فقه الصادق المجلد 36

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهّرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء السادس والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

كتاب الصّيد وتوابعه.

الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين محمّد وعترته الطاهرين.

(كتابُ الصّيد وتوابعه)

واعلم أنّ الصيد يُطلق على معنيين:

أحدهما: المَصِيد، وهو الحيوان القابل للتذكية، وهو إنّما يصير مُذكّى بطريقين:

1 - الذَّبح أو النحر، وذلك في الحيوان المقدور عليه.

2 - القتل المُزهق في أيّ موضعٍ كان، وذلك في غير المقدور عليه، والأغلب في هذا القسم عقر الحيوان الوحشيّ بآلةِ الإصطياد، ويلحق به الحيوان المتردّي في البئر ونحوها.

ثانيهما: نفس الحَدَث الذي هو التذكية.

وله معنيان آخران باعتبارٍ آخر:

أحدهما: إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة.

والثاني: إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه.

وكلاهما مباحان في الكتاب والسُّنة وعليه إجماع الاُمّة.

ص: 7

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: فما يؤكل صيده: وهو أمران: الكلب والسَّهم.

أمّا الكلب: فإذا قتل صيداً وهو ممتنعٌ ، حَلَّ أكله.

أقول: والكلام في هذا الكتاب إنّما هو في المعنى الثاني من الاعتبار الثاني، وأمّا الصيد بالمعنى الأوّل منه، فهو جائزٌ إجماعاً بكلّ آلةٍ يتوسّل إليه بها من كلبٍ أو سبع أو جارحٍ وغيرها.

(وفيه فصول:

الفصل الأوّل: فما يؤكل صيده)

اشارة

إنْ قُتِل، (وهو أمران):

الأوّل: (الكلب) المُعلَّم.

(و) الثاني: (السَّهم.

أمّا الكلب: ف) لا خلاف ولا إشكال في أنّه (إذا) كان معلَّماً و (قَتلَ صيداً، وهو ممتنعٌ ) بمعنى أنّه أخذه وجَرَحه وأدركه صاحبه ميّتاً أو في حركة المذبوح (حَلَّ أكله)، ويقومُ إرسال الصائد وجرح الكلب في أيّ موضعٍ كان، مكان الذَّبح في المقدور عليه.

وفي «المسالك»(1) وغيرها(2): الإجماع عليه.

أقول: والأصل فيه الكتاب والسُّنة:

أمّا الكتاب: فقوله تبارك وتعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوارِحِ

ص: 8


1- مسالك الأفهام: ج 11/407.
2- كشف اللّثام: ج 2/252.

مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اَللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اُذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (1) .

وقوله سبحانه: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (2).

وأمّا السُّنة: فهي متواترة:

منها: صحيح أبي عُبيدة الحذّاء، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ يُسرّح كلبه المعلّم، ويُسمّي إذا سَرّحه ؟ قال عليه السلام: يأكل ممّا أمسك عليه، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه، وإن وَجَد معه كلباً غير معلَّم فلا يأكل منه»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) (4)، قال عليه السلام:

هي الكلاب»(5).

وغيرهما من الأخبار الآتية في ضمن المباحث القادمة، وإنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين الكلب السَّلوقي وغيره، وعليه الإجماع، ولا بين الأسود وغيره، كما هو المشهور شهرة عظيمة.

وعن ابن الجُنيد(6): التخصيص بما عدا الأسود.

ويشهد له: قويّ السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:1.

ص: 9


1- سورة المائدة: الآية 4.
2- سورة المائدة: الآية 96.
3- الكافي: ج 6/203 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/332 ح 29668.
4- سورة المائدة: الآية 4.
5- الكافي: ج 6/202 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/331 ح 29667.
6- حكاه عنه في المختلف: ج 8/291.

«قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بقتله»(1).

وأجاب عنه المصنّف رحمه الله: - في محكيّ «المختلف»(2) - بأنّه لم يثبت عندنا.

ويَردّه: إنّه مرويٌّ عن طرقنا، فقد رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.

وربما يجاب عنه: بضعف السَّند، لأنّ راويه من قُضاة العامّة، لكن قد مرَّ مراراً أنّ الأظهر قبول رواياته، وعن الشيخ(3) دعوى الإجماع على ذلك.

والحقّ أن يقال: إنّه لإعراض الأصحاب عنه، ساقطٌ عن الحجيّة، وعليه فالمعتمد هو إطلاق الأدلّة.

ثمّ إنّه على القول به يختصّ الحكم بالأسود الذي ليس فيه من الألوان الاُخر شيءٌ ، لتوصيفه بالبهيم أي على لونٍ واحد.

الأمر الثاني: المشهور بين الأصحاب(4) أنّه لا يؤكل ما قَتَله الفهد ونحوه من جوارح البهائم، وعن العُمّاني(5) حليّة صيد ما أشبه الكلب من الفهد وغيره.

يشهد للأوّل: - مضافاً إلى أصالة الحرمة، بعد اختصاص أدلّة الإباحة من الكتاب والسُّنة بالكلاب، خاصّة - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح أبي عبيدة، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:5.

ص: 10


1- الكافي: ج 6/206 ح 20، وسائل الشيعة: ج 23/356 ح 29736.
2- مختلف الشيعة: ج 8/291.
3- الخلاف: ج 6/6-7.
4- رياض المسائل: ج 13/256.
5- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 8/365.

«قلت: فالفهد؟ قال عليه السلام: إن أدركت ذكاته فكُل.

قلت: أليس الفهد بمنزلة الكلب ؟

قال عليه السلام: لا، ليس شيء يؤكل منه مكلب إلّاالكلب»(1).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن صيد الفهد، وهو معلَّمٌ للصيد؟

فقال عليه السلام: إنْ أدركته حَيّاً فذكّه وكُله، وإنْ كان قد قتله فلا تأكل منه»(2).

ومنها: حسن أبي بكر الحضرمي، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن صيد البزاة والصقورة والكلب والفهد؟

فقال عليه السلام: لا تأكل صيد شيء من هذه إلّاما ذكيتموه، إلّاالكلب»(3).

ونحوها غيرها.

واستدلّ للقول الثاني:

1 - بعموم الآية، بدعوى شمول الكلب للفهد وشبهه، لما عن «القاموس»(4)من أنّه كل سبعٍ عقور.

2 - وبجملةٍ من الصحاح:

منها: صحيح البزنطي، قال: «سأل زكريا بن آدم أبا الحسن عليه السلام وصفوان حاضرٌ: عمّا قتل الكلب والفهد؟

فقال: قال جعفر بن محمّد عليهما السلام: الفهد والكلب سواءٌ قدرا»(5).4.

ص: 11


1- التهذيب: ج 9/26 ح 106، وسائل الشيعة: ج 23/343 ح 29700.
2- التهذيب: ج 9/27 ح 110، وسائل الشيعة: ج 23/344 ح 29702.
3- الكافي: ج 6/204 ح 9، وسائل الشيعة: ج 23/332 ح 29669.
4- القاموس المحيط: ج 1/125.
5- التهذيب: ج 9/29 ح 115، وسائل الشيعة: ج 23/345 ح 29704.

ومنها: صحيح زكريّا، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الكلب والفهد يُرسَلان فيقتل ؟

قال: فقال عليه السلام: هما ممّا قال اللّه (مُكَلِّبِينَ ) فلا بأس بأكله»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: قد اختلفت كلمات الشيخ(2) في هذه النصوص:

فتارةً : خصّها بموردها، وجوّز صيد الفهد كالكلب، محتجّاً بأنّ الفهد يُسمّى كلباً لغةً .

وأُخرى : حملها على حال الضرورة.

وثالثة: على التقيّة.

أمّا عموم قوله تعالى فيرد على الاستدلال به:

أوّلاً: إنّ كلام «القاموس» يعارضه كلام غيره مثل الجوهري(3) فقد عرّف الكلب بأنّه: (معروفٌ وهو النابح).

وثانياً: إنّه صرّح في «القاموس»(4) - على ما حُكي - بأنّه غلب على هذا النابح، وهو يدلّ على كونه منقولاً لغويّاً، وقريب منه ما في «المنجد».

وثالثاً: إنّه لو سُلّم كونه حقيقة فيه لغةً ، لا ريب في أنّ الكلب بحسب المتفاهم العرفي حقيقة في النابح خاصّة، لوجود أماراتها فيه، وهو مقدّم على اللّغة.5.

ص: 12


1- التهذيب: ج 9/29 ح 114، وسائل الشيعة: ج 23/344 ح 29703.
2- راجع التهذيب: ج 9/28-29.
3- الصحاح: ج 1/213.
4- القاموس المحيط: ج 1/125.

ورابعاً: إنّه لو سُلّم العموم، لابدّ من تخصيصه بالنصوص المتقدّمة.

وأمّا الأخبار: فالجمع بينها وبين الطائفة الأُولى ، بحمل هذه على الضرورة، جمعٌ تبرّعي لا شاهد له، وحيث إنّه لا يمكن الجمع العرفي بنحوٍ آخر بينهما، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم الأُولى، لموافقتها لفتوى المشهور التي هي أوّل المرجّحات، ومخالفة للعامّة، وهذه موافقة لهم، فالمتعيّن طرح هذه أو حملها على التقيّة.

المورد الثالث: فيما قتله الصقورة والبُزاة والعُقاب وغيرها من جوارح الطير، طوائف من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على عدم حليّته:

منها: حسن الحَضرمي المتقدّم.

ومنها: صحيح الحذاء، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقولُ في البازي والصقر والعقاب ؟

فقال عليه السلام: إذا أدركتَ ذكاته فكُلْ منه، وإنْ لم تُدرك ذكاته فلا تأكل»(1).

ومنها: حسن الحلبي، عنه عليه السلام: «عن صيد البازي والكلب إذا صاده وقد قتل صيده وأكل منه، آكل فضلهما أم لا؟

فقال عليه السلام: أمّا ما قتله الطير فلا تأكل منه إلّاأن تذكّيه، وأمّا ما قتله الكلب وقد ذَكرتَ اسم اللّه عليه فكُل منه وإنْ أكل منه»(2).

ونحوها غيرها.4.

ص: 13


1- الكافي: ج 6/208 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/352 ح 29723.
2- الكافي: ج 6/205 ح 15، وسائل الشيعة: ج 23/349 ح 29714.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الحليّة:

منها: صحيح عليّ بن مهزيار، قال: «كتب إلى أبي جعفر عليه السلام عبداللّه بن خالد بن نصر المدائني: جُعِلتُ فداك، البازي إذا أمسك صيده وقد سُمّي عليه فَقَتل الصيد، هل يحلّ أكله ؟

فكتب عليه السلام بخطّه وخاتمه: إذا سمّيته أكلته.

وقال عليّ بن مهزيار: قرأته»(1).

ومنها: صحيح أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الصقورة والبزاة من الجوارح هي ؟

قال عليه السلام: نعم، هي بمنزلة الكلاب»(2). ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على أنّ الطائفة الأُولى صدرت لبيان حكم اللّه الواقعي، والثانية لبيان التقيّة.

منها: صحيح الحلبي، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: كان أبي عليه السلام يفتي وكان يتقي ونحن نخاف في صيد البزاة والصقورة، وأمّا الآن فإنّا لا نخاف ولا يحلّ صيدها إلّاأن تدرك ذكاته، فإنّه في كتاب عليّ عليه السلام: إنّ اللّه عزّ وجلّ قال: (وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) (3)، من الكلاب»(4).

ومنها: خبر أبان بن تغلب، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: كان أبي يفتي في5.

ص: 14


1- التهذيب: ج 9/31 ح 125، وسائل الشيعة: ج 23/353 ح 29728.
2- التهذيب: ج 9/32 ح 126، وسائل الشيعة: ج 23/354 ح 29729.
3- سورة المائدة: الآية 4.
4- الكافي: ج 6/207 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/349 ح 29715.

زمن بني اُميّة: إنّ ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتّقيهم، وأنا لا أتّقيهم، وهو حرام ما قتل»(1).

وهذه قرينة على حمل الثانية على التقيّة.

فإنْ قيل: إنّ الظاهر كون المراد بأبي جعفر في خبر عليّ بن مهزيار، هو أبو جعفر الثاني لا الباقر عليه السلام، فهذه الطائفة لا تكون ناظرة إليه.

قلنا أوّلاً: إنّه لولا هذه الطائفة لكنّا حاملين الثانية على التقيّة أو كنّا نطرحها، للتعارض بين النصوص، والترجيح مع الأُولى .

وثانياً: إذا صرّح الإمام الصادق بأنّ ما أفتى به الإمام الباقر عليه السلام من الحليّة كان على وفق التقيّة، يكون ذلك قرينةً على أنّ إفتاء أبي جعفر الثاني عليه السلام بها أيضاً يكون كذلك، إذ لا يحتمل التقيّة في الأوّل دون الثاني، بعد أنّ الجميع تحكي الأحكام المجعولة على عامّة المكلّفين، وهو واضحٌ لا سترة عليه.

***4.

ص: 15


1- الاستبصار: ج 4/72 ح 9، وسائل الشيعة: ج 23/352 ح 29724.

بشروطٍ ستّة:

أن يكون الكلب معلَّماً،

شروط حليّة صيد الكلب

وليست حليّة الصيد الذي قتله الكلب مطلقة، بل مشروطة (بشروط ستّة):

الشرط الأوّل: (أن يكون الكلب معلَّماً) بلا خلاف فيه، ويشهد به:

1 - الآية الكريمة: (وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوارِحِ ) (1).

والتقدير: وأحلَّ لكم صيد ما عَلّمتم من الجوارح، لأنّه معطوف على قوله:

(اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّباتُ ) (2) ، أضف إليه قوله تعالى : (مُكَلِّبِينَ ) (3)، فإنّ المكلّف مؤدّب الكلاب لأجل الصيد.

2 - وجملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين وذكر اسم اللّه عليه فكلوا منه، وما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه»(4).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في حديث صيد الكلب، قال: وإن كان غير معلَّم يعلّمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنّه معلّم»(5).

ص: 16


1- سورة المائدة: الآية 4.
2- سورة المائدة: الآية 5.
3- سورة المائدة: الآية 4.
4- الكافي: ج 6/203 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/346 ح 29708.
5- الكافي: ج 6/205 ح 14، وسائل الشيعة: ج 23/346 ح 29709.

يسترسل إذا أرسله، وينزجر إذا زَجَره.

ومنها: ما رواه صاحب «المسالك»(1): «وعن عَدّي بن حاتم (رضي اللّه عنه) قال:

«قلت: يا رسول اللّه إنّي أرسلُ الكلاب المعلّمة فيمسكن عليّ ، وأذكر اسم اللّه تعالى؟

فقال صلى الله عليه و آله: إذا أرسلتَ كلبك المعلَّم، وذكرت اسم اللّه تعالى عليه فكُل ما أمسك عليك»(1).

واعتبر الأصحاب في صيرورة الكلب معلَّماً أمرين:

أحدهما: أن (يسترسل) وينطلق (إذا أرسله) وأغراه، ومعناه إذا أغري بالصيد هاجَ .

(و) الثاني: أن (ينزجر إذا زَجَره)، هكذا أطلق أكثرهم.

وعن «الدروس»(2): التقييد بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد، لأنّه لم يكاد يكف حينئذٍ.

وفي «المسالك»(4): وهو حسن.

وقد تبعا في ذلك المصنّف رحمه الله في «التحرير»(3)، وتبعهم غيرهم، وليس ببعيدٍ، لدلالة العرف عليه، وهو الأصل في إثبات الشرطين لعدم دليل سواه بعد الإجماع.

***).

ص: 17


1- صحيح مسلم: ج 3/1529 ح 1، سنن النسائي: ج 7/811، سنن البيهقي: ج 9/235.
2- الدروس: ج 2/393.
3- تحرير الأحكام: ج 4/605 (ط. ج).

وأن لا يعتاد أكل ما يَصيده ولا اعتبار بالنّادر

(و) الشرط الثاني (أن لا يعتاد) الكلب (أكل ما يَصيده).

وقد ذكره في «الشرائع»(1)، و «النافع»(2)، و «المسالك»(3) وغيرها من الأُمور المعتبرة في صيرورة الكلب معلَّماً.

أقول: وظاهر المتن كونه شرطاً مستقلّاً، والأمر سهلٌ بعد ورود الرواية به.

وفي «المسالك»(4): (وفي هذا اعتبار وصفين:

أحدهما: أن يحفظه ولا يخليه.

والثاني: أن لا يأكل منه).

وكيف كان، فعلى اعتبار ذلك أكثر الأصحاب.

وفي «الرياض»(3): (بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر).

وفي «الانتصار»(4)، و «الخلاف»(5)، وظاهر «المختلف»(6)، و «كنز العرفان»(7):

الإجماع عليه.

(و) على أنّه (لا اعتبار بالنادر).9.

ص: 18


1- شرائع الإسلام: ج 3/154.
2- المختصر النافع: ص 240. (3و4) مسالك الأفهام: ج 11/415.
3- رياض المسائل: ج 13/260.
4- الإنتصار: ص 398.
5- الخلاف: ج 6/6.
6- مختلف الشيعة: ج 8/271.
7- كنز العرفان: ج 2/309.

وعن الصدوقين(1) وجماعة(2): أنّ عدم الأكل ليس بشرطٍ، وظاهر «المسالك»(3) اختياره.

وعن الإسكافي(4): الفرق بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده، وجعل الأوّل قادحاً دون الثاني.

أقول: واستدلّ للأوّل السيّد المرتضى(5): بأنّ أكل الكلب من الصيد إذا تردّد وتكرّر، دلّ على أنّه غير معلَّم، والتعلّم شرطٌ في إباحة صيد الكلب، وبأنّه إذا توالى أكله منه، لا يكون مُمسكاً على صاحبه بل يكون ممسكاً على نفسه.

وقول المخالف لنا أنّ الكلب متى أكل يخرجُ عن أن يكون معلَّماً ليس بشيء، لأنّ الأكل إذا شذّ به وندر لم يخرج به أن يكون معلَّماً، ألا ترى أنّ العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو عالمٌ به، ومحسنٌ له على سبيل الشذوذ، ولا يخرج عن كونه عالماً، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحقّ .

وأيضاً: استدلّ لما ذهب إليه الصدوقان ومن تبعهما بنصوصٍ مستفيضة:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، وغير واحدٍ منهما عليهما السلام جميعاً:

«أنّهما قالا في الكلب يرسله الرّجل ويُسمّي، قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكُل ما بقى، ولا ترون ما يرون في الكلب»(6).2.

ص: 19


1- حكاه في الرياض: ج 13/261، المقنع: ص 413.
2- الكفاية للسبزواري: ص 245، المفاتيح للكاشاني: ج 2/211.
3- مسالك الأفهام: ج 11/415.
4- حكاه عنه في المختلف: ج 8/271.
5- الإنتصار: ص 398.
6- الكافي: ج 6/202 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/334 ح 29672.

ومنها: صحيح جميل، عن حكم بن حكيم الصيرفي، قال:

«قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله ؟

قال عليه السلام: لا بأس بأكله.

قلت: إنّهم يقولون: إنّه إذا قَتَله وأكل منه فإنّما أمسك على نفسه، فلا تأكله.

فقال عليه السلام: كُل، أوليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته ؟ قال: قلت: بلى.

قال: فما يقولون في شاة ذبحها رَجلٌ ، أذكّاها؟ قال: قلت: نعم.

قال: فإنّ السَّبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل بعضها أتؤكل البقيّة ؟ قلت: نعم.

قال عليه السلام: فإذا أجابوك إلى هذا، فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكّى ذلك وأكل منه لم تأكلوا، وإذا ذكّى هذا وأكل أكلتم ؟»(1).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال في صيد الكلب:

«إن أرسله الرّجل وسَمّى، فليأكل ممّا أمسك عليه وإن قتل، وإن أكل فكُل ما بقى»(2).

ومنها: خبر يونس بن يعقوب، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ أرسل كلبه فأدركه وقد قتل ؟ قال عليه السلام: كل وإن أكل»(3).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

أقول: ولكن يرد عليهم أنّه بإزاء هذه النصوص نصوصٌ كثيرة اُخرى دالّة على النهي عنه:4.

ص: 20


1- الكافي: ج 6/203 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/333 ح 29671.
2- الكافي: ج 6/205 ح 14، وسائل الشيعة: ج 23/335 ح 29677.
3- الكافي: ج 6/204 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/334 ح 29674.

منها: موثّق سماعة من مهران، قال: «سألته عمّا أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد، وهو قول اللّه تعالى: (وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اَللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اُذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (1)؟

قال عليه السلام: لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه... الحديث»(2).

ومنها: صحيح رفاعة، قال: «سألتُ أباعبداللّه عليه السلام عن الكلب يقتل ؟ فقال عليه السلام: كُل.

قلت: إن أكل منه ؟ قال عليه السلام: إذا أكل منه فلم يمسك عليك إنّما أمسك على نفسه»(3).

ونحوهما غيرهما، حيث ادّعى سيّد «الرياض»(4) استفاضة هذه النصوص.

أقول: قد جمع الشيخ رحمه الله(4) بين الطائفتين بوجهين:

الوجه الأوّل: حمل الطائفة الاُولى على الأكل نادراً، والأخيرة على المعتاد للأكل، واستحسنه سيّد «الرياض»(6)، قال: (وربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة، لما فيها من التعليل بعدم الإمساك على المُرسِل بل على نفسه).

ويرد عليه: أنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد به، والتعليل لو دلّ على شيء لدلّ على ما يقول العامّة من أنّ الأكل نادراً أيضاً قادح، فإنّه في ذلك الفرض أمسكه على نفسه.

الوجه الثاني: حمل الثانية على التقيّة، وتبعه في ذلك الشهيد الثاني رحمه الله(5) بقوله:6.

ص: 21


1- سورة المائدة: الآية 4.
2- التهذيب: ج 9/27 ح 110، وسائل الشيعة: ج 23/337 ح 29686.
3- التهذيب: ج 9/27 ح 111، وسائل الشيعة: ج 23/338 ح 29687. (4و6) رياض المسائل: ج 13/261.
4- الإستبصار: ج 4/69 في ذيل ح 252.
5- مسالك الأفهام: ج 11/416.

(كما يشعر به هذا الحديث الصحيح) مشيراً إلى صحيح جميل.

أقول: ولا يرد عليه ما في «الرياض»(1) من أنّ موثّق سماعة يأبى عن ذلك؛ لأنّ في ذيله:

«سألته عن صيد الفهد، وهو معلّم للصيد؟

فقال: إن أدركته حَيّاً فذكه وكُله، وإنْ كان قد قتله فلا تأكل منه»(2).

بدعوى أنّه منافٍ للحمل المزبور، لتحليلهم ما فيه منعٌ عنه، فإنّ الذيل لم يثبت كونه مسؤولاً عنه في ذلك المجلس الذي سأله عمّا في صدره، وعلى فرضه لم يثبت كونه سأله بلا فصل، ولعلّه في أوّل المجلس كان من يَتّقي منه حاضرٌ أو لم يكن في آخره.

ولكن يرد عليه: إنّ صحيح جميل يدلّ على بطلان تعليل العامّة لعدم جواز الأكل ولو نادراً بالعلّة المشار إليها، كما يظهر من تعليمه عليه السلام طريقة المناظرة معهم، ويدلّ أيضاً على أنّ الأكل مطلقاً لا يكون قادحاً فهو يكون في مدلوله الثاني معارضاً مع الطائفة الثانية، ومجرّد المطابقة لفتوى العامّة لا يوجبُ طرح الخبر، لأنّ المرجّحات الاُخر وهي الشهرة وصفات الراوي تكون في رتبة متأخّرة، والشهرة مع الطائفة الثانية.

أقول: والحقّ أنّ النصوص الاُولى التي استدلّ بها للصدوقين ومن تبعهما تدلّ على أنّ أكل الكلب من حيث إنّه أكل، ومن حيث إنّه يكشفُ عن إمساكه الصيد لنفسه لا للمُرسِل لا يمنع عن الحليّة، وهذا لا ينافي عدم الحليّة مع كون الأكل في2.

ص: 22


1- رياض المسائل: ج 13/262.
2- التهذيب: ج 9/27 ح 110، وسائل الشيعة: ج 23/344 ح 29702.

موردٍ موجباً لفقد شرط آخر للحليّة.

وعليه، فحيث أنّ تكرّر إقدام الكلب على الأكل من الصيد يدلّ على أنّه كلبٌ غير معلَّم، والتعلّم شرطٌ في إباحة صيد الكلب كتاباً وسُنّةً وإجماعاً كما مرّ، فيصبح معتاد الأكل خارجاً منها، وتكون الأخبار مختصّة بالأكل نادراً، وعلى ذلك فلا تصلح الطائفة الثانية لمعارضتها، لأنّها المشهورة بين الأصحاب، ومع ذلك موافقة للكتاب ومخالفة للعامّة، فتقدّم عليها من جهات.

فتحصّل: أنّ ما أفاده المشهور أظهر.

وأمّا ما عن ابن الجُنيد(1)، فلا دليل عليه إلّاتوهّم الجمع بين الطائفتين بذلك، وهو تبرّعيٌ محض.

قال صاحب «المسالك»(2): (وفي حكم أكله منه ما إذا أراد الصائد أخذ الصيد منه، فامتنع وصار مقابل دونه، ذكر ذلك ابن الجُنيد وغيره، لأنّه في معنى الأكل من حيث إنّه غرضه ذلك فلم يتمرّن على التعلّم من هذه الجهة)، انتهى .

أقول: وهو حسنٌ ، ولكن كما أنّ الأكل نادراً لا ينافي كونه معلَّماً، كذلك الامتناع نادراً.

ثمّ إنّه لا يعتبر صيرورة الكلب معلَّماً قبل الإرسال، بل لو انطبق عليه هذا العنوان حين الإرسال كفى، كما صرّح بذلك في خبر زرارة المتقدّم.

ثمّ إنّ ما ذكر في صيرورة الكلب معلَّماً من القيود، لابدّ وأن يتكرّر حتّى يصدق عليه هذا العنوان في العُرف، أو يَخبر أهل الخبرة بذلك، ولا تُقدّر المرّات بعددٍ كما عن6.

ص: 23


1- حكاه عنه في المختلف: ج 8/271.
2- مسالك الأفهام: ج 11/416.

جماعة(1) لعدم الدليل على شيء ممّا أفادوه، وحيث يقدح الأكل، فالمعتبر منه أكل اللّحم، فلا يضرّ شربه الدّم، بل ولا أكل حشوته، لعدم كونهما مقصودين للصائد.

***5.

ص: 24


1- مسالك الأفهام: ج 2/218، الكفاية للسبزواري: ص 245.

وأن يكون المُرسِلْ مسلماً أو في حُكمه،

اعتبار كون المُرسِل مُسلماً

(و) الشرط الثالث: (أن يكون المُرسِل مسلماً أو في حكمه) كولده المميّز غير البالغ، ذكراً أو اُنثى ، فلو أرسل الكافر لم يحلّ ، وإنْ سَمّى وكان ذميّاً، على المشهور.

واستدلّ له:

1 - بالآية الكريمة: (وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (1)، والكافر لا يَعرفُ اللّه تعالى فلا يذكره على ذبيحته، ولا يرى التسمية على الذبيحة فرضاً ولا سُنّةً .

2 - وبأنّ الإخلاد إلى الكفّار في الذَّبح ركونٌ إلى الظالم، فيندرج تحت النهي الوارد في قوله تعالى: (وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّارُ) (2).

3 - وبأنّه نوعُ استئمانٍ ، والكافرُ ليس محلّاً للأمانة.

4 - وبأنّه له شرائط، فلا يُستند في حصولها إلى قوله.

5 - وبالنصوص الآتية الدالّة على اعتبار الإسلام في المذكّي، فإنّ إرسال الكلب، واستعمال آلة الصيد نوعٌ من التذكية، فيشمله تلكم النصوص.

6 - وبأصالة الحرمة، حيث نشكّ في أنّ الكافر إذا أرسل الكلب هل يحلّ أكل لحمه أم لا؟ والأصل الحرمة.

ص: 25


1- سورة الأنعام: الآية 121.
2- سورة هود: الآية 113.

7 - وبقويّ السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«كلبُ المجوسي لا تأكل صيده، إلّاأن يأخذه المسلم، فيعلّمه ويُرسِله وكذلك البازي...» الحديث(1).

بدعوى أنّه بمفهوم الاستثناء يدلّ على اعتبار أن يُرسِله المسلم، وهو وإن كان في كلب المجوسي، لكن الظاهر عدم الفصل.

أقول: وفي هذه الوجوه كلامٌ :

أمّا الآية الأُولى : فيرد على الاستدلال بها أنّها تدلّ على اشتراط التسمية، ومقتضاها - سيّما مع قوله تعالى قبل ذلك: (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (2) - أنّ ما يُسمّى عليه مباحٌ أكله، سواءٌ كان المتصدّي له مسلماً أم كان كافراً، فهي على خلاف المطلوب أدلّ .

ودعوى: أنّ الكافر لا يَعرف اللّه، ثابتة في غير المعتقد، والكلام في الكافر المعتقد، وهو الذي يعدّ من أهل الكتاب.

ودعوى: أنّه لا يرى التسمية فرضاً ولا سُنّة، لم تثبت، وعلى فرضه فالكلام إنّما هو في صورة التسمية.

أضف إلى ذلك كلّه ما سيجيء إنْ شاء اللّه في اعتبار التسمية، أنّ الآية لا تدلّ عليه أيضاً.

وأمّا الوجه الثاني:

فيرد عليه أوّلاً: النقض بالظالم من المسلمين، إذ لا إشكال في حليّة ذبيحته.8.

ص: 26


1- الكافي: ج 6/209 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/361 ح 29748.
2- سورة الأنعام: الآية 118.

وثانياً: أنّ أكل صيد كلب الكافر والظالم كأكل ما اشترى منه من المأكولات، ليس ركوناً إليه، كما أنّ استخدامه لا يعدّ ركوناً إليه، وبه يظهر ما في الوجه الثالث.

وأمّا النصوص الآتية: فمع قطع النظر عمّا سنذكره عند التعرّض لتلك المسألة، أنّها واردة في ذبيحة الكفّار، ومن المعلوم أنّ إرسال الكلب لا يكون ذبحاً.

وبعبارة أُخرى : ليس في شيء من تلكم النصوص النهي عن أكل ما ذكّاه الكافر، حتّى يقال إنّ إرسال الكلب نوعٌ من التذكية، بل تلك الأخبار تنهى عن أكل ذبيحة الكافر، ومعلومٌ أنّه لا يصدق على مُرسِل الكلب أنّه ذابح للحيوان، بل نُسب القتل الذي هو مساوقٌ للذبح إلى الكلب في النصوص.

نعم، في خصوص صحيحي ابن مسلم والحلبي الآتيين، النهي عن ذبيحة نصارى العرب وصيدهم، وستعرف أنّه من جهة أنّهم لا يعدّون من أهل الكتاب.

وأمّا الوجه الخامس: وهو أصالة الحرمة، فلا بأس بتفصيل القول فيها، لأنّها تفيدنا في كثير من المباحث الآتية.

حكم الشكّ في اعتبار شيء في الحلّية وعدمه

فقد يقال: إنّه لا ريب في أنّ الحيوان الذي زهق روحه، إنّما يحلّ أكل لحمه، مع وقوع التذكية عليه بالذبح أو النحر أو الاصطياد بإرسال الكلب أو السَّهم، وهذا مضافاً إلى وضوحه يشهد به الكتاب والسُّنة.

وعليه، فحيث إنّ التذكية أمرٌ وجودي حادثٌ ومسبوقٌ بالعدم، فلو شكّ في أنها هل تتحقّق بدون ما شكّ في اعتباره، كما لو أرسل الكافر الكلب، أو ذبحه الذابح

ص: 27

بغير الحديد، وما شاكل، أم لا؟

فإنّه في هذه الحالة يجب الرجوع إلى أصالة عدم التذكية، ويترتّب عليه عدم الحليّة.

ولكن يتوجّه عليه: أنّ التذكية وإنْ وقع الخلاف في أنّها:

هل هي أمرٌ بسيط معنوي حاصل من فري الأوداج الأربعة بشرائطه، أو إرسال الكلب مع الشرائط، أو استعمال آلة الاصطياد كالسّهم كذلك، أم هي عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع الشرائط الخاصّة الوارد على المحلّ القابل ؟

إلّا أنّ الظاهر هو الثاني، لا لما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1) من استناد التذكية إلى المكلّف في الآية الكريمة: (إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (2)، لأنّه يرد عليه أنّه لا شبهة في أنّها فعل المكلّف، سواء كانت عبارة عن المسبّب أو نفس الأفعال الخارجيّة، غاية الأمر على الأوّل تكون فعله التسبيبي، وعلى الثاني تكون من أفعاله المباشريّة.

بل لأنّه في جملةٍ من النصوص رتّبت الحليّة على نفس الأفعال:

منها: خبر زيد الشحّام، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قطع الحلقوم وخرج الدّم فلا بأس به»(3).

ومنها: نصوص الباب المتقدّمة:

1 - ففي النبويّ : «إذا أرسلتَ كلبك المعلَّم، وذكرت اسم اللّه تعالى عليه، فكُل ما أمسك عليك»(4).8.

ص: 28


1- كتاب الصلاة (تقرير بحث النائيني للكاظمي): ج 1/210.
2- سورة المائدة: الآية 3.
3- الكافي: ج 6/228 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/9 ح 29852.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/105 ح 19280-5، بحار الأنوار: ج 62/280 ح 28.

2 - وفي صحيح ابن قيس: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين، وذُكر اسم اللّه عليه فكلوا منه»(1).

إلى غير تلكم من النصوص.

أضف إلى ذلك كلّه: أنّه قد ورد في جملةٍ من النصوص «أنّ ذكاة الجنين ذكاة اُمّه»(2)، ولو كانت التذكية اسماً للمسبّب، لما صَحّ هذا الإطلاق، إذ الحاصل من ذلك الأمر المعنوي على فرض ثبوته لكلّ فردٍ، غير ما هو حاصلٌ للآخر قطعاً، بخلاف ما إذا كانت اسماً للأفعال الخارجيّة.

مع أنّه ذكر في حسن الحضرمي: «إذا أرسلتَ الكلب المعلَّم، فاذكر اسم اللّه عليه، فهو ذكاته»(3).

وعلى هذا، فإذا أتى بجميع ما ثبت اعتباره من القيود، دون ما شكّ فيه، لا محالة يشكّ في تحقّق التذكية، وفي حليّة أكل لحم ذلك الحيوان، فهل هناك أصل يمكن الرجوع إليه أم لا؟

أقول: الأُصول المتوهّم جريانها أربعة:

1 - أصالة عدم التذكية، ونتيجتها عدم الحليّة.

2 - استصحاب الحرمة الثابتة في حال الحياة، ونتيجته عدم الحليّة أيضاً.

3 - أصالة البراءة عن اعتبار ما شكّ في اعتباره، ونتيجتها الحليّة.

4 - أصالة الحِلّ .2.

ص: 29


1- الكافي: ج 6/203 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/346 ح 29708.
2- وسائل الشيعة: ج 24/36 ح 29924، مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/140 ح 19406-2.
3- وسائل الشيعة: ج 23/333 ح 29670، تفسير القمّي: ج 1/162.

ولكن الأظهر عدم جريان الأُولى ؛ لأنّ موضوع الحكم - أي ما رتّبت الحليّة والطهارة عليه - ليس هو مجموع القيود والأجزاء بما هي كذلك، ولذلك لا يصحّ أن يقال إنّ المجموع لم تكن متحقّقة، والآن يشكّ في تحقّقها فيستصحب العدم.

وبعبارة أُخرى : وصف الاجتماع غير دخيلٍ في الحكم، فلا يجري فيه الاستصحاب، كما أنّ الدخيل في الموضوع ليس عنوان السببيّة، إذ مضافاً إلى أنّه عبارة عن الحكم، لا مثبت لاعتباره، فلا تجري أصالة عدم تحقّق السبب.

بل الموضوع ذوات الأجزاء المجتمعة، وتحقّق ما علم اعتباره معلومٌ ، وما شكّ في اعتباره مفروض العدم، فلا شيء يجري فيه أصل العدم.

وأيضاً: الأظهر عدم جريان استصحاب الحرمة أيضاً:

لأنّ الأظهر عندنا عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة، فضلاً عن أنّ الموضوع متبدّل.

أضف إليهما عدم ثبوت حرمة الأكل في حال الحياة إذا لم يعرضه الموت قبل البلع، كما لو بلع سَمَكاً صغيراً.

وأيضاً: لا يجري الأصل الثالث، إذ سببية المجموع من المعدوم والمشكوك في اعتباره، وترتّب الحليّة والطهارة عليه معلومة، لا معنى لأن تُرفع بأدلّة البراءة، وشرطيّة ما شكّ في اعتباره أو جزئيّته منتزعة من حكم الشارع بسببيّة الذَّبح أو الإرسال المشتمل عليه، ومن المعلوم أنّه غير مرتفع في الفرض، وإثبات حكم الشارع بسببيّة الفاقد ليس شأن أدلّة البراءة، فإنّها رافعة للحكم لا مثبتة.

وعليه، فيتعيّن الرجوع إلى الأصل الرابع، وهو أصالة الحِلّ ، فإنّه بعد إزهاق

ص: 30

روح الحيوان بدون ذلك القيد يُشكّ في حليّة أكل اللّحم وعدمها، فيرجع إلى أصالة الحِلّ ، فلو شكّ في اعتبار شيء في التذكية في الصيد أو الذبيحة، ولم يدلّ دليلٌ عليه، يُبنى على عدم اعتباره.

أقول: قد استدلّ سيّد «الرياض»(1) على أصالة الحرمة بنصوصٍ كلّها واردة في الشبهة الموضوعيّة.

وأمّا الوجه السادس: فيرده أنّ ذيل الخبر: «وكلاب أهل الذّمة وبزاتهم حلالٌ للمسلمين أن يأكلوا صيدها» مانعٌ عن عدم الفصل، بل شاهدٌ بالفصل، مع أنّه لا يعتبر أن يعلّمه المسلم قطعاً، كما ورد التصريح بذلك في صحيح سليمان بن خالد(2).

فالنهي عن أكل الصيد في المستثنى منه محمولٌ على الكراهة، فلا يدلّ الاستثناء على اعتبار إسلام المرسِل، مع أنّه مشتملٌ على البازي، فهو محمولٌ على التقيّة كما مرّ، لا لبيان حكم اللّه الواقعي.

فتحصّل: أنّ شيئاً ممّا استدلّ به لاعتبار الإسلام في المرسِل لا يدلّ عليه، بل الأصل يقتضي عدم اعتباره، وكذا إطلاق الآية الكريمة والنصوص، فلو لم يكن إجماعٌ تعبّدي على اعتباره، كان المتعيّن البناء على عدم الاعتبار، والظاهر عدم وجوده، فلو كان المرسِل كتابيّاً حلّ أكل صيده.

نعم، لا يحلّ إن كان كافراً غير كتابي، للإجماع، ولصحيحي محمّد بن مسلم والحلبي الآتيين، اللّذين ستعرف في الذبيحة اختصاصهما بغير الكتابي.8.

ص: 31


1- رياض المسائل: ج 13/262.
2- الكافي: ج 6/209 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/361 ح 29748.

ثمّ إنّه صرّح غير واحدٍ(1) بأنّه على فرض اعتبار الإسلام في المرسِل، لا فرق بين البالغ وغير البالغ، بناءً على ما هو الحقّ من قبول إسلام غير البالغ، بل على القول الآخر، لإجراء أحكام المسلم عليه، وسيجيء في الذبيحة عدم اعتبار البلوغ نفسه ومن حيث هو.

***3.

ص: 32


1- شرح اللّمعة: ج 47/202، رياض المسائل: ج 13/263.

قاصداً لإرسال الكلب

اعتبار كون المُرسِل قاصداً لإرسال الكلب

الشرط الرابع: أن يكون مُرسِل الكلب (قاصداً لإرسال الكلب) ويرسله للاصطياد، كما هو المشهور بين الأصحاب، فلو استرسل الكلب بنفسه من غير أن يُرسِله، أو أرسله لكن لا بقصد الصيد، أو أرسله لكن لم يكن مقصوده محلّلاً، كما لو ظنّه خنزيراً فأصاب محلّلاً، لم يحلّ بلا خلاف ظاهر في شيء منها، بل عليه الإجماع في الأوّل في «الخلاف»(1)، كما في «الرياض»(2).

أقول: يشتمل هذا الشرط على أُمور:

الأمر الأوّل: اعتبار إرسال الكلب، فلو استرسل بنفسه وقتل صيداً، فهو حرامٌ ، سواءٌ كان معلّماً أم لا، واحتجّوا له بالنبويّ المتقدّم:

«إذا أرسلت كلبك المعلَّم فكُل»، حيث قيّد تجويز الأكل بالإرسال، فبالمفهوم يدلّ على عدم الحليّة بدونه.

أقول: وأورد عليه:

تارةً : بضعف السند.

وأُخري : بضعف الدلالة، لقوّة احتمال ورود الشرط مورد الغالب، فلاعبرة بمفهومه.

ص: 33


1- الخلاف: ج 6/27.
2- رياض المسائل: ج 13/263.

واستوجه سيّد «الرياض»(1) الثاني، وقد تمسّك لاعتبار ذلك بأصالة الحرمة.

وفيه: أمّا ضعف السند: فهو منجبرٌ بالعمل.

وأمّا ضعف الدلالة: فيدفعه أنّ احتمال ورود الشرط مورد الغالب، لا يمنعُ من التمسّك بالمفهوم، كما حُقّق في محلّه.

وأمّا أصالة الحرمة فقد عرفت حالها.

أقول: وفي المقام رواية استدلّ بها بعضهم لهذا الحكم، كما في «الوسائل»، واستدلّ بها آخرون على عدم اعتبار ذلك، وعورض بها النبويّ كما عن المحقّق السبزواري(2)، وهي الرواية التي رواها القاسم بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل، وإذا صاد ولم يُسمّ فلا أكل»(3).

وقد استدلّ بصدرها لاعتبار الإرسال.

وأُورد عليه: بأنّه يحتمل أن يكون النهي عن الأكل لأجل عدم التسمية، لا لأجل استرساله، فلا دلالة فيه على اعتبار الإرسال، بل ذيله يدلّ على أنّ المانع هو خصوص عدم التسمية، فيعارض النبويّ حينئذٍ.

وفيه: أنّ الظاهر بقرينة تكرار لفظ قال، عدم كون الذيل تتمّة لما في الصدر، وكونه رواية أُخرى .

وأمّا احتمال: كون المنع في الصدر لأجل عدم التسمية.

فيدفعه: أنّه خلاف الظاهر، سيّما مع عدم التلازم بين الاسترسال وعدم التسمية.8.

ص: 34


1- رياض المسائل: ج 13/263.
2- كفاية الأحكام: ص 245.
3- الكافي: ج 6/205 ح 16، وسائل الشيعة: ج 23/357 ح 29738.

وعليه، فالأظهر أنّه يدلّ على اعتبار الإرسال.

ولو أنّ صاحب الكلب زَجَره لما استرسل الحيوان نحو الصيد فانزجر، ثمّ أغراه فاسترسل وقَتَل الصيد حَلّ ، لانقطاع حكم الاسترسال السابق بوقوفه، فكان الإرسال ثانياً كالمبتدأ الواقع بعد إرسالٍ سابقٍ انقضى.

ولو زجره ولم ينزجر، لم يحِلّ زاد في عَدْوه أم لم يزد.

ولو أغراه بعدما استرسل، فلم يزد في عدوه، قالوا لا إشكال في عدم الحِلّ ، وإن زاد فيه ففيه وجهان:

من ظهور أثر الإغراء فينقطع الاسترسال.

ومن اجتماع الإرسال المحرّم والإغراء المبيح، فقتله بالسببين، فيغلب التحريم، وهذا هو الأظهر، فإنّ المعتبر كون الاسترسال بالإرسال والإغراء، لا مجرّد ظهور الأثر للإغراء.

وأولى من ذلك في عدم الحليّة، ما لو زَجَره ولم ينزجر، ثمّ أغراه فزاد في عدائه، لظهور تأنّيه وترك مبالاته بإشارة الصائد.

الاحتمال الثاني: اعتبار أن يكون الإرسال بقصد الصيد، فلو أرسله حيث لا صيد فاعترض صيداً فقتله لم يحلّ ، فإنّ ذلك في قوّة استرساله من قبل نفسه.

وإنْ شئت قلت: إنّ ظاهر الخبرين المتقدّمين اعتبار أنْ يُرسله للصيد لا الإرسال المطلق.

الاحتمال الثالث: اعتبار أن يكون قصده المُحلّل، فلو أرسله بقصد صيدٍ ظنّ أنّه خنزيرٌ فبان أنّه مُحلّل، أو أرسله بقصد خنزيرٍ فلم يُصبه، وأصاب محلّلاً، قالوا:

ص: 35

لا يحلّ ، وصريح «الرياض»(1) عدم الخلاف فيه، ووجهه غير ظاهر، سيّما وأنّ ظاهرهم عدم اعتبار قصد المعين، وأنّه لو أرسله على صيدٍ فقتل غيره حَلّ ، اللّهُمَّ إلّا أن يقوم إجماعٌ على ذلك.

***4.

ص: 36


1- رياض المسائل: ج 13/264.

وأن يُسمّي عند إرساله،

يعتبر التسمية عند الإرسال

(و) الشرط الخامس: (أن يُسمّي عند إرساله):

بلا خلافٍ في وجوب التسمية، واشتراطها في حليّة ما يقتله الكلب والسَّهم عندنا، وعند كلّ من أوجبها في الذبيحة.

ويشهد به:

1 - عموم قوله تعالى : (وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (1) فتأمّل، فإنّ في دلالة الآية كلاماً سيأتي، وإجماله احتمال أن يكون قوله:

(وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ ) حالاً لا معطوفاً، والتقدير: لا تأكلوا ممّا لم يُذكر اسم اللّه عليه في حالة كونه فِسْقاً، وقد فسّره بقوله في الآية الأُخرى : (أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اَللّهِ ) (2)وبقرينة ما قبله، فلا يكون النهي عن أكله مطلقاً، بل في هذه الحالة.

بل ربما يقال: إنّ الظاهر ذلك، لعدم جواز عطف الجملة الخبريّة على الجملة الإنشائيّة عند علماء البيان ومحقّقي العربيّة.

وعليه، فلا تدلّ هذه الآية على اعتبار التسمية على الذبيحة، ولا على الصيد مطلقاً.

ص: 37


1- سورة الأنعام: الآية 121.
2- سورة البقرة: الآية 173.

2 - وخصوص قوله تعالى في الكلب: (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اُذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (1) ودلالته واضحة، فإنّ الظاهر من الأمر بشيء في المركّب من أُمور كونه إرشاداً إلى الجزئيّة أو الشرطيّة، فيدلّ على شرطيّة التسمية في حليّة الأكل.

3 - وجملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من أرسل كلبه ولم يُسمّ فلا يأكله»(2).

ومنها: خبر القاسم بن سليمان، عنه عليه السلام: «إذا صاد الكلب وقد سَمّى فليأكل، وإنْ صاد ولم يُسمّ فلا يأكل»(3).

ومنها: صحيح عبدالرحمن، عنه عليه السلام: «كُل ما أكله الكلب إذا سمّيت»(4).

ونحوها غيرها.

أقول: لا خلاف في إجزاء التسمية عند الإرسال، لانطباق جميع الأدلّة عليها، ولقوله في صحيح الحذّاء، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يُسرّح كلبه المعلَّم ويُسمّي إذا سرّحه ؟

قال: يأكل ممّا أمسك عليه... الحديث»(5) ونحوه غيره.

إنّما الخلاف بينهم وقع في إجزائها إذا وقعت في الوقت الذي بين الإرسال وعقر الكلب:8.

ص: 38


1- سورة المائدة: الآية 4.
2- التهذيب: ج 9/27 ح 109، وسائل الشيعة: ج 23/358 ح 29742.
3- الكافي: ج 6/205 ح 16، وسائل الشيعة: ج 23/357 ح 29738.
4- الكافي: ج 6/205 ح 13، وسائل الشيعة: ج 23/358 ح 29741.
5- الكافي: ج 6/203 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/332 ح 29668.

ظاهر المتن و «الشرائع»(1)، و «النافع»(2)، وكثيرٌ وصريح آخرين(3):

عدم الإجزاء.

وصريح الشهيدين(4)، وسيّد «الرياض»(5) وغيرهم(6): الإجزاء.

يشهد للثاني: إطلاق الآية الكريمة، فإنّ الضمير في قوله: (وَ اُذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (7) يرجعُ إلى الصيد المُضمَر في قوله: (مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (8) وهو

يصدق بذكر اسم اللّه عليه في جميع الوقت المذكور.

وفي «المسالك»(7): (ينبغي أن يكون ما قَرُب من وقت القتل أولى بالإجزاء، لقربه من وقت التذكية حينئذٍ).

وكذا تشمله أكثر نصوص الباب.

واستدلّ للأوّل: وهو القول بعدم الإجزاء:

1 - بأنّ التسمية في وقت الإرسال تُجزي كما مرّ يقيناً، ويشكّ في إجزائها في الوقت المزبور، فيرجع إلى أصالة الحرمة.

2 - وبأنّ الإرسال منزّل منزلة الذَّكاة، لأنّها تُجزي عنده إجماعاً، فلا تجزي بعده، كما لا تجزي بعد الذَّكاة.2.

ص: 39


1- شرائع الإسلام: ج 4/736.
2- المختصر النافع: ص 240.
3- تحرير الأحكام: ج 2/154، الجامع للشرائع: ص 381.
4- الدروس: ج 2/395، مسالك الأفهام: ج 11/421.
5- رياض المسائل: ج 13/266.
6- كفاية الأحكام: ص 245، مفاتيح الشرائع: ج 2/209. (7و8) سورة المائدة: الآية 4.
7- مسالك الأفهام: ج 11/422.

3 - وبقوله في صحيح الحذّاء المتقدّم: «ويُسمّي إذا سرَّحه».

4 - وبقوله عليه السلام في حسن الحضرمي المتقدّم: «إذا أرسلتَ الكلب المعلَّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته»(1).

ولكن يَردُ على الأوّل: أنّ الأصل في المقام هو الحِلّ دون الحرمة كما مرّ، مع أنّ الرجوع إلى الأصل إنّما هو بعد عدم وجود الدليل، ومع دلالة الآية والنصوص بإطلاقها على الإجزاء، لا مجال للرجوع إلى الأصل.

ويَردُ على الثاني: أنّ قتل الكلب المسبوق بالإرسال منزّلٌ منزلة الذَّكاة.

وبعبارة أُخرى : الإرسال مع قتل الكلب منزّلٌ منزلة الذَّكاة، ففي كلّ آنٍ من الوقت المزبور - أي ما بين القيدين - وقعت، وقعت حين التذكية، مع أنّ الدليل دلّ على اعتبار التسمية حين الذَّبح، لا حين التذكية، كي يُتمسّك بعموم التنزيل.

ويمكن أن يكون جواز تقديم التسمية، والاكتفاء بها حين الإرسال، تخفيفاً ورخصة، أو لكونه السبب الأعظم في التذكية، وعسر مراعاة حال العقر، فلم يكن التسمية متعيّنة حال الإرسال، كي يستدلّ بذلك على تنزيل الإرسال منزلة الذَّكاة.

ويَردُ على الثالث: أنّ التخصيص إنّما هو في كلام السائل، لا في كلام المعصوم عليه السلام.

ويَردُ على الرابع: أنّ ظاهره لو دلّ على شيء، لدلّ على التسمية بعد الإرسال لا حينه، مع أنّه لا يدلّ على تعيّن التسمية في وقتٍ ، لا منطوقاً ولا مفهوماً، إذا المأخوذ شرطا في الخبر إرسال الكلب، والجزاء وجوب ذكر اسم اللّه، فمفهوم ذلك عدم لزوم التسمية عند عدم الإرسال، فلا يكون الخبر منطوقاً ولا مفهوماً متعرّضاً لوقت2.

ص: 40


1- وسائل الشيعة: ج 23/333 ح 29670، تفسير القمّي: ج 1/162.

التسمية، كما لا يخفى .

وعلى ذلك فالأظهر هو الإجزاء لو وقعت في الوقت الذي بين الإرسال والعقر المُزهِق، كما تُجزي لو وقعت حين الإرسال.

***

ص: 41

وأنْ لا يغيبَ عن العين حيَّاً

يعتبر أن لا يغيب الصيد عن العين

(و) الشرط السادس: (أن لا يغيب) ما صاده الكلب (عن العين حيّاً)، فلو غاب عن المُرسِل وحياته مستقرّة:

قيل: إن أمكن أن يعيش ولو نصف يوم، ثمّ وُجد وقد زُهق روحه لم يؤكل، بلا خلاف فيه في الجملة، ويشهد به خبر عيسى بن عبداللّه، قال:

«قال أبو عبداللّه عليه السلام: كُل من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيّب عنك فدعه... الحديث»(1).

وقد استثنى الأصحاب من ذلك موردين:

أحدهما: ما إذا علم أنّه قتله الكلب.

والثاني: ما لو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرّة بعقره، بأن أخرج أحشاءه، وفتق قلبه وقطع حلقومه.

خلافاً للشيخ في «النهاية»(2): حيث أطلق الحرمة مع الغيبة.

وعن الحِلّي(3) مناقشته بأنّه خلاف مقتضى الأدلّة.

وردّه المصنّف في محكيّ «المختلف»(4)، فقال: (وهذه المؤاخذة ليست بجيّدة،

ص: 42


1- التهذيب: ج 9/29 ح 117، وسائل الشيعة: ج 23/359 ح 29745.
2- النهاية: ص 581.
3- السرائر: ج 3/93.
4- مختلف الشيعة: ج 8/267.

ولو نسي التسمية، وكان يعتقد وجوبها، حلَّ الأكل

لأنّ قصد الشيخ رحمه الله ما ذكره في «الخلاف»(1) لظهوره، والوجه في استثناء المورد الأوّل واضحٌ ، وفي المورد الثاني النصوص الدالّة على ذلك في السَّهم الآتية، مع أنّ الغيبة بعدما صار مذكّى، وحُكم بحليّته، لا تكون مانعة قطعاً، ولا يظنّ بالشيخ البناء على الحرمة في هذه الصورة).

حكم ما لو نَسي التسمية

أقول: ويلحق بالمقام مسائل:

المسألة الأُولى : (ولو نسي التسمية، وكان يعتقد وجوبها، حَلّ الأكل) بلا خلاف، ويشهد به:

1 - حسن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا أرسل الرجل كلبه ونَسي أن يُسمّي، فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يُسمّي، وكذلك إذا رَمى بالسهم ونسي أن يُسمّي»(2).

وسيأتي في محلّه أنّ الذابح لو نَسي أن يُسمّي، حَلّت الذبيحة للروايات الصحيحة وغيرها، مع أنّه رواه الصدوق بإسناده عن موسى بن بكر وزاد:

«وحَلّ ذلك»(3).

ص: 43


1- الخلاف: ج 6/13.
2- الكافي: ج 6/206 ح 18، وسائل الشيعة: ج 23/357 ح 29739.
3- وسائل الشيعة: ج 23/358 في ذيل ح 29739.

2 - وخبر عبدالرحمن بن عبداللّه، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال: «كُل ما أكله الكلب إذا سمّيت، فإن كنتَ ناسياً فكُل منه أيضاً وكُل من فضله»(1).

وبهما المؤيّدين بالشهرة، يقيّد إطلاق ما دلّ على اعتبار التسمية مطلقاً.

وهل يختصّ ذلك بما إذا اعتقد وجوبها، كما صرّح به الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2)، والحِلّي في «السرائر»(3)، والقاضي(4) على ما حُكي، والمحقّق في «النافع»(5)، والمصنّف في المتن.

أم لا يختصّ بذلك، فغير المعتقد لوجوبها إذا نسيها يحلّ أكل صيده، كما هو ظاهر من أطلق، ولم يقيّده بهذا القيد، وإن قيل - كما في «الرياض»(6) - بأنّ تركه حوالة إلى الظهور من الخارج ؟ وجهان.

واستدلّ للاختصاص: بأنّه المتبادر من أدلّة الإباحة مع نسيان التسمية.

ويمكن توجيهه: بأنّ الظاهر من النصوص أنّ الحليّة إنّما تكون فيما إذا كان منشأ الترك هو النسيان خاصّة، وهذا إنّما هو في المعتقد لوجوبها، وأمّا من لا يعتقده، فسبب الترك لا ينحصرُ في النسيان، بل الترك يستندُ إلى عدم اعتقاد الوجوب.

نعم، لو فرض بنائه على التسمية وإن اعتقد عدم وجوبها فنسيها، يُشكل البناء على عدم حليّة صيده، ولا مقيّد لإطلاق أدلّة الإباحة، ولا وجه للتبادر9.

ص: 44


1- تهذيب الأحكام: ج 9/24 ح 97، وسائل الشيعة: ج 23/358 ح 29741.
2- النهاية: ص 581.
3- السرائر: ج 3/93.
4- المهذّب: ج 2/438.
5- المختصر النافع: ص 240.
6- رياض المسائل: ج 13/269.

المشار إليه في هذه الصورة، فلو قيّد بأنّه كان بانياً على التسمية ولو من جهة أن بناءه كان على ذلك في جميع الموارد، كان أولى.

ولو نَسي التسمية حين الإرسال وتذكّر قبل الإصابة، فتركها متعمّداً، فهل هو كالناسي لها رأساً، أو كالمتعمّد تركها؟

ظاهر «المسالك»(1) الإجماع على الثاني، وهو الأظهر، لأنّ اختصاص خبر عبدالرحمن بالناسي غير المتذكّر قبل العقر واضحٌ ، بناءً على ما اخترناه من أنّ وقت التسمية من حين الإرسال إلى حين العقر، لظهوره في الناسي لها في وقتها المضروب لها، بل وكذا حسن زرارة فإنّ ذكر النسيان بعد قوله: «إذا أرسل الكلب»، لا يصلحُ قرينةً على إرادة خصوص حال الإرسال، كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر هو الاختصاص.

ولو تركها جهلاً بوجوبها، فهل يلحق بالناسي كما في «المسالك»(2)، واحتمل بعد حُكمه بالإلحاق، إلحاقه بالعامد، أم يلحق بالعامد؟ وجهان:

أظهرهما الثاني، لاختصاص المُخرِج عن إطلاق الأدلّة بالناسي، وقياس الجاهل عليه باطلٌ ، سيّما وهو مع الفارق، لافتراق حكمهما في مواضع متعدّدة، بل قد عرفت أنّ الجاهل بالوجوب إذا نسي ولم يُسمّ أفتى الأكثر بعدم حليّة صيده.

وأصالة البراءة عن شرطيّة التسمية - مضافاً إلى ما مرَّ في تأسيس الأصل من عدم جريانها، ومضافاً إلى اختصاصها على فرض الجريان بالجاهل غير المقصّر ولو بسبب الاعتقاد - تفيد أنّ المرفوع حينئذٍ هو الحكم الظاهري لا الواقعي، فلا تنفع لمن يعتقد الوجوب، ولا لنفسه إذا صار معتقداً به.3.

ص: 45


1- مسالك الأفهام: ج 11/422 و 423.
2- مسالك الأفهام: ج 11/422 و 423.

ولو سمَّى غير المُرسِل لم يَحِلّ ،

يعتبر اجتماع الشرائط في محلّ واحد

المسألة الثانية: لا خلاف بين الأصحاب (و) لا إشكال في أنّه يعتبر أن يحصل موته بالسبب الجامع للشرائط التي من جملتها الإرسال والتسمية.

وعليه، ف (لو) أرسل واحدٌ و (سَمّى غير المرسِل، لم يَحِلّ ).

وأولى منه ما إذا أرسل واحدٌ وقَصَد آخر وسَمّى ثالث.

أقول: والأصل في ذلك - بعد اختصاص أدلّة الإباحة بحكم التبادر بذلك - صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد، فيكون الكلب لرجلٍ منهم، ويُرسِل صاحب الكلب كلبه ويُسمّي غيره أيجزي ذلك ؟

قال عليه السلام: لا يُسمّي إلّاصاحبه الذي أرسله»(1).

وإنّما وصفنا الخبر بالصحّة تبعاً للمسالك(2)، وإلّا فهو ضعيفٌ ، لأنّ في سنده محمّد بن موسى الظاهر كونه ابن عيسى السَّمان، الذي ضعّفه الرجاليّون، فضلاً عن أنّ في إسناده أحمد بن حمزة، ومحمّد بن خالد، وهما لم يثبت وثاقتهما، بل الأوّل منهما غير ثابت الحسن أيضاً، ولكن ضعفه ينجبرُ بالعمل.

وأيضاً يدلّ عليه: خبر أبي بصير، عن رجلٍ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «لايُجزي

ص: 46


1- التهذيب: ج 9/26 ح 103، وسائل الشيعة: ج 23/359 ح 29743.
2- مسالك الأفهام: ج 11/423.

وكذا لا يحِلُّ لو شاركه كلبُ الكافر، ومن لم يُسمَّ ، أو من لم يَقصد

أن يُسمّي إلّاالذي أرسل الكلب»(1).

أقول: ويمكن أن يُستشهد له بخبر الحلبي المتقدّم: «من أرسل كلبه ولم يُسمّ فلا يأكله»، فإنّ إطلاقه يشمل ما لو سَمّى غير المرسِل.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

المسألة الثالثة: قالوا(2) ويُشترط أيضاً العلم - قيل أو الظنّ الغالب - باستناد موته إلى السبب المحلّل، فلو شكّ في ذلك لا يُحكم بالحليّة، للشكّ في تحقّق الموجب، والأصل يقتضي عدمه، ومعه لا تصل النوبة إلى أصالة الحِلّ التي أسّسناها في صورة الشكّ في شرطيّة شيء في التذكية، فإنّ الشبهة في المقام موضوعيّة، وهذا واضحٌ جدّاً.

(وكذا لا يحلّ لو شاركه كلبُ الكافر) إن قلنا باشتراط كون المرسِل مسلماً.

(و) كذا لا يحلّ (من لم يُسمَّ أو من لم يقصد) في قتل الصيد، لأنّ ظاهر الأدلّة اعتبار استناد القتل إلى السبب المُحلّل.

ويشهد به: مضافاً إلى ذلك:

1 - صحيح الحذّاء، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث صيد الكلب:

«وإنْ وجدت معه كلباً غير معلَّمٍ فلا تأكل منه»(3).7.

ص: 47


1- التهذيب: ج 9/26 ح 104، وسائل الشيعة: ج 23/359 ح 29744.
2- رياض المسائل: ج 13/270، مفاتيح الشرائع: ج 2/213.
3- التهذيب: ج 9/26 ح 106، وسائل الشيعة: ج 23/342 ح 29697.

وأمّا السَّهم فيدخلُ فيه السيف والرمح،

2 - وخبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن قومٍ أرسلوا كلابهم وهي معلَّمة كلّها، وقد سَمّوا عليها، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلبٌ غريبٌ لا يعرفون له صاحباً، فاشتركت جميعاً في الصيد؟

فقال عليه السلام: لا يؤكل منه لأنّك لا تدري أخذه معلَّم أم لا؟»(1).

ومن التعليل وإطلاق مفهوم الصحيح، يستفاد حليّة الصيد بتعدّد السبب المُحلّل، فلو اشترك في قتله كلبان معلّمان سَمّى عند إرسالهما حَلّ .

قال السيّد في «الرياض»(2): (ويعضده الإطلاقات) ثمّ أمر بالتأمّل.

ولعلّ وجهه: أنّ الإطلاقات ظاهرة في الحليّة عند سببيّة كلّ فرد مستقلّاً، فلو استند القتل إلى مجموع السببين، كان كلّ منهما جزء السبب، فالإطلاقات لا تدلّ عليها.

وكيف كان، فالخبران يكفيان في المقام، وبهما يقيّد إطلاق مرسل الصدوق، قال:

«قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا أرسلت كلبك على صيدٍ وشاركه كلباً آخر، فلا تأكل منه، إلّاأن تُدرك ذكاته»(3).

هذا كلّه في صيد الكلب.

حكم آلات الصيد الجامدة

(وأمّا السَّهم فيدخلُ فيه السيف والرمح) ونحوهما ممّا اشتمل على نصل،

ص: 48


1- الكافي: ج 6/206 ح 19، وسائل الشيعة: ج 23/343 ح 29698.
2- رياض المسائل: ج 13/270.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/320 ح 4144، وسائل الشيعة: ج 23/343 ح 29699.

فلا إشكال ولا خلاف في أنّه إذا قَتل به الممتنع مع الشرائط الآتية، حَلّ أكله، ونُسب إلى الديلمي(1) عدم الحليّة، لكن أنكر سيّد «الرياض»(2) صحّة هذه النسبة.

أقول: وكيف كان، فيشهد للمشهور نصوص كثيرة:

منها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: «من جرح صيداً بسلاحٍ ، وذكر اسم اللّه عليه، ثمّ بقي ليلة أو ليليتين لم يأكل منه سَبعٌ ، ومنه علم أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إنْ شاء»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «كُل من الصيد ما قَتل السيف والرمح والسَّهم»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الصيد يضربه الرّجل بالسيف، أو يطعنه بالرمح، أو يرميه بسهمٍ فيقتله، وقد سمّى حين فعل ؟

فقال عليه السلام: كُلْ لا بأس به»(5).

إلى غير تلكم من النصوص الآتية جملة منها.

ومقتضى إطلاق النصوص حليّة أكل المقتول بالآلة، وإن لم تجرحه، كما صرّح به جماعة(6)، بل في «المسالك»(7) دعوى الإجماع عليه.

ودعوى: انصراف الإطلاق إلى صورة الجَرح.1.

ص: 49


1- حكاه عنه في المختلف: ج 8/274.
2- رياض المسائل: ج 13/253.
3- التهذيب: ج 9/34 ح 138، وسائل الشيعة: ج 23/362 ح 29750.
4- التهذيب: ج 9/34 ح 137، وسائل الشيعة: ج 23/362 ح 29751.
5- الكافي: ج 6/210 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/362 ح 29752.
6- كفاية الأحكام: ص 244، كشف اللّثام: ج 2/252.
7- مسالك الأفهام: ج 11/411.

والمعراض إذا خَرق

مندفعة: بأنّه لا منشأ له سوى الغَلبة، وهي لا تصلح منشئاً للانصراف المقيّد للإطلاق.

(و) لو كانت الآلة غير مشتملة على النصل، ولكنّها محدّدة يصلح للخرق، ك (المِعراض)، فالمشهور بين الأصحاب أنّ المقتول به يحِلُّ أكله (إذا خَرَق) ولو يسيراً فمات به، دون ما إذا لم يخرق، ويشهد به:

1 - صحيح أبي عبيدة، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا رميتَ بالمعراض(1) فخَرَق فكل، وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل»(2).

2 - والنبويّ : «في المعراض إن قتل بقتله فلا تأكل».

وبهما يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم حليّة المقتول بالمعراض مطلقاً، كخبر مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«والذي ترميه بالسّيف والحَجَر والنشاب والمعراض لاتأكل منه إلّاما ذكي»(3).

أقول: وفي المقام طائفة من النصوص تدلّ على حليّة أكل المقتول بالمعراض مطلقاً، خَرَق أو لم يخرق، إن لم يكن له نبلٌ غيره، أو كان ذلك مرماته، أو صنعه لذلك:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن ما صَرَع المعراض من الصيد؟9.

ص: 50


1- والمعراض كمحراب سهمٌ بلا ريش، رقيق الطرفين، غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حدّه، كما عن القاموس المحيط: ج 2/336.
2- الكافي: ج 6/212 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/370 ح 29770.
3- وسائل الشيعة: ج 23/373 ح 29780، قرب الإسناد: ص 39.

فقال عليه السلام: إن لم يكن له نبلٌ غير المعراض، وذكر اسم اللّه عليه فليأكل ما قَتَل، وإن كان له نبلٌ غيره فلا»(1).

ومنها: خبر زرارة والجُعفي، عن أبي جعفر عليه السلام: «عمّا قَتَل المعراض ؟

قال عليه السلام: لا بأس إذا كان هو مرماتك، أو صنعته لذلك»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عنه عليه السلام: «فيما قتل المعراض: لا بأس به إذا كان إنّما يصنع لذلك»(3).

قال: «وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس»(4).

ونحوها غيرها.

والجمع بينها وبين النصوص المتقدّمة إنّما يكون بأحد نحوين:

إمّا بتقييد إطلاق كلّ منهما المقابل للعطف ب (أو)، فتكون النتيجة الاجتزاء بأحد أمرين إمّا الخرق أو أن لا يكون له نبلٌ غيره.

وإمّا بتقييد إطلاق كلّ منهما المقابل للعطف ب (واو)، فتكون النتيجة أنّه يعتبر في الحليّة اجتماع الأمرين معاً.

ولعلّ الأوّل أظهر، لأنّ به يرتفع التعارض، فلا وجه لرفع اليد عن الإطلاق بأزيد من ذلك، فإنّ الضرورات تتقدّر بقدرها.6.

ص: 51


1- الكافي: ج 6/212 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/371 ح 29773.
2- الكافي: ج 6/212 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/372 ح 29774.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/317 ح 4132، وسائل الشيعة: ج 23/372 ح 29775.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/318 ح 4134، وسائل الشيعة: ج 23/372 ح 29776.

ف

ولو كانت الآلة من غير الجنسين المتقدّمين، وكانت مثقلةً تقتل بثقلها كالحَجَر والبندق والخَشَبة غير المحدّدة، فالظاهر عدم حليّة ما قتل بها مطلقاً، سواءٌ خدشت أم لم تخدش، وسواءٌ قطعت البندقة رأسه أم عضواً آخر، منه وأعضاء الذَّبح أم لا.

ويشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عمّا قتل الحجر والبندق أيؤكل ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

ومثله حسن حريز(2)، وموثّق عبداللّه بن سنان(3)، ومحمّد بن مسلم(4)، وصحيح الحلبي(5)، وغيرها.

(ف) المتحصّل: أنّ الآلة إنْكانت مشتملة على نَصلٍ كالسيف والرمح والسَّهم، أو كانت خالية عنه، ولكنّها كانت محدّدةً تصلح للخرق وخرقت، حلّ الصيد.

***7.

ص: 52


1- الكافي: ج 6/213 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/373 ح 29781.
2- التهذيب: ج 9/36 ح 149، وسائل الشيعة: ج 23/374 ح 29784.
3- التهذيب: ج 9/36 ح 147، وسائل الشيعة: ج 23/374 ح 29785.
4- التهذيب: ج 9/36 ح 150، وسائل الشيعة: ج 23/375 ح 29786.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 3/318 ح 4138، وسائل الشيعة: ج 23/375 ح 29787.

يؤكل ما يقتله أحدها إذا سمَّى المُرسِل

بيان ما يعتبر في حليّة الصيد

أقول: إنّما (يؤكل ما يقتله أحدها) أي الأُمور المشار إليها (إذا) وجدت الشرائط للحليّة، وهي ستّة:

الشرط الأوّل: أن ي (سمّى المُرسِل):

ولا خلاف في شرطيّة التسمية، وظاهر «المسالك»(1) الإجماع عليها، وليس المستند الآية الكريمة، لما تقدّم في صيد الكلب أنّها لا تدلّ على لزوم التسمية، ولا النصوص المتضمّنة للتسمية في كلام السائلين، لعدم المفهوم لها، ولا أصالة الحرمة، لما مرّ من أنّ الأصل هو الحليّة، بل الوجه فيه الأخبار والنصوص الخاصّة.

منها: ما دلّ على اعتبار التسمية عند الذَّبح الشامل للذّبح بذلك.

ومنها: ما دلّ على ذلك في خصوص المقام:

1 - خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ لحق حماراً أو ظبياً فضربه بالسيف فقطعه نصفين هل يَحِلّ أكله ؟

قال عليه السلام: نعم إذا سَمّى»(2).

2 - وفي خبره الآخر: «كُل ما لم يتغيّب إذا سمّى ورماه»(3).

ص: 53


1- مسالك الأفهام: ج 11/420.
2- وسائل الشيعة: ج 23/363 ح 29753، قرب الإسناد: ص 117.
3- وسائل الشيعة: ج 23/380 ح 29798، قرب الإسناد: ص 117.

وكان مُسْلِماً أو بحكمه.

3 - وصحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إن علم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل، وذلك إذا كان قد سمّى»(1).

ونحوها غيرها.

ويعضدها النصوص المتضمّنة لذكر التسمية في الأسئلة، فإنّها كاشفة عن أنّ وجوب التسمية كان أمراً مفروغاً عنه عندهم.

ولا يعارضها خبر عيسى بن عبداللّه القُمّي، قال:

«قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: أرمي بسهمي فلا أدري سمّيت أم لم اُسمّ؟

فقال عليه السلام: كُل لا بأس»(2).

فإنّ الحليّة في مورد الخبر تقتضيها قاعدة التجاوز، حتّى بناءً على وجوب التسمية.

وعليه، فلو نسى التسمية يحِلّ ، لما مرّ في صيد الكلب لوحدة المدرك.

(و) الشرط الثاني: إسلام الصائد فيحلّ لو (كان مسلماً أو بحكمه) على المشهور، ولا دليل عليه بالخصوص سوى ما مرّ في الصيد بالكلب، وقد عرفت ما فيه، وسوى ما سيأتي في الذبيحة، فالأولى إيكال البحث فيه إلى هناك.

الشرط الثالث: أن يكون قاصداً للصيد برميه، فلو رمى سهماً إلى هدفٍ 3.

ص: 54


1- الكافي: ج 6/210 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/365 ح 29760.
2- التهذيب: ج 9/33 ح 134، وسائل الشيعة: ج 23/377 ح 29793.

فصادف صيداً فقتله لم يحلّ ، كما هو المشهور بين الأصحاب.

وفي «الرياض»(1): (بلا خلافٍ ظاهرٍ وهو المدرك، وإلّا فلا دليل عليه).

ويمكن أن يكون مدركه أنّه إذا لم يقصد الصيد ورَمى، لا محالة لا يُسمّي، ولهذه الجهة لا يحلّ .

وكيف كان، فعلى فرض اعتباره، إنّما يعتبر القصد إلى الجنس، فلو قصد صيداً معيّناً ورمى فأخطأ، وأصاب صيداً آخر حَلّ ، لخبر عباد بن صهيب المنجبر قصور سنده بابن محبوب، الراوي عن موجبه، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ سمّى ورمى صيداً فأخطأه، وأصاب آخر؟

قال عليه السلام: يأكل منه»(2).

وهو يؤيّد ما ذكرناه في وجه اعتبار القصد.

فإن قيل: إنّه مرويٌ في نسخةٍ من «التهذيب»، وفيه: «لا يأكل منه»، فيدلّ الخبر على عدم الحليّة.

قلنا: الأصَحّ من النقلين هو الأوّل، لكونه مرويّاً في «الكافي»(3)، وفي نسخةٍ أُخرى من «التهذيب»(4)، ولا مورد هاهنا للتمسّك بأصالة عدم الزيادة، فإنّه لم يثبت نقل الشيخ الخبر مع الزيادة، لفرض كون النسخة الأُخرى من «التهذيب» بدون الزيادة.0.

ص: 55


1- رياض المسائل: ج 13/263.
2- الكافي: ج 6/215 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/380 ح 29797.
3- الكافي: ج 6/215 ح 1.
4- التهذيب: ج 9/38 ح 160.

ويتفرّع على ما ذكرناه: أنّه إن قصد صيداً ورماه وأصابه، ثمّ أصابَ صيداً آخر، حَلّ الجميع، ولا يضرّ كون التسمية واحدة، لأنّ المعتبر هو كون الصائد مسمّياً، ومقتضى إطلاق دليله كفاية تسمية واحدة للمتعدّد أيضاً.

ولا يعتبر أن يكون قاصداً المحلّل، فلو قصد رمي الخنزير فأصاب محلّلاً حَلَّ لحمه، لإطلاق الدليل، سيّما وقد عرفت أنّ دليل اعتبار القصد لا يدلّ على اعتبار أزيد من ما هو موجودٌ في الفرض، وإن وصلت النوبة إلى الأصل كان مقتضاه الحليّة أيضاً كما مرّ.

وعليه، فما في «الرياض»(1) من الحكم بعدم الحليّة إلّامع قصد المحلّل، لا دليل عليه سوى أصالة الحرمة التي عرفت ما فيها.

الشرط الرابع: أن لا يغيب عن المرسِل حَيّاً، فلو غاب عنه وحياته مستقرّة، ثمّ وُجِد مقتولاً أو ميّتاً لم يؤكل بلا خلافٍ .

ويشهد به نصوص كثيرة:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟

قال عليه السلام: إنْ كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل»(2).

ونحوه صحيح حريز(3)، وموثّق سماعة(4) مع زيادة التصريح بالمفهوم، وغيرهما.1.

ص: 56


1- رياض المسائل: ج 13/264.
2- الكافي: ج 6/210 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/365 ح 29759.
3- التهذيب: ج 9/34 ح 135، وسائل الشيعة: ج 23/365 ح 29760.
4- الكافي: ج 6/210 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/366 ح 29761.

أقول: ويستفاد من الجميع اختصاص الحرمة بما إذا لم يعلم أنّ رميته قتلته، وإلّا لو علم بذلك حَلّ الأكل، ففي الخبر المنجبر قصور سنده بصفوان، المُجمع على تصحيح رواياته، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«إذا رميت فوجدته وليس به أثرٌ غير السَّهم، وترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكُل، تغيب عنك أو لم يغب عنك»(1).

والظاهر عدم الخلاف فيه.

وفي صورة الشكّ في استناد القتل إلى رميته، يكون مقتضى القاعدة - مع قطع النظر عن هذه النصوص - أيضاً عدم الحليّة للشكّ في تحقّق السبب المُحلّل، والأصل يقتضي عدمه.

وعليه، فليس هذا شرطاً زائداً معتبراً في حليّة الصيد، ولعلّه لذلك لم يذكره المصنّف رحمه الله.

أقول: إنّ ما ذكرناه من القيدين في المسألة الثانية من لواحق صيد الكلب، يعتبران في المقام أيضاً:

أمّا اعتبار كون الرامي مسمّياً، فلو رمى وسَمّى غيره لا يَحلّ ، فلظهور النص في كون التسمية صادرة من الرامي.

وأمّا اعتبار أن لا يشاركه رَميٌ آخر غير واجدٍ لشرائط الحجيّة، فلعدم استناد القتل حينئذٍ إلى السبب المحلّل.

نعم، لو رماه اثنان برميتين واجدتين للشرائط حَلّ ، ويشهد به:3.

ص: 57


1- الكافي: ج 6/211 ح 10، وسائل الشيعة: ج 23/367 ح 29763.

1 - خبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عن ظبي أو حمار وحش أو طير صَرَعه رجلٌ ، ثمّ رماه غيره بعدما صرعه ؟

فقال عليه السلام: كل ما لم يتغيّب إذا سَمّى ورماه»(1)، فتدبّر.

2 - والنصوص الآتية الواردة في الإنسيّ الذي توحّش، الدالّة على حليّته لو بادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه.

أقول: وتمام الكلام في هذا الفصل يتحقّق بالبحث في مسائل:

***7.

ص: 58


1- وسائل الشيعة: ج 23/380 ح 29798، قرب الإسناد: ص 117.

حكم إدراك الصيد وفيه حياة مستقرّة

المسألة الأُولى: لو أدرك ذو السَّهم أو الكلب الصيد مع إسراعه إليه حالة الإصابة وفيه حياة مستقرّة، توقّف حِلّه على التذكية إن اتّسع الزمان لها، بلا خلافٍ فيه في الجملة، كذا في «الرياض»(1).

أقول: والأصل في هذا الحكم نصوصٌ خاصّة:

منها: صحيح الحذّاء، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يُسرّح كلبه المعلَّم ويُسمّي إذا سَرّحه ؟

قال عليه السلام: يأكل ممّا أمسك عليه، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه... الحديث»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم وغير واحدٍ، عنهما عليهما السلام جميعاً، أنّهما قالا: «في الكلب يرسله الرّجل ويُسمّي ؟

قالا: إن أخذته فأدركت ذكاته فذكّه»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«إن أدركت صيده فكان في يدك حَيّاً فذكّه، فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكُل»(4).

ومنها: خبره الآخر، عن الإمام الصادق عليه السلام في البعير الممتنع:

ص: 59


1- رياض المسائل: ج 13/271.
2- الكافي: ج 6/203 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/332 ح 29668.
3- التهذيب: ج 9/22 ح 89، وسائل الشيعة: ج 23/341 ح 29693.
4- التهذيب: ج 9/28 ح 112، وسائل الشيعة: ج 23/341 ح 29694.

«فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربةٍ (أو برمح) بعد أن تُسمّي فكل، إلّاأن تدركه ولم يمت بعد فذكّه»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: وهذه النصوص كما تراها ليس في شيء منها استقرار الحياة، حتّى يبحث عن ما يتحقّق به، بل هي متضمّنة لأنّه إذ أدرك ذكاته ذكّاه، أو إذا أدركه حَيّاً ذكّاه، ومرجعهما إلى شيء واحدٍ، فالمستفاد منها أنّه:

1 - إن أدرك الصيد ولم يمض وقت التذكية وأدركها (وسيأتي في الذّبائح تعيين ما يُدرَك به التذكية) لا يحِلّ بدون التذكية.

