فقه الصادق المجلد 39

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمد للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ المُبين، وأفضل صلواته على رسوله صاحب الشريعة الخالدة، وعلى آله العُلماء باللّه، الأُمناء على حلاله وحرامه، سيّما بقيّة اللّه في الأرضين، أرواحنا فداه.

وبعدُ: فهذا هو الجزء التاسع والثلاثون من كتابنا «فقه الصادق» وقد وفّقنا لطبعه، والمرجوّ من اللّه تعالى التوفيق لنشر ما بقي من أجزاء هذه الموسوعة الفقهيّة، فإنّه ولي التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الفصل السادس: في بقيّة مسائل الشهادات:

الأُولى: لا يَحِلّ للشاهد أن يشهد إلّامع العلم،

[تتمة كتاب الشهادات]

الفصل السادس: في بقيّة مسائل الشهادات

لا يَحِلُّ للشاهد أن يشهد إلّامع العلم

(الفصل السادس في بقيّة مسائل الشهادات):

المسألة (الاُولى : لا يَحِلُّ للشّاهد أن يشهد إلّامع العلم) بلا خلافٍ .

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ الشّهادة إخبارٌ، فلا تجوزُ مع عدم ثبوت المخبر عنه لديه.

فإنْ قيل: إنّ المُحرّم هو الكذب، وهو الإخبار عن المخالف للواقع، فلو لم يُحرز ذلك، يُشكّ في كونه كذباً، فمقتضى أصالة البراءة جوازه.

قلنا: إنّه من شكَّ في المخالفة للواقع والموافقة، يحصل له العلم الإجمالي بأنّه: إمّا أن يكون إخباره بذلك، أو بنقيضه كذباً، وهذا العلم الإجمالي يمنعُ عن جريان البراءة في شيء من الطرفين، ومقتضاه لزوم الاحتياط بترك الإخبار بكلٍّ منهما -.

جملةٌ من النصوص:

منها: خبر عليّ بن غياث، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا تشهدنّ بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك»(1).

ص: 7


1- الكافي: ج 7/383 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/341 ح 33881.

ونحوه خبر علي بن غُراب عنه عليه السلام(1).

ومنها: مرسل الصَّدوق، قال: «ورُوي أنّه لا تكون الشّهادة إلّابعلم»(2).

ومنها: النبويّ المرويّ في «الشرائع»: «وقد سُئل عن الشّهادة ؟

قال صلى الله عليه و آله: هل ترى الشمس ؟ على مثلها فاشهد أو دَع»(3).

ومنها: خبر الحسين بن سعيد، قال: كتب إليه جعفر بن عيسى :

«جُعلت فداك، جاءني جيران لنا بكتابٍ زعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته، ولستُ أذكر الشّهادة، وقد دعوني إليها، فأشهدُ لهم على معرفتي أنّ اسمي في الكتاب ولستُ أذكُرُ الشّهادة، أو لا تجبُ الشّهادة عَليّ حتّى أذكرها، كان اسمي في الكتاب أو لم يكن ؟

فكتب عليه السلام: لا تشهد»(4).

ومنها: قوي السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا تشهد بشهادة لا تذكرها»(5).

ومنها: ما دلّ على أنّه يجوز شهادة الضرير إذا حفظ الشّهادة، وحفظ الوقت(6).

ومنها: ما في ورد في الشّهادة على المرأة، الدّال على أنّه: لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة إن عرفتَ بعينها أو حَضَر من يعرفها، وإلّا لا يجوزُ أن يشهد عليها إلّا8.

ص: 8


1- الفقيه: ج 3/71-72 ح 3359، وسائل الشيعة: ج 27/341 ح 33881.
2- الفقيه: ج 3/73 ذيل ح 3361، وسائل الشيعة: ج 27/341 ح 33882.
3- الشرائع: ج 4/917، وسائل الشيعة: ج 27/342 ح 33883.
4- الكافي: ج 7/382 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/322 ح 33840.
5- الكافي: ج 7/383 ح 4، وسائل الشيعة: ج 27/323 ح 33842.
6- الإحتجاج: ج 2/490، وسائل الشيعة: ج 27/400 ح 34058.

بأن تُسفِر وينظر إليها(1).

إلى غير تلكم من النصوص الواردة في الأبواب المختلفة، وهذا ممّا لاإشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّ جمعاً من الأصحاب(2) أضافوا إلى ذلك اعتبار أن يكون العلم حاصلاً من الرؤية أو السّماع.

ثمّ لمّا رأو أنّ بعض الأشياء لا يحصلُ العلم به عن طريق السمع والبصر، بل يكون ذلك بالذّوق والشَّم كماء الورد الذي يُراد الشّهادة بكونه مغصوباً مثلاً، أضاف إليه بعضهم(3): أو الحاصل من سائر الحواس.

وأيضاً: لاحظوا أنّ بعض الاُمور لا يحصلُ العلم بها من أحد الحواس الظاهريّة كالنَسَب والمِلْك وماشاكل، واستثنوا تلكم الموارد وحكموا بالاكتفاءبالعلم الحاصل من الاستفاضة في تلكم الموارد، وأنهى الشهيد رحمه الله(4) تلكم الموارد إلى تسعة، وهي:

النَسَب، والمِلْك المطلق، والوقف، والنكاح، والموت، والولاية، والولاء، والعتق، والرِّق.

أقول: الظاهر أنّ كل ذلك في غير محلّه؛ فإنّه لا دليل على شيء من ذلك، ولا يعتبر في الشّهادة سوى العلم من أيّ طريقٍ حصل، وذلك في جميع الموارد.

نعم، سيأتي الكلام في الموارد التي لا يمكن حصول العلم فيها.

وأيضاً: لما رأى الأصحاب ورود رواياتٍ بجوازالشّهادة مع إخبار ثقتين بشيء، أو كون الشيء بيد الشخص أو ما شاكل:4.

ص: 9


1- الكافي: ج 7/400 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/402 ح 34061.
2- منهم العلّامة في القواعد: ج 3/500.
3- صاحب الرياض فيها: ج 13/347-348.
4- الدروس: ج 2/134.

منها: خبر عمر بن يزيد، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يشهدني على شهادة، فأعرف خطّي وخاتمي ولا أذكرُ من الباقي قليلاً ولا كثيراً؟

فقال لي عليه السلام: إذا كان صاحبك ثقة، ومعه رجلٌ ثقة، فاشهد له»(1).

ومنها: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، قال:

«لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة، وليست بمُسْفِرة إذا عُرفت بعينها أو حضر من يعرفها»(2).

ومنها: خبر حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال له رجلٌ : إذا رأيتُ شيئاً في يدي رجلٍ يجوزُ لي أن أشهد أنّه له ؟ قال عليه السلام: نعم.

قال الرّجل: أشهدُ أنّه في يده ولا أشهد أنّه له؛ فلعلّه لغيره ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أفيحلّ الشراء منه ؟ قال: نعم.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فلعلّه لغيره، فمن أينَ جازَ لك أن تشتريه، ويصيرُ مِلْكاً لك، ثمّ تقول بعد المِلْك هو لي، وتحلف عليه، ولا يجوزُ أن تنسبه إلى من صار ملكه مِن قِبله إليك»(3) الحديث.

التزم بعضهم كالصَّدوق(4) وغيره بردّ ما تضمّن الشّهادة بإخبار عدلين؛ه.

ص: 10


1- الكافي: ج 7/382 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/321 ح 33839.
2- الكافي: ج 7/400 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/402 ح 34061.
3- الكافي: ج 7/387 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/292 ح 33780.
4- حكاه عنه في رياض المسائل: ج 15/389-390، وقد يظهر ذلك من بعض الروايات التي رواها في الفقيه في بَابُ : مَنْ يَجِبُ رَدُّ شَهَادَتِهِ وَمَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِه، وما بعده في الجزء 3 ص 40 خاصّة وأنّ الصَّدوق قال في أوائل كتابه: إنّه لا يروي فيه إلّاما يفتي به ويحكم بصحته.

لمنافاته مع ما دلّ على اعتبار العلم في الشّهادة.

وقال بعضٌ آخر(1): بأنّ الرواية ضعيفة لا يُعتمد عليها، مع أنّها معتبرة، وعمل بها قدماء أصحابنا.

والتزم ثالثٌ (2): بكفاية الظّن، وعدم اعتبار العلم، وفي الشّهادة مستندة إلى اليد التزموا بالتخصيص.

أقول: ولكن الحقّ عدم تماميّة شيء من ذلك، ولا ينافي شيء من هذه النصوص مع ما دلّ على اعتبار العلم في الشّهادة.

توضيح ذلك: أنّ للعلم جهات ثلاث:

إحداها: كونه صفةٌ من صفات النفس، قائمةٌ بها قيام الوصف بالموصوف، أو قيام الفعل بالفاعل على اختلاف المسلكين في حقيقة العلم.

ثانيتها: كونه طريقاً إلى الواقع، ومبرِزاً له، وكاشفاً عنه، وهذه الجهة ذاتيّة للعلم، حتّى قالوا: إنّ حقيقة العلم حقيقة طريقية إلى الواقع، بل ليس العلم إلّا الطريق التامّ ، ولذلك يُطلق عليه النور.

ثالثتها: أنّه يجبُ الجَري العملي على طبق الواقع، فإنّ الوجودات الواقعيّة غير محرّكة للعضلات نحو الفعل، ولذا يمكن أن يموت الشخص عطشاناً وعنده ماء لا يعلم به، وهذا بخلاف ما لو علم به فإنّه بطبعه يتصدّى للشرب.

وعلى ذلك، فإنّ أخذ العلم من الجهة الثانية في الموضوع - كما هو الظاهر من8.

ص: 11


1- الشيخ في الإستبصار: ج 3/22، ذيل ح 4، والعلّامة في المختلف: ج 8/517.
2- قد يظهر ذلك من كتاب القضاء للرشتي: ج 1/138.

أخذه في الموضوع - تقوم الأمارات أعمّ من البيّنة واليد وغيرهما مقامه، فهذه النصوص لاتنافي مع ما دلّ على اعتبار العلم في جواز الشّهادة، بل لو لم يكن هذه الروايات لكنّا ملتزمين بذلك، فهي مطابقة للقاعدة.

وللبحثُ في وجه قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة، محلّ آخر، وقد حقّقناه في الاُصول(1).

أقول: وبما ذكرناه يظهر أنّه لو دلّ دليلٌ على جواز الشّهادة، مستندةً إلى الاستصحاب، لم يكن ذلك منافياً لنصوص اعتبار العلم في جواز الشّهادة، بل كان ذلك كاشفاً عن أخذ العلم من الجهة الثالثة في الموضوع؛ فإنّ المجعول في باب الاستصحاب هو الجَري العملي الذي هو جهةٌ ثالثة للعلم. نعم، لو لم يكن دليلٌ على ذلك كان مقتضى القاعدة عدم القيام؛ إذ الظاهر من أخذ العلم في الموضوع أخذه فيه بما أنّه طريق إلى الواقع. وبما ذكرناه يظهر ما في «الجواهر»(2) وغيرها ممّااُفيد في المقام.

***

البناء في الشّهادة على الاستصحاب

أقول: بقي الكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه هل تجوز الشّهادة مستندةً إلى الاستصحاب، وهل يدلّ عليه دليل أم لا؟

قد يقال: إنّ صحيح معاوية بن وهب يدلّ على ذلك، قال:

ص: 12


1- زبدة الاُصول: ج 4/107.
2- الجواهر: ج 41/124.

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يكون في داره ثمّ يغيب عنها ثلاثين سنة، ويدع فيها عياله، ثمّ يأتينا هلاكه، ونحنُ لا ندري ما أحدثَ في داره، ولا ندري ما أحدث له من الولد، إلّاأنّا لا نعلم أنّه أحدث في داره شيئاً، ولا حدث له ولد، ولا تقسّم هذه الدار على ورثته الذين تُركوا في الدار، حتّى يشهد شاهدا عدلٍ أنّ هذه الدار دارُ فلان بن فلان، مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان، أو نشهد على هذا؟

قال عليه السلام: نعم»(1).

وجه الدلالة: أنّه يدلّ على جواز الشّهادة بكون الدار لفلان، وأنّه لا وارث له غير من تُرك في الدار، وكلاهما ثابتان بالاستصحاب.

واُجيب عنه تارةً : بما عن «التحرير»: بأنّه يُحمل على إرادة حصول العلم باعتبار خلطه واطّلاعه.

ويردّه: تصريح السائل بأنّا: «لا ندري ما أحدث في داره، ولا ندري ما أحدث له من الولد».

وأُخرى : بما في «الجواهر»(2) من أنّه (يُحمل على إرادة الشّهادة بما يعلم به، أي كون الدار له قبل سنين، ولم يكن له وارثٌ غير الموجودين في الدار، ثمّ الحاكم بنفسه يستصحب بقاء الملكيّة وعدم الوارث، بشهادة خبره الآخر، قال:

قلت له: «إنّ ابن أبي ليلى يسألني الشّهادة عن هذه الدار، مات فلان وتركها ميراثاً، وأنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا له ؟5.

ص: 13


1- الكافي: ج 7/387 ح 4، وسائل الشيعة: ج 27/336 ح 33873.
2- الجواهر: ج 41/125.

قال عليه السلام: إشهد بما هو علمك»(1).

قال في توضيح ما أفاده: (إنّ المراد بالشهادة بالاستصحاب:

إنْ كان بالمستصحب، فهي شهادة بعلمٍ لا بالاستصحاب، ولا مدخليّة للاستصحاب في ذلك.

وإن اُريد الشّهادة بالاستصحاب بمعنى الشّهادة الآن بشُغل الذّمة، وكونها زوجته، وإن لم يكن عالماً بذلك، بل كان مستند ذلك علمه السابق، فلا ريب في عدم صدق تعريف الشّهادة عليه، بل هو شاهدٌ بما لا يعلم)(2) إلى آخر ما أفاده.

وفيه: أنّ الخبر الثاني إنّما يدلّ على الأمر بالشهادة بالعلم، فلو دلّ الدليل على جواز الشّهادة بالاستصحاب، كان ذلك حاكماً عليه ودالّاً على أنّ المراد بالعلم فيه العلم بما أنّه مقتضٍ للجري العملي.

وأمّا ما أفاده من أنّه لو شهد بالاستصحاب، كان شاهداً بما لا يعلم فقد مرّ جوابه.

وثالثةً : بأنّه ينافيه ذيله الوارد فيه قول السائل:

«قلت: الرّجل يكون له العبد والأمَة، فيقول أبِقَ غلامي، أو أبِقَتْ أَمَتي فيؤخذ بالبلد، فيكلّفه القاضي البيّنة، أنّ هذا غلام فلانٍ لم يبعه ولم يهبه، أفنشهد على هذا إذا كلّفناه ونحن لا نعلم أنّه أحدث شيئاً؟

فقال عليه السلام: كلّما غابَ من يد المرء المُسلم غلامه أو أَمَته، أو غاب عنك لم تشهد به».6.

ص: 14


1- الكافي: ج 7/387 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/336 ح 33872.
2- الجواهر: ج 41/126.

وفيه: إنّ معاوية بنفسه روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام رواية أُخرى مصرّحة بجواز الشّهادة في المورد أيضاً، قال:

«قلت له: الرّجل يكون له العبد والأمَة، قد عُرف ذلك، فيقول: أبِقَ غلامي أو أمتي، فيكلّفونه القضاة شاهدين بأنّ هذا غلامه أو أَمَته، لم يبع ولم يهب، أنشهد على هذا إذا كلّفناه ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

أقول: والجمع بينهما يقتضي البناء على مرجوحيّة الشّهادة في المورد، كما عن المحدِّث الكاشاني رحمه الله(2) الجمع بينهما بذلك، وتبعه المحقّق النراقي(3).

فإنْ قيل: إنّ الشّهادة إنْ كانت جائزة تكون واجبة، فلا معنى لمرجوحيّتها.

قلنا: إنّ الواجب هو الشّهادة بما عنده، لا بالمِلْك المطلق والشيء المستصحب مطلقاً.

وعليه، فالمراد لم يشهد أنّه كذا وكذا فعلاً، وإنْ وجبت بأنّه كان كذا وكذا سابقاً.

وبالجملة: فالأظهر تماميّة دلالته، وكذا خبره الأخير، ولكنّه بالنسبة إلى عدم الوارث غير الموجودين في الدار، وأمّا بالنسبة إلى بقاء الملكيّة فيمكن أنْ يكون الوجه فيه يد المالك، فإنّ المفروض أنّ الدار تحت تصرفه وسلطنته بالتسبيب، ومثل هذا اليد أيضاً كاشفة عن الملكيّة.3.

ص: 15


1- التهذيب: ج 7/237 ح 55، وسائل الشيعة: ج 27/337 ح 33874.
2- الوافي: ج 16/1034، ذيل ح 9 (16632).
3- المستند: ج 18/352-353.

ولا يكفي رؤية الخَطّ مع عدم الذكر،

وعليه، فمانُسب إلى المشهور(1) من جوازالشّهادة بالاستصحاب، هو الأقوى .

الأمر الثاني: وقد ظهرممّا ذكرناه أنّ الاكتفاء بالشّهادة بالأمارة والاستصحاب، لا يَستلزم جواز الاكتفاء بكل ظن غير معتبر، (و) عليه ف (لا يكفي رؤية الخَطّ مع عدم الذكر)، وعدم قيام البيّنة على أنّه خطّه، كما دلّ على ذلك:

1 - خبر عمر بن يزيد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «الرّجل يُشهدني على شهادةٍ ، فأعرف خطّي وخاتمي، ولا أذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً؟

فقال عليه السلام لي: إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له»(2).

فإنّه بالمفهوم يدلّ على عدم جوازه من دون قيام البيّنة عليه.

2 - وخبر حسين بن سعيد، قال:

«كتب إليه جعفر بن عيسى: جُعلتُ فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنّهم أشهدوني على مافيه، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته ولست أذكر الشّهادة، وقددعوني إليها، فأشهد لهم على معرفتي أنّ اسمي في الكتاب، ولستُ أذكر الشّهادة، أو لا تجبُ الشّهادة عليَّ حتّى أذكرها، كان اسمي بخطّي في الكتاب أو لم يكن ؟

فكتب عليه السلام: لا تشهد»(3).

3 - وقوي السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «لا تشهد0.

ص: 16


1- نسبه ابن فهد في المهذّب البارع: ج 4/497.
2- الكافي: ج 7/382 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/321 ح 33839.
3- الكافي: ج 7/382 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/322 ح 33840.

وإنْ أقام غيره. ويكفي في الشّهادة بالمِلْك مشاهدته متصرّفاً فيه.

شهادة لا تذكرها، فإنّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً»(1).

من الخبر الأوّل يظهر جواز الشّهادة مع قيام البيّنة بأنّه خطّه وخاتمه، وبذلك يظهر ما في كلامه قدس سره حيث قال: (وإن أقام غيره).

الأمر الثالث: (و) قد تقدّم أنّه (يكفي في الشّهادة بالمِلْك مشاهدته متصرّفاً فيه) لليد، وقد دلّ عليه النّص(2).

وأمّا الكلام في أنّه هل يكفي مجرّد اليد، أم يعتبر كونه متصرّفاً فيه ؟ فمحرَّرٌ في رسالة «القواعدالثلاث»، كما أنّ كثيراً من أحكام اليد مذكورة فيها.

وللقوم كلمات في المقام، يظهر ما فيها ممّا أسلفناه.

وأغرب من الجميع ما في «النافع»، قال: (والأولى الشّهادة بالتصرّف، لأنّه دلالة على المِلْك وليس بملك)(3)، إذ بعد تسليم الدلالة على الملك، لا وجه لعدم الشّهادة به.

وتوجيهه: بأنّ مراده أنّه لا تكون الملكيّة ثابتة بالرؤية والسماع، ويعتبر في الشّهادة أن يكون المشهود به ثابتاً بأحد الطريقين.

أفسد؛ فإنّه لا وجه لاعتبار ذلك سوى تصريح جماعةٍ من الفقهاء(4) به، وهم9.

ص: 17


1- الكافي: ج 7/383 ح 4، وسائل الشيعة: ج 27/323 ح 33842.
2- وهو خبر حفص بن غياث المتقدّم قبل صفحات.
3- النافع: ص 281.
4- منهم الشيخ فى المبسوط: ج 8/182، والحلّى فى السرائر: ج 2/130، والمحقّق فى الشرائع: ج 4/919.

ويثبتُ بالشِّياع النَسَب، والمِلْك المُطلق، والوقف، والزوجيّة.

بأنفهسم قد صرّحوا باستثناء اُمور منها الملكيّة.

وكيف كان، فقد ظهر ممّا حقّقناه ما هو الحقّ في المقام.

***

البناء في الشّهادة على الشِّياع

الأمر الرابع: (و) قد صرّح الأصحاب بأنّه (يثبتُ بالشِّياع) اُمورٌ، وإن اختلفوا في تعداد تلك الاُمور:

فمنهم: من خصّها بالنَسَب كالإسكافي(1).

و في المتن و «النافع»(2) عدّها أربعة: (النَسَب، والمِلْك المُطلق، والوقف، والزوجيّة).

وعن «الخلاف»(3): جعلها ستّة بزيادة الولاء، والعتق.

وعن «القواعد»(4): سبعة بزيادة: الموت، والولاية للقاضي، ونقص الولاء.

وعن «التحرير»(5): ثمانية بزيادة: الولاء.

وعن بعضهم(6): تسعة بزيادة: الرِّق، والعدالة، ونقص الولاية.

ص: 18


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 8/538.
2- النافع: ص 281.
3- الخلاف: ج 6/265.
4- القواعد: ج 3/501.
5- التحرير: ج 5/262.
6- الرياض: ج 13/350.

وعن جمعٍ من المتأخّرين(1): عدم حصرها في اُمور مخصوصة، بل جوّزوها في كلّ ما تعذّر فيه المشاهدة في الأغلب.

أقول: ثمّ إنّهم اختلفوا من جهة أُخرى ، وهي:

أنّ الشِّياع الذي يجوز الاستناد إليه في الشّهادة، هل يعتبر فيه إفادته العلم كما عن المحقّق في «الشرائع»(2)، و «النافع»(3)، والمصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(4) وغيرهما(5)؟

أم يكفي الظّن المتاخم للعلم، كما عن «الإرشاد»(6) و اللّمعتين(7)، و «الدروس»(8) و «المسالك»(9)؟

أم يكفي مطلق الظّن، كما عن «الخلاف»(10) و «المبسوط»(11)؟

وتفصيل القول في المقام: إنّ الشِّياع إن أفاد العلم جاز الشّهادة فيها وفي غيرها من الموارد؛ لما تقدّم من أنّه لا يعتبر في جواز الشّهادة سوى العلم، من أيّ سببٍ حصل، ولا يعتبر الرؤية والسماع وما شاكل وإن لم يحصل العلم.3.

ص: 19


1- كالفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 10/15.
2- الشرائع: ج 4/863.
3- النافع: ص 281.
4- التحرير: ج 5/263، وعلى إشكال في القواعد: ج 3/501.
5- كالفاضل المقداد في التنقيح: ج 4/311.
6- الإرشاد: ج 2/160.
7- اللّمعة: ص 85، والروضة: ج 3/136.
8- الدروس ج 2 ص 134.
9- المسالك: ج 14/230.
10- الخلاف: ج 6/265.
11- المبسوط: ج 8/183.

فإنْ حَصَل الظّن المتاخم للعلم - المعبّر عنه بالاطمئنان - الذي هو علمٌ عرفي فكذلك؛ لأنّه حجّة عند العقلاء، ولم يردع الشارع الأقدس عنه، وقد مرَّ قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع وإن لم يحصل منه ذلك أيضاً، بل كان الحاصل هو الظّن المطلق، فمقتضى ما دلّ على اعتبار العلم، أو ما يقوم مقامه، في جواز الشّهادة، عدم جوازها.

وقد استدلّ للجواز بوجوه: بعضها يختصّ ببعض تلكم الموارد وبعضها يعمّ الجميع:

منها: مرسل يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام «عن البيّنة إذا اُقيمت على الحقّ ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة إذا لم يعرفهم من غير مسألة ؟

قال: فقال عليه السلام: خمسة أشياء يجبُ على النّاس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم:

الولايات، والتناكح، والمواريث، والذبائح، والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته، ولا يُسأل عن باطنه»(1).

بتقريب: أنّ المراد بالحكم هي النسبة الخَبريّة، وظهور هذه النسبة عبارة عن الشيوع والاستفاضة، فيدلّ المرسل على أنّه يجوز الأخذ بهذا الظهور الخبري في هذه الاُمور الخمسة.

وفيه: الظاهر أنّ المراد من الحكم هو النسبة لا الخبريّة، وظهور النسبة عبارة عن ظهور الحال، وهو غير ظهور الخبر عنها وشيوعه. ألا ترى أنّه ربما تكون عدالة زيد أو ولديّته لعمروٍ ظاهرة، ولكن الخبر عنها ليس شائعاً، والشاهد على إرادة ذلك من الحكم - مضافاً إلى ظهوره في ذلك -: قوله عليه السلام في ذيل المرسل: «فإذا6.

ص: 20


1- الكافي: ج 7/431 ح 15، وسائل الشيعة: ج 27/289 ح 33776.

كان ظاهره.. الخ»، فإنّه صريحٌ في أنّ الظاهر مقابل الباطن، وعن بعض نسخ «التهذيب».

وفي مرفوع المقري: «ظاهر الحال»(1)، بدل «ظاهر الحكم».

وعليه، فالأمر أوضح.

ومنها: صحيح حريز، المتضمّن لقصّة إسماعيل، وفيه:

فقال إسماعيل: «يا أبه إنّي لم أرَهُ يَشربُ الخمر، إنّما سمعتُ النّاس يقولون.

فقال عليه السلام: يا بُني إنّ اللّه يقول في كتابه: (يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (2) يقول:

يُصدّق اللّه ويُصدّق للمؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم، ولا تأتمن شارب الخمر»(3).

بتقريب: أنّه عليه السلام أمر بترتيب آثارالواقع على مجرّد قول النّاس، الذي هو عبارة عن الشِّياع، وجعل عليه السلام من يقول عنه النّاس: إنّه يشربُ الخمر، شارب الخمر.

وفيه: إنّ المأمور به ليس ترتيب آثار الواقع بأجمعها، بل خصوص ما ينفع المخبر إليه، ولا يضرّ المخبَر عنه.

وإن شئت قلت: إنّه لا ملازمة بين تصديق المُخبر المأمور به في الخبر، وبين العمل على طبقه.

ويشهد لما ذكرناه: قوله عليه السلام في خبرٍ آخر:

«كَذِّب سَمْعَك وبصرك عن أخيك، فإنْ شهد عندك خمسون قسامة، وقال7.

ص: 21


1- الخصال: ج 1/311 ح 88، وسائل الشيعة: ج 27/290 ذيل ح 33776.
2- سورة التوبة: الآية 61.
3- الكافي: ج 5/299 ح 1، وسائل الشيعة: ج 19/82 ح 24207.

قولاً فصدّقه وكذّبهم»(1).

فإنّه عليه السلام أمرَ بتكذيب خمسين قسامة، وتصديق قول الواحد، وليس ذلك إلّا لما ذكرناه.

ومنها: إنّ الظّن الحاصل من الشِّياع أقوى من الظّن الحاصل من البيّنة العادلة، فما دلّ على جواز الشّهادة مستندة إليها، يدلّ بالأولويّة على جوازها مستندة إلى الشِّياع.

وفيه: إنّه لم يثبت كون ملاك حجيّة البيّنة إفادتها الظّن، بل الثابت خلافه، فإنّه يجوزُ الشّهادة لو قامت وإن لم يحصل الظّن.

ومنها: إجراء دليل الانسداد في كلّ ما يَعسُر إقامة البيّنة عليه، كالنَسَب والوقف وما شاكل.

بتقريب: أنّ تحصيل العلم فيها عَسِرٌ، وكذلك البيّنة العادلة، ويلزم من إجراء الأصل من أصالة عدم النَسَب، أو عدم الوقف، الوقوع في خلاف الواقع كثيراً، والاحتياط متعذّرٌ أو متعسّر، فلا مناص عن التنزّل إلى الظّن؛ لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

وفيه أوّلاً: إنّ ثبوت تلكم الاُمور بالأمارات القائمة عليها، كقاعدة الفراش، وإقرار من بيده المال، وما شاكل، ليس متعذّراً ولا متعسِّراً.

وثانياً: إنّ المقدّمة الثانية لا تُفيد ما لا ينضمّ إليها أنّ الوقوع في خلاف الواقع منافٍ لغرض الشارع، إذ لو لم يُحرز ذلك كما في باب الطهارة، لما كان محذور في إجراء الأصل، وحيث إنّه غيرُ ثابتٍ فلا يتمّ هذا الدليل.3.

ص: 22


1- الكافي: ج 8/147 ح 125، وسائل الشيعة: ج 12/295 ح 16343.

ولو سمع الإقرار شَهِد وإنْ قيل له: لا تَشْهَد.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لا يجوزُ الشّهادة مستندة إلى الشِّياع في شيء من الموارد، ما لم يحصل منه العلم أو الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائيّة.

***

لا يُعتبر في جواز الشّهادة استدعاء المشهود عليه

الأمر الخامس: (و) يصير الشاهد متحمّلاً للشهادة بما يكون مُثبتاً لما يشهد به كما (لو سمع الإقرار)، وإنْ لم يستدعه المشهود على تحمّل الشّهادة، فيجوزُ له أن (يشهد، و) كذا (إن قيل له لا تشهد) ولا تتحمّل الشّهادة، من غير فرقٍ بين كون ما ثبت عندما يوجبُ حكماً عليه أو له، (بلا خلافٍ أجده فيه، إلّامن الإسكافي(1) في الثاني وما يأتي، وهو شاذٌ لا يُعبأ به)، كذا في «الرياض»(2).

ويشهد بذلك كلّه: عمومات الأدلّة، إذ لم يدلّ دليلٌ على اعتبار أزيد من العلم بما يشهد به، أو ما يقوم مقامه.

وخصوص جملةٍ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا سمع الرّجل الشّهادة ولم يشهد عليها، فهو بالخيار إنْ شاء شهد وإنْ شاء سكت»(3).

ومثله صحيح هشام، وزاد: «قال: إذا اشهد لم يكن له إلّاأن يشهد»(4).

ص: 23


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 8/520.
2- الرياض: ج 13/356.
3- الكافي: ج 7/381 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/317 ح 33827.
4- الكافي: ج 7/381 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/318 ح 33828.

ومثل صحيح محمّد، أو موثّقه مع زيادة: «إلّا إذا علم من الظالم فيشهد له، ولا يحلّ له إلّاأن يشهد»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «في الرّجل يشهد حساب الرجلين، ثمّ يُدعى إلى الشّهادة ؟

قال عليه السلام: إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد»(2).

إلى غير تلكم من النصوص الآتية جملة أُخرى منها.

أقول: هذه النصوص تدلّ على جواز الشّهادة مع عدم الاستدعاء، فبالملازمة تدلّ على تحقّق التحمّل بمجرّد السماع، مع عدم الاستدعاء.

نعم، في أنّه هل يجوز للحاكم أن يحكم لمن شهدت البيّنة له، مع عدم إقامة ذي الحقّ إيّاها، أو نهيه عن الشّهادة، كلامٌ ؛ نظراً إلى أنّ إقامتها حقّ له، فله اسقاطها بل له رفع اليد عن الدّعوى، وقد تقدّم تفصيل القول في ذلك في كتاب القضاء(3)، ولا نعيد.

***).

ص: 24


1- الكافي: ج 7/381 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/318 ح 33830.
2- الفقيه: ج 3/55 ح 3322، وسائل الشيعة: ج 27/319 ح 33832.
3- تقدّم في الجزء السابق (ج 38).

الثانية: لا يجوزُ للشّاهد كتمان الشّهادة مع العلم،

حرمة كتمان الشّهادة

المسألة (الثانية): فيما يتعلّق بتحمل الشّهادة وأدائها، والكلام فيها يتحقّق في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: إنّ من تحمّل الشّهادة:

تارةً : يكون ذلك باستدعاء صاحب الحقّ للتحمّل.

وأُخرى : يكون بدونه.

1 - فإن كان باستدعائه: فلا خلاف بينهم في أنّه (لا يجوزُ للشاهد كتمان الشّهادة مع العلم) أو ما يقوم مقامه، ويجب أدائها، بل حكاية الإجماع عليه مستفيضة(1)، ويشهد به:

قوله تعالى : (وَ لا تَكْتُمُوا اَلشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (2)، وقوله تعالى :

(كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ اَلْوالِدَيْنِ وَ اَلْأَقْرَبِينَ ) (3) .

والمرويّ بعدّة طرق، عن جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من كتم شهادةً أو شهد بها ليهدر بها دم إمرئ مُسلم، أو ليزوي بها(4) مال إمرئ مسلمٍ ، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مَدّ البصر، وفي وجهه

ص: 25


1- حكى الإستفاضة المحقّق النراقي في المستند: ج 18/374.
2- سورة البقرة: الآية 283.
3- سورة النساء: الآية 135.
4- في «الفقيه»: ليثوي بها.

كُدُوح(1) يعرفه الخلائق باسمه ونَسَبه، ومن شهد بشهادة حقّ ليحيي بها حقّ إمرئ مسلمٍ ، أتى يوم القيامة ولوجهه نورٌ مَدّ البصر، تعرفه الخلائق باسمه ونَسَبه.

ثمّ قال أبوجعفر عليه السلام: ألا ترى إنّ اللّه عزّوجلّيقول: (وَ أَقِيمُوا اَلشَّهادَةَ لِلّهِ (2)) »(3).

وخبر الحسين بن زيد، عن الإمام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله في حديث المناهي أنّه نهى عن كتمان الشّهادة، قال:

«ومن كتمها أطعمه اللّه لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول اللّه عزّ وجلّ :

(وَ لا تَكْتُمُوا اَلشَّهادَةَ ) (4) الآية»(5).

وخبر يزيدبن سليط، عن موسيبن جعفر عليه السلام في حديث النّص على الرّضا عليه السلام:

«وإنْ سئلت عن الشّهادة فأدّها، فإنّ اللّه تعالى يقول: (إِنَّ اَللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (6)، وقال: (وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اَللّهِ (7)) »(8).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

2 - وإن لم يكن التحمّل باستدعائه: فالمشهور بين المتأخّرين - بل في «المسالك»(9) نسبته إلى المشهور بين الأصحاب - حرمة الكتمان ووجوب الأداء4.

ص: 26


1- أي: خدوش، أنظر لسان العرب: ج 2/570 مادّة (كدح).
2- سورة الطّلاق: الآية 2.
3- الكافي: ج 7/380 ح 1، الفقيه: ج 3/58 ح 3329، وسائل الشيعة: ج 27/312 ح 33816.
4- سورة البقرة: الآية 283.
5- الفقيه: ج 4/13 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/313 ح 33818.
6- سورة النساء: الآية 58.
7- سورة البقرة: الآية 140.
8- الكافي: ج 1/313 ح 14، وسائل الشيعة: ج 27/313 ح 33819.
9- المسالك: ج 14/264.

أيضاً، وعن جماعةٍ من القدماء - منهم الشيخ(1)، وابن الجُنيد(2)، وأبو الصّلاح(3)، بل نُسب إلى المشهور بينهم(4) - عدم الوجوب، وأنّه بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد.

ومنشأ الاختلاف: أنّ إطلاق الآيات والروايات المتقدّمة، دالّة على الوجوب وحرمة الكتمان مطلقاً. وفي «المسالك»: (ولأنّها أمانة جُعلت عنده، فوجبَ عليه الخروج منها، كما أنّ الأمانات الماليّة تارةً تحصل عنده بقبولها كالوديعة، وتارةً بغيره كتطير الريح»(5). وجملة من النصوص الخاصّة، منها ما تقدّم في المسألة السابقة، تدلّ على أنّه بالخيار في الشّهادة وعدمها.

وقد جمع بين الأدلّة في «الرياض»(6) بالبناء على أنّه مع الاستدعاء يكون وجوب الأداء عينيّاً، وبدونه يكون واجباً كفائيّاً.

ويردّه: أنّ ظاهر النصوص الخاصّة هو جواز الترك، وإن لم يكن شاهد آخر، أو كان ولم يشهد، مع أنّ الواجب الكفائي يصير عينيّاً مع ترك الباقي.

أضف إليه ماسيأتي من تسالم الأصحاب على كونه مع الاستدعاء أيضاً كفائيّاً.

وعن «المختلف»(7): جعل النزاع لفظيّاً لامعنويّاً؛ نظراً إلى أنّه فرض كفاية، فيجوز تركه إذا قام غيره مقامه، ولو لم يقم غيره مقامه وخاف لحوق ضرر بإبطال الحقّ ، وجبَ عليه إقامة الشّهادة، ولا فرق بين أن يشهد من غير استدعاء، وبين أن1.

ص: 27


1- النهاية: ص 330.
2- حكاه عنه فخر المحقّقين في الإيضاح: ج 4/441.
3- الكافي في الفقه: ص 436.
4- نسبه السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 13/361.
5- المسالك: ج 14/264.
6- الرياض: ج 13/362.
7- المختلف: ج 8/521.

يشهد معه.

وفيه: أنّه في النصوص الخاصّة فصّل الإمام عليه السلام بين ما لو دُعي إلى الشّهادة فَحَكم عليه السلام بوجوب الأداء، وبين ما لم يُدعَ إلى ذلك فَحَكم عليه بأنّه بالخيار، وعليه فالنزاع معنوي قطعاً. وظاهر «المسالك»(1)، وصريح «النافع»(2): التوقّف في المسألة، ولا وجه له؛ فإنّ تعيّن حَمل المطلق على المقيّد - ولو كان المطلق الكتاب والمقيّد الخبر - ظاهرٌ، والنصوص الخاصّة صحيحة الإسناد واضحة الدلالة، فلا وجه للتوقّف في عدم الوجوب.

أقول: وعلى المختار من عدم الوجوب، إنّما هو فيما إذا لم يعلم الشاهد ذهاب حقّ المُحِقّ بسكوته، كما صرّح به جماعة منهم الصَّدوق في «الفقيه»(3)، والشيخ في «النهاية»(4) على المحكيّ .

ويشهد به:

1 - موثّق محمّد المتقدّم.

2 - ومرسل يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا سمع الرّجل الشّهادة، ولم يشهد عليه فهو بالخيار، إن شاء شهد، وإن شاء سكت، إلّاإذا علم من الظالم فيشهد، ولا يحلّ له أن لا يشهد»(5).

3 - وخبر علي بن أحمد بن أشيم، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ طهرت امرأته6.

ص: 28


1- أنظر المسألة في المسالك: ج 14/263.
2- النافع: ص 281.
3- الفقيه: ج 3/56-57 ذيل ح 3324.
4- النهاية: ص 330.
5- الكافي: ج 7/382 ح 4، وسائل الشيعة: ج 27/320 ح 33836.

من حيضها، فقال: فلانة طالق، وقومٌ يسمعون كلامه، لم يقل لهم اشهدوا، أيقع الطلاق عليها؟ قال عليه السلام: نعم، هذه شهادة، أفيتركها معلّقة»(1). قال(2): وقال الصادق عليه السلام: العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوماً(3).

وظاهر الأدلّة المتقدّمة الدالّة على وجوب أداء الشّهادة، كونه عينيّاً، إلّاأن ظاهر الأصحاب، بل صريح جماعةٍ منهم(4)، الاتّفاق على أنّه على الكفاية.

وفي «الجواهر»: (بل استفاض في عباراتهم نقل الإجماع، وفي «الخلاف» على ذلك، مؤيّداً بظهور كون الحكمة في وجوب الأداء وحرمة الكتمان ضياع الحقّ ، ومن المعلوم عدم توقّف ذلك على شهادة الجميع، وأنّه يكفي فيه ما يقوم به من الشهود دون ما زاد، وهذا معنى الكفائي)(5)، انتهى .

ومحصّل ما أفاده من الوجه: أنّه بقرينة مناسبة الحكم والموضوع يستفاد الكفائيّة من النصوص.

ويمكن أن يقال: إنّه حيث يكون المقصود والغرض من وجوب أداء الشّهادة، إنّما يحصل بأداء شاهدين، فالمأمور به هو ذلك، فإذا وجّه الخِطاب إلى جماعةٍ بفعلٍ واحد قائم ببعضهم، كان ذلك ظاهراً في كونه واجباً كفائيّاً على الجميع، ويؤيّده ما ورد في خبر جابر المتقدّم من قوله عليه السلام:

«ومن كتم شهادةً أو شهد بها ليهدر دم إمرئ مسلم، أو ليزوي بها مال إمرئ4.

ص: 29


1- الكافي: ج 6/71 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/319 ح 33834.
2- أي الشيخ الصَّدوق رحمه الله.
3- الفقيه: ج 3/57 ح 3325، وسائل الشيعة: ج 27/319 ح 33835.
4- منهم المحقّق فى الشرائع: ج 4/922، والعلّامة فى التحرير: ج 5/269، والشهيد فى الدروس: ج 123/2.
5- الجواهر: ج 41/184.

وانتفاء الضَّرر غير المستحقّ .

مسلم، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مَدّ البصر».

حيث أنّه يدلّ بالمفهوم على أنّ من يؤدِّ الشّهادة لغير ذلك - ومنه عدم الحاجة إلى شهادته - لم يكن كذلك، فلا إشكال في الكفائيّة.

وبذلك ظهر ما في «الرياض»(1) من جعل وجوبها عينيّاً عليتقدير الاستدعاء.

أقول: لا يتوقّف الوجوب الكفائي على توقّف إحقاق الحقّ عليها، بل لو علم بأنّه إن لم يشهد لا يذهب الحقّ ، من جهة أنّ المُنكِر لا يحلفُ ويردّ اليمين على المُدّعي، وهو يحلف، يجب أداء الشّهادة، بل يجبُ ما لم يعلم بقيام الغير بذلك، كما هو الشأن في جميع الواجبات الكفائيّة.

(و) بذلك يظهر الفرق بين القول بالوجوب الكفائي على تقدير عدم الاستدعاء وعدمه، إلّامع توقّف إحقاق الحقّ على شهادته.

ثمّ إنّ وجوب أداء الشّهادة إنّما هو مع (انتفاء الضَّرر غير المستحقّ ) المترتّب بسبب الشّهادة على الشاهد، أو المشهود عليه، أو بعض المؤمنين، وإلّا فلا يجبُ ، بلا خلافٍ أجده فيه، كذا في «الجواهر».

وفي «الرياض»: إجماعاً بل يحرم.

أقول: ومدرك الحكم:

1 - حديث لا ضرر ولا ضرار(2).خ.

ص: 30


1- الرياض: ج 13/362.
2- الكافي: ج 5/280 باب الشفعة ح 4 و ص 293 و 294 باب الضرار. وقد ورد حديث الضرار في أبواب مختلفة من وسائل الشيعة: منها ما في ج 25 في باب الشفعة ص 400 ح 32217 وص 420 ح 32257 و ص 429 باب عدم الإضرار بالمسلم ح 32281 و 32282 و 32283... الخ.

2 - وخصوص خبر علي بن سويد، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «فأقم الشّهادة للّه ولو علينفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإنْ خفت على أخيك ضيماً فلا»(1).

3 - وخبر محمّد بن القاسم بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام، الوارد في المُعسِر المديون، قال:

«قلت له: وإنْ كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنّه لا يقدُر، هل يجوز أن يشهدوا عليه ؟ قال عليه السلام: لا يجوز أن يشهدوا عليه ولا ينوى ظلمه»(2).

4 - وحسن داود بن الحصين، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«أقيموا الشّهادة على الوالدين والولد، ولا تقيموها على الأخ في الدين الضير.

قلت: وما الضير؟ قال عليه السلام: إذا تعدّى فيه صاحب الحقّ الذي يدّعيه قبله خلاف ما أمر اللّه به ورسوله، ومثل ذلك أن يكون لآخر على آخر دينٌ وهو معسِرٌ، وقد أمر اللّه تعاليبإنظاره حتّى ييسرّ، فقال تعالى : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (3)، ويسألك أن تقيم الشّهادة، وأنتَ تعرفه بالعُسر، فلايحلّ لك أن تُقيم الشّهادة في حال العُسر»(4).

ويلحق بذلك ما لو كان أداء الشّهادة موجباً للعُسر والحرج، كما لو توقّف على السفر إلى بلدٍ آخر يشقّ عليه تلك، فإنّ مقتضى قاعدة نفي الحَرج والعُسر الثابتة بالكتاب(5) والسُّنة(6)، عدم وجوبه.

ص: 31


1- الكافي: ج 7/381 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/315 ح 33823.
2- الكافي: ج 7/388 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/339 ح 33878.
3- سورة البقرة: الآية 280.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/49 ح 3304، وسائل الشيعة: ج 27/340 ح 33880.
5- كقوله تعالى في سورة الحجّ الآية 78: (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ).
6- وسائل الشيعة: ج 1/152 باب 8 من أبواب الماء المطلق ح 379 و ح 385، وباب 9 أيضاً ح 404 و 211 باب 9 من أبواب الماء المضاف، وغيرهم.

ولو دُعِي للتحمّل، وَجَب على الكفاية.

نعم، في هذه الصورة لو تحمّل المشقّة، وشهد جاز، وفي الصورة السابقة ظاهر النصوص الخاصّة عدم الجواز، واللّه العالم.

قال صاحب «الجواهر»(1): (يمكن أن يكون محلّ كلامهم في المقام خصوص الشّهادة في صورة المخاصمة التي تقام عند الحاكم، وأمّا الشّهادة في غيرها كالشهادة بالاجتهاد والعدالة ونحوها ممّا لا ترجعُ إلى مخاصمةٍ عند الحاكم، ويُراد إثباتها عنده، فلا يبعدُ القول بوجوبها عيناً على كلّ من كانت عنده.

ولا مدخليّة لكيفيّة التحمّل فيها، لظهور الأدلّة السّالمة عن المعارض بالنسبة إليذلك، بعد تنزيل الإجماعات المزبورة على غير هذه الصورة الّتي لا غَرَض بمقدارٍ مخصوص منها، بل ربما كان الغرض تعدّد الشّهادة فيها، لكونه أتمّ للمقصود)، انتهى .

وفيه: أنّه بعد حمل الأدلّة على الوجوب الكفائي، كيف يُبنى عليوجوبهاالعيني، مع أنّ الوجه المذكور للوجوب الكفائي في غير هذه الصورة جارٍ فيها أيضاً.

وأمّا الأخبار(2) الدالّة على عدم وجوب الشّهادة في صورة عدم الاستدعاء، فبعضها وإنْ اختصّ بصورة المخاصمة، إلّاأنّ بعضها الآخر المتقدّم مطلقٌ ، وعليه فلا وجه لعدم البناء عليه، فالأظهر هو عدم الفرق.

وجوب تحمّل الشّهادة

الفرع الثالث: (ولو دُعي للتحمّل، وجبَ على الكفاية) كما عن الشيخ في

ص: 32


1- جواهر الكلام: ج 41/186.
2- راجع وسائل الشيعة: ج 27/317-320 الباب الخامس من كتاب الشهادات ح 33827، (بَابُ : أَنَّ مَنْ عَلِمَبِشَهَادَةٍ وَلَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ ضَيَاعَ حَقِّ الْمَظْلُوم).

«النهاية»(1)، والمفيد(2)، والإسكافي(3)، والحلبي(4)، والقاضي(5)، وابن زُهرة(6)، والمحقّق(7)، والمصنّف(8)، والشهيدين(9)، وغيرهم(10). وفي «المسالك»: أنّه المشهور.

وفي «الجواهر»(11): أنّه المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة.

ويشهد به: قوله تعالى : (وَ لا يَأْبَ اَلشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (12).

قال في «المسالك»(13) في تقريب الاستدلال به: (إنّه شاملٌ بعمومه الأمرين، أو مختصٌّ بهذه الحالة).

أقول: ويشهد لإرادة الخاصّ منه:

1 - صحيح هشام، عن الصادق عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ لا يَأْبَ اَلشُّهَداءُ ) (14)، قال عليه السلام: قبل الشّهادة، وقوله: (وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (15)؟ قال:3.

ص: 33


1- النهاية: ص 328، نكت النهاية: ج 2/58.
2- المقنعة: ص 728.
3- حكاه عنه في إيضاح الفوائد: ج 4/441.
4- الكافي في الفقه: ص 436.
5- المهذّب: ج 2/560.
6- الغنية (الجوامع الفقهيّة): ص 625.
7- الشرائع: ج 4/137.
8- القواعد: ج 2/240.
9- الدروس: ج 2/123، في وجوب تحمّل الشّهادة وشرائطه.. (ط. ج). اللّمعة (الروضة البهيّة: ج 3/137، مسالك الأفهام: ج 14/266، (الثالثة: إذا دعي من له أهليّة التحمّل وجب عليه).
10- كإصباح الشيعة: ص 530 كتاب القضاء، فقه الرّضا: ج 5/138.
11- جواهر الكلام: ج 41/182.
12- سورة البقرة: الآية 282.
13- مسالك الأفهام: ج 14/266.
14- سورة البقرة: الآية 282.
15- سورة البقرة: الآية 283.

بعد الشّهادة»(1).

2 - وصحيح أبي الصباح، عنه عليه السلام: «في قوله تعالى : (وَ لا يَأْبَ اَلشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (2)؟

قال عليه السلام: لا ينبغي لأحدٍ إذا دُعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم عليها»(3).

3 - وصحيح محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام عن الآية الكريمة، قال عليه السلام:

«إذا دعاك الرّجل لتشهد له على دينٍ أو حقّ لم ينبغ لك أن تقاعس عنه»(4).

4 - وموثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الآية: «لا ينبغي لأحدٍ إذا دُعي إلى شهادةٍ ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم»(5).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

وعن الحِلّي(6) عدم وجوب التحمّل، ونُسب ذلك إلى طائفةٍ ، وإلى الشيخ في «المبسوط»(7).

واستدلّ له: بالآية الكريمة، بدعوى أنّ اللّه تعالى سمّاهم شهداء، ونهاهم عن الإباء إذا ما دُعوا إليها، وإنّما يُسمّى شاهداً بعد تحمّلها، فالآية بالأداء أشبه، وأُجيب).

ص: 34


1- الكافي: ج 7/381 ح 2، من لايحضره الفقيه: ج 3/57 ح 3327، وسائل الشيعة: ج 27/309 ح 33805.
2- سورة البقرة: الآية 282.
3- الكافي: ج 7/379 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/309 ح 33806.
4- الكافي: ج 7/380 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/310 ح 33811.
5- تهذيب الأحكام: ج 6/275 ح 158، وسائل الشيعة: ج 27/310 ح 33809.
6- السرائر: كتاب الشهادات، باب كيفيّة الشّهادة و كيفيّة إقامتها: ج 2/125.
7- لم نعثر عليه في المبسوط نعم نسب إليه ذلك حال الإحرام، وأغلب الحكايات عن الحِلّي كما عرفت، ولكن في ملاذ الأخيار: ج 10/155 نسبه بعد الحِلّي إلى جماعة بقوله: (وذهب ابن إدريس وجماعة إلى عدم الوجوب).

عن النصوص المتقدّمة بأنّها أخبار آحاد، لا يُعتمد عليها.

وفيه: إنّ الآية في معرض الإرشاد بالاشهاد، لأنّه تعالى أمر بالكتابة حال المداينة، ونهى الكاتب عن الإباء، ثمّ أمر بالاشهاد، ونهى الشاهد عن الإباء، فسياق الآية يقتضي إرادة المعنى المذكور، مع أنّها فُسِّرت في النصوص بذلك، وعليه فما أفاده اجتهادٌ في مقابل النّص.

ودعوى: أنّها أخبار آحاد.

يدفعها: مضافاً إلى استفاضتها، أنّ الخبر الواحد الصحيح أو الموثّق حجّة عندنا، وفي نصوص المقام طائفة من الصحاح والموثّقات، ولذلك قال المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف»(1) - بعد نقل ما ذُكر عن الحِلّي، ونسبة ذلك إلى أنّه من أخبار الآحاد - مع دلالة القران وعليه، واستفاضة الأخبار به، وفتوى متقدِّمي علمائنا به جهلٌ منه وقلّة تأمّل).

وفي «الجواهر»(2): (قرب دلالة الآية الكريمة على الاستحباب بأنّها على طولها مشتملة على الآداب، بل ملاحظة ما قبلها وما بعدها، وأنّها على مساقٍ واحد، خصوصاً ما كان منها مثل اللّفظ المزبور، نحو قوله: (وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ ) ، فضلاً عن قوله: (وَ لا تَسْئَمُوا) ، إلى آخرها، فإنّ ذلك كلّه يورث الظَّن القوي بكون ذلك منها)، انتهى .

وفيه أوّلاً: ما حُقّق في محلّه من أنّ الوجوب والاستحباب، وكذا الحرمة1.

ص: 35


1- مختلف الشيعة: ج 8/524 في نهاية المسألة 88.
2- جواهر الكلام: ج 41/181.

والكراهة أمران انتزاعيّان من الترخيص في مخالفة ما تعلّق به الأمر أو النهي وعدمه، وإلّا فالموضوع له والمستعمل فيه في الموردين واحدٌ، فلا مورد للتمسّك بوحدة السياق، وحيث أنّ التكليف توجّه بالإباء عن التحمّل ولم يُرخِّص في مخالفته، فيتعيّن البناء على أنّه لزومي.

وثانياً: إنّ جملةً من النصوص متضمّنة للنهي عنه:

منها: قوله عليه السلام في صحيح ابن فضيل: «لم يسع لك.. الخ».

ومنها: في خبر داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام: لا يأب الشاهد أن يُجيب حين يُدعى قبل الكتاب(1).

ولفظ (لا ينبغي) الموجود في جملةٍ منها لا يدلّ على كون الحكم غير لزومي، غايته الإجمال، فيبيّن بغيرها من النصوص. وأمّا المرويّ عن تفسير الإمام عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير هذه الآية: من كان في عنقه شهادة، فلا يأب إذا دُعي لإقامتها وليقمها، ولينصح فيها، ولا تأخذه في اللّه لومة لائم، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر»(2)، فلا يصلح لمقاومة ما تقدّم، سيّما وفيه قال وفي خبر آخر:

«نزلت فيمن إذا دُعي لسماع الشّهادة وأبى ، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشّهادة إذا كانت عنده: (وَ لا تَكْتُمُوا اَلشَّهادَةَ ) (3) الآية»(4).

وأمّا صحيح القدّاح، عن مولانا الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال:2.

ص: 36


1- الكافي: ج 7/380 ح 6، وسائل الشيعة: ج 27/310 ح 33810
2- وسائل الشيعة: ج 27/314 ح 33821.
3- سورة البقرة: الآية 283.
4- وسائل الشيعة: ج 27/314 ح 33822.

«جاء رجلٌ من الأنصار إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه أحبُّ أن تشهد لي على نحلٍ نَحلتُها ابني.

فقال: ما لكَ ولدٌ سواه ؟، قال: نعم.

قال صلى الله عليه و آله: فنحلتهم كما نحلته ؟ قال: لا.

قال: فإنّا معاشر الأنبياء لا نشهدُ على الحيف»(1)، الذي استدلّ به للقول بعدم الوجوب، بتقريب أنّ المراد بالحيف ليس هو الحرام، وإلّا حكم صلى الله عليه و آله ببطلان نحلته، بل خلاف الأولى، ولا يجوزُ ترك الواجب لذلك، وليس ذلك أيضاً من الخصائص ليدلّ على عدم الوجوب.

فيردّه أوّلاً: أنّ ظاهر الحيف الحرام، وعدم حكمه ببطلان النحلة من جهة أنّ حرمة المعاملة لا تستلزمُ فسادها.

وثانياً: أنّه خص ذلك بالأنبياء، ولو كان الحكم عامّاً لما كان وجهٌ للتخصيص.

وثالثاً: أنّه قضيّة في واقعة، فلعلّه صلى الله عليه و آله رأى شهادة غيره بذلك، فلم يكن يجبُ عليه التحمّل.

وبالجملة: فالمتحصّل ممّا ذكرناه وجوب التحمّل.

وهل وجوبه كفائي كما عن أكثر المتأخّرين، أم عيني كما عن جماعةٍ من القدماء؟

وجهان، ظاهر الآية والأخبار هو الثاني.

واستدلّ للأوّل(2):0.

ص: 37


1- وسائل الشيعة: ج 27/414 ح 34088.
2- كما في مستند الشيعة: ج 18/369-370.

1 - بإطباق المتأخّرين عليه.

2 - والأصل.

3 - وأولويّته بذلك من الإقامة التي قد عرفت أنّ وجوبها كفائي.

4 - وبجعل وجوبه مقابلاً لوجوب الأداء الذي هو كفائي.

5 - وبأنّ اللّه سبحانه أمر أوّلاً باستشهاد رجلين، وإنْ لم يكونا فرجلٌ وامرأتين، ثمّ قال: (وَ لا يَأْبَ اَلشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (1)، واللّام في ذلك للعهد الذُكري، فالمعنى : ولا يأبَ الرَّجلان والرّجل والمرأتان من الإجابة، فالنهي ليس متوجّهاً إلى كلّ أحدٍ، بل إلى الرّجلين، أو رجلٌ وامرأتين، فبعد إشهادهما لا أمر بالشهادة ولا نهي عن الإجابة كما هو شأن الواجب على الكفاية، والأصل عدم الوجوب على الغير.

وفيه: أنّ إطباق المتأخّرين لا وقع له في مقابل ظهور الآية، والأخبار، وفتوى الأساطين من القدماء. وأمّا الأصل فلا أصل له مع الدليل.

والأولويّة ممنوعة، فإنّه لا أثر للشهادة بعد أداء الشاهدين إيّاها، بخلاف التحمّل، فإنّ فائدته ظاهرة، لاحتمال الغفلة أو النسيان أو الغيبة أو الفسق أو الموت وما شاكل.

وجعل وجوبه مقابلاً لوجوب الأداء، لا إشعار فيه بذلك، فضلاً عن الدلالة.

وما ذُكر أخيراً وإنْ كان متيناً، وعلى ذلك بنينا كون وجوب الأداء كفائيّاً، إلّا أنّه لا يتمّ في جملةٍ من النصوص:2.

ص: 38


1- سورة البقرة: الآية 282.

ولا يَشهَدُ على من لا يَعرفه إلّابمعرفة عَدلين.

منها: صحيح ابن فُضيل المتقدّم، وكذا خبر داود، ونحوهما بعض آخر من الأخبار.

وعليه، فالأظهر كون وجوبه عينيّاً، غاية الأمر كسائر التكاليف مشروطٌ بعدم لزوم الضَّرر أو العُسر والحَرج منه، وإلّا فلا يجبُ ، لقاعدتي لا ضَرر ولا حَرج.

وهل يجبُ التحمّل علي خصوص من له أهليّة الشّهادة، كما عن الشيخ(1) وجماعة(2)؟

أم يعمّه وغيره كما هو ظاهر إطلاق آخرين ؟

أم يفصّل بين من لا يتصوّر في حقّه الأهليّة كالولد على والده، والمرأة في الطلاق وما شاكل، فلا يجبُ عليه التحمّل، وبين من يمكن فرض الأهليّة في حقّه كالفاسق بتجدّد العدالة، فيجبُ كما اختاره بعض المحقّقين ؟(3).

وجوه، والظاهر هو الثاني؛ لإطلاق الأدلّة، واحتمال الفائدة بتحصيل الشِّياع المورث للعلم أو الاطمئنان، ورفع المانع في من يمكن في حقّه ذلك.

يعتبر في الشّهادة معرفة المشهود له أو عليه

الفرع الثالث: (و) اعلم أنّه قد ظهر ممّا قدّمناه، من اشتراط العلم في الشّهادة، أنّه (لا) يجوزُ أن (يشهد على من لا يعرفه)، ولا له (إلّا بمعرفة عدلين).

أقول: وإنّما أعاده في المقام مع معلوميّته ممّا سبق، لورود النّص الخاصّ ، وللرّد

ص: 39


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 8/521، وإيضاح الفوائد: ج 4/441.
2- كالعلّامة في تحرير الأحكام: ج 2/213، وقواعد الأحكام: ج 3/502.
3- ذكر هذه التفاصيل المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 18/370.

على ما عن العامّة من عدم جواز الشّهادة على إقرار المرأة دون أن تُسفِر، فَينظُر إليها الشهود ولو عُرفت بعينها.

وكيف كان، فيشهد لجواز الشّهادة مع المعرفة، أو معرفة من قوله حجّة شرعيّة، وعدم جوازها بدون ذلك - مضافاً إلى ما مرّ - خبر علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، قال:

«لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمُسْفِرة، إذا عُرفت بعينها، أو حَضَر من يعرفها، فأمّا إذا كانت لا تُعرف بعينها، ولا يحضر من يعرفها، فلا يجوزُ للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها، دون أن تُسفِر وينظرون إليها»(1).

وأمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة عن الفقيه عليه السلام:

«في رجلٍ أراد أن يشهد على امرأةٍ ليس لها بمَحْرم، هل يجوزُ له أن يشهد عليها من وراء السِّتر، ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان، التي تشهدكَ بهذا كلامه، أو لا تجوزُ له الشّهادة عليها حتّى تُبرز وتثبتها بعينها؟

فوقّع عليه السلام: تتنقّب وتظهر للشهادة إن شاء اللّه تعالى »(2).

ورواه الصَّدوق بإسناده عن الصفّار، وقال: (وهذا التوقيع عندي بخطّه عليه السلام فلا يعارضه)(3).

أقول: إنّ المراد بظهورها للشهادة:

إنْ كان ظهورها للرّجل الذي أراد أن يشهد عليها، فمع التنقّب أيّ فائدة في ظهورها؟!7.

ص: 40


1- الكافي: ج 7/400 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/402 ح 34061.
2- الفقيه: ج 3/67 ح 3347، وسائل الشيعة: ج 27/401 ح 34060.
3- الفقيه: ج 3/68 ذيل الحديث 3347.

وإنْ كان ظهورها للشهود اللّذين يعرفونها، ويكون المراد تظهر لهم وتتنقّب من هذا الرّجل، فإنّه يشهد بذلك ما في بعض النسخ من أنّه عليه السلام قال: «تتنقّب وتَظهر للشهود»، فإنّه ظاهرٌ في ذلك، فلا ينافي ما تقدّم، مع أنّه لو سُلّم المنافاة يتعيّن طرحها، لمخالفتها لفتوى الأصحاب وموافقتها لمذهب العامّة.

ويُشعر به الصحيح الآخر: «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمُسْفِرة إذا عُرفت بعينها، ولا يجوزُ عندهم أن يشهد الشهود على إقرارٍ دون أن تُسفِر فيُنظَر إليها».

فإنّ الظاهر أنّ مرجع الضمير هو العامّة.

أضف إلى جميع ذلك: كونها مكاتبة، والغالب فيها التقيّة، فلا تصلح لمعارضة خبر ابن يقطين المعمول به بين الأصحاب، المنجبر ضعفه لو كان بالعمل.

***

ص: 41

ويجوزُ له النظر إلى وجه امرأةٍ للشّهادة.

الفرع الرابع: (ويجوزُ له النظر إلى وجه امرأةٍ للشهادة) كما يجوزُ أن تُسفِر المرأة ويكشف عن وجهها ليعرفها الشاهد إن لها أو عليها، إذا لم يمكن معرفتها بشهادة العدلين، بلا خلافٍ بينهم، كما صرّح به غير واحد(1)، ويشهد به خبر علي بن يقطين المتقدّم، بل والمكاتبة المتقدّمة، بناءً على إرادة الظهور للشهود، على ما مرّ.

هذا بناءً على القول بعدم جواز النظر إلى وجه المرأة بغير ريبةٍ ، ووجوب السّتر عليها.

وأمّا على القول بجوازه، وعدم وجوب السَّتر عليها، فلا يتوقّفان على القيد المذكور، كما لا يخفى ، وقد مرّ الكلام في المبنى في كتاب النكاح(2).

***9.

ص: 42


1- راجع جامع المدارك: ج 6/146.
2- فقه الصادق: ج 31/149.

الثالثة: تُقبل الشّهادة على الشّهادة في الدِّيون والأموال والحقوق،

الشّهادة على الشّهادة

المسألة (الثالثة): في الشّهادة على الشّهادة:

لا خلاف ولا كلام في أنّه (تُقبل الشّهادة على الشّهادة في الدِّيون والأموال) كالقرض والقِراض، وعقود المعاوضات، (والحقوق) المتعلّقة بالآدمي، سواءٌ أكانت عقوبة كالقصاص، أو غيرها كالطلاق، والنَسَب، وعيوب النساء، والولادة، والاستهلال، وما شاكل، بلا خلافٍ أجده، وبه صرّح في «الرياض»(1)، و «الجواهر»(2) وغيرها، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(2).

وفي «الجواهر»(4): (بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعلّ المحكيّ منه على ذلك متواتر).

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك، وإلى العمومات الدالّة على قبول الشّهادة - جملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الشّهادة على شهادة الرّجل وهو بالحضرة في البلد؟

ص: 43


1- المسائل: ج 13/385. (2و4) جواهر الكلام: ج 41/188.
2- راجع كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/384.

لا الحدود.

قال عليه السلام: نعم، لو كان خلف ساريةٍ يجوز ذلك، إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّةٍ تمنعه من أن يحضره ويقيمها، فلا بأس بإقامة الشّهادة على شهادة»(1).

ومنها: خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن علي عليهم السلام «أنّه كان لا يُجيز شهادة رجلٍ على رجل إلّاشهادة رجلين على رجل»(2).

ومنها: خبر غياث بن إبراهيم، عنه، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان لا يُجيز شهادة رجلٍ على شهادة رجل، إلّاشهادة رجلين على شهادة رجل.

قال: وقال الصادق عليه السلام: إذا شهد رجلٌ على شهادة رجلٍ ، فإنّ شهادته تُقبل، وهي نصف شهادته، وإنْ شهد رجلان عَدْلان على شهادة رجلٍ ، فقد ثبت شهادته على شهادة رجل واحدٍ»(3).

وأمّا خبره الآخر عنه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام قال: لا أقبلُ شهادة رجلٍ على رجل حَيّ ، وإنْ كان باليمين»(4) فمحمولٌ على خبره السابق، أو على التقيّة.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: لا خلاف في أنّه (لا) تُقبل الشّهادة على الشّهادة في (الحدود) وما كان عقوبةً للّه تعالى .4.

ص: 44


1- الفقيه: ج 3/71 ح 3357، وسائل الشيعة: ج 27/402 ح 34062.
2- الفقيه: ج 3/70 ح 3352، وسائل الشيعة: ج 27/403 ح 34063.
3- الفقيه: ج 3/69 ح 3351.
4- التهذيب: ج 6/256 ح 78، وسائل الشيعة: ج 27/404 ح 34064.

وفي «المسالك»(1)، و «الرياض»(2)، وغيرهما(3): الإجماع عليه.

ويشهد له: خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام «أنّه كان لا يُجيز شهادة على شهادة في حَدّ»(4).

ونحوه خبر غياث بن إبراهيم(5).

وهل يختصّ عدم القبول بما إذا كان الحَدّ للّه محضاً كحَدّ الزّنا والسُّحق كما عن «المبسوط»(6)، وابن حمزة(7)، وفخر الإسلام(8)، والشهيد في «النكت»(9)، واستجوده في «المسالك»(10)؟

أم يعمّ ما كان مشتركاً بينه تعالى وبين الآدمي كحَدّ السَّرقة والقذف، كما هو المشهور بين الأصحاب كما في «المسالك»(11).

الظاهر هو الثاني لإطلاق الخبرين.

واستدلّ للاختصاص: بعموم ما دلّ على قبولها.

قال في «المسالك»: (وهذا أجود، لعدم دليلٍ صالحٍ للتخصيص فيهما)(10).0.

ص: 45


1- مسالك الأفهام: ج 14/270.
2- رياض المسائل: ج 13/386 (ط. ج).
3- انظر إرشاد الأذهان: ج 2/164، إيضاح الفوائد: ج 4/444.
4- التهذيب: ج 6/255 ح 72، وسائل الشيعة: ج 27/404 ح 34068.
5- وسائل الشيعة: ج 27/403 ح 34064.
6- المبسوط: ج 8/231.
7- الوسيلة: ص 233.
8- إيضاح الفوائد: ج 4/444 قوله: (وكلّ عقوبة للآدميّين وحقّه تعالى تابعٌ كالقذف والسَّرقة ففيه قولان: الأوّل: عدم القبول.. وهو الأصحّ ).
9- نسبه إليه في رياض المسائل (ط. ق): ج 2/456. (10و11) مسالك الأفهام: ج 14/270.
10- مسالك الأفهام: ج 14/270.

ونظره قدس سره إلى ما صرّح به قبل ذلك من ضعف الطريق فيهما.

ولكن يرد عليه: أنّه لو سُلّم ضعف الخبرين، لا إشكال في انجبار ضعفهما بعمل الأصحاب.

الجهة الثانية: الظاهر - كما صرّح به في «المسالك»(1)، و «الجواهر»(2) - جريانها في حقوق اللّه غير الحَدّ كالزكاة، وأوقاف المساجد، والجهات العامّة، والأهلّة، لإطلاق الأدلّة المتقدّمة.

ولكن قال صاحب «كشف اللّثام»: (وكذا لا تثبتُ في سائر حقوق اللّه تعالى ، كما قطع به الأصحاب ومنه الأهلّة، ولذا قال في «التذكرة»(3): لا يثبت الهلال بالشهادة على الشّهادة عند علمائنا)(4).

واستدلّ له: بأصالة البراءة، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميّين.

إلّا أنّ الأصل لا يُرجع إليه مع عموم وإطلاق الأدلّة العامّة والخاصّة، والاختصاص ممنوعٌ لعدم القرينة.

الجهة الثالثة: الظاهر أنّه في الحدود المشتركة وإن لم تُقبل الشّهادة على الشّهادة، إلّاأنّه يثبتُ بها غير الحَدّ من الأحكام المترتّبة على موضوع الحَدّ كنشر الحُرمة بأُمّ الموطوء واُخته وبنته، وبنت العمّة والخالة بالزّنا بهما، وغير ذلك، كما عن).

ص: 46


1- مسالك الأفهام: ج 41/2690
2- جواهر الكلام: ج 41/1910
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/270 (ط. ق).
4- كشف اللّثام: ج 10/359 (ط. ج).

ولا يكفي أقلّ من عَدلين على أصلٍ ،

المُحقّق، والمصنّف، والشهيدين في «الشرائع»(1)، و «التحرير»(2)، و «القواعد»(3)، و «الإرشاد»(4)، و «الدروس»(5)، و «المسالك»(6)، و «اللُّمعة»(7)، و «الروضة»(8)، لعموم الأدلّة.

ودعوى: التلازم بين الأمرين، لكونهما معلولين لعلّة واحدة.

ممنوعة: فإنّ تلازمهما شرعيٌ ، فلا مانع من التفكيك بينهما مع الدليل، وقد دلّ الدليل على ذلك، فإنّ مقتضى العمومات ثبوت الجميع بها، خَرج منها الحَدّ بالإجماع والنّص، وبقي الباقي.

الجهة الرابعة: (ولا يكفي) في الشّهادة (أقلّ من) شاهدين (عدلين على) شهادة ال (أصل) بلا خلافٍ ، ويشهد به - مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه جماعة(9) - النصوص المتقدّمة.

نعم، لا يُشترط المغايرة، لعدم الدليل عليه.1.

ص: 47


1- شرائع الإسلام: ج 5/9250
2- تحرير الأحكام: ج 5/284 مسألة 6701.
3- قواعد الأحكام: ج 3/504.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/164.
5- الدروس: ج 2/141.
6- مسالك الأفهام: ج 14/271.
7- اللّمعة الدمشقيّة: ص 86.
8- الروضة البهيّة: ج 3/150.
9- راجع التحفة السنيّة: ص 167، جامع المدارك: ج 6/141.

ولو شهد اثنان على كلّ واحدٍ من الأصلين قُبِلَت.

(و) عليه، ف (لو شهد اثنان على كلّ واحدٍ من الأصلين قُبِلَت).

وكذا تُقبل شهادة أحد الأصلين مع الآخر على شهادة الأصل الآخر ونحو ذلك، بلا خلافٍ أجده فيه، ويشهد به - مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه غير واحد - إطلاق الأدلّة، سيّما الأدلّة العامّة.

الجهة الخامسة: لا خلاف في أنّ شهادة الفرع تُقبل، كان شاهد الأصل رجلاً أو امرأة، أو رجلاً وامرأة، فيما يقبل فيه شهادة المرأة، لإطلاق الأدلّة العامّة، وللإجماع، وإنْ كانت النصوص الخاصّة مختصّة بالشهادة على شهادة الرّجل.

وهل تُقبل شهادة الفرع إنْ كان الشاهد امرأة أو لا؟

نُسب إلى الإسكافي(1) والشيخ في «الخلاف»(2)، وموضعٍ من «المبسوط»(3)، والمصنّف في «المختلف»(4) اختيار الأوّل في الموضع الذي تُقبل فيه شهادتها منفردة أو منضمّة، وادّعى الشيخ في «الخلاف» إجماع الفرقة عليه.

وعن «السرائر»(5)، و «التحرير»(6)، و «القواعد»(7)، و «الإيضاح»(8)،8.

ص: 48


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/516.
2- الخلاف: ج 6/316 مسألة 66.
3- المبسوط: ج 8/233-234.
4- مختلف الشيعة: ج 8/516.
5- السرائر: ج 2/128.
6- تحرير الأحكام: ج 5/283.
7- قواعد الأحكام: ج 3/505.
8- إيضاح الفوائد: ج 4/447-448.

و «النكت»(1)، و «المسالك»(2)، و «التنقيح»(2) وغيرها: اختيار الثاني.

بل قيل: (لم أجد فيه مخالفاً على المنع)(3).

أقول: وحقّ القول في المقام يقتضي بيان ما يُراد إثباته بشهادة الفرع، ثمّ ملاحظة الأدلّة.

أمّا الأوّل: فلو شهد شاهدٌ على أنّ الأصل شهد بذلك، كأن شهد زيدٌ بأنّ عمرواً شهد باشتغال ذمّة بكرٍ لخالد، فالمشهور بين الأصحاب - وفي «المسالك»(5):

(وهو مذهب الأصحاب) - أنّ المقصود إثبات شهادة شاهد الأصل عند الحاكم.

لكن أصرَّ المحقّق النراقي(4) بأنّ المقصود إثبات المشهود به الأصل، وهو اشتغال الذِّمة في المثال لا شهادة عمروٍ، وقد ذكر شواهد على أنّ مراد الأصحاب أيضاً ذلك، فشاهد الفرع بحكم النائب عن شاهد الأصل، فعلى الأوّل تجوزُ شهادة النساء على الشّهادة بناءً على ما اخترناه من أنّ الأصل قبول شهادتهنّ إلّاما خرج بالدليل، وليست شهادة الأصل ممّا خرج عنه.

وعليه، فيتمّ استدلال المصنّف لقبولها بالأصل، وإطلاق الأدلّة، وما عن «الخلاف»: من الاستدلال له بأخبار الفرقة.

ولا ينافيها اختصاص النصوص الخاصّة بشهادة الرجال، فإنّه لا مفهوم لها4.

ص: 49


1- غاية المراد: ج 4/163. (2و5) مسالك الأفهام: ج 14/284 و 271.
2- التنقيح الرائع: ج 4/319.
3- انظر رياض المسائل: ج 13/390.
4- مستند الشيعة: ج 18/384.

كي تدلّ على عدم قبول شهادة النساء.

نعم، على القول بأنّ الأصل عدم قبول شهادتهنّ إلّاما خرج بالدليل، تعيّن البناء على عدم قبول شهادتهنّ في المقام.

والاستدلال للقبول: بإجماع الخلاف، والأخبار التي أشار إليهافيه، وعموم قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ اِمْرَأَتانِ ) (1)، وخبر السكوني المتقدّم المتضمّن لقبول شهادتهنّ في الدِّيون، وفحوى ما دلّ على قبول شهادة الأصل في ما تقبل فيه.

مردودٌ: إذ الإجماع المنقول المخالف للشهرة المحقّقة ليس بحجّة، والأخبار لم تصل إلينا، والآية الكريمة وخبر السكوني في الشّهادة في الديون، وشهادة الفرع ليست منها، والفحوى ممنوعة.

وعلى الثاني: الأظهر عدم القبول، لأنّ جميع أدلّة قبول الشّهادة مختصّة بشهادة الأصل، ولا تشمل شهادة الفرع في إثبات المشهود به الأصل، وكون شاهد الفرع نائباً عن شاهد الأصل، ونصوص الباب مختصّة بشهادة الرّجل.

أقول: وأمّا المبنى، فالظاهر من الأخبار هو الأوّل، لاحظ:

1 - مرسل «الفقيه»: قال الصادق عليه السلام: «إذا شهد رجلٌ على شهادة رجلٍ ، فإنّ شهادته تُقبل وهي نصف شهادة، وإنْ شَهد رجلان عدلان على شهادةٍ ، فقد ثبت شهادة رجلٍ واحد»(2).

فإنّه كالصريح في أنّ المقصود بالإثبات هو شهادة الأصل، ومن الغريب6.

ص: 50


1- سورة البقرة: الآية 282.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/69 ح 3351، وسائل الشيعة: ج 27/404 ح 34066.

استدلال المحقّق النراقي(1) بهذا الخبر للقول الآخر.

2 - وخبر غياث بن إبراهيم، قال: «إنّ عليّاً عليه السلام كان لا يُجيز شهادة رجلٍ على شهادة رجل، إلّاشهادة رجلين على شهادة رجل»(2).

حيث دلّ بمفهوم الاستثناء على جواز شهادة رجلين على شهادة رجل واحد، لا على ما شهد به الرّجل.

وأمّا صحيح محمّد المتقدّم، المتضمّن لقبول شهادة الفرع مع عدم إمكان حضور شهود الأصل، فلا يكون ظاهراً في أنّ المقصود إثبات المشهود به، فضلاً عن النصوصيّة التي ادّعاها المحقّق المزبور.

فإنْ قيل: فعلى ما ذكرت يلزمُ قبول شهادة النساء على الشّهادة، حتّى فيما لاتُقبل فيه شهادتهنّ كالهلال.

قلنا: إنّه لولا الإجماع لكنّا ملتزمين بذلك، وقد ادّعوه على عدم القبول.

الجهة السادسة: قال الشيخ في محكيّ «المبسوط»(3) وتبعه غيره(4): بأنّه لتحمّل شاهد الفرع مراتب:

المرتبة الأُولى: الاسترعاء: وهو أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: (أشهدُ على شهادتي إنّي أشهدُ على فلان بن فلان لفلان بن فلان بكذا) سُمّي استرعاءً لالتماس شاهد الأصل رعاية شهادته والشّهادة بها.5.

ص: 51


1- مستند الشيعة: ج 18/384.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/70 ح 3352، وسائل الشيعة: ج 27/403 ح 34065.
3- المبسوط: ج 8/231.
4- كالمحقّق في شرائع الإسلام: ج 4/329، والعلّامة في تحرير الأحكام: ج 5/281 مسألة 6695.

المرتبة الثانية: أن يسمع شاهد الفرع أنّ شاهد الأصل يشهد عند الحاكم، فإذا سمع أنّه يشهد عنده صار متحمّلاً للشهادة، قالوا وهذه أخفضُ من الأُولى مرتبة.

المرتبة الثالثة: أن يسمعه أن يقول: (أنا أشهدُ لفلان بن فلان على فلان بن فلان بكذا وكذا)، ويذكر السَّبب، مثل أن يقول من ثمن ثوبٍ أو عقار.

وقد اتّفقوا على جواز التحمّل في الأُولى، والمشهور بينهم جوازه في الأخيرتين، وخالفهم الإسكافي(1) فيهما فحكم بعدم الجواز.

والمحقّق(2) والمصنّف رحمه الله(2) فإنّهما تردّدا فيه في الأخيرة.

قيل: وقد اتّفقوا على عدم جواز التحمّل في غير هذه الصور، وهو أن يقول شاهد الأصل: (إنّي أشهدُ أنّ عليه كذا وكذا) من دون استرعاء ولا في مجلس الحكم، ولا ذَكر سبب.

وفي «الشرائع»: (والفرق بين هذه وبين ذكر السَّبب إشكالٌ )(4).

أقول: ويمكن أن يكون نظره في الإشكال، إلى إلحاق الأُولى بالثانية في المنع من القبول، ويمكن أن يكون إلى إلحاق الثانية بالأُولى فيما هو وجه القبول في الأُولى .

وكيف كان، فحيثُ لا نصّ خاص في المسألة، ولا إجماع تعبّدي لاستناد المجمعين إلى ما سيمرّ عليك، بل لعلّه غير ثابتٍ ، لأنّه لم أرَ من تعرّض لذلك قبل الشيخ والإسكافي.

فلابدّ من ملاحظة «القواعد» العامّة، فيتمّ ما في «الرياض» حيث قال:4.

ص: 52


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/539. (2و4) شرائع الإسلام: ج 4/924.
2- قواعد الأحكام: ج 3/504.

(فينبغي الرجوع إلى مقتضى الاُصول)(1).

وعلى هذا، فحيثُ عرفت أنّ المعتبر في الشّهادة العلم بالمشهود به، ولا يُعتبر شيءٌ آخر وراء ذلك، ففي الصورة الرابعة إنْ كانت شهادة الأصل بنحو الجزم، لا بصورة التردّد، أو ما يقبل التسامح باحتمال إرادة الوعد، بمعنى أنّ المشهود عليه كان قد وَعَد المشهود له بذلك، فجعلها عليه، لأنّ الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق، فينزله منزلة الدّين، كما لو قال: (إنّ لفلان على فلان ديناً جزميّاً)، فالأظهر هو القبول، وجواز التحمّل، ولا فرق حينئذٍ بين ذلك وبين ذكر السَّبب.

فإنْ قيل: إنّه لو شهد بالسَّبب، يكون ذلك ظاهراً في المشاهدة، ولو شهد بالحقّ من دون ذكره، ولا عند الحاكم، ولا بالاسترعاء، فغاية ما هناك كونها عن علمٍ وجزم، ولا قرينة على حصول العلم من المشاهدة، لاستعمال الشّهادة في الإخبار الجزمي الحاصل من غير المشاهدة، وهذا هو الفرق بين الصورتين، وهو الوجه في عدم القبول في الصورة الرابعة.

قلنا: قد مرّ فساد المبنى، وأنّ الشّهادة إذا كانت مستندةً إلى العلم والجزم تُقبل من أيّ سببٍ حصل العلم والجزم.

نعم، إذا احتمل في شهادة الأصل التسامح بنحوٍ لا ينافي عدالته، تمّ ما ذكروه من عدم القبول، وعدم جواز التحمّل، وهذا الاحتمال لا يجري مع ذكر السَّبب، وهو الفارق بين الصورتين.

وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام.2.

ص: 53


1- رياض المسائل: ج 13/392.

وإنّما تُقبل مع تعذّر حضور شاهد الأصل. ولو أنكر الأصلُ

الجهة السابعة: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (إنّما تُقبل) شهادة الفرع (مع تعذّر حضور شاهد الأصل)، وعليه فلو تمكّن منه، كما لو كان حاضراً في البلد، أو في موضعٍ يمكنه الحضور، لا تُقبل من الفرع.

وعن «الخلاف»: دعوى الإجماع عليه(1)، ويشهد به صحيح محمّد المتقدّم.

ولو أمكنه الحضور، لكن مع مشقّةٍ رافعة للتكليف، فهل تُقبل شهادة الفرع ؟

الظاهر ذلك، لأنّ النّص وإنْ اختصّ بما إذا تعذّر الحضور، ولكن بما أنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج، عدم وجوب الحضور على الأصل، فيدور الأمر بين قبول شهادة الفرع، وبين إبطال المشهود له، والثاني باطلٌ إجماعاً، فيتعيّن الأوّل.

الجهة الثامنة: (ولو) شهد شاهدُ الفرع، و (أنكر الأصل):

فعن الشيخ في «النهاية»(2)، والقاضي(3)، والصدوقين(4): العمل بأعدلهما، فإنْ تساويا اطرح الفرع.

وعن ابن حمزة(5)، والمصنّف في «المختلف»(6): ذلك فيما إذا أنكر بعد الحكم، وأمّا قبله فيُطرح الفرع.3.

ص: 54


1- الخلاف: ج 6/314 مسألة 65.
2- النهاية: ص 329.
3- المهذّب: ج 2/561.
4- فقه الرّضا: ص 261، المقنع: ص 399.
5- الوسيلة: ص 233-234.
6- مختلف الشيعة: ج 8/513.

وعن جماعةٍ من الأصحاب، منهم المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(1): أنّه لا يُلتفت إلى شهادة الفرع بعد الحكم، بل قال المصنّف: (إنّ القائلين بالقول الأوّل إنّما يقولون به فيما إذا كان الإنكار قبل الحكم، وأمّا بعده فلم يقل به أحدٌ منهم).

وظاهره كظاهر «المسالك»(2) الإجماع عليه.

وعن الإسكافي(3): طرح شهادة الفرع مطلقاً.

أقول: وملخَّص القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

1 - فيما تقتضيه «القواعد» مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة.

2 - فيما يقتضيه النّص بعد الجمع بينه وبين «القواعد».

أمّا المورد الأوّل: فإنْ كان ذلك قبل الحكم، وحَضَر الأصل وأنكر، لا يُعتنى بشاهد الفرع، لما تقدّم من اعتبار عدم حضور الأصل في قبول شهادته.

وإن لم يحضر، بل كان إنكاره بإنفاذ خبرٍ محفوف بالقرينة، أو اشهاد عدلين آخرين، فقد يقال: إنّه تُطرح شهادة الفرع، إذ إمّا أن يكون هو كاذباً فشهادته مردودة، أو يكون الأصل كاذباً فلا تفيد شهادته، لما عرفت من أنّ بها تثبت شهادة الأصل، لا المشهود به الأصل، فهي مطروحة على التقديرين؛ إمّا لمانعٍ عن القبول، أو لعدم الفائدة والأثر.

وفيه: أنّه من الجائز كون شاهد الأصل كاذباً، وكون الفسق عارضاً، وحينئذٍ فيثبتُ بشهادته في حال العدالة الحقّ ، ويصحّ الحكم بناءً على ما مر من أنّ عروض1.

ص: 55


1- كما في تحرير الأحكام: ج 5/283.
2- مسالك الأفهام: ج 14/280-281.
3- حكاه عنه في إيضاح الفوائد: ج 4/448، والدروس: ج 2/141.

الفسق لا يمنعُ عن الاستناد إلى الشّهادة، والظاهر حينئذٍ تقديم شهادة الفرع، فإنّ مورد التكاذب ليس ثبوت المشهود به الأصل بل شهادة الأصل، فالمُثبِت له اثنان، والنافي واحد، والاثنان حجّة شرعيّة، والواحد ليس بحجّة في المقام، ولا يصلح اللّاحجّة للمعارضة مع الحجّة.

وإنْ كان بعد الحكم، فلا توقّف في عدم الالتفات إلى الإنكار لما مرَّ، وللإجماع المحكيّ ، ولنفوذ الحكم فيستصحب.

وأمّا المورد الثاني: فقد روى البصري في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ شَهد على شهادة رجلٍ ، فجاء الرّجل فقال: إنّي لم أشهد؟

قال عليه السلام: تجوزُ شهادة أعدلهما، وإنْكانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته»(1).

ونحوه صحيح ابن سنان(2).

وهما مختصّان بما قبل الحكم، إذ بعد الحكم التعبير بجواز الشّهادة وعدمه غير مستحسن.

وعلى فرض الشمول، فالنسبة بينهما وبين ما دلّ على نفوذ حكم الحاكم ما لم يعلم بطلانه، عموم من وجه، والترجيحُ له للشهرة العظيمة، بل الإجماع على عدم الالتفات إلى الإنكار بعد الحُكم، فيختصّان بما قبل الحكم.

ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين صورة حضور الأصل مجلس الأداء إنكاره بإنفاذ الخبر المحفوف بالقرينة وما شاكل، بل لا يبعد القول بظهوره في صورة2.

ص: 56


1- الكافي: ج 7/399 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/405 ح 34070.
2- الكافي: ج 7/399 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/405 ح 34072.

رُدَّتِ الشّهادة مع عدم الحكم، ولا تُسمع الشّهادة الثالثة في شيء أصلاً.

الحضور، فيعارضان ما دلّ على أنّه لا يُلتفت إلى شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل، وحيث إنّهما أخصّ منه، أو لا أقلّ من التعارض بالعموم من وجه، والترجيح لهما من ناحية صفات الراوي التي هي ثاني المرجّحات بعد عدم إحراز أن المشهور رَدّ شهادة الفرع في هذا المورد.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة، أنّه لا يُلتفت إلى إنكار الأصل بعد الحكم، وقبل الحكم يُعمل بأعدلهما، ومع التساوي يُطرح الفرع كما هو المحكيّ عن الشيخ في «النهاية»، والقاضي والصدوقين بعد تقييد ما أفادوه بما قبل الحكم كما صرّح به جماعة على ما مرَّ.

وبذلك يظهر ما في المتن، حيث قال: (رُدَّت الشّهادة مع عدم الحكم)، وكذا في ما سائر كلمات القوم في المقام.

الجهة التاسعة: قالوا: (ولا تُسمع الشّهادة الثالثة في شيء أصلاً) وهي الشّهادة على الشّهادة على الشّهادة، والظاهر أنّه إجماعي، ويشهد به خبر عمرو بن جميع، عن الإمام الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال:

«ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة»(1)، المنجبر ضعفه بالاستناد و العمل.

***7.

ص: 57


1- من لايحضره الفقيه: ج 71/3 ح 3358، وسائل الشيعة: ج 404/27 باب 44 من كتاب الشهادات ح 34067.

الرابعة: إذا رَجَع الشّاهدان قبل الحُكم بَطَل.

رجوع الشهود عن الشّهادة قبل الحكم

المسألة: (الرابعة: إذا رجع الشاهدان) أو أحدهما (قبل الحكم؛ بَطَل) ولا يُحكم بشهادتهما، بلا خلافٍ كما صرّح به غير واحدٍ(1)، وفي «المستند»(2) وعن «كشف اللّثام»(3) الإجماع عليه.

ويشهد به: مرسل جميل الصحيح لكونه المُرسِل، ولرواية ابن أبي عمير عنه، عمّن أخبره، عن أحدهما عليهما السلام، قال عليه السلام:

«في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم، وقد قضي على الرّجل، ضَمنوا ما شهدوا به وغرموا، وإن لم يكن قُضي، طُرحت شهادتهم، ولم يغرموا الشهود شيئاً»(4).

وأمّا خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: من شهد عندنا أخذناه بالأوّل، وطرحنا الأخير»(5)، فإن أمكن حمله على ما بعد الحكم، فهو المتعيّن، وإلّا فيُطرح لأنّه لا يصلحُ للمقاومة مع المرسل من وجوهٍ لا تخفى . ولو اعترف الشهود بتعمّد الكَذِب فهم فَسَقة، وإنْقالوا أخطأنا، أو غلطنا فلا فسق.

ص: 58


1- كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 14/297، والمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام: ج 2/784.
2- مستند الشيعة: ج 18/415.
3- كشف اللّثام: ج 10/386 (ط. ج).
4- الكافي: ج 7/383 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/326 ح 33853.
5- تهذيب الأحكام: ج 6/282 ح 180، وسائل الشيعة: ج 27/328 ح 33857.

وهل تُقبل شهادتهم لو أعادوها، لعموم الأدلّة كما عن «كشف اللّثام»(1)؟

أم لا تُقبل تلك الشّهادة، كما عن «القواعد»(1)، و «المسالك»(3)، لحسن محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ شَهد عليه رجلان أنّه سرق، فقطع يده حتّى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجلٍ آخر، فقالا: هذا السّارق، وليس الذي قَطعتَ يده، إنّما شبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غَرمهما نصف الدِّية، ولم يُجز شهادتهما على الآخر»(2)؟

وجهان؛ لا من جهة أنّ الخبر المزبور يقصر عن معارضة العمومات كما عن «الكشف»(5)، فإنّ الخاصّ يقدم على العام مطلقاً، بل لأنّ الخبر فيما بعد الحكم، ويُحتمل الاختصاص، سيّما وأنّ المفروض فيه ليس إعادة الشّهادة الأُولى ، بل الشّهادة على غير من شهدوا عليه أوّلاً، وعليه فالأظهر هو القبول.

ولو كان المشهود به الزّنا، واعترفوا بتعمّد الكَذِب حُدُّوا للقذف، وإن قالوا غَلطنا، فهل يحدّون كما عن «المبسوط»(3)، وفي «المسالك»(7)، لما فيه من التعيير، وكان من حقّهم التثبّت والاحتياط، ولمرسل ابن محبوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في أربعةٍ شهدوا على رجلٍ مُحصَنٍ بالزّنا، ثمّ رجع أحدهم بعد ما قُتِل الرّجل ؟0.

ص: 59


1- كما حكاه عن القواعد في جواهر الكلام: ج 41/220. (3و7) مسالك الأفهام: ج 14/297.
2- الكافي: ج 7/384 ح 8، وسائل الشيعة: ج 27/332 ح 33864.
3- المبسوط: ج 8/10.

وإنْ كانَ بعده لم يُنقض الحُكُم وغُرِما.

قال عليه السلام: إنْقال الراجع: أوهمتُضُرِب الحَدّ، واُغرم الدِّية، وإنْقال تعمّدتُ ، قُتل»(1).

أم لا يحدّون، لأنّ الغالط معذورٌ، والحدود تُدرأ بالشُّبهات، فضلاً عن الاشتباه والغلط، وكون حقّهم التثبّت والاحتياط لا يوجبُ الحَدّ بعدما كانوا عاملين بوظيفتهم، لفرض العدالة المانعة عن التساهل والتسامح، والمرسل فيما بعد الحكم - وسيأتي الكلام فيه -؟

وجهان: أظهرهما الثاني.

ورتّب الشهيد الثاني على القول بوجوب الحَدّ أنّه تُردّ شهادتهم، وأنّه لو قلنا لا حَدّ فلا رَدّ.

وأورد عليه في «الجواهر»: (بأنّه لا يكاد يظهر له معنى محصّلٍ موافقٍ لما ذكره أوّلاً)(2).

وفيه: أنّ محلّ كلامه في السابق خصوص تلك الشّهادة لو أعادوها، ومدركه الحَسَن المتقدّم، ومفروضه في المقام مطلق شهاداتهم، نظراً إلى ما دلّ على أنّه لاتُقبل شهادة المحدود إلّاإذا تاب بعد الحَدّ، فلا إيراد عليه.

رجوع الشهود بعد القضاء والاستيفاء

(وإنْ كان) الرجوع (بعده) أي بعد الحكم، (لم يُنقض الحكم، وغُرِما) أي ضمنا،

ص: 60


1- وسائل الشيعة: ج 27/328-329 ح 33858.
2- جواهر الكلام: ج 41/221-222.

ولو ثَبَت تزويرهما استُعِيدت العينُ ، فإن تلفت أو تعذّر الإستعادة ضَمِن الشّهود.

وأغرمه المشهود عليه بلا خلافٍ فيه مع تلف العين.

وعن «التحرير»(1)، و «القواعد»(2): الإجماع عليه.

ويشهد به: مرسل جميل المتقدّم، والنبويّ الخاصيّ : «من شهد عندنا بشهادةٍ ثمّ غيّر أخذناه بالأُولى وطرحنا الأُخرى »(3).

ولو كانت العين باقية:

فالمشهور بين الأصحاب أنّه لا ينقضُ الحكم، ولا تُستعاد العين، بل في «الرياض»: (عليه عامّة متأخّري أصحابنا، بل وقدمائهم أيضاً)(4).

وعن الشيخ في «النهاية»(5)، وابن حمزة(6)، والقاضي(7): أنّه تُردُّ العين على صاحبها، ولا غرامة على الشهود.

وقال الماتن رحمه الله: (ولو ثبت تزويرهما، استُعِيدت العين، فإن تلفت أو تعذّر الاستعادة، ضَمِن الشهود).4.

ص: 61


1- تحرير الأحكام: ج 5/289.
2- قواعد الأحكام: ج 3/512.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/43 ح 3289، وسائل الشيعة: ج 27/333 ح 33867.
4- رياض المسائل: ج 13/399.
5- النهاية: ص 336.
6- الوسيلة: ص 234.
7- المهذّب: ج 2/564.

ولو قال شهودُ القَتل بعد القِصاص أخطأنا غُرِموا،

وحاصل مختاره: أنّه مع ثبوت التزوير، وكونهما شاهدي زور، تُستعاد العين، ومع عدم ثبوته لا تُستعاد العين، وهو مختار المحقّق في «النافع»(1)، والأظهر هو ذلك.

أمّا الاستعادة في صورة ثبوت التزوير فلصحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في شاهد الزُّور؟

قال عليه السلام: إنْ كان الشيء قائماً بعينه رُدَّ على صاحبه، وإنْ لم يكن قائماً بعينه، ضَمِن بقدر ما أتلف من مال الرّجل»(2).

وأمّا عدمها في صورة عدم ثبوته، فلإطلاق مرسل جميل المتقدّم والنبويّ .

هذا فيما إذا كان المشهود به من الأموال.

(ولو قال شُهُود القَتل بعد القِصاص أخطأنا، غُرِموا) الدِّية بلا خلافٍ .

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - مرسل ابن محبوب(3)، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على رجلٍ مُحصَن بالزّنا، ثمّ رجع أحدهم بعدما قُتِل الرّجل ؟

قال عليه السلام: إنْ قال الراجع: أوهمتُ ، ضُرِبَ الحَدّ، واُغرم الدِّية، وإنْ قال:

تعمّدت، قُتِل».

ومثله في ثبوت الدِّية خبر مسمع كردين(4).0.

ص: 62


1- المختصر النافع: ص 282-283.
2- الكافي: ج 7/384 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/327 ح 33855.
3- تهذيب الأحكام: ج 6/260 ح 96، وسائل الشيعة: ج 29/128 ح 35317.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/50 ح 3305، وسائل الشيعة: ج 27/329 ح 33860.

وإنْ قالوا تعمّدنا اقتصّ منهم، أو من بعضهم، ويردُّ على البعض ما وَجَب عليهم، فإن فَضُل شيء أتمّه الوليّ .

وهل الدِّية على العاقلة من جهة اعترافهم بأنّه خطائي، وحيث إنّ دعواهم دعوى لا تُعرف إلّامن قِبلهم، كما إليه يميل صاحب «الجواهر»(1)؟

أم تكون في أموالهم، لأنّه شبيه عمدٍ، ولا يثبتُ بإقرارهم الخطأ، كما عن «كشف اللّثام»(2)؟

وجهان: أو جههما الأوّل.

(وإنْ قالوا: تعمّدنا، اقتصَّ ) الوليّ (منهم) جميعاً، (أو من بعضهم)، أو أخذ الدِّية في موضعٍ لا يُقتصّ فيه من المُتعمّد إن شاء (ويُردُّ) هو تمام ما فَضُل عن جناية صاحبه على ورثة المقتصّ منهم، إنْ كانوا جميعاً الشهود، وإلّا ف (على البعض) الباقين أن يردّوا على ورثة المقتصّ منه بقدر (ما وَجَب عليهم) من الجناية، (فإنْ فَضُل شيءٌ أتمّه الوليّ ) كما إذا اقتصّ من أكثر من واحدٍ، بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

أمّا جواز الاقتصاص: فللنصوص المتقدّمة.

وأمّا لزوم الرَّد: فلعدم كون كلّ واحدٍ منهم تمام السَّبب، بل جزأه، فحكمهم حُكم ما لو قَتلوا جميعاً واحداً، ومع ذلك فصحيح الأزدي شاهدٌ به، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: عن أربعة شهدوا على رجل بالزّنا، فلمّا قُتِل رَجَع أحدهم عن شهادته ؟).

ص: 63


1- جواهر الكلام: ج 41/225.
2- كشف اللّثام: ج 10/375 (ط. ج).

ولو قال بعضهم ذلك رَدَّ عليه الوليّ ما يَفضُلُ عن جنايته، واقتصّ منه إنْ كان عمداً، أو أخذ منه ما قابل فعله من الدِّية إن قال أخطأتُ .

قال: فقال عليه السلام: يُقتل الرابع، ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدِّية»(1).

وإنْ قال بعضهم: تعمّدنا، وبعضهم أخطأنا، فعلى المُقرّ بالعَمد القِصاص، وعلى المُقرّ بالخطاء نصيبه من الدِّية، بلا خلافٍ في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه كما في «الجواهر»(2).

وبما تقدّم يظهر وجهه، كما يظهر أنّه لو اقتصّ من العامد يُردُّ الفاضل على دية صاحبه، أو يُردّ الباقون على قدر جنايتهم بالتفصيل المتقدّم.

(ولو قال بعضهم ذلك، رَدَّ عليه الوليّ ما يَفضُلُ عن جنايته، واقتصّ منه إنْ كان عمداً، أو أخذ منه ما قابل فعله من الدِّية إن قال أخطأتُ ) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع(3)، ولا يكون إقراره ماضياً على غيره، والنصوص المتقدّمة شاهدة بذلك.

