فقه الصادق المجلد 35

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء الخامس والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الفصل الخامس: في الظهار.

وهو حرامٌ .

[تتمة كتاب الفراق]

الفصلُ الخامس في الظهار

اشارة

(الفصل الخامس: في الظهار):

قال في كتاب «المصباح المنير»(1) على ما حُكي: (ظاهر من امرأته ظِهاراً مثل قاتَل قتالاً، وتظهر إذا قال لها: (أنتِ عليَّ كظهر أُمّي) إنّما خَصّ ذلك بالظَهر لأنّ الظهر من الدّابة موضع الركوب، والمرأة مركوبة وقت الغشيان، فركوب الاُمّ مستعارٌ من ركوب الدّابة، ثمّ شبّه ركوب الزوجة بركوب الاُمّ الذي هو ممتنعٌ ، وهو استعارة لطيفة)، انتهى .

والمراد به هنا تشبيه المكلّف من يَملك نكاحها بظَهر مُحرّمة عليه أبداً بنَسَبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة أيضاً.

(وهو حرامٌ ) بلا خلافٍ فيه بين العلماء، ويشهد به:

1 - الآية الكريمة: (اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اَللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ اَلْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اَللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (2)لتوصيفه إيّاه بالمنكر والزور، وكلاهما محرّمان.

ص: 7


1- مصباح المنير: مادّة (ظهر)، ومنه في مجمع البحرين: ج 3/102.
2- سورة المجادلة: الآية 2.

2 - وصحيح حمران أو حسنه، عن أبي جعفر عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام الوارد في سبب نزول الآية، المتضمّن لأنّ امرأة ظاهرها زوجها فَشَكَتْ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أن قال:

فنزلت الآية الكريمة فأرسل إلى الزوجين وأتى بهما، فقال صلى الله عليه و آله للزوج: قد أنزل اللّه تعالى فيك قرآناً - فقرأ عليه ما أنزل - فَضُمّ امرأتك إليك، فإنّك قد قلت منكراً من القول وزوراً، قد عفا اللّه عنك، وغَفَر لك فلا تعد، فانصرف الرّجل وهو نادمٌ على ما قال لامرأته، وكره اللّه ذلك للمؤمنين بعد، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : (وَ اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) (1) يعني ما قال الرّجل الأوّل لامرأته:

أنتِ عليَّ حرامٌ كظهر اُمّي.

قال: فمن قالها بعدما عفا اللّه، وغَفَر للرّجل الأوّل فإنّ عليه تحرير رقبة.

إلى أن قال: فجعل اللّه عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا(2).

وفي «الشرائع»(3): (ولكن قيل لا عقاب فيه لتعقيبه بالعفو، وظاهره كون القائل من الفقهاء).

وعن «المسالك»(4): (إنّ القائل بعض المفسّرين، ولم يثبُت عن الأصحاب).

ثُمّ تنظّر فيه بقوله: (لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو والغفران فعليّتهما بهذا النوع من المعصية، وذِكْره بعده لا يدلّ عليه، ولا يلزم منه وقوعه بالفعل، ونظائره في القرآن كثير، مثل قوله تعالى : (وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما9.

ص: 8


1- سورة المجادلة: الآية 3.
2- الكافي: ج 6/152 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/304 ح 28655.
3- شرائع الإسلام: ج 3/627.
4- مسالك الأفهام: ج 9/499.

تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اَللّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (1) مع أنّه لم يقل أحدٌ بوجوب عفوه عن هذا الذنب المذكور قبله.

إلى أن قال: والحقّ أنّه كغيره من الذنوب أمر عقابها راجعٌ إلى مشيّة اللّه تعالى )، انتهى .

وهو حسنٌ ، وأمّا الرواية فهي تدلّ على أنّ العفو إنّما كان لأوّل الفاعلين، وإلّا فهو حرامٌ موجبٌ للكفّارة بالنسبة إلى غيره، وإنْ كان في حرمته بالنسبة إلى الأوّل إشكالٌ ، لأنّه لم يكن الحكم مجعولاً حين ما ارتكبه فكيف يكون حراماً؟

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه يستكشف من ذلك أنّه كان مجعولاً قبله وأنّ العفو بالنسبة إليه وغفرانه له، كعفو الجاهل بالحكم أو الموضوع، لا أنّه كان معصيةً فعليّة عفا اللّه عنها، فتدبّر.

وكيف كان، فعلى القول بأنّه حرامٌ لا عقاب عليه، هل يضرّ بالعدالة أم لا؟ وجهان:

استدلّ للثاني: بأنّه حينئذٍ يكون معصيةً لا يكون فاعلها مطالباً بها، فلايضرّ بالعدالة.

وفيه: إنّ غاية ما يدلّ عليه ما ذكر، إنّما هو عدم العقاب عليه، وهذا لا يلازم عدم مبغوضيّة الفعل، ولا على عدم كونه موجباً للبُعد عن اللّه تعالى ، ولا على عدم كونه موجباً للانحراف عن جادّة الشرع، وعدم العدالة إنّما يدور مدار ذلك، لا مدار العقاب، فلا يكون من قبيل المُقتضي المقرون بالمانع.

أقول: وربما يستدلّ له بقوله عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور، الوارد في مقام تعريف العدالة:5.

ص: 9


1- سورة الأحزاب: الآية 5.

وصورته:

«وتُعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار»(1).

فالمعصية التي لم يوعد اللّه عليها النار، بل وَعَد بعدم العقاب عليها لا تضرّ بها.

وفيه أوّلاً: إنّ ذلك في مقام بيان المعرِّف للعدالة والطريق إليها، وإلّا فقد ورد في صدره قوله عليه السلام: «إنّها تُعرف بالسِّتر والعفاف» الذي مقتضى إطلاقهما ترك جميع العيوب الشرعيّة بعدم فعلها.

وثانياً: أنّه على فرض كونه تتمّة للمعرِّف، فالجمع بين الصدر والذيل يقتضي أن يقال إنّه ذُكر لشدّة الاهتمام بالمعاصي التي أوعد اللّه تعالى عليها النار، أو للتنبيه على التلازم الغالبي بين ترك جميع المعاصي وبين ترك ما أوعد اللّه عليه النار.

ولتمام الكلام محلٌّ آخر، وقد تقدّم في مبحث صلاة الجماعة(2) من هذا الشرح تفصيل القول في ذلك.

وعليه، فالأظهر أنّه حرامٌ وسبيله سبيل غيره من الذّنوب التي يكون أمر عقابها راجعاً إلى مشيئة اللّه تعالى، ويكون مضرّاً بالعدالة.

صيغة الظهار

أقول: وتنقيح القول في هذا الفصل، يقتضي البحث في مقامات:

المقام الأوّل: في الصيغة (وصورته):

وفيه فروع:

ص: 10


1- التهذيب: ج 6/241 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/391 ح 34032.
2- فقه الصادق: ج 9/5، (في صلاة الجماعة).

أن يقول لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أُمّي، أو إحدى المحرّمات.

الفرع الأوّل: ذهب جماعة من القدماء والمتأخّرين إلى أنّه لا فرق بين (أن يقول لزوجته: أنتِ عليَّ كظهَر أُمّي، أو) يُشبهها (ب) ظهر (إحدى المُحرّمات) نَسَباً أو رضاعاً كالاُخت والبنت ومن شاكل.

وفي «الرياض»(1): (أنّه الأشهر، بل ربما أشعر عبارة الطوسي(2) بالإجماع عليه منّا).

وعمّمه جماعةٌ منهم المصنّف في محكيّ «المختلف»(3)، وسيّد «الرياض»، و «المدارك»(4)، والمحدِّث البحراني(5) إلى التشبيه بالمحرّمات الأبديّة بالمصاهرة.

وعن الشيخ في «الخلاف»(6)، والحِلّي في «السرائر»(7): إنّه مختصٌّ بالاُمّ ، فلو شبّهها بغيرها من المحارم لا يقع.

وعن ابن البرّاج(8): (إنّه يعمّ المحرّمات النَسَبيّة المؤبّد تحريمهنّ ، ويقع الظهار بالتشبيه بهن، ولكن لا يقع بالتشبيه بالمحرّمات الرّضاعيّة وبالمصاهرة)، وقوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(9).1.

ص: 11


1- رياض المسائل: ج 11/192.
2- المبسوط: ج 5/149.
3- المختلف: ج 7/415.
4- رياض المسائل: ج 11/193 قوله: (ولا يخلو عن قوّة).
5- الحدائق الناضرة: ج 25/637.
6- الخلاف: ج 4/531.
7- السرائر: ج 2/709.
8- المهذّب: ج 2/299.
9- جواهر الكلام: ج 33/101.

أقول: ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص، والاختلاف فيما يفهم منها.

واستدلّ للأوّلين: بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الظهار؟ فقال عليه السلام: هو من كلّ ذي مَحرمٍ من اُمّ أو اُخت أو عمّة أو خالة، ولا يكون الظهار في يمين»(1).

ومنها: صحيح جميل بن درّاج، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: الرّجل يقول لامرأته أنتِ عَليَّ كظهر عمّتي أو خالتي ؟

قال عليه السلام: هو الظهار»(2).

ومنها: مرسل يونس، عن بعض رجاله، عنه عليه السلام: في حديث الظهار، قال:

«وكذلك إذا هو قال كبعض المحارم، فقد لزمته الكفّارة»(3).

ودلالة هذه النصوص على وقوع الظهار بالمحرّمات النَسَبيّة واضحة، وأمّا دلالتها على الوقوع بالمحرّمات الرّضاعيّة، فقد أنكرها صاحب «الجواهر» رحمه الله(4)بدعوى انسباق النَسَبيّات من المحرّم والمحارم، وسبقه في ذلك القاضي(5).

ويردّه: أنّه إنْ اُريد به الانسباق من هذه الألفاظ أنفسها، فهو ممنوعٌ ، لأنّ صدق ذي مُحرّم على المحرّمات النَسَبيّة والرّضاعيّة إنّما يكون بنحو التواطؤ لا التشكيك، فلا وجه لدعوى الانصراف.

وإنْ اُريد به ذلك في صحيح زرارة بواسطة التمثيل بالاُمّ والاُخت.9.

ص: 12


1- وسائل الشيعة: ج 22/309 ح 28665.
2- التهذيب: ج 8/9 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/310 ح 28666.
3- وسائل الشيعة: ج 22/310 ح 28668.
4- جواهر الكلام: ج 33/101.
5- المهذّب: ج 2/299.

فيردّه أوّلاً: إنّ ذلك خَرجَ مخرج التمثيل لا الحصر، فلا ينافي العموم، مع أنّ الاُمّ تصدق على الرّضاعيّة، كما تصدق على النَسَبيّة.

وعليه، فالأظهر شمول صحيح زرارة ومرسل يونس لها.

وبما ذكرناه يظهر شمولهما للمحرّمات بالمصاهرة، إذ لا وجه للتقييد بغيرها.

أقول: والظاهر أنّه إلى هذا نظر المصنّف رحمه الله، حيث استدلّ للعموم بالاشتراك في العلّة، لا إلى أنّ العلّة بهذا الحكم تأبيد الحرمة، وهو مشتركٌ بين المنسب والرِّضاع والمصاهرة، كي يورد عليه بأنّ هذه العلّة مستنبطة.

وعليه، فالمستفاد من هذه النصوص هو القول الثاني.

وبإزائها صحيح سيف التمّار، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: الرّجل يقول لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر اُختي، أو عمّتي، أو خالتي ؟ قال: فقال عليه السلام: إنّما ذكر اللّه الاُمّهات وإنّ هذا لحرام»(1) فقد استدلّ به للقول الثالث.

وأورد عليه الشهيد الثاني(2) وسبطه(3): بأنّ الخبر يدلّ على نقيض ذلك، فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «وأنّ هذا لحرام»، أنّ ما ذكر في الخبر ظِهارٌ محرّم، وإنْ لم يكن ذَكره اللّه تعالى في كتابه.

واُجيب عنه: بأنّ الظاهر منه أنّ المشار إليه بهذا، المذكور في كتاب اللّه دون الاُخت وما بعدها، لأنّه أقرب.

أقول: والإنصاف أنّ كلّاً منهما محتملٌ ، وظهوره على التقدير الثاني في الحصر،1.

ص: 13


1- التهذيب: ج 8/10 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/310 ح 28667.
2- مسالك الأفهام: ج 9/466.
3- نهاية المرام: ج 2/151.

وأنّ غيره ليس بحرامٍ لا يُنكر، فهو مجملٌ لا يصلح لمعارضة ما سبق، وعلى تقدير تسليم ظهوره في الإشارة إلى المذكور في الكتاب، حيث يكون قابلاً للحمل على إرادة حَصر ما يحرم في الكتاب فيه، غير المنافي لحرمة غيره بالسُّنة، فيحمل عليه جمعاً بينه وبين ما سبق.

وعليه، فالقول الثاني هو المتعيّن.

ثمّ إنّه استدلّ الشيخ في محكيّ «المبسوط»(1) على التعميم للمحرّمات بالرِّضاع، بعموم قوله صلى الله عليه و آله: «يحرمُ من الرّضاع ما يَحرمُ من النَسَب»(2).

أقول: وإشكاله ظاهرٌ، فإنّه يدلّ على التنزيل في خصوص الحرمة، لا ما يشملُ انعقاد صيغة الظهار، للتصريح بما فيه التنزيل، ولو استدلّ له بعموم ما تضمّن تنزيل الاُخت والاُمّ ومن شاكل من الرّضاعة منزلة من شاكلها من النَسَب كان أولى .

الفرع الثاني: لا يعتبر في صيغة الظهار خصوص لفظ (أنتِ )، بل يكفي التلفّظ بكلّ لفظٍ يعيّن المظاهرة، كما لو قال بدل أنتِ : (هذه) أو (زينب)، أو ما شاكلها من الألفاظ بلا خلافٍ ، لإطلاق النصوص ولمعلوميّة إرادة أمثال من ما ورد فيه لفظ:

(أنتِ )، مع أنّه لا مفهوم له.

وأيضاً: في مرسل الصدوق قال:

«روي في رجلٍ قال لامرأته: هي عليه كظهر اُمّه، أنّه ليس عليه شيء، إذا لم يرد به التحريم»(3).4.

ص: 14


1- المبسوط: ج 5/150.
2- التهذيب: ج 7/294 ح 68، وسائل الشيعة: ج 20/428 ح 26001.
3- وسائل الشيعة: ج 22/309 ح 28664.

نعم، قد يقال باعتبار التلفّظ بما يدلّ عليها، فلو قال: (كظهر اُمّي) مُضمِراً لاسمها لما وقع للأصل وغيره، كما في «الجواهر»(1).

وأيضاً: لا يعتبر خصوص لفظ (عَليَّ ) فلو أتى بغيره من الألفاظ مثل: (منِّي) و (عندي) و (لدَي) و (معي)، وقع الظهار، وكذا في لفظ كذلك لو بدّله بمثل، بلا خلافٍ في شيء من ذلك، لاختلاف ما ورد في النصوص منها، الكاشف عن عدم اعتبار لفظٍ مخصوص.

فلو قال: (أنتِ كظهر اُمّي)، بحذف حرف الصلة، فهل يصحّ كما عن الأكثر، أم لا كما عن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(2)؟

وجهان: أظهرهما الأوّل، فإنّها حينئذٍ تصبح طالق.

وما في «المسالك»(3): من الفرق بينهما بأنّه يُحتمل صيغة الظهار مجرّدة عن الصلة كونها محرّمة على غيره حرمة ظهر اُمّه عليه، بخلاف الطلاق، فإنّه لا طلاق وهي في حبسه دون حبس غيره.

