنسبة إلى ما ذُكر بالنسبة إلى جميل، فإنّه - مضافاً إلى أنّ جميل لا يذكر فتوى نفسه لابن أبي عمير الفقيه الجليل، ما في ذيله، قال: (وروى بعض أصحابنا) إمّا أن يكون كلام ابن عُمير أو جميل، وعلى التقديرين يكون حجّة، لأنّهما من أصحاب الإجماع.

أمّا الطائفة الثانية: فلا يُستند إليها في الحكم، فإنّ خبر العلاء ضعيفُ السَّند لمحمد بن سنان؛ لأنّه لم يثبت توثيقه ولا مدحه، وخبر البَجَلي مرسلٌ ، وأمّا صحيح الفاضلين، فلم يوجد عاملٌ به.

وعليه، فالمعتمد هو صحيح عبد اللّه بن سنان.

فالمتحصّل: أنّ ما هو المشهور أظهر.

أقول: وحيثُ عرفت أنّ الدِّية في القتل مطلقاً هو أحد الأصناف الستّة، من غير فرقٍ بين العَمد والخَطأ، يظهر أنّ الدِّية هنا:

إمّا الإبل على الأوصاف المشار إليها.

(أو ما ذكرناه من باقي الأصناف).7.

ص: 123


1- الكافي: ج 7/282 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/201 ح 35447.

وتؤخَذُ من العاقلة في ثلاث سنين.

(وتُؤخَذ) دية الخَطأ المحض (من العاقلة) إجماعاً كما في «الرياض»(1) وغيره.

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضة بل متواترة، يأتي ذكرها في بحث العاقلة(2) إنْ شاء اللّه تعالى ، وسيأتي في بحث العاقلة أنّ الدِّية إنّما هي في ذمّة الجاني، وتحمّل العاقلة تكليفٌ محض، فلو لم يتمكّن العاقلة من الأداء أو امتنعت، ولم يمكن الأخذ منها، يجبُ على القاتل أن يؤدّيها بنفسه ومن أمواله.

كما أنّه ستعرف في ذلك المبحث أنّ ما عن المفيد(3) وسلّار(4) من أنّ العاقلة يرجعون إلى الجاني بعد التأدية، ويأخذونها منه، لا دليل عليه أصلاً، ولم يقل به أحدٌ غيرهما.

وتُستأدى (في ثلاث سنين) في كلّ سنةٍ ثُلثها، إجماعاً منّا، بل من الاُمّة أيضاً، كماعن «الخلاف» حيث حكاه عن جماعة بلغوا حَدّ الاستفاضة، كمافي «الرياض»(5)، ويشهد به صحيح أبي ولّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«كان عليٌّ عليه السلام يقول: تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين»(6).

***5.

ص: 124


1- رياض المسائل: ج 14/185.
2- صفحة 403 من هذا المجلّد.
3- المقنعة: ص 753.
4- المراسم العلويّة: ص 238. (5و6) رياض المسائل: ج 14/185.

دية القتل في الأشهر الحُرُم

المسألة الرابعه: دية القتل في الأشهر الحُرُم عمداً أو خطأً ديةٌ كاملة وثُلثها، من أيّ الأجناس كان، لمستحقّ الأصل تغليظاً عليه لانتهاكه الحُرمة، بلا خلافٍ فيه أجده، بل عليه الإجماع في عبائر جماعةٍ (1)، بلغت حَدّ الاستفاضة، كما يقول صاحب «الرياض»(2).

ويشهد به: نصوصٌ عديدة:

منها: صحيح كُليب الأسدي، عن الإمام الصادق: «عن الرّجل يَقتل في الشهر الحرام ما ديته ؟ قال عليه السلام: ديةٌ وثُلث»(3).

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل في الحرم ؟ فقال عليه السلام: عليه ديةٌ وثُلث، الحديث»(4).

ونحوهما غيرهما(5).

وهل يُلحق بالقتل في الأشهر الحُرُم في تغليظ الدِّية، القتلُ في الحَرَم الشريف المكّي زاده اللّه شرفاً؟

ص: 125


1- قال السيّد الخوئي في مباني تكملة المنهاج: ج 42/247 (من دون خلاف بين الفقهاء، بل ادّعي في كلمات غير واحدٍ الإجماع على ذلك).
2- رياض المسائل: ج 14/185.
3- الكافي: ج 7/281 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/203 ح 35451.
4- الكافي: ج 4/140 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/204 ح 35453.
5- وسائل الشيعة: ج 29/203 باب: أنّ من قتل في الأشهر الحُرُم فعليه دية وثُلث، وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحُرُم.

قال الشيخان(1) وأكثر الأصحاب(2): نعم، ومنهم ابن زُهرة(3)، والحِلّي(4)مدّعيين عليه في ظاهر كلامهما إجماع الإماميّة، كذا في «الرياض»(5).

وعن ظاهر المحكيّ عن الشيخ في موضعين من «المبسوط»،(6) و «الخلاف»،(7)و «غاية المرام»(8): الإجماع عليه.

أقول: استدلّ له السيّد في «الرياض» بصحيح زرارة، قال: «قلتُ لأبي جعفرٍ عليه السلام: رجلٌ قَتَل في الحَرَم ؟ قال عليه السلام: عليه ديةٌ وثُلث، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحُرُم. قال: قلتُ : هذا يدخلُ فيه العيد وأيّام التشريق ؟

فقال عليه السلام: يصومه فإنّه حقٌّ لزمه»(9).

ومثله خبره الثاني عنه عليه السلام(10).

وقال صاحب «الرياض»(11) بعد نقل الصحيح: (وكأنّهم - أي القائلون بعدم تغليظ الدِّية في القتل في الحَرَم، والمصرّحون بأنّه لا وجه له - لم يقفوا على هذه الرواية، وإلّا فهي مع اعتبار سندها في المطلوب صريحة، معتضدة بما مرَّ من5.

ص: 126


1- المقنعة: ص 743، المبسوط: ج 7/117.
2- الغنية: ص 414.
3- السرائر: ج 3/323.
4- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/27.
5- رياض المسائل: ج 14/185.
6- المبسوط: ج 7/116.
7- الخلاف: ج 5/222.
8- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/27.
9- الفقيه: ج 4/110 ح 5212، وسائل الشيعة: ج 29/204 ح 35454
10- التهذيب: ج 10/216 ح 4.
11- رياض المسائل: ج 14/185.

الإجماعات المحكيّة، وبما علّله المتأخّرون من اشتراكهما، فالحرمة وتغليظ قَتل الصّيد فيه المناسب لتغليظ غيره، فقولهم في غاية القوّة).

ولكن احتمل جمعٌ من الفقهاء(1) قويّاً أن تكون الكلمة المذكورة في الخبر هي (الحُرُم) بالضمّ لا الفتح، ليكون المراد منه الأشهر الحُرُم، ويؤيّد ذلك بأمرين:

أحدهما: قوله في ذيل الصحيح: «ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحُرُم إلى آخره»، فإنّه كفّارةُ القتل في الأشهر الحرم لا القتل في الحَرَم.

ثانيهما: ما قاله صاحب «الجواهر»(2): (وقد حَضَرني نسخةٌ من «الكافي» معتبرة، وقد أعرب فيها (الحرم) بضمّين).

وعلى هذه، فالرواية إمّا ظاهرة في أنّ المراد منها الأشهر الحُرُم أو لا أقلّ من الإجمال، فلا تكون حجّة، إذاً فعدم الإلحاق أقوى ، ومعه لا مورد للبحث في إلحاق حَرَم المدينة والمشاهد المشرّفة به وعدمه.

***7.

ص: 127


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/204.
2- جواهر الكلام: ج 43/27.

كفّارةُ القَتل

المسألة الخامسة: لا خلاف بين الأصحاب(1) في أنّه على القاتل متعمِّداً مطلقاً كفّارة الجمع، وهي عِتقُ رقبةٍ ، وصومُ شَهرين متتابعين وإطعامُ ستّين مسكيناً، والشاهد به عدّة من الأخبار:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان وابن بكير، جميعاً عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سُئل عن المؤمن يَقتل المؤمن متعمّداً؟

إلى أن قال: فإن عفوا عنه فلم يقتلوه، أعطاهم الدِّية، وأعتق نسمةً ، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى اللّه عزّ وجلّ »(2).

ونحوه صحيحا ابن سنان(3)، وخبر الحضرمي(4)، وغيرها من الأخبار(3).

وإذا كان القَتلُ في الأشهر الحُرُم، لابدَّ وأن يكون الصوم فيها، فيصومُ يوم العيد أيضاً إذا صادفه لصحيح زرارة المتقدّم المصرّح بذلك.

وقد تقدّم في كتاب الكفّارات(4) حكم كفّارة القتل الخطائي، فلا نُعيد.

***

ص: 128


1- السرائر: ج 3/330.
2- الكافي: ج 7/276 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/30 ح 35073. (3و4) وسائل الشيعة: ج 13/64 ح 17242 و ح 17243.
3- وسائل الشيعة: ج 13/63 باب: ما يجب في أعضاء الصّيد.
4- صفحة 125 من هذا المجلّد.

وديَّةُ المرأة النصف من ذلك.

ديةُ المرأة المُسلمة

المسألة السّادسة: (وديةُ ) قَتل (المرأة) المسلمة الحُرّة (النصف من ذلك) أي من دية الرّجل المُسلم، فمن الإبل خمسون، ومن الدنانير خمسمائة وهكذا، بلا خلافٍ بين الأصحاب(1).

وفي «الرياض»(2): (إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً في كلام جماعةٍ حَدّ الاستفاضة).

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ قتل امرأة متعمّداً؟

فقال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قَتَلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدِّية، وإن شاءوا أخذوا نصف الدَّية خَمسة آلاف درهم»(3).

ومنها: صحيح عبداللّه بن مسكان، عنه عليه السلام: «إذا قتلت المرأة رجلاً قُتِلت به، وإذا قَتَل الرَّجلُ المرأة، فإن أرادوا القِوَد، أدّوا فَضل دية الرَّجل على دية المرأة وأقادوه بها، وإن لم يفعلوا، قبلوا الدِّية دِية المرأة كاملة، وديةُ المرأة نصف دِية الرَّجل»(4).

ص: 129


1- راجع أحكام النساء: ص 51، السرائر: ج 3/350.
2- رياض المسائل: ج 14/187.
3- الكافي: ج 7/299 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/80 ح 35200.
4- الكافي: ج 7/298 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/81 ح 35201.

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في الرّجل يقتل المرأة متعمّداً، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه ؟

قال: ذاك إذا أدّوا إلى أهله نصف الدِّية، وإن قبلوا الدِّية، فلهم نصف دية الرَّجل، الحديث»(1).

ونحوها غيرها(2).

ومقتضى إطلاق الأخبار ما أشرنا إليه، من إرادة النصف في جميع الأجناس المتقدّمة، وما في صحيح عبد اللّه من تعيين خَمسة آلاف درهم إنّما هو من باب المثال، ولا يُحمل المطلق عليه، والشاهد بذلك - مضافاً إلى ظهوره في ذلك - صحيح أبان ابن تغلب، الوارد في قطع أصابع يد المرأة، الدّال على أنّه إنْ قطع ثلاث أصابع ففيه ثلاثون من الإبل، وإن قطع أربع ففيه عشرون من الإبل، وعلّل الإمام عليه السلام ذلك بقوله:

«إنّ المرأة تُعاقل الرّجل إلى ثُلث الدِّية، فإذا بلغت الثُّلث رجعت الى النصف»(3).

وغيره من الأخبار الدّالة على أنّ المرأة تُعاقل الرَّجل إلى ثُلث الدِّية، وإذا بلغت الثُّلث رَجَعت إلى النصف المتقدّمة.

وعلى الجملة: كما لا إشكال في الحكم فتوىً ، كذلك لا إشكال فيه نصّاً.

***2.

ص: 130


1- الكافي: ج 7/298 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/81 ح 35202.
2- وسائل الشيعة: ج 29/80 باب (حكم الرّجل يقتل المرأة، والمرأة تقتل الرّجل).
3- الفقيه: ج 4/118 ح 5239، وسائل الشيعة: ج 29/352 ح 35762.

وديَّة الذمِّي ثمان مائة درهم.

دية الذِّمي

المسألة السابعة: (و) في مقدار (دِية الذِّمي) الحُرّ طوائف من النصوص:

الطائفة الأُولى: ما يدلّ على أنّها (ثمان مائة درهم) مطلقاً، يهوديّاً كان أم نصرانيّاً أم مجوسيّاً:

منها: صحيح ابن مسكان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «ديَّة اليهودي والنصراني والمجوسي ثمانمائة درهم»(1).

ومنها: صحيح ليث المرادي، عنه عليه السلام: «عن دية النصرانيّ و اليهوديّو المجوسي ؟

فقال عليه السلام: ديتهم جميعاً سواء، ثمانمائة درهم، ثمانمائة درهم»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ ديتهم أربعة آلاف درهم، وهي مرسلة الصَّدوق، قال: «روي أنّ دية اليهوديّ والنصرانيّ والمجوسيّ أربعة آلاف درهم، أربعة آلاف درهم، لأنّهم أهل الكتاب»(4).

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّ دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، ودية المجوسيّ ثمانمائة، وهي رواية أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «دية اليهودي

ص: 131


1- الكافي: ج 7/309 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/217 ح 35486.
2- الكافي: ج 7/310 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/218 ح 35489.
3- وسائل الشيعة: ج 29/217 باب (أنّ دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء، كلّ واحدٍ ثمانمائة درهم).
4- الفقيه: ج 4/122 ح 5253، وسائل الشيعة: ج 29/220 ح 35496.

والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسيّ ثمانمائة درهم»(1).

الطائفة الرابعة: ما دلّ على أنّ ديتهم دية المسلم:

منها: صحيح أبان بن تغلب، عنه عليه السلام، قال: «دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عنه عليه السلام: «من أعطاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذمّةً فديته كاملة.

قال زرارة: فهؤلاء؟ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: وهؤلاء من أعطاهم ذمّة»(3).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: عن مسلمٍ قتل ذميّاً؟

فقال: هذا شيءٌ شديد لا يحتمله النّاس، فليعطِ أهله دية المسلم حتّى ينكل عن قتل أهل السَّواد، وعن قتل الذِّمي.

ثمّ قال: لو أنّ مُسلِماً غَضَب على ذميٍّ فأراد أن يقتله، ويأخذ أرضه، ويؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم، إذاً يكثُرُ القتل في الذميّين، ومن قَتَل ذميّاً ظُلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميّاً حراماً ما آمن بالجزية، وأدّاها، ولم يَجحدها»(4).

أقول: جمع الشيخ قدس سره(5) بين الطوائف، بحمل الأخبار الدّالة على زيادة ديته عن ثمانمائة درهم على من يعتاد قتل أهل الذِّمة، فإنّه إذا كان كذلك، فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملةً تارةً ، وأربعة آلاف درهم أُخرى ، بحسب ما يراه أصلح في الحال وأردع.6.

ص: 132


1- الفقيه: ج 4/122 ح 5252، وسائل الشيعة: ج 29/222 ح 35500.
2- الفقيه: ج 4/122 ح 5254، وسائل الشيعة: ج 29/221 ح 35498.
3- التهذيب: ج 10/187 ح 33، وسائل الشيعة: ج 29/221 ح 35499.
4- التهذيب: ج 10/188 ح 35، وسائل الشيعة: ج 29/221 ح 35497.
5- نسبه إليه في مسالك الأفهام: ج 15/326.

وفيه: أنّه وإن كان يؤيّد هذا الجمع في الجملة، ما تقدّم منّا من أنّه لا قِصاص في قتل المسلم الذِّمي إلّاإذا اعتاد قتله، إلّاأنّه ليس جمعاً عُرفيّاً، ولا شاهد له من الأخبار، وما قيل من ظهور وجه الجمع المزبور من الموثّق الأخير، فإنّ الإيمان بالجزية وأدائها شرطٌ في تحقّق الذِّمة، وبدونهما لا يكون الكافر ذميّاً، ولا يكون في قتله ديةٌ أصلاً.

وعليه، فهذا القول الذي اختاره الشيخ رحمه الله، ونفى عنه البأس في محكي «المختلف»(1)ومال إليه بعضُ من تأخّر، ضعيفٌ .

وعن أبي عليّ (2): التفصيل بين أهل الكتاب الذين كانت لهم ذمّة مِن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ولم يغيّروا ما شَرَط عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فديةُ الرّجل منهم أربعمائة دينار، أو أربعة آلاف درهم، وبين الذين ملكهم المسلمون عنوةً ، ومنّوا عليهم باستحيائهم كمجوس السَّواد، وغيرهم من أهل الكتاب والجبال وأرض الشام، فدية الرّجل منهم ثمانمائة درهم.

أقول: ولعلّ وجهه هو الجمع بين صحيح زرارة وغيره من النصوص، ولكن المراد من إعطاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذمّةً في الصحيح، هو الذِّمي بقرينة قول الإمام عليه السلام:

«وهؤلاء مَن أعطاهم ذمّة».

وعن الصَّدوق(3): التفصيل بين من يَعمل بشرائط الذِّمة فديته دية المُسلم، ومن لا يعمل بها فديته ثمانمائة، ولا شاهد له من الأخبار.4.

ص: 133


1- مختلف الشيعة: ج 9/436.
2- نسبه إليه في المهذّب البارع: ج 5/255.
3- الفقيه: ج 4/124.

والذميَّة أربعمائة درهم.

أقول: المشهور بين الأصحاب(1) هو الأوّل، أي كون الدِّية ثمانمائة درهم مطلقاً، والطائفة الأُولى شاهدةٌ به، والثانية ضعيفة بالإرسال، والثالثة بوجود عليٍّ في سندها وهو البطائني الضعيف، وأمّا الرابعة فهي تُعارضها، ولأجل كون الاُولى أشهر، وكون الرابعة موافقة لفتاوى جماعة من العامّة كعلقمة، ومجاهد، والشِّعبي، والنَخَعي، والثوري، وأبي حنيفة(2)، يتعيّن تقديم الأُولى ، وحمل هذه على التقيّة.

(و) دية (الذِّمية) نصف دية الذِّمي (أربعمائة درهم)، بلا خلافٍ ظاهر، ويشهد به إطلاق ما دلّ على أنّ ديَّة المرأة نصف دية الرّجل المتقدّم.

ولا دية لغير أهل الذِّمة من الكفّار، بلا خلافٍ ، وذلك لأنّ دمهم هَدرٌ ولا احترام لهم، فكما لا يثبتُ القِصاص بقتلهم، كذلك لا دية لهم.

***9.

ص: 134


1- راجع كشف اللّثام (ط. ق): ج 11/318.
2- نسبه إليهم في مباني تكملة المنهاج: ج 2/209.

دية وَلدُ الزِّنا

المسألة الثامنة: في دية ولد الزنا إذا كان محكوماً بالإسلام، قولان، بل أقوال:

1 - إنّ ديته دية المسلم، وهو المشهور بين الأصحاب(1)، وفي «الرياض»(2):

(عليه عامّة المتأخّرين).

2 - إنّ ديته ثمانمائة درهم، اختاره الصَّدوق(3)، والسيّد المرتضى(4) من المتقدّمين، وقوّاه في «مفتاح الكرامة»(5)، وتوقّف في المسألة الشهيد في محكي «غاية المرام»(6)، والمحقّق الأردبيلي رحمه الله(7).

3 - ما عن الحِلّي(8) من أنّه لا ديَّة له.

يشهد للأوّل: - بعد فرض الحكم بإسلامه إن أظهر الإسلام، كما هو الحقّ - إطلاق أدلّة الدِّيات.

ودعوى:(9) انصراف الأخبار عنه غريبة.

واستدلّ للثاني:

ص: 135


1- راجع كشف الرموز: ج 2/634، مختلف الشيعة: ج 9/324.
2- رياض المسائل: ج 14/193.
3- المقنع: ص 530.
4- الإنتصار: ص 544.
5- مفتاح الكرامة: ج 10/496 (ط. ق).
6- نسبه إليه في تكملة مباني المنهاج: ج 2/207.
7- مجمع الفائدة: ج 14/322.
8- السرائر: ج 3/352.
9- وسائل الشيعة: ج 29/223 ح 35504.

1 - بخبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن جعفرٍ عليه السلام، قال:

«دية ولد الزنا دية الذِّمي ثمانمائة درهم»(1).

وعن «مفتاح الكرامة»(2): (إنّ الحديث إمّا حَسنٌ أو موثّق أو قوي).

وأفاد الأستاذ(3): أنّ عبد الرحمن بن حمّاد الذي هو في طريق الخبر، وإنْ لم يُوثَّق في كُتُب الرِّجال، ولذلك ضَعَّف الخبر جماعة، إلّاأنّه واردٌ في أسناد «كامل الزيارات» فهو ثقة، وله كتابٌ روى عنه جماعة، منهم ابن أبي عمير، وإبراهيم بن هاشم، والبرقي، وأحمد بن محمّد بن عيسى .

2 - وبخبر جعفر بن بشير، عن بعض رجاله، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن دية ولد الزنا؟

قال: ثمانمائة درهم، مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي»(4).

وفي «الرياض»(5): (إنّ السَّند إلى جعفر صحيح، وهو ثقة، والإرسال بعده لعلّه غير ضارٍّ لقول النجاشي: رَوى عن الثقات ورووا عنه، قاله في مدحه، ولا يكون ذلك إلّابتقدير عدم روايته عن الضعفاء، وإلّا فالرواية عن الثقة وغيره ليس بمدحٍ كما لا يخفى )، ولا بأس به.

أقول: ويؤيّده خبر عبد الرحمن بن عبد الحميد، عن بعض مواليه، قال:

قال لي أبو الحسن عليه السلام: «دية ولد الزِّنا دية اليهودي ثمانمائة درهم»(6).1.

ص: 136


1- وسائل الشيعة: ج 29/223 ح 35503.
2- نسبه إليه في تكملة مباني المنهاج: ج 2/207.
3- مباني تكملة المنهاج: ج 2/207.
4- الفقيه: ج 4/153 ح 5340، وسائل الشيعة: ج 29/222 ح 35502.
5- رياض المسائل: ج 14/193.
6- وسائل الشيعة: ج 29/222 ح 35501.

وقد يقال: إنّه يؤيّده الأخبار الواردة في غُسالة الحمّام المانعة عنها، معلّلةً بأنّه «يَغتسل فيه اليهودي والنصراني وولد الزِّنا»(1) حيث ساقته في سياق أهل الكتاب، مُشعرةً باتّحاد الحكم والمماثلة.

وأيضاً قيل: إنّه يؤيّده صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن دية ولد الزِّنا؟ قال عليه السلام: يُعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه»(2).

بدعوى(3) أنّه ظاهرٌ في ثبوت الدِّية - لا كما ذكره الحِلّي - وأنّها ما أنفق عليه، وهو يشملُ ما قَصُر عن دية الحُرّ المسلم، بل والذِّمي أيضاً، بل لعلّه ظاهر فيهٌ .

إلّا أنّ الأخير خارجٌ بالإجماع كخروج ما زاد عنه به أيضاً، فتعيّن الثمانمائة جدّاً، مع أنّ العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحُرّ المسلم، كالصريح في عدم لزومها، فيخرُج بذلك كلّه عن الإطلاقات، كما أنّه منه يظهر اندفاع ما عن الحِلّي.

فالمتحصّل: أنّ القول الثاني أظهر.

ثمّ إنّه لا فرق بين البالغ، وغير البالغ المميّز أو غير المميّز.

***3.

ص: 137


1- وسائل الشيعة: ج 1/218 باب (كراهة الإغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها وأنّ الماء النجس لايطهر ببلوغه كرّاً).
2- الفقيه: ج 4/316 ح 5682، وسائل الشيعة: ج 29/223 ح 35504.
3- رياض المسائل: ج 14/193.

من قَتَله القِصاص أو الحَدّ

المسألة التاسعة: إذا قامت الشهود على أنّ زيداً قَتَل شخصاً، فاقتُصّ منه، أو اُجري الحَدّ عليه فماتَ :

فالمشهور بين الأصحاب(1): أنّه لا قِصاص ولا دية له.

وقيل: إنّ ديته إذا كان الحَدّ للناس من بيت مال المسلمين.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

فمنها: ما يدلّ على القول الأوّل، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أيّما رجلٍ قَتَله الحَدّ في القِصاص، فلا دية له، الحديث»(2).

وخبر الكناني، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَله القِصاص، له دية ؟

فقال عليه السلام: لو كان ذلك لم يُقتصّ من أحدٍ.

وقال: من قَتَله الحَدّ فلا دية له»(3).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

ومنها: ما استدلّ به للقول الثاني، وهو خبر الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«من ضَرَبناه حَدّاً من حدود اللّه فماتَ فلا دية له علينا، ومن ضَرَبناه حَدّاً من حدود النّاس فماتَ فإنّ ديته علينا»(4).

ص: 138


1- راجع النهاية: ص 755، مختلف الشيعة: ج 9/336.
2- الكافي: ج 7/290 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/59 ح 35147.
3- الكافي: ج 7/290 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/63 ح 35157.
4- الكافي: ج 7/292 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/64 ح 35159.

وأورد عليه(1): بضعف السَّند بالحسن بن صالح.

ويَردّه: أنّ الراوي عنه ابن محبوب، الذي هو معدودٌ من أصحاب الإجماع، ولكن الظاهر منه هو الحَدّ الذي لايكون قاتلاً عادةً ، ولم يَقصد به القتل، فلا يشملُ القِصاص، وقد تقدّم الكلام في كتاب الحدود في ذلك.

هذا في صورة عدم تبيّن خَطأ الحُكم.

وأمّا في صورة تبيّنه، كما لو ظهر فِسق الشهود، أو نحو ذلك، فقد تكلّمنا عنه بالتفصيل في كتاب القضاء(2)، فراجع.

المسألة العاشرة: في دية العبد، وحيث إنّ بناءنا في هذا الشرح على عدم التعرّض لأحكام العبيد والإماء، لعدم الموضوع لها، فلذلك لا نتعرّض لها. والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً.

***7.

ص: 139


1- مباني تكملة المنهاج: ج 1/311.
2- فقه الصادق: ج 38/376 و ج 39/247.

الفَصلُ السّابع: فيما يوجبُ ضِمان الدِّية:

وهو اثنان:

الأوّل: المباشرة، بأن يقع التلف من غير قصدٍ، كالطبيب يعالجُ فيتلف المريض بعلاجه.

الفَصلُ السّابع عن موجبات ضمان الدِّية

اشارة

(الفَصلُ السّابع: فيما يوجب ضمان الدِّية):

قال رحمه الله: (وهو اثنان):

الموجب (الأوّل: المباشرة) وهو يتحقّق (بأن يقع التلف من غير قصدٍ) إليه، ولا إلى فعلٍ يترتّب عليه القتل عادةً .

أقول: وتتبيّن هذه الجملة بمسائل:

المسألة الأُولى : ما ذكره بقوله: (كالطبيب يُعالج فَيتلَفِ المريضُ بعلاجه).

أقول: والكلام في هذه المسألة:

تارةً : فيما تقتضيه القاعدة.

وأُخرى : فيما يقتضيه النَّص الخاصّ .

أمّا الأوّل: فإنْ كان الطبيب حاذقاً ماهراً في التطبّب والعلاج عِلماً وعملاً، يحتاج إليه ذلك المريض المعالَج بحسب ما قرّر له في فنّه، فقد يُعالج بتوصيف الدّواء،

ص: 140

وقد يباشر العلاج:

أمّا في الفرض الأوّل: فلا ضمان عليه، لأنّه ليس بمتلفٍ ، فلا موجب للضمان.

وأمّا في الفرض الثاني: فإن أذِنَ له المريض إن كان عاقلاً بالغاً، أو أذِن وليّه إن عالجَ المجنون أو الصَّبي، ولم يُقصِّر في العلاج، فلا ضمان عليه؛ لأنّه مأمورٌ من قِبل الشارع الأقدس بمعالجة المريض بما يراه علاجاً، لا بما هو علاجٌ واقعاً.

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّه لولا ذلك لانسدّ باب الطبابة - جملةٌ من الأخبار:

منها: صحيح يونس بن يعقوب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يشرب الدّواء، ويقطع العِرْق، وربما انتفع به وربما قَتَله ؟

قال عليه السلام: يَقطع ويَشرب»(1).

قال العلّامة المجلسي ذيل هذا الخبر: (إنّه يدلّ على جواز التدواي بالأدوية والأعمال الخطيرة)(2).

ومنها: خبر إسماعيل بن الحسن المُتطبّب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي رجلٌ من العَرَب ولي بالطِّب بصرٌ، وطبّي طبٌّ عربيّ ، ولستُ آخذ عليه صفداً؟ فقال: لا بأس.

قلت: إنّا نبط الجرح ونكوي بالنّار؟ قال: لا بأس.

قلت: ونُسقي هذه السّموم الاسمحيقون والغاريقون ؟ قال: لا بأس.

قلت: إنّه ربما ماتَ؟ قال: وإن مات، الحديث»(3).7.

ص: 141


1- الكافي: ج 8/194 ح 230، وسائل الشيعة: ج 25/222 ح 31738.
2- البحار: ج 59/71.
3- الكافي: ج 8/193 ح 229، وسائل الشيعة: ج 25/221 ح 31737.

ونحوهما غيرهما(1).

وعلى الجملة: لا إشكال في إذن الشارع الأقدس في العلاج بما يراه علاجاً، فإذن المريض أو وليّه في العلاج، إذنٌ له في الإتلاف، فلا ضمان عليه.

وبذلك يظهر أنّ ما في «المسالك»(2) وغيره من الإيراد على الحِلّي المستدلّ لعدم الضمان بسقوطه بإذنه، وبأنّه فِعْلٌ سائغٌ شرعاً، فلا يستعقب ضماناً، بأنّ الإذن في العلاج لا في الإتلاف، وبعدم المنافاة بين الجواز والضمان، غَير تامّ .

وإن لم يأذن له، أو قصَّر، كان ضامناً لحصول التلف المُستند إلى فعل الطبيب، وهو شبيه عمدٍ، لتحقّق القَصد إلى الفعل دون القتل، فيشمله ما دلّ على ثبوت الدِّية في القتل شبيه العَمَد.

وأمّا الثاني: وهو مقتضى النَّص، ففي المقام معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من تطبَّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه، وإلّا فهو له ضامن»(3).

وفي «المسالك»(4): (وضعفُ الخَبر واضحٌ ).

وفيه أوّلاً: إنّه معتبرٌ لما مرَّ مراراً من الاعتماد على خبر السكوني، أضف إليه استناد الأصحاب إليه في المقام.

وأمّا من حيث الدّلالة: فالمرادُ بأخذ البراءة من الوليّ ليس هو البراءة من7.

ص: 142


1- وسائل الشيعة: ج 25/221 باب جواز التداوي بغير الحرام لا به.
2- مسالك الأفهام: ج 15/327.
3- الكافي: ج 7/364 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/260 ح 35582.
4- مسالك الأفهام: ج 15/327.

الضمان، بل المراد منه الإذن في العلاج على نحوٍ لا ضمان معه، والمراد بالوليّ الذي تُؤخذ منه البراءة، هو من يرجع إليه الأمر، فإن كان المريضُ بالغاً عاقلاً، فالوليّ هو نفسه، وإن كان صغيراً أو مجنوناً، فالوليّ وليّه، فمفاد الخبر أنّه إذا عالج الطبيبُ فمع أخذ البراءة من الوليّ لا ضمان عليه، وإلّا فهو ضامنٌ ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين المباشرة في العلاج والتوصيف، وهذا هو القول المشهور بين الأصحاب.

وبما ذكرناه ظهر ما في كلمات القوم في المقام.

***

ص: 143

والنائمُ إذا انقلب على غيره فمات.

حكمُ قتل النائم لغيره

المسألة الثانية: (والنائمُ ) غير الظئر التي تَسمعُ الكلام فيها (إذا انقلب على غيره)، أو رفس برجله أو ضرب بيده أو ما شاكل، على وجهٍ يُستند الإتلاف إليه (فماتَ ): فعن «المقنعة»(1)، و «النهاية»(2)، و «الجامع»(3)، و «التحرير»(4)، و «الإرشاد»(5)، و «التلخيص»(6)، و «مجمع البرهان»(7)، والحِلّي(8): أنّه تثبتُ الدِّية في ماله.

وأيضاً عن «القواعد»(9)، و «كشف الرموز»(10)، و «الإيضاح»(11)، و «اللُّمعة»(12)، و «التنقيح»(13)، و «الروضة»،(14) و «المسالك»(15)، بل نَسَبه بعضٌ إلى

ص: 144


1- المقنعة: ص 188.
2- النهاية: ص 734.
3- الجامع للشرايع: ص 584.
4- تحرير الأحكام: ج 5/464.
5- إرشاد الإذهان: ج 2/203.
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/51.
7- مجمع الفائدة: ج 14/14.
8- المختصر النافع: ص 289.
9- قواعد الأحكام: ج 3/651.
10- كشف الرموز: ج 2/612.
11- إيضاح الفوائد: ج 4/656.
12- اللّمعة الدمشقيّة: ص 257.
13- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/51.
14- شرح اللُّمعة: ج 10/131.
15- مسالك الأفهام: ج 15/330.

عامّة المتأخّرين.

وقال المحقّق في «الشرائع»(1): (إنّه أشبه باُصول المذهب).

واختار ثبوتها صاحب «الجواهر»(2) لكن قال: (إنّها على عاقلته).

وقيل: إنّه لا دية عليه ولا على عاقلته.

واحتمل بعضٌ أن تكون الدِّية ثابتة على بيت المال.

وجه الأوّل: دعوى كونه شبيه عمد، ذكرها الشيخ رحمه الله(3)، أو أنّ الأصحاب جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس، وذلك لا يحمله العاقلة، بلا خلافٍ ، ذكره الحِلّي رحمه الله(4)، أو أنّ به رواية كما عن «السرائر»(5).

ولكن الأوّل يندفع: بأنّ شِبه العَمَد ثبت في ما لو كان قاصداً للفعل غير قاصدٍ للقتل، والنائمُ غير قاصدٍ للفعل.

ويندفع الثاني: بأنّ الأصحاب كثيرٌ منهم لم يوردوها في ضمان النفوس، وجمعٌ ممّن ذكر لها في هذا الباب أفتوا بأنّ الدِّية على العاقلة، ومثل ذلك لا يكون إجماعاً كاشفاً عن رأي المعصوم.

وأمّا الخبر فمرسلٌ غير مستندٍ إليه، ولا معلوم المتن.

وجه الثاني: أنّ الخَطأ هو ما لو كان القاتل غير قاصدٍ للفعل ولا للقتل، وما نحن فيه أحد مصاديقه، فما في بعض الأخبار من أنّ الخطأ أن تُريدَ شيئاً فتُصيبَ غيره5.

ص: 145


1- شرائع الإسلام: ج 4/1020.
2- جواهر الكلام: ج 43/51.
3- النهاية: ص 757.
4- مختلف الشيعة: ج 9/346.
5- السرائر: ج 3/265.

لايكون حَصراً حقيقيّاً؛ لمعلوميّة أنّ قصد شيء آخر لا دخل له في صِدق الخطأ بالنسبة إلى القتل الخطائي.

وممّا يؤكّد ذلك: ما دلّ على أنّ عَمد الصَّبي خطاء، إذ لو كان القصد إلى شيء آخر دخيلاً في صِدق الخطأ، لم يصحّ هذا التنزيل، فهذا أقوى شاهد على أنّ الركن الركين لصدق الخطأ، عدم القصد إلى القتل، ولا إلى الفعل، بلا دخلٍ لقصد فعلٍ آخر فيه.

أقول: وبما ذكرناه ظهر وجه القول الثالث مع جوابه، فإنّ مدركه أصالة البراءة بعد عدم وجود المُضَمِّن، وجوابه ما مرّ من ثبوت الدِّية على العاقلة في القتل الخطائي.

وأمّا احتمال كونها على بيت المال: فمدركه ما ورد من أنّ دم المسلم لا يذهبُ هَدْراً، وعلى فرض القول بأنّها على العاقلة، لا يكون هَدراً، هذا كلّه في غير الظئر.

وأمّا إن كان النائمُ المنقلب هو الظئر، فللأصحاب فيه أقوال:

القول الأوّل: التفصيل، وهو أنّه:

إن كانت إنّما ظائرت لاكتساب العِزّ والفخر والسُّمعة، فالدِّية في مالها.

وإنْ كانت مظائرتها للفقر، فالدِّية على عاقلتها، ذهبَ إليه الصَّدوق(1)، والشيخ(2)، وابن حمزة(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، و «النافع»(5)، و «النكت»(6)،1.

ص: 146


1- الفقيه: ج 4/160 ح 5363.
2- النهاية: ص 757.
3- الوسيلة: ص 454.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1023.
5- المختصر النافع: ص 296.
6- نكت النهاية: ج 3/411.

والمصنّف رحمه الله في «الإرشاد»(1)، والشهيد في «اللُّمعة»(2).

القول الثاني: أنّها على العاقلة مطلقاً، نُسب إلى المصنّف في بعض كتبه(3)، وولده(4)، وثاني الشهيدين(5)، بل نَسَبه في «المسالك»(6) إلى أكثر المتأخّرين.

القول الثالث: أنّها في مالها مطلقاً، ذهب إليه المفيد(7)، والدّيلمي(8)، وابن زُهرة(9)، مدّعياً عليه إجماع الإماميّة.

أقول: والأظهر هو الأوّل، فإنّ مقتضى القاعدة - على ما عرفت في غيرها - وإن كان هو القول الثاني، إلّاأنّه يشهدُ للأوّل خبر محمّد بن مسلم، قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: أيّما ظئرِ قومٍ قَتَلتْ صبيّاً لهم، وهي نائمة فقتلته، فإنّ عليها الدِّية من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظائرت طلب العِزّ والفخر، وإن كانت إنّما ظائرت من الفقر، فإنّ الدِّية على عاقلتها»(10).

رواه عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام مثله.

ورواه الحسين بن خالد وغيره، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام مثله(11).0.

ص: 147


1- إرشاد الأذهان: ج 2/223، قواعد الأحكام: ج 3/651.
2- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 258.
3- تحرير الأحكام: ج 5/529.
4- إيضاح الفوائد: ج 4/656.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/130.
6- مسالك الأفهام: ج 15/350.
7- المقنعة: ص 746.
8- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/123.
9- غنية النزوع: ص 414.
10- الكافي: ج 7/370 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/265 ح 35590.
11- التهذيب: ج 10/222 ح 6 و 7، وسائل الشيعة: ج 29/265 ذيل الحديث 35590.

ومَنْ حَمَل على رأسه متاعاً فأصابَ غيره، وكُسِر المتاع، فإنّه يضمنها.

وفي «المسالك»(1): (و في سند هذه الروايات ضعفٌ وجهالة، يمنعُ من العمل بمضمونها).

وعن الأردبيلي(2) مثله، ووافقهما صاحب «الجواهر» رحمه الله(3).

أقول: ولكن لخبر محمّد بن مسلم طريقين، في أحدهما محمّد بن مسلم، ثانيهما ما رواه البرقي في «المحاسن» عن أبيه، عن هارون بن الجَهم، عن محمّد بن مسلم، وهذا الطريق صحيحٌ ، ومخالفة الخبر للأصل من أنّ فعل النائم خطأٌ محضٌ ، فالدِّية على العاقلة كما في «المسالك»(4)، لا تضرّ؛ لأنّ نصوص العاقلة يقيّد إطلاقها بهذا الصحيح، فلا إشكال في الحكم.

نعم، لابدّ من الاقتصار على مورده، وعدم التعدّي إلى غير الظئر.

مَن حَمَل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً

المسألة الثالثة: (ومَنْ حَمَل على رأسه متاعاً، فأصاب غيره، وكُسِر المتاع، فإنّه يضمنها) أي الدِّية لو قَتَله أو جَرحه كما هنا.

وعن «الشرائع»(5)، و «النافع»(6)، و «التحرير»(7)، و «القواعد»(8)،

ص: 148


1- مسالك الأفهام: ج 15/352 و 351.
2- مجمع الفائدة: ج 14/232.
3- جواهر الكلام: ج 43/85.
4- مسالك الأفهام: ج 15/352 و 351.
5- شرائع الإسلام: ج 4/1020.
6- المختصر النافع: ص 296.
7- تحرير الأحكام: ج 5/529.
8- قواعد الأحكام: ج 3/651.

و «الإرشاد»(1)، و «اللُّمعة»(2)، وعن «النهاية»(3)، و «المهذّب»(4)، و «السرائر»(5):

أنّه يضمن المتاعَ خاصّةً .

أمّا حُكم المتاع: فقد مرّ في كتاب الإجارة.

وأمّا حكم دية القتل: فقد استدلّ لكون ديته في ماله بالخبر الصحيح الذي رواه داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ حَمَل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فماتَ أو انكسر منه ؟ فقال: هو ضامن»(6).

وردّه في «المسالك»:(7) بأنّ في طريقه سهل بن زياد، وهو ضعيفٌ .

والجواب عنه: ماقاله صاحب «الرياض»(8): (لعدم الضعف إلّابالطريق المرويّ في «الكافي» و «التهذيب» في باب ضمان النفوس، وأمّا الطريق الآخر المرويّ في الأخير و «الفقيه»(9) في كتاب الإجارات منها، فليس بضعيفٍ بل صحيح، ومع ذلك الضعفُ بسهلٍ سهلٌ ، سيّما بعد الانجبار بعمل الأصحاب، كما يظهر منه في «الروضة»)(10).

أقول: وبذلك يظهر الجواب عن إيراده الثاني، بأنّ إطلاقه مخالفٌ للقواعد، لأنّه إنّما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى فعله، وخطائه في القصد، فلو لم يَقصد4.

ص: 149


1- إرشاد الأذهان: ج 2/223.
2- شرح اللُّمعة: ج 10/113.
3- النهاية: ص 759.
4- المهذّب البارع: ج 2/495.
5- السرائر: ج 3/368.
6- الكافي: ج 7/350 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/244 ح 35546.
7- مسالك الأفهام: ج 15/331.
8- رياض المسائل: ج 14/204.
9- الفقيه: ج 3/258 ح 3932.
10- شرح اللُّمعة: ج 10/114.

ولو وَقَع على غيره من علوٍّ فماتَ ،

الفعل كان خطاءً محضاً كما تُقرر، إذ لو كان الخبر يُعتمد عليه وحجّة، أصبح إطلاق المطلق مقيّداً به.

ولكن الصَّدوق قدس سره روى هذا الخبر بسنده الصحيح إلى داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ حَمَل على رأسه متاعاً، فأصاب إنساناً فماتَ أو كسر منه شيئاً؟ قال عليه السلام: هو مأمون»(1).

وإذا انضمّ إليه صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام: «في الرّجل يستأجر الحمّال فيكسر الذي يحمل عليه، أو يُهريقه ؟

قال عليه السلام: إنْكان مأموناً فليس عليه شيء، وإنْكان غير مأمونٍ فهو ضامن»(2).

حيث يُستفاد عدم الضمان في صورة التلف مع كونه مأموناً، وحيثُ إنّ الخبر واحدٌ وروي بنحوين، فلا يصحّ الاعتماد على شيء من النقلين، ولابدَّ من الرجوع إلى القاعدة، وهي تقتضي كون الدِّية على العاقلة.

لو وَقَع على غيره فماتَ

المسألة الرابعة: (ولو وقع) إنسانٌ (على غيره من عُلوٍّ فماتَ ):

1 - فإنْ كان الوقوع عليه عن قصدٍ، وكان ممّا يَقتلُ غالباً، أو قَصَد به القتل، قُتِل به لأنّه عمدٌ يوجب القِوَد.

ص: 150


1- الفقيه: ج 4/111 ح 5219.
2- الفقيه: ج 3/257 ح 3931.

ضمن ديَّته.

2 - وإنْ لم يقصد القتل، ولم يكن ممّا يقتل غالباً، (ضَمِن ديته) لأنّه شبهُ عَمدٍ.

3 - وإنْ لم يكن قاصداً الوقوع عليه، بل على غيره، ولكن سَقَط عليه خطأً، فالدِّية على عاقلته، فإنّه داخلٌ في القتل الخطائي المحض.

4 - وإذا وقع عليه بغير اختياره، كما لو دَفَعه الهواء، أو زَلَّت قدمه فَسَقط فمات الشخص:

فالمشهورُ بين الأصحاب(1): أنّه لا ضمان عليه، ولا على عاقلته.

وفي «الجواهر»(2): بلا خلافٍ أجده فيه بين من تعرّض له، لعدم استناد الفعل إليه، ولعدّةٍ من النصوص:

منها: صحيح عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ وقع على رجلٍ فقتله ؟ فقال عليه السلام: ليس عليه شيء»(3).

ومنها: صحيحه الثاني، عنه عليه السلام: «عن الرّجل وَقَع على رجلٍ من فوق البيت فماتَ أحدهما؟

قال عليه السلام: ليس على الأعلى شيء ولا على الأسفل شيء»(4).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «في الرّجل يسقطُ على الرّجل فيقتله ؟2.

ص: 151


1- راجع إرشاد الأذهان: ج 2/224.
2- جواهر الكلام: ج 43/72.
3- الكافي: ج 7/288 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/56 ح 35140.
4- الكافي: ج 7/289 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/57 ح 35142.

فقال عليه السلام: لا شيء عليه، الحديث»(1).

ونحوها غيرها(2).

وظاهر هذه الأخبار هو الوقوع على الوجه المزبور، ويؤكّده ظهورها في عدم ضمان العاقلة أيضاً، فإنّ السؤال مطلقٌ لا عن خصوص ما عليه، فنفي الشيء دليلُ العموم.

أقول: وبذلك يظهر الجواب عن ما احتمله كاشف اللّثام(3) بأن يكون الفرضُ كمن انقلب على غيره في النوم فَقَتَله في وجوب الدِّية عليه أو على عاقلته.

كما أنّ ما احتمله في «السرائر»(4) و «التحرير»(5) - على المحكيّ - من أن يكون كقتيل الزحام في وجوب الدِّية في بيت المال، لئلّا يبطل دمُ امرئ مسلم.

يندفع: بإطلاق النصوص الواردة في مقام بيان ما يترتّب على مثل هذا القتل.

وإنْ أبيتَ عن ذلك، فلا أقلّ من أصالة البراءة، والعلّة المشار إليها لا تشملُ المقام، ممّا يكون الموت بقضاء اللّه وقَدَره من دون أن يُستند إلى اختيار شخص.

فمع عدم الدليل على ثبوت الدِّية على بيت المال، فإنّ مقتضى الأصل عدمه.

هذا كلّه في الواقع عليه.

وأمّا نفس الواقع فدمه هَدرٌ على جميع التقادير، بلا خلافٍ ولا إشكال، لعدم نسبة قتله إلى أحدٍ حتّى يرجع عليه أو على عاقلته.7.

ص: 152


1- الفقيه: ج 4/102 ح 5186، وسائل الشيعة: ج 29/56 ح 35141.
2- وسائل الشيعة: ج 29/56 باب: أنّ من وقع على آخر بغير اختيار فقتله لم يكن عليه شيء.
3- كشف اللّثام (ط. ق): ج 11/224.
4- السرائر: ج 3/367.
5- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/207.

ولو أوقعه غيره فإنّ الدِّية على الدّافع.

وفي موثّق ابن بكير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يقعُ على رجلٍ فيقتله، فمات الأعلى؟

قال عليه السلام: لا شيء على الأسفل»(1).

(ولو أوقعه غيره، ف) فيه قولان:

أحدهما: (إنّ الدِّية على الدّافع) إن قَصَد الدفع، ولم يقصد القَتل، ولم يكن ممّا يَقتلُ غالباً، لأنّه شبه العَمَد.

وإنْ قَصَد القتل، أو كان ممّا يَقتلُ غالباً، فعلى الدّافع القِوَد.

وإنْ لم يقصد الدفع عليه، فالدِّيةُ على العاقلة.

وفي «الرياض»(2): (هو الأشهر بين المتأخّرين على الظاهر، بل صرَّح بالشُّهرة المطلقة شيخنا في «الروضة»)، وهو خيرة الحِلّي والمفيد على ما حُكي.

ثانيهما: ما عن الشيخ في «النهاية»(3)، وكتابي الحديث(4)، وتبعه صاحب «الجامع»(5)، وهو: أنّ دية المقتول على الواقع، ويرجع هو بها على الدّافع.

واستُدلّ للثاني: بصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ دَفَع رجلاً على رجلٍ فقتله ؟2.

ص: 153


1- الفقيه: ج 4/104 ح 5193، وسائل الشيعة: ج 29/57 ح 35143.
2- رياض المسائل: ج 14/208.
3- شرح اللُّمعة: ج 10/121.
4- السرائر: ج 3/366.
5- المقنعة: ص 742.

قال: الدِّية على الذي دَفَع على الرّجل فقتله لأولياء المقتول.

قال: ويرجعُ المدفوع بالدِّية على الذي دفعه.

قال: وإن أصاب المدفوع شيئاً، فهو على الدّافع أيضاً»(1).

وهذا الخبر غير متعرّضٍ لحكم القِوَد، وإنّما يدلّ على أنّه في مورد ثبوت الدِّية على القاتل يثبُت على المدفوع، وهو يرجع بها على الدّافع.

وعليه، فلا موجبَ لما عن «كشف اللّثام»(2) من حمل الخبر على أنّ أولياء المقتول لم يَعلموا دفع الغير له، أو طرحه، بل يُعمل به في خصوص مورده.

هذا في ضمان المدفوع عليه.

وأمّا المدفوع: فضمانه على الدّافع قولاً واحداً، والصحيح المتقدّم شاهدٌ به.

لو رَكَبت جاريةٌ على أُخرى فنَخَستها ثالثة

المسألة الخامسة: لو رَكِبتْ جاريةٌ جاريةً أُخرى ، فنَخَستها جاريةٌ ثالثة، فَقَمصت الجارية المركوبة قهراً، أي نَفَرت ورفعت يديها، وطرحتها فَصَرعتِ الراكبة ودفعت فماتت:

فعن الشيخ في «النهاية»(3) وأتباعه، بل في «الشرائع»(4)، و «المسالك»(5)ادّعى عليه الشُّهرة: أنّ الدِّية بين الناخسة والقامصة نصفان.

ص: 154


1- النهاية: ص 758، وسائل الشيعة: ج 29/57 ح 35144.
2- كشف اللّثام (ط. ق): ج 11/244.
3- النهاية: ص 763.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1022.
5- مسالك الأفهام: ج 15/345.

وعن «المقنعة»(1)، و «الغُنية»(2)، و «الإصباح»(3)، و «الكافي»(4): أنّه على الناخسة والقامصة ثُلثا الدِّية، ويَسقطُ الثُّلث بإزاء الراكبة لركوبها عبثاً.

وعن الحِلّي(5): أنّ الدِّية على الناخسة إن كانت مُلْجِئةً للمركوبة إلى القمص على ما هو عنوان المسألة، وعلى القامصة إنْ لم يكن مُلْجِئة.

أقول: وهو اختيار المصنّف في «الإرشاد»(6)، والفخر في «الإيضاح»(7)، والشهيد في «الروضة»(8)، واستحسنه في «التحرير»(9)، و «كشف الرموز»(10) على ما حُكي، وفي «الشرائع»(11): (وهو وجهٌ أيضاً).

واختاره الأستاذ(12) فيما هو عنوان المسألة.

واستدلّ للأوّل: بما رواه الأصبغ بن نُباتة، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جاريةٍ ركبت جاريةً ، فَنَخَستها جاريةٌ أُخرى فقَمصتِ المركوبة فصرعت الراكبة فماتت، فقضى بديتها نصفين بين الناخسة والمنخوسة»(13).7.

ص: 155


1- المقنعة: ص 751.
2- غنية النزوع: ص 416.
3- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/301.
4- الكافي في الفقه: ص 394.
5- السرائر: ج 3/374.
6- إرشاد الأذهان: ج 2/224.
7- إيضاح الفوائد: ج 4/677.
8- شرح اللُّمعة: ج 10/133.
9- تحرير الأحكام: ج 5/553.
10- كشف الرموز: ج 2/640.
11- شرائع الإسلام: ج 4/1022.
12- تكملة مباني المنهاج: ج 2/235.
13- الفقيه: ج 4/169 ح 5388، وسائل الشيعة: ج 29/240 ح 35537.

ولكنّه ضعيفٌ بأبي جميل المفضّل بن صالح، الذي كان يضعُ الحديث، حتّى أنّه أقرّ به، وأبي عبد اللّه الرازي الجاموراني وغيرهما.

ودعوى:(1) انجبار ضعفه بالشُّهرة التي ادّعاها جماعة منهم المحقّق، والمصنّف، والشهيد الثاني.

مندفعة: بما حكاه غير واحدٍ من عدم العمل به إلّاعن الشيخ والقاضي، ولذا احتمل صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله أن يكون مرادهم الشُّهرة في الرواية.

واستدلّ للثاني: بما رواه المفيد في «الإرشاد»(3) من: «أنّ عليّاً عليه السلام رفع إليه باليمن خَبرُ جاريةٍ حَمَلت جاريةً على عاتقها عَبَثاً ولَعباً، فجاءت جاريةٌ أُخرى فَقَرصتِ الحاملة فقَفَزَتْ لقرصها فوقعتِ الرّاكبة فاندقت عُنُقها فهلكت.

فقضى عليّ عليه السلام على القارصة بثُلث الدِّية، وعلى القامصة بثُلثها، وأسقط الثُّلث الباقي لركوب الواقصة عَبَثاً القامصة، فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله فأمضاه».

وأورد عليه: بأنّه مرسلٌ لا يُعتمد عليه.

ولكن قد مرّ أنّ المُرسل الذي نسب فيه الخبر إلى المعصوم جزماً، إذا كان المرسِل ثقةً ، يكون حجّة، والمقام كذلك، فإنّ المفيد ينقل تلك الواقعة جزماً فهو حجّة.

والمتحصّل: أنّ القول الثاني أظهر.

المسألة السادسة: إذا أعنف الرَّجل بزوجته جماعاً في قُبُلٍ أو دُبُرٍ، أو ضَمّها8.

ص: 156


1- نسبها إليهم في جواهر الكلام: ج 43/74.
2- جواهر الكلام: ج 43/74.
3- الإرشاد: ج 1/195، وسائل الشيعة: ج 29/240 ح 35538.

إليه بعنفٍ فماتت الزوجة، فلا قِوَد، ولكن يضمن الدِّية في ماله، كما هو المشهور بين الأصحاب(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة، لأنّ ذلك داخلٌ في القتل شبيه العَمَد - صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ أعنف على امرأته، فزعم أنّها ماتت من عُنفه ؟

قال عليه السلام: الدِّية كاملة ولا يُقتل الرّجل»(2).

ونحوه غيره(3).

ولا يعارضها مرسل يونس، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ أعنفَ على امرأته، أو امرأةً أعنفت على زوجها، فقَتَل أحدهما الآخر؟

قال: لا شيء عليهما إذا كانا مأمونين، فإنْ اتُّهما اُلزما اليمين باللّه أنّهما لم يريدا القتل»(4).

لضعفه بالإرسال، وبأنّ في سنده صالح بن سعيد وهو مجهولٌ ، ولأنّ الظاهر منه إرادة القِوَد، فإنّ الدِّية لا تُنافي عدم إرادة القتل، بل ثابتة في تلك الصورة.

وبذلك يظهر حكم ما لو أعنف الزّوجة بزوجها فمات.

المسألة السابعة: من صاحَ على أحدٍ فماتَ :

فإنْ احتَمَل عدم استناد الموت إلى الصيحة، فلا دية عليه ولا قِصاص.8.

ص: 157


1- راجع السرائر: ج 3/366.
2- التهذيب: ج 10/210 ح 33، وسائل الشيعة: ج 29/269 ح 35595.
3- وسائل الشيعة: ج 29/269 باب (حكم ما لو أعنف أحد الزوجين على صاحبه فمات أو جنى عليه جناية).
4- الكافي: ج 7/294 ح 15، وسائل الشيعة: ج 29/270 ح 35598.

ولو اشترك ثلاثةٌ في هَدم حائطٍ، فوقع على أحدهم فماتَ ، كان على الباقين ثُلثا ديته.

وإنْ عَلِم استناده إلى الصيحة، وكان قاصداً لذلك، أو كانت ممّا يقتلُ عادةً ، فعليه القِوَد، وإلّا فعليه الدِّية في ماله.

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى القاعدة - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «أيّما رجلٍ فَزَع رجلاً عن الجدار، أو نفر به عن دابته، فخَرّ فماتَ فهو ضامن لديته، وإنْ انكسر فهو ضامنٌ لدية ما ينكسر منه»(1).

ولو كانت الصيحة لا لإخافة شخصٍ بل لغرضٍ آخر، واتّفق موته بها، كان القتلُ خَطاءً محضاً، والدِّية على عاقلته، والنَّص منصرفٌ عن هذه الصورة.

وعليه، فما عن الشيخ رحمه الله(2) من أنّ الدِّية على العاقلة، لعلّه أراد الصورة الأخيرة.

لو اشترك ثلاثة في هدم حائطٍ فوقع على أحدهم

المسألة الثامنة: (ولو اشترك ثلاثةٌ في هدم حائطٍ، فوقع على أحدهم فماتَ ، كان على الباقين ثُلثا ديته) كما عن الحِلّي(3)، وعامّة المتأخّرين على ما في «الرياض»(4)، لأنّ القتل بحسب طبيعة الحال من قبيل شبيه العَمَد، وهم شركاء في الإتلاف، فيسقط ما قابل فعله، وهو ثُلث الدِّية، وإلّا لزم أن يضمن الشريك في الجناية

ص: 158


1- الكافي: ج 7/353 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/252 ح 35567.
2- المبسوط: ج 7/158.
3- السرائر: ج 3/377.
4- رياض المسائل: ج 14/213.

شريكه، وهو باطلٌ قطعاً لقوله تعالى : (وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (1).

أقول: هكذا استدلّوا له، وستعرف ما فيه.

وعن الشيخ في «النهاية»(2)، والصَّدوق في «الفقيه»(3) و «المُقنع»(4): أنّه يضمن الآخران الباقيان الدِّية، واستدلّ له:

بخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائطٍ اشترك في هدمه ثلاثة نفر، فوقع على واحدٍ منهم فمات، فضمن الباقيين ديته، لأنّ كلّ واحدٍ منهما ضامنٌ لصاحبه»(5).

وأورد عليه: بضعف السَّند، فإنّه وإن روى في الكتب الثلاثة بأسانيد متعدّدة، إلّا أنّه في سند الجميع عليّ بن أبي حمزة البطائني الضعيف.

ولكن الصَّدوق(6) رواه بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ ، وابنُ أبي عمير يعدّ من أصحاب الإجماع، فالخبرُ من حيث السَّند لا إشكال فيه، إلّاأنّه لم يعمل به أحدٌ غير الصَّدوق، فإنّ الشيخ وإن رواه في «النهاية»(7)، وظاهره العمل به، إلّا أنّه قد رَجَع عنه في «المبسوط»(8)، كما حكاه عنه الحِلّي(9)، فهو معرضٌ عنه عند الأصحاب.7.

ص: 159


1- سورة الإسراء: الآية 15.
2- النهاية: ص 764.
3- الفقيه: ج 4/159.
4- المقنع: ص 538.
5- الكافي: ج 7/284 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/236 ح 35529.
6- الفقيه: ج 4/159 ح 5361.
7- النهاية: ص 764.
8- المبسوط: ج 7/166.
9- السرائر: ج 3/377.

ولو أخرَجَ غيره من منزله ليلاً ضَمِنه.

وعلى هذا، فلا بأس بحمله على إرادة ثُلثيها، لا إرادة تمام الدِّية، لعدم صراحته في التمام.

أقول: وأمّا ما استدلّ به للقول الأوّل، فيرد عليه:

أنّ القتل في مفروض المسألة من قبيل الخَطأ المحض؛ لأنّهم لا يقصدون بفعلهم وقوع الحائط على أحدهم، حتّى يكون من قبيل شبيه العَمَد، بل يقصدون هدم الحائط، فوقوعه على أحدهم غير مقصودٍ، فهو الخطأ المحض، فثُلثا الدِّية على عاقلة الباقين لما مرّ.

ونُسب هذا القول إلى الأصحاب، بل نُفي عنه الخلاف(1)، ولكن عباراتهم لا تُوافقه.

مَنْ دَعا غيره ليلاً فأخرجه فهو له ضامن

المسألة التاسعة: (ولو أخرجَ غيره من منزله ليلاً) بدعوته إيّاه (ضَمِنه) حتّى يرجع المدعوّ إلى منزله، بلا خلافٍ ظاهرٍ بين الأصحاب(2)، بل عن «الغُنية»(3)، و «النكت»(4)، و «غاية المراد»(5) الإجماع عليه، ولعلّه كذلك، فإنّه لم يُنقل الخلاف

ص: 160


1- مباني تكملة المنهاج: ج 42/302 (ط. ج) قوله: بلا خلافٍ ظاهر، و الوجه في ذلك واضح، وهو أنّ الدِّية في أمثال الموارد أي موارد الاشتراك في القتل تتقسّط على فعل كلّ واحد منهم، وعليه، فبطبيعة الحال يسقط منها بالمقدار المستند إلى فعل المقتول فيبقى الباقي على ذمّة الباقين.
2- رياض المسائل: ج 14/213.
3- غنية النزوع: ص 414.
4- راجع نكت النهاية: ج 3/406، ونسبه إليه في كشف اللِّثام (ط. ج): ج 11/253.
5- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: ج 4/457.

إلّا عن الحِلّي(1).

أقول: وكيف كان، فيشهد به:

1 - حَسن عمرو بن أبي المِقدام، قال:

«كنتُ شاهداً عند البيت الحرام، ورجلٌ ينادي بأبي جعفر الدوانيقي، وهو يطوف، ويقول: يا أمير المؤمنين إنّ هذين الرّجلين طَرَقا أخي ليلاً فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليَّ ، وواللّه ما أدري ما صَنعا به ؟

فقال لهما: ما صَنعتما به ؟

إلى أن قال: فقال لأبي عبد اللّه عليه السلام وهو قابضٌ على يده: يا جعفر اقضِ بينهم.

فقال: اقضِ بينهم أنتَ .

قال: بحقّي عليك إلّاقضيتَ بينهم.