لا يقال: إنّ ظاهر تلك النصوص لزوم تمام الدِّية على المُقرّ.

فإنّه يقال: إنّ التتبّع في النصوص الآتية جملة منها والمتقدّمة أُخرى ، بضميمة عدم كونه تمام السَّبب في القتل، غايته أنّه جزءُ السّبب يوجبُ القطع بأنّ المراد نصيبه من الدِّية.

بل في الخبر الذي رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام:8.

ص: 64


1- الكافي: ج 7/366 ح 3، تهذيب الأحكام: ج 6/260 ح 95، وسائل الشيعة: ج 27/329 ح 33859.
2- جواهر الكلام: ج 41/225.
3- جامع المدارك: ج 6/158.

ولو شَهدا بسرقة فقُطِعت يد المشهود عليه، ثمّ قالا:

«في أربعةٍ شهدوا على رجلٍ أنّهم رأوه مع امرأةٍ يُجامعها، وهم ينظرون، فَرُجِم، ثمّ رَجَع واحد منهم ؟

قال عليه السلام: يُغرم رُبع الدِّية إذا قال: شُبِّه عَليّ ، وإذا رجع اثنان وقالا: شُبِّه علينا، غُرِما نصف الدِّية، وإنْ رجعوا كلّهم وقالوا: شُبِّه علينا، غُرموا الدِّية، فإن قالوا:

شهدنا بالزور، قُتِلوا جميعاً»(1) التصريح بذلك.

وعن الشيخ في «النهاية»(2): (لو قال بعضهم: تعمّدتُ ، يُقتَل، ويُردّ الباقون من شهود الزّنا ثلاثة أرباع الدِّية إلى المقتصّ به).

واستدلّ له بصحيح الأزدي المتقدّم، وهو مختصٌّ بخصوص الزّنا ككلام الشيخ رحمه الله، وسنده صحيح، ولا مانع من تخصيص الأدلّة الاُخر به، ولكن لإعراض الأصحاب عنه، وعدم إفتائهم به، إذ لم يُنقل العمل به عن غيره في «النهاية»، والإسكافي(3)، والقاضي(3)، وهو أيضاً رجع عنه في كتبه المتأخّرة عن «النهاية»، لابدّ من طرحه، أو حمله ككلام العاملين به على ما ذكره المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف»(5) على ما إذا رجعواجميعاً، وقال أحدهم: تعمّدتُ ، وقال الباقون: أخطأنا.

(ولو شهدا) على رجلٍ (بسرقة فقُطِعت يد المشهود عليه، ثُمّ ) رجعا و (قالا3.

ص: 65


1- الكافي: ج 7/366 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/332 ح 33865.
2- النهاية: ص 335. (3و5) مختلف الشيعة: ج 8/525.
3- المهذّب: ج 2/563.

أوهمنا والسّارقُ غيره، غُرِما دية اليد، ولا يُقبل قولهما على الثاني.

أوهمنا، والسّارق غيره) بأنْ أتيا بآخرقائلين: إنّ السّارق هذا، (غُرِما دية اليد، ولا يُقبل قولهما على الثاني) كما هنا، وفي «النافع»(1)، وعن «القواعد»(2)، و «التحرير»(3).

ويشهد به: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ شَهد عليه رجلان بأنّه سَرق، فقطع يده حتّى إذا كان بعد ذلك، جاء الشاهدان برجلٍ آخر، فقالا: هذا السّارق وليس الذي قَطَعت يده، إنّما شبّهنا ذلك بهذا؟

فقضى عليهما أنّ غَرّمهما نصف الدِّية»(4) - أي الكاملة وهو تمام دية اليد - ولم يجز شهادتهما على الآخر، وقريب منه غيره.

هذا كلّه فيما إذا كان الرجوع بعد الاستيفاء.

رجوع الشهود قبل الاستيفاء وبعد القضاء

لو كان رجوع الشهود قبله وبعد الحكم، فالمشهور بين الأصحاب أنّه ينقض الحكم وتبطل الشّهادة، سواءً كان المشهود به حقّاً للّه تعالى كحَدّ الزّنا واللّواط، أو لآدمي كقطع يد السّارق، وحَدّ القاذف، أو مشتركاً بينه وبين اللّه تعالى كحَدّ السّرقة.

ص: 66


1- المختصر النافع: ص 283.
2- قواعد الأحكام: ج 3/510.
3- تحرير الأحكام: ج 5/292 مسألة 6714.
4- الكافي: ج 7/384 ح 8، وسائل الشيعة: ج 27/332 ح 33864.

وفي «الجواهر»: (بل لا أجدُ في شيء من ذلك خلافاً محقّقاً)(1).

نعم، في «القواعد» عبّر بلفظ الأقرب، مُشعراً باحتمال العدم، بل قال متّصلاً بذلك: (والإشكال في حدود الآدمي أقوى )(2).

وما هو المشهور أظهر من جهة أنّ الحدود تدرأ بالشُّبهات، وكون ما حُكم به شرعيّاً صادراً من أهله، واقعاً في محلّه لم يعلم له ناقضٌ ، لا يصلحُ لرفع الشُّبهة.

وبعبارة أُخرى : إنّ ما دلّ (2) على درء الحدود بالشُّبهة، يدلّ على سقوطه في المقام، وما دلّ (3) على عدم نقض الحكم، يدلّ على بقائه، فيتعارضان بالعموم من وجه، والترجيح للأوّل.

وبذلك يظهر تماميّة ما ذكروه من بقاء حكم التوابع التي لم يثبت بالشّرع سقوطها بالشُّبهة، فيحرم اُخت الغلام الموطوء واُمّه وبنته، وأكل البهيمة الموطوءة المأكولة وما شاكل.

ولو شهد الشهود بالارتداد، وحَكم القاضي بالرِّدة، ثمّ رَجَع الشهود قبل القتل، يسقط قتله لدرء الحَدّ بالشُّبهة، ولكن يُقسّم أمواله، وتعتدّ زوجته.

وفي محكيّ «القواعد»: (لو رجعا قبل استيفاء القِصاص، لم يستوف، وهل ينتقل إلى الدِّية إشكالٌ ، فإن أوجبناها رجع بها عليهما)(5).

وفيه أوّلاً: أنّ كون القِصاص من الحدود محلّ تأمّل بل منع، وعلى فرض كونهي.

ص: 67


1- جواهر الكلام: ج 41/222. (2و5) قواعد الأحكام: ج 3/509.
2- وسائل الشيعة: ج 28/46، باب 24 من أبواب مقدّمات الحدود.
3- وسائل الشيعة: ج 27/154، باب 12 من أبواب صفات القاضي.

منها، فلا وجه للانتقال إلى الدِّية.

وعليه، فالأظهر بقاء القِصاص.

أقول: وبما ذكرناه يظهر أنّ الأظهر عدم نقض الحكم فيما عدا الحدود.

ويشهد به فيما يرجع إلى المال: إطلاق صحيح جميل، عن من أخبره، عن أحدهما عليهما السلام: «في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم، وقد قضى على الرّجل، ضَمِنوا ما شهدوا به وغرموا، الحديث»(1).

فإنّ إطلاقه يشمل ما لو كان الرجوع قبل الاستيفاء.

وعليه، فما في «الشرائع» - بعد الحكم بانتقاض الحكم في الحدود -: (وفي نقض الحكم فيما عدا ذلك من الحقوق تردّد)(2)، في غير محلّه.

وأمّا ما احتمله الشهيد الثاني رحمه الله(3) من إلحاق القتل والجروح التي لا تدخل في الحدود عرفاً، والفروج بالحدود، لعِظم خَطرها، وعدم استدراك فائت البُضع منها، فيندفع بالدليل.

رجوع الشهود عن الشّهادة بالطلاق

أقول: وفي خصوص الشّهادة بالطلاق روايتان تَوهّم المحقّق الأردبيلي(4) جواز نقض الحكم في مسألة الرجوع في الطلاق مطلقاً لأجلهما، كما أنّ لجماعةٍ من القدماء والمتأخّرين كلاماً على طبق الخبرين توهّم منه التزامهم بذلك، فلا بأس بالتعرّض

ص: 68


1- وسائل الشيعة: ج 27/326 ح 33853.
2- شرائع الإسلام: ج 3/927.
3- مسالك الأفهام: ج 14/298.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 12/498-502.

لهما، وبيان ما يستفاد منهما:

روى محمّد بن مسلم بخبر صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلين شهدا على رجلٍ غائب عن امرأته أنّه طلّقها، فاعتدّت المرأة وتزوّجت، ثمّ إنّ الزوج الغائب قَدم، فزعم أنّه لم يُطلّقها وأكذب نفسه أحد الشاهدين ؟

فقال: لاسبيل للأخير عليها، ويؤخذالصِّداق من الذي شَهد ورجع، فيردّ على الأخير، ويُفرّق بينهما، وتعتدّ من الأخير، ولا يقربها الأوّل حتّى تنقضي عِدّتها»(1).

ونحوه موثّق إبراهيم بن عبد الحميد(2).

وأمّا الأصحاب كالشيخ(3)، والصَّدوق(4)، والكليني(5)، والقاضي(6)، والحلبي(7)، والمصنّف في محكي «المختلف»(8)، فقالوا: إنّه لو شهدا بطلاق امرأةٍ فتزوّجت، ثمّ رجعا، رُدَّت الزوجة إلى الزوج الأوّل بعد الاعتداد من الثاني، وغَرُم الشاهدان المَهر كلّاً أو بعضاً للثاني.

وأورد المتأخّرون: على الشيخ وموافقيه(9) بأنّ ما ذكروه مخالفٌ للقاعدة القطعيّة المُجمع عليها من عدم جواز نقض الحكم المبرم الثابت بالدليل، ورفع4.

ص: 69


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/60 ح 3335، وسائل الشيعة: ج 27/331 ح 33863.
2- وسائل الشيعة: ج 27/330 ح 33862.
3- النهاية: ص 336.
4- الفقيه: ج 3/36.
5- الكافي: ج 7/384 ح 7.
6- المهذّب: ج 2/563.
7- الكافي في الفقه ص 441.
8- مختلف الشيعة: ج 8/525-527.
9- كما حكاه النراقي في مستند الشيعة: ج 18/423-424.

اليد عنه بمجرّد الاحتمال، من غير استنادٍ إلى دليل شرعي آخر، ولأجل ذلك بنوا على طرح الخبرين.

أقول: أمّا الخبران، فالظاهر كونهما أجنبيّين عمّا هو محلّ الكلام والبحث، وهو رجوع الشاهدين عمّا شهدا به، بعد حكم الحاكم، فإنّهما في رجوع الشهود الذين شهدوا عند المرأة نفسها، إذ المفروض فيهما ليس هو الدّعوى والمخاصمة، بل شهادة العدلين بالطلاق، وحيث أنّ البيّنة حجّة شرعيّة عمل بها المرأة وتزوّجت، ثمّ رجع أحد الشاهدين، فلا إشكال ولا كلام في ارتفاع الحجيّة بتكذيب الشاهد نفسه، ورجوعه عمّا شهد به، بل عرفت أنّه كذلك إنْ كان ذلك بعد الرفع إلى الحاكم، وعدم حكمه، وكذا كلام الأعلام فإنّه أيضاً في المسألة المشار إليها.

ثمّ مع الإغماض عن ذلك، وتسليم كون الخبرين في الرجوع بعد حكم الحاكم، فإنّه لا وجه لما ذكروه من الإيراد، إذ القاعدة المشار إليها ليست قاعدة لا تَقبل التخصيص، ولذا خَصَّصوا عمومها بما دلّ على درء الحدود بالشُّبهات المتقدّم، فما المانع من تخصيصه بالخبرين المعتبرين، وأيُّ دليلٍ شرعيٍّ أقوى من الخبر الصحيح الذي عمل به جمعٌ من الفحول ؟!

وبما ذكرناه ظهر ضعف ما أفاده الأردبيلي رحمه الله.

والمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه إنْ كان رجوع الشهود في غير مورد الرجوع إلى الحاكم، تُردّ الزوجة إلى الزوج الأوّل بعد الاعتداد من الثاني، وغُرِم الشاهدان المَهر كُلّاً أو بعضها، كما مرّ في كتاب النكاح.

وإنْ كان بعد حكم الحاكم فلايُنقض الحكم، بل يُحكم بالطلاق، وصحّة التزويج

ص: 70

الثاني إن لم يثبت كونهما شاهدي زورٌ، لأنّه ثبت بالبيّنة وحكم به الحاكم بالقضاء المُبرم، فلايبطل بمجرّد رجوع الشهود، المحتمل للصحّة والفساد، لما مرّ من أنّ الثابت بدليلٍ شرعي لا ينقضُ إلّابدليلٍ شرعيّ آخر، وحينئذٍ يغرمان الصِّداق للأوّل.

قال الشيخ(1)، والحِلّي(2)، والمصنّف في أكثر كتبه(3)، وأكثر من تأخّر عنه(4):

بأنّه إنْ كان ذلك قبل دخول الزوج الأوّل غُرما نصف المَهر المسمّى له، وإنْ كان بعده، لم يُغرما شيئاً.

واستدلّوا لغرامة النصف: بأنّهما أتلفا عليه نصف المَهر المسمّى اللّازم بالطلاق، فيضمناه.

ولعدم الغرامة في الثاني: بأصالة البراءة، وعدم تحقّق إتلافٍ لاستقرار المَهر بالدخول، والبُضع لا يُضمن بالتفويت، كما حُقّق في محلّه(5).

أقول: ويردُ على ما ذكروه في وجه الضمان ما تقدّم في كتاب النكاح من أنّ نصف المَهر يستقرّ بالعقد، فلم يتلفه عليه الشاهدان، فلا وجه للضمان، ولو قالوا بأنّهما يغرمان نصف المَهر للزوجة، بناءً على أنّها تَملك تمام المَهر بالعقد، وبالطلاق قبل الدخول يعودُ نصفه إلى الزوج كان أولى ، فإنّه يصدُق أنّهما بشهادتهما بالطلاق أتلفا عليها نصف المَهر، فيضمنان لها، وقد مرّ الكلام في المبنى.3.

ص: 71


1- الخلاف: ج 6/322-323 المسألة 77 و 78.
2- السرائر: ج 2/145.
3- راجع مختلف الشيعة: ج 8/526.
4- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: ص 546، والشهيد الأوّل في الدروس: ج 2/144.
5- فقه الصادق: ج 33/83.

الخامسة:

شاهد الزُّور

المسألة (الخامسة): لا إشكال ولا خلاف في أنّه يحرُم شهادة الزُّور.

ويشهد به: - مضافاً إلى الإجماع المُحقّق - وما دلّ على حرمة تفويت الحقّ ، وما دلّ على حرمة الكذب - جملةٌ من النصوص الخاصّة:

منها: صحيح هشام، عن الإمام الصادق عليه السلام: «شاهد الزُّور لا تزول قدماه حتّى تَجب له النار»(1).

ومنها: خبر صالح بن ميثم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ما من رجلٍ يشهدُ بشهادة زورٍ على مال رجلٍ مسلم ليقطعه، إلّاكتبَ اللّه له مكانه صكّاً إلى النار»(2).

ومنها: قوي السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله: قال: يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل فَقَبَض روح الكافر نزل معه بسفودٍ من نارٍ، فينزع روحه، فتصيح جهنّم.

فقال علي عليه السلام: هل يصيبُ ذلك أحداً من اُمّتك ؟

قال صلى الله عليه و آله: نعم حاكمٌ جائر، وآكل مال اليتيم ظُلماً، وشاهد زور»(3).

ومنها: خبر ابن سنان، عنه عليه السلام: «لا ينقضي كلام شاهد الزُّور من بين يدي

ص: 72


1- الكافي: ج 7/383 ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/324 ح 33846.
2- الكافي: ج 7/383 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/324 ح 33847.
3- الكافي: ج 3/253 ح 10، وسائل الشيعة: ج 27/324-325 ح 33848.

يجبُ شُهرة شاهد الزُّور وتعزيره بما يراه الإمام رادعاً.

الحاكم حتّى يتبوّأ مقعده في النار، وكذلك من كتم الشّهادة»(1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و (يجب شهرة شاهد الزُّور) في بلدهم وما حولها، لتجنّب شهادتهم، ويرتدع غيرهم (وتعزيره بما يراه الإمام) والحاكم (رادعاً) وحاسماً للجرأة، بلا خلافٍ فيه.

ويشهدُ به: نصوصٌ كثيرة:

منها: موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «شهود الزُّور يجلدون حَدّاً، وليس له وقتٌ ذلك إلى الإمام، ويُطاف بهم حتّى يُعرفوا ولا يعودوا.

قال: قلت: فإنْ تابوا وأصلحوا تُقبل شهادتهم بعد؟

قال عليه السلام: إذا تابوا تابَ اللّه عليهم، وقبل شهادتهم بعد»(2).

ومنها: موثّق غياث بن إبراهيم، عنه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان إذا أخذ شاهد زور، فإنْ كان غريباً بعثَ إلى حيّه، وإنْ كان سوقيّاً بعث إلى سوقه فطيف به، ثُمّ يحبسه أيّاماً، ثمّ يُخلّي سبيله»(3).

ونحوهما غيرهما.

والمراد بالاشتهار على ما ذكره الحِلّي(4)، هو أن يُنادى في محلّتهم ومجتمعهم0.

ص: 73


1- الكافي: ج 7/383 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/325 ح 33849.
2- الكافي: ج 7/243 ح 16، وسائل الشيعة: ج 27/333 ح 33868.
3- تهذيب الأحكام: ج 6/280 ح 175، وسائل الشيعة: ج 27/334 ح 33870.
4- السرائر: ج 2/150.

وسوقهم، بأنّ فلان وفلان شهدا زوراً، قال: (ولا يجوز أن يُركبا حماراً، ويُحلَق رؤوسهما، ولا أن يُناديا هما على نفسهما، ولا يُمثّل بهما).

وما ذكرناه يختصّ بشاهد الزُّور، ولا يثبتُ هذا الحكم فيمن ثَبَت غلطه، أو رُدَّت شهادته لمعارضة بيّنةٍ أُخرى ، أو ظهور فسقٍ بغير زور، أو ما شاكل ذلك، كما هو واضح.

ولو ثَبَت كون الشاهد شهد زوراً، فإنْ كان قبل الحكم فلا إشكال، وإنْ كان بعده، نُقض الحكم وبطل، واستعيدت العين إنْ كانت قائمة، وإلّا يُضمّن الشهود بغير خلافٍ في شيء من ذلك كما تقدّم، ومر ما يدلّ عليه.

تمّت مسائل كتاب القضاء والشهادات عشية يوم الجمعة 22 من شهر محرّم الحرام سنة 1389، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

***

ص: 74

كتاب الحدود و التعزيرات

اشارة

ص: 75

ص: 76

الحُدود والتعزيرات

جمع حَدّ وتعزير، وهما لغةً - كما في «المسالك»(1) - المنع، والتأديب.

والحَدُّ شرعاً: عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام البدن بواسطة تلبّس المكلّف بمعصيةٍ خاصّة، عيّن الشارع كميّتها في جميع أفراده.

والتعزير: عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع غالباً، وقيد الغالب إنّما هو لأجل ما أفاده في «المسالك» من أنّه قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده وذلك في خمسة مواضع:

الأوّل: تعزيرالمجامع زوجته في نهار رمضان مقدّرٌ خمسة وعشرين سوطاً(2).

الثاني: من تزوّج أمَةً على حُرّة، ودَخلَ بها قبل الإذن، ضُرب اثني عشر سوطاً ونصفاً ثُمن حَدّ الزّاني(3).

الثالث: المجتمعان تحت إزارٍ واحد مُجرّدين مقدّر بثلاثين إلى تسعة وتسعين على قولٍ (4).

الرابع: من افتضّ بِكراً بإصبعه، قالوا يُجلد من ثلاثين إلى سبعة وسبعين أو إلى ثمانين(5).

ص: 77


1- مسالك الأفهام: ج 14/325.
2- وسائل الشيعة: ج 28/377 باب 12 من أبواب بقيّة الحدود ح 35006.
3- وسائل الشيعة: ج 28/151 باب 49 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34443.
4- وسائل الشيعة: 28 ص 84 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34270 وما بعده.
5- راجع وسائل الشيعة: ج 28/144 باب 39 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34424 وما بعده من نفس الباب، وص 170 باب 4 من أبواب حَدّ السُّحق والقيادة ح 34479 وما بعده.

الخامس: الرّجل والمرأة يوجدان في لحافٍ واحدٍ أو إزارٍ مجرّدين، يُعزّران من عشرة إلى تسعة وتسعين(1)، قاله المفيد(2).

ولكنّه كما اعترف به في «المسالك»(3) أنّه لا تقدير في غير الأولين، إذ الباقي يرجعُ فيما بين الطرفين إلى رأي الحاكم، كما يُرجع إليه في تقدير غيره.

ثمّ إنّ عَدّ الأولين من التعزير لا الحَدّ، إنّما هو من جهة ما في دليليهما من إطلاقه عليه، وكون المراد به ما يقابل الحَدّ غير معلومٍ ، ولذا عَدّه بعضهم في الحدود، والأمرُ سهلٌ .

أقول: والأصل في مشروعيّة الحَدّ والتعزير ولزومهما، الكتاب والسُّنة(4)والإجماع، وتفاصيلهما في الآيات والأخبار كثيرة لكثرة أفرادهما.

لا إشكال ولا كلام في أنّ إجراء الحدود والتعزيرات إنّما هو وظيفة الحاكم، بمعنى أنّه ليس لكلّ أحدٍ إقامتها، إنّما الكلام والبحث في أنّه هل للحاكم الشرعي في زمان الغيبة أن يقيمها، أم يختصّ إقامتها بالإمام ؟

المشهور بين الأصحاب هو الأوّل، وقد استشكل المحقّق القمّي في «جامع الشتات»(5) في ذلك والتزم بأنّها وظيفة الإمام عليه السلام.

يشهد للأوّل: موثّق حفص بن غياث أو صحيحه، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام:

من يقيم الحدود، السلطان أو القاضي ؟ر.

ص: 78


1- وسائل الشيعة: ج 28/84 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا.
2- المقنعة: ص 774.
3- مسالك الأفهام: ج 14/327.
4- ستأتي الإشارة إليها في ضمن المسائل الآتية.
5- جامع الشتات في أجوبة السؤالات: ج 1/361 كما يظهر.

فقال عليه السلام: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم»(1).

وقد مرَّ في كتاب القضاء(2) أنّ من إليه الحكم في زمان الغيبة هو المجتهد الجامع للشرائط.

وقد دلّت النصوص(3) على أنّه المنصوب من قِبله عليه السلام حاكماً وقاضياً.

وعليه، فيمكن الاستدلال بنفس تلك النصوص أيضاً، فإنّها تدلّ على أنّ جميع ما هو من شؤون ووظائف قُضاة الجور، إنّما هي للحاكم الشرعي، ولا شكّ في أنّ من وظائفهم إقامة الحدود، فهي للحاكم.

قال المفيد في «المقنعة»(4): (فأمّا إقامة الحدود فهي إلى سلطان الإسلام، المنصوب من قِبل اللّه، وهم أئمّة الهُدى من آل محمّد صلى الله عليه و آله ومن نصبوه لذلك من الأُمراء والحاكم، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان)(5).

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

أقول: وتمام الكلام في هذا الكتاب في ضمن فصول:

***).

ص: 79


1- وسائل الشيعة: ج 28/49 باب 28 من أبواب مقدّمات الحدود حديث 1.
2- كتاب القضاء في الجزء السابق (ج 38).
3- وسائل الشيعة: ج 27/139 ح 33421.
4- المقنعة: ص 810.
5- وسائل الشيعة: ج 28/49-50 باب 28 من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ح 34187 وما قبله (باب: أنّ إقامة الحدود من إليه الحكم).

الفَصلُ السابع: في حَدّ الزِّنا.

الفصل السَّابع: في حَدّ الزِّنا

اشارة

قال: (الفصل السابع: في حَدّ الزّنا) وهو ممّا أجمع أهل الملل على تحريمه حفظاً للنسب، بل من الاُصول الخمسة التي يجبُ تقريرها في كلّ شريعةٍ .

قال اللّه تعالى : (وَ لا تَقْرَبُوا اَلزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً) (1).

وقال سبحانه: (وَ اَلَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اَللّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) (2).

وقال عزّ شأنه: (يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذا جاءَكَ اَلْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ) .. الخ(3).

وأمّا النصوص: فهي أكثر من أن تُحصى في المقام.

ولا إشكال ولا كلام في أنّه يجبُ الحَدّ مع ثبوت الزّنا بالشرائط الآتية، بل هو من ضروريّات الدِّين، قال اللّه تعالى : (اَلزّانِيَةُ وَ اَلزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ ) (4).

وستمرّ عليك في ضمن المباحث الآتية جملة من النصوص الدّالة عليه.

ص: 80


1- سورة الإسراء: الآية 32.
2- سورة الفرقان: الآية 68.
3- سورة الممتحنة: الآية 12.
4- سورة النور: الآية 2.

وهو يثبتُ بإيلاجِ فرجه في فرجِ امرأةٍ ، تغيبُ الحَشَفة قُبُلاً ودُبُراً.

ما يتحقّق به الزّنا

أقول: (و) النظر فى هذا الفصل يقعُ فى اُمورٍ ثلاثة، وهي: الموجب، والحَدّ، واللّواحق.

أمّا الأوّل: ف (هو يثبتُ بإيلاج) الإنسان وإدخاله (فرجه) وذَكره الأصلي (في فرج امرأةٍ ) محرّمة عليه أصالةً ، لا لحيضٍ ، أو لاعتكافٍ ، أو نذرٍ، وما شاكل (حتّى تغيب الحَشفة قُبُلاً أو دُبراً) كما هو المشهور، كما نصّ عليه المصنّف في محكيّ «المختلف»(1)، وفي «الرياض»: (بلا خلافٍ أجده به)(2).

أقول: والظاهر أنّه كذلك، إذ الذي أوجبَ حكاية بعض الفقهاء كون وطئها دُبراً لواطاً لا من الزّنا ما عن «المقنعة»: (الزّنا الموجب للحَدّ وطءُ مَن حرّم اللّه تعالى وطئه من النساء بغير عقدٍ مشروع، إذا كان الوطء في الفرج خاصّة)(3)، ونحوه ما عن «النهاية»(4)، مع أنّ المراد بالفرج هو الأعمّ من القُبُل والدُّبر، كما صرّحوا في غير المقام(5).

وكيف كان، فإطلاق النصوص(6) المتضمّنة أنّه إذا أدخله فقد وجبَ الغُسل والمَهر والرَّجم، يدلّ على التعميم.

ص: 81


1- مختلف الشيعة: ج 1/329.
2- رياض المسائل: ج 13/416.
3- المقنعة: ص 774.
4- النهاية: ص 688.
5- راجع السرائر: ج 1/107، مختلف الشيعة: ج 1/329.
6- وسائل الشيعة: ج 2/182 باب 6 ح 1.

من غير عقدٍ

وأمّا كفاية غَيبوبة الحشفة، وعدم توقّف الحَدّ على إدخال تمام الذَكَر، فيشهد لها - مضافاً إلى الإجماع(1)، وإلى النصوص المحدّدة للجماع، المترتّب عليه أحكامه من الغُسل والمَهر والعِدّة وغيرها بالتقاء الختانين - خصوص صحيح أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا التقى الختانان فقد وَجَب الجَلد»(2).

ولو كان مقطوع الحشفة: ففيه وجوه:

1 - عدم وجوب الحَدّ إلّابإدخال تمام الباقي.

2 - ثبوته بغيبوبة قَدر الحشفة، وهو المنسوب إلى المشهور.

3 - ثبوته بمجرّد صدق الدخول.

وجه الأوّل: ظهور الروايات المتضمّنة أنّه إذا أدخله، فإنّ الضمير يرجع إلى الذَكَر، وظاهره اعتبار دخول الجميع، خرج عنه ذو الحَشَفة لما مرّ، وبقي الباقي.

وجه الثاني: أنّ التحديد بالتقاء الختانين إنّما هو لبيان التحديد لما يصدق عليه دخول الذَكَر عرفاً.

ووجه الثالث: صدق اسم الإدخال.

والأوّل أظهر كما لا يخفى .

أقول: وإنّما يثبتُ الحَدّ بغيبوبة الحشفة، إذا كان ذلك:

1 - (من غير عقدِ) نكاحٍ ولو متعةً بينهما...

ص: 82


1- السرائر: ج 1/108.
2- وسائل الشيعة: ج 28/89 ح 34286..

ولا شُبهة عقد، ولا مِلْكٍ بشرط بلوغه وعقله،

2 - (ولا شُبهة عقدٍ) دارئة، وضابط الشُّبهة ما ستعرف من التحديد لها ما أوجبَ اعتقاد الإباحة.

3 - (ولا مِلْكٌ ) وما فيها شُبهة ملك.

وإنّما يجبُ الحَدّ (بشرط بلوغه) أي بلوغ مَن يُحدّ، كان هو الزّاني أو الزانية، فلو زنى الصَّبي أو زنت الصبيّة لا يثبتُ الحَدّ إجماعاً، لحديث رفع القلم(1)، والنصوص(2) الدالّة على أنّ الغلام إذا زنى يُعزّر ولا يُحدّ، وفي صبيّةٍ زنى بها رجلٌ أنّها تُعزّر ولا تُحَدّ.

يعتبر في ثبوت الحَدّ العقل

(و) به يظهر أنّه يُشترط (عَقله) أيضاً، كما عن كافّة المتأخّرين بل عن الشيخين في «العويص»(3) و «الخلاف»(4)، بل عن «المبسوط»(5) ما يُشعر بالإجماع عليه، بل عن «الغنية»(6)، و «السرائر»(7) دعواه صريحاً.

ص: 83


1- الكافي: ج 7/197 ح 1، وسائل الشيعة: ج 1/43 باب 4 من أبواب مقدّمة العبادات ح 72، وج 29/90 باب 36 من القِصاص في النفس ح 35224 وما بعده.
2- وسائل الشيعة: ج 28/81-82 باب 9 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34265 وما بعده.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 10/413.
4- الخلاف: ج 5/385.
5- المبسوط: ج 8/3.
6- غنية النزوع: ص 421.
7- السرائر: ج 3/444.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - طائفة من الأخبار:

منها: ما رواه العامّة والخاصّة على ما أفاده المفيد: «أنّ مجنونةً فَجَر بها رجلٌ ، وقامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها الحَدّ، فمرَّ بها أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: ما بال مجنونة آل فلان تُقتل ؟

فقيل له: إنّ رجلاً فَجَر بها وهَرب، وقامت البيّنة عليها، فأمر عُمر بجلدها.

فقال لهم: ردُّوها إليه وقولوا له أما عَلِمْتَ أنّ هذه مجنونة آل فلان، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: رُفِع القلم عن المجنون حتّى يفيق، وأنّها مغلوبة على عقلها ونفسها، فَردُّوها إليه، فدرأ عنها الحَدّ»(1).

ومقتضى عموم العلّة سقوط الحَدّ عن المجنون الزّاني.

ومنها: صحيح حمّاد بن عيسي ، عن أبي عبداللّه، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، أنّه قال: «لا حَدّ علي مجنونٍ حتّي يفيق، ولا علي صبيّ حتّي يُدرك، ولا على النائم حتّي يستيقظ»(2).

ومنها: صحيح فضيل بن يسار، عنه عليه السلام: «لا حَدّ لمن لا حَدّ عليه، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجلٌفقال: يا زان، لم يكن عليه حَدّ»(3).

ومنها: مرسل عليّ بن إبراهيم المتضمّن لقضيّة ستّة نفر أخذوا في الزّنا، وأتوا بهم إلى عُمر، فأمر أن يُقام على كلّ واحدٍ منهم الحَدّ، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام حاضراً، فقال: يا عُمر، ليس هذا حكمهم، ثمّ تصدّى عليٌّ عليه السلام للحكم فيهم، فَرَجَم واحداً، وضَرب عُنق آخر، وضرب الثالث الحَدّ...

إلى أن قال: وأمّا السادس فمجنونٌ مغلوبٌ على عقله، سقط عنه التكليف»(4).4.

ص: 84


1- وسائل الشيعة: ج 28/23 باب 8 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34121.
2- وسائل الشيعة: ج 28/22-23 باب 8 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34120.
3- وسائل الشيعة: ج 28/42 باب 19 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34167.
4- وسائل الشيعة: ج 28/66 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34224.

وعِلمه بالتحريم،

وعن الشيخين(1)، والصَّدوق(2)، والقاضي(3)، وابن سعيد(4): أنّه لو وطأ المجنون عاقلةً مثلاً، وجبَ عليه الحَدّ، لخبر أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام:

«إذا زنا المجنون أو المعتوه جُلِد الحَدّ، وإنْ كان مُحصِناً رجم.

قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة، والمعتوه والمعتوهة ؟

فقال عليه السلام: المرأة إنّما تؤتى والرّجل يأتي، وإنّما يزني إذا عَقل، كيف يأتي اللّذة، وأنّ المرأة إنّما تُستكره ويُفعل بها وهي لا تَعقل ما يُفعل بها»(5).

ولكنّه لا يصلحُ لمعارضة ما تقدّم من جهاتٍ ، فيتعيّن طرحه أو حمله على ما أفاده المصنّف رحمه الله(6) على من يعتوره الجنون إذا زنى بعد عقله، لأنّ العلّة تنطبقُ على ذلك، أو على بقاء شعور له يَصلحُ لثبوت التكليف كما في «الوسائل»(7).

بل ادّعى فيها أنّ ذلك يُفهم من الخبر نفسه، فلا توقّف في اشتراط العقل.

اعتبار العلم بالتحريم

(و) ممّا يعتبر في ثبوت الحَدّ (علمه بالتحريم) حين الفعل، أو ما يقوم مقامه من

ص: 85


1- المقنعة: ص 779، النهاية: ص 696.
2- المقنع: ص 436.
3- المهذّب: ج 2/521.
4- الجامع للشرايع: ص 552.
5- الكافي: ج 7/192 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/118 ح 34364.
6- مختلف الشيعة: ج 9/146.
7- وسائل الشيعة: ج 28/66.

الاجتهاد أو التقليد، بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»: (بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلاً عن محكيّه)(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على أنّ الحدود تُدَرأ بالشُّبهات، كالنبوي الخاصّي: «ادرأوا الحدود بالشُّبهات»(2) - صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام، وأقرّ به، ثمّ شَرب الخمر وزنا، وأكل الرِّبا، ولم يتبيّن له شيءٌ من الحلال والحرام، لم أقم عليه الحَدّ إذا كان جاهلاً، إلّاأن تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزّنا والخمر وأكْل الرِّبا، وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته، فإنْ ركبه بعد ذلك جَلَدته، وأقَمتُ عليه الحَدّ»(3).

ونحوه صحيحا محمّد والحذّاء(4).

ومقتضى إطلاق النصوص، عدم الفرق بين كونه جاهلاً بالحكم أو الموضوع، وفي الجاهل بالحكم بين القاصر والمقصّر، والإجماع على أنّ الجاهل المقصّر في حكم العالم، المتيقّن منه غير المقام، وإنْ ثبت الإطلاق لمعقده كان معارضاً مع نصوص الباب بالعموم من وجه، والترجيح معها.

ويشهد له: - في الجهل بالموضوع - موثّق سماعة، قال:

«سألته عن رجلٍ أدخل جاريةً يتمتّع بها، ثمّ نَسي حتّى واقعها، يجبُ عليه حَدّ الزّاني ؟د.

ص: 86


1- جواهر الكلام: ج 41/261.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/74 ح 5146، وسائل الشيعة: ج 28/47 باب 24 من أبواب مقدّمات الحدودح 34179، وص 130 ح 34393.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/55 ح 5088، وسائل الشيعة: ج 28/32 ح 34141.
4- وسائل الشيعة: ج 28/32 باب 14 من أبواب مقدّمات الحدود.

قال عليه السلام: لا، ولكن يتمتّع بها بعد النكاح، ويستغفر ربّه ممّا أتى»(1).

وقد يتوهّم: أنّ مقتضى إطلاق النصوص سقوط الحَدّ مع عدم العلم بالحرمة، وإنْ كان في ظاهر الشرع لا يجوزُ له المجامعة، بل قال في محكي «القواعد»: (إنّ الحد إنّما يثبتُ في المُحرّم، وبالإجماع كالخامسة وذات البعل، دون المختَلف فيه كالكتابيّة والمخلوقة من الزّنا)(2).

وفي «الجواهر»: (إلّا أنّ جملة من عبارات الأصحاب مطلقة في الاكتفاء بالظّن، الشامل لما لا يعلم صاحبه الحَلّ ، وربما لا يكون ملتفتاً لذلك، ولا متصوّراً لحكمه من هذه الجهة)(3) انتهى .

أمّا ما يدلّ على أنّ الحَدّ يُدرأ بالشُّبهة، فهو لا يشمل ما لو لم يكن في ظاهر الشرع يجوز له ذلك، فإنّه محكوم عليه بعدم الجواز، وأمّا موثّق سماعة فهو كالصريح في الاختصاص بما لو اعتقد الجواز، وأمّا سائر النصوص، فهي أيضاً مختصّة بصورة اعتقاد الجواز، لما ورد في ذيل الصحيح «وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته، فإنْ ركبه بعد ذلك جَلَدته، وأقمت عليه الحَدّ» فإنّه من المعلوم أنّ إخبار المرأة لا يوجبُ العلم بالحرمة.

وبالجملة: مع العلم بالحرمة ظاهراً يكون خارجاً من مورد النصوص.

أقول: ويشهد لثبوت الحَدّ مع الجهالة غير المغتفرة، صحيح الكناسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سألته عن امرأةٍ تزوّجت في عِدّتها؟3.

ص: 87


1- الكافي: ج 5/466 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/147 ح 34433.
2- قواعد الأحكام: ج 3/535.
3- جواهر الكلام: ج 41/263.

فقال: إن كانت تزوّجت في عدّتها عِدّة طلاقٍ ، لزوجها عليها الرجعة، فإنّ عليها الرَّجم...

إلى أن قال: قلت: أرأيتَ إنْ كان ذلك منها بجهالة ؟

قال: فقال: ما من امرأةٍ اليوم من نساء المسلمين إلّاوهي تعلم أنّ عليها عِدّة في طلاقٍ أو موت، ولقد كُنّ نساء الجاهليّة يعرفن ذلك.

قلت: فإن كانت تعلم أنّ عليها عِدّة ولا تدري كم هي ؟

فقال عليه السلام: إذا عَلِمتْ أنّ عليها العِدّة، لزمتها الحجّة، فتسأل حتّى تعلم»(1).

وأمّا ما أفاده المصنّف رحمه الله، فالظاهر أنّ مراده استناد الواطيء مع الاختلاف إلى القول بالحِلّ ، وليس المراد أنّه يُدرأ عنه، وإنْ علم منه خلاف ذلك.

وأمّا ما في «الجواهر»: فالظاهر أنّ مراد الأصحاب بالظّن هو مايجوزُ معه الوطء، ولذلك في كتاب النكاح قال صاحب «الجواهر»:

(يُعرف من ملاحظة كلمات الفقهاء في الحدود، أنّه لم يُشترط أحدٌ منهم في الحَدّ العلم بعدم الاستحقاق في تحقّق الزّنا وانتفائه، وإنّما اعتبروا فيه العلم بالتحريم، وبنوا عليه ثبوت الحَدّ مع وجوده، وسقوطه مع انتفائه في جميع المسائل التي فرّعوها على اعتبار العلم في حَدّ الزّنا)(2) انتهى .

فإنْ قيل: إنّه مع عدم إحراز الحرمة الواقعيّة، يُشكّ في صدق الزّنا، ومعه يُشكّ في ثبوت الحَدّ.5.

ص: 88


1- الكافي: ج 7/192-193 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/126-127 باب 27 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34385.
2- جواهر الكلام: ج 29/255.

قلنا: إنّ الزّنا ليس إلّاالوطء غير المستحقّ شرعاً، الصادق على غير المستحقّ ظاهراً، وقد صرّح بذلك الفقهاء، قال سيّد المدارك:

(فلو كان الظّن ممّا لايجوزُ التعويل عليه وعلما بذلك، فإنّ الوطء يكون زنا)(1).

ونحوه كلام غيره(2)، مع أنّه لو سُلّم كونه عبارة عن وطء غير الزوجة، نقول:

إنّ الدليل المُثبِت لعدم الجواز من الخبر أو الاستصحاب يثبت به أنّها ليست زوجته، فبضمّ الوجدان إليه يتمّ الموضوع.

وعليه، فالأظهر ثبوت الحَدّ في كلّ وطء محرّم بالإصالة بحسب ظاهر الشرع.

نعم، لو اشتُبهت زوجته بالأجنبيّة، فوطئها ظنّاً منه أنّها أجنبيّة، ثمّ ظهر أنّها زوجته، لا يثبتُ الحَدّ لعدم الحرمة، وإنّما هو تجرٍّ محض، وعلى فرض ثبوت الحرمة بعنوان التجرّي، فهي غير الحرمة الثابتة بعنوان المجامعة نفسها، ولا توجبُ الاتّصاف بكونها زنا قطعاً.

***).

ص: 89


1- نهاية المرام: ج 1/446.
2- كما في رياض المسائل: ج 10/501 (ط. ج).

واختياره.

سقوط الحَدّ مع الإكراه

(و) ممّا يعتبر في ثبوت الحَدّ (اختياره)، فيسقط الحَدّ مع الإكراه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على رفع ما استُكره عليه(1)، بناءً على ما هو الحقّ من شموله لجميع الآثار - جملة من النصوص الخاصّة:

منها: صحيح الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام اُتي بامرأةٍ مع رجلٍ فَجَر بها، فقالت: استكرهني واللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحَدّ»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «في امرأةٍ أقرّت على نفسها أنّه استكرهها رجلٌ على نفسها؟

قال عليه السلام: هي مثل السائبة لا تملك نفسها، فلو شاء قَتَلها، ليس عليها جَلدٌ ولا نفيٌ ولا رَجمٌ »(3).

ونحوهما غيرهما.

ولكن قال جماعة: إنّ في تحقّق الكراهة في طرف الرّجل، بل عن «الغنية»(4)

ص: 90


1- وسائل الشيعة: ج 15/369 باب 56 من أبواب جهاد النفس، و: ج 23/224 باب 12 و 16 من كتاب الايمان.
2- تهذيب الأحكام: ج 10/18 ح 51، وسائل الشيعة: ج 28/110 باب 18 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34340.
3- وسائل الشيعة: ج 28/110 باب 18 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34341.
4- الغنية: ص 424.

الجزم بعدمه، لأنّ الإكراه يمنعُ من انتشار العضو، وانبعاث القوى، لتوقّفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل المتوقّف عليه صدق الإكراه.

وعلّله في محكيّ «كشف اللّثام»(1) بعدم انتشار الآلة إلّاعن الشهوة المنافية للخوف.

ويرد عليهما: إنّ حقيقة الإكراه حَملُ الغير على ما يكرهه، وهذا المعنى غير مستلزمٍ للخوف المانع عن تأثير الشهوة في الانتشار، ولا ينافي مع الميل النفساني، فإنّ النفس تميلُ إلى الزّنا، ولكن النهي الشرعي مانعٌ عنه، فلو توعدته على ترك الزّنا، واحتمل أن يترتّب الضَّرر المتوعّد به صدق الإكراه، وإنْ كان بنفسه مائلاً إلى ذلك، وإنّما كان تركه له للنهي الشرعي، مع أنّه يمكن فرض إدخال الحشفة بدون الانتشار.

وفي «المسالك»: بعد اختيار إمكان تحقّق الإكراه في طرفه قال: (وعلى كلّ حالٍ لا حَدّ لأنّه شبهة، والحَدّ يُدرأ بالشُّبهة)(2).

وفيه: إنّه على تقدير عدم إمكان تحقّقه في طرفه، لا وجه لسقوط الحَدّ، فإنّ العمل كاشفٌ عن عدم الإكراه.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ مراده على أيّ حال من ثبوت إمكانه والشكّ فيه، وله حينئذٍ وجه شُبهةٍ ، والحَدّ يُدرأ بها.

وكيف كان، فيثبت للمكرهة على الواطيء مَهر المثل، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لم يذكر كثيرٌ منهم خلافاً، كذا في «المسالك»(3).1.

ص: 91


1- كشف اللّثام: ج 10/410 (ط. ج). (2و3) مسالك الأفهام: ج 14/331.

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ البُضع إذا كان محترماً عارياً عن المَهر يُضمن بالتفويت والاستيفاء - خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام، قال:

«إذا اغتصب أمَةً فافتضّها فعليه عُشر قيمتها، وإنْ كانت حُرّة فعليه الصداق»(1) المنجبر ضعفه بالعمل، المعتضد بأنّه: «لا مَهر لبغيّ » المُشعر بثبوت المَهر لما إذا لم يكن لبغيّ ، بل صرّح بذلك في الخبر العلوي:

«كلّ جماعٍ يُدرأ عنه الحَدّ فعليه الصداق كاملاً»(2).

واختار الشيخ في موضع من «الخلاف» ثبوت المَهر، محتجّاً عليه بنهي النبيّ صلى الله عليه و آله عن مَهر البغيّ ، قال: (والبغيّ الزانية)(3) وقد عرفت أنّه يصلحُ مؤيّداً لا دليلاً.

***4.

ص: 92


1- وسائل الشيعة: ج 28/144-145 باب 39 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34427.
2- الجعفريّات (الأشعثيّات): ص 103، المستدرك: ج 18/74 ح 22088.
3- الخلاف: ج 5/394.

ولو عَلِم التحريم وعَقَد على المُحرَّم ثَبَت. ولو تشبَّهت الأجنبيّة عليه حُدَّت دونه.

فروع حدّ الزِّنا

الفرع الأوّل: (و) لا يكفي العقد بانفراده شبهةً دارئةً للحَدّ، ف (لو علم التحريم، وعَقَد على المُحرَّم ثبت) بلا خلافٍ فيه بيننا(1).

وعن غير واحدٍ: أنّ عليه إجماعنا(2).

والتعرّض له مع أنّه واضحٌ لا يحتاجُ إلى بيان، أنّ أبا حنيفة(3) إلتزم بأنّه يوجبُ الشُّبهة وهي تَدرأ الحَدّ.

نعم، لو توهّم الحِلّ به على وجهٍ اعتقده، سَقَط الحَدّ حينئذٍ، للشُّبهة الدارئة له، كما لو انفردت عنه، وإنْ كان ذلك لتقصير منه في المقدّمات، فإنّ التقصير وإنْ أوجب العقاب على الوطء، إلّاأنّه من جهة اعتقاده الجواز، يكون وطؤه شُبهةً ، وهي دارئة للحَدّ، وقد مرّ(4) أنّه ما لم يعتقد الجواز لا يصدقُ الشُّبهة.

الفرع الثاني: ولو اختصّت الشُّبهة بأحدهما، بأن اعتقد أحدهما الجواز دون الآخر، اختصّ السقوط به، كما سيمرّ عليك.

(و) عليه، ف (لو تشبّهت الأجنبيّة عليه، حُدَّت دونه) بلا خلافٍ في وجوب الحَدّ على المرأة، وعلى المشهور في سقوطه عن الرّجل.

ص: 93


1- كما عن رياض المسائل: ج 13/418 (ط. ج).
2- اُنظر مثلاً: التنقيح الرائع: ج 4/328-329.
3- راجع جواهر الكلام: ج 41/264.
4- نسبه إليه في المقتصر في شرح المختصر: ص 398.

ولو ادّعى الزوجيّة أو ما يصلح شبهةً سَقَط الحَدّ.

وعن القاضي(1): أنّه يُقام عليها الحَدّ جهراً وعليه سرّاً.

ويشهد للمشهور: ما دلّ على سقوط الحَدّ بالشُّبهة المتقدّم، ولما عن القاضي روايته، وهي رواية أبي روح: «أنّ امرأةً تشبّهت بأمَةٍ لرجلٍ ، وذلك ليلاً، فواقعها وهو يرى أنّها جاريته، فرُفع إلى عُمر، فأرسل إلى عليّ عليه السلام فقال: اضرب الرّجل حَدّاً في السِّر، واضرب المرأة حَدّاً في العلانيّة»(2).

ولكنّها رواية ضعيفة للإرسال، ولجهالة عدّة رواتها، ومع ذلك فهي معرض عنها عند الأصحاب، فلابدَّ من طرحها.

وفي «الوسائل: (أقول: حَمَله أكثر الأصحاب على شكّ الرّجل أو ظنّه وتفريطه في التأمّل، وأنّه حينئذٍ يعزّر لما تقدّم في تزويج امرأةٍ لها زوجٌ وغير ذلك، وقد رواه المفيد في «المقنعة»(3) نحوه، إلّاأنّه قال: فوطأها من غير تحرّز)(4) انتهى .

الفرع الثالث: (ولو ادّعى الزوجيّة أو ما يصلح شُبهةً ) كما لو ادّعى الإكراه (سَقَط الحَدّ) بالنسبة إلى المدّعي خاصّة، ولا يُكلّف المُدّعي بيّنةً ولا يميناً بلا خلافٍ ، وعن بعضهم(5) الإجماع عليه.

ويشهد به: صحيح أبي عُبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:2.

ص: 94


1- المهذّب: ج 2/524.
2- الكافي: ج 7/262 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/143 ح 34422.
3- المقنعة: ص 784.
4- وسائل الشيعة: ج 28/143 في التعليق على ح 34422.
5- كفاية الأحكام: ج 2/92.

ولو تزوّج المُعتدّة عالماً، حُدَّ مع الدخول، وكذا المرأة، ولو ادّعى أحدهما الجهالة المحتملة قُبِل.

«إنّ عليّاً عليه السلام اُتي بامرأةٍ مع رجلٍ فَجَر بها، فقالت: استكرهني واللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحَدّ، ولو سئل هؤلاء عن ذلك، قالوا: لا تُصدَّق وقد واللّه فَعَله أمير المؤمنين»(1).

ونحوه غيره(2) ممّا ورد في عدم الحَدّ على المستكرهة، فإنّها فيما لو أقرّت هي بالاستكراه، وليس في شيء منها التكليف بالبيّنة أو اليمين، وهي وإنْ كانت في دعوى الإكراه، إلّاأنّه يتمّ المطلوب بإلغاء خصوصيّة المورد، وبالإجماع المركّب، وعدم القول بالفصل، مع أنّ دعواه ما لم يعلم كذبه شُبهة في الحِلّ ، والحَدُّ يُدرأ بالشُّبهة.

وفي «المسالك»: (ولا يسقط فيه من أحكام الوطء، سوى الحَدّ، فلو كانت أمَةً فعليه لمولاه العقر، أو حُرّة مكرهة فمَهر المثل إنْ لم يثبت استحقاق الوطء)(3)، انتهى .

وهو يتُمّ فيما لا يقتضي الأصل سقوطه أيضاً.

الفرع الرابع: (ولو تزوّج المُعتدّة عالماً، حُدَّ مع الدخول) بها جلداً أو رجماً، (وكذا المرأة) تُحدّ لو تزوّجت في عِدّتها، مع عِلْمها بالعِدّة والتحريم.

(ولو ادّعى) أحدهما (الجهالة المحتملة، قُبل) من المُدّعي، وكذا إن ادّعياه إذا كان ممكناً في حقّهما، كما عن الحِلّي(4)، وعامّة المتأخّرين(5).6.

ص: 95


1- تهذيب الأحكام: ج 10/18 ح 51، وسائل الشيعة: ج 28/110 باب 18 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34340.
2- وسائل الشيعة: ج 28/110 باب سقوط الحَدّ عن المستكرهة على الزّنا.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 41/276.
4- السرائر: ج 3/445.
5- اُنظر مثلاً رياض المسائل: ج 13/426.

وعن «المقنعة»(1) و «النهاية»(2): إطلاق عدم القبول. وقد حَمَل كلامهما المصنّف رحمه الله على ما لا يُحتمل الشُّبهة، قال: (فلا منازعة هنا في الحقيقة)(3).

ويشهد للمشهور: - مضافاً إلى ما دلّ على أنّ الحدود تُدرأ بالشُّبهات - ما دلّ (4)من النصوص على أنّ مَن دَخَل في الإسلام وَزَنى يَسقط عنه الحَدّ ما دام لم يثبت علمه بحرمة الزّنا في الإسلام.

وأمّاالنصوص(5) الدالّة على أنّه إنْ تزوّجت ذات البعل، أو ذات عِدّة ودخل بها حُدَّت، ولا يُقبل منها دعوى الجهالة، فهي وإنْ كانت تدلّ على أنّ من تزوّج المُعتدّة، أو دخل بها يُحدّ، وكذا المرأة، وكذلك يجري عليهما الحَدّ إن ادّعيا الجهالة غير المحتملة في حقّهما، وبه يظهر الحال في كلّ جهالةٍ لا تُحتمل، ولكن ما فيها من التعليل يدلّ على الاختصاص بتلك الجهالة، وعدم الشمول للجهالة المحتملة، لاحظ:

1 - قوله في خبر الحَذّاء، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت: فإنْ كانت جاهلة بما صنعت ؟

قال: فقال عليه السلام: أليس هي في دار الهجرة ؟ قلت: بلى .

قال عليه السلام: ما من امرأةٍ اليوم من نساء المسلمين إلّاوهي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تتزوج زوجين.ا.

ص: 96


1- المقنعة: ص 780.
2- النهاية: ص 696-697.
3- مختلف الشيعة: ج 9/148.
4- وسائل الشيعة: ج 28/32 باب 14 من أبواب مقدّمات الحدود.
5- وسائل الشيعة: ج 28/108 باب 17 من أبواب حَدّ الزّنا.

ويُحدُّ الأعمى مع انتفاء الشُّبهة المحتملة لا معها.

قال: ولو أنّ المرأة إذا فَجَرت قالت لم أدر، وجَهلت أنّ الذي فعلت حراماً، ولم يقم عليها الحَدّ إذاً لتعطّلت الحدود»(1).

2 - وقوله في صحيح الكناسي، قال: «قلت: أرأيتَ إنْ كان ذلك منها بجهالةٍ؟

فقال عليه السلام: ما من امرأةٍ اليوم من نساء المسلمين إلّاوهي تعلم أنّ عليها عِدّة في طلاق أو موت، الحديث»(2).

الأعمى يُحَدّ

الفرع الخامس: (و) يجبُ أن (يُحدّ الأعمى ) مطلقاً، جلداً كان أو رجماً (مع انتفاء الشُّبهة المحتملة) بلا خلافٍ بل إجماعاً، ويشهد به عموم الأدلّة.

و (لا) يُحدُّ (معها) كما عن الأكثر على ما في «المسالك»(3)، بل المشهور كما عن الصيمري(4)، وعليه عامّة المتأخّرين كما في «الرياض»(5).

وعن الحِلّي(6) تقييده بما إذا شهد الحال بما ادّعاه، وأمّا لو شهدت الحال بخلاف ذلك، لم يُصدَّق، والظاهر رجوعه إلى ما أفاده القوم، ونظره في ذلك إلى ما في

ص: 97


1- الكافي: ج 7/192 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/125-126 ح 34383.
2- الكافي: ج 7/192-193 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/126 ح 34385.
3- مسالك الأفهام: ج 14/340.
4- غاية المرام: ج 4/313.
5- رياض المسائل: ج 15/449.
6- السرائر: ج 3/447-448.

نصوص التزويج في العِدّة، وتزويج ذات البعل المتقدّمة.

وعن «التنقيح»(1): تقييد قبوله بكونه عدلاً.

وعن الشيخين(2)، والقاضي(3)، وسلّار(4): عدم القبول مطلقاً.

والأوّل أظهر، لما دلّ على أنّ الحَدّ يُدرأ بالشُّبهة.

وفي «المسالك»: الاستدلال له أيضاً: (بأنّه مُسلّم، والأصل في إخباره المطابقة)(5).

ويردّه: أنّ خبره حجّة إنْ كان ثقةً ، بناءً على المختار من حجيّة الخبر الواحد في الموضوعات، وإلّا فلا، ولعلّه إلى ذلك نظر صاحب «التنقيح».

ويردُ عليه: أنّه وإن لم يكن قوله حجّة، إلّاأنّه شبهة، وهي تَدرأ الحَدّ، واستدلّ لما عن الشيخين بأنّه قد كان ينبغي له أن يتحرّز ويُتحفّظ من الفجور.

وفيه: إنّ ذلك لا ينافي حصول الشُّبهة كما مرّ، وهي تَدرأ الحَدّ.

***0.

ص: 98


1- التنقيح الرائع: ج 4/332.
2- المقنعة: ص 783-784، النهاية: ص 698-699.
3- المهذّب: ج 2/524.
4- المراسم العلويّة: ص 256.
5- مسالك الأفهام: ج 14/340.

ويَثبتُ بالإقرار من أهله أربع مرّاتٍ

الإقرار المُثبِت للزِّنا

(ويثبتُ ) الزّنا على كلٍّ من الرّجل والمرأة (بالإقرار من أهله) فإن أقرّا ثبت عليهما الحَدّ، وإنْ أقرّ أحدهما ثبت عليه خاصّة، بلا خلافٍ ولا إشكال، لعموم ما دلّ (1) على الثبوت بالإقرار، وللنصوص(2) الخاصّة، ولكن يشترط في الثبوت به اُمور:

1 - بلوغ المُقرّ، فلا عبرة بإقرار الصَّبي وإنْ كان مراهقاً كسائر إقراراته.

2 - كمال عقله، فلا عبرة بإقرار المجنون حال جنونه.

3 - الاختيار؛ فلا يُلتفت إلى إقرار المُكرَه عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ (3) على رفع ما استكره عليه - قول أمير المؤمنين عليه السلام في حسن أبي البختري:

«من أقرَّ عند تجريدٍ أو حبسٍ أو تخويفٍ أو تهديدٍ فلا حَدّ عليه»(4).

ولا عبرة أيضاً بإقرار السّكران والغافل والنائم.

4 - تكرار الإقرار (أربع مرّات) بلا خلافٍ ، بل عليه اتّفاق الأصحاب، إلّاما

ص: 99


1- وسائل الشيعة: ج 23/184 باب 3 من أبواب الإقرار.
2- وسائل الشيعة: ج 28/106 باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا.
3- وسائل الشيعة: ج 15/369 باب 56 من أبواب جهاد النفس، و: ج 23/224 و 235 باب 12 و 16 من كتاب الايمان.
4- تهذيب الأحكام: ج 10/148 ح 23، وسائل الشيعة: ج 23/185 ح 29343.

عن ظاهر ابن أبي عقيل(1) من الاكتفاء بالمرّة.

ويشهد له: حسن جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«ولا يُرجم الزّاني حتّى يقرّ أربع مرّات»(2).

والمعتبرة المتضمّنة لقضيّة امرأتين جاءتا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالتا: إنّا قد زنينا فطهِّرنا، وفي إحداها كان يقول في كلّ واحدةٍ : اللَّهُمَّ أنّها شهادة وهذه ثنتان إلى الأربع.

ثمّ قال: اللَّهُمَّ أنّه قد ثبت لك عليها أربع شهادات ثُمّ رَجَمها(3).

وأمّا صحيح الفضيل بن يسار، عن الصادق عليه السلام: «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّه تعالى مرّة واحدة، حُرّاً كان أو عبداً، حُرّة كانت أو أمَة، فعلى الإمام أن يقيم الحَدّ عليه للذي أقرَّ به على نفسه، كائناً من كان، إلّاالزّاني المُحصَن، فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء.

إلى أن قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّه، فما هذه الحدود التي إذا أقرَّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أُقيم عليه الحَدّ فيها؟

فقال عليه السلام: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقةٍ .

إلى أن قال: وإذا أقرّ على نفسه بالزّنا وهو غير مُحصَن، فهذا من حقوق اللّه، الحديث»(4).2.

ص: 100


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 9/165.
2- الكافي: ج 7/219 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/27 ح 34130.
3- راجع الأخبار الواردة في الباب 16 من أبواب حدّ الزِّنا من وسائل الشيعة: ج 28/106 باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا.
4- تهذيب الأحكام: ج 10/7 ح 20، وسائل الشيعة: ج 28/56-57 باب 32 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34202.

فَقَد حمله بعضهم على غير حَدّ الزّاني جمعاً، على ما نقله في «الرياض»(1).

وذكر في «الجواهر»(2) احتمالاً وهو غريبٌ ، لتصريحه عليه السلام بحَدّ الزّاني، ولكنّه لايصلحُ لمعارضة ما تقدّم فيتعيّن طرحه.

أقول: الثابت أنّه لو أقرّ دون الأربع، لم يجب الحَدّ، لكن هل يجب التعزير عليه كما عن الشيخين(3)، وابن إدريس(4)، والمصنّف في «القواعد»(5)؟

أم لا كما عن الأردبيلي(6) الميل إليه ؟

وجهان: من عدم التعزير بالإقرار الواقع عند النبيّ صلى الله عليه و آله والوصي عليه السلام، مع ما في بعضها من التراخي الطويل بين الأقارير(7).

ومن عموم ما دلّ على الأخذ بالإقرار، المقتصر في الخروج عنه على الحَدّ للدليل، وبه يثبتُ المعصية عليه فيجبُ التعزير.

وهل يعتبر كون الإقرار أربعاً في أربع مجالس، كما عن «الخلاف»(8)، و «المبسوط»(9)، وابن حمزة(10)؟0.

ص: 101


1- رياض المسائل: ج 13/430.
2- جواهر الكلام: ج 41/320.
3- المقنعة: ص 775، النهاية: ص 689.
4- السرائر: ج 3/429.
5- قواعد الأحكام: ج 3/523.
6- مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/23.
7- وسائل الشيعة: ج 28/106 باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا.
8- الخلاف: ج 5/377، المسألة 16.
9- المبسوط: ج 8/4.
10- الوسيلة: ص 410.

أم لا يعتبر ذلك، بل لو أقرّ أربعاً في مجلسٍ واحد كفى ، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه عامّة من تأخّر كما في «الرياض»(1).

وجهان، أشهرهما الثاني لإطلاق النصوص.

واستدلّ للأوّل: بالإجماع المحكيّ عن «الخلاف»، وما وقع من تعداد الأقارير عند النبيّ صلى الله عليه و آله والوصيّ عليه السلام(2).

ولكن الإجماع موهونٌ بذهاب الأكثر إلى خلافه، والوقوع عندهما كذلك لايستلزمُ عدم الحَدّ على التقدير الآخر، لعدم المفهوم لما تضمّن تلك القضايا، فإنّها قضايا في وقائع معيّنة.

ولو أقرّ بالزّنا بامرأةٍ عفيفة معيّنة، فهل يثبتُ القذف للمرأة بذلك، ليثبتَ عليه حَدّ القذف أم لا؟

فيه قولان بل أقوال:

والحقّ أن يقال: إنّه إنْ قال قولاً ظاهراً في زنا المرأة أيضاً، وعدم الشُّبهة من ناحيتها أيضاً، ثبت القذف، وإلّا فلا، لاحتمال الاشتباه والإكراه، فلا يكون إقراره بالزّنا على نفسه قذفاً لها بذلك.

وأمّا خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا تسألوا الفاجرة مَن فَجَر بكِ ، فكما هانَ عليها الفجور يهونُ عليها أن ترمي البريء المسلم»(3).0.

ص: 102


1- رياض المسائل: ج 13/431.
2- وسائل الشيعة: ج 28/106 باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا.
3- تهذيب الأحكام: ج 10/48 ح 177، وسائل الشيعة: ج 28/146 باب 41 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34430.

والعلويّ : «إذا سألتَ الفاجرة مَن فَجَر بكِ ، فقالت فلانٌ جَلَدتها حَدّين؛ حَدّاً للفجور، وحَدّاً لفريتها على الرّجل المسلم»(1).

فلا ينافيان ما ذكرناه، فإنّهما في ما لو قالت فَجَر بي فلان، ولا يشملان ما لو كان إقراره غير ظاهرٍ في فجور الطرف الآخر.

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ قال لامرأته يا زانية أنا زنيتُ بك ؟

قال عليه السلام: عليه حَدّ واحد لقذفه إيّاها، وأمّا قوله أنا زنيتُ بكِ ، فلا حَدّ فيه، إلّا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزِّنا عند الإمام»(2).

فهو مشعرٌ بما اخترناه من التفصيل.

وعليه، فما في «المسالك» من: (أنّ الوجه ثبوت القذف بالمرأة مع الإطلاق، لأنّه ظاهرٌ فيه، والأصل عدم الشُّبهة والإكراه)(3)، غير تامّ .

كما أنّ ما عن الشيخين(4) والحِلّي(5) من أنّه يثبتُ القذف مع الإطلاق، إلّاأن يفسّر بالاشتباه أو الإكراه الذي اختاره في «المسالك» أيضاً، لا يتمّ .

لو أقرّ بحَدٍّ ولم يُبيِّنه

ولو أقرَّ بحَدٍ ولم يُبيّنه، لم يُكلَّف البيان، بلا خلافٍ كما في «الرياض»(4)، وخبر

ص: 103


1- تهذيب الأحكام: ج 10/48 ح 178، وسائل الشيعة: ج 28/146 باب 41 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34431.
2- الكافي: ج 7/211 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/195 ح 34546.
3- مسالك الأفهام: ج 14/345. (4و5) حكاه عنهما في الجواهر: ج 41/284.
4- رياض المسائل: ج 13/431.

قيس الآتي شاهد به، ومعه لا يُصغى إلى ما قيل(1) من أنّ الفرض إقراره بحقٍّ عليه، فيُكلّف البيان لئلّا يلزم تعطيل الحدود.

وعن الشيخ(2)، والقاضي(3)، والمحقّق في «النافع»(4)، وصاحب «الجواهر»(5):

أنّه يُضرب حتّى يَنهي عن نفسه.

وعن الحِلّي(6) اختياره، إلّاأنّه أضاف إليه: (أنّه لا ينقص عن ثمانين، ولا يُزاد على المائة).

وعن المصنّف(7) في جملةٍ من كتبه اختياره.

وعن المحقّق في «الشرائع»(8) استصوابه في طرف الكثرة، دون طرف النقصان.

والمستند: خبر محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في رجلٍ أقرّ على نفسه بحَدٍّ ولم يُسمّ أيّ حَدٍّ هو؟

قال عليه السلام: أمر أن يُجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه في الحَدّ»(9).

واُورد عليه تارةً : بضعف السند باشتراك محمّد بن قيس بين الثقة وغيره كما5.

ص: 104


1- انظر جواهر الكلام: ج 41/286.
2- النهاية: ص 702-703.
3- المهذّب: ج 2/529.
4- المختصر النافع: ص 214.
5- جواهر الكلام: ج 41/286.
6- السرائر: ج 3/455-456.
7- تحرير الأحكام: ج 5/314 البحث الثامن في أبحاث الإقرار، قوله: (قيل: ولا يتجاوز المائة ولا ينقص عن ثمانين، وهو جيّد في طرف الكثرة لا القلّة)، قواعد الأحكام: ج 3/523، قوله: (ضُرب حتّى ينهى عن نفسه، أو يبلغ المائة).
8- شرائع الإسلام: ج 4/934.
9- الكافي: ج 7/219 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/25 ح 34125.

في «المسالك»(1).

وأُخرى : بأنّه يعارضه خبر أنس، قال: «كنتُ عند النبيّ صلى الله عليه و آله فجاءه رجلٌ فقال يا رسول اللّه إنّي أصبتُ حَدّاً فأقِمهُ عَليّ ، ولم يُسمّه، فحضرت الصلاة، فصلّى النبيّ صلى الله عليه و آله الصلاة، فقام إليه الرّجل، فقال: يا رسول اللّه إنّي أصبتُ حَدّاً فأقم فيَّ حَدّ اللّه.

قال: أليسَ قد صلّيت معنا؟ قال: نعم، قال: فإنّ اللّه غَفَر لك ذنبك، أو قال: حَدّك»(1).

وثالثة: بأنّ الحَدّ يشمل الرَّجم، والقتل بالسّيف، والإحراق بالنار، ورمي الجدار عليه، وما شاكل، فهو مجملٌ .

ولكن السند صحيحٌ على الأصحّ ، لأنّ المراد بمحمّد بن قيس فيه الثقة، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه وغيرها.

وما عن الأردبيلي(2) من تضعيفه لوجود سهل في طريقه، يدفعه ما مرّ غير مرّة من أنّ سهلاً ثقة على الأظهر.

وخبر أنس ضعيف السند، وليس من طرقنا، بل هو من طرق العامّة، مع أنّه يحتمل صدور التوبة منه، والأخير اجتهادٌ في مقابل النّص.

وبه يظهر مافي «المسالك»(4) حيث قال: (ويُشكل الخبر أيضاً باستلزامه أنّه لو نهى فيما دون الحدود المعلومة قبل منه وليس هذا حكم الحَدّ ولا التعزير، وأيضاً فإنّه2.

ص: 105


1- صحيح البخاري: ج 21/97.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/32.

من الحدود ما يتوقّف على الإقرار أربعاً، ومنها ما يتوقّف على الإقرار مرّتين، ومنها ما يكفي فيه المرّة، فلا يتمّ إطلاق القول بجواز بلوغ المائة مع الإقرار دون الأربع وبلوغ الثمانين بدون الإقرار مرّتين، واشتراط ذلك كلّه خروجٌ عن مورد الرواية رأساً)(1) انتهى .

إذ ذلك كلّه اجتهادٌ في مقابل النّص الصحيح المعمول به عند جمع من الأصحاب.

وأمّا ما عن الحِلّي(2) فقد استدلّ له: بأنّه لا حَدّ دون الثمانين.

وبما عن «المقنع»، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ أقرّ على نفسه بحَدّ ولم يبيِّن أيّ حَدٍّ هو، أن يُجلد حتّى يبلغ ثمانين، فجُلِد ثمّ قال: لو أكملتَ جلدك مائة ما ابتغيتُ عليه بيّنة غير نفسك»(3).

ويردُ على الأوّل: - مضافاً إلى أنّه لا يُعتنى به في مقابل النّص - أنّ الحَدّ في القيادة خمسة وسبعون، فليس أقله الثمانين.

ويردّ الثاني: أنّه مرسلٌ لا يصلح لتقييد الصحيح.

واستدلّ لما عن المصنّف وفي «الشرائع»(4): بأنّ الحَدّ لا يزيدُ على المائة.

أقول: وبما قدّمناه يظهر ما في ذلك أيضاً.

وعن «اللّمعة»(5)، و «الروضة»(6)، و «كشف اللّثام»(7): (أنّ إطلاق النّص).

ص: 106


1- مسالك الأفهام: ج 14/346.
2- السرائر: ج 3/455.
3- المستدرك: ج 18/15 باب 9 من أبواب مقدّمات الحدود ح 21866، المقنع: ص 438.
4- شرائع الإسلام: ج 4/935.
5- اللّمعة الدمشقيّة: ص 237.
6- الروضة البهيّة: ج 9/130-131.
7- كشف اللّثام: ج 10/419 (ط. ج).

وكلمة الأصحاب منزّل على الحَدّ الذي يقتضيه ما وقع من الإقرار، فلا يُحَدّ مائة ما لم يقرّ أربعاً، ولا ثمانين ما لم يُقر مرّتين، ولا يتعيّن المائة إذا أقرّ أربعاً، ولا الثمانون إذا أقرَّ مرّتين).

وفي «الرياض»: (ولعلّ التنزيل للجمع بين الأدلّة، ولا بأس به)(1).

وفيه: إنّ مقتضى إطلاق النّص الاكتفاء بالإقرار مرّة، وأنّه يُضرب مالم ينه وإن زاد على المائة، وحيث إنّه حكمٌ تعبّدي واردٌ في مورد خاص، ولا مقيّد له من الأدلّة، فإنّ النصوص المقدِّرة للحدود إنّما هي فيما لو أقرّ بالزّنا أو السَّرقة أو ما شاكل، وهذا الخبر فيما لو أقرّ بحَدٍّ بنحو الإجمال، فلا سبيل إلى دعوى أنّ الجمع بين الأدلّة يقتضي ذلك.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر هو ما عن الشيخين والقاضي، واللّه العالم.

***3.

ص: 107


1- رياض المسائل: ج 13/433.

أو بشهادة أربعة رجال عدُولٍ ، أو ثلاثة وامرأتين.

البيّنة المُثبتة للزِّنا

لا كلام ولا إشكال في أنّه يثبتُ الزّنا الموجب للحَدّ بالبيّنة، إنّما الكلام في العدد المعتبر فيها، وأنّه هل يكفي شهادة النساء منضمّات إلى الرجال أم لا؟

قال قدس سره: (أو بشهادة أربعة رجالٍ عدولٍ ، أو ثلاثة وامرأتين).

أقول: ثبوته بالأُولى مجمعٌ عليه، والكتاب(1) والسُّنة المستفيضة(2) شاهدان به.

وأمّا ثبوته بالثانية، فهو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر عدا من سَيُذكر كما في «الرياض»(3).

ونفى عنه «الخلاف» بعضهم، وادّعى الآخر عليه الإجماع(4).

ويشهد به: نصوصٌ عديدة:

منها: صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا تجوزُ شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يجوزُ في الرَّجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوزُ في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان، الحديث»(5).

ومنها: حسن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ ، قال:

ص: 108


1- سورة النساء: الآية 15، سورة النور: الآية 4.
2- وسائل الشيعة: ج 28/98-99 باب 14 من أبواب حَدّ الزّنا.
3- رياض المسائل: ج 13/437.
4- انظر الغنية: ص 438.
5- وسائل الشيعة: ج 27/353 باب 24 من كتاب الشهادات ح 33918.

«قال عليٌّ عليه السلام: تجوزُ شهادة النساء في الرَّجم إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، وإذا كان أربع نسوة ورجلان، فلا يجوزُ الرَّجم»(1).

ومنها: خبر زيد الشَّحام، قال: «سألته عن شهادة النساء؟

قال: لا تجوزُ شهادة النساء في الرَّجم إلّامع ثلاثة رجال وامرأتين، فإنْ كان رجلان وأربعة نسوة فلا تجوز في الرَّجم»(2).

ونحوها غيرها.

وعن العُمّاني(3)، والمفيد(4)، وسلّار(5): عدم ثبوته بها:

1 - لما دلّ من النصوص المتقدّمة على عدم قبول شهادتهنّ في الحدود.

2 - وللنصوص(6) الحاصرة لقبول الشّهادة في الزّنا بأربعة شهود، إذ ليس المراد بهم ما يعمّ النساء، فإنّ ما يحتمل إنّما هو ثبوته بثلاثة رجال وامرأتين.

3 - ولصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرَّجم، الحديث»(7).

4 - وبأنّ الحصر في الأوّل منصوصٌ في الكتاب.

5 - وبالأصل.6.

ص: 109


1- الكافي: ج 7/391 ح 9، وسائل الشيعة: ج 27/354 باب 24 من كتاب الشهادات ح 33919.
2- تهذيب الأحكام: ج 6/266-267 ح 117، وسائل الشيعة: ج 27/359 ح 33940.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/467.
4- المقنعة: ص 775.
5- المراسم: ص 254-255.
6- وسائل الشيعة: ج 28/94 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا (باب: أنّ الزّنا لا يثبت إلّابأربعة شهود يشهدون عليمعاينة الإيلاج).
7- وسائل الشيعة: ج 27/358 باب 26 من كتاب الشهادات ح 33936.

ولو شَهِد رجلان وأربعة نسوة، ثَبَت الجَلد دون الرَّجم.

ولكن نصوص عدم قبول شهادتهنّ في الحدود مطلقة، يُقيّد إطلاقها بما مرّ من النصوص.

والأخبار الحاصرة لو تمّت دلالتها، غايتها الإطلاق، والمقيّد مقدّمٌ على المطلق.

والصحيح قاصرٌ عن المعارضة للنصوص المتقدّمة الموافقة لفتوى جُلّ الأصحاب، الّتي هي أوّل المرجّحات.

وليس في الكتاب ما يدلّ على الحصر، هكذا اُجيب عن الاستدلال بالآية.

ويمكن أن يقال: إنّ قوله تعالى : (وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ ) (1)، يدلّ على ذلك، فإنّه يدلّ بالإطلاق على وجوب حَدّ القذف، وإن أتى بثلاثة رجال وامرأتين.

وعليه، فالحقّ في الجواب أنّ إطلاقه أيضاً يقيّد بالنصوص المتقدّمة، فالأظهر أنّه يثبت بها أيضاً، فما عن «المختلف»(2) من التوقّف ضعيفٌ .

(ولو شَهِد رجلان وأربعة نسوة، ثَبَت الجَلد دون الرَّجم) كما عن الشيخ في «النهاية»(3)، والإسكافي(4)، والحِلّي(5)، والمصنّف هنا، وفي «التحرير»(6)،ة.

ص: 110


1- سورة النور: الآية 4.
2- مختلف الشيعة: ج 4/470.
3- النهاية: ص 332.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/471.
5- السرائر: ج 2/137.
6- تحرير الأحكام: ج 5/308، البحث الأوّل من بحوث البيّنة.

و «القواعد»(1)، والشهيدين في اللّمعتين(2).

ووعن العلّامة المجلسي(3): أنّه المشهور بين الأصحاب.

وعن الصدوقين(4)، والقاضي(5)، والحلبي(6)، والمصنّف في «المختلف»(7): عدم ثبوت الجَلد.

وقال في «المسالك»: (وليس على ثبوت الجَلد بشهادة رجلين وأربع نساء دليلٌ صالحٌ ، فإنّ جماعة من الأصحاب ذهبوا إلى عدم وجوب شيء بهذه البيّنة لذلك، وهو الوجه)(8).

وعن الشيخ في «الخلاف»(9): ثبوت الرَّجم بها أيضاً.

أقول: والأوّل أظهر لموثّق الحلبي كالصحيح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أنّه سُئل عن رجلٍ مُحصَن فَجَر بامرأةٍ ، فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان، وجب عليهم الرَّجم، وإن شهد عليه رجلان وأربعة نسوة، فلا تجوز شهادتهم ولا يُرجم، ولكن يُضرَب حَدّ الزّاني»(10).

واستدلّ للثاني: بصحيح محمّد بن الفضيل، عن أبى الحسن الرّضا عليه السلام فى حديثٍ ، قال:9.

ص: 111


1- قواعد الأحكام: ج 3/524.
2- الروضة البهيّة: ج 9/49.
3- ملاذ الأخيار: ج 10/136، الحديث 110.
4- فقه الرّضا: ص 262، المقنع: ص 402.
5- المهذّب: ج 2/558، وذهب الى الرأي الأوّل في: ج 2/526.
6- الكافي في الفقه: ص 436.
7- مختلف الشيعة: ج 8/472.
8- مسالك الأفهام: ج 14/249، والعبارة منقولة معنىً لا لفظاً.
9- الخلاف: ج 6/251، المسألة 2.
10- من لا يحضره الفقيه: ج 4/25 ح 4993، وسائل الشيعة: ج 28/132 ح 34399.

ولا يُقبل رَجلٌ واحدٌ مع النساء وإنْ كَثُرن،

«وتجوزُ شهادتهنّ في حَدّ الزّنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوزُ شهادة رجلين وأربع نسوة في الزّنا والرَّجم»(1).

إذ ليس في ذكر الزّنا مع الرَّجم فائدة إلّابيان عدم ثبوت الجَلد أيضاً، المؤيّد بعموم ما دلّ على قبول شهادتهنّ في الحدود.

أقول: ولكن الصحيح وإنْ كان في نفسه ظاهراً في ذلك، لما ذكر، ولإطلاق قوله عليه السلام: «لا تجوزُ في الزّنا»، إلّاأنّ الجمع بينه وبين الموثّق يقتضي تقييد إطلاقه به.

وحمل قوله في الزّنا والرَّجم على إرادة الزّنا المترتّب عليه جميع أحكامه منها الرَّجم، ليكون قوله «والرَّجم» تفسيراً للزِّنا، وإن أبيت عن كون ذلك جمعاً عرفيّاً، فالموثّق يُقدّم للشهرة.

وأمّا عموم ما دلّ على عدم قبول شهادتهنّ في الحدود، فيخصّص بالموثّق، ومعه لا يصلح للتأييد.

وأمّاما عن «الخلاف» فلم أظفر بمستنده، والنصوص المتقدّمة تدلّ على خلافه.

وعليه، فما هو المشهور هو المنصور.

أقول: (و) بما ذكرناه ظهر أنّه (لا يُقبل) شهادة (رجلٍ واحد مع النساء وإن كثرن) كستِ نساءٍ أو أكثر، ولا شهادة النساء منفردات عن الرِّجال، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لا خلاف يعتدّ به، لما دلّ (2) على عدم قبول شهادتهنّ في الحدودب.

ص: 112


1- تهذيب الأحكام: ج 6/264 ح 110، وسائل الشيعة: ج 27/352 ح 33915.
2- وسائل الشيعة: ج 27 باب 24 من كتاب الشهادات ح 33913 و 33915 وغيرهما من نفس الباب.

ولو شَهِد أقلّ من أربعة حُدُّوا للفِرية.

المقيّد إطلاقه بما مرّ، ولمفهوم صحيح محمّد بن الفضيل المتقدّم.

وأمّا عدم ثبوت الرَّجم بهما فالنصوص المتقدّمة شاهدة به، مضافاً إلى ذلك.

(ولو شهد أقلّ من أربعة) ومن في حكمهم لم يثبت الحَدّ و (حُدّوا للفرية) إجماعاً للآية الكريمة(1) المتقدّمة، ولتسميتهم اللّه تعالى كاذبين، حيث قال سبحانه: (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اَللّهِ هُمُ اَلْكاذِبُونَ ) (2)، وللأخبار الكثيرة(1) الآتي طرف منها.

بل لو أقام الشّهادة بعض الشهود في وقت عدم حضور الباقين على وجهٍ لايحصل به اتّصال الشّهادة عرفاً، حُدّوا للقذف، ولا يُنتظر إتمام البيّنة، بلا خلافٍ مُحقّق أجده فيه، إلّاما يُحكى عن جابر بن سعيد، وهو شاذٌ، كذا في «الجواهر»(2).

ويشهد به: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام:

«في ثلاثة شهدوا على رجلٍ بالزّنا؟ فقال عليه السلام: وأين الرابع ؟ قالوا: الآن يجيء، فقال علي عليه السلام: حدّوهم فليس في الحدود نظر ساعة»(3).

وخبر عبّادالبصري، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن ثلاثة شهدوا على رجلٍبالزّنا، وقالوا الآن يأتي بالرابع ؟1.

ص: 113


1- وسائل الشيعة: ج 28/94 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا.
2- جواهر الكلام: ج 41/304.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/34 ح 5021، وسائل الشيعة: ج 28/96 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34311.

قال عليه السلام: يُجلدون حَدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ رجلٍ منهم»(1).

المنجبر ضعفهما لو كان بالعمل والاستناد.

وهل تُقبل الشّهادة إذا تكاملت الشهود، بأن حَضَر الرابع بعد الحَدّ وشَهد؟

الظاهر ذلك، كما عن الشيخ(2) وغيره(3)، لإطلاق الأدلّة، وعدم الدليل على اعتبار حضور الجميع قبل الشّهادة للإقامة، بحيثُ لا يكفي لو تفرّقوا في الحضور، وإن اجتمعوا في الإقامة، كما عن المصنّف رحمه الله في «القواعد»(3) وولده في الشرح(4).

وأمّا ما ذكروه من اعتبار ايقاع الشّهادة في مجلسٍ واحد، فإنْ كان إجماعيّاً كما هو ظاهر «المسالك»(5)، وعن ظاهر «المختلف»(7)، وإلّا فالأظهر عدم اعتباره أيضاً، والظاهر عدم الإجماع.

قال الشيخ في «الخلاف»: (إذا تكامل شهود الزّنا، فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلسٍ واحد أو في مجالس، وشهادتهم مفترقين أحوط)(6) انتهى .

ولا فرق في ثبوت الحَدّ على الشهود بين ما إذا لم يَحضر بعضهم مجلس الشّهادة، أو حَضَر ولم يشهد، لصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يُجلد رجلٌ ولا امرأة حتّى يشهد عليهما أربعة شهود على الإيلاج والإخراج.1.

ص: 114


1- وسائل الشيعة: ج 28/96 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34312.
2- الخلاف: ج 5/389. (3و7) مختلف الشيعة: ج 9/126.
3- قواعد الأحكام: ج 3/525.
4- إيضاح الفوائد: ج 4/476.
5- مسالك الأفهام: ج 14/356.
6- الخلاف: ج 5/388، المسألة 31.

ويُشترط في الشّهادة اتّفاقها من كلّ وجهٍ ،

وقال: لا أكون أوّل الشهودالأربعة، أخشى الرّوعة أن يَنكل بعضهم فاُجلد»(1).

فما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(2) من عدم ثبوت حَدّ القذف في الثاني، غريبٌ ، وأغرب منه ما استدلّ به لذلك من الوجوه الاعتباريّة.

اعتبار الاتّفاق والمشاهدة في الشّهادة

(ويُشترط في الشّهادة اتّفاقها من كلّ وجه) بتواردهم على الفعل الواحد، فلو اختلفوا كأن شَهد بعضهم على وجهٍ مخصوص، والباقون على غيره، أو شهد بعضهم في زاويةٍ مخصوصة أو بيتٍ ، والآخرون في غيره، أو شَهِد بعضهم في يوم الجمعة والباقون في يوم السبت وهكذا، لم يُحدّ المشهود عليه، وحُدّ الشهود للفرية، بلا خلافٍ ، بل ولا إشكال مع عدم اتّفاق الشهود على شيء واحد، كما في غير المقام من موارد الشّهادة.

أقول: ومع ذلك يشهد به موثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ يشهد عليه ثلاثة رجال أنّه قد زنا بفلانة، ويشهدُ الرابع أنّه لا يدري بمن زنى ؟

قال: لا يُحدّ ولا يُرجم»(3).

ص: 115


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/24 ح 4991، وسائل الشيعة: ج 27/409 ح 34077 و: ج 28/97 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34314.
2- مختلف الشيعة: ج 9/126.
3- الكافي: ج 7/210 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/95 ح 34309.

والمُشاهَدة عياناً كالمِيل في المِكْحَلة.

وهل يعتبر زائداً على ذلك أنّه لو تعرّض بعضهم لخصوصيّةٍ تعرّض الباقين لها، ولا يكفي الإطلاق، ولا قوله لا أعلم، ليكون ذلك شرطاً تعبّديّاً في المقام، كما هو الظاهر من عبارات الأصحاب على ما قيل ؟

أم لا يعتبر ذلك، كما هو صريح «المسالك»(1) وغيرها؟

وجهان، من الموثّق والتتميم في غير مورده بالإجماع المركّب، ومن أنّه حكمٌ تعبّدي يُقتصر على مورده، ولا إجماع مركّب، وهذا هو الأظهر.

وعليه، فلو أطلق الشهود بمعاينة الإدخال والإخراج على وجه الزّنا، من غير تعرّضٍ للزمان والمكان كفى، ويُحدّ المشهود عليه كما صرّح به الأصحاب.

قال الشيخ في محكيّ «النهاية»: (فالبينة بالزّنا وهو أن يشهد أربعة نفر عدول على رجلٍ بأنّه وطئ امرأةً ، وليس بينه وبينها عقدٌ ولا شُبهة عقدٍ، شاهدوه وطئها في الفرج، فإذا شهدوا كذلك قُبِلَت شهادتهم، وحُكم عليه بالزّنا، وكان عليه ما على فاعله ممّا نبينه فيما بعد)(2) انتهى .

وهذا صريحٌ في عدم اعتبار التقييد بالزمان والمكان، وقريبٌ منه كلمات غيره.

(و) كذا يعتبر فيها ذكر (المشاهدة عياناً) للولوج في الفَرج (كالميل في المِكْحَلة):9.

ص: 116


1- مسالك الأفهام: ج 14/356.
2- النهاية: ص 689.

1 - لصحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين: لا يُرجم رجلٌ ولا امرأة حتّى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج»(1).

2 - وصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «حَدّ الرَّجم أن يشهد أربع أنّهم رأوه يُدخل ويُخرج»(2).

3 - وموثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «لا يرجم الرّجل والمرأة حتّى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج، والإدخال كالميل في المِكحلة»(3).

ونحوها غيرها، هكذا استدلّوا في المقام.

والحقّ في المقام أن يقال: إنّ في المقام أُموراً:

1 - إنّه هل يتوقّف ثبوت الحَدّ على كون الشّهادة بخصوص الإدخال والإخراج، أم تكفي الشّهادة بالمقدّمات كالجلوس منها مجلس الرّجل من امرأته ؟

2 - هل يعتبر العلم بذلك أم يكفي الظَّن مثلاً؟

3 - هل يعتبر زائداً على العلم، الشّهادة بالرؤية، فلو عَلموا بذلك من غير ناحية الرؤية لا يكفي، أم لا يعتبر ذلك ؟

4 - هل يعتبر كون الشّهادة نصّاً، أم يكفي الظهور العرفي ؟

وقد وقع الكلام بينهم في كلّ واحدٍ من هذه الاُمور مع الخلط بينها.7.

ص: 117


1- الكافي: ج 7/183-184 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/94-95 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34305.
2- الكافي: ج 7/183 ح 1 ومثله رواية أبي بصير: ص 184 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/94 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34304 ومثله ح 34308.
3- الكافي: ج 7/184 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/95 ح 34307.

أمّا الأوّل: فالظاهر اعتباره للنصوص المتقدّمة، ولما دلّ على ثبوت الحَدّ للزِّنا، وأنّ حقيقته إدخال الذكر في فرج من تَحرم عليه.

وأمّا موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قال الشاهد إنّه قد جلس منها مجلس الرّجل من امرأته أُقيم عليه الحَدّ»(1).

ففي «الجواهر»: (إنّه قاصرٌ عن مقاومة غيره سنداً وعدداً بل وعملاً)(2).

وعن الشيخ(3)، والعلّامة المجلسي(4): العمل به، والجمعُ بينه وبين النصوص المتقدّمة، بأنّه في الجَلد وهي في الرَّجم، فلا تَعارض.

قال المجلسي رحمه الله: (وأمّا الأخبار الواردة في اجتماع الرّجل والمرأة في لحافٍ واحد، فمنها ما يدلّ على الحَدّ، وهو موافقٌ للموثّق، ومنها ما يدلّ على النقيصة، وهو يُحمل على التقيّة).

أقول: أمّا أخبار المضاجعة في لحاف واحد، فسيأتي الكلام فيها عند تعرّض المصنّف رحمه الله لتلك المسألة، وأمّا الموثّق فالظاهر منه كون التعبير المذكور تعبيراً عن الزّنا، وليس المراد به جلوسه في وسط رجليها من دون أن يدخل بها، ويكون ذلك تعبيراً كنائيّاً، وعليه فلا ينافي النصوص الدالّة على اعتبار الإدخال والإخراج.

وأمّا الأمر الثاني: فيشهد باعتباره جميع ما دلّ على اعتبار العلم بالمشهود به في الشّهادة، وأمّا النصوص المتقدّمة فليس فيها ما يدلّ على ذلك، سوى تضمّن الشّهادة بالرؤية، ولكن العمومات كافية.2.

ص: 118


1- الكافي: ج 7/182 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/97 ح 34313.
2- جواهر الكلام: ج 41/299.
3- الاستبصار: ج 4/218 ذيل حديث 5.
4- مرآة العقول: ج 23/276، الحديث الحادي عشر، وملاذ الأخيار: ج 16/82.

وأمّا الأمر الثالث: فقد يستدلّ لاعتبار كون الشّهادة بالرؤية، بأنّ الشّهادة إنّما تُسمع بما عوين أو سَمع، ولا معنى للزِّنا حقيقةً إلّاذلك، فلا تُسمع الشّهادة به إلّاإذا عوين كذلك، ذكره في «الرياض»(1).

ويرد عليه: ما تقدّم منَّا في كتاب الشهادات(2) من أنّه لا دليل على اعتبار السماع أو المعاينة في الشّهادة، وإنّما المعتبر هو العلم خاصّة.

وقد يستدلّ له: بخبري أبي بصير، المتضمّنين لقوله عليه السلام: «حَدُّ الرَّجم في الزّنا أن يَشهد أربعة أنّهم رأوه يُدخل ويُخرج»(3).

وقريب منهما غيرهما.

ولكن بواسطة ما دلّ على اعتبار العلم في الشّهادة، وبقيّة نصوص الباب، المتضمّنة لأنّه لا يُرجم إلّاإذا شهد عليه أربعة شهداء بالإيلاج والإدخال، بلا اعتبار شيءٍ آخر، وكون الرؤية طريقاً إلى العلم بالمشهود به، يمكن أن يقال إنّ الرؤية المأخوذة في الموضوع إنّما هي لأجل طريقيّتها إلى ثبوت المشهود به، الذي يكون من المبصرات لا لخصوصيّة فيها. وعليه فسبيل الخبرين سبيل ما دلّ على اعتبار العلم في الشّهادة، ولا يدلّان على اعتبار شيء زائداً عليه، ويترتّب على هذا قيام الأمارات الاُخر مقامها، وكذا العلم الحاصل من طريقٍ آخر. وإن أبيتَ عن ذلك، فالمتعيّن تخصيصهما بموردهما، وهو الرَّجم، ولا دليل على اعتبار الرؤية والمشاهدة في ثبوت الجَلد، وإطلاق سائر الأدلّة والأصل يدلّان على عدم الاعتبار.8.

ص: 119


1- رياض المسائل: ج 13/440.
2- صفحة 7 من هذه المجلّد.
3- الكافي: ج 7/183 و 184 ح 1 و 5، وسائل الشيعة: ج 28/94 و 95 ح 34304 و 34308.

ولو شَهِدوا بالمُضاجعة والمعانقة والتقبيل والتفخيذ، ثَبَت التعزيرُ.

والإجماع المركّب التعبّدي غيرُ ثابتٍ ، سيّما وأنّ جماعة اعتبروا المشاهدة، لبنائهم على اعتبارها في الشهادات مطلقاً، وبالتالي فلا ينبغي التوقّف في عدم اعتبار المشاهدة في ثبوت الجَلد.

وأمّا الأمر الرابع: فالنصوص المتقدّمة المصرّحة بالشهادة بالإيلاج والإخراج والجماع، وإنْكانت مُشعرة باعتبار الصراحة، ولكن الظاهركفاية الظهور العرفي، فإنّه إذا كان لكلامه ظهورٌ في الإيلاج، كان ذلك شهادة به، ويشمله إطلاق الأدلّة المتقدّمة.

وما في «الرياض»(1) من أنّه إذا شهد لا بنحو الصراحة، كما لو شهد بأنّه زنى، وبما أنّ الزّنا يُطلق على التفخيذ ونحوه، فلو لم يصرّح الشهود بالإدخال والإخراج لم تكن الشّهادة نصّاً في الموجب للحَدّ.

يدفعه: أنّه لا يضرّ عدم كونه نصّاً فيه، بعد كونه ظاهراً والظهور حجّة عقلائيّة.

وبما ذكرناه ظهر ما في كلمات القوم في المقام.

حَدّ التقبيل والمضاجعة

(ولو شهدوا بالمضاجعة، والمعانقة، والتقبيل، والتفخيذ) ونحو ذلك ممّا هو استمتاع بما دون الفرج، ومحرّم (ثَبَت التعزير) خاصّة، فيناط بما يراه الحاكم، بلا خلافٍ :

ص: 120


1- رياض المسائل: ج 13/440.

1 - للنصوص(1) الدالّة على أنّ كلّ من خالف الشرع فعليه حَدّ أو تعزير.

2 - وخصوص النصوص الدالّة على ثبوت التعزير في هذا الباب في الموارد الخارجة عمّا قَدَر فيها الحَدّ، كزنا غير البالغ، والبالغة، وغيرهما، والتعزير إنّما فوّض إلى الحاكم.

ولكن في خصوص ما لو وُجِد الرّجل والمرأة في لحافٍ واحد روايتين:

إحداهما: ثبوت الحَدّ عليهما، لا حظ صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «حَدّ الجَلد أن يوجدا في لحافٍ واحد، الحديث»(2).

وحسن ابن سنان، عنه عليه السلام: «حَدّ الجَلد في الزّنا أن يوجدا في لحاف واحد»(3).

وصحيح الحذّاء، عنه عليه السلام: «إذا وُجد الرّجل والمرأة في لحافٍ واحد جُلدا مائة جلدة»(4).

ونحوه خبر أبي بصير(5).

وموثّق البصري، عنه عليه السلام: «إذا وجد الرّجل والمرأة في لحافٍ واحد، قامت عليهما بذلك بيّنة، ولم يطّلع منهماعلى سوى ذلك، جُلِد كلّ واحدٍ منهما مائة جلدة»(6).

وصحيح الكناني، عنه عليه السلام: «في الرّجل والمرأة يوجدان في لحافٍ واحد جُلدا8.

ص: 121


1- وسائل الشيعة: ج 28/14 باب 2 من أبواب مقدّمات الحدود.
2- الكافي: ج 7/181 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/84 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34270، ومثله ما في: ج 20/324 ح 25731.
3- الكافي: ج 7/181 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/324 ح 25731.
4- الكافي: ج 7/181 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/85 ح 34274.
5- وسائل الشيعة: ج 28/89 ح 34286.
6- الكافي: ج 7/181 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/87 ح 34278.

مائة مائة»(1).

ونحوها غيرها.

ثانيتهما: ما دلّ على أنّه يُجلد كلّ واحدٍ منهما دون الحَدّ كصحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام وَجد رجلاً وامرأة في لحافٍ واحد، فضرب كلّ واحد منهما مائة سوط إلّاسوطاً»(2).

وخبر الشّحام، عنه عليه السلام: «في الرّجل والمرأة يوجدان في اللّحاف ؟

قال عليه السلام: يُجلدان مائة مائة غير سوط»(3).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وربما يجمع بينهما:

تارةً : بحمل نصوص المائة على التقيّة.

وأُخرى : على علم الإمام بالزّنا.

وثالثة: على من عزره الإمام دفعتين.

ولكن الحمل على التقيّة يتمّ مع عدم إمكان الجمع، وعدم وجود غيره من المرجّحات السابقة على ذلك، والأخيرين جمعان تبرّعيان لا شاهد لهما، بل موثّق البصري يشهدُ بخلاف الأوّل.

والصحيح أن يقال: إنّ نصوص المائة أعرض الأصحاب عنها، فهي ساقطة عن الحجيّة، ولابأس بحملها على التقيّة، وقد ورد نظيرها في رجلين أو امرأتين يوجدان2.

ص: 122


1- الكافي: ج 7/181 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/87 ح 34279.
2- الفقيه: ج 4/23 ح 4989، وسائل الشيعة: ج 28/89 ح 34289.
3- وسائل الشيعة: ج 28/85 ح 34272.

ولو أقرَّ بما يوجبُ الرَّجم ثُمّ أنكر سَقَط،

في لحافٍ واحد، وفي الرجلين رواية(1) مشعرة بكون ذلك للتقيّة.

وأمّا المائة إلّاسوط، فلم أجد قائلاً بتعيّنها، بل المشهور بين الأصحاب عدم التقدير، إلّابما دون الحَدّ، ولا بأس بحمل نصوصها على إرادة المائة إلّاسوط فما دون الحَدّ، بقرينة فتوى الأصحاب.

وأمّا ما عن «المقنعة»(2)، والإسكافي(3): من التحديد في طرف الأقلّ بالعشرة فلا وجه له، كما لا وجه لما عن بعضهم من التحديد بالثلاثين فما فوق.

لو أقرّ بالزّنا ثمّ أنكر

(ولو أقرَّ بما يوجبُ الرَّجم، ثمّ أنكر، سَقَط) عنه بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع، له وللصحيح المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«من أقرَّ على نفسه بحَدٍّ أقمته عليه، إلّاالرَّجم، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثُمّ جَحَد لم يُرجَم»(4).

وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في رجلٍ أقرَّ على نفسه بحَدٍّ ثمّ جَحد بعد؟

فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق ثُمّ جَحَد قَطعتُ يده وإن رغم أنفه، وإن أقرّ على نفسه أنّه شَرب خمراً أو بفريّةٍ فاجلدوه ثمانين جلدة.

ص: 123


1- وسائل الشيعة: ج 28/84 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34271.
2- المقنعة: ص 774.
3- نسبه إليه في رياض المسائل (ط. ق): ج 2/462.
4- الكافي: ج 7/220 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/27 ح 34128.

ولو كان بحَدٍّ لم يسقط، ولو أقرّ ثُمّ تابَ تخيّر الإمام.

قلت: فإنْ أقرّ على نفسه بحَدٍّ يجبُ فيه الرَّجم أكنتَ راجمه ؟

قال: لا، ولكن كنتُ ضاربه الحَدّ»(1).

ومثله صحيحا(2) محمّد والكناني، وصحيحه الآخر، ومرسلا جميل(3).

(و) منها يستفاد أنّه (لو كان) الإقرار (ب) موجب (حَدٍّ) ثمّ جَحَد (لم يسقط، ولو أقرّ) بموجب حَدٍّ (ثمّ تاب) عنه (تخيّر الإمام) في الإقامة عليه والعفو عنه، رجماً كان أو غيره، بلا خلافٍ إلّاعن الحِلّي(4) في الرَّجم.