2 - وإن أدركه وهو مقتولٌ أو حيٌّ ولكن لم يدرك ذكاته، حَلّ بدونها، والظاهر أنّ مراد القوم من دركه وفيه حَيّاًة مستقرّة ذلك أيضاً كما سيأتي.

وعليه، فلا إيراد عليهم كما في «المسالك»(2) بأنّه لا وجه لهذا القيد، ويعضده تفصيلهم في المقام بين ما إذا وسع الزمان للتذكية وعدمه، ولو كان المراد باستقرار الحياة ما فسّره بعضهم(3) وهو: ما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم واليومين، لم يكن وجهٌ لهذا التفصيل لعدم تصوّر استقرار الحياة بهذا المعنى مع عدم سعة الزمان للتذكية.

وكيف كان، فتمام الكلام في هذه المسألة ببيان أُمور:

الأمر الأوّل: إذا أدركه حَيّاً ولم يسع الزمان للتذكية، حَلّ بدونها، كما عن الأكثر5.

ص: 60


1- التهذيب: ج 9/54 ح 223، وسائل الشيعة: ج 24/21 ح 29881.
2- مسالك الأفهام: ج 11/445.
3- المسالك: ج 11/447، جواهر الكلام: ج 36/75.

على ما في «المسالك»(1)، بل المشهور كما عن «الروضة»(2)، لخبر أبي بصير المتقدّم المصرّح بذلك، ولأنّ الخارج عن تحت إطلاق صدر النصوص الاُخر، المتضمّنة لحليّة الصيد، خصوص ما إذا أدرك ذكاته للتصريح به، أو للأمر بالتذكية مع إدراكه حَيّاً، المختصّ بإدراك التذكية، فإنّه في هذا المورد الخاص دلّت النصوص على عدم الحليّة بدون الذَّكاة، فالفرض باقٍ تحت إطلاق الأدلّة.

وعن «الخلاف»(3)، والحِلّي(4)، و «المختلف»(5): إنّه لا يحلّ نظراً إلى أنّه أدركه حَيّاً فنيط إباحته بتذكيته.

وبما ذكرناه ظهر ضعف ذلك.

الإيراد الثاني: إذا اتّسع الزمان للتذكية، لكنّه يتمكّن من تذكيته لأُمورٍ اُخر، وهي على قسمين:

القسم الأوّل: ما يوجب التعذّر من غير تقصيرٍ من الصائد، كما لو اشتغل بأخذ الآلة وسَلّ السكين، أو امتنع بما فيه من بقيّة قوّة، وما شاكل.

القسم الثاني: ما يكون ذلك عن تقصير الصائد، كما لو اشتغل بتحديد المدية حتّى مات الصيد، وما شاكل ذلك.

فإنْ كان من قبيل القسم الأوّل، فالظاهر الحليّة، لإطلاق الأدلّة المتقدّمة.

وإنْ كان من القسم الثاني لم يَحِلّ ، فإنّه في حكم ما لو تمكّن من الذَّبح وتركه5.

ص: 61


1- مسالك الأفهام: ج 11/448.
2- شرح اللّمعة: ج 7/207.
3- الخلاف: ج 6/14.
4- السرائر: ج 3/85.
5- مختلف الشيعة: ج 8/275.

عمداً، في كونه مشمولاً لما ورد في ذيل النصوص من اعتبار التذكية في حِلّ الصيد الذي أدرك ذكاته.

الإيراد الثالث: إذا اتّسع الزمان للتذكية، ولم يكن له آلة فيذكّيه، فالمشهور بين الأصحاب الحرمة كما مرّ.

وعن الشيخ في «النهاية»(1)، والصدوق(2)، وابن الجُنيد(3)، والمصنّف في «المختلف»(4)، وصاحبي «المفاتيح»(5) و «الكفاية»(6) وجماعة آخرين(7): إنّه يترك الكلب حتّى يقتله، ثمّ ليأكل إن شاء، واستدلّ له:

1 - بعموم قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (8) وما شابهها من النصوص.

2 - وبخصوص صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يرسل الكلب على الصيد، فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكّيه بها، أفيدعه حتّى يقتله ويأكل منه ؟

قال عليه السلام: لابأس به، قال اللّه عزّوجلّ : (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ... الحديث»(9).

وصحيحه الآخر، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: أرسل الكلب واُسمّي عليه،0.

ص: 62


1- النهاية: ص 581.
2- المقنع: ص 413.
3- حكاه عنه في المختلف: ج 8/265.
4- مختلف الشيعة: ج 8/265.
5- مفاتيح الشرائع: ج 2/215.
6- كفاية الأحكام: ج 2/581.
7- التنقيح الرائع: ج 4/13، جامع المدارك: ج 5/107، جواهرالكلام: ج 36/71، رياض المسائل: ج 286/13.
8- سورة المائدة: الآية 4.
9- الكافي: ج 6/204 ح 8، وسائل الشيعة: ج 23/347 ح 29710.

فيصيد وليس معي ما أذكّيه به ؟

قال عليه السلام: دَعه حتّى يقتله وكُل منه»(1).

ومرسل الصدوق، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «إذا أرسلت كلبك على صيدٍ فأدركته ولم يكن معك حديدة تذبحه بها، فدع الكلب يقتله ثُمّ كُل منه»(2).

وأورد على الاستدلال بالآية: بأنّها لا تدلّ على العموم، وإلّا جاز مع وجود آلة الذَّبح.

وأجاب عنه: الشهيد الثاني في «المسالك»(3):

(بأنّ تخصيص الآية بعدم الجواز، مع وجود آلة الذَّبح بالإجماع والأدلّة، لايدلّ على تخصيصها في محلّ النزاع، لأنّ العام حجّة فيما عدا مورد التخصيص).

وفيه: إنّ الدليل الدالّ على خروج صورة إدراكه حَيّاً مع وجود آلة الذَّبح عن تحت العام، يدلّ على خروجها عنه مع عدم وجود الآلة، كما قدّمناه واعترف هو قدس سره بذلك قبل أسطر، بل صرّح في أوّل عنوان هذا الفرع بأنّ النصوص تدلّ على الحرمة، وقد ثبت في محلّه أنّ إطلاق المقيّد مقدّمٌ على إطلاق المطلق.

أمّا النصوص: فقد ذكر جماعة(4) الصحيح الأوّل، وأوردوا عليه بأنّه لا يدلّ على المطلوب، لأنّ الضمير المستتر في قوله: «فيأخذه» راجعٌ إلى الكلب لا إلى الصائد، والبارز راجعٌ إلى الصيد، والتقدير: فيأخذ الكلب الصيد، وهذا لا يدلّ على3.

ص: 63


1- الكافي: ج 6/206 ح 17، وسائل الشيعة: ج 23/348 ح 29711.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/320 ح 4144، وسائل الشيعة: ج 23/348 ح 29712.
3- مسالك الأفهام: ج 11/446.
4- جامع المدارك: ج 5/109، مسالك الأفهام: ج 446/11، جواهرالكلام: ج 72/36، رياض المسائل: ج 287/13.

إبطال امتناعه، بل جاز أن يبقي على امتناعه والكلب المُمسِك له، فإذا قتله حينئذٍ فقد قتل ما هو ممتنعٌ فيحلّ بالقتل.

أقول: وأجاب عنه الشهيد رحمه الله في «المسالك»(1): بأنّه ظاهرٌ في صيرورة الصيد غير ممتنعٍ ، لجهات:

أحداها: قوله: «ولا يكون معه سكين»، فإنّ مقتضاه أنّ المانع له من تذكيته عدم السكين، لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعاً.

والثانية: قوله: «فيذكّيه بها».

والثالثة: قوله: «أَفَيدعه حتّى يقتله»، فإنّه ظاهرٌ في أنّ له أنْ لا يدعه حتّى يقتله.

وأورد عليه سيّد «الرياض»(2) بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ ما ذكره من القرائن لا يوجبُ الصراحة، بل غايتها إفادة الظهور، وهو لا ينافي الحمل على ما ذكره المجيب جمعاً بين الأدلّة.

وفيه: إنّ رفع اليد عن ظهور الدليل لابدّ وأن يكون لقرينةٍ ، ومجرّد الجمع ما لم يكن عرفيّاً لا يصلح لذلك، بل ظهور المقيّد مقدّمٌ على ظهور المطلق.

الوجه الثاني: إنّه على تقدير الصراحة، فإنّ النصوص الدالّة على الحرمة بدون التذكية، لاعتضادها بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعيّة، تقدّم على هذا الخبر، وهو لا يكون لها مكأفاة وإنْ كان صحيحاً وعمل به.

وفيه: إنّ ذلك أغرب من الوجه الأوّل، فإنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو في المتعارضين، ولا وجه له في المطلق والمقيّد، والنصوص الدالّة على الحرمة مطلقة،9.

ص: 64


1- مسالك الأفهام: ج 11/446.
2- رياض المسائل: ج 13/289.

وهذا الخبر مختصٌّ بصورة عدم وجود الآلة، والمقيّد يقدّم على المطلق.

فتحصّل: أنّ دلالة النصوص الخاصّة تامّة، وأسنادها معتبرة، وقد عمل بها جماعة، فالبناء على ما يستفاد منها متعيّن.

وعليه، فالأظهر هو الحليّة في هذه الصورة.

الإيراد الرابع: المشهور بين الأصحاب إيجاب المسارعة إلى الصيد بعد إرسال الآلة والإصابة شرعاً أو شرطاً، ولم يقيّد النصوص المفصّلة بين إدراكه حَيّاً وعدمه، والحكم بالحليّة في الثاني دون الأوّل، إلّامع التذكية بذلك، ولم يرد بذلك رواية، ولذا قد يقال: بأنّ الأظهر عدم لزومها.

واستدلّ له سيّد «الرياض»:(1)

1 - بأصالة الحرمة.

2 - وبأن المتبادر من الإطلاقات ما تحقّقت فيه، وإلّا لحَلّ الصيد مع عدمها، ولو بقى غير ممتنعٍ سنةً ثمّ مات بجرح الآلة، ولعلّه مخالفٌ للإجماع بل الضرورة.

3 - وبالاستقراء والتتبّع للنصوص والفتاوى، على دوران حِلّ الصيد بالاصطياد وحرمته مدار حصول موته حال الامتناع به وعدمه، مع القدرة عليه.

4 - وبأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى عدم حِلّ الحيوان مطلقاً إلّا بالذبح ونحوه، وأنّ الاكتفاء بغيرهما في الحليّة إنّما هو حيث حصلت ضرورةً كالاستعصاء ونحوه.

5 - وبأنّ النصوص محمولة على صورة المسارعة، لورودها لبيان حكمٍ آخر غير المسارعة.9.

ص: 65


1- رياض المسائل: ج 13/289.

أقول: والكلُّ كما ترى :

فإن الأصل هو الحليّة كما مرّ، مع أنّه لا مجال له مع إطلاق الدليل.

وكون المتبادر من النصوص ما تحقّقت المسارعة فيه ممنوعٌ ، ولا يلزم منه أنّه لو بقى غير ممتنع سنةً ثمّ مات يحِلّ ، فإنّ النصوص آمرة بأنّه مع إدراك الذَّكاة لابدّ وأن يُذكّى، والكلام إنّما هو في أنّه هل تجبُ المسارعة في المشي إليه أم لا.

والاستقراء المشار إليه ناقصٌ ليس بتامّ ، والمستفاد من النصوص أنّ الحيوان المقدور عليه يحلّ بالذبح، والممتنع بإرسال الكلب أو السَّهم، والمفروض أنّ هذا الحيوان حين ما أصابه آلة الاصطياد كان ممتنعاً ومستعصياً، فالنصوص تدلّ على حليّته إنْ مات بالاصابة.

وكون نصوص الباب لبيان حكمٍ آخر، لا يوجبُ حملها على صورة المسارعة، مع اقتضاء أصالة البراءة عدم وجوبها.

وأيضاً: يمكن أن يستدلّ له بأنّه في النصوص علّق وجوب التذكية على إدراكه حَيّاً وإدراكه ذكاته.

وعليه، فلو فرضنا أنّه بعد إرسال السَّهم والإصابة بالصيد، لو أسرع إليه بالمعتاد لوجده حَيّاً، وكان الزمان متّسعاً لتذكيته ولو لم يسارع إليه كذلك، بل تأنّى في مشيه ثمّ وجده حين ما وصل إليه ميّتاً، لا يبعد القول بأنّه يصدق أنّه يدركه حَيّاً ويدرك ذكاته، فلا يحِلّ الصيد في فرض ترك المسارعة، وعدم التذكية، وليس معنى الوجوب الشرطي للمسارعة إلّاذلك، فما أفاده المشهور متين جدّاً.

***

ص: 66

الحيوان الذي يحِلّ بالصيد

المسألة الثانية: لا إشكال في أنّ الحيوان المُحلّل لحمه، المُحرّم ميتته:

إنْ كان مقدوراً على ذبحه وما في معناه، لا يحِلّ إلّابالذبح أو النحر على ما يأتي تفصيله.

وإنْ كان غير مقدورٍ، بأن كان متنفرّاً متوحّشاً، فجميع أجزائه مَذبحٌ ما دام على توحّشه، وهو في الصيد الوحشيّ موضع وفاقٍ بين المسلمين، كما في «المسالك»(1)، وفي الإنسيّ إذا توحّش - كما إذا ندّ بعيرٌ - موضع وفاقٍ منّا كما في «المسالك»(2) أيضاً.

أقول: يشهد لحليّة القسم الأوّل بالكلب والآلة، النصوص المتقدّمة الواردة في البابين، وهي من جهة عدم ورودها في مقام بيان ما يحلّ بالصيد لا إطلاق لها، كي يتمسّك به في كلّ مورد، والمتيقّن هو الوحشيّ بالأصالة الباقي على توحّشه، فلو صار الوحشيّ مستأنساً، لا يحلّ بشيء منهما، لعدم الإطلاق للنصوص، وقد دلّ الدليل على انحصار السبب في التذكية لو كان مقدوراً عليه.

بل قد مرّت النصوص الدالّة على أنّ الوحشي إذا قدر على تذكيته حتّى بواسطة أنّه عقره الكلب أو أصابه السّهم، ولم يكن له قوّة ليتنفّر ويمتنع، لا يحلّ بدون التذكية، مع أنّه في الخبر الذي رواه الأفلح عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، أنّه قال:

«ولو أنّ رجلاً رمى صيداً في وكره، فأصاب الطير والفراخ جميعاً، فإنّه يأكل

ص: 67


1- مسالك الأفهام: ج 11/435.
2- مسالك الأفهام: ج 11/435.

الطير ولا يأكل الفراخ، وذلك أنّ الفراخ ليس بصيدٍ ما لم يطر، وإنّما يؤخذ باليد، وإنّما يكون صيداً إذا طار»(1).

فإنّ الخبر كما ترى بعموم العلّة يدلّ على عدم حليّة غير الوحشي بالصيد، وإن كان وحشيّاً بالأصالة.

أضف إلى ذلك كلّه: عدم صدق صيد الكلب وما شابهه من العناوين عليه، لعدم احتياج أخذه إلى حيلة.

أقول: ويشهد لحليّة القسم الثاني به النصوص الخاصّة:

منها: صحيح الحلبي، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: في ثور تعاصى فابتدره قومٌ بأسيافهم وسمّوا، فأتوا عليّاً عليه السلام فقال: هذه ذكاة وحيّة، ولحمه حلال»(2).

ومنها: حسن الحلبي، عنه عليه السلام: «في رجل ضرب بسيفه جزوراً أو شاةً في غير مذبحها، وقد سمّى حين ضرب ؟ قال عليه السلام: لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها، يعني إذا تعمّد ذلك ولم تكن حالة حال اضطرار، فأمّا إذا اضطر إليه واستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك»(3).

ومنها: خبر أبي البُختري، عن جعفر، عن أبيه:

«أنّ عليّاً عليه السلام قال: إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها، وإن لم تقدروا على أن تعرقبوها، فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش»(4).

ونحوها غيرها.

***8.

ص: 68


1- التهذيب: ج 9/20 ح 82، وسائل الشيعة: ج 23/383 ح 29805.
2- التهذيب: ج 9/54 ح 225، وسائل الشيعة: ج 24/19 ح 29877.
3- التهذيب: ج 9/53 ح 221، وسائل الشيعة: ج 24/12 ح 29860.
4- وسائل الشيعة: ج 24/22 ح 29885، قرب الإسناد: ص 68.

ولو قتل ما فيه حديدة معترضاً حَلّ .

حليّة ما قتله الحديدة معترضاً

المسألة الثالثة: (ولو قتل ما فيه حديدة معترضاً حَلّ ) على المشهور، بل ظاهر «المسالك»(1) الإجماع عليه كما مرّ.

ويشهد به: - مضافاً إلى إطلاق نصوص حليّة ما قَتَله السيف والرمح والسّهم - خصوص صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الصيد يرميه الرّجل بسهم فيصيبه معترضاً، فيقتله، وقد كان سمّى حين رمى، ولم تصبه الحديدة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان السَّهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا رآه فيأكل»(2).

وخبره الآخر، عنه عليه السلام: «عن الصيد يصيبه السَّهم معترضاً ولم يصبه بحديدة، وقد سمّى حين رمى ؟

قال عليه السلام: يأكل إذا أصابه وهو يراه... الحديث»(3).

***

ص: 69


1- مسالك الأفهام: ج 11/411.
2- الكافي: ج 6/212 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/371 ح 29771.
3- الكافي: ج 6/213 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/371 ح 29772.

ولو قتل الكَلبُ أو السَّهمُ فرخاً لم يحِلّ ، ولو رماه بسهمٍ فتردّى من جبلٍ ، أو وقع في الماء فمات لم يحِلّ ،

في عدم حليّة لحوم الفراخ بالاصطياد

المسألة الرابعة: قد عرفت أنّه يعتبر في حليّة ما قتله الكلب أو السَّهم كونه ممتنعاً، (و) عليه، ف (لو قتل الكلب أو السَّهم فرخاً لم يحِلّ ) وهو واضحٌ .

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - خبر الأفلح، قال:

«سألتُ عليّ بن الحسين عليه السلام عن العصفور يفرخ في الدّار هل يؤخذ فراخه ؟

فقال عليه السلام: لا، إنّ الفرخ في وكره في ذمّة اللّه ما لم يطر، ولو أنّ رجلاً رمى صيداً في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعاً، فإنّه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ، وذلك أنّ الفراخ ليس بصيدٍ ما لم يطر، وإنّما يؤخذ باليد، وإنّما يكون صيداً إذا طار»(1).

***

ص: 70


1- التهذيب: ج 9/20 ح 82، وسائل الشيعة: ج 23/383 ح 29805.

موت الصيد بسببين

المسألة الخامسة: (ولو رماه بسهمٍ ) ونحوه (فتردّى من جبلٍ ، أو وقع في الماء فمات) موتاً يحتمل استناده إلى كلٍّ منهما (لم يحِلّ ) إجماعاً كما في «الرياض»(1).

ويشهد به: - مضافاًإلى أنّه من باب اجتماع السببين المختلفين في التحليل والتحريم، وقد مرّ أنّه يعتبر استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة - جملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ رمى صيداً وهو على جبل أو حائط، فيخرق فيه السَّهم فيموت ؟

فقال عليه السلام: كُلْ منه، وإنْ وقع في الماء مِنْ رميتك فمات فلا تأكل منه»(2).

ونحوه موثّقا سماعة.

ومنها: خبر خالد بن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السلام: «لا تأكل الصيد إذا وقع في الماء فمات»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: ومقتضى إطلاقها عدم الحليّة حتّى إذا علم استناد الموت إلى الرمية عادةً ، كما عن الشيخ في «النهاية»(4)، لكن المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع، بل ادّعاه غير واحد(5) - إمّا لحمل إطلاق ما في «النهاية» على

ص: 71


1- رياض المسائل: ج 13/278.
2- التهذيب: ج 9/52 ح 216، وسائل الشيعة: ج 23/378 ح 29794.
3- التهذيب: ج 9/37 ح 157، وسائل الشيعة: ج 23/378 ح 29795.
4- النهاية: ص 581.
5- رياض المسائل: ج 13/278.

غير المورد، كما عن «المختلف»(1)، أو لرجوعه وإفتائه بما هو المشهور في «المبسوط»(2) - أنّه يحِلّ في هذه الصورة، وإن أفاد الماء والتردّي تعجيلاً.

ويمكن أن يُستشهد له: - مضافاً إلى الإجماع، وإلى مناسبة الحكم والموضوع - بأنّه في صدر صحيح الحلبي: «لو رمى صيداً وهو على جبلٍ أو حائطٍ فخرق فيه السَّهم فمات حَلّ »، ومن المستبعد جدّاً أن يخرق فيه السَّهم فيموت، ولا يتردّى من الحائط، وإنّما حكم بالحليّة حينئذٍ من جهة أنّ ظاهره إرادة صورة استناد الموت إلى الرَّمي، فذيله يختصّ بما إذا احتمل استناد الموت إلى الماء أو إليه والرَّمي جميعاً، واحتمال الفرق بين الماء والتردّي كما ترى .

وأيضاً يمكن أن يُستدلّ له: بمرسل الصدوق، قال عليه السلام:

«إنْ رميتَ الصيد وهو على جبل فسقط فلا تأكله، وإنْ رميتَ فأصابه سهمك ووقع في الماء فكله، إذا كان رأسه في الماء فلا تأكله»(3).

وهو من جهة استناد الصدوق ما تضمّنه إلى المعصوم عليه السلام جزماً من المرسَل الذي يكون حجّة، وأفتى بما تضمّنه الصدوقان(4)، وصوّبهما المصنّف رحمه الله والشهيد الثاني(5) وغيرهما(6).

وتقريب الاستدلال به: أنّه إذا كان رأسه خارج الماء، فهو أمارة استناد الموت..

ص: 72


1- مختلف الشيعة: ج 8/268.
2- المبسوط: ج 6/273.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/320 ح 4144، وسائل الشيعة: ج 23/379 ح 29796.
4- فقه الرّضا: ص 297، المقنع: ص 414.
5- مسالك الأفهام: ج 11/437.
6- مجمع الفائدة البرهان: ج 11/31..

إلى الرَّمي لا إلى الماء، وإلّا فكلٍّ من الأمرين محتملٌ .

وعليه، فالأظهر الحليّة مع العلم باستناد الموت إلى الرمية.

***

ص: 73

ولو قدّه السيفُ بنصفين حَلّا، إنْ تحرّكا أو لم يتحرّكا، ولو تحرّك أحدهما حركة ما حياته مستقرّة، حَلّ بعد التذكية خاصّة

حكم من ضرب الصيد فقده نصفين

المسألة السادسة: (ولو قَدّه السيف بنصفين، حَلّا إنْ تحرّكا) حركة المذبوح (أو لم يتحرّكا)، بلا خلافٍ كما عن «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2)، و «السرائر»(3)، لكنّهم لم يقيّدوه بأحد القيدين، وإنْ كان الظاهر إرادتهم إيّاه بناءً على الغالب في القَدّ بنصفين، مع أنّهم صرّحوا بكون مثله من جملة أسباب عدم استقرار الحياة، فلا خلاف في المسألة.

ويشهد له: - مضافاً إلى إطلاق الأدلّة - موثّق غياث، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرّجل يضرب الصيد فيجدله بنصفين ؟

قال عليه السلام: يأكلهما جميعاً، وإنْ ضربه فأبان منه عضواً لم يأكل منه ما أبان منه، وأكل سائره»(4).

(ولو تحرّك أحدهما حركة ما حياته مستقرّة، حَلّ بعد التذكية) ما فيه الحياة (خاصّة) ولم يحلّ الآخر:

ص: 74


1- الخلاف: ج 6/18.
2- المبسوط: ج 6/261.
3- السرائر: ج 3/85 و 95.
4- الكافي: ج 6/255 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/386 ح 29810.

أمّا عدم حليّة الآخر: فلأنّه جزءٌ مبانٌ من الحَيّ فهو ميتة.

وأمّا اعتبار التذكية فيما فيه الحياة: فللنصوص المتقدّمة، الدالّة على اعتبارها إنْ أدرك حياته.

وعن ظاهر «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2)، و «السرائر»(3): عدم اعتبار التذكية خلافاً للمشهور، بل اعتبر الأولان خروج الدّم خاصّة، بل وصرّح ثانيهما بالتحريم من دونه.

أقول: الظاهر أنّ مدرك عدم اعتبارهم التذكية، إطلاق الموثّق المتقدّم.

ويردّه: أنّه لو سُلّم إطلاقه، يقيّد بالخبر:

«في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان ؟

قال عليه السلام: لا بأس بكليهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإذا تحرّك أحدهما لم يؤكل الآخر، لأنّه ميتة»(4).

فإنّ ظاهرالتعليل أنّ الحياة المثبتة والمنفيّة، هي الحياة المستقرّة بالمعنى المتقدّم، أي ما أدرك ذكاته لا مطلقاً، فبه يقيّد إطلاق الموثّق.

مع أنّه لو أغمض عنه حيث تكون النسبة بين الموثّق والنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّه إنْ أدرك حياته أو أدرك ذكاته لم يحلّ بدون التذكية، عمومٌ من وجه، والترجيح معها من وجوهٍ غير خفيّة، فتُقدّم، وأمّا اعتبار خروج الدّم، فلا وجه له أصلاً، إلّاالقياس على الذبيحة، وهو كما ترى .2.

ص: 75


1- الخلاف: ج 6/18.
2- المبسوط: ج 6/261.
3- السرائر: ج 3/85 و 95.
4- الكافي: ج 6/255 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/387 ح 29812.

وإلّا حَلّا معاً.

(وإلّا) أي وإنْ لم يكن حياة المتحرّك مستقرّةً (حَلّا معاً) مطلقاً، كان ما فيه الرأس أكبر أم لا، لإطلاق الأدلّة، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الصيد يضربه الرّجل بالسّيف، أو يطعنه برمحٍ ، أو يرميه بسهم فيقتله، وقد سمّى حين فعل ؟

قال عليه السلام: كلّ لا بأس به»(1).

ونحوه غيره، وكذا إطلاق موثّق غياث المتقدّم.

وعن الشيخ في «النهاية»(2): (إنّه مع تحرّك أحد النصفين دون الآخر، فالحلال هو المتحرّك خاصّة، وأن حلّهما معاً مشروط بحركتهما معاً أو عدم حركتهما).

ونسب في «الرياض»(3) هذا القول إلى «الخلاف»(4) و «المبسوط»(5)و «السرائر»(6) أيضاً، ولعلّ مدركهم الخبر الثاني المتقدّم، أو ما دلّ على أنّ الجزء المبان من الحَيّ ميتة.

ويرد الأوّل: - مضافاً إلى ضعف سنده من وجوهٍ عديدة - ما تقدّم من ظهوره لأجل ما فيه من التعليل في ما إذا كان حركة المتحرّك حركة ما حياته مستقرّة بالمعنى المتقدّم.5.

ص: 76


1- الكافي: ج 6/210 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/362 ح 29752.
2- النهاية: ص 581.
3- رياض المسائل: ج 13/282.
4- الخلاف: ج 6/18.
5- المبسوط: ج 6/261.
6- السرائر: ج 3/85 و 95.

ويَردُ الثاني أوّلاً: أنّ المتبادر من ذلك ما يحتاج لحياته إلى التذكية.

وثانياً: أنّ النسبة بين ما دلّ على أنّ ما قتل بالسّيف أو الرمح أو السَّهم حلالٌ ، وبين الدليل المشار إليه عمومٌ من وجه، إنْ أغمضنا عن التبادر المذكور، والترجيح مع الأوّل، وهو فتوى المشهور الّتي هي أوّل المرجّحات.

وعن الشيخ في «الخلاف»(1) و «المبسوط»(2)، وابن حمزة(3): أنّ حِلّهما مشروطٌ بتساويهما، ومع تفاوتهما يؤكل ما فيه الرأس إذا كان أكبر، وصرّحا في غيره بالحرمة، واستدلّ له:

تارةً : بالإجماع كما عن «المبسوط»(4).

وأُخرى : بأنّ أكل ما مع الرأس مُجمعٌ على إباحته، وما قالوه ليس عليه دليل.

وثالثة: بموثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجل ضرب غزالاً بسيفه حتّى أبانه، أيأكله ؟

قال عليه السلام: نعم يأكل ممّا يلي الرأس ويَدَع الذنب»(5).

بدعوى أنّه وإن كان مطلقاً شاملاً للأكبر والأدون والمساوي، إلّاأنّ الجمع بينه وبين قوله في المُرسَل عنه عليه السلام:

«قلت له: ربما رميتُ بالمعراض فأقتل ؟

فقال عليه السلام: إذا قطعه جدلين فارم بأصغرهما وكُل الأكبر، وإنْ اعتدلا فكلهما»(6).3.

ص: 77


1- الخلاف: ج 6/18.
2- المبسوط: ج 6/261.
3- الوسيلة: ص 357.
4- المبسوط: ج 6/261.
5- الكافي: ج 6/255 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/387 ح 29811.
6- الكافي: ج 6/255 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/387 ح 29813.

ولو قطعت الحبالة بعضه فهو ميتة، ولو رمى صيداً فأصاب غيره حَلّ ، ولو رماه لا للصيد فأصاب لم يحِلّ ،

يقتضي ذلك بحمل الأوّل على ما إذا كان ما يلي الرأس أكبر كما في الثاني، وحمل الثاني على ما إذا كان الأكبر ممّا يلي الرأس كما في الأوّل.

ولكن يَردُ على الأوّل: منع الإجماع إذ لم يفتِ به غيره(1) وابن حمزة(2).

وعلى الثاني: ما مرّ من الدليل على حليّة الجميع.

وعلى الثالث: أنّ الجمع المذكور تبرّعي أوّلاً، والخبر الثاني ضعيفٌ ثانياً، والموثّق بإطلاقه لم يعمل به أحد.

أضف إلى ذلك كلّه أنّه لا يصلُح للمقاومة مع ما تقدّم.

(ولو قطعت الحبالة بعضه فهو ميتة) مطلقاً، كان في إحدى القطعتين حياةٌ مستقرّة أم لا، إجماعاً كما في «الرياض»(3)، والنصوص الدالّة على ذلك كثيرة، ستأتي الإشارة إليها، ولا اختصاص للحكم بالحبالة، بل يشمل كلّ آلةٍ من الآلات غير المعتبرة، وهذا واضحٌ ممّا أسلفناه.

المسألة السابعة: (ولو رمى صيداً فأصاب غيره حَلّ ، ولو رماه لا للصيد فأصاب لم يحِلّ ) وقد مرّ الكلام فيهما في الشرائط.

***2.

ص: 78


1- المبسوط: ج 6/261.
2- الوسيلة: ص 357.
3- رياض المسائل: ج 13/282.

وباقي آلات الصيد كالفهود والحبالة وغيرهما، لا يحِلّ ، ما لم يَدرك ذكاته، وهو المستقرّ حياته ويذكّيه.

حكم الصيد بالبندقيّة

المسألة الثامنة: (وباقي آلات الصيد) غير ما مرّ (كالفهود، والحبالة وغيرهما لا يُحِلّ ما لم يُدرك ذكاته، وهو المستقرّ حياته، ويذكّيه).

أقول: قد استفاضت النصوص بذلك في الفهود والحبالة، وقد تقدّمت النصوص في الفهود.

وأمّا في الحبالة: فصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«أمير المؤمنين عليه السلام: ما أخَذَتِ الحبالة من صيدٍ فقطعتْ منه يداً أو رِجْلاً فذروه فإنّه ميّتٌ ، وكلوا ممّا أدركتم حَيّاً، وذكرتم اسم اللّه عليه»(1).

وخبر عبدالرحمن بن أبي عبداللّه، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ما أخَذَت الحبالة فقطعت منه شيئاً، فهو ميّتٌ ، وما أدركتَ من سائر جسده حَيّاً فذكّه ثمّ كُل منه»(2).

ونحوهما غيرهما.

وهذا كلّه ممّا لا إشكال فيه ولا كلام.

إنّما الكلام في الصيد بالآلة الحديثة الموسومة بالبندقيّة، فقد أحلّه في محكيّ

ص: 79


1- الكافي: ج 6/214 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/376 ح 29789.
2- الكافي: ج 6/214 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/376 ح 29790.

«الكفاية»(1)، وحرّمه سيّد «الرياض»(2).

واستدلّ للأوّل: بصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«مَنْ جَرَح صيداً بسلاحٍ ، وذكر اسم اللّه عليه، ثمّ بقى ليلةً أو ليلتين لم يأكل منه سَبُعٌ ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إنْ شاء»(2).

وأورد عليه السيّد في «الرياض» (4) :

1 - بأنّه لابدّ من تخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة، المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة.

2 - وبأنّه تعارضه عمومات تحريم الميتة الصادقة في اللّغة على الميّت حَتف أنفه، والمذبوح بكلّ آلةٍ ، خرج منها الآلة المعتبرة، وبقي ما عداها منها، ومفروض المسألة تحتها مندرجة.

3 - وبمنع عموم السلاح، فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغةً .

4 - وبانصرافه عن بنادق الصيد الحديثة إذ الغالب غيرها، مع أنّها من الآلات المستحدثة في هذه الأزمنة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا أصالة الحرمة: فمضافاً إلى ما مرّ من منعها، والنصوص التي ادّعي دلالتها عليها في الشبهة الموضوعيّة، أنّه لا يرجع إليها مع وجود الدليل، من غير فرقٍ بين النّاص منه والظاهر، فكيف بأن يُخصّص العموم بها؟!0.

ص: 80


1- كفاية الأحكام: ج 2/576. (2و4) رياض المسائل: ج 13/273.
2- الكافي: ج 6/210 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/362 ح 29750.

وأمّا عمومات تحريم الميتة: فيجبُ تخصيصها بالصحيح.

ودعوى: أنّ مفروض المسألة باقٍ تحت العموم.

مندفعة: بأنّه مع وجود الدليل الخاص، كيف يكون باقياً تحته ؟!

وأمّا منع عموم السلاح: فهو وإنْ تمّ ، ولكن لا ينافي إطلاقه، والإطلاق حجّة كالعموم.

وأمّا الانصراف بواسطة غلبة غيرها: فقد مرّ مراراً أنّه لا يصلح لتقييد الإطلاق، مع أنّ الغالب في هذه الأزمنة الصيد بها.

وبواسطة عدم كونه في زمان صدور الروايات: فيندفع بأنّ القضايا الشرعيّة من قبيل القضايا الحقيقيّة لا الخارجيّة، وهي متضمّنة لجعل الأحكام على الموضوعات المقدّر وجودها.

أقول: وربما يستدلّ للحرمة - مضافاً إلى ما مرّ - بوجهين آخرين:

أحدهما: ما تضمّن حرمة ما يُقتل بالثقل.

الثاني: اندراج ذلك تحت البندقيّة والحَجَر.

ويرد على الأوّل: أنّه ليس في شيء من النصوص ما يدلّ على ذلك إلّافي خبرٍ عامّي في المعراض، دالّ على أنّه إنْ قتله بثقله لا يحلّ ، وأين ذلك من الإطلاق ؟!

مع أنّ هذه الآلة لا تقتل بثقله، وإنّما تقتل بالخرق والنفوذ، وهو أنفذ من السَّهم والخرق بالسّيف.

ويرد الثاني: منع شمول البندقيّة لذلك، وعن «الكفاية»(1): (في الحديث أنّها لا6.

ص: 81


1- كفاية الأحكام: ج 2/576.

يصيدُ صيداً، ولا يتكأ عدوّاً، ولكنّها تكسر السِّن، وتقفأ العين)، وهذه الآلة تقيد الصيد وتتلف العدوّ الكبير وتقتل.

أقول: ويمكن أن يستدلّ لحِلّ ما صيد بها بوجوه:

الوجه الأوّل: ما تقدّم من صحيح محمّد بن قيس، ونحوه مرسل «الفقيه».

الوجه الثاني: أصالة الحِلّ التي أسّسناها، والمستفادة من الكتاب والسُّنة الدالّين على حليّة ما ذُكر اسم اللّه عليه.

الوجه الثالث: النصوص الدالّة على حليّة ما قتله رميّة الرّامي:

منها: صحيح سليمان بن خالد، قال:

«سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الرمية يجدها صاحبها أياكلها؟

قال عليه السلام: إن كان يعلم أنّ الرمية هي التي قتلته فليأكل»(1).

ومنها: صحيح حريز، عنه عليه السلام: «عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أيأكل منه ؟

قال عليه السلام: إن علم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل، وذلك إذا كان قد سمّى»(2).

ونحوهما غيرهما.

ومنها: موثّق سماعة: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟

قال عليه السلام: إذا رميّت وسميت فانتفع بجلده»(3).

ومنها: موثّق محمّد الحلبي، قال: «سألته عن الرّجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم فيقطعونه ؟ فقال عليه السلام: كله»(4).7.

ص: 82


1- الكافي: ج 6/210 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/365 ح 29759.
2- الكافي: ج 6/210 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/365 ح 29760.
3- التهذيب: ج 9/79 ح 74، وسائل الشيعة: ج 24/185 ح 30302.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/319 ح 4141، وسائل الشيعة: ج 23/364 ح 29757.

ومنها: خبر عبّاد بن صهيب، الصحيح عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ سمّى ورَمى صيداً، فأخطأه وأصاب آخر؟ قال عليه السلام: يأكل منه»(1).

إلى غير ذلك من النصوص الواردة في الأبواب المختلفة، الدالّة على أنّ المُحلّل هو الرَّمي، وإطلاقها يشمل الرَّمي بالبندقيّة.

الوجه الرابع: النصوص المتقدّمة في المعراض، المتضمّنة لحليّة مقتول كلّ ما قرّره الصائد سلاحاً ومرماة وآلة لرميه، وصنعه لذلك.

وعليه، فالأظهر هو حليّة ما قُتل بمختلف البنادق الحديثة.

وهل يعتبر أن يكون ما يرمى محدّداً أم لا؟

وجهان: أظهرهما الثاني، فلو لم يكن محدّداً وخَرَق حَلّ أكله.

***7.

ص: 83


1- الكافي: ج 6/215 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/380 ح 29797.

الصيد بالآلة المغصوبة

المسألة التاسعة: الاصطياد بالآلة المغصوبة سلاحاً أو كلباً حرامٌ بلا كلام، لأنّه تصرّفٌ في مال الغير وغصب، ولكن لا يحرم الصيد، ويملكه، لإطلاق الأدلّة، ضرورة كونه من قبيل المعاملة التي تجامع المحرّم كالذبح بالآلة المغصوبة.

نعم، عليه اُجرة مثلها للمالك كباقي الأعيان المغصوبة.

المسألة العاشرة: إذا صيّره الرّامي غير ممتنعٍ بأيّ نحو كان، مَلِكه، لأنّه من المباحات، ويُملك المباح بالحيازة، ولا حاجة إلى القبض الحسّي، وسيأتي الكلام في ذلك مفصّلاً في آخر مباحث الصيد والذباحة.

وهل يعتبر قصد التملّك أم لا؟

وجهان: مبنيّان على اعتباره في الملك الحاصل من الحيازة وعدمه، وظاهر الأدلّة عدم اعتباره.

وعليه، فلو رمى بغير قصدِ الصيد، فأصابه وصيّره غير ممتنعٍ مَلِكه.

والحمد للّه أوّلاً وآخراً

***

ص: 84

الفصل الثاني: في الذباحة.

ويشترط في الذّابح: الإسلام أو حكمه

الفصل الثاني في الذباحة حليّة ذبيحة الكتابي مع إحراز التسمية

اشارة

(الفصل الثاني: في الذباحة) والكلام فيه في طيّ مقامات:

المقدّمة الأُولى : في الذابح (و) ما يعتبر فيه:

أقول: قد طفحت كلماتهم بأنّه (يشترط في الذابح الإسلام، أو) من في (حكمه) على المعنى الذي أشار إليه جماعة(1) بقولهم، فلا يتولّاه الوثني وغيره من الكفّار غير الكتابي، وإنْ كان من كفّار المسلمين كالمرتدّ والغالي ومن شاكل، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(2).

وفي «المسالك»(3): (اتّفق الأصحاب بل المسلمون على تحريم ذبيحة غير أهل الكتاب من أصناف الكفّار، سواءٌ في ذلك الوثني وعابد النار والمرتد وكافر المسلمين كالغُلاة وغيرهم) انتهى .

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك، وإلى فحوى النصوص الآتية -:

ص: 85


1- شرائع الإسلام: ج 4/739، جواهر الكلام: ج 36/80.
2- جواهر الكلام: ج 36/80.
3- مسالك الأحكام: ج 11/451.

1 - صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب، فإنّهم ليسوا أهل الكتاب»(1).

2 - وخبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن ذبائح نصارى العرب ؟

قال عليه السلام: ليس هم أهلُ الكتاب، ولا تحلّ ذبائحهم»(2).

3 - وخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تأكل ذبيحة نصارى تغلب، فإنّهم مشركوا العرب»(3).

ونحوها غيرها.

وهي بواسطة ما فيها من العلل تدلّ على تلك الكبرى الكليّة، وعليه فلا إشكال في الحكم.

حكم ذبيحة أهل الكتاب: فقد وقع الكلام في ذبيحة أهل الكتاب، حيث اختلف الأصحاب فيها على أقوال ثلاثة:

1 - ما عن الأكثر، ومنهم الشيخان(4)، والمرتضى(5)، والأتباع، والحِلّي(6)، وجملة المتأخّرين - كما في «المسالك»(7) - وهو الحرمة، بل في «المسالك» أنّ عليه1.

ص: 86


1- تهذيب الأحكام: ج 9/66 ح 14، وسائل الشيعة: ج 24/59 ح 29989.
2- وسائل الشيعة: ج 24/56 ح 29981.
3- الاستبصار: ج 4/82 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/58 ح 29988.
4- الخلاف: ج 6/43، ذبائح أهل الكتاب للمفيد: ص 21.
5- الانتصار: ص 403.
6- السرائر: ج 3/106.
7- مسالك الأفهام: ج 11/451.

معظم الأصحاب، بل كاد أن يعدّ من المذهب.

وعن «الخلاف»(1)، و «الانتصار»(2): جعلها من متفرّدات الإماميّة مدّعيين الإجماع عليها.

2 - ما عن القديمين(3) وهو الحِلّ .

3 - البناء على الحِلّ مع سماع التسمية عليها، ذهب إليه الصدوق(4).

أقول: والعمدة في المقام الروايات، وأمّا الآيات فقد مرّ في مبحث اشتراط(5)كون المرسِل للكلب مسلماً، تقريب الاستدلال بها على الحرمة والجواب عنه.

نعم، تبقى الآية التي استدلّ بها للحِلّ ، وسنتعرّض لها بعد الروايات، وأمّا الإجماع فلعدم كونه تعبّديّاً، سيّما مع ذهاب جمعٍ (6) إلى عدم الحرمة، لا يكون حجّة.

وأمّا النصوص: فطوائف:

النصوص التي استدلّ بها للحرمة

الطائفة الأُولى : ما استدلّ به للقول المشهور، وتلكم الأخبار كثيرة:

منها: صحيح قُتيبة الأعشى، قال: «سأل رجلٌ أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده، فقال له:

الغنم يَرسلُ فيها اليهودي والنصراني فتعرض فيها العارضة، فيذبح، أنأكل ذبيحته ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تُدخل ثمنها مالك، ولا تأكلها فإنّما هو الاسم ولا يؤمن

ص: 87


1- الخلاف: ج 6/24.
2- الانتصار: ص 403.
3- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 8/316 عن ابن أبي عقيل وعن ابن الجُنيد.
4- الهدايه للصدوق: ص 312.
5- صفحة 25 من هذا المجلّد.
6- مسالك الأفهام: ج 11/464.

عليه إلّامسلمٌ .

فقال له الرّجل: قال اللّه تعالى : (اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّباتُ وَ طَعامُ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (1)؟

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: كان أبي يقول إنّما هو الحبوب وأشباهها»(2).

بدعوى ظهور النهي في الحرمة، ويؤيّده السياق من حيث فهم الراوي إيّاه، ولذا عارضه بالآية المتضمّنة للحليّة غير المنافية للكراهة، مع تقرير المعصوم له على فهمه، وجوابه له بما أجابه.

وأورد عليه في «المسالك»(3): بأنّه يدلّ على الحِلّ ، لأنّ قوله: «لا تُدخل ثمنها مالك» يدلّ على جواز بيعها، وإلّا لما صدق الثمن في مقابلتها، ولو كانت ميتة لما جاز بيعها، ولا قبض ثمنها، وعدم إدخال ثمنها في ماله يكفي فيه كونها مكروهة، والنهي عن أكلها يكون حاله كذلك حذراً من التناقض.

وفيه أوّلاً: إنّ إطلاق الثمن عليه لا يدلّ على صحّة البيع، وقد اُطلق الثمن في كثيرٍ من الأخبار مع فساد البيع، كقوله: «ثمن العَذَرة سحتٌ » وما شاكل.

وثانياً: إنّ صحّة البيع لا تُنافي حرمة الذبيحة، وقد دلّ بعض النصوص على جواز بيع الميتة، وبعضها على جواز بيعها منضمّةً إلى المذكّى، فلعلّ هذه الرواية من تلك الروايات، فلا يصلحُ ذلك قرينةً لرفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة.

ولكن يَردُ على هذا الخبر: إنّه يدلّ بواسطة ما فيه من التعليل على الحِلّ ، وعدم المنع من أكل ذبيحة الكتابي، فإنّه عُلّل حكمه بعدم الأكل لعدم الاطمئنان بأنّه6.

ص: 88


1- سورة المائدة: الآية 5.
2- الكافي: ج 6/240 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/48 ح 29956.
3- مسالك الأفهام: ج 11/456.

سَمّى حين الذبح، فلو حصل الاطمئنان بالتسمية كان مفاد الخبر حليّتها.

ومنها: خبر حسين بن المنذر، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديث:

«فقلت: أيُّ شيء قولك في ذبائح اليهود والنصارى ؟

فقال عليه السلام: يا حسين، الذبيحة بالإسم، ولا يؤمن عليها إلّاأهل التوحيد»(1).

أقول: والجواب عنه هو الجواب عن سابقه، ويؤيّده خبر حنّان، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ الحسين بن المنذر روى لنا عنك أنّك قلت: إنّ الذبيحة اسمٌ ولا يؤمَن عليها إلّاأهلها؟

فقال عليه السلام: إنّهم أحدثوا فيها شيئاً لا أشتهيه.

قال حنّان: فسألتُ نصرانيّاً، فقلت له: أي شيء تقولون إذا ذبحتم ؟ قال نقول:

باسم المسيح»(2).

وبذلك يظهر الجواب عن جملة من الأخبار التي استدلّوا بها لهذا القول، كأخبار الحسين بن المختار(3)، والحسين بن عبد اللّه(4)، وقتيبة الأعشى(5)، والحسين ابن المنذر(6)، والحسين الأحمسيّ (7).

ومنها: النصوص المتضمّنة للنهي عن أكل ذبيحة نصارى العرب، كأخبار محمّد5.

ص: 89


1- الكافي: ج 6/239 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/49 ح 29957.
2- الكافي: ج 6/239 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/49 ح 29958.
3- الكافي: ج 6/239 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/49 ح 29959.
4- الكافي: ج 6/239 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/50 ح 29960.
5- الكافي: ج 6/240 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/48 ح 29956.
6- التهذيب: ج 9/63 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/51 ح 29962.
7- من لا يحضره الفقيه: ج 3/331 ح 4183، وسائل الشيعة: ج 24/52 ح 29965.

ابن قيس، وأبي بصير، وعليّ بن جعفر المتقدّمة، وصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن نصارى العرب أتؤكَل ذبائحهم ؟

فقال عليه السلام: كان عليٌّ عليه السلام ينهي عن ذبائحهم، وعن صيدهم ومناكحتهم».

وصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن ذبائح نصارى العرب، هل تؤكل ؟

فقال: كان عليٌّ عليه السلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم وصيدهم.

وقال: لا يَذبحُ لك يهوديٌ ولا نصرانيٌ اُضحيتك»(1) ونحوها غيرها.

وأجاب عنها الشهيد الثاني(2): بأنّها تدلّ على الحِلّ ، فإنّ نهيه عن خصوص ذبائح نصارى العرب لا مطلق النصارى ، ولو كان التحريم عامّاً لما كان للتخصيص فائدة، ووجه تخصيصه نصارى العرب أنّ تنصّرهم وقع في الإسلام، فلا يُقبل منهم.

وفيه: إنّه يتوقّف على القول بمفهوم الوصف واللّقب، ولا نقول به.

فالحقّ في الجواب عنها: أنّها بواسطة ما في جملةٍ منها من التعليل بعدم كونهم من أهل الكتاب، لا تدلّ على الحرمة في مفروض المسألة، مع أنّه يحتمل اختصاص الحرمة بهم لما أفاده في «المسالك»(3)، غاية الأمر لا تدلّ على الحليّة في غيرهم، بل هي ساكتة عن بيان حكم غيرهم.

ومنها: النصوص الناهية عن ذبح غير المُسلم الأضحية:

1 - ما ورد في ذيل صحيح الحلبي المتقدّم.

2 - وخبر سلمة، المنجبر ضعفه بكون الراوي عنه من أصحاب الإجماع، عن6.

ص: 90


1- التهذيب: ج 9/64 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/58 ح 29985. (2و3) مسالك الأفهام: ج 11/456.

أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: لا يذبح ضحاياك اليهود ولا النصارى ولا يذبحها إلّامسلم»(1).

3 - وموثّق إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:

لا يذبح نُسْكُكُم إلّاأهل ملّتكم، ولا تصدّقوا بشيء من نُسْككم إلّاعلى المسلمين، وتصدقوا بما سواه غير الزكاة على أهل الذّمة»(2).

4 - وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يَذبحُ لك اليهودي ولا النصراني اُضحيتك»(3).

5 - وصحيح أبي بصير، عنه عليه السلام: «لا يذبح اُضحيتك يهودي ولا نصراني ولا مجوسي، وإنْ كانت امراةً فلتذبح لنفسها»(4).

ونحوها غيرها.

والجواب عن هذه النصوص: إنّ المنهيّ عنه فيها ذبح الاُضحية ولها خصوصيّة، ولذا أمر في صحيح أبي بصير بأن يذبحها مالكها، وقد ثبت في محلّه استحباب ذلك، بل حتّى لو لم يحسن الذباحة استحبّ جَعَل يده في يد الذابح، فلا ربط لهذه النصوص بحرمة الذبيحة، واعتبار كون الذابح مسلماً، بل في «المسالك»(5): إنّ هذه تدلّ على الحِلّ ، إذ مفهومها أنّ غيرها ليس كذلك، والمفهوم وإنْ لم يكن حجّة، إلّا أنّ التخصيص بالاُضحية لا نكتة فيه لو كانت ذباحتهم محرّمة مطلقاً.7.

ص: 91


1- الاستبصار: ج 4/82 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/58 ح 29987.
2- التهذيب: ج 9/67 ح 19، وسائل الشيعة: ج 24/61 ح 29995.
3- الكافي: ج 4/497 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/65 ح 30008.
4- التهذيب: ج 9/64 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/43 ح 29940 وص 58 ح 29986.
5- مسالك الأفهام: ج 11/457.

أقول: وهذا وإنْ كان لا يخلو عن الإشكال، ولكن عدم دلالتها على حرمة الذبيحة خالٍ عن الإشكال.

ومنها: خبر زيد الشَّحام، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحة الذمّي ؟ فقال عليه السلام: لا تأكله إنْ سَمّى وإنْ لم يُسمّ »(1).

وهذا الخبر من حيث الدلالة على الحرمة لا كلام فيه، ولكن سنده ضعيفٌ بمفضّل بن صالح الذي ضَعّفه جمعٌ كثير.

وما في «الرياض»(2): من أنّه ينجبر ضعفه بالأصل، وبعمل الأكثر.

يندفع: بأنّ الأصل كما عرفت لا أصل له، مع أنّه لايوجبُ جبر ضعف السند، وأمّا عمل الأكثر فالجابر هو عملهم بالخبر، واستنادهم إليه، لا مجرّد مطابقة فتواهم مع مضمونه، وفي المقام لم يُحرز ذلك إذ لعلّ الأصحاب في إفتائهم بالحرمة استندوا إلى غيره، فعمل الأكثر أيضاً لا يوجب الجبر.

أقول: وبما ذكرناه يظهر الجواب عن جملةٍ من النصوص المستدلّ بها في المقام، فإنّها ضعيفة الإسناد، غير منجبرة بالاستناد، كخبر محمّد بن يحيى الخثعمي(3)، فإنّ في سنده القاسم، وهو: إمّا ضعيفٌ أو مجهول، وخبر الحسين بن علوان(4) وغيرهما.

ومنها: صحيح شُعيب العقرقوفي، قال: «كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام ومعنا أبو بصير واُناسٌ من أهل الجبل، يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب ؟8.

ص: 92


1- الكافي: ج 6/238 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/54 ح 29971.
2- رياض المسائل: ج 13/304.
3- التهذيب: ج 9/67 ح 21، وسائل الشيعة: ج 24/60 ح 29992.
4- قرب الإسناد: ص 44، وسائل الشيعة: ج 24/56 ح 29978.

فقال لهم أبو عبد اللّه عليه السلام: قد سمعتم ما قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه ؟

فقالوا له: نحبُّ أن تخبرنا. فقال عليه السلام لهم: لا تأكلوها.

فلمّا خرجنا قال أبو بصير: كُلها في عنقي ما فيها، فقد سمعته وسمعتُ أباه جميعاً يأمران بأكلها.

فرجعنا إليه، فقال لي أبو بصير: سَله ؟

فقلت له: جُعِلت فداك، ما تقولُ في ذبائح أهل الكتاب ؟

فقال عليه السلام: أليسَ قد شهدتَنا بالغداة وسمعت ؟

قلت: بلى ، فقال: لا تأكلها»(1).

وفيه: أنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «قد سمعتم ما قال اللّه عزّ وجلّ » أنّ الوجه في منعه عليه السلام الأكل من ذبائحهم، عدم ذكر اسم اللّه عليها، إذ لا يكون في الكتاب ما يكون مربوطاً بالمقام إلّاهذه الآية، وبه يندفع تعارض صدر الخبر وذيله مع ما ينقله أبو بصير عن أبيه عليه السلام، كما لا يخفى .

ومنها: صحيح الحسين الأحمسيّ ، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال له رجلٌ : أصلحك اللّه إنّ لنا جاراً قصّاباً، فيجيء يهودي فيذبح له حتّى يشتري منه اليهود؟

فقال: عليه السلام: لا تأكل من ذبيحته، ولا تشتر منه»(2).

وفيه: إنّ هذا الخبر مرويٌّ بعين هذا السند، ومذيّلٌ بقوله، وقال عليه السلام: «هو الاسم، ولا يؤمَن عليه إلّامسلم» فهو يدلّ على أنّ المانع عدم إحراز التسمية،7.

ص: 93


1- التهذيب: ج 9/66 ح 17، وسائل الشيعة: ج 24/59 ح 29991.
2- الكافي: ج 6/240 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/52 ح 29967.

لا كون الذابح يهوديّاً.

ومنها: خبر ابن أبي عُمير وقد جاء فيه: «أنّ ابن أبي يعفور ومعلّى بن خُنيس كانا بالنيل على عهد أبي عبد اللّه عليه السلام، فاختلفا في ذبائح اليهود، فأكل المعلّى، ولم يأكل ابن أبي يعفور، فلمّا صارا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أخبراه، فرضى بفعل ابن أبي يعفور، وخطّأ المعلّى في أكله إيّاه»(1).

وفيه: إنّه متضمّنٌ لقضيّة شخصيّة، ولعلّ وجه التخطئة كون اليهود في ذلك الزمان غير مسمّين، فلا يصحّ الاستدلال به.

ومنها: موثّق حُميد بن المثنّى ، عن العبد الصالح عليه السلام:

«عن ذبيحة اليهودي والنصراني ؟ فقال عليه السلام: لا تقربوها»(2).

ومثله خبره(3) الآخر عن سماعة عنه عليه السلام، وبمعناهما بعض أخبار أُخر.

أقول: لكنّها مطلقة ولم يبيّن فيها وجه المنع، فيقيّد إطلاقها بما مرّ في النصوص المتقدّمة من عدم الائتمان على التسمية، بل النهي عن قربها قد عُلّل به في صحيح حنّان أو موثّقه، قال:

«دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام أنا وأبي فقلنا له: جُعلنا فداك إنّ لنا خلطاء من النصارى وإنّا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج والفراخ والجداء أفنأكلها؟

قال عليه السلام: لا تأكلوها، ولا تقربوها، فإنّهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحبُّ لكم أكلها.6.

ص: 94


1- رجال الكشّي: ص 248 ح 24، وسائل الشيعة: ج 24/57 ح 29982.
2- الكافي: ج 6/239 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/55 ح 29975.
3- الاستبصار: ج 4/84 ح 19، وسائل الشيعة: ج 24/61 ح 29996.

إلى أنْ قال: فقالوا: صدق إنّا نقول باسم المسيح»(1).

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ شيئاً من النصوص الكثيرة المستدلّ بها على حرمة ذبيحة أهل الكتاب لا يدلّ عليها، بل إنّما هي تدلّ على أنّ الحرمة إنّما هي من جهة عدم الاطمئنان بالتسمية، فلو سمّى الكتابي وذبح، فإنّ نفس هذه النصوص بمفهوم العلّة تدلّ على حليّة الذبيحة.

نصوص حليّة ذبائح أهل الكتاب

الطائفة الثانية: ما تدلّ على حليّة ذبيحة أهل الكتاب إمّا مطلقاً أو مع سماع التسمية:

منها: صحيح زرارة، عن أخيه حمران، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني؛ لا تأكل ذبيحته حتّى تسمعه يذكر اسم اللّه. فقلت: المجوسيّ؟

فقال عليه السلام: نعم، إذا سمعته يذكر اسم اللّه، أما سَمِعت قول اللّه: (وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (2)»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم، فقال عليه السلام: لا بأس به»(4).

ومنها: صحيح حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

ص: 95


1- الكافي: ج 6/241 ح 15، وسائل الشيعة: ج 24/53 ح 29969.
2- سورة الأنعام: الآية 121.
3- التهذيب: ج 9/68 ح 22، وسائل الشيعة: ج 24/61 ح 29997.
4- التهذيب: ج 9/68 ح 25، وسائل الشيعة: ج 24/62 ح 30000.

«أنّهما قالا في ذبائح أهل الكتاب: فإذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم اللّه فكلوا ذبائحهم، وإنْ لم تشهدوهم فلا تأكلوا، وإنْ أتاك رجلٌ مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكُل»(1).

ومنها: خبر يونس بن بهمن المنجبر برواية البزنطي عنه، قال:

«قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: أهدى إليّ قرابة لي نصراني دجاجاً وفراخاً قد شواها وعمل لي فالوذجة، فآكله ؟ فقال عليه السلام: لا بأس به»(2).

ومنها: خبر الورد بن زيد، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: حَدثني حديثاً وأمله عليَّ حتّى أكتبه. فقال عليه السلام: أين حفظكم يا أهل الكوفة ؟

قال: قلت: حتّى لا يردّه عليَّ أحدٍ: ما تقول في مجوسيّ قال: بسم اللّه ثمّ ذبح ؟ فقال عليه السلام: كُل. قلت: مسلمٌ ذبح ولم يُسمّ؟

قال عليه السلام: لا تأكله، إنّ اللّه يقول: (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (3)(وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (4)»(5).

إلى غير تلكم من النصوص الدالّة على ذلك.

بيان ما يقتضيه الجمع بين النصوص

أقول: الجمع بين هذه النصوص أنفسها بحمل مطلقها على مقيّدها، وبين ما تقدّم من بعض الأخبار الناهية عن أكل ذبيحة أهل الكتاب بقولٍ مطلق، يقتضي

ص: 96


1- التهذيب: ج 9/69 ح 29، وسائل الشيعة: ج 24/63 ح 30004.
2- الاستبصار: ج 4/86 ح 30، التهذيب: ج 24/64 ح 30006.
3- سورة الأنعام: الآية 118.
4- سورة الأنعام: الآية 121.
5- التهذيب: ج 9/69 ح 28، وسائل الشيعة: ج 24/63 ح 30003.

البناء على الحرمة ما لم يُحرز التسمية، والحليّة مع إحرازها ولو بإخبار رجل مسلم، وأنّ الفرق بين المسلم وأهل الكتاب إجراء أصالة الصحة في عمل المسلم دون عمل أهل الكتاب، وقد عُلّل ذلك في بعض النصوص المتقدّمة بأنّهم لا يُسمّون اللّه.

ولا يتوهّم: أنّه لابدّ من سماع التسمية، فلا يكفي إحرازها بطريقٍ آخر، جموداً على ظاهر بعض الأخبار.

فإنّه مضافاً إلى أنّ ظاهر أخذ السماع موضوعاً، كونه بعنوان الطريقيّة، سيّما مع استدلال الإمام عليه السلام فيها بالآية الكريمة، والتعليل في النصوص المتقدّمة بأنّه لا يؤمَن عليه إلّامسلمٌ وغير ذلك من القرائن، قد صرّح بالاكتفاء بإخبار مسلم في صحيحي حريز وزرارة المتقدّمين.

وأُورد على نصوص الحليّة(1) بإيرادات:

الإيراد الأوّل: أنّها تُحمل بأجمعها على الضرورة، جمعاً بينها وبين نصوص الحرمة، ويشهد بهذا الجمع خبر زكريّا بن آدم، قال:

«قال أبو الحسن عليه السلام: إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنتَ عليه وأصحابك، إلّافي وقت الضرورة إليه»(2).

وفيه: إنّ مقتضى الجمع العرفي بين النصوص ما تقدّم، والجمع بحمل نصوص الحِلّ على الضرورة تبرّعيٌ لا شاهد به، بل كثيرٌ من تلكم النصوص تأباه، فإنّها صريحة في أنّها تحلّ مع التسمية، ولا تحلّ بدونها، وهذا التفصيل يختصّ بحالة الاختيار، وفي حالة الضرورة تحلّ الميتة أيضاً، فلو كان المراد بالحِلّ في تلك4.

ص: 97


1- التهذيب للطوسي: ج 9/70.
2- التهذيب: ج 9/70 ح 33، وسائل الشيعة: ج 24/51 ح 29964.

النصوص الحِلّ في حال الاضطرار لما صحّ النهي عن أكلها بدون التسمية.

وأمّا الخبر: - فمع الإغماض عمّا في سنده، إذ لم يثبت عندنا أنّ أحمد بن حمزة القمّي الراوي عن زكريّا، كونه ابن اليسع الثقة - هو يتضمّن النهي عن أكل ذبيحة غير الإمامي، ولا ريب في حليّة ذبيحة المخالف، فالنهي فيه محمولٌ على الكراهة قطعاً، مع أنّ غاية ما هناك كونه من قبيل أحد النصوص المطلقة، فيقيّد بما دلّ على الحليّة مع إحراز التسمية.

الإيراد الثاني: أنّها تُحمل على التقيّة، لأنّ من خالفنا يجيز أكل ذبيحة من خالف الإسلام من أهل الذّمة(1)، ويشهد به خبر بشير بن أبي غيلان الشيباني، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبائح اليهود والنصارى والنصّاب ؟

قال: فلوى شدقه، وقال: كلها إلى يوم ما»(2).

ويرد عليه: أنّ الحمل على التقيّة إنّما يجوز عند تعارض الخبرين، وفقد جملةٍ من المرجّحات، وإلّا فمجرّد موافقة الخبر للعامّة لا يصلح لذلك.

وأمّا الخبر فضعيفُ السند لبشر والحسن بن أيّوب وغيرهما، مع أنّه لا يدلّ على ذلك.

الإيراد الثالث: إنّ الأصحاب أعرضوا عن هذه النصوص، ولم يعملوا بها، وهو يوجبُ ضعف السند.

وفيه أوّلاً: إنّ عدم العمل بها يحتمل أن يكون من جهة ما رواه من المعارضة بينها وبين نصوص الحرمة، وعليه فلا يكون ذلك إعراضاً موهناً.4.

ص: 98


1- ذبائح أهل الكتاب للمفيد: ص 31، التهذيب: ج 9/70.
2- التهذيب: ج 9/70 ح 34، وسائل الشيعة: ج 24/60 ح 29994.

وثانياً: إنّه قد عرفت أنّ نصوص الحرمة لا تدلّ على أزيد من الحرمة بدون إحراز التسمية، وأنّه مع إحرازها تحلّ الذبيحة.

الإيراد الرابع: ما في «الوسائل»(1) قال: (وبعضها يحتمل الحَمل على الإنكار دون الإخبار، وكلّها يحتمل الاختصاص بالغافل منهم ومن لم تبلغه الدعوة والأبله وغير ذلك).

وفيه: إنّ مجرّد الاحتمال لا يعتنى به في مقابل الظهور، ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني في «المسالك»(2) بعد نقل روايات الحرمة والإشكال عليها، ثمّ نقل نصوص الحِلّ والدفاع عنها، يقول:

(وعلى كلّ حال، فلا خروج لما عليه معظم الأصحاب، بل كاد أن يعدّ هو المذهب، مضافاً إلى ما ينبغي رعايته من الاحتياط) انتهى .

أقول: وهو كما ترى، إذ مخالفة الأصحاب بعد وجود الروايات، بل والآيات، وقصور دلالة ما استدلّوا به على ما ذهبوا إليه، لا محذور فيها.

ثمّ إنّ في المقام روايتين:

إحداهما: تدلّ على الاكتفاء عن ذكر اسم اللّه، بما لو قال: باسم المسيح، وهي رواية أبي بصير، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحة اليهودي ؟ فقال: حلال.

قلت: وإن سَمّى المسيح ؟ قال: وإنْ سَمّى المسيح فإنّه إنّما يريد اللّه»(3).2.

ص: 99


1- وسائل الشيعة باب تحريم ذبائح الكفّار من أهل الكتاب وغيرهم: ج 24/64.
2- مسالك الأفهام: ج 11/465.
3- التهذيب ج 9/69 ح 27، وسائل الشيعة: ج 24/62 ح 30002.

ومثلها رواية عبد الملك بن عمرو(1).

ولكنّهما ضعيفا السند لقاسم بن محمّد، ومعارضان بالنصوص المتقدّمة، سيّما ما تضمّن نهيه عليه السلام عن أكل الذبيحة وقُربها، معلّلاً: «بأنّهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحبُّ لكم أكلها» ثمّ لمّا سُئلوا عن ذلك قالوا: «صدق إنّا نقول باسم المسيح».

الرواية الثانية: ما يدلّ على حليّة أكل الذبيحة، مع عدم إحراز عدم التسمية وإلّا فيحلّ ، وهي صحيحة جميل ومحمّد بن حمران:

«أنّهما سألا أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس ؟

فقال عليه السلام: كل.

فقال بعضهم: إنّهم لا يُسمّون فقال عليه السلام: فإنْ حضرتموهم فلم يُسمّوا فلا تأكلوا.

وقال عليه السلام: إذا غاب فكل»(2).

ولكنّها مطلقة يقيّد إطلاقها بالنصوص الدالّة على عدم كفاية الغيبوبة، ما لم يُحرز التسمية، فالمسألة بحمد اللّه واضحة لا إشكال فيها بحسب النصوص.

بيان ما يستفاد من الآيات الشريفة

وأمّا بحسب الآيات: فقد قيل بدلالة بعضها عليها:

1 - قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (3).

2 - وقوله تعالى : (وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما

ص: 100


1- التهذيب: ج 9/69 ح 26، وسائل الشيعة: ج 24/63 ح 30001.
2- التهذيب: ج 9/68 ح 24، وسائل الشيعة: ج 24/62 ح 29999.
3- سورة الأنعام: الآية 118.

حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) (1) .

ويستدلّ بإطلاقهما على حليّة ذبيحة أهل الكتاب مع التسمية.

وبعبارة أُخرى : هما بالإطلاق يدلّان على عدم الفرق بين كون الذابح مسلماً أو كتابيّاً.

3 - وربما يستدلّ أيضاً بقوله تعالى : (وَ طَعامُ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (2).

وجه الدلالة: أنّ الطعام:

إمّا أن يراد به ما يُطعم مطلقاً، فيشمل محلّ النزاع، لأنّ اللّحم من جملة ما يراد به.

وإمّا أن يُراد به الذبائح - كما قاله بعض المفسّرين(3) - فيكون نصّاً.

واُجيب عنه(4): بأنّه يحمل الطعام على الحبوب، لأنّها المتعارفة، ولدلالة الحديث عليه(5)، وبأنّه ليس للعموم، ونحن نقول بموجبه، فيصدق عليه مع ذبح المسلم أنّه طعام الذين اُوتوا الكتاب، وبأنّ الحكم معلّق على الطعام وليس الذَّبح الذي يعدّ جزءٌ من مسمّاه.

ويرد الأخير: أنّه لو فرض ذبح الكتابي وصيّره طعاماً تناوله العموم.

ويرد ما قبله أوّلاً: أنّهم صرّحوا في الأُصول بان المفرد المضاف يفيد العموم، والأمر هنا كذلك، واستدلّوا له بصحّة الاستثناء الذي هو معيار العموم.6.

ص: 101


1- سورة الأنعام: الآية 119.
2- سورة المائدة: الآية 5.
3- تفسير القمّي: ج 1/163.
4- مختلف الشيعة: ج 8/318.
5- الكافي: ج 6/240 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/48 ح 29956.

ولو ذبح الذِّمي أو الناصب لم يحِلّ الأكل،

وثانياً: إنّه إنْ لم يفد العموم، فلا إشكال في الإطلاق، وكفى به حجّة.

وعليه، فحيثُ أنّه كما يصدق عليه مع ذبح المسلم أنّه (طَعامُ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ ) (1) كذلك يصدق عليه ذلك مع ذبح الكتابي، فمقتضى الإطلاق حليّة كليهما.

ويرد ما قبله: أنّ كون المتعارف من الطعام هو الحبوب ممنوعٌ ، وعلى فرضه لا يصلح للتقييد، نعم الحديث كما مرّ صحيحٌ ودلالته على اختصاص الطعام بالحبوب وأشباهها واضحة، وليس من قبيل بيان بعض مصاديق الكلّي، فلاحظه، فهذه الآية الكريمة لا تدلّ على حليّة ذبيحة أهل الكتاب ولا على عدمها.

أقول: تحصّل من مجموع ما ذكرناه عن بقاء الشكّ (و) الترديد في أنّه (لو ذبح الذِّمي) تحلّ الذبيحة مع إحراز التسمية.

حكم ذبيحة المُعادي لأهل البيت عليهم السلام

أقول: المشهور بين الأصحاب(2) أنّه لو ذبح الحَروريّ (أو) الخارجي أو غيرهما ممّن يصدق عليه (الناصب، لم يحِلّ الأكل)، بل لم ينقل الخلاف، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(3).

ويشهد به: جملة من النصوص:

منها: موثّق زرعة، عن أبي بصير، قال:

ص: 102


1- سورة المائدة: الآية 5.
2- المقنعة للمفيد: ص 579، مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/83، مسالك الأفهام: ج 11/469.
3- المهذّب البارع: ج 4/163.

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ذبيحة الناصب لا تحِلّ »(1).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: «لا تحلّ ذبائح الحروريّة»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يشتري اللّحم من السوق، وعنده من يذبح ويبيع من اخوانه، فيتعمّد الشراء من النصّاب ؟

فقال عليه السلام: أيّ شيء تسألني أن أقول ما يأكل إلّامثل الميتة والدّم ولحم الخنزير.

قلت: سبحان اللّه! مثل الدَّم والميتة ولحم الخنزير؟!

فقال عليه السلام: نعم وأعظم عند اللّه من ذلك» الحديث(3).

أقول: ولا وجه للمناقشة في إسنادها، بعد كونها موثّقات، سيّما وأنّ في طرق الثاني حمّاد بن عيسى الذي هو من أصحاب الإجماع، وعمل الأصحاب برواياته، ولكن بإزائها خبران:

أحدهما: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن ذبيحة المُرجئ والحروريّ؟

فقال عليه السلام: كُلْ وقرّ واستقر حتّى يكون ما يكون»(4).

ثانيهما: حسن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «سمعته يقول: لا تأكل ذبيحة الناصب إلّاأنْ تسمعه يُسمّي»(5).9.

ص: 103


1- التهذيب: ج 9/71 ح 36، وسائل الشيعة: ج 24/67 ح 30014.
2- التهذيب: ج 9/71 ح 37، وسائل الشيعة: ج 24/67 ح 30015.
3- التهذيب: ج 9/71 ح 38، وسائل الشيعة: ج 24/67 ح 30016.
4- الكافي: ج 6/236 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/68 ح 30020.
5- التهذيب: ج 9/72 ح 39، وسائل الشيعة: ج 24/68 ح 30019.

ولولا إفتاء الأصحاب بالحرمة مطلقاً، كان المتعيّن العمل بالحسن المؤيّد بظاهر الكتاب، الذي هو أخصّ من النصوص المتقدّمة، لكن الظاهر تسالمهم على الحرمة، وقد احتمل في «الرياض»(1) حَمل الحَسَن على التقيّة بقرينة صحيح الحلبي.

***3.

ص: 104


1- رياض المسائل: ج 13/313.

ويحلُّ لو ذبح المخالف

حكم ذبيحة المخالف

(و) قد اختلف الأصحاب في أنّه هل (يحِلُّ لو ذبح المخالف) غير الناصب أم لا؟ على أقوال:

1 - ما عن الأكثر بل عامّة المتأخّرين من الحليّة(1).

2 - ما عن الحِلّي، من عدم حليّته إلّاإذا كان مستضعفاً(2).

3 - ما عن أبي الصلاح من حليّة ذبيحة غير جاحد النّص، وحرمة ذبيحة الجاحد(3).

4 - ما عن المصنّف رحمه الله في بعض كتبه من حليّة ذبيحة المخالف غير الناصبي مطلقاً، بشرط اعتقاده وجوب التسمية(4).

5 - ما عن القاضي من المنع من ذبيحة غير أهل الحقّ مطلقاً(5).

يشهد للأوّل:

1 - إطلاق الآيتين الكريمتين المتقدّمتين، الدالّتين على حليّة كلّ ما ذكر اسم اللّه عليه، ومقتضى إطلاقهما الشامل للمخالف عدم الفرق بين من اعتقد وجوب

ص: 105


1- قواعد الأحكام: ج 2/153.
2- السرائر: ج 3/106.
3- الكافي لأبي الصلاح: ص 277.
4- مختلف الشيعة: ج 8/320.
5- المهذّب: ج 2/439.

التمسية وعدمه، والنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ المنع عن ذبيحة أهل الكتاب إنّما هو من جهة لزوم التسمية، ولا يؤمن عليها إلّاالمسلم الشاملة للمخالف.

2 - وصحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: ذبيحة من دان بكلمة الإسلام، وصام وصلّى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالى عليه»(1).

3 - والنصوص(2) الدالّة على حليّة ما يُشترى من اللَّحم والجلد من أسواق المسلمين، وهي أيضاً عامّة لغير المؤمن، بل ظاهرة فيه، لأنّه الأغلب في زمان صدور هذه الروايات.

واستدلّ للقول الأخير: بخبر زكريّا بن آدم، قال:

«قال أبو الحسن عليه السلام: إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنتَ عليه وأصحابك، إلّافي وقت الضرورة إليه»(3).

وفيه أوّلاً: ما مرّ من الغمز في سنده، وإنْ عبّر عنه سيّد «الرياض»(4) بالصحيح.

وثانياً: إنّه لمعارضته مع ما تقدّم الذي لا يصحّ حمله على المؤمن، لابدَّ من حمله على الكراهة.

وثالثاً: إنّ الأصحاب لم يعملوا بظاهره.

ورابعاً: إنّه متضمّنٌ لقوله: «إنّي أنهاكَ » فلا يكون متضمّناً لبيان الحكم الكلّي.0.

ص: 106


1- التهذيب: ج 9/71 ح 35، وسائل الشيعة: ج 24/66 ح 30013.
2- التهذيب: ج 9/72 ح 42، وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب الذبائح: ج 24/70.
3- التهذيب: ج 9/70 ح 33، وسائل الشيعة: ج 24/51 ح 29964.
4- رياض المسائل: ج 13/310.

واستدلّ لما قبله: بأنّ مقتضى النصوص المتقدّمة، المعلّلة للنهي عن ذبائح أهل الذّمة، بأنّها اسمٌ ، ولا يؤمن عليها إلّامسلمٌ ، اعتبار حصول الأمن منه بتحقّق التسمية في حِلّ الذبيحة، وهو لا يحصل في ذبيحة مَنْ لا يعتقد وجوبها، حيث لا يحصل العلم بتسميته عليها، لاحتمال تركه لها بمقتضى مذهبه، ولا بأس به، ولكن لازمه تقييد كلام المصنّف بما إذا لم يُحرز التسمية، ولا ينافيه حينئذٍ شيءٌ من الأدلّة المتقدّمة، وهو واضح في غير الأخيرة.

وأمّا هي، فلأنّ أكثر المسلمين معتقدون لوجوبها، فالسوق جُعل أمارة لأجل ذلك.

وأمّا أصالة الصحّة: فلعلّها لا تجري مع اعتقاد عدم الوجوب.

أقول: ولكن الذي يُسهّل الخطب، ندرة وجود من يعتقد عدم وجوب التسمية من المسلمين، ولا يلزم إحراز كونه معتقداً للوجوب بعد جعل الشارع الأقدس سوق المسلمين أمارة.

وأمّا بقيّة الأقوال: فلم أظفر بما يمكن أنْ يستدلّ به لشيء منها، إلّادعوى كفر غير المستضعف أو الجاحد للنص، وهي ثابتُ البطلان في محلّه، مع أنّه قد عرفت حليّة ذبيحة الكافر إذا اُحرز التسمية.

***

ص: 107

حكم ذبيحة المرأة وغير البالغ

المعروف بين الأصحاب أنّه لا يعتبر في الذابح الذكورة، ولا الفحولة، ولا البلوغ، ولا البصر، فيصحّمن المرأة والخِصيّوالصبي المميّز، والمجنون المميّز، والأعمى ، بل الظاهر عدم الخلاف في شيء من ذلك، ونصوصٌ كثيرة شاهدة بذلك كلّه:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كانت لعليّ بن الحسين عليهما السلام جارية تذبح له إذا أراد»(1).

ومثله صحيح ابن سنان(2).

ومنها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن ذبيحة الجارية هل تصلح ؟

قال عليه السلام: إذا كانت لا تنخع ولا تنكسر الرقبة، فلا بأس.

قال: وقد كانت لأهل عليّ بن الحسين عليه السلام جارية تذبح لهم»(3).

ومنها: صحيح ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن غير واحدٍ رواه عنهما عليهما السلام:

«إنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذَّبح وسمّت، فلا بأس بأكله، وكذلك الصبي، وكذلك الأعمى إذا سدّد»(4).

ومنها: خبر ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن ذبيحة المرأة والغلام هل تؤكل ؟

قال عليه السلام: نعم إذا كانت المرأة مسلمة، وذكرت اسم اللّه حلّت ذبيحتها، وإذا كان

ص: 108


1- الكافي: ج 6/238 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/45 ح 29948.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/334 ح 4193، وسائل الشيعة: ج 24/43 ح 29941.
3- مسائل عليّ بن جعفر: ص 119، وسائل الشيعة: ج 24/44 ح 29943.
4- التهذيب: ج 9/73 ح 46، وسائل الشيعة: ج 24/45 ح 29947.

الغلام قويّاً على الذَّبح، وذكر اسم اللّه حَلّت ذبيحته»(1).

ومنها: صحيح إبراهيم بن أبي البلاد، عنه عليه السلام: «عن ذبيحة الخصيّ؟ فقال عليه السلام:

لا بأس»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «عن ذبيحة الصبي إذا تحرّك، وكان له خمسة أشبار، وأطاق الشفرة، وعن ذبيحة المرأة ؟

فقال عليه السلام: إذا كان نساء ليس معهنّ رجال، فلتذبح أعقلهنّ ، ولتذكر اسم اللّه عليه»(3).

واشتراط بلوغ الصبيّ خمسة أشبار اشارة إلى اعتبار التمييز المتحقّق بذلك غالباً، لا أنّه شرطٌ آخر، كما أنّ اعتبار فقد الرجال في المورد الثاني، بعد كون ذلك أعمّ من الضرورة، وعدم إفتاء أحدٍ باعتبار ذلك، يُحمل علي الغالب عدم ذبح المرأة مع الرّجل.

وصحيح عبد الرحمن، عنه عليه السلام: «إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أُكلت ذبيحته»(4).

ونحوها غيرها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص بعض الأخبار الظاهرة في اختصاص جواز ذبح المرأة والصبي بصورة الضرورة:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكُل ؟9.