قال: فخرج جعفر عليه السلام فَطُرِح له مُصلّى قصب...

إلى أن قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا غُلام اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: كلُّ مَن طَرَق رجلاً باللّيل فأخرجه من منزله فهو له ضامن، إلّاأن يُقيم البيِّنة أنّه قد رَدّه إلى منزله، يا غلام نَحّ هذا الواحد منهما واضرب عنقه.

فقال: يا ابن رسول اللّه، واللّهِ ما أنا قتلته، ولكنّي أمسكته ثُمّ جاء هذا فوجأه فقتله، الحديث»(2).

وقد رماه سيّد «الرياض»(3) بالضَّعف، والأستاذ(4) وصفه بالصِّحة، والظاهر1.

ص: 161


1- السرائر: ج 3/364.
2- الكافي: ج 7/287 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/51 ح 35127.
3- رياض المسائل: ج 14/216.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/11.

أنّ الخبر حَسنٌ لأنّ الصَّدوق(1) رحمه الله رواه بإسناده عن عمرو، وسنده إليه حَسنٌ وهو ثقة، وصاحب «الرياض» كأنّه نظر إلى طريق الكُليني والشيخ، وفي الطريق محمّد ابن الفضيل، مع الإرسال في طريق الكليني، وغَفَل عن ما في «الفقيه».

2 - وخبر عبد اللّه بن ميمون، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا دعا الرّجل أخاه بليلٍ ، فهو له ضامن حتّى يرجع إلى بيته»(2).

وقد عَمل بهما الأصحاب، فلو كان فيهما ضعفٌ فهو منجبرٌ بالعمل، والظاهر أنّ الأخ والرَّجُل فيهما مثالان لمطلق الغير، فيشملان المرأة أيضاً، إذ لا قائل بالفرق كما أفاده الشهيد(3) رحمه الله، وأيضاً لا فرق بين الصغير والكبير.

نعم، الظاهر اختصاص الحكم باللّيل، لاختصاص النصوص والفتاوى به، وكذا لو أخرجه بالتماسه كما صرّح به غير واحدٍ(4).

أقول: لا خلاف ولا إشكال في ثبوت الدِّية، فيما لو فُقِدَ الخارجُ ولم يُعرف حاله، كما لا إشكال في عدم ثبوت القِوَد إذا لم يوجد مقتولاً، إذ الضمان الثابت بالخبرين ظاهرٌ في الدِّية، ولم يخالف في ذلك أحد.

فإنْ قيل: إنّ الإمام عليه السلام بعد نقل النبويّ ، قال: «يا غلام نَحِّ هذا الواحد منهما واضرب عنقه» فقد طَبّق النبويّ على القِوَد.

أجبنا عنه: بأنّه لم يعمل به أحدٌ، فيمكن أن يكون أمره بضرب العنق لما0.

ص: 162


1- الفقيه: ج 4/117 ح 5235.
2- التهذيب: ج 10/222 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/274 ح 35607.
3- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/79.
4- جواهر الكلام: ج 43/80.

إلّا أن تقوم البيّنة بموته، أو بقتلِ غيره له.

أفاده في «المسالك»(1) وغيره من أنّه لاستخراج ما فعلاه تهديداً، وحيلةً على الإقرار الصحيح.

إنّما الإشكال في ما لو وُجِد الرّجل قتيلاً:

فالمشهور(2) أنّه لا قِصاص حينئذٍ، ما لم يثبُت ببيّنةٍ أو إقرارٍ أنّ القاتل هو المُخرِج.

وعن المصنّف رحمه الله(3) في «الإرشاد»: ثبوت القِوَد، ونُسب ذلك إلى المفيد، ولا وجه له سوى إطلاق الضمان، سيّما بعد تطبيق الإمام على ضرب العنق، وإن خَرَجنا عنه في الصورة السابقة بالإجماع والتسالم، وقد عرفت ما فيه.

ولو وجد الخارج ميّتاً، ولم يكن فيه أثرُ القتل:

فإنْ احتُمِل استناد موته إلى المُخرِج، فمقتضى إطلاق الخبرين ضمانه الدِّية.

وإنْ عُلِم أنّه ماتَ حتف أنفه أو قَتَله غيره، فالظاهر عدم الضمان، لانصراف الخبرين عن هذه الصورة قطعاً.

وعليه، فما في «النافع»(4) من إطلاق الضمان، محمولٌ على الفرض الأوّل.

وإلى هذا التفصيل نظر المصنّفُ رحمه الله حيث قال: (إلّاأن تقوم البيّنة بموته أو بقتل غيره له).

***7.

ص: 163


1- مسالك الأفهام: ج 15/349.
2- مختلف الشيعة: ج 9/344، جواهر الكلام: ج 43/79.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/224.
4- المختصر النافع: ص 297.

الثاني: التسبيب، كمن حَفَر بئراً في غير مِلْكه، فوقع فيها إنسانٌ ، أو نَصَب سكيناً، أو طَرَح المعاثر في الطريق.

التسبيب

الموجب (الثاني) ممّا يوجب ضمان الدِّية (التسبيب):

أقول: وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه، والنصوص المستفيضة الدّالة عليه ستأتي الإشارة إلى طرف منها في طيّ المباحث الآتية.

وضابطه على ما في «القواعد»(1)، و «الشرائع»(2)، و «النافع»(3)، وغيرها من كتب الأصحاب هو: كلّ ما يحصل التلف عنده بعلّةٍ غيره، إلّاأنّه لولاه لما حصل من العلّة تأثيرٌ (كَمَن حَفَر بئراً)، أو نَصَب السكين، أو طرح المعاثر من نحو قشور البطيخ، وما شاكل، فإنّ التلف لا يحصلُ بشيء منها، بل من العثار المسبّب عنها، وليس الضمان فيها كليّاً، بل على تفصيلٍ ذكره المصنّف رحمه الله وغيره من أصحابنا.

أقول: وملخّص القول في هذا المقام بالبحث في مسائل:

المسألة الأُولى: لو حَفَر بئراً (في غير مِلْكه، فوقع فيها إنسانٌ ، أو نَصَب سكيناً، أو طَرَح المعاثر في الطريق)، أو في مِلك غيره فوَقَع عليه شخصٌ أو عَثَر به فمات أو جُرح، ضَمِن ديته.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

ص: 164


1- قواعد الأحكام: ج 3/651.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1024.
3- المختصر النافع: ص 298.

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن الشيء يُوضع على الطريق فتمرّ الدّابة فتنفِرُ بصاحبها فتعقره ؟

فقال عليه السلام: كلّ شيء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامنٌ لما يصيبه»(1).

ومنها: صحيح الكناني، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: مَن أضرَّ بشيءٍ من طريق المسلمين فهو له ضامن»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عنه عليه السلام، قال: «قلتُ له: رجلٌ حَفَر بئراً في غير مِلْكه، فمرَّ عليها رجلٌ فوقع فيها؟

فقال عليه السلام: عليه الضمان، لأنّ كلّ من حَفَر في غير مِلْكه كان عليه الضمان»(3).

ومنها: صحيحه الثاني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو أنّ رجلاً حَفَر بئراً في داره ثُمّ دخل رجلٌ فوقع فيها، لم يكن عليه شيءٌ ، ولا ضمان ولكن ليغطّها»(4) فتأمّل.

ومنها: معتبر سماعة، قال: «سألته عن الرّجل يحفر البئر في داره أو في أرضه ؟

فقال عليه السلام: أمّا ماحفر في ملكه فليس عليه ضمان وأمّا ماحفر في الطريق، أو في غير مايَمْلِك، فهو ضامنٌ لمايسقط فيه»(5). ونحوها غيرها(6).

وعليه، فأصل الحكم في الجملة ممّا لا كلام ولا إشكال فيه، وتمام الكلام في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: إنّه لو حَفَر بئراً في مِلْك الغير بإذنه أو إجازته، كان حكمه حكم).

ص: 165


1- الكافي: ج 7/349 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/243 ح 35543.
2- الكافي: ج 7/350 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/241 ح 35540.
3- الكافي: ج 7/350 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/241 ح 35539.
4- الكافي: ج 7/350 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/242 ح 35542.
5- التهذيب: ج 10/229 ح 36، وسائل الشيعة: ج 29/241 ح 35541.
6- وسائل الشيعة: ج 29/241 باب (أنّ من حفر بئراً في ملكه لم يضمن ما يقع فيها).

ولو كان ذلك في مِلْكه

حَفر البئر في مِلْكه، فإنّ الموضوع بحسب الفهم العرفي هو التصرّف العدواني، فبالإذن يرتفعُ هذا الموضوع.

الفرع الثاني: لو حَفَر في طريق المسلمين ما فيه مصلحة العابرين، فاتّفق وقوع شخصٍ فيه فماتَ ، فالأقربُ ما عن الشيخ في «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، والمصنّف(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4) من أنّه لا يضمن، إذ المفهوم المستفاد عرفاً من الروايات، خصوصاً صحيح الحلبي الذي كان السؤال فيه عن مطلق وضع شيء في الطريق، وأجاب عليه السلام بأنّ : «كلّ شيء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن» أنّ الموضوع هو الإضرار، لا مطلق وضع الشيء في الطريق، ومعلومٌ أنّه لا فرق بين حَفر البئر ووضع الشيء في الطريق، أضف إليه أنّه محسنٌ ، وما على المُحسِنين من سبيل.

الفرع الثالث: إذا كان العابر عالماً بالحال، فالظاهر أنّه لا ضمان على الحافر، لأنّ الجزء الأخير للعلّة حينئذٍ هو فعله الاختياري، فلا محالة يكون دمه هَدراً للإقدام، فلا يكون ضمانٌ على أحد.

الفرع الرابع: (ولو كان ذلك) أي حفر البئر، أو نصب الآلات الجارحة أو القاتلة كالسكين وما شاكل (في مِلْكه) أو في مكانٍ مباح له التصرّف فيه بذلك5.

ص: 166


1- النهاية: ص 761.
2- المبسوط: ج 7/167.
3- تحرير الأحكام: ج 2/51.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1025.

لم يَضمن. ولو دخل دار قومٍ بإذنهم فَعَقره كلبهم، ضَمِنوا جنايته، ولو كان بغير إذن فلا ضمان.

ونحوه غير الطريق (لم يضمن) بلا خلافٍ ، والنصوص المتقدّمة شاهدة به.

إنّما الكلام في أنّ عدم الضمان هل هو مطلقٌ كما يقتضيه إطلاق النصوص في باديء النظر والأصل، أم يكون مقيّداً بما إذا لم يتضمّن غروراً، وإلّا فيضمن، كما عن جمعٍ ممّن تأخّر، فلو جهل الداخل بإذنه لكونه أعمى ، أو كون ذلك مستوراً، أو الموضع مظلماً، أو نحو ذلك يكون ضامناً، بدعوى انصراف النَّص عن مثل هذا الفرض، وإشعار صحيح الثاني لزرارة به للأمر بالتغطية ؟

لعلّ الأوّل أظهر، فإنّه في الصحيح مع فرض عدم التغطية، حَكم بعدم الضمان بقولٍ مطلق.

حكمُ مَن دَخَل داراً فَعَقَره كلبهم

المسألة الثانية: (ولو دَخَل دار قومٍ بإذنهم فعَقَره كلبهم، ضَمِنوا جنايته، ولو كان بغير إذنٍ فلا ضمان) بلاخلافٍفي الحكمين، بل عن ظاهر «المبسوط»(1) الإجماع عليه.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: معتبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ دَخَل دار قومٍ بغير إذنهم فعَقَره كلبهم، قال: لا ضمان عليهم، وإنْ دخل بإذنهم ضَمِنوا»(2).

ص: 167


1- المبسوط: ج 8/79.
2- الكافي: ج 7/353 ح 14، وسائل الشيعة: ج 29/254 ح 35571.

ومنها: معتبر زيد بن عليّ ، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام: «أنّه كان يُضمِّن صاحب الكلب إذا عَقَر نهاراً، ولا يُضمِّنه إذا عَقَر باللّيل، وإذا دخلت دار قومٍ بإذنهم فعَقَرك كلبهم فهم ضامنون، وإذا دَخَلتَ بغير إذنٍ ، فلا ضمان عليهم»(1).

ونحوهما غيرهما(2).

ومقتضى إطلاق النَّص والفتوى ، عدم الفرق بين كون الكلب حاضراً في الدّار عند الدخول وعدمه، وبين علمهم بأنّه يَعِقر الرّجل وعدمه.

ولو أذِن بعضُ أهل الدار؛ فإنْ كان ممّن يجوزُ الدخول بإذنه، اختصَّ بالضمان، وإلّا فلا ضمان عليه.

وهل يكفي في السقوط صدور الإذن العامّ؟

قد يقال: الظاهر عدم الكفاية، وكون المعيار الإذن الخاصّ ، إذ المنساق بل كاد يكون صريح قوله عليه السلام في المرسل: «إنْ كان دعا فعلى أهل الدّار أرش الخدش»(3)، ذلك، ذكره في «الجواهر»(4).

ولكن يَردّه: أنّ المرسل ضعيفُ السَّند، واستناد الأصحاب إليه غير ثابت، فلا يصلحُ أن يكون مستند الحكم.

المسألة الثالثة: يجبُ حفظ دابته الصّائلة، كالبعير المُغتلم، والكلب العَقور الذي اقتناه، والفَرَس العضوض، والبَغل الرّامح ونحو ذلك، بلا خلافٍ ظاهر ولا إشكال،5.

ص: 168


1- الفقيه: ج 4/161 ح 5366، وسائل الشيعة: ج 29/255 ح 35572.
2- وسائل الشيعة: ج 29/254 باب: أنّ من دخل داراً بإذن صاحبها فعَقَره كلب نهاراً ضمنه.
3- الكافي: ج 7/351 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/254 ح 35570.
4- جواهر الكلام: ج 43/135.

لعدم جواز الإضرار بالنّاس نفساً ومالاً، فلو أهملها ضَمِن جنايتها، بلا خلافٍ ولا إشكال:

1 - لصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن بُختيّ اغتلم فقَتَل رجلاً، فجاء أخو الرّجل فضرب الفَحل بالسّيف فعقره ؟

فقال: صاحبُ البُختيّ ضامنٌ الدِّية، ويقبض ثمن بُختيّه، الحديث»(1).

2 - وصحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام:

«عن بُختيّ مغتلمٍ قَتَل رجلاً، فقام أخو المقتول فَعَقر البُختيّ وقتله، ما حاله ؟

قال عليه السلام: على صاحب البُختيّ دية المقتول، ولصاحب البُختيّ ثمنه على الذي عقرَ بختيه»(2).

ومورد النصوص وإن كان هو البُختيّ ، إلّاأنّه من المقطوع به أنّه لا خصوصيّة له من هذه الناحية، ولذا لم يحتمل أحدٌ من الفقهاء اختصاص الحكم به.

ولا يعارضها معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

البئرُ جبار، والعجماء جبار، والمعدن جبار»(3).

ومثله معتبر زيد بن عليّ عليه السلام(4)، فإنّه مطلقٌ يقيّد إطلاقه بما تقدّم، فيختصّ بغير المملوك، أو التي لم يفرّط في حفظها، أو التي فرّط التالف بالتعرّض لها.

وأمّا مرسل يونس، عن رجلٍ ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «بهيمة الأنعام لا يُغرم3.

ص: 169


1- التهذيب: ج 10/225 ح 21.
2- وسائل الشيعة: ج 29/251 ح 35565.
3- الكافي: ج 7/377 ح 20، وسائل الشيعة: ج 29/271 ح 35600.
4- وسائل الشيعة: ج 29/272 ح 35603.

أهلها شيئاً ما دامت مرسلة»(1).

فمضافاً إلى ضعفه بالإرسال، فتأمّل، أنّه أيضاً مطلقٌ يقيّد بما سبق، مع أنّه يُحتمل أن يكون المراد بالإرسال كونها غير صائلة أو مجهولة الحال، أو المراد ما دام من شأنها الإرسال، بأن لاتكون صائلة، بل قد يُحتمل أن يكون قوله عليه السلام: «لا يُغرم» من باب الافعال أو التفعيل، أي لا يَغرمُ من جَنى عليه للدفع شيئاً، أو جنت عليها دابةٌ أُخرى .

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّه لو جَهل المالك بالحال، أو علم، ولكنّه لم يفرّط، لا ضمان عليه، كما هو المشهور، بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه.

ويشهد له: - مضافاً إلى النصوص المتقدّمة - عدّة من الأخبار:

منها: معتبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، قال:

«كان عليٌّ عليه السلام لا يضمّن ما أفسدت البهائم نهاراً، ويقول على صاحب الزرع حفظ زرعه، وكان يُضمِّن ما أفسدت البهائم ليلاً»(2).

ومنها: معتبر زيد بن عليّ ، عن آبائه، عن عليٍّ عليهم السلام «أنّه كان يُضمِّن صاحب الكلب إذا عَقَر نهاراً، ولا يُضمِّنه إذا عَقَر بالليل»(3).

ومعلومٌ أنّ التفصيل بين اللّيل والنهار من جهة أنّ صاحب الزرع موظّفٌ بحفظ زرعه نهاراً، فإفساد البهائم إيّاه مستندٌ إلى تقصيره في الحفظ، فلا ضمان على صاحب البهيمة.2.

ص: 170


1- الكافي: ج 7/351 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/246 ح 35550.
2- التهذيب: ج 10/310 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/276 ح 35611.
3- الفقيه: ج 4/161 ح 5366، وسائل الشيعة: ج 29/255 ح 35572.

ومَنْ رَكِب دابة ضَمِن ما تجنيه بيديها.

وأمّا في الكلب العقور، فالمالكُ موظفٌ بحفظه نهاراً، فلو فَرّط في ذلك يكون ضامناً، وليس كذلك باللّيل، كما هو المتعارف.

ومنها: خبر مسمع بن عبد الملك، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفَحل أوّل مرّة لم يُضمِّن صاحبه، فإذا ثنّى ضَمّن صاحبه»(1).

فإنّه ظاهرٌ في كونه إشارة إلى التفصيل المزبور، من جهة أنّ أوّل مرّة لا يعلمه المالك، بخلاف المرّة الثانية.

ولو جَنى على الصائلة جانٍ :

فإنْ كانت الجناية للدَّفع عن نفسه، أو عن نفسٍ محترمة، لم يضمن، بلا خلافٍ كما مرّ مفصّلاً في مبحث الدفاع(2).

وإنْ كانت الجناية انتقاماً، ضَمن بلا خلافٍ ، ويشهد به صحيحا الحلبي، وعليّ ابن جعفر المتقدّمان.

ضمانُ صاحب الدّابة ما تجنيه بيديها

المسألة الرابعة: (وَمَن رَكب دابةً ضَمِن ما تجنيه بيديها) بلا خلافٍ بين الأصحاب، بل عن «الخلاف»(3)، و «الغُنية»(4)، و «غاية المرام»(5)، وظاهر

ص: 171


1- الكافي: ج 7/353 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/251 ح 35563.
2- فقه الصادق: ج 39/340.
3- الخلاف: ج 5/511.
4- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/231.
5- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: ج 4/436.

«المبسوط»(1): الإجماع عليه، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يمرّ على طريقٍ من طُرُق المسلمين، فتصيبُ دابته إنساناً برِجلها؟

فقال: ليس عليه ما أصابت برِجلها، ولكن عليه ما أصابت بيدها، لأنّ رِجليها خلفه إن رَكب، فإن كان قادَ بها فإنّه يملك بإذن اللّه يَدها، يضعها حيثُ يشاء»(2).

وقريبٌ منه صحيح سليمان بن خالد(3).

2 - معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّه ضمّن القائد والسائق والرّاكب، فقال: ما أصابَ الرِجل فعلى السّائق، و ما أصابَ اليد فعلى القائد والرّاكب»(4).

ومقتضى إطلاق هذه النصوص، ضمان الرّاكب ما تَجنيه دابته بيديها مطلقاً، ولو كان بدون تفريطٍ منه.

وربما يُستظهر من المتن، و «المراسم»(5)، و «الخلاف»(6)، و «النافع»(7) من جهة الاقتصار على ضمان اليدين، أنّه لا ضمان لو أتلفت الدّابة بشيء من أعضائه غير اليدين.8.

ص: 172


1- المبسوط: ج 8/79.
2- الكافي: ج 7/351 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/247 ح 35552.
3- وسائل الشيعة: ج 29/249 ح 35558.
4- الكافي: ج 7/354 ح 15، وسائل الشيعة: ج 29/248 ح 35554.
5- المراسم العلويّة: ص 243.
6- الخلاف: ج 5/511.
7- المختصر النافع: ص 298.

وعن الشيخين(1)، والحِلّي(2)، والفاضلين(3)، والشهيدين(4)، وغيرهم: أنّه يَضمن ما تَجنيه برأسها.

وفي «الجواهر»(5): (بل الظاهر الضمان بجميع مقاديم البدن).

وعن «الوسيلة»(5): (ضمانُ ما تجنيه برِجلها أيضاً).

إلّا أنّ صاحب «الجواهر»(7) لم يجد له موافقاً، بل عن الخلاف الإجماع على خلافه.

أقول: أمّا ما تجنيه الدّابة برِجلها، فإن كان بتفريطٍ منه، يكون ضامناً بلا إشكال، وإنْ لم يكن بتفريطٍ منه، ففيه وجهان، وروايتان:

مقتضى النبويّ المتقدّم: «والعَجماءُ جبّار»، الضمان، ولكن الأخبار المتقدّمة تفيد عدم الضمان.

واستدلّ للضمان:

1 - بمعتبر أبي مريم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين في صاحب الدّابة أنّه يضمَن ما وطأت بيدها ورِجلها، وما نفحت برِجلها، فلا ضمان عليه، إلّاأن يضربها إنسانٌ »(6).3.

ص: 173


1- حكاه عنهما صاحب جواهر الكلام: ج 43/136-137 في المسألة الثالثة عشر: (راكب الدّابة يضمن ماتجنيه بيديها).
2- السرائر: ج 3/367.
3- شرائع الإسلام: ج 4/1027، تحرير الأحكام: ج 5/547.
4- شرح اللُّمعة: ج 10/161. (5و7) جواهر الكلام: ج 43/137.
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ص 427.
6- الكافي: ج 7/353 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/247 ح 35553.

2 - وبمعتبر غياث بن إبراهيم، عن جعفرٍ، عن أبيه: «إنّ عليّاً عليه السلام ضَمّن صاحب الدّابة ما وطأت بيديها، وما نفحت برِجلها فلا ضمان عليه، إلّاأن يضربها إنسانٌ »(1).

3 - وبمعتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يُضمِّن الرّاكب ما وطأت الدّابة بيدها أو رِجلها، إلّاأن يعبَثَ بها أحدٌ فيكون الضمان على الذي عَبَث بها»(2).

أقول: ولكن الأوّل رواه الشيخ(3) خالياً عن كلمة: (ورِجلها)، والظاهر من «الوافي»(4) أنّها غير موجودة في بعض نُسخ «الكافي» أيضاً، والثاني أيضاً لم يثبت وجود كلمة (رجلها) فيه، فإنّ الصَّدوق(5) رواه في «الفقيه» بدونها، ونُسَخ «التهذيب» مختلفة، فينحصرُ المدرك في معتبر إسحاق.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه بناءً على ما اُسِّس في الاُصول، من أنّه عند دوران الأمر بين زيادة كلمةٍ أو نقصانها، يُبنى على وجودها، لابدَّ من البناء على صحّة النسخة المتضمّنة لهذه الكلمة، وعلى التقديرين معتبر إسحاق في نفسه لا بأس به، إلّاأنّه يعارض مع ما تقدّم، الدّال على عدم ضمان الرّاكب ما تجنيه الدّابة برجلها، والترجيح مع تلك النصوص للشهرة الفتوائيّة.

وبالجملة: فالأظهر عدم الضمان.3.

ص: 174


1- الفقيه: ج 4/156 ح 5353.
2- التهذيب: ج 10/226 ح 23، وسائل الشيعة: ج 29/249 ح 35559.
3- التهذيب: ج 10/227 ح 27.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/253.
5- الفقيه: ج 4/156 ح 5353.

وكذا لو قادها. ولو وقَفَ بها، ضمن جنايتها بيديها ورجليها.

أقول: وكذا لا يَضمَنُ ما ضَربته الدّابة بحافرها، لمعتبري أبي مريم وغياث، إلّا أن يَعبَث بها أحدٌ، فيضمن العابث جنايتها، لذيل معتبر إسحاق.

وأمّا ما تجنيه برأسها، أو بغيرها من مقاديم بدنها، فالظاهر أنّه كذلك، أي يضمن الرّاكب، لعموم العلّة في صحيحي الحلبي وابن خالد، والظاهر أنّه لم يُخالف فيه أحدٌ.

وفي «الجواهر»(1): (لم أجد قائلاً صريحاً بعدم الضمان).

(و) كيف كان، فلا إشكال ولا كلام في أنّه كما يضمن الرّاكب ما جَنَت الدّابة بيديها، (كذا) لك يضمنُ القائد (لو قادها) المالك أو غيره، بلا خلافٍ ، للأخبار المتقدّمة، فالضامن هو الرّاكب والقائد، بلا خصوصيّةٍ للمالك.

وعليه، فما في «القواعد»(2)، و «الشرائع»(3)، و «اللُّمعة»(4): من أنّه لو كان مع الرّاكب مالك الدّابة، فالضمان على المالك، غير تامّ ؛ إذ لو كان المالك قائداً فالضمان، وإنْ كان عليه دون الرّاكب للتعليل في ذيل الصحيحين، إلّاأنّه لكونه قائداً لا كونه مالكاً، كما أنّه لو كان المالك راكباً والقائد غيره، فالضمان على القائد.

(ولو وَقفَ بها ضَمِن جنايتها بيديها ورجليها) بلاخلافٍ كما في «الرياض»(5)،4.

ص: 175


1- جواهر الكلام: ج 43/137.
2- قواعد الأحكام: ج 3/657.
3- شرائع الإسلام: ج 4/1027.
4- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 259.
5- رياض المسائل: ج 14/234.

وكذا لو ضَرَبها غيره، فالدِّية على الضارب.

بل عليه الإجماع كما عن «الغُنية»(1)، واستدلّ له بخبر العلاء بن الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ يسيرُ عليطريقٍ من طُرُق المسلمين على دابته، فتصيبُ برجلها؟

قال: ليس عليه ما أصابت برجلها، وعليه ما أصابت بيدها، وإذا وقَفَفعليه ما أصابت بيدها ورجلها، وإنْكان يَسُوقها فعليه ماأصابت بيدهاورجلها أيضاً»(2).

ولا يضرّ وجود محمّد بن سنان في سنده، بعد كون الرّاوي عنه يونس بن عبد الرحمن، وعَمِل الأصحاب به.

وفي «الجواهر»(3): (بل الظاهر ضمان ما تجنيه مطلقاً ولو برأسها وغيره، بل الظاهر أيضاً عدم الفرق في ذلك بين الطريق الضيّق والواسع، والمفرط وغيره، والرّاكب والقائد والسائق، عملاً بإطلاق النَّص والفتوى ).

أقول: ما أفاده رحمه الله ثانياً تامٌّ لإطلاق النَّص، وأمّا ما ذكره أوّلاً في غير ما يقتضي القاعدة الضمان، كما إذا وقف في الطريق غير مُضرٍّ بالمسلمين، ولم يكن مفرّطاً، فلا يخلو عن الإشكال، لأنّه لا وجه للتعدّي عن مورد النَّص، فما تجنيه برأسها وغيره لا يوجبُ الضمان، إلّافي فرض التفريط، أو بما لو أوقفها في طريقٍ يضرّ بالعابرين.

(وكذا لو ضَرَبها غيره) فَجَنَتْ (فالدِّية على الضّارب) كان ما تجنيه على الرّاكب7.

ص: 176


1- غنية النزوع: ص 411..
2- الكافي: ج 7/351 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/247 ح 35551.
3- جواهر الكلام: ج 43/137.

أو غيره، بلا خلافٍ ، بل عن «الغُنية»(1) الإجماع عليه:

1 - لتحقّق النسبة إليه.

2 - ولصحيح، الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ : «أنّه سُئل عن الرّجل ينفِرُ بالرَّجل فيعقره، وتعقر دابته رجلاً آخر؟

فقال عليه السلام: هو ضامنٌ لما كان من شيء»(2).

3 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «أيّما رجل فَزَع رجلاً من الجدار، أو نَفر به عن دابته، فخَرّ فماتَ ، فهو ضامن لديته، وإن انكسر فهو ضامنٌ لدية ما ينكسر منه»(3).

4 - ومعتبري أبي مريم وغياث المتقدّمين.

وقد قيّدوه بما إذا لم يكن للدفع لها عن نفسه، والوجه فيه - مضافاً إلى انسباق غيره من الأخبار - معتبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ غَشيه رجلٌ على دابة، فأراد أن يطأه فَزَجر الدّابة، فنفرت بصاحبها فطرحته، وكان جراحةً أو غيرها؟

فقال: ليس عليه ضمانٌ ، إنّما زجر عن نفسه وهي الجبّار»(4).

ونحوه غيره(5).

ومقتضى عموم العلّة عدم الفرق، بين كون ذلك بالنسبة إلى الرّاكب، وبين ما جَنَته على غيره ممّن كان خلفه، فاشكالُ بعضٍ في الثاني باعتبار كون التلف مستنداً إليه، ولو بالتوليد من فعله، في غير محلّه.).

ص: 177


1- غنية النزوع: ص 411.
2- الكافي: ج 7/351 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/58 ح 35145.
3- الكافي: ج 7/353 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/252 ح 35567.
4- التهذيب: ج 10/223 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/275 ح 35608.
5- وسائل الشيعة: ج 29/275 باب (عدم ضمان الدّابة إذا زجرها أحد دفاعاً فتلفت أو أتلفت).

ولو ركبها اثنان تساويا في الضّمان. ولو كان صاحبها معها، ضَمن دون الرّاكب، ولو ألقتِ الرّاكب ضَمِن المالكُ إن كان بتنفيره، وإلّا فلا.

(ولو ركبها اثنان، تساويا في الضِمان) بلا خلافٍ بين الأصحاب(1).

أقول: ويشهد به ما رواه الصَّدوق بسندٍ صحيح عن قضايا أمير المؤمنين عليه السلام:

«في دابةٍ عليها رديفان، فقتلت الدّابة رجلاً أو جَرَحته، فقضى بالغرامة بين الرديفين بالسَّوية»(2).

ورواه الشيخ(3) بإسناده عن سلمة بن تمّام، عن عليّ عليه السلام.

(و) قد تقدّم أنّ ما ذكره جماعة منهم المصنّف رحمه الله في «القواعد»(4) وهنا أنّه (لو كان صاحبها معها ضَمِن دون الرّاكب) وإن كان تامّاً، إلّاأنّه من جهة كون المالك قائداً، وإلّا فلو كان بالعكس لم يضمن المالك.

وبعبارة أُخرى : لم يدلّ دليلٌ على ضمان المالك، وإنّما دلّ على ضمان القائد، وفي فرض المسألة حيثُ يكون المالكُ قائداً، فهو تامّ .

(ولو ألقتِ ) الدّابة (الرّاكب) فماتَ أو جُرِح، (ضَمِن المالكُ إن كان بتنفيره، وإلّا فلا).

أمّا الضمان في الأوّل: فلاستناد الإلقاء إليه، فالتلفُ إنّما يكونُ بتفريطٍ منه، فيكون ضامناً.

وأمّا عدم الضمان في الثاني فلعدم الموجب.7.

ص: 178


1- راجع المختصر النافع: ص 298، كشف الرموز: ج 2/648، إرشاد الأذهان: ج 2/226.
2- الفقيه: ج 4/156 ح 5352.
3- التهذيب: ج 10/234 ح 59.
4- قواعد الأحكام: ج 3/657.

من شَهَر السّيف في وجه إنسانٍ فَفرَّ ومات

المسألة الخامسة: لو شهر سيفه في وجه إنسانٍ ففرّ، وألقى نفسه في بئرٍ، أو من شاهقٍفماتَ ، فلاضمان عليه، كماصرّح به جماعة منهم الشيخ(1)، والشهيد(2)، وصاحب «الجواهر»(3)، وغيرهم، واستدلّوا له بأنّه ألجأه إلى الهرب، لا إلى الوقوع في البئر الذي اختاره، فهو المباشر لإهلاك نفسه، فيسقطُ حكم السَّبب كالحافر والدّافع.

وعن المصنّف في «التحرير»(4): الحكم بالضمان، ووجهه أنّه لولا الإخافة لم يكن الهَرَب، غايته اختياره طريقاً يسقطُ فيه لمرجّح أو لا له، وهو كما ترى .

ولو كان ذلك بغير اختياره، كما إذا كان بصيراً لا يعلم به أو أعمى ، فظاهر كلمات الأصحاب(5) ثبوت الضمان على المُخِيف، نظراً إلى أنّه السَّبب للموت، وهو أقوى من المباشر.

وأورد عليهم الأستاذ(6): بأنّ الضمان بالتسبيب بما أنّه على خلاف القاعدة، يحتاجُ إلى دليلٍ بعد عدم صحّة إسناد الفعل إلى السَّبب، وقد تقدّم الدليل على ذلك في موارد خاصّة، ولا يمكن التعدّي عنها إلى غيرها.

وفيه: بعد فرض أنّ المباشر يصدرُ عنه الفعل بغير اختيار، فلا محالة يستندُ الفعل إلى السَّبب، فيكون ذلك قتلاً شبيهاً بالعمد، فيضمن ديته.

ص: 179


1- المبسوط: ج 7/158.
2- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: ج 4/450.
3- جواهر الكلام: ج 43/58.
4- تحرير الأحكام: ج 5/530.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/250، مسالك الأفهام: ج 15/332.
6- مباني تكملة المنهاج: ج 2/257.

ولو اجتمع المباشر والسَّبب، كان الضمان على المُباشر.

أضف إلى ذلك: أنّه يمكن استفادة الكبرى الكليّة من الموارد الخاصّة، خصوصاً من الروايات المتضمّنة للعلّة.

وعلى ذلك، فلا إشكال في الضمان كما لعلّه المتسالم عليه بينهم.

تزاحم الموجبات

أقول: بقي الكلام في تزاحم الموجبات (و) قد طَفَحت كلماتهم بأنّه (لو اجتمع المباشِرُ والسَّبب) وتساويا في القوّة، أو كان المباشر أقوى (كان الضمان على المباشر) اتّفاقاً، على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر، كذا في «الرياض»(1)، كاجتماع الدّافع مع الحافر، والمُمْسِك مع الذابح، فيضمن الدّافع والذّابح، دون المجامع.

وهذه القاعدة لم يرد بها نصٌّ كي يتمسّك بعمومه، كما صنعه في محكي «التنقيح»(2)، فإنّه استدلّ في بعض الموارد على ضمان المباشر بعموم إذا اجتمع المباشر والسَّبب، فالضمانُ على المباشر.

ودعوى: أنّها معقدُ الإجماع وقد ثبتَ في محلّه أنّه يُعامل مع معقد الإجماع معاملة متن الرواية، إذا كان من قبيل الإجماع على القاعدة، كما في ما نحن فيه.

مندفعة: بأنّه يتمُّ في الإجماع التعبّدي، الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام، لا مثل هذا الإجماع الذي مدركه معلومٌ .

ص: 180


1- رياض المسائل: ج 14/154.
2- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/236.

ثمّ إنّ الكلام في ضمان السَّبب تقدّم في كتاب الغصب(1).

وإنّما الكلام في المقام في حكم التزاحم، وحيثُ أنّ المهمّ من المدرك، هو الروايات الخاصّة الواردة في الموارد المخصوصة، وتطبيق قواعد الضمان العامّة على الموارد، فلابدَّ من البحث في الفروع دون الكبرى الكليّة، ولذلك عنون بَعضُ الأساطين(2) البحث في المقام ب (فروع تزاحم الموجبات)، وهو أولى ممّا صنعناه تبعاً للقوم.

أقول: وكيف كان، فالكلام يقع في فروع:

الفرع الأوّل: لو حَفَر بئراً في غير مِلْكه، ودَفَع الآخر ثالثاً إليها، فسقط فيها فماتَ :

فإن كان الدافعُ عالماً، فلا إشكالٍ ولا كلام في أنّ الضمان عليه، لأنّ الموت يستندُ إليه، فهو القاتلُ عمداً، فيثبت عليه القِصاص، إن كان قاصداً للقتل، أو كان ممّا يترتّب عليه القتل عادةً ، وإلّا فالدِّية.

وما دلَّ على أنّ الضمان على الحافر المتقدّم، لا يشملُ هذه الصورة.

وإن كان جاهلاً، فالمشهور بين الأصحاب(3) كون الضمان على الحافر، واستدلّ له بالإجماع، وبما تقدّم من الأخبار الدّالة على ضمان الحافر للبئر في غير ما يملكه لما يَسقطُ فيه.

وذهب الأستاذ(4): إلى كون الضمان عليهما، مستنداً في كون الضمان على الحافر إلى الأخبار.

ص: 181


1- فقه الصادق: ج 29/144.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 2/258.
3- جواهر الكلام: ج 43/148.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/258.

وفي كونه على الدّافع لأجل إستناد القتل إليه، ليكون داخلاً في القتل الشبيه بالعمد، والجهل بالحال لا يكون رافعاً لصحّة استناد القتل إليه، قال: (ومن هنا لو دَفَع شخصاً إلى حفيرةٍ طبيعيّة لا يعلمها الدّافع فَسَقط فيها فماتَ ، أو دفعه إلى بئرٍ في مِلْكه لا يعلمها، فلا شُبهة في ضمان الدّافع).

ويَردُ عليه أوّلاً: أنّه لو سُلّم شمول الأخبار للفرض، يكون ظاهرها كون تمام الدِّية على الحافر، وبها يخرجُ عن القاعدة المشار إليها.

وثانياً: أنّه مع جهل الدّافع، يكون هو قاصداً للدفع إلى الأرض، لا إلى الإلقاء في الحفيرة، والسَّببُ للموت هو الثاني دون الأوّل، فهو قتلُ خطاءٍ محضٍ لا الشبيه بالعمد.

وعليه، فما أفاده الأصحاب أظهر.

الفرع الثاني: لو حفر بئراً في مِلْكه وغطّاها، ودعا غيره فسقط فيها:

فإن كان البئرُ في معرض السقوط، كما لو كانت في ممرّ الدّار، وكان قاصداً للقتل، أو كان السقوط فيها ممّا يقتلُ غالباً، ثَبَت القِوَد، لكونه قتلا عَمديّاً فيشمله أدلّة القِصاص.

وإن لم يكن قاصداً للقتل، ولا ممّا يَقتلُ غالباً، ثَبَتَ عليه الدِّية، لكونه من الشبيه بالعمد الثابت فيه الدِّية.

وإن لم تكن البئر في معرض السقوط، واتّفق سقوطه فيها، لم يضمن، لعدم استناد القتل إليه.

الفرع الثالث: إذا حفر بئراً في غير مِلْكه، ووَضَع آخر حَجَراً أمامها، فَعَثر ثالثٌ

ص: 182

بالحَجَر وسقط في البئر فماتَ ، فالأشهر أنّ الضمان على من سَبَقت جنايته، لاستصحاب أثر السَّبب الأوّل، وبه يُرجَّح على السَّبب الثاني.

وفيه: إنّه لعدم الأثر على السَّبب الأوّل قبل السَّبب الثاني وبعده، يكون الأثرُ مستنداً إليهما، لا يجري.

أضف إليه: أنّه من الاستصحاب التعليقي غير الحجّة قطعاً.

فالحقّ أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق أخبار ضمان الحافر، كون الضمان عليه خاصّة.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: بعدم اختصاص الحكم به، وشموله لوضع الحَجَر والسكين وما شاكل، فالضمان عليهما، لأنّ نسبة الفعل إليهما على حَدٍّ سواء، فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر.

نعم، إذا لم يكن واضعُ الحَجَر متعدّياً، كما لو وضعه في مِلْكه، كان الضمان على الحافر خاصّة، بلا كلامٍ ، وهو واضح.

الفرع الرابع: إذا قال لآخر: (ألقِ متاعكَ في البحر) لتسلم السفينة من الغَرَق، وكانت هناك قرينةٌ على المجانية، وعدم ضمان الآمر، فألقاه في البحر، فلا ضمان على الآمر قطعاً وهو واضح.

ولو أمر به، وقال: (عليَّ ضمانه):

فإنْ كان الإلقاء لداعٍ عُقلائي، ضَمن الآمر بلا خلافٍ بين الأصحاب، بل ادّعي(1) عدم الخلاف فيه بين العامّة والخاصّة، إلّامن أبي ثور.

وأيضاً قد ادُّعي نفي الخلاف بل الإجماع على أنّه إن لم يكن الإلقاء لداعٍ 5.

ص: 183


1- الخلاف: ج 5/275.

عُقلائي، لا ضمان عليه.

وذهب الأستاذ(1) إلى الضمان في الفرضين، لبناء العُقلاء على الضمان لو أمره غيره بإتلاف ماله لا مجّاناً، بل بعوضٍ ، وثبوت ضمان المثل أو القيمة، ولكن بما أنّ بناء العقلاء في نفسه لا يكون حجّة، إلّابضَمّ إمضاء الشارع الأقدس، وإفتاء الأصحاب بالفرق بين الفرضين لو لم يكن كاشفاً عن عدم الإمضاء في الفرض، لا أقلّ من كونه مانعاً عن استكشاف الإمضاء.

وعليه، فما أفاده الأصحاب من الضمان في الفرض الأوّل، وعدمه في الثاني هو الأظهر.

الفرع الخامس: إذا وقع من شاهقٍ ، أو في بئر، أو ما شاكل، فتعلّق بآخر فماتَ الآخر:

فإنْ كان قاصداً لقتله، أو كان ممّا يَقتلُ غالباً، فعليه القِوَد، فإن مات ففي ماله الدِّية.

وإنْ لم يكن كذلك، فإن كان تعلّقه بالآخر عن غير إرادةٍ ، ضَمِن ديته، لكون ذلك من الشبيه بالعَمد.

وإن كان ما صَدَر منه من التعلّق بالآخر من حيث لا يشعرُ به لما اعتراه من الدَّهشة، فهو كانقلاب النائم على مَن قَتَله، ويعدُّ من قبيل الخطأ المحض، فالدِّيةُ على العاقلة.

وفي فرض ثبوت الدِّية في ماله، إذا تعلّق الثاني بالثالث:1.

ص: 184


1- مباني تكملة: ج 2/261.

فعن الشهيدالثاني رحمه الله(1) أنّه يضمن كلّ ديةٍ من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه، واحتمله المحقّق في «الشرائع»(2)، والمصنّف في «القواعد»(3) وغيرهما.

وقد يقال: كما عن الأستاذ(4) أنّ الأوّل يضمنُ تمام دية الثاني، باعتبار أنّ موته مستندٌ إلى فعله فحسب، ودية الثّالث على الأوّل والثاني باعتبار أنّ موته مستندٌ إلى فعل كليهما معاً، إذ الأوّل لو كان قد رفع اليد عن الثاني لم يقع الثالث، فعلى الأوّل دية ونصف، وعلى الثاني نصف دية.

ولو فرضنا تعلّق الثالث بالرابع، كان على الأوّل ديةٌ ونصف دية وثُلث دية، وعلى الثاني نصفُ ديةٍ وثُلثها، وعلى الثالث ثُلث ديةٍ وهكذا.

ولكن يرد عليه: أنّ السَّبب لموتِ الثالث هو الثاني خاصّة، فإنّ فعله الجزء الأخير للعلّة التامّة، ومجرّد أنّه لو رَفَع الأوّل يده عن الثاني لما وقع الثالث، لم يكن كافياً لاستناد الموت إليه، بل الموت مستندٌ عرفاً إلى الثاني فحسب، سيّما إذا كان رفع الأوّل يده لدهشته خارجاً عن تحت قدرته، أو أنّه لم يكن مؤثّراً في عدم الموت.

وعليه، فما أفاده الشهيد أظهر بحسب القاعدة.

وعلى كلّ حال، يُستثنى من ذلك ما إذا وقع في زبية الأسد، فتعلّق بالآخر، وتعلّق الثاني بالثالث، والثالث بالرابع فقَتَلهم الأسد، فإنّ فيه روايتين:

إحداهما: صحيحة محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:3.

ص: 185


1- شرح اللُّمعة: ج 10/175.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1028.
3- قواعد الأحكام: ج 3/653.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/263.

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة اطّلعوا في زبية الأسد، فخَرّ أحدهم فاستمسكَ بالثاني، واستمسكَ الثانيُ بالثالث، واستمسكَ الثالثُ بالرابع حتّى أسقط بعضهم بعضاً على الأسد، فَقَتلهم الأسد، فقَضَى بالأوّل فريسة الأسد، وغَرّم أهله ثُلث الدِّية لأهل الثاني، وغَرّم الثاني لأهل الثالث ثُلثي الدِّية، وغَرّم الثالث لأهل الرابع الدِّية كاملة»(1).

والإيراد عليه: باشتراك محمّد بن قيس بين الثقة وغيره، كما في «المسالك»(2) في غير محلّه، لأنّ محمّد بن قيس الراوي لهذا الخبر، هو البَجَلي الثقة الرّاوي لقضايا أمير المؤمنين عليه السلام، بقرينة رواية عاصم عنه، فلا إشكال في سند الرواية، ودلالتها واضحة، ومخالفتها لقواعد باب الضمان لا تضرّ، فإنّه يقيّد تلك القواعد بها.

نعم، لابدّ من الاقتصار على موردها؛ لأنّها قضيّة في واقعة.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ نقل الإمام الباقر عليه السلام تلك القضيّة في مقام بيان الحكم، من دون أن يذكر خصوصيّة محتملة الاعتبار، كاشفٍ عن عموم الحكم.

ثانيتهما: رواية مسمع بن عبد الملك، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ قوماً احتفروا زبية للأسد باليمن، فَوقَع فيها الأسد، فازدحم النّاس عليها ينظرون إلى الأسد، فَوقَع رجلٌ فتعلّق بآخر فتعلّق الآخر بآخر، والآخر بآخر، فجَرَحهم الأسد، فمنهُم من مات مِن جراحة الأسد، ومنهم من اُخرج فماتَ ، فتشاجروا في ذلك حتّى أخذوا السّيوف.8.

ص: 186


1- الكافي: ج 7/286 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/237 ح 35531.
2- مسالك الأفهام: ج 15/388.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هلمّوا أقضي بينكم: فقضى أنّ للأوّل رُبع الدِّية، والثاني ثُلث الدِّية، والثالث نصف الدِّية، والرابع الدِّية كاملة»(1).

أقول: لكن الثانية ضعيفةٌ سنداً بمحمّد بن الحسن بن شمون، وعبد اللّه بن عبدالرحمن الأصمّ ، وسهل بن زياد، فالعمل على الأُولى .

وفي «المختصر النافع»(2) (أنّها مشهورة، وعليها فتوى الأصحاب).

الفرع السادس: لو جَذَب غيره إلى بئرٍ مثلاً فسقط المجذوب، ومات الجاذب بسقوطه عليه، فدمه هَدرٌ، لأنّه السَّبب لموته، فلا موجب للضمان.

ولو ماتَ المجذوبُ فقط، فإن قَصَد قتله بجذبه، أو كان ممّا يَقتلُ غالباً، ثَبَت عليه القِوَد لقتله إيّاه عمداً وعدواناً، وإلّا فالدِّية في ماله، لكونه الشبيه بالعمد.

وإن ماتا معاً، فدمُ الجاذب هَدرٌ، ودية المجذوب في مال الجاذب، ووجهه ظاهر.

الفرع السابع: لو سَقَط في بئرٍ مثلاً، فجذب ثانياً، والثاني ثالثاً، فسقطوا فيها جميعاً، فماتوا بسقوط كلّ منهم على الآخر، فعلى الأوّل نصف دية الثاني، ولا شيء من دية الأوّل على الثاني، والوجه في ذلك أنّ موت الأوّل مستندٌ إلى سقوط الثاني والثالث عليه، فتسقط ثلاثة أرباع ديته، إذ نصفها يَسقطُ من جهة استناده إلى جذبه وحده الثاني، ورُبعها من جهة اشتراكه مع الثاني في جَذب الثالث، فيَسقطُ النصف الباقي عليهما معاً، فيبقى رُبع ديته على الثاني.

وحيثُ إنّ ثلاثة أرباع دية الثاني على الأوّل، وإنّما الرُّبع منها لجذبه الثالث للاستناد إليه يسقط، فبالنسة إلى رُبع الدِّية يقع التهاتر، فيبقى نصف دية الثاني على9.

ص: 187


1- الكافي: ج 7/286 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/236 ح 35530.
2- المختصر النافع: ص 299.

الأوّل، ولا شيء من دية الأوّل على الثاني.

هذا إنّما هو في فرض تساوي الأوّل والثاني في الدِّية، وإلّا فيختلف الحكم كما هو واضح.

وأمّا بالنسبة إلى دية الثالث: فعلى كلّ واحدٍ من الأوّل والثاني نصف الدِّية، لأنّ موته مستندٌ إلى جذب كليهما، فلا محالة يُقسّط الدِّية عليهما.

ولا وجه لتوهّم كون تمام الدِّية على الثاني، بدعوى أنّ موت الثالث مستندٌ إلى جذب الثاني فقط، لأنّه غير مُلْجَأ إلى جذبه، فهو المباشر للجذب دون الأوّل، فإنّ سقوط الثالث معلولٌ لجذب الأوّل الثاني، وجذبه الثالث معاً، وبانتفاء واحدٍ منهما ينتفي السقوط مستنداً إليهما، ولا شيء على الثالث كما هو واضح.

***

ص: 188

الفَصلُ الثّامن: في ديات الأعضاء:

الفَصلُ الثّامن ديات الأعضاء

اشارة

(الفَصلُ الثّامن: في ديات الأعضاء):

أقول: والدِّية على قسمين:

الأوّل: ما ليس فيه مقدّرٌ خاصّ في الشرع.

الثاني: ما فيه مقدّرٌ كذلك.

أمّا القسم الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّ فيه الأرش المُسمّى بالحكومة، وفيه يكون العبد أصلاً للحُرّ كما هو أصلٌ له فيما فيه مقدّر، بأن يفرض الحُرّ مملوكاً، فيقوّم صحيحاً مرّة وغَيرُ صحيحٍ أُخرى ، ويُؤخَذُ ما به التفاوت بينهما، إذا كانت الجناية توجبُ التفاوت.

وإنْ لم توجب التفاوت، فالأمرُ بيد الحاكم، فله أن يأخذ من الجاني في ما يرى فيه مصلحة، بل في «الجواهر»(2): (بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه).

واختار الأستاذ:(3) (أنّ الأمر بيد الحاكم، حسب ما يراه من المصلحة يأخذ من الجاني مطلقاً، حتّى فيما كانت الجناية موجبة للتفاوت).

ص: 189


1- جواهر الكلام: ج 43/168.
2- جواهر الكلام: ج 43/168.
3- مباني تكملة المنهاج: ج 2/408-409.

يشهد للأوّل: الإجماع المُدّعى في المقام، وفي «الجواهر»(1): (مضافاً إلى إمكان استفادته من النصوص بالخصوص).

واستدلّ الأستاذ(2) لما ذهب إليه: بعدّة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«دية اليد إذا قُطِعت خمسون من الإبل، وما كان جروحاً دون الاصطلام، فيحكم به ذوا عدلٍمنكم، (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ (3)) »(4).

فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على أنّ تعيين الدِّية في الجروح دون الاصطلام، إنّما هو بحكم ذوي العدل من المسلمين، بمعنى أنّ الحاكم يستعين في تعيين الدِّية في أمثال ذلك بشهادتهما.

ومنها: صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«إنّ عندنا الجامعة. قلت: وما الجامعة ؟

قال عليه السلام: صحيفة فيها كلّ حلالٍ وحرام، وكلُّ شيء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش، وضَرَب بيده إليّ فقال: أتأذن يا أبا محمّد؟

قلتُ : جُعِلتُ فداك، إنّما أنا لكَ فاصنع ما شئتَ ، فغمزني بيده، وقال: حتّى أرش هذا»(5).1.

ص: 190


1- جواهر الكلام: ج 43/168.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 2/266.
3- سورة المائدة: الآية 44.
4- الفقيه: ج 4/130 ح 5279، وسائل الشيعة: ج 29/302 ح 35664.
5- الكافي: ج 1/238 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/356 ح 35771.

ومنها: صحيحة أبي عُبيدة، عن أبي جعفرٍ عليه السلام، قال:

«سألته عن أعمى فَقَأ عين صحيح ؟

فقال عليه السلام: إنّ عَمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدِّية في ماله، فإن لم يكن له مالٌ فالدِّية على الإمام، ولا يبطلُ حقّ امرئ مسلم»(1).

فإنّها وإنْ وردت فيما له دية مقدّرة، إلّاأنّها بمقتضى التعليل تدلّ على أنّ حقّ المسلم لا يذهبُ هَدراً حتّى فيما لم يكن له فيه مقدّرٌ شرعاً، فلو لم يعيّن الحاكم غرامته لذهب حقّ المسلم هَدراً.

والجواب: أمّا الرواية الأُولى فهي على المسلك المشهور أدلّ ، فإنّ حكم عادلين من المسلمين عبارةٌ أُخرى عن شهادتهما، وهي إنّما تكون فيما له واقعٌ معيَّن، وليس ذلك إلّاما أفاده المشهور، وإلّا فلو كان منوطاً بنظر الحاكم، لم يكن معنى لحكم ذوي عدلٍ من المسلمين.

ولو كان المراد الاستعانة بشهاتهما في تعيين الدِّية، كان ذلك استعانةً برأيهما، واختصّ بالبصير بالاُمور، بلا دخلٍ للعدالة، سيّما بنحو تمام الموضوع في ذلك.

ولعلّ صاحب «الجواهر»(2) المُدّعي استفادة ما هو المشهور من الأخبار، نظره إلى هذه الصحيحة أيضاً، ولا كلام لنا معه حينئذٍ.

وأمّا الثانية: فإنّها لو دلّت على شيء، لدلّت على ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله من أنّ لكلّ شيء مقدّراً إلّاأنّه لم يصل إلينا، لا ما أفاده الأستاذ، بل هي لا تدلّ على أزيد من أنّ لكلّ شيء حُكماً مجعولاً ولو بنحو العموم، فهي لا تدلّ على شيء8.

ص: 191


1- الكافي: ج 7/302 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/89 ح 35223.
2- جواهر الجواهر: ج 43/168.

من القولين.

وأمّا الثالثة: فهي تدلّ على ثبوت الدِّية في جميع الموارد، وأمّا أنّ مقدارها منوطٌ برأي الحاكم، أو يُراعى ما هو المشهور، فهي أجنبيّة عنه.

وعليه، فالحقّ تماميّة ما أفاده المشهور للإجماع.

***

ص: 192

في شَعر الرأس الدِّية كاملة، وكذا في اللِّحية إذا لم يَنبتا،

دية الشَّعر

وأمّا القسم الثاني: فالمشهور كما عن «كشف اللّثام»(1) وغيره أنّ التقدير في ثمانية عشر من الأعيان، وهي:

الشعر، والعينين، ومنها الأجفان، والأنف، والاُذُن، والشَّفتين، واللِّسان، والأسنان، والعُنُق، واللِّحيين، واليَدين، والرِّجلين، والأصابع، والظَهر، والنُخاع، والثَّديين، والخُصيتين، والشَّفرين.

المورد الأوّل: الشعر:

قال المصنّف: (في شعر الرأس) إذا ذَهَب (الدِّية كاملة، وكذا في اللِّحية إذا لم يَنبتا) على المشهور(2)، بل عن ظاهر «المبسوط»(3) الإجماع على الحكمين.

واستدلّ لثبوت الدِّية في شعر الرأس:

1 - بصحيح سليمان بن خالد، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ صبَّ ماءً حارّاً على رأس رجلٍ فامتعط شعره، فلا ينبتُ أبداً؟

قال عليه السلام: عليه الدِّية»(4).

ص: 193


1- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/497.
2- راجع الكافي في الفقه: ج 396، الخلاف: ج 5/197.
3- المبسوط: ج 7/83.
4- الفقيه: ج 4/149 ح 5330.

وقريبٌ منه مرسل عليّ بن خالد، إلّاأنّ فيه بدل (شعره)، (شعر رأسه)(1).

2 - وخبر سلمة بن تمّام: «أهرقَ رجلٌ قِدْراً فيها مرقٌ على رأس رجلٍ فذهب شعره، فاختصموا في ذلك إلى عليٍّ عليه السلام، فأجله سنة، فجاء فلم يَنبُت شعره، فقضى عليه بالدِّية»(2).

وأورد الشهيد الثاني: في «المسالك»(3) على الاستدلال بها: بأنّ الصحيح مرويٌّ في «التهذيب»(4) هكذا: «فامتعط شعر رأسه ولحيته»، فيدلّ على وجوب الدِّية لهما معاً، لا بكلّ واحدٍ الذي هو المُدَّعى، وغير الصحيح ضعيفُ السَّند جدّاً.

وأجاب عنه الأستاذ(5): بأنّ الظاهر من الصحيح - بقرينة ما دلّ على ثبوت الدِّية في اللِّحية فحسب إذا لم تنبت - إرادة (أو) من (الواو)، وتؤكّد ذلك رواية الصَّدوق(6) فإنّها خالية عن ذكر كلمة اللِّحية.

يَردُ على ما أفاده رحمه الله: من إرادة (أو) من (الواو) أنّ ذلك خلاف الظاهر، لا يُصار إليه بلا قرينة، وما دلّ على ثبوت الدِّية في اللِّحية، لا يصلحُ قرينةً عليه، فإنّ هذه الجملة ليست في كلام الإمام كي يكون ذلك قرينةً عليه، بل هي في كلام السائل.

وبه يظهر أنّ رواية الصَّدوق أيضاً لا تصلحُ لذلك.

وأمّا ماأفاده سيّد «الرياض»(7): من أنّ نسخة «الفقيه» خالية عن كلمة اللِّحية،0.

ص: 194


1- وسائل الشيعة: ج 29/341 ح 35737.
2- الفقيه: ج 4/150 ح 5331، وسائل الشيعة: ج 29/342 ح 35738.
3- مسالك الأفهام: ج 15/397.
4- التهذيب: ج 10/250 ح 25.
5- مباني تكملة المنهاج: ج 2/269.
6- الفقيه: ج 4/150.
7- رياض المسائل: ج 14/240.

ولعلّها أضبط من تلك النسخة.

فيردّه: أنّ مقتضى أصالة عدم الزيادة، البناء على وجود هذه الكلمة.

وأجاب سيّد «الرياض»(1): عن ما أُورد على الاستدلال بسائر الروايات، بأنّ ضعفها منجبرٌ بالعمل.

وفيه تأمّلٌ ، لأنّ استنادهم إليها غير معلوم.

وعن «المختلف»(2) الاستدلال له: بأنّه واحدٌ في الإنسان، فيدخل تحت حكم:

(كلّ ما كان في الإنسان واحدٌ ففيه الدِّية).

ويردّه: أنّ الواحد جملةُ الشَّعر على الإنسان، لا على بعض أعضائه.

وقال المفيد رحمه الله(3) في شعر الرأس: (إذا لم ينبت مائة دينار) وذكر أنّ به رواية ولم يثبت.

فإذاً لا دليل على هذا الحكم، كما اعترف به صاحب «المسالك»(4)، ولعلّه إلى ذلك نظر المصنّف رحمه الله في «المختلف»(5) حيث توقّف في الحكم.

وأمّا في اللِّحية: فيشهد لثبوت الدِّية مع عدم الإنبات أبداً، معتبر مسمع، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللِّحية إذا حُلقت فلم تنبت، الدِّية كاملة، فإذا نَبَتت فثُلث الدِّية»(6).6.

ص: 195


1- رياض المسائل: ج 14/240.
2- مختلف الشيعة: ج 9/358.
3- المقنعة: ص 756.
4- مسالك الأفهام: ج 15/397.
5- مختلف الشيعة: ج 9/358.
6- الكافي: ج 7/316 ح 23، وسائل الشيعة: ج 29/341 ح 35736.

ولو نَبَتا فالأرش. وفي شَعَر المرأة ديتها، فإنْ نَبَتَ فمَهرها.

ونحوه خبر السكوني(1).

والإيراد عليهما: بضعف السَّند، كما عن جماعةٍ من الأساطين(2)، يتمّ في الثاني، ولا يتمّ في الأوّل، على ما مرّ مراراً.

أضف إليه: استناد الأصحاب إليه.

وعليه، فثبوت الدِّية في اللِّحية لا إشكال فيه.

هذا إذا لم ينبتا.

(ولو نَبَتا فالأرش) على الأظهر الأشهر(3)، بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأنّه الواجب حيث لا تقدير له في الشرع، كذا في «الرياض»(4).

أقول: وهو يتمّ في شعر الرأس، ولا يتمّ في اللِّحية، لما عرفت من خبر السكوني، حيث إنّه يدلّ على ثبوت ثُلث الدِّية في اللِّحية إذا نَبَتت، وعن ظاهر قِصاص «المبسوط»(5) الإجماع عليه.

(وفي شعر المرأة) إذا حُلق ولم يَنْبَت (ديتها) كملاً، (فإنْ نَبَت ف) فيه (مَهر) نسائ (ها) على المشهور شُهرة عظيمة(6).0.

ص: 196


1- الفقيه: ج 4/150 ح 5332.
2- مسالك الأفهام: ج 15/398، مجمع الفائدة: ج 14/105.
3- راجع المختصر النافع: ص 299، كشف الرموز: ج 2/651، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 261.
4- رياض المسائل: ج 14/240.
5- المبسوط: ج 9/83.
6- راجع الكافي في الفقه: ص 396، غنية النزوع: ص 416، شرائع الإسلام: ج 4/1030.

وفي «الرياض»(1): (بلا خلافٍ أجده إلّامن الإسكافي في الثاني فأثبت فيه ثُلث الدِّية).

ويشهدُ بالحكمين: صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام:

جُعِلتُ فداك ما على رجلٍ وَثَب على امرأةٍ فحَلَق رأسها؟

قال: يُضرب ضرباً وجيعاً، ويُحبس في سجن المسلمين حتّى يستبرأ شعرها، فإنْ نَبَت أُخذ منه مَهر نسائها، وإنْ لم ينبت أُخذ منه الدِّية كاملةً .