واستدلّله: بمرسل البرقي، وخبر «تحف العقول» الآتيين، وهما وإنْ كانا مطلقين شاملين لصورة الرجوع والتوبة وعدمهما، لكنّه يقيّد إطلاقهما في صورة الرجوع بالصِّحاح المتقدّمة، وفي صورة عدم التوبة بالإجماع، فيختصّان بصورة التوبة، وهما وإنْ اختصّا بالإمام كظاهر الفتاوى، إلّاأنّ الظاهر بواسطة التعليل في خبر «تحف العقول» كون المراد بالإمام مطلق من يُجري الحدود أو يتعدّى عنه إلى غيره بعموم العلّة، وعدم القول بالفصل، فيثبتُ التخيير للحاكم أيضاً في زمان الغيبة.

ولا فرق في ذلك بين حدود اللّه والحدود التي للناس، وإنْ كان بينهما فرقٌ من ناحية أُخرى ، وهي أنّه في حقّ النّاس لصاحب الحقّ أن يَعفى عنه دون الإمام، كما يشهد به نصوصٌ :4.

ص: 124


1- الكافي: ج 7/220 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/26 ح 34126.
2- وسائل الشيعة: ج 28/26 ح 34126.
3- وسائل الشيعة: ج 28/27 ح 34130، 34129.
4- السرائر: ج 3/444.

ولو تابَ بعد البيّنة، تحتَّمت الإقامة، ولو كان قبلها سَقَط الحَدُّ.

منها: خبر الكناسي، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «لا يُعفى عن الحدود التي للّه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ النّاس في حَدٍّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(1).

وسيأتي تمام الكلام فيه في حَدّ السَّرقة.

(ولو تاب) عن موجب الحَدّ (بعد) قيام (البيِّنة، تحتَّمت الإقامة، ولو كان قبلها سَقَط الحَدّ) على المشهور في الأوّل، وبلا خلافٍ في الثاني.

يشهد للأوّل:

1 - خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجل اُقيمت عليه البيّنة بأنّه زنى، ثمّ هَرَب قبل أن يُضرب ؟

قال عليه السلام: إنْ تابَ فما عليه شيء، وإن وقع في يد الإمام أقام عليه الحَدّ، وإن علم مكانه بعث إليه»(2).

والمراد من قوله عليه السلام: «فما عليه شيء» بقرينة ما بعده فيما بينه وبين اللّه تعالى .

2 - وما دلّ على الفرق بين الإقرار والبيّنة: كمرسل البرقي، عن بعض الصادقين عليهم السلام في حديثٍ : «إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرّجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عَفى وإنْ شاء قطع»(3).5.

ص: 125


1- وسائل الشيعة: ج 28/40 باب 18 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34163.
2- الكافي: ج 7/251 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/37 ح 34157.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/62 ح 5106، وسائل الشيعة: ج 28/41 باب 18 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34165.

3 - وخبر «تحف العقول»، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام، في حديثٍ :

«وأمّا الرّجل الذي اعترف باللّواط، فإنّه لم يقم عليه البيّنة، وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، الحديث»(1).

4 - وما دلّ على الرَّد إلى الحفيرة لو قامت البيّنة، وعدمه لو أقرّ، كخبر الحسين ابن خالد، قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن المُحصّن إذا هرب من الحفيرة هل يُردّ حتّى يُقام عليه الحَدّ؟

قال عليه السلام: يُردّ ولا يُردّ، فقلت: وكيف ذاك ؟

فقال: إنْ كان هو المُقرّ على نفسه ثُمّ هَرَب من الحفيرة بعدما يُصيبه شيء من الحجارة لم يردّ، وإنْ كان إنّما قامت عليه البيّنة وهو يجحد، ثمّ هَرب رُدَّ، وهو صاغرٌ حتّى يُقام عليه الحَدّ، الحديث»(2).

ونحوه غيره، فتأمّل.

ويشهد للثاني: أي لو تاب قبل قيام البيّنة سقط الحَدّ، مرسل جميل كالصحيح، عن أحدهما عليهما السلام:

«في رجلٍ سَرق أو شرب الخمر أو زنا، فلم يعلم ذلك منه، ولم يؤخذ حتّى تابَ وصلح ؟

فقال عليه السلام: إذا صَلُح وعُرف منه أمرٌ جميل، لم يقم عليه الحَدّ.

قال ابن أبي عُمير: قلت: فإن كان أمراً قريباً لم تقم ؟2.

ص: 126


1- وسائل الشيعة: ج 28/41 ح 34166.
2- وسائل الشيعة: ج 28/101 باب 15 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34322.

قال: لو كان خمسة أشهر أو أقلّ ، وقد ظهر منه أمرٌ جميل لم تقم عليه الحدود، روى ذلك بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام، ولو ادّعى إذا أخذ التوبة قبل الثبوت، قُبل من غير يمين للشُّبهة»(1).

***6.

ص: 127


1- الكافي: ج 7/250 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/36-37 باب 16 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34156.

ويُقتل الزّاني بأُمّه أو بإحدى المُحرّمات نَسَباً،

حَدّ الزّاني بإحدى المحارم

(و) أمّا الأمر الثاني: وهو بيان الحَدّ وأقسامه:

اعلم أنّه إنّما (يُقتل الزّاني) إذا زنى (باُمّه، أو بإحدى المُحرّمات نَسَباً) كالبنت، والاُخت، والعمّة، والخالة ومن شاكل، بلا خلافٍ أجده، وبه صرّح جماعة بلغوا حَدّ الاستفاضة كما في «الرياض»(1).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(2).

ويشهد به طائفة من الأخبار:

1 - حسن عبد اللّه بن بكير بن أعين كالصحيح، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«من زنا بذات محرمٍ حتّى يواقعها، ضُرب ضربةً بالسّيف أخذت منه ما أخذت، وإنْ كانت تابعته ضُرِبتْ بالسّيف أخذت منها ما أخذت.

قيل: فمن يضربهما، وليس لها خصم ؟

قال عليه السلام: ذاك إلى الإمام عليه السلام إذا رفعا إليه»(3).

ومنها: خبر جميل، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يأتي ذات محرمٍ أين يُضرَب بالسّيف ؟ قال: رقبته»(4).

ص: 128


1- رياض المسائل: ج 13/447.
2- جواهر الكلام: ج 41/309.
3- الكافي: ج 7/190 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/113 ح 34348.
4- الاستبصار: ج 4/208 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/114 ح 34350.

وفي خبره الآخر: «تُضرب عنقه» أو قال: «تُضرب رقبته»(1).

ومنها: مرسل ابن بكير، عن رجلٍ ، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يأتي ذات محرم ؟ قال عليه السلام: يضرب بالسّيف، قال ابن بكير: حدّثني حريز عن بكير بذلك»(2).

ومنها: خبر عامر بن السمط، عن علي بن الحسين عليهما السلام: «في الرّجل يقع على اُخته ؟ قال عليه السلام: يُضرب ضربةً بالسّيف بلغت منه ما بلغت، فإنْ عاش خُلّد في السجن حتّى يموت»(3).

ونحوها غيرها المنجبر ضعف بعضها بالعمل.

وأمّا دلالتها فقد استشكل فيها في «الرياض»(4) نظراً إلى أنّها تدلّ على الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً، أو في الرقبة، وهي لا تستلزم القتل، كما في صريح بعضها، أي المشتمل على التخليد في الحبس مع فرض عدم إتيانها عليه.

ولكنّه يندفع: بأنّه لو تمّ ما أفاده في النصوص، كفى للحكم بالقتل للنبويّ (5)المنجبر بالإجماعات المحكيّة أنّه صلى الله عليه و آله قال:

«من أتى ذات محرمٍ فاقتلوه».

مع أنّ الوارد أحد أخبار جميل: «يُضرَب بالسّيف رقبته»، وفي آخر: «يُضرب).

ص: 129


1- الاستبصار: ج 4/208 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/114 ح 34350.
2- الكافي: ج 7/190 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/114 ح 34352.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/29 ح 3261، وسائل الشيعة: ج 28/116 باب 19 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34357.
4- رياض المسائل: ج 13/448.
5- المستدرك: ج 18/59 باب 17 من أبواب حَدّ الزنا ح 7 (22032).

أو رضاعاً،

عنقه» وكلاهما ظاهران في القتل، وبذلك يظهر دلالة الحسن عليه، وأنّ المراد من الضربة فيه ذلك.

وأمّا خبر التخليد في السجن، فلضعف سنده(1)، وعدم عمل الأصحاب به، لايصلحُ للمقاومة لما تقدّم، وكذا خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا زنا الرّجل بذات محرمٍ حُدّ حَدّ الزّاني، إلّاأنّه أعظم ذنباً»(2).

أقول: والأحوط أن يُقتل بضربةٍ بالسّيف في عنقه.

وقد وقع الخلاف في أنّه هل تلحق المحرّمات رضاعاً بالمحرّمات النسبيّة ؟

فعن «المبسوط»(3)، و «الخلاف»(4)، و «الجامع»(5): الإلحاق، وهو صريح الماتن هنا، حيث قال (أو رضاعاً).

وعن «المختلف»(6)، وبني إدريس(7) وزُهرة(8) وحمزة(9): عدم الإلحاق.0.

ص: 130


1- الكافي: ج 7/190 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/114 باب 19 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34351 ومثله ح 34357.
2- تهذيب الأحكام: ج 10/23-24 ح 71، وسائل الشيعة: ج 28/115 باب 19 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34355.
3- المبسوط: ج 8/8.
4- الخلاف: ج 5/386، المسألة 29.
5- الجامع للشرايع: ص 549.
6- مختلف الشيعة: ج 7/42-43 مسألة 8، قال الشيخ في (الخلاف): (إذا حصل الرّضاع المحرّم...) وبعد نقل الأقوال بالحرمة قال: (ونحن في ذلك من المتوقّفين).
7- السرائر: ج 3/438.
8- غنية النزوع: ص 421.
9- الوسيلة: ص 410.

أو بامرأة الأب،

وأيضاً: وقع الخلاف في إلحاق المحرّمات السَببيّة كأُمّ الزّوجة وبنتها بهنّ وعدمه:

قال في «الرياض»: (ألحق الشيخ(1)، والحلبي(2)، والقاضي(3)، والحِلّي(2)، وبنو

زُهرة(3)، وحمزة(4) وجماعة من المتأخّرين: امرأة الأب)(5)، وهو مختار الماتن، حيث قال: (أو بإمرأة الأب).

أقول: قد يتوهّم أنّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة الإلحاق في الموردين، فإنّ المُحرّم من يحرم نكاحها مؤبّداً بنَسَبٍ أو بسببٍ أو رضاع، ولكن المنساق إلى الذهن ممّن اُخذ في النصوص - وهو ذات محرم - من تكون محرمة بقول مطلق وفي نفسها، فلا تشمل من صارت محرمة بالمصاهرة أو الرّضاع وما شاكل.

قال في «المسالك»(6): (والمتبادر من ذات المُحرّم النسبيّة).

وكذا كلام غيره، ومع التنزّل فغاية ما هناك الإجمال.

وعليه، فلا دليل على جواز قتل من زنى بغير المحرّمات النسبيّة.

وما دلّ (7) على تنزيل الرّضاع منزلة النَسَب، يختصُّ بالنكاح، ولا يشمل المقام).

ص: 131


1- النهاية: ص 693. (2و3) المهذّب: ج 2/519.
2- السرائر: ج 3/438.
3- الغنية: ص 421.
4- الوسيلة: ص 410.
5- رياض المسائل: ج 13/448.
6- مسالك الأفهام: ج 14/361.
7- وسائل الشيعة: ج 20/371 من كتاب النكاح باب 1 من أبواب ما يحرم بالرّضاع (1 بَابُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِمَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَب).

كما مرّ في محلّه.

نعم، في خصوص الزّنا بزوجة الأب، دلّ النّص(1) على الرَّجم، والأصحاب عملوا به، فضعفه منجبرٌ بالعمل، فيُعمل به.

***6.

ص: 132


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/42 ح 5045، وسائل الشيعة: ج 28/115 باب 19 من أبواب حَدّ الزّنا: (عَنْ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ فَرَجَمَهُ وَكَانَ غَيْرَ مُحْصَن) ح 34356.

أو بالمسلمة إذا كان ذمّياً، أو بمن أكرهها عليه مُحصَناً كان أو غير مُحصَن، عبداً أو حُرّاً، مسلماً كان أو كافراً.

بيان حَدّ اليهودي أو النصراني إذا زنى بمسلمة

(أو بالمسلمة) يعني أنّه يُقتل الزّاني بالمسلمة (إذا كان ذمّياً) بل مطلق الكافر، كارهةً أو مطاوعةً ، (أو بمن أكرهها عليه، مُحصّناً كان أو غير مُحصّن، عبداً أو حُرّاً، مسلماً كان أو كافراً) بلا خلافٍ في المقامين، بل إجماعاً فيهما على الظاهر المُصرّح به في كثيرٍ من العبائر كالانتصار(1)، و «الغنية»(2)، و «الرياض»(3)، و «الجواهر»(4)، وغيرها.

ويشهد له في الأوّل: موثّق حنان بن سُدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن يهودي فجر بمسلمة ؟ قال عليه السلام: يُقتل»(5).

بل الظاهر كما أفتى به الشيخان(6)، والحِلّي(7)، والمصنّف(8)، وغيرهم(9) أنّه

ص: 133


1- الانتصار: ص 526، المسألة 290.
2- الغنية: ص 421.
3- رياض المسائل: ج 13/449.
4- جواهر الكلام: ج 41/313.
5- الكافي: ج 7/239 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/141 ح 34419.
6- المقنعة: ص 783، النهاية: ص 692.
7- السرائر: ج 3/437.
8- تحرير الأحكام: ج 5/317.
9- كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة: ج 9/65.

يُقتل وإنْ أسلم، لإطلاق الموثّق ولخبر جعفر، وهو طويل:

«في نصراني فَجَر بمسلمةٍ ثُمّ أسلم بعدما اُريد إقامة الحَدّ عليه ؟

فكتب عليه السلام: يُضرب حتّى يموت. ولمّا سُئل عن وجهه، كتب:

(بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ ) * (فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اَللّهِ اَلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ اَلْكافِرُونَ ) (1) فأمر به المتوكّل فضُرِب حتّى مات»(2).

وعن بعض الفقهاء: أنّ الإسلام يَجبُّ ما قَبله، فيسقط الحَدّ أيضاً.

وأمّا الخبر فالمراد منه، ما لو أسلم حين اردة إقامة الحَدّ، وظاهر ذلك - سيّما مع تعليل الإمام عليه السلام - أنّ الإسلام كان لارادة التخلّص، ولا يشمل ما لو كان أسلم حقيقةً ، وقوّاه في «الجواهر»(3).

ويؤيّده: أنّ جواب الإمام عليه السلام لا إطلاق له، بل إنّما كتب في تلك الواقعة الخاصّة: «يُضرب حتّى يموت»، وعلى ذلك فلا يشمل الخبر من أسلم حقيقةً .

وحديث الجُبّ (4) حديثٌ مشهورٌ معمولٌ به بين الأصحاب، ولا يعارضه إطلاق الموثّق، لحكومته عليه.

وما في «الرياض»: من قياس إسلام الكافر بتوبة الفاسق، قياسٌ مع الفارق، لورود النّص الخاصّ (5) في التوبة دون الإسلام.د.

ص: 134


1- سورة غافر: الآية 84 و 85.
2- الكافي: ج 7/238 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/141 باب 36 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34420.
3- جواهر الكلام: ج 41/314.
4- المستدرك: ج 7/448 ح 8625.
5- وسائل الشيعة: ج 28/36 باب 16 من أبواب مقدّمات الحدود.

ثمّ إنّ الخبرين في الذِّمي، ولكن ظاهر جمع من الأصحاب وصريح آخرين مساواة غيره من أقسام الكفّار معه، ولعلّه للأولويّة، أو لأنّ الكفر ملّة واحدة.

وأمّا الثاني: وهو قتل من أكرهها عليه، فيشهد له:

1 - صحيح العِجلي، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ اغتصب امرأةً فرجها؟

قال عليه السلام: يُقتل مُحصّناً كان أو غير مُحصِن»(1).

2 - وصحيح زرارة، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرّجل يغتصب المرأة نفسها؟ قال عليه السلام: يُقتل»(2).

ونحوهما غيرهما.

هل يُجلد الزّاني في هذه الموارد، ثُمّ يُقتل إن أتى بما يوجبُ الجَلد، كما عن جماعةٍ منهم الحِلّي(3)، والشهيدان في «اللّمعة»(4)؟

أم يقتصر على القتل، كما نُسب إلى المشهور(5)؟.

وجه الأوّل: أنّه مقتضى الجمع بين الأدلّة الدالّة على أنّ الزّاني يُحَدّ، وما دلّ على القتل في هذه الموارد، وأيّد ذلك بخبر أبي بصير المتقدّم، بدعوى أنّه ساواه مع الزّاني أوّلاً ثُمّ زاده عظماً، ومعلوم أنّه لا رجم على كلّ زانٍ ، فلو رجمناه خاصّة لم نكن قد سويناه ببعض الزّناة، فيتعيّن أوّلاً الجَلد قضاءً للتسوية، ثُمّ القَتل بالسّيف لزيادته عَظِماً.7.

ص: 135


1- وسائل الشيعة: ج 28/108 باب 17 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34334.
2- وسائل الشيعة: ج 28/108 باب 17 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34335.
3- السرائر: ج 3/437.
4- الروضة البهيّة: ج 9/68-69.
5- جواهر الكلام: ج 41/317.

وبأنّه ربما يكون الزّاني الشيخ المحصَّن الذي يُجمع فيه بين الجَلد والرَّجم إجماعاً، فلو اقتصرنا على القتل، لزوم كونه أحسن حالاً منه إذا زنى بأجنبيّة مطاوعةً .

ولكن يرد على الاستدلال: أنّ الظاهر من النصوص الواردة فيها كونها في مقام بيان تمام ما يجبُ ، فتدلّ على عدم لزوم الجَلد، وأمّا خبر أبي بصير فقد مرّ ضعفه، وتعيّن طَرحه، وما ذكر أخيراً وجهٌ استحساني لا يصلحُ للتأييد أيضاً.

وعليه، فالأظهر هو الاقتصار على القتل.

نعم، في الزّنا بزوجة الأب، دلّت النصوص على الرَّجم، وقد مرّت، وفي الزّنا بالمسلمة إذا كان الزّاني ذميّاً، يُضرب حتّى يموت، ولا بأس بالالتزام بهما في موردهما خاصّة.

***

ص: 136

أمّا الزّاني بغير المُحرّمات نسباً أو رضاعاً:

فإن كان مُحصناً، وهو الذي له فرجٌ مملوكٌ بالعقد الدائم، أو المِلْك، يغدو إليه ويروح، ويكون عاقلاً، جُلِد مائة جَلدة ثُمّ رُجم إنْ زنى ببالغة عاقلة.

وإنْ كان بصغيرة أو مجنونة، جُلِد خاصّة.

وكذا المرأة المُحصَنة تُرجم بعد الحَدّ، وإحصانها كإحصان الرَّجل.

بيان حَدّ الزّاني المُحصَّن، والزانية المُحصَّنة

و (أمّا الزّاني بغير المحرّمات نسباً أو رضاعاً) على فرض إلحاق المحرّمات الرّضاعيّة بالمحرّمات النَسَبيّة، وإلّا فحكمهنّ حكم غير المحرّمات بالنَسَب.

(فإنْ كان مُحصَّناً، وهو الذي له فرجٌ مملوكٌ بالعقد الدائم، أو المِلْك، يغدو إليه ويروح، ويكون عاقلاً، جُلِد مائة جلدة، ثُمّ رُجِم إن زَنى ببالغة عاقلة، وإنْ كان بصغيرةٍ أو مجنونةٍ جُلد خاصّة، وكذا المرأة المُحصَّنة تُرجم بعد الحَدّ، وإحصانها كإحصان الرّجل).

أقول: هاهنا أحكام:

الحكم الأوّل: لا خلاف ولا إشكال في أنّ المُحصَن أو المُحصَنة إذا زنى أو زنت ببالغة عاقلة، أو بالغ عاقل، ثبت عليه الرَّجم، بل عليه الإجماع، والنصوص الآتية شاهدة به.

وأيضاً: لا خلاف ولا كلام في أنّه إنْ كان شيخاً أو شيخةً جُلد ثمّ رجم.

إنّما الكلام في أنّه إنْ كان شابّاً أو شابّة، فهل يقتصر على الرَّجم كما عن الشيخ

ص: 137

في كتابي الحديث(1)، وبني زُهرة(2)، وحمزة(3)، وسعيد(4)؟

أم يجمع بين الحَدّين كما عن الشيخين(5)، والمرتضى(6)، والحِلّي(7)، وعامّة المتأخّرين(8)، بل عن «الانتصار»: (أنّه من متفرّدات الإماميّة) وقريب منه ما عن «الخلاف»(9)؟

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها طائفتان:

الطائفة الأُولى : ما دلّ على القول الأوّل:

1 - خبر عبد اللّه بن طلحة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إذا زنى الشيخ والعجوز جُلدا، ثُمّ رُجما عقوبةً لهما، وإذا زنى النصف من الرِّجال، رجم ولم يُجلد إذا كان قد اُحصن، وإذا زنى الشاب الحَدَث السِّن جُلد، ونُفي سنة من مصره»(10).

ونحوه خبر عبد اللّه بن سنان(11) إلّاأنّه قال: «الشيخ والشيخة».8.

ص: 138


1- الاستبصار: ج 4/202، ذيل حديث 9، وسائل الشيعة: ج 28/61 ح 34208.
2- الغنية: ص 422.
3- الوسيلة: ص 411.
4- الجامع للشرايع: ص 550.
5- المقنعة: ص 775.
6- الانتصار: ص 516، المسألة 284.
7- السرائر: ج 3/440.
8- كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 14/364، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 10/440-441 (ط. ج).
9- الخلاف: ج 5/366، المسألة 2، وقد ذهب الى وجوب الرَّجم فقط في قوله: (وإنْ كان شابّين فعليهما الرَّجم بلا جلد).
10- التهذيب: ج 10/4 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/64 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34218.
11- وسائل الشيعة: ج 28/64 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34218.

2 - وخبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «الرَّجم حَدُّ اللّه الأكبر، والجَلد حَدُّ اللّه الاصغر، فإذا زنى الرّجل المُحصَن رُجم ولم يُجلد»(1).

3 - وخبر أبي العبّاس، عنه عليه السلام: «رَجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يَجلد، وذكروا أنّ عليّاً عليه السلام رَجم بالكوفة وجلد، فأنكر ذلك أبو عبد اللّه، وقال: ما نعرف هذا، أي لم يُحدّ رجلاً حَدّين: جَلْدٌ ورجم في ذنبٍ واحد»(2).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الجمع بين الحَدّين:

1 - صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في المُحصَن والمُحصَنة جُلد مائة ثُمّ الرَّجم»(3).

2 - وخبر زرارة، عنه عليه السلام: «المحصن يُجلد مائة ويُرجم، والذي لم يُحصن يُجلد مائة جَلدة، الحديث»(4).

3 - وصحيح الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّه مرّة واحدة... إلّاالزّاني المُحصَن، فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضَرَبه الحَدّ مائة جلدة ثمّ يرَجمه، الحديث»(5).

أقول: وفي المقام روايات اُخر مشعرة، إن لم تكن دالّة على عدم وجوب الجَلد:

منها: خبر محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في امرأةٍ ذات بعل زنت، فحَمَلت وقَتَلت ولدها، تُجلد مائة جلدة لقتلها،2.

ص: 139


1- وسائل الشيعة: ج 28/61 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34208.
2- وسائل الشيعة: ج 28/62 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34212.
3- التهذيب: ج 10/4 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/63-64 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34215.
4- التهذيب: ج 10/4 ح 12، وسائل الشيعة: ج 28/63 ذيل الحديث 34214.
5- التهذيب: ج 10/7 ح 20، وسائل الشيعة: ج 28/56-57 ح 34202.

وتُرجم لأنّها مُحصَّنة»(1).

فإنّها ظاهرة في أنّ على المحصنة الرَّجم خاصّة.

ومنها: صحيح البصري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كان عليٌّ عليه السلام يضرب الشيخ والشيخة مائة، ويرجم المُحصَن والمحصَنة، ويَجلد البِكر والبِكرة وينفيهما سنة»(2).

فإنّ التفصيل قاطعٌ للشركة.

وحيث أنّ الجمع بين المتعارضين لا يمكن، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم الطائفة الثانية لموافقتها لفتوى أكثر الأصحاب، بل جُلّهم وهي أوّل المرجّحات، وعليه فالأظهر هو الجمع بين الحَدّين.

الحكم الثاني: إذا زنى المحصَّن البالغ بالصغيرة غير البالغة تسع سنين، أو بالمجنونة، فعليه الحَدّ خاصّة لا الرَّجم، كما ذهب إليه الشيخ في «النهاية»(3)، وابن سعيد(4) كما حُكي.

وعن «الروضة»(5): دعوى الشهرة على عدم الرَّجم في الثاني.

واستدلّ له:

1 - بنقص اللَّذة في الصغيرة.

2 - وفحوى نفي الرَّجم عن المحصَّنة إذا زنى بها صَبي كما سيأتي.

3 - والأصل.3.

ص: 140


1- وسائل الشيعة: ج 28/142 ح 34421.
2- تهذيب الأحكام: ج 10/4 ح 11، وسائل الشيعة: ج 28/65 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34219.
3- النهاية: ص 695-696.
4- الجامع للشرايع: ص 552.
5- الروضة البهيّة: ج 9/102-103.

4 - ونقص حرمتهما بالنسبة إلى الكاملة، ولذا لم يُحدّ قاذفهما.

أقول: ولكن الجميع كم ترى لا تصلح مقيّدة لإطلاق ما دلّ على رجم المحصَّن، وما دلّ على أنّ البالغ إذا زنى بالصبيّة أو المجنونة، عليه الحَدّ، الظاهر في الحَدّ الكامل، ففي موثّق ابن بكير، عن أبي مريم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في غلامٍ لم يبلغ الحُلُم، وقع على امرأةٍ وفَجَر بامرأة، أيّ شيء يُصنع بهما؟

قال عليه السلام: يُضرب الغلام دون الحَدّ، ويُقام على المرأة الحَدّ.

قلت: جارية لم تبلغ وُجِدت مع رجلٍ يَفجر بها؟

قال عليه السلام: تُضرب الجارية دون الحَدّ، ويقام على الرّجل الحَدّ»(1).

ونحوه غيره.

فإنّ نقص اللَّذة ممنوعٌ ، وصلاحيّته للتقييد أيضاً ممنوعة، والأولويّة ليست قطعيّة، والأصل لا يجري مع إطلاق الدليل.

وعليه، فالأظهر ماعن جماعةٍمن أنّ عليه الرَّجم أيضاً كالزاني بالبالغة العاقلة.

بيان موضوع الإحصان

الحكم الثالث: لا يثبتُ الإحصان إلّامع كونه عاقلاً بالغاً، وله فرجٌ مملوكٌ بالعقد الدائم، يغدو عليه ويروح، أي يكون متمكّناً من الوطء متى أراد بلا خلافٍ ، إلّا في اعتبار العقل، وقد مرّ الكلام في البلوغ والعقل.

أقول: ويشهدُ لاعتبار أن يكون له فرجٌ مملوكٌ بالعقد الدائم، يغدو عليه

ص: 141


1- الكافي: ج 7/180 ح 2، من لا يحضره الفقيه: ج 4/27 ح 5006، وسائل الشيعة: ج 28/82 باب 9 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34266.

ويروح، ولا يكفي المتعة، جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قلتُ :

ما المحصَن يَرحَمك اللّه ؟

قال عليه السلام: من كان له فرجٌ يغدو ويروح عليه فهو مُحصَن»(1).

ومنها: موثّق إسحاق، عن أبي إبراهيم عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه ؟

فقال: لا، إنّما هو على الشيء الدائم عنده»(2).

ومنها: صحيح هشام وحفص البُختري، عن من ذكره، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجل يتزوّج المتعة تُحصِنه ؟

قال عليه السلام: لا إنّما ذاك على الشيء الدائم عنده»(3).

ونحوها غيرها.

ولا يهمّنا البحث في أنّ الإحصان يثبتُ بالأمة أم لا.

وهل يعتبر الدخول في الفرج المملوك له قبل الزّنا، لتحقّق الإحصان كما عن «النهاية»(4)، و «المبسوط»(5)، و «السرائر»(6)، و «الجامع»(7)، و «الإصباح»(8)،0.

ص: 142


1- الكافي: ج 7/179 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/68 ح 34227.
2- الكافي: ج 7/178 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/68 ح 34228.
3- الكافي: ج 7/178 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/69 ح 34229.
4- النهاية: ص 693-694.
5- المبسوط: ج 8/3.
6- السرائر: ج 3/451.
7- الجامع للشرايع: ص 550.
8- إصباح الشيعة: ص 120.

و «الغنية»(1) مدّعياً عليه الإجماع، وجمع من المتأخّرين(2)، أم لا يعتبر كما هو مقتضى إطلاق كلمات كثيرٍ من القدماء، وإن حَمَلها سيّد «الرياض»(3) على الغالب ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يزني ولم يدخل بأهله أيحصن ؟

قال عليه السلام: لا، ولا بالأمَة»(4).

ونحوه غيره.

وهل يعتبر الدخول في القُبُل، أم يكفي الدخول في الدُّبر؟

ذهب إليه سيّد «الرياض» إلى الأوّل قائلاً: (إنّه صرّح به جماعةٌ من غير خلافٍ بينهم أجده، إلّامن إطلاق نحوه عبارة المتن)(5).

واستدلّ له: بصحيح محمّد بعد حمله على الغالب.

ويرد عليه: ما تكرّر منّا من أنّ الغلبة لا تصلحُ لتقييد الإطلاق، ومقتضى إطلاق الدخول الشمول للوطء دبراً، كسائر الأحكام المعلّقة على الدخول.

ثمّ إنّه لا خلاف في اعتبار التمكّن من الوطء على وجهٍ يغدو عليه ويروح إذا شاء في تحقّق الإحصان كما مرّ، فمن له زوجة غائبة في بلدٍ آخر إذا زنى لا يكون3.

ص: 143


1- الغنية: ص 423.
2- كالفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 10/450-451، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/11.
3- رياض المسائل: ج 10/423.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/40 ح 5039، وسائل الشيعة: ج 28/78 باب 7 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34255.
5- رياض المسائل: ج 10/423.

مُحصَناً، كما صرّح به في جملةٍ من النصوص، في صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المغيّب والمغيّبة ليس عليهما رجمٌ ، إلّاأن يكون الرّجل مع المرأة مع الرّجل»(1).

وحسن الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرّجل الذي له امرأة بالبصرة فَفَجر بالكوفة، أن يدرأ عنه الرَّجم يُضرب حَدّ الزّاني.

وقَضى في رجلٍ محبوسٍ في السِّجن، وله امرأة حُرّة في بيته في المصر، وهو لا يصل إليها، فزنى في السِّجن، فقال عليه السلام: عليه الحَدّ، ويُدرأ عنه الرَّجم»(2).

ونحوهما غيرهما.

وبهما يظهر أنّ الميزان كونها معه، بحيث يُصل إليها متى شاء، فلا يكفي مجرّد كونهما في بلدٍ واحد.

وهل فرق بين الحيض والغيبة، كما هو المنسوب إلى الأصحاب أم لا؟

الظاهر ذلك، لأنّه يتمتّع من الحائض بما دون موضع الحيض، بخلاف الغيبة، سيّما على المختار من جواز الوطء دُبُراً على كراهية.

ثمّ إنّ الميزان في الغيبة هو العرف، وفي خبري عمر بن يزيد ومحمّد بن الحسين تحديد ذلك بمسافة القصر(3).

لكن في «الشرائع»(4) و «الجواهر»(5) وغيرهما: أنّهما مهجوران لا يصلحان4.

ص: 144


1- الكافي: ج 7/178 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/72 باب 3 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34238.
2- وسائل الشيعة: ج 28/72 باب 3 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34239.
3- وسائل الشيعة: ج 28/74 باب 4 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34242.
4- شرائع الإسلام: ج 4/933.
5- جواهر الكلام: ج 41/274.

ولو راجع المُخالِعُ لم يُرجم حتّى يطأ، وكذا العبدُ إذا اُعتق، والمكاتبُ إذا تحرّر.

لأنْ يُستند إليهما في الحكم.

الحكم الرابع: إحصان المرأة كإحصان الرّجل بلا خلافٍ ، وعن «الغنية»(1)دعوى الإجماع عليه.

والمراد من تمكّنها من الزوج، إرادته الفعل على الوجه المزبور، لا إرادتها متى شاءت، ضرورة عدم كون ذلك حقّاً لها.

روى الحذّاء في الصحيح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن امرأةٍ تزوّجت برجلٍ ولها زوج ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان زوجها الأوّل مقيماً معها في المصر التي هي فيه، تصل إليه ويصل إليها، فإنّ عليها ما على الزّاني المُحصَن الرَّجم، وإنْ كان زوجها الأوّل غائباً أو مُقيماً معها في المصر، لا يَصلُ إليها ولا تَصلُ إليه، فإنّ عليها ما على الزانية غير المُحصَنة، الحديث»(2).

الحكم الخامس: لو طلّق الرّجل المرأة بالطلاق البائن، يخرجُ كلّ منهما به عن الإحصان، (و) عليه، ف (لو راجع المخالع، لم يُرجم حتّى يطأ) لأنّها حينئذٍ بحكم الزوجة الجديدة، وقد مرّ اعتبار الوطء في صدق الإحصان.

(وكذا العبد إذا اُعتق، والمكاتب إذا تَحرّر).

ولو زَنتِ المُحصَنة بصغيرٍ حُدَّت، ولو كان بمجنونٍ رُجِمَتْ ،3.

ص: 145


1- الغنية: ص 424.
2- الكافي: ج 7/192 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/125 ح 34383.

الحكم السادس: (ولو زَنت المُحصَنة بصغيرٍ حُدَّت) ولا رَجم عليها، كما عليه جماعة(1).

واستدلّ له: بصحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في غلامٍ صغير لم يُدْرِك ابنُ عشر سنين زنى بامرأةٍ؟

قال عليه السلام: يُجلد الغلام دون الحَدّ، وتُجلد المرأة الحَدّ كاملاً.

قيل: فإنْ كانت مُحصَنة ؟

قال عليه السلام: لا تُرجم، لأنّ الذي نكحها ليس بِمُدرِكٍ ، ولو كان مدركاً رُجِمت»(2).

(ولو كان) الزِّنا (بمجنونٍ رُجمت) لإطلاق الأدلّة، والقياس على الصَّبي مع الفارق.

***5.

ص: 146


1- راجع إرشاد الأذهان: ج 2/171، مجمع الفائدة: ج 13/13، جواهر الكلام: ج 41/277.
2- الكافي: ج 7/180 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/81-82 ح 34265.

وإنْ كان غير مُحصَنٍ جُلِد مائة سوط، وحُلق رأسه،

بيان حَدّ الزّاني غير المُحصَن

(وإنْ كان) الزّاني (غير مُحصَنٍ ، جُلد مائة سوط) إجماعاً كتاباً وسُنةً مستفيضة، (وحُلِق رأسه) كما عن الشيخين(1)، وسلّار(2)، وابني حمزة(3) وسعيد(4)، والمصنّف رحمه الله(5)، بل لم يُحكَ فيه خلافٌ .

وإنْ حُكي(6) عن الصَّدوق والعُمّاني، والإسكافي، والشيخ في «الخلاف» و «المبسوط»، وابن زُهرة عدم التعرّض له وعدم معاقبته.

ويشهد به: خبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً ولم يدخل بها، فزنى ما عليه ؟

قال عليه السلام: يُجلد الحَدّ ويُحلق رأسه، ويفرّق بينه وبين أهله»(7).

وخبر حنان بن سُدير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن البِكْر يفجرُ وقد تزوّج ففجَر قبل أن يدخل بأهله ؟

ص: 147


1- المقنعة: ص 780، النهاية: ص 694.
2- المراسم: ص 255.
3- الوسيلة: ص 411.
4- الجامع للشرايع ص 550.
5- قواعد الأحكام: ج 3/527.
6- حكاه عنهم صاحب الجواهر: ج 41/326.
7- من لا يحضره الفقيه: ج 3/416 ح 4451، وسائل الشيعة: ج 28/78 باب 7 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34254.

وغُرِّب عن البلد سنةً .

فقال عليه السلام: يُضرب مائه، ويُجزّ شعره، ويُنفى عن المصر حولاً، ويفرّق بينه وبين أهله»(1).

المنجبر ضعفهما بعمل الأصحاب.

وجَزّ الشعر في الثاني محمولٌ على ما في الأوّل من الحَلق، وظاهرهما حَلق تمام الرأس.

وعليه، فما عن «المقنعة»(2)، و «المراسم»(3)، و «الوسيلة»(4) من تخصيصه بالناصيّة، لا أدري له وجهاً.

ثمّ إنّ الخبرين يختصّان بالزاني المملّك، وهو من له فَرجٌ مملوكٌ ولم يدخل بها، فإسراء الحكم إلى غير المُملّك إنّما هو من جهة عدم القول بالفصل.

وأيضاً: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه مضافاً إلى الجَلد والحلق (يغرب عن البلد سنةً ) في الجملة، وفي «المسالك»: (هذه الثلاثة تجب على البكر اتّفاقاً)(5)والنصوص تدلّ عليه.

ففي صحيح البصري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كان عليٌّ عليه السلام يَجلد البِكر7.

ص: 148


1- وسائل الشيعة: ج 28/77-78 باب 7 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34253.
2- المقنعة: ص 780.
3- المراسم: ص 255.
4- الوسيلة: ص 411.
5- مسالك الأفهام: ج 14/367.

والبِكرة، وينفيهما سنة»(1).

وفي صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «والبِكر والبِكرة جَلْدُ مائة، ونفيُ سنة»(2).

ونحوهما غيرهما.

إنّما الخلاف في تفسير البِكر:

فقيل: من أَملَك، أي تزوّج امرأةً دواماً، ولم يدخل، ذهب إلى ذلك الشيخ في «النهاية»(3)، وأتباعه(4)، وجماعة(5)، واختاره العلّامة في «المختلف»(6)، و «التحرير»(7)، كذا في «المسالك»(8).

وعن الشيخ في كتاب الفروع(9)، والحِلّي(10)، والمحقّق(11)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(12)، وأكثر المتأخّرين(13): أنّ المراد بالبِكر غير المُحصَن، وقد يُنسب ذلك8.

ص: 149


1- تهذيب الأحكام: ج 10/4 ح 11، وسائل الشيعة: ج 28/65 باب 1 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34219.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/26 ح 4997، وسائل الشيعة: ج 28/64 ح 34216.
3- النهاية: ص 694.
4- كالقاضي في المهذّب: ج 2/519، وابن زُهرة في الغنية: ص 424.
5- كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 4/479.
6- مختلف الشيعة: ج 9/134-135.
7- تحرير الأحكام: ج 5/318.
8- مسالك الأفهام: ج 14/368.
9- الخلاف: ج 5/368، المسألة 3.
10- السرائر: ج 3/439.
11- شرائع الإسلام: ج 4/937.
12- أنظر إرشاد الأذهان: ج 2/173، قوله: (وهل يشترط أن يكون مملّكاً؟ قولان)، وقواعد الأحكام: ج 527/3، قوله: (واختلف في تفسير البِكر، فقيل: هو من أملك ولم يدخل، وقيل: غير المحصن مطلقاً، سواء أملَك أو لا).
13- كالشهيدين في الروضة البهيّة: ج 9/108.

إلى الشهرة، بل عن ظاهر «السرائر» وصريح «الخلاف» الإجماع عليه.

وجه الأوّل: جملةٌ من النصوص كصحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، في حديثٍ : «وقضى - أي عليّ عليه السلام - في البِكر والبِكرة إذا زنيا جَلْدُ مائة، ونفيُ سنة في غير مصرهما، وهما اللّذان قد أملكا ولم يَدخل بها»(1).

وضعّفه في «المسالك»(2) لاشتراك محمّد بن قيس بين الثقة وغيره.

ويردّه: أنّ المراد به في الخبر بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه هو الثقة.

وأمّا النصوص الاُخر، المتضمّنة لثبوت التغريب على المملّك، فلعدم المفهوم لها، لا تصلُح لأن يستند إليها في ذلك.

ووجه الثاني: إطلاق خبر عبد اللّه بن طلحة، عن الإمام الصادق عليه السلام: في حديثٍ : «إذا زنى الشّاب الحَدَث السِّن جُلد، ونُفي سنةً من مصره»(3) فإنّه عام خرج عنه المحصَن بالإجماع والنّص، وبقي غيره.

وخبر سماعة، عنه عليه السلام: «إذا زنى الرّجل، ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جُلد فيها إلى غيرها، وإنّما على الإمام أن يخرجه من المصر الذي جُلد فيه»(4).

ونحوهما خبر أبي بصير(5)، وخبر مثنّى الحنّاط(6).

أقول: ولكن النصوص الأخيرة على فرض الإغماض عن الإيرادات الواردة8.

ص: 150


1- الكافي: ج 7/177 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/61 ح 34209.
2- مسالك الأفهام: ج 14/368.
3- تهذيب الأحكام: ج 10/4 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/64 باب 24 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34218.
4- الكافي: ج 7/197 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/123 ح 34377.
5- الكافي: ج 7/197 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/122-123 ح 34376.
6- وسائل الشيعة: ج 28/123 باب 24 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34378.

وليس على المرأة والمملوك جَزٌّ ولا تغريبٌ ،

عليها، من ضعف السَّند، واختلاف النسخ تكون أعمّ مطلق من صحيح ابن قيس، فيقيّد إطلاقها به.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه لم يعلم كون التفسير فيه من الإمام عليه السلام، أضف إليه اشتماله على نفي المرأة أيضاً، ولم يقل به أحدٌ، وعليه فلا مقيّد لإطلاق النصوص الأخيرة، ولا أقلّ من التردّد، فتحصل الشُّبهة الدارئة.

وعلى ذلك، فالأظهر اختصاص التغريب بالمملّك.

وهل المراد بالمَصر الذي يُنفى عنه، هو المصر الذي زَنى فيه، أو الذي جُلد فيه، أو هو الذي وطنه ؟ وجوهٌ :

قد يقال: إنّ أوجهها الأخير، كما هو ظاهر صحيح ابن قيس، بل وخبر عبد اللّه، بل لا يبعدُ دعوى صراحة الصحيح لقوله عليه السلام: «ونفي سنة في غير مصرهما» فإنّ المصر اُضيف إليهما.

ولكن صريح أخبار سماعة، وأبي بصير، ومثنّى الحنّاط هو الثاني، وبقرينة تلكم النصوص، يُحمل صحيح ابن قيس عليه، فهو الأظهر.

أقول: المشهور بين الأصحاب، بل قيل (و) لا خلاف فيه أنّه (ليس على المرأة والمملوك جَزٌّ ولا تغريب).

وعن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليهما(1).9.

ص: 151


1- كالشيخ في الخلاف: ج 5/368-369، مسألة 3، وابن زُهرة في الغنية: ص 423، وفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 4/479.

فإنْ زَنى بعد الحَدّ ثانيةً تكرَّر الحَدّ، وإنْ لم يُحَدّ كفى حَدٌّ واحدٌ،

أمّا الجَزّ: فلاختصاص دليله بالرجل.

وأمّا التغريب: فصحيح ابن قيس ظاهرٌ في ثبوته عليها، لكن الشهرة العظيمة، والإجماع المحكيّ ، وما في كلماتهم من العلل من أنّ المرأة عورة يقصد بها الصيانة، ومنعها عن الإتيان بمثل ما فعلت، ولا يؤمَن عليها ذلك في الغربة(1)، وغير ذلك، تصلُح مقيّدة للإطلاق، خصوصاً في مثل هذا الحكم الذي يكفي في نفيه الشُّبهة الدارئة.

لو تكرّر الزِّنا من غير المُحصَن

ولو تكرّر الزِّنا (فإنْ زَنى بعد الحَدّ ثانيةً تكرّر الحَدّ) بلا خلافٍ ، لإطلاق الأدلّة، (وإنْ لم يُحدّ كفى حَدٌّ واحد) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، وادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة، ومنهم الفاضل في «المختلف»(2)، بل ظاهره بلوغها الإجماع كذا في «الرياض»(3)، واستدلّوا له بوجوهٍ بيّنة الضعف.

فالحقّ أن يقال: إنّه بناءً على المختار من أصالة عدم تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب، فالأمر واضح.

وأمّا على القول الآخر، وهو أصالة التعدّد، فقد يستدلّ له - كما في «الجواهر» -

ص: 152


1- أنظر مختلف الشيعة: ج 9/137، رياض المسائل: ج 13/459.
2- مختلف الشيعة: ج 9/162.
3- رياض المسائل: ج 13/461.

بأنّ : (التأمّل الجيد في تعليق الحكم في الآية الشريفة على الزّاني والزانية، يقتضي ذلك، ضرورة كون التعدّد في أشخاص الزّنا حينئذٍ كالتعدّد في أسباب الحَدث والنجاسة، غير موجبٍ لتعدّد السَّبب)(1).

وفيه: أنّه في ذينك الموردين إنّمايقال: إنّ السَّبب للطهارة، هو الحَدَث والنجاسة، وكلّ منهما واحدٌ لا تعدّد فيه، والأسباب المتكثّرة لا توجبُ تعدّد السَّبب، وليس الأمر في المقام كذلك؛ فإنّ الآية الكريمة نظير النصوص كسائر القضايا الشرعيّة، إنّما تكون من قبيل القضايا الحقيقيّة، متضمّنة لترتّب الحكم على كلّ فردٍ من أفراد الموضوع إذا تحقّق في الخارج، فالزاني إذا زَنى يصدق عليه هذا العنوان فيثبت له وجوب الجَلد مائة، ثمّ إنْ زَنى ثانياً يصدقُ عليه فردٌ آخر من ذلك العنوان، فالسَّبب متعدّدٌ.

وإنْ شئت قلت: إنّ هذا البرهان لو تمّ لزم الالتزام بأصالة عدم تعدّد الأسباب في جميع الموارد، بناءً على ما هو الحقّ من رجوع القضايا الشرطيّة إلى القضايا الحقيقيّة، وأنّ الشروط للموضوع تكون من قبيل عناوينه، فقولنا: إنّ ظاهرت فكفِّر، مرجعه إلى أنّ المُظاهر يكفِّر، فيلزم من البرهان المزبور القول بعدم تعدّد الكفّارة في المثال أيضاً.

وبالجملة: المفروض في المقام البناء على أصالة تعدّد الأسباب والمسبّبات، فلا يتمّ ما أفاده.

وربما يستدلّ له: - كما في «الرياض» - بأن: (لازم التعدّد مطلقاً، ولو كان المزنيّ بها مكرّراً واحدة، ولم يقل به أحدٌ من الطائفة. وعليه فلا يمكن الأخذ بقاعدة4.

ص: 153


1- جواهر الكلام: ج 41/334.

التعدّد، فلابدّ من البناء على المنع من التعدّد مطلقاً، أو التفصيل بين كون المزنيّ بها واحدة أو متعدّدة، كما عن الإسكافي(1)، والصَّدوق(2)، والثاني غيرُ ممكنٍ لعدم الدليل عليه، فيتعيّن الأوّل)(3).

وفيه: أنّه لو سُلّم أنّ مقتضى القاعدة هو التعدّد، فنفس تلك القاعدة دليلٌ على التفصيل بضميمة الإجماع، فإنّه إنّما يوجبُ التقييد بالنسبة إلى المقدار المتيقّن، فيبقى الزائد تحت القاعدة.

وعليه، فالعُمدة في وجه عدم التعدّد ما ذكرناه.

هذا كلّه فيما تقتضيه القاعدة، وفي المقام رواية خاصّة دالّة على التفصيل، وهي رواية أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يزني في اليوم الواحد مراراً كثيرة ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان زنى بامرأةٍ واحدةٍ كذا وكذا مرّة، فإنّما عليه حَدٌّ واحد، وإنْ هو زَنى بنسوةٍ شتّى في يوم واحد في ساعةٍ واحدة، فإنّ عليه في كلّ امرأةٍ فَجَر بها حَدّاً»(4).

وأورد عليها في «المسالك»: (بأنّ في طريقها ضعفاً، مع أنّها غير حاصرة لأقسام المسألة)(5).

أقول: والظاهر أنّ نظره الشريف في التضعيف إلى وجود عليّ بن أبي حمزة في5.

ص: 154


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 9/162.
2- المقنع: ص 438.
3- رياض المسائل: ج 13/461.
4- الكافي: ج 7/196 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/122 ح 34374.
5- مسالك الأفهام: ج 14/375.

فإنْ زَنى ثالثةً بعد الحدَّين قُتِل، وقيل: في الرابعة.

الطريق، والمراد به البطائني، وقد ضعّفه جماعة، بل هو المشهور بين الأصحاب، وإنْ وثّقه جمعٌ من الأواخر، إلّاأنّه بضميمة إعراض الأصحاب عنها في المقام، سيّما وأنّ الحكم حكمٌ يُدرأ بالشُّبهة، يكفي في طرح الخبر، ومعه لا يهمّ البحث في كونها حاصرة أو غير حاصرة.

وما ذكرناه تبعاً للمشهور من عدم التعدّد، إنّما هو مع عدم اختلاف حكم الزّنا، وإلّا فلو اقتضى حدوداً مختلفة، كأنْ زَنى بِكراً، ثمّ زَنى محصَناً، توجّه عليه الحَدّان معاً، لإطلاق الأدلّة، ولا مورد لتداخل المسبّبات، ولا ينافيه إطلاق العبارات، لأنّها منصرفة عن هذه الصورة.

وعليه، فالأظهر حينئذٍ ترتّب كلا الحكمين.

أقول: بعدما عرفت من أنّه إنْ توسّط الحَدّ بين فردين من الزّنا، تكرّر الحَدّ، (ف) اعلم أنّه (إنْ زنى ثالثة بعد الحَدّين قُتل) كما عن الصدوقين(1)، والحِلّي(2).

وفي المتن: (وقيل) والقائل المشهور؛ أنّه يُقتل (في الرابعة)، بل عن «الانتصار»(3) و «الغنية»(4) الإجماع عليه.

واستدلّ للأوّل: بصحيح يونس، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، قال: «أصحاب1.

ص: 155


1- فقه الرّضا: ص 309، قوله: (أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحَدّ مرّتين، قُتلوا في الثالثة، وشارب الخمر في الرابعة)، المقنع: ص 439-440.
2- السرائر: ج 3/442.
3- الانتصار: ص 519.
4- الغنية: ص 421.

وكذا المرأة.

الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحَدّ مرّتين قُتلوا في الثالثة»(1).

وخبر محمّد بن سنان، عن الإمام الرّضا عليه السلام فيما كتب إليه:

«وعلّة القتل بعد إقامة الحَدّ في الثالثة على الزّاني والزانية لاستحقاقهما، وقلّة مبالاتهما بالضرب.. الخ»(2).

ولكن الصحيح مطلقٌ يقيّد إطلاقه بموثّق أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

الزّاني إذا زنى يُجلد ثلاثاً ويُقتل في الرابعة، يعني: إذا جُلد ثلاث مرّات»(3).

وخبر ابن سنان إنْ لم يكن ظاهراً في القول الثاني، من جهة رجوع الظرف إلى إقامة الحَدّ لا إلى القتل، لا أقلّ من إجماله، فيبيّن بالموثّق.

وعليه، فالأظهر هو القتل في الرابعة، ولا فرق في ذلك بين الزانية والزّاني لإطلاق الأدلّة، وإلى ذلك أشار المصنّف رحمه الله بقوله (وكذا المرأة).

***9.

ص: 156


1- الكافي: ج 7/191 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/117 باب 20 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34361، وتقدّم ص 19 ح 34113.
2- وسائل الشيعة: ج 28/117 باب 20 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34362.
3- وسائل الشيعة: ج 28/116 باب 20 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34359.

مسائل:

الأُولى: للحاكم إقامة الحَدّ على أهل الذِّمة، أو رفعه إلى أهل ملّته ليقيموه عليه.

إقامة الحَدّ على الذِّمي والحامل

الأمر الثالث: البحث في اللّواحق.

أقول: الكلام فيه يتحقّق في طيّ (مسائل):

المسألة (الأُولى: للحاكم إقامة الحَدّ على أهل الذّمة، أو رفعه إلى أهل مِلّته) ونِحلته (ليقيموه عليه) على معتقدهم الذي يزعمونه حقّاً، بلا خلافٍ أجده، كما صرّح به غير واحد(1).

ويشهد به: قوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (2).

ولا ينافيه قوله عزّ وجلّ لنبيّه صلى الله عليه و آله: (وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ اَلْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ ) (3) لأنّ الجمع بين الآيتين يقتضي البناء على أنّ ذلك أحد فردي التخيير.

أقول: مع أنّه يمكن الاستدلال له بأنّه مقتضى الجمع بين أدلّة إجراء الحدود، الشاملة لأهل الذّمة، وبين خبر الحارث، عن أبيه، فيما كتبه أميرالمؤمنين عليه السلام إلى محمّد ابن أبي بكر، في مسلمٍ فَجَر بامرأة نصرانيّة: «أن أقم الحَدّ فيهم على المسلم الذي فَجَر

ص: 157


1- أنظر رياض المسائل: ج 13/466-467.
2- سورة المائدة: الآية 42.
3- سورة المائدة: الآية 48.

الثانية: لا يُقام الحَدُّ على حاملٍ حتّى تَضع، ويَستغني الولد،

بالنصرانيّة، وادفع النصرانيّة إلى النصارى يقضون فيها ما شاءوا هو ذلك»(1).

وبه يظهر الجواب عن خبر «قرب الإسناد» المتضمّن لإجراء حكم المسلم على الذِّمي الزّاني(2).

أقول: ثمّ إنّ الظاهر من الآية الكريمة وإنْ كانت هو التخيير بين إجراء الحَدّ والإعراض، ولكن بواسطة خبر الحارث الذي أفتى الأصحاب على طبقه، تُحمل الآية على إرادة الإعراض بالدفع إلى أهل ملّته حتّى يَحكم فيه حاكمهم بما يرى .

المسألة (الثانية): فيمن لا يُقام عليه الحَدّ، وفيها فروع:

الفرع الأوّل: (لا يقامُ الحَدّ) رجماً كان أو جلداً (على حامل)، ولو من زنا (حتّى تضع) ولدها، وتخرج من نفاسها، (ويستغنى الولد) من الرّضاع إنْ لم يوجد له مرضعة، بلا خلافٍ .

ويشهد به:

1 - موثّق الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن مُحصَنةٍ زنت وهي حُبلى ؟

قال عليه السلام: تُقرّ حتّى تضع ما في بطنها وترضع ولدها ثمّ تُرجم»(3).

2 - وما رواه المفيد في «الإرشاد» عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لعمر وقد اُتي بحاملٍ قد زنت، فأمر برجمها، فقال له عليٌّ عليه السلام: «هَبْ لكَ سبيلٌ عليها، أيّ سبيل لك2.

ص: 158


1- وسائل الشيعة: ج 28/152 باب 50 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34444.
2- وسائل الشيعة: ج 28/50 باب 29 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34188.
3- تهذيب الأحكام: ج 10/49 ح 182، وسائل الشيعة: ج 28/107 ح 34332.

على ما في بطنها؟ واللّه يقول: (وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (1).

فقال عمر: لا عشتُ لمعضلةٍ لا يكون لها أبو الحسن.

ثمّ قال: فما أصنع بها يا أبا الحسن ؟

قال عليه السلام: احتط عليها حتّى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحَدّ عليها»(2).

وهو مرويٌّ من فعل الوصيّ مع المرأة التي أقرّت عنده بالزّنا، فلم يرجمها حتّى ولدت، وأرضعته حولين، فأقام عليها الحَدّ، وكذا عن النبيّ صلى الله عليه و آله(3).

ومقتضى إطلاق الموثّق وإنْ كان تأخير الحَدّ إلى بعد الرّضاع، فيما لو وجد من يكفله، إلّاأن الثاني يقيّد بما إذا لم يوجد من يكفله، والنصوص وإن اختصّت بالرّجم، إلّاأنّه يثبتُ في الجَلد أيضاً بعدم القول بالفصل، وبعموم التعليل في خبر «الإرشاد»، ولذلك قال في «المسالك»:

(وإطلاق المصنّف المنع من إقامة الحَدّ عليها بعد الوضع إلى أن ترضع الولد يشمل الرَّجم والجَلد، وهو يتمّ في الأوّل دون الثاني إلّابتقدير الخوف عليها من الجَلد من الموت، أو ما يحصل معه الأذى على الولد)(2).

وفي «التحرير»(3) صرّح بعدم الفرق بين الجَلد والرَّجم في انتظارها إلى أن ترضع الولد، إذا لم يحصل له من يكفله.

وفي المرتضوي في المرأة التي أقرّت عنده بالزّنا بعدما أمهلها بالوضع3.

ص: 159


1- سورة فاطر: الآية 18. (2و3) وسائل الشيعة: ج 28/108 باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34333.
2- مسالك الأفهام: ج 14/377.
3- تحرير الأحكام: ج 5/323.

والإرضاع، ثمّ لمّا أرضعته قال لها: انطلقي فاكفليه حتّى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطحٍ ، ولا يتهوّر في بئر»(1).

أقول: ولم أرَ مفتياً به، والظاهر أنّ وجه الإمهال فيه عدم إكمال نصاب الإقرار قبله، وإلّا فالظاهر أنّه إنْ لم يكن من يكفله، يجب استئجار من يكفله من بيت المال إن لم يتبرّع أحد، ولم يكن للولد مالٌ ، إذ ليس في الحدود نظر ساعةٍ إذ لا مانع.

***7.

ص: 160


1- الكافي: ج 7/185 باب آخر من صفة الرَّجم ح 1، من لا يحضره الفقيه: ج 4/32 ح 5018، وسائل الشيعة: ج 28/103-104، باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34327.

ولا المريض، ولا المستحاضة، وتُرْجَمان.

لا حَدّ على المريض و المستحاضة

الفرع الثاني: (ولا) يقامُ الحَدّ أي الجَلد على (المريض ولا المستحاضة) حتّى يبرأ كلّ منهما بلا خلافٍ ، ويشهد به:

1 - قوي السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا يقامُ الحَدّ على المستحاضة حتّى ينقطع الدَّم عنها»(1).

2 - وخبره الآخر، عنه عليه السلام: «اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ أصاب حَدّاً وبه قروحٌ في جسده كثيرة ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أقرّوه حتّى يبرأ لا تنكؤوها عليه فتقتلوه»(2).

3 - وخبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام اُتي برجلٍ أصاب حَدّاً وبه قروحٌ ومرضٌ وأشباه ذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أخّروه حتّى تبرأ، لا تُنكأ قروحه عليه فيموت، ولكن إذا برأ حَدّدناه»(3).

هذا في الجَلد.

(و) أمّا في الرَّجم: فلا خلاف بينهم في أنّهما (تُرجمان) لإطلاق الأدلّة، ولما(4)دلّ على النهي عن تعطيل الحدود، وأنّه ليس فيه نظرُ ساعةٍ ، والفرض أنّ نفسه مستوفاة، ونصوص التأخير مختصّة بالجَلد.

ص: 161


1- الكافي: ج 7/262 ح 14، وسائل الشيعة: ج 28/29 باب 13 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34133.
2- الكافي: ج 7/244 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/29 ح 34134.
3- الكافي: ج 7/244 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/30 ح 34136.
4- وسائل الشيعة: ج 28/47 باب 25 من أبواب مقدّمات الحدود.

أمّا ما ورد في المريض فواضحٌ .

وأمّا ما ورد في المستحاضة: فبمناسبة الحكم والموضوع، وفتوى الأصحاب، والمنساق من لفظ الحَدّ يُعمل عليه.

أقول: ثمّ إنّه في الجَلد طائفةٌ أُخرى من النصوص، تدلّ على أنّ المريض يُضرب بالضَّغث، المشتمل على العدد:

منها: خبر سماعة، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه عليهم السلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «أنّه اُتي برجلٍ كبير البطن قد أصاب مُحرّماً، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه مرّة واحدة فكان الحَدّ»(1).

ومنها: خبر يحيى بن عُبّاد المكّي، قال: قال لي سفيان الثوري: «إنّي أرى لك من أبي عبداللّه عليه السلام منزلةً ، فسله عن رجلٍ زنى وهو مريض، إنْ أُقيم عليه الحَدّ مات، ما تقول فيه ؟

إلى أن قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُتي برجل أحتبن مستسقى البطن، قد بدت عروق فخذيه، وقد زنى بامرأةٍ مريضة، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعِذْقٍ فيه شمراخ فَضَرب به الرّجل ضربةً ، وضربت به المرأة ثُمّ خَلّى سبيلهما، ثمّ قرأ هذه الآية: (وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) (2) الخ»(3).

ونحوهما أخبار اُخر.

والأصحاب جمعوا بينها وبين ما دلّ على الإمهال، بحمل هذه على ما1.

ص: 162


1- تهذيب الأحكام: ج 10/32 ح 107، وسائل الشيعة: ج 28/31 باب 13 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34137.
2- سورة ص: الآية 44.
3- الكافي ج 7/243 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/28 ح 34131.

لو اقتضت المَصلحة تقديم حَدّ المريض ضُرِب بضغثٍ فيه مائة سوط دفعةً ، ولا يُقام في شدّة الحَرّ ولا البَرد.

(لو اقتضتِ المَصلحةُ تقديم حَدّ المريض)، وقالوا في هذه الصورة أنّه (ضُرب بضغثٍ فيه مائة سوط دفعةً )، ولعلّه من جهة أنّ أكثر النصوص الأخيرة قضايا في وقائع، فالمتيقّن منها ما ذكروه، ومن المصلحة عدم رجاء البُرء كالسِّل، والزمانة، وضعف الخِلقة.

ثمّ إنّ المريض الذي يُمهل في الجَلد إنّما هو من يخاف عليه الموت لو جُلد كما في النصوص، وأمّا لو لم يكن يُخاف عليه ذلك، فلا وجه لتأخير حَدَّه.

لا يُقام الحَدّ في شِدّة الحَرّ والبرد، ولا في أرض العدو

الفرع الثالث: (ولا يقامُ ) الحَدّ أي الجَلد (في شِدّة الحَرّ ولا البرد) خشية من الهلاك بتعاون الجَلد والهواء، ولكن يؤخّر إلى اعتدال الهواء، وذلك في وسط نهار الشتاء، وطرفي نهار الصيف، ونحو ذلك ممّا يُراعى فيها السَّلامة، والشاهد على ذلك ما رواه هشام بن أحمر، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«كان جالساً في المسجد وأنا معه، فسمع صوت رجلٍ يُضرب صلاة الغداة في يومٍ شديد البرد.

فقال: ما هذا؟ قالوا: رَجلٌ يُضرب.

فقال: سُبحان اللّه! في هذه الساعة، إنّه لا يُضرب أحدٌ في شيء من الحدود في

ص: 163

ولا في أرض العدو، ولا على المُلتجيء إلى الحَرَم، ويُضيّق عليه في المَطْعَم والمَشرب حتّى يَخرُجَ فتُقام عليه الحَدّ.

الشتاء إلّافي آخر ساعةٍ من النهار، ولا في الصيف إلّافي أبرد مايكون من النهار»(1).

وما رواه أبو داود المسترقّ ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا كان في البرد ضُرب في حَرّ النهار، وإذا كان في الحَرّ ضُرب في برد النهار»(2).

ونحوهما غيرهما.

وظاهر النصوص والفتوى أنّ الحكم على وجه الوجوب لا الاستحباب، فلو أقامه لا كذلك، ضَمن لتفريطه كما في «المسالك»(3).

الفرع الرابع: (ولا) يقامُ الحَدُّ أيضاً (في أرض العدو) وهم الكفّار، مخافة أن تُحمل المحدود الحميّة فيلحق بهم، للخبر المرويّ عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يُقام على أحدٍ حَدّ بأرض العدو»(4).

وفي خبر غياث، عنه، عن أبيه، عن علي عليهم السلام: «لا أقيمُ على رجلٍ حَدّاً بأرض العدو حتّى يخرج منها، مخافة أن تحمله الحميّة فيلحق بالعدو»(5).

والعلّة مخصوصة بحَدٍّ لا يوجبُ القتل، كما أنّ فتوى الأصحاب مختصّة به.

الفرع الخامس: (ولا) يقامُ الحَدّ (على الملتجيء إلى الحرم) مراعاةً لحرمة الحرم، (و) لكن (يُضيّق عليه في المَطعم والمَشرب حتّى يخرج فتُقام عليه الحَدّ):4.

ص: 164


1- الكافي: ج 7/217 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/21 باب 7 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34117.
2- الكافي: ج 7/217 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/21 ح 34118.
3- مسالك الأفهام: ج 14/381.
4- الكافي: ج 7/218 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/24 باب 7 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34123.
5- تهذيب الأحكام: ج 10/40 ح 139، وسائل الشيعة: ج 28/24 ح 34124.

ولو زَنى في الحرم حُدَّ فيه.

الثالثة: لو اجتمع الجَلْدُ والرَّجمُ بُدأ بالجلد.

1 - لقوله تعالى : (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (1).

2 - وللخبر الصحيح الذي رواه الصدوق رحمه الله عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الرَّجل يَجني في غير الحَرَم ثمّ يلجأ إلى الحَرَم ؟

قال عليه السلام: لا يُقام عليه الحَدّ ولا يُطعم ولا يُسقى ولا يُكلَّم ولا يُبايع، فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحَدّ، وإنْ جَنى في الحرم جنايةً أُقيم عليه الحَدّ في الحرم، فإنّه لم يُر للحرم حُرمة»(2).

وتقدّم الكلام في ذلك وفروعه في كتاب الحَجّ .

أقول: ويظهر من ذيل الصحيح تماميّة ما أفاده بقوله: (ولو زَنى في الحرم حُدّ فيه) والمراد بالحرم مكّة المشرّفة، وألحق بها في محكي «النهاية»(3)، و «التهذيب»(4)، حَرم النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام وهي مشاهدهم المشرّفة، ولم نقف له على مأخذ صالح كما في «المسالك»(5).

لو اجتمع الجَلدُ والرَّجم

المسألة (الثالثة: لو اجتمع الجَلدُ والرَّجم) على أحدٍ (بُدأ بالجَلد) ثُمّ رُجِم، وكذا

ص: 165


1- سورة آل عمران: الآية 97.
2- وسائل الشيعة: ج 13/226 باب 14 من أبواب مقدّمات الطواف وما يتبعها ح 17608.
3- النهاية: ص 702.
4- حكاه في المسالك عن بعض (المصدر التالي).
5- مسالك الأفهام: ج 14/382.

لو اجتمع على أحد حدودٍ بدأ بما لا يفوت معه الآخر، بلا خلافٍ ، لأنّه:

1 - مقتضى العمل بالدليلين، وامتثال الحكمين.

2 - ولصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «أيّما رجل اجتمعت عليه حدودٌ فيها القتل يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثُمّ يُقتل بعد ذلك»(1).

ومثله حسنا حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللّه عليه السلام، وابنى سنان وبُكير جميعاً عنه عليه السلام(2).

وخبر محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «في الرّجل يؤخَذ وعليه حدودٌ أحدها القتل ؟

فقال: كان عليٌّ عليه السلام يقيم عليه الحدود ثمّ يقتله، ولا تُخالف عليّاً»(3).

وخبر سماعة، عنه عليه السلام: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام فيمن قَتَل وشَرب خمراً وسرق، فأقام عليه الحَدّ فجلده لشُربه الخمر، وقَطع يده في سرقته، وقتله بقتله»(4).

ونحوها غيرها.

وهل يجبُ تأخير الرَّجم عن الجَلد حتّى يبرأ منه كماعن الشيخين(5)، والحلبي(6)، والقاضي(7)، وبني زُهرة(8) وحمزة(9) وسعيد(10)تأكيداً للزَّجر؟0.

ص: 166


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/71 ح 5134، وسائل الشيعة: ج 28/34 ح 34146.
2- الكافي: ج 7/250 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/34 و 35 ح 34146 و 34151.
3- الكافي: ج 7/250 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/35 ح 34149.
4- الكافي: ج 7/250 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/35 ح 34152.
5- المقنعة: ص 775، النهاية: ص 699.
6- الكافي في الفقه: ص 407.
7- المهذّب: ج 2/527.
8- الغنية: ص 424.
9- الوسيلة: ص 413.
10- الجامع للشرايع: ص 550.

ويُدفن المرجوم إلى حقويه،

أم يستحبّ ذلك، كما عن الحِلّي(1)، ومالَ إليه جماعة من المتأخّرين(2)، لأنّ القصد الإتلاف، فلا فائدة في التأخير، وإنّما يصلح الوجه المذكور سنداً للاستحباب دون اللّزوم ؟

أم لا يجوز التأخير، لما دلّ على عدم تأخير الحدود ساعة(3)؟

أم يجبُ التأخير بيومٍ كما عن الإسكافي(4)، لما دلّ على أنّ الأمير عليه السلام جلد شراحة يوم الخميس ورَجَمها يوم الجمعة(5)؟

وجوه أقواها بحسب الدليل الثالث، ولكن في «الرياض» دعوى اتّفاق الأصحاب على جواز التأخير(6)، واللّه العالم.

(و) لا (يُدفن المرجومُ ) إلّا (إلى حقويه) والحقو: هو معقد الإزار على الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر كما في «الرياض»(7).

ويشهد به: موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تُدفن المرأة إلى وسطها ثمّ يَرمي الإمام ويَرمي النّاس بأحجارٍ صغار، ولا يُدفن الرّجل إذا رُجم إلّاإلى حقويه»(6)ونحوه غيره.8.

ص: 167


1- السرائر: ج 3/451.
2- رياض المسائل: ج 15/504.
3- وسائل الشيعة: ج 28/47 باب 25 من أبواب مقدّمات الحدود (باب عدم جواز تأخير إقامة الحَدّ).
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 9/153.
5- عوالي اللّئالي: ج 2/152. (6و7) رياض المسائل: ج 13/472 و 473.
6- الكافي: ج 7/185 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/99 باب 14 من أبواب حَدّ الزنا ح 34318.

والمرأةُ إلى صَدرها.

(و) أمّا (المرأة) فتُدفن (إلى صَدْرها) على المشهور، كما في «الجواهر»(1)، ولكن الظاهر كفاية الدفن إلى وسطها، وجواز الدفن إلى الأعلى من الصدر حتّى الترقوة، لأنّ ذلك هو مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّ المرأة تُدفن إلى وسطها، وما دلّ على أنّها تدفن إلى دون موضع الثَّديين(2) كخبر أبي مريم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في امرأةٍ أتت الوصيّ عليه السلام، إلى أن قال: فحفر لها حفيرة في الرَّحبة، وخاط عليها ثوباً جديداً، وأدخلها الحفيرة إلى الحقوة دون موضع الثَّديين، الحديث»(3).

وما دلّ على الحفر إلى الصدر، كالمرسل المتضمّن لحفر النبيّ صلى الله عليه و آله للعامريّة إلى الصَّدر(4)، وما دلّ على الحفر إلى العنق(5).

وقد يقال: إنّ المراد من الجميع هو الحفر إلى الصَّدر، أمّا المرسل فواضحٌ ، وأمّا خبر أبي مريم فلأنّ دون الثَّديين يعدّ أوّل الصدر، وأمّا الموثّقات المتضمّنة للحفر إلى الوسط، فمن جهة التفصيل بينها وبين الرّجل في بعضها، إذ لو لم يرد من الوسط الصدر، لم يكن فرقٌ بينها وبين الرّجل، ضرورة قُرب الحقوة من السُّرة على وجهٍ لا يظهر في الدفن، ولا بأس به.).

ص: 168


1- جواهر الكلام: ج 41/347.
2- الكافي: ج 7/184 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/98-99 باب 14 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34316.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/30 ح 5016، وسائل الشيعة: ج 28/107 باب 16 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34331.
4- المبسوط: ج 8/6.
5- المقنع للشيخ المفيد: ص 428، المستدرك: ج 18/53 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 5 (22006).

فإنْ فرَّ أحدهما وقد ثَبَت بالبيّنة اُعيد، وإنْ كان بالإقرار لم يُعد مع إصابة الحَجَر.

كيفيّة رجم المرأة

أقول: ثمّ إنّ ظاهر النصوص والفتاوى كون ذلك على وجه اللّزوم.

وفي «المسالك» حَمَلها على الاستحباب، لأنّ : (طريق الروايات غير نقيّة، ولكنّها كافية في إقامة السُّنة)(1).

وفيه أوّلاً: أنّ جملة منها موثّقات.

وثانياً: أنّه لو سُلّم الضعف، فهو باستناد الأصحاب منجبرٌ.

ثمّ إنّ في المقام أقوالاً اُخر غير ظاهر المأخذ، لا حاجة إلى ذكرها.

(فإن فَرّ أحدهما) من الحفيرة (وقد ثَبَت) الحَدُّ عليه (بالبيّنة اُعيد، وإنْ كان) ثابتاً (بالإقرار لم يُعد) على المشهور.

وعن «كشف اللّثام»(2): دعوى الإجماع على الأوّل، وأمّا الثاني فهو المنسوب إلى الأصحاب.

ولكن عن «النهاية»، و «الوسيلة»، وفي المتن: لم يُعد (مع إصابة الحَجَر) وإلّا اُعيد أيضاً، والمستند عدّة روايات:

منها: خبر الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قلت: أخبرني عن المحصَن إذا هَرَب من الحفيرة، هل يُردّ حتّى يُقام عليه الحَدّ؟

فقال عليه السلام: يُردّ ولا يُردّ.

ص: 169


1- مسالك الأفهام: ج 14/384.
2- كشف اللّثام: ج 10/470 (ط. ج).

فقلت: وكيف ذاك ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان هو المُقرّ على نفسه هَرَب من الحفيرة بعدما يُصيبه شيءٌ من الحجارة، لم يُعد، وإنْ كان إنّما قامت عليه البيّنة وهو يجحد ثمّ هرب رُدَّ وهو صاغر»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «قلت له - أي لأبي عبد اللّه عليه السلام -: المرجوم يفرّ من الحفيرة فيُطلب ؟

قال عليه السلام: لا، ولا يُعرض له إنْ كان أصابه حَجَرٌ واحدٌ لم يطلب، فإنْ هَرَب قبل أن تُصيبه الحجارة رُدّ حتّى يُصيبه ألم العذاب»(2).

ونحوه خبره الآخر(3).

ومنها: مرسل الصَّدوق، قال: «سئل الصادق عليه السلام عن المرجوم يفرّ؟ قال عليه السلام: إنْ كان أقرّ على نفسه فلا يُردّ، وإنْ كان شهد عليه الشهود يُردّ»(4).

ونحوها غيرها.

وهذه النصوص كما تراها مختلفة من حيث المضمون، ومقتضى إطلاق المرسل رَدّ من اُقيمت البيّنة عليه، وعدمه إنْ كان أقرّ على نفسه، سواءٌ أصابه حَجرٌ أم لا، ومقتضى خبري أبي بصير أنّ من أصابه حجر لا يُردّ، قامت البيّنة عليه أو أقرّ على نفسه، ومن لم يُصبه حجارة يُردّ من غير فرقٍ بين الثبوت بالبيّنة أو الإقرار.

وعليه، فالنسبة بين الطائفتين عمومٌ من وجه، ولكن خبر ابن خالد أخصّ 5.

ص: 170


1- الكافي: ج 7/185 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/101 باب 15 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34322.
2- وسائل الشيعة: ج 28/102-103 باب 15 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34324. (3و4) وسائل الشيعة: ج 28/103 باب 15 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34326 و ح 34325.

ويبدأ الشّهودُ بالرَّجم، وفي الإقرار الإمام.

منهما، وهو يدلّ على أنّ المُقرّ لا يُردّ إن أصابه حجارةٌ ومن اُقيمت عليه البيّنة يُردّ، وظاهره الرَّد لو كان ذلك بعد اصابة الحجارة بقرينة التفصيل، فصدره يقيّد إطلاق المرسل، وذيله يقيّد إطلاق خبري أبي بصير، ويرتفع التعارض بذلك، فما أفاده الماتن، هو مقتضى الجمع بين الأخبار.

أقول: بقي في المقام اُمور:

الأمر الأوّل: إنّ ما ذكر إنّما هو في الرَّجم، وأمّا في الجَلد فلا ينفعُ الفرار، حتّى ولو كان ثبوت زناه بالإقرار وفَرّ بعد حصول شيء منه، بلا خلافٍ :

1 - للأصل، بعد اختصاص النصوص بالرّجم.

2 - ولخبر عيسى بن عبد اللّه، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الزّاني يُجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحَدّ أيجبُ عليه أن يُخلّا عنه ما يجبُ للمحصن إذا رُجِم ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن يُردّ حتّى يُضرب الحَدّ كاملاً، الحديث»(1).

الأمر الثاني: (ويبدأ الشهود بالرَّجم) إذا كان الحَدُّ ثابتاً بالبيّنة وجوباً، كما هو ظاهرُ الأكثر، لمرفوع عبد اللّه بن المغيرة، وصفوان، وغير واحدٍ إلى أبي عبداللّه عليه السلام الذي هو كالصحيح، والعمل على طبقه، أنّه: «إذا قامت البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة، ثمّ الإمام، ثمّ النّاس»(2). ونحوه غيره.

(وفي الإقرار) يبدأ (الإمام) كما صرّح به غير واحدٍ(3).2.

ص: 171


1- تهذيب الأحكام: ج 10/35 ح 118، وسائل الشيعة: ج 28/140 ح 34418.
2- الكافي: ج 7/184 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/99 باب 14 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34317.
3- راجع غنية النزوع: ص 424، إصباح الشيعة: ص 515، جامع الخلاف والوفاق: ص 582.

وجاء في صدر المرفوع المتقدّم: «إذا أقرّ الزّاني المُحصَن كان أوّل من يرجمه الإمام، ثمّ النّاس».

ولكن يعارضه ما تضمّن(1) قصّة ماعز الذي لم يحضره النبيّ صلى الله عليه و آله، فضلاً عن بدائته، والجمع يقتضي الحمل على الاستحباب.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّها قضيّة في واقعة، ولعلّ عدم حضوره صلى الله عليه و آله كان لمانعٍ .

وأمّا ذيله الدّال علي بدائة الشهود، فلا صارف عن ظهوره فى الوجوب، فيبنى عليه.

وما دلّ (2) من النصوص على بدائة الإمام مطلقاً، لا يصلحُ قرينةً لذلك فإنّه مطلق، والجمع بينه وبين المرفوع يقتضي التقييد به، كما أنّ كون الصدر متضمّناً لبيان حكم استحبابي لا يصلحُ قرينةً لحمل الذيل عليه، بناءً على ما هو الحقّ من خروج الوجوب والاستحباب عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، فليس مورد الوحدة السياق، مع أنّه قدعرفت أنّه أيضاً وجوبي.

وعليه، فالأظهر كون الحكم على وجه الوجوب في الموردين.

الأمر الثالث: ينبغي للحاكم إذا أراد استيفاء الحَدّ أن يُعْلِم النّاس ليتوفّروا على حضوره، تأسّياً بالأمير عليه السلام حيث كان يُعلِم النّاس عند إرادة إقامة الحَدّ، أضف إليه أنّ في مثل ذلك زجراً له ولغيره عن إتيان مثل فعله.

الأمر الرابع: قال الشيخ(3) وجماعة(4): إنّه يستحب أن يحضر إقامة الحَدّ طائفة.).

ص: 172


1- الكافي: ج 7/185 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/101 ح 34322.
2- الكافي: ج 7/184 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/99 ح 34317.
3- الخلاف: ج 5/374، المسألة 11.
4- كالقاضي في المهذّب: ج 2/528، قوله: (وإذا أُريد إقامة الحَدّ على الزّاني بالجلد أو الرَّجم، فينبغي أن يُعلم النّاس بالحضور).

وعن الحِلّي(1)، والمحقّق في «النافع»(2) وجماعةٍ (2): أنّه يجبُ ذلك، والمستند الآية الكريمة: (وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ ) (3) وظاهرها الوجوب.

واختلفوا في تفسير كلمة (الطائفة):

فعن «النهاية»(4)، و «الجامع»(5)، و «القواعد»(6)، و «النافع»(8)، وغيرها(7): أنّ

أقلّ الطائفة واحد.

وعن عِكرمة(8): أنّ أقلّها اثنان.

وعن الحِلّي:(9) أقلّها ثلاثة.

وقيل:(10) أقلّها أربعة.

وعن الحسن،(11) و «الخلاف»:(12) أقلّها عشرة.

وعن «المختلف»(13) وغيره: إحالة ذلك إلى العرف.5.

ص: 173


1- السرائر: ج 3/453. (2و8) المختصر النافع: ص 217.
2- كابن حمزة في الوسيلة: ص 412، وابن سعيد في الجامع للشرايع: ص 549.
3- سورة النور: الآية 2.
4- النهاية: ص 701.
5- الجامع للشرايع: ص 549.
6- قواعد الأحكام: ج 3/530.
7- كإيضاح الفوائد: ج 4/482.
8- أنظر الخلاف: ج 5/375 المسألة 11، و تفسير القرطبي: ج 12/166.
9- السرائر: ج 3/454.
10- أنظر الخلاف: ج 5/375 م 11، وكتاب الأُمّ : ج 6/215 حَدّ الثيب الزّاني.
11- أنظر احكام القران - للجصاص -: ج 3/344.
12- الخلاف: ج 5/374-375، المسألة 11.
13- مختلف الشيعة: ج 9/615.

والأوّل حسنٌ لخبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في الآية الكريمة: «الطائفة واحد، الحديث»(1).

ويؤيّده أنّ الطائفة بمعنى القطعة، فتصدقُ على الواحد.

وأيضاً: يؤيّده قوله تعالى : (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا) (2) بدليل قوله:

(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) (3) .

الأمر الخامس: لا إشكال في أنّه لا يُقتل المرجوم بالسّيف، ولا بالرَّمي بصخرةٍ واحدة، لعدم صدق الرَّجم، وينبغي أن تكون الحجارة التي يُرجم بها صغاراً كما في النصوص، ففي الموثّق(2) المتقدّم: «ثمّ يرمي النّاس بعدُ بأحجارٍ صغار»، ونحوه غيره، لئلّا يُسرع التلف.

وعن «كشف اللّثام»: (ولا يُرجم بحصى صغاراً حَدّاً يعذّب بطول الضَّرب مع بقاء الحياة)(3).

الأمر السادس: قالوا: لا يَرجمهُ من للّهِ قِبله حَدٌّ، ولكن المشهور بينهم كونه على وجه الكراهة، والمدرك الروايات الخاصّة(4)، وفيها الصحيح وغيره، وظاهرها عدم الجواز، إلّاأنّ الظاهر قيام الإجماع على عدم الحرمة، فبه يُرفع اليد عن ظاهر الأخبار، وتُحمل عليها، ولا اختصاص للحكم بمن عليه حَدٌّ مماثل للّذي أُقيم على المحدود، فإنّ بعض النصوص وإنْ اختصّ به، إلّاأنّ بعضها الآخر مطلقٌ ، وحيث إنّهما مثبتان فلا يُحمل أحدهما على الآخر.ه.

ص: 174


1- تهذيب الأحكام: ج 10/150 ح 33، وسائل الشيعة: ج 28/93 باب 14 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34299. (2و3) سورة الحجرات: الآية 9 و 10.
2- الكافي: ج 7/184 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/98-99 ح 34316.
3- كشف اللّثام: ج 10/473.
4- وسائل الشيعة: ج 28/53 باب أنّه يكره أن يقيم الحَدّ في حقوق اللّه من للّه عليه حَدّ مثله.

الرابعة: يُجرَّد للجَلد،

هذا، وقد عرفت أنّ التوبة توجبُ سقوط الحَدّ، وعليه فلو تاب ورجمه لا مانع عنه، وما في الصحيح أنّه لما نادى أمير المؤمنين عليه السلام:

«لا يُقيم الحَدّ مَن للّهِ عليه حَدٌّ، فمن كان للّه عليه مثل ما له عليها، فلا يقيم عليها الحَدّ، قال: فانصرف النّاس يومئذٍ كلّهم، ما خلا أميرالمؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحَدّ يومئذٍ، وما معهم غيرهم»(1).

لاينافي ذلك، فإنّه وإنْكان من المستبعد جدّاً عدم توبتهم جميعاً في ذلك الوقت، إلّاأنّه من الجائز عدم علمهم بالحكم.

أقول: الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين ما لو ثبت الحَدّ بالبيّنة أو الإقرار، وكون مورد النصوص خصوص صورة الإقرار، لا يُخصّص الوارد، ووجوب بدئة الشهود لا يصلحُ قرينةً للاختصاص بمورد الإقرار، فإنّه تجبُ عليهم التوبة فيما بينهم وبين اللّه تعالى .

***

كيفيّة جَلد الرّجل و المرأة

المسألة (الرابعة: يُجرَّد) الرّجل الزّاني (للجلد) كما هو المشهور، على ما عن «غاية المرام»(2)، لموثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

ص: 175


1- وسائل الشيعة: ج 28/53 باب 31 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34197.
2- غاية المرام: ج 4/320.

«عن الزّاني كيف يجلد؟ قال عليه السلام: أشدّ الجَلد.

فقلت: من فوق الثياب ؟ فقال بل يُجرّد»(1).

وفي موثّقه الآخر: «بل تُخلع ثيابه»(2).

وعن الشيخ(3) وجماعة(4)، بل عن جماعةٍ (5): دعوى الشهرة عليه.

وعن ظاهر «الغنية»(6): أنّ عليه الإجماع أنّه يُضرب على الحالة التي وجد عليها، إن وجد عرياناً ضُرب عرياناً، وإن وجد وعليه ثيابه ضُرِب وعليه ثيابه، ومدركه خبر طلحة بن زيد(7) المنجبر ضعفه بالعمل، والجمع بينه وبين الموثّقين يقتضي البناء على أنّ المراد بهما ما لو كان حين الزّنا مجرّداً.

وإنْ أبيت عن ذلك، فالمتعيّن العمل بخبر طلحة، لفتوى الأكثر التي هي أوّل المرجّحات.

وكيف كان، فيُجلد قائماً، لموثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«يُضرب الرّجل الحَدّ قائماً والمرأة قاعدة، ويُضرب على كلّ عضوٍ ويُترك الرأس والمذاكير»(8).5.

ص: 176


1- وسائل الشيعة: ج 28/92 باب 11 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34297.
2- وسائل الشيعة: ج 28/92 باب 11 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34296، و أيضاً تقدّم في: ج 20/310 ح 25693.
3- النهاية: ص 700.
4- كالقاضي في المهذّب: ج 2/527.
5- كالفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 10/458.
6- الغنية: ص 425.
7- وسائل الشيعة: ج 28/93 باب 11 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34301.
8- وسائل الشيعة: ج 28/91-92 باب 11 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34295.

ويُضرَب أشدّ الضَرب. ويُتَّقى وجهه وفرجه، وتُضرب المرأة جالسةً وقد رُبِطت عليها ثيابها.

(ويُضرَب أشدّ الضَّرب) كما هو الأشهر، لموثّق إسحاق المتقدّم، ونحوه خبر محمّد ابن سنان، عن الإمام الرّضا عليه السلام فيما كتب إليه:

«وعلّة ضَرب الزّاني على جسده بأشدّ الضَّرب لمباشرته الزّنا، واستلذاذ الجسد كلّه به، الحديث»(1).

ومرسل حريز، عن من أخبره، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال:

«يفرّق الحَدّ على الجسد كلّه، ويُتّقى الفرج والوجه، ويُضرب بين الضربين»(2)الذي قيل عَمِل به بعضٌ ولم نتحقّقه، لا يصلحُ أن يقاوم ما تقدّم، مضافاً إلى قصوره في نفسه.

(ويُتَّقى وجهه) ورأسه (وفَرْجه) كما في النصوص المتقدّمة، ويُفرّق الضَّرب على بقيّة جسده كلّه، لأنّه كما في الخبر(3) استلذ بجميع أعضائه.

هذا كلّه في الرّجل.

(وتُضرب المرأة جالسةً ) بلا خلافٍ ، وموثّق زرارة شاهد به، (وقد ربطت عليها ثيابها) كما هو الأشهر، لأنّها لا تُهتك ليبدو جسدها وهي عورة، وللأمر به لما اُريد رجمها في بعض(4) النصوص:1.

ص: 177


1- علل الشرائع: ج 2/544 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/94 باب 11 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34302.
2- تهذيب الأحكام: ج 10/31 ح 105، وسائل الشيعة: ج 28/93 ح 34300.
3- وسائل الشيعة: ج 28/94 باب 11 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34302.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/30 ح 5016، وسائل الشيعة: ج 28/107 ح 34331.

الخامسة: من تزوّج بأمَةٍ على حُرّةٍ مُسلمة فوطأها قبل الإذن، كان عليه ثُمن حَدّ الزّاني. ومن زنى في زمانٍ شريفٍ ، أو مكانٍ شريفٍ ضُرِب زيادةً على الحَدّ.

منها: في امرأةٍ أقرّت عند الوصي عليه السلام: بالفجور، قال: «فحفر لها حفيرةً في الرحبة، وخاطَ عليها ثوباً جديداً، وأدخلها الحفيرة... فرماها بحجرٍ».

وعن «المقنع»(1): أنّه كالرجل في جَلدها عرياناً إن وُجدت كذلك، ومستنده إطلاق ما تقدّم في الرّجل.

لكن تلك النصوص مختصّة بالزاني، والظاهر منه الرّجل، وإرادة الجنس منه بحيثُ يشمل الزانية تحتاجُ إلى قرينةٍ مفقودة، وقاعدة الاشتراك مع احتمال الخصوصيّة كما لا يخفى لا تجري.

المسألة (الخامسة: من تزوّج بأمَةٍ على حُرَّةٍ مسلمة، فوطأها قبل الإذن، كان عليه ثُمن حَدّ الزّاني) كما في النّص(2).

(ومن زَنى في زمانٍ شريف) كشهر رمضان (أو مكانٍ شريف) كالمشاهد المشرّفة والمساجد (ضُرِب زيادةً على الحَدّ) بلا خلافٍ أجده فيه، لمرفوع جابر، عن أبي مريم، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام بالنجاشي الشاعر قد شَرب الخمر في شهر رمضان، فضربه ثمانين، ثمّ حَبَسه ليلةً ، ثمّ دعا به من الغد فضربه عشرين.

فقال له: يا أمير المؤمنين هذا ضربتني بثمانين في شُرب الخَمر، وهذه3.

ص: 178


1- المقنع: ص 428.
2- الكافي: ج 7/141 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/151 باب 49 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34443.

العشرون ما هي ؟

قال عليه السلام: لتجرّئك على شُرب الخَمر في شهر رمضان»(1).

وضعفه منجبرٌبالعمل، ومافيه من العلّة تدلّ على ثبوت الحكم في غير مورده.

من وجد رجلاً يزني مع زوجته

المسألة السادسة: إذا وَجد الزوجُ رجلاً يزني بزوجته، وعلم بمطاوعتها له، فله قتلهما ولا إثم عليه، كما عن الشيخ(2)، وجماعة(3).

وعن الحِلّي(4) تقييده بإحصانهما.

ومقتضى إطلاق الأكثر، عدم الفرق بين كون الفعل موجباً للرَّجم أو الجَلد، كما لو كان الرّجل غير مُحصَنٍ ، أو كانا مُحصَنين، وسواءً كان الزوج قد دخل أم لا، كان العقد دائماً أو متعة.

واستدلّ له: بعدّة أخبار:

منها: خبر الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام: «في رجل دخل دار آخر للتلصُّص أو للفجور فقتله صاحب الدار، أيُقتل به أم لا؟

فقال عليه السلام: اعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، ولا يجبُ عليه شيء»(5).

ص: 179


1- الكافي: ج 7/216 ح 15، وسائل الشيعة: ج 28/231 ح 34632.
2- النهاية: ص 744.
3- تحرير الأحكام: ج 2/223، إيضاح الفوائد: ج 4/490.
4- السرائر: ج 3/343.
5- الكافي: ج 7/294 ح 16، وسائل الشيعة: ج 29/70 باب 27 من أبواب القِصاص فى النفس ح 35175.

ومنها: النبويّ : «من كابر امرأةً ليفجر بها فقتلته، فلا دية ولا قِوَد»(1).

ومنها: بالنصوص الدالّة على إهدار دم من اطّلع على قومٍ ينظر إلى عوراتهم(2).

ومنها: وما دلّ على إهدار دم من راودَ امرأةً على نفسها حراماً فقتلته(3).

ومنها: خبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال: «إذا دخل عليك رجلٌ يريد أهلك ومالك فاقتله، فماتبعك منه من شيء فهو عَليَّ »(4).

ومنها: خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «إذا دخل عليك اللِّص يريدُ أهلك ومالك، فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه.

وقال: اللِّص محاربٌ للّه ولرسوله فاقتله، فما منك منه فهو عليَّ »(5).

ومنها: مرسل الشهيد رحمه الله فقد روى: «أنّ من رأى زوجته تَزني فله قتلهما»(6).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: رجلٌ تزوّج امرأةً فلما كان ليلة البناء عَمَدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحِجلة، فلمّا ذهب الرّجل يُباضع أهله ثار الصديق، فاقتتلا في البيت، فقتل الزوج الصديق، وقامت المرأة فضَرَب الرّجل فقتلته بالصديق ؟

قال عليه السلام: تضمن المرأة دية الصديق، وتُقتل بالزوج»(7).8.

ص: 180


1- الكافي: ج 7/293 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/70 باب 27 من أبواب القِصاص فى النفس ح 35176.
2- وسائل الشيعة: ج 29/66 باب 25 من أبواب القِصاص في النفس.
3- وسائل الشيعة: ج 29/61-62 باب 23 من أبواب القِصاص في النفس ح 35154 و 35155.
4- وسائل الشيعة: ج 28/384 باب 5 من أبواب الدفاع ح 35018.
5- وسائل الشيعة: ج 28/320-321 باب 7 من أبواب حَدّ المحارب ح 34861.
6- الدروس: ج 2/48، وسائل الشيعة: ج 28/149 باب 45 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34438.
7- الكافي: ج 7/293 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/258 ح 35578.

أقول: ولكن شيئاً من هذه النصوص - عدا مرسل الشهيد رحمه الله - لا يدلّ على المطلوب، فإنّ جملة منها تدلّ على جواز قتل من دخل داره بغير إذنه، ولو كان ذلك للسرقة، أو إرادة الفجور وإن لم يفجر، وجملةٌ منها تدلّ على جواز أن تدفع المرأة عن نفسها، وإن استلزم القتل، وبعضها يدلّ على أن لا شيء على من قتل من اقتتل معه في بيته، ثمّ إنّه ليس في شيء منها تعرّضٌ لحكم قتل الزوجة.

وعليه، فالحقّ أن يُستدلّ لجواز قتل الزّاني بمرسل الشهيد، وبالصحيح(1)المتضمّن لقول أمير المؤمنين عليه السلام في جواب ما كتبه معاوية إلى أبي موسى من أن إبن أبي الجسرين وَجَد رجلاً مع امرأته فقتله، فاسأل لي عليّاً عليه السلام، فأجابه: «إن جاء بأربعة يشهدون على ما شَهد وإلّا دفع برمته».

فإنّه يدلّ على جواز القتل له، غاية الأمر لإثبات أنّ قتله إيّاه كان لرؤيته إيّاه مع زوجته لا لغير ذلك، لابدَّ وأن يُقيّم الشهود، كما أشار إلى ذلك الإمام عليه السلام في خبر داود بن فرقد(2) بقوله: «إنّه إن استقام هذا ثُمّ شاء أن يقول كلّ إنسان لعدوّه: دخل بيتي فقتلته».

وعلى ذلك فإنْ لم يقدر على إثبات ذلك في ظاهر الشرع يحكم عليه بحكم القاتل، ولكن لا شيء عليه بينه وبين ربه.

أقول: وبذلك يظهر أنّه لا منافاة بين فتوى الأصحاب وهذه النصوص، وبين9.

ص: 181


1- تهذيب الأحكام: ج 10/314 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/135 باب 69 من أبواب القصاص في النفس ح 35328.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/172 ح 5395، وسائل الشيعة: ج 29/135 باب 69 من أبواب القِصاص في النفس ح 35329.

صحيح داود بن فرقد، عن الإمام الصادق عليه السلام و قال: «إنّ أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله قالوا لسعد بن عبادة: لو وجدتَ على بطن امرأتك رجلاً ما كنتَ صانعاً به ؟

قال: كنتُ أضربه بالسّيف.

قال: فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: ماذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا لو وجدتَ على بطن امرأتك رجلاً ما كُنتَ صانعاً به، فقلت: أضربه بالسّيف.

فقال: يا سعد فكيف بالأربعة شهود؟

فقال: يا رسول اللّه بعد رأي عيني، وعِلْم اللّه أن قد فعل ؟!

قال: أي واللّه بعد رأي عينك، وعلم اللّه أن قد فعل، لأنّ اللّه عزّ وجلّ قد جعل لكلّ شيء حَدّاً، وجعل لمن تعدّى ذلك الحَدّ حدّاً»(1).

وأنّه يُحمل ذلك على بيان الحكم الظاهري، ويؤيّده أنّه لم ينهه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قتله، ولو لم يكن يجوز قتله، كان ذلك كسائر الحدود إقامته وظيفة الإمام ونائبه.

وأمّا قتل المرأة: فلا دليل عليه سوى المرسل المنجبر ضعفه بالعمل، فإنّ الظاهر أنّ الحكم مقطوع به بين الأصحاب.

وممّا ذكرناه ظهر مدرك ما أفاده الأصحاب من أنّه في الظاهر عليه القود، إلّا أن يأتي على دعواه بيّنة أو يُصدِّقه الوليّ .

ثمّ إنّ النصوص مختصّة بمشاهدة الزوج، فلو قامت البيّنة أو أقرّ هو أو هي بذلك لايثبتُ الحكم، إذا لم يظهر كون الرؤية والمشاهدة مأخوذة في الموضوع بعنوان9.

ص: 182


1- تهذيب الأحكام: ج 10/3 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/14 باب 2 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34099.

الطريقيّة إلى الواقع حتّيتقوم الأمارات مقامها، ولعلّه للمشاهدة مدخليّة في الحكم.

وبذلك ظهر أنّه لا وجه لاستشكال الشهيد الثاني رحمه الله(1) في إلحاق الإقرار بالمشاهدة، بل الأظهر عدم الإلحاق، وكذا البيّنة.

وأيضاً: يختصّ الحكم بالزوجة، لاختصاص النصوص بها، فلا يشمل الاُمّ والاُخت ومن شاكلت.

المسألة السابعة: إذا شهد أربعة عدول على امرأة بالزّنا قُبُلاً، فادّعت أنّها بِكر فشهد لها أربع نساء عدول بذلك، فلا حَدّ عليها بلا خلافٍ .

وفي «الرياض»: (إجماعاً على الظاهر المصرّح به في «التنقيح»(2)(3)، لقويّ السكوني، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام: «أنّه أتى رجلٌ بامرأةٍ بِكر زعم أنّها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقُلن هي عذراء.

فقال عليّ عليه السلام: ما كنتُ لأضرب من عليها خاتمٌ من اللّه»(4).

وهل يُحدّ الرّجل إن شهدوا عليه بالزّنا بها أم لا، كما في «الجواهر»(5)؟

الظاهر هو الأوّل إنْ احتُمل عود البكارة، لاحتمال صدق الشهود، وعود البكارة.

وما في «الجواهر»: من الاستدلال للثاني بالشُّبهة الدارئة.

يدفعه: أنّ الشُّبهة إنّما تدرأ مع عدم قيام البيّنة، وإلّا فمع قيامها لا يعتنى بالشُّبهة،3.

ص: 183


1- مسالك الأفهام: ج 14/398.
2- التنقيح الرائع: ج 4/346.
3- رياض المسائل: ج 13/486.
4- الكافي: ج 7/404 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/124 ح 34381.
5- جواهر الكلام: ج 41/363.

ولا تلازم بين سقوط الحَدّ عن المرأة وسقوطه عن الرّجل، كي يُستدلّ بالقويّ ، لسقوط الحَدّ عنه أيضاً، وبذلك يظهر أنّه لا يحد الشهود عليها للفرية كما عن «المبسوط»(1).

أضف إليه أنّه يمكن أن يكون الحكم بالسقوط من جهة قبول الشهادتين، والحكم بالتعارض والتساقط، ولذلك يمكن القول بسقوط الحَدّ عن الزّاني أيضاً إن لم يُحتمل عود البكارة.

المسألة الثامنة: إذا كان الزوج أحد الأربعة، فيه روايتان:

إحداهما: رواية إبراهيم بن نعيم، عن الإمام الصادق عليه السلام الدّالة على القبول(2)، وعمل بها الأصحاب.

ثانيتهما: رواية زرارة، عن أحدهما عليهما السلام الدّالة على عدم القبول(3).

والثانية مضافاً إلى ضعف سندها، لم يَعمل بها الأصحاب، وعليه فالأظهر هو القبول.

***3.

ص: 184


1- المبسوط: ج 8/10.
2- وسائل الشيعة: ج 22/431 باب 12 من كتاب اللّعان ح 28962.
3- وسائل الشيعة: ج 22/432 باب 12 من كتاب اللّعان ح 28963.

