فقه الصادق المجلد 37

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهّرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء السابع والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

كتاب الميراث

الحمدُ للّه ربّ العالمين، والصلاة على أشرف بريّته محمّد وعترته الطيّبين الطاهرين، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدِّين.

تتمة فصل الثالث

كتابُ الميراث

وفي جملةٍ من الكتب الفقهيّة التعبير عن ذلك بكتاب الفرائض، والظاهر أنّ التعبير بما هنا أولى ، لأنّ الميراث أعمُّ من الفريضة إن أُريد بها المفروض بالتفصيل.

نعم، إنْ أُريد بها ما يعمّ الإجمال كإرث أُولي الأرحام فهو بمعناها.

أقول: والأصلُ فيه - بعد الإجماع من المسلمين(1)، بل الضرورة من الدِّين - الكتاب والسُّنة:

فمن الكتاب: آياتٌ متكاثرة:

1 - قال اللّه تعالى: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ اَلْوالِدانِ وَ اَلْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ اَلْوالِدانِ وَ اَلْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (2).

ص: 7


1- مسالك الأفهام: ج 8/13، جواهر الكلام: ج 39/6.
2- سورة النساء: الآية 7.

2 - وقال سبحانه: (يُوصِيكُمُ اَللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (1).

3 - وقال عزّ من قائل: (إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) (2).

وأمّا من السُّنّة: فنصوصٌ متواترةٌ ستمرّ عليك في طيّ المسائل الآتية:

روى شيخ الطائفة عن عبد اللّه بن مسعود: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله، قال:

«تعلّموا الفرائض وعلّموها النّاس، فإنّي امرؤ مقبوض، وسيُقبض العلم، ويَظهر الفتن حتّى يختلف الرجلان في الفريضة، ولا يجدان من يفصّل بينهما»(3).

وروي أيضاً عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «تعلّموا الفرائض، وعلّموها النّاس، فإنّها نصفُ العلم، وهو يُنسى، وهو أوّل شيء ينتزع من أُمّتي»(4).

وذكروا في توجيه التنصيف وجوهاً.

1 - اختصاصه بإحدى حالتي الإنسان، وهي حالة الممات، بخلاف سائر العلوم، ولا شكّ أنّ المختصّ بإحدى الحالتين نصفُ المجموع.

2 - اختصاصه بأحد سببي المِلك، وهو سبب الاضطرار من الموت والإرث، وباقي العلوم لا يختصّ به، وأحد هذين العلمين نصفُ مجموعهما.

3 - أنّ العلم قسمان: قسمٌ المقصود بالذّات فيه التعلّم والتعليم، والعملُ تابعٌ والاخر بالعكس، والأوّل الفرائض، والثاني باقي الفقه، وأحد القسمين نصفهما.

4 - أنّه نصف العلم، لاشتماله على مشقّة عظيمة في معرفته وتصحيح مسائله، بخلاف باقي العلوم، وأحد العلمين مجموعهما.7.

ص: 8


1- سورة النساء: الآية 11.
2- سورة النساء: الآية 176. (3و4) المبسوط أوّل كتاب الفرئض والمواريث: ج 4/67.

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: في أسبابه:

وهي شيئان: نَسبٌ ، وسَبَب؛

5 - أنّه نصفٌ باعتبار الثواب، ففي «المسالك»: (ورُوي أنّ ثواب مسألةٍ من الفرائض ثوابُ عشرة من غيرها)(1).

أقول: ولكن الجميع كما ترى تكلّفات.

ويمكن أن يكون المراد بالفريضة ما يجبُ فعله، فتكون إشارة إلى الحكمة العمليّة التي هي أحد قسمي العلم.

وقد قيل في توجيه قوله صلى الله عليه و آله: «وهو أوّل شيء يُنتزع من أُمّتي»: إنّ مصداقه ما شاع وذاع من غصب فدك وخيبر، ووضع حديث «لا نورث».

ويمكن إرجاع الضمير إلى العلم، وكونه أوّل ما ينتزع، لكونه الخلافة التي يوجب انتزاعها انتزاع العلم والتعليم.

(و) بالجملة: فالبحث (فيه) يقع ضمن (فصولٍ ):

موجبات الإرث وأسبابه

(الفصل الأوّل: في أسبابه) بالمعنى الأعمّ ، أي الموجبات للإرث، الشاملة للنسب بالمعنى الأخصّ .

(وهي: شيئان) بالاستقراء والضرورة من الدِّين: (نَسَبُ ، وسبب).

ص: 9


1- مسالك الأفهام: ج 13/9.

فالنسبُ مراتبه ثلاثة:

(فالنَسَبُ ): هو الاتّصال بالولادة، بانتهاء أحد الشخصين إلى الآخر، كالأب والابن، أو بانتهائهما إلى ثالثٍ ، مع صدق اسم النَسَب عرفاً على الوجه الشرعي.

فيخرج بقولنا: (عرفاً) من يتّصل بالآخر اتّصالاً بعيداً، كاتّصالهما بالولادة من النبيّ صلى الله عليه و آله.

وبقولنا: (بالولادة) اتّصال أحدهما بالآخر بزوجيّةٍ ، أو ولاء، أو نحوهما.

وبقولنا: (على الوجه الشرعي) ولد الزّنا، ويدخل به من ألحقه الشارع ولم يعلم الولادة.

للنسب عمودٌ وحواشي، وعموده الآباء والأبناء، والبواقي حواشي، وقد ذكر الفقهاء أنّ (مراتبه ثلاثة) باعتبار الاجتماع والافتراق في الإرث، والتباين والتناسب في جهة النسبة.

توضيح ذلك: إنّه لا شبهة في أنّه في كلّ مرتبةٍ من هذه المراتب الثلاث يقدّم الأقرب على الأبعد، وأنّه كما أنّ الآباء والأبناء يقدّمون على الإخوة والأجداد، ولذا قدّمت مرتبة الأولتين على مرتبة الأخيرتين، فكذلك الأولاد مع أبنائهم، فإنّهم لا يرثون مع وجودهم، فيلزم أن يكونوا في مرتبتين، وكذا القول في الإخوة مع أولادهم، والجَدّ القريب مع البعيد، فيتعدّد على هذه المراتب.

وإنّما اعتبروا المراتب ثلاثاً، مع ذلك من جهة أنّ الأنسباء:

إمّا متناسبون في جهة النسبة، أو متباينون.

ص: 10

والمتناسبون: إمّا يُجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر أو لا.

والمتباينون: إمّا يجتمعون في الإرث أم لا.

فجعلوا كلّ نسبين متناسبين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر، أو متباينين مجتمعين في الإرث في طبقةٍ واحدة، ولأجل ذلك حصل للنسب طبقاتٌ ثلاث، هكذا أفاده بعض المحقّقين(1).

أقول: وللشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك» وجهٌ آخر لذلك، قال:

(لأنّ الأقرب في المرتبة وإنْ مَنَع الأبعد، لكن نظيره في المرتبة لا يمنع البعيد من غير صنفه، فكان الأبعد وارثاً مع مساوي الأقرب في تلك المرتبة، فلذلك جُعِلت واحدةً بخلاف حال كلّ واحدٍ من أهل المرتبة، مع من هو في غيرها، فإنّه لا يشاركه بوجهٍ ، فلذلك تعدّدت بهذه الواسطة، مثل أولاد الأولاد، فإنّهم وإن كانوا لا يرثون مع الأولاد، فيكونون بالنسبة إليهم مرتبة كنسبة الإخوة إلى الأولاد، إلّاأنّ أولاد الأولاد يُشاركون الآباء لمساواتهم للأولاد في المرتبة، فكانوا لذلك في المرتبة الأُولى وإن تأخّروا على بعض الوجوه، وكذا القول في أولاد الإخوة، فإنّهم وإن كانوا مع الإخوة مرتبة متأخّرة إلّاأنّهم مع الأجداد مرتبة واحدة، فيرث الأبعد من أولاد الإخوة مع الأقرب من الأجداد، ومساوي المساوي في قوّة المساوي.

ثمّ قال: وهذه النكتة تتخلّف في الأعمام والأخوال، لأنّ أولاد كلّ طبقةٍ منهم مقدّمون على الطبقة التي بعدها مطلقاً، كأولاد أعمام الميّت، فإنّهم أولى من أعمام أب الميّت وهكذا).(2) انتهى .1.

ص: 11


1- مستند الشيعة: ج 19/11.
2- مسالك الإفهام: ج 13/11.

قال بعض الفقهاء(1): في مقام ضبط هذه المراتب:

إنّ القريب إن تقرّب إلى الميّت بغير واسطةٍ فهو المرتبة الأُولى، أو بواسطةٍ واحدةٍ فهو المرتبة الثانية، أو بأزيد من مرتبةٍ فهو الثالثة.

وإشكاله ظاهر، فإنّه يتخلّف في حقّ أولاد الأولاد، وفي حقّ أولاد الإخوة، وفي حقّ الأجداد العليا، وفي حقّ أولاد العمومة والخؤولة.

وعليه، فالصحيح هو الوجه الأوّل.

أقول: ثمّ إنّ لكلٍّ من المرتبتين الأولتين من المراتب صنفين:

ففي الأُولى: الأبوان والأولاد.

وفي الثانية: الإخوة والأجداد.

وأمّا الثالثة: وهي طبقة أُولي الأرحام فصنفٌ واحدٌ، هم إخوة الآباء والأُمّهات وأولادهم.

والأقربُ من كلّ صنفٍ يحجبُ الأبعد من دون الآخر، فالأولادُ بلا واسطة يحجبون الأولاد مع الواسطة، ولا يحجبهم الأبوان، والجَدّ الأدنى يحجبُ الأعلى دون أولاد الإخوة، والإخوة يحجبون أولاد الإخوة دون الصاعد من الأعداد، والعَمّ القريب يَحجبُ البعيد من الأعمام والأخوال، وأولاد العمومة والخؤولة، وكذا الخال، لاتّحاد الصنف.

والواحد من كلّ مرتبةٍ أو درجةٍ وإن كان أُنثى ، يحجبُ من وراءه من المراتب والدرجات، إلّافي صورة واحدة إجماعيّة، وهي أنّ ابن العَمّ للأب والأُمّ يحجب العَمّ للأب وحده، ويأخذ نصيبه، كما سيأتي.7.

ص: 12


1- المهذّب البارع: ج 4/446 / مجمع الفائدة البرهان: ج 11/347.

بيان معنى ذا فرضٍ وذا قَرابة

وينقسمُ الورّاث باعتبار الإرث بالفرض والقرابة إلى أقسام، وللقوم في بيان تلك الأقسام كلمات، ولعلّ أحسنها ما أفاده الشهيد رحمه الله في «الدروس» على ما حُكي(1)، وعبارته أو حاصلها على ما في «المستند»(2) حيث يقول:

(إنّ كلّ وارثٍ مناسبٍ أو مساببٍ : إمّا سَمّى اللّه تعالى في كتابه سهماً معيّناً أو لا:

والأوّل يُسمّى ذا فرضٍ ، والثاني ذا قربة.

والأوّل: إمّا سَمّى له في جميع حالاته، أو في حالةٍ دون أُخرى .

فالورّاث ثلاثة:

الأوّل: ذو فرضٍ لا غير، إلّاعلى الرّد، وهو ثلاثة أصناف:

الأُمّ : قال اللّه تعالى: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ اَلثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ ) (3) سَمّى لها في جميع حالاتها سهماً معيّناً.

والزوجان: قال اللّه سبحانه: (وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ ) (4).

وقال تعالى: (وَ لَهُنَّ اَلرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ

ص: 13


1- حكى ذلك صاحب المستند: ج 19/13 بقوله: (ثمّ إنّ ما ذكرناه من التقسيم هو الموافق للدروس وهو أحسن ما ذكر في المقام) راجع الدروس: ج 2/333-334.
2- مستند الشيعة: ج 19/13.
3- سورة النساء: الآية 11.
4- سورة النساء: الآية 12.

فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ ) (1) .

وكلالة الأُمّ : اتّحدت أم تعدّدت، قال عزّ شأنه: (وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي اَلثُّلُثِ ) (2).

الثاني: ذو فرضٍ تارةً ، وقرابةٍ أُخرى ، وهم أيضاً ثلاثة أصناف:

الأب: فيرثُ بالفرض إذا اجتمع مع الولد، قال تعالى: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) (3).

وبالقرابة إذا انفرد، قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ اَلثُّلُثُ ) (4).

فرضٌ للأُمّ على تقديري وجود الولد وعدمه، ولم يُجعل للأب على الأخير فرضاً حينئذٍ، فيرثُ بالقرابة.

والبنت والبنات: فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهنّ الذكر، قال عزّ من قائل:

(يُوصِيكُمُ اَللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (5) فلم يجعل لهنّ حينئذٍ فرضاً.

وبالفرض إذا انفردن، قال سبحانه: (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا اَلنِّصْفُ ) (6).

والأُخت: من قِبل الأبوين أو الأب، اتّحدت أم تعدّدت:

فيرثنَ بالقرابة إذا دخل عليهنّ ذكرٌ من الأب، قال سبحانه: (وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً1.

ص: 14


1- سورة النساء: الآية 12.
2- سورة النساء: الآية 12.
3- سورة النساء: الآية 11.
4- سورة النساء: الآية 11.
5- سورة النساء: الآية 11.
6- سورة النساء: الآية 11.

رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (1) .

وبالفرض إذا انفردن، أو دخل عليهنّ كلالة الأُمّ ، قال عزّ شأنه: (إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثانِ ) (2).

الثالث: ذو قرابةٍ لا غير، وهم الباقون.

هذا ما ذكره الشهيد(1) وهو تامٌّ إنْ لم يُجعل الرّد داخلاً في القرابة، أو قطع النظر عنه)(2).

أقول: وهذا وإن كان خلاف كلمات القوم، إلّاأنّه أحسن ما قيل في المقام.

***3.

ص: 15


1- الدروس: ج 2/333-334.
2- مستند الشيعة: ج 19/13.

الأُولى: الأبوان والأولاد،

ميراث الأبوين

قد عرفت أنّ للنسب ثلاثة مراتب:

المرتبة (الأُولى : الأبوان والأولاد) وفيها مباحث:

المبحث الأوّل: في ميراث الأبوين إذا لم يكن معهما ولدٌ، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: لا يتقدّم الأبوين من الأرحام ولا من ذوي الأسباب أحدٌ إجماعاً وكتاباً وسُنّة، بل لا يورثَ معهما أو مع أحدهما من الأنسباء غير الولد وولده وإن نزل إجماعاً في غير الجَدّ، فإنّ فيه خلافاً سيأتي، وغير الزّوج والزّوجة من ذوي الأسباب، والنصوص المستفيضة شاهدة بذلك:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:

«لا يرثُ مع الأُمّ ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الإبنة إلّاالزّوج والزّوجة... الحديث»(1).

ومنها: صحيح زرارة، قال: «ولا يرثُ مع الأُمّ ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الإبنة أحدٌ خَلَقه اللّه غير زوجٍ أو زوجة»(2).

ومنها: خبر الحسن بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن امرأةٍ مملّكة لم يدخل بها زوجها، ماتت وتركت أُمّها وأخوين لها من

ص: 16


1- وسائل الشيعة: ج 26/91 ح 32554، الكافي: ج 7/82 ح 1، تهذيب الأحكام: ج 9/251 ح 969.
2- وسائل الشيعة: ج 26/80 ح 32532، تهذيب الأحكام: ج 9/251 ح 970.

أُمّها وأبيها وجَدّها أبا أُمّها وزوجها؟

قال عليه السلام: يُعطى الزّوج النصف، وتُعطى الأُمّ الباقي، ولا يُعطى الجَدّ شيئاً، لأنّ بنته حَجَبته عن الميراث، ولا يُعطى الإخوة شيئاً»(1).

ومنها: موثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ مات وترك أباه وعمّه وجَدّه ؟

فقال عليه السلام: حَجَب الأبُ الجَدّ عن الميراث، وليس للعمّ ولا للجَدّ شيء»(2).

ومنها: خبر يونس بن عمّار، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ زرارة قد روى عن أبي جعفر عليه السلام أنّه لا يرث مع الأُمّ والأب والابن والبنت أحدٌ من النّاس شيئاً إلّا زوج أو زوجة ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أمّا ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام فلا يجوز أن تردّه، الحديث»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «في امرأةٍ توفّيت وتركت زوجها وأُمّها وأباها وإخوتها؟

قال عليه السلام: هي من ستّة أسهم للزّوج النصف ثلاثة أسهم، وللأب الثُّلث سهمان، وللأُمّ السُّدس، وليس للإخوة شيء»(4).

إلى غير هذه من النصوص الآتية في المسائل القادمة.

وأمّا موثّق فُضيل بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام:5.

ص: 17


1- وسائل الشيعة: ج 26/122 ح 32633، الكافي: ج 7/113 ح 8.
2- وسائل الشيعة: ج 26/135 ح 32663، الكافي: ج 7/114 ح 9.
3- وسائل الشيعة: ج 26/148 ح 32691 ص 148، بحار الأنوار: ج 101/330.
4- وسائل الشيعة: ج 26/149 ح 32692، الكافي: ج 7/98 ح 5.

«في رجلٍ مات وترك أُمّه وزوجته وأُخته وجَدّه ؟

قال عليه السلام: للأُمّ الثُّلث، وللمرأة الرُّبع، وما بقي بين الجَدّ والأُخت للجَدّ سهمان وللاُخت سهمٌ »(1).

وخبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ مات وترك أُمّه وزوجته واُختين له وجَدّه ؟

قال عليه السلام: للأُمّ السُّدس، وللمرأة الرُّبع، وما بقي نصفه للجَدّ ونصفه للأُختين»(2).

وخبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن امرأةٍ تركت أُمّها وأخواتها لأبيها، وأُمّها وإخوة لأُمّ وأخوات لأب ؟

قال عليه السلام: لأخواتها لأبيها وأُمّها الثلثان، ولأُمّها السُّدس، ولأخوتها من أُمّها السُّدس»(3).

وقريب منه خبره الآخر(4).

فلإعراض الأصحاب عنها، ومعارضتها مع النصوص المتقدّمة المعمول بها، وموافقتها للعامّة، ومعارضة بعضها مع بعض، لأنّه حكم في الأوّل بأنّ للأُمّ الثُّلث، وفي الثاني قال عليه السلام: إنّ لها السُّدس، وحكم في أحد خبري زرارة بأنّ الإخوة من الأبوين يرثن، وفي الآخر حكم بعدم توريثهن، لابدّ من طرح الجميع، أو الحمل على التقيّة، أو البناء على أنّها وردت إلزاماً على العامّة بما ألزموا به أنفسهم.1.

ص: 18


1- وسائل الشيعة: ج 26/149 ح 32694، تهذيب الأحكام: ج 9/315 ح 1133.
2- وسائل الشيعة: ج 26/149 ح 32695، الإستبصار: ج 4/161 ح 5.
3- وسائل الشيعة: ج 26/150 ح 32696، الاستبصار: ج 4/146 ح 550.
4- وسائل الشيعة: ج 26/150 ح 32697، الاستبصار: ج 4/146 ح 551.

فللأب المنفرد المال. وللأُمّ وحدها الثُّلث، والباقي رَدٌّ عليها

إذا انفرد أحد الأبوين كان له المال كلّه

المسألة الثانية: إذا انفرد أحد الأبوين عمّن في درجته والزّوج، كان له المال كلّه، غاية الأمر أنّ الأب يرثُ المال كلّه بالقرابة، والأُمّ ترث ثلثه بالفرض، والباقي رَدّ عليها.

وبالجملة: (فللأب المنفرد المال) قرابةً (وللأُمّ وحدها الثُّلث) فرضاً، (والباقي رَدّ عليها) بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

ويشهد للأوّل: - مضافاً إلى الإجماع - أنّه لا وارث غيره لمنعه إيّاه، فقد تقدّم أنّ الأب حينئذٍ يرثُ المال بالقرابة، وأنّه لا فرض له حينئذٍ، وقد تقدّم بعض النصوص ويأتي بعضها الآخر.

ويشهد للثاني: وأنّ الأُمّ ترثُ الثُّلث فرضاً، هو الإجماع والكتاب والسُّنة.

ولأنّها ترث الباقي ردّاً: ما تقدّم من ما دلّ على أنّه لا يرثُ مع الأُمّ أحدٌ ممّن ليس في درجتها.

وما دلّ على أنّ الأقرب يمنع الأبعد، وأنّ السابق أحقّ بميراث قريبه طائفة من الأخبار:

منها: خبر حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يعطي المال الأقرب فالأقرب»(1).

ص: 19


1- وسائل الشيعة: ج 26/105 ح 32590، الكافي: ج 7/91 ح 2، تهذيب الأحكام: ج 9/270 ح 981.

ومنها: خبر حسين الرزاز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«المالُ للأقرب، والعُصبة في فيه التراب»(1).

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «إن مات رجلٌ وترك أُمّه وإخوة وأخوات لأبٍ وأُمّ ، وإخوة وأخوات لأبٍ وإخوة وأخوات لأُمٍّ ، وليس الأب حَيّاً، فإنّهم لا يرثون ولا يحجبونها، لأنّه لم يورث كلالة»(2).

ومنها: مرسل يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا التقت القرابات فالسّابق أحقّ بميراث قريبه»(3).

ومنها: خبر سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «إذا كان وارثٌ ممّن له فريضة فهو أحقّ بالمال»(4).

إذ الأحقيّة أعمٌّ من تقديم فريضةٍ ورَدّ ما يبقى بعد فريضة عليه.

ومنها: خبر موسى بن بكير، قال: «قلتُ لزرارة: حدّثني بُكير عن أبي جعفر عليه السلام في رجلٍ ترك ابنته وأُمّه: أنّ الفريضة من أربعة، لأنّ للبنت ثلاثة أسهم، وللأُمّ السُّدس سهمٌ ، ومابقي سهمان، فهما أحقّ بهما من العَمّ ومن الأخ ومن العُصبة، لأنّ اللّه تعالى سَمّى لهما، ومن سُمّي لهما فيرد عليهما بقدر سهامهما»(5).

فإنّه علّل الرّد بالتسمية، وهي هنا متحقّقة.

أقول: وربما يستدلّ لذلك وعلى غيره من جزئيّات الرّد بالآية الكريمة:

(وَ أُولُوا5.

ص: 20


1- وسائل الشيعة: ج 26/64 ح 32496، الاستبصار: ج 4/170 ح 642.
2- وسائل الشيعة: ج 26/123 ح 32634، الاستبصار: ج 4/145 باب 91 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 26/69 ح 32501، الكافي: ج 7/77 ح 3. تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 978.
4- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32793، تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 977.
5- وسائل الشيعة: ج 26/129 ح 32652، تهذيب الأحكام: ج 9/272 ح 985.

ولو اجتمعا كان الباقي له.

اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (1) بتقريب أنّها تدلّ على أنّ بعض أُولي الأرحام - وهو الأقرب - أولى ببعضٍ من الأبعد كما ورد في الروايات.

ففي خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في قول اللّه تعالى: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) : إنّ بعضهم أولى بالميراث من بعضٍ ، لأنّ أقربهم إليه رحماً أولى به.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: أيّهم أولى بالميّت وأقربهم إليه أُمّه أو أخوه، أليس الأُمّ أقرب إلى الميّت من إخوته وأخواته»(2).

ونحوه غيره.

وخبر زرارة كما ترى كالنَّص في إرادة البعض الخاصّ منهم عن بعض، فلا يُصغى إلى ما قيل من إنّه يمكن أن يكون المراد مطلق البعض، أي بعض أولى الأرحام يكون أولى ببعضٍ من غيرهم، وحينئذٍ فلا دلالة لها على الرّد.

حكم ما لو اجتمع الأبوان

المسألة الثالثة: (ولو اجتمعا) أي لو اجتمع الأبوان (كان) الثُّلث للأُمّ مع عدم الإخوة الحاجبة، والسُّدس مع وجودهم، و (الباقي له) أي للأب، بلا خلافٍ في شيء من تلكم.

ص: 21


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- وسائل الشيعة: ج 26/89 ح 32553.

أقول: ويشهد لحكم الأُمّ في الصورتين الآية الكريمة المتقدّمة، وعليه وعلى حكم الأب النصوص المستفيضة:

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك أبويه ؟

قال عليه السلام: للأب سهمان، وللأُمّ سهم»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «في رجلٍ مات وترك أبويه ؟

قال عليه السلام: للأُمّ الثُّلث وللأب الثُّلثان»(2).

ومنها: خبر أبان بن تغلب، عنه عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك أبويه ؟

قال عليه السلام: للأُمّ الثُّلث، وما بقي فللأب»(3).

ونحوها غيرها.

هذه النصوص تدلّ على حكمهما مع عدم وجود الحاجب، ويدلّ على حكمهما مع وجوده جملةٌ أُخرى من النصوص:

منها: خبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال لي: يا زرارة ما تقول في رجلٍ ماتَ وترك أخويه من أُمّه وأبويه ؟

قلت: السُّدس لأُمّه، وما بقي فللأب.

فقال عليه السلام: من أين هذا؟ قلت: سمعتُ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه العزيز:

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ ) (4) .1.

ص: 22


1- وسائل الشيعة: ج 26/115 ح 32613، الكافي: ج 7/91 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/116 ح 32615، من لا يحضره الفقيه: ج 4/262 ح 5611.
3- وسائل الشيعة: ج 26/116 ح 32616، تهذيب الأحكام: ج 9/273 ح 989.
4- سورة النساء: الآية 11.

ولو كان معهما زوجٌ أو زوجة، فله نصيبه، وللأُمّ الثُّلث والباقي للأب

فقال عليه السلام: ويحك يا زرارة، أولئك الإخوة من الأب، إذا كان الإخوة من الأُمّ لم يحجبوا الأُمّ عن الثُّلث»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ ترك أبويه وإخوته ؟

قال عليه السلام: للأُمّ السُّدس، وللأب خمسة أسهم، وسقط الإخوة وهي من ستّة أسهم»(2).

ومنها: صحيح زرارة الموقوف، وفيه: «إنّ الرّجل إذا ترك أبوين، فلأُمّه الثُّلث ولأبيه الثُّلثان في كتاب اللّه عزّ وجلّ ، فإن كان له إخوة - يعني الميّت - يعني: إخوة لأبٍ وأُمّ أو إخوةً لأب، فلأُمّه السُّدس، وللأب خمسة أسداس»(3).

ولا يضرّ ضعف بعض النصوص بعد عمل الأصحاب بها، كما لا يضرّ الوقف في صحيح زرارة.

وفي «الوسائل»(4): (يستفاد من أحاديث كثيرة أنّ زرارة قرأ صحيفة الفرائض بخطّ عليّ عليه السلام، وأنّهم كانوا يرجعون فيها لذلك».

حكم ما لو كان مع الأبوين أحد الزوجين

المسألة الرابعة: (ولو كان معهما زوجٌ أو زوجة، فله نصيبه، وللأُمّ الثُّلث) إنْ لم يكن معهم الإخوة الحاجبة، وإلّا فالسُّدس (والباقي للأب)، بلاخلافٍفي شيءمن ذلك.

ص: 23


1- وسائل الشيعة: ج 26/117 ح 32618، الكافي ج 7/93 ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 26/119 ح 32623.
3- وسائل الشيعة: ج 26/118 ح 32620، الكافي: ج 7/91 ح 1.
4- وسائل الشيعة: ج 26/118 في ذيل الحديث رقم 32620.

أقول: ويشهد بالجميع، مع عدم الحاجب عدّة أخبار:

منها: صحيح الجُعفي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: قلتُ له: رجلٌ مات وترك امرأته وأبويه ؟

قال عليه السلام: لإمراته الرُّبع، وللأُمّ الثُّلث، وما بقي فللأب»(1).

ومنها: موثّقه، عن أبي جعفر عليه السلام: «في زوجٍ وأبوين ؟

قال: للزّوج النصف، وللأُمّ الثُّلث، وللأب ما بقي.

وقال: في امرأةٍ مع أبوين ؟

قال: للمرأة الرُّبع، وللأُمّ الثُّلث، وما بقي فللأب»(2).

ومنها: صحيح محمّدبن مسلم، قال: «أقرأني أبوجعفر عليه السلام صحيفة الفرائض التي هي إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخطّ عليّ عليه السلام بيده، فقرأتُ فيها: امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها، فللزوج النصف ثلاثة أسهم، وللأُمّ الثُّلث سهمان، وللأب السُّدس سهم»(3).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في امرأةٍ توفّيت وتركت زوجها وأُمّها وأباها؟

قال عليه السلام: هي من ستّة أسهم: للزّوج النصف ثلاثة أسهم، وللأُمّ الثُّلث سهمان، وللأب السُّدس سهم»(4).

ونحوها غيرها.5.

ص: 24


1- وسائل الشيعة: ج 26/126 ح 32642، تهذيب الأحكام: ج 7/284 ح 1028.
2- وسائل الشيعة: ج 26/126 ح 32643، الكافي: ج 7/98 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 26/125 ح 32641، من لا يحضره الفقيه: ج 4/268 ح 5616.
4- وسائل الشيعة: ج 26/126 ح 32644، الكافي: ج 7/98 ح 5.

أقول: ويشهد للأحكام المذكورة مع وجود الحاجب، الخبر الذي رواه أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في امرأةٍ توفّيت، وتركت زوجها وأُمّها وأباها وإخوتها؟

قال عليه السلام: هي من ستّة أسهم، للزّوج النصف ثلاثة أسهم، وللأب الثُّلث سهمان، وللأُمّ السُّدس، وليس للإخوة شيء...»(1).

مع أنّ الجمع بين الآية الكريمة (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ ) (2)والنصوص الدّالة على الحجب، وبين الأخبار المتقدّمة في الفرض يقتضي ذلك.

وأمّا خبر أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في امرأةٍ ماتت وتركت أبويها وزوجها؟

قال عليه السلام: للزّوج النصف، وللأُمّ السُّدس، وللأب ما بقي»(3).

فيُحمل على صورة وجود الحاجب، وعن الشيخ(4) رحمه الله حمله على التقيَّة، والأوّل أولى.

ولو اجتمع الأب خاصّة مع أحد الزوجين، فلأحدهما نصيبه الأعلى إجماعاً وكتاباً وسُنّةً (5):

أمّا الكتاب: فقد تقدّم.

أمّا السُّنة: فصحيح الجُعفي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:7.

ص: 25


1- وسائل الشيعة: ج 26/148 ح 32692، تهذيب الأحكام: ج 9/283 ح 1023.
2- سورة النساء: الآية 11.
3- وسائل الشيعة: ج 26/128 ح 32649، الاستبصار:: ج 4/143 ح 9.
4- الاستبصار: ج 4/146-147، قوله: (فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على ضربٍ من التقيّة).
5- مستند الشيعة: ج 19/167.

«فإن تركت امرأة زوجها وأباها، فللزوج النصف، وما بقي فللأب»(1).

وللأب الباقي إجماعاً، ويشهد به صحيح الجُعفي المتقدّم، وآية أُولي الأرحام(2)، فإنّها كما تدلّ على أنّ بعضَ أُولي الأرحام أولى من بعضٍ آخر، كما في المسألة الثانية، كذلك تدلّ على أنّ أُولي الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ من غيرهم.

كما يشهد به:

1 - صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«اختلف عليّ بن أبي طالب عليه السلام وعثمان في الرّجل يموت، وليس له عُصبةٌ يرثونه، وله ذو قرابة لا يرثونه، ليس لهم سهمٌ مفروض.

فقال عليه السلام: ميراثه لذوي قرابته، لأنّ اللّه تعالى يقول: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (3)»(2).

2 - وحسن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قضى أميرالمومنين عليه السلام في خالةٍ جاءت تُخاصم في مولى رجلٍ مات. فقرأ هذه الآية (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) ، فدفع الميراث إلى الخالة ولم يعط المولى»(3).

3 - وصحيحٌ آخر لابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام يقول:

«كان عليّ عليه السلام إذا مات مولىً له، وترك ذا قرابة، لم يأخذ من ميراثه شيئاً، ويقول: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ ..) الآية»(4). ونحوها غيرها.5.

ص: 26


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/268 ح 5617. (2و3) سورة الأنفال: الآية 75.
2- وسائل الشيعة: ج 26/88 ح 32551.
3- وسائل الشيعة: ج 26/233 ح 32902، الكافي: ج 7/135 ح 2.
4- وسائل الشيعة: ج 26/234 ح 32904، الكافي: ج 7/135 ح 5.

وتقريب الاستدلال بها: إنّها تدلّ على أنّه لا يرثُ أحدٌ مع اُولي الأرحام، خرج عنه الزّوج أو الزّوجة بالنسبة إلى النصف أو الرُّبع بالدليل، وبقي الباقي.

ولو اجتمع الأُمّ خاصّة مع أحد الزوجين: فلأحدهما النصيب الأعلى إجماعاً، ووجهه ظاهرٌ ممّا تقدّم، والباقي للأُمّ ؛ الثُّلث بالفرض بنصّ الكتاب، والباقي بالرّد:

بالإجماع، والأقربيّة، وآية اُولي الأرحام(1)، و:

1 - خبر الحسن بن صالح المتقدّم: «في امرأةٍ ماتت، وتركت... زوجاً، وأخوين وجَدّاً وأُمّاً؟ قال: يُعطى الزّوج النصف وتُعطى الأُمّ الباقي»(2).

2 - صحيح الجُعفي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «فإن تركت امرأة زوجها وأباها، فللزوج النصف، وما بقي فللاُمّ »(3).

3 - موثّق جميل، عنه عليه السلام: «لا يكون الرّد على زوج ولا زوجة»(4).

ميراث الأولاد

المبحث الثاني: في ميراث الأولاد إذا لم يكن معهم واحدٌ من الأبوين، ففيه أيضاً مسائل:

المسألة الأُولى: لا يرثُ مع الأولاد من الأنسباء غير الأبوين من غير ارتفاع إجماعاً في غير الجَدّ، فإنّ فيه خلافاً سيأتي، وغير الزّوج والزّوجة من ذوي الأسباب، والنصوص المتقدّمة في المسألة الأُولى من مسائل ميراث الأبوين شاهدة بذلك، ونحوها غيرها.

ص: 27


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- وسائل الشيعة: ج 26/134 ح 32662، تهذيب الأحكام: ج 9/286 ح 1037.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/268 ح 5617.
4- وسائل الشيعة: ج 26/204 ح 32833، الاستبصار: ج 4/149 ح 563.

وللإبن المال، وكذا للإبنين، فما زاد بالسَّوية.

المسألة الثانية: (وللأبن) المنفرد (المال) كلّه إجماعاً؛ للأقربيّة وآية أُولي الأرحام، والنصوص المستفيضة الآتية، الدّالة على أنّ المال كلّه للبنت الواحدة، بضميمة ما دلّ من الإجماع والأخبار على أنّ نصيب الرّجل لا ينقصُ عن نصيب المرأة لو كان مكانها:

منها: خبر بكير، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «والمرأة لا تكون أبداً أكثر نصيباً من رجلٍ لو كان مكانها»(1).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «عن امرأةٍ تركت زوجها وأُمّها وابنتها؟

قال عليه السلام: للزّوج الرُّبع، وللأُمّ السُّدس، وللإبنتين ما بقي، لأنّهما لو كانا ابنين لم يكن لهما شيء إلّاما بقي، ولا تزاد المرأة أبداً على نصيب الرّجل لو كان مكانها»(2).

ونحوهما غيرهما.

(وكذا للإبنين فما زاد) يكون المال كلّه لهم، بالإجماع، وفي «المستند»(3):

(بل الضرورة).

ويشهد (بالسَّوية): - مضافاً إلى استواء النسبة - صحيح محمّد بن مسلم وبكير الآتي.1.

ص: 28


1- وسائل الشيعة: ج 26/109 ح 32600، تهذيب الأحكام: ج 9/320 ح 1148.
2- وسائل الشيعة: ج 26/132 ح 32659، تهذيب الأحكام: ج 9/288 ح 1043.
3- مستند الشيعة: ج 19/171.

ولو انفردت البنتُ ، فلها النصفُ والباقي رَدٌّ عليها،

المسألة الثالثة: (ولو انفردت البنت، فلها النصف) بالفَرض إجماعاً، وكتاباً وسنّةً ، (والباقي رَدٌّ عليها) بالإجماع، والنصوص المستفيضة:

منها: صحيح زرارة، عن الباقر عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك ابنته وأُخته لأبيه وأُمّه ؟

فقال: المال للإبنة وليس للأُخت من الأب والأُمّ شيء»(1).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ هَلَك وترك ابنته وعمّه ؟ فقال عليه السلام: المال للإبنة.

قلت: رجلٌ ماتَ وترك ابنةً له وأخاً، أو قال ابن أخيه ؟

قال: فسكتَ طويلاً، ثمّ قال: المال للإبنة»(2).

ونحوهما أخبار(3) بريد، والمنقري، وعبد اللّه بن محرز، وعبد اللّه بن محمّد.م.

ص: 29


1- وسائل الشيعة: ج 26/103 ح 32585، من لا يحضره الفقيه: ج 4/261 ح 5609.
2- وسائل الشيعة: ج 26/107 ح 32595، من لا يحضره الفقيه: ج 4/261.
3- وسائل الشيعة: ج 26 / ص 103 و 104 و 105: [32586] 2 - وعن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن عبد اللّه بن خراش المقري أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ مات وترك ابنته وأخاه ؟ فقال: المال للإبنة». ورواه الشيخ بإسناده عن أبي عليّ الأشعري مثله. [32587] 3 - وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قلتُ له: رجل مات وترك ابنته وعمّه ؟ فقال: المال للإبنة وليس للعمّ شيء، أو قال: ليس للعمّ مع الإبنة شيء». ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد نحوه. [32589] 5 - وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن عبد اللّه بن محرز عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «قلت له: ترك ابنته وأُخته لأبيه وأُمّه ؟ فقال: المال كلّه للإبنة وليس للأُخت من الأب والاُمّ شيء». ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله إلّاأنّ فيه: عن عبد اللّه بن محمّد، عن أبي عبداللّه عليه السلام.

وللبنتين فما زاد الثُّلثان،

(وللبنتين فما زاد الثُّلثان) فرضاً بلا خلافٍ ، والكتاب شاهدٌ به، قال تعالى:

(فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) (1) .

ولكنّه مختصٌّ بما إذا كُنَّ فوق اثنتين، وأمّا فيهما - فبعد الاتّفاق على أنّ فرضهما الثُّلثان - اختلفوا في وجهه:

فقيل: دليله الإجماع.

وقيل: الرواية، ولم أقف عليها، وإنّما أشار إليها في «المسالك»(1).

وقيل: أولويّتهما من الأُختين بذلك لكونهما أمسُّ رحماً.

وقيل: إنّ للبنت مع الابن الثُّلث، فأولى أن يكون لها مع بنتٍ أُخرى ذلك.

وفي «المسالك»: (والمحقّقون على أنّ ذلك مستفادٌ من قوله تعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (3)، فإنّه يدلّ على أنّ حكم الأُنثيين حكم الذكر، وذلك لا يكون في حالة الاجتماع، لأنّ غاية ما يكون لهما معه النصف إذا لم يكن معه ذَكَرٌ غيره، فيكون ذلك في حالة الانفراد.).

ص: 30


1- مسالك الأفهام: ج 13 / شرح ص 85-86: قوله: (والثُّلثان سهم... إلخ). (الثُّلثان جعلهما اللّه تعالى لصنفين: أحدهما: البنتان فصاعداً إذا انفردن عن الإخوة، قال تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ » سورة النساء: الآية 11. وقد جعل سبحانه الثُّلثين نصيب ما زاد عن اثنتين، ولم يذكر حكم الاثنتين في حالة الانفراد، وإنّماذكرهما في حالة الاجتماع بالذكر، فقال: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ » سورة النساء: الآية 11، ولكن وقع الإجماع بعد عصر الصحابة على أنّ للإبنتين الثُّلثين كالأزيد. وقد اختلفوا في وجهه، فقيل: دليله الإجماع المذكور. وقيل بالرواية. وقيل بالقياس، حيث إنّ اللّه تعالى جعل للواحدة النصف فيكون لما فوقهاالثُّلثان).

وتحقيقه: أنّ اللّه تعالى جَعل له مثل حظُ الأُنثيَيْن إذا اجتمع مع الإناث، وله فروضٌ كثيرة:

أوّلها: أن يجتمع مع أُنثى ، فإنّ أُولى الأعداد المقتضية للاجتماع أن يجتمع ذكرٌ وأُنثى ، فله بمقتضى الآية مثلُ حظّ الأُنثَيَين، والحال أنّ له الثُّلثين وللواحدة الثُّلث، فلابدّ أن يكون الثُّلثان حظّاً للأُنثَيَين في حالٍ من الأحوال، وذلك في حالة الاجتماع مع الذَكَر، وهذا غير واقعٍ اتّفاقاً، بل غاية ما يكون لهما النصف، فلو لم يكن لهما الثُّلثان في حالة الانفراد، لزم أن لا يصدق في هذه الصورة، وهي اجتماع الذَكَر مع الواحدة أنّ له مِثلُ حَظّ الأُنثَيَين، فيكون للأُنثَيَين الثُّلثان في حالة الانفراد، وهو المطلوب.

فإن قيل: يمكن النظر إلى أنّ الواحدة في الصورة المذكورة - وهي ما لو اجتمع ذكرٌ وأُنثى - إذا كان لها الثُّلث، والبنتُ لا تفضلُ على البنت إجماعاً، فيكون الثُّلثان في قوّة نصيب الأُنثَيَين، فيصحّ إطلاق حظّهما لذلك، وهو في حالة الاجتماع، فلا يدلّ على كون الثُّلثين لهما في حالة الانفراد الذي هو المتنازع.

قلنا: عدم تفضيل الأُنثى على مثلها، لا يستلزمُ كون الثُّلثين حظّاً لهما، بل ولا يجامعهما، لأنّهما في حالة الاجتماع لايكون لهما أزيد من النصف قطعاً كما ذكرناه، وإنّما يقتضي المماثلة كونهما مع الاجتماع متساويتين في النصيب، وهو كذلك، فإنّ الواحدة حينئذٍ لا يكون لها ثلثٌ ، فلا يكون لهما ثُلثان، لامتناعه حالة الاجتماع، إذ لابدّ أن يفضّل الذكر بقدر النصّين، فيتعيّن أن يكون ذلك في حالة الانفراد)(1)، انتهى .6.

ص: 31


1- مسالك الأفهام: ج 13/86.

والباقي رَدٌّ عليهما. ولو اجتمع الذكور والإناث من الأولاد، فللذَّكر مِثلُ حَظّ الأُنثَيَين

أقول: وكيف كان، فالحكمُ أي كون الثُّلثين لهما بالفرض إجماعيٌ ، (والباقي رَدٌّ عليهما).

ويشهد به: مضافاً إلى الإجماع، بل الضرورة وأقربيّته:

1 - موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«مات مولىً لعليّ بن الحسين عليهما السلام، فقال: انظروا هل تجدون له وارثاً؟

فقيل له: ابنتان باليمامة مملوكتان، فاشتراهما من مال مولاه الميّت، ثمّ دفع إليهما بقيّة المال»(1).

2 - وخبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «أنّ رجلاً ماتَ على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله، وكان يبيع التمر، فأخذ عمّه التمر، وكانت له بنات، فأتت امرأته النبيّ صلى الله عليه و آله فأعلمته بذلك، فأنزل اللّه عزّ وجلّ عليه، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله التمر من العَمّ فدفعه إلى البنات»(2).

3 - وخبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«سألته عن جارٍ له هَلَك وترك بنات ؟ قال عليه السلام: المال لهنّ »(3).

المسألة الرابعة: (ولو اجتمع الذكور والإناث من الأولاد، ف) المال كلّه لهم، كما هو ظاهرٌ ممّا تقدّم:

1 - و (للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين) بالضرورة الدينيّة.8.

ص: 32


1- وسائل الشيعة: ج 26/239 ح 32918، تهذيب الأحكام: ج 9/330 ح 1186 و 1187.
2- وسائل الشيعة: ج 26/106 ح 32592، تهذيب الأحكام: ج 9/279 ح 1011.
3- وسائل الشيعة: ج 26/102 ح 32581، من لا يحضره الفقيه: ج 4/261 ح 5608.

2 - وبنصّ الكتاب قال اللّه تعالى: (يُوصِيكُمُ اَللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (1)، فإنّ المراد - كما هو ظاهرٌ وعليه اتّفاق المفسّرين - أنّ لكلّ ذكرٍ مثلُ حَظّ الأُنثَيَين، لا جنس الذكر.

3 - وبالنصوص:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«في رجلٍ مات وترك بنات وبنين وأُمّاً؟

قال عليه السلام: للأُمّ السُّدس، والباقي يقسّم لهم للذَّكر مثل حَظّ الأُنثَيَين»(2).

ومنها: صحيح بكير، عنه عليه السلام: «لو أنّ امرأةً تركت زوجها وأبويها وأولاداً ذكوراً وإناثاً، كان للزّوج الرُّبع في كتاب اللّه(3)، وللأبوين السُّدسان، وما بقي للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين»(4). ونحوهما غيرهما.

أضف إلى ذلك النصوص(5) الكثيرة الواردة في علّة تفضيل الرّجال.

المسألة الخامسة: لو اجتمع مع الولد أحد الزوجين، كان له نصيبه الأدنى الرُّبع والثمن بالإجماع والكتاب والسُّنة، والباقي للولد، ذَكَراً كان أو أُنثى ، واحداً أم متعدّداً، فيختصّ الرّد مع البنت أو البنات بها بلا خلافٍ في ذلك، والنصوص المتقدّم بعضها شاهدة به.

***د.

ص: 33


1- سورة النساء: الآية 11.
2- وسائل الشيعة: ج 26/130 ح 32656، تهذيب الأحكام: ج 9/274 ح 990.
3- سورة النساء: الآية 12.
4- وسائل الشيعة: ج 26/133 ح 32660، من لا يحضره الفقيه: ج 4/266 ح 5615.
5- وسائل الشيعة: ج 26 / باب 2 من أبواب ميراث الأبوين مع الأولاد.

ولكلّ واحدٍ من الأبوين مع الذكور السُّدس، والباقي للأولاد، ولو كان معهم إناثٌ فالباقي بينهم للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين، و

ميراث الأولاد والأبوين عند الاجتماع

المبحث الثالث: في ميراث الأولاد والأبوين إذا اجتمعوا، (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: إذا اجتمع مع الأبوين أو أحدهما الولدُ الذَكَر، واحداً كان أم متعدّداً كان (لكلّ واحدٍ من الأبوين) المجتمعين (مع) الأولاد (الذّكور) نصيبه الأدنى (السُّدس، والباقي للأولاد) أو الولد، بلا خلافٍ فيه.

ويشهد لكون نصيب كلٍّ من الأبوين السُّدس: قوله تعالى : (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) (1).

ولكون الباقي للأولاد: النصوص الآتية، الدّالة على ذلك لو كان مكان الذكر الأُنثى ، بضميمة النصوص المتقدّمة الدّالة على أنّه لا تزاد المرأة على الرّجل لو كان مكانها.

(ولو كان معهم إناثٌ ، فالباقي بينهم للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين) إجماعاً، ويظهر وجهه ممّا أسلفناه.

المسألة الثانية: (و) إذا اجتمع أحد الأبوين مع بنتٍ واحدة، فله السُّدس فرضاً، ولها النصف كذلك، والباقي يردّ عليهما أرباعاً، فتكون التركة مقسومة أربعة وعشرين، حاصلةً من ضرب الأربعة في الستّة، ربُعها له، وثلاثة أرباع لها، فيكون

ص: 34


1- سورة النساء: الآية 11.

لكلّ واحدٍ من الأبوين منفرداً مع البنت الرُّبع بالتسمية والرَّد، والباقي للبنت كذلك،

(لكلّ واحدٍ من الأبوين منفرداً مع البنت الرُّبع بالتسمية والرَّد، والباقي للبنت كذلك):

أمّا كون فرض كلّ منهما ما ذُكر فلنصِّ الكتاب.

وأمّا أنّه يرد عليهما أرباعاً لتكون النتيجة ما ذُكر، فيشهد - مضافاً إلى الإجماع - جملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخطّ عليّ عليه السلام بيده، فوجدتُ فيها:

رجلٌ ترك ابنته وأُمّه للإبنة النصف ثلاثة أسهم، وللأُمّ السُّدسُ سهمٌ ، يُقسّم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللإبنة، وما أصاب سهماً فللأب.

قال: وقرأتُ فيها: رجلٌ ترك ابنته وأباه، للإبنة النصف ثلاثة أسهم، وللأب السُّدس سهمٌ ، يقسّم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللإبنة، وما أصاب سهماً فللأب»(1).

ومنها: خبر حمران بن أعين، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ ترك ابنته وأُمّه:

أنّ الفريضة من أربعة أسهم، فإنّ للبنت ثلاثة أسهم، وللأُمّ السُّدس سهمٌ ، وبقي سهمان فهما أحقّ بهما من العَمّ ، وابن الأخ والعُصبة، لأنّ البنت والأُمّ سُمّي لهما، ولم يُسمّ لهم، فيرد عليهما بقدر سهامهما»(2).

ومنها: خبر سلمة بن محرز، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :5.

ص: 35


1- وسائل الشيعة: ج 26/129 ح 32653، من لا يحضره الفقيه: ج 4/263 ح 6514.
2- وسائل الشيعة: ج 26/130 ح 32655، تهذيب الأحكام: ج 9/272 ح 985.

ومع البنتين فما زاد الخُمس،

«أنّه قال في بنتٍ وأب: للبنت النصف، وللأب السُّدس، وبقي سهمان، فما أصاب ثلاثة أسهم منها فللبنت، وما أصاب سهماً فللأب، والفريضة من أربعة أسهم، للبنت ثلاثة أرباع، وللأب الرُّبع»(1).

ومنها: خبر بكير، عن مولانا الباقر عليه السلام: «في رجل ترك ابنته وأُمّه: أنّ الفريضة من أربعة، لأنّ للبنت ثلاثة أسهم، وللأُمّ السُّدس سهمٌ ، وما بقي سهمان، فهما أحقّ بهما من العَمّ ومن الأخ ومن العُصبة، لأنّ اللّه تعالى سَمّى لهما، ومَنْ سمّى لهما فيردّ عليهما بقدر سهمامهما»(2).

(و) لو اجتمع أحدهما (مع البنتين فما زاد) فله السُّدس فرضاً، ولهما أو لهنّ الثُّلثان كذلك، بالإجماع والكتاب والسُّنة، بقي سدسٌ فيردّ أخماساً كما هو المشهور بين الأصحاب(3).

بل عن «الروضة»: نسبة القول المخالف إلى الندور، وقال: (وهو متروكٌ )(4)، وعن «التحرير»(5) الإجماع عليه، فيكون له (الخمس)، ولهما أو لهنّ أربعة أخماس.).

ص: 36


1- وسائل الشيعة: ج 26/130 ح 32653، تهذيب الأحكام: ج 9/328 ح 1179.
2- وسائل الشيعة: ج 26/130 ح 32655، تهذيب الأحكام: ج 9/273 ح 988.
3- مختلف الشيعة: ج 9/103، مستند الشيعة: ج 19/178.
4- الروضة البهيّة: ج 8/61-62، قال: (وفي المسألة قول نادر بحجب البنتين فصاعداً أحد الأبوين عمّا زاد عن السُّدس، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام، وهو متروك).
5- تحرير الأحكام: ج 5/13: (ولكلّ من الأبوين مع البنتين فصاعداً السُّدس، وللبنتين فصاعداً الثُّلثان بالسَّويّة. ولأحدهما مع البنتين فصاعداً السُّدس، وللبنتين فصاعداً الثُّلثان بالسَّويّة، والباقي يرد على أحد الأبوين وعلى البنتين أو البنات أخماساً).

ويشهد به خبرا بكير وحمران المتقدّمان، فإنّ العلّة المذكورة فيهما موجودة في الإبنتين وأحد الأبوين.

وربما يستدلّ له:

1 - بأنّ الفاضل لابدّ له من مستحقّ ، وليس هو غيرهم، لمنع الأقرب الأبعد، ولا بعضهم لاستواء النسبة، وعدم الأولويّة، فيتعيّن الجميع على النسبة.

فإن قيل: إنّه يمكن التقسيم بينهم بوجهٍ آخر أو التخيير.

قلنا: إنّ غير هذا النحو من التقسيم يندفعُ بالإجماع المركّب.

و عن الإسكافي: (ويردُ الباقي على البنات، لدخول النقص عليهنّ بدخول الزوجين)(1).

2 - ولموثّق أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجل مات وترك ابنتيه وأباه ؟

قال عليه السلام: للأب السُّدس، وللإبنتين الباقي»(2).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه قياسٌ لا نقول به، مع أنّ الشارع الأقدس قد جَبَر النقص الوارد بشيء آخر، حيث جعل لهنّ فريضة عليها خاصّة لا دنيا، فالنقص لهما يكون بمنزلة الدنيا للأبوين، فيتساويان من جميع الوجوه.

ويرد على الثاني أوّلاً: أنّه مخالفٌ لعمل المشهور، فيكون ساقطاً عن الحجيّة.

وثانياً: أنّه في بعض النسخ أثبت (ابنيّه) بدل (ابنتيه) بل عن «الوافي»: أنّها - أي تلك النسخة الصحيحة - وقوله (وللإبنتين) - الصواب وللأبنين(3).0.

ص: 37


1- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 9/118.
2- وسائل الشيعة: ج 26/130 ح 32656، تهذيب الأحكام: ج 9/274 ح 990.
3- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 19/180.

ولهما مع البنت الخُمسان تسميةً وردّاً، والباقي لها.

المسألة الثالثة: (و) لو اجتمع الأبوان مع بنتٍ واحدة، فلكلّ منهما السُّدس فرضاً، وللبنت النصف كذلك، بالإجماع والكتاب والسُّنة، فيبقى سُدس يردّ عليهم أخماساً، على نسبة سهامهم، لكلّ منهما خُمسه، ولها ثلاثة أخماسه، فيكون (لهما مع البنت الخُمْسان تسمية وردّاً، والباقي لها)، ولا خلاف في شيء من ذلك، بل الإجماع على الجميع، هذا فضلاً عن أنّه يشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال:

«أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض، التي هي إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وخطّ عليّ عليه السلام بيده...

إلى أن قال: ووجدتُ فيها: رجلٌ ترك أبويه وابنته، فللإبنة النصف، ولأبويه لكلّ واحد منهما السُّدس، يقسّم المال على خمسة أسهم، فما أصاب ثلاثةً فللإبنة، وما أصاب سهمين فللأبوين»(1).

ومنها: خبر زرارة - الذي لا تأمّل في سنده، إلّامن ناحية سهل بن زياد، وأمره سهلٌ ، فإنّ الشيخ وجماعة وثّقوه، واعتمد عليه كثيرٌ من فحول أصحابنا، ومع ذلك فهو من شيوخ الإجازة، فلا ينبغي الترديد في اعتبار خبره(2) - قال: وجدتُ فيبن

ص: 38


1- وسائل الشيعة: ج 26/128 ح 32650، الكافي: ج 7/93 ح 1.
2- معجم رجال الحديث ج 9/356-357: (ثمّ إنّ سهل بن زياد وقع الكلام في وثاقته وعدمها، فذهب بعضهم إلى وثاقته، ومال إلى ذلك الوحيد قدس سره، واستشهد عليه بوجوه ضعيفة، سمّاها أمارات التوثيق. منها: أنّ سهل بن زياد كثير الرواية، ومنها رواية الأجلّاء عنه، ومنها: كونه شيخ إجازة، ومنها: غير ذلك). إلّاأنّ السيّد الخوئي قدس سره لم يرتضي هذه الوجوه بقوله: (وهذه الوجوه غير تامّة في نفسها، وعلى تقدير تسليمها فكيف يمكن الاعتماد عليها مع شهادة أحمد بن محمّد بن عيسى عليه بالغلوّ والكذب، وشهادة ابن الوليد وابن بابويه وابن نوح بضعفه، واستثنائهم روايات محمّد بن أحمد بن يحيى عنه فيما استثنوه من رجال نوادر الحكمة، وشهادة الشيخ بأنّه ضعيف، وشهادة النجاشي بأنّه ضعيفٌ في الحديث غير معتمد عليه فيه، بل الظاهر من كلام الشيخ في الاستبصار أنّ ضعفه كان متسالماً عليه عند نقاد الأخبار، فلم يبق إلّاشهادة الشيخ في رجاله بأنّه ثقة، ووقوعه في إسناد تفسير عليّ بن إبراهيم، ومن الظاهر أنّه لا يمكن الاعتماد عليهما في قِبال ما عرفت، بل المظنون قويّاً وقوع السهو في قلم الشيخ، أو أنّ التوثيق من زيادة النسّاخ، ويدلّ على الثاني خلوّ نسخة ابن داود من التوثيق، وقد صرّح في غير موضع بأنّه رأى نسخة الرّجال بخطّ الشيخ قدس سره، والوجه في ذلك أنّه كيف يمكن أن يوثّقه الشيخ مع قوله: إنّ أبا سعيد الآدمي ضعيفٌ جدّاً عند نقاد الأخبار؟ وكيف كان، فسهل بن زياد الآدمي ضعيفٌ جزماً، أو أنّه لم تثبت وثاقته. بقي هنا أُمور: الأوّل: قال العلّامة في ترجمة سهل بن زياد من الباب (7) من فصل السين، من القسم الثاني -: (اختلف قول الشيخ الطوسي قدس سره فيه فقال في موضع إنّه ثقة، وقال في عدّة مواضع: إنّه ضعيف. أقول: لم نظفر على قول الشيخ في تضعيفه إلّافي موردين، وقد تقدّما، ولعلّه - قدس اللّه نفسه - قد ظفر بما لم نظفر به. الثاني: أنّ بعض من حاول توثيق سهل بن زياد ذكر في جملة ما ذكر أنّ تضعيف الشيخ لا يعارض توثيقه، فإنّ كتاب الرِّجال متأخّرٌ عن كتاب الفهرست، فيكون توثيقه عدولاً عن تضعيفه).

صحيفة الفرائض:

«رجلٌ ماتَ وترك ابنته وأبويه، فللإبنة ثلاثة أسهم، وللأبوين لكلّ واحدٍ سهمٌ ، يقسّم المال على خمسة أجزاء، فما أصاب ثلاثة أجزاء فللإبنة، وما أصاب جزئين فللأبوين»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وهذا الحكم مختصٌّ بما إذا لمن يكن الحاجب موجوداً، وإلّا فمع وجود4.

ص: 39


1- وسائل الشيعة: ج 26/129 ح 32651، تهذيب الأحكام: ج 9/272 ح 984.

الحاجب، فالرّد مختصٌّ بالبنت والأب اتّفاقاً، كما في «المسالك»(1)، وبالإجماع المحقّق كما في «المستند»(2).

وقد استدلّوا له تارةً : بقوله تعالى: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) (3). بتقريب أنّه يدلّ على أنّه مع وجود الولد ليس لكلّ منهما إلّاالسُّدس، خرج ما خرج بالدليل، فبقي الباقي.

وأُخرى : بقوله عزّ وجلّ : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ ) (4).

وثالثة: بأنّ وجود الإخوة موجبٌ لحرمانها عن أصل الفريضة، فكونه موجباً للحرمان من الرّد أولى .

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة، الرّد حتّى مع وجود الإخوة، فهي كما تكون دليلاً على الخروج من الدليل المذكور مع عدم الإخوة، كذلك تكون دليلاً عليه مع وجودها.

وأمّا الثاني: فلأنّ ظاهر الآية الاختصاص بما إذا لم يكن له ولد.

وأمّا الثالث: فلمنع الأولويّة القطعيّة، بعد عدم العِلْم بالمناط.

وعليه، فالحقّ أن يستدلّ له بإطلاق أدلّة الحَجب، الشامل للفرض، سيّما مع ما فيها من التعليل بأنّ الإخوة عيالُ الأب، والنسبة بينها وبين نصوص المقام عمومٌ من وجه، والشهرة الفتوائيّة التي هي أوّل المرجّحات مع نصوص الحجب، ويعضده الإجماع، وعليه فلا إشكال في الحكم.1.

ص: 40


1- مسالك الأفهام: ج 13/119.
2- مستند الشيعة: ج 19/181. (3و4) سورة النساء: الآية 11.

ومع البنتين فما زاد الثُّلث، ولو شاركهم زوجٌ أو زوجة

أقول: اختلف الأصحاب في أنّ ما حَجَب منه الأُمّ من النصيب:

1 - يقسّم بين الأب و البنت على نسبة سهامهما، وهو المشهور بين الأصحاب(1).

2 - أو يخصّ بالأب ذهب إليه بعض فقهاؤنا(2).

يمكن أن يستدلّ للأوّل: - مضافاً إلى الإجماع بعموم التعليل في خبر بكير المتقدّم - أنّ اللّه تعالى سَمّى لهما، ومن سُمّي لهما فيردّ عليهما بقدر سهامهما، ونظير هذا التعليل في غير هذا الخبر.

(و) لو اجتمع الأبوان (مع البنتين، فما زاد) فللأبوين (الثُّلث)، ولهما أو لهنّ الثُّلثان، يقسّم بينهما أو بينهنّ بالسَّويّة، والوجه في الكلّ ظاهر.

حكم ما إذا اجتمع مع الأولاد أحد الزوجين

المسألة الرابعة: (ولو شاركهم زوجٌ أو زوجة):

1 - فقد ينحصر الأولاد في الإناث، بأن لا يكون في الأولاد ذكرٌ، بل تكون بنتاً واحدةً أو أزيد.

2 - وقد لا تنحصر فيهنّ .

وعليه، فالكلام يقع في موردين:

أمّا المورد الأوّل: ففيه فرضان:

ص: 41


1- مسالك الأفهام: ج 13/119، مستند الشيعة: ج 19/182.
2- المراد به الشيخ معين الدين المعري حكاه عنه في المسالك: ج 13/119.

إذ قد تكون التركة زائدةً على الفروض.

وقد تكون التركة ناقصة.

للأوّل صور:

1 - اجتماع أحد الأبوين والزّوجة مع البنتين فصاعداً.

2 - اجتماع أحدهما مع الزّوج والبنت.

3 - اجتماع الأبوين أو أحدهما مع الزّوجة.

وللثاني باقي الصور.

أمّا في الفرض الأوّل: فيأخذ كلّ ذي فرضٍ فرضه، ويُردّ الزائد على غير الزّوجة، لما تقدّم من النّص على أنّه لا يردّ عليهما.

وعليه، ففي المثال الأوّل يردّ على البنتين، وعلى أحد الأبوين أخماساً، فتكون التركة مقسومة على مائة وعشرين.

وفي المثال الثاني يُردّ على البنت وأحد الأبوين أرباعاً، فتكون مقسومة على ثمانية وأربعين.

وفي المثال الثالث يُردّ عليهما وعليها أخماساً، ويكون حينئذٍ التركة مقسومة على مائة وعشرين.

هذا مع عدم الإخوة الحاجبة، وإلّا فلا يردّ على الأُمّ ، بل يردّ على الأب والبنت خاصّة، فتكون التركة مقسومة على ستّة وتسعين.

وفي الرابع يردّ عليها وعلى أحد الأبوين أرباعاً، فيقسّم التركة على ستّة وتسعين، والدليل على ذلك - مضافاً إلى الإجماع، وإلى ما مرّ - صحيح زرارة، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «أنّهما سَئلا عن امرأةٍ تركت زوجها وأُمّها وابنتيها؟

ص: 42

دخل النقص على البنتِ أو البنات،

قال عليه السلام: للزّوج الرُّبع، وللأُمّ السُّدس، وللإبنتين ما بقي لأنّهما لو كانا ابنتين لم يكن لهما شيء إلّاما بقي، ولا تزاد المرأة أبداً على نصيب الرّجل لو كان مكانها.

وإنْ ترك الميّت أُمّاً أو أباً وامرأةً وابنة، فإنّ الفريضة من أربعة وعشرين سهماً، للمرأة الُثمن ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين سهماً، ولكلّ واحدٍ من الأبوين السُّدس أربعة أسهم، وللإبنة النصف اثنا عشر سهماً، وبقي خمسة أسهم هي مردودة على سهام الإبنة وأحد الأبوين على قدر سهامهم، ولا يردُ على الزّوجة شيء.

وإن ترك أبوين وامرأة وابنةً ، فهي أيضاً من أربعة وعشرين سهماً، للأبوين السُّدسان ثمانية أسهم، وللمرأة الُثمن ثلاثة أسهم، وللإبنة النصف اثنا عشر سهماً، وبقي سهمٌ واحدٌ مردود على الأبوين والإبنة على قدر سهامهم، ولا يردّ على الزّوجة شيء.

وإنْ ترك أباً وزوجاً وإبنةً ، فللأب سهمان من اثنى عشر سهماً، وهو السُّدس، وللزّوج الرُّبع ثلاثة أسهم من اثنى عشر سهماً، وللبنت النصف ستّة أسهم من اثني عشر، وبقي سهمٌ واحدٌ مردودٌ على الإبنة والأب على قدر سهامهما، ولا يُردّ على الزّوج شيء... الحديث»(1).

وأمّا في الفرض الثاني: وهو كون التركة ناقصة عن الفروض: فلا خلاف بينهم في أنّه ي (دخل النقص على البنت أو البنات) ويأخذ أحد الزوجين والأبوين أو أحدهما النصيب الأدنى والباقي للبنت أو البنات.3.

ص: 43


1- وسائل الشيعة: ج 26/133 ح 32659، الكافي: ج 7 ح 3، التهذيب: ج 9/288 ح 1043.

ويشهد له:

1 - الإجماع.

2 - بطلان العول، كما سيأتي إنْ شاء اللّه تعالى .

3 - الأخبار المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السُّدس أبداً، والزّوج والزّوجة من الرُّبع والثمن كذلك:

منها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ :

«وأنّ الزّوج لا ينقصُ من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد، ولا تنقص والزّوجة من الرُّبع شيئاً إذا لم يكن ولد، فإذا كان معهما ولدٌ، فللزوج الرُّبع وللمرأة الثمن»(1).

ومنها: خبر العبدي، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثٍ ، أنّه قال:

«ولا يزاد الزّوج على النصف، ولا ينقصُ من الرُّبع، ولا تزاد المرأة على الرُّبع، ولا تنقص من الثمن، الحديث»(2).

ومنها: صحيح زرارة: «إذا أردت أن تلقي العول فإنّما يدخلُ النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب، وأمّا الزّوج والإخوة من الأُمّ فإنّهم لا ينقصون ممّا سُمّي لهم شيئاً»(3).

ومنها: صحيح زرارة، قال: «أراني أبو عبد اللّه عليه السلام صحيفة الفرائض؛ فإذا فيها:

لا ينقص الأبوان من السُّدسين شيئاً»(4).7.

ص: 44


1- وسائل الشيعة: ج 26/91 ح 32554، التهذيب: ج 9/251 ح 969.
2- وسائل الشيعة: ج 26/196 باب 2 من أبواب ميراث الأزواج ح 32808، من لا يحضره الفقيه: ج 4/257 ح 5603.
3- وسائل الشيعة: ج 26/76 ح 32535، التهذيب: ج 9/250 ح 965.
4- وسائل الشيعة: ج 26/81 ح 32525، التهذيب: ج 9/273 ح 987.

ومنها: خبر سالم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ اللّه أدخل الوالدين على جميع أهل المواريث، فلم ينقصهما من السُّدس، وأدخل الزّوج والمرأة، فلم ينقصهما من الرُّبع والثُّمن»(1).

إلى غيرها من النصوص.

4 - وجملةٌ من الأخبار:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في امرأةٍ ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها؟

قال عليه السلام: للزّوج الرُّبع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، وللأبوين لكلّ واحدٍ منهما السُّدس، سهمين من اثني عشر، وبقي سهماً خمسة أسهم، فهي للإبنة، لأنّه لو كان ذكراً لم يكن له أكثر من خمسة أسهم من اثني عشر سهماً، لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحدٍ منهما من السُّدس شيئاً، وأنّ الزّوج لا ينقص من الرُّبع شيئاً»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عن محمّد بن مسلم وبكير، عنه عليه السلام:

«في زوجٍ وأبوين وابنة: للزّوج الرُّبع ثلاثة أسهم من اثنى عشر سهماً، وللأبوين السُّدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً، وبقي خمسة فهو للإبنة...

إلى أن قال: وإنْ كانت اثنتين، فلهما خمسة من اثني عشر، لأنّهما لوكانا ذكرين لم يكن لهما غير ما بقي خمسة من اثني عشر سهماً، الحديث»(3).

ونحوهما غيرهما.1.

ص: 45


1- وسائل الشيعة: ج 26/77 ح 32526، التهذيب: ج 9/250 ح 966.
2- وسائل الشيعة: ج 26/132 ح 32658، التهذيب: ج 9/288 ح 1042.
3- وسائل الشيعة: ج 26/131 ح 32657. الفروع: ج 7/97، التهذيب: ج 9/288 ح 1041.

وأمّا الثاني: وهو ما إذا كان في الأولاد ذكرٌ منفرداً، أو مع أُنثى ، فلكلٍّ من الأبوين وأحد الزوجين النصيبُ الأدنى بالإجماع والآية والنصوص، والباقي للأولاد إجماعاً، والنصوص شاهدة به:

منها: ما رواه العيّاشي في تفسيره، عن بكيرٍ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لو أنّ امرأة تركت زوجها وأبويها وأولاداً ذكوراً وإناثاً، كان للزّوج الرُّبع في كتاب اللّه، وللأبوين السُّدسان، وما بقي للذَّكَر مِثلُ حَظّ الأنثَيَين»(1).

ومنها: صحيح محمّد وبكير الآتي.

***0.

ص: 46


1- وسائل الشيعة: ج 26/134 ح 32660.

لا يرثُ الجَدّ والجَدّة مع أحد الأبوين شيئاً

المبحثُ الرابع: فيما إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة مع أحد الأبوين أو الأولاد، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1) أنّه لا يرثُ الجَدّ ولا الجَدّة لأبٍ كان أم لأُمّ مع أحد الأبوين شيئاً، بل عن ظاهر «المبسوط»(2)، و «الغنية»(3)، و «المفاتيح»(4)، و «الكفاية»(5)، وصريح «الانتصار»(6)، و «الخلاف»(7)وغيرهما(8): دعوى الإجماع عليه.

وعن الصَّدوق رحمه الله: تشريك الجَدّ من الأب معه، والجَدّ من الأُمّ معها(9).

وقيل: إنّ ظاهر كلامه وإنْ كان ذلك، إلّاأنّه صرّح بخلافه بعد ذلك، فلا يكون مخالفاً في المسألة.

وعن الإسكافي: تشريك الجَدّين والجَدّتين مع الأبوين والبنت الواحدة، وأنّ

ص: 47


1- كشف اللّثام: ج 9/414، جواهر الكلام: ج 39/139.
2- المبسوط: ج 4/79.
3- غنية النزوع: ص 325.
4- مفاتيح الشرائع: ج 3/302.
5- كفاية الأحكام: ص 299.
6- الانتصار، الشريف المرتضى: ص 578: (وممّا انفردت به الإماميّة أنّه لا يرث مع الوالدين ولا مع أحدهما أحد سوى الولد والزّوج والزّوجة).
7- حكاه عنه في الجواهر: ج 39/139.
8- مسالك الأفهام: ج 13/137.
9- من لا يحضره الفقيه: ج 4/280 كتاب افرائض و المواريث، باب ميراث الاجداد و الجدّات.

الفاضل عن سهام الأبوين والبنت لهم(1).

أقول: ويشهد للمشهور طوائف من النصوص:

منها: دلّ (2) على أنّ الأقرب يمنعُ الأبعد، فإن الأقرب إلى الميّت الأب، فإنّ الجَدّ يتقرّب به بواسطته، وبه يظهر دلالة(3) آية اُولي الأرحام عليه.

ومنها: ما دلّ (4) على فريضة الأبوين مع الولد وعدمه، المتضمّنة أنّه يقسّم التركة بينهما وبينه على الأوّل، وبينهما على الثاني، من دون إشارةٍ إلى الجَدّ والجَدّة.

ودعوى: أنّ تلكم النصوص تشمل الجَدّ والجَدّة لصدق الأب والأُمّ عليهما، تندفع بالإجماع.

ومنها: ما دلّ من النصوص(5) المتواترة على أنّ اللّه لم يُسمَّ للجَدّ شيئاً، لكن جعل له رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأجاز اللّه له ذلك.

ومنها: النصوص الدّالة على أنّه لا يرثُ مع الأُمّ أو الأب أو الولد أحدٌ إلّا الزّوج والزّوجة، وقد تقدّمت تلك النصوص في المبحث الأوّل والثاني(6).

ومنها: النصوص الخاصّة:

1 - موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ مات وترك أباه وعمّه وجَدّه ؟ فقال عليه السلام: حَجَب الأبُ الجَدّ عن الميراث، وليس للعمّ ولا للجَدّ شيء»(7).2.

ص: 48


1- حكاه عنه في التنقيح: ج 4/170..
2- وسائل الشيعة: ج 26/65 ح 32498.
3- سورة الأنفال: الآية 75.
4- وسائل الشيعة: ج 26 باب 9 و 17 من أبواب ميراث الأبوين مع الأولاد.
5- وسائل الشيعة: ج 26 باب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
6- راجع صفحة 16 و 27 من هذا المجلّد.
7- وسائل الشيعة: ج 26/135 ح 32663، التهذيب: ج 9/310 ح 1112.

2 - خبر الحسن بن صالح، عنه عليه السلام: «عن امرأةٍ مملّكة لم يدخل بها زوجها ماتت، وتركت أُمّها وأخوين لها من أُمّها وأبيها، وجَدّها أبا أُمّها وزوجها؟

قال عليه السلام: يُعطى الزّوج النصف، وتُعطى الأُمّ الباقي، ولا يُعطى الجَدّ شيئاً، لأنّ بنته حَجَبته، ولا يُعطى الإخوة شيئاً»(1).

3 - صحيح الحميري، قال: «كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام:

امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وجَدّها أو جَدّتها، كيف يقسّم ميراثها؟

فوقّع عليه السلام: للزّوج النصف، وما بقي للأبوين»(2).

ومنها: ما دلّ على كون الأجداد كالإخوة(3) الآتي، المعلوم تأخّر مرتبتها عن الأبوين.

ومنها: النصوص الظاهرة أو الصريحة في استحباب الإطعام الآتية.

أقول: وبإزاء جميع ذلك، نصوصٌ تدلّ على أنّه يرثُ :

1 - موثّق الفضيل بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك أُمّه وزوجته واُخته وجَدّه ؟

قال عليه السلام: للأُمّ الثُّلث، وللمراة الرُّبع، ومابقي بين الجَدّ والأُخت للجَدّ سهمان، وللاُخت سهم»(4).

2 - وخبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ مات وترك أُمّه3.

ص: 49


1- وسائل الشيعة: ج 26/134 ح 32662، تهذيب الأحكام: ج 9/286 ح 1037.
2- وسائل الشيعة: ج 26/135 ح 32664، تهذيب الأحكام: ج 9/310 ح 1113.
3- وسائل الشيعة: ج 26 باب 6 من أبواب الأخوة والأجداد.
4- وسائل الشيعة: ج 26/149 ح 32694، تهذيب الأحكام: ج 9/315 ح 1133.

وزوجته وأُختين له وجَدّه ؟

قال عليه السلام: للأُمّ السُّدس، وللمرأة الرُّبع، ومابقي نصفه للجَدّ ونصفه للأُختين»(1).

ونحوهما غيرهما.

لكنّه لعدم عمل أحد من الأصحاب بها، حتّى المخالفين في المسألة، ومعارضتها مع ما تقدّم، لابدّ من طرحها، أو حملها على التقيّة.

وأمّا أخبار الطُعمة، فسيجيء الكلام فيها، واشتراكهما مع الأبوين في التسمية قد مرّ ما فيه، وعليه فليس للقولين الآخرين ما يمكن أن يُستدلّ به لهما.

المسألة الثانية: لا يرثُ الجَدّ أو الجَدّة مع الأولاد مطلقاً، بلا خلافٍ إلّاعن الإسكافي(2)، والنصوص المتقدّمة شاهدة به.

المسألة الثالثة: لا يرثُ الجَدّ ولاالجَدّة مع أولاد الأولاد وإن نزلوا.

وعن السيّد في «الناصريّات»: الإجماع عليه(3).

وعن الصَّدوق: تشريك الجَدّ مع ولد الولد(4).

أقول: يشهد للمشهور:

1 - النصوص الآتية، المتضمّنة أنّ أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد(5)، ومقتضي إطلاقها قيامهم مقامهم في جميع الأحكام، بل ربما يقال إنّ المراد من قيام ولد الولد مقام الولد، ليس في مطلق التوريث، وإلّا لم يكن فائدة في التخصيص، بلد.

ص: 50


1- وسائل الشيعة: ج 26/149 ح 32695، تهذيب الأحكام: ج 9/315 ح 1134.
2- حكاه عنه في المختلف: 751.
3- الناصريّات: 221.
4- التهذيب: ج 9/315 ح 1128.
5- وسائل الشيعة: ج 26 باب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

إمّا في جميع الأحكام، أو الحَجب، أو قَدر الميراث وبكلٍّ يثبت المطلوب.

2 - وصحيح زرارة المتقدّم، وفي ذيله: «إنْ لم يكن له ولدٌ، وكان ولد الولد ذكوراً أو إناثاً فإنّهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة البنين، يرثون ميراث البنين، وولد البنات يرثون ميراث البنات، ويحجِبُون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر، وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرثُ ولد الصُّلب ويحجبون ما يَحجِبُ ولد الصُّلب»(1).

واستدلّ لما ذهب إليه الصَّدوق:

1 - بتساوي الجَدّ وأولاد الأولاد في القُرب.

2 - وبصحيح سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى عليه السلام، قال:

«سألته عن بناتِ بنتٍ وجَدّ؟ فقال عليه السلام: للجَدّ السُّدس، والباقي لبنات البنت»(2).

ولكن يرد على الوجه الأوّل: أنّ الدليل دلّ على أولويّة القريب عن البعيد بالإرث، لا على تساوي المتساويين، مع أنّه لو كان دليلٌ على ذلك أيضاً لزم تخصيصه بما مرّ من الأدلّة الدّالة على أنّ الجَدّ لا يرث مع أولاد الأولاد.

وأمّا الصحيح: - فمضافاً إلى أخصيّته عن مدّعاه، واحتمال إرادة الطُعمة المستحبّة منه، وما قيل من عدم ظهوره في ذلك، لاحتمال أن يكون المراد بالجَدّ جَدّ البنات، وهو أبو الميّت - أنّه لو اُغمض عن جميع ذلك، فحيث أنّه معارضٌ مع ما تقدّم، والأصحاب لم يعملوا بهذا الخبر، فيتعيّن طرحه للإعراض، أو لأنّ ما تقدّم مشهورٌ بين الأصحاب، والشهرة أوّل المرجّحات.

وعليه، فالأظهر أنّه لا يرثُ مع أولاد الأولاد أيضاً.8.

ص: 51


1- وسائل الشيعة: ج 26/132 ح 32659، التهذيب: ج 9/288 ح 1043.
2- وسائل الشيعة: ج 26/141 ح 32681، التهذيب: ج 9/314 ح 1128.

استحباب إطعام الجَدّ والجَدّة

المسألة الرابعة: المشهور(1) بين الأصحاب شهرة عظيمة أنّ الجَدّ والجَدّة وإنْ كانا لا يرثان مع الأبوين أو أحدهما، ولا مع الأولاد وإن نزلوا، لكن يستحبّ إطعامهما، والأصل في ذلك جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح جميل، عن مولانا الصادق عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّة أُمّ الأُمّ السُّدس وابنتها حَيّة»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّة السُّدس»(3).

ومنها: موثّق زرارة، عن مولانا الباقر عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّة السُّدس ولم يفرض لها شيئاً»(4).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«إنّ اللّه تعالى فرض الفرائض، فلم يقسم للجَدّ شيئاً، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعمه السُّدس، فأجاز اللّه له ذلك»(5).

ومنها: صحيح عبد الرحمن، بن أبي عبد اللّه، قال: «دخلتُ على أبي عبداللّه عليه السلام وعنده أبان بن تغلب، فقلتُ : أصلحك اللّه، إنّ ابنتي هلكتْ وأُمّي حَيّة ؟

فقال أبان: ليس لاُمّك شيء.

ص: 52


1- كشف اللّثام: ج 9/414.
2- وسائل الشيعة: ج 26/136 ح 32667، التهذيب: ج 9/311 ح 1118.
3- وسائل الشيعة: ج 26/137 ح 32668، التهذيب: ج 9/311 ح 1115.
4- وسائل الشيعة: ج 26/137 ح 32669، التهذيب: ج 9/311 ح 1116.
5- وسائل الشيعة: ج 26/137 ح 32671، الكافي: ج 1/267 ح 6.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: سبحان اللّه! أعطها السُّدس»(1).

ومنها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّة أُمّ الأب السُّدس، وابنها حَيّ ، وأطعم الجَدّة أُمّ الأُمّ السُّدس وابنتها حَيّة»(2).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام: في أبوين وجَدّة لأُمّ؟

قال عليه السلام: للأُمّ السُّدس، وللجَدّة السُّدس، وما بقي وهو الثُّلثان للأب»(3).

إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: وتمام الكلام في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: أنّه هل يكون هذا الحكم على وجه اللّزوم أو الاستحباب ؟

الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في كونه على وجه الاستحباب لا اللّزوم، لا لما في جملةٍ من الكتب من أنّ المأمور به هو الإطعام، والطُعمة في اللّغة بمعنى الهبة، وهي غير الإرث بلا شبهة، فيكون مستحبّاً.

فإنّه يردّه أوّلاً: عدم ثبوت كون الطُعمة بمعنى الهبة.

وثانياً: أنّ كونها هبة غير مستلزمٍ لعدم الوجوب، فمن الممكن أنْ تكون هذه الهبة واجبة.

ولا لما قيل من إنّ فعل النبيّ صلى الله عليه و آله لم يُعلم أنّه على وجه الوجوب أو الاستحباب، والذي يجبُ علينا فيه التأسّي هو ما عُلم كونه على سبيل الوجوب، وهذا غيرُ ثابتٍ في المقام.9.

ص: 53


1- وسائل الشيعة: ج 26/138 ح 32672، التهذيب: ج 9/310 ح 1114.
2- وسائل الشيعة: ج 26/139 ح 32675، التهذيب: ج 9/311 ح 1118.
3- وسائل الشيعة: ج 26/140 ح 32676، التهذيب: ج 9/312 ح 1119.

فإنّه يردّه: أنّ النصوص المتضمّنة لإطعام النبيّ صلى الله عليه و آله وإنْ كان لا يستفاد منها الوجوب، لكن بقيّة النصوص كصحيح عبد الرحمن وخبر إسحاق وغيرهما يُستفاد منها الوجوب، وتكون قرينة على كون فعله صلى الله عليه و آله على وجه الوجوب.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ تلك النصوص غير متضمّنة لكون السُّدس على وجه الطُعمة، بل ظاهرها كونه على وجه الإرث.

وعليه، فلمخالفتها لفتوى الأصحاب، ومعارضتها مع ما تقدّم، يتعيّن طرحها، فأخبار الطُعمة تنحصر فيما تضمّن إطعام النبيّ صلى الله عليه و آله، وهو أعمٌّ من الوجوب.

فإن قيل: إنّ تلك الأخبار ظاهرة في الوجوب، إذ من الضروري أنّه لا يستحبّ لأحدٍ إعطاء مال الغير بدون رضاه.