ص: 109


1- تفسير العيّاشي: ج 1/375، وسائل الشيعة: ج 24/46 ح 29950.
2- الكافي: ج 6/238 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/47 ح 29952.
3- الكافي: ج 6/237 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/42 ح 29937.
4- الكافي: ج 6/238 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/43 ح 29939.

فقال عليه السلام: إذا كانت المرأة مسلمة، فذكرت اسم اللّه عليذبيحتها، حلّت ذبيحتها، وكذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة فذكر اسم اللّه، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة، ولم يوجد من يذبح غيرهما»(1).

ومنها: النبويّ : «يا عليّ ليس على النساء جمعة - إلى أنْ قال -: ولا تذبح، إلّا عند الضرورة»(2).

ومنها: المرسل عن الرّضا عليه السلام: «عن ذبيحة الصبي قبل أن يبلغ، وذبيحة المرأة ؟

قال عليه السلام: لا بأس بذبيحة الصبي والخصيّ والمرأة إذا اضطرّوا إليه»(3).

ولكن لعدم إفتاء المشهور بالاختصاص، ولنصوص الجارية التي هي كالصريحة في الذَّبح في حال الاختيار، تُحمل هذه النصوص على الكراهة.

أقول: ثمّ إنّه في صحيح سليمان ما يؤيّد ما اخترناه، من أنّ المنع عن ذبيحة الكتابي إنّما هو من جهة التسمية، وإلّا فلا منع عنها، فإنّه لم يعطف فيه ذكر اسم اللّه على كونها مسلمة، كي يكون هناك شرطان، بل رتّبه عليه مع إتيان أداة - فاء - الظاهرة في التفريع، كما لا يخفى

ولا يعتبر الطهارة في الذابح، فيصحّ من الجُنُب والحائض بلا خلاف، وإطلاق الكتاب والنصوص شاهد به، مضافاً إلى نصوص خاصّة في الجُنُب، صريحة في جواز أن يذبح، راجع الوسائل باب 17 من أبواب الذبائح(4).

***ه.

ص: 110


1- الكافي: ج 6/237 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/45 ح 29946.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/364 ح 5762، وسائل الشيعة: ج 24/43 ح 29942.
3- الكافي: ج 6/238 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/46 ح 29949.
4- وسائل الشيعة: ج 24/32 ح 29910 وما بعده.

وإنّما يكون بالحديد مع القدرة

بيان الآلة التي بها يذكّي الذابح

المقام الثاني: في بيان الآلة التي بها يُذكّي الذبيحة.

قال رحمه الله: (وإنّما يكون بالحديد مع القدرة) بلا خلافٍ .

وفي «المسالك»: (المعتبر عندنا في الآلة التي يذكّي بها، أن تكون من حديد، فلا يجزي مع القدرة عليه، وإنْ كان من المعادن المنطبعة كالنحاس والرصاص والذهب وغيرها) انتهى (1).

وظاهره الإجماع عليه، ونَقَله سيّد «الرياض» عن غيره(2) أيضاً.

أقول: ونصوص كثيرة شاهدة به:

منها: حسن محمّد بن مسلم، أو صحيحه، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الذبيحة بالليطة وبالمروة ؟

فقال عليه السلام: لا ذكاة إلّابحديدة»(3).

ومنها: حسن الحلبي أو صحيحه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن ذبيحة العود والحجر والقصبة ؟

فقال عليه السلام: قال عليّ عليه السلام: لا يصلح إلّابالحديدة»(4).

ص: 111


1- مسالك الأفهام: ج 11/470.
2- رياض المسائل: ج 13/313.
3- الكافي: ج 6/227 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/7 ح 29846.
4- التهذيب: ج 9/51 ح 212، وسائل الشيعة: ج 24/7 ح 29847.

ويجوز مع الضرورة بما يفرى الأوداج

ومنها: حسن أبي بكر الحضرمي، عنه عليه السلام: «لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة»(1).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن الذَّكاة ؟ فقال عليه السلام: لا تُذكَّ إلّابحديدةٍ ، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام»(2).

(ويجوز) التذكية بغيره (مع الضرورة) بالاضطرار إلى الأكل، أو الخوف من فوت الذبيحة (بما يفرى الأوداج) ويقطعها، ولو كانت الآلة مروة (وهي حجرٌ يقدح بها النار) أو ليطةً - بفتح اللّام - (وهي القشر الأعلى للقصب المتّصل به) أو زجاجة أو غير ذلك عدا السِّن والظفر.

وفي «المسالك» دعوى الإجماع عليه(3)، ويشهد به:

1 - صحيح ابن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكيناً؟

فقال عليه السلام: إذا فَرى الأوداج فلا بأس بذلك»(4).

2 - وصحيح زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبةٍ؟

فقال عليه السلام: اذبح بالحَجَر وبالعظم وبالقصبة والعود، إذا لم تصب الحديدة، إذا0.

ص: 112


1- الكافي: ج 6/227 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/8 ح 29848.
2- الكافي: ج 6/227 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/8 ح 29849.
3- مسالك الأفهام: ج 11/470.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/326 ح 4163، وسائل الشيعة: ج 24/8 ح 29850.

قطع الحلقوم وخرج الدّم فلا بأس به»(1).

3 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجرٍ إذا لم تجد حديدة»(2).

4 - وخبر محمّد بن مسلم، قال: «قال أبو جعفر عليه السلام في الذبيحة بغير حديدة، إذا اضطررت إليها، فإنْ لم تجد حديدة فاذبحها بحجر»(3).

ونحوها غيرها.

وأمّا السِّن والظُفر: ففي جواز التذكية بهما عند الضرورة قولان لأصحابنا:

1 - العدم، نُسب إلى الشيخ في «المبسوط»(4)، و «الخلاف»(5)، والإسكافي(6)، والشهيد في بعض كتبه(7).

2 - ما عليه كافّة المتأخّرين وهو الجواز(8).

يشهد للثاني: إطلاق النصوص المتقدّمة.

واستدلّ للأوّل تارةً : بالإجماع الذي ادّعاه الشيخ في «الخلاف»(9).

وأُخرى : بالرواية العاميّة: «ما أنهر الدّم وذكر اسم اللّه تعالى عليه فكلوا، إلّاما3.

ص: 113


1- الكافي: ج 6/228 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/25 ح 29895.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/326 ح 4164، وسائل الشيعة: ج 24/9 ح 29851.
3- الكافي: ج 6/228 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/9 ح 29853.
4- المبسوط: ج 6/262.
5- الخلاف: ج 6/23.
6- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/280.
7- غاية المراد: ج 3/513.
8- السرائر: ج 3/86، تحرير الأحكام: ج 2/158.
9- الخلاف: ج 6/23.

كان من سنٍّ أو ظُفر، وسأحدّثكم عن ذلك: أمّا السِّن فعظم، وأمّا الظفر فمدي الحبشة»(1).

وثالثة: بخبر الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، أنّه كان يقول:

«لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما ما خلا السِّن والعظم»(2).

ورابعة: بأنّ الذَّبح بالظُفر والسِّن أشبه بالأكل والتقطيع، والمقتضي للتذكية هو الذَّبح.

أقول: وفي كلٍّ نظرٌ:

أمّا الأوّل: فلعدم ثبوته، بل ثبوت عدمه، إذ ليس هنا قائلٌ به إلّاناقله والإسكافي(3)، ولم يقل به قائله في كتبه الاُخر غير «الخلاف»(4) و «المبسوط»(5)، ولذلك قد نزّله المصنّف في محكيّ «المختلف»(6) على المنع في حال الاختيار، وادّعى ظهور التنزيل بأنّ الناقل جوَّز مثل ذلك في «التهذيب»(7) عند الضرورة، وتبعه الشهيد(8) في ذلك.

وأمّا الرواية العاميّة: فلضعف سندها لا يُعتمد عليها، مع أنّها متضمّنة لأنّ 2.

ص: 114


1- عوالي اللآلي: ج 3/457، الخلاف: ج 6/23.
2- قرب الإسناد: ص 51، وسائل الشيعة: ج 24/10 ح 29854.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/280.
4- الخلاف: ج 6/23.
5- المبسوط: ج 6/262.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/281.
7- التهذيب: ج 9/51 ذيل الحديث 212.
8- الدروس: ج 2/412.

الظفر مدي الحبشة وهو غريبٌ .

أضف إلى ذلك: أنّها عللت المنع عن التذكية بالسِّن بأنّه عظمٌ ، وقد صرّح في صحيح زيد بجواز التذكية بالعظم، فيتعارض مع الصحيح، فيقدّم الصحيح لجهاتٍ لا تخفى .

وأمّا الخبر: فلأنّه ضعيف السند، لأنّ ابن علوان عامّي لم يوثّق، مع أنّه في صورة الاختيار، والكلام في حالة الضرورة.

وأمّا الرابع: فلأنّ مجرّد الشباهة لا تمنع من العمل بإطلاق الدليل.

فإذاً الأظهر جواز التذكية بهما في حالة الاضطرار.

ثمّ إنّ المراد بالاضطرار كما مرّ عدم وجود الحديدة مع الخوف من فوت الذبيحة، أو الاضطرار إلى الأكل كما هو الظاهر من النصوص.

***

ص: 115

ويجبُ قطع المريء والودجين، والحلقوم.

كيفية الذَّبح

المقام الثالث: في كيفيّة الذَّبح (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور بين الأصحاب(1) أنّه (يجبُ ):

1 - (قطع المَريّ ) - بفتح الميم وكسر الراء والهمزة مع الياء من غير مَدّ - وهو مجرى الطعام والشراب.

2 - (والودجين) - بفتح الواو والدالّ المهملة - وهما عِرقان كبيران في جانبي قدّام العنق، محيطان بالحلقوم، كما ذكره جماعة(2) وذكر بعضهم(3) أنّهمايُحيطان بالمري.

3 - (والحلقوم) - بضم الحاء المهملة - وهو مجرى النفس.

ويقال للجميع الأوداج.

وظاهر «الشرائع»(4) الميل إلى الاكتفاء بقطع الحلقوم، وخروج الدّم خاصّة، لأنّه نسب المحقّق فيها القول الأوّل إلى المشهور، ونَسب هذا إلى الرواية، ومال إليه الشهيد الثاني في «المسالك»(5).

وعن العُمّاني(6) الاكتفاء به، أو شقّ الأوداج.

ص: 116


1- شرائع الإسلام: ج 4/739، الكفاية: ص 246، كشف اللّثام: ج 2/258.
2- القواعد: ج 2/154، الدروس: ج 2/412، المهذّب البارع: ج 4/167، شرح اللّمعة: ج 7/221.
3- كشف اللّثام: ج 2/259، المفاتيح: ج 2/201.
4- شرائع الإسلام: ج 4/739.
5- مسالك الأفهام: ج 11/474.
6- حكاه عنه صاحب رياض المسائل: ج 13/320.

وعن المصنّف في «المختلف»(1): الميل إلى الاكتفاء بقطع الحلقوم والودجين.

وفي «الرياض»(2): بعد نقل ذلك عن المصنّف رحمه الله، قال: (ولعلّه لولا الإجماع المحكي لا يخلو عن قوّة).

واستدلّ للأوّل:

1 - بالإجماع(3).

2 - وبصحيح عبد الرحمان المتقدّم: «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك»(4).

3 - وبأصالة الحرمة بعد انصراف الاطلاقات - بحكم التبادر والغلبة - عن ما لم يقطع أوداجه الأربعة، مع أنّها واردة لبيان حكمٍ آخر غير الكيفيّة.

أمّا الإجماع: فلا يكون تعبّديّاً.

وأمّا أصالة الحرمة: فلا مورد لها مع الدليل، مع أنّه قد عرفت أنّ الأصل هو الحليّة.

وأمّا الصحيح: فربما يورد عليه بأنّ فري الأوداج لا يقتضي قطعها رأساً، لأنّ الفري الشقّ ، وإنْ لم ينقطع.

ولكنّه يندفع: بأنّه في كلمات جماعةٍ من اللّغويين(5) أنّه عبارة عن القطع، مع أنّه المتبادر إلى الذهن منه، عند إطلاقه وهو علامة الحقيقة.

وربما يُورد عليه: بأنّ المراد بالأوداج:3.

ص: 117


1- المختلف: ج 8/353.
2- رياض المسائل: ج 13/321.
3- تذكرة الفقهاء: ج 8/315.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/326 ح 4163، وسائل الشيعة: ج 24/8 ح 29850.
5- القاموس: ج 4/376، صحاح الجوهري: ج 6/2453.

أمّا المعنى الحقيقي، والجمع جمعٌ مجازي منطقي، فهي لاتشمل الحلقوم والمري.

وأجاب عنه الشهيد في «المسالك»(1): بأنّ الأوداج بصيغة الجمع يُطلق على الأربعة.

وفيه: إنّ ذلك في كلمات الفقهاء، مع أنّ إطلاقها على الأربعة لا يوجب حصرها فيها، كي لا يصحّ إطلاقها على الثلاثة، وحيثُ صَحّ إطلاقان، كان مقتضى الإطلاق الاكتفاء بالثاني أيضاً.

وقد يقال: إنّ المراد بها إمّا الأربعة أو الثلاثة:

فعلى الأوّل: الأمر واضحٌ .

وعلى الثاني: كما يحتمل إرادة الحلقوم مع الودجين، يحتمل إرادة المِريء معهما، فمقتضى العلم الإجمالي رعاية كليهما.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّ الأوداج كما يحتمل إرادة الأربعة أو الثلاثة منها، يحتمل إرادة الودجين منها، فلا يدلّ الخبر على أزيد من اعتبار قطع الودجين، وإنّما يعتبر قطع الحلقوم للصحيح الآتي، فلا دليل على لزوم قطع المريء.

وثانياً: إنّه لو دار الأمر بين إرادة المريء معهما، أو الحلقوم معهما، الصحيح الآتي يعيّن الثاني.

والمتحصّل: أنّه لا دليل على اعتبار قطع المريء.

واستدلّ للقول الثاني: بصحيح زيد الشحّام المتقدّم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا قطع الحلقوم وخَرَج الدّم، فلا بأس به»(2).).

ص: 118


1- مسالك الأفهام: ج 11/475.
2- الكافي: ج 6/228 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/9 ح 29852 (بتصرّف).

وهو في نفسه تامٌّ ، إذ المراد من (بأس) المفهوم منه على تقدير عدم فريه هو الحرمة، لأنّها الظاهرة من البأس، خصوصاً في المقام حيث يكون السؤال عن الحليّة والحرمة، فلا يُصغى إلى ما قيل من أعميّة البأس من الحرمة.

ومفهومه مفهوم الشرط الذي يكون حجّةً كما حُقّق في محلّه، فلا يصغى إلى ما في «المسالك»(1) من عدم حجيّة مفهومه.

أقول: لكنّه يعارضه الصحيح المتقدّم، الدالّ على اعتبار فَري الأوداج، وما ذكرناه كبرى كليّة في محلّها، من أنّه إذا تعارضت قضيّتان شرطيّتان، وكانت النسبة بينهما عموماً من وجه، يقيّد إطلاق مفهوم كلٍّ منها بمنطوق الأُخرى إطلاقه المقابل للتقييد ب أو، لا التقييد بواو، فتكون النتيجة كون الشرط أحد الأمرين، لاتجري في المقام، لدوران الشرط في إحداهما بين الأقلّ والأكثر، وعلى تقدير الأكثر يكون شاملاً للشرط الذى يكون في الخبر الآخر، ففي مثل المقام يتعيّن الأخذ بالمتيقّن من القضيّة المجملة، وما تضمّنه الخبر الآخر، فتكون النتيجة اعتبار قطع الودجين مع الحلقوم، وبالنسبة إلى قطع المريء المرجع إلى أصالة الحِلّ التي أسّسناها.

فتحصّل ممّا ذكرناه قوّةً : ما مالَ إليه المصنّف رحمه الله، وسيّد «الرياض»(2)، واختاره السيّد ابن زُهرة(3) بحسب النصوص، ولكن لأجل عدم إفتاء المشهور بذلك، واعتبارهم قطع المري أيضاً، رعاية الاحتياط بقطعه أيضاً لا يترك.7.

ص: 119


1- مسالك الأفهام: ج 11/474.
2- رياض المسائل: ج 13/317.
3- غنية النزوع: ص 397.

ويكفي في المنحور طعنه في وهدة اللَّبة،

أقول: والذي يُسهّل الخَطب، ما ذكره المقداد(1) من أنّ الأوداج الأربعة متّصلة بعضها ببعض، فإذا قطع الحلقوم، فلابدّ وأن ينقطع الباقي معه.

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً:

الفرع الأوّل: تجبُ المتابعة في الذَّبح حتّى يستوفى الأعضاء الأربعة قبل خروج الحياة، فلو قَطَع بعضها وأرسله، وانتهى إلى الموت، ثمّ قطع الباقي حَرُم، ووجهه واضحٌ ممّا أسلفناه.

الفرع الثاني: لو قطع الأوداج أو واحداً منها محرّفاً:

فإنْ كان بحيث لم يحصل القطع الطولي، بل كان بالعَرَض فقط، لم يحلّ صدق القطع، وإلّا حَلّ لعدم دليل على اشتراط الاستقامة.

الفرع الثالث: قالوا(2) إنّ الأعضاء الأربعة متعلّقة بالنخرة التي تكون في عنق الحيوان، المسمّاة بالجوزة، على وجهٍ إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع، أو لم يعلم بذلك وإنْ قطع نصف الجوزة.

وكيف كان، فلابدّ من إحراز قطع الأعضاء.

المسألة الثانية: (ويكفي في المنحور طعنه في وهدة اللَّبة) بمعنى أنّه يكفي إدخال السكين ونحوها في الوهدة، من غير أنْ يقطع الحلقوم وغيره - واللّبة بفتح اللّام وتشديد الباء - أسفل العنق بين أصله وصدره، ووهدتها الموضع المنخفض9.

ص: 120


1- التنقيح الرائع: ج 4/20.
2- مهذّب الأحكام للسبزواري: ج 23/65، جواهر الكلام: ج 36/109.

منها، ولا خلاف في أصل الحكم، بل ظاهر «المسالك»(1) الإجماع عليه، ويشهد به صحيح معاوية بن عمّار أو حسنه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «النحر في اللّبة والذَّبح في الحلقوم»(2).

عدم اعتبار إبانة الرأس

المسألة الثالثة: ذهب جماعة إلى اعتبار أُمورٍ اُخر، لابدَّ من التعرّض لها:

الأمر الأوّل: عدم إبانة الرأس قبل أن تبرد الذبيحة، وقد حُكي ذلك عن صريح «النهاية»(3)، وابن زُهرة(4)، وظاهر ابن حمزة(5)، والإسكافي(6) والقاضي(7).

وعن جماعةٍ آخرين: حرمة الإبانة، وعدم محرميّتها للذبيحة، منهم المصنّف رحمه الله في «المختلف»(8) والشهيدان(9) وغيرهم(10)، والمشهور بين الأصحاب هو الكراهة، وفي «الخلاف»(11) دعوى الإجماع عليها.

ص: 121


1- مسالك الأفهام: ج 11/476.
2- التهذيب: ج 9/53 ح 217، وسائل الشيعة: ج 24/12 ح 29859.
3- النهاية: ج 1/584.
4- غنية النزوع: ص 397.
5- الوسيلة: ص 360.
6- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/301.
7- المهذّب: ج 2/440.
8- مختلف الشيعة: ج 8/302.
9- الدروس: ج 2/414، مسالك الأفهام: ج 11/477.
10- السرائر: ج 3/106، شرائع الإسلام: ج 3/160، الإرشاد: ج 2/109، كشف اللّثام: ج 2/259، إيضاح الفوائد: ج 4/138.
11- الخلاف: ج 6/53.

أقول: واستدلّ للمنع عن الإبانة بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح محمّدبن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يذبح ولا يُسمّي ؟

قال عليه السلام: إنْ كان ناسياً فلا بأس، إذا كان مسلماً، وكان يحسن أن يذبح، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعدما يَذبح»(1).

ونحوه صحيح الحلبي(2).

بتقريب: أنّ كلمة لا إمّا أن تكون ناهية أو نافية:

فعلى الأوّل: ظهور الخبرين في المنع لا ينكر.

وعلى الثاني: يدلّان على ثبوت البأس مع قطع الرقبة، فإنّها مع مدخولها حينئذٍ تكون معطوفة على يحسن وتقدير الكلام حينئذٍ: لا بأس إذا كان لا يقطع الرقبة، وثبوت البأس ظاهر في المنع.

ومنها: موثّق مسعدة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس ؟

فقال عليه السلام: الذّكاة الوحية لا بأس بأكله ما لم يتعمّد ذلك»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ ذبح طيراً فقطع رأسه أيؤكل منه ؟

قال عليه السلام: نعم، ولكن لا يتعمّد قَطَع رأسه»(4).4.

ص: 122


1- الكافي: ج 6/233 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/29 ح 29904.
2- الكافي: ج 6/233 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/29 ح 29905.
3- التهذيب: ج 9/56 ح 231، وسائل الشيعة: ج 24/18 ح 29872.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/328 ح 4172، وسائل الشيعة: ج 24/18 ح 29874.

ونحوه خبر عليّ بن جعفر(1).

أقول: ظاهر الأولين هو اعتبار عدم قطع الرأس في حليّة الذبيحة، لأنّ - مضافاً إلى ظهور النهي في أمثال المقام في المانعيّة - الخبران واردان سؤالاً وجواباً في بيان حليّة الذبيحة وحرمتها.

أضف إلى ذلك: احتمال كون لا نافية لا ناهية، وعليه فيُحمل النهي فيهما على الحكم التنزيهي، للتصريح في صحيح الحلبي الذي سأل فيه عن الذبيحة التي قطعت رأسها من غير استفصالٍ بين العمد وغيره ؟

وأجاب عليه السلام: «بعدم الحرمة وأنّها تؤكل».

وأمّا الموثّق: فهو يدلّ على حليّة الذبيحة التي قطع رأسها، عن غير تعمّد، ولا مفهوم له كي يدلّ على المنع في غيره.

وأمّا الأخيران: فهما صريحان في عدم حرمة الذبيحة.

وعليه، فالقول بمحرميّة الإبانة في غاية الضعف.

وأمّا حرمتها: فقد يتوهّم أنّ النهي عن القطع في ذيل الخبرين ظاهرٌ فيها.

ولكن يرده أوّلاً: أنّ الشهرة تصلحُ مانعةً عن الظهور، وقرينةً لحمل النهي على الكراهة.

وثانياً: إنّ النهي في أمثال المقام ممّا تعلّق بشيء في المركّب الاعتباري المجعول موضوعاً للحكم الشرعي، ظاهرٌ في نفسه في كونه إرشاداً إلى المانعيّة، لا إلى الحرمة النفسيّة، وحيث أنّه في الخبرين - بقرينة تصريح الإمام أوّلاً بعدم محرميّة القطع2.

ص: 123


1- وسائل الشيعة: ج 24/19 ح 29876، مسائل عليّ بن جعفر: ص 172.

للذبيحة - لا يبقي على ظاهره، فيدور الأمر بين حمله على الحرمة النفسيّة أو الكراهة، وليس أحدهما أولى من الآخر، فلا دليل على الحرمة أيضاً.

فإنْ قيل: إنّ ذيل الخبرين يكون قرينةً على اختصاص الصدر بغير صورة العمد.

قلنا: إنّ الصدر يمنع عن انعقاد الظهور له في الإرشاد إلى المانعيّة كي يصير موجباً لتقييد الصدر، فتدبّر فإنّه دقيق.

فتحصّل: أنّ الأظهر مرجوحيّة الإبانة لا الحرمة ولا المحرميّة.

أقول: وأمّا الاستدلال للمحرميّة بأنّ الذَّبح المشروع هو المشتمل على قطع الأربعة خاصّة، فالزائد عليها يخرج عن كونه ذبحاً شرعيّاً، فلا يكون مبيحاً، ولا يُصغى إليه في مقابل ما تقدّم من الأدلّة، مع أنّ لازمه محرميّة الزيادة وإنْ لم تكن إبانة وهو كما ترى .

أقول: ثمّ إنّه لا كلام في أنّ القول بالمنع أو الكراهة إنّما هو مع تعمّد الإبانة، وأمّا مع عدمه، كما لو سبقت السكين فأبانته، لم تحرم الذبيحة، ولا تكره قولاً واحداً.

ويشهد به مضافاً إلى ما مرّ، صحيح الفضل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ ذبح فتسبقه السكين فتقطع الرأس ؟

فقال عليه السلام: ذكاة وحية(1) لا بأس بأكله»(2).

ونحوه غيره.

ثمّ إنّ هذه النصوص أيضاً تصلح لتأييد القول بعدم المحرميّة، بل وعدم الحرمة في صورة التعمّد، إذ يرجع حاصل الجواب إلى أنّ قطع الرأس ذكاة سريعة فيكون0.

ص: 124


1- الوحيّة: السريعة.
2- الكافي: ج 6/230 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/17 ح 29870.

أولى، وواضح أنّ هذا لا يختصّ بصورة سبق السكين، بل هذا التعليل يجري في صورة التعمّد أيضاً.

لا يعتبر عدم الذَّبح من القفاء

الأمر الثاني: أنْ لا يُذبح من القفاء.

ذهب إليه جماعة(1)، واستدلّ له:

1 - بأنّه مستلزمٌ لإبانة الرأس، وهي توجبُ الحرمة، وقد مرّ ما فيه.

2 - وبأنّه يعتبر استقرار الحياة للذبيحة قبل أن تُذبح بفري الأوداج، كما ذهب إليه الشيخ(2) وجماعة(3)، لأنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة الميّت، مع أنّ استناد موته إلى الذَّبح ليس بأولى من استناده إلى السبب الموجب لعدم الاستقرار، بل السابق أولى ، فصار كأنّ هلاكه بذلك السبب، فيكون ميتة.

وعليه، فإذا ذبح من القفاء، فحين ما تصل آلة الذَّبح إلى الأوداج، لا يكون للحيوان حياة مستقرّة، فإنّ الحياة المستقرّة فُسِّرت بأنْ لا تكون مُشرفة على الموت، بحيث لا يمكن أنْ يعيش مثلها اليوم أو الأيّام، والمذبوح من القفاء الباقية أوداجه من مصاديق ذلك، وستعرف عند تعرّض المصنّف رحمه الله لشرائط الذبيحة عدم اعتبار استقرار الحياة بهذا المعنى ، بل المعتبر أصل الحياة.

وبالجملة: ثبت ممّا ذكرنا أنّ الذبح من القفاء لا إشكال فيه إنْ كان الحيوان حَيّاً

ص: 125


1- دعائم الإسلام: ج 2/180، كشف اللّثام: ج 9/237.
2- المبسوط: ج 6/259.
3- كشف اللّثام: ج 9/237.

قبل أن يفرى الأوداج، ومات بعد تماميّة الفري.

الأمر الثالث: أنْ لا تنخنع الذبيحة قبل الموت، والمراد بنخع الذبيحة إبلاغ السكين النخاع مثلّث النون، وهو الخيط الأبيض وسط القفاء بالفتح ممتدّاً من الرقبة إلى عَجز الذَنَب، للنهي عنه في جملةٍ من النصوص:

منها: صحيحي محمّد بن مسلم والحلبي المتقدّمين في مسألة إبانة الرأس.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الذبيحة ؟

فقال: استقبل بذبيحتك القبلة، ولا تنخعها حتّى تموت، ولا تأكل من ذبيحةٍ لم تُذبح من مَذبحها»(1).

ومنها: صحيح ابن مسكان، عن محمّد الحلبي، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

لا تنخع الذبيحة حتّى تموت، فإذا ماتت فانخعها»(2).

وظهور الأخيرين سيّما الأوّل منهما في اعتبار عدم النخع في الحليّة لا يُنكر، وعليه فيتعيّن حملها على إرادة المرجوحيّة لا المنع، لما تقدّم في مسألة إبانة الرأس المستلزمة للنخع.

وأيضاً: وبه يظهر أنّ حكمه حكمها، والمدرك واحد، فلابدَّ وأن تكون الفتوى فيهما واحدة، فما في «النافع»(3) من الفتوى في هذه المسألة بالكراهة، مع ميله إلى حرمة الإبانة قبل ذلك، غير واضح الوجه.

الأمر الرابع: أنْ لا يسلخ الذبيحة، ولا يقطع شيء منها قبل بَردها، فقد ذهب0.

ص: 126


1- الكافي: ج 6/229 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/15 ح 29866.
2- الكافي: ج 6/229 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/16 ح 29867.
3- المختصر النافع: ج 2/250.

إلى اعتباره في الحليّة السيّد ابن زُهرة(1) مدّعياً عليه الإجماع.

وعن «النهاية»(2)، والقاضي(3)، وابن حمزة(4): القول بالحرمة دون المحرميّة.

وعن الحِلّي(5)، وعامّة من تأخّر(6): القول بالكراهة.

واستدلّ للقول بالمنع: بمرفوع محمّد بن يحيى ، قال: «قال أبو الحسن الرّضا عليه السلام:

إذا ذبحت الشاة وسَلَخت أو سلخ شيء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكلها»(7).

وهو إنْ دلّ على شيء، فهو حرمة الذبيحة لا حرمة السَّلخ، وعليه فالقول الثاني لا وجه له أصلاً.

وأمّا القول الأوّل: فيرده:

أوّلاً: ضعف الخبر للرفع.

وثانياً: عدم عمل الأصحاب به، وإنْ ادُّعي الإجماع عليه، لكن لم نعثر بقائلٍ له سواه.

وثالثاً: إنّه يدلّ على عدم السلخ قبل الموت، لا قبل برد الذبيحة، اللّهُمَّ إلّاأنْ يكون تلازمٌ بين الموت والبرودة.

وبما ذكرناه يظهر أنّه لا مدرك للحكم بالكراهة، ودليل التسامح مختصٌّ 9.

ص: 127


1- غنية النزوع: ص 397.
2- النهاية: ج 1/584.
3- المهذّب: ج 2/440.
4- الوسيلة: ص 360.
5- السرائر: ج 3/110.
6- الشرائع: ج 4/740، قواعد العلّامة: ج 2/155، رياض المسائل: ج 13/341.
7- الكافي: ج 6/230 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/17 ح 29869.

بالسُّنن، ولا يشمل المكروهات.

وعليه، فالأظهر عدم الكراهة أيضاً.

الأمر الخامس: أنْ لا يُقلّب السكين، والمراد بقلب السكين أن يدخلها تحت الحلقوم ويقطعه مع باقي الأعضاء إلى الخارج.

اعتبره ابن زُهرة(1) في حليّة الذبيحة.

وعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2)، والقاضي(3): حرمته.

وعن الحِلّي(4) وعامّة المتأخّرين(5): الكراهة.

واستدلّ للأوّل: بخبر حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق»(6).

بدعوى أنّه ظاهرٌ في الإرشاد إلى المانعيّة، وحَمله الشيخ رحمه الله(7) على إرادة الحرمة.

أقول: والحقّ عدم تماميّة شيء منهما:

أمّا الثاني: فواضحٌ ممّا مرّ.

وأمّا الأوّل: فلأنّ الخبر ضعيف السند، لأنّ في طريقه القاسم بن إسحاق والد أبي هاشم الثقة الجليل، وهو مجهولٌ فلا يعتمد عليه.4.

ص: 128


1- غنية النزوع: ص 397.
2- النهاية: ج 1/584.
3- المهذّب: ج 2/440.
4- السرائر: ج 3/109.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/109، مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/131.
6- الكافي: ج 6/229 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/10 ح 29856.
7- النهاية: ص 584.

وبه يظهر أنّه لا وجه للقول بالكراهة أيضاً، إلّاأنْ ينجبر ضعف السند بفتوى المشهور بالكراهة، فتدبّر.

الأمر السادس: أنْ لا يذبح حيوانٌ وحيوانٌ آخر ينظر إليه، وعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(1) القول بحرمته.

واستدلّ له: بخبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور، وهو ينظر إليه»(2).

وأورد عليه في «المسالك»(3): بأنّ الخبر ضعيفٌ بغياث.

ويردّه: أنّ الأظهر كونه إماميّاً لا زيديّاً كما قيل، وعدلاً ضابطاً، فالخبر صحيح السند.

وعليه، فالأولى أن يورد عليه: بأنّ الشيخ رواه(4) بإسناده عن أحمد بن محمّد عن غياث، إلّاأنّه قال(5): (ومن المعلوم أنّ عدم فعل أمير المؤمنين عليه السلام أعمٌّ من كونه على وجه الوجوب أو الاستحباب).

نعم روى(6) الشيخ رحمه الله مثل الأوّل بطريقٍ آخر، وهو ضعيفٌ بطلحة بن زيد.

وعليه، فالأظهر هو البناء على أولويّة ذلك.8.

ص: 129


1- النهاية: ص 584.
2- الكافي: ج 6/229 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/16 ح 29868.
3- مسالك الأفهام: ج 11/490.
4- التهذيب: ج 9/56 ح 232، وسائل الشيعة: ج 24/16 ح 29868.
5- النهاية: ص 584.
6- التهذيب: ج 9/80 ح 76، وسائل الشيعة: ج 24/16 ح 29868.

أقول: بقي للذبح وظائف منصوصة غير لازمة، وهي:

تحديد الشَّفرة، وسُرعة القطع.

وأنْ لا يُري الشَّفرة للحيوان.

ولا يُحرّكه، ولا يجرّه من مكانٍ إلى آخر، بل يتركه إلى أن تفارقه الروح.

وأن يُساق إلى الذَّبح برفق، ويفجع برفقٍ .

ويَعرض عليه الماء قبل الذَّبح.

ويمرّ السكين بقوّة.

ولا يذبح ما ربّاه بيده.

ولا يذبح ليلاً وفي نهار الجمعة قبل الصلاة.

كلّ هذه الاُمور والتوصيات مذكورة في النصوص الظاهرة في الأولويّة، وعدم كون الحكم لزوميّاً.

***

ص: 130

ويشترط في الذبيحة استقبال القبلة،

اعتبار استقبال القبلة

الشرط الرابع: من شرائط التذكية ما يجب توفّره في الذبيحة.

قال رحمه الله: (ويشترط في الذبيحة) شروط أربعة:

الأوّل: (استقبال القبلة) بها:

وفي «المسالك»(1): (أجمع الأصحاب على اشتراط استقبال القبلة في الذَّبح والنحر) انتهى .

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: حسن محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «استقبل بذبيحتك القبلة»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الذبيحة تُذبح لغير القبلة ؟ فقال عليه السلام: لا بأس إذا لم يتعمّد»(4).

فإنّ مفهومه ثبوت البأس مع التعمّد.

ص: 131


1- مسالك الأفهام: ج 11/476.
2- الكافي: ج 6/233 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/27 ح 29899 (بتصرّف).
3- الكافي: ج 6/229 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/15 ح 29866 (بتصرّف).
4- الكافي: ج 6/233 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/28 ح 29900 (بتصرّف).

ونحوها غيرها.

وعليه، فلا إشكال في أصل الحكم، إنّما الكلام في أُمورٍ:

الأمر الأوّل: هل يعتبر استقبال جميع مقاديم بدن الحيوان، أم خصوص المذبح والمنحر؟

صرّح جماعة بالأوّل(1)، وعن جماعة اختيار الثاني(2).

وفي «المسالك»(3): (وربما قيل بأنّ الواجب هنا الاستقبال بالمذبح والمنحر خاصّة، وليس ببعيد).

أقول: والأظهر هو الأوّل، لا للأصل، وعدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر والغلبة إلّاإلى الذبيحة المستقبلة بجميع مقاديمها القلبة كما في «الرياض»(4)، لما عرفت ما في الدليلين غير مرّة، بل لظاهر الأخبار، فإنّ الذبيحة عبارة عن الحيوان وقد أُمر في الأخبار بأن يُستقبل بها.

فالحمل على إرادة الاستقبال بخصوص مذبحها أو منحرها خلاف الظاهر، يحتاج إلى القرينة.

الأمر الثاني: هل يعتبر استقبال الذابح أيضاً، نظراً إلى أنّ ظاهر الاستقبال بها أن يستقبله هو معها أيضاً على حَدّ قولك: (ذهبتُ بزيدٍ وانطلقتُ به) بمعنى ذهابهما وانطلاقهما معاً؟2.

ص: 132


1- شرح اللّمعة: ج 7/215، رياض المسائل: ج 13/322، مستند الشيعة: ج 15/411.
2- مسالك الأفهام: ج 11/476، كفاية الأحكام: ج 2/585.
3- مسالك الأفهام: ج 11/477.
4- رياض المسائل: ج 13/322.

أم لا يعتبر ذلك نظراً إلى أنّ التعدية بالباء تفيد معنى التعدية بالهمزة، كما في قوله تعالى : (ذَهَبَ اَللّهُ بِنُورِهِمْ ) أي أذهب نورهم ؟

وجهان: أظهرهما الثاني، لما ورد في الخبر الحسن الذي رواه محمّدبن مسلم، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحةٍ ذُبحت لغير القبلة، فقال: كُل ولا بأس بذلك ما لم يتعمّده»(1).

فإنّه يُرشد إلى الاكتفاء بتوجّهها إلى القبلة خاصّة.

ثمّ على فرض التنزّل وتسليم إجمال النصوص، فالمتيقّن الثابت هو استقبال الذبيحة، وبها يقيّد إطلاق الكتاب والسُّنة الدالّين على حليّة ما ذُكر اسم اللّه عليه، ويخرج بها عن أصالة الحِلّ .

وأمّا اعتبار استقبال الذابح، فلا يستفاد من هذه النصوص، ولا دليل غيرها عليه، ومقتضى الإطلاق والأصل عدم اعتباره.

الأمر الثالث: هل يعتبر أن يكون نحرها وبطنها مستقبل القبلة، كما صرّح به بعضهم ؟

أم يكفي صدق ذلك، ولو كان الحيوان واقفاً، ويكون رأسه ومقاديم بدنه إلى القبلة ؟

مقتضى إطلاق النصوص هو الثاني، لأنّه لو أوقف الحيوان إلى القبلة بأنْ كان رأسه إليها، يصدق أنّه مستقبل القبلة، كما في الإنسان في حالة الركوع والسجود، والإبل في حال النحر إذا كانت قائمة.).

ص: 133


1- الكافي: ج 6/233 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/28 ح 29901 (بتصرّف).

ودعوى: أنّ النصوص منصرفة إلى ذبح الحيوان بالطريق المتعارف، وهو الذَّبح مضطجعاً فلا تشمل النصوص ذبحه قائماً.

مندفعة: بأنّه لا وجه للانصراف المُدّعى في المقام، سوى الغلبة والتعارف، وقد مرّ مراراً أنّهما لا يصلحان منشأً للانصراف المقيّد للإطلاق، مع أنّ الغلبة ممنوعة في هذه الأزمنة التي تعارف فيها ذبح الحيوان بالأجهزة المستحدثة، وقد بيّنت حكم الذَّبح بمثل هذه الطرق في كتابنا «المسائل المستحدثة» وهو مطبوع فراجعه.

***

ص: 134

والتسمية

اعتبار التسمية

(و) الشرط الثاني: (التسمية)

واعتبارها في الحليّة إجماعيٌ (1)، والنصوص المتواترة شاهدة به وقد مرَّ جملة منها، بل قد مرّ في مسألة ذبح الكتابي النصوص المتضمّنة أنّ المعيار في الحليّة الاسم، وأنّ اعتبار كون الذابح مسلماً إنّما هو لأجل أنّه يؤمَن عليه المسلم دون الكافر، بل الآيات القرآنيّة تدلّ عليه، كما مرّ، فتأمّل.

وكيف كان، فالحكم أوضح من أن نطول المقام بالتفصيل فيه.

إنّما الكلام في المراد من التسمية:

أقول: مقتضى إطلاق الآيات والنصوص، أنّ المراد بها ذكر اسمه تعالى بأن يقول: بسم اللّه، أو الحمد للّه، أو اللّه أكبر، أو يسبّحه، أو يستغفره، وما شاكل، لصدق الذِّكر بذلك.

وفي صحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حَمَد اللّه ؟

قال عليه السلام: هذا كلّه من أسماء اللّه لا بأس به»(2).

ولو قال: (اللّه) واقتصر، ففي الإجتزاء به قولان:

ص: 135


1- مسالك الأفهام: ج 11/477.
2- الكافي: ج 6/234 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/31 ح 29909.

من صدق ذكر اسم اللّه عليه.

ومن دعوى أنّ فهم العرف يقتضى كون المراد ذكر اللّه بصفة كمالٍ وثناء، كإحدى التسبيحات الأربع، ويؤيّده الصحيح، حيث أطلق فيه الأسماء على التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد.

أقول: الأظهر هو الأوّل؛ لأنّ المنساق إلى الذهن من ذكر اسم اللّه، كذكر اسم غيره، مطلق التلفّظ باسمه، كان ذلك منضمّاً بذكر صفةِ كمالٍ أو ثناءٍ أو لم يكن، والصحيح إنّما يدلّ على صدق اسم اللّه على ما لو اقترن ذكر اسمه تعالى بذكر صفةِ كمالٍ وثناءٍ ، ولا يدلّ على عدم صدقه عليه بدون الضميمة. وعليه، فالأظهر هو الاجتزاء.

وهل يعتبر ذكر اسم اللّه تعالى خاصّة، فلو ذَكر اسم غيره معه، كما لو قال:

(بسم اللّه ومحمّدٍ) بالجرّ لم يجزء به، كما أرسله في «المسالك»(1) إرسال المسلّمات، أم لا يعتبر ذلك ؟

مقتضى الأدلّة هو الثاني، لأنّه تصدق التسمية بذكر اسمه، وأمّا ضمّ اسم غيره لا يضرّ بصدق ذلك، فلو كان عنه مانع لابدَّ وأن يقام عليه الدليل، وإلّا فمقتضى الأصل والإطلاق عدم المانعيّة.

وعليه، فالأظهر عدم الاعتبار، إلّاأنْ يكون هناك إجماعٌ كما يظهر من «المسالك»(2).

وهل يشترط التلفّظ بلفظ الجلالة لذكره في القرآن والسُّنة، أم يكفي كلّ اسمٍ 8.

ص: 136


1- مسالك الأفهام: ج 11/478.
2- مسالك الأفهام: ج 11/478.

من أسمائه تعالى؟

وجهان: أظهرهما الثاني، وذلك لوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه قد ورد الأمر في القرآن والسُّنة بذكر اسم اللّه تعالى ، والمراد به الذّات المقدّسة قطعاً، لا لفظ الجلالة، لإضافة الاسم إليه، ولا اسم للفظ الجلالة بل الاسم لذاته المقدّسة، وهو واضحٌ جدّاً.

الوجه الثاني: أنّه لو لم يكن لفظ الاسم لكان الظاهر أيضاً الذّات، لما مرّ في النذر من كون الاسم من جهة إنبائه عن المُسمّى لو أُخذ في الموضوع، يكون ظاهراً في إرادته من حيث إنّه مُنبئٌ عن المُسمّى ، وكاشف عنه، فكلّ ما يُنبئ عن المُسمّى يكون مجزياً.

الوجه الثالث: أنّه لو اُغمض عن الأمرين، فحيث أنّ الآيات القرآنيّة لا مفهوم لشيء منها كي تدلّ على عدم الاجتزاء بغير لفظ الجلالة، لأنّ قوله تعالى :

(وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (1) قد مرّ في مبحث صيد الكافر(2)، عدم دلالته على لزوم التسمية. وأيضاً لا مفهوم لقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (3)، وكذلك عدمه في قوله عزّ وجلّ : (وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) (4) واضح.

وأمّا السُّنة: فما فيه منها لفظ الجلالة لا مفهوم له، فتأمّل، وجملة منها مطلقة، لاحظ النصوص الواردة في ذبح الكافر.9.

ص: 137


1- سورة الأنعام: الآية 121.
2- صفحة 25 من هذا المجلّد.
3- سورة الأنعام: الآية 118.
4- سورة الأنعام: الآية 119.

ولو أخلّ باحدهما عمداً لم يحلّ ، ولو كان ناسياً جاز

وعليه، فالأظهر كفاية كلّ اسمٍ من أسمائه تعالى .

وبذلك يظهر عدم اشتراط العربيّة فيها، وأنّ التسمية بأيّة لغةٍ كانت تجزي.

حكم ما لو ترك التسمية والاستقبال نسياناً

(ولو أخلّ بأحدهما عمداً) أي الاستقبال والتسمية، أو بهما (لم يحِلّ ) كما مرّ، (ولو كان ناسياً جاز) وحَلّ ، بلا خلافٍ ، بل إجماعاً كما في «الرياض»(1) وغيره(2).

ويشهد بذلك في الأوّل: جملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة ؟

فقال عليه السلام: كُل ولا بأس بذلك ما لم يعتمّده» الحديث(3).

ونحوه صحيح الحلبي(4).

وفي الثاني: صحيحٌ آخر لمحمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إنْ كان ناسياً فلا بأس، إذا كان مسلماً، وكان يحسن أن يذبح»، الحديث(5).

وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في حديثٍ أنّه سأله عن الرّجل

ص: 138


1- رياض المسائل: ج 13/322.
2- مسالك الأفهام: ج 11/477.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/332 ح 4186، وسائل الشيعة: ج 24/27 ح 29899 (بتصرّف).
4- الكافي: ج 6/233 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/28 ح 29900 (بتصرّف).
5- التهذيب: ج 9/60 ح 252، وسائل الشيعة: ج 24/29 ح 29904 (بتصرّف).

يذبح فينسى أن يُسمّي أتؤكل ذبيحته ؟

فقال عليه السلام: نعم، إذا كان لا يُتّهم، وكان يحسن الذَّبح قبل ذلك، الحديث»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: ثمّ إنّ ظاهر صحيح محمّد الثالث عنه عليه السلام: «عن رجلٍ ذبح ولم يُسمّ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان ناسياً فليسمَّ حين يذكر، ويقول بسم اللّه على أوّله وآخره»(2).

هو الوجوب عند الذكر، وحيث لا قائل به، فليُحمل على الاستحباب، وهو نظير ما ورد في نسيانها على الأكل.

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم الحِلّ عند ترك التسمية أو الاستقبال، ويحمل على صورة التعمّد.

ولو ترك الاستقبال جاهلاً بوجوبه، حَلّ الذبيحة أيضاً، كما عن «القواعد»(3)، وفي «المسالك»(4)، و «الرياض»(5) وغيرها(6)، لصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلى القبلة ؟

قال عليه السلام: كُل منها» الحديث(7).

لا يخفى أنّ من لا يعتقد وجوب الاستقبال يعدّ من مصاديق الجاهل.9.

ص: 139


1- الكافي: ج 6/233 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/29 ح 29905 (بتصرّف).
2- الكافي: ج 6/233 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/30 ح 29906 (بتصرّف).
3- قواعد الأحكام: ج 3/321.
4- مسالك الأفهام: ج 11/475.
5- رياض المسائل: ج 13/323.
6- جامع المدارك: ج 5/121-122، مهذّب الأحكام: ج 23/111.
7- الكافي: ج 6/233 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/27 ح 29899.

ولو ترك التسمية جاهلاً، فهل تحلّ الذبيحة كما عن المحقّق الأردبيلي(1)، أم لا تحلّ كما في «الرياض»(2)؟

وجهان: مقتضى إطلاق الأدلّة، عدم الحليّة، إذ الخارج خصوص الترك ناسياً.

واستدلّ للأوّل: بكون الجهل كالنسيان في المعنى المسوّغ للأكل، ولذا تساويا حكماً في ترك الاستقبال، وهو كما ترى .

ولو اعتقد عدم وجوب التسمية وسمّى، فالأظهر حليّة الذبيحة، لإطلاق النصوص، ولما دلّ على حليّة ذبيحة المخالف وإنْ لم يعتقد وجوبها، بل يحِلّ شراء ما في أسواق المسلمين من اللّحوم والجلود من غير سؤالٍ كما يأتي.

وعليه، فما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(3) من عدم الاكتفاء بتلك التسمية، ضعيفٌ .

***0.

ص: 140


1- مجمع الفائدة: ج 11/115.
2- رياض المسائل: ج 13/322.
3- مختلف الشيعة: ج 8/300.

ويشترط في الإبل النحر، وفي غيرها الذَّبح

اختصاص الإبل بالنَّحر وما عداها بالذَّبح

(و) الشرط الثالث ممّا (يشترط) في كيفيّة الذَّبح:

أن يكون (في الإبل النحر، وفي غيرها الذَّبح) فلو نَحَر المذبوح، أو ذبح المنحور فمات لم يحلّ كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل على اعتباره في «الخلاف»(1) و «الغنية»(2) و «السرائر»(3) وغيرها(4) الإجماع.

أقول: محلّ البحث مسألتان:

المسألة الأُولى : كون النحر في الإبل والذَّبح في غيرها.

المسألة الثانية: لو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحلّ .

أمّا الأُولى : فيشهد على اختصاص الإبل بالنحر:

1 - خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن امتنع عليك بعيرٌ وأنت تريد أن تنحره، فانطلق منك، فإنْ خشيت أن يسبقك، فضربته بسيفٍ ، أو طعنته بحربةٍ بعد أن تُسمّي فكل، إلّاأن تدركه ولم يمت بعدُ فذكّه»(5).

2 - وخبر الجعفي، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: بعيرٌ تردّى في بئرٍ، كيف يُنحر؟

ص: 141


1- الخلاف: ج 2/442.
2- غنية النزوع: ص 396.
3- السرائر: ج 3/107.
4- شرح اللّمعة: ج 7/219، كشف اللّثام: ج 2/259.
5- الكافي: ج 6/231 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/21 ح 29881.

قال عليه السلام: يدخل الحربة فيطعنه بها، ويُسمّي ويأكل»(1).

أقول: ويشهد لكون الذَّبح في غيرها، إطلاق النصوص الواردة في كيفيّة التذكية، مضافاً إلى النصوص الخاصّة الواردة في البقر والثور وما شاكل، هذا كلّه مضافاً إلى استقرار التعارف بين المسلمين على ذلك، وعدم الخلاف بينهم في شرعيّة النحر في الإبل والذبح في غيرها.

وأمّا الخبر الدالّ على أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنحر الفَرَس، فمع ضعف سنده، وإعراض الأصحاب عنه، ومعارضته لغيره، يُطرح أو يُحمل على التقيّة.

وعليه، فما عن المقدّس الأردبيلي(2)، والمحقّق السبزواري(3)، تبعاً للشهيد الثاني(4) من عدم قيام دليلٍ صالحٍ على التفضيل بين الإبل فنحرها، وغيرها فذبحه، غيرُ تامٍّ .

وأمّا المسألة الثانية: فيشهد لعدم حليّة ما لو نحر المذبوح وذبح المنحور، جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح صفوان، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن ذبح البقر من المنحر؟

فقال عليه السلام: للبقر الذَّبح وما نُحر فليس بذكيّ »(5).

وجوابه عليه السلام مركّبٌ من صغرى وكبرى ، فالأولى قوله: «للبقر الذَّبح»، والثانية2.

ص: 142


1- التهذيب: ج 9/54 ح 222، وسائل الشيعة: ج 24/20 ح 29880.
2- مجمع الفائدة: ج 11/119.
3- كفاية الأحكام: ج 2/585.
4- حكاه صاحب الرياض في: ج 13/326 بقوله: (فما يستفاد من المقدّس الأردبيلي رحمه الله والكفاية تبعاً لبعض حواشي شيخنا الشهيد الثاني...).
5- الكافي: ج 6/228 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/14 ح 29862.

قوله: «وما نُحر - أي ما يذبح - فليس بذكيّ ».

ومنها: صحيح يونس بن يعقوب، قال: «قلتُ لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقر، إنّما ينحرون في لبة البقرة، فما ترى في أكل لحمها؟

فقال: (فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (1) لا تأكل إلّاما ذُبح»(2).

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: كلّ منحورٍ مذبوحٌ حرام، وكلّ مذبوحٍ منحورٌ حرام»(3).

ونحوها غيرها.

ثمّ إنّه يسقط اعتبارهما مع التعذّر كاستعصائه كما سيأتي.

ثمّ إنْ أدرك ما يعتبر من الذَّبح أو النحر بعدما فَعَل الآخر به حَلّ ، بناءً على ما سيأتي من عدم اعتبار استقرار الحياة.

***4.

ص: 143


1- سورة البقرة: الآية 71.
2- الكافي: ج 6/229 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/14 ح 29863.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/503 ح 3080، وسائل الشيعة: ج 24/14 ح 29864.

وأنْ يتحرّك بعد التذكية حركة الأحياء، وأقلّه حركة الذنب، أو تطرف العين، أو يخرج الدَّم المسفوح، ولو فقدا لم تحِلّ ،

اعتبار استقرار الحياة وعدمه

(و) الشرط الرابع: (أن يتحرّك بعد التذكية حركة الأحياء، وأقلّه حركة الذَنَب، أو تطرف العين، أو يخرج الدَّم المسفوح، ولو فقدا لم تحلّ ) بلا خلافٍ فيه في الجملة.

أقول: تنقيح القول عنه يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: اختلف الأصحاب في أنّه هل يعتبر استقرار الحياة للحيوان حين التذكية ؟

وفسِّرت الحياة المستقرّة، بأنْ لا يكون مشرفاً على الموت، بحيث لا يمكن أنْ يعيش مثله اليوم أو الأيّام، كما ذهب إليه الشيخ(1) وجماعة(2).

أم لا يعتبر ذلك، بل المعتبر أصل الحياة، كما عن أكثر القدماء والمتأخّرين(3)، بل عن الشيخ يحيى بن سعيد رحمه الله(4) أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ؟

استدلّ الشهيد الثاني(5) للقول باعتبار استقرار الحياة: بأنّ ما استناده إلى

ص: 144


1- المبسوط: ج 6/260.
2- شرائع الإسلام: ج 4/741، قواعد الأحكام: ج 3/322.
3- الوسيلة: ص 356.
4- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الدروس: ج 2/415.
5- مسالك الأفهام: ج 11/496.

السبب الموجب لعدم استقرارها، بل السابق أولى ، وصار كأنَّ هلاكه بذلك السبب، فيكون ميتة.

واعتضده سيّد «الرياض»(1) بالأصل، مع اختصاص الكتاب والسُّنة بحكم التبادر والغلبة بما ذُكّي وحياته مستقرّة.

ولكن اعترف بعده بكونه مخالفاً لظواهر الكتاب والسُّنة.

أقول: والحقّ عدم اعتبار استقرار الحياة:

1 - لإستثناء (ما ذَكَّيْتُمْ ) :

من (اَلنَّطِيحَةُ ) ، وهي التي تنطحها بهيمةٌ فتموت، و (اَلْمُتَرَدِّيَةُ ) وهي التي تتردّى من سطحٍ ، أو تسقط في بئرٍ أو هوّةٍ فتموت، ومن (ما أَكَلَ اَلسَّبُعُ ) في الآية(2) الكريمة المفسَّرة في صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«كلّ شيء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) فإنْ أدركتَ شيئاً منها وعينه تطرف، أو قائمة تركض، أو ذَنَبٌ يمصع(3) فقد أدركت ذكاته فكُله، الحديث»(4).

2 - ولجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الذبيحة ؟ فقال عليه السلام: إذا تحرّك الذنب أو الطرف أو الاُذن فهو ذكي»(5).8.

ص: 145


1- رياض المسائل: ج 13/332.
2- سورة المائدة: الآية 3.
3- مصعت الدابّة بذنبها: حرّكته.
4- التهذيب: ج 9/58 ح 241، وسائل الشيعة: ج 24/22 ح 29886.
5- الكافي: ج 6/233 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/23 ح 29888.

ومنها: خبر عبد الرحمن، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في كتاب عليٍّ عليه السلام: إذا طرفت العين، أو ركضت الرِّجل، أو تحرّك الذنب، فكُل منه فقد أدركت ذكاته»(1).

ومثله خبر عبد اللّه بن سليمان، عنه عليه السلام(2).

ومنها: خبر أبان بن تغلب، عنه عليه السلام: «إذا شككت في حياة شاةٍ ورأيتها تطرف عينها، أو تتحرّك اُذنيها، أو تمصع بذنبها، فاذبحها فإنّها لك حلال»(3).

إلى غير تلكم من النصوص.

ومن المعلوم أنّ الذبيحة في هذه الموارد ما كانت حياتها غير مستقرّة.

قال المحقّق القمّي رحمه الله(4) في «جامع الشتات»: كيف يمكن إحراز عدم استقرار الحياة، مع ما نرى بالوجدان أنّه كم موردٍ اطمأنّ الناس بأنّ إنساناً في حال النزع وسيموت قريباً، ثمّ شافاه اللّه تعالى وعاش مدّة مديدة بعد ذلك، فلا يستفاد من الآية والنصوص عدم اعتبار استقرار الحياة.

يرد عليه أوّلاً: أنّ الآية والنصوص من جهة عدم الاستفصال بين صورة الاطمئنان بعدم استقرار الحياة وعدمه تدلّان على عدم اعتبار ذلك، لأنّه لا يعتبر في الدليل الصراحة، ويكفي الإطلاق والظهور.

وثانياً: إنّ تخلّف الاطمئنان في بعض الموارد، من جهة عدم الاطّلاع على السبب، لا ينافي حصول الاطمئنان مع وجود سبب الموت ورؤية نزع الحيوان.ء.

ص: 146


1- الكافي: ج 6/232 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/23 ح 29891.
2- الكافي: ج 6/232 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/24 ح 29892.
3- الكافي: ج 6/232 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/23 ح 29890.
4- جامع الشتات في أجوبة السؤالات للميرزا القمّي (مطبوع باللّغة الفارسيّة) في أربعة أجزاء.

وثالثاً: أنّه لو شكّ في ذلك، يكفينا استصحاب الحياة المستقرّة، ويُحكم لأجله بوجود الشرط.

قال الشهيد الثاني(1) رحمه الله: إنّه يعارضه استصحاب الحرمة الثابتة حال الحياة، فيتعارض الأصلان.

ويرد عليه أوّلاً: ما تقدّم من عدم جريان استصحاب الحرمة، لعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة، ولتبدّل الموضوع، ولعدم ثبوت حرمة الأكل في حال الحياة إذا لم يعرضه الموت قبل البلع، كما لو بلع سمكاً صغيراً.

وثانياً: أنّ استصحاب بقاء الشرط حاكمٌ على استصحاب الحرمة، لأنّ الشكّ في بقاء الحرمة مسبّبٌ عن الشكّ في بقاء الشرط، والأصل في السبب حاكمٌ على الأصل في المسبّب.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم اعتبار استقرار الحياة، وعلى فرضه يكفي الشكّ فيه في الحليّة.

نعم، أصل الحياة حين الذَّبح معتبرٌ.

المورد الثاني: هل يصحّ لو شكّ في حياة حيوانٍ حين الذَّبح أن يستصحب حياته ليحكم بالحليّة من دون أن يرجع إلى العلامة المقرّرة في النصوص أم لا؟

وجهان: الظاهر هو الثاني، لأنّ :

1 - المستفاد من النصوص هو أنّ الشارع الأقدس في حال الشكّ في الحياة، لم يكتفِ بالاستصحاب، بل جعل أمارةً لها يرجع إليها الشاكّ لاستكشاف الحياة،4.

ص: 147


1- مسالك الأفهام: ج 11/514.

فكأنّه يعتبر في الحليّة إحراز الحياة، لاحظ النصوص المتقدّمة، سيّما خبر أبان الوارد فيه قوله عليه السلام: «إذا شككتَ في حياة شاةٍ ورأيتها.. الخ»، فإنّ مفهومه أنّه لو شكّ ولم يرها تتحرّك، ليس بحلالٍ .

2 - ومن أخذ الرؤية في الموضوع التي هي كناية عن العلم، يستفاد أيضاً أنّه لا يكفي إجراء الاستصحاب في نفس الحركة.

وعليه، فما في «المسالك»(1) من جريان هذا الأصل، غاية الأمر أنّه يسقط بالتعارض مع استصحاب التحريم، في غير محلّه.

ولا يتوهّم: التهافت بين ما ذكرناه في الشكّ في استقرار الحياة، وما بيّناه في الشكّ في أصل الحياة من جريان الاستصحاب في الأوّل دون الثاني.

فإنّ المانع عنه في الثاني هو النصوص المختصّة به.

المورد الثالث: هل زمان الحركة ومحلّها قبل الذَّبح أو بعده ؟

نسب في «الرياض»(2) الثاني إلى الأصحاب كافّة، وعن «الغُنية»(3) أنّ عليه إجماع الإماميّة.

والأخبار مختلفة: فيظهر من بعضها أنّ محلّها قبل الذَّبح كخبر أبان المتقدّم.

وظاهر بعضها الآخر كونه بعده كأكثر الأخبار المتقدّمة، بقرينة قوله: «فهو ذكّي» أو «فكُلْه» وما شاكل، متفرّعاً على الحركة، فيعلم من ذلك أنّ المراد بعد الذَّبح، إذ لو كان قبله كان ذلك معلّقاً على التذكية.7.

ص: 148


1- مسالك الأفهام: ج 11/514.
2- رياض المسائل: ج 13/330.
3- غنية النزوع: ص 397.

بل ذلك صريح بعضٍ آخر كصحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الشاة تُذبح فلا تتحرّك، ويُهراق منها دمٌ كثيرٌ عبيط؟

فقال عليه السلام: لا تأكل، إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: إذا رَكَضَتِ الرِّجل، أو طَرَفت العين فكُلْ »(1).

فإنّه صريحٌ في ذلك، من جهة وقوع السؤال فيه عن الحِلّ ، مع عدم الحركة بعد التذكية لا قبلها، بمقتضى الفاء المفيدة للترتيب، بلا شبهة، مع وقوع الجواب عنه بالنهي عن الأكل مطلقاً، ولو حصلت له حركة سابقة من حيث فقد الحركة المتأخّرة، واستشهاده لذلك بقول عليّ عليه السلام كاشفٌ عن أنّ المراد بهذه الجملة في سائر النصوص أيضاً ذلك، فلابدَّ من تأويل خبر أبان بما لا ينافي ذلك.

وعليه، فالأظهر أنّ الميزان هو الحركة بعد الذَّبح.

هل يعتبر خروج الدّم أيضاً أم لا

المورد الرابع: اختلف الأصحاب فيما تُدرك به الذَّكاة من الحركة، وخروج الدَّم بعد الذَّبح أو النحر:

فعن المفيد(2)، والإسكافي(3)، والقاضي(4)، والديلمي(5)، والحلبي(6)، والسيّد

ص: 149


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/327 ح 4171، وسائل الشيعة: ج 24/24 ح 29893.
2- المقنعة: ص 579.
3- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 8/325.
4- المهذّب: ج 2/436 قال رحمه الله: (وإذا ذبحت ذبيحة ولم يتحرّك منها شىء لم يجز أكلها...).
5- المراسم: ص 211.
6- الكافي في الفقه: ص 277.

ابن زُهرة(1): أنّه يعتبر في حِلّها الأمران معاً، فلو حصل أحدهما لم يكن فيه كفاية، بل عن الأخير منهم أنّ عليه الإجماع.

وعن الأكثر، ومنهم الشيخ(2)، والحِلّي(3)، والمصنّف رحمه الله، والمحقّق(4) وأكثر المتأخّرين الاكتفاء بأحد الأمرين.

وعن الصدوق(5)، والمصنّف في «المختلف»(6): كفاية الحركة دون خروج الدّم، وقوّاه سيّد «الرياض»(7) والشهيد الثاني(8).

أقول: ومنشأ اختلاف الأقوال، اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على اعتبار الحركة والاكتفاء بها، النصوص المتقدّمة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على اعتبار خروج الدّم والاكتفاء به:

منها: صحيح زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ لم يكن بحضرته سكين، أيذبح بقصبة ؟

فقال عليه السلام: اذبح بالحَجَر والعظم وبالقصبة والعود، إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم، وخرج الدّم فلا بأس»(9).2.

ص: 150


1- غنية النزوع: ص 397.
2- النهاية: ص 584.
3- السرائر: ج 3/110.
4- شرائع الإسلام: ج 4/740.
5- المقنع: ص 415..
6- مختلف الشيعة: ج 8/325.
7- رياض المسائل: ج 13/329.
8- مسالك الأفهام: ج 11/486.
9- الكافي: ج 6/228 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/9 ح 29852.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن مسلمٍ ذبح فسمّى فسبقه السكين بحدّتها فأبان الرأس ؟

فقال عليه السلام: إنْ خرج الدّم فكُلْ »(1).

ووروده في موردٍ خاصّ لا يضرّ، لعدم الفرق بين الموارد قطعاً.

ونحوه صحيح عُمر بن أُذينة(2).

ومنها: خبر الحسين بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ ضَرب بقرة بفأسٍ فسقطت ؟

قال عليه السلام: فإنْ كان الرّجل الذي ذَبَح البقرة حين ذبح خَرَج الدّم معتدلاً فكُلوا وأطعموا، وإنْ كان خَرَج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه»(3).

وأورد عليه الشهيد الثاني(4): بضعف السّند، لأنّ الحسين بن مسلم مجهولٌ ، وتبعه في التضعيف سيّد «الرياض»(5).

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر مرويٌّ بطريق آخر قوي، رواه(6) الحميري في «قرب الإسناد» عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، مع إبدال قوله: (فسقطت) بقوله (فوقذها).

وثانياً: الظاهر اعتماد الأصحاب عليه، لأنّهم لم يكتفوا بخروج الدّم، بل قيّدوه1.

ص: 151


1- الكافي: ج 6/230 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/18 ح 29871.
2- الكافي: ج 6/17 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/17 ح 29870.
3- الكافي: ج 6/232 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/25 ح 29894.
4- مسالك الأفهام: ج 11/486.
5- رياض المسائل: ج 13/329.
6- وسائل الشيعة: ج 24/25 ح 29894، قرب الإسناد: ص 21.

بخروجه معتدلاً، ولا مدرك لهم في هذا القيد سوى هذا الخبر، فإنّ النصوص الاُخر مطلقة، وبذلك يظهر أنّه لابدَّ من تقييد إطلاق تلك النصوص بهذا الخبر.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على عدم الاكتفاء بخروج الدّم، وأنّه لابدَّ من الحركة كصحيح أبي بصير، عن الإمام صادق عليه السلام:

«عن الشاة تُذبح فلا تتحرّك، ويُهراق منها دمٌ كثيرٌ عبيط؟

فقال عليه السلام: لا تأكل، إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: إذا رَكَضَتِ الرِّجل، أو طَرفتِ العين فكُلْ »(1).

أقول: والحقّ في الجمع بين النصوص أنْ يقال:

إنّه يقيّد إطلاق الخبر الأخير الدالّ على عدم الاكتفاء بخروج الدّم، بخبري الحسين بن مسلم، وبكر بن محمّد الدالّين على الاكتفاء بخروج الدّم إذا خرج معتدلاً، وعدم الاكتفاء به إذا خرج متثاقلاً، فتبقى الطائفتان الأوليتان، ولكلّ منهما منطوق ومفهوم:

منطوق الأُولى : حليّة الذبيحة بالحركة، ومفهومها عدمها بعدم الحركة.

منطوق الثانية: حليّة الذبيحة بخروج الدّم معتدلاً، ومفهومها عدم الحليّة بعدم خروجه معتدلاً.

ولا تعارض بين المنطوقين، ولا بين المفهومين، بل التعارض بين مفهوم كلّ منهما مع منطوق الأُخرى ، ولكن حيث لا يمكن التصرّف في المفهوم الذى هو دلالة تبعيّة بدون التصرّف في المنطوق، فلابدَّ من رفع اليد عن أحد إطلاقي المنطوق في3.

ص: 152


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/327 ح 4171، وسائل الشيعة: ج 24/24 ح 29893.

كلٍّ منهما، وهما الإطلاق المقابل للتقييد بالواو، وعليه:

فتكون النتيجة على الأوّل: أنّه إنْ تحرّك الحيوان أو خَرَج حَلّ .

والنتيجة على الثاني: أنّه إنْ تحرّك وخَرَج الدّم حَلّ .

فعلى الأوّل يثبت القول الأوّل، وعلى الثاني القول الثاني.

وأمّا القول الثالث فقد ظهر ضعفه ممّا قدّمناه.

وحيث أنّ الضرورات تتقّدر بقدرها، ولا يصحّ رفع اليد عن الإطلاق إلّا بالمقدار الثابت، ولذا لو دلّ الدليل على وجوب إكرام العلماء، وعلمنا من الخارج، أنّ زيداً وبكراً لا يجبُ إكرامهما معاً، دار الأمر بين تقييد إطلاق الدليل الأوّل بإخراجهما معاً، فلا يجب إكرام أحدهما، وبين تقييده بإخراج كلّ منهما عند إكرام الآخر ليكون المتعيّن هو الثاني.

ففي المقام بما أنّ التعارض يرتفع بتقييد الإطلاق المقابل للتقييد ب (أو) ولازمه الاقتصار على الأقلّ من التقييد الممكن، فلا وجه لتقييد الإطلاق المقابل للتقييد بالواو المستلزم للتقييد الأزيد، فيتعيّن ذلك، وتكون النتيجة هو الاكتفاء بخروج الدّم معتدلاً، أو الحركة المزبورة، ولا يعتبر اجتماعهما معاً، واللّه العالم.

***

ص: 153

ويستحبُّ في الغنم ربط قوائمها عدا إحدى رجليه، وفي البقر ربط قوائمها وإطلاق ذَنَبها، وربط خِفاف الإبل إلى الإبط، وإرسال الطير،

أحكام الذَّبح

المقام الخامس: في بيان جملةٍ من الأحكام المناسبة للمقام، (و) يبحث عنها في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى : (يستحبّ ) عند الذَّبح (في الغنم ربط قوائمها عدا إحدى رجليه، وفي البقر ربط قوائمها وإطلاق ذنبها، وربط خفاف الإبل إلى الإبط، وإرسال الطير)، ومستند الحكم روايات:

منها: حسن حمران بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الذَّبح ؟ فقال عليه السلام: إذا ذبحتَ فأرسل، ولا تكتف، ولا تقلّب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق، والإرسال للطير خاصّة، وإنْ كان شيء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره، ولا تمسكنّ يداً ولا رجلاً، فأمّا البقر فأعقلها وأطلق الذَنَب، وأمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه واطلق رجليه»(1) الحديث.

وفي «المسالك»(2) بعد نقل الخبر: (والمراد بتشديد أخفافه إلى آباطه، أن يجمع بين يديها فيربطهما فيما بين الخفّ والركبة، وبهذا صرّح في رواية أبي الصباح، وفي رواية أبي خديجة أنّه يَعقل يدها اليُسرى خاصّة، وليس المراد في الأوّل أنّه يعقل

ص: 154


1- الكافي: ج 6/229 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/10 ح 29856.
2- مسالك الأفهام: ج 11/486.

خفي يديه معاً إلى آباطه، لأنّه لا يستطيع القيام حينئذٍ، والمستحبّ في الإبل أن تكون قائمة، والمراد بالغنم بقوله: «ولا تُمسك يداً ولا رِجلاً» أنّه يربط يديه وإحدى رجليه من غير أن يمسكها بيده)، انتهى .

وأورد عليه جماعة(1): بأنّ استفادة هذه الإرادة من الخبر محلّ مناقشة.

إلّا أنّ الذي يسهّل الخطب كون الحكم استحبابيّاً.

ولعلّ ما أفاده الشهيد رحمه الله بضميمة فتوى الأصحاب يكون كافياً فيه، للتسامح في أدلّة السنن، فتأمّل، فإنّ دليل التسامح مختصٌّ بما إذا كان هناك رواية ضعيفة ظاهرة الدلالة على حكمٍ فيتسامح فيه، ويُبنى على ثبوته لأخبار من بلغ، ولا تتناول أمثال المقام.

***2.

ص: 155


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/132.

وما يُباع في سوق المسلمين فهو ذكيٌّ حلالٌ ، إذ لم يعلم حاله.

حكم ما يُباع في أسواق المسلمين من الذبائح

المسألة الثانية: (وما يُباع في سوق المسلمين) من الذبائح واللّحوم والجلود (فهو ذكي حلالٌ ، إذ لم يعلم حاله) بلا خلافٍ فيه، ويشهد به:

1 - صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن شراء اللّحوم من الأسواق، ولا يُدرى ما صنع القصّابون ؟

فقال عليه السلام: كُل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه»(1).

2 - وصحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكيّ أم لا، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدرى أيُصلّي فيه ؟

قال عليه السلام: نعم، أنا أشتري الخُفّ من السوق، ويصنع لي واُصلّي فيه، وليس عليكم المسألة»(2).

3 - وموثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الكاظم عليه السلام: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، وفيما صُنع في أرض الإسلام.

قلت له: فإنْ كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال عليه السلام: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(3).

ص: 156


1- التهذيب: ج 9/72 ح 42، وسائل الشيعة: ج 24/70 ح 30023.
2- التهذيب: ج 2/371 ح 77، وسائل الشيعة: ج 3/492 ح 4265.
3- التهذيب: ج 2/368 ح 64، وسائل الشيعة: ج 3/491 ح 4264.

ولو تعذّر الذَّبح أو النحر كالمتردّي والمُستعصي، يجوز أخذه بالسيف وغيره ممّا يَجرح إذا خشي التلف.

ونحوها غيرها.

أقول: وللمسألة فروعٌ من حيث إنّه هل يختصّ ذلك بكون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائح أهل الكتاب، أم لا؟

وأنّه هل السوق بنفسه أمارة التذكية، أم هو أمارة كون البائع مسلماً؟

وحكم ما يوجد في دار الإسلام، وغير تلكم من الفروع، وقد استوفينا البحث في هذه الفروع في الأجزاء السابقة من هذا الشرح في مبحث التجارة(1)، وفي كتابنا «القواعد الثلاث» المطبوع(2)، وفي الجزء الأوّل من كتابنا «منهاج الفقاهة» المطبوع(3) أيضاً، فلا حاجة إلى التكرار.

المسألة الثالثة: (ولو تعذّر الذَّبح أو النحر، كالمتردي والمُستَعصي، يجوز أخذه بالسيف وغيره ممّا يجرح إذا خشي التلف) وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة في مبحث الصيد في مسألة ما يحلّ بالصيد(4).

***د.

ص: 157


1- فقه الصادق: الجزء 26 و 27.
2- هذه الرسالة طبعت في قمّ المقدّسة.
3- راجع: منهاج الفقاهة: ج 1/28 وما بعدها، بحث: المكاسب المحرّمة.
4- صفحة 16 من هذا المجلّد.

ذكاة السَّمك إخراجه من الماء حيّاً،

البحث عن ذكاة السّمك

المسألة الرابعة: في (ذكاة السَّمك) وقد اتّفق الأصحاب على أنّ السَّمك لا تحلّ ميتته، وأنّه يذكّى ب (إخراجه من الماء حَيّاً)، ويدلّ على ذلك:

من الكتاب: قول اللّه تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ) (1) والصيد إنّما يصدق بأخذ الحَيّ .

وأمّا السُّنة: فنصوص كثيرة تشهد بذلك:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّما صيد الحيتان أخذها»(2).

ومنها: موثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «إنّما صيد الحيتان أخذها»(3).

ومنها: صحيح زيد الشحّام، عنه عليه السلام: «عمّا يوجد من الحيتان طافياً على الماء أو يلقيه البحر ميّتاً آكله ؟ قال عليه السلام: لا»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام في حديثٍ : «عمّا يؤخذ من السَّمك طافياً على الماء، أو يلقيه البحر ميّتاً؟ فقال عليه السلام لا تأكله»(5).

ونحوها غيرها من النصوص الدالّة على الحكمين.

ص: 158


1- سورة المائدة: الآية 96.
2- الكافي: ج 6/217 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/78 ح 30044.
3- الاستبصار: ج 4/63 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/76 ح 30040.
4- التهذيب: ج 9/7 ح 20، وسائل الشيعة: ج 24/80 ح 30050.
5- التهذيب: ج 9/6 ح 18، وسائل الشيعة: ج 24/80 ح 30049.

أقول: إنّما يقع الكلام في أُمور:

الأمر الأوّل: هل المعتبر خروجه من الماء حَيّاً، سواءً كان أخرجه مُخرِجٌ أم لا، كما لو وثَبتْ سمكةٌ من الماء على الجد(1) أو السفينة ونحوهما ومات كما عن «النهاية»(2)، والمحقّق في بعض كتبه(3)؟

أم العبرة بالأخذ، فلا يحلّ لو لم يؤخذ كما هو المشهور بين الأصحاب(4)؟

يشهد للثاني: - مضافاً إلى النصوص الحاصرة في أنّ صيد الحيتان أخذها المتقدّم بعضها - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن سمكةٍ وثبت من نهرٍ فوقعت على الجدّ من النهر فماتت، هل يصلح أكلها؟

قال عليه السلام: إنْ أخذتها قبل أن تموت، ثمّ ماتت فكُلها، وإنْ ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها»(5).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا يؤكل ما نبذه الماء من الحيتان من الماء، وما نضب الماء عنه»(6).

ونحوهما غيرهما.

واستدلّ للأوّل:5.

ص: 159


1- الجِدّ: شاطئ النهر.
2- النهاية: ص 576.
3- المختصر النافع: ص 242، شرائع الإسلام: ج 4/742.
4- السرائر: ج 3/87، شرح اللّمعة: ج 7/238.
5- الكافي: ج 6/218 ح 11، وسائل الشيعة: ج 24/81 ح 30053.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3/340 ح 4206، وسائل الشيعة: ج 24/82 ح 30055.

1 - بموثّق زرارة الذي هو في حكم الصحيح، قال: «قلت له: سمكة ارتفعت فوقعتْ على الجد فاضطربت حتّى ماتت آكلها؟ فقال: نعم»(1).

وأورد عليه سيّد «الرياض»(2): بضعف السند للإرسال.

أقول: لم يظهر لي وجه دعواه الإرسال، فإنّ الخبر مرويّ بإسناد الصدوق إلى أبان بن تغلب، وليس فيه إرسال، نعم في سنده إليه صاحب الكلل وفيه جهالة، ولعلّه لذا ضعّفه الشهيدالثاني رحمه الله(3) إلّاأنّه بحكم الصحيح لرواية صفوان بن يحيى عنه.

2 - وخبر سلمة بن أبي حفص، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: إذا أدركتها وهي تضطرب وتضرب بيديها وتحرّك ذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها»(4).

لكن سنده غير نقي لعبد اللّه بن محمّد.

3 - وموثّق مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«إنّ عليّاً عليه السلام قال: إنّ الجراد والسَّمك إذا خرج من الماء فهو ذكيّ ، والأرضُ للجراد مصيدة، وللسمك قد تكون أيضاً»(5).

4 - وخبر زرارة، قال: «قلت: السَّمك يثبُ من الماء فيقعُ على الشط فيضطرب حتّى يموت ؟ فقال عليه السلام: كُلْها»(6) وفيه إرسالٌ .6.

ص: 160


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/323 ح 4155، وسائل الشيعة: ج 24/82 ح 30057.
2- رياض المسائل: ج 13/349-350.
3- مسالك الأفهام: ج 11/503.
4- الكافي: ج 6/217 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/81 ح 30054.
5- الكافي: ج 6/221 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/87 ح 30069.
6- الاستبصار: ج 4/61 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/82 ح 30056.

وقيل: إنّه يعضد هذه النصوص ما يأتي من النصوص الدالّة على أنّ صيد المجوس مع مشاهدة المسلم له قد اُخرج حَيّاً وماتَ خارج الماء موجبٌ لحِلّه، وصيد المجوس لا عبرة به، فيكون العبرة بنظر المسلم له.

بل ربما استدلّ بذلك بعضهم، ولكنّه كما ترى ، إذ لا يلزم من حِلّ صيد الكافر له مع مشاهدة المسلم، حِلّ ما لم يدخل تحت اليد مطلقاً.

وعليه، فالعمدة هي النصوص المتقدّمة المعتبرة من حيث السند، وظاهرة الدلالة على هذا القول.

والجواب عنها: أنّه إنْ كان حَمل هذه بقرينة ما تقدّمها على ما لو أخذه بعدما أدركه حَيّاً، جمعاً عرفيّاً، نظراً إلى أنّها مطلقة من هذه الجهة، وما تقدّم صريحٌ في الفرق بين الأخذ وعدمه، فيتقيّد إطلاقها به، فلا كلام، وإلّا فتقدُّم تلك النصوص لموافقتها لفتوى الأكثر الّتي هي أوّل المرجّحات.

وعليه، فالأظهر اعتبار الأخذ.

نعم، لا يعتبر الأخذ من الماء، بل يكفي أخذه من الأرض أيضاً كما صرّح به في النصوص المتقدّمة.

الأمر الثاني: هل يحلّ أكل السَّمك حَيّاً كما في «الشرائع»(1)، و «المسالك»(2)وغيرهما(3)، بل نُسب ذلك في «المسالك»(4) وفي «الرياض»(5) إلى الأكثر؟0.

ص: 161


1- شرائع الإسلام: ج 4/742.
2- مسالك الأفهام: ج 11/505 و 506.
3- الجامع للشرائع: ص 386، جواهر الكلام: ج 36/170.
4- مسالك الأفهام: ج 11/505 و 506.
5- رياض المسائل: ج 13/350.