الفصل الثامن: في اللّواط والسُّحق والقيادة.

يثبتُ اللّواطُ بما يثبتُ به الزّنا.

الفصل الثامن: في حَدّ اللّواط

اشارة

(الفصل الثامن: في) حَدّ (اللّواط والسُّحق والقيادة).

فالكلام فيه في مواضع:

الموضع الأوّل: في اللّواط.

أقول: وتمام الكلام فيه يتحقّق في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: اللّواط وهو وطء الذكران بعضهم بعضاً، المشتقّ من فعل قوم لوط، وحرمته من ضروريّات الدِّين، فضلاً عمّا دلّ عليه الكتاب(1) والسُّنة المستفيضة(2)، وهو يوجبُ الحَدّ إجماعاً، والنصوص الآتية دالّة عليه.

المسألة الثانية: (يثبتُ اللّواط بما يثبتُ به الزّنا) بلا خلافٍ ، فيتوقّف ثبوته على الإقرار به أربعاً، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة.

أمّا الأوّل: فيشهد له صحيح مالك بن عطيّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: بينما أمير المؤمنين عليه السلام في ملاءٍ من أصحابه، إذ أتاه رجلٌ ، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبتُ على غلامٍ فطهّرني.

فقال: يا هذا امض إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك.

ص: 185


1- سورة الشعراء: الآية 165، سورة الأعراف: الآية 81.
2- وسائل الشيعة: ج 20/329 باب 17 و 18 و 19 و 20 من أبواب النكاح المحرّم.

فلمّا كان من غدٍ عاد إليه، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبتُ على غلامٍ فطهّرني.

فقال له: اذهب إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك.

حتّى فعل ثلاثاً بعد مرّته الأُولى ، فلمّا كان في الرابعة، قال له: يا هذا إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حَكَم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيّهنّ شئت ؟

قال: وما هن يا أمير المؤمنين ؟

قال: ضربةً بالسّيف في عُنُقك بالغةً ما بلغت، واهدابٍ من الجبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنّار؟

قال: يا أمير المؤمنين أيهنّ أشدّ عليَّ؟ قال عليه السلام: الإحراق بالنار، الحديث»(1)وسيأتي باقيه.

وأمّا الثاني: فيشهد به - مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه، بل والمالكيّة، والحنابلة، والشافعيّة، وإلى ما دلّ على أنّه إذا أتى الرّجل الرّجل فهما زانيان(2)، بضميمة ما تقدّم من ما دلّ على توقّف ثبوت الزّنا على شهادة أربعة من الرِّجال - الأخبار الدالّة على أنّه لا يُرجم الرّجل حتّى يَشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج، منها صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«حَدّ الرَّجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوهُ يُدخل ويُخرج»(3).

ونحوه غيره.4.

ص: 186


1- الكافي: ج 7/201 ح 1، مع اختلاف في بعض ألفاظ الوسائل، وسائل الشيعة: ج 28/161-162 باب 3 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34465.
2- الفقه على المذاهب الأربعة: ج 5/140.
3- الكافي: ج 7/183 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/94 باب 12 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34304.

ثُمّ إنْ أوقبَ قُتِل أو رُجِم، أو اُلقي من الشاهق، أو اُحرق،

وعلى ذلك فالكلام في ذلك وفروعه هو الكلام فيهما في الزّنا.

نعم، الظاهر عدم ثبوته إذا شهد بذلك دون الأربع، وإن انضمّ إليهم النساء، إذ لا تُقبل شهادة النساء في الحدود، كما دلّ على ذلك الأخبار(1) وتقدّم، وخروج الزّنا على بعض الوجوه بدليلٍ ، لا يقتضي التعدية لحرمة القياس، وتنزيل اللّائط منزلة الزّاني ليس في الخبر المعتبر كي يتمسّك بإطلاق التنزيل، وللحاكم أن يحكم فيه بعلمه كما مرّ الكلام فيه في كتاب القضاء.

بيان حَدّ اللّواط مع الإيقاب

المسألة الثالثة: أنّه إن ثبت اللّواط:

فتارةً : يكون ذلك مع الإيقاب.

وأُخرى : بدونه.

(ثُمَّ إنْ أوقبَ قُتِل أو رُجم أو اُلقي من الشاهق، أو اُحرق) بلا خلافٍ فيه، كما عن «السرائر»(2).

وعن «الانتصار»(3)، و «الغنية»(4): الإجماع عليه، إلّاأنّه في الأوّل لم يَذكر

ص: 187


1- وسائل الشيعة: ج 27/358-359 باب 24 من أبواب الشهادات ح 33935 و 33936 و 33937 و 33938 و 33940.
2- السرائر: ج 3/458-459.
3- الانتصار: ص 510.
4- الغنية: ص 426.

وللإمام إحراقه وقتله بغيره،

الإحراق، وهو ظاهر «المسالك»(1).

ويشهدبه: صحيح مالك المتقدّم، وخبر الحضرمي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام بامرأةٍ وزوجها قد لاط زوجها بابنها من غيره، وثقبه، وشهد بذلك الشهود، وأمر به عليه السلام فضُرب بالسّيف حتّى قُتل، وضرب الغلام دون الحَدّ.

وقال: أما لو كنتَ مدركاً لقتلتك لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك»(2).

ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة، إلّاأنّه ليس في شيء منها إلقاء الجدار عليه، ولكن قيل(3) إنّ فيه خبراً مرويّاً عن مولاناالرّضا عليه السلام، وضعفه منجبرٌ بالفتوى، فلا إشكال فيه.

وأمّا ما يظهر من جملة من النصوص من التفصيل بين المُحصَن وغيره، فالرجم في الأوّل، والحَدّ في الثاني، كخبر ابن أبي عمير، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الذي يوقب أنّ عليه الرَّجم إنْ كان مُحصَناً، والجَلد إنْ لم يكن محصناً»(4) ونحوه غيره، فلإعراض الأصحاب عنها، وسقوطها عن الحجيّة على فرض حجّيتها في أنفسها بالمعارضة مع النصوص الأولة التي عليها الفتوى تُطرح، بل (وللإمام إحراقه وقتله بغيره) بأنْ يُقتل بالسّيف، ثمّ يَحرق كما هو المشهور بين2.

ص: 188


1- مسالك الأفهام: ج 14/405-407.
2- الكافي: ج 7/199 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/156 باب 2 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34453.
3- ذكره ابن بابويه في فقه الرّضا: ص 282.
4- الاستبصار: ج 4/222 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/160 ح 34462.

وإنْ كان بصغيرٍ أو مجنونٍ . ولو لاط المجنون أو الصغير بعاقلٍ اُدِّبا، وقُتِل العاقل،

الأصحاب، بل بلا خلافٍ كما عن «السرائر»(1) زيادةً للردع.

وفي صحيح العزرمي، عن الإمام الصادق، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام أمر بقتل الرّجل الذي وُجِد مع رجلٍ في زمان عمر، ثُمّ قال بعد قتله: إنّه قد بقي من حدوده شيءٌ .

قال عمر: أي شيء بقي ؟

قال عليه السلام: ادع بحطبٍ ، فدعا عُمر بحطبٍ فأمر به أميرالمؤمنين عليه السلام فاُحرق بالنّار»(2).

الظاهر كما عليه الأصحاب أنّ التخيير في القتل المزبور ثابتٌ ، (وإنْ كان) اللّواط (بصغيرٍ أو مجنونٍ ) كما صرّح به في بعض النصوص المتقدّمة.

(ولو لاط المجنون أو الصغير بعاقلٍ ، اُدِّبا وقُتِل العاقل) بلا خلافٍ معتدّ به في شيء من ذلك.

أمّا قتل العاقل: فلما يأتي.

وأمّا أنّ اللّاطي لا يُحَدّ، بل يؤدَّب، فيشهد به ما تقدّم في زناهما من الأدلّة، وعن جماعة(3) أنّ الفاعل إنْ كان مجنوناً يُحَدّ، وقد مرّ ما يمكن أن يستدلّ به له والجواب عنه.1.

ص: 189


1- السرائر: ج 3/459.
2- الكافي: ج 7/199 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/158 ح 34458.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/175، غاية المراد: ج 4/211، حاشية الإرشاد: ج 4/211.

ولو لاط الذِّمي بمسلمٍ قُتِل، وإن لم يُوقِب، ويُقتل المفعول مع الإيقاب.

(ولو لاط الذِّمي بمسلمٍ قُتل، وإنْ لم يوقب) بلا خلافٍ في الظاهر، ويشهد به ما دلّ (1) على قتله بزناه بالمسلمة، بالفحوى، وللنصوص(2) الدالّة على أنّ حَدّ اللّوطي حَدّ الزّاني.

(ويُقتل المفعولُ مع الإيقاب) إنْ كان عاقلاً بالغاً بلا خلافٍ ، ويشهد به النصوص الكثيرة المتقدّم بعضها، بل بعض النصوص الدالّة على أنّ اللّاطي إن لم يكن مُحصَناً، لا يُقتل، متضمّنٌ لقتله كخبر حمّاد بن عثمان، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ أتى رجلاً؟ قال عليه السلام: عليه إنْ كان مُحصَناً القتل، وإنْ لم يكن مُحصَناً فعليه الجَلْد.

قال: قلت: فما عن المؤتى به ؟

قال عليه السلام: عليه القتل على كلّ حالٍ ، مُحصَناً كان أو غير مُحصَن»(3).

والكلام في كيفيّة قتله هو الكلام في كيفيّة قتل اللّاطي.

أقول: ويشهد لجواز رجمه: قويّ السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «إذا كان الرّجل كلامه كلام النساء، ومشيته مشية النساء، ويمكِّن من نفسه يُنكَح كما تُنكح المرأة، فارجموه ولا تستحيوه»(4).9.

ص: 190


1- وسائل الشيعة: ج 28/141 باب 36 من أبواب حَدّ الزّنا.
2- وسائل الشيعة: ج 28/153 باب 1 من أبواب حَدّ اللّواط.
3- الكافي: ج 7/200 ح 10 وقد ورد في ص 198 ح 2 مع اختلاف يسير بين لفظيهما، وسائل الشيعة: ج 28/154 باب 1 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34448.
4- وسائل الشيعة: ج 28/159 باب 3 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34459.

ولو لم يُوقِب جُلِد مائة، حُرّاً كان أو عبداً، فاعلاً أو مفعولاً.

ولجواز إحراقه بالنار: خبر القدّاح، عنه عليه السلام، قال: «كتبَ خالد إلى أبي بكر أنّه اُتي برجلٍ يؤتى في دبره، فاستشار أمير المؤمنين عليه السلام، فقال عليه السلام: احرقه بالنّار فإنّ العرب لا ترى القتل شيئاً»(1).

وأمّا الإلقاء من شاهق، وإلقاء الجدار عليه: فلم أظفر بما دلّ عليهما، ولعلّ مدركهما عموم التعليل في خبر القدّاح، وأولويّته بذينك من اللّوطي، والإجماع المركّب.

ولو كان المفعول غير بالغٍ أو مجنوناً، لا يُحدّ بل يُعزّر، أمّا غير البالغ فللنصوص كخبر الحضرمي المتقدّم، وقريبٌ منه غيره، وأمّا المجنون فلرفع القلم عنه(2) وقد مرّ في الزّنا ما يظهر منه الحكم.

حَدّ اللّواط بغير الإيقاب

(ولو) لاط الرَّجلُ بمثله و (لم يُوقِب) كالمفخِّذ والفاعل بين الإليتين (جُلِد مائة، حُرّاً كان أو عبداً، فاعلاً أو مفعولاً) كما عن المفيد(3)، وسلّار(4)، والحلبي(5)، وابن زُهرة(6)، والحِلّي(7).

ص: 191


1- وسائل الشيعة: ج 28/160 باب 3 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34463.
2- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81 و: ج 28/23 ح 34121 و: ج 29/90 ح 35225.
3- المقنعة: ص 785.
4- المراسم: ص 255.
5- الكافي في الفقه: ص 408.
6- الغنية: ص 425.
7- السرائر: ج 3/458.

وفي «المسالك»(1): (إنّه المشهور).

وعن صريح «الانتصار»(2)، وظاهر «الغنية»(3) الإجماع عليه، لخبر سليمان بن هلال، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرّجل يفعل بالرجل ؟

قال: فقال عليه السلام: إنْ كان دون الثقب فالجَلد، وإنْ كان ثَقَب أُقيم قائماً ثُمّ ضُرب بالسّيف ضربةً أخذ السّيف منه ما أخذ.

فقلت له: هو القتل ؟ قال عليه السلام: هو ذاك»(4).

وعن الشيخ رحمه الله في أكثر كتبه(5)، والقاضي(6) وجماعة(7): أنّه يُرجم إنْ كان مُحصناً، ويُجلَد إنْ لم يكن كذلك.

واستدلّ له: بأنّه مقتضى الجمع بين الخبر، وبين ما دلّ على الرَّجم بقولٍ مطلق، وما دلّ على أنّ اللّوطي إنْ كان مُحصَناً رُجِم، وإلّا جُلِد والمتقدّمين، بتقريب أنّ الثاني يوجبُ تقييد إطلاق الأخير، فيختصّ الأخير بغير الموقب، فيقيّد إطلاق خبر سليمان به.

ولكن يردّه: أنّ ذلك يتوقّف على القول بانقلاب النسبة ولا نقول به، وعليه4.

ص: 192


1- مسالك الأفهام: ج 14/408.
2- الانتصار: ص 510.
3- غنية النزوع: ص 426.
4- الكافي: ج 7/200 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/153 ح 34446.
5- النهاية: ص 704، التهذيب: ج 10/55 ذيل الحديث 12، الاستبصار: ج 4/221 ذيل الحديث 10.
6- المهذّب: ج 2/530.
7- الوسيلة: ص 413-414.

ولو تكرّر الحَدُّ قُتِل في الرابعة.

فالنسبة بين الأخير والأوّل عمومٌ من وجه، لشمول الأخير للموقب وغيره، وشمول الأوّل للمُحصَن وغيره، فيتعارضان في المحصَن غير الموقب، والترجيح للخبر، لفتوى الأكثر الّتي هي أوّل المرجّحات، هذا إذا لم نقل بظهور الأخير في الموقِب، وإلّا لسقط الاستدلال رأساً، والظاهر أنّه كذلك.

وأمّا مرسل الحسين بن سعيد، الدّال على أنّ حَدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعاً بين فخذيه هو القتل(1)، فللإرسال، وإعراض الأصحاب لا بدَّ من طرحه، ولعلّه مدرك الصدوقين(2) والإسكافي(3) حيث التزموا بأنّ حَدّ اللّواط مطلقاً وإن لم يكن إيقاب هو القتل، لا ما دلّ على أنّ اللّواط ما بين الفخذين والإيقاب هو الكفر بما أنزل اللّه تعالى على نبيّه صلى الله عليه و آله(4)، الذي هو ضعيف السند، وقاصر الدلالة.

(ولو تكرّر الحَدّ) بأن لاط بدون الإيقاب فَحُدَّ ثُمّ لاط فَحُدَّ، وهكذا، (قُتل في الرابعة) على ما تقدّم في الزّنا:

1 - لما دلّ من(5) النصوص على أنّ حَدّ اللّوطي هو حَدّ الزّاني.5.

ص: 193


1- وسائل الشيعة: ج 28/154 باب 1 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34449.
2- فقه الرّضا: ص 277 قوله: (وفي اللّواطة الكبرى ضربة بالسّيف، أو هدمة، أو طرح الجدار، وهي الإيقاب. وفي الصغرى مائة جلدة. وروي أنّ اللّواطة هي التفخذ، وأنّ على فاعله القتل، والإيقاب الكفر باللّه. وليس العمل على هذا، وإنّما العمل على الأولى في اللّواط)، المقنع: ص 429-430.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 9/176.
4- وسائل الشيعة: ج 20/339-340 باب 20 من أبواب النكاح المحرّم ح 25770 وما بعده و 25771.
5- وسائل الشيعة: ج 28/153 باب 1 من أبواب حَدّ اللّواط ح 34445.

ويُعزّر الأجنبيّان المجتمعان في إزارٍ واحد مُجرَّدين من ثلاثين إلى تسعة وتسعين.

2 - وللإجماع على عدم الفرق بينه وبين ما هنا، وبذلك يُخصّص إطلاق ما دلّ (1) أنّ أصحاب الكبائر إذا أُقيم عليهم الحَدّ مرّتين يُقتلون في الثالثة كما مرّ.

وبذلك يظهر أنّ إفتاء المصنّف في الزّنا بأنّه يُقتل في الثالثة، أو تردّده فيه، وإفتائه في المقام بأنّه يُقتل في الرابعة لا يجتمعان.

حَدّ اجتماع الأجنبيّين في إزارٍ واحد مُجرَّدين

المسألة الرابعة: (ويُعزّر الأجنبيّان المجتمعان في إزارٍ واحد مُجرَّدين) بلا ضرورةٍ تقتضي ذلك، (من ثلاثين) سوطاً (إلى تسعة وتسعين) كما عن الشيخ(2)، والحِلّي(3)، وأكثر المتأخّرين(4).

ويشهد بذلك:

1 - خبر سليمان بن هلال، قال:

«سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: جُعِلتُ فداك، الرّجل ينام مع الرّجل في لحافٍ واحد؟

ص: 194


1- وسائل الشيعة: ج 28/19 باب 5 من أبواب مقدّمات الحدود ح 34113-34115.
2- النهاية: ص 705.
3- السرائر: ج 3/460.
4- كالشهيد في اللّمعة الدمشقيّة: ص 238، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة: ج 9/155-156، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/109-110.

فقال عليه السلام: ذوا محرم ؟ فقال: لا.

فقال: من ضرورة ؟ قال: لا.

قال عليه السلام: يُضربان ثلاثين سوطاً»(1).

2 - وخبر ابن سنان عنه عليه السلام: «في رجلين يوجدان في لحافٍ واحد؟

فقال: يُجلدان حَدّاً غير سوط»(2).

والجمع بينهما يقتضي البناء على أنّ الثلاثين والمائة غير سوط غايتان، والحكم فيهما وما بينهما منوطٌ بنظر الحاكم، وضعفهما منجبرٌ بالعمل.

أقول: ومن الأوّل يُستفاد اعتبار كونهما أجنبيّين، وعدم الضرورة، فإنّ الظاهر من الاستفصال وتعليق الحكم على أحد الشقّين، هو عدم ثبوته في الآخر، فما في «المسالك»(3) من الإشكال في اعتبار عدم الرَحِميّة وعدم الضرورة في غير محلّه.

وأمّا اعتبار التجرّد: فليس في هذه النصوص ما يشهد به، ولكنّه مأخوذٌ في بعض النصوص(4) المتضمّنة لثبوت الحَدّ، وقد عرفت في الفصل السابق أنّ تلكم النصوص على كثرتها وصحّة إسنادها لاتصلُح للمقاومة مع ما عليه استناد الأصحاب، فهي تُحمل على إرادة الحَدّ إلّاسوطاً ما عن «المختلف» أو على غيره ممّا مرّ، وعلى تقدير تماميّة ما عن «المختلف»، فما تضمّن اعتبار التجرّد يدلّ عليه في المقام.4.

ص: 195


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/23 ح 4988، وسائل الشيعة: ج 28/90 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34290.
2- الاستبصار: ج 4/213 ح 3، تهذيب الأحكام: ج 10/40 ح 143، وسائل الشيعة: ج 28/89 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34287.
3- مسالك الأفهام: ج 14/412.
4- الكافي: ج 7/182 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/89 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34284.

ولو تكرّر التعزيرُ حُدَّ في الثالثة.

أقول: ويمكن أن يستفاد من التقييد بعدم الرحميّة والضرورة، بإلغاء الخصوصيّة، كون الميزان هو الريبة والتُّهمة، لا مطلق الاجتماع، وعليه ففي صورة كونهما مُجرّدين تتحقّق التُّهمة وفي غيرها لا تتحقّق.

وبه يظهر أنّه ليس المراد اعتبار كونهما عاريين، فلو كانا نازعين سراويلهما مع عدم كون الثوبين الذين لبساهما ساترين للعورة فما دون ثَبَت التعزير. وعلى ذلك لو كانا مجتمعين تحت لحافٍ واحدٍ، بنحوٍ لا تهمة ولا ريبة، فحينئذٍ لا تعزير عليهما.

ولو تحقّق موجب التعزير:

فتارةً : يُعزّر بعد كلّ موجب.

وأُخرى: لا يُعزّر.

فإن لم يتكرّر التعزير، لا يجبُ إلّاتعزير واحد، كما تقدّم في تكرّر موجب الحَدّ في الزّنا.

(و) أمّا (لو تكرّر التعزير) منهما، وتخلّل التعزير بين أفراد الموجب (حَدّ في الثالثة) كما عن الشيخ(1)، وابني إدريس(2) والبرّاج(3)، وسعيد(4)، والمصنّف في «القواعد»(5)، وهنا وغيرهم(6)، واستدلّ له بفحوى خبر أبي خديجة، قال:0.

ص: 196


1- النهاية: ص 705.
2- السرائر: ج 3/460.
3- المهذّب: ج 2/530.
4- الجامع في الشرايع: ص 555.
5- قواعد الأحكام: ج 3/537.
6- كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/110.

ويُعزَّر مَن قَبَّل غُلاماً بشهوة.

«لا ينبغي لامرأتين أن تنامان في لحافٍ واحد إلّاوبينهما حاجز، فإنْ فعلتا نُهيتا عن ذلك، فإنْ وَجدهما بعد النهي في لحافٍ واحد، جَلَد كلّ واحدةٍ منهما حَدّاً حَدّاً، فإنْ وجدتا أيضاً في لحافٍ واحد حُدَّتا، فإنْ وجدت الثالثة حُدَّتا، فإن وجدتا الرابعة قُتلتا»(1).

بناءً على أنّ المراد بالنهي أوّلاً مجرّد الأمر بالترك، ومن حَدّهما في الثانية التعزير.

وفيه: مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعى، ومتضمّن لما لا يقولون به، نمنع الفحوى، فالظاهر عدم الدليل عليه.

المسألة الخامسة: (ويُعزّر مَن قَبَّل غُلاماً بشهوة) لأنّ تقبيله بشهوة حرام، وفي الخبر: «مَن قَبَّل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء، وملائكة الأرضين، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب»(2).

وفي النبويّ : «مَنْ قَبَّل غلاماً بشهوة، ألجمه اللّه تعالى يوم القيامة بلجامٍ من نار»(3).

وقد دلّت النصوص على ثبوت التعزير في ارتكاب المحرّم، ولا فرق بين الرَّحم2.

ص: 197


1- تهذيب الأحكام: ج 10/44-45 ح 159، وسائل الشيعة: ج 28/91 باب 10 من أبواب حَدّ الزّنا ح 34294.
2- فقه الرّضا عليه السلام: ص 278، مستدرك وسائل الشيعة: ج 14/351 أبواب النكاح المحرّم باب 18 ح 3 (16929).
3- الكافي: ج 5/548 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/340 ح 25772.

وغيره، إلّاأنّ في الغالب في الرَّحم كون التقبيل لا لشهوة، كما لا فرق بين المحرّم وغيره.

وأمّا خبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن محرمٍ قَبَّل غلاماً بشهوة ؟

قال عليه السلام: يُضرب مائة سوط»(1).

فيمكن أن يكون تغليظاً للإحرام، وقد مرّ الكلام فيه في محلّه.

***4.

ص: 198


1- الكافي: ج 7/200 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/340 ج 25774.

ويَثبتُ السُّحقُ بما يثبتُ به الزِّنا، ويجبُ فيه جَلدُ مائةٍ على الفاعلة والمفعولة، والحُرّة والأمَةُ سَواء.

حَدّ السُّحق

الموضع الثاني: في السُّحق.

وهو وطء المرأة لمثلها، المكنَّى عنه في الأخبار ب: اللّواتي مع اللّواتي، وحرمتهُ مجمعٌ عليها، والنصوص الدالّة عليها مستفيضة بل متواترة.

(ويثبتُ السُّحق بما يثبتُ به الزّنا) إجماعاً(1)، وهل يثبت بغيره كالإقرار مرّة واحدة أو مرّتين، وبشهادة رجلين كما هو مقتضى إطلاق أدلّتهما، بناءً على ما تقدّم من عموم حجيّة شهادة رجلين أم لا؟

الظاهر هو الثاني لتسالم الأصحاب عليه، ويعضده النبويّ : «السُّحق في النساء بمنزلة اللّواط في الرّجال، فمَن فَعَل ذلك شيئاً فاقتلوهما، ثُمّ اقتلوهما»(2).

فإنّ إطلاق التنزيل يدلّ على ثبوت جميع أحكام المنزَّل عليه للمنزَّل، منها عدم ثبوته إلّابشهادة أربعة رجال، أو الإقرار أربعاً كما مرّ، وبه يظهر أنّه يثبتُ بما يثبتُ به اللّواط، فلا يثبتُ بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين.

(و) كيف كان، فإنْ ثبتَ (يجبُ فيه جَلدُ مائة على الفاعلة والمفعولة، والحُرّة والأمَة سَواء) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، إلّافي جَلد المُحصَنة مائة، فإنّ المشهور

ص: 199


1- مجمع الفائدة: ج 13/127.
2- وسائل الشيعة: ج 28/166 ح 34469.

بين الأصحاب - على ما في «الرياض»(1)، و «المسالك»(2) - أنّه كذلك، وفي «المسالك»(3) نسبته إلى عامّة المتأخّرين.

وعن «الانتصار»:(2) أنّ عليه إجماع الإماميّة.

وعن الشيخ في «النهاية»،(3) والقاضي،(4) وابن حمزة:(5) أنّها تُرجَم، ومال إليه في «المسالك»،(6) وقوّاه في «الرياض»(7) بحسب النصوص، وإنّما لم يفتِ به لمخالفة الجماعة، ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

منها: ما يدلّ على الرَّجم كصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام:

«في محصَنةٍ ساحقت بِكْراً فحملت...» حيث قضى فيها بأنّه تُرجَم المرأة لأنّها مُحصَنة(8). ونحوه أخبار(9) إسحاق بن عمّار، وعمرو بن عثمان، والمُعلّى بن خُنيس، فقد صرّح في الجميع بأنّ المساحقة المحصَنة تُرجَم.

ومنها: حسن ابن حمزة وهشام وحفص، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السُّحق ؟

فقال عليه السلام: حَدّها حَدّ الزّاني»(10).7.

ص: 200


1- رياض المسائل: ج 13/508. (2و3) مسالك الأفهام: ج 14/412.
2- الإنتصار: ص 513.
3- النهاية: ص 706.
4- المهذّب: ج 2/531.
5- الوسيلة: ص 414.
6- مسالك الأفهام: ج 14/412.
7- رياض المسائل: ج 13/509.
8- الكافي: ج 7/202 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/142 ح 34421.
9- وسائل الشيعة: ج 28/169 ح 34477.
10- الكافي: ج 7/202 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/165 ح 34467.

وحَدّ الزّاني مشتركٌ بين الجَلد والرَّجم، فيكون ذلك الحَدّ مشتركاً.

ومنها: خبر «الاحتجاج» عن القائم أرواحنا فداه أنّه قال: «الفاحشة المبيّنة هي السُّحق دون الزّنا - إلى أن قال: - وإذا سَحَقت وجبَ عليها الرَّجم، والرَّجم خزيٌ ، ومن قد أمر اللّه عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه، الحديث»(1).

ومنها: خبر سيف التمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اُتي أمير المؤمنين عليه السلام بامرأتين وجدتا في لحافٍ واحد، وقامت عليهما البيّنة أنّهما كانتا تتساحقان، فدعا بالنطع، ثُمّ أمر بهما فأُحرقتا بالنار»(2).

ومنها: ما دلّ على أنّها تُجلد، كموثّق زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«السَّحاقة تُجلد»(3).

وما عن «الروضة»(4): من أنّ فيه أخباراً صحيحة.

ومنها: المرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام: «السُّحق في النساء كاللّواط في الرجال، ولكن فيه جَلد مائة لأنّه ليس فيه إيلاج»(5).

أقول: ولكن الموثَّق أعمٌّ من النصوص المتقدّمة، لأنّ النصوص الأربعة الأُولى بل الخامسة مختصّة بالمحصَنة، فيقيّد إطلاقها بها، والمرسل لم يثبُت استنادُ الأصحاب إليه، والأخبار الصحيحة التي ادّعاها الشهيدالثاني غير واصلة إلينا، ولا إلى غيرنا، ولا إلى نفسه حين ما كان يؤلّف «المسالك»، وعليه فالأظهر بحسب الأدلّة هو9.

ص: 201


1- وسائل الشيعة: ج 20/437 ح 26032.
2- التهذيب: ج 10/54 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/166 ح 34470.
3- الكافي: ج 7/202 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/165 ح 34468.
4- شرح اللّمعة: ج 9/162.
5- المستدرك: ج 14/353 ح 16939.

ولو تكرّر الحَدُّ قُتلت في الرابعة. ويَسقطُ الحَدُّ بالتوبة قبل البيّنة كاللّواط، ولا يسقطُ بعدها. وتُعزَّر المُجتمعتان تحت إزارٍ واحدٍ مُجرَّدتين، تُحدّان لو تكرّر التعزير مرّتين.

الرَّجم، إذا كانت محصنة، إلّاأنّ مخالفة الأصحاب سيّما في الحدود التي تُدرَأ بالشُّبهة في غاية الإشكال.

(ولو تكرّر) السُّحق مع إقامة (الحَدّ) ثلاثاً (قُتلت في الرابعة) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر كذا في «الرياض»(1) كما هو الشأن في الزّنا واللّواط على ما تقدّم.

(ويسقط الحَدُّ بالتوبة قبل البيّنة كاللّواط، ولا يسقط بعدها) ومع الإقرار والتوبة يكون الإمام مخيّراً بلا خلافٍ يُعتدّ به في شيء من ذلك.

ويظهر وجه الجميع ممّا أسلفناه في الزّنا.

كما أنّه قد ظهر ممّا ذكرناه في اللّواط (و) الزّنا أنّه (تُعزَّر المجتمعتان تحت إزارٍ واحد مُجرَّدتين) لأنّ الدليل في المرأتين والرجلين واحد.

(و) عليه، فما ذكروه من أنّهما (تُحدّان لو تكرّر التعزير مرّتين) متينٌ ، لما مرّ من دلالة خبر أبي خديجة(2) عليه، المعمول به بين الأصحاب، إذا الظاهر عدم الخلاف فيه في المقام.

***4.

ص: 202


1- رياض المسائل: ج 13/509.
2- وسائل الشيعة: ج 28/91 ح 34294.

ويُجلَدُ القوّاد خمساً وسبعين جَلدة، ويُحلق رأسه ويُشهَّر ويُنفى،

حَدّ القيادة

الموضع الثالث: في حَدّ القيادة.

وهي الجمع بين الرّجل والمرأة للزِّنا، أو بين الرِّجال والرِّجال ولو صبياناً لفعل اللّواط.

بل عن «الغنية»(1)، و «الجامع»(2)، و «الإصباح»(2): زيادة (أو بين النساء والنساء للسُّحق).

(و) قد اتّفق الجميع على أنّه (يُجلَد القوّاد خَمساً وسبعين جَلدة، و) اختلفوا في ثبوت شيء آخر مع الجَلد:

فعن الشيخ في «النهاية»(3)، وابني إدريس(4)، وسعيد(6): أنّه (يُحلق رأسه، ويُشهَّر ويُنفى ) من مصره إلى غيره من الأمصار.

وعن المفيد(5)، وابني زُهرة وحمزة(6)، والديلمي(7) وغيرهم: يُنفى في الثانية، ولا

ص: 203


1- غنية النزوع: ص 427. (2و6) الجامع للشرايع: ص 557.
2- إصباح الشيعة: ص 519.
3- النهاية: ص 710.
4- السرائر: ج 3/471.
5- المقنعة: ص 791.
6- غنية النزوع: ص 427، الوسيلة: ص 414.
7- المراسم: ص 257.

يُنفى في الأُولى .

وعن ابن الجُنيد(1): الاقتصار على النفي، ومال إليه في «المسالك»(2).

والمستند خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخبرني عن القوّاد ما حَدّه ؟

قال: لا حَدّ على القوّاد أليس إنّما يُعطى الأجر على أن يقود.

قلت: جُعِلت فداك، إنّما يجمع بين الذَكَر والاُنثى حراماً؟

قال عليه السلام: ذاك المؤلّف بين الذكر والاُنثى حراماً؟ فقلت: هو ذاك.

قال عليه السلام: يُضرب ثلاثة أرباع حَدّ الزّاني خمسة وسبعين سوطاً، ويُنفى من المَصر الذي هو فيه»(3).

أقول: وحقّ القول في المقام يقتضي البحث في اُمور:

الأمر الأوّل:

إنّ الخبر مختصٌّ بالجمع بين الرّجل والمرأة للزنا، ويلحق به الجمع بين الرّجل والرّجل لأجل اللّواط بالإجماع، ولا وجه لإلحاق الجمع بين النساء والنساء للسُّحق بهما لعدم الدليل، وليس موضوع الحكم هو القيادة كي يقال إنّها تصدق عليه أيضاً.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوت الحَدّ فيه.

الأمر الثاني: الخبر يدلّ على الجَلد والنفي، ولكن تكرّر منهم دعوى الإجماع3.

ص: 204


1- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 41/400.
2- مسالك الأفهام: ج 14/422.
3- الكافي: ج 7/261 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/171 باب 5 من أبواب حَدّ السُّحق والقيادة ح 34483.

حُرَّاً كان أو عبداً، مسلماً أو كافراً، ولا جَزَّ على المرأة، ولا النفي، ويثبتُ بشاهدين عدلين،

على الحلق والشهرة، ومثل هذا الإجماع الذي لا مدرك له يكفي في ثبوت الحكم قطعاً.

الأمر الثالث: إنّ ظاهر الخبر النفي في المرّة الأُولى ، وعن «الغنية»(1) الإجماع على أنّه يُنفى في الثانية، وهو يوجبُ صرف ظهور الخبر.

الأمر الرابع: مقتضى إطلاق الخبر أنّ هذا الحكم يثبتُ للقوّاد (حُرّاً كان أو عبداً، مسلماً أو كافراً) كما هو المتّفق عليه بين الأصحاب.

الأمر الخامس: (ولا جَزّ على المرأة ولا النفي) ولا شهرة، بلا خلافٍ أجده، بل عليه الإجماع في «الانتصار» و «الغنية»، كذا في «الرياض»(2).

أمّا عدم الجَزّ والشهرة: فواضح.

وأمّا عدم النفي: فلاختصاص الخبر بالرجل، ولا مورد لإجراء قاعدة الاشتراك بعد الفرق بينهما، نظراً إلى أنّ النفي يُنافي سَتر المرأة المطلوب رعايته.

فإنْ قيل: فعلى هذا لا وجه لوجوب الجَلد عليها، لانحصار المدرك بالخبر المختصّ على الفرض بالرجل.

قلنا: إنّ الوجه فيه حينئذٍ قاعدة الاشتراك والإجماع.

(ويثبتُ ) القيادة (بشاهدين عدلين) بلا خلافٍ ولا إشكال، لما عرفت من حجيّة5.

ص: 205


1- غنية النزوع: ص 427.
2- رياض المسائل: ج 13/515.

أو الإقرار مرّتين.

شهادة العدلين مطلقاً.

فإنْ قيل: إنّه بناءً على ما هو الحقّ من حجيّة خبر الواحد في الموضوعات، لابدّ وأن يُبنى على ثبوتها بخبر الواحد أيضاً؟

قلنا: إنّ ذلك في غير الحكومة والقضاء، فإنّ المثبت في هذا المقام هو البيّنة كما مرّ في كتاب القضاء، ولا تثبتُ بشهادة النساء، لما مرّ في كتاب الشهادات من أنّه لاتُقبل شهادتهنّ في الحدود، فالمثبت لها:

1 - إمّا شهادة عدلين.

2 - (أو الإقرار مرّتين).

أمّا ثبوتها بالإقرار، فلعموم ما دلّ (1) على مثبتيّة الإقرار.

وأمّا اعتبار مرّتين، وعدم الاكتفاء بالمرّة، فلتسالم الأصحاب عليه.

قال في محكيّ «المختلف»(2): (كلّ ما يُثبته شاهدان من الحدود فالإقرار فيه مرّتان).

وهذا الاتّفاق في مقابل الدليل مع عدم وجود مايصلح أن يكون مستند المجمعين يكون حجّةٌ قطعاً، وكاشفاً عن الدليل المعتبر.

نعم، لو أقرّ مرّة عُزِّر كما عن «التحرير»(3).

وبما ذكرناه في الزّنا يظهر أنّه لا عبرة بإقرار الصَّبي والمجنون والمكره.6.

ص: 206


1- وسائل الشيعة: ج 23/184 باب صحّة الإقرار من البالغ العاقل ولزومه منه.
2- حكاه عنه في رياض المسائل: ج 13/515.
3- تحرير الأحكام: ج 5/336.

الفَصلُ التاسع: في حَدّ القذف

الفصل التاسع في حَدّ القذف

اشارة

(الفصلُ التاسع: في حَدّ القذف).

أمّا القذف فهو لغةً الرَّمي بالحجارة، وشرعاً قيل رمي المسلم الكامل المستتر بالزّنا أو اللّواط، وهو حرامٌ إجماعاً وكتاباً(1) وسُنّةً متواترة(2)، ويعدّ أحد الموبقات السبع، وهنّ كما قاله رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «الشرك باللّه، والسحر، وقتل النفس التي حَرّم اللّه، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصَنات»(3).

وهو يوجبُ الحَدّ بالإجماع والكتاب:

قال اللّه تعالى: (وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ ) (4).

والسُّنة: ففي حسن عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين أنّ الفرية ثلاث - يعني: ثلاث وجوه - إذا رمى الرّجل الرّجل بالزّنا، وإذا قال إنّ أُمّه زانية(1) وإذا دعا لغير أبيه، فذلك فيه حَدّ ثمانون».

ونحوه غيره من النصوص التي ستمرّ عليك جملة منها.

ص: 207


1- وسائل الشيعة: ج 28/176 ح 34493.

من قال من المكلّفين للبالغ العاقل، الحُرّ، المُسلم، المُحصِن:

أقول: ونخبة القول في المقام بالبحث في موارد:

الموردالأوّل: في القاذف، لا إشكال ولا خلاف في أنّه يُعتبر فيه البلوغ والعقل، وإلى ذلك أشار المصنّف بقوله: (من قال من المكلّفين) فلو قَذَف الصَّبي أو المجنون لم يُحَدّ لرفع القلم عنهما(1)، بناءً على ما هو الصحيح من عمومه لجميع الأحكام.

ويشهد به: مضافاً إلى ذلك: في الصَّبي: خبر أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الغلام لم يحتلم يقذف الرّجل هل يُجلَد؟

قال عليه السلام: لا، وذلك لو أنّ رجلاً قَذَف الغلام لم يُجلد»(2) ونحوه غيره(3).

وفي المجنون: صحيح فُضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا حَدّ لمن لا حَدّ عليه، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجلٌ ، فقال يا زان لم يكن عليه حَدٌّ»(4).

أمّا الحريّة: فلا يهمّنا البحث في اعتبار الحريّة فيه.

المورد الثاني: في المقذوف وقد جمع المصنّف رحمه الله ما يعتبر فيه في قوله قدس سره: (للبالغ العاقل، الحُرّ، المسلم، المُحصِن).

والمرادُ بالإحصان العفّة، وعدم التظاهر باللّواط أو الزّنا، والظاهر أنّه7.

ص: 208


1- وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 34225.
2- الكافي: ج 7/205 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/185 ح 34521.
3- وسائل الشيعة: ج 28/185 باب حكم قذف الصغير الكبير وبالعكس.
4- الكافي: ج 7/253 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/42 ح 34167.

لا خلاف في اعتبار شيء من تلكم الشرائط، أي البلوغ والعقل والحريّة والإسلام والإحصان.

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه).

فلو قذف المكلّف مجنوناً لا يُحَدّ لصحيح فضيل، وكذا لو قذف الصَّبي لخبر أبي مريم.

وصحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يقذف الصبية يُجلَد؟ قال عليه السلام: لا، حتّى تبلغ»(2).

ونحوه غيره(3).

كما أنّه لو قذف كافراً لا يثبت عليه حَدّ القذف، ويشهد به خبر إسماعيل بن الفضل، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الافتراء على أهل الذّمة وأهل الكتاب، هل يُجلد المسلمُ الحَدّ في الافتراء عليهم ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن يُعزّر»(4).

وأيضاً لو كان متظاهراً باللّواط أو الزّنا لا حَدّ على قاذفه، لعدم صدق القذف على نسبته إليه، ولما دلّ (5) على أنّه لا حرمة للمتظاهر بالفسق.

وهل يُحَدّ قاذف المتظاهر بفسقٍ آخر غير الزّنا واللّواط؟8.

ص: 209


1- جواهر الكلام: ج 41/417.
2- الكافي: ج 7/209 ح 23، وسائل الشيعة: ج 28/186 ح 34524.
3- وسائل الشيعة: ج 28/185 باب قذف الصغير الكبير وبالعكس.
4- الكافي: ج 7/240 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/200 ح 34560.
5- وسائل الشيعة: ج 12/289 ح 16328.

يا زاني، أو يا لائط، أو يا منكوحاً في

الظاهر ذلك لإطلاق الأدلّة، ومعنى عدم الحرمة للمتظاهر بالفسق، عدم الحرمة بالنسبة إلى خصوص ذلك الفسق، ولذا يجوزُ غيبته فيه دون غيره من المعاصي.

ولو قَذف المكلّف الصَّبي، أو المجنون، أو الكافر، وإنْ كان لا يُحَدّ إلّاأنّه يُعزّر، كما مرّ في النصوص.

وهل يُعزّر قاذف المتظاهر باللّواط أو الزّنا؟

فيه قولان، أظهرهما الثاني كما اختاره الشهيدان(1)، وصاحبا «الرياض» و «الجواهر»(2)، لعدم الدليل عليه بعد عدم حرمته.

موجب الحَدّ

المورد الثالث: في بيان الموجب للحَدّ، وهو الرَّمي بالزّنا أو اللّواط.

وعن «القواعد»(3): التردّد في إلحاق السُّحق بهما.

وعن المحقّق(4): الإلحاق.

ولكن حسن ابن سنان المتقدّم الحاصر للفرية في ثلاث، يردّه وينفي التردّد، فيكون القذف حينئذٍ ما عرفت، بأن يقول: (يا زاني، أو يا لائط، أو يا منكوحاً في

ص: 210


1- شرح اللّمعة: ج 9/181.
2- رياض المسائل: ج 13/528، جواهر الكلام: ج 41/405.
3- قواعد الأحكام: ج 3/549.
4- شرائع الإسلام: ج 4/944.

دُبُره، أو أنت زانٍ ، أو لائط، بأيّ لغةٍ كانت، مع معرفة القائل بالفائدة،

دُبُره، أو أنتَ زانٍ ، أو لائط، بأيّ لغةٍ كانت، مع معرفة القائل بالفائدة) لاحظ حسن ابن سنان المتقدّم.

وخبر عُبّاد بن صُهيب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كان عليٌّ عليه السلام يقول: إذا قال الرّجل للرّجل: يا معفوج، يا منكوح في دبره، فإنّ عليه حَدّ القاذف»(1).

نعم، يعتبر أن يكون اللّفظ صريحاً في الزّنا أو اللّواط، أو ظاهراً في أحدهما، ولا يكفي مجرّد التعريض.

ففي خبر وهب بن وهب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهم السلام:

«أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن يحدّ في التعريض حتّى يأتي بالفرية المصرّحة يا زاني، أو يا ابن الزانية، أو لستَ لأبيك»(2).

ونحوه خبر إسحاق بن عمّار(3).

والظاهر كما فهمه الأصحاب أنّ المراد بالصراحة ليس ما يقابل الظهور، بل ما يقابل التعريض، فيشمل الظاهر عرفاً.

كميّة حَدّ القاذف وكيفيّته

المورد الرابع: في كميّة الحَدّ.

ص: 211


1- الكافي: ج 7/208 ح 16، وسائل الشيعة: ج 28/177 ح 34498.
2- الفقيه: ج 4/49 ح 5066، وسائل الشيعة: ج 28/205 ح 34574.
3- وسائل الشيعة: ج 28/204 ح 34571.

حُدَّ ثمانين جَلدة، حُرّاً كان أو عبداً.

ولو قال لمن اعترف ببنوّته: لستَ بولدي، أو قال لغيره: لستَ

أقول: اتّفقت كلماتهم على أنّه (يحد ثمانين جَلدة، حُرّاً كان أو عبداً) والكتاب والسُّنة المستفيضة شاهدان به، ولا خلاف بينهم في أنّه يُجلد القاذف بثيابه ولا يجرّد، ويشهد به:

1 - خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «المفتري يُضرب بين الضربين، يضرب جسده كلّه فوق ثيابه»(1).

2 - وقوي السكوني، عن أبي عبد اللّه، عن أمير المؤمنين عليهما السلام، قال: «أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن لا ينزع شيءٌ من ثياب القاذف إلّاالرّداء»(2).

3 - وخبر ابن عمّار، عنه عليه السلام: «في المفتري ضرب الضربين فوق الثياب يُضرب جسده كلّه»(3).

ونحوها غيرها(4).

ومن هذه النصوص يستفاد أنّه يقتصر في ضربه على الضَّرب المتوسّط، ولا يَبلغُ به الضَّرب في الزّنا.

المورد الخامس: في فروع باب القذف:

الفرع الأوّل: (ولو قال لمن اعترف ببنوّته لستَ بولدي، أو قال لغيره لستَ ف.

ص: 212


1- الكافي: ج 7/183 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/92 ح 34296.
2- الكافي: ج 7/213 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/197 ح 34553.
3- الكافي: ج 7/213 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/197 ح 34551.
4- وسائل الشيعة: ج 28/197 باب كيفيّة حَدّ القاذف.

لأبيكَ ، وَجَب الحَدُّ. ولو قال يا ابن الزّاني، أو الزانية، أو يا ابن الزانيين، فالحَدُّ للأبوين إذا كانا مُسلِمَين، ولو كان المواجهُ كافراً،

لأبيك، وَجَب الحَدّ) بلا خلافٍ أجده فيه بيننا، كذا في «الجواهر»(1).

يشهد له في الأوّل: - مضافاً إلى ما في «المسالك»(2): من أنّ هذه الصيغة عندنا من ألفاظ القذف الصريحة لغةً وعرفاً، فيثبت بها الحَدّ لاُمّه - قويّ السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من أقرّ بولدٍ ثُمّ نفاه جُلد الحَدّ والزم الولد»(3).

ونحوه غيره(4).

ولا يخفى أنّ ذلك في ما إذا كان قصده بذلك النفي، وإلّا كما لو قال ذلك زجراً له، وازدراءً من أنّه ليس مثله في الخصال التي كان يتوقّعها منه، على ما هو مستعملٌ في العرف كثيراً، فلا إشكال في عدم كونه قذفاً ورمياً، ولا يشمله الخبر.

وأمّا الثاني: فيشهد به حسن ابن سنان المتقدّم وغيره.

الفرع الثاني: (ولو قال يا ابن الزّاني، أو الزانيّة، أو يا ابن الزانيّين فالحَدّ) ثابتٌ (للأبوين إذا كانا مسلمين، ولو كان المواجه كافراً) بلا خلافٍ :

1 - لأنّ المقذوف ممّن يجبُ له الحَدّ.

2 - ولحسن ابن سنان المتقدّم، وموثّق الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل قال للرجل: يا ابن الفاعلة - يعني الزّنا؟ه.

ص: 213


1- جواهر الكلام: ج 41/404.
2- مسالك الأفهام: ج 14/425.
3- الكافي: ج 7/261 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/209 ح 34584.
4- وسائل الشيعة: ج 28/209 باب حكم من أقرّ بولد ثُمّ نفاه.

ويُعزَّر لو قال للمسلم: ابنُ الكافرة أو اُمّك زانية.

فقال عليه السلام: إنْ كانت اُمّه شاهدة، ثُمّ جاءت تطلب حقّها، ضُرب ثمانين جلدة، الحديث»(1).

الفرع الثالث: (ويُعزَّر لو قال للمسلم ابن الكافرة أو اُمّك زانية) كما عن الحِلّي(2)وعامّة المتأخّرين(3)، لأنّ المقذوف الاُمّ وهي كافرة، وقد مرّ أنّ قذف غير المسلم لايوجبُ الحَدّ، وإنّما يوجب التعزير.

وعن الشيخ في «النهاية»(4)، والقاضي(5): أنّه يُحَدّ كاملاً.

واستدلّ له:

1 - بحرمة الابن.

2 - وبخبر البصري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «النصرانيّة واليهوديّة تكون تحت المسلم فيقذف ابنها، يُضرب القاذف لأنّ المسلم قد حَصَّنها»(6).

ولكن حرمة الولد لا تكفي في ثبوت الحَدّ بقذف الاُمّ ، والخبر ضعيفُ السند، لأنّ في أحد طريقيه بنان بن محمّد المجهول، وفي الآخر معلّى بن محمّد، مع أنّه لو كان طريقه واضحاً - كما عن المصنّف - لما كان صالحاً للمقاومة مع ما تقدّم.8.

ص: 214


1- الكافي: ج 7/205 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/187 ح 34526.
2- شرائع الإسلام: ج 4/165.
3- راجع كشف اللّثام: ج 10/531.
4- النهاية: ص 725.
5- المهذّب: ج 2/311.
6- الكافي: ج 7/209 ح 21، وسائل الشيعة: ج 28/188 ح 34528.

ولو قال: يا زوجِ الزانيّة، يا أخِ الزانيّة، يا أب الزانيّة، فالحَدُّ للمنسوبة إلى الزّنا دون المخاطب. ولو قال: زنيت بفلانة، أو لاطَ بك فلانٌ ، أو لِطت به، وَجَب حَدّان.

وأمّا الإيراد عليه: بأنّ قذف الابن أعمٌّ من نسبة الزّنا إلى الاُمّ .

وأيضاً: أنّ القذف بذلك ليس قذفاً للابن بل لها، مع أنّ ضرب القاذف أعمّ من الحَدّ، فمن الجائز إرادة التعزير منه.

فيندفع الأوّلان: بقوله: «إنّ المسلم قد حَصّنها».

والأخير: بأنّه مرويٌّ في «الكافي» بدل: (يضرب القاذف) جملة: (يضرب حَدّاً)، فالعمدة ما ذكرناه.

الفرع الرابع: (ولو قال يا زوج الزانية، يا أخ الزانية، يا أب الزانية، فالحَدّ للمنسوبة إلى الزّنا دون المخاطب) لأنّها المقذوفة دون المخاطب، وهو الزوج أو الأخ أو الأب، وهو واضحٌ .

الفرع الخامس: (ولو قال زنيتُ بفلانة، أو لاطَ بكَ فلانٌ ، أو لِطتُ به، وجبَ حَدّان) كما عن الشيخ في «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، والمفيد(3) وجماعة، بل عن «الخلاف»(4)، و «الغنية»(5) الإجماع عليه.8.

ص: 215


1- النهاية: ص 723.
2- المبسوط: ج 8/16.
3- المقنعة: ص 793.
4- الخلاف: ج 5/405.
5- غنية النزوع: ص 428.

ويُعزّر في كلّ قولٍ موجبٍ للاستخفاف، كقوله لامرأته: لم أجدكِ

واستدلّ له: بأنّ الزّنا أو اللّواط فعلٌ واحد، متى كذِب في أحدهما كذب في الآخر، إذ هو واقعٌ بين اثنين نسبة أحدهما إليه بالفاعليّة كنسبة الآخر إليه بالمفعوليّة، فهو قذفٌ لهما.

وأورد عليه المحقّق في «الشرائع»(1): بأنّا لا نُسلّم أنّه فِعلٌ واحدٌ، لأنّ موجب الحَدّ في الفاعل غير الموجب في المفعول، وحينئذٍ يمكن أن يكون أحدهما مختاراً دون صاحبه، ولذلك اختار هو قدس سره وقبله الحِلّي(2) وبعده المصنّف في «التحرير»(3)على ما حُكي أنّه يثبتُ حَدّ واحد للمواجه، ولا حَدّ للمنسوب إليه، وقوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(4).

وفيه أوّلاً النقض: بأنّه إذا كان احتمال ذلك مانعاً عن صدق القذف وترتّب حكمه، لزم البناء على عدم ثبوته للمواجه أيضاً، لأنّه من الممكن كونه غير مختار ومكرهاً عليه.

وثانياً بالحَلّ : وهو أنّ اللّفظ ظاهرٌ في الاختيار.

وعليه، فالأظهر ثبوت حَدّين.

الفرع السادس: (ويُعزّر في كلّ قولٍ موجبٍ للاستخفاف، كقوله لإمرأته: لم أجدكِ 3.

ص: 216


1- شرائع الإسلام: ج 4/934.
2- السرائر: ج 3/520.
3- تحرير الأحكام: ج 5/314.
4- جواهر الكلام: ج 41/283.

عَذراء، أو احتلمتُ باُمّك البارحة، أو يا فاسق، أو يا شارب الخمر، إذا لم يكن المقول له متظاهراً.

عذراء، أو احتلمتُ باُمّك البارحة، أو يا فاسق، أو يا شارب الخمر، إذا لم يكن المقول له متظاهراً) بلا خلافٍ في ذلك، والنصوص الشاهدة بالكبرى الكليّة، وبخصوص بعض الموارد المشار إليها كثيرة:

منها: خبر الحسين بن أبي العلاء، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ رجلاً لقى رجلاً على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنّ هذا افترى عليَّ .

قال: وما قال لكَ؟ قال: إنّه احتلم باُمّ الآخر.

قال عليه السلام: إنّ في العدل إن شئت جلدت ظلّه، فإنّ الحلم إنّما هو مثل الظِلّ ، ولكنّا سنوجعه ضرباً وجيعاً حتّى لا يؤذي المسلمين، فضربه ضرباً وجيعاً»(1).

ونحوه ما رواه الصَّدوق(2) بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام.

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام أنّه قال: «في رجلٍ قال لإمرأته: لم أجدكِ عذراء، يُضرب.

قلت: فإن عاد؟ قال: يُضرب فإنّه يوشك أن ينتهي»(3).

رواه في «الكافي» عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، وزاد:5.

ص: 217


1- التهذيب: ج 10/80 ح 78، وسائل الشيعة: ج 28/210 ح 34586.
2- علل الشرائع: ج 2/544 ح 1.
3- الكافي: ج 7/212 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/437 ح 28975.

(قال يونس: يُضرب ضرب أدبٍ ليس بضرب الحَدّ، لئلّا يؤذي امرأة مؤمنة بالتعريض»(1).

وهو الذي يقتضيه الجمع بينه وبين خبر زرارة عنه عليه السلام:

«في رجلٍ قال لإمرأته: لم تأتيني عذراء؟

قال عليه السلام: ليس بشيء لأنّ العُذرة تذهب بغير جماع»(2).

ومنها: ما قاله الصَّدوق: (وفي خبرٍ آخر: «إنّ العُذرة قد تسقط من غير جماعٍ ، قد تذهبُ بالنكبة والعثرة والسقطة»)(3).

وأمّا صحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «إذا قال الرّجل لامرأته: لم أجدكِ عذراء، وليست له بيّنة يُجلد الحَدّ، ويخلّى بينه وبينها»(4).

فمحمولٌ على إرادة التعزير بقرينة ما تقدّم، أو على ارداة القذف به، ولعلّه يؤمى إليه قوله: «وليست له بيّنة».

ومنها: خبر جرّاح المدائني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قال الرّجل: أنت خبيث أو أنت خنزير، فليس فيه حَدٌّ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة»(5).

ومنها: خبر أبي مخلد السرّاج، عنه عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ دعا آخر ابن المجنون، فقال له الآخر: أنتَ ابنُ المجنون، فأمر الأوّل أن يُجلد صاحبه7.

ص: 218


1- الكافي: ج 7/212 ذيل الحديث 11.
2- الكافي: ج 7/212 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/436 ح 28974.
3- الفقيه: ج 4/49 ح 5065، وسائل الشيعة: ج 22/438 ح 28979.
4- التهذيب: ج 8/195 ح 43، وسائل الشيعة: ج 22/438 ح 28978.
5- الكافي: ج 7/241 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/203 ح 34567.

وكذا يُعزّر قاذف الصَّبي والمجنون والكافر والمملوك، والمتظاهر بالزّنا، والأب إذا قَذَف ولده.

عشرين جلدة، وقال: اعلم أنّه مستعقبٌ مثلها، فلمّا جَلَده أعطى المجلود السّوط فَجَلده عشرين، نكالاً ينكل بهما»(1).

ومنها: خبر أبي حنيفة، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قال لآخر: يا فاسق ؟

قال عليه السلام: لا حدَّ عليه ويُعزّر»(2).

ومنها: خبر أبي مريم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الهجاء التعزير»(3).

إلى غير ذلك من النصوص.

الفرع السابع: (وكذا يُعزّر قاذف الصَّبي والمجنون والكافر والمملوك والمتظاهر بالزّنا) هكذا أفاده جماعة(4)، وقد تقدّم الكلام في ذلك في الموضع الثاني في بيان ما يُعتبر في المقذوف، وقد عرفت أنّ المتظاهر بالزّنا إذا قَذَف لا يُعزّر قاذفه.

الفرع الثامن: (والأب إذا قَذف وَلَده) لا يُحَدّ بلا خلافٍ ، لصحيح محمّدبن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ قذف ابنه بالزّنا؟

قال عليه السلام: لو قتله ما قتل به، وإن قَذَفه لم يُجلد له.8.

ص: 219


1- الكافي: ج 7/242 ح 11، وسائل الشيعة: ج 28/203 ح 34568.
2- الكافي: ج 7/242 ح 15، وسائل الشيعة: ج 28/203 ح 34569.
3- الكافي: ج 7/243 ح 19، وسائل الشيعة: ج 28/204 ح 34570.
4- راجع مسالك الأفهام: ج 14/438، شرائع الإسلام: ج 4/945، تحرير الأحكام: ج 5/208.

إلى أن قال: وإنْ كان قال لابنه يا ابن الزانية، واُمّه ميّتة، ولم يكن لها من يأخذ حقّها منه إلّاولدها منه، فإنّه لا يُقام عليه الحَدّ، الحديث»(1).

ولكنّه يُعزّر للحُرمة.

***9.

ص: 220


1- الكافي: ج 7/213 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/196 ح 34549.

ولو قَذَف جماعة:

فإن جاءوا به مُجتَمعين، فعليه حَدٌّ واحد.

وإن جاءوا به متفرّقين، فلكلّ واحدٍ حَدّ.

حكمُ ما لو قَذَف واحدٌ جماعة

الموضع السادس: في الأحكام، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: (ولو قذف) شخصٌ (جماعة) واحداً بعد واحد، فلكلّ واحدٍ قذفٌ ، ولو قذفهم بلفظ واحدٍ كما لو قال لهم: يا زُناة:

(فإن جاءوا به) وطالبوه (مُجتمعين، فعليه حَدُّ واحد).

(وإن جاءوا به متفرّقين) وافترقوا في المطالبة، (فلكلّ واحدٍ حَدّ) على المشهور، كما في «المسالك»(1).

وعن «الغنية»(2) و «السرائر»(3): الإجماع عليه.

وعن ابن الجُنيد(4): أنّه إنْ كان بلفظ واحد يثبتُ حَدٌّ واحد، وإنْ كان بلفظٍ متعدّد فعليه حَدّ واحد إنْ طالبوه مجتمعين، وإنْ جاءوا به متفرّقين فلكلّ واحدٍ حَدّ.

ونفى البأس عنه المصنّف في محكيّ «المختلف»(5).

ص: 221


1- مسالك الأفهام: ج 14/436.
2- غنية النزوع: ص 428.
3- السرائر: ج 3/519.
4- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/269.
5- مختلف الشيعة: ج 9/269.

وفي المتن التفصيل في الموردين، ومالَ إليه في «المسالك»(1).

أقول: والمستند النصوص الخاصّة:

منها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ افترى على قومٍ جماعة ؟

فقال عليه السلام: إن أتوا به مجتمعين ضُرب حَدّاً واحداً، وإن أتوا به متفرّقين ضُرب لكلّ واحدٍ حَدّ»(1).

ونحوه خبر محمّد بن حمران(2).

والمشهور جعلوا قوله: (جماعة) صفة مؤكدة للقوم، وعليه فيكون الخبر عامّاً شاملاً للصورتين، ولكنّه جمعاً بينه وبين الخبر الآتي الدّال على أنّه إنْ كان بكلمةٍ واحدة يُضرب حَدّاً واحداً، خصّوه بما إذا كان القذف بلفظٍ واحد، وسيأتي ما فيه.

ومنها: خبر الحسن العطّار، عن الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قذف قوماً؟

قال: بكلمة واحدة ؟ قلت: نعم.

قال: يُضرب حَدّاً واحداً، فإن فرّق بينهم في القذف ضَرَب كلّ واحدٍ منهم حَدّاً»(3).

وأورد عليه في «المسالك» (5) : بأنّه ضعيفُ السند، لأنّ في طريقه أبان، وهو مشتركٌ بين الثقة وغيره، والحسن العطّار وهو ممدوحٌ خاصّة، وتبع في ذلك المصنّف رحمه الله في «المختلف»(4).0.

ص: 222


1- الكافي: ج 7/209 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/192 ح 34537.
2- وسائل الشيعة: ج 28/192 ح 34539.
3- الكافي: ج 7/209 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/192 ح 34538.
4- مختلف الشيعة: ج 9/270.

وفيه: إنّ أبان الراوي هو أبان بن عثمان كما صرّح به، وهو من أصحاب الإجماع، فلا يضرّ عدم توثيق الحسن، مع أنّ الظاهر أنّه ثقة.

ونحوه خبر بريد العِجلي(1).

أقول: والحقّ في الجمع أن يقال:

إنّ كلمة (جماعة) كما يُحتمل أن تكون صفة للقوم، يُحتمل أن تكون صفة للقذف المدلول عليه بالفعل وهو افترى، والمراد ب (الجماعة) حينئذٍ القذف المتعدّد، وعليه؛ فالمتيقّن من الخبر هو صورة تعدّد اللّفظ، فإنّه إمّا مختصٌّ به أو عامٌ شامل له ولصورة الاتّحاد، فالمتيقّن هذه الصورة، وفي تلك الصورة تدلّ على التفصيل المزبور.

وأمّا خبر الحسن فهو في صورة الاتّحاد يدلّ على ثبوت حَدٍّ واحدٍ مطلقاً ولا معارض له، وفي صورة التعدّد يدلّ على ثبوت حدود متعدّدة، وهو أعمٌّ مطلق من الصحيح، فيقيّد إطلاقه به.

وعليه، فما ذكره الإسكافي أظهر.

وإن أبيت عن احتمال كون لفظ (جماعة) في الصحيح صفة للقذف، وقلت إنّها صفة للقوم، فهو مطلقٌ يدلّ على التفصيل في الصورتين، والنسبة حينئذٍ بينه وبين كلٍّ من الجملتين المذكورتين في خبر الحسن عمومٌ من وجه، فيدور الأمر بين تقديم الصحيح عليهما وتقديمهما عليه، وتقديمه على إحداهما دون الأُخرى ، والأخيرُ ترجيحٌ بلا مرجّح، والأوّل مستلزمٌ لبطلان ما في الخبر من التفصيل، والثاني يلزمُ منه طرح الصحيح، فهما متعارضان لابدَّ من تقديم أحدهما وطرح الآخر.1.

ص: 223


1- التهذيب: ج 10/69 ح 23، وسائل الشيعة: ج 28/193 ح 34541.

ويثبتُ القَذفُ بالإقرار مرّتين من المكلّف، أو بشهادة عَدلين، ويُعزّر الصَّبي والمجنون إذا قذفا.

والحَدّ موروثٌ كالمال،

وحيث إنّ القول بالتفصيل بين مطالبتهم مجتمعين ومتفرّقين في الجملة مشهورٌ بين الأصحاب، فالشهرة التي هي أوّل المرجّحات تقتضي تقديم الصحيح، وكذا تقتضيه صفات الراوي التي هي الثاني من المرجّحات، فتكون النتيجة هو القول بالتفصيل في الصورتين، كما هو ظاهر المتن، ولعلّ هذا أظهر، فتدبّر واغتنم.

المسألة الثانية: (ويثبتُ القَذفُ بالإقرار مرّتين من المكلّف، أو بشهادة عدلين) إجماعاً(1):

1 - لعموم ما دلّ (2) على حجيّة شهادة العدلين وثبوت المشهود به بها.

2 - وما دلّ (3) على أنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

إنّما الإشكال في عدم ثبوته بالإقرار مرّة، مع أنّ مقتضى إطلاق دليله الثبوت، ولكن الظاهر أنّه إجماعيٌ كما مرّ في الفصل السابق.

المسألة الثالثة: (ويُعزّر الصَّبي والمجنون إذا قَذَفا) كما تقدّم في الموضع الأوّل عند بيان شرائط القاذف.

الحَدّ يورث كالمال

المسألة الرابعة: (والحَدُّ موروثٌ كالمال) من غير فرقٍ بين حَدّ القذف وغيره،

ص: 224


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/152.
2- وسائل الشيعة: ج 27 باب 5، 7 من أبواب كيفيّة الحكم من القضاء.
3- وسائل الشيعة: ج 23/183 ح 29342.

إذا لم يكن قد استوفاه، ولا عفى عنه، بلا خلافٍ ، وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه).

أقول: والأصل فيه - مضافاً إلى ذلك - العمومات، وجملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ :

«وإنْ كان قال لابنه: يا بن الزانية واُمّه ميّتة، ولم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها منه، فإنّه لا يُقام عليه الحَدّ، لأنّ حقّ الحَدّ قد صار لولده منها، فإن كان لها ولدٌ من غيره، فهو وليّها يُجلد له، وإن لم يكن لها ولدٌ من غيره، وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحَدّ جُلد لهم»(2).

ونحوه غيره الذي سيمرّ عليك.

ولا ينافيها خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الحَدُّ لا يورث»(3) لأنّه يُحمل على إرادة عدم كونه موروثاً على حسب المال، كما صرّح بذلك في موثّق الساباطي، عنه عليه السلام: «إنّ الحَدّ لا يُورث كما تُورث الدِّية والمال، ولكن من قام به من الورثة فهو وليّه، ومن تركه فلم يطلبه فلا حقّ له، وذلك مثلُ رجلٍ قَذَف وللمقذوف أخوان، فإنْ عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقّه، الحديث»(4).

وبه يظهر أنّ المراد بكون حَدّ القذف موروثاً، ليس أنّه يرث كلّ من الورثة حصّة منه، بل الثابت لكلّ منهما الولاية على استيفائه، فللواحد من الجماعة المطالبة بتمام الحَدّ وإن عفى الباقون.2.

ص: 225


1- جواهر الكلام: ج 41/423.
2- الكافي: ج 7/212 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/196 ح 34549.
3- الكافي: ج 7/255 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/46 ح 34175.
4- التهذيب: ج 10/83 ح 92، وسائل الشيعة: ج 28/208 ح 34582.

ولا ميراث للزوجين. ولو عفى أحدُ الورّاث كان للباقي الاستيفاء على التمام، ولو تكرّر الحَدُّ ثلاثاً قُتِل في الرابعة. ولو تقاذف اثنان عُزِّرا.

(و) لكن (لا ميراثَ للزوجين) بل ولا لغيرهما من ذوي الأسباب إجماعاً، ادّعاه غير واحدٍ(1)، وهو الحجّة فيه، وقد مرّ الكلام فيه في كتاب الميراث.

(ولو عفى أحد الورّاث، كان للباقي الاستيفاء على التمام) بلاخلافٍ ولاإشكالٍ ، وموثّق الساباطي شاهدٌ به.

المسألة الخامسة: (ولو تكرّر الحَدّ) بتكرّر القذف (ثلاثاً قُتل في الرابعة) وقيل في الثالثة، والصحيح المتقدّم المتضمّن لأنّ أصحاب الكبائر يُقتلون في الثالثة شاهدٌ بالثاني، وقد مرّ الكلام فيه في حَدّ اللّواط(2) وغيره فراجع.

ثمّ إنّ ذلك فيما لو قَذَف فحُدّ ثُمّ قَذَف فحُدّ وهكذا، وأمّا لو قَذَف مراراً:

فإنْ كان المقذوف متعدّداً، فقد مرّ حكمه في المسألة الأُولى . وإنْ كان واحداً فالأظهر ثبوت حَدٍّ واحدٍ عليه، من غير فرقٍ بين تعدّد المقذوف به - كأن قذفه مرّةً بالزّنا، وأُخرى باللّواط، وثالثة بأنّه ملوط - ووحدته، كما لو قذفه بالزِّنا مراراً، فالظاهر ثبوت حَدٍّ واحدٍ، بناءُ على ما هو الحقّ من أصالة وحدة المسبّبات.

المسألة السادسة: (ولو تقاذف اثنان) سَقَط الحَدّ، و (عُزّرا) بلا خلافٍ ، لصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلين افترى كلّ واحدٍ منهما0.

ص: 226


1- السرائر: ج 2/703.
2- صفحة 185 و 270.

على صاحبه ؟

فقال عليه السلام: يُدرأ عنهما الحَدّ ويُعزّران»(1).

ونحوه صحيح أبي ولّاد الحنّاط عنه عليه السلام(2).

***5.

ص: 227


1- الكافي: ج 7/240 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/201 باب 18 من أبواب حَدّ القذف ح 34564.
2- وسائل الشيعة: ج 28/202 ح 34565.

ويقتلُ من سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله أو واحداً من الأئمّة عليهم السلام، ويَحِلُّ لكلّ سامعٍ قتله مع أمن الضَّرر.

وجوب قتل من سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله

الموضع السابع: في اللَّواحق، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: (ويُقتل من سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله، أو واحداً من الأئمّة عليهم السلام، ويَحلّ لكلّ سامعٍ قتله مع أمن الضَّرر) بلا خلافٍ في شيء من تلكم، بل الإجماع بقسميه على الجميع كما في «الجواهر»(1)، وقد تكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع عليها، والمستند هو النصوص الخاصّة:

منها: النبويّ الخاصّ الذي رواه علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام في حديثٍ :

«من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني، ولا يرفع إلى السلطان، والواجبُ على السلطان إذا دفع إليه أن يقتل من نال منّي»(2).

ومنها: حسن محمّد بن مسلم، في حديثٍ :

«فقلتُ لأبي جعفر عليه السلام: أرأيتَ لو أنّ رجلاً الآن سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله أيُقتل ؟

قال عليه السلام: إن لم تخف على نفسك فاقتله»(3).

ونحوها غيرها(4).

ص: 228


1- جواهر الكلام: ج 41/432.
2- الكافي: ج 7/266 ح 32، وسائل الشيعة: ج 28/212 ح 34589.
3- الكافي: ج 7/267 ح 33، وسائل الشيعة: ج 28/213 ح 34590.
4- وسائل الشيعة: ج 28/212 باب قتل من سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله وغيره من الأنبياء.

ومنها: صحيح هشام بن سالم، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقولُ في رجلٍ سبابةٌ لعليّ عليه السلام ؟

فقال لي: حَلال الدَّم، واللّه لولا أن تعمّ بريئاً.

قال: قلتُ : لأيّ شيء يعمّ به بريئاً؟ قال عليه السلام: يُقتل مؤمنٌ بكافر ولم يزد على ذلك»(1).

ومنها: خبر العامري، عنه عليه السلام: «قال له: أيّ شيء تقولُ في رجلٍ سمعته يشتمُ عليّاً عليه السلام ويبرأ منه ؟

فقال لي: واللّه هو حلالُ الدَّم، وما ألفٌ منهم برجلٍ منكم، دَعه»(2).

ومنها: خبر علي بن حديد، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، فقال:

«إنّي سمعتُ محمّد بن بشير يقول: إنّك لستَ موسى بن جعفر الذي هو إمامنا وحجّتنا...

إلى أن قال: فقلتُ له: إذا سمعتُ ذلك منه، أوَليسَ حلالٌ لي دمه مباحٌ؟ كما اُبيح دَمُ السَّباب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله والإمام ؟

قال عليه السلام: نعم حِلٌّ واللّه، حِلٌّ واللّه دمه، وأباحه لكَ ولمن سَمِع ذلك منه.

إلى أن قال: فقلتُ : أرأيتَ إذا أنا لم أخف أن أعمّ بذلك بريئاً، ثمّ لم أفعل ولم أقتله ما عليَّ من الوِزر؟

فقال: يكون عليك وزره أضعافاً مضاعفة من غير أن ينقص من وزره من شيء»(3).8.

ص: 229


1- الكافي: ج 7/269 ح 44، وسائل الشيعة: ج 28/215 ح 34593.
2- التهذيب: ج 10/86 ح 100، وسائل الشيعة: ج 28/215 ح 34594.
3- وسائل الشيعة: ج 28/217 ح 34598.

إلى غير ذلك من النصوص.

مضافاً إلى ما دلّ على حليّة دَمّ الناصب، كخبر داود بن فرقد، قال: قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقولُ في قتل الناصب ؟

فقال: حلالُ الدَّم، ولكن أتّقي عليك، فإنْ قَدَرت أن تقلب عليه حائط، أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك أحدٌ فافعل»(1).

أقول: وتمام الكلام بيان اُمور:

الأمر الأوّل: قال صاحب «المسالك»(2): (وفي إلحاق باقي الأنبياء عليهم السلام بذلك قوّة، لأنّ كمالهم وتعظيمهم عُلم من دين الإسلام ضرورةً ، فسبّهم ارتدادٌ ظاهر).

ولكن في صدق الارتداد في جميع الموارد إشكالاً، ثمّ إنّ المرتدّ لا يجوزُ قتله مطلقاً، وعليه فالصحيح أن يستدلّ له بالنبويّ الخاصّي: «من سَبّ نبيّاً قُتل، ومن سَبّ صاحب نبيّ جُلد»(3) المنجبر بالفتوى، ولا يعارضه ما عن «المبسوط»(4):

(روي عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال: «اُتي برجلٍ يذكُر أنّ داود صادف المرأة إلّا جلدته مائة وستّين، الحديث» كما لا يخفى.

الأمر الثاني: الظاهر إلحاق فاطمة عليها السلام بهم عليهم السلام، لا للإجماع على طهارتها بآية التطهير(5) كما في «الرياض»(6) وغيره، بل لما عُلم بالضرورة أنّها في الاحترام7.

ص: 230


1- وسائل الشيعة: ج 28/216 ح 34597.
2- مسالك الأفهام: ج 14/453.
3- وسائل الشيعة: ج 28/213 ح 34591.
4- المبسوط: ج 8/15.
5- سورة الأحزاب: الآية 33.
6- رياض المسائل: ج 16/57.

كأولادها المعصومين.

وعن «التحرير»(1): إلحاق اُمّ النبيّ صلى الله عليه و آله وبنته به من غير تخصيصٍ بفاطمة عليها السلام مراعاةً لقدره، وهو يتمُّ إنْ كان بحيثُ يصدق سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله وشتمه والنيل منه، وإلّا ففي إطلاقه منعٌ .

الأمر الثالث: المشهور بين الأصحاب(2) عدم توقّف قتل السّاب على إذن الإمام عليه السلام، وعن «الغنية»(3) الإجماع عليه، لإطلاق النصوص، وخصوص النبويّ الأوّل.

وأمّا ما تضمّن قول الإمام الصادق عليه السلام لعبد اللّه بن النجاشي الذي قَتَل ثلاثة عشر رجلاً من المتبرئين من أمير المؤمنين عليه السلام: «لوكنتَ قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك شيءٌ ، ولكنّك سَبقتَ الإمام فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى، وتتصدّق بلحمها، لسبقك الإمام و ليس عليك غير ذلك»(4).

فمضافاً إلى ضعف سنده، أنّه لا يدلّ على عدم الجواز بدون إذن الإمام، بل ظاهره الجواز، غاية الأمر يدلّ على لزوم ذبح الشاة، وحيثُ لا قائل بوجوبه، فيُطرح أو يُحمل على الندب.

الأمر الرابع: يعتبر في وجوب القتل الأمن من الضَّرر، لعموم ما دلّ (5) على نفي الضَّرر، وفيما إذا كان الخوف على نفسه بأن يُقتل، جملة من النصوص المتقدّمة وبضميمة عدم القول بالفصل يتمّ المطلوب. ثمّ إنّ مقتضى النصوص عدم الجوازة.

ص: 231


1- تحرير الأحكام: ج 2/239.
2- رياض المشهور: ج 16/55.
3- غنية النزوع: ص 623.
4- وسائل الشيعة: ج 29/230 ح 35521.
5- وسائل الشيعة: ج 18 ب 17 من أبواب الخيار في التجارة.

وكذا يُقتل مَدَّعي النبوّة، ومن قال: لا أدري صِدْق محمّدٍ صلى الله عليه و آله وكذبه، مع تظاهره أوّلاً بالإسلام.

حينئذٍ، بل مقتضى حديث لا ضرر أيضاً ذلك، بناءً على ما هو الحقّ من أنّه يُنفى كلُّ حكمٍ ضرري منه جواز قتل السّاب.

المسألة الثانية: (وكذا يُقتل مُدَّعي النبوّة) بعد نبينا صلى الله عليه و آله بلا خلافٍ ، ويشهد به جملة من الأخبار:

منها: موثّق ابن أبي يعفور، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبيّ؟

فقال: إن سمعته يقول ذلك فاقتله»(1).

ومنها: خبر يحيى بن أبي القاسم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قال النبيّ صلى الله عليه و آله: أيّها النّاس إنّه لا نبي بعدي، ولا سُنّة بعد سُنّتي، فمن ادّعى ذلك فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه»(2).

ومنها: موثّق ابن فضّال، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «فمن ادّعى نبيّاً وأتى بعده بكتابٍ فدمه مباحٌ لكلّ من سمع منه»(3).

ونحوها غيرها(4).

(و) كذا يُقتل (من قال لا أدري صِدق محمّدٌ صلى الله عليه و آله وكذبه، مع تظاهره أوّلاً بالإسلام)ً.

ص: 232


1- الكافي: ج 7/258 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/337 ح 34899.
2- الفقيه: ج 4/163 ح 5370، وسائل الشيعة: ج 28/337 ح 34900.
3- وسائل الشيعة: ج 28/338 ح 34901.
4- وسائل الشيعة: ج 28/337، باب حكم من شتم النبيّ صلى الله عليه و آله أو ادّعى النبوّة كاذباً.

والسّاحر إذا كان مسلماً، ويُعزَّر الكافر.

لأنّه يرتدّ بذلك، ويجوزُ قتل المرتدّ الفطري، وكذا المِلّي على بعض الوجوه، ومع ذلك يشهد به خبر الحارث بن المغيرة، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: لو أنّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: واللّه ما أدري أنبيٌّ أنتَ أم لا، كان يَقبل منه ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن كان يقتله، أنّه لو قَبل ذلك ما أسلم منافقٌ أبداً»(1).

المسألة الثالثة: (والسّاحر إذا كان مسلماً) يُقتل (ويُعزّر الكافر) منه بلا خلافٍ أجده فيه، كذا في «الجواهر»(2)، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً في مباحث المكاسب المحرمة في مبحث السحر من هذا الشرح(3).

***).

ص: 233


1- الكافي: ج 7/258 ح 14، وسائل الشيعة: ج 28/333 ح 34888.
2- جواهر الكلام: ج 41/442.
3- فقه الصادق: ج 21/76، بحث (حرمة السّحر).

الفصل العاشر: في حَدّ المُسكِر:

من تناولَ مُسكِراً، أو فقّاعاً، أو عصيراً قد غَلا قبل ذهابِ ثُلُثيه اختياراً، مع العلم بالتحريم والتكليف،

الفصل العاشر في حَدّ متناول المُسكِر

اشارة

(الفصل العاشر: في حَدّ المُسكِر) وقد مرّ الكلام في حرمة شرب المُسكِر، وعرفت أنّه يدلّ عليها الكتاب والسُّنة والإجماع، بل هي من ضروريّات الدِّين.

أقول: لا إشكال ولا كلام في ثبوت الحَدّ بتناوله، والنصوص المستفيضة شاهدة به، وستمرّ عليك طائفة منها، وإنّما الكلام في جهات، ونخبة القول في المقام بالنظر في هذا الفصل في اُمورٍ ثلاثة:

الأمر الأوّل: في بيان الموجب للحَدّ وما يعتبر فيه فعلاً وفاعلاً:

قال المصنّف قدس سره: يُحَدُّ (من تناول مُسكِراً أو فقّاعاً أو عصيراً قد غَلا قبل ذهاب ثلثيه اختياراً مع العلم بالتحريم والتكليف).

فهاهنا فروع:

الفرع الأوّل: إنّ شُرب المسكر مطلقاً ولو قطرة منه موجبٌ للحَدّ بلا خلافٍ ولا إشكال، والنصوص المستفيضة شاهدة به:

منها: صحيح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ مُسكرٍ من الأشربة يجبُ فيه

ص: 234

كما يجبُ في الخمر من الحَدّ»(1).

ومنها: صحيح عمر بن يزيد، عنه عليه السلام في كتاب عليّ عليه السلام:

«يُضرب شارب الخمر وشارب المُسكر.

قلت: كم ؟ قال: حَدّهما واحد»(2).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «الحَدّ في الخمر أن يَشرب منها قليلاً أو كثيراً»(3).

ونحوها غيرها(4).

ولا يعارضها صحيح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«قلتُ : أرأيتَ إن أُخذ شاربُ النبيذ ولم يَسكر أيُجلد؟

قال عليه السلام: لا»(5).

ونحوه صحيح الحلبي(6)، فإنّ ظاهرهما إرادة النبيذ الحلال الذي لا يكون كثيره مسكراً، كما هو واضح، ويؤيّده قوله عليه السلام في ذيل الثاني: «وكلُّ مسكرٍ حرام».

وهل يثبت الحَدّ بتناول المُسكر بغير الشرب، كما لو جعله ممزوجاً بالطعام ثّم أكله ؟

الظاهر تسالمهم على الثبوت، لأنّ الموضوع هو التناول لا الشُّرب خاصّة.5.

ص: 235


1- الكافي: ج 7/216 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/230 ح 34629.
2- الكافي: ج 7/216 ح 11، وسائل الشيعة: ج 28/230 ح 34630.
3- الكافي: ج 7/215 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/222 ح 34607.
4- وسائل الشيعة: ج 28/220 باب إنّ حَدّ الشرب ثمانون جلدة وإن شرب قليلاً.
5- التهذيب: ج 10/96 ح 27، وسائل الشيعة: ج 28/224 ح 34614.
6- وسائل الشيعة: ج 28/225 ح 34615.

وفي «المسالك»(1): (ويخرج من ذلك استعماله بالاحتقان والسعوط حيث لايدخل الحلق، لأنّه لم يعد تناولاً فلا يُحَدّ به).

وعن «القواعد»(2): (لو تسعَّط به حُدّ).

وعلّله بعضهم بأنّه يصلُ إلى باطنه عن حلقه، وهو كما ترى .

وهل يثبتُ الحَدّ بالشرب من ماءٍ كثيرٍ قَطَرت فيه قطرةٌ من المُسكر - كما صرّح بذلك جماعة - أم لا؟

فيه وجهان، الظاهر هو العدم، لأنّه برغم أنّه لا إشكال ولا كلام في حرمة الشرب من ذلك الماء والنصوص المستفيضة شاهدة، به كما مرّ في كتاب الأطعمة والأشربة، إلّاأنّ ثبوت الحَدّ في الأخبار رُتّب على شُرب المُسكر، وفي المفروض حيث يستهلك المسكر في الماء، فلا يصدق أنّه شَرب المسكر ولو قليلاً منه، وعليه فلا وجه لثبوت الحَدّ، إلّاأن يَثبتُ إجماعٌ عليه، ولم يثبت.

الفرع الثاني: شُرب الفُقّاع ولو قطرةً منه يوجبُ الحَدّ، بلا خلافٍ وتكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع عليه(3)، لصحيح ابن بزيع، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الفُقّاع ؟ فقال: هو خمرٌ وفيه حَدّ شارب الخمر»(4)، ونحوه غيره(5).

ومقتضى إطلاق التنزيل ثبوتُ الحَدّ في تناوله بغير الشرب أيضاً.

الفرع الثالث: العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثُلُثاه يحرمُ شربه كما مرّ في محلّه، .

ص: 236


1- مسالك الأفهام: ج 14/458.
2- قواعد الأحكام: ج 3/553.
3- رسائل الشريف المرتضى: ج 1/160.
4- الكافي: ج 6/423 ح 8، وسائل الشيعة: ج 25/360 ح 32122.
5- وسائل الشيعة: ج 25/359 باب تحريم الفقاع إذا غلى .

ويوجبُ الحَدّ، لاتّفاقهم على أنّه بمنزلة الخَمر في الأحكام، والظاهر أنّ العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثُلُثاه يَسرع إليه الإسكار.

وكيف كان، فالحكم مسلّمٌ ، ويمكن أن يُستفاد التنزيل المزبور من النصوص(1)الواردة في تحريمه.

الفرع الرابع: يعتبر في ثبوت الحَدّ أن يكون الشارب مكلّفاً، فلو شرب الصَّبي أو المجنون الخمر لا يُحدّ، لما دلّ (2) على رفع القلم عنهما، وللنصوص الدالّة(3) على أنّه لا حَدّ على مجنونٍ ولا على صبيّ ، المتقدّمة في حَدّ الزّنا.

الفرع الخامس: يعتبر في ثبوته أن يكون الشرب اختياريّاً، فلو أُكره عليه لم يُحَدّ بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع، كما مرّ في حَدّ الزّنا.

وما دلّ (4) على نفي التقيّة في شُرب الخمر، تقدّم الكلام فيه في كتاب الأطعمة والأشربة، وعرفت أنّ المراد به عدم التقيّة في بيان حكمها، لا عدم التقيّة في شُربها.

ويعتبر في ثبوت الحَدّ عدم جهل الشارب بالحُرمة، أو كونه مسكراً مع العلم بها كما في حَدّ الزّنا، وقد مرَّ تفصيل القول في ذلك في حَدّ الزّنا.

بيان حَدّ شارب الخمر وكيفيّته

الأمر الثاني: في بيان الحَدّ:

ص: 237


1- وسائل الشيعة: ج 25/282 باب تحريم العصير العنبي والتمري وغيرهما إذا غلى ولم يذهب ثُلثاه.
2- وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 35225.
3- وسائل الشيعة: ج 28 باب 9، 21، من أبواب حَدّ الزّنا.
4- وسائل الشيعة: ج 25/350 باب حكم التقيّة في شرب المسكرات.

حُدَّ ثمانين جَلدة، عارياً على ظهره وكتفيه، ويُتّقى وجهه وفرجه،

الثابت أنّ من تناول المسكر أو الفقاع أو العصير العنبي (حُدّ ثمانين جَلدة) إجماعاً(1)، والنصوص المتواترة المتقدّم بعضها تدلّ عليه.

أقول: ظاهر النصوص اعتبار الثمانين مترتّبة، وما تضمّن من ضرب الأمير عليه السلام ابن عُمر، والوليد بن عقبة، بسوطٍ له شُعبتان أربعين جَلدة(2)، محمولٌ علي جواز ذلك لمصلحةٍ .

ويُضرب الشارب ومن في معناه (عارياً) مستور العورة عن الناظر المحترم (على ظَهره وكتفيه، ويُتّقى وجهه وفَرجه) ومقاتله، بلا خلافٍ إلّاما حُكي عن «المبسوط»(3) من أنّه لا يُجرّد عن ثيابه.

ويشهد له صحيح أبي بصير في حديثٍ : «سألته عن السَّكران والزّاني ؟

قال: يُجلدان بالسياط مُجرَّدين بين الكتفين، فأمّا الحَدّ في القذف فيُجلد على ثيابه ضرباً بين الضربين»(3).

واستدلّ الشيخ رحمه الله(5) لما اختاره بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمرَ بالضَّرب ولم يأمر بالتجريد، وهو كما ترى .

وفي «الجواهر»:(4) (وينبغي أن يُفرّق على سائر بدنه ليذوق العقوبة ما سرى فيه المشروب، كما روي عن عليّ عليه السلام من قوله للجلّاد: «أعط كلّ عضوٍ حقّه»)(5).ة.

ص: 238


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/483.
2- الكافي: ج 7/215 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/226 ح 34619. (3و5) المبسوط: ج 8/69.
3- الكافي: ج 7/216 ح 14، وسائل الشيعة: ج 28/231 ح 34631.
4- جواهر الكلام: ج 41/461.
5- المغني لابن قدامة: ج 10/336 مع اختلاف في العبارة.

بعد الإفاقة، حُرّاً كان أو عبداً، أو كافراً متظاهراً. ولو تكرّر الحَدُّ ثلاثاً قُتِل في الرابعة.

ولا خلاف بينهم في أنّه يُضرب (بعد الإفاقة) لتحصل فائدة الحَدّ التي هي الانزجار عنه ثانياً.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من أنّه يُضرب عارياً إنّما هو في الرّجل، وأمّا في المرأة، فالظاهر أنّها تُحدّ مربوطة عليها ثيابها، لما مرّ في حَدّ الزّنا.

ويُحَدُّ الشارب كما مرّ (حُرّاً كان أو عبداً أو كافراً متظاهراً).

أمّا العبد: فلا يهمّنا البحث عنه.

وأمّا الكافر: فالظاهر عدم الخلاف في أنّه إن تظاهر بالشُّرب يُحدّ كَحدّ المسلم، وإن أستر فلا حَدّ عليه، ويشهد به نصوصٌ :

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن يُجلد اليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ المُسكر ثمانين جلدة، إذا أظهروا شُربه في مصرٍ من أمصار المسلمين، وكذلك المجوس، ولم يعرض لهم إذا شربوها في منازلهم وكنائسهم حتّى يصير بين المسلمين»(1).

(ولو تكرّر الحَدّ ثلاثاً قُتِل في الرابعة) وفاقاً للمشهور شهرةً عظيمة، بل عن «الغنية» الإجماع عليه، كذا في «الجواهر»(2).1.

ص: 239


1- الكافي: ج 7/239 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/228 ص 34622.
2- جواهر الكلام: ج 41/461.

أقول: وهو مرويٌ مستفيضاً إن لم يكن متواتراً، لاحظ صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من شَرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه»(1)، ونحوه غيره(2).

وعن الصَّدوق في «المقنع»(3)، والشيخ في «الخلاف»(4) و «المبسوط»(5)، والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(6)، وولده في «الإيضاح»(7)، والشهيد في «اللُّمعة»(8):

أنّه يُقتل في الرابعة، لأنّ الزّنا أعظم منه ذنباً، وفاعله يُقتل فيها كما مضى فهنا أولى ، ولما روى مرسلاً: «أن يُقتل في الرابعة»(9).

أقول: ولكن الأولويّة إنّما تتمّ لو فقدنا الدليل وهو هنا موجودٌ، والمرسل لم يظهر كونه عن الإمام، لأنّ جميلاً يقول: (رُوي عن بعض أصحابنا)، والظاهر منه غير الإمام.

وفي «الفقيه» وإنْ قال رحمه الله: (روي أنّه يُقتل في الرابعة)(10) إلّاأنّه يحتمل أن يكون نظره إلى ما ذكره جميل.6.

ص: 240


1- الكافي: ج 7/218 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/233 ح 34634.
2- وسائل الشيعة: ج 28/233 باب أنّ شارب الخمر والنبيذ ونحوهما يُقتل في الثالثة بعد جَلد مرّتين.
3- نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9/189.
4- الخلاف: ج 5/473.
5- المبسوط: ج 8/59.
6- قواعد الأحكام: ج 3/551.
7- إيضاح الفوائد: ج 4/515.
8- شرح اللّمعة: ج 9/206.
9- المستدرك: ج 18/12.
10- الفقيه: ج 4/56.

ولو شَرِب الخمر مُستَحِلّاً فهو مرتدٌّ،

أضف إليه أنّه لا يصلح للمقاومة مع النصوص الكثيرة، وفيها الصحاح المُفتى بها بين الأصحاب. ولو شَرب مراراً ولم يُحدّ بعد كلّ شربٍ ، كفى عن الجميع حَدٌّ واحد بلا خلافٍ كما مرّ في حَدّ الزّنا(1).

حكم من شَرِب الخَمر مُستحلّاً

الأمر الثالث: في بيان الأحكام، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: (ولو شرب الخمر مُستَحِلّاً فهو مرتدٌّ) كماعن الحِلّي(2)، والتقي(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والمصنّف هنا، وفي «المسالك»(5) نسبته إلى المتأخّرين، فيفرّق حينئذٍ بين الملّي منه والفِطري، والذكر والاُنثى ، لأنّ حرمة شربها من الضروري الذي حكمه ذلك، إلّاأنّه لابدَّ وأن يقيّد بما إذا لم يُحتمل الشُّبهة في حقّه لما قدّمناه في هذا الشرح(6) من أنّ منكر الضروري لشبهةٍ لم يثبت كونه كافراً، فراجع.

وعن الشيخين(7) وأتباعهما: أنّه يُستتاب فإن تاب أُقيم عليه الحَدّ ثمانون جلدة خاصّة، وإلّا قُتل، من غير فرقٍ في الاستتابة بين الملّي والفِطري، لإمكان عروض شبهة في الشرب فاستحلّه، والحدود تُدرأ بالشُّبهات.

ص: 241


1- صفحة 80 من هذا المجلّد.
2- السرائر: ج 3/476.
3- الكافي في الفقه: ص 413.
4- شرائع الإسلام: ج 4/157.
5- مسالك الأفهام: ج 14/469.
6- فقه الصادق: ج 5/109، بحث (منكر الضروري).
7- المقنعة: ص 799، النهاية: ص 711.

ويُحدُّ مُستحِلّ غيرها.

ولما رواه المفيد في إرشاده(1)، قال: (روت الخاصّة والعامّة أنّ قدامة بن مظعون شَرب الخمر فأراد عُمر أن يجلده، فقال: لا يجبُ عليَّ الحَدّ إنّ اللّه تعالى يقول: (لَيْسَ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اِتَّقَوْا وَ آمَنُوا) (2)، فدرأ عنه عُمر الحَدّ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فمشى إلى عُمر، فقال:

ليس قدامة من أهل هذه الآية، ولا مَن سَلَك سبيله في ارتكاب ما حَرّم اللّه سبحانه، إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً فاردد قدامة فاستتبه ممّا قال، فإن تاب أقِم عليه الحَدّ، وإن لم يَتُب فاقتله فقد خرج عن الملّة»).

أقول: ولكن الخبر لا ينافي القول الأوّل، لاحتمال كون قدامة ارتداده عن ملّةٍ لا عن فطرة، فيتوجّه حينئذٍ القتل بعد الاستتابة، وما أفاده لا يتمّ في صورة الشُّبهة، فإنّه في تلك الصورة تكون الوظيفة رفع الشُّبهة عنه، بحيث يصيرُ ما أنكره ضروريّاً له، فإنْ استحلّ أيضاً كان حينئذٍ مرتدّاً يُستتاب إنْ كان مليّاً، ويُقتل إنْ كان فطريّاً.

وعليه، فماذكره الشيخان ومن تبعهما لايتمّ في صورة العلم، ولا في صورة الشُّبهة.

وبما ذكرناه ظهر أنّ الحقّ أنّه إن لم يُحتمل الشُّبهة فهو مرتدٌّ، وإلّا فالمتعيّن رفع الشُّبهة، ثمّ تطبيق حكم المرتدّ إنْ استحلّه بعد رفعها.

(ويُحدّ مُستحلّ غيرها) من سائر المُسكرات، لعدم كون حرمة شربها من3.

ص: 242


1- الإرشاد: ج 1/202.
2- سورة المائدة: الآية 93.

ولو باع الخَمر مُستَحِلّاً استُتِيب، فإنْ تابَ وإلّا قُتِل. ويُعزَّر بائع غيره.

ولو تاب قبل قيام البيّنة سَقَط الحَدُّ،

الضروريّات، لتحليل بعض المسلمين إيّاها، ويكون ذلك كافياً فى انتفاء الكفر باستحلالها.

المسألة الثانية: (ولو باع الخمر مُستحلّاً) بيعها، (استُتيب) مطلقاً، فطريّاً كان أم مليّاً، إذ ليس تحريمه معلوماً ضرورة، وقد يقع فيه الشُّبهة من حيث إنّه يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات، (فإن تابَ ) قُبل منه (وإلّا قُتل).

وفي «المسالك»(1) و «الرياض»(2): وكأنّه موضع وفاقٍ ، وما وقفتُ على نصّ يقتضيه.

أقول: الظاهر أنّ نظر الأصحاب إلى أنّه حيث يكون حرمة بيعها مجمعاً عليها فإن باعها مستحلّاً، فإن كان ذلك مع العلم بالحرمة فهو مرتدٌّ يلحقه حكم غيره من المرتدّين، وإلّا عُرّف، فإن تاب وإلّا قُتل كما هو الحال في من أنكر ما هو مجمعٌ عليه بين المسلمين، وإنّما أطلقوا: (فإنْ تاب.. إلخ)، من جهة أنّ عروض الشُّبهة فيه أظهر من عروضها في الشرب.

(ويُعزَّر بائعُ غيره) ولا يُقتل وإن لم يَتب، لعدم الإجماع من المسلمين على حرمته، فلا يُقتل، وإنّما يؤدّب لفعله المحرّم، فتأمّل.

توبة الشارب قبل أن يُحدّ

المسألة الثالثة: (ولو تاب) الشارب عنه (قبل قيام البيِّنة، سَقَط الحَدُّ،

ص: 243


1- مسالك الأفهام: ج 14/470.
2- رياض المسائل: ج 16/79.

ولا يسقطُ بعدها. ولو أقرَّ ثُمّ تابَ تخيَّر الإمام.

ولا يسقط بعدها) بلا خلافٍ في الأوّل، وعلى المشهور في الثاني.

ويشهد له في الأوّل: المرسل(1) كالصحيح عن أحدهما عليهما السلام: «في رجلٍ سرق أو شرب الخمر أو زنا، فلم يعلم ذلك منه، ولم يؤخذ حتّى تاب وصَلُح ؟

فقال عليه السلام: إذا صَلُح وعُرف منه أمرٌ جميل، لم يقم عليه الحَدّ، الحديث».

ويشهد على عدم السقوط في الثاني: الأصل مع عدم ظهور المسقط بالكليّة.

وعن الحلبي(2): إنّ للإمام العفو عنه كما اختاره في الزّنا، وقد مرّ ما فيه في الزّنا، مع أنّ مراده لو كان هو امام الأصل، فليس وظيفتنا بيان حكمه.

(ولو أقرّ ثُمّ تابَ تخيّر الإمام) في إقامة الحَدّ عليه أو العفو عنه على الأشهر، عليماصرّح به غير واحدٍ(3)، واستدلّوا له بأنّها مسقطة لتحتّم أقوى العقوبتين وهو الرَّجم أو الجَلد مائة، وأقوى الذنبين وهو الزّنا، فأضعفهما وهو الجَلد ثمانين أولى .

أقول: والأولى الاستدلال له بعموم التعليل في بعض النصوص كخبر «تحف العقول» عن أبي الحسن الثالث عليه السلام، في حديثٍ طويل، قال:

«وأمّا الرّجل الذي اعترف باللّواط، فإنّه لم يقم عليه البيّنة وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، وإذا كان للإمام الذي من اللّه أن يُعاقب عن اللّه كان له أن يمنّ عن اللّه... الحديث»(4).6.

ص: 244


1- الكافي: ج 7/250 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/36 ح 34156.
2- الكافي في الفقه: ص 413.
3- كشف اللّثام: ج 10/620.
4- وسائل الشيعة: ج 28/41 ح 34166.

ويثبتُ بشهادة عدلين، أو بالإقرار مرّتين من أهله.

وإنْ كان ما ذُكر من الأولويّة أيضاً لا بأس بها، وعليه فما عن «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2)، و «السرائر»(3)، وفي «الشرائع»(4)، و «المسالك»(5) من منع التخيير، وتحتّم الاستيفاء لثبوته بالإقرار فيستصحب، غير تامّ .

المسألة الرابعة: (ويثبتُ ) هذا الفعل (بشهادة عدلين) ذَكَرين، لعموم ما دلّ على حجيّتها ومثبتيّتها للحقوق(6)، وإنّما اعتبرنا الذكورة لما دلّ على أنّه لا تُقبل شهادة النساء في الحدود(7).

ويشهد لثبوته بها: الخبر المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال في حقّ قدامة لمّا شهد عليه واحدٌ بشربها، والآخر بقيئها:

«ما قاءها حتّى شَرِبها»(8).

(أو بالإقرار مرّتين من أهله) بلا خلافٍ فيه، وفي عدم الثبوت بالإقرار مرّةً ، بل على الثاني الإجماع عن ظاهر «المبسوط»(9)، وهو الحجّة فيه وفي تقييد إطلاق مادلّ على مثبتيّة الإقرار.0.