يتمُّ لو قلنا بلزوم ذكر جميع المتعلّقات في الإنشائيّات حتّى مع ظهور الكلام فيه، ولا دليل عليه.

وحيث أنّ الظاهر من قوله: (أنتِ كظهر اُمّي) بالنسبة إلى الزوج، فلا حاجة إلى ذكر الصلة، والشهيد رحمه الله قوّى ذلك بنفسه، وإنّما ذكر ما ذكر في وجه ما اختاره المصنّف رحمه الله.4.

ص: 15


1- جواهر الكلام: ج 33/99.
2- تحرير الأحكام: ج 4/102.
3- مسالك الأفهام: ج 9/464.

حكم التشبيه بغير ظهر الأُمّ من سائر أجزائها

الفرع الثالث: هل يقع الظهار بغير لفظ الظَهر كأن يقول: كبطن اُمّي أو يدها أو رِجْلها أو شعرها، أم لا؟ قولان:

أوّلهما: للشيخ في «الخلاف»(1)، والصدوق(2)، وجماعة، وادّعى الشيخ عليه الإجماع.

وثانيهما: للسيّدالمرتضى(3) مدّعياً عليه الإجماع، وتبعه الحِلّي(4)، وابن زُهرة(5)، وجمعٌ من الأصحاب، وعليه المتأخّرون.

يشهد للأوّل: خبر سدير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ له: الرّجل يقول لإمرأته: أنتِ عليَّ كشعر اُمّي أو ككفّها أو كبطنها أو كرِجْلها؟

قال عليه السلام: ما عنى به ؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار»(6).

وأورد عليه في «المسالك»(7): بأنّه ضعيفُ السند لجماعةٍ ، وهم:

سهل بن زياد، عن غياث بن إبراهيم، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن

ص: 16


1- الخلاف: ج 4/530.
2- المختلف: ج 7/410.
3- الإنتصار: ص 322.
4- السرائر: ج 2/709.
5- غنية النزوع: ص 366.
6- التهذيب: ج 8/10 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/317 ح 28686.
7- مسالك الأفهام: ج 9/471.

سدير، وسهل ضعيفٌ غال، وغياث بُتْريّ ، ومحمّد بن سليمان ضعيف أو مشترك بينه وبين الثقة، وكذلك أبوه، وحال سدير إلى الضعف أقرب منها إلى غيره.

وتبعه سبطه(1).

وفيه: إنّه وإنْ كان ضعيف السند، إلّاأنّه منجبرٌ بعمل مَن عرفت، ويعضده مرسل يونس، عنه عليه السلام:

«عن رجلٍ قال لامرأته: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي أو كَيَدِها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها، أيكون ذلك الظهار، وهل يلزمه فيه ما يلزم المُظاهِر؟

قال عليه السلام: المظاهر إذا ظاهر من امرأته، فقال: هي عليه كظهر اُمّه، أو كيدها، أو كرِجْلها، أو كشعرها، أو كشيء منها، ينوي بذلك التحريم، فقد لزمه الكفّارة في كلّ قليلٍ منها أو كثير.

وكذلك إذا قال هو كبعض ذوات المحارم، فقد لزمته الكفّارة»(2).

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّ الظهار مشتقٌ من الظَهر، وصِدق المشتقّ يستدعي صدق المشتقّ منه.

2 - وبصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «أنه سأل كيف الظهار فقال: يقول الرّجل لامرأته وهي طاهرٌ من غير جماع: أنتِ عَليَّ حرامٌ مثل ظَهر اُمّي، وهو يريدُ بذلك الظهار»(3).

3 - وصحيح جميل المتقدّم، قال لأبي عبداللّه عليه السلام:9.

ص: 17


1- نهاية المرام: ج 2/154.
2- الكافي: ج 6/161 ح 36، وسائل الشيعة: ج 22/316 ح 28685.
3- التهذيب: ج 8/9 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28659.

«الرّجل يقول لامرأته أنتِ عَليَّ كظهر عمّتي أو خالتي ؟

قال عليه السلام: هو الظهار»(1).

ولكن يرد الأوّل: أنّه لا يصلح لمقاومة النّص، سيّما بعد ملاحظة صوغ الصيغة في سائر العقود من غير مبدأها.

وإنْ شئت قلت: إنّ الظهار من الإيقاعات الشرعيّة، والأصل فيه قول الرّجل لامرأته: (أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي)، فلابدّ فيه من ملاحظة الأدلّة الدالّة على مشروعيّته سِعةً وضيقاً، ولا يلتفت إلى نفس هذه المادّة، فإذا دلّ الدليل على التوسعة يلتزم به.

وأمّا صحيح زرارة: فهو في حَدّ نفسه وإنْ كان ظاهراً بدواً فيما ذُكر، لكنّه بقرينة اشتماله على ما لا يلزم ذكره اتّفاقاً فتوىً ونصّاً وهو حرام، وجواز تبديل (مثل) ب (ك) يحمل على عدم كونه مسوقاً لبيان الحصر، بل لبيان كيفيّة من كيفيّات الظهار، مع أنّه لا يصلح للمقاومة مع النصوص الصريحة في خلاف ذلك.

وأمّا صحيح جميل: فقوله عليه السلام: «هو الظهار» ليس لبيان الحصر قطعاً، ولا شاهد به له.

وعليه، فالأظهر وقوعه بالتشبيه بكلّ جزءٍ من أجزاء الاُمّ حتّى الأجزاء التي لا تحلّها الحياة إذا اُريد به الظهار.

وهل يعمّ الحُكم ما لو شبّهها بغير اُمّه بما عدا لفظ الظهر من اليد والبطن والرأس وغيرهما، أم لا؟

ظاهرهم التسالم على الثاني، وعن «المختلف»(2): أنّ بعض علمائنا قال بوقوعه.5.

ص: 18


1- التهذيب: ج 8/9 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/310 ح 28666.
2- مختلف الشيعة: ج 7/415.

واستدلّ للأوّل: بأنّ دليل إلحاق غير الاُمّ بالاُمّ مختصٌّ بالظَهر، ودليل إلحاق غير الظهر بالظهر مختصٌّ بالاُمّ ، فلا دليل على إلحاق التشبيه بغير الظهر من غير الاُمّ ، والأصل يقتضي عدم المشروعيّة، ومرسل يونس وإنْ كان ظاهراً في كون غير الاُمّ كالاُمّ في تحقّق الظهار بالتشبيه بها، سواءٌ كان بالظهر أو غيره، ولكن استناد الأصحاب إليه كي ينجبر ضعفه غير معلوم، بل من إفتائهم في المقام بعدم الوقوع هو معلومُ العدم، ومعلوميّة كون الظهار معنى متّحداً، لا تصلحُ مدركاً للأحكام بعد عدم معلوميّة المناطات.

وعليه، فما أفاده المشهور أظهر.

ولو شبّه امرأته بجملة المشبه بها، كما لو قال: (أنتِ عليَّ كاُمّي) أو (مثل أُمّي)، وقَصَد به الظهار لا التكريم والاحترام وما شابه:

فعن الشيخ رحمه الله اختيار الوقوع(1)، والأكثر على العدم(2).

أقول: إنْ قلنا بعدم اعتبار ذكر الظَهر، فالوقوع ظاهرٌ، وذلك لدلالة ما دلّ على ذلك في غير الظهر عليه بالفحوى ، فإنّه يستفاد منه أنّه ليس لذكر الظَهر خصوصيّة، وأنّ المناط هو تشبيه الزوجة بالاُمّ أو غيرها ممّن يحرم نكاحها مُنشئاً به تحريم الزوجة، فالتشبيه بالجملة أولى قطعاً.

وإنْ قلنا: بالاختصاص بذكر الظَهر، فيمكن أن يقال بالوقوع أيضاً لا للفحوى حتّى يقال - كما في «المسالك»(3) - بأنّ الأسباب الشرعيّة لا يقاس، بل لتضمّن الجملة للظهر.2.

ص: 19


1- المبسوط: ج 5/149.
2- التحرير: ج 4/103، الإيضاح: ج 3/402، رسائل الكركي: ج 1/202 وغيرها.
3- مسالك الأفهام: ج 9/472.

وما في «المسالك»: من أنّه جاز أن يكون لتخصيصه فائدة باعثة على الحكم.

يدفعه أوّلاً: النقض بما لو ذُكر جميع الاجزاء مفصّلاً، كما لو قال: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي وبطنها ورِجْلها ويدها وهكذا.

وثانياً: الحَلّ بأنّ الدليل دلّ على لزوم التشبيه في هذا الجزء الخاص.

وعليه، فعدم الوقوع في المقام لابدّ وأن يكون:

إمّا لمانعيّة ذكر سائر الأعضاء.

أو لاعتبار ذكر الظهر بالمطابقة، ولا يكتفي بالدلالة التضمنيّة.

وشيءٌ منهما لا دليل عليه، ومقتضى إطلاق الأدلّة عدم المانعيّة، وعدم اعتبار الدلالة المطابقيّة.

وعليه، فالأظهر هو الوقوع.

ولو شُبّه جزءٌ من أجزاء الزوجة بجملة الاُمّ أو بظهرها:

فعن الشيخ(1) وتابعيه: الوقوع، والأكثر على العدم.

ومستند الشيخ: ظهور الخبرين - أي خبري سدير ويونس - في الاكتفاء بالكناية في تحقّق الظهار مع القصد وهذا منها.

ولا بأس به، وبه يظهر حكم تشبيه جزء الزوجة بجزء الاُمّ غير الظَهر.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر حكم جميع الصور التي ذكروها في المقام، وهي إنّه:

تارةً : تكون المشبّه جملة الزوجة.

واُخرى : ظهرها.9.

ص: 20


1- المبسوط: ج 5/149.

وثالثة: سائر أجزائها.

وكذا المشبّهة بها:

تارةً : يكون الاُمّ .

واُخرى : يكون غيرها.

وعلى التقديرين:

تارةً : يكون المشبّه به الظهر.

واُخرى : يكون جزء آخر غيره.

وثالثة: يكون الجملة.

فالصور ثمانية عشر، وإذا انضمّ إلى ذلك الصور السابقة، وهي أنّ غير الاُمّ ، قد تكون محارم النَسَب، وقد تكون محارم الرّضاع، وقد تكون محارم المصاهرة، وأنّ محارم النَسَب قد تكون الجدّات، وقد تكون غيرهنّ ، تكون الصور اثنتين وسبعين، ولا يخفى حكمها إذا لاحظتَ ما قرّرناه في الموضعين.

ولو شبّهها باُخت الزوجة، أو عمّتها، أو خالتها ممّن تحرم في حالٍ لا مطلقاً، لا يقع الظهار، بلا خلافٍ ، لأنّ حكمها حكم الأجنبيّة في جميع الأحكام، لأنّ تحريمها يزول بفراق زوجته، وهي كجميع نساء العالم المحرّمة على المتزوّج أربعاً، ويحلّ له كلّ واحدةٍ ممّن ليست بمحرّمة بغير ذلك على وجه التخيير بفراق واحدة من الأربع.

ولو قال: كظهر أبي وأخي أو عمّي لم يقع.

وفي «المسالك»(1): هذا الحكم محلّ وفاقٍ ، لأنّ الرّجل ليس محلّاً للاستمتاع،5.

ص: 21


1- مسالك الأفهام: ج 9/475.

ولا في معرض الاستحلال.

وكذا لو قالت هي: أنتَ عَليَّ كظهر أبي أو عمّي أو ما شاكل، فإنّ الظهار من أحكام الرِّجال كالطلاق إجماعاً، وخبر السكوني(1) شاهدٌ به، وكذا مرسل ابن فضّال الآتي.

***2.

ص: 22


1- الفقيه: ج 3/535 ح 4847، وسائل الشيعة: ج 22/339 ح 28742.

وشرطه: سماع شاهدي عدل،

شرائط وقوع الظهار

المقام الثاني: في شرائط الظهار ووقوعه:

وهي أقسام، إذ بعضها يعتبر في الصيغة، وبعضها في المظاهِر، وبعضها في المظاهِرة.

فالكلام في مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّ (شرطه سماع شاهدي عَدل) وقوع الظهار.

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه).

وفي «المسالك»(2): استشكل في اعتبار العدالة فيهما.

أقول: ويشهد لاعتبار سماع الشاهدين وحضورهما الخبر الحسن الذي رواه حمران في حديثٍ ، قال: «قال أبوجعفر عليه السلام: لا يكون ظهارٌ في يمين، ولا في إضرار، ولا في غضبٍ ، ولايكون ظهارٌ إلّافي طُهرٍ من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(3).

وأمّا اعتبار عدالة الشهود: فقد مرَّ الكلام فيه مفصّلاً في الطلاق، وبيّنا اعتبارها فيهما، أضف إليه دلالة مرسل ابن فضّال، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «لا يكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق»(4) فتأمّل.

ص: 23


1- جواهر الكلام: ج 33/105.
2- مسالك الأفهام: ج 9/475.
3- التهذيب: ج 8/10 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28658.
4- الكافي: ج 6/154 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28660.

وكمال المظاهر، والاختيار، والقصد،

المسألة الثانية: في ما يعتبر في المظاهِر:

لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه يعتبر (كمال المظاهِر) بالبلوغ والعقل (والاختيار، والقصد).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

ويشهد به: الأدلّة العامّة المتقدّمة في كتاب الطلاق، مضافاً إلى النصوص(2)الخاصّة الواردة في المقام، الدالّة على أنّ الظهار لا يقع بدون القصد إليه، ولعلّ ورود النصوص الكثيرة بذلك مع وضوحه، لما هو ثابتٌ عند العامّة من عدم اعتبار النيّة فيه.

ثمّ إنّ الخلاف المتقدّم في الطلاق في صحّته من المراهق لا يكون مطروحاً في المقام، والظاهر تسالمهم على عدم صحّته منه، ولعلّه من جهة ظهور أدلّته كتاباً وسنّةً في كون المظاهِر مكلّفاً، ولذا وُصِف بالمنكر والزور ووجب عليه الكفّارة.

وهل يصحّ ظهار الخِصيّ والمَجبوب ؟

فيه وجهان، ونخبة القول فيه إنّه:

إنْ بقي لهما ما يمكن به الجماع، المتحقّق بإدخال الحَشَفة أو قدرها من مقطوعها، فلا إشكال في صحّة ظهارهما، لأنّهما في حكم الصحيح.

وإنْ لم يمكنهما الإيلاج:2.

ص: 24


1- جواهر الكلام: ج 33/118.
2- التهذيب: ج 8/9 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/308 ح 28662.

فإنْ اشترطنا الدخول أوّلاً بالمظاهرة، فلا يصحّ منهما.

وإلّا فإنْقلنا إنّه يحرم ما عدا الوطء من الاستمتاعات، مثل الملامسة وغيرها، صحَّ ظهارهما، لعموم أدلّته، الممكن تحقّق فائدته بامتناع غير الوطء من الاستمتاعات، وإلّا فلا يصحّ لعدم فائدته.

أقول: ثم إنّه وقع الخلاف في اعتبار الإسلام في المظاهر وعدمه:

أمّا الشيخ رحمه الله كما عن «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2)، وابن الجُنيد(3)، والقاضي(4)من الحكم باعتباره، والالتزام بعدم صحّته من الكافر.

وعن المصنّف رحمه الله(5) والمحقّق(6) وغيرهما عدم اعتباره، وهو المنسوب إلى الأكثر.

وفي الحدائق(7): (والظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين).

ويشهد للثاني: عموم الآية الكريمة والنصوص.

واستدلّ للأوّل: بأنّ من يصحّ ظهاره، تصحّ الكفّارة منه، لقوله عزّ وجلّ :

(وَ اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (8) ، والكافر لايصحّ منه الكفّارة، لأنّها عبادة تفتقر إلى النيّة كسائر العبادات، وإذا لم يصحّ منه التكفير الرافع للتحريم، لم يصحّ التحريم في حقّه.3.