أم لا يحلّ ، كما عن الشيخ في «المبسوط»(1)؟ وجهان:

واستدلّ للثاني: بأنّ ذكاته إخراجه من الماء حَيّاً، وموته خارج الماء، فقبل موته لم تحصل الذَّكاة، ولهذا لو عاد إلى الماء ومات فيه حرم، ولو كان قد تمّت ذكاته لما حَرُم بعدها.

وفيه أوّلاً: إنّه لا دليل على حرمة أكل الحيوان الحَيّ ، وإنْ لم يُذكّ ، فإنّ الدليل هو المنع عن أكل الميّت إلّاما ذُكّي لا الحَيّ ، ففي الحَيّ غير المذكّى يشكّ في حرمة الأكل، ومقتضى أصالة الحِلّ جوازه.

وثانياً: إنّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة الحاصرة لذكاته بالأخذ، أنّه يصير مذكّى به، غاية الأمر بواسطة النصوص الآتية يقيّد ذلك بأن لا يعود إلى الماء فيموت فيه، ولم يدلّ دليلٌ على أنّ موته خارج الماء ذكاته أو جزءٌ من ذكاته.

أضف إلى ذلك: ما دلّ على أنّ الحيتان ذكيٌّ كصحيح سليمان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: الحيتان والجراد ذكي»(2).

وعليه، فلا ينبغي التوقّف في جواز أكله حَيّاً.

نعم، في خبر ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ اللّه تعالى أحلّه، وجعل ذكاته موته، كماأحلّ الحيتان وجَعل ذكاتهاموتها»(3).

وعليه، فالعمدة هو الوجه الأوّل.

الأمر الثالث: لو أخذ السَّمك واُعيد إلى الماء فمات فيه لم يحِلّ ، بلا خلافٍ أجده0.

ص: 162


1- المبسوط: ج 6/277.
2- الكافي: ج 6/217 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/76 ح 30039.
3- الكافي: ج 3/400 ح 11، وسائل الشيعة: ج 4/360 ح 5390.

إذا لم يكن موته في الحالة الاُولى ، ويشهد به:

1 - صحيح أبي أيّوب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ اصطاد سمكة فربطها بخيطٍ وأرسلها في الماء فماتت أتؤكل ؟ فقال عليه السلام: لا»(1).

2 - وخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن السَّمك يُصاد ولم يوثّق فيردُّ إلى الماء حتّى يجيء من يشتريه، فيموت بعضه أيحلّ أكله ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّه مات في الذى فيه حياته»(2).

ونحوهما غيرهما.

بحث: هل هناك فرقٌ بين أن يموت في الآلة المعمولة لصيده ليكون حلالاً، وبين أن يموت في غيرها فلا يحِلّ كما عن العُمّاني(3)، أم لا فرق بين الموردين كما عن أكثر متأخّري الأصحاب(4)، والشيخ(5)، وابن حمزة(6)، والحِلّي(7) من القدماء؟ وجهان:

استدلّ للأوّل:

1 - بصحيح الحلبي، قال: «سألته عن الحظيرة من القصب تُجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيها الحيتان، فيموت بعضها فيها؟

فقال عليه السلام: لا بأس به، إنّ تلك الحظيرة إنّما جُعلت ليُصاد بها»(8).1.

ص: 163


1- الكافي: ج 6/217 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/79 ح 30047.
2- البحار: ج 63/202 ح 26، وسائل الشيعة: ج 24/80 ح 30052.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/263.
4- شرح اللّمعة الدمشقية: ج 7/246، إيضاح الفوائد: ج 4/411، الكفاية: ص 248.
5- النهاية: ص 578.
6- الوسيلة: ص 355.
7- السرائر: ج 3/90.
8- الكافي: ج 6/217 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/84 ح 30061.

2 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الحظيرة من قصبٍ تُجعل للحيتان في الماء، فتدخلها الحيتان، فتموت بعضها فيها؟ قال عليه السلام:

لا بأس»(1).

3 - والخبر المنجبر بكون ابن أبي عمير في طريقه، عنه عليه السلام، قال:

«سمعتُ أبي عليه السلام يقول: إذا ضربَ صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حَيّ أو ميّت فهو حلالٌ ما خلا ما ليس له قشرٌ، ولا يؤكل الطافي من السَّمك»(2).

ومثله صحيح(3) محمّد بن مسلم.

أقول: وليس بإزاء هذه النصوص ما يشهد للمشهور:

1 - إلّانصوص مطلقة دالّة على أنّه لو مات في الماء قبل أن يصيد أو بعده لم يَحِلّ أكله، قد تقدّم بعضها.

2 - وصحيح عبد المؤمن الأنصاري: «أمرتُ رجلاً أن يسأل لى أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ صاد سمكاً وهنّ أحياء، ثمّ أخرجهنّ بعدما مات بعضهن ؟

فقال عليه السلام: ما مات فلا تأكله، فإنّه مات فيما كان فيه حياته»(4).

الظاهر في الموت في آلة الصيد، كما هو واضح.

وأجابوا عن النصوص الاُولى: بعدم دلالتها على الموت في الماء صريحاً، فلعلّه ماتَ خارج الماء، أو على الشكّ في الموت في الماء، فإنّ الأصل بقاء الحياة إلى أن فارقته، والأصل الإباحة.9.

ص: 164


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/324 ح 4159، وسائل الشيعة: ج 24/85 ح 30063.
2- الكافي: ج 6/218 ح 15، وسائل الشيعة: ج 24/85 ح 30062.
3- الكافي: ج 6/218 ح 15، وسائل الشيعة: ج 24/85 ح 30062.
4- التهذيب: ج 9/12 ح 44، وسائل الشيعة: ج 24/83 ح 30059.

وفيه: أمّا النصوص المطلقة، فالجمع بينها وبين هذه النصوص يقتضي تقييدها بها، وأمّا الخبر فهو ضعيفٌ من جهة جهالة الرّجل الذي كان واسطة بين عبد المؤمن والإمام عليه السلام.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الظاهر من الخبر سماع عبد المؤمن الأنصاري جواب الإمام عليه السلام أو لا أقلّ من حصول العلم له بقوله، فعلى التقديرين يكون حجّة، فيعارض مع تلك النصوص، وهو مقدّمٌ لموافقته لفتوى الأكثر التي هي أوّل المرجّحات.

فعلى هذا، لا بأس بجوابهم عن هذه النصوص، وإنْ كان الحمل المذكور بعيداً، إلّا أنّه أولى من الطرح.

أقول: ثمّ على المختار من الحرمة مطلقاً، لو ماتَ بعض ما في الشبكة، واشتبه الحَيّ بالميّت:

فهل يُحكم بحرمة الجميع، كما عن الأكثر، منهم الحِلّي(1) والمصنّف رحمه الله ؟

أم يبنى على حليّة الجميع، كما عن الشيخ في «النهاية»(2)، والقاضي(3)، واستحسنه المحقّق في «الشرائع»(4)؟ وجهان:

مدرك الأوّل: إنْ ما ماتَ فيها حرامٌ ، كما مرَّ، وقد اشتبه بغيره، فمقتضى العلم الإجمالي بحرمة بعضها، لزوم الاجتناب عن الجميع، بل أصالة عدم التذكية الجارية2.

ص: 165


1- السرائر: ج 3/90.
2- النهاية: ص 578.
3- المهذّب: ج 2/438.
4- شرائع الإسلام: ج 4/742.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيّاً، ولا يشترط فيهما الإسلام ولا التسمية.

في كلّ واحدٍ منها بالخصوص، غير المعارضة بالجارية في غيره، لعدم لزوم المخالفة العلميّة من الإجراء في الجميع، تقتضي حرمة أكل كلّ واحدٍ منها.

واستدلّ للثاني: بالنصوص المتقدّمة.

وأجاب الأولون عنها تارةً : بما تقدّم من عدم دلالتها عليموته في الماء صريحاً.

وأُخرى : بأنّها تدلّ على حليّة المتميّز، ولا يقول بها هؤلاء.

يرد على الوجه الأوّل: أنّها ظاهرة في ذلك، ولا يعتبر في الدليل كونه صريحاً.

وأمّا الثاني: فهو تامٌّ ولذلك بنيناعلي معارضتهامع صحيح عبدالمؤمن الأنصاري لورودها في مقام بيان حكم الميّت في الآلة نفسها، ولا نظر لها إلى صورة الاختلاط، والعلم الإجمالي بحرمة بعضٍ وحليّة آخر، وحملها على ذلك خلاف ظاهرها.

وعليه، فالأظهر البناء على حرمة الجميع.

هذا كلّه في السَّمك.

ذكاة الجراد أخذه حَيّاً

(وكذا الجراد ذكاته أخذه حَيّاً) والكلام فيه كالكلام في السَّمك في جميع الأحكام المتقدّمة، (ولا يشترط فيهما الإسلام ولا التسمية).

أقول: ها هنا فروع:

الفرع الأوّل: لا يشترط إسلام مُخرِج السَّمك، هذا هو المشهور بين الأصحاب، وظاهر المفيد(1) تحريم ما أخرجه الكافر مطلقاً.

ص: 166


1- المقنعة: ص 576.

وقال ابن زُهرة(1): الاحتياط تحريمُ ما أخرجه الكافر.

ويشهد للأوّل: - مضافاً إلى إطلاق الكتاب والسُّنة -:

1 - موثّق أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن صيد المجوس للسَّمك حين يضربون بالشّبك ولا يسمّون أو يهودي ؟

قال عليه السلام: لا بأس، إنّما صيد الحيتان أخذها»(2).

2 - وصحيح سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «عن الحيتان التي تصيدها المجوس ؟

فقال عليه السلام: إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: الحيتان والجراد ذكى»(3).

ومثله موثّق أبي مريم(4).

3 - وصحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «لا بأس بكواميخ المجوس، ولا بأس بصيدهم السَّمك»(5).

ونحوها غيرها.

واستدلّ للثاني:

1 - بخبر عيسى بن عبد اللّه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن صيد المجوس ؟

فقال عليه السلام: لا بأس إذا أعطوكه احياء والسَّمك أيضاً، وإلّا فلا تجوز شهادتهم إلّا أنْ تشهده»(6).

2 - وبالنصوص المتقدّمة في شرائط الصائد، من اعتبار كونه مسلماً.8.

ص: 167


1- غنية النزوع: ص 397.
2- الكافي: ج 6/217 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/76 ح 30040.
3- الكافي: ج 6/217 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/76 ح 30039.
4- التهذيب: ج 9/11 ح 38، وسائل الشيعة: ج 24/77 ح 30041.
5- التهذيب: ج 9/11 ح 39، وسائل الشيعة: ج 24/77 ح 30042.
6- التهذيب: ج 9/10 ح 33، وسائل الشيعة: ج 24/76 ح 30038.

3 - وبأصالة الحرمة.

4 - وبأنّ صيد السَّمك من التذكية المعتبر فيها الإسلام.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه قد صرّح بالمفهوم في الخبر، وهو عدم جواز شهادتهم بأخذه حَيّاً، بل قوله عليه السلام: «إلّا أنْ تشهده» يدلّ على عدم اعتبار الإسلام في الآخذ، فما يدلّ عليه الخبر هو اعتبار العلم بأخذ الكافر إيّاه حَيّاً، وأنّه لا يجري في حقّه أصالة الصحّة، نظير ما ورد في تسميته على الذبيحة.

أقول: ويدلّ على ذلك أيضاً:

1 - صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن صيد الحيتان وإنْ لم يُسمّ؟ فقال عليه السلام: لا بأس.

وعن صيد المجوس للسَّمك ؟ فقال عليه السلام: ما كنتُ لآكله حتّى أنظر إليه»(1).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «عن مجوسي يصيد السَّمك أيؤكل منه ؟

فقال عليه السلام: وما كنتُ لآكله حتّى أنظر إليه»(2).

فإنّهما يدلّان على اعتبار العلم بأخذه حَيّاً.

وأمّا الثاني فيرد عليه أوّلاً: أنّ تلكم النصوص مختصّة بغير الكتابي.

وثانياً: أنّها مطلقة يقيّد إطلاقها بما دلّ على أنّ تذكية السَّمك أخذه، وأنّه لا يعتبر الإسلام في آخذه.

وأمّا الثالث فيردّه: ما مرَّ من عدم الأصل لهذا الأصل، مع أنّه لا مورد للأصل مع الدليل.7.

ص: 168


1- الكافي: ج 6/216 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/75 ح 30036.
2- التهذيب: ج 9/9 ح 32، وسائل الشيعة: ج 24/75 ح 30037.

وأمّا الرابع فيردُ عليه: - مضافاً إلى ما مرّ من عدم اعتبار الإسلام في التذكية - أنّ ما استدلّ به لذلك يختصّ بالذبيحة غير الشاملة للمقام كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار الإسلام في الآخذ.

الفرع الثاني: لايشترط الإسلام في آخذ الجراد، كما هو المشهور شهرةً عظيمة، بل لم يُنقل الخلاف هنا عن أحدٍ حتّى من المفيد، نعم احتاط فيه ابن زُهرة(1) خاصّة.

ويشهد به: إطلاق ما دلّ على أنّ الجراد والحيتان ذكيٌّ كصحيح سليمان بن خالد، وموثّق أبي مريم المتقدّمين وغيرهما.

ومقتضى هذه النصوص وإنْ كان حليّته لو مات بنفسه بدون الأخذ، إلّاأنّه يقيّد إطلاقها بما دلّ على عدم الحليّة في هذه الصورة:

منها: صحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الجراد نصيبه ميّتاً في الماء أو في الصحراء أيؤكل ؟ قال عليه السلام: لا تأكله»(2).

ومنها: خبر الثقفي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الجراد ذكي فكُلْه، وأمّا ما مات في البحر فلا تأكله»(3).

ثمّ إنّه من هذه النصوص وممّا دلّ على حليّة ما يصيده المجوس، كصحيح عليّبن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عمّا أصاب المجوس من الجِراد والسَّمك أيحلّ أكله ؟

قال عليه السلام: صيده ذكاته لا بأس»(4).8.

ص: 169


1- غنية النزوع: ص 397.
2- الكافي: ج 6/222 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/87 ح 30067.
3- الكافي: ج 6/222 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/88 ح 30070.
4- وسائل الشيعة: ج 24/77 ح 30043، مسائل علي بن جعفر: 168.

والدَّبا حرامٌ

يظهر الكبرى الكليّة المتقدّمة، وهي اتّحاد حكمه مع السَّمك، فما في «الرياض»(1) من أنّ استفادة ذلك من الأخبار مشكلة، في غير محلّه.

الفرع الثالث: لا يعتبر التسمية في حليّة السَّمك بلا خلافٍ ، ويشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيحا الحلبي ومحمّد المتقدّمان آنفاً، وبها يقيّد إطلاق قوله تعالى :

(وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ ) (2) مضافاً إلى ما مرّ من عدم دلالتها على لزوم التسمية في الحليّة.

وأمّا ما في ذيل صحيح محمّد المتقدّم من تفسير حمّاد قول الإمام عليه السلام: «لا آكله حتّى أنظر إليه» بقوله: (يعني أسمعه يُسمّي).

فيردّه: أنّه تفسيرٌ غير حجّة علينا.

الفرع الرابع: لا تعتبر التسمية في حليّة الجراد إجماعاً، لإطلاق الأدلّة المتقدّمة.

الفرع الخامس: ولا يعتبر في حليّتهما الاستقبال بلا خلافٍ ، للأصل، وإطلاق الأدلّة.

الفرع السادس: (والدَّبا) - بفتح الدالّ المهملة - على وزن العَصا، وهو الجراد إذا تحرّك قبل أن تنبت أجنحته (حرامٌ ) إجماعاً، كما عن «كشف اللّثام»(3)، وفي3.

ص: 170


1- رياض المسائل: ج 13/355.
2- سورة الأنعام: الآية 121.
3- كشف اللّثام: ج 9/243.

«المستند»(1) و «الرياض»(2).

ويشهد به: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام في حديثٍ :

«عن الدَّبا من الجراد أيؤكل ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يستقلّ بالطيران»(3).

ومنه يظهر الحرمة حتّى بعدما نبتت أجنحته مادام لم يطر، ولا يهمّنا البحث حينئذٍ في أنّه بعد نبت الجناح هل يصدق عليه الدَّبا أم لا؟

الفرع السابع: لا يعتبر في حليّة السَّمك والجراد كون الآخذ بالغاً مكلّفاً، فلو كان صبيّاً أو مجنوناً حلّا، لإطلاق الأدلّة، إلّاأنّ الظاهر اعتبار إحراز كون الصيد على الوجه الشرعي، لعدم جريان أصالة الصحّة في فعليهما.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه يُستصحب الحياة إلى ما بعد الأخذ، وبضمّه إلى الوجدان وهو الأخذ يتمّ موضوع الحليّة.

وإيراد صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله عليه: بأنّ مثل ذلك لا يُثبت التذكية التي يقتضي الأصل عدمها.

مندفعٌ : بما مرّ من أنّ التذكية ليست أمراً بسيطاً مسبّباً عن الأسباب، بل هي عبارة عن نفس تلك الأسباب الخارجيّة على اختلافها.

ولكن يعارض هذا الأصل أصالة عدم الأخذ إلى ما بعد الموت.

وعليه، فالأظهر اعتبار الإحراز، ويعضده ما دلّ على عدم حليّة ما أخذه المجوسي حتّى يثبت كونه على الوجه الشرعي.4.

ص: 171


1- مستند الشيعة: ج 15/477.
2- رياض المسائل: ج 13/356.
3- الكافي: ج 6/222 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/87 ح 30067.
4- جواهر الكلام: ج 36/174.

ولو احترق في أجمةٍ قبل أخذه فحرامٌ .

الفرع الثامن: (ولو احترق في أجمةٍ قبل أخذه فحرامٌ ) لموثّق عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الجراد إذا كان في قراحٍ ، فيحرق ذلك القراح، فيحرق ذلك الجراد، وينضج بتلك النّار هل يؤكل ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

وأمّا موثّقه الآخر عنه عليه السلام: «عن الجراد يُشوى وهو حَيّ؟ قال عليه السلام: نعم لا بأس به»(2).

فلا ينافي ذلك، فإنّه في الشوي بعد الأخذ، والظاهر أنّ السؤال من جهة ما فيه من تعذيب الحَيّ ، وقد ورد نظيره في السَّمك، ففي الموثّق عنه عليه السلام: «عن السَّمك يُشوى وهو حَيّ؟ قال عليه السلام: نعم، لا بأس به»(3).

***1.

ص: 172


1- التهذيب: ج 9/62 ح 265، وسائل الشيعة: ج 24/88 ح 30071.
2- التهذيب: ج 9/80 ح 80، وسائل الشيعة: ج 24/89 ح 30072.
3- التهذيب: ج 9/62 ح 265، وسائل الشيعة: ج 24/88 ح 30071.

ذكاة الجنين ذكاة أُمّه

المسألة الخامسة: في التذكية التبعيّة، وهى في الجنين في بطن أُمّه، حيث تحصل له بتذكية اُمّه.

وتفصيل القول في المقام: إنّ الجنين الخارج من بطن الحيوان:

1 - إمّا يخرج من بطن الحَيّ .

2 - أو من بطن الميّت.

3 - أو من بطن المذكي.

وعلى الأخير:

1 - إمّا لم يتمّ خِلقته ولم يشعر.

2 - أو تمّ وأشعر وأوبر.

وعلى الثاني: إمّا لم يولج فيه الروح، أو ولج.

وعلى الثاني:

1 - إمّا ان يخرج روحه قبل الخروج من بطن أُمّه.

2 - أو يخرج الروح بعد ذلك.

فإنْ خرج من بطن الحَيّ أو الميّت:

فإنْ كان حَيّاً يحلّ بالتذكية.

وإنْ كان ميّتاً، لم يحلّ ، بلا خلافٍ فيه بينهم، سواءٌ لم يلج فيه الروح أو ولج.

أمّا في صورة الولوج: فيشهد له ما دلَّ على حرمة الميتة الصادقة عليه.

وأمّا في صورة عدم ولوج الروح، فقد استدلّ له:

ص: 173

تارةً : بالأصل.

وأُخرى : بأنّ حليّة أكل اللّحم عُلقت على التذكية، المفروض عدمها في مفروض المسألة.

وثالثةً : بالنصوص المتضمّنة أنّه لا ينتفع من الميتة بشيء، والحاصرة(1) لما يحلّ من الميتة بأشياء مخصوصة ليس ذلك منها.

ورابعة: بمفهوم العلّة في خبر الثمالي الطويل المُعلّل لحليّة أنفحة الميتة، بأنّها ليس فيها عظمٌ ولا دَمٌ ولا عِرق(2).

أقول: وفي كلٍّ نظرٌ:

أمّا الأصل: فإنْ اُريد به أصالة الحرمة الثابتة حال كونه نطفة أو علقة.

فيرد عليه: أنّه لتبدّل الموضوع لا يجري، مع أنّ المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة.

وإنْ أُريد به غيره، فلم يظهر لي بعد كون الأصل في الأشياء الحليّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ ما عُلّق حليّته على التذكية، إنّما هو الحيوان الذي وَلَج فيه الروح وزهق، لا ما لم يَلِج فيه الروح.

وأمّا الثالث: - فمضافا إلى اختصاصه بالخارج من بطن الميتة، ولا يتناول الخارج من بطن الحَيّ - أنّ الظاهر من تلك النصوص إرادة الانتفاع بما يعدّ من أجزاء الميتة، ولا يشمل مثل الجنين الذي هو ملحوظٌ مستقلّاً.6.

ص: 174


1- الكافي: ج 6/256 باب ما ينتفع به من الميتة، وسائل الشيعة: ج 24/179 باب 33 باب ما لا يحرم به الانتفاع من الميتة.
2- الكافي: ج 6/256 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/179 ح 30286.

وذكاة الجنين ذكاة أُمّه،

وبذلك يظهر ما في الرابع.

وعليه، فالأولى أنْ يقال: إنّ الجنين إنْ لم يتمّ خلقته، فما دلّ على حرمته إذا خرج من بطن المذكي، يدلّ على حرمته النصوص الآتية الدالّة على أنّ (ذكاة الجنين ذكاة اُمّه) فإنّها تدلّ على توقّف حليّته على الذَّكاة، فبدون الذَّكاة لا يحلّ وإنْ خرج من بطن المذكّى، وكان تامّ الخلقة وأشعر وأوبر، ولم يلجه الروح، فلا خلافَ بينهم (و) لا إشكال في أنّ ذكاته ذكاة أُمّه، وأنّه يحلّ ، لما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وعن عترته عليهم السلام مستفيضاً (ذكاة الجنين ذكاة اُمّه)، وسيمرّ عليك طُرفٌ من تلك الأخبار.

أقول: ولا يهمّنا البحث في أنّ كلمة (ذكاة) فيهما مرفوعٌ بجعل الأوّل مبتدأً والثاني خبراً ليكون التقدير: ذكاة الجنين منحصرة أو حاصلة في ذكاة أُمّه، ولا يفتقر إلى تذكيةٍ تخصّه.

أو تكون الثانية منصوبة بنزع الخافض، ليكون التقدير ذكاة الجنين داخلةٌ في ذكاة اُمّه ليدلّ على المطلوب أيضاً.

أو أنّ ذكاته كذكاة أُمّه ليجب تذكيته.

وإنْ كان الظاهر هو الأوّل، لأنّه قد وردت النصوص عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام بما يبيّن المراد من النبويّ ، فلا حاجة إلى تطويل الكلام، لاحظ:

1 - صحيح يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الحوار تذكّي اُمّه أيؤكل بذكاتها؟ فقال عليه السلام: إذا كان تماماً ونبت عليه الشعر فكُلْ »(1).

2 - وموثّق سماعة، قال: «سألته عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولدٌ وقد أشعر؟3.

ص: 175


1- الكافي: ج 6/234 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/33 ح 29913.

قال عليه السلام: ذكاته ذكاة اُمّه»(1).

3 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن قول اللّه عزّ وجلّ : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ اَلْأَنْعامِ ) (2)؟ قال عليه السلام: الجنين في بطن أُمّه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أُمّه، فذلك الذي عَنى اللّه عزّ وجلّ »(3).

4 - وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ذبحت الذبيحة فوجدتَ في بطنها ولداً تامّاً فكُلْ ، وإنْ لم يكن تامّاً فلا تأكل»(4).

5 - وموثّق مسعدة بن صدقة، عنه عليه السلام: «في الجنين إذا أشعر فكُلْ ، وإلّا فلا تأكل، يعني إذا لم يشعر»(5).

6 - وصحيح ابن مسكان، عن الإمام باقر عليه السلام أنّه قال: «في الذبيحة تُذبح وفي بطنها ولدٌ؟

قال: إنْ كان تامّاً فكُله، فإنّ ذكاته ذكاة أُمّه، وإنْ لم يكن تامّاً فلا تأكله»(6).

7 - وموثّق عمّار بن موسى ، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«عن الشاة تُذبح فيموت ولدها في بطنها؟

قال عليه السلام: كُلْه فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أُمّه، فإنْ هو خرج وهو حَيّ فاذبحه وكُلْ ، فإنْ ماتَ قبل أن تذبحه فلا تأكله، وكذلك البقر والإبل»(7). ونحوها غيرها.0.

ص: 176


1- الكافي: ج 6/235 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/33 ح 29914.
2- سورة المائدة: الآية 1.
3- الكافي: ج 6/234 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/33 ح 29915.
4- الكافي: ج 6/234 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/34 ح 29916.
5- الكافي: ج 6/235 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/34 ح 29917.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3/328 ح 4174، وسائل الشيعة: ج 24/34 ح 29918.
7- التهذيب: ج 9/80 ح 80، وسائل الشيعة: ج 24 ص 35 ح 29920.

مع تمام الخلقة،

وإنّما يجوز أكله بذكاتها (مع تمام الخلقة) خاصّة، كما في المتن، وعن صريح «الانتصار»(1)، و «الخلاف»(2)، والإسكافي(3)، وجماعة من المتأخّرين(4).

وظاهر «النهاية»(5)، وابن حمزة(6): اعتبار أن يُشعر ويُوبر.

وعن المفيد(7)، والديلمي(8): اعتبار الإشعار كموثّقي سماعة ومسعدة.

وفي بعضها: الإشعار والايبار كصحيح محمّد.

وفي بعضها: أنّ العبرة بتمام الخِلقة كصحيحي الحلبي وابن مسكان.

وفي بعضها: اعتبار الأمرين كونه تامّاً وأشعر.

والظاهر كما قيل تلازم ذلك كلّه.

وعليه، فلا خلاف في المسألة، وإنْ لم يكن التلازم ثابتاً.

أقول: فالأظهر اعتبار الأمرين معاً، لصحيح شعيب المتضمّن لاعتبارهما معاً.

والإيراد عليه: بأنّه يمكن أنْ يكون مفهومه نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ ، فلا يدلّ على اعتبار الأمرين كما في «المستند»(9).7.

ص: 177


1- الانتصار: ص 413.
2- الخلاف: ج 6/88.
3- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/308.
4- شرائع الإسلام: ج 4/742، الدروس: ج 2/404، شرح اللّمعة: ج 7/252.
5- النهاية: ص 584.
6- الوسيلة: ص 361.
7- المقنعة: ص 583.
8- المراسم العلويّة: ص 210.
9- مستند الشيعة: ج 15/457.

غريبٌ : فإنّ السؤال إنّما هو عن الحليّة بالمعنى الأعمّ ، وقوله عليه السلام: «فكُلْ » في المنطوق ظاهرٌ في ذلك، فكذلك المفهوم، وعليه فلا إشكال في الحكم.

وأمّا حكم ما لو فقد أحد القيدين، فحكم ما لو فقدا معاً، وسيجيء في الصورة الثانية. وإنْ خَرَج من المذكّي ولم يتمّ خلقته، ولا أشعر ولا أوبر، فلا خلاف بينهم في الحرمة، كما عن الأردبيلي(1).

وعن «الانتصار»(2)، وغيره(3): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: مفهوم النصوص المتقدّمة، المصرّح به في جملةٍ منها.

وأورد عليه في «المستند»(4): (بأنّ تلك النصوص غير صحيح يعقوب متضمّنٌ للجملة الخبريّة أو ما يحتملها، والصحيح لا يفيد مفهومه، لجواز أن يكون الحكم في المفهوم نفي الإباحة بالمعنى الخاص.

ثمّ قال: ولذا قال المحقّق الأردبيلي(5) مشيراً إلى هذا القسم:

(وأمّا الأوّل: فإنْ كان إجماعيّاً، وإلّا ففيه تأمّل للأصل والعمومات، مع عدم ما يدلّ على التحريم).

وهو جيّد والاجتناب أحوط)، انتهى .

أقول: وفي كلامه مواقع للنظر:

1 - إنّ الجملة الخبريّة وما بمعناها أصرح في إفادة اللّزوم من الأمر والنهي.1.

ص: 178


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/150 و 151.
2- الانتصار: ص 413.
3- غنية النزوع: ص 397. التنقيح الرائع: ج 4/27.
4- مستند الشيعة: ج 15/457-458.
5- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/150 و 151.

2 - إنّه لو سُلّم عدم ظهورها في اللّزوم، فإنّما هو فيما إذا تضمّنت لحكمٍ نفسي تكليفي، لا في مثل المقام ممّا يكون إرشاداً إلى الحليّة وعدمها.

3 - ما تقدّم في الصورة السابقة من أنّه لا وجه لإنكار كون مفهوم صحيح ابن شعيب عدم الحليّة.

4 - إنّه قدس سره صرّح في ما لو خَرَج الجنين من بطن الميّت، بأنّ جملةً من النصوص الواردة في عدم الانتفاع من الميتة بشيء، تدلّ على حرمته، وتلك النصوص إنْ تمّت دلالتها على حرمة الجنين فليستدلّ بها في المقام أيضاً، بعد فرض عدم شمول نصوص الباب له، فلِمَ لا يفتي بالحرمة ويحتاط؟

وعليه، فالأظهر تماميّة ما افادة الأصحاب من الحرمة في هذه الصورة.

وإنْ أُخرج وقد تمّت خلقته، ولكن كان ولج فيه الروح، ولم يخرج حياً بل مات في بطنه ؟

فالمحكيّ عن الصدوق(1)، والعُمّاني(2)، والسيّد(3)، وكافّة المتأخّرين(4): الحليّة.

وعن الشيخ(5) وأتباعه(6) والحِلّي(7): عدم الحليّة، وأنّه يُشترط مع تمام الخلقة أنْ لا تلجه الروح، وإلّا لم يحلّ بذكاة اُمّه.0.

ص: 179


1- المقنع: ص 416.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 8/308.
3- الانتصار: ص 413.
4- كالمحقّق في المختصر النافع: ص 243، كشف الرموز: ج 2/356، مختلف الشيعة: ج 8/310.
5- النهاية: ص 584.
6- القاضي في المهذّب: ج 2/440، الوسيلة: ص 361، المراسم العلويّة: ص 210.
7- السرائر: ج 3/110.

ولو أخرج حَيّاً لم يَحِلّ بدون التذكية.

ويشهد للأوّل:

1 - إطلاق النصوص المتقدّمة، الشامل لصورة ولوج الروح، بل عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله(1) والشهيد الثاني(2) أنّها الظاهرة منها خاصّة، لأنّ الروح لا ينفكّ عن تمام الخلقة عادةً .

2 - وخصوص موثّق عمّار المتقدّم.

واستدلّ للقول الثاني: بالنصوص الدالّة على اعتبار تذكية الحَيّ ، وأنّه لا يحلّ من دون ذكر اسم اللّه عليه.

بتقريب: أنّ النسبة بينها وبين نصوص الباب وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّا أنّهما إمّا أن تتساقطان فيرجع إلى أصالة الحرمة، أو يرجع إلى المرجّحات، وتقدّم هذه لأنّها أكثر، وموافقة للكتاب والسُّنة، حيث لم يذكر اسم اللّه عليه.

وفيه أوّلاً: إنّ موثّق عمّار أخصّ من جميع تلك النصوص، فيقدّم عليها.

وثانياً: أنّه في العامّين من وجه لا وجه للحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل، بل لابدَّ من الرجوع إلى المرجّحات، وحيث أنّ أوّل المرجّحات الشهرة وفتوى الأكثر وهي مع نصوص الباب، فلابدّ من تقديمها، وعليه فالأظهر هو الحليّة.

(ولو اُخرج حَيّاً):

فإنْ كان الزمان يتّسع للتذكية، (لم يَحِلّ بدون التذكية) إجماعاً.4.

ص: 180


1- مختلف الشيعة: ج 8/312.
2- شرح اللّمعة: ج 7/254.

ويشهد به: موثّق عمّار المتقدّم، مضافاً إلى نصوص اعتبار التذكية في الحيوان الذي منه مفروض المسألة.

ولو لم يتّسع الزمان للتذكية:

فهل يحِلّ كما ذهب إليه الشهيد الثاني رحمه الله(1)، قال: (عملاً بالعموم) والظاهر أنّ نظره إلى إطلاق نصوص الباب.

أم لا يحِلّ لإطلاق موثّق عمّار؟

وجهان، أظهرهما الثاني، لأنّ إطلاق المقيّد يقدّم على إطلاق المطلق.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه بقرينة الأمر بالذبح يختصّ بما يمكن فيه ذلك، فلايشمل الفرض.

ولكن يردّه: أنّ هذا الأمر حيث يكون إرشاديّاً إلى عدم الحليّة بدون التذكية، والحليّة معها، فلا يختصّ بصورة الإمكان.

وعليه، فالأظهر عدم الحِلّ .

***1.

ص: 181


1- مسالك الأفهام: ج 11/511.

بيان ما تقع عليه الذَّكاة من الحيوان

المسألة السادسة: فيما تقع عليه التذكية.

أقول: والكلام فيها في طيّ فروعٍ ، وقبل التعرّض لها لابدَّ من بيان أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ الحيوانات على قسمين:

1 - مأكول اللّحم.

2 - وغير مأكول اللّحم.

والثاني: على قسمين: نجسُ العين، وغير نجس العين.

والثاني: على قسمين: ما لا نفس له سائلة، وما له نفسٌ .

والأخير: على أربعة أقسام: السِّباع، والمسوخات، والحشرات، وغيرها.

وأمّا الإنسان: فهو خارجٌ عن موضوع البحث، ولا خلاف في أنّه لا تقع عليه التذكية.

الأمر الثاني: البحث عن أثر التذكية:

1 - فيما له نفسٌ سائلة، ومأكولُ اللّحم: حليّة أكل لحمه، وطهارته.

2 - وفي ما لا نفس له ومأكول اللّحم: حليّة الأكل خاصّة.

3 - وفي غير المأكول الذي له نفسٌ : الطهارة.

وأمّا ما ليس له نفس سائلة منه: فلا أثر لها، لأنّه طاهرٌ، ذُكيّ أم لم يُذكّ ، وحيثُ أنّ مأكول اللّحم مطلقاً ممّا تقع عليه التذكية إجماعاً، وغير ذي النفس من غير المأكول، لا أثر للنزاع في ورود التذكية عليه وعدمه، فمحلّ النزاع

ص: 182

هو غير المأكول الذي لا يكون نجس العين، وله نفسٌ ، وهو المَقسم للأقسام الأربعة الأخيرة.

الأمر الثالث: إنّ محلّ الكلام هو التذكية بالذَّبح أو الرَّمي، وأمّا التذكية بإرسال الكلب والأخذ، فالظاهر خروجها عن محلّ النزاع، فإنّ دليل الأوّل مختصٌّ بالمأكول، والثاني بمورده وهو الحيتان والجراد.

الأمر الرابع: في تأسيس الأصل، وأنّه هل يقتضي البناء على الطهارة بالتذكية إلّا ما خَرج بالدليل، أو البناء على عدمها إلّاما دلّ عليه الدليل ؟

فأقول: إنّه يمكن البناء على الأوّل لوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ النجاسة في الأدلّة إنّما رتّبت على الميتة، وهي ما زُهق روحه مستنداً إلى السبب غير الشرعي، في مقابل المذكّى وهو ما خَرَج روحه مستنداً إلى السبب الشرعي، لا ما زُهق روحه من دون أن يُستند إلى الوجه الشرعي.

وعلى ذلك، فحيثُ أنّ هذا العنوان مشكوكُ التحقّق لو ذبح فردٌ من الحيوان الذي هو محلّ النزاع، لاحتمال قبوله التذكية، فالزهوق مستندٌ إلى الوجه الشرعي وعدمه، فهو مستندٌ إلى السبب غير الشرعي، ومع الشكّ في الصدق، يشكّ في الطهارة والنجاسة، والأصل هو الطهارة.

الوجه الثاني: النصوص الدالّة على الانتفاع بجلود ما ذُكّي:

منها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال عليه السلام: إذا رميتَ وسمّيت فانتفع بها، وأمّا الميتة فلا»(1).2.

ص: 183


1- التهذيب: ج 9/79 ح 74، وسائل الشيعة: ج 24/185 ح 30302.

وهذا كالصريح في أنّها تُذكّى بالتذكية.

ومنها: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن لباس الفِراء والسَّمور والفَنَك والثعالب وجميع الجلود؟

قال عليه السلام: لا بأس بذلك»(1).

بناءً على عدم جواز لبس غير المذكّى.

ونحوهما غيرهما.

الوجه الثالث: موثّق ابن بكير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«وإنْ كان غير ذلك ممّا قد نُهيت عن أكله وحَرُم عليك أكله، فالصلاة في كلّ شيء منه فاسدٌ ذكّاه الذّابح أو لم يُذكّه»(2).

فإنّه ظاهرٌ في أنّ الذَّبح تذكيةٌ لكلّ حيوانٍ ، وإنْ غير المأكول اللّحم مطلقاً قابلٌ للتذكية، إذ لو لم يكن قابلاً لها لما كان وجهٌ لقوله عليه السلام: «فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد وإنْ ذكاه الذابح».

أقول: وقد استدلّ بأنّ الأصل هو البناء على النجاسة، وعدم قبول التذكية، بوجوه:

الوجه الأوّل: أصالة عدم التذكية، لأنّها أمرٌ حادثٌ مسبوقٌ بالعدم، فمع الشكّ في القابليّة يُستصحب عدمها، وهي حاكمة على أصالة الطهارة.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ النجاسة في الأدلّة رُتّبت على الميتة، فاستصحابُ عدم التذكية لا يصلحُ لإثبات النجاسة إلّاعلى القول بحجيّة المثبت.4.

ص: 184


1- التهذيب: ج 2/211 ح 34، وسائل الشيعة: ج 4/352 ح 5365.
2- الكافي: ج 3/397 ح 1، وسائل الشيعة: ج 4/345 ح 5344.

وثانياً: إنّه لا مجرى لها مع دلالة النصوص على قبول كلّ حيوان للتذكية.

وثالثاً: إنّ التذكية على ما تقدّم ليست عبارة عن الأمر البسيط الحاصل من الذَّبح على الوجه الشرعي، بل هي عبارة عن الذَّبح مع قابليّة المحلّ ، وحيث أنّ أصل الذَّبح محرزٌ، والقابليّة ليست لها حالة سابقة وجوداً أو عدماً، فلا يجري فيها الأصل.

فإنْ قيل: إنّه بناءً على جريان الأصل في العدم الأزلي، ما المانع من جريان استصحاب عدم القابليّة الثابت أزلاً قبل وجود الحيوان ؟

قلنا: المانع عنه أنّه لم يثبت لنا اعتبار خصوصيّة وجوديّة في الحيوان، دخيلة في التذكية، ونحتمل أن يكون فيما لايقبل التذكية خصوصيّة مانعة عن قبول التذكية.

وعليه، فلا مجال لجريان هذا الأصل.

الوجه الثاني: خبر علي بن أبي حمزة، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه وأبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفِراء والصّلاة فيها؟

فقال عليه السلام: لا تُصلِّ فيها إلّاما كان منه ذكيّاً.

قلت: أوليسَ الذكي ما ذُكّي بالحديد؟ قال عليه السلام: بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه.

قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم ؟

قال عليه السلام: لا بأس بالسَّنجاب، فإنّه دابّة لا تأكل اللَّحم، الحديث»(1).

وعن «كشف اللّثام»(2) الاستدلال به لذلك.

وفيه: الظاهر منه إرادة الذكّي بالنسبة إلى الصلاة فيه لا مطلقاً، مع أنّه لو سُلّم2.

ص: 185


1- الكافي: ج 3/397 ح 3، وسائل الشيعة: ج 4/348 ح 5354.
2- كشف اللّثام: ج 9/222.

كونه مطلقاً، الجمع بينه وبين ما تقدّم يقتضي البناء على ذلك.

الوجه الثالث: قيام الإجماع على أنّ التذكية الموجبة لبقاء الطهارة أو المانعة عن حصول النجاسة، موقوفة على اعتبار الشارع إيّاها آثاراً أو أجزاءً وشروطاً أو مورداً ومحلّاً، خصوصاً أو عموماً أو إطلاقاً، وما لم يتحقّق فيه اعتباره وملاحظة وجوده كعدمه، ومع عدمه يكون المورد ميتةً ، ومعها يكون نجساً، كما ذكره في «المستند»(1).

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من دلالة الدليل بالإطلاق على ذلك.

وثانياً: الكلام إنّما هو على فرض عدم القطع بعدم اعتبار الشارع التذكية في غير المأكول، وإلّا فمع القطع بذلك لا مجال لهذا النزاع.

فإذا كان الاعتبار محتملاً، فلابدّ لإثبات النجاسة من التمسّك بالأصل المتقدّم الذي قد عرفت ما فيه.

وبالجملة: الأظهر قبول كلّ حيوانٍ - غير مأكول اللّحم، وغير نجس العين - للتذكية، وأثرها طهارته.

أقول: إذا عرفت هذه الأُمور، يقع الكلام في الأقسام الأربعة التي يراد معرفة حكمها، وهي: السِّباع، والمسوخ، والحشرات، وغيرها.

وعليه، يقع الكلام في عدّة فروع:

الفرع الأوّل: في السِّباع من الوحوش والطيور، وهي:

ما يفترس الحيوان بأنيابه أو مخلبه للأكل.0.

ص: 186


1- مستند الشيعة: ج 15/440.

أو كلّ ما كان ذا مخلبٍ أو نابٍ يفترس من الحيوان.

أو ما يتغذّى باللّحم كالأسد والنمر والفهد والثعلب ونحوها.

فالمشهور بين الأصحاب وقوع التذكية عليها، كما في «المسالك»(1).

وعن الشهيد(2): إنّه لا يُعلم فيه مخالفٌ .

وعن «المفاتيح»(3): إنّه مذهب الكُلّ .

وعن المفيد(4) وسلّار(5) وابن حمزة(6): عدم الوقوع.

ذكروه في الجنايات، وظاهر الشهيد الثاني في «المسالك»(7) تقويته، لولا الإجماع على الوقوع.

أقول: والأوّل أظهر، لا لأنّ السبب في وقوعها على المأكول إنّما هو للانتفاع بلحمه وجلوده، وهو متحقّقٌ فيما نحن فيه بالنظر إلى جلده، فإنّ ذلك علّة مستنبطة لا تصلحُ مدركاً للحكم، بل:

1 - للأصل المتقدّم.

2 - ولقيام السيرة القطعيّة من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا على استعمال المسلمين جلودها من غير نكيرٍ، بحيث يمكن فهم انعقاد الإجماع عليه.9.

ص: 187


1- مسالك الأفهام: ج 11/518.
2- غاية المراد: ج 3/507.
3- مفاتيح الشرائع: ج 1/69.
4- المقنعة: ص 578.
5- المراسم: 243.
6- الوسيلة: ص 362.
7- مسالك الأفهام: ج 11/519.

3 - ولخبر أبي مخلد، قال: «كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه معتب فقال: بالباب رجلان، فقال عليه السلام: ادخلهما، فدخلا فقال أحدهما: إنّي رجلٌ سرّاج أبيع جلود النمر؟

فقال عليه السلام: مدبوغة هي ؟ قال: نعم.

قال عليه السلام: ليس به بأس»(1).

4 - ولما دلّ على الانتفاع بجلد السَّبع، كموثّق سماعة، قال:

«سألته عن لحوم السِّباع وجلودها؟

فقال: أمّا لحوم السِّباع، فمن الطير والدّواب فإنّا نكرهه، وأمّا الجلود فاركبوا عليها، ولا تلبسوا شيئاً تصلّون فيه»(2).

إذ لولا وقوع التذكية عليه، لم يجز الانتفاع بجلودها، ضرورة كونها ميتة.

وعليه، فتردّد الشهيد الثاني رحمه الله(3) في الحكم في غير محلّه.

الفرع الثاني: في المسوخ غير السباع.

أقول: وفي قبولها التذكية قولان:

1 - عن الشيخ(3)، والديلمي(4)، وابن حمزة(5)، والمحقّق(6)، والشهيدالثاني(8)،5.

ص: 188


1- الكافي: ج 5/227 ح 9، وسائل الشيعة: ج 17/172 ح 22278.
2- التهذيب: ج 2/205 ح 10، وسائل الشيعة: ج 4/353 ح 5367. (3و8) مسالك الأفهام: ج 11/519 و 517.
3- الخلاف: ج 6/74-75.
4- المراسم: ص 55.
5- الوسيلة: ص 362.
6- شرائع الإسلام: ج 3/165.

وغيرهم(1): عدم القبول، بل نُسب(2) ذلك إلى المشهور.

2 - وعن السيّد(3)، والشهيد(4)، وجماعة(5): وقوع التذكية عليها.

وعن «غاية المراد»(6): نسبته إلى ظاهر الأكثر.

وعن «كشف اللّثام»(7): نسبته إلى المشهور، وهذا هو الأقوى ، بناءً على ما تقدّم في كتاب الطهارة(8) من طهارة غير الأرنب والثعلب منها:

1 - للأصل المتقدّم، المؤيّد بما ورد(9) في حِلّ الأرنب وهي من المسوخ، إذ ليس ذلك في لحمها عندنا، فيكون في جلدها.

2 - وما دلّ على حِلّ بيع عظام الفيل وشرائها، واتّخاذ الأمشاط منها، بل اتّخاذ الإمام عنها المشط أو الأمشاط(10).

وأمّا عددها فسيأتي في الأطعمة والأشربة.

الفرع الثالث: في الحشرات - واحدها الحَشَرة بالتحريك -: وهي ما يَسكنُ باطن الأرض كاليربوع والفأرة والضُّب والحيّة وما شاكل...

ص: 189


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/87، مهذّب الأحكام: ج 23/99.
2- مهذّب الأحكام للسبزواري: ج 23/99 قوله: (والمشهور عدم قبولها للتذكية...).
3- حكاه المحقّق الحِلّي في شرائع الإسلام: ج 3/165.
4- الدروس: ج 2/410 قوله: (وأمّا المسوخ فالأقوى وقوع الذَّكاة عليها).
5- إيضاح الفوائد: ج 4/132، جامع المقاصد: ج 4/20.
6- غاية المراد: ج 3/507.
7- كشف اللّثام: ج 9/220.
8- فقه الصادق: ج 5/171.
9- التهذيب: ج 9/42 ح 177، وسائل الشيعة: ج 24/112 ح 30108.
10- الكافي: ج 5/226 باب جامع فيما يحلّ الشراء والبيع، وسائل الشيعة: ج 17/170 الباب 37 باب جواز بيع القرد وسباع الطير....

والأكثر هنا على عدم وقوع التذكية عليها، والمدرك للقولين هو الأصل.

وحيث عرفت أنّ الأصل وقوع التذكية، فالأظهر البناء عليه فيها.

الفرع الرابع: غير الثلاثة من الحيوانات، وهي على قسمين:

أحدهما: ما حَرُم أكل لحمه لعارضٍ كالموطوء والجلّال.

ثانيهما: ما يكون حرمته ذاتيّة، كبعض انواع الغراب على القول بحرمته.

أمّا القسم الثاني: فالكلام فيه ما في الفرع السابق.

وأمّا القسم الأوّل: فيشهد لوقوع التذكية عليه - مضافاً إلى ما مرّ - استصحاب بقاء القابليّة، فلا إشكال فيه.

***

ص: 190

بيان ما يتحقّق به الصّيد المملّك

خاتمة: قد مرَّ في أوّل هذا الكتاب أنّ للصيد والإصطياد معنيين:

أحدهما: إزهاق روح الحيوان بالآلة المعتبرة فيه.

والثاني: إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة.

أمّا الأوّل: فقد سبقت أحكامه.

وأمّا الثاني: فالكلام فيه:

تارةً : فيما يحلّ أكله ويحرم.

وأُخرى : فيما به يحِلّ أكله من أنواع التذكية.

وثالثةً : فيما يقبل التذكية وما لا يقبلها.

ورابعة: في حيثيّة التملّك.

أمّا الجهة الأُولى : فسيأتي البحث فيها في كتاب الأطعمة والأشربة(1).

وأمّا الجهة الثانية والثالثة: فقد مرَّ البحث فيهما في الصيد والذباحة(2).

أمّا الجهة الرابعة: والمقام معدّ للبحث عنها، والكلام فيها إنّما يكون في موارد:

1 - في ما يقبل منه التملّك، ويدخل في المِلك.

2 - في سبب تملّكه.

3 - في أنّ الإعراض مخرجٌ له عن ملكه أم لا؟

أمّا المورد الأوّل: فما كان منه له جهة انتفاعٍ مقصودة للعقلاء يُملك، وإلّا فلا،

ص: 191


1- فقه الصادق: ج 36/202.
2- فقه الصادق: ج 36/202.

وذلك لأنّ الملكيّة الاعتباريّة التي يعتبرها العقلاء أو الشارع لشخصٍ خاص، من جهة المصلحة الداعية إليه، قوامها بالاعتبار، وموجودة به، وهو من الأفعال، وكلّ فعلٍ ترتّب عليه أثرٌ يصدر من العاقل والحكيم، وإلّا فهو لغوٌ لا يصدر منه، فإذا فرضنا أنّ اعتبار ملكيّة حيوانٍ لشخصٍ خاص لا يترتّب عليه أثرٌ، لا يعتبر العقلاء ولا الشارع هذه الملكيّة، وهو واضحٌ جدّاً.

وأمّا المورد الثاني: فلا إشكال ولا خلاف في أنّه يتحقّق الصيد المُملّك بالأخذ باليد، كأن يأخذ رجله أو قَرنه أو جناحه أو الحَبل المشدود عليه بنفسه أو بوكيله، وبالاستيلاء عليه بكلّ آلةٍ معتادة لذلك، يتوصّل بها إليه كالكلب والبازي والشاهين وسائر الجوارح، والشبكة والحبالة ونحوها، مع قصد الأخذ بها عند استعمالها، بمعنى تسلّط الآلة عليه، أو وقوعه في الآلة.

وفي «الجواهر»: بل الإجماع بقسميه عليه.

والنصوص الدالّة على ذلك - مضافاً إلى صدق الحيازة المملّكة على ذلك - كثيرة:

منها: نصوص حليّة صيد الصقور والبزاة والفهد والحبالة بعد التذكية، وقد تقدّمت.

ومنها: قويّ السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في رجلٍ أبصر طيراً فتبعه حتّى وقع على شجرةٍ فجاء رجلٌ فأخذه ؟

فقال أمير المومنين عليه السلام: للعين ما رأت، ولليد ما أخذت»(1).4.

ص: 192


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/112 ح 3431، وسائل الشيعة: ج 23/391 ح 29824.

ومنها: قويّه الآخر، عنه عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيدٌ، وهو حلالٌ لمن أخذه»(1).

ومثله خبر زرارة(2)، وصحيحه(3)، وموثّق إسحاق(4).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام في حديثٍ :

«فإن صاد ما هو مالكٌ لجناحيه لا يعرف له طالباً؟ قال عليه السلام: هو له»(5).

ومثله خبر محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن صيد الحمامة - إلى أنْ قال: - قال: وإنْ لم تعرف صاحبه، وكان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك»(6).

ومنها: صحيحا الحظيرة ونصب الشَبَكة المتقدّمان في ذكاة السَّمك:

قال في الأوّل منهما: جواباً عن السؤال عن السَّمك الذي يدخل فيها: «لا بأس به إنّ تلك الحظيرة إنّما جُعلت ليصطاد بها».

وفي الثاني: «ما عملتْ يده فلا بأس بأكل ما وقع فيه».

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت وقامت وسيبها صاحبها ممّا لم يتبعه، فأخذها غيره، فأقام عليها، وأنفق نفقته حتّى أحياها من الكلال ومن الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنّما هي مثل الشيء المباح»(7).8.

ص: 193


1- الكافي: ج 6/223 ح 5 وسائل الشيعة: ج 23/390 ح 29820.
2- الكافي: ج 6/222 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/389 ح 29818.
3- وسائل الشيعة: ج 23/390 ح 29822، مستطرفات السرائر: ص 568.
4- التهذيب: ج 9/15 ح 56، وسائل الشيعة: ج 23/390 ح 29821.
5- التهذيب: ج 9/61 ح 258، وسائل الشيعة: ج 23/388 ح 29814.
6- التهذيب: ج 9/61 ح 260، وسائل الشيعة: ج 23/388 ح 29815.
7- الكافي: ج 5/140 ح 13، وسائل الشيعة: ج 25/458 ح 32348.

الدالّ على تملّك المباح بأخذه.

ومنها: غير تلكم من النصوص الكثيرة الدالّة على مملكيّة الأخذ والصيد، ومن الواضح صدق الصيد عرفاً بإثبات واحدٍ من الآلات المذكورة باستعماله بقصد الصيد، بل وكذا الأخذ، فإنّه كناية عن جعل الشيء تحت استيلائه، لا خصوص الأخذ بالجارحة المخصوصة.

أقول: وبذلك يظهر عدم اختصاص ذلك بالآلات المشار إليها، بل هو يتحقّق بكل آلةٍ استعملها لذلك، كما لو أجرى الماء في أرضٍ ليتوحّل فيها الصيد، أو بنى داراً للتعشش، أو حفر حفيرة ليقع فيها الصيد، وما شاكل، ولكن يشترط في ذلك أن يزول امتناع الصيد بذلك، وإلّا فلا يصدق الصيد، كما لا يخفى .

وهل يتحقّق السبب المملّك بما لو أتبع صيداً وزال امتناعه للخوف أو غيره، ولم يأخذه، فلو أخذه غيره لم يملّكه، أم لا يتحقّق به ؟

وجهان: نُسب إلى المشهور الأوّل، قال المحقّق الأردبيلي(1): (ولا دليل عليه إلّا رفع الامتناع، ولا نعلم كونه دليلاً).

ثمّ قال: (ولعلّ دليله الإجماع).

أقول: الظاهر أنّ قوي السكوني المتقدّم بإطلاقه يدلّ على عدم حصول الملكيّة به، مضافاً إلى عدم صدق الأخذ والصيد عليه، والأصل يقتضي عدم الملكيّة، فلو كان إجماعٌ وإلّا فالأظهر عدم حصول الملك بذلك.

ويشترط في حصول الملك بالأخذ أو الصيد عدم معرفة مالكه، وإلّا فيجب الرّد إليه بلا خلافٍ .6.

ص: 194


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/56.

ويشهد به: صدر صحيح البزنطي المتقدّم: «عن رجلٍ يصيدُ الطير يساوي دراهم كثيرة، وهو مستوي الجناحين، ويعرف صاحبه ويجيئه فيطلبه من لا يتّهمه ؟

قال عليه السلام: لا يحلّ له إمساكه، ويردّه عليه».

ونحوه خبر الفضيل وغيره.

الإعراض لا يوجبُ الخروج عن الملكيّة

وأمّا المورد الثالث: فلا إشكال في أنّه إذا تحقّق السبب المملّك، ثمّ اُطلق الصيد من يده، لم يخرج عن ملكه للاستصحاب، وللنصوص المتقدّمة، إنّما الكلام في أنّه لو أطلقه ونوى خروجه من ملكه والإعراض عنه، فهل يخرج عن ملكه، كما عن الشيخ في «المبسوط»(1)؟

أم لا يخرج بذلك عن ملكه، كما عن الأكثر على ما في «المسالك»(2)؟ وجهان:

يشهد للثاني: أنّ زوال الملكيّة يحتاجُ إلى دليلٍ ، والأصل يقتضي عدمه.

بل قد يقال: إنّ النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّه إنْ كان الصيد مِلْكاً للغير وجب ردّه إليه، بمقتضى ترك الاستفصال تدلّ على عدم زوال الملكيّة، وهو وإنْ كان منظوراً فيه من جهة أنّها تدلّ على وجوب رَدّ ما يكون ملكاً للغير، والكلام الآن في أنّه هل خرج بالإعراض عن ملكه أم لا؟ وعلى فرض الخروج ليس مشمولاً لتلك النصوص.

ص: 195


1- المبسوط: ج 6/274.
2- مسالك الأفهام: ج 11/524.

أقول: قد استدلّ لكون الإعراض مخرجاً(1):

1 - بأنّ سبب المِلك فيه اليد، فإذا زالت زال.

2 - وبأنّ الصيد يصدق على الصيد الممتنع، وإنْ سبقت يدٌ عليه.

3 - وبما دلّ في خصوص الطير على أنّه إنْ ملك جناحه فهو صيدٌ.

وهذه الوجوه مختصّة بالمقام.

4 - وبعموم النبويّ المعروف: «النّاس مسلّطون على أموالهم»(1) بدعوى أنّه يدلّ على سلطنة الناس على التصرّف في أموالهم بأنحاء التصرّفات، حتّى المُخرجة كالبيع ومنها الإعراض.

5 - وبصحيح عبد اللّه بن سنان المتقدّم الذي استدلّ به صاحب «الجواهر»(3)بقوله: (نعم، قد يقال إنّ صحيح ابن سنان دالٌّ على كون الشيء بعد الإعراض عنه كالمباح الأصلي، وأظهر وجه المشبه فيه خروجه عن ملكه، وتملّكه لمن يأخذه على وجهٍ لا سبيل له عليه، بناءً على أنّ المراد منه صيرورة البعير كالمباح، باعتبار إعراض صاحبها منها، فيكون حينئذٍ مثالاً لكلّ ما كان كذلك، بل لعلّ قوله: «إنْ أصاب مالاً» منزّلٌ على ذلك على معنى إنْ أصاب مالاً غير البعير، ولكن هو كالبعير في الإعراض) انتهى .

6 - وبالخبر الدالّ على أنّه لو انكسرت سفينة في البحر، فما أخرجه البحر فهو لأهله، وما أُخرج بالغوص فهو لمُخرجه، وهو الخبر الذي رواه الشعيري عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن سفينةٍ انكسرت في البحر فاُخرج بعضها بالغوص،ة.

ص: 196


1- البحار: ج 1/154 الطبعة القديمة: ج 2/272 الطبعة الحديثة.

وأخرج البحر بعض ما غرق فيها؟

فقال عليه السلام: أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، اللّه تعالى أخرجه، وأمّا ما اُخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به»(1).

تقريب الاستدلال به: إنّه يدلّ على أنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه، وما تركه أصحابه آيسين منه، مُعْرِضين عنه فهو لمن وجده وغاص عليه، لأنّه صار بمنزلة المباح، ذكره في محكيّ «السرائر»(2).

أمّا المحقّق(3) رحمه الله فقد ضعّف الخبر في كتاب القضاء، والظاهر أنّ نظره إلى أنّ المراد بالشعيري هو السكوني، وهو عامّيٌ ، وإنْ في طريقه اُميّة وهو واقفي.

ولا يتمّ شيء منهما، لأنّ السكوني قد عرفت غير مرّة أنّه يُعمل برواياته، وادّعى الشيخ رحمه الله(4) الإجماع عليه، وكون اُميّة واقفيّاً لا يمنعُ عن العمل بخبره.

مع أنّ الخبر مرويٌ عن السكوني بطريقٍ آخر، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث، قال:

«وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم أحقّ به، وما غاص عليه الناس، وتركه صاحبه، فهو لهم»(5).

7 - وبأنّه قد زال ملكه باختياره عمّا مَلكه فيزول، لأنّ القدرة على الشيء قدرةٌ على ضدّه.2.

ص: 197


1- التهذيب: ج 6/295 ح 29، وسائل الشيعة: ج 25/455 ح 32343.
2- السرائر: ج 2/195.
3- شرائع الإسلام: ج 4/100.
4- النهاية: ص 351.
5- الكافي: ج 5/242 ح 5، وسائل الشيعة: ج 25/455 ح 32342.

8 - وبالسيرة في حَطَب المسافر ونحوه.

أقول: وفي كلٍّ نظرٌ:

أمّا الأوّل: فلأنّ اليد سببٌ لحدوث الملكيّة لا لبقائها، وسبب الملك متى تحقّق تحقّق مسبّبه، وإن زال هو بعد ذلك كغيره من أسباب الملك.

وأمّا الثاني: فلما عرفت من دلالة النصوص على عدم تملّك الصيد إذا كان مِلْكاً للغير.

وبه يظهر ما في الثالث.

وأمّا الرابع: فلأنّ النبويّ يدلّ على أنّ كلّ أحدٍ مسلّط على التصرّف في أمواله، فمدلوله ثبوت السلطنة في موضوع المال، ولو كان ذلك التصرّف موجباً لخروج المال عن ملكه كالبيع، فإنّ البائع يتصرّف في ماله بإعطائه لغيره، ولازمه رفع السلطنة عن نفسه، ولا يدلّ على السلطنة على إذهاب الموضوع وإزالة السلطان.

وبعبارة أوضح: إنّه يدلّ على ثبوت السلطنة في ظرف ثبوت الموضوع، ولا يكون متعرّضاً لحكم السلطنة على اعدام الموضوع، فلا يدلّ على أنّ الإعراض موجبٌ لا نسلاخ الملكيّة، حتّى لو صرّح بذلك، فضلاً عمّا لو لم يصرّح به.

وأمّا الخامس فيرد عليه أوّلاً: إنّه لم يُفرض في الخبر إعراض صاحب البعير عن ملكه، بل من الممكن أنّه تركها فراراً عن الإنفاق عليها، فالخبر نظير النصوص الدالّة على أنّ من ترك أرضه ثلاث سنين فأحياها غيره، فهو للمُحيي، ولا ربط لذلك بالإعراض.

والحاصل: أنّه يدلّ على أنّ الإحياء من الكلال ومن الموت مملّك له، والتشبيه

ص: 198

بالمباح إنّما هو في صيرورتها مثله في الملكيّة، وأنّه لا سبيل للغير عليها، بل في قوله عليه السلام: «إنّما هي مثل المباح» دلالة على عدم كون الإعراض مخرجاً لها عن ملكه، وإلّا كانت هي مباحة.

وثانياً: إنّ تعليق الملكيّة على الأخذ، والإقامة عليها، وإنفاق نفقتها، وإحيائها من الكلال ومن الموت، لأقوى شاهدٍ على عدم كون الإعراض مُخرِجاً لها عن ملكه، وإلّا كانت البعير من المباحات ويملكها الآخذ.

وعليه، فالصحيح على خلاف المطلوب أدلّ .

وأمّا السادس: فلأنّه لا ربط له بالإعراض، بل مورده من قبيل المال الذي امتنع على صاحبه تحصيله، ولعلّ الخروج عن الملكيّة يكون على وفق القاعدة، من جهة أنّ الملكيّة من الأُمور الاعتباريّة، والاعتبار بدون الأثر لغو لا يصدر من الحكيم، والشاهد على عدم كون مورده من قبيل الإعراض، تفصيله عليه السلام بين ما أخرجه البحر وما اُخرج بالغوص، ولو كان إعراضٌ ، وكان الإعراض مخرجاً له عن مِلْكه، لما كان بين الموردين فرقٌ ، ومن الممكن أنّ المال الممتنع على صاحبه وإنْ لم يخرج عن ملكه، يملكه من أجهد في تحصيله بالغوص ونحوه.

وعلى كلّ حال، لا ربط للخبرين بالإعراض.

مع أنّه قال في «الجواهر»(1) في كتاب القضاء: (إنّه محتملٌ لإرادة كون الجميع لأهله، والتفصيل إنّما هو بإخراج اللّه وإخراج الغير كما عن بعضهم الجزم به).

وأمّا السابع: فلأنّ القدرة على التملّك، وإنْ كانت قدرةٌ على ضدّه، ولكن ضدّه0.

ص: 199


1- جواهر الكلام: ج 4/400.

عدم التملّك لا الإخراج عن الملك، ولعلّ ضدّ الإخراج عن الملك هو الإدخال فيه، فكما أنّه لا يدخل الشيء في مِلْك الإنسان بمجرّد القصد والعزم، بل يتوقّف على سبب مملّكٍ ، كذلك لايخرجُ عن ملكه بمجرّد الإعراض، بل يكون ذلك متوقّفاً على سببٍ مزيل للملكيّة.

وأمّا الثامن: فلما سيأتي من أنّ التصرّف في أمثال ذلك من باب الإباحة لا الإعراض.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الأظهر أنّ الإعراض لا يوجبُ خروج المال عن مِلْك مالكه.

نعم يجوز التصرّف في الأموال التي أعرض أصحابها عنها، من جهة الإباحة الضمنيّة للتصرّفات، أو الإباحة التقديريّة المستكشفة بشاهد الحال، فإنّ من رَفَع اليد عن مِلْكه، يرضى لا محالة بتصرّف الغير فيه، وهذه الإباحة التقديريّة والرّضا المستكشف بشاهد الحال، تكفي في جواز التصرّف في مال الغير، ولا يلزم في جواز التصرّف إنشاء الإباحة من المالك كما في «الجواهر»(1).

بل بناءً على ما حقّقناه في كتاب البيع في باب الفضولي(2) من صحّة المعاملة على مال الغير مع رضاه بذلك، وأنّه يخرجُ بذلك عن الفضوليّة، وللملتقط أن يملكه من طرف صاحبه بنفسه، ويكون ذلك هبة من المالك، وتصحّ ، وله أن يشتري به شيئاً لنفسه، من دون أن يهبه من قِبل مالكه، بناءً على ما هو الحقّ من عدم لزوم خروج الثمن عن ملك من خرج المثمن عن ملكه، وأنّه يصحّ كون الثمن من شخصٍ ).

ص: 200


1- جواهر الكلام: ج 36/206.
2- فقه الصادق: ج 23/131، مبحث: (بيع الفضولي).

والمبيع يدخلُ في ملك غيره، كما حقّقناه في كتاب البيع(1)، ورضا المالك التقديري يكفي في هذا المقام.

فالمتحصّل: أنّه يجوز في موارد الإعراض جميع التصرّفات، حتّى الناقلة، والفرق بين هذا المبنى والقول بكون الإعراض مزيلاً للملك، أنّه على هذا يجوز للمالك الرجوع فيه مادامت عينه موجودة، كما صرّح الشهيد رحمه الله بذلك في «المسالك»(2).

***5.

ص: 201


1- راجع: فقه الصادق: ج 23/131 وما بعدها من بحث الفضولي.
2- مسالك الأفهام: ج 11/525.

الفصل الثالث: في الأطعمة والأشربة.

وفيه مباحث:

الفصل الثالث في الأطعمة والأشربة

اشارة

(الفصل الثالث): والبحث فيه يدور (في الأطعمة والأشربة).

أقول: لا يخفى أنّ معرفة أحكام الأطعمة والأشربة من المهمّات، باعتبار أنّ الإنسان جسدٌ لا يمكن استغناؤه عنهما، قال اللّه تعالى: (وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ ) (1)، وأوعد اللّه تعالى بالوعيد الشديد كتاباً وسُنّة على تناول المحرّم منهما، فلابدّ من تنقيح القول في المقام.

فأقول: (وفيه مباحث) ومقدّمة:

أمّا المقدّمة: ففي بيان أُصولٍ كليّة لم يتعرّض لها المصنّف رحمه الله في ضمن المباحث، ونذكر تلك الأُصول في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: إنّ مقتضى الأصل الأوّلي حليّة أكل كلّ شيء أو شربه، ما لم يصل نهيٌ من الشارع الأقدس عنه، أمّا إذا علم عدم النهي عنه، فلاستقلال العقل بذلك سيّما وأنّ بناء الشارع على بيان المحرّمات.

أضف إليه: أنّ اللّه تعالى لقَّن نبيَّه طريق الرَّد على الكفّار، حيث حرّموا على

ص: 202


1- سورة الأنبياء: الآية 8.

أنفسهم أشياء: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (1).

وقد أبطل تشريعهم بعدم وجدانه ما حرّموه فيما أوحى اللّه تعالى ، فلو لم يكن كافياً لما صَحّ الاستدلال.

وأمّا الاستدلال له بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا اَلنّاسُ كُلُوا مِمّا فِي اَلْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (2)، وقوله عزّ وجلّ : (هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً) (3)، فغير تامّ :

أمّا الأوّل: فلأنّ ظاهر الآية الكريمة أنّ الأرض وما فيها نِعمٌ مِن اللّه تعالى مخلوقة للبشر:

إمّا دينيّةً ، فيستدلّون بها على معرفته، ففي الخبر عن عليٍّ عليه السلام في تفسير الآية:

«خَلَق لكم ما في الأرض فتعتبروا به».

أو دنيويّة: فينتفعون بها بضروب النفع.

وذلك لا يلازمُ إباحة أكل كلّ شيء، إذ لا شيء من الأشياء إلّاوفيه منافع.

وأمّا الثاني: فلأنّ ظاهر تلك الآية الأمر بأكل ما في الأرض حلالاً طيّباً، لا حراماً خبيثاً، وليست في مقام بيان أنّ أي شيء حلالٌ .

ويؤيّد ذلك: ورود الآية في طائفةٍ من الأصحاب الّذين حرّموا على أنفسهم الطيّبات من الحرث والأنعام وما شاكل.

وأمّا إذا شكّ في كون شيء حلالاً أو حراماً لفقد الدليل، كشُرب التتن، أو9.

ص: 203


1- سورة الأنعام: الآية 145.
2- سورة البقرة: الآية 168.
3- سورة البقرة: الآية 29.

لإجمال النصّ ، أو لغير ذلك، فللآيات والروايات الدالّة على إباحة ما شُكّ في حرمته، وقد استوفينا الكلام في ذلك في الأُصول في مبحث البراءة(1).

وعليه، فالأصل الأوّلي هو الحليّة، فكلّ ما لم يثبت حرمته يُبنى على أنّه حلال.

الأصل الثانوي في المطاعم والمشارب

المسألة الثانية: ربما يقال إنّ الأصل الثانوي في هذا الباب هو حرمة كلّ ما يتنفّر منه الطبع، واستدلّ له:

1 - بمفهوم آية حِلّ الطيّبات(2).

2 - وبقوله تعالى: (وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبائِثَ ) (3).

وتقريب الاستدلال بهما: أنّ الطيب هو ما يستطيبه النّاس ولا يستخبثونه، وبقرينة المقابلة تُحمل الخبائث على إرادة ما يستخبثه الناس على حسب عاداتهم، وما هو مقرّر في طباعهم، فالآية الأُولى بالمفهوم، والثانية بالمنطوق تدلّان على ما ذكر.

أقول: - مضافاً إلى أنّ دلالة الأُولى إنّما هي بمفهوم الوصف الذي ليس بحجّة - أنّ الطيب يُطلق على معان:

منها: الحلال، قال اللّه تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) (2)، أي من الحلال، وقد فسَّرها الإمام الصادق عليه السلام في خبر الهاشمي:

ص: 204


1- زبدة الأُصول: ج 4/225، (المقصد الثامن: الأُصول العمليّة). (2و3) سورة الأعراف: الآية 157.
2- سورة الأعراف: الآية 160.

«ما طاب بكسب الحلال وما خَبُث بكسب الرِّبا»(1).

ومنها: الجيّد، قال اللّه تعالى: (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) (2).

ومنها: الطاهر، قال اللّه تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (3).

ومنها: ما لا أذى فيه، قال عزّ مِنْ قائل: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ) (4)، وقال: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) (5).

ومنها: ما فيه الخير والبركة، قال سبحانه: (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ - إلى أنْ قال -: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) (6).

ومنها: ماتستطيبه النفس ولاتتنفّرمنه، قال عزّوجلّ : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّباتُ ) (7).

وقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا) (8).

ومنها: غير ذلك.

والاستدلال بآية تحريم الخبائث(9) في المقام، يتوقّف على إرادة المعنى الأخير7.

ص: 205


1- وسائل الشيعة: ج 6/395 ح 8270، معاني الأخبار: ص 175، قال: (ما طاب وطهر كسب الحلال من الرزق وما خبث فالرّبا).
2- سورة البقرة: الآية 267.
3- سورة النساء: الآية 43.
4- سورة سبأ: الآية 15.
5- سورة النحل: الآية 97.
6- سورة إبراهيم: الآية 24-26.
7- سورة المائدة: الآية 5.
8- سورة الأحقاف: الآية 20.
9- سورة الأعراف: الآية 157.

من الطيّب في الآية، كي يراد من الخبيث ماذُكر، وهو غير ظاهر.

أضف إلى ذلك: أنّه لو سُلّم كون المراد من الخبيث ما ذُكر، فلا يُعلم أنّ المراد منه ما يستخبثه عامّة الناس أو المكلّف نفسه أو أهل منطقة معيّنة.

قال المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1): (معنى الخبيث غير ظاهر، إذ الشرع ما بيّنه، واللّغة غير مرادٍ، والعرف غير منضبط.

فيمكن أنْ يقال: إنّ المراد عرف أوساط الناس، وأكثرهم حال الاختيار من أهل المدن والدور، لا أهل البادية لأنّه لا خبيث عندهم، بل يطيّبون جميع ما يمكن أكله فلا اعتداد بهم) انتهى .

وفيه أوّلاً: إنّ طباع أكثر أهل المدن مختلفة جدّاً في التنفّر وعدمه، مثلاً الجراد تنفر منه طباع العجم دون العرب، وجملة من ما كان يأكله العرب قبل الإسلام تتنفّر عنه الطباع الآن.

وبالجملة: من اطّلع على أحوال سكّان بلاد الهند والإفرنج والعَجَم والعرب والترك في مطاعمهم ومشاربهم يراهم مختلفين كثيراً.

وثانياً: إنّ التخصيص بأهل المدن بلا وجه، كتخصيص بعضهم بعُرف بلادالعرب.

وثالثاً: إنّ كثيراً من العقاقير والأدوية كالإهليلجات يتنفّر عن أكلها أغلب الطباع، بل عامّتها، ومع ذلك ليست خبيثة.

وقد يقال: إنّ المتيقّن من ذلك كون الشيء ممّا يتنفّر الطباع عنه مطلقاً أكلاً ولمساً ورؤيةً كرجيع الإنسان، والكلب، وغيره ممّا يؤكل لحمه، والقيء من الغير6.

ص: 206


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/156.

وقملته وبلغمه، والقيح، والصديد، والضفادع ونحوها.

ولكنّه أيضاً لا يخلو عن مناقشة، فإنّ الطباع تنفر عن ممضوغ الغير وما خرج من بين أسنانه مع أنّ حرمتها غير معلومة.

وبالجملة: كون المراد من الخبيث ما يتنفّر منه الطباع، وبيان ضابط ذلك محلّ نظرٍ وإشكال، فلا يستفاد من هذا الوجه أصلٌ ثانوي يُعتمد عليه في الموارد المشكوك فيها.

الأصل في الأشياء المضرّة بالبدن

المسألة الثالثة: المشهور بين الأصحاب أنّ الأشياء الضارّة بالبدن محرّمة كلّها، بجميع أصنافها، جامدها ومايعها، قليلها وكثيرها، فيما إذا كان القليل ضارّاً.

وفي «المستند»(1): دعوى الإجماع بكلا قسميه عليه.

وفي «رسالة الشيخ الأعظم(2) رحمه الله»: قد استفيد من الأدلّة العقليّة تحريم الإضرار بالنفس.

أقول: لا كلام عندنا في حرمته إذا كان ذلك مؤدّياً إلى الوقوع في التهلكة، أو تحقّق ما عُلم مبغوضيّته في الشرع، كقطع الأعضاء ونحوه، أو كان يصدق عليه التبذير والإسراف إذا كان الضرر ماليّاً.

إنّما الكلام في الإضرار بالنفس في غير هذه الموارد، وقد استدلّ لحرمته بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ العقل مستقلٌّ بذلك.

ص: 207


1- مستند الشيعة: ج 15/15.
2- رسالة فقهيّة: ص 116.

وفيه: إنّ العقل لا يأبى من تحمّل الضرر إذا ترتّب عليه غرضٌ عقلائي، كما في سفر التجارة أو الزيارة وما شاكل.

الوجه الثاني: أدلّة نفي الضرر(1)؛ إمّا بدعوى إرادة النهي من النفي، أو بدعوى أنّ جوازه ضرريٌ منفيّ في الشريعة.

وفيه: إنّ تلك الأدلّة إنّما تنفي الأحكام الضرريّة، ولا يكون المراد من النفي النهي كما حُقّق ذلك في محلّه.

وجواز الإضرار بالنفس غير مشمولٍ لها، لما حُقّق في محلّه من أنّه لا يشمل حديث لا ضرر الأحكام غير اللّزوميّة المتعلّقة بالشخص نفسه، مع أنّ منع جواز الإضرار بالنفس إذا ترتّب عليه غرضٌ عقلائي مخالفٌ للامتنان، فلايشمله الحديث.

أضف إلى ذلك: أنّ الضرر الذي يترتّب عليه غرض عقلائي لا يعدّ ضرراً عرفاً.

الوجه الثالث: خبر مفضّل بن عمر، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخبرنى جُعْلتُ فِداكَ لِمَ حرّم اللّه الخمر والميتة والدّم ولحم الخنزير؟

قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يُحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبةٍ منه فيما حرم عليهم، ولا زهد فيما أحلّ لهم، ولكنّه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه لهم وأباحه، تفضّلاً عليهم لمصلحتهم، وعلم مايضرّهم فنهاهم عنه، وحرّمه عليهم.

إلى أنْ قال: أمّا الميتة فلأنّه لا يُدمنها أحدٌ إلّاضَعُف بدنه، ونَحل جسمه،3.

ص: 208


1- الكافي: ج 5/280 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073.

وذهبت قوّته وانقطع نسله.. الخ»(1).

فهذا الخبر يدلّ بعموم العلّة على حرمة الإضرار بالنفس.

وفيه: المستفاد منه أنّ الحِكمة في حرمة عِدّة من الأطعمة المحرّمة هي الضرر، ولا يتعدّى عن حِكمة التشريع، والوجه في ذلك أنّ السوال إنّما يكون عن وجه تحريم اللّه تعالى تلك الأُمور، فالسؤال إنّما يكون عن حكمة التشريع ولا يكون سؤالاً عن انطباق عنوانٍ عامٍ محرّم عليها وعدمه، كما هو واضح، فالجواب أيضاً يكون ناظراً إلى ذلك، ولعلّ ما ذكرناه لا سترة عليه.

أضف إلى ذلك: أنّه لو كان ذلك علّة يدور الحكم مدارها، لزم منه عدم حرمة المذكورات، إذا لم يترتّب على استعمالها الضرر، كما في الاستعمال القليل منها، أو جواز استعمال ما يقطع من الميتة بعدم الضّرر فيها، كما لو ذبح إلى غير القبلة، ولا يلتزم بذلك فقيهٌ .

مع أنّ ما ذُكر في وجه حرمة الميتة، رُتّب على إدمانها، فلو كان ذلك علّة لزم منه عدم حرمة أكل الميتة مع عدم الإدمان.

الوجه الرابع: حديث الأربعمائة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«ولا تأكلوا الطَّحال فإنّه يُنبت الدّم الفاسد»(2).

وقد ظهر ما فيه ممّا قدّمناه في سابقه.

الوجه الخامس: خبر محمّد بن سنان، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«وحرّم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة - إلى أنْ قال: - وحرّم اللّه الدّم4.

ص: 209


1- الكافي: ج 6/242 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/99 ح 30083.
2- وسائل الشيعة: ج 24/116 ح 30119، الخصال: ج 2/614.

كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان»(1).

والجواب عنه ما في سابقيه.

الوجه السادس: خبر الحسن بن علي بن شُعبة، في كتاب «تحف العقول» عن الإمام الصادق عليه السلام: «وأمّا ما يحلّ للإنسان أكله - إلى أنْ قال: - وكلّ شيء يكون فيه المضرّة على الإنسان في بدنه وقوته، محرّمٌ أكله، الحديث»(2).

ونحوه خبر «دعائم الإسلام» عنه عليه السلام(3).

أقول: ويرد على الاستدلال بهما:

أوّلاً: إنّهما ضعيفان سنداً.

أمّا الأوّل: فللإرسال.

وأمّا الثاني: فله، ولعدم ثبوت وثاقة مؤلّفه.

وثانياً: إنّهما يدلّان على حرمة الأطعمة المضرّة كالسموم وما شاكل، لا حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، ولو كان باستعمال الأطعمة غير المضرّة في أنفسها.

الوجه السابع: ما عن «فقه الرِّضا»: (اعلم يرحمك اللّه، إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يُبح أكلاً ولا شُرباً إلّالما فيه المنفعة والصلاح، ولم يحرّم إلّاما فيه الضرر والتلف والفساد، فكلّ نافعٍ للجسم فيه قوّة للبدن فحلالٌ ، فكلّ مضرٍّ يُذهب بالقوّة أو قاتلٍ فحرامٌ ، مثل السموم والدّم ولحم الخنزير)(4).4.