قلت: فكيف مَهر نسائها إن نَبَت شعرها؟

قال: يا ابن سنان إنّ شعر المرأة وعُذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذَهَب بأحدهما وَجَب لها المَهر كُملاً»(2).

أقول: وقد سها و اشتبه صاحب «الوسائل»(3) في المقام من ناحيتين:

إحداهما: أنّه روى هذه الرواية عن محمّد بن سليمان المنقريّ ، وهو لا وجود له في كتب الرِّجال، ولأجله تخيّل بعضٌ كون الرواية ضعيفة، مع أنّ الراوي هو سليمان ابن داود المنقري، وهو ثقةٌ ، فالرواية صحيحة لأنّ بقيّة رجالها ثقات.

ثانيتهما: أنّه نَسَب هذه الرواية إلى الصَّدوق رحمه الله، مع أنّ الصَّدوق إنّما روى صدر هذا الخبر في حكم القوّاد، ولم يرو هذا الذيل.

وما في «الرياض»(4): من دعوى قصور السَّند بالجهالة، إمّا أن يكون لتخيّل كون الراوي هو محمّد الذي عرفت ما فيه، أو أنّه حيث يكون الخبر مرويّاً في1.

ص: 197


1- رياض المسائل: ج 14/241.
2- الكافي: ج 7/261 ح 10.
3- وسائل الشيعة: ج 29/334 ح 35721.
4- رياض المسائل: ج 14/241.

وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كلّ واحدٍ النصف.

«التهذيب» في باب الحَدّ في القيادة(1) بطريقٍ آخر فيه محمّد بن سليمان، وهو إمّا ضعيفٌ ، أو مجهول، ولكن حيث عرفت أنّ له طريقاً آخر صحيحاً، فلا مورد للإشكال في سنده، ودلالته واضحة، فالحكم لا إشكال فيه.

(وفي) شعر (الحاجبين) معاً (خمسمائة دينار، وفي كلّ واحدٍ النصف) مائتان وخمسون ديناراً، وإذا ذهب بعضه فعلى حساب ذلك، وفاقاً للأكثر، بل ادّعى عليه الشُّهرة جمعٌ ممّن تأخّر(2)، وعن «السرائر»(3) دعوى قيام الإجماع عليه.

ويشهد به: ما في معتبر ظريف، من قول أميرالمؤمنين عليه السلام: «وإنْ أُصيب الحاجب فَذَهب شعره كلّه، فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً، فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك»(4).

وهذ الخبر رُوي بعدّة طرق كلّها ضعيفة، إلّاما رواه الكليني رحمه الله والشيخ بسندهما الصحيح، والظاهر أنّ الشهيد الثاني رحمه الله(5) نظر إلى تلك الطرق فَرَمى الخبر بالضعف.

ومقتضى إطلاق النَّص في بادئ النظر ثبوت الحُكم المذكور مع الإنبات بعد الذِّهاب، لكن المنساق إلى الذهن من قوله: «أُصيب الحاجب فذهب شعره» هو ما لو لم ينبت.4.

ص: 198


1- التهذيب: ج 10/64 ح 1.
2- شرح اللُّمعة: ج 10/199 و 203.
3- السرائر: ج 3/378.
4- الكافي: ج 7/330 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/290 ح 35644.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/199 و 203.

وفي الأهداب

وعليه، فما عن «الغُنية»(1)، و «الإصباح»(2): أنّ ما ذُكر إذا لم يَنبُت شعرهما، وإلّا فالأرش.، هو الصحيح.

وعن جماعةٍ : إنّ في ذهاب شعر الحاجبين الدِّية كاملة، وفي كلّ واحدٍ منهما نصف الدِّية، بل عن «الغُنية»(3) الإجماع عليه، واستدلّ لهم في «الرياض»(4) بعموم النَّص والفتوى على أنّ فيما كان في الجسد اثنين الدِّية.

ويَردّه: أنّه لو سُلّم شمول ذلك للأعضاء غير الحقيقيّة، لابدَّ من التقييد بالخبر المعتبر، ومن الغريب ما في «الرياض»(5) من معاملة المتعارضين معهما، وترجيح الخبر بعمل الأكثر.

(وفي) الشعور النابتة على الأجفان، ويعبَّر عنها ب (الأهداب) أقوالٌ :

أحدها: الدِّية كاملة إذا قُلِعت منفردةً ، مع عدم نباتها، وهو مذهبُ الشيخ(4)، وابن حمزة(5)، والمصنّف في «القواعد»(6).

والثاني: نصف الدِّية وهو مذهب القاضي(7).6.

ص: 199


1- غنية النزوع: ص 417.
2- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/242.
3- غنية النزوع: ص 417. (4و5) رياض المسائل: ج 14/242.
4- المبسوط: ج 7/130.
5- الوسيلة: ص 442.
6- قواعد الأحكام: ج 3/671.
7- المهذّب: ج 2/376.

الأرش، وكذا باقي الشَّعر.

والثالث: (الأرش) حالة الانفراد عن الأجفان، والسقوط حالة الاجتماع كشعر السّاعدين، وهو مذهبُ الحِلّي(1)، وكثيرٌ من المتأخّرين(2).

واستدلّ للأوّل: بالحديث العامّ الدّال على أنّ ما في الجسد منه اثنان، ففيهما الدِّية كاملة، وقد مرّ ما فيه، وعرفت عدم شموله للأجزاء غير الحقيقيّة، مع أنّ الشعر المذكور ليس ممّا في البدن منه اثنان.

فإذاً الأظهر هو الثالث لأنّه الواجب فيما لا تقدير فيه في الشرع.

أقول: وبما ذكرناه يظهر تماميّة ما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (وكذا باقي الشَّعر).

***1.

ص: 200


1- السرائر: ج 3/387.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1030، إرشاد الأذهان: ج 2/236، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 261.

وفي كلّ واحدٍ من العينين نصف الدِّية

دية العينين

المورد الثاني: العينان:

(وفي كلّ واحدٍ من العينين نصفُ الدِّية)، وفيهما الدِّية كاملة، بلا خلافٍ بين فقهاء الإسلام، بل في «المسالك»(1) دعوى قيام إجماع المسلمين عليه.

ويدلّ عليه: نصوصٌ مستفيضة، بل متواترة عموماً وخصوصاً:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما كان في الجَسَد منه اثنان ففيه نصف الدِّية مثل اليدين والعينين.

قال: قلتُ : رجلٌ فُقِئت عينه ؟ قال عليه السلام: نصف الدِّية» الحديث(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام في الرّجل يُكسر ظهره ؟

قال: فيه الدِّية كاملة، وفي العينين الدِّية، وفي إحداهما نصف الدِّية، الحديث»(3).

ومنها: معتبر سماعة، قال: «سألته عن اليد؟ قال: نصف الدِّية.

إلى أن قال: والعين الواحدة نصف الدِّية، الحديث»(4).

ونحوها غيرها(5).

وقد اختلف الأصحابُ في دية الأجفان على أقوالٍ ، كلّها للشيخ رحمه الله:

ص: 201


1- مسالك الأفهام: ج 15/402.
2- الكافي: ج 7/315 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35625.
3- الكافي: ج 7/311 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35628.
4- التهذيب: ج 10/246 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/286 ح 35634.
5- وسائل الشيعة: ج 29/283 باب: أنّ ما في الجسد منه واحد ففيه الدِّية.

وفي كلّ جِفنٍ رُبع الدِّية.

أحدها: أنّ فيها الدِّية كاملة، (وفي كلّ جفنٍ رُبع الدِّية)، ذهب إليه الشيخ في «المبسوط»(1)، وابن أبي عقيل(2)، والمصنّف هنا، وفي «المختلف»(3)، والفخر(4)، والشهيدان(5)، وأبو العبّاس(6)، وغيرهم.

ثانيها: أنّ في الأعلى ثُلثي الدِّية، وفي الأسفل الثُّلث، ذهب إليه الشيخ في «الخلاف»(7) مدّعياً عليه الإجماع.

ثالثها: أنّ في الأعلى ثُلث الدِّية، وفي الأسفل نصفها، ويَسقُط السُّدس، ذهبَ إليه الشيخ في «النهاية»(8)، وابن الجُنَيد(9)، والمفيد(10)، وأتباع الشيخين، وفي «الشرائع»(11)، والقول بذلك كثيرٌ، بل عن «كشف اللّثام»(12) وغيره(13) أنّه المشهور،6.

ص: 202


1- المبسوط: ج 8/10.
2- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/244.
3- مختلف الشيعة: ج 9/366.
4- إيضاح الفوائد: ج 4/676.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/204.
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/181.
7- الخلاف: ج 5/236.
8- النهاية: ص 764.
9- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/366.
10- المقنعة: ص 755.
11- شرائع الإسلام: ج 4/1031.
12- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/334.
13- غنية النزوع: ص 416.

بل عن «الغُنية»(1) الإجماع عليه.

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كلّ ما كان في الإنسان اثنان، ففيهما الدِّية، وفي أحدهما نصف الدِّية»(2).

أقول: والشهيد الثاني في «المسالك»(3) كأنّه راجع «التهذيب» دون «الفقيه»، ولذا تخيّل أنّه غير مرويّ صريحاً عن الإمام، ولذلك قال:

(والظاهر أنّه رُوي عن الإمام لأنّه ثقة أورده، لكونه مقطوعاً، والظّن بكونه موصولاً إلى الإمام غير كافٍ )، مع أنّ الخبر مرويٌّ في «الفقيه»(4) عن الإمام صريحاً.

2 - وصحيح عبد اللّه بن سنان المتقدّم.

ولكن شمول ذلك لمثل الأجفان محلّ إشكالٍ وتأمّل، وقد نفاه صريحاً كاشف اللِّثام(5)، واستشكل فيه في «المسالك»(6)، قال: (لأنّ الأجفان ليست ممّا للإنسان منه اثنان، إلّابتكلّف أنّ جفن كلّ عينٍ كواحد، وهو مجرّد عناية).

وأمّا القول الثاني: فلم يُذكر له دليلٌ سوى ما ادّعاه الشيخ رحمه الله(7) من إجماع الفرقة وأخبارهم.6.

ص: 203


1- غنية النزوع: ص 416.
2- التهذيب: ج 10/258 ح 53، وسائل الشيعة: ج 29/287 ح 3536.
3- مسالك الأفهام: ج 15/402.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/133 ح 5288.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/334.
6- مسالك الأفهام: ج 15/402.
7- الخلاف: ج 5/236.

أمّا الإجماع: عرفت حاله من أنّ المشهور هو القول الأخير.

وأمّا الأخبار: فلم أظفر ولا ظَفَر غيري بخبرٍ واحدٍ دالٍّ عليه، فضلاً عن الأخبار!.

وأمّا الثالث فقد استدلّ له: بخبر ظريف بن ناصح، عن الإمام الصادق عليه السلام في كتابه المشهور في الدِّيات، قال:

«أفتى أمير المؤمنين عليه السلام فكتب النّاس فُتياه، وكَتَب به أمير المؤمنين عليه السلام إلى امرائه ورؤوس أجناده، فمّما كان فيه: إنْ أُصيب شَفر العين الأعلى فَشَتَر، فديته ثُلث دية العين مائة دينار وستّة وستّون ديناراً وثُلثا دينار، وإنْ أُصيب شَفر العين الأسفل فَشَتَر فديته نصف دية العين مائتا وخمسون ديناراً.

إلى أن قال: فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك، الحديث»(1).

وأرود عليه الشهيد الثاني في «المسالك»(2)، والسيّد في «الرياض»(3): بضعف طريق الكتاب وجهالته.

ولكن السيّد قال بانجبار ضعفه بالشُّهرة، وقد عرفت أنّ الكتاب مرويٌّ بعدّة طرق، أكثرها بل جُلّها ضعيفة، إلّاما رواه الكليني(4) والشيخ(5) بسندهما الصحيح، وعليه فلا إشكال في سند الحديث.

أمّا دلالته: فقد أُورد عليها:2.

ص: 204


1- الكافي: ج 7/330 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/289 ح 35642.
2- مسالك الأفهام: ج 15/480.
3- رياض المسائل: ج 15/480.
4- الكافي: ج 7/330.
5- التهذيب: ج 10/258 ح 52.

تارةً : بأنّ الشُّفر بالضَمّ طَرَف الجفن.

وأُخرى : بأنّ مورده الشَتَر لا القطع.

وثالثةً : بمخالفته للإجماع المُدّعى في كلمات جماعةٍ على وجوب تمام الدِّية في الأجفان الأربعة.

ولكن الشّفر هو الجَفن، ولو ثَبَت الدِّية في شَتَره ففي قطعه أولى .

ومخالفته للإجماع، تندفعُ بما عن «المهذّب البارع»(1) من أنّ هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين، أو من واحدٍ بعد دفع أرش الجناية الأُولى، وإلّا وجبَ دية كاملة، بل عن «الروضة»(2): (هذا هو الظاهر من الرواية) لكن فتوى الأصحاب مطلقة.

ويمكن منع الإجماع، كما مَنَعه صاحب «الجواهر» رحمه الله(3)، وعليه فالقول الثالث أظهر.

ولا تتداخل دية الأجفان مع العينين لو قلعهما معاً، بل تجبُ عليه ديتان، لأصالة عدم التداخل في أمثال المقام.

ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره، حتّى الأعمى للإطلاق.

نعم، في «القواعد»: (أمّا الأجفان المستحشفة فالحكومة، لأنّها لا تكن العين ولا تغطّيها).

ولو قَلَع بعض الجفن، فعليه بحساب ديته، لخبر ظريف المتقدّم.3.

ص: 205


1- المهذّب البارع: ج 5/309.
2- شرح اللُّمعة: ج 10/203.
3- جواهر الكلام: ج 43/183.

أمّا عين الأعور الصحيحة، ففيها الدِّية كاملة، إنْ كان العور خِلْقةً أو بشيء من قِبل اللّه تعالى .

(أمّا عين الأعور الصحيحة ففيها الدِّية كاملة) بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه، ويشهد به:

1 - صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ أعورٍ اُصيبت عينه الصحيحة فَفُقِئت: أنْ تُفقأ إحدى عيني صاحبه، ويُعقل له نصف الدِّية، وإن شاء أخذ دية كاملةً ، ويعفو عن عين صاحبه»(2).

2 - وصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «في عين الأعور ديةٌ كاملة»(3).

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يختصُّ ذلك بما (إنْ كان العِوَر خِلْقةً أو) ذهبت العين الفاسدة (بشيءٍ من قِبل اللّه تعالى ) أو من غيره، حتّى لا يستحقّ عليه أرشاً، كما لو جَنى عليه حيوانٌ غير مضمون ؟

أم يعمّ ما إذا كان بجنايته، أخذ ديتها، أو استحقّها، أو ذهبت في قِصاص ؟

مقتضى إطلاق الخبرين هو الثاني.

واستدلّ للاختصاص:

1 - بالإجماع المُدَّعى في «الخلاف»(4)، و «الغُنية»(5)، و «المختلف»(6)، و «غاية3.

ص: 206


1- راجع مختلف الشيعة: ج 9/363، الخلاف: ج 5/237، الغنية: ص 416.
2- الكافي: ج 7/317 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/180 ح 35415.
3- الكافي: ج 7/317 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/330 ح 35712.
4- الخلاف: ج 5/237.
5- غنية النزوع: ص 416.
6- مختلف الشيعة: ج 9/363.

وفي خَسف العَوراء الثُّلث.

المراد»(1)، و «التنقيح»(2)، و «المهذّب البارع»(3).

2 - وبأنّه على فرض أخذ الدِّية أو استحقاقها، يكون العين الفاسدة بمنزلة الموجودة الصحيحة، فيكون دية الصحيحة على أصلها بنصف دية كاملة.

وإنْ شئت قلتَ : إنّه لو فرضنا أنّ شخصين قَلَعا عينين لشخصٍ واحدٍ على نحو التعاقب، فهل يتوهّم أحدٌ أن يستحقّ مَنْ قَلَع عيناه ديةً ونصفاً؟!

وعلى الجملة: لا يبعدُ دعوى الاطمئنان بالاختصاص من ما ذُكر، بضميمة الإجماع، فهو الأظهر.

(وفي خَسْفِ ) العين (العَوراء) أي الفاسدة قولان، منشأهما روايتان:

أشهرهما على الظاهر المصرّح به في كلام جماعةٍ (4) حَدّ الاستفاضة (الثُّلث) أي ثُلث ديتها حال كونها صحيحة.

ثانيهما: أنّ فيه رُبع الدِّية، حيث ذهب إليه المفيد(5)، والدّيلمي(6) مطلقاً، والحلبي(7)، وابن زُهرة(8) فيما إذا كانت الجناية عليها بإذهاب سوادها، أو طبقها بعد إن كانت مفتوحة.6.

ص: 207


1- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/184.
2- التنقيح الرائع: ج 4/395.
3- المهذّب البارع: ص 232.
4- راجع الكافي في الفقه: ص 396، الجامع للشرايع: ص 593، مختلف الشيعة: ج 9/368.
5- المقنعة: ص 760.
6- المراسم العلويّة: ص 244.
7- الكافي في الفقه: ص 396.
8- غنية النزوع: ص 416.

يشهد للقول الأوّل: صحيحة بُريد بن معاوية، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في لسان الأخرس، وعين الأعمى ، وذَكَر الخِصيّ واُنثييه ثُلث الدِّية»(1).

أقول: وبإزائها روايتان:

إحداهما: رواية عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في العين العوراء تكون قائمة فتُخسف ؟

فقال عليه السلام: قَضى فيها عليّ بن أبي طالب عليه السلام نصف الدِّية في العين الصحيحة»(2).

ثانيتهما: رواية عبد اللّه بن سليمان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ فَقأ عين رجلٍ ذاهبة وهي قائمة ؟

قال عليه السلام: عليه رُبع دية العين»(3).

وهي مدرك القول الثاني.

ولكنّهما ضعيفتان، لأنّ في طريقهما عبد اللّه بن سليمان وهو مجهولٌ ، وأبا جميلة مفضّل بن صالح أيضاً ضعيفٌ . وأمّا صحيح أبي بصير الذي استدلّ به في «المسالك» للمختار، فسيأتي الكلام فيه.

ولا فرق هنا بين كون العورة خِلقةً ، أو بآفة مِن اللّه تعالى ، أو جنايةَ جانٍ استحق عليه ديتها، بلا خلافٍ ، إلّاعن الحِلّي(4) ففرّق، فحكم بتمام ديتها خَمسمائة دينار فيما عدا الأخير، وبثُلثها فيه، نافياً الخلاف عن الأوّل، واستدلّ له بصحيح أبي0.

ص: 208


1- الكافي: ج 7/318 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/336 ح 35725.
2- الكافي: ج 7/318 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/333 ح 35719.
3- الكافي: ج 7/318 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/334 ح 35720.
4- السرائر: ج 3/380.

بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«سأله بعض آل زرارة عن رجلٍ قَطَع لسان رجلٍ أخرس ؟

فقال: إن كان ولدته اُمّه وهو أخرس فعليه ثلث الدِّية، وإن كان لسانه ذَهَب به وَجَعٌ أو آفةٌ بعدما كان يتكلّم، فإنّ على الذي قَطَع لسانه ثُلث دية لسانه.

قال: وكذلك القضاء في العينين والجوارح.

وقال: وهكذا وجدناه في كتاب عليٍّ عليه السلام»(1).

أقول: ولابدّ من حمل العينين فيه على الاستغراق، بقرينة صحيح بريد المتقدّم، وبأنّ المراد من الجوراح هو الاستغراق.

وعليه، يكون الحكم في العين كذلك، فدلالته على ما أفاده الحِلّي ظاهرة.

ولكن يرد عليه: أنّ الخبر وإنْ كان مرويّاً في «الفقيه»(2) كما ذُكر، إلّاأنّه رواه الشيخ الكليني(3)، وشيخ الطائفة(4) هكذا: «إنْ كان ولدته اُمّه وهو أخرس فعليه ثُلث الدِّية»، ومقتضاه على هذا النقل أنّه لا فرق في دية قَطع لسان الأخرس بين كون الخَرَس أصليّاً، أو عارضيّاً، والتصريح بكلا الشقّين إنّما هو للتوضيح، وعليه فهو يدلّ على ماهو المشهور.

ومنه ظهر صحّة استدلال الشهيد الثاني به للقول المختار في أصل المسألة.

أقول: وكيف كان، فيقع التعارض بين نقل الكليني والشيخ، ونقل الصَّدوق، ومقتضى أصالة عدم الزيادة حجيّة تمام ما نَقَله الشيخان.8.

ص: 209


1- الكافي: ج 7/318 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/336 ح 35726.
2- الفقيه: ج 4/148 ح 5328.
3- الكافي: ج 7/318 ح 7.
4- التهذيب: ج 10/270 ح 8.

مع أنّه لو سُلّم تكافؤ الاحتمالين، ففي النقلين لخبر واحدٍ، إمّا أن يُحكم بالتساقط، فالمرجع إطلاق صحيح بريد، أو الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم ما نَقَله الشيخان، فعلى جميع التقادير المعتمد هو ذلك النقل.

وعليه، فالأظهر عدم الفرق بين الموارد.

ولو قلع عين شخصٍ وادّعى الجاني أنّها كانت قائمة لا تَبصُر، فليس فيها إلّا ثُلث الدِّية، وقال المجنيّ عليه أنّها كانت صحيحة ففيها ديتها كاملة، فالمشهور بين الأصحاب أنّ الجاني يعدّ منكراً ويُقدّم قوله مع اليمين، لو لم يكن للمجنيّ عليه بيّنة، لأنّ قوله يوافق أصل البراءة عن اشتغال الذِّمة بأزيد من الثُّلث.

ولكن يمكن أن يقال: بأنّ قول المجنيّ عليه يوافق أصلين لهما الحكومة على أصل البراءة، وهما:

1 - استصحاب عدم العِور.

توضيحه: أنّ الدليل دلّ على أنّه في قلع العين ديتها، نصفُ دِية النفس، خَرَج عنه عين العوراء، فعلى القول بجريان الأصل في العدم الأزلي، يُستصحب عدم العور، وبضمّه إلى الوجدان تَدخلُ في موضوع وجوب الكاملة، هذا إذا لم يكن للصحّة حالة سابقة، وإلّا فالجاري استصحاب الصحّة نفسها، ولا يعارضه أصالة عدم الإبصار، لعدم كونه موضوع الحكم، ما لم يَثبتُ به العِور، ولا يثبتُ ذلك إلّا على القول بالأصل المُثبت.

2 - أصالة السَّلامة التي عليها بناء العقلاء في جميع الموجودات، على ما تقدّم في خيار العيب البحث فيها مستوفى، ولأجلها يُقدّم قول مُدَّعي الصحّة في المبيع، فراجع(1).

***7.

ص: 210


1- فقه الصادق: ج 26/27.

وفي الأنف الدِّية كاملة، وكذا في مارنه،

دية الأنف

المورد الثالث: الأنف:

(و) المشهور بين الأصحاب(1) أنّ (في الأنف) إذا استوصل (الدِّية كاملة، وكذا في مارنه).

ويشهد به: - مضافاً إلى ما مرّ من النصوص في أنّ ما في الإنسان منه واحد فيه الدِّية، كصحيح هشام عن الإمام الصادق عليه السلام(2)، والأنف بتمامه منه بلا شُبهة - عدّة من النصوص:

منها: صحيح عبداللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الأنف إذا استوصل جِدْعه الدِّية، الحديث»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في الرّجل يُكسر ظهره ؟ قال: فيه الدِّية كاملة.

إلى أن قال: وفي الأنف إذا قُطع المارن الدِّية، الحديث»(4).

ومنها: معتبر سماعة، عنه عليه السلام: «وفي الأنف إذا قُطع الدِّية كاملةً ، الحديث»(5).

ص: 211


1- راجع المختصر النافع: ص 299، شرائع الإسلام: ج 4/1031، الجامع للشرايع: ص 593.
2- وسائل الشيعة: ج 29/287 ح 35636.
3- الكافي: ج 7/312 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35629.
4- الكافي: ج 7/311 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35628.
5- الكافي: ج 7/312 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29 ح 285 ح 35631.

أو كُسِر فَفَسد،

وعن «المبسوط»(1)، و «المهذّب البارع»(2)، و «الوسيلة»(3)، و «التحرير»(4)، و «الروضة»(5): أنّ الدِّية إنّما هي للمارن خاصّة، وفي الزائد - أي القصبة - الحكومة، وقوّاه سيّد «الرياض»(6) حيث قال: (ولعلّه لعدم دليلٍ على أنّ دية الاستئصال غير دية المارن، وليس فيه أدلّة المشهور عموماً وخصوصاً، سوى أنّ فيه دية، إمّا أنّها له أو للمارن فليس فيها عليه دلالة.

إلى أن قال: إنّ غاية أدلّة المشهور ثبوت الدِّية، وليس فيها ما ينفى الحكومة...

والدليلُ عليثبوتها أنّ الزائد على المارن جارحة، ذهبت زيادة عليه، وديته لا يقعُ شيءٌ منها في مقابلتها، فالاكتفاء بها يستلزمُ تفويت تلك الجارحة عليه من دون بدلٍ ، وهو غير جائز).

وفيه أوّلاً: النقض بالأجفان والأهداب، إذ لا شكّ في أنّه مع فرض الاجتماع يسقط الأهداب.

وثانياً: بالحَلّ وهو أنّ صحيح ابن سنان بنصوصيّته، وبقيّة الأخبار بإطلاقها تدلّ علينفي الحكومة، لا خصوص إثبات الدِّية فحسب، ومع ذلك لاسبيل إلى مااُفيد.

أقول: وفي حكم قطع الأنف، ما أشار إليه بقوله: (أو كُسِر فَفَسد) بلا خلافٍ 0.

ص: 212


1- المبسوط: ج 7/95.
2- المهذّب البارع: ج 5/316.
3- الوسيلة: ص 447.
4- تحرير الأحكام: ج 5/514.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/207.
6- رياض المسائل: ج 14/250.

ولو جُبِر على غير عيبٍ فمائة دينار، وفي شَلَله ثُلثا ديته.

يظهر فيه، (و) لا في أنّه (لو جُبِر على غير عيبٍ ، فمائة دينار).

وعن «الغُنية»(1): الإجماع على الأخير.

يشهد للأوّل: صحيح هشام المتقدّم من قوله عليه السلام: «ما كان فيه واحدٌ ففيه الدِّية» والأنف واحدٌ، وإطلاق الصحيح يشملُ القطع والإفساد، ويؤكّده فهم الأصحاب ذلك منه.

وللثاني: خبر ظريف المتقدّم، الدّال على ثبوت المائة في كسر الظهر إذا جُبر على غير عيبٍ .

بتقريب: أنّ هذا في كَسر كلّ ما كان فيه الدِّية، ومنه ما نحن فيه، أضف إليه تسالم الأصحاب عليه.

(وفي شَلَله) وهو فساده (ثُلثا ديته) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع عن «المبسوط»(2)، و «الخلاف»(3)، نحو شَلل سائر الأعضاء التي وَضَع الأصحاب - كما عن «كشف اللّثام»(4) - ضابطاً لشللها، وهو ثُلثا دية ذلك العضو المشلول، المستفاد ذلك من الأخبار:

منها: صحيح الفُضيل بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إذا يبست منه الكَفّ ، فشلّت أصابع الكَفّ كلّها، فإنّ فيها ثُلثي الدِّية دية اليد.4.

ص: 213


1- غنية النزوع: ص 417.
2- المبسوط: ج 7/151.
3- الخلاف: ج 5/237.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/214.

وفي الروثة، وهي الحاجز،

وقال: وإنْ شُلّت بعض الأصابع، وبقي بعضٍ ، فإنّ في كلّ إصبعٍ شُلّت ثُلثي ديتها.

قال: وكذلك الحكم في السَّاق والقَدَم، إذا شُلّت أصابع القَدَم»(1). المؤيّد بما ذكروه من غير خلافٍ من أنّه في قطع كلّ عضوٍ مشلولٍ ثُلث دية الصحيح.

ويشهد به:

1 - صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قَطَع لسان رجلٍ أخرس ؟

قال:... إنّ عليه فعليه ثُلث الدِّية...، وكذلك القضاء في العينين والجوارح»(2).

فإنّه يدلّ على أنّ في قطع كلّ عضوٍ مشلول، سواءٌ أكان عيناً أو يداً أو رِجلاً، أو غير ذلك، ثُلث دية ذلك العضو.

2 - وخبر الحكم بن عتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ :

«وكلّما كان من شللٍ ، فهو على الثُّلث من دية الصِّحاح»(3).

(وفي) قطع (الروثة، وهي:)

(الحاجزُ) كما في المتن و «الشرائع»(4).1.

ص: 214


1- الكافي: ج 7/328 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/347 ح 35749.
2- الكافي: ج 7/318 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/336 ح 35726.
3- الكافي: ج 7/330 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/345 ح 35745.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1031.

نصف الدِّية، وفي أحد المِنْخَرين نصفَ الدِّية.

ومجمع المارن، كما عن ابن بابويه(1)، وصاحبي «الكنز»(2) و «الإيضاح»(3).

وطرفُ الأنف كماعن أهل اللَّغة(4)، وفي الصحيح الآتي علينقل الشيخ الكُليني قدس سره(5).

وأيضاً: فُسِّر الخَيشوم في ذلك الصحيح بالحاجز بين المنخرين، وجَعَله مقابلاً للروثة.

وبالجملة: في قطعها (نصف الدِّية) كما هو المشهور على ما في «المسالك»(6)، ويشهد به معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «في الأنف ؟ قال: فإنْ قَطَع روثة الأنف وهي طرفة فديته خمسمائة دينار، الحديث»(7).

(وفي) دية قطع (أحد المنخرين) خلافٌ :

فعن الشيخ في «المبسوط»(8)، والحِلّي في «السرائر»(9)، والمحقّق في «المختصر النافع»(10)، والماتن هنا: أنّها (نصفُ الدِّية).9.

ص: 215


1- الفقيه: ج 4/81.
2- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/336.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/688.
4- النهاية لابن الأثير: ج 3/434.
5- الكافي: ج 7/331 ح 2.
6- مسالك الأفهام: ج 15/408.
7- الكافي: ج 7/330 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/293 ح 35647.
8- المبسوط: ج 7/131.
9- السرائر: ج 3/398.
10- المختصر النافع: ص 299.

وعن الكيدري(1)، والتَّقي(2)، وابن زُهرة(3): أنّها رُبع الدِّية.

وعن الأخير(4) دعوى الإجماع عليه.

أقول: والمشهور بين الأصحاب(3) أنّها ثُلث الدِّية، وعَلّل الشيخ(4) ما اختاره بأنّ فيه إذهابُ نصف الجمال والمنفعة، فتكون ديته نصف دية الأنف.

وفيه: أنّه إنْ استند في هذه العلّة إلى مادلَّ على أنّ ما كان في الإنسان منه اثنان، ففيهما الدِّية، وفي كلّ واحدٍ منهما نصف الدِّية، فهو لا يشملُ المقام، لأنّ مجموع الأنف شيءٌ واحد، وإنْ استندَ إلى ما هو ظاهر تعليله، فلا دليل، بل الدليل على خلافه، كما سيمرّ عليك إن شاء اللّه تعالى .

واستدلّ للثاني: بالإجماع، وهو كما ترى، فإنّ المشهور على خلافه.

وعليه، فالصحيح هو الثالث، ويشهد به:

1 - معتبر غياث، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليٍّ عليهم السلام: «أنّه قضى في شحمة الاُذن بثُلث دية الاُذن، وفي الإصبع الزائدة ثُلث دية الإصبع، وفي كلّ جانبٍ من الأنف ثُلث دية الأنف»(5).

2 - وخبر عبد الرحمن، عن أبيه عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام، في حديثٍ : «وفي خشاش الأنف كلّ واحدٍ ثُلث الدِّية»(6).7.

ص: 216


1- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/336.
2- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/193. (3و4) غنية النزوع: ص 417.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/336.
4- المبسوط: ج 7/131.
5- التهذيب: ج 10/261 ح 67، وسائل الشيعة: ج 29/351 ح 35760.
6- التهذيب: ج 10/275 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/287 ح 35637.

وقد أورد عليهما: بضعف السَّند.

ولكنّه لا يتمُّ في الأوّل، فإنّ توهّم الضعف، إمّا من جهة غياث، أو لأجل ما في «الوسائل» من عَدّ الحسن بن محمّد بن يحيى من رجاله وهو مجهولٌ ، وشيءٌ منهما لايتمّ ، فإنّ غياث بن إبراهيم ثقة، وإن كان بُتريّاً، والسَّند ليس كما في «الوسائل»، بل الصحيح أنّ الراوي هو الحسن عن محمّد بن يحيى ، وهو مردّدٌ بين ابن محبوب وابن عليّ بن فضّال، وابن محمّد الحضرمي، وقد روى عنهم العبّاس بن معروف وكُلّهم ثقات، فإذاً لا إشكال في الخبر سنداً.

وعليه، فالأظهر أنّ فيه ثُلث الدِّية.

***

ص: 217

وفي كلِّ اُذُنٍ نصف الدِّية.

دية الأُذنين

المورد الرابع: الأُذنان:

وفيهما دية كاملة، (وفي كلّ اُذُنٍ نصفُ الدِّية) بلا خلافٍ بين الأصحاب، وعن «الغُنية»(1) الإجماع عليه.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «ما كان في الجسد منه اثنان، ففيه نصف الدِّية، الحديث»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في الرَّجل يُكسر ظَهره ؟ قال عليه السلام: فيه الدِّية كاملة - إلى أن قال: - وفي الأُذنين الدِّية، وفي إحداهما نصف الدِّية، الحديث»(3).

ومنها: معتبر سماعة: «وفي الأُذن نصف الدِّية إذا قَطَعها من أصلها»(4).

ونحوها غيرها(5).

ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الأُذن الصحيحة والصَّماء، مع أنّ الصَمَم ليس نقصاً في الأُذن، وإنّما هو نقصٌ في السماع.

ص: 218


1- غنية النزوع: ص 417.
2- الكافي: ج 7/315 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35625.
3- الكافي: ج 7/311 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35628.
4- الكافي: ج 7/311 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35631.
5- وسائل الشيعة: ج 29/283 باب: أنّ ما في الجسد منه واحد ففيه الدِّية.

وتُقَسّطُ الدِّية على أجزائها، وفي الشَحمة ثُلث ديتها.

(و) كيف كان، ف (تُقسَّط الدِّية على أجزائها) بحساب ذلك، بأن يُعتبر مساحة المجموع من أصل الاُذن، ويُنسب المقطوع إليه، ويؤخذ له من الدِّية بنسبته إليه، فإن كان المقطوع النصف فالنصف، أو الثُّلث فالثُلث وهكذا، ويعتبر الشَّحمة في مساحتها، حيث لا تكون هي المقطوعة بلا خلافٍ في ذلك، ويدلّ عليه معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في الأُذنين إذا قُطِعت إحداهما، فديتها خمسمائة دينار، وما قُطع منها فبحساب ذلك»(1).

(و) لكن (في الشَّحمة) أي شَحمة الأُذن (ثُلث ديتها) على الأشهر الأقوى ، بل لا أجد فيه خلافاً من أحدٍ، مع أنّه في «الغُنية»(2)، وعن «الخلاف»(3): (أنّ عليه إجماعنا) كذا في «الرياض»(4).

ويشهد به: عددٌ من الأخبار:

منها: معتبر غياث، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «أنّه قضى في شحمة الاُذن بثُلث دية الاُذُن، الحديث»(5).

ومنها: خبر عبد الرحمن العزرمي، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام: «أنّه جَعل في0.

ص: 219


1- الكافي: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/296 ح 35652.
2- غنية النزوع: ص 417.
3- الخلاف: ج 5/234.
4- رياض المسائل: ج 14/253.
5- التهذيب: ج 10/261 ح 67، وسائل الشيعة: ج 29/351 ح 35760.

وكذا في خَرْمها.

السِّن السوداء ثُلث ديتها - إلى أن قال: - وفي شَحمة الأُذن ثُلث ديتها، الحديث»(1).

ومنها: خبر مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام قضى في شَحمة الأُذن ثُلث دية الأُذن»(2).

وحيث عرفت اعتبار خبر غياث، يظهر أنّ ما في «الشرائع»(3) من رمي ما يدلّ على هذا الحكم بالضعف، وانجباره بالعمل، غير تامّ .

وأمّا الشهيد الثاني في «المسالك»(4)، والسيّد في «الرياض»(5)، فكأنّهما تخيّلا انحصار المدرك بخبر مسمع، ولذلك قالا إنّه ضعيفٌ من وجوه!

صرّح بعض الأصحاب(6) بأنّ في خَرم الشَحمة ثُلث دية الأُذن، وإلى ذلك نظر المصنّف رحمه الله حيث قال: (وكذا في خَرْمِها)، وعن جماعةٍ (7) الميل إليه.

وعن الحِلّي(8): أنّ في خَرمها ثُلث دية الشَّحمة. وفي «المسالك»(9): (وهذا اللّفظ ذكره الشيخ(10)، وتبعه الجماعة، ولا سَند له يُرجع إليه في تفسيره).6.

ص: 220


1- التهذيب: ج 10/275 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/287 ح 35637.
2- الكافي: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/297 ح 35653.
3- شرائع الإسلام: ج 4/1032.
4- مسالك الأفهام: ج 15/410 و 411.
5- رياض المسائل: ج 14/158.
6- السرائر: ج 3/382.
7- المختصر النافع: ص 300، كشف الرموز: ج 2/654.
8- شرائع الإسلام: ج 4/1032.
9- مسالك الأفهام: ج 15/410 و 411.
10- النهاية: ص 766.

أقول: ولكن يمكن الاستدلال له بصحيح يونس، ومعتبر ابن فضّال عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية جراحة الأعضاء كلّها.

إلى أن قال: وفي قُرحةٍ لا تَبرأ ثُلث دية العَظم الذي هو فيه، الحديث»(1).

وقد صرّح بذلك في دية عدّةٍ من الأعضاء في معتبر ظريف، وبه يظهر أنّ الثابت ثُلث دية الأُذن، لا ثُلث دية الشَحمة.

***0.

ص: 221


1- التهذيب: ج 10/292 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/378 ح 35810.

وفي كلِّ شَفةٍ نصف الدِّية.

ديَّة الشَّفتين

المورد الخامس: الشَّفتان:

وفيهما الدِّية كاملة، بلا خلافٍ فيه بين المسلمين، وعليه الإجماع(1) في كثيرٍ من الكلمات، والشّاهد به عِدّةٌ من الروايات الآتي طرفٌ منها.

(و) إنّما اختلف الأصحاب (في) ديَّة (كلّ شفةٍ ) على انفرادها على أقوال:

أحدها: أنّ في كلّ واحدةٍ (نصفُ الدِّية)، لا يُفضَّل إحداهما على الأُخرى بزيادةٍ ، ذهب إليه ابن أبي عقيل(2)، والمحقّق في «الشرائع»(3) و «النافع»(4)، و «اللُّمعة»

وشرحها(5).

ثانيها: أنّ في قطع العُليا ثُلث الدِّية، وفي السُّفلى الثُّلثين، ذهب إليه الشيخان في «المبسوط»(6) و «المقنعة»(7)، والدّيلمي(8)، وأبوالصَّلاح(9)، وابنازُهرة(10)

ص: 222


1- كما في شرائع الإسلام: ج 4/1032.
2- نسبه إليه في شرائع الإسلام: ج 4/1032.
3- كما في شرائع الإسلام: ج 4/1032.
4- المختصر النافع: ص 300.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/209.
6- المبسوط: ج 7/132.
7- المقنعة: ص 755.
8- المراسم: ص 244.
9- الكافي في الفقه: ص 398.
10- غنية النزوع: ص 417.

وإدريس(1)، والكَيدُري(2)، وابن سعيد(3)، بل عن ظاهر «المبسوط»(4) و «الغُنية»(5)الإجماع عليه.

ثالثها: أنّ في العُليا أربعمائة دينار، وفي السُّفلى ستّمائة دينار، ذهب إليه الشيخ في «الخلاف»(6)، و «النهاية»(7)، وحُكي عن «المقنع»(8)، و «الهداية»(9)، و «المهذّب البارع»(10)، و «الوسيلة»(11) والصّهرشتي(12) والطبرسي(13) وابن حمزة(12) والمصنّف في «المختلف»(13).

رابعها: أنّ في العُليا نصف الدِّية، وفي السُّفلى ثُلثي الدِّية، حُكي عن الإسكافي(14)وابن بابويه(15).

يشهدُ للأوّل: جملة من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «ما كان في2.

ص: 223


1- السرائر: ج 3/387.
2- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/203.
3- الجامع للشرايع: ص 59.
4- المبسوط: ج 7/132.
5- غنية النزوع: ص 417.
6- الخلاف: ج 5/238.
7- النهاية: ص 766.
8- المقنع: ص 511.
9- الهداية: ص 299.
10- راجع المهذّب البارع: ج 5/315.
11- الوسيلة: ص 443. (12و13) نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/204 و 205.
12- الوسيلة: ص 443.
13- مختلف الشيعة: ج 9/359.
14- نسبه إليه في المختصر النافع: ص 300.
15- نسبه إليه في شرائع الإسلام: ج 4/1032.

الجَسَد منه اثنان، ففيه نصف الدِّية»(1).

ومنها: صحيح هشام بن سالم، عنه عليه السلام، قال: «كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدِّية، وفي أحدهما نصف الدِّية»(2).

ومنها: معتبر سماعة، قال: «سألته عن اليد؟ قال: نصف الدِّية - إلى أن قال: - والشفتان العُليا والسُّفلى سواء في الدِّية»(3).

وأمّا القول الثاني: فقد استدلّ له الشيخ المفيد(4): بأنّ السُّفلى تُمسِكُ الطعام والشراب، وتردّ اللّعاب، وأن شينها أقبح من شين العُليا.

وذكر القائلون به، أنّ بذلك روايات.

وعن «الغُنية»(5)، و «المبسوط»(6): الإجماع عليه.

أقول: أمّا الإجماع، فهو كما ترى .

وأمّا الأخبار: فلم تصل إلينا، إلّاأن يراد بها ما نُشير إليه.

وأمّا ما أفاده المفيد: فيمكن أن يكون نظره إلى ما في خبر أبان بن تغلب الآتي، لأنّ السُّفلى تُمسِكُ الطعام، وما في كتاب ظريف الآتي، أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام فَضَّلها - أي السُّفلى - لأنّها تُمسِك الماء والطعام(7).9.

ص: 224


1- الكافي: ج 7/315 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35625.
2- التهذيب: ج 10/258 ح 53، وسائل الشيعة: ج 29/287 ح 35636.
3- التهذيب: ج 10/246 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/286 ح 35634.
4- المقنعة: ص 755.
5- غنية النزوع: ص 417.
6- المبسوط: ج 7/132.
7- الكافي: ج 7/331 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/294 ح 35649.

وما في معتبر إسحاق بن عمّار إنّما يكون القِصاص من أجل الشين(1) وإلّا فمن المُستَبعد جدّاً استدلال المفيد بالوجوه الاستحسانيّة، ولا يتمُّ شيءٌ منها لأنّها من قبيل الحكم، لعدم صلاحيّة شيء منها لتعيّن المقدار، ولذا ذكر في الأخبار للتعيين غير ذلك، كما سيمرّ عليك.

وأمّا القول الثالث: فقد استُدلّ له بخبر أبان بن تغلب، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «في الشِّفة السُّفلى ستّة آلاف درهم، وفي العُليا أربعة آلاف، لأنّ السُّفلى تُمسِك الماء»(2).

وفي محكي «التحرير»(3)، و «الشرائع»(4): (ذكره ظريفٌ في كتابه أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام).

أقول: أمّا الخبر فضعيفٌ بأبي جميلة، وما في كتاب ظريف عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: «وإذا قُطِعَت الشّفة العُليا واستؤصلت، فديتها خمسمائة دينار، فما قطع منها فبحساب ذلك، فإن انشقّت حتّى تبدو منها الأسنان، ثمّ دوويت وبُرأت والتأمت، فديتها مائة دينار، فذلك خُمس دية الشفة إذا قُطِعت واستُؤصِلت، وما قَطَع منها فبحساب ذلك، وإن شَتَرت فَشِينَتْ شَيناً قبيحاً، فديتها مائة دينار، وثلاثة وثلاثون دينار، وثُلث دينار، ودية الشّفة السُّفلى إذا استؤصلت ثُلثا الدِّية، ستّمائة وستّة وستّون ديناراً وثُلثا دينار، فما قُطِع منها فبحساب ذلك، فإن انشقَّت حتّى2.

ص: 225


1- التهذيب: ج 10/279 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/185 ح 35423.
2- الكافي: ج 7/312 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/294 ح 35650.
3- تحرير الأحكام: ج 5/588.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1032.

تبدو الأسنان منها، ثمّ بَرأت والتأمت، فديتها مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، وإن اُصيبت فَشِينَتْ شيناً قبيحاً، فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينار وثُلث دينار، وذلك نصف ديتها.

قال ظريف: فسألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، فقال: بلغنا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام فضّلها، لأنّها تُمسِك الماء والطعام مع الأسنان، فلذلك فضّلها في حكومته»(1).

ولكن يُعارضه معتبر سماعة المتقدّم، والترجيح معه لموافقته للسُنّة، وهي النصوص الدّالة على أنّ في الشّفتين الدِّية كاملة، فإنّ لازم خبر ظريف الزيادة على ذلك، على أنّه شاذٌ نادرٌ، لعدم إفتاء الأصحاب غير الإسكافي(2) وابن بابويه(3) به، وعليه فالترجيحُ لمعتبر سماعة من وجوه.

فإنْ قيل: إنّ خبر ظريف مخالفٌ للعامّة، فلِمَ لا يُقدّم مع أنّ المخالفة للعامّة من المرجّحات ؟

قلنا: إنّها في المرتبة الأخيرة من المرجّحات، والشُّهرة أوّل المرجّحات، ثُمّ صفات الراوي، ثم موافقة الكتاب والسُّنة، ثُمّ مخالفة العامّة.

وأمّا ما عن الشيخ رحمه الله(4) من حَمل معتبر سماعة عن إرادة التساوي في الدِّية لا في مقدارها، فغريبٌ .

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول الأوّل أظهر.3.

ص: 226


1- الكافي: ج 7/331 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/294 ح 35649.
2- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/369.
3- نسبه إليه في شرائع الإسلام: ج 4/1032.
4- الإستبصار: ج 4/288 ح 3.

وفي بعضها بحسابه. ولو تقلَّصت قال الشيخ: فيه ديتها، ولو استَرخَتا فثُلثا الدِّية.

(و) على الأقوال، ف (في بعضها) يؤخَذ له (بحسابه)، أي حساب المقدار من الدِّية المعيّن لذلك، وهو النصف عند الماتن وعندنا، كما سبق في نظائره، والشاهد به معتبر ظريف.

(ولو) جَنى عليها حتّى (تقلّصت)، فلا تنطبق على الأسنان، فلا ينتفع بها بحالٍ ، (قال الشيخ) في «المبسوط»(1) على ما حُكي: (فيه ديتها) لأنّه كالإتلاف.

وفي «الشرائع»(2): (والأقربُ الحكومة) وهو الأظهر، لأنّه وإن زالت المنفعة المخلوقة لأجلها والجمال به، ولكن مع ذلك لا يُعدّ إتلافاً، بل هو عيبٌ لا مقدّر له شرعاً، ففيه الحكومة.

(ولو استرختا) بالجناية، على وجهٍ لا ينفصلان عن الأسنان إذا كَشَّر أو ضَحَك (فثُلثا الدِّية) لأنّه شللهما، وقد مرّ أنّ في شَلل كلّ عضوٍ ثُلثي دية ذلك العضو.

***3.

ص: 227


1- المبسوط: ج 7/132.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1033.

وفي لسان الصَّحيح أو الطفل الدِّية.

دية اللِّسان

المورد السادس: في دية قطع اللِّسان:

(وفي) استئصال (لسان الصحيح) جسماً ونُطقاً، (أو الطفل) الصغير الذي لم يظهر عليه أثر القدرة وعدمها لطفوليّته (الدِّية) كاملة، بلا خلافٍ في الأوّل، بل الإجماع(1)بقسميه عليه، وبلا خلافٍ بين من تعرّض له في الثاني، وإنْ قيّده جماعة بما إذا كان يُحرِّك لسانه لبكاءٍ وغيره، لأنّه أمارة صحّة اللِّسان.

ويشهد له في الأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في أنفِ الرّجل إذا قُطع من المارن فالدِّية تامّة، وذَكَر الرَّجل الدِّية تامّة، ولسانه الدِّية تامّة، الحديث»(2).

ومنها: معتبر سماعة، عنه عليه السلام: «في الرِّجل الواحدة نصف الدِّية - إلى أن قال: - وفي اللِّسان إذا قُطِع الدِّية كاملة»(3).

ومنها: معتبر ظريف: «واللِّسان إذا استؤصل ألفُ دينار»(4).

ونحوها غيرها(5).

مضافاً إلى ما دلّ على أنّ ما في الجسد منه واحدٌ ففيه الدِّية، المتقدّم.

ص: 228


1- جواهر الكلام: ج 43/209.
2- التهذيب: ج 10/247 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/287 ح 35635.
3- وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35631.
4- التهذيب: ج 10/295 ح 26، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35627.
5- جواهر الكلام: ج 4/222.

ولو قُطِع بَعضه اعتُبر بحروف المُعجَم.

وأمّا الثاني: فيشهد به هذه النصوص، بضميمة أصل السَّلامة الذي عليه بناء العقلاء، ولفظ (الرّجل) في بعض الأخبار مع عدم كونه منافياً لغيره، لا يُرادُ منه إخراج غير البالغ قطعاً، كما اعترف به في «الجواهر».

(ولو قُطع بعضه) أي بعض اللِّسان الصحيح (اعتُبر بحروف المعجم) مع فرض ذهابها أو بعضها بذلك، كما هو المشهور بين الأصحاب،(1) كما في «المسالك»،(2) بل عن «المبسوط»،(3) و «السرائر»(4) الإجماع عليه.

ويشهد به: معتبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ له: رجلٌ ضَرب غلامه ضربةً فقطع بعض لسانه، فأفصح ببعضٍ ولم يُفصح ببعض ؟

فقال عليه السلام: يَقرأ المعجم فما أفصحَ به طُرح من الدِّية، وما لم يفصح به أُلزم الدِّية.

قال: قلتُ : كيف هو؟ قال عليه السلام: على حساب الجمل، الحديث»(5).

وأمّا في ذيل المعتبر من بيان حساب الجُمل من قوله: (ألف ديته واحدٌ، والباء ديتها اثنان، والجيم ثلاثة، والدّال أربعة، والهاء خمسة... إلخ) فكما أفاده الشيخ قدس سره(6)يشبه أن يكون من كلام بعض الرّواة، حيث سمعوا أنّه قال: «يُفرّق على حروف7.

ص: 229


1- التهذيب: ج 10/263 ح 76، وسائل الشيعة: ج 29/360 ح 35779.
2- مسالك الأفهام: ج 15/415.
3- المبسوط: ج 7/133.
4- السرائر: ج 3/384.
5- الإستبصار: ج 4/293 ح 6.
6- مجمع الفائدة: ج 14/377.

الجمل» فظنّوا أنّه على ما يتعارفه الحساب، ولم يكن القصد ذلك، بل القصد أنّها تُقسَّم أجزاء متساوية، وذكر أنّ التفصيل المذكور لا يبلغُ الدِّية إن حُسب الدراهم، ويبلغُ أضعاف الدِّية إن حُسِب على الدنانير، كلّ ذلك فاسدٌ.

ويؤيّد ذلك: جملةٌ من الأخبار الواردة في ذهاب المنفعة، وفي المقام احتمالات اُخر بل أقوال:

أحدها: أن يكون المدار على المساحة فحسب، ومال إليه المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1)، بدعوى أنّ النصوص الدّالة على التقسيم بحساب الحروف خالية عن ذكر قطع بعض اللِّسان، ومختصّة بما إذا ذهبت المنفعة فقط.

وفيه: أنّ ما أفاده وإن كان يتمّ في أكثر الروايات، إلّاأنّ خبر سماعة كما سمعته مشتملٌ على ذلك، وكفى به مدركاً، واحتمال أنّ المراد بالقطع قطعه بحسب النطق والكلام، لا بحسب الجِرم، خلاف الظاهر، لا يُعتنى به، ما لم تقم عليه حجّة أقوى .

ثانيها: أنّ اللّازم أكثر الأمرين، قوّاه الشهيد الثاني رحمه الله(2)، واستدلّ له بأنّ لنا دليلين:

1 - دليلُ دية ذهابِ المنفعة.

2 - ودليلُ دية نقص بعض اللِّسان.

ومقتضى الأصل الأخذ بهما، خرج عنه القدر المتداخل فيه بشُبهة الإجماع، والأولويّة المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتّفاقاً فتوىً وروايةً ، ففي البعض أولى .7.

ص: 230


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 14/377.
2- مسالك الأفهام: ج 15/417.

وهي ثمانية وعِشرونَ حَرفاً.

ويردّه: ما سيمرّ عليك من أنّه ليس هناك دليلان، بل دليلٌ واحد لا بدَّ من الأخذ به.

ثالثها: ما قوّاه سيّد «الرياض»(1) من أن يكون الواجب مجموع الأمرين، جمعاً بين الدليلين.

وفيه: أنّ خبر سماعة يدلّ على أنّ قطع بعض اللِّسان ديته دية ذهاب المنفعة فقط، نعم لو طرحناه ولم نعمل به، كان ما أفاده قويّاً جدّاً، ولذلك نلتزم بأنّه لو قُطِع بعض اللِّسان ولم تذهب المنفعة، يكون المدار على المساحة.

(و) قد اختلفوا في حروف المعجم، فالمشهور بين الأصحاب(2) ما ذكره المصنّف، قال: و (هي ثمانية وعشرون حرفاً).

وعن يحيى بن سعيد(3): أنّها تسعةٌ وعشرون حرفاً، ومال إليه المحقّق الأردبيلي رحمه الله(4)، واختاره الأستاذ(5)، ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص.

يدلّ على الأوّل: خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ ضَرَب فذهب بعض كلامه، وبقي البعض، فجعل ديته على حروف المعجم، ثمّ قال: تكلّم بالمعجم فما نَقَص من كلامه فبحساب9.

ص: 231


1- رياض المسائل: ج 14/261.
2- المراسم العلويّة: ص 246.
3- الجامع للشرايع: ص 591.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 14/376.
5- مباني تكملة المنهاج: ج 2/289.

فيقسَّط الدِّية عليها، فما نَقَص أُخذ قِسطه. وفي لِسان الأخرس ثُلث الدِّية.

ذلك، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً، فجعل ثمانية وعشرين جزءاً، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك»(1).

والإيراد عليه: بضعف السَّند، لأنّ في طريق الشيخ إلى النوفلي ضعفاً، لا يُصغى إليه بعد عمل المشهور به، فضعفه منجبرٌ بالعمل.

ويدلّ على الثاني: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «في رجلٍ ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثَقُل لسانه ؟

فقال: يُعرض عليه حروف المعجم، فما أفصح منها فلا شيء فيه، وما لم يفصح به كان عليه الدِّية، وهي تسعة وعشرون حرفاً»(2).

أقول: لكن روى الصَّدوق(3) هذا الخبر إلّاأنّه قال: «ثمانية وعشرون حرفاً»، فلا يصحّ الاستدلال به لهذا القول، وعليه يصبح المستند خبر السكوني فحسب.

فالمتحصّل: أنّه لو قطع بعض اللِّسان، اعتبر بحروف المعجم، وهي ثمانية وعشرون حرفاً (فيقسّط الدِّية عليها، فما نقص أُخذ قسطه).

(وفي) قطع (لسان الأخرس ثُلث الدِّية) بلا خلافٍ ولا إشكالٍ بين الأصحاب(4).

ويشهد به: صحيح بُريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:3.

ص: 232


1- التهذيب: ج 10/263 ح 75، وسائل الشيعة: ج 29/360 ح 35778.
2- الكافي: ج 7/322 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/358 ح 35774.
3- الفقيه: ج 4/112 ح 5222.
4- رياض المسائل: ج 14/263.

وفي بعضه بالحساب مساحةً ، ولو ادّعى الصَّحيحُ ذِهاب نُطقِه،

«في لسان الأخرس، وعين الأعمى ، وذَكَر الخصيّ واُنثييه ثُلث الدِّية»(1).

ولا فرق بين كون الخَرَس خَلقيّاً أو عَرَضيّاً، لإطلاق النَّص والفتوى.

وأمّاصحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ قطع لسان رجلٍ أخرس ؟

فقال: إن كان ولدته اُمّه وهو أخرس فعليه الدِّية، وإن كان لسانه ذَهَب بوَجَعٌ أو آفةٌ ، بعد ما كان يتكلّم، فإنّ على الذي قطع ثلث دية لسانه»(2).

فقد مرّ أنّه وإن رُوي في «الفقيه» هكذا، إلّاأنّ الشيخ الكليني(3) والشيخ الطوسي(4) روياه: «إن كان ولدته اُمّه وهو أخرس فعليه ثُلث الدِّية»، فراجع بحث خسف العين العوراء(5).

(وفي) قطع (بعضه بالحساب مساحةً ) بلا خلافٍ كما مرّ في نظائره، ولو قيل بالحكومة لأنّها في كلّ موردٍ لا مقدّر له شرعاً، ومقتضى الحكومة ذلك، كان وجهاً.

(ولو ادّعى الصحيحُ ) المجنيّ عليه (ذهاب نُطقه) بالجناية:

فعن الحلبي(6)، وابني حمزة وزُهرة(7)، والشيخ في «الخلاف»(8) مدّعياً عليه الوفاق: (أنّه يُضرب لسانه بإبرة أو نحوها، فإن خرج الدَّم أحمر فقد كَذِب، وإن خرج الدَّم أسود فقد صدق).1.

ص: 233


1- الكافي: ج 7/318 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/336 ح 35725.
2- الفقيه: ج 4/148 ح 5328.
3- الكافي: ج 7/318 ح 7.
4- التهذيب: ج 10/270 ح 8.
5- صفحة 207 من هذا المجلّد.
6- الكافي في الفقه: ص 397.
7- الوسيلة: 449.
8- الخلاف: ج 5/241.

صُدِّق مع القَسامة.

وعن المتأخّرين: أنّه يُ (صدَّق مع القَسامة) خمسين يميناً بالإشارة، مع فرض دعوى ذهاب الكُلّ ، إن لم يتمكّن من إقامة البيّنة.

يشهد للأوّل: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«ضربَ رجلٌ رجلاً في هامته على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فادّعى المضروب أنّه لا يَبصرُ بعينه شيئاً، وأنّه لا يَشمُّ رائحةً ، وأنّه قد خَرَس فلا ينطق.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن كان صادقاً فقد وجبت له ثلاثُ ديات النفس.

إلى أن قال: وأمّا ما ادّعاه في لسانه من الخَرَس وأنّه لا ينطق، فإنّه يُستبرأ ذلك بإبرةٍ تُضرب على لسانه، فإن كان ينطق خَرَج الدّمُ أحمر، وإن كان لا ينطق خرج الدّم أسود»(1).

أقول: والخبر موافقٌ لما في «الفقيه»(2)، وهذا الخبر مرويٌّ في «التهذيب»(3)بسنده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن وليد، عن محمّد بن الفرات، عن الأصبغ بن نُباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ورواه الكليني(4) بإسناده عن عليّبن إبراهيم رفعه، قال: «سُئل أمير المؤمنين عليه السلام ... إلخ، الحديث».

والشهيد الثاني رحمه الله(5) ذكر خبر الأصبغ، وناقش فيه، قال: (والرواية ضعيفة8.

ص: 234


1- الفقيه: ج 3/19 ص 3250، وسائل الشيعة: ج 29/363-364 ح 35785.
2- الفقيه: ج 3/19 ح 3250.
3- التهذيب: ج 10/268 ح 86.
4- الكافي: ج 7/323 ح 7.
5- مسالك الأفهام: ج 15/418.

السَّند بمحمّد ابن الوليد، فإنّه فَطَحي، وابنُ الفرات ضعيفٌ جدّاً غالٍ ، ولم يدرك الأصبغ، فتكون مع الضعف مرسلة، هذا مع قطع النظر عن الأصبغ).

وتبعه السيّد في «الرياض»(1)، قال: (السَّند ضعيفٌ بجماعةٍ ، ولذا أعرض عنها المتأخّرون).

ووافقهما صاحب «الجواهر» رحمه الله(2)، بقوله: (إلّا أنّها ضعيفةٌ جدّاً، لأنّ في سندها محمّد بن فرات وهو غالٍ لا يكتب حديثه، بل نُقل أنّه ادّعى النبوّة).

أقول: وما أفادوه وإن كان تامّاً، إلّاأنّ الصَّدوق رحمه الله(3) قد روى نحو هذا الخبر كما عرفت بإسناده الصحيح إلى عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، فإذاً يتعيّن الأخذ به، وإعراض المتأخّرين سيّما بعد عمل جمعٍ من المتقدّمين به، لا يضرّ.

نعم، بالامتحان المذكور يثبتُ صدق المجنيّ عليه في دعواه، أنّه لا ينطق، وأمّا دعواه أنّه مستندٌ إلى الجناية، فهي لا تثبتُ بالامتحان المذكور، فحينئذ إنْ أُحرز ذلك ولو بإقرار الجاني وغيره، كما في مورد الخبر، فعليه الدِّية، وإلّا فيستظهر بالأيمان.

وبعبارة أُخرى: إنْ احتمل أنّه كان لا يقدرُ على النطق قبل الجناية أيضاً، لابدَّ من الإتيان بالقَسامة، ولعلّه لذلك قال المصنّف في محكيّ «المختلف»(4): (الوجه أن نقول: إنْ أفادت العلّامة للحاكم ما يوجبُ الحكم اعتبارها، وإلّا فالأيمان).

***5.

ص: 235


1- رياض المسائل: ج 14/264.
2- جواهر الكلام: ج 43/223.
3- الفقيه: ج 3/19 ح 3250.
4- مختلف الشيعة: ج 9/435.

وفي الأسنان الدِّية، وهي ثمانية وعشرون، اثنا عشر مقاديم في كلّ واحدة خمسون ديناراً، وستّة عشر مواخير في كلّ واحدة خمسة وعشرون.