ص: 25


1- المبسوط: ج 5/145.
2- الخلاف: ج 4/525.
3- حكاه العلّامة الحِلّي في المختلف: ج 7/399، فتاوى ابن الجُنيد إعداد الاشتهاردي: ص 274.
4- جواهر الفقه: ص 187.
5- مختلف الشيعة: ج 7/408.
6- شرائع الإسلام: ج 3/626.
7- الحدائق الناضرة: ج 25/660.
8- سورة المجادلة: الآية 3.

وإيقاعه في طُهرٍ لم يُجامعها فيه إذا كان حاضراً ومثلها تحيض.

وفيه أوّلاً: إنّ التلازم قائمٌ بين صحّة الظهار وثبوت الكفّارة، لا بين صحّة الظهار وصحّة وقوع الكفّارة، وحيث إنّ الكفّار مكلّفون بالفروع فتكليف الكفّارة أيضاً متوجّه إليه.

وثانياً: إنّ الكافر يصحّ منه الكفّارة باعتبار تمكّنه من الإسلام.

وثالثاً: إنّ الأظهر صحّة الكفّارة منه لو أتى بها واجدةً لشرائط الصحّة، وتمشّى منه قصد القربة ولو رجاءً .

وعليه، فالأظهر صحّته من الكافر، وعدم اعتبار الإسلام فيه.

ما يعتبر في المظاهرة

المسألة الثالثة: فيما يعتبر في المظاهِرة (و) هي أُمور:

الأمر الأوّل: (إيقاعه في طُهرٍ لم يُجامعها فيه، إذا كان حاضراً، ومثلها تحيض) ولو كان زوجها غائباً، بحيث لا يُعرف حال زوجته، أو كان حاضراً وهي يائسة، أو لم تبلغ، صَحّ بلا خلافٍ في شيء من ذلك، وعليه الإجماع بقسميه.

وفي «المسالك»(1): (هذا الشرط موضعُ وفاقٍ بين علمائنا وهو مختصٌّ بهم).

أقول: ويشهد به نصوصٌ :

منها: ما تضمّن أنّه لا يكون الظهار إلّاعلى موضع الطلاق كمرسل ابن فضّال

ص: 26


1- مسالك الأفهام: ج 9/493.

المتقدّم، وخبر الفضيل بن يسار: «ولا يكون الظهار إلّاعلى موضع الطلاق»(1).

ومرسل «المسالك»(2).

ومنها: النصوص المصرّحة بذلك:

1 - كصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: وقد سأله عن كيفيّته ؟ فقال: «يقول الرّجل لامرأته وهي طاهر من غير جماعٍ : أنتِ عليَّ حرام مثل ظَهر اُمّي، وهو يريدُ بذلك الظهار»(3).

2 - وحسن حمران، عنه عليه السلام: «ولا يكون ظهارٌ إلّافي طُهرٍ من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(4).

ومن الطائفة الأُولى بضميمة فتوى الأصحاب وإجماعهم، يستفادُ حكم الغائب وغيره على نحو ما سمعته في الطلاق.

الأمر الثاني: يشترط أن تكون منكوحة بالعقد، فلا يقع بالأجنبيّة ولو عَلّقه على النكاح بأن قال: (أنتِ عليَّ مثل ظهر اُمّي إنْ تزوّجتكِ ).

وفي «المسالك»(5): (هذا عندنا موضع وفاق).

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ الموضوع في الآية والنصوص الزّوجة، وإلى ما دلّ على أنّه لا يكون الظهار إلّاعلى موضع الطلاق، وقد مرّ في الطلاق بطلانه وإن عُلّق على النكاح - صحيح عبداللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:3.

ص: 27


1- الفقيه: ج 3/526 ح 4827.
2- مسالك الأفهام: ج 9/494 و 493.
3- التهذيب: ج 8/9 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28659.
4- وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28658.
5- مسالك الأفهام: ج 9/494 و 493.

وفي المتمتّع بها، والأمَة.

«عن رجلٍ قال لأُمّه: كلّ امرأةٍ أتزوّجها فهي عليَّ مثلكِ حرام ؟

قال عليه السلام: ليس هذا بشيء»(1).

وهل يُشترط (في) وقوع الظهار دوام العقد، فلايقعُ الظهار ب (المتمتّع بها) أم لا؟

فيه خلافٌ :

المشهور بينهم هو الوقوع.

وعن ظاهر جماعةٍ منهم الصدوق(2)، والإسكافي(3)، والحِلّي(4)، أو صريحهم عدم الوقوع.

يَشهدُ للأوّل: عمومات الكتاب والسُّنة.

وللثاني: ما دلّ على أنّه لا يقع الظهار إلّاعلى مثل موضع الطلاق، وقد مرّ عدم وقوع الطلاق بالمتمتّع بها.

واحتجّ للثاني: في محكيّ «المختلف»(5): بأنّ الظهار حكمٌ شَرعي يقفُ على مورده، ولم يثبت في نكاح المتعة حكمه مع أصالة الإباحة.

ويردّه: ما أفاده من منع عدم الثبوت مع وجود العمومات.9.

ص: 28


1- الفقيه: ج 3/471 ح 4641، وسائل الشيعة: ج 22/311 ح 28669.
2- الهداية: ص 274.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7/418.
4- السرائر: ج 2/709.
5- مختلف الشيعة: ج 7/419.

وغير المدخول بها.

واحتجّ له في «المسالك»(1): بانتفاء لازم الظهار الذي هو الإلزام بأحد الأمرين:

الفئة، أو الطلاق المعلوم انتفائه فيه، وتنزيل هبة المدّة منزلته قياسٌ ، والمرافعة المترتّبة على الإخلال بالواجب من الوطء.

ويردّه: ما أفاده من أنّ هذه اللّوازم مشروطة بزوجةٍ يمكن في حقّها ذلك، فلا يلزم من انتفائها انتفاء جميع الأحكام التي أهمّها تحريم الاستمتاع من دون مرافعة.

وعليه، فالعمدة فيه هو ما ذكرناه، وبه يقيّد الإطلاقات والعمومات، وقد تقدّم البحث فيه في كتاب النكاح في مبحث المتعة، فراجع(2).

(و) الأمر الثالث: الدخول، فلا يقع الظهار ب (غير المدخول بها) ذهب إليه الشيخ(3)، والصدوق(4)، وأكثر المتأخّرين كما في «المسالك»(5).

وعن المفيد(6)، والمرتضى(7)، والحِلّي(8) وجماعةٍ : عدم اعتباره، فيقع بغير المدخول بها.

ويشهد للأوّل: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام، قال: «في0.

ص: 29


1- مسالك الأفهام: ج 9/495 و 494.
2- فقه الصادق: ج 32/331.
3- الخلاف: ج 4/526.
4- الهداية: ص 274.
5- مسالك الأفهام: ج 9/495 و 494.
6- المقنعة: ص 524.
7- حكاه عنه في السرائر: ج 2/710.
8- السرائر: ج 2/710.

المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال: لا يقع عليها إيلاءٌ ولا ظهار»(1).

وصحيح الفُضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ مملّك ظاهرَ من امرأته ؟

فقال عليه السلام: لى لا يكون ظهارٌ ولا إيلاء حتّى يدخل بها»(2).

ونحوهما غيرهما.

وقد مرّ حديث حمران: «لا يكون ظهارٌ إلّاعلى طُهرٍ بغير جماع»(3).

واستدلّ للثاني: - مضافاً إلى عمومات الكتاب والسُّنة - بالخبر المتقدّم الذي وصفه سيّد «الرياض»(4) بالصحّة: «لا يكونُ الظهار إلّاعلى مثل موضع الطلاق».

وعليه، فكما يقع الطلاق بغير المدخول بها، كذلك يقع بها، ولكن العمومات تختصّ بما تقدّم، والخبر إنّما يدلّ على أنّ الظهار لا يقع إلّاحيثُ يقع الطلاق، لا على أنّه حيث يقع الطلاق يقع الظهار، مع أنّ غايته الإطلاق فيقيّد بما تقدّم.

وبالجملة: فالأظهر اعتبار الدخول بها في صحّة الظهار.

نعم، في الدخول المعتبر لا فرق بين القُبُل والدُّبر، فلو وطأها دُبراً يقع الظهار لإطلاق الأدلّة، ولا يصغى إلى دعوى انسباق الدخول في القُبُل من الأدلّة المزبورة، كما مرّ مراراً في نظائر المقام من الأحكام المترتّبة على الدخول.

كما لا فرق بين الدخول المحرّم كالوطء في حال الحيض، أو في صوم رمضان، أو في حال الصغر، والمحلّل لإطلاق الأدلّة.5.

ص: 30


1- التهذيب: ج 8/21 ح 40، وسائل الشيعة: ج 22/316 ح 28684.
2- الكافي: ج 6/158 ح 21، وسائل الشيعة: ج 22/316 ح 28683.
3- التهذيب: ج 8/10 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28658.
4- رياض المسائل: ج 11/195.

مع الشرط قولان.

وأيضاً: لا فرق في كفاية الوطء دُبُراً بين كونها ممّن يمكن وطئها قُبُلاً أو لا يمكن كالرتقاء والمريضة التي لا توطأ.

والظاهر أنّه إلى ذلك نظر المصنّف رحمه الله في «القواعد»(1) حيث قال:

(وعلى الاشتراط يقع مع الوطء دُبُراً في حال صغرها وجنونها، ويقع بالرتقاء والمريضة التي لا توطأ، وكذا في «الشرائع»)(2).

تعليق الظهار على الشرط

أقول: (و) في وقوع الظهار (مع الشرط قولان):

ذهب إلى الوقوع الصدوق(3)، والشيخ(4)، وابن حمزة(5)، وأكثر المتأخّرين.

واختار عدمه المرتضى(6)، والشيخ المفيد(7)، وابن البرّاج(8)، وسلّار(9)، وأبو الصَّلاح(10)، وابن زُهرة(11)، والحِلّي(12).

ص: 31


1- قواعد الأحكام: ج 3/171.
2- شرائع الإسلام: ج 3/627.
3- الهداية: ص 274.
4- الخلاف: ج 4/536.
5- الوسيلة: ص 334.
6- الإنتصار: ص 321.
7- المقنعة: ص 524، المسائل الصاغانيّة: ص 94.
8- المهذّب: ج 2/298.
9- المراسم العلويّة: ص 162.
10- الكافي للحلبي: ص 303.
11- غنية النزوع: ص 366.
12- السرائر: ج 2/709.

والأظهر هو الأوّل، لأنّه قد مرّ في كتاب النكاح والطلاق(1) أنّ مقتضى القواعد صحّة العقود والإيقاعات المعلّقة على الشرط، والمراد به في المقام ما لا يُعلم حصوله، وعلى الصفة والمراد بها ما علم تحقّقه:

والأوّل: كما لوقال في المقام: (أنتِ عليَّ كظهر اُمّي إنْ دخلتِ الدار أو فعلت كذا).

والثاني: كما لو قال: (أنتِ عليَّ كظهر اُمّي إنْ جاء يوم الجمعة، أو انقضى الشهر)، أو نحوهما من التعليق على الوقت وغيره المتيقّن الحصول.

وإنّما نبني على البطلان في صورة التعليق على الشرط في غير المقام للإجماع، وحيث إنّه مفقودٌ في المقام فمقتضى القاعدة هي الصحّة هنا.

وعليه، فلا حاجة لإثبات صحّته في صورة التعليق على الصفة، إلى تجشّم دعوى الأولويّة كما سيأتي.

أقول: ثمّ إنّه قد تقدّم في مبحث الطلاق أنّ الشرط المذكور في العقد أو الإيقاع:

تارةً : يعلّق عليه الإنشاء كالمثال المتقدّم.

واُخرى: لا يعلّق عليه الإنشاء، بل إنّما يذكر في العقد للإلزام والالتزام، نظراً إلى أنّ الشرط الابتدائي لا يجبُ الوفاء به، ودليل المؤمنون عند شروطهم الدالّ على وجوب الوفاء بالشرط، إنّما هو في القسم الثاني، ولا ربط له بالقسم الأوّل.

وعليه، فما في «المسالك»(2) وتبعه صاحب «الجواهر»(3) من الاستدلال لصحّة الظهار المعلّق على الشرط، بعموم قوله صلى الله عليه و آله: «المؤمنون عندشروطهم»(4) في غير محلّه.1.

ص: 32


1- فقه الصادق: ج 31/59 و ج 32/404 و ج 34/110.
2- مسالك الأفهام: ج 9/478.
3- جواهر الكلام: ج 33/108.
4- التهذيب: ج 7/371 ح 66، وسائل الشيعة: ج 21/276 ح 27081.

وأمّا النصوص الخاصّة فهي طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على صحّة الظهار المعلّق على الشرط:

منها: صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«الظهار ضربان: أحدهما فيه الكفّارة قبل المواقعة، والآخر بعده، فالذي يكفّر قبل المواقعة الذي يقول: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي، ولا يقول إنْ فعلتُ بكِ كذا وكذا، والذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي إنْ قربتك»(1).

ونحوه مضمره(2).

ومنها: صحيح حريز، عنه عليه السلام: «الظهار ظهاران: فأحدهما أن يقول: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي ثم يسكت، فذلك الذي يكفّر، فإذا قال: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي إنْ فعلتِ كذا وكذا ففعل وحَنَث، فعليه الكفّارة حين يحنث»(3).

ومنها: خبر ابن الحجّاج، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: إذا قال الرّجل لامرأته: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي، لزمه الظهار، قال لها: دخلتِ أو لم تدخلي، خرجتِ أو لم تخرجي، أو لم يقل لها شيئاً، فقد لزمه الظهار»(4).

وهذه النصوص كما ترى ظاهرة في صحّة الظهار المعلّق على الشرط.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم الصحّة:

منها: خبر القاسم بن محمّد الزيّات، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:6.

ص: 33


1- الكافي: ج 6/160 ح 32، وسائل الشيعة: ج 22/332 ح 28725.
2- التهذيب: ج 8/13 ح 16، وسائل الشيعة: ج 22/334 ح 28732.
3- التهذيب: ج 8/12 ح 14، وسائل الشيعة: ج 22/334 ح 28731.
4- التهذيب: ج 8/14 ح 22، وسائل الشيعة: ج 22/335 ح 28736.

«إنّي ظاهرتُ من امرأتي، فقال عليه السلام: كيف قلت ؟

قال: قلتُ : أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي إنْ فعلتِ كذا وكذا.

فقال عليه السلام لي: لا شيء عليك ولا تعد»(1).

ومنها: موثّق ابن بُكير، عن رجلٍ ، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: إنّي قلتُ لامرأتي: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي إنْ خرجت من باب الحجرة فخرجت ؟

فقال عليه السلام: ليس عليك شيء.

فقلت: إنّي أقوى على أن اُكفّر، فقال عليه السلام: ليس عليك شيء.

فقلت: إنّي أقوى على أن اُكفّر رقبة ورقبتين ؟ فقال: ليس عليك شيء، قويتَ أو لم تقو»(2).

والأوّل منهما وإنْ كان ضعيف السند لقاسم بن محمّد الذي هو مهمل، إلّاأنّ الثاني معتبرٌ لكون المرسل من أصحاب الإجماع، فإيراد المصنّف(3)، والشهيد الثاني(4)، وسبطه(5)، وصاحب «الجواهر»(6) على الطائفة الثانية بضعف السند في غير محلّه.

وأمّا ما في «الجواهر»: من أنّ الأوّل محتملٌ لإرادة عدم شيء عليه قبل حضور الشرط، أو عدم الشاهدين أو نحو ذلك، واليمين كالثاني.9.