ص: 210


1- وسائل الشيعة: ج 24/102 ح 30085، علل الشرائع: ج 2/484.
2- وسائل الشيعة: ج 25/84 ح 31258، تحف العقول: ص 337.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/361 ح 20175، دعائم الإسلام: ج 2/122 ح 418.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/165 ح 19471-1، فقه الرّضا: ص 254.

والجواب عنه: ما في سابقه، مضافاً إلى عدم ثبوت كونه كتابُ رواية.

الوجه الثامن: خبر طلحة بن زيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الجار كالنفس غير مضارٍّ ولا آثم»(1).

وفيه: إنّه يدلّ على أنّ الجار بمنزلة النفس، فكما أنّ الإنسان بطبعه لا يُقدم على الضرر، ولا يظهر عيوب نفسه، فليكن كذلك بالنسبة إلى الجار، ولا يدلّ على الحرمة الشرعيّة.

وهناك روايات اُخر استدلّ بها لذلك، يظهر الجواب عنها ممّا تقدّم.

وبالجملة: لا دليل على الحرمة، ومقتضى الأصل هو الجواز، ويشهد به توافق النص والفتوى والعمل على جواز عدّة أُمورٍ مع كونها مضرّة؛ كإدمان أكل السَّمك، وشرب الماء بعد الطعام، وأكل التفاح الحامض، وشرب التتن والتنباك، والجماع على الإمتلاء من الطعام، ودخول الحمام مع الجوع وعلى البطنة، والإضرار بالنفس بسفر التجارة وما شاكل ذلك، فيجوز الاضرار بالنفس في غير ما استثني بلا كلام.

***0.

ص: 211


1- الكافي: ج 2/666 ح 2 باب حقّ الجار و ج 5 باب إعطاء الأمان من كتاب الجهاد ص 31 و ج 5 باب الضرار ص 292، تهذيب الأحكام: ج 6/140-141 ح 5 وج 7/146 ح 35، وسائل الشيعة: ج 12/126 ح 15838 وج 15/68 ح 20001 وج 25/428 ح 32280.

الأوّل: في حيوان البحر، ولا يؤكل منه إلّاسمكٌ

حكم حيوان البحر غير السَّمك

ثمّ إنّه يقع الكلام في المباحث:

المبحث (الأوّل: في حيوان البحر).

أقول: (و) تمام الكلام في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: (لا يؤكل منه) أي من حيوان البحر (إلّا) ال (سمك) والطير.

أمّا الطير: فسيجيء الكلام فيه.

وأمّا السَّمك: فحليّته في الجملة موضع وفاق المسلمين، والنصوص المتواترة المتقدّم بعضها والآتية جملة منها في المسائل الآتية شاهدة به.

إنّما الكلام في حرمة غير السَّمك والطير من أنواع الحيوانات البحريّة:

فالمشهور بين الأصحاب الحرمة.

وفي «المسالك»(1): (وما ليس على صورة السَّمك من أنواع الحيوان، فلا خلاف بين أصحابنا في تحريمه) انتهى .

وعن «الخلاف»(2)، و «الغنية»(3)، و «السرائر»(4)، و «المعتبر»(5)، و «الذكرى»(6)،

ص: 212


1- مسالك الأفهام: ج 12/10.
2- الخلاف: ج 6/31.
3- غنية النزوع: ص 398.
4- السرائر: ج 3/99.
5- المعتبر: ج 2/84.
6- الذكرى : ج 3/36.

وغيرها(1): دعوى الإجماع عليها.

ويظهر من جماعةٍ من المتأخّرين منهم المحقّق الأردبيلي(2)، وصاحبا «الكفاية»(3) و «المفاتيح»(4)، والمحقّق النراقي(5): التأمّل فيها.

بل عن بعضهم الميل إلى نفي الحرمة، والظاهر أنّه مذهب الصدوق في «الفقيه»(6).

واستدلّ للأوّل: بوجوه:

الوجه الأوّل: أصالة عدم التذكية الشرعيّة المسوّغة للأكل، فإنّها تقضي حرمة كلّ حيوانٍ شكّ فيه أنّه محلّل أو محرّم، استدلّ بها صاحب «الجواهر»(7).

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ الأصل قبول كلّ حيوانٍ لايكون نجس العين للتذكية.

وثانياً: إنّه لو سُلّم عدم قبول غير مأكول اللّحم لها، إنّه حيث يكون الشكّ في التذكية وعدمها مسبّباً عن الشكّ في حليّة أكل لحمه وحرمته، ومقتضي أصالة الإباحة والحليّة في الأشياء المتقدّمة حليّته، ومعه يرتفع الشكّ في قبوله للتذكية.

وبعبارة أُخرى : إنّ أصالة الحِلّ الجارية في الموضوع تقدّم على أصالة عدم التذكية، لكونها من قبيل الأصل السببي، وأصالة عدم التذكية من قبيل الأصل2.

ص: 213


1- رياض المسائل: ج 13/361.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/190.
3- كفاية الأحكام: ج 2/596.
4- مفاتيح الشرائع: ج 2/184.
5- مستند الشيعة: ج 15/59.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3/339 ح 4201.
7- جواهر الكلام: ج 36/242.

المسبّبي، والأصل السببي وإنْ كان أصلاً غير تنزيلي مقدّمٌ على الأصل المسبّبي وإنْ كان من الأُصول التنزيليّة كما حُقّق في محلّه.

الوجه الثاني: عموم ما دلّ على حرمة الميتة(1)، استدلّ به غير واحدٍ.

وفيه أوّلاً: الموضوع هو الميتة غير المذكّي، فمع وقوع التذكية عليه، لا يصدق عليه الميتة، فلا يتناوله ما دلّ على حرمتها.

وثانياً: أنّه لو سُلّم شمول عنوان الميتة للمذكّي، لكن لا ريب أنّه خرج المذكّي عن تحت دليل حرمتها بالكتاب والسُّنة(2)، فمع تحقّق التذكية لا سبيل إلى التمسّك بعموم الدليل.

وثالثاً: أنّه لو سُلّم شموله، لابدَّ من تخصيصه بما دلّ (3) من الكتاب والسُّنة على جواز الأكل ممّا ذُكر اسم اللّه عليه.

ورابعاً: أنّه يتعيّن تقييد إطلاق دليل الحرمة - لو سُلّم شمول الميتة للمذكي واُغمض عن ماذكرناه ثانياً وثالثاً - بما دلّ (4) على حليّة صيد البحر من الكتاب الشامل لما عدا السَّمك.

وما في «الرياض»(5): من تبادر السَّمك منه خاصّة، مع استلزام العموم حِلّ كثيرٍ من حيواناته المحرّمة بالإجماع والكتاب والسُّنة، لاشتمالها إمّا على ضررٍ أو خباثةٍ أو نحوهما من موجبات الحرمة، فلا يمكن أنْ يبقى على عمومه، الظاهر من2.

ص: 214


1- سورة البقرة: الآية 173، سورة المائدة: الآية 3، سورة الأنعام: الآية 139.
2- سورة المائدة: الآية 3.
3- سورة الأنعام: الآية 118، 119.
4- سورة المائدة: الآية 96.
5- رياض المسائل: ج 13/362.

اللّفظة - على تقدير تسليمه - لخروج أكثر أفراده، الموجب على الأصَحّ لخروجه عن حجيّته، فليُحمل على المعهودالمتعارف من صيده، وليس إلّاالسَّمك بخصوصه.

يدفعه أوّلاً: ما تقدّم من حال المأكول المشتمل على الضرر والخباثة.

وثانياً: أنّه كيف أحاط بحيوانات البحر جميعاً، فحكم باشتمال أكثرها على موجب الحرمة.

وأمّا دعوى التبادر فهي أضعف.

الوجه الثالث: موثّق الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الربيثا؟ فقال: لا تأكلها فإنّا لا نعرفها في السَّمك يا عمّار، الحديث»(1).

بدعوى أنّه يدلّ بالعلّة المنصوصة على حرمة كلّ ما لا يُعرف أنّه من السَّمك.

وفيه: إنّه معارضٌ بما يدلّ على حِلّ أكلها، ولأجله إمّا أن يُطرح هذا الخبر، أو يُحمل على الكراهة، وعلى التقديرين لا وجه للاستدلال به على حرمة أكل غير السَّمك من الحيوانات.

ويشهد للحليّة: مضافاً إلى ما مرّ جملةٌ من النصوص:

منها: خبر ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن أكل لحم الخزّ؟ قال عليه السلام: كلبُ الماء إنْ كان له نابٌ فلا تقربه وإلّا فاقربه»(2).

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله، فجائزٌ أكله، وكلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله»(3).6.

ص: 215


1- التهذيب: ج 9/80 ح 80، وسائل الشيعة: ج 24/140 ح 30184.
2- التهذيب: ج 9/49 ح 205، وسائل الشيعة: ج 24/191 ح 30318.
3- الفقيه: ج 3/339 ح 4201، وسائل الشيعة: ج 24/159 ح 30236.

فالمتحصّل: أنّه إنْ لم يكن إجماعٌ على حرمة حيوان البحر غير السَّمك والطير، كان المتعيّن البناء على الحليّة، ولكن مخالفة الإجماع مشكلة، سيّما مثل هذا الإجماع الذي في مقابله النصوص والأدلّة، ولا شيء يصلح للمدركيّة لما أجمعوا عليه، ومخالفة الأدلّة أيضاً مشكلة، فالاحتياط طريق النجاة.

ثمّ إنّ هذا هو الأصل، وإلّا فمن الحيوان البحري ما يكون حراماً بلا كلام كما يأتي.

***

ص: 216

له فَلس

حكم السَّمك الذي لا فلس له

المسألة الثانية: إنّما يؤكل من السَّمك ما كان (له فلس)، وأمّا ما لا فلس له، فمحرّمٌ بجميع أنواعه.

أمّا الأوّل: فهو إجماعيٌ (1)، ويشهد به - مضافاً إلى العمومات والأصل - جملة من النصوص المصرّحة بذلك الآتية إلى جملة منها الإشارة، ولا فرق فيه بين ما بقي فَلْسه كالشّبوط - وهو سمكٌ رقيق الذَنَب، عريض الوسط، ليّن اللّمس، صغير الرأس - أو سقط عنه، ولم يبق عليه كالكنعت الذي هو حوتٌ سيّئة الخُلُق، تحكّ نفسها على شيء لحرارتها فيذهب فلسه، ولذا إذا نظرتَ إلى أصل اُذنها وجدته فيه، كما صرّح بذلك كلّه في صحيح حمّاد(2).

وأمّا الثاني: فحرمته الأشهر بين الأصحاب(3)، خلافاً للشيخ في كتابي الأخبار(4)، فيما عدا الجِرّي، ونَسَبه صاحب «الكفاية»(5) إلى جماعة.

وظاهر المحقّق(6) والشهيد الثاني في «المسالك»(7)، والأردبيلي(8): التردد فيه.

ص: 217


1- الخلاف: ج 6/31، مسالك الأفهام: ج 12/10.
2- الكافي: ج 6/219 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/137 ح 30178.
3- مسالك الأفهام: ج 12/13.
4- الاستبصار: ج 4/59، التهذيب: ج 9/5.
5- كفاية الأحكام: ج 2/596.
6- المختصر النافع: ص 243، شرائع الإسلام: ج 3/169.
7- مسالك الأفهام: ج 12/13.
8- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/190.

أقول: ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص.

منها: ما يدلّ على الحرمة:

1 - كصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«قلت له: رحمك اللّه إنّا نؤتى بسمكٍ ليس له قشر؟

فقال عليه السلام: كُل ما له قشرٌ من السَّمك، وما ليس له قشر فلا تأكله»(1).

2 - ومرسل حريز، عنهما عليهما السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يكره الجرّيث، ويقولُ : لا تأكل من السَّمك إلّاشيئاً عليه فلوس، وكَره المارماهي»(2).

3 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كان عليٌّ عليه السلام بالكوفة يركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ يمرّ بسوق الحيتان، فيقول: لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السَّمك»(3).

4 - ونحوه موثّق مسعدة(4)، وحسن حنّان بن سُدير عنه عليه السلام في حديثٍ : «ما لم يكن له قشرٌ من السَّمك فلا تقربه»(5).

5 - ومرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: كُلْ من السَّمك ما كان له فلوس، ولا تأكل منه ما ليس له فلس»(6).

6 - وخبر الفضل بن شاذان، عن الإمام الرّضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون، قال:2.

ص: 218


1- الكافي: ج 6/219 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/127 ح 30146.
2- الكافي: ج 6/219 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/128 ح 30148.
3- الكافي: ج 6/220 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/128 ح 30149.
4- الكافي: ج 6/220 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/128 ح 30150.
5- الكافي: ج 6/220 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/129 ح 30151.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3/323 ح 4152، وسائل الشيعة: ج 24/129 ح 30152.

«محض الإسلام شهادة أنْ لا إله اللّه - إلى أنْ قال - وتحريم الجِرّي من السَّمك، والسَّمك الطافي، والمارماهي، والزمير، وكلّ سمكٍ لا يكون له فلس»(1).

ونحوها غيرها.

ومنها: ما ظاهره الحليّة:

1 - كصحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الجريث ؟ فقال: وما الجريث ؟ فنعته له. فقال عليه السلام: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) (2)إلى آخر الآية، ثمّ قال: لم يحرّم اللّه شيئاً من الحيوان في القرآن إلّاالخنزير بعينه، ويكره كلّ شيء من البحر ليس له قشر، مثل الورق، وليس بحرامٍ إنّما هو مكروه»(3).

2 - وصحيح ابن مسكان، عن محمّد الحلبي، قال:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا يكره شيء من الحيتان إلّاالجِرّي»(4).

ونحوه خبر الحكم(5).

3 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الجِرّي والمارماهي والزمير، وما ليس له قشرٌ من السَّمك أحرامٌ هو؟

فقال عليه السلام: يا محمّد إقرأ هذه الآية التي في الأنعام: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) (6)، قال: فقرأتها حتّى فرغتُ منها.5.

ص: 219


1- وسائل الشيعة: ج 24/132 ح 30163، عيون أخبار الرّضا: ج 2/126.
2- سورة الأنعام: الآية 145.
3- التهذيب: ج 9/5 ح 15، وسائل الشيعة: ج 24/135 ح 30173.
4- التهذيب: ج 9/5 ح 13، وسائل الشيعة: ج 24/134 ح 30171.
5- التهذيب: ج 9/5 ح 14، وسائل الشيعة: ج 24/135 ح 30172.
6- سورة الأنعام: الآية 145.

فقال: إنّما الحرام ما حَرّم اللّه ورسوله في كتابه، ولكنّهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها»(1).

وقد جمع جماعة من الأصحاب - منهم سيّد «الرياض»(2)، وصاحب «الجواهر»(3) بينها - بحمل الطائفة الثانية على التقيّة، قال في «الرياض»(4) في الجواب عن من حمل الأُولى على الكراهة:

(فالمناقشة فيه واضحة من وجوه عديدة، سيّما مع إمكان الجمع بينها وبين المبيحة، بحملها على التقيّة، لوضوح المأخذ في هذا الحمل من الاعتبار والسُّنة المستفيضة، بخلاف الحمل على الكراهة)، انتهى .

قال في «الجواهر»(5): (على أنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه، منها موافقة رواية الحِلّ للعامّة التي جَعل الرّشد في خلافها).

وفيه: أنّ الحمل على التقيّة إنّما هو في صورة تعارض الخبرين الذين لايمكن الجمع العرفي بينهما بوجهٍ أعمّ ، من الجمع الموضوعي أو الحكمي، بعد فقد جملة من المرجّحات فكيف يكون الموافقة لهم المواجبة لذلك مانعاً عن الجمع العرفي، ومقدّماً عليه، وهو غريبٌ .

أقول: وقد جمع في «المستند»(6) بين الطائفتين:

بحمل الثانية على الأُولى ، بدعوى أنّها أعمّ من الأُولى، لأنّ صحيح زرارة6.

ص: 220


1- التهذيب: ج 9/6 ح 16، وسائل الشيعة: ج 24/136 ح 30174.
2- رياض المسائل: ج 13/368.
3- جواهر الكلام: ج 36/245.
4- رياض المسائل: ج 13/368.
5- جواهر الكلام: ج 36/245.
6- مستند الشيعة: ج 15/66.

شاملٌ للحيتان وغيرها، وما بعده من الخبرين شاملان لما له قشر وما ليس له قشر، وصحيح محمّد متضمّنٌ : «أنّ كلّ ما لم يحرّم اللّه في كتابه ليس بحرام» وعموم ذلك ظاهرٌ، فيجب تخصيص هذه النصوص بالطائفة الأُولى .

وفيه: إنّ صحيح زرارة بقرينة كون الجواب عن السؤال عن حكم الجريث، صريحٌ في إرادة السَّمك من الجواب، فلا يصحّ حمله على غير السَّمك، وإلّا لزم خروج المورد. وأمّا المطلق الذى يكون نصّاً في الشمول لفرد حكمه حُكم الخاص.

وبذلك ظهر الجواب عن ما أفاده في صحيح محمّد، فإنّ السؤال إنّما هو عن السَّمك الذي لا فَلس له، فجوابه بأنّه لا يكون شيء لم يحرّم اللّه ورسوله في كتابه حراماً كالنص في عدم حرمة ما لا فلس له من السَّمك، فلا يصحّ تقييده بغيره.

وأمّا صحيح ابن مسكان، وخبر الحَكَم: فحيثُ إنّه من تخصيص الحيتان بما له فلسٌ ، يلزم كون الاستثناء منقطعاً، وهو خلاف الظاهر، فهما أيضاً كالصريح في الشمول لما لا فلس له.

أقول: والحقّ ما أفاده جماعة(1) من أنّ الجمع بين الطائفتين مقتض لحمل الأُولى على الكراهة، ولكن المانع عن الالتزام بذلك الشهرة العظيمة على الحرمة، بل القائل بالكراهة شاذٌ نادرٌ، إذ ليس من القدماء إلّاالقاضي(2)، وأمّا الشيخ رحمه الله فإنّه وإنْ حُكي عنه ذلك في موضعٍ من «النهاية»(3)، إلّاأنّه رجع عنه في موضعينر.

ص: 221


1- مسالك الأفهام: ج 12/13.
2- المهذّب: ج 2/438.
3- صرّح الشيخ بحرمة ما ليس له فلس في «النهاية» ص 576. قال: (ويجتنب ما ليس له فلس) وحكم بكراهية الأصناف الثلاثة، وهي الجرّي والمارماهي والزمار.

منها، وباقي كتبه، حتّى إنّه حَكم في باب الديات بكفر مستحلّه، ولذا فنحن أيضاً من المتوقّفين في المسألة، والاحتياط طريقُ النجاة.

***

ص: 222

ويَحرُمُ الطافي، والجلَّال منه، حتّى

ما يحرم أكله من السَّمك

المسألة الثالثة: في جملةٍ من أقسام السَّمك التي دلّ الدليل على حرمتها بالخصوص، ونذكرها في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: (ويَحرُم الطافي) وهو السَّمك الذي يموت في الماء، إجماعاً محصّلاً ومنقولاً(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى مادلَّ من الكتاب والسُّنة على حرمة الميتة، الشاملة له - جملة من النصوص الخاصّة، وقد تقدّمت الإشارة إليها في كتاب الصيد والذباحة.

الفرع الثاني: (و) يحرم أيضاً (الجلّال منه) - الذي ستَعرف المراد به إنْ شاء اللّه تعالى - على المشهور بين الأصحاب، لعموم ما دلّ على حرمة أكل لحوم الجلّالات، الآتي في المبحث الثاني، عند تعرّض المصنّف رحمه الله له، ولكن حرمة الجلّال حيث لا تكون بالذّات حتّى تستقرّ، بل هي لصدق الجلّال، فتكون الحرمة باقية (حتّى ) يستبرأ، بأن يجعل في الماء يوماً وليلة كما عن الأكثر، لخبر يونس، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «ينتظر به يوماً وليلة»(2).

وأمّا «المقنع»(3) و «النهاية»(4) فقد اعتبرا مدّة الإستبراء يوماً إلى اللّيل لخبر

ص: 223


1- جواهر الكلام: ج 36/257.
2- الكافي: ج 6/252 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/167 ح 30256.
3- المقنع: ص 421.
4- النهاية: ص 576.

يُطعِم علفاً طاهراً يوماً وليلة

القاسم بن محمّد الجوهري: «السَّمك الجلّال يربط يوماً إلى اللّيل في الماء»(1).

ولكن الترجيح في جانب الأوّل للشهرة، مع أنّه يمكن إرجاع الثاني إليه، بجعل الغاية داخلة في المغّي.

وكيف كان، فهما خاليان عمّا ذكره المصنّف(2) رحمه الله، والمحقّق(3) وغيرهما(4) من أنّه (يُطعم علفاً طاهراً يوماً وليلة)، ولذا احتمل المقدّس الأردبيلي(5) رحمه الله الاكتفاء في الاستبراء بإمساكه عن الجَلل.

أقول: ويمكن أنْ يستدلّ له بوجهين:

أحدهما: أنّ المنساق إلى الذهن من الأمر بالربط والانتظار، هو أن يُطعم بشيء غير ما حصل له الجَلَل، فكان الأمر بهما متوجّهٌ إليه، ويؤيّده ذكر غير السَّمك في الخبرين، والأمر بربطه أيضاً، المعلوم إرادة الغذاء والتربية في مدّة الحبس والربط، ولو للنصوص الاُخر، فيعلم أنّ المراد من الجميع الحبس مع الغذاء والتربية.

ثانيها: استصحاب بقاء الجَلَل ما لم يُطعم علفاً، فتأمّل.

وعليه، فالعمدة هو الأوّل.

واستشكل المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»(6) في اعتبار طهارة العلف،).

ص: 224


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/339 ح 4200، وسائل الشيعة: ج 24/168 ح 30257.
2- إرشاد الأذهان: ج 2/112.
3- المختصر النافع: ص 243.
4- اللّمعة الدمشقيّة: ص 235، رياض المسائل: ج 13/373.
5- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/255.
6- قواعد الأحكام: ج 3/325 قال: (والجلّال حرامٌ وهو ما يأكل العذرة، إلّاأنْ يَستبرئ بجعله في ماءٍ يوماً وليلة، يطعم فيها علفاً طاهراً بالأصالة على إشكال).

والجِرّي،

واستدلّ لاعتبار طهارته:

1 - بالانسباق، وإلّا كان زيادةً في جَلَله.

2 - وبالاستصحاب.

3 - وبأنّ إطلاق الطاهر يقتضي كونه غير متنجّس أيضاً.

4 - وبأصالة الاحتياط.

أقول: وكلٍّ كما ترى ، إذ الجَلَل كما يأتي لا يحصلُ بغير العذرة، والاستصحاب لايرجُع إليه مع إطلاق الدليل، وليس في النصوص لفظ الطاهر كي يتمسّك بإطلاقه.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبارها، إلّاأنّ ظاهر الأصحاب التسالم عليه، فالاحتياط كون رعايتها لا يترك، بل عن «التحرير»(1) اعتبار كون الماء الذي يحبس فيه السَّمك طاهراً، ولا ريب في أنّه أحوط وأولى .

الفرع الثالث: (و) يحرم أيضاً (الجِرّي) ويقال له الجريث، والظاهر من الأخبار أنّه غير المارماهي.

وعن «حياة الحيون»: أنّ الجِرّي يسمّى بالفارسيّة مارماهي.

وكذا ظاهر الأخبار: اتّحاد الجِرّي والجريث.

وعن «حياة الحيوان»(2): (إنّ الجريث سَمكٌ يشبه الثعبان).

وكيف كان، فيشهد لحرمة أكله - مضافاً إلى ما مرّ - جملةٍ من النصوص:8.

ص: 225


1- تحرير الأحكام: ج 2/160.
2- كما حكاه عنه النراقي في مستند الشيعة: ج 15/68.

والسُّلحفاة،

منها: صحيح محمّدبن مسلم، قال: «أقرأني أبوجعفر عليه السلام شيئاً من كتاب عليّ عليه السلام، فإذا فيه: أنهاكم عن الجِرّي، والزمير، والمارماهي، والطافي، والطّحال، الحديث»(1).

ومنها: موثّق سماعة، عن الكلبي النسّابة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الجِرّي ؟ فقال: إنّ اللّه مَسَخ طائفة من بني إسرائيل، فما أخذ منهم بحراً فهو الجِرّي والزمير والمار ماهي، وما سوى ذلك»(2).

وسيجيءُ ما يدلّ على حرمة المسوخ.

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تأكل الجِرّي ولا الطحال، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كرهه.

وقال: إنّ في كتاب عليّ عليه السلام ينهى عن الجِرّي وعن جماع من السَّمك»(3).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «لا يكره شيءٌ من الحيتان إلّاالجِرّي»(4).

إلى غير تلكم من النصوص، فلا ينبغي التوقّف في الحكم كما عن شاذٍ من الأصحاب(5) لبعض ما ذُكر في المسألة السابقة، الظاهر جوابه.

وبما ذكرناه يظهر حرمة أكل المارماهي والزمير.

الفرع الرابع: (و) من المحرّم أكله: (السُّلحفاة) بضمّ السِّين المهملة، وفتح اللّام،9.

ص: 226


1- الكافي: ج 6/219 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/130 ح 30155.
2- الكافي: ج 1/350 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/131 ح 30159.
3- التهذيب: ج 9/6 ح 18، وسائل الشيعة: ج 24/134 ح 30170.
4- التهذيب: ج 9/5 ح 13، وسائل الشيعة: ج 24/134 ح 30171.
5- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 2/438-439.

والضفادع، والسَّرطان،

فالحاء المهملة الساكنة، فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف.

(والضفادع) جمع ضفدع - بكسر أوّله وفتحه وضمّه مع كسر ثالثه، وفتحه في الأوّل، وكسره في الثاني، وفتحه في الثالث.

(والسَّرطان) بفتح الثلاثة الأُولى ، ويُسمى عقرب البحر.

بلا خلافٍ في شيء منها يُعرف لما مّر.

ولصحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «لا يحلّ أكل الجِرّي ولا السُّلحفاة ولا السَّرطان.

قال: وسألته عن اللّحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل ؟

قال عليه السلام: ذلك لحم الضفادع لا يَحلّ أكله»(1).

***2.

ص: 227


1- التهذيب: ج 9/12 ح 46، وسائل الشيعة: ج 24/146 ح 30202.

ولا بأس بالكنعت، والربيثا، والطمر، والطيراني، والإبلامي،

الأسماك المحلّلة بالنصّ

المسألة الرابعة: فيما دلّ الدليل بالخصوص على حليّته (و) أنّه (لا بأس ب) أكله، وهو:

1 - (الكنعت) ويقال له الكنعد بالدالّ المهملة، ففي صحيح حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الكنعت ؟ قال: لا بأس بأكله»(1).

2 - (والربيثا) بكسر الرّاء، ففي صحيح هشام بن سالم، عن عمر بن حنظلة:

«حملتُ الربيثا يابسةً في صُرّةٍ فدخلتُ على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألته عنها؟

فقال عليه السلام: كُلها - وقال: - لها قشر»(2).

ونحوه غيره.

ولا يعارضها ما تضمّن النهي عن أكلها، لتعيّن حمله على الكراهة جمعاً.

3 - (والطمر) بكسر الطّاء المهملة ثمّ الميم.

4 - (والطيراني) بفتح الطاء المهملة والباء المفردة.

5 - (والابلامي) بكسر الهمزة وسكون الباء المنقّطة من تحت نقطة واحدة.

ففي خبر سهل بن محمّد الطبري، قال: «كتبتُ إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن سمكٍ يقال له الابلامي، وسمكٍ يقال له الطبراني، وسمكٍ يقال له الطمر، وأصحابي

ص: 228


1- الكافي: ج 6/219 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/137 ح 30178.
2- الكافي: ج 6/220 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/139 ح 30181.

والإربيان

ينهون عن أكله ؟

قال: فكتب عليه السلام: كُلْه لابأس به، وكتبتُ بخطّي»(1).

6 - (والاريبان) بكسر الهمزة والباء.

ففي صحيح يونس بن عبدالرحمن، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن أكل الاريبان ؟ فقال عليه السلام لي: لا بأس»(2).

والاريبان ضربٌ من السَّمك.

***5.

ص: 229


1- التهذيب: ج 9/13 ح 47، وسائل الشيعة: ج 24/129 ح 30154.
2- التهذيب: ج 9/13 ح 50، وسائل الشيعة: ج 24/141 ح 30185.

ويؤكل ما يوجد في جوف السَّمك، إذا كانت مباحة، لا ما تقذفه الحيَّة، إلّاأنْ يضطرب ولم ينسلخ،

حكم ما لو وجد سمكةً في جوف سمكة أُخرى

المسألة الخامسة: (ويؤكل ما يُوجد) من السَّمك (في جوفِ السَّمك إذا كانت مباحةً ، لا ما تقذفه الحيّة، إلّاأنْ يضطرب ولم ينسلخ).

فها هنا فرعان:

الفرع الأوّل: لو وجد في جوف سمكةٍ سمكةً أُخرى ، وكانت من جنس ما يؤكل لحمه:

فعن الشيخ في «النهاية»(1)، والمفيد(2)، وولد الصدوق(3)، والمصنّف في المتن، وفي «القواعد»(4): إنّها حلال.

واستحسنه في «الشرائع»(5)، والشهيد الثاني في «المسالك»(6)، واستقربه سيّد «الرياض»(7).

ص: 230


1- النهاية: ص 576.
2- المقنعة: ص 576.
3- فقه الرّضا: ص 295.
4- قواعد الأحكام: ج 3/324.
5- شرائع الإسلام: ج 3/169.
6- مسالك الأفهام: ج 12/18.
7- رياض المسائل: ج 13/371.

وعن الحِلّي(1)، والمصنّف رحمه الله في «التحرير»(2)، وولده فخر الدين(3)، والمقداد في «التنقيح الرائع»(4): إنّها لا تحلُّ إلّاأنْ تؤخذ حَيّاً.

وظاهر «الجواهر»(5): تقويته.

أقول: والأوّل أظهر، لاستصحاب بقاء الحياة إلى حين الأخذ، إذ لا شكّ في حلول الحياة في السَّمك وقتاً مّا، فيُستصحب إلى أنْ يُعلم المزيل.

وأورد عليه صاحب «الجواهر»(6):

تارةً : بكونه من الأُصول المثبتة.

وأُخرى : بمعارضته باستصحاب التحريم.

وثالثة: بمعارضته باستصحاب عدم التذكية، المتوقّفة عليشرط لاينقّحه الأصل.

ويرد على ما أفاده أوّلاً: أنّه يُستصحب الحياة التي هي أحد جزأي الموضوع، ويضمّ إليه الجزء الآخر، وبهما يتمّ الموضوع، ويترتّب عليه حكمه، وهو الحليّة، ولا ربط لذلك بالمثبت الذي هو عبارة عن إجراء الأصل فيما ليس موضوعاً ولا جزء موضوعٍ ، بل هو ملازمٌ أو ملزومٌ أو لازمٌ عقلي أو عرفي لموضوع الحكم.

ويرد على ما أفاده ثانياً: أنّه إنْ أُريد استصحاب الحرمة الثابتة في حال الحياة.

فيردّه: ما تقدّم من عدم حرمته كي يُستصحب، أضف إليه عدم جريانه، لتبدّل الموضوع، ولعدم جريانه في الأحكام الكليّة.6.

ص: 231


1- السرائر: ج 3/100.
2- تحرير الأحكام: ج 4/637.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/144.
4- التنقيح الرائع: ج 4/33. (5و6) جواهر الكلام: ج 36/256.

وإن أراد غيره، فعليه البيان.

ويرد على ما أفاده ثالثاً:

1 - أنّ التذكية كما مرّ عبارةٌ عن نفس الأعمال الخارجيّة الواردة على المحلّ القابل، ولا تكون أمراً حاصلاً منها، وعليه فمع ثبوت ما يُعتبر فيها بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل، لا مجال لاستصحاب عدمها.

مع أنّه لو سُلّم كونها أمراً حاصلاً منها، فإنّ الاستصحاب الجاري في الحياة من قبيل الأصل الجاري في السبب، لا يبقى مجالاً لجريان الأصل في المسبّب.

2 - ولخبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام سُئل عن سمكةٍ شُقّ بطنها فوجد فيها سمكة ؟ فقال عليه السلام: كُلهما جميعاً»(1).

3 - ومرسل أبان، عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام، قال:

«قلت: رجلٌ أصاب سمكةً وفي جوفها سمكة ؟ قال: يؤكلان جميعاً»(2).

أقول: وأُورد عليها بضعف السند.

ويردّه: ما تقدّم من أنّ روايات السكوني يُعمل بها، والمرسل في حكم الصحيح، لأنّ مرسِله من أصحاب الإجماع.

وعليه، فلا إشكال في الحكم وأنّه يحلّ أكلها.

الفرع الثاني: لو وُجِدت سمكةً في جوف حيّةٍ أُخذت، هل يحلّ أكلها إنْ لم تكن تسلّخت، وكان لها فلسٌ مطلقاً؟5.

ص: 232


1- الكافي: ج 6/218 ح 12، وسائل الشيعة: ج 24/86 ح 30066.
2- الكافي: ج 6/218 ح 14، وسائل الشيعة: ج 24/86 ح 30065.

أم لا يحلّ كما عن «النهاية»(1)، والمصنّف في «المختلف»(2) إذ أدركها حيّة تضطرب ؟ والمدرك خبر أيّوب بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلتُ له: جُعلت فداك، ما تقول في حيّة ابتلعت سمكةً ثمّ طرحتها، وهي حيّة تضطرب أفآكلها؟

فقال عليه السلام: إنْ كانت فلوسها قد تسلّخت فلا تأكلها، وإنْ لم تكن تسلّخت فكُلها»(3).

والسؤال فيه وإنْ كان عن صورة حياة السمكة، ولكن الجواب عامٌ يدلّ على الحليّة ما لم تنسلخ، إذ لا معنى للتفصيل مع فرض الحياة، وعليه فهو يدلّ على مذهب الشيخ رحمه الله(4).

أقول: ولا يرد عليه ما قاله صاحب «المسالك»(5) من أنّ الرواية لا تدلّ على مذهبه.

ولكن الرواية مجهولة من وجوهٍ عديدة، فلا يُعتمد عليها، فإنْ لم يأخذها في حال الحياة لا تكون حلالاً، كما هو مقتضى القاعدة في السَّمك.

***8.

ص: 233


1- النهاية: ص 576.
2- مختلف الشيعة: ج 8/287.
3- الكافي: ج 6/218 ح 16، وسائل الشيعة: ج 24/145 ح 30201.
4- النهاية: ص 576.
5- مسالك الأفهام: ج 12/18.

والبيض تابعٌ

حكم بيض السَّمك

المسألة السادسة: (والبيض) من السَّمك، المعبّر عنه الآن بالثِّرب (تابعٌ ) له، فبيض المحلّل حلالٌ ، وبيض الحرام حرامٌ ، بلا خلاف في الأوّل(1)، وعلى المشهور في الثاني(2).

واستدلّ للأوّل:

1 - بخبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«الدجاجة تكون في المنزل، وليس معها الديكة، تعتلف من الكُناسة وغيرها، وتبيض من غير أن تركبها الديكة، فما تقول في أكل ذلك البيض ؟

فقال عليه السلام: إنّ البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس بأكله، وهو حلال»(3).

2 - وخبر داود بن فرقد، عنه عليه السلام في حديثٍ : «كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبنٍ أو بيضٍ أو أنفحةٍ فكلّ ذلك حلالٌ طيّبٌ ، الحديث»(4).

أقول: ولكن الاستدلال بهما من جهة دلالتهما على حليّة بيض ما يؤكل لحمه غير تامّ ، لعدم صدق البيض عرفاً على ثروب السَّمك، وإنّما أطلقه الأصحاب عليه

ص: 234


1- مستند الشيعة: ج 15/70.
2- مسالك الأفهام: ج 12/21.
3- التهذيب: ج 9/22 ح 87، وسائل الشيعة: ج 25/81 ح 31251.
4- الكافي: ج 6/325 ح 7، وسائل الشيعة: ج 25/81 ح 31252.

لضربٍ من المجاز، باعتبار كونه مبدأ تكوّن السَّمك كالبيض في غيره.

نعم، يصحّ الاستدلال بعموم قوله عليه السلام في الثاني: «فجميع ما كان منه... الخ» فإنّه يدلّ على حليّة كلّ ما هو من توابع مأكول اللّحم.

ويمكن أنْ يستدلّ له: - مضافاً إلى ذلك -:

1 - بالسيرة القطعيّة على استعمال الصحناة، التي هي طنج السَّمكة جميعها.

2 - وبأنّه مالم ينفصل من السَّمك، يعدّ من أجزائه، فيشمله دليل الحِلّ ، ويبقى بعد الانفصال، بل لا يبعد دعوى صدق كونه من أجزائه حتّى بعد الانفصال.

3 - وبأصالة الحِلّ .

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

واستدلّ للثاني: بمفهوم الخبرين.

ويردّه: ما تقدّم من عدم صدق البيض عليه.

وما في «الرياض»(1): من أنّه من مفهوم القيد لا من مفهوم الوصف، لم يظهر لي وجهه.

وعلى هذا، فمقتضى أصالة الحِلّ حليّته، إلّاأنْ يتمسّك بعموم ما دلَّ على حرمة ذلك السَّمك، فإنّه كما عرفت يشمل مثل ثروبه أيضاً من جهة كونه من أجزائه.

وعليه، فما عن الحِلّي(2)، والمصنّف في «المختلف»(3): من حليّته نظراً إلى الأصل والعمومات، وما دلَّ على حليّة صيد البحر:2.

ص: 235


1- رياض المسائل: ج 13/376.
2- السرائر: ج 3/113.
3- مختلف الشيعة: ج 8/322.

ومع الاشتباه يؤكل الخشن لا الأملس.

ضعيفٌ ، لأنّ الأصل يخرج عنه بما تقدّم، والعمومات تخصّص بها، وكذلك ما دلّ على حليّة صيد البحر، مع أنّ المنساق منه نفس الحيوان دون بيضه.

قالوا(1): (ومع الاشتباه يؤكل الخَشن لا الأملس)، وظاهرهم الاتّفاق عليه، فهو الحجّة فيه، وإلّا فلا دليل عليه، ومقتضى الأصل الحليَّة عند الاشتباه مطلقاً.

***7.

ص: 236


1- المختصر النافع: ج 2/251، تحرير الأحكام: ج 2/160، التنقيح الرائع: ج 4/36، الجامع للشرائع: ص 360، رياض المسائل: ج 13/377.

الثاني: البهائم: ويؤكل النِعَم الأهليّة، وبقر الوحش، وكبش الجبل،

ما يؤكل من البهائم

المبحث الثاني: في (البهائم) والكلام فيه في مسائل:

المسألة الأُولى : (ويؤكل النِّعم) الثلاثة (الأهليّة): الإبل، والبقر، والغنم، بلا خلافٍ فيه بين المسلمين.

وفي «الجواهر»(1): بل هو من ضروري الدِّين.

وفي «المستند»(2): حليّة الثلاثة من الضروريّات الدينيّة.

وكذا عن غيرهما(3).

ويشهد له:

1 - الآية الكريمة: (وَ مِنَ اَلْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اَللّهُ ) إلى أنْ قال سبحانه: (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ اَلضَّأْنِ اِثْنَيْنِ وَ مِنَ اَلْمَعْزِ اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) إلى أنْ قال عزّ وجلّ : (وَ مِنَ اَلْإِبِلِ اِثْنَيْنِ وَ مِنَ اَلْبَقَرِ اِثْنَيْنِ ) (4).

2 - والنصوص المتواترة الآتية إلى جملةٍ منها الإشارة.

(و) يؤكل أيضاً:

(بقر الوحش، وكبش الجبل) والمراد به الضأن والمَعْز الجبليّين.

ص: 237


1- جواهر الكلام: ج 36/264.
2- مستند الشيعة: ج 15/105.
3- رياض المسائل: ج 13/377.
4- سورة الأنعام: الآية 142-144.

والحُمُر، والغِزلان، واليحامير،

(والحُمُر، والغزلان) جمع الغَزال، وهو الظبي.

(واليحامير) جمع يحمور.

وعن «عجائب المخلوقات»(1): (إنّه دابّة وحشيّة نافرة، لها قرنان طويلان كأنّهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما بكلّ سنة).

وفي «المنجد» نقل عن الصِّحاح(2): إنّه حمار الوحش.

وقيل: إنّه شبيهٌ بالإبل بلا خلافٍ في حليّة الخمسة بين المسلمين كما في «المسالك»(3).

ويشهد بها في الخمسة: الأصل، والعمومات من الكتاب والسُّنة.

وفي الثلاثة الأول: ما دلّ على حليّة الأزواج الثمانية، فعن «تفسير القمّي»(4) في تفسير الآية الكريمة: «فهذه التي أحلّها اللّه في كتابه... إلى أنْ قال: فقال صلى الله عليه و آله: (مِنَ اَلضَّأْنِ اِثْنَيْنِ ) عنى الأهلي والجبلي، (وَ مِنَ اَلْمَعْزِ اِثْنَيْنِ ) عنى الأهلي والوحشي الجبلي، (وَ مِنَ اَلْبَقَرِ اِثْنَيْنِ ) عنى الأهلي والوحشي الجبلي، (وَ مِنَ اَلْإِبِلِ اِثْنَيْنِ ) عنى النجاتي والعراب، فهذه أحلّها اللّه».9.

ص: 238


1- هذه العبارة نصّاً موجودة في «حياة الحيوان» للدميري: ج 2/434 كما نقل ذلك أيضاً صاحب النجعة في شرح اللّمعة: ج 10/225، وغير موجودة في كتاب «عجائب المخلوقات» والظاهر أنّه نقلها عن مستند الشيعة للنراقي: ج 15/107 حيث نقلها عن «عجائب المخلوقات».
2- صحاح الجوهري: ج 2/637.
3- مسالك الأفهام: ج 12/34.
4- تفسير القمّي: ج 1/219.

وفي الأوّل والثاني: مرسل(1) الصدوق: إنّ أمير المومنين عليه السلام قال في أُيّلٍ اصطاده رجلٌ فقطعه النّاس، والذي اصطاده يمنعه ففيه نهي ؟ فقال عليه السلام: ليس فيه نهيٌ وليس به بأس».

والإبل بكسر الهمزة وضمّها بقر الجبل، قيل هو بالكسر فالفتح ذكر الأوعال، قيل: وهو الذي يُسمّى بالفارسيّة: گوزن.

وفي الثالث والرابع:

1 - موثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ رمى حمار وحشٍ أو ظبياً فأصابه، ثمّ كان في طلبه، فوجده من الغد وسهمه فيه ؟

فقال عليه السلام: إنْ علم أنّه أصابه وأنّ سهمه هو الذى قَتَله، فليأكل منه، وإلّا فلا يأكل منه»(2).

2 - وخبر نضر بن محمّد، قال: «كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن لحوم الحُمُر الوحشيّة ؟

فكتب عليه السلام: يجوز أكلها وحشيّة، وترْكه عندي أفضل»(3).

3 - وخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن ظبي أو حمار وحشٍ أو طيرٍ صرعه رجلٌ ، ثمّ رماه بعدما غيره صرعه ؟

قال عليه السلام: كُلْه ما لم يتغيّر إذا سَمّى ورَمى، الحديث»(4).7.

ص: 239


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/319 ح 4140، وسائل الشيعة: ج 23/365 ح 29758.
2- الكافي: ج 6/210 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/366 ح 29761.
3- الكافي: ج 6/313 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/50 ح 31143.
4- وسائل الشيعة: ج 23/380 ح 29798، مسائل علي بن جعفر: ص 177.

وفي الخامس: خبر سعد بن سعد، قال: «سألتُ الرّضا عليه السلام عن اللّامص ؟ فقال:

وما هو؟ فذهبت أصفه.

فقال: أليس اليحامير؟ قلتُ : بلى .

قال عليه السلام: أليس تأكلونه بالخَلّ والخَردل والأبزار؟

قلت: بلى .

قال عليه السلام: لا بأس به»(1).

أقول: ثمّ إنّ المحكي عن الحِلّي(2)، والمصنّف في «التحرير»(3) والشهيد في «الدروس»(4): كراهة أكل لحم الحمار.

والظاهر أنّه لا وجه له، سوى ما في خبر نضر بن محمّد من قوله عليه السلام: «وتركه أفضل» ولكنّه لا يدلّ على الكراهة.

ثمّ إنّ ظاهر جماعة منهم المصنّف في المتن، و «القواعد»(5)، و «التحرير»(6):

حصر المحلّل من الوحش فيها، وهو المحكيّ عن صريح «الغنية»(7)، إلّاأنّه زاد الأوعال سادساً.

ولكن يشكل ذلك في الخيل والإبل والبغال لو كانت وحشيّة، لإطلاق ما دلّ 1.

ص: 240


1- وسائل الشيعة: ج 25/50 ح 31144، المحاسن: ج 2/472.
2- السرائر: ج 3/101.
3- تحرير الأحكام: ج 4/631.
4- الدروس: ج 3/5.
5- قواعد الأحكام: ج 3/326.
6- تحرير الأحكام: ج 4/632.
7- غنية النزوع: ص 401.

على حليّتها، الشامل للإنسيّة منها والوحشيّة.

ودعوى: الانصراف إلى الأُولى ممنوعة، سيّما بملاحظة ما عن «تفسير القمّي»(1).

بل قد يشكل بالنعامّة، بناءً على أنّها من غير الطير وحلالٌ .

***9.

ص: 241


1- تفسير القمّي: ج 1/219.

ويكره الخيل والبغال والحمير

كراهة الخيل والبغال والحمير

المسألة الثانية: (ويُكره) أكل لحم (الخيل والبِغال والحَمير) الأهليّة، كما هو المشهور(1) بين الأصحاب.

وعن «الخلاف»(2): الإجماع على ذلك.

وعن «الانتصار»(3)، و «الغنية»(4): أنّ ذلك في الأوّل والثالث من متفرّدات الإماميّة.

وعن أبي الصلاح(5): تحريم البغال.

وعن المفيد رحمه الله(6): تحريم البغال، والحمير، والهجن من الخيل، بل قال: إنّه لا تقع الذَّكاة عليها.

يشهد للأوّل: جملة من النصوص:

منها: حسن زرارة، ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّهما سألاه عن أكل لحوم الحُمُر الأهليّة ؟

ص: 242


1- مسالك الأفهام: ج 12/24.
2- الخلاف: ج 6/80 قال: (ويجوز أكل لحوم الحُمُر الأهليّة والبغال وإنْ كان فيها بعض الكراهية).
3- الانتصار: ص 410.
4- غنية النزوع: ص 401.
5- الكافي في الفقه: ص 277.
6- المقنعة: ص 768.

فقال عليه السلام: نَهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أكلها يوم خيبر، وإنّما نهى عن أكلها في ذلك الوقت، لأنّها كانت حمولة الناس، وإنّما الحرام ما حَرّم اللّه في القرآن»(1).

ومنها: صحيح محمّد، عنه عليه السلام: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أكل لحوم الحمير، وإنّما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها، وليست الحمير بحرامٍ ، ثمّ قرأ هذه الآية: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) (2) إلى آخر الآية»(3).

ومنها: خبره الآخر، عنه عليه السلام: «عن لحوم الخيل والبِغال والحَمير؟ فقال عليه السلام:

حلالٌ ، ولكن الناس يعافونها»(4).

ومنها: صحيحه أيضاً، عنه عليه السلام: «عن سباع الطير والوحش حتّى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل ؟

فقال عليه السلام: ليس الحرام إلّاما حَرّم اللّه في كتابه، وقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم خيبر عنها، وإنّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه وليست الحُمُر بحرام، الحديث»(5).

ومنها: خبر زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: «عن أبوال الخيل والبغال والحمير؟ قال: فكرهها. قلت: أليس لحمها حلالاً - إلى أنْ قال - وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير، وليس لحومها بحرام، ولكن الناس عافوها»(6).

ومنها: خبر عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام: «أتيت5.

ص: 243


1- الكافي: ج 6/245 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/117 ح 30120.
2- سورة الأنعام: الآية 145.
3- وسائل الشيعة: ج 24/119 ح 30125، علل الشرائع: ج 2/563.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/335 ح 4197، وسائل الشيعة: ج 24/122 ح 30133.
5- التهذيب: ج 9/42 ح 176، وسائل الشيعة: ج 24/123 ح 30136.
6- وسائل الشيعة: ج 24/124 ح 30138، تفسير العياشي: ج 2/255.

أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله رجلاً من الأنصار، فإذا فرس يكبد بنفسه، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: انحره...

إلى أنْ قال صلى الله عليه و آله: كُلْ وأطعمني، قال عليه السلام: فأهدى للنبيّ صلى الله عليه و آله فخذاً منه، فأكل منه وأطعمني»(1).

إلى غير تلكم من النصوص.

أقول: وبإزائها نصوصٌ متضمّنة للنهي عنها أو عن بعضها:

منها: صحيح ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن أكل الخيل والبغال ؟ فقال عليه السلام: نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنها، ولا تأكلها إلّاأنْ تضطرّ إليها»(2).

ومنها: صحيح سعد بن سعد، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن لحوم البراذين والخيل والبغال ؟ فقال عليه السلام: لا تأكلها»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«كان يكره أن يؤكل لحم الضبّ والأرنب والخيل والبغال، وليس بحرامٍ كتحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير، وقد نَهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن لحوم الحُمُر الأهليّة، وليس بالوحشيّة بأس»(4).

ومنها: مرسل أبان، عنه عليه السلام: «عن لحوم الخيل ؟ قال عليه السلام: لا تأكل إلّاأنْ يصيبك ضرورة»(5).2.

ص: 244


1- التهذيب: ج 9/48 ح 201، وسائل الشيعة: ج 24/122 ح 30134.
2- التهذيب: ج 9/40 ح 168، وسائل الشيعة: ج 24/121 ح 30131.
3- التهذيب: ج 9/42 ح 175، وسائل الشيعة: ج 24/122 ح 30135.
4- التهذيب: ج 9/42 ح 177، وسائل الشيعة: ج 24/124 ح 30137.
5- التهذيب: ج 9/40 ح 169، وسائل الشيعة: ج 24/121 ح 30132.

ونحوها غيرها.

أقول: والجمع العرفي بين النصوص يقتضي حمل الثانية على الكراهة.

فإنْ قيل: إنّ صحيح ابن مسكان ومرسل أبان أخصّان من الطائفة الأُولى، بل وكذا من الثانية، فيقيّدان إطلاقهما، لأنّ الجمع الموضوعي مقدّمٌ على الجمع الحكمي.

قلنا: إنّه لايصحّ حمل الطائفة الأُولى على صورة الاضطرار، لصراحة جملةٍ منها لصورة الاختيار، كخبر عمرو بن خالد المتضمّن لأكلهما من لحم الفَرَس، والنصوص المعلّلة لعدم الحرمة بأنّه لم يحرم في كتاب اللّه تعالى ، والمتضمّنة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّما نهى عن الحمير في يوم خيبر، وإلّا فليس بحرام، إذ من المعلوم أنّ النهي عنه كان مختصّاً بحال الاختيار، بل في الطائفة الثانية أيضاً ما لا يمكن حمله على حال الاختيار كخبر أبي بصير المفصِّل بين الخيل والبغال والحُمُر الأهليّة، باختصاص الحرمة بالحُمُر، مع أنّ ذلك إنّما هو على فرض ثبوته يختصّ بحال الاختيار.

فيعلم أنّه ما حكم به في الصدر - من عدم حرمة الخيل والبغال - يكون المراد به حال الاختيار.

وعليه، فالأظهر صحّة الجمع الأول، ممّا تعني كراهة لحوم الثلاثة.

***

ص: 245

ويَحرُم الجلّال من المباح،

حكم الحيوان الجلّال وما يحصل به الجَلَل

المسألة الثانية: (ويحرمُ الجلّال من المباح) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1)، كادت تكون إجماعاً، لو لم يكن إجماعاً، إذ لم ينقل الخلاف إلّاعن الإسكافي(2) والشيخ في «المبسوط»(3) و «الخلاف»(4)، بل عن الثاني وصاحب «الكفاية»(5) نسبته إلى مذهبنا.

ولكن الشيخ رحمه الله إنّما حكم بالكراهة في الجلّال الذي يراه جلّالاً دون غيره، وهو ما كان أكثر علفه العذرة، وأمّا إنْ كان غذاءه كلّه عذرة، فقد حُكي(6) عنه البناء على التحريم، ومحلّ الكلام هو الثاني.

وعليه، فليس هو مخالفاً للمشهور، بل ما أفتى به هو مذهب أكثر علمائنا كما صرّح به في «المختلف»(7) على ما حُكي.

وأمّا الإسكافي: فعن بعض الأجلّة(8) حَمل كلامه على ما يرجع إلى المشهور.

ص: 246


1- المهذّب البارع: ج 4/197، مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/250.
2- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 8/279.
3- المبسوط: ج 6/282.
4- الخلاف: ج 6/85.
5- كفاية الأحكام: ج 2/603.
6- حكاه رياض المسائل: ج 13/381.
7- مختلف الشيعة: ج 8/279.
8- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/250.

وعليه، فينحصر القائل بالكراهة في محلّ المشاجرة بصاحب «الكفاية»(1).

أقول: وكيف كان، فيشهد للحكم نصوصٌ مستفيضة:

منها: صحيح هشام بن سالم، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «لا تأكل لحوم الجلّالات، وإنْ أصابك من عَرَقها فاغسله»(2).

ومنها: صحيح زكريّا بن آدم، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن دجاج الماء؟

فقال عليه السلام: إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس.

قال: ونهى عن ركوب الجلّالة، وشُرب ألبانها»(3).

فإنّه بالمفهوم يدلّ على ذلك كمرسل علي بن أسباط، عمّن روى في الجلّالات.

قال عليه السلام: «لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن»(4).

ومنها: صحيح حفص بن البختري، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال:

«لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة، وإنْ أصابك شيءٌ من عرقها فاغسله»(5).

ومنها: قوي السكوني، عنه عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتّى تغتذي ثلاثة أيّام، والبطّة الجلّالة بخمسة أيّام، والشّاة الجلّالة عشرة أيّام، والبقرة الجلّالة عشرين يوماً، والناقة الجلّالة أربعين يوماً»(6).

ونحوه خبر مسمع(7) وغيره.3.

ص: 247


1- كفاية الأحكام: ج 2/603.
2- الكافي: ج 6/250 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/164 ح 30245.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/322 ح 4150، وسائل الشيعة: ج 24/165 ح 30249.
4- الكافي: ج 6/252 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/164 ح 30247.
5- الكافي: ج 6/251 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/164 ح 30246.
6- التهذيب: ج 9/46 ح 192، وسائل الشيعة: ج 24/166 ح 30252.
7- الكافي: ج 6/253 ح 12، وسائل الشيعة: ج 24/166 ح 30253.

وهو ما يأكل عذرة الإنسان خاصّة

ومنها: مرسل النميري، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في شاةٍ شربت بولاً ثُمّ ذبحت ؟ قال: فقال عليه السلام: يُغسل ما في جوفها، ثمّ لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة، ما لم تكن جلّالة، والجلّالة التي يكون ذلك غذائها»(1).

إلى غير تلكم من النصوص الدالّة عليه منطوقاً أو مفهوماً.

وإنكار ظهوره في الحرمة، نظراً إلى عدم ظهور النهي فيها، قد حُقّق في محلّه بطلانه.

ولا يعارضها صحيح سعد بن سعد، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن أكل لحوم الدجاج في الدساكر، وهم لا يمنعونها عن شيء تمرّ على العذرة مخلّاً عنها فأكل بيضهنّ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(2).

إذ ليس فيه أكل الحيوان العذرة، وعلى فرض ذلك لم يعلم الأكثر أو الدوام الموجب للجَلَل.

وعليه، فالقول بالكراهة ضعيفٌ جدّاً.

(و) أمّا ما به يحصل الجَلَل: ف (هو) أنّ (ما) يحصل بأن (يأكل عَذَرة الإنسان خاصّة) في مدّة معيّنة، كما هو المشهور بين الأصحاب.

أمّا اعتبار أكل العذرة، فيشهد به - مضافاً إلى أنّ المتيقّن حصول الجَلَل به دون الإغتذاء بغيرها من النجاسات، والأصل يقتضي عدمه -: مرسل النميري المتقدّم:8.

ص: 248


1- الكافي: ج 6/251 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/160 ح 30239.
2- الكافي: ج 6/252 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/165 ح 30248.

«والجلّالة التي يكون غذاؤها ذلك»، فإنّ المشار إليه هو العذرة.

فما عن الحلبي(1) من إلحاق سائر النجاسات بالعَذَرة ضعيفٌ .

وأمّا اعتبار التمحُّض: فيشهد به - مضافاً إلى الأصل المتقدّم - مرسلا النميري وابن أسباط المتقدّمان، وقد عمل بهما الأصحاب.

وأمّا اعتبار المُدّة: فواضحٌ .

أقول: اختلف الأصحاب في المدّة التي يحصل بها الجَلَل على أقوال:

1 - أن ينمو ذلك في بدنه ويصير جُزءً منه(2).

2 - التقدير بيومٍ وليلة، واستقربه الكَرَكي(3).

3 - أن يظهر رائحة النجاسة التي اغتذت بها في لحمه وجلده، واستقر به في «المسالك»(4).

4 - أن يُسمّى في العرف جلّالاً، اختاره جماعة منهم سيّد «الرياض»(5)، والمحقّق النراقي(6).

5 - أن يصدق العنوان المأخوذ في النص، وهو كونها غذائه، اختاره صاحب «الجواهر»(7).4.

ص: 249


1- الكافي في الفقه: ص 278.
2- التنقيح الرائع: ج 4/36.
3- حكاه عنه في التنقيح: ج 4/36 بقوله: (وقدّره بعض المحقّقين بيوم وليلة)، وكذلك حكاه صاحب الجواهر: ج 36/274.
4- مسالك الأفهام: ج 12/25.
5- رياض المسائل: ج 13/383.
6- مستند الشيعة: ج 15/112.
7- جواهر الكلام: ج 36/274.

وجه الأوّل: الأخذ بالمتيقّن.

ووجه الثاني: أنّ اليوم واللّيلة أقصر زمان الاستبراء، كما في الرّضاع.

ووجه الثالث: ما ذكر وجهاً للأوّل.

ووجه الرابع: أنّ المتّبع في تعيين المفاهيم التي لم يرد من الشرع تحديدٌ بالنسبة إليها هو العرف.

وأورد عليه صاحب «الجواهر»(1): (بأنّه لا عرف منقّحٌ لأن يرجع إليه، لعدم استعماله فيه)، ولذلك اختار رحمه الله أنّ الميزان صدق ما في النص.

ولكن يرد على ما اختاره: أنّه لا إشكال في اعتبار صدق كون ذلك غذائه، إنّما الكلام في أنّ صدق هذا العنوان في أي مقدارٍ من الزمان يكون، وأنّه هل هو اليوم واللّيلة أو الشهر وما شاكل أو أزيد من ذلك ؟

ويرد على ما أورده على الوجه الرابع: أنّ العرب يستعملون لفظ الجلّالة، وغيرهم وإنْ لم يكن لهم لفظٌ بسيطٌ موضوعٌ له، لكن لهم ألفاظ مركّبة قائمة مقامه، كما لا يخفى .

وعليه، فالمتَّجه حينئذٍ الوجه الرابع، لأنّ ما لحقه هذا حاله وما سبقه وجوه اعتباريّة لا مدرك لشيء منها.

ثمّ إنّ الكلام في أنّ الجَلَل هل يوجب النجاسة أم لا؟ قد تقدّم في كتاب الطهارة(2).

ولمّا كان تحريم الجلّال عارضاً بسبب عروض العلف النجس، لم يكن تحريمه8.

ص: 250


1- جواهر الكلام: ج 36/274.
2- فقه الصادق: ج 5/28.

إلّا مع الإستبراء، وتُطعم الناقة علفاً طاهراً أربعين يوماً،

مستقرّاً، ولذا قال المصنّف رحمه الله بعد الحكم بحرمة الجلّال: (إلّامع الاستبراء، و) هو (أن تُطعَم الناقة) والبعير بل مطلق الإبل وإنْ كانت صغيرة (عَلَفاً طاهراً أربعين يوماً) بلا خلافٍ فيه.

بل عن «الخلاف»(1) و «الغنية»(2): الإجماع عليه.

بل اعترف غير واحدٍ(3) بأنّ ذلك من المتّفق عليه نصّاً وفتوى.

وممّا ينص عليه:

1 - قوي السكوني المتقدّم، وكذا خبر مسمع، ومرسل «الفقيه» المتقدّمان.

2 - وخبر الصيرفي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الإبل الجلّالة ؟

قال: عليه السلام: لا يؤكل لحمها ولا تركب أربعين يوماً»(4).

3 - ومرفوع يعقوب بن يزيد، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«الإبل الجلّالة إذا أردتَ نَحرها يُحبس البعير أربعين يوماً، والبقرة ثلاثين يوماً، والشاة عشرة أيّام»(5).

4 - وخبر يونس، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «في الدّجاجة تُحبس ثلاثة أيّام، والبطة سبعة أيّام، والشاة أربعة عشر يوماً، والبقر ثلاثين يوماً، والإبل أربعين5.

ص: 251


1- الخلاف: ج 6/86.
2- غنية النزوع: ص 398.
3- مستند الشيعة: ج 15/113.
4- الكافي: ج 6/253 ح 11، وسائل الشيعة: ج 24/167 ح 30254.
5- الكافي: ج 6/252 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/167 ح 30255.

والبقرة عشرين يوماً، والشاة عشرة

يوماً، ثمّ تُذبح»(1).

(و) أمّا (البقرة): فالمشهور بين الأصحاب(2) أنّ استبرائها يكون ب (عشرين يوماً).

وعن الصدوق(3) والإسكافي(4) أنّها بثلاثين يوماً.

وعن الشيخ في «المبسوط»(5)، والقاضي(6): أنّها بأربعين يوماً.

والأوّل أقوى ، لا لخصوص ما قيل من أنّ جميع روايات الباب ضعيفة، واختصاص رواية العشرين بالجبر، فإنّ خبر السكوني دالٌّ على العشرين وهو قويٌ كما عرفت.

(و) أمّا (الشاة): فالمشهور بين الأصحاب(3) أنّ مدّة استبرائها (عشرة) أيّام.

وعن الإسكافي(8): أنّها أربعة عشر يوماً.

وعن الصدوق(9): كونها عشرين يوماً.

وعن الشيخ في «المبسوط»(10)، والقاضي(11): أنّها سبعة أيّام.9.

ص: 252


1- الكافي: ج 6/252 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/167 ح 30256.
2- مختلف الشيعة: ج 8/279. (3و9) المقنع: ص 421. (4و8) حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 8/279. (5و10) المبسوط: ج 6/282. (6و11) المهذّب: ج 2/427.
3- مسالك الأفهام: ج 12/29.

وقد صرّح بعضهم(1) بأنّه لا مستند للسبعة، فإنّ ما يشهد بها خبرٌ ضعيف لا يصلح للاعتماد، وما عن الصدوق(2) لم يُعرف مستنده، فيدور الأمر بين القولين الأولين، والأوّل أصَحّ لما تقدّم في البقرة.

وأمّا البطة: فالمشهور بين الأصحاب(2) أنّ مدّة استبرائها خمسة، ويشهد به قوي السكوفي المتقدّم، وغيره المنجبر ضعفه بالعمل.

وعن الشيخ في «المبسوط»(3): أنّها سبعة لخبر يونس المتقدّم، ولكنّه لضعف سنده، واشتماله على الأربعة عشر في الشاة، والثلاثين في البقرة، ولا يقول بشيء منهما في كتبه، لا يصلحُ لأنْ يُستند إليه في الحكم الشرعي، وأن يقاوم ما مرَّ.

وعن الصدوق(5): أنّها تُربط ثلاثة أيّام لخبر(4) القاسم بن محمّد الجوهري، وهو كسابقة ضعيف.

وأمّا الدجاجة: فالمشهور بين الأصحاب(5) أنّها ثلاثة أيّام، ويشهد به قوي(6) السكوني. وعن «المقنع»(7): إنّه رُوي: «يوماً إلى اللّيل»(8) ولكنّه لضعفه وعدم وجود العمل به يُطرح.1.

ص: 253


1- جواهر الكلام: ج 36/279. (2و5) المقنع: ص 421.
2- مختلف الشيعة: ج 8/279، مستند الشيعة: ج 15/116.
3- المبسوط: ج 6/282.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/339 ح 4200، وسائل الشيعة: ج 24/168 ح 30257.
5- مختلف الشيعة: ج 8/279.
6- التهذيب: ج 9/46 ح 192، وسائل الشيعة: ج 24/166 ح 30252.
7- المقنع: ص 421.
8- وسائل الشيعة: ج 24/168 ح 30258، المقنع: ص 421.

وأمّا ما لا تقدير فيه، فعن جماعة(1): إنّه يُرجع فيه إلى ما يُستنبط من المقدّرات بالفحوى، فما يشبه البطة يلحق بها، وما يشبه الدجاجة يكون ملحقاً بها، وهكذا، ولا بأس به فيما أمكن فيه ذلك، وإلّا فيتعيّن رعاية أكثر مدّة تحتمل فيه، عملاً بالاستصحاب.

ثمّ إنّ كيفيّة الاستبراء، وأنّه هل يعتبر طهارة العَلَف أم لا؟ تقدّمتا في السَّمك.

***7.

ص: 254


1- رياض المسائل: ج 13/386، مستند الشيعة: ج 15/117.

ولو شَرِب لبن خنزيرةٍ كَرُه، ولو اشتدّ لحمه حَرُمَ هو ونسله

حكم ما لو شرب الحيوان لبن خنزيرة

(ولو شرب) الحيوان المُحلّل لحمه (لبن خنزيرةٍ ) ففي المتن، و «الشرائع»(1)وغيرهما(2): (كَرُه) لحمه إنْ لم يشتدّ.

(ولو اشتدّ لحمه حَرُم هو ونسله) ولا استبراءَ ، بلا خلافٍ أجده فيه، كما اعترف به غير واحدٍ(3)، بل عن «الغنية»(4) دعوى قيام الإجماع على التحريم.

أقول: والمستند عدّة أخبار، هي:

1 - موثّق حنّان بن سدير، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا حاضر عنده: عن جَدْي رَضع من لبن خنزيرةٍ حتّى شَبّ وكَبُر، واشتدّ عظمه، ثمّ إنّ رجلاً استفحله في غَنمه فخرج له نسل ؟

فقال عليه السلام: أمّا ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه، وأمّا ما لم تعرفه فكُلْه، فهو بمنزلة الجُبُنّ ولا تسأل عنه»(5).

رواه الصدوق في «المقنع»(6) مرسلاً، والحميري مسنداً إلّاأنّه قال:

ص: 255


1- شرائع الإسلام: ج 3 ص 170.
2- المهذّب للقاضي: ج 2/429.
3- شرح اللّمعة: ج 7/293، رياض المسائل: ج 13/406.
4- غنية النزوع: ص 399.
5- الكافي: ج 9/249 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/161 ح 30240.
6- المقنع: ص 420.

«عن حملٍ يرضع من خنزيرةٍ ، ثم استفحل الحمل في غنمٍ فخرج له نسل».

2 - وموثّق بشر بن مسلمة، عن أبي الحسن عليه السلام: «في جَدْي رَضع من خنزيرةٍ ثمّ ضرب في الغنم ؟

فقال عليه السلام: هو بمنزلة الجُبُنّ ، فماعرفت أنّه ضربه فلاتأكله، ومالم تعرفه فكُلْه»(1).

3 - ومرفوع أبي حمزة: «لا تأكل من لَحم حَملٍ رَضَع من لبن خنزيرة»(2).

رواه الصدوق مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام.

وهذه النصوص كما تراها مطلقة، شاملة لصورة الاشتداد وعدمه، إلّاالموثّق الأوّل، فإنّه مختصٌّ بصورة الاشتداد، ولكن لا مفهوم له كي يقيّد إطلاق بقيّة النصوص.

ويمكن أنْ يقال: إنّ موثّق بشير أيضاً مختصٌّ بها، لأنّ قوله: (رضع من خنزيرة ثمّ ضرب في الغنم) ظاهرٌ في التجدد والاستمرار، المقتضي للاشتداد، وبقيّة النصوص ضعيفة الإسناد.

ثمّ إنّ الموثّق الأوّل دالٌّ على تحريم نسله، فبالأولويّة يدلّ على تحريم نفسه، والثاني يدلّ على أنّه بنفسه حرام، وبهما يقيّد إطلاق قويّ السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«سُئل عن حَمَلٍ غذي بلبن خنزيرة ؟

فقال عليه السلام: قيّدوه واعلفوه الكَسَب والنوى والشعير والخبز إنْ كان استغنى عن2.

ص: 256


1- الكافي: ج 6/250 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/162 ح 30241.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/334 ح 4194، وسائل الشيعة: ج 24/162 ح 30242.

اللّبن، وإنْ لم يكن استغنى عن اللّبن فيلقى على ضَرْعِ شاةٍ سبعة أيّام ثمّ يؤكل لحمه»(1).

ويختصّ بصورة عدم الاشتداد، وحيث أنّه يستفاد منه مرجوحيّة عدم الأكل قبل سبعة أيّام، فلذلك أفتى الفقهاء بالكراهة.

ثمّ إنّ ما في النصوص من الجَدْي محمولٌ على المثال، لما سمعته من فتوى الأصحاب.

نعم، لا تلحق بالخنزيرة الكلبة، ولا الكافرة، لحرمة القياس.

***3.

ص: 257


1- الكافي: ج 6/250 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/162 ح 30243.

حكم الحيوان لو وطأه إنسان

المسألة الثالثة: لو وطأ إنسانٌ بهيمةً ، تعلّق بوطئها أحكاماً تقدّم بعضها في كتاب الطهارة(1)، ويأتي بعضها في كتاب الحدود(2).

أقول: والكلام الآن متمحّضٌ في الانتفاع بذلك الحيوان.

فالمشهور بين الأصحاب(3):

أنّها إنْ كانت مأكولة اللّحم عادةً ، أي يراد في العرف والعادة لحمها، كالشّاة والغنم والبقر، يحرم لحمها ونسلها، ويجب ذبحها وإحراقها.

وإنْ كانت يراد منها ظهرها دون لحمها، وإنْ كان يجوز أكل لحمها أيضاً كالخيل والبغال والحمير.

لم تُذبح، بل تُخرج من بلد المواقعة، وتُباع في غيره، ويُغرم ثمنها لمالكها إنْ كانت لغير الواطء، بل الظاهر عدم الخلاف في شيء من ذلك، والمستند جملة من النصوص، وعليه فاللّازم أوّلاً نقل ما وصل إلينا من النصوص الواردة في الباب والمعتبرة، ثمّ بيان ما يستفاد منها من الأحكام:

1 - خبر مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سُئل عن البهيمة التي تنكح ؟ قال عليه السلام: حرام لحمها ولبنها»(4).

ص: 258


1- فقه الصادق: ج 5/28 و غيرها.
2- فقه الصادق: ج 39/327.
3- مستند الشيعة: ج 15/119 قال: (بل هو فتوى الأصحاب المشعر بالإجماع كما في المفاتيح).
4- الكافي: ج 6/259 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/170 ح 30263.

2 - وصحيح محمّد بن عيسى العبيدي، عن الرّجل عليه السلام - الظاهر أنّه الهادي أو العسكري عليهما السلام -: «أنّه سُئل عن رجلٍ نظر إلى راعٍ نزا على شاة ؟

قال عليه السلام: إنْ عرفها ذبحها وأحرقها، وإنْ لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً حتّى يقع السَّهم بها فتُذبح وتُحرق، وقد نجت سائرها»(1).

3 - ونحوه خبر «تحف العقول» عن أبي الحسن الثالث عليه السلام في جواب مسائل يحيى بن أكثم(2).

4 - وموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يأتي بهيمة أو شاة أو ناقة أو بقرة ؟

فقال عليه السلام: أنْ يجلد حَدّاً غير الحَدّ، ثمّ يُنفى من بلاده إلى غيرها، وذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم ولبنها»(3).

5 - وما رواه الشيخ بسندٍ صحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام.

وعن صباح الحذّاء، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم موسى عليه السلام:

«في الرّجل يأتي البهيمة ؟

فقالوا جميعاً: إنْ كانت البهيمة للفاعل ذُبحت، فإذا ماتت اُحرقت بالنار، ولم ينتفع بها، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع حَدّ الزاني.

وإنْ لم تكن البهيمة له قوّمت، وأُخذ ثمنها منه، ودفع إلى صاحبها وذبحت2.

ص: 259


1- التهذيب: ج 9/43 ح 182، وسائل الشيعة: ج 24/169 ح 30261.
2- وسائل الشيعة: ج 24/170 ح 30264، تحف العقول: ص 480.
3- الكافي: ج 7/204 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/169 ح 30262.

واُحرقت بالنار، ولم ينتفع بها، وضرب خمسة وعشرين سوطاً.

فقلت: وما ذنب البهيمة ؟

فقال عليه السلام: لا ذنب لها، ولكن رسول صلى الله عليه و آله فَعَل هذا وأمر به لكيلا يجتزي الناس بالبهائم وينقطع النسل»(1).

6 - وحسن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرّجل يأتي البهيمة ؟

قال عليه السلام: يُجلَد دون الحَدّ، ويُغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه، وتُذبح وتُحرق إنْ كانت ممّا يؤكل لحمها، وإنْ كانت ممّا يركب ظهرها غَرُم قيمتها وجُلِد دون الحَدّ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلادٍ أُخرى حيث لا تُعرَف، فيبيعها فيها كيلا يعيّر صاحبها»(2).

أقول: وتنقيح القول في بيان ما يستفاد من هذه النصوص يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: هل يعمّ الحكم كلّ حيوانٍ من ذوات الأربع وغيرها كالطير كما هو المشهور، نظراً إلى ما عن الزجّاج(3): (البهيمة هي ذات الرّوح التي لا تتميّز سمّيت بذلك لذلك)؟

أم يختصّ بالأُولى كما عن المصنّف(4) رحمه الله وجماعة ممّن تأخّر عنه(5)، لأنّ المتبادر عند أذهان العرف من البهيمة ذلك، والعرف يقدّم على اللّغة حيث حصل بينهما8.

ص: 260


1- الكافي: ج 7/204 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/357 ح 34961.
2- الكافي: ج 7/204 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/358 ح 34964.
3- نقله عنه في لسان العرب: ج 12/56.
4- قواعد الأحكام: ج 3/328.
5- شرح اللّمعة: ج 9/306، رياض المسائل: ج 16/168.

معارضة، مع أنّه ذكر جماعة(1) أنّها لغةً لذات الأربع من حيوان البرّ والبَحر؟

وجهان، أظهرهما الثاني، ومع الشكّ مقتضى القاعدة الاقتصار على مورد اليقين وهو ذات الأربع.

الجهة الثانية: هل يختصّ الحكم بمأكول اللّحم، فلا يشمل محرّم الأكل كالهِرّ والفيل والكلب، كما عن ظاهر جماعةٍ من الأصحاب(2)؟

أم يعمّه، بمعنى وجوب إحراقه، وعدم جواز الانتفاع به بوجهٍ ، ولو بتذكيته والانتفاع بجلده، كما قوّاه صاحب «الجواهر»(3) رحمه الله ؟

وجهان، أظهرهما الثاني، لإطلاق جملةٍ من النصوص المتقدّمة، ولا ينافيها ما في بعضٍ آخر منها من حرمة اللّحم، إذ المراد حرمة اللّحم إنْ كانت مأكولة فهي حكمٌ من الأحكام.

الجهة الثالثة: إنّ الموطوءة:

تارةً : يراد لحمها ولبنها كالشّاة والبقَر.

وأُخرى : يراد ظهرها كالخيل والبغال والحمير، وإنْ جاز أكلها.

وعلى التقديرين:

تارةً : يكون الواطيء هو المالك.

وأُخرى : يكون غيره.

فهذه أقسامٌ أربعة:8.

ص: 261


1- مسالك الأفهام: ج 12/31، مستند الشيعة: ج 15/123.
2- السرائر: ج 3/98، شرائع الإسلام: ج 4/175.
3- جواهر الكلام: ج 36/288.

القسم الأوّل: ما إذا كان الواطئ هو المالك، وكانت الموطوءة يراد لحمها، فإنّه لا خلاف نصّاً وفتوىً في وجوب ذبحها وحرقها.

والنفي في موثّق سماعة راجعٌ إلى الواطيء لا الموطوءة، وعدم القائل به لا يوجب حمله على نفي الموطوءة، مع عدم وجود القائل به أيضاً.

القسم الثاني: ما إذا كان الواطئ هو غير المالك، مع كون الموطوءة يراد لحمها، فإنّه لا خلاف أيضاً نصّاً وفتوىً في أنّه تذبح الموطوءة وتُحرق، ويغرم الثمن لمالكها.

القسم الثالث: ما إذا كان الواطيء غير المالك، وكانت الموطوءة يراد ظهرها، فإنّه لا إشكال في أنّه يُغرم ثمنها لمالكها، ونفت في غير بلد الوطي وبيعت، كما صرّح به في حسن سدير، وبه يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ البهيمة إذا نكحت تذبح وتحرق ولم ينتفع بها.

فرع: ولو بيعت فهل يُدفع الثمن إلى الواطئ، كما عن أكثر المتأخّرين على ما في «جامع الشتات»(1)؟

أم يدفع إلى المالك كما قوّاه في «المستند»(2)، ونسب إلى جماعة ؟

أم يتصدّق به كما عن بعضٍ (3)؟ وجوه:

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المالك لايملكها لأخذ القيمة، فيلزم منه الجمع بين العوض والمعوّض، ولا يجوز بقاء المِلْك بلا مالك، فيتعيّن كونه للواطئ.0.

ص: 262


1- جامع الشتات في أجوبة السؤالات للميرزا القمّي (مطبوع باللّغة الفارسيّة) في أربعة أجزاء.
2- مستند الشيعة: ج 15/124-125.
3- المقنعة: ص 790.

2 - وبأنّ التعبير بالثمن في النص مشعرٌ بصيرورة الثمن مِلْكاً لمن أعطى الثمن، لأنّ الثمن والثمن يطلقان مع المعاوضة، فإذا صار الحيوان مِلكاً له ملك ثمنه أيضاً.

ولكن يُردّ الأوّل: أنّ الجمع بين العوض والمعوّض إنّما يمنع في عقود المعاوضات لا مطلقاً، مع أنّه لا محذور في بقاء المال بلا مالك كما في المباحات.

ويرد الثاني: أنّ مدرك الحكم منحصرٌ في حسن سدير، وإنّما عبّر فيه بالقيمة لا بالثمن، وعليه فهذا القول لا وجه له.

واستدلّ للثالث: بأنّ الثمن لا يستحقّه الواطيء لعدم ملكه للبهيمة، ولا المالك لأخذه الغرامة، فليس إلّاالصَدَقة.

وفي «الجواهر»(1): (بل لعلّه لا يخلو عن قوّة وإنْ اختار بعد ذلك القول الأوّل).

وفيه: ما تقدّم من أنّ أخذ المالك القيمة بأمر الشارع لا يلازم خروج المال عن ملكه.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الوسط.

القسم الرابع: ما إذا كان الواطئ هو المالك، وكانت الموطوءة يراد ظهرها، فالمشهور أنّها تُنفى إلى بلدٍ غير بلد الوطء، وتُباع فيه، ويدفع ثمنها إلى المالك.

وعن المفيد(2)، وابن حمزة(3): أنّه يتصدّق بثمنها.

وربما نوقش: في أصل النفي من جهة اختصاص دليلة بصورة تغاير المالك والواطئ، وما فيه من التعليل بعدم التعيير لا يصلحُ منشئاً للشمول لصورة الاتّحاد،5.

ص: 263


1- جواهر الكلام: ج 36/287.
2- المقنعة: ص 790.
3- الوسيلة: ص 415.

لإمكان أن يراد به عدم التعيير بفعل غيره.

ولكنّه يدفع: بأنّ الظاهر من الحسن - ولو بواسطة فهم الأصحاب - كونه في مقام بيان الفرق بين كون الموطوءة يُراد لحمها فالذَبح والحرق، وكونها يراد ظهرها فالنفي والبيع في غير البلد، من غير تفصيلٍ بين صورة تغاير المالك والواطئ واتّحادهما.

مع أنّه يكفي في إثباته في صورة الاتّحاد، عدم القول بالفصل، ولولا ذلك لزم منه الذَّبح والحرق، لإطلاق دليلهما كما لا يخفى .

وأمّا التصدّق بثمنه: فقد استدلّ له بأنّ البيع إنّما جُعل عقوبةً لفعله، ولو رُدّ الثمن إليه، لم يكن ذلك عقوبةً ، فيتعيّن الصدقة.

وفيه: إنّ عقوبة فعله إنّما هي غير البيع كالتعزير ونحوه، وليس البيع عقوبة.