ص: 245


1- نسبه إليه صاحب السرائر: ج 3/479.
2- المبسوط: ج 8/240.
3- السرائر: ج 3/476.
4- شرائع الإسلام: ج 4/158.
5- مسالك الأفهام: ج 14/470.
6- وسائل الشيعة: ج 27/237 و 241 باب 5، و 7 وغيرهما من أبواب كيفيّة الحكم في القضاء.
7- وسائل الشيعة: ج 27/369 باب عدم قبول شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه، وقبولها في غيره.
8- الكافي: ج 7/401 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/239 ح 34653.
9- المبسوط: ج 8/240.

ولو شَرِب المُسكر جاهلاً به أو بالتحريم، سَقَط الحَدّ.

ومن استحلّ ما أُجمِعَ على تحريمه كالميتة قُتِل، ولو تناوله مُحرِّماً عُزِّر.

ولا دية لمقتول الحَدّ أو التعزير.

المسألة الخامسة: (ولو شرب المُسكر جاهلاً به أو بالتحريم، سَقَط الحَدّ) كما مرّ عند بيان شرائط الثبوت، وأيضاً قد مرّ أنّ (من استحلّ ما أُجمعَ على تحريمه كالميتة قُتل، ولو تناوله مُحرِّماً عُزِّر).

المسألة السادسة: (ولا دية لمقتول الحَدّ أو التعزير) كما هو المشهور بين الأصحاب(1).

وعن الشيخ في «الاستبصار»(2): (إنّ ذلك في حدود اللّه، وأمّا في الحَدّ للنّاس فتجبُ على بيت المال).

وعنه في «المبسوط»(3) التفصيل بين من قَتَله الحَدّ أو التعزير، فاختار عدم الدِّية في الأوّل، وثبوتها في بيت المال في الثاني.

وعن خلافه(4) القطع بأن التعزير كالحَدّ.

أقول: والمستند طائفتان من الأخبار:

إحداهما: ما يدلّ على عدم الدِّية كصحيح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ قَتلهُ القِصاص له دية ؟4.

ص: 246


1- إرشاد الأذهان: ج 2/191، تلخيص المرام: 323، مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/363.
2- الإستبصار: ج 4/279.
3- المبسوط: ج 8/63.
4- الخلاف: ج 5/493-494.

ولو بانَ فسق الشهود، فالديَّة في بيت المال.

فقال عليه السلام: لوكان كذلك لم يُقتصّ من أحدٍ، وقال: من قتله الحَدّ فلا دية له»(1).

ونحوه خبرا زيد الشّحام(2)، ومُعلّى بن عثمان(3)، وصحيح الحلبي(4)، والحَدّ فيها

إمّا يشمل التعزير، أو يكون التعزير ملحقاً به، لعدم القول بالفصل كذا قيل، ومقتضاها عدم ثبوت الدِّية مطلقاً.

ثانيتهما: خبر الحسن بن صالح الثوري، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«من ضربناه حَدّاً من حدود اللّه تعالى فماتَ فلا ديَّة له علينا، ومَن ضربناه حَدّاً من حدود النّاس فماتَ فإنّ ديته علينا»(3).

ولكن الثانية ضعيفة السند لحسن بن صالح، وما عن «الإيضاح»(4) من أنّها متواترة عنهم لم نتحقّقه، والراوي عنه وإنْ كان ابن محبوب، إلّاأنّه لم يثبت كونه من أصحاب الإجماع، فتأمّل، مع أنّه يمكن أن يكون ذلك مختصّاً بهم، فالمتّبع هو النصوص الاُولى .

ثمّ إنّه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يصل الخطاء لو كان من غيرالمعصوم بالتجاوز، وإلّا اتّجه الضمان.

(ولو) أقام الحاكم الحَدّ بالقتل أو غيره بما يوجبُ الدِّية، ثمّ (بانَ فِسق الشهود، فالدّية في بيت المال) كغيره ممّا يَخطأ فيه الحاكم، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته6.

ص: 247


1- الكافي: ج 7/291 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/63 ح 35157.
2- التهذيب: ج 10/207 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/64 ذيل الحديث 35157. (3و4) وسائل الشيعة: ج 29/65 ح 35162 و ح 35165.
3- الكافي: ج 7/292 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/17 ح 34107.
4- إيضاح الفوائد: ج 4/516.

بلا خلافٍ ، ويشهد به خبر الأصبغ بن نُباتة، قال: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام أنّ ما أخطأت القضاة في دمٍ أو قطعٍ فهو على بيت مال المسلمين»(1) والمسألة محرّرة في كتاب القضاء(2) بالتفصيل.

***4.

ص: 248


1- الكافي: ج 7/354 ح 3، وسائل الشيعة: ج 27/226 ح 33651.
2- فقه الصادق: ج 38/84.

الفصل الحادي عشر: في حَدّ السَّرقة:

يُشترط في قطع السّارق التكليف،

الفصل الحادي عشر في حَدّ السَّرقة

اشارة

(الفصل الحادي عشر: في حَدّ السَّرقة) والكلام فيه في مقامات:

المقام الأوّل: في بيان السّارق الذي يجبُ قطعه:

اعلم أنّه (يُشترط في قطع السّارق التكليف) بالبلوغ والعقل والاختيار.

أمّا البلوغ: فقد اتّفقت كلماتهم على اعتباره في الجملة، والمشهور بين الأصحاب(1) أنّه لو سَرق الصَّبي لم يُحدّ، وإنْ كان يؤدّب بما يراه الحاكم، ولو تكرّرت سرقته الخامسة فما فوق.

وعن الشيخ في «النهاية»(2)، والقاضي(3)، والمصنّف في «المختلف»(4): أنّه يُعفى عنه أوّلاً، فإنْ عاد أُدّب، فإن عاد حُكّت أنامله حتّى تُدمى، فإنْ عاد قُطِعت أنامله، فإنْ عاد قُطع كما يُقطع الرّجل، ونَسبه المصنّف إلى الأكثر، وإنْ كان صاحب «الجواهر» رحمه الله(5) لم يتحقّقه.

ص: 249


1- تحرير الأحكام: ج 2/227، إيضاح الفوائد: ج 4/518، غاية المراد: ج 4/245.
2- النهاية: ص 716.
3- الكافي في الفقه: ص 411.
4- مختلف الشيعة: ج 9/218.
5- جواهر الكلام: ج 41/476.

وعن يحيى بن سعيد(1): أنّه يُعفى عنه أوّلاً، فإن عاد عُزّر، وإن عاد قُطع أطراف أصابعه، فإن عاد قُطع أسفل من ذلك.

وعن الصَّدوق في «المقنع»(2): يُعفى عنه مرّة، فإن عاد قُطعت أنامله أو حُكّت حتّى تُدمى، فإن عاد قُطعت أصابعه، فإن عاد قُطع أسفل من ذلك.

أمّا النصوص: فهي مختلفة:

منها: ما يدلّ على العفو عنه مرّتين، فإن عاد قُطع بنانه، فإن عاد قُطع أسفل من ذلك، كصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن الصَّبي يسرق ؟

قال عليه السلام: إذا سرق مرّة وهو صغير عُفي عنه، فإن عاد عُفي عنه، فإن عاد قُطع بنانه، فإن عاد قُطع أسفل بنانه، فإن عاد قُطع أسفل من ذلك»(3).

ومنها: ما يقرب من ذلك كصحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الصَّبي يسرق ؟

قال عليه السلام: يُعفى عنه مرّة أو مرّتين، ويُعزّر في الثالثة، فإن عاد قُطِعت أطراف أصابعه، فإن عاد قُطِع أسفل من ذلك»(4).

ومنها: ما يدلّ على ما ذهب إليه ابن سعيد، لاحظ حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إذا سرق الصَّبي عُفي عنه، فإن عاد عُزِّر، فإن عاد قُطع أطراف الأصابع،0.

ص: 250


1- نزهة الناظر: ص 127.
2- المقنع: ص 446.
3- الكافي: ج 7/232 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/294 ح 34803.
4- الكافي: ج 7/232 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/293 ح 34800.

فإن عاد قُطع أسفل من ذلك، وقد اُتي عليٌّ عليه السلام بغلامٍ يُشكّ في احتلامه، فقَطَع أطراف الأصابع»(1).

ومنها: ما يدلّ على ما ذهب إليه الصَّدوق، كصحيح ابن سنان عنه عليه السلام: «في الصَّبي يَسرق ؟

قال عليه السلام: يُعفى عنه مرّة، فإن عاد قُطعت أنامله أو حُكّت حتّى تُدمى، فإن عاد قُطعت أصابعه، فإن عاد قُطع أسفل من ذلك»(2).

ومنها: مايدلّ على العفوفي الأوّل، والتأديب بالحَكّ حتّى تُدمى في الثانية، وقطع أطراف أنامله من المِفصل الأوّل في الثالثة، وقطع أطرافها من المِفصل الثاني في الرابعة، وقطعها من اُصولها فى الخامسة، قيل كخبر إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن الصَّبي يسرق ؟

قال عليه السلام: يُعفى عنه مرّتين، فإن عاد الثالثة قُطعت أنامله، فإن عاد قُطع المِفصل الثاني، فإن عاد قُطع المِفصل الثالث وتُركت راحته وإبهامه»(3).

وعن «الغُنية»(4) نسبته إلى رواية الأصحاب، ولكنّه كما ترى حيث إنّ الخبر يدلّ على العفو مرّتين.

ومنها: ما يدلّ على أنّه يُقطع من لحم أطراف أصابعه في المرّة الأُولى ، ويُقطع اليد في الثانية، كخبر سماعة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:4.

ص: 251


1- الكافي: ج 7/232 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/294 ح 34802.
2- الكافي: ج 7/233 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/295 ح 34806.
3- التهذيب: ج 10/121 ح 101، وسائل الشيعة: ج 28/298 ح 34814.
4- غنية النزوع: ص 434.

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام بغلامٍ قد سَرق ولم يبلغ الحُلُم، فقطع من لحم أطراف أصابعه، ثمّ قال: إنْ عُدتَ قطعتُ يدك»(1).

ومنها: ما يدلّ على قطع أطراف الأصابع مطلقاً، كخبر البصري عنه عليه السلام، قال:

«إذا سرق الصَّبي ولم يَحتلم قَطَعتُ أطراف أصابعه وقال عليه السلام: لم يصنعه إلّا رسول اللّه وأنا»(2).

ومنها: ما يدلّ على التأديب بالضَّرب كخبر السكوني(3).

ومنها: ما يدلّ على العفوإنْ لم يعلم بأنّ فى السَّرقة عقوبة، كخبر عبداللّه القسري(4).

ومنها: ما يدلّ على العفو إن سَرق قبل سبع سنين، وإن عادَ بعدها قُطعت بنانه، أو حُكّت حتّى تُدمى، فإن عاد قُطع من أسفل بنانه، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قُطع يده كصحيح محمّد بن مسلم(5).

أقول: والذي يقتضيه الجمع بين النصوص، هو البناء على العفو عن القطع أو الحَكّ مرّتين، وإنْ كان يُعزّر بالضَّرب، وفي الثالثة يؤدّب بالحَكّ أي حَكّ أطراف أصابعه حتّى تُدمى، أو يُقطع من أطراف لحم أصابعه، وفي الرابعة يُقطع بنانه، وبعد الرابعة يُعزّر بما يراه الحاكم ولو بالقطع كما يقطع البالغ.

ولا ينافيه اشتراط التعزير بعدم بلوغ الحَدّ، لجواز تخصيص دليله بهذه النصوص، مع أنّ الحَدّ للبالغ في المرتبة الأُولى ذلك لا في المرتبة الخامسة، فهو غير بالغ الحَدّ.9.

ص: 252


1- التهذيب: ج 10/121 ح 100، وسائل الشيعة: ج 28/297 ح 34813.
2- الكافي: ج 7/233 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/296 ح 34808.
3- وسائل الشيعة: ج 28/295 ح 34805.
4- وسائل الشيعة: ج 28/296 ح 34810.
5- وسائل الشيعة: ج 28/296 ح 34809.

وانتفاء الشُّبهة،

ولكن بما أنّ المشهور أعرضوا عن هذه النصوص، فالأوفق بالاحتياط الذي في المقام يجبُ رعايته، هو العفو عنه مرّة بل مرّتين، ثمّ التأديب الذي منتهاه الإدماء بالحَكّ أو قطع اللّحم من الأنامل شيئاً فشيئاً بمنقاشٍ وشبهه، ولا يصلُ إلى قطع الاُنملة فضلاً عن القطع كما يُقطع البالغ.

وأمّا العقل: فيشهدُ لاعتباره حديث(1) رفع القلم، وما دلّ (2) على أنّه لا حدَّ على المجنون المتقدّم في حَدّ الزّنا.

وهل يُعزّر حَسماً لمادّة الفساد، ونظماً لاُمور العباد؟

أم لا لعدم الدليل عليه، وعدم كون ما ذُكر صالحاً للاستناد إليه في الحكم ؟ وجهان:

وعلى أيّ حال ما ذُكر في الصَّبي لا يَجري في المجنون بعد حرمة القياس، وعدم الدليل على التعدّي.

وأمّا الاختيار: فيشهد لاعتباره ما قدّمناه من الأخبار(3).

(و) ممّا يعتبر في السّارق (انتفاء الشُّبهة) لما مرَّ من أنّ : «الحدود تُدرَأ بالشُّبهات»(4) والقطعُ منها.9.

ص: 253


1- المستدرك: ج 1/84 ح 39.
2- وسائل الشيعة: ج 28/22 ح 34120.
3- وسائل الشيعة: ج 28/110 ح 34340.
4- وسائل الشيعة: ج 28/47 ح 34179.

وهَتك الحِرز، وهو المستور بقفلٍ أو غَلقٍ أو دَفن.

اعتبار كون المال محرزاً

(و) المشهور بين الأصحاب أنّه يعتبر فيه (هتك الحرز، وهو المستورُ بقفلٍ أو غَلقٍ أو دفن) فلو لم يكن المال مُحرَزاً لم يُقطع، بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع في «الغنية» كما في «الرياض»(1)، وفي «الجواهر»(2) دعوى الإجماع بقسميه عليه.

أقول: ويشهد به طوائف من النصوص:

منها: خبر السكوني، عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «لا يقطع إلّامن نقّب بيتاً أو كسر قفلاً»(3).

ونحوه مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام(4).

وخبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال:

«ليس على السّارق قطعٌ حتّى يخرج بالسَّرقة من البيت»(5).

ومنها: النصوص الواردة في الأجير والضيف، والسَّرقة من المواضع المتناوبة كالحمّامات، ومن الجيب والكُمّ الظاهرين، وما شاكل الآتية، فلا إشكال في اعتبار كون المال مُحرَزاً، وحيث لا تحديد شرعاً للحِرز، فيتعيّن الرجوع فيه إلى العُرف.

ص: 254


1- رياض المسائل: ج 16/104.
2- جواهر الكلام: ج 41/449.
3- التهذيب: ج 10/109 ح 40، وسائل الشيعة: ج 28/277 ح 34751.
4- وسائل الشيعة: ج 28/277 ح 34753.
5- التهذيب: ج 10/107 ح 32، وسائل الشيعة: ج 28/262 ح 34716.

وعن الشيخ في «النهاية»(1): (هو كلّ موضعٍ ليس لغير مالكه الدخول عليه إلّا بإذنه).

وعن «المبسوط»(2)، و «التبيان»(3)، و «الغنية»(4)، و «كنزالعرفان»(5) نسبته إلى أصحابنا، وعن الأخير دعوى الإجماع عليه صريحاً.

ولكنّه يُنتقض بالسَّرقة من الدار الّتي لا تكون مغلقة، فإنّه لا خلاف بينهم في عدم القطع بالسَّرقة، منها كما عن الحِلّي(6)، مع أنّ التعريف المذكور صادقٌ عليه، ولذلك حُكي عن ابن حمزة(7) إضافة (وكان مغلقاً أو مقفلاً) إلى ما ذكر، وتوجيه المصنّف رحمه الله إيّاه بإرادة أنّه ليس لغير المالك الدخول فيه تكويناً، لا عدم الجواز الشرعي، كما ترى ، أضف إلى ذلك أنّه لا دليل على هذا الضابط.

وما أفاده سيّد «الرياض»(8) من أنّ في النصوص إيماءٌ إليه، ففي خبر السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كلّ مدخلٍ يَدخلُ فيه بغير إذنٍ فسَرق منه السّارق فلا قطع فيه»(9) وفي الصحيح الآتي المتضمّن عدم قطع الرّجل بسرقة مالِ إبيه واُخته وأخيه تعليله بعدم حَجْبه عن الدخول إلى منزلهم، فمفهومه القطع مع عدم الإذن.0.

ص: 255


1- النهاية: ص 714.
2- المبسوط: ج 8/22.
3- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 16/104.
4- غنية النزوع: ص 623.
5- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 16/104.
6- السرائر: ج 3/484.
7- الوسيلة: ص 418.
8- رياض المسائل: ج 16/105.
9- الكافي: ج 7/231 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/276 ح 34750.

وقريبٌ منهما النصوص المتضمّنة(1) لعدم قطع الضيف والأجير، معلّلةً بالاستيمان، وليس إلّامن حيث الإذن في الدخول.

فيه: أنّه ليس لشيء من تلك النصوص مفهومٌ كي تدلّ على القطع في غير تلك الموارد.

وعن «الخلاف»(2): (كلّ موضعٍ حرزٌ لشيء من الأشياء فهو حرزٌ لجميع الأشياء).

وعن الحِلّي والمصنّف رحمه الله في «التحرير»(3) اختياره.

ولكنّه أيضاً مخالف للعرف، ألا ترى أنّ حِرز الذهب عرفاً غير حرز الدابة، وعليه فالحقّ ما ذكرناه من إيكال ذلك إلى العرف.

ولو هتك الحرز شخصٌ وأخرج المال غيره، لم يُقطع أحدهما وإن جاءا معاً بقصد التعاون، بلا خلافٍ أجده، بل الإجماع بقسميه عليه كما في «الجواهر»(4).

والوجه فيه عدم صدق السَّرقة على الأوّل، وعدم الأخذ من الحِرز على الثاني.

نعم، لو تعاونا على النقب مثلاً، وانفرد أحدهما بالإخراج، أو تعاونا في الإخراج وانفرد أحدهما بالنقب، ثَبَت القطع على المُخرِج في الأوّل، والناقب في الثاني، لصدق السّارق والأخذ من الحرز.

أقول: ذكر الأصحاب أنّه يُعتبر اُمور اُخر في السّارق غير ما مرّ:

منها: أنّ يأخذه سِرّاً، فلو هتك الحرز قهراً ظاهراً وأخذ لم يُقطع، لكونه غاصباً عرفاً لا سارقاً، والنصوص المتضمّنة لعدم قطع المختلس علانية تشهد به، لاحظ:6.

ص: 256


1- وسائل الشيعة: ج 28/271 باب أنّه لا قطع على الأجير الذي لا يحرز المال من دونه.
2- الخلاف: ج 5/420.
3- تحرير الأحكام: ج 2/226.
4- جواهر الكلام: ج 41/486.

وإخراج

1 - موثّق أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا أقطعُ في الدغارة المعلنة - وهي الخِلسة - ولكن اعزّره»(1).

2 - وصحيح محمّدبن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام في رجلٍ اختلس ثوباً من السوق، فقالوا قد سَرق هذا الرّجل، فقال عليه السلام: إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة، ولكن أقطعُ من يأخذ ثمّ يُخفي»(2).

3 - وخبر سماعة: «من سرق خِلسةً اختلسها لم يُقطع، ولكن يُضرب ضرباً شديداً»(3).

إلى غير تلكم من النصوص.

وكذا المستأمن لو خان بأخذه، لعدم كونه سارقاً، إذ المال في يده، ونصوص الأجير(4) شاهدة به.

(و) منها: (إخراج) المال بنفسه، أو بمشاركٍ من الحِرز، والظاهر تسالم الأصحاب على اعتباره، ويشهد به خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، أنّه قال: «لا قطع على السّارق حتّى يخرج بالسَّرقة من البيت»(5).

ونحوه غيره(6).ع.

ص: 257


1- الكافي: ج 7/225 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/268 ح 34729.
2- الكافي: ج 7/226 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/268 ح 34730.
3- الكافي: ج 7/226 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/268 ح 34733.
4- وسائل الشيعة: ج 28/271.
5- التهذيب: ج 10/107 ح 32، وسائل الشيعة: ج 28/262 ح 34716.
6- وسائل الشيعة: ج 28/262 باب: أنّ من نقب بيتاً لم يجب عليه القطع قبل أن يخرج المتاع.

ويتحقّق الإخراج بالمباشرة وبالتسبيب، مثل أن يشدّه بحبلٍ ثمّ يحدّ به من خارج، أو يضعه على دابةٍ من الحِرز ويُخرجها، بأن ساقها وسارت لنفسها(1).

ومنها: أن لا يكون والدٌ من ولده، ولا خلاف فيه بل عليه الإجماع كما صرّح به جماعة(2)، بل في معقد إجماع «المسالك»(3) الأب وإن على ، وهو الحجّة فيه، مضافاً إلى فحوى ما دلّ على عدم قتله به(4)، وما ورد من قوله عليه السلام: «أنتَ ومالُكَ لأبيك»(5).

وألحق أبو الصّلاح(6) بالأب الاُمّ ، ونفى عنه في محكي «المختلف»(7) البأس، لأنّها أحد الأبوين، ولاشتراكهما في وجوب الإعظام، وفيه تأمّل.

***5.

ص: 258


1- وسائل الشيعة: ج 28/262 ح 34716.
2- مجمع الفائدة البرهان: ج 13/227.
3- مسالك الأفهام: ج 14/487.
4- وسائل الشيعة: ج 29/77 باب ثبوت القِصاص على الولد إذا قتل أباه.
5- الكافي: ج 5/135 ح 3، وسائل الشيعة: ج 17/263 ح 22480.
6- الكافي في الفقه: ص 411.
7- مختلف الشيعة: ج 9/245.

والنصاب، وهو ما قيمته رُبع دينارٍ ذهباً خالصاً، مضروباً عليه بسكّة المعاملة،

المسروق وما يعتبر فيه

المقام الثاني: في المسروق:

لا خلاف ولا إشكال في أنّه يُعتبر فيه (النصاب)، لتوافق النّص (و) الفتوى عليه، إنّما الكلام في حَدّه، فالمشهور بين الأصحاب(1)(هو ما قيمته ربع دينار ذهباً خالصاً، مضروباً عليه بسكّة المعاملة)، بل عن «الخلاف»(2)، و «الاستبصار»(3)، و «الغنية»(4)، و «السرائر»(5)، و «كنزالعرفان»(6) الإجماع عليه.

وعن الصَّدوق(7): أنّه خُمس دينارٍ فما فوق.

وعن العُمّاني(8): اعتبار بلوغ قيمته ديناراً، وقيل: هو ما بلغ درهمين.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف، قال:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على المشهور:

ص: 259


1- راجع تحرير الأحكام: ج 2/229، غاية المراد: ج 4/248، مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/233.
2- الخلاف: ج 5/414.
3- الإستبصار: ج 4/241.
4- غنية النزوع: ص 623.
5- السرائر: ج 3/483.
6- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 16/99.
7- المقنع: ص 150.
8- نسبه إليه في رياض المسائل: ج 16/100.

منها: صحيح محمّدبن مسلم، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: في كم يُقطع السّارق ؟

قال عليه السلام: في ربع دينار.

قال: قلتُ له: في درهمين ؟ قال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ.

قال: قلتُ له: أرأيتَ مَن سَرَق أقلّ من ربع دينار، هل يقع عليه حين سرق اسمُ السّارق، وهل هو عند اللّه سارق ؟

فقال عليه السلام: كلّ من سرق من مسلمٍ شيئاً قد حواه وأحرزه، فهو يقع عليه اسم السّارق، وهو عند اللّه سارق، ولكن لا يقطع إلّافي ربع دينار أو أكثر»(1).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «لا يُقطع يد السّارق إلّافي شيء تبلغ قيمته مجناً، وهو ربع دينار»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على ما ذهب إليه الصَّدوق كصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «أدنى ما يقطع فيه يد السّارق خُمس دينارٍ»(3).

ونحوه أخبار اُخر(5).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على القول الأخير كخبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ يسرق من بستانٍ عِذْقاً قيمته درهمان ؟

قال عليه السلام: يقطع به»(4).1.

ص: 260


1- الكافي: ج 7/221 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/243 ح 34658.
2- الكافي: ج 7/221 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/243 ح 34659. (3و5) وسائل الشيعة: ج 28/243 باب أنّ أقلّ ما يقطع فيه السّارق ربع دينار.
3- الكافي: ج 7/221 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/243 ح 34660.
4- الفقيه: ج 4/69 ح 5128، وسائل الشيعة: ج 28/247 ح 34671.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على ما اختاره العُمّاني كصحيح الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في كم يُقطع السّارق ؟

فجمع كفّيه، ثمّ قال: في عددها من الدراهم»(1).

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على اعتبار ثُلث دينار، كما في «المقنع»: «سُئل أمير المؤمنين عليه السلام: عن أدنى ما يُقطع فيه السّارق ؟

فقال عليه السلام: ثلث دينار»(2).

أقول: ولا يمكن الجمع بينها كما لا يخفى، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم الطائفة الاُولى .

ولا فرق بين أن يكون المسروق ثوباً، أو طعاماً، أو فاكهةً ، أم غيرها، ولا بين ما كان أصله الإباحة لجميع المسلمين أو النّاس، أو لم يكن، وضابطه كلّما يملكه المسلم، لإطلاق الأدلّة.

نعم، قد وردت جملة من النصوص في الطير(3)، وتدلّ على أنّه لا يقطع سارقه، كما أنّ جملة أُخرى منها وردت في حجارة الرخام، وسرقة النخل والزّرع قبل أن يصرم، متضمّنة(4) لعدم قطع سارقها، ولكنّها بأجمعها متروكة عندنا، فتُطرح أو تُحمل على عدم الأخذ من الحرز.

وأمّا الثمرة على شجرها: فالمشهور بين الأصحاب - على ما في «المسالك»(5) -0.

ص: 261


1- التهذيب: ج 10/100 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/245 ح 34666.
2- وسائل الشيعة: ج 28/248 ح 34675.
3- وسائل الشيعة: ج 28/285 باب أنّه لا يقطع سارق الطير.
4- وسائل الشيعة: ج 28/286 باب أنّه لا قطع في سرقة الحجارة من الرخام ونحوه.
5- مسالك الأفهام: ج 14/500.

أنّه لا يقطع سارقها لو سرق قبل إحرازها، والمستند جملة من النصوص:

منها: قويّ السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله «لا قطع في ثمرٍ ولا كثر - والكثر شحم النخل»(1).

ومنها: قويّه الآخر، عنه عليه السلام قال: «قضى النبيّ صلى الله عليه و آله فيمن سرق الثمار في كمّه فما أكلوا منه فلا شيء عليه، وما حمل فيعزّر ويُغرم قيمته مرّتين»(2).

ومنها: خبر الأصبغ عن أميرالمؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «لا يقطع من سرق شيئاً من الفاكهة، وإذا مرّ بها فليأكل ولا يفسد»(3).

ونحوها غيرها(4).

وإطلاقها وإن شمل صورة السَّرقة بعد الصرم والإحراز، إلّاأنّه يقيّد بما قبلها للإجماع.

ولخبر الفضيل بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أخذ الرّجل من النخل والزرع قبل أن يَصرم، فليس عليه قطعٌ ، فإذا صَرُم النخل وحصد الزرع فأخذ قُطع»(5).

بل قيل: ويمكن دعوى تبادر كون الثمرة على الشجرة من إطلاق الأخبار، فيختصّ به، ولا حاجة إلى التقييد.

ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الشجرة في موضعٍ مُحرَزٍ كالدار، وبين2.

ص: 262


1- الكافي: ج 7/231 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/286 ح 34781.
2- الكافي: ج 7/230 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/286 ح 34780.
3- التهذيب: ج 10/130 ح 138، وسائل الشيعة: ج 28/287 ح 34783.
4- وسائل الشيعة: ج 28/286 باب أنّه لا قطع في سرقة الحجارة من الرخام ونحوها.
5- التهذيب: ج 10/130 ح 136، وسائل الشيعة: ج 28/286 ح 34782.

بنفسه سِرّاً.

كونها غير محرزة، وقيّده المصنّف رحمه الله(1) وولده(2) والشهيد الثاني(3) وصاحب «الجواهر»(4) بالثاني.

واستدلّوا له تارةً : بأنّ النصوص ضعيفة، ولا شهرة محقّقة جابرة على وجهٍ يخصّ بها إطلاق ما دلّ على القطع بسرقة المحروز.

وأُخرى : بأنّه مقتضى الجمع بين هذه النصوص، وما دلّ على القطع مطلقاً، كخبر إسحاق المتقدّم، المتضمّن لقطع من سرق من بستان عِذقاً قيمته درهمان.

ولكن ضعف سند النصوص منجبرٌ بالعمل والاستناد، والخبر ضعيفٌ ومشتملٌ على ما هو مخالفٌ للمشهور شهرة عظيمة، مع أنّه لا شاهد للجمع المذكور.

وعليه، فالمتّجه هو البناء على الإطلاق.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال باختصاص الأخبار بصورة عدم الإحراز، كما هو الغالب، فتأمّل.

ثمّ إنّه قد مرّ اعتبار كون المال مُحرَزاً، وأن يخرجه السّارق (بنفسه سِرّاً).

***7.

ص: 263


1- قواعد الأحكام: ج 2/268.
2- إيضاح الفوائد: ج 4/531.
3- مسالك الأفهام: ج 14/500.
4- جواهر الكلام: ج 41/507.

ومع الشرائط تُقطع أصابعه الأربع من يده اليمنى ، فإن عاد قُطِعت رجله اليُسرى من مفصل القَدَم، ويُترك له العَقِب، فإن عاد ثالثاً، خُلِّد في السِّجن، فإن سرق فيه قُتِل.

بيان حَدّ السارق وكيفيّته

المقام الثالث: في بيان الحَدّ وكيفيّته.

(و) اعلم أنّه (مع) اجتماع (الشرائط تُقطع أصابعه الأربع من يده اليمنى ) ويُترك له الراحة والإبهام، (فإن عاد، قُطِعت رجله اليسرى من مفصل القدم، ويُترك له العَقب، فإن عاد) وسَرق (ثالثاً، خُلّد في السجن، فإن سَرق فيه قُتل) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، إلّافي موضع القطع من الرّجل، وسيمرّ عليك.

والمستند نصوص مستفيضة، وحقّ القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

المورد الأوّل: أنّه مع اجتماع الشرائط، تُقطع أصابعه الأربع من يده اليمنى، أمّا لزوم كون المقطوع اليد اليمنى ، فيشهد به نصوصٌ :

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في السّارق إذا سرق قُطعت يمينه، وإذا سرق مرّة أُخرى قطعت رجله اليسرى ، ثُمّ إذا سرق مرّة أُخرى سَجَنه، وتُركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط، ويده اليُسرى يأكل بها ويستنجي بها، الحديث»(1).

ص: 264


1- التهذيب: ج 10/103 ح 19، وسائل الشيعة: ج 28/254 ح 34694.

ومنها: صحيح زرارة، عنه عليه السلام: «في رجل سرق فقطعت يده اليمنى ، ثُمّ سرق فقطعت رجله اليسرى ، ثُمّ سرق الثالثة، فقال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يُخلّده في السجن، الحديث»(1).

ونحوهما غيرهما(2).

وأمّا لزوم كون القطع من اُصول الأصابع، وأنّه يُترك الراحة والإبهام، فيشهد به:

1 - خبر هلال، عن مولانا الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال: «قلت له: من أين تُقطع اليد؟

قال عليه السلام: تُقطع الأربع أصابع ويُترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة، ويغسل بها وجهه، الحديث»(3).

2 - وخبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: «القطع من وسط الكف، ولا يقطع الإبهام، وإذا قطعت الرّجل ترك العقب لم يُقطع»(4).

3 - وموثّق إسحاق، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «تقطع يد السّارق ويترك ابهامه وصدر راحته»(5).

4 - وخبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن عامّة أصحابه، يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام: «أنّه كان إذا قطع السّارق تَرك الإبهام والراحة»(6).

5 - وخبر معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يقطع من السّارق أربع1.

ص: 265


1- الفقيه: ج 4/64 ح 5115، وسائل الشيعة: ج 28/258 ح 34705.
2- وسائل الشيعة: ج 28/254 باب: إن سرق قُطعت يده اليمنى وإن ثانية قطعت رجله اليسرى .
3- الكافي: ج 7/225 ح 17، وسائل الشيعة: ج 28/257 ح 34701.
4- الكافي: ج 7/222 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/251 ح 34687.
5- الكافي ج 7/224 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/252 ح 34689.
6- وسائل الشيعة: ج 28/253 ح 34691.

أصابع ويُترك الإبهام، وتقطع الرّجل من المفصل ويُترك العقب يطأ عليه»(1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

ولو كان له إصبعٌ زائدة متميّزة عن الأربع، قالوا أثبتت، ومقتضى إطلاق أكثر الأخبار تعيّن قطعها، لأنّها تدلّ على أنّه يُقطع الأصابع من اُصولها إلّاالإبهام، وخبر معاوية لا مفهوم له كي يدلّ على عدم قطع ما زاد عن الأربع.

ولكن الظاهر تسالمهم على عدم القطع، ولعلّه من جهة حمل إطلاق النصوص على الغالب.

وإن لم يكن متميّزة، فعلى القول بحرمة قطع الزائدة، الأظهر هو كونه بالخيار، فإنّ المستفاد من النصوص هو لزوم قطع الأربع أصابع من اليد غير الإبهام، فيتخيّر الحاكم.

ولو كانت له اصبعٌ زائدة متّصلة بإحدى الأربع، ولم يمكن قطع الأربع إلّابها:

فعن «القواعد» قُطع ثلاثٌ ، ولا يبعد القول بالجواز من جهة تزاحم وجوب قطع الأربع مع حرمة قطع الزائدة على القول بها، وحيث لا مرجّح فيتخيّر.

المورد الثاني: ولو سرق ثانياً قُطعت رجله اليسرى ، بلا خلافٍ ، والنصوص المتقدّمة جملة منها شاهدة به، إنّما الكلام في موضع القطع.

فعن المصنّف في كتبه(2) عدا «التلخيص»، و «المقنعة»(3)، و «النهاية»(4)،7.

ص: 266


1- وسائل الشيعة: ج 28/254 ح 34692.
2- إرشاد الأذهان: ج 2/184، قواعد الأحكام: ج 2/270، تحرير الأحكام: ج 2/230.
3- المقنعة: ص 802.
4- النهاية: ص 717.

و «النافع»(1)، و «مجمع البيان»(2)، و «المراسم»(3) وغيرها: أنّها تُقطع من مفصل القدم، ويُترك له العقب، أي من أصل الساق حتّى لا يبقى من عظم القدم إلّاعظم العقب وما بينه وبين عظم الساق.

وعن الصَّدوق في «المقنع»(4): إنّما يُقطع من وَسَط القدم.

ولعلّه إليه يرجع ما عن «الخلاف»(5)، و «المبسوط»(6)، و «التلخيص»(7) من أنّه يُقطع من عند معقد الشراك من عند الناتى على ظهر القدم.

كما أنّ الظاهر رجوع ما عن «الكافي»(8) و «الغنية»(9) و «الإصباح»(10): أنّه من عند معقد الشراك، ويُترك له مؤخّر القدم والعَقب، فإنّ الظاهر أنّ موضع عقد الشراك هو الوسط في العَرض، أي يقع عقَد الشراكين فيه.

وعن أبي حمزة(11) و «الجامع»(12): أنّه يُقطع من الكعب، الذي فسّره في كتاب الطهارة بقُبّة القدم، والظاهر رجوع ذلك أيضاً إلى ما أفاده الصَّدوق.1.

ص: 267


1- المختصر النافع: ج 1/225.
2- مجمع البيان: ج 3/192.
3- المراسم العلويّة: ص 259.
4- المقنع: ص 150.
5- الخلاف: ج 5/437.
6- المبسوط: ج 8/85.
7- تلخيص المرام: ص 206.
8- الكافي في الفقه: ص 411.
9- غنية النزوع: ص 623.
10- إصباح الشيعة: ص 523.
11- الوسيلة: ص 420.
12- الجامع للشرايع: ص 561.

وأمّا النصوص:

فمنها: ما ظاهره القطع من المفصل، كخبر معاوية المتقدّم ونحوه غيره.

ومنها: ما يدلّ على القطع من وسط القدم، كخبر سماعة، قال:

«قال: إذا اخذ السّارق قُطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قُطعت رجله من وسط القدم»(1).

ومنها: ما تضمّن القطع من الكعب، كصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث السَّرقة: «وكان إذا قطع اليد قَطَعها دون المِفصل، فإذا قطع الرِّجل قَطَعها من الكعب»(2).

وخبر هلال المتقدّم: «وإنّما يُقطع الرِّجل من الكعب»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

وهناك نصوصٌ مطلقة دالّة على أنّه يُقطع الرِّجل ويُترك العَقب، والظاهر رجوع الجميع إلى معنى واحد، إلّاما تضمّن القطع من وسط القدم، أمّا رجوع الأخيرة إلى الأُولى فلأنّ الظاهر من قطع الرّجل وترك العقب عدم إبقاء شيء من عظام القَدَم إلّاعَظْم العَقب وما بينه وبين عظم الساق.

وأمّا رجوع ما تضمّن القَطع من الكعب، فلما مر في كتاب الطهارة من أنّ الكَعب: (هو العظم المائل إلى الاستدارة، الواقع في مُلتقى الساق والقَدَم الناتئ فيه.

ص: 268


1- الكافي: ج 7/223 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/252 ح 34688.
2- وسائل الشيعة: ج 28/254 ح 34693.
3- الكافي: ج 7/225 ح 17، وسائل الشيعة: ج 28/257 ح 34701.
4- وسائل الشيعة: ج 28/251 باب حَدّ القطع وكيفيّته.

وسط القدم العرضي نتوّاً غير محسوسٍ أعلاه في حفرتي الساق، له زائدتان في أعلاه، يدخلان حفرتي قصبة الساق، وزائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العَقب، وهو الذي يكون في رجل البقر والغنم، ربما يلعب به النّاس، كما ذكره جمعٌ من الفقهاء(1) واللّغويين)(2).

قال المصنّف رحمه الله في محكيّ «المنتهى »(3) بعد تفسيره بالعظم الناتئ الواقع في مجمع الساق والقدم: (إنّه المفصل دون عظم الساق)، ونَسَب من فهم غيره إلى عدم التحصيل!

وأمّا ماتضمّن القطع من وسط القدم، فالمراد من الوسط ليس خصوص الوسط الحقيقي، بل مابين المبدأ والمنتهى ، وهو يجتمعُ مع القطع من المفصل وإبقاء عظم العقب.

فالمتحصِّل ممّا ذكرناه: أنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على القطع من المفصل دون الساق وترك العقب.

المورد الثالث: إنْ سَرق ثالثاً خلّد في السجن، واُنفق عليه من بيت المال إن لم يكن له مالٌ ، بلا خلافٍ في ذلك ولا إشكال فتوىً ونصّاً، وقد تقدّمت جملة من النصوص الدالّة عليه.

وفي صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ في السَّرقة: «تقطع اليد والرّجل ثُمّ لا يقطع بعد، ولكن إن عاد حُبس واُنفق عليه من بيت مال المسلمين»(4).

وفي صحيح محمّد بن قيس المتقدّم عن الإمام الباقر عليه السلام، عن أميرالمؤمنين عليه السلام:0.

ص: 269


1- راجع: الوافي: ج 6/245، كشف اللّثام: ج 1/69.
2- راجع: العين: ج 1/207، مفردات الراغب: ص 432.
3- منتهى المطلب: ج 2/23.
4- التهذيب: ج 10/104 ص 21، وسائل الشيعة: ج 28/257 ح 34700.

ولو تكرّرتِ السَّرقة من غير حَدٍّ، كفى حَدٌّ واحد.

«إنّي لأستحي من اللّه أن أتركه لاينتفع بشيء، ولكن أسجنه حتّييموت في السجن»(1).

وفي خبر زرارة، عنه عليه السلام، قال: «سألته إن هو سرق بعد قطع اليد والرِّجل ؟

قال: استودعه السجن أبداً، وأغني عن النّاس شرّه»(2).

إلى غير ذلك من النصوص.

ومقتضى إطلاق جملة منها وإنْ كان هو الإنفاق عليه من بيت المال، وإنْ كان له مال، ولكن الظاهر تسالمهم على تقييده بأن لا يكون له مالٌ ، ويُشعر به خبر زرارة، مع أنّ بيت المال لمصالح المسلمين والفقراء، والإنفاق عليه مع وجود المال له، وعدم صدق الفقير عليه، غير مشمولٍ لأدلّته.

المورد الرابع: ولو سرق بعد ذلك فيه قُتِل بلا خلافٍ ، وقد مرّ خبر سماعة وفي ذيله: «فإنْ سرق من السِّجن قُتل»، وفي مرسل «المقنع»: «روي أنّه إن سرق في السجن قُتِل»(3).

ونحوهما غيرهما، المؤيّدة بما دلّ على قتل أصحاب الكبائر في الرابعة(4).

فروع:

حكم ما لو تكرّرت السَّرقة

الفرع الأوّل: (ولو تكرّرت السَّرقة مِن غير) تخلّلٍ ال (حَدُّ) بينها، (كفى حَدٌّ

ص: 270


1- التهذيب: ج 10/103 ح 19، وسائل الشيعة: ج 28/254 ح 34694.
2- الكافي: ج 7/222 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/255 ح 34695.
3- الكافي: ج 7/223 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/252 ح 34688.
4- وسائل الشيعة: ج 28/116 ح 34359.

واحدٌ) سواء اتّحد المسروق منه أو اختلف بلا خلافٍ .

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى قاعدة تداخل المسبّبات - حسن بكير بن أعين أو صحيحه، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في رجلٍ سرق فلم يقدر عليه ثُمّ سرق مرّة أُخرى ولم يقدر عليه، وسَرق مرّة أُخرى فأُخذ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسّرقة الأُولى والسَّرقة الأخيرة ؟

فقال عليه السلام: تُقطع يده بالسَّرقة الأُولى ، ولا تُقطع رجله بالسَّرقة الأخيرة.

فقيل له: وكيف ذلك ؟

قال عليه السلام: لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسَّرقة الأُولى والأخيرة قبل أن يُقطع بالسَّرقة الأُولى ، ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسَّرقة الأُولى ، ثُمّ امسكوا حتّى يُقطع، ثُمّ شهدوا عليه بالسَّرقة الأخيرة قُطعت رجله اليسرى »(1).

وهو يدلّ على أنّ القطع إنّما يكون بالأُولى لا بالثانية ولا بهما معاً، وعليه فلو عَفى عنه صاحب الحقّ الأوّل لا يُقطع.

وما في «المسالك»(2): من أنّه لو عَفى أحدهما قُطع بالاُخرى ، لأنّ كلّ واحدةٍ سببٌ تامٌّ في استحقاق القطع بعد فرض ثبوتهما دفعةً واحدة.

تامٌّ على القاعدة، ولكنّه اجتهادٌ في مقابل النّص الخاصّ .

ومن النَّص يُستفاد أنّه لو قامت الحجّة بالسَّرقة، ثُمّ أمسكت حتّى قُطع بها، ثُمّ شهدت هي أو غيرها عليه بسرقةٍ أُخرى ، تُقطع يده بالأُولى ورجله بالثانية، كما9.

ص: 271


1- الكافي: ج 7/224 ح 12، وسائل الشيعة: ج 28/263 ح 34718.
2- مسالك الأفهام: ج 14/529.

عن الصَّدوق(1)، والشيخ(2)، وجماعة، وعن «الخلاف»(3) الإجماع عليه.

وعن الشيخ في «المبسوط»(4)، والحِلّي(5) والمصنّف في «المختلف»(6)و «التحرير»(7): أنّه لا يُقطع رجله.

وتوقّف فيه جماعة(8)، وجعله في «الشرائع»(9) أولى .

واستدلّوا له: بالأصل، والشُّبهة، وضعف الخبر، واختصاص دليل قطع الرِّجل بالسَّرقة بعد قطع اليد اليمنى .

ولكن الخبر حَسنٌ كالصحيح، ولا شكّ في اعتباره، ومعه لا يُصغى إلى شيءٍ ممّا ذُكر.

الفرع الثاني: إذا كانت اليد اليمنى شلّاء، أو كانت اليسرى كذلك، أو كانتا جميعاً هكذا، يُقطع اليمين بلا خلافٍ ، وعليه الإجماع في جملةٍ من الكتب.

ويشهد به: - مضافاً إلى إطلاق الأدلّة - صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في رجلٍ أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سَرَق ؟

قال عليه السلام: تُقطع يده اليمنى على كلّ حال»(8).5.

ص: 272


1- المقنع: ص 150.
2- النهاية: ص 719.
3- الخلاف: ج 5/441.
4- المبسوط: ج 8/38.
5- السرائر: ج 3/494.
6- مختلف الشيعة: ج 9/231.
7- تحرير الأحكام: ج 2/232. (8و9) شرائع الإسلام: ج 4/165.
8- الكافي: ج 7/225 ح 16، وسائل الشيعة: ج 28/266 ح 34725.

وصحيح الفاضلين، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «إنّ الأشلّ إذا سَرق، قُطعت يمينه على كلّ حالٍ ، شلّاء كانت أو صحيحة»(1).

وأمّا مرسل المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«إذا سرق الرّجل ويد اليسرى شلّاء، لم تُقطع يمينه ولارجله، الحديث»(2)، وإن عمل به الإسكافي(3)، لكنّه ضعيفٌ لم يَعمل به الأصحاب، فلا يصلح للمقاومة مع ما مرّ.

ثمّ إنّ جماعة من الأساطين(4) قيّدوا ذلك بما إذا لم يَخِف معه على تلف النفس بإخبار أهل العلم من الطبّ بأنّها متى قُطعت أبقيت أفواه العروق مفتتحة احتياطاً لبقاء النفس، إذ ليس المقصود بالقطع هنا إتلافها، فيختصّ الأخبار بالشلل المأمون مع قطعه على النفس، ولا بأس به.

الفرع الثالث: إنْلم يكن له يسارٌ، فهل تُقطع اليمين كما عن المشهور(5)، للعمومات، وخصوص عموم صحيح ابن سنان المتقدّم ؟

أم لا تُقطع بل يُخلّد في السجن، كما عن الإسكافي(6) لصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ في السَّرقة:

«قلت له: لو أنّ رجلاً قطعت يده اليسرى في قصاص فسَرق ما يُصنع به ؟

فقال عليه السلام: لا يُقطع ولا يُترك بغير ساقٍ .. الحديث»(7)؟7.

ص: 273


1- الفقيه: ج 4/65 ح 5117، وسائل الشيعة: ج 28/267 ح 34728.
2- التهذيب: ج 10/108 ح 37، وسائل الشيعة: ج 28/266 ح 34726.
3- نسبه إليه في رياض المسائل (ط. ق): ج 2/494.
4- الخلاف: ج 5/442، المهذّب: ج 2/475، مسالك الأفهام: ج 14/519.
5- راجع كشف الرموز: ج 2/582، غاية المرام: ج 4/407، جواهر الكلام: ج 41/537.
6- نسبه إليه في الشرح الصغير في مختصر النافع: ج 3/404.
7- التهذيب: ج 10/108 ح 38، وسائل الشيعة: ج 28/267 ح 34727.

أم لا تقطع، وتُقطع رجله اليسرى .

ولو لم يكن له رجلٌ يسرى ، لم يكن عليه أكثر من الحبس، كما عن الشيخ في «النهاية»(1) للصحيح، ولأنّ المعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى يديه، وقد جَعل الشارع قطع الرّجل اليُسرى لمرتبة اللاحقة لقطع اليد اليمنى ، فينتقل إليها، ومع عدمها فإلى الثالثة ؟

وجوه: أقواها الأوّل، لأنّ الصحيح لم يعمل به الأصحاب، والحكمة المذكورة ليست علّة منصوصة يدور الحكم مدارها، مع أنّ غاية ما يستفاد من الوجهين عدم قطع اليد اليمنى، لا قطع الرِّجل اليسرى، أو التخليد في السجن، وما ذكر في وجهه استحسانٌ محض.

وعليه، فالمتعيّن على تقدير عدم القطع، هو البناء على ثبوت التعزير الذي هو الأصل في ارتكاب كلّ محرّمٍ لم يرد فيه نصّ بالخصوص.

أقول: ولكن الإنصاف أنّ الحكمة المذكورة علّة منصوصة في الأخبار، لاحظ قول عليّ عليه السلام في صحيح ابن قيس المتقدّم:

«وتَركتُ رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط، ويده اليسرى يأكل بها ويستنجى بها»(2).

وقوله عليه السلام في خبر زرارة: «إنّي لأستحيي من ربي أن أدَعَهُ ليس له ما يستنجي به أو يتطهّر به»(3).5.

ص: 274


1- النهاية: ص 717.
2- الكافي: ج 7/222 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/254 ح 34694.
3- التهذيب: ج 10/104 ح 20، وسائل الشيعة: ج 28/255 ح 34695.

ولو سَرق الطفل أو المجنون عُزِّرا، ولا يُقطع العبدُ بسرقة مال سيّده، ويُقطع الأجيرُ،

ونحوهما غيرهما(1).

وعليه، فالبناء على عدم القطع متعيّنٌ كما يشهد به الصحيح.

وأمّا قطع رجله اليسرى، أو التخليد في السجن، فليس له دليلٌ شرعي.

فالأظهر ثبوت التعزير عليه، واللّه العالم.

وبما ذكرناه يظهر حكم من لم يكن له يمين، فإنّه لا إشكال في عدم قطع اليد اليسرى، بل ينتقل الحَدّ إلى التعزير.

مستثنيات قطع السارق

الفرع الرابع: في بيان أحكامٍ غير ما مرّ، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى : (ولو سرق الطفل أو المجنون عُزِّرا) كما تقدّم.

المسألة الثانية: (ولا يُقطع العبد بسرقة مال سيّده).

المسألة الثالثة: (و) لا (يُقطع الأجير) إلّاإذا اُحرز المال دونه، على الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر كما في «الرياض»(2)، بل هو المشهور بين الأصحاب كما في «المسالك»(3)، للعمومات الدالّة على أنّ المال المحروز إذا سُرق يَقطع السّارق.

ص: 275


1- وسائل الشيعة: ج 28/254 باب إنّ من سرق قطعت يده اليمنى وإن سرق ثانية قطعت رجله اليسرى .
2- رياض المسائل: ج 16/95.
3- مسالك الأفهام: ج 14/489.

والزوج والزوجة

وعن الشيخ في «النهاية»(1): (لا قطع عليه وإنْ كان المال محرَزاً من دونه):

1 - لصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه قال: «في رجل استأجر أجير وأقعده على متاعه فسّرقه ؟ قال عليه السلام: هو مؤتمن»(2).

2 - وصحيح سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يستأجر أجيراً فيسرق من بيته، هل يقطع يده ؟

قال عليه السلام: هذا مؤتمنٌ ، وليس بسارق وهذا خائن»(3).

ونحوهما موثّق سماعة(4)، وقويّ السكوني(5)، ومرسل ابن أبي عمير(6) الذي هو كالصحيح.

ولكن ما فيها من التعليل كالصريح في الاختصاص بصورة عدم الإحراز، وعليه فالأظهر ما هو المشهور بينهم.

(و) كذا لا يُقطع (الزّوج) إذا سرق من مال زوجته، (و) لا (الزوجة) إذا سَرَقت من مال زوجها، إذا لم يكن المال مُحرَزاً من دونها، وأمّا مع الحراز فيقطعان بلا خلافٍ للعمومات.4.

ص: 276


1- النهاية: ص 717.
2- وسائل الشيعة: ج 28/271 ح 34740.
3- الكافي: ج 7/227 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/272 ح 34742.
4- وسائل الشيعة: ج 28/272 ح 34743.
5- وسائل الشيعة: ج 28/272 ح 34741.
6- وسائل الشيعة: ج 28/273 ح 34744.

والضيفُ

نعم، لا بأس بسرقة الزوجة من مال الزوج بمقدار النفقة إذا منعها منها، كما تقدّم في التقاص في آخر باب القضاء.

(و) كذا (الضيف) يُقطع مع الإحراز عنه، ولا يُقطع مع عدمه على المشهور بين الأصحاب، لما مرّ، ونُسب إلى الشيخ في «النهاية»(1)، والإسكافي(2)، والصَّدوق(3)، والحِلّي(4): أنّه لا يُقطع مطلقاً لصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«الضيف إذا سَرق لم يُقطع، وإذا أضاف الضيف ضيفاً فسَرق قطع يد ضيف الضيف»(5).

ونحوه غيره(6).

أقول: ولكن بعد الإغماض عن ما قيل من عدم القول بذلك غير الشيخ في «النهاية»، أنّ مرسل ابن أبي عمير الذي هو كالصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يُقطع الأجير والضيف إذا سَرقا لأنّهما مؤتمنان»(7)، ونحوه موثّق سماعة(8)، من جهة ما فيهما من العلّة التي هي تخصّص وتعمّم، يوجبان تخصيص الحكم بصورة عدم3.

ص: 277


1- النهاية: ص 717.
2- حكاه عنه في منتهى المطلب: ج 1/522.
3- المقنع: ص 447.
4- السرائر: ج 3/448.
5- الكافي: ج 7/228 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/275 ح 34747.
6- وسائل الشيعة: ج 28/275 باب أنّه لايقطع الضيف ولكن يقطع ضيف الضيف إذا سرق.
7- وسائل الشيعة: ج 28/273 ح 34744.
8- وسائل الشيعة: ج 28/272 ح 34743.

مع الإحراز دونهم، ويُستعاد المال من السّارق. ولا يقطعُ السّارق من المواضع المتناوبة كالحمّامات والمَساجد،

الإحراز كما مرّ في الأجير.

وفي «المسالك»(1): (وينبّه عليه الحكم بقطع ضيف الضيف، لأنّ المالك لم يأتمنه).

فتحصل ممّا ذكرناه: أنّه يُقطع الزوج والزوجة والأجير والضيف ومن شاكل (مع الإحراز دونهم).

المسألة الرابعة: (ويُستعاد المال من السّارق) مع بقائه، ومثله أو قيمته مع تلفه، من غير فرقٍ بين القطع وعدمه، كما هو المتّفق عليه بين أصحابنا:

1 - لعموم ما دلّ على وجوب رَدّ المال إلى صاحبه، والضمان مع تلفه.

2 - ولخصوص النصوص الكثيرة الدالّة عليه، كصحيح سليمان بن خالد، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا سَرق السّارق قُطعت يده، وغُرم ما أخذ»(2)، ونحوه غيره(3).

حكم السّارق من المواضع المتناوبة

المسألة الخامسة: (ولا يُقطع السّارق من المواضع المتناوبة، كالحمّامات والمساجد) والأرحية، بلا خلافٍ فيه مع عدم مراعاة المالك.

واختلفوا فيه مع مراعاة المالك:

ص: 278


1- مسالك الأفهام: ج 14/491.
2- الكافي: ج 7/225 ح 15، وسائل الشيعة: ج 28/264 ح 34720.
3- وسائل الشيعة: ج 28/264 باب أنّ السّارق يلزمه القطع ويغرم ما أخذ وتجب عليه التوبة.

فعن المفيد(1)، وابن حمزة(2)، والديلمي(3)، والمصنّف(4) في جملةٍ من كتبه:

أنّه لا يُقطع. وعن الشيخ في «المبسوط»(5) ومن تبعه(6): أنّه يُقطع، ويصير المال بذلك محرزاً.

وتردّد فيه في «الشرائع»(7).

واستدلّ لتحقّق الحرز بذلك بالنصوص المتضمّنة لقضيّة صفوان، المحكيّة بطرق عديدة، منها: حسن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ يأخذ اللِّص يرفعه أو يتركه ؟

فقال: إنّ صفوان بن اُميّة كان مضطجعاً في المسجد الحرام، فوضع رداءه وخَرج يهريق الماء، فوجد رداءه قد سُرق حين رجع إليه، فقال: من ذَهب بردائي ؟ فذهب يطلبه، فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: اقطعوا يده.

فقال الرّجل: يقطع يده من أجل ردائي يا رسول اللّه ؟!

قال: نعم.

قال: فإنّي أهبه له.5.

ص: 279


1- المقنعة: ص 804.
2- الوسيلة: ص 418.
3- المراسم العلويّة: ص 258.
4- تحرير الأحكام: ج 2/229.
5- المبسوط: ج 8/22.
6- السرائر: ج 3/483.
7- شرائع الإسلام: ج 4/175.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ؟

قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه ؟ قال: نعم»(1).

ولكن هذا الحديث لو دلّ على شيء لدل على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل(2) من قطع السّارق في أيّ موضعٍ سَرق من بيتٍ أو سوقٍ أو مسجدٍ أو غير ذلك، وحينئذٍ لمخالفته للنصوص الاُخر، وفتوى الأصحاب يُطرح، وذلك لأنّه صريحٌ في غيبة صفوان لا مراعاته بالنظر.

فإنْ قيل: إنّه قضيّةٌ في واقعة، ولعلّه كان غيبته بنحوٍ لا تنافي النظر.

قلنا: فعليه يسقط الاستدلال به رأساً من جهة احتمال أنّه من الممكن أنّه كان قد أحرز ردائه بشيء في المسجد، مِن جعله في صندوقٍ مُقفلٍ وما شاكل.

أضف إليه: أنّ المرويّ عن الصَّدوق(3) أنّ صفوان كان نائماً في المسجد فسُرِق رداءه، ولعلّه كان قد افترشه ونام عليه، وحصول الحرز بذلك غير حصوله بالنظر الذي فُسِّر المراعاة في كلماتهم به.

أضف إلى ذلك: أنّ جعل المراعاة بمعنى النظر حِرزاً فيه محذورٌ آخر، وهو أنّه إن سرق السّارق مع نظر المالك إليه، كان ذلك فاقداً لشرطٍ من شروط القطع وهو الأخذ سِرّاً، بل هو يكون مستلباً غاصباً ومثله لا يقطع، وإنْ كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزاً.

قال صاحب «المسالك»(4): (وبعض العلماء فسَّر الحرز بما على سارقه خطر7.

ص: 280


1- الكافي: ج 7/251 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/39 ح 34161.
2- مجموعة فتاوى ابن عقيل: ص 169.
3- الفقيه: ج 3/302 ح 4086، وسائل الشيعة: ج 28/277 ح 34752.
4- مسالك الأفهام: ج 14/497.

ولا من الجيب والكُمّ الظاهرين، ولو كانا باطنين قُطِع.

لكونه ملحوظاً غير مضيّع إمّا بلحاظ دائم أو بلحاظ معتادة، وعلى هذا يتوجّه الحكم في الرواية بقطع سارق الرّداء، لأنّ سارقه في المسجد على خَطَر من أن يطّلع عليه.. الخ).

ولكن لا ينبغي التوقّف في بطلان ذلك، فإنّ هذا يُعدّ مختلساً عرفاً لا سارقاً، وقد دلّت النصوص(1) على أنّ المُختلس لا يُقطع.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لا يُقطع السّارق من المواضع المتناوبة مع النظر وبدونه.

(و) كذا (لا) يُقطع السّارق (من الجيب والكُمّ الظاهرين، ولو كانا باطنين قُطِعَ ) على المشهور بين الأصحاب(2).

وعن «كشف اللّثام»(3): أنّهم قاطعون بالتفصيل المزبور.

وعن الشيخ(4)، وابن زُهرة(5): الإجماع عليه.

ويشهد به: قويّ السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام بطرّارٍ قد طَرّ دراهم من كُمّ رجلٍ .

قال عليه السلام: إنْ كان طَرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه، وإنْ كان طَرّ من قميصه4.

ص: 281


1- وسائل الشيعة: ج 28/268 باب أنّه لا قطع على المختلس علانية وعليه التعزير.
2- جواهر الكلام: ج 41/506.
3- كشف اللّثام: ج 10/599.
4- الخلاف: ج 5/451.
5- غنية النزوع: ص 434.

السافل قطعته»(1).

ونحوه خبر مسمع أبي سيّار(2)، المنجبران على فرض الضعف بالشهرة، مع أنّ الأوّل معتبرٌ سنداً، وبهما يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّه لا يُقطع الطرّار كالموثّق عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ليس على الذي يستلب قطعٌ ، وليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوبٍ قَطعٌ »(3)، ونحوه صحيح عيسى بن صبيح(4).

كما أنّ بهما يُقيّد إطلاق ما دلّ على القطع، كصحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يقطع النبّاش والطرّار، ولا يُقطع المختلس»(5) فتُحمل الأولى على الطَرّ من الثوب الظاهر، والثانية على الطر من الثوب الداخل.

ثمّ إنّ الظاهر من الخبرين المفصّلين أنّه لا يُقطع لو كانت السَّرقة من الثوب الأعلى ، سواءٌ كان باب في ظاهره أو باطنه، وسواءٌ كان الشَّد على تقديره من داخله أو من خارجه، كما صرّح به في «المسالك»(6) و «الرياض»(7)، بل عن «المختلف»(8)أنّه المشهور بين الأصحاب.

وما في «الجواهر»(9): من أنّه: (قد يقال إنّ معنى الخبرين إنْ طَرّ الأعلى من5.

ص: 282


1- وسائل الشيعة: ج 28/270 ح 34737.
2- وسائل الشيعة: ج 28/270 ح 34737.
3- الكافي: ج 7/226 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/270 ح 34736.
4- وسائل الشيعة: ج 28/271 ح 34739.
5- الكافي: ج 7/229 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/271 ح 34738.
6- مسالك الأفهام: ج 14/499.
7- رياض المسائل: ج 16/109.
8- مختلف الشيعة: ج 9/247.
9- جواهر الكلام: ج 41/505.

ويُقطَع سارق الكَفن.

قميصه فلا قطع، وإنْ طَرّ الأسفل من قميصه قُطع، على جعل (من الأعلى) و (من الأسفل) مفعولين لطرور بما يؤيّد ذلك العرف)، انتهى .

مندفعٌ : بكونه خلاف الظاهر، فإنّ الظاهر كون الأعلى والداخل وصفان للقميص، والاعتبار أيضاً موافقٌ لذلك، فإنّ الطرَّ عبارة عن الشّق والقطع، وفي ذلك لا يفرّق بين كون باب الكُمّ ظاهراً أو باطناً.

والنصوص وإن اختصَّت بالطرّار، إلّاأنّه من الضروري عدم خصوصيّة للطرّار، فلو أدخل غيره يده في جيب إنسانٍ وأخذ ما فيه جَرى التفصيل المتقدّم فيه، كما هو واضح.

حكم سارق الكفن

المسألة السادسة: (ويُقطع سارق الكفن) من القبر إجماعاً(1)، كما صرّح به غير واحدٍ، لأنّ القبر حِرزٌ له، ولجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح منصور المتقدّم.

ومنها: صحيح حفص بن البختري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «حَدّ النبّاش حَدّ السّارق»(2).

ومنها: خبر عبد اللّه بن محمّد الجعفي، في حديثٍ ، قال: «كتب أبو جعفر عليه السلام: إنّ

ص: 283


1- المبسوط: ج 8/34.
2- الكافي: ج 7/228 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/278 ح 34754.

حرمة الميّت كحرمة الحَيّ ، تُقطع يده لنبشه وسلبه الثياب، الحديث»(1).

ومنها: مرسل الصَّدوق: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قَطَع نبّاش القبر، فقيل له: أيقطع في الموتى؟

فقال عليه السلام: إنّا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»(2).

ومنها: خبر العَزرمي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام قطع نبّاشاً»(3).

ومنها: صحيح عيسى بن صبيح، عنه عليه السلام: «يُقطع الطرّار والنبّاش»(4).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

أقول: وبإزائها طوائف من الأخبار:

منها: ما يدلّ على عدم القطع مطلقاً، كصحيح عيسى بن صبيح، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الطرّار والنبّاش والمختلس ؟

قال عليه السلام: لا يُقطع»(5)، ونحوه خبر الفضيل(6).

ومنها: ما يدلّ على التفصيل بين ما لو كان نَبَش مراراً فالقطع، وبين ما فعل ذلك مرّةً فلا قطع، كخبر علي بن سعيد، عنه عليه السلام:

«عن النبّاش ؟ قال عليه السلام: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويُعزّر»(7) ونحوه غيره(8).ش.

ص: 284


1- الكافي: ج 7/228 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/278 ح 34775.
2- الفقيه: ج 4/67 ح 5119، وسائل الشيعة: ج 28/280 ح 34761.
3- التهذيب: ج 10/116 ح 80، وسائل الشيعة: ج 28/281 ح 34762.
4- التهذيب: ج 10/116 ح 79، وسائل الشيعة: ج 28/271 ح 34739.
5- الاستبصار: ج 4/246 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/281 ح 34763.
6- وسائل الشيعة: ج 28/282 ح 34767.
7- التهذيب: ج 10/117 ح 82، وسائل الشيعة: ج 28/281 ح 34766.
8- وسائل الشيعة: ج 28/278 باب: حَدّ النبّاش.

ومنها: ما تضمّن أنّه يُقتل، كمرسل أبي يحيى الواسطي، عنه عليه السلام:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام بنبّاشٍ فأخَّر عذابه إلى يوم الجمعة، فلمّا كان يوم الجمعة ألقاه تحت أقدام النّاس، فما زالوا يتواطّئونه بأرجلهم حتّى مات»(1).

ومثله خبران آخران.

ولكن الأخيرة متضمّنة لقضايا في وقائع، ومن الممكن أنّهم كانوا تكرّر منهم ذلك وأُقيم عليهم الحَدّ، وكان ذلك منهم في المرّة الرابعة أو الثالثة.

وأمّا الأُولى : فالظاهر كونها أعمّ من النصوص المتقدّمة الدالّة على القطع، فإنّها بواسطة ما فيها من القرائن مختصّة بصورة النبش وسرقة الكفن، كما يشير إليه قوله عليه السلام في خبر الجُعفي: «تُقطع يده لنبشه وسلبه الثياب»، وفي مرسل الصَّدوق:

«إنّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا» ومن المعلوم أنّ القطع للأحياء إنّما يكون في صورة السَّرقة، وعليه فيقيّد إطلاقها بها.

وأمّا الثانية: فقد عَمل بها الصَّدوق(2)، والمُحقّق في «النكت»(3)، ولكن الأصحاب لم يعملوا بها.

ويمكن أن يقال: إنّ النسبة بينها وبين النصوص الأولة عمومٌ من وجه، لأعمّيتها من حيث الشمول للنبش مرّةً واحدة، وأعميّة هذه من حيث الشمول لما إذا لم يسرق الكفن، وإنّما يُحَدّ حينئذٍ لإفساده، فتتعارضان، فتقدّم تلك النصوص، وتُحمل هذه على ما لو نبش ولم يأخذ.7.

ص: 285


1- التهذيب: ج 10/118 ح 88، وسائل الشيعة: ج 28 ح 282 ح 34770.
2- المقنع: ص 447.
3- نكت النهاية: ج 3/337.

ولعلّه إلى ذلك نظر الشهيد الثاني رحمه الله حيث قال في «المسالك»(1):

(ويمكن حمل هذه الأخبار مع قطع النظر عن سندها، على ما لو نَبَش ولم يأخذ، جمعا بين الأدلّة).

وعليه، فالأظهر هو القطع مع أخذ الكفن، والتعزير بدونه.

ثمّ إنّه وقع الخلاف بينهم في اعتبار بلوغ قيمة الكفن النصاب:

فعن المفيد(1)، وسلّار(2)، وابني حمزة وزُهرة(3)، بل نُسب إلى الأكثر: اعتباره.

وعن الشيخ(5)، والحِلّي(4) في آخر كلامه، والمصنّف في «المختلف»(5): عدم الاشتراط فيقطع مطلقاً.

وعن الحِلّي(6) في أوّل كلامه: اشتراط ذلك في المرّة الأُولى دون الثانية والثالثة.

وجه الأوّل: إطلاق ما دلّ عليه، بعد كونه من السارقين من الحِرز، فيشترط فيه حينئذٍ ما يشترط في سائر الموارد.

ووجه الثاني: إطلاق نصوص المقام.

ووجه الثالث: أنّه إنّما يعتبر في المرّة الأُولى لإطلاق أدلّة الاعتبار، ولا يعتبر في الثانية والثالثة لأنّه مفسد.

والحقّ أن يقال أوّلاً: إنّ نصوص المقام بأنفسها ظاهرة في الاعتبار للتشبيه5.

ص: 286


1- المقنعة: ص 804.
2- المراسم العلويّة: ص 259.
3- غنية النزوع: ص 434، الوسيلة: ص 423.
4- السرائر: ج 3/515.
5- مختلف الشيعة: ج 9/239.
6- السرائر: ج 3/515.

ولو نَبَش ولم يأخذ عُزِّر، فإن تكرّر

بالسَّرقة من الأحياء في جملةٍ منها، وظاهر التشبيه يقتضي المساواة في الشرائط، ولقوله في بعضها: «حَدّ النبّاش حَدّ السّارق» فيُشترط فيه ما يشترط في السّارق.

وثانياً: أنّها ليست في مقام البيان من جميع الجهات، وإنّما هي في قام البيان من ناحية أنّ القبر حِرزٌ، فيجري في أخذ الكفن ما يجري في سرقة الأموال المُحرَزة الاُخر.

وثالثاً: أنّه تكون نصوص اعتبار بلوغ النصاب حاكمة على هذه النصوص.

وعليه، فالأظهر اعتبار بلوغه.

نعم، ما أفاده الحِلّي في أوّل كلامه له وجهٌ ، فإنّ جملةً من النصوص المفصّلة بين النبش مرّة، وبين ما صار ذلك عادةً له، تدلّ بعد الجمع على القطع مع كون النبش عادة، ولو لم يأخذ الكفن كما مرّ فليس القطع حينئذٍ للسرقة كي يُعتبر فيه بلوغ النصاب، بل للإفساد.

وعليه، فما في «الجواهر»(1) من أنّه غير ظاهر الوجه والمستند كما ترى .

ولكن حيث لم يفتِ بذلك أحدٌ حتّى الحِلّي نفسه حيث قد رجع عنه في آخر كلامه، فيصير ذلك منشأ للشبهة وهي تدرأ الحَدّ.

وبالجملة: فالأظهر هو الاشتراط مطلقاً.

(و) قد ظهر ممّا قدّمناه أنّه (لو نَبَش ولم يأخذ عُزِّر فإنْ تكرّر) منه النبش7.

ص: 287


1- جواهر الكلام: ج 41/517.

وفاتَ السلطان جازَ قتله.

المجرّد (وفاتَ السلطان) أي هرب النبّاش منه، ولم يقدر عليه (جاز قتله) كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، بل لا خلاف فيه إلّاعن الشيخ في كتابي الحديث(2)، فلم يفرّع القتل على الفوات من السلطان، بل على إقامة الحَدّ عليه ثلاث مرّات، ولم أقف لهم على مستندٍ سوى ما تقدّم من النصوص المتضمّنة لأمر الوصيّ عليه السلام: النّاس بوطء النبّاش حتّى مات، وقد مرّ أنّها من قبيل القضيّة في الواقعة، فلا إطلاق لها، والمتيقّن منها ما أفاده الشيخ رحمه الله.

ثمّ إنّ ظاهر العبارة عدم وجوب القتل، وهو المنسوب إلى الأكثر، وعن الشيخ(3) وجوبه. والحقّ وجوبه مع تخلّل الحَدّ ثلاثاً كسائر الحدود، وعدم جوازه بدون ذلك.

حكم السرقة المشتركة

المسألة السابعة: لو سرق اثنان:

فإنْ كان المسروق بالغاً نصابين، فلا كلام في أنّه يُقطع يد كلّ منهما.

وأمّا إنْ بلغ نصاباً واحداً وزائداً مع عدم بلوغ نصيب كلّ منهما نصاباً:

فإنْ أخرج كلّ منهما أقلّ من نصاب على حِدة، فلا خلاف في عدم القطع كما في

ص: 288


1- راجع مسالك الأفهام: ج 14/509.
2- التهذيب: ج 10/115، الإستبصار: ج 4/245.
3- النهاية: ص 722.

«الجواهر»(1)، ولا إشكال فيه.

إنّما الكلام فيما لو أخرجاه معاً، بوضع أيديهما عليه بعد أن هتكا الحرز:

فعن الشيخ في «النهاية»(2)، والمفيد(3)، والمرتضى(4)، وجميع أتباع الشيخ:

وجوب القطع، بل عن «الانتصار»(5) و «الغنية»(4) الإجماع عليه.

وعن الشيخ في «الخلاف»(7)، و «المبسوط»(5)، والإسكافي(6)، والحِلّي(7)، وعامّة متأخّري الأصحاب: عدم القطع، وعن «الخلاف»(11) دعوى قيام الإجماع عليه.

واستدلّ للأوّل:

1 - بمرسل الشيخ رحمه الله:(8) (رَوى أصحابنا أنّها إذا بلغت السَّرقة نصاباً وأخرجوها بأجمعهم، وجب عليهم القطع ولم يفصِّلوا).

2 - وبإطلاق نصوص سرقة النصاب، لصدقها على مجموعهما، فيدور الأمر بين عدم قطعهما، وقطعهما، وقطع أحدهما دون الآخر.

والأوّل يستلزمُ منه سقوط الحَدّ مع تحقّق موضوعه، وهو غير صحيح، والثالث مستلزمٌ للترجيح بلا مرجّح، فيتعيّن الثاني.1.

ص: 289


1- جواهر الكلام: ج 41/546.
2- النهاية: ص 718.
3- المقنعة: ص 804. (4و5) الإنتصار: ص 264.
4- غنية النزوع: ص 623. (7و11) الخلاف: ج 5/420.
5- المبسوط: ج 8/28.
6- مختلف الشيعة: ج 9/228.
7- السرائر: ج 3/497.
8- الخلاف: ج 5/421.

3 - وبصحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في نفرٍ نَحروا بعيراً فأكلوه، فامتحنوا أيّهم نَحَر، فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً لم يخصّوا أحداً دون أحد، فقضي عليه السلام: أن تُقطع أيمانهم»(1).

4 - وبالإجماع.

ولكن المرسل لم نقف عليه، ولا ذكره أصحاب الحديث في كتبهم، ولا أشار إليه أحدٌ من الأصحاب كي يقال إنّ ضعفه منجبرٌ بالعمل، بل استدلّ القائلون بذلك بالوجوه الاُخر، وإطلاق النصوص لا يشمل المجموع، لظهورها بحكم التبادر بصورة انفراده به، وإنْ شئت قلت إنّهما وإن سرقا شيئاً واحداً، ولكنّهما سارقان لا سارق واحد، ولذا كلّ منهما فَعَل محرّماً، ويستحقّ العقوبة المستقلّة.

والنصوص تدلّ على أنّ السّارق الواحد لما يبلغ النصاب يُقطع، فلا تشمل المفروض.

وأمّا الصحيح: فهو متضمّنٌ لقضيّة شخصيّة، ولعلّه كان في مورده يبلغ حصّة كلّ منهم النصاب.

وأمّا الإجماع: فمضافاً إلى عدم ثبوت كونه تعبّديّاً، يعارضه دعوى الإجماع على خلافه كما مرّ.

وعليهذا، فما ذهب إليه المتأخّرون أظهر، سيّما وأنّ المقام يكفي فيه الشُّبهة الدارئة.

حكم ما لو هتك الحِرز شخص ٌ وأخرج المال غيره

المسألة الثامنة: لو هتك الحِرز شخصٌ كما لو فتح الباب، أو كَسَر القفل، أو نقّب نقباً، ثمّ دخل غيره وأخرج المال، فالظاهر أن لا يكون القطع عليهما.

ص: 290


1- الفقيه: ج 4/63 ح 5108، وسائل الشيعة: ج 28/304 ح 34829.

أمّا على الهاتك، فلعدم الإخراج، وأمّا على المُخرِج فلعدم كون المال الذي أخرجه مُحرَزاً.

فإنْ قيل: إنّ المعتبر هو إخراج المال الذي أحرزه المالك، وفي الفرض المُخرِج يخرجُ ذلك المال، ولم يشترط فيه كون المخرِج هاتكاً بنفسه، فالظاهر ثبوت القطع على المخرج.

قلنا: إنّ السَّرقة من المُحرَز موجبةٌ للقطع، وفي الفرض السّارق سَرَق المال من المنهتك لا من المُحرَز.

فإنْ قيل: إنّه يلزم من ذلك الذريعة إلى إسقاط الحَدّ.

قلنا: لا يضرّ ذلك كما يحتال لإسقاط الحكم بغيره من الحيل.

وعلى ذلك، ففي المورد يجبُ على الأوّل ضمان ما أفسده من جدارٍ أو صندوق أو غيره والتعزير، وعلى الثاني ضمان المال والتعزير.

ولو هتك الحرز جماعة، وأخرج المال بعضهم، كان القطعُ على المُخرِج خاصّة، بلا كلامٍ كما مرّ، لانفراده بالموجب، وهو إخراج المال من الحِرز بعد هتكه، وكذا لو قرّبه أحدهم من النقب مثلاً وأخرجه الآخر.

ولو أخرجه أحدهم من الحِرز إلى خارج النقب، وأخذه الآخر، كان القطع على الداخل المُخرِج.

ولو وضعه الداخل في وسط النقب، وأخرجه الخارج، ففيه أقوال:

1 - إنّه يثبت القطع عليهما، نُسِب ذلك إلى المصنّف رحمه الله في «القواعد»(1) وكاشف اللِّثام(2).2.

ص: 291


1- قواعد الأحكام: ج 3/559.
2- كشف اللّثام: ج 10/592.

2 - وجوب القطع على الداخل.

3 - وجوب القطع على المُخرِج أخيراً، وهو مختار الحِلّي(1).

4 - هوالذي نقله المحقّق(2) عن «المبسوط»(3)، وتبعه القاضي(4) وهوانتفائه عنهما.

وجه الأوّل: أنّه تمّ الإخراج بتعاونهما، فهما كما لو أخرجاه دفعةً .

وجه الثاني: أنّ الداخل أخرجه من الحِرز فعليه القطع، والخارجُ إنّما أخذ المال المُخرَج من حِرزه فلا قطع عليه.

وجه الثالث: أنّ الخارج أخرج المال من الحِرز الذي هَتَكه، فعليه القطع.

وجه الرابع: أنّ كلّ واحدٍ منهما لم يُخرجه عن كمال حِرزه، فإنّ الأوّل أخرجه إلى نصفه مثلاً، والثاني أكمل إخراجه، فهو كما لو وضعه الأوّل في ذلك الموضع فأخذه غيره ممّن لم يُشارك في النقب.

والحقّ أن يقال: إنّ الظاهر بحسب المتفاهم العرفي، صدق كون المال في حِرزه الذي هتكوه بعد وضع المال في النقب، وعليه فيتعيّن القطع على من هو خارجٌ عن الدار، وأخذه من النقب.

وبه يظهر اندفاع ما في «المسالك»(5): بأنّ الإخراج وإنْ تحقّق بفعل الخارج، إلّا أنّه لكونه تمام السَّبب لا السَّبب التامّ .3.

ص: 292


1- السرائر: ج 3/497-498.
2- شرائع الإسلام: ج 4/166.
3- المبسوط: ج 8/26-27.
4- المهذّب: ج 2/539.
5- مسالك الأفهام: ج 14/533.

ويثبتُ بشهادة عَدلين، أو الإقرار مرّتين من أهله.

فإنّه يرد عليه أوّلاً بالنقض: بما لو أخرجه أحدهما من حرزه إلى نصف المسافة كوسط الدار مثلاً، وأخرجه الآخر منه، إذ لاشكّ ولاخلاف في أنّ القطع على المُخرِج، مع أنّ فعله جزءُ السَّبب لا تمام السَّبب.

وثانياً بالحَلّ : هو أنّ الموضوع هو الإخراج من الحرز، وما فعله الداخل يعدّ من المقدّمات المُعدّة لفعل المخرج، ففعله السَّبب التامّ لا تمام السَّبب.

بيان ما يثبت به السَّرقة

الفرع الخامس: فيما يثبت به الموجب للقطع.

أقول: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّ حَدّ السرقة (يثبتُ ):

1 - (بشهادة عدلين) لإطلاق ما دلّ عليها، وخصوص ما سيمرّ عليك.

2 - (أو الإقرار مرّتين من أهله).

والمشهور بين الأصحاب(1) أنّه لا يُقطع بالإقرار مرّة واحدة، بل عن «الخلاف»(2) الإجماع عليه، والنصوص الواردة فيه طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على اعتبار الإقرار مرّتين:

منها: خبر جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يُقطع السّارق حتّى يقرّ بالسَّرقة

ص: 293


1- راجع رياض المسائل: ج 16/128.
2- الخلاف: ج 5/444.

مرّتين، ولا يُرجم الزّاني حتّى يقرّ أربع مرّات»(1).

وليس في سنده من يتوقّف فيه سوى علي بن السِّندي، وقد قيل بحُسنه، مع أنّ ضعفه لو كان منجبرٌ بالعمل.

ومنها: مرسله عن أحدهما عليهما السلام: «لا يقطع السّارق حتّى يقرّ بالسَّرقة مرّتين، فإن رَجَع ضَمِن السَّرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود»(2).

ومنها: خبر أبان بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«كنتُ عند عيسى بن موسى فاُتي بسارقٍ وعنده رجلٌ من آل عمر، فأقبل يسألني.

فقلت: ما تقولُ في السّارق إذا أقرّ على نفسه أنّه سرق ؟

قال: يُقطع.

قلت: فلما تقولُ في الزّنا إذا أقرّ على نفسه مرّات ؟ قال: نرجمه.

قلت: وما يمنعكم من السّارق إذا أقرّ على نفسه مرّتين أن تقطعوه فيكون بمنزلة الزّاني»(3).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على القطع بالإقرار مرّة كصحيح الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إن أقرّ الرّجل الحُرّ علينفسه بالسَّرقة مرّة واحدة عندالإمام قطع»(4).

واحتمال كون الظرف متعلّقاً بالسَّرقة فيكون لدفع توهم أن لا قَطع ما لم تتكرّر2.

ص: 294


1- الكافي: ج 7/219 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/106 ح 34329.
2- المستدرك: ج 18/123 ح 22253.
3- التهذيب: ج 10/126 ح 122، وسائل الشيعة: ج 28/250 ح 34683.
4- التهذيب: ج 10/126 ح 121، وسائل الشيعة: ج 28/250 ح 34682.

السَّرقة، فيكون مجملاً في عدد الإقرار، أو كون القطع بمعنى القطع عن الإقرار ثانياً، خلاف الظاهر جدّاً، لا يُصار إليه بلا قرينة، وإلّا جرى الاحتمال الأوّل في النصوص الاُولى .

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على القطع بعد الإقرار ثلاث مرّات، كخبر الأصبغ عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «في عبدٍ أسودٍ اُتي وقالوا إنّه سارق.

فقال له: يا أسود أنتَ سارقٌ؟ فقال: نعم يا مولاي.

ثمّ قال ثانية: يا أسود أنتَ سارقٌ؟ فقال: نعم يا مولاي.

قال: إنْ قلتها ثالثةً قَطعتُ يمينك يا أسود، أنتَ سارقٌ؟ قال: نعم! فقطع يمين الأسود»(1).

ولكن الأخيرة مضافاً إلى ضعف سندها، لم يَعمل بها أحدٌ، مع أنّها في إقرار العبد الذي بنائهم على عدم حجيّته ولو كان عشراً.

وأمّا الأوليتان فربما يُجمع بينهما بحمل الثانية على الإقرار عند الإمام، والأُولى على الإقرار عند غيره كما عن «المختلف»(2) احتماله، وهذا وإنْ كان يشهد به القييد بذلك بصحيح الفضيل، لكن لعدم العامل بذلك حتّى المصنّف رحمه الله فإنّه احتمل ذلك، والاحتمال غير العمل لا يُعتنى به، فالظاهر تعارض الطائفتين، والترجيح للنصوص الأولى للشهرة التي هي أوّل المرجّحات فتقدّم.

وعليه، فالأظهر اعتبار الإقرار مرّتين.

هذا بالنسبة إلى القطع.4.

ص: 295


1- المستدرك: ج 18/151 ح 22367.
2- مختلف الشيعة: ج 9/224.

ويكفي في غُرم المال المرّة، وشهادة الواحد مع اليمين. ولو تابَ قبل البيِّنة سَقَط الحَدُّ لا بعدها.

(و) أمّا بالنسبة إلى الضمان: فالظاهر أنّه (يكفي في غرم المال المرّة) وكذا (شهادة الواحد مع اليمين) لاختصاص النصوص بالقطع، وفي غيره يرجع إلى قواعد باب القضاء، وهي تقتضي ما ذكرناه.

(ولو تاب) السّارق (قبل) قيام (البيّنة) على السَّرقة (سَقَط الحَدّ)، و (لا) يسقط (بعدها)، بلا خلافٍ في الأوّل، وعلى المشهور في الثاني، والمستند النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «فالسارق إذا جاء من قِبل نفسه تائباً إلى اللّه تعالى ورَدّ سرقته على صاحبها، فلا قَطع عليه»(1).

ومنها: مرسل جميل كالصحيح، عن أحدهما عليهما السلام: «في رجلٍ سَرق أو شرب الخمر أو زنى، فلم يعلم ذلك منه، ولم يؤخذ حتّى تاب وصَلُح ؟

قال عليه السلام: إذا صَلُح وعُرف منه أمرٌ جميل، لم يقم عليه الحَدّ»(2).

ودلالتهما على سقوط الحَدّ قبل قيام البيّنة واضحة.

وأمّا بعدها: فقد يقال إنّ مقتضى إطلاقهما ذلك، ولكنّه لو تمّ تعيّن تقييده بمرسل البرقي عن بعض الصادقين عليهم السلام في حديثٍ :

«إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرّجل على نفسه فذاك إلى6.

ص: 296


1- الكافي: ج 7/220 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/302 ح 34825.
2- الكافي: ج 7/250 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/36 ح 34156.

ولو تابَ بعد الإقرار تخيَّر الإمام.

الإمام إنْ شاءَ عفى وإنْ شاء قَطَع»(1).

ومثله خبر طلحة، وقريبٌ منه خبر «تحف العقول»(2)، إذ النسبة عليهذا التقدير بين الطائفتين وإنْ كانت عموماً من المرجّحات.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ الخبرين إنّما هما في العفو، ولا ربط لهما بمسقطيّة التوبة، والأوّلان يدلّان على مسقطيّة التوبة.

وعلى ذلك، فالمتعيّن هو التقييد بالإجماع، إذ الظاهر تسالمهم على ذلك.

ويمكن الاستدلال له: بما(3) ورد في الزِّنا الدّال على أنّه لا يسقط الحَدّ بالتوبة بعد قيام البيّنة، بدعوى الأولويّة، فإنّ الحَدّ في الزّنا للّه تعالى ، وهنا لحقّ النّاس أيضاً.

(ولو تاب) السّارق (بعد الإقرار، تخيّر الإمام) كما عن «النهاية»(4)، و «الجامع»(5)، وإطلاق «الكافي»(6)، و «الغنية»(7)، وظاهر أكثر القدماء.

وعن ظاهر الأكثر، وصريح جمعٍ : أنّه يتحتّم الإقامة.

واستدلّ للقولين: بالأخبار الواردة في الجحود بعد الإقرار:

الدّال جملة منهاعلى التحتّم، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :4.

ص: 297


1- الفقيه: ج 4/62 ح 5106، وسائل الشيعة: ج 28/41 ح 34165.
2- تحف العقول: ص 476.
3- وسائل الشيعة: ج 28/37 ح 34157.
4- النهاية: ص 718.
5- الجامع للشرايع: ص 561.
6- الكافي في الفقه: ص 412.
7- غنية النزوع: ص 624.

«إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق، ثُمّ جَحَد قُطعت يده وإن رغم أنفه»(1).

ونحوه صحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام(2).

والدّال طائفة منها على التخيّير كخبري طلحة والبرقي المتقدّمين، بدعوى أنّ ظاهر الأصحاب عدم القول بالفرق بين الجحود والتوبة في المقام، فمن قال بالتخيّير في الجحود قال به في التوبة، وكذا من قال بتحتّم الإقامة.

ولكن لو سُلّم عدم القول بالفصل، الأظهر في تلك المسألة تقديم الصحيحين، لأصحيّة السند وأشهريّتهما بين القدماء.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ غاية ما هناك ظهور الصحيحين في لزوم القطع، والخبران صريحان في جواز العفو، وحمل الظاهر على النّص يقتضي البناء على التخيير.

فإنْ قيل: إنّ الخبرين ليس فيهما التخيير بعد الرجوع، بل ظاهرهما ثبوته للإمام مطلقاً، ولو لم يرجع ولا قائل به.

قلنا: إنّهما يقيّدان بصورة الرجوع بالإجماع، فالأظهر هو التخيير.

ويمكن أن يقال: إنّ الخبرين يشملان صورة التوبة، والصحيحان مختصّان بصورة الجحود، وعدم القول بالفصل غير ثابت، فالمستندُ في المقام خصوص الخبرين، وعليه فالصحيحان أخصّ مطلق منهما، والجمع الموضوعي مقدّمٌ على الجمع الحكمي، فيقيّد إطلاق الخبرين بهما، فيختصّ الخبران بصورة التوبة، والصحيحان بصورة الجحود بعد الإنكار.

وبالجملة: فالأظهر في المقام التخيير، وفي تلك المسألة تحتّم الإقامة.8.

ص: 298


1- الكافي: ج 7/220 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/26 ح 34126.
2- وسائل الشيعة: ج 28/27 ح 34128.

مسائل: الأولى: لو سَرق اثنان نصاباً، فالأقوى سقوط الحَدّ عنهما حتّى يبلغ نصيب كلّ واحدٍ النصاب.

الثانية: قطعُ السّارق موقوفٌ على المرافعة، فلو لم يرافعه المسروق منه لم يقطع الإمام.

قطع السّارق موقوفٌ على المرافعة

أقول: بقي في المقام (مسائل):

المسألة (الأُولى: لو سَرق اثنان نصاباً، فالأقوى سقوط الحَدّ عنهما حتّى يبلغ نصيب كلّ واحدٍ النصاب) كما مرّ في المسألة السابعة من المقام الرابع من هذا الفصل.

المسألة (الثانية: قطع السّارق) عندنا (موقوفٌ على المرافعة) ومطالبة من سرق منه برفعه إلى الحاكم، (فلو لم يرافعه المسروق منه، لم يَقطع الإمام) وإن قامت البيِّنة عنده حسبةً ، أو علم به الحاكم، أو أقرّ به عنده مرّتين، والمستند النصوص:

منها: خبر الحسين بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجلٍ يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحَدّ، ولا يحتاج إلى بيّنةٍمع نظره، لأنّه أمين اللّه في خلقه، وإذا نظر إلى رجلٍ يسرق أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه.

قلت: وكيف ذلك ؟

قال عليه السلام: لأنّ الحقّ إذا كان للّه، فالواجبُ على الإمام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس»(1).

ص: 299


1- الكافي: ج 7/262 ح 15، وسائل الشيعة: ج 28/57 ح 34204.

ولو وَهَبه أو عَفى عن القطع، سَقَط إنْ كان قبل المرافعة، وإلّا فلا.

ومنها: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ أحدٍ من حقوق المسلمين، فليس على الإمام أن يقيم عليه الحَدّ الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب حقّ الحَدّ، أو وليّه ويطلبه بحقّه»(1).

وعن «الخلاف»(2)، و «المبسوط»(3): أنّه يُقطع إذا ثبت بالإقرار، لعموم النصوص المعتضد بوجوه استحسانيّة، ولا يصغى إلى شيءٍ منها بعد النّص.

(ولو وهبه) المال (أو عَفى عن القطع، سَقَط إنْ كان قبل المرافعة، وإلّا فلا) بلا خلافٍ ، ويشهد به:

1 - حسن الحلبي المتقدّم، المتضمّن لقضيّة صفوان، فإنّ صفوان بعدما رأى حكمه صلى الله عليه و آله بقطع يد سارق ردائه، قال: «فأنا أهبه له.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إلي!

قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه ؟ قال عليه السلام: نعم.

وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام ؟ فقال: حسن»(4).

2 - وخبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من أخذ سارقاً فعفى عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإنْ قال الذي سرق منه أنا أهبه له، لم يدعه الإمام1.

ص: 300


1- الكافي: ج 7/220 ح 9، وسائل الشيعة: ج 28/57 ح 34203.
2- الخلاف: ج 5/445.
3- المبسوط: ج 8/41.
4- الكافي: ج 7/251 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/39 ح 34161.

الثالثة: لو أخرج النصاب دفعةً ، وجبَ القطع، وكذا لو أخرجه مراراً على الأقوى .

حتّى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، الحديث»(1).

وبهما يقيّد إطلاق صحيح ضريس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«لا يُعفى عن الحدود التي للّه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ النّاس فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(2).

ثمّ إنّه إنْ عَفى فيما له ذلك، فليس له بعد ذلك إقامة الدّعوى عليه، بلا خلافٍ :

1 - لفرض سقوط الحَدّ، فلا وجه لعوده.

2 - ولموثّق سماعة، عن مولانا الصادق عليه السلام: «فيمن عفى عن قاذفه ثُمّ بدا له أن يقدمه حتّى يجلده: ليس له حَدٌّ بعد العفو»(3).

المسألة (الثالثة: لو أخرج النصاب دفعةً وَجَب القطع) إجماعاً كما مرّ، (وكذا لو أخرجه مراراً على الأقوى ) عند المصنّف هنا، والمحقّق في «الشرائع»(4)، وعن «المبسوط»(5)، و «السرائر»(6)، و «الجواهر»(7).9.

ص: 301


1- الكافي: ج 7/251 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/39 ح 34162.
2- الكافي: ج 7/252 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/40 ح 34163.
3- الكافي: ج 7/252 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/40 ح 34164.
4- شرائع الإسلام: ج 4/166.
5- المبسوط: ج 8/29.
6- السرائر: ج 3/497-498.
7- جواهر الكلام: ج 41/559.

الرابعة: لو سَرق الوالد من مال ولده لم يُقطع.

وعن المصنّف في «القواعد»(1)، وأبي الصّلاح(2) وغيرهما التفصيل:

بين قصر الزمان الفاصل بنحوٍ يعدّ المجموع سرقة واحدة عرفاً فالقطع.

وبين ما لو طال بحيث لا يُسمّى سرقة واحدة فعدمه.

وقوّاه الشهيد الثاني(3) وصاحب «الجواهر»(3).

واستدلّ للأوّل: بأنّه أخرج نصاباً، واشتراط المرّة في الإخراج غير معلوم.

واُورد عليه: بأنّه مع عدم صدق السَّرقة الواحدة على السرقات العديدة، ليس هناك سرقة متّصفة بكونها سرقة النصاب.

وفيه: إنّه لا يعتبر في القطع اتّصاف السَّرقة الواحدة بكونها سرقة النصاب، بل الموضوع في النصوص كون السّارق سارقاً لشيء يبلغ النصاب، وهذا يصدق مع تعدّد السرقات، فالقطع مطلقاً أظهر.

المسألة (الرابعة: لو سَرق الوالدُ من مال وَلده لم يُقطع) إجماعاً(5)، وهو الحجّة فيه، ويعضده ما دلّ (4) على عدم قتل الوالد بالولد، وما دلّ (5) على أنّ الولد وماله للأب.ب.

ص: 302


1- قواعد الأحكام: ج 2/265.
2- نسبه إليه في إيضاح الفوائد: ج 4/522. (3و5) مسالك الأفهام: ج 14/535 و 487.
3- جواهر الكلام: ج 41/522.
4- وسائل الشيعة: ج 29/76 باب: ثبوت القِصاص على الولد إذا قتل أباه أو أُمّه وعدم ثبوت القِصاص على الأب إذا قتل الولد.
5- وسائل الشيعة: ج 17/262 باب: حكم الأخذ من مال الولد والأب.

ولو سَرَق الولدُ قُطِع.

الخامسة: يُقطع اليمين وإنْ كانت إحدى يديه أو هما شلّاوين، أو لم يكن له يسارٌ، ولو لم يكن له يمينٌ قطعت يساره، وقيل: يُقطع رجله اليُسرى.

وفي «المسالك»(1): جَعل معقد الإجماع الأب وإنْ علا.

(و) كيف كان، ف (لو سرق الولد) من مال والده المُحرَز دونه، (قُطع) بلا خلافٍ ، لإطلاق الأدلّة.

المسألة (الخامسة: يُقطع اليمين وإنْ كانت إحدى يديه أو هما شلّاوين، أو لم يكن له يسارٌ) على المشهور.

أقول: قد مرّ الكلام في المسألة في تنبيهات المقام الثالث، وبيّنا أنّ الأظهر عدم قطع يمين من ليس له يسار، كما أنّه بيّنا هناك أنّه (و) إنْ صرّح بعضٌ بأنّه (لو لم يكن له يمينٌ قُطعت يساره، وقيل يُقطع رجله اليسرى ) لكنّهما غير تامّين، وأنّ الأظهر سقوط الحَدّ والانتقال إلى التعزير.

***7.

ص: 303


1- مسالك الأفهام: ج 14/487.

الفصل الثاني عشر: في حَدّ المحارب وغيره:

كلُّ من جَرَّد السِّلاح للإخافة في برٍّ أو بحرٍ، ليلاً أو نهاراً

الفصل الثاني عشر في حَدّ المُحارب

اشارة

(الفصل الثاني عشر: في حَدّ المحارب وغيره) وفيه مسائل:

المسألة الأُولى : في بيان المحارب موضوعاً:

فعن الأكثر: أنّه (كلّ من جَرّد السِّلاح) كالسّيف أو غيره كالحَجَر وما شاكل (للإخافة في برٍّ أو بحر)، مصرٍ أو غيره، (ليلاً أو نهاراً) وإن لم يكن المحارب من أهل الإخافة، بأن كان ضعيفاً عنها، ولا من أهل الفتنة ولا ذَكَراً.

وعن «كنزالعرفان»(1): نسبته إلى الفقهاء مُشعراً بدعوى الإجماع عليه.

وعن الشيخين(2): اشتراط كونه من أهل الرِّيبة.

وعن الإسكافي(3): اعتبار الذكورة، ووافقه الحِلّي(4) في أوّل كلامه، وطَعَن على الشيخ رحمه الله الملتزم بعدم اعتبارها، وقال: (لم أجد لأصحابنا المصنّفين قولاً في قتل النساء في المحاربة، ولكنّه في آخر كلامه قال: (قد قلنا إنّ أحكام المحاربين تتعلّق

ص: 304


1- كنز العرفان: ج 2/352.
2- المقنعة: ص 804، المبسوط: ج 8/47.
3- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/259.
4- السرائر: ج 3/508.

بالنساء والرِّجال) ثمّ استدلّ بالآية الكريمة.

وفي «الجواهر»(1): (ولعلّ ذلك ونحوه منه عقوبة على سوء أدبه مع الشيخ وغيره من أساطين الطائفة).

أقول: وكيف كان، فالأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب، لاحظ صحيح محمّد ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«من شَهر السِّلاح في مصرٍ من الأمصار فعقر اقتُصَّ منه، ونُفي من تلك البلد، ومن شَهَر السِّلاح في مصرٍ من الأمصار، وضَرَب وعَقَر وأخذ المال ولم يَقتل، فهو محاربٌ ، فجزاءه جزاء المحارب، وأمره إلى الإمام إن شاء قَتَله وصلبه، وإن شاء قَطَع يده ورجله.

قال: وإنْ ضرب وقتل وأخذ المال، فَعَلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسَّرقة، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال، ثمّ يقتلونه.

فقال له أبو عبيدة: أرأيتَ إنْ عَفى عنه أولياء المقتول ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: إنْ عفو عنه كان على الإمام أن يقتله، لأنّه قد حارب وقَتَل وسَرق، الحديث»(2).

وقريب منه غيره(3).

والصحيح كما ترى عامٌ يشمل أحكامه الذكر والاُنثى ، لأنّ (من) من ألفاظ العموم، وشاملٌ لمن كان من أهل الربية أو لم يكن، ولكون ذلك في الليل أو النهار،1.

ص: 305


1- جواهر الكلام: ج 41/568.
2- الكافي: ج 7/248 ح 12، وسائل الشيعة: ج 28/307 ح 34831.
3- وسائل الشيعة: ج 28/307 أبواب حَدّ المحارب ح 34831.

ومورده المصر فما عن بعضهم من اعتبار كونه في البَرّ والمواضع البعيدة عن العمران لا وجه له.

ويدفع احتمالُ اعتبار ذلك، وكثيرٌ ممّا قيل باعتباره في المقام، الآية الكريمة الآتية.

وأمّا خبر ضريس، عن أبي جعفر عليه السلام: «من حَمَل السِّلاح باللّيل فهو محاربٌ ، إلّا أن يكون رجلاً ليس من أهل الرِّيبة»(1)، فلا يدلّ على اعتبار كونه من أهل الرِّيبة، بحيث إذا جَرّد السِّلاح لإخافة النّاس لا يكون محارباً، فإنّ مفاده أنّ مجرّد حمل السِّلاح باللّيل لا يوجبُ صدق المحارب عليه، إذا لم يكن من أهل الرِّيبة، بخلاف من كان من أهلها، فإنّه يُحكم بذلك وإن لم يعلم أنّ قصده الإخافة، وبذلك يظهر وجه التقييد باللّيل.