ص: 34


1- التهذيب: ج 8/13 ح 17، وسائل الشيعة: ج 22/333 ح 28728.
2- التهذيب: ج 8/13 ح 18، وسائل الشيعة: ج 22/332 ح 28727.
3- مختلف الشيعة: ج 7/417.
4- مسالك الأفهام: ج 9/479.
5- نهاية المرام: ج 2/156.
6- جواهر الكلام: ج 33/109.

فيردّه: أنّه خلاف الظاهر.

فالحقّ أن يقال: إنّ الأوّل من خبري الطائفة الثانية ضعيفُ السند، والثاني قابلٌ للحمل على إرادة اليمين، جمعاً بينه وبين الطائفة الأُولى ، فيتعيّن ذلك.

وإن أبيت عن كونه جمعاً عرفيّاً، فاللّازم طرحه وتقديم الأُولى لجملةٍ من المرجّحات.

وربما يستدلّ للقول الثاني: بمرسل ابن فضّال المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام:

«لا يكون الظهار إلّاعلى موضع الطلاق»، إذ الطلاق لا يقعُ معلّقا على الشرط، فكذا الظهار.

وفيه أوّلاً: إنّ الظاهر منه إرادة الشرائط المعتبرة فيه من الشاهدين، وطهارتها من الحيض، وما شاكل.

وثانياً: إنّه لا يقاوم ما تقدّم.

وعليه، فالقول بالصِّحة هو الأظهر.

حكم ما لو قيّد الظهار بمدَّة معيّنة

ولو قيد الظهار بمدّة معيّنة كيومٍ أو شهرٍ، كأن يقول: أنتِ عليَّ كظهر اُمّي، شهراً أو يوماً أو سنةً ، أو إلى شهرٍ، أو إلى سنةٍ ، فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، وابن البرّاج(2)، والحِلّي(3): من عدم صحّته.

ص: 35


1- المبسوط: ج 5/156.
2- المهذّب: ج 2/301.
3- السرائر: ج 2/709.

2 - ما عن ابن الجُنيد(1): من الصحّة مطلقاً، وإليه مالَ المصنّف رحمه الله في «المختلف»(2) على ما حُكي، واستجوده في «المسالك»(3).

3 - التفصيل بين ما لو زادت المدّة عن مدّة التربّص على تقدير المرافعة وقع، وإلّا فلا، وإليه مال الشهيدالثاني في «المسالك»(4)، وقوّاه المصنّف في «المختلف»(3)على ما نُقل.

واستدلّ للأوّل: بصحيح سعيد الأعرج، عن موسى بن جعفر عليهما السلام: «في رجلٍ ظاهر من امرأته فوفى ؟ قال: ليس عليه شيء»(4).

أقول: لكن روى صاحب «الوافي»(5) الخبر وضبطه فيه: «ظاهرَ من امرأته فوفى ».

ثمّ قال: بيانٌ : أي لم يقاربها.

ثمّ قال: (وفي بعض النسخ يوماً مكان فوفى، وإنّما لم يجب عليه شيء لأنّ الظهار بمجرّده لا يوجبُ شيئاً، ثمّ إنّ فاء كفّر أو طلق خلص، وإنْ صبر يوماً على النسخة الثانية فلا شيء عليه)، انتهى .

ورواه في «الوسائل» أيضاً هكذا، واختلاف النسخ مانعٌ عن الاستدلال به، سيّما وأنّ ظاهر المحدِّث الكاشاني والمحدِّث الحُرّ العاملي الاعتماد على نسخة:

«فوفى»، مع أنّه لو كانت النسخة «يوماً» لما كان لازمه عدم الصحّة مطلقاً، بل عدم4.

ص: 36


1- فتاوى ابن الجُنيد إعداد الأشتهاردي: ص 279.
2- مختلف الشيعة: ج 7/446. (3و4) مسالك الأفهام: ج 9/481.
3- مختلف الشيعة: ج 7/446.
4- التهذيب: ج 8/14 ح 20، وسائل الشيعة: ج 22/335 ح 28734.
5- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 25/654.

الصحّة فيما إذا نقصت المدّة عن مدّة التربّص، مع أنّه لا يجبُ شيئاً بالظهار مطلقاً، بل تجبُ الكفّارة بالعود قبل انقضاء المدّة.

وبالجملة: فالخبر لا يدلّ على عدم الصحّة.

وأمّا الاستدلال له: بأنّه لم يؤبّد التحريم، بل شابه ما إذا شبّهها بامرأةٍ لا تحرُم عليه على التأييد.

فيردّه: إنّه وجهٌ اعتباري لا يصلح منشأً للحكم.

واستدلّ للثاني في «المسالك»:

1 - بأنّه منكرٌ من القول وزور.

2 - وبعموم الآية.

3 - وبالمرويّ عن سَلَمة بن صخر الصحابي أنّه كان قد ظاهر من امرأته حتّى ينسلخ رمضان، ثمّ وطئها في المدّة، فأمره النبيّ صلى الله عليه و آله بتحرير رقبة(1).

ولكن يرد على الأخير: إنّ الخبر عاميٌ غير مرويّ من طرقنا، ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني رحمه الله لا يعمل بجميع الأخبار المعتبرة المرويّة من طرق الخاصّة، ومع ذلك استدلّ بهذا الخبر في المقام!

ويردّ الأوّل: إنّه لا تدلّ الآية على أنّ كلّ ما هو منكر وزورٌ يقع به الظهار، بل تدلّ على أنّ الظهار من مصاديق المنكر والزور، والفرق بين التعبيرين واضح.

وأمّا عموم الآية: فهو وإنْ كان سالماً عمّا أورده عليه في الحدائق(2) بانصرافه إلى6.

ص: 37


1- المصنّف للصنعاني: ج 6/431 ح 11528، مسند أحمد: ج 5/436، سنن الدارمي: ج 2/163، سنن ابن ماجة: ج 1/665 ح 2062، سنن أبي داود: ج 2/265 ح 2213، سنن الترمذي: ج 5/737 ح 3299، مستدرك الحاكم: ج 2/203، سنن البيهقي: ج 7/390.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/656.

الأفراد الشائعة، ولا يشمل الفرض النادر، فإنّه قد مرّ منّا مراراً أنّ الانصراف الناشئ عن شيوع فردٍ وندرة آخر لا يصلحُ مقيّداً للإطلاق.

وكذا عمّا أورده في «الجواهر»(1): بأنّ الظهار في الجاهليّة كان للحرمة أبداً، ولم يشرّعه الشارع، بل جعله من المحرّمات، وأنّه لا يفيد حرمةً ، ولكنّه يوجبُ الكفّارة، فالإطلاق حينئذٍ ليس إلّاللظهار المزبور.

فإنّه يرده أوّلاً: إنّ كيفيّة الظهار في الجاهليّة غير معلومة لنا.

وثانياً: إنّه ليس لسان الآية الكريمة أنّ الظهار الذي كان في الجاهليّة محرّمٌ وموجبٌ للكفّارة، بل هما رتّبا فيها على مطلق الظهار، ومجرّد ثبوت حكمٍ آخر لفردٍ من الظهار في الجاهليّة، لا يوجبُ اختصاص الحكم بذلك الفرد.

ولكن يردّه: أنّ الظاهر من نسبة الظهار إلى الزوجة بقولٍ مطلق، كما يكون هو الظهار في كلّ مكان، فلو ظاهرها في مكانٍ خاص لا يكون مشمولاً للآية، كذلك يكون ظاهره هو الظهار في جميع الأزمنة، ويظهر ذلك بملاحظة نظائر المقام، مثلاً جعل عدم وجدان الماء في وقت الصلاة موضوعاً لمشروعيّة التيمّم، يكون ظاهر الدليل عدم وجدان الماء في جميع الأزمنة المضروبة لتلك الصلاة، فلا يشمل الدليل ما لو كان غير واجدٍ في الساعة الأُولى من الوقت.

وبالجملة: ظهور الآية في كون الموضوع هو الظهار في تمام المدّة لا في مدّة معيّنة، لا ينبغي إنكاره، وعليه فالقول الأوّل أظهر.

واستدلّ للثالث: - بعد تسليم عموم الآية - بأنّ الظهار يلزمه التربّص مدّة1.

ص: 38


1- جواهر الكلام: ج 33/111.

ولا يقعُ في إضرار،

ثلاثة أشهر من حين الترافع، وعدم الطلاق، وهو يدلّ بالاقتضاء على أنّ مدّته تزيد عن ذلك، وإلّا لانتفى اللّازم الدالّ على انتفاء الملزوم.

وفيه: - مضافاً إلى ما مرّ - إنّ المرافعة حكمٌ من أحكام الظهار، وهي غير لازمة، فجاز أن لا ترافعه، فيحتاج إلى معرفة حكمه على هذا التقدير، وجاز أن لا يعلمها بإيقاعه، ويريد معرفة حكمه مع اللّه تعالى ، والحكم بتربّصها تلك المدّة على تقدير المرافعة، محمولٌ على ما إذا كان مؤبّداً أو موقّتاً بزيادةٍ عنها، فإذا قصرت كان حكمه تحريم العود إلى أن يكفر من غير أن يتوقّف على المرافعة، أو أن يفيدها فائدة، كذا في «المسالك»(1).

قال المصنّف رحمه الله: (ولا يقع) الظهار (في إضرارٍ) كما ورد التصريح بذلك في «النهاية»(2)، و «الوسيلة»(3) وغيرهما، بل الظاهر تسالمهم عليه.

وعن فخر المحقّقين(4) حكاية قولٍ بالوقوع.

وفي «الجواهر»(5): (بل لعلّ ظاهر الأكثر الوقوع، لعدم ذكر ذلك في شرائطه).

واستشكل في «الشرائع»(6) فيه.5.

ص: 39


1- مسالك الأفهام: ج 9/482.
2- النهاية: ص 526.
3- الوسيلة: ص 334.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/411.
5- جواهر الكلام: ج 33/107.
6- شرائع الإسلام: ج 3/625.

ولا يمين.

ويشهد للأوّل: حسن حمران، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«لا يكون ظهار في يمينٍ ولا في إضرار... الحديث»(1).

وبه يقيّد العموم والإطلاق كتاباً وسُنّةً .

(و) منه يظهر أنّه (لا) يقع في (يمينٍ ) أيضاً، والمراد بجعله يميناً، جَعْله جزاءً على فعلٍ أو تركٍ لقصد البعث على الفعل أو الزَّجر عن الترك، كقوله: (إن كلّمتِ فلاناً، أو تركتِ الصلاة، فأنتِ عليَّ كظهر اُمّي)، وهو مشاركٌ للشرط في الصورة، والفارق بينهما القصد.

***8.

ص: 40


1- التهذيب: ج 8/10 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28658.

عدم وجوب الكفّارة بمجرّد الظهار

المقام الثالث: في الأحكام، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف بين العلماء في أنّه لا تجبُ الكفّارة بمجرّد الظهار، بل إنّما تجب بالعود، لقوله تعالى : (وَ اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (1)، والأخبار الآتية.

إنّما الكلام في المراد من العود:

فالمشهور بين الأصحاب: أنّه إرادة الوطء، بل عن «التبيان»(2) و «مجمع البيان»(3) الاتّفاق عليه.

وعن المرتضى(4)، وابن الجُنيد(5): أنّ المراد بالعود إمساكها على النكاح زماناً.

وقيل: إنّ المراد به الوطء.

أقول: وتحقيق القول في ذلك يقتضي البحث أوّلاً فيما يستفاد من الآية الكريمة، ثمّ من النصوص.

أمّا الأوّل: فظاهر الآية الشريفة هو الأوّل، لأنّ الآية بقرينة لفظة: (ثُمَّ ) الظاهرة في التراخي، وبواسطة أنّ حقيقة تحريم المرأة عليه غير المنافي لبقائها في عصمته، ظاهرة في أنّ المراد بالعود، ليس هو إمساكها في النكاح، لأنّ إبقائها كذلك

ص: 41


1- سورة المجادلة: الآية 3.
2- التبيان: ج 9/543.
3- تفسير مجمع البيان: ج 9/411.
4- الناصريّات: ص 357.
5- فتاوى ابن الجُنيد، إعداد الأشتهاردي: ص 277.

لا يكون عوداً فيه، ولا يتحقّق التراخي على هذا الوجه، وعليه فالمراد به: إمّا إرادة الوطء، أو نفسه، لكن الثاني غير مرادٍ هنا، لأنّه جَعل الكفّارة مترتّبةً على العود، وجعلها قبل أن يتماسّا، فيدلّ على أنّ العود يتحقّق قبل الوطء.

وبالجملة: فالآية ظاهرة في أنّ المراد به إرادة الوطء، ويكون القول كنايةً عن الوطء، والإرادة مضمرة فيه.

وأمّا النصوص: فهي طائفتان:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على أنّ المراد به إرادة الوطء:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ يظاهر من امرأته ثمّ يريد أن يتمّ على طلاقها؟ قال عليه السلام: ليس عليه كفّارة.

قلت: إنْ أراد أن يمسّها؟ قال عليه السلام: لا يمسّها حتّى يكفّر»(1).

ومنها: صحيح جميل، عنه عليه السلام: «عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفّارة ؟

قال عليه السلام: إذا أراد أن يواقع امرأته.

قلت: فإنْ طلّقها قبل أن يواقعها، أعليه كفّارة ؟ قال عليه السلام: لا، سقطت عنه الكفّارة»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: متى تجبُ الكفّارة على المظاهر؟ قال عليه السلام: إذا أراد أن يواقع.

قال: قلت: فإنْ واقع قبل أن يكفّر؟ قال: فقال عليه السلام: عليه كفّارة اُخرى »(3).

ونحوها غيرها من الأخبار.1.

ص: 42


1- وسائل الشيعة: ج 22/320 ح 28694.
2- التهذيب: ج 8/9 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/318 ح 28690.
3- التهذيب: ج 8/20 ح 39، وسائل الشيعة: ج 22/330 ح 28721.

ومع إرادة الوطء تجبُ الكفّارة،

الطائفة الثانية: ما ظاهره أنّ الموضوع هو الوطء نفسه لا إرادته:

منها: صحيح زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «قلت له: رجلٌ ظاهر ثمّ واقع قبل أن يكفر؟

فقال لي: أوَليسَ هكذا يفعل الفقيه»(1).

ونحوه خبره الآخر عن أبي جعفر عليه السلام(2).

أقول: الطائفة الثانية لا تصلح للمقاومة مع الأُولى، لأنّها معمولٌ بها بين الأصحاب، ولأصحيّة إسنادها، ومخالفتها للعامّة، وقابليّة حمل هذه الطائفة على الظهار المعلّق على المواقعة، فلتُحمل على هذه الصورة أو تُطرح.

وأمّا ما عن المرتضى وابن الجُنيد: فقد استدلّ له كما في «المسالك»(3): بأنّ العود للقول عبارة عن مخالفته، يقال: (قال فلانٌ قولاً ثمّ عاد فيه) وعاد له أي خالفه ونقضه، وهو قريبٌ من قولهم: (عاد في هبته)، ومقصود الظهار، ومعناه وصف المرأة بالتحريم، فكان بالإمساك عائداً.

ويردّه: - مضافاً إلى النصوص - ما ذكرناه في تقريب الاستدلال بالآية الكريمة، فراجع(4).

وعليه، فما أفاده المشهور (و) في المتن من أنّه (مع إرادة الوطء تجبُ الكفّارة) أظهر.د.

ص: 43


1- التهذيب: ج 8/20 ح 38، وسائل الشيعة: ج 22/334 ح 28729.
2- وسائل الشيعة: ج 22/332 ح 28726.
3- مسالك الأفهام: ج 9/501.
4- صفحة 41 من هذا المجلّد.