قلنا: إنّ المستفاد منها أنّ الإطعام مستحبٌّ مالي، وليس في شيء منها أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّ أو الجَدّة بدون رضا الأبوين، فإنّ مفاد تلك النصوص أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جَعل هذا الحكم واللّه سبحانه أجازه، ومعنى أطعم أي جعل له الطُعمة.

أقول: وكيف كان، فيمكن أنْ يستشهد للاستحباب - مضافاً إلى ذلك، وإلى الإجماع - بما دلّ من النصوص المتقدّم بعضها الدّالة على عدم شيء للأجداد مع الأبوين والزّوج، أو أحدهما، أو مع الولد، وأنّ المال يقسّم بينهم، فإنّها صريحة في عدم لزوم إعطاء شيء للجَدّ والجَدّة، فتكون قرينة لحمل هذه النصوص على الاستحباب.

ويمكن أن يستدلّ له: بموثّق زرارة المتقدّم: «أطعم الجَدّة السُّدس، ولم يفرض لها شيئاً» إذ الضمير في: «لم يفرض» يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله لا إلى اللّه تعالى ، وحيثُ

ص: 54

أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جَعل لها السُّدس، فيُعلم أنّ المراد بقوله: «لم يفرض» أنّه لم يُوجِب لها شيئاً.

وعليه، فلا ينبغي التوقّف في الحكم بالاستحباب وعدم الوجوب.

الجهة الثانية: المشهور بين الأصحاب(1) أنّه لا يختصّ الإطعام بالجَدّ والجَدّة للأب، ويشهد له - مضافاً إلى إطلاق جملةٍ من النصوص المتقدّمة -:

1 - خصوص صحيح جميل الثالث، وفيه:

«وأطعم الجَدّة أُمّ الأُمّ السُّدس، وابنتها حَيّة».

2 - وخبر إسحاق.

وعليه، فماعن الحلبيّين(2)، والمحقّق الطوسى(3) من الاختصاص غير ظاهرالوجه.

الجهة الثالثة: نُسب إلى السيّد ابن زُهرة اختصاص الإطعام بالجَدّة، وعدم ثبوت استحباب إطعام الجَدّ، واستدلّ له باختصاص النصوص المعتبرة بإطعام الجَدّة، وليس على استحباب إطعام الجَدّ دليل.

ورُدَّ تارةً : بالأولويّة.

وأُخرى : بصحيح سعيدالمتقدّم، المتضمّن ثبوت السُّدس على الجَدّمع وجود الأولاد.

ولكن الأولويّة ليست قطعيّة، لعدم العلم بالمناط، والصحيح وما شابهه من النصوص - على فرض الإغماض عن سائر ما أُورد عليها - تدلّ على ثبوت الإرث له، وقد عرفت أنّه يتعيّن طرحها حينئذٍ.7.

ص: 55


1- كما في الجواهر: ج 39/143، وكشف اللّثام: ج 9/415.
2- غنية النزوع: ص 325 (الفصل الثامن)، الكافي في الفقه: ص 378 الباب الخامس: كيفيّة سهام الوارث.
3- الجواهر: ج 39/147.

وحملها على إرادة الطُعمة، يحتاجُ إلى دليلٍ .

أقول: فالحقّ أنْ يورد على السيّد رحمه الله بأنّ بعض النصوص متضمّنٌ لإطعام الجَدّ كخبر إسحاق عن الإمام الباقر عليه السلام المتقدّم، وخبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ :

«أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّ فأجاز اللّه ذلك له»(1).

ونحوهما خبرا القاسم بن الوليد والقاسم، بن محمّد(2)، ولا يضرّ ضعف إسنادها بعد عمل الأصحاب بها.

الجهة الرابعة: هل يختصّ استحباب الطُعمة بصورة عدم الولد، أم تستحبّ حتّى مع وجود الولد؟

فعن «المفاتيح»: أنّ ظاهر الأصحاب هو الأوّل(3).

قد استدلّ للاختصاص: بأنّ نصوص الإطعام من جهة كونها متضمّنة لفعل النبيّ صلى الله عليه و آله في واقعةٍ أو وقائع خاصّة، فلا إطلاق لها، فيتعيّن الأخذ بالمتيقّن، وهو إنّما يكون مع عدم الولد.

وفيه أوّلاً: أنّ معنى (أطعم النبيّ صلى الله عليه و آله) هو أنّه صلى الله عليه و آله جعل الطُعمة لا أنّه أعطاها خارجاً كي يقال إنّه قضيّة في واقعة، فلا ريب في إطلاق النصوص.

وممّا يشهد بأنّ المراد من إطعامه صلى الله عليه و آله ذلك - مضافاً إلى ظهوره - ما تضمّن أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّ السُّدس، فأجازه اللّه تعالى .3.

ص: 56


1- وسائل الشيعة: ج 26/142 ح 32683، بحار الأنوار: ج 25/340 ح 23.
2- وسائل الشيعة: ج 26/140 ح 32679 و 142 ح 32682، بحارالأنوار: ج 17/7 ح 10.
3- كتاب المفاتيح للكاشاني: ج 3/303.

ومن الواضح أنّه قبل إمضاء اللّه تعالى، لم يكن النبيّ صلى الله عليه و آله يعطي للجَدّ السُّدس من مال الغير قطعاً.

وأيضاً يشهدُ به: التصريح في خبر القاسم بن الوليد، عن الإمام الصادق عليه السلام بأنّه: «جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله للجَدّ سهماً، فأجاز اللّه ذلك له»(1).

ونحوه مرسل ابن عذافر(2).

وثانياً: إنّ صحيح البصري متضمّنٌ لأمر الصادق عليه السلام بإعطاء الجَدّ السُّدس، وهو من جهة ترك الاستفصال يدلّ على العموم.

وعليه، فالأولى أن يُستدلّ للاختصاص بمرسل الكليني، قال:

«أخبرني بعض أصحابنا: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أطعم الجَدّ السُّدس مع الأب، ولم يُطعمه مع الولد»(3).

المنجبر ضعفه بالعمل.

وعليه، فالأظهر اختصاص الاستحباب بصورة عدم الولد.

وبذلك يظهر اختصاصه بصورة وجود الأبوين أو أحدهما، إذ مع عدمهما معاً، والفرض عدم الولد لا مورد للطُعمة، بل الجَدّ أو الجَدّة حينئذٍ من الوارث، وقيل هذا مراد القوم من قولهم: (إنّ المُطعم هو أحد الأبوين).

الجهة الخامسة: المشهور بين الأصحاب أنّ كلّاً من الجدودة يُطعَم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين، ولا يكفي وجود من يتقرّب بالآخر، فمع الأب يُطعم أبوه6.

ص: 57


1- وسائل الشيعة: ج 26/140 ح 32679، تهذيب الأحكام: ج 9/397 ح 1417.
2- وسائل الشيعة: ج 26/142 ح 32684.
3- وسائل الشيعة: ج 26/139 ح 32674، الكافي: ج 7/114 ح 16.

وأُمّه، ومع الأُمّ يُطعَم أُمّها وأبوها.

وعن «الكفاية»(1)، و «المفاتيح»(2): التردّد في ذلك.

ولكن جملة من النصوص مطلقة، كما مرّ جملةٌ منها، وإنْ كانت مختصّة بصورة وجود من يتقرّب به كصحيح البصري، والصحيح الثالث لجميل، وغيرهما، إلّا أنّه لا مفهوم لشيء منها كي يوجبُ تقييد تلكم النصوص المطلقة.

ودعوى: أنّها مجملة لكونها قضايا في وقائع، قد عرفت ما فيها.

وعليه، فترديد العَلَمين في محلّه، إلّاأنّ الظاهر من «التنقيح»(3) الإجماع في المسألة فإنّه قال: (يدلّ على استحباب الطُعمة قوله تعالى: (وَ إِذا حَضَرَ اَلْقِسْمَةَ أُولُوا اَلْقُرْبى وَ اَلْيَتامى وَ اَلْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ) )(4)، وهذا وإنْ كان عامّاً في طرفي المُطعِم والمُطعَم، لكن إجماع الأصحاب والروايات خصوها بالمسألة المذكورة) وأشار بها إلى هذه المسألة.

الجهة السادسة: قد صرّح الأصحاب(5) بأنّه يُشترط في استحباب إطعام كلٍّ من الأبوين زيادة نصيبه عن السُّدس، فلو لم يكن نصيبُ أحدهما إلّاالسُّدس كالأب في أبوين وزوج بدون الإخوة الحاجبة، والأُمّ في أبوين وزوج مع الإخوة الحاجبة، لم يستحبّ له الإطعام، واستدلّوا له:

بالتبادر، والاعتبار، والأصل بعد إجمال النصوص.3.

ص: 58


1- كفاية الأحكام: ج 2/840.
2- المفاتيح للكاشاني: ج 3/303-304.
3- التنقيح: ج 4/172.
4- سورة النساء: الآية 8.
5- حكاه في مستند الشيعة: ج 19/253.

وكلٍّ كما ترى ، فالعُمدة فيه الإجماع، وعليه فما عن ظاهر «المفاتيح»(1)و «الكفاية»(2) من التردّد في محلّه.

أقول: ثمّ إنّه على القول باعتبار ذلك، هل يكفي مُسمّى الزيادة عن السُّدس كما عن «القواعد»(3)، و «الشرائع»(4)، و «المسالك»(5)؟

أم يشترط كونها بقدر السُّدس كما اختاره المحقّق في «النافع»(6)، والشهيد في «اللّمعة»(7) و «الدروس» على ما حُكي(8) وعن «الروضة» أنّه الأشهر(9)؟

ولكن الظاهر لغويّة هذا النزاع على المختار المشهور، وهو اختصاص الاستحباب بصورة عدم الولد، إذ لا يتصوّر حينئذٍ صورةً يزيد نصيب الأب أو الأُمّ بمقدارٍ أقلّ من السُّدس كما لا يخفى .

الجهة السابعة: هل يختصّ الحكم بصورة وحدة الجَدّ أو الجَدّة، أم يعمّ صورة وجودهما أيضاً؟

وجهان، النصوص مختصّة بصورة الوحدة، فمع التعدّد مقتضى الأصل عدم الاستحباب، لكن عدم القائل بالفرق بين الصورتين كافٍ في ثبوته فيها.2.

ص: 59


1- المفاتيح للكاشاني ج 3:302.
2- كفاية الأحكام: ج 2/840.
3- القواعد: ج 3/361.
4- الشرائع 4:818.
5- المسالك: ج 13/137.
6- المختصر النافع: 268.
7- اللّمعة الدمشقيّة: 226.
8- الدروس: ج 2/367.
9- الروضة البهيّة: ج 8/122.

وعليه، فمع التعدّد هل يكون السُّدس بينهما بالسَّويّة، أو يتخيّر المُطعِم بإعطائه بأيّهما شاء، أم يستحبّ لكلّ منهما السُّدس ؟ وجوه.

اتّفقوا على عدم الثالث، واستدلّوا لترجيح الوجه الأوّل بعدم مرجّح لأحدهما، وبالقياس على التوريث.

ولكن الأوّل يندفع: بأنّ عدم الترجيح بلا مرجّحٍ كما يكون بالحكم بالتقسيم بينهما بالسَّويّة، كذلك يكون بالحكم بالتخيّير.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المستفاد من مجموع الأدلّة، بعد ضمّ بعضها ببعض، أنّ هذا المقدار من المال مجعولٌ لهما إمّا بنحو الاشتراك أو التخيير، وحيثُ أنّ شيئاً منهما لم يدلّ عليه دليل، فمقتضى قاعدة العدل والإنصاف المصطادة من الأدلّة الواردة في الموارد الخاصّة، هو تقسيم المال بينهما بالسَّويّة.

الجهة الثامنة: الظاهر أنّ المشهور بين الأصحاب أنّه إذا كان لكلٍّ من الأبوين جَدّاً وجَدّة، يستحبّ لكلّ منهما طُعمة من يتقرّب به، ويكون لكلٍّ منهما السُّدس، لا كالصورة السابقة بأن يُقسّم سدس واحدٍ بينهما. ولكن مرسل إسماعيل بن أبي منصور، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا اجتمع أربع جَدّات: ثنتين من قِبل الأب، وثنتين من قِبل الأُمّ ، طُرحت واحدة من قِبل الأُمّ بالقرعة، وكان السُّدس بين الثلاثة، وكذلك إذا اجتمع أربع أجداد سقط واحدٌ من قِبل الأُمّ بالقرعة، وكان السُّدس بين الثلاثة»(1).

يشهدُ بخلافه، كما أنّه يصلحُ شاهداً للتقسيم في الصورة السابقة.1.

ص: 60


1- وسائل الشيعة: ج 26/138 ح 32673، تهذيب الأحكام: ج 9/312 ح 1121.

ولكن ذكر الشيخ رحمه الله: أنّه غيرُ معمولٍ به، ويظهر منه حمله على التقيّة(1).

ولعلّ نظره الشريف رحمه الله إلى أنّه يدلّ على ثبوت السُّدس في فرض أنّ الأجداد يرثون، مع أنّه يمكن حمله على إرادة الطُعمة مع الأبوين، كما ذكره في «الوسائل»، فهذا هو المتعيّن، فتأمّل.

الجهة التاسعة: المشهور بين الأصحاب أنّ مقدار الطُعمة سُدس الأصل، وهو الظاهر من النصوص، وصريح خبر إسحاق المتقدّم.

وعن المصنّف رحمه الله(2): أنّه أقلّ الأمرين من السُّدس، وزيادة نصيب المطعم من السُّدس.

وهو مضافاً إلى عدم الدليل عليه، منافٍ لجميع ما تقدّم من أنّ استحباب ذلك مختصٌّ بصورة عدم وجود الولد، وفي تلك الصورة لا يتصوّر الزيادة، مع كونها أقلّ من السُّدس، كما مرّ، فيرجع ذلك إلى ما هو المشهور.

وعن الإسكافي(3): أنّه سدسُ نصيب المُطْعِم لاحتمال السُّدس لكلّ منهما، والأصل عدم استحباب الزائد عن سُدس النصيب بعد كونه الثابت قطعاً، والأخبار تردّه.

***0.

ص: 61


1- راجع التهذيب: ج 9/312 ذيل الحديث 1122، والاستبصار: ج 7/166 ذيل الحديث 628.
2- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: ج 8/131.
3- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 19/250.

مسائل: الأُولى:

في الحَجب وبيان المراد منه

أقول: البحث في المقام عن الاُمور التي تحجب وتمنع عن الإرث، وهو من خلال (مسائل):

المسألة (الأُولى ): في الحَجب:

وهو لغةً المنع، والمراد منه في المقام منع مَنْ له سببُ الإرث عنه بالكليّة أو من بعضه، والأوّل يُسمّى : حجب حرمان، والثاني: حَجب نقصان.

توضيح ذلك: قد مرّ أنّ الورثة إمّا نسبيّات، أو سببيّات، ولكلّ منهما مراتب وطبقات، ولكلّ منها أصناف ودرجات، وعرفت وستعرف أنّ جميع الطبقات والدرجات لا تجتمعون في الإرث، بل يمنع بعضهم بعضاً من الإرث بالكليّة، وذلك يُسمّى حجب حرمان.

ثمّ إنّ اللّذين يجتمعون في الإرث قد يصير الاجتماع مع بعضٍ موجباً لنقص ما يرثه الآخر عند عدمه، فيمنعه عن الزائد، ويُسمّى ذلك بحجب نقصان.

أمّا القسم الأوّل: فتفصيله في ضمن المسائل المتقدّمة والآتية، وقد عرفت طائفة من الذين يحجبون من بعدهم من المراتب والطبقات، وستعرف طوائف أُخرى منهم.

وأمّا القسم الثاني: فله مصاديق يظهر من المسائل المتقدّمة والآتية: كحجب الزّوج للأولاد عمّا زاد عن ثلاثة أرباع، وحَجب الأب للأولاد عمّا زاد عن خمسة أسداس، وحَجب الأُمّ عمّا زاد عن الثُّلثين.

ص: 62

إذا خَلّف الميّتُ مع الأبوين أخاً واُختين، أو أربع أخوات، أو أخوين، حَجَبوا الأُمّ عمّا زاد عن السُّدس،

وقد تقدّمت جميع ذلك، إلّاأن الأصحاب خصّوا استعمال الحَجب في موردين، هما: حَجب الأولاد، وحَجب الإخوة.

أمّا القسم الأوّل: فهو على قسمين:

1 - حَجب الأبوين، فإنّ الولد وإنْ نَزل يحجبهما عمّا زاد عن السُّدسين، وأحدهما عمّا زاد عن السُّدس، إلّامع بنتٍ واحدة، الخالية عن الإخوة الحاجبة للأُمّ مطلقاً أو أكثر من الواحدة مع أحدهما، وقد مرّ الكلام في ذلك.

2 - وحجب الولد الزوجين، فإنّ نصيبهما مع عدم الولد النصف والرُّبع، ومع وجوده الرُّبع والُّثمن، وسيأتي تفصيل القول في ذلك في الأسباب.

وأمّا القسم الثاني: وهوحَجب الإخوة، فهذه المسألة سيقت لبيانه، فيقول المصنّف:

لا خلاف ولا كلام في أنّه (إذا خَلّف الميّت مع الأبوين أخاً واُختين، أو أربع أخوات، أو أخوين، حَجَبوا الأُمّ عمّا زاد عن السُّدس) من غير فرقٍ بين الفرض والرّد.

أمّا أصل حَجب الإخوة، فهو ثابتٌ بالكتاب(1) والسُّنة(2) المتواترة، والإجماع، ولكنّه مشروطٌ بشروط:

الشرط الأوّل: ما ذكره المصنّف رحمه الله في عبارته المتقدّمة، وحاصله اعتبار أن يكونوا رجلين فصاعداً، أو رجلٌ وإمراتين، أو أربع نساء، فلا حَجب إذا لم يكونوا1.

ص: 63


1- سورة النساء: الآية 11.
2- وسائل الشيعة: ج 26/119 ح 32622، تهذيب الأحكام: ج 9/283 ح 11.

كذلك، بلا خلافٍ أجده بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل السُّنة مستفيضةً أو متواترةً فيه، كما أنّه يتحقّق الحجب بذلك بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه أيضاً كما في «الجواهر»(1).

أقول: ويشهد للحكم إثباتاً ونفياً جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يحجبُ الأُمّ عن الثُّلث إذا لم يكن ولدٌ إلّاأخوان أو أربع أخوات»(2).

ومنها: خبر البقباق، عنه عليه السلام: «لا يحجبُ الأُمّ عن الثُّلث إلّاأخوان أو أربع أخوات لأبٍ وأُمّ أو لأب»(3).

ومنها: حسنه الآخر، عنه عليه السلام: «إذا ترك الميّت أخوين، فهم إخوة مع الميّت حَجَبا الأُمّ عن الثُّلث، وإنْ كان واحداً لم يحجب الأُمّ .

وقال: إذا كُنّ أربع أخوات حَجَبن الأُمّ عن الثُّلث، لأنّهنّ بمنزلة الأخوين، وإنْ كُنّ ثلاثاً لم يحجبن»(4).

ومنها: خبر أبي العبّاس، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا يحجبُ عن الثُّلث الأخ والأُخت حتّى يكونا أخوين، أو أخاً واُختين، فإنّ اللّه تعالى يقول:

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ ) (5) »(6).

ونحوها غيرها.5.

ص: 64


1- جواهر الكلام: ج 39/27.
2- وسائل الشيعة: ج 26/121 ح 32628، تهذيب الأحكام: ج 9/282 ح 1019.
3- وسائل الشيعة: ج 26/120 ح 32627، تهذيب الأحكام: ج 9/281 ح 1017.
4- وسائل الشيعة: ج 26/120 ح 32625، تهذيب الأحكام: ج 9/281 ح 1015.
5- سورة النساء: الآية 11.
6- وسائل الشيعة: ج 26/122 ح 32631، بحار الأنوار: ج 101/344 ح 15.

وبشرط أن يكونوا مسلمين

وهذه النصوص كما ترى شاهدة بالحكمين منطوقاً ومفهوماً.

أقول: ومع ذلك، فلا يُصغى إلى ما قيل:

من إنّ الظاهر الآية الكريمة اعتبار الثلاثة ذكوراً، لأنّه اجتهادٌ في مقابل النّص، فإنّ هذه النصوص كاشفة عن أنّ أقلّ الجمع إثنان.

أو أنّ المراد بها هنا ذلك مجازاً، كما أنّها شاهدة بإرادة ما يشمل الإناث من الإخوة مع احتساب اثنتين بواحد.

وأمّا خبر الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن أُمّ واُختين ؟ قال عليه السلام: للأُمّ الثُّلث لأنّ اللّه تعالى يقول: (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) ولم يقل فإنْ كان له أخوات»(1).

فلا ينافي ما تقدّم، لأنّ المراد به بعد الجمع بينه وبين غيره، أنّه في الفرض لا إخوة، ولا من نزل منزلتهم، وإنْ أبيتَ عن ذلك فيتعيّن حمله على التقيّة.

(و) الشرط الثاني: ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله: (بشرط أن يكونوا مسلمين) فلو كان الإخوة كَفَرة لا حَجب، ويشهد به: الإجماع، والنصوص:

منها: خبر الحسن بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المسلم يحجبُ الكافر ويرثه، والكافر لا يحجبُ المسلم ولا يرثه»(2).

ومنها: مرسل الصَّدوق، قال: «وقال عليه السلام: الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه»(3)،0.

ص: 65


1- وسائل الشيعة: ج 26/121 ح 32630، بحارالأنوار: ج 101/344 ح 16.
2- وسائل الشيعة: ج 26/124 ح 32639، من لا يحضره الفقيه: ج 4/334 ح 5719.
3- وسائل الشيعة: ج 26/125 ح 32640.

غير قاتلين

والكفّار لا يَحجبون ولا يَرثون.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال عليه السلام: لا»(1).

ونحوها غيرها.

ودعوى: أنّ المراد بالحَجب فيها حَجبُ الحرمان لا حَجب النقصان.

يدفعها: أنّه تقييد للإطلاق من غير قرينة.

فإن قيل: إنّ ذلك هو المنصرف إليه الإطلاق.

قلنا: إنّه تكرّر منّا عدم الاعتناء بمثل هذه الانصرافات البدويّة.

وإنْ أبيتَ عن ذلك، نقول: فحينئذٍ انصراف الإخوة الحاجبة إلى المسلمين أولى. فلا دليل على حَجب الإخوة الكَفَرة.

الشرط الثالث: أن يكونوا (غير قاتلين)، فلا يحجبُ الأخُ القاتل كما هو المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمة، بل عن «الخلاف»(2) إجماع الطائفة بل الأُمّة عليه.

وعن الصدوقين(3) والعُمّاني: عدم اعتبار ذلك، فالقاتلُ يحجب(4).

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»: نفي البأس عنه(5)، ونُسِب إلى ظاهر الشيخ في0.

ص: 66


1- وسائل الشيعة: ج 26/124 ح 32636، تهذيب الحكام: ج 9/284 ح 1027.
2- الخلاف: ج 4/33.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/234. (4و5) مختلف الشيعة: ج 9/70.

«النهاية»(1)، وسلّار(2)، و «المسالك»(3).

وعن «المفاتيح»(4): التردّد فيه، واستقربه في محكيّ «الكفاية»(5)، وقوّاه في «المستند»(6).

واستدلّ للمشهور:

1 - بأنّه لا عموم لأدلّة الحَجب كتاباً وسُنّةً ، والمتيقّن منها غير القاتل.

2 - وبالعلّة المقتضية، وهو وجود المانع من الإرث لو كان وارثاً.

3 - وبالإجماع المحكيّ عن «الخلاف»(7).

أقول: أمّا أدلّة الحجب فهي وإنْ لم يكن لها عمومٌ ، لا ريب في أنّها مطلقة، مع أنّ بعضها عامٌ ، لأنّ الجمع الُمحلّى بالألف واللّام من أداة العموم.

والعلّة المشار إليها مستنبطة ليست بمصرّحة، بل العلّة التي صرّحت بها في النصوص، وهي كون الأخ عيال الأب، تقتضي ثبوت الحَجب، فإنّ الأخ لا يخرج بالقتل عن عيال الأب، فتأمّل، لعدم كونه علّة يدور الحكم مدارها.

والإجماع لعدم ثبوته، وعدم كونه تعبديّاً، لا يُعتمد عليه.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار هذا الشرط.3.

ص: 67


1- النهاية: 674.
2- المراسم العلويّة: ص 237.
3- مسالك الأفهام: ج 13/36.
4- المفاتيح: ج 2/314..
5- كفاية الأحكام: ص 290.
6- مستند الشيعة: ج 19/50.
7- الخلاف: ج 4/33.

ولا ممّاليك، ومنفصلين غير حمل،

(و) الشرط الرابع: أن (لا) يكونوا (مماليك) للإجماع بقسميه وللنصوص منها ما تقدّم.

(و) الشرط الخامس: أن يكونوا (منفصلين غير حملٍ )، فلا يحجبُ الحمل ولو بكونه متمِّماً للعدد، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل في «المسالك»: (نعم في «الدروس»(1) نَسب عدم حَجب الحمل إلى قولٍ مشعراً بضعفه، وكثيرٌ منهم لم يتعرّضوا للخلاف)(2).

أقول: قد استدلّ لعدم الحجب بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ صدق الإخوة على الحمل غير معلوم، بل عن «الروضة» نفي الإطلاق(3)، فمع الشكّ في صدق الإخوة، لا يَصحّ التمسّك بإطلاق دليل الحَجب.

وفيه أوّلاً: إنّ الإخوة كالأب والابن والعَمّ وما شاكل، فكما أنّ تلك العناوين تصدق على الحمل، ولذا يُبنى على حَجب الحمل في غير المقام، كذلك الإخوة تُطلق على الحمل.

وثانياً: إنّ المخصّص إذا كان مجملاً غير مبيّن، فإن كان متّصلاً بالعام، يسري إجماله إليه، فكما لا يَصحّ التمسّك بإطلاق المخصّص في صورة الشكّ في صدق العنوان المأخوذ فيه، كذلك لا يَصحّ التمسّك بعموم العام في ذلك المورد، وفي المقام3.

ص: 68


1- الدروس الشرعيّة: ج 2/357.
2- مسالك الأفهام: ج 13/82.
3- الروضة البهيّة: ج 8/63.

الدليل الدّال على أنّ الأُمّ ترثُ الثُّلث قد خُصّص بما دلّ على أنّه مع وجود الإخوة ترث السُّدس، فكما لا يَصحّ التمسّك بإطلاق ما دلّ على حَجب الإخوة، لا يَصحّ التمسّك بعموم الصدر الدّال على أنّها ترث الثُّلث، لاتّصال المخصّص بالعام في الآية الكريمة، فالزيادة عن السُّدس غير معلومة، والأصل يقتضي عدمها.

الوجه الثاني: انتفاء العلّة وهي وجوب الإنفاق.

وفيه: إنّ وجوب الإنفاق المذكور في الأخبار، ليس من قبيل العلّة التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، وإلّا لما حَجَب الإخوة الأغنياء، وحَجَب أولاد الإخوة الفقراء، مع أنّ انتفائها غير معلوم، كيف وقد أفتى الشيخ رحمه الله بثبوت النفقة للحمل(1).

الوجه الثالث: الشكّ في وجود الإخوة لاحتمال كون الحَمل أُنثى .

وفيه أوّلاً: أنّه يمكن حصول اليقين بحصول العدد المعتبر كثيراً، كما إذا كان الموجود المنفصل ابناً وبنتاً، أو ثلاث بنات، أو كان هناك أربع نسوة حاملات، أو غير ذلك من الفروض.

وثانياً: بأنّه ينكشفُ بعد الانفصال.

الوجه الرابع: خبر العلاء بن فُضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ الطفل والوليد لايَحجُبك ولا يرثُ ، إلّامن آذن بالصّراخ، ولا شيء أكنّه البطن وإنْ تحرّك، إلّاما اختلف عليه اللّيل والنهار، الحديث»(2).

وأُورد عليه تارةً : بضعف السند.2.

ص: 69


1- المبسوط: ج 6/28.
2- وسائل الشيعة: ج 26/123 ح 32635، تهذيب الأحكام: ج 9/282 ح 1022.

وأُخرى : بأنّ القيد المتعقّب بالجُمل المتعاطفة، وإنْ كان راجعاً إلى الأخير، إلّاأنّ القرينة هنا على رجوع الاستثناء إلى الجملتين، وإلّا لزم عدم حَجب الصَّبي ما لم يبلغ حَدّ الكمال، ولم يقل به أحدٌ، وإذا رجع إليهما، لزم ثبوت الحَجب للحَمل بعد انفصاله حيّاً، بمعنى أنّ يُجعل الحَجب مُراعىً إلى أن يظهر الحَمل كما في إرثه.

أقول: ولكن يرد على ما ذُكر من ضعف السند إنّه لا يكون في سنده من يتوقّف فيه إلّامحمّد بن سنان، والظاهر أنّه في الخبر هو الزاهري الخزاعي، بقرينة من يروي عنه، وهو وإن ضعّفه جماعة إلّاأنّ الظاهر كونه ثقة صحيح الاعتقاد، مقبول الرواية(1)، أضف إلى ذلك استناد الأصحاب إليه، فالخبرُ لا إشكال فيه سنداً.ن.

ص: 70


1- راجع معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي: ج 17/160 رقم (10938) حيث اعتمده البعض في موارد، وضعّفه آخرون. قوله: (محمّد بن سنان أبو جعفر الزاهري: قال النجاشي: محمّد بن سنان أبو جعفر الزاهري: من ولد زاهر، مولى عمرو بن الحَمق الخزاعي، كان أبو عبد اللّه بن عيّاش يقول: حدّثنا أبو عيسى محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان، قال: هو محمّد بن الحسن بن سنان مولى زاهر، توفّي أبوه الحسن وهو طفل وكفله جَدّه سنان فنُسب إليه. ثمّ ذكر بعض وجوه الضعف، وقال: قال الشيخ (620): محمّد بن سنان: له كتاب، وقد طعن عليه وضعف، وكتبه مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها، وله كتاب النوادر، وجميع ما رواه إلّاما كان فيها من تخليط أو غلوّ. أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة، عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه، ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن سعد والحميري، ومحمّد بن يحيى، عن محمّد ابن الحسين، وأحمد بن محمّد، عنه. ورواها ابن بابويه، عن محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن محمّد بن أبي القاسم عمّه، عن محمّد بن عليّ الصيرفي، عنه. وعدّه في رجاله تارةً من أصحاب الكاظم عليه السلام (39)، قائلا: محمّد بن سنان، كوفي. وأُخرى من أصحاب الرّضا عليه السلام (7)، قائلا: محمّد بن سنان، ضعيف. وثالثة من أصحاب الجواد عليه السلام (3)، قائلا: محمّد بن سنان، من أصحاب الرّضا عليه السلام. وعدّه البرقي تارةً من أصحاب الكاظم عليه السلام، وأُخرى من أصحاب الرّضا عليه السلام، وثالثة من أصحاب الجواد عليه السلام. وقال الكشي (245): قال حمدويه: كتبت أحاديث محمّد بن سنان، عن أيّوب بن نوح، وقال: لا أستحلّ أن أروي أحاديث محمّد بن سنان.

ويكونوا من الأبوين أو من الأب

وأمّا من حيث الدلالة: فالإيراد المذكور غيرُ ظاهرٍ، فإنّه مع رجوع القيد إلى الجملتين، يكون مفاد الخبر عدم الحجب، وعدم الإرث ما لم يتولّد، وثبوت الإرث للحَمل مراعىً بأن يظهر الحمل إنّما هو بدليلٍ آخر لا بهذا الدليل.

وقول صاحب «الرياض»: (من أنّ القيد في الخبر لوروده مورد الغالب في تولّد الحمل ومجيئه، فلا عبرة بمفهومه، كما هو الحال في نظائره، فيكون المراد به الكناية عن اعتبار حياته دون صراخه الحقيقي)(1).

يندفع أوّلاً: بأنّ ورود القيد مورد الغالب لا يمنعُ عن ثبوت المفهوم في القيود التي لها مفاهيم كالشرط والاستثناء.

وثانياً: إنّ المعني الحقيقي للصراخ وإنْ لم يَرد قطعاً، ولكن الظاهر بقرينة ما بعده كونه كنايةً عن التولّد حَيّاً، لا عن خصوص الحياة.

وعليه، فدلالة الخبر على هذا القيد ظاهرة، فالأظهر ذلك، وبه يقيّد إطلاق أدلّة الحجب، ويخرج عن أصالة عدم الاشتراط.

(و) الشرط السادس: أن (يكونوا من الأبوين أو من الأب) فلا يحجبُ الإخوة للأُمّ خاصّة بلا خلافٍ .

وفي «المسالك»: (هذا الشرط عندنا موضع وفاقٍ )(2).1.

ص: 71


1- رياض المسائل: ج 14/322 (ط. ج).
2- مسالك الأفهام: ج 13/21.

ويكون الأبُ موجوداً،

وفي «الرياض»: (بل عليه الإجماع في عبائر جماعة)(1).

وفي «الجواهر» (إجماعاً بقسميه)(2).

ويشهد به: جملةٌ من النصوص، تقدّم بعضها:

ومنها: موثّق البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يحجبُ الأُمّ عن الثُّلث إلّا أخوان أو أربع أخوات لأبٍ وأُمّ أو لأب»(3).

ومنها: موثّق عبيد بن زرارة، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في الإخوة من الأُمّ : لا يحجبون الأُمّ عن الثُّلث»(4).

ومنها: خبر زرارة، عنه عليه السلام في حديثٍ : «ويحك يا زرارة اُولئك الإخوة من الأب، إذا كان الإخوة من الأُمّ لم يحجبُوا الأُمّ عن الثُّلث»(5).

ومنها: غير ذلك من النصوص الكثيرة المعمول بها.

(و) الشرط السابع: أن (يكون الأب موجوداً) فلا يحجبون مع موته على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تقدّم وتأخّر، إلّاالصَّدوق مع تأمّلٍ فيه، كذا في «الرياض»(6).3.

ص: 72


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/353.
2- جواهر الكلام: ج 39/89..
3- وسائل الشيعة: ج 26/120 ح 32627، تهذيب الأحكام: ج 9/281 ح 1017.
4- وسائل الشيعة: ج 26/116 ح 32617، تهذيب الأحكام: ج 9/281 ح 1018.
5- وسائل الشيعة: ج 26/117 ح 32618، تهذيب الأحكام: ج 9/280 ح 1014.
6- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/353.

وفي «المسالك»(1): (هو المشهور بين الأصحاب، ذكره الشيخ(2) والأتباع(3)، وجميع المتأخّرين)(4).

أقول: وكيف كان، فيشهد لاعتبار ذلك:

1 - خبر بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «الأُمّ لا تنقصُ عن الثُّلث أبداً إلّامع الولد والإخوة إذا كان الأب حَيّاً»(5).

وقد ضعّفه في «المسالك»(6) وتبعه غيره، مع أنّه إمّا حَسَنٌ أو صحيحٌ أو موثّق، ولا ضعف ولا جهالة ولا إهمال في أحدٍ من رواة الحديث، سيّما وفي الطريق صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الإجماع(7).

ص: 73


1- مسالك الأفهام: ج 13/79.
2- النهاية: 632، المبسوط: ج 4/76.
3- المراسم: 220، المهذّب: ج 2/128، الوسيلة: 387، غنية النزوع: 313، إصباح الشيعة: 365.
4- قواعد الأحكام: ج 2/168، الدروس الشرعيّة: ج 2/356.
5- وسائل الشيعة: ج 26/122 ح 32632، تهذيب الأحكام: ج 9/282 ح 1020.
6- مسالك الأفهام: ج 13/79.
7- معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي: ج 10/134:5932 قوله: (صفوان بن يحيى: قال النجاشي: صفوان بن يحيى أبو محمّد البجلي بياع السّابري، كوفي، ثقة ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وروى هو عن الرّضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة. ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى عليه السلام، وقد توكّل للرضا وأبي جعفر عليهما السلام، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً...، مات صفوان بن يحيى رحمه الله سنة عشرة ومائتين. وقال الشيخ (358): "صفوان بن يحيى مولى بجيلة، يكنّى أبا محمّد بيّاع السّابري، أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث وأعبدهم، وكان يصلّي كلّ يوم وليلة خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرّات...، وعدّه (تارةً ) في أصحاب الكاظم عليه السلام، قائلاً: صفوان بن يحيى، وكيل الرّضا عليه السلام، ثقة. و (أُخرى ) في أصحاب الرّضا عليه السلام، قائلا: صفوان بن يحيى البجلي بيّاع السابري: مولى، ثقة، وكيله عليه السلام، كوفي. و (ثالثة) في أصحاب الجواد عليه السلام، قائلا: صفوان بن يحيى البجلي بيّاع السّابري. وعدّه البرقي ممّن نشأ في عصر الرّضا عليه السلام، وذكره أيضاً في أصحاب الجواد عليه السلام، من أصحابه الذين أدركوا الرّضا عليه السلام، ولم يعده من الّذين أدركوا الكاظم عليه السلام، قائلاً في الموضع الثاني: صفوان بن يحيى بيّاع السّابري، مولى بجيلة، كوفي.

2 - وصحيح زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام، أنّهما قالا:

«إن مات رجلٌ وترك أُمّه وإخوة وأخوات لأبٍ وأُمّ ، وأخوات لأُمّ وليس الأب حَيّاً، فإنّهم لا يرثون ولا يحجبونها، لأنّه لم يورث كلالة»(1).

ولم يذكر هذا الصحيح في «المسالك».

3 - وموقوفه المتّصل به بطريقٍ صحيح: «وإن ماتَ الرَّجل وترك أُمّه وإخوةً وأخواتٍ لأبٍ وأُمّ ، وإخوة وأخوات لأبٍ ، وإخوة وأخواتٍ لأُمّ ، وليس الأب حَيّاً، فإنّهم لا يرثون ولا يحجبونها»(2).

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بإطلاق آية الحَجْب(3).

2 - وبخبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن امرأةٍ تركت زوجها وأُمّها وإخوتها لاُمّها وإخوتها لأبيها وأُمّها؟

فقال عليه السلام: لزوجها النصف، ولأمّها السُّدس، وللإخوة من الأُمّ الثُّلث، وسقط الإخوة من الأب والأُمّ »(4).

3 - وخبره الآخر عنه عليه السلام: «في أُمّ وأخواتٍ لأبٍ وأُمّ وأخواتٍ لأُمّ : إنّ9.

ص: 74


1- وسائل الشيعة: ج 26/117 ح 32620، تهذيب الأحكام: ج 9/280 باب 25 ميراث الوالدين مع الأخوة، ح 1013.
2- وسائل الشيعة: ج 26/118 ح 32620، تهذيب الأحكام: ج 9/280 ح 1013.
3- سورة النساء: الآية 11.
4- وسائل الشيعة: ج 26/150 ح 32697، الاستبصار: ج 4/146 ح 549.

لأخوتها لأبيها وأُمّها الثُّلثان، ولأُمّها السُّدس، ولأخوتها من أُمّها السُّدس»(1).

ولكن الآية الكريمة مختصّة بصورة وجود الأب، لأنّها هكذا: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ اَلثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ ) (2)، فجَعَل لها السُّدس مع الإخوة، حيث يرثه أبواه، فلا تدلّ على الحجب بدون ذلك.

والخبران وإنْ دلّا على حَجْب الأُمّ عن الثُّلث، إلّاأنّهما مخالفان لما أجمع عليه الطائفة من عدم إرث الإخوة مع الأُمّ .

ولذا حَمَلهما الشيخ على التقيّة، أو على إلزام الأُمّ لو كانت ترى رأيهم بذلك، لأنّهم يلزمون بما ألزموا به أنفسهم.

ثمّ إنّه كما صرّح به المصنّف في «المختلف» - على ما حُكي وتبعه غيره - أنّ هذا النزاع لا أثر له، قال:

(ولا منازعة هنا في الحاصل لها بالرّد والتَسمية، لأنّ الباقي كلّها لها، وإنّما النزاع في التقدير... الخ)(3).

نعم، يتصوّر الأثر لو قلنا إنّ الحجب يختصّ بالفرض عند انتفاء الولد، وأمّا معه فيحجبُ عنهما لمكان من يرد عليه، وقد مرّ الكلام في المبنى.

الشرط الثامن: كونهم أحياء عند الموت، فلو كان بعضهم ميّتاً عنده أو كلّهم، لم يحجب، ووجهه ظاهرٌ.

***9.

ص: 75


1- وسائل الشيعة: ج 26/150 ح 32696، تهذيب الأحكام: ج 9/320 ح 1149.
2- سورة النساء: الآية 11.
3- مختلف الشيعة: ج 9/49.

فإن فقد أحد هذه فلا حَجْبَ .

وإذا اجتمعت الشّرائط، فإنْ لم يكن معهما أولادٌ، فللأُمّ السُّدس خاصّة، والباقي للأب، وإنْ كان معهما بنتٌ ، فلكلٍّ من الأبوين السُّدس، وللبنت النصف، والباقي يُردُّ على الأب والبنت أرباعاً،

فروعٌ الحجب عن الإرث

أقول: بقي في المقام فروعٌ يقتضي المقام التعرّض لها:

الفرع الأوّل: (فإنْ فُقِد أحد هذه) القيود (فلا حَجْبَ )، وهو واضحٌ .

الفرع الثاني: (وإذا اجتمعت الشرائط، فإنْ لم يكن معهما أولاد، فللأُمّ السُّدس خاصّة والباقي للأب، وإنْ كان معهما بنتٌ فلكلٍّ من الأبوين السُّدس، وللبنت النصف، والباقي يردّ على الأب والبنت أرباعاً) وقد مرَّ الكلام في هذا كلّه في المباحث السابقة.

الفرع الثالث: لو مات أخوان ولهما أبوان وأخ، ولم يعلم المتقدّم:

فعن «الدروس»(1)، و «الروضة»(2)، وفي «الجواهر»: الظاهر عدم الحَجب(3).

واستدلّ له: بأنّ حَجب كلٍّ منهما مشروطٌ بتأخّر موته، وهو غير معلوم، واستصحاب حياته معارَضٌ بالمثل.

وفيه أوّلاً: أنّ الحجب وإنْ كان مشروطاً بتأخّر الموت، ومع عدم إحرازه لايُحكم به، ولكن إرثها للثُّلث أيضاً مشروطٌ بعدم وجود الحاجب، فمع الشكّ فيه

ص: 76


1- الدروس: ج 2/357.
2- الروضة البهيّة: ج 8/219.
3- جواهر الكلام: ج 39/90.

لا يمكن أن يُحكم بأنّها ترث الثُّلث.

وما في «الجواهر»(1): (من أنّ النصّ والفتوى ظاهران في أنّ المشروط حَجَب الأُمّ عن الثُّلث إلى السُّدس لا أصل استحقاقها الثُّلث، بل هو مقتضى الآية، فالشَّك حينئذٍ في الشرط شكٌّ في المشروط، فتبقى الأُمّ على أصل استحقاقها الثُّلث).

يرد عليه: أنّه إنْ أراد بذلك أنّ مقتضى العموم أنّها ترث الثُّلث، خَرج عن ذلك صورة وجود الحاجب، فمع الشكّ فيه يتمسّك بعموم العام.

فيردّه: أنّ ذلك من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وهو لا يجوز.

وإنْ أراد بذلك أنّها تستحقّ الثُّلث حتّى مع وجود الحاجب.

فيردّه: أنّه لا دليل على ذلك، بل ظاهر الدليل المنفصل، عدم استحقاقها للثلث، إلّامع عدم الحاجب.

وثانياً: أنّه لو فرض الشكّ في المتقدّم والمتأخّر، ولم يُحتمل التقارن، يعلم إجمالاً بعدم إرث الأُمّ عمّا زاد عن سدس أحدهما، كما يُعلم بإرثها من ثلث أحدهما، بل لو فرض مالٌ مشتركٌ بين الأخوين، يعلم تفصيلاً بعدم إرثها من نصف سدسه، كما لا يخفى .

وعليه، فلابدّ من إجراء حكم المال المشترك غير المعلوم صاحبه، المردّد بين محصورٍ، من: الصلح، أو القرعة، أو قاعدة العدل والإنصاف، وما شاكل، كلّ على مسلكه.

ولو كان موت الأخوين بالغَرق أو الهَدم:0.

ص: 77


1- جواهر الكلام: ج 39/90.

فقد يقال: إنّ مقتضى الدليل الدّال على أنّ كلّاً منهما يرثُ الآخر، فرض وجوده، فيكون حاجباً بالنسبة إلى إرث الأُمّ ، فلا ترث أزيد من السُّدس بالنسبة إلى كليهما.

وفيه: إنّ الدليل إنّما يدلّ على خصوص الإرث، ولا يدلّ على فرض وجوده، وقياس المقام به لا وجه له.

الفرع الرابع: لا يحجبُ الإخوة للأب المنفيّون عنه بالملاعنة، كما صرّح به الشهيدان(1) وغيرهما، لما دلّ على اشتراط كونهم للأب، ومع نفي كونهم له شرعاً ينتفي المشروط.

الفرع الخامس: عن الشهيد الثاني في «الروضة»(2) اعتبار قيدٍ آخر، وهو المغايرة بين الحاجب والمحجوب، فلو كانت الأُمّ اُختاً لأبٍ فلا حَجَب كما يتّفق في المجوس، أو الشبهة بوطء الرّجل ابنته فولدها أخوها لأبيها، وهو واضح.

***4.

ص: 78


1- الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 8/62 (ط. ج).
2- الروضة البهيّة: ج 8/64.

الثانية: أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد عند عدمهم

ميراث أولاد الأولاد

المسألة (الثانية) البحث عن ميراث الأحفاد:

يقول المصنّف رحمه الله: (أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد عند عدمهم) وعدم الوالدين، بلا خلافٍ ، والمعتبرة الآتية تشهد بذلك.

إنّما الخلاف في أنّهم:

هل يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم ؟

أم إنّهم لا يرثون إلّامع فقدهما؟

ذهب إلى الأوّل الكليني؛(1)، والشيخان(2)، والسيّدان(3)، والعُمّاني(4)، وسلّار(3)، والحلبي(4)، والحِلّي(5)، والقاضي(6)، والكراجُكي(7)، وعامّة من تأخّر عنهم.

واختار الثاني الصَّدوق رحمه الله في محكيّ «المقنع»(8)، و «الفقيه»(9)، وعن المحدِّث

ص: 79


1- الكافي: ج 7/70.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/268، وحكاه عنهما في مختلف الشيعة: ج 9/5. (3و4) حكاه عنهما في مستند الشيعة: ج 19/186.
3- المراسم العلويّة: ص 229.
4- الكافي في الفقه: ص 368.
5- السر ائر: ج 3/232.
6- المهذّب في الفقه لابن البرّاج: ص 160.
7- حكاه عنهما في مستند الشيعة: ج 19/186.
8- المقنع: ص 487.
9- من لا يحضره الفقيه: ج 4/269.

الكاشاني الميل إليه(1).

يشهد بالأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«بنات الإبنة يرثن إذا لم يكن بنات كُنّ مكان البنات»(2).

دلّ بمفهوم الشرط على أنّ ابنة البنت مع عدمها تقومُ مقامها، ومقتضى إطلاقه شمولُ ذلك في حال وجود الأبوين، كشموله لحال عدمهما.

وعن الشيخ(3) الاستدلال به للمطلوب بوجهٍ آخر، وهو أنّ قيامها مقامها لو كان مشروطاً بعدم الأبوين، لزم قيام غير الشرط مقامه، لأنّ عدم الولد حينئذٍ للصُّلب جزءُ الشرط، وهو غيره، ولا بأس به.

ولا يرد عليه: أنّ الشرط ما يلزمُ من عدمه العدم، لا من وجوده الوجود، ومن المعلوم أنّ عدم وجود الولد للصُّلب كذلك.

فإنّه يُدفع: بأنّه إذا حُكِم بوجود شيءٍمعلّقاً على شرط، لزم من وجوده الوجود وفي المقام كذلك، فإنّه حُكم بقيام ولدِ الولد مقام الولد إنْ لم يكن الولد للصُّلب.

ومنها: حسنه الذي هو كالصحيح بوجود من أجمعت العصابة على تصحيح ما يَصحّ عنه، وهو صفوان بن يحيى ، عنه عليه السلام:

«ابن الابن إذا لم يكُن من صلب الرّجل أحدٌ قام مقام الابن، وابنة البنت إذا لم4.

ص: 80


1- الوافي: ج 25/791-792.
2- وسائل الشيعة: ج 26/110 ح 32601، تهذيب الأحكام: ج 9/317 ح 1138.
3- راجع الاستبصار: ج 4/167-168، وتهذيب الأحكام: ج 9/318-319 بتصرّف، ونقل نصّ العبارة المشارإليها الشهيد في المسالك: ج 13/123-124.

يكن من صلب الرّجل أحدٌ قامت مقام البنت»(1).

أقول: وتقريب الاستدلال به كسابقه.

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام: «ابن الابن يقوم مقام أبيه»(2).

ومنها: مصحّح زرارة، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام في حديثٍ :

«ولا يرث أحدٌ من خلق اللّه مع الولد إلّاالأبوان والزّوج والزّوجة إنْ لم يكن ولد، وكان ولد الولد ذكوراً أو إناثاً، فإنّهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات، ويحجِبُون الأبوين والزّوجين عن سهامهم الأكثر، وإنْ سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصُّلب، ويحجبون ما يحجب ولد الصُّلب»(3).

ويؤيّدها الإجماع المحكيّ عن «الخلاف»(4)، و «الكافي»(5)، و «الانتصار»(6)، و «السرائر»(7)، و «الغنية»(8)، و «كنز العرفان»(9)، و «التنقيح»(10)، والآية، والنصوص المصرّحة بإرث الولد مع الأبوين، وهو يصدق على ولد الولد حقيقةً ، فتأمّل.

واستدلّ للقول الآخر:4.

ص: 81


1- وسائل الشيعة: ج 26/112 ح 32605، تهذيب الأحكام: ج 9/317 ح 1141.
2- وسائل الشيعة: ج 26/110 ح 32602، الاستبصار: ج 4/167 ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 26/132 ح 32659، الكافي: ج 7/97 ح 3.
4- الخلاف: ج 4/49.
5- الكافي: ج 7/70.
6- الانتصار: ص 583.
7- السرائر: ج 3/257.
8- غنية النزوع: ص 310.
9- كنز العرفان: ج 2/329.
10- التنقيح: ج 4/164.

1 - بصحيحين، وهما:

1) الخبر الصحيح الذي رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«بنات الإبنة يقمنَ مقام الإبنة، إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهن، وبناتِ الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولدٌ ولا وارث غيرهنّ »(1).

وتقريب الاستدلال به: أنّه يدلّ على اشتراط إرث ولد الولد بما إذا لم يكن وارث أصلاً، خرج غير الأبوين والأولاد بالإجماع.

2) وصحيح الخزّاز، عنه عليه السلام: «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام: أنّ كلّ ذي رحمٍ بمنزلة الرَّحم الذي يَجرّ به إلّاأن يكون وارثٌ أقربَ إلى الميّت منه فيحجبه»(2).

2 - وبأنّ الأبوين أقربُ منه.

3 - وبأنّ نسبة ولد الولد كنسبة الجَدّ، وهو لا يرثُ مع أحدهما فكذلك ذلك.

4 - وبأنّ الأبوين متساويي النسبة مع الولد، وهو يحجبُولد الولد، فكذلك هما.

أقول: أمّا الصحيح الأوّل فيحتمل فيه أنّ المراد بقوله عليه السلام: «لا وارث غيرهنّ » وأنّه لا يرثُ معهنّ غيرهنّ ، كما لا يرث مع الأولاد للصُّلب غيرهم، فيكون معطوفاً على بنات الإبنة.

وأجاب الشيخ رحمه الله عنه: بأنّ المراد لا وارثَ غيره من الأولاد للصُّلب، غير من تقرّب به ولد الولد، ويدلّ على إرادة ذلك ورود التصريح به في خبره الآخر عنه عليه السلام:

«ابن الابن إذا لم يكن من صُلب الرّجل أحدٌ قام مقام الابن، قال: وابنة البنت إذا6.

ص: 82


1- وسائل الشيعة: ج 26/111 ح 32604، تهذيب الأحكام: ج 9/316 ح 1136.
2- وسائل الشيعة: ج 26/68 ح 32499، تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 976.

ويأخذُ كلّ فريقٍ منهم نصيب من يتقرّب به، فلأولاد البنت

لم تكن من صُلب الرّجل أحدٌ قامت مقام البنت»(1).

وهو يدلّ على قيام ولد الولد مقام أبيه وأُمّه مع عدم ولدٍ آخر.

وأمّا الصحيح الثاني: فهو عامٌ يخصّص بصحيح زرارة وغيره ممّا تقدّم.

أقول: وبذلك يظهر ما في الوجه الثاني، فإنّ الأبوين وإنْ كانا أقرب، وقد دلّ الدليل على أنّ الأقرب يمنعُ الأبعد كما مرّ، لكن يقيّد إطلاق ذلك الدليل في المقام بالإجماع وصحيح زرارة وغيرهما ممّا تقدّم.

وأجاب عنه صاحب «الكفاية»: بمنع الأقربيّة(2)، ولم يظهر لي وجه منعها، فإنّ ولد الولد يتّصل بالشخص مع الواسطة، والأبوين يتّصلان به بلا واسطة.

وأمّا الثالث والرابع: فهما وجهان اعتباريّان لايصلحان منشأً للحكم الشرعي، سيّما مع وجود النّص على الخلاف.

وعليه، فالأظهر أنّ أولاد الأولاد يرثون مع الأبوين أيضاً.

هذا كلّه في أصل أرثهم.

كيفيّة إرث أولاد الأولاد

(و) أمّا كيفيّته:

فالمشهور بين الأصحاب أنّه (يأخذ كلّ فريقٍ منهم نصيب من يتقرّب به، فلأولاد البنت) نصيبها ولو كانوا ذكوراً، ولأولاد الابن نصيبه وإنْ كانوا إناثاً، فلابن البنت المفردة جميع المال، ولابن البنت وإنْ تعدّد النصف بالفرض والباقي بالرّد.

ص: 83


1- وسائل الشيعة: ج 26/112 ح 32605، تهذيب الأحكام: ج 9/317 ح 1141.
2- كفاية الأحكام: ص 299.

مع أولاد الإبن الثُّلث، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيين، ولأولاد الابن الثُّلثان كذلك

ولو اجتمع أولاد البنتِ (مع أولاد الابن)، كان لهم (الثُّلث للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيين، ولأولاد الابن الثُّلثان كذلك) إلى غير ذلك من الأحكام، وهو مذهب الصَّدوق(1)، والشيخين(2)، والعُمّاني في أحد قوليه(3)، والحَلبي(4)، والقاضي(5)، وابن حمزة(6)، وعامّة من تأخّر عنهم.

وعن «كنز العرفان»(7): (انعقاد الإجماع عليه بعد السيّد)(8).

وعن «الغنية»: (أنّ عليه إجماع الطائفة)(9).

وذهب جماعةٌ منهم العُمّاني في قوله الآخر(10)، والسيّد(11)، والمصري(12)، والحِلّي(13): إلى أنّهم يَقتسمون تقاسم الأولاد، من غير اعتبار مَنْتقرّبوا به، فللذَّكَر منهم مِثلُ حَظّ الأُنثَيَين، وإنْ كان الذَّكَر من الاُنثى ، والأُنثى من الذَّكَر.0.

ص: 84


1- الهداية: ص 331.
2- النهاية: ص 634، المقنعة: ص 688.
3- فقه ابن ابي عقيل العُمّاني: ص 517.
4- الكافي: ص 368.
5- المهذّب: ج 2/132-133.
6- الوسيلة: ص 387.
7- كنز العرفان: ج 2/328.
8- حكاه عنه في كشف الرموز: ج 2/448.
9- غنية النزوع: ص 323.
10- حكاه عنه في السرائر: ج 3/240.
11- السيّد في الناصريّات (الجوامع الفقهيّة): ص 222، وحكاه عنه المصري في كشف الرموز: ج 2/448.
12- حكاه عنه في كشف الرموز: ج 2/448.
13- السرائر: ج 3/232-240.

وعن «المفاتيح»: (إنّه لا يخلو عن قوّة)(1).

وعن «الكفاية»: (لا يبعدُ ترجيحه)(2).

وعن المقدّس الأردبيلي: (إنّه قريب)(3).

أقول: ويمكن أن يُستدلّ لما هو المشهور بين الأصحاب بوجوه:

الوجه الأوّل: النصوص المتضمّنة لقيام أولاد البنين مقامهم، وأولاد البنت مقامها، فإنّها ظاهرة في إرادة التنزيل في الكيفيّة أيضاً، لا في خصوص الإرث، أو هو مع حَجب الأبوين والزوجين عن نصيبهم الأعلى ، وإلّا لاكتفى فيها بذكر الأولاد من دون تفصيل بين أولاد البنين وأولاد البنات في الذكر، الّذي هو مجرّد تطويل بلا فائدة، يجلّ عنه كلام المعصوم، سيّما بعد اتّفاق النصوص على ذلك، فإن طائفة منها مصرّحة بالتفصيل، وطائفة أُخرى مكتفية بأحد شقيه.

الوجه الثاني: خبر زرارة المتقدّم، فإنّه كالصريح في ذلك، بل صريحٌ فيه، حيث قال عليه السلام: «وولد البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات»(4).

الوجه الثالث: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«كان عليٌّ عليه السلام يجعل العمّة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأُمّ ، وابن الأخ بمنزلة الأخ.3.

ص: 85


1- مفاتيح الشرائع: ج 3/322.
2- كفاية الأحكام: ص 396.
3- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/367.
4- وسائل الشيعة: ج 26/132 ح 32659، الكافي: ج 7/97 ح 3.

قال: وكلّ ذي رحم لم يستحقّ له فريضة فهو على هذا النحو»(1).

وصحيح أبي أيّوب، عنه عليه السلام: «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ العمّة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأُمّ وبنت الأخ.

قال: وكلّ ذي رحمٍ فهو بمنزلة الرَّحم الذي يجرّ به، إلّاأن يكون وارثٌ أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(2).

وتقريب الاستدلال بهما: أنّ المراد من تنزيل العمّة منزلة الأب، والخالة منزلة الأُمّ ، وبنت الأخ منزلة الأخ، وكلّ ذي رحمٍ بمنزلة من يَجرُّ به، ليس هو التنزيل في خصوص أصل الإرث، وإلّا لم يكن في هذا التفصيل فائدة، ولا في الحاجبيّة والمحجوبيّة، لانتفاء التنزيل فيهما، فيتعيّن أن يكون ذلك في قدر الميراث.

وبالجملة: لو لم يكن التنزيل بهذا اللّحاظ، لزم لغويّة التفصيل الذي يجلّ كلام سيّد البُلغاء، ومن كلامه دون كلام الخالق فوق كلام المخلوق عن ذلك.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بإطلاق الآية الكريمة، لأنّهم أولادٌ حقيقة، ولولا قاعدة الأقرب لشاركوا آبائهم في الإرث.

2 - وبإطلاقات سائر أدلّة تسمية الأولاد، وقد أطالوا الكلام في الاستدلال لصدق الولد على ولدِ الولد من الآيات والأخبار.

3 - وبأنّه على مذهب المشهور، يلزم أن يكون نصيب البنت أزيد من نصيب الابن، بل البنين، كما في رجلٍ خلّف بنت ابن وأبناء بنتٍ ، وهو غيرُ جائز كما نطقت به النصوص.0.

ص: 86


1- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32792.
2- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32792، تهذيب الأحكام: ج 9/325 ح 1170.

4 - وبأنّه يلزم عليه تساوي نصيب البنت الابن، لو كان مكانها، فإنّ كلّاً منهما يرثُ جميع التركة.

5 - وبأنّه يلزمُ توريث البنت والبنتين الجميع، مع أنّ لها النصف، ولهما الثُّلثان بظاهر القرآن.

6 - وبأنّه يلزم عدم تقاسم أولاد البنت تقاسم الأولاد، إذ لا دليل عليه سوى الآية الكريمة، وهي لا تشمل أولاد الأولاد عندهم.

أقول: ولكنّه يرد على الأولين:

أوّلاً: أنّه لو سُلّم صدق الولد، يقيّد الإطلاقات بالأدلّة المتقدّمة، فكما أنّه بقاعدة الأقربيّة يُحكم بأنّهم لا يرثون مع الأولاد، كذلك بالنصوص المتقدّمة يُحكم بأنّ إرثهم كذلك.

وثانياً: أنّ صدق الولد على ولد الولد حقيقة ممنوعٌ :

إذ كونه حقيقةً فيه إنْ كان من جهة اللّغة.

فيردّه: تصريح اللّغويين بأنّ ولد الشخص ما تولّد عنه.

وإنْ كان من جهة الشرع:

فلم يدلّ دليل على كونه حقيقةً شرعيّة أو متشرّعيّة فيه.

وإنْ كان عند العرف:

فيردّه: ذهاب الأكثر إلى الخلاف، وهم أهل اللّسان والعُرف.

ومجرّد استعماله فيما يعمّه في الآيات والأخبار لا يكون دليلاً له، فإنّ الاستعمال أعمٌّ من الحقيقة، بل نصوص الباب من جهة ما فيها من التصريح بنفي الولد، وأنّه ينزّل ولدُ الولد منزلة الولد، تدلّ على عدم كونه حقيقةً فيه.

ص: 87

وأمّا الوجه الثالث: فيدفعه أنّه أيُّ محذورٍ في كون نصيب البنت أزيد من نصيب الابن أو البنين، فإنّ الدليل إنّما دلّ على أنّه لا يزيد نصيبها على نصيبه لو كان مكانها، أي فيما إذا لم يكن البنت وكان الابن متقرّباً على وجهٍ يتقرّب هي به، وليس موضع الإلزام من هذا القبيل.

وأمّا الرابع: فيدفعه أنّه لا استبعاد في تساوي نصيب البنت والابن لغير الصُّلب، ولا دليل على بطلانه.

وأمّا الخامس: فيرد عليه أنّ ثبوت النصف لبنتٍ واحدة، والثُّلثين لاثنتين في القرآن إنّما هو في الأولاد للصُّلب، ولا يشمل المقام.

وأمّا السادس: فيرد عليه أنّه يدلّ على أنّهم يتقاسمون تقاسم الأولاد، مضافاً إلى الإجماع والنصوص(1) الكثيرة الواردة في علّة تفضيل الرّجال، فإنّها بإطلاقها تدلّ على أنّه في كلّ موردٍ اشترك الرّجال والنساء في مقدارٍ من الإرث يكون للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين إلّاما خرج بالدليل، كما في المقام بالنسبة إلى أولاد البنت مع أولاد الابن، فيبقي بالنسبة إلى كلّ فريقٍ منهم على حاله.

أقول: وبذلك يظهر حال مسألةٍ أُخرى ، وهي:

أن أولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيين، كما بين أولاد الابن، وهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن صريح «التنقيح» الإجماع عليه(2)، بل لعلّه ظاهر «الشرائع» وغيرها(3).6.

ص: 88


1- وسائل الشيعة: ج 26/94 ح 32560، الكافي: ج 7/84 ح 1.
2- التنقيح: ج 4/164.
3- شرائع الإسلام: ج 4/826.

وعن الشيخ في «المبسوط»(1)، والقاضي(2) وجماعة: أنّ أولاد البنت يقتسمون بالسَّويّة، واستدلّ له:

1 - بأنّ التقرّب بالأُنثى يقتضي الاقتسام بالسَّويّة.

2 - وبأنّ القول بأخذهم نصيب اُمّهاتهم إنّما يكون بعد عدم شمول الآية الكريمة: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (3) لهم، ولا دليل غيرها يقتضي الاقتسام المذكور، فلعدم جواز الترجيح بلا مرجّح، لابدّ وأن يلتزم بأنّهم يقتسمون بالسَّويّة.

ولكن يردُ على الأوّل: أنّه لا دليل على تلك الكبرى الكليّة بعد حُرمة القياس على كلالة الأُمّ ، ولذا اعترف المستدلّ بأنّ أولاد الاُخت للأبوين والأب يقتسمون بالتفاوت.

ويرد على الثاني أوّلاً: ما تقدّم من الدليل على الاقتسام بالتفاوت غير الآية.

وثانياً: أنّ القول بأخذهم نصيب اُمّهم، لا يكون متفرّعاً على عدم صدق الولد عليهم، لإمكان الالتزام بالتخصيص في الآية كما مرّ.

وقد ظهر من مطاوي ما ذكرناه اُمور:

1 - إنّ ولد الولد يحجبُ الأبوين والزوجين عن النصيب الأعلى ، لخبر زرارة المصرّح بذلك.

2 - أنّ كلّ حكمٍ ثبت لولدِ الولد، ثابتٌ لولده مع فقده أيضاً، وإنْ نَزل ببطنين1.

ص: 89


1- المبسوط: ج 4/74.
2- المهذّب البارع: ج 2/133.
3- سورة النساء: الآية 11.

أو أكثر، للإجماع، ولخبر زرارة.

والأقربُ يَمنعُ الأبعد، ويُشاركون الأبوين كآبائهم، ويُردُّ على أولاد البنت ممّا يُردّ عليها ذكوراً كانوا أو إناثاً.

3 - أنّ أولاد الأولاد المتنازلة مترتّبة في الإرث، (و) لا يرث الأبعد مع وجود الأقرب، لقاعدة (الأقرب يمنعُ الأبعد).

4 - أنّه لا يرثُ مع ولد الولد غير الأبوين والزوجين، إذا لم يكن ولدٌ، ودليله الإجماع، وخبر زرارة، وما دلّ على أنّه يرثُ نصيب أبيه، ولو شاركه غيره أو حَجَبه لما كان له نصيبه المتقدّم.

5 - (ويشاركون الأبوين كآبائهم).

6 - (ويردُ على أولاد البنت ممّا يردُ عليها ذكوراً كانوا أو إناثاً).

***

ص: 90

الثالثة: يُحبى الولدُ الذَّكَر الأكبر بثيابِ بدنِ الميّت وخاتمه وسيفه ومُصْحَفه

الحبوة

المسألة (الثالثة): من متفردات الإماميّة والمعلوم من مذهبهم أنّه (يُحبى الولد الذَّكر الأكبر) من تركة أبيه (بثيابِ بدن الميّت، وخاتمه، وسيفه، ومُصحفه) وبذلك تظافرت نصوصهم المأثورة عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام.

منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا مات الرّجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورَحله وراحلته وكِسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام، قال: «إذا مات الرّجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه»(2).

ومنها: صحيح حريز، عنه عليه السلام، قال: «إذا هَلَك الرّجل وترك ابنين، فللأكبر السيف والدِرع والخاتم والمصحف، فإن حَدَث به حادثٌ فللأكبر منهم»(3).

ومنها: مرسل ابن اُذينة الصحيح عن ابن أبي عُمير، عن أحدهما عليهما السلام:

«إنّ الرّجل إذا ترك سيفاً وسلاحاً، فهو لابنه، فإن كان له بنون فهو لأكبرهم»(4).

ص: 91


1- وسائل الشيعة: ج 26/97 ح 32567، من لا يحضره الفقيه: ج 4/346 ح 5746.
2- وسائل الشيعة: ج 26/97 ح 32568، تهذيب الأحكام: ج 9/275 ح 996.
3- وسائل الشيعة: ج 26/98 ح 32569، تهذيب الأحكام: ج 9/275 ح 994.
4- وسائل الشيعة: ج 26/98 ح 32570، تهذيب الأحكام: ج 9/275 ح 995.

ومنها: موثّق الفضلاء، عن أحدهما عليه السلام، قال: «إنّ الرّجل إذا تركَ سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه، فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما»(1).

ومنها: موثّق العقرقوفي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يموت، ما له من متاع بيته ؟

قال: السيف - وقال: الميّت إذا ماتَ فإنّ لإبنه السيف والرَّحل والثياب:

ثياب جلده»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«الميّت إذا ماتَ فإنّ لابنه الأكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده»(3).

ومنها: خبر سماعة، قال: «سألته عن الرّجل يموت ما له من متاع البيت ؟ قال:

السيف والسّلاح والرحل وثياب جلده»(4).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «كم من إنسانٍ له حقٌّ لا يعلم به ؟ قلت وما ذاك أصلَحَك اللّه ؟

قال: إنّ صاحبي الجدار كان لهما كنزٌ تحته، لا يعلمان به، أمّا أنّه لم يكن بذهبٍ ولا فضّة.

قلت: وما كان ؟ قال: كان علماً.

قلتُ : فأيّهما أحقُّ به ؟ قال: الكبير كذلك نقول نحن»(5).3.

ص: 92


1- وسائل الشيعة: ج 26/98 ح 32572، تهذيب الأحكام: ج 9/276 ح 998.
2- وسائل الشيعة: ج 26/99 ح 32573، تهذيب الأحكام: ج 9/276 ح 999.
3- وسائل الشيعة: ج 26/98 ح 32571، تهذيب الأحكام: ج 6/298 ح 832.
4- وسائل الشيعة: ج 26/99 ح 32576، الاستبصار: ج 3/46 ح 152.
5- وسائل الشيعة: ج 26/99 ح 32574، الاستبصار: ج 4/145 ح 543.

ونحو تلكم غيرها من النصوص التي ستأتي الإشارة إليها.

أقول: وتنقيح القول فيما يستفاد من هذه النصوص إنّما يتحقّق بالبحث في جهات:

في أنّ الحبوة واجبة أو مستحبّة

الجهة الاُولى: اختلفوا في أنّ الحبوة واجبة أم مستحبّة ؟

فالشيخان(1)، والقاضي(2)، والحِلّي(3)، وابن حمزة(4)، وابن سعيد(5)، والمحقّق(6)، والمصنّف في غير «المختلف»(7)، والشهيدان(8)، وجماعة أُخرى على الأوّل.

وفي «المسالك» نسبته إلى الأكثر(9)، وعن غيرها إلى المشهور. وفي «الرياض»(10) ادّعى الشهرة عليه جماعة بحد الاستفاضة، ولا ريب فيها.

وعن الحِلّي أنّ عليه الإجماع(11)، وذهب السيّد(12) والإسكافي(13) إلى الثاني.

ص: 93


1- المقنعة: ص 684، الخلاف: ج 4/116.
2- المهذّب: ج 2/132.
3- مختلف الشيعة: ج 9/19.
4- الوسيلة: ص 387.
5- الجامع للشرائع: ص 509.
6- المختصر النافع: ص 260.
7- تحرير الأحكام: ج 2/164.
8- الذكرى: ص 139، مسالك الأفهام: ج 3/128.
9- مسالك الأفهام: ج 3/129.
10- رياض المسائل: ج 2/349.
11- السرائر: ج 3/258.
12- حكاه عنه الشهيد في رسائله: ص 232.
13- مختلف الشيعة: ج 9/21.

ونُسِب إلى «الإصباح»(1)، و «الرسالة النصيريّة في الفرائض»(2) و «المختلف»(3)، و «الكفاية»(4)، وظاهر «الوافي»(5)، وظاهر «المسالك»: التوقّف فيه(6).

أقول: والأوّل أظهر، لظهور اللّام في المِلْكيّة أو الاستحقاق، كما في غير المقام كباب الإرث، فإن آياته ونصوصه متضمّنة للفظة لام، ولم يتوقّف أحدٌ في حملها على ذلك، وكما في باب الأقارير والوصايا والجُعالة فإنّه تراهم يكتفون في جميع تلك الأبواب بقولهم: (لفلان بن فلان كذا وكذا).

وبالجملة: ظهور اللّام في الملكيّة أو الاستحقاق لا ينبغي إنكاره، مع أنّه لو كانت للاختصاص أيضاً يثبت المطلوب، فإنّ اختصاص شيء بشخصٍبقول مطلق إنّما يكون بعدم اشتراك غيره معه في المختصّ ، به ولا يكون ذلك إلّاعلى كونه بنحو اللّزوم.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بإطلاق أدلّة الإرث من الآيات والروايات، الدّالة على أنّ جميع التركة الشاملة للحبوة تُورَث، خرج عن ذلك أولويّة الاختصاص بالإجماع والنصوص، فيبقى الباقي.

2 - وباختلاف نصوص الحَبوة في ما يُحبى به، بل لا يتضمّن شيءٌ منها الأربعة9.

ص: 94


1- إصباح الشيعة: ص 367.
2- حكاه في كشف اللّثام: ج 9/418 ولكن قال في الحاشية ولم نعثر على هذا الكتاب أي (الرسالة النصيريّة).
3- مختلف الشيعة: ج 9/31.
4- كفاية الأحكام: ص 297.
5- الوافي: ج 25/725-729.
6- مسالك الأفهام: ج 13/129.

التي عند الأصحاب، وهو آية الاستحباب.

3 - وبأنّ نصوص الحبوة متضمّنة لما لم يقل أحدٌ من الأصحاب بوجوب دفعه إلى الولد الأكبر، وعليه فإنْ حُمِلَت النصوص على الاستحباب، لا يردُ محذورٌ، وإلّا لزم استعمال اللفظ الواحد في الوجوب والاستحباب، وهو غير جائز.

4 - وبأنّ بعض النصوص مشتملٌ على غير الأربعة المعلومة، وذلك البعض لابدّ وأن يُحمل على غير الوجوب، فيُحمل غيره أيضاً عليه لاتّحاد المساق فيها أجمع.

5 - وبأنّ الكتاب لا يُخصَّص بخبر الواحد، فالمخصَّص هو الإجماع، والمتيقّن منه أولويّة الاختصاص.

أقول: وفي الجميع نظرٌ ظاهرٌ إذ بعد كون أخبار الحبوة ظاهرة في كون ذلك على نحو الوجوب، يقيّد بها إطلاقات الكتاب والسنّة، بناءً على ما هو الحقّ من تخصيص الكتاب بالخبر، ومجرّد الاختلاف لا يكونُ دليلاً على الاستحباب، كيفَ وأغلب الأخبار في أغلب الأحكام مختلفة، مع أنّ أكثر النصوص متضمّنة للأربعة، بمعنى أنّ جملةً منها متضمّنةٌ لاثنين أو ثلاثة منها، وجملةٌ منها - كصحيح ربعي الثاني، وصحيح حريز - متضمّنة للأربعة، بناءً على إرادة القميص من الدرع لا الحديد، ويلحق به غيره من ثياب البدن إجماعاً.

وهذه النصوص لا تَعارضَ بينها، لعدم المفهوم لما اقتصر على الأقلّ ، فإبقائها على ظاهرها من الوجوب لا محذور فيه، والباقي من النصوص المشتمل على غير الأربعة قليلٌ ، وهذا النحو من الاختلاف ليس آية الاستحباب قطعاً.

وأمّا الوجه الثالث فيرد عليه أوّلاً: النقض بأنّه إشكالٌ يرد على القائلين

ص: 95

بالاستحباب، فإنّهم لا يقولون بالاستحباب في الأزيد من الأربعة، فما أجابوا به عنه نجيبُ به على القول بالوجوب.

فإنْ قيل: إنّ القائل بالاستحباب في فُسحةٍ للتسامح في باب المستحبّات بخلاف القول بالوجوب.

قلنا: إنّ مثل هذا الاستحباب الذي هو معارضٌ بقاعدة حرمة التصرّف في مال الغير، وخصوصاًاليتيم والمجنون والسفيه، لابدّ له من دليلٍصالح لتخصيص القاعدة القاضية بالحرمة، فإنْ صَلُحت النصوص لذلك صَلُحت لإفادة الوجوب حينئذٍ.

وثانياً: إنّ عدم العمل ببعض الخبر للإجماع أو غيره من الدليل، لا يوجبُ عدم العمل بالنصوص الاُخر، المتضمّنة للبعض الذي لا دليل على خلافه.

وثالثاً: أنّه إذا تضمّن خبرٌ للأمر بعدة اُمور دلّ الدليل على عدم وجوب بعض تلك الاُمور، يبنى على الاستحباب بالنسبة إلى ذلك البعض، والوجوب فيما لا دليل على عدمه، ولا يلزمُ من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، لما حُقّق في محلّه من أنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، وإنّهما أمران انتزاعيّان ينتزعان من الترخيص في ترك المأمور به وعدمه، وإلّا فالمستعمل فيه فيهما شيءٌ واحد.

ورابعاً: إنّ غاية ما يلزم من ما ذكر استعماله في خصوص تلكم الأخبار في الجامع بين الوجوب والندب، فلا يُستفاد منها الوجوب، ولكنّه لا ينافي ذلك استفادة الوجوب من الروايات الاُخر.

وبما ذكرناه يظهر ما في الوجه الرابع، كما أنّه قد ظهر ممّا ذكرناه إيراداً على

ص: 96

الوجه الأوّل، ما في الوجه الخامس.

وعليه، فالأظهر أنّ ثبوت الحبوة على وجه الوجوب.

الحبوة تُؤخذ مجاناً، والمحبوّ يُشارك الباقي في الباقي

الجهة الثانية: المشهور بين الأصحاب أنّ هذه الحبوة مجانيّة، والمحبوّ يُشارك الباقي في الباقي بقدر نصيبه.

وعن السيّد في «الانتصار»(1)، والإسكافي(2): أنّها تُعطى ويُحسب عليه من ميراث أبيه.

وعن المصنّف في «المختلف» اختياره(3)، وكذا صاحب «الكفاية»(4)، والفاضل الهندي في «شرح القواعد»(5)، وظاهر «المسالك» الميل إليه(6)، وقوّاه النراقي في «المستند»(7).

وعن المحقّق الأردبيلي(8): أنّ الأولى أحد الأمرين:

إمّا الاستحباب، أو الاحتساب، بأن يُجعل الأكبر مخيّراً بين الأخذ بالقيمة والترك.

ص: 97


1- الانتصار: ص 582.
2- مختلف الشيعة: ج 9/21.
3- مختلف الشيعة: ج 9/16.
4- كفاية الأحكام: ص 297.
5- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/292.
6- مسالك الأفهام: ج 13/131.
7- مستندالشيعة: ج 19/207.
8- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/374.

وعن «الروضة»(1)، و «المفاتيح»(2) وغيرهما: التوقّف في المسألة.

أقول: لا ريب في أنّ النصوص في أنفسها ظاهرة في المجانيّة، فإنّ سبيلها سبيل أدلّة الإرث، فكما أنّها ظاهرة في كون المال للورثة بغير عوضٍ ، كذلك نصوص الحبوة.

ودعوى: أنّ النصوص إنّما تدلّ على اختصاص الحبوة بالولد الأكبر، وأمّا كون هذا الاختصاص والمِلْكيّة بلا عوض، أو مع العوض، فالنصوص ساكتة عنه، فلو لم يكن دليلٌ على كونها مع العوض، يُحكم بمقتضى الأصل بكونها بلا عوض، ومع الدليل عليه كما سيمرّ عليك لا مجرى للأصل.

مندفعة: بأنّ النصوص بأنفسها، كما تدلّ على اختصاص الحبوة بالولدالأكبر، كذلك تدلّ على أنّها بنحو المجانيّة:

لا من جهة أنّه يلزم من عدمه تأخّر البيان عن وقت الحاجة، كما في «الرياض»(3)، فإنّه يردّه أن لا محذور في ذلك إذا اقتضت المصلحة ذلك، أو كان هناك مفسدة في التقديم.

ولا للأصل كما فيه أيضاً، بل من جهة أنّ جعل شيءٍ لشخصٍ من دون ذكر العوض، ظاهرٌ في التمليك المجانيّ ، فإن شئت فاختبر ذلك من حال العُرف، فهل يتوقّف أحدٌ فيما لو قال زيدٌ: (ملّكتك هذا الشيء) ولم يذكر العوض في كونه تمليكاً مجانيّاً.0.

ص: 98


1- الروضة البهيّة: ج 8/110.
2- مفاتيح الشرائع: ج 3/329-332.
3- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/350.

وبالجملة: تمليكُ شيء لشخص وتخصيصه به من دون ذكر العوض، ظاهرٌ في كونه على نحو المجانيّة، بل الفرق بين المجانيّة والعوض إنّما هو بذلك.

واستدلّ للقول الآخر: بأنّ ظاهر جميع أدلّة الإرث كتاباً وسُنّةً أنّ جميع التركة تُقسَّم بين الورثة، فإن قوله تعالى: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ ) (1)، وقوله: (فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ ) (2)، وقوله تعالى: (فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ ) (3)، وكذا النصوص، سيّما ما تضمّن أنّ الأبوين لا ينقصان من السُّدس وما شاكل، ظاهرةٌ في أنّ الحبوة أيضاً ممّا يرثه غير الولد الأكبر، والجمع بينها وبين نصوص الحبوة يقتضي البناء على اختصاصه بها واحتسابها عليه.

وفيه أوّلاً: إنّ نصوص الحبوة أخصٌّ من جميع تلك الأدلّة، وحيث لا ريب في أنّ ظهور الخاص مقدّمٌ على ظهور العام، فتخصّص تلك الأدلّة بأخبار الحبوة.

وثانياً: إنّ تلك الأدلّة ظاهرة في أنّ الأبوين وغيرهما من الورثة يستحقّون نصيبهم من جميع التركة بنحو الإشاعة، ومنها الحبوة، فإذا ثَبَت بالدليل اختصاصها بواحدٍ منهم، يعلم عدم استحقاق غيره منها، فيبقى سائر التركة مستحقّة لهم.

ودعوى: أنّ المستفاد من أدلّة الإرث كون الورّاث شركاء في التركة، وأمّا كون ذلك على وجه الإشاعة، فلا يُستفاد منها، بل يُعلم ذلك من الخارج.

مندفعة: بملاحظة ذلك في سائر الأبواب كالإقرار وغيره، فهل يشكّ أحدٌ في ظهور الكسور في الكسر المشاع.

وبالجملة: إنكار ظهورسُدْس التركة وثُمْنها ورُبْعهاوماشاكل في الإشاعة مكابرة.2.

ص: 99


1- سورة النساء: الآية 11. (2و3) سورة النساء: الآية 12.

ومن الغريب ما عن «كشف اللّثام»(1) من الاستدلال بقوله عليه السلام في صحيح حريز المتقدّم: «إذا هَلَك الرّجل فتركَ ابنين فللأكبر السيف والدِّرع والخاتم والمصحف، فإنْ حَدَث به حدثٌ فللأكبر منهم».

بدعوى أنّه لا ريب في عدم كونها لمن بعده من الأكبر مجاناً، فكذا بالنسبة إليه.

فإنّه يردّه: أنّ الظاهر منه حدوث الحدث بالأكبر قبل هلاك الرّجل، وأنّ الحبوة تكون للأكبر الباقي، لا الاحتساب بالقيمة، إذ مضافاً إلى أنّه تأوّل بلا قرينة لا يقولُ به أحد.

وأضعف من ذلك الاستيناس له بجبر الزّوجة عمّا فاتها من إرث الغرس والبناء بالقيمة، فإنّه قياسٌ محض.

بيان ما يُحبى به

الجهة الثالثة: المشهور بين الأصحاب أنّ ما يُحبى به أربعة، وهي:

السيف، و المُصحف، والخاتم، وثياب بدنه.

وعن «الانتصار»(2)، و «الغنية»(3)، و «الإصباح»(4)، و «اعلام المفيد»(5): الثلاثة دون ذكره الثياب.

ص: 100


1- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/291.
2- الانتصار: ص 582.
3- غنية النزوع: ص 323.
4- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: ج 8/135، ومستند الشيعة: ج 19/213.
5- الاعلام: ص 54.

وعن «الكافي»: الاختصاص بثياب مصلّاه(1).