***2.

ص: 306


1- الكافي: ج 7/246 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/313 ح 34842.

تخيّر الإمام بين قتله، وصَلْبه، وقطعه مخالفاً ونفيه.

كيفيّة حَدّ المحارب

المسألة الثانية: في كيفيّة حَدّ المحارب.

أقول: لا خلاف ولا إشكال في أنّ حَدّ المحارب:

إمّا القتل أو الصلب أو القطع مخالفاً، بأن تُقطع اليد اليمنى والرِّجل اليسرى كما في السّارق.

أو النفي.

والأصل فيه الكتاب والسُّنة:

أمّا الكتاب: فقوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ اَلَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اَللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1).

وأمّا السُّنة: فكثيرة ستمرّ عليك جملة منها.

وإنّما الخلاف بين الأصحاب في أنّ ذلك على نحو التخيّير أو الترتيب ؟

فعن المفيد(2)، والديلمي(3)، والحِلّي(4): ما اختاره المصنّف رحمه الله هنا، حيث قال:

(تخيّر الإمام بين قتله وصلبه وقطعه مخالفاً ونفيه).

ص: 307


1- سورة المائدة: الآية 33.
2- المقنعة: ص 804.
3- المراسم العلويّة: ص 251.
4- السرائر: ج 3/505.

بل قيل(1): عليه أكثر المتأخّرين.

وعن الشيخ(2)، والإسكافي(2)، والتقي(3)، وابن زُهرة(4)، وأتباع الشيخ: أنّ ذلك بالترتيب.

بل عن «كشف اللّثام»(5): نِسبته إلى أكثر الكتب.

وعن «نكت الإرشاد»(6): عليه الإجماع.

ثمّ إنّ القائلين بالترتيب اختلفوا في كيفيّته:

فعن «النهاية»(8)، و «المهذّب»(7)، و «فقه الراوندي»(8)، و «التلخيص»(9): أنّه يُقتل إنْ قَتَل قصاصاً إنْ كان المقتول مكافئاً له، ولم يعف الوليّ ، وإلّا قتله الإمام.

هذا، ولو قَتَل وأخذ المال استُعِيد منه، وقُطع مخالفاً ثمّ قُتل وصُلب.

وإن أخذ المال ولم يَقتل، قُطع مخالفاً ونُفي.

ولو جَرَح ولم يأخذ المال، اقتصّ منه ونُفي.

ولو اقتصر على شَهر السِّلاح نفي لا غير.4.

ص: 308


1- رياض المسائل: ج 16/153. (2و8) النهاية: ص 720.
2- حكاه عنه في رياض المسائل: ج 16/154.
3- الكافي في الفقه: 252.
4- غنية النزوع: ص 584.
5- كشف اللّثام: ج 10/636.
6- غاية المراد: ص 277.
7- المهذّب: ج 2/553.
8- فقه القرآن: ص 366.
9- نسبه إليه في غاية المراد: ص 354.

وعن «المبسوط»(1)، و «الخلاف»(2)، و «التبيان»(2): أنّه إن قَتَل قُتِل، وإنْ قَتَل وأخذ المال قُتل وصُلب، وإنْ اقتصر على أخذ المال قُطع من خلافٍ ، ولو اقتصر على الإخافة فإنّما عليه النفي.

وعن «الخلاف»(4)، و «المبسوط»(5): أنّه يُنفى على الأخيرين.

وعن «المبسوط»(6): أنّه يتحتّم عليه القتل إذا قَتَل لأخذ المال، وأمّا إن قَتَل لغيره فالقِود واجبٌ غير متحتّم، أي يجوز لوليّ المقتول العفو مجاناً وعلى مال.

وعن «الوسيلة»(3): تفصيلٌ آخر.

قال صاحب «الرياض»(4): (لم أجد حجّةً على شيء من هذه الكيفيّات من النصوص).

أقول: والحقّ أن يقال:

أمّا الآية الشريفة: فهي ظاهرة في القول الأوّل، لأنّ الأصل في كلمة (أو) التخيير، وقال الصادق عليه السلام: «أو في القرآن للتخيير حيث وقع».

وأمّا النصوص: فطائفة منها صريحة فيه:

منها: حسن جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الآية أيّ شيءٍ عليه من هذه الحدود التي سَمّى اللّه عزّ وجلّ؟5.

ص: 309


1- المبسوط: ج 8/48. (2و4) الخلاف: ج 5/458.
2- التبيان: ج 3/504. (5و6) المبسوط: ج 8/48.
3- الوسيلة: ص 206.
4- رياض المسائل: ج 16/155.

قال عليه السلام: ذلك إلى الإمام إن شاء قَطَع، وإن شاء نَفى، وإن شاء صَلَب، وإن شاء قَتَل.

قلتُ : النفي إلى أين ؟ قال عليه السلام: من مصرٍ إلى مصر آخر»(1).

ونحوه خبر سماعة(2) عنه عليه السلام.

ومنها: صحيح بريد بن معاوية، قال: «سأل رجلٌ أبا عبداللّه عليه السلام عن قوله تعالى:

(إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ ...) الخ(3)؟

قال: ذاك إلى الإمام يفعل ما يشاء.

قلت: فمفوّضٌ ذلك إليه ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن نحو الجناية»(4).

أقول: وفي المقام نصوصٌ اُخر:

منها: صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم، وهو يدلّ على التخيير بين الاُمور الأربعة مع عدم القتل، وتحتّم القتل معه، وجعله في محكيّ «الاستبصار»(5) جامعاً بين الأخبار، وفي «المسالك»(6)، وهو أولى من القول بالترتيب الذي ذكره في غيره.

ومنها: ما يدلّ على الترتيب على ما أفاده الأوّلون:

1 - كخبر عبيدبن بشر الخثعمي، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن قاطع الطريق، وقلت إنّ النّاس يقولون إنّ الإمام فيه مخيّرٌ أي شيء صنع ؟2.

ص: 310


1- الكافي: ج 7/245 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/308 ح 34833.
2- وسائل الشيعة: ج 28/310 ح 34837.
3- سورة المائدة: الآية 33.
4- الكافي: ج 7/246 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/308 ح 34832.
5- الإستبصار: ج 4/257.
6- مسالك الأفهام: ج 15/12.

قال عليه السلام: ليس أيّ شيء صنع، ولكنّه يصنعُ بهم على قدر جنايتهم.

فقال: من قطع الطريق، فَقَتل وأخذ المال، قُطعت يده ورجله وصُلب، ومن قَطَع الطريق وقَتَل ولم يأخذ المال قُتِل، ومن قَطعَ الطريق وأخذ المال ولم يقتل، قُطعت يده ورجله، ومن قَطَع الطريق ولم يأخذ مالاً ولم يَقتل نُفي من الأرض»(1).

وهذا الخبر يدلّ على القول الأوّل من الترتيب، إلّامن جهة عدم التعرّض لصورة الجَرح، ولعلّ مدرك الاقتصاص فيها عموم أدلّة القِصاص.

ولكن عُبيداً مجهولٌ ، واستناد الأصحاب إلى ذلك غير ثابت.

2 - وخبر أحمد بن الفضل الخاقاني، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في حديثٍ : «فإن كانوا أخافوا السبيل فقط، ولم يقتلوا أحداً، ولم يأخذوا مالاً، أمرَ بإيداعهم الحبس، فإنّ ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل، وإنْ كانوا أخافوا السبيل، وقتلوا النفس أمر بقتلهم، وإنْ كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس، وأخذوا المال، أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ وصَلبهم بعد ذلك»(2).

وهذا الخبر - مضافاً إلى ضعف سنده - مشتملٌ على ما لا يقولون به، وهو الحبس، فهذا القول لا وجه له.

وأمّا القول الثاني من أقوال الترتيب: فقد استدلّ له بما رواه عبيد اللّه المدائني، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام، ورواه عبيد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ومحمّد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«سُئل عن قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ 8.

ص: 311


1- وسائل الشيعة: ج 28/310 ح 34835.
2- وسائل الشيعة: ج 28/311 ح 34838.

فِي اَلْأَرْضِ فَساداً) (1) الآية ؟

فقال: إذا حارب اللّه ورسوله، وسَعى في الأرض فساداً فقَتَل قُتِل به، وإن قَتَل وأخذ المال قُتل وصُلب، إنْ أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلافٍ ، وإن شَهَر السّيف وحاربَ اللّه ورسول اللّه، وسَعى في الأرض فساداً، ولم يقتل، ولم يأخذ المال، نُفي من الأرض، الحديث»(2).

ونحوه في ذلك مرسل داود الطائي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(3)، وخبر علي بن حسّان، عن أبي جعفر عليه السلام(4).

ولكن الأوّل ضعيفٌ لمحمّد بن سليمان الديلمي، فإنّه في الطريق بجميع طرق الخبر، ولعبيد اللّه، والمرسل لإرساله ليس بحجّة.

وأمّا خبر علي بن حسّان، فهو وإنْ كان على ما ذكره المصنّف من وثاقته موثّقاً، لكنّها غير ثابتة.

هذا مع أنّ شيئاً منها لا يدلّ على ما عن «الخلاف» و «المبسوط» من النفي في الأخيرين، كما لا دلالة في شيء منها على التفصيل الذي ذكره في «المبسوط» بين القتل لأخذ المال وغيره. وفي المقام بعض نصوص اُخر ضعيف لا دلالة فيه على شيء من الأقوال المتقدّمة.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر هو القول بالتخيّير، ثمّ ما يستفاد من صحيح محمّد ابن مسلم.1.

ص: 312


1- سورة المائدة: الآية 33.
2- الكافي: ج 7/246 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/309 ح 34834.
3- وسائل الشيعة: ج 28/310 ح 34836.
4- وسائل الشيعة: ج 28/313 ح 34841.

ولو تابَ قبل القدرة عليه سَقَط الحَدُّ دون حَقّ النّاس. ولو تابَ بعدها لم يسقط، وإذا نُفي كُتِب إلى كلّ بلدٍ بالمنع من معاملته ومؤاكلته ومجالسته إلى أن يتوب.

فإنْ قيل: إنّ نصوص التخيير معارضة مع الصحيح، فلأيّ شيء تقدّم تلك النصوص ؟

قلنا: لفتوى الأكثر، ولموافقة الكتاب، واللّه العالم.

أقول: ثمّ إنّ في المقام فروعاً ينبغي التعرّض لحكمها:

الفرع الأوّل: (ولو تابَ قبل القدرة عليه، سَقَط الحَدّ) لقوله تعالى : (إِلاَّ اَلَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ) (1) ولكن يختصّ السقوط بالحَدّ (دون حقّ النّاس) لاختصاص الآية بالحَدّ، ولأنّه لا مدخليّة للتوبة في حقّ النّاس المتوقّف سقوطه على إسقاط المستحقّ .

(ولو تاب بعدها، لم يسقط) بلا خلافٍ ، للأصل ولمفهوم الآية الكريمة.

الفرع الثاني: (وإذا نُفي كُتب إلى كلّ بلدٍ بالمنع من معاملته ومؤاكلته ومجالسته إلى أن يتوب).

فإن لم يتب، استمرّ النفي إلى أن يموت، كما هو المشهور بين الأصحاب، وعن بعضهم الإجماع(2) عليه.8.

ص: 313


1- سورة المائدة: الآية 33.
2- المبسوط: ج 8/47-48.

وعن ابن سعيد(1): التحديد بالسَّنة.

وعن الصَّدوق في «الفقيه»(2): (ينبغي أن يكون نفيه نفياً شبيهاً بالصلب والقتل، تُثقل رِجلاه، ويُرمى في البحر).

ويشهد لما هو المشهور: الآية، والنصوص الدالّة على النفي من الأرض، الظاهرة في النفي إلى الأبد، خرج ما لو تاب بالإجماع، وبقي الباقي.

وأيضاً: ظاهرها ما ذكروه من إعلام كلّ بلدٍ يصلُ إليه بالامتناع منه على الوجه المزبور، لينتقل إلى آخر، لأنّ النفي من الأرض كناية عن ذلك، إذ لايخرج عن مجموع الأرض، ولكن لمّا لم يقرّ على أرضٍ كان في معنى النفي من الأرض.

ويدلّ على الأخير:

1 - موثّق حنّان، عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية الشريفة، قال عليه السلام:

«لايُبايَع ولا يُؤوى ولا يُتصدّق عليه»(3).

2 - وخبر المدائني، عن الإمام الرّضا عليه السلام في حديث المحارب، قال:

«قلت: كيف يُنفى ، وما حَدّ نفيه ؟

قال عليه السلام: يُنفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصرٍ غيره، ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفيٌّ فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه، فيفعل ذلك به سنةً ، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كُتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتمّ السَّنة»(4).8.

ص: 314


1- الجامع للشرايع: ص 242.
2- الفقيه: ج 4/68.
3- الكافي: ج 7/246 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/315 ح 34847.
4- الكافي: ج 7/246 ح 8، وسائل الشيعة: ج 28/316 ح 34848.

وهذا الخبر صريحٌ في التحديد بالسنة، وضعفه منجبرٌ بالعمل به بالنسبة إلى إعلام كلّ بلدٍ يصلُ إليه بالامتناع منه، فتدبّر.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ مستند الأصحاب ليس هذا الخبر، فإنّه مذيّلٌ بأنّه إن دخل في أرض الشرك قوتل أهلها، ولم يفتِ الأصحاب بذلك.

فإنْ قيل: إنّه لا مانع من العمل ببعض الخبر المنجبر بالعمل دون بعضٍ غير منجبرٍ به.

قلنا: نلتزم به في التقييد بالسَّنة لعدم عمل الأصحاب به.

وعليه، فالأظهر عدم التقييد.

وأمّا ما عن «الفقيه»: فيشهد به خبر عبد اللّه بن طلحة(1)، لكن لمعارضته مع ما تقدّم، وإعراض الأصحاب عنه، لا يُعتمد عليه، ولا يَصلُح للمقاومة مع ما تقدّم.

وأمّا ما دلّ على أنّ المراد بالنفي الحَبس: فقد عرفت ضعفه.

وبالجملة: فما هو المشهور بين الأصحاب هو المنصور.

الفرع الثالث: في حَدّ الصلب:

أقول: لا إشكال في أنّه إن صُلب بعد القتل، أو صُلب وهو حَيٌّ على القول بالتخيير، لأنّه أحد أفراده القسيم للقتل، لا يُترك على الخشبة أكثر من ثلاثة ثمّ يُنزل ويُجهّز عليه بما يجب، للنصوص:

منها: خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتّى ينزل فيدفن»(2).6.

ص: 315


1- وسائل الشيعة: ج 28/317 ح 34851.
2- الكافي: ج 7/268 ح 39، وسائل الشيعة: ج 28/319 ح 34856.

ومنها: قويّه الآخر، عنه عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام صَلَب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيّام، ثمّ أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه ودفنه»(1).

ومنها: مرسل الصَّدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: المصلوب يُنزّل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام، ويُغسّل ويُدفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام»(2).

وإنْ صُلِب حَيّاً ولم يمت قبل ثلاثة أيّام، فقد يقال إنّه يُنزّل ويُجْهَز عليه لإطلاق النصوص، ولكنّها منصرفة إلى صورة عدم الحياة، فيبقى حتّى يموت، ولا يُترك بعده أكثر من ثلاثة أيّام لما مرّ.

والكلام في وجوب تغسيله محرّرٌ في كتاب الطهارة(3).

***1.

ص: 316


1- الكافي: ج 7/246 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/318 ح 34855.
2- الفقيه: ج 4/68 ح 5122، وسائل الشيعة: ج 28/319 ح 34857.
3- فقه الصادق: ج 4/61.

واللِّص محاربٌ .

أحكام اللِّص إذا دخل داراً

المسألة الثالثة: (واللِّص) بالكسر وهو السّارق - وبالضَّم لغة - إن شهر سلاحاً وما في معناه، فهو (محاربٌ ) حقيقةً ، لما مرّ في بيان حقيقة المحارب، وإن لم يكن معه سلاحٌ ، بل يريد اختلاس المال والهَرب، فمقتضى إطلاق الفتاوى والنصوص كونه محارباً:

منها: خبر منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اللِّص محاربٌ للّه ولرسوله فاقتلوه، فما دخل عليك فعليّ »(1).

ومنها: خبر غياث بن إبراهيم، عنه، عن أبيه عليهما السلام: «إذا دخل عليك اللِّص يريدُ أهلك ومالك، فإن استطعتَ أن تبدره وتضربه فابدره واضربه.

وقال: اللِّص محاربٌ للّه ولرسوله فاقتله، فما منك منه فهو عليّ »(2).

أقول: ومقتضى عموم التنزيل في باديء النظر أنّ حكمه حكم المحارب مطلقاً، ويجري عليه حكم المحارب، ولكن حيث إنّه من المعلوم بالبداهة أنّه إنْ رُفع إلى الحاكم لا يَجري عليه حكم المحارب، فيعلم أنّ المراد بهما أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه ولو بالقتال، وأنّه لو قُتل بعد ذلك فدَمه هَدرٌ، وعليذلك فيتّجه ما أفادوه

ص: 317


1- التهذيب: ج 6/157 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/320 ح 34860.
2- التهذيب: ج 10/136 ح 155، وسائل الشيعة: ج 28/320 ح 34861.

يُدفع مع غلبة السَّلامة،

من أنّه لا يجوزُ قَتله ابتداءً ، بل يُراعى فيه مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيتدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى .

وكيف كان، ف (يدفع) عن نفسه مطلقاً، وكذا عن ماله (مع غلبة السَّلامة) إذا تغلّب عليه، كما قال الأصحاب(1)، بل قالوا يجبُ في الأوّل، ولو ظنّ على نفسه التلف، لإطلاق النصوص، ولوجوب حفظ النفس، وغايته العطب، وهو غاية عمل المفسد، فيكون الدفاع أرجح.

وفي «المسالك»(2): (نعم لو أمكن السَّلامة بالهرب، كان أحد أسباب حفظ النفس، فيجبُ عيناً إن توقّفت عليه، وتخييراً إن أمكنت به وبغيره) انتهى .

وملخَّص القول في المقام: إنّ اللِّص إنْ دخل داراً:

فتارةً : يشهر السِّلاح للإخافة، فإنّه لا إشكال في أنّ حكمه حينئذٍ حكم المحارب، بل هو محاربٌ حقيقة، لما مرّ من أنّ المحارب يتحقّق في العمران وغيرها.

وأُخرى : ليس معه سلاح، وحينئذٍ فقد يريدُ المال، وقد يريدُ النفس، وقد يريد العِرض.

فإن أراد المال: فإنْ كان لم يغلب على نفسه السَّلامة إن دفعه، لا يجوزُ له الدفع، لعدم جواز التغرير بالنفس دون المال.6.

ص: 318


1- راجع تلخيص المرام: ص 79.
2- مسالك الأفهام: ج 15/16.

وأمّا المرسل عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن الرّجل يكون في السَّفر ومعه جارية له، فيجيء قومٌ يريدون أخذ جاريته، أيمنع جاريته من أن تؤخذ وإنْ خافَ على نفسه القتل ؟ قال عليه السلام: نعم.

إلى أن قال: قلت: وكذلك المال يريدون أخذه في سفره، فيمنعه وإن خاف القتل ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

فلضعفه سنداً، ومعارضته مع ما دلّ على عدم وجوب الدفاع عن المال، كصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: مَن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، وقال: لو كنتُ أنا لتركتُ المال ولم اُقاتل»(2).

وخبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يقاتل عن ماله ؟

فقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: من قُتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد.

فقلنا له: أفيقاتل أفضل ؟

فقال عليه السلام: إن لم يُقاتل فلا بأس، أمّا أنا لو كنتُ لتركته ولم اُقاتل»(3).

فإنّه إذا لم يجب القتال والدفاع عن المال، لم يَجُز مع خوف التلف.

وإنْ أراد النفس، وجَبَ الدفاع وإنْ ظنّ التلف، لإطلاق نصوص محاربة اللِّص ودفعه المتقدّم جملةً منها، والآتي بعضها الآخر، وقد عرفت أنّ ذلك فيما إذا لم يتمكّن من حفظ نفسه بالهَرَب، وإلّا فيجبُ تعييناً أو تخييراً إن أمكن به وبغيره.7.

ص: 319


1- الكافي: ج 5/52 ح 5، وسائل الشيعة: ج 15/122 ح 20121.
2- الفقيه: ج 4/95 ح 5161، وسائل الشيعة: ج 28/383 ح 35016.
3- الكافي: ج 7/296 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/383 ح 35017.

فإنْ قُتِل فَهَدْرٌ.

وإنْ أراد العِرض: فإنْ ظَنَّ الهَلاك، فالظاهر جاز الاستسلام، كماعن «التحرير»(1)، وفي «الرياض»(2) وغيره، لأولويّة حفظ النفس من حفظ العِرض، كما هو المستفاد من النصوص(3) الواردة في المستكرهة على الزّنا، معلّلة بقوله تعالى: (فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (4).

ولو دافع في موردٍ، يجوزُ له الدفاع، أو يجبُ مع مراعاة الموازين فتارةً يُقتل، وأُخرى يَقتل اللِّص:

(ف) إنْ قُتِل كان كالشهيد في الأجر، ويشهد به صحيح محمّد، وخبر أبي بصير المتقدّمان وغيرهما.

و (إنْ قَتَل) الدّافعُ اللِّص (ف) دمه (هَدَرٌ) إجماعاً(5)، والنصوص به مستفيضة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا دخل عليك اللِّص المحارب فاقتله، وما أصابك فدمه في عنقي»(6).

ومنها: الخبر المرويّ عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قلتُ له: اللِّص يدخلُ عليَّ في بيتي يريدُ نفسي ومالي ؟9.

ص: 320


1- تحرير الأحكام: ج 2/234.
2- رياض المسائل: ج 16/165.
3- وسائل الشيعة: ج 28/110 باب سقوط الحَدّ عن المستكرهة على الزّنا.
4- سورة البقرة: الآية 173.
5- جواهر الكلام: ج 41/650.
6- الكافي: ج 5/51 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/384 ح 35019.

فقال عليه السلام: اقتله، فاُشهد اللّه ومن سَمعه أنّ دمه في عنقي»(1).

ومنها: خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال:

«إذا دخل عليك رجلٌ يريد أهلك ومالك فأبدره بالضربة إن استطعت، فإنّ اللِّص محاربٌ للّه ولرسوله، فما تبعك منه من شيءٍ فهو عليَّ »(2).

ونحوه خبر أبي البَختري(3)، إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: ولكن ذلك فيما بينه وبين ربّه، وأمّا إنْ قُدّم إلى الحاكم، فلابدّ وأن يثبت ذلك بأحد الموازين المثبتة، كما صرّح بذلك في طائفةٍ من النصوص(4).

ولابدّ وأن يعلم أنّ اللِّص إذا أدبر وفرّ لا يجوزُ قتله، وإن قَتَله حينئذٍ ضَمن بلا خلافٍ ، إذ لا يجوز الضَّرب إلّاللدفع، ولا دفع مع الإدبار.

***ص.

ص: 321


1- الكافي: ج 5/51 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/382 ح 35015.
2- التهذيب: ج 10/136 ح 155، وسائل الشيعة: ج 28/320 ح 34861.
3- البحار: ج 76/195 ح 4.
4- وسائل الشيعة: ج 29/134 باب أنّ من قتل شخصا ثمّ ادّعى أنّه دخل بيته بغير إذنه أو رآه يزني بزوجته ثبت القِصاص.

ومن كابر امرأةً على فرجها، أو غلاماً، فلهما دفعه، فإنْ قَتَلاه فَهَدْرٌ. ومن دَخَل دار قومٍ فزجروه فلم ينزجر، لم يَضمن بتلفه أو بتلف بعض أعضائه.

من كابر امرأة على فرجها

المسألة الرابعة: (ومن كابر امرأةً على فرجها، أو غلاماً) ليفعل بهما محرّماً (فلهما دفعه) مراعياً في ذلك الموازين المتقدّمة من الدفع من الأدنى إلى الأعلى وغيره، (فإنْ قَتلاه فَهَدْرٌ) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، والمستند ما مرّ، مضافاً إلى روايات خاصّة في المورد:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرّجل أراد امرأة على نفسها حراماً، فَرَمتهُ بحجرٍ فأصابت منه مقتلاً؟

قال عليه السلام: ليس عليها شيء فيما بينها وبين اللّه عزّ وجلّ وإنْ قُدِّمت إلى إمامٍ عادل هَدرَ دمُه»(1).

ومنها: النبويّ الخاصّي: «من كابر امرأةً ليفجر بها فقتلته، فلا دية له، ولا قِود»(2) ونحوهما غيرهما(3).

(و) كذا (من دَخَل دار قومٍ فزجروه فلم ينزجر) فأدّى الدفع والزجر بمراتبهما المتقدّمة إلى التلف، (لم يضمن بتلفه أو بتلف بعض أعضائه)، وقد شَهد بذلك

ص: 322


1- الفقيه: ج 4/103 ح 5188، وسائل الشيعة: ج 29/61 ح 35154.
2- الكافي: ج 7/293 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/62 ح 34155.
3- وسائل الشيعة: ج 29/61 باب أنّ من أراد الزّنا بإمرأة فدفعته عن نفسها فقتلته فلا شيء عليها.

نصوص كثيرة:

منها: خبر العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا اطّلع رجلٌ على قومٍ يشرف عليهم، أو ينظر من خُلل شيء لهم، فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينه، فليس عليهم غُرم.

وقال: إنّ رجلاً اطّلع من خُلل حُجرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فجاءَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمشقصٍ ليفقأ عينه فوجده قد انطلق، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أيّ خبيثٍ ، أما واللّه لو ثبتَ لي لفقأتُ عينك»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «أيّما رجل اطّلع على قومٍ في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقئوا عينه، أو جَرحوه، فلا دية عليهم.

وقال: من اعتدى فاعتُدي عليه فلا قود له»(2).

إلى غير ذلك من النصوص، وقد أشرنا في المسألة المتقدّمة إلى أنّ ذلك حكمه فيما بينه وبين اللّه.

وأمّا لو رُفع الأمر إلى الحاكم، فلابدّ وأن يثبت ذلك، وإلّا فحكمه حكم غيره ممّن قُتل أو جُرح كما تدلّ عليه النصوص(3).

***ص.

ص: 323


1- الكافي: ج 7/291 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/68 ح 35171.
2- الكافي: ج 7/290 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/59 ح 34147، و: ج 29/68 ح 35172.
3- وسائل الشيعة: ج 29/134 باب أنّ من قتل شخصاً ثمّ ادّعى أنّه دخل بيته بغير إذنه أو رآه يزني بزوجته ثبت القِصاص.

ويُعزّر المختلِس والمُستَلِب والمحتال بشهادة الزور وغيرها، والمبنَّج، بما يرتدعُ به، ويُستعاد منهم ما أخذوه.

حكم المُختلس والمُستَلب

المسألة الخامسة: (ويُعزَّر المُختلس) وهو الذي يأخذ المال خفيةً من غير الحِرز (والمُستلب) وهو الذي يأخذ المال جهراً ويهرب، مع كونه غير محاربٍ ، (والمحتال) على أموال النّاس (بشهادة الزّور وغيرها) كالرسائل الكاذبة، (والمُبنَّج) وهو من أعطى البَنج حتّى خرج من العقل، ثمّ أخذ منه شيئاً، ومن سقى غيره مُرقداً فأخذ منه شيئاً (بما يرتدع به) غيرهم، ويزجرهم لفعلهم المُحرّم (ويُستعاد منهم ما أخذوه) ولا يقطعون، بلا خلافٍ في شيء من تلكم، بل عليها الإجماع كما في بعض العبائر(1).

والمستند: - مضافاً إلى ما مرّ، حيث إنّه يكون بعض شرائط القطع من أخذ المال من الحِرز وغيره مفقوداً، فلا قطع، وفَعَلوا المُحرّم فيعزَّرون، واستعادة المال لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها - جملةٌ من النصوص في الأولين:

منها: موثّق أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا أقطعُ في الدّغارة المعلنة وهي الخِلسة، ولكن اُعزّره»(2).

ص: 324


1- جواهر الكلام: ج 41/598.
2- الكافي: ج 7/225 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/268 ح 34729.

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام: في رجلٍ اختلس ثوباً من السوق، فقالوا قد سرق هذا الرّجل، فقال عليه السلام: إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة»(1).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «قال عليه السلام: من سرق خِلسةً خَلَسها لم يُقطع، ولكن يُضرب ضرباً شديداً»(2).

ومنها: خبر البصري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ليس على الذي يَستلبُ قطعٌ »(3).

ونحوها أخبار كثيرة(4).

والمستفاد منها تفسير المختلس بما ذكرناه في تفسير المُستَلب.

قيل: ولعلّه اُريد به ما يعمّ المستلب.

وأمّا صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، المتضمّن قطع الكاذب في الرسالة، فقد حَمَله الشيخ على كون القطع للإفساد لا للسرقة(5).

ويردّه: التصريح فيه بأنّ القطع للسرقة.

وفي «الرياض»(6)، و «الجواهر»(7): حمله على قضيّةٍ في واقعة اقتضت المصلحة فيها ذلك.8.

ص: 325


1- الكافي: ج 7/226 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/268 ح 34730.
2- وسائل الشيعة: ج 28/269 ح 34733.
3- الكافي: ج 7/226 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/270 ح 34736.
4- وسائل الشيعة: ج 28/268 باب أنّه لا قطع على المختلس وعليه التعزير.
5- نسبه إليه في مسالك الأفهام: ج 15/20.
6- رياض المسائل: ج 16/167.
7- جواهر الكلام: ج 41/598.

ويَردُّ عليهما: أنّ السؤال عن حُكمٍ كلّي، وليس فيه ما يشهد بكونه قضيّة في واقعة.

فالحقّ أن يقال: إنّه شاذٌّ لا عامل به، فيُطرح.

***

ص: 326

مسائل: الأُولى: إذا وطأ العاقل البالغ بهيمةً عُزِّر،

حَدُّ وطء البهائم

أقول: في المقام (مسائل) ينبغي التعرّض لها:

المسألة (الأُولى: إذا وطأ العاقل البالغ بهيمة عُزِّر) بلا خلافٍ ، ويشهد به:

1 - صحيح الفضيل وربعي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍيقع على البهيمة ؟

قال عليه السلام: ليس عليه حَدٌّ، ولكن يُضرب تعزيراً»(1).

2 - والمرويّ عن «قُرب الإسناد»: «في راكب البهيمة ؟ قال عليٌّ عليه السلام: لا رجم عليه ولا حَدّ، ولكن يُعاقب عقوبةً موجعة»(2).

3 - وخبر العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ يقعُ على بهيمة ؟ فقال: ليس عليه حَدٌّ، ولكن يُضرب تعزيراً»(3).

4 - وحسن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام، في حديثٍ : «يُجلد دون الحَدّ»(4).

5 - وموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عليه أن يُجلد حَدّاً غير الحَدّ»(5).

ونحوها غيرها(6).

أقول: وبإزاء هذه النصوص طائفتان من النصوص:

ص: 327


1- التهذيب: ج 10/61 ح 5، وسائل الشيعة: ج 28/359 ح 34965.
2- وسائل الشيعة: ج 28/361 ح 34971، قرب الإسناد: ص 50.
3- الإستبصار: ج 4/223 ح 4، وسائل الشيعة: ج 28/358 ح 34963.
4- الفقيه: ج 4/47 ح 5060، وسائل الشيعة: ج 28/358 ح 34964.
5- الكافي: ج 7/204 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/357 ح 34962.
6- وسائل الشيعة: ج 28/357 باب تعزير ناكح البهيمة وجملة من أحكامه.

إحداهما: ما يدلّ على أنّه يُقتل:

منها: صحيح جميل، عن مولانا الصادق عليه السلام: «في رجلٍ أتى بهيمة ؟

قال عليه السلام: يُقتل»(1).

ومنها: خبر سليمان بن هلال، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يأتي البهيمة ؟

فقال عليه السلام: يُقام قائماً ثمّ يُضرب ضربةً بالسّيف اخذَ السّيفُ منه ما أخذ.

قال: فقلت له: هو القتل ؟ قال: هو ذاك»(2).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ حَدّه حَدّ الزّاني:

منها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ أتى بهيمة فأولج ؟

قال: عليه حَدّ الزّاني»(3).

ومنها: خبر أبي فروة، عن سيّدنا الباقر عليه السلام: «الذي يأتي بالفاحشة والذي يأتي البهيمة حَدّه حَدّ الزّاني»(4).

أمّا الطائفة الأُولى : فمحمولةٌ على من تكرّر منه الفعل، وتخلّل بينه التعزير، وكان ذلك في المرّة الثالثة أو الرابعة.

وأمّا الثانية: فعن الشيخ(5) احتمال حملها على ما إذا أعاد بعد التعزير، أو حملها على ما إذا تحقّق الإيلاج، ونصوص التعزير على الإتيان دون الإيلاج.

وفيه: كلاهما تبرّعيّان ولا شاهد لهما.0.

ص: 328


1- التهذيب: ج 10/61 ح 6، وسائل الشيعة: ج 28/359 ح 34966.
2- الكافي: ج 7/200 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/153 ح 34446.
3- التهذيب: ج 10/61 ح 7، وسائل الشيعة: ج 28/360 ح 34968.
4- التهذيب: ج 10/62 ح 10، وسائل الشيعة: ج 28/360 ح 34969.
5- التهذيب: ج 10/62 ح 10.

ثمّ إنّ كانت مأكولة اللَّحم حَرُم لحمها ولحم نسلها، وتُذبح وتُحرق، ويُغرّم قيمتها لصاحبها، ولو اشتبهت قُسِّم القطيع نصفين، ثُمّ أُقرع، ثُمّ قُسّم الخارج بالقرعة إلى أن يقع إلى واحدة.

فالحقّ أن يقال: إنّها تعارض مع نصوص التعزير، ويُقدّم تلكم النصوص للشهرة التي هي أوّل المرجّحات، والمشهور بين الأصحاب أنّ تقدير التعزير إلى الإمام كغيره ممّا يثبت فيه التعزير لإطلاق نصوصه.

ولكن في موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وخبر الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام في الرّجل يأتي البهيمة ؟

إنّهم قالوا جميعاً: «وضُرب هو خمسة وعشرون سوطاً رُبع حَدّ الزّاني»(1).

وحملها على كون ذلك أحد الأفراد خلافُ الظاهر، بل الجمع بينهما وبين ما اُطلق فيه التعزير، يقتضي البناء على تقييد إطلاق تلك النصوص بهذه، وهذا هو الأظهر، إلّاأن يثبت الإجماع على خلافه، أو الشهرة الموجبة لوهن هذه.

وكيف كان، فالاحتياط بعدم الزيادة على هذا العدد لابدّ من رعايته.

أقول: (ثُمّ ) إنّ البهيمة الموطوءة:

(إنْ كانت مأكولة اللَّحم) أي مقصودة بالأكل عادةً كالشاة والبقرة ونحوهما ممّا يُسمّى في العرف بهيمة دون نحو الطير (حَرُم لحمها، ولَحم نسلها، وتُذبح وتُحرق ويُغرّم قيمتها لصاحبها، ولو اشتبهت قُسّم القطيع نصفين، ثُمّ أُقرع، ثُمّ قُسّم الخارج بالقرعة إلى أن يقع إلى واحدة) فيُعمل بها ما يُعمل بالمعلومة ابتداءً .1.

ص: 329


1- الكافي: ج 7/204 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/357 ح 34961.

ولو كانت غير مأكولة اللَّحم، اُخرجت من البلد، وبيعت في غيره، ويُغرّم قيمتها لصاحبها إن لم يكن له، ويتصدّق بالثمن على رأي. ويثبتُ بشهادة عدلين، أو الإقرار مرّتين.

(ولو كانت غير مأكولة اللَّحم) أي كان المقصود منها ظهرها كالبغل والحمار (اُخرجت من البلد، وبيعت في غيره، ويُغرّم قيمتها لصاحبها إن لم يكن له، ويتصدّق بالثمن على رأي).

وقد مرّ الكلام في جميع تلكم في كتاب الأطعمة والأشربة، فلا نعيد.

(ويثبتُ ) موجب التعزير:

1 - (بشهادة عدلين) بلا خلافٍ ، إلّاما قيل من إشعار كلام «المبسوط»(1)باشتراط أربعة رجال، أو ثلاثة مع امرأتين.

ويشهد لكفاية شهادة عدلين، عموم ما دلّ (2) على حجيّتها، وثبوت الحقوق وغيرها بها، فإنّ الخارج خصوص الزّنا كما دلّت على ذلك النصوص(3)، وقياس ذلك بالزّنا مع الفارق.

(أو الإقرار مرّتين) إجماعاً(4).

إنّما الكلام في كفاية الإقرار مرّة واحدة(5):).

ص: 330


1- النهاية: ص 708.
2- وسائل الشيعة: ج 27 باب 5، و 15 من أبواب كيفيّة الحكم في القضاء.
3- وسائل الشيعة: ج 28 باب 5، و 12 من أبواب حَدّ الزّنا.
4- جواهر الكلام: ج 41/430 /.
5- قال المحقّق الحِلّي في المختصر النافع: ج 1/227: (ويثبت هذا الحكم بشهادة عدلين أو الإقرار ولو مرّة، وعدّة آخرين كذلك).

قيل: المشهور بين الأصحاب ذلك(1).

وعن الحِلّي(2)، وابن حمزة(3)، وظاهر الماتن هنا عدم كفايته، واشتراط الإقرار مرّتين، وعن «المختلف»(4) الميل إليه.

وجه الأوّل: عموم ما دلّ على(5) أنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

ووجه الثاني: ما مرَّ في الحَدّ من بنائهم على اعتبار الإقرار مرّتين في الحَدّ فيما يعتبر فيه شهادة عدلين، ويمكن استفادته من(6) ما تضمّن توجيه الإمام عليه السلام لاعتبار الإقرار مرّتين في ثبوت السَّرقة بالمقايسة بالزّنا، وأنّه كما أنّ الزّنا حيثُ لا يثبت إلّا بشهادة أربعة رجال، فيعتبر في الإقرار به أن يكون أربع مرّات، كذلك السَّرقة لاتثبتُ إلّابشهادة عدلين، فيعتبر في الإقرار المُثبِت لها أن يكون مرّتين.

أضف إلى ذلك: ما في «الرياض»(7) بعد قوله: (ولم نعرف له مستنداً)، (إلّا أن يكون الاستقراء، ولا بأس به إنْ أفاد ظنّاً معتمداً، ويحتمل مطلقاً لإيراثه الشُّبهة الدارئة لا أقلّ منها هذا في العقوبة).

وأمّا بالنسبة إلى سائر الأحكام:

فإن كانت الدّابة لنفسه، فلا ينبغي التوقّف في ثبوته بالإقرار مرّة لعموم دليله.9.

ص: 331


1- كما نسبه في كشف اللّثام: ج 10/516 للمشهور واعتبره الأوفق بالعمومات.
2- السرائر: ج 3/470.
3- الوسيلة: ص 415.
4- مختلف الشيعة: ج 9/186.
5- وسائل الشيعة: ج 23/184 باب صحّة الإقرار من البالغ العاقل ولزومه له.
6- وسائل الشيعة: ج 28/250 ح 34683.
7- رياض المسائل: ج 16/174 (ط. ج)، وفي القديمة: ج 2/499.

ولو تكرّر التعزير قُتِل في الرابعة.

الثانية: من زنى بميّتةٍ فهو كمن زنى بحيّةٍ في الحَدّ، واعتبار الإحصان،

وإنْ كانت لغيره، فقد يقال بعدم ثبوته بالإقرار ولو مرّات، لأنّه إقرارٌ في حقّ الغير.

ولي فيه تأمّلٌ ، فإنّه إقرارٌ على نفسه، لفرض ثبوت الغرامة عليه، واللّه العالم.

ولا يثبتُ موجب التعزير بشهادة النساء، ولو منضمّات، لما دلّ على(1) عدم ثبوت الحَدّ بها الشامل للتعزير.

(ولو تكرّر التعزير قُتل في الرابعة) أو الثالثة على الخلاف المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة.

***

بيان حَدّ وطء الميّتة من بنات آدم

المسألة (الثانية: من زنى بميّتةٍ ) من بنات آدم (فهو كمن زنى بحَيّةٍ في الحَدّ، واعتبار الإحصان) وغير ذلك، كما هو المشهور بين الأصحاب(2).

وفي «الرياض»(3): (بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع في ظاهر بعض العبارات).

وفي «الجواهر»(4): (بلا خلافٍ أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع).

ص: 332


1- وسائل الشيعة: ج 27/350 باب ما تجوز شهادة النساء فيه وما لا تجوز.
2- مجمع الفائدة: ج 13/358.
3- رياض المسائل: ج 16/175.
4- جواهر الكلام: ج 41/644.

ويُغلّظ هاهنا العقوبة.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك، وإلى ما عن «الانتصار»(1)، و «السرائر»(2) من الإجماع على كونه زنا، فيدخل في عموم ما دلّ على أحكامه - خبر عبد اللّه بن محمّد الجُعفي، قال:

«كنتُ عند أبي جعفر عليه السلام وجاء كتاب هشام بن عبد الملك: في رجلٍ نبش امرأةً فسلبها ثيابها ونكحها؟

فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: إنّ حرمة الميّت كحرمة الحَيّ ، تُقطع يده لنبشه وسلبه الثياب، ويُقام عليه الحَدّ في الزّنا، إن أحصن رُجم، وإنْ لم يكن أحصن جُلد مائة»(3).

وأمّا الخبر المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ زنى بميتة ؟

قال عليه السلام: لا حَدّ عليه»(4)، فلضعفه في نفسه، وعدم عمل الأصحاب به يُطرح، أو يُحمل على إرادة أنّه لا حَدَّ موظّفٍ مخصوصٍ به، وحَدّه حَدّ الزّاني بحَيّةٍ ، أو على من أتى زوجة نفسه بعد موتها، أو يُحمل على الإنكار.

وبالجملة: لا شبهة في أنّ حَدّه حَدّ من زنى بحيَّة.

(ويُغلّظ هاهنا العقوبة) زيادةً على الحَدّ، بلا خلافٍ :

1 - لأنّ الفعل هنا أفحش.4.

ص: 333


1- كما حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 41/644، بقوله: (وعمّا عن الانتصار والسرائر من الإجماع على تحقّق الزّناء بوطء الميتة الأجنبيّة بلا شبهة).
2- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 41/644.
3- الكافي: ج 7/228 ح 2، وسائل الشيعة: ج 28/278 ح 34755.
4- التهذيب: ج 10/63 ح 14، وسائل الشيعة: ج 28/362 ح 34974.

ولو كانت الميّتة زوجةً عُزِّر، ويثبتُ بأربعة.

2 - ولمرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام: «في الذي يأتي المرأة وهي ميتة ؟

قال عليه السلام: وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها وهي حَيّة»(1).

(ولو كانت الميّتة زوجةً عُزِّر) بلا خلافٍ يوجد، لأنّه ليس زناً كي يثبت عليه الحَدّ، ولا يكون جائزاً، لأنّ ظاهرهم الاتّفاق على حرمة وطئها بعد الموت، فيثبت عليه التعزير كما في سائر المحرّمات.

(ويثبت) الزّنا بالميتة (بأربعة) شهودٍ ذكورٍ عدول إجماعاً(2).

إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر الأربعة، أم يكفي شهادة عدلين ؟

فالمشهور هو الأوّل.

وعن الشيخين(3)، وابن حمزة(4)، وجماعة(5): اختيار الثاني.

ويشهد للأوّل: عموم ما دلّ على توقّف ثبوت الزّنا على الأربعة.

واستدلّ للثاني: بعموم التعليل في خبر إسماعيل بن أبي حنيفة، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف صار القتل يجوزُ فيه شاهدان، والزّنا لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود، والقتل أشدّ من الزّنا؟6.

ص: 334


1- التهذيب: ج 10/63 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/362 ح 34973.
2- رياض المسائل: ج 16/179.
3- المقنعة: ص 790، النهاية: ج 3/311.
4- الوسيلة: ص 415.
5- راجع جامع الشرايع: ص 556.

فقال عليه السلام: لأنّ القتل فعلٌ واحد، والزّنا فعلان، فمن ثَمّ لا يجوزُ إلّاأربعة شهود على الرّجل شاهدان، وعلى المرأة شاهدان»(1) وهو كالصحيح سنداً، لكون الراوي البزنطي، والظاهر أنّه إلى ذلك نظر المحقّق في «النافع» حيث قال:

(وفي روايةٍ : يكفي اثنان لأنّها شهادة على فعلٍ واحد)، وإلّا فلم نقف على رواية تدلّ على ذلك.

أقول: وكيف كان، فيردّ على الاستدلال به أنّ الظاهر كونه من قبيل الحكمة لا العلّة، وذلك لأنّ شهادة الاثنين تُسمع على الألف فصاعداً، مع أنّه ينتقض بالزّنا بالمكرَهة والمجنونة والنائمة وغيرهنّ ، فإنّ الفعل فيها واحدٌ ولا شكّ في اعتبارالأربعة.

أضف إلى ذلك: أنّه في بعض(2) النصوص استدلّ الإمام بذلك على بطلان القياس، وعليه الأظهر اعتبار الأربعة.

نعم، الظاهر كفاية ثلاثة رجال مع امرأتين، لعموم أدلّتها.

وعن «القواعد»(3): الإشكال في ذلك.

وفي «الجواهر»(4): ولعلّه من ابتناء الحدود على التخفيف، وأنّ الأصل والنّص والفتوى عدم قبول شهادتهنّ في الحدود، خرج الزّنا بالحيّة بالنَّص والإجماع، ومن كونه زنا، أو أضعف منه).

ولكن ابتناء الحدود على التخفيف لا يُلازم عدم الثبوت بها، بعد دلالة الدليل6.

ص: 335


1- الكافي: ج 7/404 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/137 ح 35331.
2- وسائل الشيعة: ج 27/46 ح 33175.
3- قواعد الأحكام: ج 3/524.
4- جواهر الكلام: ج 41/646.

وحكمُ اللّائط بالميّت حكم اللّائط بالحَيّ ، ويُغلّظ عقوبته.

الثالثة: من استمنى بيده عُزِّرَ.

عليه، والخارج عمّا دلّ على عدم قبول شهادتهنّ ليس خصوص الزّنا بالحيّة بل مطلق الزّنا.

هذا في وطء الأجنبيّة.

أمّا في وطء الرّجل زوجته بعد الموت: فالظاهر الثبوت بشهادة عدلين:

لعموم دليل(1) البيّنة، واختصاص ما دلّ (2) على اعتبار الأربعة بالزّنا غير الصادق على المورد.

وبما قدّمناه يظهر حكم الإقرار فإنّه يعتبر أربع مرّات في وطء الأجنبيّة كسائر موارد الزّنا، وفي وطء الزوجة الخلاف المتقدّم مراراً من كفاية الإقرار مرّة أو اعتبار مرّتين.

(وحكم اللّائط بالميّت حكمُ اللّائط بالحَيّ ) لإطلاق أدلّة اللِّواط، (ويُغلّظ عقوبته) بلا خلافٍ كما في سابقه، لأنّ الفعل هنا أفحش، ولفحوى المرسل المتقدّم.

الإستمناء موجبُ التعزير

المسألة (الثالثة: من استمنى بيده) أو بغيرها من أعضاء المُستمني وغيره عدا الزوجة (عُزِّر) بلا خلافٍ ، لأنّه فَعَل محرّماً إجماعاً، كما في «الرياض»(3) وفي

ص: 336


1- وسائل الشيعة: ج 27 باب 5، و 15 من أبواب كيفيّة الحكم في القضاء.
2- وسائل الشيعة: ج 28/94 باب أن الزّنا لا يثبت إلّابمن يشهدون على معاينة الإيلاج.
3- رياض المسائل: ج 16/178.

«الجواهر»(1)، للاتّفاق ظاهراً على الحرمة.

أقول: والكلام فيه يقع في موردين:

المورد الأوّل: في حرمته حيث يشهد بها:

1 - الآية الكريمة: (وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ اِبْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ اَلعادُونَ ) (2)، وهذا الفعل يعدّ ممّا وراء ذلك.

2 - وجملةٌ من الأخبار:

منها: خبر أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه، قال: «سُئل الصادق عليه السلام عن الخضخضة ؟

فقال عليه السلام: إثمٌ عظيم قد نَهى اللّه في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمه ما أكلتُ معه.

فقال السائل: فبيِّن لي يا ابن رسول اللّه من كتاب اللّه فيه ؟ فقرأ الآية المتقدّمة.

فقال الرّجل: أيّما أكبر الزّنا أو هي ؟

فقال عليه السلام: هو ذنبٌ عظيم، الحديث»(3).

ومنها: موثّق عمّار بن موسي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «فى الرّجل ينكح بهيمة أو يَدلك ؟

فقال عليه السلام: كلّ ما أنزل به الرّجل ماءه من هذا وشبهه فهو زنا»(4)، والمراد بحكمه إثماً.7.

ص: 337


1- جواهر الكلام: ج 41/648.
2- سورة المؤمنون: الآية 5-7.
3- وسائل الشيعة: ج 28/364 ح 34978.
4- وسائل الشيعة: ج 20/349 ح 25797.

ومنها: خبر العلاء بن زرين، عن رجلٍ ، عن الصادق عليه السلام:

«عن الخضخضة ؟

فقال: هي من الفواحش، ونكاح الأمَة خيرٌ منه»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «ثلاثة لا يُكلّمهم اللّه يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم، ولهم عذابٌ أليم: الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره»(2).

أقول: وبإزائها روايتان:

إحداهما: رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الدلك ؟ فقال عليه السلام: ناكحُ نفسه لا شيء عليه»(3).

ثانيتهما: صحيحة ثعلبة بن ميمون، وحسين بن زرارة، قال:

«سألتُ أبا جعفر عليه السلام: عن رجلٍ يعبث بيديه حتّى ينزل ؟

قال عليه السلام: لا بأس به، ولم يبلغ به ذاك شيئاً»(4).

وقد حَمل الأصحاب هذين الخبرين على محامل بعيدة.

والحقّ أن يقال: إنّ الخبر الأوّل ضعيفُ السند، والثاني قاصرُ الدلالة، فإنّه ليس فيه العَبَث بيديه مع ذَكره، ولعلّ المراد العَبَث بيديه مع زوجته، فتأمّل فإنّ ظاهره العَبَث بيديه مع ذَكره، وعليه فيتعيّن طرحه لعدم إفتاء الأصحاب بمضمونه،7.

ص: 338


1- الكافي: ج 5/540 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/352 ح 25808.
2- وسائل الشيعة: ج 2/130 ح 1709، الخصال: ج 1/106.
3- الكافي: ج 5/540 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/353 ح 25809.
4- وسائل الشيعة: ج 28/363 ح 34977.

ومعارضته مع النصوص المتقدّمة، سيّما الموثّق، لأنّ قوله عليه السلام: «فهو زنا» يعارض مع قوله «لا بأس به».

فإنْ قيل: إنّه بعدما لم يكن الحَمل حقيقيّاً، فلا محالة يكون المراد أنّه بحُكمه في الحرمة، فغايته الظهور فيها، فالجمع بينهما يقتضي البناء على الكراهة والمرجوحيّة، وأمّا سائر النصوص فما بين ضعيفٍ ومجهول ومرسل، وأمّا الآية فيقيّد إطلاقها به.

قلنا: لو اُغمض عن ما في هذا الجمع، حيث أنّ الأصحاب أعرضوا عن الخبر، فهو ساقطٌ عن الحجيّة.

المورد الثاني: في تعزير المُستمني.

أقول: لا خلاف بينهم ظاهراً في أنّه يُعزّر بما يراه الحاكم، لأنّه فعل محرّماً، ويشهد به خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اُتي برجلٍ عَبث بذكره، فضَرب يده حتّى احمرّت، ثُمّ زوّجه من بيت المال»(1).

ونحوه خبر زرارة(2).

والخبران المتقدّمان الدالّان على عدم حرمة الاستمناء يعارضاهما، فلابدّ وأن يُطرحان، لإعراض الأصحاب عنهما لا غير.

ثمّ إنّ ما في الخبرين من الضَّرب إلى أن احمرّت ليس على نحو التعيين، لعدم وجود ما يدلّ عليه، فإنّه حكاية فعلٍ ، ولعلّه كان الإمام عليه السلام رأى تعزيره بهذا النحو.

وعليه، فالأظهر أنّه لا حَدّ لتعزيره بل ما يراه الحاكم.7.

ص: 339


1- الكافي: ج 7/265 ح 25، وسائل الشيعة: ج 28/363 ح 34975.
2- وسائل الشيعة: ج 28/363 ح 34977.

ويثبتُ بشهادة عدلين أو الإقرار مرّة.

الرابعة: للإنسان الدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، ويجبُ الأسهل، فإنْ لم يندفع انتقل إلى الأصعب، ومن اطّلع على دار قومٍ فزجروه فلم ينزجر فرموه بحصاةٍ أو عودٍ فجنى عليه فهو هَدرٌ.

أقول: (ويثبتُ ) التعزير المذكور:

1 - (بشهادة عدلين) لعموم أدلّة(1) حجيّتها.

2 - (أو الإقرار مرّة) لعموم دليله(2).

وفي اشتراط الإقرار مرّتين، أو الاكتفاء به مرّة كلامٌ مرّ في نظائره، والأحوط رعاية مرّتين.

المسألة (الرابعة: للإنسان الدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، ويجبُ الأسهل، فإنْ لم يندفع انتقل إلى الأصعب).

(ومن اطّلع على دار قومٍ فزجروه فلم ينزجر، فرموه بحصاةٍ أو عودٍ فجنى عليه، فهو هَدرٌ) وقد مرّ الكلام في ذلك كلّه مفصّلاً في المسألة الثالثة من مسائل الفصل الثاني عشر، فراجع(3).

***

تمّ كتاب الحدود عصر يوم الجمعة غُرّة صفر سنة 1389 من الهجرة النبويّة المباركة، والحمد للّه أوّلاً وآخراً.د.

ص: 340


1- وسائل الشيعة: ج 27 باب 5، و 15 من أبواب كيفيّة الحكم في القضاء.
2- وسائل الشيعة: ج 23 باب 3 من أبواب الإقرار.
3- صفحة 317 من هذا المجلّد.

كتابُ القِصاص

كتابُ القِصاص

اشارة

(كتابُ القِصاص) بالكسر مصدرٌ وهو والمقاصّة، والمعاوضة، والمبادلة نظائر، وأصله التلو من قَصّ الأثر، وهو تلو الأثر، والمرادُ به هنا الأخذ من الجاني بمثل ما جنى، فكأنّ المقتصّ يتبعُ أثر الجاني فيفعل مثل فعله.

وهو: إمّا في النفس، أو الطَرف، فالكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: في القِصاص في النفس:

والأصلُ فيه الكتاب والسُّنة، والإجماع.

أمّا الكتاب: فآياتٌ :

منها: قوله تعالى : (وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي اَلْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (1)، على أنّ المراد بالقصاص هنا القِصاص في القتل، والآية السابقة(2) لهذه الآية تعيّن ذلك، وإنّما فيه حياة، لأنّه:

إذا هَمّ الإنسان بالقتل وتذكّر القِصاص ارتدع، فكان ذلك سبباً للحياة.

وأيضاً: أنّه لا يُقتل إلّاالقاتل دون غيره، خلاف فعل الجاهلية الذين كانوا يتفانون بالطوائل، وفي الآية إشارةٌ إلى حكمة التشريع.

وحاصله: أنّ العفو والدِّية وإنْ كان فيهما تخفيفٌ ورحمةٌ ، إلّاأنّ مصلحة المجتمع

ص: 341


1- سورة البقرة: الآية 179.
2- سورة البقرة: الآية 178.

قائمة على القِصاص، فإنّ الحياة لا يضمنها إلّاالقِصاص، والإنسان إذا كان ذا لبٍّ يتوجّه إلى ذلك، وقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (1) أي تتّقون القتل، بمنزلة التعليل لتشريع القِصاص.

ومنها: قوله تعالى : (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِصاصُ فِي اَلْقَتْلى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ اَلْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ اَلْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (2).

(كُتبَ ) أي فُرض، وأصل الكتب الخَطّ الدّال على معنى الفرض، وقيل لأنّه ممّا كتبه اللّه في اللّوح المحفوظ على جهة الفرض، ومنه الصلاة المكتوبة أي المفروضة.

فإنْ قيل: كيف يكون فرضاً، والأولياء مخيّرون بين القِصاص والعفو وأخذ الدِّية ؟

أجبنا عنه: بأنّ الآية تدلّ على أنّه فُرض اختيار القِصاص يكون المفروض هو ما تضمّنته الآية: (اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ...) (3)، وفُرض عليكم ترك مجاوزة ما حُدّد لكم إلى التعدّي فيما لم يُجعل لكم.

ومنها: قوله عزّ وجلّ : (وَ لا تَقْتُلُوا اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (2).

والآية تنهى عن قتل النفس المحترمة، إلّاأن يستحقّ ذلك لقودٍ أو لغير ذلك من الأسباب الشرعيّة، والمراد بجعل السلطان لوليّه تسليطه شرعاً على قتل قاتل وليّه قصاصاً.3.

ص: 342


1- سورة البقرة: الآية 179. (2و3) سورة البقرة: الآية 178.
2- سورة الإسراء: الآية 33.

والمعنى : ومَن قُتِل مظلوماً وبغير الحقّ ، فقد جَعلنا بحسب التشريع لوليّه وهو وليّ دمه سلطنةً على القِصاص، فلا يُسرف الوليّ في القتل، بأن يقتل أكثر من الواحد، أو يقتل غير القاتل.

ومنها: قوله تعالى : (وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ اَلْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ ) (1).

والآية في مقام بيان حكم القِصاص في جميع الجنايات من القتل، والقطع، والجرح، والمقاتلة إنّما هي بين المقتصّ له والمقتصّ به، والمراد به أنّ النفس تُعادل النفس في باب القِصاص، والعين تقابل العين، وهكذا. والباء للمقابلة، فيؤول معنى الجملة إلى أنّ النفس تُقتل بالنفس، والعين تُفقأ بالعين وهكذا، والجروح ذوات قصاص.

وعلى الجملة: إنّ كلّاً من النفس، وأعضاء الإنسان مقتصٌّ بمثله.

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

مضافاً إلى ما يدلّ عليه بالعموم:

منها: قوله تعالى : (وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ ) (2).

ومنها: قوله تعالى : (وَ اَلْحُرُماتُ قِصاصٌ ) (3).

ونحوهما غيرهما.4.

ص: 343


1- سورة المائدة: الآية 45.
2- سورة النحل: الآية 126.
3- سورة البقرة: الآية 194.

وأمّا السُّنة: فهي فوق حَدّ الاستفاضة، بل التواتر، وستمرّ عليك طرفٌ منها في ضمن المسائل الآتية.

***

ص: 344

وفيه فصول:

الأوّل: القتل إمّا عَمدٌ وهو أن يقصد بفعله إلى القتل كمن يقصدُ قَتل إنسانٍ بفعلٍ صالحٍ له ولو نادراً.

[الفصل الأوّل: في أقسام القتل]

البحث عن القتل العَمدي

أقول: (و) يدور البحث في المقام بما (فيه فصول):

الفصل (الأوّل): في أقسام (القتل):

وهو: (إمّا عَمد) أو شبه العمَد، أو خطأ محض.

(و) أمّا قتل العمد ف (هو) يتحقّق ب (أن يقصد) البالع العاقل (بفعله إلى القتل) ولو بما لا يكون قاتلاً غالباً، فيما إذا ترتّب القتل عليه، (كمن يقصد قتل إنسانٍ بفعل صالح له ولو نادراً) على الأشهر، بل عليه عامّة المتأخّرين كما في «الرياض»(1).

وفي «الجواهر»(2): (بل لم أجد فيه خلافاً) وإن أرسل.

بل في «كشف اللّثام»(3) نسبته إلى ظاهر الأكثر وإن لم نتحقّقه، لأنّ الموضوع للقصاص هو القتل العمدي وهو يتحقّق به.

ولجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «العمد كلّ ما اعتمد شيئاً

ص: 345


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/500.
2- جواهر الكلام: ج 42/13.
3- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/439.

فأصابه بحديدةٍ ، أو بحجرٍ، أو بعصاً، أو بوكزة، فهذا كلّه عَمد، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره»(1).

ومنها: المرسل كالصحيح، عن أحدهما عليهما السلام: «قتل العمد كلّ ما عَمَد به الضَّرب فعليه القِوَد، وإنّما الخطأ أن تُريد الشيء فتصيبَ غيره»(2).

ومنها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال: «إنّما الخطأ أن تُريد شيئاً فتصيبَ غيره، فأمّا كلّ شيء قصدتَ إليه فأصبته فهو العمد»(3).

ونحوها غيرها من النصوص الدالّة عليه عموماً، بل ظهوراً في بعضها.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بأنّه إذا لم يكن الآلة ممّا يُقتل عادةً ، فمجامعة القصد معها كالقصد بلا ضرب.

2 - وبجملةٍ من النصوص الاُخر:

منها: مرسل يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إن ضَرَب رجلٌ رجلاً بعصا أو بحجرٍ فمات من ضربةٍ واحدة قبل أن يتكلّم، فهو يشبه العمد»(4).

ومثله غيره.

ومنها: صحيح أبي العبّاس، عنه عليه السلام، قال: «قلت له: أرمي الرّجل بالشيء الذي لا يقتل مثله ؟9.

ص: 346


1- وسائل الشيعة: ج 29/36 ح 35086، الكافي: ج 7/278 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35089، الكافي: ج 7/278 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 29/40 ح 35101.
4- وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35088، الكافي: ج 7/280 ح 9.

قال: هذا خطأ، ثمّ أخذ حَصاةً صغيرة فرمى بها.

قلت: أرمي الشاة فأصيبُ رجلاً؟

قال: هذا الخطأالذي لاشكّ فيه، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله»(1).

ومنها: المرسل عنه عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطأشبه العمدأن تقتله بالسوط، أوبالعصا، أوبالحجارة، إنّ دية ذلك تُغلّظ وهي مائة من الإبل، الحديث»(2).

ومنها: خبر زرارة، عنه عليه السلام: «العمد أن تعمده فتقتله بما مثله يَقتل»(3).

وقريب منها غيرها.

وأجابوا عن النصوص الدالّة على القول الأوّل، بحمل العمد فيها علي ما يشمل شبه العمد، لمقابلته بالخطإ المحض، مع أنّه لو سُلّم تعارضهما يُقدّم الثانية لموافقتها للاحتياط.

أقول: العمدة هي النصوص، وأمّا التعليل بأنّ الآلة إذا كانت ممّا لا تقتل عادةً ، فالقصدُ المجامع معها كالقصد بلا ضرب، فهو مضافاً إلى ظهور علّته اجتهادٌ في مقابل النّص.

وأمّا النصوص: فحمل الاُولى منها على ما ذكر يُنافي ما في جملةٍ منها من التصريح بالقود في العمد، وهو لا يُجامع حمله على شبيه العمد أو ما يشمله.

وأمّا الثانية: - فمضافاً إلى ضعف إسناد جملةٍ منها - قابلة للحمل على صورة عدم القصد إلى القتل، كما هو الغالب في الضَّرب بما لا يَقتلُ عادةً ، بل لو جَمع العرف3.

ص: 347


1- وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35090، الكافي: ج 7/280 ح 10 0
2- وسائل الشيعة: ج 29/39 ح 35094.
3- وسائل الشيعة: ج 29/41 ح 35103.

أو يقصد إلى فعلٍ يقتلُ غالباً وإن لم يقصد القَتل.

بين الطائفتين لا يشكّ أحدٌ في أنّ ما ذكرناه جمعٌ عرفي يفهمه كلّ أحدٍ بعد جمع المتنافيين في بادئ النظر، مع أنّه لو سُلّم التعارض، لا ريب في أنّ الترجيح للنصوص الاُولى. وأمّا الاحتياط: فقد حقّقناه في الاُصول(1) أنّه ليس من مرجّحات أحد المتعارضين على الآخر، فالأظهر تحقّق العمد به.

أقول: ولا خلاف ظاهراً في أنّه يتحقّق العمد بقصد ما يكون قاتلاً عادةً ، وإن لم يكن قاصداً للقتل ابتداءً ، وهو الذي ذكره المصنّف رحمه الله بقوله (أو يقصد إلى فعل يقتلُ غالباً، وإن لم يقصد القتل).

وعن «الفقيه»: الإجماع عليه، وعلّلوه:

1 - بأنّ القصد إلى الفعل مع الالتفات إلى ترتّب القتل عليه عادةً لا ينفكّ عن قصد القتل تبعاً(2).

2 - وبجملة من النصوص:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع عنه حتّى قُتل، أيدفع إلى أولياء المقتول ؟

قال عليه السلام: نعم، ولكن لا يُترك يُعبَث به، ولكن يُجاز عليه»(3).

ومثله غيره، فإنّها شاملة بإطلاقها لمن قَصَد القتل بالمفروض الذي هو ممّا5.

ص: 348


1- زبدة الاُصول: ج 6/335.
2- مباني تكملة المنهاج: ج 42/4.
3- الكافي: ج 7/279 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/39 ح 35095.

يَقتل مثله غالباً، وعدمه ولكن قَصَد الفعل.

ومنها: صحيح الفضل بن عبد الملك، عنه عليه السلام: «إذا ضَرب الرَّجلُ بالحديدة فذلك العَمد، الحديث»(1).

فإنّه يدلّ على أنّ الضَّرب بالحديدة التي تقتل عادةً من القتل العمدي، وإن لم يقصد الضارب القتل ابتداءً .

ومنها: صحيح زرارة وأبي العبّاس، عنه عليه السلام: «إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يَقتل مثله، والخطاء أن يتعمّده ولا يريد قتله، يقتله بما لا يقتل مثله، والخطاء الذي لا شكّ فيه أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه»(2).

فإنّ التقييد بما لا يقتل مثله يدلّ على أنّ الآلة إذا كانت قتّالة فليس هو من الخطأ، وإن لم يقصد القتل ابتداءً .

***2.

ص: 349


1- الفقيه: ج 4/105 ح 5195، وسائل الشيعة: ج 29/38 ذيل الحديث 35092.
2- وسائل الشيعة: ج 29/40 ح 35096، التهذيب: ج 10/160 ح 22.

وإمّا شبيهُ عَمدٍ: وهو أن يكون عامداً في فعله، مُخطِئاً في قصده، كمن يضربُ تأديباً فيموت.

شبيه العَمد

وأمّا إذا لم يكن الضارب قاصداً للقتل، ولم يكن الفعل قاتلاً عادةً ، كما إذا ضربه بعودٍ خفيف، أو رماه بحصاةٍ فاتّفق موته، فهل هو عَمدٌ كما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، إمّا مطلقاً كما حكاه بعض، أو إذا كان محدّداً كما هو الظاهر من العبارة التي نقلها كاشف اللّثام(2)؟

أم لا يكون عمداً، كما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (وإمّا شبيه عمدٍ، وهو أن يكون عامداً في فعله، مُخطئاً في قصده، كمن يَضرب تأديباً فيموت)؟

وفي «المسالك»(3): وهو الأشهر.

وفي «الرياض»:(4) (وعليه عامّة من تأخّر، حتّى الشهيد في «اللّمعة»، بل عليه الإجماع في «الغنية»، بل التأمّل في عبارة «المبسوط» يوجبُ الاطمئنان بأنّ الشيخ رحمه الله أيضاً يذهب إلى هذا القول).

أقول: وكيف كان، فيشهد به - مضافاً إلى عدم تحقّق العَمد في القتل - جملة

ص: 350


1- المبسوط: ج 8/77.
2- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/439.
3- مسالك الأفهام: ج 15/68.
4- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/501.

من النصوص:

منها: صحيح أبي العبّاس، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت له: أرمي الرّجل بالشيء الذي لا يقتل مثله ؟

قال: هذا خطأ، ثمّ أخذ حصاةً صغيرة فرمى .

قلت: أرمي الشاة فأصيبُ رجلاً؟

قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه، والعمد الذي يضربُ بالشيء الذي يَقتل بمثله»(1).

ومنها: خبر يونس، عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام: «إنْ ضَرَب رجلٌ رجلاً بعصا، أو بحجرٍ فمات من ضربةٍ واحدة قبل أن يتكلّم، فهو يشبه العمد، فالدّية على القاتل، وإن علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتّى يقتله، فهو عمدٌ يُقتل به، وإن ضربه ضربةً واحدةً فتكلّم ثمّ مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد»(2).

ومنها: صحيح زرارة وأبي العبّاس المتقدّم آنفاً ونحوها غيرها.

بل يدلّ عليه جميع النصوص التي استدلّ بها للقول الثاني في المسألة المتقدّمة، التي عرفت أنّ الجمع بينها وبين معارضتها إنّما يكون بحملها على هذه الصورة.

أقول: وقد استدلّ للقول الآخر:

1 - بخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو أنّ رجلاً ضرب رجلاً بخزفةٍ ، أو بآجرةٍ ، أو بعودٍ، فمات كان عمداً»(3).1.

ص: 351


1- الكافي: ج 7/280 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35090.
2- الكافي: ج 7/280 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35088.
3- الكافي: ج 7/279 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/38 ح 35091.

2 - وبمرسل جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام: «قتل العمد كلّ ما عَمَد به الضَّرب فعليه القود، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره»(1).

3 - وبخبر الحلبي، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدةٍ ، أو بحجرٍ، أو بعصا، أو بوكزةٍ ، فهذا كلّه عمد، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره»(2).

وفي «المسالك»(3): (وفي الرواية الأُولى ضعفٌ بعليّ بن حمزة، والثانية بارسالها، والثالثة في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس وهو ضعيف).

ولكن علي بن أبي حمزة يُعتمد على خبره وإنْ كان واقفيّاً، وإرسال مثل جميل، سيّما وأنّ في الطريق ابن أبي عمير لا يضرّ، ومحمّد بن عيسى ثقة.

وما ذكره ابن الوليد: من ترك رواية محمّد بن عيسى عن يونس، منشأه اعتقاد ابن الوليد توقّف جواز الرواية على القراءة عن الشيخ، أو قراءة الشيخ عليه، وكون السّامع فاهماً لما يرويه، وكان لا يعتبر الإجازة المشهورة، وكان محمّد بن عيسى عند تحمّل الرواية عن يونس صغير السِّن، فتَرَك ابن الوليد رواية محمّد بن عيسى عن يونس لعدم اعتماده على فهمه لصغره، وعدم كفاية إجازة يونس له.

غير تامّ : فإنّ الميزان هو حين الأداء لا حين التحمّل.

وعليه، فالحقّ إنّ الروايات بأجمعها محلّ الاعتماد، ولكن في دلالتها تأمّلاً من جهة كونها في مقام بيان ما يقابل الخطأ، فهي قابلة للحمل على إرادة شبيه العمد.8.

ص: 352


1- وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35089.
2- الكافي: ج 7/278 ح 2.
3- مسالك الأفهام: ج 15/68.

وإمّا خطأٌ مَحضٌ : بأن يكون مخطئاً في الفعل والقصد معاً، كمن يرمي طائراً فيُصيب إنساناً، وكذا أقسام الجراح. ويثبتُ القِصاص بالأوّل مع صدوره من البالغ العاقل، في النفس المعصومة المتكافئة،

ومع التنزّل، فهي بأجمعها مطلقات من حيث أنّ الآلة ممّا يقتل مثله عادةً وعدمه، فيقيّد إطلاقها بالنصوص المتقدّمة.

ولو سُلّم صراحتها فيما ذُكر، يقع التعارض بين الطائفتين، فأوّل المرجّحات وهي الشهرة توجبُ تقدّم تلك النصوص، وعليه فالأظهر أنّه شبيه العمد.

(وإمّا) ال (خطأ) ال (محض)، فهو (بأن يكون مُخطئاً في الفعل والقصد معاً).

وبعبارة أُخرى : أن يفعل فعلاً لا يريد به إصابة المقتول فيُصيبه (كمن يرمي طائراً فيصيبُ إنساناً) فيقتله، أو لا يقصد الفعل أصلاً، كمن يزلق رجله فيسقط على غيره، ولا خلاف في ذلك، والنصوص المتقدّمة متّفقة الدلالة على ذلك، فلاكلام فيه.

(وكذا أقسام الجراح) تنقسم إلى الأقسام الثلاثة المتقدّمة.

لا فرق بين القتل بالمباشرة أو التسبيب

(ويثبتُ القِصاص بالأوّل) أي إذا كان القتل عمديّاً (مع صدوره من البالغ العاقل في النفس المعصومة) أي المحترمة غير المهدورة، ولو بالنسبة إلى القاتل، (المتكافئة) من جهة الحريّة، والذكوريّة، وغيرهما من القيود الآتية.

ويَشهدُ لثبوت القِصاص بالأوّل: - مضافاً إلى كونه من الضروريّات، وإلى جملةٍ من الآيات المتقدّمة، والنصوص السابقة - روايات كثيرة:

ص: 353

سواءٌ كان مباشرةً كالذبح والخَنق،

منها: صحيح الحلبي وعبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من قتل مؤمناً متعمّداً قِيد منه، إلّا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدِّية، بالسَّهم والحَجَر، والضَّرب المتكرّر بالعصا بحيث لايحتمله مثله، والإلقاء إلى الأسد فيفترسه، الحديث»(1).

يقال: أقدتُ القاتل بالقتيل أي قتلته به، وسُمِّي قِودَاً لأنّهم يقودون الجاني بحبلٍ أو غيره، قاله الأزهري(2).

ومنها: خبر الحكم بن عتيبة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ليس الخطاء مثل العمد، العمد فيه القتل»(3).

ومنها: مرسل يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من قَتَل مؤمناً متعمّداً فإنّه يُقاد به»(4).

ومنها: مرسل ابن فضّال، عنه عليه السلام: «كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد، فعليه القود»(5).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا القيود المذكورة فسيأتي الكلام فيها في شرائط القِصاص إن شاءاللّه تعالى .

ويثبت القِصاص:

1 - بالعمد (سواءً كان مباشرةً كالذبح والخَنق) باليد، وسَقي السُّم القاتل بإيجاره3.

ص: 354


1- التهذيب: ج 10/159 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/53 ح 35131.
2- راجع شرح اللّمعة: ج 10/15.
3- وسائل الشيعة: ج 29/53 ح 35132.
4- الكافي: ج 7/282 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/52 ح 35129.
5- التهذيب: ج 10/162 ح 27، وسائل الشيعة: ج 29/53 ح 35133.

أو تسبيباً كالرّمي بالسَّهم والحَجَر، والضَّرب المتكرّر بالعَصا، بحيث لايحتمله مثله، والإلقاء إلى الأسد فيفترسه،

في حلقه، والضَّرب بالسكين والسّيف والحَجَر الغافر الكابس على البدن لثقله، والجرح في المقتل ولو بغَرز الإبرة ونحو ذلك ممّا يكون فعل الفاعل علّة تامّةً للقتل، أو جزءاً أخيراً للعلّة، بحيث لا ينفكّ الموت عن فعل الفاعل زماناً.

2 - (أو تسبيباً كالرَّمي بالسَّهم والحَجَر) نحو من أراد قتله فأصابه فمات بعد مدّةٍ من الزمن (والضَّرب المتكرّر بالعصا، بحيثُ لا يحتمله مثله، والإلقاء إلى الأسد فيفترسه).

والضابط: أنّ يكون واسطةً بين فعل الفاعل وزهاق الروح من المقتول، وكان ذلك غير الفعل الاختياري من شخصٍ آخر، إذ الميزان في القِصاص كما عرفت كون القتل عمديّاً، وعرفت أنّ ملاك العمد في القتل هو إيجاد عملٍ يَقصدُ به القتل، أو يترتّب عليه غالباً، وهذا الميزان يتحقّق في جميع هذه الموارد، وعلى ذلك فلا فائدة في النزاع في بعض ما ذُكر أنّه من القتل المباشري أو التسببي بعد عدم كون العنوانين دخيلين في الحكم، ولعلّه لذلك وَقَع الخلط في كلمات الفقهاء، فالمصنّف ذكر الخَنق في المتن بالمباشرة، وفي بعض كتبه بالتسبيب(1)، وكذلك وقع للمحقّق(2).

وأمّا ما يظهر من بعض النصوص من اعتبار عدم الفصل بين الفعل وزهاق الروح في صدق العمد وعدمه:7.

ص: 355


1- إرشاد الأذهان: ج 2/194.
2- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/27.

كخبر العلاء، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «العمد الذي يضرب بالسلاح أو بالعصا لا يقلع عنه حتّى يقتل»(1).

ومرسل يونس، عنه عليه السلام في حديثٍ : «وإن علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتّى يقتله، فهو عمدٌ يقتل به، وإن ضربه ضربةً واحدةً فتكلّم ثُمّ مكثَ يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد»(2).

فالظاهر أنّ تلك النصوص في مقام بيان الفرق بين الفعل الذي يترتّب عليه القتل بحسب العادة والغالب، وما لا يترتّب عليه إلّانادراً، وأنّه لا يعتبر في صدق العمد في الأوّل قصد القتل ابتداءً ، ويعتبر فيه في الثاني.

الموت بالإلقاء في النّار

أقول: وتمام الكلام في المقام يتحقّق ضمن مسائل:

المسألة الأُولى: لو طرحه في النار:

فإن كان متمكّناً من الخروج ولم يخرج باختياره، فلا قِود، ولا دية، لأنّ الموت مستندٌ إلى نفسه لا إلى المُلقي، فلا يتحقّق موجب القِصاص.

وأمّا الدِّية: ففي ثبوتها قولان:

أحدهما: الثبوت، لأنّه هو الجاني بالقائه في النار، وعدم الخروج لا يُسقط الضمان عن الجاني.

والثاني: إنّه لا دية عليه أيضاً، ولعلّه المشهور بين الأصحاب، لأنّه بتمكّنه من

ص: 356


1- الكافي: ج 7/280 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35087.
2- الكافي: ج 7/280 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/37 ح 35088.

الخروج وبقائه في النار، هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، فهو كمن خَرَج من النار ثمّ عاد إليها، وهذا أقوى .

نعم، على المُلقي ضمان ما شيطته النار عند وصوله إليها إلى أن يخرج منها في أوّل أوقات الإمكان.

وإن عُلم بأنّه لم يكن متمكّناً من الخروج منها، وإنجاء نفسه من الهلاك، فلا إشكال في القِود، لتحقّق موضوعه وهو القتل العمدي.

ولو مات واشتبه الأمر، هل كان قادراً على الخروج فتركه تخاذلاً، أم لا؟

ففي «القواعد»(1): (ضمنه وإنْ قَدَر على الخروج، لأنّ النّار قد تُرعبه وتُدهشه وتُشنِّج أعضائه بالملاقاة، فلا يظفر بوجه التخلّص).

فالكلام في موردين:

الأوّل: في القود.

الثاني: في الدِّية.

أمّا القِود: فقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: ما أفاده الشهيد رحمه الله ويردّه: أنّ المقتضي له هو القتل العمدي وهو في الفرض مشكوكٌ فيه، وليس الإلقاء من حيثُ هو مقتضياً لشيء، مع أنّه لو سُلّم كونه مقتضياً، فالقدرة على الخروج من قبيل المانع لا المُسقِط، فمع الشكّ فيه لا يُبنى على تحقّق المقتضى بالفتح إلّاعلى القول بحجيّة قاعدة المقتضي والمانع.

الوجه الثاني: أنّ الظاهر من حال الإنسان أن لا يتخاذل عن الخروج حتّى 5.

ص: 357


1- قواعد الأحكام: ج 3/585.

يحترق، وهو مقدّمٌ على الأصل.

ويردّه: أنّه لو أوجب الاطمئنان فهو الحجّة، فيدخل في الصورة الثانية، وإلّا فلا دليل على حجيّة هذا الظاهر.

الوجه الثالث: أصالة الاحتياط في الدِّماء.

وفيه: أنّها تقتضي عدم القَود للأصل.

وأمّا الدِّية: فقد استدلّ لها - مضافاً إلى ما مرّ الذي عرفت ما فيه -:

1 - بأصالة الاحتياط في الدِّماء، بدعوى أنّها وإنْ كان لا تقتضي القِصاص لما مرّ، وللشُبهة بناءً على أنّه كالحَدّ يُدرأ بها، إلّاأنّها تقتضي الدِّية حفظاً لأن يذهب هَدراً.

2 - وبأنّ الأصل هو الضمان في موارد الشكّ فيه.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ أصالة الاحتياط بالمعنى المشار إليه لا مَدرك لها، غاية ما هناك أنّه لو شُكّ في موردٍ أنّه مهدور الدَّم أو محترمه، فإنّ مقتضى الأصل عدم جواز القتل، ولا دليل على أزيد من ذلك.

ويرد على الثاني: أنّ الأصل عدم الضمان عند الشكّ فيه.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر أن لا قصاص ولا دية.

ولو أحرقه بالنار قاصداً به قتله، وكان متمكّناً من إنجاء نفسه بالمداواة، وتركها باختياره فماتَ ، فالظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في أنّ عليه القِصاص.

واستدلّ له في «المسالك»(1): (بأنّ التلف هنا مستندٌ إلى الجرح الواقع عدواناً،3.

ص: 358


1- مسالك الأفهام: ج 15/73.

بخلاف الموت بالنّار في الصورة السابقة، فإنّه مستندٌ إلى احتراقٍ متجدّدٍ عن الأوّل الواقع عدواناً).

أقول: وأوضحه الاُستاذ(1) وشيّد أركانه، بأنّ القتل مستندٌ إلى فعله وهو الجرح والإحراق، وترك المداواة وإنْ كان دخيلاً في تحقّق الموت، إلّاأنّ الموت لم يُستند إليه، فإنّه إنّما هو من آثار المقتضي، والمداواة من قبيل المانع، فإذا لم يوجد ولو اختياراً استند الأثر إلى المقتضي، فإنّ الموجود إنّما ينشأ من الموجود، ويترتّب عليه، ولا يستند إلى الأمر العدمي، فالقتل عند عدم المداواة يستندُ إلى المُحرِّق دون المقتول، وذلك نظير من قَتَل شخصاً وكان المقتول متمكّناً من الدفاع عن نفسه ولم يدفع حتّى قُتِل، فإنّه لا يُشكّ في استناد القتل إلى القاتل دون المقتول.

وفيه: إنّ المقتضى للحرقة ولزهاق الروح هو النّار، وفعلُ القاتل إنّما هو من قبيل إيجاد ما هو شرط، وكما أنّه في الصورة الأُولى عدم الخروج إبقاءٌ للشرط، ولذا عبّر الشهيد رحمه الله(2) عنه باحتراق متجدّد، فكذلك المداواة إيجادُ للمانع، ولا فرق في استناد الموت إلى الشخص بين كونه موجداً أو مُبقياً للشرط، وكونه غير موجدٍ للمانع ورافعاً له.

وبعبارة أُخرى : إنّه في استناد القتل إلى الشخص يكفي كون الجزء الأخير للعلّة التامّة مستنداً إليه، ولا يعتبر أزيد من ذلك.

وعليه، فكما أنّه في الصورة الأُولى يُستند القتل إلى نفسه لتركه الخروج، كذلك في الصورة الثانية يُستند إليه لتركه المداواة.3.

ص: 359


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/6.
2- مسالك الأفهام: ج 15/73.

وكذا لو جَرَحه فسرتِ الجناية فماتَ .

وعليه، فالأظهر عدم الفرق بين الصورتين، إلّاأن يكون إجماعٌ تعبّدي على الفرق.

ومثلهما ما لو ألقاه في الماء فأمسك نفسه تحته مع القدرة على الخروج، فلا قصاص ولا دية، والظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

موتُ المَجنيّ عليه بالسِّراية اتّفاقاً

المسألة الثانية: قال المصنّف رحمه الله: (وكذا) أي يثبتُ القِصاص (لو جَرَحه) ولو لم يكن الجرح ممّا يَقتلُ غالباً، ولم يكن الجاني قد قَصَد به القتل، (فَسَرتِ الجناية فماتَ ) اتّفاقاً، وهو المشهور بين الأصحاب.

أقول: الحكم ظاهرٌ في ما لو كان الجرح بما يَقتلُ غالباً، أو قَصَد به القتل، لما عرفت من أنّه يصدق عليه القتل العَمدي، وأمّا إذا لم يكن ممّا يَقتُلُ غالباً، ولا قَصَد به ذلك، فمقتضى إطلاق كلمات الأصحاب ثبوت القِوَد، ولكنّه مشكلٌ كما اعترف به جماعة، إذ الجناية مضمونة بمقدارها المقصود، والموتُ المترتّب في الفرض غير مقصودٍ، ولا ممّا يترتّب على الجناية غالباً، فلا يكون عمديّاً، بل هو شبيهٌ بالعمد الذي عرفت أنّه متقوّمٌ بقصد الفعل المترتّب عليه القتل اتّفاقاً من دون قصد.

ويؤكّد ذلك معتبر ذريح، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ شجّ رجلاً موضحةً ، وشجّه آخر دامية في مقام واحدٍ، فمات الرّجل ؟

ص: 360

قال عليه السلام: عليهما الدِّية في أموالهما نصفين»(1).

فإنّه يدلّ على أنّ الموت إذا ترتّب على الجناية اتّفاقاً، فلا قصاص، بل يجبُ الدِّية، ونظير هذه المسألة ما لو ألقى نفسه من شاهقٍ على إنسان عمداً، فإنْ قَصَد به القتل، أو كان ممّا يترتّب عليه القتل عادةً فَقَتَله، فإنّ عليه القود، لأنّ القتل عمدي.

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «في الرّجل يسقط على الرّجل فيقتله ؟ قال عليه السلام: لا شيء عليه»(2).

وخبر عبيدبن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ وقع على رجل فقتله ؟ فقال عليه السلام: ليس عليه شيء»(3).

ونحوهما غيرهما، فظاهرها الوقوع لا عن عمدٍ، فغير مربوطة بمفروض المسألة.

وأمّا إذا لم يقصد به القتل، ولم يكن ممّا يقتلُ عادةً ، فلا قِوَد عليه، لعدم كون القتل عمديّاً، وعلى جميع التقادير إذا مات المُلقى فدمه هَدْرٌ لاستناد قتله إلى نفسه.

حكمُ ما لو كان الجارح والقاتل واحداً

المسألة الثالثة: ولو كان الجارحُ والقاتلُ واحداً:

فتارةً : يكون الجرح والقتل بضربةٍ واحدة، وعملٍ واحد.

وأُخرى : يكون بضربتين وعملين، كما لو قطع يده ولم يمت ثمّ قتله، فالكلام

ص: 361


1- الفقيه: ج 4/168 ح 5383، وسائل الشيعة: ج 29/280 ح 35618.
2- الفقيه: ج 4/102 ح 5186، وسائل الشيعة: ج 29/56 ح 35141.
3- الكافي: ج 7/288 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/56 ح 35140.

في موردين:

أمّا لو كان بضربة واحدة، كما لو قطع يده فمات، فالكلام فيه في موضعين:

أحدهما: في الدِّية.

ثانيهما: في القِود والقِصاص.

أمّا في الدِّية: فإنْ كان المورد من موارد ثبوت الدِّية أصالة، فلا خلاف بين الأصحاب في التداخل، وفي «الجواهر»(1): (إجماعاً منّا بقسميه).

ويشهد به صحيح أبي عُبيدة الحذّاء، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ ضَرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة، فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ، فذهب عقله ؟

قال عليه السلام: إنْ كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة، ولا يعقل ما قال، ولا ما قيل له، فإنّه يُنتَظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين السنة اُقيد به ضاربه، وإنْ لم يمت فيما بينه وبين السنة، ولم يرجع إليه عقله، اُغرم ضاربه الدِّية في ماله لذهاب عقله. قلت: فما ترى عليه في الشَّجة شيئاً؟

قال عليه السلام: لا، لأنّه إنّما ضرب ضربةً واحدة فجنت الضربة جنايتين، فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدِّية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين، لألزمته جناية ما جنتا، كائناً ما كان، إلّاأن يكون فيهما الموت بواحدة، وتُطرح الأُخرى فيقاد به ضاربه، فإنْ ضَرَبه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة، فجنينَ ثلاث جناياتٍ ، ألزمتُه جنايةَ ما جنت الثلاث ضربات، كائنات ما كانت، ما لم2.

ص: 362


1- جواهر الكلام: ج 42/62.

يكن فيها الموت، فيُقاد به ضاربه. قال: فإنْ ضَرَبه عشر ضربات، فجنينَ جنايةً واحدة، ألزمتُه تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1).

فإنّه بعموم علّته يدلّ على دخول دية الطرف في دية النفس.

ولا يضرّ اختصاص مورده بدخول دية الطرف في دية العقل، فإنّ العبرة بعموم العلّة لا بخصوص المورد.

وأمّا في الموضع الثاني: وهو القِصاص مع كون الضربة واحدة:

ففي «الرياض»(2): (دخل قصاص الطرف في قصاص النفس اتّفاقاً في الظاهر، وبعدم الخلاف فيه صريح في بعض العبائر).

لكن الشهيد الثاني رحمه الله(3) نقل عن الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» عدم التداخل، واختاره ابن إدريس(4) ناقلاً له عن الشيخ في الكتابين.

وعن «كشف اللّثام»(5): (فيمن قطع يده غيره فسَرَت إلى نفسه، لو قطع الوليّ يده ثُمّ ضَرب عنقه لم يكن عليه شيء).

ويشهد لما هو المشهور: جملةٌ من النصوص:

منها: خبر محمّدبن قيس الصحيح إليه، واشتراكه مجبورٌ بابن أبي عمير، المجمع علي تصحيح ما يصحّ عنه الراوى عنه، ولو بواسطة محمّد بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام:

«في رجلٍ فقأ عيني رجلٍ وقطع اُذنيه ثُمّ قتله ؟5.

ص: 363


1- الكافي: ج 14/419 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/366 ح 35789.
2- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/502.
3- شرح اللّمعة: ج 10/92.
4- السرائر: ج 3/396.
5- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/445.

ويدخلُ قصاص الطرف وديته في قصاص النفس وديتها، ولو جَرَحه ثُمّ قتله.

فقال: إنْ كان فَرّق ذلك اقتُصَّ منه ثُمّ يُقتل، وإنْ كان ضَرَبه ضربةً واحدة، ضُربت عنقه ولم يُقتصّ منه»(1).

ومنها: صحيح حفص بن البَختري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ ضربَ على رأسه فذهب سمعه وبصره، واعتقل لسانه، ثُمّ مات ؟

قال عليه السلام: إنْ كان ضَرَبه ضربة اقتصّ منه ثُمّ قُتِل، وإنْ كان أصابه هذا من ضربةٍ واحدةٍ ، قُتل ولم يُقتصَّ منه»(2).

أضف إلى ذلك: أنّ القتل لا ينفكّ عادةً عن الجرح.

ولو سُلّم شمول العمومات لكلّ من الجنايتين، مع أنّه ممنوعٌ ، يفيدُ إطلاقها ويُخصّص عمومها بالخبرين، وعليه فلا إشكال في الحكم، فما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (ويدخلُ قصاص الطرف وديته في قصاص النفس وديتها) تامٌّ فيما هو مورد كلامه، وهو ما لو جَرَحه فَسَرَتِ الجناية فمات.

وأمّا المورد الثاني: (و) هو ما لو كانت الجنايتان بعملين، كما (لو جَرَحه ثُمّ قتله)، فالكلام فيه أيضاً في موضعين:

الأوّل: في الدِّية.

الثاني: في القِصاص.5.

ص: 364


1- الكافي: ج 7/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/112 ح 35280.
2- التهذيب: ج 10/253 ح 35.

أمّا الموضع الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب(1) هو التداخل، والاكتفاء بديةٍ واحدةٍ وهي دية النفس.

واستشكل المحقّق الأردبيلي(2) فى التداخل فيما إذا كان الفصل بين الضربتين كثيراً.

واختار الاُستاذ(3) عدم التداخل مطلقاً.

أقول: الظاهر أنّه لا إشكال ولا كلام في التداخل مع كون الموت مستنداً إلى كليهما، والوجه فيه ظاهر، ولا إشكال أيضاً في عدم التداخل مع كون الفصل بين الضربتين زماناً معتدّاً به، لإطلاق الأدلّة، وعدم المقيّد، إذ المقيّد على فرضه صحيح أبي عبيدة، وهو في مورد ضربة بعد ضربة، فلا يشمل هذا الفرض.

وعليه، فالكلامُ في صورة توالي الضربتين زماناً:

فقد استدلّ لعدم التداخل: بأنّ صحيح أبي عبيدة الحذّاء المتقدّم ذكره يدلّ على أنّ كلّ جناية يلزم بها الجانى ما لم ينته إلى الاقتصاص، ومعه يثبت القِود، ويُطرح الباقي.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّه يدلّ على التداخل في الدِّية بدل الاقتصاص الثابتة صُلحاً، فيثبت في الدِّية الثابتة بالأصالة بعدم الفصل.

وثانياً: أنّه يدلّ على أنّ كلّ جنايةٍ يلزم بها الجاني ما لم ينته إلى الموت، لاحظ قوله عليه السلام فيه: «لألزمتُه جناية ما جَنَتا كائناً ما كان، إلّاأن يكون فيهما الموت بواحدة» وتُطرح الأُخرى ، وقوله عليه السلام: «فيقاد به ضاربه» لا يصلحُ مقيّداً له، فتدبّر.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور المُدّعى عليه الإجماع من التداخل.3.

ص: 365


1- راجع الكافي للحلبي: ص 390، النهاية: ص 771.
2- مجمع الفائدة: ج 13/446.
3- مباني تكملة المنهاج: ج 2/23.

فإنْ فُرّق اقتصّ منهما وإلّا فالنفس.

وأمّا الموضع الثاني: (فإنْ فَرّق) بينهما زمانا (اقتصّ منهما) لإطلاق الأدلّة، وعرفت قصور صحيح أبي عبيدة لصورة التفرّق زماناً.

(وإلّا) بأن كانت الضربتان متواليتين زماناً، كما إذا ضربه ضربة فقطعت يده مثلاً، ثُمّ ضَرَبه ضربة فقتله، ففيه خلاف:

فعن أكثر المتأخّرين: التداخل، وإليه أشار المصنّف رحمه الله بقوله (فالنفس).

وعن جماعةٍ منهم الشيخ رحمه الله في بعض كتبه(1)، والمحقّق، والحِلّي(2) وغيرهم: عدم

التداخل، واستدلّ لعدم التداخل:

1 - بعموم قوله تعالى : (فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1)، وقوله تعالى : (وَ اَلْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (2).

2 - ولثبوت القِصاص بالقطع والشَّجة عند فعلها، فمقتضى إطلاق دليله عدم سقوطه بالقتل، وعلى فرض الشكّ فيُستصحب.

3 - وبأنّ مقتضى صحيحي محمّد بن قيس، وحفص بن البَخترى المتقدّمين ذلك.

واُورد عليه: بأنّ صحيح أبي عبيدة المتقدّم يدلّ على التداخل، لاحظ قوله عليه السلام فيه(3): «ولو كان ضَرَب ضَربتين، فجنت الضربتان جنايتين، لألزمتُه جناية9.

ص: 366


1- سورة البقرة: الآية 194.
2- سورة المائدة: الآية 45.
3- الكافي: ج 7/325 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/366 ح 35789.

ولو أكره غيره على القتل، اقتصَّ مِن القاتل،

ماجَنَتا كائناً ما كان، إلّاأن يكون فيهما الموت بواحدة» وتُطرح الأُخرى ، فيقاد به ضاربه، وبه يرفع اليد عن العمومات والمطلقات والاستصحاب، ويُقدّم على الصحيحين، ويُحملان على صورة تفرّق الضربتين زماناً، بل صحيح محمّدبن قيس في نفسه ظاهرٌ في ذلك.

وفيه: إنّ صحيح ابن البختري لو لم يكن ظاهراً في خصوص توالي الضربتين، لا ريب في شموله له، فيقع المعارضة بينه وبين صحيح أبي عبيدة، والحَمل المذكور تبرّعي لا يُصار إليه، فلابدّ من الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقدّم صحيح ابن البختري لكونه موافقاً للكتاب.

وعليه، فالأظهر عدم التداخل.

الإكراه على القتل

المسألة الرابعة: (ولو أكره غيره على القتل):

فإنْ كان ما توعَّد به دون القتل: فلا ريب في عدم جواز القتل، إذ المعلوم ضرورةً من الشرع أهميّة النفس المحترمة، فلا ترتفع حرمة القتل بالإكراه على ما دون القتل، فلو أقدم حينئذٍ وقَتَله (اقتصَّ من القاتل) بلا كلامٍ ، وهو واضح، ويُحبس الآمر مؤبّداً، لصحيح زرارة الآتي.

وإنْ كان ما توعَّد به هو القتل: فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّ حكمه حكم

ص: 367


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/13.

الصورة الأُولى ، واستدلّوا له بأنّ الإكراه لا يتحقّق في القتل.

ويمكن توجيهه بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الفعل المُكرَه عليه إنّما هو فيما يدفع عن المكرَه - بالفتح - بفعل ما اُكره عليه، وحيثُ إنّ المكرِه لو قتل يثبت عليه القِصاص والقتل شرعاً، فلا يدفع بفعل ما اُكره عليه ما توعّد على تركه.

الوجه الثاني: إنّ حديث «رفع ما استكرهوا عليه»(1) إنّما يكون في مقام الامتنان على الاُمّة، ولا منّة على الاُمّة في القتل، وإنْ كان منّة على القاتل.

الوجه الثالث: ما دلّ من النصوص على أنّ : «التقيّة إنّما شُرِّعت ليحقن بها الدَّم، فإذا بلغ الدَّم فلا تقيّة»(2).

وعلى ذلك لو قتله والحال هذه كان عليه القِود لإطلاق الأدلّة، ولصحيح زرارة الآتي.

وأمّا ما أفاده الاُستاذ(3): في وجه عدم ثبوت القتل، بأنّ ذلك داخلٌ في باب التزاحم، إذ الأمر يدور بين ارتكاب محرّم وهو قتل النفس المحترمة، وبين ترك واجبٍ وهو حفظ نفسه، وعدم تعريضه للهلاك، وحيثُ لا ترجيح في البين، فلا مناص من الالتزام بالتخيير، وعليه فالقتل يكون سائغاً، وغير صادرٍ عن ظلم وعدوان، فلا يترتّب عليه القِصاص، ولكن يثبت الدِّية، لأنّ «دم إمرئ مسلم لايذهبُ هَدراً».3.

ص: 368


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 6/423 ح 7136.
2- الكافي: ج 2/220 ح 16.
3- مباني تكملة المنهاج: ج 2/13.

وكذا لو أمر، ويُخلّد الآمر السجن به،

فيرد عليه أوّلاً: أنّ حفظ النفس ينطبق هنا على قتل الغير، ووجوبه حتّى يَقتل غيره لا دليل عليه.

وثانياً: إنّ صحيح زرارة الآتي دالٌّ على ثبوت القِود في صورة الأمر مطلقاً.

وعليه، فمع قطع النظر عن كونه دليلاً على القِصاص، وإنْلم يشمله الأدلّة العامّة، يوجبُ رفع التزاحم، فإنّه لايحفظ نفسه بالقتل، فلارفع لحرمته وكونه ظلماًوعدواناً.

وثالثاً: إنّ ثبوت الدِّية عليه لا دليل عليه، وغاية ما يثبت بالعلّة ثبوت الدِّية، فليكن في بيت المال بعد أن القتل كان سائغاً.

وعليه، فما هو المشهور أظهر.

(وكذا) يثبتُ القِود على القاتل (لو أمر، ويُخلّد الآمر السجن به) إلى أن يموت، ويشهد به صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في رجلٍ أمر رجلاً بقتل رجلٍ فقتله ؟

فقال: يُقتل به الذي قتله، ويُحبس الآمر بقتله في الحبس حتّى يموت»(1).

ونحوه غيره.

هذا كلّه في الإكراه والأمر مع كون المأمور حُرّاً بالغاً عاقلاً.

وأمّا لو كان مجنوناً، أو صبيّاً غير مميّزٍ، فالقصاص على المكرَه بلا خلافٍ ولا إشكال، لأنّهما بالنسبة إليه كالآلة في نسبة القتل.5.

ص: 369


1- الكافي: ج 7/285 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/45 ح 35115.

وإنْ كان عبد الآمر.

والإيراد عليه: بعدم القطع لو أمرهما السيّد بالسَّرقة، في غير محلّه، للفرق بين السَّرقة والقتل، فإنّ السَّرقة لا تصدق على الآمر بخلاف القتل الذي يحصل بالتسبيب والمباشرة.

وأمّا إنْ كان مميّزاً: فلا قود عليه، لأنّ عمد الصَّبي مختاراً خطأٌ، فكيف مع الإكراه، كما سيأتي الكلام فيه، ولا قِود على المكرِه أيضاً، لعدم استناد القتل إليه، بعد كون القاتل مميّزاً، نعم على المكرِه الحبس مؤبّداً، لأنّ مورد صحيح زرارة وإنْ كان هو الرّجل، إلّاأنّه من الظاهر أنّ لا خصوصيّة له، بل الموضوع بحسب المتفاهم العرفي هو كون المتصدّي للقتل فاعلاً مختاراً، ولذا لا أظنّ أن يشكّ أحدٌ في ثبوت الحَبس على الآمر لو كان المأمور هو المرأة، وعلى عاقلة الصَّبي الدِّية كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى ، وتدلّ النصوص عليه.