وعليه، فالأظهر أنّه يدفع ثمنه إليه كما عن الشيخ(1) والحِلّي(2) وغيرهما(3).

وفي المقام قسمٌ خامسٌ : وهو كون الحيوان ممّا يُقصد منه الأمران كالناقة، سيّما عند العرب:

ففي «المستند»(4): (يحتمل فيه التخيير، لعدم المرجّح، ويحتمل ملاحظة الغالب فيه).

أقول: ويحتمل تعيّن الذَّبح والحرق من جهة عموم ما دلّ على ذينك، بعد فرض5.

ص: 264


1- النهاية: ص 709.
2- السرائر: ج 3/469.
3- شرائع الإسلام: ج 4/187.
4- مستند الشيعة: ج 15/125.

تعارض دليل النفي مع دليل الحرق في خصوص ما يُراد لحمه وتساقطهما فيه.

الجهة الرابعة: المشهور بين الأصحاب أنّ ما يُذبح ويُحرق يَحرمُ نسله أيضاً.

ويشهد به: ما دلّ على عدم الانتفاع به بقول مطلق، الشامل للاستنسال.

ويؤكّده: ما تضمّن أنّه أفسده على مالكه.

ويستأنس له: بالأمر بالذبح والحرق.

والمرادُ بالنسل، هو المتجدّد بعد الوطء لا الموجود حالته، بل عن «الروضة»(1):

(إنْ كان حملاً على الأقوى ).

وهل هناك فرقٌ بين نسل الأُنثى والفحل الموطوء؟

فعن المحقّق الأردبيلي في كتاب الحدود من «مجمع الفائدة»(2) احتمال التعدّي إلى الفحل أيضاً.

وفي «المستند»(3): (ولعلّه استند في ذلك إلى أنّ حليّة نسله أيضاً نوعُ انتفاع).

أقول: ولايخفى أنّه خلاف الظاهر المتبادر، وإن لم يكن في التعدّي إليه كثيرُ بُعدٍ.

الجهة الخامسة: هل حرمة اللَّحم مخصوصة بما يُراد لحمه، فلو كان الموطوء يرادُ ظهره لا يحرم لحمه، أم تعمّه أيضاً؟

صرّح المصنّف في «القواعد»(4)، والشهيد الثاني في «الروضة» على ما حُكي(5) بالثاني.8.

ص: 265


1- شرح اللّمعة: ج 9/370.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 13/350 قوله: (ويحتمل تحريم نسل الفحل الموطوء الذي حصل بعده).
3- مستند الشيعة: ج 15/121.
4- قواعد الأحكام: ج 3/541.
5- شرح اللّمعة: ج 9/308.

وعن «الإيضاح»(1)، و «التنقيح»(2): ذكر الأوّل احتمالاً.

واستدلّ للتعميم:

1 - بعموم ما دلّ على حرمة لحم البهيمة الموطوءة كخبر مسمع المتقدّم.

2 - وبذيل موثّق سماعة، الوارد في كلا القسمين.

3 - وبالأولويّة، فإنّه إذا حَرُم لحم ما لا يكون أكله مكروهاً بالوطء، فحرمة المكروه به أولى .

وأُورد على الأوّل: بأنّ خبر مسمع ضعيف السند، واستناد الأصحاب إليه غير ثابت.

وأمّا ذيل موثّق سماعة، فيحتمل أن لا يكون كلام الإمام عليه السلام، وعلى فرضه غير ظاهرٍ في بيان الحكم الواقعي، بل ظاهرُ استناده إلى الناس، عدم كونه في مقام بيان الحكم، مع أنّ كلمة (أو) في صدره الواقعة بين بهيمة وشاة زائدة في بعض النسخ، وعليه فيختصّ بما يراد لحمه.

وعلى الثاني: بمنع الأولويّة.

لكن يدفع الأوّل: بأنّ ظاهر الأصحاب في جملةٍ من فروع المسألة الاستناد إليه، حتّى المورد نفسه تمسك به في ثبوت الحكم إذا كان الواطئ غير بالغ، وقال: (إنّ ضعف سنده منجبرٌ بعمل الأصحاب).

وأمّا الموثّق: فالبناء على زيادة كلمة (أو) خلاف أصالة عدم الزيادة التي عليها بناء العقلاء، عند دوران الأمر في كلمةٍ أو جملةٍ بين كونها زيادة أم لا، وظاهر7.

ص: 266


1- إيضاح الفوائد: ج 4/497.
2- التنقيح الرائع: ج 4/397.

الدليل كونها من الإمام عليه السلام.

وقوله: «وذكروا» غير ظاهرٍ في عدم كونه في مقام بيان الحكم الواقعي.

وأمّا حسن سُدير المفصِّل بين ما يؤكل وبين ما يُراد ظهره:

فهو بالنسبة إلى الذَّبح والحرق والنفي من البلد، لا في جميع الأحكام، فلايصلح لأن يقيّد به إطلاق دليل الحرمة.

وعليه، فالأظهر أنّه حرامٌ ، نعم حُرمة نسله لا دليل عليها، كما لا يخفى .

الجهة السادسة: مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى أنّه لا فرق في الموطوء بين الأُنثى والذَّكر.

واحتمال الاختصاص بالاُنثى ، بدعوى انصراف وطءالبهيمة وعود ضمير لبنها.

ضعيفٌ غايته، فإنّ البهيمة كالدّابة شاملة للذَّكر والأُنثى ، والنكاح كالوطء والإتيان شاملٌ للجميع، واختصاص بعض الأحكام بالاُنثى لعدم ثبوت موضوعه في غيرها، لا يصلحُ تقيّداً للإطلاق.

ولا فرق أيضاً: بين الواطء قُبُلاً أو دبراً، ولا بين كون الواطئ جاهلا أو عالماً.

فرع: هل يختصّ الحكم بوطء البالغ أم يعمّ وطء غيره أيضاً؟

صرّح جماعة منهم الشهيدالثاني(1)، والمحقّق الأردبيلي(2)، والمحقّق النراقي(3)، والمحقّق القمّي وغيرهم(4) بالثاني، وهوالأظهر، لإطلاق خبر مسمع وصحيح العبيدي.5.

ص: 267


1- مسالك الأفهام: ج 15/41.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/261.
3- مستند الشيعة: ج 15/122.
4- جامع المدارك في شرح مختصر النافع: ج 7/175.

والتخصيص بالرّجل في سائر النصوص، لا يوجبُ تقييد الحكم وتخصيصه بالبالغ، لكونه في السؤال أوّلاً، وعدم حجيّة مفهوم الوصف واللّقب ثانياً، وظاهره إرادة الجنس لا خصوص البالغ ثالثاً.

فإنْ قيل: إنّ مقتضى حديث(1) رفع القلم عن الصبي، رفع أثر فعله، فلا يوجب الحرمة، ولا وجوب الذَّبح والحرق أو النفي إلى بلدٍ آخر.

قلنا: إنّ حديث الرفع إنّما يرفع الأحكام المتوجّهة إلى غير البالغ، ولا يدلّ على رفع الحكم عن الموضوع الخارجي الذي أوجب فعل الصغير انطباق عنوانٍ عليه، موجبٍ لثبوت حكم على ذلك الموضوع لعامّة المكلّفين، وهو واضح جدّاً.

ثمّ إنّه على تقدير كون الحيوان لغير الصغير، يثبت قيمته في ذمّة الصغير، ويكون حكمها حكم سائر ديونه الثابتة في ذمّته بفعله من الإتلاف ونحوه.

ودعوى: أنّ عموم حديث رفع القلم يشمل هذا الحكم المتوجّه إلى الصغيرنفسه.

مندفعة: بما حُقّق في محلّه من اختصاص الحديث بالأحكام المترتّبة على فعل الصغير، أعمّ من كون فعله موضوعاً له أم متعلّقاً.

وأمّا الحكم المترتّب على الموضوع الخارجي المتحقّق بفعله بلا كون جهة الصدور دخيلة فيه، فلا يدلّ الحديث على رفعه، كما في الإتلاف والجنابة، ونجاسة بدنه أو ثوبه مع ملاقاة النجاسة، وما شاكل، والمقام من هذا القبيل فتأمّل، فإنّه يتمّ في وطء ما يؤكل، ولا يتمّ فيما يراد ظهره، فإنّ وطء ما يؤكل إتلافٌ له، لأنّه لا ينتفع به بوجهٍ بخلاف وطء غيره، فإنّ غرامة القيمة جُعلت بعنوان العقوبة على فعله.5.

ص: 268


1- وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 35225، الخصال: ج 1/93، 175.

وعليه، فاختصاصها بالبالغ قويٌّ جدّاً.

الجهة السابعة: ولو اشتبهت الموطوءة في قطيعٍ محصورة قُسِّمت بنصفين، واُقرع بينهما، بأن يكتب رقعتان في كلّ واحدةٍ اسمُ نصفٍ من القطيع، ثمّ يخرج على ما فيه المُحرّم، فإذا خَرَج أحد النصفين قُسِّم كلّ ما أُقرع عليه، وهكذا حتّى يبقى واحدة، فيعمل بها ما يُعمل بالمعلومة ابتداءً .

ويشهد به: صحيح العبيدي، وخبر «تحف العقول» المتقدّمين، وموردهما وإنْ كان هو الشاة ووطء الرّاعي، إلّاأنّه لعدم الفصل يتعدّى إلى غير الشاة، وإلى كون الواطيء غير الراعي.

وهل يتعدّى إلى ما يُراد ظهره أم لا؟ وجهان:

من اختصاص الخبرين بما يؤكل، والتعدّي إلى ما يُراد ظهره بعد كون حكمهما مختلفاً يحتاجُ إلى دليل، والثاني أظهر، وعليه فيرجع فيه إلى ما تقتضيه القاعدة.

وقد يتوهّم: أنّها تقتضي الاجتناب عن الجميع، قضاءً للعلم الإجمالي.

ولكنّه توهم فاسد: فإنّ القرعة لكلّ أمرٍ مشكل قاعدة مجعولة للفصل عند تزاحم الحقوق.

وعليه، فإنْ كان القطيع لملّاكٍ متعدّدين، تكون مشمولة لعموم أدلّة(1) القرعة في هذه الصور، وتثبت فيما إذا كان القطيع لمالكٍ واحدٍ بعدم الفرق، فثبوت القرعة إنّما يكون في جميع الصور.

نعم، الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كانت الشبهة محصورة، لأنّ المرجع في غيرة.

ص: 269


1- التهذيب: ج 6/233 باب 90. وحكم القرعة، وسائل الشيعة: ج 27/257 باب 13 باب الحكم بالقرعة.

المحصورة إلى ما تقتضيه القاعدة، وهو عدم وجوب الاجتناب، ولا يلزم القرعة.

وهل يعتبر عند الاقتراع أن يقسِّم القطيع نصفين مع الإمكان، كما صرّح به جماعة(1)؟

أم يكفي التقسيم قسمين، وإنْ لم يكونا متساويين كما عن ظاهر «القواعد»(2) و «التحرير»(3)؟

ظاهر الخبرين هو الأوّل، نعم إذا كان العدد فرداً اغتفرت الزيادة في أحد النصفين.

والظاهر جريان القرعة مع تلف بعض القطيع بموتٍ أو سرقةٍونحوهما، فيجعل التالف في فريقٍ ويُقرع، فإذا خرجت القرعة نجى الباقي.

***6.

ص: 270


1- جواهر الكلام: ج 36/286، رياض المسائل: ج 16/171.
2- قواعد الأحكام: ج 2/157.
3- تحرير الأحكام: ج 2/226.

حكم ما لو شرب الحيوان الخمر أو البول

المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب(1) أنّه لو شرب الحيوان المُحلّل لحمه خمراً، لا يؤكل ما في بطنه من الأمعاء والقلب والكبد، بل يُطرح ويؤكل لحمه بعد غسله وجوباً.

ولو شرب بولاً نجساً، لم يَحرُم شيءٌ منه، بل يُغسل ما في بطنه ويؤكل.

ومستند الأوّل: خبر زيد الشَّحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في شاةٍ شربت خمراً حتّى سكرت، ثمّ ذُبحت على تلك الحال ؟

قال: لا يؤكل ما في بطنها»(2).

ومستند الثاني: مرسل موسى بن أكيل، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في شاةٍ شربت بولاً ثُمّ ذُبحت ؟

قال: فقال عليه السلام: يُغسل ما في جوفها، ثُمّ لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة، الحديث»(3).

وأورد عليهما: في «المسالك»(4) وغيرها(5) بضعف السند.

ويردّه أوّلاً: أنّ الأصحاب استندوا إليهما، فلو كان ضعفٌ ينجبر لذلك.

ص: 271


1- كفاية الأحكام: ج 2/605، مستند الشيعة: ج 15/126.
2- الكافي: ج 6/251 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/160 ح 30238.
3- الكافي: ج 6/251 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/160 ح 30239.
4- مسالك الأفهام: ج 12/32.
5- مستند الشيعة: ج 15/127.

وثانياً: أنّ الظاهر كون الأوّل معتبراً، فإنّ الراوي عن زيد الشَّحام وإنْ كان هو أبو جميلة الضعيف، ولكن الراوي عنه على ما رواه في «الكافي» ابن فضّال، وعن الكَّشي عن بعض: (أنّه من أصحاب الإجماع).

مضافاً إلى أنّا اُمرنا بالأخذ بما رواه بنو فضّال، فلا إشكال في الخبرين سنداً.

وقد يُورد على الأوّل منهما: بأنّه أخصّ من المُدّعى، لأنّه يختصّ بما إذا شربت أقلّ من ذلك، وأيضاً يختصّ بما إذا ذبحت في حال السكر، فلا تحرم ما إذا ذُبحت بعدها، ولا دلالة فيه على وجوب غسل اللّحم.

وفيه: إنّ الإيراد الأوّل إنّما يتمّ لو ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم، وهي غير ثابتة بعد استناد الأكثر إلى الخبر، وتعليل الحكم في جملةٍ منها بما يختصّ بموردها، وتصريح بعضهم بالاختصاص.

وفي «الجواهر»(1): ولعلّه المراد من إطلاق بعضها كالعبارة ونحوها ممّا لا يوجد فيه شيء من ذلك.

وأمّا الثاني فيردّه: أنّ البناء على وجوب الغَسل لعلّه من جهة مرسل الحِلّي، قال: (وقد رُوي أنّه إذا شرب شيءٌ من هذه الأجناس خمراً ثمّ ذُبح جاز أكله بعد أن يُغسل بالماء، ولا يجوز أكل شيء ممّا في بطنه ولا استعماله)(2) المنجبر بالشهرة.

أو من جهة أنّه إذا ذبحت في حال السُّكر ولم يستحيل المشروب، تكون الخمر موجودة، والباطن يصير طاهراً فينجّسه، ولعلّ ذلك من قرائن اختصاص7.

ص: 272


1- جواهر الكلام: ج 36/291.
2- السرائر: ج 3/97.

الحرمة بصورة الذَّبح في حال السكر.

وهل يختصّ الحكم في المورد الثاني بما إذا كان الذَّبح عقيب الشرب بلا فصلٍ ، أو قريباً منه، فلا تراخي بحيث يستحيل البول لا يجب الغُسل كما أفاده الشهيد الثاني في «المسالك»(1) وعن غيره(2) تبعيّته له ؟

أم يكون الحكم عامّاً كما عن ظاهر الأكثر(3)؟ وجهان:

الجمود على النصّ يوجبُ البناء على الثاني، واللّه العالم.

أقول: بقي في المقام فرعٌ مناسبٌ وهو أنّه:

لو أرضع جديٌ أو عناقٌ أو عِجْلٌ من لبن إنسانٍ حتّى فطم، لم يحرُم للأصل، ولجملةٍ من النصوص:

منها: مكاتبة أحمد بن محمّد بن عيسى إلى أبي محمّد عليه السلام: «امرأة أرضعت عناقاً بلبنها حتّى فطمتها؟

قال: فعل مكروه ولا بأس به»(4).

ومنها: مكاتبته الأُخرى ، قال: «كتبتُ إليه: - جَعَلني اللّهُ فداك من كلّ سوء - امرأة أرضعت عناقاً حتّى فطمت وكبرت وضربها الفحل، ثمّ وضعت، أفيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها؟

فكتب عليه السلام: فعلٌ مكروه ولا بأس به»(5).4.

ص: 273


1- مسالك الأفهام: ج 12/33.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/261.
3- جواهر الكلام: ج 36/292.
4- الكافي: ج 6/250 ح 4، وسائل الشيعة ج 24/163 ح 30244.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 3/334 ح 4195، وسائل الشيعة: ج 24/163 ح 30244.

وما فيهما من أنّه (فعل مكروهٌ ) الظاهر رجوعه إلى الإرضاع لا إلى أكل اللّحم واللّبن، فإنّ الثانية وإنْ كانت مجملة قابلة للحمل على كلّ منهما، إلّاأنّ الأولى ظاهرة في ذلك، وهي تبيّن إجمال الثانية.

***

ص: 274

ويَحرُم كلّ ذي نابٍ كالأسد، والثعلب

حرمة لحم السبع من البهائم

المسألة الخامسة: (ويَحرُم كلُّ ذي نابٍ ) من البهائم يفترس به:

قويّاً كان (كالأسد)، والنمر، والفهد، والذئب.

أو ضعيفاً كالضَّبع، (والثعلب)، وابن آوى.

بلا خلافٍفيه، وعن «الخلاف»(1)، و «الغنية»(2) وغيرهما(3) دعوى الإجماع عليه.

وفي «الجواهر»(4): (بل الإجماع بقسميه عليه).

ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: كلّ ذي نابٍ من السِّباع، أو مخلبٍ من الطير حرام.

وقال عليه السلام: لا تأكل من السِّباع شيئاً»(5).

2 - وموثّق سماعة، عنه عليه السلام: «عن المأكول من الطير والوحش ؟

فقال: حَرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ ذي مخلبٍ من الطير، وكلّ ذي نابٍ من الوحش.

فقلت: إنّ الناس يقولون: من السَّبع ؟

ص: 275


1- الخلاف: ج 6/74.
2- غنية النزوع: ص 399.
3- مجمع الفائدة: ج 11/166.
4- جواهر الكلام: ج 36/294.
5- الكافي: ج 6/245 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/114 ح 30111.

فقال لي: يا سماعة السَّبع كلّه حرام، وإنْ كان سبعاً لا ناب له، وإنّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذا تفصيلاً الحديث»(1).

3 - وصحيح داود بن فرقد، عنه عليه السلام: «كلّ ذي نابٍ من السِّباع ومخلبٍ من الطير حرام»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: والمستفاد من هذه النصوص حرمة كلّ ما يصدق عليه السَّبع وما له نابٌ من البهائم.

والسَّبُع: هو المفترس من الحيوانات بطبعه أو للأكل، كما عن «القاموس»(3).

أو هو الذي له أنياب أو أظفار يعدو بها على الحيوانات ويفترسها، وقد يوجدان معاً في السَّبع كالأسد والسَّنور.

والناب من الحيوانات السِّن الذي يفترس به.

وقد يقال: إنّ السَّبع هو الذي يأكل اللّحم.

والجميعُ متلازمة على الظاهر كما في «المستند»(4).

ولا يعارض هذه النصوص الأخبار الدالّة على انحصار المحرّم في الخنزير وفيما حَرّمه اللّه تعالى في القرآن المتقدّمة، لأنّ نصوص الباب أخصّ منها، فيقيّد إطلاقها بها، وعلى فرض التعارض يقدّم نصوص المقام للشهرة وغيرها من المرجّحات.9.

ص: 276


1- الكافي: ج 6/247 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/114 ح 30112.
2- الكافي: ج 6/244 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/113 ح 30110.
3- القاموس المحيط: ج 3/37.
4- مستند الشيعة: ج 15/99.

ويَحرُم الأرنب، والضُّب، واليربوع، والحشرات، والقُمّل، والبقّ والبراغيث

والظاهر أنّ وجه عدول المصنّف عن التعبير ب (السَّبع) ب (ما له ناب) من جهة التلازم بين كون الحيوان غير الطير سبعاً، وثبوت الناب له، ولا ينافيه موثّق سماعة المتقدّم، لأنّه يمكن أنْ يكون المراد من السبع الذي لا ناب له ما لا ناب له بالفعل إمّا خلقةً أو لعارضٍ ، وإنْ كان لنوعه الناب.

(ويَحرُم) أيضاً (الأرنب، والضُّب، واليَربوع، والحشرات) كلّها التي هي صغار دوابّ الأرض، أو التي تأوي تحت الأرض كالحيّة، والفأرة، والعقرب، والجرذان، والخنافس، والصراصر، (والقُمّل، والبقّ ، والبراغيث) ممّا هو مندرجٌ في الخبائث أو المسوخ أو الحشرات بلا خلافٍ في شيء من تلكم، بل عن الجميع الإجماع في جملةٍ من الكتب(1)، وقد وردت النصوص(2) في جملةٍ منها بالخصوص كالحيّة، والعقرب، والفأرة، واليربوع، والقنفذ، والضُّب، وجملة منها تحرم لأجل كونها من السباع، وقد دلّ الدليل(3) على حرمتها كما مرّ، وجملة منها من المسوخ وقد دلّ الدليل على حرمتها وتقدّم.

وفي «المسالك»(4): (وجملة المسوخ وردت في روايات، وأجمعها رواية محمّد ابن الحسن الأشعري، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:7.

ص: 277


1- مسالك الأفهام: ج 12/35، جواهر الكلام: ج 36/296.
2- الكافي: ج 6/243 باب جامع في الدواب التي لا يؤكل لحمها، وسائل الشيعة: ج 24/104 الباب الثاني من تحريم لحوم المسوخ.
3- الكافي: ج 6/244 ح 2 وما بعده، وسائل الشيعة: ج 24/113 الباب الثالث باب تحريم جميع السّباع.
4- مسالك الأفهام: ج 11/517.

«الفيل مسخٌ ، وكان ملكاً زنا، والذئبُ كان أعرابيّاً ديوثاً، والأرنب مسخٌ كان امراة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها، والوطواط مسخٌ كان يسرق تمور الناس، والقِردة والخنازير قومٌ من بني إسرائيل اعتدوا في السَّبت، والجريث والضُّب فرقة من بني إسرائيل، حيث نزلت المائدة على عيسى فلم يؤمنوا فتناسخوا، فوقعت فرقة في البحر، وفرقة في البَرّ، والفأرة هي الفويسقة، والعقرب كان نمّاماً، والدُّب، والوزغ، والزنبور، كان لحّاماً يسرق في الميزان(1).

قالوا: وهذه المسوخ كلّها هلكت، وهذه الحيوانات على صورها» انتهى .

وجملة من تلك الحيوانات تحرُم لكونها من الحشرات.

فعن «الدعائم» عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «أنّه نهى عن الضُّب والقنفذ وغيرهما من حشرات الأرض»(2).

وأمّا الصحاح(3) الدالّة على حِلّ ما لم يحرّمه القرآن المتقدّمة، فهي أعمٌّ مطلق من هذه الأدلّة، وتقيّد بها، وما صرّح فيه بعدم حرمة بعض ما تقدّم، لابدَّ من طرحه، أو حمله على التقيّة، أو تأويله بما لا ينافي ما تقدّم كما لا يخفى .

***ة.

ص: 278


1- الكافي: ج 6/246 ح 14، وسائل الشيعة: ج 24/106 ح 30095.
2- دعام الإسلام: ج 2/123 ح 423، مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/170 ح 19481-6.
3- الكافي: ج 6/245 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/117 الباب الرابع باب كراهة الحمر الأهليّة.

الثالث: الطيور.

ويحرمُ السّبع كالبازي والرخم

حرمة السِّباع من الطيور

المبحث (الثالث) في (الطيور):

أقول: اتّفق النص والفتوى على حليّة بعضها، وحرمة بعضٍ آخر، واختلف الأصحاب في حرمة جملةٍ من أنواعها، وحيث عرفت أنّ الأصل في الأشياء الحليّة، سيّما الحيوانات، فنتعرّض لما بنوا على حرمته، ودلّ الدليل عليها، أو اختلفوا فيها، ولا نتعرّض لما يكون حليّته مورد اتّفاق النص والفتوى، أو الفتوى خاصّة.

وعليه، فتنقيح القول في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يحرمُ السَّبع)، وهو ما كان ذا مخلبٍ أي ظُفرٍ يفترس ويعدو به على الطير، قويّاً كان (كالبازي) والصقر، والعقاب، والشاهين، والباشق، أو ضعيفاً كالنسر و (الرّخم) والبُغاث، بلا خلافٍ أجده فيه كما في «الجواهر»(1)، وهو عندنا موضع وفاقٍ كما في «المسالك»(2).

وعليه الإجماع في الكتب المتقدّمة، كما في «الرياض»(3)، بل هو إجماعٌ محقّقٌ كما في «المستند»(4).

ص: 279


1- جواهر الكلام: ج 36/298.
2- مسالك الأفهام: ج 12/37.
3- رياض المسائل: ج 13/390.
4- مستند الشيعة: ج 15/72.

ويشهد به: - مضافاً إلى النصوص المتقدّمة، الدالّة على حُرمة السِّباع مطلقاً، الشاملة للسباع من الطيور أيضاً - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: كلّ ذي نابٍ من السّباع، أو مخلبٍ من الطير حرام»(1).

ونحوه مرسل الصدوق(2)، وصحيح ابن فرقد(3).

ومنها: موثّق سماعة، عنه عليه السلام: «عن المأكول من الطير والوحش ؟

فقال: حَرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ ذي مخلبٍ من الطير، وكلّ ذي نابٍ من الوحش، الحديث»(4).

ونحوها غيرها.

ولا تعارضها النصوص(5) المتضمّنة أنّهم عليهم السلام كرهوا لحوم السباع، أو قالوا لايصلح أكل شيء من السباع، لأنّهم عليهم السلام يكرهون الحرام، ولا يكون كراهتهم إيّاها ملازمة للكراهة المصطلحة، وعدم الصلاحيّة أعمّ من الكراهة.

ولا يعارضها أيضاً: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن سباع الطير والوحش حتّى ذكر له: القنافذ، والوطواط، والحمير، والبغال، والخيل ؟

فقال عليه السلام: ليس الحرام إلّاما حَرّم اللّه في كتابه، وقد نَهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يومع.

ص: 280


1- الكافي: ج 6/245 ح 3، وسائل الشيعة ج 24/114 ح 30111.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/322 ح 4147.
3- الكافي: ج 6/244 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/113 ح 30110.
4- الكافي: ج 6/247 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/114 ح 30112.
5- الكافي: ج 6/244 ح 2 وما بعده، وسائل الشيعة: ج 24/113 الباب الثالث باب تحريم جميع السباع.

وما كان صفيفه أكثر من دفيفه

خيبر عنها، الحديث»(1).

لعدم دلالته على الحليّة لاحتمال دخول السباع في الميتة لأجل عدم قبولهاالتذكية.

ثمّ إنّ ظاهر النص والفتوى: أنّ المحرّم ما كان له مخلبٌ ، وإنْ لم يقو على الصيد، وقد صرّح بذلك في موثّق سماعة المتقدّم.

حرمة ما كان صفيفه أكثر من دفيفه

المسألة الثانية: (و) ممّا يحرم من الطير (ما كان صفيفه) أي بسط جناحيه حال طيرانه (أكثر من دفيفه) الذي هو بمعنى ضرب جناحيه وتحريكهما حال الطيران، بريّاً كان أو بحريّاً، بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه كما في «الجواهر»(2).

أقول: والمستند مجموعة من الأخبار:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عمّا يؤكل من الطير؟ قال: كلّ ما دفّ ولا تأكل ما صَفّ ، الحديث»(3).

ومنها: موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كل ما صَفّ وهو ذو مخلبٍ فهو حرام، والصفيف كما يطير البازي والحُداة والصّقر وما أشبه ذلك، وكلّ ما دَفّ فهو حلال»(4).

ص: 281


1- التهذيب: ج 9/42 ح 176، وسائل الشيعة: ج 24/123 ح 30136.
2- جواهر الكلام: ج 36/304.
3- الكافي: ج 6/247 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/152 ح 30217.
4- الكافي: ج 6/247 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/152 ح 30218.

ومنها: خبر ابن أبي يعفور، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أكون في الآجام فيختلف عليَّ الطير فما آكل منه ؟

قال عليه السلام: كُل ما دَفّ ، ولا تأكل ما صَفّ ، الحديث»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: وليس المراد بما صَفّ أو دَفّ كونه كذلك دائماً، فيصفّ دائماً أو يَدفّ كذلك، إذ لا طير كذلك قطعاً، ولا ما صَفّ أو دَفّ في الجملة، لأنّ كلّ طيرٍ يتّصف بكلّ منهما، بل المراد ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، كما يشهد به التمثيل في الموثّق للصفيف في البازي والحُداة والصقر، مع أنّه لا شبهة في أنّ هذه الطيور كما يصفّون يدفّون، وإنّما يكون صفيفهم أكثر من دفيفهم.

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «وفي حديثٍ آخر: إنْ كان الطير يصفّ ويدفّ ، فكان دفيفه أكثر من صفيفه أُكل، وإنْ كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل، الحديث»(2)، المنجبر ضعفه بالاستناد.

أقول: صرّح جماعة - منهم المحقّق في «الشرائع»(3) - بأنّه إنْ تساوى الصَّف والدّف لم يحرم، بل عن بعضٍ (4) أنّه المعروف من مذهب الأصحاب.

ويمكن أنْ يستدلّ له: بأنّ نصوص الباب - عدا مرسل الصدوق - غير متعرّضة لحكم هذا الفرد من الطير، لا منطوقاً ولا مفهوماً.

أمّا المنطوق: فلأنّها متضمّنة لحليّة ما كثر صفيفه، وحرمة ما كان دفيفه أكثر.1.

ص: 282


1- الكافي: ج 6/248 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/153 ح 30219.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/322 ح 4146، وسائل الشيعة: ج 24/153 ح 30220.
3- شرائع الإسلام: ج 3/172.
4- كفاية الأحكام: ج 2/601.

وما ليس له قانصة،

وأمّا المفهوم: فلأنّه لا يكون لشيء منها ذلك.

وأمّا المرسل: فمقتضى مفهوم صدره الحرمة، ومقتضى مفهوم ذيله الحليّة، فيتعارضان و يتساقطان.

ويمكن أنْ يقال: إنّ مفهوم كلٍّ منهما ما صرّح به في الآخر، فهذا القسم خارجٌ عنه أيضاً، فيتعيّن الرجوع إلى عموم أدلّة الإباحة كتاباً وسُنّةً .

ودعوى: أنّه يُستصحب الحرمة قبل التذكية، أو نرجع إلى أصالة عدم التذكية، المقتضية للحرمة.

مندفعة: بأنّ استصحاب الحرمة لايجري لعدم جريان الاستصحاب في الأحكام، ولتبدّل الموضوع، ولعدم حرمة أكل الحيوان حَيّاً إذا لم يزهق روحه قبل البلع.

وأمّا أصالة عدم التذكية: فقد مرّ أنّ الأصل هو قبول كلّ حيوانٍ للتذكية، مع أنّها لا تجري كما تقدّم في أوّل مبحث الصيد والذباحة(1).

وعليه، فالأظهر هو الحليّة.

نعم، لابدَّ وأن يقيّد بما إذا لم توجد إحدى العلامات الاُخر المجعولة الآتية المحرّمة.

حرمة ما ليس له قانصة

المسألة الثالثة: (و) الصنف الثالث من الأصناف المحرّمة من الطيور:

1 - (ما ليس له قانصة)، وهي في الطير بمنزلة المصادين في غيره - ويقال لها بالفارسيّة: سنگدان -.

ص: 283


1- راجع الصفحة 7 وما بعدها من هذا المجلّد.

ولا حوصلة، ولا صيصية.

2 - (ولا حوصلة) - بتخفيف اللّام وتشديدها - وهي للطير كالمعدة لغيره، يجمع فيها الحَبّ وغيره من المأكول وموضعها عند الحلق - ويقال لها بالفارسيّة:

چينه دان -.

3 - (ولا صيصية) بكسر أوّله وثالثه مخفّفاً، وهي الشوكة التي في رجله موضع العقب، وهي له بمنزلة الإبهام للإنسان.

وما كان له إحداها، فهو حلال، ما لم ينصّ على تحريمه بلا خلافٍ في شيء من تلكم.

والنصوص الدالّة عليها مستفيضة:

منها: موثّق ابن بكير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كُلْ من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة»(1) دلّ بمفهوم لفظة (ما) المتضمّنة لمعنى الشرط، على عدم جواز أكل ما لم يكن له إحدى الثلاث، وبالمنطوق على حليّة ما كانت فيه إحداها.

ومنها: موثّق سماعة، قال: «كُلْ من طير البَرّ ما كانت له حوصلة، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الإنسان...

إلى أنْ قال: والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه، وكلّ طير مجهول»(2).4.

ص: 284


1- الكافي: ج 6/248 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/151 ح 30215.
2- الكافي: ج 6/248 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/151 ح 30214.

ومنها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن طير الماء؟

فقال عليه السلام: ما كانت له قانصة فكُلْ ، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل»(1).

ومنها: صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت: الطير ما يؤكل منه ؟

فقال عليه السلام: لا تأكل ما لم تكن له قانصة»(2).

ومنها: موثّق مسعدة بن صدقة، عنه عليه السلام، قال: «كُل من الطير ما كانت له قانصة، ولا مخلب له.

قال: وسُئل عن طير الماء؟ فقال مثل ذلك»(3).

ومنها: خبر ابن أبي يعفور في حديثٍ عنه عليه السلام: «عن الطير يؤتى به مذبوحاً؟ قال: عليه السلام: كُلْ ما كانت له قانصة»(4).

ومنها: مرسل الصدوق: «ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية، ولا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية»(5).

إلى غير تلكم من النصوص.

أقول: وتنقيح القول فيما يستفاد من هذه النصوص، والجمع بينها وبين نصوص الصَّف والدَّف، إنّما هو بالتعرّض لأُمور:

الأمر الأوّل: إنّ ظاهر موثّق سماعة من جهة التفصيل القاطع للشركة،0.

ص: 285


1- الكافي: ج 6/247 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/150 ح 30212.
2- الكافي: ج 6/247 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/149 ح 30211.
3- الكافي: ج 6/248 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/151 ح 30214.
4- الكافي: ج 6/248 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/151 ح 30216.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 3/322 ح 4146، وسائل الشيعة: ج 24/153 ح 30220.

اختصاص الحوصلة بالطير البَرّي، والقانصة بالبحري، إلّاأنّ صريح قوله عليه السلام:

«كقانصة الحمام»، وموثّق مسعدة عدم الاختصاص، ويمكن أنْ يكون انتفاءالشركة في الحوصلة خاصّة، وانتفائها للبحري، قيل(1) وبذلك يرتفع التعارض بين ما دلّ على حليّة ما كانت له الحوصلة خاصّة، وبين مرسل الصدوق المقتضي لحرمة ما لم يكن له قانصة ولا صيصية من طير الماء، فتأمّل.

الأمر الثاني: ربما يقال إنّ بين النصوص معارضة من جهة دلالة موثّق ابن بكير على كفاية إحدى الثلاث في الحليّة، ودلالة موثّق سماعة ومرسل الصدوق على كفاية الحوصلة أو الصيصية فقط فيها، وبإزائها نصوصٌ دالّة على حرمة ما لم يكن له القانصة.

ولكن يندفع ذلك: بأنّ الطائفة الثانية أعمٌّ مطلق من الأُولى فيقيّد إطلاقها بها.

فالمتحصّل من النصوص: حليّة ما كان فيه إحدى الثلاث، وحرمة ما لم يكن فيه شيءٌ منها.

الأمر الثالث: إنّ هذه النصوص تدلّ على حليّة ما كان فيه إحدى العلامات الثلاث، وتقدّمت النصوص الدالّة على حرمة ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وذات الِمخلب من الطير والمسوخ منه.

وعليه، فإنْ كان حيوانٌ فيه إحدى العلامات ومع دفيفه أكثر من صفيفه، اوكان ذاتِ مخلبٍ ، أو كان من المسوخ، فهل يحكم بحرمته أو بحليّته ؟

ربما يقال - كما عن المحقّق الأردبيلي(2) رحمه الله -:8.

ص: 286


1- القائل هو صاحب مستند الشيعة: ج 15/80.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/178.

(إنّ الانفكاك غير معلوم، فلا طير ذا مخلبٍ أو مسوخٍ ، أو صافٍّ يكون له إحدى علامات الحليّة، ولا طير ذا حوصلةٍ أو قانصةٍ أو صيصيةٍ يكون له إحدى علامات الحرمة، وهو المستفاد من كلام الحجج عليهم السلام ولاينبئك مثل خبير) انتهى .

وعلى هذا فالأمر واضح.

وإنْ لم يتمّ ذلك، فيمكن أنْ يقال عند التعارض إنّ هذه العلامات الثابتة بنصوص الباب، إنّما هي مجعولة في ظرف الجهل، وعدم معرفة حال الحيوان، كما صرّح به في موثّق سماعة المتقدّم، وأمّا ما عُرف حاله كذي المخلب والمسوخ والصافات، فلا يرجع فيه إلى تلك العلامات.

أقول: بقي في المقام أمرٌ مناسب، وإنْ كان محلّه المسألة السابقة، وهو أنّه إذا كان حيوانٌ ذا مخلبٍ ، أو من المسوخ، وكان دفيفة أكثر من صفيفة، إنْ كان لذلك مصداقٌ في الخارج، فمقتضى أخبار الدَّف حليّته، ومقتضى نصوص المِخلب والمَسخ حرمته، والنسبة بين الطائفتين عمومٌ من وجه، فيرجع إلى أخبار الترجيح، وهي تقضى تقديم الثانية لفتوى الأكثر الّتي هي أوّل المرجّحات.

ثمّ إنّ جميع ما ذكر إنّما هي من قبيل القاعدة الكليّة، وقد وردت في خصوص بعض الطيور نصوصٌ خاصّة دالّة على الحليّة أو الحرمة، واختلفت الأخبار في بعضها، ونذكر الجميع في ضمن المسألة الآتية:

***

ص: 287

والخفاش

حكم الخفاش والطاووس

المسألة الرابعة: فيما دلّ الدليل بالخصوص على حرمته أو عدمها:

(و) الأوّل: (الخفاش): ويقال له الخَشّاف والوطواط أيضاً، وربما يقال إنّه الخطّاف:

فعن «القاموس»(1): (الوطواط: الخفاش، وضربٌ من الخطاطيف).

وعن بعضٍ (2): (إنّ الوطواط: الخطاف) ونقله في محكيّ «الصحاح».

والأوّلُ أصَحّ ، لأنّه ذكر الوطواط في بعض النصوص وعدّه من المسوخ، وفي آخر عَدّ الخفاش مكانه.

ففي خبر الأشعري(3)، عن الإمام الرّضا عليه السلام، وخبري(4) عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، وغيرها، عَدّ الوطواط من المسوخ.

وفي خبري(5) عليّ بن المغيرة، والديلمي، عَدّ الخفاش منها مكانه، وهذه النصوص بضميمة ما دلّ على حرمة المسوخ المتقدّم، تدلّ على حرمته، والظاهر عدم الخلاف فيها أيضاً.

ص: 288


1- القاموس المحيط: ج 2/392.
2- نقله صاحب جواهر الكلام: ج 36/309.
3- الكافي: ج 6/246 ح 14، وسائل الشيعة: ج 24/106 ح 30095.
4- الكافي: ج 6/246 ح 14، وسائل الشيعة: ج 24/110 ح 30102.
5- وسائل الشيعة: ج 24/109 ح 30100، الخصال: ج 2/493.

والطاووس والجلّال من الحلال حتّى يستبرا.

فالبطة وشبهها بخمسة أيّام، والدجاجة بثلاثة أيّام، والزنابير والذباب وبيض المحرّم، وما اتّفق طرفاه في المشتبه.

(و) الثاني: من ما دلّ الدليل على حرمته بالخصوص (الطاووس).

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على أنّه من المسوخ -:

1 - خبر سليمان الجعفري، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام، قال: «الطاووس لا يحلّ أكله ولا بيضه»(1).

2 - وخبره الآخر، عنه عليه السلام: «الطاووس مسخٌ ، كان رجلاً جميلاً فكابر امراة رجلٍ مؤمنٍ تحبّه، فوقع بها، ثمّ راسلته بعد، فمسخهما اللّه طاووسين اُنثى وذكراً، فلا تأكل لحمه ولا بيضه»(2).

(و) الثالث: من ما يحرم من الطير باتّفاق النَّص والفتوى (الجَلّال من الحلال حتّى يستبرا، فالبطة وشبهها بخمسة أيّام، والدجاجة بثلاثة أيّام).

وقد مرّ الكلام في جميع ذلك في المبحث السابق، فراجع(3).

(و) الرابع: ممّا يحرم أيضاً (الزنابير والذُّباب) كما تقدّم، (و) مرَّ أيضاً في المبحث الأوّل أنّ (بيض المُحرّم) حرامٌ ، (و) كذا (ما اتّفق طرفاه في المشتبه)، فراجع.

***د.

ص: 289


1- الكافي: ج 6/245 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/106 ح 30093.
2- الكافي: ج 6/247 ح 16، وسائل الشيعة: ج 24/106 ح 30094.
3- صفحة 246 من هذا المجلّد.

ويَكره الغُراب

حكم الغراب

حَكَم جماعةٌ من الأصحاب بحرمة أصنافٍ من الطيور، (و) حكم آخرون بأنّه (يكره) لحم تلكم الطيور، ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

منها: (الغراب)، وفيه أقوال:

1 - ما عن «الخلاف»(1)، و «المختلف»(2)، و «الإيضاح»(3)، و «الروضة»(4): من الحرمة، ونُسِبت إلى ظاهر «المبسوط»(5) أيضاً، وعن الأوّل وظاهر الأخير الإجماع عليها.

2 - الحليّة مطلقاً، حكيت عن التهذيبين(6)، و «النهاية»(7)، والقاضي(8)، وفي المتن، و «النافع»(9)، وعن «الكفاية»(10)، والمحقّق الأردبيلي(11).

ص: 290


1- الخلاف: ج 6/85.
2- مختلف الشيعة: ج 8/307-308.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/147.
4- شرح اللّمعة: ج 7/277.
5- رياض المسائل: ج 13/392.
6- الاستبصار: ج 4/66، التهذيب: ج 9/18-19.
7- النهاية: ص 577.
8- المهذّب: ج 2/429.
9- المختصر النافع: ص 244.
10- كفاية الأحكام: ج 2/600.
11- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/173.

3 - التفصيل بجعل الغربان أربعة:

أ - غراب الزّرع الذي يأكل الحَبّ ، وهوالصغيرمن الغربان السّودويسمّى الزاغ.

ب - والغُراب الكبير الذي يأكل الجِيف، ويفترس، ويسكن الخرابات، ويُسمّى بالغُراب - بضمّ العين المعجمة -.

ج - والغراب الأغبر الكبير الذي يفترس ويصيد الدراج.

د - والغراب الأبلق الذي له سوادٌ وبياض، طويل الذَنَب، ويُسمّى بالعقنيق.

فالحكم بالحِلّ في الأوّل، والحرمة في البواقي، هو مذهب الحِلّي(1)، ونُسب(2)ذلك إلى «التحرير»(3)، و «الإرشاد»(4)، واللّمعة(5).

4 - التفصيل بين الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف، والأبقع المذكور والزاغ المتقدّم.

ونوع آخر أصغر من الزاغ أغبر اللّون، كالرماد، والحكم بالتحريم في الأولين، والحِلّ في الأخيرين، نُسب ذلك إلى «المبسوط»(6) وبعض كتب المصنّف(7) رحمه الله.

أقول: والنصوص الواردة فيه طائفتان:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على الحليّة:1.

ص: 291


1- السرائر: ج 3/104.
2- رياض المسائل: ج 13/392.
3- تحرير الأحكام: ج 1/160.
4- الإرشاد: ج 2/110.
5- شرح اللّمعة: ج 7/275.
6- نسبه في الدروس إلى المبسوط: ج 3/10.
7- تحرير الأحكام: ج 1/161.

منها: موثّق زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: «أكل الغراب ليس بحرام إنّما الحرام ما حَرّم اللّه في كتابه، ولكن الأنفس تتنزّه عن كثيرٍ من ذلك تقززاً»(1).

ومنها: موثّق غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمّد عليه السلام: «أنّه كره أكل الغراب لأنّه فاسق»(2).

وفي دلالة الثاني تأمّل ظاهر.

وأورد سيّد «الرياض»(3)، على الأوّل: بأنّه لتضمّنه الحكم بحليّة كلّ ما لم يحرّمه القرآن، الفاسد إجماعاً، شاذٌ جدّاً، لايعوّل عليه أصلاً، سيّما مع احتمال حمله على التقيّة.

وفيه: إنّ مقتضى إطلاقه عدم حرمة ما لم يحرم في القرآن مطلقاً، خرج عن عمومه ما دلّ الدليل بخصوصه على الحرمة، ولا يلزم من تخصيص العام طرحه، واحتمال التقيّة لا يمنعُ عن العمل بالخبر.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الحرمة:

منها: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الغراب الأبقع والأسود أيحلّ أكلهما؟

فقال عليه السلام: لا يحِلّ أكل شيء من الغربان زاغ ولا غيره»(4).

ومنها: خبر أبي يحيي الواسطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن الغراب الأبقع ؟ فقال: إنّه لا يؤكل، ومن أحلّ لك الأسود؟!»(5).3.

ص: 292


1- التهذيب: ج 9/18 ح 72، وسائل الشيعة: ج 24/125 ح 30140.
2- التهذيب: ج 9/19 ح 74، وسائل الشيعة: ج 24/125 ح 30141.
3- رياض المسائل: ج 13/291.
4- الكافي: ج 6/245 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/126 ح 30142.
5- الكافي: ج 6/246 ح 15، وسائل الشيعة: ج 24/126 ح 30143.

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: لا يؤكل من الغِربان شيءٌ زاغ ولا غيره، ولا يؤكل من الحيّات شيء»(1).

ومنها: خبر أبي إسماعيل، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام: «عن بيض الغراب ؟ فقال: لا تأكله»(2).

واستدلّ للأوّل: بالطائفة الثانية، وللثاني بالأُولى .

واستدلّ للتفصيل:

1 - بأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار، وبما أرسله في «الخلاف»(3) من ورود الرخصة في الزاغ، وما هو أصغر منه، المنجبر ضعفه بالشهرة.

2 - وبأنّ خبر الحِلّ منجبرٌ بالشهرة في هذين القسمين، بخلاف الأخيرين فإنّ رواية التحريم على حالها فيهما.

3 - وبأنّ اللّذين يأكلان الجيف من الخبائث.

4 - وبأنّ ما حكموا بحرمته من السباع.

أقول: إنّ ما ذكر مستنداً للتفصيل لا يتمّ شيء منه:

أمّا كون ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار، فلأنّ ذلك تبرّعيٌ لا شاهد به.

وأمّا المرسل: فلضعفه، وعدم الانجبار، خصوصاً بعد عدم العمل به في «الخلاف» المُنبئ عن عدم ثبوته عنده.

وأمّا جبر خبر الحِلّ في القسمين، وعدم جبره في الأخيرين: فلأنّه لا قصور5.

ص: 293


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/351 ح 4233، وسائل الشيعة: ج 24/127 ح 30145.
2- الكافي: ج 6/252 ح 10، وسائل الشيعة: ج 24/126 ح 30144.
3- الخلاف: ج 6/85.

في سند خبر الحِلّ كي يحتاج إلى الجبر.

وأمّا كون ما يأكل الجيف من الخبائث، فلمنعه، خصوصاً بعدما عرفت من إجمال الخبيث.

وأمّا كون ما حكموا بحرمته من السباع: فلأنّ ذلك يتوقّف على عدم ثبوت خبر الحِلّ ، وإلّا فيقيّد إطلاق ما دلّ على حرمة السباع به.

وعليه، فالأمر يدور بين القولين الأولين.

وقد يقال: - كما في «الجواهر»(1) - إنّه يقدّم خبر الحرمة لأصحيّة السند، واعتضاده بغيره ممّا دلّ عليه من نصٍّ وإجماعٍ محكيّ ، ومخالفة العامّة، والاحتياط، وأصالة عدم التذكية، وغير ذلك.

وفيه أوّلاً: إنّ الرجوع إلى المرجّحات فرع عدم إمكان الجمع العرفي بين المتعارضين، وفي المقام يمكن ذلك، فإنّ خبر الحِلّ نصٌ في عدم الحرمة، وخبر المنع ظاهرٌ فيها، فالجمع بينهما يقتضي حمل خبر المنع على الكراهة.

وما أفاده رحمه الله: من أنّ حمل عدم الحِلّ على الكراهة، ليس بأولى من حَمل الحِلّ على التقيّة.

غريبٌ : فإنّ الحمل على التقيّة إنّما يكون بعد عدم إمكان الجمع العرفي، وفقد جملةٍ من المرجّحات، فكيف يصلح أن يمنع عن الجمع ؟!

وثانياً: إنّ أصحيّة سند الحرمة غير معلومة، فإنّ خبر الجواز أيضاً قويّ السند، سيّما وأنّ الراوي عن زرارة هو أبان الذي هو ممّن أجمعت العصابة على3.

ص: 294


1- جواهر الكلام: ج 36/303.

تصحيح ما يصحّ عنه، والنَّص والإجماع المحكي ليسا من المرجّحات، ومخالفة العامّة وإنْ كانت من المرجّحات، إلّاأنّه بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، مع أنّه في المقام هي غير معلومة، لعدم ثبوت مذهب العامّة في المسألة، وأصالة عدم التذكية لا تجري كما مرّ، وعلى فرض الجريان ليست من المرجّحات.

فالحقّ أنْ يقال: إنّ الجمع العرفي بين الخبرين يقتضي البناء على الكراهة، لعدم صراحة «لا يحلّ » في الحرمة، وخبر الحِلّ نصٌ في عدم الحرمة.

فإنْ قيل: إنّه يمكن الجمع بوجهٍ آخر، وهو حمل خبر الحِلّ على إرادة عدم الحرمة الثابتة بالكتاب.

قلنا: إنّ الجمع المقبول هو ما كان عرفيّاً، لا كلّ ما أمكن، ومن الضروري أنّ ما ذكر ليس عرفيّاً، فإنّه حَكَم فيه بعدم الحرمة، وعلّل ذلك بأنّ ما لم يُحرّمه اللّه تعالى في كتابه ليس بحرام.

ثمّ أكّد ذلك بقوله: (ولكن الأنفس تتنزّه من ذلك).

وعليه، فالقول بالكراهة مطلقاً أظهر.

***

ص: 295

والخطّاف

الخطّاف حلال

(و) من ما وقع الخلاف فيه في الحليّة الحُرمة (الخُطّاف) بالضّم كرُمّان، ويقال له بالفارسيّة: پرستوك.

فعن الشيخ في «النهاية»(1)، والقاضي(2) والحِلّي(3): القول بالحرمة، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليها.

وعن المفيد(4) وعامّة متأخّري أصحابنا(5): الحليّة.

أقول: ومنشأ الاختلاف هو الأخبار، وهي على طوائف:

1 - ففي جملةٍ منها ما ظاهره الحرمة:

منها: خبر الحسن بن داود الرقي، قال: «كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ مرّ رجلٌ بيده خُطّافٌ مذبوح، فوثب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام حتّى أخذه من يده، ثمّ دحا به إلى الأرض، ثمّ قال: أعالِمكُم أمرَكم بهذا، أم فقيهكم ؟! أخبرَني أبي عن جَدّي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن قتل الستّة» النملة، والنحلة، والضفدع، والصُّرد، والهَدهد، والخُطّاف(6).

ص: 296


1- النهاية: ص 577.
2- المهذّب: ج 2/429.
3- السرائر: ج 3/104.
4- المقنعة: ص 577.
5- شرائع الإسلام: ج 3/173، الدروس: ج 3/10، كشف الرموز: ج 2/366.
6- الكافي: ج 6/223 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/392 ح 29826.

رواه الكليني إلّاأنّ فيه مكان ذكر الستّة: «ومنها الخُطّاف» مع زيادةٍ في ذيله:

«ولو جاز أكل لحمه لما نَهى عن قتله».

ومنها: خبر محمّد بن يوسف التميمي، عن محمّد بن جعفر، عن أبيه، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: استوصوا بالصنينات خيراً - يعني الخُطّاف - فإنهنّ آنسُ طير النّاس بالناس»(1).

ومنها: صحيح جميل بن دُرّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن قتل الخُطّاف وإيذائهنّ في الحَرَم ؟

فقال عليه السلام: لا تقتلنّ فإنّي كنتُ مع عليّ بن الحسين عليهما السلام فرآني اُوذيهنّ ، فقال:

يابنيّ لا تقتلهنّ ولا تؤذيهنّ فإنهنّ لا يؤذين شيئاً»(2).

2 - وجملة أُخرى منها تدلّ على الحليّة:

منها: موثّق عمّار بن موسى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يصيب خُطّافاً في الصحراء أو يصيده أيأكله ؟

فقال عليه السلام: هو ممّا يؤكل، وعن الوبر يؤكل ؟ قال عليه السلام: لا، هو حرام»(3).

وحمله على الإنكار كما ترى .

ومنها: ما رواه المصنّف في محكيّ «المختلف»(4) من كتاب عمّار بن موسى ، عنه عليه السلام: «خرؤ الخُطّاف لا بأس به، هو ممّا يؤكل لحمه، ولكن كره أكله لأنّه0.

ص: 297


1- الكافي: ج 6/223 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/393 ح 29828.
2- الكافي: ج 6/224 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/391 ح 29825.
3- التهذيب: ج 9/21 ح 84، وسائل الشيعة: ج 23/394 ح 29830.
4- مختلف الشيعة: ج 8/310.

استجار بك وآوى في منزلك، وكلُّ طيرٍ يستجيرُ بك فأجره»(1).

ومثله موثّقه الآخر(2)، مع إسقاط لفظ (خرؤ).

أقول: والأظهر هو الحليّة، لصراحة هذه النصوص فيها، فتُحمل النصوص الأول على الكراهة، مع أنّ صحيح جميل واردٌ في حكم قتلهنّ في الحرم، وخبر التميمي لا ظهور له في الحرمة، وخبر الرقي ينهى عن قتلهنّ ، ولا تلازم بين مرجوحيّة القتل وحرمة الأكل.

وأخذه عليه السلام الخُطّاف من يده، وإلقائه على الأرض، لا يكون ظاهراً في الحرمة، بدعوى أنّه لو جاز أكله، كان ما فعله إتلافاً لمال الغير المحترم.

إذ يمكن أنْ يكون فعله عليه السلام أوّلاً لينبّهه على مرجوحيّة القتل والأكل، مع أنّه ضعيفُ السند لكون الحسن بن داود مهملاً.

نعم، خبر أحمد بن عامر، عن أبيه، عن الرّضا عليه السلام في حديثٍ : «إنّ عليّاً عليه السلام نهى عن أكل الصرد والخُطّاف»(3).

ظاهرٌ في الحرمة، لكنّه مع الإغماض عن سنده يُحمل على الكراهة بقرينة ما تقدّم.

فتحصّل: أنّه لا ريب ولا إشكال في حليّة أكل لحمه، ويعضده ما دلّ على حليّة أكل الداف غير ذي مخلبٍ ، فإنّه كذلك:

أمّا كونه دافاً: فواضحٌ .3.

ص: 298


1- وسائل الشيعة: ج 23/393 ح 29829.
2- التهذيب: ج 9/80 ح 80، وسائل الشيعة: ج 23/393 ح 29829.
3- وسائل الشيعة: ج 24/148 ح 30207، عيون أخبار الرّضا: ج 1/243.

والهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق، والفاختة، والقُبّرة

وأمّا كونه غير ذي مخلبٍ : فيشهد به ما في ذيل صحيح جميل: «فإنهنّ لايؤذين شيئاً».

وكون زرقه طاهراً، فإنّه يستلزم الحليّة عند جماعة.

أقول: صرّح جماعة من الأصحاب(1) بكراهة أكل جملةٍ من الحيوانات:

منها: الحُبارى، ويقال له بالفارسيّة (هرة).

حكم الهُدهد وطيور أُخرى

(و) منها: (الهدهد، والصرد) بالمهملات كرُطب، وهو طائرٌ ضخم الرأس والمنقار، يصيد العصافير، ويقال إنّه نقّارٌ للأشجار.

(و) منها: (الصُوّام) كرُمّان طائر أغبر اللّون، طويل الرقبة، أكثر ما يبيتُ في النخل.

(و) منها: (الشقراق) - بفتح الشين المعجمة، وكسر القاف وتشديد الراء - ويقال له بالفارسيّة: سبز مرغ.

(و) منها: (الفاختة)، ويقال لها بالفارسيّة: قوقو أو كوكو.

(و) منها: (القبرة) - بالباء الموحدة المشدّدة المفتوحة، بعد القاف المضمومة، وقبل الراءالمهملة المفتوحة - ويقال لها قُنبرة - بالنون الساكنة بعد القاف المضمومة - كما في خبر الجعفري الآتي. وعليه، فما في «المسالك»(2) من أنّ إثبات النون لحنٌ

ص: 299


1- المختصر النافع: ص 244، شرائع الإسلام: ج 3/173، اللّمعة الدمشقيّة: ص 218.
2- مسالك الأفهام: ج 12/46.

غير صحيح.

وقد اختلف الفقهاء في حكمها بين قائلٍ بالحليّة، والأُخرى بالمرجوحيّة.

يشهد للاُولى: الإجماع، والعمومات، والأصل، ووجود علامات الحِلّ فيها.

أضف إلى ذلك: ما ورد في خصوص الحُبارى كصحيح كردين المسمعي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الحُبارى ؟ فقال عليه السلام: وددتُ أنّ عندي منه فآكل منه حتّى اتملّاء»(1).

ونحوه غيره.

وأمّا الدعوى الثانية: فاستدلّ لها بالإجماع المحكيّ ، والشهرة المحقّقة.

وفي القُبُرّة: بخبر الجعفري، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «لا تأكلوا القُنبرة ولا تسبّوها، الحديث»(2).

وفي خبره الآخر، عنه عليه السلام: «لا تقتلوا القُنبرة، ولا تأكلوا لحمها»(3).

وفي الصُّرد: بخبر أحمد بن عامر المتقدّم.

وفي الفاختة: بما دلّ (4) على شؤمها ودعائها على أهل الدار والبيت.

وفي غير الفاختة والحُبارى: بما دلّ (5) على النهي عن القتل.

وفي ثبوت الكراهة بما دلّ على مرجوحيّة القتل نظرٌ، كما أنّ في ثبوتها7.

ص: 300


1- وسائل الشيعة: ج 24/158 ح 30233، عوالي اللآلي: ج 1/163.
2- الكافي: ج 6/225 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/395 ح 29835.
3- الكافي: ج 6/225 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/396 ح 29837.
4- الكافي: ج 6/551 باب الفاختة والصلصل، وسائل الشيعة: ج 11/528 باب 41 كراهة اتّخاذ الفاختة في الدار.
5- وسائل الشيعة: ج 24/148 ح 30208، الخصال: ج 1/297.

بالإجماع المحكيّ والشهرة إشكالاً، لأنّ التسامح مختصٌّ بالمستحبّات، ولا يشمل دليله المكروهات، وما ورد في الحُبارى ظاهرٌ في عدم الكراهة، وأيضاً كون الفاختة شؤماً يدعي على ارباب البيت لا يستلزمُ كراهة أكل لحمها.

فإذاً لا دليل على الكراهة في غير الصُّرد والقُنبرة، ونصوصهما وإنْ كانت ضعيفة الإسناد إلّاأنّها بالشهرة منجبرة.

***

ص: 301

حكم طير الماء

المسألة الخامسة: لا خلاف بين الأصحاب في أنّ طير البحر - والمراد به نحو البَطّ، والأوّز، والكركي، واللقلق، والطيهوج وغيرها، وقال بعض العلماء(1): هو أكثر من مائتي نوع، ولا نجد لأكثرها اسماً عند العرب، لأنّها لم تكن في بلادهم يسمّوها - كطير البر في اندراجه تحت القواعد الكليّة المتقدّمة، المُثبتة للحِلّ أو الحرمة، ومساواته له في ما ينصّ عليه.

والوجه في ذلك: - مضافاً إلى إطلاق أدلّة العلامات - جملة من النصوص:

منها: مرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائزٌ أكله، وما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البَرّ لم يجز أكله»(2).

ومنها: صحيح نجيّة بن الحارث، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن طير الماء ما يأكل السَّمك منه يحلّ؟ قال عليه السلام: لا بأس به كله»(3).

وعن بعضٍ (4) حمله على التقيّة، ولا وجه له سوى توهّم صدق السَّبُع عليه، وهو كما ترى ، كيف وقد أفتى الأصحاب بمضمونه، وبحليّة نظيره من طير البَرّ، وهو الصُّرد الذي يأكل العصافير، فالوجه في الحليّة عدم وجود علامات الحرمة فيه، بل ووجود علامات الحِلّ .

ص: 302


1- حياة الحيوان: ج 1/668-669.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/339 ح 4201، وسائل الشيعة: ج 24/159 ح 30236.
3- التهذيب: ج 9/17 ح 68، وسائل الشيعة: ج 24/158 ح 30235.
4- حكى هذا القيل صاحب الجواهر: ج 36/309 وكذلك حكاه صاحب مستند الشيعة: ج 15/95.

ومنها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن طير الماء؟

فقال عليه السلام: ما كانت له قانصة فكُلْ ، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل»(1).

ومنها: موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : «كُلْ الْآنَ من طير البَرّ ما كانت له حوصلة، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدةٍ كمعدة الإنسان - إلى أنْ قال: - والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يُعرف طيرانه، وكلّ طيرٍ مجهول»(2).

ومنها: موثّق مسعدة بن صدقة، عنه عليه السلام: «كُلْ من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له ؟

قال: وسُئل عن طير الماء؟ فقال مثل ذلك»(3).

إلى غير ذلك من النصوص.

وعليه، فما يظهر من بعض الأخبار من حليّة طير الماء مطلقاً يقيّد إطلاقه بذلك.

***

المسألة السادسة: يحلّ من الطيور سوى ما تقدّم، للعمومات والإطلاقات، والأصل، ومن المحلّلات الحَمام بأنواعه، ويشهد به - مضافاً إلى ذلك، وإلى الإجماع - جملة من النصوص(4) الخاصّة.5.

ص: 303


1- الكافي: ج 6/247 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/150 ح 30212.
2- الكافي: ج 6/247 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/150 ح 30213.
3- الكافي: ج 6/248 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/151 ح 30214.
4- الكافي: ج 6/248 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/151 ح 30215.

ثمّ الحمام جنسٌ يقع على كلّ ذي طوقٍ من الطيور، أو ما يشرب الماء بلا مصٍّ ، بل يأخذه بمنقاره قطرة قطرة، فيدخل فيه:

القُمري: وهو ما يُقال له بالفارسيّة كبوتر چاهي.

والدبسي: وهو الحمام الأحمر.

والورشان: وهو الحمام الأبيض.

والتمام، والفواخت، والحَجَل، وهو في الفارسيّة يقال له: كبك.

والدُرّاج، والقَطاة، وفسَّره في محكيّ «كنز اللّغة» بسنگخواره والكردان، ويقال له بالفارسيّة ماهي خواره.

والكركي: وهو بالفارسيّة كبك.

والصعوة: واشتهرت في الفارسيّة به برف چين.

وقد وردت النصوص(1) في جملةٍ منها أيضاً دالّة على الحِلّ .

***ج.

ص: 304


1- الكافي: ج 6/312 باب لحوم الطيور، وسائل الشيعة: ج 25/46 باب 16 كراهة اختيار لحم الدجاج على الطير، ص 49 باب 18 باب لحم القباج والقطا والدرّاج.

الرابع: الجامد، وتَحرُم الميتة

حرمة الميتة وأجزائها

المبحث (الرابع) في (الجامد):

وحيث أنّ المحلّل منه غير محصورٍ، ومقتضى الإطلاقات والأُصول حليّة ما لم يثبت حرمته، فلابدَّ من التعرّض لما يكون محرّماً.

(و) قد ذكروا أنّ أنواع المحرّم منحصرة في خمسة، وما عداها محلّل مطلقاً.

وعليه، فالكلام في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: (تحرُم الميتة)، وهي التي زهق روحها من دون أن يستند إلى التذكية، أو ما خرج روحه مستنداً إلى سببٍ غير التذكية، بلا خلافٍ فيه، بل عليه الإجماع(1).

ويشهد به:

1 - من الكتاب: قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَ اَلدَّمُ وَ لَحْمُ اَلْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اَللّهِ بِهِ وَ اَلْمُنْخَنِقَةُ وَ اَلْمَوْقُوذَةُ وَ اَلْمُتَرَدِّيَةُ وَ اَلنَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ اَلسَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (2).

ومن السُّنة: نصوصٌ متواترة، تقدّم شطرٌ منها في ضمن المباحث المتقدّمة.

ص: 305


1- الخلاف: ج 6/94.
2- سورة المائدة: الآية 3.

وأجزائها، عدا صوف ما كان طاهراً في حال حياته، وشعره وَوَبره وريشه وقَرْنه وعَظْمه وظُلْفه وبيضه إذا اكتسى الجلد الفوقاني والأنفحة.

ويحرمُ من الذبيحة: القضيب، والأُنثيان، والطحال، والفرث، والدّم.

(و) أيضاً: يحرم (أجزائها، عدا) ما لا تحلّه الحياة، مثل أل (صوف) بشرط (ما) لو كان من حيوانٍ (كان طاهراً في حال حياته).

(وشعره، ووبره، وريشه، وقرنه، وعظمه، وظلفه، وبيضه إذا اكتسى الجلد الفوقاني).

أقول: قد تقدّم الكلام في جميع ذلك، وفي فروع المسألة، وفي أنّه هل تجوز سائر الانتفاعات بالميتة وأجزائها أم لا، وفي حكم بيعها، وفيما لو اشتبهت المذكّى بالميتة، وغير ذلك من الأحكام في كتاب الطهارة(1) والبيع، فلا نعيد، (و) بيّنا هناك حكم (الأنفحة) والبيض أيضاً، فراجع.

المحرّمات من الذبيحة

المسألة الثانية: (ويحرم من الذبيحة) عدّة أجزاء، جملةٌ منها متّفقٌ على حرمتها، واختلفوا في جملةٍ أُخرى منها:

الأُولى: خمسة: وهي (القضيب) وهو الذكر، (والاُنثيان) وهما البيضتان، (والطَّحال) وهو الذي يقال له بالفارسيّة سپرز، (والفَرْث والدّم).

ولا ينافي ما ذكرنا من اتّفاق الأصحاب على حرمة هذه الخمسة، اقتصار

ص: 306


1- فقه الصادق: ج 5/44.

المفيد(1) والديلمي(2) في المحكي منهما على الثلاثة الأُول، فإنّ ذلك لمعلوميّة حكم الفرث والدّم للاستخباث والنجاسة وغيرهما.

ولا ينافيه أيضاً ما عن الإسكافي(3) من التعبير: بأنّه يكره الطحال، لأنّ مراده بذلك الحرمة.

أقول: ويشهد بحرمة الجميع جملة من النصوص:

منها: مرسل ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث، والدّم، والطَّحال، والنخاع، والعِلباء، والغُدد، والقضيب، والاُنثيان، والحياء، والمرارة»(2).

ومثله مرسل(3) الصدوق إلّاأنّه ذكر بدل العلباءوالمرارة: (الأوداج، والرّحم).

وقريب منهما خبر(4) «الخصال» المرويّ بسندٍ صحيح، والمرويّ عن «محاسن البرقي»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه قال:

«حُرّم من الذبيحة عشرة أشياء، وأحلّ من الميتة عشرة أشياء:

فأمّا الذي يَحرُم من الذبيحة: فالدّم، والفرث، والغدد، والطّحال، والقضيب، والاُنثيان، والرحم، والظلف، والقرن، والشعر، الحديث»(5).

ويشهد للحرمة: في غير الرابع من الأُمور الخمسة المتقدّمة الموثّق الذي رواه إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:1.

ص: 307


1- المقنعة: ص 582. (2و3) حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 8/313 و 314.
2- الكافي: ج 6/254 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/172 ح 30268.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/346 ح 4216، وسائل الشيعة: ج 24/174 ح 30272.
4- الكافي: ج 6/253 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/171 ح 30266، الخصال: ج 2/341.
5- وسائل الشيعة: ج 24/177 ح 30284، الخصال: ج 2/471.

والمثانة، والمرارة، والمشيمة،

«حرم من الشّاة سبعة أشياء: الدّم، والخصيتان، والقضيب، والمثانة، والغدد، والطّحال، والمرارة»(1).

ونحوه في ذلك مرفوع(2) الواسطي، وخبر(3) إسماعيل بن مرار، وحسن أبان(4).

ويشهد لحرمة الدَّم والطّحال والقضيب: الخبر الذي رواه الهاشمي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يكره أكل خمسة: الطحال، والقضيب، والاُنثيين، والحياء، وآذان القلب»(5).

أضف إلى ما تقدّم ما دلّ على حرمة خصوص الدّم من الكتاب والسُّنة المستفيضة(6)، وما ورد في خصوص الطحال، ويضاف إلى ذلك كلّه ما في «المسالك»(7) من كون هذه الخمسة من الخبائث.

(و) أمّا التي اختلفوا فيها، فهي كثيرة:

منها: (المثانة)، وهي مجمَع البول.

(و) منها: (المرارة) وهي التي تجمع المُرّة الصفراء، معلّقة مع الكبد كالكيس.

(و) منها: (المشيمة) وهي موضع الولد تخرج معه، فالمشهور بين2.

ص: 308


1- الكافي: ج 6/253 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/171 ح 30265.
2- الكافي: ج 6/253 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/171 ح 30266
3- الكافي: ج 6/254 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/172 ح 30267.
4- وسائل الشيعة: ج 24/175 ح 30275، علل الشرائع: ج 2/562.
5- وسائل الشيعة: ج 24/174 ح 30274، الخصال: ج 1/283.
6- سورة البقرة: الآية 173، سورة المائدة: الآية 3.
7- مسالك الأفهام: ج 12/61-62.

والفَرْج، والعَلباء،

الأصحاب(1) حرمتها أيضاً، بل عن المرتضى(2)، وابن زُهرة(3) الإجماع على حرمة الأُولى والثالثة، وعن «الخلاف»(4) دعوى الإجماع في المثانة.

فقد استدلّ لحرمة الثلاثة في «المسالك»(5)، تبعاً للمحقّق في «الشرائع»(6)، و «النافع»(7): بالاستخباث.

أقول: وفيه تأمّلٌ ، لعدم القطع به في الجميع كما في «الرياض»(8)، وعليه فالأولى أن يستدلّ له بالنصوص المتقدّمة جملة منها:

ففي بعضها كأخبار إبراهيم، وابن مرارة، والواسطي ذكرت المثانة والمرارة في عداد المحرّمات.

وفي بعضها ذُكر المشيمة، وهو خبر المحاسن، فإنّ المراد بالرَّحم فيها - كماذكروا - المشيمة المنجبر ضعف إسنادها لو كان بالشهرة المحققة والإجماع المحكيّ .

(و) منها: (الفرج، والعِلْباء) بكسر العين - وهي عَصَبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجز الذَّنب.).

ص: 309


1- رياض المسائل: ج 13/422.
2- الانتصار: ص 416.
3- غنية النزوع: ص 398.
4- الخلاف: ج 6/29.
5- مسالك الأفهام: ج 12/62.
6- شرائع الإسلام: ج 3/175.
7- المختصر النافع: ج 2/253.
8- رياض المسائل: ج 13/422 قوله: (لا للاستخباث لعدم القطع به في الجميع).

والنخاع، والغُدَد، وذاتِ الأشجاع، وخرزة الدماغ، والحَدَق.

(و) منها: (النخاع) وهو الخيط الأبيض الذي في وسط قفاء الظهر، وهو الذي لا قوام للحيوان بدونه.

(و) منها: (الغُدد) وهي كلّ عقدةٍ في الجسد يُطاف بها شحم، وكلّ قطعةٍ صلبة بين القضيب، وهي تكون في اللّحم مدوّرة تشبه البُندق في الأغلب.

(و) منها: (ذات الأشاجع) وهي أُصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظهر الكف.

(و) منها: (خرزة الدماغ) - بكسر الدالّ - وهي في المشهور المُخّ الكائن في وسط الدماغ، شبه الدودة، بقدر الحُمّصة تقريباً، يخالف لونها لونه، وهي تميل إلى الغبرة.

(و) منها: (الحدق) يعني حبّة الحدقة، وهو الناظر من العين، لا جسم العين كلّه، والأشهر بينهم التحريم، كما صرّح به المصنّف رحمه الله في «المختلف»(1)، و «التحرير»(2)على ما حُكي(3).

وذهب جماعة منهم المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(4)، والمحقّق في «الشرائع»(5)و «النافع»(6)، والشهيد الثاني في «المسالك»(7) إلى الكراهة.2.

ص: 310


1- مختلف الشيعة: ج 8/332.
2- تحرير الأحكام: ج 1/161.
3- حكاه صاحب الرياض: ج 13/424.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/112.
5- شرائع الإسلام: ج 3/175.
6- المختصر النافع: ج 2/253.
7- مسالك الأفهام: ج 12/62.

أقول: غير ذات الأشاجع من الأُمور السبعة المشار إليها، مذكورة في النصوص السابقة المعتبرة جملة منها، كالمرويّ في «الخصال» فإنّه صحيحٌ ، وما رواه إبراهيم ابن عبد الحميد فإنّه موثّق، ومع ذلك روى عنه ابن أبي عمير، وما رواه أبان فإنّه حسنٌ ، وخبر إسماعيل بن مرار فإنّه يعتمد عليه على الأصَحّ ، المعتضدة بغيرها، المنجبر ضعفه بالعمل والاستناد.

وعليه، فلا ينبغي التأمّل في حرمة هذه الستّة أيضاً.

ودعوى: عدم ظهور النصوص في الحرمة، لكونها متضمّنة للجملة الخبريّة.

يدفعها: ما مرّ منّا مراراً من أنّ الجملة الخبريّة أظهر في الوجوب من الأمر.

فإنْ قيل: إنّ النصوص متعارضة، فإنّ بعضها متضمّنٌ لحرمة خمسة أشياء، وبعضها لحرمة سبعة، وبعضها لحرمة عشرة، وهكذا.

قلنا: إنّه لا تعارض بينها، فإنّ الجميع مثبتات لا نفي في شيءٍ منها، فلا تعارض بينها، ويُعمل بالجميع، وأمّا ذات الأشاجع فلم يرد لها ذكر في شيء من النصوص، فالمتّجه حليّتها، إلّاأنْ يتمّ ما ادّعاه السيّد في «الرياض»(1) من عدم القول بالفصل بينها وبين الستّة المتقدّمة، فالاحتياط بتركها لا يُترك.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المتن وغيره(2) حرمة هذه الأشياء من كبير الحيوان المذبوح كالجزور، وصغيره كالعصفور، وبالتعميم صرّح جماعة منهم الشهيد الثاني في محكيّ «الروضة»(3)، إلّاأنّه قال بعده:1.

ص: 311


1- رياض المسائل: ج 13/424.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/243، رياض المسائل: ج 13/425.
3- شرح اللّمعة: ج 7/311.

(ويُشكل الحكم بتحريم جميع ما ذُكر مع عدم تمييزه، لاستلزام تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه، والأجود اختصاص الحكم بالنِّعم من الحيوان الوحشيّ دون العصفور وما أشبهه).

وقال صاحب «الرياض»(1): بعد ذكر ذلك: (وهو جيّدٌ فيما كان المستند في تحريمه الإجماع، لعدم معلوميّة تحقّقه في العصفور وشبهه، مع اختصاص عبائر جماعةٍ من الأصحاب كالصدوق وغيره وجملة من النصوص بالشاة والنِّعم، وعدم انصراف إطلاقات باقي الفتاوى والروايات إليهما.

وأمّا ما كان المستند في تحريمه الخباثة، فالتعميمُ إلى كلّ ما تحقّقت فيه أجود) انتهى .

وفيه: إنّ المدرك للجميع هو النصوص كما مرّ، ولو كان المدرك في التحريم الخباثة، فمن القريب جدّاً التفصيل بين العصفور وما شابهه وغيرهما في صدق الخبيث وعدمه، كما هو واضح.

وأمّا النصوص:

فجملةٌ منها مختصّة بالشاة، وإنّما يتمّ في غيرها من النِّعم بعدم الفصل.

وجملة منها تعمّ جميع الذبائح، فإنّه صرّح فيها بأنّه يحرم من الذبيحة، وتلكم النصوص تشمل كلّ ذبيحةٍ حتّى العصفور وشبهه.

وخبر إسماعيل بن مرار متضمّنٌ لكلّ ما لحمه حلال.

وعليه، فالمتّجه حرمة الجميع في كلّ ذبيحةٍ ، لكن بعد تحقّق مسمّاها، أمّا مع6.

ص: 312


1- رياض المسائل: ج 13/425-426.

ويُكره الكُلى وأُذنا القلب

عدم ظهورها فلا، إذ لا يصدق أكلها أو أكل شيء منها، إذ لعلّها غير مخلوقة في الحيوان المزبور، أضف إليه السيرة المستمرّة على ذلك.

وبذلك كلّه يظهر حكم السَّمك والجراد ممّا لا يذبح ولا يُنحر، فإنّ إطلاق خبر إسماعيل بن مرار وإنْ كان يشملهما، إلّاأنّه لا يعلم خلق كثير من هذه المحرّمات فيهما أو أجمعها عدا الدّم الذي ستعرف الكلام فيه، والرجيع.

ثمّ إنّه إذا استهلك شيءٌ من ما ذكر من المحرّمات في ضمن المأكول، لا يكون حراماً، لانعدامه بالاستهلاك.

وعلى ذلك، فيسهل الخَطْبُ في الحيوان الصغير الذي فيه أحد المحرّمات المذكورة، فإنّه لصغره يُستهلك في اللّحم بشيوع أجزاءه في جملة اللّحم.

أقول: الظاهر أنّه لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه:

(يُكره الكُلى ) - بضمّ الكاف وقصر الألف - جمعُ كُلية وكُلوة بالضّم فيهما.

(واُذنا القلب) والعروق.

بمعنى عدم حرمة شيء منها، للأصل والعمومات، وليس بإزائها شيء سوى:

1 - ما رواه سهل، عن بعض أصحابنا: «أنّه كره الكليتين»(1).

2 - وخبر محمّد بن صدقة، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يأكل الكليتين من غير أن يحرّمهما، لقُربهما من البول»(2).2.

ص: 313


1- الكافي: ج 6/254 ح 6، وسائل الشيعة: ج 24/173 ح 30269.
2- وسائل الشيعة: ج 24/176 ح 30277، علل الشرائع: ج 2/262.

ومثله الخبر المرويّ عن الإمام الرّضا عليه السلام(1).

والأخيران غير ظاهرين في الكراهة، وصريحان في عدم الحرمة.

والأوّل لضعفه وقطعه لا يصلحُ مستنداً للحكم الشرعي.

وعليه، فلا دليل على كراهة الكُلى.

وأمّا آذان القلب: فهو مذكورٌ في بعض النصوص، ولكنّه متضمّنٌ للفظ الكراهة، غير الظاهرة في الحرمة.

وأمّا العروق: وهو وإنْ ورد ذكرها في جملةٍ من النصوص، إلّاأنّ الإجماع على عدم حرمتها، ممّا يوجب البناء على الكراهة.

وعليه، فالأظهر كراهة أكل الأخيرين دون الأُولى .

أقول: ثمّ إنّه بقيت أشياء اُخر غير ما مرّ، وهي:

القيح، والوسخ، والبَلغم، والنخامة، والبصاق، والعرق، والرَّجيع، وممّا لايسمّى بولاً ولا روثاً كفضلات الديدان.

فإنّه لا ينبغي التوقّف في حرمة الأربعة الأُول، لكونها من الخبائث بلا كلام.

وأمّا الخامس: فالمنسوب إلى المشهور(2) الحرمة، واستدلّ لها بالخباثة(3).

وردّ ذلك في «المستند»(4)، وقال: (قد يُستطاب بصاق المحبوب ويمصّ فمه ولسانه، ويبلع بصاقه بميلٍ ورغبةٍ ، والتنفّر عن بصاق بعضِ الأشخاص لتنفّره بنفسه لا يوجبُ الحرمة، كيف وليس البصاق أظهر خباثةً من اللُّقمة المزدورة5.

ص: 314


1- وسائل الشيعة: ج 24/177 ح 30282، عيون اخبار الرّضا: ج 2/41.
2- رياض المسائل: ج 13/464.
3- استدلّ بذلك صاحب الشهيد الأوّل في الدروس: ج 3/17.
4- مستند الشيعة: ج 15/145.