وعن «الخلاف»: الثلاثة دون ذكره الخاتم(2).

وزاد الإسكافي على الأربعة السّلاح(3).

كما زاد عليها الصَّدوق: الكُتب، والرَّحل، والرّاحلة(4).

أقول: أمّا كون الأربعة من ما يُحبى به، فيشهد به النصوص المتقدّمة، فإنّها مذكورة فيها، ولا يضرّ اقتصار بعض النصوص على بعضها، لأنّه لا مفهوم له كي يدلّ به على عدم كون ما لم يُذكر فيه من الحبوة، فيعارض ما ذكر فيه ذلك، كما لايضرّ بذلك اشتمال النصوص على ما لا يقول به أحدٌ، فإنّ عدم العمل ببعض الخبر لا يضرّ بالعمل بالبعض الآخر، مع أنّ جميعها ليست كذلك، بل صحيح الربعي الثاني مشتملٌ على الأربعة المذكورة خاصّة، وكذا صحيح حريز، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالدِّرع فيهما القميص، كما هو أحد معنييه في اللّغة، واستعمل فيه كثيراً في الأخبار، وفَهمه منه العلماء الأخيار، حيث استدلّوا بهما على تمام المطلب في كلامهم.

وإذا تمّت الدلالة في القميص، ثبت الحكم في سائر الثياب بعدم القول بالفصل، وعليه، فلا ينبغي التوقّف في كون الأربعة من الحبوة.

وأمّا الزيادة عليها: فالأخبار وإنْ دلّت على كونها منها، لاحظ صحيح الربعي الأوّل، لكن الظاهر الإجماع على العدم، إلّاممّن عرفتَ ، ومثل هذا الإجماع الذي لا5.

ص: 101


1- الكافي: ص 369.
2- الخلاف: ج 4/115.
3- حكاه عنه المحقّق النراقي في مستندالشيعة: ج 19/212، وأيضاً حكاه عنه صاحب الجواهر في: ج 130/39.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/345.

مستند ظاهرٌ له، والخبر الصحيح يدلّ عليخلافه، يكون حجّة قطعاً، ويكون كاشفاً عن وجود دليلٍ معتبر لم يصل إلينا، وبه يرفع اليد عن النصوص.

والغريب ما قاله صاحب «المسالك» من(1): (أنّ الإجماع خصوصاً من الأصحاب بخصوصهم لابدّ له من مستندٍ، والمستندُ هنا غير ظاهرٍ، فإنّ الإجماع الذي يكون مستنده ظاهراً، لا يكون حجّة، والحجّة منه ما لا يكون المستند ظاهراً لنا).

وبالجملة: لا ريب في أنّه لابدّ من المستند، ولكن لا يلزم ظهور المستند لنا، فلعلّه من قبيل كثيرٍ من الموارد التي يكون فيها لهم مستندٌ خَفِي علينا، وعليه فلا إشكال في الحكم إثباتاً ونفياً.

أقول: ثمّ إنّه تصدّى بعض المحقّقين لتطبيق النصوص على ما هو المشهور بقوله(2): (إنّ السّلاح لم يُذكر إلّافي المرسل وموثّق الفضلاء، والأوّل ليس بحجّة، والثاني عَطَف بلفظة (أو) المفيدة للترديد، فيمكن أن يكون الترديد من الراوي، مع أنّ السّلاح يمكن أن يكون مذكوراً تأكيداًللسّيف، فإنّه أحد معانيه كما عن «القاموس»(3).

وأمّا الرَّحل: فهو مشتركٌ بين المسكن وما يستصحبه الإنسان من الأثاث، ورحل البعير، ولا قرينة على التعيين، فيجبُ التوقّف، ويمكن أنْ يُراد به الثاني وبه الكسوة، ويكون عطفهما للتأكيد.

وأمّا الراحلة: فلم تُذكر في بعض نسخ «الفقيه» مع ما في معناها من الإجمال.

وأمّا الكتب: فيمكن أنْ تكون تأكيداً للمُصحف، أو يكون المراد الكتب7.

ص: 102


1- مسالك الأفهام: ج 13/132.
2- مستند الشيعة: ج 19/214.
3- القاموس: ج 1/237.

السماويّة، وتكون الحبوة كالإرث غير مختصّة بالملّة الحنيفة.

ولكن لا حاجة إلى ذلك، سيّما وأنّ فتح هذا الباب يوجبُ بطلان الاستدلالات في كثيرٍ من المقامات).

وبالجملة: فالحقّ ما ذكرناه.

أقول: بقي الكلام في تعيين مصاديق الأربعة المذكورة.

أمّا الثياب: فالمراد بها ثياب بدنه، وهي التي يلبسها أو أعدّها لذلك وإنْ لم يلبسها، فالثيابُ الّتي أعدّها للتجارة، أو إلباس الغير، وما شاكل خارجةٌ عن الحبوة، كما أنّ ثياب أهله و أولاده خارجة، وذلك فإنّ المذكور في بعض النصوص ثياب جلده، وفي آخر كسوته، والمتبادر من الثانية باعتبار إضافة الكسوة إليه ذلك، وأمّا الأولى فحيث أنّ المراد بها ليس هو الثياب المُلصق بجسده إجماعاً، فيكون المراد ما انعقد عليه الإجماع، وهي الثياب المحيطة به ولو بالواسطة، أو الملبوسة، أو المُعدّة له، أو الصالحة لذلك.

وعليه، فما عن الحِلّي(1) من التخصيص بما يلبسه ويُديمه ضعيفٌ ، وأضعف منه ما عن الحلبي(2) من التخصيص بثياب الصَّلاة.

ثمّ إنّ الظاهر صدق الثوب والكَسوة على القميص والقباء والسَّراويل ونحوها بلا خفاء، وكذا العباء و الرِّداء والفِراء والثّوب من اللّبد.

قال صاحب «المسالك»(3): - بعدما أخرج القلنسوة -: (وقد صرّحوا بعدم2.

ص: 103


1- السرائر: ج 3/258.
2- الكافي: ص 239.
3- مسالك الأفهام: ج 13/132.

إجزاء القلنسوة عن الكفّارة، مع كون المعتبر فيها الكسوة).

وفيه: إنّ الكسوة تصدق عليها، وإخراج القلنسوة في باب الكفّارات إنّما هو لدليلٍ آخر، لا لعدم صدق الكسوة، والظاهر صدقها على مثل العمامة.

وهل يدخل النعل والخُفّ وما يُشدّ به الوسط من المَنطقة والخدام ؟ فيه تردّدٌ؟ والأصل يقتضي العدم.

ولو احتاج الثوبُ إلى القصّ و الخياطة، فالظاهر عدم دخوله، لعدم صدق الثوب والكسوة عليه، ولو تعدّدت الثوب من كلّنوعٍمنه، فالظاهر دخول الجميع للإطلاق.

ولا فرق بين أن يكون الثوب ممّا يحرمُ عليه لبسه كالثوب من الحرير وغيره، لعدم الملازمة بين الحُرمة والحِرمان.

وأمّا الخاتم: ففي جملةٍ من النصوص اُضيف إلى الميّت، وعليه فالمراد به ما لم يُعدّ للتجارة أو إلباس الغير، وما شاكل، إلّاأنّه في صحيح حريز ذكر بالتعريف دون الإضافة، وإطلاقه يشمل الجميع.

ولكن الظاهر قيام الإجماع على الاختصاص بما أعدّه لاستعمال نفسه.

والظاهر دخول فُصّ الخاتم فيه، لعدم صدق الخاتم عرفاً بدونه.

ولا فرق فيه بين كونه منقوشاً أم لا، ولا بين أن يكون من الذهب أو الفضّة، أو غيرهما - وفي خصوص الذّهب كلامٌ قد مرّ، وقد عرفت دخوله - ولا بين ما يلبس في الخُنصر وغيرها في اليمين أو اليسار.

ثمّ إنّ الخاتم يُطلق على ما هو حُلية للإصبع ومعروفٌ ، وعلى ما يُوضع على الحجج ويختم به الصكوك، وبين المعنيين عمومٌ من وجه، فما كان جامعاً للوصفين لا

ص: 104

كلام في دخوله، وكذا ما اختصّ بالأوّل للصدق العرفي.

وأمّا ما اختصّ بالثاني، ففي دخوله إشكالٌ ، لعدم كونه متعارفاً عند العرب، والأصل يقتضي العدم.

ولو تعدّد الخاتم، فالظاهر عدم كون أكثر من واحدٍ من الختم داخلاً في الحبوة، لأنّ الخاتم ذُكر بصيغة الوحدة بخلاف الثياب.

وعليه، فإنْ كان واحدٌ منها يغلب نسبته إليه، تعيّن ذلك للانصراف، وإنْ تساوت النسبة، تخيّر الوارث واحداً منها، ولا وجه للرجوع إلى القرعة.

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم السّيف والمُصحف، ووجه اختصاصهما بما لم يُعدّ للتجارة، وما شاكل، وعدم كون أكثر من واحدٍ منهما داخلاً في الحبوة.

وفي دخول حليّة السيف وجفنه وبيت المُصحف وجلده وجهان: من تبعيّتها لهما عرفاً، وخروجها عن حقيقتهما، ولعلّ الأوّل أقوى .

ولو فُصِّل بين ما لا ينفكّ عنهما غالباً كالجِلد في المُصحف والقِراب والقبضة والحمايل في السيف، وبين غير ذلك، وبُني على دخول القسم الأوّل دون الثاني كان أحسن وأوفق بما ينساق إليه أذهان أهل العرف.

بيان من له الحبوة

الجهة الرابعة: لا إشكال في أنّه لا حبوة للأُنثى مطلقاً للإجماع، والتقييد بالذَّكر في جملةٍ من النصوص، المحمول عليه ما في غيره من النصوص، مع أنّه في أحد صحيحي الربعي صرّح بذلك.

والذكور إنْ تعدّدوا فللأكبر منهم الحبوة، وإنْ كانت هناك أُنثى أكبر منهم

ص: 105

إجماعاً، كما في «المسالك»(1) وغيرها، ويشهد به النصوص المتقدّمة، وخصوص صحيح الربعي المصرّح بذلك، فلا يُصغى إلى ما عن الإسكافي(2) بسقوط الحَبوة لو كانت الأُنثى أكبر.

وإنْ اتّحد الولد الذكر كانت الحبوة له إجماعاً، وموثّق الفضلاء، ومرسل ابن اُذينة شاهدان به.

والاستشكال فيه: بأنّ الحبوة للأكبر من الأولاد الذكور، وأفعل التفضيل يقتضي مشاركاً في الفعل.

في غير محلّه: بعد تصريح الروايات بثبوتها له كما عرفت.

ولو تعدّد الأكبر، بأن كان هناك ذكورٌ متساوية في السِّن:

فعن جماعةٍ منهم الشيخ في «النهاية»(3)، والقاضي(4)، وابن حمزة(5):

سقوط الحبوة.

وفي «المستند»(6): لا يبعدُ ترجيح هذا القول.

والمشهورُ بين الأصحاب: عدم سقوطها، وأنّهم يشتركون فيها.

أقول: إنّ جملة من النصوص متضمّنة لثبوت الحبوة للأكبر، وجملة منها متضمّنة لثبوتها للأبن والولد.4.

ص: 106


1- مسالك الأفهام: ج 13/136.
2- حكاه عنه الشهيد الثاني: ص 234، والنراقي في مستند الشيعة: ج 19/222.
3- النهاية: ص 633.
4- المهذّب البارع: ج 2/132.
5- الوسيلة: ص 387.
6- مستند الشيعة: ج 19/224.

أمّا الأُولى: فالظاهر عدم شمولها للفرض، لا لما قيل من ندرة هذا الفرض، لينصرف عنه الإطلاقات، لما مرّ مراراً من أنّ الانصراف الناشيء عن ندرة وجود فردٍ وشيوع آخر، لا يصلحُ مقيّداً للإطلاق.

ولا لما قيل من ظهور الأكبر في الواحد.

فإنّه يردّه: أنّه وإنْ كان ظاهراً في ذلك، لكن لازمه ثبوت الحبوة لأحدهما، أو لأحدهم لا سقوط الحبوة، بل لأنّ الظاهر من الأكبر بقولٍ مطلق هو الأكبر من جميع من عداه، وهذا لا يصدق في الفرض كما لا يخفى .

وأمّا الثانية: فما كان منها ظاهراً في صورة وحدة الولد كموثّقة الفضلاء وما شاكلها، من جهة ما فيها من التفصيل القاطع للشركة، فعدم شمولها للفرض ظاهرٌ.

وأمّا غير تلكم من الأخبار المتضمّنة لأنّ الحبوة للأبن كموثّق العقرقوفي، فقد يقال بعدم شموله أيضاً، فإنّ المطلق لابدّ وأن يُحمل على المقيّد، فإطلاقه مقيّدٌ بالأكبر، فلا مثبت للحبوة في الفرض.

ولكن يمكن ردّه: بأنّ المُطلق إنّما يُحمل على المقيّد فيما إذا وُجد لا مطلقاً.

وعليه، فالموثّق يشملُ الفرض، ومضمونه ثبوت الحبوة للإبن، وهو يصدق على الكثير والواحد، ولازم ذلك اشتراكهما فيها.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يمنع صدقه على الكثير، فلازمه ثبوتها لأحدهما، فيتعيّن حينئذٍ الرجوع إلى القرعة.

وهل الأكبر في التوأمين أو لهما خروجاً، ولو كان التفاوت يسيراً، كما هو الظاهر عرفاً؟

ص: 107

أم هو الذي يخرجُ أخيراً للخبر: «أصابَ رجلٌ غلامين في بطنٍ فهنّأه أبو عبداللّه عليه السلام ثمّ قال: أيّهما الأكبر؟ فقال: الذي خَرَج أوّلاً.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: الذي خَرَج أخيراً هو أكبر، إمّا تعلم أنّها حملت بذاك أوّلاً، وأنّ هذا دخل على ذاك، فلم يمكنه أن يخرج حتّى يخرج هذا، فالذي خَرَج أخيراً هو أكبرهما»؟(1).

وجهان، أظهرهما الأوّل، لأنّ الخبر ضعيفٌ للإرسال، ولجهالة المُرسِل، وهو عليّ بن أحمد الأشيم.

مع أنّ ما رواه الصَّدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام(2): «أكبر ما يكون الإنسان يوم يُولد، وأصغر ما يكون يوم يموت» لعلّه يدلّ على الأوّل.

ثمّ إنّ الظاهر - كما عن المصنّف رحمه الله(3) في «الإرشاد» - اختصاص الحكم بالولد للصُّلب، فلا تثبتُ الحبوة لولد الولد، لعدم صدق ما أُخذ في الموضوع من الابن والولد لولد الولد كما مرّ.

وهل يعتبر انفصال الولد عند موت أبيه، أم يُحبى الحمل أيضاً مطلقاً، أم بشرط كونه متّصفاً بالذكوريّة حين الموت، فلو تمّ له أربعة أشهر يُحبى، وإلّا فلا؟

وجوهٌ وأقوال، أظهرهما الأخير:

أمّا عدم اشتراط الانفصال: فلصدق الولد الذَكَر على الحمل، ولذا يُعزل له نصيبُ الذكر.

ولأنّ الحبوة إرثٌ ، فإنّ انتقالها إنّما هو بالإرث، وقد ثبت أنّ الحمل يرث.0.

ص: 108


1- وسائل الشيعة: ج 21/497 ح 27685، الكافي: ج 6/53 ح 8.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/194 ح 595 الطبعة الرابعة، الوافي: ج 13/42.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/120.

ودعوى: أنّ الحبوة عُلّقت على الذَكَر، ولا يُحكم على الحمل بكونه ذكراً.

وأيضاً: أنّ الحكم باستحقاقها مخالفٌ للأصل، فيجبُ الاقتصار على اليقين.

وأيضاً: فإنّ الحكمَ بكون الحَبوة له من حين الموت، كان حكماً غير مطابقٍ للواقع، لعدم إحراز كونه ذكراً، وإنْ حُكم بكونها له بعد التولّد، فقبل أن يُولد:

إنْ حُكم بها للورثة، يحتاج الانتقال عنهم إليه إلى دليلٍ آخر، وهو مفقود.

وإنْ لم يُحكم بها لهم، لزم بقاء المال بلا مالك.

مندفعة: بأنّ الموضوع هو الولد الذَكَر واقعاً، لا ما اُحرز ذكوريّته، وعليه، فلا مانع من الحكم بها له بعد الانكشاف، والحكم بالاستحقاق وإنْ كان خلاف الأصل، إلّا أنّه مع وجود إطلاق الدليل لا وجه للاقتصار على المتيقّن، وإنّما يُحكم بكونها له من حين الموت مراعىً بانكشاف الذكوريّة، كما في الإرث، فلا يلزم شيءٌ من المحاذير.

وأمّا اشتراط الذكوريّة حين الموت: فلتعليق الحُكم على ذلك في النصوص، والصدق المتأخّر لا يكفي في الحكم.

وعليه، فما استوجهه الشهيد الثاني رحمه الله في محكيّ الرسالة بأنّ الحمل يُحبى إنْ كان حين موت أبيه متّصفاً بالذكوريّة وإلّا فلا، وهو الأظهر.

ولا يشترط في المحبوّ البلوغ، لإطلاق الأدلّة، فما عن ظاهر الحِلّي(1)، وصريح ابن حمزة(2) من اعتباره لأنّ الحبوة في مقابل القضاء، ولا يُتعدّى من الصبي، ضعيفٌ لمنع المقابلة أوّلاً، ومنع فوريّة القضاء ثانياً.4.

ص: 109


1- السرائر: ج 3/258.
2- الوسيلة: ص 384.

إذا لم يكن سفيهاً ولا فاسد الرأي

وهل تختصّ الحَبوة بما (إذا لم يكن) المحبوّ (سفيهاً ولا فاسد الرأي) كما في المتن، وعن ابني حمزة(1) وإدريس(2)، بل في «الشرائع»(3) نسبته إلى قولٍ مشهور؟

وعن «المقنعة»(4)، و «النهاية»(5)، و «القواعد»(6) وغيرها اعتبار الأوّل ؟

أم لا تختصٌّ بذلك، فَيُجى السفيه والمخالف ؟

وجوهٌ أظهرها الثالث لإطلاق الأدلّة.

واستدلّ لاعتبارهما: بأنّ السفيه والمخالف ليسا أهلاً للكرامة، الظاهرة في حِكمة الحباء، الذي هو كالعِوض عمّا يُراد به من قضاء الصلاة والصوم، وبالشَّك في إرادة هذا الفرد من إطلاق النصوص، فيبقى عموم الإرث حينئذٍ سالماًعن المعارض.

واستدلّ لإعتبار الثاني بالخصوص: بما دلّ على جواز إلزام المخالف بمذهبه.

ولكن يرد على الأوّل: منع كون الحكمة ذلك، وعدم وجوب اطّرادها.

وعلى الثاني: أنّ التمسّك بالإطلاق إنّما هو في فرض الشكّ في إرادة فردٍ من الإطلاق.

وعلى الثالث: أنّ إلزام المخالف بمذهبه وإنْ جاز، ولكن ليس ذلك من باب2.

ص: 110


1- الوسيلة: ص 384.
2- السرائر: ج 3/258.
3- شرائع الإسلام: ج 4/826.
4- المقنعة: 684.
5- النهاية: 633.
6- قواعد الأحكام: ج 3/362.

بشرط أن يخلِف الميّت غير ذلك

الشرطيّة، ولذا لم يشترط أحدٌ في إبطال العول والعُصبة عدم فساد الرأي، بل حَكَموا به مطلقاً، مع تصريحهم - كجملةٍ من الأخبار - بجواز إدانة المخالف بمعتقده فيهما.

وبما ذكرناه يظهر عدم اعتبار العقل، وأنّ المجنون أيضاً يُحبى .

نعم، يعتبر إسلامه، لأنّ الحبوة ميراثٌ ، والكافر لا يَرث.

إنْ لم يكن للميّت مال سوى الحباء

الجهة الخامسة: المشهور بين الأصحاب - كما في «المسالك»(1) - أنّ الحَباء مشروطٌ (بشرط أن يخلِف الميّت غير ذلك).

وعن «شرح القواعد» للهندي: (اتّفقوا على ذلك)(2).

وعن ظاهر «رسالة الشهيد الثاني رحمه الله»(3) وصريح آخر(4): عدم اعتبار ذلك.

وظاهر «المسالك»(5): التوقّف فيه.

ويشهد للثاني إطلاقُ النصوص.

واستدلّ للمشهور:

1 - بلزوم الإجحاف والإضرار بالورثة لولا الشرط.

ص: 111


1- مسالك الأفهام: ج 13/135.
2- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/291.
3- رسائل الشهيد الثاني: ص 238.
4- كما في مفاتيح الشرائع: ج 3/330، وكشف اللّثام: ج 9/421.
5- مسالك الأفهام: ج 13/135.

2 - وبأنّ لفظ الحبوة مؤذنٌ ببقاء شيء آخر.

3 - وبوجوب الاقتصار على المتيقّن.

4 - وبانصراف النصوص عن فرض عدم تخلّف شيء آخر.

5 - وبأنّه دلّ الدليل على الإحتساب، وهذا يلازم وجود شيءٍ آخر، بل يلازم عدم نقصان نصيب كلٍّ من الورثة عمّا كان عليه قبل الحبوة.

6 - وبمضمر سماعة المتقدّم(1): «سألته عن الرّجل يموت ما له من متاع البيت ؟ قال: السيف... الخ»(2).

أقول: والجميع كما ترى :

إذ لزوم الإجحاف والإضرار ممنوعٌ ، وعلى فرضه لا مانع عنه.

ولفظ الحبوة ليس في النصوص أوّلاً، وإيذانه بما ذُكر ممنوعٌ ثانياً.

والاقتصارُ على المتيقّن لا وجه له، بعد إطلاق الدليل.

والانصرافُ ممنوعٌ كما مرّ مراراً.

والاحتساب قد مرّ عدم القول به.

ومضمر سماعة إنّما يكون القيد فيه في كلام السائل لا الإمام عليه السلام، مع أنّه لا مفهوم له كي يقيّد إطلاق الدليل.

وعليه، فالأظهر بحسب النصوص، عدم اعتبار ذلك، لكن مخالفة القوم مشكلة.

ثمّ على القول بالاشتراط:

هل يكفي بقاء أقلّ ما يتموّل كما هو مقتضى إطلاق كلماتهم ؟2.

ص: 112


1- وسائل الشيعة: ج 26/99 ح 32576، تهذيب الأحكام: ج 6/298 ح 39.
2- وسائل الشيعة: ج 26/215 ح 32856، الاستبصار: ج 3/46 ح 152.

أم يعتبر كونه كثيراً يزول به الإضرار، كما هو مقتضى تعليلهم ؟

احتمالان.

وفي المقام وجوهٌ اُخر أغمضنا عن التعرّض لها، لأنّ كلّ ذلك تهجسٌ في الحكم الشرعي، والقول به من غير دليل.

الجهة السادسة: ومن شَرط الحَباء عند جماعةٍ خلوّ الميّت من دَينٍ مستغرق للتركة، بل الظاهر أنّه المشهور بين الأصحاب، بل لم أعثر في ذلك على مخالفٍ .

والوجه فيه: ظاهرٌ، فإنّ الحَباء نوعٌ من الإرث، وانتقال الحبوة إنّما يكون بالتوريث، والدين مقدّمٌ على الإرث بلا كلام.

بل في «المسالك»(1): (ولو كان هناك دينٌ غير مستغرقٍ ، ففي منعه من قابله مثلها بالنسبة وجهان، أظهرهما ذلك) انتهى .

وإنْ نُسب العدم في محكيّ «الرسالة» إلى ظاهر الأصحاب(2).

واستدلّ للأوّل في «المسالك»: (بأنّه كما يمنع الدين غير الحَباء من الميراث، كذلك الحباء)(3).

وحاصله: أنّ الدين يتعلّق بالتركة على الشياع، والحبوة منها، فيصيبها نصيبها.

واستدلّ للثاني في «الرسالة»: على ما حُكي بعموم النصوص، قال: (ويؤيّده إطلاق النصوص والفتاوى باستحقاق جميع الحبوة، مع أنّ الميّت لا ينفكّ عن دينٍ5.

ص: 113


1- هذه الجملة وردت في المسالك: ج 13/135 بلفظ آخر هو: (ولو كان هناك دين غير مستغرق ففي منعه من مقابلته منها (وفي نسخة أُخرى مثلها) بالنسبة وجهان أظهرهما ذلك) انتهى .
2- رسائل الشهيد الثاني: ج 1/548.
3- مسالك الأفهام: ج 13/135.

في الجملة إلّانادراً)(1).

فلو كان لمطلق الدين أثرٌ في النقص عليها لنبّهوا عليه فيهما.

وأيضاً: فإنّ الواجب من الكفن ومؤونة التجهيز كالدين، بل أقوى ، لتقدّمه عليه، ويتعلّق بالتركة شياعاً، فيلزم أنْ لا يُسلّم الحَبوة لأحدٍ، وهو منافٍ لإطلاق إثباتها فيهما.

ثمّ ردّ العموم بالتخصيص، والبواقي بأنّها مجرّد استبعاد لا يُعارض ما سبق.

وفيه: فرقٌ واضحٌ بين الإرث مطلقاً، وخصوص الحبوة، فإنّ الإرث إنّما يكون في جميع المال، ونصيب كلّ واحدٍ من الورثة إنّما هو حصّة مشاعة من جميع التركة، وحيثُ دلّ الدليل على تقدّم الدين على الإرث، وأنّه يتعلّق بالمال أوّلاً لزم منه تعلّقه بما هو نصيبُ كلّ واحدٍ منهم بنسبة ما يرثه.

وأمّا الحبوة: فقد دلّ الدليل على اختصاصها بأُمورٍ معيّنة خارجيّة، فحينئذٍ:

إنْ كان الدين مستغرقاً، كان لازم تقدّم الدين صرفها فيه.

وإنْ لم يكن مستغرقاً، كان مقتضى الجمع بين دليل الدين ونصوص الحبوة، تعلّق الدين بغير الحبوة من التركة.

وإنْ شئتَ فاختبر ذلك من نظائر المقام في العرف، فلو قال القائل: (بعتُكَ نصف الدار، وبعتُ عمرواً نصفها الآخر) كان ذلك مشتركاً بينهما، أمّا لو قال: (بعتُكَ نصف الدار، وبعتُ عمرواً الجانب الشرقي من الدار) وكان البيعان في زمانٍ واحد فينصرف النصف إلى غير الجانب الشرقي بمقدار نصف المجموع.

وعليه قضاء ما على الميّت من صلاةٍ وصيام8.

ص: 114


1- رسائل الشهيد الثاني: ج 1/548.

وإنْ شئت قلت: إنّه مع عدم استغراق الدين، يتوارد حقّان على مالٍ واحد، أحدهما متعلّقٌ بأموال معيّنة، والثاني متعلّقٌ بالجميع، فالجمع بين الحقّين يقتضي صَرف الدين إلى غير متعلّق الحبوة، فتدبّر فإنّه دقيق.

وعليه، فالأظهر ما عليه ظاهر الأصحاب.

أقول: وبذلك يظهر حكم ما لو أوصى بجزءٍ من التركة مطلق، كمائة درهم، أو منسوب كالثلث، فإنّ ما ذكرناه من الدين يجري فيه.

نعم، له أن يُوصي بعين الحبوة وينفّذ، لعموم الأدلّة، ولما دلّ على أنّ الميّت أحقّ بماله مادام فيه الروح، واختصاص المحبوّ بها بعد الموت(1).

وعليه، فإنْ زادت على الثُّلث، اعتبر إجازة المحبوّ وإلّا فلا.

الجهة السابعة: (و) كان (عليه قضاء ما على الميّت من صلاةٍ وصيام)، وقد مرّ الكلام في ذلك في مبحث القضاء من كتاب الصلاة(2).

***1.

ص: 115


1- وسائل الشيعة: ج 19/296 ح 24641، الكافي: ج 7/8 ح 7.
2- فقه الصادق: ج 8/61.

المرتبة الثانية: الإخوة والأجداد إذا لم يكن للميّت ولدٌ، وإنْ نَزل، ولا أحد الأبوين، كان ميراثه للإخوة والأجداد، فللأخ من الأبوين

ميراث الإخوة والأجداد

(المرتبة الثانية) من المراتب الثلاث التي للنَسَب، هي:

1 - (الإخوة) مطلقاً، وأولادهم المُسمّون بالكلالة.

(والأجداد).

أقول: وملخّص القول في المقام:

أنّه (إذا لم يكن للميّت ولدٌ وإنْ نَزل، ولا أحد الأبوين، كان ميراثه للإخوة) وأولادهم، (والأجداد) مطلقاً، بلا خلافٍ ولا كلام، ولايتقدّم عليهم أحدٌ من غيرهم، ولا يكون أحدٌ في مرتبتهم إلّاالزّوج والزّوجة، للإجماع، والآية: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (1)، والأخبار الواردة في الموارد الخاصّة، التي ستمرّ عليك.

نعم، في خصوص ابن الأخ للأبوين مع الأخ للأُمّ خلافٌ سيأتي.

وبالجملة: (ف) الكلام في هذا المقام يقع في مباحث:

المبحث الأوّل: في ميراث الإخوة إذا لم يكن معهم جَدٌّ ولا جَدّة، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: (للأخ من الأبوين) إذا انفرد عمّن يرث معه من أهل طبقته، المال

ص: 116


1- سورة الأنفال: الآية 75.

كلّه بالقرابة، بلا خلافٍ ولا إشكال، والشاهد به الإجماع والكتاب والسُّنة:

أمّا الكتاب: فقوله تعالى : (وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (1).

وأمّا السُّنة: فطائفة من الأخبار:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام(2):

«عن رجلٍ مات وترك أخاه ولم يترك وارثاً غيره ؟ قال عليه السلام: المال له» الحديث.

ومنها: خبر موسى بن بكير، قال: «قلتُ لزرارة: إنّ بكراً حدّثني عن أبي جعفر عليه السلام(3): أنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والأُمّ يزادون وينقصون، لأنّهنّ لا يكنّ أكثرُ نصيباً من الإخوة للأب والأُمّ لو كانوا مكانهم، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (4) يقولُ : يرثُ جميع مالها إنْ لم يكن لها ولد، فاعطوا من سَمّى اللّه له النصف كَمَلاً، وعَمَدوا فاعطوا الذي سُمّي له المال كلّه أقلّ من النصف، والمرأة لاتكون أبداً أكثرُ نصيباً من رجلٍ لو كان مكانها.

قال: فقال زرارة: وهذا قائمٌ عند أصحابنا لا يختلفون فيه».

ومنها: صحيح بكير، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا مات الرّجل وله أُختٌ تأخذ نصف الميراث بالآية، كما تأخذ الإبنة لو كانت، والنصف الباقي يُردُّ عليها بالرّحم، إذا لم يكن وارثٌ أقرب منها، فإن كان موضع الاُخت أَخٌ أخذ الميراث كلّه بالآية،6.

ص: 117


1- سورة النساء: الآية 176.
2- وسائل الشيعة: ج 26/152 ح 32700، تهذيب الأحكام: ج 9/323 ح 1160.
3- وسائل الشيعة: ج 26/152 ح 32701، تهذيب الأحكام: ج 9/319 ح 1148.
4- سورة النساء: الآية 176.

فما زاد المال، وللأُخت من قِبلهما النصف، والباقي رَدٌّ عليها. وللأُختين منها فما زاد الثُّلثان، والباقي رَدٌّ عليهما، ولو اجتمع الذكور والإناث فللذَكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين،

لقول اللّه تعالى : (وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (1) وإنْ كانتا اُختين أخذتا الثُّلثين، والثُّلثُ الباقي بالرّحم، وإنْ كانوا إخوة رجالاً ونساءً (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (2) وذلك كلّه إذا لم يكن للميّت ولدٌ وأبوان أو زوجة»(3). ونحوها غيرها.

وكذا لا خلاف ولا إشكال في أنّه إذا كان الإخوة اثنين (فما زاد) يكون لهم (المال) كلّه للإجماع، والأقربيّة، والأحقيّة، والأولويّة القطعيّة ممّا إذا كان واحداً، ويكون المال بينهم بالسَّويّة للإجماع، ولأنّ ذلك هو الأصل في الشركة، خصوصاً مع اتّحاد سببها.

(وللاُخت من قبلهما النصف) للإجماع، وقوله تعالى: (إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) (4)، والنصوص، (والباقي رَدٌّ عليها) إجماعاً، ويشهد به صحيح بكير المتقدّم آنفاً.

(وللاُختين منها زاد الثُّلثان، والباقي رَدٌّ عليهما) للتصريح بذلك في صحيح بكير، مضافاً إلى الإجماع، وإلى قوله تعالى في الأوّل: (فَإِنْ كانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ ) (5).

(ولو اجتمع الذكور والإناث، ف) المالُ كلّه للكلّ ، و (للذَكَر مِثلُ حَظّ الأُنثَيَين)6.

ص: 118


1- سورة النساء: الآية 176.
2- سورة النساء: الآية 11.
3- وسائل الشيعة: ج 26/153 ح 32704، بحار الأنوار: ج 101/341 ح 2. (4و5) سورة النساء: الآية 176.

وللواحد من وَلد الأُمّ ذكراً كان أو أُنثى السُّدس، والباقي رَدٌّ عليهما،

للإجماع، ولقوله تعالى: (وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (1)، وللنصوص المتقدّمة.

ميراث الإخوة للأُمّ

المسألة الثانية: (وللواحد من وَلد الأُمّ ، ذكراً كان أو أُنثى السُّدس) بالفرض إجماعاً و كتاباً وسُنّةً .

قال اللّه تعالى: (وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ ) (2).

ويشهدُ لكون المرادُ بالأخ والأُخت في هذه الآية الكريمة، من كان للأُمّ خاصّة - بعد الإجماع - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح بكير بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ طويل، وفيه:

«والذي عنا اللّه تبارك وتعالى في قوله: (وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ...) (3) إنّما عَنى بذلك الإخوة والأخوات من الأُمّ خاصّة»(2).

ونحوه غيره.

(والباقي رَدٌّ عليهما) إجماعاً، ويشهد به:

1 - صحيح ابن سنان المتقدّم.

ص: 119


1- سورة النساء: الآية 176. (2و3) سورة النساء: الآية 12.
2- وسائل الشيعة: ج 26/154 ح 32706، تهذيب الأحكام: ج 9/290 ح 1045.

وللإثنين فصاعداً الثُّلث، والباقي رَدٌّ عليهم الذَّكَر والأُنثى سواء.

2 - وصحيح عليّبن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرّجل يموتُ وَيَدَعُ اُخته ومواليه ؟ قال عليه السلام: المال لاُخته»(1).

3 - وخبر محمّد بن القاسم بن الفضيل، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك امرأةً قرابة له، ليس له قرابة غيرها؟

قال عليه السلام: يدفع المال كلّه إليها»(2).

ونحوها غيرها.

(وللاثنين فصاعداً) ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً (الثُّلث) بالفرض، (والباقي رَدٌّ عليهم) إجماعاً.

ويدلّ على الأوّل: قوله تعالى : (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي اَلثُّلُثِ ) (3).

وعلى الثاني: ما تقدّم.

ويقتسمون المال (الذَّكر والأُنثى سواء) بلا خلافٍ ، وتكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع عليه، ويشهد به:

1 - خبر مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ مات وترك إخوةً وأخوات لأُمّ وجَدّ؟

قال عليه السلام: الجَدّ بمنزلة الأخ من الأب له الثُّلثان، وللإخوة والأخوات من الأُمّ الثُّلث، فهم شركاء سواء»(4).8.

ص: 120


1- وسائل الشيعة: ج 26/153 ح 32703، من لا يحضره الفقيه: ج 4/304 ح 5653.
2- وسائل الشيعة: ج 26/153 ح 32702، الاستبصار: ج 4/151 ح 569.
3- سورة النساء: الآية 12.
4- وسائل الشيعة: ج 26/173 ح 32758، تهذيب الأحكام: ج 9/307 ح 1098.

ويقومُ من يتقرّب بالأب خاصّة مقام من يتقرّب بالأبوين، من غير مشاركةٍ ، وحكمه حكمه.

2 - وصحيح بكير بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في امرأةٍ تركت زوجها وإخوتها لاُمّها وإخوتها وأخواتها لأبيها؟

فقال عليه السلام: للزّوج النصف ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأُمّ الثُّلث، الذَّكَرُ والأُنثى فيه سواء، وبقي سهمٌ فهو للإخوة والأخوات من الأب، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين، الحديث»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وهذه النصوص وإنْ كان مورد بعضها صورة وجود الجَدّ، ومورد بعضها الآخر وجود قرابة الأب، إلّا أنّه يتمّ الحكم بالإجماع المركّب، وعدم القول بالفصل.

وعليه، فيدلّ على الحكم خبر أبي عمير العبدي، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثٍ : «ولا تزاد الإخوة من الأُمّ على الثُّلث ولا ينقصون عن السُّدس، وهم فيه سواء الذَّكر والأُنثى » الحديث(2).

ويمكن أن يستدلّ له: بأنّه مقتضى إطلاق الشركة الموجودة في الكتاب والسُّنة، كما لا يخفى .

حكم المتقرّب بالأب وحده

المسألة الثالثة (ويقومُ من يتقرّب بالأبِ خاصّة مقامَ مَن يتقرّب بالأبوين، من غير مشاركة، وحكمه حكمه) بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا

ص: 121


1- وسائل الشيعة: ج 26/178 ح 32773، تهذيب الأحكام: ج 9/290 ح 1045.
2- وسائل الشيعة: ج 26/81 ح 32536، تهذيب الأحكام: ج 9/249 ح 964.

ولو اجتمع الإخوة من الأبوين مع الإخوة من كلّ واحدٍ منهما،

في «الجواهر»(1).

ويشهد به: عمومات ما دلّ على حكم الأخ، وعمومات تفضيل الرِّجال على النساء، خرج عنها المتقرّب بالاُمّ وحدها بالدليل، ويبقى الباقي، وخصوص صحيح بكير وغيره ممّا تقدّم في المسألة الأُولى .

ويشهد للتفضيل دون المشاركة: ذيل صحيح بكير المتقدّم في المسألة المتقدّمة.

وعلى هذا:

فإذا انفرد الأخ للأب، كان المال له.

وإنْ كان معه ذكرٌ غَيره فالمال بالسَّويّة.

وإنْ كان أُنثى ، فللذَّكر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين.

وإنْ كان المنفرد الاُخت، كان لها النصف فرضاً في كتاب اللّه، والباقي يُردّ عليها قرابةً بآية أُولي الأرحام وغيرها.

ولو كان اُختان فصاعداً، كان لهما أو لهنّ الثُّلثان فرضاً في كتاب اللّه، والباقي يُردُّ عليهنّ أو عليهما قرابةً ، ويقتسمون بالسَّويّة.

حكم اجتماع الإخوة المتفرّقين في جهة التقرّب

المسألة الرابعة: (ولو اجتمع الإخوة من الأبوين مع الإخوة من كلّ واحدٍ منهما) بأنْ كان له ثلاثة أصناف من الإخوة: أبوينيّ ، وأبيّ ، واُمّيّ :

ص: 122


1- قد يظهر ذلك في الجواهر: ج 39/149-151، وقد ذكر ذلك المجلسي في روضة المتّقين: ج 11/214 ونسبه إلى أكثر الأصحاب.

كان لمن يتقرّب بالاُمّ السُّدس إنْ كان واحداً، والثُّلث إنْ كانوا أكثر بينهم بالسَّويّة، وإنْ كانوا ذكوراً وإناثاً، ولمن تقرّب بالأبوين الباقي واحداً كان أو أكثر، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين وسَقط الإخوة من الأب.

(كان لمن يتقرّب بالاُمّ السُّدس إنْ كان واحداً، والثُّلث إنْ كانوا أكثر، بينهم بالسَّويّة، وإنْ كانوا ذكوراً وإناثاً).

(ولمن تقرّب بالأبوين الباقي، واحداً كان أو أكثر، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين).

(وسَقَط الإخوة من الأب).

بلا خلافٍ في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه.

واستدلّ المحقّق في «الشرائع»(1) لسقوط الإخوة من الأب عند الاجتماع مع الإخوة من الأبوين: باجتماع السببين في كلالة الأبوين.

وحاصل ما أفاده: أنّ كلالة الأبوين من جهة أنّ ارتباطهم بالميّت إنّما يكون أشدّ، بل جهة قُربهم إليه أكثر من المتقرّب به بأحدهما، فيكون أقرب إلى الميّت عرفاً، فتشملهم آية أُولي الأرحام وغيرها ممّا دلّ على أنّ الأقرب يمنعُ الأبعد.

ولا ينقضُ حينئذٍ بكلالة الأُمّ ، فإنّه ممّن قد خرجوا بالدليل الخاصّ ، ولعلّه إلى ذلك نظر المفيد قدس سره(2) حيث استدلّ لتقديم كلالة الأبوين على كلالة الأب بآية أُولي الأرحام، فلا إيراد عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك -:).

ص: 123


1- شرائع الإسلام: ج 4/20 (المرتبة الثالثة: الإخوة والأجداد).
2- المقنعة: ص 693 (باب ميراث الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات).

1 - صحيح الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام: «ابنك أولى بكَ من ابن ابنك، وابنُ ابنك أولى بكَ من أخيك.

قال: وأخوك لأبيك وأُمّك أولى بكَ من أخيكَ لأبيك، الحديث»(1).

2 - وخبر الحسن بن عمارة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«أيّما أقرب ابنُ عَمٍّ لأب وأُمّ ، أو عمّ لأب ؟

قال: قلتُ : حدّثنا أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه كان يقول: أعيان بني الأُمّ أقربُ من بني العلّات(2).

قال: فاستوى جالساً، ثمّ قال: جئتُ بها من عينٍ صافية، إنّ عبد اللّه أبا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخو أبي طالب لأبيه وأُمّه»(3).

وفي «الجواهر»(4): (قيل: سُمّوا بذلك لأنّ النهل شِربُ الإبل الماء، أو لأنّ الثاني عَلّ بعد نَهل، فكأنّ من تزوّج بأُمّهم بعد الأُولى نَهَل أولى بالأولى ثمّ علّ بالثانية) انتهى .

3 - ومرسل الصَّدوق، قال: «قال النبيّ صلى الله عليه و آله: أعيان بني الأُمّ أحقّ بالميراث من بني العلّات»(5).

ونحوه المرتضوي(6).1.

ص: 124


1- وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32495، تهذيب الأحكام: ج 9/268 ح 974.
2- بنو العلّات: أولاد الرّجل من نسوةٍ شتّى .
3- وسائل الشيعة: ج 26/192 ح 32800، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 1172.
4- جواهر الكلام: ج 39/149.
5- وسائل الشيعة: ج 26/183 ح 32784، من لا يحضره الفقيه: ج 4/273 ح 5621 ولكن فيها كلمة ولد بدل كلمة بني.
6- وسائل الشيعة: ج 26/183 ح 32783، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 11.

وأمّا عن كيفيّة تقسيم الإرث، فما أفاده المصنّف رحمه الله لا خلاف فيه، بل إدَّعى غير واحدٍ عليه الإجماع، ويشهد به:

ما دلّ من النصوص بالمفهوم على أنّ الإخوة للأُمّ لايزادون ولا ينقصون:

منها: صحيح بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن امرأةٍ تركت زوجها وإخوتها وأخواتها لاُمّها وإخوتها لأبيها؟ قال عليه السلام: للزّوج النصف ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأُمّ الثُّلث، والذَّكر والأُنثى فيه سواء... إلى أن قال: ولا ينقصُ الزّوج من النصف، ولا الإخوة من الأُمّ من ثلثهم، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي اَلثُّلُثِ ) (1)، وإنْ كانت واحدة فلها السُّدس، والذي عَنى اللّه تبارك وتعالى في قوله: (وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ ...) (2) الآية إنّما عَنى بذلك الإخوة والأخوات من الأُمّ خاصّة، وقال في آخر سورة النساء: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اَللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي اَلْكَلالَةِ إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ ) (3) يعني اُختا لأبٍ وأُمّ ، أو اُختا لأب (فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (4)، فهم الذين يُزادون ويُنقصون، وكذلك أولادهم الذين يُزدادون ويَنقصون، الحديث»(1).

وقريبٌ منه صحيح محمّد بن مسلم(2).

وهذان الخبرإنْ كالآية الكريمة، يدلّان على أنّ نصيب الإخوة للأُمّ إنْ كان واحداً السُّدس، وإنْ كانوا أكثر الثُّلث، وأنّهم يقتسمون بالسَّويّة.7.

ص: 125


1- وسائل الشيعة: ج 26/83 ح 32541، الكافي: ج 7/101 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 26/83 ح 32541، تهذيب الأحكام: ج 9/292 ح 7.

ولو اجتمع الإخوة من الأُمّ مع الإخوة من الأب خاصّة، كان لمن تقرّب بالاُمّ

وأيضاً: يدلّان على أنّ الباقي للإخوة للأب والأُمّ ، من غير فرقٍ بين أن يكون كلالة الأبوين غير ذات فرضٍ ، بأن كانت ذكراً أو ذكراً وأُنثى ، وبين أنْ تكون ذات فرضٍ ، لم يزداد التركة عن فرضها، وفرض كلالة الأُمّ كأُختين للأبوين والإخوة أو الأخوات للأُمّ ، أو زادت التركة.

وما قيل: إنّه في الكلالتين على قدر نصيبهما، فيردُّ أخماساً إذا كانتا أخاً أو اُختاً لأُمّ ، واُختين فصاعداً للأبوين، أو كانتا إخوة أو أخوات لأُمٍّ واُختاً للأبوين، غير تامّ .

والاستدلال له بالتساوي في القُرب وعدم أولويّة البعض، أيضاً في غير محلّه، لمنع عدم الأولويّة بعد دلالة النّص عليها.

كما أنّ الاستدلال له بما دلّ من النصوص المتقدّمة، على أنّه يرد على من سَمّى اللّه له.

يردّه: أنّ الخبرين الدالّين على أنّ كلالة الأُمّ لا يُزدادون ولاينقصون، يُخصّصان تلك النصوص، فلا إشكال في الحكم.

وربما يُستدلّ له: بأنّ مقتضى قاعدة الأقربيّة المستفادة من آية أُولي الأرحام وغيرها من الأخبار، كون تمام المال لكلالة الأبوين، خرج عنها فرض كلالة الأُمّ بالدليل، فيبقى الباقي تحتها، وهو حسنٌ .

(ولو اجتمع الإخوة من الأُمّ ، مع الإخوة من الأب خاصّة، كان لمن تقرّب بالاُمّ

ص: 126

السُّدس إنْ كان واحداً، والثُّلث إنْ كان أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن تقرّب بالأب، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين. ولو كان الإخوة من قِبل الأب إناثاً كان الرَّد بينهنّ وبين المتقرّب بالاُمّ أرباعاً أو أخماساً.

السُّدس إنْ كان واحداً، والثُّلث إنْ كان أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن تقرّب بالأب، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين) بلا خلافٍ ولا إشكال.

بل عليذلك تدلّ الآية والنصوص، كما مرّ، فيما إذا كان كلالة الأب غير ذاتِ فرضٍ ، أو كانت ذات فرضٍ لا يزيد التركة على الفرائض.

إنّما الكلام (و) الخلاف فيما لو كانت ذات فرض، تزيدُ التركة على الفرائض، كما (لو كان الإخوة من قِبل الأب إناثاً)، فالمشهور بين الأصحاب أنّه يردّ الباقي على كلالة الأب خاصّة.

وعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(1)، والإسكافي(2)، والفضل(3)، والعُمّاني(4)، وابن زُهرة(5)، والحِلّي(6)، والمحقّق(7)، والكيدري(8)، والمصنّف رحمه الله في المقام وفي «التحرير»(9): أنّه (كان الرَّد بينهنّ وبين المتقرّب بالاُمّ أرباعاً أو أخماساً) بالتفصيل2.

ص: 127


1- المبسوط: ج 4/86.
2- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 19/274.
3- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 19/274.
4- فقه ابن أبي عقيل العُمّاني: ص 518، وحكاه عنه في مستند الشيعة: ج 19/274.
5- غنية النزوع: ص 325.
6- السرائر: ج 3/260.
7- شرائع الإسلام: ج 4/823.
8- حكاه عنه في المختلف: ج 9/23.
9- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/162.

المتقدّم في الفرع السابق.

أقول: يمكن أن يستدلّ للمشهور:

1 - بالخبرين المتقدّمين الدالّين بالمفهوم على أنّ كلالة الأُمّ لا يَزدادون ولا يَنقصون.

2 - وبحسن ابن اُذينة، قال: قال زرارة: «إذا أردت أن تُلقى العَول فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب، وأمّا الزّوج والإخوة من الأُمّ ، فإنّهم لاينقصون ممّا سُمّي لهم شيئاً»(1).

وتقريب الاستدلال به: أنّه يدلّ على أنّ الزيادة إنّما تكون لمن يرد النقصان عليه، دون من لا يرد عليه ذلك، والإخوة مِن قِبل الأُمّ لا يَردُ عليهم النقصان، فلا يرد عليهم الزيادة.

3 - وبالمرسل المرويّ في «مجمع البيان»: «ويَصحّ اجتماع الكلالتين معاً لتساوي قرابتيهما، وإذا فضلت التركة عن سهامهم، يُردّ الفاضل على كلالة الأب والأُمّ أو الأب دون كلالة الأُمّ »(2).

وقد يستدلّ له: بموثّق محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في ابن أُختٍ لأبٍ وابنٍ لأُمّ؟

قال عليه السلام: لابن الاُخت للأُمّ السُّدس، ولابن الاُخت للأب الباقي»(3).

بتقريب: أنّه دلّت النصوص على أنّ كلّ قريبٍ لم يكن له فريضة، فهو3.

ص: 128


1- وسائل الشيعة: ج 26/76 ح 32525، تهذيب الأحكام: ج 9/250 ح 965.
2- مجمع البيان: ج 3/36، ونقله صاحب وسائل الشيعة: ج 26/66 ح 32498.
3- وسائل الشيعة: ج 26/170 ح 32751، تهذيب الأحكام: ج 9/322 ح 13.

بمنزلة قريبه.

وعليه، فمقتضى عموم هذه الأخبار أنّ ابن الاُخت بمنزلة الاُخت في مقدار الميراث، فيلزم من ضَمّ الموثّق إلى هذه النصوص أن يكون للاُخت من الأب إذا اجتمعت مع الاُختِ من الأُمّ خمسة أسداس، ولا يردّ الزائد عن الفرضين إلّاعليها.

ويشهد به أيضاً: ما في خبر العبدي المتقدّم: «ولا تزاد الإخوة من الأُمّ على الثُّلث ولا ينقصون من السُّدس».

واستدلّ له في «الوسائل»: بصحيح الكُناسي، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال:

«وأخوك لأبيك أولى بكَ من أخيك لأُمّك».

قال: (وجهه أنّ له ما بقي إنْ كان ذكراً، ويردّ عليه خاصّة إنْ كان أُنثى »(1).

وتوضيحه: إنّ مقتضى الأولويّة الثابتة بالصحيح، هو أن لا يرث المتقرّب بالاُمّ مع وجود المتقرّب بالأب لآية أُولي الأرحام وغيرها، خرج عنها المجمع عليه، وهو إرثه الفرض، فيبقى الباقي.

واحتجّ للقول الآخر بما احتجّ به في الفرع السابق، وقد مرّ الجواب عنه.

وعليه، فما هو المشهور أظهر.

حكم ما لو اجتمعت الكلالة مع أحد الزوجين

المسألة الخامسة: في ما لو اجتمعت الكلالة مع أحد الزوجين، وفيها صور:

الصورة الاُولى: أن يجتمع أحدهما مع كلالة الأُمّ ، فإنّه لا إشكال في أنّ أحدهما

ص: 129


1- وسائل الشيعة: ج 26/171 ح 32754، الكافي: ج 7/76 ح 1.

يرثُ نصيبه الأعلى من النصف أو الرُّبع، ويكون الباقي للكلالة السُّدس إنْ كانت واحدة، والثُّلث إنْ كانت متعدّدة بالفرض في كتاب اللّه، والباقي بالرَّد عليها، ولا يردّ على أحد الزوجين شيءٌ :

1 - للإجماع.

2 - ولما دلّ من النصوص على أنّه لا يَردُ على الزّوج والزّوجة:

منها: موثّق جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يكون الرَّد على زوجٍ ولا زوجة»(1).

ومنها: خبر العبدي، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثٍ أنّه قال: «ولا يزاد الزّوج على النصف، ولا ينقص من الرُّبع، ولا تزاد المرأة على الرُّبع، ولا تنقص من الثُمن، وإنّما يردُ على الكلالة لبطلان التعصيب»(2).

فإنْ قيل: إنّ كلالة الأُمّ أيضاً دلّ الدليل على أنّه لا يزاد نصيبهم، فما الوجه في تخصيص الرَّد عليهم، والعلّة كما تصلح لأن تكون منشأً للرّد على الكلالة، تصلحُ منشأً للرّد على أحد الزوجين أيضاً.

قلنا أوّلاً: إنّ الوجه في ذلك الإجماع.

وثانياً: إنّ الدليل الدّال على عدم الزيادة في نصيب الكلالة منحصرٌ في عدم الزيادة، مع وجود الوارث الآخر الذي يزاد نصيبه وينقص لا مطلقاً، وهذا بخلاف دليل عدم الرّد على الزّوج والزّوجة، فإنّه مطلقٌ شاملٌ للمقام.4.

ص: 130


1- وسائل الشيعة: ج 26/204 ح 32833، تهذيب الأحكام: ج 9/296 ح 1061.
2- وسائل الشيعة: ج 26/196 ح 32808، تهذيب الأحكام: ج 9/249 ح 964.

وللزّوج والزّوجة نصيبها الأعلى ، ويدخلُ النقصُ على المتقرّب بالأبوين أو بالأب.

الصورة الثانية: أن يجتمع أحدهما مع كلالة الأبوين أو كلالة الأب:

(و) في هذه الصورة (للزّوج والزّوجة نصيبها الأعلى ) للإجماع و الكتاب و السُّنة، وحينئذٍ إنْ لم تكن الكلالة من ذوات الفروض، كما إذا كانت ذكراً أو ذكراً وأُنثى ، فالباقي لها، إجماعاً، ولما دلّ على أنّ كلّ ذي رحمٍ بمنزلة الرَّحم الذي يَجرّ به(1)، وقد مرّ أنّ أحد الأبوين إذا اجتمع مع أحد الزوجين، يكون الباقي له، فكذا كلالته، وإنْ كانت من ذوات الفروض، وحينئذٍ:

إن ساوي فرضها وفرض أحد الزوجين التركة، كأن يكون هناك أُختٌ وزوجٌ ، فيأخذ كلٌّ فرضه (و) إنْ نقصتِ التركة عنها كاُختين وزوج (يدخل النقص على المتقرّب بالأبوين أو بالأب) إجماعاً:

1 - لما دلّ من النصوص على أنّهم يزادون ويَنقصون، وقد مرّت، ولحسن ابن اُذينة المتقدّم.

2 - ولصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ :

«وإنّ الزّوج لا ينقصُ من النصف شيئاً إذا لم يكن ولدٌ، والزّوجة لا تنقصُ من الرُّبع شيئاً إذا لم يكن ولد، فإذا كان معهما ولدٌ، فللزوج الرُّبع، وللمراة الثُمن»(2).9.

ص: 131


1- وسائل الشيعة: ج 26/68 ح 32499، الكافي: ج 7/77 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/91 ح 32554، تهذيب الأحكام: ج 9/251 ح 969.

الصورة الثالثة: أن يجتمع أحدهما مع الكلالتين، فيأخذ كلالة الأُمّ نصيبها من السُّدس أو الثُّلث، وأحد الزوجين نصيبه الأعلى من الرُّبع أو النصف، ويكون الباقي لكلالة الأب أو الأبوين، بلا خلافٍ في ذلك، وقد دلّت على جميع ذلك النصوص، لاحظ صحيحي بكير وابن مُسلم المتقدّمين قريباً.

***

ص: 132

وللجَدّ إذا انفرد المال وكذا الجَدّة،

ميراث الأجداد

المبحث الثاني: في ميراث الأجداد إذا لم يكن معهم الإخوة، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: لا يتقدّم على الجَدّ في الإرث أحدٌ غير الأبوين والأولاد وإنْ نزلوا، إجماعاً.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك، وإلى الآية، والنصوص الدّالة(1) على تقديم الأقرب، وأنّه يمنعُ الأبعد - النصوصُ الخاصّة الواردة في الموارد الجزئيّة، وستمرّ عليك جملة منها.

المسألة الثانية: ليس في مرتبة الأجداد من الأنسباء أحدٌ إلّاالإخوة، وهذا أيضاً ثابت بالإجماع والأخبار.

المسألة الثالثة: (وللجَدّ إذا انفرد) عمّن في مرتبته (المال) كلُّه، (وكذا الجَدّة)، من غير فرقٍ بين أن يكون لأبٍ أو لأُمٍّ ، بلا خلافٍ .

ويشهد به: - مضافاً إلى الإجماع، والأقربيّة - خبر سالم بن أبي الجَعد، قال: «إنّ عليّاً عليه السلام: أعطى الجَدّة المال كلّه»(2).

قال الصَّدوق(3) والشيخ(4): (إنّما أعطاها المال كلّه، لأنّه لم يكن للميّت وارثٌ غيره).

ص: 133


1- وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32494، الكافي: ج 7/76 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 26/176 ح 32766، تهذيب الأحكام: ج 9/315 ح 1132.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/285 ح 5649.
4- الاستبصار: ج 4/158 ح 599.

ولو اجتمعا لأبٍ فللذَّكر ضِعف حَظّ الأُنثى ، وإنْ كانا لأُمٍّ فبالسَّوية.

وهو وإنْ كان في الجَدّة، إلّاأنّه يثبتُ الحكم في الجَدّ بعدم القول بالفصل، وبما دلّ من النصوص على أنّه لا يكون نصيب المرأة أكثر من نصيب الرّجل لو كان مكانها.

مع أنّه يدلّ على ذلك في الجَدّ في الجملة: صحيح أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن ابن عمّ وجَدٍّ؟ قال عليه السلام: المال للجَدّ»(1).

المسألة الرابعة: (ولو اجتمعا):

فإنْ كانا (لأبٍ ): كان المال لهما (فللذَّكر ضِعف حَظّ الأُنثى ).

(وإنْ كانا لأُمٍّ ف) يقتسمون المال بينهم (بالسَّويّة) بلا خلافٍ .

ويشهدُ لكون المال في الصورتين لهما: ما تقدّم.

ولأنّهما يقتسمان في الصورة الأُولى بالتفاوت: النصوص الدّالة على تفضيل الرّجال على النساء، وأنّ علّة ذلك أنْ ليس عليهنّ جهادٌ ولا نفقةٌ ولا معقلة، وإنّما ذلك على الرّجال، ولذلك جعل اللّه تعالى للمرأة سَهماً، وللرجل سهمين، كما في صحيح الأحول(2)، وغيره.

وفي ثالثٍ : «أنّ اللّه تبارك وتعالى فَضَّل الرّجال على النساء بدرجةٍ ، لأنّ النساء يرجعون عيالاً على الرّجال»(3).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.1.

ص: 134


1- وسائل الشيعة: ج 26/181 ح 32779، تهذيب الأحكام: ج 9/315 ح 1131.
2- وسائل الشيعة: ج 26/93 ح 32559، الكافي: ج 7/85 ح 3.
3- وسائل الشيعة: ج 26/94 ح 32560، الكافي: ج 7/84 ح 1.

ولو اجتمع المختلفون، فللمتقرّب بالاُمّ الثُّلث وإنْ كان واحداً، والباقي للمتقرّب بالأب

أقول: وهذه النصوص عامّة من حيث التعليل أوّلاً، ومن حيث الإطلاق أو العموم ثانياً، ولا وجه لتقييده أو تخصيصه ببيان علّة تفضيل الأولاد والكلالة، الذين تضمّنتهم الآية الكريمة، والمرسل المرويّ عن «مجمع البيان».

ومتى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الأُمّ ، مع استوائهم في الدرج، كان لقرابة الأُمّ الثُّلث بالسَّويّة، والباقي لقرابة الأب، للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين(1).

واستدلّ له: بالنصوص الآتية الدّالة على تنزيل الأجداد منزلة الإخوة، الثابت لهم هذا الحكم.

ويشهد لاقتسامهما بالسَّويّة في الصورة الثانية: ما تقدّم من أنّه الظاهر من أدلّة الشركة، حيث أُطلقت، ومرسل المجمع والإجماع.

وعليه، فلا إشكال في الحكم أصلاً.

حكم ما لو اجتمع جدودٌ مختلفون

المسألة الخامسة: (ولو اجتمع المختلفون)، كما لو كان جَدّاً أو جَدّة أو هما لأبٍ ، وجَدّاً أو جَدّة أو هما لأُمّ (فللمتقرّب بالاُمّ الثُّلث وإنْ كان واحداً، والباقي للمتقرّب بالأب) إجماعاً في بعض الصور، وعلى المشهور في بعضها الآخر.

توضيحه: إنّ الصور المتصوّرة الحاصلة من ضرب ثلاث صور من صور

ص: 135


1- وسائل الشيعة: ج 26/67 ح 32498 نقلاً عن مجمع البيان: ج 2/18.

وجود المتقرّب بالأب، وهي وجود الجَدّ أو الجَدّة أو هما معاً، في ثلاث صور من صور وجود المتقرّب بالاُمّ ، تسع صور، وقد اتّفقوا على هذا الحكم في ثلاث صورَ منها، وهي صورة اجتماع الجَدّين للأُمّ مع الجَدّين للأب، أو الجَدّ له أو الجَدّة له.

واختلفوا في غيرها من الصور:

فعن عليّ بن بابويه(1)، و «النهاية»(2)، والقاضي(3)، والحِلّي(4)، وابن حمزة(5)، وعامّة المتأخّرين: ثبوت هذا الحكم فيها أيضاً، بل عن «الخلاف» الإجماع عليه(6).

وعن الفضل(7)، والعُمّاني(8): أنّه في صورة اجتماع الجَدّتين يكون للجَدّة للأُمّ السُّدس، وللجَدّة للأب النصف، ويردّ الباقي عليهما بالنسبة.

وعن الصَّدوق: (أنّه في صورة اجتماع الجَدّ للأب مع الجَدّ للأُمّ يكون السُّدس للجَدّ للأُمّ )(9).

وعن التقي(10)، والسيّد ابن زُهرة(11)، والكيدري(12): أنّه في جميع الصور غير1.

ص: 136


1- فقه الرّضا: ص 290.
2- النهاية: ص 647.
3- المهذّب: ج 2/130.
4- السرائر: ج 3/259.
5- الوسيلة: ص 392.
6- الخلاف: ج 4/58.
7- حكاه الكليني عن الفضل بن شاذان في الكافي: ج 7/116.
8- فقه ابن أبي عقيل العُمّاني: ص 514.
9- الهداية: 333.
10- الكافي في الفقه: ص 372.
11- غنية النزوع: 325.
12- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 19/281.

الإجماعيّة يكون السُّدس للمتقرّب بالاُمّ ، والباقي للمتقرّب بالأب.

أقول: وقد استدلّ لما هو المشهور في جميع الصور التسع، بالأخبار الدّالة على أنّه لكلّ قريبٍ نصيبُ من يتقرّب به إلى الميّت وسهمه:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«كان عليٌّ عليه السلام يجعل العمّة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأُمّ ، وابن الأخ بمنزلة الأخ، قال: وكلّ ذي رحمٍ لم يستحقّ له فريضة، فهو على هذا النحو»(1).

ومنها: صحيح أبي أيّوب، عنه عليه السلام: «أنّ في كتاب عليّ عليه السلام: أنّ العمّة بمنزلة الأُمّ ، وبنت الأخ بمنزلته، قال: وكلّ ذي رحمٍ بمنزلة الرَّحم الذي يَجرّ به، إلّاأن يكون وارثٌ أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(2).

ومنها: مرسل يونس، عنه عليه السلام: «إذا التفّت القرابات فالسّابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحدٍ منهم مقام قريبه»(3).

وتقريب الاستدلال بها: أنّها تدلّ على أنّه يرث كلّ قريبٍ نصيب من يتقرّب به إلى الميّت، وحيث أنّ نصيب الأب الثُّلثان، فالمتقرّب بالأب يرثُ نصيبه وهو الثُّلثان، والمتقرّب بالاُمّ نصيبها وهو الثُّلث.

أقول: وأُورد على الاستدلال بها بإيرادات:

الإيراد الأوّل: أنّها في مقام بيان أصل الإرث لا مقداره.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ مقتضى إطلاق التنزيل كونه مثله في مقدار الإرث - أنّه3.

ص: 137


1- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32793، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 1171.
2- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32792، تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 976.
3- وسائل الشيعة: ج 26/69 ح 32501، الكافي: ج 7/77 ح 3.

لو كان المقصود خصوص الإرث، لما كان للتفصيل الذي في النصوص وجهٌ .

الإيراد الثاني: أنّها تدلّ على أنّه لكلّ واحدٍ من ذوى الأرحام نصيبُ من يتقرّب به، ولازم ذلك ثبوت الثُّلث لكلّ واحدٍ من الجَدّ والجَدّة للأُمّ لا الثُّلث لهما.

وفيه: أنّ مفادها أنّ كلّ نوعٍ بمنزلة من يتقرّب به، لا كلّ شخصٍ ، والقرينة عليه الإجماع، وفهم العلماء الأخيار، وعدم صحّة إرادة الشخص في كثيرٍ من الموارد، كما إذا اجتمع مائة من كلالة الأُمّ مع مثلهم من كلالة الأب.

الإيراد الثالث: أنّ للأُمّ نصيبين الثُّلث والسُّدس، فترجيح الأوّل على الثاني يحتاجُ إلى مرجّح وهو مفقود.

وأجاب عنه السيّد في «الرياض»(1): بمنع كون السُّدس فريضتهاالأصليّة، بل هي الثُّلث مطلقاً، وإنّما السُّدس فريضتها بالحاجب، واللّازم ثبوت فريضتها الأصليّة.

وفيه: أنّ كلّاً منهما نصيبها الأصلي، غاية الأمر أحدهما مع عدم الإخوة الحاجبة، والآخر مع وجودها.

فالحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّ السُّدس نصيبها مع فرض وجود الأب، لما مرّ من أنّه من شرائط الحجب، والأب هاهنا ليس بموجودٍ، فشرط هذا النصيب مفقودٌ، فالمورد متمحّضٌ في كون نصيبها الثُّلث.

فإنْ قيل: إنّ الجَدّ منزّلٌ منزلة الأب، ومقتضى إطلاق التنزيل كونه كالأب في الشرطيّة للحَجب.

قلنا: إنّ الأب وجوده شرطٌ في حَجب الإخوة عن النصيب الأعلى للأُمّ ،6.

ص: 138


1- الرياض (ط. ق): ج 2/356.

فعموم التنزيل لو ثبت كان لازمه كونه كافياً في الحَجب بالنسبة إلى الأُمّ ، مع عدم الأب، وهذا واضحُ البطلان، ولم يقل به أحدٌ، حتّى أنّ النصوص الدّالة على أنّ الجَدّ يرثُ مع الأُمّ والأولاد المتقدّمة - التي قد عرفت لزوم طرحها - تدلّ على عدم كفايته في الشرط للحجب، ولذا حكم فيها بأنّ للأُمّ الثُّلث.

وبالجملة: لا إشكال في عدم كفايته في حَجب الإخوة للأب عن نصيب الأُمّ ، وليس البناء على حَجب الإخوة للأب عن نصيب الإخوة للأُمّ مع وجود الجَدّ، مقتضى عموم التنزيل، كما لا يخفى ، فتدبّر فإنّه دقيقٌ جدّاً.

أقول: ويشهد للحكم في بعض الصور موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا لم يترك الميّت إلّاجَدّة - أبا أبيه - وجَدّته - أُمّ أُمّه - فإنّ للجَدّة الثُّلث، وللجَدّ الباقي.

قال: وإذا ترك جَدّة من قِبل أبيه وجَدّ أبيه وجَدّته من قِبل أُمّه، وجَدّة أُمّه، كان للجَدّة من قِبل الأُمّ الثُّلث، وسقط جَدّة الأُمّ ، والباقي للجَدّ من قِبل الأب، وسقط جَدّ الأب»(1).

وعن «النكت»: (الاستدلال للمخالف بخبر محمّد بن حمران، عن زرارة، قال:

أراني أبو عبد اللّه عليه السلام صحيفة الفرائض، فإذا فيها: «لا ينقص الجَدّ من السُّدس شيئاً، ورأيتُ سهم الجَدّ فيها مثبتاً»(2).

قال في وجه الاستدلال به: وهو غيرُ محمولٍ على الجَدّ للأب، لأنّ النّص أنّه إذا كان مع إخوةٍ كان كأحدهم) انتهى (3).ت.

ص: 139


1- وسائل الشيعة: ج 26/176 ح 32767، تهذيب الأحكام: ج 9/313 ح 1124.
2- وسائل الشيعة: ج 26/170 ح 32749، تهذيب الأحكام: ج 9/306 ح 1095.
3- نقله في الرياض (ط. ق): ج 2/256 عن النكت.

ولو دخل الزّوج أو الزّوجة

وفيه أوّلاً: أنّه يدلّ على أنّ سهم الجَدّ لا ينقصُ عن السُّدس، ولا يدلّ على أنّه لا يزيدُ عليه، نعم يدلّ على أنّه ربما يكون نصيبه السُّدس وهو كذلك، فإنّه إذا كان الجَدّ للأُمّ مع الجَدّة لها يرثُ كلّ منهما السُّدس فإنّ الثُّلث لهما.

وثانياً: أنّ موثّق محمّد صريحٌ في أنّه يرثُ الثُّلث مع اعتضاده بالعمومات وعمل الأصحاب.

أقول: وقد انتصر بعضهم للمخالف بالأخبار الآتية، المنزّلة للأجداد منزلة الإخوة، ومقتضاها ما ذكروه، لأنّ الواحد من كلالة الأُمّ نصيبه السُّدس، فليكن أيضاً نصيبُ الجَدّ المنزّل منزلته، عملاً بعموم المنزلة.

وفيه أوّلاً: ما أفاده الصَّدوق رحمه الله من أنّه نزّل فيها الجَدّ منزلة الإخوة لا مطلقاً، بل في صورة كونه مع الكلالة.

وثانياً: أنّه نُزّل الجَدّ للأب منزلة الأخ له، ولا يلازم ذلك تنزيل الجَدّ للأُمّ منزلة كلالتها.

وثالثاً: أنّ موثّق محمّد أخصُّ منها.

ثمّ إنّ هذين الوجهين لو تمّا، يثبت بهما مذهب التقي وتابعيه، وأمّا القولان الآخران فلم أعثر لهما على دليل.

المسألة السادسة: (ولو دخل الزُّوج أو الزّوجة) كان له نصيبه الأعلى من النصف أو الرُّبع، والباقي للباقي بلا خلافٍ .

ص: 140

دَخَلَ النقصُ على المتقرّب بالأب.

والأقربُ يمنعُ الأبعد.

ويشهد له: - مضافاً إلى الإجماع - أنّ الجدودة بمنزلة الأب والأُمّ ، فكما أنّ لهما الباقي بعد نصيب الزّوج أو الزّوجة، فكذلك للجَدّودة، وحينئذٍ إنْ كان الباقي من الفريقين - أي المتقرّب بالاُمّ ، والمتقرّب بالأب - كان الثُّلثُ للمتقرّب بالاُمّ ، والباقي وهو السُّدس للمتقرّب بالأب في (دَخل النقص على المتقرّب بالأب) بلا خلافٍ .

والدليل عليه: - غير الإجماع - أنّ المتقرّب بالاُمّ بمنزلة الأُمّ ، والمتقرّب بالأب بمنزلة الأب، على ما هو مفاد النصوص المتقدّمة.

(و) المسألة السابعة: الجَدّ (الأقرب يمنعُ ) الجَدّ (الأبعد) بلا خلافٍ ولا إشكال، ويشهد به - مضافاً إلى الإجماع، وإلى قاعدة الأقربيّة، المستفادة من الكتاب(1)والسُّنة - موثّق محمّد بن مسلم المتقدّم.

***5.

ص: 141


1- سورة الأنفال: الآية 75.

ولو اجتمع الإخوة والأجداد، كان الجَدّ كالأخ، والجَدّة كالاُخت.

ميراث الإخوة والأجداد إذا اجتمعوا

المبحث الثالث: (و) يدورالبحث فيه عن ميراث الإخوة و الأجداد إذا اجتمعوا.

أقول: قد طفحت كلماتهم بدعوى الإجماع على أنّه (لو اجتمع الإخوة والأجداد، كان الجَدّ كالأخ والجَدّة كالاُخت).

وتوضيح ذلك: إنّ الجدودة المجتمعين مع الكلالة:

تارةً : يكونون متقرّبين بالاُمّ .

وأُخرى : متقرّبين بالأب.

وثالثة: من الفريقين.

والكلالة:

1 - قد تكون كلالة الأُمّ .

2 - وقد تكون كلالة الأب.

3 - وقد تجتمعان.

وعليه، فالكلام يقع في مسائل:

المسألة الأُولى: إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة أو هما من قِبل الأُمّ مع كلالة الأُمّ ، واحدةً كانت أم متعدّدة، ذكراً أم أُنثى ، أو ذكراً وأُنثى ، فالمال كلّه لهم يقتسمونه بالسَّويّة، ويشهد به نصوص:

ص: 142

منها: موثّق أبي بصير، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في ستّة إخوةٍ وجَدّ، قال: للجَدّ السّبع»(1).

ومنها: خبره عنه عليه السلام: «في رجلٍ ترك خمسة إخوة وجَدّاً؟

قال عليه السلام: هي من ستّة لكلّ واحدٍ سهم»(2).

ومنها: صحيحه، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ ماتَ وترك ستّة إخوة وجَدّ؟

قال عليه السلام: هو كأحدهم»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: وهذه وإنْ اختصّت بالجَدّ مع الإخوة وتدلّ على أنّه بمنزلة واحدٍ من الكلالة، إلّاأنّه يتمّ القول في الجَدّة أيضاً:

1 - بعدم القول بالفصل.

2 - ولمرسل «المجمع» المتقدّم.

3 - ولما دلّ من النصوص(4) على أنّه لا يزيدُ نصيبُ الرّجل لو كان مكانها.

4 - ولخبر الحسن بن أبي عقيل، في حديثٍ عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «وكذلك الجَدّة أُختٌ من الأخوات»(5).

وأمّا صحيح ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :1.

ص: 143


1- وسائل الشيعة: ج 26/168 ح 32743، تهذيب الأحكام: ج 9/304 ح 1084.
2- وسائل الشيعة: ج 26/168 ح 32744، تهذيب الأحكام: ج 9/304 ح 1085.
3- وسائل الشيعة: ج 26/165 ح 32735، من لا يحضره الفقيه: ج 4/284 ح 5643.
4- وسائل الشيعة: ج 26/165، من لا يحضره الفقيه: ج 4/285.
5- نقله في الرياض (ط. ق): ج 2/357، وسائل الشيعة: ج 26/170 ح 32750، من لا يحضره الفقيه: ج 4/287 ح 5651.

«قلتُ : فإنْ كان مع الأخ للأُمّ جَدٌّ؟ قال عليه السلام: يعطى الأخ للأُمّ السُّدس، ويعطى الجَدّ الباقي، الحديث»(1).

فمحمولٌ على الجَدّ للأب للإجماع.

أقول: وأمّا الأخبار(2) الدّالة على أنّ الجَدّ يقاسم الإخوة إلى السَّبع، وإذا زادوا لم ينقص نصيبُ الجَدّ من السُّدس.

يردّها: - مضافاً إلى معارضتها بما صرّح فيه بأنّ الجَدّ يُقاسم الإخوة ولو كانوا مائة ألفٍ -(3) ما قاله الشيخ رحمه الله(4) من أنّ هذه الأخبار محمولةٌ على التقيّة، لأنّها موافقة للعامّة، ومخالفة لإجماع الطائفة.

المسألة الثانية: إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة مِن قِبل الأُمّ مع كلالة الأب:

1 - فإنْ كانت الكلالة ترثُ بالقرابة دون الفريضة كالذَّكر، أو الذَّكر والأُنثى :

كان الثُّلث للجَدّ أو الجَدّة أو هما بالسَّويّة، والثُّلثان للكلالة للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين.

أمّا كون الثُّلث للجَدّ أو الجَدّة، والثُّلثين للكلالة: فلما دلّ من النصوص(5) على أنّ القريب الذي لم يستحقّ له فريضة، فهو بمنزلة الرَّحم الذي يَجرّ به ويرث نصيبه.

وأمّا تقسيم الجَدّ والجَدّة بالسَّويّة: فلما مرّ مفصّلاً.

وأمّا تقسيم الكلالة بالتفاوت: فللآية(6) والسُّنة(7).4.

ص: 144


1- وسائل الشيعة: ج 26/152 ح 32700، تهذيب الأحكام: ج 9/307 ح 1096.
2- وسائل الشيعة: ج 26/170 ح 32748، تهذيب الأحكام: ج 9/306 ح 15.
3- وسائل الشيعة: ج 26/165 ح 32734، الكافي: ج 7/110 ح 10.
4- حكاه عنه في وسائل الشيعة: ج 26/170.
5- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32792، تهذيب الأحكام: ج 9/325 ح 9.
6- سورة النساء: الآية 176.
7- وسائل الشيعة: ج 26/152 ح 32701، تهذيب الأحكام: ج 9/319 ح 4.

وأمّا النصوص(1) الدّالة على أنّ الجَدّ كواحدٍ من الإخوة: فمحمولةٌ على أنّ الجَدّ للأب كواحدٍ من الإخوة له، والجَدّ للأُمّ كواحدٍ من الإخوة لها للإجماع، ولذا لم يقل أحدٌ بأنّ الجَدّ للأُمّ كالأخ للأب ولا العكس.

كما أنّ النصوص الآتية الدّالة على أنّ الجَدّ مطلقاً كواحدٍ من الإخوة للأب، محمولةٌ لذلك على الجَدّ للأب.

2 - وإنْ كانت الكلالة ترثُ بالفرض، فحينئذٍ:

إنْ كانت أكثر من واحدة، فيكون للجَدّ أو الجَدّة الثُّلث لما مرّ، وللاُختين فصاعداً الثُّلثان للآية الكريمة.

وإنْ كانت واحدةً أُنثى ، كان للجَدّ أو الجَدّة الثُّلث، وللاُخت النصف بالفرض فيبقى السُّدس، واختلفوا فيه:

فعن «النهاية»(2)، والقاضي(3)، وابن نما(4)، والشهيدفي «الدروس»(5) و «النكت»(6)، وظاهر «الإيضاح»(7)، وصريح «الرياض»(8) و «المستند»(9) وغيرها: أنّه يُردُّ على الاُخت.0.

ص: 145


1- وسائل الشيعة: ج 26/164 ح 32730، الكافي: ج 7/110 ح 8.
2- النهاية: ص 638.
3- المهذّب: ج 2/136.
4- حكاه في الرياض: ج 2/357.
5- الدروس: ج 2/368.
6- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: ج 3/559.
7- إيضاح الفوائد في شرح القواعد: ج 4/287.
8- رياض المسائل: ج 2/354.
9- مستند الشيعة: ج 19/220.

وعن ابن زُهرة(1) والكيدري(2): إنّه يردُّ عليهما بنسبة سهامهما فيردّ أخماساً.

وعن «القواعد»(3)، و «التحرير»(4): التوقّف في المسألة في خصوص الاُخت للأب دون الاُخت للأبوين.

أقول: والأظهر هو الأوّل:

1 - للصحيحين المتقدّمين في مسألة ما لو اجتمع الإخوة من الأبوين مع الإخوة من الأُمّ ، الدالّين على حصر الزيادة والنقصان في كلالة الأب، وحيثُ لايكون فيهما تقييد بما إذا اجتمعوا مع كلالة الأُمّ خاصّة، بل هما عامّان شاملان له ولما إذا اجتمعوا مع الأجداد لها، فيدلّان بالمفهوم على أنّ الجَدّ والجَدّة للأُمّ لا يزيدان.

2 - ولحسن ابن اُذينة، قال: «قال زرارة: إذا أردتَ أن تلقى العول فإنّما يدخلُ النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب»(5).

وقد يستدلّ له: بصحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق في حديثٍ : «وكان عليٌّ عليه السلام يقول: إذا كان وارثٌ ممّن له فريضة، فهو أحقّ بالمال»(6).

بتقريب: أنّ الاُخت للأب أو للأبوين بما أنّ لها الفريضة تكون أحقّ بالجميع، خرج عنه الثُّلث وبقي الباقي.

وأيضاً استدلّ بعضهم له: بصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن7.

ص: 146


1- غنية النزوع: ص 325.
2- حكاه في الرياض: ج 2/357.
3- القواعد: ج 2/173.
4- التحرير: ج 2/165.
5- وسائل الشيعة: ج 26/76 ح 32525، تهذيب الأحكام: ج 9/250 ح 965.
6- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32793، تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 977.

ابن أُختٍ لأبٍ وابنُ أُختٍ لأُمّ؟

قال: لابن الاُختِ من الأُمّ السُّدس، ولابن الاُخت من الأب الباقي»(1).

بتقريب: أنّه جَعل الزيادة لمن هو بمنزلة الاُخت من الأب، فكذلك الاُخت نفسها، ولا بأس بجعله مؤيّداً.

واستدلّ للقول الثاني: بتساويهما في درجة أُولي الأرحام التي هي السبب في الرَّد، وعدم أولويّة أحدهما على الآخر، فيتساويان في الرّد، ولكن على نسبة النصيبين.

أقول: ويظهر جوابه ممّا قدّمناه، ولعلّ وجه توقّف المصنّف رحمه الله في خصوص الاُخت للأب، تسليم هذا الوجه، وأنّ الاُخت للأبوين من جهة تقرّبها بسببين تكون أكثر تقرّباً وأولى، فخرج عنه.

وفيه: ما مرّ.

المسألة الثالثة: إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة أو هما مِن قِبلها مع الكلالتين:

فكلالة الأُمّ يأخذ ما فَرض اللّه لها في كتابه وهو السُّدس، إنْ كانت واحدة، والثُّلث إنْ كانت أكثر، والجَدّ أو الجَدّة أو هما يأخذ نصيب من يتقرّب بها وهي الأُمّ ، فيبقى الثُّلث لكلالة الأب.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الجَدّ لا يكون وحده مصداق قريب الأُمّ ، ليأخذ نصيبها، بل بضميمة الكلالة، فلا وجه لإعطائه الثُّلث.

وعليه، فإن كانت كلالة الأُمّ واحدة كان لها السُّدس، وللجَدّودة السُّدس، والثُّلثان لكلالة الأب، ولا يلزم المحذور إنّما المحذور فيما لو كانت الكلالة أكثر من7.

ص: 147


1- وسائل الشيعة: ج 26/162 ح 32724، تهذيب الأحكام: ج 9/322 ح 1157.

واحدة، فإنّ مقتضى الآية الكريمة كون الثُّلث للكلالة، ومقتضى ما دلّ على أنّ كلّ نوعٍ من الأقرباء يأخذ نصيب من يتقرّب به، كون الثُّلث للكلالة، والجدودة يقتسمون بينهم بالسَّويّة، ولازم ذلك نقصان نصيب كلالة الأُمّ من الثُّلث، وقد دلّت النصوص(1) المعتبرة على أنّه لا ينقص من نصيبهم شيئاً.