وأمّا لو كان المأمور عبد الآمر، بأن أمر السيّد عبده البالغ العاقل بقتل شخصٍ ، ففيه قولان:

أحدهما: أنّه يُقتل العبد، ويُحبس مؤبّداً السيّد، والمصنّف رحمه الله أشار إلى ذلك بقوله: (وإنْ كان عبد الآمر).

وفي «الرياض»(1): جعله أشهرهما بين المتأخّرين.

ثانيهما: أنّه يُقتل السيّد، ويُخلّد العبد في السجن، وظاهر «الرياض»(2) ذهاب0.

ص: 370


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/501، وفي الطبعة الجديدة: ج 26/190.
2- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/501، وفي الطبعة الجديدة: ج 26/190.

كثيرٍ من الأصحاب إلى هذا القول.

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فمقتضى العمومات والمطلقات هو القول الأوّل، وكذا صحيح زرارة المتقدّم على إشكال، ويشهد للقول الثانى جملةٌ من النصوص:

منها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ أمر عبده أن يقتل رجلاً فقتله ؟

فقال: يقتل السيّد به»(1).

ومنها: معتبر السكوني، عنه عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ أمر عبده أن يقتل رجلاً فقتله ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وهل عبد الرّجل إلّاكسوطه أو كسيفه، يُقتل السيّد، ويُستودع العبد السجن»(2).

ورواه الصَّدوق بسنده الصحيح إلى قضايا عليّ عليه السلام إلّاأنّه قال:

«ويستودع العبد في السجن حتّى يموت»(3).

أقول: وأُورد على الاستدلال بها بوجوه أربعة:

الوجه الأوّل: ما في «الرياض»(4): من أنّ الخبرين قاصران سنداً ومكافئةً لما دلّ على القول الأوّل.

وفيه: إنّ السيّد رحمه الله(5) يعبّر نفسه عن خبر إسحاق بالموثّق كالصحيح، وعن2.

ص: 371


1- الكافي: ج 7/285 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/47 ح 35118.
2- الكافي: ج 7/285 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/47 ح 35119.
3- وسائل الشيعة: ج 29/47 ح 35119.
4- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/502.
5- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/501-502.

خبر السكوني بالقويّ ، ومع هذا التصريح كيف يدّعي قصور السند؟!

وأمّا قصورهما مكافئةً ، فهو لم ينقل سوى العمومات، وصحيح زرارة، وأشكل على الصحيح بانصرافه إلى الحُرّ، وبأنّه مرويٌ في «الفقيه»: «رجلٌ أمرَ رجلاً حُرّاً»، ومن الواضح أنّ العمومات لا تُكافيء الخاصّ ، سيّما وأن لسان الخاصّ على ما في خبر السكوني لسان الحكومة.

الوجه الثاني: ما عن الشيخ رحمه الله في «التهذيب»(1): من أنّ الخبرين مخالفان للكتاب، حيث نطق أنّ النفس بالنفس، والسُّنة، ولذلك فينبغي أن يلغى أمرهما ويكون العمل بما سواهما.

وفيه أوّلاً: إنّ المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق ليست مخالفة، فإنّ الخاصّ عند العرف قرينة على العام لا مخالف له، ولذا لا يشكّ فقيهٌ في تخصيص عام الكتاب بالخاصّ الخبري، وقد جُعل موافقة الكتاب من مرجّحات إحدى الحجّتين على الأُخرى بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحجّة عن اللاحجّة حتّى عند التعارض.

وثانياً: إنّ خبر السكوني بالتصرّف في الموضوع لا يخالف الكتاب ولو بنحو العموم والخصوص.

الوجه الثالث: ما عن الشيخ رحمه الله في «الخلاف» من معارضة هذين الخبرين مع ما دلّ على أنّ القودَ على العبد نفسه.

وفيه: إنّا لم نظفر ولم يظفر غيرنا بما يدلّ على ذلك سوى المطلقات، وصحيح0.

ص: 372


1- التهذيب: ج 10/220.

زرارة، والخبران أخصّ من الجميع، فلا تعارض بين الطائفتين.

الوجه الرابع: إنّ روايات قتل السيّد معرَضٌ عنها، وإعراض المشهور موهنٌ للخبر، ويُسقطه عن الحجيّة.

وفيه: إنّ الإعراض المسقط عن الحجيّة، هو إعراض القدماء، ولم يثبُت ذلك في المقام، بل السيّد في «الرياض»(1) نَسب القول بأنّ القود على العبد إلى الأشهر بين المتأخّرين.

ثمّ إنّ المحكيّ عن الشيخ رحمه الله في «التهذيب»(1) الجمع بين الخبرين، وبين صحيح زرارة، بحملهما على من كانت عادته أن يأمر عبده بقتل النّاس، ويُغريهم بذلك، ويُلجئهم إليه، فإنّه يجوزُ على الإمام أن يقتل من هذا حاله، لأنّه مفسدٌ في الأرض، وحمل الصحيح على ما لو كان نادراً.

قيل(3): ووافقه الحلبيّان(2) على هذا الجمع.

وفيه أوّلاً: إنّ صحيح زرارة على نقل الصَّدوق لا يشملُ المقام، ويختصّ بكون المأمور حُرّاً.

وثانياً: إنّ الخبرين أخصّ مطلق من الصحيح، فيقدّمان عليه.

وثالثاً: إنّ الجمع المزبور تبرّعيٌ لا شاهد له.

وعليه، فالأظهر أنّ السيّد هو الذي يقاد منه، وأمّا العبد فيُخلّد في السجن، هذا إذا كان العبد عاقلاً بالغاً.7.

ص: 373


1- التهذيب: ج 10/220.
2- الكافي في الفقه: ص 387، غنية النزوع: ص 407.

وأمّا إنْ كان صبيّاً غير مميّزٍ أو مجنوناً كذلك: فلا إشكال في أنّ القِوَد على سيّده، ولا شيء على غير المميّز، لأنّه بمنزلة الآلة.

وإنْ كان صبيّاً مميّزاً فلا كلام في أنّ القِوَد على سيّده على ما أخبرناه، لإطلاق الخبرين، ولا شيء على العبد، إذ ما دلّ على أنّ : «عمد الصَّبي خطأ تحمله العاقلة» وسيأتي، يختصّ بما إذا كان القِوَد على الصَّبي بمقتضى الأدلّة، فلا يشمل المقام.

لو قال اقتلني فَقَتله

المسألة الخامسة: لو قال اقتلني فقتله:

فإنْ كان القاتلُ مختاراً أو متوعّداً بما دون القتل، لم يسغ القتل، بلا خلافٍ ولا إشكال، لأنّ حرمة القتل الثابتة بنهي المالك الحقيقي لا ترتفعُ بإذن المقتول، وكذا على المختار في إكراه الغير بالقتل من أنّ الإكراه لا يسوّغ القتل لو أكرهه متوعّداً بالقتل، فإفتاء الاُستاذ(1) هنا بعدم الجواز، لا يجتمعُ مع ما اختاره هناك من الجواز.

وكيف كان، فلو أثم وباشر القتل:

فعن الشيخ في «المبسوط»(2)، والمصنّف في «التلخيص»(3) و «الإرشاد»(4)، والمحقّق في «الشرائع»(5)، والشهيد الثاني في «المسالك»(6) - وعن الأخير(7) أنّه الأشهر -: لم يثبُت القِصاص، واستدلّ له:

ص: 374


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/16.
2- المبسوط: ج 7/43.
3- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 11/35.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/196.
5- شرائع الإسلام: ج 4/976. (6و7) مسالك الأفهام: ج 15/88 و 89.

بأنّ الآمر قد أسقط حقّه بالإذن، فلا يتسلّط عليه الوارث.

وأورد عليه الأستاد(1): بأنّ الإنسان غير مسلّط على إتلاف نفسه، ليكون إذنه بالإتلاف مُسقطاً للضمان، كما هو الحال في الأموال، فعمومات أدلّة القِصاص محكّمة.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ لإتلاف النفس المحترمة حيثيّتين:

إحداهما: حقّ اللّه تعالى ، وهو حكمه تعالى بعدم جواز الإتلاف.

والأُخرى : حقّ النّاس، وهو ثبوت القِصاص أو الدِّية.

وما أفاده - دام ظلّه - يتمّ في الأُولى ، ولا يتمّ في الثانية، بعد كون الإنسان مالكاً لنفسه ولأعضائه وأعماله وذمّته بالمِلْكيّة الذاتيّة.

والمراد بالذاتي ما لا يحتاجُ تحقّقه إلى أمرٍ خارجي، لا الذّاتي في باب البرهان، ولا الذّاتي في باب الكليّات، وهي عبارة عن الإضافة الحاصلة بين الشخص ونفسه وعمله وذمّته، والشاهد به الضرورة والوجدان، والسيرة العقلائيّة، وعليه فالإذنُ يُسقط حقّ القِصاص والدِّية.

والدليل على كونه من قبيل حقّ النّاس القابل للإسقاط، أنّ للولي ذلك، فلنفسه بالأولى ، فتدبّر فإنّه حقيقٌ به.

لو أمر بقَتل نفسه

المسألة السادسة: لو أمر شخصٌ غيره بأن يقتل نفسه فقَتَل نفسه:

فإن كان المأمور صبيّاً غير مميّزٍ: فعلى الآمر القِوَد، لأنّه القاتل عرفاً، والصَّبي المباشر بمنزلة الآلة.

ص: 375


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/17.

وإنْ كان مميّزاً أو بالغاً: فإنْ كان مختاراً أو متوعّداً بما دون القتل، فلا قصاص على الآمر، إذ لا يجوز للمأمور في هذه الموارد أن يقتل، فلو قتل نفسه فَقَد فعل حراماً، ولا يُسأل عنه غيره.

نعم، لا يبعُد دعوى شمول صحيح زرارة الدّال على أنّ الآمر يُخلّد في السجن له بتنقيح المناط، فإنّ مورده ما لو كان المأمور غير المقتول، ولكن لم أظفر بمن أفتى به.

وكذا لو توعّد بالقتل، فإنّ دليل نفي الإكراه لا يشمل ذلك، فمقتضى عموم ما دلّ على عدم جواز قتل النفس المحترمة، هو عدم الجواز فحكمه حكم سابقه.

وأمّا لو توعّد بما يزيدُ على القتل من الخصوصيّات، كما إذا قال: (اقتُل نفسك وإلّا لقطّعتك إرباً إربا)، فالظاهر جواز قتل نفسه حينئذٍ، لدليل نفي الإكراه، وما ذكرناه في وجه عدم صدق الإكراه لو أكرهه على قتل غيره لا يشمله، فيجوز قتل نفسه حينئذٍ، ولا قِودَ على المُكرِه لعدم استناد القتل إليه، فإنّ الإكراه لا يوجبُ سَلب الاختيار، فالقتل مستندٌ إلى المباشر، كما أنّ جوازه لا يوجبُ عدم استناد القتل إليه.

فهل لا شيء على المكرِه - بالكسر - كما هو ظاهر بعض الأساطين(1)؟

الأظهر أنّه يُخلّد في السجن، لأنّ صحيح زرارة بتنقيح المناط دالٌّ عليه، ولا يبعدُ ثبوت الدِّية عليه، لأنّ دم المسلم لا يذهبُ هَدراً، فتأمّل.

ونظير المقام في جواز القتل ما لو اضطرّ إلى قتل نفسه دفعاً للفرد الأشدّ، كما إذا علم بأنّه لو لم يقتل نفسه، لقتله آخر بأشدّ ممّا يَقتل به نفسه، فإن دليل نفي الاضطرار يدلّ على جواز القتل، ولا يبعدُ ثبوت الدِّية على من يَعلم بأنّه يقتله، فإنّه الباعث لقتل نفسه، فتأمّل.9.

ص: 376


1- جواهر الكلام: ج 43/59.

ولو أمسكهُ واحدٌ وقَتَله آخر ونَظَر ثالثٌ ، قُتِل القاتل، وخُلّد المُمسِك، وسَمُلَت عين الناظر.

لو أمسكه شخصٌ وقَتَله آخر

المسألة السابعة: (ولو أمسكه واحدٌ وقَتَله آخر، ونَظَر ثالثٌ ، قُتِل القاتل، وخُلِّد المُمْسِك، وسَمُلَت عين الناظر) كما هو المشهور(1).

وعن «الغنية»(2)، و «الخلاف» الإجماع عليه، ويُشعر به عبارة «المسالك»(3).

وعن «الروضة»(4): دعوى الإجماع على الأولين.

ويشهد للجميع: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام واحد منهم أمسكَ رجلاً وأقبل الآخر فقتله، والآخر يراهم، فقضى في صاحب الرؤية أن تُسمَل عيناه، وفي الذي أمسك أن يُسجَن حتّى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قَتَل أن يُقتل»(5).

ويشهد للحكمين الأولين: - مضافاً إلى ذلك - جملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قضى عليٌّ عليه السلام في رجلٍ أمسك

ص: 377


1- راجع تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/242، مجمع الفائدة: ج 13/399.
2- غنية النزوع: ص 407.
3- الخلاف: ج 5/173-174.
4- اللّمعة الدمشقيّة: ص 27.
5- الكافي: ج 7/288 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/50 باب 17 من أبواب القِصاص في النفس ح 35126.

أحدهما وقَتَل الآخر، قال عليه السلام: يُقتل القاتل، ويُحبس الآخر حتّى يموت غَمّاً كما حبسه حتّى مات غَمّاً، الحديث»(1).

وقريبٌ منه موثّق سماعة(2)، ومعتبر عمرو بن أبي المقدام(3).

ثمّ إنّ الظاهر من خبر الرؤية أنّها من حيث هي ليست موضوع الحكم، بل الظاهر من قوله: «رَفعوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام» هو دخالة الرائي في القتل، ولو بأن يراقبهم حتّى لا يطّلع الغير ويمنع عنه، أو نحو ذلك، ولذا لا يجري هذا الحكم بالنسبة إلى شهود القتل المدّعين للرؤية، بلا إشكال.

وفي خبر عمرو بن أبي المقدام الأمرَ بأن يُضرب في كلّ سنةٍ خمسين جلدة.

***7.

ص: 378


1- الكافي: ج 7/287 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/49 باب 17 من أبواب القِصاص في النفس ح 35124.
2- الكافي: ج 7/287 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/50 باب 17 من أبواب القِصاص في النفس ح 35125.
3- الكافي: ج 7/287 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/51 باب 18 من أبواب القِصاص في النفس ح 35127.

الفصل الثاني: في شرائط القِصاص، وهي خمسة:

الأوّل: الحُريّة.

الثاني: الإسلام.

الفصل الثاني شرائط القِصاص

اشارة

(الفصل الثاني: في شرائط القِصاص):

أقول: (وهي خمسة):

الشرط الأوّل: الحُريّة) ولعدم الموضوع لهذا الشرط في هذا الزمان، ومن المستبعد جدّا تحقّق الموضوع له إلى زمان ظهور سيّدنا أرواحنا فداه، فالإعراض عن البحث في فروع هذا الشرط، وصَرف عنان الكلام إلى ما هو المهمّ من المباحث الأُخر، كما عليه بناؤنا في هذا الشرح، أولى .

إشتراط التساوي في الدين

الشرط (الثاني): التساوي في (الإسلام)، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه(1)، بل المحكيّ منه مستفيضٌ (2)، والنصوص الآتية دالّة عليه.

أقول: وتفصيل ذلك أنّه:

ص: 379


1- راجع كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/454، رياض المسائل (ط. ق): ج 2/510.
2- إيضاح الفوائد: ج 4/592، شرح اللّمعة: ج 10/55، مسالك الأفهام: ج 15/141.

إذا كان القاتل مسلماً، فلا يُقتل مسلمٌ بكافر وإنْ كان ذميّاً،

تارةً : يكون المقتول كافراً والقاتلُ مسلماً.

وأُخرى : يكونان معاً كافرين.

وثالثة: يكون المقتول مسلماً والقاتلُ كافراً.

فالكلام في موارد ثلاثة:

أمّا المورد الأوّل: أي (إذا كان القاتلُ مسلماً) والمقتول كافراً، (ف) فيه أقوال:

القول الأوّل: إنّه (لا يُقتل مسلمٌ بكافر) مع عدم اعتياد قتله، وهو مشهورٌ بين الأصحاب(1).

وفي «الرياض»(2): إجماعاً من العلماء كافّة في الحربي على الظاهر المصرّح به في «الإيضاح»، ومن الإماميّة خاصّة مطلقاً (وإنْ كان ذميّاً).

القول الثاني: إنّه لا يُقتل به قصاصاً مع الاعتياد، ذهب إليه الحِلّي(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(5)، والشهيد في «اللّمعة»(6)، والفخر(7)، وإن اختلفوا هؤلاء:3.

ص: 380


1- الكافي: ج 7/309.
2- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/510.
3- راجع السرائر: ج 3/324.
4- شرائع الإسلام: ج 4/986.
5- قواعد الأحكام: ج 3/605، إرشاد الأذهان: ج 2/203.
6- اللّمعة الدمشقيّة: ج 10/251.
7- إيضاح الفوائد: ج 4/593.

فبعضهم كالحِلّي(1) قال: إنّه لا يُقتل به مطلقاً.

وبعضهم كالمصنّف في «القواعد»(2) قال: لا يُقتل به قصاصاً، وإنّما يُقتل به في صورة الاعتياد حَدّاً لا قصاصاً.

وأيضاً ذهب بعضٌ : إلى أنّه يُقتل به في صورة الاعتياد، مع رَدّ أولياء المقتول فاضل دية المسلم عن دية الذِّمي.

وهناك أقوالٌ اُخر ستقف عليه.

وقد استدلّ في «المسالك»(3) للقول بأنّه لا يُقتل به بقوله تعالى: (وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (4) بدعوى أنّ إثبات القِصاص لوارث الكافر إذا كان كافراً سبيلٌ واضحٌ ، ولم يقل أحد بالفرق بين الوارث الكافر والمسلم.

وفيه أوّلاً: النقض بما إذا أتلف المؤمن مال الكافر، فهل يتوهّم أنّ إثبات الدين للكافر على المؤمن سبيلٌ غير مجعول ؟!

وثانياً: إنّ الآية الكريمة:

إما مختصّة بالنشأة الآخرة، كما يشهد به قوله تعالى في صدرها (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ ) (5) فكونها غير مربوطة بالمقام واضحٌ .

وإما تكون عامّة للنشأتين، فمفادها حينئذٍ أنّ المؤمنين غالبون بإذن اللّه دائماً ما داموا ملتزمين بلوازم الإيمان، كما قال اللّه تعالى: (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ 1.

ص: 381


1- السرائر: ج 3/324.
2- قواعد الأحكام: ج 3/605.
3- مسالك الأفهام: ج 15/141. (4و5) سورة النساء: الآية 141.

اَلْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) .

وفي «التبيان»(2): (وإن حَملناها على دار الدُّنيا، يمكن حَمله على أنّه لا يُجعل لهم عليهم سبيلاً بالحجّة، وإن جاز أن يغلبوهم بالقوّة).

وعلى التقديرين غير مربوط بهذه المسألة.

وأمّا النصوص: فهي بالنسبة إلى القتل مختلفة.

فجملةٌ منها: تدلّ على أنّه يُقتل به:

منها: صحيح ابن مسكان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قَتَل المسلم يهوديّاً أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً فأرادوا أن يقيّدوا ردّوا فَضل دية المسلم وأقادوه»(3).

ومنها: صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام: «إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه، قتلوه وأدّوا فضل ما بين الدِّيتين»(4).

ومنها: معتبر سماعة، عنه عليه السلام: «في رجلٍ قَتل رجلاً من أهل الذِّمة ؟

فقال: هذا حديثٌ شديدٌ لا يحتمله النّاس، ولكن يُعطي الذِّمي دية المسلم ثُمّ يُقتل به المسلم»(5).

وطائفة: تدلّ على أنّه لا يُقتل به مطلقاً:

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «لا يُقاد مسلمٌ بذمّي في القتل، ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جناية للذِّمي على قدر دية2.

ص: 382


1- سورة آل عمران: الآية 139.
2- التبيان: ج 3/364.
3- الكافي: ج 7/309 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/107 ح 35271.
4- الكافي: ج 7/310 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35273.
5- الكافي: ج 7/309 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35272.

الذِّمي ثمانمائة درهم»(1).

وطائفة ثالثة: تدلّ على التفصيل بين المتعوّد للقتل وغيره:

منها: صحيح إسماعيل بن الفضل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قتل رجلاً من أهل الذّمة ؟

قال عليه السلام: لا يُقتل به إلّاأن يكون متعوّداً للقتل»(2).

ومعتبره الثاني، عنه عليه السلام: «عن المسلم هل يُقتل بأهل الذِّمة ؟

قال عليه السلام: لا، إلّاأن يكون متعوّداً لقتلهم فيُقتل صاغراً»(3).

والجمع بين النصوص إنّما هو بتقييد إطلاق الطائفتين الأوليين بالطائفة الثالثة، فتكون النتيجة أنّه لا يُقتل به مع عدم الاعتياد، ومعه يُقتل به.

أقول: وتمام الكلام فيما يستفاد من النصوص يتحقّق في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: إنّ القتل في صورة الاعتياد إنّما يكون قصاصاً لا حَدّاً، فما عن القديمين(4) والمصنّف في «القواعد»(5) من كونه حَدّاً للإفساد في الأرض ضعيفٌ ، وفائدة ذلك ظاهرة، ضرورة سقوطه بالعفو، وعدم استيفائه منه إلّابعد طلب الوليّ ، ورَدّ الأولياء فاضل الدِّية على الأوّل دون الثاني.

وقد صرّح في الطائفة الثانية من النصوص المتقدّمة بأنّه يقتله بعد رَدّ فاضل ديته، فهي دليل كونه قصاصاً.0.

ص: 383


1- الكافي: ج 7/310 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35274.
2- التهذيب: ج 10/190 ح 42، الإستبصار: ج 4/272 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/109 ح 35276.
3- وسائل الشيعة: ج 29/107 ح 35270.
4- كما حكاه في إيضاح الفوائد: ج 4/594، والشهيد الثاني في المسالك: ج 15/142.
5- قواعد الأحكام: ج 2/290.

الفرع الثاني: إنّ مورد الروايات وإنْ كان هو الذِّمي، إلّاأنّه يثبتُ في غيره من المستأمن والحربي:

أمّا في الثاني: فواضحٌ .

وأمّا في الأوّل: فلأنّ الذِّمي مستأمنٌ وزيادة، فإذا ثَبَت عدم القتل في الذِّمي ففي المستأمن بطريق أولى .

الفرع الثالث: قال الشهيد في «الروضة»(1): (والمرجع في الاعتياد إلى العرف، وربما تحقّق بالثانية، لأنّه مشتقٌ من العود، فيقتل فيها أو في الثالثة، وهو الاجود، لأنّ الاعتياد شرطٌ في القِصاص، فلابدّ من تقدّمه على استحقاقه).

وأورد عليه السيّد في «الرياض»(2)، بقوله: (جواز القتل في الثالثة منظورٌ فيه، لعدم صدق الاعتياد بالمرتين عرفاً، وإن صدق لغةً ، نظراً إلى مبدأ الاشتقاق، بناءً على ترجيح العرف عليه، كما هو الأظهر الأشهر وبه اعترف، نعم لو عكس صحَّ ما ذكره).

أقول: هذا البحث معنونٌ في موارد:

منها: في الناقض للوضوء، حيث اعتبر جماعةٌ في ناقضيّة البول والغائط من الخروج مِن المَخرج المُعتاد، فهناك ذكروا أقوالاً، النقض بالثالثة إنّه عبارة عن التكرّر ثلاث مرّات، والنقض في الرابعة، والرجوع إلى العرف.

وأحسن ما قيل هناك ما أفاده القطيفي رحمه الله في حاشية «الإرشاد»(3) قال:3.

ص: 384


1- شرح اللّمعة: ج 10/59.
2- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/511.
3- نقله عنه صاحب الحدائق: ج 2/93.

بل يُعزَّر ويُغرم ديَّة الذمّي.

(وهل ينضبطُ صِدق اسم العادة عرفاً في عددٍ؟ وجهان، أقربهما ذلك، وما هو الأقرب النقض بالرابعة مع عدم تطاول الفصل زماناً في الخروج، وفي النقض بالثالثة احتمالٌ قويّ )، انتهى .

ومنها: في الحيض، وقد قالوا إنّه تثبتُ العادة فيه بمرّتين، وبه رواية.

وعليه، فالأظهر هنا القتل في الرابعة مع عدم تطاول الفصل زماناً في القتل.

الفرع الرابع: إنّه إذا قتل المسلم الكافر ولم يكن مهدور الدَّم، فهو وإنْ كان لا يُقتل إلّاأن عليه عقوبتين، وهما ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله: (بل يُعزّر ويُغرم دية الذِّمي):

أمّا التعزير: فلما مرّ في كتاب الحدود(1) من ثبوته في ارتكاب كلّ معصيةٍ لم يجعل الشارعُ لها حَدّاً حسب ما يراه الحاكم من المصلحة.

وأمّا الدِّية: فيشهد لثبوتها النصوص المتقدّمة.

ثمّ إنّ صحيح محمّد بن قيس ونحوه غيره يدلّ على أنّ دية الذِّمي ثمانمائة درهم، ويعارضهما طائفتان من النصوص:

إحداهما: تدلّ على أنّها أربعة آلاف درهم.

والأُخرى : تدلّ على أنّها تساوي دية المسلم. والكلام في الجمع بين النصوص سيأتي في مبحث الديات، وستعرف أنّ الأظهر هو ما تضمّنه صحيح محمّد.د.

ص: 385


1- صفحة 77 من هذا المجلّد.

ويُقتل الذِّمي بمثله،

هذا بالسند إلى الذِّمي.

وأمّا سائر الكفّار: فسيأتي في محلّه أنّه لا دية في قتلهم كما لا قصاص فيه.

الفرع الخامس: لو قتل الكافر كافراً ثمّ أسلم، فهل يُقتل به للتساوي في الدين حين الجناية، أم لا يُقتل به، إذ العبرة بالإسلام حال الاقتصاص لا حال القتل ؟

وجهان: أظهرهما الثاني، لما تقدّم من الروايات الدّالة على أنّ المسلم لا يُقاد بالذِّمي.

ولو قَتَل المسلمُ كافراً ثمّ ارتدّ:

فإن لم يَتُب، يثبتُ القِصاص.

وإن تابَ لا قصاص عليه، وإنْكان الارتداد عن فطرةٍ ، بناءً على قبول إسلامه.

حكمُ ما لو كان القاتلُ كافراً

(و) أمّا المورد الثاني: فلا خلاف ظاهراً في أنّه (يُقتل الذِّمي بمثله) وإن اختلفت ملَّتهما كاليهودي والنصراني:

1 - لعموم أدلّة القِصاص كتاباً وسُنّةً .

2 - ولمعتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: يقتصّ اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض، ويَقتلُ بعضهم بعضاً إذا قَتلوا عمداً»(1).

ص: 386


1- الكافي: ج 7/309 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/110 ح 35277.

وبالذميّة بعد رَدّ فاضل ديته، والذميّة بمثلها وبالذّمي، ولا رَدّ.

(و) كذا يُقتل الذِّمي (بالذميّة بعد رَدِّ فاضل ديته) إلى أوليائه كالمُسلمة، بلا خلافٍ ، لإطلاق ما دلّ على أنّه يُقتل الرّجل القاتل بالمرأة بعد أداء نصف ديته إلى أوليائه، الذي سيمرّ عليك.

(و) تُقتل (الذميّة بمثلها وبالذِّمي ولا رَدّ) بلا خلافٍ ، لعموم ما دلّ على أنّ المرأة تُقتل بالرجل بلا رَدٍّ، وبالمرأة.

***

ص: 387

ولو قَتَل الذِّمي مسلماً عَمداً، دُفع هو وماله إلى أولياء المقتول، إن شاءوا قَتَلوه، وإن شاءوا استرقّوه.

حكم قتل الذِّمي المسلم

(و) أمّا المورد الثالث: هو ما (لو قَتَل الذِّمي مسلماً عمداً):

فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّه ي (دفع هو وماله إلى أولياء المقتول، إن شاءوا قَتَلوه، وإن شاءوا استرقّوه).

بل عن «الانتصار»(2)، و «السرائر»(3)، وظاهر «النكت»(4): الإجماع عليه.

ويشهد به: صحيح ضريس الكناني، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في نصراني قَتَل مسلماً فلما اُخِذ أسلَم ؟

قال عليه السلام: اقتله به.

قيل: وإنْ لم يسلم ؟

قال عليه السلام: يُدفع إلى أولياء المقتول، فإنْ شاءوا قَتَلوا، وإن شاءوا عَفوا، وإن شاءوا استرقّوا، وإنْ كان معه مالٌ دُفِع إلى أولياء المقتول هو وماله».

هكذا روي في «الكافي»(5).

ص: 388


1- راجع المقنعة: ص 74، مختلف الشيعة: ج 9/320.
2- الانتصار: ص 547.
3- السرائر: ج 3/351.
4- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/454.
5- الكافي: ج 7/310 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/110 ح 35278.

وفي «التهذيب»(1) روي هذا الخبر عن ضُريس، عن الإمام الباقر عليه السلام، وعن عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام بتفاوت يسير، وهو تبديل (مال) إلى (عين مال).

أقول: وتمام الكلام في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: ظاهر المصنّف في المتن، وصريحه في محكيّ «التحرير»(2): عدم الفرق في أمواله بين ما يُنقل منها وما لا ينقل، ولا بين العين والدين، وهو الأظهر؛ للإطلاق.

واختصاص أحد الخبرين بالعين لا يوجبُ تقييد المال المطلق في الآخر، بعد عدم كونهما متنافيين، بل في الخبر المتضمّن لعين مال، يكون ذلك في السؤال، وأمّا الجواب فهو عامٌ ، وخصوص السؤال لا يقيّدُ عموم الجواب.

الفرع الثاني: مقتضى إطلاق النّص عدم الفرق في ماله بين المساوي لفاضل دية المسلم، والزائد عليه المساوي للدية، والزائد عليها.

فما عن الصَّدوق(3): من أنّه يُؤخذ من ماله فَضل ما بين دية المسلم والذِّمي، لا وجه له.

كما أنّ ما عن الحلبيّين(4) من جواز الرجوع على تركته وأهله بدية المقتول أو قيمته إنْ كان مملوكاً، لا وجه له.

الفرع الثالث: مقتضى إطلاق النَّص والفتوى عدم الفرق بين، اختيار الأولياء القتل، أو الاسترقاق خلافاً لما عن الحِلّي(3)، فإنّه إنّما أجاز أخذ المال إذا اختير1.

ص: 389


1- التهذيب: ج 10/190 ح 47.
2- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/248. (3و4) حكاه عنه في الجواهر: ج 42/157.
3- السرائر: ج 3/351.

وقيل: يُسترقّ أولاده الصِّغار.

الاسترقاق، لأنّ مال المملوك لمولاه.

قيل: ويحتمله الخبر، وظاهرالأكثر، ولكنّه احتمال خلاف الظاهرجدّاً لايُعتنى به.

وأمّا ما ذكره من أنّ مال المملوك لمولاه، فشيءٌ لم يدلّ عليه دليل، وغاية ما يستفاد من الدليل أنّ المملوك لا يملك، فيَخرج أمواله عن ملكه، وذلك لا يستلزمُ دخوله في مِلك مولاه، فليكن مِلْكاً للإمام عليه السلام، أو فيئاً للمسلمين.

الفرع الرابع: (و) في استرقاق أولاده خلافٌ (قيل: يُسترقّ أولاده الصِّغار) والقائل المفيد رحمه الله(1)، وسلّار(2)، وابن حمزة(3).

وعن الحِلّي(4)، وكثيرٌ من المتأخّرين(5) عنه: بقائهم على الحريّة.

وربما يُعزى إلى ابن بابويه رحمه الله(6)، والسيّد المرتضى رحمه الله(7)، وربما نُسِب إلى الشيخ، ولكن الشهيدين(6) لم يجداه في كتبه.

وكيف كان، فالأظهر هو الثاني للأصل، وخلوّ النصوص المتقدّمة عن ذلك، مع ورودها في مقام البيان.9.

ص: 390


1- المقنعة: ص 740.
2- المراسم: ص 237.
3- الوسيلة: ص 334-335.
4- السرائر: ج 3/351.
5- راجع كشف الرموز: ج 2/609، المهذّب البارع: ج 5/183. (6و7) نسبه إليه في إيضاح الفوائد: ج 4/596.
6- شرح اللّمعة: ج 10/59.

ولو أسلمَ بعد القتل فكالمُسلِم.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ الطفل يتبعُ أباه، فإذا ثبتَ له الإسترقاق شاركه فيه.

2 - وبأنّ المقتضي لحقن دمه واحترام ماله وولده، التزامه بالذِّمة، وقد خَرَقها بالقتل، فتجري عليه أحكام الحرب.

ولكن يَردُ على الأوّل: عدم الدليل على التبعيّة في ذلك، وجناية الأب لا تتخطّاه لقوله تعالى : (وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (1).

ويَردُ الثاني: ما تقدّم من عدم الخروج عن الذِّمة بالقتل، مع أنّه لو تَمّ ذلك لزم اشتراك المسلمين فيهم، لأنّهم فيءٌ ، أو اختصاص الإمام عليه السلام بهم لا اختصاص أولياء المقتول، والنَّص إنّما يدلّ على أنّ استرقاقه إنّما هو حكم قتله المسلم، لا لخروجه بذلك عن الذِّمة المبيح لنفسه قتلاً واسترقاقاً ولماله، وإلّا لم يختصّ استرقاقه بأولياء المقتول.

الفرع الخامس: (ولو أسلم بعد القتل) قبل الاسترقاق (فكالمُسلِم) قبل التفرّق، لم يكن لأوليائه إلّاالقتل، وليس لهم استرقاقه، بلا خلافٍ ولا إشكال، ويشهد به الخبران المتقدّمان، مع أنّ موضوع الاسترقاق هو الكافر الذِّمي، فإذا أسلم انتفى موضوعه.

وعليه، فمقتضى إطلاق الأدلّة أنّ وليّ المقتول مخيّرٌ بين القتل والعفو، وقبول الدِّية مع التراضي.4.

ص: 391


1- سورة الأنعام: الآية 164.

الفرع السادس: إذا قتل ولدُ الحَلال ولد الزّنا بعد وصفه الإسلام يُقتل به؛ لتساويهما في الإسلام.

نعم، من حَكم بكفره من الأصحاب وإن أظهر الإسلام كالسيّد المرتضى(1)لايَقتله به، لكن المبنى فاسدٌ.

وكون دية ولد الزّنا كدية الذِّمي، لا يُلازم عدم ثبوت القِصاص بقتله.

ولو قتله وهو صغيرٌ لا يصف الإسلام، فهل يُقتل به لإطلاقات الكتاب والسُّنة، وعدم وجود دليلٍ مقيّدٍ بعد اختصاص النصوص بالكافر؟

أم لا يُقتل به لعدم اسلامه التبعي بعدم الأبوين له شرعاً، إلّاأن يُسبى بناءً على صحّة سَبي مثله، فيحكم حينئذٍ بإسلامه تبعاً للسابي، ويُشترط في القِصاص المساوات في الإسلام لو كان القاتل مسلماً؟

والأوّل أظهر، لعدم الدليل على الشرط المذكور، سوى ما دلّ على أنّ المسلم لايُقتل بالكافر، وهو لا يشمل المقام.

حكمُ اختلاف حالتي المجنيّ عليه

الفرع السابع: إذا جَنى مسلمٌ على ذمّي قاصداً قتله، ثمّ أسلم فماتَ ، كما لو قطع يده فأسلم وسَرَت إلى نفسه، فالظاهر عدم الخلاف في أنّه لا قصاص:

1 - لأنّ قطع الكافر غير مضمونٌ بالقصاص، فسرايته لا تكون مضمونة كقطع يد السّارق.

2 - ولأنّ الجراحة إذا وقعت في حالة لا توجبُ القِصاص، لم يجبُ القِصاص بما

ص: 392


1- الإنتصار: ص 544.

يحدث بعدها، كما لو جَرَح الصَّبي إنساناً ثمّ بَلَغ وسَرت الجناية.

3 - ولأنّه لم يكن قاصداً قتل المسلم، وقد مرّ أنّ القِصاص لم يثبُت إلّافيما إذا كان قاصداً قتل مسلم.

وهل الدِّية الواجبة هي دية المسلم، أو الذِّمي ؟ وجهان مبنيّان، على أنّ العبرة في الجناية بحالة استقرارها، أم بحال وقوعها؟ والمعروف بين الأصحاب هو الثاني، إلّا أنّ الأظهر هو الأوّل؛ لأنّ من وقع عليه القتل مسلمٌ ، وهو يستندُ إلى الجارج، غاية ما هناك عدم كون قتل المسلم بما هو مسلمٌ عمديّاً، لعدم القصد إليه، ولكن يكون شبيه العمد، فيثبتُ فيه دية المسلم.

وبه يظهر أنّه لو كان حربيّاً، أو مرتدّاً ثُمّ أسلم، فسَرَت الجناية، لا قصاص، ولكن تثبت الدِّية، إلّاأن يكون الحكم بعدم الدِّية إجماعيّاً تعبّديّاً.

وأولى من ذلك في ثبوت الدِّية ما لو رمى سهماً وقَصَد به ذميّاً، أو كافراً، أو حربيّاً، أو مرتدّاً، فأصابه بعدما أسلم، فإنّه وإنْ لم يكن قصاصٌ إلّاأنّ عليه الدِّية كاملة.

الفرع الثامن: إذا قطع المسلم يد مثله فصار مرتدّاً وماتَ ، فلا قِوَد في النفس ولا دية، لأنّ المسلم لا يُقتل بالكافر، ولا ديَّة للمرتدّ.

وهل لوليّ المقتول الاقتصاص من الجاني بقطع يده، كما عن المصنّف رحمه الله، وفي «الشرائع»(1)، و «المسالك»(2) و غيرها(3)، لأنّ الجناية حصلت موجبة للقصاص، فلا تسقط؟8.

ص: 393


1- شرائع الإسلام: ج 4/987.
2- مسالك الأفهام: ج 15/148.
3- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/248.

أم ليس له ذلك كما عن الشيخ رحمه الله(1)، لأنّ الطرف يتبع النفس إذاصارت الجناية قتلاً، فإذا لم يجبُ قصاص النفس، لا يجبُ قصاص الطرف، ولذلك لو قَطَع طرف إنسان فمات منه، فعفى وليّه عن قصاص النفس، لم يكن له أن يقتصّ في الطرف ؟

أقول: الأظهر هو الثاني، لا لما أفاده الشيخ رحمه الله، فإنّه يردُ عليه: أنّ دخول قصاص الطَرف في قصاص النفس إنّما هو في فرض ثبوته، وأمّا مع وجود المانع عنه خاصّة فلا يدخل فيه بعدم عموم أدلّته، بل لصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«لا يقاد مسلمٌ بذمّي في القتل ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذِّمي على قدر ديَّة الذِّمي ثمانمائة درهم»(2).

فإنّه يدلّ على أنّ المجنيّ عليه في المقام لم يكن له حقّ الاقتصاص لعدم إسلامه، ومعه لا يثبتُ حقّ الاقتصاص للولي، لأنّه إنّما يثبتُ له بالإرث لا ابتداءً .

الفرع التاسع: لو جَنى مسلمٌ على ذمّي قاصداً قتله، ثمّ ارتدّ الجاني، وسَرَت الجناية فماتَ المجنيّ عليه، فالظاهر أنّه يُقتل؛ لأنّ الخارج عن تحت أدلّة القِصاص هو قتل المسلم بالكافر، وهو غير متحقّقٍ في المقام.

حكمُ قتل من وَجَب قتله

الفرع العاشر: إذا وجبَ قتل شخصٍ بزناً، أو لواطٍ، أو بارتدادٍ، بناءً على أنّ قتله إلى الإمام، ولا يجوزُ لغيره ذلك، فقَتَله شخصٌ بدون إذن الإمام، ففيه أقوال:

1 - عدم ثبوت القِصاص والدِّية.

ص: 394


1- المبسوط: ج 4/28.
2- الكافي: ج 7/310 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/108 ح 35274.

2 - ثبوت القِوَد ومع التراضي الدِّية.

3 - ثبوت الدِّية دون القود.

واستدلّ للأوّل في «المسالك»(1): بأنّ دمه هدرٌ مطلقاً، غايته أنّ تولّي قتله متوقّفٌ على أمر الحاكم، فإذا فعله غيره أثم ووقع في محلّه.

وفي «الشرائع»(2): علّله بأنّ عليّاً عليه السلام قال لرجلٍ قَتَل رجلاً وادّعى أنّه وجده مع امرأته: «عليك القِوَد إلّاأن تأتي بالبيّنة»(3) فلو كان القِوَدُ ثابتاً عليه لفعله بدون إذن الإمام، لما رفعه عنه مع إتيانه بالبيّنة.

ولكن يُردّ الأوّل: أنّ مقتضى أدلّة القِصاص ثبوت القِوَد على من قَتَل نفساً متعمّداً، وقد خرج عن ذلك ما لو كان القاتلُ يجوز له القتل وبقي الباقي، وفي الفرض حيث إنّه لا يجوزُ للقاتل القتل، فهو داخلٌ تحت أدلّة القِصاص.

ويشير إلى ما ذكرناه، خبر الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ قتله القِصاص، له دية ؟

فقال عليه السلام: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد.

قال: من قتله الحَدّ فلا دية له»(4).

حيث إنّه يدلّ على أنّ الخارج خصوص من يجوز له القتل.

وأمّا الثاني فيردّه: اختصاصه بالزوج، والتعدّى لا وجه له، وقد مرّ فى كتاب الحدود، أنّه يجوز للزوج قتل من رآه يزني بزوجته، فراجع، فهو داخلٌ في المخصّص.7.

ص: 395


1- مسالك الأفهام: ج 15/355.
2- شرائع الإسلام: ج 4/988.
3- عوالي اللآلي: ج 3/600 ح 59.
4- الكافي: ج 7/292 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/63 باب 24 من أبواب القِصاص في النفس ح 35157.

ولو قَتَل خطأً لزمته الدِّية في ماله، فإنْ لم يكن له مالٌ فعاقلته الإمام دون أهله.

وما عن قواعد المصنّف رحمه الله(1): (من انسحاب الحكم إلى كلّ قريبٍ للرّجل، أو ولدٍ، أو مملوكٍ ، وهل ينسحب على الأجانب ؟ إشكالٌ ) غير تامّ .

وبذلك يظهر أنّه لو كان على مسلمٍ قصاصٌ ، فقتله غَير الوليّ بدون إذنه، ثَبَت عليه القِوَد. والظاهر أنّه لا خلاف فيه وعلّلوه بأنّه محقون الدَّم بالإضافة إليه.

وهو وإنْ كان متيناً، إلّاأنّه لم يظهر وجه الفرق بين غير الوليّ في المقام، وغير المأذون من قِبل الإمام في المسألة السابقة.

نعم، من وجب قَتله من جهة سَبّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لو قتله مسلمٌ لا قِوَد عليه ولا دية، لما مرّ في كتاب الحدود(2) من أنّه يجوز لكلّ أحدٍ قتله، ولا يتوقّف على إذن الإمام.

دية جناية الذِّمي خطأً في ماله

(ولو قتل) الذِّمي (خطأً لزمته الدِّية في ماله) إنْ كان له مالٌ ، (فإنْ لم يكن له مالٌ ، فعاقلته الإمام دون أهله) كما هو المشهور بين الأصحاب(3).

ويشهد به: صحيح أبي ولّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «ليس فيما بين أهل الذِّمة معاقلة فيما يجنون من قتلٍ أو جراحةٍ ، إنّما يُؤخَذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن

ص: 396


1- قواعد الأحكام: ج 3/606.
2- صفحة 228 من هذا المجلّد.
3- الخلاف: ج 5/287، رياض المسائل (ط. ق): ج 2/512.

لهم مالٌ رجعت الجناية على إمام المسلمين، لأنّهم يؤدّون إليه الجزية، كما يُؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده.

قال: وهم مماليك للإمام، فمن أسلم منهم فهو حَرّ»(1).

والأصحاب ذكروا هذه المسألة في بحث عاقلة الذِّمي من دون أن يذكروا خلافاً ثمّة، إلّاما في محكيّ «المختلف»(2) حيث حَكى الخلاف فيه عن الحِلّي، وقد حكم بأنّ عاقلته الإمام مطلقاً، ولو كان له مال.

وعن المفيد(2) أنّه قال: (تكون الدِّية على عاقلته)، ولم يفصِّل.

وتردّد فيه في «المختلف»(4).

أقول: ولكن بعد دلالة الصحيحة على ما ذكر، لا وجه لذلك كلّه.

ومقتضى إطلاق النّص والفتوى عدم الفرق بين كون عُصبة الذِّمي كفّاراً، أم كانوا من المسلمين، بل الحَصر في الخبر يدلّ على ذلك، أضف إليه الأولويّة القطعيّة، فإنّ عُصبة الكفّار إذا لم يعقلوا له، فلا يعقل عنه المسلمون.

***3.

ص: 397


1- الكافي: ج 7/364 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/391 ح 35841. (2و4) مختلف الشيعة: ج 9/323.
2- المقنعة: ص 753.

الثالث: أن لا يكون القاتلُ أباً، فلا يُقتل الأب بالولد،

اشتراط أن لا يكون القاتل أباً

الشرط (الثالث: أن لا يكون القاتلُ أباً) للمقتول، (فلا يُقتَلُ الأب بالولد) مطلقاً، بلا خلافٍ .

وفي «المسالك»(1): إجماعاً منّا ومن أكثر العامّة.

والشاهد به نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح حمران، عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا يقاد والدٌ بولده، ويُقتل الولد إذا قَتَل والده عمداً»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يقتل ابنه، أيُقتل به ؟ قال عليه السلام: لا»(3).

ومنها: صحيح ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «وقضى أنّه لا قِوَد لرجلٍ أصابه والده في أمرٍ يعيب عليه فيه، فأصابه عيبٌ من قطعٍ وغيره، ويكون له الدِّية، ولا يقاد»(4).

ونحوها أخبارٌ اُخر مستفيضة.

ص: 398


1- مسالك الأفهام: ج 15/156.
2- الكافي: ج 7/297 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/77 ح 35189.
3- الكافي: ج 7/298 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/77 ح 35190.
4- التهذيب: ج 10/295 ح 26، وسائل الشيعة: ج 29/79 ح 35198.

بل يُؤخَذ منه الدِّية ويُعزَّر، ويُكفِّر.

ولو قتل الوَلدُ أباه قُتِل به،

ويؤيّد ذلك: أنّ الوالد سببُ وجود الولد، فلا يَحسُن أن يصير الولدُ سبباً معدِماً له، وأنّه لا يليقُ بحرمة الأبوّة كما في «الرياض»(1)، وعليه فلا إشكال بحمد اللّه سبحانه في المسألة. ولكن لا يذهبُ دم إمرئ مسلمٍ هَدراً (بل يُؤخذ منه الدِّية) لورثة ولده الذي قَتَله. وخبر ظريف شاهدٌ به.

(ويُعزّر) لما تقدّم في كتاب الحدود(2) من ثبوت التعزير لكلّ معصيةٍ لم يرد فيها حَدٌّ، حسب ما يراه الحاكم الشرعي.

ويؤيّده: خبر جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الرّجل يقتل ابنه أو عبده ؟ قال عليه السلام: لا يقتل به، ولكن يُضرب ضرباً شديداً، ويُنفى عن مسقط رأسه»(3).

ولكنّه ضعيفُ السند، فلا بأس بما في «الجواهر»(4) من أنّه محمولٌ على أنّ ذلك بعض أفراد ما يراه الحاكم.

(ويُكفِّر) كفّارة الجمع، الثابتة في قتل العَمد، كما سيمرّ عليك، لعموم الأدلّة، واختصاص المُخصّص بالقِوَد، وعليه فلا إشكال في ثبوت الكفّارة.

أقول: وتمام الكلام في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: (لو قَتَل الولدُ أباه قُتِل به) بلا خلافٍ ، للعمومات، وخصوص0.

ص: 399


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/512.
2- صفحة 71 من هذا المجلّد.
3- الفقيه: ج 4/120 ح 5246، وسائل الشيعة: ج 29/79 ح 35197.
4- جواهر الكلام: ج 42/170.

وكذا الأُمّ لو قَتَلَتْ وَلَدها قُتِلت به.

ما مرّ من الروايات.

(وكذا الاُمّ لو قَتَلتْ وَلَدها قُتِلت به) للعمومات، بعد اختصاص المُخرَج بالأب، فما عن الإسكافي(1) - تبعاً للعامّة - من أنّها لا تُقتل به، لا وجه له سوى القياس بالأب.

الفرع الثاني: وهل يشمل الحكم أب الأب، فلو قتل ابن ابنه لا يُقتل به، كما هو المشهور شهرة عظيمة(2) أم لا؟

وجهان: مبنيّان على شمول الوالد لأبِ الأب، والولد والابن لابن الابن وعدمه، وحيثُ أنّ الظاهر هو الشمول كما صرّح به اللّغويّون والفقهاء في المقام وفي باب النكاح، وهو المفهوم عرفاً، فالشمول أظهر.

فما في «المسالك»(3): (من أنّه يُحتمل الاختصاص، لأنّه المتيقّن في مخالفة عموم الآية، لأنّ الجَدّ ليس أباً حقيقة):

إنْ كان نظره إلى الشكّ في صدق الموضوع عرفاً.

فيردَّه: الفهم العرفي، بل نفس فتوى الفقهاء الذين هم أهل اللِّسان بالتعميم، أقوى شاهدٍ على الصدق العرفي.

وإنْ كان نظره إلى الأخذ بالمتيقّن، بعد تسليم صدق الموضوع.6.

ص: 400


1- راجع رياض المسائل (ط. ق): ج 2/512.
2- راجع جامع المدارك: ج 7/233، رياض المسائل (ط. ق): ج 2/512.
3- مسالك الأفهام: ج 15/156.

فيردّه: أنّ وجود القدر المتيقّن لا يمنعُ عن الأخذ بالإطلاق، بل الظاهر شمول الحكم لأبِ الاُمّ .

وإن تردّد في شمول الوالد له، لا إشكال في شمول الابن لابن البنت، فتدبّر.

الفرع الثالث: مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى، عدم الفرق في الأب بين الحُرّ والعبد، ولا بين المسلم والكافر، وعدم الفرق بين البنت والابن، كما صرّح بذلك كلّه جماعة من أصحابنا.

لو قتل شخصاً وادّعى أنّه ابنه

الفرع الرابع: لو قتل شخصاً وادّعى أنّه ابنه:

فإنْ كان من موارد سماع دعواه، بأنْ وُلِد على فراشه، وكان بقيّة شرائط الإلحاق موجودة، أو كان في يده، وقلنا بأماريّة اليد لذلك، أو غير ذلك من الموارد، فلا كلام في أنّه لا يُقتل به. وإنْ كان من موارد عدم سماع الدّعوى، أي كان هناك أمارةٌ على عدم السماع، فلا كلام في أنّه يُقتل به على فرض تحقّق سائر شرائط القِوَد. وإنْ لم يكن أمارة على أحد الطرفين حتّى اليد:

فإنْ بنينا على أنّ الأصل قبول كلّ دعوى لا معارض لها - كما هو الحقّ على ما تقدّم في كتاب القضاء(1) - فلا إشكال في أنّه حينئذٍ لا يُقتل به.

وإنْ بنينا على عدم السماع، فيمكن أن يقال إنّه بإجراء أصالة عدم اُبوّة القاتل للمقتول يُحرز موضوع ثبوت القِصاص، وهو تحقّق القتل، مع عدم كون القاتل أباً للمقتول، فإنّ أحد جُزأي الموضوع وهو القتل محرَزٌ بالوجدان، والجزءُ الآخر يُحرزُ

ص: 401


1- فقه الصادق: ج 38/274.

بالأصل، فبضمّ الوجدان إلى الأصل يتمّ الموضوع، فيترتّب عليه حكمه وهو القِوَد.

ولا فرق بين كون انتفاء الأبوّة شرطاً، أو كون الأبوّة مانعة.

نعم، لو لم يكن هذا الأصل جارياً، وقلنا بحجيّة قاعدة المقتضي والمانع، كان الفرق تامّاً، ولكن المقدّمتين مخدوشتان.

كما أنّه على القول بجواز التمسّك بالعام في الشُّبهة المصداقيّة، لابدّ من البناء على جواز القِوَد، فإنّ الخارج عن عموم أدلّة القِصاص ما لو كان القاتل أباً للمقتول، فإذا شُكّ في ذلك، فقد شُكّ في مصداق الخاصّ ، فيتمسّك بعموم العام.

وعلى أيّ «المسالك» لا يُصغى إلى ما قيل في وجه عدم القِصاص بأنّ ذلك شُبهة ما نعة من التهجّم على الدَّم، ودارئة للقتل، كما هو واضح.

ولو ادّعاه اثنان، ولم يكن هناك ما يثبتُ به إحدى الدعوييّن خاصّة:

فتارةً : لا يُعلم بصدق أحدهما ولو بالعلم التعبّدي.

وأُخرى : يُعلم بذلك.

أمّا إذا لم يُعلم به، فقَتَله أحدهما أو كلاهما، فيجوز لولي المقتول الاقتصاص، لأصالة عدم كون القاتل أباً للمقتول، إلّاأن يثبُتَ إجماعٌ تعبّدي على عدم جواز الاقتصاص، وقد ادّعى الإجماعَ غَيرُ واحدٍ، إلّاأنّهم استندوا إلى أنّ الاحتمال قائمٌ بالنسبة إلى كلّ منهما، وذلك شبهة مانعة من التهجّم على الدَّم.

وأمّا إذا علم بصدق أحدهما:

فإنْ ادّعى أحدهما أوّلاً، ثُمّ ادّعى الآخر، فعلى الثاني الإثبات، فإنّه حكمٌ شرعاً بكونه للأوّل، فلو قتله الأوّل لا يُقتل به ويقتل الثاني به.

ص: 402

وإن ادّعياه معاً وقَتَله أحدهما، أو كلاهما، فالمعروف بينهم عدم جواز الاقتصاص، وذهب بعضهم إلى تعيينه بالقرعة.

واستدلّ لما هو المشهور: بما تقدّمت الإشارة إليه، من أنّ الاحتمال قائمٌ في كلّ منهما، وذلك شبهةٌ مانعةٌ من التهجّم على الدَّم.

واستدلّ للتعيين بالقرعة: بأنّ المستفاد من أدلّة القضاء أنّ كلّ دعوى بين المتخاصمين لابدَّ من حَلّها بإحدى الطرق الشرعيّة المقرّرة لذلك، ومنها الدّعوى بينهما في بنوّة شخصٍ ، فإنّه إذا لم يمكن حَلّها بإحدى الطرق، فالمرجع هو القرعة.

وتدلّ على ذلك - مضافاً إلى إطلاقات أدلّة القرعة - عِدّة روايات متضمّنة لما إذا ادّعوا جماعةً الولد، ولم يكن أمارة، أُقرع بينهم، وكان الولد للذي يقرع(1).

ويَردّه: أنّه قبل القتل لو رجَعَوا إلى القُرعة وتعيّن كونه لأحدهما، يُعامل معه معاملة الأب، ومع الآخر معاملة غير الأب.

وأمّا إذا كان القتل قبل القرعة، فلا يَبعُد دعوى عدم الرجوع إلى القرعة، إذ العمومات مختصّة بموارد تزاحم الحقوق، وعدم إمكان الرجوع إلى أمارة أو أصلٍ يعيّن به الوظيفة، وفي المقام يمكن ذلك بإجراء أصل العدم بالنسبة إلى كلّ منهما.

والعلم بأُبوّة أحدهما، لا يمنعُ عن إجراء الأصلين، بعد ما لا يلزمُ من إجرائهما مخالفة تكليفٍ إلزامي، بناءً على ما هو الحقّ من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي، إذا لم يلزم منه مخالفة عمليّة.

وأمّا النصوص الخاصّة: فهي ظاهرة أو محتملة لما قبل القتل، ولا ينتقض بما لوة.

ص: 403


1- وسائل الشيعة: ج 27/257 باب 13 من أبواب كيفيّة الحكم، باب الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة.

مات وعَلمنا بكونه ولداً لأحد شخصين، فإنّه لا إشكال في الرجوع إلى القرعة لتعيّن من يرثه، فإنّه ليس من جهة النصوص الخاصّة، بل من جهة العمومات، لكونه من موارد تزاحم الحقوق.

وعليه، فما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(1): (من فوات محلّ القرعة بالنسبة إلى مثل ذلك وإنْ بقيت في غيره) تامٌّ .

وإيراد صاحب «الجواهر» قدس سره(1) عليه: بمنع انتفاء محلّ القرعة بالنسبة إلى ذلك خاصّة، دون ميراثه وغيره، غير واردٍ.

وبالجملة: فالأظهر أنّه يُعامل مع كلّ منهما معاملة غير الأب، للأصل المشار إليه.

لو قتل الرّجل زوجته

الفرع الخامس: لو قتل الرّجل زوجته، فلا ريب في أنّ لولدها من غيره الاقتصاص، إنّما الكلام في ثبوت حقّ الاقتصاص لولدها منه وعدمه.

فعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(2)، والمصنّف في كتبه(3)، والمشهور كما في «المسالك»(5): أنّه ليس له أن يقتصّ من أبيه.

وفي «الشرائع»(4): (ولو قيل يملك هنا، أمكن اقتصاراً بالمنع على مورد النّص).

ص: 404


1- جواهر الكلام: ج 42/171.
2- المبسوط: ج 7/10.
3- قواعد الأحكام: ج 3/608.
4- شرائع الإسلام: ج 4/989.

واستدلّ في «المسالك»(1) للأوّل: بعموم الأدلّة؛ وصلاحيّة العلّة المقتضية لذلك.

وأجاب عن استدلال المحقّق(2): - بعد توجيه ما أفاده، بأنّ الباء في قولهم عليهم السلام:

«لا يقاد بالولد الوالد» ظاهرة في السببيّة، ولا يكون الولدُ سبباً للقِوَد إلّامع كونه مقتولاً، أمّا إذا كان المقتول مورّثه، فذلك المقتول هو السَّبب دون الولد - بما حاصله:

أنّ استيفاء القِصاص متوقّفٌ على مطالبة المستحقّ ، وإذا كان هو الولد وطالب به، كان هو السَّبب في القِوَد، فيتناوله عموم النّص.

وفيه: إنّ المطالبة من قبيل الشرط، والسَّبب هو القتل، فما أفاده المحقّق رحمه الله من عدم شمول النّص تامٌّ ، وصلاحيّة العلّة بعد كونها مستنبطة لا مصرّحة، ممنوعة.

ومع ذلك كلّه ما عن المشهور أظهر، لعموم العلّة في صحيح محمّد بن مسلم الوارد في قذف الوالد ولده، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن رجلٍ قَذف ابنه بالزّنا؟

قال عليه السلام: لو قتله ما قُتِل به، وإن قَذَفه لم يُجلد.

إلى أن قال: وإنْ كان قال لابنه: يا ابن الزانية واُمّه ميّتة، ولم يكن لها من يأخذ حقّها منه إلّاولدها منه، فإنّه لا يقام عليه، لأنّ حقّ الحَدّ قد صار لولده منها، فإن كان لها ولدٌ من غيره، فهو وليّها يُجلد له، الحديث»(1).

فإنّه بعموم العلّة يدلّ على حكم المقام، وأنّه لا قصاص عليه، ومن الغريب أنّ المحقّق(2) في مسألة القذف أفتى بعموم ثبوت حَدّ القذف له، ومال هنا إلى ثبوت9.

ص: 405


1- الكافي: ج 7/212 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/196 ح 34549.
2- شرائع الإسلام: ج 4/989.

الاقتصاص وحقّ القذف اقتصاراً بالمنع على مورد النّص.

الفرع السادس: ولو قتل أحد الولدين أباه، ثُمّ الآخر اُمّه، فلكلّ منهما على الآخر القِوَد: لأنّ كلّاً منهما قَتَل عمداً الذي هو الموضوع لجواز القِصاص، فيثبتُ لكلّ منهما حقّ الاقتصاص من الآخر، ولا يرثُ الآخر منه كما لا يرثُ المال، فإذا تشاحا فيمن يبدأ به في الاستيفاء أوّلاً، أُقرع بينهما، لعدم الأولويّة، وقُدّم من أخرجته القرعة، ثمّ يقبض ورثة المقتول من الآخر، وإنّما فائدة القرعة التعجيل، لا حقّ الاستيفاء، كي يُورد على من التزم بذلك، بأنّه لا وجه للقرعة بعد فرض ثبوت حقّ الاستيفاء لكلّ منهما على الإطلاق بمقتضى الأدلّة.

ولو بَدَر أحدهما فاقتصّ ، كان لورثة الآخر الاقتصاص منه؛ لأنّ حقّ الاقتصاص من الحقوق القابلة للانتقال كسائر الحقوق الشرعيّة القابلة لذلك، فيقوم الوارثُ مقام مورّثه في استيفاء الحقّ من القاتل.

***

ص: 406

الرابع: العقل، فلو قَتَل المجنونُ أو الصَّبي لم يُقتلا،

اشتراط كمال العقل

الشرط (الرابع): كمال (العقل، فلو قَتَل المجنونُ أو الصَّبي) عاقلاً أو مجنوناً، صغيراً أم كبيراً، كان الجنون دائماً أو أدواراً، وكان القتل حال جنونه (لم يُقتلا):

بلا خلافٍ في الأوّل، وعليه الإجماع، كما ادّعاه بعض الأجلّة وهو صاحب «الجواهر» حيث قال: (إجماعاً بقسميه)(1).

وبلا خلافٍ في الثاني، إذا لم يبلغ خمسة أشبار ولا عشراً، وكذا إذا بلغهما على الأشهر، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا وفاقاً للحِلّي(2) والخلاف من القدماء، وادّعى الأخير فيه إجماع الفرقة كما في «الرياض»(3).

ويشهد به فيهما: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «كان أميرالمؤمنين عليه السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته، خطأً كان أو عمداً»(4).

ومنها: صحيحه الآخر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «عمد الصَّبي وخطائه واحد»(5).

ص: 407


1- جواهر الكلام: ج 42/177.
2- السرائر: ج 3/369.
3- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/512.
4- الفقيه: ج 4/141 ح 5310، وسائل الشيعة: ج 29/400 ح 35858.
5- التهذيب: ج 10/233 ح 53، وسائل الشيعة: ج 29/400 ح 35859

ومنها: معتبر إسحاق بن عمّار، عن جعفرٍ، عن أبيه عليهم السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: عَمد الصبيان خطأ يُحمل على العاقلة»(1).

ومنها: معتبر إسماعيل بن أبي زياد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يسأله عن رجلٍ مجنونٍ قتل رجلاً عمداً، فجعل الدِّية على قومه، وجعل خطاءه وعمده سواء»(2).

ونحوها غيرها.

وهذه النصوص بالإضافة إلى المجنون لا معارض لها.

وأمّا بالنسبة إلى الصَّبي: فبإزائهما طوائفٌ من الأخبار.

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على أنّه إذا بلغ عَشر سنين يُقتصُّ منه، وقد حُكي عن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(3)، و «النهاية»(4)، و «الاستبصار»(5) الإفتاء به.

والظاهر كما أفاده الشهيدالثاني قدس سره في «المسالك»(6)، وصاحب «الجواهر» قدس سره(7):

إنّا لم نظفر إلّابرواية مقطوعة ومرسلة في الكتب: «إذا بلغ الصَّبي عشر سنين اقتصّ منه»، وهي لا تصلحُ لمعارضة ما تقدّم.

وأمّا صحيح أبي أيّوب الخزّاز، قال: «سألتُ إسماعيل بن جعفر عليه السلام: متى تجوزُ0.

ص: 408


1- وسائل الشيعة: ج 29/400 ح 35860.
2- الفقيه: ج 4/115 ح 5228، وسائل الشيعة: ج 29/73 ح 35180.
3- المبسوط: ج 7/44.
4- النهاية: ص 733.
5- الاستبصار: ج 4/287.
6- عبّر الشهيد عن الرواية بأنّه لم نقف عليها بخصوصها، مسالك الأفهام: ج 15/162.
7- جواهر الكلام: ج 42/180.

شهادة الغلام ؟

فقال: إذا بلغ عشر سنين، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخل بعائشة وهي بنتُ عشر سنين، وليس يدخل الجارية حتّى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عَشرُ سنين جاز أمره، وجازت شهادته»(1).

فهو رواية عن غير المعصوم، وفتوى إسماعيل ليس بحجّة سيّما مع الاستدلال بشيء فاسد.

وأمّا النصوص الدالّة على جواز طلاقه ووصاياه، وإقامة الحدود عليه، بإدخال القِصاص في الحدود، فهي لا تدلّ على جواز الاقتصاص، لعدم دخول القِصاص في الحدود على أنّها معاوضة في الحدود، بما يدلّ على أنّه لا يجرى الحَدّ على غير البالغ كما تقدّم في كتاب الحدود(2).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّه تقام الحدود على الصَّبي إذا بلغ ثمان سنين:

منها: صحيح سليمان بن حفص المروزي، عن الرّجل عليه السلام، قال:

«إذا تَمّ للغلام ثمان سنين فجائزٌ أمره، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تَمّ للجارية تسع سنين فكذلك»(3).

أقول: وقد روى الحسن بن راشد في الصحيح عن الإمام العسكري عليه السلام هذه الرواية بعينها، إلّاأنّه قال في آخرها:

«وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك»(4).52

ص: 409


1- الكافي: ج 7/388 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/344 ح 33890.
2- فقه الصادق: ج 38/257.
3- التهذيب: ج 10/120 ح 98، وسائل الشيعة: ج 28/297 ح 34812.
4- التهذيب: ج 9/183 ح 11، وسائل الشيعة: ج 19/212 ح. 24452

ولكنّها معارضة مع ما دلّ على أنّه لا تجبُ الفرائض، ولا تُقام الحدود على غير البالغ، وأنّ البلوغ إنّما يكون بإكمال خمس عشرة سنة، أو بالاحتلام، أو بإنبات الشَّعر على عانته، وعليه فيتعيّن طرحها.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّه يقتصّ منه إذا بلغ خمسة أشبار:

منها: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين في رجلٍ وغلامٍ اشتركا في قتل رجلاً فقتلاه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه، وإذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضي بالدية»(1).

وبه أفتى المفيد قدس سره(2)، والصَّدوق رحمه الله(3) على ما في «المسالك»(4)، والشيخ رحمه الله(4) في «الاستبصار» على ما حُكي.

ولكن في «المسالك»(6): (إنّه مضافاً إلى ضعف سنده، شاذٌ مخالفٌ للاُصول الممهّدة، بل لما أجمع عليه المسلمون إلّامن شَذّ، فلا يلتفت إليه).

أقول: أمّا ضعف سنده، فلا وجه له سوى وجود السكوني، والنوفلي في الطريق، وقد مرّ في هذا الشرح غير مرّة أنّهما معتبران، وقد ادّعى في «العدّة»(5) إجماع الطائفة على العمل برواياتهما.ج)

ص: 410


1- الكافي: ج 7/302 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 35224.
2- المقنعة: ص 748.
3- المقنع: ص 523. (4و6) مسالك الأفهام: ج 15/87.
4- الاستبصار: ج 4/287.
5- العدّة للشيخ الطوسي: ج 1/149 (ط. ج)

بل اُخِذت الدِّية من العاقلة، لأنّ عمدهما خطأ.

وأمّا المخالفة للاُصول: فلا تضرّ بعد أنّ القرآن يُخصّص بخبر الواحد، فكيف بالقواعد المستنبطة من الروايات! وأمّا إجماع المسلمين على خلافه: فلا يوجبُ وهنه بعد عمل أعاظم الفقهاء به.

وأمّا ما أورده الأستاذ قدس سره(1) عليه: بأنّه إذا فرضنا صبيّين متساويين في السِّن، ولكن بَلَغ أحدهما خمسة أشبار دون الآخر، فلازم ذلك هو أنّ من بلغ منهما خمسة أشبار إذا قَتَل نفساً متعمّداً اقتصّ منه دون الآخر، وهذا مقطوع البطلان.

فيردّه: أنّه إذا فرضنا أنّ الميزان هو شبر نفسه - كما صرّح به في بعض النصوص المرويّة في «المستدرك»(2) - فإنّه لا يلزم هذا المحذور، كما هو واضح.

فالحقّ في الجواب: أنّه معارضٌ مع ما هو أشهر، فيقدّم عليه.

أقول: وتمام الكلام في المقام في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: إنّهما وإن لم يُقتلا بالقتل إلّاأنّه لا يذهبُ دَم إمرئٍ مسلمٍ هَدراً (بل اُخذتِ الدِّية من العاقلة، لأنّ عمدهما خطأ) بلا خلافٍ ولا إشكال، والنصوص المتقدّمة شاهدة به.

لكن سيأتي في المجنون ما يوهم أخذ الدِّية من ماله إنْ كان له مالٌ ، وإلّا فمن عاقلته، إلّاأنّه مع ضعفه غير ظاهرٍ في قتله حال جنونه، بل ظاهره ورود الحكم في مورد الاشتباه.

الفرع الثاني: إذا قتل العاقل ثُمّ جُنّ لم يسقط القِوَد، بلا خلافٍ يظهر كما فيص.

ص: 411


1- مباني تكملة المنهاج: ج 2/87.
2- المستدرك: ج 18/232 باب حكم غير البالغ وغير العاقل في القِصاص.

ولو قَتَل البالغ صبيّاً قُتِل به.

«الرياض»(1)، واستدلّ له بإطلاقات أدلّة القِصاص، بعد كون النصوص الخاصّة المتقدّمة غير شاملة لهذه الصورة، لأنّ ظاهرها هو صدور الفعل من المجنون حال جنونه، فلو جَنّ بعدُ لم يكن مشمولاً لها.

وأمّا حديث رفع القلم(2): فهو لا يشملُ العقوبة الثابتة على ما فعله في حال كونه عاقلاً.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - خبر بريد بن معاوية العِجلي، قال:

«سُئل أبو جعفر عليه السلام عن رجلٍ قَتَل رجلاً عمداً، فلم يقم عليه الحَدّ، ولم تصحّ الشّهادة عليه حتّى خولط وذَهَب عقله، ثمّ إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أنّه قتله ؟

فقال عليه السلام: إنْ شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله وهو صحيحٌ ، ليس به علّة من فساد عقلٍ قُتل به، وإنْ لم يشهدوا عليه بذلك، وكان له مالٌ يُعرَف، دُفع إلى ورثة المقتول الدِّية من مال القاتل، وإنْ لم يكن له مالٌ ، اُعطي الدِّية من بيت المال، ولا يَبطل دَمُ إمرئٍ مسلمٍ »(3).

وضعفه منجبرٌ بالعمل، وبكون الراوي عن الضعيف ابن محبوب.

حكم البالغ إذا قتل صبيّاً

الفرع الثالث: (ولو قَتَل البالغُ صبيّاً قُتِل به) على المشهور بين الأصحاب(4)، بل

ص: 412


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/513.
2- وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 35225، المستدرك: ج 1/84 ح 39.
3- الكافي: ج 7/295 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/72 ح 35179.
4- راجع المختصر النافع: ص 289، شرائع الإسلام: ج 4/990، كشف الرموز: ج 2/611.

في «المسالك»(1): (هو مذهب أكثر الأصحاب، بل هو المذهب).

وعن «السرائر»(2): (هو الأظهر بين أصحابنا المعمول عليه عند المحصّلين منهم).

وخالف في ذلك أبو الصّلاح(3) فألحقه بالمجنون في إثبات الدِّية بقتله عمداً مطلقاً، ووافقه الأستاذ قدس سره(4).

واستدلّ للأوّل:

1 - بعموم أدلّة القِصاص، السليمة عن المعارض هنا.

2 - وبمرسل ابن فضّال، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«كلّ من قَتَل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد فعليه القِوَد»(5).

لكن العمومات تُخصَّص بما سيمرّ عليك.

وأمّا المرسل: فقد رواه الصَّدوق بسنده الصحيح عن ابن بُكير، عنه عليه السلام، إلّا أنّه قال: «كلّ من قتل بشيء صَغُر أو كبُر»(6).

إذ الظاهر أنّهما رواية واحدة، فإنّه في طريق الصَّدوق إلى ابن بكير هو حسن ابن علي ابن الفضّال، فالمراد من بعض أصحابه هو ابن بكير، وعلى نقل الصَّدوق الظاهر من الخبر بقرينة أنّ الصغر والكبر صفة للشيء الذي يقع القتل به، كونه أجنبيّاً عن المقام.1.

ص: 413


1- مسالك الأفهام: ج 15/164.
2- السرائر: ج 3/369.
3- الكافي في الفقه: ص 384.
4- مباني تكملة المنهاج: ج 2/71.
5- التهذيب: ج 10/162 ح 27، وسائل الشيعة: ج 29/53 ح 35133.
6- الفقيه: ج 4/112 ح 5221.

أقول: والصحيح هو نقل الصَّدوق، إذ لم يُعهد التعبير عن الإنسان بالشيء، مع أنّه عند دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة، يقتضي الأصل البناء على وجود الزائد، وهو في الخبر حرف الباء.

ويشهد للقول الآخر: صحيح أبي بصير، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ قَتَل رجلاً مجنونا؟

فقال عليه السلام: إنْ كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله، فلا شيء عليه من قِوَدٍ، ولا ديةٍ ، ويُعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين، وإنْ كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده، فلا قِوَد لمن لا يُقاد منه، وأرى أنّ على قاتله الدِّية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر اللّه ويتوب إليه»(1).

فإنّ مورد الخبر وإنْ كان هو المجنون، إلّاأنّ قوله عليه السلام: «لا قِود لمن لا يُقاد منه» عامٌ ، فإن (من) عامّة تشمل الصَّبي والمجنون، حيث إنّه لا يُقاد منهما، فلا يقاد لهما من العاقل، وقد طبّقه الإمام على خصوص المورد، ومعلومٌ أنّ خصوص المورد لا يوجبُ التخصيص، مع تأيّده بما ورد من مثله في الحَدّ، وهو أنّه: «لا حَدّ لمن لا حَدّ عليه»(2).

فإنْ قيل: إنّ إعراض الأصحاب عنه يسقطه عن الحجيّة.

أجبنا عنه: بأنّ الظاهر ولا أقلّ من المحتمل أنّهم لم يعملوا به من جهة مرسل ابن فضّال المتقدّم، وخرجوا به عن عموم الخبر، كما يعضده ماذكره السيّد في «الرياض»(3)3.

ص: 414


1- الكافي: ج 7/294 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/71 ح 35177.
2- وسائل الشيعة: ج 28/42 باب 19 من أبواب مقدّمات الحدود (باب أنّه لا حَدّ لمن لا حَدّ عليه كالمجنون يقذف).
3- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/513.

ولو قَتَل العاقلُ مجنوناً أُخذ منه الدِّية،

من أنّ الاكتفاء بمثل هذا الظهور في رفع اليد عن العمومات القطعيّة من الكتاب والسُّنة، وظاهر المرسلة المعتضدة بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون الآن إجماع الطائفة، في غاية الجرأة.

وإنْ كان ما ذكره من المانع من العمومات القطعيّة من الكتاب والسُّنة، غير تامّ ، إذ المراد:

إنْ كان قطعيّة السند، فقد حُقّق في محلّه أنّ العام الكتابي يُخصَّص بالخبر الواحد الجامع لشرائط الحجيّة.

وإنْ كان قطعيّة الدلالة، فلا آية ولا رواية كذلك.

وكيف كان، فالأظهر بحسب الدليل أنّه لا قِوَد عليه، إلّاأنّ مخالفة أساطين الفن غير خالية من الإشكال، وعليه فالاحتياط طريق النجاة، وهو أيضاً يقتضي أخذ الدِّية لا القِوَد.

حكم قتل العاقل مجنوناً

الفرع الرابع: (ولو قَتل العاقلُ مجنوناً) لم يُقتل به، نعم (اُخذ منه الدِّية) إنْ كان القتل عمديّاً، أو شبيه عمدٍ، بلا خلافٍ .

وعن «السرائر»(1): الإجماع عليه.

ص: 415


1- السرائر: ج 3/369.

إلّا أن يقصد دفعه، فيكون هَدْراً.

ويشهد به: صحيح أبي بصير المتقدّم (إلّا أن يقصد دفعه فيكون هَدراً) لا دية له على العاقل ولا عاقلته اتّفاقاً فتوىً ونصّاً خاصّاً، وهو الصحيح المتقدّم، وعامّاً وهو كثيرٌ تقدّم شطر منه في كتاب الحدود في حَدّ المحارب(1)، وظاهر إطلاق المتن أنّه لا ديَّة له أصلاً، وهو المشهور بين الأصحاب(2).

وعن المفيد قدس سره(3)، و «الجامع»(4)، والصيمري(5): أنّ ديته من بيت مال المسلمين.

واستدلّ للأوّل:

1 - بإطلاق نصوص الدفع.

2 - وبأنّ الدفع إمّا مباحٌ أو واجب، فلا يتعقّبه الضمان من قِودٍ أو دية. ولعلّه من جهة أنّ الدِّية إنّما تثبتُ بعنوان العقوبة، فتختصّ بمورد حرمة الفعل.

أو من جهة ما ورد في القِصاص، كخبر الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قتله القِصاص، له دية ؟ فقال عليه السلام: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد، وقال: من قتله الحَدّ فلا دية له»(6). الدّال على المقام بعموم العلّة.

ولكن يندفع الأوّل: بأنّه يقيّد الإطلاق بصحيح أبي بصير المتقدّم.7.

ص: 416


1- صفحة 307 من هذا المجلّد.
2- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/249، شرح اللّمعة: ج 10/65.
3- المقنعة: 748.
4- الجامع للشرايع: ص 575.
5- حكاه عنه السيّد الخوئي قدس سره في مباني تكملة المنهاج: ج 42/96 (ط. ج).
6- الكافي: ج 7/292 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/63 ح 35157.

والثاني: بأنّ ثبوت الدِّية أعمٌّ من الحرمة، ولذا يجبُ الدِّية في شبيه العمد والقتل خطأ.

وثبوتها على بيت المال، لا ينافي مع خبر الكناني، فإنّ مقتضاه نفي الدِّية عن القاتل، فالعمل على صحيح أبي بصير، ويعضده:

1 - ما في خبر بريد المتقدّم من قوله عليه السلام: «لا يبطل دَمُ إمرئٍ مسلم»(1).

2 - وخبر أبي الورد المعتبر برواية الحسن بن محبوب، الذي هو من أصحاب الإجماع، عن أحدهما عليه السلام، قال:

«قلتُ : أصلحك اللّه، رجلٌ حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة، فتناول الرّجل السّيف من المجنون فضربه فقتله ؟ فقال: أرى أن لايُقتل به، ولايُغرم ديته، وتكون ديته على الإمام، ولا يبطل دمه»(2).

وما بين الصحيحة والمعتبرة القريبة منها من الاختلاف، حيث إنّه في الأُولى جعل الدِّية على بيت المال، وفي الثانية على الإمام، بدويٌ ، والجمع بينهما يقتضي حمل الثانية على الأُولى ، نظراً إلى أنّ بيت المال مُعدّ لمصالح المسلمين، وبيد الإمام، فكلّ من التعبيرين صحيحٌ ، ويرجعان إلى شيء واحد.

لو كان القاتلُ سكراناً

الفرع الخامس: لو كان القاتل سكراناً، فهل عليه القِوَد كما عن الأكثر، على ما

ص: 417


1- الفقيه: ج 4/106 ح 5198، وسائل الشيعة: ج 29/72 ح 35179.
2- الكافي: ج 7/294 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/71 ح 35178.

في «المسالك»(1)، بل قد يظهر من «غاية المراد»(2) نسبته إلى الأصحاب، مشعراً بالإجماع عليه، بل في «الإيضاح»(3) دعواه صريحاً كما قاله صاحب «الجواهر»(4)؟

أم لا كما في «القواعد»(5)، وإن أشكل فيه بعد اختيار العدم ؟ كما في «المسالك»(6)، وعن «الإرشاد»(7)؟ قولان:

واستدلّ للأوّل: بمعتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«كان قومٌ يشربون فيسكرون، فتباعجوا بسكاكين كانَتْ معهم، فرفِعوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، فسجنهم فماتَ منهم رجلان وبقي رجلان.

فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقِدهما بصاحبينا.

فقال للقوم: ما ترون ؟

فقالوا: نرى أن تقِيدهما.

فقال عليّ عليه السلام للقوم: فلعلّ ذينك الّذين ماتا قَتَلا كلّ واحدٍ منهما صاحبه ؟!

قالوا: لا ندري.

فقال عليٌّ عليه السلام: بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة، وآخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين»(8).7.

ص: 418


1- المسالك: ج 15/165.
2- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/186.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/600.
4- الجواهر: ج 42/186.
5- قواعد الأحكام: ج 3/609.
6- ذهب الشهيد في المسالك إلى ثبوت القود راجع مسالك الأفهام: ج 15/165.
7- إرشاد الأذهان: ج 2/203.
8- الفقيه: ج 4/118 ح 5236، وسائل الشيعة: ج 29/233 ح 35527.

فإنّ قوله: «فلعلّ ... إلى آخره»، ظاهرٌ في المفروغيّة عن كون القِوَد عليهما، لو فرض العلم بأن الباقيين قتلاهما.

وأُورد عليه: بأنّه يعارضه صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة شربوا مُسكراً، فأخذ بعضهم على بعض السِّلاح، فاقتتلوا فقُتِل اثنان وجُرِح اثنان، فأمر المجروحين فضُرِب كلّ منهما ثمانين جلدة، وقَضى بدية المقتولين على المجروحين، وأمر أن تقاس جراحة المجروحين فتُرفع من الدِّية، فإن مات المجروحان، فليس على أحدٍ من المقتولين شيء»(1).

وقد جمع الأستاذ(2) بينهما بحمل الأوّل على ما هو ظاهره من كون شربهم المُسكر في معرض التباعج بالسكاكين، المؤدّي إلى القتل عادةً ، قال: (ويؤيّد ذلك أنّ الشيخ رحمه الله روى هذه الرواية، والمذكور فيها: «كان قومٌ يشربون فيسكرون فيتباعجون بالسكاكين، الحديث»)، فإنّ الظاهر من هذه الجملة أنّ التباعج الذي هو معرض القتل في نفسه كان عادةً لهم.

وحمل الثاني نظراً إلى كونه قضيّة في واقعة على صورة القتل والقتال بينهم اتّفاقاً، من دون علمٍ لهم بأنّ شُرب المُسكر يؤدّي إلى ذلك عادةً .

ثمّ قال قدس سره(3): (وعلى تقدير تسليم التعارض، فالمرجع هو ما تقتضيه القاعدة، وهو أنّه إنْ علم السكران قبل سُكره أنّ شُربه المسكر يكون في معرض القتل، وأنّه يؤدّي إليه نوعاً، فهو بشربه قاصدٌ للقتل، فيكون القتل المترتّب على السُكر قتلاً1.

ص: 419


1- وسائل الشيعة: ج 29/233 ح 35526. (2و3) مباني تكملة المنهاج: ج 2/80 و 81.

عمديّاً، وأمّا إذا لم يكن كذلك، وكان القتل اتّفاقيّاً، لم تجرِ عليه أحكام القتل العمدي، وإنّما تترتّب عليه الدِّية).

أقول: وفي كلامه مواقع للنظر:

أمّا ما أفاده في خبرالسكوني: فلأنّه ليس فيه سوى تفرّع التباعج على السكر.

وأمّا كون ذلك عادةً ، فلا شاهد به أصلاً.

وأمّا على تقدير صحّة نقل الشيخ، وإنْ كان ظاهره كون التباعج عادةً لهم، إلّا أنّه على خلاف مقصوده أدلّ ، إذ بعد كون عادتهم التباعج، وعدم ترتّب القتل عليه في الموارد السالفة، لا محالة يطمئن بعدم ترتّبه في هذه الموارد أيضاً.

وأمّا ما أفاده في صحيح محمّد بن قيس: فإنّ قضاوة الإمام عليه السلام كانت في واقعة خاصّة، غير معلوم الوجه، إلّاأنّ نَقل الإمام الباقر عليه السلام تلك القضاوة في مقام بيان الحكم، يُخرجه عن ذلك، فيكون هو أيضاً كخبر السكوني مطلقاً.

فعلى فرض تسليم دلالة خبر السكوني على ثبوت القِودَ فلا محالة يقع التعارض بينهما.

وأمّا ما أفاده من أنّه بعد التعارض يكون المرجع هي القاعدة: فمن سهو القلم، إذ في تعارض الخبرين، لابدَّ من الرجوع إلى أخبار الترجيح والتخيير لا التساقط والرجوع إلى القاعدة، وهي تقتضي تقديم خبر السكوني، لوجوهٍ غير خفيّة.

والحقّ أن يقال: إنّه ليس في خبر السكوني ما يدلّ على أنّ عليه القِود، فإنّ منطوقه أن لا قِوَد، لاحتمال قتل كلٍّ منهما صاحبه، ولا مفهوم له كي يدلّ على ثبوته مع عدم الاحتمال.

ص: 420

والأعمى كالمُبصِر على الأقوى.

وعليه، فهو كالصحيح يدلّ على أنْ لا قِوَد، وأنّه يثبتُ الدِّية، وعلى ذلك فلا مورد للرجوع إلى القاعدة.

وبالجملة: فالأظهر أنّه لا قصاص عليه.

لو كان القاتلُ أعمى

الفرع السادس: (و) في القِوَد من (الأعمى ) إذا قَتَل من اقتصّ به لو كان بصيراً خلافٌ :

فعن الشيخ(1)، والصَّدوق رحمه الله(2)، والإسكافي رحمه الله(3)، والقاضي(4)، وابن حمزة رحمه الله(5)، والصهرشتي(6)، وجماعة من متأخّري المتأخّرين أن لا قِود عليه.

وعن «غاية المراد»(7)، و «روض الجنان»(8): هذا هو المشهور بين الأصحاب.

وعن الحِلّي(7)، وجملة المتأخّرين(8): أنّ الأعمى (كالمُبصِر على الأقوى ) في

ص: 421


1- النهاية: ص 760.
2- ذكره رواية في الفقيه: ج 4/85 ح 271.
3- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 9/347.
4- المهذّب: ج 2/495.
5- الوسيلة: ص 455.
6- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/189. (7و8) نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/189.
7- المختصر النافع: ص 289.
8- نسبه إليهم في جواهر الكلام: ج 42/188.

وجوب القِصاص عليه بعمده.

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح محمّد الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ ضَرب رأس رجلٍ بمعولٍ فسالت عيناه على خدّيه، فوثَب المضروب على ضاربه فقتله ؟

قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذان متعدّيان جميعاً، فلا أرى على الذي قَتَل الرّجل قِوَداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى ، والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته، يؤخذون بها في ثلاث سنين، في كلّ سنةٍ نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة، لزمته دية ما جَنى في ماله، يؤخذ بها في ثلاث سنين، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»(1).

2 - وبموثّق أبي عبيدة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن أعمى فَقأ عين صحيح ؟

فقال: إنّ عَمد الأعمى مثل الخطاء، هذا فيه الدِّية في ماله، فإن لم يكن له مالٌ فالدية على الإمام، ولا يبطل حقّ إمرئ مسلمٍ »(2).

وأورد الشهيد الثاني رحمه الله على الاستدلال بهما: قال: (وهاتان الروايتان مشتركتان في الدلالة على أنّ عمد الأعمى خطأ، وفي ضعف السند فيه مختلفان للحكم، ومخالفان للاُصول، لاشتمال الأولى على كون الدِّية تجبُ ابتداءً على العاقلة، ومع عدمها تجبُ على الجاني، ومع عدم ماله على الإمام، ولم يوجبها على العاقلة،3.

ص: 422


1- الفقيه: ج 4/142 ح 5313، وسائل الشيعة: ج 29/399 ح 35857.
2- وسائل الشيعة: ج 29/89 ح 35223.

وظاهر اختلاف الحكمين ومخالفتهما بحكم الخطأ.

إلى أن قال قدس سره: مع أنّ الرواية الأُولى ليست صريحة في مطلوبهم، لجواز كون قوله عليه السلام: «خطأ» حالاً، والجملة الفعليّة بعده الخبر، وإنّما يتمّ استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعا على الخبرية، وأمّا نصب خطأ على التمييز كما فعله بعضهم فهو خطأٌ واضح)(1)، انتهى .

أقول: ما أفاده م آله إلى اشكالات:

الإشكال الأوّل: ضعف السند فيها.

ويردّه: أنّ الظاهر كون نظر الشهيد في خبر الحلبي إلى رواية الشيخ، فإنّه في طريقه محمّد بن عبد اللّه بن هلال، وغَفَل أنّه برواية «الفقيه» صحيحٌ ، فإنّ سند الصَّدوق إلى العلاء صحيحٌ في المشيخة، وبه صرّح العلّامة في «الخلاصة»(2).

وأمّا خبر أبي عبيد، فليس في سنده من يتوقّف فيه سوى عمّار الساباطي، وهو وإنْ كان فطحيّاً، إلّاأنّه ثقةٌ جليلُ القدر، ومع ذلك في السند قبله الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع، وعليه فالخبران معتبران سنداً، ومعتضدان بفتوى القدماء من الأصحاب، ولم يُنقل الخلاف فيه أحدٌ منهم قبل الحِلّي.

الإشكال الثاني: أنّ الخبر الأوّل غير صريح في المطلوب، لجواز كون قوله عليه السلام (خطأ) حالاً، فيكون مفاده أنّ جنايته خطأٌ على العاقلة كالمُبصر.

وفيه: إنّه ينافيه قوله عليه السلام: «هذان متعدّيان جميعاً» إذ التعدّي لا يُجامع8.

ص: 423


1- مسالك الأفهام: ج 15/167-168.
2- رجال العلّامة: ص 278.

قتل الخطاء.

وأيضاً: ينافيه تعليله نفي القِوَد بوقوع القتل حال العمى، لا كونه خطأ، ولاتلازم بينهما، مع أنّ قوله عليه السلام: «والأعمى جنايته خطأ» تتمّة التعليل، ولو كان المراد التعليل بالخطاء للغي ذكر الأعمى ، لعدم اختصاص عدم القود بالخطاء به.

وبالجملة: إنكار ظهور الخبر في ذلك مكابرة، ولا يعتبر في الحجيّة الصراحة، مع أنّ في الثاني كفاية.

الإشكال الثالث: اختلافهما في الحكم.

وفيه: إنّ الموثّق يُحمل على ما إذا لم يكن له عاقلة، بقرينة الصحيح الدّال على أنّه إنْ لم يكن له عاقلة فالدية في ماله، كما أنّ إطلاق ما في ذيل الصحيح، يقيّد بما إذا كان له مال، وإلّا فالدية على الإمام، بمقتضى ذيل الموثّق الدّال على ذلك.

وعليه، فمقتضى الجمع بين الخبرين أنّ الدِّية على عاقلته، وإن لم تكن عاقلة فالدية في ماله، وإلّا فعلى الإمام عليه السلام، مع أنّ خروج بعض الرواية عن الحجيّة، وشذوذها من جهةٍ ، لا يستلزمُ خروجها عنها بالمِلْكيّة، فصدر الخبرين الدّال على أنّ عمد الأعمى خطأ لا شذوذ فيه، وذيلهما المتضمّن لبيان ما يثبت عليه الدِّية - لو سُلّم شذوذه - يوجبُ طرحه خاصّة دون صدره.

وأورد المحقّق قدس سره في «النافع»(1): بعد نقل خبر الحلبي، بقوله: (فهذه الرواية فيها مع الشذوذ تخصيصٌ لعموم الآية).

ويردّه: أنّ عموم الآية يُخصّص بالخبر الواجد لشرائط الحجيّة.9.

ص: 424


1- المختصر النافع: ص 289.

الفرع السابع: ولا قِوَد على النائم إجماعاً، فتوىً ونصّاً، وللأصل مع انتفاء التعمّد المشترط في شرعيّة القِصاص، كما في «الرياض»(1).

وأمّا حكم الدِّية: فسيأتي عند تعرّض المصنّف قدس سره له.

***2.

ص: 425


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/512.

الخامس: أن يكون المقتولُ معصومُ الدَّم، فلو قَتَل مرتدّاً، أو من أباح الشّارع قَتله، لم يُقتَل به.

في اشتراط كون المقتول محقون الدَّم

الشرط (الخامس: أن يكون المقتول معصومُ الدَّم) بالنسبة إلى القاتل (فلو قَتَل) من يجوزُ له القَتل (مرتدّاً، أو من أباح الشارع قتله) كسابّ النبيّ صلى الله عليه و آله، والأئمّة الطاهرين عليهم السلام، والمحارب، والمهاجم القاصد للنفس، أو العرض، ومن يُقتل بقصاصٍ ، أو حَدٍّ وغير ذلك (لم يُقتل به).

والضابط كون القتل سائغاً للقاتل، وقد وردت روايات في من قتله الحَدّ أو القِصاص(1)، وفي المحارب والمهاجم دالّة على ذلك، وقد تقدّم الكلام فيه، وفي من يكون دمه هدراً بالنسبة إلى شخص، وقتله غيره في الفرع العاشر من الشرط الثاني.

***

ص: 426


1- وسائل الشيعة: ج 29/63 باب 24 من أبواب القِصاص في النفس (باب أنّ من قتل قصاصاً فلا دية له ولا قصاص).

الفصل الثالث: في الاشتراك:

إذا اشترك جماعةٌ في قَتل حُرٍّ مسلمٍ ، كان للوليّ قَتل الجميع بعد رَدّ فاضل دية كلّ واحدٍ عن جنايته عليه، وله قتل البعض، ويُردّ الآخرون قدر جنايتهم على المقتصّ منه، ولو فضل للمقتولين فضلٌ قام به الوليّ .

الفصل الثالث حكم اشتراك جماعةٍ في قتل واحد

اشارة

(الفصل الثالث: في) مسائل في (الاشتراك):

المسألة الأُولى: (إذا اشترك جماعة في قتل حُرٍّ مسلمٍ )، بأن ألقوه من شاهقٍ ، أو جَرَحوه بجراحاتٍ مجتمعة أو متفرّقة ولو مختلفة كميّة وكيفيّة، فماتَ ، (كان للولي) ولي المقتول (قتل الجميع بعد رَدّ فاضل دية كلّ واحدٍ عن جنايته عليه، وله قتل البعض ويردّ الآخرون قدر جنايتهم على المقتصّ منه، ولو فضل للمقتولين فضلٌ ) عمّا ردّه شركاؤهم (قام به الوليّ ).

فلو اشترك ثلاثة في قتل واحدٍ، واختار وليّه قتلهم، أدّى إليهم ديتين يقتسمونهما بينهم بالسَّوية، فنصيب كلّ واحدٍ منهم ثلثا دية، ويسقط ما يخصّه من الجناية، وهو الثلث الباقي.

ولو قتل رجلان رجلاً، جاز لأولياء المقتول قتلهما بعد أن يردّوا إلى أولياء كلّ منهما نصف الدِّية.

ص: 427

وإنْ فَضُل منهم كان له.

كما أنّ لأولياء المقتول قتل بعضٍ منهم، ففي صورة اشتراك ثلاثة لو قتلوا واحداً منهم، وجبَ على كلّ واحدٍ من الآخرين أن يَردّ ثُلث الدِّية إلى أولياء المقتصّ منه، وإن قَتَل وليّ المقتول اثنين منهم، وجبَ على الثالث أن يردّ ثُلث الدِّية إلى أولياء المقتصّ منهما، ويجبُ على وليّ المقتول المقتصّ أن يردّ إليهم تمام الدِّية ليصل إلى أولياء كلّ واحدٍ من المقتولين ثُلثا الدِّية قبل الاقتصاص، وهكذا.

(وإنْ فَضُل منهم) لقصور ديتهم عن دية المقتول، بأن كانوا عَبدين، أو امرأةً حُرّة وأمَة، وقَتَلوا رجلاً، ونقصت القيمة عن الدِّية، (كان) الفاضل عن دية المقتول على ديتهم (له) أي للولي، بلا خلافٍ في شيء من ذلك بين الأصحاب.

وعن «الغنية» وغيرها من كتب الجماعة: الإجماع على الجميع.

ويشهد بذلك: نصوصٌ كثيرة، وفي «الرياض»(1) صحاحٌ مستفيضة وغيرها من المعتبرة:

منها: صحيح داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلين قتلا رجلاً؟

قال: إنْ شاء أولياء المقتول أن يؤدّوا دية ويقتلوهما جميعاً قتلوهما»(2).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن مسكان، عنه عليه السلام: «في رجلين قتلا رجلاً؟

قال: إنْ أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما، وتكون الدِّية بين أولياء المقتولين، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدِّية إلى أهل4.

ص: 428


1- رياض المسائل: ج 14/48.
2- الفقيه: ج 4/111 ح 5217، وسائل الشيعة: ج 29/41 ح 35104.

القاتل، وإن لم يؤدّ دية أحدهما، ولم يقتل أحدهما، قبل الدِّية صاحبه من كليهما، وإن قبل أولياؤه الدِّية كانت عليهما»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في عشرة اشتركوا في قتل رجلٍ؟

قال عليه السلام: يُخيّر أهل المقتول، فأيّهم شاءوا قَتَلوا، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدِّية»(2).

ومنها: معتبر الفضيل بن يسار، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قلت له: عشرة قتلوا رجلاً؟

قال: إنْ شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً، وغرموا تسع ديات، وإنْ شاءوا تخيّروا رجلاً فقتلوه، وأدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عُشر الدِّية، كلّ رجلٍ منهم. قال عليه السلام: ثمّ الوالي بعدُ يلي أدبهم وحَبسهم»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: وأمّا خبر القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس وغيره، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا اجتمع العِدّة على قتل رجلٍ واحدٍ، حَكم الوالي أن يقتل أيّهم شاءوا، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحدٍ، إن اللّه عزّ وجلّ يقول: (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ ) (4) وإذا قتل ثلاثة واحداً، خيّر الوالي أيّ الثلاثة شاء أنْ يقتل، ويضمن الآخران ثُلثي الدِّية لورثة المقتول»(5).6.

ص: 429


1- الكافي: ج 7/283 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/42 ح 35107.
2- الكافي: ج 7/283 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/42 ح 35106.
3- الكافي: ج 7/283 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/43 ح 35109.
4- سورة الإسراء: الآية 33.
5- المستدرك: ج 18/225 ح 22576.

وكذا البحث في الأطراف.

فأُورد عليه: بضعف السند، لأنّ القاسم بن عروة لم تثبت وثاقته، ولم يُذكر بمدحٍ .

ولكنّه يندفع: بأنّ الراوي عنه ابن أبي عمير، الذي أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

وقد حَمَله الشيخ رحمه الله(1) تارةً على التقيّة، لأنّ في الفقهاء من لا يجوّز ذلك، وأُخرى على أنّ المراد أنّه ليس له ذلك إلّابشرط أن يردّ مايفضل عن دية صاحبه، قال رحمه الله(2): (وهو خلاف ما ذهب إليه قومٌ من العامّة، وهو مذهب من تقدّم على أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّه كان يجوّز قتل الاثنين وما زاد عليهما بواحدٍ ولا يردّ فضل ذلك، وذلك لا يجوز على حال).

والحملُ الثاني لا بأس به؛ لأنّ خبر القاسم مطلق وقابلٌ للتقييد بصريح النصوص المتقدّمة.

وأمّا ما عن غير واحدٍ من الأصحاب من حمله على الاستحباب، وفي «الرياض»(1) ولا بأس به أيضاً.

فيردّه: أنّ الجمع الموضوعي لو أمكن مقدّمٌ على الجمع الحكمي، وفي المقام يمكن ذلك كما عرفت.

المسألة الثانية: (و) كما يقتصّ من الجماعة في النفس بمقتضى ما ذكر في البحث المتقدّم، (كذا) يقتصّ منهم على (البحث في الأطراف) بلا خلافٍ :3.

ص: 430


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/503.

ولو قَتَلتْ امرأتان رجلاً، قُتِلتا به ولا رَدّ، ولو كُنّ أكثر قُتِلنَ به بعد رَدّ الفاضل عليهنّ ، وللوليّ قتل البعض، وتَردّ الباقيات قدر جنايتهنَّ .

1 - لفحوى النصوص المتقدّمة.

2 - ولصحيح أبي مريم الأنصاري، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجلٍ؟

قال: إنْ أحبّ أن يقطعها أدّى إليهما دية يد أحدٍ فاقتسماها ثمّ يقطعهما، وإن أحبّ أخذ منهما دية يدٍ.

قال: وإنْ قطع يد أحدهما، رَدّ الذي لم تُقطع يده على الذي قُطعت يده رُبع الدِّية»(1).