بمعنى تحريم الوطء حتّى يُكفّر.

وقد وقع الكلام في أنّه بعد ثبوت وجوب الكفّارة بإرادة الوطء، هل يستقرّ ذلك بها، وإنْ عَزَم بعد ذلك على ترك وطئها، أو على طلاقها قبل المسيس ؟

أم يكون استقراره مشروطا بالوطء بالفعل، فلا استقرار لها بدونه، (بمعنى تحريم الوطء حتّى يُكفّر)؟

أقول: المشهور بين الأصحاب هو الثاني، وعن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(1)اختيار الأوّل.

يشهد للثاني: ظاهر الآية الكريمة، لتعليق وجوب الكفّارة على العود مقيّداً بكونها قبل التماس، والقبليّة من الاُمور الإضافيّة، لا تتحقّق بدون المتضائفين، فما لم يحصل التماس لا يثبتُ الوجوب، وللنصوص المتقدّم بعضها كصحيح الحلبي المصرّح بعدم وجوب الكفّارة بدون التماس.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ وجوب الكفّارة عُلّق على إرادة الوطء، ومقتضى إطلاقه ثبوت الوجوب، وإنْ رجع عنها.

2 - وبأنّها وجبت عند الإرادة، فيستصحب.

3 - وبأنّها إنْ لم تستقرّ بذلك لم تكن واجبة حقيقةً ، لأنّ الواجب هو الذي لايجوزُ تركه لا إلى بدلٍ ، وهذه الكفّارة قبل المسيس يجوز تركها مطلقاً.6.

ص: 44


1- تحرير الأحكام: ج 4/386.

أمّا الأولان: فقد ظهر ضعفهما ممّا قدّمناه.

وأمّا الأخير: فقد أجاب عنه في «المسالك»(1) وتبعه غيره بتسليمه، وأنّ إطلاق الوجوب عليه مجازيٌ ، والمراد به كونه شرطاً في جواز الوطء، وإطلاق الواجب على الشرط من حيث إنّه لابدّ منه في صحّة المشروط مستعملٌ كثيراً، ومنه وجوب الوضوء للصلاة المندوبة.

أقول: لا إشكال في حرمة الوطء قبل التماس للنصوص، فقد ورد في ذيل صحيح الحلبي المتقدّم، قال:

«قلت: فإن فعل فعليه شيء؟ قال عليه السلام: أي واللّه إنّه لآثمٌ ظالمٌ » ونحوه غيره.

لكن الآية الكريمة لا تدلّ على ذلك، بل تدلّ على وجوب الكفّارة وجوباً نفسيّاً مشروطاً بالتماس، ولا مانع من كونها واجبة بالوجوب النفسي، وشرطاً لجواز الوطء، ولا يكون إطلاق الواجب عليه مجازيّاً.

وأمّا الاستدلال المزبور: فيرده أنّ وجوبها مشروطٌ بالتماس، والواجبُ لايجوز تركه مع تحقّق شرائطه، وأمّا تركه بعدم إيجاد شرطه، فلا ينافي الوجوب، بل جميع الواجبات المشروطة بالشرط الاختياري هكذا.

وعليه، فالأظهر أنّها تجبُ بإرادة الوطء، وشرط وجوبها نفس الوطء، بنحو الشرط المتأخّر لا المقارن.

وبذلك يندفع إشكالٌ آخر على المشهور: وهو أنّ الوجوب الشرطي لا يكفي في ملاحظة الامتثال المتوقّف عليه صحّة العبادة التي لا تقع من دون أمرٍ شرعي،3.

ص: 45


1- مسالك الأفهام: ج 9/503.

فإنّ وجوبها على ما حقّقناه نفسيٌ لا شرطيّ .

وأمّا ما في «المسالك»(1): من الجواب عنه بأنّ نيّة وجوب الكفّارة تكون بهذا المعنى، أي بالمعنى الشرطي، لأنّ نيّة كلّ شيء بحسبه، ولو لم نعتبر نيّة الوجه تخلّصنا عن الإشكال.

فغريبٌ : إذ العباديّة متوقّفة على الأمر أو المحبوبيّة، ولو كان الأمر مقدّميّاً أو المحبوبيّة كذلك، وهذا يتمُّ فيما إذا كان شيءٌ شرطاً لأمر واجب أو مستحبّ ، وأمّا ما هو شرطٌ لأمرٍ مباح فما المصحّح لعباديّته، وبأيّ عنوانٍ يأتي به ليصير بذلك عبادة ؟! وهذا لا ربط له بنيّة الوجه، بل أساس الإشكال إنّما هو في منشأ عباديّة الشرط.

وبالجملة: قد انقدح بما ذكرناه أنّ الأظهر هو قولٌ ثالثٌ في المقام، وهو وجوب الكفّارة نفساً وشرطاً لجواز الوطء.

***3.

ص: 46


1- مسالك الأفهام: ج 9/503.

فإنْ طلّق وراجع في العِدّة، لم تَحلّ عليه حتّى يُكفّر،

حكم ما لو طلّق المظاهِر رجعيّاً ثمّ راجعها

المسألة الثانية: (فإنْ طلق وراجع في العِدّة، لم تَحلّ عليه حتّى يُكفّر) بلا خلافٍ .

وفي «الرياض»(1): (إجماعاً حكاه جماعة).

ويشهد به: مضافاً إلى إطلاق الآية وما شابهها من النصوص، نظراً إلى أنّ المطلّقة الرِّجعيّة زوجة أو بحكمها - صحيح بُريد بن معاوية الآتي، وبه يقيّد إطلاق ما دلّ على هدم الطلاق الظهار، وإسقاطه الكفّارة.

وأمّا مرسل النميري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ ظاهر ثمّ طلّق ؟ قال:

سقطت عنه الكفّارة إذا طلّق قبل أن يعاود المجامعة.

قيل: فإنّه راجعها؟

قال عليه السلام: إنْ كان إنّما طلّقها لإسقاط الكفّارة عنه، ثمّ راجعها، فالكفّارة لازمة له أبداً إذا عاود المجامعة، وإنْ كان طلّقها وهو لا ينوي شيئاً من ذلك، فلا بأس إنْ راجع ولا كفّارة عليه»(2).

فهو وإنْ كان أخصّ ممّا تقدّم، ولا تصل النوبة إلى ملاحظة المرجّحات، كي يقال إنّه قاصرٌ عن المعارضة من وجوه، كما في «الجواهر»(3)، لكنّه ضعيف السند للإرسال وإعراض الأصحاب عنه.

ص: 47


1- رياض المسائل: ج 11/206.
2- الكافي: ج 6/159 ح 28، وسائل الشيعة: ج 22/319 ح 28692.
3- جواهر الكلام: ج 33/138.

ولو خرجتْ ، أو كان بائناً فاستأنف في العِدّة، أو مات أحدهما أو ارتدّ، فلا كفّارة.

(ولو خرجت) من العِدّة (أو كان) الطلاق (بائناً، فاستأنف في العِدّة أو مات أحدهما، أو ارتدّ، فلا كفّارة) كما هو المشهور بين الأصحاب.

وعن سلّار(1)، وأبي الصَّلاح(2): ثبوت حكم الظهار ولو بالتزويج بعد عِدّة البائنة.

أقول: ويشهد لسقوط الكفّارة في الموردين الأوّلين:

1 - أنّها تصير بالطلاق أو بانقضاء العِدّة أجنبيّة، والظهار كما لا يقع ابتداءً بالأجنبيّة لا يقع بها استدامة، فلا محالة ينهدم الظهار.

2 - أنّ الظهار أوجبَ حرمة الوطء بدون الكفّارة، المباح بالعقد الأوّل الذي لحقه التحريم بالظهار، ولا يؤثّر في استباحة الوطء بالعقد الثاني.

3 - النصوص المطلقة الدالّة على إسقاط الطلاق الكفّارة:

منها: صحيح جميل، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قلت: فإن طلّقها قبل أن يواقعها، أعليه كفّارة ؟

قال عليه السلام: لا، سقطت عنه الكفّارة»(3).

ومنها: صحيح الفضلاء، عنه عليه السلام: «المظاهر إذا طلّق سَقَطت عنه الكفّارة»(4).1.

ص: 48


1- المراسم العلويّة: ص 162.
2- الكافي للحلبي: ص 303-304.
3- التهذيب: ج 8/9 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/318 ح 28690.
4- الكافي: ج 6/158 ح 23، وسائل الشيعة: ج 22/319 ح 28691.

ومنها: صحيح بريد بن معاوية، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ ظاهر من امرأته ثمّ طلّقها تطليقة ؟

فقال عليه السلام: إذا طلّقها تطليقة فقد بطل الظهار، وهدم الطلاق الظهار.

قلت: فله أن يراجعها؟

قال عليه السلام: نعم، هي امرأته، فإن راجعها وجبَ عليه ما يجبُ على المظاهر من قبل أن يتماسّا.

قلت: فإنْ تركها حتّى يخلو أجلها، وتملك نفسها، ثمّ تزوّجها بعد، هل يلزمه الظهار قبل أن يمسّها؟

قال عليه السلام: لا، قد بانت منه، وملكت نفسها... الحديث»(1).

ونحوه خبر الكناسي(2).

ونحوها غيرها.

أقول: وبإزائهما حسن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته ثمّ طلّقها بعد ذلك بشهر أو شهرين، فتزوّجت ثمّ طلّقها الذي تزوّجها، فراجعها الأوّل، هل عليه الكفّارة للظهار الأوّل ؟

قال: نعم، عتق رقبة أو صيام أو صدقة»(3).

وبه استدلّ للقول الآخر.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(4): بحمله على التقيّة.7.

ص: 49


1- الفقيه: ج 3/529 ح 4831، وسائل الشيعة: ج 22/318 ح 28688.
2- التهذيب: ج 8/16 ح 26، الكافي: ج 6/161 ح 34.
3- التهذيب: ج 8/17 ح 27، وسائل الشيعة: ج 22/320 ح 28695.
4- التهذيب: ج 8/17 في ذيل ح 27.

وأورد عليه في «المسالك»: (بأنّ العامّة مختلفون في ذلك كالخاصّة، فلا وجه للحمل على التقيّة)(1).

ولكن يمكن أن يقال: إنّه من الجائز شيوع هذا القول بين العامّة في ذلك الوقت، فأفتي بما يوافق قولهم في ذلك الوقت.

وأجاب عنه المصنّف رحمه الله: بأنّه محمولٌ على فساد النكاح، لأنّه عقب تزويجها بعد طلاقها بشهرٍ أو شهرين، فيكون قد وقع في العِدّة فيكون باطلاً.

واستحسنه بعضهم(2)، وأيّده بأمرين:

أحدهما: تعقيب التزويج بالفاء المقتضية للفوريّة.

ثانيهما: قوله فراجعها الأوّل.

ويردّه: أنّ إطلاق التزويج محمولٌ على الصحيح، والشهر والشهران متخلّلان بين الظهار والطلاق، لا بين الطلاق والتزويج، والفاء لا تكون مقتضية للفوريّة، وعلى فرض الاقتضاء يراد بها الفوريّة الممكنة، نظير تزوَّجَ فلانٌ فولد له، والرجوع اُريد به معناه اللّغوي لا الرجعة الشرعيّة.

وكيف كان، فالخبرُ لا يصلح للمقاومة مع ما مرّ من الوجوه، فيُطرح أو يُحمل على التقيّة، أو على الاستحباب كما عن جماعةٍ .

وأمّا سقوط الظهار مع موتها أو مع موت أحدهما فواضحٌ .

وأمّا مع الارتداد: فإنْ كان لم يدخل بها، أو كان هو المرتدّ عن فطرةٍ ، سقطت الكفّارة، لأنّه حينئذٍ بحكم الطلاق البائن حتّى لو قلنا بقبول توبته على وجهٍ يصحّ 8.

ص: 50


1- مسالك الأفهام: ج 9/509.
2- حكاه الشهيد في مسالك الأفهام: ج 9/509 عن بعض. والبحراني في عيون الحدائق الناضرة: ج 1/8.

له تزويجه بامرأته.

ولو كان عن ملّةٍ ، أو كانت المرتدّة المرأة، فهو بحكم الطلاق الرِّجعي، ضرورة الرجوع إلى الزوجة بالإسلام في العِدّة، كما هو واضح، فلا وجه لسقوط الكفّارة.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة نصّاً، وأمّا المرتدّة أو زوجة المرتدّ، فكونها بمنزلتها حتّى في بقاء الزوجيّة محلّ نظر.

وعليه، فمقتضى الأدلّة انقطاع الزوجيّة بالارتداد، وإنْ جاز الرجوع، فينقطع حكم الظهار، لما عرفت من أنّه كما لا يقع بغير الزوجة ابتداءً ، لا يقع به استدامة، والأظهر هو ذلك.

***

ص: 51

ولو وطأ قبل التكفير عامداً لزمته كفّارتان.

وجوب كفّارةٍ اُخرى بالوطء قبل الكفّارة

المسألة الثالثة: المشهور بين المتقدّمين (و) عليه كافّة المتأخّرين: أنّه (لو وطأ قبل التكفير عامداً لزمته كفّارتان) إحداهما للظهار، والاُخرى للمواقعة.

وعن الإسكافي(1): أنّه لا تجبُ الكفّارة بالمرّة الأُولى أصلاً، وقوّاه الشهيد الثاني في «المسالك»(2)، وتبعه على ذلك في الجملة كاشف اللّثام(3).

والأخبار على قسمين:

القسم الأوّل: ما يدلّ على القول الأوّل:

منها: صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال: «قلت: فإن فعل فَعليه شيءٌ؟ قال عليه السلام: أي واللّه! إنّه لآثمٌ ظالم.

قلت: عليه كفّارة غير الأُولى؟ قال عليه السلام: نعم، يعتق أيضاً رقبة»(4).

ومنها: صحيح أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: متى تجب الكفّارة على المظاهِر؟

قال عليه السلام: إذا أراد أن يواقع.

قال: قلتُ : فإن واقع قبل أن يكفِّر؟ قال: فقال عليه السلام: عليه كفّارة اُخرى »(5).

ص: 52


1- حكاه عنه في المختلف: ج 7/437.
2- مسالك الأفهام: ج 9/515.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/255.
4- التهذيب: ج 8/18 ح 31، وسائل الشيعة: ج 22/329 ح 28719.
5- التهذيب: ج 8/20 ح 39، وسائل الشيعة: ج 22/330 ح 28721.

ومنها: حسن الصيقل، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته فلم يفِ؟

قال عليه السلام: عليه الكفّارة من قبل أن يتماسّا.

قلت: فإنّه أتاها قبل أن يكفّر؟ قال عليه السلام: بئسما صنع.

قلتُ : عليه شيءٌ؟ قال عليه السلام: أساء وظلم.

قلت: فيلزمه شيء؟ قال عليه السلام: رقبة أيضاً»(1).

القسم الثاني: ما يدلّ على عدم وجوبها به:

منها: صحيح زرارة وخبره المتقدّمين الدالّين على عدم وجوب الكفّارة إلّا بالوطء.

ومنها: حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته ثلاث مرّات ؟

قال عليه السلام: يكفّر ثلاث مرّات.

قلتُ : فإنْ واقع قبل أن يكفّر؟ قال عليه السلام: يستغفر اللّه ويُمسك حتّى يكفّر»(2).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ الرّجل إذا ظاهر من امرأته ثمّ غشيها قبل أن يكفّر، فإنّما عليه كفّارة واحدة، ويكفّ عنها حتّى يكفّر»(3).

ونحوها النبويّ الخاصّي(4)، والعامّي(5).3.