أقول: والذي يخطر بالبال عاجلاً أنْ يقال:

إنّ الكلالة تأخذ نصيبها من السُّدس أو الثُّلث بنص الآية الكريمة، والجدودة حكمهم حكم الإخوة بمقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ الجَدّ كالأخ، فإن كان أكثر فسدسان، والباقي لكلالة الأب أو الأبوين، ولا يعارض ذلك ما دلّ على أنّ كلّ قريبٍ يأخذ نصيبَ من يتقرّب به، فإنّه فيمن لم يعيَّن نصيبه كما هو واضح.

ويمكن أن يقال: إنّ النصوص المتقدّمة، المنزّلة للجَدّ منزلة أحد الإخوة، تدلّ بعموم التنزيل على أنّ حكم الجَدّ والجَدّة حكمُ أحد الإخوة، فكما أنّ الإخوة إذا تعدّدوا كأربعة مثلاً لم يرثوا أزيد من الثُّلث، فكذلك في صورة وجود الجَدّ معهم.

وعليه، فالآية الكريمة بضميمة تلك النصوص تدلّ على أنّ كلالة الأُمّ والجَدّ والجَدّة من قبلها يرثون الثُّلث، وتطابق مع مفاد النصوص الدّالة على أنّ كلّ قريبٍ يرثُ نصيب من يتقرّب به، ويبقى الثُّلثان لكلالة الأب.

فإنْ قيل: إنّه يعارضها الأخبار المتضمّنة أنّ الإخوة للأُمّ لا ينقص نصيبهم عن الثُّلث، وفي المقام يلزم النقص، كما لا يخفى .

قلنا: بعد تنزيل الجَدّ والجَدّة منزلة الإخوة، لا يلزمُ نقصانُ نصيب الإخوة عن3.

ص: 148


1- وسائل الشيعة: ج 26/154 ح 32706، الكافي: ج 7/101 ح 3.

الثُّلث، وهذا هو الأظهر.

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة أو هما للأب، مع كلالة الأُمّ ، كان لكلالة الأُمّ السُّدس إنْ كانت واحدة، والثُّلث إنْ كانت أكثر، للآية الكريمة والإجماع، والباقي للجَدّ أو الجَدّة، أو هما معاً، وذلك للإجماع، ولما دلّ على تنزيل قرابة الأب منزلته، ولجملةٍ من النصوص في بعض الفروض:

منها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قلت: فإن كان مع الأخ للأُمّ جَدّ؟

قال عليه السلام: يُعطى الأخ للأُمّ السُّدس، ويعطى الجَدّ الباقي»(1).

ومنها: خبر الكناني، عنه عليه السلام: «عن الإخوة من الأُمّ مع الجَدّ؟

قال عليه السلام: الإخوة من الأُمّ فريضتهم الثُّلث مع الجَدّ»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في الإخوة من الأُمّ مع الجَدّ نصيبهم الثُّلث مع الجَدّ»(3).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة المتضمّنة لهذا المضمون.

المسألة الخامسة: إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة، أو هما للأب، مع كلالة الأب، كان الجَدّ بمنزلة الأخ، والجَدّة بمنزلة الاُخت، يقتسمون المال بينهم للذَّكر ضِعفُ حَظّ الأُنثى ، ويشهد به نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح الفضلاء، عن أحدهما عليهما السلام، قال:0.

ص: 149


1- وسائل الشيعة: ج 26/152 ح 32700، تهذيب الأحكام: ج 9/307 ح 1096.
2- وسائل الشيعة: ج 26/172 ح 32756، تهذيب الأحكام: ج 9/307 ح 1097.
3- وسائل الشيعة: ج 26/173 ح 32757، تهذيب الأحكام: ج 9/308 ح 1100.

«إنّ الجَدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا.

قال: قلت: رجلٌ ترك أخاه لأبيه وأُمّه وجَدّه، أو أخاه لأبيه ؟

أو قلت: ترك جَدّة وأخاه لأبيه وأُمّه ؟

فقال عليه السلام: المال بينهما، وإنْ كانا أخوين أو مائة، فله مثل نصيب واحدٍ من الإخوة.

قال: قلت: رجلٌ ترك جَدّه واُخته ؟

فقال عليه السلام: للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين، وإنْ كانتا اُختين فالنصف للجَدّ، والنصف الآخر للاُختين، وإنْ كُنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإنْ ترك إخوةً وأخوات لأبٍ وأُمّ ، أو لأبٍ وجَدّاً، فالجد أحد الإخوة، والمال بينهم للذَّكر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين.

وقال زرارة(1): هذا ممّا لا يؤخذ فيه، قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك، وليس عندنا في ذلك شكٌّ ولا اختلاف».

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ ترك أخاه لأبيه وأُمّه وجَدّه ؟

قال عليه السلام: المال بينهما نصفان، فإنْكانوا أخوين أو مائة كان الجَدّ معهم كواحدٍ منهم، يصيبُ الجَدّ ما يُصيبُ واحداً من الإخوة.

قال: وإنْ ترك اُخته وجَدّه، فللجَدّ سهمان، وللاُخت سهم. وإنْ كانتا اُختين، فللجَدّ النصف، وللاُختين النصف.

قال: وإنْ ترك إخوة وأخوات من أبٍ وأُمّ وجَدّاً، كان الجَدّ كواحد من الإخوة1.

ص: 150


1- وسائل الشيعة: ج 26/165 ح 32737، تهذيب الأحكام: ج 9/303 ح 1081.

للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين»(1).

ومنها: صحيح أبي عبيدة، عنه عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك إمرأته واُخته وجَدّه ؟ قال عليه السلام: هذه من أربعة أسهم: للمرأة الرُّبع، وللاُخت سهمٌ ، وللجَدّ سهمان»(2).

إلى غير تلكم من النصوص المستفيضة.

أقول: ولكن الجميع في الجَدّ، وأمّا حكم الجَدّة، فيُعلم من الإجماع المصرّح به في كلام غير واحدٍ.

المسألة السادسة: إذا اجتمع الجَدّ أو الجَدّة أو هما من قِبل الأب، مع الكلالتين، كان لكلالة الأُمّ ما فَرَض اللّه لها من السُّدس إنْ كانت واحدة، والثُّلث إنْ كانت أكثر، وكان الباقي بين كلالة الأب والجَدّ أو الجَدّة أو هما للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين، لأنّهم حينئذٍ جميعاً من غير ذوات الفروض، فيرثون نصيب من يتقرّبون به وهو الأب.

المسألة السابعة: لو اجتمع الجَدّ أو الجَدّة أو هما من قبل الأب والأُمّ معاً مع الكلالتين، كان لكلالة الأب الثُّلثان، والثُّلثُ الباقي لكلالة الأُمّ والجَدّ أو الجَدّة أو هما من قبلها، لما مرَّ في المسألة الثالثة.

***3.

ص: 151


1- وسائل الشيعة: ج 26/167 ح 32741، تهذيب الأحكام: ج 9/305 ح 1087.
2- وسائل الشيعة: ج 26/166 ح 32738، تهذيب الأحكام: ج 9/304 ح 1083.

والجَدّ وان علا يُقاسم الإخوة

ميراث الأجداد العُليا

المبحثُ الرابع: في ميراث الأجداد العليا.

(و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: (الجَدّ وإنْ علا يُقاسم الإخوة) والأخوات مطلقاً، بشرط الترتيب، الأقرب فالأقرب، وبشرط أن يصدق النسبة عرفاً، بغير خلافٍ ظاهرٍ مصرّح به في كلام جماعةٍ ، كذا في «الرياض»(1).

واستدلّ له: بالنصوص الكثيرة المتقدّم إلى جملةٍ منها الإشارة، المتضمّنة لتنزيل الجَدّ منزلة الإخوة واقتسامهما للتركة.

وأُورد عليه بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ الإطلاق ينصرفُ إلى الفرد الشائع، وهو الجَدّ الأدنى .

وفيه: إنّ شيوع فردٍ لا يصلحُ موجباً للانصراف المقيِّد للإطلاق، كما مرّ مراراً.

الوجه الثاني: إنّ المتبادر إلى الذهن من الجَدّ هو الأدنى منه، سيّما وفي جملةٍ من كتب اللّغة أنّ الجَدّ أبو الأب وأبو الأُمّ .

وفيه: منع التبادر، واللُّغويون بما أنّهم في مقام بيان المصاديق، ولا يهتمّون بتحديد وتعيين المفاهيم، فلا يدلّ كلامهم هذا على الاختصاص.

ص: 152


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/358.

الجهة الثالثة: معارضة هذه النصوص بعموم ما دلّ (1) على منع الأقرب للأبعد، ولا شكّ أنّ الأخ أقرب من جَدّ الأب، والجمعُ كما يمكن بتخصيص عموم الأقرب، كذا يمكن بتخصيص عموم الجَدّ، ولا مرجِّح لأحدهما.

وفيه: أنّ النسبة بين الدليلين وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّاأنّ الظاهر حكومة دليل تنزيل الجَدّ منزلة الأخ على دليل الأقربيّة، ولا يلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم، ويؤيّده فتوى الأصحاب.

المسألة الثانية: الأقربُ من الأجداد يمنعُ الأبعد، للإجماع، وقاعدة الأقربيّة الثابتة بالآية، والنصوص كما تقدّم

المسألة الثالثة: قال الشهيد الثاني رحمه الله(2) في «المسالك»: (للإنسان أبٌ وأُمٌّ ، وهما واقعان في الدرجة الأُولى من درجات اُصولهم، ثمّ لأبيه أبٌ وأُمٌّ وكذلك لأُمّه، فالأربعة هم الواقعون في درجات الاُصول، وهذه الدرجة هي الأولى من درجات الأجداد والجَدّات.

ثمّ الاُصول في الدرجة الثالثة ثمانية، لأنّ لكلّ واحدٍ من الأربعة أباً وأُمّاً فتُضرب الأربعة في الاثنين، وفي الدرجة الرابعة ستّة عشر، وفي الخامسة إثنان وثلاثون لمثل ذلك، والنصفُ من الاُصول في كلّ درجةٍ ذكورٌ والنصف إناث.

وقد جرت العادة بالبحث عن إرث ثمانية أجداد، وهي المرتبة الثالثة من مرتبتهم، ولا خلاف في أنّ ثلثي التركة لجَدّي الأب وجَدّته، وثلثها لجَدّيه وجَدّتيه9.

ص: 153


1- وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32495، تهذيب الأحكام: ج 9/268 ح 1.
2- مسالك الأفهام: ج 13/149.

من قِبل أُمّه، لأنّ ذلك هو قاعدة ميراث المجتمعين، لا يفرق فيها بين تعدّد الصنفين واتّحاده...).

أقول: ويشهد لذلك ما دلّ (1) على أنّ كلّ نوعٍ من ذوي الأرحام، يرثُ نصيب من يتقرّب به، وأيضاً لا خلاف بينهم في أنّ ثُلثي الأجداد الأربعة المتقرّبين بالأب ينقسمان أثلاثاً، فثلثاهما للجَدّ والجَدّة لأبِ الميّت مِن قِبل أبيه، وثلثهما للجَدّ والجَدّة، لأبيه من قِبل أُمّه.

والدليل عليه: ما دلّ على أنّ لكلّ ذي رحمٍ نصيبُ من يتقرّب به، ونصيبُ أبِ أبِ الميّت، أي جَدّه لأبيه الثُّلثان، فهما لمن يتقرّب به، ونصيبُ أُمّ أبيه الثُّلث، فهو لمن يتقرّب بها.

وأيضاً: لا خلاف بينهم في أنّ ثُلثي الثُّلثين اللّذين للجَدّ والجَدّة لأبيه من قِبل أبيه ينقسمان بينهم أثلاثاً، فالثُّلثان للجَدّ والثُّلث للجَدّة، وذلك من جهة عموم ما دلّ على تفضيل الرّجال على النساء(2).

أقول: إنّما الخلاف بين الأصحاب في موردين:

المورد الأوّل: في ثُلثِ الثُّلثين الّذي هو للجَدّ والجَدّة لأبِ الميّت مِن قِبل أُمّه.

المورد الثاني: في ثلث التركة الذي هو للأجداد الأربعة لأُمّ الميّت:

فعن أكثر الأصحاب: التقسيم في المورد الأوّل بالتفاوت، وفي المورد الثاني بالسَّويّة.1.

ص: 154


1- وسائل الشيعة: ج 26 باب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، وباب 12 من أبواب موجبات الإرث.
2- وسائل الشيعة: ج 26/94 ح 32560، الكافي: ج 7/84 ح 1.

وعن الشيخ معين الدين المصري(1): أنّ ثلث الثُّلثين بين الجَدّ والجَدّة لأبِ الميّت مِن قِبل أُمّه بالسَّويّة، وثُلث التركة ينقسمُ بين الأجداد الأربعة: للأُمّ أثلاثاً، فثلث الثُّلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسَّويّة، وثُلثاه لأبوي أبيها بالسَّويّة أيضاً.

وعن الشيخ زين الدين محمّد بن القاسم البزهي(2): تقسَّم ثلثي التركة بين الأجداد الأربعة: لأبِ الميّت على النحو الذي ذكره الأكثر، وانقسام الثُّلث الذي للأجداد الأربعة للأُمّ أثلاثاً: ثلثه لأبوي أُمّ الأُمّ بالسَّويّة، وثُلثاه لأبوي أبيها أثلاثاً.

وظاهر «الشرائع»(3): التردّد في المسألة.

وقد صرّح غير واحدٍ: بعدم دليلٍ يُرجِّح أحدَ الأقوال.

أقول: والأظهر عند الأحقر ما عليه الأكثر:

أمّا التقسيم بالتفاوت في المورد الأوّل: فلأنّه الأصل عند اجتماع الرّجال والنساء من تفضيل الرّجال، كما يدلّ عليه العمومات المتقدّمة.

وأمّا التقسيم بالسَّويّة في المورد الثاني: فلأنّ أب الأُمّ وأُمّها يقتسمان الثُّلث كذلك، وكلّ قريبٍ يرثُ نصيبَ من يتقرّب به.

ثمّ إنّ ندرة وقوع الفرض كفتنا عن إطالة البحث في ذلك.

***9.

ص: 155


1- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الدروس: ج 2/370، وكذلك حكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك: ج 13/151.
2- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الدروس: ج 2/370، وكذلك حكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك: ج 13/151.
3- الشرائع: ج 4/829.

وأولادالإخوة و الأخوات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد،

ميراثُ أولاد الكلالة

المبحثُ الخامس: في ميراث أولاد الكلالة:

(و) الكلام فيه أيضاً في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: (أولاد الإخوة والأخوات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد) والجَدّات، بلا خلافٍ .

وعن «الانتصار»(1)، و «السرائر»(2)، و «الغنية»(3)، و «كنز العرفان»(4) وغيرها الإجماع عليه.

واستدلّ له في «الرياض»: بالمعتبرة من الصحيح وغيره الدّالة على أنّ كلّ ذي رحمٍ بمنزلة الرَّحم الذي يجرّ به(5).

وأُرود عليه: بأنّه استثنى فيها ما إذا كان هناك أقربُ منه، والجَدّ أقربُ من ابن الأخ والأُخت.

وفيه نظرٌ: فإن الأخ في الأقربيّة نظير الأب، والجَدّ الأبعدُ بدرجة بمنزلة ابن الأخ البعيد عنه بدرجة.

ص: 156


1- الانتصار: ص 585.
2- السرائر: ج 3/260.
3- غنية النزوع: ص 325.
4- كنز العرفان: ج 2/334.
5- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/358.

وكيف كان، فالنصوص الخاصّة تُغنينا عن إطالة البحث في ذلك:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «نشر أبو جعفر عليه السلام صحيفةً فأوّل ما تلقّاني فيه: ابنُ أَخٍ وجَدّ المال بينهما نصفان.

فقلت: جُعِلتُ فداك إنّ القُضاة عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجَدّ بشيء؟

فقال عليه السلام: إنّ هذا الكتاب بخطّ عليّ عليه السلام وإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، قال: «نظرتُ إلى صحيفةٍ ينظرُ فيها أبو جعفر عليه السلام فقرأتُ فيها مكتوباً: ابنُ أَخٍ وجَدّ، المالُ بينهما سواء.

فقلتُ لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مَن عندنا لا يقضون بهذا القضاء، ولا يجعلونَ لابن الأخ مع الجَدّ شيئاً؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: أما أنّه إملاءُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخَطّ عليّ عليه السلام مَنْ فيه بيده ؟!»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «حدّثني جابر عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يَكْذِب جابر: أنّ ابنُ الأخ يقاسم الجَدّ»(3).

ومنها: مرسل سعد بن أبي خلف الصحيح، عن من أجمَعَتِ العصابة على تصحيح ما يَصحّ عنه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«في بناتِ أُختٍ وجَدّ: لبنات الاُختِ الثُّلث، وما بقي فللجَدّ»(4).

حيث أقام عليه السلام بناتَ الاُخت مقام الاُخت، وجَعَل الجَدّ بمنزلة الأخ.9.

ص: 157


1- وسائل الشيعة: ج 26/159 ح 32714، الكافي: ج 7/112 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/160 ح 32718، الكافي: ج 7/113 ح 5.
3- وسائل الشيعة: ج 26/160 ح 32716، تهذيب الأحكام: ج 9/309 ح 1106.
4- وسائل الشيعة: ج 26/160 ح 32720، تهذيب الأحكام: ج 9/309 ح 1109.

وكلّ واحدٍ منهم يرثُ نصيبَ من يتقرّب به، ويقتسمون بالسَّويّة إنْ كانوا لأُمّ ، وإنْ كانوا لأبٍ فللذَّكَر ضِعفُ الاُنثى

إلى غير تلكم من النصوص الواضحة الدلالة على هذا الحكم.

أقول: ثمّ إنّ الأصحاب اطّردوا الحكم إلى الأجداد وإنْ عَلوا، وأولاد الإخوة وإنْ نزلوا، والمدرك لهم العمومات المتقدّمة، وهذه النصوص تصلح مؤيّدةً لها لا دليلاً، لأنّ في صدق الأولاد على أولاد الأولاد سيّما بعد وسائط تأمّلاً، ولكن الظاهر أنّ الحكم اتّفاقي.

(و) المسألة الثانية: (كلّ واحدٍ منهم) أي أصناف الأولاد (يرثُ نصيبَ مَنْ يتقرّب به، ويقتسمون بالسَّويّة إنْ كانوا لأُمٍّ ، وإنْ كانوا لأبٍ فللذَّكَر ضِعفُ الاُنثى ) بلا خلافٍ .

أقول: ويشهدُ للحكم - مضافاً إلى الإجماع - المعتبرة من الصحيح(1) وغيره، الدّالة على أنّ كلّ ذي رحمٍ بمنزلة الرَّحم الذي يجرّ به، إلّاأن يكون وارثٌ إلى الميّت فيحجبه.

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن ابن أُختٍ لأبٍ وابن أُختٍ لأُمّ؟

قال عليه السلام: لابن الاُخت من الأُمّ السُّدس، ولابن الاُخت من الأب الباقي»(2).7.

ص: 158


1- وسائل الشيعة: ج 26/68 ح 32499، تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 976.
2- وسائل الشيعة: ج 26/162 ح 32724، تهذيب الأحكام: ج 9/322 ح 1157.

ومنها: خبره الآخر، عنه عليه السلام: «عن ابن أَخٍ لأب وابنُ أَخٍ لأُمّ؟

قال: لابن الأخ من الأُمّ السُّدس، وما بقي فلابن الأخ من الأب»(1).

وأمّا خبره الثالث عنه عليه السلام، قال: «قلت له: بناتُ أَخٍ وابنُ أخ ؟

قال عليه السلام: المالُ لابن الأخ، الحديث»(2).

فقد حَمَله الشيخ رحمه الله على التقيّة، وجوّز حمله على كون الأخ من الأبوين، وبنات الأخ من الأب وحده.

وتفصيل ما أجملناه: هو ما أفاده السيّد في «الرياض»، قال:

(ولنذكر أمثلة اقتسام أولاد الإخوة منفردين عن الأجداد، ثمّ أمثلة اقتسامهم مجتمعين معهم.

فنقول: لو خلّف الميّت أولاد أَخٍ لأُمّ ، أو أُختٌ لها خاصّة، كان المال لهم بالسَّويّة، السُّدس فرضاً، والباقي ردّاً، من غير فرقٍ بين الذَّكَر والأُنثى .

وإنْ تعدّد من تقرّبوا به من الإخوة للأُمّ أو الأخوات أو الجميع، كان لكلّ فريقٍ من الأولاد نصيبُ من يتقرّب به، يقتسمونه بالسَّويّة.

وإنْ كانوا أولاد أَخ للأبوين، أو الأب، ولا وارثَ سواهم، كان بينهم بالسَّويّة إنْ اتّفقوا ذكوريّةً أو اُنوثيّةً ، وإلّا بالتفاضل.

وإنْ كانوا أولاد أُختٍ للأبوين أو الأب، كان النصف فرضاً والباقي ردّاً مع عدم غيرهم.9.

ص: 159


1- وسائل الشيعة: ج 26/162 ح 32725، تهذيب الأحكام: ج 9/322 ح 1158.
2- وسائل الشيعة: ج 26/163 ح 32726، تهذيب الأحكام: ج 9/323 ح 1159.

وإنْ كانوا أولاد اُختين فصاعداً كذلك، فالثُّلثان لهم فرضاً، والباقي رَدّاً مع عدم غيرهم، ويقتسمونه بالسَّويّة أو التفاضل كما مرّ.

ولو اجتمع أولاد الاُخت للأبوين أو الأب، مع أولاد الأخ أو الإخوة أو الأخوات للأُمّ ، فللفريق الثاني السُّدس مع وحدة من يتقرّبون به، والثُّلث مع تعدّده، وللفريق الأوّل النصف، والباقي يُردّ عليهم خاصّة، أو عليهما، على الاختلاف المتقدّم إليه الإشارة.

ولو اجتمع أولاد الكَلالات الثَّلاث، سقط أولاد من يتقرّب بالأب، وكان لمن يتقرّب بالاُمّ السُّدس مع وحدة من يتقرّب به، وإلّا فالثُّلث، ولمن يتقرّب بالأبوين الباقي.

ولو دخل في هذه الفروض زوجٌ أو زوجة، كان له النصيب الأعلى ، والباقي ينقسم كما تقدّم.

ولو خلّف أولاد أَخٍ للأبوين، وأولاد أُختٍ لهما، ومثلهم مِن قِبل الأُمّ وجَدّاً وجَدّة مِنْ قِبل الأب، ومثلهما من قِبل الأُمّ :

فلكلالة الأُمّ مع الجَدّين لهما الثُّلث، يقتسمونه أرباعاً: ربعٌ للجَدّ، وربعٌللجَدّة، وربعٌ لأولاد الأخ، وربعٌ لأولاد الاُخت، وكلٍّ مِن هؤلاء يقتسمونه بالسَّويّة، والباقي وهو الثُّلثان يُقسَّم على الباقين بالتفاضل؛ فثلثاه للجَدّ من الأب، ولأولاد الأخ من الأبوين أنصافاً بينه وبينهم بالتفاضل، وثلثه للجَدّة وأولاد الاُخت أنصافاً بينها وبينهم كذلك، ولا فرق بين كون الأخ موافقاً للجَدّ في النسبة أو مخالفاً، فلو كان ابنُ أَخٍ لأُمّ مع جَدّ لأب، فلابن الأخ السُّدس فريضة أبيه وللجَدّ الباقي.

ص: 160

ولو انعكس فكان الجَدُّ للأُمّ وابنُ الأخ للأب:

فللجَدّ الثُّلث أو السُّدس على الخلاف المتقدّم، ولابن الأخ الباقي) انتهى كلامه زيد مقامه(1).

المسألة الثالثة: لا يرثُ أولاد الأخ مع الأخ مطلقاً، كما هو المشهور بين الأصحاب، بلا خلافٍ فيه يُعرف إلّامن الفضل بن شاذان(2)، فإنّه شَرّك ابنَ الأخ من الأبوين مع الأخ من الأُمّ ، وابنُ ابنُ الأخ منهما مع ابنُ الأخِ منهما، ونحو ذلك، فجعل السُّدس للمتقرّب بالاُمّ ، والباقي للمتقرّب بالأبوين.

يشهد للأوّل: ما دلّ على منع الأقرب للأبعد(3)، إذ لا شكّ في أنّ الأخ من الأُمّ أقرب من ابن الأخ للأبوين عرفاً.

واستدلّ لما ذهب إليه الفَضل:

تارةً : بأنّ ابن الأخ للأبوين مجمعُ السَّبين، فلا يكون الأخ من الأُمّ الذي فيه سببٌ واحد أقرب إلى الميّت.

وأُخرى : بأنّ الإخوة أصناف، ويعتبر الأقرب من إخوة الأُمّ فالأقرب، وكذلك إخوة الأبوين والأب، ولا يعتبر قُربُ أحد الصنفين بالنسبة إلى الآخر، كما لم يعتبر قُربُ الأخ بالنسبة إلى الجَدّ الأعلى لتعدّد الصنف.

ولكن الأوّل يردّه: أنّ كثرة الأسباب تؤثّر مع التساوي في الدرجة لا مع التفاوت.

ويرد الثاني أوّلاً: أنّ المعتبر هو الأقرب بقولٍ مطلق، بلا نظرٍ إلى الأصناف.5.

ص: 161


1- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/358.
2- حكاه عنه في الفقيه: ج 4/287-288.
3- سورة الأنفال: الآية 75.

وثانياً: إنّ الإخوة صنفٌ واحد كالأولاد، سواءٌ كانوا لأبٍ أو لأُمّ أو لهما أو متفرّقين.

وفي «المسالك» بعد أن أجاب عنه بالجواب الثاني، قال: (مضافاً إلى النَّص الصحيح)(1).

ولم يُعثر عليه من تأخّر عنه، ولا حاجة إليه بعد وضوح الحكم، واللّه تعالى أعلم.

***2.

ص: 162


1- مسالك الأفهام: ج 13/152.

المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال:

وإنّما يرثونَ مع فَقد الأوَّلين

ميراث الأعمام والأخوال

(المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال) وأولادهم، وهم اُولوا الأرحام (وإنّما يرثون مع فَقد الأوَّلين) كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لم يُنقل الخلاف إلّاعن يونس، فإنّه شَرّك العَمّ مع ابن الأخ(1).

واستدلّ للمشهور في «الرياض»(2):

1 - بظهور أقربيّة كلٍّ من آحاد المرتبة الثانية من كلّ أهل هذه المرتبة، فالميراثُ لهم لعموم ما دلّ على منع الأقرب الأبعد من الآية(3)، والرواية(4).

2 - وبالرَّضوي: «ومَن تَرَك عَمّاً وجَدّاً، فالمال للجَدّ، فإنْ تَرَك عَمّاً وخالاً وأخاً، فالمالُ بين الأخ والجَدّ، ويسقط العَمّ والخال»(5).

ولكن يردُ على الأوّل: أنّ ابن الأخ لا سيّما المراتب النازلة منه لا يكونُ أقربُ من العَمّ قطعاً.

أمّا الرَّضوي: فمضافاً إلى أنّه لايدلّ على تقديم ابن الأخ على العَمّ ، لايكون

ص: 163


1- حكاه عنه في الكافي: ج 7/121.
2- رياض المسائل (ط. ق): ج 2/359.
3- سورة الأنفال: الآية 75.
4- وسائل الشيعة: ج 26 باب 1 و 2 و 8 من أبواب موجبات الإرث، وباب 5 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.
5- المستدرك: ج 17/189 ح 21111.

حجّةً ، لعدم ثبوت استناده إلى الإمام عليه السلام.

أقول: فالأولى أن يستدلّ له بصحيح الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ :

«وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك الحديث»(1).

وهو وإنْ كان في بعض الفروض، إلّاأنّه يثبتُ في الباقي بعدم الفصل.

واستدلّ صاحب «الجواهر»: بالنصوص الدّالة عليه(2).

ولم أظفر بها إلّاأن يكون مراده الرّضوي والصحيح، ويمكن أن يكون نظره إلى النصوص الدّالة على أنّ ابن الأخ أو الاُخت يرثُ مع الجَدّ، والجَدّ والإخوة في المرتبة المتقدّمة على هذه المرتبة، فيكون أولاد الإخوة أيضاً مقدّمين ولا بأس به.

أقول: ويمكن أن يُستدلّ له في الجملة بخبر أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «الخال والخالة ترثان إذا لم يكن معهما أحدٌ يرث غيرهم، الحديث»(3).

وكيف كان، فالحكم مسلّم، ومخالفة يونس لا تضرّ.

ثمّ إنّ هذه المرتبة مأخوذة من قوله تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (4) وليست مذكورة في الكتاب بالخصوص، ووردت به أيضاً نصوص صحاح، ستمرّ عليك في ضمن المسائل الآتية.

***5.

ص: 164


1- وسائل الشيعة: ج 26/182 ح 32781، تهذيب الأحكام: ج 9/268 ح 974.
2- جواهر الكلام: ج 39/172.
3- وسائل الشيعة: ج 26/185 ح 32785، الكافي: ج 7/119 ح 2، وفي التهذيب: ج 9/325 ح 1167 زيادة كلمة يرث غيرهم.
4- سورة الأنفال: الآية 75.

فللعَمّ وحده المال، وكذا العَمَّان فما زاد، وكذا العَمّة والعَمّتان والعَمّات،

ميراث الأعمام والعَمّات

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في مواضع:

الموضع الأوّل: في ميراث الأعمام والعمّات، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: إذا مات الميّت ولم يخلّف أحداً ممّن هو في المرتبتين المتقدّمتين ولا غير الأعمام والعمّات ممّن هو في هذه المرتبة ولا الزّوج ولا الزّوجة:

(فللعَمّ وحده المال) كلّه، (وكذا العَمّان فما زاد) يكون المال بينهما أو بينهم بالسَّويّة، إذا كانوا لأبٍ أو لأُمٍّ أو لهما، و (كذا العَمَّة والعَمّتان والعمّات) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، بل الإجماع المُحقَّق عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - قاعدة الأقرب يمنعُ الأبعد، المستفادة من الكتاب والسُّنة المتقدّمين، وصحيح محمّد بن مسلم، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يموتُ ويترك خاله وخالته، وعمّه وعَمّته، وابنه وابنته، وأخاه واُخته ؟

قال عليه السلام: كلّ هؤلاء يرثون ويحوزون، فإذا اجتمعت العمّة والخالة، فللعمّة الثُّلثان وللخالة الثُّلث»(1).

والواو هنا بمعنى أو قطعاً لذكر الابن والإبنة والأخ والأُخت.

ص: 165


1- وسائل الشيعة: ج 26/187 ح 32790، تهذيب الأحكام: ج 9/324 ح 1165.

ولو اجتمعوا فللذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين.

أقول: ويمكن أن يستدلّ له بالنصوص الآتية الدّالة على أنّ العَمّ والعمّة بمنزلة الأب، وعليه فلا إشكال في الحكم.

المسألة الثانية: (ولو اجتمعوا) بأن كان هناك عَمٌّ وعَمّة أو أعمام وعمّات من نوعٍ واحد، كان المال كلّه لهم كما مرّ، يقتسمونه بالتفاوت (فللذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين) إجماعاً، إذا كانوا جميعاً من الأبوين أو الأب، وعلى المشهور إذا كانوا جميعاً للأُمّ .

بل عن «الغُنية»: دعوى قيام الإجماع عليه(1).

وعن المصنّف في «الإرشاد»(2)، و «القواعد»(3) وغيرهما(4) من كتبه، والشهيدين في «الدروس»(5) واللُّمعتين(6) وغيرهم: أنّهم إذا كانوا لأُمّ يقتسمونه بالسَّويّة.

بل عن «الكفاية»: لا يُعرف فيه خلاف(7).

بل في «الرياض»(8): (بل نَفى عنه الخلاف جملةٌ ومنهم صاحب «الكفاية»).

أقول: ويشهد للمشهور خبر سلمة بن محرز، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «في عَمّ وعمّة، قال: للعَمّ الثُّلثان وللعمّة الثُّلث»(9).9.

ص: 166


1- غنية النزوع: ص 326.
2- إرشاد الأذهان: ج 2/122-123.
3- قواعد الأحكام: ج 3/370.
4- تحرير الأحكام: ج 2/166 (ط. ق).
5- الدروس: ج 2/373.
6- اللّمعة: ص 228.
7- كفاية الأحكام: ص 300.
8- رياض المسائل: ج 2/359 (ط. ق).
9- وسائل الشيعة: ج 26/189 ح 32795، تهذيب الأحكام: ج 9/328 ح 1179.

وأُورد عليه تارةً : بضعف السند.

وأُخرى : بعدم صراحة الدّلالة لا احتمال الاختصاص بالعَمّ أو العمّة للأب أو للأبوين خاصّة.

وثالثة: بمعارضته مع اقتضاءشركة المتعدّدين في شيء اقتسامهم له بينهم بالسَّويّة.

أقول: والجميع محلّ منعٍ :

أمّا الأوّل: فلأنّه ينجبر ضعفه بالعمل، ومن الغريب ما في «الرياض» حيث إنّه يستدلّ به في ما إذا كانوا جميعاً للأبوين أو للأب، مدّعياً أنّ ضعفه منجبرٌ بالعمل، ولكنّه في ما إذا كانوا جميعاً للأُمّ .

ويردّه: بقصور السَّند، وعدم الجابر له في هذه الصورة، فإنّ المحتاج إلى الجبر هو السند، وبعد جَبره لا احتياج إلى العمل به في كلّ موردٍ خاصّ ، بل يكون إطلاقه حينئذٍ كإطلاق الخبر الصحيح حجّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظهور كالصَّراحة حجّة، ولا نحتاج في استفادة الحكم من الخبر إلى صراحته فيه، بل يُكتفى بالظهور، كما لا يخفى .

وأمّا الثالث: فلأنّ الخبر أخصّ منه، وظهور الخاص مقدّمٌ على ظهور العام.

وعليه، فالأظهر تماميّة دلالته على الحكم في جميع الصور، ويشهد له - مضافاً إلى ذلك - ما دلّ على تفضيل الرّجال على النساء، الشَّامل بعمومه للصور الثلاث.

وبما ذكرناه ظهر مدرك القول الآخر وضعفه.

وعليه، فالأظهر أنّهم يقتسمون المال بالتفاوت.

هذا كلّه إذا كانوا مجتمعين في الدّرجة.

ص: 167

ولو تفرّقوا؛ فللواحد من الاُمّ السُّدس، وللزائد عليه الثُّلث بالسَّويّة، والباقي لمن يتقرّب بالأبوين، واحداً أو أكثر، للذَّكر ضِعف الأُنثى ، وسقط المتقرّب بالأب.

(و) أمّا (لو تفرّقوا) بأنْ كان بعضهم للأبوين، وبعضهم للأب، وبعضهم للأُمّ :

(ف) المشهور بين الأصحاب: أنّ (للواحد من) المتقرّب ب (الاُمّ السُّدس، وللزائد عليه الثُّلث بالسَّويّة، والباقي لمن يتقرّب بالأبوين واحداً أو أكثر، للذَّكر ضِعف الأُنثى ، وسَقَط المتقرّب بالأب).

وعن غير واحدٍ: نفى الخلاف في ذلك كلّه.

أقول: أمّا سقوط المتقرّب بالأب فيشهد به صحيح الكناسي(1) وغيره ممّا تقدّم في مسألة اجتماع الإخوة المتفرّقين.

وأمّا كون التقسيم بين المتقرّب بالأبوين، والمتقرّب بالاُمّ بالنحو المذكور، فقد استدلّ له:

1 - بالإجماع.

2 - وإلحاق الأعمام بالكلالة، وأنّ إرثهم إنّما هو من حيث الإخوة لأب الميّت، فكما أنّ لمن تقرّب منهم بالأُمّ السُّدس مع الوحدة، والثُّلث مع الكثرة بينهم بالسَّويّة، ولمن تقرّب منهم بالأبوين أو الأب بالتفاضل، فكذلك هنا.

وأُورد على الأوّل: بعدم ثبوته، نظراً إلى إطلاق عبارتي الصَّدوق و الفضل باقتسام العَمّ أو العمّة المال بالتفاضل، من دون تفصيلٍ بين كونهما معاً لأبٍ أو لأُمّ أو مختلفين.1.

ص: 168


1- وسائل الشيعة: ج 26/187 ح 32786، الكافي: ج 7/76 ح 1.

وعلى الثاني: بأنّه لا يخرجُ عن القياس.

ثمّ إنّه في الموردين من قال: إنّ مقتضى قاعدة التفضيل، وإطلاق خبر سلمة المتقدّم، أنّهم جميعاً يقتسمون المال بينهم بالتفاوت، من غير فرقٍ بين الصنفين.

وفيه: أمّا الإجماع فلا يَصحّ ردّه، فإنّ مخالفة شخصين لا تضرّ بحجيّته لو كان تعبّديّاً.

وأمّا القياس على الكلالة، فالظاهر عدم كونه قياساً باطلاً.

توضيح ذلك: أنّ الأعمام والعمّات إنّما يتقرّبون إلى الميّت بواسطة كونهم إخوة لأب الميّت، وقد دلّت النصوص(1) على أنّ من لا فرض له إنّما يرثُ نصيب من يتقرّب به، ونصيب الإخوة للأُمّ إذا اجتمعوا مع الإخوة للأبوين أو الأب؛ السُّدس أو الثُّلث بالسَّويّة، والباقي لإخوة الأب أو الأبوين بالتفاضل، فكذلك الأعمام والعمّات الذين هم متقرّبون بالميّت بواسطة الإخوة والأخوات.

أقول: هذا غاية ما يمكن أن يُستدلّ به للمشهور، ولكن في النفس شيئاً، فإنّ ما دلّ على أنّ من لا فرض له يرثُ نصيب من تقرّب به، إنّما يدلّ على أنّه يرثُ نصيب من هو واسطة بينه وبين الميّت، وهو الرابط بينهما، لا على أنّه يرثُ نصيب العنوان المنطبق عليه مع الواسطة، وفي المقام الواسطة هو الأب وهو الرابط، والإخوة إنّما هي عنوانٌ منطبقٌ على العَمّ لو لوحظت النسبة بينه وبين الواسطة، فتدبّر فإنّه دقيق جدّاً.

وعلى ذلك، فيُشكل الأمر، سيّما مع إطلاق خبر سلمة المتقدّم، المؤيّد بقاعدة التفاضل، وثبوت الإجماع التعبدي محلّ نظرٍ.0.

ص: 169


1- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32793، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 10.

ولو فُقِد المتقرّب بهما، قام المتقرّب بالأب مقامه، وحكمه حُكمه.

وعليه، فالأظهر هو الاقتسام على ما أفاده الصَّدوق رحمه الله، وإنْ كان رعاية الاحتياط بالمصالحة وغيرها لا ينبغي تركها.

(و) المسألة الثالثة: الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في أنّه (لو فُقِد المتقرّب بهما) أي الأبوين، (قام المتقرّب بالأب مقامه، وحُكمه حُكمه)، بل عن «الغنية»(1)، و «السرائر»(2) الإجماع عليه.

ويشهد به: كون ذلك مقتضى العمومات والإطلاقات، وإنّما حكمنا بسقوط المتقرّب بالأب مع وجود المتقرّب بالأبوين للنّص الخاصّ ، فيبقي غير تلك الصورة تحت الأدلّة العامّة.

***9.

ص: 170


1- راجع غنية النزوع: ص 325-326.
2- يظهر ذلك من السرائر: ج 3/259.

وللخال المنفرد المال، وكذا الخالان فمازاد، وكذا الخالة والخالتان والخالات.

ولو اجتمعوا تساووا، ولو تفرّقوا فللمتقرّب بالاُمّ السُّدس إنْ كان واحداً، والثُّلث إنْ كان أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن يتقرّب بالأبوين واحداً كان أو أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن

ميراثُ الأخوال والخالات

الموضع الثاني: في ميراثِ الأخوال والخالات، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: (وللخال المنفرد المال) كلّه، (وكذا الخالان فما زاد، وكذا الخالة والخالتان والخالات) للإجماع، والأقربيّة، وخَبر سَلَمة، وصحيح محمّد المتقدّمين، وكونهم بمنزلة الأُمّ .

المسألة الثانية: (ولو اجتمعوا) من نوعٍ واحدٍ، بأن كان جهة قرابتهم متّحدة (تساووا)، سواءً كانوا جميعاً لأبٍ أو لأُمّ أو لهما، بلا خلافٍ فيه.

ويشهد به: الإجماع، ومرسل «المجمع»(1) المتقدّم الدّال على أنّ قرابة الأُمّ يقتسمون المال بالسَّويّة، وقاعدة الشركة.

المسألة الثالثة: (ولو تفرّقوا) بأنْ كانَ بعضهم لأبٍ وأُمّ ، وبعضهم لأبٍ وبعضهم لأُمّ :

(فللمتقرّب بالاُمّ السُّدس إنْكان واحداً، والثُّلث إنْ كان أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن

ص: 171


1- وسائل الشيعة: ج 26/69 ح 32498.

يتقرّب بالأبوين، واحداً كان أو أكثر بالسَّويّة، ويسقط المتقرّب بالأب.

ولو فُقِد المتقرّب بهما، قام المتقرّب بالأب مقامه كهيئته.

يتقرّب بالأبوين، واحداً كان أو أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن يتقرّب بالأبوين، واحداً كان أو أكثر بالسَّويّة، ويسقط المتقرّب بالأب).

(ولو فُقِد المتقرّب بهما، قام المتقرّب بالأب مقامه كهيئته) على المشهور بين الأصحاب.

وفي «الرياض»(1): (ولا خلاف في شيء من ذلك أجده، وبه صرّح جماعة، إلّا في الحكم الأخير من اقتسام الأخوال للأب والخالات له بالتساوي، فقد خالف فيه بعض أصحابنا كما في «الخلاف»)(2).

أقول: وتفصيل القول في المقام أنّ هاهنا أحكاماً:

الحكم الأوّل: أنّه يسقط المتقرّب بالأب مع وجود المتقرّب بالأبوين، والظاهر أنّه اتّفاقي، واستدلّوا له:

تارةً : باجتماع السببين في المتقرّب بالأبوين.

وأُخرى : بآية اُولي الأرحام(3).

توضيح ما أفادوه: أنّ المتقرّبين بالأبوين من جهة أنّ ارتباطهم بالميّت وانتسابهم إليه أشدّ، بل جهة قُربهم إليه أكثر من المتقرّب به بأحدهما، فيكونون5.

ص: 172


1- رياض المسائل: ج 2/360 (ط. ق).
2- راجع الخلاف: ج 4/17.
3- سورة الأنفال: الآية 75.

أقربَ إلى الميّت عرفاً، فتشملهم آية اُولي الأرحام وغيرها ممّا دلّ على أنّ الأقرب يمنعُ الأبعد(1).

ولا ينتقضُ بالمتقرّب بالاُمّ ، فإنّه خَرج بالدليل الخاصّ .

الحكم الثاني: أنّ القسمة إنّما تكون أسداساً مع وحدة المتقرّب بالاُمّ ، وأثلاثاً مع التعدّد، ويشهد له اتّفاق الأصحاب عليه، كما عن غير واحدٍ، ولا دليل غيره يعتدّ به.

أقول: وبرغم ذلك فقد استدلّ له:

تارةً : بأنّ ما دلّ (2) على أنّ من لا فرض له يرثُ نصيب من يتقرّب به، بتقريب أنّه يدلّ على أنّه يُعامل في صورة التعدّد معهم معاملة الوارث له، ولا ريب في كون قسمتهم ذلك لو كانوا هم الورثة.

وأُخرى : بأنّ الخؤولة للأبوين أو الأب يتقرّبون بالأب في الجملة.

ويُردّ الأوّل: أنّ ظاهر تلك الأدلّة أنّهم يرثون نصيب من تقرّبوا به، بمعنى أنّه يفرض الواسطة حَيّاً، فالمقدار الذي كان يرثه على فرض الحياة يرثه من تقرّبوا به، لا أنّ الواسطة يفرض ميّتاً، ويورث ما لو كان هو مكان الميّت.

ويشهد بذلك: - مضافاً إلى ظهوره - تنزيل الخالة منزلة الأُمّ ، والعمّة منزلة الأب في صدر بعض تلك النصوص.

ويُردّ الثاني: أنّه لا عبرة بتقرّبهم بالأب، لعدم دخله في المقام، وإنّما الخَؤولة منتسبون بالاُمّ ، ومن تلك الجهة يرثون.0.

ص: 173


1- وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32495، تهذيب الأحكام: ج 9/268 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32793، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 10.

ويمكن أن يُستدلّ له: بأنّ المتقرّب بالأبوين أو بالأب، أقربُ بنظر العرف من المتقرّب بالاُمّ خاصّة، ومقتضى قاعدة الأقربيّة أن يكون تمام المال للمتقرّب بالأب، خرج عن ذلك السُّدس إنْ كان المتقرّب بالاُمّ واحداً، والثُّلث إنْ كان متعدّداً، وبقي الباقي.

الحكم الثالث: أنّ قسمة الثُّلث والباقي إنّما يكون بالسَّويّة.

وفي «المسالك»(1): (اقتسام الخؤولة مطلقاً بالسَّويّة هو المذهب كغيرهم ممّن ينتسب إلى الميّت باُمّ ).

ويشهد له: مرسل «المجمع» المتقدّم، الدّال على أنّ المتقرّبين بالاُمّ يقتسمون المال بالسَّويّة، وهو وإنْ كان في بعض الصور، وهو الاجتماع مع المتقرّبين بالأب، إلّا أنّ الظاهر عدم القول بالفصل، ويؤيّده قاعدة الشركة، وبذلك كلّه يُرفع اليد عن إطلاق دليل التفاضل(2).

***1.

ص: 174


1- مسالك الأفهام: ج 13/164.
2- وسائل الشيعة: ج 26/94 ح 32560، الكافي: ج 7/84 ح 1.

ولو اجتمع الأخوال والأعمام، فللأخوال الثُّلث وإنْ كان واحداً، ذكراً أو أُنثى ، والباقي للأعمام وإنْ كان واحداً ذكراً أو أُنثى .

ميراث الأعمام والأخوال إذا اجتمعوا

الموضع الثالث: في ميراث الأعمام والأخوال إذا اجتمعوا.

أقول: (و) اعلم أنّه (لو اجتمع الأخوال والأعمام) أو الخال أو الخالة، أو اجتمع الأخوال مع الأعمام مع عَمٍّ أو عَمّة (فللأخوال الثُّلث وإنْ كان واحداً ذكراً أو اُنثى ، والباقي للأعمام وإنْ كان واحداً ذكراً أو أُنثى ) كما هو المشهور بين الأصحاب، بل هو المُجمع عليه في صورة اجتماع العَمّ والخال.

ويشهد به: كثيرٌ من النصوص:

منها: صحيح أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «أخرج كتاب عليّ عليه السلام وفيه:

رجلٌ ماتَ وتركَ عمّه وخالته ؟

فقال عليه السلام: للعَمّ الثُّلثان وللخال الثُّلث»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «في رجلٍ ترك عمّةً وخالة ؟

قال عليه السلام: للعَمّة الثُّلثان وللخالة الثُّلث»(2).

ونحوهما غيرهما.

ص: 175


1- وسائل الشيعة: ج 26/186 ح 32787، تهذيب الأحكام: ج 9/324 ح 1162.
2- وسائل الشيعة: ج 26/187 ح 32789، تهذيب الأحكام: ج 9/324 ح 1163.

وهي وإنْ كانت في بعض الصور، إلّاأنّه يثبتُ في غير ذلك بالإجماع المركّب.

أقول: ويشهدُ للحكم في جميع الصور:

1 - أنّ الأخوال بمنزلة الأُمّ ، والأعمام بمنزلة الأب، فكلّ من الفريقين يرثُ نصيب المتقرّب به، وهو الثُّلث والثُّلثان.

2 - ودليل التنزيل - مضافاً إلى وضوحه - وهو صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كان عليّ عليه السلام يجعل العَمّة بمنزلة الأب، وابن الأخ بمنزلة الأخ.

وقال: كلّ ذي رحمٍ لم يستحقّ له فريضة، فهو على هذا النحو»(1).

وصحيح أبي أيّوب، عنه عليه السلام: «أنّ في كتاب عليّ عليه السلام: إنّ العمّة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأُمّ ، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكلّ ذي رحمٍ فهو بمنزلة الرَّحم الذي يجرّ به، إلّاأن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(2).

وبذلك يظهر ما في «المسالك»، حيث قال: «ووجهه أنّ الأخوال يرثون نصيب من تقرّبوا به وهو الاُخت، ونصيبها الثُّلث، والأعمام يرثون نصيب من تقرّبوا به وهو الأخ، ونصيبه الثُّلثان»(3).

فإنّه غير تامّ ، إلّاعلى القول بأن مفاد نصوص إرث القريب معاملة المتقرّبين بالواسطة مع الواسطة، معاملة الوارث له، وقد مرّ أنّ ذلك خلاف ظاهر الأدلّة، بل صريح الصحيحين يدفعه، كما لا يخفى .4.

ص: 176


1- وسائل الشيعة: ج 26/187 ح 32793، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 1171.
2- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 32792، تهذيب الأحكام: ج 9/325 ح 1170.
3- مسالك الأفهام: ج 13/164.

فإنْ تفرّق الأخوال فللمتقرّب بالاُمّ سدس الثُّلث إنْ كان واحداً، وثلثه إنْ كان أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن يتقرّب بالأبوين، وسقط المتقرّب بالأب، وللأعمام الباقي،

أقول: وأمّا ما عن العُمّاني(1)، والديلمي(2)، والمفيد(3)، والقطب(4)، والكيدري(5)، وابن زُهرة(5)، ومعين الدين المصري(7): من تنزيل الخؤولة و العمومة منزلة الكلالة، فللواحد من الخؤولة للأُمّ السُّدس ذكراً كان أم أُنثى ، وللإثنين فصاعداً الثُّلث، والباقي للعمومة بالقرابة مع وجود الذّكر، والثُّلثان بالفرض مع عدمه وثبوت التعدّد، والنصف مع عدمه، والباقي يردّ على الجميع، أو على العمومة أو العمّة بناءً على الخلاف المتقدّم.

فالظاهر أنّ نظرهم إلى تنزيل الخؤلة منزلة الاُخت، والعمومة منزلة الأب بالتقريب المتقدّم، وقد عرفت ضعفه، مضافاً إلى أنّ النصوص الخاصّة تردّه.

وعلى المشهور الذي قوّيناه (فإنْ تفرّق الأخوال، فللمتقرّب بالاُمّ سدس الثُّلث إنْ كان واحداً، وثلثه إنْ كان أكثر بالسَّويّة، والباقي لمن يتقرّب بالأبوين، وسقط المتقرّب بالأب).

ومع عدم التفرّق يقتسمون ثلثهم بالسَّويّة، (وللأعمام الباقي).5.

ص: 177


1- فقه ابن أبي عقيل: ص 511.
2- المراسم العلويّة: ص 225.
3- المقنعة: ص 693.
4- فقه القرآن القطب الراوندي: ج 2/345. (5و7) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 9/29.
5- غنية النزوع: 325.

فإنْ تفرّقوا فللمتقرّب بالاُمّ سدسه إنْ كان واحداً، وإلّا فالثُّلث، والباقي للمتقرّب بهما، وسقط المتقرّب بالأب.

وللزّوج أو الزّوجة نصيبه الأعلى ، وللمتقرّب بهما أو بالأب.

(فإنْ تفرّقوا، فللمتقرّب بالاُمّ سُدسه إنْ كان واحداً، وإلّا فالثُّلث، والباقي للمتقرّب بهما، وسقط المتقرّب بالأب).

أقول: (و) يظهر وجه الجميع ممّا قدّمناه، كما أنّه يظهر منه أنّه لو دخل عليهم الزّوج (و) الزّوجة، يكون (للزّوج أو الزّوجة نصيبه الأعلى ) النصف أو الرُّبع، (وللمُتقرّب بالاُمّ ثُلث الأصل، والباقي للمتقرّب بهما أو بالأب).

***

ص: 178

ويقومُ أولاد العمومة والعمّات، والخؤولة والخالات مقام آبائهم مع عدمهم، ويأخذ كلٌّ منهما نصيب من يتقرّب به واحداً كان أو أكثر.

ميراث أولاد العمومة والخؤلة

الموضع الرابع: في ميراث أولاد العمومة والخؤولة.

أقول: (و) اعلم أنّه (يقومُ أولاد العمومة والعمّات، والخؤولة والخالات مقام آبائهم مع عدمهم، ويأخذ كلّ منهما نصيب من يتقرّب به، واحداً كان أو أكثر) بلا خلافٍ ، ويشهد به:

1 - الإجماع، ودليل المنزلة(1).

2 - وصحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اختلف أمير المؤمنين عليه السلام وعثمان بن عفّان في الرّجل يموت وليس له عُصبة يرثونه، وله ذو قرابة لا يرثون.

فقال عليّ عليه السلام: ميراثه لهم يقول اللّه تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (2) الحديث»(3).

ونحوه غيره.

والأولاد يقتسمون تقاسم الآباء، لأنّ :

1 - لكلّ ذي رحمٍ نصيب من يتقرّب به.

ص: 179


1- وسائل الشيعة: ج 26/188 ح 23792، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 1171.
2- سورة الأنفال: الآية 75.
3- وسائل الشيعة: ج 26/191 ح 32799، تهذيب الأحكام: ج 9/327 ح 1175.

2 - وخبر سَلَمة بن محرز، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«في ابن عَمٍّ وابن خالة: للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين»(1).

شاهدٌ به، فإنّ المراد من (الذَكَر) العَمّ ، ومن الأُنثى الخالة، وعلى هذا فيأخذ ولد العَمّ أو العمّة وإنْ كان أُنثى الثُّلثين، وولد الخال وإنْ كان ذكراً الثُّلث، وابنُ العمّة مع بنتِ العَمّ الثُّلث كذلك، ويتساوى ابن الخال وابن الخالة وبنتهما، ويأخذ أولاد العَمّ والعمّة للأُمّ السُّدس مع الوحدة، والثُّلث مع التعدّد، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً، أو هما كذلك ثلثُ الثُّلث، وباقيه للمتقرّب منهم بالأب، وهكذا القول في أولاد العمومة المتقرّبين بالإضافة إلى الثُّلثين، وهكذا، ويقتسمون أولاد العمومة من الأبوين أو لأبٍ عند عدمهم بالتفاوت (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) (2) إذا كانوا إخوة مختلفين في الذكوريّة والاُنوثيّة، ويقتسم أولاد العمومة من الأُمّ بالتساوي، وكذا القول في أولاد الخؤولة المتقرّبين.

أقول: وبما ذكرناه يظهر حكم ما لو اجتمعوا، وأنّ لأولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة للأُمّ سدس الثُّلث، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما ثلثُ الثُّلث، والباقي للمتقرّب منهم بالأب، وهكذا الحكم في البواقي.

***6.

ص: 180


1- وسائل الشيعة: ج 26/193 ح 32802، تهذيب الأحكام: ج 9/328 ح 1179.
2- سورة النساء: الآية 11 و 176.

والأقربُ يمنعُ الأبعد إلّافي صورة واحدة، وهي ابن عَمٍّ من الأبوين مع العَمّ من الأب، فإنّ المال لابن العَمّ خاصّة.

ابن العَمّ من الأبوين مقدّم على العَمّ من الأب

الموضع الخامس: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه لا يرثُ مع العَمّ أو العمّة أحدٌ من أولادهم، وكذا لا يرثُ أولاد الخال والخالة مع وجود أحدٍ من المذكورين، لأنّ (الأقربَ يمنعُ الأبعد) كما في النصوص (إلّا في صورة واحدة، وهي ابنُ عَمٍّ من الأبوين، مع العَمّ من الأب، فإنّ المال لابن العَمّ خاصّة) بلا خلافٍ ، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه.

وفي «المسالك»(1): (وهذه هي المعروفة بالإجماعيّة).

والمستندُ: خبر حَسن بن عمارة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«أيّما أقرب ابن عَمّ لأب وأم أو عَمّ لأب ؟

قال: قلت: حدّثنا أبو إسحاق السُبيعي عن الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقول:

«أعيان بني الأُمّ أقربُ من بني العلّات.

قال: فاستوى جالساً، ثمّ قال: جئت بها من عينٍ صافية، إنّ عبد اللّه أبا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخو أبي طالب لأبيه وأُمّه»(2).

ص: 181


1- مسالك الأفهام: ج 13/158.
2- وسائل الشيعة: ج 26/182 ح 32782، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 1172.

وقول الصَّدوق رحمه الله(1): (فإنْ تَرَك عمّاً لأب وابنُ عَمٍّ لأب وأُمّ ، فالمال كلّه لابن العَمّ للأب والأُمّ ، لأنّه قد جَمَع الكلالتين؛ كلالة الأب وكلالة الأُمّ . وذلك بالخبر الصحيح المأثور عن الأئمّة عليهم السلام، وربما يستدلّ له بخبر الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين عليه السلام: أعيانُ بني الأُمّ يرثون دون بني العلّات(2). والنبوي: أعيان بني الأُمّ أحقّ بالميراث من بني العلّات)(3).

وفيه: إنّ المراد ب (أعيان بني الأُمّ وبني العلّات):

إمّا الإخوة للأبوين من الأُولى ، والإخوة للأب من الثانية.

أو يكون المراد من الأولى مطلق المتقرّب بالأبوين، ومن الثانية المتقرّب بالاُمّ .

وعلى التقديرين لا يتمّ الاستدلال بهما:

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فلأنّهما يدلّان على تقديم المتقرّب بالأبوين مع اتّحاد الدرجة، لا مع الاختلاف.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه من خبر حسن بن عمارة، الظاهر في أنّه ذكر الحَسَن هذه الجملة المأثورة عن أمير المؤمنين عليه السلام جواباً لسؤال الإمام عليه السلام، والإمام عليه السلام قرّره على هذا الجواب، يُستفاد أنّ المراد بهذا النبوي والمرتضوي معنىً يشملُ تقديم ابن العَمّ من الأبوين على العَمّ من الأب.

وكيف كان، فلا يضرّ ضعف السَّند في بعض النصوص الدّالة على هذا الحكم2.

ص: 182


1- المقنع: ص 500.
2- وسائل الشيعة: ج 26/182 ح 32782، تهذيب الأحكام: ج 9 الأعمام والعمّات / 327 ح 1174.
3- وسائل الشيعة: ج 26/183 ح 32784، تهذيب الأحكام: ج 9/326 ح 1172.

من جهة عمل الأصحاب بها.

أقول: وقع الخلاف بينهم في أنّه هل يقتصر على موضع الإجماع، وهو ما إذا انحصر الوارث في ابن عَمٍّ لأب وأُمّ ، وعَمّ لأب لا غير، أم يتعدّى إلى غيره ؟

والخلاف في غير موضع الإجماع وقع في مواضع.

منها: ما إذا كان العَمّ للأب متعدّداً، أو كان ابن العَمّ لهما متعدّداً، أو كانا معاً متعدّدين:

فعن جماعةٍ ، منهم الشهيد(1) رحمه الله: أنّه يقدّم ابن العَمّ في هذه الصور.

ونُقل عنهم في «المسالك»(2) في وجه ذلك:

1 - أنّ المقتضي للترجيح وهو ابن العَمّ مع العَمّ موجودٌ.

2 - وأنّه إذا منع مع اتّحاده فمع تعدّده أولى لتعدّد السَّبب المرجِّح.

3 - وأنّ سبب إرث العَمّين وما زاد هو العمومة، وابن العَمّ مانعٌ بهذا السبب، ومانعُ أحد السببين المتساويين مانعٌ للآخر.

4 - وأنّ ابن العَمّ مفيدٌ للعموم بسبب الإضافة.

والشهيد الثاني رحمه الله ينقل هذه الوجوه، ولا يعترض عليها، وظاهر ذلك تسلّمه أيضاً لها.

ولكن يَردُ على الوجه الأوّل: أنّ كون ابن العَمّ مطلقاً مقتضياً أوّل الكلام، ولعلّ المقتضى ذلك بقيد الوحدة.

ويردُ على الثاني: أنّ السبب في صورة الاتّحاد لو كان نفس العنوان، أي ابن العَمّ9.

ص: 183


1- الدروس: ج 2/336.
2- مسالك الأفهام: ج 13/159.

من الأبوين، كان السبب متعدّداً في صورة التعدّد، وأمّا إنْ كان السبب مركّباً منه ومن قيد الوحدة، ففي صورة التعدّد ينتفي السبب لا أنّه يتعدّد.

ويردُ على الثالث: أنّه يمكن أن يكون مانعيّة ابن العَمّ في فرض وحدة السبب.

ويندفعُ الرابع: بعدم وجود المفرد المضاف في النصوص.

وعليه، فالأولى أن يُستدلّ له بالنبويّ والعلوي: «أعيان بني الأُمّ ...» فإنّهما يشملان صورة التعدّد أيضاً.

ومنهما: ما لو كان معهما زوجٌ أو زوجة:

قال في «المسالك»(1): (والشهيد(2) رحمه الله هنا على أصله في السابق بوجود المقتضي للترجيح، ووجه العدم في الموضعين الخروج عن صورة النّص).

يَردُ على ما استدلّ به الشهيد رحمه الله: ما تقدّم، وإطلاق الخبرين يشمل الموضع أيضاً.

ومنها: ما إذا تغيّرت الذكوريّة بالاُنوثيّة فيهما، أو في أحدهما، كما إذا كان بدل العَمّ العمّة، وبدل ابن العَمّ بنتُ العَمّ .

ونَسب في «المسالك»(3) إلى الشيخ رحمه الله(3) عدم تغيّر الحكم فيما إذا تبدّل العَمّ بالعمّة، نظراً إلى اشتراك العَمّ والعمّة في السببيّة(5).

وفيه: إنّ الاشتراك في السَّببيّة لا يلازمُ الاشتراك في الممنوعيّة، وحيث أنّ الموجود في النصوص العَمّ وابن العَمّ ، وبنو الأُمّ وبنو العلّات، فمع تغيّر الذكوريّة لايكون الحكم ثابتاً في شيء من الصور الثلاث.3.

ص: 184


1- مسالك الأفهام: ج 13/159.
2- الدروس الشرعيّة: ج 2/336. (3و5) مسالك الأفهام: ج 13/159.
3- الاستبصار: ج 4/107 ذيل الحديث 603.

ومنها: ما إذا تغيّر المورد بالهبوط، كما إذا كان بدل ابن العَمّ ابن ابنه، أو كان بدل العَمّ ابنه:

وفي «المسالك»(1): (الأقوى هنا تغيّر الحكم).

الظاهر هو كذلك، لأنّ العَمّ لا يشملُ ابنه، وابن العَمّ لا يشملُ ابن ابنه.

وأمّاقوله صلى الله عليه و آله: «أعيان بني الأُمّ أحقُّ بالميراث من بني العلّات»، وكذا المرتضوي، فحيث أنّ المراد منهما غير معلومٍ لنا، وإنّما فهمنا من إقرار الحسن بن عمارة على ما استفاده من المرتضوي شمولهما للمقام، فلا يَصحّ التمسّك بإطلاقها كما لا يخفى .

ومنها: تغيّر الصُّورة بانضمام الخالة أو الخال، وقد اختلف في هذه الصورة أقوال العلماء، وطال التشاجر بينهم بحيث قال عنها صاحب «المسالك»(2): (حتّى أفردوها بالتصنيف، بناءً وهدماً).

أقول: جملة الأوجه المعتبرة فيها أربعة.

الوجه الأوّل: حرمان ابن العَمّ ، ومقاسمة العَمّ والخال المال أثلاثاً، نُسب هذا القول إلى الطبرسي(3)، وأكثر المحقّقين كالمصنّف(4)، والمحقّق(5)، والشهيد(6) وغيرهم.

الوجه الثاني: حرمان العَمّ خاصّة، وجَعْل المال للخال وابن العَمّ ، ذهب إليه6.

ص: 185


1- مسالك الأفهام: ج 13/159.
2- مسالك الأفهام: ج 13/160.
3- نسب النراقي في مستند الشيعة: ج 19/324 هذا القول إلى عماد الدين ابن حمزة المعروف بالطبرسي، وفي المختلف: ج 9/35 سمّاه الطوسي.
4- تحرير الأحكام: ج 2/165-166.
5- شرائع الإسلام: ج 4/832.
6- الدروس: ج 2/336.

الراوندي(1) والمصري(2).

الوجه الثالث: حرمان العَمّ وابن العَمّ معاً، واختصاص المال بالخال، ذهب إليه الحِمصي(3).

الوجه الرابع: حرمان العَمّ والخال، وجَعْل المال كلّه لابن العَمّ .

أقول: أمّا النصوص الواردة في المقام:

منها: ما يدلّ بإطلاقه على أنّ الميراث للعمّ والخال أو الخالة، كصحيح أبي بصير المتقدّم: «للعَمّ الثُّلثان، وللخال الثُّلث»(4)، فإنّه عامٌ يشمل ما لو كان ابن العَمّ أيضاً.

ومنها: ما يدلّ على أنّه لو اجتمع ابن العَمّ مع الخال، أو الخالة، يكون ابن العَمّ محروماً عن الإرث، ويكون الميراث كلّه للخال أو الخالة، كخبر سلمة المتقدّم، قال الصادق عليه السلام: «في ابن عَمٍّ وخالة، قال: المال للخالة، وفي ابن عَمّ وخال، قال:

المال للخال»(5).

ومنها: مايدلّ على أنّه لو اجتمع ابن العَمّ للأبوين مع العَمّ للأب، يكون المال لابن العَمّ (6).

فإن قلنا: بأنّ الأخير لا يشملُ المقام، فالأمر واضحٌ لأنّ مقتضى القسم الأوّلم.

ص: 186


1- حكاه عن الرواندي في المختلف: ج 9/35.
2- حكاه عن المصري الشهيد الأوّل في الدروس: ج 2/336.
3- حكاه عن محمّد الدين الحمصي في الدروس: ج 2/337.
4- وسائل الشيعة: ج 26/186 ح 32787، تهذيب الأحكام: ج 9/324 ح 1162.
5- وسائل الشيعة: ج 26/193 ح 32802، تهذيب الأحكام: ج 9/328 ح 1179.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 4/290 باب ميراث ذوي الأرحام.

من النصوص تقسيم العَمّ والخالة أو الخال المال أثلاثاً ولا ينافيه القسم الثاني.

وأمّا إنْ قلنا: بأنّ إطلاق الأخير يشملُ الفرض، فالقسمُ الثاني يوجبُ حرمان ابن العَمّ عن الإرث، لوجود المانع وهو الخال أو الخالة.

ولا يعارضه الأخير، فإنّه يدلّ على تقديم ابن العَمّ وأقربيّته في فرض كونه وارثاً، وهو في الفرض لا يكون وارثاً على الفرض.

وعليه، فلا وجه لحرمان العَمّ ، فإنّ حرمانه كان من جهة أقربيّة ابن العَمّ ، وهو في المورد ممنوعٌ عن الإرث، فلا يصلحُ سبباً للحرمان.

وبالجملة: كما أنّ الأقرب القاتل لا يمنعُ الأبعد عن الإرث، فكذلك الأقربُ المحروم عن الإرث بسببٍ آخر.

وعليه، فيتعيّن تقسيم المال بين العَمّ والخال أو الخالة أثلاثاً، كما أفاده الأولون.

واستدلّ للقول الثاني:

1 - بأنّه كما أنّ الخال لا يمنعُ العَمّ ، كذلك لا يمنعُ ابن العَمّ الذي هو أولى منه بالأولويّة.

2 - وبأنّ الخال إنّما يحجبُ ابن العَمّ مع عدم كلّ من هو في درجته من ناحية العمومة، فأمّا مع وجود أحدهم فلا يقال إنّه محجوبٌ به، وإنّما هو محجوبٌ بذلك الذي هو من قبيل العَمّ ، لأنّه يأخذُ منه النصيب من الإرث، بخلاف الخال، فإنّ فرضه لا يتغيّر بوجود ابن العَمّ ولا بعدمه، والحجبُ إنّما يتحقّق بأخذ ما كان يستحقّه المحجوب لا ما يأخذ غيره.

ولكن يَردُ على الوجه الأوّل: أنّ حَجب ابن العَمّ للعمّ لا يدلّ على كونه أولى منه،

ص: 187

حتّى في عدم الممنوعيّة بالخال الذي دلّ الدليل على كونه ممنوعاً به، الشامل إطلاقه للفرض، كما مرّ.

ويردُ على الوجه الثاني: أنّ الدليل الخاص والعام دلّا على حَجب الخال لابن العَمّ ، وهو دليلُ منع الأقرب الأبعد، والنصوص الخاصّة في الخال أو الخالة وابن العَمّ وإطلاقهما يشمل ما لو كان في درجته من ناحية العمومة، وتخصيصها بصورة عدم كلّ من هو في درجته من ناحية العمومة بلا مخصّص.

ثمّ إنّ الوجهين إنّما يدلّان على فرض تماميّتهما على عدم محروميّة ابن العَمّ ، فلابدّ وأن يضمّ إليهما أنّ ابن العَمّ يوجبُ حرمان العَمّ كي يثبت ما ذكروه، وقد عرفت ما في ذلك أيضاً.

واستدلّ للقول الثالث:

1 - بأنّ العَمّ محجوبٌ بابن العَمّ ، وابنُ العَمّ محجوبٌ بالخال أو الخالة، فيكون المال كلّه له.

2 - وبأنّ خبر سَلَمة يدلّ على حرمان ابن العَمّ بالخال أو الخالة، فحرمان من هو أضعف منه به أولى .

ويُردُّ الأوّل: أنّ ابن العَمّ لا يحجبُ العَمّ مطلقاً، بل في صورة توريثه فإنّه إذا كان ممنوعاً، لم يمنع غيره، ضرورة أنّه لو كان قاتلاً أو كافراً أو نحو ذلك لم يحجبُ ، وفي المقام ممنوعيّته بالخال مفروضة، فلا يكون مانعاً عن إرث العَمّ .

ويُردُّ الثاني: أنّ أولويّة ابن العَمّ عن العَمّ في الميراث، لا تُلازم أولويّته عنه في جميع الأحكام، كما لايخفى ، ولذا لم يتوهّم أحدٌ أنّه لو اجتمع الخال أو الخالة مع العَمّ

ص: 188

للأب أن يكون العَمّ محروماً، فلو كانت الأولويّة تامّة، لزم البناء على المحروميّة في الفرض أيضاً.

واستدلّ للرابع: بأنّ الخال مساوٍ للعَمّ ، وابن العَمّ مانعٌ عن العَمّ ، فيكون مانعاً عن من هو مساويه، وإلّا لم يكن مساوياً.

وفيه: إنّ الذي ثبت بالدليل تساويهما في الإرث وفي المرتبة لا في جميع الأحكام.

وعليه، فالأظهر هو الأوّل.

***

ص: 189

وعمومة الأب وخؤولته، وعمومة الأُمّ وخؤولتها يقومون مقام العمومة والعمّات، والخؤولة والخالات مع فقدهم، والأقربُ يَمنعُ الأبعد

ميراثُ عمومة الأبوين وخؤولتهما

الموضع السادس: (وعمومة الأب وخؤولته، وعمومة الأُمّ وخؤولتها يقومون مقام العمومة والعمّات، والخؤولة والخالات مع فقدهم) وفقد من هو أقرب منهم الذي سيأتي، بلا خلافٍ .

والمدركُ فيه: الإجماع، (و) ما دلّ (1) من الآية والنصوص(2) على أنّ (الأقرب يمنعُ الأبعد) ويرثُ هو الميراث.

وأمّا كيفيّة تقسيمهم الميراث: فالظاهر أنّه لا خلاف في أنّ ثُلث التركة لأقارب الأُمّ ، والثُّلثين لأقارب الأب.

والوجه في ذلك: ما دلّ (3) على أنّ من لا فرض له يرثُ نصيب من يتقرّب به، ونصيب الأُمّ الثُّلث، ونصيب الأب الثُّلثان.

وما احتمله في «المسالك»(4) من أنْ يرث الخؤولة الأربعة الثُّلث، والأعمام الثُّلثين ضعيفٌ غايته.

ص: 190


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32495، تهذيب الأحكام: ج 9/268 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 26 / باب 5 من أبواب الأعمام والأخوال.
4- مسالك الأفهام: ج 13/167.

وأولاد العمومة والخؤولة وإنْ نزلوا يمنعون عمومة الأب وخؤولته، وعمومة الأُمّ وخؤولتها

وأيضاً: لا خلاف يعتدّ به في أنّ المتقرّبين بالاُمّ يقتسمون ثلثهم بالسَّويّة، لمرسل «المجمع» المتضمّن أنّه لو اجتمع الفريقان، يكون نصيب أقرباء الأُمّ بينهم بالسَّويّة(1)، ومعه لا يُصغى إلى ما قيل من إنّه يحتمل أن ينقسم بين الأخوال والأعمام على التنصيف، بأن يكون نصفه للأخوال ونصفه للأعمام.

ويظهر المخالفة للمشهور المنصور فيما إذا كان أحد الصنفين واحداً، نظراً إلى تقرّب عمومة الأُمّ بأب الأُمّ ، وخؤولتها باُمّها، وهما يقتسمان كذلك.

وأمّا ثُلثا المتقرّب بالأب، فمقتضى قاعدة التفضيل والمرسل أن يقتسمون للذَّكَر ضِعف حَظّ الأُنثى .

والمشهورُ بين الأصحاب: أنّ ثلث الثُّلثين يكون لخال الأب وخالته يقتسمان بالسَّويّة، وثلثي الثُّلثين للعَمّ للذَّكَر ضِعف حظّ الاُنثى، لاعتبار التقرّب بالأب.

أقول: والأظهر ما ذكرناه.

والمشهور بين الأصحاب بل (و) عليه الإجماع في كثيرٍ من الكلمات، أنّ (أولاد العمومة والخؤولة وإنْ نزلوا يمنعون عمومة الأب وخؤولته، وعمومة الأُمّ وخؤولتها).

واستدلّ له:

1 - بأنّه لا إشكال في أنّ عمومة الميّت وخؤولته أقرب إلى الميّت من عمومة8.

ص: 191


1- وسائل الشيعة: ج 26/65 ح 32498.

أبيه أو أُمّه وخؤولته، فيمنعونهم لحديث الأقربيّة، وآية اُولي الأرحام(1)، والأولاد يقومون مقام آبائهم كما مرّ، فيمنعونهم أيضاً، ذكره في «الجواهر»(2).

2 - وبحديث الأقربيّة نفسه(3).

3 - وبعموم ما دلّ (4) على أنّ كلّ ذي رحمٍ بمنزلة الرَّحم الذي يجرّ به(5).

بتقريب: أنّ ابنة الخالة مثلاً من ولّده الجَدّة، وعمّة الأُمّ مثلاً من ولّده جَدّة الأُمّ ، فالأُولى نازلة منزلة الجَدّة، والثانية نازلة منزلة جَدّة الأُمّ ، ومعلومٌ أنّ الجَدّة أقربُ من جَدّة الأُمّ ، فكذا من نزل منزلتهما.

ولكن يُردّ الأوّل: أنّه كما دلّ الدليل على قيام الأولاد مقام آبائهم، كذلك دلّ الدليل على قيام عمومة الأُمّ أو الأب وخؤولته بمنزلة عمومة الميّت وخؤولته، كما مرّ أيضاً.

ويردّ الثاني: منع أقربيّة ابن عَمّ الميّت مثلاً عن عَمّ أب الميّت، بل هما في نظر العرف في مرتبةٍ واحدة من جهة الأقربيّة.

ويُردُّ الثالث: أنّ ابنة الخالة مثلاً نزلت منزلة الخالة لا الجَدّة، وعمّة الأُمّ أيضاً نزلت منزلة عمّة الميّت، أو نزلت منزلة أُمّ الأُمّ التي هي بمنزلة الأُمّ ، فلا وجه لتقديم إحداهما على الأُخرى مع اتّحاد المرتبة.

وعليه، فالعمدة في ذلك هو الإجماع وكفى به مدركاً.6.

ص: 192


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- جواهر الكلام: ج 39/117.
3- وسائل الشيعة: ج 26/68 ح 32499.
4- تهذيب الأحكام: ج 9/325 ح 9.
5- وسائل الشيعة: ج 26/68 ح 32500، تهذيب الأحكام: ج 9/269 ح 976.

ولو اجتمع للوارث سببان متشاركان، وَرِثَ بهما كابن عَمٍّ لأب هو ابنُ خالٍ لأُمّ ، أو زوجٍ هو ابن عَمّ أو ابن خال.

حكمُ ما لو اجتمع للوارث سببان

أقول: بقي في المقام (و) هي أنّه (لو اجتمع للوارث سببان متشاركان):

من السبب بالمعنى الأعمّ ، الشامل للنَسَب والسَبَب الخاصّ (ورث بهما)، اتّحد النوع كما في جَدّ لأب هو جَدٌّ لأُمّ ، أو تعدّد (كابن عَمٍّ لأب هو ابنُ خالٍ لأُمّ )، وذلك بأن يتزوّج أخو الشخص من أبيه بأُخته من أُمّه، إذ لا محرميّة بينهما ولا نَسَب، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين الزوجين عَمٌّ ، لأنّه أخو أبيه، وخالٌ لأنّه أخو أُمّه، وابنه ابنُ عَمٍّ لأب هو ابنُ خالٍ لأُمّ .

أو كان السببان بالمعنى الأعمّ سببين بالمعنى الأخصّ كضامنٍ هو زوج أو زوجة.

(أو) مختلفان، مثل (زوجٍ هو ابنُ عَمٍّ أو ابن خال).

ما لم يمنع أحدهما الآخر، ولم يكن هناك من هو أقربُ منه فيهما أو في أحدهما، والوجه فيه واضحٌ ، فإنّه حينئذٍ مصداقٌ لعنوانين، فيرث بهما، وحينئذٍ إنْ لم يكن معه من هو مساوٍ فيهما أو أحدهما، فلا أثر لذلك، فإنّ المال كلّه له، وإنْ لم يتعدّد السبب.

وأمّا لو كان معه مَن هو مساوٍ معه فيهما، أو في أحدهما، كما لو كان مع من هو عَمٌّ وخال، خال أو عَمّ أو هما معاً:

فقد يقال: إنّ مقتضى قاعدة الأقربيّة، منع ذي السببين عن إرث ذي السبب

ص: 193

ولو منع أحدهما الآخر، ورث من قِبل المانع كابن عَمٍّ لأب هو أخٍ لأُمّ

الواحد، لأنّ ارتباطه بالميّت أشدّ وأكثر، فيشمله دليل الأقربيّة، وهو متينٌ لولا الإجماع والتسالم على عدم المنع، فحينئذٍ إنْ كان معه خالٌ يأخذ ذو السببين ثُلثي التركة، لأنّه عَمٌّ ، والثُّلث الآخر للخال الذي مشتركٌ بينهما، فيأخذ نصف الثُّلث أيضاً، ويأخذ الخال السُّدس، وإنْ كان معه عَمٌّ يكون الثُّلثان بينهما بالسَّويّة، فيأخذ ثلثها، لأنّه أحد العَمّين، وثُلثها الآخر لأنّه خال، وإنْ كان معه عَمٌّ وخال يأخذ نصف الثُّلثين، لأنّه أحد العَمّين ونصف الثُّلث، لأنّه أحد الخالين، وكذا في سائر الفروض.

(ولو منع أحدهما الآخر، ورث مِن قِبل المانع كابن عَمٍّ لأب هو أَخٌ لأُمّ ) ويتصوّر في رجلٍ تزوّج بزوجة أخيه، ولأخيه منها ولدٌ اسمه حَسَن مثلاً، ثمّ ولد له منها ولد اسمه حسين، فحسنٌ ابنُ عَمٍّ لحسين وأخوه لأُمّه، فإذا توفّي وكان له أَخٌ آخر ورثه حسين من حيث أنّه أخوه خاصّة، ولا يرثُ من حيث أنّه ابنُ عمّه.

لا لما في «الرياض»(1) من أنّ الأخ حاجبٌ لابن العَمّ ؛ فإنّه إنْ أراد به أن كونه أخاً يحجبُ عن أن يرث من حيث كونه ابن عَمّ .

فيردّه: أنّ الحاجبيّة والمحجوبيّة إنّما هما في المتغايرين، لا فيما إذا اتّحد مصداقيهما.

وإنْ أراد به أنّ الأخ الآخر يحجبه.

فيردّه: أنّ المُسلم حَجَب الأخ عن إرث ابن العَمّ الذي لا يكون أخاً، بل لما دلّ).

ص: 194


1- رياض المسائل: ج 2/362 (ط. ق).

من الأدلّة أنّه إذا كان للميّت أخوان يقتسمون المال بالسَّويّة، فإنّ إطلاقه يشمل ما لو كان أحدهما ابنُ عَمٍّ أيضاً.

ثمّ إنّه ذكر الشهيدالثاني رحمه الله في «المسالك»(1) ثمان صور لاجتماع السببين أو الأسباب.

1 - نسبان يرثُ بهما كعَمٍّ هو خال، كما لو تزوّج أخو الشخص من أُمّه باُخته بأبيه، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين الزّوجين عَمّ وخال.

2 - أنساب متعدّدة يرثُ بها مثل ابنُ ابنُ عَمٍّ لأب، هو ابنُ ابنِ خالٍ لأُمّ ، وهو ابنُ بنتِ عمّةٍ ، وهو ابنُ بنتِ خالة، وذلك كما لو تزوّج إمرأتين فولدت إحداهما بنتاً اسمها صفيّة، والأُخرى بنتين اسمهما مريم وسارة، ثمّ فارقهما وتزوّجهما رجلٌ فأولدهما ولدين:

فمن أُمّ صفيّة حسين، ومن أُمّ مريم وسارة حسن.

ولهذا الرّجل الثاني ابنٌ وبنتٌ من امرأةٍ أُخرى محمّد وفاطمة.

فتزوّج الحَسنُ من صفيّة فأولدها ولداً اسمه عليّ ، فهذا هو المتوفّي، فحسين عمّه من جهة الأب، وخاله من جهة الأُمّ ، ومريم وسارة عمّتاه من جهة الأُمّ وخالتاه من جهة الأب.

ثمّ وَلد لحسين ولدٌ اسمه جعفر، وَوَلد لسارة بنتٌ اسمها سكينة، فتزوّج جعفر من سكينة، فَوَلد لهما ولدٌ اسمه موسى ، وهو ذو القرابات الأربع بالنسبة إلى عليّ المتوفّي كما لا يخفى .

3 - سببان يحجبُ أحدهما الآخر، كأخٍ هو ابنُ عَمٍّ ، وقد مرّ تصويره.2.

ص: 195


1- مسالك الأفهام: ج 13/172.

4 - سببان في واحدٍ لايحجبُ أحدهماالآخر، كزوجٍ هو معتقٌ أو ضامنُ جريرة.

5 - سببان يحجبُ أحدهما الآخر، كالإمام إذا ماتَ عتيقه، فإنّه يرثُ بالعتق لا بالإمامة.

6 - سببان وهناكَ من يحجُب أحدهما كزوجة معتقة ولها ولدٌ أو أخ.

7 - نسبٌ وسببٌ لا يحجبُ أحدهما الآخر، كابنُ عَمٍّ هو زوجٌ ، وبنتُ عمّة وهي زوجة.

8 - نَسَبٌ وسَبب يحجبُ أحدهما خارج عنهما، كزوجٍ هو ابنُ عَمّ ، وللزوجة أَخٌ أو ولد.

***

ص: 196

الفصل الثاني: في الميراث بالسَّبب:

وهو إثنان: الزوجيّة، والولاء.