دية الأسنان

المورد السابع: الأسنان:

(وقد) قد طَفَحت كلماتهم بأنّه (في الأسنان الدِّية)، بل عن صريح «التحرير»(1)، وظاهر «المبسوط»(2) الإجماع عليه.

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضةٌ معتبرة، سيمرّ عليك طرفٌ منها.

(وهي) أي الأسنان المقسوم عليها الدِّية (ثمانية وعشرون) سِنّاً، تقسّط عليها الدِّية متفاوتة، كما ستقف عليه:

(اثنا عشر) منها (مقاديم)، الثنيّتان وهما وَسَطها، والرُّباعيّتان خلفهما، والنابان وراءها، كلّها من أعلى ، ومثلها من أسفل، وفيها ستّمائة دينار، توزّع عليها بالسَّوية (في كلّ واحدةٍ خمسون ديناراً) فيكون المجموع ستمائة.

(وستّة عشر مواخير) أربعة من كلّ جانبٍ من الجوانب الأربعة، ضاحكٌ ، وأضراسٌ ثلاثة، وفيها أربعمائة دينار، توزّع عليها بالسَّوية (في كلّ واحدةٍ خمسة وعشرون) ديناراً.

فالمجموع ألف دينار، لا خلاف في شيء من ذلك بين الأصحاب(3).

ص: 236


1- تحرير الأحكام: ج 5/602.
2- المبسوط: ج 7/137.
3- راجع المبسوط: ج 7/137، مختلف الشيعة: ج 9/374، مجمع الفائدة: ج 14/388.

أقول: والأصلُ فيه خبران:

الخبر الأوّل: ما رواه الصَّدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أميرالمؤمنين عليه السلام: «أن قضى في الأسنان التي تقسّم عليها الدِّية أنّها ثمانية وعشرون سِنّاً، سِتّة عشر في مواخير الفم، واثنى عشر في مقاديمه، فدية كلّ سنٍّ من المقاديم إذا كُسِر حتّى يذهب خمسون ديناراً، يكون ذلك ستّمائة دينار، ودية كلّ سنٍّ من المواخير إذا كُسِر حتّى يذهب على النصف من دية المقاديم، خمسةٌ وعشرون ديناراً، فيكون ذلك أربعمائة دينار، فذلك ألف دينارٍ، فما نَقص فلا دية له، وما زاد فلا دية له»(1).

الخبر الثاني: هو خبر الحكم بن عتيبة، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: بعض النّاس في فيه اثنتان وثلاثون سنّاً، وبعضهم له ثماني وعشرون سنّاً، فعلى كم تُقسّم دية الأسنان ؟

فقال عليه السلام: الخِلقة إنّما هي ثمانية وعشرون سِنّاً، اثنتى عشر في مقاديم الفم، وستّة عشر في مواخيره، فعلى هذا قسمة دية الأسنان، فدية كلّ سنٍّ من المقاديم إذا كُسِرت حتّى تذهب خمسمائة درهم، فديتها كلّها ستّة الآف درهم، وفي كلّ سنٍّ من المواخير إذا كُسِرت حتّى تذهب، فإنّ ديتها مائتان وخمسون درهماً وهي ست عشرة سنّاً، فديتها كلّها أربعة الآف درهم، فجميع دية المقاديم والمواخير من الأسنان عشرة الآف درهم، وإنّما وضعت الدِّية على هذا، فما زاد على ثماني وعشرين سنّاً فلا دية له، وما نَقَص فلا دية له، هكذا وجدناه في كتاب عليّ عليه السلام»(2).

والشهيد الثاني رحمه الله(3) وتبعه السيّد في «الرياض»(4) كأنّهما غَفَلا عن صحيح5.

ص: 237


1- الفقيه: ج 4/136 ح 5300، وسائل الشيعة: ج 29/342 ح 35739.
2- الكافي: ج 7/329 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/343 ح 35740.
3- مسالك الأفهام: ج 15/420.
4- رياض المسائل: ج 14/265.

محمّد بن قيس الذي رواه الصَّدوق، وتخيّلا انحصار المدرك بخبر الحكم، ولذا قال في «المسالك»(1):

(وأمّا قسمتها على ثمانية وعشرين، وتفصيلها على الوجه الذي ذكره، فهو المعروف بين الأصحاب، وبه رواية ضعيفة، لكنّها مشهورة مجبورة بذلك على قاعدتهم).

أقول: وبإزاء ذلك عدّة روايات تدلّ على أنّ الأسنان كلّها سواء في الدِّية:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «الأسنان كلّها سواء في كلّ سِنّ خمسمائة درهم»(2).

ومنها: معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وفي الأسنان في كلّ سنٍّ خمسون ديناراً، والأسنان كلّها سواء»(3).

ومنها: معتبر سماعة: «عن الأسنان ؟ فقال: هي سواء في الدِّية»(4).

أقول: ولكن هذه الأخبار - مضافاً إلى أنّ مقتضى الأولين، كون دية الأسنان كلّها زائدة على مقدار الدِّية الكاملة، إذ تكون دية المجموع على ما في الأوّل أربعة عشر ألف درهم، وعلى ما في الثاني ألفاً وأربعمائة دينار، وهذا ممّا يُقطع بخلافه - تعارض ما تقدّم، ولأجل موافقة هذه للعامّة، حيث إنّهم متّفقون على ذلك، فيقدّم ما تقدّم، وأيضاً هو المشهور بين الأصحاب، وهذه شاذّة نادرة، فيتعيّن طرحها.9.

ص: 238


1- مسالك الأفهام: ج 15/420.
2- الكافي: ج 7/333 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/297 ح 35656.
3- الكافي: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/298 ح 35655.
4- الكافي: ج 7/334 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/298 ح 35659.

وفي الزائدة منفردةً ، ثُلث دية الأصليّة.

وأمّا خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: الأسنان إحدى وثلاثون ثغرة، في كلِّ ثغرةٍ ثلاثة أبعرة وخُمس بعير»(1).

فهو ضعيفُ السَّند، لأنّ في طريق الشيخ إلى النوفلي ضعفاً، هذا فضلاً عن أنّه غير معمولٍ به، ومخالفٌ للواقع.

وعليه، إنْ اُريد بالثغرة الفُرجة، فلا تكون الفُرجة بين الأسنان واحداًو ثلاثين، وإن بلغت الأسنان اثنين وثلاثين.

وإنْ اُريد بها السِّن، فلا يكون عددها فرداً.

وعليه، فالمتعيّن طرحه.

(و) قد اختلف الأصحاب (في الزائدة) عند العدد المذكور لو قُلِعتْ (منفردةً ):

1 - فعن «الفقيه»(2)، و «النهاية»(3)، و «السرائر»(4)، و «الجامع»(5)، و «الشرائع»(6)، وغيرها: أنّ فيها (ثُلث دية الأصليّة) أي التي في جنبها، كما عن «الوسيلة»(7)، و «التحرير»(8) التصريح به.2.

ص: 239


1- الإستبصار: ج 4/290 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/344 ح 35743.
2- الفقيه: ج 4/136 ح 5300.
3- النهاية: ص 767.
4- السرائر: ج 3/386.
5- الجامع للشرايع: ص 592.
6- شرائع الإسلام: ج 4/1035.
7- الوسيلة: ص 448.
8- تحرير الأحكام: ج 5/602.

فإنْ كانت في المقاديم فثُلث الخَمسين، وإنْ كانت في المواخير فثُلث الخمسة وعشرين، وإن كانت بينهما فالأقلّ ، كما عن «كشف اللّثام»(1)، للأصل.

2 - وعن «المقنعة»(2)، و «نكت النهاية»(3)، و «الكافي»(4)، و «الغُنية»(5)، و «الإصباح»(6)، و «كشف اللّثام»، و «الرياض»(7): أن فيها الحكومة.

3 - وعن «المقنع»(8): أنّه لا شيء فيها.

واستدلّ للأوّل: بالإجماع، وبوروده في غيره كالإصبع الزائدة.

ولكن الأوّل: معارضٌ بدعوى الإجماع على الحكومة.

ويرد الثاني: أنّه قياسٌ لا نقول به.

واستدلّ للثاني: بأنّها الأصل فيما لم يرد بتقديره نصٌّ في الشريعة، كما هو مفروض المسألة، ولعلّه إلى ما دلّ على الحكومة المتقدّم، نَظَر الحِلّي(9)، حيث قال بعد تقوية الحكومة: (وبه أخبارٌ كثيرة معتمدة)، وعليه فلا يرد عليه ما عن المحقّق في «نكت النهاية»(10): (بأنّا لا ندري قوّته من أين عرفها، ولا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها، ولا الكثرة من أين حَصَّلها، ونحن نطالبه بدعواه).6.

ص: 240


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/359.
2- المقنعة: ص 756.
3- نكت النهاية: ج 3/235-236.
4- الكافي في الفقه: ص 398.
5- غنية النزوع: ص 418.
6- إصباح الشيعة: ص 496.
7- رياض المسائل: ج 14/22.
8- المقنع: ص 530.
9- السرائر: ج 3/386.
10- نكت النهاية: ج 3/436.

ولا دية لها مع الإنضمام، وفي اسوداد السِّن ثُلُثا ديتها.

واستدلّ للثالث: بإطلاق الصحيح المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «وما زاد فلا دية له»، ومثله خبر الحكم.

وأورد عليه: السيّد في «الرياض»(1) بأنّه لا يدلّ على نفي الأرش، بل الدِّية خاصّة.

وهو غريبٌ : فإنّه استدلّ قبل أسطر بالخبر لعدم وجوب شيءٍ فيها في صورة الانضمام.

ودعوى: اختصاصه بصورة الانضمام أخذاً بالمتيقّن.

مندفعة: بالإطلاق.

وعليه، فالأظهر إن لم يكن إجماعٌ هو ذلك.

أقول: (و) بما ذكرناه ظهر أنّه (لا دية لها مع الانضمام)، والظاهر أنّ الحكم متسالمٌ عليه بينهم.

نعم، لا يبعدُ دعوى ثبوت أرش الخدش في الموردين، نظراً إلى أنّ قلعها يوجبُ جراحةً في المحلّ ، وعلى ذلك يُحمل ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام: «أنّ أضراس العقل لا دية فيها، إنّما على من أصابها أرشٌ كأرش الخَدش»(2).

(وفي اسوداد السِّن) بالجناية من دون أن تسقط (ثُلثا ديتها) أي الصحيحة، بلا خلافٍ ظاهر.9.

ص: 241


1- رياض المسائل: ج 14/268.
2- المستدرك: ج 18/378 ح 23009.

ويشهد به: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«السِّن إذا ضربت انتظر بها سنة، فإنْ وَقَعت اُغرم الضارب خمسمائة درهم، وإنْ لم تقع واسودَّت اُغرم ثُلثي الدِّية»(1).

ومقتضى إطلاقه كإطلاق الفتاوى، عدم الفرق بين ما إذا ذهبَ كلّ منافعها حتّى لا يقوى على أنّ يمضغ بها شيئاً، وبين ما دونه.

فما عن الشيخ(2) من التفصيل بالالتزام بثُلثي الدِّية في الأوّل، والحكومة في الثاني، ضعيفٌ .

أقول: ثمّ إنّ الخبر وإن كان مورده ما تكون الدِّية فيه خمسمائة درهم، إلّاأنّه لا ريب في عدم اختصاص الحكم به، وشموله لما إذا كانت الدِّية فيه مائتين وخمسين درهماً، وبإزائه معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«في الأسنان في كلّ سنٍّ خمسون ديناراً.

إلى أن قال: فإذا اسودّت السِّن إلى الحول ولم تسقط، فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً»(3).

ونحوه خبر أبان(4).

وأجاب عنه الأستاذ:(5) بأنّه يعارضُ الصحيح في ثُلث الدِّية، فيسقطان معاً، من جهة المعارضة، فالمرجع هو الأصل العملي.4.

ص: 242


1- الكافي: ج 7/334 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/298 ح 35658.
2- الخلاف: ج 5/246.
3- الكافي: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/297 ح 35655.
4- وسائل الشيعة: ج 29/298 ح 35657.
5- مباني تكملة المنهاج: ج 2/294.

وفيه: إنّه في تعارض الخبرين لابدَّ من الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم الصحيح، للشهرة، وصفات الراوي.

أقول: وفي سقوط الأسنان بعد الإسوداد، أقوال:

أحدها: ما هو المشهور بين الأصحاب(1) من ثبوت ثُلث ديتها.

الثاني: ما عن «النهاية»(2)، والقاضي(3)، ويحييبن سعيد(4) من أنّ فيه رُبع الدِّية.

الثالث: ما عن الشيخ في «المبسوط»(5)، وتبعه بعض المتأخّرين، من أنّ فيه الحكومة.

يشهد للأوّل: خبر عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام:

«أنّه جعل في السِّن السوداء ثُلث ديتها، الحديث»(6).

وضعف سنده بيوسف بن الحارث، ومحمّد بن عبد الرحمن العرزمي ينجبرُ بالعمل، وعليه فلا إشكال في الخبر سنداً ودلالةً .

ويؤيّده: ما قيل إنّ ثُلثي الدِّية قد ذهبا باسودادها، ولم يبق إلّاثلثها، فلا محالة يكون هو الثابت في سقوطها.

واستدلّ للثاني: بخبرين:

أحدهما: خبر عجلان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «في دية السِّن الأسود رُبع1.

ص: 243


1- راجع غنية النزوع: ص 418.
2- النهاية: ص 767.
3- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/238.
4- الجامع للشرايع: ص 592.
5- المبسوط: ج 7/97.
6- التهذيب: ج 10/275 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/351 ح 35761.

دية السِّن»(1).

ثانيهما: معتبر ظريف: «فإنْ سقطت بعدُ وهي سوداء، فديتها اثنى عشر ديناراً ونصف دينار»(2).

إذ المفروض في الخبر أنّ دية السِّن خمسون ديناراً، فيكون اثنى عشر ديناراً ونصف الدينار رُبع الدِّية، فإذا كان السِّن ممّا فيه خمسة وعشرين ديناراً، كانت دية السوداء منه ستّة دنانير ورُبع.

ولكن الأوّل: ضعيفٌ لعليّ بن محمّد بن الحسين المجهول، ومحمّد بن يحيى الواقع في سند هذا الخبر، وهو أيضاً مجهول، ولعجلان المردّد بين الثقة والضعيف.

وأمّا الثاني: فهو مرويٌّ بنحوين:

1 - ما ذكرناه، وهو موافقٌ لما في «الكافي»(3) و «التهذيب»(4).

2 - ما في «الفقيه»(5) فالوارد فيه: «أنّ ديته خمسة وعشرون ديناراً».

وعلى النقل الثاني لم يَعمل به أحدٌ يتعيّن طرحه، وحيث أنّ شيئاً من المرجّحات لأحد النقلين - من أضبطيّة الكليني وغيرها - لا يصلحُ أن يُستند إليه في الحكم، فيتساقطان.

وما قيل: من أنّ التعارض إنّماهو بين مازاد على الرُبع، وأمّا مقدارالرُّبع فهو المتّفق عليه بين النقلين، ويثبتُ ذلك لا محالة، ويُدفع الزائد بالبراءة، كما عن الأستاذ(6).5.

ص: 244


1- التهذيب: ج 10/261 ح 64، وسائل الشيعة: ج 29/349 ح 35756.
2- الكافي: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/297 ح 35655.
3- الكافي: ج 7/333 ح 5.
4- التهذيب: ج 10/299.
5- الفقيه: ج 4/83.
6- مباني تكملة المنهاج: ج 2/295.

وفي انصداعها من غَير سقوطٍ ثُلثا ديتها.

يندفع: بأنّ التعارض بين الجملتين، فإنْ كان في الواقع ديته خمسة وعشرون ديناراً، يتعيّن طرحه، لا العمل ببعضه وطرح البعض، فدلالة النَّص على الرُبع ليست متّفقاً عليها.

أضف إلى ذلك: أنّه لو سُلّم دلالته على ما أفاده، يقع التعارض بينه وبين خبر العرزمي الذي يُقدّم للشهرة التي هي أوّل المرجّحات.

وعليه، فما أفاده المشهور أظهر.

(وفي انصداعها) وارتخائها (من غير سقوطٍ ثُلثا ديتها) كما قَطَع بها الشيخان(1)وجماعة، بل ادّعى في «الروضة»(2) الشُّهرة، كذا في «الرياض»(3).

واستدلّ له: بأولويّته من الاسوداد، وكونه شللاً أو بحكمه، وبالرواية التي أشار إليها المحقّق في «الشرائع»(4)، و «النافع»(5) وغيره(6)، المنجبر ضعفها بما عرفت.

ولكن الأولين: كما ترى لا يَخرجان عن الاستحسان، والخبر لم يقف عليه من تأخّر عنه، كما صرّح به جماعة كالفاضل المقداد(7)، والصِّيمري،(8) وسيّد

«الرياض»(7) وغيرهم.0.

ص: 245


1- المقنعة: ص 757، النهاية: ج 3/438.
2- شرح اللُّمعة: ج 10/218.
3- رياض المسائل: ج 14/269 و 270.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1034.
5- المختصر النافع: ص 300.
6- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 262. (7و8) نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/270.
7- رياض المسائل: ج 14/269 و 270.

وفي سِنّ الصَّغير لم يثغر الأرش إنْ نَبَتَتْ ، وإلّا فدِية المُثغر.

وضعف السَّند على فرض وجوده ينجبرُ بالعمل، وإذا لم يكن الخبر ثابتاً تصبح دلالته غير معلومة، فلا يستطيع العمل جبرانه.

وفي معتبر ظريف: «فإن انصدعت ولم تسقط، فديتهاخمسة وعشرون ديناراً»(1)والمفروض فيه السِّن الذي ديتها خمسون ديناراً، فهو يدلّ على أنّ ديتها النصف.

وعن «كشف اللّثام»(2): (وروي نحوه عن الرضا عليه السلام).

ولكنّنا لم نجد عاملاً بالخبر، كما اعترف به ابن فهد(3)، وصاحب «الجواهر» رحمه الله(4)، فالأشبه - عملاً بالقاعدة، فيما لم يرد فيه تقديرٌ في الشريعة - هي الحكومة، ولعلّ ما ذكر من الأولويّة من الاسوداد، وكونه شللاً أو بحكمه، يصيران منشأ للحكم بثبوت ثُلثي الدِّية فيه بالحكومة.

(وفي سِنّ الصغير) الذي (لم يثغر الأرش إنْ نَبَتَتْ ) لمرسل جميل، أنّه قال: «في سِنّ الصَّبي يضربها الرّجل فتسقط، ثمّ تَنبت ؟

قال عليه السلام: ليس عليه قِصاص وعليه الأرش»(5).

ولا يضرّ إرساله بعد كون المُرسِل من أصحاب الإجماع، وعَمِل الأصحاب به.

(وإلّا) أي وإنْ لم تَنبُت في الوقت الذي نَبتت فيه سِنّ الصَّبي بحسب طبيعة الحال، (فدية المُثغر) لإطلاق النصوص.0.

ص: 246


1- الكافي: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/297 ح 35655.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/364.
3- المهذّب البارع: ج 5/326.
4- جواهر الكلام: ج 43/240.
5- الكافي: ج 7/320 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/177 ح 35410.

وذهبَ جماعةٌ ، منهم الشيخ في «المبسوط»(1)، وابن فهد في «المهذّب»(2)، وابن زُهرة في «الغُنية»(3)، وابن حمزة في «الوسيلة»(4): إلى أنّ دية سِنّ الصَّبي بعيرٌ مطلقاً، نَبَتت أم لم تَنبُت، ومستندهم خبران ضعيفان، وقد مرّ الكلام مستوفى في البحث عن ثبوت القِصاص في السِّن، فلا نعيد.

أقول: بقي في المقام فروعٌ لا بأس بالإشارة إليها:

الفرع الأوّل: لو أثبت الإنسان موضع المقلوعة عَظْماً طاهراً ممّا يؤكل لحمه، فثَبتَ فقلعه قالعٌ ، فقد اختلفت كلمات الأصحاب فيه:

فعن الشيخ رحمه الله(5): أنّه لا دية فيه ولا شيء.

وعن المصنّف(6)، وثاني الشهيدين(7)، وغيرهما(8): أنّ فيه الأرش، لأنّه يَستصحب ألماً وشيناً، ولحصول منافع السِّن به وإن لم يكن سِنّاً.

ولعلّ الأوّل أقرب، فإنّ العظم لا يصيرُ بعد الثَبت من أجزاء الإنسان، بل هو على ما هو عليه من كونه جسماً خارجيّاً مزورعاً في جِسم الحَيّ ، وعليه فدليل الحكومة لا يشمله.

نعم، تثبتُ الحكومة في الجَرح الناشيء من قلعه، ويضمنُ قيمة المزروع.6.

ص: 247


1- المبسوط: ج 7/139.
2- المهذّب البارع: ج 5/331.
3- غنية النزوع: ص 418.
4- الوسيلة: ص 448.
5- الخلاف: ج 5/245.
6- تحرير الأحكام: ج 5/604.
7- مسالك الأفهام: ج 15/425.
8- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/366.

وبه يظهر حُكم ما لو قَلَع سِنّ ميّتٍ ، وجعلها مكان سِنّه، الذي دلّ النَّص على جوازه(1).

نعم، لو أثبت السِّن المقلوعة بعينها، فثَبَتَتْ كما كانت فَقَلَعها آخر:

1 - ففيها الدِّية كاملةً ، كما عن «الخلاف»(2)، و «القواعد»(3)، لإطلاق الأدلّة.

2 - أو الحكومة كما عن «المبسوط»(4)، و «التحرير»(5)، لانصرافها عن مثلها.

ولعلّ الأوّل أظهر.

الفرع الثاني: لا فرق في ثبوت الدِّية بين قلع السِّن من أصلها الثابت في اللّثة، وبين كَسرها منها.

أمّا ثبوت الدِّية في صورة القلع: فلأنّه القدر المتيقّن من النصوص، وعليه الإجماع بقسميه(6).

وأمّا ثبوتها في الكَسر منها: فلما رواه الصَّدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أميرالمؤمنين عليه السلام:

«أنّه قضى في الأسنان التي تُقسَّم عليها الدِّية...

إلى أن قال: فدية كلّ سِنٍ من المقاديم إذا كُسر حتّى يذهب خمسون ديناراً»(7).9.

ص: 248


1- وسائل الشيعة: ج 4/418 ح 5584.
2- الخلاف: ج 5/245.
3- قواعد الأحكام: ج 3/677.
4- المبسوط: ج 7/140.
5- تحرير الأحكام: ج 5/604.
6- جواهر الكلام: ج 43/240.
7- الفقيه: ج 4/136 ح 5300، وسائل الشيعة: ج 29/342 ح 35739.

إذ الكسر المجعول موضوعاً للدِّية غير القلع، والفرضُ أنّ السِّن تَصدقُ على ما هو المشاهد منها عرفاً.

الفرع الثالث: إذا كَسَر السِّن أحدٌ من اللَّثة، وقَلَعها منها آخر، فعلى الأوّل الدِّية كما مرّ، وعلى الثاني الحكومة، لفرض أنّه لا مقدّر له شرعاً.

***

ص: 249

وفي العُنُق إذا كُسِر وصار الإنسان أصور الدِّية.

دية العُنُق

المورد الثامن: العنق:

لا خلاف بين الأصحاب(1)(و) لا إشكال في أنّه (في العُنُق إذا كُسِر وصار الإنسانُ أصور) أي المائل العُنُق (الدِّية) كاملة، بل عن «الخلاف»(2) الإجماع عليه.

ويشهد به: خبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: في القلب إذا أرعدَ فطار الدِّية، وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الصعر الدِّية، والصَّعر، أن يثني عنقه فيصير في ناحيةٍ »(3).

وضعفه منجبرٌ بالشُّهرة.

وأمّا معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «في الصَّدر إذا رُضَّ فثني شَقّيه كليهما، فديته خمسمائة دينار.

إلى أن قال: وإن اعترى الرّجل من ذلك صَعرٌ لا يستطيع أن يلتفت، فديته خمسمائة دينار... الحديث»(4).

فلعدم العمل به، ومعارضته مع ما هو أرجح منه، لابُدَّ من طرحه.

ص: 250


1- النهاية: ص 768، الوسيلة: ص 449، شرائع الإسلام: ج 4/1035.
2- الخلاف: ج 5/254.
3- الكافي: ج 7/314 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/373 ح 35803.
4- الكافي: ج 7/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/304 ح 35666.

وكذا لو جَنى عليه بما يمنعُ الإزدراد، ولو زَال فالأرش.

قيل: (وكذا) تجبُ الدِّية (لو جَنى عليه بما يمنعُ الإزدراد) رأساً، ماتَ بذلك أو عاش وإنْ بَعُد.

واستدلّ له: بأنّ هذه المنفعة أعظم من الذّوق الذي ستعرف وجوب الدِّية في ذهابه.

ولكنّه لا يخرجُ عن القياس، فما عن الشيخ(1)، وابن حمزة(2) من القول بالحكومة في صورة عدم الموت أظهر.

(ولو زال) ميلان عُنُقه أو بَطَل الإزدراد (ف) لا دية حينئذٍ، بل الثابت فيه مجرّد (الأرش)، ووجهه ظاهر.

***9.

ص: 251


1- المبسوط: ج 7/148.
2- الوسيلة: ص 449.

وفي اللَّحيين الدِّية لو انفردا عن الأسنان كالصَّبي وفاقد الأسنان، ومع الأسنان ديتان.

دية اللَّحيين

المورد التاسع: اللَّحيان:

وهما العظمان اللّذان يلتقيان في الذقن، ويتَّصل طرفاهما بالاُذُن من جانبي الوجه، وعليهما نبات الأسنان.

قال المصنّف رحمه الله: (وفي اللَّحييّن الدِّية لو انفردا عن الأسنان كالصَّبي وفاقد الأسنان، ومع الأسنان ديتان) لهما وللأسنان بالحساب، ولا يدخلُ شيءٌ منهما تحت الآخر، بلا خلافٍ في شيء من ذلك بين الأصحاب(1).

ويشهدُ لثبوت الدِّية فيهما:

1 - ما دلَّ من النصوص المتقدّمة: «أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية كاملة، وفي كلّ واحدٍ نصف الدِّية».

2 - ولعدم التداخل مع الأسنان، ما تقدّم من أصالة عدم التداخل في أمثال المقام.

***

ص: 252


1- راجع المبسوط: ج 7/141، إرشاد الأذهان: ج 2/239، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 263.

وفي كلّ يدٍ نصفُ الدِّية، وحَدُّها المِعْصَم.

ديَّة اليدان

المورد العاشر: اليدان:

وفيهما الدِّية كاملة (وفي كلّ يدٍ نصفُ الدِّية) بلا خلافٍ بين الأصحاب، بل الإجماع بقسميه عليه(1)، ويشهد بذلك نصوص مستفيضة:

منها: ما دلّ من النصوص على أنّ ما كان في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي كلّ واحدٍ منهما نصف الدِّية، وفي بعضها التصريح باليدين، لاحظ صحيح ابن سنان المتقدّم.

و منها: معتبر ظريف المُصرِّح بذلك في مواضع متعدّدة بأنّ دية اليد خمسمائة دينار(2).

ومنها: ما سيمرّ عليك.

أقول: ولا حكم للأصابع مع قطع اليد إجماعاً، لإطلاق النصوص بأنّ في اليدين أو إحداهما الدِّية أو نصف الدِّية، ولأنّ ما دلَّ على ثبوت الدِّية في قطع الأصابع، لايشملُ المقام، فإنّه فيما إذا ورد القَطعُ على الأصابع، لا على اليد كما في ما نحن فيه.

(وحَدُّها) أي اليد التي تثبت لقطعها الدِّية (المِعْصَم) أي الزند، والمِفصل الذي بين الكَفّ والذراع، موضع السِّوار، بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع كما عن «كشف

ص: 253


1- جواهر الكلام: ج 43/245.
2- وسائل الشيعة: ج 29/299 ح 35661.

اللّثام»(1)، وهو القرينة على المراد منها في الأخبار، وعليه فلا يصغى إلى ما عن علم الهدى رحمه الله(2) من دعوى إجمالها وانصرافها إلى العضو الذي هو من المنكب إلى رؤوس الأصابع لو سُلّم، ضرورة احتمال الصدق على البعض كالكُلّ .

ولو قُطِع معها مقدارٌ من الزند:

فالمشهور بين الأصحاب(3): أنّ فيه دية قطع اليد والأرش لقطع الزائد.

وقيل: إنّ في الزائد بعض من الدِّية المجعولة للذِّراع، ويعتبر المساحة كما في كلّ ما له مقدّر.

وعن الكاشاني(4)، وقوّاه الشهيد الثاني(5)، واختاره الأستاذ(6): الاقتصار على الدِّية، وهو الأظهر، فإنّ اليد اسمٌ للجامع، والكَفّ من الزند أقصر أفرادها، فيصدقُ على المقطوع اليد، فيشملها ما دلّ على أنّ في قطع اليد الواحدة نصف الدِّية.

ومنه يظهر أنّه لو قطعت اليد من المنكب كان فيه دية اليد فحسب، كما هو المشهور بين الأصحاب، على ما أفاده الشهيد في «الروضة»(7) على ما حُكي.

نعم، لو قُطِع ذراعٌ لا كَفّ لها ففيها نصف الدِّية، وكذا في العَضُد، لما دلّ على أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي كلّ واحدٍ منهما نصف الدِّية.3.

ص: 254


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/368.
2- الشافي في الإمامة: ج 2/85.
3- شرائع الإسلام: ج 4/1035، إرشاد الأذهان: ج 2/239، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 263.
4- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/246.
5- مسالك الأفهام: ج 15/426.
6- مباني تكملة المنهاج: ج 2/300.
7- شرح اللُّمعة: ج 10/223.

وفي شَلَل اليد ثُلُثا ديتها.

(وفي شَلَل اليد ثُلثا ديتها) بلا خلافٍ ، وعن «الخلاف»(1)، وظاهر «المبسوط»(2) الإجماع عليه.

ويشهد به: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الذّراع إذا ضُرِب فانكسر منه الزند؟

قال: فقال: إذا يَبِسَتْ منه الكَفّ ، فشلّت أصابع الكَفّ كلّها، فإنّ فيها ثُلثي الدِّية دية اليد.

قال: وإن شُلّت بعض الأصابع، وبقي بعضٌ ، فإنّ في كلّ إصبعٍ شُلّت ثُلثي ديتها.

قال: وكذلك الحكم في السّاق والقدم إذا شُلّت أصابع القَدَم»(3).

بل قوله: «وكذلك إلى آخره»، يدلّ على عدم اختصاص الحكم بعضوٍ دون عضو، ولا بموردٍ دون مورد.

ويؤيّده: ما سيأتي من أنّ في قطع العضو المشلول ثُلث الدِّية، فيكون في مجموع الشَّلل وقطعه تمام الدِّية.

أقول: وبإزاء هذا الصحيح، جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الإصبع عُشر الدِّية إذا9.

ص: 255


1- الخلاف: ج 5/248.
2- المبسوط: ج 7/80.
3- الكافي: ج 7/328 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/347 ح 35749.

وفي الشلّاء ثُلُث الصَّحيحة.

قُطِعت من أصلها أو شُلّت، الحديث»(1).

ومنها: صحيح يونس: «أنّه عرض على الإمام الرضا عليه السلام كتاب الدِّيات، وكان فيه: في ذهاب السَّمع كلمه ألف دينار.

إلى أن قال: والشَّلَل في اليدين كلتاهما ألف دينار، وشَلل الرِّجلين ألف دينار»(2).

ومنها: معتبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الإصبع عَشرٌ من الإبل إذا قُطعت من أصلها أو شُلّت»(3).

ونحوها غيرهما(4).

ولكن يُقدّم الصحيح عليها للشهرة، ومخالفة العامّة، فإنّ ظاهر «المغني»(5)اتّفاق العامّة على أنّ في شَلل كلّ عضوٍ تمام دية ذلك العضو.

(وفي) قطع اليد (الشلّاء ثُلث) دية اليد (الصحيحة) بلا خلافٍ .

ويشهد به: خبر الحكم بن عتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن أصابع اليدين وأصابع الرّجلين: أرأيتَ مازاد فيهما على عَشرة أصابع أو نقص من عَشرة فيها دية ؟

قال: فقال لي:... وكلّ ما كان من شللٍ ، فهو على الثُّلث من دية الصحاح»(6).5.

ص: 256


1- الكافي: ج 7/328 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/346 ح 35747.
2- التهذيب: ج 10/245 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35626.
3- الفقيه: ج 4/135 ح 5297، وسائل الشيعة: ج 29/348 ح 35752.
4- وسائل الشيعة: ج 29/345 باب: أنّ في أصابع اليدين الدِّية.
5- مباني تكملة المنهاج: ج 2/376.
6- الكافي: ج 7/330 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/345 ح 35745.

وكذا للزائدة.

وهو وإنْ كان ضعيف السَّند، إلّاأنّ ضعفه بالشُّهرة منجبرٌ.

ويمكن الاستدلال له: بصحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«سأله بعض آل زرارة عن رجلٍ قطع لسان رجلٍ أخرس ؟

فقال: إن كان ولدته اُمّه وهو أخرس، فعليه ثُلث الدِّية، وإن كان لسانه ذَهَب به وَجَعٌ أو آفةٌ بعد ما كان يتكلّم، فإنّ على الذي قَطَع لسانه ثُلث دية لسانه.

قال: وكذلك القضاء في العينين والجوارح.

قال: وهكذا وجدناه في كتاب عليّ عليه السلام»(1).

بتقريب: أنّ قوله عليه السلام: «وكذلك إلى آخره»، يدلّ على ثبوت ثُلث الدِّية في قطع كلّ عضوٍ مشلول، سواءً أكان عيناً، أو رِجْلاً، أو يَدَاً، أو غير ذلك.

قال الشيخ في «المبسوط»(2)، (و) تبعه غيره، منهم المصنّف(3): بأنّه كما يجبُ دفع ثُلث الدِّية في قطع الشلّاء، (كذا) يجبُ الثُّلث (ل) قطع اليد (الزائدة)، بل ظاهر «المبسوط»(4) الإجماع عليه.

أقول: فإنْ تمّ الإجماع فهو الحجّة فيه، وإلّا فلا دليل عليه سوى التشبيه بالسِّن والإصبع، لما سمعته وتسمعه من أنّ في الزائدة منهما ثُلث دية الأصليّة، لكنّه لايخرجُ عن القياس.2.

ص: 257


1- الكافي: ج 7/318 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/336 ح 35726.
2- المبسوط: ج 7/79 و 80.
3- تحرير الأحكام: ج 5/592.
4- المبسوط: ج 7/79 و 80.

وعليه، فالأظهر كما عن جماعةٍ من الأساطين - منهم المصنّف رحمه الله في بعض كتبه(1) - أنّ في قطعها الحكومة، لأنّها المرجع حيثُ لا مقدَّر شرعاً.

ويؤيّده قوله عليه السلام في خبر الحَكم المتقدّم: «فما زاد أو نقص فلا دية له».

ولو اشتُبِهت الأصليّة بالزائدة، على وجهٍ لم يمكن تمييز إحداهما عن الأُخرى ، ولو بنظر أهل الخبرة:

فإنْ قُطِعتا معاً، ففيهما الدِّية والحكومة، كما صرّح به المصنّف(2)، والشهيدان(3)، وغيرهم، لأنّ إحداهما زائدة على المتعارف في خِلقة الإنسان، فلا تندرج في إطلاق الأدلّة، فيتعيّن فيها الحكومة.

وإن قُطِعت إحداهما دون الأُخرى ، ففيها الحكومة ما لم تزد على دية اليد الأصليّة، ولا تزيدُ لعدم إمكان زيادتها.

والوجهُ في أنّ فيها الحكومة: عدم إحراز أنّها أصليّة، ومقتضى أصالة عدم الأصالة الأزلي، بل وأصالة عدم قطع اليد الأصليّة، وأصالة البراءة عن اشتغال الذِّمة بالزائد عن الحكومة، هو الحكومة.

***5.

ص: 258


1- تحرير الأحكام: ج 5/519 و 592.
2- تحرير الأحكام: ج 5/519 و 592.
3- شرح اللُّمعة: ج 10/225.

وفي كلّ إصبعٍ من اليدين عُشر الدِّية.

ديَّة الأصابع

المورد الحادي عشر: في دية الأصابع:

لا خلاف ولا إشكال في أنّه في قطع الأصابع العَشر، من اليدين كانت أو من الرِّجلين الدِّية كاملة.

وفي «الرياض»(1): (إجماعاًعلى الظاهرالمُصرّح به في عبائرجماعةٍحَدّ الاستفاضة).

ويشهد به: المعتبرة المستفيضة الآتية والمشار فيها إلى جملة منها.

أقول: (و) إنّما الكلام في أنّ المشهور بين الأصحاب(2): أنّه (في كلّ إصبعٍ من اليدين عُشر الدِّية).

وعن جماعةٍ منهم الشيخ في «الخلاف»(3)، وابن حمزة في «الوسيلة»(4)، وقوّاه الأستاذ(5): أنّ في قطع الإبهام ثُلث دية اليد أو الرّجل، وفي البواقي سُدس ديتهما.

وعن الحلبي(6): أنّ في كلّ إصبعٍ سُدس الدِّية إلّافي الإبهام، فإنّ ديتها ثُلث دية اليد.

هذا في أصابع اليد.

ص: 259


1- رياض المسائل: ج 14/272.
2- راجع المقنعة: ص 756، الكافي في الفقه: 398، غنية النزوع: ص 418.
3- الخلاف: ج 5/249.
4- الوسيلة: ص 452.
5- تكملة مباني المنهاج: ج 2/302.
6- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/382.

وأمّا في أصابع الرِّجلين: ففي الجميع العُشر، من دون فرقٍ بين الإبهام وغيرها.

وعن «الغُنية»(1)، و «الإصباح»(2): أنّ دية الإبهام ثُلث دية اليد، وفي البواقي العُشر، بلا فرقٍ بين أصابع اليدين والرّجلين.

وعليه، فالمسألة ذات أقوال أربعة.

أقول: والنصوص الواردة في المقام على طائفتين:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على القول الأوّل:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الإصبع عشر الدِّية إذا قُطِعت من أصلها أو شُلّت.

قال: وسألته عن الأصابع أهنَّ سواءٌ في الدِّية ؟

قال عليه السلام: نعم... الحديث»(3).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «أصابع اليدين والرِّجلين سواء في الدِّية، في كلّ إصبعٍ عَشرٌ من الإبل، الحديث»(4).

ومنها: معتبر سماعة، قال: «سألته عن الأصابع، هل لبعضها على بعضٍ فضلٌ في الدِّية ؟

فقال عليه السلام: هنّ سواء في الدِّية»(5).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على القول الثاني، وهي معتبرة ظريف، عن أمير0.

ص: 260


1- غنية النزوع: ص 418.
2- إصباح الشيعة: ص 505.
3- الكافي: ج 7/328 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/346 ح 35747.
4- الكافي: ج 7/328 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/346 ح 35748.
5- الفقيه: ج 4/134 ح 5295، وسائل الشيعة: ج 29/347 ح 35750.

المؤمنين عليه السلام: «في دية الأصابع والقَصَب الّتي في الكَفّ ، ففي الإبهام إذا قُطِع ثُلث دية اليد مائة دينار، وستّة وستّون ديناراً وثُلث دينار.

إلى أن قال: وفي الأصابع، في كلّ إصبعٍ سُدس دية اليد، ثلاثة وثمانون ديناراً وثُلث دينار، الحديث»(1).

أقول: والطائفتان متعارضتان، لايمكن الجمعُبينهما، فالمرجع إلى أخبار الترجيح، وحيث أنّ أوّل المرجّحات الشُّهرة، ثُمّ صفات الراوي، وهما تقتضيان تقديم الأُولى ، فلا وجه لتقديم الثانية من جهة مخالفتها للعامّة، فإنّها المرجّحة الأخيرة.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ الطائفة الثانية أخصّ مطلق من الأُولى ، إذ الأُولى تدلّ على تساوي الأصابع مطلقاً، وهذه تدلّ على التفضيل في خصوص الإبهام، فتقدّم عليها.

وعليه، فإذا احتُمل الاختصاص باليد لقوله عليه السلام: «ثُلث دية اليد»، فيثبتُ قول الحلبي، وإلّا فالقول الثاني.

هذا ما يقتضيه الجمع بين النصوص، إلّاأنّه لم يعمَل الأصحاب بالثانية، فهي مُعرَضٌ عنها، فالقول الأوّل أظهر.

وأمّا القول الرابع: فلم أعثر على ما يمكن الاستدلال به له، مع أنّ المراد من عُشر الدِّية:

إنْ كان عُشر دية اليد الواحدة، فهو يقتضي نقصاً في الدِّية.

وإنْ كان المراد عُشر دية الإنسان، فهو يقتضي أن يزيد دية الأصابع على دية النفس.

وعليه فلا يمكن الالتزام بشيء منهما.5.

ص: 261


1- الكافي: ج 7/336 ذيل الحديث 10، وسائل الشيعة: ج 29/302-303 ح 35665.

ويُقسَّط على ثلاثة أنامل، وفي الإبهام على اثنين، وفي الزائدة ثُلُث الأصليّة.

أقول: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يُقسَّط) دية كل إصبعٍ (على ثلاثة أنامل) في كلّ أنملة ثُلث ديتها، (وفي الإبهام) تُقسَّط ديتها (على اثنين) في كلّ منهما نصفها، بل عليه الإجماع عن «الخلاف»(1) و «الغُنية»(2).

ويشهد به: قويّ السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقضي في كلّ مفصلٍ من الإصبع بثُلث عَقل تلك الإصبع، إلّاالإبهام، فإنّه كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام، لأنّ لها مفصلين»(3).

(و) المعروف بين الأصحاب أنّ (في) الإصبع (الزائدة) في اليد أو الرِّجل (ثُلث) دية الإصبع (الأصليّة).

بل عن «الغُنية»(4): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: معتبر غياث بن إبراهيم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الإصبع الزائدة إذا قُطِعت ثُلث دية الصحيحة»(4).

وقريبٌ منه معتبره الآخر المتقدّم(5).

وأمّا خبر الحكم بن عتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن أصابع اليدين وأصابع0.

ص: 262


1- الخلاف: ج 5/249.
2- غنية النزوع: ص 418.
3- التهذيب: ج 10/257 ح 51، وسائل الشيعة: ج 29/350 ح 35759.
4- الكافي: ج 7/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/345 ح 35746.
5- وسائل الشيعة: ج 29/351 ح 35760.

وكذا الشلّاء. وفي الشَّلل الثُلُثان.

الرِّجلين، أرأيتَ ما زاد فيهما على عَشرة أصابع، أو نَقَص من عشَرة فيها دية ؟

قال: فقال لي: يا حَكَم الخِلْقة الّتي قُسِّمت عليها الدِّية؛ عَشرة أصابع في اليدين، فما زاد أو نَقَص فلا ديَّة له، وعَشَرة أصابع في الرِّجلين، فما زاد أو نَقَص فلا دية له، وفي كلّ إصبعٍ من أصابع اليدين ألف درهم وفي كلّ إصبعٍ من أصابع الرّجلين ألف درهم، وكلّما كان من شَلَلٍ فهو على الثُّلث من دية الصحاح»(1).

فلضعفه في نفسه بالحكم، ولمعارضته مع المعتبرين في أنفسهما وبالشُّهرة، لا بدَّ من طرحه.

(وكذا) يثبتُ ثُلث دية الإصبع الصحيحة، لو قُطِع الإصبع (الشلّاء) بلا خلافٍ ، ويشهد به صحيح أبي بصير المتقدّم في قطع اليد الشلّاء(2) بالتقريب المتقدّم، ويؤيّده خَبر الحَكَم.

(وفي الشَّلل الثُلثان) وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً في شَلَل اليد، وذكرنا ما يدلّ عليه، وما يعارضه، وما يقتضيه الجمع بين الأخبار، فلا نُعيد.

***8.

ص: 263


1- الكافي: ج 7/330 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/345 ح 35745.
2- وسائل الشيعة: ج 29/332 باب 28.

وفي الظُّفر عَشَرة دنانير إن لم يَنبُت، أو نَبَت أسود، ولو نَبَت أبيض فخمسة.

دية الظُّفر

(وفي) فَصل (الظُّفر) من كلّ إصبعٍ من أصابع اليد قولان:

أحدهما: أنّ فيه (عَشَرة دنانير إن لم يَنبُت، أو نَبَت أسود، ولو نَبَت أبيض فخمسة) دنانير، وهو المشهور بين الأصحاب(1).

ثانيهما: أنّ فيه خمسة دنانير مطلقاً.

مستند الأوّل: خبر مسمع، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الظُّفر إذا قُطِع ولم يَنبُت وَخَرج أسود فاسداً عَشَرة دنانير، فإن خرج أبيض فخمسة دنانير»(2).

وهو وإنْ كان ضعيفاً، لأنّ جميع رواته عدا مسمع ضعفاء، إلّاأنّ ضعفه منجبرٌ بالعمل والاستناد.

ومستند الثاني:

1 - صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«وفي الظُّفر خمسة دنانير»(3).

2 - ومعتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وفي ظُفر كلّ إصبعٍ منها الأصابع

ص: 264


1- راجع المقنع: ص 513، النهاية: ص 768، الوسيلة: ص 454.
2- الكافي: ج 7/342 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/349 ح 35757.
3- الكافي: ج 7/328 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/350 ح 35758.

الأربع التي تلي الكَفّ خمسة دنانير».

وهو وإن لم يشمل الإبهام، إلّاأنّ في صحيح ابن سنان كفاية.

والجمع بين خبر مسمع والصحيح، إنّما هو بتقييد إطلاق الصحيح به، فيختصّ الصحيح بما إذا نَبَت أبيض، وإنّما لم يلتزم الشهيد والأستاذ بذلك، لضعف الخبر، وتخيّل أنّ الضعيف المُنجبر بالشُّهرة غير حجّة، وقد حُقّق في الاُصول حجيّته.

وأمّا فصل الظُّفر من أصابع القَدَم: فمقتضى صحيح ابن سنان، وخبر مسمع ما ذُكر في أصابع اليد، إلّاأنّ في الباب رواية استند إليها الأصحاب، وحكموا بأنّه في فصل ظُفر الإبهام من القَدَم ثلاثون ديناراً، وفي فصله من كلّ إصبع عدا الإبهام عشرة دنانير، وهي معتبرة ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«وفي ظفره - أي ظفر الإبهام - ثلاثون ديناراً، وذلك لأنّه ثُلث دية الرِّجل»(1).

ودية كلّ ظفرٍ من الأصابع الأربع من القدم عَشَرة دنانير.

وحيثُ أنّه لا عامل بها، كما صرّح به العلّامة المجلسي(2) وسيّد «الرياض»(3) فهي مطروحة، ممّا يعني أنّ حُكم أصابع القدم حُكمُ أصابع اليد.

***4.

ص: 265


1- وسائل الشيعة: ج 29/308، ح 35671. (2و3) رياض المسائل: ج 14/274.
2- رياض المسائل: ج 14/274.
3- رياض المسائل: ج 14/274.

وفي الظَهر إذا كُسِر الديَّة. وكذا لو أُصيبَ فاحدَودَب، أو صارَ بحيثُ لا يقدرُ على القعود.

ديَّة الظَهر

المورد الثاني عشر: (وفي الظَّهر إذا كُسِر الدِّية) كاملة، بلا خلافٍ بين الفقهاء، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يُكسَر ظهره ؟ قال عليه السلام:

فيه الدِّية كاملة، الحديث»(1).

2 - ومعتبر السكوني، عنه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الصُّلب إذا انكسر الدِّية»(2).

وحيثُ أنّ الظاهر تلازم كَسر الظهر وقَطع إنزال الماء خارجاً، فلا ينافي هذه الأخبار.

3 - خبر سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديثٍ : «وفي الظهر إذا انكسر حتّى لاينزل صاحبه الماء، الدِّية كاملة»(3).

(وكذا) تجبُ الدِّية كاملةً (لو أُصيبَ فاحدَودَب) فخَرَج ظهره، وارتفع عن الاستواء، (أو صار بحيثُ لا يقدرُ على القعود) أصلاً، بلا خلافٍ أجده، بل عليه

ص: 266


1- الكافي: ج 7/311 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35628.
2- الفقيه: ج 4/134 ح 5291، وسائل الشيعة: ج 29/306 ذيل الحديث 35668.
3- الكافي: ج 7/312 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35631.

ولو صَلُح فثُلث الدِّية.

الإجماع عن «الخلاف»(1).

ويشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح يونس أنّه عَرَض عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاب الدِّيات، وكان فيه:

«في ذهاب السَّمع كلّه ألف دينار... والظهر إذا أحدب ألف دينار، الحديث»(2).

ومنها: صحيح بريد العجلي، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ كُسِر صُلبه، فلايستطيعُ أن يجلس، أنّ فيه الدِّية»(3).

وفي «الرياض»(4): (وقصور السَّند أو ضعفه حيثُ كان بالعمل منجبرٌ).

ولعلّ نظره إلى ما أفاده المحقّق الأردبيلي(5) من تضعيف خبر بُريد، لوجود أبي سليمان الحمار في السَّند، ولكن الظاهر أنّ أبا سليمان الحمار هو داود بن سليمان، وهو ثقة، روى عنه ابن محبوب، فلا إشكال في السَّند، وإنْ كان على فرض الضَّعف بالعمل منجبراً.

(و) كيف كان، ف (لو صَلُح) بعد الكسر أو التحديب، بحيثُ يقدرُ على المشي والقعود، كماكان يقدرُ عليهما سابقاً، ولم يبق عليه من آثار الجناية شيءٌ (فثُلث الدِّية)7.

ص: 267


1- الخلاف: ج 5/253.
2- الكافي: ج 7/311 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35626.
3- الكافي: ج 7/312 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/305 ح 35667.
4- رياض المسائل: ج 14/278.
5- مجمع الفائدة: ج 14/407.

ولو ذَهَب مشيه وجِماعه فديتان.

على المشهور، وقد صرّح جماعة(1) بأنّه لم يُعرف مستنده.

وفي «الرياض»(2): (قيل: ويمكنُ أن يكونوا حَمَلوه على اللِّحية إذا نَبَتت وقد مرّ أو على السّاعدين).

ولكنّه كما ترى قياسٌ لا نقول به.

وعن «الغُنية»(3): (إنّ فيه عُشر الدِّية) مدّعياً عليه إجماع الإماميّة.

وحُكي أيضاً عن «الإصباح»(4)، وموضعٍ من «السرائر»(5)، و «المقنعة»(6)، و «القواعد»(7)، وقوّاه الأستاذ(8)، ومستندهم معتبر ظريف، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: «في الصدر إذا رُضَّ فثنَي شِقيه كليهما، فديته خمسمائة دينار.

إلى أن قال: وإن انكسر الصّلب فجُبِر على غير عَثمٍ ولا عيبٍ ، فديته مائة دينار، وإنْ عُثِم فديته ألف دينار، الحديث»(9).

(ولو) كُسِر الظهر، ف (ذهب مشيه وجماعه، فديتان) بلا خلافٍ .6.

ص: 268


1- راجع جواهر الكلام: ج 43/261، كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/381، رياض المسائل: ج 14/278.
2- رياض المسائل: ج 14/279.
3- غنية النزوع: ص 418.
4- إصباح الشيعة: ص 506.
5- السرائر: ج 3/391.
6- المقنعة: ص 756.
7- قواعد الأحكام: ج 3/680.
8- مباني تكملة المنهاج: ج 2/321.
9- الكافي: ج 7/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/304 ح 35666.

وعن «الخلاف»(1): بإجماع الفرقة وأخبارها، لأنّهما منفعتان يوجبُ الدِّية ذهاب كلّ منهما.

أمّا الأوّل: فلما مرّ.

وأمّا الثاني: فلصحيح إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ ضَرَب رجلاً بعصا، فذهب سَمعه وبَصره ولسانه وعَقله وفَرجه، وانقطع جماعه وهي حَيٌّ ، بست ديات»(2).

فإنّه يدلّ على أنّ في انقطاع الجماع وذهابه ديةٌ كاملة.

***8.

ص: 269


1- الخلاف: ج 5/253.
2- الكافي: ج 7/325 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/365 ح 35788.

وفي النُّخاع الدِّية.

ديَّة النُّخاع

الثالث عشر: في دية النُّخاع:

(و) المشهور بين الأصحاب(1) أنّ (في النُّخاع) إذا قُطع (الدِّية) كاملة.

وفي «الجواهر»(2): (بلا خلافٍ أجده فيه، بل ولا إشكال، لأنّه عضوٌ واحدٌ في البدن، فيعمّه الضابط).

ولكن يرد عليه: أنّ نصوص الضابط لا تشملُ قَطع النُّخاع لوجهين:

أحدهما: أنّها منصرفة عن النُّخاع الّذي لا يعدُّ من أعضاء الإنسان بنفسه، وإنّما هو تابعٌ للفقرات.

ثانيهما: أنّ تلك النصوص تختصّ بقطع العضو، وفصله عن البدن، ولا يعمّ قطعه، وهو في محلّه.

والذي يُسهِّل الخَطب أنّه يمكن أن يقال بعدم بقاء الإنسان بعد قطع نخاعه.

وكيف كان، فعلى فرض البقاء، فالظاهر فيه الحكومة الّتي هي المرجع فيما لا تقدير فيه شرعاً.

***

ص: 270


1- راجع النهاية: ص 769، السرائر: ج 3/391، شرائع الإسلام: ج 4/1036.
2- جواهر الكلام: ج 43/263.

كلّ واحدةٍ من ثَدييّ المرأة نصفُ ديتها، وكذا في حُلْمَتها.

ديَّة الثَّديين

المورد الرابع عشر: في ديَّة الثَّديين:

وفي قطع (كلّ واحدةٍ من ثدييّ المرأة نصفُ ديتها) إجماعاً، على الظاهرالمصرّح به في «الغُنية»، و «التحرير»، و «الروضة»، وغيرها من كتب الجماعة، كمافي «الرياض»(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى القاعدة المتقدّمة غير مرّة في أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان، ففيهما الدِّية، وفي أحدهما نصفها - صحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ قَطَع ثَديّ امرأته ؟ قال: إذن أغرمه لها نصف الدِّية»(2).

وفي «الوسائل»(3) نُقِل مكان (ثدي امرأته) عبارة (فَرج امرأته) وهو سهوٌ كما نبّه عليه الأستاذ(4).

(وكذا في حُلْمَتِهما) أي حُلمة ثَديّ المرأة عند جماعةٍ :

1 - للقاعدة المزبورة.

ص: 271


1- رياض المسائل: ج 14/279.
2- الكافي: ج 7/314 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/354 ح 35766.
3- وسائل الشيعة: ج 29/171 ح 35397.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/309.

2 - وللحمل على اليد والرِّجل، حيثُ يجبُ الدِّية في قطع الأصابع منهما خاصّة، وبقطعها مع الكَفّ أو القَدَم أيضاً.

واستشكله جماعةٌ (1) آخرون من جهة أنّ الدِّية تجبُفي الثَّديين والحُلْمَتان بعضهما.

وفي «المسالك»(2): (وتقريرهُ بترتيب قياسٍ استثنائي يلزمُ من صدق مقدّمته ثبوت تاليه، وهو أنّ كلّما في الثديين الدِّية، لم تَجبُ في الحُلْمتين الدِّية، لكن المقدّم حقٌّ بالإجماع فالتالي مثله.

بيان الملازمة: إنّ الحُلْمَتين بعضُ الثَّديين، والبعض مغايرٌ للكلّ ، والحكمُ المعلّق على الكلّ يقتضي توزيعه على أجزاء ذلك الكُلّ ، فلو وجبَ فيهما الدِّية، لزم مساواة الجُزء للكلّ ، وهو محال)، انتهى .

وأمّا الحَمل على اليدين: فهو قياسٌ ، مع وجود الفرق بالإجماع والنَّص فيهما، وعدمهما في المقام، مع أنّ اليد والرِّجل يُطلقان على أبعاضهما عرفاً كثيراً، كما في آيتي الوضوء والسَّرقة، بخلاف الثدي فإنّه لا يُطلق على الحُلْمة.

فإنْ قيل: إنّ القاعدة المزبورة دليلها النَّص، كما مرّ، وهو يشمل الحُلْمة، كما في «الرياض»(3).

أجبنا عنه: بانصرافه عن مثل ذلك.

وعليه فالأولى الحكومة كما في «الجواهر»(4).4.

ص: 272


1- والظاهر أنّه المحقّق الحِلّي كما حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 15/432 بقوله: (والمصنّف رحمه الله استشكل ذلك، من حيث إنّ الدِّية تجب في الثّديين، والحلمتان بعضهما).
2- مسالك الأفهام: ج 15/432.
3- رياض المسائل: ج 14/280.
4- جواهر الكلام: ج 43/264.

ولو انقطع لَبَنُها أو تعذّر نزوله فالأرش، وفي حُلْمَة الرَّجل نصف الدِّية عند الشيخ. وثُمنها عند ابن بابويه.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«في حُلْمة ثدي الرّجل ثُمن الدِّية مائة وخمسون وعشرون ديناراً»(1).

يدلّ على ثبوت ثُمن الدِّية في حُلْمة الرَّجل، وبضميمة ما دلّ على أنّ المرأة تُساوي الرّجل في الدِّية إلى أن تبلغ الثُّلث، كما سيأتي، يثبتُ ذلك في حُلْمة المرأة، ففي قطع حُلْمتيها رُبع الدِّية، وفي كلّ واحدةٍ الثُمن، وهذا هو الأظهر.

(ولو) جنى على الثَّدي، ف (انقطع لَبَنهما، أو تعذّر نزوله، فالأرش)، لما مرّ من أنّ المرجع فيما لا مقدّر له شرعاً الحكومة.

(وفي حُلْمة الرَّجل نِصفُ الدِّية عند الشيخ)، وفيهما الدِّية كما عن «المبسوط»(2)و «الخلاف»(3)، وتبعه الحِلّي في محكي «السرائر»(4)، بل عن الأخيرين(5) أنّه مذهبنا، واختاره المصنّف في جملةٍ من كتبه، للقاعدة المزبورة التي لا يجري فيها الإشكال المتقدّم، لعدم ثديين له يكونان بعضاً منهما.

(وثُمنها عند ابن بابويه)، ونحوه عن «الوسيلة»(6)، و «الجامع»(7)، لمعتبر3.

ص: 273


1- الكافي: ج 7/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/304 ح 35666.
2- المبسوط: ج 7/148.
3- الخلاف: ج 5/257.
4- السرائر: ج 3/394.
5- الخلاف: ج 5/257، السرائر: ج 3/394.
6- الوسيلة: ص 450.
7- الجامع للشرايع: ص 623.

ظريف المتقدّم، وهذا أظهر، لأنّ القاعدة تُخصَّص بالخبر المعتبر، مع أنّ الظاهر انصراف القاعدة عن مثل ذلك كما مرّ، فلو لم يكن الخبر حجّة كان المرجع هي الحكومة، كما ذهبَ إليها جماعةٌ من الأساطين.

***

ص: 274

وفي الذَّكر الدِّية.

ديَّة الذَكَر

المورد الخامس عشر: لا خلاف ولا إشكال في أنّ (في) قَطع (الذَّكَر الدِّية) كاملة، بل عليه الإجماع بقسميه.

ويشهد به: - مضافاً إلى الضابط المتقدّم، من أنّ كلّ ما في الإنسان منه واحد ففيه الدِّية - أخبارٌ:

منها: صحيح يونس «أنّه عرض على أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاب الدِّيات، وكان فيه في ذهاب السَّمع كلّه ألف دينار، إلى أن قال: «والذَكَر إذا استؤصل ألف دينار، الحديث»(1).

ومنها: معتبر سماعة، في حديثٍ : «وفي الذَكَر إذا قُطِع الدِّية كاملة، الحديث»(2).

ونحوهما غيرهما.

ومقتضى إطلاق النصوص، عدم الفرق في ذلك بين الشَّاب والشيخ، والصغير والكبير.

أضف إليه صحيح بُريد العِجلي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في ذَكَر الغُلام الدِّية كاملة»(3).

ص: 275


1- الكافي: ج 7/311 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35626.
2- الكافي: ج 7/312 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/385 و 386 ح 35631 و 35634.
3- الكافي: ج 7/313 ح 14، وسائل الشيعة: ج 29/339 ح 35732.

وكذا في الحَشَفة.

ومعتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: في ذَكَر الصَّبي الدِّية، وفي ذكر العِنّين الدِّية»(1).

(وكذا) تجبُ الدِّية (في) قطع (الحَشَفة) بلا خلافٍ بين الأصحاب(2)، بل إجماعاً(3).

ويشهد به: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يُكسر ظهره ؟ قال:

فيه الدِّية كاملة... وفي الذَكَر إذا قُطِعت الحَشَفة وما فوق الدِّية، الحديث»(4).

وصحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام، في حديث: «وفي الذَكَر إذا قُطِع من موضع الحَشَفة الدِّية»(5).

ومقتضى صحيح الحلبي أنّه لو قُطِع من وسط الذَّكر، تجبُ الدِّية، ولا سبيل إلى أن يقال إنّ في قطع الحَشَفة الدِّية، وفي الزائد الحكومة، أو أنّه إذا لم تُقطع الحَشَفة ولا استؤصل الذَكَر، فليس فيه إلّاالحكومة.

فما عن جماعةٍ من عنوان المسألة بأنّه تجبُ الدِّية في قطع الحَشَفة فما فوق أولى .

وكيف كان، فيقيّد بالصحيح مفهومُ صحيح يونس على إرادة القطع من الحَشَفة، أو يُرفع اليد عن مفهومه.9.

ص: 276


1- الكافي: ج 7/313 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/339 ح 35733.
2- راجع الكافي في الفقه: ص 399، المبسوط: ج 7/151، الوسيلة: ص 451.
3- جواهر الكلام: ج 43/266.
4- الكافي: ج 7/311 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35628.
5- الكافي: ج 7/312 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35629.

وفي العِنّين ثُلث الدِّية.

(وفي) ذَكَر (العِنّين ثُلث الدِّية) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، كما في «الرياض»(1).

بل عن «الخلاف»(2): الإجماع عليه.