ويحرُم الأعيان النجسة كالعَذَرة، وما اُبينَ من الحَيّ ،

وهي محلّلة قطعاً، وقد وردت في الأخبار أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أعطا لقمةً من فيه إلى من طلبها(1) مع أنّها ممزوجة بالبُصاق قطعاً، وقد وردت النصوص بمصّ الحسين عليه السلام لسان النبيّ صلى الله عليه و آله، وأنّه نشأ من لعاب فمه(2)، وأنّ الحسين عليه السلام مصّ لسان عليّ بن الحسين عند غلبة العطش يوم الطف، ووردت نصوص(3) ظاهرة في حِلّ بُصاق المرأة والبنت، فالحكم بحليّته كما هو ظاهر الأردبيلي(4)، وصاحب «الكفاية»(5)قويٌّ جدّاً، وكذا العرق) انتهى .

وأمّا السابع: فإنْ كان من حيوان لا يؤكل لحمه فهو حرامٌ قطعاً، لكونه نجساً، والا فالقول بحرمته مطلقاً في غاية الإشكال.

وعليه، فالأولى الإناطة بالخباثة، فما أُحرز صدقها عليه يحرم، وإلّا فيحلّ .

المسألة الثالثة: (ويحرُم الأعيان النجسة: كالعَذَرة، وما اُبينَ من الحَيّ ) إذا كان ممّا تحلّه الحياة، وغيرهما، بلا خلافٍ في ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه(6).

وفي «الرياض»(7): (بل يمكن عدّه من الضروريّات).8.

ص: 315


1- الكافي: ج 6/271 ح 2، وسائل الشيعة: ج 25/218 باب 131 باب جواز أكل لقمة خرجت من فم الغير.
2- الكافي: ج 1/465 ح 4، كامل الزيارة: ص 56.
3- التهذيب: ج 4/319 ح 44، وسائل الشيعة: ج 10/102 باب 34 باب جواز مصّ الصائم لسان إمرأته.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/342.
5- كفاية الأحكام: ج 2/616.
6- جواهر الكلام: ج 36/354.
7- رياض المسائل: ج 13/428.

والنصوص الدالّة على ذلك متواترة معنىً ، أضف إليه ما ورد في خصوص جملةٍ من تلك الأشياء كالمُبانِ من الحَيّ وغيره، مضافاً إلى أنّ جُلّها من الخبائث المحرّمة بالإجماع والكتاب والسُّنة.

***

ص: 316

والطين.

حرمة أكل الطين

المسألة الرابعة: (و) يحرُم أكل (الطين) بجميع أصنافه، بلا خلافٍ .

وفي «الرياض»(1)، و «المستند»(2)، و «الجواهر»(3) وغيرها(4): دعوى الإجماع عليه.

وفي «الجواهر»(5): (بل المحكى منه مستفيضٌ أو متواترٌ).

وفي «المستند»(6): (ونقل الإجماع عليه مستفيضٌ ).

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضة:

منها: الخبر القوي الذي رواه السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه»(7).

ومنها: خبر هشام بن سالم، عنه عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم من طين، فحرّم أكل الطين على ذريّته»(8).

ومنها: خبر القداح، عنه عليه السلام: «قيل لأمير المومنين عليه السلام: في رجلٍ يأكل الطين ؟

ص: 317


1- رياض المسائل: ج 13/431.
2- مستند الشيعة: ج 15/159.
3- جواهر الكلام: ج 36/355.
4- غنية النزوع: ص 398، التنقيح الرائع: ج 4/50.
5- جواهر الكلام: ج 36/355.
6- مستند الشيعة: ج 15/159.
7- الكافي: ج 6/266 ح 8، وسائل الشيعة: ج 24/222 ح 30392.
8- الكافي: ج 6/265 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/221 ح 30390.

فنهاه، وقال: لا تأكله فإنْ أكلته ومتَّ كُنتَ قد أعنتَ على نفسك»(1).

ومنها: موثّق سماعة، عنه عليه السلام: «أكل الطين حرامٌ على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام»(2).

ومنها: خبر سعد بن سعد، عن أبي الحسن عليه السلام: «أكل الطين حرامٌ مثل الميتة والدّم ولحم الخنزير، إلّاطين الحائر، فإنّ فيه شفاءٌ من كلّ داء، وأمناً من كلّ خوف»(3).

ومنها: مرسل الواسطي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «الطين حرامٌ أكله كلحم الخنزير، ومن أكله ثمّ ماتَ منه لم أُصلِّ عليه، الحديث»(4).

ومنها: العلويّ : «من انهمك في أكل الطين، فقد شَرَك في دم نفسه»(5).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة، المشتملة(6) على أنّ أكله من مكائد الشيطان، ومصائده الكبار، وأبوابه العظام، ومن الوسواس، ويورث السُّقم في الجسد، ويهيّج الدّاء، ويورث النفاق، ويوقع الحكّة في الجسد، ويورث البواسير، ويهيّج داء السوء، ويُذهب بالقوّة من الساقين والقدمين، وأنّ من أكله ملعونٌ ، وأنّ من أكله ونقص مِن عَمله فيما بينه وبين صحّته من قَبل أن يأكله حُوسِب عليه وعُذِّب به.ر.

ص: 318


1- الكافي: ج 6/266 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/222 ح 30391.
2- وسائل الشيعة: ج 24/228 ح 30404، كامل الزيارات: ص 286.
3- الكافي: ج 6/266 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/226 ح 30402.
4- الكافي: ج 6/265 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/226 ح 30401.
5- الكافي: ج 6/265 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/221 ح 30389.
6- الكافي: ج 6/265 باب أكل الطين، وسائل الشيعة: ج 24/220 باب 58 باب تحريم أكل الطين والمدر.

أقول: والطين كما قالوا(1) هو التراب المخلوط بالماء، وأنّ ذلك معناه لغةً وعرفاً، والظاهر كما صرّح به جماعة(2) عدم اشتراط بقاء الرطوبة في الحرمة، فيحرم يابسه أيضاً، ويشهد به:

1 - صحيح معمّر بن خالد، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلت له: ما يروي النّاس في أكل الطين وكراهيته ؟

قال: إنّما ذلك المبلول، وذاك المدّر» والمدّر هو الطين اليابس.(3).

2 - ومرفوع أحمد بن أبي عبد اللّه: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن أكل المدر»(4).

وهل يحرم التراب أيضاً كما في «المسالك»(5) و «الرياض»(6)؟

أم لا كما صرّح به جماعة منهم صاحب «الجواهر»(7)، والمحقّق النراقي(8)، قال المحقّق الأردبيلي(9): المشهور بين المتفقهة تحريم التراب والأرض كلّها حتّى الرمل والأحجار؟

وجهان: يشهد للثاني الأصل بعد اختصاص النصوص بالطين.

واستدلّ للأوّل تارةً : بما في الأخبار من استثناء طين قبر الحسين عليه السلام، فإنّ المراد5.

ص: 319


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/234.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/235، مستند الشيعة: ج 15/161.
3- الكافي: ج 6/266 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/220 ح 30386.
4- وسائل الشيعة: ج 24/224 ح 30397، معاني الأخبار: ص 263.
5- مسالك الأفهام: ج 12/68.
6- رياض المسائل: ج 13/432.
7- جواهر الكلام: ج 36/356.
8- مستند الشيعة: ج 15/161.
9- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/235.

به ما يعمّ التراب، فكذلك في المستثني منه.

وأُخرى : بأنّ التراب أيضاً مضرٌّ بالبدن قطعاً، فيعمّه عموم التعليل.

وثالثةً : بأنّ حرمة الطين تستلزمُ حرمة التراب باعتبار كونه تراباً وماء، ومن المعلوم عدم حرمة الثاني.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ما استثني في الأخبار إنّما هو طين قبر الحسين عليه السلام، وهو لا يشمل التراب، وإنّما يُحكم بجواز الاستشفاء بتراب قبره الشريف للنصوص الاُخر المتضمّنة للاستشفاء بتربته، فالحكمُ بالاستشفاء بتراب قبره الشريف ليس لأجل الاستثناء كي يستدلّ به على إرادة العموم من المستثنى منه، ويؤيّده تقديره بقدر الحُمّصة، فإنّه مشعر بإرادة المَدَر.

وأمّا الثاني: فلأنّ الطين حرامٌ قليله وكثيره، مع أنّه ليس في قليله الضرر، فيعلم من ذلك أنّ ما ذكر في النصوص إنّما هو من قبيل الحِكمة لا العلّة كي تُعمّم وتخصّص.

وبالجملة: إنّ محلّ الكلام هو القليل من التراب الذي لا يكون مضرّاً قطعاً.

وأمّا الثالث: فلأنّه يرجع إلى شبه العلّة المستنبطة.

وإن شئت قلت: إنّه كما يلاحظ أنّ الماء إذا خُلط مع بعض الأشياء يوجبُ ترتّب أثرٍ كالحرارة أو الإسكار وما شاكل، كذلك يحتمل دخله في المقام.

وعليه، فالأظهر عدم حرمة التراب.

وفي «الجواهر»(1): (وربما يؤيّد الحِلّ السيرة المستمرّة على أكل الكمأة، وعلى8.

ص: 320


1- جواهر الكلام: ج 36/358.

عدا اليسير من تربة الحسين عليه السلام للاستشفاء.

أكل الفواكه ذاتِ الغبار وغيرها ممّا لا ينفكّ الإنسان عنه غالباً، خصوصاً في أيّام الرياح، بل يمكن القطع بعدم وجوب اجتناب الطعام بوقوع أجزاء تراب فيه وإن قلّت) انتهى .

وبما ذكرناه يظهر حكم الرَّمل والأحجار، وأنّه لا دليل على حرمة أكل شيء من ذلك ما لم ينطبق عليه عنوانُ محرّمٍ آخر.

الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام

وكيف كان، فلا يُحمل شيء من الطين (عدا اليسير من تربة الحسين عليه السلام للاستشفاء) فإنّه يجوزُ بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه(1)، والنصوص به مستفيضة أو متواترة تقدّمت جملة منها وبعضها مشتملٌ على القَسَم وغيره من المؤكّدات، ولكنّه يُشترط في استثنائه أمران:

أحدهما: أنْ لا يتجاوز قدر الحُمّصة، كما صرّح به المحقّق(2) وجماعة(3).

ويشهد به حسن حنان بن سدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«ولا تناول منها أكثر من حُمّصة، فإنّ من تناول منها أكثر من ذلك فكأنّما أكل من لحومنا أو دمائنا»(4).

ص: 321


1- جواهر الكلام: ج 36/358.
2- شرائع الإسلام: ج 3/176.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/111، الدروس: ج 3/14.
4- وسائل الشيعة: ج 24/229 ح 30407، مصباح المتهجّد: ص 734.

والمرويّ عن «مصباح الزائر»(1) في خبرٍ طويل أنّه يستعمل منها وقت الحاجة مثل قدر الحُمّصة، ونحوهما غيرهما.

ثانيهما: أن يكون للاستشفاء، فلا يجوز أكله لغيره كما هو المشهور بين الأصحاب(2)، ويشهد به حسن حنان بن سُدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«من أكل من طين قبر الحسين غير مستشفٍ به، فكأنّما أكل من لحومنا، الحديث»(3).

وقد يقال:(4) بجواز الأكل تبرّكاً، وإنْ رجع قائله عنه في كتبه الاُخر.

واستدلّ له:

1 - بما دلّ على أنّ فيه شفاءٌ من كلّ داء(5)، وأمناً من كلّ خوف.

2 - وبما دلّ على تحنيك الأولاد بتربة الحسين عليه السلام(6)، بدعوى أنّ التحنّك يستلزمُ الأكل.

3 - وبخبر النوفلي، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: إنّي أفطرتُ يوم الفطر على طينٍ وتمر؟ فقال: جمعت بركةً وسُنّة»(7).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا يدلّ على أنّ الأمان في أكله أو في استصحابه، بل في بعض1.

ص: 322


1- مصباح الزائر: ص 97.
2- رياض المسائل: ج 13/433-434، مستند الشيعة: ج 15/162 قوله: (فلا يجوز لغيره بلا خلاف أجده).
3- وسائل الشيعة: ج 24/229 ح 30406، مصباح المتهجّد: ص 733.
4- حكاه صاحب مستند الشيعة: ج 15/163 عن مصباح المتهجّد راجع: ص 733.
5- الكافي: ج 6/226 ح 1 و 9، وسائل الشيعة: ج 24/226 ح 30401 و 30402.
6- الكافي: ج 6/24 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/407 ح 27425.
7- الكافي: ج 4/170 ح 4، وسائل الشيعة: ج 7/445 ح 9821.

النصوص الواردة في كيفيّة أخذه: «إذا خِفتَ سلطاناً أو غير سلطان فلا تخرجنّ من منزلك إلّاومعك من طين قبر الحُسين عليه السلام».

وأمّا الثاني: فلأنّ التحنيك لا يستلزمُ الأكل، مع أنّ تلك الأخبار متضمّنة للتحنيك بتربة قبر الحُسين عليه السلام لا بطين قبره.

وأمّا الثالث: فلأنّه قضيّة في واقعة، فلعلّه كان متشفياً أيضاً، مع أنّه ضعيفُ السند.

وعليه، فالأظهر اعتبار الاستشفاء في جواز الأكل.

أقول: ثمّ إنّ النصوص متضمّنة لبيان آداب وشرائط وأدعيةً لأخذه واستعماله، وفي بعضها أنّه لا شفاء إلّابها، وقد حملها صاحب «الجواهر»(1) على أنّها آدابٌ لتناوله واستعماله على الوجه الأكمل في شرعيّة التأثير ونحوه، لا شرائط لأصل التناول، قال: (بل في النصوص المزبورة قرائنُ متعدّدة على ذلك).

ومن هنا قال في «الرياض»(2): (لم أقف على مشترطٍ لذلك أصلاً، بل صرّح جماعة بأنّ ذلك لزيادة الفضل).

أقول: يعدّ الأمر من الواضحات، وتمام الكلام يتحقّق ببيان أُمور:

الأمر الأوّل: قال السيّد في «الرياض»(3):

(ثمّ إنّ مقتضى الأصل لزوم الاقتصار في الاستثناء المخالف له على المتيقّن من ماهيّة التربة المقدّسة، وهو ما أُخذ من قبره أو ما جاوره عرفاً، ويحتمل إلى سبعين ذراعاً كما في الرواية، لا لها بل لِعُسر الاقتصار على ما دونه، مع القطع بعدمه في4.

ص: 323


1- جواهر الكلام: ج 36/364. (2و3) رياض المسائل: ج 13/433 و 434.

الأزمنة السابقة والحديثة.

وأمّا ما جاوز السبعين إلى أربعة فراسخ أو غيرها ممّا وردت به الرواية، فمشكلٌ ، إلّاأنْ يأخذ منه ويوضع على القبر أو الضريح، فيقوى حينئذٍ احتمال جوازه، نظراً إلى أنّ الاقتصار على المتيقّن أو ما قاربه يوجبُ عدم بقاء شيء من أرض تلك البقعة المباركة، لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة، وستؤخذ إنْ شاء اللّه تعالى إلى يوم القيامة، وظواهر النصوص بقاء تربته الشريفة بلا شبهة.

وبما ذكرناه صرّح جماعة كالفاضل المقداد(1) وشيخنا في «الروضة»)(2) انتهى .

أقول: روايات التحديد مختلفة:

1 - ففي بعضها وردت بالتحديد بسبعين ذراعاً كمرسل سليمان بن عمر السرّاج، عن بعض أصحابنا، عن الصادق عليه السلام، قال:

«يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً»(3).

ونحوه غيره.

2 - وفي بعضها روايات بالتحديد بسبعين باعاً في سبعين باع، كخبر أحمد بن محمّد بن عيسى ، بإسناده عنه عليه السلام، قال: «يُؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين باعاً»(4).

ونحوه غيره.

3 - وفي جملةٍ من الأخبار حُدّد بالمِيل، لاحظ خبر الكناني، عن الإمام9.

ص: 324


1- التنقيح الرائع: ج 4/51.
2- شرح اللّمعة: ج 7/327.
3- الكافي: ج 4/588 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/511 ح 19712.
4- مستدرك الوسائل: ج 10/334 ح 12124-11، كامل الزيارة: ص 279.

الصادق عليه السلام: «طين قبر الحسين عليه السلام فيه شفاء، وإنْ أُخذ على رأس ميل»(1).

ونحوه خبر أبي بكر الحضرمي عنه عليه السلام(2).

وفي خبر الثمالي، عن مولانا الصادق عليه السلام: «يُستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال»(3).

وفي المرسل المرويّ عن «كامل الزيارة»، عنه عليه السلام: «حرم قبر الحسين فرسخٌ في فرسخ»(4) فتأمّل.

4 - وفي بعض كتبِ الأصحاب(5): (وروي إلى أربعة فراسخ، وروي ثمانية) ولم نعثر على خبرٍ يدلّ عليهما.

أقول: ولكن جميع هذه النصوص ضعيفة الإسناد، لا يمكن الفتوى بالحليّة مستندةً إلى شيء منها، فالمتعيّن الاقتصار على المفهوم العرفي.

والإيراد عليه: بأنّه يوجبُ عدم بقاء شيء من تلك البقعة المباركة لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة.

يندفع: بأنّه كلّ ما أُخذ منها لو جعل مكان المأخوذ من سائر الأمكنة، ومضى عليه زمانٌ ، صدق عليه أنّه تربة قبر الحسين أو طين الحائر، وما شاكل من العناوين المأخوذة في الأخبار، فإنّ المراد به ليس خصوص الذي كان موجوداً في زمان شهادته عليه السلام، وهذا واضحٌ جدّاً فلا يلزم محذوٌر أصلاً.).

ص: 325


1- وسائل الشيعة: ج 14/513 ح 19718، كتاب المزار: ص 143.
2- وسائل الشيعة: ج 14/530 ح 19755 / كامل الزيارات ص 277.
3- وسائل الشيعة: ج 24/227 ح 30403، كامل الزيارة: ص 280.
4- وسائل الشيعة: ج 14/510 ح 19711، كامل الزيارة: ص 271، 282.
5- شرح اللّمعة: ج 7/327 قوله: (وروي إلى أربعة فراسخ وروي ثمانية).

وبذلك يندفع ما قاله صاحب «المستند»(1) من أنّه: (يُشكل الأمر للعلم بتغيّر طين القبر في تلك الأزمنة المتطاولة التي تناوبت عليه أيدي العامرين له) انتهى .

الأمر الثاني: إنّه كما ورد في الأخبار(2) آدابٌ وشرائطٌ وأدعية لأخذ الطين واستعماله، كذلك ورد في حمله واستصحابه إلى المنزل، وأنّه لا يُجعل في الخَرج والجوالق ونحوها، وينبغي أن يكثر ذكر اللّه عليه، وأن يكتم به، ولا يجعله في الأشياء الدنسة، والثياب الوسخة، وأنّه لو فعل ذلك به لذهب منه الشفاء والبركة.

ففي خبر الثمالي، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال:

«وإنّما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها، وقلّة اليقين لمن يُعالج بها.

إلى أنْ قال: ولقد بلغني أنّ بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخفّ به، حتّى أنّ بعضهم يضعها في مخلاة البغل والحمار، وفي وعاء الطعام والخرج، فكيف يُستشفى به من هذا حاله عنده ؟!»(3).

الأمر الثالث: الظاهر - كما هو المشهور - اختصاص ذلك بطين قبرالحُسين عليه السلام، ولا يعمّ طين قبر غيره من الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، لإطلاق الأدلّة، وللخبر المرويّ عن «العيون» بسنده المتّصل عن موسى بن جعفر عليهما السلام في حديثٍ طويل، قال:

«لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به، فإنّ كلّ تربةٍ لنا محرّمة إلّاتربة جدّي الحسين عليه السلام»(4).3.

ص: 326


1- مستند الشيعة: ج 15/167.
2- راجع كامل الزيارة لابن قولويه: ص 279-284.
3- وسائل الشيعة: ج 24/227 ح 30403، كامل الزيارة: ص 280.
4- وسائل الشيعة: ج 14/529 ح 19753، عيون أخبار الرّضا: ج 1/103.

وما في خبر الثمالي المتقدّم: «وكذلك قبر جَدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وكذلك طين قبر الحسين وعليّ ومحمّد، فخُذ منها فإنّها شفاءٌ من كلّ داء وسقم» لضعف سنده لايُعتمد عليه، وقد حَمله المجلسيّ (1) رحمه الله على مجرّد الأخذ والاستصحاب دون الأكل، ولا بأس به.

وأمّا قوله عليه السلام في خبر محمّد بن مسلم في حديثٍ : «أنّه كان مريضاً فبعث إليه أبو عبد اللّه عليه السلام بشرابٍ فشربه، فكأنّما نشط من عقال، فدخل عليه فقال:

كيف وجدت الشراب ؟ يا محمّد، إنّ الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور آبائي»(2).

فمع أنّ في آخره ما يدلّ على أنّه من طين قبر الحسين عليه السلام، لا يدلّ على جواز أكل الطين، بل الظاهر منه أنّه عليه السلام قد أذاب الطين وحلّه في شربةٍ ، ولا إشكال في الجواز حينئذٍ لاستهلاك الطين في الماء.

وعليه، فالأظهر عدم الجواز.

نعم، لا بأس بأخذه وحَلّه في ماءٍ أو شرابٍ أُخرى ، بحيث يخرج عن صدق الطين، ثمّ يشربه، وكذا لا بأس بتناول التراب من قبورهم بناءً على اختصاص الحرمة بالطين، واستصحاب الطين والطلاء أو الضماد به وما شاكل.

الأمر الرابع: استثنى جماعة منهم الشهيدان(3) من الطين المحرّم أكله، طين الأرمنيّ ، واستدلّ له بعدم تيقّن كونه طيناً، وإنْ سُمّي به كما يستفاد من آثاره7.

ص: 327


1- بحار الأنوار: ج 57/156.
2- وسائل الشيعة: ج 14/526 ح 19749، كامل الزيارة: ص 275.
3- الدروس: ج 3/14، اللّمعة الدمشقيّة: ص 237، شرح اللّمعة: ج 7/327.

وخواصّه، ولصوقه باللّسان، وقول الأطبّاء بأنّه حار، مع أنّ كلّ طين بارد، وبعدم انصراف الإطلاق إلى مثل هذا الطين لكونه نافعاً.

أقول: عُلّل حرمة الطين في بعض الأخبار بالضرر، وبجملةٍ من النصوص:

منها: خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ رجلاً شكى إليه الزحير، فقال عليه السلام له: خُذ من الطين الأرمني وأقله بنارٍ ليّنة، واستفّ منه، فإنّه يسكن عنه»(1).

ومنها: عنه عليه السلام أنّه قال في الزحير: «تأخذ جزءاً من خريق أبيض، وجزءاً من بزر القطونا، وجزءاً من صمغ عربيّ ، وجزءاً من الطين الأرمني، يُقلى بنارٍ ليّنة، ويستفّ منه»(2).

ومنها: خبر الحسن بن الفضل الطبرسي في «مكارم الأخلاق»:

«سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن طين الأرمنيّ ، يؤخذ منه للكسير والمبطون، أيحلّ أخذه ؟

قال عليه السلام: لا بأس أما إنّه من طين قبر ذي القرنين، وطين قبر الحسين عليه السلام خيرٌ منه»(3).

ورواه الشيخ في «المصباح» عن محمّد بن جمهور العَمّي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

أقول: الروايات وإنْ كانت ضعيفة الإسناد، وعدم الانصراف ممنوعاً، ولكن الوجه الأوّل حسنٌ ، وليكن الأخبار مؤيّدة له، واللّه العالم.7.

ص: 328


1- وسائل الشيعة: ج 24/230 ح 30408، طب الأئمّة: ص 65.
2- وسائل الشيعة: ج 24/230 ح 30409، طبّ الأئمّة ص 65.
3- وسائل الشيعة: ج 24/230 ح 30410، مكارم الأخلاق: ص 167.

والسموم القاتلة.

حكم أكل السموم القاتلة

المسألة الخامسة: (و) تحرُم (السّموم القاتلة) إجماعاً(1)، للنهي عن قتل النفس، وقد تقدّم الكلام في ذلك وفي حرمة ما لا يَقتُل ولكن يكون مضرّا بالبدن في أوائل هذا الفصل.

ويحرمُ أيضاً من الجوامد ما كان منه مُسكراً، لأنّ كلّ مسكرٍ حرامٌ إجماعاً، وسيأتي الكلام فيه، وكذا ما كان منه نجساً كما مرّ، وما سوى ذلك من الجوامد يحلّ أكله حتّى مثل الفحم وأُصول العنب وما شاكل.

***

ص: 329


1- رياض المسائل: ج 13/437.

الخامس: المائع، ويحرُم كلّ مسكرٍ من خمرٍ وغيره

حرمة المسكر

المبحثُ (الخامس): في (المائع و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى : (يحرُم كلّ مسكرٍ من خمرٍ وغيره) إجماعاً محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً، بل يعدّ حرمة الخمر من ضروريّات الدين(1).

ويشهد بها من الكتاب آيات(2)، ومن السُّنة نصوصٌ متواترة، ستأتي الإشارة إلى جملة منها:

وقد تضمّنت طائفة(3) منها: النهي عن التداوي بها، وأنّ اللّه تعالى لم يجعل فيها دواءٌ ولا شفاء.

وفي جملةٍ من الأخبار(4) النهي عن سقي الخمر صبيّاً، بل الدّابة، وقد نَهى(5)رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يزوّج شارب الخمر، وأن يُعاد إذا مرض، ويشهد جنازته إذا مات.

ص: 330


1- رياض المسائل: ج 13/437.
2- سورة البقرة: الآية 219، سورة المائدة: الآية 90 و 91.
3- الكافي: ج 6/413 باب من اضطرّ إلى الخمر، وسائل الشيعة: ج 25/343 باب 20 عدم جواز التداوي بشيءمن الخمر.
4- الكافي: ج 6/395 باب شارب الخمر، وسائل الشيعة: ج 25/307 باب 10 باب أنّه لا يجوز سقي الخمر صبيّاً...
5- الكافي: ج 6/395 باب شارب الخمر، وسائل الشيعة: ج 25/308 باب 11 باب كراهة تزويج شارب الخمر.

وفي كثيرٍ من الأخبار(1): أنّ شُرب الخمر رأس كلّ إثمٍ ، ومفتاح المعصية، وشاربها مكذِّبٌ بكتاب اللّه تعالى ، ومدمن الخمر كعابد وَثَن، ومفتاح كلّ شرٍّ، وأنّها اُمّ الخبائث، ورأس كلّ شرّ، والسّكران زمامه بيد الشيطان إنْ أمرَه أن يسجد للأوثان سَجَد، إلى غير هذه من التعابير الكاشفة عن شدّة اهتمام الشارع الأقدس بترك ذلك.

أقول: ويلحق بالخمر كلّ مسكرٍ، ويشهد به نصوصٌ متواترة:

منها: خبر عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها، ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(2).

ومنها: خبر عطاء بن يسار، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

كلّ مسكرٍ حرام، وكلّ مسكرٍ خمرٌ»(3).

ومنها: صحيح الفضيل بن يسار، قال: «ابتدأني أبو عبد اللّه عليه السلام يوماً من غير أن أسأله، فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: كلُّ مسكرٍ حرام.

قلت: أصلحك اللّه كلّه ؟

قال عليه السلام: نعم الجرعة منه حرام»(4).

ومنها: صحيح ابن أبي عمير، عن الصيداوي، عنه عليه السلام، قال:

«خَطَب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: كلُّ مسكرٍ حرام»(5).7.

ص: 331


1- الكافي: ج 6/402 باب أنّ الخمر رأس كلّ إثم وشرّ، وسائل الشيعة: ج 25/313 باب 12 باب أنّ شرب الخمر والمسكر من الكبائر.
2- الكافي: ج 6/412 ح 2، وسائل الشيعة: ج 25/342 ح 32077.
3- الكافي: ج 6/408 ح 3، وسائل الشيعة: ج 25/326 ح 32029.
4- الكافي: ج 6/409 ح 9، وسائل الشيعة: ج 25/325 ح 32025.
5- الكافي: ج 6/407 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/325 ح 32027.

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

وأيضاً: لا خلاف ولا كلام في أنّ ما يُسكر كثيره يكون قليله أيضاً حراماً وإنْ لم يُسكر، ويشهد به نصوص:

منها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام.

قال: فقلت: فقليلُ الحرام يحلّه كثير الماء؟

فردّ بكفّيه مرّتين: لا، لا»(1).

ومنها: صحيح صفوان، عن الأسدي، عنه عليه السلام: «عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: أيّها الناس ألا إنّ كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»(2).

ونحوهما غيرهما من الأخبار المستفيضة، بل في بعض الأخبار أنّه يحرُم الشرب من حُبٍّ من ماءٍ قَطَرتْ فيه قطرة من المسكر كخبر عمر بن حنظلة(3).

وقد تضمّن جملة من(4) النصوص النهي عن التداوي بشيء من المسكر، وأنّ اللّه تعالى لم يجعل في شيء ممّا حرّمه دواءٌ ولا شفاء.

وفي جملةٍ من الأخبار النهي عن شرب المُسكر مع التقيّة المُبيحة لكثيرٍ من المحرّمات.ر.

ص: 332


1- الكافي: ج 6/408 ح 4، وسائل الشيعة: ج 25/336 ح 32062.
2- الكافي: ج 6/408 ح 6، وسائل الشيعة: ج 25/337 ح 32063.
3- الكافي: ج 6/410 ح 15، وسائل الشيعة: ج 25/341 ح 32074.
4- الكافي: ج 6/413 باب من اضطرّ إلى الخمر، وسائل الشيعة: ج 25/343 باب 20 عدم جواز التداوي بشىءمن الخمر.

والعصير إذا غَلى، والفقّاع

المسألة الثانية: (و) أيضاً يحرم (العصير) العنبي (إذا غَلى) سواءٌ أكان الغليان بنفسه أو بالنار، ولا يحلّ حتّى يذهب ثلثاه إنْ كان غلى بالنار، أو ينقلب خلّاً إنْ كان غَلى بنفسه، وقد تقدّم الكلام في ذلك كلّه، وفي العصير الزبيبي والتمري في الجزء الرابع من هذا الشرح مفصّلاً فلا نعيد.

حرمة الفقّاع

المسألة الثالثة: (و) لا خلاف في أنّه يحرم (الفقّاع) قليله وكثيره، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه مستفيضٌ أو متواتر أو قطعي كالنصوص، كما في «الجواهر»(1).

أقول: والشاهد على حرمته نصوصٌ كثيرة:

منها: خبر ابن سنان، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن الفقّاع ؟ فقال: لا تقربه فإنّه من الخمر»(2).

ومنها: موثّق ابن فضّال، قال: «كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقّاع ؟

فقال عليه السلام: هو الخمر، وفيه حَدّ شارب الخمر»(3).

ومنها: موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الفقّاع ؟ فقال عليه السلام: هو خمر»(4).

ومنها: خبر ابني جهم وفضّال، عن أبي الحسن عليه السلام:

ص: 333


1- جواهر الكلام: ج 36/374.
2- الكافي: ج 6/422 ح 3، وسائل الشيعة: ج 25/361 ح 32126.
3- الكافي: ج 6/424 ح 15، وسائل الشيعة: ج 25/360 ح 32122.
4- الكافي: ج 6/422 ح 2، وسائل الشيعة: ج 25/360 ح 32124.

«عن الفقّاع ؟ فقال عليه السلام: هو خمرٌ مجهولٌ ، وفيه حَدّ شارب الخمر»(1).

ومنها: صحيح الوشّا، قال: «كتبتُ إليه - يعني مولانا الرّضا عليه السلام - أسأله عن الفقّاع ؟

فكتب: حرامٌ ، ومن شَربه كان بمنزلة شارب الخمر.

قال: وقال أبو الحسن عليه السلام: لو أنّ الدار داري لقتلتُ بايعه، ولجلدتُ شاربه.

قال: وقال أبو الحسن الأخير عليه السلام: حَدّه حَدّ شارب الخمر.

وقال عليه السلام: هي خمرة استصغرها الناس»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يحرم الصنف من الفقّاع الذي لا يُسكر منه كما صرّح به في «الرياض»(3)، و «المستند»(4)، وغيرهما(5).

وفي «الرياض»(6): (بلا خلافٍ بين الأصحاب، بل عليه الإجماع في كثير من العبارات كالغنية(7)، و «السرائر»(8)، و «التحرير»(9)، و «القواعد»(10)، و «الدروس»(11)،6.

ص: 334


1- الكافي: ج 6/423 ح 8، وسائل الشيعة: ج 25/362 ح 32131.
2- الكافي: ج 6/423 ح 9، وسائل الشيعة: ج 25/365 ح 32136.
3- رياض المسائل: ج 13/439.
4- مستند الشيعة: ج 15/173.
5- كشف اللّثام: ج 10/553.
6- رياض المسائل: ج 13/439.
7- غنية النزوع: ص 399.
8- السرائر: ج 3/128.
9- تحرير الأحكام: ج 1/161.
10- قواعد الأحكام: ج 3/331.
11- الدروس: ج 3/16.

و «المسالك»(1)، وغيرها(2) من كتب الجماعة ؟

أم لا يحرم كما في «الجواهر»(3)، قال: (ويمكن إرادة المصنّف ذلك)؟

وكيف كان، فيشهد للأوّل: إطلاق النصوص المتقدّمة.

وانصرافها إلى المتعارف، وهو ما كان مسكراً ولو كثيره، لا وجه له.

نعم، في صحيح ابن أبي عمير، عن مرازم، قال:

«كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقّاع في منزله، قال ابن أبي عمير: ولم يُعمل فقّاع يَغلى»(4).

ولذلك ذكر غير واحدٍ منهم الشهيد الثاني إنّه إنّما يحرم مع الغليان الذي هو النشيش الموجب للانقلاب.

أقول: ولكن الظاهر عدم صدق الفقّاع على ماء الشعير، ما لم يغل، ولم ينشّ ، واستعمال المرازم الفقّاع على ما كان يتّخذ للإمام عليه السلام غير دالٍ على كونه أعمّ .

وعليه، فإنْ فُرض صدق الفقّاع مع الغليان، وإنْ لم يكن مسكراً، كان مقتضى إطلاق الأدلّة حرمته.

أمّا صحيح عليّ بن يقطين، عن الإمام الكاظم عليه السلام:

«عن شُرب الفقّاع الذي يُعمل في السوق ويُباع، ولا أدري كيف عَمِل ولا متى عمل، أيحلّ أن أشربه ؟ قال عليه السلام: لا أحبّه»(5).2.

ص: 335


1- مسالك الأفهام: ج 12/73.
2- مفاتيح الشرائع: ج 2/219.
3- جواهر الكلام: ج 36/374.
4- التهذيب: ج 9/126 ح 280، وسائل الشيعة: ج 25/381 ح 32180.
5- الاستبصار: ج 4/97 ح 13، وسائل الشيعة: ج 25/382 ح 32182.

فلا ينافي ذلك، لأنّه لا يدلّ على الكراهة المصطلحة، بل يلائم مع الحرمة، ولذا نزّله الأصحاب على التحريم.

ويمكن أنْ يقال: إنّ ماء الشعير بمجرّد الغليان لا يوجبُ الإسكار، بل صيرورته مسكراً يتوقّف على مضيّ زمانٍ ، ولذا كتب عليه السلام في جواب الرّاوي وقد سأله عن الفقّاع أهو مكروهٌ قبل الغليان أو بعده ؟

«لا تقرب الفقّاع إلّاما لم يضرّ آنية أو كان جديداً»(1).

وأنّه يعتبر في صدق الفقّاع الإسكار، ولو باعتبار كون كثيره مسكراً، وعليه فما لم يُسكِر لا يكون حراماً، ومع الشكّ في الصدق يُحكم بالحليّة، لأصالة الحليّة، وعلى ذلك تطابق النصوص، واللّه العالم.

***1.

ص: 336


1- التهذيب: ج 9/126 ح 281، وسائل الشيعة: ج 25/381 ح 32181.

والدّم

الدّم حرام

المسألة الرابعة: لا خلاف (و) لا إشكال في حرمة (الدّم)، ويشهد به:

قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَ اَلدَّمُ وَ لَحْمُ اَلْخِنْزِيرِ) (1).

وقوله عزّ وجلّ : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةَ وَ اَلدَّمَ وَ لَحْمَ اَلْخِنْزِيرِ) (2).

والنصوص الكثيرة، وقد تقدّمت جملة منها في المحرّمات من الذبيحة، وفي بعضها النهي عن أكل الدّم، وفي آخر تعليل حرمة الطحال بأنّه دم.

ومنها: خبر(3) المفضّل، ومرسل محمّد بن عبد اللّه الواردين في علل تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال:

«وأمّا الدّم فإنّه يورث أكله الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويُسيء الخُلق، ويورث الكَلَب والقسوة في القلب، وقلّة الرأفة والرحمة.. الخ»(4).

ونحوهما خبر ابن عذافر(3).

ومنها: خبر محمّد بن سنان، عن الإمام الرّضا عليه السلام، في حديثٍ :

«وحرّم اللّه الدّم كتحريم الميتة»(4).

ص: 337


1- سورة المائدة: الآية 3.
2- سورة البقرة: الآية 173. (3و4) الكافي: ج 6/242 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/99 ح 30083.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/345 ح 4215، وسائل الشيعة: ج 24/99 ح 30083.
4- وسائل الشيعة: ج 24/102 ح 30085، عيون أخبار الرّضا: ج 2/94.

بل في بعض(1) النصوص الواردة في علل تحريم الميتة بأنّه قد جمد فيها الدّم، ويرجع إلى بدنها، فلحمها ثقيل غير مريء لأنّها يؤكل لحمها بدمها.

أضف إلى ذلك كلّه: إنّ الدّم نجسٌ كما مرّ في كتاب الطهارة(2)، ويحرمُ شُرب النجس، مع أنّه من الخبائث ويحرم أكلها وشُربها بالكتاب والسُّنة والإجماع، وعليه فلا كلام في حرمة الدّم.

وإطلاق الأدلّة وإنْ كان يشمل الدّم المتخلّف في لحم الحيوان المأكول ممّا لا يقذفه المذبوح، إلّاأنّه حلالٌ إجماعاً، كما صرّح به جماعة(3).

ويعضده استلزام تحريمه العُسر والحَرَج المنفيّين شرعاً(4) وعقلاً، لعدم خلوّ اللّحم عنه وإنْ غُسل مرّات.

وعليه، فيصحّ الاستدلال بأكل المعصومين عليهم السلام اللَّحم في بيوتهم وبيوت من أضافهم، إذ من الضروري أنّه كان يبقى في اللّحم شيءٌ من الدّم، والظاهر إلحاق ما يتخلّف في القلب والكبد بما يتخلّف في اللّحم لعين ما ذكر.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الآيات والروايات، حرمة الدّم مطلقاً، وإنْ لم يكن مسفوحاً، أي خارجاً بقوّة عند قطع عرق الحيوان أو ذبحه، ولازمه حرمة أكل دم السَّمك والجراد وما شاكل.

ولكن صرّح جماعة(5) بحليّة أكل دم ما لا نفس له، إذا كان من مأكول اللّحم،4.

ص: 338


1- وسائل الشيعة: ج 24/103 ج 30087، الاحتجاج: ج 2/347.
2- فقه الصادق: ج 5/77، (باب حرمة الدّم).
3- مسالك الأفهام: ج 12/78، رياض المسائل: ج 13/454-455.
4- سورة الحجّ : الآية 78، سورة المائدة: الآية 6، سورة البقرة: الآية 185.
5- السرائر: ج 1/174، مختلف الشيعة: ج 1/474.

بل عن «المعتبر»(1) دعوى الإجماع على جواز أكل السَّمك بدمه، وقد استدلّ له بالآية الكريمة:

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (2) .

بتقريب: أنّه قيّد حرمة الدّم بكونه مسفوحاً، فيجبُ حَمل المطلق على المقيّد، فالمحرّم خصوص الدّم المسفوح.

وعليه، فما في السَّمك والجَراد لا يكون محرّماً.

أقول: وأُورد عليه بوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المستند»(3) من أنّ هذه الآية تدلّ على عدم الوجدان فيما اُوحي إليه حين نزول الآية، فلا ينافي تحريم المطلق بعد ذلك، فإنّ آية الحِلّ مكيّة، وآيتي التحريم مدنيّتان، فهما نازلتان بعد الأُولى ، فلا تنافي بينهما أصلاً.

وفيه: إنّه قد حُقّق في محلّه أنّ المطلق إذا ورد بعد المقيّد، ودار الأمر بين تقييد المطلق ونَسخ المقيّد، يقدّم الأوّل، وفي المقام كذلك فإنّ آية الحِلّ دالّة على حليّة غير الدّم المسفوح، لأنّ قوله: (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ ...) كنايةٌ عن حليّة ما عدا المذكورات، والآيتان ظاهرتان في حرمة مطلق الدّم، فيدور الأمر بين تقييد إطلاقهما بآية الحِلّ ، ونسخ تلك الآية بهما، فيقدّم التقييد.

الوجه الثاني: ما في «الرياض»(4) من أنّ آية الحِلّ تدلّ على حليّة ما عدا الميتة6.

ص: 339


1- المعتبر: ج 2/421.
2- سورة الأنعام: الآية 145.
3- مستند الشيعة: ج 15/140.
4- رياض المسائل: ج 13/456.

والعلقة، وإن كانت في البيضة

والدّم ولحم الخنزير، وهذا مخالفٌ للإجماع من الكلّ ، والبناء فيه على التخصيص، وحجيّة الباقي حَسنٌ إنْ بقى من الكثرة ما يقرب من مدلول العام، وليس بباقٍ بلا كلام، ولا مفرٌّ عن هذا المحظور إلّابجعل الحصر إضافيّاً أو منسوخاً، وأيّاً ما كان يضعفُ الاستناد إليه في المقام.

وفيه: إنّ المعتبر في حجيّة العام في الباقي، عدم تخصيص الأكثر، لكون الباقي ما يقربُ من مدلول العام، ومن الضروري أنّ المحلّلات أكثر من المحرّمات بمراتب، فلايلزم تخصيص الأكثر.

الوجه الثالث: أنّه يعارض هذه الآية الكريمة مع ما دلّ (1) على حرمة الخبائث، والنسبة عمومٌ من وجه، فتتساقطان، والمرجع إلى عموم دليل حرمة الدّم.

وفيه: إنّ الدّم إذا اجتمع في محلٍّ ، لا إشكال في كونه من الخبائث، ويكون حراماً، وأمّا ما هو باقٍ في السَّمك ومخلوطٌ مع لحمه، فلا يصدق عليه الخبيث.

فالمتحصّل: أنّ الدّم من غير ذي النفس ما لم ينفرد ويجتمع في الخارج، لايكون حراماً، ويعضده الإجماع المحكيّ عن «المعتبر»(2) على حليّة أكل السَّمك بدمه، فضلاً عن السيرة القطعيّة، وما دلّ (3) على حِلّ أكل السَّمك.

(و) بما ذكرناه يظهر حكم (العَلَقة) فإنّها إذا انفردت يحرمُ أكلها للخباثة، (و) أمّا (إنْ كانت في البيضة)، وامتزجت به، فلا دليل على حرمتها، كما هو الشأن فيك.

ص: 340


1- سورة الأعراف: الآية 157.
2- المعتبر: ج 2/421.
3- الكافي: ج 6/323 باب السَّمك، وسائل الشيعة: ج 25/73 باب 36 باب أكل السَّمك.

وهي نجسة، وكلّ ما ينجس من المائع وغيره، ويلقي النجاسة وما يكتنفها من الجامد كالسَّمن والعَسَل، ويحِلّ الباقي

النقطة من الدّم الموجود فيها.

ودعوى: أنّه يحرمُ أكل النجس (وهي نجسة).

قد تقدّم الكلام فيها في كتاب الطهارة(1)، وبيّنا أنّ الدّم الموجود في البيضة لايكون نجساً.

***

حرمة المايعات النجسة

المسألة الخامسة: لا إشكال (و) لا خلاف في أنّه يحرمُ (كلّ ما ينجس من المائع وغيره)، والنصوص الدالّة على حرمة المتنجّس، سواءً كان هو الماء أو غيره، وسواءً كان متنجّساً بالملاقاة مع الخمر أو الميتة أو الدّم أو غيرها فوق حَدّ التواتر، راجع أبواب النجاسات من كتب الحديث، وأبواباً من الأطعمة المحرّمة والأشربة المحرّمة، وستأتي الإشارة إلى بعضها، فلا مورد لإطالة الكلام في المقام.

(و) قد مرّ في بداية الجزء الخامس من هذا الشرح في مبحث كيفيّة تنجّس المتنجّسات أنّه إنْ كان الملاقى للنجس مائعاً، ليس له حالة جمود، توجبُ الملاقاة مع النجاسة سرايتها إلى جميع أجزائه، تنجَّس الجميع، ولابدَّ من الاجتناب عنها.

(و) إلّاإذا كان للملاقي مع النجس حالة جمود، مانعة عن السراية إلى سائر الأجزاء، غير محلّ الملاقاة (يلقي النجاسة وما يكتنفها من الجامد كالسَّمن والعَسَل، ويحِلّ الباقي) لعدم تنجّس الباقي بالملاقاة، فلا وجه للاجتناب عنه.

ص: 341


1- فقه الصادق: ج 5/47 (الأمر الثالث: البيض... الخ).

ومع ذلك فلنا نصوصٌ مصرّحة بهذا التفصيل:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا وقعت الفأرة في السَّمن فماتت فيه، فإنْ كان جامداً فألقها وما يليها وكُلْ ما بقي، وإنْ كان ذائباً فلا تأكله، واستصبح به، والزيت مثل ذلك»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الفأرة والدّابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً، فإنّه ربما يكون بعض هذا، فإنْ كان الشتاء فانزع ما حوله وكُلْه، وإنْ كان الصيف فارفعه حتّى تسرج به، وإنْ كان ثرداً فاطرح الذي كان عليه، ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه»(2).

إلى غير ذينك من النصوص الكثيرة.

وهل يجوز الانتفاعات الاُخر بالمتنجّس أم لا؟

فيه كلامٌ تقدّم في الأجزاء السابقة من هذا الشرح(3) فلا نعيد ما ذكرناه.

***).

ص: 342


1- الكافي: ج 6/261 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/194 ح 30324.
2- تهذيب الأحكام: ج 9/86 ح 96، وسائل الشيعة: ج 24/195 ح 30325.
3- فقه الصادق: ج 20/107، تحت عنوان: (حكم بيع المتنجّس).

والدُّهن النجس بملاقاة النجاسة يجوزُ الاستصباح به تحت السَّماء خاصّة.

الإستصباح بالدُّهن المتنجّس

المسألة السادسة: (والدُّهن النجس بملاقاة النجاسة يجوزُ الاستصباح به) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع محصّلاً ومنقولاً(1)، والنصوص شاهدة بذلك، منها ما تقدّم آنفاً.

إنّما الخلاف فيما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (تحت السَّماء خاصّة) وقد اختاره جماعة(2)، وذهب الأكثر(3) إلى جواز الاستصباح تحت الظلال.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بالإجماع(4).

2 - وبمرسل الشيخ رحمه الله، قال: (روى أصحابنا أنّه يُستصبح به تحت السماء)(5).

3 - وبأنّ الاستصباح تحت الظلال يوجبُ تنجّس السقف، وهو حرامٌ .

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلعدم ثبوته، كيف وقد أفتى جمعٌ من الأساطين(6) بل الأكثر بالجواز،

ص: 343


1- جواهر الكلام: ج 36/341.
2- تذكرة الفقهاء: ج 10/33 (ط. ح)، الدروس: ج 3/12.
3- مختلف الشيعة: ج 8/333، إيضاح الفوائد: ج 4/156، شرح اللّمعة: ج 3/208.
4- السرائر: ج 3/122.
5- المبسوط: ج 6/283.
6- مختلف الشيعة: ج 8/333، إيضاح الفوائد: ج 4/156، شرح اللّمعة: ج 3/208.

مع أنّه يمكن أنْ يكون مدرك حكمهم هذا الذي سنشير إليه، فعلى فرض ثبوته ليس إجماعاً تعبّديّاً.

وأمّا الثاني: فلأنّه لإرساله وعدم إحراز استناد الأصحاب إليه لا يُعتمد عليه.

فإنْ قيل: كيف لا يُحرز الاستناد مع أنّه في المسألة نصوصٌ دالّة بإطلاقها على جواز الاستصباح تحت الظلال، وليس شيءٌ يصلح للتقييد سوى المرسلة.

توجّه عليه: أنّ جماعة من الأصحاب(1) علّلوا عدم الجواز بأنّه ينجس السقف لنجاسة الدخان، ولذا فصّل المصنّف رحمه الله في بعض كتبه(2) بين ما لو علم بتصاعد شيء من أجزاء الدُّهن وعدمه.

وجماعة آخرين من القائلين، بعدم جواز الانتفاع بالمتنجّس.

وعليه، فيمكن أن يكون إفتائهم بالمنع استناداً إلى الأدلّة التي استدلّوا بها على تلك الكبرى الكليّة.

وأمّا الثالث: فلأنّ تنجيس السقف لا دليل على حرمته، مع أنّ دخان النجس ليس بنجس للاستحالة، مضافاً إلى أخصيّة الدليل عن المُدّعى، فإذاً لا دليل على المنع.

وقد استدلّ للجواز: بإطلاق نصوص الاستصباح(3)، وقد أفاد الشيخ الأعظم(4) رحمه الله أنّ تلك المطلقات آبية عن التقييد، واستند في ذلك إلى كثرتها،9.

ص: 344


1- المبسوط: ج 6/283.
2- مختلف الشيعة: ج 8/349، تذكرة الفقهاء: ج 12/138 (ط. ج).
3- جواهر الكلام: ج 36/385.
4- المكاسب: ج 1/79.

وورودها في مقام البيان.

وفيه: إنّ النصوص في مقام بيان مصرف الدهن، وأنّه الإسراج دون الأكل، وليست في مقام بيان كيفيّة الإسراج، فلا إطلاق لها، بل قد مرّ في أحد الأجزاء السابقة من هذا الشرح(1) أنّ المراد من قولهم عليهم السلام في تلك النصوص: «ليستصبح به» عدم الانتفاع به بالمنافع المتوقّف جوازها على الطهارة، ولازم ذلك عدم كونها في مقام بيان حكم الاستصباح من حيث هو.

وعليه، فليس في النصوص ما يمكن التمسّك بإطلاقه، ومن الغريب أنّ الشيخ رحمه الله مع اعترافه بذلك، التزم بأنّ المطلقات آبية عن التقييد.

أضف إلى ذلك: أنّ الكثرة بنفسها لا توجبُ إباء كلّ واحدٍ منها عن التقييد.

وبعبارة أُخرى: لا توجبُ أقوائيّة دلالة كلّ واحدٍ منها في الدلالة على العموم بنحوٍ يأبى عن التقييد، مع أنّ الكثرة ممنوعة، وورودها في مقام البيان من مقدّمات ثبوت الإطلاق، لا أنّه يوجب إبائه عن التقييد.

وعلى الجملة: كما لا دليل على المنع، لا دليل على الجواز، فالقول بجوازه أو عدمه يبتنى على القول بجواز الانتفاع بالمتنجّس وعدمه، وقد مرّ الكلام في المبنى في الأجزاء السابقة من هذا الشرح(2) مفصّلاً، وعرفت أنّ الأظهر هو الجواز.

***).

ص: 345


1- فقه الصادق: ج 20/153، تحت عنوان: (الاستصباح تحت الظلال).
2- فقه الصادق: ج 20/107، تحت عنوان: (حكم بيع المتنجّس).

ويحرُم الأبوال كلّها، عدا بول الإبل للاستشفاء

حُرمة شرب الأبوال

المسألة السابعة: (ويحرم الأبوال كلّها عدا بول الإبل للاستشفاء) كما صرّح به جماعة(1).

أقول: وملخّص القول في هذه المسألة:

أنّه بعدما لا كلام في حرمة البول إذا كان نجساً، وقع الكلام في بول الحيوان الذي يؤكل لحمه، المحكوم بالطهارة، وفيه أقوال:

1 - جواز شرب الأبوال مطلقاً، اختياراً، وعن السيّد المرتضى دعوى الإجماع عليه(2).

2 - عدم الجواز كذلك.

3 - التفصيل بين بول الإبل وغيره، فيجوزُ في الأوّل خاصّة.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بالأصل.

2 - وبخبر أبي البُختري، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «لا بأس ببول ما أكل لحمه»(3).

ص: 346


1- الوسيلة: ص 364، إرشاد الأذهان: ج 2/111، الدروس: ج 3/17.
2- الانتصار: ص 426.
3- وسائل الشيعة: ج 25/114 ح 31363، قرب الإسناد: ص 72.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه إنّما يرجع إليه بعد فقد الدليل.

ويرد على الثاني: - مضافاً إلى ضعف سنده لوهب الكذّاب - أنّه لا ظهور له في جواز الشرب، بل الظاهر منه - ولا أقلّ من المحتمل - أنّ المراد منه طهارته، مع أنّه لو سُلّم دلالته على ذلك يتعيّن تقييده بما دلّ على اختصاص الجواز بحال الضرورة.

واستدلّ للثاني:

1 - بآية تحريم الخبائث(1)، بدعوى أنّ البول من الخبائث.

2 - وبخبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن شُرب الرّجل أبوال الإبل والبقر والغَنَم، ينعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب ؟ قال عليه السلام: نعم لابأس به»(2).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما مرّ من عدم معلوميّة المراد من الخبيث، بل معلوميّة أنّ المراد به ما فيه مفسدة ورداءة، ولم يثبت كون الأبوال منه بهذا المعنى .

وأمّا الثاني: فلأنّ التقييد إنّما هو في كلام السائل، مع أنّه لو كان في كلام المعصوم عليه السلام، لما كان دالّاً عليه إلّاعلى القول بحجيّة مفهوم القيد.

وعليه، فالصحيح أن يستدلّ له بمفهوم موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن بول البقر يشربه الرَّجل ؟

قال عليه السلام: إنْ كان محتاجاً إليه يتداوى به بشربه، وكذلك أبوال الإبل والغنم»(3).

واستدلّ للقول بالجواز في خصوص بول الإبل: بخبر الجعفري، عن أبي الحسن2.

ص: 347


1- سورة الأعراف: الآية 157.
2- وسائل الشيعة: ج 25/115 ح 31368، طب الأئمّة: ص 62.
3- التهذيب: ج 1/284 ح 119، وسائل الشيعة: ج 25/113 ح 31362.

موسى عليه السلام، أنّه قال: «أبوال الإبل خيرٌ من ألبانها، ويجعل اللّه الشفاء في ألبانها»(1).

وفيه أوّلاً: إنّه ضعيف السند لبكر بن صالح.

وثانياً: إنّه يدلّ على ثبوت الخير في أبوالها، وهو أعمٌّ من الجواز التكليفي، إذ يمكن أنْ يكون ذلك من جهة كونه دواءً لكثيرٍ من الأمراض.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الحرمة مطلقاً، إلّامع الاحتياج إليه ليتداوى به، وفي حال الضرورة لا فرق بين بول الإبل والبقر والغنم، كما صرّح بذلك في خبر الجعفري.

وعليه، فتخصيص المصنّف رحمه الله الجواز ببول الإبل:

إنْ كان مراده صورة الضرورة، فهو بلا مخصّص.

وإنْ كان صورة الاختيار، فهو بلا دليل.

***4.

ص: 348


1- الكافي: ج 6/338 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/114 ح 31364.

وكذا يَحرُم لبن الحيوان المحرّم.

حُرمة لبن الحيوان المحرّم

المسألة الثامنة: في ألبان الحيوانات:

(و) المشهور بين الأصحاب(1) تبعيّة لبن الحيوان للحمه حِلّاً وكراهةً وحرمةً ، فكما يحِلّ لبن المحلّل (كذا يحرم لبن الحيوان المحرّم) ويكره لبن المكروه.

وعن «شرح المفاتيح»: دعوى الإجماع على الجميع.

وعن «الغنية»(2): دعوى الإجماع على الثاني.

أقول: الكلام في موارد:

المورد الأوّل: في لبن المحرّم كلبن اللَّبوة - بفتح اللّاَم وكسرها - الأُنثى من الأسد، والذئبة، والهِرّة، واستدلّ لحرمته:

1 - بخبر داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الشاة والبقرة ربما دَرّت من اللّبن من غير أن يضربها الفَحل، والدجاجة ربما باضت من غير أن تركبها الديكة ؟

قال: فقال عليه السلام: هذا حلالٌ طيّبٌ ، كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبنٍ أو بيضٍ أو أنفحةٍ فكُلّ ذلك حلالٌ طيّبٌ ، وربما يكون هذا من ضربة الفحل ويُبطئ، وكُلّ هذا حلال»(3).

ص: 349


1- مستند الشيعة: ج 15/143.
2- غنية النزوع: ص 399.
3- الكافي: ج 6/325 ح 7، وسائل الشيعة: ج 25/81 ح 31252.

المنجبر ضعفه للإرسال بعمل الجماعة، بدعوى أنّه يدلّ بالمفهوم على حرمة هذه الأشياء من ما لا يؤكل لحمه.

2 - وبما في «الرياض»(1): (إنّ اللّبن قبل استحالته إلى صورته كان محرّماً قطعاً، لكونه جزءاً يقيناً، فبحرمة الكلّ يحرم هو أيضاً، إذ لا وجود للكلّ إلّابوجود أجزائه، فتحريمه في الحقيقة تحريمٌ لها، مع أنّه قبل الاستحالة دمٌ ، وهو بعينه حرامٌ إجماعاً، فتأمّل).

فإذا ثبت التحريم قبل الاستحالة، ثبت بعدها استصحاباً للحالة السابقة.

3 - وبأنّ اللّبن بنفسه جزءٌ ، فيدلّ على حرمته ما دلّ على حرمة الكلّ .

4 - وبالإجماع.

ولكن يَردُ على الأوّل: إنّه من قبيل مفهوم الوصف، ولا نقول بحجيّته.

ويرد على الثاني: - مضافاً إلى أنّ الاستصحاب في الأحكام الكليّة لا يجري - إنّ حرمته قبل أن يصير لبناً لا يمكن استصحابها، لتبدّل الموضوع، أضف إليه أنّ الدّم قبل الاستحالة لا دليل على حرمته لعدم كونه من الدّم المسفوح.

ويردُ على الثالث: أنّه لم يدلّ الدليل على حرمة الحيوان، بل على حرمة لحمه، فليس اللّبن من أجزاء المحرّم.

وأمّا الإجماع: فحيثُ إنّه لم يثبت كونه تعبديّاً، فلا يصلحُ مستنداً للحكم.

أقول: ولذلك توقّف جماعة، منهم: المقدّس الأردبيلي(2)، وصاحب «الكفاية»(3)،7.

ص: 350


1- رياض المسائل: ج 13/465.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/215.
3- كفاية الأحكام: ج 2/617.

والمحقّق النراقي(1) في الحكم بالحرمة، وهو في محلّه.

وعليه، فالأظهر بحسب الدليل عدم الحرمة، إلّاأنّ مخالفة القوم مشكلة، والاحتياط سبيل النجاة.

المورد الثاني: لبن الحيوان المحلّل حلالٌ بالاتّفاق(2)، بل المستفاد من النصوص استحباب شُربه، لاحظ:

1 - خبر عبد اللّه بن سليمان، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:

«لم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل طعاماً ولايشرب شراباً إلّاقال: اللَّهُمَّبارك لنا فيه، وأبدلنا به خيراً منه، إلّااللّبن فإنّه كان يقول: اللَّهُمَّ بارك لنا فيه، وزدنا منه»(1).

2 - وخبر خالد بن نجيح، عن الإمام الصادق عليه السلام: «اللّبن طعام المرسلين»(2).

3 - وخبر السكوني، عنه عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إنّه ليس أحد يغص بشرب اللّبن، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ ) (3)»(4).

وفي جملةٍ منها: «إنّ اللّحم باللّبن مرق الأنبياء»(5).

وفي أُخرى : «إنّ التلبين يجلو القلب الحزين، كما تجلو الأصابع العرق من الجبين»، وأنّه لو أغنى من الموت شيءٌ لأغنت اللبنيّة، أي الحسو باللّبن»(6).

المورد الثالث: لبنُ الحيوانِ المكروهِ لحمه مكروهٌ كما ذكره جماعة(7)، وفي3.

ص: 351


1- الكافي: ج 6/336 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/109 ح 31347.
2- الكافي: ج 6/336 ح 6، وسائل الشيعة: ج 25/109 ح 31349.
3- سورة النحل: الآية 66.
4- لكافي: ج 6/336 ح 5، وسائل الشيعة: ج 25/110 ح 31351.
5- الكافي: ج 6/316 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/58 ح 31169.
6- الكافي: ج 6/320 ح 2، وسائل الشيعة: ج 25/71 ح 31213.
7- مستند الشيعة: ج 15/143.

«الرياض»(1) نفى الخلاف فيه.

وقد استدلّ له:

1 - بالإجماع المنقول، والشهرة المحقّقة، بدعوى أنّ المقام مقام كراهة يُتسامح في دليلها بما لا يُتسامح به في غيرها، فيكتفي فيها بفتوى فقيهٍ واحد، فما ظنّك باتّفاق فتاوى الفقهاء الذي كادَ أن يكون إجماعاً كما ذكره في «الرياض»(2).

2 - وبأنّه جزءٌ من الحيوان المكروه فيكره.

3 - وبالمرسل المتقدّم بدعوى أنّه يدلّ على أنّ اللّبن والبيض تابعان لحكم اللّحم.

أقول: وفي كلٍّ نظر، إذ التسامح مختصٌّ بأدلّة السنن، ولا ربط له بالمكروهات، مع أنّه فيما ورد رواية ضعيفة دالّة عليه، ولا دليل على ثبوته بفتوى الفقيه، بل الفقهاء، إلّاأنْ تكشف الفتوى عن وجود روايةٍ .

وكونه جزءاً للحيوان لا يستلزمُ كراهته، لأنّ المكروه هو لحم الحيوان، واللّبن ليس جزءاً منه.

والمرسل يدلّ على حليّة لبن محلّل الأكل، ولا يدلّ على التبعيّة للّحم في الكراهة، بل مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة، وخصوص ما ورد في لبن الاُتْن - بضم الهمزة والتاء وبسكونها -: جمع أتان بالفتح الحمارة -:

منها: صحيح العيص، عن مولانا الصادق عليه السلام:

قال: «تغديتُ معه فقال لي: أتدري ما هذا؟ قلت: لا.

قال: هذا شيراز الاُتْن اتّخذناه لمريضٍ لنا، فإنْ أحببتَ أن تأكل منه فكُلْ »(3).0.

ص: 352


1- رياض المسائل: ج 13/466.
2- رياض المسائل: ج 13/466.
3- الكافي: ج 6/338 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/115 ح 31370.

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «عن شُرب ألبان الاُتْن ؟ فقال: اشربها»(1).

ومنها: خبر أبي مريم الأنصاري، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن شرب ألبان الاُتْن ؟ فقال عليه السلام لي: لا بأس بها»(2).

ونحوها غيرها في عدم كراهة شُرب لبن مكروه اللّحم.

ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني رحمه الله(3) بعدما يدّعي: أنّ اللّبن تابعٌ للحيوان في الحِلّ والحرمة والكراهة، يذكر صحيحي العيص، مع أنّهما يدلّان على عدم الكراهة!.

وعليه، فالأظهر عدم الكراهة.

***2.

ص: 353


1- الكافي: ج 6/339 ح 3، وسائل الشيعة: ج 25/116 ح 31372.
2- الكافي: ج 6/339 ح 4، وسائل الشيعة: ج 25/116 ح 31373.
3- مسالك الأفهام: ج 12/92.

ولو اشتبه اللَّحم

حكم اللّحم الذي لا يُدرى أنّه ذكي أم ميّت

المسألة التاسعة: (ولو اشتبه اللَّحم) ففيه صور:

1 - أنْ يعلم أنّه من الحيوان المُحلّل، ويشكّ في أنّه ذُكي أم لا.

2 - أنْ يعلم كونه من حيوانٍ معيّن، ويشكّ في أنّه محلّل الأكل أو محرّم، أو يشكّ في أنّه قابل للتذكية أم لا.

3 - أنْ لا يعلم أنّه جزءٌ من المذكّى الموجود في الخارج أو الميتة كذلك.

4 - أنْ يشكّ في أنّه من الحيوان المعيّن الخارجي المعلوم حليّة لحمه، أو من الحيوان المعلوم حرمته.

أقول: ويقع الكلام:

تارةً : فيما تقتضيه القواعد العامّة.

وأُخرى : فيما تقتضيه النصوص الخاصّة.

أمّا الجهة الأُولى : فملخَّص القول فيها:

إنّه في الصورة الأُولى : تجرى أصالة عدم التذكية ويحكم بحرمته.

وأمّا في الصورة الثانية: فتجري أصالة الحِلّ ويحكم بحليّته، بل مقتضى إطلاق ما دلّ على حليّة ما ذُكر اسم اللّه عليه من الكتاب والسُّنة ذلك، ومعه لا يُصغى إلى ما قيل من أنّ مقتضى أصالة عدم التذكية واستصحاب حُرمة اللّحم الثابتة قبل

ص: 354

الذَّبح، حرمته، لأنّ استصحاب الحُرمة لا يجري، لتبدّل الموضوع، ولعدم جريانه في الأحكام، ولإطلاق أدلّة الحِلّ ، وأصالة عدم التذكية، قد مرّ في أوّل مبحث الصيد والذباحة أنّها لاتجري في غير الشبهة الموضوعيّة، مع أنّ الشكّ في التذكية مسبّبٌ عن الشكّ في الحليّة والحرمة، وأصالة الحِلّ تقدّم عليها تقدّم الأصل السببي على الأصل المسبّبي.

وأمّا في الصورة الثالثة: فقد يقال إنّه لا تجري أصالة عدم التذكية، إذ ما يقع عليه التذكية معلومٌ في الخارج، لا شكّ فيه، فإنّ أحد الحيوانين يعلم وقوع التذكية عليه، والأُخرى يعلم عدمه، فلا شكّ في التذكية، بل الشكّ في أنّ هذا اللّحم من المذكي أو من غيره، ولا ربط لأصالة عدم التذكية بذلك، فلابدّ من الرجوع إلى أصالة الحِلّ الجارية في جميع الشبهات الموضوعيّة.

ولكن يرد عليه: أنّه لا يعتبر في جريان الأصل كون المشكوك فيه غير معلومٍ من جميع الجهات، بل يكفي الشكّ ولو من جهة واحدة.

وفي المقام يمكن أنْ يقال إنّ الحيوان الذي أُخذ منه هذا اللّحم، المردّد بين المعلوم كونه مذكّى، والمعلوم كونه ميتة، يُشكّ في كونه مذكّى أو ميتة، فتجري فيه أصالة عدم التذكية، ويحكم بحرمته، ولتمام الكلام محلٌّ آخر.

وأمّا في الصورة الرابعة: فتجري أصالة الحِلّ ، ويحكم بالحليّة، ولا سبيل إلى دعوى أنّ المحلّل معلومٌ وكذا المحرّم، فلا مشكوك فيه في الخارج، كما لا يخفى .

هذا كلّه مع قطع النظر عن الأمارات المجعولة للحليّة من يد المسلم أو سوق المسلمين أو أرض الإسلام.

ص: 355

أُلقي في النّار، فإنْ انقبضَ فذكيٌّ ، وإلَّا فميتة.

وأمّا الجهة الثانية: فلا خلاف بينهم ظاهراً في أنّه إذا وُجد لحمٌ ولا يُدرى أذكيٌّ هو أم ميّت (اُلقي في النّار، فإنْ انقبض فذكيٌّ ، وإلّا فميتة).

وعن «الدروس»(1): كاد أن يكون إجماعاً.

وفي «المسالك»(2): نفى البُعد عن إجماعيّته.

وعن «الغنية»(3): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به:

1 - خبر إسماعيل بن شعيب الصحيح، عن من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ دخل قرية فأصاب بها لحماً، لم يدر أذكيٌّ هو أم ميّت ؟

فقال عليه السلام: فاطرحه على النّار، فكلُّ ما انقبض فهو ذكي، وكلّ ما انبسط فهو ميّت»(4).

2 - ومرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: لا تأكل الجِرّي - إلى أنْ قال -:

وإذا وجدتَ لحماً ولم تعلم أذكيٌّ هو أم ميتة، فألق قَطعةً منه على النّار، فإنْ انقبضَ فهو ذكي، وإنْ استرخى على النار فهو ميتة»(5).

أقول: وتنقيح القول فيما يستفاد منهما يتحقّق ببيان أُمور:1.

ص: 356


1- الدروس: ج 3/14.
2- مسالك الأفهام: ج 12/96.
3- غنية النزوع: ص 401.
4- الكافي: ج 6/261 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/188 ح 30310.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 3/325 ح 4161، وسائل الشيعة: ج 24/189 ح 30311.

الأمر الأوّل: إنّ الخبرين مختصّان بصورة الشكّ في كونه مذكّى أم ميتة، ولا يشملان بقيّة الصور، بل ربما يقال: إنّهما مختصّان بصورة الشكّ في الذَّبح، ولا يعمّان ما لو شكّ في التسمية أو الاستقبال، وما شاكل، فإنّ المنساق إلى الذهن من الميتة، الميّت حتفَ أنفه، ويؤيّده أنّه لا طريقيّة ثبوتاً في ظرف الشكّ في التسمية أو الاستقبال قطعاً، فلا يعمّه الدليل في مقام الإثبات، فإنّ هذا الحكم حكمٌ طريقي لا تعبّدي، فتدبّر.

الأمر الثاني: ربما يقال إنّه يعارضهما أدلّة حليّة اللّحم المأخوذ من سوق المسلمين، أو يد المسلم، أو المطروح في أرض الإسلام، سيّما وفي بعض نصوصها النهى عن الفحص.

ويردّه: أنّه لا تعارض بينهما، فإنّ تلك النصوص في مقام بيان طريق معرفة المذكّى، وهذان الخبران أيضاً في مقام ذلك، ولا يدلّان على تعيّن إعمال هذا الطريق، بل يدلّان على أنّ الانقباض على النار علامة كونه مذكّى، والانبساط علامة كونه ميتة، فمن أخذ لحماً من سوق المسلمين له أنْ لا يستخبر حاله بذلك، فيجوز له أكله، وله أن يستخبر، وعليه فإنْ امتحنه وثَبَت كونه ميتة، لا يجوز له أكله، نظير ما لو أخبرتِ البيّنة بأنّه غير مذكّى، وقد حُقّق في محلّه تقديم الأمارات المثبتة للواقع على مثل اليد وسوق المسلمين، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في رسالتنا المسمّاة ب «القواعد الثلاث» المطبوعة.

الأمر الثالث: إذا كان المورد ممّا لا يجري فيه شيءٌ من أمارات الحِلّ ، وكان المرجع فيه أصالة عدم التذكية، فما لم يمتحن اللّحم لا يجوزُ له أكله للأصل، وإذا امتحنه وثبت كونه مذكّى لا يجري الأصل المزبور لحكومة الخبرين عليه.

ص: 357

وعليه، فما عن المصنّف رحمه الله في «الإرشاد»(1)، و «القواعد»(2)، والمحقّق في «النافع»(3)، والفخر في «الشرح»(4)، وثاني المحقّقين والشهيدين في «الحاشية»(5)و «الروضة»(6) من الحكم بحرمة الأكل لأصالة عدم التذكية، غير تامّ .

الأمر الرابع: لا اختصاص للخبرين بمورد الشكّ البدوي، بل إطلاقهما يشمل الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي.

وعليه، فما عن «الدروس»(6) تفريعاً على الخبرين من أنّه يمكن اعتبار المختلط بذلك، إلّاأنّ الأصحاب والأخبار أهملت ذلك، متينٌ .

ولا يرد عليه: ما أورده الشهيد الثاني رحمه الله(8) بأنّ المختلط يعلم أن فيه ميّتاً يقيناً، مع كونه محصوراً، فاجتناب الجميع متعيّنٌ ، بخلاف ما يحتمل كونه بأجمعه مذكّى، فلا يصحّ حمله عليه، مع وجود الفارق فإنّ الخبرين متضمّنان لطريق معرفة المذكّى والميتة، ولا يختصّان بالشبهة البدويّة، خصوصاً المرسل، ومع الأمارة على التذكية أو الميتة ينحلّ العلم الإجمالي، لأنّه كما ينحلّ بالعلم التفصيلي، كذلك ينحلّ بقيام الطريق.

بل وبالأصل المُثبِت الجاري في أحد الطرفين دون الآخر، ومعه لا وجه4.

ص: 358


1- إرشاد الأذهان: ج 2/113.
2- قواعد الأحكام: ج 2/159.
3- المختصر النافع: ص 254.
4- الإيضاح: ج 4/161.
5- حكاه في جواهر الكلام: ج 36/402. (6و8) شرح اللّمعة: ج 7/337.
6- الدروس: ج 3/14.

ولو امتَزجا واشتُبه إجتُنبا.

لوجوب الاجتناب.

وعلى ذلك، فما هو ظاهر المتن حيث قال: (ولو امتزجا واشتبه اجتنبا) من عدم اعتبار الممتزج بذلك، ضعيفٌ .

اللّهُمَّ إلّاأن يراد به صورة خلط اللّحوم المتعدّدة المدقوقة، وحينئذٍ فوجه وجوب الاجتناب ظاهرٌ.

أو يراد به أنّه مع عدم السبيل إلى التمييز، يجبُ الاجتناب.

وهو أيضاً متينٌ ، للعلم الإجمالي بحرمة أحدهما، المقتضي للاجتناب عنهما معاً، ولأصالة عدم التذكية الجارية في كلّ منهما غير المعارضة بالجارية في الآخر، لعدم لزوم المخالفة العمليّة من جريانهما معاً.

أقول: وأمّا النصوص الدالّة على أنّ : «كلّ شيء يكون فيه حلالٌ وحَرام فهو حلالٌ أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه»(1) فقد ذكرنا في مباحث الأُصول(2) أنّها مختصّة بالشبهة البدويّة، وغير المحصورة وما شاكل، ولا تشمل الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي، مع كون الشبهة محصورة، لأنّ الحرام فيه معلوم بعينه.

فما في «المستند»(3)، وعن المحقّق الأردبيلي(4)، وصاحب «الكفاية»(5)8.

ص: 359


1- الكافي: ج 6/339 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/117 ح 31376.
2- زبدة الاُصول: ج 4/284.
3- مستند الشيعة: ج 15/154.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/272.
5- كفاية الأحكام: ج 2/618.

وغيرهما(1): من عدم وجوب الاجتناب عن الجميع، ضعيفٌ .

وقد مرَّ الكلام في هذه المسألة مفصّلاً في كتاب البيع، فراجع(2).

***).

ص: 360


1- كالعلّامة المجلسي في بحار الأنوار: ج 62/144.
2- فقه الصادق: ج 20/74، (حكم المعاوضة على الميتة).

مسائل: الأُولى :

حكم الأكل من بيوت الأقارب

أقول: بقي في المقام (مسائل) لابدَّ من التعرّض لها:

المسألة (الأُولى ): الأصلُ تحريم التصرّف في مال الغير بغير إذنه بالأكل، وغيره:

1 - للآيات القرآنيّة: وهي قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (1). وقوله سبحانه: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (2) حيث دلّا بمفهوم الشرط على عدم جواز الأكل بدون الطيبة، وهو في الزوجة، ويتعدّى إلى غيرها بالفحوى .

2 - ولجملةٍ من النصوص:

منها: خبر «الاحتجاج» المرويّ عن مولانا الحجّة عجّل اللّه تعالى فرجه أنّه قال: «فلا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(3).

ونحوه التوقيع الشريف الوارد في الخُمس(4).

ومنها: موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلمٍ ولا ماله إلّابطيبة نفسٍ منه»(5).

ص: 361


1- سورة النساء: الآية 29.
2- سورة النساء: الآية 4.
3- الاحتجاج: ج 2/480. عن الأسدي عن العمري عنه عليه السلام.
4- وسائل الشيعة: ج 9/540 ح 12670، الاحتجاج: ج 2/479.
5- الكافي: ج 7/274 ح 5، وسائل الشيعة: ج 5/120 ح 6089.

يجوزُ للإنسان أن يأكل من بيت من تضمَّنته الآية خاصّة، مع عدم العلم بالكراهية.

ومنها: النبويّ المرويّ عن «تحف العقول»: «ولا يحلّ لمؤمنٍ مال أخيه إلّاعن طيب نفسٍ منه»(1).

ومنها: خبر محمّد بن زيد الطبري، عن الإمام الرّضا عليه السلام في جواب السؤال عن الإذن في التصرّف في الخمس ؟

«فكتب إليه: لا يحِلّ مالٌ إلّامن وجهٍ أحلّه اللّه تعالى »(2).

ومنها: خبر «غوالي اللئالي»، قال: «قال صلى الله عليه و آله و سلم: المسلم أخو المسلم لا يحلّ ماله إلّا عن طيب نفسه»(3).

ومنها: صحيح زيد الشّحام، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في حديثٍ : «لا يحلّ دم إمرىء مسلمٍ ولا ماله إلّابطيبة نفسه، الحديث»(4).

إلى غير تلكم من النصوص.

أقول: وقد استثنى من عدم جواز التصرّف بغير الإذن موردان:

المورد الأوّل: ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله: (يجوزُ للإنسان أن يأكل من بيت من تضمّنته الآية، خاصّة مع عدم العلم بالكراهية)، والمراد منها قوله عزّ وجلّ : (لَيْسَ 3.

ص: 362


1- وسائل الشيعة: ج 5/120 ح 6091، تحف العقول: ص 30.
2- الكافي: ج 1/547 ح 25، وسائل الشيعة: ج 27/156 ح 33471.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 3/331 ح 3711-1، غوالي اللئالي: ج 2/113.
4- الكافي: ج 7/273 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/10 ح 35023.

عَلَى اَلْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى اَلْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى اَلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) (1) .

ولا خلاف ظاهراً في الحكم في الجملة، والنصوص أيضاً شاهدة به:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام عن هذه الآية، قال:

«قلت: ما يعني بقوله: (أَوْ صَدِيقِكُمْ ) (2)؟

قال: هو واللّه الرّجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه»(1).

ومنها: خبر زرارة، عنه عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : (أَوْ صَدِيقِكُمْ ) ؟

فقال: هؤلاء الذين سَمّى اللّه عزّ وجلّ في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم، وكذلك تأكل المرأة بغير إذن زوجها، وأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا»(2).

ومنها: خبر جميل بن درّاج، عنه عليه السلام: «للمرأة أن تأكل وأن تتصدّق، وللصديق أن يأكل في منزل أخيه ويتصدّق»(3).

ومنها: خبر زرارة، عن أحدهما عليهما السلام عن الآية ؟

فقال عليه السلام: «ليس عليك جناحٌ فيما أطعمتَ أو أكلتَ ممّا ملكت مفاتحه ما لم تفسد»(4).7.

ص: 363


1- الكافي: ج 6/277 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/280 ح 30544.
2- الكافي: ج 6/277 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/281 ح 30545.
3- الكافي: ج 6/277 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/281 ح 30546.
4- الكافي: ج 6/277 ح 4، وسائل الشيعة: ج 24/281 ح 30547.

ومنها: مرسل ابن أبي عُمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) (1)؟

قال: الرّجل يكون له وكيلٌ يقومُ في ماله فيأكل بغير إذنه»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عمّا يحلّ للرجل من بيت أخيه من الطعام ؟ قال عليه السلام: المأدوم والتمر، وكذلك يحلّ للمرأة من بيت زوجها»(3).

ومنها: خبر أبي اُسامة، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الآية ؟ قال: «بإذنٍ وبغير إذن»(4).

ومنها: مرفوع القمّي: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخى بين أصحابه، فكان بعد ذلك إذا بعث أحداً من أصحابه في غزاةٍ أو سرية، يدفع الرّجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدِّين، ويقول خُذ ما شئت، وكانوا يمتنعون من ذلك حتّى ربما فَسَد الطعام في البيت، فأنزل اللّه: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) (5) يعني حَضَر أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه»(6).

أقول: وتنقيح القول في المقام يتحقّق في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: لا خلاف في اشتراط عدم العلم بالكراهة، وعن بعضٍ دعوى الإجماع عليه(7)، بل عن جماعةٍ (8) كفاية معرفة الكراهة ولو بالقرائن الحالية المفيدة1.

ص: 364


1- سورة النور: الآية 61.
2- الكافي: ج 6/277 ح 5، وسائل الشيعة: ج 24/282 ح 30548.
3- وسائل الشيعة: ج 24/282 ح 30549، المحاسن: ج 2/416.
4- وسائل الشيعة: ج 24/283 ح 30550، المحاسن: ج 2/415.
5- سورة النور: الآية 61.
6- وسائل الشيعة: ج 24/283 ح 30551.
7- رياض المسائل: ج 13/476، مستند الشيعة: ج 15/40.
8- شرح اللّمعة: ج 7/341.

للظنّ ، الغالب بها في عدم الجواز.

وعن «كشف اللّثام»(1): اعتبار عدم الظنّ بالكراهة.