ميراث ذوي الأسباب

(الفصل الثاني: في الميراث بالسَّبب) بالمعنى الخاص:

(وهو إثنان الزوجيّة والولاء) بفتح الواو، بمعنى القُرب، والمراد به في المقام تقرّب أحد الشخصين بالآخر بالعِتق، أو ضِمان الجريرة، أو الإمامة، وعليه فالكلام يقع في مقامات أربعة:

المقام الأوّل: في جملةٍ من أحكام ميراث الزَّوجين، وإنّما جعلنا عنوان البحث ذلك، ولم نقل في ميراث الزوجين لأنّه قد تقدّم جملةٌ من أحكام ميراثهما فيما سبق، بل ذكرنا تبعاً للفقهاء أُصول مسائله.

وإنّما بقيتْ أحكام نذكرها في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى : يدخل الزوجان على جميع الطبقات، ولا يَحجِبهُما حَجْبُ حرمان أحد:

1 - لعموم الآية الكريمة.

2 - وصريح النصوص المتواترة المتقدّم بعضها في ميراث الأبوين، وبعضها في ميراث الأولاد، وبعضها في ميراث الإخوة والأجداد.

منها: المرسل القريب من الصحيح، المرويّ عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال:

ص: 197

فللزوج مع عدم الولد النصف، ومعه وإنْ نَزل الرُّبع، وللزوجة مع عدمه الرُّبع، ومع وجوده الثُمن، ولو فقد غيرهما رَدّ على الزّوج.

«إنّ اللّه أدخل الزّوج والزّوجة على جميع أهل المواريث، فلم ينقصهما من الرُّبع والُثمن»(1).

3 - والإجماع بل الضرورة كما في «الرياض»(2).

وقد مرّ أنّه إنْ وجد وارثٌ آخر معهما (فللزّوج مع عدم الولد النصف، ومعه وإنْ نَزل الرُّبع، وللزّوجة مع عدمه الرُّبع، ومع وجوده الثمن).

(و) إنّما الكلام في المقام فيما (لو فُقد غيرهما):

فالمشهور بين الأصحاب أنّه ي (رَدّ) الباقي (على الزّوج)، بل هو المعروف عن غير سلّار(3).

وعن الشيخين(4)، والسيّدين(5)، والحِلّي(6): دعوى الإجماع عليه.

وبه أخبارٌ مستفيضة:

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: «الميراث كلّه لزوجها»(7).1.

ص: 198


1- وسائل الشيعة: ج 26/77 ح 32528، الكافي: ج 4/82 ح 7.
2- رياض المسائل: ج 2/362 (ط. ق).
3- المراسم العلويّة: ص 223.
4- الأعلام للمفيد: ص 55، المبسوط للطوسي: ج 4/74.
5- غنية النزوع: ص 311، الانتصار: ص 584.
6- السرائر: ج 3/227.
7- وسائل الشيعة: ج 26/197 ح 32809، الكافي: ج 7/125 ح 1.

ومنها: صحيح أبي بصير، قال: «كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدعا بالجامعة فنظر فيها، فإذا: إمرأةٌ ماتت وتركت زوجها، لا وارث لها غيره، المال له كلّه»(1).

ومنها: خبره الآخر، عن أبي جعفر عليه السلام: «في امرأةٍ توفّيت وتركت زوجها؟

قال عليه السلام: المال كلّه للزّوج، يعني إذا لم يكن لها وارثٌ غيره»(2).

ومنها: موثّقه الثالث، قال: «قرأ عَليَّ أبو عبد اللّه عليه السلام فرائض عليٍّ عليه السلام، فإذا فيها:

الزّوج يحوزُ المال إذا لم يكن غيره»(3).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

وعن سلّار الديلمي(4): أنّه لا يُردّ عليه الباقي، بل هو للإمام عليه السلام، واستدلّ له:

1 - بموثّق جميل بن درّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال:

«لا يكون الرَّد على زوجٍ ولا زوجة»(5).

2 - وخبر العبدي المتقدّم، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، في حديثٍ : «ولا يزاد الزّوج عن النصف، ولا ينقصُ من الرُّبع، ولا تزاد المرأة على الرُّبع، ولا تنقص عن الثمن، الحديث»(6).

3 - وبظاهر الآية(7) المؤيّد بالأصل، لأنّ الرّد إنّما يُستفاد من آية أُولي الأرحام،(8)5.

ص: 199


1- وسائل الشيعة: ج 26/197 ح 32811، تهذيب الأحكام: ج 9/294 ح 1053.
2- وسائل الشيعة: ج 26/199 ح 32820، الكافي: ج 7/125 ح 3.
3- وسائل الشيعة: ج 26/197 ح 32810، تهذيب الأحكام: ج 9/294 ح 1052.
4- المراسم العلويّة: 224.
5- وسائل الشيعة: ج 26/199 ح 32816، تهذيب الأحكام: ج 9/296 ح 1061.
6- وسائل الشيعة: ج 26/199 ح 32817، تهذيب الأحكام: ج 9/249 ح 7. (7و8) سورة الأنفال: الآية 75.

وفي الزّوجة قولان:

والرَّحم منتفٍ عن الزّوج من حيث هو زوجٌ ، ولكن الأولين إنْ لم يختصّا بما إذا جامع أحد الزوجين مع ذوي فروضٍ من أُولي الأرحام، بحيثُ يزيد التركة على فرضها كأحد الزوجين مع الأُمّ والأخ، فهما مطلقان يقيّد إطلاقهما بهذه النصوص.

ولا وجه لحمل الموثّق على التقيّة، كما عن بعض الأجلّة(1)، نظراً إلى موافقته لمذهب العامّة، بعد العمل به في غير هذا المورد، وفيه لا يُعمل به للنصوص المتقدّمة، وظاهر الآية يخرُج عنه بصريح النصوص، وعليه فلا إشكال في الحكم.

(وفي) رَدّ الفاضل عن نصيب (الزّوجة) عليها، إذا لم يكن بعد الإمام وارثٌ سواها (قولان) بل أقوال:

1 - أنّ الباقي لا يُردّ عليها، بل هو للإمام عليه السلام، وهو المشهور بين الأصحاب.

2 - ما عن المفيد رحمه الله(2) من أنّه يرد عليها مطلقاً.

3 - أنّه يُردّ عليها مع غيبة الإمام عليه السلام، ومع حضوره عليه السلام لا يُردّ عليها، وهو للصدوق(3) وتبعه جماعة من المتأخّرين(4).

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها طائفتان:8.

ص: 200


1- مفاتيح الشرائع: ج 3/303.
2- الأعلام: ص 55.
3- المقنع: ص 492.
4- الجامع للشرائع لابن سعيد الحِلّي: ص 502، و تحرير الأحكام: ج 2/168.

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على أنّه لا يردّ عليها:

منها: صحيح عليّ بن مهزيار، قال: كتب محمّد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام(1):

«مولى لك أوصى بمائة درهم إليّ وكنتُ أسمعه يقول: كلّ شيء هو لي فهو لمولاي، فماتَ وتركها ولم يأمر فيها بشيء، وله إمراتان إحداهما ببغداد ولا أعرف لها موضعاً الساعة، والأُخرى بقُمّ ما الذي تأمرني في هذه المائة درهم ؟

فكتب عليه السلام إليه: انظر أن تدفع مِنْ هذه المائة درهم إلى زوجتيّ الرّجل، وحقّهما من ذلك الثُمن إنْ كان له ولدٌ، وإنْ لم يكن له ولدٌ فالرّبع، وتصدّق بالباقي على من تعرف أنّ له إليه حاجة إنْ شاء اللّه تعالى ».

ودعوى أنّ المائة له عليه السلام بالإقرار لا بالإرث، يدفعها تعيين سهم الزوجتين منها، مع أنّ الإقرار في بعض الصور لا يُقبل، وفي آخر يقبل، وفي الثالث يمضي عليه من الثُّلث، فعدم الاستفصال في الخبر دليل عدم كونه من باب الإقرار.

ومنها: موثّق أبي بصير، قال: «قرأ عَليَّ أبو جعفر عليه السلام في الفرائض(2): إمرأة توفّيت وتركت زوجها؟ قال عليه السلام: المال للزّوج.

ورجلٌ توفّي وترك امرأته، قال: للمرأة الرُّبع وما بقي فللإمام عليه السلام».

ومنها: موثّق الصَّحاف(3): «ماتَ محمّد بن أبي عُمير بيّاع السّابري وأوصى إليّ وترك إمرأةً لم يترك وارثاً غيرها، فكتبتَ إلى العبد الصالح عليه السلام ؟5.

ص: 201


1- وسائل الشيعة: ج 26/201 ح 32824، تهذيب الأحكام: ج 9/296 ح 1059.
2- وسائل الشيعة: ج 26/202 ح 32826، الكافي: ج 7/126 ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 26/202 ح 32825.

فكتبَ إليَّ : اِعط المرأة الرُّبع، واحمل الباقي إلينا».

ومنها: موثّق أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ توفّي وترك امرأته ؟ قال عليه السلام: للمرأة الرُّبع، وما بقي فللإمام»(1).

ونحوها غيرها.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّه يردّ الباقي إليها:

منها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ له: رجلٌ مات وترك امرأة ؟ قال عليه السلام: المال لها الحديث»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «في امرأةٍ ماتتْ وتركت زوجها؟ قال عليه السلام:

المال كلّه له.

قلت: فالرَّجل يموتُ ويترك إمرأته ؟ قال عليه السلام: المال لها»(3).

واستدلّ القائلون بأنّ الباقي للإمام: بالطائفة الأُولى ، وأجابوا عن الثانية بأنّها محمولة على ما إذا كانت المرأة قريبة له، بشهادة صحيح البصري، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن رجلٍ ماتَ وترك إمرأةً قرابة ليس له قرابة غيرها؟ قال عليه السلام: يدفع المال كلّه إليها»(4).

وفيه: إنّه حَمْلٌ لا شاهد له، والصحيح لا يشهدُ بذلك، إذ لا مفهوم له كي يدلّ على أنّه مع عدم كونها قرابة لا يكون المال لها.7.

ص: 202


1- وسائل الشيعة: ج 26/202 ح 32827، الكافي: ج 7/126 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 26/204 ح 32832، تهذيب الأحكام: ج 9/295 ح 16.
3- وسائل الشيعة: ج 26/203 ح 32829، الاستبصار: ج 4/263 ح 5613.
4- وسائل الشيعة: ج 26/205 ح 32835، تهذيب الأحكام: ج 9/295 ح 17.

نعم، من يقول بانقلاب النسبة، يمكن له توجيه هذا الوجه بأنّ صحيح البصري يقيّد إطلاق نصوص كون الباقي للإمام، ثمّ تلكم النصوص تقيّد إطلاق ما دلّ على أنّه لها، ولكن الثابت في محلّه بطلان انقلاب النسبة.

واستدلّ القائل بأنّه لها: بالطائفة الثانية، ولم أجد ما أجابوا به عن الأُولى، إلّا ما ذُكر في ذيل صحيح ابن مهزيار.

واستدلّ للقول الثالث: بأنّه مقتضى الجمع بين الطائفتين، بحمل ما دلّ منها على الرّد على حال الغيبة، وما دلّ منها على عدمه على حال الحضور، ولم يذكروا لهذا الجمع شاهداً سوى الحَذَر عن إهمال الحديث الصحيح لو لم يرتكب هذا الجمع.

أقول: ويمكن أن يُذكر في وجهه أمران:

أحدهما: أنّ جملة من نصوص الرّد إلى الإمام مختصّة بحال الحضور كصحيح ابن مهزيار وموثّق الصّحاف، فهو يقيّد بقيّة تلك النصوص المطلقة.

ثانيهما: أنّ تلك النصوص المختصّة بحال الحضور أخصّ من نصوص الرّد إليها، فيقيّد إطلاقها بها، ثمّ يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّه للإمام بها، فتكون النتيجة ذلك.

ولكن يَردُ على ما ذكروه: أنّ الجمع التبرّعي ليس أولى من الطرح، بل المتعيّن هو الثاني، مع مراعاة موازين الترجيح.

ويَردُ على الوجه الأوّل الذي ذكرناه: أنّه لا مفهوم لنصوص الإعطاء للإمام، والحمل إليه كي تدلّ به على أنّه لا يكون له مع عدم إمكان ذلك كحال الغيبة، ومنطوقها لا ينافي نصوص كونه له عليه السلام، فلا وجه لتقييدها بها.

ويردُ على الوجه الثاني: ما حُقّق في محلّه من بطلان القول بانقلاب النسبة، وقد أفرط الحِلّي فيما حُكي عنه في تبعيده هذا الوجه، قال(1):).

ص: 203


1- نقل الشهيد الثاني في شرح اللّمعة: ج 8/84 هذا الكلام عن ابن إدريس، وكذلك نقله صاحب الرياض في: ج 2/363 (ط. ق).

ويتشارك ما زاد على الواحدة في الثُمن أو الرُّبع،

(إنّ السؤال في الصحيح للباقر عليه السلام وقع من رجلٍماتَ بصيغة الماضي، وأمرهم عليهم السلام حينئذٍ ظاهرٌ، والدفع إليهم ممكنٌ ، فحمله على حال الغيبة المتأخّرة عن زمن السؤال عن ميّتٍ بالفعل بأزيد من مائة وخمسين سنة أبعد ممّا بين المشرق والمغرب).

وفيه: أنّ السؤال عن الإمام عليه السلام ربما يكون عن واقعةٍ شخصيّة خارجيّة، وربما يكون عن حكم الواقعة بنحو الكلّي، وعلى الثاني يكون السؤال والجواب من قبيل القضيّة الحقيقيّة المتضمّنة لجعل الحكم على تقدير وجود الموضوع، ولا يختصّ بزمانٍ خاصّ ، والظاهر من السؤال في الصحيح كونه من قبيل الثاني، والشاهد به سؤاله في الصحيح الثاني عنه عليه السلام بصيغة المضارع.

والحقّ أنْ يقال: إنّ النصوص متعارضة، ولا يمكن الجمع العرفي بينها، فيرجع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم أخبار كونه للإمام عليه السلام، لأنّها ممّا اشتهر بين الأصحاب، إذ لم يُحكَ الرَّد عليها إلّاعن المفيد(1)، ومع ذلك فقد حُكي عن الحِلّي رجوعه عنه.

وعن «الانتصار»(2): عدم عمل الطائفة بالرواية الدّالة على الرّد على الزّوجة.

وعن الحِلّي(3): أنّه لا خلاف بين المحصّلين.

وعليه، فالأظهر أنّ الباقي يكون للإمام عليه السلام.4.

ص: 204


1- المقنعة: ص 691. (2و3) الانتصار: ص 584.

المسألة الثانية: (ويتشارك ما زاد) من الزّوجات (على الواحدة في الثُمن أو الرُّبع) اتّفاقاً فتوىً ونصّاً، لاحظ صحيح ابن مهزيار، وخبر العبدي المتقدّمين، الذي قال الفضل الراوي له: (وهذا حديثٌ صحيح على موافقة الكتاب)(1)، وسيأتي جملة أُخرى منها.

***4.

ص: 205


1- وسائل الشيعة: ج 26/82 ح 32536، تهذيب الأحكام: ج 9/250 باب 21 ح 964.

ويرث كلّ منهما من صاحبه مع الدخول وعدمه

عدم اعتبار الدخول في إرث الزوجين

المسألة الثالثة: (ويرثُ كلٍّ منهما من صاحبه مع الدخول وعدمه) إجماعاً، حكاه جماعة(1).

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك، وإلى الإطلاقات والعمومات، وإلى ما دلّ على ثبوت التوارث بين الزوجين الصغيرين الآتي - جملةٌ من النصوص الخاصّة:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة ثمّ يموت قبل أن يدخل بها؟

فقال عليه السلام: لها الميراث، وعليها العِدّة أربعة أشهر وعشراً»(2).

ومنها: موثّق ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في امرأةٍ توفّيت قبل أن يدخل بها، ما لها من المهر، وكيف ميراثها؟

فقال عليه السلام: إذا كان قد فرض لها صداقاً، فلها نصف المهر، وهو يرثها، وإنْ لم يكن فرض صداقاً، فلا صداق لها.

وفي رجلٍ توفّي قبل أن يدخل بإمرأته ؟

قال عليه السلام: إنْ كان فَرَض لها مهراً، فلها نصف المهر، وهي ترثه، وإنْ لم يكن فرض لها مهراً فلا مهر لها، وهو يرثها»(3).

ص: 206


1- تبصرة المتعلّمين: ص 171.
2- وسائل الشيعة: ج 26/221 ح 32866، من لا يحضره الفقيه: ج 4/312 ح 5671.
3- وسائل الشيعة: ج 21/328 ح 27209، تهذيب الأحكام: ج 8/147 ح 109.

ومع الطلاق الرِّجعي.

ومنها: موثّق البقباق، وعبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«في رجلٍ تزوّج امرأةً ثمّ مات عنها، وقد فَرَض الصِّداق، قال لها نصف الصِّداق وترثه من كلّ شيء، وإنْ ماتت فهو كذلك»(1).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

ويستثنى من ذلك موردٌ سيأتي حكمه عند تعرّض المصنّف رحمه الله له، وهو ما إذا كان الزّوج مريضاً حال التزويج، ولم يبرأ من مرضه.

(و) أيضاً: يرثُ كلُّ منهما من صاحبه (مع الطلاق الرِّجعي) في العِدّة إجماعاً، كما في جملةٍ من الكلمات.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما مرَّ في كتاب الطلاق(2) من أنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة، أو في حكمها، فيشملها عمومات أدلّة إرث الزوجين ومطلقاتها - جملةٌ من النصوص الخاصّة:

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«إذا طلّقت المرأة ثمّ توفّي عنها زوجها، وهي في عِدّة منه، لم تحرم عليه، فإنّها ترثه ويرثها ما دامت في الدّم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأوليتين، فإنْ طلّقها الثالثة فإنّها لا ترث من زوجها شيئاً، ولا يرث منها»(3).1.

ص: 207


1- وسائل الشيعة: ج 21/329 ح 27210، تهذيب الأحكام: ج 8/147 ح 110.
2- فقه الصادق: ج 34/289.
3- وسائل الشيعة: ج 26/222 ح 32870، الكافي: ج 7/133 ح 1.

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا طلّق الرّجل وهو صحيحٌ لا رجعة له عليها لم يرثها.

وقال عليه السلام: وهو يرثُ ويورث ما لم ترَ الدّم من الحيضة الثالثة إذا كان له عليها رجعة»(1).

ومنها: موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرّجل يطلّق المرأة ؟ فقال عليه السلام:

يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة»(2).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق امرأته تطليقة على طُهرٍ، ثمّ توفّي عنها، وهي في عِدّتها؟

قال: ترثه ثمّ تعتدّ عِدّة المتوفّي عنها زوجها، وإنْ ماتت قبل انقضاء العِدّة منه ورثها وورثته»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: ولا يعارضها صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ يحضره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقها؟

قال: نعم، وهي ترثه، وإنْ ماتت لم يرثها»(4).

فإنّه مطلقٌ يجبُ تقييده بما مرّ.

ولا ينافيه الحكم بارث الزّوجة، لأنّه في طلاق المريض، وسيأتي إرث المطلّقة9.

ص: 208


1- وسائل الشيعة: ج 26/223 ح 32871، الكافي: ج 7/134 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 26/223 ح 32873، الكافي: ج 7/134 ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 26/224 ح 32874، تهذيب الأحكام: ج 8/81 ح 195.
4- وسائل الشيعة: ج 26/227 ح 32886، من لا يحضره الفقيه: ج 4/311 ح 5669.

بائِنةً فيه.

ويظهر من النصوص المتقدّمة أنّ المطلّقة إذا كانت بائنة لا ترثُ ولا يرثها المطلِّق.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - صحيح الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«لا ترث المختلعة والمُخيّرة والمباراة والمستأمرة في طلاقها، هؤلاء لايرثن من أزواجهنّ شيئاً في عدتهنّ ، لأنّ العصمة قد انقطعت فيما بينهنّ وبين أزواجهنّ من ساعتهنّ ، فلا رجعة لأزواجهنّ ولا ميراث بينهم»(1).

ونحوه غيره.

وأمّا موثّق يحيى الأزرق، عن أبي الحسن عليه السلام: «المطلّقة ثلاثاً ترثُ وتُورِث ما دامت في عِدّتها»(2).

ونحوه موثّقه(3) الآخر عن عبد الرحمن، فلا يصلحان لمعارضة ماتقدّم، فيُحملان على ما إذا وقع الطلقات الثلاث في مجلسٍ واحدٍ، أو غير ذلك من المحامل، وقد استثنوا من ذلك ما لو كان الطلاق واقعاً في حال المرض، فإنّه حينئذٍ ترثه ولا يرثها، كما سيأتي بيانه.

***1.

ص: 209


1- وسائل الشيعة: ج 26/224 ح 32875، تهذيب الأحكام: ج 9/384 ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 22/156 ح 28261، تهذيب الأحكام: ج 8/94 ح 239.
3- وسائل الشيعة: ج 22/155 ح 28260، تهذيب الأحكام: ج 8/80 ح 191.

حكم ما إذا اشتُبهتِ المطلقة من الأربع

المسألة الرابعة: إذا طلّق واحدةٍ من أربع، وتزوّج أُخرى ، ثمّ مات، واشتُبهت المطلّقة في الزوجات الأول، كان للأخيرة رُبع الثُمن مع الولد، ورُبع الرُّبع بدونه، والباقي من ثلاثة أرباع الثُمن أو الرُّبع يقسّم بين الأربع، بلا خلافٍ فيه، ويشهد له:

صحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام(1): «عن رجلٍ تزوّج أربع نسوة في عقدةٍ واحدة، أو قال في مجلسٍ واحد، ومهورهنّ مختلفة ؟

قال عليه السلام: جائزٌ له ولهنّ .

قلت: أرأيتَ إنْ هو خَرج إلى بعض البلدان، فطلّق واحدةً من الأربع، وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد، وهم لا يعرفون المرأة، ثمّ تزوّج امرأةً من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عِدّة تلك المطلّقة، ثمّ مات بعدما دخل بها، كيف يقسّم ميراثه ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان له ولدٌ فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد رُبع ثُمن ما ترك، وإنْ عرفت التي طُلّقت من الأربع بعينها ونَسَبها، فلا شيء لها من الميراث، وليس عليها العِدّة.

قال: ويقتسمنّ الثلاثة النسوة ثلاثة أرباع ثُمن ما ترك، وعليهنّ العِدّة.

وإنْ لم تعرف التي طُلّقت من الأربع، قسمنّ النسوة ثلاثة أرباع ثُمن ما ترك بينهنّ جميعاً، وعليهنّ جميعاً العِدّة».

وعن الحِلّي رحمه الله(2) البناء على القرعة الّتي هي لكلّ أمرٍ مشتبه مطلقاً، أو مشتبهٌ

ص: 210


1- وسائل الشيعة: ج 26/217 ح 32860، تهذيب الأحكام: ج 9/296 ح 22.
2- حكاه عنه في المسالك: ج 13/179.

في الظاهر دون الواقع، فالفرض على كلّ من مواردها بناءً على أصله من عدم حجيّة الخبر الواحد.

أقول: يمكن أن يقال إنّ القاعدة في أمثال المقام يقتضي التقسيم، بأن يصالح الحاكم كلّاً منهنّ بالسَّويّة، لما مرَّ منّا في كتاب الخُمس(1) في مبحث الحلال المختلط بالحرام أنّه إذا تردّد المالك لمالٍ بين أفراد محصورة، كان المال معيّناً أم في الذّمة، فإن لم يكن يد أحدٍ عليه يد عدوانيّة، أو لم يكن المال في يد أحدٍ، يصالح الحاكم مع كلّ مَن يحتمل كونه مالكاً بالتوزيع بالسَّويّة، فالخبر موافقٌ مع القاعدة، إلّافي دلالته على عدم اعتبار مصالحة الحاكم، فإنّ الميراث في المقام مردّدٌ بين الأربع، وكلّ منهنّ يحتمل أن لا تكون وارثة، فلا يكون لها، فالحكم هو التوزيع بالسَّويّة لا القرعة.

وبماذكرناه يظهر الحكم في الصور غيرالمنصوصة، كما لوكان للمطلّق دون أربع زوجات، ولم يتزوّج أُخرى ، أو تزوّج بأكثر من واحدة، أو طلّق أكثر من واحدة، أو حصل الاشتباه في جملةٍ الخمس أو الأكثر، أو اشتُبهت المطلّقة في أقلّ من الأربع، أو فَسَخ نكاح واحدة لعيبٍ أو غيره، وأنّ الحكم في الجميع هو التوازيع بالسَّويّة.

بحثٌ : هل يعتبر مصالحة الحاكم مع كلٍّ منهنّ؟

أم يوزّع المال عليهنّ بالسَّويّة من دون مراجعة الحاكم ؟

وجهان: مبنيّان على إلغاء خصوصيّة المورد وعدمه، والأوّل وإنْ لم يكن بعيداً، لكنّه غيرُ ثابتٍ بنحوٍ يُستند إليه في الفتوى، وعليه فالأحوط مراعاة ذلك.

واستدلّ بعض المحقّقين(2) لذلك: باستصحاب الحكم السابق لكلٍّ منهنّ ، ثمّ4.

ص: 211


1- فقه الصادق: ج 11/138.
2- مستند الشيعة: ج 19/354.

قال: (ولا يضرّه العلم بعدم زوجيّة الجميع، كما في استصحاب الطهارة في كلٍّ من الأوان الأربع المشتبهة.

وقال: إنّ به يرتفع الاشتباه الذي هو موضوع القرعة).

وفيه أوّلاً: أنّ الاستصحاب المذكور من قبيل الاستصحاب التعليقي، فإنّ المتيقّن هو إرث كلّ منهنّ لو كان ماتَ قبل الطلاق، أو قبل انقضاء العِدّة، ولا نقول بحجيّته.

وثانياً: إنّه يعارض مع الاستصحاب الجاري في حقّ غيرها، فإنّها تعلم أنّه إمّا لايجوز لها التصرّف فيما تأخذه، أو لايجوز لها التصرّف فيما يأخذه بقيّة النسوة مع إذنهنّ ، والاستصحابُ الجاري بالنسبة إليها يُعارض حينئذٍ الاستصحابات الجارية بالنسبة إليهنّ ، وحيثُ أنّه يلزم من جريان الاستصحابات جميعاً المخالفة العمليّة للتكليف الإلزامي المعلوم، فلا تجري.

وأمّا ما ذكره نظيراً للمقام، فلم يظهر لي وجه جريان الاستصحاب فيه، إذا كان عَلم إجمالاً بنجاسة إحدى الأوان، وأظنّ أنّ مقصوده استصحاب النجاسة في كلٍّ من الأوان الأربع المعلوم نجاسة الجميع ثمّ طهارة إحداها، فإنّ الاستصحاب يجري في الكلّ ، ولا يسقط بالتعارض، لعدم لزوم المخالفة العلميّة لتكليفٍ إلزامي معلوم.

وبما ذكرناه يظهر عدم كونه نظيراً للمقام.

***

ص: 212

ميراث الصغيرين إذا زوّجهما وليَّهما

المسألة الخامسة: إذا زوّج الصبيّة أبوها أو جَدّها لأبيها بالكُفو ومَهر المثل، أو زوّج الصبي وليّه لبالغةٍ ، أو الصبي والصبيّة وليّهما توارثا، بلا خلافٍ محقّق أجده فيه.

أقول: ويشهد للحكم في جميع الموارد، إطلاق أدلّة توارث الزوجين، الشامل للمقام، بعدما عرفت في كتاب النكاح من صحّة نكاح الصغير والصغيرة إذا كان بإذن الوليّ .

ويشهد للأخير:

1 - صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في الصبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟

فقال عليه السلام: إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم.

قلت: فهل يجوز طلاق الأب ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

2 - وخبر عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الصبي يزوّج الصبيّة هل يتوارثان ؟

قال عليه السلام: إنْ كان أبواهما هما اللّذان زوّجاهما فنعم، الحديث»(2).

أقول: وأمّا صحيح الحلبي عن مولانا الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ له: الغلام له عشر سنين، فيزوّجه أبوه في صغره، يجوز طلاقه وهو ابنُ عشر سنين ؟

ص: 213


1- وسائل الشيعة: ج 20/292 ح 25657، تهذيب الأحكام: ج 7/382 ح 19.
2- وسائل الشيعة: ج 26/220 ح 32864، الكافي: ج 7/132 ح 3.

فقال عليه السلام: أمّا تزويجه فهو صحيح، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتّى يُدرك، فيعلم أنّه كان قد طلق فان أقرَّ بذلك وأمضاه، فهي واحدة بائنة، وهو خاطبٌ من الخطّاب، وإنْ أنكر ذلك وأبى أن يُمضيه فهي امرأته.

قلت: فإنْ ماتت أو مات ؟ قال عليه السلام: يوقف الميراث حتّى يُدرك أيّهما بقي، ثمّ يَحلف باللّه ما دعاه إلى أخذِ الميراث إلّاالرّضا بالنكاح، ويدفع إليه الميراث»(1).

فمتروكٌ معارضٌ بما مَرّ، مع أنّ الحكم ببقاء التوارث إلى أن يبلغ ويُحلّف إنّما هو في ظرف الطلاق، وهو غير ما نحن فيه.

وأمّا صحيح الحذّاء الآتي، الدّال على ذلك، فستعرف أنّه فيما لو زوّجهما غير الوليّين الشرعيّين، ففي فرض تزويج الوليّ لا إشكال في التوارث.

أقول: ثمّ إنّ الكلام في اختصاص التوارث بما إذا كان التزويج بالكُفو وبمهر المثل ؟ أم يعمّ ما لو كان بغيره وبدون مهر المثل ؟ أم يفصّل بين الموردين ؟

مبنيٌّ على صحّة التزويج بدون مهر المثل، وبمن لا يكون كُفؤاً وعدمه، وقد مرّ الكلام في المبني في باب النكاح مفصّلاً.

فرع: لو زوّج الصغيرين غير الولى فضولاً، ولم يكن لهما وليٌّ يُجيز العقد، فمات أحدهما أو كلاهما قبل البلوغ، بطل العقد، ولا ميراث بينهما.

ولو بلغ أحدهما وأجاز العقد، ثمّ مات قبل بلوغ الآخر، يعزل نصيب الآخر من ميراثه، فإنْ ماتَ قبل البلوغ، أو بلغ وردّ العقد، ولم يعرض به، فقد بطل العقد، ولا ميراث.5.

ص: 214


1- وسائل الشيعة: ج 26/220 ح 32865.

وإنْ أجاز، صَحّ وأحلف أنّه لم يَدعُه إلى الرّضا الرغبة في الميراث، بلا خلافٍ أجده في شيء من ذلك، ويشهد به:

صحيح الحذّاء، قال: «عن غلامٍوجارية زوّجهما وليّان لهما، وهما غير مُدرِكين ؟

فقال: سألت أبا جعفر عليه السلام: النكاح جائزٌ أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يُدركا، فلا ميراث بينهما، ولا مهر، إلّاأن يكونا قد أدركا ورضيا.

قلت: فإنْ أدرك أحدهما قبل الآخر؟

قال عليه السلام: يجوز ذلك عليه إنْ هو رضي.

قلت: فإنْ كان الرّجل الذي أدرك قبل الجارية، ورضي النكاح، ثمّ ماتَ قبل أن تُدرك الجارية، أترثه ؟

قال عليه السلام: نعم، يعزل ميراثها منه حتّى تُدرك وتَحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّارضاها بالتزويج، ثمّ يُدفع إليها الميراث، ونصف المهر.

قلت: فإنْ ماتت الجارية، ولم تكن أدركت، أيرثها الزّوج المُدْرِك ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت.

قلت: فإنْ كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تُدرِك ؟

قال عليه السلام: يجوزعليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمَهرعلى الأب للجارية»(1).

وتقريب الاستدلال به: أنّ المراد من تزويج الوليّين في الصدر، هو تزويج غير الوليّ الشرعي، بقرينة قوله في الذيل: «قلتُ : فإنْ كان أبوها...»، وإطلاق (الولي) في الأخبار على غير الشرعي كثيرٌ، بل إطلاقه على الشرعي منه قليل، وحينئذٍ فقوله:2.

ص: 215


1- وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32862، تهذيب الأحكام: ج 9/382 ح 2.

«فإن ماتا... إلخ» يدلّ على عدم التوارث لو ماتا قبل البلوغ، وقوله: «نعم يعزل ميراثها حتّى تُدرك وتحلف.. إلخ»، وقوله: «فإن ماتت الجارية... إلخ» يدلّان على عدم كالتوارث إنْ ماتَ أحدهما قبل البلوغ، وقوله: «فإن كان الرّجل... إلخ» يدلّ على الحلف والتوريث مع موت أحدهما بعد البلوغ، والإجازة، وحياة الآخر إلى البلوغ، وهو وإنْ كان في موت الرّجل، إلّاأنّ الأصحاب التزموا به في موت المرأة أيضاً، وألغوا الخصوصيّة.

فرعٌ آخر: وفي انسحاب الحكم إلى غير محلّ النّص والفتوى، كما لو زوّج الفضولي الكاملين، أو أحدهما، أو زوّج الولي أحد الصغيرين، والفضولي الآخر، أو نحو ذينك خلافٌ بين الأصحاب.

قال الشهيد الثاني رحمه الله(1): (إنّ أكثر هذه الأحكام موافقة للاُصول الشرعيّة، لاتتوقّف على نصّ خاصّ ، وإنّما يقع الالتباس فيها في إثبات إرث المجيز المتأخّر بيمينه، مع ظهور التهمة في الإجازة) انتهى .

أقول: وحقّ القول في المقام:

أنّه إنْ قلنا بعدم جريان الفضولي في النكاح، فلا كلام في أنّه لا توارث في شيء من الموارد، كما لا يخفى ، ولكن عرفت في كتاب النكاح(2) فساد المبنى .

وإنْ قلنا بجريانه فيه:

فتارةً : نقول في الإجازة بالنقل، فأيضاً لا توقّف في بطلان النكاح بالموت، وسقوط التوارث، لعدم معقوليّة تحقّق الزوجيّة بالإجازة.4.

ص: 216


1- مسالك الأفهام: ج 7/178.
2- فقه الصادق: ج 31/234.

ولكن قد عرفت في كتاب البيع أنّ الأظهر كون الإجازة كاشفة، لكن لا بنحو الكشف الحقيقي بنحوٍ لايكون للإجازة دخلٌ فيه، بل بمعنى الانقلاب، وأنّ جزء المؤثّر هو الإجازة، ولكن تؤثّر الإجازة فيما قبل، وتُوجب اعتبار تحقّق المعتبر من حين العقد.

وعلى هذا فحيثُ قد حَقّقنا في محلّه في كتاب البيع(1) في شرائط العقد أنّه:

يعتبر كون كلّ من طرفي العقد أهلاً للعقد، وقابلاً للتعاقد والتعاهد حين إنشاء الآخر، إذ لاريب في أنّه يعتبر في ترتيب العقلاء والشارع الأثر على الالتزام النفساني، أن يُظهره لمن هو طرفه في العقد فإذا كان الطرف غير قابلٍ للتخاطب، فالإظهار له كلا إظهار.

وأيضاً: فإنّه في حال إنشاء الثاني منهما للعقد يتمّ العقد، ويتحقّق الزوجيّة، فلابدّ وأن يكون الآخر أهلاً وقابلاً كي يترتّب الأثر على التزامه النفساني، وتمام الكلام في محلّه.

وعليه، فإنْ ماتَ أحدهما، وخرج عن قابليّة العقد والتزويج، فإجازة الآخر بعد البلوغ التي بها يستند العقد إليه، ويصير طرفاً للعقد لغوٌ لايترتّب عليها الأثر، فمقتضى القاعدة عدم صحّة التزويج، وعدم التوريث.

وبالتالي فما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله(2) وتبعه صاحب «الجواهر»(3) من أنّ القاعدة تقتضي التوريث، وإنّما الحلف واليمين على خلاف القاعدة في غير محلّه.

وأمّا دعوى: انسحاب الحكم إلى جميع تلك الصور، وإنْ كان على خلاف4.

ص: 217


1- فقه الصادق: ج 23/50.
2- مسالك الأفهام: ج 7/179-182.
3- جواهر الكلام: ج 39/403-404.

القاعدة للأولويّة أو تنقيح المناط.

ففاسدة: لعدم حصول القطع بذلك، سيّما بعد ملاحظة أنّ الشارع الأقدس قد يجمع بين المختلفات، ويفرّق بين المجتمعات، والظنّ بالأولويّة أو المساواة لايُغني من الحقّ شيئاً، وعليه فالأظهر عدم الإلحاق.

نعم، في خصوص ما إذا كان أحد الطرفين بالغاً، وكان الفضولي من الطرف الآخر الذي هو صغيرٌ، فمات البالغ قبل بلوغ الآخر، يثبتُ هذا الحكم أيضاً للنَّص:

1 - خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يزوّج ابنه يتيمةً في حِجره، وابنه مُدْرِكٌ ، واليتيمة غير مُدرِكة ؟

قال عليه السلام: نكاحه جائزٌ على ابنه، فإن مات عُزل ميراثها منه حتّى تُدرك، فإذا أدركت حَلفت باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّارضاها بالنكاح، ثمّ يُدفع إليها الميراث ونصف المهر، الحديث»(1).

2 - خبر عبّاد بن كثير الذي هو كالصحيح، عنه عليه السلام:

«عن رجلٍ زوّج إبناً له مُدرِكاً من يتيمةٍ في حِجره ؟

قال عليه السلام: ترثه إنْ مات، ولا يرثها؛ لأنّ لها الخيار ولا خيار عليها»(2).

المحمول إطلاقه التوريثَ على مالو أدركت وأجازت وحَلفت باللّه أنّه مادعاها إلى أخذ الميراث إلّارضاها للخبر الأوّل، وفي غير هذين الموردين لا يثبتُ الحكم.

***2.

ص: 218


1- وسائل الشيعة: ج 21/330 ح 27215، من لا يحضره الفقيه: ج 4/309 ح 5664.
2- وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32863، الكافي: ج 7/132 ح 2.

ويرثُ الزوجُ من جميع التركة،

حرمان الزّوجة من بعض تركة زوجها

المسألة السادسة: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يرثُ الزّوج من جميع التركة)، ويشهدُ به - مضافاً إلى الإجماع، وعمومات الإرث من الكتاب والسُّنة - جملةٌ من النصوص الآتية.

كماأنّه لاخلاف من غير الإسكافي(1) في حرمان الزّوجة عن بعض أعيان التركة.

وعن «نكت» الشهيد(2) وغيره(1): دعوى الإجماع عليه.

وفي «المسالك»(4) جعله من متفردات الإماميّة.

وإنّما الخلاف بينهم في ما تحرم منه، وفيمن تحرم من الزوجات.

وعليه فيقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في بيان ما تحرمُ منه الزّوجة:

أقول: اختلف فيه الأصحاب على أقوال:

القول الأوّل: وهو المشهور بينهم كما في «المسالك»(5) من حرمانها من نفس الأرض، سواءً كانت بياضاً أم مشغولة بزرعٍ أو شجرٍ وبناءٍ وغيرها، عيناً وقيمةً ، ومن عين آلاتها، وأبنيتها وتُعطى قيمة ذلك.

ص: 219


1- المقصود به الصيمري، حكاه عنه في الرياض: ج 2/364 (ط. ق). (4و5) مسالك الأفهام: ج 13/184.

وإليه ذهب الشيخ في «النهاية»(1) على ما حُكي، وأتباعه كالقاضي(2)، وابن حمزة(3)، وقبلهم أبو الصَّلاح(4)، وهو ظاهر المصنّف في «المختلف»(5)، والشهيد في «اللّمعة»(6) على ما حُكي، والمحقّق في «الشرائع»(7) وغيرهم.

القول الثاني: حرمانها من جميع تلكم مع إضافة الشَّجر إلى الآلات في الحرمان من عينه دون قيمته.

وفي «المسالك»(8): (وبهذا صرّح من المتأخّرين العلّامة في «القواعد»، والشهيد في «الدروس»، وأكثر المتأخّرين، وادّعوا أنّه المشهور، بل ادّعوا أنّه عين الأوّل، وهو ممنوعٌ كما يظهر لمن تتبّع عباراتهم) انتهى .

والظاهر أنّ الأوّل مشهورٌ بين القدماء، والثاني بين المتأخّرين.

القول الثالث: حرمانها من الرّباع، وهي الدُّور والمساكن، دون البساتين والضياع، وتُعطى قيمة الآلات والأبنية من الدّور والمساكن دون البساتين، وهو قول المفيد(9)، والحِلّي(10)، والمحقّق في «النافع»(11)، ومالَ إليه في محكيّ «المختلف»2.

ص: 220


1- النهاية: ص 642.
2- المهذّب: ج 2/140-141.
3- الوسيلة: ص 391.
4- الكافي للحلبي: ص 374.
5- مختلف الشيعة: ج 9/37.
6- اللّمعة الدمشقيّة: ص 230.
7- شرائع الإسلام: ج 4/385.
8- مسالك الأفهام: ج 13/185.
9- المقنعة: ص 687.
10- السرائر: ج 3/258.
11- النافع: ص 272.

بعض الميل(1).

القول الرابع: حرمانها من عين الرِّباع خاصّة لا من قيمتها، ذهب إليه المرتضى(2)، واستحسنه المصنّف رحمه الله في بعض كتبه، وإنْ استقرَّ رأيه أخيراً على الأوّل، وجعله صاحب «الكفاية» أقوى (3).

القول الخامس: ما عن الإسكافي(4) من عدم حرمانها عن شيء.

وقد يقال(5): إنّ خلوّ جملةٍ من كتب الأصحاب - على ما قيل - كالمقنع، و «المراسم»، و «الإيجاز»، و «التبيان»، و «مجمع البيان»، و «جوامع الجامع»، و «الفرائض النصيريّة» عن هذه المسألة، مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزّوجة رُبع التركة أو ثُمنها، الظاهر في العموم، ربما يُؤذن بموافقة الإسكافي، بل عن «دعائم الإسلام» أنّ إجماع الاُمّة والأئمّة على قول ابن الجُنيد.

أقول: وأمّا النصوص فهي كثيرة، نذكرها ثُمّ نعقبها ببيان ما يُستفاد منها، ثمّ بيان مدارك سائر الأقوال، وهي:

1 - صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ المرأة لا ترثُ ممّا ترك زوجها من القرى والدّور والسِّلاح والدّواب شيئاً، وترثُ من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ممّا ترك، وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب وتُعطى حقّها منه»(6).2.

ص: 221


1- مختلف الشيعة: ج 9/32-33-34.
2- الانتصار: ص 585.
3- الكفاية: ص 302-303.
4- حكاه عنه في الرياض: ج 2/364 (ط. ق).
5- والقائل هو صاحب الجواهر: ج 39/207-208.
6- وسائل الشيعة: ج 26/210 ح 32847، الكافي: ج 7/127 ح 2.

2 - وصحيح الفضلاء الخمسة عن الإمامين الصادقين عليهما السلام، منهم من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، ومنهم من رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ومنهم من رواه عن أحدهما:

«أنّ المرأة لا ترثُ من تركة زوجها من تربة دارٍ أو أرضٍ إلّاأن يقوّم الطوب والخَشَب قيمةً فتُعطى رُبعها أو ثُمنها»(1).

3 - وصحيح الأحول، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا يرثن النساء من العقار شيئاً، ولهنّ قيمة البناء والشَّجر والنخل، يعني من البناء الدّور وإنّما عني من النساء الزّوجة»(2).

4 - وصحيح الفاضلين زرارة ومحمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، أنّه قال: «لا ترثُ النساء من عقار الأرض شيئاً»(3).

5 - وصحيحهما الآخر، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا ترثُ النساء من عقار الدّور شيئاً، ولكن يقوّم البناء والطّوب وتُعطى ثُمنها أو رُبعها»(4).

6 - وصحيح البقباق، وابن أبي يعفور، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل هل يرثُ من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة، فلا يرثُ من ذلك شيئاً؟

فقال عليه السلام: يرثها وترثه من كلّ شيء تركَ وتركت»(5).

7 - وحسن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:5.

ص: 222


1- وسائل الشيعة: ج 26/207 ح 32840، الكافي: ج 7/128 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 26/211 ح 32851، من لا يحضره الفقيه: ج 4/348 ح 5750.
3- وسائل الشيعة: ج 26/208 ح 32841، الكافي: ج 7/128 ح 4.
4- وسائل الشيعة: ج 26/208 ح 32842، الكافي: ج 7/129 ح 6.
5- وسائل الشيعة: ج 26/212 ح 32853، تهذيب الأحكام: ج 9/300 ح 35.

«النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»(1).

8 - وحسن حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّما جُعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلّا يتزوّجن، فيدخل عليهم - يعني أهل المواريث - من يفسد مواريثهم»(2).

9 - وموثّق زرارة، عن مولانا الباقر عليه السلام، قال: «المرأة لا ترثُ ممّا ترك زوجها من القُرى والدّور والسّلاح والدّواب شيئاً، وترثُ من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ممّا ترك، ويقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتُعطى حقّها منه»(3).

10 - وموثّق البقباق وعبيد بن زرارة، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ تزوّج امرأةً ثمّ مات عنها، وقد فرض الصداق ؟

قال عليه السلام: لها نصف الصداق، وترثه من كلّ شيء، وإنْ ماتت فهو كذلك»(4).

11 - وخبر محمّدبن مسلم، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ترثُ المرأة الطوب، ولا ترثُ من الرِّباع شيئاً، الحديث»(5).

12 - وخبر زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ النساء لا يرثن من الدّور، ولا من الضياع شيئاً، إلّاأن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء»(6).

13 - وخبر الطربال الذي هو كالصحيح لرواية من هو من أصحاب الإجماع،3.

ص: 223


1- وسائل الشيعة: ج 26/207 ح 32839، الكافي: ج 7/127 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/209 ح 32844، الكافي: ج 7/129 ح 7.
3- وسائل الشيعة: ج 26/210 ح 32847، الكافي: ج 7/127 ح 2.
4- وسائل الشيعة: ج 21/329 ح 27210، الكافي: ج 6/119 ح 7.
5- وسائل الشيعة: ج 26/206 ح 32837، الكافي: ج 7/128 ح 5.
6- وسائل الشيعة: ج 26/210 ح 32848، تهذيب الأحكام: ج 9/300 ح 33.

عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«إنّ المرأة لا ترثُ ممّا ترك زوجها من القُرى والدّور والسّلاح والدّواب شيئاً، وترثُ من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت ممّا ترك، ويقوّم النقض والجذوع والقصب فتُعطى حقّها منه»(1).

14 - وخبر يزيد الصائع، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ النساء لا يرثن من رِباع الأرض شيئاً، لكن لهنّ قيمة الطوب والخشب.

قال: قلتُ له: إنّ النّاس لا يأخذون بهذا؟

فقال عليه السلام: إذا وليناهم ضربناهم بالسَّوط، فإنْ انتهوا وإلّا ضربناهم بالسّيف عليه»(2).

15 - وخبره أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن النساء هل يرثن من الأرض ؟

فقال عليه السلام: لا، ولكن يرثن قيمة البناء، الحديث»(3).

16 - وخبر ميسر بيّاع الزّطي، عنه عليه السلام: «عن النساء ما لهنّ من الميراث ؟

قال عليه السلام: لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأمّا الأرض والعقارات فلا ميراث لهنّ فيه.

قلت: فالبنات ؟ قال عليه السلام: البنات لهنّ نصيبهنّ منه، الحديث»(4).

17 - وخبر موسى بن بكر الواسطي، قال: «قلتُ لزرارة: إنّ بُكيراً حدّثني8.

ص: 224


1- وسائل الشيعة: ج 26/210 ح 32847، تهذيب الأحكام: ج 9/299 ح 32.
2- وسائل الشيعة: ج 26/210 ح 32846، الكافي: ج 7/129 ح 10.
3- وسائل الشيعة: ج 26/208 ح 32843، الكافي: ج 7/129 ح 8.
4- وسائل الشيعة: ج 26/206 ح 32838.

عن أبي جعفر عليه السلام: أنّ النساء لا ترثُ امرأة ممّا ترك زوجها من تربة دارٍ ولا أرضٍ إلّا أن يقوّم البناء والجذوع والخشب، فتُعطى نصيبها من قيمة البناء، فأمّا التربة فلا تُعطى شيئاً من الأرض، ولا تربة دار؟

قال زرارة: هذا لا شكّ فيه»(1).

18 - وخبر عبد الملك، قال: «دعا أبو جعفر عليه السلام بكتابِ عليٍّ عليه السلام فجاء به جعفر مثل فخذ الرّجل مطويّاً، فإذا فيه:

إنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرّجل إذا توفّي عنهنّ شيءٌ .

فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا واللّه خطّ عليّ عليه السلام بيده وإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).

19 - وخبر محمّد بن سنان: «أنّ الإمام الرّضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله:

علّة المرأة أنّها لا ترثُ من العقار شيئاً إلّاقيمة الطوب والنقض، لأنّ العقار، الحديث»(3).

هذه هي عمدة نصوص الباب.

أقول: وقبل بيان ما يُستفاد منها، لا بأس ببيان الألفاظ غير ظاهرة المعاني ممّا فيها، فنقول:

أمّا الجذع: فهو ساقُ النخلة.

وأمّا الرِّباع: جمع الرِّبع، وهو المنزل ودار الإقامة.4.

ص: 225


1- وسائل الشيعة: ج 26/211 ح 32850، تهذيب الأحكام: ج 9/301 ح 37.
2- وسائل الشيعة: ج 26/212 ح 32852، بحار الأنوار: ج 101/352 ح 9.
3- وسائل الشيعة: ج 26/210 ح 32849، تهذيب الأحكام: ج 9/300 ح 34.

وأمّا الطوب: فهو مطبوخٌ من الآجر.

وأمّا الضيعة: فهي الأرض المغلة.

وأمّا العقار: فهي إمّا مطلق الأرض الشامل للضيعة، أو الضيعة.

وأمّا النِقض: بكسر النون، فهو المنقوض من البناء.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ استفادة الحكم من النصوص يقتضي البحث في موارد:

المورد الأوّل: حرمان الزّوجة من عين أراضي الرِّباع، ويشهد به جميعُ النصوص المتقدّمة غير الخبرين السادس والعاشر، وهما لا يصلحان لمعارضة النصوص المتقدّمة التي تكون أشهر، ومخالفة للعامّة.

وقد يقال: إنّهما عامّان يخصّصان بغير الأرض، ولا بأس به في العاشر، وأمّا السادس فهو غيرُ قابلٍ لذلك.

ثمّ إنّه ربما يُشكل على إثبات الحكم بهذه النصوص، من جهة اشتمالها لما لا يقول به أحدٌ من السِّلاح والدّواب.

وفيه أوّلاً: أنّ جملةً منها غير متضمّنة لشيء ممّا لا نقول به.

وثانياً: إنّ طرح بعض الخبر لمعارضٍ أقوى ، لا يوجبُ طرح ما لا معارض فيه.

وربما يُحتمل فيها احتمالات، لوضوح كونها خلاف الظاهر، أغمضنا عن التعرّض لها، وعليه فلا إشكال في أنّها محرومة عن عين أراضي الرِّباع.

المورد الثاني: حرمانها من عين سائر الأراضي، سواءً أكانت أرض زرع، أو دكان، أو عين، أو قناةٍ ، أو بستانٍ ، أو طاحونة أو ماشاكل.

وبالجملة: كلّ ما يصدق عليه الأرض.

ص: 226

ويشهد به: أكثر النصوص المتقدّمة، لاحظ ماعدا الثالث والخامس والسادس والثامن والعاشر والحادي عشر، فإنّ جملة منها متضمّنة للفظ الأرض وما شاكل، وبعضها وإنْ كان مورده القرى، ولكن بعدم القول بالفصل بينها وبين سائر الأراضي، يثبتُ المطلوب.

والنصوص غير الدّالة على ذلك، عدا السادس والعاشر الذين عرفت حالهما، لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم حرمانها منها، فتنافي مع هذه النصوص، فلا ينبغي التوقّف فيه.

المورد الثالث: أنّها لا ترثُ قيمة الأراضي مطلقاً، ويشهد به - مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعوه - التفصيل في كثيرٍ من النصوص، كصحيح الفضلاء، وصحيحي الاحوال وزرارة وغيرها بين الأراضي وبين الثياب والفرش وما شاكل، وبين الطوب والخَشَب والشجر وما شاكل. والحكم في الأراضي بأنّها لا ترث منها، وفي المورد الثاني بأنّها ترث، وفي الثالث بأنّها ترث من قيمة تلكم الأشياء، والتفصيل قاطعٌ للشركة، والتبادر فإنّ المنساق إلى الذهن من قول: إنّه لا يرث، عدم الإرث لا عيناً ولا قيمةً ، وقوله عليه السلام في جملةٍ منها: «لا يرث شيئاً» فإنّه نكرة في سياق النفي يفيد العموم.

أضف إلى ذلك كلّه أنّه مقتضى الأصل، فإنّ توريثها من القيمة خلاف الأصل، يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

فإنْ قيل: إنّ الجمع بين هذه النصوص، وبين ما دلّ على أنّ الزّوجة ترث ربع التركة أو ثُمنها، الظاهر في أنّها ترثُ من الجميع يقتضي ذلك.

ص: 227

قلنا: إنّ ذلك الدليل حيثُ أنّه ظاهرٌ في أنّها ترث من عين التركة، يكون مخصّصاً بنصوص الباب قطعاً، فيبقى بذل القيمة بلا دليل، وقد مرّ في مسألة الحبوة ما يظهر منه حكم المقام أيضاً، فراجع(1).

المورد الرابع: حرمانها من عين الأشجار، ويشهد به: قوله عليه السلام في صحيح الأحول: «ولهنّ قيمة البناء والشَّجر» فإنّه ظاهرٌ في عدم إرثها من عين الشجر، وكذا يشهد به ما في جملةٍ من الأخبار من حرمانها من أعيان الجذوع.

المورد الخامس: حرمانها من أعيان الآلات والأبنية، والشاهد به التصريح في كثيرٍ من النصوص بها.

المورد السادس: عدم حرمانها من قيمة الأبنية والأشجار والآلآت، ودلالة النصوص عليه ظاهرة.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول الثاني أظهر.

وقد استدلّ للقول الأوّل: بأنّ النصوص المعتبرة خالية عن الشجر، وما تضمّنه وهو خبر الأحول ضعيف.

وفيه: أنّه ليس في سنده من يُتأمّل فيه، عدا محمّد بن موسى المتوكّل، وهو وإنْ لم يُحكَ عن الشيخ والنجاشي توثيقه، إلّاأنّه وثقه المصنّف رحمه الله(2) وابن داود(3)، وقد ترضّى الصَّدوق عليه(4)، وكان من مشائخه، وأفاد الشيخ الأعظم رحمه الله(5) أنّه0.

ص: 228


1- صفحة 191 من هذا المجلّد.
2- رجال العلّامة: ص 149.
3- رجال ابن داود: ص 185.
4- من لايحضره الفقيه: ج 4/453.
5- رسالة في المواريث للشيخ الأنصاري: ص 190.

لا يقصر حاله عن إبراهيم بن هاشم، مضافاً إلى أنّ عمل الأكثر على الرواية.

واستدلّ للقول الثالث:

1 - بأنّ مقتضى عموم الآيات والروايات الدّالة على إرثها، أنّها ترثُ من جميع التركة، خرج عنها ما اتّفقت الأخبار والفتاوى عليه، وهو أرض الرّباع، والمساكن عيناً وقيمةً ، وآلاتها عيناً لا قيمةً ، فيبقى الباقي.

2 - وبأنّه لابدّ من الاقتصار على المتيقّن فيما خالف الأصل.

3 - وبأنّه وقع الاقتصار في كثيرٍ من الأخبار على الدّور والرّباع، ولو لم يكن الحكم مختصّاً بهما، لما كان وجهٌ للتخصيص بهما.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما مر من دلالة الدليل على خروج غيرها، وبه يقيّد ويُخصّص العمومات والمطلقات.

وأمّا الثاني: فلأنّه لا وجه للاقتصار على المتيقّن مع وجود الدليل.

وأمّا الثالث: فلأنّه الوجه الذي ذكر لثبوت المفهوم للوصف واللّقب، وقد حُقّق في محلّه فساده.

وربما يقال في توجيه هذا القول: بأنّه لا دليل على تخصيص غير الدار من عمومات إرث الزّوجة، فإنّ جملةً من النصوص المتقدّمة ضعيفة السند، وجملة منها مشتملة على العقار، وصدقه على غير الرّباع غير مسلّمٍ ، فيبقى من النصوص خبر الفضلاء، وهو لا يصلُح أن يعارض صحيح البقباق وابن أبي يعفور الدّال على أنّها ترث من التربة، فإنّ من جملة رجال سنده إبراهيم بن هاشم، وفي عدالته كلامٌ

ص: 229

مشهور(1)، ولذا عُدّت رواياته من الحِسان عند الأكثر، فهو حسنٌ ، فصحيح البقباق مقدّمٌ عليه للأعدليّة وموافقة الكتاب.

ولا سبيل إليدعوى تقديمه بالشهرة، لتساويهما في الاشتهار بين أصحاب الحديث.

وأيضاً: لا سبيل إلى دعوى أعلميّة الصحيح، فإنّ السؤال فيه عن خصوص دار المرأة وأرضها، فلا يَصحّ تخصيصه بغيرهما.

أقول: وفيما ذُكر مواقع للنظر:

الأوّل: إنّ صحيح البقباق يُحتمل اختصاصه بالدّار وأرضها، بإرجاع ضمير أرضها إلى الدار، لا إلى المرأة، فيكون المسؤل عنه الدار المشتملة على الساحة والبناء، وخصوص أرضها.

وعليه، فحيثُ أنّ النصوص الصحيحة الاُخر دالّة على عدم إرثها منها، كما اعترف القائل به، وهي مقدّمة لوجوهٍ ، فلايبقى محلّللاستدلال به كي يُعارض الحسن.

الثاني: أنّ السؤال وإنْ كان عن شيء خاصّ ، لكن الجواب عامٌ ، والمورد لايكون مخصّصاً، فلا مانع من تخصيصه بحسن الفضلاء.

الثالث: إنّ الشهرة المرجّحة هي الشهرة الفتوائيّة، وهي أوّل المرجّحات، وتكون مع الحسن فيقدّم.

الرابع: ما تقدّم من أعميّة العقار الموجود في الأخبارالصحيحة من أرض الدار، والمسكن، وشموله للأراضي المغلة، فإذا ثبت الحكم فيها ثبت الحكم فيها ثبت في غيرها من الأراضي بعدم القول بالفصل.6.

ص: 230


1- رجال النجاشي: ص 16.

واستدلّ للقول الرابع: بأنّه مقتضى الجمع بين عموم آيات الإرث واخباره، وما اتّفق عليه النّص والفتوى، من حرمانها من عين الرِّباع.

وقيل في توجيه ذلك: إنّ مقتضى العمومات إرثها من العين والقيمة، لتبعيّة القيمة للعين، وأدلّة الحرمان تدلّ على المنع منهما، فيختصّ روايات المنع بالعين تقليلاً للتخصيص.

وفيه أوّلاً: أنّ الثابت في محلّه أنّ إطلاق المخصّص يقدّم على إطلاق العام، فمع تسليم الإطلاق لروايات المنع لا وجه للتخصيص.

وثانياً: أنّ العمومات لا تدلّ على إرثها من القيمة إلّاتبعاً للعين، بمعنى الحصّة التوأمة منها، فإذا خصّص العمومات بها في العين تُخصّص قهراً بالنسبة إلى القيمة، والالتزام بارثها الحصّة غير التوأمة مع العين بلا دليلٍ ، لعدم دلالة العمومات عليه.

واستدلّ للقول الخامس: بالعمومات، وخصوص الخبر السادس والعاشر.

ويردّه: أنّ العمومات لا بدَّ من تخصيصها بالنصوص الصحيحة المعمول بها المتقدّمة، والخبران لا يصلحان لمعارضتها كما مرّ.

فتحصّل: أنّه لا ينبغي الترديد في أرجحيّة القول الثاني، واللّه تعالى العالم.

***

ص: 231

وكذا المرأة إذا كان له ولدٌ منها.

حرمان الزّوجة من بعض التركة

المورد الثاني: فيمن تحرم من الزوجات، (و) فيه قولان:

أحدهما: ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله (وكذا المرأة) أي كالزوج ترثُ من جميع التركة (إذا كان له ولدٌ منها).

ذهب إليه جماعةٌ كالمحقّق في «الشرائع»(1)، ونُسب إلى المشهور بين المتأخّرين(2).

ثانيهما: عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان.

ذهب إليه الكليني(3)، والمفيد(4)، والسيّد(5)، والشيخ في «الاستبصار»(6)، والحلبي(7)، والحِلّي(8)، والمحقّق في «النافع»(9)، وجماعةٌ من المتأخّرين ومتأخّري المتأخّرين، بل عن «الخلاف»(10)، و «السرائر»(11) الإجماع عليه.

ص: 232


1- شرائع الإسلام: ج 4/28.
2- مفاتيح الشرائع: ج 3/329، والرياض: ج 2/364.
3- الكافي: ج 7/127.
4- المقنعة: ص 687.
5- حكاه عنه في المستند: ج 19/379.
6- الاستبصار: ج 4/154.
7- الكافي: ص 374.
8- السرائر: ج 3/259.
9- النافع: ص 272.
10- الخلاف: ج 4/116.
11- السرائر: ج 3/259.

ولو فُقِد، وَرِثت إلّامن العقارات والأرضين، فيقوّم الأبنية والآلات والنخيل والأشجار، وترثُ من القيمة.

ويشهد للثاني: إطلاق النصوص المتقدّمة.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّه مقتضى الجمع بين أخبارٍ كثيرة مانعة، عامّة أو مطلقة، وبين الخبر السادس المتقدّم.

2 - وبحسن ابن اُذينة الوارد فيه قوله عليه السلام: «في النساء إذا كان لهنّ ولدٌ اُعطين من الرِّباع»(1).

ولكن الجمع تبرّعيٌ لا شاهد له، والخبر السادس قد عرفت حاله.

وأمّا الحسن فهو مقطوعٌ ، وظاهره كونه كلام ابن اُذينة، إذ لم يسنده إلى إمامٍ بتصريحٍ أو إضمار، فلا يكون سبيله سبيل المرسَل كي يَنجبر بالشُّهرة، ولا سبيل المضمر كي يقال إنّ نقل مثله إنّما هو عن الإمام، فهو لا يكون حجّة، فلا يصلحُ لتقييد المطلقات.

وعليه، فالأظهر أنّ حكم ذاتِ الولد حكم غيرها.

(و) لا فرق بين ما (لو فُقِد) الولد أو وجد، والحكم في الجميع ما أفاده رحمه الله بقوله:

(ورثت إلّامن العقارات والأرضين، فيقوّم الأبنية والآلآت والنخيل والأشجار، وترثُ من القيمة).6.

ص: 233


1- وسائل الشيعة: ج 26/213 ح 32854، تهذيب الأحكام: ج 9/301 ح 36.

أقول: وفي المقام فوائد مهمّة، لا نطيلُ الكلام بذكر جميعها، وإنّما نذكر منها ما لابدَّ منه.

الفائدة الأُولى: أنّه لا فرق في الدّور التي تُمنع عنها الزّوجة من أرضها وترثُ من قيمة بنائها، بين ما كان يسكنه الزّوج، أو كان يؤجّره، أو لم يكن يسكنه أحدٌ، لإطلاق النصوص.

الفائدة الثانية: يدخلُ في الآلآت الآجر، سواءً كان في الحائط أو على الأرض، والأخشاب المستدخلة في البناء، والميازيب، والأبواب والشبابيك ونحوها ممّا يُعدّ من آلات البناء عند العرف، حتّى المرآيا المستدخلة في الشبابيك.

نعم، يعتبر كونها في البناء، فلو انهدم البناء ترثُ من جميع آلاتها من آجرٍ ونحوه، لأنّ المراد منها المُثبتة دون المنقولة.

وعن الصيمري(1): الإجماع عليه.

ولا فرق في البناء بين كونه مستعدّاً للهدم أم لا، كما لافرق في النخل بين كونه معدّاً للقطع لعدم الانتفاع به بدون القلع، وما لم يكن كذلك.

نعم، لو قُلع النخل ورثَتْ من عينه.

وهناك مصاديقُ مشكوك فيها، مقتضى العمومات إرثها منها، لأنّ الشبهة مفهوميّة، ويجوزُ التمسّك بالعام في الشبهة المفهوميّة، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصّلح ونحوه في جميع موارد الشكّ .

الفائدة الثالثة: تحرمُ الزّوجة من أراضي الأنهار والقنوات، عيناً وقيمةً ، كما مرّ،3.

ص: 234


1- غاية المرام: ج 4/183.

وعليه فمياهها التي تخرج بعد الموت لا ترثُ منها لتبعيّتها للأرض، وعدم كونها من متروكات الميّت.

نعم، ما خرج قبل الموت وبقي ترثُ منه، لعدم دخوله فيما تحرم منه.

الفائدة الرابعة: إذا استاجر الزّوج داراً أو بستاناً، فمات قبل انقضاء المدّة، وبنينا على عدم بطلان الإجارة بموتِ المستأجر، فالظاهر أنّ الزّوجة ترثُ من الانتفاع بها، وتكون شريكة مع سائر الورثة في الانتفاع، لأنّ التركة ليست هي الأرض، بل الانتفاع بها، فلا وجه لحرمانها.

كما أنّه إذا كان للزّوج البيت الفوقاني، وكان تحته من غيره، فخرب البناء ترثُ الزّوجة من عين الهواء، لعدم صدق الأرض والبناء على الهواء، وإنّما كانت لا ترثُ من الهواء فيما كان تابعاً للأرض، ولا أرض هنا.

الفائدة الخامسة: في كيفيّة تقويم البناء والأشجار وما شاكل.

أقول: لا إشكال في أنّه لا يقوّم الآلآت مع تقدير انفكاكها وانفصالها، فيقوّم الآجر منفرداً والجِصّ كذلك وهكذا، للتصريح في كثيرٍ من النصوص المتقدّمة بأنّه يقوّم البناء، والبناء هو الهيئة الاجتماعيّة الكائنة في الأرض.

أمّا الأشجار، فهي أيضاً لا تقوّم مقلوعة من الأرض، بل حال كونها قائمة في الأرض لتقوّم الشجرية بذلك.

وذكر في «المسالك»(1) و «الرياض»(2) في كيفيّة التقويم:

أنْ يقوّم مستحقّ البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى، فيقدّر الدار كأنّها5.

ص: 235


1- مسالك الأفهام: ج 13/194.
2- رياض ا لمسائل: ج 2/365.

مبنيّة في مِلْك الغير على وجهٍ لا تستحقّ عليها اُجرةً إلى أن تُفنى وتُعطى قيمة ما عدا الأرض.

وذكر الصيمري(1) وجهاً آخر، وهو: أنّه يقوّم الأرض على تقدير خلوّها من الأبنية والأشجار ما يسوى، فإذا قيل عشرة مثلاً قوّمت أُخرى مضافة إليهما، فإذا قيل عشرون مثلاً كانت شريكة في العشرة الزائدة.

أقول: والأوّل أظهر، إذ ربما تكون قيمة الأرض على تقدير خلوّها من الأبنية أكثر من قيمة الأرض مع ما فيها من البناء، كما هو الحال في هذه الأيّام.

الفائدة السادسة: اختلف الأصحاب في أنّ إعطاء الورثة القيمة، هل هو على سبيل الرخصة، فإذا أرادوا أن يعطوها من العين، ليس لها أن تمتنع من الأخذ؟

أم هو على سبيل اللّزوم، فليس عليهم إلّاإعطاء القيمة ؟

ذهب جماعة من الأصحاب منهم السيّد في «الرياض»(2)، وصاحب «الكفاية»(3) إلى الأوّل.

وفي «المسالك»(4)، و «المستند»(5)، وعن الصِّيمري(6)، والمحقّق الثاني(7)اختيار الثاني.).

ص: 236


1- غاية المرام: ج 4/184.
2- رياض المسائل: ج 2/365 (ط. ق).
3- كفاية الأحكام: ص 304.
4- مسالك الأفهام: ج 13/194.
5- مستند الشيعة: ج 19/385.
6- حكاه عنه في المستند: ج 19/385.
7- حكاه عنه في الرياض: ج 2/365 (ط. ق).

وهو الظاهر من النصوص، للتعبير في جملةٍ من النصوص عن ذلك مع اللّام، الظاهرة في التمليك أو الاختصاص، والتصريح في جملةٍ أُخرى منها بالجعل، الظاهر في ذلك، وذكره في تِلو اداة الحصر أو الاستثناء في جملةٍ ثالثة.

واستدلّ للأوّل:

1 - بورود النصوص في مقام توهّم تعيّن العين، فلا تفيد سوى إباحة القيمة، وسبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهم الحظر، غير المفيدة لذلك سواها، كما برهن في محلّه مستقصى.

2 - وبإشعار التعليل الوارد في جملةٍ منها بذلك جداً، ذكرهما في «الرياض».

3 - وبأنّ ذلك يوجبُ بقاء عمومات الإرث على عمومها بالنسبة إلى الأبنية والأشجار، من دون ارتكاب تخصيص فيها، بل يكون الرخصة في التقويم حكماً آخر غير منافٍ للأوّل ثابتاً بالأخبار، نظير الرخصة لمالك النصاب في الغلّات في شراء قدر الزكاة منها وإعطاء القيمة.

ولكن يَردُ على الأوّل: أنّه ممنوعٌ ، بل ربما يُدّعى أنّها واردة في مقام توهّم الحرمان عن القيمة.

ويؤيّده: ذكر الجملة المتضمّنة لهذا الحكم بعد الحكم بأنّها لا ترثُ من العقار والأراضي في جملةٍ من النصوص.

ويرد على الثاني: أنّ العلّة غير مذكورة في أكثر النصوص، مع أنّها من قبيل الحكمة لا يدور مدارها الحكم كما لايخفى .

ويرد على الثالث: أنّه بعد ورود المخصّص، لا وجه للاقتصار في تخصيص

ص: 237

العمومات، مع أنّه على هذا وإنْ لم يُخصّص عموم دليل الإرث، إلّاأنّه يلزم تخصيص ما دلّ على عدم جواز الابتياع القهري.

وبالجملة: فالأظهر أنّه على سبيل اللّزوم.

ثمّ إنّ ظاهر النصوص تعلّق القيمة بالذّمة لا بالعين، فلو تلف البناء أو الشجر بعد الموت قبل التقسيم والتقويم لايسقط منها شيء.

***

ص: 238

ولو تزوّج المريضُ ودَخَل ورثت، وإلّا فلا مَهر ولا ميراث.

حكمُ ما لو تزوّج المريض ولم يدخل فمات

المسألة السابعة: (ولو تزوّج المريض ودخل ورثت، وإلّا فلا مَهر ولا ميراث) إنْ مات في مرضه، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، كما عن «الكفاية»(1).

وفي «المسالك»(2): (جزم الأكثر بالحكم، من غير أن يذكروا فيه خلافاً أو إشكالاً) انتهى .

وعن «التذكرة»(3): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: طائفة من الأخبار:

منها: صحيح أبي ولّاد الحنّاط، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج في مرضه ؟

فقال عليه السلام: إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته، وإنْ لم يدخل بها لم ترثه، ونكاحه باطلٌ »(4).

ومنها: صحيح زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: «ليس للمريض أن يُطلّق، وله أن يتزوّج، فإنْ هو تزوّج ودَخَل بها فهو جائز، وإنْ لم يدخل بها حتّى مات في مرضه،

ص: 239


1- كفاية الأحكام: ص 304.
2- مسالك الأفهام: ج 13/196.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/517 (ط. ق).
4- وسائل الشيعة: ج 26/231 ح 32897، من لا يحضره الفقيه: ج 4/310 ح 5667.

فنكاحه باطلٌ ، ولا مَهر لها ولا ميراث»(1).

ومنها: موثّق عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام(2): «عن المريض ألَهُ أن يُطلِّق ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن له أن يتزوّج إنْ شاء، فإنْ دخل بها ورثته، وإنْ لم يدخل بها فنكاحه باطل».

أقول: والكلام في ما يدلّ عليه هذه النصوص: تارةً من بطلان النكاح، وأُخرى من صحّته، وأنّ له أن يدخل بها، تقدّم في كتاب النكاح(3) مفصّلاً.

والمقصود في المقام بيان ما يُستفاد منها من عدم الإرث، ودلالتها عليه ظاهرة، ومعها لا يُصغى إلى ما عن «الكفاية» من معارضة هذه النصوص بالنصوص الكثيرة، الدّالة على أنّ الزّوجة ترثُ ، فإنّ النسبة عمومٌ مطلق، يقيّد إطلاق تلك النصوص بهذه الأخبار.

وأمّا ما عن «شرح الإيجاز»(4): من أنّه يمكن أنْ يُراد بالدخول أن تدخل عليه لتخدمه وتُضاجعه وتمرّضه وإنْ لم يطأها.

فخلافُ الظاهر جدّاً، إذ لو كان المراد ذلك، لزم أنْ يقال: (فإن لم تدخل عليه) لا (وإنْ لم يدخل بها) كما هو واضح.

ولو ماتت هي في مرضه قبل الدخول:

فبناءً على ما هو الصحيح من صحّة نكاحه - كما مرّ، ولذا يجوز الدخول بها - يرثها، لإطلاق أدلّة الإرث.9.

ص: 240


1- وسائل الشيعة: ج 26/232 ح 32899، الكافي: ج 6/123 ح 12.
2- وسائل الشيعة: ج 26/232 ح 32898، تهذيب الأحكام: ج 8/77 ح 178.
3- فقه الصادق: ج 33/118 وما بعدها.
4- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 2/300، والمحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 19/389.

وكون العقد متزلزلاً، لا يمنعُ عن الإرث، بعد كونه صحيحاً موجباً لتحقّق عنوان الزوجيّة.

ولو برأ الزّوج من مرضه، فمات قبل أن يدخل بها بسبب مرضٍ آخر، ترثه لمفهوم صحيح زرارة، بناءً على ما هو الحقّ من أنّه إذا كان الشرط مركّباً من اُمور تدلّ القضيّة على انتفاء الحكم عند فقد كلّ واحدٍ منها.

وفي الصحيح أُخِذ شرطاً لعدم الميراث، عدم الدخول بها حتّى مات في مرضه، فيرتفع عدم الميراث بارتفاع كلٍّ من القيدين، ويقيّد به إطلاق الموثّق.

وفي المقام فروعٌ ذكرناها في كتاب النكاح(1).

***ا.

ص: 241


1- راجع المجلّد 33/118 وما بعدها.

وأمّا الولاء: فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: ولاء العِتق.

الثاني: ولاء تضمّن الجريرة، ومن توالى إنساناً يضمن حَدَثه، ويكون ولائه له،

إرث ولاء الجريرة

(وأمّا الولاء: ف) قد عرفت أنّ (أقسامه ثلاثة) مرتبةً :

القسم (الأوّل: ولاء العتق):

وحيثُ بنائنا في هذا الشرح على إلغاء مسائل العبيد والإماء، لانتفاء الموضوع، والظاهر بحسب العادة عدم تحقّق الموضوع إلى زمان ظهور وليّ الأمر أرواحنا فداه، فنُلغي مسائل هذا القسم.

القسم (الثاني: ولاء تضمّن الجَريرة) وهي الجناية:

(و) لا خلاف نصّاً وفتوىً في مشروعيّته، بل الإجماع بقسميه - كما في «الجواهر»(1) - على أنّ (من توالى) وركن (إنساناً) يرضاه، فاتّخذه وليّاً يعقله، و (يضمن حَدَثه، ويكون ولائه له) صحَّ ذلك ويرثه.

وفي «المسالك»(2): (هذا العقد كان في الجاهليّة يتوارثون به دون العقار، فأقرّهم اللّه تعالى في صدر الإسلام عليه، وأنزل فيه: (وَ اَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) (3)، ثمّ نُسخ بالإسلام والهجرة، فإذا كان للمسلم ولدٌ لم يهاجر

ص: 242


1- جواهر الكلام: ج 39/254.
2- مسالك الأفهام: ج 13/223.
3- سورة النساء: الآية 33.

ورثه المهاجرون دون ولده، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ ) (1)، ثمّ نُسخ بالتوارث بالرَّحم والقرابة، وأنزل اللّه تعالى فيه آيات الفرائض، وقوله تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (2).

ونفي الإرث بضمان الجريرة منسوخاً عند الشافعي، وعندنا أنّه باقٍ ، لكن على بعض الوجوه لا مطلقاً) انتهى (3).

أقول: وظاهره دعوى الإجماع عليه، وقد ادّعاه كثيرٌ من الأصحاب، ويشهد لمشروعيّته - مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بكلّ عقدٍ، نظير قوله تعالى :

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (4) - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ولي الرّجل الرّجل فله ميراثه وعليه معقلته»(5).

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، عنه عليه السلام:

«عن مملوكٍ اُعتق سائبةً؟

قال: يتولّى من شاء، وعلى من تولّاه جريرته، وله ميراثه، الحديث»(6).

ومنها: صحيح الحذّاء، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ أسلم فتوالى إلى رجلٍ من المسلمين ؟8.

ص: 243


1- سورة الأنفال: الآية 72.
2- سورة الأنفال: الآية 75.
3- مسالك الأفهام: ج 13/223.
4- سورة المائدة: الآية 1.
5- وسائل الشيعة: ج 26/244 ح 32926.
6- وسائل الشيعة: ج 26/244 ح 32925، الكافي: ج 7/172 ح 8.

ويرثُ مع فَقد كلّ مناسبٍ ومسابب،

قال عليه السلام: إنْ ضمن عقله وجنايته ورثه، وكان مولاه»(1). ونحوها غيرها.

وهل هو عقدٌ لازمٌ أو جائز؟

قولان: الظاهر كونه لازماً، لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وعليه فما عن الشيخ رحمه الله(2) وابن حمزة(3) من أنّه عقدٌ جائز إلّاأن يعقل عنه للأصل، يندفع بما ذكرناه.

وصورة عقده: أن يقول المضمون: (عاقَدتُك على أن تنصرني، وتدفع عنّي، وتعقل عنّي، وترثني) فيقول الضامن: (قبلتُ ).

ولو اشترك العقد بينهما، قال أحدهما: (على أن تنصرني وأنصرك وتعقل عنّي وأعقلُ عنك، وترثني وأرثك) أو ما أدّى هذا المعنى، فقبل الآخر.

ويشترط فيه ما يشترط في سائر العقود.

(و) إنّما (يرثُ مع فَقد كلّ مناسبٍ ومسابب)، والمرادُ بالمسابب المُعتق عتقاً يرثُ به، بلا خلافٍ يُعرف، بل قيل بالإجماع، فلا يرثُ الضامن إلّامع فَقد كلّ مناسبٍ ، وإنْ بعد، ومنعمٍ وارث.

وفي «الجواهر»(4): (بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص دالّة عليه أيضاً،9.

ص: 244


1- وسائل الشيعة: ج 26/245 ح 32927، تهذيب الأحكام: ج 9/396 ح 21.
2- الخلاف: ج 4/120.
3- الوسيلة: ص 397-399.
4- جواهر الكلام: ج 39/259.

ويُشارك الزوجين، وهو أولى من الإمام، ولا يتعدّى الضامن،

ضرورة ظهورها أو صراحتها في تأخّر هذه المرتبة من الإرث عن الإرث بالنسب وولاء العتق).

أقول: الظاهر أنّ نظره الشريف إلى ما ورد في من يموت وله خالتان ومولى، قال عليه السلام: «(وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (1) المالُ بين الخالتين»(2) ونحوه.

(ويُشارك الزَّوجين) لإطلاق الأدلّة، ولما دلّ (3) على أنّ الزوجين يدخلان على جميع أهل المواريث.

(و) بعد إحراز الشرائط يكون (هو أولى من الإمام) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع.

وفي «الشرائع»(4): (والمعتبرة صريحة فيه) ومراده بها ما سيأتي من النصوص الآتية، الدّالة على أنّ ميراث من لا وارث له للإمام، وفي بعضها التصريح بذلك.

(ولا يتعدّى) الإرثُ عن (الضامن) إلى أقاربه وورثته على المشهور، بل عن «الغنية»(5) الإجماع عليه، وهو مقتضى الأصل.

وفي «الرياض»(6): (وربما كان في النصوص الصحيحة دلالة عليه).).

ص: 245


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- وسائل الشيعة: ج 26/189 ح 32796، الكافي: ج 7/120 ح 7.
3- وسائل الشيعة: ج 26/256 ح 32957، الكافي: ج 7/82 ح 4.
4- هذا الكلام ذكره صاحب الجواهر، وهو الذي ذكر الإجماع: ج 39/259 ولم يوجد في الشرائع.
5- حكاه عنه في المستند: ج 19/425.
6- رياض المسائل: ج 2/369 (ط. ق).

ولا يضمن إلّاسائبةً كالمعتق واجباً، أو من لا وارث له سواه.

(ولا) يَصحّ أن (يضمن إلّاسائبةً كالمُعتِق واجباً) في النذور والكفّارات، أو تبرّعاً مع التبرّي عن جريرته (أو مَن) كان حُرّاً ولكن (لا وارث له سواه) مطلقاً، ولو معتقاً، فإنّ هذا الإرث متأخّرٌ عن الإرث بالنسب والعتق كما مرّ.

وعلى ذلك، فلو لم يكن له وارثٌ وعقدا، وصحّ العقد ولزم، ثمّ تجدّد له وارثٌ ، كما لو تزوّج فولد له أولاد، فإنّه لا إشكال في أنّه لا يرثُ مع الأولاد.

وهل يبطل العقدُ أو يقع مراعىً بفقدها عند الموت ؟ وجهان:

من الحكم بصحّته، فبطلانه يحتاجُ إلى دليل.

ومن أنّ شرط صحّته عدم الوارث، وقد وُجِد، فيمنعها استدامةً كما يمنع صحّته ابتداءً .

أقول: ولعلّ الثاني أظهر، وتظهر الثمرة فيما لو مات الولد قبل موت المضمون.

ويعتبر في عقده جمع الأمرين من الإرث والعقل، فلو تراضيا على أحدهما لم يَصحّ ، للأصل وغيره.

وهل يعتبر اتّحاد الضّامن والمضمون ؟ وجهان:

أقواهما العدم، لإطلاق الأدلّة، فيصحّ أن يضمن الواحدُ للأكثر بعقدٍ واحد وبالعكس، فيشتركون حينئذٍ في عقله وميراثه.

***

ص: 246

الثالث: ولاء الإمامة.

وإذا فُقِد كلّ مناسبٍ ومساببٍ ، انتقل الميراثُ إلى الإمام يعملُ به ما شاء، وكان عليّ عليه السلام يضعه في فقراء بلده، وضعفاء جيرانه.

ولاء الإمامة

القسم (الثالث: ولاء الإمامة):

(وإذا) مات إنسانٌ و (فَقِد كلّ مناسبٍ ) خالٍ عن موانع الإرث من قتلٍ أو كفرٍ أو ما شاكل (ومساببٍ ) يُحاز به الإرث، من الزّوج أو الزّوجة، والمنعِم، وضامن الجريرة (انتقل الميراثُ إلى الإمام، يعمل به ما شاء، وكان عليّ عليه السلام يضعه في فقراء بلده، وضعفاء جيرانه).

أقول: والأصلُ في هذا الحكم - مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه جماعة.

ففي «المسالك»(1): (إذا عَدُم الوارث حتّى ضامن الجريرة، فعندنا أنّ الوارث هو الإمام).