ولم يذكروا له دليلاً خاصّاً، وإنّما استدلّوا له بما دلّ على أنّ دية العضو المشلول، ثُلث دية الصحيح، مع أنّ معتبر السكوني المتقدّم، الدّال على ثبوت تمام الدِّية في قطعه، بمرأى ومَسمَع منهم، ولم يعملوا به، فلا محالة يكون ساقطاً عن الحجيّة.

وبالجملة: الأظهر ما هو المشهور.

وبذلك يَظهر حكمُ من سُلَّت خُصيتاه، وأدّى ذلك إلى شَلَل ذَكَره، وكذا حكمُ الخُصيّ ، أضف إليه صحيح بريد بن معاوية، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في لسان الأخرس، وعين الأعمى ، وذَكَر الخُصيّ واُنثييه ثُلث الدِّية»(3).

***5.

ص: 277


1- رياض المسائل: ج 14/282.
2- الخلاف: ج 5/202.
3- الكافي: ج 7/318 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/336 ح 35725.

وفي الخُصيتين الدِّية، وفي كلِّ واحدةٍ النصف.

ديَّة الخُصيتان

المورد السادس عشر: في دية الخُصيتين:

لا خلاف (و) لا إشكال في أنّ (في الخِصيتين) معاً (الدِّية) كاملة، بل الإجماع بقسميه عليه(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على أنّ ما في الإنسان منه اثنان، ففيهما الدِّية - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرّجل يُكسر ظهره... وفي البيضتين الدِّية»(2).

وصحيح يونس: أنّه عُرض عليّ أبي الحَسن الرِّضا عليه السلام كتاب الدِّيات، وكان فيه: «والبيضتين ألف دينار، الحديث»(3).

(و) إنّما الخلاف في أنّه:

هل يكون (في كلِّ واحدةٍ النصف) كما في المتن، وعن «المقنعة»(4)، و «المبسوط»(5)، و «النهاية»(6)، و «الكافي»(7)، و «الكامل»(8)، و «الإصباح»(9)،

ص: 278


1- جواهر الكلام: ج 43/270.
2- التهذيب: ج 10/245 ح 3.
3- الكافي: ج 7/311 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35626.
4- المقنعة: ص 755.
5- المبسوط: ج 7/152.
6- النهاية: ص 769.
7- الكافي في الفقه: ص 399.
8- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/283.
9- إصباح الشيعة: ص 507.

و «السرائر»(1)، و «الغُنية»(2)، بل الأكثر، كما صرّح به جماعة(3)، وعليه المتأخّرون كافّة ؟

أم يكون في اليُسرى ثُلثا الدِّية، وفي اليُمنى الثُّلث، كما عن الصَّدوق في «الهداية»(4)، والشيخ في «الخلاف»(5)، والقاضي في «المهذّب»(6)، وسلّار(7)، وابني حمزة(8) وسعيد(9)، والمصنّف في «المختلف»(10)؟

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

فمما يدلّ على الأوّل: معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«في خُصية الرّجل خمسمائة دينار، الحديث»(11).

ويدلّ على الثاني: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدِّية....

فرجلٌ ذهبت إحدى بيضتيه ؟

قال عليه السلام: إنْ كانت اليسار ففيها ثُلثا الدِّية.0.

ص: 279


1- السرائر: ج 3/393.
2- غنية النزوع: ص 621.
3- راجع شرائع الإسلام: ج 4/1037، كشف الرموز: ج 2/660، إرشاد الأذهان: ج 2/240.
4- الهداية: ص 299.
5- الخلاف: ج 5/212.
6- المهذّب: ج 2/481.
7- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/271.
8- الوسيلة: ص 443.
9- الجامع للشرايع: ص 589.
10- مختلف الشيعة: ج 9/389.
11- المستدرك: ج 18/361 ح 22960.

وفي أدرة الخُصيتين أربعمائة دينار، فإنْ فَحَج فلم يَقدِر على المشي فثمانمائة.

قلت: ولِمَ ، أليسَ قلتَ ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدِّية ؟

فقال عليه السلام: لأنّ الولد من البيضة اليُسرى »(1).

وقريبٌ منه خبر أبي يحيى الواسطي(2).

وحيثُ إنّهما متعارضان، فالمرجع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم الأوّل، للشهرة.

أضف إليه: أنّ ما في صحيح ابن سنان، وخبر أبي يحيى من التعليل غيرُ مطابقٍ للواقع على ما نُقل عن الأطبّاء.

وعليه، فالأظهر هو الأوّل.

(وفي أُدرة الخُصيتين) - بضمّ الهَمزة، فسكون الدّال، ففتح الرّاء المهملتين - وهي انتفاخهما، وفي «المجمع» هي فتق الخُصيتين، (أربعمائة دينار، فإن فَحَجَ ) - بفتح الفاء والحاء المهملة فالجيم - أي تباعدت رجلاه أعقاباً مع تقارب صدور قدميه، (فلم يَقْدِر على المشي)، أو مشى مِشياً لا ينتفعُ به، (فثمانمائة) دينار، بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

ويشهدُ به: معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «فإن أُصيب رجلٌ فأدرّ خصيتاه كلتاهما، فديته أربعمائة دينار، فإن فَحَج فلم يَستطع المشي إلّامشياً لاينفعه، فديته أربعة أخماس دية النفس، ثمانمائة دينار، الحديث»(3).2.

ص: 280


1- الكافي: ج 7/315 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35625.
2- وسائل الشيعة: ج 29/311 ح 35673.
3- الكافي: ج 7/342 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/311 ح 35672.

وأمّا خبر معاوية بن عمّار، قال: «تزوّج جارٌ لي امرأةً ، فلمّا أراد مواقعتها رَفَسته برجلها ففتقت بيضته، فصار أدر، فكان بعد ذلك ينكحُ ويولد له، فسألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، وعن رجلٍ أصابَ سُرّة رجلٍ ففتقها؟

فقال عليه السلام: في كلّ فتقٍ ثُلث الدِّية»(1).

فلقصور سنده، وعدم العامل به، ومعارضته مع ما هو أشهر منه، يتعيّن طرحه.

***7.

ص: 281


1- الكافي: ج 7/312 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/337 ح 35727.

وفي كلّ واحدةٍ من شَفري المرأة نصفُ ديتها.

ديَّة الشّفرين

المورد السابع عشر: الشَّفران:

وهما اللَّحمان المُحيطان بالفَرج إحاطة الشَّفتين بالفم، كما صرّح به غيرُ واحدٍ من الفقهاء(1).

وعن «المبسوط»(2): (أنّهما والاسكنان شيءٌ واحد).

ولكن هما عند أهل اللّغة غير الاسكنين، قال بعضهم: الاسكنان هو اللّحم المُحيط بشِقّ الفَرج، والشَّفران حاشية الاسكنين، كما أنّ للعينين جَفنين يُطبقان عليهما، وشفرهما الحاشية التي يَنبُتُ فيها أهداب العينين، والإسكنان كالأجفان، والشَّفران كشفري العينين.

وعن «السرائر»(3)، وموضعٍ آخر من «المبسوط»(4) تفسيرهما بذلك.

أقول: إلّاأنّ الذي يُسهِّل الخطب أنّه لم يؤخذ في لسان الدليل عنوان الشفر، كي نُطيل البحث في تحقيقه، بل الموضوع - كما ستقف عليه - هو قطع الفرج، والمفهوم منه عرفاً ما ذكرناه.

(و) كيف كان، ف (في) قطع (كلّ واحدةٍ من شَفري المرأة نصفُ ديتها) بلا خلافٍ بين فقهائنا.

ص: 282


1- راجع نزهة الناظر: ص 144، تحرير الأحكام: ج 5/598، شرح اللُّمعة: ج 10/238. (2و4) المبسوط: ج 7/149.
2- المبسوط: ج 7/149.
3- السرائر: ج 3/392.
4- المبسوط: ج 7/149.

وفي إفضاء المرأة ديتها.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي أحدهما نصف الدِّية - صحيح عبد الرحمن بن سيابة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إنّ في كتاب عليٍّ عليه السلام: لو أنّ رجلاً قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها»(1).

وأمّا صحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ قَطَع فرج امرأته ؟ قال: أغرمه لها نصف الدِّية»(2).

فإمّا أن يُحمل على قطع أحد الشَّفرين، أو على إرادة نصف الدِّية المجعولة بالأصالة، الّتي نصفها دية المرأة.

فالمرادُ من نصف الدِّية، تمام دية المرأة، وذلك بقرينة صحيح عبد الرحمن، وإن لم يتمّ شيءٌ من ذلك، فهو مطروحٌ ، لمعارضته مع ما هو أرجح منه.

وعلى ما اخترناه، فلو قَطَع الشَّفر بالمعنى الثاني، فإنْ أمكنت النسبة بالمسَّاحة ففيه من الدِّية بالحساب، وإلّا فالحكومة، كما هو واضح.

(وفي إفضاء المرأة ديتها) كاملة إجماعاً، على ما صرّح به السيّد ابن زُهرة(3)، ويشهد به:

1 - صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :8.

ص: 283


1- الفقيه: ج 4/150 ح 5333، وسائل الشيعة: ج 29/171 ح 35398.
2- وسائل الشيعة: ج 29/171 ح 35397.
3- غنية النزوع: ص 418.

ويَسقُطُ عن الزّوج بعد بلوغها.

«عن رجلٍ وقع بجاريةٍ فأفضاها، وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟

فقال عليه السلام: الدِّية كاملة»(1).

2 - وما رواه الصَّدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّه قضى في امرأةٍ اُفضيت بالدِّية»(2).

وقد مرّ الكلام في تفسير الإفضاء في كتاب النكاح(3)، في المسألة الثانية من المسائل اللّاحقة لمباحث المحرّمات الأبديّة.

(ويسقطُ) لزوم الدِّية (عن الزّوج) لو أفضى زوجته (بعد بلوغها) بلا خلافٍ فيه، ويشهد به:

صحيح حمران، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍتزوّج جاريةً بِكْراً لم تُدرِك، فلمّا دَخَل بها افتضّها فأفضاها؟ فقال: إنْ كان دَخَل بها حين دخل بها ولها تسعُ سنين، فلا شيء عليه، وإن كانت لم تَبلُغ تسع سنين، أو كان لها أقلّ من ذلك بقليلٍ حين دخل بها، فافتضّها فإنّه قد أفسدها، وعطّلها عن الأزواج، فعلى الإمام أن يَغرم ديتها، وإن أمسكها ولم يُطلّقها حتّى تموت، فلا شيء عليه»(4).

وقريبٌ منه خبر بريد بن معاوية، عن الإمام الباقر عليه السلام(5).2.

ص: 284


1- الكافي: ج 7/313 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/370 ح 35796.
2- الفقيه: ج 4/148 باب ما يجب في الإفضاء، وسائل الشيعة: ج 29/330 ح 35710.
3- فقه الصادق: ج 32/68.
4- الفقيه: ج 3/431 ح 4493، وسائل الشيعة: ج 20/103 ح 25150.
5- وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26182.

ولو كان قبله ضَمِن الزّوج مع المَهر الدِّية، والإنفاقَ عليها حتّى يموت أحدهما.

ولو لم يكن زوجاً، وكان مُكرِهاً فالمَهر والدِّية، ومع المطاوعة الدِّية. ولو كانت المكرهة بِكْرَاً فلها أرش البكارة.

وفي كلّ واحدٍ من الإليتين نصفُ الدِّية.

(ولو كان) إفضاء الزّوج إيّاها (قبله) أي قبل البلوغ (ضَمِن الزّوج مع المَهر، الدِّية، والإنفاق عليها حتّى يَموت أحدهما) وقد مرّ الكلام في جميع ذلك في كتاب النكاح(1)، في المسألة المشار إليها.

كما أنّ البحث فيما أفاده بقوله: (ولو لم يكن زوجاً، وكان مُكرَهاً فالمَهر والدِّية، ومع المطاوعة الدِّية، ولو كانت المُكرَهة بِكْراً فلها أرش البكارة) قد تقدّم في تلك المسألة مفصّلاً، فلا وجه للإعادة.

***

ديَّة الإليتين، والرِّجلين

المورد الثامن عشر: (وفي كلّ واحدةٍ من الإليتين نصفُ الدِّية) كما عن الشيخ(2)ومن تأخّر عنه، والمراد بهما اللّحم الناتي بين الظهر والفَخِذين، وهما عضوان متميّزان فيهما الجمال والمنفعة، فيشملهما ما دلّ على أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي كلّ واحدٍ منهما نصف الدِّية.

ويعتبر الوصول إلى العظم في وجوب الدِّية، لأنّ الإلية اسمٌ لمجموع ذلك، وإن لم يقطع تمامها، فبعض الدِّية بالحساب إنْ أمكن، وإلّا فالحكومة.

ص: 285


1- فقه الصادق: ج 32/57.
2- المبسوط: ج 7/146.

وفي كلّ واحدةٍ من الرِّجلين نصف الدِّية، وحَدّها مِفْصَل السّاق، وأصابعهما كاليدين. وفي كلّ واحدٍ من السّاقين والفَخِذين نصف الدِّية.

(وفي) قطع (كلّ واحدةٍ من الرِّجلين نصفُ الدِّية) وفي قطع كلتيهما ديةٌ كاملةٌ إجماعاً(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى الضابط، كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي كلّ واحدٍ منهما نصف الدِّية - نصوصٌ خاصّة:

منها: موارد من معتبر ظريف المتقدّم.

ومنها: معتبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرِّجل الواحدة نصف الدِّية، الحديث»(2).

(وحَدّها مِفْصَلُ السّاق) والقَدَم، وإن اشتملت على الأصابع، بلا خلافٍ .

أقول: والكلام فيه وفي قطع بعض السّاق معه، والقطع من مفصل الرُّكبة، ومن أصل الفَخذين ما سمعته في اليدين، (وأصابعهما كاليدين) على ما تقدّم في ذلك المبحث.

(و) بما ذكرناه يظهر أنّه (في) قطع (كلّ واحدٍ من السّاقين والفَخِذين نصفُ الدِّية).

***1.

ص: 286


1- رياض المسائل: ج 14/289.
2- الكافي: ج 7/312 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35631.

وفي كَسر الضِّلع خمسةٌ وعشرون ديناراً، إن كان ممّا يُخالط القلب.

مسائلٌ ست:

ديَّة الأضلاع

المسألة الأُولى: (وفي كَسر الضِّلع خمسةٌ وعشرون ديناراً، إنْ كان ممّا يُخالط القَلب) بلا خلافٍ ، ويشهد به:

معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وفي الأضلاع فيما خالَطَ القلب من الأضلاع إذا كُسر منها ضِلعٌ ، فديته خمسة وعشرون ديناراً، وفي صَدْعه اثنا عشر ديناراً ونصف، ودية نقل عظامها سبعة دنانير ونصف، وموضّحته على رُبع دية كَسره، ونقبه مثل ذلك، وفي الأضلاع ممّا يلي العَضُدين دية كلّ ضلعٍ عشرة دنانير إذا كُسِر، ودية صَدْعه سبعة دنانير، ودية نَقل عِظامه خمسة دنانير، وفي موضّحة كلّ ضلعٍ منها رُبع دية كسره ديناران ونصف، فإن نَقَّب ضِلعٌ منها فديتها ديناران ونصف، الحديث»(1).

ومنه يظهر أنّ في صَدعه اثنا عشر ديناراً ونصف دينار، وفي موضِّحته رُبع دية كَسره، وكذا في نَقبه، وفي نَقل عظامه سبعةُ دنانير ونصف دينار، وبه يُقيّد إطلاق صحيح يونس، عن الإمام الرضا عليه السلام، في حديثٍ :

«فإنّ دية كلّ عظمٍكُسر معلومٌديته، ونَقل عظامه نصفُدية كَسره، الحديث»(2).

ص: 287


1- الكافي: ج 7/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/304 ح 35666.
2- الكافي: ج 7/327 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/378 ح 35810.

وإنْ كان ممَّا يلي العَضُدين فعَشَرة.

(وإنْ كان) الضِّلع المكسور (ممّا يلي العضدين، ف) دية كلّ ضلعٍ كُسر (عَشرة) دنانير، كما هو المشهور(1)، بل لم يُنقل الخلاف إلّاعن ابن إدريس(2)، حيث إنّه لم يُفرّق في دية الأضلاع، وحَكَم بأنّ دية كلّ ضلعٍ خمسة وعشرون ديناراً.

ويشهد خبرُ ظريف المتقدّم بما هو المشهور، لأنّ الظاهر من الخبر - كما صرّح به جماعة - أنّ الأضلاع على قسمين:

قسمٌ : يُخالط القلب.

وقسمٌ : لا يخالطه، ويلي العَضُدين وهي الأعالي منها.

ففي الأوّل: المقدار الأوّل.

وفي الثاني: الثاني.

وقد نزّل بعض الأصحاب العبارة على أنّ لكلّ ضلعٍ جانبين، ففي جانبها الذي يُخالطالقلب خمسة وعشرون، وفي الجانب الآخرالمقدار الآخر، وهو الفاضل المقداد(3)، وتبعه الشّهيدالثاني رحمه الله(4)، وهو غيرُ ظاهرِ الوجه، كما في «الجواهر»(5) و «الرياض»(6).

***0.

ص: 288


1- راجع: فقه الرّضا: ص 325، الوسيلة: ص 450، شرائع الإسلام: ج 4/1038.
2- السرائر: ج 3/411.
3- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/290.
4- مسالك الأفهام: ج 15/440.
5- جواهر الكلام: ج 3/280.
6- رياض المسائل: ج 14/290.

وفي كَسر البعصوص إذا لم يَمْلِك الغائط الدِّية، وكذا العِجان إذا لم يَمْلِك البول ولا الغائط.

دية كَسر البَعصُوص

المسألة الثانية: (وفي كَسر البَعصُوص):

في «المسالك»(1): هو العُصعُص - بضَمّ عينيه - وهو عَجب الذَنب - بفتح عينه - أعني عَظْمه.

وقال الراوندي(2): البَعصُوص عظمٌ رقيقٌ حول الدَّبر، ولم يذكر ذلك أهل اللّغة.

وعلى كلّ حالٍ (إذا) كان الكَسرُ بنحوٍ (لم يَملك الغائط) كان فيه (الدِّية) كاملة، (وكذا) تجبُ الدِّية (في العِجان) - بكسر العين - وهو ما بين الخصيتين والفقحة، (إذا لم يَملِك البول ولا الغائط) بلا خلافٍ بين الأصحاب(3)، والمستند هو الروايات:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ كُسِر بعصوصه فلم يَملك إسته، ما فيه من الدِّية ؟

فقال عليه السلام: الدِّية كاملة، الحديث»(4).

ص: 289


1- مسالك الأفهام: ج 15/440.
2- نسبه إليه في شرح اللُّمعة: ج 10/252.
3- راجع إرشاد الأذهان: ج 2/241، مجمع الفائدة: ج 14/422.
4- الكافي: ج 7/313 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/370 ح 35796.

ومنها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قضى أميرالمؤمنين عليه السلام في الرَّجل يُضرَب على عِجانه، فلا يستمسك غائطه، ولا بوله، أنّ في ذلك الدِّية كاملة»(1).

ومقتضى ظاهر صحيح يونس أنّ الموضوع لوجوب الدِّية عدم ملك الإست، بلا دخلٍ لكسر البعُصوص فيه، كما أنّ مقتضى معتبر غياث بن إبراهيم، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام:

«أنّ عليّاً عليه السلام قضى في رجلٍ ضَرَب حتّى سلس ببوله بالدِّية كاملة»(2).

أنّ سَلَس البول موضوعٌ مستقلٌّ لوجوب الدِّية، وحيثُ أنّ مقتضى القاعدة هو عدم التداخل، وثبوت ديتين لو لم يَملِك إسته ولا بوله، فالحكمُ بثبوت دية واحدة يكون مخالفاً للقاعدة، ولكن مدركه معتبر إسحاق، وهو يختصّ بما إذا كانت الجنايتان مترتّبتين على الضَّرب دفعةً واحدة، فإذا كانتا متفرِّقتين، فلابدّ من البناء على ثبوت ديتين للقاعدة وعدم المَخرج.

***9.

ص: 290


1- الكافي: ج 7/313 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/371 ح 35797.
2- وسائل الشيعة: ج 29/371 ح 35799.

وفي الترقوة إذا كُسِرت وجُبِرتْ على غَير عيبٍ أربعون ديناراً.

دِية كَسر التَّرقوة

المسألة الثالثة: (وفي التَّرقوة) - بفتح التاء فسكُونِ الرّاء فضمّ القاف - وهي العَظم الذي بين ثَغرة النحر والعانق (إذا كُسِرت وَجُبِرتْ على غير عيبٍ ، أربعون ديناراً) كما عن الشيخ في «الخلاف»(1) و «المبسوط»(2)، وابن حمزة(3)، وجماعة من المتأخّرين(4).

بل هو المشهور بين الأصحاب، كما عن الصِّيمري(5)، ويدلّ عليه معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«وفي الترقوة إذا انكسرت فجُبِرت على غير عَثمٍ ولا عيب أربعون ديناراً، فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس كَسرها، اثنان وثلاثون ديناراً، فإن أوضحت فدِّيتها خمسة وعشرون ديناراً، وذلك خمسة أجزاء من ثمانية من ديتها إذا انكسرت، فإن نَقَل منها العظام، فديتها نصفُ دية كَسرها عشرون ديناراً، فإنْ نُقّبت فدِّيتها رُبع دية كسرها عشرة دنانير، الحديث»(6).

ص: 291


1- الخلاف: ج 5/261.
2- المبسوط: ج 7/155.
3- الوسيلة: ص 442.
4- راجع شرح اللُّمعة: ج 10/246، المختصر النافع: ص 302، شرائع الإسلام: ج 4/1038.
5- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/287.
6- الكافي: ج 7/334 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/299 ح 35661.

وعن ابن حمزة(1)، و «المهذّب»(2)، والصِّيمري(3): أنّ في الترقوتين الدِّية كاملة، وفي إحداهما نصفها، عملاً بضابطة أنّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي أحدهما نصفها.

ولكن شمولها لنحو الترقوتين محلُّ نظرٍ، أضف إليه أنّ ذلك فيما لو قطعه من الإنسان لا في كَسره، وهو في محلّه.

وذهب جماعةٌ إلى الحكومة، نظراً إلى أنّها المرجع فيما لا مقدّر فيه شرعاً، ومنه الترقوة، لأنّ خبر ظريف ضعيفٌ ، ومتضمّنٌ لما لا يقول به الأصحاب.

ولكن قد عرفت اعتباره ببعض طرقه، منها ما عن طريق الصَّدوق رحمه الله، واشتماله على ما لا يقول به الأصحاب، يوجبُ وهناً في نفس تلك الجملات، لا في جميع الخبر، سيّما وقد عَمِل بكثيرٌ من ما فيه الأصحاب، بل في كثيرٍ من الموارد لا مدرك لهم سوى ذلك الخبر. فإذاً ما عن المشهور أظهر.

***7.

ص: 292


1- الوسيلة: ص 442.
2- المهذّب البارع: ج 5/352.
3- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/287.

ومَنْ داسَ بطن إنسانٍ حتّى أحدثَ ، دِيسَ بطنه، أو يُفتدى ذلك بثُلث الدِّية.

دية دَوس البطن

المسألة الرابعة: (ومَنْ دَاس بطن إنسان حتّى أحدَث، دِيسَ بطنه أو يُفتدى ذلك بثُلث الدِّية) كما عن الأكثر(1).

واستدلّ له بمعتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام: رجلٌ داسَ بطنِ رجلٍ حتّى أحدث في ثيابه، فقضى عليه أنْ يُداس بطنه حتّى يُحدِث في ثيابه كما أحدث، أو يُغرَم ثُلث الدِّية»(2).

قال الحِلّي(3) بعد نقل الخبر: (الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذه الرواية، لأنّ فيه تغريراً بالنفس، فلا قِصاص في ذلك بحال).

وفي «الرياض»(4)، وتبعه من المتأخّرين جماعة اختيار الحكومة.

ولكن ذلك لا يُردّ القِصاص مع عدم التغرير بالنفس، مع أنّه لو كان تغريرٌ بها يتعيّن الفرد الآخر من التخيير، وهو الافتداء بثُلث الدِّية، ولعلّه المراد بالحكومة.

وأورد عليه: المحقّق في «الشرائع»(5)، و «النافع»(6)، والشَّهيد في «اللُّمعة»(7)،

ص: 293


1- راجع المقنعة: ص 761، المراسم العلويّة: ص 249، الخلاف: ج 5/299.
2- الكافي: ج 7/377 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/182 ح 35418.
3- السرائر: ج 3/395.
4- رياض المسائل: ج 14/297.
5- شرائع الإسلام: ج 4/1038.
6- المختصر النافع: ص 302.
7- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 265.

والشهيدالثاني في «المسالك»(1)، وغيرهم(2): بأنّ رواية السكوني فيها ضعفٌ مشهور.

ولكن قد مرّ في هذا الشرح مراراً أنّه لا ضعف في السكوني، وقد ادّعى الشيخ رحمه الله(3) الإجماع على قبول رواية السكوني، وكونه ثقة.

وقال المحقّق الداماد(4): (إنّ المناقشة في السكوني، والطعن فيه بالضَّعف، من ضعف التمهّر وقصور التتبّع).

وقال المحقّق في المسائل الغَرّية(5): (السَّكوني وإن كان عاميّاً، فهو من ثُقات الرواة، وعلى الجملة فلا ينبغي التوقّف في اعتبار خبر السكوني).

وأورد عليه في «الرياض»(6): بأنّ الرواية قضيّةٌ في واقعة، مخالفة للاُصول، ولذلك بعد عَدّ حديثه قويّاً، قال: (لكن الخروج بذلك عن مقتضى الاُصول محلّ إشكال).

أقول: ولكن الرواية وإنْ كانت قضيّة في واقعة، إلّاأنّ نقل الإمام عليه السلام تلك القضيّة في مقام بيان الحكم من دون أن يُشير إلى خصوصيّة يُحتمل اعتبارها، دليلٌ على عدم الاختصاص، فالعمل على خبر السكوني.

نعم، إنْ كان تغريراً بالنفس، لم يجز القِصاص بمقتضى القاعدة.

***2.

ص: 294


1- مسالك الأفهام: ج 15/442.
2- راجع كشف الرموز: ج 2/662.
3- عدّة الأُصول: ج 1/380.
4- الرواشح السماويّة: ص 99.
5- الرسائل التسع: ص 64.
6- رياض المسائل: ج 14/222.

ومَنْ افتضَّ بِكْراً بإصبعه حتّى خَرَق مثانتها، فلم تَمْلِك بولها، فعليه ديتها، ومِثْلُ مَهر نسائها.

خَرق مثانة البِكْر

المسألة الخامسة: (ومَنْ افتضَّ بِكْرَاً بإصبعه حتّى خَرَق مثانتها، فلم تَملِك بولها ف) المشهور بين الأصحاب أنّ (عليه ديتها) كاملة، (ومِثْلُ مَهر نسائها).

فها هنا فرعان:

الفرع الأوّل: في حكم دية ذلك.

فالمشهور كما عرفت أنّ على من افتضّها دية المرأة كاملة، ويشهد به ما رواه الشيخ، عن هشام بن إبراهيم، عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّ لها الدِّية»(1).

وعن «الفقيه» وأكثر روايات أصحابنا في ذلك كاملة(2).

ولعلّه أراد منها الرويات في مسألة سَلَس البول، الدّالة على أنّ فيه الدِّية كاملة، وهي بضميمة ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرّجل، تدلّ على أنّ الدِّية في المرأة هنا هي تمام ديتها، وإلّا فلم يعثر الفقهاء على غير رواية هشام، كما صرّح به صاحبي «الرياض»(3) و «الجواهر»(4).

ص: 295


1- التهذيب: ج 10/308 نهاية حديث 26، وسائل الشيعة: ج 29/335 ح 35723.
2- الفقيه: ج 4/92.
3- رياض المسائل: ج 14/297-298.
4- جواهر الكلام: ج 43/289.

أقول: وأُورد على خبر هشام بضعف سنده للإرسال، ولتردّد هشام بين الثقة والضعيف، وعلى الروايات المُشار إليها، بلزوم تخصيصها بمعتبرة ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في رجلٍ افتضَّ جاريةً بإصبعه فَخَرق مثانتها، فلا تَملِك بولها، فجعل لها ثُلث الدِّية مائة وستّة وستّين ديناراً وثُلثي دينار، وقضى لها عليه بصداق مثل نساء قومها»(1).

ولكن ضعف خَبر هشام ينجبرُ بالشُّهرة، وهو يعارضُ معتبر ظريف، ويُقدّم عليه للشُّهرة.

وعليه، فالأظهر أنّ عليه ديتها.

الفرع الثاني: في حُكم مَهرها.

ويشهد به معتبر ظريف، والروايات المتقدّمة بأنّ عليه مِثلُ مَهر نسائها، فالأظهر أنّ عليه مِثل مَهر نسائها، كما هو المعروف بين الأصحاب.

***2.

ص: 296


1- التهذيب: ج 10/308 نهاية حديث 26، وايضا ص 262 ح 70، وسائل الشيعة: ج 29/335 ح 35722.

وفي كَسر عَظْمٍ من عضوٍ خُمس دية ذلك العضو، فإنْ صَلُح على غير عيبٍ فأربعة أخماس دية كسره.

دية كَسْرِ عَظْمٍ من عُضو

المسألة السادسة: (و) المشهور بين الأصحاب(1) أنّ (في كَسر عَظْمٍ من عضوٍ خُمس دية ذلك العضو، فإنْ صَلُح على غير عيبٍ فأربعة أخماس دية كَسره).

ولكن كما أفاده الأستاذ(2): إنّ مستند ذلك على الإطلاق غيرُ ظاهرٍ، حيثُ أنّ دية هذه الاُمور تختلف باختلاف الأعضاء، والنسبة غير محفوظة في الجميع، وعليه فالتحقيق في حكمه يقتضي البحث في فروع:

الفرع الأوّل: في كسر الظهر، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً.

الفرع الثاني: في كسر الترقوة، وقد مرّ الكلام فيه أيضاً.

الفرع الثالث: في كسر كلّ ضلعٍ من الأضلاع التي تُخالط القلب، وقد مرّ حُكمه أيضاً بالتفصيل.

الفرع الرابع: في كسر كلّ ضلعٍ من الأضلاع التي تلي العضدين، وقد تقدّم الكلام فيه أيضاً.

الفرع الخامس: في كسر المنكب إذا جُبر على غير عَثمٍ ولا عيبٍ خُمس دية اليد مائة دينار، وفي صَدْعه ثمانون ديناراً، ويشهد به:

ص: 297


1- راجع فقه الرّضا: ص 313، المقنعة: ص 766، الكافي في الفقه: ص 399.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 2/319.

معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «ودية المنكب إذا كُسِر خُمس دية اليد مائة دينار، فإنْ كان في المنكب صَدعٌ فديته أربعة أخماس كَسره، ثمانون ديناراً، الحديث»(1).

الفرع السادس: في كسر العضد إذا جُبِرت على غير عَثمٍ ولا عيب، خُمس دية اليد، لمعتبر ظريف:

«في العضد إذا انكسر فجُبِر على غير عَثْمٍ ولا عيبٍ ، فديتها خُمس دية اليد مائة دينار، الحديث»(2).

الفرع السابع: في كسر السّاعد إذا جُبِرت على غير عَثْمٍ ولا عيبٍ ، ثُلث دية النفس، وفي كَسر إحدى قصبتي السّاعد إذا جُبِرت على غير عَثْمٍ ولا عيبٍ مائة دينار، وفي صَدعها ثمانون ديناراً، والمستند:

معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «وفي السّاعد إذا كُسِر فَجُبر على غير عَثْمٍ ولا عيبٍ ثُلث دية النفس، ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، فإنْ كُسر إحدى القصبتين من السّاعدين، فدِّيته خُمس دية اليد، مائة دينار، وفي إحداهما أيضاً في الكسر لأحد الزندين خمسون ديناراً، وفي كليهما مائة دينار، فإنْ انصدَعَ إحدى القصبتين، ففيهما أربعة أخماس دية إحدى قصبتي السّاعد ثمانون ديناراً... الحديث».

كذا في «التهذيب»(3)، وفي «الفقيه»(4) مثله باختلافٍ يسير.0.

ص: 298


1- الكافي: ج 7/334 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/299 ح 35661.
2- الفقيه: ج 4/83، وسائل الشيعة: ج 29/300 ح 35662.
3- التهذيب: ج 10/301 ذيل الحديث 26.
4- الفقيه: ج 4/83 ذيل الحديث 5150.

وأمّا «الكافي»(1): فنُسَخه مختلفة، ففي بعضها: «إنّ دية كسر السّاعد خُمس دية اليد».

وفي ثانية: «إنّ ديته ثُلث دية النفس».

كما أنّ في بعضها: «إنّ دية كسر قصبتي السّاعد خُمس دية اليد».

وحيث أنّ نُسَخ «الكافي» مختلفة، فلا يُعتمد على شيء منها، وإنّما الاعتماد على رواية الشيخ والصَّدوق.

الفرع الثامن: في كسر المِرفق إذا جُبِر على غَير عَثْمٍ ولا عيبٍ مائة دينار، وفي صَدْعه ثمانون ديناراً، كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(2)، لمعتبر ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«وفي المِرفق إذا كُسر فَجُبر على غَير عَثْمٍ ولا عيبٍ فدِّيته مائة دينار، وذلك خُمس دية اليد، فإنْ انصدَعَ فدِّيته أربعة أخماس كسره ثمانون ديناراً، الحديث»(3).

الفرع التاسع: في كَسر كلا الزَّندين إذا جُبرا على غَير عَثْمٍ ولا عيبٍ مائة دينار، وفي كسر إحداهما خمسون ديناراً، ويشهدُ به خبر ظريف المتقدّم في مسألة كسر السّاعد.

الفرع العاشر: في كسر الكَفّ إذا جُبِرت على غير عَثمٍ ولا عيبٍ ، أربعون ديناراً، وفي صَدْعها اثنان وثلاثون ديناراً، لخبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«وفي الكَفّ إذا كُسِرت فَجُبِرت على غير عَثْمٍ ولا عيبٍ ، فدِّيتهاأربعون ديناراً،2.

ص: 299


1- الكافي: ج 7/335 ذيل الحديث 10.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 2/329.
3- الكافي: ج 7/335 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/300 ح 35662.

ودية صَدْعها أربعة أخماس دية كسرها اثنان وثلاثون ديناراً»(1).

ولكن في موضعٍ آخر من الخبر ما يدلّ على أنّ دية كَسر الكَفّ خُمس دية اليد مائة دينار، واحتمل بعض الأساطين أن تكون كلمة (الكَفّ ) في الموضع الثاني من غَلط النسّاخ، وأنّ الصحيح هو (الكتف)، وعليه فدية الكتف تكون كدية المِنكَب، وإن لم يتمّ ذلك، فحيثُ لا مرجِّح لأحد النقلين، والأمر يدور بين الأقلّ والأكثر، فتجري البراءة عن الأكثر المشكوك اشتغال الذِّمة به.

الفرع الحادي عشر: في كسر قَصَبة إبهام الكَفّ إذا جُبِرت على غير عَثْمٍ ولا عيبٍ ، ثلاثة وثلاثون ديناراً، وفي صَدْعها ستّة وعشرون ديناراً وثُلثا دينار.

وفي كسر كلّ قصبةٍ من قصبات أصابع الكَفّ دون الإبهام إذا جُبِرت على غير عَثمٍ ولا عيب، عشرون ديناراً وثُلثا دينار.

وفي كسر المِفصَل الذي فيه الظُّفر من الإبهام في الكَفّ ، إذا جُبر على غير عيبٍ ولا عَثمٍ ، ستّة عشر ديناراً وثُلثا دينار، وفي صَدْعها ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار.

وفي كسر كلّ مفصلٍ من الأصابع الأربع الّتي تلي الكَفّ غير الإبهام، ستّة عشر ديناراً وثُلثا دينار، وفي صَدع كلّ قصبةٍ منهنّ ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار.

وفي كسر المِفصل الأوسط من الأصابع الأربع، أحد عشر ديناراً وثُلث دينار، وفي صَدعه ثمانية دنانير ونصف دينار.

وفي كسر المِفصل الأعلى من الأصابع الأربع خَمسة دنانير وأربعة أخماس5.

ص: 300


1- الكافي: ج 7/336 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/302 ح 35665.

الدينار، وفي صدعه أربعة دنانير وخُمس الدينار.

ويشهد بجميع ذلك: معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«ودية قصبة الإبهام التي في الكَفّ تُجبر على غَير عثمٍ ، خُمس دية الإبهام، ثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار.

إلى أن قال: ودية المِفصل الثاني من أعلى الإبهام إنْ كُسِر فَجُبِر على غير عَثمٍ ولا عيبٍ ، ستّة عشر ديناراً وثُلثا دينار... ودية صَدعها ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار... ودية قَصَب أصابع الكَفّ سوى الإبهام، دية كلّ قصبةٍ عشرون ديناراً وثُلثا دينار.

إلى أن قال: ودية كسر كلّ مفصلٍ من الأصابع الأربع التي تلي الكَفّ ، ستّة عشر ديناراً وثُلثا دينار، وفي صَدْع كلّ قصبةٍ منهنّ ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار.

إلى أن قال: ودية المِفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قُطع، فدِّيته خمسة وخمسون ديناراً وثُلث دينار، وفي كسره أحد عشر ديناراً وثُلث دينار، وفي صَدْعه ثمانية دنانير ونصف دينار.

إلى أن قال: وفي كسر المِفصل الأعلى من الأصابع الأربع خمسة دنانير، وأربعة أخماس دينار، وفي صَدْعه أربعة دنانير وخُمس دينار» الحديث(1).

الفرع الثاني عشر: في الوَرِك إذا كُسِر فَجُبِر على غَير عَثمٍ ولا عيبٍ خُمس دية الرِّجلين، وفي صَدْعه أربعة أخماس دية كَسره.

وفي الفَخِذ إذا كُسِرت فَجُبِرت على غَير عَثْمٍ ولا عيبٍ ، خُمس دية الرِّجلين،).

ص: 301


1- الكافي: ج 7/334-338 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/302 ح 35665، التهذيب: ج 10/295-308 ح 26، (وهو حديث طويل ذكره الشيخ في التهذيب بالكامل).

فإنْ عُثِمت فديتها ثُلث دية النفس، وفي صَدْعها ثمانون ديناراً.

والشاهد بذلك كلّه: خبر ظريف، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «في الوَرِك إذا كُسِر فَجُبِر على غَير عَثمٍ ولا عيبٍ ، خُمس دية الرِّجلين مائتا دينار، وإنْ صُدِع الوَرِك فدِّيته مائة وستّون ديناراً، أربعة أخماس دية كسره.

إلى أن قال: وفي الفَخِذ إذا كُسِرَت فجُبِرت على غَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ ، خُمس دية الرِّجلين مائتا دينار، فإنْ عُثِمت فدِّيتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، وذلك ثُلث دية النفس، ودية صَدع الفَخِذ أربعة أخماس دية كسرها، مائة دينار وستّون ديناراً»(1).

أقول: ثمّ إنّ المراد من الوَرِك في صدر الخبر: كلا وَرَكي الرِّجلين، إذ - مضافاً إلى ظهوره في نفسه في ذلك، لأجل نسبة ديته إلى دية الرِّجلين دون دية النفس - أنّه صرّح فيه بأنّ دية كسر أحد الوركين مائة دينار، وكذا في الفَخِذ، وعلى ذلك فتقريبُ الاستدلال بالخبر لما ذكرناه واضح.

الفرع الثالث عشر: وفي كسر الرُّكبة إذا جُبِرت على غَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ مائة دينار، وفي صَدْعها ثمانون ديناراً، وفي كسر السَّاق إذا جُبِرت على عَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ مائة دينار، ومع العَثم مائتان وستّون ديناراً وثُلثا دينار، وفي صَدْعها ثمانون ديناراً، لمعتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«وفي الرُّكبة إذا كُسِرت وجُبِرت على غَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ خُمس دية الرِّجلين مائتا دينار، فإن انصدَعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها، مائة وستّون ديناراً،0.

ص: 302


1- الكافي: ج 7/339 ح 10.

ودية موضِّحتها رُبع دية كسرها خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها مائة دينار، وخمسة وسبعون ديناراً، منها دية كسرها مائة دينار.

إلى أن قال: وفي السَّاق إذا كُسِرت فَجُبِرت على غَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ ، خُمس دية الرِّجلين مائتا دينار، ودية صَدْعها أربعة أخماس دية كسرها، مائة وستّون ديناراً.

إلى أن قال: فإنْ عُثِم السَّاق فديتها ثُلث دية النفس، ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، الحديث»(1).

أقول: ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من الرُّكبة في صدر الحديث، كلتا الرُّكبتين، لقوله عليه السلام فيه: «فيها دية كسرها مائة دينار»، ولنسبتها إلى الرِّجلين، كما أنّ المراد من السَّاق كلتا الساقين، لعين ما تقدّم في الرُّكبة.

الفرع الرابع عشر: في القَدَم إذا كُسِرت فَجُبرت على عَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ ، مائة دينار، وفي كَسر قَصَبة الإبهام الّتي تلي القَدَم، خُمس دية الإبهام، ثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، وفي كسر الأعلى من الإبهام، وهو الثاني الذي فيه الظُّفر ستّة عشرة ديناراً وثُلثا ديناراً، وفي كسر قَصَبة كلٍّ من الأصابع الأربع سوى الإبهام ستّة عشر ديناراً وثُلثا دينار، ودية صَدْعها ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار، وفي كسل المفصل الأخير من كلّ من الأصابع الأربع من القَدَم غير الإبهام، ستّة عشر ديناراً وثُلث دينار، وفي صَدْعها ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار، وفي كَسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر ديناراً وثُلثا دينار، وفي صَدْعها ثمانية دنانير وأربعة أخماس دينار، وفي كَسر المفصل الأعلى منها كدِّيته في اليد، وكذلك في صَدْعها.

يشهد بذلك كلّه: معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:0.

ص: 303


1- الكافي: ج 7/340 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/307 ح 35670.

«في القَدَم إذا كُسِرت فَجُبِرت على غَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ ، خُمس دية الرِّجل مائتا دينار.

إلى أن قال: ودية كسر قصبة الإبهام الّتي تلي القَدَم خُمس دية الإبهام، ستّة وستّون ديناراً وثُلثا دينار(1).

إلى أن قال: وفي صَدْعها ستّة وعشرون ديناراً وثُلثا دينار.

إلى أن قال: ودية المفصل الأعلى من الإبهام (في القدم) - وهو الثاني الذي فيه الظُّفر - ستّة عشر ديناراً وثُلثا دينار... وفي صَدْعها ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار.

إلى أن قال: ودية قصبة الأربع سوى الإبهام، دية كلّ قصبةٍ منهنّ ستّة عشر ديناراً وثُلث (دينار).

إلى أن قال: ودية صَدْعها ثلاثة عشر دينار وثُلثا دينار.

إلى أن قال: ودية كَسر كلّ مفصلٍ من الأصابع الأربع التي تلي القَدَم، ستّة عشر ديناراً وثُلث دينار، ودية صَدْعها ثلاثة عشر ديناراً وثُلث دينار.

إلى أن قال: ودية كسره (المفصل الأوسط من الأصابع) أحد عشر ديناراً وثُلثا دينار، ودية صَدعه ثمانية دنانير، وأربعة أخماس دينار... وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع التي فيها الظُّفر إذا قُطِع، فدِّيته سبعة وعشرون ديناراً وأربعة أخماس دينار، ودية كسره خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار، ودية صَدعه أربعة دنانير وخُمس دينار، الحديث»(2).1.

ص: 304


1- أقول: ما في الخبر بيان دية كسر كلتا القصبتين بقرينة أنّ الستّة والستّين ديناراً وثُلثي دينار خُمس دية كلتا الإبهامين لا الواحدة.
2- الكافي: ج 7/338 ذيل الحديث 11، وسائل الشيعة: ج 29/308 ح 35671.

وفي موضّحته رُبع دية كسره، وفي رَضِّه ثُلث ديته، فإنْ بَرئ على غَير عيبٍ فأربعة أخماس دية رَضِّه، وفي فَكِّه من العضو بحيثُ تتعطّل ثُلثا دية ذلك العضو، فإنْ صَلُح فأربعة أخماس دية فَكّه.

(و) قال الشّيخان(1)، وتبعهما من تأخّر عنهما: إنّ (في موضِّحته) أي في موضِّحة كلّ عضوٍ (رُبع دية كَسره).

وعن السيّد ابن زُهرة(2): دعوى الإجماع عليه، ولم يُنقَل الخلافُ عن أحدٍ.

(و) أيضاً قالا: (في رَضِّه ثُلث ديته) إنْ لم يَبرأ، أو عَثِم (فإنْ بَرئ على غير عيبٍ ، فأربعة أخماس دية رَضِّه) وبه قال جميعُ من تأخّر عنهما، وادّعى عليه الإجماع.

(و) قالا (في فكّه من العضو بحيثُ تتعطَّل، ثُلثا دية العضو، فإنْ صَلُح فأربعة أخماس دية فكّه) ولم يُنقل الخلاف عن أحدٍ هنا أيضاً.

أقول: ها هنا مسائل:

المسألة الأُولى : في الموضِّحة وما ذكروه من أنّ فيها رُبع دية الكَسر، يتمُّ في الفروع المتقدّمة، إلّافي موضِّحة الترقوة، فإنّه في كسرها أربعون ديناراً، وفي موضِّحتها خمسة وعشرون ديناراً، وإلّا في موضحة الكَفّ فإنّه في كسرها أربعون ديناراً، وفي موضِّحتها خمسة وعشرون ديناراً، وإلّا في موضّحة المِفصل الأعلى من الأصابع الأربع، فإنّ في كسره خمسة دنانير وأربعة أخماس الدينار، وفي موضِّحته دينارين وثُلث الدينار.8.

ص: 305


1- النهاية: ص 776، المقنعة: ص 766.
2- غنية النزوع: ص 418.

والشاهد لجميع ذلك: ما رواه ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، والخبر مرويٌّ بسندٍ صحيح في «الفقيه»(1).

المسألة الثانية: في الرَّض، فقد صَرّح الأكثر بالتفصيل المشار إليه.

وعن «المراسم»(2): إطلاق الثُّلث من غير تفصيلٍ بين البُرء من غير عيبٍ وعدمه.

ولم يَشر الأصحاب إلى المستند، والظاهر أنّ المستند خصوص خبر ظريف، والموجود فيه:

«في رَضِّ كلٍّ من المنكب والمِرْفَق والوَرِك والرُّكبة إذا جُبرت على غَير عَثْمٍ ثُلث دية النفس».

والظاهر أنهم حملوه على رَضِّ المَنكبين والمِرْفَقين، وكذلك الباقيان، وفيه أيضاً أنّ في رَضِّ الرُّسغ إذا انجبر على عَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ ثُلث دية اليد، وفي المنكب إذا جُبِر على عَير عَثْمٍ ولا عَيبٍ ثُلث دية الرِّجل.

المسألة الثالثة: في الفَكّ ، وقد سمعتَ ما ذهب إليه الأكثر، إلّاأنّ الموجود في كتاب ظريف:

«في فكّ كلٍّ من المنكب والمِرفق والوَرِك والرُّكبة ثلاثون ديناراً، وفي فكّ الكَفّ ثُلث دية اليد، وفي فكّ قَصَبة الإبهام من اليد أو الرِّجل التي تلي الكَفّ أو القدم عَشَرة دنانير، وفي فكّ المِفصَل الأعلى من إبهام الرِّجل خَمسة دنانير، وكذا في8.

ص: 306


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/75-92 ح 5150 قوله: (رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ ظَرِيفِ بْنِ نَاصِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الرَّوَّاسِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّبِيب).
2- المراسم العلويّة: ص 248.

فكّ المِفصَل الثالث من سائر أصابع اليد أو الرِّجل، وفي فكّ الأوسط والأعلى من سائر أصابع اليد، ثلاثون ديناراً وثُلثا دينار، وفي فكّ الأوسط من أصابع الرِّجل ثلاثة دنانير، وفي فكّ الأعلى من سائر أصابع الرِّجل ديناران وأربعة أخماس دينار» كذا في «الكافي»(1).

وفي «الفقيه»(2)، و «التهذيب»(3): «في فكّ أوسط سائر أصابع الرِّجل أيضاً ثلاثة دنانير وثُلث دينار، وفي أعلى مفاصل سائر أصابع الرِّجل دينارٌ وأربعة أخماس دينار».

وقد تقدّم أنّه في مورد تعارض النقلين، وعدم المرجّح، يُؤخذ بالأقلّ ، وتجرى البراءة عن اشتغال الذِّمة بالأكثر المشكوك فيه، وعليك بالتأمّل في الخبر، واستفادة الحكم في كلّ موردٍ منه.

***4.

ص: 307


1- الكافي: ج 7/341 ح 10.
2- الفقيه: ج 4/85.
3- التهذيب: ج 10/304.

الفَصلُ التّاسع: في ديات المنافع:

في العقل الدِّية،

الفَصلُ التّاسع ديات المنافع

اشارة

(الفَصلُ التّاسع: في ديات المنافع).

أقول: وفيه مطالب:

المطلب الأوّل: (في العقل) وفي ذهابه (الدِّية) كاملة، بلا خلافٍ فيه بين الأصحاب(1) في الجملة.

ويشهد به: نصوصٌ عديدة:

منها: صحيح إبراهيم بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ ضَرَب رجلاً بعصا، فَذَهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفَرْجه، وانقطع جِماعه، وهو حَيٌّ بسِّت دياتٍ »(2).

ومنها: صحيح أبي عُبيدة الحذّاء، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ ضَرَب رجلاً بعمود فِسطاطٍ على رأسه ضربةً واحدة، فأجافه حتّى وصلت الضَّربة إلى الدماغ، فذهب عقله ؟

قال عليه السلام: إنْ كان المضروب لا يَعقل منها (أوقات) الصلاة، ولا يَعقل ما قال،

ص: 308


1- غنية النزوع: ص 416، المختصر النافع: ص 302، كشف الرموز: ج 2/664.
2- الكافي: ج 7/325 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/365 ح 35788.

وفي نقصه الأرش.

ولا ما قيل له، فإنّه يُنتظَر به سنة فإنْ مات فيما بينه وبين السنة اُقيد به ضاربه، وإن لم يَمُت فيما بينه وبين السنة، ولم يَرجع إليه عَقلُه، اُغرم ضاربه الدِّية في ماله لذهاب عقله.

قلت: فما ترى عليه في الشَّجة شيئاً؟

قال عليه السلام: لا، لأنّه إنّما ضرب ضربةً واحدة، فجَنَت الضَّربة جنايتين، فألزمته أغلظ الجنايتين، وهي الدِّية، ولو كان ضَرَبه ضربتين فَجَنَت الضربتان جنايتين، لألزمته جناية ما جَنتا كائنةً ما كانت، إلّاأن يكون فيهما الموت بواحدةٍ ، وتُطرح الأُخرى ، فيُقاد به ضاربه، فإن ضربه ثلاثُ ضرباتٍ ، واحدةً بعد واحدة، فجنينَ ثلاثُ جناياتٍ ، ألزمته جناية ما جَنَت الثلاث ضربات، كائنات ما كانت، ما لم يكن فيها الموت فيُقاد به ضاربه.

قال: فإن ضربه عشر ضربات، فجنينَ جنايةً واحدة، ألزمته تلك الجناية التي جَنَتها العَشرُ ضَرَبات»(1).

ونحوهما غيرهما(2).

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: إنّ الدليل إنّما دلّ على ثبوت الدِّية في ذهاب العقل، (و) أمّا (في نقصه) فلا دليل عليه، فالمرجع هو الحكومة، و (الأرش) بعد أن لا طريق إلى تقدير).

ص: 309


1- الكافي: ج 7/325 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/366 ح 35789.
2- وسائل الشيعة: ج 29/366 باب: (حكم من ذهب عقله وعاد).

النقصان كي تُوزّع عليه الدِّية.

ولكن عن «المبسوط»(1)، و «الوسيلة»(2)، وفي «القواعد»(3): أنّه يُقدّر بالزمان، فلو جُنَّ يوماً وأفاق يوماً، كان الذاهب نصفه، أو جُنَّ يوماً وأفاق يومين كان الذاهب ثُلثه، وهكذا.

بل عن «مجمع الفائدة والبرهان»(4): (لا كلام إن عُلِم نسبة الذّاهب إلى الباقي).

ولكن يُردُ على ذلك: - مضافاً إلى ما في «الشرائع»(5) من أنّه تخمينٌ ، وفي «المسالك»(6) ما ذكره في «المبسوط»، مع كونه تخميناً لا يرجعُ إلى دليلٍ صالح - أنّه لا يتمُّ في جميع أفراد النقص، بل الغالب منهما، كما لو اتّفق نقصه في جميع الأوقات، ولم يذهب رأساً، فلا طريق له إلّانظر الحاكم.

ثمّ الزائل على صور:

1 - فقد ينضبط للحاكم بالزَّمان، كما ذكره الشيخ.

2 - وقد ينضبطُ بغيره، بأن يُقابل صواب قوله، ومنظوم فعله بالخطاء، فحينئذٍ يُنظر النسبة بينهما.

3 - وقد لا يمكنه الضبط، بأن كان يفزعُ أحياناً ممّا لا يفزع منه، أو يستوحشُ إذا خلا، فيرجع في تقديره إلى اجتهاد3.

ص: 310


1- المبسوط: ج 7/126.
2- الوسيلة: ص 444.
3- قواعد الأحكام: ج 3/684.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 14/426.
5- شرائع الإسلام: ج 4/1038.
6- مسالك الأفهام: ج 15/443.

ولو عاد لم يرتجع الدِّية.

الفرع الثاني: لا قِصاص في ذهابه ولا في نقصانه، بلا خلافٍ ، لعدم العلم بمحلّه المختلف فيه أنّه القَلب أو الدَّماغ أو غيرهما، مع أنّه فيه من التغرير الذي لا قِصاص مع احتماله، كما مرّ.

الفرع الثالث: (ولو) جَنى عليه وذَهَب عقله، فأخذ الدِّية، ثمَّ (عاد)، ففيه أقوال:

أحدها: إنّه (لم يُرتَجع الدِّية)، والظاهر أنّه المشهور بين الأصحاب(1).

القول الثاني: ما قاله في «القواعد»(2) بعد الحكم بثبوت الدِّية بذهاب العقل:

(هذا إذا حَكَم أهلُ الخبرة بعدم زوال العارض، وإن حكموا بزواله انتُظر ظهور حاله، فإن استمرّ فالدِّية، وإن عاد قبل استيفاء الدِّية فلا يُطالب بالدِّية، بل يُطالب بالأرش، وإن عاد بعده أُمر بالرَّد)، انتهى .

القول الثالث: ما عن المحقّق الأردبيلي رحمه الله(3) من التفصيل: بين العود في أثناء السَّنة فالدِّية ساقطةٌ ، وبين العود بعدها، فلا يُرتجع الدِّية.

مستند القول الثالث: صحيح أبي عُبيدة، وبه يُرفع اليد عمّا استدلّ به للقول الأوّل من إطلاق الأدلّة، إلّاأنّه لإعراض الأصحاب عنه، وعدم إفتاء أحدٍ منهم بمضمونه، يُشكَلُ الاعتماد عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

نعم، لو تمّ ما ادّعاه بعضٌ (4) من أنّ عوده في أثناء السنة يكشفُ عن عدم ذهابه7.

ص: 311


1- راجع شرائع الإسلام: ج 4/1039، تحرير الأحكام: ج 5/607، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 265.
2- قواعد الأحكام: ج 3/684.
3- مجمع الفائدة: ج 14/426.
4- تكملة مباني المنهاج: ج 2/347.

واقعاً وحقيقةً ، يتمُّ القول الثالث، ولا يبقى موردٌ للرجوع إلى إطلاق الأدلّة، بل لو شكّ في ذلك أيضاً لم يصحّ التمسّك بالإطلاق، فيرجَّحُ القول الثالث.

ويؤيّده: صحيح سليمان بن خالد الآتي في السَّمع.

وأمّا خبر أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قلتُ له: جُعِلتُ فداك، ما تقول في رجلٍ ضَرَب رأس رجلٍ بعمودِ فسطاطٍ فأمَّه حتّى ذهب عقله ؟ قال عليه السلام: عليه الدِّية.

قلت: فإنّه عاشَ عَشَرة أيّام أو أقلّ أو أكثر، فرجع إليه عقله، ألهُ أن يأخذ الدِّية ؟

قال عليه السلام: لا، قد مضت الدِّية بما فيها، الحديث»(1).

فهو ضعيفُ السَّند، لا يُعتمد عليه.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ ضعفه منجبرٌ بالعمل.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور.

وأمّا لو رجع بعد السَّنة، فلا كلام ولا إشكال في عدم الرجوع بالدِّية.

الفرع الرابع: لو جَنى على شخصٍ فأوجبَ جنوناً أدواريّاً، فالظاهر انصراف النصوص عنه، فالمرجع فيه الحكومة.

وما عن الشيخ(2) والمصنّف رحمه الله(3): من أنّ الدِّية تُقسَّط بالزمان، فلا دليل عليه أصلاً، إلّاأن يكون مرادهم بذلك الحكومة، ولا بأس به.2.

ص: 312


1- التهذيب: ج 10/252 ح 34، وسائل الشيعة: ج 29/367 ح 35790.
2- المبسوط: ج 7/126.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/242.

الفرع الخامس: لو شَجَّ شخصاً شجَّةً فذهب بها عقله:

فإنْ كانت الشَّجة وذهاب العقل بضربةٍ واحدة، تداخلت دياتهما.

وإنْ كانتا بضربتين، فَجَنى بكلّ ضربةٍ جنايةً ، لم تتداخلا.

وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً في القِصاص، في مسألة ما إذا كان الجارح والقاتل متعدّداً، فراجع.

***

ص: 313

وفي السَّمع الدِّية.

ديَّة السَّمع

(و) المطلب الثاني: (في السَّمع):

ففي ذهابه كلّه (الدِّية) كاملةً ، بلا خلافٍ أجده، بل عليه الإجماع في «التحرير»(1)، وظاهر «الغُنية»(2).

والشاهد به: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح يونس: «أنّه عَرَض على الإمام الرِّضا عليه السلام كتاب الدِّيات، وكان فيه: «في ذهاب السَّمع كلّه ألف دينار... الحديث»(3).

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّه قال: في رجلٍ ضَرَب رجلاً في اُذُنه بعظمٍ ، فادّعى أنّه لايسمع ؟

قال عليه السلام: يُترصّد ويُستغفل ويُنتظر به سنة، فإن سمع، أو شهد عليه رجلان أنّه يَسمع، وإلّا حَلّفه وأعطاه الدِّية.

قيل: يا أمير المؤمنين، فإنْ عُثر عليه بعد ذلك أنّه يَسمعها شىءٌ؟

قال: إن كان اللّه رَدَّ عليه سمعه لم أرَ عليه شيئاً»(4).

ومنها: صحيح إبراهيم بن عمر المتقدّم.

ص: 314


1- تحرير الأحكام: ج 5/608.
2- غنية النزوع: ص 417.
3- الكافي: ج 7/311 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35626.
4- الكافي: ج 7/322 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/361 ح 35781.

وفي سمع إحدى الاُذنين النصف. ولو نقَصَ سَمعُ إحداهما قِيسَ إلى الأُخرى ، ويُؤخَذُ بحسب التفاوت بين المسافتين.

(وفي) إذهاب (سَمع إحدى الاُذنين النصف) مطلقاً، من غير فرقٍ بين ما لو كانت إحداهما أحدّ من الأُخرى أم لا، بل بين أن تكون له ما عداها أم لا، كانت التالفة بآفةٍ من اللّه تعالى أم بجنايةِ جانٍ ، بلا خلافٍ ، إلّامن ابن حمزة(1) حيث ذهب إلى وجوب الدِّية الكاملة، إن كانت الأُخرى ذاهبة بآفةٍ من اللّه تعالى ، ولا دليل له في مقابل إطلاق الأدلّة، سوى القياس بعين الأعور، وهو كما ترى .

وبالجملة: مقتضى إطلاق النصوص، ثبوت النصف في جَميع الموارد، ولا مَخرَج له في شيءٍ من الموارد.

وعند بعضٍ : السَّمع بحسابه من الدِّية بلا خلافٍ ، للقاعدة، مضافاً إلى خبر أبي بصير الآتي، (و) حينئذٍ ف (لو نَقَص سمعُ إحداهما قِيسَ إلى الأُخرى ، ويُؤخذ بحسب التفاوت بين المسافتين)، وهذه الكيفيّة لاستعلام النسبة بين الصحيحة والناقصة، هي المشهورة بين الأصحاب(2).

والمستند: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ وُجئ في اُذنه، فادّعى أنّ إحدى اُذنيه نقَصَ مِنْ سَمعها شيئاً؟

قال: تُسدّ التي ضُرِبت سَدّاً شديداً، ويُفتح الصحيحة فيُضرب له بالجَرَس، ويُقال له: اسمع، فإذا خَفي عليه الصوت عُلّم مكانه، ثُمَّ يُضرب به من خلفه ويقال5.

ص: 315


1- الوسيلة: ص 445.
2- راجع المبسوط: ج 7/126، شرائع الإسلام: ج 4/1039، قواعد الأحكام: ج 3/685.

له: اسمع، فإذا خَفي عليه الصوت عُلّم مكانه، ثُمَّ يُقاس ما بينهما، فإن كان سواء، عُلم أنّه قد صَدَق، ثُمَّ يؤخذ به عن يمينه فيُضرَب به حتّى يَخفى عليه الصوت، ثُمَّ يُعلَّم مكانه، ثُمَّ يُؤخذ به عن يساره فيُضرَب به حتّى يَخفى عليه الصَّوت، ثُمَّ يُعلّم مكانه، ثُمَّ يقاس، فإنْ كان سواء عُلِم أنّه قد صَدَق.

قال: ثُمَّ تُفتح اُذنه المعتلّة وتُسدّ الأُخرى سَدّاً جيّداً، ثُمّ يُضرب بالجَرَس من قُدّامه ثُمّ يُعلّم حيث يخفى عليه الصوت، يُصنع به كما صَنَع أوّل مرّة باُذُنه الصحيحة، ثُمَّ يقاس فضل ما بين الصحيحة والمعتلّة، بحساب ذلك»(1).