ص: 53


1- التهذيب: ج 8/18 ح 32، وسائل الشيعة: ج 22/329 ح 28720.
2- التهذيب: ج 8/18 ح 34، وسائل الشيعة: ج 22/324 ح 28708.
3- التهذيب: ج 8/20 ح 37، وسائل الشيعة: ج 22/331 ح 28724.
4- التهذيب: ج 8/19 ح 35، وسائل الشيعة: ج 22/330 ح 28722.
5- الجامع الصحيح: ج 3/503.

وقد جَمَع بينهما في «المسالك»(1) بحمل الأوّل على الاستحباب، قال: (مع أنّ في تينك الروايتين رائحة الاستحباب، لأنّه عليه السلام لم يصرّح بأنّ عليه كفّارة اُخرى إلّا بعد مراجعات وعدول عن الجواب).

أقول: أمّا الخبرين الأولين من القسم الثاني فقد مرّ ما فيهما في مسألة أنّ الموجب للكفّارة هل إرادة الوطء أو نفسه.

وأمّا حَسَن الحلبي فإنّه لا يدلّ على أنّ ما يكفّر بعد المواقعة كفّارة واحدة أو كفّارتان، غايته الإطلاق، فيقيّد بما سبق.

وأمّا النبويّان فضعيفان سنداً كما مرّ.

فيبقى خبر زرارة، والجمع بينه وبين القسم الأوّل بحمله على الاستحباب ليس عرفيّاً، إذ أهل العرف يرون التهافت بين قوله عليه السلام في الخبر: «عليه كفّارة واحدة»، وقوله عليه السلام في تلك النصوص: «عليه كفّارة اُخرى »، وما شاكله، وعليه فالجمع بذلك ليس عرفيّاً.

وقد جمع الشيخ رحمه الله(2) بينهما بحمل القسم الثاني على من فعل ذلك جاهلاً، بقرينة صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«الظهار لا يقع إلّاعلى الحنث، فإذا حَنَث فليس له أن يواقعها حتّى يكفّر، فإن جهل وفعل فإنّما عليه كفّارة واحدة»(3).

ولا بأس به، فإنّه بمنطوقه يقيّد إطلاق القسم الأوّل، وبمفهومه إطلاق القسم الثاني.3.

ص: 54


1- مسالك الأفهام: ج 9/505.
2- التهذيب: ج 8/19 في ذيل ح 35.
3- التهذيب: ج 8/19 ح 36، وسائل الشيعة: ج 22/331 ح 28723.

ويتكرّر بكلّ وطءٍ كفّارة.

وبه يظهر وجه تخصيص المصنّف وغيره لزوم الكفّارتين للعامد.

ثمّ إنّ الصحيح وإنْ اختصَّ بالجاهل، إلّاأنّه يثبت في الناسي بعدم القول بالفصل، ويؤيّده حديث رفع النسيان(1)، بناءً على ما هو الصحيح من شموله للأحكام الوضعيّة.

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء

قال المصنّف رحمه الله: (ويتكرّر بكلّ وطءٍ كفّارة) عند المشهور.

وفي «الجواهر»(2): (بل لا خلاف معتدّ به أجده فيه).

وعن ابن حمزة(3): إنْ كَفّر عن الوطء الأوّل لزمه التكفير عن الثاني، وإلّا فلا.

وعن «القواعد»(4)، وشرحه للاصبهاني(5): إنْ وطئه ثانياً بعد تكفيره عن السَّبب الأوّل لا يجب عليه كفّارة له، وإلّا فتجب.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ الدليل دلّ على ثبوت الكفّارة بالوطء قبل التكفير، فمع تعدّد الوطء يتعدّد السبب، فيتعدّد المسبّب.

ص: 55


1- الكافي: ج 2/463 ح 2، وسائل الشيعة: ج 15/370 ح 20771.
2- جواهر الكلام: ج 33/137.
3- الوسيلة: ص 335.
4- قواعد الأحكام: ج 3/173-174.
5- حكاه في جواهر الكلام: ج 33/137.

2 - وبصحيح أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا واقع المرّة الثانية قبل أن يكفّر، فعليه كفّارة اُخرى ليس في هذا اختلاف»(1).

وفي الحدائق(2): (الظاهر أنّ قوله: «ليس في هذا اختلاف» من كلام أحد الرواة، بمعنى أنّه يتكرّر الوطء بتكرّر الكفّارة، ممّا يعني أنّ لكلّ وطءٍ كفّارة مستقلّة.

ولكن يرد الأوّل: ما حُقّق في محلّه(3) من أصالة التداخل في المسبّبات، ومقتضاها ما أفاده ابن حمزة كما لا يخفى .

وأمّا الصحيح: فالمستفاد منه وإنْ كان وجوب كفّارةٍ اُخرى بالوطء الثاني مطلقاً، كفّر عن الأوّل أم لا، لكنّه مختصٌّ بالمرّة الثانية، ولا يشمل سائر المرّات، إلّا أن يتمّ فيها بعدم القول بالفصل، وهو محلّ تأمّل، لأنّ عدم القول بالفصل لا يفيد، بل المفيد القول بعدم الفصل، وهو في المقام يمكن أن يكون لأصالة عدم التداخل التي عرفت ما فيها، فثبوتها في الوطء الثالث فما فوق إنْ لم يكفّر عن الأوّل والثاني مشكلٌ .

أقول: وأمّا ما ذكره المصنّف رحمه الله وتبعه كاشف اللّثام، فيشهد به - مضافاً إلى أنّه لو كفّر عن السبب يحلّ الوطء بلا كفّارةٍ - مفهوم صحيح أبي بصير.

***2.

ص: 56


1- التهذيب: ج 8/18 ح 33، وسائل الشيعة: ج 22/328 ح 28716.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/677.
3- زبدة الأُصول: ج 3/172.

ولو عجز.

حكم العاجز عن الكفّارة

المسألة الرابعة: (ولو عجز) المظاهِر عن الخصال الثلاث التي جُعلت إحداها كفّارةً في المقام كما سيأتي، فهل لها بدلٌ يتوقّف عليه حِلّ الوطء؟

قال جماعة(1): نعم، واختلفوا في البدل:

1 - فعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2): إنّ للإطعام بدلاً، وهو صيام ثمانية عشر يوماً، فإنْ عَجَز عنها حَرُم عليه وطئها إلى أن يكفّر.

2 - وعن الصدوقين(3): إنّه مع العجز عن إطعام الستّين، يتصدّق بما يطيق.

3 - وعن ابن حمزة(4): إنّه إذا عجز عن صوم شهرين، صام ثمانية عشر يوماً، فإنْ عَجَز تصدّق عن كلّ يومٍ بمُدٍّ من طعام.

4 - وعن الشيخ(5) في قولٍ آخر، والمفيد(6)، وابن الجُنيد(7)، وجماعة: إنّ الخصال الثلاث لا بدل لها أصلاً، بل يحرمُ عليه وطؤها إلى أن يؤدّي الواجب منها.

ص: 57


1- نسبه الشهيد الثاني في المسالك إلى «القيل» راجع: ج 9/531، ومثله السبزواري في كفاية الأحكام: ج 403/2، والعلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار: ج 14/104، والبحراني في عيون الحدائق الناضرة: ج 1/30 بعد نسبته إلى القيل قال: وهو المشهور.
2- النهاية: ص 525.
3- فقه الرّضا عليه السلام: ص 236، المقنع: ص 192.
4- الوسيلة: ص 354.
5- المبسوط: ج 5/155.
6- المقنعة: ص 524.
7- حكاه عنه في المختلف: ج 7/434.

أجزأه الإستغفار.

5 - وفي المتن، و «النافع»(1)، وعن الحِلّي(2)، و «المختلف»(3): إنّه لو عجز عن خصال الكفّارة، أو مايقوم مقامهاإنْ قلنا به (أجزأه الإستغفار) ويكفي في حِلّ الوطء.

6 - وللشيخ(4) قولٌ ثالث: وهو ذلك لكن تجبُ الكفّارة بعد القدرة.

أقول: الكلام في ثبوت كفّارةٍ غير الاستغفار مقام الخصال، سيأتي إنْ شاء اللّه تعالى في كتاب الكفّارات(5)، وستعرف أنّه لا دليل على شيء منها، إلّاأنّ بما أفاده الشيخ رحمه الله رواية ضعيفة.

وأمّا الاستغفار: فقد استدلّ المصنّف رحمه الله - في محكي «المختلف»(6)، وتبعه غيره - على الاجتزاء بعد العجز عن الخصال الثلاث به:

1 - بأصالة براءة الذمّة، واباحة الوطء.

2 - وبأنّ إيجاب الكفّارة مع العجز تكليفٌ بغير مقدور.

3 - وبموثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة، فليستغفر ربّه، وينوي ألا يعود قبل أن يواقع، ثمّ ليواقع، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوماً من الأيّام فليكفِّر،5.

ص: 58


1- المختصر النافع: ص 206.
2- السرائر: ج 2/713.
3- مختلف الشيعة: ج 7/435.
4- الإستبصار: ج 4/57.
5- صفحة 278 من هذا المجلّد.
6- مختلف الشيعة: ج 7/435.

وإنْ تصدّق وأطعمَ نفسه وعياله فإنّه يُجزيه إذا كان محتاجاً، وإلّا يجِدُ ذلك فليستغفر ربّه وينوي أن لا يعود، فحسبه بذلك - واللّه - كفّارة»(1).

أمّا الأولين: فقد انقطعا بالظهار، لأنّه أوجب حُرمة الوطء، وعدم حليّته بدون الكفّارة، فالعود يحتاجُ إلى دليل.

وأمّا الثالث فيردّه أوّلاً: إنّه لا تكليف بالكفّارة إلّامشروطاً بالوقاع غير الواجب، ومع عدم إرادته لا تكليف بها أصلاً، فلا يلزم التكليف بما لا يُطاق.

وثانياً: إنّه إذا أتى زمانٌ يجب فيه المواقعة في نفسها لولا المانع، حيثُ إنّ الوقاع بدون الكفّارة محرّم، ومعها ممتنعٌ لعدم القدرة، فيسقط وجوب الوقاع.

وثالثاً: إنّه مع الإغماض عن ذلك، يقع التعارض بين التكليفين، أي حرمة الوطء بدون الكفّارة ووجوبه، وترجيح أحدهما يحتاجُ إلى دليلٍ مفقود.

مع أنّه يمكن أن يقال: بعدم التعارض، فإنّه إنْ طلّق لم يُخالف شيئاً من التكليفين فيتعيّن ذلك.

وأمّا الخبر: فهو وإنْ كان موثّقاً، والموثّق حجّة في نفسه، وما فيه من التشويش والاضطراب لا يضرّ بالاستدلال بما هو محلّ الاستشهاد الذي لا اضطراب فيه، لكنّه يعارضه:

1 - صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كلّ من عَجَز عن الكفّارة التي تجبُ عليه من صومٍ أو عتقٍ أو صدقةٍ في يمين أو نذر أو قتل، أو غير ذلك ممّا يجبُ على صاحبه فيه الكفّارة، فالاستغفار له كفّارةٌ ما خلا يمين الظهار، فإنّه إذا لم2.

ص: 59


1- التهذيب: ج 8/320 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/368 ح 28802.

يجد ما يكفّر به حَرُمت عليه أن يجامعها، وفرّق بينهما، إلّاأن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها»(1).

2 - وخبر أبي الجارود، قال: «سأل أبو الورد أبا جعفر عليه السلام - وأنا عنده - عن رجلٍ قال لإمرأته: أنتِ عَليَّ كظهر اُمّي مائة مرّة ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: يطيقُ لكلّ مرّةٍ عتقُ نَسَمة ؟ قال: لا.

قال: يطيقُ إطعام ستّين مسكيناً مائة مرّة ؟ قال: لا.

قال: فيطيقُ صيام شهرين متتابعين مائة مرّة ؟ قال: لا.

قال عليه السلام: يفرّق بينهما»(2).

وحيث إنّ الصحيح أصحُّ سنداً منه، وفتوى الأكثر التي هي أوّل المرجّحات على مضمونه كما في «الرياض»(3)، ومع ذلك فهو موافقٌ للكتاب الدالّ على لزوم الكفّارة قبل الوطء إن أراده، فيتعيّن تقديمه.

وعليه، فالأظهر عدم الاجتزاء بالاستغفار.

***3.

ص: 60


1- التهذيب: ج 8/320 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/367 ح 28799.
2- التهذيب: ج 8/22 ح 47، وسائل الشيعة: ج 22/325 ح 28711.
3- رياض المسائل: ج 11/213.

وإذا رافعته أنظره الحاكم ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فيضيّق عليه بعدها حتّى يكفّر أو يُطلِّق.

رفع المظاهِرة أمرها إلى الحاكم

المسألة الخامسة: إنْ صَبَرت المظاهَرة على ترك الزوج وطئها، فلا اعتراض، بلا خلافٍ فيه ولا إشكال، لأنّ الحقّ لها، فجاز إسقاطها لها جزماً، وليس للزوج حملها على المرافعة، لأنّ حقّ الاستمتاع وإنْ كان لهما، إلّاأنّ المظاهَر أدخل الضرر على نفسه، فإذا أراد العود فوسيلته إلى الحِلّ الكفّارة.

(وإذا) لم تصبر، و (رافعته، أنظره الحاكم ثلاثة أشهر من حين المرافعة) بعدما يُخيّره بين العود والتكفير، وبين الطلاق، فلو أبى منهما، (ف) إنْ انقضت المدّة ولم يختر أحدهما، (يضيّق عليه) في المَشرب والمطعَم (بعدها)، بأن يمنعه عمّا زاد على سدِّ الرّمَق مثلاً (حتّى يكفِّر أو يُطلِّق) ولا يجبره على الطلاق بعينه، ولا يُطلّق عنه، ولا على التكفير كذلك، بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

وفي «المسالك»(1): (ظاهر الأصحاب الاتّفاق على هذا الحكم).

وفي «الرياض»(2): (بل ظاهر جماعةٍ الإجماع عليه).

أقول: وظاهرهما أنّ الإجماع هوالمدرك في المقام، دون الخبر الذي استدلّ به، وهو موثّق أبي بصير، قال:

ص: 61


1- مسالك الأفهام: ج 9/536.
2- رياض المسائل: ج 11/213.

«سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام: عن رجلٍ ظاهر من امرأته ؟

قال: إنْ أتاها فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وإلّا تُرك ثلاثة أشهر، فإنْ فاء وإلّا اُوقف حتّى يسأل: لكَ في امرأتك حاجة أو تطلّقها؟ فإنْ فاءَ فليس عليه شيءٌ ، وهي امرأته، وإنْ طلّق واحدة فهو أملك برجعتها»(1).

وفي «المسالك»(2): (وفي طريق الرواية ضعفٌ ، وفي الحكم على إطلاقه إشكالٌ لشموله ما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصلٍ ، بحيث لا يفوت لها من الوطء بعد مضيّ المدّة المضروبة، فإنّ الواجب وطئها في أربعة أشهر مرّة، وغيره من الحقوق لا يفوت بالظهار.

إلى أن قال: وفي الرواية أُمورٌ اُخر منافية للقواعد)، انتهى .

وتبعه في ذلك صاحب «الرياض»(3).

أقول: ويرد على قولهما:

أمّا من حيث السَّند: فهو من قسم الموثّق لا إشكال فيه، مضافاً إلى عمل الأصحاب به.

وأمّا من حيث الدلالة: فلا وجه للإشكال فيه بعد دلالة الرواية عليه، وعمل الأصحاب بها في مورد الإشكال.

مع أنّه يمكن أن يكون المراد بقوله عليه السلام: «فإنْ فاء» الندم، والتزام الكفّارة ثمّ 3.