وفي «الجواهر»(2): بل الاكتفاء بمطلق الظنّ ظاهرُ غيره أيضاً، بل في «مجمع البرهان»(3): أنّ الاكتفاء بذلك ظاهرٌ.

بل في «الجواهر»:(4) اعتبار العلم أو الظنّ بالإذن، قال: (بل قد يتوقّف في صورة الشكّ الناشيء من تعارض الأمارتين).

أقول: إنّ الآية الكريمة مطلقة، شاملة حتّى لصورة العلم بالكراهة.

وقد استدلّ لاعتبار عدمه:

تارةً : بأنّ التصرّف في مِلك الغير مع الكراهة ظلمٌ قبيحٌ يستقلّ العقل بذلك، فيقيّد إطلاق الآية به.

وأُخرى : بأنّ الجمع بين الآية وبين ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه يقتضي ذلك.

وثالثةً : بما في «الجواهر»(5): من أنّ الظاهر من الآية انسباقها إلى ما هو المتعارف، من كون ذلك دالّاً على الإذن ولو ظنّاً.

ولكن يَردُ على الأوّل: أنّ التصرّف بإذن مالك الملوك لا يكون ظلماً ولا قبيحاً عقلاً.8.

ص: 365


1- كشف اللّثام: ج 9/313.
2- جواهر الكلام: ج 36/408.
3- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/305. (4و5) جواهر الكلام: ج 36/408.

ويَردُ على الثاني: أنّ النسبة بين الآية وتلك الأدلّة، وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّا أنّه حيث يكون المختار في العامين من وجه الرجوع إلى المرجّحات، وفي المقام لا معنى لذلك، فتقدّم الآية.

وإنْ شئت قلت: إنّ من المرجّحات موافقة الكتاب، فنفس الكتاب أولى بالتقديم.

ويرد على الثالث: منع الانسباق، بل النصوص مصرّحة بالأكل بغير الإذن.

وعليه، لا دليل على هذا الشرط سوى الإجماع.

وأمّا الظنّ بالكراهة: فإنْ كان بالغاً مرتبة الاطمئنان الذي هو علمٌ عادي، يشمله معقد الإجماع، وإلّا فالأظهر عدم الاكتفاء به.

وما أفاده كاشف اللّثام(1): من أنّ هذا الشرط معلومٌ بالإجماع والنصوص كما ترى .

وعليه، فالأظهر هو الجواز، ما لم يُعلم أو يطمئن بالكراهة.

الفرع الثاني: مقتضى إطلاق الآية والنصوص عدم الفرق بين كون دخول البيت بإذن ربّه أم بغير إذنه كما عن الأكثر.

وعن الحِلّي(2): تقييد الدخول بالإذن، وأنّه يحرمُ الأكل مع الدخول بدونه، ومالَ إليه الفاضل المقداد(3).

واستدلّ له:

1 - بأنّ الأكل يستلزمُ الدخول الذي هو بغير الإذن، وهو غير جائز، والنهي0.

ص: 366


1- كشف اللّثام: ج 9/313.
2- السرائر: ج 3/124.
3- التنقيح الرائع: ج 4/60.

عن اللّازم نهيٌ عن ملزومه.

2 - وبأنّه مقتضى الأصل، فيقتصر فيه على المتيقّن.

3 - وبأنّ إذن الدخول قرينةٌ على إذن الأكل، وحيث لا إذن لا قرينة، فلايجوز.

ويَردُ على الأوّل: أنّ النهي عن اللّازم ليس نهياً عن ملزومه، فأيّ مانعٍ من أن يكون الدخول حراماً، ولكن بعدما دخل حَلّ له أكل ما فيه ؟!

مع أنّه إنْ تَمّت دعوى التلازم، يمكن أنْ يعكس القضيّة، فيقال: إنّ الملزوم حلالٌ بنصّ الآية، وحليّته تستلزمُ حليّة لازمه، وهو الدخول، فيجوز بدون الإذن.

فإنْ قيل: إنّه إذا دخل بغير الإذن، وجب عليه الخروج، فيحرم عليه اللَّبث للأكل، أو أنّ الأكل تصرّفٌ في فضاء الدار فيحرم.

قلنا: إنّ وجوب أحد الضدّين لا يستلزمُ حرمة الآخر، مع أنّ حرمة اللّبث لا ربط لها بحرمة الأكل، سيّما وأنّ الأكل لا مستلزم اللَّبث.

ودعوى: كون الأكل تصرّفاً في الفضاء فيحرم.

وإن ذكرها في «الجواهر»(1)، لكنّها غريبة، فإنّ ذلك لا يعدّ تصرّفاً في مال الغير.

ويَردُ على الثاني: أنّ مقتضى الأصل وإنْ كان حرمة التصرّف في مال الغير، لكن المورد خرج عنه بمقتضى الدليل، ومقتضى إطلاقه الجواز، وإنْ لم يأذن في دخول الدار، ومع إطلاق الدليل لا وجه للاقتصار على المتيقّن.

ويَردُ على الثالث: أنّ جواز الأكل لا يكون مقيّداً بإحراز الإذن والرّضا1.

ص: 367


1- جواهر الكلام: ج 36/411.

بالإجماع والكتاب والسُّنة.

الفرع الثالث: أنّ الظاهر من قوله تعالى : (بُيُوتِكُمْ ) * بيوت الآكلين، ولعلّ النكتة في ذكرها مع ظهور الحليّة، التنبيه على مساواة ما بعدها معها في الإباحة، وأنّه ينبغي جَعل المذكورين كالنفس(1).

وقد يقال(2): إنّ النكتة في ذكرها، بيان حليّة ما يوجد فيها، وإنْ لم يعرف مالكه.

وقيل: إنّ المراد بها بيوت الأزواج والعيال(3).

وعن بعضٍ (4): أنّ المراد بها بيوت الأولاد، لأنّهم لم يذكروا في الأقارب مع أولويّتهم منهم، ولأنّ ولد الرّجل بعضه ونسخته، وحُكمه حكمه، وهو وماله لأبيه كما في الخبر، فجائزٌ نسبته إليه، ولعلّ ذلك بضميمة الأولويّة والنصوص الدالّة(5)على توسعة الأمر بالنسبة إليه، وأنّه وماله لأبيه، تكفي في ثبوت هذا الحكم في بيوت الأولاد أيضاً.

أقول: والمراد بالآباء هنا كسائر الموارد، من يشمل الأجداد أيضاً، لأنّ الأب هو من وَلّد الإنسان، كان ذلك مع الواسطة أو بدونها.

ويؤيّد إرادة الأعمّ في المقام: أولويّة الأجداد من الأعمام والأخوال، ومع ذلك لم تُذكر في الآية.

وكذا القول في الاُمّهات بالنسبة إلى الجَدّات.ا.

ص: 368


1- شرح اللّمعة: ج 7/343.
2- ذكره صاحب مستند الشيعة: ج 15/44.
3- مجمع البيان: ج 4/156.
4- تفسير الصافي: ج 3/448.
5- الكافي: ج 5/136 ص 1، وسائل الشيعة: ج 17/268 باب 80 باب إنفاق الزوج من مال زوجته بإذنها.

وأمّا الإخوة، فلا فرق فيها بين أن يكونوا للأبوين، أو لأحدهما، وكذا الأعمام والأخوال.

والمراد بقوله تعالى : (ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) (1) الوكيل الذي يقوم في ماله، كما صرّح به في مرسل ابن أبي عمير، ومرفوع القمّي، ولكنّهما لا يدلّان على الحصر في ذلك، فان النصوص المفسِّرة للقرآن مبيّنة للمصاديق، فلا ينافي ذلك وجود مصداقٍ آخر له.

وحيثُ علم من الخبرين أنّ المراد بملك المفاتيح ليس معناه الحقيقي، بل المراد المعنى الكنائي، فمقتضى إطلاقه شموله لمن له عليه ولاية.

وإنكار الإطلاق لو كان المراد المعنى الكنائي كمافي «الجواهر»(2) لم يظهر لي وجه.

اللّهُمَّ إلّاأن يكون مراده، أنّ المعنى الكنائي المراد في المقام، هو إطلاق التصرّف.

وعليه، فالمراد به الوكيل وغيره من المأذونين في التصرّف، ولا بأس به، فالآية غير متعرّضة لحكم بيوتِ المولّى عليهم، وهذا أظهر.

وأمّا الصديق: فمرجع التحديد فيه إلى العرف، كما يؤمي إليه صحيح الحلبي فإنّه سأله عن المراد بالصديق، فأجابه عليه السلام ببيان الحكم، وذلك كاشفٌ عن الإيكال إلى العرف.

الفرع الرابع: مقتضى إطلاق الآية والنصوص، عدم الفرق في المأكول بين ما يخشى فساده وعدمه، بل التصريح بالتمر في جملةٍ من النصوص المتقدّمة صريحٌ في عدم الاختصاص بما يُخشى فساده.3.

ص: 369


1- سورة النور: الآية 61.
2- جواهر الكلام: ج 36/413.

وعن «المقنع»(1): التقييد بذلك كالبقول والفواكه، واستدلّ له بكتاب «فقه الرضا»(2).

وحيث إنّه غير حجّة عندنا فضعفه ظاهرٌ.

وأضعف منه ما عن «كشف اللّثام»(3): من الاستدلال له بخبر زرارة المتقدّم، لا لما في «الجواهر»(4) من أنّه يدلّ على خلافه باعتبار اشتماله على التمر، فإنّ الظاهر أنّ مراده من الخبر هو الخبر الثاني لزرارة المتقدّم، من جهة ما فيه من قوله عليه السلام: «ما لم تفسد» وليس في ذلك الخبر ذكر التمر، بل لعدم دلالته على التقييد، فإنّ غاية ما يدلّ عليه جواز الأكل مادام لم يفسد، وأمّا اختصاص الجواز بما يفسد، فلا يدلّ عليه.

وبذلك ظهر ما في الاستدلال لذلك بمرفوع القُمّي.

الفرع الخامس: مقتضى إطلاق الآية والنصوص، جواز الأكل من كلّ مأكولٍ في البيوت.

وفي «الجواهر»(5): (قد يقال بالاختصاص بما يعتاد أكله دون نفائس الأطعمة التي تُدخّر غالباً ولا تؤكل شائعاً، بناءً على انسباق الإطلاق إلى ذلك، أو على مراعاة قاعدة الاقتصار).

وفيه: إنّ الانصراف لا وجه له، ومراعاة قاعدة الاقتصار بعد إطلاق الأدلّة غير لازمة.9.

ص: 370


1- المقنع: ص 371.
2- فقه الرّضا: ص 255، مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/242 ح 19735-1.
3- كشف اللّثام: ج 9/314. (4و5) جواهر الكلام: ج 36/408 و 409.

وأمّا ما في الخبرين من ذكر التمر والمأدوم، فلا يدلّ على الاختصاص بهما، لا لعدم المفهوم للخبرين، فإنّه يردّه ثبوته للصحيح من جهة وروده لبيان تحديد موضوع الحكم، بل لأنّ المأدوم غير أدام الطعام، له معنى عام، يشمل المأكولات الموافقة والملائمة للطبع.

أضف إليه: عدم القول بالاختصاص بما توهّم ظهور الخبرين فيه من أحدٍ.

وعليه، فالأظهر عدم الاختصاص.

الفرع السادس: إنّ الآية والنصوص مختصّتان بالأكل، ولكن الأصحاب عمّموا الحكم إلى الشرب أيضاً ممّا يتعارف شربه، بل إلى الوضوء من ماءه، لمفهوم الموافقة، والكون بالبيوت حالته.

أقول: وفي كلٍّ تأمّلٌ ، والاقتصار فيها على ما يُعلم رضى صاحب البيت بشاهد الحال أولى، وهو طريق النجاة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المستفاد من تجويز الأكل من بيت الغير بالدلالة الالتزاميّة، جواز الكون به في حال الأكل وقبله وبعده يسيراً، فإنّ المتفاهم عرفاً من تجويز الأكل، عدم البأس بالدخول والأكل، وإنكار مفهوم الموافقة في شُرب الماء مكابرة.

وعليه، فالأظهر جواز الأوّل والثالث.

وهل يجوز دخول البيوت لغير الأكل، لأنّه إذا جاز الدخول والأكل، جاز الدخول الذي لا يذهب به مالٌ بالأولويّة ؟

أم لا يجوز لحرمة التصرّف في مال الغير إلّاما استثنى ؟

وجهان: لعلّ الأظهر هو الأوّل.

ص: 371

الفرع السابع: إنّ الآية والنصوص مختصّة بالأكل من بيوت المذكورين، والمراد بها مساكنهم، فلو كان المأكول في غير بيوتهم، كما لو كان عند شخص أمانةً ، أو كان عند الآكل نفسه، أو لم يكن الطعام موجوداً في البيت وكان ثمنه فيه:

فالظاهر عدم جواز الأكل في الفرض الأوّل ما لم يُحرز رضاه.

وعدم جواز الشراء بثمن يؤخذ من البيت في الفرض الثاني.

الفرع الثامن: الحليّة مختصّةٌ بالأكل، فلا يجوز أن يحمل شيءٌ من البيوت، أو يطعم الغير منها، وما شاكل.

نعم، في خصوص الصديق والمالك لمفاتحه دلّ النص على جواز التصدّق والإطعام، ولا بأس بالبناء على جوازه إنْ لم يكن على خلافه الإجماع، كما أنّ خبر جميل يدلّ على جواز تصدّق المرأة أيضاً.

ولا يعارضه ما دلّ (1) على عدم جواز أن تتصدّق المرأة من مال زوجها، لاختصاص نصوص المقام بالمأدوم، وقد صرّح بجواز أن يتصدّق من مال زوجها من المأدوم خاصّة، دون غيره.

الفرع التاسع: مقتضى إطلاق الآية والأخبار، عدم الفرق بين كون الأقارب المذكورين كذلك بالنسب أو بالرضاع.

ودعوى تبادر النَسَبي منهم لا تُسمع.

***ا.

ص: 372


1- التهذيب: ج 6/346 ح 95، وسائل الشيعة: ج 17/270 باب 82 باب عدم جواز صدقة المرأة من بيت زوجها.

تناول المارّة من الثمرة

المورد الثاني: من الأمرين الذين استثنيا من عموم حرمة التصرّف في مال الغير، هو الأكل ممّا يمرّ به الإنسان من ثمر النخل أو غيره من الشجر أو المباطخ، أو الزرع كما هو المشهور بين القدماء(1).

وعن «الخلاف»(2)، و «السرائر»(3): دعوى الإجماع عليه.

وعن السيّد المرتضى في «المسائل الصيداويّة»(4)، والمصنّف رحمه الله في مكاسب «المختلف»(5)، و «الإرشاد»(6)، والمحقّق الثاني(7)، والاُستاذ الأكبر(8) وغيرهم من المتأخّرين(9)، ومتأخّري المتأخّرين: عدم الاستثناء، وأنّه لا يجوز الأكل إلّامع العلم بالرضا.

واستدلّ للأوّل: بجملةٍ من الأخبار:

منها: مرسل ابن أبي عمير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يمرّ بالنخل والسنبل والثَّمرة، فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها، من ضرورةٍ أو

ص: 373


1- المقنع: ص 124، المبسوط: ج 6/288.
2- الخلاف: ج 6/621.
3- السرائر: ج 2/226.
4- حكاه الشهيد الثاني في المسالك: ج 3/372.
5- مختلف الشيعة: ج 5/26.
6- إرشاد الأذهان: ج 2/113.
7- حكاه عنه صاحب مفتاح الشرائع: ج 12/411.
8- موسوعة الإمام الخوئي: ج 13/45-46.
9- المختصر النافع: ص 246، إيضاح الفوائد: ج 4/162.

غير ضرورة ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(1).

ومنها: خبر عبد اللّه، بن سنان عنه عليه السلام: «لا بأس بالرّجل يمرّ على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد، قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم أن تُبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارّة.

قال: وكان إذا بلغ نخله أمرَ بالحيطان فخربت لمكان المارّة»(2).

ونحوه خبر أبي الربيع، عنه عليه السلام وزاد: «ولا يُفسد ولا يَحمل»(3).

ومنها: مرسل يونس، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يمرّ بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز له أن يأكل من ثمره، وليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة له، وله ما يُغنيه عن الأكل من ثمره، وهل له أن يأكل من جوعٍ؟

قال عليه السلام: لا بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يُفسده»(4).

ومنها: مرسل الفقيه، عنه عليه السلام: «من مَرّ ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها ولا يحمل منها شيئاً»(5).

ومنها: خبر محمّد بن مروان، عن مولانا الصادق عليه السلام: «أمرّ بالثَّمرة فآكل منها؟ قال عليه السلام: كُل ولا تحمل»(6).

والخبر مرويٌ بطرق ثلاثة، وزاد في أحد طرقه:

«قلتُ : جُعلت فداك إنّ التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ؟ قال عليه السلام: اشتروا5.

ص: 374


1- التهذيب: ج 7/93 ح 36، وسائل الشيعة: ج 18/226 ح 23554.
2- وسائل الشيعة: ج 18/229 ح 23563، المحاسن: ج 2/528.
3- الكافي: ج 3/569 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/204 ح 11845.
4- التهذيب: ج 6/383 ح 256، وسائل الشيعة: ج 18/227 ح 23556.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 3/180 ح 3678، وسائل الشيعة: ج 18/228 ح 23559.
6- التهذيب: ج 7/93 ح 37، وسائل الشيعة: ج 18/227 ح 23555.

ما ليس لهم».

أقول: وهذه النصوص - مضافاً إلى اعتبار جملةٍ منها في أنفسها، لكون مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد، والمرسلة لكونها عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه صحيحة، وكذا خبر أبي الربيع تكون منجبرة بالشهرة العظيمة بين قدماء الأصحاب، فالإيراد عليها بضعف السند غير تامّ .

وربما يورد عليها:

1 - بأنّها مخالفة لقاعدة قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه، المعلومة بالعقل والنقل، كمعلوميّة حرمة الظلم والخيانة والسرقة، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل.

2 - وباستمرار السيرة على بِناء الجدران، ووضع الأبواب والأقفال، ومنع الناس وامتناعهم.

3 - وبأنّه لو كان مثل ذلك جائزاً لشاع حتّى بلغ التواتر، لا أنّه تعارف خلافه.

4 - وبأنّ فتح هذا الباب يقتضي بأن تضمحلّ أموال الناس، سيّما مع كثرة الثمار على الطرق المسلوكة، بل يبعث على الحرام حتّى أنّ كلّ من يجيء يقول لم أكن قاصداً، ومن كان له عدواة مع أحدٍ يتقصّد إضراره، وله عذرٌ واضح، بل يلزم منه أيضاً استباحة الأغنياء زكاة الفقراء غير السّادات، وخمس السادات مع القول بالتعلّق بالعين.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه مع إذن الشارع - الذي هو أقوى من إذن المالك، لأنّه المالك

ص: 375

الحقيقي - يندفع الإشكال بحذافيره.

وأمّا الثاني: فلأنّ بناء الجدران أو وضع الأبواب لا ينافي ذلك، والامتناع بعد ذلك إنّما هو من جهة استلزام الأكل التصرّف الزائد، وخروجه عن كونه مارّاً، ودخوله في من يمشي بقصد الأكل الذي ستعرف عدم جواز جميع ذلك.

وأمّا الثالث: فلأنّه شاع وقد أفتى جُلّ المتقدّمين به، وعمل الناس عليه.

وأمّا الرابع: فلأنّ الثمار التي تكون في البساتين، والمزارع التي تكون على غير الطرق المسلوكة، خارجة عن الموضوع، والتي تكون على الطرق المسلوكة، ما كان منها على بُعدٍ من الطرق يكون خارجا أيضاً، لأنّه إنْ قصده للأكل خَرَج عن كونه مارّاً بالثمرة اتّفاقاً، ويعتبر في الجواز ذلك، كما سيجيء، فما يبقى مشمولاً للحكم قليلٌ لا يلزم منه شيء من ما ذكر في هذا الإيراد.

واستدلّ للقول الآخر بطائفة من الأخبار:

منها: صحيح عليّ بن يقطين، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام: عن الرّجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ، وغير ذلك من الثمر، أيحلّ له أن يتناول منه شيئاً، ويأكل من غير إذن صاحبه، وكيف حاله إنْ نهاه صاحب الثمرة، أو أمرَه القيّم فليس له، وكم الحَدّ الذي يسعه أن يتناوله منه ؟

قال عليه السلام: لا يحِلّ له أن يأخذ منه شيئاً»(1).

ومنها: خبر مروك بن عبيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:8.

ص: 376


1- التهذيب: ج 7/92 ح 35، وسائل الشيعة: ج 18/228 ح 23558.

«قلت له: الرّجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة ؟ قال: لا.

قلت: أيّ شيء سنبلة ؟

قال عليه السلام: لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ منه سنبلة، كان لا يبقى شيء»(1).

ومنها: خبر مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام: «أنّه سُئل عمّا يأكل النّاس من الفاكهة والرّطب ممّا هو لهم حلال ؟

فقال عليه السلام: لا يأكل أحدٌ إلّامن ضرورة، ولا يفسد إذا كان عليها فناء محاطٌ، ومن أجل الضرورة نَهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يُبنى على حدائق النخل والثمار بِناءً ، لكي يأكل منها كلّ أحد»(2).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:

«ليس للرجل أن يتناول من ثمرة بستانٍ أو أرضٍ إلّابإذن صاحبه، إلّاأنْ يكون مضطرّاً.

قلت: فإنّه يكون في البستان الأجير والمملوك ؟

قال عليه السلام: ليس له أن يتناوله إلّابإذن صاحبه»(3).

وقريب منه صحيح الحلبي.

أقول: أمّا صحيح ابن يقطين، فالمراد من الأخذ المحكوم عليه بعدم الحليّة فيه:

إمّا هو الحمل، بأن يكون جواباً عن السؤال الأخير، وهو قوله: «وكم الحَدّ الذي يسعه أن يتناوله»، ويؤيّده عدوله عليه السلام عن لفظ الأكل الواقع في السؤال الأوّل،0.

ص: 377


1- التهذيب: ج 6/385 ح 261، وسائل الشيعة: ج 18/227 ح 23557.
2- وسائل الشيعة: ج 18/229 ح 23561، قرب الإسناد: ص 39.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 13/359 ح 15600-4، نوادر الأشعري: ص 170.

إلى الأخذ، فعدم دلالته على المقام واضح، فإنّ محلّ الكلام ومورد أخبار الجواز، هو الأكل خاصّة، وقد نُهي فيها عن الحمل أيضاً.

وأمّا هو الأخذ للحمل وللأكل ولإعطاء الغير وما شاكل، فهو أعمٌّ من أخبار الجواز، يقيّد إطلاقه بها.

والظاهر أنّه إلى ذلك نظر الشيخ رحمه الله وأتباعه من حمل نصوص المنع على غير الأكل، والجواز على الأكل.

وبذلك ظهر الجواب عن مرسل مروان، بل كون مورده الأخذ للحمل أوضح، فإنّ السنبلة الواحدة لم يتعارف أكلها، فلا محالة يكون ظاهره الأخذ للحمل، ولا خلاف في عدم جوازه، فلا ربط له بما هو محلّ الكلام.

وأمّا خبر مسعدة: فهو أعمٌّ من جهة الشمول للمارّة وغيرهم، فيقيّد إطلاقه بما مرّ، وبه يظهر ما في صحيح الحلبي في تناول المالك من بستانه الذي آجره: «ما أحبُّ أن يأخذ منه شيئاً» فلا إشكال في الجواز.

أقول: ثمّ إنّ جماعة ذكروا أنّه يعتبر في الجواز أُمور:

الأمر الأوّل: كون المرور بالثمرة اتّفاقيّاً، بمعنى أنْ لا يقصدها للأكل ابتداءً ، فلو قصدها كذلك لم يجز الأكل.

وفي «المستند»(1): ولعلّه إجماعي.

وظاهر «الرياض»(2): كونه إجماعيّاً، ونسبه صاحب «الحدائق»(3) إلى الأصحاب.3.

ص: 378


1- مستند الشيعة: ج 15/53.
2- رياض المسائل: ج 13/482.
3- الحدائق الناضرة: ج 18/293.

ويشهد به: أنّ المأخوذ في نصوص الجواز عنوان المرور، ومن الضروري أنّه لا يصدق على من قَصَد الثمرة للأكل ابتداءً .

نعم، مع تحقّق عنوان المرور، لا دليل على اعتبار شيء آخر، وهو كون مروره عليها اتّفاقيّاً وبدون القصد.

وبالجملة: أنّه:

تارةً : يقصد الثمرة للأكل ابتداءً .

وأُخرى : يقع مروره عليها من دون قصدٍ إلى ذلك.

وثالثة: لا يكون قصده الثمرة ابتداءً ، ولكن يقصد المرور عليها تبعاً في مسيره إلى محلٍّ له شغلٌ به مثلاً، كما لو كان لمقصده طريقان، والثمرة واقعة في أحدهما فيختار ذلك الطريق ليمرّ على الثمرة.

لا خلاف في عدم الجواز في الصورة الأُولى، والجواز في الثانية، والظاهر الجواز في الصورة الثالثة أيضاً، لإطلاق النصوص، ومعه لا وجه للاقتصار على المتيقّن.

وعليهذا، فخبرا ابن سنان وأبي الربيع، لاينافيان هذا الاشتراط، فلاحظهماوتدبّر.

أقول: ثمّ المراد بالمرور بها ليس هو العبور ملاصقاً بها، بحيث لا يحتاج في أخذها إلى التخطّي إليها ولو بخطوات قلائل، بل الظاهر من المرور هو العبور عمّا يقرب منها عرفاً وعادةً كما لا يخفى .

الأمر الثاني: أنْ لا يحمل منها شيئاً.

والظاهر عدم الخلاف في شرطيّة ذلك، ويشهد بها - مضافاً إلى أدلّة المنع - من الأدلّة العامّة والنصوص الخاصّة بعد اختصاص نصوص الجواز بالأكل الظاهر في

ص: 379

الأكل في محلّها، النهي عن الحمل في النصوص المتقدّمة المجوّزة للأكل، الظاهر في الإرشاد إلى الشرطيّة في أمثال المقام.

وبذلك يظهر ما في كلمات سيّد «الرياض»(1)، حيث قال:

(إنّ إثبات الشرطيّة بالأخبار مشكلٌ ، إذ غايته النهي عن الحمل، الظاهر في الحرمة، وهي أعمّ من الشرطيّة).

الأمر الثالث: عدم الإكثار في الأكل، بحيث يظهر أثره عليه أثراً بيِّناً، واستدلّ له:

تارةً : بحديث(2) نفي الضرر.

وأُخرى : بالنهي عن الإفساد في النصوص، بدعوى أنّ المراد الأكل كثيراً.

وثالثة: بالإجماع، بل الضرورة القطعيّة في بعض الموارد، كما لو كانت شجرة واحدة على الطريق لفقيرٍ لا يملك غيرها، فلو جاز الأكل لكلّ من مرّ حتّى من عسكرٍ كثيرٍ مرّت بها، لزم عدم بقاء شيء له، وهذا ممّا يُعلم عدم جوازه من الشرع.

ولكن يَردُ على الأوّل: أنّ هذا الحكم في نفسه ضرريٌ على المالك، وجواز الأكل في جميع الحالات مستلزمٌ للضرر، فدليله أخصّ من دليل نفي الضرر، فيقدّم عليه.

ويَردُ على الثاني: أنّ الظاهر من الإفساد، هدم الحائط، أو كسر الغصن، أو نحو ذلك.

وأمّا الثالث فيردّه: أنّه لا ضرورة ولا إجماع على عدم الجواز، حتّى في الفرض المذكور، فأيّ مانعٍ في أن يجوّز الشارع الأكل منها بحيث لا يبقى منها شيءٌ ، وأيُ فرقٍ بين ذلك وبين أن تصير الشجرة غير مثمرة في نفسها، فهل يتوهّم أحدٌ أن3.

ص: 380


1- رياض المسائل: ج 9/48.
2- الكافي: ج 5/280 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073.

يقول يجبُ على اللّه تعالى أن يجعل الشجرة المفروضة مثمرة ؟!

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار ذلك.

الأمر الرابع: عدم العلم بل ولا الظنّ بكراهة المالك، ذكره جماعة(1).

لكن إطلاق الأدلّة ينفي اعتبار ذلك، كما أنّه ينفي الشرط الخامس الذي ذكروه في المقام، وهو كون الثمرة على الشجرة لا مقطوعة مجزوزة.

الأمر السادس: أنْ لا تكون الثمرة محاطاً عليها بسورٍ مبوّبة بباب، لأنّه لا إشكال في أنّها لو كانت كذلك، لم يجز تسلّق السور أو خرقه، ولا فتح الباب أو كسره، لكونه تصرّفاً في ملك الغير بغير إذنه.

والأكل من الثمرة غير ملازمٍ لذلك، فلا يصحّ أنْ يقال إنّ تجويز الأكل مستلزمٌ لتجويز ذلك.

ونهي رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم عن الحيطان، أو حيطان نخله - كما في خبر ابن سنان - جواز التصرّف لو كان محاطاً غير مخروقٍ ، مع أنّه ليس للتحريم اتّفاقاً، ولكون نخله محاطاً عليه كان يخرقه إذا بلغه.

وخرقه صلى الله عليه و آله و سلم حيطان نخل نفسه، لا يكشفُ عن وجوب ذلك عليه، فضلاً عن غيره.

كما أنّه لا يجوزُ الدخول في ملك الغير لأكل الثمرة، لعين ما تقدّم، ولكن لو فَعَل حراماً فدخل أو خَرَق الحيطان، أو كسر الباب، أو فرضنا أنّه خرج غصنٌ من الشجرة عن السور، يجوزُ أكل الثمرة، لعدم الدليل على اعتبار هذا الشرط.5.

ص: 381


1- مستند الشيعة: ج 15/55.

نعم، من يرى اعتبار عدم العلم بالكراهة، له أن يشترط هذا الشرط، فإنّ بناء الحيطان، وإغلاق الباب، أمارةُ عدم الرّضا بالأكل، ولكن قد عرفت أنّه لا دليل على اعتباره أيضاً، مع أنّ مرسل يونس يصرّح بجواز الأكل من البستان الذي حيط عليه.

الأمر السابع: إنّ المذكور في أخبار الجواز، هو النخل والسنبل والثمرة، فلا يجوز التعدّي إلى غير الثلاثة اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص.

الأمر الثامن: وهل يجوز أكل الخضروات أم لا؟

وجهان مبنيّان على صدق الثمرة عليها وعدمه، والظاهر عدم صدقها عليها، لاختصاصها بما يحصل من الشجر من الفواكه وغيرها، وإن أبيت عن ذلك فلا أقلّ من الشكّ في ذلك، فيرجع إلى أدلّة المنع.

فإنْ قيل: إنّه كيف يتمسّك بالعام مع الشكّ في صدق الخاص.

قلنا: إنّ الذي لا يجوز هو التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وأمّا التمسّك به في الشبهة المفهوميّة، مع كون المخصّص غير متّصل بالعام، فلا إشكال فيه، والمقام من هذا القبيل.

أقول: وقد يستدلّ لجواز أكلها بوجوهٍ :

منها: صدق الثمرة عليها بشهادة صحيح ابن يقطين.

ومنها: تناول لفظ البستان الموجود في جملةٍ من النصوص لها، فإنّ المراد منه ما فيه.

ومنها: الإجماع المحكيّ .

ص: 382

ولكن الأوّل يندفع: بأنّ الصحيح لا يدلّ على صدق الثمرة على الخضر، نعم هو يدلّ على صدقها على ما على الزروع أعمٌّ من السنبلة وغيرها.

اللّهُمَّ إلّاأن يثبت جواز الخضر بعدم القول بالفصل.

والثاني يردّه: أنّ المأخوذ في تلك الأخبار موضوعاً للجواز ثمار البساتين، لا كلّ ما فيها، والإجماع المنقول سيّما مع معلوميّة المدرك ليس بحجّة.

وعليه، فالعمدة حينئذٍ عدم الفصل بين الخضروات وسائر الزروع التي ليس لها سنبل.

الأمر التاسع: أنّ المستفاد من صحيح ابن يقطين، صدق الثمرة على مثل البطيخ أيضاً، فيجوز أكله، فتخصيص بعضهم بغيره لا وجه له.

والظاهر شمول الثمرة لغيره الفواكه ممّا على الشجرة، كالجوز واللّوز وأمثالهما، كما يُشعر به صحيح ابن يقطين، وعليه فتأمّل بعضهم فيه لا وجه له(1).

الأمر العاشر: وهل يعتبر البلوغ في الثمرة كما يُشعر به خبر ابن سنان المتقدّم المتضمّن أنّه: «كان إذا بلغ نخله أمر صلى الله عليه و آله بالحيطان فخرقت لمكان المارّة»، وفي خبر الجعفري عن أبيه: «كان النبيّ صلى الله عليه و آله إذا بلغت الثمار أمر بالحائط فثلمت»(2)؟

أم لا يعتبر ذلك، لإطلاق النصوص، وخبر ابن سنان والجعفري لا يدلّان على عدم جواز الأكل قبل ذلك ؟

وجهان، أظهرهما الثاني.

***4.

ص: 383


1- مستند الشيعة: ج 15/52.
2- الكافي: ج 3/569 ح 3، وسائل الشيعة: ج 25/148 ح 31474.

الثانية: إذا انقلبت الخمر خلّاً طَهُرت، بعلاجٍ كان أو غيره، ما لم يُمازجها نجاسة.

الثالثة: لا يحرمُ شيءٌ من الربوبات، وإنْ شُمّ منها رائحة المُسكر.

الرابعة: العصير إذا غَلى مِن قِبل نفسه أو بالنّار، حَرُم حتّى يذهب ثلثاه، أو ينقلب خَلّاً.

حكم الخمر المنقلب خَلّاً

المسألة (الثانية: إذا انقلبت الخَمرُ خلّاً طهُرت، بعلاجٍ كان أو غيره، ما لم يمازجها نجاسة) كما تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً في كتاب الطهارة في الجزء الخامس من هذا الشرح(1).

المسألة (الثالثة: لا يحرم شيءٌ من الربوبات) والأشربة مثل السكنجبين والجُلاب وغيرهما، عدا ما عرفت (وإنْ شُمّ منها رائحة المسكر) كربّ الرُّمان والتفاح والسَّفرجل والتوت وغيرها، لأنّها لا يسكر كثيرها، وللإجماع بقسميه عليه(1)، وللأصل، وللنصوص الخاصّة الكثيرة المصرّحة بحليّة جميع ذلك(2).

المسألة (الرابعة: العصير إذا غَلى من قِبل نفسه أو بالنار، حَرُم حتّى يذهب ثلثاه) إذا غَلى بالنّار (أو ينقلب خَلّاً) إذا غلى بنفسه، وقد مرَّ تفصيل القول في ذلك في الجزء الرابع من هذا الشرح(4).

***

ص: 384


1- جواهر الكلام: ج 36/419.
2- الكافي: ج 6/413 باب من اضطرّ إلى الخمر، وسائل الشيعة: ج 25/343 باب 20 من أبواب الأشربة المحرّمة.

الخامسة: يجوزُ للمضطرّ تناول المُحرّم.

حكم تناول المضطرّ المحرّم

المسألة (الخامسة: يجوز للمضطرّ تناول المحرّم) بلا خلافٍ فيه في الجملة(1)، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(2).

ويشهد به: الكتاب والسُّنة والإجماع.

أمّا الكتاب: فآياتٍ تدلّ عليه:

1 - قال اللّه تعالى : (فَمَنِ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اَللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (3).

والمخمصة المجاعة، والمتجانف المائل.

2 - وقال عَزّ مِنْ قائل: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةَ وَ اَلدَّمَ وَ لَحْمَ اَلْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اَللّهِ فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (4).

3 - وقال تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةَ وَ اَلدَّمَ وَ لَحْمَ اَلْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اَللّهِ بِهِ فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اَللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (5).

4 - وقال سبحانه: (وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ

ص: 385


1- شرح اللّمعة: ج 7/349.
2- مسالك الأفهام: ج 12/112.
3- سورة المائدة: الآية 3.
4- سورة النحل: الآية 115.
5- سورة البقرة: الآية 173.

ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) (1) .

5 - وقال عَزّ مِن قائل: (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (2).

وقريبٌ من الأخير بعض آياتٍ أُخر.

وأمّا السُّنة: فطوائف من النصوص تدلّ على ذلك:

1 - ما دلّ على نفي العُسر والحَرَج(3)، إذ لا حَرَج أعظم من المنع حينئذٍ.

2 - أدلّة نفي الضرر والضرار(4)، لأنّ في المنع في هذه الحالة ضرراً عظيماً.

3 - حديث رفع القلم عن المضطرّ(5).

4 - ما دلّ على قاعدة أنّ ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعُذر التي ينفتح منها ألف باب(6).

5 - جملة من الأخبار:

منها: خبر المفضّل، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ طويل:

«في الخمر والميتة ولحم الخنزير والدّم ؟

قال عليه السلام: إنّه تعالى علم ما يقوم به أبدانهم، وما يصلحهم فأحلّه لهم، وأباحه تفضّلاً منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه، وحرّمه عليهم، ثمّ أباحه للمضطرّ، وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّابه فأمره أن ينال منه2.

ص: 386


1- سورة الأنعام: الآية 119.
2- سورة الحجّ : الآية 78.
3- وسائل الشيعة: ج 1/150 باب 8 من أبواب الماء المطلق.
4- الكافي: ج 5/280 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 1/59 ح 132، وسائل الشيعة: ج 15/369 باب 56 باب جملة ممّا عفي منه.
6- الكافي: ج 3/412 ح 1، وسائل الشيعة: ج 8/259 ح 10582.

بقدر البلغة لا غير ذلك»(1).

ونحوه مرسلا(2) محمّد بن عبد اللّه، ومحمّد بن عذافر.

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «قال الصادق عليه السلام: من اضطرّ إلى الميتة والدّم ولحم الخنزير، فلم يأكل شيئاً من ذلك حتّى يموت، فهو كافر»(3).

ومنها: العلويّ : «المضطرّ يأكل الميتة، وكلّ محرّمٍ إذا اضطرّ إليه»(4).

إلى غير تلكم من النصوص التي سيمرّ عليك بعضها.

أقول: وتنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: الظاهر أنّ الاضطرار يتحقّق بخوف تلف النفس لو لم يتناول، أو خوف المرض الشّاق عليه تحمّله، أو خوف زيادة المرض، أو خوف بطء بُرئه كذلك، وكذا لو خَشي الضعف المؤدّي إلى التلف أو المرض، كما هو المشهور بين الأصحاب على ما في «المسالك»(5)، كلّ ذلك لصدق الاضطرار عرفاً، والعُسر والحَرَج والضَّرر.

وعن الشيخ في «النهاية»(6)، والقاضي(7)، والحِلّي(8)، والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(9): التخصيص بخوف تلف النفس، للآية الأُولى ، وخبر المفضّل، ومرسل1.

ص: 387


1- الكافي: ج 6/242 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/99 ح 30083.
2- التهذيب: ج 9/128 ح 288، وسائل الشيعة: ج 24/99 ص 30083.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/345 ح 4214، وسائل الشيعة: ج 24/216 ح 30376.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/201 ح 19586-4، دعائم الإسلام: ج 2/125.
5- مسالك الأفهام: ج 12/113.
6- النهاية: ص 586.
7- المهذّب: ج 2/442.
8- السرائر: ج 3/113.
9- مختلف الشيعة: ج 8/321.

محمّد بن عبد اللّه، ومحمّد بن عذافر.

أقول: ولكن لا مفهوم لشيء منها كي يوجبُ تقييد إطلاق سائر الأدلّة، وإنْ أبيت إلّاعن عدم صدق الاضطرار في بعض الموارد المشار إليها، فيكفينا أدلّة نفي العسر والحرج، وقاعدة نفي الضرر، وحديث رفع الإكراه، وما شاكل من الأدلّة الرافعة للتكليف.

الجهة الثانية: المشهور بين الأصحاب(1) أنّه لا فرق بين المحرّمات في إباحتها في حال الاضطرار.

وعن الشيخ في «الخلاف»(2) و «المبسوط»(3): أنّه لايجوزدفع الضرورة بالخمر.

يشهد للأوّل:

1 - إطلاق أكثر الأدلّة المتقدّمة.

2 - وخصوص خبر المفضّل، ومرسل محمّد المتقدّمين، المتضمّنين للتصريح بجواز تناول الخمر للمضطرّ.

3 - وموثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«أنّه سأله عن الرّجل أصابه عطش حتّى خاف على نفسه فأصاب خمراً؟

قال عليه السلام: يشرب منه قوته»(4).

4 - ومرسل الصدوق، قال: جاء الحديث هكذا: «وشُرْبُ الخمر جائزٌ0.

ص: 388


1- مستند الشيعة: ج 15/21.
2- الخلاف: ج 6/97.
3- المبسوط: ج 6/288.
4- التهذيب: ج 9/116 ح 237، وسائل الشيعة: ج 25/378 ح 32170.

في الضرورة»(1).

5 - وخبر «الدعائم»: «وإذا اضطرّ إلى الخمر، شَرِب حتّى يروي، وليس له أن يعود إلى ذلك حتّى يضطرّ إليه»(2).

واستدلّ للقول الثاني:

1 - بأنّ الكتاب(3) دلّ على حرمة الخمر، وآيات الحِلّ للمضطر لتصدّرها بغير الخمر، مختصّةٌ بغيرها، فلا تصلح لتقييد إطلاق آية الحرمة، والنصوص لا تصلح للمقاومة معها، فإنّ كلّ خبر يخالف الكتاب فهو مردودٌ.

2 - وبخبر أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«المضطرّ لايشربُ الخمر، لأنّها لا تزيده إلّاشرّاً، ولأنّه إنْ شربها قتلته، فلا يشرب منها قطرة»(4).

3 - وبخبر الفضل بن شاذان، عن الإمام الرّضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون:

«والمضطر لا يشربُ الخَمر لأنّها تقتله»(5).

4 - ويشهد به أيضاً صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قال: سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن دواءٍ يُعجن بالخمر، لا يجوز أن يعجن به إنّما هو اضطرار؟6.

ص: 389


1- حكاه عن الصدوق في وسائل الشيعة: ج 25/379 ح 32173 / وحكاه عن علل الشرائع المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 15/22.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/201 ح 19586-4، دعائم الإسلام: ج 2/125.
3- سورة البقرة الآية 219، سورة المائدة: الآية 90 و 91.
4- وسائل الشيعة: ج 25/347 ح 32093، علل الشرائع: ج 2/478.
5- وسائل الشيعة: ج 25/347 ح 32092، عيون أخبار الرّضا: ج 2/126.

فقال عليه السلام: لا واللّه، لا يحِلّ للمسلم أن ينظر إليه، فكيف يتدواى به ؟! وإنّما هو بمنزلة شحم الخنزير، الذى يقع في كذا وكذا لا يكمل إلّابه، فلا شفى اللّه أحداً شفاه خمرٌ أو شحم خنزير»(1).

ولكن يَردُ على الأوّل: إنّ حليّة ما اضطر إليه مطلقاً ثبتت من الكتاب، فإنّ الآية الرابعة والخامسة مطلقتان، مع أنّ العام الكتابي يخصّص بخبر الواحد، فضلاً عن المتواتر المعنوي، كما في المقام، والخبر المخالف للكتاب الذي يكون مردوداً ليس ما يخالفه بالعموم والخصوص المطلق، فإنّ الخاص قرينة على العام، ولا يعدّ مخالفاً معه عند العرف.

وأمّا الأخبار: فالجمع العرفي بينها وبين النصوص المتقدّمة الدالّة على جواز شربه عند خوف تلف النفس، يقتضي البناء على الجواز مع خوف التلف خاصّة، وتحريمه بدون ذلك كما اختاره المصنّف في «المختلف» على ما حُكي(2)، والشهيد الثاني في «المسالك»(3)، فإنّ نصوص المنع مطلقة، وموثّق عمّار الذي هو العمدة في الجواز على المضطر، مختصٌّ بصورة خوف التلف على النفس. ولعلّ ما في نصوص المنع من التعليل يشيرُ إلى ذلك.

وعليه، فالأظهر هو الجواز في خصوص صورة خوف تلف النفس، وعدمه مع عدم الخوف وإنْ كان مضطرّاً.

الجهة الثالثة: لا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز التداوي بالمُسكر أو غيره3.

ص: 390


1- وسائل الشيعة: ج 25/346 ح 32090، طب الأئمّة: ص 62.
2- حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 12/113.
3- مسالك الأفهام: ج 12/113.

من المحرّمات، مع عدم الانحصار.

وفي «الجواهر»(1): بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلاً عن محكيه في «كشف اللّثام»(2).

ويشهد به: - مضافاً إلى إطلاق أدلّة التحريم، السالمة عن معارضة الرخصة فيه للمضطر، المعلوم عدم تحقّقه في الفرض - كثيرٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي المتقدّم.

ومنها: حسن ابن أُذينة، قال: «كتبتُ إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الرّجل ينعتُ له الدواء من ريح البواسير، فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذٍ، ليس يريدُ اللّذة، إنّما يريد به الدواء؟

فقال عليه السلام: لا، ولا جرعة.

ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يجعل في شيء ممّا حَرّم دواءً ولا شفاءً »(3).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «دخلتْ أُمّ خالد العبديّة على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده، فقالت: جُعِلت فداك، إنّه يعتريني قراقر في بطني، وقد وصف لي أطبّاء العراق النبيذ بالسويق ؟

فقال عليه السلام: ما يمنعك من شربه ؟ فقالت: قد قلّدتك ديني.

فقال عليه السلام: فلا تذوقي منه قطرة لا واللّه، لا آذنُ لكِ في قطرةٍ منه، فإنّما تندمين إذا بلغتْ نفسكِ هاهنا - وأومئ بيده إليحنجرته - يقولها ثلاثا - أفهمتِ؟ فقالت: نعم.1.

ص: 391


1- جواهر الكلام: ج 36/445.
2- كشف اللّثام: ج 9/321.
3- الكافي: ج 6/413 ح 2، وسائل الشيعة: ج 25/343 ح 32081.

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء، يقولها ثلاثاً»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «عن داء عُجِن بالخمر؟

فقال: لا واللّه، ما أحبّ أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به، إنّه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير، وترون أناساً يتداوون به»(2).

إلى غير تلكم من النصوص.

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يجوز التداوي بالمحرّم مع الانحصار أم لا؟

المشهور بين الأصحاب - كما في «المسالك»(3) - عدم الجواز في الخمر، بل عن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(4) و «المبسوط»(5) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

1 - بإطلاق النصوص المتقدّمة، المعتضد بما فيها من التعليل.

ولكن الإطلاق يقيّد بأدلّة الاضطرار، والتعليل محمولٌ على الغالب، أو على إرادة حصر الدواء في المحرّم، لما نرى من مخالفته للوجدان.

2 - ولقوله تعالى: (وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (6)، الظاهر في حصول نفع بهما.

3 - ولموثّق سماعة، عن الإمام الصادق: «عن رجلٍ كان به داء فأُمر له بشرب البول ؟ فقال: لا تشربه.9.

ص: 392


1- الكافي: ج 6/413 ح 1، وسائل الشيعة: ج 25/344 ح 32082.
2- الكافي: ج 6/414 ح 4، وسائل الشيعة: ج 25/345 ح 32084.
3- مسالك الأفهام: ج 12/128.
4- الخلاف: ج 6/97.
5- المبسوط: ج 6/288.
6- سورة البقرة: الآية 219.

بقدر ما يُمسِك به رَمَقه، إلّاالباغي: وهو الخارج على الإمام عليه السلام، والعادي:

وهو قاطع الطريق.

قلت: إنّه مضطرّ إلى شربه ؟

قال: إنْ كان مضطرّاً إلى شربه، ولم يجد دواءً لدائه، فليشرب بوله، وأمّا بول غيره فلا»(1).

4 - ولعدم القائل به في غير الخمر.

وفي «المسالك»(2): (وتُحمل هذه الروايات على تناول الدواء للعافية).

وعليه، فمع الانحصار في صورة جواز شُرب الخمر للاضطرار، وهي صورة خوف تلف النفس كما مرّ، يجوز التداوي بها، وإلّا فلا.

هذا في الخمر.

وأمّا غير الخمر من المحرّمات: فيجوز التداوي به مع الانحصار، وصدق الاضطرار، كان لخوفٍ على النفس أو غيره.

فتدبّر في أطراف ما ذكرناه، فإنّه أحسن وجهٍ ، للجمع بين النصوص والفتاوى.

الجهة الرابعة: يجوز للمضطرّ تناول المُحرّم (بقدر ما يُمسِك به رَمَقه) مع كون الاضطرار بالنسبة إليه خاصّة، فلا يجوز التجاوز:

1 - لأنّ القصد هو حفظ النفس، والفرض حصوله ورفع الاضطرار، فلا مجوّز بعده، ولذا قالوا إنّ الضرورات تُقدّر بقدرها.0.

ص: 393


1- وسائل الشيعة: ج 25/346 ح 32088، طبّ الأئمّة: ص 61.
2- مسالك الأفهام: ج 12/130.

إلّا الباغي: وهو الخارج على الإمام عليه السلام، والعادي: وهو قاطع الطريق.

2 - وللإجماع المحكيّ عن جماعةٍ على حرمة التجاوز.

3 - ولخبر المفضّل المتقدّم.

نعم، لو دَعَتِ الضرورة إلى الشبع جاز، لأنّ الدليل المسوّغ للتناول يدلّ على ذلك.

الجهة الخامسة: يجوزُ لكلّ مضطرٍ تناول المحرّم (إلّا الباغي، وهو الخارج على الإمام عليه السلام، والعادي وهو قاطع الطريق).

أقول: هاهنا أمران:

1 - إنّه لا يُرخَّص الباغي ولا العادي، ويشهد به - مضافاً إلى الإجماع المحكي عن «الإيضاح»(1) - ما في الآيتين المباركتين المتقدّمتين: (فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ) (2) فتأمّل، وبعض النصوص الآتي.

2 - اختلف الأصحاب في تفسيرهما:

فعن بعضهم(3): تفسير الباغي بمن يأخذ من مضطرٍ مثله، والعادي بمن يأكل الزائد عن قدر الشَّبع، أو الزائد عن قدر الضرورة.

وفي مرسل البزنطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الآية الكريمة:

«الباغي: الذي يخرجُ على الإمام، والعادي الذي يقطع الطريق، لا تَحِلّ له الميتة»(4).8.

ص: 394


1- إيضاح الفوائد: ج 4/163.
2- سورة البقرة: الآية 173.
3- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/313.
4- الكافي: ج 6/265 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/216 ح 30378.

وبهما فسَّرهما جماعة من الفقهاء منهم المصنّف والمحقّق(1) رحمه الله.

وفى خبر حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام في الآية الكريمة: «الباغي:

باغي الصيد، والعادي: السّارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرامٌ عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المُسلمين، الحديث»(2).

ونحوه خبر عبد العظيم الحسني، عن الجواد عليه السلام(3).

وفي المروي عن «مجمع البيان» عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: تفسير الباغي بالخارج على إمام المسلمين، والعادي بعادٍ بالمعصية طريقة المُحقّين(4).

ولا منافاة بين التفسيرات، ولا بُعد في دخول الجميع في الآية الكريمة، فالعبرة بما في النصوص المعتبرة.

الجهة السادسة: إذا لم يجد المُضطر إلّامال الغير، فيجوز له أخذه، فإنْ كان ذلك الغير غير مضطرٍ، فإنْ كان اضطراره بالغاً حَدّ الخوف على النفس، بأنْ كان مُشرِفاً على الهلاكة، وجَبَ عليه الدفع إليه:

1 - لأنّ في الامتناع إعانةٌ على قتل المسلم، وقد روى ابن أبي عُمير في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:

«من أعان على قتل مؤمنٍ بشطر كلمةٍ جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة اللّه»(5) ونحوه غيره.4.

ص: 395


1- شرائع الإسلام: ج 3/181.
2- الكافي: ج 3/438 ح 7، وسائل الشيعة: ج 24/215 ح 30375.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/343 ح 4213، وسائل الشيعة: ج 24/214 ح 30374.
4- مجمع البيان: ج 1/476، وسائل الشيعة: ج 24/216 ح 30379،
5- الكافي: ج 2/368 ح 3، وسائل الشيعة: ج 29/18 ح 35044.

2 - ولأنّه يجبُ حفظ النفس المحترمة من الهلاكة للإجماع.

3 - ولنصوص المواساة(1) وغيرها.

4 - ولما ذكروه من أنّه يجبُ الإنفاق على الناس كفايةً على العاجز.

5 - وللنبويّ المروي بطريق صحيح أنّه صلى الله عليه و آله قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام»(2).

6 - وبفحوى ما دلّ على وجوب البيع على المُحتكر(3).

إلى غير تلكم من الأخبار الواردة في الأبواب المتفرّقة.

ولنِعم ما أفاده صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله، قال: (بل لعلّه من الأُمور التي استغنت بضرورتها عن الدليل المخصوص) انتهى .

أقول: إنّما أطلنا الكلام في هذا الأمر من جهة أنّه حُكي(5) عن «الخلاف» و «السرائر» أنّهما لم يوجبا البذل في المسألة، بدعوى عدم كونه إعانةً ، وعدم دليلٍ يدلّ على وجوب حفظ نفس الغير مطلقاً حتّى لو توقّف على بذل المال، إذ ليس إلّا الإجماع، وهو في الفرض ممنوعٌ ، بل لعلّ السيرة في الأعصار والأمصار على خلافه في المقتولين ظلماً مع إمكان دفعه بالمال، وفي المرضى إذا توقّف علاجهم المقتضي حياتهم بإخبار أهل الخبرة على بذل المال، وإلّا فالمسألة أوضح من ذلك.

وكم فرقٍ بين هذه الفتوى، وما في «المسالك»(6) من أنّه إذا كان ذلك الغير7.

ص: 396


1- الكافي: ج 2/144 باب الإنصاف والعدل، وسائل الشيعة: ج 15/283 باب 34 وجوب إنصاف الناس ولو من النفس.
2- الكافي: ج 7/273 ح 12، وسائل الشيعة: ج 29/10 ح 35023.
3- الكافي: ج 5/164 باب الحكرة، وسائل الشيعة: ج 17/429 باب 29 و 30 باب وجوب البيع على المحتكر.
4- جواهر الكلام: ج 36/433.
5- حكاه عنهما العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 8/337.
6- مسالك الأفهام: ج 12/117.

مضطراً أيضاً، وخاف على نفسه الهلاكة إنْ أعطى الطعام لهذا المضطر، يجوز له أن يُؤثِر المضطرّ على نفسه، فيعطيه الطعام، ويحفظه من الهلاكة، وإنْ أهلك نفسه بذلك.

وأورد في «الجواهر»(1) على الشهيد رحمه الله: بأنّ من المعلوم عقلاً ونقلاً تقديم حفظ نفسه التي يعبد اللّه بها على غيره، بل لعلّ ذلك من الإلقاء بيده إلى التهلكة.

وفيه: إنّه لا شُبهة في كونه من الإلقاء بيده في التهلكة إنْ كان المراد بها ما يعمّ هلاك النفس، ولم تختصّ بالعقاب، إلّاأنّه كما يكون كذلك يكون إحياء النفس، وهو واجبٌ على الفرض، فيقع التزاحم بينهما، ولم يعلم من العقل والنقل تقديم حفظ نفسه بعد كون الآخر مساوياً معه في الإيمان والاحترام.

بل ظاهر الآية الكريمة: (وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ) (2) ترجيحُ حفظ الغير، غاية الأمر لا يكون لازماً.

ودعوى: كون ظاهر الآية غير الفرض كما ترى .

وعليه، فالأظهر جواز ذلك، نعم لا يجبُ عليه الإعطاء بخلاف الفرض الأوّل.

فرع: هل يجوز للمضطر أن يأخذ الطعام من مضطرٍ مثله ظلماً؟

قال في «المستند»(3): بعد الحكم بعدم الجواز إجماعاً: (لحرمة الظلم، وعدم مجوّز له إلّاالضرورة الحاصلة له أيضاً)، انتهى .

وفيه: إنّ الاضطرار أوجب سقوط حرمة أخذ مال الغير، وكون صاحبه أيضاً مضطراً لا يمنعُ عن تأثير اضطراره في سقوط الحرمة، فيبقى حكمان متزاحمان:4.

ص: 397


1- جواهر الكلام: ج 36/433.
2- سورة الحشر: الآية 9.
3- مستند الشيعة: ج 15/24.

وجوب حفظ النفس، ووجوب حفظ الغير، وحيث لا أولويّة لأحدهما على الآخر فيحكم بالتخيير.

وعليه، فالأظهر هو الجواز.

قال الشهيد الثاني في «المسالك»(1):

(إنْ كان المضطرّ قادراً على دفع ثمنه، لم يجب على المالك بذله مجاناً قطعاً، لأنّ ضرورة الجائع تندفع ببذله الثمن القادر عليه.

وإنْ كان عاجزاً عنه ففي وجوب بذله مجاناً وجهان:

أحدهما: العدم، لعصمة مال الغير كعصمة نفسه بين الحقّين بالعوض وقت القدرة.

والثاني: عدم جواز أخذ العوض، لوجوب بذله، فلا يتعقّبه العوض، لأنّه لا عوض على فعل الواجب، كما إذا خَلُص مُشْرِفاً على الهلاك لم يَجب عليه اُجرة المثل.

وجوابه: منع الكليّة، كما يجبُ بذل الطعام في الغلاء على المحتكر، يجبره عليه مع جواز أخذ العوض إجماعاً، والمعلوم وجوبه نفس بذل المال أعمّ من كونه مجاناً أو بعوض) انتهى .

أقول: ما أفاده الشهيد رحمه الله(2) من جواز أخذ العوض، وعدم وجوب بذله مجاناً، متينٌ غايته، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في مبحث أخذ الاُجرة على الواجب(1)، وبيّنا عدم المنافاة بين الوجوب وأخذ العوض.

وأمّا مسألة تخليص المُشْرِف على الهلاك، فالحكم بعدم وجوب اُجرة المثل ليس من جهة عدم أخذ العوض بإزاء الواجب، بل من جهة أنّ ضمان اُجرة المثل7.

ص: 398


1- فقه الصادق: ج 22/7.

يتوقّف على سببٍ وشيء من أسباب الضمان من اليد والإتلاف، والمعاملة لا يكون متحقّقاً في الفرض، ولذا لو احتمل الحال وواقفه على بذل اُجرةٍ يبذلها، أو يقبلها جاز ذلك.

فرع: هل يجوز للمالك أخذ الثمن الزائد عن ثمن المثل، ويجبُ على المضطر دفعه مع القدرة، كما هو المنسوب إلى المشهور(1)، لدفع الاضطرار بالتمكّن من بذل العوض ولو زائداً؟

أم لا يجوز له أخذ الزائد كما عن الشيخ في «المبسوط»(2)، لأنّه مضطرٌ إلى بذل الزيادة، فكان كالمكره عليه ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل.

ويرد على ما أفاده الشيخ (3) رحمه الله: أنّه مضطرٌ إلى الشراء لا إلى خصوص بذل الزيادة، وقد حُقّق في محلّه أنّ حديث الرفع يرفع صحّة المعاملة المُكرَه عليها، ولا يرفعُ صحّة المعاملة المضطرّ إليها، لكونه في مقام الامتنان، ولا منّة في رفع الصحة في الثانية(2).

وعليه، فالأظهر هو جواز أخذ الزيادة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ جواز أخذ الزائد ضرريٌ على المضطر، فيرفعه حديث لا ضرر(3).3.

ص: 399


1- مختلف الشيعة: ج 8/354، جواهر الكلام: ج 36/438. (2و3) المبسوط: ج 6/286.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/59 ح 132، وسائل الشيعة: ج 15/369 باب 56 باب جملة ممّا عفي منه.
3- الكافي: ج 5/280 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073.

ولكن غايته عدم جواز الأخذ تكليفاً لا وضعاً، فتدبّر حتّى لا تُبادر بالإشكال.

ولو لم يجد المضطرّ إلّاالآدمي، وخاف على نفسه الهلاكة إنْ لم يأكل منه:

فإنْ كان ميّتاً جاز أكله، لأنّ الميّت وإنْ كان محترماً إلّاأنّ حُرمة الحَيّ أعظم، والمحافظة عليها أولى ، ولذا لو كان في السفينة ميّتٌ ، وخاف أهلها الغَرَق، جاز طرح الميّت في البحر، ولا يجوزُ طرح الحَيّ .

والمتعيّنُ الاقتصار على أكله، لأنّ الضرورة تندفع بذلك.

وفي طبخه وشبهه هتكٌ لحرمته، فلا يجوزُ الإقدام عليه مع اندفاع الضرورة بدونه.

ولو كان حَيّاً، فظاهر كلماتهم التسالم على عدم جواز أكله إنْ كان معصوم الدّم.

بل في «المسالك»(1): (ولا يجوزُ أن يقطع من غيره لحفظ نفسه حيث يكون معصوماً اتّفاقاً، إذ ليس فيه إتلافُ البعض لإبقاء الكُلّ ، وكذا ليس للإنسان أن يقطع جزءاً منه للمضطر) انتهى .

وعليه، فإنْ كانت المسألة إجماعيّة، وإلّا فمقتضى القاعدة الجواز في الفرض الأوّل، والوجوب في الفرضين الأخيرين، فإنّه كما يحرم قتل المؤمن، كذلك يحرم قتل نفسه، ويجبُ أن يحفظ نفسه ولا أهميّة لأحدهما على الآخر، فيحكم بالتخيير، ولا ريب في أهميّة حفظ النفس المحترمة من قطع عضوٍ من الأعضاء، فيجبُ ذلك مقدّمةً لحفظ النفس، واللّه العالم.

وبه يظهر وجوب أن يأكل المضطرّ الخائف على نفسه لو ترك الأكل من6.

ص: 400


1- مسالك الأفهام: ج 12/126.

المواضع اللّحمة، إنْ علم بسلامة نفسه مع القطع، وفي كلمات الأصحاب في المقام تشويشٌ واضطرابٌ يظهر لمن راجعها.

***

ص: 401

السادس: يستحبُّ غَسل اليد قبل الطعام،

آداب الأكل وسُننه

الجهة (السادسة: يستحبُّ ) عند الأكل أُمور، كما أنّ له آدابٌ قبله وبعده وحينه، اقتصر المصنّف رحمه الله على سبعةٍ منها:

الأمر الأوّل: (غَسل اليد قبل الطعام) والنصوص(1) الكثيرة - المتضمّنة: أنّه ينفي الفقر، ويزيد في العُمر، ويجلو البَصَر، ويُكثر خير البيت، وما شاكل - تدلّ عليه.

أقول: وفي جملةٍ (2) منها الأمر بالوضوء.

وفي «المسالك»(1): المراد بالوضوء هنا غَسل اليدين، ولعلّه كذلك إذ لم يعهد الوضوء قبل الطعام في الشرع، ولم يذكر الأصحاب ذلك في مستحبّات الوضوء.

ويؤيّده: أنّه رَتّب على الوضوء في خبره ما رَتّب على الغَسل في روايةٍ أُخرى من الآثار والمنافع.

ويشهد به: خبر هشام بن سالم، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال:

«من سَرّه أن يكثر خير بيته فليتوضّأ عند حضور طعامٍ ، ومن توضّأ قبل الطعام وبعده عاش في سعةِ رزقه، وعُوفي من البلاء في جسده».

ص: 402


1- مسالك الأفهام: ج 12/131.

وزاد الموسوي - أحد رواة الحديث في حديثه - قال:

«قال لي الصادق عليه السلام: والوضوء هنا غَسل اليدين قبل الطعام وبعده»(1).

أقول: الظاهر اختصاص استحباب غَسل اليد بمن ليست يده نظيفة:

1 - لخبر سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّه كان ربما أتي بالمائدة، فيقول: من كانت يده نظيفة فلم يغسلها فلا بأس أن يأكل من غير أن يغسل يده»(2).

ومعلومٌ أنّ المراد بالبأس المنفيّ هو مطلق المرجوحيّة.

2 - ولما دلّ على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يمسّ ماءً وقد أتي بكتفِ شاةٍ وتغدّى(3).

3 - وما دلّ على أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام تغدّى ولم يَغسل يده(4).

وبالجملة: يختصّ استحباب الغَسل بمن يكون يده غير نظيفة.

وعليه، فيمكن البناء على اختصاص الاستحباب بمن يأكل بيده، فإنّ المستفاد من النصوص - سيّما بضميمة مناسبة الحكم والموضوع - أنّ الأمر بالغَسل إنّما هو لئلّا يمتزج بالطعام ما في يده من الوساخة.

وعليه، فما في «المسالك»(5)، و «الجواهر»(6) من أنّه لا فرق بين كونه يباشر باليد أو بالآلة، وإنْ كان الحكم مع المباشرة آكد، غير تامّ .9.

ص: 403


1- الكافي: ج 9/290 باب الوضوء قبل الطعام وبعده، وسائل الشيعة: ج 24/334 باب 49 استحباب غسل اليدين.
2- الكافي: ج 6/298 ح 13، وسائل الشيعة: ج 24/366 ح 30795.
3- وسائل الشيعة: ج 24/366 ح 30492، المحاسن: ج 2/427.
4- وسائل الشيعة: ج 24/366 ح 30494، المحاسن: ج 2/428.
5- مسالك الأفهام: ج 12/131.
6- جواهر الكلام: ج 36/449.

والتسمية

كما أنّ ما فيهما بل هو - أي الأكل باليد - الأصل في الشرعيّة، لأنّ الأكل من صاحب الشرع وخلفائه كان كذلك.

يرده: أنّ فعلهم سيّما في ذلك الزمان الذي لم يكن الآلة التي يأكل معها كثيرة شائعة، لا يدلّ على الاستحباب، وكونه الأصل في الشرعيّة.

وعليه، فالأظهر عدم مرجوحيّة الأكل مع الآلة وهي المسمّاة بالملعقة، ولايستحبّ معه غسل اليد.

الأمر الثاني: (و) هو (التسمية) عند الشروع.

فعن أبي عبد اللّه عليه السلام كما في قوي السكوني، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إذا وضعت المائدة حَفَّها أربعة آلاف ملك، فإذا قال العبد: بسم اللّه، قالت الملائكة:

باركَ اللّهُ عليكم في طعامكم، ثمّ يقولون للشيطان: اخرج يا فاسق، لا سلطانَ لك عليهم، فإذا فرغوا، فقالوا: الحمدُ للّه، قالت الملائكة: قومٌ أنعم اللّه عليهم، فأدّوا شُكر ربّهم، وإذا لم يُسمّوا قالت الملائكة للشيطان: ادنُ يافاسق، فكُلْمعهم، الحديث»(1).

ونحوه في الدلالة على ذلك روايات(2) أبي بصير، وأبي خديجة، وجرّاح المدائني، ومسمع، وعمر بن قيس الماصر، وغياث بن إبراهيم، والفضل بن يونس وغيرها.

ثمّ إنّ في جملةٍ منها الأمر بالتسمية عند وضع المائدة، وفي جملةٍ أُخرى ما يدلّ على استحبابها عند الشروع في الأكل، ولا بأس بالعمل بهما.

ويستحبّ التسمية عند إرادة الأكل من كلّ آنيةٍ ، لصحيح داود بن فرقد، عنة.

ص: 404


1- الكافي: ج 6/292 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/351 ح 30753.
2- الكافي: ج 6/292 باب التسمية والتحميد، وسائل الشيعة: ج 24/351 باب 57 باب استحباب التسمية.

الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ له: كيف اُسمّي على الطعام ؟

فقال عليه السلام: إذا اختلفت الآنية فسمّ على كلّ إناء»(1).

وعند إرادة الأكل من كلّ طعامٍ وإنْ اتّحدت الآنية، لموثّقه الآخر عنه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ضمنتُ لمن سَمَّى على طعامٍ أنْ لا يشتكي منه.

فقال ابن الكوّا: يا أمير المؤمنين، لقد أكلتُ البارحة طعاماً سمّيتُ عليه فآذاني!

قال عليه السلام: فلعلّك أكلت ألواناً، فسمّيت على بعضها ولم تُسمّ على بعضٍ يا لُكَع!»(2).

ونحوه غيره.

ولو تكلّم في أثناء طعام سَمّى عليه، أعاد التسمية لخبر(3) مسمع، وصرّح فيه بأنّ إضرار الطعام إنّما هو إذا لم يُعدِ التسمية بعد الكلام.

ولو نَسي التسمية على الطعام، يستحبُّ أن يقول إذا ذكر: بسم اللّه على أوّله وآخره، لصحيح ابن فرقد(4).

ثمّ إنّ التسمية المستحبّة عند وضع المائدة، لا تستحبُّ على جميع الأفراد لو كانوا جماعة، بل يُجزي تسمية واحدٍ منهم في ذلك، لصحيح ابن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا حضرت المائدة فسمَّى رجلٌ منهم أجزأ عنهم أجمعين»(5).6.

ص: 405


1- الكافي: ج 6/295 ح 20، وسائل الشيعة: ج 24/361 ح 30778.
2- الكافي: ج 6/295 ح 18، وسائل الشيعة: ج 24/362 ح 30780.
3- الكافي: ج 6/295 ح 19، وسائل الشيعة: ج 24/361 ح 30779.
4- التهذيب: ج 9/99 ح 166، وسائل الشيعة: ج 24/356 ح 30767.
5- الكافي: ج 6/293 ح 9، وسائل الشيعة: ج 24/356 ح 30766.

والأكل باليُمنى ، وغَسل اليد بعده، والحَمد،

الأمر الثالث: (و) هو (الأكل باليمنى) مع الاختيار:

1 - لخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا تأكل باليسرى وأنتَ تستطيع»(1).

2 - وخبر سماعة، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يأكل بشماله ويشرب بها؟

قال عليه السلام: لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله، ولا يتناول بها شيئاً»(2).

ونحوهما غيرهما.

ولا ينافيها خبر حمّاد، قال: «أكل أبو عبد اللّه بيساره»(3).

ونحوه خبر(4) الحسين بن أبي العرندس، عن أبي الحسن عليه السلام، فإنّه يمكن أنْ يكون ذلك لبيان الجواز.

كما لا ينافيها خبر(5) أبي أيّوب المتضمّن أنّ العنب والرّمان يؤكلان باليدين، لاختصاص ذلك بهما.

الأمر الرابع: (و) هو (غَسل اليد بعده) للنصوص المشار إليها المتقدّمة، والكلام في استحبابه لمن أكل بالآلة، هو الكلام في غَسل اليد قبل الطعام.

(و) الأمر الخامس: (الحَمدُ) للأخبار المتقدّمة.6.

ص: 406


1- التهذيب: ج 9/93 ح 138، وسائل الشيعة: ج 24/259 ح 30488.
2- الكافي: ج 6/272 ح 3، وسائل الشيعة: ج 24/258 ح 30486.
3- وسائل الشيعة: ج 24/260 ح 30489، المحاسن: ج 2/456.
4- وسائل الشيعة: ج 24/260 ح 30491، قرب الإسناد: ص 128.
5- وسائل الشيعة: ج 24/260 ح 30490، المحاسن: ج 2/556.

والإستلقاء، وجعل الرِّجل اليُمنى على اليُسرى.

(و) الأمر السادس: (الاستلقاء) لخبر البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«إذا أكلتَ فاستلق على قفاك، وضع رجلك اليمنى على اليسرى»(1).

ونحوه خبره(2) الآخر.

أقول: (و) منهما يظهر استحباب (جعل الرِّجل اليمنى على اليسرى).

ثمّ إنّه للأكل والشُّرب آدابٌ اُخر لم يذكرها المصنّف رحمه الله، واقتفينا نحن أثره، فمن اراد الاطّلاع عليها، فليراجع الكتب الاُخر(3).

***).

ص: 407


1- الكافي: ج 6/299 ح 21، وسائل الشيعة: ج 24/376 ح 30822.
2- وسائل الشيعة: ج 24/377 ح 30824، المحاسن: ج 2/449.
3- كثير من الكتب قد تعرّضت لآداب الأطعمة والأشربة، وقد عقد الحُرّ العاملي مئة واثنا عشر باباً في آداب المائدة، راجع وسائل الشيعة: ج 24/239 (أبواب آداب المائدة).

ويحرمُ الأكل على مائدة

حرمة الأكل على مائدة المُسكر

(ويحرمُ الأكل) بل الجلوس أيضاً (على مائدةٍ ) يُشرب عليها الخمر، بلا خلافٍ ، ويشهد به:

1 - صحيح هارون بن الجهم، قال:

«كنّا مع أبي عبد اللّه عليه السلام بالحيرة حين قدم على أبي جعفر المنصور، فخَتن بعض القوّاد ابناً له وصَنَع طعاماً، ودعا الناس، وكان أبو عبد اللّه عليه السلام فيمن دعاه، فبينما هو على المائدة يأكل ومعه عدّة على المائدة، فاستسقى رجلٌ منهم فاُتي بقدحٍ فيه شرابٌ لهم، فلمّا صار القدح في يد الرّجل، قام أبو عبد اللّه عن المائدة، فُسئِل عن قيامه، فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: ملعونٌ ملعونٌ من جَلَس على مائدة يُشرب عليها الخمر»(1).

2 - وخبر الجرّاح المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يأكل على مائدةٍ يُشرب عليها الخمر»(2).

3 - وخبر الحسين بن زيد، عنه، عن آبائه عليهم السلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله في حديث المناهي، قال: «ونهى عن الجلوس على مائدةٍ يُشرب عليها الخمر»(3).

ص: 408


1- الكافي: ج 6/268 ح 1، وسائل الشيعة: ج 24/232 ح 30415.
2- الكافي: ج 6/268 ح 2، وسائل الشيعة: ج 24/233 ح 30417.
3- وسائل الشيعة: ج 24/233 ح 30419، الأمالي للصدوق: ص 424.

المُسكر

ولا تنافي بين النصوص كي يقال إنّ الأوّل أصَحّ ، فالعمل عليه، بل المتّجه هو العمل بالجميع، فيحرم الجلوس وإنْ لم يأكل، والأكل وإنْ لم يجلس.

أقول: المنسوب إلى الأصحاب(1) حرمة الأكل على مائدةٍ يُشرب عليها (المُسكر) وإنْ لم يكن خمراً.

ويشهد به: - مضافاً إلى النصوص(2) المتضمّنة أنّ : «كلّ مُسكرٍ خمرٌ» فتأمّل، فإنّه في خصوص التحريم - موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المائدة إذا شُرب عليها الخمر أو مسكر؟

قال عليه السلام: حرمت المائدة، الحديث»(3).

وعن المصنّف رحمه الله(4) التعدّي إلى الاجتماع على اللَّهو والفساد.

وعن الحِلّي(5): لا يجوزُ الأكل من طعامٍ يُعصى اللّه به أو عليه.

واستدلّ لهما:

1 - بأنّ القيام يستلزمُ النهي عن المنكر من حيث أنّه إعراضٌ عن فاعله، وإهانة له، فيجبُ لذلك، ويحرمُ تركه.

2 - وبأنّ مجلس العصيان في معرض نزول العذاب.6.

ص: 409


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 11/331.
2- الكافي: ج 6/407 باب أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حرّم كلّ مسكر. وسائل الشيعة: ج 25/325 باب 15.
3- الكافي: ج 6/429 ح 2، وسائل الشيعة: ج 25/374 ح 32161.
4- قواعد الأحكام: ج 3/337.
5- السرائر: ج 3/136.

وإفراط الأكل المتضمّن للضَّرر.

ولكن يَردُ على الأوّل: أنّه للنهي عن المنكر شرائط، والكلام إنّما هو في حرمة الجلوس والأكل من حيثيّتهما، وإنْ لم يكونا موردين للنهي عن المنكر، ولا كان القيام من مصاديقه.

ويرد الثاني: أنّ مجرّد ذلك لا يصلحُ منشئاً للحكم بالحرمة، والقياس على مجلس شرب الخمر باطلٌ .

وعليه، فالأظهر عدم الحرمة.

(و) قد تقدّم الكلام في مسألة حرمة أكل ما يضرّ بالبدن، ما يظهر منه حكم (إفراط الأكل المتضمّن للضرر).

تمَّ كتاب الصيد وتوابعه عصر يوم السادس عشر من ذي الحجّة الحرام، سنة ألف وثلاثمائة وثمان وثمانين من الهجرة النبويّة الشريفة.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

***

ص: 410

فهرس الموضوعات

(كتابُ الصّيد وتوابعه)... 7

شروط حليّة صيد الكلب... 16

اعتبار كون المُرسِل مُسلماً... 25

حكم الشكّ في اعتبار شيء في الحلّية وعدمه... 27

اعتبار كون المُرسِل قاصداً لإرسال الكلب... 33

يعتبر التسمية عند الإرسال... 37

يعتبر أن لا يغيب الصيد عن العين... 42

حكم ما لو نَسي التسمية... 43

يعتبر اجتماع الشرائط في محلّ واحد... 46

حكم آلات الصيد الجامدة... 48

بيان ما يعتبر في حليّة الصيد... 53

حكم إدراك الصيد وفيه حياة مستقرّة... 59

الحيوان الذي يحِلّ بالصيد... 67

حليّة ما قتله الحديدة معترضاً... 69

في عدم حليّة لحوم الفراخ بالاصطياد... 70

موت الصيد بسببين... 71

حكم من ضرب الصيد فقده نصفين... 74

حكم الصيد بالبندقيّة... 79

ص: 411

الصيد بالآلة المغصوبة... 84

الفصل الثاني / في الذباحة... 85

حليّة ذبيحة الكتابي مع إحراز التسمية... 85

النصوص التي استدلّ بها للحرمة... 87

نصوص حليّة ذبائح أهل الكتاب... 95

بيان ما يقتضيه الجمع بين النصوص... 96

بيان ما يستفاد من الآيات الشريفة... 100

حكم ذبيحة المُعادي لأهل البيت (ع)... 102

حكم ذبيحة المخالف... 105

حكم ذبيحة المرأة وغير البالغ... 108

بيان الآلة التي بها يذكّي الذابح... 111

كيفية الذَّبح... 116

عدم اعتبار إبانة الرأس... 121

لا يعتبر عدم الذَّبح من القفاء... 125

اعتبار استقبال القبلة... 131

اعتبار التسمية... 135

حكم ما لو ترك التسمية والاستقبال نسياناً... 138

اختصاص الإبل بالنَّحر وما عداها بالذَّبح... 141

اعتبار استقرار الحياة وعدمه... 144

هل يعتبر خروج الدّم أيضاً أم لا... 149

أحكام الذَّبح... 154

ص: 412

حكم ما يُباع في أسواق المسلمين من الذبائح... 156

البحث عن ذكاة السّمك... 158

ذكاة الجراد أخذه حَيّاً... 166

ذكاة الجنين ذكاة أُمّه... 173

بيان ما تقع عليه الذَّكاة من الحيوان... 182

بيان ما يتحقّق به الصّيد المملّك... 191

الإعراض لا يوجبُ الخروج عن الملكيّة... 195

الفصل الثالث / في الأطعمة والأشربة... 202

الأصل الثانوي في المطاعم والمشارب... 204

الأصل في الأشياء المضرّة بالبدن... 207

حكم حيوان البحر غير السَّمك... 212

حكم السَّمك الذي لا فلس له... 217

ما يحرم أكله من السَّمك... 223

الأسماك المحلّلة بالنصّ ... 228

حكم ما لو وجد سمكةً في جوف سمكة أُخرى... 230

حكم بيض السَّمك... 234

ما يؤكل من البهائم... 237

كراهة الخيل والبغال والحمير... 242

حكم الحيوان الجلّال وما يحصل به الجَلَل... 246

حكم ما لو شرب الحيوان لبن خنزيرة... 255

حكم الحيوان لو وطأه إنسان... 258

ص: 413

حكم ما لو شرب الحيوان الخمر أو البول... 271

حرمة لحم السبع من البهائم... 275

حرمة السِّباع من الطيور... 279

حرمة ما كان صفيفه أكثر من دفيفه... 281

حرمة ما ليس له قانصة... 283

حكم الخفاش والطاووس... 288

حكم الغراب... 290

الخطّاف حلال... 296

حكم الهُدهد وطيور أُخرى ... 299

حكم طير الماء... 302

حرمة الميتة وأجزائها... 305

المحرّمات من الذبيحة... 306

حرمة أكل الطين... 317

الاستشفاء بتربة الحسين (ع)... 321

حكم أكل السموم القاتلة... 329

حرمة المسكر... 330

حرمة الفقّاع... 333

الدّم حرام... 337

حرمة المايعات النجسة... 341

الإستصباح بالدُّهن المتنجّس... 343

حُرمة شرب الأبوال... 346

ص: 414

حُرمة لبن الحيوان المحرّم... 349

حكم اللّحم الذي لا يُدرى أنّه ذكي أم ميّت... 354

حكم الأكل من بيوت الأقارب... 361

تناول المارّة من الثمرة... 373

حكم الخمر المنقلب خَلّاً... 384

حكم تناول المضطرّ المحرّم... 385

آداب الأكل وسُننه... 402

حرمة الأكل على مائدة المُسكر... 408

فهرس الموضوعات... 411

ص: 415

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.