والإيراد عليه: بضعف السَّند لعلي بن أبي حمزة.

غير واردٍ: لإستناد الأصحاب عليه، ولكون الرّاوي عنه هو الحسن بن محبوب.

نعم، ما أفاده صاحب «الجواهر»(2) من أنّه إنْ عُلم صدقه بدون ذلك، لايجبُ الاعتبار بالصّوت من الجوانب الأربعة، متينٌ ، فإنّه في مقام جعل الأمارة، فمع انكشاف الواقع لا حاجة بها.

ويؤيّده: ما عن «كتاب ظريف»، فإنّه بعد ذكر المناسبة بين العينين، قال:

«وإن كان السَمع فعلى نحو ذلك غير أنّه يُضرب له شيءٌ كي يُعلم منتهى سمعه، ثُمّ يقاس ذلك»(3).

ونحوه فيما عرضه يونس على الرِّضا عليه السلام الآتي(4).ء.

ص: 316


1- الكافي: ج 7/322 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/362 ح 35782.
2- جواهر الكلام: ج 43/299.
3- الكافي: ج 7/324 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/374 ح 35804.
4- يأتي في الصفحات الآتية من هذا الجزء.

ولو نَقَص سَمعُهُما، قِيسَ إلى المساوي له في السِّن.

(ولو نَقَص سمعهما، قِيسَ إلى المُساوي له في السِّن) بأن يُوقَف بالقريب إنسانٌ يصيحُ ، فإنْ سَمِع تباعَد إلى حَدٍّ لا يسمُع، وعُلّم على الموضع علامة، ثُمّ يزيد في البُعد حتّى ينتهي إلى آخر موضعٍ من البُعد يُسمع فيه مثل ذلك مَنْ هو سميعٌ ، لا آفة به، في مِثل سِنّ المجنيّ عليه، فيُنظر كم بين المسافتين، ويُقسَّط الدِّية على المسافة الثانية، فتوجب من الدِّية بقدر النقصان.

أقول: والظاهر أنّ هذه أمارة عرفيّة، وقد أمضاها الشارع الأقدس في نقصان البَصَر كما سيمرّ عليك.

وماذكرناه في ذهاب السَّمع، إنّما هو فيما لو أُحرز الواقع، وأنّه قد ذَهَب السَّمع.

وأمّا لو لم يُحرَز ذلك، فقد يقال: إنّه يؤجّل إلى سنة ويُترصَّد ويُستغفل بسؤاله، فإن انكشف الخلاف، وبانَ أنّه يَسمع، أو شهد بذلك شاهدٌ، فليس له مطالبة الدِّية.

ويشهد به: صحيح سليمان بن خالد المتقدّم، وقريبٌ منه خبره الآخر(1).

وأمّا صحيح عليّبن جعفر، عن أخيه موسيبن جعفر عليهما السلام: «عن رجلٍ ضُرِب بعظمٍ في اُذُنه، فادّعى أنّه لا يسمع ؟

قال عليه السلام: إذا كان الرّجل مُسلماً صُدِّق»،(2) الذي قيل إنّه يعارض الصحيح، ويُقدَّم الصحيح عليه، لوجوهٍ لا تخفى ، فهو غير مربوطٍ بما هو محلّ البحث، كما لايخفى ، ولكن الأصحاب لم يعملوا بالصحيح، وإنّما أحالوا الأمر إلى أهل الخُبرة،4.

ص: 317


1- وسائل الشيعة: ج 29/363 ح 35783 و 35784.
2- وسائل الشيعة: ج 29/363 ح 35783 و 35784.

فإن شهدوا باليأس لزمت الدِّية، وإنْ شهدوا بالعود بعد مُدّةٍ ، أو قالوا إنّه مرجوّ إلى مدّةِ كذا، فلا دية قبل انقضائها، والإعراض مسقطٌ للخبر عن الحجيّة.

أقول: وما أفاده المشهور هو مقتضى القاعدة، وهو الصحيح.

وأمّا لو وقع الاختلاف بين الجاني والمجنيّ عليه:

وادّعى المجنيّ عليه ذهاب السَّمع كلّه، وأنكره الجاني:

فإنْ أثبته المجنيّ عليه، فلا كلام، وإلّا فعليه أن يأتي بالقَسامة، بأن يحلف هو وخمسة أشخاص إن وُجِدوا، وإلّا حَلف هو ستُّ مرّاتٍ ، فيثبتُ له الدِّية.

والشاهد به: صحيح يونس، ومعتبر ابن فضّال، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام: إذا أُصيبَ الرّجل في إحدى عينيه.

إلى أن قال: والقَسامة مع ذلك من الستّة الأجزاء على قدر ما أُصيب من عينيه، فإن كان سُدس بَصَره، حُلّف هو وحده واُعطي، وإن كان ثُلث بَصَره حُلّف هو، وحَلَف معه رجلٌ واحد، وإن كان نصف بصره حُلّف هو وحُلِّف معه رجلان، وإنْ كان ثُلثي بَصَره حُلِّف هو وحُلّف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بَصَره، حُلّف هو وحَلِف معه أربعة نفر، وإن كان بَصَره كلّه حُلّف هو وحُلّف معه خمسة نفر، وكذلك القَسامة كلّها في الجروح، وإن لم يكن للمصاب بَصَره من يحلف معه، ضُوعفت عليه الأيمان.

إلى أن قال: وإنّما القَسامة على مبلغ منتهى بَصَره، وإن كان السَّمع فعلى نحو من ذلك، غير أنّه يُضرب له بشيء حتّى يُعلم منتهى سمعه، ثُمّ يُقاس ذلك، والقَسامة على نحو ما ينقص من سَمعه، فإنْ كان سمعه كلّه، فخيف منه فجورٌ، فإنّه يُترك حتّى

ص: 318

إذا استقلّ نوماً صِيحَ به، فإنْ سَمِع قاس بينهم الحاكم برأيه، الحديث»(1).

وبه يقيّد إطلاق التحليف في صحيح سليمان المتقدّم.

وبذلك يظهر أنّه إن كان المُدَّعى النقص في سَمعِ كلتا الاُذنين، وثبت ببيّنةٍ ، فلا كلام، وإلّا فعليه القَسامة بالنسبة، وبالنحو المذكور في الخبر.

ولو ادُّعي ذهابَ سَمع إحدى الاُذُنين أو نقصه، فالحكم ما ذُكر في الصحيح.

ذهاب السَّمع بقطع الاُذنين

ولو أوجب قطع الاُذنين ذهاب السَّمع، فلا خلافَ بين الأصحاب(2) في أنّ فيه ديتين: ديةٌ لقطعهما، وديةٌ لذهاب السَّمع، لإطلاق دليل دية كلّ منهما، والتداخل يحتاجُ إلى دليلٍ مفقود.

ويؤكّده: صحيح إبراهيم بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ ضَرَب رجلاً بعصا، فَذَهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفَرجه، وانقطع جماعه وهو حَيّ بستِّ دياتٍ »(3).

وصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «ضَرَب رجلٌ رجلاً في هامته على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فادّعى المضروب أنّه لا يَبصرُ بعينه شيئاً، وأنّه لا يَشمُّ رائحةً ، وأنّه قد خَرِس فلا يَنطُق ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنْ كان صادقاً، فقد وجبت له ثلاث ديات النفس، الحديث»(4).

ص: 319


1- الكافي: ج 7/324 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/374 ح 35804.
2- راجع المبسوط: ج 7/126، قواعد الأحكام: ج 3/685، كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/409.
3- الكافي: ج 7/325 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/365 ح 35788.
4- الفقيه: ج 3/19 ح 3250، المستدرك: ج 18/393 ح 23060.

وأمّا صحيح أبي عُبيدة المتقدّم في مسألة دية ذهاب العقل، المتضمّن: «أنّ الجنايتين إذا كانتا بضربةٍ واحدةٍ ففيهما أغلظ الجنايتين»، فهو في غير المقام، بل مورده ما إذا كانت الجنايتان طوليّتين، بأن تكون إحداهما مسبّبة عن الأُخرى ، ومترتّبة عليها، وكون إحداهما أغلظ من الأُخرى ، وأمّا إذا لم تكن إحداهما أغلظ من الأُخرى ، أو لم تكونا طوليّتين بل عَرضيّتين، سواءٌ أكانتا متساويتين أم مختلفتين، فلكلّ منهما دية.

***

ص: 320

وفي ضوء كلّ عينٍ نصفُ الدِّية.

دِيةُ ذهاب ضَوء العين

المطلب الثالث: في ضوء العين:

(وفي) إذهاب (ضَوء كلّ عينٍ نصفُ الدِّية)، وفي ذهابه منهما الدِّية كاملة، بلا خلافٍ ، وعليه الإجماع في كلماتِ غير واحدٍ(1).

ويشهد به:

1 - معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «والضوء كلّه من العينين ألف دينار»(2).

2 - وصحيحا محمّد بن قيس، وإبراهيم بن عمر المتقدّمان في المطلب الثاني، وعرفت أنّ مقتضى إطلاق الروايات كون الدِّية في كلٍّ من العينين النصف.

وإنْ ادَّعى المجنيّ عليه ذهاب بَصَره كُلّه، وأنكره الجاني، أو قال لا أعلم:

فالمشهورُ بين الشيخ(3) ومن تأخّر عنه أنّه يُختبر بجعل عينيه في مقابل نورٍ قويّ كالشمس ونحوها، فإن بقيتا مفتوحتين، كان صادقاً، واستحقّ الدِّية، وإنْ لم يتمالك حتّى يغمض عينيه، فهو كاذبٌ ، ولا دية له.

ويشهد به: خبر الأصبغ بن نُباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«عن رجلٍ ضَرَب رجلاً على هامته، فادّعى المضروب أنّه لا يَبصُر...

ص: 321


1- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/511.
2- وسائل الشيعة: ج 29/284 ح 35627.
3- النهاية: ص 765.

وفي نقصان ضوء إحداهما بحسابه.

إلى أن قال الإمام عليه السلام: فأمّا ما ادّعاه في عينيه، فإنّه يُقابل بعينيه الشمس، فإن كان كاذباً لم يتمالك حتّى يَغمض عينيه، وإنْكان صادقاً بقيتا مفتوحتين، الحديث»(1).

ورواه الصَّدوق قدس سره(2) بسنده الصحيح إلى عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، ومعه لا مورد لمناقشة جمعٍ من الأساطين - كالمحقّق في «النافع»(3)، والشهيد في «المسالك»(4)، والسيّد في «الرياض»(5)، والشيخ في «الجواهر»(6)، وغيرهم في غيرها(7) - في سنده، وبهذا الامتحان يُحرز ذهاب الضوء وعدمه، وحينئذٍ إنْ لم يكن ترتبه على الجناية على تقديره مورد الاختلاف، فلا كلام، وإلّا فيتوقّف إثبات الدّعوى مع عدم البيّنة على القَسامة، على النحو الذي يتضمّنه صحيح يونس الآتي.

وبذلك يظهر أنّ ما قيل من معارضة خبر الأصبغ بن نُباتة مع صحيح يونس في غير محلّه، وسيأتي زيادة توضيحٍ لذلك إن شاء اللّه تعالى .

(وفي نقصان ضوء إحداهما بحسابه) من الدِّية بلا خلافٍ .

ويشهد به: صحيح يونس، ومعتبر ابن فضّال، قال:3.

ص: 322


1- الكافي: ج 7/323 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/363 ح 35785.
2- الفقيه: ج 3/19 ح 3250.
3- المختصر النافع: ص 303.
4- مسالك الأفهام: ج 15/418.
5- رياض المسائل: ج 14/303.
6- جواهر الكلام: ج 43/304.
7- مجمع الفائدة: ج 14/383.

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام: إذا أُصيب الرّجل في إحدى عينيه، فإنّها تُقاس ببيضةٍ تُربط على عينه المُصابة، ويُنظر ما منتهى عينه الصحيحة، ثمّ تُغطّى عينه الصحيحة ويُنظر ما منتهى نظر عينه المُصابة، فيُعطى ديته من حساب ذلك، والقَسامة مع ذلك من الستّة الأجزاء، على قدر ما أُصيب من عينه، فإنْ كان سُدس بَصَره، حُلِّف هو وحده واُعطي، وإنْ كان ثُلث بَصَره حُلّف هو وحَلِف معه رجلٌ آخر، وإن كان نِصفُ بَصَره حُلّف هو وحَلِف معه رجلان، وإنْ كان ثُلثي بَصره حُلّف هو، وحَلِف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بَصَره، حُلّف هو وحَلِف معه أربعة نفر، وإن كان بصره كلّه، حُلّف هو وحَلِف معه خمسة نفر، وكذلك القَسامة كلّها في الجروح.

وإنْ لم يكن للمُصابِ بَصَره مَنْ يَحلف معه، ضُوعفت عليه الأيمان.

وإنْ كان سُدس بصره حُلّف مرّة واحدة، وإن كان ثُلث بصره، حُلّف مرّتين، وإن كان أكثر على هذا الحساب، وإنّما القَسامة على مبلغ منتهى بصره، الحديث»(1).

أقول: ويستفاد من هذا الصحيح عدّة أحكام:

منها: ما استدلّ به له، وهو أنّ في نقصان ضوء إحداهما بحسابه.

ومنها: كيفيّة استكشاف مقدار النقص عند الجهل به.

ومنها: أنّه لو اختلف الجاني والمجنيّ عليه في ذلك، أو في استناد النقص إلى الجناية، فالمرجع القَسامة.

ومنها: بيان القَسامة وكيفيّتها.5.

ص: 323


1- الكافي: ج 7/324 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/291 ح 35645.

أقول: وبما ذكرناه يظهر أنّ ما أفاده المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1) من أنّ القَسامة إنّما هي في فرض عدم الامتحان.

غير تامّ : فإنّ موردهما مختلفٌ ، ولأجل ذلك حُكِم بالقَسامة في الصحيح، مع الامتحان المذكور.

وإنْ أُحرز المقدار بالامتحان من جانبٍ واحد فهو، وإلّا فإلى الامتحان من الجوانب الأربعة، لصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يُصاب في عينه، فيذهب بعض بصره، أيُّ شيءٍ يُعطى؟

قال عليه السلام: تُربط إحداهما ثُمّ تُوضَع له بيضة، ثمّ يقال له انظر، فما دام يَدَّعي أنّه يبصر موضعها حتّى إذا انتهى إلى موضعٍ إن جازه قال: لا أبصر، قرَّبها حتّى يبصر، ثُمّ يُعلّم ذلك المكان، ثُمّ يقاس ذلك القياس من خلفه وعن يمينه وعن شماله، فإن جاء سواء، وإلّا قيل له: كذبتَ حتّى يُصدّق.

قلت: أليس يؤمن ؟

قال عليه السلام: لا، ولا كرامة، ويُصنَع بالعين الأُخرى مثل ذلك، ثُمّ يقاس ذلك على دية العين»(2).

أقول: وقد ظهر ممّا قدّمناه أنّ ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(3) من عدم جريان القَسامة، مع عدم استظهار مقدار النقص بالامتحان والعلم بأصله، نظراً إلى0.

ص: 324


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 14/435-436 كما يظهر من عبارته، ونسبه إليه في مباني تكملة المنهاج: ج 2/358.
2- الكافي: ج 7/323 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/368 ح 35791.
3- جواهر الكلام: ج 43/300.

وكذا يُعتبرُ بالقياس إلى عيني مساويه في السِّن.

لزوم الاقتصار على المتيقّن، والبناء على الصُّلح، مع إمكانه، في غير محلّه، فإنّ صحيح يونس غير قاصر الشمول لهذه الصورة، بعد كون الامتحان لتعيين مقدار النقص، والقَسامة لإثبات صدق المُدّعي وكذبه، وعدم ربط مورد أحدهما بالآخر، فالمرجع في الإثبات هو القَسامة حتّى في هذه الصورة.

وأضعف من ذلك: استدلاله لذلك، بأنّ ثبوت الدّعوى بالقَسامة يُعتبر فيه اللّوث، ولا لوث فيما عُلِم أصل الدّعوى .

فإنّه يرد عليه: أنّ اعتبار اللّوث إنّما هو في القتل العَمَدي، لا في كلّ موردٍ تثبتُ الدّعوى فيه بالقَسامة، وحيث أنّ صحيح يونس مطلق فلا وجه لتقييده بمورد اللّوث.

(و) كيف كان، فكما يكون الدِّية في نقصان ضوء إحداهما بحسابه، (كذا) يُقسَّط الدِّية، فيُعطى من الدِّية ما انتقص من بصره.

(و) كيفيّة استعلام مقدار النقص: أن (يُعتبر بالقياس إلى عيني مساويه في السِّن) بأن يُوقِف معه ويُنظر ما يبلغه نظره، ثُمّ يعتبر ما يبلغه نظر المجنيّ عليه، وتُعلّم نسبة ما بينهما.

ويشهد به: - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه، وكونه أمارة عرفيّة - صحيح عبد اللّه ابن ميمون، عن الإمام الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ قد ضَرَب رجلاً حتّى انتقص من بصره، فدعا

ص: 325

برجالٍ من أسنانه ثمّ أراهم شيئاً، فنظر ما انتقص من بصره، فأعطاه دية ما انتقص من بصره»(1).

وعليه، فإنْ انكشف الحال بالامتحان المزبور، من جانبٍ واحد، وإلّا فالعبرة بالمسافات الأربع.

والكلام في صورة الاختلاف هو الكلام فيه في نقصان ضوء إحداهما، فإنّه يستفاد من صحيح يونس(2) أنّ جريان القَسامة بالكيفيّة المذكورة فيه، من أحكام ذهاب ضوء العين أو نقصانه، من غير فرقٍ بين العينين وإحداهما، سيّما وأنّها أمارة عرفيّة غير تعبّديّة.

أقول: ولا يُقاس العين في يوم غَيم، لمعتبر السكوني، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن عليٍّ عليهم السلام، قال:

«ولا تُقاس عين في يوم غَيم»(3).

ولأنّه لا يُحرز مقدار التفاوت فيه غالباً، ولا في أرضٍ مختلفة الجهات علوّاً وانخفاضاً، ونحو ذلك ممّا يمنع من معرفة الحال، وهو واضح.

***6.

ص: 326


1- الفقيه: ج 4/130 ح 5277، وسائل الشيعة: ج 29/369 ح 35794.
2- المتقدّم آنفاً.
3- الفقيه: ج 4/134 ح 5294، وسائل الشيعة: ج 29/365 ح 35786.

وفي الشَّم الديَّة.

دية ذِهاب الشَّم

المطلب الرابع: (وفي الشَّم)، وفي إذهابه من كلا المَنخرين (الدِّية) كاملةً ، بلا خلافٍ بين الأصحاب(1).

ويشهد به: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«ضَرَب رجلٌ رجلاً في هامته على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فادّعى المضروب أنّه لا يَبصُر بعينيه شيئاً، وأنّه لا يَشمُّ رائحةً ، وأنّه قد خَرَس فلا ينطق ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن كان صادقا فقد وَجَبت له ثلاث ديات النفس.

إلى أن قال: وأمّا ما ادّعاه في خياشيمه، وأنّه لا يَشمُّ رائحة، فإنّه يُستبرأ ذلك بحراق يُدنى من أنفه، فإن كان صحيحاً وصلت رائحة الحراق إلى دماغه، ودَمِعَتْ عيناه، ونَحَّى برأسه، الحديث».

والخبر مطابقٌ لما رواه الشيخ الصَّدوق في «الفقيه»(2).

وفي إذهابه من إحدهما نصفُ الدِّية بلا خلافٍ ، ويشهد به إطلاق الصحيح، فإنّ تقسيط الدِّية بغير التنصيف يحتاجُ إلى دليل.

ثمّ إنّ صحيح محمّد بن قيس يدلّ على كيفيّة استعلام ذهاب الشَّم وعدمه، وحينئذٍ إنْ كان استناد ذهاب الشَّم إلى الجناية على تقديره معلوماً، فلا حاجة

ص: 327


1- راجع الكافي في الفقه: ص 397، الخلاف: ج 5/238، الوسيلة: ص 447.
2- الفقيه: ج 3/19 ص 3250.

ولو قُطِع الأنفَ فذهب الشَّمُ فديتان، وفي نقصان الأرش بما يراهُ الحاكم.

إلى القَسامة، وإلّا فعليه القَسامة، لقوله عليه السلام في صحيح يونس، ومعتبر ابن فضّال المتقدّم:

«وكذلك القَسامة كلّها في الجروح».

فإنّ المراد بالجروح مطلق الجناية الموجبة لذهاب المنفعة، بقرينة موردها وهو البصر والسَّمع، فإنّ ذهابهما بالجناية لا يستلزمُ كون الجناية موجبة للجَرح في البدن.

(ولو قَطَع الأنفَ فَذَهبَ الشَّم، فديتان)، ديةٌ لقطع الأنف، وديةٌ لذهاب الشَّم، ومقتضى الأصل عدم التداخل، وقد مرّ الكلام فيه في ذهاب السَّمع بقطع الاُذُنين.

(وفي نقصانه الأرش بما يراهُ الحاكم) لعدم التقدير له شرعاً، وعدم طريقٍ له إلى تعيين مقدار النقص، فتأمّل.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر أنّه لو ادّعى المجنيّ عليه النقص في الشَّم، ولا بيّنة له، ولم يُصدِّقه الجاني، فعليه أن يأتي بالقَسامة على النحو المتقدّم في السَّمع.

***

ص: 328

وفي الذوق الديَّة، وفي نُقصانه الأرش.

دية الذوق

المطلب الخامس: (وفي) ذهاب (الذّوق) قولان:

أحدهما: أنّ فيه (الدِّية) كاملةً ، ذهب إليه ابن حمزة(1)، ويحيى بن سعيد(2)، والحِلّي(3)، والمصنّف(4) رحمه الله، وغيرهم(5).

الثاني: أنّ فيه الحكومة.

مستند الأوّل: ما دلّ على أنّ كلّ ما في الإنسان منه واحدٌ ففيه الدِّية.

وأورد عليه: بانصراف دليله إلى العضو الواحد منه لا المنفعة، وعليه فيتّجه الحكومة، لأنّها المرجع في الجناية التي لا تقدير لها شرعاً، (و) به يظهر أنّ (في نقصانه الأرش).

أقول: ثمّ إنّه لم يُذكر في الأخبار طريق معرفة صِدق المُدّعي لذهابه، ولكن يمكن الاستظهار من صحيح يونس ومعتبر ابن فضّال المتقدّم، أنّه على المُدّعي للذهاب أو النقصان القَسامة من الستّة الأجزاء، فراجع ما ذكرناه في الشَّم(6).

***

ص: 329


1- الوسيلة: ص 442.
2- نزهة الناظر: ص 141.
3- السرائر: ج 3/383-384.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/243.
5- شرائع الإسلام: ج 4/1041.
6- صفحة 327 من هذا المجلّد.

ولو اُصيبَ فتعذَّر عليه الإنزال حال الجماع؛ فالدِّية.

دية تعذّر الإنزال

المطلب السادس: (ولو أُصيبَ ) بجنايةٍ (فتعذّر عليه الإنزال حال الجماع، ف) المشهور بين الأصحاب(1) أنّ فيه (الدِّية) كاملة، واستدلّ له:

1 - بما مرّ من القاعدة من أنّ كلّ ما في الإنسان منه واحدٌ، ففيه الدِّية.

2 - وبموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرِّجل الواحدة نصف الدِّية - إلى أن قال: - وفي الظهر إذا انكسر حتّى لا يَنزل صاحبه الماء الدِّية كاملة، الحديث»(2).

3 - وبموثّقه الآخر، عنه عليه السلام قال: «في الظهر إذا كُسِر حتّى لا ينزِل صاحبه الماء الدِّية كاملة»(3).

4 - وبصحيح إبراهيم بن عمر، عنه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ ضَرَب رجلاً بعصا فذهب سَمعه وبصره ولسانه وعقله وفَرجه، وانقطع جماعه وهي حَيٌّ بست ديات»(4).

أقول: ولكن القاعدة قد عرفت اختصاصها بالعضو الواحد منه، وانصرافها عن المنفعة، والموثَّقين لو دلّا على شيء، فهو اعتبار أن يكون كَسر الظهر بنحوٍ

ص: 330


1- راجع شرائع الإسلام: ج 4/1041، تحرير الأحكام: ج 5/612، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 226.
2- الكافي: ج 7/312 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/285 ح 35631.
3- التهذيب: ج 10/260 ح 61، وسائل الشيعة: ج 29/376 ح 35806.
4- الكافي: ج 7/325 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/365 ح 35788.

لايَنزِل صاحبه الماء، لا على استقلال عدم الإنزال في وجوب الدِّية، إذ الموضوع المأخوذ فيهما لوجوب الدِّية، كسر الظهر، فلا يصحّ إلغاءه وجعل الموضوع هو عدم الإنزال خاصّة، والصحيح ظاهرٌ في عدم التمكّن من الإجماع بعننٍ وشبهه، ولا يشملُ عدم الإنزال.

وعليه، فالأظهر ما عن جماعةٍ من أنّ المرجع فيه الحكومة.

***

ص: 331

وفي سَلَس البول الدِّية.

ديةُ سَلَس البول

المطلب السابع: (وفي سَلَس البول) وهو نزوله ترشّحاً لضعف القوّة الماسكة (الدِّية)، كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، ويدلّ عليه عدّة روايات:

منها: معتبرإسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام في الرّجل يُضرَب على عِجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله: أنّ في ذلك الدِّية كاملة»(2).

ومنها: معتبره الآخر، عنه عليه السلام: «قال: سأله رجلٌ - وأنا عنده - عن رجلٍ ضَرَب رجلاً فقطع بوله ؟

فقال له: إن كان البول يمرّ إلى اللّيل، فعليه الدِّية، لأنّه قد منعه المعيشة، وإن كان إلى آخر النهار، فعليه الدِّية، وإنْ كان إلى نصف النهار فعليه ثُلثا الدِّية، وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثُلث الدِّية»(3).

ومنها: موثّق غياث بن إبراهيم، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام قَضى في رجلٍ ضُرِب حتّى سَلس ببوله بالدِّية كاملة»(4).

أقول: الظاهر أنّ ما في معتبر إسحاق الثاني من التفصيل حُكي القول به عن

ص: 332


1- راجع النهاية: ص 769، الوسيلة: ص 450، السرائر: ج 3/391.
2- الكافي: ج 7/313 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/371 ح 35797.
3- الكافي: ج 7/315 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/371 ح 35798.
4- وسائل الشيعة: ج 29/371 ح 35799.

جماعةٍ : منهم الشيخ(1)، وبنو حمزة(2) وسعيد(3) وإدريس(4)، والفاضل المقداد(5)، وسيّد «الرياض»(6)، بل عن المحقّق الثاني(7) حكاية الشُّهرة عليه، ولمّا تُوهِّم ضعف سنده، جبروا بالشُّهرة ضعفها.

ثمّ إنّه اُريد به بيان ضابطٍ كلّي لموارد ثبوت تمام الدِّية وبعضها، وما فيه من الأزمنة الخاصّة اُريد به ذلك الزمان، فما زاد إلى الحَدّ الثاني.

ثمّ من المعلوم أنّ المراد من الدوام إلى اللّيل أو الظهر أو الصَّحوة، في كلّ يومٍ لا في يومٍ أو أيّام، لأنّ المعهود أنّ ثبوت الدِّية وبعضها المقدّر إنّما هو في ذهاب العضو أو المنفعة رأساً، وإلّا فالحكومة.

وعليه، فما عن المصنّف(8) وجماعة(9) من الحمل على يومٍ أو أيّام، ضعيفٌ .

وأضعفُ منه ما عن «الإرشاد»(10)، و «القواعد»(11) من حكاية المصير إلى القول الثالث، وهو الثاني مبدلاً الثُلثين بالنصف عن بعض الأصحاب، إذ لم يعرف مستنده كقائله.

فالمتحصّل: أنّ التفصيل المذكور في معتبرة إسحاق هو المختار.9.

ص: 333


1- النهاية: ص 769.
2- الوسيلة: ص 442.
3- الجامع للشرايع: ص 594.
4- السرائر: ج 3/391.
5- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/314.
6- رياض المسائل: ج 14/25.
7- حكاه عنه في مجمع الفائدة: ج 14/447.
8- تبصرة المتعلّمين: ص 270.
9- إيضاح الفوائد: ج 4/711، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 266.
10- إرشاد الأذهان: ج 2/243.
11- قواعد الأحكام: ج 3/689.

وفي الصوتِ الدِّية.

دية ذهاب الصوت

المطلب الثامن: (وفي) ذهاب (الصوت) كلّه من الغَنَن والبَحح (الدِّية) كاملة، بلا خلافٍ ظاهر بين الأصحاب(1)، ويشهد به صحيح يونس، عن أبي الحسن الرِّضا عليه السلام، وقد عرض عليه «كتاب الدِّيات» وكان فيه:

«في ذهاب السَّمع كلّه ألف دينار، والصوت كلّه من الغَنَن والبَحح ألف دينار، الحديث»(2).

ولمّا كان الصوت غير النطق، فإنّ النطق منفعة اللِّسان، والصوتُ يَنشأُ من الهواء الخارج من الجوف، لا مدخل فيه للّسان، ولكلّ منهما نصٌّ على حكمه، فمع ذهابهما بالجناية تثبتُ ديتان.

واستشكل فيه: في «القواعد»(3) بقوله: (وهل يجبُ ديتان لو أبطل حركة اللِّسان مع بطلان الصوت ؟

إشكالٌ ينشأ من أنّهما منفعتان، ومن أنّ منفعة الصوت النطق).

أقول: وضعفه ظاهر.

وأضعف منه: ما عن «التحرير»(4): (من أنّ في الصوت الدِّية، فإنْ أبطل معه

ص: 334


1- راجع مجمع الفائدة: ج 14/422، جواهر الكلام: ج 43/316.
2- الكافي: ج 7/311 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/283 ح 35626 وصفحة 357 ح 35772.
3- قواعد الأحكام: ج 3/689.
4- تحرير الأحكام: ج 5/612.

حركة اللِّسان فدية وثُلثا دية اللِّسان إن لَحِقه حُكمُ الشَّلل).

ضرورة عدم اندراج ذلك في الشَّلل.

وقد يتوهّم: أنّه إن كان الجنايتان بضربةٍ واحدة، يثبتُ دية واحدة، لصحيح أبي عُبيدة الحذّاء.

ولكنّه يندفع: بما مر من أنّه ثابتٌ في مورد كون الجنايتين طوليّتين، ومترتّبة إحداهما على الأُخرى ، مع كون دية إحداهما أغلظ من الأُخرى ، وفي المقام لو تمّ ما عن المصنّف رحمه الله من الطوليّة، لا يتمُّ الأغلظيّة، وعليه فالأظهر ثبوت ديتين.

ثمّ إنّه قد ظَهَر ممّا قدّمناه حكمُ المنافع التي لم يذكروا حكمها - كالنوم واللّمس والجوع والعَطَش وغيرها - فإنّ المتعيّن في جميع ذلك الحكومة، بناءً على المختار من عدم شمول قاعدة ما كان في الإنسان منه واحدٌ ففيه الدِّية للمنافع، وإنّما هي في الأعضاء.

***

ص: 335

الفَصلُ العاشر: في ديات الجِراح:

والشِّجاجُ ثمانية:

الخارصة: وهي التي تُقشِّر الجلد، وفيها بعير.

الفَصلُ العاشر دية الشِّجاج والجِراح

اشارة

(الفَصلُ العاشر: في ديات الجِراح) و (الشِّجاج) بكسر الشِّين جَمعُ شَجَّة بفتحها؛ وهي الجُرحُ المختصّ بالرأس والوجه.

وكيف كان، فالشِّجاج (ثمانية) أقسام:

القسم الأوّل: (الحارصة، وهي التي تُقشِّر الجلد) وتَخدشه، ولا تأخذ من اللّحم، (وفيها بعير) أي جزءٌ من مائة من الدِّية، كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، ويشهد به معتبر منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الخرصة شبه الخدش بعيرٌ، وفي الدّامية بعيران، وفي الباضعة وهي ما دون السّمحاق ثلاثٌ من الإبل، وفي السِّمْحاق وهي ما دون الموضّحة أربعٌ من الإبل، وفي الموضّحة خمسٌ من الإبل»(2).

وإطلاق النَّص يقتضي عدم الفرق بين كون المشجوج ذَكَراً أو اُنثى ، خلافاً

ص: 336


1- المقنعة: ص 765، المبسوط: ج 7/122، كشف الرموز: ج 2/667.
2- التهذيب: ج 10/293 ح 16.

والدّامية:

لما ورد في «الغُنية»(1)، و «الإصباح»(2)، و «الجامع»(3) حيث التزموا بأنّ فيها عُشر عُشر الدِّية، وعليه فيفرّق الذكر والاُنثى .

ولكن يرد عليهم: أنّه مخالفٌ لإطلاق النَّص، وما دلّ على افتراقهما إنّما هو بعد بلوغ الثُّلث.

أقول: ويمكن أن يكون مرادهم بالدِّية، دية الذَكَر التي هي الأصل، دون دية الاُنثى التي هي نصفها، وعليه فلا يفترقان.

القسم الثاني: (والدّامية):

وقد وقع الخلافُ بين الأصحاب في أنّ الخارصة هل هي الدّامية، كما عن الشيخ في «النهاية»(4)، و «المبسوط»(5)، و «الخلاف»(6)، وابني زُهرة(7) وحمزة(8)، والكيدري(9)، والقاضي(10)، ويحييبن سعيد(11) نظراً إليمعتبر السكوني، عن الإمام0.

ص: 337


1- غنية النزوع: ص 419.
2- إصباح الشيعة: 508.
3- الجامع للشرايع: ص 600.
4- النهاية: ص 775.
5- المبسوط: ج 7/122.
6- الخلاف: ج 5/191.
7- غنية النزوع: ص 419.
8- الوسيلة: ص 444.
9- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/322.
10- المهذّب: ج 1/437.
11- الجامع للشرايع: ص 600.

وهي التي تأخذُ يسيراً من اللّحم، وفيها بعيران.

الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قضى في الدّامية بعيراً، وفي الباضعة بعيرين، وقضى في المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السِّمْحاق أربعة من الإبل»(1).

بتقريب: أنّ المراد بالدّامية فيه الخارصة، بقرينة أنّه جَعَل فيه وفي معتبر منصور، السِّمحاق في المرتبة الرابعة، وفرض قبلها ثلاثُ مراتب، وجَعَل في المرتبة الأُولى منها بعير، وعليه فتكون الدّامية في خبر السكوني هي الخارصة في خبر منصور؟

أم تكون الدّامية غيرها، كما في المتن، حيث قال عنها: (وهي التي تأخذُ يسيراً من اللّحم، وفيها بعيران)، بل هو المشهور بين الأصحاب(2) نظراً إلى معتبر منصور المتقدّم، حيث ذكر فيه أنّ في الخارصة بعيراً، وفي الدّامية بعيرين ؟

وجهان: أقربهما الثاني؛ إذ لو سُلّم تعارض الروايتين، تُقدَّم الثانية للشهرة.

فالمتحصّل: أنّ الشَّجة التي تَخدشُ الجلد ولا تأخذُ من اللّحم يثبتُ فيها بعير، والتي تأخذ من اللّحم يسيراً فيها بعيران، وتُسمّى الأُولى الخارصة، والثانية الدّامية.

والمراد بالبعير في دية الخارصة والدّامية وما بعدهما، جزءٌ من مائة جزء من الدِّية، من أيّ قسمٍ كانت الدِّية، بلا خصوصيّة للدِّية.

ويشهد به: - مضافاً إلى الفهم العرفي - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الشَّجة المأمومة ؟1.

ص: 338


1- الكافي: ج 7/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35813.
2- راجع السرائر: ج 3/409، شرائع الإسلام: ج 4/1041.

والمتلاحمة: وهي التي تأخذ من اللّحم أكثر،

فقال: ثُلث الدِّية، والشَّجة الجائفة ثُلث الدِّية، وعن الموضّحة خَمسٌ من الإبل»(1).

فإنّه إذا ضُمَّ إلى صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في الموضِّحة خَمسٌ من الإبل، وفي السِّمحاق أربعٌ من الإبل، والباضعة ثلاثٌ من الإبل، والمأمومة ثلاثٌ وثلاثون من الإبل، الحديث»(2)، يدلّ على عدم الخصوصيّة للأبعرة فيها، فيراد منها نسبةٌ خاصّة من دية النفس.

وأيضاً يشهد به: معتبر ظريف، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال:

«وفي الخَدّ إذا كانت فيه نافذة - إلى أن قال -: وفي موضِّحة الرأس خمسون ديناراً، فإن نَقَل منها العظام، فدِّيتها مائة دينار وخمسون ديناراً، فإنْ كانت ثاقبة في الرأس، فتلك المأمومة، ديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار»(3).

ويؤيّده: أنّ البعير لم يكن ميسوراً لكلّ أحدٍ عادةً ، وأيضاً أنّه لو كان للبعير خصوصيّة، لزم أن تزيد دية المأمومة مثلاً على دية النفس أحياناً، وهذا ممّا يُقطع بخلافه.

دية المتلاحمة

(و) القسم الثالث: (المتلاحمة: وهي التي) تَقطعُ الجِلد و (تأخذُ من اللّحم أكثر) ولا تبلغ السِّمحاق.

ص: 339


1- الكافي: ج 7/326 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35812.
2- الكافي: ج 7/326 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35811.
3- وسائل الشيعة: ج 29/295 ح 35651.

وفيها ثلاثة أبعرة.

والسِّمحاق: وهي التي تنتهي إلى الجلدة المغشيّة للعظم، وفيها أربعة أبعرة.

والموضِّحة: وهي الّتي توضِّحُ العظم،

(و) هل هي غير الباضعة لتجب فيها (ثلاثة أبعرة)، وفي الباضعة بعيران، ليصبح أوّل الشِّجاج الدّامية والخارصة، مترادفتين ؟

أم هما متّحدتان، ديتهما ثلاثة أبعرة، ويكون أوّلها الخارصة فيها بعير، والثانية الدّامية فيها بعيران ؟

اختلافٌ ، مبنيٌّ على الاختلاف السابق، وحيثُ عرفت أنّ الدّامية غير الخارصة كما هو المشهور، فالباضعة هي المتلاحمة، وفيها ثلاثة أبعرة.

ويشهد به: - مضافاً إلى معتبر منصور، وصحيح الحلبي المتقدّمين - صحيح عبداللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «في الباضعة ثلاثٌ من الإبل»(1).

دية السّمحاق والموضِّحة

(و) القسم الرابع: (السِّمحاق) بكسر السين المُهملة، وإسكان الميم (وهي التي تنتهي إلى الجِلدة المغشية للعظم، وفيها أربعة أبعرة) بلا خلافٍ يُعتدّ به.

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضة، منها معتبر منصور، وصحيح الحلبي، وخبر السكوني المتقدّمة.

(و) القسم الخامس: (الموضِّحة، وهي التي توضِّح العظم) وتكشفُ عن وَضَح

ص: 340


1- وسائل الشيعة: ج 29/378 ح 35808.

وفيها خمسة أبعرة.

العظم وبياضه، (وفيها خمسة أبعرة)، بلا خلافٍ أجده فيه أيضاً، كماعن «الخلاف»(1)و «الغُنية»(2) وغيرهما(3) الاعتراف به، كذا في «الجواهر»(4).

ويشهد به: نصوصٌ كثيرة:

منها: أخبار منصور ومعاوية والحلبي المتقدّمة.

ومنها: معتبر أبي مريم، قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد كتب لابن حزم كتاباً فخذه منه فأتني به حتّى أنظُر إليه، قال: فانطلقتُ إليه فأخذتُ منه الكتاب، ثمّ أتيته به، فعرضته عليه، فإذا فيه من أبواب الصَّدقات، وأبواب الدِّيات، وإذا فيه:

في العين خمسون، وفي الجائفة الثُّلث، وفي المُنقِّلة خمسُ عشرة، وفي الموضِّحة خمسٌ من الإبل»(5).

وقد عرفت أنّ المراد من هذه الجملة نِصف عُشْر الدِّية.

وأمّا ما في معتبر ظريف، من قوله عليه السلام: «ودية الشَّجة إذا كانت توضِّح أربعون ديناراً، إذا كانت في الخَدّ، وفي موضِّحة الرأس خمسون ديناراً» فلايُستند إليه، لوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه في المعتبر نفسه جَعَل في موضحة الوجه خمسون ديناراً في0.

ص: 341


1- الخلاف: ج 5/192.
2- غنية النزوع: ص 419.
3- الإنتصار: 548.
4- جواهر الكلام: ج 43/327.
5- التهذيب: ج 10/291 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/381 ح 35820.

والهاشمة: وهي التي تَهشِّم العَظم، وفيها عشرة أبعرة.

موردين منه:

الأوّل: قوله عليه السلام: «فإنْكانت موضَّحة في شيء من الوجه فدِّيتهاخمسون ديناراً».

الثاني: قوله عليه السلام: «فإن كانت رمية بنصلٍ يثبتُ في العَظم حتّى ينفذُ إلى الحَنَك، فدِّيتها مائة وخمسون ديناراً، جُعل منها خمسون ديناراً لموضِّحتها».

الوجه الثاني: ما رواه السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إنّ الموضّحة في الوجه والرأس سواء»(1).

والأصحاب عملوا به.

الوجه الثالث: إنّ نسخة «الكافي» وإنْ كانت كما ذُكر، إلّاأنّ الشيخ(2)والصَّدوق(3) روياه هكذا: «إذا كانت في الجسد».

دية الهاشمة والمنقّلة

(و) القسم السادس: (الهاشمة، وهي التي تَهْشِمُ العَظم) أي تكسره وإن لم يكن جَرَح، (وفيها عَشرة أبعرة) عُشر من الدِّية، بلا خلافٍ ، وعن «كشف اللّثام»(4)الاتّفاق عليه، ويشهد به معتبر السكوني: «إنّ عليّاً عليه السلام قضى في الهاشمة بعَشرٍ من الإبل»(5).

ص: 342


1- التهذيب: ج 10/294 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/385 ح 35830.
2- التهذيب: ج 10/291 ح 10.
3- الفقيه: ج 4/169 ح 5384.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/434.
5- وسائل الشيعة: ج 29/378 ح 35809.

والمنقِّلة: وهي التي تحوُج إلى

وحيث إنّ هشم العظم وكسره ربما يستلزمُ الجَرح، وقد لا يستلزمه، فمقتضى إطلاق الخبر ثبوت الدِّية المذكورة وإن لم يكن هناك جرحٌ .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاقه في بادئ النظر، عدم اعتبار أسنانٍ مخصوصة في الإبل، ولكن في «الشرائع»(1)، و «القواعد»(2)، وعن «المبسوط»(3): التقييد بكون الدِّية أرباعاً في الخطأ، أو أثلاثاً إن كان شبيه الخطأ.

وفي «المسالك»(3): (المراد بكونها أرباعاً، كون الإبل على نسبة ما يوزَّع في الدِّية الكاملة من بناتِ المخاض واللَّبون والحُقَق وأولاد اللّبون، فالعَشَرة هنا، بنتا مخاضٍ ، وابنا لبونٍ ، وثلاثُ بناتِ لبون، وثلاثُ حُقَق، وكونها أثلاثاً أنّها ثلاثُ حُقَق، وثلاثُ بناتِ لبونٍ ، وأربع خلف حوامل، بناءً على ما دلّت عليه صحيحة ابن سنان من التوزيع، وعلى الرواية الأُخرى لا يتحقّق بالتحرير، ولكن ما ذكرناه مُبرئ لأنّه أزيد سِنّاً في بعضه»، انتهى .

ويُمكن أن يستدلّ له: بأنّه إذا كان المعتبر في الدِّية الكاملة أسناناً خاصّة، فظاهر النصوص الواردة في ثبوتها أو نصفها أو عُشرها وهكذا في موارد اُخر، اعتبارها في تلك الموارد أيضاً، ولعلّه لذلك ادّعى الشيخ في محكي «المبسوط»(5)الاتّفاق عليه. وعلى أيّ حالٍ لا ريب في أنّه أحوط.

(و) القسم السابع: (المنقلة: وهي) على تعريف الماتن وجماعة: (التي تحوجُ إلى8.

ص: 343


1- شرائع الإسلام: ج 4/1041.
2- قواعد الأحكام: ج 3/690. (3و5) المبسوط: ج 7/121.
3- مسالك الأفهام: ج 15/458.

نقل العَظم، وفيها خمسة عشرة بعيراً.

نقل العظم) من موضعٍ إلى غيره، و قيل فيها تفاسيرٌ اُخر متقاربة، (وفيها خَمَسة عَشَر بعيراً) عُشر الدِّية ونصفه، بلا خلافٍ كما عن «المبسوط»(1)، و «الخلاف»(2)، و «الغُنية»(3).

ويدلّ عليه: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«في الموضِّحة خمسٌ من الإبل، وفي السِّمحاق أربعٌ من الإبل، والباضعة ثلاثٌ من الإبل، والمأمومة ثلاثُ وثلاثون من الإبل، والجائفة ثلاثُ وثلاثون، والمنقلة خَمس عَشَرة من الإبل»(4).

ومعتبر أبي مريم المتقدّم في الموضِّحة، ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة، وفُسِّرت في بعضها - وهو خبر أبي بصير(5) - بالّتي قد صارت قُرحةً تنقل منها العظام، لكنّه مرسلٌ لا يعتمد عليه.

وفي بعضها - كخبر أبي حمزة(6)، بعد قوله في المنقلة خمس عشرة من الإبل:

«عُشرٌ ونِصف عُشر» وفيه دلالة على ما ذكرناه من عدم الخصوصيّة للبعير.

وعن العُمّاني(7): وجوب عشرين بعيراً هنا، وهو مع ندرته جدّاً لم يوجد له مستند.5.

ص: 344


1- المبسوط: ج 7/121.
2- الخلاف: ج 5/122.
3- غنية النزوع: ص 420.
4- الكافي: ج 7/326 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35811.
5- الكافي: ج 7/327 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/380 ح 35816.
6- التهذيب: ج 10/294 ح 21، وسائل الشيعة: ج 29/180 ح 35414.
7- حكاه عنه في كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/515.

والمأمومة: وهي الّتي تَصِلُ إلى اُمّ الدَّماغ، وفيها ثُلث الدِّية.

دية المأمومة

(و) القسم الثامن: (المأمومة: وهي التي تَصِلُ إلى اُمّ الدَّماغ) ولا تُفتَقِها (وفيها ثُلث الدِّية) كما في المتن، وعن «الغُنية»(1)، و «الخلاف»(2)، و «المراسم»(3)، و «المقنع»(4)، و «الوسيلة»(5) وغيرها(6).

وعن «المقنعة»(7)، و «النهاية»(8)، و «الناصريّات»(9)، و «التحرير»(10)، وفي «الشرائع»(11): فيها ثُلثُ الدِّية، ثلاثة وثلاثون بعيراً من دون ذكر الثُّلث.

وعن «المبسوط»(12): ثلاثة وثلاثون بعيراً وثُلث بعير.

وفي بعض الكلمات: ثلاثٌ وثلاثون بعيراً.

ص: 345


1- غنية النزوع: ص 420.
2- الخلاف: ج 5/192.
3- المراسم العلويّة: ص 250.
4- المقنع: ص 512.
5- الوسيلة: ص 445.
6- الكافي في الفقه: ص 400.
7- المقنعة: ص 776.
8- النهاية: ص 775.
9- نسبه إليه في نزهة الناظر: ص 152.
10- تحرير الأحكام: ج 5/615.
11- شرائع الإسلام: ج 4/1043.
12- المبسوط: ج 7/122.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

ففي صحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الشَّجة المأمومة ؟

فقال عليه السلام: ثُلث الدِّية، والجائفة ثُلث الدِّية، الحديث»(1).

وفي صحيح الحلبي المتقدّم: «والمأمومة ثلاثٌ وثلاثون من الإبل»، من غير ذكر الثُّلث(2).

ونحوه غيره(3).

وفي خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«وفي الجائفة ثُلث الدِّية ثلاثٌ وثلاثون من الإبل، وفي المأمومة ثُلث الدِّية»(4).

ولعلّه قرينةٌ على وقوع التجوّز في الثُّلث في المأمومة أيضاً، كوقوعه في الجائفة، فتكون هذه قرينةً على الجمع بين الطائفتين الأوليتين، بل لولا ذلك كان مقتضى الجمع بين الطائفتين هو ذلك، فان شئت فاختبر ذلك بالجمع بينهما في كلامٍ واحد، فهل يتوقّف أحدٌ في الحمل على ما ذكرناه ؟!

ولذلك قال الحِلّي(5): (إنّ فيها (أي المأمومة) ثُلث الدِّية دية النفس، وهي ثلاثٌ وثلاثون بعيراً فحسب، بلا زيادة ولا نقصان، إن كان من أصحاب الإبل، ولم يلزمه أصحابنا ثُلث البعير الذي يكتمل به ثُلث المائة بعير التي هي دية النفس، لأنّ روايتهم هكذا مطلقة، وكذا مصنّفاتهم، وقول مشايخهم وفتاويهم، وإجماعهم7.

ص: 346


1- الكافي: ج 7/326 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35812.
2- التهذيب: ج 10/290 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35811.
3- وسائل الشيعة: ج 29/378 باب تفصيل ديات الشِّجاج والجراح.
4- الفقيه: ج 4/167 ح 5381، وسائل الشيعة: ج 29/380 ح 35817.
5- السرائر: ج 3/407.

وكذا الجائفة: وهي الّتي تبلغُ إلى الجوف.

منعقدٌ على هذا الإطلاق، أو ثُلث الدِّية من العين أو الوَرِق على السّواء، لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثُّلث، ولا يتحدّد في الإبل والبقر والغنم)، انتهى .

وهو صريحٌ في دعوى الإجماع على سقوط الثُّلث من عدد الإبل.

وإنْ أبيت عن ذلك، فلا أقلّ من تساوي هذا الاحتمال، واحتمال التجوّز في العكس بحمل ما دلّ على العدد من دون ذكر الثُّلث عليه تحقيقاً في اللّفظ، وتجوّزاً في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة، والإيماء إلى كمال الثُّلث من إيجابه.

وعليه، فالمرجع أصالة البراءة عن اشتغال الذِّمة بالزائد على العدد الصحيح.

فما صنعه الأستاذ من إفتائه بأنّ فيها ثُلث الدِّية، ثمّ قال: (ويكفي فيها ثلاثُ وثلاثون من الإبل)، أحسن.

(وكذا) الحال في (الجائفة: وهي التي تبلغُ إلى الجَوف) من أيّ الجهات كان، ولو من ثغرة النحر بابرةٍ ، ولو فُرِض حصولها في الرأس كانت دامغة.

وكيف كان، فالصحيحان والمعتبر المتقدّمة شاهدة بالحكم، والكلام في الاكتفاء بثلاثٍ وثلاثين من الإبل هو الكلام في المأمومة.

أقول: المشهور بين الأصحاب أنّه لا تختصّ الجائفة بما يدخلُ جوف الدّماغ، بل يعمّ الدّاخل في الصدر والبطن، ولذلك لا تكون من أقسام الشِّجاج.

وعن المحقّق الأردبيلي(1): احتمال اختصاص الثُّلث بجائفة الرأس دون البدن،6.

ص: 347


1- مجمع الفائدة: ج 14/456.

واستدلّ له:

1 - بصحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الشَّجة المأمومة ؟ فقال: ثُلث الدِّية، والشَّجة الجائفة ثُلث الدِّية»(1).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في الموضِّحة خمسٌ من الإبل - إلى أن قال -:

والمأمومة ثلاثٌ وثلاثون من الإبل، والجائفة ثلاثٌ وثلاثون، الحديث»(2).

3 - وخبر زيد الشَّحام، عنه عليه السلام: «عن الشَّجة المأمومة ؟

فقال: فيها ثُلث الدِّية وفي الجائفة ثُلث الدِّية»(3).

بتقريب: أنّ المراد من الجائفة الشَّجة الجائفة بقرينة السياق.

ولكن خبر زيد ضعيفُ السَّند بالمفضّل، والصحيحين وإنْ اختصّا بجائفة الرأس، إلّاأنّه لا مفهوم لهما كي يدلّان على عدم جريان الحكم في جائفة البدن، كي يعارضا معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في الصدر إذا رُضَّ فثني شقيه كليهما، فدِّيته خمسمائة دينار.

إلى أن قال: وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كُسِر منها ضلعٌ ، فدِّيته خمسة وعشرون ديناراً.

إلى أن قال: وفي الجائفة ثُلث دية النفس، ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً، وثُلث دينار، وإن نفذت من الجانبين كليهما رميّةً أو طعنةً ، فدِّيتها أربعمائة ديناراً وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، الحديث»(4).6.

ص: 348


1- التهذيب: ج 10/291 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/381 ح 35819.
2- الكافي: ج 7/326 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35811.
3- الكافي: ج 7/326 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/379 ح 35812.
4- الكافي: ج 7/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/304 ح 35666.

الدّال على عدم اختصاص الثُّلث بجائفة الرأس.

ثمّ إنّ الجائفة في الرأس التي فيها ثُلث الدِّية، تختصّ بما يدخل في جوف الدّماغ، فلاتشمل ما إذا دَخَل في جوف الخَدّ، لمعتبر ظريف، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال:

«وفي الخَدّ إذا كانت فيه نافذة يُرى منها جوف الفم، فدِّيتها مائتا دينار، فإن دُووي فبُرِأ والتأم، وبه أثرٌ بيّن وشَتَرٌ فاحش، فديته خمسون ديناراً، الحديث»(1).

حيث جَعل فيه في جائفة الخَدّ مائتا دينار لا الثُّلث.

ولو طَعَنه في صَدره، فخرج من ظهره، فالأظهر أنّ ديته أربعمائة دينار، وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، لمعتبر ظريف المتقدّم، وفيه قولان آخران:

أحدهما: ما عن الشيخ في «المبسوط»(2)، وعن الشهيد:(3) أنّه ظاهر فتوى علمائنا، ومال إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(4)، وهو أنّه جائفة واحدة وفيها ديتها، نظراً إلى اتّحاد الجناية، وأنّ الجائفة ما نَفذت إلى الجوف من الظاهر، سواءٌ نفذت من جانبٍ آخر أم لا.

ولكن يرد عليه: أنّ الجائفة هي الجُرح النافذُ من الظاهر إلى الباطن، وفي الفرض بما أنّهما عضوان متباينان، ومن كلٍّ منها نَفَذ الجُرح إلى الباطن، فهما جائفتان، وفيهما ديتان.

أقول: وبذلك يظهر القول الثاني - الذي اختاره الشيخ في محكي «الخلاف»(5)،7.

ص: 349


1- الكافي: ج 7/332 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/295 ح 35651.
2- المبسوط: ج 7/125.
3- شرح اللُّمعة: ج 10/275.
4- جواهر الكلام: ج 43/344.
5- الخلاف: ج 5/237.

ودية النافذة في الأنف ثُلث الدِّية.

ومالَ إليه المحقّق في «الشرائع»(1)، - ومدركه، وما يرد عليه.

ولو كانت الجائفة مخيطة، فَفَتَقها شخصٌ :

فإنْ كانت غير مُلتئمة ففيها الحكومة، لعدم كون تلك جائفة جديدة، فلا مقدّر لها شرعاً فالمرجع هي الحكومة.

وإن كانت مُلتئمة، فهي جائفة جديدة، ففيها ديتها.

وفي المقام فروع يَظهر حكمها ممّا ذكرناه، فلا مورد لإطالة الكلام.

دية النافذة في الأنف

(و) من لواحق هذا الفصل مسائل:

المسألة الاُولى : (دية النافذة في الأنف) بحيثُ يتثقّبُ المِنخَرين معاً، ولا تنسدّ، (ثُلث الدِّية) إن لم تبرأ بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع(2) في بعض الكلمات، ويشهد به معتبر ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأنف، قال:

«فإن قطع روثة الأنف وهي طرفه فدِّيته خمسمائة دينار، وإنْ نفذت فيه نافذة لا تنسدّ بسهمٍ أو رُمحٍ ، فديته ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثُلث دينار، وإن كانت نافذة فبرأت والتأمت، فديتها خُمس دية روثة الأنف مائة دينار، فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك، وإن كانت نافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم،

ص: 350


1- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/316.
2- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/499.

فإنْ صَلُح فخُمس الدِّية.

وفي أحد المِنخَرين إلى الحاجز عُشر الدِّية.

وهو الحاجز بين المنخرين، فديتها عُشر دية روثة الأنف، خمسون ديناراً، لأنّه النصف، وإنْ كانت نافذة في إحدى المِنخَرين أو الخيشوم إلى المِنخَر الآخر، فديتها ستّةٌ وستّون ديناراً وثُلثا دينار»(1).

(فإنْ صَلُحَ ) وانسدّ (فخُمس الدِّية) مائتا دينار في المشهور بين الأصحاب، على ما صرّح به المصنّف في محكي «المختلف»(2)، ومستندهم غير ظاهر، ومعتبر ظريف يدلّ على أنّها خُمس دية الروثة مائة دينار.

ومن الغريب أنّه ذُكر في وجه ما ذهب إليه المشهور خبر ظريف.

وكيف كان، فالعملُ على خبر ظريف.

(و) لو كانت النافذة (في أحد المنخرين) خاصّة إلى (الحاجز) بينهما وهو الخيشوم، ف (عُشر الدِّية):

إمّا مطلقاً كما هنا وفي «الشرائع»(3) و «اللُّمعة»(4).

أو بشرط البُرء، وإلّا فسُدس الدِّية كما عليه المصنّف(5)، وعن الشيخين(6)،6.

ص: 351


1- الفقيه: ج 4/76 ذيل الحديث 5150، وسائل الشيعة: ج 29/293 ح 35647.
2- مختلف الشيعة: ج 9/440.
3- شرائع الإسلام: ج 4/1043.
4- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 267.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/245.
6- المقنعة: ص 767، النهاية: ص 776.

وفي شَقّ الشَّفتين حتّى تبدو الأسنان الدِّية، ولو برأت فالخُمس، وفي كلّ واحدٍ نصفُ ذلك.

والقاضي(1)، والحِلّي(2)، والديلمي(3)، والحلبي(4)، وغيرهم(5).

وعن «الغُنية»: أنّه المشهور كما صرّح به في «المختلف»(6).

وحجّتهم على التقديرين غير واضحة، كما صرّح به سيّد «الرياض»(7).

أقول: والذي يدلّ عليه هو خبر ظريف الوارد فيه قوله عليه السلام: «إنْ نَفَذت في أحد المنخرين إلى الحاجز، فديتها عُشر دية روثة الأنف خمسون ديناراً، وإن كانت نافذة فيها إلى المِنخَر الآخر فديتها ستّة وستّون ديناراً وثُلثا دينار».

ولا معارض له فعليه العمل.

دية الشفة الثانية

المسألة الثانية: (وفي شَقّ الشَّفتين) معاً (حتّى تبدو الأسنان) ولم تَبرأ (ثُلث الدِّية)، سواء استوعبها الشَّق أم لا، (ولو بَرأت) الجُرحة (فالخُمس، وفي كلّ واحدٍ نصف ذلك) وقد مرّ الكلام في ذلك في بحث الشَّفتين فلا نعيد.

ص: 352


1- المهذّب: ج 2/482.
2- السرائر: ج 3/398.
3- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/193.
4- الكافي في الفقه: ص 397.
5- جامع المدارك: ج 6/269.
6- مختلف الشيعة: ج 9/440.
7- رياض المسائل: ج 14/318.

وفي النافذة في شيءٍ من أطراف الرِّجل مائة دينار.

دية النافذة في الرّجل

المسألة الثالثة: (وفي النافذة في شيءٍ من أطراف الرِّجل مائة دينار) كما هنا، وفي «الشرائع»(1)، و «النافع»(2).

وفي «القواعد»(3): على قولٍ مؤذناً بتوقّفه فيه، قيل: وجهه عدم الوقوف على مستنده.

أقول: ولكن يشهد به صحيح يونس، ومعتبر ابن فضّال: «عَرضتُ الكتاب على أبي الحسن عليه السلام فقال: هو صحيحٌ ، قَضى أميرالمؤمنين عليه السلام في دية جراحة الأعضاء.

إلى أن قال: وأفتى في النافذة إذا نَفَذت من رمحٍ أو خنجرٍ في شيء من الرّجُل في أطرافه، فديتها عُشر دية الرّجل مائة دينار»(4).

هكذا رواه المحمّدون في «الكافي»(5)، و «التهذيب»(6)، و «الفقيه»(7).

وعليه، فما في «الوسائل» من روايته هكذا: «في شيء من البدن في أطرافه» سهوٌ يقيناً.

ص: 353


1- شرائع الإسلام: ج 4/1044.
2- المختصر النافع: ص 304.
3- قواعد الأحكام: ج 3/691.
4- الفقيه: ج 4/90 ذيل الحديث 5150، وسائل الشيعة: ج 29/378 ح 35810.
5- الكافي: ج 7/327 ح 5.
6- التهذيب: ج 10/308 نهاية حديث 26 صفحة 295.
7- الفقيه: ج 4/92 نهاية حديث 5150 صفحة 76.

وفي إحمرار الوجه بالجناية دينارٌ ونصف، وفي إخضراره ثلاثة.

وخبر مسمع بن عبد الملك، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في النافذة تكون في العضو ثُلث دية ذلك العضو»(1)، لا يعارض الصحيح، لقصوره في نفسه سنداً بسهل بن زياد، وشمون والأصمّ ، ولاختلاف نسخة، وما ذكرناه محكيّ عن نسخة الشيخ، وعن نسخة الكليني رحمه الله:

«في الناقلة تكون في العضو ثُلث دية ذلك العضو» فهو غير ثابت.

ولا فرق في هذا الحكم بين الذَكَر والاُنثى ، لما دلّ على أنّ المرأة تُعاقل الرّجل إلى ثُلث الدِّية.

نعم، يعمّ هذا الحكم جميع الأطراف، إلّاما خرج بالدليل، كما في نافذة الخَدّ والأنف وما شاكل.