ص: 62


1- التهذيب: ج 8/24 ح 55، وسائل الشيعة: ج 22/337 ح 28739.
2- مسالك الأفهام: ج 9/536-537.
3- رياض المسائل: ج 11/213.

الوطء، لا الوطء ليستشكل بأنّه ليس لها المطالبة به إلّافي كلّ أربعة أشهر مرّة كما عن «كشف اللّثام»(1).

نعم، ليس في الخبر الحبس والتضييق عليه في المَطعم والمَشرب.

وفي «الرياض»(2): (ولعلّ مستندهم في ذلك الخبران المتضمّنان لذلك في المولى كما يأتي مع عدم تعقّل الفرق بينه وبين المظاهر، مضافاً إلى شهادة الاعتبار).

وأمّا إطلاق الحكم بالإيقاف من دون تقييدٍ بمرافعتها، فيقيّد بالإجماع.

وأمّا صحيح يزيد(3) المتضمّن لإجباره على التكفير، فمورده الإمساك وعدم الطلاق، وإطلاقه يقيّد بخبر أبي بصير.

كما أنّ ما في الخبرين السابقين من الإجبار بالطلاق، إنّما هو في غير القادر على التكفير، فيقيّد إطلاق خبر أبي بصير إنْ لم يكن بنفسه ظاهراً في القادر بهما.

ثمّ إنّ صحيح يزيد - كما أشرنا إليه - ظاهرٌ في الإجبار على التكفير في صورة القدرة، ولكن عن «النهاية»(4)، و «الغنية»(5)، و «الوسيلة»(6): إنّه لا يُجبر على الطلاق بعينه إلّاإذا قدر على التكفير.

***5.

ص: 63


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/251.
2- رياض المسائل: ج 11/214.
3- وسائل الشيعة: ج 22/336 ح 28738.
4- النهاية: ص 525.
5- غنية النزوع: ص 368.
6- الوسيلة: ص 335.

حكم ما لو ظاهر من زوجاته المتعدِّدة بلفظٍ واحد

المسألة السادسة: لو ظاهر من زوجاته المتعدّدة بلفظٍ واحد، فقال: (أنتنّ عليَّ كظهر اُمّي)، كان مظاهراً منهنّ بلا خلافٍ (1).

وفي «المسالك»(2): إجماعاً.

ثمّ إن فارقهنّ بما يرفع الظهار، فلا كفّارة، وإنْ عاد:

فتارةً : يعودُ إلى بعضهنّ .

واُخرى : يعود إلى كلهنّ جميعاً.

فالمشهور بين الأصحاب أنّ عليه عن كلّ واحدةٍ كفّارة في الصورة الثانية، وثبوت الكفّارة في الصورة الأُولى .

وخالفهم الإسكافي(3) في الثانية، والتزم بلزوم كفّارة واحدة عليه، واحتمل عدم ثبوتها في الأُولى .

أقول: يقع الكلام في موردين:

تارةً : مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة.

واُخرى : مع ملاحظة النصوص الخاصّة.

أمّا المورد الأوّل: فحيث إنّ الظهار كسائر عناوين العقود والإيقاعات من مقولة المعنى دون اللّفظ، وليس من قبيل اليمين الذي هو اسمٌ للعبارة المخصوصة،

ص: 64


1- كما في جواهر الكلام: ج 33/143.
2- مسالك الأفهام: ج 9/514.
3- حكاه عنه في المختلف: ج 7/436.

واللّفظ مُبرِزٌ له وكاشفٌ عنه، فإذا تعلّق بأكثر من واحدة، يكون الظهار متعدداً، ويلحق كلّ واحدٍ منه حكمه، وعليه فلو عاد إلى بعضهنّ ثبت الكفّارة قطعاً.

وبه يظهر فساد قياس المقام بما لو حَلَف أن لا يكلِّم جماعةً ، فإنّه لا يثبتُ الكفّارة إلّابتكلّم الجميع، فضلاً عن أنّ بينهما فرقاً آخر، وهو أنّ الحلف تعلّق بترك تكلّم الجميع، والحنث يحصل بنقيضه، وهو تكلّم الجميع دون تكلّم البعض، والكفّارة في الظهار تعلّقت بالعود، وهو يحصل بالعود إلى واحدة، هكذا أفاد بعض الأساطين(1).

وفيه نظر: فإنّه مع قطع النظر عمّا ذكرناه، وتسليم أنّ الظهار المتعلّق بأكثر من واحدة واحد، تكون الكفّارة مترتّبة على العود إلى الجميع، وعليه فالعمدة ماذكرناه.

ثمّ إنّه مع تعدّد الظِهار، لا محالة تتعدّد الكفّارة، لإطلاق الأدلّة، فحينئذ إنْ عاد إلى بعضهنّ فكفّر، ثمّ عاد إلى الاُخرى ، ثبت كفّارة اُخرى ، وإلّا فالأظهر الاكتفاء بكفّارة واحدة، بناءً على أصالة تداخل المسبّبات، كما بنينا عليها.

هذا ما يقتضيه القاعدة.

وأمّا النصوص: فهي طائفتان واردتان في الصورة الثانية:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على تعدّد الكفّارة:

منها: صحيح حفص بن البُختري، عن أبي عبداللّه، أو أبي الحسن عليهما السلام:

«في رجلٍ كان له عشر جوارٍ، فظاهر منهنّ جميعاً كلهنّ بكلام واحدٍ؟

فقال عليه السلام: عليه عشر كفّارات»(2).9.

ص: 65


1- مسالك الأفهام: ج 9/515.
2- التهذيب: ج 8/21 ح 42، وسائل الشيعة: ج 22/321 ح 28699.

ومنها: صحيح صفوان، قال: «سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرّضا عليه السلام:

عن رجلٍ ظاهر من أربع نسوة ؟

قال: عليه السلام: يكفّر لكلّ واحدةٍ كفّارة.

وسأله عن رجلٍ ظاهر من امرأته وجاريته، ما عليه ؟

قال: عليه لكلّ واحدةٍ منهما كفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً»(1).

وهذان الخبران يدلّان على تعدّد الكفّارة وعدم التداخل.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على ثبوت كفّارة واحدة:

منها: موثّق غياث بن إبراهيم، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام:

«في رجلٍ ظاهر من أربع نسوة ؟ قال: عليه كفّارة واحدة»(2).

أقول: وقد يُجمع بينهما بحمل الثانية على إرادة التداخل، والأُولى على إرادة التعدّد، مع تخلّل التكفير بين العود إلى كلّ واحدةٍ ، والعود إلى الاُخرى ، فتنطبقان على مقتضى القاعدة.

ولكنّه جمعٌ غير عرفي لا اعتماد عليه.

وجمع الشيخ رحمه الله(3) بينهما بحمل الموثّق على إرادة الجنس من كفّارة واحدة، وهو كما ترى .

أقول: الحقّ إنّهما متعارضتان، والترجيح مع الأُولى، لمطابقتها لفتوى جُلّ 3.

ص: 66


1- الكافي: ج 6/158 ح 20، وسائل الشيعة: ج 22/327 ح 28714.
2- التهذيب: ج 8/21 ح 43، وسائل الشيعة: ج 22/327 ح 28715.
3- التهذيب: ج 8/22 في ذيل ح 43.

الأصحاب، وأصحيّة إسنادها فتقدّم، وعليه فالأظهر تعدّد الكفّارة.

فرع: ولو ظاهر من امرأةٍ واحدةٍ مراراً، ففيه أقوال:

1 - وجبَ عليه بكلّ مرّةٍ كفّارة، وهو مختار الأكثر، من غير فرقٍ بين تراخي أحدهما عن الآخر، أو تواليهما بقصد التأكيد أم لا، تعدّد المشبّه بها كالاُمّ والأُخت أم لا، تخلّل التكفير بينهما أم لا، اختلف المجلس أم تعدّد.

2 - ما عن الشيخ(1)، وابن حمزة(2): من وجوب كفّارة واحدة عليه في المتواليين، مع قصد التأكيد.

وعن ظاهر الفخر في «الإيضاح»(3): أنّ محلّ الخلاف غير صورة التأكيد.

وعن الشيخ في «المبسوط»: نفي الخلاف عن الواحدة إذا نوى التأكيد.

3 - ما عن الإسكافي(4): من التفصيل بين تعدّد المشبّه بها فتتعدّد الكفّارة، واتّحادها فتتّحد وإنْ فرق، إلّاأن يتخلّل التكفير فتتعدّد.

أقول: مقتضى القاعدة هو وحدة الكفّارة في جميع الفروض، لأصالة تداخل المسبّبات، ولكن دلّت النصوص الصحيحة على التعدّد:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن مولانا الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته خمس مرّات أو أكثر ما عليه ؟

قال عليه السلام: عليه مكان كلّ مرّةٍ كفّارة»(5).0.

ص: 67


1- المبسوط: ج 5/152.
2- الوسيلة: ص 334.
3- إيضاح الفوائد: ج 3/420.
4- فتاوى ابن الجُنيد، إعداد الأشتهاردي: ص 277.
5- التهذيب: ج 8/22 ح 45، وسائل الشيعة: ج 22/325 ح 28710.

ومنها: صحيحه الآخر، عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته خمس مرّات أو أكثر؟

فقال: قال عليّ عليه السلام: مكان كلّ مرّة كفّارة»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عن سيّدنا الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته ثلاث مرّات ؟

قال عليه السلام: يكفّر ثلاث مرّات»(2).

ومنها: صحيح جميل، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ ظاهر من امرأته خمس عشرة مرّة ؟

قال عليه السلام: عليه خمس عَشَرة كفّارة»(3).

ونحوها غيرها.

ومقتضى إطلاقها تعدّد الكفّارة في جميع الصور.

أقول: وبإزائها خبر عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ ظاهر من امرأته أربع مرّات، في كلّ مجلسٍ واحدة ؟

قال: عليه كفّارة واحدة»(4).

ولكنّه لا يصلحُ لمعارضة ما سبق، فالمتعيّن طرحه.

وربما يقال: إنّه مع نيّة التأكيد يصدق اتّحاد الظهار لا تعدّده، فلا تشمل النصوص هذه الصورة، ولا بأس به.2.

ص: 68


1- الإستبصار: ج 3/262 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/324 ح 28707.
2- التهذيب: ج 8/18 ح 34، وسائل الشيعة: ج 22/324 ح 28708.
3- الإستبصار: ج 3/262 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/325 ح 28709.
4- التهذيب: ج 8/23 ح 48، وسائل الشيعة: ج 22/326 ح 28712.

وما في «الجواهر»(1): من أنّ المؤكِّد غير المؤكَّد، وإطلاق أدلّة الظهار يقتضي ترتّب الكفّارة على مسمّاه مع العود، وهو متحقّقٌ في المقصود به التأكيد.

يردّه: إنّ الظهار من مقولة المعنى ، كما مرّ، واعترف قدس سره به، والتأكيد إنّما هو في الإظهار والإبراز، والأدلّة إنّما تدلّ على ترتّب الكفّارة على مسمّى الظهار، لا على مسمّى مُبرِزه، والفرقُ واضحٌ .

وعليه، فما أفاده الشيخ والفخر وغيرهما من عدم تعدّد الكفّارة مع نيّة التأكيد هو الأظهر.

***5.

ص: 69


1- جواهر الكلام: ج 33/145.

حكم ما دون الوطء من الاستمتاعات

المسألة السابعة: يحرمُ الوطء على المظاهِر إذا عاد، ما لم يُكفّر، سواءٌ كفّر بالعتق أو الصيام أو الإطعام بلا خلافٍ ، وقد تقدّم ذلك، وعرفت دلالة النصوص عليه.

إنّما البحث عن أنّه: هل يحرم ما دون الوطء كالقُبلة والملامسة قبل الكفّارة أم لا؟

فيه قولان:

1 - ما عن الشيخ(1) وجماعة(2): من الحرمة.

2 - عدم الحرمة.

وذكروا أنّ منشأ الاختلاف، اختلاف التفسير لكلمة (يَتَمَاسّا) المذكورة في الآية الشريفة.

فذهب الأوّلون: إلى أنّ المماسّة أعمٌّ من الوطء لغةً ، والأصل عدم النقل والاشتراك.

واُجيب عنه: بأنّ المماسّة يُكنّى بها عن الوطء في غير المقام، فيحصل الظنّ بإرادته منها هنا، بل عن «حاشية الكركي»(3): إنّها كناية مشهورة عنه، ويعضده التفسير، بل عن الحِلّي(4) الاتّفاق على إرادته منها هنا.

ص: 70


1- الخلاف: ج 4/539.
2- الينابيع الفقهيّة: ج 39/68.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 33/159.
4- السرائر: ج 2/711.

أقول: الظاهر كما عرفت أنّ الآية الشريفة لا تدلّ إلّاعلى وجوب الكفّارة عند العود، المُفسَّر في النصوص بإرادة الوطء، وأنّ شرط الوجوب بنحو الشرط المتأخّر هو المماسّة، ولا تدلّ الآية الشريفة على حرمة الوطء، بل دليلها النصوص الخاصّة، وهي مختصّة بالوطء.

مع أنّه على فرض دلالة الآية على الحرمة، الظاهر من المماسّة بقرينة لفظ (العود) المفسّر بإرادة الوطء، هو الوطء خاصّة، أضف إليه أنّه قد فُسِّرت المماسّة في صحيح حمران(1) بالمُجامعة.

وعليه، فالأظهر جواز ما دون الوطء.

***5.

ص: 71


1- الكافي: ج 6/152 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/304 ح 28655.

حكم الوطء خلال الصوم

المسألة الثامنة: قد مرَّ أنّه يحرُم الوطء على المظاهر إذا عاد، ما لم يكفّر، سواءً كفّر بالعتق أو الصيام أو الإطعام.

إنّما الخلاف وقع في أنّه لو وطئها خلال الصوم:

فالأكثر على أنّه يجبُ استئناف الصوم، سواءٌ كان الوطء واقعاً في اللّيل أو النهار، وسواءً كان بعد أن صام شهراً ومن الثاني يوماً أم لا.

وعن ابن سعيد(1)، والحِلّي(2)، والمصنّف(3) في جملةٍ من كتبه، والمحقّق الثاني(4)، والشهيدين(5) وغيرهم: إنّه لا يبطل التتابع بالوطء ليلاً.

وصرّح جماعة منهم: بعدم بطلان التتابع إنْ وقع نهاراً بعد أنْ صام من الثاني شيئاً.

وحاصله: ملاحظة تتابع الشهرين المعتبر في الكفّارة وعدمه.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المأمور به هو صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا، فإذا واقعها قبل أن يتمّ الصيام، لم يقع المأمور به على وجهه، فلابدّ من الاستئناف.

2 - وبأنّه قد دلّت الأخبار على لزوم كفّارتين عليه إذا وطأ قبل التكفير،

ص: 72


1- الجامع للشرائع: ص 484.
2- السرائر: ج 2/714.
3- تحرير الأحكام: ج 4/109، قواعد الأحكام: ج 3/173.
4- لذكره ابن سعيد في الجامع للشرائع: ص 484.
5- الدروس: ج 2/185، مسالك الأفهام: ج 9/529.

ولا ريب في صِدقه في الفرض، لكون الكفّارة إسماً للمجموع، فيلزمه حينئذٍ كفّارتان تامّتان، والأصل عدم وجوب إتمام ما تخلّله مع ذلك، بل ولا قال به أحدٌ.

3 - وبقاعدة الشغل، للقطع بعدم سقوط التكليف عنه، ولكن لم يَعلم المكلّف به هل هو الإتمام أو الاستئناف، فيجبُ الأخير مقدّمةً للبراءة اليقينيّة، بعد القطع بعدم وجوبهما معاً عليه.