وفي «الرياض»(2): (والأصلُ فيه بعد الإجماع المحكيّ في «الخلاف»(3)، و «الغنية»(4)، و «السرائر»(5)، و «المنتهى »(6)، و «المسالك»(7) وغيرها من كتب

ص: 247


1- مسالك الأفهام: ج 13/226.
2- رياض المسائل: ج 2/369.
3- الخلاف: ج 4/22.
4- حكاه عنه في المستند: ج 19/426.
5- السرائر: ج 3/228.
6- حكاه عنه في المستند: ج 19/426.
7- مسالك الأفهام: ج 13/226.

الجماعة) - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «من مات وليس له وارثٌ من قرابته، ولا مولى عتاقة قد ضَمِن جريرته، فمالهُ من الأنفال»(1).

وتقدّم في كتاب الخُمس أنّ الأنفال(2) للإمام عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه و آله.

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في قول اللّه تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَنْفالِ ) (3)؟ قال عليه السلام: من مات وليس له مولى فماله من الأنفال»(4).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام، في حديثٍ : «ومن ماتَ وليس له موالى فمالهُ من الأنفال»(5).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن أعتق عبداً سائبةً أنّه لا ولاء لمواليه عليه، فإنْ شاء توالى إلى رجلٍ من المسلمين، فليشهد أنّه يضمن جريرته، وكلّ حَدَث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإنْ لم يفعل ذلك، كان ميراثه يُردّ على إمام المسلمين»(6).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة الدّالة عليه.

وعن الصَّدوق في «الفقيه»: الفرقُ بين حال حضور الإمام عليه السلام فالميراث له، وبين زمان الغيبة فجعله لأهل بلد الميّت.

واستدلّ له: بأنّه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدّمة، وبين أخبار اُخر4.

ص: 248


1- وسائل الشيعة: ج 26/246 ح 32930، الكافي: ج 7/169 ح 2.
2- فقه الصادق: ج 11/271.
3- سورة الأنفال: الآية 1.
4- وسائل الشيعة: ج 26/247 ح 32932، الكافي: ج 7/169 ح 4.
5- وسائل الشيعة: ج 26/247 ح 32933.
6- وسائل الشيعة: ج 26/250 ح 32941، تهذيب الأحكام: ج 9/394 ح 14.

كمرسل داود، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«مات رجلٌ على عهد أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن له وارثٌ ، فدفع أمير المؤمنين عليه السلام ميراثه إلى همشهريجه»(1).

ومرفوع السِّري إلى أمير المؤمنين عليه السلام: «في الرّجل يموت ويتركُ مالاً ليس له وارثٌ؟

قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اعط المال همشاريجه»(2).

ومرسل الصَّدوق رحمه الله قال: «ورُوي في خبرٍ آخر: أنّ من مات وليس له وارثٌ فميراثه لهمشهريجه؛ يعني أهل بلده»(3).

وفيه أوّلاً: إنّ هذه النصوص ضعيفة الإسناد لا يُعتمد عليها.

وثانياً: إنّ الجمع المذكور تبرّعي، بل باطلٌ قطعاً، فإنّ المرسل متضمّنٌ لدفع أمير المؤمنين نفسه المال لأهل بلده، وفي الأخيرين أمرَ بدفعه إليهم، فكيف تُحمل هذه النصوص على حال الغيبة ؟!

وثالثاً: إنّ غاية ما تضمّنته هذه النصوص إعطاء أمير المؤمنين عليه السلام لأهل البلد، أو أمره بذلك، وليس في شيء منها تعيّن ذلك، فإنّه كان ماله وله أن يضعه حيثُ شاء، فقد صَرَفه في هذا المورد.

وقد صرّح المفيد(4)، والشيخ(5) بأنّ ذلك كان تبرّعاً منه عليه السلام.6.

ص: 249


1- وسائل الشيعة: ج 26/252 ح 32946، الكافي: ج 7/169 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/252 ح 32945، الكافي: ج 7/169 ح 2.
3- من لايحضره الفقيه: ج 4/333 ح 5715.
4- المقنعة: ص 705.
5- الاستبصار: ج 4/196.

وعن بعض المحدّثين الحكاية عن بعض النسخ (همشيرجه) بالياء بعد الشين، فالمراد به نحو الأخ الرّضاعي، فتخرجُ النصوص عن محلّ البحث، ويكون نظير خبر مروك(1).

أقول: وعن الإسكافي(2)، والشيخ في «الاستبصار»(3): أنّه لبيت مال المسلمين لا للإمام، واستدلّ له:

1 - بصحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن مملوكٍ اُعتق سائبة ؟

قال: عليه السلام يتولّى من شاء، وعلى من تولّاه جريرته، وله ميراثه.

قلت: فإنْ سكت حتّى يموت ؟ قال عليه السلام: يجعل ماله في بيت مال المسلمين»(4).

2 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «في رجلٍ مسلم قُتل وله أبٌ نصراني، لمن تكون ديته ؟ قال عليه السلام: تُوخذ فتُجعل في بيت مال المسلمين، لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين»(5).

3 - وخبر معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «من أعتق سائبةً فليتوال من شاء، وعلى من والى جريرته، وله ميراثه، فإن سكت حتّى يموت أُخذ ميراثه فجُعِل في بيت مال المسلمين، إذا لم يكن له وليٌّ »(6).

ونحوها غيرها.3.

ص: 250


1- وسائل الشيعة: ج 26/255 ح 32955، الكافي: ج 7/168 ح 1.
2- مختلف الشيعة: ج 9/113.
3- الاستبصار: ج 4/196.
4- وسائل الشيعة: ج 26/254 ح 32951، الكافي: ج 7/172 ح 8.
5- وسائل الشيعة: ج 26/253 ح 32948، تهذيب الأحكام: ج 9/370 ح 21.
6- وسائل الشيعة: ج 26/249 ح 32938، تهذيب الأحكام: ج 9/394 ح 13.

ومع الغيبة يُقسَّم في الفقراء

والجواب عنه: أنّه إن أمكن حمل هذه النصوص على إرادة بيت مال الإمام من بيت مال المسلمين، ولو بقرينة الأخبار السابقة، فيرتفع التعارض بين الأخبار، وإلّا فيقدّم ما دلّ على أنّه للإمام عليه السلام للشهرة، ومخالفة العامّة، وغيرهما من المرجّحات.

فالمتحصّل: أنّ ما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ ميراث من لا وارث له للإمام عليه السلام (و) لو (مع الغيبة) هو الأظهر.

أقول: وعليه، يقع الكلام فيما وقع الخلاف بين القائلين به فيما يُصنع به في زمان الغيبة:

فعن جماعةٍ : أنّه يُحفظ بالوصاية أو الدفن إلى حين ظهوره عليه السلام.

وعن ظاهر «الخلاف»(1): الإجماع عليه.

وفي المتن، و «النافع»(2)، وعن جماعةٍ من القدماء(3) والمتأخّرين(4): أنّه (يُقسَّمُ في الفقراء) والمساكين:

إمّا مطلقاً كما هنا وفي «النافع»(5)، و «الشرائع»(6)، وعن «التحرير»(7)،1.

ص: 251


1- الخلاف: ج 4/23.
2- النافع: ص 273.
3- حكاه في الرياض: ج 14/416.
4- حكاه في الرياض: ج 14/416.
5- النافع: ص 273.
6- حكاه عنه في غاية المراد: ج 3/591.
7- التحرير: ج 2/171.

و «القواعد»(1)، و «الإرشاد»(2)، و «الدروس»(3)، و «المسالك»(4)، وعن المفيد(5)، وسلّار(6)، وابن زُهرة(7)، والحِلّي(8)، والكيدري(9)، وفي «الرياض»(10).

وبالجملة: الأكثر بل الأصحاب أجمع، عدا الصَّدوق في «الفقيه»(11)، والشيخ في «الخلاف»(12)، كما في «النكت»(13).

أو مقيّداً بفقراء بلد الميّت ومساكينه، كما عن «اللّمعة»(14) في هذا الكتاب، و «الدروس»(15) في بحث الأنفال من كتاب الخمس، وقد مرّ الكلام في ذلك مفصّلاً في مبحث الأنفال في كتاب الخمس(16)، فراجع ما حقّقناه ولا نعيد.

***3.

ص: 252


1- القواعد: ج 3/379.
2- الإرشاد: ج 2/126.
3- الدروس: ج 2/377.
4- المسالك: ج 2/339.
5- المقنعة: ص 706.
6- المراسم العلويّة: ص 141 و 224.
7- غنية النزوع: ص 328.
8- السرائر: ج 1/498.
9- إصباح الشيعة: ص 369-370.
10- رياض المسائل: ج 2/370 (ط. ق).
11- من لايحضره الفقيه: ج 4/242.
12- الخلاف: ج 4/23.
13- الإرشاد: ج 2/126.
14- اللّمعة (الروضة): ج 8/190.
15- الدروس: ج 2/377.
16- فقه الصادق: ج 11/333.

الفصل الثالث: في موانع الإرث:

وهي ثلاثة: كفرٌ، وقتلٌ ، ورِقٌ .

أمّا الكُفر: فلا يرثُ الكافرُ المسلمَ وإنْ قَرُب، ولا يمنعُ من يتقرّب به، فلو كان

من موانع الإرث الكفر

(الفصل الثالث: في موانع الإرث).

أقول: (وهي) كثيرة، وقال صاحب «المسالك»(1): (إنّه قد جَمَعها في «الدروس» عشرين مانعاً، وفي كثيرٍ منها تكلّف).

لكن ذكر المصنّف رحمه الله(2) وغيره(3) منها هنا (ثلاثة: كفرٌ وقتلٌ ورِق)، وذكر جملةً أُخرى منها في الفصل الخامس، و (أمّا) باقيها فمذكورٌ في ضمن المسائل المنتشرة في هذا الكتاب.

وكيف كان، فالكلامُ في هذا الفصل يقعُ في مواضعٍ ثلاثة:

الموضع الأوّل: في (الكفر) وهو مايخرج به معتقده أو قائله أو فاعله عن الإسلام، سواءً كان ذميّاً أو حربيّاً أو مرتدّاً أو منتحلاً صفة الإسلام كالخوارج والغُلاة.

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: اتّفق المسلمون على أنّ الكفر مانعٌ للكافر (فلا يرثُ الكافر المُسلمَ وإنْ قَرُب، ولا يمنعُ من يتقرّب به) بل لا يمنعُ من إرث الإمام أيضاً، (فلو كان

ص: 253


1- مسالك الأفهام: ج 13/20.
2- تبصرة المتعلّمين: ص 173.
3- كشف الرموز: ج 2/418.

للمسلم ولدٌ كافرٌ وله ابنٌ مسلم، ورث الجَدّ، ولو فُقد المسلم كان الميراثُ للإمام.

للمسلم ولدٌ كافر وله ابنٌ مسلم وَرثَ الجَدّ، ولو فُقِد المسلم كان الميراثُ للإمام).

ويشهد بذلك كلّه: - مضافاً إلى الإجماع - رواياتٌ كثيرةٌ :

منها: صحيح أبي ولّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المسلمُ يرثُ امرأته الذميّة، وهي لا ترثه»(1).

ومنها: خبر الحسن بن صالح، عنه عليه السلام: «المسلمُ يحجبُ الكافر ويرثه، والكافرُ لا يحجبُ المسلم ولا يرثه»(2).

ومنها: صحيح أبي خديجة، عنه عليه السلام: «لا يرثُ الكافرُ المسلمَ ، وللمسلم أن يرث الكافر»(3).

ومنها: صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام في حديثٍ : «فإن لم يُسْلِم أحدٌ من قرابته فإنّ ميراثه للإمام»(4).

ومنها: خبر عبد الرحمن بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام: «في النصراني يموتُ وله ابنٌ مسلم، يرثه ؟

قال عليه السلام: نعم، إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يزدنا بالإسلام إلّاعزّاً فنحنُ نرثهم وهم لا يرثونا»(5).4.

ص: 254


1- وسائل الشيعة: ج 26/11 ح 32373، الكافي: ج 7/143 ح 6.
2- وسائل الشيعة: ج 26/11 ح 32374، تهذيب الأحكام: ج 9/366 ح 6.
3- وسائل الشيعة: ج 26/12 ح 32375، تهذيب الأحكام: ج 9/372 ح 28.
4- وسائل الشيعة: ج 26/20 ح 32398، من لايحضره الفقيه: ج 4/336 ح 5728.
5- وسائل الشيعة: ج 26/12 ح 32376، الكافي: ج 7/143 ح 4.

ومنها: خبره الآخر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يتوارثُ أهل ملّتين، نحن نرثهم لا يرثونا»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا يرثُ اليهودي والنصراني المسلمينَ ، ويرثُ المسلمونَ اليهود والنصارى »(2).

ومنها: موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المسلم هل يرثُ المشرك ؟ قال عليه السلام: نعم، ولا يرثُ المشركُ المسلم»(3).

ومنها: صحيح جميل وهشام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه قال فيما رَوى النّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: لا يتوارثُ أهل ملّتين ؟ قال: نحن نرثهم ولا يرثونا، إنّ الإسلام لم يزده في حقّه إلّاشدّة»(4). إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

وعدم التعرّض لجميع أصناف الكفّار فيها لا يضرّ بعد كون أكثرها مطلقات، وعدم القول بالفصل بين أنواع الكافر.

ويشهد به أيضاً النصوص الآتية الدّالة على أنّ الكافر إنْ أسلم قَبل القسمة يرث.

وقد استدلّ في «المسالك»(5):

1 - بالآية الكريمة: (وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (6).

2 - وبالنبويّ : «الإسلامُ يَعلو ولا يُعلى عليه»(7).9.

ص: 255


1- وسائل الشيعة: ج 26/13 ح 32378، من لايحضره الفقيه: ج 4/335 ح 5723.
2- وسائل الشيعة: ج 26/13 ح 32379، تهذيب الأحكام: ج 9/366 ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 26/13 ح 32377، الكافي: ج 7/143 ح 3.
4- وسائل الشيعة: ج 26/15 ح 32386، الكافي: ج 7/142 ح 1.
5- مسالك الأفهام: ج 13/20.
6- سورة النساء: الآية 141.
7- وسائل الشيعة: ج 26/14 ح 32383، من لايحضره الفقيه: ج 4/334 ح 5719.

والمسلمُ يرثُ الكافر،

وببعض وجوه اُخر، وحيثُ لا حاجة إليها بعد تواتر النصوص المعتبرة المرويّة عن المعصومين عليهم السلام، فالإغماض عن النقض والإبرام فيها أولى .

المسلم يرث الكافر

المسألة الثانية: (والمسلمُ يرثُ الكافر) بلا خلافٍ فيه بيننا.

وعن «الاستبصار»(1)، و «الانتصار»(2)، و «التحرير»(3)، و «المسالك»(4)، و «التنقيح»(5) وغيرها دعوى الإجماع عليه، بل عليه الإجماع المُحقَّق.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك، وإلى الاعتبار الذي ذكره الصَّدوق(6) من أنّ اللّه عزّ وجلّ حَرّم على الكفّار الميراث عقوبةً لهم بكفرهم، وأمّا المسلم فلأيّ جُرمٍ وعقوبة يَحرم الميراث، وإليه يشير ما في بعض النصوص المتقدّمة، من قوله صلى الله عليه و آله:

«إنّ الإسلام لم يزده في حقّه إلّاشدّة»(7).

وقوله عليه السلام: «لم نزد بالإسلام إلّاعزّاً».

وإلى العمومات الدّالة على الإرث، الّتي قد خرج عنها إرث الكافر من المسلم،

ص: 256


1- الاستبصار: ج 4/191.
2- الانتصار: ص 587.
3- تحرير الأحكام: ج 2/171.
4- مسالك الأفهام: ج 13/21-22.
5- التنقيح: ج 4/132.
6- من لايحضره الفقيه: ج 4/334.
7- وسائل الشيعة: ج 26/15 ح 32386، الكافي: ج 7/142 ح 1.

فيبقى العكس تحتها - النصوص المتقدّمة، فإنّها كما تتضمّن عدم إرث الكافر من المسلم، تتضمّنُ إرثُ المسلمَ من الكافر.

أقول: وبإزائها طائفتان من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على عدم توارث أهل ملّتين:

منها: موثّق جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الزّوج المسلم واليهوديّة والنصرانيّة، أنّه قال: لا يتوارثان»(1).

ومنها: موثّق ابن سُدير، عنه عليه السلام: «قال: سألته يتوارثُ أهل ملّتين ؟ قال عليه السلام: لا»(2).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثانية: مايدلّ على أنّ الزّوج المسلم لايرثُ من امرأته الكافرة وبالعكس(3):

منها: موثّق البصري، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في نصرانيّ اختارت زوجته الإسلام ودار الهجرة، أنّها في دار الإسلام لا تخرجُ منها، وأنّ بُضعها في يد زوجها النصرانيّ ، وأنّها لا ترثه ولا يرثها»(4).

ومنها: خبر عبد الرحمن بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام:

«لا نزداد بالإسلام إلّاعزّاً، فنحنُ نرثهم ولا يرثونا، هذا ميراثُ أبي طالب في أيدينا، فلا نراه إلّافي الولد والوالد، ولا نراه في الزّوج والمرأة»(5).

ومنها: خبر عبد الملك بن عمير القبطي، عن أمير المومنين عليه السلام:1.

ص: 257


1- وسائل الشيعة: ج 26/17 ح 32393، تهذيب الأحكام: ج 9/367 ح 8.
2- وسائل الشيعة: ج 26/16 ح 32392، تهذيب الأحكام: ج 9/366 ح 7.
3- وسائل الشيعة: ج 26/16 ح 32392، تهذيب الأحكام: ج 9/366 ح 7.
4- وسائل الشيعة: ج 26/17 ح 32395، تهذيب الأحكام: ج 9/368 ح 13.
5- وسائل الشيعة: ج 26/16 ح 32391.

«أنّه قال للنصرانيّ الذي أسْلَمَتْ زوجته: بُضعها في يدك ولاميراث بينكما»(1).

أمّا الأُولى : فهي لا تُنافي النصوص المتقدّمة، فإنّ التوارث من باب التفاعل، وهو من الجانبين، وعدمه لا ينافي ثبوت الإرث من طرفٍ واحد، ولذا جَمَع في جملةٍ من النصوص المتقدّمة بين قولهم: «أهل ملّتين لا يتوارثان» وبين قوله: «نحنُ نرثهم ولا يرثونا».

بل في بعضها تفسيره بما ذكرناه، مع أنّ غايتها الإطلاق، فيقيّد بما مرّ.

وأمّا الثانية: فلعدم عمل الأصحاب بها، ومعارضتها مع بعض ما تقدّم الذي على طبقه فتوى الأصحاب، التي هي أوّل المرجّحات، لابدّ من طرحها، أو حملها على التقيّة.

ويؤيّد الحمل على التقيّة، كون جملة من رواة الخبر الثالث من أبناء العامّة كأمَّي الصيرفي أبي ربيعة المُرادي، ومنهم عبد الملك الذي ظهر منه مفاسد(2)، فإنّه الذي قتل عبد اللّه رضيع الحسين عليه السلام، ورسوله إلى ابن زياد، وروى عنه البُخاري حديث كفر أبي طالب عليه السلام(3)، وكان مع عسكر الشام في حرب الحُسين عليه السلام، ووضع حديث:

(ما طلعتِ الشَّمس وما غَرُبتْ على أحدٍ بعد النبيّين أفضل من أبي بكر).

ومع ذلك فهو مشهورٌ بسوء الولادة، والعَجَب من المحدِّث العاملي كيف روى هذا الخبر في وسائله!3.

ص: 258


1- وسائل الشيعة: ج 26/17 ح 32394، تهذيب الأحكام: ج 9/367 ح 10. (2و3) حكاه في مستند الشيعة: ج 19/23.

ويمنعُ مشاركة الكفّار، فلو كان للكافر ولدٌ كافرٌ وابنُ عَمّ مُسلم، فميراثُه لابن العَمّ

أقول: ثمّ إنّ المعروف بين الأصحاب أنّ المُسلم كما يرثُ من الكافر، كذلك يحجبُه (ويمنعُ مشاركة الكفّار، فلو كان للكافر ولدٌ كافرٌ وابنُ عَمٍّ مسلم، فميراثُه لابن العَمّ ).

وعن «السرائر»(1): نفي الخلاف فيه.

وعن «المفاتيح»: الإجماع عليه(2).

وفي «المسالك»(3): (وليس عليه من الأخبار دليلٌ صريحٌ سوى رواية الحسن ابن صالح)، ثمّ نقل الخبر الذي قدّمناه.

ثمّ قال: (وإثبات الحكم برواية الحسن غَير حسنٍ ، إلّاأن يُجعل المدرك الإجماع).

وفيه أوّلاً: أنّ الخبر رواه عن الحسن، حسنُ بن محبوب وهو كما ذكره جماعةٌ من أصحاب الإجماع، مع أنّ ضعفه لو كان ينجبرُ بالشُّهرة.

وثانياً: أنّه لا ينحصر المدرك به بل هناك أخبار اُخرى :

منها: خبر عبد الملك بن أعين ومالك بن أعين - الذي وصفه جماعة منهم الشهيد رحمه الله(4)، والمصنّف وغيرهما بالصّحة، وجماعة آخرون بالحسن - عن أبي جعفر عليه السلام: «عن نصرانيّ ماتَ وله ابنُ أَخٍ مسلم، وابنُ أُخت مسلم، وله أولادٌ وزوجة نصارى؟8.

ص: 259


1- السرائر: ج 3/267.
2- مفاتيح الشرائع: ج 3/311.
3- مسالك الأفهام: ج 13/22.
4- الأنوار اللّوامع: ج 14/378.

فقال عليه السلام: أرى أن يُعطى ابن أخيه المسلم ثُلثي ما ترك، ويُعطى ابنُ اُخته المسلم ثُلثُ ما ترك، إنْ لم يكن له ولدٌ صغار، فإنْ كان له ولدٌ صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار ممّا ورثا عن أبيهم حتّى يُدركوا.

قيل له: كيف يُنفقان على الصِّغار؟

فقال عليه السلام: يخرجُ وارث الثُّلثين ثُلثي النفقة، ويخرجُ وارث الثُّلث ثُلث النفقة، فإذا أدركوا قطعوا النفقة عنهم.

قيل له: فإنْ أسلم أولاده وهم صغار؟

فقال عليه السلام: يُدفع ما تَرك أبوهم إلى الإمام حتّى يدركوا، فإنْ أتمّوا على الإسلام إذا أدركوا، دفع الإمام ميراثه إليه، وإنْ لم يُتمّوا على الإسلام إذا أدركوا، دفع الإمام ميراثه إلى ابنُ أخيه وابن اُخته المسلمين، يَدفع إلى ابن أخيه ثُلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن اُخته ثُلث ما ترك»(1).

ومنها: مرفوع ابن رباط، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لو أنّ رجلاً ذميّاً أسلم وأبوه حَيٌّ ، ولأبيه ولدٌ غيره، ثمّ ماتَ الأب، ورثه المسلم جميع ماله، ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً»(2).

أضف إليهما: النصوص الآتية في مسألة ما لو أسلم الكافرُ قبل القِسمة، الدّالة على ذلك، وفيها الصحيح وغيره.

وأمّا ما رواه ابن أبي نجران، عن غير واحدٍ، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في يهوديّ أو نصرانيّ يموتُ وله أولاد مسلمون، وأولاد غير مسلمين ؟1.

ص: 260


1- وسائل الشيعة: ج 26/18 ح 32397، الكافي: ج 7/143 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/24 ح 32407، الكافي: ج 7/146 ح 1.

ولو أسلم الكافرُ قبل القِسمة، شاركه إن كان متساوياً، وأخذ الجميع إنْ كان أولى، سواءٌ كان الميّت مسلماً أو كافراً.

فقال عليه السلام: هم على مواريثهم»(1).

فمع كونه مرسلاً، ومعارضاً بما مرّ، ومُعْرضاً عنه عند الأصحاب على فرض الدلالة، لايدلّ على خلاف ماذكرناه، فإنّ معنى قوله: «هم عليمواريثهم» أي على ما يستحقّونه من ميراثهم، واستحقاق غير المسلمين محلّ الكلام كما أفاده الشيخ رحمه الله(2).

ثمّ قال الشيخ رحمه الله: (ولو حملنا الخبر على ظاهره، لكان محمولاً على ضربٍ من التقيّة). وعليه، فلا إشكال في الحكم.

ثمّ إنّ ما في ذيل خبر ابن أعين من الحكم في صورة كون الأولاد صغاراً سيأتي في المسألة الرابعة.

إسلامُ الكافر قبل القِسمة

المسألة الثالثة: (ولو أسلم الكافرُ قبل القِسمة شاركَ ) أهل (- ه إنْ كان متساوياً) مرتبةً وإسلاماً (وأخذ الجميع إنْ كان أولى، سواءً كان الميّت مسلماً أو كافراً).

ولو أسلم بعد القسمة، فلا شيء له، بلا خلافٍ في تلكم، بل عليها الإجماع في كثيرٍ من الكلمات، والنصوصُ الكثيرة شاهدة به:

ص: 261


1- وسائل الشيعة: ج 26/24 ح 32408، الكافي: ج 7/146 ح 2.
2- تهذيب الأحكام: ج 9/371.

منها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ مسلمٍ ماتَ وله أُمٌّ نصرانيّة، وله زوجةٌ وولدٌ مسلمون ؟

فقال عليه السلام: إنْ أسلمت أُمّه قبل أن يُقسّم ميراثه، اُعطيت السُّدس.

قلت: فإن لم يكن له امرأة ولا ولد، ولا وارثَ له سهمٌ في الكتاب مسلمين، وله قرابةٌ نصارى ممّن له سهمٌ في الكتاب، لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه ؟

قال عليه السلام: إنْ أسلمت أُمّه فإنّ ميراثه لها، وإنْ لم تُسلِم أُمّه وأسلم بعض قرابته ممّن له سهمٌفي الكتاب، فإنّميراثه له، فإنْ لم يُسلِم أحدٌ من قرابته، فإنّميراثه للإمام»(1).

ومنها: حسن ابن مسكان، عنه عليه السلام: «من أسلم على ميراثٍ قبل أن يُقسّم فله ميراثه، وإنْ أسلم وقد قُسّم فلا ميراث له»(2).

ومنها: حسن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «من أسلم على ميراثٍ من قبل أن يُقسّم فهو له، ومن أسلم بعدما قُسِّم فلا ميراث له، الحديث»(3).

ومنها: موثّقه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يُسْلم على الميراث ؟

قال عليه السلام: إنْ كان قُسّم فلا حقّ له، وإنْ كان لم يُقسّم فله الميراث، الحديث»(4).

ومنها: موثّق البقباق، عنه عليه السلام: «من أسلم على ميراثٍ قبل أن يُقسّم فهو له»(5).

ونحوها غيرها.

وهذه النصوص واضحة الدلالة على الحكم فيما كان الوارث متعدّداً.9.

ص: 262


1- وسائل الشيعة: ج 26/20 ح 32398، الكافي: ج 7/144 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 26/21 ح 32399، الكافي: ج 7/144 ح 3.
3- وسائل الشيعة: ج 26/21 ح 32400، الكافي: ج 7/144 ح 4.
4- وسائل الشيعة: ج 26/21 ح 23401، من لا يحضره الفقيه: ج 4/325 ح 5700.
5- وسائل الشيعة: ج 26/22 ح 32402، تهذيب الأحكام: ج 9/370 ح 19.

ولو كان الوارثُ واحداً وأسلم الكافرُ، لم يَرِث.

(و) أمّا (لو كان الوارثُ واحداً، وأسلم الكافرُ):

فإنْ كان هو غير الإمام عليه السلام: (لم يرث) لأنّه بالموت ينتقل المالُ جميعاً إليه، فلا أثر للاسلام بعد الموت، ولا ينتقل إلى المسلم بعده شيءٌ ، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عن «السرائر»(1) دعوى الإجماع عليه، ووجهه ظاهرٌ، فإنّه بعدما انتقل المال إليه بمجرّد الموت، فإنّ الانتقال عنه إلى من أسلم يحتاجُ إلى الدليل، وأخبار من أسلم قبل القِسمة لا تشملُ المقام كما لا يخفى .

وإنْ كان هو الإمام: ففيه أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «النهاية»(2)، و «المبسوط»(3)، والحِلّي(4)، وظاهر المتن، و «النافع»(5): من أنّه لا أثر لإسلامه بعد الموت، وأنّ المال ينتقل إلى الإمام عليه السلام.

2 - ما عن الأكثر من أنّ المسلم أولى به.

3 - أنّه إنْ كان إسلامه قبل النقل إلى بيت المال فالمسلمُ أولى ، وإنْ كان بعده فالإمام عليه السلام أولى، وقد نُسب هذا القول إلى «الوسيلة»(6)، و «الإيجاز»(7)،2.

ص: 263


1- السرائر: ج 3/368.
2- كما في التنقيح: ج 4/133.
3- المبسوط: ج 4/79.
4- حكاه عنه في التنقيح: ج 4/133.
5- المختصر النافع: ج 2/264.
6- الوسيلة: ص 394.
7- حكاه عنه في المستند: ج 19/32.

و «الإرشاد»(1)، و «الإيضاح»(2).

يشهد لما عن الأكثر صحيح أبي بصير المتقدّم، وصحيح أبي ولّاد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في مسلمٍ قُتِل ولا وليّ له من المسلمين ؟

فقال عليه السلام: على الإمام أن يَعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه، يدفع القاتل إليه، فإنْ شاء قَتل وإنْ شاء عَفى، وإنْ شاءَ أخذ الدّية، فإنْ لم يُسلم أحدٌ كان الإمام عليه السلام وليّ أمره، الحديث»(3).

واستدلّ للأوّل: بإطلاق ما دلّ على أنّه: «إنْ أسلم وقد قُسّم المال لا يرث» فإنّه يصدق في الفرض أنّه أسلم وقُسّم المال، فإنّه مع وحدة الوارث - كان هو الإمام أم غيره - يكون حكمه حكم تحقّق القسمة.

وفيه أوّلاً: أنّ الموضوع في الأخبار الإسلام قبل القِسمة وبعدها، والتعدّي من القِسمة إلى صورة الاتحاد يحتاجُ إلى دليلٍ مفقود.

وثانياً: أنّه لو سُلّم الإلحاق، فغايته كون النصوص دالّة بالإطلاق على ذلك، فيتعيّن تقييد إطلاقها بما مرّ.

أقول: ومن الغريب حكاية صاحب «الوسائل»(4) عن بعض من اختار هذا القول بأنّه رَدَّ صحيح أبي بصير وأنّه قد تقرّر في محلّه أنّ اتّحاد الوارث بمنزلة القِسمة!

وأمّا القول الثالث: فلم أظفر بما يمكن أن يُستدلّ به له.).

ص: 264


1- الإرشاد: ج 2/127.
2- الإيضاح: ج 4/175.
3- وسائل الشيعة: ج 29/124 ح 35307، الكافي: ج 7/359 ح 1.
4- هداية الأُمّة إلى أحكام الأئمّة للحُرّالعاملي: ج 8/283 (إذا مات المسلم ولا وارث له غيرالكافر فميراثه للإمام).

فرع: لو كان الوارثُ الواحد هو الزّوج أو الزّوجة، وأسلمَ القريبُ بعد موت المورث:

فعن جماعةٍ منهم الشيخ(1)، والقاضي(2): أنّه إنْ أسلم الكافر أخذ نصيبه، وهو ما فضل عن نصيب الزوجيّة.

وعن آخر منهم المحقّق في «الشرائع»(3): أنّه يُشارك مع الزّوجة دون الزّوج.

واختار جماعة: أنّه لا يشاركهما.

والحقّ أنْ يقال: إنّه بناءً على ما تقدّم من أنّه إذا انحصر الوارث في الزّوج، يكون جميع المال له، ولو كان هو الزّوجة يكون الفاضل عن نصيبها للإمام عليه السلام، يكون القول الوسط أظهر، لأنّه:

إنْ كان الوارث هو الزّوج بمجرّد الموت، ينتقل جميع المال إليه، فلا أثر لإسلام القريب بعده.

وإنْ كان هو الزّوجة، يشترك الإمام معها، فإذا أسلم قبل أن يُقسَّم المال، يأخذ نصيبه، للنصوص المتقدّمة الدّالة على أنّ الكافر إنْ أسلم قبل القِسمة يرث.

ودعوى: أنّه في الفرض الأوّل أيضاً لابدّ من البناء على أنّه يرث، من جهة أنّ الرّد إنّما يستحقّه الزّوج إذا لم يُوجَد وارثٌ محقّق أو مقدّر، والمقدّر هنا موجود، وأيضاً أنّ استحقاق الزّوج إنّما هو لفقد الوارث، وإلّا فهو ليس أصليّاً وهو ممنوعٌ إذا أسلم، ذكرهما في محكيّ «النكت»(4).5.

ص: 265


1- النهاية: ص 664.
2- المهذّب: ج 2/157.
3- شرائع الإسلام: ج 4/6.
4- نكت النهاية: ج 3/235.

مندفعة: بأن مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ الفاضل يُردّ إلى الزّوج مع عدم الوارث، أنّه يُردّ إليه مع عدم وجود الوارث المحقّق، وإنْ كان هناك وارثٌ مقدّر، فإنّ معنى الوارث المقدّر، هو من يصلحُ أن يصير وارثاً إذ لا شكّ في أنّ المشتقّ لايُستعملُ فيما سيأتي حقيقةً ، وبه يظهر أنّ منع فقد الوارث في الفرض في غير محلّه.

لو مات نصرانيٌ وخلّف أولاداً صغاراً

المسألة الرابعة: إذا مات نصرانيٌّ وخلّف أولاداً صغاراً:

فإنْ كانت اُمّهم مسلمةٌ ، لا إشكال في أنّهم يرثونه، لما حُقّق في محلّه من أنّ الطفل في الإسلام تابعٌ لأحد أبويه، فلو كان الأبوان أو أحدهما مسلماً حال العلوق، يحكم بإسلام الطفل، وكذا لو أسلما أو أسلم أحدهما بعده قبل البلوغ.

وفي «المسالك»(1): (والحكمُ في ذلك موضعُ وفاقٍ ).

فإذا ثبت إسلامهم لَحِقَهم أحكام المسلم من التوارث، وكذا إنْ كان أحد أجدادهم، أو إحدى جَدّاتهم مسلماً، بناءً على كفاية إسلام أحدهم في الحكم بإسلام غير البالغ، وقد تقدّم البحث في المبنى.

وإنْ لم يكن أحدٌ ممّن ذُكر مسلماً، ولم يكن هناك جهةٌ أُخرى موجبة للحكم بإسلام الأطفال من التبعيّة للسَّابي أو الدار أو غيرهما، فلا يرثونه، بل ينتقل الميراث إلى غيرهم من أقاربه المسلمين، وهذا كلّه لا كلام فيه أيضاً.

إنّما الكلام فيما إذا خَلّف نصرانيٌ أولاداً صغاراً وابنُ أَخٍ وابنُ أُختٍ مُسْلِمين:

ص: 266


1- مسالك الأفهام: ج 13/28-29.

فإنّ أكثر الأصحاب - خصوصاً المتقدّمين كالشيخين(1) والصدوقين(2) والأتباع - أوجبوا على الوارثين المذكورين مع حكمهم بإرثهما أن يُنفقا على الأولاد بنسبة استحقاقهما من التركة، إلى أن يبلغ الأولاد، فإن أسلموا دفعت إليهم التركة، وإلّا استقرّ ملك المسلمين عليها، واستندوا في ذلك إليخبر ابني أعين، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن نصرانيٍّ ماتَ وله ابنُ أَخٍ مسلم وابنُ أُختٍ مسلم، وله أولاد وزوجة نصارى؟

فقال عليه السلام: أرى أن يُعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه، ويُعطى ابن اُخته المسلم ثلث ما ترك، إنْ لم يكن له ولدٌ صغار، فإن كان له ولدٌ صِغار، فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار ممّا ورثا عن أبيهم حتّى يُدركوا.

قيل له: كيف يُنفقان على الصغار؟

فقال عليه السلام: يُخرجُ وارثُ الثُّلثين ثلثي النفقة، ويُخرجُ وارث الثُّلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطع النفقة عنهم.

قيل له: فإنْ أسلم أولاده وهم صغار؟

فقال: يُدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتّى يدركوا، فإنْ أتمّوا على الإسلام دَفع الإمام ميراثه إليهم، وإنْ لم يتمّوا على الإسلام إذا أدركوا، دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابنُ اُخته المسلمين، يدفع إلى ابنُ أخيه ثلثي ما ترك»(3).

ورماه الشهيد الثاني رحمه الله(4) بالضعف، إذ الأصحاب لم ينصّوا على مالك بن أعين3.

ص: 267


1- المقنعة: ص 701، النهاية: ص 665.
2- حكاه عنه في المستند: ج 19/35.
3- وسائل الشيعة: ج 26/18 ح 32397، الكافي: ج 7/143 ح 1.
4- مسالك الأفهام: ج 13/32-33.

بالتوثيق، بل ذمّه العلّامة في «الخلاصة»(1).

وفيه أوّلاً: أنّ الرّجل إنْ لم يكن عدلاً ثقةً ، لا أقلّ من حُسن حاله، لما ورد في مدحه من النصوص(2)، ورواية الأجلّاء كابن أبي عمير وابن مسكان ويونس وغيرهم عنه، وقد مرَّ عَدّ المصنّف رحمه الله(3) والشهيد(4) حديثه من الصحيح.

وثانياً: أنّه صحيح لرواية السراد المُجمَع على تصحيح ما يَصحّ عنه.

وثالثاً: أنّه مرويٌّ عن عبد الملك أيضاً، وهو حسنٌ كما مرّ.

ورابعاً: أنّه مع اعترافه بإفتاءالأكثر - خصوصاًالقدماء - بماتضمّنه، واستدلالهم به، لا مورد للترديد في جبر الضعف على فرض وجوده بذلك.

وعليه، فلا إشكال في أصل الحكم، ولكن حيث أنّه حكمٌ مخالف للقواعد - لما مر من تبعيّة الولد لأبويه في الكفر، واختصاص المسلم بالإرث، أو أن يَسلم الكافر قبل القِسمة، وحرمانه لو لم يسلم قبلها صغيراً كان أو كبيراً - لم يلتزم به جماعة منهم الحِلّي(5)، والمصنّف رحمه الله(6)، والمحقّق(7) وسائر المتأخّرين.

ولنعم ما أجاب به الشهيد رحمه الله(8) عن ذلك بقوله: (إنّ الخروج عن الاُصول جائزٌ إذا قام عليه دليل).6.

ص: 268


1- خلاصة الأقوال: ص 411.
2- راجع نقد الرّجال: ج 4/80 رقم 4315، حيث نقل بعض النصوص.
3- تحريرالأحكام: ج 2/172 (ط. ق).
4- الدروس: ج 2/345 و 346.
5- السرائر: ج 3/269.
6- تحريرالأحكام: ج 2/172 (ط. ق).
7- شرائع الإسلام: ج 4/13.
8- الدروس: ج 2/345 و 346.

والمسلمون يتوارثون وإنْ اختلفوا في الآراء

أقول: ولما كانت الرواية معتبرة الإسناد، تصدّى العاملون بها، والرّادون لها لتوجيهها بوجوهٍ لا فائدة في ذكرها مع ظهور بطلانها.

قال في «الرياض»(1): (وهل يختصّ الحكم على تقدير ثبوته بمورد الخبر، كما هو ظاهر الأكثر، أم يُطّرد في ذي القرابة المسلم على الإطلاق مع الأولاد، كما في «المختلف»(2)، عن ابن زُهرة(3) والحلبي(4)؟ وجهان) انتهى .

الأظهر هو الأوّل.

المسلمون يتوارثون وإنْ اختلفوا في الآراء

المسألة الخامسة: (والمسلمون يتوارثون وإنْ اختلفوا في الآراء) والمذهب، ما لم يخرجوا به عن سِمة الإسلام كما هو المشهور، لعموم أدلّة التوارث، ولخصوص المعتبرة(2) الدّالة على ابتناء التوارث على الإسلام دون الإيمان، وفي بعضها: «أنّ الإسلام هو ما عليه جماعة النّاس» مِنَ الفِرق كلّها، وبه حُقنت الدِّماء، وعليه جرت المناكح والمواريث، ولقيام سيرة السَّلف على ذلك، ولم أظفر للمخالف بما يمكن أن يستدلّ به له إلّاالبناء على كفر المخالف للمذهب، وقد تقدّم الكلام في المبنى، وعرفت أنّه فاسد.

وبما ذكرناه يظهر حكم المنكر لضروري من ضروريّات الدِّين، فإنّه إنْ كان

ص: 269


1- الرياض: ج 2/337 (ط. ق). (2و3و4) حكاه عنه في الرياض: ج 2/337 (ط. ق).
2- الكافي: ج 2/25 ح 1، بحار الأنوار: ج 65/248 ح 8.

والكفّار يتوارثونَ وإنْ اختلفوا في المِلل.

إنكاره موجباً لكفره، يمنعُ عن الإرث، وإلّا فلا، وقد مرّ الكلام في المبنى في كتاب الطهارة، فراجع(1).

(و) أيضاً: المشهورُ بين الأصحاب أنّ (الكفّار يتوارثون وإنْ اختلفوا في الملل) بل الظاهر أنّه لم يُعرف الخلاف فيه إلّاعن أبي الصَّلاح(2)، والسيوري(3)، وسلّار(4)، وشارح «الإيجاز»(5).

فذهب الأولان: إلى أنّ كفّار ملّتنا يرثون غيرهم، وغيرهم لا يرثهم.

والثالث: إلى أنّهم يتوارثون ما لم يكونا حربيّين.

والرابع: إلى أنّ الحربي لا يرثُ الذِّمي.

أقول: وهذه الأقوال كما تراها في بعض الموارد، فلا خلاف في الكبرى الكليّة في الجملة.

ويشهد بها: - مضافاً إلى ذلك - عموم أدلّة الإرث، مع اختصاص ما دلّ على أنّ الكافر لا يرثُ بإرثه من المسلم ومن الكافر، مع وجود المسلم، وليس بإزاء ذلك كلّه سوى ما تقدّم من النصوص المتضمّنة أنّ أهل ملّتين لا يتوارثان.

وقد أجابوا عنه تارةً : بما في «المستند» من جواز إرادة نفي التوارث من الجانبين،8.

ص: 270


1- فقه الصادق: ج 5/109.
2- الكافي: ص 374-375.
3- حكاه عنه في رياض المسائل: ج 14/226، و: ج 2/338 من (ط. ق).
4- المراسم العلويّة ص 220.
5- حكاه عنه في كشف اللّثام: ج 9/358.

ولمّا لم يتعيّن الجانب الممنوع، فيكون كلّ منهما باقياً على مقتضى الأصل.

وأُخرى : بأنّ الكفّار مع تفرّقهم يجمعهم أمرٌ واحد، وهو الشرك باللّه تعالى ، وهم كالنفس الواحدة في معاداة المسلمين، فجعل اختلافهم كاختلاف مذاهب المسلمين في الإسلام، وقد قال اللّه تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ ) (1)، وقال:

(فَما ذا بَعْدَ اَلْحَقِّ إِلاَّ اَلضَّلالُ ) (2) فأشعرا بأنّ الكفر ملّة واحدة.

وثالثةً : بأنّ نفي التوارث بين الملّتين مفسَّرٌ في النصوص بالإسلام والكفر، كما في «الجواهر»(3).

ولكن يَردُ على الأوّل: أنّ إطلاق قوله: «لا يتوارثان» يشملهما معاً، واحتمال الاختصاص يدفع به.

ويرد على الثاني: أنّه وإنْ كان مطلباً حقّاً، إلّاأنّه لا يكفي لإثبات كون الكفر ملّة واحدة يستند إليه في الحكم الشرعي.

وأمّا الثالث: فيمكن توجيهه بأنّه في خبر أبي العبّاس:

«قال الصادق عليه السلام: لا يتوارثُ أهل ملّتين، يرثُ هذا هذا، ويرثُ هذا هذا، إلّا أنّ المسلم يرثُ الكافر، والكافرُ لا يرثُ المسلم»(4).

وهذا بقرينة أنّه عليه السلام في تفسير التوارث، وأنّه إنّما يكون من الجانبين، ولا يشملُ الإرث من جانبٍ واحد عَبّر أوّلاً بأنّ أهل ملّتين لا يتوارثان، وثانياً عَبّر2.

ص: 271


1- سورة الكافرون: الآية 6.
2- سورة يونس: الآية 32.
3- جواهر الكلام: ج 39/32.
4- وسائل الشيعة: ج 26/15 ح 32387، تهذيب الأحكام: ج 9/367 ح 12.

والمرتدّ عن فطرةٍ يُقتل في الحال، وتعتدّ امرأته من حين الإرتداد عِدّة الوفاة، ويُقسّم ميراثه، ولا تسقط هذه الأحكام بالتوبة.

وعن غير فطرةٍ يُستتاب، فإن تاب وإلّا قُتل، وتعتدّ زوجته عِدّة الطلاق، ولا تُقسَّم أمواله إلّابعد القتل، ولو تكرّر قُتِل في الرابعة.

والمرأةُ إذا ارتدّت حُبِست، وضُرِبَتْ أوقات الصلاة حتّى تتوب أو تموت، وإنْ كانت عن فطرةٍ .

عنهما بالمُسلم والكافر، يدلّ على التفسير المشار إليه أيضاً، قال عليه السلام في خبر عبد الرحمن بن أعين: «لا يتوارثان أهل ملّتين، قال: فقال: نرثهم ولا يرثونا»(1).

وبالجملة: من تَتَبّع في النصوص يظهر له صحّة التفسير المذكور، مع أنّ الحكم إجماعيٌّ كما عرفت، ولم يستدلّ لشيء من الأقوال المتقدّمة في الموارد الخاصّة بما يستأهل للذِّكر، وعليه فالأظهر أنّهم يتوارثون وإنْ كانوا مختلفين في الآراء.

ميراثُ المرتدّ للمسلم

المسألة السادسة: (والمرتدّ عن فطرةٍ يُقتل في الحال، وتعتدّ امرأته من حين الإرتداد عِدّة الوفاة، ويُقسّم ميراثه، ولا تسقط هذه الأحكام بالتوبة، وعن غير فطرةٍ يُستتاب، فإن تاب وإلّا قُتل، وتعتدّ زوجته عِدّة الطلاق، ولا تُقسَّم أمواله إلّابعد القتل، ولو تكرّر قُتِل في الرابعة، والمرأةُ إذا ارتدّت حُبِست، وضُرِبَتْ أوقات الصلاة حتّى تتوب أو تموت، وإنْ كانت عن فطرةٍ ) بلا خلافٍ في شيء من تلكم، وقد تقدّم الكلام فيها في كتاب الطهارة، وفي الطلاق وسيأتي حكم القتل في محلّه(2).

ص: 272


1- وسائل الشيعة: ج 26/13 ح 32378، تهذيب الأحكام: ج 9/366 ح 4.
2- فقه الصادق: ج 5/109 و ج 32/266 و ج 39/233.

وميراثُ المرتدّ للمسلم

أقول: ويشهد بها نصوصٌ :

1 - فعلى حكم الرّجل المرتدّ عن فطرةٍ : صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن المرتد؟ فقال عليه السلام: من رَغِبَ عن الإسلام وكفر بما أُنزل على محمّد صلى الله عليه و آله بعد إسلامه، فلا توبة له، وقد وجبَ قتله، وبانت امرأته منه، فليقسّم ما ترك على ولده»(1).

وموثّق الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كلّ مسلمٍ بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام، وجَحَد محمّداً صلى الله عليه و آله نبوّته وكذّبه، فإنّ دمه مباحٌ لمن سمع ذلك منه، وامراته بائنة منه يوم ارتدّ، ويقسّم ماله على ورثته، وتعتدّ امرأته عِدّة المتوفّى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(2).

2 - وعلى حكم المرتدّ عن غير فطرةٍ من جهة أنّه يُستتاب وإلّا قتل، وأنّه لو تكرّر قُتِل في الرابعة جملةٌ من النصوص(3).

3 - ومن جهة اعتداد امرأته عِدّة الطلاق، ما تقدّم في كتاب الطلاق(4).

4 - ومن جهة أنّه لا يُقسّم تركته الأصل، وعدم الدليل على التقسيم.

5 - وعلى حكم المرتدّة طائفة(5) من الأخبار الصحيحة.

وأيضاً: لا خلاف بينهم (و) لا إشكال في أنّ (ميراث المرتدّ للمسلم)، ولا شيء0.

ص: 273


1- وسائل الشيعة: ج 26/27 ح 32414، الكافي: ج 6/174 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 28/324 ح 34865، الكافي: ج 6/174 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 28/327 ح 34873، الكافي: ج 7/258 ح 17.
4- راجع المجلّد 34 من هذه الدورة الفقهيّة.
5- وسائل الشيعة: ج 28/331 ح 34882، تهذيب الأحكام: ج 10/144 ح 30.

ولو لم يكن له إلّاكافراً، إنتقلَ إلى الإمام،

لوارثه الكافر، إنْ كان فطريّاً المرتدّ أم ملّياً، ويشهد به النصوص المتقدّمة في مطلق الكافر الشاملة له أيضاً.

(ولو لم يكن له) وارثٌ (إلّا كافراً):

فالمشهور سيّما بين المتأخّرين (انتقل) ميراثه (إلى الإمام).

وظاهر «الشرائع»(1): الإجماع عليه.

وفي «الرياض»(2): (ولعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى، لإتّفاقها على ذلك من دون ظهور مخالفٍ صريحٍ ، ولا ظاهرٍ عدا الصَّدوق)(3) انتهى .

وقد استدلّ له: بمرسل أبان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ يموت مرتدّاً عن الإسلام، وله أولاد ومال ؟

فقال عليه السلام: ماله لولده المسلمين».

وهو وإنْ كان لا إشكال فيه من حيث السند، لأنّ الراوي عنه ابن أبي عمير، مع أنّ أبان نفسه من أصحاب الإجماع، ولاستناد المشهور إليه، لكنّه لايدلّ على ذلك، لكونه في مورد وجود الأولاد المسلمين.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه حيثُ لم يفرض في السؤال إسلام الأولاد، بل السؤال إنّما هو عمّا لو كان له أولاد، فجوابه عليه السلام بأنّ ميراثه لأولاده المسلمين في قوّة إنْ كانوا6.

ص: 274


1- حكاه عنه في الرياض: ج 2/339 (ط. ق).
2- رياض المسائل: ج 2/339 (ط. ق).
3- حكاه عنه في المستند: ج 19/26.

مسلمين يرثون وإلّا فلا يرثون، فيدلّ المرسل على أنّ أولاده الكافرين لايرثون، وهذا ليس تمسّكاً بمفهوم اللّقب كما لا يخفى ، فإذا لم يكن الميراث لهم، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفّار بالإجماع، وفحوى الخطاب، فانحصر الميراث للإمام.

أقول: وبإزائه روايات:

منها: موثّق إبراهيم بن عبد الحميد الذي هو كالصحيح، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة، ثمّ مات ؟

قال عليه السلام: ميراثه لولده النصارى.

ومسلمٌ تنصّر، ثمّ مات ؟ قال عليه السلام: ميراثه لولده المسلمين»(1).

ومنها: صحيح الحنّاط، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ ارتدّ عن الإسلام لمن يكون ميراثه ؟

فقال عليه السلام: يقسّم ميراثه على ورثته على كتاب اللّه»(2).

ونحوه صحيح محمّد(3).

إلّا أنّ المرسل أخصّ من الأخيرين لاختصاصه بأولاده المسلمين، وهما مطلقان، فيقيّد إطلاقهما به.

وأمّا الموثّق فهو أخصّ من المرسل، لاختصاصه بالملّي، والمرسل يعمّ المِلّي والفِطري، فمقتضى القاعدة تقييد إطلاق المُرسل به.

أقول: والإيراد على الموثّق:

تارةً : بضعف السند.3.

ص: 275


1- وسائل الشيعة: ج 26/25 ح 32410، تهذيب الأحكام: ج 9/377 ح 15.
2- وسائل الشيعة: ج 26/27 ح 32412، الكافي: ج 7/152 ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 26/27 ح 32412، تهذيب الأحكام: ج 9/374 ح 3.

والمرتدُّ لا يرثُ المسلم.

وأُخرى : بموافقته لمذهب العامّة، فيُحمل على التقيّة.

وثالثة: بمعارضته بالمرسل، وهو أشهر.

ورابعةً : بالمخالفة للقاعدة الدّالة على أنّ المرتدّ بحكم المسلم، فلا يرثه الكافر.

في غير محلّه، إذ سنده قويٌّ ، سيّما وأنّ الراوي عنه ابن أبي عمير، ومجرّد الموافقة لمذهب العامّة لا يُصحّح الحمل على التقيّة، لأنّ موافقة العامّة من مرجّحات أحد الخبرين المتعارضين على الآخر بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحُجّة عن اللّاحجّة، وهو كما عرفت أخصّ من المرسل فلا يعارضه، والقاعدة كليّة غير ثابتة، مع أنّ الخبر المعتبر لا يُطرح لمخالفته للقاعدة.

فالحقّ أن يورد عليه: بإعراض الأصحاب عنه، إذ لم ينسب القول بمضمونه إلّا إلى الصَّدوق(1)، والشيخ في «الاستبصار»(2)، والثاني(3) قد أفتى في كتبه المعدّة للفتوى بخلافه، وقال: (إنّه محمولٌ على التقيّة)، فلم يبق إلّاالصَّدوق(4)، وإفتائه وحده بمضمون الخبر لا يُخرجه عن الشذوذ.

وبالجملة: فالأظهر أنّه ينتقل إلى الإمام عليه السلام، ولا يرثه الكافر، (و) قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ (المرتدّ لا يرثُ المسلم) لكونه كافراً.

***8.

ص: 276


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/338.
2- الاستبصار: ج 4/193.
3- النهاية: ص 667.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/338.

الثاني: القتل: وهو يمنعُ الوارث من الإرث إنْ كان عمداً ظُلماً.

القتل من موانع الإرث

(الثاني) من الموانع (القتل) أي قتل الوارث المورّث، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: (وهو يمنعُ الوارث من الإرث) أي إرث المقتول (إنْ كان عمداً ظلماً) إجماعاً، حكاه جماعة(1) حَدّ الاستفاضة، والصحاح به مع ذلك كغيرها معتبرة ومستفيضة، وإليك جملة منها:

منها: صحيح هشام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

لا ميراث للقاتل»(2).

ومنها: صحيح الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ قتل أُمّه ؟ قال:

لا يرثها، الحديث»(3).

ومنها: صحيح جميل، عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا يرثُ الرّجل إذا قتل ولده أو والده، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إذا قَتَل الرّجل أباه قُتل به، وإنْ قتله أبوه لم يُقتل به ولم يرثه»(5).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يقتل ابنه أيُقتل به ؟ فقال عليه السلام:

ص: 277


1- رياض المسائل: ج 2/340 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 26/30 ح 32417، الكافي: ج 7/141 ح 5.
3- وسائل الشيعة: ج 26/30 ح 32418، الكافي: ج 7/140 ح 4.
4- وسائل الشيعة: ج 26/30 ح 32419، الكافي: ج 7/140 ح 3.
5- وسائل الشيعة: ج 26/30 ح 32420، الكافي: ج 7/141 ح 10.

لا، ولا يرث أحدهما الآخر إذا قتله»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «لا يتوارث رجلان قَتَل أحدهما صاحبه»(2).

ومنها: خبر القاسم بن سليمان، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قتل أُمّه أيرثها؟

قال: سمعتُ أبي عليه السلام يقول: لا ميراثَ للقاتل»(3).

إلى غير تلكم من النصوص الدّالة على ذلك.

ولو تعدّد القاتل مُنعوا جميعاً، لإطلاق النصوص والفتاوى.

ولو كان القتل بحقّ لم يمنع، بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في «الجواهر»(4).

ويشهد به:

خبر حفص بن غياث، قال: «سألتُ جعفر بن محمّد عليه السلام عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والأُخرى عادلة اقتتلوا، فقَتل رجلٌ من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه، وهو من أهل البغي، وهو وارثه، أيرثه ؟

قال عليه السلام: نعم أنّه قتله بحقّ »(5).

ومقتضى عموم العلّة، عدم المنع في كلّ قتلٍ ، كان بحقٍّ جاز للقاتل تركه أم لا، فلو قتل مورّثه قصاصاً ورثه، ولا يضرّ ضعفه، لانجباره بالعمل، وبه يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ القاتل لا يرث.7.

ص: 278


1- وسائل الشيعة: ج 26/31 ح 32423، تهذيب الأحكام: ج 10/238 ح 20.
2- وسائل الشيعة: ج 26/31 ح 32421، الكافي: ج 7/140 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 26/31 ح 32422، الكافي: ج 7/140 ح 2.
4- جواهر الكلام: ج 39/36.
5- وسائل الشيعة: ج 26/41 ح 32446، تهذيب الأحكام: ج 9/381 ح 17.

ولو كان القتلُ خطأً، مُنع من إرث الدِّية على قول

القتلُ خَطأً لا يمنعُ من الإرث

المسألة الثانية: (ولو كان القتل خَطأ) ففيه أقوال:

1 - أنّه لا يمنعُ من الإرث، ذهب إليه المفيد(1)، وسلّار(2)، والمحقّق(3)، والشهيد الثاني في ظاهر «المسالك»(4)، وفي «الشرائع»(5)، وعن «التحرير»(6) نسبته إلى الأشهر.

2 - أنّه لا يرثُ ، ذهب إليه العُمّاني(7).

3 - أنّه ي (منعُ من إرث الدِّية) خاصّة دون باقي التركة (على قولٍ ) مشهور، كما عن «الدروس»(8). وفي «الجواهر»(9): (ولعلّه كذلك، لأنّه المنقول عن المشايخ الأربعة، والحلبيّين(10)، والطوسيّين(11)، والقاضي(12)، والحِلّي(13)، والكيدري(14)،

ص: 279


1- المقنعة: ص 703.
2- المراسم العلويّة: ص 220.
3- المختصر النافع: ص 256.
4- مسالك الأفهام: ج 13/36.
5- شرائع الإسلام: ج 4/816.
6- تحرير الأحكام: ج 2/172 (ط. ق).
7- فقه ابن ابي عقيل العُمّاني: ص 509.
8- الدروس: ج 2/347.
9- جواهر الكلام: ج 39/37.
10- الكافي في الفقه: ص 375، غنية النزوع: ص 330.
11- تهذيب الأحكام: ج 9/380، الاستبصار: ج 4/194.
12- المهذّب: ج 2/162.
13- السرائر: ج 3/274.
14- إصباح الشيعة: ص 371.

والعلّامة(1)، وولده(2) والشهيدين(3)، وأبي العبّاس(4)، والصِّيمري(5) وغيرهم.

بل عن «الانتصار»(4)، و «الخلاف»(5)، و «الغُنية»(6)، و «السرائر»(7) الإجماع عليه).

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على القول الأوّل:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ قَتل أُمّه، أيرثها؟

قال عليه السلام: إنْ كان خَطأً ورثها، وإنْ كان عمداً لم يرثها»(8).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قتل الرّجل أُمّه خطأً ورثها، وإنْ قَتَلها متعمِّداً، فلا يرثها»(9).

ونحوهما غيرهما.

ومقتضى إطلاقها سيّما بعد ضَمّ ما دلّ من النصوص على أنّ حكم الدّية حكم4.

ص: 280


1- تحرير الأحكام: ج 2/172 (ط. ق).
2- إيضاح الفوائد: ج 4/179.
3- الدروس: ج 2/347، مسالك الأفهام: ج 13/37-38. (4و5) حكاه عنه في الجواهر: ج 39/37.
4- الانتصار: ص 595.
5- الخلاف: ج 5/344.
6- غنية النزوع: ص 330.
7- السرائر: ج 3/274.
8- وسائل الشيعة: ج 26/34 ح 32429، تهذيب الأحكام: ج 9/379 ح 11.
9- وسائل الشيعة: ج 26/33 ح 32428، من لا يحضره الفقيه: ج 4/318 ح 5684.

سائر التركة، أنّه يرثُ من الدّية أيضاً.

ودعوى: أنّ المتبادر غيرها، وأيضاً أنّ ما يرثُ منه غير مذكورٍ، والقرينة على إرادة ما يشمل الدّية مفقودة، فلا دلالة لها على إرث القاتل من الدّية.

مندفعة: بمنع التبادر، وعدم ذكر ما يرثُ منه آية الإطلاق والشمول.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّه لا يرثُ مطلقاً:

منها: خبر فضيل بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يقتلُ الرَّجل بولده إذا قَتَله، ويُقتل الولد بوالده إذا قَتَل والده، ولا يرثُ الرّجل أباه إذا قتله وإنْ كان خطأً»(1).

ومنها: خبر العلاء بن الفُضيل، عنه عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«ولا يرثُ الرّجلُ الرَّجلَ إذا قَتَله وإنْ كان خطأً»(2).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّه لا يرثُ من الدّية كالنبويّ (3):

«ترثُ المرأة من مال زوجها وديته، ويرثُ الرّجل عن مالها وديتها ما لم يَقتُل أحدهما صاحبة، فإنْ قَتَل أحدهما صاحبه عمداً، فلا يرثُ من ماله، ولا من ديته، وإنْ قتله خطأً ورث من ماله، ولا يرثُ من ديته».

ولا يضرّ اختصاصه بالزوجين، لعدم القائل بالفصل، كما لا يضرّ ضعف سنده لانجبارة بالشهرة.

والنصوص(4) الآتية الدّالة على أنّ الزّوج والزّوجة لا يرث أحدهما القاتل من8.

ص: 281


1- وسائل الشيعة: ج 26/34 ح 32430، الكافي: ج 7/141 ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 26/35 ح 32431، تهذيب الأحكام: ج 10/237 ح 18.
3- الخلاف: ج 4/31.
4- وسائل الشيعة: ج 26/32 ح 32425، الكافي: ج 7/141 ح 8.

دية الآخر المقتول عمداً، سواءً كان عمديّاً أو خطئيّاً، فإذا ثبت في الزوجين ثبتَ في غيرهما، لعدم الفصل.

هذه هي نصوص المسألة.

أقول: والحقّ أنْ يقال في الجمع بينها إنّ الطائفة الثانية ضعيفة الإسناد، لأنّ أحدها مرسل، وراوي اثنين منها محمّد بن سنان، ومعلّى بن محمّد، مع أنّه لم يعمل بها، أضف إلى ذلك معارضتها بالطائفة الأُولى الرّاجحة عليها من وجوهٍ ، فهي مطروحة، أو محمولة على التقيّة.

وأمّا الطائفة الثالثة: فالنبويّ منها أخصّ مطلق من الطائفة الأُولى فيقيّد إطلاقها به، وباقي نصوصها تكون النسبة بينها وبين الأولى عموماً من وجه، ويُقدّم تلك النصوص، لأن أوّل المرجّحات الشهرة، وهي معها فتقدّم، فالقولُ الثالث أظهر.

ثمّ إنّه ربما يستدلّ للقول الثاني بالعمومات الدّالة على أنّ القاتل لا يرث.

وفيه: أنّه يجبُ تخصيصها بما مرّ.

كما أنّه قد استدلّ للقول الأوّل بما دلّ على رفع الخَطأ(1).

وفيه أوّلاً: أنّه لو سُلّم دلالته تكون أخبار المقام أخصّ منه، فتقدّم عليه.

وثانياً: أنّه لا يدلّ على ذلك الدليل رافعٌ للحكم، ولا يصلحُ لأن يثبت به حكمٌ كما حُقّق في محلّه.

وعليه، فالأظهر أنّه يرثُ من غير الدّية، ولا يرثُ منها.

فرع: هل يلحق شبيه العَمد بالعَمد، كماعن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في «القواعد»(2)؟7.

ص: 282


1- وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769، بحار الأنوار: ج 2/274 ح 18.
2- قواعد الأحكام: ج 3/347.

وميراثُ المقتول لغير القاتل وإنْ بَعُد أو تقرّب بالقاتل، ولو فُقِد فللإمام.

أم بالخطأ، كما عن الحِلّي في «السرائر»(1)، والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(2)؟

وجهان: أظهرهما الأوّل، لعموم ما دلّ على أنّ القاتل لا يرث.

ودعوى المحقّق الأردبيلي:(3)(من أنّه حيث يُحتمل اختصاصه بالعامد المحض، فلا يصلحُ لأنْ يقيّد إطلاق أدلّة الإرث بالنسبة إلى غير العمد).

مندفعة: بأنّ احتماله يدفع بالإطلاق، وقد حُقّق في محلّه(4) أنّ إطلاق المقيّد يقدّم على إطلاق المطلق.

وهل يختصّ المنع بالقتل بالمباشرة كما عن العُمّاني(5)؟ أم يعمّ التسبيب أيضاً، كما عن المصنّف في «القواعد»(6)؟ وجهان:

لا يبعدُ دعوى أظهريّة الأوّل، لعدم إطلاق القاتل على المسبّب عرفاً.

التقرّب بالقاتل لا يمنع الإرث

المسألة الثالثة: لا خلاف (و) لا كلام في أنّ (ميراث المقتول لغير القاتل) ممّن يرثه (وإنْ بَعُد أو تقرّب بالقاتل، ولو فُقِد فللإمام).

أقول: في هذه المسألة عدّة أحكام:

ص: 283


1- السرائر: ج 3/75 باب الكفّارات وقد ذكر ذلك في عدّة موارد أُخرى من الجزء الثالث.
2- مختلف الشيعة: ج 9/84-85.
3- مجمع الفائدة: ج 11/507-508.
4- زبدة الاُصول: ج 3/367.
5- حكاه عنه في المستند: ج 19/51.
6- قواعد الأحكام: ج 3/347.

1 - أنّ ميراثه لغير القاتل وإنْ بَعُد، وعليه الإجماع المحقّق والمحكيّ ، ويشهد به:

عمومات الإرث.

2 - أنّ التقرّب بواسطة القاتل لا يمنعُ من الإرث.

ويشهدُ به: - مضافاً إلى الإجماع، وإلى الأصل حيث لا دليل على كونه مانعاً موثّق جميل عن أحدهما عليهما السلام:

«لا يرثُ الرَّجل إذا قَتَل ولده أو والده، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل»(1).

وصحيحه، عن أحدهما عليهما السلام أيضاً: «في رجلٍ قتل أباه ؟

قال عليه السلام: لا يرثه، وإنْ كان للقاتل ولدٌ وَرِث الجَدّ المقتول»(2).

ومع ذلك فلا يُصغى إلى ما قيل من إنّ وجود الواسطة سببٌ لأمرين:

أحدهما: انتقال الإرث إليه.

ثانيهما: حَجبُ غيرها ممّن يرثُ للتقرّب بها.

وانتفاء أحدهما لا يستلزمُ انتفاء الآخر مع بطلانه في نفسه، فإنّ الحجبَ معلولُ انتقال المال إليه، فمع انتفائه ينتفي معلوله.

نعم، إنْ كان ذلك القريب كافراً والمقتول مسلماً لا يرثه هو لوجود مانعٍ آخر، وهو الكفر.

3 - ولو فقد الوارثُ الآخر غير القاتل، فميراثه للإمام عليه السلام:

لما مر من أنّه وارث مَنْ لا وارث له.

ولما دلّ على أنّه إنْ لم يكن للمقتول وليٌّ إلّاالإمام، ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل ويأخذ الدّية.4.

ص: 284


1- وسائل الشيعة: ج 26/40 ح 32444، الكافي: ج 7/140 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 26/39 ح 32443، تهذيب الأحكام: ج 9/380 ح 14.

والدّية يرثُها من يتقرّب بالأب ذكوراً أو إناثاً. والزّوج والزّوجة.

فيمن يرث من الدّية

المسألة الرابعة: لا إشكال (و) لا خلاف يعتدّ به بينهم في أنّ (الدّية يرثها من يتقرّب بالأب، ذكوراً أو إناثاً).

ويشهد به: - مضافاً إلى عمومات آيات الإرث وأخباره - جملةٌ من النصوص:

منها: خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً، فهي ميراثٌ كسائر الأموال»(1).

ونحوه غيره.

ومنها: النصوص الآتية في المتقرّب بالاُمّ .

وعن موضعٍ من «الخلاف»(2): (أنّه لايرثها المتقرّب بالأب) ولم أظفر بوجهه.

(و) أيضاً: لا خلاف يظهر في أنّه يرثها (الزّوج والزّوجة) أي يرث كلّ منهما من دية الآخر، بل صريح جمعٍ - منهم الشيخ في «الخلاف»(3) على ما حُكي - الوفاق عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما مرَّ - عدّة أخبار:

منها: موثّق محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: «أيّما امرأة طلّقت فماتَ زوجها

ص: 285


1- وسائل الشيعة: ج 26/41 ح 32447، تهذيب الأحكام: ج 9/377 ح 16.
2- حكاه عنه في المستند: ج 19/54.
3- الخلاف: ج 5/178.

قبل أن تنقضي عِدّتها فإنّها ترثه.

إلى أن قال: وإنْ قتلت ورث من ديتها، وإنْ قُتل ورثت هي من ديته ما لم يَقتل أحدهما صاحبه»(1).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«فإن قتل أو قتلت وهي في عِدّتها، ورث كلّ واحدٍ منهما من دية صاحبه»(2).

ومنها: خبر عبيد بن زرارة، عنه عليه السلام: «للمرأة من دية زوجها، وللرّجل من دية امرأته ما لم يَقتل أحدهما صاحبه»(3).

ومنها: حسن محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام: «المرأة ترثُ من دية زوجها، ويرثُ من ديتها، ما لم يَقتل أحدهما صاحبه»(4). ونحوه حسن ابن أبي يعفور(5).

وأمّا خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ عليّاً عليه السلام(6) كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئاً، ولا يورث الرّجلَ من دية امرأته شيئاً، ولا الإخوة من الأُمّ من الدّية شيئاً».

فإنْ أمكن تقييد إطلاقه بالنصوص المتقدّمة، فيُحمل على ما إذا قَتَل أحدهما صاحبه، فلا إشكال، وإلّا فيتعيّن طرحه، لعدم صلاحيّته، لمعارضة مع ما هو أشهر منه، وأصحّ سنداً، ومخالفٌ للعامّة، ولذلك حمله في محكيّ «التهذيب» على التقيّة(7).0.

ص: 286


1- وسائل الشيعة: ج 26/38 ح 32440، تهذيب الأحكام: ج 9/381 ح 15.
2- وسائل الشيعة: ج 26/39 ح 32441، تهذيب الأحكام: ج 9/381 ح 16.
3- وسائل الشيعة: ج 26/38 ح 32439، تهذيب الأحكام: ج 9/378 ح 7.
4- وسائل الشيعة: ج 26/32 ح 32425، تهذيب الأحكام: ج 9/378 ح 6.
5- وسائل الشيعة: ج 26/32 ح 32426، الكافي: ج 7/141 ح 9.
6- وسائل الشيعة: ج 26/39 ح 32442، تهذيب الأحكام: ج 9/380 ح 13.
7- تهذيب الأحكام: ج 9/380.

وفي المتقرّب بالاُمّ قولان.

أقول: (و) إنّما الخلاف (في المتقرّب بالاُمّ ) وفيه (قولان)، بل أقوال:

القول الأوّل: أنّه لا يرثُ المتقرّب بالاُمّ ، ذهب:

إليه المفيد(1)، والشيخ في «النهاية»(2)، وموضعٍ من «الخلاف»(3)، والحِلّي(4)، والقاضي(5)، والحلبي(6)، وابن زُهرة(7)، والمحقّق(8)، وغيرهم، ولعلّه قول الأكثر، كما عن «الكفاية»(9)، وعليه الإجماع كما عن «الخلاف»(10)، و «السرائر»(11).

القول الثاني: أنّه يرثُ أيضاً.

وهو المنسوب إلى الشيخ في «المبسوط»(12)، وموضعٍ من «الخلاف»(13)، وابنُ حمزة(14)، والمصنّف رحمه الله في جنايات «القواعد»(15)، وغيرهم في غيرها.2.

ص: 287


1- المقنعة: ص 702.
2- النهاية: ص 673.
3- الخلاف: ج 5/178.
4- السرائر: ج 3/336.
5- جواهر الفقه: ص 168.
6- الكافي في الفقه: ص 376.
7- غنية النزوع: ص 330.
8- شرائع الإسلام: ج 4/816-817.
9- كفاية الأحكام: ج 2/801.
10- الخلاف: ج 2/178-179.
11- السرائر: ج 3/336.
12- المبسوط: ج 7/54.
13- الخلاف: ج 4/114.
14- حكاه عنه في الإيضاح: ج 4/180.
15- قواعد الأحكام: ج 3/622.

القول الثالث: أنّه لا يرثُ من المتقرّب بالاُمّ خصوص الإخوة.

اختاره صاحب «الكفاية» رحمه الله(1)، واستوجهه في «المسالك»(2)، والمستند جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قضى عليٌّ عليه السلام في ديَّة المقتول: أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه وسهامهم، إذا لم يكن على المقتول دين، إلّاالإخوة والأخوات من الأُمّ ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً»(3).

ومنها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الدّية يرثها الورثة إلّاالإخوة والأخوات من الأُمّ فإنّهم لا يرثون من الدّية شيئاً»(4).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«الدّية يرثها الورثة على فرائض الميراث إلّاالإخوة من الأُمّ ، فإنّهم لا يرثون من الدّية شيئاً»(5).

ونحوها غيرها.

واستدلّ بها للقول الثالث، ودلالتها عليه واضحة.

وإنّما استدلّ بها للقول الأوّل: بدعوى:5.

ص: 288


1- كفاية الأحكام: ص 291.
2- مسالك الأفهام: ج 13/43-44.
3- وسائل الشيعة: ج 26/35 ح 32432، الكافي: ج 7/139 ح 2.
4- وسائل الشيعة: ج 26/36 ح 32433، الكافي: ج 7/139 ح 3.
5- وسائل الشيعة: ج 26/37 ح 32435، الكافي: ج 7/139 ح 5.

ولو لم يكن للمقتول عمداً وارثٌ ، لم يكن للإمام العفو، بل أخذ الدِّية أو القتل.

أنّ حرمان الإخوة والأخوات يستلزمُ حرمان غيرهم من المتقرّبين بالاُمّ بطريق أولى ، إذ حرمان الأقرب مستلزمٌ لحرمان الأبعد.

وبعد وجود القائل بالفرق، ولذا حكم الشهيد رحمه الله في محكيّ «الدروس»(1) أوّلاً بالقصر على موضع النَّص، وقال بعده: (والأقربُ منع قرابة الأُمّ مطلقاً).

واستدلّ للثاني:

1 - بعمومات الإرث.

2 - وبخبر إسحاق المتقدّم الدّال بإطلاقه على أنّ من يرث الميّت يرثُ الدّية كسائر الأموال.

3 - وبما عن الصِّيمري(2) من ورود الرواية بذلك.

لكن الأوّلين: يتعيّن تقييد إطلاقهما بالنصوص المتقدّمة.

والأخير: غيرُ ثابتٍ ، ويمكن أن يكون نظره إلى خبر إسحاق.

وبالجملة: فالأظهر هو القول الأوّل، وإنْ كان الجمود على موضع النَّص يقتضي البناء على الثالث.

المسألة الخامسة: (ولو لم يكن للمقتول عمداً وارثٌ ، لم يكن للإمام العفو، بل أخْذ الدّية أو القتل) كما هو المشهور بين الأصحاب، والنصوصُ شاهدة به:).

ص: 289


1- الدروس: ج 2/348.
2- حكاه عنه صاحب الرياض: ج 14/248 (ط. ج).

ويقضي من الدِّية الديون والوصايا وإنْ كانت للعمد.

منها: صحيح أبي ولّاد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍمسلمٍقتل رجلاً مسلماً عمداً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّاأولياء من أهل الذّمة من قرابته ؟

فقال عليه السلام: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل دينه الإسلام.

إلى أن قال: فإنْ لم يَسلم أحدٌ كان الإمام وليّ أمره، فإنْ شاء قَتَل، وإنْ شاء أخذ الدّية.

إلى أن قال: وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدّية، وليس له أن يعفو»(1).

ونحوه صحيحه الآخر(2).

فما عن الحِلّي(3) من ثبوت حقّ العفوله، لأنّه أولى بالعفو، اجتهادٌفي مقابل النّص.

ومقتضى إطلاقهما، عدم الفرق بين قتل العمد والخطأ، كما عن الشيخين(4)وغيرهما الفتوى به.

الدّية في حكم مال الميّت في جميع الأحكام

المسألة السادسة: لا خلاف في أنّ الدّية في حكم مال المقتول (و) يتفرّع عليه:

أنّه (يقضي من الدّية الديون، و) يخرجُ منها (الوصايا وإنْ كانت للعمد) إذا أُخذت الدِّية.

ص: 290


1- وسائل الشيعة: ج 29/124 ح 35307، الكافي: ج 7/359 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 29/125 ح 35308، تهذيب الأحكام: ج 10/178 ح 11.
3- السرائر: ج 3/336.
4- حكاه عنهما في الرياض: ج 2/342 (ط. ق).

وعن بعضهم: دعوى الإجماع عليه.

بل عن «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2): أنّه قول عامّة الفقهاء إلّاأبا ثور.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - وإلى خبر إسحاق بن عمّار وصحيح سليمان بن الخالد المتقدّمين - عددٌ من الأخبار:

منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل قَتَل وعليه دينٌ ، وليس له مالٌ ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دَين ؟

فقال عليه السلام: إنّ أصحاب الدين هم الخُصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضَمِنوا الدِّية للغُرماء وإلّا فلا»(3).

ومنها: خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام، قال:

«قلتُ له: جُعِلت فداك رجلٌ قَتَل رجلاً متعمّداً أو خطأً، وعليه دينٌ ، وليس له مالٌ ، وأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل ؟

قال عليه السلام: إنْ وهبوا دمه ضمنوا دَينه ؟

فقلت: إنْ هم أرادوا قتله.

قال: إنْ قَتل عمداً قُتل قاتله وأدّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين.

إلى أن قال: قلت: فعلى مَن الدين، على أوليائه من الدّية، أو على إمام المسلمين ؟

فقال عليه السلام: بل يؤدّوا دينه من ديته الّتي صالحوا عليها أولياؤه، فإنّه أحقّ بدينه من غيره»(4).0.

ص: 291


1- المبسوط: ج 4/125.
2- الخلاف: ج 4/115.
3- وسائل الشيعة: ج 29/122 ح 35305، تهذيب الأحكام: ج 10/314 ح 11.
4- وسائل الشيعة: ج 29/123 ح 35306، من لا يحضره الفقيه: ج 4/112 ح 5220.

إلى غير تلكم من النصوص في خصوص الدين.

أقول: وهناك رواياتٌ أُخرى في الوصايا:

منها: صحيح محمّد بن قيس، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ أوصى لرجلٍ بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثُلثاً أو رُبعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ثمّ قُتل بعد ذلك الموصي، فقضى في وصيّته: أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى »(1).

ومنها: خبر السكوني، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أوصى بثُلثه ثمّ قَتَل خطأً، فإنّ ثلث ديته داخلٌ في وصيّته»(2).

ونحوهما غيرهما من النصوص، وعليه فلا إشكال في الحكم.

أقول: ومع ذلك فلا يُصغى:

إلى ما قيل من أنّها لا تُصرف في الدين، لأنّ الدين كان متعلّقاً بالمديون في حال حياته، وبماله بعدها، والميّتُ لا يملك بعد وفاته، فإنّه اجتهادٌ في مقابل النّص، مع أنّه كما يعتبر كونه مالكاً لماله بعد الموت استدامةً ، فليعتبر كذلك ابتداءً ، والمناط واحدٌ.

ولا إلى ما قيل من إنّ الواجب في العمد، القِصاص الذي هو حقّ الوارث، فالدية المأخوذة هي عوض عن حقّه، لا مدخليّة للميّت فيها، فإنّه كالأوّل اجتهادٌ في مقابل النّص، مع أنّه إنّما يجبُ القصاص عوضاً عن نفس المقتول، فالدية نظير العوض عن المِثل المستحقّ .6.

ص: 292


1- وسائل الشيعة: ج 19/286 ح 24605 / تهذيب الأحكام: ج 9/207 ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 19/285 ح 24604، تهذيب الأحكام: ج 9/193 ح 6.

وليس للدُّيان المنع من القصاص.

(و) المسألة السابعة: المنسوب إلى جماعةٍ (1) أنّه (ليس للدّيان المنع من القصاص) وإنْ لم يكن مالٌ للميّت يُقضي منه ديونه.

وفي «المسالك»(2): جعله الأشهر.

وعن جماعةٍ منهم الشيخ رحمه الله(3)، والحلبي(4)، والقاضي(5)، والإسكافي(6)، وابن زُهرة(7) مدّعياً عليه الإجماع، أنّ لهم المنع حتّى يضمن الوارث الدين، واستدلّ له:

1 - بخبر أبي بصير المتقدّم.

2 - وبخبره الآخر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يقتل وعليه دينٌ ، وليس له مالٌ ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين ؟

فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخُصماء للقاتل، وإنْ وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائزٌ، وإنْ أرادوا القِوَد فليس لهم ذلك حتّى يضمنوا الدين للغُرماء وإلّا فلا»(8).

أقول: أمّا الخبران فلا إشكال فيهما من حيث السند، لاستناد القدماء إليهما، ولأنّ الخبر الأوّل رواه الشيخ(9) بسنده عن يونس، وللشيخ إلى يونس إسنادٌ8.

ص: 293


1- كشف اللّثام: ج 9/365.
2- مسالك الأفهام: ج 13/43.
3- المبسوط: ج 7/56.
4- الكافي في الفقه: ص 332.
5- المهذّب: ج 2/163، وحكاه عنه في غاية المراد: ج 4/327.
6- حكاه عنه صاحب الرياض: ج 14/242-243 (ط. ج).
7- غنية النزوع: ص 241.
8- وسائل الشيعة: ج 18/365 ح 23859، تهذيب الأحكام: ج 10/314 ح 11.
9- رواه الشيخ في التهذيب (المصدر السابق) وأيضاً في: ج 6/312 ح 68.

بعضها صحيحٌ ، والمصنّف في محكيّ «الخلاصة»(1) صحّحه، ولكن غاية ما يدلّ عليه الخبر الأوّل أنّهم:

إنْ اختاروا القِوَد ضمنوا للدُّيان، ولا يدلّ على عدم جواز القصاص، إلّامع الضمان، فيُعلم أنّه ليس هو مستندُ القدماء، فالمستند لهم هو الخبر الثاني، والشهيد رحمه الله(2) وإنْ ضعّفه، لكن عرفت أنّ استناد المشهور إليه جابرٌ للضعف.

نعم، يعارضه خبر عليّ بن أبي حمزة المتقدّم، الدّال على جواز القِوَد، وأنّه إن اختاروا القِوَد أدّى دينه الإمام من سهم الغارمين.

وأيضاً: يعارضه خبر أبي بصير المتقدّم، الدّال على جواز القِوَد، إلّاأنّهم يضمنون الدّية.

وحيث أنّ المشهور بين القدماء هو القول بالمنع، إلّامع الضمان، والشهرة أوّل المرجّحات، فيقدّم خبر أبي بصير الدّال عليه، ومعه لا يُصغى:

إلى ما قيل من أنّ القصاص حقّهم، فليس لأحدٍ المنع عنه، سيّما وقد قال اللّه تعالى: (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (3).

ولا إلى ما قيل إنّ أخذ الدّية اكتسابٌ ، وهو غير واجبٍ على الوارث في دين مورثه.