دية اللَّطمة في الخَدّ والوجه

المسألة الرابعة: (وفي إحمرار الوجه بالجناية) من لطمةٍ وشِبهُها (دينارٌ ونصف، وفي اخضراره) بها (ثلاثة) دنانير، بلا خلافٍ أجده، بل عليه الإجماع عن «الانتصار»(2)، و «الخلاف»(3)، وفي «السرائر»(4)، و «الغُنية»(5) وغيرها من كتب

ص: 354


1- التهذيب: ج 10/293 ح 15، المستدرك: ج 18/405 ح 23085.
2- الإنتصار: ص 276.
3- الخلاف: ج 5/262.
4- السرائر: ج 3/410.
5- غنية النزوع: ص 420.

وفي إسوداده سِتّة.

الجماعة، كذا في «الرياض»(1).

ويشهد به: موثّق إسحاق بن عمّار كالصحيح، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللَّطمة يسوَّد أثرها في الوجه: أنّ أرشها ستّة دنانير، فإن لم تَسوَّد واخضرّت، فإنّ أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمارّت ولم تخضارّ فإنّ أرشها دينار ونصف»(2).

(و) في الموثّق دلالةٌ على أنّ (في اسوداده ستّة) دنانير، كما عليه الأكثر، منهم الشيخ في «الخلاف»(3) مدّعياً عليه الوفاق.

وذهب المفيد(4) وجماعة منهم السيّدان(5) مدّعيان عليه الإجماع: أنّ فيه ثلاثة دنانير، كما في الاخضرار، ولم يذكروا له دليلاً سوى الإجماع والأصل.

والإجماع معارضٌ بدعواه على القول الأوّل، والأصلُ يَخرجُ عنه بالدليل.

وعليه، فالقول الأوّل أظهر.

وهل يختصّ الحكم بالضَّرب، كما هو مقتضى الجمود على ظاهر الموثّق، أم يعمّ مطلق الجناية، كما هو المشهور بين الأصحاب للإجماع الذي ادّعاه غير واحد؟

وجهان: أظهرهما الثاني، إذ فتوى الأصحاب، إمّا للعثور على دليلٍ ، أو لفهمهم9.

ص: 355


1- رياض المسائل: ج 14/321.
2- الكافي: ج 7/333 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/384 ح 35828.
3- الخلاف: ج 5/262.
4- المقنعة: ص 766.
5- الإنتصار: ص 549.

ولو كانت في البدن فَعَلى النصف.

العرفي من الموثّق أن لا خصوصيّة للّطمة، بل الميزان هو الجناية.

وبعبارة أُخرى : أنّ تمام الموضوع هو الجناية المؤثّرة أثراً خاصّاً من الاحمرار أو الاخضرار أو الاسوداد، وعلى التقديرين يتمّ ما أفادوه.

(ولو كانت) هذه الاُمور (في البدن، فعلى النصف) ممّا في كلّ منها في الوجه:

ففي الاحمرار ثلاثةُ أرباع الدينار، وفي الاخضرار دينارٌ ونصف، وفي الاسوداد ثلاثة دَنانير كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1)، وعن «الانتصار»(2)، و «الخلاف»(3)، و «الغُنية»(4) دعوى الإجماع على ذلك.

ويشهد به: ما رواه الصَّدوق بسندٍ صحيحٍ عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللَّطمة يَسوّد أثرها في الوجه: أنّ أرشها ستّة دنانير، فإنْ لم تَسوّد واخضرّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمارّت ولم تخضارّ فإنّ أرشها دينار ونصف، وفي البدن نصف ذلك»(5).

أقول: وظاهر المحقّق في «الشرائع»(6) و «النافع»(7) التوقّف في هذا الحكم، بل4.

ص: 356


1- راجع شرح اللُّمعة: ج 10/283.
2- الإنتصار: ص 549.
3- الخلاف: ج 5/262.
4- غنية النزوع: ص 420.
5- وسائل الشيعة: ج 29/384 ح 35828.
6- شرائع الإسلام: ج 4/1045.
7- المختصر النافع: ص 304.

ويتساوى الشِّجاج في الرأس والوجه.

عن المحقّق الأردبيلي(1) الميل إلى العدم، وأنّ المرجع هي الحكومة.

والظاهر أنّ المَنشأ كون الخبر مرويّاً في «الكافي»(2) و «التهذيب»(3) بدون ذكر جملة: «وفي البدن نصف ذلك»، ولكن حيثُ سمعتَ وجودها في رواية «الفقيه»(4)، فلا مورد للتوقّف فضلاً عن الميل إلى العدم.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الخبر، عدم اعتبار الاستيعاب في الوجه، ولا الدوام، وربما حُكي قول باشتراط الدوام وإلّا فالأرش، وهو ضعيفٌ ، وقائله غير معلوم.

استواء دية الشِّجاج في الوجه والرأس

المسألة الخامسة: (ويتساوى) دية (الشِّجاج في الرأس والوَجه) بلا خلافٍ :

1 - للإطلاقات فإنّ الشَّجة شاملة للوجه أيضاً.

2 - ولمعتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إنّ الموضّحة في الوجه والرأس سواء»(5).

وخبر الحسن بن صالح الثوري، عنه عليه السلام: «عن الموضّحة في الرأس كما هي في الوجه ؟

ص: 357


1- مجمع الفائدة: ج 14/460.
2- الكافي: ج 7/333 ح 4.
3- التهذيب: ج 10/277 ح 10.
4- الفقيه: ج 4/158 ح 5359.
5- التهذيب: ج 10/294 ح 22، وسائل الشيعة: ج 29/385 ح 35830.

أمّا البدن فبنسبة العضو الذي يتَّفقُ فيه مِن دية الرأس.

فقال: الموضِّحة والشِّجاج في الوجه والرأس سواء في الدِّية، لأنّ الوجه من الرأس، الحديث»(1).

ولو كان ضعفٌ فهو منجبرٌ بالعمل.

وأمّا خبر أبي بصير، عنه عليه السلام، في حديثٍ ، قال: «في السّمحاق وهي التي دون الموضِّحة خمسمائة درهم، وفيها إذا كانت في الوجه ضعف الدِّية على قدر الشين»(2).

فلضعفه بالإرسال، وعدم العمل به، ومعارضته مع الروايات المتضمّنة أنّ دية السّمحاق أربعة أبعرة لا خمسمائة درهم، حيث تزيد عليها بنسبة الخُمس، لا يمكن الاعتماد عليه.

و (أمّا) دية شبهها من الجَراح في (البدن، فبنسبة) دية (العضو الذي يتّفق فيه) الجراحة (من دِية الرأس)، وهي دية النفس، ففي خارِصة اليد مثلاً نصفُ بعيرٍ أو خمسة دنانير، وفي خارصة إحدى اُنملتي الإبهام نصفُ عُشر بعيرٍ أو نصف دينار وهكذا، بلا خلافٍ بين الأصحاب، وقد اعترف الأساطين بعدم وجدان الدليل على هذه الكليّة.

نعم، في خبر الثوري المتقدّم: «وليست الجراحات في الجَسَد كما هي في الرأس».

وفي موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الجروح في الأصابع إذا وضح العظم نصفُ عُشر6.

ص: 358


1- الكافي: ج 7/327 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/385 ح 35829.
2- الكافي: ج 7/327 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/380 ح 35816.

ويتساوى المرأة والرّجل في الدِّية والقِصاص فيما دون ثُلث الدِّية، فإذا بَلَغتِ الجناية ثُلث الدِّية، صارت المرأة على النصف.

دية الإصبع، إذا لم يرد المجروح أن يقتصّ » هكذا رواه في «التهذيب»(1)، المتمّم بعدم القول بالفصل.

والإيراد عليه: بقصور السَّند، في غير محلّه بل هو موثّقٌ كالصحيح.

نعم، في «الكافي»(2) روي هذا الخبر هكذا: «عُشر دية الإصبع»، بإسقاط لفظ (النصف)، لكن عند دوران الأمر بين الزيادة والنقصان، فإنّ مقتضى الأصل هو البناء على وجود كلمة (النصف).

وأمّا ما في «كتاب ظريف» المتضمّن تفاصيل ديات الجراح في البدن، موافقاً للقوم في بعضها، ومخالفاً لهم في آخر منها(3)، فلعدم عمل الأصحاب به لا يُعتمد عليه.

مساواة المرأة والرّجل في الدِّية إلى الثُّلث

المسألة السادسة: (ويتساوى المرأة والرّجل في الدِّية والقِصاص فيما دون ثُلث الدِّية، فإذا بلغت الجناية ثُلث الدِّية، صارت المرأة على النصف) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه(4)، وقد تقدّم الكلامُ في القِصاص في كتاب القِصاص(5) مفصّلاً.

ص: 359


1- التهذيب: ج 10/290 ح 6.
2- الكافي: ج 7/327 ح 7.
3- الفقيه: ج 4/90.
4- جواهر الكلام: ج 43/352.
5- صفحة 129 من هذا المجلّد.

وأمّا في الدِّية: فيشهدُ بذلك جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح أبان بن تغلب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقولُ في رجلٍ قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال عليه السلام: عَشَرةٌ من الإبل.

قلتُ : قطع اثنين ؟ قال: عشرون.

قلت: قَطَع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون.

قلتُ : قَطَع أربعاً؟

قال: عشرون.

قلتُ : سبحان اللّه، يقطعُ ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون، ويقطعُ أربعاً فيكون عليه عشرون! إنّ هذا كان يبلغُنا ونحنُ بالعراق، فنَبرأُ ممّن قاله، ونقول: الذي جاء به شيطانٌ .

فقال: مهلاً يا أبان، هذا حكمُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ المرأة تُعاقِلُ الرّجل إلى ثُلث الدِّية، فإذا بَلَغَتِ الثُّلث رَجَعت إلى النصف، يا أبان إنّكَ أخذتني بالقياس، والسُّنة إذا قِيست مَحقُ الدِّين»(1).

ومنها: معتبر سماعة، قال: «سألته عن جراحة النساء؟

فقال: الرِّجال والنساء في الدِّية سواء، حتّى تبلغ الثُّلث، فإذا جازت الثُّلث فإنّها مثل نصف دية الرَّجل»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :

«جراحات الرِّجال والنساء سواء، سِنّ المرأة بسنّ الرَّجل، وموضّحة المرأة3.

ص: 360


1- الكافي: ج 7/299 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/352 ح 35762.
2- التهذيب: ج 10/184 ح 19، وسائل الشيعة: ج 29/353 ح 35763.

وكلُّ ما فيه الدِّية من الرَّجل، ففيه من المرأة ديتها.

بموضّحة الرّجل، وإصبع المرأة بإصبع الرّجل، حتّى تبلغ الجراحة ثُلث الدِّية، فإذا بَلَغت ثُلث الدِّية ضعفت دية الرّجل على دية المرأة»(1).

ومنها: غير ذلك من الروايات الكثيرة.

ثمّ إنّ الكلام في فروع المسألة تقدّم في كتاب القِصاص(2) بشكل موسّع فلا نعيد.

دية أعضاء المرأة والذِّمي

المسألة السابعة: (وكلُّ ما) كان (فيه الدِّية من) أعضاء (الرَّجل) كالأنف واليدين والرِّجلين وما شاكل (ففيه من المرأة ديتها)، وكلّ ما كان فيه نصفُ الدِّية كإحدى اليدين، ففي المرأة نصف ديتها، بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه(3).

ويشهد به: الأخبار المتقدّمة الدّالة على أنّ كلّ ما في الإنسان منه واحدٌ ففيه الدِّية كاملة، وكلّ ما كان فيه منه اثنان ففيهما الدِّية، وفي أحدهما نصف الدِّية(4)، بضميمة ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرّجل(5)، فإنّ مقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين أنّ في قطع أنف المرأة أو يديها وما شاكل ذلك تمام ديتها، وهي نصف دية الرّجل، وفي قطع إحدى يديها أو رجليها نصف ديتها.

ص: 361


1- الكافي: ج 7/298 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/163 ح 35380.
2- راجع: صفحة 129 و 189 وما بعدها من هذا المجلّد.
3- جواهر الكلام: ج 43/352.
4- وسائل الشيعة: ج 29/283 باب (أنّ ما في الجسد منه واحد ففيه الدِّية).
5- وسائل الشيعة: ج 29/80 باب (حكم الرّجل يقتل المرأة).

وكذا من الذِّمي. ومن العبد قيمته، وما فيه مُقدَّرٌ من الحُرّ

ويدلّ على ذلك أيضاً: الأخبار المتقدّمة الدّالة على أنّ : «المرأة تُعاقِل الرّجل إلى ثُلث الدِّية، فإذا بَلَغت الثُّلث رَجَعت إلى النصف»(1).

(وكذا) الحال (من الذِّمي)، فلو قُطِعت إحدى يدي الذِّمي ففيه نصف ديته أربعمائة درهم، وفي الذِّمية نصف ديتها مائتا درهم، بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

ويشهد به: - مضافاً إلى الإطلاقات المتقدّمة، بضميمة ما دلّ على أنّ دية الذِّمي ثمانمائة درهم في الذَّكر، وأربعمائة في الاُنثى (2) - صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«لا يُقادُ مسلمٌ بذِّميّ في القتل، ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذِّمي على قدر دية الذِّمي ثمانمائة درهم»(3).

فإنّ مقتضى إطلاقات الروايات وصحيح محمّد: «أنّ في قطع يدي الذِّمي ثمانمائة درهم، وفي الذِّميّة أربعمائة، وفي قطع إحدى يديه أربعمائة درهم، وفي إحدى يديها مائتي درهم»(4).

(ومن العبد قيمته) بلا خلافٍ والنصوصُ شاهدة به(5).

(وما فيه مقدَّرٌ من الحُرّ) سواء أكانت الجناية بقطع عضوٍ أو كسره، أو جرحه،).

ص: 362


1- وسائل الشيعة: ج 29/103 باب 7 (أنّ من كان له مملوكان فقتل أحدهما الآخر فله القِصاص والعفو).
2- وسائل الشيعة: ج 29/45 باب (حكم من أمره غيره بالقتل).
3- الكافي: ج 7/310 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35274.
4- وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35274.
5- وسائل الشيعة: ج 29/168 باب (حكم جراحات المماليك).

فهو بنسبته من دية المرأة والذِّمي.

والإمام وليُّ من لا وَليّ ، يقتصُّ أو يأخذُ الدِّية، وليس له العَفو.

أو زوال منفعته (فهو بنسبته من دية المرأة والذِّمي) إن لم تكن الدِّية أكثر من ثُلث دِّية الرّجل بالنسبة إلى المرأة، على ما تقدّم في المسألة السابقة مفصّلاً.

الإمام وليُّ دَم مَنْ لا وَليّ له

المسألة الثامنة: (والإمامُ وَليُّ من) قُتِل و (لا وليّ له)، وله المطالبة بالقِوَد، و (يقتصّ أو يأخذ الدِّية) بلا خلافٍ فتوىً وروايةً واعتباراً، كذا في «الرياض»(1).

(وليس له العفو) مجاناً كما عن الأكثر.

وفي «الرياض»(2): (وهو المشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعاً، كما في «الإيضاح»(3)، و «المسالك»(4)، و «الروضة»(5)،).

وهو كذلك لعدم مخالفٍ فيه عَدا الحِلّي(6)، وهو شاذّ.

أقول: ويشهد به روايات:

منها: صحيح أبي ولّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ مسلمٍ قَتَل رجلاً مسلماً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّاأولياء من أهل الذِّمة من قرابته ؟

ص: 363


1- رياض المسائل: ج 14/327.
2- رياض المسائل: ج 14/327.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/715.
4- مسالك الأفهام: ج 15/468.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/288.
6- السرائر: ج 3/336.

فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلَم منهم فهو وليّه، يُدفع القاتل إليه، فإنْ شاءَ قَتَل وإنْ شاء عَفا، وإنْ شاءَ أخذَ الدِّية، فإنْ لم يُسْلِم أحدٌ كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قَتَل، وإن شاءَ أخذَ الدِّية فجعلها في بيت مال المسلمين، لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين.

قلتُ : فإن عفا عنه الإمام ؟

قال: فقال: إنّما هو حقُّ جميع المسلمين، وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدِّية، وليس له أن يعفو»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: في الرّجل يُقتَل وليسَ له وليّ إلّاالإمام: أنّه ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدِّية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»(2).

ومنها: ما رواه سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ مسلمٍ قُتِل وله أبٌ نصراني لمن تكون ديته ؟

قال: تُؤخذفتُجعل في بيت مال المسلمين، لأنّجنايته عليبيت مال المسلمين»(3).

وفي «الرياض»(4): البحث قليل الفائدة.7.

ص: 364


1- الكافي: ج 7/359 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/124 ح 35307.
2- التهذيب: ج 10/178 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/125 ح 35308.
3- الفقيه: ج 4/333 ح 5716، وسائل الشيعة: ج 26/253 ح 32948.
4- رياض المسائل: ج 14/327.

ويردّه: أنّه إذا لم يكن للإمام العفو، فعدم ثبوته لنوابه أولى .

وأمّا الاقتصاص وأخذ الدِّية: فلا كلام في أنّ عموم أدلّة النيابة كافٍ في ثبوتهما للمجتهد، سيّما مع تصريح الروايات بأنّه حقّ جميع المسلمين وقد مرّ الكلام فيه في بداية كتاب القضاء(1).

***7.

ص: 365


1- فقه الصادق: ج 38/7.

الفَصلُ الحادي عَشَر: في دية الجنين والميّت.

في النُطفة بعد استقرارها في الرّحم عِشرون ديناراً، وفي العَلَقة أربعون، وفي المُضغَة ستّون، وفي العَظم ثمانون، وإذا تمّت خِلقته، ولم تَلِجهُ الروّح فمائة.

الفَصلُ الحَادي عشر دية الجنين

اشارة

(الفَصلُ الحادي عشر: في دية الجنين والميّت):

أقول: يقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في دية الجنين:

وتنقيح القول فيه يتحقّق بالبحث في مسائل:

المسألة الأُولى : (في النطفة بعد استقرارها في الرَّحم عشرون ديناراً، وفي العَلَقة أربعون، وفي المُضغة ستّون، وفي العَظم ثمانون، وإذا تمّت خلقته ولم تلجه الرُّوح فمائة) كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1).

وعن «الانتصار»(2)، و «الغُنية»(3)، و «المبسوط»(4)، و «السرائر»(5): دعوى الإجماع عليه.

ص: 366


1- راجع الهداية: ص 301، الناصريّات: ص 329، الجامع للشرايع: ص 602.
2- الإنتصار: ص 532.
3- غنية النزوع: ص 415.
4- المبسوط: ج 7/193.
5- السرائر: ج 3/417.

وعن الإسكافي(1): إنّ دية الجنين مطلقاً غُرّة عبداً أو أمَة، قيمتها نصف عُشر الدِّية، وهو مذهب الجمهور، وبه وردت روايات عن النبيّ صلى الله عليه و آله كما في «المسالك»(2).

وعن العُمّاني(3): وجوب دية كاملة إذا تمّت خلقته، ولم تلجه الرُّوح.

وعن «المبسوط»: التفصيل بين الذَكَر فما مرّ أي مائة دينار، والاُنثى فنصفه، وقوّاه المحقّق الأردبيلي(4).

أقول: يشهد لما هو المشهور جملةٌ من النصوص:

منها: الصحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «جَعل دية الجنين مائة دينار، وجَعل منيّ الرّجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الرُّوح مائة دينار، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ خَلق (اَلْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ ) (5) وهي النطفة، فهذا جزءٌ ، ثُمّ عَلَقة فهو جزءان، ثُمّ مُضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثمّ عَظْماً فهو أربعة أجزاء، ثمّ يُكسى لحما فحينئذ تمّ جنيناً، فكَمُلَت له خمسة أجزاء، مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء، فجعل للنطفة خُمس المائة عشرين ديناراً، وللعلقة خُمسي المائة أربعين ديناراً، وللمُضغة ثلاثة أخماس مائة ستّين ديناراً، وللعَظم أربعة أخماس المائة ثمانين ديناراً، فإذا كُسيَ اللّحم كانت له مائة كاملة، فإذا نَشَأ فيه خَلقٌ آخر وهو الرُّوح، فهو حينئذٍ نفسٌ بألف دينار كاملة، إن كان ذَكَراً، وإن كانت اُنثى فخمسمائة دينار، الحديث»(6).4.

ص: 367


1- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/411.
2- مسالك الأفهام: ج 15/469.
3- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/411.
4- مجمع الفائدة: ج 14/325.
5- سورة المؤمنون: الآية 12.
6- الكافي: ج 7/342 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/312 ح 35674.

ومنها: خبر سليمان بن صالح، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«في النطفة عشرون ديناراً، وفي العلقة أربعون ديناراً، وفي المُضغة ستّون ديناراً، وفي العظم ثمانون ديناراً، فإذا كُسي اللّحم فمائة دينار، ثُمّ هي ديته حتّى يستهلّ ، فإذا استهلّ فالدية كاملة»(1).

ونحوهما غيرهما(2).

أقول: وفي مقابل هذه النصوص طوائف من الأخبار:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على القول الثاني:

منها: صحيح داود بن فرقد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً.

فقال الأعرابي: لم يهلّ ولم يصحّ ، ومثله يطلّ .

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: اسكت سجّاعة، عليك غُرّة وصيفٍ عبدٍ أو أمَة»(3).

ومنها: معتبر السكوني، عنه عليه السلام، قال: «قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جنين الهلاليّة حيث رُمِيت بالحَجَر فألقتْ ما في بطنها ميّتاً، فإنّ عليه غُرّة عبدٍ أو أمة»(4).

ومنها: صحيح سيلمان بن خالد، عنه عليه السلام، قال: «إنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقد ضَرَب امرأةً حُبلى ، فأسقطت سِقْطاً ميّتاً، فأتى زوج المرأة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فاستعدى عليه.6.

ص: 368


1- الكافي: ج 7/345 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/313 ح 35676.
2- وسائل الشيعة: ج 29/312 باب (ديات النطفة والعلقة والمضغة والعظم والجنين ذكراً وأُنثى ).
3- الكافي: ج 7/343 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/319 ح 35685.
4- التهذيب: ج 10/286 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/319 ح 35686.

فقال الضّارب: يا رسول اللّه ماأكلَ ولاشَرِبَ ولااستهلَّ ولا صاح ولااستبشَّ .

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّك رجلٌ سَجّاعة، فقضى فيه رقبة»(1).

والظاهر أنّها مدرك الإسكافي.

أقول: ولكن هذه النصوص تعارض الطائفة الأُولى ، فإنّها:

إمّا أن تكون مختصّة بما إذا لم تَلج الرّوح في الجنين.

أو تكون أعمّ من ذلك وما لو ولجت فيه الرّوح.

وعلى التقديرين تعارضها.

وما ذكره الشيخ(2) من حمل الجنين فيها على ما لم تتمّ خلقته، كالعلقة، والمضغة، بقرينة صحيح أبي عُبيدة الآتي، لا يتمّ بعد كون الجنين ظاهراً في ما تمّ خلقته، سيّما مع فرض سقوطه ميّتاً، كما في بعض الأخبار، وحيث إنّ هذه موافقة للعامّة، فلا محالة تُقدّم الطائفة الأُولى .

الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ الدِّية غُرّة أو أربعين درهماً في خصوص العلقة أو المضغة: لاحظ: صحيح أبي عُبيدة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في امرأةٍ شَرِبت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها، فألقت ولدها؟

قال عليه السلام: إن كان له عَظمٌ قد نَبَت عليه اللّحم، وشَقَّ له السَّمع والبَصر، فإنّ عليها دية تسلّمها إلى أبيه.

قال: وإنْ كان جنيناً علقةً أو مضغةً ، فإنّ عليها أربعين ديناراً، أو غُرّة تُسلّمها إلى أبيه، الحديث»(3).4.

ص: 369


1- التهذيب: ج 10/286 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/319 ح 35687.
2- المبسوط: ج 7/194.
3- الكافي: ج 7/344 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/318 ح 35684.

وهذه الرواية معارضة لما تقدّم، ولم يعمل أحدٌ بها حتّى من العامّة، لأنّهم ذاهبون إلى تعيّن الغُرّة، وهذه تدلّ على التخيير بينها وبين أربعين ديناراً، فتُطرح لذلك.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّ الغُرّة ديةٌ تخييراً فيما كان الجنين في شرف الولادة، كصحيح الحلبي، وأبي عُبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ قَتَل امرأة خطاءً وهي على رأس الولد تمخض ؟

قال عليه السلام: عليه الدية خمسة آلاف درهم، وعليه للذي في بطنها، وصيفٌ أو وصيفة، أو أربعون ديناراً»(1).

وظاهره وضع الحمل التامّ بعد ولوج الرُّوح فيه، فلم يَعمل به أحدٌ لا مِنّا ولا من العامّة، فالمتعيّن طرحه.

الطائفة الرابعة: ما يشهد لما ذهب إليه العُمّاني، وهو صدر صحيح أبي عُبيدة المتقدّم آنفاً، ونحوه صحيح محمّد بن مسلم(2)، ومرسل عبد اللّه بن سنان الذي هو بحكم الصحيح(3).

ولكنّها مطلقة قابلة للتقييد بما إذا وَلِجَت الرّوح فيه، بقرينة ما تقدّم.

وأيضاً: يمكن حملها على إرادة الدِّية الكاملة للجنين، وهي المائة دينار.

فإن لم يتمَّ شيءٌ منهما، فلمعارضتها مع ما تقدّم والشُّهرة معه، لا بدَّ من طرح هذه الروايات.5.

ص: 370


1- الكافي: ج 7/299 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/206 ح 35459. (2و3) وسائل الشيعة: ج 29/319 ح 35687 و ح 35685.
2- وسائل الشيعة: ج 29/319 ح 35687 و ح 35685.
3- وسائل الشيعة: ج 29/319 ح 35687 و ح 35685.

أقول: وأمّا التفصيل الذي ذكره الشيخ؛ فاستدلّ له المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1) بأنّه جَعل في أخبار الباب، دية المرأة نصف دية الرّجل، ودية الجنين التامّ إذا كان ذَكَراً نصف خُمس دية الذَكَر، وهو مائة دينار، وإذا كان اُنثى نصفُ خُمس دية الاُنثى وهو خمسون ديناراً، قال: (وإليه أشار بقوله عليه السلام في معتبر ظريف: «وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة...» إلخ).

وفيه: إنّ معتبر ظريف كالنَّص في عدم الفرق بينهما؛ إذ لو انضمّ قوله عليه السلام فيه:

«فإذا كُسيَ اللّحم كانت له مائة كاملة»، إلى قوله بعده: «فإذا نشأ فيه خَلقٌ آخر وهو الرّوح، فهو حينئذٍ نفسٌ بألف دينار كاملة إن كان ذَكَراً، وإن كان اُنثى فخمسمائة دينار»، بقرينة التفصيل بين قبل ولوج الرّوح في الجنين وبعده، بالإطلاق في ما قبل ولوجها والتفاوت ما بعده، يكون صريحاً في ما ذكرناه.

وأمّا قوله في ذيله: (وإن قُتِلت امرأةً وهي حُبلى مُتم، فلم يسقط ولدها، ولم يُعلم أذكرٌ هو أم اُنثى ، ولم يُعلم أبعدها أم قبلها، فديته نصفين، نصفُ دية الذَكَر ونصفُ دية الاُنثى ).

فمن جهة فرض موت الجنين يكون ظاهراً في صورة ولوج الرّوح فيه، مع أنّ الدِّية المفروضة هي الدِّية الثابتة بعد ولوج الرّوح.

وأمّا قوله: (وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة).

فهو على خلاف التفصيل أدلّ ، لأجل جعل ديته من حساب المائة مطلقاً، إذ على القول بالتفصيل، كان دية الجنين إذا كانت اُنثى من حساب الخمسين لا المائة.6.

ص: 371


1- مجمع الفائدة: ج 14/326.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما أفاده المشهور أظهر.

أقول: والمعروف بين الأصحاب أنّ الفصل بين المراتب المزبورة أربعون يوماً، فهو أربعون يوماً نطفة، وأربعون يوماً عَلَقة، وأربعون يوماً مُضغة، ويشهد به نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد أن يخلق النطفة...

إلى أن قال: فتفتح الرّحم بابها، فتصل النطفة إلى الرّحم، فتردّد فيه أربعين يوماً، ثمّ تصير عَلَقة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغةً أربعين يوماً، الحديث»(1).

وقريبٌ منه صحيحه الآخر(2).

ومنها: معتبر ابن فضّال، عن الحسن بن الجَهم، عن الإمام الرِّضا عليه السلام، قال:

«قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ النطفة تكون في الرّحم أربعين يوماً، ثمّ تصيرُ عَلَقة أربعين يوماً، ثمّ تَصيرُ مضغةً أربعين يوماً، فإذا كَمُل أربعة أشهر بَعَثَ اللّه مَلَكين خلّاقين، الحديث»(3).

وأمّا صحيح البزنطي، عن الإمام الرِّضا عن الإمام الباقر عليهما السلام في حديثٍ : «إنّ النطفة تكون في الرَّحم ثلاثين يوماً، وتكون عَلَقة ثلاثين يوماً، وتكون مضغةً ثلاثين يوماً، وتكون مخلّقة وغير مخلّقة ثلاثين يوماً، فإذا تمّت الأربعة أشهر بَعَث اللّه إليها مَلَكين خلّاقين»(4).

ص: 372


1- الكافي: ج 6/13 ح 4 و 3.
2- الكافي: ج 6/16 ح 7.
3- الكافي: ج 6/13 ح 4 و 3.
4- البحار: ج 5/154 ح 3.

وفيما بين ذلك بحسابه.

فلابدّ من رَدّ علمه إلى أهله، لمخالفته للكتاب الدّال على كون المخلّقة وغير المخلقة صفتين للمُضغة، لا أنّهما في مقابلها، كما هو مدلول الصحيح.

وأمّا ما عن الحِلّي(1) من أنّ الفصل بين المراتب المزبورة عشرون يوماً، فلم نجد له دليلاً، فالأظهر ما هو المشهور، (و) قد صرّح جماعةٌ منهم الشيخ في «النهاية»(2)، والمصنّف هنا وفي «الإرشاد»(3)، والحِلّي في «السرائر»(4)، وابن حمزة في «الوسيلة»(5)، بأنّ الدِّية (فيما بين ذلك بحسابه).

ويشهد به: - وبكيفيّة التقسيم - أخبارٌ:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت: فإن خرج في النطفة قطرةُ دمٍ؟

قال عليه السلام: القطرة عُشر النطفة ففيها اثنان وعشرون ديناراً.

قلت: قطرتان ؟ قال: أربعة وعشرون ديناراً.

قلت: فثلاث ؟ قال: ستّة وعشرون ديناراً.

قلت: فأربع ؟ قال: ثمانية وعشرون ديناراً.

قلت: فخمس ؟ قال: ثلاثون ديناراً، ومازاد على النصف، فعلى هذا الحساب،6.

ص: 373


1- السرائر: ج 3/416.
2- النهاية: ص 778.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/234.
4- السرائر: ج 3/416.
5- الوسيلة: ص 456.

حتّى تصير عَلَقة، فيكون فيها أربعون ديناراً.

قلت: فإن خرجت النطفة متحصِّحصة بالدّم ؟

قال: قد عَلُقَت إن كان دماً صافياً أربعون ديناراً، وإن كان دماً أسود، فذلك من الجوف فلا شيء عليه إلّاالتعزير، لأنّه ما كان من دَم صافٍ فذلك للولد، وما كان من دمٍ أسودٍ فهو من الجوف.

قال: فقال أبو شبل: فإنّ العلقة إذا صارت فيها شبه العروق واللّحم.

قال: اثنان وأربعون ديناراً العشر.

قال: قلت: فإنّ عُشر الأربعين أربعة ؟

قال: لا إنّما هو عُشر المضغة، لأنّه إنّما ذَهب عُشرها، فكلّما ازدادت زيد حتّى تبلغ الستّين.

قلت: فإنْ رأيتَ في المُضغة مثل عُقدة عظمٍ يابس ؟

قال: إنّ ذلك عظمُ أوّل ما يبتدأ، ففيه أربعة دنانير، فإنْ زاد أربعة دنانير حتّى تبلغ مائة.

قلت: فإنْ كَسِي العَظْمُ لحماً؟ قال: كذلك إلى مائة.

قلت: فإنْ وكزها فسَقَط الصَّبي لا يُدرى أحيّاً كان أم ميّتاً؟

قال: هيهات يا أبا شبل، إذا بلغ أربعة أشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الدِّية»(1).

ومنها: صحيح صالح بن عقبة، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:9.

ص: 374


1- الكافي: ج 7/345 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/315 ح 35679.

ودية جنين الذِّمي عُشر دية أبيه.

«قال أبو شبل: فإنّ العلقة صار فيها شبه العروق من لحم ؟

قال: اثنين وأربعين (ديناراً) عشر.

قال: فقلت: فإن عُشر أربعين أربعة ؟

قال عليه السلام: لا إنّما هو عُشر المضغة، لأنّه إنّما ذهب عُشرها، فكلّما زادت زيد حتّى تبلغ الستّين.

قلت: فإنْ رأيتُ المُضغة مثل العقدة عظماً يابساً؟

قال: فذاك عظمُ أوّل ما يبتدأ العظم، فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير، فإنْ زاد فَزِد أربعة أربعة (حتّى تتمّ الثمانين).

قلت: فإذا وَكَزها فسَقَط الصَّبي، ولا يُدرى أحيّاً كان أم لا؟

قال: هيهات يا أبا شبل، إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الدِّية»(1).

المسألة الثانية: (و) المشهور بين الأصحاب(2) أنّ (دية جنين الذِّمي عُشر دية أبيه) ثمانون درهماً، بل عن «الخلاف»(3) و «المبسوط»(4) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:7.

ص: 375


1- التهذيب: ج 10/283 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/315 ح 35679.
2- راجع النهاية: ص 779، السرائر: ج 3/418، إرشاد الأذهان: ج 2/233.
3- الخلاف: ج 5/296.
4- المبسوط: ج 7/197.

1 - بأنّ إلحاق الولد الحُرّ بأبيه في الأحكام حقيقةً غالبة كما عن «التنقيح»(1).

2 - وبمناسبة ذلك لمراعاة جنين الحُرّ المسلم بدية أبيه، كما عن جماعةٍ .

وشيّده بعضهم: بأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى مساواة دية الذِّمي لدية المسلم في مثل هذه الأحكام، على حسب النسبة.

أقول: وهذا لا بأس به، إلّاأنّ في المقام خبرين، أحدهما قويٌّ سنداً، يدلّان على أنّ دية جنينه عُشر دية اُمّه أربعون درهماً، ففي معتبرالسكوني عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «أنّه قضى في جنين اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة عُشر دية اُمّه»(2).

ونحوه خبر مسمع(3).

ويؤيّده: أنّ أهل الذِّمة مماليك للإمام، كما في جملةٍ من الأخبار.

وعلى الجملة: إنْ ثَبَت الإعراض عن معتبر السكوني، فما هو المشهور أظهر، وإلّا فالثاني.

أقول: والظاهر عدم ثبوته؛ لأنّ عدم عمل جماعة به لتوهّم ضعف السكوني، ويظهر من العلّامة المجلسي(4) حيث قال: (إنّ الأكثر لم يعملوا بروايتي مسمع والسكوني) عدم الإعراض، فإنّ هذا التعبير يكشفُ عن عمل جماعةٍ بهما، والظاهر من صاحب «الوسائل» العمل بهما.

فالمتحصّل: أنّ دية الجنين الذي عُشر دية اُمّه، أربعون درهماً، وأمّا ديته في المراتب السابقة فبحساب ذلك، ويدلّ عليه معتبر ظريف المتقدّم:8.

ص: 376


1- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/331.
2- التهذيب: ج 10/288 ح 24، وسائل الشيعة: ج 29/225 ح 35509.
3- الكافي: ج 7/310 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/323 ح 35696.
4- نسبه إليه في مباني تكملة المنهاج: ج 2/407-408.

ولو ولجته الرُّوح فديةٌ كاملة في الذَّكر، ونصف في الاُنثى .

«وجعل منيّ الرّجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء...

إلى أن قال: ثُمّ يُكسى لحماً، فحينئذ تمّ جنيناً، فكَمُلَت له خمسة أجزاء مائة ديناراً، والمائة دينار خمسة أجزاء، فجعل للنطفة خُمس المائة عشرين ديناراً، وللعَلقة خُمسي المائة أربعين ديناراً، وللمُضغة ثلاثة أخماس المائة ستّين ديناراً، وللعظم أربعة أخماس المائة ستّين ديناراً»(1).

فإنّه ظاهرٌ في أنّ العبرة بهذه النسبة، وفي المقام تُقسَّم الأربعون درهماً على هذه المراتب على النسبة، فللنطفة ثمان دراهم، وللعلقة ستّة عشر درهماً، وهكذا.

دية الجنين بعد ولوج الرُّوح فيه

المسألة الثالثة: (ولو) جَنى على الجنين بعد أن (وَلَجته الرُّوح، فدية كاملة في الذَّكَر، ونصفُ في الاُنثى ) بلا خلافٍ ، والنصوص المتقدّم جملة منها دالّةٌ على ذلك.

أقول: ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوى، عدم الفرق بين موت الجنين في البطن أم خارجاً، خلافاً للسيّد ابن زُهرة(2)، حيث خصّ وجوب كمال الدِّية بالصورة الثانية، قال: (فإن ماتَ الجنين في الجوف ففيه نصف الدِّية) وقد استدلّ له:

1 - بالإجماع.

2 - وبخبر أبي سيّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ قَتَل جنين أمَةٍ لقومٍ في بطنها؟

ص: 377


1- الكافي: ج 7/342 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/312 ح 35674.
2- غنية النزوع: ص 415.

فقال عليه السلام: إن كان ماتَ في بطنها بعدما ضربها، فعليه نصف عُشر قيمة اُمّه، وإن كان ضَرَبها فألقته حَيّاً فمات فإنّ عليه عُشر قيمة اُمّه»(1).

بدعوى: أنّه يدلّ على أنّ دية الجنين بعد ولوج الرُّوح تختلفُ بموته في البطن وخارجه، وأنّه لو ماتَ خارجه يكون ديته ضعف ما لو مات في البطن، من دون خصوصيّة للملوكيّة في ذلك.

3 - وبخبر سليمان بن صالح، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«فإذا كُسيَ اللّحم فمائة دينار، ثُمّ هي ديته حتّى يستهلّ ، فإذا استهلّ فالدِّية كاملة»(2).

بتقريب: أنّه يدلّ على اعتبار التولّد حَيّاً في وجوب الدِّية الكاملة.

أمّا الإجماع: فهو كما ترى ، إذ لا موافق له سوى الحَلَبي(3) والعُمّاني(4)والإسكافي،(5) وهم قد ذكروا ذلك في الجنين المملوك خاصّة للخبر المشار إليه.

وأمّا الخبر: - فمضافاً إلى ضعف سنده - إنّه مختصٌّ بالمملوك، والتعدّي يحتاجُ إلى دليلٍ ، أو العلم بعدم الخصوصيّة، وكلاهما كما ترى .

وأمّا خبر سليمان: فالاستهلال فيه كناية عن ولوج الرُّوح، لكونه من طرق إثباته، مع أنّه يدلّ على أنّ الدِّية مائة دينار إلى الاستهلال، لا نصف الدِّية الكاملة الذي يقول به السيّد.

وعليه، فالأظهر عدم الفرق بين الصورتين.4.

ص: 378


1- الكافي: ج 7/344 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/322 ح 35693.
2- الكافي: ج 7/345 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/313 ح 35676.
3- الكافي في الفقه: 393. (4و5) نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/414.

ولو قُتِلت المرأةُ وماتَ معها، ف

ولو شكّ في الحياة حين الجناية وعدمها:

فإنْ أُحرز الحياة قبل الجناية، فتُستصحب ويُحكم بوجوب الدِّية الكاملة.

وإنْ لم تُحرز، فمقتضى استصحاب عدم ولوج الرُّوح فيه، عدم وجوب الدِّية الكاملة، وإلى ذلك يشير خبر سليمان، فإنّه بالاستهلال يُحرز الحياة، وبدونه يُشكّ فالأصل عدمها.

وأمّا ما دلّ على أنّ السِّقط إذا تمّ له أربعة أشهر يُغسَّل، فلا يدلّ على تحقّق العنوان المترتّب عليه الدِّية.

وأمّا صحيح صالح بن عقبة المتقدّم:

«قلتُ : فإذا وَكَزها فَسَقط الصَّبي، ولا يدرى أحَيّاً كان أو لا؟

قال عليه السلام: هيهات يا أبا شبل، إذا مَضَت خَمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الدِّية»(1).

فهو يدلّ على أنّ زمان نفخ الرُّوح فيه ذلك.

وأمّا لو شُكّ فيه لعارضٍ خارجي، فلا نظر للخبر إليه، فلا يدلّ على كون مُضيّها أمارة على الحياة بقولٍ مطلق، مع أنّ الأصحاب لم يعملوا به، بل عَمِلوا بخبر سليمان الذي يعارضه.

قتل الحُبلى مع حَملها

المسألة الرابعة: (ولو قُتِلَتِ المرأةُ وماتَ معها) الجنين، (ف) على الجاني

ص: 379


1- الكافي: ج 7/345 ح 11، وسائل الشيعة: ج 29/315 ح 35679.

ديةٌ للمرأة، ونِصفُ الدِّيتين للجَنين إنْ جُهِل حاله.

(ديةٌ للمرأة) كاملة، وديةُ حَمل الذَّكَر كَذَلك إنْ كان ذَكَراً، ودية الاُنثى إنْ كان اُنثى ، والوجه في ذلك كلّه ظاهر.

(ونصف الدِّيتين) أي نصف دية الذَّكَر ونصفُ دية الاُنثى ، يصير مجموعهما سبعمائة وخمسين ديناراً (للجنين إن جُهِل حاله) ذكورةً واُنوثةً ، كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، ويشهدُ به:

1 - معتبر ظريف المتقدّم: «وإنْ قُتِلَت امرأةٌ وهي حُبلى مُتمّ ، فلم يسقط وَلَدها، ولم يُعلم أذكرٌ هو أو اُنثى ، ولم يُعلم أبعدها ماتَ أم قبلها، فديته نصفان: نصفُ دية الذَّكَر، ونصفُ دية الاُنثى ، ودية المرأة كاملة بعد ذلك، الحديث»(2).

2 - وخبر ابن مسكان، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :

«وإن قُتِلت المرأة وهي حُبلى ، فلم يُدرَ أذكراً كان ولدها أم اُنثى ، فدية الولد نصفان نصف دية الذَّكَر ونصفُ دية الاُنثى ، وديتها كاملة»(3).

وعن الحِلّي:(4) (أنّه مع الجهالة يُستخرج ذكورة الجنين واُنوثته بالقُرعة، لأنّها لكلّ أمرٍ مشكل).

ولكن مع الخبرالمعتبر المعمول به بين الأصحاب، لا وجه لذلك، وإنْكان مع عدمه أيضاً لم يُتمّ ماأفاده، إذ يمكن إجراءأصالة عدم الذكورة، ويُنفى بهاالزيادة عن دية الاُنثى .8.

ص: 380


1- مسالك الأفهام: ج 15/480.
2- الإستبصار: ج 4/299 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/312 ح 35674.
3- الكافي: ج 7/343 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/229 ح 35519.
4- السرائر: ج 3/418.

ولو ألقته المرأة مباشرةً أو تسبيباً فعليها ديةٌ لوارثه، ولا يُسهَمُ لها.

ولو أفزع مُجامِعاً فَعَزل فعليه عَشرة دنانير.

المسألة الخامسة: (ولو ألقته المرأة مباشرةً أو تسبيباً، فعليها) الدِّية:

فإنْ كان بعد ولوج الرُّوح، وكان ذَكَراً فعليها (دية) الذَّكَر، وإن كان اُنثى فعليها ديتها.

وإنْ كان قبل ولوج الرُّوح، فعليها ديته، بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

ويشهد بالجميع مضافاً إلى ذلك: الإطلاقات والعمومات، وتكون تلك الدِّية (لوارثه) على ما تقدّم في كتاب المواريث(1)، من أنّ الدِّية للوراث، وعرفت أنّها للمتقرّب بالأب، ولا يرثُ منها المتقرّب بالاُمّ .

(ولا يُسهَمُ لها) على أيّ حال:

1 - لأنّها قتلته، والقاتلُ لا يرثُ ، فتأمّل.

2 - ولصحيح أبي عُبيدة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في امرأةٍ شربت دواءً وهي حامل لتَطرَح ولدها، فألقت ولدها. إلى أن قال: قلت: فهي لا ترثُ من ولدها من ديته ؟ قال عليه السلام: لا، لأنّها قتلته»(2).

المسألة السادسة: (ولو أفزع) شخصٌ (مُجامعاً فَعَزَل) عنه المنيّ في الخارج، (فعليه عَشرة دنانير) بلا خلافٍ .4.

ص: 381


1- فقه الصادق: ج 37/285.
2- الكافي: ج 7/344 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/318 ح 35684.

ويرثُ دية الجَنين مَن يَرِثُ المال الأقرب فالأقرب.

بل عن «الانتصار»(1)، و «الخلاف»(2)، و «الغُنية»(3): الإجماع عليه.

ويشهد به أيضاً: معتبر ظريف: «وأفتى عليه السلام في منيّ الرّجل يُفزَع عن عِرسه فيَعزل عنها الماء، ولم يرد ذلك: نصفُ خُمس المائة عَشَرة دنانير»(4).

وهل المستحقّ للدِّية هو الزّوج، أو الزّوجة ؟ لا يبعدُ دعوى أظهريّة الأوّل، إذ المستفاد من النصوص المتضمّنة أنّ المنيّ إلى الرّجل يَصرِفهُ حيثُ شاء(5)، أنّ ذلك حقٌّ له، فتكون ديته له، ولا ربط لها بالمرأة. وعن الشيخ أنّها للزوجة نظراً إلى أنّه حقٌّ لها للالتذاذ. وهو ممنوعٌ صغرى وكبرى.

وأمّا حُكمُ عَزل الزّوج عن زوجته، وأنّه هل يثبتُ الدِّية به أم لا؟ والفروع المتفرّعة عليهما، فقد تقدّمت في أوّل كتاب النكاح(6) بشكلٍ موسّع.

المسألة السابعة: (ويرثُ دِية الجَنين مَن يَرِثُ المالَ ، الأقربُ فالأقرب) بلا خلافٍ ، بل عن ظاهر «المبسوط»(7) و «الخلاف»(8) دعوى الإجماع عليه، وقد مرّ الكلام فيه في آخر كتاب المواريث(9)، وبيّنا مَنْ يرث الدِّية ومَنْ لا يرثها، وفي النصوص المتقدّمة ما يُشعر بذلك:5.

ص: 382


1- الإنتصار: ص 265.
2- الخلاف: ج 5/293.
3- غنية النزوع: ص 415.
4- التهذيب: ج 10/295 ح 26، وسائل الشيعة: ج 29/312 ح 35674.
5- وسائل الشيعة: ج 20/149 باب (جواز العزل).
6- فقه الصادق: ج 31/109.
7- المبسوط: ج 7/195.
8- الخلاف: ج 5/293.
9- فقه الصادق: ج 37/285.

ودية جراحاته وأعضائه بنسبة ديته.

ولو ضَرَب الحاملُ فألقتْ جنيناً فماتَ بالإلقاء، قُتِل به إنْ كان عمداً.

منها: صحيح أبي عُبيدة المتقدّم، الدّال على أنّه لو ألقت المرأة حَبلها، تكون الدِّية لزوجها، وهي لا ترثُ منها، لأنّها قتلته.

ومنها: صحيح حسين بن خالد الآتي في الجناية على الميّت: «ولكن ديته دية الجنين في بطن اُمّه قبل أن تلج فيه الرُّوح، وذلك مائة دينار، وهي لورثته، ودية هذا هي له لا للورثة»(1).

المسألة الثامنة: (و) تُدفع (دية جراحاته وأعضائه بنسبة ديته)، ففي قطع يده خمسون ديناراً، وفي حارصته مثلاً ديناراً، وهكذا بلا خلافٍ ، لصحيح ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذَكَر والاُنثى ، والرّجل والمرأة كاملة، وجعل له في قِصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته، وهي مائة دينار»(2).

المسألة التاسعة: (ولو ضَرَب الحاملُ فألقتْ جنيناً، فمات بالإلقاء) فالمشهورُ بين الأصحاب(3) أنّه ي (قُتل به إنْ كان عمداً)، وعلّلوه بأنّه قاتلٌ ، والمفروض كونه عَمديّاً، فيلحقه حكمه وهو القِوَد.

ولكن قد مرَّ في كتاب القِصاص(4) أنّه: «لا قِوَد لمن لا يُقاد منه»، فلا يُقتل به.4.

ص: 383


1- وسائل الشيعة: ج 29/325 ح 35699.
2- الكافي: ج 7/343 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/312 ح 35674.
3- راجع مجمع الفائدة: ج 14/338.
4- فقه الصادق: ج 39/414.

وإلّا أخذت الدِّية.

وحكم العَمَد فيه حُكمُ شِبه العَمَد، (وإلّا) أي وإن لم يكن عَمديّاً (أُخِذَت الدِّية) غاية الأمر إن كان شبه عَمدٍ فعليه ديته، وإن كان خطاءً محضاً فالدِّية على عاقلته، والوجه في ذلك كلّه ظاهر.

***

ص: 384

وفي قطع رأس الميّت الحُرّ المسلم مائة دينار.

حكم الجناية على الميّت

المقام الثاني: في حكم الجناية على الميّت (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى : (في قطع رأس الميّت الحُرّ المسلم مائة دينار)، وكذا في قطع ما فيه احتياج نفسه، لو كان حيّاً، على المشهور شهرةً عظيمة، بل عن «الانتصار»(1)، و «الخلاف»(2)، و «الغُنية»(3) الإجماع عليه.

ويشهد به: صحيح حسين بن خالد قال:

«سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ قطعَ رأس ميّتٍ؟

فقال: إنّ اللّه حَرّم منه ميّتاً كما حَرّم منه حَيّاً، فمن فعل بميّتٍ فعلاً يكون في مثله اجتياحُ نفس الحَيّ فعليه الدِّية.

فسألت عن ذلك أبا الحسن عليه السلام، فقال: صَدَق أبو عبد اللّه عليه السلام، هكذا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله. قلتُ : فمَن قطعَ رأس ميّتٍ ، أو شقّ بطنه، أو فعل ما يكون فيه اجتياح نفس الحَيّ فعليه دية النفس كاملةً؟

فقال: لا، ولكن ديته دية الجنين في بطن اُمّه، قبل أن تلج فيه الرُّوح، وذلك مائة دينار، وهي لورثته، ودية هذا هو له لا للورثة.

ص: 385


1- الإنتصار: ص 542.
2- الخلاف: ج 5/229.
3- غنية النزوع: ص 415.

قلت: فما الفرق بينهما؟

قال: إنّ الجنين أمرٌ مستقبلٌ مرجوّ نفعه، وهذا قد مَضى وذهبت منفعته، فلما مُثِّل به بعد موته صارت ديته بتلك المُثلة له لا لغيره، يُحجُّ بها عنه ويُفعل بها أبواب الخير والبِرّ من صدقةٍ أو غيره، الحديث»(1).

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالتنبيه على أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ الشهيد الثاني في «المسالك»(2)، وصاحب «الجواهر»(3)، رويا هذا الخبر عن سليمان بن خالد، وهو اشتباهٌ ، إذ الخبر مرويٌّ في جميع النسخ عن الحسين بن خالد.

الأمر الثاني: إنّهما عَبّرا عنه بالحسن، وبقرينة ما في ذيل الخبر يكون نظرهما إلى روايته في الكتب الثلاثة: «الكافي»(4)، و «التهذيب»(5)، و «الفقيه»(6)، والخبر بطرقه المتعددة فيها ضعيفٌ :

أمّا الكليني رحمه الله، فقد رواه عن محمّد بن حفص وهو مجهولٌ ، إذ محمّد بن حفص الثقة الذي هو وكيل الناحية، لا يمكن أن يروي عنه إبراهيم بن هاشم.

وأمّا الشيخ فقد رواه بطريقين:

في أحدهما: محمّد بن حفص الذي عرفت حاله.

وفي الآخر: محمّد بن أشيم الضعيف.5.

ص: 386


1- الكافي: ج 7/349 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/325 ح 35699.
2- مسالك الأفهام: ج 15/491.
3- جواهر الكلام: ج 43/384.
4- الكافي: ج 7/349 ح 4.
5- التهذيب: ج 10/273 ح 18.
6- الفقيه: ج 4/157 ح 5355.

وأمّا الصَّدوق فقد رواه أيضاً بطريقين:

في أحدهما: موسى بن سعدان، وهو ضعيفٌ .

وفي الآخر: إرسالٌ .

وعليه، فالخبر بجميع طرقه في الكتب الثلاثة ضعيفٌ ، فلا وجه لتعبيرهم عنه بالحَسَن.

نعم، هو صحيحٌ على ما رواه البرقي بإسناده في «المحاسن»(1).

الأمر الثالث: أنّ مقتضى إطلاق الخبر، ثبوت الدِّية على الجاني ولو كان القتل خطأً، وحيثُ أنّ نصوص العاقلة كما ستمرّ عليك منصرفة عن ذلك، ولا إجماع تعبّدي في المقام، فالمعتمدُ هو إطلاق النَّص.

الأمر الرابع: إنّ المراد من حسين بن خالد هو الخفّاف الثِّقة، لأنّه المراد منه عند إطلاقه، فلا يرد على الخبر بأنّ حسين بن خالد مردّدٌ بين الثقة وغير الثقة، ولا قرينة على أنّه الأوّل.

الأمر الخامس: قد يقال إنّه يُعارض الخبر جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ قَطَع رأس الميّت ؟

قال عليه السلام: عليه الدِّية، لأنّ حرمته ميِّتاً كحرمته وهو حَيّ »(2).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن مسكان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ قطع رأس الميّت ؟1.

ص: 387


1- المحاسن: ج 2/305 ح 16.
2- التهذيب: ج 10/273 ح 15، وسائل الشيعة: ج 29/327 ح 35701.

قال عليه السلام: عليه الدِّية، لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حَيّ »(1).

ولكن لابدّ من تقديم صحيح حسين بن خالد، لأنّ لسانه لسان التفسير والحكومة، فيُحمل الصحيحان على ما أفاده الشيخ، وهو إرادة دية الجَنين من الدِّية.

الأمر السادس: قد ورد في ذيل الخبر بحسب نقل الكُليني والشيخ:

«قلتُ : فإنْ أراد رجلٌ أن يحفر له ليغسّله في الحُفرة، فسَدَر الرّجل ممّا يحفر فدير به، فمالت مِسحاته في يده، فأصاب بطنه فشقّه، فما عليه ؟

فقال عليه السلام: إذا كان هكذا فهو خطاءٌ ، وكفّارته عتق رقبةٍ أو صيامُ شهرين متتابعين، أو صدقة على ستّين مسكيناً مُدٌّ لكلّ مسكينٍ بمُدّ النبيّ صلى الله عليه و آله»(2).

ونقله الصَدَوق(3) إلّاأنّه قال: (إن كان هكذا فهو خطاءٌ ، وإنّما عليه الكفّارة).

أقول: وحيث عرفت أنّ الخبرَ ضعيفٌ بجميع طرقهم، وليس هذا الذيل موجوداً في نقل البرقي، فلا يصلح مستنداً للحكم الشرعي، وعلى ما حكاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(4): عدم وجدان عاملٍ بذلك الذيل، وعليه فلا أثر للنزاع في أنّه هل يدلّ على حصر ما يجبُ بالجناية على الميّت خطاءً في الكفّارة، نظراً إلى كلمة (إنّما) التي هي موجودة في نقل الصَّدوق، أم لا يدلّ عليه، لعدم وجودها في «الكافي»(5)، و «التهذيب»(6)، و «الاستبصار»(7).9.

ص: 388


1- الفقيه: ج 4/157 ح 5357، وسائل الشيعة: ج 29/327 ح 35703.
2- الكافي: ج 7/349 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/325 ح 35699.
3- الفقيه: ج 4/157.
4- جواهر الكلام: ج 43/387.
5- الكافي: ج 7/349 ح 4.
6- التهذيب: ج 10/273 ح 18.
7- الإستبصار: ج 4/298 ح 9.

وفي قَطعِ جَوارحه بحساب ديته، وكذا في جِراحه وشِجاجه.

المسألة الثانية: (وفي قطع جوارحه بحساب ديته، وكذا في جِراحه وشِجاجه) بلا خلافٍ .

واستدلّ له: بالتعليل في صحيحي ابني سنان ومسكان، لثبوت الدِّية في قطع رأسه، بأنّ : «حرمته ميّتاً كحرمته حَيّاً»، فهما بعموم العلّة يدلّان على أنّ حال الميّت حال الحَيّ من حيث الدِّية.

وعليه، فكما أنّ في قطع يد الحَيّ مثلاً الدِّية، كذلك في قطع يد الميّت.

وأيضاً استدلّ له: بصحيح صفوان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«أبى اللّه أن يَظنّ بالمؤمن إلّاخيراً، وكسرك عظامه حيّاً وميّتاً سواء»(1).

وأيّد ذلك بنتزيله منزلة الجنين قبل ولوج الرُّوح فيه، وقد تقدّم ثبوت الدِّية في أعضائه، وجَوارحه، وشِجاجه، وجِراحه.

بل في صحيح حسين بن خالد المتقدّم رَتّب أوّلاً ثبوت الدِّية في قطع رأسِ الميّت على العلّة المشار إليها حيث سأله الراوي:

«إنّ في قطع رأسه أو شَقّ بطنه أو ما شاكل ديةٌ كاملة ؟

أجاب عليه السلام: لا، ولكن ديته دية الجنين في بطن اُمّه».

فالصحيحُ صدراً وذيلاً دالٌّ على ذلك، فلا إشكال في الحكم.

وأمّا خبر إسحاق الآتي الدّال على أنّ في قطع يمينه أو شيء من جوارحه الأرش، فلضعف سنده لا يُعتمد عليه.7.

ص: 389


1- التهذيب: ج 10/272 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/329 ح 35707.

وتُصرَفُ هذه الدِّية في وجوه البِرّ.

المسألة الثالثة: (و) المشهور بين الأصحاب(1) أنّه (تُصْرَف هذه الدِّية في وجوه البِرّ) ولا تُورَث، ويشهد به صحيح حسين بن خالد المتقدّم.

وعن السيّد المرتضى(2)، والحِلّي(3): أنّ ديته لبيت مال المسلمين، مستدلّاً لذلك بخبر إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قلت: ميّتٌ قُطِع رأسه ؟ قال عليه السلام: عليه الدِّية.

قلت: فمن يأخذ ديته ؟

قال عليه السلام: الإمام، هذا للّه، وإنْ قُطِعت يمينه أو شيءٌ من جوارحه فعليه الأرش للإمام»(4).

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر ضعيفُ السَّند.

وثانياً: إنّه لا ينافي ما هو المشهور، فإنّه يدلّ على أنّ هذه الدِّية للّه، أي لابدَّ وأن تُصرَف في وجوه البِرّ وفي سبيل اللّه، وأنّ المتصدّي للأخذ وصَرفها في وجوه البِرّ هو الإمام، فلو دلّ على شيء، فهو لزوم إذن الإمام في صَرفها في مصرفها.

***0.

ص: 390


1- راجع مسالك الأفهام: ج 15/493، مجمع الفائدة: ج 14/339.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 42/522.
3- السرائر: ج 3/419.
4- الفقيه: ج 4/158 ح 5358، وسائل الشيعة: ج 29/326 ح 35700.

الفصل الثاني عشر: في الجناية على الحيوان:

من أتلفَ حيواناً مأكولاً بالذِّكاة، فعليه الأرش لمالكه.

الفَصلُ الثاني عشر الجناية على الحيوان

اشارة

(الفَصلُ الثاني عشر: في الجناية على الحيوان):

وهي باعتبار المجنيّ عليه ينقسمُ أقساماً ثلاثة، فالكلام في مسائل ثلاث:

المسألة الأُولى : (من أتلفَ حيواناً مأكولاً) لحمه شرعاً، كالنِّعم من الإبل والبقر والغنم:

فقد يكون الإتلاف (بالذَّكاة)، وقد يكون بغيرها:

والأوّل: ربما ينقصُ قيمة الحيوان بالذَّبح، وربما تزيد، كما لو كان في شُرف الموت، وصاحبه غائبٌ ، فإنّه بتذكيته يحفظ ماليّته، وإن لم يذّكّه يموتُ ، فلا محالة بالتذكية تزيدُ الماليّة.

وربما لا تَنقُص ولا تَزيد.

أمّا في الصورة الأُولى : (ف) لا خلاف بين الأصحاب في أنّ (عليه الأرش لمالكه) أي تفاوت ما بين قيمته حَيّاً وقيمته مُذكّى، لقاعدة الإتلاف الثابتة بالسيرة العقلائيّة، وقد استوفينا البحث في ضمان المنافع غير المستوفاة في فرضي الإتلاف والتلف في كتابي البيع والغصب، فلا نُعيد.

إنّما الكلام في أنّه هل للمالك دفع المذكّى إلى الجاني، ومطالبته بقيمته مخيّراً

ص: 391

بينه وبين الأرش، كما عن الشيخين(1)، والقاضي(2)، والديلمي(3)، وابن حمزة(4)، أم ليس له ذلك، كما عن الشيخ في «المبسوط»(5)، والحِلّي(6)، وعامّة من تأخّر؟

فيه وجهان:

استدلّ للأوّل: بأنّه فوتُ معظم منافع الحيوان، فصار كالتالف.

وأوضحه الأستاذ(7): (بأنّ الحيوان الحَيّ بنظر العرف مباينٌ للحيوان الميّت، فلو أتلفه بالتذكية، كان ذلك من التلف عندهم فيضمن، فللمالك حقّ إلزام المُتلِف بإعطاء القيمة، وليس له حقّ الامتناع عن ذلك. وعليه بناء العقلاء أيضاً).

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّه إتلافٌ لبعض منافعه لا جميعها، فيضمن عِوض التالف خاصّة، لأصالة براءة ذمّة الجاني عمّا زاد عنه.

2 - وبأنّه باقٍ على مِلْك مالكه، فلا ينتقل عنه إلّابالتراضي من الجانبين.