اشتراك الرّجل والمرأة في قتل رجل

المسألة الثالثة: (ولو قتلت امرأتان رجلاً، قُتلتا به ولا رَدّ) بلا خلافٍ ، إذ لا فاضل لهما عن دية المقتول، ومع ذلك يدلّ عليه معتبر محمّدبن مسلم، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً؟

قال: تُقتلان به ما يختلف في هذا أحد»(2).

(ولو كُنَّ أكثر قُتِلن به بعد رَدّ الفاضل عليهنّ ) إذ لا حقّ لوليّ المقتول في أمثال المقام قتل الجميع إلّابعد رَدّ فاضل الدِّية، كما ستقف عليه، (وللولي قتل البعض) بأن يقتل أثنين منهنّ (وتُردّ الباقيات قدر جنايتهنّ ).

ص: 431


1- الكافي: ج 7/284 ح 7، وسائل الشيعة: ج 29/186 باب 25 من أبواب قصاص الطرف ح 35426.
2- التهذيب: ج 10/183 ح 13، وسائل الشيعة: ج 29/84 ح 35214.

ولو اشترك رجلٌ وامرأة في قتل رجلٍ ، فللوليّ قتلهما بعد رَدّ الفاضل على الرّجل، وله قَتل الرّجل، وتَردّ المرأة ديتها عليه، وله قتل المرأة وأخذ نصف الدِّية من الرّجل.

فإذا فرضنا ثلاث نساء قَتَلن رجلاً، والوليّ قتل اثنتين منهنّ ، وجبَ على الثالثة رَدّ ثُلث دية الرّجل إلى أولياء المقتصّ منهما، والوجه في ذلك النصوص المتقدّمة، فإنّها وإنْكانت في الرّجل، إلّا أنّ قاعدة الاشتراك تقتضي بانسحاب الحكم إلى المرأة.

وإنْ شئت قلت: إنّ المفهوم منه عرفاً عدم اختصاص الحكم بالرجل، ولذا يُتعدّى إلى صورة الاشتراك في قتل المرأة.

المسألة الرابعة: (ولو اشترك رجلٌ وامرأة في قتل رجلٍ ):

1 - (فللوليّ قتلهما بعد رَدّ الفاضل على الرّجل).

2 - (وله قتل الرّجل وتَردّ المرأة ديتها عليه).

3 - (وله قتل المرأة وأخذ نصف الدِّية من الرّجل).

بلا خلافٍ في شيء من ذلك، وقد ظهر وجه الجميع ممّا أسلفناه.

المسألة الخامسة: كلّ موضعٍ وجبَ فيه الرَّد على الوليّ عند إرادة الاقتصاص - على اختلاف الموارد - لابدّ من تقديم الرَّد على استيفاء الحقّ كالقتل ونحوه، فلو كان القاتل اثنين، وأراد وليّ المقتول قتلهما وجبَ عليه أوّلاً رَدّ نصف الدِّية إلى كلّ منهما، ثمّ استيفاء الحقّ منهما، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يقتل المرأة متعمّداً،

ص: 432

فأراد أهل المرأة أن يقتلوه ؟

قال: ذلك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدِّية»(1).

فإنّه أخذ أداء الدِّية شرطاً لجواز القتل، فما لم يتحقّق الشرط لا يتحقّق الجواز.

2 - وصحيح ابن مسكان، عنه عليه السلام: «في رجلين قتلا رجلاً؟

قال: إنْ أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا ديةً كاملة وقتلوهما.. الحديث»(2).

فإنّه ظاهرٌ في أنّ جواز القتل معلّقٌ على أداء الدِّية خارجاً، فما لم يؤدّوها ليس لهم قتله.

ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله تعرّض لمسائل في الاشتراك، من قبيل اشتراك عبدٍ وحُرٍّ في قتل رجلٍ حُرّ، واشتراك عبدٍ وامرأةٍ في قتل حُرّ، وما شاكل، ولكن لمعلوميّة الحكم في الجميع ممّا أسلفناه، ولعدم ترتّب أثرٍ عملي عليه، أغمضنا عن التعرّض لها.

***7.

ص: 433


1- الكافي: ج 7/298 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/81 ح 35202.
2- الكافي: ج 7/283 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/42 ح 35107.

الفصل الرابع: فيما يثبت به القتل:

وهو ثلاثة:

الأوّل: الإقرار، ويكفي المرَّة

الفصل الرابع فيما يثبُتُ به القتل

اشارة

(الفصل الرابع: فيما يثبت به القتل):

(وهو ثلاثة): المثبت (الأوّل: الإقرار) بلا خلافٍ في ثبوته به، ويقتضيه إطلاق أدلّته.

(و) هل (يكفي) فيه (المرّة) كما هو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر كما في «الرياض»(1)؟

أم لا يكفي المرّة، بل يعتبر المرّتان، كما عن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2)، وابني إدريس(3) والبرّاج(4)، والطبرسي(5)، ويحيى بن سعيد(6)، وجماعة(7)؟ وجهان:

يشهد للأوّل: مضافاً إلى إطلاق أدلّة الإقرار(8):

ص: 434


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/514.
2- النهاية: ص 742.
3- السرائر: ج 3/341.
4- المهذّب: ج 2/502.
5- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/402.
6- الجامع للشرايع: 577.
7- رياض المسائل: ج 14/9.
8- وسائل الشيعة: ج 23/184 باب صحّة الإقرار من البالغ العاقل ولزومه.

1 - صحيح الفضيل، قال:

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقٍّ من حدود اللّه مرّة واحدة، حُرّاً كان أو عبداً، أو حُرّة كانت أو أمَة، فعلى الإمام أن يُقيم الحَدّ عليه.

إلى أن قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّةً واحدة على نفسه أُقيم عليه الحَدّ فيها؟...

إلى أن قال: وإذا أقرّ بقتل رجلٍ لم يَقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبه»(1).

2 - صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ قَتَل فحُمل إلى الوالي.

إلى أن قال: حتّى أتاهم رجلٌ فأقرَّ عند الوالي أنّه قتل صاحبهم عمداً، وأنّ هذا الرّجل الذي شهد عليه الشهود بَريءٌ من قتل صاحبه، فلا تقتلوه به، وخُذوني بدمه. فقال أبوجعفر عليه السلام: إنْ أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذى أقرّ علينفسه فليقتلوه»(2).

3 - ومرسل علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ وُجِد في خربةٍ وبيده سكين متلطّخ بالدّم، وإذا رجلٌ مذبوحٌ يتشحَّط في دمه ؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما تقول ؟ قال: أنا قتلته.

قال عليه السلام: اذهبوا به فأقيدوه به»(3).3.

ص: 435


1- التهذيب: ج 10/7 ح 20، وسائل الشيعة: ج 28/56 ح 34202.
2- الكافي: ج 7/290 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/144 ح 35345.
3- الكافي: ج 7/289 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/142 ح 35343.

من أهله

ومع ذلك فلا يُصغى إلى ما استدلّ به للقول الآخر بحمله على الزّنا والسَّرقة وغيرهما ممّا يعتبر فيه التعدّد، وبأنّ فيه احتياطاً للدِّماء، مع أنّهما غير تامّين في أنفسهما.

إذ يرد على الأوّل: أنّه قياسٌ مع الفارق، لأنّ القتل حقّ آدمي فيكفي فيه المرّة كسائر الحقوق.

أضف إليه: أنّه لو تمّ ، فلابدّ من اعتبار الإقرار أربع مرّات، لأنّ القتل ليس بأدون من الزّنا.

ويرد على الثاني: أنّه يُعارض هنا بمثله في جانب المقتول، لعموم ما ورد من أنّه لا يبطل دم إمرئ مسلم.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور.

ويعتبر في الثبوت به صدوره (من أهله)، وهو العاقل، البالغ، المختار، المتلفت.

وعليه، فلا عبرة بإقرار المجنون حال جنونه.

ولا بإقرار الصَّبي وإنْكان مراهقاً كسائر إقراراتهما، لحديث رفع القلم عنهما(1).

ولا بإقرار المُكرَه، لأنّ حديث رفع ما استكرهوا عليه(2) أسقط حُكم إقراره.

ولخبر أبي البَختري، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليٍّ عليه السلام، قال:1.

ص: 436


1- المستدرك: ج 1/84 ح 39.
2- وسائل الشيعة: ج 15/370 ح 20771.

«من أقرّ عند تجريدٍ أو حبسٍ أو تخويفٍ أو تهديدٍ فلا حَدّ عليه»(1).

ولا بإقرار السكران والغافل والنائم.

ولا يعتبر فيه عدم المحجوريّة لفلسٍ أو سَفهٍ ، فيُقبل إقرار المحجور عليه بالقتل عمداً، فيثبت عليه القِوَد، لأنّ حجره إنّما هو في التصرف في أمواله، ولا يكون محجوراً عليه في أقواله وإقراره فيشمله إطلاق أدلّة الإقرار، وإذا أقرّ بالقتل الخطائي ثبتت الدِّية في ذمّته دون عاقلته، لأنّه:

إقرارٌ في حقّ الغير، ولا دليل على اعتباره.

ولصحيح زيد بن عليّ ، عن آبائه عليهم السلام، قال: «لا تُعقل العاقلة إلّاما قامت عليه البيّنة.

قال: وأتاه رجلٌ فاعترف عنده فجعله في ماله خاصّة، ولم يجعل على العاقلة شيئاً»(2).

***5.

ص: 437


1- الكافي: ج 7/261 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/185 ح 29343.
2- الفقيه: ج 4/141 ح 5311، وسائل الشيعة: ج 29/398 باب 9 من أبواب العاقلة ح 35855.

ولو أقرّ بقتله عمداً، فأقرَّ آخر أنّه الذي قَتَل، ورَجع الأوّل، سَقَط القِصاص، وكانت الديَّة على بيت المال.

لو أقرّ شخصٌ بالقتل وأقرَّ آخر أنّه القاتل

(ولو) اتُّهِم رجلٌ بقتل من يُقتصُّ به، و (أقرّ بقتله عمداً، فأقرّ آخر أنّه الذي قتل وَرَجع الأوّل) عن إقراره (سَقَط القصاصُ ، وكانت الدِّية على بيت المال) على المشهور(1).

بل عن «كشف الرموز»(2): (أنّ الأصحاب ذهبوا إلى ذلك، ولا أعرف مخالفاً، بل عن «الانتصار»(3) الإجماع عليه).

واستدلّ له: بخبر علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ وُجِد في خربةٍ وبيده سكين ملطَّخ بالدَّم، وإذا رجلٌ مذبوح يتشحَّط في دمه.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما تقول ؟ قال: أنا قتلته.

قال: اذهبوا به فاقيدوه به، فلمّا ذهبوا به أقبل رجلٌ مُسْرِعٌ ... إلى أن قال: فقال:

أنا قتلته.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام للأوّل: ما حملك على إقرارك على نفسك ؟

ص: 438


1- راجع الوسيلة: ص 461، إيضاح الفوائد: ج 4/454.
2- كشف الرموز: ج 2/614.
3- الانتصار: ص 540 إلّاأنّه لم يصرّح بالإجماع.

فقال: وما كنتُ أستطيع أن أقول، وقد شهد عليَّ أمثال هؤلاء الرجال، وأخذوني وبيدي سكينٌ ملطَّخٌ بالدَّم.

إلى أن قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن عليه السلام.

إلى أن قال: فقال الحسن عليه السلام: قولوا لأمير المؤمنين عليه السلام: إنْ كان هذا ذَبَح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا اَلنّاسَ جَمِيعاً) (1) يُخلّى عنهما، وتخرج ديَّة المذبوح من بيت المال»(2).

ورواه الصَّدوق مرسلاً عن أبي جعفر عليه السلام(3).

وأورد عليه: بضعف السند للإرسال.

وفيه أوّلاً: إنّ الأصحاب عملوا بالخبر، كما اعترف به الشهيدالثاني رحمه الله(4) الرّاد للخبر لضعفه، بل عَمِل به من لا يعمل إلّابالقطعيّات كالحِلّي(5)، فضعفه لو كان ينجبر بذلك، مع أنّ الصَّدوق قدس سره ينسب الخبر إلى الإمام الباقر عليه السلام جزماً، وقد مرَّ غير مرّة أنّ هذا القسم من المرسل حجّة، وعليه فلا إشكال فيه سنداً.

أقول: ولكن الذي يخطر بالبال أنّه لا يستندُ إليه في المقام، لقصور في الدلالة، فإنّه قضيّة في واقعة، وكان المورد من الموارد التي لم يكن احتمال تواطيء المُقرِّين عليقتله واسقاطه القِصاص والدِّية؛ لأنّه حكمٌ مجعول بعد تلك الواقعة على خلاف القاعدة، فلا محالة يكون هذا الاحتمال منتفياً، فبطبيعة الحال لا يتعدّى إلى بعد بيان7.

ص: 439


1- سورة المائدة: الآية 32.
2- الكافي: ج 7/289 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/142 ح 35343.
3- الفقيه: ج 3/23 ح 3252.
4- مسالك الأفهام: ج 15/176.
5- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/207.

الحكم مع احتمال التواطيء.

نعم، لابأس بالعمل به مع القطع بعدم التواطئ، ففي الحقيقة يكون ذلك قولاً ثالثاً.

ثمّ إنّه في مورد عدم العمل بالخبر يتعارض الإقراران بعد العلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع، وعدم الأثر للإنكار بعد الإقرار، وحيث إنّ المختار في تعارض الأمارتين غير الخبرين هو التخيير، فتكون النتيجة هو ما ذهب إليه الشهيدالثاني(1)، ونُسِب إلى أبي العبّاس(2)، واختاره الأستاذ(3)، وهو تخيير الوليّ في تصديق أيّهما شاء والاستيفاء منه، وفي «المسالك»(4).

وعلى المشهور لو لم يكن بيت مال أشكل دَرءُ القِصاص عنهما، وإذهاب حقّ المُقرُّ له، مع أنّ مقتضى التعليل ذلك.

وفي «الرياض»(5): (والظاهر أنّ نظره بعدم بيت المال إلى هذا الزمان الذي ليس حكومة إسلاميّة، ولا من شؤونها شيءٌ ).

ولكن الظاهر أنّ المراد من بيت المال، الأموال والحقوق الشرعيّة المُعدّة لمصالح المسلمين، كسهم الإمام أرواحنا فداه، فعدم وجود بيت المال لا معنى له.

ولو لم يرجع الأوّل عن إقراره، تخيّر الوليّ في تصديق أيّهما شاء، بلا خلافٍ ،5.

ص: 440


1- مسالك الأفهام: ج 15/176.
2- نقلت النسبة حكاية في جواهر الكلام: ج 42/207.
3- مباني تكملة المنهاج: ج 2/95-96.
4- شرح اللّمعة: ج 10/70.
5- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/515.

ويظهر وجهه ممّا تقدّم من مقتضى القاعدة.

فإنْ قيل: إنّه في مورد العمل بالخبر في فرض الرجوع لِمَ لا يُعمل به مع عدم الرجوع مع ما فيه من عموم العلّة ؟

أجبنا عنه: بأنّه ليس ظاهراً في كونه علّة يدور الحكم مدارها، بل لعلّه من قبيل الحكمة، مع أنّه بين الإحياء مع الرجوع والإحياء بدونه فرقٌ واضح.

***

ص: 441

ولو أقرَّ واحدٌ بقتله عمداً، وأقرّ آخر أنّه قتله خطأً، كان للوليّ الأخذ بقول من شاء منهما، ولا سبيل له على الآخر.

لو أقرّ شخصٌ بالقَتل عَمداً وأقرّ آخر به خطأً

(ولو أقرّ واحدٌ بقتله عَمداً، وأقرّ آخر أنّه قَتَله خطأً، كان للوليّ الأخذ بقول من شاء منهما، ولا سبيل له على الآخر) كما صرّح به غير واحدٍ(1)، وعن «الانتصار»(2)الإجماع عليه.

أقول: ويمكن أن يُستدلّ له بوجوه:

أحدها: أنّ كلّاً من الإقرارين حجّة على المقرّ نفسه، إلّاأنّه ليس لوليّ المقتول الأخذ بكليهما معاً، للعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع، فمقتضى القاعدة كما مرّت الإشارة إليه هو التخيير.

الوجه الثاني: خبر الحسن بن صالح بن حَيّ ، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ وُجِد مقتولاً، فجاء رجلان إلى وليّه فقال أحدهما: أنا قَتَلته عمداً، وقال الآخر: أنا قتلته خطأً.

فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العَمَد، فليس له على صاحب الخطاء سبيل، وإن أخذ بقول صاحب الخطاء فليس له على صاحب العَمَد سبيل»(3).

ص: 442


1- المراسم العلويّة: ص 240، النهاية: 742.
2- الانتصار: ص 543.
3- الكافي: ج 7/289 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/141 ح 35342.

وضعف سنده لحسن بن صالح الزيدي البُتْرِيّ الذي قال الشيخ رحمه الله(1) في حقّه:

(متروكُ العمل بما يختصّ بروايته) لا يضرّ، لرواية حسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع عنه، ولعمل الأصحاب به.

الوجه الثالث: صحيح زرارة الآتي في مسألة ما لو قامت الشهود على قتل شخصٍ ، وأقرّ آخر أنّه الذي قَتَل، الدّال على أنّه يتخيّر أولياء المقتول بين قتل أيّهما شاءوا، ولكن إن قتلوا من أقرّ على نفسه ليس لهم سبيلٌ على الذي قام الشهود على أنّه القاتل، ولو أرادوا قتلهما لهم ذلك، ولكن لابدّ من رَدّ نصف الدِّية إلى أولياء الذي شَهد عليه دون من أقرّ على نفسه، معلّلاً بأنّ المُقرّ يُبرّئ صاحبه، فإنّ مقتضى ذلك أنّه لأولياء المقتول أن يختاروا تصديق أيّهما شاءوا، ومعه لا سبيل لهم على الآخر، فتدبّر فإنّه لطيف.

وإنْ صُدِّق من يُقرّ بأنّه قتل عمداً، فلأولياء المقتول قتله، لأنّه مقتضى إقراره.

ولو صُدِّق من أقرّ بأنّه قَتَل خطأً، ثبت الدِّية في ماله بالخصوص دون العاقلة:

أمّا عدم ثبوتها على العاقلة: فلأنّ الإقرار نافذٌ على نفس المُقرّ دون غيره.

أمّا ثبوته في ماله: فيشهد به صحيح زيد بن عليّ عليه السلام المتقدّم.

***1.

ص: 443


1- التهذيب: ج 1/408 ذيل الحديث 1.

الثاني: البيّنة: وهي عَدْلان.

ثبوت القتل بالبيّنة

المثبت (الثاني) ممّا يثبُت به القتل هي (البيّنة، وهي) أن يشهد رجلان بالغان عاقلان (عَدلان) بالقتل، بلا خلافٍ في ذلك.

ويشهد به: - مضافاً إلى أدلّة حجيّة البيّنة مطلقاً، المتقدّمة في كتاب القضاء(1) - جملة من النصوص الخاصّة:

منها: صحيح بريد بن معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن القَسامة ؟

فقال: الحقوق كلّها البيّنة على المُدَّعي، واليمينُ على المُدّعى عليه، إلّافي الدَّم خاصّة، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بينما هو بخيبر إذ فَقَدت الأنصار رجلاًمنهم فوجدوه قتيلاً.

فقالت الأنصارُ: إنّ فلاناً اليهودي قَتَل صاحبنا.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للطالبين: أُقيموا رجلين من غيركم اقيده برمّته، فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة.. الحديث»(2).

ومنها: صحيح مسعدة بن زياد بن جعفر عليه السلام، قال: «كان أبي رضى الله عنه إذا لم يُقِم القوم المُدَّعون البيّنة على قتل قتيلهم، ولم يقسموا بأن المتّهمين قتلوه، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّه... الحديث»(3).

ص: 444


1- فقه الصادق: ج 38/162.
2- الكافي: ج 7/361 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/152 ح 35362.
3- التهذيب: ج 10/206 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35365.

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «فيمن شهد عليه الشهود بالقتل، فأقرّ آخر أنّه قَتَل صاحبهم، وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوا»(1).

ومنها: صحيح البزنطي، عن إسماعيل بن أبي حنيفة، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: كيف صار القتل يجوزُ فيه شاهدان، والزّنا لا يجوزُ فيه إلّاأربعة شهود، والقتلُ أشدُّ من الزّنا؟

فقال: لأنّ القتل فعلٌ واحد والزّنا فعلان، الحديث»(2).

ومنها: في خبر ابن شبرمة، عنه عليه السلام معاتباً أبي حنيفة في القياس:

«ويحك أيّهما أعظم قتل النفس أو الزّنا؟ قال: قتل النفس.

قال: فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد قَبِل في قتل النفس شاهدين، ولم يقبل في الزّنا إلّا أربعة، الحديث»(3).

ومثله ما رواه الطبرسي في «الاحتجاج» عن الإمام الصادق عليه السلام(4).

وغير ذلك من النصوص التي سيمرّ عليك طرفٌ منها في المسائل الآتية.

وأمّا صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ اللّه حَكَم في دمائكم بغير ما حَكَم به في أموالكم، حَكم في أموالكم أنّ البيّنة على المُدّعي واليمين على المُدّعى عليه، وحَكَم في دمائكم أنّ البيّنة على المُدَّعى عليه واليمينُ على من ادّعى، لئلّا يبطل دم إمرئ مسلم»(5).3.

ص: 445


1- الكافي: ج 7/182 ح 8، وسائل الشيعة: ج 29/144 ح 35345.
2- التهذيب: ج 6/277 ح 165، وسائل الشيعة: ج 29/137 ح 35331.
3- وسائل الشيعة: ج 27/46 ح 33175.
4- الاحتجاج: ج 2/361.
5- الكافي: ج 7/361 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35363.

فهو لأدلّ على عدم حجيّة البيّنة، بل ولا على عدم حجيّة بيّنة المُدَّعي، وإنّما يدلّ على أنّ المطالب بها هو المنكر دون المُدَّعي، مع أنّه خاصٌ بموارد اللّوث دون غيرها، وأمّا في غيرها، فالمُطالَب بها هو المُدّعي، بمقتضى العمومات والنصوص الخاصّة، وأمّا في مورد اللّوث فسيأتي الكلام فيه في محلّه.

أقول: قد تعرّض الفقهاء في المقام لفروع، مثل اعتبار توارد شهادتهما على أمرٍ واحدٍ، فلو اختلفا في ذلك لم تُقبل، وحكم ما لو شَهد أحدهمابالقتل، والآخر بإقراره به، وما شابه، ولكن لعدم اختصاص تلك الفروع بالشهادة بالقتل، وكونها أحكاماً لمطلق البيِّنة، وتعرّضنا لها في كتاب القضاء(1)، فالإغماض عن التعرّض لها أولى .

ثبوتُ القَتل بشاهدٍ وامرأتين

إنّما الكلام في ثبوت القتل الذي يجبُ به القِصاص بشاهدٍ وامرأتين. وفيه أقوال:

القول الأوّل: ماعن الشيخ رحمه الله(2) في «الخلاف»، وابن إدريس قدس سره(3) من عدم الثبوت.

القول الثاني: ما عن الشيخ رحمه الله(4) في «المبسوط»، والمُحقّق قدس سره(5) في كتاب الشهادات من «الشرائع»، من ثبوته بذلك، ويترتّب عليه موجبه وهو القِوَد.

القول الثالث: ما عن الشيخ رحمه الله(6) في «النهاية»، وابن الجُنيد(7)، وأبي الصّلاح(8)،

ص: 446


1- راجع المجلّد 38 صفحة 162 وما بعدها.
2- الخلاف: ج 6/251.
3- السرائر: ج 2/116.
4- المبسوط: ج 7/248.
5- شرائع الإسلام: ج 4/129.
6- النهاية: ص 333.
7- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ص 714.
8- الكافي في الفقه: ص 436.

والقاضي(1) من الثبوت، لكن يجبُ الدِّية لا القِوَد الذي نَسَبه المحقّق في «الشرائع»(2)في المقام إلى الشذوذ، وفي «المسالك»(3) نَسبهُ إلى كبراء الأصحاب.

واستدلّ للأوّل:

1 - بالقاعدة المشهورة من عدم قبول شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات فيما كان من حقوق الآدمي غير المالي، ولا المقصود منه المال.

2 - وبالنصوص الدالّة على عدم قبول شهادة النساء في الدَّم، كخبر محمّد بن الفضيل(4) وغيره، أو في الحدود وفي القِوَد كما في معتبر غياث(5)، أو في القتل كما في صحيح ربعي(6).

أقول: ولكن القاعدة المشار إليها غير ثابتة، كما تقدّم الكلام فيها في كتاب الشهادات(5) مفصّلاً، والنصوص المذكورة معارضة بصحيح جميل بن درّاج، ومحمّد بن حمران، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلنا: أتجوزُ شهادة النساء في الحدود؟

فقال: في القتل وحده، إنّ عليّاً عليه السلام قال: لا يبطل دم إمرئ مسلم»(6).

وبه يظهر مدرك القول الثاني.

والجمعُ بين النصوص يقتضي البناء عليثبوت الدِّية بشهادتهنّ دون القِوَد، كما9.

ص: 447


1- المهذّب: ج 2/558.
2- شرائع الإسلام ج 4 ص 993.
3- مسالك الأفهام: ج 15/178.
4- وسائل الشيعة: ج 27/352 ح 33915. (5و6) وسائل الشيعة: ج 27/358 ح 33937 و ح 33935.
5- فقه الصادق: ج 38/433.
6- الكافي: ج 7/390 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/350 ح 33909.

ذكره الأساطين منهم الشيخ قدس سره(1)، والمصنّف في «المختلف»(2) على ماحُكي، والشهيد الثاني(3) في «المسالك»، بحمل ما دلّ على الثبوت على الدِّية، وما دلّ على عدمه على القِوَد، وتمام الكلام في كتاب الشهادات(4). وعليه، فالأظهر هو القول الثالث.

ثمّ إنّ الكلام في ثبوته بشهادة النساء منفردات، هو الكلام في ثبوته بشهادة رجلٍ وامرأتين، لما ذكرناه في كتاب الشهادات من أنّه في كلّ موردٍ بنينا على قبول شهادة النساء، لا فرق بين صورتي الانضمام والانفراد، بل بشهادة امرأةٍ واحدةٍ يثبتُ رُبع الدِّية، وبشهادة امرأتين نصفها، وبشهادة ثلاث نسوة ثلاثة أرباعها، وبشهادة أربع نسوة تمامها:

1 - لصحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في غلامٍ شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئرٍ فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(5).

وهو مطلق شامل للشهادة بالقتل عمداً أو خطأً.

وأيضاً: مقتضى قوله عليه السلام: «بحساب شهادة المرأة» ثبوت النصف بشهادة امرأتين، وثلاثة أرباع بشهادة ثلاث نسوة، وأمّا ثبوت تمام الدِّية فقد مرّ الكلام فيه.

هذا مضافاً إلى أنّه لو سُلّم اختصاصه بشهادة امرأة واحدة، فعدم الفصل لا يقبل الإنكار.4.

ص: 448


1- النهاية: ص 333.
2- مختلف الشيعة: ج 8/466.
3- مسالك الأفهام: ج 15/178-179.
4- فقه الصادق: ج 38/433.
5- التهذيب: ج 6/267 ح 119، وسائل الشيعة: ج 27/357 ح 33934.

ويثبتُ ما يوجبُ الدِّية كالخطأ والهاشمة بشاهدٍ وامرأتين، أو بشاهدٍ ويمين.

2 - ولخبر عبد اللّه بن الحَكَم، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: عن امرأةٍ شهدت على رجلٍ أنّه دَفَع صبيّاً في بئرٍ فمات ؟ قال عليه السلام: على الرّجل رُبع الدِّية الصَّبي بشهادة المرأة»(1). ولكن الظاهر عدم إفتاء الأصحاب بذلك، وهذا لو لم يوجب سقوطهما عن الحجيّة، يوجبُ التوقّف في الفتوى .

وفي ثبوت القتل بشاهد ويمين اختلافٌ وأقوال، أقواها بحسب الأدلّة هو الثبوت، لما تقدّم في كتاب القضاء(2) من أنّ الأظهر بحسب الروايات هو ثبوت الحقّ غير المالي أيضاً بهما، وإنْ كان ذلك خلاف فتوى الأصحاب.

وعلى فرض تسليم عدم ثبوت القِصاص بهما، فلا إشكال في ثبوت الدِّية.

وعليه، فالأحوط لأولياء المقتول أن يُصالحوا مع القاتل بأخذ الدِّية.

(و) بما ذكرناه هنا وفي كتاب الشهادات ظَهر أنّه (يثبتُ ما يوجبُ الدِّية كال) قتل (خطأ، والهاشمة)، والمُنقِّلة، والجايفة، وكسر العظام.

وبالجملة: ما لا قِوَد فيه بل الديِّة خاصّة (بشاهدٍ وامرأتين، أو بشاهدٍ ويمين) والظاهر أنّه لا خلاف يُعتدّ به في ذلك.

أقول: ذكر الفقهاء في المقام فروعاً من قبيل، اعتبار أن يكون الشّهادة بالحِسّ ، أو ما يقربُ منه، وأنّه لو شَهد أحد الشاهدين بالقتل خطأً والآخر بالقتل من دون7.

ص: 449


1- الفقيه: ج 3/52 ح 3313، وسائل الشيعة: ج 27/359 ح 33941.
2- فقه الصادق: ج 38/427.

تعيين العَمد والخطأ، وما شابه، وحيث أنّها مذكورة بصورة عامّة في كتاب الشهادات(1)، فلا حاجة إلى تكرار ذلك.

نعم، في المقام فروعٌ لم تُذكر هناك، فلابدَّ لنا من تنقيح القول فيها، وهي:

لو قامت بيّنةٌ على أنّ زيداً قاتلٌ وأُخرى على أنّه عَمرو

الفرع الأوّل: لو قامت بيّنة على أنّ زيداً قَتَل شخصاً منفرداً، وقامت بيّنةٌ أُخرى على أنّ القاتل غيره:

فعن الشيخ رحمه الله(2) في «النهاية»، والمفيد قدس سره(3)، والقاضي(4)، والصهرشتي(5)، والطبرسي(6)، والمصنّف(5) في بعض كتبه، والفخر(6)، وأبي العبّاس(7): سَقَط القِصاص، ووَجَب الدِّية عليهما نصفين إنْ كان عمداً، ولو كان خطأ محضاً، كان الدِّية على عاقلتهما كذلك.

وعن الحِلّي قدس سره(8) تخيير الوليّ في تصديق أيّهما شاء.

واختار الشهيدالثاني قدس سره(9) في «المسالك»، وصاحب «الجواهر»(10)،

ص: 450


1- راجع المجلّد 38/362 وما بعدها.
2- النهاية: ص 740.
3- المقنعة: ص 736.
4- المهذّب: ج 2/502. (5و6) نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/219.
5- مختلف الشيعة: ج 9/302.
6- إيضاح الفوائد: ج 4/608.
7- حكاه في جواهر الكلام: ج 42/219.
8- السرائر: ج 3/341-342.
9- مسالك الأفهام: ج 15/192.
10- حكاه في جواهر الكلام: ج 42/219.

والأستاذ(1): سقوط الدِّية كالقِوَد.

وفي المقام أقوالٌ اُخر.

واستدلّ للأوّل: بأنّهما بيّنتان تصادمتا، وليس قبول إحداهما في نظر الشارع أولى من قبول الأُخرى ، ولا يمكن العمل بهما، لاستلزامه وجوب قتل الشخصين معاً، وهو باطلٌ إجماعاً، ولا العمل بإحداهما دون الأُخرى ، لعدم الأولويّة، فلم يبق إلّا سقوطهما معاً بالنسبة إلى القِوَد، لأنّه تهجّم على الدِّماء المحقونة في نظر الشارع بغير سببٍ معلوم ولا مظنون، إذ كلّ واحدةٍ من الشهادتين تُكذّب الأُخرى ، ولأنّ القتل حَدٌّ يسقط بالشُّبهة.

وأمّا الثاني: وهو ثبوت الدِّية عليهما، فلئلّا يبطلُ دَم إمرئ مُسلمٍ قد ثبت أنّ قاتله أحدهما وجُهل عينه فتجبُ عليهما، لانتفاء المرجّح، كذا في «المسالك»(1).

وأُورد عليه تارةً : بما أفاده الاُستاذ قدس سره(3) من أنّ الدلالة الالتزاميّة لكلٍّ من البيّنتين معارضة للدلالة المطابقيّة من الأُخرى ، فتسقطان معاً، فكأنّه لا بيّنة في المقام أصلاً، وعليه فلا يثبت كون هذا قاتلاً ولا ذاك، فإذن لا مقتضي للقصاص منهما، ولا من أحدهما، ولا لأخذ الدِّية كذلك.

وأُخرى : بما عن مختلف المصنّف رحمه الله(2)، وقوّاه سيّد قدس سره «الرياض»(3) بحسب «القواعد»، قال: (بل هنا احتمالٌ ثالث، وهو تخيير الوليّ بينهما، كما ذكروه في تعارض5.

ص: 451


1- مسالك الأفهام: ج 15/191.
2- مختلف الشيعة: ج 9/302.
3- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/515.

الإقرارين بالقتل عَمداً في أحدهما وفي الثاني بالخطأ، ودلّ عليه النّص الذي مضى، مع تأيّده بما عليه الأصحاب، ودلّ عليه بعض الأخبار، مضافاً إلى الاعتبار من التخيير بين الخبرين المتعارضين مثلاً بحيث لا يترجّح أحدهما على الآخر أصلاً).

وقال السيّد بعد نقل ذلك(1): (ومن جميع ما ذُكر، ولو بضمّ بعضه لعلّه يحصل الظّن بجواز قتل من شهدت عليه إحدى البيّنتين ممّن اختاره الأولياء، فليس فيه التهجّم على الدِّماء الممنوع عنه شرعاً) وحينئذٍ فلا يبعدُ المصير إلى ما عليه الحِلّي من التخيير.

وثالثة: بما عن الحِلّي قدس سره(2)، من أنّ البيّنة قائمة على كلّ منهما بوجوب القِوَد، فلا وجه لسقوطه، وإنّا قد أجمعنا على أنّه لو شهد اثنان على واحدٍ بأنّه القاتل، فأقرّ آخر بالقتل، يتخيّر الوليّ في التصديق والإقرار كالبيّنة، وإنّ نفي القتل عنهما يُنافي قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (3).

ورابعةً : بما عن نُكَت المحقّق(4): أنّه إن ادّعى الأولياء القتل على أحدهما قتلوه لقيام البيّنة بالدعوى، وتُهدر الأُخرى .

وحقّ القول في المقام: إنّه بناءً على ما هو الحقّ من شمول ما دلّ على أنّه عند تعارض البيّنتين يُقدّم أرجح البيّنتين عدالةً ، فالأكثر منهما شهوداً، وإن تساويا أُقرع بينهما لجميع موارد النزاع، لابدّ من الالتزام بذلك في المقام.2.

ص: 452


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/515.
2- السرائر: ج 3/341-342.
3- سورة الإسراء: الآية 33.
4- نسبه إليه في مجمع الفائدة: ج 14/172.

وأمّا بناءً على عدم شموله للمقام، فإن قلنا بأنّ التبرّع بالشهادة بالدَّم لا يصحّ ، فما أفاده المحقّق قدس سره في «النكت» يتمّ ، وأمّا بناءً على صحّته كما لعلّه الأظهر، أو أنّ أولياء المقتول قالوا لا نعلم، أو كان للمُدّعي وكيلان فادّعى كلّ منهما، أو قلنا إنّ للمُدَّعى عليه براءة نفسه بإقامة البيّنة على أنّ القاتل غيره، فبناءً على ما حقّقناه في الاُصول من أنّ مقتضى القاعدة عند تعارض الأمارتين هو التخيير لا التساقط، فلابدّ من البناء على التخيير في المقام، فللوليّ أن يقتصّ من أيّهما شاء، وليس فيه التهجّم على الدِّماء الممنوع عنه شرعاً.

وعلى هذا، فما صار إليه الحِلّي أقوى ، وإنْ كان ما ذكره من الوجوه غير تامّ ، إلّا أنّ ذِكرها تأييداً للمطلب لا بأس به.

أقول: ما في «الرياض»(1) - بعد أن قوّى ذلك بحسب «القواعد» - من قوله:

(لكن شهرة ما عليه الشيخان، مع قوّة احتمال استنادهما إلى روايةٍ ، كما هو السجيّة لهما والعادة، ونبَّه عليه شيخنا في «المسالك»(2) وادّعى وجودها لهما الحِلّي(3) في «السرائر»، والفاضل(4) في «التحرير»، أوجبت التردّد في المسألة).

مدفوعٌ : بأنّ الشهرة الفتوائيّة على خلاف ما يقتضيه الدليل لا يُعتنى بها، مع أنّ الشهرة ممنوعة، ووجود رواية مرسلة غير واصلة إلينا ولا إلى غيرنا لا يصلحُ مدركاً للحكم، فضلاً عن احتماله.1.

ص: 453


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/516.
2- مسالك الأفهام: ج 15/191-192.
3- السرائر: ج 3/342.
4- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/251.

فإذاً القول بالتخيير أقوى .

ويؤيّده: ما دلّ من النَّص على التخيير عند تعارض الإقرارين بالقتل عمداً من أحدهما، وفي الثاني بالخطأ المتقدّم، وما دلّ من النّص على التخيير عند تعارض البيّنة والإقرار الآتي في المسألة الآتية.

وعليه، فالمسألة بحمد اللّه تعالى واضحة لا إشكال فيها.

حكم تعارض البيّنة والإقرار

الفرع الثاني: لو قامت بيّنةٌ على أنّ شخصاً قتل زيداً عمداً، وأقرّ آخر أنّه هو الذي قَتَله دون المشهود عليه:

فالمشهور بين الأصحاب أنّ للوليّ قتل المشهود عليه، ويُرِدّ المُقرّ نصف ديته، وله قتل المُقرّ، فلا رَدّ لإقراره بالانفراد، وله قتلهما بعد أن يَردّ المشهود عليه نصف ديته دون المقرّ، ولو أرادوا الدِّية كانت عليهما نصفين.

والمستند في الحكم صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن رجلٍ قَتل فحُمل إلى الوالي، وجاءه قومٌ فشهد عليه الشهود أنّه قَتَل عمداً، فدفع الوالي القاتلَ إلى أولياء المقتول ليُقاد به، فلم يريموا(1) حتّى أتاهم رجلٌ فأقرّ عند الوالي أنّه قَتَل صاحبهم عمداً، وأنّ هذا الرّجل الذي شهد عليه الشهود بَريءٌ من قتل صاحبه، فلا تقتلوه به، وخذوني بدمه.

قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنْ أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه

ص: 454


1- أي يبرحوا.

فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الآخر، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شَهد عليه، وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شَهد عليه فليقتلوا، ولا سبيل لهم على الذي أقرّ، ثمّ ليؤدّ الدِّية على الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شَهِد عليه نصف الدِّية.

قلت: أرأيت إنْ أرادوا أن يقتلوهما جميعاً؟

قال: ذاك لهم، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شَهد عليه نصف الدِّية خاصّة دون صاحبه ثمّ يقتلونهما.

قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدِّية ؟

فقال: الدِّية بينهما نصفان، لأنّ أحدهما أقرّ والآخر شُهد عليه.

قلت: كيفَ جُعلت لأولياء الذي شُهد عليه على الذي أقرّ نصف الدِّية حيث قتل، ولم تُجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شهد عليه ولم يُقرّ؟

قال: فقال عليه السلام: لأنّ الذي شُهد عليه ليس مثل الذي أقرّ، الذي شُهد عليه لم يُقرّ ولم يبرّئ صاحبه، والآخر أقرّ وبَرّأ صاحبه، فلزم الذي أقرّ وبَرّأ صاحبه ما لم يلزم الذي شُهد عليه ولم يُقرّ ولم يُبرئ صاحبه»(1).

وأورد عليه في «الشرائع»(2) بقوله: (وفي قتلهما إشكالٌ لانتفاء الشركة، وكذا في إلزامهما بالدِّية نصفين، والقول بتخيير الوليّ في أحدهما وجهٌ قويّ ، غير أنّ الرواية من المشاهير).5.

ص: 455


1- الكافي: ج 7/290 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/144 ح 35345.
2- شرائع الإسلام: ج 4/995.

وكذا أورد عليه الحِلّي قدس سره(1) بقوله: (في قتلهما جميعاً نظرٌ، لعدم شهادة الشهود، وإقرار المقرّ بالشركة).

والمصنّف في محكيّ «المختلف»(2) نفى عن هذا البأس، والشهيد الثاني قدس سره في «المسالك»(3) اقتصر على نقل إشكال هؤلاء، وصاحب «الجواهر» قدس سره(4) قال: (لعلّ طرحها (أي الصحيحة) والعمل بما تقتضيه القواعد اجتهادٌ في مقابل النّص).

قال سيّدنا الأستاذ قدس سره(5): (إنّ في المسألة صورتين:

إحداهما: ما إذا احتمل الاشتراك في القتل بينهما.

ثانيتهما: ما إذا علم إجمالاً عدم الاشتراك وأنّ القاتل واحدٌ.

والقاعدة تقتضي جواز قتلهما في الصورة الأُولى دون الثانية، فإنّه في الأُولى البيّنة القائمة على أنّ زيداً هو القاتل لا تخلو من أن تكون لها دلالة التزاميّة على نفي اشتراك غيره في القتل، أو لا تكون لها هذه الدلالة، وعلى التقديرين فهي لاتنفي الاشتراك.

أمّا على الثاني: فواضحٌ .

وأمّا على الأوّل: فلأنّ الدلالة الالتزاميّة المذكورة تَسقط من جهة إقرار غيره بالقتل، وأمّا إقرار المُقرّ فهو حجّة بالإضافة إلى ما عليه من الآثار، وأمّا بالإضافة إلى نفي القتل من غيره فلا يكون حجّة.0.

ص: 456


1- السرائر: ج 3/342.
2- مختلف الشيعة: ج 9/304.
3- مسالك الأفهام: ج 15/194.
4- جواهر الكلام: ج 42/225.
5- مباني تكملة المنهاج: ج 2/100.

فالنتيجة: من ضَمّ البيّنة إلى الإقرار هي أنّهما معاً قاتلان على نحو الاشتراك، فيجري عليهما حكم الاشتراك في القتل، غير أنّ وليّ المقتول إذا اقتصّ من المُقرّ فقط، فليس لورثته أخذ نصف الدِّية من المشهود عليه، وذلك لأجل أخذ المقرّ بإقراره.

وأمّا في الصورة الثانية: فمقتضى العلم الإجمالي بعدم قاتليّة أحدهما قتلهما معاً، يخالفُ الآيات والروايات الدالّة على عدم جواز قتل المؤمن بغير الحقّ ، ولا سبيل إلى البناء على التخيير بعد تساقط الأمارتين، كما هو الأصل في تعارض الأمارتين.

ويمكن أن يقال: إنّ بناء العقلاء على الأخذ بمقتضى الإقرار في هذه الموارد، فليس من موارد التعارض.

قال: وأمّا الصحيح ففي الصورة الأُولى يُعمل به ولا محذور فيه، وأمّا في الصورة الثانية فإطلاقها الشامل لها يُعارض ما دلّ على عدم جواز قتل المؤمن بغير حقّ من الآيات والروايات.

فالمتعيّن هو رفع اليد عن الإطلاق، وحمل الصحيح علي صورة احتمال الاشتراك، فتكون النتيجة أنّ ما أفاده المشهور يتمّ في الصورة الأُولى ، وأمّا في الصورة الثانية فالظاهر جواز قتل المُقرّ، أو أخذ الدِّية منه بالتراضي).

أقول: في ما أفاده مواقع للنظر:

الأوّل: ما أفاده من أنّ البيّنة كان لها دلالة التزاميّة أم لم تكن لها تلك لا تنفي الاشتراك.

فيَردُ عليه أوّلاً: أنّ فرض المسألة ما لو قامت البيّنة على أنّ القاتل زيدٌ منفرداً، فلا محالة لها دلالة التزاميّة.

ص: 457

وثانياً: أنّ ما أفاده من سقوط الدلالة الالتزاميّة بالإقرار، يردّه أنّهما متعارضان، فلم يُقدّم الإقرار ويسقط الدلالة الالتزاميّة، ولو تمّ ذلك لزم الالتزام بذلك عند تعارض البيّنتين، كما في المسألة المتقدّمة، فيقال: إنّ الدلالة الالتزاميّة لكلّ منهما تسقط بواسطة البيّنة المعارضة، فتكون النتيجة هو الاشتراك في القتل.

وثالثاً: أنّه لو قامت البيّنة على أنّ القاتل زيدٌ منفرداً، فلا محالة تدلّ بالدلالة المطابقيّة على عدم الاشتراك في القتل، ويكون علماً تعبّديّاً بعدم الاشتراك، وكذلك الإقرار علمٌ تعبّدي بكونه وحده قاتلاً، فإنْ كان في الصورة علمٌ وجداني بعدم الاشتراك في القتل، ففي الصورة الأُولى علمان تعبّديّان بذلك.

وعليه، فالتفصيل بين الصورتين لا وجه له.

الثاني: أنّه إن لم يكن لإقراره حكمٌ بالنسبة إلى نفي الاشتراك، فما أفاده من أنّه إذا اقتصّ من المُقرّ ليس لورثته أخذ نصف الدِّية من المشهود عليه، لأجل أخذ المقرّ بإقراره، لا مورد له، فإنّه لا حكم للإقرار بالنسبة إلى الاشتراك وعدمه، فإذا ثبت الاشتراك لابدّ من ترتيب جميع الأحكام، منها أخذ نصف الدِّية، مع أنّ الإقرار بالنسبة إلى أخذ نصف الدِّية من قبيل الإقرار على الغير، وهو لا يكون حجّة.

الثالث: ما أفاده من أنّ إطلاق الصحيح يُعارضُ ما دلّ على عدم جواز قتل المؤمن بغير حقّ في الصورة الثانية، وهو يكون مقدّماً.

فإنّه يرد عليه: أنّ الصحيح أخصّ مطلقاً من تلك الأدلّة، بعد كون الأمارة في الصورة الأُولى نافية للاشتراك، فلابدّ من تقديمه.

أضف إليه: أنّ تلك الأدلّة تدلّ على عدم جواز القتل بغير حقّ ، فإذا احتمل أنّ

ص: 458

قيام البيّنة أو الإقرار من العناوين الثانويّة المجوّزة، ودلّ الصحيح في مقام الإثبات عليه، لا يكون الصحيح مخالفاً لتلك الأدلّة.

أقول: وفي ما أفاده رحمه الله مواقع اُخر من النظر، ورعاية للأدب أغمضنا عنها، وإنْ كان قد خرجنا بهذا المقدار من الأدب، عَصَمنا اللّه تعالى من الخطايا والآثام.

فالمتحصّل: أنّ ما أفاده المشهور أظهر، وعلى فرض التنزّل فما أفاده الحِلّي، وأمّا خبر إبراهيم بن هاشم المتقدّم الذي عرفت اعتبار سنده، فهو في مورد تعارض الإقرارين، فلا يعارض الصحيح، وعليه فالعمل على الصحيح.

الفرع الثالث: قال في محكيّ «المبسوط»(1): (لو ادّعى قتل العمد، وأقام شاهداً وامرأتين، وقلنا بعدم ثبوت القِصاص بهما، ثُمّ عَفى من حقّه، لم يصحّ ، لأنّه عفى عمّا لم يثبت.

وفي «الشرائع»(2): (وفيه إشكالٌ إذ العفو لا يتوقّف على ثبوت الحقّ عند الحاكم)، وهو حسنٌ ، إذ لو كان له حقّ في الواقع يسقط بعفوه.

ويظهر الفائدة في عدم سماع دعواه بعد ذلك ممّن عُلم منه العفو، لثبوت المقتضي، وهو الدّال عليه، وعدم المانع إذ ليس إلّاعدم ثبوته عند الحاكم، وهو غير صالحٍ للمانعيّة.6.

ص: 459


1- المبسوط: ج 7/249.
2- شرائع الإسلام: ج 4/996.

القَسامة

المُثبت (الثالث) ممّا يثبت به القتل، هو (القَسامة):

وهي من القَسَم - بالتحريك - وهو اليمين فهي الأيمان.

وعن لسان الفقهاء(1): القَسامة اسمٌ للأيمان.

وعن «الصحاح»(2): القَسامة هي الأيمان، يَقسم على الأولياء في الدَّم.

ولكن الظاهر أنّ ذلك من مصاديق المفهوم العام للقَسامة، وإلّا فلم يؤخذ الاختصاص بأيمان الدِّماء لغةً ، وإنّما خصّوها الفقهاء بها.

وكيف كان، فهي اسمٌ اُقيم مقام المصدر، يقال: أقسَمَ أقساماً وقَسامةً ، أو هي الاسم كما يقال: أكرم إكراماً وكرامةً كما في «المسالك»(3)، وقد يُسمّى الحالفون قسامة على طريق المجاز لا الحقيقة.

وصورتها: أنّ يوجد قتيلٌ في موضعٍ لا يُعرف مَن قَتَله، ولا يقومُ عليه بيّنة، ويَدّعي الوليّ على واحدٍ أو جماعةٍ ، ويقترن بالواقعة ما يُشعرُ تصديق الوليّ في دعواه، ويقال له اللّوث، فيحلف على ما يدّعيه، ويحكم بما سيذكره.

أقول: لا إشكال ولا خلاف في مشروعيّتها، وثبوت القتل بها، والأخبار الدالّة عليها فوق حَدّ الاستفاضة.

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن القَسامة كيف كانت ؟

ص: 460


1- راجع مسالك الأفهام: ج 15/197.
2- الصحاح: ج 5/2010.
3- مسالك الأفهام: ج 15/197.

فقال: هي حقّ ، وهي مكتوبة عندنا، ولولا ذلك لقتل النّاس بعضهم بعضاً، ثمّ لم يكن شيءٌ ، وإنّما القَسامة نجاةٌ للناس»(1).

ومنها: صحيح بريد بن معاوية، عنه عليه السلام: «عن القَسامة ؟

فقال عليه السلام: الحقوق كلّها البيّنة على المُدّعي واليمينُ على المُدّعى عليه إلّافي الدَّم خاصّة، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً، فقالت الأنصار: إنّ فلاناً اليهودي قَتَل صاحبنا.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للطالبين: أقيموا رَجلين عَدلين من غيركم أقيده برمّته، فإنْ لم تجدوا شاهدين، فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيده برمّته.

فقالوا: يارسول اللّه ماعندنا شاهدان من غيرنا، وإنّا لنكره أن نقسَم على مالم نره.

فوادّه رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله، وقال: إنّما حُقن دماء المسلمين بالقسامة، لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصةً من عدوّه حَجَزه مخافة القَسامة أن يقتل به، فكفَّ عن قتله، وإلّا حلف المُدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا ولا عَلمنا قاتلاً، وإلّا اُغرموا الدِّية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المُدَّعون»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّما جُعلت القَسامة احتياطاً للناس لكيما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلاً أو يغتال رجلاً حيثُ لا يراه أحدٌ، خاف ذلك فامتنع من القتل»(3).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «إنّما وضعت القَسامة لعلّة الحوط،0.

ص: 461


1- الكافي: ج 7/360 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/151 ح 35361.
2- الكافي: ج 7/361 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/152 ح 35362.
3- الفقيه: ج 4/101 ح 5181، وسائل الشيعة: ج 29/151 ح 35360.

وهي تثبت مع اللّوث

يحتاط على النّاس لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فَرَّ منه مخافة القِصاص»(1).

ونحوها غيرها من الأخبار الكثيرة الآتي طرف منها.

اللّوث واعتباره في القَسامة

أقول: المشهور بين الفقهاء بل المُتسالم عليه بينهم، بل بين علماء المسلمين كافّة اعتبار اللّوث في القَسامة، (و) قالوا: (هي) لا (تثبتُ ) إلّا (مع) اقتران الدّعوى ب (اللّوث).

ولكن ناقشهم المحقّق الأردبيلي قدس سره، حيث إنّه بعد نقل جملةٍ من الأخبار المتعلّقة بالقسامة، الدالّة على ثبوتها في الشريعة، قال(2): (هذه الأخبار خالية عن اعتبار اللّوث لفظاً، يعني لم يؤخذ للقسامة شرط اللّوث.

نعم، في بعضها وُجد القتيل في قُليبٍ أو قريةٍ وغير ذلك، وليس ذلك بواضحٍ ولا صريح في اشتراطه.

إلى أن قال: فكان لهم على ذلك إجماعاً أو نصّاً ما اطلعت عليه.

أقول: يمكن الاستدلال لاعتباره بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع، بل عن «السرائر»(3): (أنّ عليه في النفس إجماع المسلمين، وفي الأعضاء إجماعنا).

ص: 462


1- وسائل الشيعة: ج 29/154 ح 35368.
2- مجمع الفائد: ج 14/182.
3- السرائر: ج 3/338.

الوجه الثاني: صحيح مسعدة بن زياد، عن جعفر عليه السلام، قال: «كان أبي رضى الله عنه إذا لم يُقِم القوم المُدَّعون البيّنة على قتل قتيلهم، ولم يَقسموا بأنّ المتّهمين قَتَلوه، حلّف المتهمين بالقتل خمسين يميناً باللّه ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثمّ يؤدّي الدِّية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حَيّ واحد، فأمّا إذا قُتل في عسكرٍ أو سوقٍ مدينةٍ ، فديته تُدفع إلى أوليائه من بيت المال»(1).

فإنّ قوله ذلك: «إذا قُتل إلى آخره»، ظاهر في ذلك، بل قوله: «فأمّا إذا قُتل إلى آخره» أيضاً يدلّ على ذلك، فإنّه لا وجه للحكم المذكور فيه سوى عدم اللّوث.

الوجه الثالث: معتبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّما جُعلت القَسامة ليغلظ بها في الرّجل المعروف بالشَّر المُتّهم، فإنْ شَهِدوا عليه جازت شهادتهم»(2).

فإنّه ظاهرٌ في أنّ جعل القَسامة لا يعمّ كلّ موردٍ، بل لابدّ وأن يكون المُدّعى عليه رجلاً متّهماً بالشرّ.

وبما ذكرناه يظهر أنّه يصحّ الاستدلال بما في نصوصٍ كصحاح زرارة وبُريد وابن سنان، من أنّه إنّما وُضعت القَسامة احتياطاً لدماء النّاس، إذ لولا اعتبار اللّوث لم يكن احتياطاً للدِّماء، بل يوجب هَدرها، حيث أنّ للفاسق الفاجر أن يَدَّعي القتل على أحدٍ ويأتي بالقَسامة فيقتصّ منه، فيذهب دمُ إمرئ مسلم هَدراً.

الوجه الرابع: النبويّ : «وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم (اليهود) ظاهرة، فإذا كانت هذه الأسباب أو ما أشبهها فهي لطخ يجبُ معه القَسامة»(3).3.

ص: 463


1- التهذيب: ج 10/206 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35365.
2- الفقيه: ج 4/100 ح 5178، وسائل الشيعة: ج 29/154 ح 35366.
3- المستدرك: ج 18/270 ح 22723.

وهو أمارةٌ يَغلبُ معها الظّن بصدق المُدَّعي كالشّاهد الواحد،

فالمتحصّل: أنّه لا ينبغي التردّد في اعتبار اللّوث، وبدونه لا مورد للقسامة، ولا يثبتُ بها القتل.

وفي «المسالك»(1): (ثمّ القَسامة خالفت غيرها من أيمان الدَّعاوى في أُمورٍ، منها: كون اليمين ابتداء على المُدّعي، وتعدّد الأيمان فيها، وجواز حلف الإنسان لإثبات حقّ غيره، ولنفي الدّعوى من حقّ غيره، وعدم سقوط الدّعوى من نكول من توجَّهت عليه اليمين إجماعاً، بل يَردّ اليمين على غيره)، انتهى .

(و) أمّا اللّوث: ف (هو) لم يؤخذ بهذا اللّفظ في شيء من الروايات الواصلة إلينا، وإنّما هو شيءٌ استنبط من النصوص، وصرّح به الفقهاء، حيث قالوا إنّه: (أمارةٌ يغلب معها الظّن بصدق المُدّعي) ولا تكون حجّة (كالشاهد الواحد)، وكما لو وُجِد قتيلٌ وعنده رجلٌ معه سلاح متلطّخٌ بالدّم، وكتفرّق جماعة من قتيلٍ في دارٍ كان قد دخل عليهم ضيفاً أو دخلها معهم في حاجة، وكما لو وُجِد قتيلٌ في قبيلةٍ ، أو حِصن، أو قريةٍ صغيرة، أو محلة منفصلة عن البلد الكبير، وبين القتيل وبين أهلها عداوة ظاهرة، إلى غير ذلك من الموارد، وسيأتي تنقيح القول في موارده، وتمييزها عن غيرها عند تعرّض المصنّف قدس سره له.

وكيف كان، فمع تحقّق اللّوث طولب المُدَّعى عليه بالبيّنة، فإنْ أقامها على عدم القتل فهو.9.

ص: 464


1- مسالك الأفهام: ج 15/199.

فللوليّ معه إثبات الدَّعوى ، بأن يحلف هو وقومه خَمسين يميناً.

ويشهد به: - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه - صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ اللّه حَكَم في دمائكم بغير ما حَكَم به في أموالكم، حَكَم في أموالكم أنّ البيّنة على المُدَّعي واليمينُ على المُدّعى عليه، وحَكَم في دمائكم أنّ البيّنة على المُدَّعى عليه واليمين على من ادّعى، لئلّا يبطلُ دم إمرئ مسلم»(1).

وهو يدلّ على أنّ المُطالَب بالبيّنة هو المنكر دون المُدّعي، ولكن لا يدلّ على عدم حجيّة بيّنة المُدّعي، بل صحيح بريد المتقدّم الوارد في مورد ثبوت اللّوث يدلّ على ثبوت القتل المُدّعي بالبيّنة، وكذا صحيح مسعدة المتقدّم يدلّ على ذلك.

فتكون نتيجة الجمع بين النصوص: أنّه في مورد ثبوت اللّوث يثبتُ القَتل بالبيّنة، والمُطالَب بها هو المنكر، ولو لم يقمها ولم يكن للمُدّعي بيّنة (فللوليّ معه إثبات الدّعوى) أي دعوى القتل على المُتّهم مطلقاً (ب) القَسامة، إجماعاً، ويشهد به النصوص المتقدّمة في مشروعيّة القَسامة.

كيفيّة القَسامة وكميتها

أقول: وتمام الكلام فيها ضمن مسائل:

المسألة الأُولى: القَسامة في العمد (أنْ يَحلف هو وقومه خَمسين يميناً)، وفي الخَطأ وشبهه خمسة وعشرون، كما هو المشهور.

وهذه المسألة تنحلّ إلى فروع:

ص: 465


1- الكافي: ج 7/361 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35363.

الفرع الأوّل: أنّه مع فقد البيِّنة، القَسامة أوّلاً على المُدّعي، وهو وليّ الدَّم، والظاهر أنّه إجمالي، ونصوص القَسامة المتقدّمة شاهدة ومصرّحة به، وما يظهر منه تقديم حلف المنكر، لمعارضته مع النصوص المشار إليها، محمولٌ على عدم القصد إلى بيان الترتيب، وإلّا فالمعتبرة المتضمّنة لتلك القضيّة التي تضمّنها مستفيضة، بعكس الترتيب المذكور في ذلك الخبر، كما في «الرياض»(1).

الفرع الثاني: إنّ القَسامة في العمد خمسونَ يميناً، وهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(2)، بل عن كثيرٍ من الأصحاب دعوى الإجماع(3) عليه، ولم يُنقل الخلاف إلّاعن ابن حمزة(4)، حيث قال: (إنّها خمسة وعشرون في العَمد، إذا كان هناك شاهدٌ واحد).

لكن نصوص الباب منها ما تقدّم مصرّحة بالخمسين.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: في القَسامة خمسون رجلاً في العَمد، وفي الخطاء خمسة وعشرون رجلاً، وعليهم أن يحلفوا باللّه»(5).

وصحيح يونس وابن فضّال جميعاً، عن الإمام الرّضا عليه السلام في حديثٍ : «والقَسامةُ جعَل في النفس على العمد خمسين رجلاً، وجَعَل في النفس على الخطاء خمسة6.

ص: 466


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/517.
2- جواهر الكلام: ج 42/255.
3- راجع الخلاف: ج 5/303.
4- فصل ابن حمزة في القَسامة حيث ذهب أنّها إنْ كانت محضة فهي خمسون يميناً، وإنْ كان القاتل معه شاهدواحد فخمس وعشرون. راجع الوسيلة: 459.
5- الكافي: ج 7/363 ح 10، وسائل الشيعة: ج 29/158 ح 35376.

وعشرين رجلاً... الحديث»(1).

ولم يذكر لابن حمزة مدركٌ عدا ما قيل من إنّه مبنيٌّ على أنّ الخمسين بمنزلة شاهدين عدلين، وهو اعتبارٌ ضعيفٌ لا تساعده الأدلّة بل تخالفه.

أمّا في الخطأ المحض، والشبيه بالعَمد: فالقسامة خمسٌ وعشرون يميناً، وهو الأشهر بين الأصحاب.

وفي «القواعد»(2): وهو مشهور.

وادّعى عليه الشيخ رحمه الله(2) إجماع الطائفة.

وعن «الغنية»: نسبته إلى رواية الأصحاب، مشعراً بالإجماع عليه، والصحيحان المتقدّمان شاهدان بذلك.

وعن جماعةٍ منهم المفيد(3)، والديلمي(4)، وابن إدريس(5)، والمصنّف في «القواعد»(7) وغيرها، وهو ظاهر المتن، والفخر(6)، والشهيدان(7): أنّه لا فرق في ذلك بين العَمَد والخطأ.

وعن «الروضة»:(8) أنّه المشهور.4.

ص: 467


1- الكافي: ج 7/362 ح 9، وسائل الشيعة: ج 29/159 ح 35377. (2و7) قواعد الأحكام: ج 3/617.
2- الخلاف: ج 5/308.
3- المقنعة: ص 736.
4- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/247.
5- السرائر: ج 3/338.
6- إيضاح الفوائد: ج 4/615.
7- مسالك الأفهام: ج 15/204.
8- شرح اللّمعة: ج 10/74.

ولو لم يكن للمُدَّعي قَسامةٌ كُرِّرت عليه الأيمان.

وعن «السرائر»(1): ادّعاء إجماع المسلمين عليه.

واستدلّ له: بالأصل، والاحتياط، وإطلاقات الأخبار بالخمسين.

ولكن الأوّل لا مورد له مع الدليل.

والثاني معارَضٌ بما عن مختلف المصنّف قدس سره حيث قال(2): (لنا أنّه أدون من قتل العَمد، فناسب تخفيف القَسامة، وأنّ التهجّم على الدَّم بالقِوَد أضعف من التهجّم على أخذ الدِّية فكان التشدّد في إثبات الأوّل أولى ، أضف إليه أنّه لا مورد له مع الدليل).

وإطلاقات الأخبار لو كانت تقيّد بالصحيحين.

الفرع الثالث: إن أقام المُدَّعي خمسين رجلاً يقسمون فلا كلام، (و) إلّا فالمشهور بين الأصحاب أنّه (لو لم يكن للمُدَّعي قَسامة)، أو امتنعوا كلّاً أو بعضاً، لعدم العلم، أو اقتراحاً، حَلِف المُدَّعي ومن يوافقه إنْ كان، وإلّا (كُرّرت عليه الأيمان) حتّى يأتي بالعدد كاملاً، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه، ولم يُنقل الخلاف في المسألة عن أحدٍ، ولم يرد فيه نصٌّ على مقتضى صحيحي بريد بن معاوية وزرارة وغيرهما: أنّ القود يتوقّف على خمسين رجل(3).

أقول: ويمكن أن يستدلّ لما هو المشهور بوجوه:

منها: الإجماع، فإنّه في مثل هذا الحكم الذي لا نصَّ فيه وخلاف ظاهر2.

ص: 468


1- السرائر: ج 3/338.
2- مختلف الشيعة: ج 9/299-300.
3- الكافي: ج 7/361 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/152 ح 35362.

الأخبار، يكون كاشفاً عن حكم اللّه جزماً وعن رأي المعصوم عليه السلام.

ومنها: أنّ مشروعيّة القَسامة إنّما هي احتياط للناس لئلّا يغتال الفاسق رجلاً فيقتله حيث لا يراهُ أحد، كما في الأخبار، فإذا كانت هذه علّة جعل القَسامة، فكيف يمكن تعليق القِوَد على أمرٍ نادر التحقّق، وكيف يمكن أن يصير ذلك موجباً لخوف الفاسق من الاغتيال ؟!

ومنها: صحيح يونس الوارد في قَسامة الأجزاء، الدّال على ذلك فيها(1)، فبعدم القول بالفصل يثبتُ في قسامة النفس.

أقول: ثمّ أنّه ذهب جماعة منهم المحقّق في «الشرائع»(2)، والمصنّف في «القواعد»(3) و «الإرشاد»(4) و «التحرير»(5)، والشهيد رحمه الله في «الروضة»(6)، والمحقّق الأردبيلي في «شرح الإرشاد»(7): إلى أنّه إذا كان المُدَّعون جماعة أقلّ من عدد القَسامة، قُسِّمت عليهم الأيمان بالسَّوية.

وحيثُ عرفت أنّه لا دليل على تكرير الأيمان سوى وجوه لا إطلاق لها، وفي أمثال ذلك لابدّ من الأخذ بالمتيقّن، ففي المقام لابدّ من رعاية التساوي في القسمة بينهم.5.

ص: 469


1- وسائل الشيعة: ج 29/159 ح 35377.
2- شرائع الإسلام: ج 4/998.
3- قواعد الأحكام: ج 3/619.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/219.
5- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/253.
6- نسبه إليه في مباني تكملة المنهاج: ج 2/110.
7- مجمع الفائدة: ج 14/195.

ولو لم يَحلِف حَلِف المُنكِر خَمسين يميناً هو وقومه، ولو لم يكن له أحدٌ كُرِّرت الخمسون عليه.

وأمّا في فرض عدم التساوي، فلا دليل على ثبوت القِوَد بها والأصل عدمه.

وعليه، فما أفاده هؤلاء الاعاظم أظهر.

وعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(1): (إنّه إذا كان المُدَّعون مختلفين بحسب حِصَص الإرث، كما لو فرضنا أنّ للوليّ ابنٌ وبنتٌ أنّه لابدّ من التقسيم بحسب الإرث).

ففي الفرض يحلف الابن أربعاً وثلاثين والبنت سبع عشرة، وحيث أنّه لا إطلاق لدليل التكرير، فلابدَّ من الأخذ بالمتيقّن.

ففي المثال القدر المتيقّن هو أن يحلف الابن أربعاً وثلاثين والبنت خمساً وعشرين، إلّاأن يثبت إجماعٌ على ما أفاده الشيخ رحمه الله.

ثبوت القَسامة على المدّعى عليه

المسألة الثانية: (ولو) لم يأتِ المُدَّعي بالقَسامة، و (لم يَحلِف، حَلِف المنكر خمسين يميناً هو وقومه، ولو لم يكن له أحدٌ كُرّرت الخمسون عليه) على التفصيل المتقدّم في قسامة المُدَّعي، بلا خلافٍ فيه بين الأصحاب، ويدلّ عليه الأخبار:

1 - ففي صحيح بريد المتقدّم: «وإلّا حَلف المُدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً»(2).

ص: 470


1- المبسوط: ج 7/222.
2- الكافي: ج 7/361 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/152 ح 35362.

2 - وفي صحيح مسعدة المتقدّم: «كان أبي رضى الله عنه إذا لم يقم القوم المُدَّعون البيّنة على قتل قتيلهم، ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قَتَلوه، حَلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّه ما قتلناه ولا عَلِمنا له قاتلاً، ثمّ يؤدّي الدِّية إلى أولياء القتيل»(1).

3 - وصحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن القَسامة ؟

فقال: هي حقّ إنّ رجلاً من الأنصار وُجِد قتيلاً في قُليبٍ من قُلَب اليهود.

إلى أن قال: فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله: فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم.

قالوا: يا رسول اللّه كيف نَقسِمُ على ما لم نره ؟

قال صلى الله عليه و آله: فيقسم اليهود... الحديث».

إلى غير ذلك من النصوص، وما ذكرناه من المباحث في قسامة المُدّعي جارٍ هنا، فلا نعيد.

فإذا أتى بها سقطت الدّعوى، واُخذت الدِّية من بيت المال، ضرورة كونه حينئذٍ قتيلاً لم يُعرف له قاتلٌ ، فيؤخذ ديته من بيت المال لئلّا يبطل دم إمرئ مسلم، ويشهد به صحيح بريد المتقدّم، المعلّق لغرامة المُدّعى عليه على عدم الحَلف، فإنّه بضميمة ما يدلّ على أنّ دم المُسلم لا يذهب هَدراً، دالٌّ على كونها من بيت المال، وبه يظهر وجه الاستدلال بمعتبرة عليّ بن الفضيل الآتي.

أقول: وأوضح منهما دلالةً على ذلك، صحيح محمّد بن مسلم، وعبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ كان جالساً مع قومٍ فمات وهو معهم، أو رجلٌ وُجِد في قبيلة وعلى باب دار قومٍ ، فادّعي عليهم ؟5.

ص: 471


1- التهذيب: ج 10/206 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35365.

ولو نكل أُلزم الدّعوى.

قال: ليس عليهم شيءٌ ، ولا يَبطل دمه»(1).

وأمّا خبرا أبي بصير وأبي البختري، الدالّان على أنّ الدِّية على أهل القرية الذين وجد فيهم القتيل، فلضعف سندهما، ومعارضتهما لما هو مقدّم عليهما، لابدّ من طرحهما.

وأمّا قوله عليه السلام في صحيح مسعدة المتقدّم: «ثمّ يُؤدّي الدِّية إلى أولياء القتيل»(2)فمن جهة كون الظاهر من كلمة (يؤدّي) كونها مبنيّة للمجهول، وإلّا كان المناسب الإتيان بها بصيغة الجمع، فلا يدلّ على أنّ الديَّة على المُدّعى عليهم، وما فيه من التفصيل بين وجدان القتيل في حَيٍّ واحدٍ، أو سوقِ مدينةٍ ، فإنّما هو بلحاظ أنّ الدِّية المأخوذة من بيت المال في المورد الأوّل بعد القَسامة، وفي المورد الثاني ابتداءً .

(ولو نكل) المُدَّعى عليه عن الأيمان كلّاً أو بعضاً (اُلزم الدَّعوى)، عمداً كان القتل المُدّعى عليه أو خطأ، ولا يُردّ اليمين على المُدّعي على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، كذا في «الرياض»(3).

وعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(4): (أنّه يُردّ اليمين على المُدّعي كسائر الدعاوى) وظاهر عبارته الإجماع عليه.9.

ص: 472


1- الكافي: ج 7/355 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/148 ح 35352.
2- وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35365.
3- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/519.
4- المبسوط: ج 7/229.

أقول: والأظهر هو الأوّل، أمّا بناءً على الحكم والقضاء بالنكول في مطلق الدعاوى، كما قوّيناه، وقد مرَّ في كتاب القضاء(1) فالحكم ظاهر.

وأمّا على القول الآخر، فيمكن الاستدلال له، بصحيح مسعدة المتقدّم، وبخبر علي بن الفضيل المعتبر برواية ابن محبوب عنه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إذا وجد رجلً مقتولٌ في قبيلةِ قومٍ ، حَلفوا جميعاً ماقتلوه ولا يعلمون له قاتلاً، فإنْ أبوا أن يحلفوا، غَرمَوا الدِّية فيما بينهم في أموالهم، سواء بين جميع القبيلة من الرِّجال المُدرِكين»(2). ومن الخبر وصحيح بُريد يظهر أنّ المُدّعى عليه إذا لم يكن شخصاً معيّناً، ووجد القتيل في قبيلةٍ أو قريةٍ ، وامتنعوا عن الحلف، اُلزموا بالدِّية.

أقول: بقي في المقام فروعٌ لابدَّ من التعرّض لها:

الفرع الأوّل: إذا كان المُدّعي، أو المدّعى عليه امرأة، فهل يثبتُ القَسامة، أم لا؟

الظاهر هو الأوّل، كما لا خلاف فيه ظاهراً، ويشهد به عموم التعليل في جملةٍ من النصوص المعتبرة المتقدّمة، بأنّه «إنّما جُعلت القَسامة احتياطاً للناس» كما في صحيح زرارة(3): «وإنّما القَسامة نجاةٌ للناس» كما في صحيح الحلبي(4) وما شابه، وكذا يدلّ عليه نصوصٌ بإطلاقها كصحيح بريد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن القَسامة ؟ الحقوق كلّها البيّنة على المُدّعي، واليمينُ على المُدّعى عليه إلّا في الدَّم خاصّة»(5) ونحوه غيره.2.

ص: 473


1- فقه الصادق: ج 38/173.
2- التهذيب: ج 10/206 ح 16، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35364.
3- الفقيه: ج 4/101 ح 5181، ج 29/151 ح 35360.
4- الكافي: ج 7/360 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/151 ح 35361.
5- الكافي: ج 7/361 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/152 ح 35362.

الفرع الثاني: إذا كان المُدَّعى عليه أكثر من واحد، فهل على كلّ واحدٍ منهم قَسامة خمسين رجلاً، كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، أم يكتفى بالخمسين منهم أجمع، كما عن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(2)؟

وجهان: أظهرهما الأوّل، فإنّ في قوله عليه السلام في صحيح بريد: «حَلف المُدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً» من قبيل القضايا الحقيقيّة، ومقتضاه أنّ كلّ من صَدَق عليه عنوان المُدّعى عليه، يثبتُ عليه قسامة خمسين رجلاً.

الفرع الثالث: إذا كان القتيل كافراً، فادّعى وليّه القتل على المسلم، فهل تثبُتُ القَسامة كماعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(2)، ورجّحه المصنّف قدس سره في محكيّ «المختلف»(3)، غاية الأمر أنّه لا يثبتُ بها القِوَد، وإنّما تثبتُ بها الدِّية، أم لا، كما عن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(5)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والمصنّف قدس سره في «القواعد»(5)؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بإطلاقات الأخبار، كصحيح زرارة المتقدّم، وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن القَسامة كيف كانت ؟

فقال: هي حقّ ، وهي مكتوبة عندنا، ولولا ذلك لقَتَل النّاس بعضهم بعضاً، ثمّ لم يكن شيءٌ ، وإنّما القَسامة نجاة للناس»(6).1.

ص: 474


1- راجع تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/253، كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/462. (2و5) الخلاف: ج 5/308 و 311.
2- المبسوط: ج 7/214.
3- مختلف الشيعة: ج 9/468.
4- شرائع الإسلام: ج 4/999.
5- قواعد الأحكام: ج 3/62.
6- الكافي: ج 7/360 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/151 ح 35361.

وقريبٌ منه صحيح عبد اللّه بن سنان(1).

أقول: ولكن لابدّ من تقييد الإطلاقات بالعلّة المذكورة في معتبر أبي بصير المتقدّم، لمشروعيّة القَسامة، وهي عدم بطلان دم إمرئ مُسلمٍ (2)، فإنّها كما تُعمّم تُخصّص.

وبصحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّما وضعت القَسامة لعلّة الحوط، يحتاط على النّاس لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرَّ منه مخافة القِصاص»(3).

فإنّه يدلّ على أنّ مشروعيّة القَسامة إنّما هي في ما إذا ترتّب عليها القِصاص، وهو غير المقام.

وصحيح بريد، عنه عليه السلام في حديثٍ : «إنّما حُقِن دماء المسلمين بالقَسامة، لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصةً من عدوّه حَجَزه مخافة القَسامة أن يقتل به، فكفّ عن قتله.. الحديث»(4).

وتقريب التخصيص به ما في سابقه.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوت القَسامة فيما إذا ادّعى الوليّ القتل على المسلم، لأنّه لو ثبت القتل لا قِوَد.

نعم، لو ادّعى وليُّ الكافر المقتول على كافرٍ آخر، ثبُتت القَسامة فيه، كما هو واضح.2.

ص: 475


1- الكافي: ج 7/360 ح 2، وسائل الشيعة: ج 29/155 ح 35369.
2- وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35363.
3- وسائل الشيعة: ج 29/154 ح 35368.
4- الكافي: ج 7/361 ح 4، وسائل الشيعة: ج 29/152 ح 35362.

والأعضاء الموجبة للدِّية كالنفس،

ثبوت القَسامة في الجروح

المسألة الثالثة: (و) يثبتُ الحكم في (الأعضاء الموجبة للدية) بالقسامة (ك) ثبوته بها في (النفس) بلا خلافٍ أجده، بل عليه إجماعنا في «المبسوط»(1) على ما حكاه عنه في «التنقيح»(2)، وهو أيضاً ظاهرُ غيره وهو الحجّة، كذا في «الرياض»(3).

أقول: والأصل فيه صحيح يونس، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «فيما أفتى به أمير المؤمنين عليه السلام في الديات، فممّا أفتى به في الجسد وجعله ستّ فرائض:

النفس، والبصر، والسمع، والكلام، ونقص الصوت من الغنن، والبحح، والشلل في اليدين والرِّجلين، ثمّ جَعَل مع كلّ شيء من هذه قَسامة على نحو ما بلغت الدِّية.

إلى أن قال: والقَسامة في النفس والسمع والبصر والعقل، والصوت من الغنن والبحح، ونقص اليدين والرِّجلين، فهو ستّة أجزاء الرّجل.

تفسير ذلك: إذا اُصيبَ الرّجل من هذه الأجزاء الستّة وقيس ذلك، فإن كان سُدسُ بَصره أو سَمعه أو كلامه أو غير ذلك، حلف هو وحده، وإنْ كان ثُلثُ بَصره، حَلف هو وحَلِف معه رجلٌ واحد، وإنْ كان نصفُ بَصره، حَلِف هو وحَلِف معه

ص: 476


1- المبسوط: ج 7/224. ولكنّه عبّر بعندنا.
2- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/253.
3- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/520.

ولو نَقَصَت فبالحساب،

رجلان، وإنْ كان ثُلثي بَصرِه، حَلِف هو وحَلِف معه ثلاثة نفر، وإنْ كان خمسة أسداس بَصره، حَلِف هو وحَلِف معه أربعة، وإنْ كان بصره كلّه، حَلِف هو وحَلِف معه خمسة نفر.

وكذلك القَسامة في الجروح كلّها، فإنْ لم يكن للمصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان.

إلى أن قال: وإنْ كان كلّه حَلِف ستّ مرّات ثمّ يُعطى»(1).

وحيث أنّه مختصٌّ بالدية، ولا دليل غيره لثبوت القِصاص في الأعضاء بها، ومقتضى القاعدة الاولية في باب القضاء من أنّ البيّنة على المُدّعي واليمين على المنكر، انحصار ثبوت الحقّ بهما، فلا يثبتُ القِصاص في الأعضاء بها.

ومقتضى ما تقدّم في اعتبار اللّوث في القَسامة، اعتباره هنا أيضاً، مضافاً إلى أنّه المتسالم عليه بينهم، وعدم الإطلاق لصحيح يونس من هذه الجهة، والمتيقّن منه مورد اللّوث.

وعليه، فما عن «المبسوط» من عدم اعتبار ذلك، لا دليل ظاهر له.

أقول: وفي عدد القَسامة فيها خلافٌ :7.

ص: 477


1- الكافي: ج 7/363 ذيل الحديث 9، وسائل الشيعة: ج 29/159 ح 35377.

ولا يثبُت اللَّوث بالفاسق الواحد، ولا الصَّبي، ولا الكافر.

فعن المفيد(1)، وسلّار(2)، والحِلّي(3)، وأكثر الأصحاب: أنّه خمسين يميناً إن بلغت الجناية فيها الدِّية كاملة كالأنف واللِّسان ونحوهما، (ولو نَقَصَتْ فبالحساب).

وعن الشيخ رحمه الله(4) وأتباعه، وعن «الغنية»(5) الإجماع عليه، وهو أنّ عَددها ستّ أيمان فيما بلغت ديته دية النفس وما كان دون ذلك فبحسابه.

أقول: والأظهر هو الثاني لصحيح يونس الذي هو المدرَك لثبوت القَسامة في الأعضاء.

موارد ثبوت اللّوث

المسألة الرابعة: بعد ما عرفت من اعتبار اللّوث في القَسامة - وهو التُّهمة على المُدّعى عليه بأمارةٍ يغلبُ عليها الظَّن نوعاً للحاكم بصدق المُدّعي - وقع الكلام في بعض موارده، وأيضاً في بعض الموارد وردت النصوص الخاصّة، ولذلك تصدّى المصنّف لبيان الحكم في تلكم الموارد.

ص: 478


1- المقنعة: 113.
2- نسبه إليه في السرائر: ج 3/338.
3- السرائر: ج 3/338.
4- راجع النهاية: 741.
5- غنية النزوع: ص 418.

ولو أخبر جماعةٌ من الفسّاق، أو النساء، مع الظَّن بانتفاء المواطاة، ثَبَت اللّوث، ولو كانوا كفّاراً أو صبياناً لم يثبت اللّوث، إلّاأن يبلغوا حَدّ التواتر.

(ولا يثبتُ اللّوث بالفاسق الواحد) لأنّ الاحتمال معه متحقّقٌ على وجهٍ لايغلبُ الظّن معه.

(و) كذا (لا) يثبتُ بشهادة (الصَّبي، ولا الكافر) كما صرّح بذلك غير واحدٍ، وعلّلوه بعدم اعتبار إخبارهما شرعاً، بل عن «كشف اللّثام»(1) زيادة المرأة، وإنْ كانت ثقة، معلّلاً لها بما عرفت.

ولكن هذه التعليلات في المقام عليلة، إذ قد عرفت أنّ المدار على الظّن لا على المعتبر شرعاً.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ شهادة الصَّبي والكافر في نفسها لا تفيد الظّن نوعاً، إلّا أنّه لو تمّ في الصَّبي لا يتمّ في الكافر المأمون في نحلته، مع أنّه يختلفُ الحال باختلاف الصبيان، بل وكذلك في الفاسق الواحد، إذ ربّ فاسقٍ يُظنّ من شهادته.

(و) على هذا ف (لو أخبر جماعةٌ من الفسّاق، أو النساء مع الظّن بانتفاء المواطاة، ثبت اللّوث) لأنّه يحصل الظّن بإخبارهم.0.

ص: 479


1- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/460.

ولو وُجِد قتيلاً في دار قومٍ ، أو محلّتهم، أو قريتهم، كان لوثاً.

(و) أمّا ما صرّح به غير واحدٍ من أنّه (لو كانوا كفّاراً، أو صبياناً لم يثبت اللّوث، إلّاأن يبلغوا حَدّ التواتر) فهو في غاية الإشكال، من جهتين:

إحداهما: أنّ بلوغه حَدّ التواتر يوجبُ ثبوت القتل دون اللّوث.

ثانيتهما: حكمهم بعدم ثبوت اللّوث، ما لم يبلغوا حَدّ التواتر، إذ بعدما صرّحوا به من أن الميزان هو حصول الظّن، وأنّه يحصلُ بالبداهة ولو في بعض مصاديقه، لا وجه لما أفادوه.

وعلى الجملة: أنّه في هذه الموارد المذكورة لا يمكنُ أن يقال بعدم حصول اللّوث مطلقاً، وبالتالي فالأولى ما نبّه عليه الشهيد الثاني قدس سره في «المسالك»(1) من أنّه لو قيل بحصوله مع إفادتهم الظّن كان حَسَناً.

(ولو وُجِد قتيلاً في دار قومٍ ، أو محلّتهم) المنفصلة عن البلد الكبير، لا يدخلها غير أهلها، وإن لم تكن بينه وبينهم عداوة (أو قريتهم) مع صغرهما، (كان لوثاً) وهو واضح، ويشهد به:

صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ قُتِل في قريةٍ أو قريباً من قرية، أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بيّنة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه»(2).6.

ص: 480


1- مسالك الأفهام: ج 15/200.
2- التهذيب: ج 10/205 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/149 ح 35356.

ولو وُجِد بين قريتين، وهو إلى إحداهما أقرب، فهو لوثٌ .

فإنّه وإنْ كان في الدِّية لا في اللّوث، إلّاأنّه يدلّ عليه بالدلالة الالتزاميّة، إذ لو لم يكن لوثٌ لما كان وجهٌ لتضمين أهل القرية، كما في صورة البيّنة على العدم، وكما في كلّ موردٍ وُجِد قتيلٌ ولم يعرف صاحبه.

ولا يعارضه خبره الآخر، عنه عليه السلام: «لو أنّ رجلاً قُتِل في قريةٍ أو قريباً من قرية، ولم توجد بيّنة على أهل تلك القرية أنّه قُتِل عندهم، فليس عليهم شيء»(1).

لأنّه مرسلٌ ، وعلى فرض اعتباره الجمع بينهما بعد كون الأوّل قضيّة في واقعة، يتعدّى عن موردها إلى كلّ ما يماثلها، ومن المحتمل كون موردها القرية الصغيرة غير المطروقة، بحمل الأوّل على كون القرية كذلك، وحمل الثاني على القرية الكبيرة أو المطروقة، كما هو المشهور بالنسبة إلى تحقّق اللّوث.

(ولو وجد بين قريتين، وهو إلى إحداهما أقربُ ، فهو لوثٌ ) لأقربهما، بلاخلافٍ ، بل عن «الغنية»(2): الإجماع عليه، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يوجد قتيلاً في القرية أو بين قريتين ؟

قال عليه السلام: يُقاس ما بينهما، فأيّهما كانت أقرب ضَمِنت»(3).5.

ص: 481


1- الكافي: ج 7/355 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/148 ح 35353.
2- غنية النزوع: ص 414.
3- الكافي: ج 7/356 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/149 ح 35355.

ولو تساوتْ مَسافتهما تساويا في اللّوث. ولو وُجِد في فلاةٍ وجُهِل قاتله، أو في عسكرٍ، أو سوقِ مدينةٍ ، فديته من بيت المال.

2 - ومعتبر سماعة، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ يوجد قتيلاً في القرية أو بين قريتين ؟

قال عليه السلام: يُقاس ما بينهما فأيّهما كانت أقرب ضَمِنت»(1).

وتقريب الاستدلال بهما ما في السابق، إذ تضمين أهل القرية أقلّ ما يلزم منه اللّوث.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ وجوب الدِّية حكمٌ غير القَسامة، فمن الممكن أنّه يكفي في وجوب الدِّية مجرّد الاحتمال ما لم تقم أمارة مثبتة على عدم القتل، وأمّا القَسامة فيعتبر فيها اللّوث المتوقّف على غلبة الظّن، وعليه فالاستدلال بنصوص الدِّية على ثبوت اللّوث غير وجيه، ولعلّه لذلك اشترط الشهيد رحمه الله(2) العداوة في جميع هذه المسائل.

وعن «النهاية»(3)، و «المراسم»(4): التقييد بالتهمة الظاهرة، ومآلهما إلى اعتبار وجود أمارةٍ للقتل موجبة للظّن، ولا بأس به.

(و) بما ذكرناه ظهر أنّه (لو تساوت مسافتهما، تساويا في اللّوث) إنْ كانت العداوة بينه وبين أهلهما جميعاً، أو كان لا يطرقهما غير أهلهما.1.

ص: 482


1- الفقيه: ج 4/101 ح 5180.
2- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 42/234.
3- النهاية: 754.
4- المراسم العلويّة: ص 241.

وأمّا إذا كانت العداوة بينه وبين أهل إحداهما دون الأُخرى ، كان اللّوث لها وإنْ كانت أبعد، كما صرّح به الحِلّي، ونَفى عنه البأس جماعة من المتأخّرين عنه.

مورد ثبوت الدِّية على بيت المال

المسألة الخامسة: (ولو وُجِد) قتيلٌ (في فلاةٍ ، وجُهل قاتله) ولم يثبت اللّوث بالنسبة إلى شخصٍ خاص أو جماعةٍ معيّنة (أو) وجِدَ قتيلاً (في عسكرٍ، أو سوق مدينةٍ )، أو في زحام النّاس، أو على قنطرةٍ ، أو جسرٍ، أو بئرٍ، أو ما شاكل ذلك.

والضابط: أن لا يُظنّ القتل من شخصٍخاصّ ، أو جماعة معيّنة، أوقرية معلومة.

(فديته من بيت المال) بلا خلافٍ ، بل عن «الغنية» الإجماع عليه.

أقول: ويشهد بذلك عدّة من النصوص:

منها: صحيح عبداللّه بن سنان، وعبد اللّه بن بكير، جميعاً عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ وُجِد مقتولاً لا يُدرى من قتله.

قال عليه السلام: إنْ كان عَرف له أولياء يطلبون ديته، أُعطوا ديته من بيت مال المسلمين، ولا يبطل دم إمرئ مسلم، لأنّ ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الإمام، ويصلّون عليه ويدفنونه.

قال: وقضى في رجلٍ زحمه النّاس يوم الجمعة في زحام النّاس فمات؛ أنّ ديته من بيت مال المسلمين»(1).

ص: 483


1- الكافي: ج 7/354 ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/145 ح 35346.

ومع انتفاء اللّوث يكونُ الدّعوى فيه كغيرها من الدَّعاوى.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ازدحم النّاس يوم الجمعة في إمرة عليّ عليه السلام بالكوفة فَقَتلوا رجلاً، فودّى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين»(1).

ومنها: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: ليس في الهايشات عقلٌ ولا قصاص، والهايشات الفزعة تقعُ باللّيل والنهار فيشجّ الرّجل فيها، أو يقعُ قتيلٌ لا يُدرى من قتله وشجّه»(2).

ومنها: معتبره الآخر عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام «من مات في زحام النّاس يوم الجمعة، أو يوم عرفة، أو على جسرٍ، لا يعلمون من قَتَله، فديته من بيت المال»(3).

ورواه الصَّدوق نحوه إلّاأنّه قال:

«من مات في زحام جمعةٍ ، أو عيدٍ، أو عرفةٍ ، أو على بئرٍ، أو جسرٍ لا يعلمون مَن قَتَله فديته من بيت المال»(4).

ومنها: صحيح مسعدة المتقدّم: «فأمّا إذا قُتِل في عسكرٍ، أو سوق مدينةٍ ، فديته6.

ص: 484


1- الكافي: ج 7/355 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/146 ح 35347.
2- الكافي: ج 7/355 ح 6، وسائل الشيعة: ج 29/146 ح 35348.
3- الكافي: ج 7/355 ح 4 / الوسائل: ج 29/146 ح 35350.
4- الفقيه: ج 4/165 ح 5376.

تُدفع إلى أوليائه من بيت المال»(1).

ونحوها غيرها.

المسألة السادسة: (و) قد عرفت ممّا تقدّم أنّه (مع انتفاء اللّوث يكون الدّعوى فيه) أي في القتل (كغيرها من الدَّعاوى)، كما عرفت أنّ ما دلّ على أنّ القتل يفارق سائر الحقوق من ناحية أنّ المُطالَب بالبيّنة فيه هو المُدّعى عليه، إنّما هو في فرض ثبوت اللّوث، وأمّامع عدمه فالحكم هو ما دلّ على أنّ القاعدة الحقوق كلّها أنّ البيّنة على المُدّعي واليمينُ على المُدّعى عليه، راجع ما ذكرناه في اعتبار اللّوث في القَسامة.

المسألة السّابعة: لو اتُّهم رجلٌ بالقتل، حُبس ستّة أيّام، فإنْ لم يأتِ أولياء المقتول بما يثبتُ به القتل، خُلّى سبيله، كما عن الشيخ رحمه الله(2)، وأتباعه(3)، والطبرسي(4)، والمصنّف في «القواعد»(5).

ويشهد به: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يحبس في تهمة الدَّم ستّة أيّام، فإن جاء أولياء المقتول بثبتٍ وإلّا خُلّى سبيله»(6).

وفي «المسالك»(7): إطلاق الدَّم يشملُ الجَرح والقَتل.3.

ص: 485


1- التهذيب: ج 10/206 ح 17، وسائل الشيعة: ج 29/153 ح 35365.
2- النهاية: ص 744.
3- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/254، كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/464.
4- حكاه عنه في غاية المرام: ج 4/439.
5- قواعد الأحكام: ج 3/621.
6- الكافي: ج 7/370 ح 5، وسائل الشيعة: ج 29/160 ح 35378.
7- مسالك الأفهام: ج 15/223.

وفيه تأمّلٌ : لانصرافه إلى القتل. وفي «الشرائع»(1): (وفي السكوني ضعفٌ ).

لكن عرفت مراراً أنّه يُعتمد على خبره، وقد ادّعى الشيخ رحمه الله في «العُدّة»(2)الإجماع على العمل برواياته.

وقيّده بعضهم: بالتماس الوليّ .

وأورد عليه: بأنّه خلاف إطلاق الرواية، ويمكن أن يكون وجهه كونه حقّاً للوليّ ، فيكون ذلك من اعتبار طلب ذي الحقّ في الأخذ له بحقّه، ولا بأس به.

وعن الحِلّي(3)، والفخر(4)، وجَدّه(5)، وغيرهم(4): عدم ثبوت هذا الحكم، نظراً

إلى كونه من تعجيل العقوبة قبل ثبوت موجبها، ومخالفته لأصل البراءة.

ولكنّهما تامّان لو لم يكن خبر السكوني معتبراً، كما أفاده الحِلّي،(5) وإلّا فيخرج به عنهما.

وعن «المختلف»(6): اختيار الحبس مع وجود التُّهمة في نظر الحاكم، عملاً بالرواية، وتحفّظاً عن الإتلاف، لا مع حصولها لغيره عملاً بالأصل.

وهو تقييدٌ حَسنٌ ، ويشيرُ إليه قوله في تهمة الدَّم، إذ ليس المراد منه الحبس6.

ص: 486


1- شرائع الإسلام: ج 4/1001.
2- العدّة للشيخ الطوسي: ج 1/149 (ط. ج).
3- السرائر: ج 3/343. (4و5) إيضاح الفوائد: ج 4/619.
4- مسالك الأفهام: ج 15/223.
5- السرائر: ج 3/343.
6- مختلف الشيعة: ج 9/306.

عند كلّ موردٍ اتَّهم شخصٌ آخر، فلا محالة يكون المراد هو التُّهمة عنده صلى الله عليه و آله.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

***

ص: 487

ص: 488

فهرس الموضوعات

الفصل السادس / في بقيّة مسائل الشهادات... 7

لا يَحِلُّ للشاهد أن يشهد إلّامع العلم... 7

البناء في الشّهادة على الاستصحاب... 12

البناء في الشّهادة على الشِّياع... 18

لا يُعتبر في جواز الشّهادة استدعاء المشهود عليه... 23

حرمة كتمان الشّهادة... 25

وجوب تحمّل الشّهادة... 32

يعتبر في الشّهادة معرفة المشهود له أو عليه... 39

الشّهادة على الشّهادة... 43

رجوع الشهود عن الشّهادة قبل الحكم... 58

رجوع الشهود بعد القضاء والاستيفاء... 60

رجوع الشهود قبل الاستيفاء وبعد القضاء... 66

رجوع الشهود عن الشّهادة بالطلاق... 68

شاهد الزُّور... 72

الحُدود والتعزيرات... 77

الفصل السَّابع / في حَدّ الزِّنا... 80

ص: 489

ما يتحقّق به الزّنا... 81

يعتبر في ثبوت الحَدّ العقل... 83

اعتبار العلم بالتحريم... 85

سقوط الحَدّ مع الإكراه... 90

فروع حَدّ الزِّنا... 93

الأعمى يُحَدّ... 97

الإقرار المُثبِت للزِّنا... 99

لو أقرّ بحَدٍّ ولم يُبيِّنه... 103

البيّنة المُثبتة للزِّنا... 108

اعتبار الاتّفاق والمشاهدة في الشّهادة... 115

حَدّ التقبيل والمضاجعة... 120

لو أقرّ بالزّنا ثمّ أنكر... 123

حَدّ الزّاني بإحدى المحارم... 128

بيان حَدّ اليهودي أو النصراني إذا زنى بمسلمة... 133

بيان حَدّ الزّاني الُمحصَّن، والزانية الُمحصَّنة... 137

بيان موضوع الإحصان... 141

بيان حَدّ الزّاني غير المُحصَن... 147

لو تكرّر الزِّنا من غير الُمحصَن... 152

إقامة الحَدّ على الذِّمي والحامل... 157

لا حَدّ على المريض و المستحاضة... 161

ص: 490

لا يُقام الحَدّ في شِدّة الحَرّ والبرد، ولا في أرض العدو... 163

لو اجتمع الجَلدُ والرَّجم... 165

كيفيّة رجم المرأة... 169

كيفيّة جَلد الرّجل و المرأة... 175

من وجد رجلاً يزني مع زوجته... 179

الفصل الثامن / في حَدّ اللّواط... 185

بيان حَدّ اللّواط مع الإيقاب... 187

حَدّ اللّواط بغير الإيقاب... 191

حَدّ اجتماع الأجنبيّين في إزارٍ واحد مُجرَّدين... 194

حَدّ السُّحق... 199

حَدّ القيادة... 203

الفصل التاسع / في حَدّ القذف... 207

موجب الحَدّ... 210

كميّة حَدّ القاذف وكيفيّته... 211

فروع باب القذف... 213

حكمُ ما لو قَذَف واحدٌ جماعة... 221

الحَدّ يورث كالمال... 224

وجوب قتل مَن سَبَّ النبيّ صلى الله عليه و آله... 228

الفَصلُ العاشر / في حَدّ متناول المُسكِر... 234

بيان حَدّ شارب الخمر وكيفيّته... 237

ص: 491

حكم من شَرِب الخَمر مُستحلّاً... 241

توبة الشارب قبل أن يُحدّ... 243

الفصل الحادي عشر / في حَدّ السَّرقة... 249

اعتبار كون المال محرزاً... 254

المسروق وما يعتبر فيه... 259

بيان حَدّ السارق وكيفيّته... 264

فروع / حكم ما لو تكرّرت السَّرقة... 270

مستثنيات قطع السارق... 275

حكم السّارق من المواضع المتناوبة... 278

حكم سارق الكفن... 283

حكم السرقة المشتركة... 288

حكم ما لو هتك الحِرز شخص ٌ وأخرج المال غيره... 290

بيان ما يثبت به السَّرقة... 293

قطع السّارق موقوفٌ على المرافعة... 299

الفصل الثاني عشر / في حَدّ الُمحارب... 304

كيفيّة حَدّ المحارب... 307

أحكام اللِّص إذا دخل داراً... 317

من كابر امرأة على فرجها... 322

حكم الُمختلس والمُستَلب... 324

حَدُّ وطء البهائم... 327

ص: 492

بيان حَدّ وطء الميّتة من بنات آدم... 332

الإستمناء موجبُ التعزير... 336

كتابُ القِصاص... 341

البحث عن القتل العَمدي... 345

شبيه العَمد... 350

لا فرق بين القتل بالمباشرة أو التسبيب... 353

الموت بالإلقاء في النّار... 356

موتُ الَمجنيّ عليه بالسِّراية اتّفاقاً... 360

حكمُ ما لو كان الجارح والقاتل واحداً... 361

الإكراه على القتل... 367

لو قال اقتلني فَقَتله... 374

لو أمر بقَتل نفسه... 375

لو أمسكه شخصٌ وقَتَله آخر... 377

الفصل الثاني / شرائط القِصاص... 379

إشتراط التساوي في الدين... 379

حكمُ ما لو كان القاتلُ كافراً... 386

حكم قتل الذِّمي المسلم... 388

حكمُ اختلاف حالتي المجنيّ عليه... 392

حكمُ قتل من وَجَب قتله... 394

دية جناية الذِّمي خطأً في ماله... 396

ص: 493

اشتراط أن لا يكون القاتل أباً... 398

لو قتل شخصاً وادّعى أنّه ابنه... 401

لو قتل الرّجل زوجته... 404

اشتراط كمال العقل... 407

حكم البالغ إذا قتل صبيّاً... 412

حكم قتل العاقل مجنوناً... 415

لو كان القاتلُ سكراناً... 417

لو كان القاتلُ أعمى... 421

في اشتراط كون المقتول محقون الدَّم... 426

الفصل الثالث / حكم اشتراك جماعةٍ في قتل واحد... 427

اشتراك الرّجل والمرأة في قتل رجل... 431

الفصل الرابع / فيما يثبُتُ به القتل... 434

لو أقرّ شخصٌ بالقتل وأقرَّ آخر أنّه القاتل... 438

لو أقرّ شخصٌ بالقَتل عَمداً وأقرّ آخر به خطأً... 442

ثبوت القتل بالبيّنة... 444

ثبوتُ القَتل بشاهدٍ وامرأتين... 446

لو قامت بيّنةٌ على أنّ زيداً قاتلٌ وأُخرى على أنّه عَمرو... 450

حكم تعارض البيّنة والإقرار... 454

القَسامة... 460

اللّوث واعتباره في القَسامة... 462

ص: 494

كيفيّة القَسامة وكميتها... 465

ثبوت القَسامة على المدّعى عليه... 470

ثبوت القَسامة في الجروح... 476

موارد ثبوت اللّوث... 478

مورد ثبوت الدِّية على بيت المال... 483

فهرس الموضوعات... 489

ص: 495

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.