ولا إلى ما قيل من إنّ العمومات الواردة في القصاص تدلّ على أنّ لهم ذلك.

لأنّ شيئاً من ذلك لا يقاوم النَّص الخاصّ ، كما لا يخفى .3.

ص: 294


1- راجع خلاصة الأقوال: ص 184.
2- مسالك الأفهام: ج 15/247.
3- سورة الإسراء: الآية 33.

الثالث: الرِّق

المانع (الثالث): من الموانع (الرّق)، وعلى ما عليه بنائنا في هذا الشرح من إلغاء مباحث العبيد والإماء، لا نتعرّض لذلك أيضاً.

***

ص: 295

الفصل الرابع: في مخارج السِّهام:

الفصل الرابع: في مخارج السِّهام

اشارة

(الفصلُ الرّابع: في مخارج السِّهام).

أقول: يعدّ هذا الفصل من أعظم المهام للاحتياج إليه في تصحيح المسائل، وقِسمة التركة على الورثة، ويتّضح القولُ فيه ببيان اُمور:

الأمر الأوّل: قد عرفت ممّا ذكرناه مفصّلاً في ضمن المسائل المتقدّمة، أنّ السِّهام المنصوصة ستّة، وهي:

النصف، والرُّبع، والثُّمن، والثُّلثان، والثُّلث والسُّدس.

وببيان أخصر: النصف، ونصفه، ونصف نصفه، والثُّلثان، ونصفهما، ونصف نصفهما.

وبعبارة ثالثة: الرُّبع، والثُّلث، وضعف كلٍّ ، ونصفه.

وأيضاً: قد عرفت أنّ النصف لثلاثة:

1 - للزوج مع عدم الولد للزّوجة وإنْ نَزل.

2 - للبنت المنفردة.

3 - وللاُخت المنفردة لأبٍ وأُمٍّ ، أو لأبٍ مع عدمها.

وأمّا الرُّبع: فلاثنين:

1 - للزّوج مع الولد للزّوجة.

2 - وللزوجة لا مع الولد للزّوج.

وأمّا الثُّمن: فلواحد الزّوجة مع الولد للزّوج.

ص: 296

والثُّلثين: لإثنين:

1 - البنتان فصاعداً إذا انفردن من الإخوة.

2 - الاُختان فصاعداً لأبٍ وأُمٍّ ، أو لأبٍ مع عدمهما.

والثُّلث: لإثنين:

1 - الأُمّ مع عدم الحاجب والولد.

2 - الاثنان فصاعداً من ولد الأُمّ خاصّة، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم بالتفريق.

والسُّدس: لثلاثة أصناف:

1 - كلّ واحدٍ من الأبوين إذا كان لميّتهما فرعٌ وارث.

2 - الأُمّ إذا كان لميّتهما إخوة أو أخوات بالشرائط السابقة.

3 - الواحد من كلالة الأُمّ ، ذكراً كان أم أُنثى .

وبالجملة: يظهر من ذلك أنّ أصحاب الفروض ثلاثة عشر، وإذا اعتبرنا تعدّد الأبوين في السُّدس، صارت أربعة عشر.

وأيضاً: قد ظهر ممّا مرّ أنّ من هذه الأصناف ذكرين، وهما: الأب والزّوج.

وأربع إناث، وهنّ : الأُمّ ، والزّوجة، والبنات، والأخوات، وواحدٌ يستوي فيه الذَّكَر والأُنثى ، وهي كلالة الأُمّ .

وكلّ واحدٍ من هذه السبعة - قسمان ما عدا الزّوجة - وذلك جملة الثلاثة عشر.

وأيضاً: قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ المراد بهم من يرث بالفرض في الجملة، سواءٌ ورث مع ذلك بالقرابة أم لا.

وهذه السِّهام أُصول الفرائض، وغيرها من الفروض فرعٌ عليها، وقد مرّت تلك أيضاً.

ص: 297

صور اجتماع بعض الفروض مع بعض

الأمر الثاني: أنّ ما ذُكر حكم السِّهام المفروضة منفرداً، وأمّا فرضها منضمّاً بعضها إلى بعض، فبعضها يمكن وبعضها يمتنع، وصور اجتماعها الثنائي ممكناً وممتنعاً إحدى وعشرون صورة، حاصلة من ضرب السِّهام الستّة في مثلها، ثمّ حذف ما تكرّر منها، وهو خمسة عشر، وذلك لأنّ النصف يمكن اجتماعه عقلاً مع مثله وسائر السِّهام، فهذه ست صور.

ثمّ يُفرض الرُّبع مع السِّهام فهي ستّة، إلّاأنّ واحداً منها مكرّر، وهو اجتماعه مع النصف، فإنّه قد فرض في السِّت الأُولى .

فبضمّ الصُّور الخمس بالسِّت، تكون الصور إحدى عشرة.

ثمّ يُفرض الثُّمن كذلك، ويتكرّر منه إثنان، وهما: اجتماعه مع النصف، ومع الرُّبع لذكرهما في السابقين، فيبقى أربع، ويُقسّم إلى ما تقدّم، فتبلغ خمس عشرة.

ثمّ يُفرض الثُّلثان كلّ ستّةٍ يتكرّر منها ثلاث صور، وهي اجتماعه مع النصف، ومع الرُّبع، ومع الثُّمن، فبالضَّم إلى الصّور السابقة تبلغ الصور ثماني عشرة.

ثمّ يُفرض الثُّلث ستّة، يتكرّر منه أربع، كما هو واضح.

ثمّ يُفرض السُّدس كذلك، يتكرّر منه خمسة.

فبضمّ هذه الصور إلى السابقة يبلغُ المجموع إحدى وعشرون صورة، ثمانٍ منها ممتنعة وهي:

واحدة من صور اجتماع النصف مع غيره، وهي: مع اجتماعه مع الثُّلثين لإستلزامه العول، وإلّا فأصله واقع كزوجٍ واُختين فصاعداً لأب لكن يدخل

ص: 298

النقص، فلم يتحقّق الاجتماع مطلقاً.

واثنتان من صور اجتماع الرُّبع مع غيره، وهما:

1 - اجتماعه مع مثله، لأنّه سهم الزّوج مع الولد، والزّوجة بدون الولد، ولاتجتمعان.

2 - واجتماعه مع الثمن، لأنّه نصيبها مع الولد، والرُّبع نصيبها مع عدمه، أو نصيب الزّوج معه، وهما لا يجتمعان.

واثنتان من صور اجتماع الثمن مع غيره، وهما:

1 - اجتماعه مع مثله، لأنّه نصيب الزّوجة وإنْ تعدّدت خاصّة، فلا يتعدّد.

2 - واجتماعه مع الثُّلث، لأنّه نصيبُ الزّوجة مع الولد، والثُّلث نصيبُ الأُمّ معه، أو الاثنين من أولادها لا مع الولد، والأُمّ .

وواحدة من صور اجتماع الثُّلثين، وهي: اجتماعهما مع مثلهما، لبطلان العول، ولعدم اجتماع مستحقّهما متعدّداً في مرتبةٍ واحدة.

واثنتان من صور اجتماع الثُّلث وهما:

1 - اجتماعه مع مثله وإنْ فرض، في البنتين والاُختين، لأنّ السّهم في الفرض هو الثُّلثان جملة لا بعضهما.

2 - واجتماعه مع السُّدس، لأنّه نصيب الأُمّ مع عدم الحاجب، والسُّدس نصيبها معه.

ويبقى من الصُّور ثلاث عشرة، فرضها واقعٌ صحيحٌ ، وإليك الإشارة إليها:

1 - اجتماع النصف مع مثله كزوجٍ وأُختٍ لأب.

2 - اجتماعه مع الرُّبع كزوجٍ وبنتٍ وزوجة وأُخت.

ص: 299

3 - اجتماعه مع الثمن، وذلك في زوجةٍ وبنت.

4 - اجتماعه مع الثُّلث كزوجٍ وأُمّ مع عدم الحاجب.

5 - اجتماعه مع السُّدس كزوجٍ وواحدٍ من كلالة الأُمّ .

6 - اجتماع الرُّبع مع الثُّلثين كزوجٍ وابنتين.

7 - اجتماعه مع الثُّلث كزوجةٍ وأُمّ .

8 - اجتماعه مع السُّدس كزوجٍ مع أحد الأبوين، إذا كان هناك ولد.

9 - اجتماع الثمن مع الثُّلثين وذلك في زوجةٍ وإبنتين.

10 - اجتماعه مع السُّدس، وهو في الزّوجة وأحد الأبوين مع الولد.

11 - اجتماع الثُّلثين مع الثُّلث، وهو في اُختين فصاعداً لأبٍ مع إخوة لأُمّ .

12 - اجتماعهما مع السُّدس كبنتين وأحد الأبوين.

13 - اجتماع السُّدس مع السُّدس، وذلك في الأبوين مع الولد.

نسبة أحد العَدَدين مع الآخر

الأمر الثالث: العددان: إمّا متساويان، أو مختلفان.

والمختلفان: إمّا متداخلان، أو متوافقان، أو متساويان.

أمّا المتساويان: فكثلاثة وثلاثة، وخمسة وخمسة، وهكذا.

وأمّا المتداخلان: فهما العددان المختلفان اللّذان يفنى الأكثر منهما بالأقلّ ، إذا أسقط منه مرّتين فصاعداً، كالثلاثة مع التسعة، والخمسة مع العشرة.

أقول: وإنْ أردت أن تعرف أنّ العددين متداخلان، فأسقط الأقلّ من الأكثر

ص: 300

مرّتين فصاعداً، أو زد على الأقلّ مثله مرّتين فصاعداً، فإنْ فنى الأكثر بالأقلّ ، أو ساوى الأقلّ الأكثر بزيادة الأمثال، فهما متداخلان.

وأمّا المتوافقان: فهما العددان اللّذان لا يفنى الأكثر بالأقلّ ، ولكن يفنيهما جميعاً عددٌ ثالثٌ كالستّة مع العشرة، فإنّه لا يفنى العشرة بالستّة، ولكن يفنيهما الاثنان.

أقول: وإنْ أردت أن تعلم أنّ العددين متوافقان، فأسقط الأقلّ من الأكثر ما أمكن، فما بقي فأسقطه من الأقلّ ، فإنْ بقي منه شيء فأسقطه ممّا بقي من الأكثر، ولا يزال تفعل ذلك حتّى يفنى العدد المنقوص منه أخيراً، فإنْ فني بعددٍ فهما متوافقان، وإنْ فني بواحدٍ فليسا بمتوافقين.

ثمّ إنّ المتوافقين: متوافقان بالجُزء المأخوذ من ذلك العدد:

فإنْ فني باثنين فهما متوافقان بالنصف.

وإنْ فني بثلاثة، فهما متوافقان بالثُّلث.

وإنْ فني بعَشَرة فبالعشر وهكذا.

مثاله: أحد وعشرون وتسعة وأربعون يسقط الأقلّ من الأكثر مرّتين، يبقي سبعة، تسقط السبعة من الأقلّ ثلاث مرّات يفنى العدد، فهما متوافقان بالأسباع.

وأمّا المتباينان: فهما العددان غير المتوافقين اللّذان إذا أسقط الأقلّ من الأكثر مرّة أو مراراً بقي واحدٌ، مثل ثلاثة عشر وعشرين، فإنّه إذا سقط الأوّل من الثاني بقي سبعة، وإذا أُسقطت من ثلاثة عشرة، بقي ستّة، وإذا أُسقطت ستّة من سبعة بقي واحد.

وفي المتوافقين: إنْ فني العددان بأكثر من عدد واحدٍ، كما في اثني عشر وثمانية

ص: 301

عشر، فإنّه يفنيهما الستّة والثلاثة والاثنان، فموافقتهما بالسُّدس والثُّلث والنصف، يعتبر في العمل بالجزء الدقيق وهو السُّدس، لأنّه أقلّ للفريضة وأسهل في الحساب.

والعدد الذي يفني به المتوافقان: والمرادُ به ما فوق الواحد:

إنْ كان ما دون العَشَرة، فالموافقة بأحد الكسور المفردة التسعة، أي النصف والثُّلث والرُّبع والخمس وهكذا.

وإنْ كان ما فوق:

فإنْ كان مضافاً كالاثنى عشر، والأربعة عشر، والخمسة عشر، فالموافقة بذلك الكسر المضاف المنسوب إليه الجزء كنصف السُّدس في الأوّل، ونصف السُّبع في الثاني، ونصف الخمس في الثالث.

وإنْ كان العدد أصمّ ، لا يرجعُ إلى كسرٍ منطق، ولا إلى جزئه كأحد عشر، فالموافقة لجزءٍ من ذلك العدد كاثنين وعشرين، وثلاثة وثلاثين، فإنّه لا يعدّهما إلّا أحد عشر، فالموافقة بينهما بجزءٍ من أحد عشر، فترد أحدهما إليه، وتضربه في الآخر، فتضرب اثنين في ثلاث وثلاثين، أو ثلاثة في اثنين وعشرين.

***

ص: 302

النصف من إثنين، والثُّلث والثُّلثان من ثلاثة، والرُّبع من أربعة، والسُّدس من ستّة، والثُمن من ثمانية.

مخارج الفروض الستّة

الأمر الرابع: في بيان مخارج الفروض الستّة، وطريق الحساب.

أقول: اعلم أنّ عادة أهل الحساب إخراج الحِصص من أقلّ عددٍ ينقسم على أرباب الحقوق، من دون كسرٍ، ويضيفون حصّة كلّ واحدٍ إلى ذلك العدد، فإذا كان ابنين، قالوا: إنّ لكلّ واحدٍ منهما سهمٌ من سهمين من تركته، ويُسمّون العدد المضاف إليه أصل المال، ومخرج السِّهام، ونعني بالمخرج أقلّ عددٍ يخرجُ منه ذلك الجزء المكسور صحيحاً، ف (النصف من اثنين، والثُّلث والثُّلثان من ثلاثة، والرُّبع من أربعة، والسُّدسُ من ستّة، والثُّمن من ثمانية) لأنّه يخرجُ النصف صحيحاً من اثنين، لأنّ نصفهما واحدٌ صحيحٌ ، وهكذا في البقيّة.

وحيثُ أنّ مخرج الثُّلث والثُّلثين واحدٌ وهو ثلاثة، فلذلك كانت مخارج الفروض الستّة خمسة.

ثمّ إنّ الورثة إنْ لم يكن بينهم ذو فرضٍ ، وكانوا متساويين في الإرث بعدد رؤوسهم أصل المال كأربعة أولاد ذكور، وإنْ كانوا يقتسمون للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين، فاجعل لكلّ ذكرٍ سهمين، وللأُنثى سهماً، فما اجتمع فهو أصل المال.

فإن كان فيهم ذو فرضٍ أو أصحاب فروض، فاطلب عدد ذلك السَّهم أو تلك السِّهام، واقسم الباقي بعدد السهم أو السِّهام على رؤوس ما في الورثة إنْ تساووا،

ص: 303

ولو كان في الفريضة ربعٌ وسُدسٌ ، فمن اثنى عشر، و

وعلى سهامهم إنْ اختلفوا، وذلك بأن تطلب أوّلاً مخرج الفروض، فما بقي إنْ لم ينكسر على باقي الورثة كفى ذلك: كزوجٍ وأبوين وبنين خمسة، أو ابنين وبنت، فيُطلب أوّلاً مخرج السُّدس والرُّبع وهو اثنا عشر، فتعطى الزّوج ثلاثة، والزوجين أربعة، والباقي خمسة لا تنكسر على الباقي، وإنْ انكسر ضُربت سهامهم في العدد الذي حصّلته، ففي المثال إنْ كان ابنان فاضربهما في الاثنى عشر، وإنْ كان ابنٌ وبنتٌ فاضرب الثلاثة التي هي مخرج قسمتهما في الاثنى عشر، وهكذا.

والفروض الستّة:

إمّا أن يقع في المسألة واحدٌ منها.

أو إثنان فصاعداً.

فإنْ وقع فيها واحدٌ، فالمخرج المأخوذ منها ذلك الكسر، هو أصل المسألة كما مرّ.

وإنْ وقع فيها إثنان فصاعداً:

فإنْ كان الفرضان من مخرجٍ واحدٍ كالثُّلثين والثُّلث، فالثلاثة أصل المسألة.

وإنْ كانا مختلفي المخرج، أخذنا المخرجين، ونظرنا فيهما:

فإنْ كانا متداخلين كالثُمن والنصف، فأكثر المخرجين أصل المسألة، ففي المثال المخرج الثمانية.

(و) إنْ كانا متوافقين، كما إذا اجتمع الرُّبع والسُّدس، ضُربت وفق أحد المخرجين في جميع الآخر، فالمجتمع هو أصل الفريضة، ففي المثال تُضرب ثلاثة في أربعة أو اثنين في ستّة.

وعليه، ف (لو كان في الفريضة ربعٌ وسدسٌ فمن اثنى عشر، و) كذا لو كان

ص: 304

الثُمن والسُّدس من أربعة وعشرين، وقد تنكسر الفريضة، فيضرب عدد من انكسر عليه في أصل الفريضة إنْ لم يكن بين نصيبهم وعددهم وِفقٌ ، مثل أبوين وخَمس بنات.

(الثُّمن والسُّدس) فإنّه (من أربعة وعشرين)، لأن الثمانية توافق الستّة بالنصف، فيُضرب نصف إحداهما في الأُخرى ، وهكذا.

وإنْ كانا متباينين، كما إذا اجتمع الرُّبع و الثُّلث، ضُرب أحد المخرجين، وجُعل الحاصل أصل الفريضة، وهي اثني عشر في المثال.

وحينئذٍ، فلو انقسمت على الجميع بصحّةٍ فذاك.

(و) لكن (قد تنكسر الفريضة):

فإنْ كان على فريقٍ واحدٍ، لم يعتبر من النسبة بين العدد والنصيب سوى التوافق والتباين، لعدم الاحتياج إلى أن يصعدالمسألة على وجهٍ ينقسم على المنكسر عليه بغير كسرٍ، واعتبار التداخل يوجبُ إبقاء الفريضة على حالها، فلا يحصل الغرض، فيقتصر على اعتبار النسبة بين نصيب من ينكسر عليه وعدد رؤوسهم.

وعليه، (فيُضرب عدد من انكسر عليه في أصل الفريضة، إنْ لم يكن بين نصيبهم وعددهم وفق) أي كانا متباينين، فما اجتمع صحّت منه المسألة (مثل) زوجٍ وأخوين، ومثل (أبوين وخَمس بنات)، فإنّ الفريضة في الأوّل من اثنين، فإنّ للزّوج النصف، وهما أقلّ عددٍ يخرجُ منه النصف صحيحاً، واحدٌ منهما للزّوج، ويبقي واحدٌ لا يَصحّ تقسيمه على أخوين، ولا موافقة فيضرب عددهما في أصل الفريضة، فيبلغ أربعة، فتصحّ القسمة حينئذٍ بلا كسرٍ.

ص: 305

وإلّا ضربت الوِفق من العدد كأبوين وسِتّ بناتٍ تُضرب ثلاثة وفق العدد مع النصيب في الفريضة.

وفي مثال المصنّف أصل الفريضة ستّة، لأنّ فيه من الفروض سُدساً وثُلثين، ومخرج الثُّلثين يداخلُ مخرج السُّدس، فأصل الفريضة مخرج السُّدس، للأبوين إثنان ينقسم عليهما، وللبنات أربعة لا تنقسم على عددهنّ صحيحةً ولا وفق، لأنّه إذا أسقطت الأربعة من الخمسة يبقي واحدة، فيُضرب عددهنّ في أصل الفريضة تبلغ ثلاثين، للأبوين عشرة، وللبنات عشرون لكلّ واحدةٍ أربعة، هذا إذا لم يكونا متوافقين.

(وإلّا ضُربت الوفق من العدد) في أصل الفريضة.

مثال التوافق: ما ذكره بقوله: (كأبوين وستّ بنات) فإنّ الفريضة كما مرّ ستّة، للأبوين إثنان، وللبنات أربعة، وهي لا تنقسم عليهنّ على صحّة، والنصيب وهو الأربعة يوافق عددهنّ ، وهو الستّة بالنصف، ف (تُضرب) نصف عددهنّ وهو (ثلاثة) التي هي (وفق العدد مع النصيب في الفريضة) فتبلغ ثمانية عشر، لأنّه قد كان للأبوين من الأصل سهمان، ضربتهما في ثلاثة، فكان لهما ستّة، وللبنات من الأصل أربعة، ضربتها في ثلاثة، فاجتمع لهنّ اثنا عشر، لكلّ بنتٍ سهمان، وللأبوين ستّة، فيكون المجمع ثمانية عشرة.

هذا كلّه إذا انكسرت الفريضة على فريق.

وأمّا إنْ انكسرت على أكثر من فريق:

1 - فإمّا أن يستوعب الكسر المجموع.

ص: 306

2 - أو يحصل للبعض الزائد على فريقٍ دون البعض.

وعلى التقديرين:

إمّا أن يكون بين سهام كلّ فريقٍ وعدده وفقٌ .

أو يكون للبعض دون البعض.

أو لا يكون للجميع.

فهذه ست صور.

وعلى التقادير الستّة:

إمّا أن يبقى الأعداد بعد إبقائها على حالها أو ردّها على جزء الوفق، أو رَدّ البعض وإبقاء البعض متماثلة أو متداخلة أو متوافقة أو متباينة، ونتيجة ضرب الستّة في الأربعة أربعة وعشرون.

وقد يجتمع فيها الأوصاف، بأن يكون بعضها مبايناً لبعض، وبعضها موافقاً، وبعضها مداخلاً.

فهذه جملة أقسام المسألة.

وعليه، فيقع الكلامُ في مقامين:

المقام الأوّل: فيما إذا كان الكسر على الجميع، وله أنواعٌ ثلاثة:

النوع الأوّل: أن لا يكون هناك وفقٌ بين نصيب كلّ فريق وعدده، وفيه أربع صور:

الصورة الأُولى: ما إذا كانت الأعداد متماثلة:

كثلاثة إخوة من الأب، وثلاثة من الأُمّ ، وحيث أنّ فيها ثُلثاً وهو فريضة

ص: 307

الإخوة من الأُمّ ، فأصل الفريضة ثلاثة، وثُلثها واحدٌ ينكسر على كلالة الأُمّ ، وثلثاها إثنان لإخوة الأب، وأعداد الإخوة متماثلة، فيكتفي بأحدهما، وتضربه في أصل الفريضة تبلغ تسعة، ثلاثةٌ منها لإخوة الأُمّ ، لكلّ واحدٍ سهمٌ ، وستّةٌ لإخوة الأب لكلّ واحدٍ سهمان.

الصورة الثانية: أنْ تكون الأعداد متداخلة:

كما لو كان إخوة الأب ستّة، وإخوة الأُمّ ثلاثة، فيقتصر على الستّة، وتُضرب في أصل الفريضة وهي ثلاثة، تبلغ ثمانية عشر، لكلّ واحدٍ سهمان.

الصورة الثالثة: أنْ تكون الأعداد متوافقة:

كما لو كان الإخوة من الأب ستّة، والإخوة من الأُمّ أربعة، فيُضرب وفق أحدهما في مجموع الآخر، وهو إثنان في ستّة، أو ثلاثة في أربعة، فيكون المجموع اثنى عشر، ثمّ يُضرب المرتفع في أصل الفريضة، وهي ثلاثة تبلغ ستّة وثلاثين، للإخوة من الأُمّ اثنا عشر، لكلّ واحدٍ ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأب أربعة وعشرون، لكلّ واحدٍ أربعة أسهم.

الصورة الرابعة: أنْ تكون الأعداد متباينة:

كثلاثة إخوة لأُمٍّ ، وأربعة لأب، فتُضرب أحدهما في الآخر، ثمّ المرتفع في أصل الفريضة تبلغ ستّة وثلاثين، للإخوة من الأُمّ اثنا عشر، وللإخوة من الأب أربعة وعشرون.

النوع الثاني: أن يكون عدد البعض يوافقُ النصيب، وعدد البعض لا يوافقه، وفيه أيضاً الصور الأربع.

ص: 308

الصورة الأُولى: أن تبقى الأعداد بعد رَدّ الموافق إلى جزئه متماثلاً:

كما لو كانت الورثة زوجتين وستّة إخوة لأبٍ ، فإنّ فريضتهم أربعة، فإنّ فيهم الرُّبع لا تنقسم على الفريقين، وحيث أنّ للإخوة ثلاثة وهي توافق عددهم بالثُلث بالمعنى الأعمّ ، فيردّ الستّة إلى اثنين تماثل عدد الزوجات، لكونهما زوجتين، فيُقتصر على أحدهما، وتضربه في أصل الفريضة وهي الأربعة تبلغ ثمانية، للزوجتين إثنان، لكلّ واحدةٍ واحد، وللإخوة ستّة كذلك.

الصورة الثانية: أن تبقى الأعداد بعد الرَّد متداخلة:

كما لو كانت الزوجات أربعاً، فيداخلها الاثنان اللّذان رَدّ عدد الإخوة إليهما، فيُجتزى بالأكثر، وتُضرب في أصل الفريضة وهي أربع تبلغ ستّة عشرة، للزوجات الأربع أربعة، وللإخوة الستّة اثنى عشر.

الصورة الثالثة: أن تبقى الأعداد بعد الرَّد متوافقة:

كزوجتين وستّة إخوة من الأب، وستّة عشر من الأُمّ ، فريضتهم اثنا عشر، وهي الحاصلة من ضرب أربعة مخرج الرُّبع في ثلاثة مخرج الثُّلث. للزوجين ثلاثة لاتنقسم عليهما، وهي مباينة لعددهما، وللإخوة من الأب خمسة، وهي أيضاً مباينة لعددهم ولا تنقسم عليهم، وللإخوة من الأُمّ أربعة، وهي توافق عددهم بالرُّبع، فتردّهم إلى أربعة، جزء الوفق يوافق عدد إخوة الأب بالنصف، فتضرب نصف أحدهمافي الآخر ثمّ المجمع في أصل الفريضة و هي اثناعشر، تبلغُمائة وأربعة و أربعين.

ولا حاجة للنظر إلى عدد الزوجات، لأنّه إمّا توافق بالنصف أيضاً للأربعة، الموجب لاطراح نصفه وهو الواحد، أو مداخل لها، فللزوجتين ستّة وثلاثون لكلّ

ص: 309

واحدةٍ ثمانية عشر، ولكلالة الأُمّ ثمانية وأربعون لكلّ واحدٍ ثلاثة، ولإخوة الأب ستّون لكلّ واحد عشرة.

الصورة الرابعة: أن تبقي الأعداد بعد الرَّد متباينة:

كما لو كانت الزوجات أربعاً، والإخوة من الأب خمسة، والإخوة من الأُمّ ستّة.

نصيبهم من الفريضة أربعة يوافق عددهم بالنصف، فتردّهم إلى ثلاثة، فتقع المباينة بينها وبين الأربعة والخمسة، فتضرب الثلاثة في أربعة، ثمّ المرتفع في خمسة، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة وهي اثنا عشر، تبلغ سبعمائة وعشرين، للزّوجات منها مائة وثمانون لكلّ واحدةٍ خمسة وأربعون، ولإخوة الأُمّ مائتان وأربعون لكلّواحدٍ أربعون، ولإخوة الأب ثلاثمائة لكلّ واحدٍ ستّون.

النوع الثالث: أن يكون بين نصيب كلّ فريقٍ وعدده وفقٌ ، فتردّ كلّ الوفق، ثمّ تعتبر الأعداد، فتأتي فيها الصور الأربع.

الصورة الأولى: أن تبقي الأعداد بعد رَدّها متماثلة:

كستّ زوجاتٍ - ويتّفق ذلك في المريض الذي يطلّق ثمّ يتزوّج ويدخل، ثمّ يموت - وثمانية من كلالة الأُمّ ، وعشرة من كلالة الأب، فالفريضة اثنا عشر الحاصلة من ضرب مخرج الثُّلث في مخرج الرُّبع، اللّذين هما الفرضان للزوجات، ثلاثة يوافق عددهنّ بالثُلث، ولكلالة الأُمّ أربعة يوافق عددهم بالرُبع، ولكلالة الأب خمسة يوافق عددهم بالخُمس، فيردّ كلّمن الزوجات و الإخوة من الطرفين إلى اثنين، لأنّها ثُلث الأوّل، ورُبع الثاني، وخُمس الثالث، فتماثل الأعداد، فيجتزى باثنين وتضربهما في أصل الفريضة تبلغ أربعة وعشرين، فللزوجات ستّة لكلّ واحدةٍ واحد،

ص: 310

ولإخوة الأُمّ ثمانية لكلّ واحدٍ سهم، ولإخوة الأب عشرة لكلّ واحدٍ واحد.

الصورة الثانية: أن تبقي الأعداد بعد رَدّها إلى جزء الوفق متداخلة: كالمثال المزبور في الصورة الأُولى، إلّاأنّ الإخوة من الأُمّ ستّة عشر، فنصيبهم يوافق عددهم بالربع أيضاً، فيردّهم إلى أربعة، والاثنان اللّذان رجع إليهم عدد الزوجات والإخوة للأب يداخلانها، فيُجتزى بالأربعة، وتضربها في أصل الفريضة تبلغ ثمانية وأربعين. للزّوجات اثنا عشر لكلّ واحدةٍ سهمان، وللإخوة للأُمّ ستّة عشر لكلّ واحدٍ سهمٌ ، والباقي وهو عشرون للإخوة للأب لكلّ واحد سهمان.

الصورة الثالثة: أن تبقى الأعداد بعد ردّها إلى جزء الوفق متوافقة: كما لو كان الإخوة من الأُمّ في المثال أربعة وعشرون، توافق الأربعة بالرُّبع، فيرجع عددهم إلى ستّة، وإخوة الأب عشرون يوافق نصيبهم بالخُمس، فيرجع عددهم إلى أربعة، وقد رجع عدد الزّوجات إلى اثنين، فبين كلّ عددٍ وما فوقه موافقة بالنصف، فيسقط الاثنان، ويُضرب إثنان في ستّة، ثمّ المرتفع في اثنى عشر، تبلغ مائة وأربعة وأربعين، فللزّوجات ستّة وثلاثون لكلّ واحدةٍ ستّة، ولإخوة الأُمّ ثمانية وأربعون لكلّ واحدٍ سهمان، فيبقى ستّون للإخوة من الأب لكلّ واحدٍ ثلاثة أسهم.

الصورة الرابعة: أنْ تكون الأعداد بعد الرَّد متباينة:

كما لو كان الإخوة من الأُمّ في المثال اثنى عشر، فيرجع عددهم بعد الرّد إلى ثلاثة، وإخوة الأب خمسة وعشرين، فيرجع عددهم إلى خمسة، فيبقى العدد اثنين مع ثلاثة وخمسة، وهي متباينة، فيُضرب إثنان في ثلاثة، ثمّ الستّة في خمسة، ثمّ الثُّلثان في أصل الفريضة، وهي اثني عشر تبلغ ثلثمائة وستّين. فللزّوجات تسعون

ص: 311

لكلّ واحدةٍ خمسة عشر، ولإخوة الأُمّ مائة وعشرون لكلّ واحدٍ عشر، وللإخوة من الأب مائة وخمسون لكلّ واحدٍ عشر.

المقام الثاني: فيما إذا كان الكسر على أكثر من فريق، ولكن لم يستوعب الجميع، كما إذا كان الورثة ثلاث زوجات، وثلاثة إخوة لأُمّ ، وثلاثة لأب، فالفريضة اثنى عشر، للزّوجات ثلاثة لا ينكسر عليهنّ ، وينكسر نصيب الإخوة من الطرفين عليهم، وبين العدد والنصيب فيهما مباينة، والأعداد متماثلة، فيُكتفى بأحدهما، وتضربه في أصل الفريضة تبلغ ستّة وثلاثين، فمن كان له من الأصل شيءٌ أخذه مضروباً في ثلاثة، فللإخوة من الأُمّ اثنى عشر، وللإخوة من الأب خمسة عشر، وللزّوجات تسعة.

والأنواع الثلاثة المركّب كلّ منها من الصور الأربع المتقدّمة في المقام الأوّل آتية في هذا المقام، وأمثلتها واضحة بعد مراجعة ما ذكرناه من القواعد والأمثلة، وكذا لو كانت الأعداد بعد مراعاة النسبة مختلفة فبعضها مباينٌ لبعض، وبعضها موافقٌ إلى غير ذلك من الفروض التي تظهر ممّا قدّمناه.

***

ص: 312

ولو قَصُرتِ الفريضة بدخول الزّوج أو الزّوجة،

العول

هذا كلّه فيما إذا كانت الفريضة وفق السِّهام.

أقول: (و) في المقام قسمان آخران:

أحدهما: ما (لو قَصُرت الفريضة) عن السِّهام.

ثانيهما: ما لو زادت عليها.

وعليه، فالكلام في مسألتين:

المسألة الأُولى : ما لو قَصُرت الفريضة عن السِّهام، ولن تقصر إلّا (بدخول الزّوج أو الزّوجة).

مثال ذلك: ما لو كان الورثة أبوين وبنتين فصاعداً، مع زوجٍ أو زوجة.

أو كانوا أبوين وبنتاً وزوجة.

أو كانوا أحد الأبوين وبنتين فصاعداً وزوجاً.

أو كانوا أخوين لأُمٍّ واُختين فصاعداً لأبٍ وأُمّ أو لأبٍ مع زوج.

أو زوجة أو واحداً من كلالة الأُمّ مع أُختٍ وزوجٍ .

فإن الفريضة في المثال الأوّل تكمل بنصيب الأبوين مع البنتين، وهي في المثال الثاني الثُّلث للأبوين، والنصف للبنت، والرُّبع للزّوج، فتزيدُ الفريضة وهكذا في بقيّة الأمثلة.

ص: 313

دخل النقصُ على البنت أو البنات، والأُخت أو الأخوات للأبوين أو للأب.

أقول: والحكم في جميع ذلك أنّ الزّوج والزّوجة يأخذان نصيبهما، ولكلّ واحدٍ من الأبوين السُّدس في (دخل النقص على البنت أو البنات، والأُخت أو الأخوات للأبوين، أو للأب)، لأنّه لا تَعولُ الفريضة عندنا، وقد تقدّم في مسائل الفصل الأوّل تفصيل ذلك كلّه، والمناسب في المقام هو البحث في ذلك إجمالاً.

فنقول: اختلف الفريقان فيما لو قَصُرت الفريضة عن السِّهام في أنّه على من يدخل النقص:

فذهب الجمهور إلى القول بالعول، بأنْتُجمع السِّهام كلّها، وتُقسّم الفريضة عليها، ليدخل النقص على كلّ واحدٍ بقدر فرضه كأرباب الدِّيون إذا ضاق المال عن حقّهم، وإنّما يُسمّى ذلك بالعول الذي هو من لغات الأضداد جاء بمعنى الزيادة والنقصان:

لأنّ العائل يزيدُ التركة عن المخرج.

أو لأنّه ينقصُ سهم كلّ ذي سهمٍ بعمله هذا.

أو لأنّ السِّهام زادت على التركة.

أو لأنّ التركة نقصت عن السِّهام.

فعلى الأولين يكون فعلاً للعائل، وعلى الثانيين وصفاً للسّهام أو التركة.

وذهب الإماميّة إلى بطلان العول، بل الظاهر كون ذلك من ضروريّات مذهبهم، والنصوص(1) الواردة عن أئمّتهم في نفيه مستفيضة، وقالوا: إنّ النقص1.

ص: 314


1- وسائل الشيعة: ج 26/72 ح 32510، الكافي: ج 7/80 ح 1.

لا يدخلُ على الجميع، بل على بعضٍ معيّنٍ تقدّم تفصيله، وضابطه ما ذكره زرارة في خبر صحيح بأنّه:

«إذا أردتَ أن تُلقي العول فإنّما يدخلُ النقصان على الّذين لهم الزيادة من الولد، والإخوة من الأب، وأمّا الزّوج والإخوة من الأُمّ ، فإنّهم لا ينقصون ممّا سُمّي لهم شيئاً»(1).

وقال أبو جعفر عليه السلام في المرسل كالصحيح: «إنّ اللّه أدخل الأبوين على جميع أهل الفرائض، فلم ينقصهما من السُّدس لكلّ واحدٍ منهما، وأدخل الزّوج والزّوجة على جميع أهل المواريث، فلم ينقصهما من الرُّبع والثُمن»(2).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خبر العبدي: «ولا يزاد الزّوج عن النصف، ولا ينقص من الرُّبع، ولا تزاد المرأة على الرُّبع، ولا تنقص عن الثمن، وإنْ كُنّ أربعاً أو دون ذلك فهنّ فيه سواء، ولا تزاد الإخوة من الأُمّ على الثُّلث، ولا ينقصون من السُّدس، الحديث»(3).

قال الفضل بن شاذان(4): هذا حديثٌ صحيحٌ على موافقة الكتاب.

إلى غير ذلك من النصوص المرويّة عن شركاء القرآن في الهداية، وقرنائه في الفضل، الضمينة للبشر بالسعادة الكبرى في العاجل والآجل، قال أميرالمؤمنين عليه السلام:

«الحمدُ للّه الذي لا مقدّم لما أخّر، ولا مؤخِّر لما قدّم.2.

ص: 315


1- وسائل الشيعة: ج 26/76 ح 32525، الكافي: ج 7/82 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/77 ح 32528، الكافي: ج 7/82 ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 26/81 ح 32536، تهذيب الأحكام: ج 9/249 ح 7.
4- وسائل الشيعة: ج 26/77 ح 32529، الكافي: ج 7/78 ح 2.

ثم ضرب بإحدى يديه على الأُخرى ، ثمّ قال:

«يا أيّتها الاُمّة المتحيّرة بعد نبيّها، لو كنتُم قدّمتم مَنْ قَدَّم اللّه، وأخّرتُم مَن أخّر اللّه، وجعلتم الولاية والوراثة لمن جَعَلها اللّه، ما عال وليُّ اللّه، ولا طاش سهمٌ من فرائض اللّه، ولا اختلف إثنان في حكم اللّه، ولا تنازعت الاُمّة في شيء من أمر اللّه، ألا وعند علىٍّ علمه من كتاب اللّه، فذوقوا وبال أمركم، وما فرّطتم فبما قدّمت أيديكم، وما اللّه بظلّام للعبيد».

وقال به ابن عبّاس من الصحابة، وعطا وداود بن عليّ الاصفهاني من فقهاء العامّة، وقالوا: أوّل مسألةٍ وقع فيها العول في الإسلام في زمن عمر حين ماتت امرأة في عهده عن زوجٍ واُختين، فجمع الصحابة وقال لهم: فَرضُ اللّه للزّوج النصف، وللاُختين الثُّلثين، فإنْ بدأتُ بالزوج لم يبق للاُختين حقّهما، وإنْ بدأتُ بالاُختين لم يبق للزّوج حقّه، فأشيروا عَليَّ ، فاتّفق رأي الأكثر على العول، ثمّ أظهر ابن عبّاس الخلاف وبالغ فيه.

ثمّ إنّ الطرفين استدلّوا بوجوه عقليّة ونقليّة لا يسع المقام لذكرها بعد وضوح الحكم عندنا.

***

ص: 316

ولو زادت الفريضة

عدم ثبوت الميراث بالتعصيب

المسألة الثانية: من ضروريّات مذهب الإماميّة، عدم ثبوت الميراث بالتعصيب، وهو توريث ما فَضُل عن السِّهام مَنْ كان من العُصبة، وهم الابن والأب، ومن تدلّى بهما من غير ردّ على ذي السِّهام، وإلى ذلك يرجع ما في «المسالك»(1) من أنّه توريثُ العُصبة مع ذي الفرض القريب إذا لم يحط الفرض بمجموع التركة، كما لو خلّف الميّت بنتاً واحدة أو بنتين فصاعداً، مع أَخٍ ، أو اُختاً أو اُختين فصاعداً مع عَمّ ، ونحو ذلك.

وذهب الجمهور إلى ثبوت الميراث به.

وفي «كشف اللّثام»(2) (والعُصبة عندهم قسمان:

أوّلهما: عُصبةٌبنفسه، وهو كلّذكرٍ يُدنى إلى الميّت بغير واسطة أو بتوسّط الذكور...

والثاني: عُصبة بغيره، وهنّ البنات، وبنات الإبن، والأخوات من الأبوين ومن الأب، فإنّهنّ لا يرثن بالتعصيب إلّابالذكور في درجتهن أو فيما دونهنّ ) انتهى .

أقول: (و) على مذهب الإماميّة (لو زادت الفريضة):

فإن كان هناك مساوٍ لا فرض له، فالفاضلُ له بالقرابة، مثل أبوين وزوج أو زوجة، يكون للأُمّ ثلث الأصل، وللزّوج أو الزّوجة نصيبهما الأعلى ، وللأب الباقي، لأنّه مساوٍ لا فرض له في هذه الحال.

ص: 317


1- مسالك الأفهام: ج 13/94.
2- كشف اللّثام: ج 9/404.

رُدّت

وإنْ لم يكن قريباً مساوياً، بل كان بعيداً لم يرث (رُدّت) الزيادة عن الفروض على ذوي الفروض بنسبة فروضهم، ولا يرثُ البعيد عندهم بالتعصيب، مثل أبوين أو أحدهما، وبنتٌ وأخٌ أو عَمٌّ ، فإنّ للبنت النصف، وللأبوين لكلّ واحدٍ منهما السُّدس، ويبقى سُدسٌ يردّ عليهم أخماساً على نسبة سهامهم، ولا يُعطى الأخ ولا العَمّ شيئاً.

وقد أكثر الفريقان من الاحتجاج لمذهبهم والنصرة له، والقدح في الجانب الآخر، وتكلّفوا من الأدلّة ما لايؤدّي إلى المطلوب.

أقول: ويشهدُ لمذهب الإماميّة - مضافاً إلى الإجماع المحقّق، بل الضرورة من مذهبهم - نصوصٌ متواترة مرويّة عن ساداتهم المعصومين عليهم السلام:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض الّتي هي إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخطّ عليّ عليه السلام بيده، فوجدتُ فيها: رجلٌ ترك ابنةً وأُمّه، للإبنة النصف ثلاثة أسهم، وللأُمّ السُّدس، سهمٌ يقسّم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللإبنة، وما أصاب سهماً فللأُمّ .

وقرأت فيها: رجلٌ ترك إبنةً وأباه، للإبنة النصف ثلاثة أسهم، وللأب السُّدس، سهمٌ يقسّم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللإبنة، وما أصاب سهماً فللأب، الحديث»(1).1.

ص: 318


1- وسائل الشيعة: ج 26/128 ح 32650، الكافي: ج 7/93 ح 1.

ومنها: خبر حسين الرّزاز، قال: «أمرتُ من يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام المال لمن هو للأقرب أو العُصبة ؟

فقال عليه السلام: المال للأقرب، والعُصبة في فيه التراب»(1).

ومنها: خبر حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ ترك أُمّه وأخاه ؟

قال: يا شيخ تريد على الكتاب ؟ قال: قلت: نعم.

قال: كان عليّ عليه السلام يُعطي المال الأقرب فالأقرب.

قال: قلتُ : فالأخ لا يرثُ شيئاً؟

قال: قد أخبرتك أنّ عليّاً عليه السلام كان يُعطي المال الأقرب فالأقرب»(2).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المتقدّمة في المسائل السالفة، ولنِعْمَ ما قال في «المسالك»(3): (ولا فائدة في الإكثار منها، فإنّه المعروف من فقه أهل البيت عليهم السلام، لا يعرفون خلافه) انتهى .

أقول: وربما يستدلّ له بآية أُولي الأرحام(4)، وقد مرّ كيفيّة الاستدلال بها وتماميّتها.

واستدلّ المخالف:

1 - بالآية الكريمة: (وَ إِنِّي خِفْتُ اَلْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ اِمْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اِجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (5)، بدعوى أنّ6.

ص: 319


1- وسائل الشيعة: ج 26/85 ح 32543، الكافي: ج 7/75 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/105 ح 32590، الكافي: ج 7/91 ح 2.
3- مسالك الأفهام: ج 13/101.
4- سورة الأنفال: الآية 75.
5- سورة مريم: الآية 5-6.

زكريّا سأل وليّاً، ولولا التعصيب لم يختصّ السؤال به، بل قال وليّاً أو ولية، فلمّا خصَّصه به دلّ على أنّ بني عمّه يرثونه مع الولية، فلذلك لم يطلبها.

2 - وبظواهر آيات الفرض، بدعوى أنّه لو جاز إعطاء ذي الفرض أكثر من فرضه، لزم لغويّة ذكر الفرض.

وأيضاً: لو أراد توريثهم أكثر ممّا فُرض لهم لفعل ذلك، والتالي باطلٌ فالمتقدّم مثله.

3 - وبخبرٍ رووه عن وهيب، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و آله(1).

4 - وبخبرٍ رواه زيد بن هارون، عن سفيان، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله(2).

5 - وبخبر رووه عن عليّ بن عابس، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و آله(3).

ولكن يرد على الاستدلال بالآية: أنّ تخصيص السؤال لفوائد:

الأُولى: أنّ الذَكَر أحبّ إلى طباع البشر من الأُنثى .

الثانية: أنّه طلبه للإرث والقيام بأعباء النبوّة معاً، ولا شكّ أنّ ذلك غير متصوّر في النساء.

الثالثة: أنّه أراد الجنس الشامل للذَّكَر والأُنثى ، ذكر ذلك في «كنز العرفان» وهو حسنٌ .0.

ص: 320


1- الخلاف: ج 4/64-65، مسالك الأفهام: ج 13/102. (2و3) الحاشية 1 و 2 و 3 راجع الخلاف المسألة 80 من كتاب الفرائض، و راجع مشكاة المصابيح: ص 263، وسنن أبي داود: ج 2/110.

على غير الزّوج والزّوجة، والأُمّ مع الإخوة.

أضف إليه: أنّهم يروون عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال:

«نحنُ معاشر الأنبياء لا نورث درهماً ولا ديناراً وما تركناه صدقة»(1).

فكيف يمكن لهم حمل الإرث في الآية على إرث المال.

ويردُ على الاستدلال بآيات الفرض: إنّه تظهر الثمرة بين ذي الفرض وغيره، في أنّه لا ينقصُ من له الفرض عن فرضه، وتعيين الفرض لا يدلّ على عدم جواز الزيادة إلّابمفهوم اللّقب الذي ليس بحجّة.

ويدفع قولهم: (إنّ اللّه تعالى لو أراد توريثهم أكثر ممّا فرض لفعل، والتالي باطلٌ ) إنّ اللّه تعالى بيّنه بآية أُولي الأرحام، والنصوص عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام.

وأمّا الأخبار: فهي مطعونة على سندها، لأنّها مرويّة عن طاووس وابن عبّاس، وهما قد أنكرا الحديث، كما رواه قارية بن مضرب(2)، بل نُقل عن طاووس أنّه قال: (ما رويتُ هذا، وإنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم).

وما ذكرناه من الرَّد (على ) ذوي الفروض، إنّما هو في (غير الزّوج والزّوجة، والأُمّ مع الإخوة).

أمّا الأولان: فلما مرّ في ميراث الزوجين من أنّه لا يردّ عليهما شيء، وتقدّم ما يدلّ على ذلك من النصوص.5.

ص: 321


1- السنن الكبرى للبيهقي: ج 9/438439 ح 13007 13010، المسند لأحمد بن حنبل: ج 1/342 ح 1391 وص 379 ح 1550، و ج 3/490 ح 9979، بحار الأنوار: ج 28/104.
2- الخلاف: ج 4/68 (مسألة 80 القول بالعُصبة باطل عندنا..)، تهذيب الأحكام: ج 9/262 باب 21 في إبطال العول والعُصبة. وسائل الشيعة: ج 26/86 في ذيل ح 32546، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 5/235.

وذو السَّببين أولى بالرَّد من السَّبب الواحد.

وأمّا الأُمّ : فلما مرّ من أنّ الإخوة يحجبونها عن مازاد على السُّدس.

(و) أيضاً: لو اجتمع (ذو السَّببين) مع من له سببٌ واحد كالاُخت من الأبوين مع الإخوة من الأُمّ ، يكون ذو السببين (أولى بالرَّد من السَّبب الواحد) كما تقدّم الكلام فيه سابقاً، فراجع(1).

***د.

ص: 322


1- صفحة 193 من هذا المجلّد.

ولو مات بعضُ الورّاث قبل القِسمة، وتغاير الوارث

في المناسخات

خاتمة: في المناسخات.

وهي جمع مناسخة مفاعلة من النسخ، وهو الانتقال والتحويل.

أقول: (و) المراد بها في المقام ما (لو ماتَ ) إنسانٌ ولم يقسّم تركته، ثمّ ماتَ (بعض الورّاث قبل القسمة)، فقد يتعلّق الغرض بقسمة الفريضتين من أصلٍ واحد حينئذٍ:

1 - فإنْ اتّحد الوارث والاستحقاق:

والمرادُ باتّحاد الوارث كون وارث الميّت الثاني هو وارثُ الميّت الأوّل بعينه.

والمرادُ باتّحاد الاستحقاق كون الجهة الموجبة للاستحقاق فيهما واحدة.

وبعبارة أُخرى : كون الإرث الثاني على حسب الإرث في الأوّل.

كان كالفريضة الواحدة، ولا يحتاجُ إلى عملٍ كما لو ماتَ الأوّل وخَلّف أربعة إخوة واُختين من أبٍ وأُمّ ، فمات أخوان منهم وأُخت، وليس لهم وارثٌ إلّاالإخوة الباقين، فإنّ المال يقسّم بين الأخوين والأُخت أخماساً.

2 - (ولو تغاير الوارث) خاصّة، كما لو ماتَ رجلٌ وخلّف ابنين، فماتَ أحدهما وخلّف ابنتين، فإنّ الوارث مختلفٌ ، فإنّه في الأُولى ابنان، وفي الثانية ابنة، ولكن جهة الاستحقاق واحدة وهي البنوّة.

ص: 323

أو الاستحقاق، فاضرب الوِفق من الفريضة الثانية في الفريضة الأُولى،

3 - (أو) تغاير (الاستحقاق) خاصّة، كما لو ماتَ رجلٌ وترك ثلاثة أولاد، ثمّ ماتَ أحدهم ولم يخلّف غير الأخوين المذكورين، فإنّ جهة الاستحقاق في الفريضة مختلفة، فإنّها في الأُولى البنوة، وفي الثانية الإخوة، والوارث واحدٌ.

4 - أو هما معاً، كما لو مات رجلٌ وخلّف زوجة وابناً وبنتاً، ثمّ ماتت الزّوجة عن ابنٍ وبنت.

فإنّ الوارث في الأُولى: الزّوجة وأولاده.

وفي الثانية: الأولاد.

وجهة الاستحقاق في الأُولى الزوجيّة، وفي الثانية البنوّة.

فإنْ نهضَ نصيب المتوفّي الثاني بالقسمة على الصحّة فلا كلام - كما في المثال - فإنّ فريضة المتوفّى الثاني من الأوّل: ثلاثة من أربعة وعشرين، حاصلة من ضرب مخرج الثُمن نصيب الزّوجة في مخرج الثُّلث والثُّلثين نصيب الابن والبنت الواحدة، وهي تنقسم على ورثة الثاني صحيحاً.

وإنْ لم ينهض نصيبه بالقسمة على الوارث بغير كسرٍ:

فإنْكان بين نصيب الميّت الثاني من فريضة الأُولى، وبين الفريضة الثانية وفقٌ ، (فاضرب الوفق من الفريضة الثانية) لا وفق نصيب الميّت (في الفريضة الأُولى )، فما بلغ صحّت منه الفريضتان.

مثال ذلك: ما لو ماتت المرأة، وخلّفت زوجاً وأخوين من أُمّ ومثلهما من أب، ثمّ

ص: 324

مات الزّوج، وخلّف إبناً وبنتين، إذ الفريضة الأُولى اثنى عشر، لأنّ فيها نصفاً وثلثاً، ونتيجة ضرب أحدهما في الآخر ستّة، وإنّما يُضربُ أحدهما في الآخر لأنّ العددين متباينان، ثُمّ ضرب النتيجة في اثنين لانكسارها على فريقٍ واحد، وهو الأخوان للأب، وبين نصيب الزّوج وهو ستّة، وفريضة ورثته التي هي أربعة، توافق بالنصف، فتُضرب الوفق من الفريضة الثانية وهو إثنان في أصل الفريضة الأُولى وهي اثنا عشر، يبلغ المجموع أربعة وعشرين:

للأخوين للأُمّ ثلثها ثمانية.

وللزّوج نصفها اثنى عشر تنقسم على ورثته:

للأبن ستّة، ولكلٍّ من البنتين ثلاثة.

وللأخوين للأب أربعة، وكلٍّ من هؤلاء يأخذ نصيبه من الفريضة الأُولى ، وهو ما ضربته في أصل الفريضة:

فللأخوين من الأب من الفريضة الأُولى إثنان، يأخذانها مضروبةً في اثنين تبلغ أربعة من الفريضة الأُولى.

وللإخوة من الأُمّ أربعة من الأُولى يأخذانها مضروبةً تبلغ ثمانية، وهي ثُلث الفريضة.

وللزّوج ستّة يأخذها مضروبةً في اثنين.

ثمّ ابن الزّوج له نصفُ فريضةٍ وهو ثلاثة من نصيب أبيه في الأُولى، يأخذها مضروبةً في وفق نصيبه وهو إثنان.

وللبنتين النصف تأخذان الثلاثة مضروبةً في اثنين كذلك.

ص: 325

وإنْ لم يكن وِفقٌ ، فاضرب الفريضة الثانية في الأُولى.

(وإنْ لم يكن) بين نصيب الميّت الثاني من فريضة الأُولى وبين الفريضة الثانية وهي سهام ورثته (وفقٌ )، بل تبائن (فاضرب) تمام (الفريضة الثانية في) أصل الفريضة (الأُولى )، فما بلغ صحّت منه الفريضتان.

مثال ذلك: ما لو توفّيت المرأة عن زوجٍ وأخوين لأُمّ واخٍ لأب، ثمّ مات الزّوج عن ابنين وبنت:

فإنّ فريضة الميّت الأُولى ستّة كما عرفت، نصيب الزّوج منها ثلاثة، وهي لا تنقسم على ورثته صحيحاً، فإنّ فريضتهم خمسة كما هو واضح، والثلاثة والخمسة متباينان، فتضرب الخمسة في أصل الفريضة وهي ستّة تبلغ المجموع ثلاثين، للزّوج منها خمسة عشر، تنقسم على ورثته صحيحاً، لكلّ ابن ستّة، وللبنت ثلاثة، وللأخوين للأُمّ معها عشرة، والباقي للأخ من الأب.

وكلّ من له من الفريضة الأُولى شيءٌ يأخذه مضروباً في خمسة مثلاً، كان للزّوج فيها ثلاثة يأخذها مضروبةً في خمسة، وللأخوين من الأُمّ إثنان يأخذانهما مضروبين في خمسة، وللأخ من الأب واحد يأخذه مضروباً في خمسة.

أقول: ثمّ إنّه قد يقع المناسخات في أكثر من فريضتين كما لو مات في المثال السابق أحد ولدي الزّوج بعد موت الزّوج، وحينئذٍ فإن انقسم نصيب الثالث على ورثته صحيحاً، وإلّا عملت في فريضته مع الفريضتين ما عملتَ في الفريضة الثانية مع الأُولى ، ولا حاجة إلى التكرار.

***

ص: 326

الفصل الخامس: في ميراث ولد المُلاعنة والزِّنا والحمل والمفقود:

ولد المُلاعنة ترثه أُمّه ومن يتقرّب بها، وولده، وزوجه، أو زوجته،

الفصل الخامس: في ميراث وَلد المُلاعنة

اشارة

(الفصل الخامس: في ميراث ولد الملاعنة، والزِّنا، والحَمل، والمفقود) فالكلام في مقامات:

المقام الأوّل: في ميراث (ولد الملاعنة) وقد مرّ في كتاب اللِّعان(1) أنّه سببٌ لانتفاء الولد من الملاعن، ومن لوازم ذلك أنّه لا يرثه الولد ولا يرثه هو، ولا أحد من أقارب الأب لحكم الشارع بانتفاء النَسَب شرعاً.

نعم، لا يلحقه حكم ولد الزّنا، فيبقى ميراثه لأُمّه ومن يتقرّب بها.

أقول: وتنقيح القول في ذلك في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى : ولد الملاعنة (ترثه أُمّه، ومن يتقرّب بها وولده وزوجه أو زوجته) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك، وإلى عمومات الإرث من الآيات والروايات، بعدما لم يكن بذلك ابن زنا، بل إنْ أطلق عليه ذلك كان عليه الحَدّ، كما يشهد به المرسل الذي هو كالصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام: «ويُحَدّ قاذف ابن الملاعنة»(2)ونحوه غيره - نصوصٌ كثيرة:

ص: 327


1- فقه الصادق: ج 35/107.
2- وسائل الشيعة: ج 22/436 ح 28973، الكافي: ج 7/209 ح 19.

منها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«إنّ ميراث ولد الملاعنة لأُمّه، فإنْ لم تكن حَيّة فلأقرب النّاس إلى أُمّه أخواله»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «في رجلٍ لاعن امرأته وانتفى من ولدها...

إلى أن قال: فسألته من يرث الولد؟

قال عليه السلام: أخواله.

قلت: أرأيتَ إنْ ماتت أُمّه فورثها الغلام، ثمّ مات الغلام من يرث ؟ قال عليه السلام:

عُصبة أُمّه»(2).

ومنها: خبره الآخر، عنه عليه السلام: «ابن الملاعنة يُنسب إلى أُمّه، ويكون أمره وشأنه كلّه إليها»(3).

ومنها: خبر منصور، عنه عليه السلام: «كان عليّ عليه السلام يقول: إذا ماتَ ابن الملاعنة وله إخوة، قُسِّم ماله على سهام اللّه»(4).

إلى غير تلكم من النصوص الآتية جملة أُخرى منها.

وعلى ذلك، فلو مات وكان له أُمّ وأولاد كان لأُمّه السُّدس والباقي للأولاد للذَّكَر مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَين.1.

ص: 328


1- وسائل الشيعة: ج 26/259 ح 32960، الكافي: ج 7/160 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 26/261 ح 32965، الكافي: ج 7/161 ح 8.
3- وسائل الشيعة: ج 26/262 ح 32966، من لا يحضره الفقيه: ج 4/325 ح 5699.
4- وسائل الشيعة: ج 26/260 ح 32961، الكافي: ج 7/160 ح 1.

أقول: وقد وقع الخلاف فيما لو مات وكان له أُمّ خاصّة:

فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّ المال جميعه لأُمّه الثُّلث تسميةً والباقي بالرّد.

وعن الصَّدوق رحمه الله(2): أنّ الثُّلث لأُمّه، والباقي للإمام عليه السلام حال حضوره.

وعن الشيخ في «الاستبصار»(3)، والإسكافي(4): أنّ الباقي للإمام كما عن الأوّل، أو بيت مال المسلمين كما عن الثاني إنْ لم يكن له عُصبة يعقلون عنه.

أقول: ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص:

منها: مايدلّ على أنّ جميع المال لها، وهي كثيرة تقدّمت جملة منها.

ومنها: ما يدلّ على أنّ الباقي لإمام المسلمين:

1 - صحيح الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «ابنُ الملاعنة ترثه أُمّه الثُّلث، والباقي لإمام المسلمين، لأنّ جنايته على الإمام»(5).

2 - وصحيح زرارة، عنه عليه السلام: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام في ابن الملاعنة: ترثُ أُمّه الثُّلث، والباقي للإمام عليه السلام، لأنّ جنايته على الإمام»(6).

وقد جَمَع الصَّدوق(7) بين الطائفتين بحمل الأُولى على حال الغيبة، والثانية على زمان الحضور.3.

ص: 329


1- جواهر الكلام: ج 39/266.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/323-324.
3- الاستبصار: ج 4/182.
4- مختلف الشيعة: ج 9/71.
5- وسائل الشيعة: ج 26/265 ح 32973، الكافي: ج 7/162 ح 1.
6- وسائل الشيعة: ج 26/265 ح 32974، تهذيب الأحكام: ج 9/343 ح 15.
7- من لا يحضره الفقيه: ج 4/323.

ويردّه: إنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له، مع إطلاق النصوص من الطرفين.

وجَمَع الشيخ رحمه الله(1) والإسكافي(2) بين الطائفتين بحمل إطلاق الأُولى على الثانية.

بتقريب: أنّ الأُولى وإنْ كانت ظاهرة في أنّها ترث جميع المال، إلّاأنّ الثانية تقيّد ذلك بالثُّلث، فتقدّم الثانية.

ثمّ إنّه لما كان الحكم معلّلاً في الصحيحين بأنّ جنايته على الإمام، فيختصّ ذلك بما إذا لم يكن له عصبة يعقلون عنه، فعلى هذا لا يرد عليهما ما في «الرياض»(3)و «المسالك»(4) وغيرهما من أنّ الطائفتين متعارضتان، والثانية غير مكافئة للاُولى بكثرة الأخبار الاُولى وشهرتها، ومخالفتها للعامّة، ولا ما في «الجواهر»(5) من أنّه لم يَعمل أحدٌ بالصحيحين على إطلاقهما.

ولكن يَردُ على الاستدلال بهما: إعراض المشهور، بل الكلّ غير من عنهما تقدّم، وهذا يوجبُ الوهن فيهما، فيُطرحان أو يُحملان على التقيّة، كما عن «التهذيب»، قال:

(إنّهما غير معمولٍ عليهما، فيُحملان على التقيَّة)(6).

ويُشعر كلامه ذلك بدعوى الإجماع على طرحهما.

ويَردُ عليهما أيضاً: - مضافاً إلى ذلك - ما ذكره الحِلّي(7) من أنّه: (هدمٌ ونقضٌ6.

ص: 330


1- الاستبصار: ج 4/182.
2- حكاه عنه في الرياض: ج 2/371.
3- رياض المسائل: ج 2/371 (ط. ق).
4- مسالك الأفهام: ج 13/234.
5- جواهر الكلام: ج 39/267.
6- التهذيب: ج 9/343.
7- السرائر: ج 3/276.

وهو يرثهم،

لإجماعنا، وهو أنّ قرابات الأُمّ وكلالتها لا يعقلون ولا يرثون من الدّية شيئاً بغير خلاف بيننا).

أقول: وذكر قبل هذا اعتراضاً أيضاً، وهو: (أنّه مصيرٌ إلى مذهب المخالفين، وعدولٌ عن آية أُولي الأرحام وأُصول المذهب، ورجوعٌ إلى القول بالعُصبة).

ولو انفرد الأولاد عن الأُمّ والزوجين، اقتسموه على حسب ما قُرّر في ميراث الأولاد، لإطلاق الأدلّة، وكذا يرثه الزّوجة أو الزّوج:

فإنْ لم يكن له ولدٌ فالنصيب الأعلى ، وإلّا فالنصيب الأدنى ، والباقي للوارث الخاصّ من الأُمّ ومن يتقرّب بها.

ومع عدم الأُمّ والولد يرثه الطبقة الثانية من المتقرّبين منهم بالاُمّ من الإخوة والأجداد، ويترتّبون الأقرب فالأقرب على حسب ما تقدّم في غير الفرض.

ومع عدمهم يرثه الأخوال والخالات وأولادهم على حسب ترتيب الإرث.

ويشهدُ لذلك كلّه: - مضافاً إلى عدم الخلاف فيها - إطلاقات الكتاب والسُّنة، التي خرج عنها ولد الملاعنة في صورة خاصّة، وبقي الباقي، والنصوص الخاصّة في جملة منها.

المسألة الثانية: (وهو) أي الاُمّ ومن يتقرّب بها (يرثهم) بلا خلافٍ في الأُمّ ، وعلى المشهور في المتقرّبين بها.

وفي «الجواهر»(1): (أنّه المشهور شهرةً عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل8.

ص: 331


1- جواهر الكلام: ج 39/268.

لعلّها كذلك).

وعن «المبسوط»(1)، و «الغنية»(2)، و «السرائر»(3) وغيرها: أنّه مذهب الأصحاب من غير خلافٍ .

وعن «التهذيب»(4): (أنّه الذي يقتضيه شرع الإسلام).

ويشهد له: ماتقدّم من أنّ نَسَبه إلى أُمّه صحيحٌ فيشمله حينئذٍ عموم أدلّة الإرث كتاباً وسُنّة.

وأيضاً: قد تقدّم صحيح أبي بصير من أنّ ابن الملاعنة يُنسَب إلى أُمّه، ويكون أمره وشأنه إليها.

ومع ذلك كلّه هنا نصوصٌ خاصّة تشهد به:

منها: خبر الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام قال في ابن الملاعنة في حديث:

«وهو يرث أخواله»(5).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قلتُ : فهو يرث أخواله ؟ قال عليه السلام: نعم»(6).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وبإزاء جميع ذلك طائفتان من النصوص:8.

ص: 332


1- المبسوط: ج 4/113.
2- غنية النزوع: 330.
3- السرائر: ج 3/274.
4- تهذيب الأحكام: ج 9/341.
5- وسائل الشيعة: ج 26/266 ح 32975، الكافي: ج 7/160 ح 4.
6- وسائل الشيعة: ج 26/266 ح 32976، الكافي: ج 7/161 ح 8.

إحداهما: ما يدلّ على أنّه لا يرثُ المتقرّب بالاُمّ كخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ لاعن امرأته ؟ قال عليه السلام: يلحق الولد باُمّه، يرثه أخواله، ولايرثهم الولد»(1).

ونحوه غيره.

الثانية: ما يدلّ على التفصيل بين ما إذا ادّعاه أبوه بعد اللّعان فحَكَم فيه بأنّه يرثهم وإلّا فلا، كصحيح الحلبي، عنه عليه السلام في حديثٍ :

«فإن لم يدعه أبوه، فإنّ أخواله يرثونه ولا يرثهم، وإنْ دعاه أحدٌ ابن الزانية جُلد الحَدّ»(2).

وعمل الشيخ(3) في محكيّ «الاستبصار» بهذه الطائفة، وأفتى بمضمونها.

أقول: ومقتضى الجمع العرفي بين الطوائف، تقييد إطلاق كلّ من الأولتين بالثالثة، ويؤيّده أنّ أكثر نصوص الطائفة الأُولى مواردها صورة تكذيب الوالد بعد اللّعان نفسه.

ولكن حيث أنّ هذا الجمع عرفي، والنصوص المفصّلة بمرأى من الفقهاء، ومع ذلك لم يفتِ أحدٌ بذلك، غير الشيخ في «الاستبصار»(4) - غير المُعدّ للفتوى - وافق الأصحاب في سائر كتبه، فلا إشكال في أنّ ذلك يوجب سقوط المفصّلة عن الحجيّة.

وبالجملة: فالأظهر ما عليه المشهور.1.

ص: 333


1- وسائل الشيعة: ج 26/267 ح 32978، الكافي: ج 7/161 ح 9.
2- وسائل الشيعة: ج 26/269 ح 32981، الكافي: ج 6/163 ح 6. (3و4) الاستبصار: ج 4/181.

فلا توارثَ بينه وبين الأب ومن يتقرّب به.

المسألة الثالثة: حيث إنّه قد عرفت في محلّه انتفاء نسبه عن أبيه باللّعان، (فلا توارث بينه وبين الأب ومن يتقرّب به)، كما لاخلاف فيه، والنصوص أيضاًشاهدة به.

نعم، إن اعترف الأب بعد اللّعان، ورث هو أباه خاصّة دون العكس، بلا خلافٍ ، ففي صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن الملاعنة التي يرميها زوجها، وينتفي من ولدها، ويلاعنها ويفارقها، ثمّ يقول بعد ذلك: الولدُ وَلَدي ويكذّب نفسه ؟

فقال عليه السلام: أمّا المرأة فلا ترجع إليه أبداً، وأمّا الولد فإنّي أردّه إليه إذا ادّعاه، ولا أدعُ ولده، وليس له ميراثٌ ، ويرثُ الابن الأبَ ، ولا يرثُ الأبُ الابن، الحديث»(1).

ونحوه غيره.

وهل يرث بعد إقرار الأب أقارب أبيه، كما عن أبي الصّلاح(2)، والشيخ مفيد الدِّين(3) ولد الشيخ رحمه الله، والمصنّف رحمه الله(4) في بعض كتبه ؟

أم لا يرثهم ولا يرثونه، كما عن الشيخ(5)، والأكثر، بل هو المشهور، بل عن «الغنية»(6)، و «السرائر»(7) الإجماع عليه ؟5.

ص: 334


1- وسائل الشيعة: ج 26/269 ح 32981، الكافي: ج 6/163 ح 6.
2- الكافي في الفقه: ص 375.
3- حكاه عنه في الجواهر: ج 39/270.
4- القواعد: ج 3/354، قال: (إنّ الولد يرثه دون الزّوجة بعد الاعتراف).
5- النهاية: ص 679.
6- غنية النزوع: ص 330.
7- السرائر: ج 3/275.

أم يفصّل بين ما إذا صَدَق الأقارب الأبَ على اللّعان، فلا يرثهم ولا يرثونه، وإنْ كذّبوه ورثهم وورثوه، كماعن بعض كتب المصنّف رحمه الله(1)، على ما في «المسالك»(2)؟

أم يثبت التوارث بينهم بالتوافق منهم على الإقرار، كماعن المقدّس الأردبيلي رحمه الله(3)الميل إليه ؟ وجوهٌ :

يشهد لما عليه الأكثر: النصوص المتقدّمة الدّالة على أنّ إرث ولد الملاعنة لأخواله، وهو يرثهم ولا يرثه غير المتقرّب بالاُمّ الّتي عرفت أنّ موارد أكثرها ما لو أكذب الوالد بعد اللّعان نفسه، خرج عن ذلك خصوص إرث الابن من أبيه، وبقي الباقي.

بل في صحيح الحلبي المتقدّم، الدّال على أنّه يرثُ أبيه، تصريحٌ بأنّه لايثبتُ بإقراره النسب، وقال عليه السلام: «ولا ادع ولده».

وأيضاً فيه: بعد الحكم بأنّه يرثُ أباه ولا يرثه أبوه: «يكون ميراثه لأخواله».

ومع هذه النصوص لا نحتاجُ إلى الاستدلال بالاستصحاب، كمافي «المسالك»(4)، و «الرياض»(5)، و «الجواهر»(6).

وأيضاً: معها لا يُصغى إلى ما استدلّ به للأوّل بأنّ الإقرار به كالبيّنة في إثبات النسب.1.

ص: 335


1- قواعد الأحكام: ج 3/381-382.
2- مسالك الأفهام: ج 13/235.
3- مجمع الفائدة: ج 11/517.
4- مسالك الأفهام: ج 13/234-235.
5- رياض المسائل: ج 2/218 (ط. ق).
6- جواهر الكلام: ج 39/271.

ولو ترك إخوةً من الأبوين مع الإخوة من الأُمّ ، تساووا في ميراثه.

ولا إلى ما استدلّ به للثالث من أنّه في صورة تكذيبهم الأب في اللّعان يقرّون بالنسب.

ولا إلى ما ذكر في وجه الأخير من أنّهم إنْ أقرّوا بكذب اللّعان يشملهم دليل الإقرار.

فإنّه مع النصوص الخاصّة لا يُعتنى بشيء من تلكم، مضافاً إلى فسادها في أنفسها، فإنّ الإقرار يؤثّر على المقرّ دون غيره.

المسألة الرابعة: (ولو ترك إخوةً من الأبوين، مع الإخوة من الأُمّ ، تساووا في ميراثه)، وكذا لو ترك جَدّاً لأُمّ مع أَخٍ أو أُختٍ أو إخوة أو أخوات من أبٍ وأُمّ ، تساووا فيه، لأنّ انتساب الجميع إليه إنّما يكون من جهة الأُمّ خاصّةً .

***

ص: 336

ولد الزِّنا لا يرثه الزّاني ولا الزانية، ولا من يتقرّب بهما، وهو لا يرثهم

ميراث ولد الزِّنا

المقام الثاني: في ميراث ولد الزّنا.

(و) ملخَّص القول فيه: إنّ (ولد الزّنا لا يرثُه الزاني، ولا الزانية، ولا من يتقرّب بهما، وهو لا يرثهم) كما هو المشهور بين الأصحاب، بل على قطع التوارث بينه وبين الأب وأقربائه الإجماع، كما في «المسالك»(1).

وعن غيرها، وعن الإسكافي(2)، والصَّدوق(3)، والحلبي(4): أنّه يرثُ أُمّه وأقاربها مع عدمها.

أقول: يشهد للمشهور نصوصٌ :

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ : فإنّه مات وله مالٌ ، من يرثه ؟ قال عليه السلام: الإمام»(5).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام، قال: «أيّما رجل وقع على وليدة قومٍ حراماً ثمّ اشتراها، وادّعى ولدها، فإنّه لا يورث منه شيء، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: الولدُ

ص: 337


1- مسالك الأفهام: ج 13/238-239.
2- مختلف الشيعة: ج 9/93.
3- المقنع: ص 504-505.
4- الكافي للحلبي: ج 7/164.
5- وسائل الشيعة: ج 26/275 ح 32992، تهذيب الأحكام: ج 9/343 ح 18.

للفراش وللعاهر الحَجَر، ولايورثُ ولد الزّنا إلّارجلٌ يدّعي ابن وليدته»(1).

ومنها: خبر محمّد بن الحسن القُمّي، قال:

«كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام معي يسأله عن رجلٍ فجر بإمرأةٍ ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل، فجاءت بولدٍ هو أشبه خلق اللّه به ؟

فكتبَ بخطّه وخاتمه: الولدُ لغيّة لا يُورَث»(2). ونحوها غيرها.

وإطلاقها كعموم التعليل في الأخير يشمل الأُمّ .

وأمّا خبر حنّان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ فجر بنصرانيّة فولدت منه غلاماً، فأقرَّ به، ثمّ مات فلم يترك ولداً غيره، أيرثه ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

ونحوه موثّقه الآخر(4).

فلإعراض الأصحاب عنهما، ومعارضتهما بما مرّ، لا يُعتمد عليهما.

واستدلّ للقول الثاني: بخبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: ولدالزّنا و ابنُ الملاعنة ترثه أُمّه و أخواله و إخوته لأُمّه أو عُصبتها»(5).

ومنها: خبر يونس: «إنّ ميراث ولد الزّنا لقرابته من قِبل أُمّه على ميراث ابن الملاعنة»(6).4.

ص: 338


1- وسائل الشيعة: ج 26/274 ح 32990، تهذيب الأحكام: ج 9/343 ح 19.
2- وسائل الشيعة: ج 26/274 ح 32991، الكافي: ج 7/164 ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 26/277 ح 32996، الكافي: ج 7/164 ح 1.
4- وسائل الشيعة: ج 26/277 ح 32997، الكافي: ج 7/164 ح 2.
5- وسائل الشيعة: ج 26/278 ح 32998، الاستبصار: ج 4/184 ح 6.
6- وسائل الشيعة: ج 26/276 ح 32995، الكافي: ج 7/164 ح 4.

وإنّما يرثه ولده وزوجه أو زوجته، وهو يرثهم، ومع عدمهم الإمام.

أقول: ولكن الأوّل ضعيفٌ بغياث بن كلوب وغيره، والثاني موقوفٌ غير منسوبٍ إلى الإمام عليه السلام.

أضف إلى ذلك موافقتهما للعامّة، ومخالفتهما للمشهور، فليحملا على التقيّة، أو عدم كون الأُمّ زانية، فإنّها وأقاربها يرثونه حينئذٍ لثبوت النَسَب الشرعي بينهم، فيكون كولد الملاعنة، ويختصّ ذلك بولد الزّنا، وأمّا غيره ممّن وُلِد حراماً فيرثُ أباه وأُمّه كما حقّقناه في رسالتنا المسمّاة ب «المسائل المستحدثة» المطبوعة.

ثمّ إنّه لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (إنّما يرثه) أي ولد الزّنا (ولده وزوجه أو زوجته وهو يرثهم) للعمومات مع عدم المانع (ومع عدمهم) يرثه (الإمام) لما مر من أنّه وارث من لا وارث له.

***

ص: 339

والحمل إنْ سَقَط حَيّاً ورث، وإلّا فلا.

ميراثُ الحَمل

المقام الثالث: في ميراث الحمل (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: (الحَملُ إنْ سقط حَيّاً) سواءً كان ذلك بنفسه أم بجنايةٍ (ورث، وإلّا فلا) بلا خلافٍ فيهما، بل عليهما الإجماع في جملةٍ من الكلمات.

أقول: ويشهد لهما جملةٌ من النصوص منطوقاً ومفهوماً:

منها: صحيح ربعي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المنفوس إذا تحرّك ورثَ ، أنّه ربما كان أخرس»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام:

«في السقط إذا سقط من بطن أُمّه فتحرّك تحرّكاً بيّناً يرثُ ويورث، فإنّه ربما كان أخرس»(2).

ومنها: صحيح الفضيل، قال: «سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر عليه السلام عن الصبي يسقط من أُمّه غير مستهلٍ أيورث ؟ فأعرض عنه، فأعاد عليه.

فقال عليه السلام: إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث ويورث، فإنّه ربما كان أخرس»(3).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قال أبي عليه السلام إذا تحرّك المولود

ص: 340


1- وسائل الشيعة: ج 26/302 ح 33044، الكافي: ج 7/155 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/303 ح 33045، الكافي: ج 7/155 ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 26/304 ح 33049، تهذيب الأحكام: ج 9/392 ح 6.

تحرّكاً بيّناً فإنّه يرث ويورث، فإنّه ربما كان أخرس»(1).

وهذه النصوص بالمنطوق تدلّ على أنّه إنْ سَقَط حَيّاً يرث، وبالمفهوم على أنّه إنْ سقط غير حَيّ لا يرث.

والمراد بالتحرّك البيِّن في بعضها، هي الحركة الكاشفة عن الحياة، دون مثل التقلّص والقبض والبسط طبعاً لا اختياراً، كما يشير إليه التعليل، وبالعلّة تدلّ على عدم اعتبار الاستهلال.

وعليه، فما في جملة من النصوص من اعتباره كصحيح ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«لا يُصلّى على المنفوس، وهو المولود الذي لم يستهلّ ، ولم يَصحّ ، ولم يورث من الدّية، ولا من غيرها، فإذا استهلّ فَصلِّ عليه وورّثه»(2).

ونحوه غيره.

يُحمل على إرادة اعتباره من حيث كونه كاشفاً عن حياة الولد.

وإنْ أبيت عن كون ذلك جمعاً عرفيّاً، فيقيّد إطلاقها الدّال على أنّه مع عدم الاستهلال لايورث، بالنصوص الأول، ويشهد لهذاالتقييد صحيح الفضيل، كما لايخفى .

ولعلّه إلى ذلك نظر من جَمَع بينهما بالحَمل على التخيير.

ودعوى صاحب «الرياض»(3): من الإيراد عليه بعدم كونه جمعاً حقيقةً ، بل هو خروجٌ عن ظاهر الأخيرة، وطرحٌ لمفاهيمها بالكليّة.

غير تامّة: فإنّه إنْ استهلّ يورث بمقتضى الأخبار، وإنْلم يتحرّك حركةً بيّنةً .).

ص: 341


1- وسائل الشيعة: ج 26/304 ح 33048، تهذيب الأحكام: ج 9/392 ح 5.
2- وسائل الشيعة: ج 26/303 ح 33046، تهذيب الأحكام: ج 3/199 ح 6.
3- رياض المسائل: ج 2/372 (ط. ق).

وعلى هذا فلا وجه لما في «الدروس»(1) وغيره من حمل الثانية على التقيّة وإنْ ذكروا له قرائن.

وأمّا ما عن «المفاتيح»(1): من الجمع بينهما، بحمل الثانية على الإرث من الدّية، والأولى على الإرث من غيرها.

فيردّه: - مضافاً إلى كونه تبرّعيّاً - صحيح ابن سنان المصرّح بعدم إرثه من غير الدّية إنْ لم يستهلّ .

وعليه، فالصحيح ما ذكرناه، وإنْ أبيت إلّاعن كون النصوص متعارضة، فالترجيح مع النصوص الاُولى، كما لا يخفى .

أقول: ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوى - وبه صرّح جماعة(3) - عدم اعتبار استقرار الحياة، بل وجودها، وما في «الشرائع»(2) من اعتباره لا دليل عليه، وتقييد الحركة بالبيّن في النصوص لا يُشعر به، ويمكن أنْ يُراد به أصل الحياة، نظير ماذكروه في اعتبار استقرار الحياة في الذبيحة.

ولا يشترط كونه حَيّاً عند موت المورث، حتّى أنّه لو كان نطفةً يرث لو سقط حَيّاً، لإطلاق الأدلّة.

ولو سقط حَيّاً ولكن ماتَ قبل تمام انفصاله فهل يرث أم لا؟

وجهان؛ أظهرهما الثاني، لعدم صدق العناوين المأخوذة في أدلّة الإرث، فتأمّل.2.

ص: 342


1- راجع مفاتيح الشرائع: ج 3/316 (حكم إرث الحمل)، وقد حكى الجمع عنه غير واحد كصاحب الرياض ج 14/431 (ط. ج) وج 2/372 في (ط. ق)، وصاحب الجواهر: ج 39/71.
2- شرائع الإسلام: ج 4/42.

ويوقف له قبل الولادة نصيبُ ذكرين احتياطاً.

ولو شكّ في أنّه هل ولد حَيّاً أم لا؟

فيمكن أن يُبنى على أنّه يرث إنْ عُلم بسبق الحياة لاستصحابها، فبضمّه إلى الوجدان وهو التولد والسقوط، يتمّ الموضوع.

ومع عدم العلم بسبقها، لا يُحكم بالإرث، للشكّ في الشرط.

وهل يُحكم بأنّه يرث سائر الورثة حصّته، كما هو صريح «المستند» أم لا؟

الظاهر عدم الحكم به، فإنّه كما يشكّ في أنّه يرث، وعلى فرضه ينتقل منه المال إلى وارثه، كذلك يشكّ في أنّ هذا المقدار من المال هل ينتقل إلى سائر الورثة أم لا؟

والتمسّك بعمومات الإرث لا يمكن، بعد خروج ذلك على فرض الحياة، فيُعامل معه معاملة المال المشترك.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه يُستصحب عدم الحياة، فيترتّب عليه أنّه لا يرث، وهذا هو الأظهر.

المسألة الثانية: قال الشيخ رحمه الله(1)(و) تبعه الأصحاب(2) من غير خلافٍ - كما صرّح به جماعة - أنّه (يوقف) ويُعزَل (له قبل الولادة نصيبُ ذكرين احتياطاً) عن تولّده حَيّاً وتعدّده ذكراً، وإنّما لا يعزل له زيادةً على ذلك، لأنّ الزائد عن اثنين نادرٌ، لم يلتفتوا إليه، واكتفوا بتقدير الاثنين.).

ص: 343


1- الرسائل العشر: ص 335.
2- رياض المسائل: ج 2/373 (ط. ق).

ويُعطى أصحاب الفرض أقلّ النصيبين،

ثمّ إنّه على هذا التقدير وإنْ كان الاحتمالات كثيرة، إذ قد يسقط حَيّاً وقد يسقط ميّتاً، وعلى الأوّل قد يكون واحداً، وقد يكون اثنين.

وعلى تقدير الوحدة: إمّا أن يكون ذكراً أو اثنى أو خُنثى .

وعلى تقدير التعدّد: إمّا أن يكون ذكراً وأُنثى ، أو ذكراً وخُنثى ، أو ذكرين، أو اُنثَيَين، أو خُنثَيَين، فالاحتمالات عشرة، ولكن أكثرها نصيباً فرضه ذكرين.