أقول: ولكن بعدما لا إشكال في أنّ الحيوان المأكول اللّحم، الذي يُراد لحمه، لايكون مناط ماليّته حياته، ولذلك لا يُعدّ الحَيّ منه مبايناً للمذكّى عرفاً، فقاعدة من أتلف لا تشملُ نفس الحيوان.

وأمّا بناء العقلاء فغيرُ ثابتٍ ، كيف وأنّ أكثر الفقهاء قالوا بأنّه ليس له ذلك.5.

ص: 392


1- المقنعة: ص 769،
2- المهذّب: ج 2/512.
3- المراسم: ص 343.
4- الوسيلة: ص 428.
5- المبسوط: ج 8/30.
6- السرائر: ج 3/420.
7- مباني تكملة المنهاج: ج 2/425.

وإنْ كان بغيرها، فَعَليه القيمة يوم الإتلاف. وفي قَطع جَوارحه، أو كَسْرِ شيءٍ من أعضائه الأرش.

وعليه، فالقول الثاني أظهر.

وبذلك يظهر أنّه في الصورتين الأخيرتين لا شيء عليه، فإنّه لم يفوّت شيئاً كي يدلّ قاعدة من أتلف على ضمانه. هذا كلّه في الحكم الوضعي.

وأمّا التكليفي: فلا إشكال في عدم جواز تصرّفه إلّامع إحراز رضا صاحبه به.

(وإنْ ) أتلفه لا بالذّكاة، بل (كان بغيرها) كأنْ خَنَقه، أو قَتَله بما لا يجوزُ الذّكاة به، (فعليه القيمة)، بلا خلافٍ ، بل عن ظاهر «الغُنية»(1)، وصريح «الإيضاح»(2)الإجماع عليه، لقاعدة الإتلاف.

وحينئذٍ هل الثابت في الذِّمة قيمة (يوم الإتلاف)، أو يوم الأداء، أو غير ذلك من الوجوه المحتملة ؟

وقد أشبعنا الكلام فيها في كتاب البيع(3)، وبيّنا أنّ الأظهر هو قيمة يوم الأداء.

نعم، إذا بقى فيه ما كان قابلاً للملكيّة والانتفاع من أجزائه، كالصوف ونحوه، فهو له، ويُوضع من القيمة تلك الاُمور، كما صرّح به جماعة من غير خلافٍ بينهم، ووجهه ظاهرٌ فإنّه لا يصدقُ الإتلاف بالنسبة إلى تلك الاُمور، فلا وجه لضمانه لها.

(وفي قطع جوارحه، أو كَسْرِ شيءٍ من أعضائه، الأرش) لمالكه، وذلك لأنّ 5.

ص: 393


1- غنية النزوع: ص 410.
2- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/341.
3- فقه الصادق: ج 24/365.

ما دلّ على أنّ : «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» وغير ذلك من المضمِّنات، كما تشملُ الحيوان، تشملُ أعضائه، بل بيّنا في كتاب البيع(1) أنّ تلك الأدلّة شاملة للمنافع غير المستوفاة، فضلاً عن الأجزاء.

إنّما الكلام في أنّه تدلّ جملة من النصوص على أنّه إذا فَقَأ عين ذات القوائم الأربع، فعلى الجاني رُبع ثَمَنها، وأفتى بمضمونها الشيخ(2) وجماعة:

منها: صحيح أبي العبّاس، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من فَقَأ عين دابةٍ فعليه رُبع ثَمنها»(3).

ومنها: صحيح عمر بن اُذينة، قال: «كتبتُ إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رواية البصري يرويها عن عَليٍّ عليه السلام في عينٍ ذاتِ الأربع قوائم، إذا فُقِئت رُبع ثَمنها؟

فقال: صَدَق الحسن، قد قال عليّ عليه السلام ذلك»(4).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى عليٌّ عليه السلام في عين فرسٍ فُقِئت، رُبع ثَمنها يوم فُقِئت العين»(5). ونحوها غيرها(6).

أقول: ولكن المشهور بين الأصحاب خلاف ذلك، فهم قد أعرضوا عنها، فتسقط عن الحجيّة، ولا بأس بحملها على ما حَمَلها عليه سيّد «الرياض»(7) وهي صورة اتّفاق كون الرُّبع.1.

ص: 394


1- فقه الصادق: ج 24/315.
2- النهاية: ص 781.
3- الكافي: ج 7/368 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/355 ح 35767.
4- التهذيب: ج 10/309 ح 2.
5- التهذيب: ج 10/309 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/355 ح 35769.
6- وسائل الشيعة: ج 29/355 باب: (أنّ في عين الدّابة ربع قيمتها يوم الجناية).
7- رياض المسائل: ج 14/341.

وإنْ كان غير مؤكولٍ ، وهو ممَّا يقعُ عليه الذَّكاة، فإنْ كان بالذَّكاة فالأرش، وكذا في قَطْع أعضائه مع استمرار الحياة.

وإنْ كان بغيرها فالقيمة، وإنْ لم تقع عليه الذَّكاة

الجناية على ما لا يؤكل لحمه

المسألة الثانية: (وإن كان) الحيوان المَجنيّ عليه (غَير مأكولِ ) اللّحم (وهو ممّا يقعُ عليه الذَّكاة) كالأسد والنمر والفَهَد، ونحو ذلك:

1 - (فإنْ كان) الإتلاف (بالذَّكاة، فالأرش) لما مرّ من أنّه إنّما أتلف بالذَّكاة بعض منافعه، فيضمن عوض التالف خاصّة.

نعم، إذا كان المُذكّى ممّا لايُنتفع به، ويكون الذاهب معظم منافعه، وعُدّ الحيوانُ تالفاً عرفاً، يضمن تمام قيمته، ولايبعدُ حينئذٍصيرورة الموجود مِلْكاًللمُتلِف، فتأمّل.

(وكذا) يجبُ الأرش (في قطع أعضائه مع استقرار الحياة)، ويظهر وجهه ممّا قدّمناه.

2 - (وإنْ كان) الإتلاف (بغيرها) أي بغير الذَّكاة (فالقيمة)، أي قيمته حَيّاً، وهو واضحٌ .

الجناية على ما لا يَقبلُ التذكية

المسألة الثالثة: (وإن) كان الحيوان المَجنيّ عليه ممّا (لم تَقع عليه الذَّكاة):

فإنْ لم يكن له ماليّة، لعدم المنفعة المحلّلة، فلا ضمان، لعدم كونه مالاً حتّى

ص: 395

فالقيمة.

ففي كلب الصّيد

يوجبُ إتلافه الضمان، وذلك مثل الخنزير للمسلم، وأمّا إذا كان لكافرٍ ذِمّي، فحيثُ أنّ له ماليّة، ولذلك بنينا على جواز بيعه للذِّمي دون المسلم - وبذلك روايةٌ راجع كتاب البيع(1) مبحث المكاسب المحرّمة - فيكون ضامناً له، وعلى ذلك يدلّ معتبر غياث بن إبراهيم، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام في حديثٍ : «أنّ عليّاً عليه السلام ضَمِّن رجلاً أصاب خنزيراً لنصراني»(2). ونحوه خبر مسمع(3).

ومثل الكَلب عدا كلب الصّيد، وكلب الغَنَم، وكلب الحائط، وكلب الزَّرع.

وإنْ كان له ماليّة، (ف) يضمنُ (القيمة) بلا خلافٍ فيه في الجملة، ويشهد به معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل كلب الصّيد؟ قال: يقوّمه، وكذلك البازي، وكذلك كلب الغنم، وكذلك كلب الحائط»(4).

إنّما الكلام في أنّه هل يضمن قيمة الحيوان الواقعيّة، أم تكون المضمون القيمة المعيّنة في كلّ صنفٍ منها؟

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، (ف) المتعيّن البحث في كلّ موردٍ من تلك الموارد بالخصوص.

المورد الأوّل: (في كَلب الصّيد) وفيه أقوال:2.

ص: 396


1- فقه الصادق: ج 20/103.
2- التهذيب: ج 10/224 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/262 ح 35585.
3- وسائل الشيعة: ج 29/262 باب (حكم قاتل الخنزير وكاسر البربط)، ح 35586.
4- الكافي: ج 7/368 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/226 ح 35512.

أربعون درهماً.

القول الأوّل: إنّ ديته (أربعون درهماً) وهي قيمتها المضمونة، وهو المشهور بين الأصحاب(1).

القول الثاني: إنّها قيمته وهو حَيّ ، مال إليه الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(2).

القول الثالث: إنّ ديته قيمته بشرط أن لا تتجاوز أربعين درهماً، ذهب إليه الإسكافي(3).

القول الرابع: إنّ ديته أربعون درهماً إنْ لم يقلّ من قيمته الواقعيّة، وإلّا فقيمته، اختاره الأستاذ(4).

أمّا القول الأوّل: فقد استدلّ له بنصوصٍ :

منها: معتبر الوليد بن صبيح، عن الإمام الصادق عليه السلام: «دية الكلب السَّلوقي أربعون درهماً، أمرَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك أن يدِيه لبني خزيمة»(5).

ومنها: معتبر عبد الأعلى بن أعين، عنه عليه السلام «قال: في كتاب عليّ عليه السلام: دية كلب الصّيد أربعون درهماً»(6).

ومنها: موثّق ابن فضّال، عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام: «دية كلب الصّيد أربعون درهماً، ودية كلب الماشية عشرون درهماً، ودية الكلب الذي ليس للصّيد4.

ص: 397


1- رياض المسائل: ج 14/342.
2- مسالك الأفهام: ج 15/495.
3- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/343.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/431.
5- وسائل الشيعة: ج 29/226 ح 35510.
6- وسائل الشيعة: ج 29/227 ح 35514.

ولا للماشية زنبيلٌ من تراب على القاتل أن يعطي، وعلى صاحبه أن يقبل»(1).

ومنها: معتبرالوليدبن صبيح، عنه عليه السلام: «دية كلب الصّيدالسَّلوقى أربعون درهماً»(2).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

أقول: وهذه الرويات الواردة في تعيين دية كلب الصّيد، أُخذ في موضوعها في بعضها عنوان الصّيد، وفي بعضها عنوان السَّلوقي، وفي ثالث الجمع بين كلا العنوانين يعني الصّيد والسَّلوقي، وحيثُ أنّه لا مفهوم لشيء منها، فلا تنافي بينهما، فيلتزم بأنّ دية كلب الصّيد وإنْ لم يكن سلوقيّاً، والسَّلوقي وإنْ لم يكن صيوداً ذلك.

إلّا أن يقال: إنّ المنساق إلى الذهن من السَّلوقي من جهة الغلبة هو الصّيود.

ثمّ إنّه كما نبّه عليه المصنّف، فإنّ هذه الروايات إنّما هي في القاتل، وأمّا الغاصب فيضمن القيمة بلا كلام.

أقول: بقي الكلام في ملاحظة معارضة هذه النصوص مع معتبر السكوني، حيث إنّ الظاهر منه هو الضمان بالقيمة، وإن زادت على أربعين درهماً، وهذه الأخبار تدلّ على الضمان بالأربعين، وإن كانت أقلّ أو أكثر من قيمته الواقعيّة.

ومقتضى الجمع بين الطائفتين ما فهمه المصنّف رحمه الله وعنون المسألة، بأن يقال: إنّ خبر السكوني يدلّ على الضمان بالقيمة، ولو لم تكن هي معيّنة في الأخبار، كانت منصرفة إلى القيمة الواقعيّة، ولكن مع تعيّن القيمة في الأخبار تُحمل عليها.

فإنْ شئت أن يَظهر لك كون هذا الجمع عرفيّاً، فاجمعهما في كلامٍ واحدٍ، ترى أنّه لا يشكُّ أحدٌ في كون الثانية قرينة على خبر السكوني.

وعليه، فما أفاده المشهور هو المتعيّن.5.

ص: 398


1- وسائل الشيعة: ج 29/227 ح 35513 و ح 35515.
2- وسائل الشيعة: ج 29/227 ح 35513 و ح 35515.

وفي كَلْبِ الغَنم، والحائط عشرون درهماً.

المورد الثاني: (وفي كلب الغنم) خلافٌ وأقوالٌ :

القول الأوّل: أنّ ديته عشرون درهماً، وهو المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به غير واحدٍ(1).

القول الثاني: أنّ فيه كبشاً، اختاره الفاضلان(2)، والشهيدان(3)، بل نسبه ثانيهما إلى الأكثر.

القول الثالث: أنّ ديته قيمته.

القول الرابع: التخيير بين الكبش والعشرين درهماً، اختاره المصنّف في محكي «الإرشاد»(4).

(و) كذا وقع الخلاف في كلب (الحائط) أي البستان، ويُحتمل الشمول للدّار، والمشهور بينهم شهرةً عظيمة أنّ ديته (عشرون درهماً).

وعن ابن سعيد(5): أنّ ديته قيمته، ومال إليه جماعة من المتأخّرين.

وعن الإسكافي(6)، والصَّدوق في «المقنع»(7): أنّ دية الكلب الذي ليس للصّيد4.

ص: 399


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/482.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1050، تحرير الأحكام: ج 5/633.
3- شرح اللُّمعة: ج 10/323.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/235.
5- الجامع للشرايع: ص 603.
6- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/423.
7- المقنع: ص 534.

ولا للماشية زنبيلٌ من تراب على القاتل أن يُعطي، وعلى صاحب الكلب أن يقبل.

ويشهد لكون الدِّية فيهما قيمتهما، خبر السكوني المتقدّم، وبإزائه خبران:

أحدهما: خبر أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«دية الكلب السَّلوقي أربعون درهماً.

إلى أن قال: ودية كلب الغنم كبشٌ ، ودية كلب الزرع جريبٌ من بُرّ، ودية كلب الأهل، قفيزٌ من ترابٍ لأهله»(1).

وهو مدركُ القول الثاني في كلب الغنم، والثالث في كلب الحائط، لكنّه ضعيفُ السَّند، لأنّ في سنده محمّد بن حفص، وهو مجهولٌ ، وعليّ بن أبي حمزة وهو ضعيفٌ .

ثانيهما: مرسل ابن فضّال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «دية كلب الصّيد أربعون درهماً، ودية كلب الماشية عشرون درهماً، ودية الكلب الذي ليس للصّيد ولا للماشية زنبيلٌ من تراب، على القاتل أن يُعطي، وعلى صاحبه أن يقبل»(2).

وهو مدرك القول الأوّل في كلب الغنم، والثالث في كلب الحائط.

وأورد عليه: بضعف السَّند للإرسال.

ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ ابن فضّال، هو عليّ بن الحسن بن عليّ الفضّال من فقهاء الشيعة، وله كتبٌ ، وهو القائل: (لا أروي عن أبي لأنّي كنتُ أقابله وسِنّي ثمان عشرة سنة، ولا أفهم الروايات، فلا استحلّ أن أروي عنه)، ومن المستبعد جدّاً رواية مثل هذا الشيخ الجليل عن ضعيفٍ أو مجهول.3.

ص: 400


1- الكافي: ج 7/368 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/226 ح 35511.
2- وسائل الشيعة: ج 29/227 ح 35513.

وفي كلب الزَّرع قفيزٌ من بُرّ.

وأيضاً في محكي «التكملة» عن الشيخ الحُرّ ورود النَّص بصحّة رواياته، وهذا كلّه بضميمة عَمل الأصحاب بخبره في كلب الغنم، يُصحِّح الاستناد إليه بالنسبة إلى كلب الغنم.

وأمّا في كلب الحائط: فيُشكل العَمل به، سيّما مع عدم عمل الأصحاب به.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر أنّ دية كلب الغنم عشرون درهماً، ودية كلب الحائط قيمته.

المورد الثالث: (و) المشهور بين الأصحاب(1) أنّ (في كلب الزَّرع قفيزٌ من بُرّ) والقفيز كما عن «الصحاح» ثمانية مكاكيك، والمكوك ثلاث كيلجات، والكيلجة مَنٌّ وسبعة أثمان مَنّ ، والمَنّ رِطلان، ولم يُعرف مستند الحكم:

قيل: إنّه خبر أبي بصير المتقدّم، لكن فيه: «ودية كلب الزرع جريبٌ من بُرّ».

وعن الأزهري(2): أنّ الجريب أربعة أقفزة.

فالظاهر أنّه لا مستند له، ولذا ذهبَ جماعةٌ إلى عدم وجوب شيء فيه، ويشيرُ إليه مرسل ابن فضّال، فإنّ الزنبيل من التراب في الخبر المزبور، كناية عن عدم شيء فيه، وإن كان ظاهر الصَّدوق(3) والإسكافي الغرامة، ولكن بما أنّ له ماليّة، فالضمان بالقيمة أظهر.4.

ص: 401


1- جواهر الكلام: ج 43/397.
2- لسان العرب: ج 1/260.
3- المقنع: ص 534.

وفي جَنين البهيمة عُشر قيمتها.

المسألة الرابعة: (وفي جنين البهيمة) الذي ألقى بالجناية (عُشر قيمتها) كما عن جماعةٍ ، وعن الحِلّي(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: في جنين البهيمة إذا ضُربت فأزلقت عُشر قيمتها»(2).

***8.

ص: 402


1- السرائر: ج 3/419.
2- الكافي: ج 7/368 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/225 ح 35508.

الفَصلُ الثالث عَشَر: في العاقلة:

قد بيَّنا أنّ دية الخَطأ على العاقلة، وهُمُ العَصَبة، والمُعتِق، وضامنُ الجريرة، والإمام.

أمّا العصبة: فهم

الفَصل الثالث عَشَر العاقلة

اشارة

(الفَصل الثالث عَشَر: في العاقلة):

يقول المصنّف رحمه الله: (قد بيّنا أنّ دية الخَطأ على العاقلة)، وإنّما سُمِّيت بذلك:

إمّا لعقلها الإبل التي هي الدِّية بفناء وليّ الدَّم.

أو لعقلها - أي منعها - القاتل من القَتل.

أو لعقلهم عن أن تحملهم العقل، وهو الدِّية عنه، كذا في «الجواهر»(1).

أقول: والنظر هنا يقع في أُمور ثلاثة:

المحلّ ، وكيفيّة التقسيط، أي توزيع الدِّية وتقسيمها عليهم، (و) اللّواحق.

أمّا المحلّ : ف (هُمُ العَصبة، والمُعتِق، وضامنُ الجَريرة، والإمام) مترتّبتين كترتيبهم في الإرث على تفصيلٍ تأتي إليه الإشارة.

(أمّا العَصَبة فهُم): على ما صرّح به جماعة: كالشيخين(2)، والقاضي(3)،

ص: 403


1- جواهر الكلام: ج 43/413.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1052، تحرير الأحكام: ج 5/638.
3- المهذّب: ج 2/503.

المتقرّبون إلى الميّت بالأبوين أو الأب.

والفاضلين(1)، والشهيدين(2)، بل هو المشهور كما عن «المختلف»(3)، و «الروضة»(4)، و «المسالك»(5):

(المتقرّبون إلى الميّت بالأبوين أو الأب) خاصّة، كالإخوة وأولادهم وإن نزلوا، والعمومة وأولادهم كذلك، ولا يُشترط كونهم من أهل الإرث في الحال.

بل عن «كشف اللّثام»(6): (أنّه المعروف من معناها).

وعن «السرائر»(7): (فهم العَصَبات من الرِّجال، سواءٌ كان وارثاً أو غير وارث، الأقرب فالأقرب، ويدخل فيها الوالد والولد.

إلى أن قال: وإجماعنا منعقدٌ على أنّ العاقلة جماعة الوارث من الرِّجال، دون من يتقرّب بالاُمّ ).

والظاهر - كما أفاده سيّد «الرياض» - اتّحاد قوله مع المشهور.

وعن «النهاية»(8)، و «الغُنية»(9)، و «الإصباح»(10): (هم الذين يَرِثُون القاتل0.

ص: 404


1- شرائع الإسلام: ج 4/1052، تحرير الأحكام: ج 2/279.
2- شرح اللُّمعة: ج 10/308.
3- مختلف الشيعة: ج 9/290.
4- شرح اللّمعة: ج 10/308.
5- مسالك الأفهام: ج 15/507.
6- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/498.
7- السرائر: ج 3/332.
8- النهاية: ص 548.
9- غنية النزوع: ص 413.
10- إصباح الشيعة: ص 500.

ديته لو قَتَل، ولا يلزم من لا يرث ديته شيئاً).

وفي «الشرائع»(1): (من الأصحاب من خَصَّ به (أي العقل) الأقرب ممّن يرثُ بالتسمية، ومع عدمه يشتركُ في العقل بين من يتقرّب بالاُمّ مع من من يتقرّب بالأب أثلاثاً).

وفي «المسالك»(2): (القائلُ بذلك من الأصحاب ابنُ الجُنيد).

وعن «كشف اللّثام»(3): (أنّ العاقلة هم الورثة على ترتيب الإرث).

أقول: والأظهرُ هو الأوّل؛ لاختصاص العَصبة عرفاً ولغةً بالمتقرّبين بالأب، ولا تشمل المتقرّبين بالاُمّ ، وإلى ذلك نظر المصنّف رحمه الله، حيث استدلّ له في محكي «المختلف»(4): (بكونه مشهوراً بين الفقهاء)، فإنّ الشُّهرة كاشفة عن كون ذلك معناها بحسب المتفاهم العرفي.

وعن «الصحاح»(5): (عَصَبة الرَّجل بنوه وقرابته لأبيه، وإنّما سُمّوا عَصَبة لأنّهم عَصَبوا به أي أحاطوا، فالأقربُ طرفٌ ، والابن طرفٌ ، والعَمّ جانبٌ ، والأخ جانب).

وعن «مختصر النهاية» لابن الأثير(6): (العَصَبة الأقارب من جهة الأب).

وفي «المصباح المُنير»(7): (العَصَبة القرابة الذّكور، الذين يدلون بالذكور، وهذاا.

ص: 405


1- شرائع الإسلام: ج 4/1052.
2- مسالك الأفهام: ج 15/509.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/499.
4- مختلف الشيعة: ج 9/291.
5- الصحاح: ج 1/182.
6- النهاية في غريب الأثر: ج 3/482 باب: العين مع الصاد.
7- المصباح المنير: ج 6/176 باب: العين مع الصاد وما يثلثهما.

معنى ما قاله أئمة اللّغة).

وعن «مجمع البحرين»(1): (إنّ عَصَبة الرّجل بنوه وقرابته لأبيه).

وعلى الجملة: مَن راجع العُرف واللُّغة يطمئن بأنّ العَصَبة هم المتقرّبون بالأب، ولا تشمل المتقرّبين بالاُمّ ، ولم يذكروا للقول الثاني دليلاً، ولذلك وجَّهه بعض الأفاضل بما يرجع إلى ما عليه القوم.

وقد استدلّ للقول الثالث: بخبر سلمة بن كهيل، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ قد قَتَل رجلاً خطاءً ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:

عشيرتك وقرابتك.

إلى أن قال: فكتب إلى عامله على الموصل: أمّا بعدُ - إلى أن قال: - فإذا ورد عليك إن شاء اللّه تعالى ، وقرأتَ كتابي فافحص عن أمره - إلى أن قال: - ثمّ انظر فإنْ كان الرَّجل منهم يرثُه له سهمٌ في الكتاب، لا يَحجِبُه عن ميراثه أحدٌ من قرابته، فألزمه الدِّية، وخُذه بها نجوماً في ثلاث سنين، فإن لم يكن له من قرابته أحدٌ له سهمٌ في الكتاب، وكانوا قرابته سواء في النَسَب، وكان له قرابةٌ من قِبَل أبيه واُمّه، سواءٌ في النَسَب، ففضّ الدِّية على قرابته من قِبل أبيه، وعلى قرابته من قِبل اُمّه من الرِّجال المُدرِكين المسلمين، ثمّ خُذهم بها، واستأدهم الدِّية في ثلاث سنين، وإن لم يكن له قرابةٌ من قِبل أبيه، ولا قرابةٌ من قِبل اُمّه ففضّ الدِّية على أهل الموصل ممّن وُلِد ونَشَأ بها، الحديث»(2).2.

ص: 406


1- مجمع البحرين: ج 2/122.
2- الكافي: ج 7/364 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/392 ح 35842.

ولكنّه ضعيفُ السَّند؛ لأنّ سلمة بُتْرِيٌّ مذموم، ولا ينطبق على هذا القول، فإنّه ظاهرٌ في تقسيم الدِّية على قرابتي الأب والاُمّ بالسَّوية، مع أنّه مشتملٌ على غرامة أهل البلد.

واستدلّ كاشف اللّثام(1) لما اختاره: بجملةٍ من الأخبار المعتبرة:

منها: معتبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل رجلاً متعمّداً، ثمّ هرب القاتل فلم يُقدر عليه ؟

قال عليه السلام: إن كان له مالٌ أُخذت الدِّية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنّه لا يبطُلُ دَم امرئ مسلم»(2).

ومنها: صحيح ابن أبي نصر، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ قَتَل رجلاً عمداً ثمّ فَرَّ فلم يُقدر عليه حتّى مات ؟

قال عليه السلام: إن كان له مالٌ أُخذ منه، وإلّا أُخذ من الأقرب فالأقرب»(3).

ومنها: مرسل يونس بن عبد الرحمن، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: «في الرّجل إذا قَتَل رجلاً خطاءً فمات قبل أن يَخرُج إلى أولياء المقتول من الدِّية، أنّ الدِّية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة، فعلى الوالي من بيت المال»(4).

وقد استدلّ بهذه النصوص لما ذهب إليه الإسكافي(5)، وإن اعترف بعدم دلالتها عليه.7.

ص: 407


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/237.
2- الكافي: ج 7/365 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/395 ح 35846.
3- التهذيب: ج 10/170 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/395 ح 35848.
4- التهذيب: ج 10/172 ح 16، وسائل الشيعة: ج 29/397 ح 35851.
5- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 14/357.

و

أقول: ولكن الأولين موردهما القتل العَمَدي، وليس على العاقلة فيه شيءٌ ، والحكم بثبوت الدِّية على الوارث حكمٌ تعبّدي مختصٌّ بمورده، كما سمعت الكلام فيه في محلّه.

وأمّا المرسل: فهو ضعيفُ السَّند للإرسال، مع أنّ مورده شبيه العَمَد، فإنّه فُرِض في مورده أنّ الدِّية كانت على القاتل، وماتَ قبل فراغ ذمّته، فهو أيضاً خارجٌ عن محلّ الكلام.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: (و) قد اختلف الأصحاب، في دخول الآباء وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا في العاقلة، وعدمه:

1 - فعن الإسكافي(1)، والمفيد(2)، والشيخ في «النهاية»(3)، ويحييبن سعيد(4)، وأبي العبّاس(5)، والصِّيمري(6)، والشهيد في «اللُّمعة»(5): الدخول، ونَسَبه الفخر(6)

إلى الشُّهرة، وعن الحِلّي(7) دعوى الإجماع عليه.1.

ص: 408


1- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/420.
2- المقنعة: ص 735.
3- النهاية: ص 737.
4- الجامع للشرايع: ص 573. (5و6) نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/420.
5- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 268.
6- إيضاح الفوائد: ج 4/774.
7- السرائر: ج 3/331.

الأقربُ دخول الآباء والأولاد في العَقل.

2 - وعن الشيخ في «المبسوط»(1)، و «الخلاف»(2)، وابن حمزة في «الوسيلة»(3)، وابن فهد في «المهذّب»(4): عدم الدخول، ونَسَبه الشهيدالثاني(5) إلى المشهور، وعن الشيخ في «الخلاف»(6) دعوى الإجماع عليه.

وجه الأوّل: إطلاقات الأخبار بعد صدق العَصَبة بما لها من المفهوم العرفي والمعنى اللّغوي على الجميع، وخَبَر سلمة المتقدّم شاهدٌ به.

واستدلّ للثاني: بصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام على امرأةٍ أعتقت رجلاً واشترطت ولاءه ولها ابنٌ ، فألحقّ ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها»(7). وبالإجماع، ولكن الإجماع كما ترى .

والصحيح ظاهرٌ في استثناء الولد ممّن له الولاء، وهم العَصَبة، فإنّ ولاء الاُمّ لا يصلُ إلى ولدها، وإنّما يصلُ إلى غيرهما من عَصَبتها، ولا يدلّ على استثناء الولد من العاقلة، بل يدلّ على أنّ الولد من العاقلة، إلّاأنّه لا يرثُ الولاء من الاُمّ .

فالمتحصّل: أنّ (الأقرب دخول الآباء) وإن علوا، (والأولاد) وإن نزلوا (في العقل).8.

ص: 409


1- المبسوط: ج 7/173.
2- الخلاف: ج 5/278.
3- الوسيلة: ص 437.
4- المهذّب: ج 2/503.
5- مسالك الأفهام: ج 15/508.
6- الخلاف: ج 5/278.
7- التهذيب: ج 8/253 ح 154، وسائل الشيعة: ج 23/70 ح 29128.

ولا يَدخُلُ القاتلُ فيه، ولا تُعقَلُ المرأة ولا الصَّبي ولا المجنون. ولا تُعقَلُ العاقلة عَمداً، ولا عَبداً، ولا مُدَبراً، ولا اُمّ ولدٍ، ولا ما دون الموضِّحة.

الفرع الثاني: (ولا يدخلُ القاتلُ فيه) أي في العَقل إجماعاً، صرّح به غير واحدٍ(1)، ووجهه ظاهرٌ، فإنّ القاتل غير عاقلته، والعاقلة تضمّن الجناية.

الفرع الثالث: (ولا تَعقِلُ المَرأة ولا الصَّبي ولا المجنون) بلا خلافٍ بين الأصحاب(2).

أمّا الأخيران: فلحديث رفع القلم(3)، وللشَّك في صدق العَصَبة عليهما.

وأمّا المرأة: فمضافاً إليخروجها عن العَصَبة مفهوماً، يشهد به صحيح الأحول:

«قال ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً، ويأخذ الرَّجل سهمين ؟

قال: فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: إنّ المرأة ليس عليها جهادٌ ولا نفقةٌ ولا معقلةٌ ، وإنّما ذلك على الرَّجل»(4).

وقريبٌ منه خبر إسحاق بن محمّد النخعي(5).

الفرع الرابع: (ولا تَعقِلُ العاقلةُ عمداً) وقد مرّ الكلام فيه في أوّل بحث الدِّيات، ( ولا عبداً ولا مدبّراً ولا اُمّ ولد) ولبيان مدرك ذلك محلٌّ آخر.

الفرع الخامس: (ولا) تَعقل العاقلة (ما دون الموضّحة) من الحارصة والدّامية،1.

ص: 410


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/504.
2- راجع المختصر النافع: ص 307، شرائع الإسلام: ج 4/1053، كشف الرموز: ج 2/684.
3- المستدرك: ج 18/13 ح 21860.
4- الكافي: ج 7/85 ح 3، وسائل الشيعة: ج 26/93 ح 32559.
5- وسائل الشيعة: ج 26/94 ح 32561.

كما عن الشيخ في «النهاية»(1)، والحلبي(2)، والقاضي(3) في أحد قوليه، و «الغُنية»(4)، و «الإصباح»(5)، و «الوسيلة»(6)، والمصنّف هنا، وفي «المختلف»(7) وولده في «الإيضاح»(8)، والمقداد(9)، والصِّيمري(10) وغيرهم من المتأخّرين، والظاهر

أنّه المشهور كما صرّح به غير واحدٍ(9)، لموثّق أبي مريم، عن أبي جعفرٍ عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنْ لا يُحمل على العاقلة إلّاالموضّحة فصاعداً.

وقال: ما دون السّمحاق أجر الطبيب سوى الدِّية»(10).

وفي «الشرائع»(11): (إنّ في الرواية ضعفاً)، ولعلّه لابن فضّال الفَطَحي، إلّا أنّه موثّقٌ .

ثمّ إنّ ظاهر الموثّق أنّ الواجبَ على الجاني زائداً على الدِّية أجر الطبيب، ولو الإجماع على خلافه، كان المتعيّن العمل به.1.

ص: 411


1- النهاية: ص 737.
2- الكافي في الفقه: ص 395-396.
3- المهذّب: ص 504.
4- غنية النزوع: ص 413-414.
5- إصباح الشيعة: ص 500.
6- الوسيلة: ص 444-445.
7- مختلف الشيعة: ج 9/405.
8- إيضاح الفوائد: ج 4/746. (9و10) نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/425.
9- جواهر الكلام: ج 43/425.
10- الكافي: ج 7/365 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/396 ح 35849.
11- شرائع الإسلام: ج 4/271.

ولا ما يثبتُ بالإقرار ولا صُلْحاً، ولا جناية الإنسان على نفسه، ولا ما تجنيه البهيمة،

الفرع السادس: (ولا) تتحمّل العاقلة (ما يثبتُ بالإقرار) إذ إقرار العُقلاء على أنفسهم جائز، لا على غيرهم.

ويشهد به أيضاً: معتبر زيد بن عليّ ، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«لا تُعقل العاقلة إلّاما قامت عليه البيّنة.

قال: وأتاه رجلٌ فاعترف عنده، فجَعَله في ماله خاصّة، ولم يجعل على العاقلة شيئاً»(1).

الفرع السابع: (ولا) تتحمّل أيضاً (صُلْحاً) يعني لو اصطلح القاتل والأولياء في العَمَد مطلقاً والخطأ، مع عدم ثبوته على الدِّية، بلا خلافٍ .

وهو - مضافاً إلى كونه مقتضى القاعدة، لاختصاص الدليل بالخطاء المحض الثابت - يشهد به:

1 - خبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «لا تضمّن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صُلْحَاً»(2).

2 - وخبر السكوني، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام، قال: «العاقلةُ لا تضمن عَمداً ولا إقراراً ولا صُلحاً»(3).

الفرع الثامن: (ولا) تعقل (جنايةُ الإنسان على نفسه، ولا ما تجنيه البهيمة،5.

ص: 412


1- الفقيه: ج 4/141 ح 5311، وسائل الشيعة: ج 29/398 ح 35855.
2- الكافي: ج 7/366 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/394 ح 35844.
3- التهذيب: ج 10/170 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/394 ح 35845.

ولا إتلاف المال.

وعاقِلةُ الذِّمي الإمام، إن لم يكن له مالٌ ،

ولا إتلاف المال) بلا خلافٍ في شيء منها بين فقهائنا.

أمّا في الجناية على نفسه ولو خطاءً : فلأنّ الدِّية عِوض الجناية على المجنيّ عليه، لا جنايته على نفسه.

وأمّا جناية البهيمة: فقد مرّ أنّها على مالكها إنْ كان بتفريطٍ من المالك، وبه يظهر حال إتلاف المال.

الفرع التاسع: (وعاقلة الذِّمي الإمام إن لم يكن له مالٌ ) بلا خلافٍ في ذلك، وفي أنّه إن كان له مالٌ ، كانت الدِّية في ماله وإن كانت الجناية خطاءً ولا يتحمّلها العاقلة، ويشهد بذلك كلّه:

صحيح أبي ولّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«ليس فيما بين أهل الذِّمة معاقلة فيما يجنون من قتلٍ أو جراحةٍ ، إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإنْ لم يكن لهم مالٌ رجعت الجناية على إمام المسلمين، لأنّهم يؤدّون إليه الجزية، كما يُؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده.

قال: وهم مماليك للإمام، فمن أسلم منهم فهو حُرّ»(1).

ولو كان للذِّمي عَصَبةٌ من المسلمين، فهل يَعقلون عنه ؟

الظاهر عدمه، لإطلاق الحصر في الصحيح من أنّه يؤخذ ذلك من أموالهم خاصّة، فإنّه يدلّ على أنّ جنايته في ماله، وإن كان له عَصَبة من المسلمين.

***1.

ص: 413


1- الكافي: ج 7/364 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/391 ح 35841.

وتُقسَّط الدِّية على الأقرب فالأقرب.

كيفيّة تقسيم الدِّية على العاقلة

(و) أمّا كيفيّة التقسيط: ففيها خلاف من جهتين:

إحداهما: أنّ المشهور بين الأصحاب(1): أنّه (تُقسَّط الدِّية على الأقرب) من العاقلة إلى الجاني رتبةً ودرجةً (فالأقرب)، فيؤخَذُ من أقرب الطبقات أوّلاً، فإن لم يكن، أو لم يحتمل، تخطّى إلى البعيدة، ثُمّ الأبعد.

وعن جماعةٍ : منهم الشيخ في «المبسوط»(2)، وابن سعيد في «الجامع»(3): أنّه يُجمع في العاقلة بين القريب والبعيد، ويُقسَّط على العاقلة أجمع، من غير اختصاصٍ بالقريب.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بالآية الشريفة: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (4).

2 - وبالمرسل المتقدّم: «في الرّجل إذا قَتَل رجلاً خطاءً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدِّية، أنّ الدِّية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة، فعلى الوالي من بيت المال»(5).

ص: 414


1- جواهر الكلام: ج 43/437.
2- المبسوط: ج 7/187.
3- الجامع للشرايع: ص 576.
4- سورة الأنفال: الآية 75.
5- التهذيب: ج 10/172 ح 16، وسائل الشيعة: ج 29/397 ح 35851.

وتقديرهُ إلى الإمام، أو من يَنصِبه للحكومة.

3 - بل بالنصوص الاُخر السابقة الواردة فيمن قَتَل وهَرَب فماتَ .

4 - وبالإجماع.

لكن الآية الشريفة في الإرث وأخذ المال، لا في الدِّية وإعطائها.

والمرسل: قد مرّ أنّه ضعيفُ السَّند، مع أنّ مورده الشبيه بالعَمَد.

والنصوص الاُخر: تقدّم أنّ موردها العَمَد، وغير مربوطة بالخطاء.

والإجماع: غيرُ ثابتٍ ، سيّما مع مخالفة من عرفت.

فإذاً القول الثاني، وهو عدم اعتبار الترتيب بين الطبقات أظهر؛ نظراً إلى عموم الأدلّة بوجوبها على العاقلة المتناولة للجميع.

الجهة الثانية: أنّ جماعة: منهم الشيخ في «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2)، والحِلّي في «السرائر»(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4) و «النافع»(5)، وابن سعيد في جامعه(6)، (و) المصنّف هنا وفي «التلخيص»(7) و «التحرير»(8)، وغيرهم(9)، بل احتمل أنّه المشهور: أنّ (تقديره إلى الإمام، أو مَن ينصبه للحكومة) خصوصاً أو عموماً، على8.

ص: 415


1- المبسوط: ج 7/178.
2- الخلاف: ج 5/279.
3- السرائر: ج 3/333.
4- شرائع الإسلام: ج 4/1053.
5- المختصر النافع: ص 307.
6- الجامع للشرايع: ص 576.
7- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 43/435.
8- تحرير الأحكام: ج 5/643.
9- إيضاح الفوائد: ج 4/748.

حسب ما يراه من المصلحة.

وعن الشيخ في موضعٍ آخر من «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2)، والمصنّف في «القواعد»(3) و «الإرشاد»(4)، وغيرهما(5): التفصيل بين الغنيّ والفقير، فعلى الغنيّ نصفُ دينارٍ، وعلى الفقير ربعُ دينار.

وقيل: إنّه يقسَّط الدِّية على العاقلة بالسَّوية، ومالَ إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(6)، وقوّاه الأستاذ(7).

واحتجَّ للثاني: بأنّه المتَّفق عليه، وما زاد عليه مختلفٌ فيه، والأصل براءة الذِّمة من الزائد.

ولكن يخرجُ عن الأصل بظاهر الدليل، فإنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ الدِّية على العاقلة، هو التقسيط بالسَّويّة، إذ التقسيط بغير ذلك يحتاجُ إليدليلٍ وهو مفقود.

وبه يظهر الجواب عمّا استدلّ به للأوّل؛ بأنّ التقديرات تتوقّف على النَّص، ولا يجري فيها القياس.

وعليه، فالظاهر هو التقسيط عليهم بالسَّوية، لولا الإجماع على خلافه بل ومعه لعدم كونه تعبّديّاً.

***2.

ص: 416


1- المبسوط: ج 7/177.
2- الخلاف: ج 5/286.
3- قواعد الأحكام: ج 3/711.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/230.
5- شرح اللُّمعة: ج 10/315.
6- جواهر الكلام: ج 43/436.
7- مباني تكملة المنهاج: ج 2/452.

ولا تَرجُع العاقلة على الجانيّ .

عدم الرّجوع على الجاني

وأمّا اللَّواحق: فمسائل:

المسألة الأُولى: أنّه لا خلاف بين العامّة والخاصّة - إلّامن الأصمّ - أنّ دية الخطأ المحض تُحمل على العاقلة، ويشهد به رواياتٌ كثيرةٌتقدّمت في كتاب الدِّيات:

منها: صحيح محمّد الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ ضَرَب رأس رجلٍ بمعولٍ فسالَتْ عيناه على خدّيه، فوثب المضروب على ضاربه فقتله ؟ قال:

فقال أبو عبداللّه عليه السلام: هذان متعدّيان جميعاً، فلا أرى على الذي قَتَل الرّجل قِوَداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى ، والأعميجنايته خَطاء، يلزمُ عاقلته، يُؤخذون بها في ثلاث سنين في كُلِّ سَنَة نَجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جَنى في ماله، يُؤخذ بها في ثلاث سنين ويرجع الأعمى على ورثة ضاربة بدية عينية»(1).

ومنها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: عمد الصبيان خَطاء يُحمل على العاقلة»(2).

ومنها: غير ذلك(3).

(و) هذا لا كلام فيه، إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: أنّ المعروف بين الأصحاب أنّه (لا تَرجعُ العاقلة على الجانيّ ) بعد

ص: 417


1- وسائل الشيعة: ج 29/399 ح 35857.
2- التهذيب: ج 10/233 ح 54، وسائل الشيعة: ج 29/400 ح 35860.
3- وسائل الشيعة: ج 29/400 باب (حكم عمد المعتوه والمجنون والصَّبي والسكران).

تأدية الدِّية، ولكن المحكيّ عن المفيد(1)، وسلّار(2): أنّ العاقلة يرجعون إلى الجاني بعد تأدية الدِّية، ويأخذونها منه، ولا دليل عليه أصلاً، ولذا لم يَقُل بها أحدٌ غيرهما.

دية الخَطأ على الجاني إن لم يمكن أخذها من العاقلة

المورد الثاني: أنّه إنْلم تكن للجاني عاقلة، أو عَجَزت عن أداءالدِّية، أُخذت من مال الجاني، كما هو المشهور بين الأصحاب(3)، وعن «الغُنية»(4) دعوى الإجماع عليه.

ولم يُنقل الخلاف إلّاعن الحِلّي(5)، حيث ذهب إلى أنّه في صورة عدم العاقلة أو عجزها عن الأداء، فالدِّية على الإمام دون الجاني.

أقول: والأظهر ما هو المشهور.

أمّا في صورة عدم وجود العاقلة: فيشهدُ به ما في ذيل صحيح محمّد الحلبي المتقدّم آنفاً، فإنّه يدلُّ على أنّ دية القتل الخطائي مع عدم وجود العاقلة على الجاني، فإنّه وإن كان في الأعمى ، إلّاأنّه ظاهرٌ في تطبيق الكبرى على مورد السؤال، فالحكم غير مختصٌّ بمورد الرواية وهو الأعمى .

وأمّا في صورة العجز: فيمكنُ أن يستدلّ له - زائداً على عدم الفصل - بما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ ذِمّة الجاني مشغولة بالدِّية، وتُحمل العاقلة، إنّما هو تكليفٌ محضٌ ، ومن المعلوم سقوط التكليف بالعجز.

ص: 418


1- المقنعة: ص 753.
2- المراسم العلويّة: ص 238.
3- راجع شرائع الإسلام: ج 4/1055، والجامع للشرايع: ص 573، وتحرير الأحكام: ج 5/644.
4- غنية النزوع: ص 413.
5- السرائر: ج 3/334.

أمّا كونه تكليفاً محضاً: فيشهد به الآية الكريمة: (وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (1).

فإنّ ظاهرها أنّه كما يكون الجاني ملزماً بدفع الكفّارة، كذلك يكون الدِّية ثابتة في ذمّته، ولذا لو لم يكن دليلُ تحمّل العاقلة، لما توقّف أحدٌ في أنّ المكلّف بأداء الدِّية هو الجاني بالخصوص، هذا فضلاً عن دلالة النصوص الكثيرة:

منها: صحيح أبي العبّاس، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«قلت: رمى شاة فأصاب إنساناً؟

قال عليه السلام: ذلك الخطأ الذي لا شكّ فيه، عليه الدِّية والكفّارة»(2).

فإنّه صريحٌ في أنّ الدِّية على الجاني وفي ذمّته.

ومنها: صحيح زرارة، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل رجلاً خَطأً في أشهر الحُرُم ؟ فقال: عليه الدِّية»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

وعلى الجملة: لا ريب في ظهور الآية وجملة من الروايات في أنّ الدِّية على الجاني وفي ذمّته، ولو لم يكن نصوص العاقلة لقلنا بوجوب أدائها من ماله ابتداءً .

وأمّا نصوص العاقلة: فما كان منها معتبراً من حيث السَّند، ظاهرٌ في الحكم التكليفي، ولا أقلّ من عدم الظهور في الوضع، وما كان منه ظاهراً في الوضع كخبر).

ص: 419


1- سورة النساء: الآية 92.
2- الكافي: ج 7/279 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/38 ح 35092.
3- المستدرك: ج 18/299 ح 22787.
4- وسائل الشيعة: ج 29/203 باب (أنّ من قتل في الأشهر الحُرُم فعليه دية وثُلث وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحُرُم).

أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا تضمنُ العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صُلحاً»(1)، ومثله خبر السكوني(2) ضعيفُ السَّند؛ لأنّ خبر أبي بصير ضعيفٌ بعليّ بن أبي حمزة، وخبر السكوني ضعيفٌ لأنّ في طريق الشيخ إلى النوفلي ضعفاً.

فالمتحصّل: أنّه لا يثبتُ بأخبار العاقلة سوى الحكم التكليفي المحض.

وعلى هذا، فلو عَجَز العاقلة، يسقطُ الحكم، ويبقى الدِّية في ذمّة الجاني، وهو المكلّف بالأداء، بل لو عصى العاقلة ولم يؤدّوها خارجاً، تكون ذمّة الجاني مشغولة، وتجبُ عليه أدائها.

وإن لم يكن له مالٌ ، فهي على الإمام، كما هو المشهور بين الأصحاب، ولدلالة الأخبار عليه:

منها: معتبر أبي عُبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن أعمى فَقَأ عينِ صحيحٍ؟

فقال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدِّية في ماله، فإنْ لم يكن له مالٌ فالدِّية على الإمام، ولا يَبطلُ حقّ امرئ مسلم»(3).

وتقريب الاستدلال به: أنّه ظاهرٌ - سيّما بقرينة التعليل - في أنّه حكم القتل الخطائي بلا اختصاص له بمورده.

ومنها: معتبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل رجلاً متعمّداً، ثُمّ هَرَب القاتل فلم يُقدر عليه ؟3.

ص: 420


1- الكافي: ج 7/366 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/394 ح 35844.
2- التهذيب: ج 10/170 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/394 ح 35845.
3- الكافي: ج 7/302 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/89 ح 35223.

قال عليه السلام: إن كان له مالٌ أُخذت الدِّية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابةٌ أدّاه الإمام، فإنّه لا يَبطُلُ دم امرئ مسلم»(1).

فإنّه بعموم العلّة يدلّ على حكم المقام.

حكم من ليس له عَصَبة ولا ولاء عتق

المسألة الثانية: إذا لم يكن للقاتل خطاءً عَصَبةٌ ، تكون الدِّية على المولى المعتق بلا خلافٍ ، لما دلّ على أنّ ولاء العبد المُعتَق لمولاه المُعتِق، المقيّد بصحيح الحلبي، الدّال على أنّ ذلك إنّما يكون إذا لم يكن له قرابة(2)، فإنّه بضميمة ما دلّ على أنّ من له الولاء عليه العقل، كصحيح هشام، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إذا ولي الرَّجلُ الرَّجلَ فله ميراثه وعليه معقلته»(3).

ونحوه مصحّحه الآخر(4)، يدلّ على ذلك.

وإنْ لم يكن للقاتل عَصَبةٌ ، ولا مَنْ له ولاءُ العتق، وكان له ضامنُ جريرة، فهو عاقلته بلا خلافٍ .

ويشهد به: صحيح إسماعيل بن الفضل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل إذا اعتق ألَهُ أن يضع نفسه حيثُ شاء فيتولّى مَنْ أحَبَّ؟

فقال عليه السلام: إذا اعتق للّه فهو مولى للّذي أعتقه، وإذا اعتق فجَعَل سائبة، فله أن يضع نفسه، ويتولّى من شاء»(5).

ص: 421


1- الكافي: ج 7/365 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/395 ح 35846.
2- وسائل الشيعة: ج 23/62 ح 29109.
3- الكافي: ج 7/171 ح 3، وسائل الشيعة: ج 26/244 ح 32924.
4- وسائل الشيعة: ج 26/244 ح 32925.
5- الكافي: ج 6/197 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/63 ح 29112.

ولو زادت الدِّية عن العَصَبة، أُخذت من المَوالي.

وتقريب دلالته كما مرّ.

ونحوه صحيحا سليمان وابن سنان الآتيان.

وإنْلم يكن له ضامنُ جريرة، فيعقله الإمام من بيت المال، بلا خلافٍ ، والشاهد به صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن مملوكٍ أعتق سائبة ؟ قال عليه السلام: يتولّى من شاء، وعلى من تولّاه جريرته، وله ميراثه.

قلت: فإن سكتَ حتّى يموت ؟ قال: يُجعل ماله في بيت مال المسلمين»(1).

ونحوه صحيح عبد اللّه بن سنان(2).

فإنّهما يدلّان على أنّ الولاء للإمام، فيدلّ صحيح هشام ومصحّحه المتقدّمان على أنّ عليه مَعقلته.

المسألة الثالثة: (ولو زادت الدِّية عن العَصَبة) فعلى ما قدّمناه من أنّ القريب والبعيد في درجةٍ واحدة (أُخذت) هنا (من الموالي) مع وجود العَصَبة، لأنّهم من جملة العاقلة، وإن تأخّروا عن العَصَبة في الميراث.

وأمّا على القول باعتبار الأقرب فالأقرب:

ففي «المسالك»(3): (فإنْلم يعجز عَصَبة النَسَب عن الدِّية، لم ينتقل إلى الموالي،0.

ص: 422


1- الكافي: ج 7/172 ح 8، وسائل الشيعة: ج 26/244 ح 32925.
2- وسائل الشيعة: ج 23/78 ح 29145.
3- مسالك الأفهام: ج 15/520.

فإنْ اتَّسعت فمن موالي الموالي وهكذا.

ولو زادتِ الديَّةُ على العاقلة أجمع، كان الزائد على الإمام.

ولو زادت العاقِلةُ ، وزِّعَ بالحِصص.

وإنْ عجزوا لم يكمل القدر حيث اعتبرنا التقدير تَحمّل مُعتِقه، فإنْ فَضُل عنه شيءٌ تَحمل عصبته ثمّ مُعتِقٌ ثمّ عصبته، وهكذا).

وعلى المختار: (فإنْ اتَّسعت فمن موالي الموالي، وهكذا) ووجهه ظاهرٌ.

(ولو زادت الدِّية على العاقلة أجمع، كان الزائد على الإمام) كما هو مختار الشيخ(1) وجماعة.

وعن جماعةٍ منهم المحقّق في «الشرائع»(2): أنّه لا يُؤخذ من الإمام شيءٌ مع وجود عاقلة النَسَب.

والأوّل أظهر، لأنّ الإمام يكون عاقلة في هذه الحالة.

واستدلّ للثاني: بأنّ ضمانه مشروطٌ بعدم عاقلة النَسَب.

وفيه نظرٌ: فإنّ كون ضمان الإمام مشروطاً بعدم العاقلة، مبنيٌّ على تقدير التقسيط، وقد مرّ ما فيه.

(ولو زادت العاقلة) عن الدِّية، لم يخصَّ بها البعض، بل (وُزِّع بالحِصص) كما هنا، وفي «القواعد»(3) ومحكي «الخلاف»(4).6.

ص: 423


1- المبسوط: ج 7/178.
2- شرائع الإسلام: ج 4/1054.
3- قواعد الأحكام: ج 3/711.
4- الخلاف: ج 5/286.

لو غابَ بعضُ العاقلة، لم يخصَّ بها الحاضر.

ولو قَتَل الأبُ وَلده عمداً، أُخِذَت منه الدِّية لغيره من الورّاث.

وعن الشيخ في «المبسوط»(1): (يخصّ الإمام بها من شاء منهم، لأنّ التوزيع بالحِصَص يشقّ ).

أقول: ولكن الأشبه بالاُصول هو الأوّل، ويقتضيه إطلاق دليل تعلّقها بالجميع، بعد عدم الدليل على التخصيص، والمشقَّةُ لا تصلحُ لذلك، (و) لذا (لو غابَ بعض العاقلة، لم يُخصَّ بها الحاضر) فإنّ ذلك مقتضى إطلاق الدليل.

لا يرثُ القاتلُ من الدِّية

المسألة الرابعة: (ولو قَتَل الأبُ ولده عمداً) فقد مرّ أنّه لا يُقتل به، بل (أُخذت منه الدِّية)، وهي (لغيره من الورّاث)، لأنّ القاتل عمداً أو ظُلماً لا يرثُ من الدِّية إجماعاً، ويدلّ على ذلك جملة من النصوص:

منها: صحيح أبي عُبيدة، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن امرأةٍ شربت دواءً وهي حامل، ولم يعلم بذلك زوجها، فألقت ولدها؟

قال: فقال عليه السلام: إن كان له عَظْمٌ - إلى أن قال: - قلت له: فهي لا ترثُ ولدها من ديته مع أبيه ؟ قال عليه السلام: لا، لأنّها قتلته فلا ترثه»(2).

ونحوه غيره(3).

ص: 424


1- المبسوط: ج 7/180.
2- الكافي: ج 7/141 ح 6، وسائل الشيعة: ج 26/31 ح 32424.
3- وسائل الشيعة: ج 26/31 باب: أنّ القاتل عمداً لا يرث من الدِّية شيئاً.

وإن لم يكن وارثٌ فالإمام، ولو كان خطأً فالدِّية على العاقلة.

(وإنْ لم يكن وارثٌ ، ف) هي ل (الإمام) بلا خلافٍ ، لإطلاق الأدلّة.

(و) أيضاً لا كلام في أنّه (لو كان) القتل (خطاءً ) أي قتلَ الأبُ وَلَده خطاءً (فالدِّية على العاقلة) لإطلاق الأدلّة.

إنّما الكلام في أنّه هل يرثُ الأبُ من الدِّية المأخوذة من العاقلة أم لا؟

المشهور بين الأصحاب أنّه لا يرثُ منها، وهو الأظهر، لأنّ مقتضى إطلاق صحيح أبي عُبيدة وما ماثله ذلك، وأيضاً مقتضى إطلاق صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: إذا قَتَل الرّجل اُمّه خطاءً ورثها، وإنْ قتلها متعمّداً فلا يرثها»(1).

وصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل اُمّه أيرثها؟ قال عليه السلام: إنْ كان خطاءً ورثها، وإنْ كان عمداً لم يرثها»(2)، وإنْ كان إرثه منها.

إلّا أنّ النسبة بين الطائفتين عمومٌ من وجه، والمجمع هو الدِّية في القتل الخطائي، فالطائفة الأُولى تدلّ على أنّه لا يرثُ منها، والطائفة الثانية تدلّ على الإرث منها، فلابدّ من الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم الأُولى للشُّهرة، ولموافقتها للكتاب، وهو قوله تعالى : (وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ 9.

ص: 425


1- التهذيب: ج 9/379 ح 10، وسائل الشيعة: ج 26/33 ح 32428.
2- التهذيب: ج 9/379 ح 11، وسائل الشيعة: ج 26/34 ح 32429.

مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ )(1) حيث أنّ الظاهر منه أنّ الدِّية على القاتل، ولابدّ من تسليمها إلى أهل المقتول، ومن الواضح كون من يُسلّم إليه الدِّية غير من يكون موظّفاً بالتسليم، ويؤكّد ذلك ذيل الآية الكريمة: (إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا)(2).

***

تمّ كتاب «فقه الصادق» في ليلة الأربعاء ثامن عشر من شهر رمضان المبارك سنة 1398 ه. ق، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين(3).

***

ص: 426


1- سورة النساء: الآية 92.
2- سورة النساء: الآية 92.
3- قام بطباعة وإخراج جميع أجزاء هذه الموسوعة المباركة الأخ محمّد گطران كشمر، وفي مدّة السنتين، شكر اللّه سعيه وجعل ذلك في ميزان أعماله، سائلين اللّه له التوفيق.

فهرس الموضوعات

الفَصلُ الخامس / في كيفيّة القِصاص... 7

فيمن يتولّى القِصاص... 12

المبادرةُ إلى القِصاص من غير إذن الإمام... 15

الثابت في الجراح القِصاص دون الدِّية... 17

لا قِصاص إلّابالسّيف... 18

عدم ضمان السراية... 22

حكمُ ما لو تعدّد الأولياء... 23

حكمُ ما لو تعذّر القِصاص... 28

حكمُ ما لو قَتل صحيحٌ مقطوع اليد... 31

إذا كان المقتولُ عمداً مديوناً ولم يكن له مال... 32

حكمُ ما لو قَتَل واحدٌ متعدّداً... 35

حكمُ ما لو قَطَع يَدُ رجلٍ ، ثُمّ قَتَل آخر، ثُمّ سَرَت الجناية... 38

لو ضربَ الوليُّ الجانيَ قصاصاً فظنَّ موته... 41

قصاصُ الأطراف... 45

جناية المرأة على الرَّجل وعكسها... 48

اعتبار التساوي في السَّلامة... 52

حكمُ قاطِع اليمين إذا لم يَكُن له يمين... 55

القِصاص في الشِّجاج... 60

ثبوت القصاص في ما لا تغرير فيه... 63

الاقتصاصُ للمسلم من الذِّمي... 65

ص: 427

كيفيّة قصاص الأنف والاُذُن... 67

ثُبُوت القِصاص في قَطع الذَكَر... 71

قلعُ الأعور عين الصَّحيح... 76

ثبوتُ القِصاص في السِّن... 81

الإقتصاصُ من اللّاجيء بحَرَم اللّه... 85

من القِصاص في اليد... 90

كتابُ الدِّيات... 98

الفصلُ السَّادس / في دية النفس... 98

ديةُ شَبيه العَمَد... 114

دية الخَطأ المَحض... 121

دية القتل في الأشهر الحُرُم... 125

كفّارةُ القَتل... 128

ديةُ المرأة المُسلمة... 129

دية الذِّمي... 131

دية وَلدُ الزِّنا... 135

من قَتَله القِصاص أو الحَدّ... 138

الفَصلُ السّابع / عن موجبات ضمان الدِّية... 140

حكمُ قتل النائم لغيره... 144

مَن حَمَل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً... 148

لو وَقَع على غيره فماتَ ... 150

لو رَكَبت جاريةٌ على أُخرى فنَخَستها ثالثة... 154

لو اشترك ثلاثة في هدم حائطٍ فوقع على أحدهم... 158

مَنْ دَعا غيره ليلاً فأخرجه فهو له ضامن... 160

ص: 428

التسبيب... 164

حكمُ مَن دَخَل داراً فَعَقَره كلبهم... 167

ضمانُ صاحب الدّابة ما تجنيه بيديها... 171

من شَهَر السّيف في وجه إنسانٍ فَفرَّ ومات... 179

تزاحم الموجبات... 180

الفَصلُ الثّامن / ديات الأعضاء... 189

دية الشَّعر... 193

دية العينين... 201

دية الأنف... 211

دية الأُذنين... 218

ديَّة الشَّفتين... 222

دية اللِّسان... 228

دية الأسنان... 236

دية العُنُق... 250

دية اللَّحيين... 252

ديَّة اليدان... 253

ديَّة الأصابع... 259

دية الظُّفر... 264

ديَّة الظَهر... 266

ديَّة النُّخاع... 270

ديَّة الثَّديين... 271

ديَّة الذَكَر... 275

ديَّة الخُصيتان... 278

ص: 429

ديَّة الشّفرين... 282

ديَّة الإليتين، والرِّجلين... 285

ديَّة الأضلاع... 287

دية كَسر البَعصُوص... 289

دِية كَسر التَّرقوة... 291

دية دَوس البطن... 293

خَرق مثانة البِكْر... 295

دية كَسْرِ عَظْمٍ من عُضو... 297

الفَصلُ التّاسع / ديات المنافع... 308

ديَّة السَّمع... 314

ذهاب السَّمع بقطع الاُذنين... 319

دِيةُ ذهاب ضَوء العين... 321

دية ذِهاب الشَّم... 327

دية الذوق... 329

دية تعذّر الإنزال... 330

ديةُ سَلَس البول... 332

دية ذهاب الصوت... 334

الفَصلُ العاشر / دية الشِّجاج والجِراح... 336

دية المتلاحمة... 339

دية السّمحاق والموضِّحة... 340

دية الهاشمة والمنقّلة... 342

دية المأمومة... 345

دية النافذة في الأنف... 350

ص: 430

دية الشفة الثانية... 352

دية النافذة في الرّجل... 353

دية اللَّطمة في الخَدّ والوجه... 354

استواء دية الشِّجاج في الوجه والرأس... 357

مساواة المرأة والرّجل في الدِّية إلى الثُّلث... 359

دية أعضاء المرأة والذِّمي... 361

الإمام وليُّ دَم مَنْ لا وَليّ له... 363

الفَصلُ الحَادي عشر / دية الجنين... 366

دية الجنين بعد ولوج الرُّوح فيه... 377

قتل الحُبلى مع حَملها... 379

حكم الجناية على الميّت... 385

الفَصلُ الثاني عشر / الجناية على الحيوان... 391

الجناية على ما لا يؤكل لحمه... 395

الجناية على ما لا يَقبلُ التذكية... 395

الفَصل الثالث عَشَر / العاقلة... 403

كيفيّة تقسيم الدِّية على العاقلة... 414

عدم الرّجوع على الجاني... 417

دية الخَطأ على الجاني إن لم يمكن أخذها من العاقلة... 418

حكم من ليس له عَصَبة ولا ولاء عتق... 421

لا يرثُ القاتلُ من الدِّية... 424

فهرس الموضوعات... 427

ص: 431

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.