(و) بعد ذلك (يُعطى أصحاب الفرض أقلّ النصيبين):

فإذا ترك أبوين أو أحدهما، أو زوجاً أو زوجة، وترك حَمْلاً، يُعطى الأبوان السُّدسين، لجواز كونه ذكراً، ويُعطى الزوجان نصيبهما الأدنى ، لجواز ولادته حَيّاً.

ولو ترك إخوة، لا يُعطون شيئاً إلى أن يبين الحال.

ولو اجتمع معه أُنثى يُعطى الخمس.

وبالجملة: إذا كان هناك حَمْلٌ :

فمن كان محجوباً بالحمل، لا يُعطى شيئاً.

ومن كان له فرضٌ ، يتغيّر بوجوهٍ ، يُعطى النصيب الأدنى .

ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه، يُعطى أقلّ ما يُصيبه على تقدير ولادته على وجهٍ يقتضيه.

فإنْ وُلِد حَيّاً وكان ذكرين، فلا كلام، وإلّا فإنْ سقط ميّتاً أكمل للورثة نصيبهم، وكذلك إنْ وُلِد واحداً ذكراً أو أُنثى .

ص: 344

ودية الجنين لأبويه ومن يتقرّب بهما أو بالأب.

المسألة الثالثة: (ودية الجنين) وهو الولد في البطن مطلقاً حَلّ فيه الحياة أم لا (لأبويه، ومن يتقرّب بهما أو بالأب) خاصّة، مع عدم المتقرّب بهما على حسب ترتيب إرث التركة، بلا خلافٍ في الأبوين والمتقرّب بهما، وعلى المشهور في المتقرّب بالأب، فإنّه نُسِبَ إلى الشيخ(1) في موضعٍ من «الخلاف» منع المتقرّب بالأب خاصّة.

وأمّا المتقرّب بالاُمّ ففي إرثهم منها وعدمه قولان، بل أقوال، وقد مرّ الكلام في ذلك كلّه مفصّلاً في الفصل الثالث في مانعيّة القتل، وفي تلك المسألة قال المصنّف رحمه الله(2):

(وفي المتقرّب بالاُمّ قولان) ولم يختر أحدهما، وفي المقام ظاهره الفتوى بالعدم، والفرق غير ظاهر، فإنّ مدرك الحكم في المقام بعينه هو ما ذُكر هناك.

أقول: ثمّ إنّ التعرّض لهذه المسألة في المقام، مع بيان الحكم بالنحو العام سابقاً، لعلّه من جهة ورود نصّ خاصّ فيه، وهو خبر سوار الصحيح عمّن يَصحّ عنه، عن الحسن عليه السلام، قال: «إنّ عليّاً عليه السلام لمّا هَزم طلحة والزبير أقبل النّاس منهزمين، فمرّوا بإمرأةٍ حامل على الطريق ففزعت منهم، فطرحت ما في بطنها حيّاً، فاضطرب حتّى مات، ثمّ ماتت أُمّه من بعده، فمرَّ بها عليٌّ عليه السلام وأصحابه وهي مطروحة على الطريق وولدها على الطريق، فسألهم عن أمرها، فقالوا: إنّها كانت حُبلى ففزعت حين رأت القتال والهزيمة.

قال: فسألهم أيّهما ماتَ قبل صاحبه ؟4.

ص: 345


1- حكاه عنه في الرياض: ج 2/373 (ط. ق).
2- قواعد الأحكام: ج 3/394.

فقيل: إنّ ابنها ماتَ قبلها، فدعا بزوجها أبي الغلام الميّت فورّثه ثُلثي الدّية، وورّث أُمّه ثلث الدّية، ثمّ ورّث الزّوج من المرأة الميتة نصف ثُلث الدّية الّتي ورثتها من ابنها، وورّث قرابة المرأة الميتة الباقي، ثمّ ورّث الزّوج أيضاً من دية امرأته الميتة نصف الدّية، وهو ألفان وخمسمائة درهم، وورّث قرابة المرأة الميّتة نصف، وهو ألفان وخمسمائة درهم، وذلك إنّه لم يكن لها ولدٌ غير الذي رمت به حين فزعت.

قال: وأدّى ذلك كلّه من بيتِ مال البصرة»(1).

***1.

ص: 346


1- وسائل الشيعة: ج 26/36 ح 32434، الكافي: ج 7/138 ح 1.

المفقود يُقسّم أمواله بعد مضيّ مدّةٍ لا يمكن أن يعيش مثله إليها غالباً.

في تقسيم تركة المفقود

المقام الرابع: في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة منقطعة، (و) قد اختلفوا فيه على أقوال:

1 - إنّ (المفقود يُقسّم أمواله بعد مضيّ مدّةٍ لا يمكن أن يعيش مثله إليها غالباً)، وهو المحكيّ عن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2)، والقاضي(3)، وابن حمزة(4)، والحِلّي(5)، والمحقّق(6)، والمصنّف رحمه الله(7) في أكثر كتبه، والشهيدين في «اللّمعة»(8)، و «المسالك»(9)، بل هو المشهور كما في «المسالك».

2 - أنّه يُحبس ماله أربع سنين، ويُطلب فيها في كلّ أرضٍ ، فإنْ لم يوجد قُسّم ماله بين ورثته، ذهب إليه الصَّدوق(10)، والسيّد(11)، والحلبي(12)، وابن زُهرة(13).

ص: 347


1- الخلاف: ج 4/119.
2- المبسوط: ج 4/125.
3- المهذّب: ج 2/165-166.
4- الوسيلة: ص 400.
5- السرائر: ج 3/298.
6- شرائع الإسلام: ج 4/846.
7- تحرير الأحكام: ج 2/173 (ط. ق).
8- الروضة البهيّة: ج 8/49.
9- مسالك الأفهام: ج 13/57.
10- حكاه عنه في المستند: ج 19/86.
11- الانتصار: ص 595.
12- الكافي للحلبي: ص 378.
13- الغنية: ص 332.

وعن المصنّف رحمه الله(1) في «المختلف» نفي البأس عنه، وقوّاه الشهيدان في «الدروس»(2)، و «الروضة»(3).

وعن «المفاتيح»: أنّه سيّد الأقوال(4).

وعن «الغنية»: الإجماع عليه(5).

3 - أنّه يُحبس إلى عشر سنين، ثمّ يُقسّم من غير طلبٍ إنْ كان خبره منقطعاً لغيبةٍ ، أو لكونه مأموراً، ولو كان فقده في عسكرٍ قد شهرت عزيمته، وقُتل من كان فيهم أو أكثره، كفى مضيّ أربع سنين، ذهب إليه الإسكافي(6).

4 - أنّه يُقسّم تركته بعد عشر سنين مطلقاً، نقله جماعة في كتبهم ولم يذكروا قائله.

5 - أنّه يدفع ماله إلى وارثه المَلي، نُسب ذلك إلى المفيد(7)، وفي النسبة تأمّل.

أقول: والعُمدة في الاختلاف هي النصوص، فإنّها طوائف:

الطائفة الأُولى: ما يدلّ على التقسيم بعد أربع سنين:

1 - موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «المفقود يتربّص بماله أربع سنين، ثُمّ يُقسّم»(8).5.

ص: 348


1- مختلف الشيعة: ج 9/95-96.
2- الدروس: ص 352.
3- الروضة البهيّة: ج 8/50.
4- مفاتيح الشرائع: ج 3/319.
5- حكاه عنه في المستند: ج 19/86.
6- مختلف الشيعة: ج 9/95.
7- حكاه عنه في مفاتيح الشرائع: ج 3/319.
8- وسائل الشيعة: ج 26/298 ح 33034، الكافي: ج 7/154 ح 5.

2 - وموثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «المفقود يُحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قُسّم ماله بين الورثة» الحديث(1).

والأوّل منهما وإنْ كان مطلقاً، إلّاأنّه يقيّد إطلاقه بالثاني، فالنتيجة هو القول الثاني.

والإيراد عليهما بضعف السند يدفعه كونهماموثّقين، والموثّق حجّة على الأصحّ .

الطائفة الثانية: مااستدلّ به للقول الأوّل:

1 - خبر هيثم، قال: «كتبتُ إلى العبد الصالح عليه السلام: إنّي أتقبّل الفنادق، فينزل عندي الرّجل فيموتُ فجأةً لا أعرفه، ولا أعرف بلاده، ولا ورثته، فيبقى المال عندي، كيف أصنع به، ولمن ذلك المال ؟

فكتب عليه السلام: أتركه على حاله»(2).

2 - وحسن هشام، قال: «سأل حَفص الأعور أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضر، فقال: كان لأبي أجيرٌ وكان له عنده شيء، فهلك الأجير، ولم يَدع وارثاً ولا قرابةً ، وقد ضِقْتُ بذلك، كيف أصنع به ؟

فقال عليه السلام: رأيك المساكين، رأيك المساكين.

فقلت: إنّي ضِقتُ بذلك ذرعاً؟

قال عليه السلام: هو كسبيل مالك، فإن جاء طالبٌ أعطيته»(3).8.

ص: 349


1- وسائل الشيعة: ج 26/300 ح 33038، الكافي: ج 7/155 ح 9.
2- وسائل الشيعة: ج 26/298 ح 33033، الكافي: ج 7/154 ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 26/301 ح 33039، من لا يحضره الفقيه: ج 4/330 ح 5708.

وقريب منه موثّقه(1)، وصحيحه(2).

ومنها: صحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ كان له عليرجلٍ حقّ ففقده ولا يدري أين يطلبه، ولا يدري أحَيٌّ هو أم ميّت، ولا يُعرف له وارثاً: (اطلبه) الحديث»(3).

ولكن الظاهر عدم ارتباط تلك النصوص بالمقام، إذ خبر هيثم فيمن مات ولم يُعرَف له وارثٌ ، ومحلّ الكلام مالٌ عُرف صاحبه وفُقد، وأخبار هشام ظاهرة في موت الأجير وعدم وجود وارثٍ له، فيكون المال للإمام عليه السلام.

ويمكن أن يكون المراد به: اطلب مالكه الذي هو عليه السلام، ولم يبيّن له للتقيّة.

وأمّا صحيح ابن وهب - فمضافاً إلى أنّه مطلق، ولم يبيّن فيه مقدار الطلب - وقابلٌ للتقييد بالنصوص الاُولى - أنّ مرجع الضمير في (اطلبه) يمكن أن يكون هو الوارث لا المفقود، وعلى هذا فالخبر يدلّ على خلاف المطلوب، ولذلك قال الشهيد الثاني(4):

(إنّه لا دليل لهذا القول سوى أُصولٌ كأصالة بقاء الحياة، وأصالة عدم الانتقال إلى الوارث، وأصالة عصمة مال الغير عن التصرّف حتّى يثبت المبيح).

ومن الواضح أنّ شيئاً من هذه الاُصول المذكورة لا يقاوم الموثّقين المتقدّمين.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّه يتربّص به عشر سنين، وقد استدلّ به لكلٍّ من).

ص: 350


1- وسائل الشيعة: ج 26/254 ح 32950، تهذيب الأحكام: ج 7/177 ح 38.
2- وسائل الشيعة: ج 18/362 ح 23854، تهذيب الأحكام: ج 6/188 ح 21.
3- وسائل الشيعة: ج 26/297 ح 33031، الكافي: ج 7/153 ح 2.
4- مسالك الأفهام: ج 13/57، قوله: (وهذا القول لا دليل عليه من جهة النصّ صريحاً).

القول الثالث والرابع، وهو خبر عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام:

«عن دارٍ كانت لإمرأةٍ ، وكان لها ابنٌ وابنة، فغاب الابن في البحر، وماتت المرأة، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها، وبقيت في الدار قطعة إلى حنب دار رجلٍ من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، وما يتخوّف أن لا يحِلّ شراءها، وليس يعرف للأبن خبر؟

وقال لي: ومنذ كم غاب ؟ قلت: منذُ سنينٍ كثيرة.

قال عليه السلام: ينتظر به غيبة عشر سنين، ثُمّ يشتري.

فقلت: إذا انتظر بها غيبة عشر سنين يحِلّ شرائها؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

وقد عبّر في «الرياض»(2) و «المستند»(3) عنه بالصحيح، وضعّفه الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(4)، ومنشأ القولين الاختلاف في سهل بن زياد الذي هو في الطريق، وحيث أنّ الأظهر الاعتماد على حديثه، فلا إشكال في الخبر سنداً.

أمّا من ناحية الدلالة: فإنّ هذا الخبر لا يدلّ على شيء من القولين، وذلك لأنّ غاية ما يدلّ عليه، هي جواز شراء الدار بعد عشر سنين، وهذا يلائم مع كون البيع للغائب يتصدّاه الحاكم أو الإمام عليه السلام، أو يشتري بإذنه للمصلحة، وينتقل الثمن إلى الغائب، مع أنّ البائع لها مدّعٍ للملكيّة من غير منازع له، فجاز كون تسويغ البيع لذلك، وإنْ بقي الغائب على حجّته، ولا ينافيه الأمر بالتأخير إلى تلك المدّة لاحتمال7.

ص: 351


1- وسائل الشيعة: ج 26/299 ح 33036، الكافي: ج 7/154 ح 6.
2- رياض المسائل: ج 2/374 (ط. ق).
3- مستند الشيعة: ج 19/94.
4- مسالك الأفهام: ج 13/267.

كونه من باب الاحتياط.

أضف إلى ذلك كلّه: أنّه يحتمل اختصاص ذلك بالدّار، وقد ورد نظير ذلك(1)في الأرض التي تركها صاحبها ثلاث سنين، حيث دلّ على أنّه يملكها من أحياها.

فإنْ قيل: إنّه يستفاد من عدم جواز الشراء قبل عشر سنين أنّ مال الغائب المفقود لا ينتقل قبل مضيّها إلى الورثة، وإلّا لم يكن وجهٌ لعدم جواز الشراء.

قلنا: إنّه لعلّ ذلك من جهة عدم الفحص عنه، وقد مرّ اعتباره في تقسيم التركة بعد أربع سنين.

الطائفة الرابعة: مااستدلّ به للقول الخامس، وهو موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ كان له ولدٌ فغاب بعض ولده، فلم يدر أينَ هو، ومات الرّجل، فكيف يُصنع بميراث الغائب من أبيه ؟

قال عليه السلام: يُعزل حتّى يجيء.

قلتُ : فُقِد الرّجل فلم يجيء؟

قال عليه السلام: إنْ كان ورثة الرّجل مُلاءٌ بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو جاء ردّوه عليه»(2).

وقريبٌ منه موثّقه(3) الآخر.

وأُورد عليهما تارةً : بأنّه ليس فيهما تقسيمه بين ورثة المفقود، بل يدلّان على الاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم.8.

ص: 352


1- وسائل الشيعة: ج 25/414 ح 32245، الكافي: ج 5/279 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 26/298 ح 33035، الكافي: ج 7/154 ح 7.
3- وسائل الشيعة: ج 26/300 ح 33037، الكافي: ج 7/155 ح 8.

وأُخرى : بأنّ قوله: «فإذا هو جاء ردّوا عليه» يدلّ على أنّ المراد به الاقتراض أو الإيداع، ومن يقول بوجوب التربّص إلى زمانٍ لا يعيش مثله فيه، لا يشكّ في جواز اقتراضه أو إيداعه للحاكم، مع كون المستقرض والمستودع مليّاً، سيّما مع طول المدّة، وخوف الضياع.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ المراد بالرجل في قوله: «ورثة الرّجل» هو الذي سأله الراوي بقوله: «فقلتُ : فُقِد الرّجل» فالمراد هو ورثة المفقود قطعاً لا ورثة مورثه.

ويرد الثاني: أنّ المراد لو كان هو الاقتراض أو الإيداع، لم يكن وجهٌ للتخصيص بالورثة، وفرض اقتسام المال بينهم، فإنّ ذلك كاشفٌ قطعي عن أنّ المراد الاقتسام بعنوان الميراث، ولا ينافيه الحكم بأنّه إذا جاء ردّوا عليه كما سيأتي.

ولذلك قد استدلّ بعض الفقهاء بهذين الموثّقين للقول الأوّل، ولكن النسبة بينهما وبين ما تقدّم في وجه القول الثاني حينئذٍ عمومٌ مطلق، لأنّه لم يعيّن فيهما مدّة التربّص، فيُحمل إطلاقهما على ما مرّ.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ مقتضى الأخبار هو القول الثاني، المؤيّد بما ذكرناه في كتاب الطلاق(1)، من أنّه تعتدّ امرأته بعد مضيّ أربع سنين مع الفحص عنه عِدّة المتوفّي عنها زوجها، فلا إشكال في الحكم أصلاً.

وقد يقال: إنّ ما ذكر من تقييد إطلاق أحد الموثّقين المتقدّمين في وجه المختار بالآخر غير تامّ ، من جهة تضمّن المقيّد للجملة الخبريّة غير الظاهرة في اللّزوم، ومن جهة أنّ المذكور فيه: «يُحبس ماله قَدر ما يُطلب»، وظرفاً له يُحتمل أن يكون بدلاً للقدر، ويكون المعنى أنّه يحبس ماله قدر ما يطلب المفقود في الأرض فيما هو3.

ص: 353


1- فقه الصادق: ج 34/323.

المعهود لأمر زوجته، وهو أربع سنين، فيرجع المعنى إلى الحبس أربع سنين من غير تقييدٍ، ذكرهما في «المستند»(1).

وفيه: ما حُقّق في محلّه من أنّ الجملة الخبريّة أظهر في اللّزوم من الأمر.

وما ذُكر ثانياً: يدفعه قوله عليه السلام بعد هذه الجملة: «فإنْ لم يقدر عليه» فإنّه لايَصحّ هذا التعبير إلّابعد الفحص، ولو كان المراد من ما قبله التربّص أربع سنين ولو بلا فحص، لقال: (وإنْ لم يجيء) كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر أنّه يتربّص أربع سنين، ويطلبه في تلك المدّة، فإنْ لم يقدر عليه يقسّم ماله بين الورثة.

أقول: بقي الكلام في فروع:

الفرع الأوّل: الظاهر عدم اعتبار رفع الأمر إلى الحاكم، لعدم الدليل عليه، وإطلاق النصوص يدفعه، والرجوع إليه في أمر زوجته إنّما هو في موارد معيّنة منصوصة مثل التطليق، أو الإنفاق، أو لغير ذلك، ممّا يوجبُ الفرق بينه وبين المقام، فلا يتعدّى عنه إليه.

الفرع الثاني: أنّ لزوم الفحص إنّما هو مع احتمال الحصول، فلو علم أو اطمأنّ بأنّه لا يقدرُ عليه وإنْ فَحَص، أو علم بأنّه لا يكون في صُقْعٍ خاصّ مثلاً، لايجبُ الفحص، لأنّه من المعلوم أنّ المقصود منه الإطّلاع على حاله، فإذا علم أنّه لا يفيدُ معرفةً بحاله، سقط وجوبه، فيكفي مضيّ المدّة، ومقدار الفحص إنّما هو في ظرف تلك المدّة على حسب ما هو يعدّ في العُرف فحصاً وطلباً، ولعلّ كيفيّته تختلف بحسب الأزمنة.9.

ص: 354


1- مستند الشيعة: ج 19/99.

وإنْ لم يمكن الفحص عن حاله، فالظاهر عدم سقوطه، ويجبُ عليها أن تصبر إلى أن يمكن أو تمضي مدّة تطمئنّ بأنّه لا يعيش بعدها، لأنّه شرطٌ في تقسيم المال.

الفرع الثالث: لا يختصّ الحكم بخصوص الغائب والمسافر، بل يشمل ما لو فُقِد في سفينةٍ غرقت، أو في معركة حامية، لصدق المفقود على الجميع.

الفرع الرابع: لو قسّمت التركة بعد الأربع، ثمّ جاء المفقود:

فإنْ لم تكن عين التركة باقيةً ، فلا ضمان على الورثة، لأنّهم أتلفوها بإذنٍ من الشارع، وكذا إنْ بدّلوها بأعيان اُخرى باقية، لاستصحاب بقاء ملكيّتها لمن انتقلت إليه.

وإنْ كانت العين باقية، فظاهر الموثّقين عدم تسلّطه عليها، لأنّه مقتضى الأمر بتقسيم المال، الظاهر في صيرورته مِلْكاً لمن قُسِّم عليهم، وانتقاله عنهم إليه يحتاجُ إلى دليلٍ مفقود، والظاهر أنّ الحكم إجماعيّ .

ودعوى: أنّ مقتضى موثّقي إسحاق الأخيرين هو الرَّد عليه.

مندفعة: بأنّهما في التقسيم فيما لو كان الورثة مُلاء، وهو قبل مضيّ أربع سنين، لما عرفت من أنّ إطلاقها يقيّد بنصوص التربّص أربع سنين.

ثمّ إنّ في المقام فروعاً اُخر ذكرناها في كتاب الطلاق(1)، في أمر زوجته، وماذكرناه فيها هناك يجري هنا، فلا حاجة إلى الإعادة.

***3.

ص: 355


1- فقه الصادق: ج 34/323.

الفصل السادس: في ميراثِ الخُنثى :

وهو من له فَرجان،

الفصل السادس: في ميراثِ الخُنثى

اشارة

(الفصل السادس: في ميراث الخُنثى ).

أقول: الخُنثى (وهو من له فَرْجان) أحدهما أصليٌّ والآخر زائد، لأنّ الإنسان إمّا ذكرٌ أو أُنثى ولا ثالث.

قال اللّه تعالى: (وَ أَنَّهُ خَلَقَ اَلزَّوْجَيْنِ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثى ) (1).

وقال سبحانه: (فَجَعَلَ مِنْهُ اَلزَّوْجَيْنِ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثى ) (2).

وقال تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ اَلذُّكُورَ) (3).

إلى غير تلكم من الآيات الدّالة على حَصْر الحيوان في الذَّكَر والأُنثى .

فميراث الخُنثى إنّما يكون على الأصلي منهما، ويكون حكم الزائد كغيره من الزوائد في الخِلقة، وعليه:

فتارةً : يمتاز الأصلي عن الزائد بالعلامات الظاهرة كاللّحية، والجِماع، والحيض، والثَّدي، والحَمْل وما شاكل، فالحكمُ حينئذٍ واضح.

ص: 356


1- سورة النجم: الآية 45.
2- سورة القيامة: الآية 39.
3- سورة الشورى: الآية 49.

فأيّهما سَبَق بالبول حُكم له.

وأُخرى : لايمكن استعلام الحال بذلك، ولكن يمكن ميزه بالمميّزات الواردة في الشرع، وهي اُمور مرتّبة:

العلامة الاُولى : البول: فإنْ بال من أحدهما دون الآخر، حُكم بأنّه أصلي، وهذا موضعُ وفاقٍ كما في «المسالك»(1).

ويشهد به نصوصٌ مستفيضة:

منها: صحيح داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن مولودٍ وُلد له قُبلٌ وذَكَر، كيف يورّث ؟

قال عليه السلام: إنْ كان يبول من ذَكَره فله ميراثُ الذَّكَر، وإنْ كان يبولُ من القُبُل فله ميراثُ الأُنثى »(2).

ونحوه غيره.

العلامة الثانية: إنْ توافقا بأنْ بال منهما معاً (فأيّهما سَبَق بالبول حُكم له).

وفي «المسالك»(3): (وهذا أيضاً متّفقٌ عليه بين الأصحاب).

وعن «التحرير»(4)، و «الإيضاح»(5) وغيرهما أيضاً دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: أخبار عديدة:9.

ص: 357


1- مسالك الأفهام: ج 13/242.
2- وسائل الشيعة: ج 26/283 ح 33007، الكافي: ج 7/156 ح 1.
3- مسالك الأفهام: ج 13/242.
4- تحرير الأحكام: ج 2/174.
5- إيضاح الفوائد: ج 4/249.

ولو تساويا حُكم للمتأخّر في الانقطاع.

منها: صحيح هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلت له: المولود يُولَدُ له ما للرِّجال وله ما للنساء؟

قال عليه السلام: يُورَث من حيث سَبَق بوله، فإنْ خَرَج منهما سواء، فمن حيثُ ينبعث، فإنْ كانا سواء ورث ميراثُ الرِّجال والنساء»(1).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام، عن أبيه، عن عليٍّ عليه السلام:

«أنّه كان يقول: الخُنثى يورَث من حيثُ يبول، فإنْ بال منهما جميعاً فمن أيّهما سَبَق البول وَرِثَ منه، فإنْ ماتَ ولم يبل فنصفُ عَقل المرأة، ونصف عقل الرّجل»(2).

ونحوهما غيرهما.

العلامة الثالثة: (ولو تساويا) في ذلك أيضاً، (حُكم للمتأخّر في الانقطاع) كما في المتن.

وعن الشيخ(3)، والمفيد(4)، والديلمي(5)، وابني حمزة(6) وزُهرة(7)، والمحقّق(8)،8.

ص: 358


1- وسائل الشيعة: ج 26/285 ح 33014، الكافي: ج 7/157 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 26/286 ح 33015، تهذيب الأحكام: ج 9/354 ح 4.
3- المبسوط: ج 4/114.
4- المقنعة: ص 698.
5- المراسم العلويّة: ص 225.
6- الوسيلة: ص 401-402.
7- غنية النزوع: ص 331.
8- شرائع الإسلام: ج 4/38.

والشهيدين(1)، وغيرهما، ونسبه في «الرياض»(2)، و «المسالك»(3) إلى الأكثر.

واختاره الحِلّي(4) نافياً الخلاف فيه، مُشعراً بدعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

بمرسل الكليني، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«في المولود له ما للرّجل، وله ما للنساء، يبولُ منهما جميعاً؟

قال: من أيّهما سَبَق.

قيل: فإنْ خرج منهما جميعاً؟

قال: فمن أيّهما استدرّ.

قيل: فإنْ استدرّا جميعاً؟ قال: فمن أبعدهما»(5).

وبقوله عليه السلام في صحيح هشام: «فإنْ خَرَج منهما سواء، فمن حيثُ ينبعث».

أقول: ونوقش فيهما:

أمّا في الأوّل: فلأنّ الأبعديّة فيه مجملة، غير ظاهرة في الأبعديّة من حيث الزمان.

وفي الثاني: بأنّ المراد من الانبعاث هو الاقتضاء والدغدغة.

ولكن المناقشة الأُولى في غير محلّها، فإنّه لا معنى للأبعديّة يناسبُ المقام سوى الأبعديّة من حيث الزمان، وما تضمّنها، وإنْ كان مرسلاً، إلّاأنّه ينجبرُ بالشهرة.5.

ص: 359


1- الدروس: ج 2/278-279، الروضة البهيّة: ج 8/191-192.
2- رياض المسائل: ج 2/375 (ط. ق).
3- مسالك الأفهام: ج 13/240.
4- السرائر: ج 3/277-278.
5- وسائل الشيعة: ج 26/284 ح 33010، الكافي: ج 7/157 ح 5.

فإن تساويا اُعطي نصف سهم رجلٍ ونصفُ سهم إمرأة.

وأمّاالإنبعاث: فعن «القاموس» تفسيره بالاسترسال(1)، وفي «المنجد» بالاندفاع.

ومع ذلك فالإنصاف عدم ظهوره فيه، بل هو مجملٌ ، ويكفي في الحكم المرسل المُنجبر بالعَمل.

وثالثةً : لا يمتازُ الأصلي عن الزائد لا بالعلامات الظاهرة، ولا بالأمارات الشرعيّة، ولا يمكن استعلام حال الخُنثى بوجهٍ ، وهو الذي أشار إليه المصنّف رحمه الله بقوله: (فإن تساويا) أي تساويا في الانقطاع أيضاً، ففي ميراثه حينئذٍ أقوال:

القول الأوّل: ما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (اُعطي نصف سَهم رجلٍ ، ونصفُ سهم امرأةٍ )، وهو مذهب الصدوقين(2)، والشيخين(3)، وسلّار(4)، والقاضي(5)، وابني حمزة(6)وزُهرة(7)، وأكثر المتأخّرين.

وعن «القواعد» نسبته إلى الأشهر(8).

القول الثاني: الرجوع إلى القُرعة، ذهب إليه الشيخ في «الخلاف»(9) مدّعياً8.

ص: 360


1- القاموس المحيط: ج 1/162.
2- المقنع: ص 503.
3- المقنعة: ص 698، المبسوط: ج 4/114.
4- المراسم العلويّة: ص 225.
5- المهذّب: ج 4/423.
6- الوسيلة: ص 402.
7- غنية النزوع: ص 331.
8- قواعد الأحكام: ج 3/383.
9- الخلاف: ج 4/358.

عليه الإجماع على المحكيّ .

القول الثالث: أنّه يُعدّ أضلاعه؛ فإنْ اختلف عدد الجانبين فَذَكَرٌ، وإنْ تساويا عدداً فأُنثى .

يشهد للأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح هشام المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «فإنْ كانا سواء وَرث ميراث الرّجال والنساء».

فإنّ المراد به نصف الأمرين لا مجموعهما، كما هو واضح.

ومنها: حَسن إسحاق المتقدّم أيضاً، وجاء فيه قوله عليه السلام:

«فإنْ ماتَ ولم يبل فنصفُ عقل المرأة ونصفُ عَقل الرّجل».

إذ المراد بالعقل فيه ليس هو الدّية قطعاً، بل المراد به الميراث.

والمناقشة فيهما: بأنّ عدم إرادة مجموعهما في الأوّل لا يعيّن إرادة نصف الأمرين، كما أنّ عدم إرادة المعنى الظاهر من العقل لا يوجبُ حَمله على الميراث.

غير صحيحة: لظهور كلٍّ منهما بقرينة ورودهما لبيان حكم الميراث ذلك.

ويشهد به: - مضافاً إلى النصوص - أنّه مقتضى القاعدة أيضاً، وهي قسمة المال المشتبه بين شخصين بالنصف، فإنّ كون مقدار حصّة الأُنثى له مقطوعٌ ، والزائد عليه إلى أن يبلغ حصّة الذَكَر مشكوكٌ فيه، وكما لا يعلم أنّه يستحقّه، لا يعلمُ استحقاق غيره للنصف.

واستدلّ للقول الثاني: بالإجماع، وبعمومات(1) القرعة وبنصوصها(2) الواردة فيمن ليس له ما للرِّجال ولا ما للنِّساء.4.

ص: 361


1- وسائل الشيعة: ج 27/257 ح 33710، الكافي: ج 5/490 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/292 ح 33024، الكافي: ج 7/157 ح 4.

أقول: وفي الجميع نظر:

إذ الإجماع المنقول مع ذهاب الأكثر إلى خلافه كما ترى .

وعمومات القرعة لايرجعُ إليها مع وجود النصوص الخاصّة المعيّنة للوظيفة، ونصوصها الخاصّة لايتعدّى عن موردها إلّاعلى القول بالقياس.

واستدلّ للثالث: بصحيحة محمّد بن قيس(1)، ورواية ميسرة بن شريح(2)الطويلتين المتضمّنتين لعَدّ أمير المؤمنين عليه السلام الأضلاع، والإلحاق بالرَّجل بعد الاختلاف.

وفيه أوّلاً: أنّهما مختلفتان في عدد الأضلاع، ففي الثانية أنّ عدد الجنب الأيمن اثنى عشر ضلعاً، والجنب الايسر أحدَ عشر ضلعاً، وفي الأُولى فكان أضلاعها سبعة عشر، تسعة في اليمين، وثمانية في اليسار.

وثانياً: أنّ المفروض فيهما أنّه كان قد وطأ الجارية فأولدها، وهذه أمارة ظاهرة لكونه رجلاً، ومع ذلك لم يَحكم عليه السلام بكونه رجلاً، بل قال:

«فلو خَلّف ذَكَراً وخُنثى ، فرضتهما ذكرين تارةً ثمّ ذكراً واُنثى ، وضربت إحدى الفريضتين في الأُخرى ، ثمّ المجتمع في حالتيه، فيكون اثنى عشر، وللخُنثى وللذَّكَر سبعة، ولو كان معه اُنثى كان لها خمسة وللخُنثى سبعة».

وثالثاً: أنّ المحكيّ عن أهل التشريح دعوى التساوي بين الرّجل والمرأة في الأضلاع.

ورابعاً: أنّه ليس فيه الاختبار بالأمارات السابقة، والاعتماد على قوله في عدم وجود شيء منهما له كما ترى .5.

ص: 362


1- وسائل الشيعة: ج 26/288 ح 33018، من لا يحضره الفقيه: ج 4/327 ح 5704.
2- وسائل الشيعة: ج 26/286 ح 33016، تهذيب الأحكام: ج 9/354 ح 5.

فلو خلَّف وَلَدين ذَكراً وخُنثى ، فرضتهما ذَكَرين تارةً ، ثُمّ ذكرٌ وأُنثى ، وضَربت إحدى الفريضتين في الأُخرى ، ثُمّ المجتمع في حالتيه، فيكون اثنى عشر، للخُنثى خمسةٌ ، وللذَّكَر سبعة، ولو كان معه اُنثى كان لها خمسةٌ وللخُنثى سبعة، ولو اجتمعا معاً فالفريضة من أربعين.

فالإنصاف: أنّ الاستناد إلى هذه الأخبار في الفتوى، سيّما مع عدم إمكان تمييز الأضلاع غالباً على وجهٍ تطمئنّ النفس به، حتّى ظَنّ بعض النّاس مخالفة هذه العلّامة للحِسّ ، مدّعياً أنّه اختبر ذلك غير مرّةٍ فلم يتحقّقها، غيرُ صحيحٍ .

وعليه، فالأظهر هو القول الأوّل.

قال المصنّف رحمه الله: وعلى ذلك (فلو خلّف ولدين ذكراً وخُنثى ، فرضتهما ذَكَرين تارةً ثُمّ ذكراً وأُنثى ) بأنْ يفرض الخُنثى مرّةً ذَكَراً وأُخرى أُنثى ، وتقسّم الفريضة مرّتين، ثمّ تضرب إحداهما في الأُخرى ، فإنّ حصّة الخُنثى على تقدير الذكوريّة النصف، فهي من اثنتين، وعلى تقدير الاُنوثيّة الثُّلث، فهي من ثلاثة، والعددان متباينان (وضربت إحدى الفريضتين في الأُخرى ) تبلغ ستّة، (ثُمّ المجتمع في حالتيه) في مخرج النصف وهو إثنان (فيكون اثنى عشر للخُنثى ) على تقدير ذكوريّته ستّة، وعلى تقدير اُنوثيّته أربعة، فله نصفهما وهو (خمسة، وللذَّكَر سَبعة) لأنّها نصفُ ماله على تقدير ذكوريّة الخُنثى وهو ستّة، وعلى تقدير اُنوثيّته وهو ثمانية.

(ولو كان) بدل الذَكَر (معه أُنثى ) فالمسألة بحالها، إلّاأنّه (كان لها خَمسة، وللخُنثى سبعة) كما هو الظاهر ممّا ذكرناه.

(ولو اجتمعا معاً، فالفريضة من أربعين) لأنّك:

ص: 363

تفرضُ ذكرين وأُنثى تارةً فالفريضة من خمسة، وذكراً واُنثيين أُخرى فهي من أربعة، والعددان متباينان، فتضربُ إحدى الفريضتين في الأُخرى تبلغ عشرين، ثُمّ المجتمع في مَخرج النصف اثنين، يبلغ أربعين للخُنثى على تقدير الذكوريّة ستّة عشر، وعلى تقدير الاُنوثيّة عشر، فله نصفهما ثلاثة عشر.

وللذَّكَر ثمانية عشر، فإنّه على تقدير ذكوريّة الخُنثى ستّة عشر، وعلى تقدير اُنوثيّته عشرين، ونصفهماثمانية عشر، وللأُنثى تسعة نصف ثمانية عشر على التقديرين.

وهذا الطريق للتقسيم اختاره الشيخ في «المبسوط»(1) على ما حُكي، والمحقّق في «النافع»(2).

وفي «الرياض»(3): (وهو الأشهر، كما صرّح به جمعٌ ممّن تأخّر).

وعن «النهاية»(4)، و «الإيجاز»(5)، و «الشرائع»(6): اختيار طريقٍ آخر، واستحسنه في محكي «التحرير»(7)، وهو أنْ يُعطى نصف ميراث ذكرٍ ونصفُ ميراث أُنثى .

ففي الفرض الأوّل: يُعطى الذَّكر أربعة، والخُنثى ثلاثة.

وفي الثاني: للأُنثى سهمان، وللخُنثى ثلاثة.

وفي الثالث: للذَّكَر أربعة، وللخُنثى ثلاثة، وللأُنثى إثنان.5.

ص: 364


1- المبسوط: ج 4/114-115.
2- المختصر النافع: ص 267.
3- رياض المسائل: ج 2/377 (ط. ق).
4- النهاية: ص 677.
5- الرسائل العشر: ص 275 وحكاه عنه في الرياض: ج 14/453 (ط. ج).
6- شرائع الإسلام: ج 4/38.
7- تحرير الأحكام: ج 2/174-175.

ولو فَقَد الفَرجين

وتوضيحه: بأن يُجعل لحصّة الابن نصفاً، ولحصّة البنت نصفاً، فأقلّ عددٍ يُفرض للبنت إثنان وللأبن ضعفهما، فالفريضة في الفرض الأوّل من سبعة، وفي الثاني من خمسة، وفي الثالث من تسعة.

أقول: وبين الطريقين اختلاف:

فإنّه على التقدير الأوّل: يكون للخُنثى في الفرض ثلاثة أسباع التركة، وللذَّكَر أربعة أسباعها.

وعلى التقدير الثاني: يكون للخُنثى فيه ثلاثة أسباع التركة، إلّاسُبعاً واحداً من اثني عشر، لأنّه يأخذ على هذا التقدير خمسة من إثنى عشر، فإذا جعلها أسباعاً كان السّبع منها واحداً وخمسة أسباع، فثلاثة أسباعها خمسة وسُبع، ولم يحصل له على هذا التقدير إلّاخمسة. وهكذا في الفريضين الآخرين.

والأظهر هو الطريق الأوّل.

ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرناه حكم مالو اجتمع معه الزّوج أو الزّوجة والأبوان وغيرهم من الورثة.

ميراثُ فاقد الفَرجين

(ولو فَقد الفرجين):

إمّا بأن يكون في قُبُله لُحمة ثابتة كالرّبوة، يرشحُ منها رشحاً، وليس له قُبُلٌ .

أو يكون له من المخرجين مخرجٌ واحدٌ يتغوّط منه ويبول.

ص: 365

وَرِث بالقرعة.

أو يفقد الدُّبر أيضاً، ويخرجُ من ثُقبة بينهما.

أو بأن يتقيّأ ما يأكله، وقد نُقل أنّه وُجِد أشخاص كذلك.

ففي جميع هذه الحالات المشهور بين الأصحاب أنّه (وَرِثَ بالقُرعة).

بل عن «السرائر»(1)، وظاهر «الغنية»(2)، و «التنقيح»(3): الإجماع عليه.

أقول: والنصوص به مستفيضة:

منها: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن مولودٍ ليس له ما للرّجل ولا له ما للنساء؟

قال عليه السلام: يُقرع عليه الإمام أو المقرع يكتب: (على سهم عبد اللّه وعلى سهم أمَة اللّه) ثمّ يقول الإمام أو المقرع: (اللّهم أنتَ اللّه لا إله إلّاأنتَ عالمُ الغيب والشهادة، أنتَ تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بيّن لنا أمر هذا المولود حتّى كيف يُورَث مافَرَضتَ له في الكتاب) ثُمّ تُطرح السهمان في سهام مُبهمة، ثُمّ تجال السِّهام، على ما خَرَج وَرث عليه»(4).

ومنها: خبر إسحاق الصحيح بصفوان بن يحيى وابن مسكان، عنه عليه السلام:

«عن مولودٍ ولد وليس بذكرٍ ولا أُنثى ، وليس له إلّادبرٌ، كيف يورث ؟2.

ص: 366


1- السرائر: ج 3/277.
2- حكاه عنه في الجواهر: ج 39/295.
3- التنقيح الرائع: ج 4/216.
4- وسائل الشيعة: ج 26/292 ح 33024، الكافي: ج 7/158 ح 2.

قال عليه السلام: يجلس الإمام عليه السلام ويجلس معه اُناسٌ ، فيدعواللّه ويُجيل السِّهام على أيّ ميراثٍ يورثه، ميراثُ الذَكَر أو ميراث الأُنثى ، فأيّ ذلك خرج ورّثه عليه.

ثمّ قال عليه السلام: وأيّ قضيّةٍ أعدل من قضيّةٍ يُجال عليها بالسِّهام، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ اَلْمُدْحَضِينَ ) (1)»(2).

ونحوهما مرسل(3) ثعلبة، والموثّق(4).

ويمكن أن يقال: - كما صرّح به الشهيدان(5)، وصاحب «الجواهر»(6) وغيرهم - باستحباب الدّعاء لا وجوبه، كما في سائر موارد القرعة، على ما حقّقناه في كتابنا «القواعد الفقهيّة»، وإنْ كان الدّعاء أحوط، لتضمّن جميع النصوص له، وأفتى كثيرٌ من الأصحاب بوجوبه فلا يُترك.

وقد نُسب إلى ابني الجُنيد(7) وحمزة(8): بالاعتبار أوّلاً بتنحّي البول وعدمه، فالأوّل ذَكَرٌ والثاني أُنثى . وعن «الاستبصار» الميل إليه، ومال إليه في «المستند»(9).

واستدلّ له: بمرسل ابن بكير المرويّ في «الوسائل» عنهم عليهم السلام، وفي «الجواهر» عن أحدهما عليهما السلام، وفي «المسالك»(10) أنّه مقطوعٌ :8.

ص: 367


1- سورة الصّافات: الآية 141.
2- وسائل الشيعة: ج 26/294 ح 33026، الكافي: ج 7/157 ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 26/293 ح 33025، الكافي: ج 7/158 ح 3.
4- وسائل الشيعة: ج 26/294 ح 33026، تهذيب الأحكام: ج 9/357 ح 10.
5- الدروس: ج 2/381، مسالك الأفهام: ج 13/257.
6- جواهر الكلام: ج 39/296.
7- مختلف الشيعة: ج 9/102.
8- حكاه عنه في الجواهر: ج 39/296.
9- مستند الشيعة: ج 19/451.
10- مسالك الأفهام: ج 13/258.

ومن له رأسان أو بدنان على حقوٍ واحدٍ، يُصاح به، فإن انتبها معاً فواحدٌ وإلّا فإثنان.

«في مولودٍ ليس له ما للرّجال ولا ما للنساء إلّاثقبٌ يخرج منه البول، عليّ أي ميراثٍ يورث ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان إذا بال يتنحّى بوله ورث ميراث الذكر، وإنْ كان لايتنحّى بوله، وَرِث ميراث الأُنثى »(1).

أقول: والظاهر عدم كونه مقطوعاً، والمرسل من أصحاب الإجماع، فلا بأس بالعمل به، ولكن في مورده، وهو ما إذا كان له ثقبٌ يَخرُج البول منه، فلو كان البول يخرجُ من الدُّبر، لا يكون المرجع فيه إلّاالنصوص الاُولى التي أكثرها في المولود الذي ليس له إلّادبرٌ.

وصحيح الفضيل منها مطلقٌ يقيّد إطلاقه بالمرسل.

وعليه، فالأظهر هو ذلك.

(ومن له رأسان أو بدنان على حقوٍ واحدٍ) - والحَقْو بفتح الحاء وسكون القاف - مَعقَدُ الإزار عند الخصر، وهو وسط الإنسان فوق الوَرَك، وعليه فله فرجٌ ذَكر أو أُنثى ، وإنّما يحصل الاشتباه في اتّحادهما وتعدّدهما بالشخص.

فعلى التقديرين يرثان إرث ذي الفرج الموجود.

ولو لم يكن له فرجٌ ، أو كانا معاً له، حُكم لهما بما مضى.

وكيف كان، فالمشهور بينهم أنّه (يُصاح به فإنْ انتبها معاً فواحدٌ، وإلّا فاثنان)1.

ص: 368


1- وسائل الشيعة: ج 26/294 ح 33027، تهذيب الأحكام: ج 9/357 ح 11.

بل الظاهر عدم الخلاف فيه، ويشهد به:

خبر حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «وُلِد على عهد أميرالمؤمنين عليه السلام مولودٌ له رأسان وصدران على حقوٍ واحدٍ، فسُئِل أمير المؤمنين عليه السلام يورث ميراث اثنين أو واحد؟

فقال عليه السلام: يُترك حتّى ينام ثمّ يُصاح به، فإن انتبها جميعاً معاً، كان له ميراثٌ واحد، وإنْ انتبه واحدٌ وبقي الآخر نائماً، فإنّما يُورَث ميراث اثنين»(1).

ونحوه مرسل(2) المفيد.

وضعف السند منجبرٌ بالعمل، ومقتضى الإطلاق ترتّب جميع أحكام الوحدة والتعدّد، أعمّ من الإرث والحَجَب والشهادة.

والكلام في نكاحهما والوضوء والحَدَث، وغير تلكم، موكولٌ إلى محالّها.

***0.

ص: 369


1- وسائل الشيعة: ج 26/295 ح 33028، الكافي: ج 7/159 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/296 ح 33029، بحار الأنوار: ج 40/257 ح 30.

الفصل السابع: في ميراث الغَرقى والمهدوم عليهم:

وهؤلاء يتوارثون

الفصل السابع: في ميراثِ الغَرقى والمَهدومِ عليهم

اشارة

(الفصل السابع: في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم)

(و) الكلامُ فيه في ضمن مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف ولا إشكال في أنّ (هؤلاء) أي الغرقى والمهدوم عليهم (يتوارثون) أي يرث كلّ منهما من الآخر، بأن يُفرض موت أحدهما أوّلاً فيورثَ الآخر منه، ثُمّ يُفرض موتُ الآخر فيرثِ الأوّلُ منه.

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه).

وعن العُمّاني(2): يرثُ الغرقى والهدمى عند آل رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

أقول: والنصوص به مستفيضة:

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن القوم يغرقون في السفينة، أو يقع عليهم البيت فيموتون، فلا يُعلم أيّهم ماتَ قبل صاحبه ؟

قال عليه السلام: يورث بعضهم من بعض، كذلك هو في كتاب عليّ عليه السلام»(3).

ص: 370


1- جواهر الكلام: ج 39/306.
2- فقه ابن أبي عقيل: ص 522.
3- وسائل الشيعة: ج 26/307 ح 33053، الكافي: ج 7/136 ح 1.

وصحيحه الآخر عنه عليه السلام نحوه(1).

ومنها: الخبر الثالث المرويّ عنه عليه السلام: «عن بيتٍ وقع على قومٍ مجتمعين، فلا يُدرى أيّهم ماتَ قبل ؟ فقال عليه السلام: يورثَ بعضهم من بعض.

قلت: فإنّ أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً؟ قال: وما أدخل ؟

قلت: رجلين أخوين أحدهما مولاي والاخر مولى لرجلٍ ، لأحدهما مائة ألف درهم، والآخر ليس له شيء، ركبا في السفينة فغرقا، فلم يُدر أيّهما ماتَ أوّلاً، كان المال لورثة الذي ليس له شيء، ولم يكن لورثة الذي له المال شيء؟

قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لقد سمعها وهو هكذا»(2).

ومنها: الخبر الرابع عنه عليه السلام، وهو نحو الثالث(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ سقط عليه وعلى امرأته بيتٌ؟

قال عليه السلام: تورث المرأة من الرّجل، ويورث الرّجل من المرأة، معناه يورثُ بعضهم من بعض من صُلب أموالهم، لا يورثون ممّا يورث بعضهم بعضاً شيئاً»(4).

ومنها: صحيحه الآخر، عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجلٍ سقط عليه وعلى امرأته بيت ؟

فقال عليه السلام: تورث المرأة من الرّجل، ثمّ يورث الرّجل من المرأة».1.

ص: 371


1- وسائل الشيعة: ج 26/308 ح 33055، تهذيب الأحكام: ج 9/360 ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 26/309 ح 33058، الكافي: ج 7/137 ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 26/309 ح 33059، الكافي: ج 7/137 ح 3.
4- وسائل الشيعة: ج 26/310 ح 33060، تهذيب الأحكام: ج 9/359 ح 1.

بشروط: أن يكون لهما أو لأحدهما مالٌ ، وكانوا يتوارثون،

ونحوه(1) موثّق الفضل بن عبد الملك(2)، وخبر عبيد بن زرارة أو صحيحه(3).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ وإمرأةٍ انهدم عليهما بيتٌ فماتا، ولا يُدرى أيّهما ماتَ قبلُ؟

فقال عليه السلام: يرثُ كلّ واحدٍ منهما زوجه كما فرض اللّه لورثتهما»(4).

ومنها: خبر البصري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت ؟ قال عليه السلام: يورَثُ بعضهم من بعض»(5).

ونحوها جملةٌ أُخرى من الأخبار.

وعليه، فأصل الحكم لا إشكال فيه لكنّه مشروطٌ (بشروطٍ):

الشرط الأوّل: (أن يكون لهما أو لأحدهما مالٌ ) لأنّ التوريث متوقّفٌ على وجود المال للمورث، ولو كان لأحدهما مالٌ دون الاخر يرثه مَنْ لا مال له، وينتقل منه إلى ورثته الأحياء، كما صرّح به في الخبر الثالث والرابع.

(و) الشرط الثاني: إذا (كانوا يتوارثون) إمّا مقدماً على جميع من سواهم أو يكون شريكاً، فلو انتفى السبب من طرفين، كما لو كانا أخوين لكلّ منهما أولاد، لم4.

ص: 372


1- وسائل الشيعة: ج 26/315 ح 33071، تهذيب الأحكام: ج 9/359 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/315 ح 33070، من لا يحضره الفقيه: ج 4/307 ح 5657.
3- وسائل الشيعة: ج 26/315 ح 33070، من لا يحضره الفقيه: ج 4/307 ح 5657.
4- وسائل الشيعة: ج 26/308 ح 33054، تهذيب الأحكام: ج 9/359 ح 3.
5- وسائل الشيعة: ج 26/308 ح 33055، تهذيب الأحكام: ج 9/360 ح 4.

يرث أحدهما من الآخر إجماعاً، لانتفاء الموضوع بعد وضوح أنّ النصوص ليست في مقام جعل من لايكون وارثاً وارثاً، بل في مقام بيان أنّه يرث الوارثُ مع الشكّ في تقدّم موت المورث.

إنّما الكلام فيما لو كان أحدهما يرثُ من الآخر، والآخر لا يرث منه، كأخوين غرقا، ولأحدهما أولاد دون الآخر:

فالمشهور بينهم أنّه لا يرثُ أحدهما الآخر، وادُّعي عليه الإجماع.

وعن المحقّق الطوسي(1) أنّه قال قُوّم: (بل يورث من الطرف الممكن).

ومال إليه المحقّق الأردبيلي(2)، واستشكل صاحب «الكفاية»(3).

أقول: ويمكن أن يستدلّ للمشهور بأنّ الحكم ثابتٌ على خلاف الأصل، فيُقتصر فيه على اليقين المنصوص من التوارث.

وقد استدلّ للثاني: بأنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام في أخبارٍ متعدّدة: «يورث بعضهم من بعض» ثبوت التوارث هنا من جانبٍ واحد.

وأُورد على ذلك: بأنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «إنّه يرثُ كلُّ بعضٍ من كلّ بعض» ولمّا لم يكن ذلك في المفروض، فلابدّ من أحد التخصيصين:

إمّا تخصيص البعض بالبعض الوارث، الخالي عن المانع.

أو تخصيص المهلكين بالمتوارثين.

وإذ لا مرجّح فيدخلُ الإجمال، ولا يتحقّق الخروج عن القاعدة، بل المرجّح8.

ص: 373


1- حكاه عنه في كشف اللّثام: ج 9/524.
2- مستند الشيعة: ج 19/459.
3- الكفاية: ص 308.

ويُشتبه المتقدّم.

في الجملة للأخير ثابتٌ ، وهو التصريح بالتوارث من الجانبين في مرسل حمران مع إطلاق المهلكين، ذكره في «المستند»(1).

وفيه: إنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «يورثُ بعضهم من بعض» أنّ كلّ واحدٍ منهما يرثُ من الآخر، من دون أن يكون إرث أحدهما مقيّداً بإرث الآخر، وما لايمكن في المفروض إنّما هو إرثُ أحدهما لاقترانه بالمانع، فهو وحده يخرجُ عن تحت الإطلاق، ولا وجه لإخراج غيره.

وتخصيص المهلكين بالمتوارثين، وإنْ كان يوجبُ سلامة الإطلاق عن ورود القيد عليه، ولكن لا وجه له أصلاً، لأنّ التقييد والتخصيص يتوقّفان على قرينة، وإلّا فالاختراعي منهما يُضرب على الجدار، والقرينة في المفروض إنّما هي بالنسبة إلى تقييد إطلاق البعض موجودٌ، وبالنسبة إلى غيره غير موجود، فيلتزم به خاصّة، ولا يلزم الإجمال.

ومجرّد ورود الحكم على الخاصّ الآخر في خبرٍ آخر، لا يوجبُ التقييد، لأنّه في المثبتين لا يُحمل المطلق على المقيّد.

وعليه، فالإنصاف أنّه لولا الإجماع لكان القول الثاني قويّاً، والاحتياط طريق النجاة.

(و) الشرط الثالث: أن (يشتبه المتقدّم) فلو عُلم الإقتران لا يرثُ أحدهما من9.

ص: 374


1- مستند الشيعة: ج 19/459.

الآخر، ولو عُلم المتقدّم يرثهُ المتأخّر خاصّة.

أقول: ووجه اشتراط هذا الشرط - مضافاً إلى الإجماع، وإلى ما في الخبر المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «في رجلٍ وامرأة ماتا جميعاً في الطاعون ماتا على فراشٍ واحدٍ ويد الرّجل ورجله على المرأة، أنّه جعل الميراث للرَّجل معلّلاً بأنّه ماتَ بعدها»(1) - من عموم العلّة، واختصاص أكثر الأخبار المتقدّمة ممّا كان كذلك، وظهور البواقي فيه - ما قدّمناه من أنّ النصوص ليست في مقام بيان جعل من عُلم عَدم كونه وارثاً بحسب الأدلّة والقواعد وارثاً.

وعليه، فالأظهر اعتبار هذا الشرط أيضاً.

وفي المقام شرطٌ رابعٌ : حُكي عن «التحرير»(2) و «القواعد»(3)، وهو:

كون الموت بالسبب، فلو وقع بغيره كحتف أنفه، لم يثبت التوريث بينهم، بل ينتقل الإرث من كلّ منهم إلى وارثه الحَيّ .

وفي «المسالك»(4): ادّعى الإجماع على عدم التوارث في المفروض، وخبر القدّاح شاهدٌ به، رواه عن جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، قال:

«ماتت أُمّكلثوم بنت عليّ عليه السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطّاب في ساعةٍ واحدة، لا يُدرى أيّهما هَلَك قبل، فلم يورّث أحدهما من الآخر، وصلّى عليهما جميعاً»(5).

***5.

ص: 375


1- وسائل الشيعة: ج 26/314 ح 33069، الكافي: ج 7/138 ح 6.
2- تحرير الأحكام: ج 2/175.
3- قواعد الأحكام: ج 3/400.
4- مسالك الأفهام: ج 13/270.
5- وسائل الشيعة: ج 26/314 ح 33067، تهذيب الأحكام: ج 9/362 ح 15.

وفي ثبوتِ هذا الحكم بغير الغَرق والهدم

في ثبوت هذا الحكم بغير الغرق والهدم

المسألة الثانية: (وفي ثبوت هذا الحكم) يعني التوارث بين الأموات المُشتَبهين في الموت بحسب السَّبق والتقارن إذا كان الموت (ب) سبب (غير الغَرق والهدم) من باقي الأسباب كالقتل والحَرق وما شاكل، قولان:

أحدهما: ما عن المفيد(1) وغيره من عدم التوارث واختصاصه بالغَرق والهدم.

وفي «المسالك»(2): نسبه إلى المعظم.

وعن «الروضة»: إلى الأكثر(3).

وعن «الكفاية»(4): نسبته إلى الأصحاب، واختاره الشهيدالثاني(5)، وصاحب «الجواهر»(6)، والفاضل النراقي(7)، وغيرهم.

وعن المجلسي(8)، وابني حمزة(9) وسعيد، والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(10): تعميم

ص: 376


1- المقنعة: ص 699.
2- مسالك الأفهام: ج 13/270.
3- الروضة البهيّة: ج 8/221.
4- كفاية الأحكام: ص 308.
5- مسالك الأفهام: ج 13/270-271.
6- جواهر الكلام: ج 39/308-309.
7- مستند الشيعة: ج 19/463.
8- مرآة العقول: ج 23/203، وملاذ الأخيار: ج 15/376.
9- الوسيلة: ص 400.
10- قواعد الأحكام: ج 3/400.

إشكالٌ .

الحكم في كلّ الأسباب، وقوّاه المصنّف في محكيّ «المختلف»(1)، ونُسِبَ إلى «المبسوط»(2)، و «النهاية»(3) أيضاً.

وظاهر المصنّف رحمه الله في المتن، حيث قال: وفي ثبوت هذا الحكم بغير الغَرق والهدم (إشكالٌ ) التوقّف في الحكم، وتوقّف فيه سيّد «الرياض» أيضاً(4).

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: فيما تقتضيه القاعدة في المقام.

وملخَّص القول فيه: إنّه إذا لم يُعلم بالتقارن، وشُكّ في التقدّم والتأخّر أو فيهما وفي التقارن، مقتضى استصحاب حياة كلّ منهما إلى ما بعد موت الآخر إرثه منه، من غير فرقٍ بين الجهل بتاريخ موتهما والعلم بتاريخ أحدهما، بناءً على ما هو المختار من جريان الأصل في كلٍّ من مجهول التاريخ ومعلومه، فإنّ موضوع الإرث حياة الوارث بعد موت المورث، ولو لحظةً وهي تُحرز بالاستصحاب.

ودعوى: أنّ التوريث متوقّفٌ على العلم بوجود الوارث ووارثيّته، فشرط التوريث ليس مجرّد الوجود والانتساب الواقعي، فلا يثبتُ بالاستصحاب.

مندفعة: بأنّه لم يؤخذ العلم في الأدلّة كي يُشكَل في قيام الاستصحاب مقامه،8.

ص: 377


1- مختلف الشيعة: ج 9/102-103.
2- حكاه عنه في المستند: ج 19/463.
3- النهاية: ص 674.
4- رياض المسائل: ج 2/378.

بل العلم في المقام طريقيٌ محض، وقيام الاستصحاب مقامه واضحٌ حُقّق في محلّه، ولكن يتعارض الاستصحابان للعلم الإجمالي بعدم تأخّر موت أحدهما الموجب للعلم بأنّه لا ينتقل إلى أحدهما المال من الآخر، ولا يجوزُ لورثته التصرّف فيه، وهذا العلم الإجمالي مانعٌ عن جريان الاستصحابين.

وعلى ذلك، فلا يُحكم بوارثية كلّ منهما من الآخر، وأيضاً لا يُحكم بعدم الوارثيّة قطعاً، وانتقال المال إلى غيرهما، إذ كما يُشكّ في إرث كلّ منهما من الآخر، يُشكّ في إرث غيره لهذا المقدار الذي يرثه على تقدير الحياة، بعد موت المورث، كان هو جميع المال أو بعضه.

ودعوى: أنّ شرط إرث الآخر كان هو المساوي أو الأبعد عدم العلم بوجود الأقرب أو المساوي، كما في «المستند»(1).

غريبة: فإنّه مشروطٌ بعدم وجود الأقرب أو المساوي، نعم يُكتفى في إحراز ذلك بالأصل إنْ كان جارياً، وفي المقام لا يجري، بل إذا عُلم بالتقدّم أو التأخّر، ولم نحتمل التقارن، عُلم اجمالاً بانتقال المال من أحدهما إلى الآخر، فالتقسيم بفرض كون ما كان لكلٍّ منهما قبل الموت له يُخالف ذلك، فلابدّ من المعاملة مع ميراث كلّ منهما في المقدار الذي ينتقل إلى الآخر على فرض حياته بعد موت المورّث، معاملة المال المشتبه مالكه، فإنّه مشتبهٌ بين أن يكون لورثة الآخرين أو لمن مات معه، وحكمه الصُّلح بالتنصيف، كما حُقّق في محلّه.

المورد الثاني: في أنّه هل يَصحّ التعدّي عن مورد نصوص الغَرق والهدم إلى4.

ص: 378


1- مستند الشيعة: ج 19/455-464.

غيرهما من الأسباب أم لا؟

قيل بالأوّل: واستدلّ له بأنّ العلّة في التوارث اشتباه التقدّم والتأخّر في الموت المستند إلى سببٍ ، وهي موجودة في غير الأمرين، ووجود العلّة يستلزم وجود المعلول.

واُجيب عنه: - كما في «المسالك»(1) -: (بمنع عليّة المذكور، وأيُّ دليلٍ يدلّ عليها، والمعلول إنّما هو الاشتباه بالأمرين المذكورين، فجاز أنْ تكون العلّة مختصّة بذلك، لأنّ مرجعها إلى وضع الشارع) انتهى .

أقول: ولكن يمكن أن يقال إنّ الظاهر بحسب المتفاهم العرفي كون العلّة ما ذُكر في الاستدلال، كما يشهد به فهم الراوي في الخبر الثالث والرابع من الأخبارالمتقدّمة، فإنّ فيهما حكم الإمام عليه السلام في خصوص المهدوم عليهم بثبوت ذلك، وبعد سماع الراوي منه اعترض على أبي حنيفة فيما حَكَم به في الغرقى، الظاهر ذلك في أنّه فهم منه أنّ العلّة هي الاشتباه والجهل بالسَّبق، وهو بعينه موجودٌ في الغرقى، والإمام عليه السلام لم يردعه عن فهمه بأنّ ذلك قياسٌ باطلٌ ، وأنّ ما ذكرتَ كان في المهدوم عليهم، وأنّ ما ذكره أبو حنيفة فهو في الغرقى، فكيف تقول أدخَلَ أبو حنيفة على هذا شيئاً، بل أقرّه على فهمه، فهذه آية كون العلّة المحتجّ بها قطعيّة.

ويؤيّد ذلك: تفريع الاشتباه وعدم العلم بالسَّبق على ذكر الغَرق والهدم في النصوص، الظاهر ذلك في أنّ المسؤول عنه ليس خصوص الغرق أو الهدم، بل الكبرى الكليّة، وهي مالو جهل أيّهما ماتَ قبل صاحبه، إذ لو كان المراد السؤال1.

ص: 379


1- مسالك الأفهام: ج 13/271.

عن خصوص الجهل بالسَّبق في الغرقى والمهدوم عليهم، لكان ينبغي أن يذكر ذلك بالواو لا بالفاء، وعليه فالجواب يكون عامّاً.

وبالجملة: فالأظهر في النظر التعدّي إلى الموت بأيّ سببٍ كان، ومقتضى الإطلاق وإنْ كان ثبوت ذلك في الموت من غير سببٍ ، إلّاأنّه خرج ذلك بالنص المعمول به بين الأصحاب وبقي الباقي.

المورد الثالث: أنّه قد يقال إنّ بعض الأخبار الخاصّة يشهد لما عليه الأكثر، وهو ما رواه فخر المحقّقين(1) من أنّ قتلى اليمامة وصِفّين والحَرّة لم يرث بعضهم من بعض، بل ورثوا الأحياء.

وفيه أوّلاً: أنّه ضعيف السند للإرسال، وما في «الرياض»(2) من أنّه ينجبر بالشُّهرة غير تامّ ، فإنّ الشُّهرة إنّما توجبُ جَبر الضعف لو استند المشهور في فتواهم إلى الخبر، وإلّا فمجرّد الموافقة للفتوى لا يوجبُ الجبر، وفي المقام كذلك، فإنّ المشهور استندوا في حكمهم بعدم التعدّي إلى أنّ النصوص مختصّة بموارد مخصوصة، والتعدّي عنها يحتاجُ إلى دليل، والأصل يقتضي العدم، فلو كانت هذه الرواية معتبرة عندهم، كان الأولى الاستدلال بها، فلعلّ ذلك يوجبُ زيادة وهن فيه.

وثانياً: أنّه لا يُعلم أنّه كان في القتلى في تلكم المواضع من اجتمع فيه الشرائط المتقدّمة، بأن يكونا بحيث يرثُ أحدهما من الآخر، ومع ذلك لا يعلم أيّهما سَبق قتله.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو التعميم.

***).

ص: 380


1- إيضاح الفوائد: ج 4/277.
2- رياض المسائل: ج 2/379 (ط. ق).

ومع الشرائط يرثُ كلّ واحدٍ منهم مِن صاحبه لا ممّا وَرِث منه.

في كيفيّة ميراثِ الغَرقى والمهدوم عليهم

المسألة الثالثة: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (مع) حصول (الشرائط) التي بيّناها (يرثُ كلّ واحدٍ منهم من صاحبه) بمعنى أنّه يُفرض كلّ واحدٍ منهما حَيّاً بعد موت الآخر، وهذا ثابتٌ لا نقاش فيه.

إنّما الخلاف في أنّه هل يرث الثاني ممّا ورثه منه أو من غيره الأوّل أم (لا) يرثُ (ممّا ورث منه) أو من غيره ممّن ماتَ معه، بل يختصُّ الإرث فيما بينهم في صُلب المال وتالده دون طارفه الذي حصل لهم بالإرث ؟

المشهور بين الأصحاب هو الثاني، وعن ظاهر «الغنية»(1) الإجماع عليه.

وعن المفيد(2)، وسلّار(3): اختيار الأوّل.

يشهد لما هو المشهور:

1 - صحيح عبد الرحمن المتقدّم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلين أخوين لأحدهما مالٌ دون الآخر ركبا في السفينة فغرقا؟

قال عليه السلام: كان المال لورثة الذي ليس له شيءٌ ، ولم يكن لورثة الذي له المال شيء»(4). ونحوه قوله عليه السلام في صحيحه الآخر(5).

2 - وخبر حمران بن أعين، عمّن ذكره، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في قومٍ غَرقوا جميعاً أهلُ البيت ؟

ص: 381


1- الغنية: ص 332.
2- المقنعة: ص 699.
3- حكاه عنه في المختلف: ج 9/115.
4- وسائل الشيعة: ج 26/309 ح 33058، الكافي: ج 7/137 ح 2.
5- وسائل الشيعة: ج 26/309 ح 33059، الكافي: ج 7/137 ح 3.

قال عليه السلام: يورث هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، ولا يرث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً، ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً»(1).

المنجبر ضعفه لو كان بالعمل. ويعضده صحيح محمّد بن مسلم، وهو الخبر الخامس من الأخبار المتقدّمة، فإنّ فيه بعد الحكم بالتوارث: (معناه بعضهم من بعض من صلب ما لهم.. الخ)، فإنّه وإنْ احتُمل كونه تفسيراً لكلام الإمام منه، لا من كلامه عليه السلام، إلّاأنّه على كلّ حالٍ فيه تأييد.

ويؤيّده أيضاً: ما في الأخبار السادس والسابع والثامن من قول الإمام الصادق عليه السلام: «تورث المرأة من الرّجل، ثُمّ يورث الرّجل من المرأة» فإنّه إذا كان يورث ممّا وَرِث من الآخر، لم يكن لهذا الترتيب معنىً كما لا يخفى .

أقول: وربما يستدلّ له بوجه عقلي، وهو أنّ توريث الثاني ممّا ورث منه الأوّل يستلزمُ فرض حياته بعد موته، إذ توريثه منه يقتضى فرض مماته قبل ذلك.

ولا ينتقضُ بالتوارث بينهما، فإنّه يُفرض الحياة والممات في كلّ واحدٍ منهما على انفراده، بلا نظرٍ إلى الآخر، بخلاف التوريث ممّا ورث، المستلزم لذلك في قضيّة واحدة وفرض واحد، فتأمّل.

واستدلّ للقول الأوّل: وهو الذي ذهب إليه المفيد(2) وسلّار(3):

1 - بما سيأتي من ما دلّ على تقديم الأكثر نصيباً في الموت، وتوريث الآخر منه، فلو لم يكن إرث الثاني ممّا ورث منه الأوّل، لم يكن للتقديم فائدة.

2 - وبأنّ فرض توريث الثاني من الأوّل إنّما وقع بعد الحكم للأوّل بملك نصيبه من الثاني، فما ورث منه بمنزلة سائر أمواله.

3 - وبإطلاق أدلّة الإرث.7.

ص: 382


1- وسائل الشيعة: ج 26/311 ح 33061، تهذيب الأحكام: ج 9/362 ح 14.
2- المقنعة: ص 699.
3- المراسم العلويّة: ص 226-227.

ولكن الأوّل يندفع: بأنّه لو ثبتَ وجوب التقديم كان تعبديّاً، وكم للشارع من الأحكام الناشئة عن المصالح والحِكَم الخفيّة علينا، فليكن هذا منها.

وأمّا الثاني فيندفع: بأنّه في مقام الجعل والتشريع لا تقدّم ولا تأخّر بينهما، بل الذي شُرّع هو إرث كلّ منهما من الآخر، فالحكم إنّما هو في ظرفٍ ليس لكلّ منهما مالٌ سوى تلاد ماله أي قديمه، فإنّ المال الجديد إنّما يدخلُ في ملكه في المرتبة المتأخّرة عن فعليّة حكم الإرث، ففي المرتبة المتقدّمة ليس للمورث من الطرفين مالٌ طارق أي جديد، فتدبّر فإنّه دقيق.

وأمّا الثالث: فلأنّ المراد من أدلّة الإرث إنْ كان هو نصوص الباب، فيرد عليه ما أوردناه على الثاني.

وإنْ كان غيرها، فالأدلّة العامّة لا تشمل المقام، كما مرّ وغيرها لم يصل إلينا.

هذا كلّه مع أنّه على فرض تماميّة الأخيرين، يخرجُ عنهما بما تقدّم.

وعليه، فالأظهر أنّه لا يرثُ إلّامن تلاد المال دون طارقه.

لزوم تقديم الأضعف في الإرث

المسألة الرابعة: المحكيّ عن «المقنع»(1)، (و) «المقنعة»(2)، و «النهاية»(3)، و «المبسوط»(4)، و «المراسم»(5)، و «الوسيلة»(6)، و «السرائر»(7)، و «الجامع»(8)،

ص: 383


1- المقنع: ص 505.
2- المقنعة: ص 699.
3- النهاية: ص 674.
4- المبسوط: ج 4/118.
5- المراسم العلويّة: ص 226-227.
6- الوسيلة: ص 401.
7- السرائر: ج 3/300.
8- الجامع للشرائع: ص 520.

ويُقدَّم الأضعفُ في الإرث، فلو غَرق أبٌ وابنٌ ، فُرِض موت الابن أوّلاً وأخذ الأبُ نصيبه، ثُمّ يرثُ الابن نصيبه من تركة الأب، لا ممّا ورث منه، وينتقل نصيب كلّ واحدٍ منهما إلى وارثه، ولو كان لأحد الأخوين مالٌ انتقل إلى ورثة الآخر.

ولو لم يكن وارثٌ كان للإمام.

و «اللّمعة»(1): أنّه (يُقدّم الأضعف في الإرث) أي أقلّ نصيباً على الأكثر نصيباً، (فلو غرق أبٌ وابنٌ ، فُرض موت الابنِ أوّلاً، وأخذ الأب نصيبه، ثمّ يرثُ الإبن نصيبه من تركة الأب، لا ممّا وَرِث منه).

واستدلّ له: بالأخبار السادسة والسابعة والثامنة، لمكان لفظة (ثمّ ) فيها.

وفيه: أنّها مختصّة بالزوج والزّوجة، ولم يظهر كون وجه التقديم هو الأضعفيّة، سيّما وأنّ الحكم تعبّدي محض.

وعليه، فالمتعيّن حملها على الاستحباب، أو على كون (ثمّ ) للترتيب الذُكري، والأمر سهلٌ بعدما عرفت من عدم تغيّر الحكم بذلك عندنا.

المسألة الخامسة: (وينتقل نصيب كلّ واحدٍ منهما إلى وارثه) كسائر أمواله، للعمومات والإطلاقات.

(ولو كان لأحد الأخوين مالٌ انتقل إلى ورثة الآخر) لأنّه ينتقل المال إلى أخيه لنصوص الباب، ثمّ منه إلى ورثته لأدلّة الإرث.

(ولو لم يكن وارثٌ ، كان للإمام)، لأنّه كما مرّ وارثُ من لا وارثَ له.

***1.

ص: 384


1- اللّمعة: ص 231.

الفصل الثامن: في ميراث المجوس: وهؤلاء يرثون بالسَّبب والنَسَب، صحيحهما وفاسدهما،

الفصلُ الثّامن: في ميراث المجوس

(الفصل الثامن: في ميراث المجوس).

أقول: والبحثُ فيه إنّمايفيد على تقديرإسلامهم واحتياجهم إلى حكمهم في شرع الإسلام، أو على تقدير مرافعتهم إلينا وإنْ كانوا على المجوسيّة. ولمّا كان المجوس يستحلّون نكاح المحارم، المحرّمات في شرع الإسلام، فلذلك يحصل لهم بواسطته سببٌ فاسدٌ، ويترتّب عليه نسبٌ فاسد، ولذلك اختلف الأصحاب في ميراثهم:

فعن الشيخ(1) في جملةٍ من كتبه، وابن حمزة(2)، وسلّار(3)، والقاضي(4)، والإسكافي(5)، والمصنّف(6) في بعض كتبه، بل عن «التحرير»(7): (أنّه المشهور):

(و) هو أنّ (هؤلاء يرثون بالسَّبب والنَسَب صحيحهما وفاسدهما).

وعن يونس بن عبد الرحمن(8) - من أجلّاء رجال الكاظم والرّضا عليهما السلام -

ص: 385


1- المبسوط: ج 4/120.
2- الوسيلة: ص 403.
3- المراسم العلويّة: ص 225-226.
4- المهذّب: ص 237-238.
5- مختلف الشيعة: ج 9/106.
6- تبصرة المتعلّمين: ص 178.
7- تحرير الأحكام: ج 2/176.
8- تهذيب الأحكام: ج 9/364.

على خلافٍ .

والمفيد(1)، والتقيّ ، والحِلّي(2)، والمصنّف(3) في بعض كتبه، ونسبه في محكيّ كتاب «الاعلام» للمفيد إلى جمهور الإماميّة(4): عدم توريثهم إلّابالصحيح من النَسَب والسَّبب، دون فاسدهما. وعن الفضل بن شاذان(5) - من القدماء الأجلّاء من رجال الهادي والعسكري عليهما السلام - وابن بابويه(6)، والعُمّاني(7)، والمصنّف في «القواعد»(8):

أنّه يورثهم بالنسب الصحيح خاصّة. وفي «الرياض»: نسبته إلى أكثر من تأخّر(9).

وعن المجلسي رحمه الله: نسبته إلى الأكثر(10).

وإلى القولين الأخيرين أشار المصنّف رحمه الله بقوله: (على خلافٍ ).

أقول: والأوّل أظهر لقويّ السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «أنّه كان يورث المجوسيّ إذا تزوّج باُمّه وابنته من وجهين: من وجه أنّها أُمّه ووجه أنّها زوجته»(11). وقريب منه خبر «قرب الإسناد»(12).2.

ص: 386


1- الأعلام: ص 66.
2- السرائر: ج 3/288.
3- مختلف الشيعة: ج 9/110.
4- الأعلام: ص 66.
5- تهذيب الأحكام: ج 9/364.
6- حكاه عنه في التنقيح: ج 4/221.
7- فقه ابن أبي عقيل: ص 521.
8- قواعد الأحكام: ج 3/398-399.
9- رياض المسائل: ج 2/380 (ط. ق).
10- حكاه عنه في الجواهر: ج 39/322.
11- تهذيب الأحكام: ج 9/364 ح 1.
12- وسائل الشيعة: ج 26/317 ح 33072.

مع أنّه قد دلّت النصوص على أنّه لكلّ قومٍ نكاحٌ ، وأنّه يَصحّ النكاح الفاسد في شرعنا بالنسبة إليهم، إذا كان يَصحّ في دينهم:

منها: صحيح عبداللّه بن سنان، قال(1): «قذف رجلٌمجوسيّاً عندأبي عبداللّه عليه السلام...

فقال الرّجل: إنّه ينكحُ أُمّه واُخته.

فقال عليه السلام: ذلك عندهم نكاح في دينهم».

ومنها: ما عن «التهذيب»: «وقد رُوي أيضاً أنّه عليه السلام قال: إنّ كلّ قومٍ دانوا بشيء يلزمهم حكمه»(2).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الأحكام تجوزُ على أهل كلّ ذي دين بما يستحلّون».

ومنها: خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»(3). ونحوها غيرها. وبالجملة: لا إشكال في صحّة نكاحهم.

وعليه، فالنَسَب الفاسد عندنا صحيحٌ ، ويترتّب عليه النسب الصحيح.

أقول: وبذلك يظهر الجواب عن الاستدلال لعدم الإرث:

1 - بعموم ما دلّ على فساد النَسب والسَبب للمسلم والكافر، فلا يندرج حينئذٍ في عموم المواريث المبنيّة على النَسب والسَبب الصحيحين.

2 - وبقوله تعالى: (وَ أَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ ) (4)، وقوله عزّ وجلّ : (وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) (5)، وما بمضمونهما من الآيات، إذ بعد دلالة الدليل2.

ص: 387


1- وسائل الشيعة: ج 26/318 ح 33076، الكافي: ج 5/574 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/318 ح 33074، تهذيب الأحكام: ج 9/365 ح 3.
3- وسائل الشيعة: ج 26/319 ح 33078، تهذيب الأحكام: ج 9/322 ح 12.
4- سورة المائدة: الآية 49.
5- سورة المائدة: الآية 42.

فلو ترك أُمّاً هي زوجته، فلها نصيبها، ولو كان أحدهما مانعاً وَرِث به خاصّة، كبنتٍ هي بنتُ بنتٍ ، فإنّها ترث نصيب البنت خاصّة.

على صحّة النكاح، يقيّد إطلاق ما دلّ على فسادهما للمسلم والكافر، ويكون الحكم بالإرث حكماً بما أنزل اللّه تعالى بالقسط والحقّ .

وعلى ما ذكرناه (فلو ترك) المجوسيّ (أُمّاً هي زوجته، فلها نصيبها، ولو كان أحدهما مانعاً ورث به خاصّة:

كبنتٍ هي بنتُ بنتٍ ، فإنّها ترث نصيب البنت خاصّة) لأنّه لا ميراث لبنتِ البنت مع البنت عندنا. وكبنتٍ هي أُختٌ لأُمّه، فإنّها ترثُ بالبنتيّة دون الاُختيّة، لأنّه لا ميراث للاُخت مع البنت عندنا، واللّه أعلم(1).

***

وقد وقع الفراغ من كتاب الإرث عصر يوم الاثنين أواخر العشر الثالث من شهر ذي الحجّة الحرام سنة 1388 في قرية ميگون من قرى طهران، وأنا سجينٌ فيها، ولا جرمَ لي سوى الدفاع عن حكم القرآن (وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

والحمدُ للّه على نعمائه وآلائه من الصبر على هذه المصائب، والتوفيق لكتابة الفقه ونشر الحقائق الإسلاميّة، وآخر دعوانا أن الحمدُ للّه ربّ العالمين.

***ة.

ص: 388


1- ساهم في إخراج مصادر هذا الجزء سماحة السيّد إبراهيم الموسوي والشيخ نعيم نعمة.

فهرس الموضوعات

كتابُ الميراث 7

موجبات الإرث وأسبابه 9

بيان معنى ذا فرضٍ وذا قَرابة 13

ميراث الأبوين 16

إذا انفرد أحد الأبوين كان له المال كلّه 19

حكم ما لو اجتمع الأبوان 21

حكم ما لو كان مع الأبوين أحد الزوجين 23

ميراث الأولاد 27

ميراث الأولاد والأبوين عند الاجتماع 34

حكم ما إذا اجتمع مع الأولاد أحد الزوجين 41

لا يرثُ الجَدّ والجَدّة مع أحد الأبوين شيئاً 47

استحباب إطعام الجَدّ والجَدّة 52

في الحَجب وبيان المراد منه 62

فروعٌ الحجب عن الإرث 76

ميراث أولاد الأولاد 79

كيفيّة إرث أولاد الأولاد 83

الحبوة 91

في أنّ الحبوة واجبة أو مستحبّة 93

الحبوة تُؤخذ مجاناً، والمحبوّ يُشارك الباقي في الباقي 97

بيان ما يُحبى به 100

ص: 389

بيان من له الحبوة 105

إنْ لم يكن للميّت مال سوى الحباء 111

ميراث الإخوة والأجداد 116

ميراث الإخوة للأُمّ 119

حكم المتقرّب بالأب وحده 121

حكم اجتماع الإخوة المتفرّقين في جهة التقرّب 122

حكم ما لو اجتمعت الكلالة مع أحد الزوجين 129

ميراث الأجداد 133

حكم ما لو اجتمع جدودٌ مختلفون 135

ميراث الإخوة والأجداد إذا اجتمعوا 142

ميراث الأجداد العُليا 152

ميراثُ أولاد الكلالة 156

ميراث الأعمام والأخوال 163

ميراث الأعمام والعَمّات 165

ميراثُ الأخوال والخالات 171

ميراث الأعمام والأخوال إذا اجتمعوا 175

ميراث أولاد العمومة والخؤلة 179

ابن العَمّ من الأبوين مقدّم على العَمّ من الأب 181

ميراثُ عمومة الأبوين وخؤولتهما 190

حكمُ ما لو اجتمع للوارث سببان 193

ميراث ذوي الأسباب 197

عدم اعتبار الدخول في إرث الزوجين 206

حكم ما إذا اشتُبهتِ المطلقة من الأربع 210

ميراث الصغيرين إذا زوّجهما وليَّهما 213

ص: 390

حرمان الزّوجة من بعض تركة زوجها 219

حرمان الزّوجة من بعض التركة 232

حكمُ ما لو تزوّج المريض ولم يدخل فمات 239

إرث ولاء الجريرة 242

ولاء الإمامة 247

من موانع الإرث الكفر 253

المسلم يرث الكافر 256

إسلامُ الكافر قبل القِسمة 261

لو مات نصرانيٌ وخلّف أولاداً صغاراً 266

المسلمون يتوارثون وإنْ اختلفوا في الآراء 269

ميراثُ المرتدّ للمسلم 272

القتل من موانع الإرث 277

القتلُ خَطأً لا يمنعُ من الإرث 279

التقرّب بالقاتل لا يمنع الإرث 283

فيمن يرث من الدّية 285

الدّية في حكم مال الميّت في جميع الأحكام 290

الفصل الرابع / في مخارج السِّهام 296

صور اجتماع بعض الفروض مع بعض 298

نسبة أحد العَدَدين مع الآخر 300

مخارج الفروض الستّة 303

العول 313

عدم ثبوت الميراث بالتعصيب 317

في المناسخات 323

الفصل الخامس / في ميراث وَلد المُلاعنة 327

ص: 391

ميراث ولد الزِّنا 337

ميراثُ الحَمل 340

في تقسيم تركة المفقود 347

الفصل السادس/ في ميراثِ الخُنثى 356

ميراثُ فاقد الفَرجين 365

الفصل السابع/ في ميراثِ الغَرقى والمَهدومِ عليهم 370

في ثبوت هذا الحكم بغير الغرق والهدم 376

في كيفيّة ميراثِ الغَرقى والمهدوم عليهم 381

لزوم تقديم الأضعف في الإرث 383

الفصلُ الثّامن/ في ميراث المجوس 385

فهرس الموضوعات 389

ص: 392

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.