ويمكن أن يُردّ الأوّل: بأنّ الأصحاب ذكروا أنّ قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا) (1) من شرائط وجوب الكفّارة، لا من قيود المأمور به، ولذلك بنوا على أنّ من أراد الوطء، ثمّ عزم على الترك لا تجبُ عليه الكفّارة، أو أنّه يدلّ على حرمة المماسّة قبل التكفير، وعلى التقديرين لا تدلّ الآية وما شابهها من النصوص على اعتبار وقوع الكفّارة قبل المسيس، بحيث لو وقع بعده، أو وقع بعضه قبله وبعضه بعده، لم يقع المأمور به على وجهه، وتعضده النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّه لو وطء قبل التكفير تجبُ عليه كفّارتان.

وعلى هذا، فيسقط ما ذكره صاحب «الجواهر»(2) في المقام - على طوله - من أنّ : (القبليّة المزبورة واجبة تعبّداً لا شرطاً، وأخبار الوطء قبل الكفّارة مختصّة بما إذا وقع قبل جميعها، ولا تشمل ما لو وقع قبل بعضها...) إلى آخر ما أفاده في المقام.

ويردّ الثاني: أنّ النصوص إنّما تدلّ على وجوب كفّارةٍ اُخرى غير كفّارة الظهار بالوطء قبل التكفير، ولا تدلّ على وجوب الكفّارة أيضاً بحيث تكون مشرّعة لها أيضاً.7.

ص: 73


1- سورة المجادلة: الآية 3.
2- جواهر الكلام: ج 33/157.

ويردّ الثالث أوّلاً: ما تقدّم من دلالة الأدلّة على كفاية الإتمام، ومعه لا تصل النوبة إلى أصالة الاشتغال.

وثانياً: إنّه من موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، ووجوب الأقلّ معلوم، والشكّ إنّما هو في وجوب الأكثر، فتجري البراءة عنه.

وعليه، فالمورد موردٌ لجريان أصالة البراءة دون قاعدة الاشتغال.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لا إشكال في حرمة الوطء ما لم يتمّ الصيام، لأنّه وطء قبل الكفّارة الّتي هي عبارة عن المجموع:

ولو وقع ذلك قبل أن يصوم من الثاني شيئاً في النهار، وجبَ الاستئناف، لإنتفاء التتابع المعتبر.

وإن وقع في اللّيل، أو في النهار بعد أن صام من الثاني شيئاً، لا يجبُ الاستئناف، بل له أن يُكمل ما شَرَع فيه، ويجتزى به.

وهل يكفي الإكمال عن كفّارة الوطء قبل التكفير، وبعبارة اُخرى هل تجبُ كفّارةٌ للوطء أيضاً أم لا؟

وجهان، أظهرها الثاني، لإختصاص ما دلّ على وجوب الكفّارة بالوطء بمن وطأ قبل أن يَشرع في التكفير.

***

ص: 74

الفصل السادس: في الإيلاء،

(الفصل السادس) (في الإيلاء)

اشارة

وهو لغةً الحَلْف(1)، وشرعاً(2) حَلف الزّوج الدائم على ترك وطء زوجته المدخول بها قُبُلاً مطلقاً، أو زيادةً عن أربعة أشهر للإضرار بها.

وعليه، فليس له حقيقة شرعيّة ولا متشرّعيّة، بل معناه الشرعي من مصاديق معناه اللّغوي، وإطلاقه عليه من باب إطلاق الكلّي على فرده.

أقول: والأصل فيه قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اَللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَ إِنْ عَزَمُوا اَلطَّلاقَ فَإِنَّ اَللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3).

وقد كان ذلك طلاقاً في الجاهليّة كالظهار، وغَيّر الشارع الأقدس حكمه، وجعل له أحكاماً خاصّة، وشرائط مخصوصة.

ويترتّب على ما ذكرناه أنّه في كلّ موضعٍ لم ينعقد الإيلاء، لفقد شرطٍ من شرائطه، فإنْ كان جامعاً لشرائط اليمين، يكون يميناً كما ذكره غير واحدٍ، بل أرسلوه إرسال المسلّمات.

ص: 75


1- قال في التعريفات في باب الابهام: ج 1/12: (الإيلاء هو اليمين على ترك وطء المنكوحة مدّةً )، وفي المحيطفي اللّغة: ج 2/468 باب ما أوّله الواو: (إنّه الحَلف).
2- كما في غاية المرام في شرح نكت الإرشاد: ج 3/286، مسالك الأفهام: ج 10/125، وغيرهما.
3- سورة البقرة: الآية 226 و 227.

ولا ينعقدُ بغير اسم اللّه تعالى .

والمناقشة فيه: بأنّه قَصَد به الإيلاء، والفرضُ عدم انعقاده، فما قُصِد لم يقع وما وَقَع لم يُقصَد.

مندفعة: بأنّ الإيلاء واليمين لا فرق بينهما بحسب الحقيقة، وإنّما الإيلاء فردٌ من أفراد اليمين، له أحكامٌ خاصّة، وموردٌ مخصوص، فقصد الإيلاء قصدٌ لليمين.

أقول: (و) كيف كان، فتمام الكلام فيه يقتضي البحث في مقامات:

المقام الأوّل: في الصيغة:

لا إشكال في أنّه (لا ينعقدُ بغير اسم اللّه تعالى ) المختصّ به، أو الغالب فيه، بلا خلافٍ ، وتشهدُ به طائفتان من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما دلّ على اعتبار ذلك في اليمين مطلقاً:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا أرى للرّجل أن يَحلِف إلّا باللّه تعالى »(1).

ومنها: صحيح عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«وليس لخلقه أن يقسموا إلّابه عزّ وجلّ »(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «وليس لخلقه أن يقسموا إلّابه»(3).

ونحوها غيرها.6.

ص: 76


1- وسائل الشيعة: ج 23/260 ح 29522.
2- الفقيه: ج 3/376 ح 4323، وسائل الشيعة: ج 23/259 ح 29519.
3- التهذيب: ج 8/277 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/343 ح 28746.

الطائفة الثانية: ما دلّ على اعتبار ذلك في خصوص المقام:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«والإيلاءُ أن يقول واللّه لا اُجامعكِ كذا وكذا، واللّه لأغيضنّكِ ثمّ يغاضبها»(1).

ونحوه غيره.

فلا تكفي النيّة، ولا التلفّظ بما يُشعر بالقَسَم، كما لو قال: (لأتركنَّ وطأك) بل لابدّ من التلفّظ بالجملة المتضمّنة للقَسَم.

وهل يُكتفى بكلّ ما يدلّ على الحَلف بمُسمّى الاسم من موصولٍ وصلة ونحو ذلك ممّا يصدق معه أنّه حَلَف باللّه تعالى أم لا يكفي ؟

وجهان، سيأتي الكلام فيه في كتاب الأيمان.

نعم، يكفي التلفّظ بكلّ لسانٍ ، لصدق الإيلاء والحَلف معه، كما ولا يعتبر فيه العربيّة، لعدم الدليل على اعتبارها.

أقول: ثمّ إنّ متعلّق الإيلاء:

إنْ كان صريحاً في المراد منه لغةً وعرفاً، كإيلاج الفرج في الفرج، أو عرفاً كاللّفظة المشهورة في ذلك، فلا شُبهة في وقوعه، والجماع والوطء من القسم الثاني.

وإنْ لم يكن صريحاً فيه، لا لغةً ولا عرفاً، كما لو قال: لا جَمَع رأسي ورأسكِ بيتٌ أو مِخدَّة(2)، أو قال: (لا ساقَفتُكِ ) أي لا اجتمعتُ أنا وأنتِ تحت سقفٍ ، ففي وقوع الإيلاء به مع قصده قولان:م.

ص: 77


1- الفقيه: ج 3/524 ح 4824، وسائل الشيعة: ج 22/341 ح 28743.
2- بكسر الميم وفتح الخاء، سمّيت بذلك لأنّها موضع الخَدّ عند النوم.

1 - ما عن الشيخ في «الخلاف»(1)، والحِلّي(2)، والمصنّف: من عدم الوقوع.

2 - ما عن الشيخ في «المبسوط»(3)، والمصنّف في «التحرير»(4)، و «التلخيص»(5)، و «المختلف»(6): من الوقوع، واستحسنه المحقّق في «الشرائع»(7).

أقول: والأظهر هو الثاني، لصدق الإيلاءعليه، فيشمله إطلاق الأدلّة، وقد مرّ في كتاب النكاح أنّ مقتضى القاعدة هو الاكتفاء بالكنايات فى العقود والإيقاعات مطلقاً.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي المتقدّم.

ومنها: حسن بريد بن معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا آلى الرَّجل أن لا يقرب امرأته، ولا يمسّها، ولا يجمع رأسه ورأسها، فهو في سعةٍ ما لم تمض الأربعة أشهر... الحديث»(8).

ومنها: حسن الكناني، عنه عليه السلام في حديثٍ : «الإيلاء أنْ يقول الرّجل لإمرأته:

واللّه لأغيضنّكِ ولأسوأنك، ثمّ يهجرها ولا يُجامعها حتّى تمضي أربعة أشهر، فقد وقع الإيلاء»(9).

ونحوها غيرها.5.

ص: 78


1- الخلاف: ج 4/515.
2- السرائر: ج 2/722.
3- المبسوط: ج 5/116.
4- تحرير الأحكام: ج 4/112.
5- حكاه عنه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/267.
6- مختلف الشيعة: ج 7/450.
7- شرائع الإسلام: ج 3/642.
8- التهذيب: ج 8/3 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/351 ح 28767.
9- الكافي: ج 6/132 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/350 ح 28765.

ولا لغير إضرار.

(و) هل يعتبر فيه قصد الإضرار بالزُّوجة بالامتناع عن وطئها، بحيثُ (لا) يقع (لغير إضرار) كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، وفي «المسالك»(1)لا يظهر فيه مخالفٌ يعتدّ به، وعن «كشف اللّثام»(2) الاتّفاق عليه ؟

أم لا يعتبر ذلك، فلو قَصَد بذلك مصلحتها بأن كانت مريضة أو مرضعة لصلاحها أو صلاح ولدها يقع ؟ وجهان:

يشهد للأوّل: خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أتى رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ امرأتي أرضعت غلاماً، وإنّي قلتُ : واللّه لا أقربكِ حتّى تفطميه ؟ قال عليه السلام: ليس في الإصلاح إيلاء»(3).

وصحيح حفص بن البُختري، عنه عليه السلام في حديثٍ : «فإن تركها من غير مغاضبةٍ أو يمين فليس بمؤل»(4).

فمن الغريب وسوسة الشهيد الثاني(5) في الحكم.

وعليه، فلو حَلَف أن لا يُجامعها دُبُراً، أو في حيضٍ أو نفاسٍ ، لم يكن مؤلياً، لأنّه محسنٌ غير مضارّ.

وهل يعتبر تجريده عن الشرط أم لا يعتبر ذلك ؟ قولان:2.

ص: 79


1- مسالك الأفهام: ج 10/132.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/271.
3- التهذيب: ج 8/7 ح 18، وسائل الشيعة: ج 22/344 ح 28748.
4- الكافي: ج 6/133 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/341 ح 28744.
5- مسالك الأفهام: ج 10/132.

أوّلهما: للشيخ في «الخلاف»(1) وأتباعه، والحِلّي(2)، والمصنّف في أحد قوليه(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4).

ثانيهما: للشيخ في «المبسوط»(5)، والمصنّف في «المختلف»(6)، والشهيد الثاني في «المسالك»(7) وغيرهم.

أقول: أظهرهما الثاني لإطلاق الأدلّة.

والإجماع المحكيّ ليس بحجّة، خصوصاً في مثل المقام الذي يكون مدرك المُجمعين معلوماً، وهو أحد الوجوه التي ذكرناها في كتاب النكاح وغيره التي بيّنا فسادها، والاقتصار على المتيقّن - وهو المجرّد عن الشرط - لا وجه له بعد إطلاق الدليل.

والنصوص المتضمنّة لتفسيره منجزاً، سيقت لبيان صيغته بالنسبة إلى المحلوف به والمحلوف عليه لا لغير ذلك ممّا يشمل المفروض، وعليه فلا إشكال في الوقوع.

***0.

ص: 80


1- الخلاف: ج 4/517.
2- السرائر: ج 2/722.
3- تحرير الأحكام: ج 4/114.
4- شرائع الإسلام: ج 3/642.
5- المبسوط: ج 5/117.
6- مختلف الشيعة: ج 7/451.
7- مسالك الأفهام: ج 10/130.

من كاملٍ مختارٍ قاصد. وإنْ كان عبداً أو خصيّاً أو مجبوباً،

ما يعتبر في المؤلي والمُؤلى منها

المقام الثاني: في المؤلي والمؤلى منها:

(و) يعتبر في المؤلي البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقعُ إلّا (من كاملٍ مختارٍ قاصد) بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1)، للأدلّة العامّة الدالّة على اشتراطها في غيره من العقود والإيقاعات المتقدّمة في مبحث الطلاق وغيره.

وهل يصحّ من الكافر المقرّ باللّه تعالى للعموم، أم لا لامتناع صحّة الكفّارة منه ؟

قولان تقدّما، مع ما يمكن أن يستدلّ به لهما في الظهار، وعرفت أنّ الأظهر هي الصحّة، والشيخ قدس سره(2) وافق هنا على صحّتها من الذمّي، وإنْ خالف في الظهار مع أنّ المدرك واحد.

ويصحّ الإيلاء (وإنْ كان) المؤلي (عبداً أو خصيّاً) الذي يولج ولا يُنزِل، (أو مجبوباً) الذي بَقي من آلته ما يتحقّق به اسم الجماع، بلا خلافٍ ولا إشكال للإطلاق.

وهل يصحّ من المجبوب الذي لم يبق من آلته ما يتحقّق به اسم الجماع، كما عن «المبسوط»(3)، و «التحرير»(4)، و «الإرشاد»، و «التلخيص»، و «الشرائع»(5)

ص: 81


1- جواهر الكلام: ج 33/304.
2- الخلاف: ج 4/521.
3- المبسوط: ج 5/143.
4- تحرير الأحكام: ج 4/111.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/57، شرائع الإسلام: ج 3/643.

ولابدّ أن تكون المرأة منكوحة بالدائم؛

وهو ظاهر المتن ؟

أم لا، كما عن جماعةٍ ، وفي «المسالك»(1) وهو الأصحّ؟ وجهان: من عموم الأدلّة.

ومن أنّ متعلّق الإيلاء وطء الزوجة، وهو ممتنعٌ في الفرض، فيكون الحَلف حَلْفاً على الممتنع، وقد مرَّ اعتبار الإضرار، وهو لا يتحقّق في الفرض، مع أنّه يعتبر في الإيلاء كون المؤلى منها مدخولاً بها، كما سيأتي، وهو مفروض العدم.

أقول: الثاني أظهر كما لا يخفى على مَن تدبّر فيما ذكرناه.

(و) أمّا ما يعتبر في المؤلى منها، ف (لا بدَّ أن تكون المرأة منكوحة) ليشملها قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (2). وهل يعتبر أن تكون منكوحةً (بالدائم)، فلا يقعُ الإيلاء بالمتمتّع بها، كما في المتن، وهو المشهور بين الأصحاب ؟

أم لا يعتبر فيقعُ بها، كما عن المرتضى(3)، والقاضي(4)؟ وجهان:

استدلّ للأوّل:

1 - بتبادر الدائمة من النساء والزوجة.

2 - وبتخصيصها في قوله تعالى : (وَ إِنْ عَزَمُوا اَلطَّلاقَ ) (5) بعد قوله: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (6)، الدالّ على قبول المؤلى منها له، وهو منتفٍ عن المتمتّع بها.6.

ص: 82


1- مسالك الأفهام: ج 10/133.
2- سورة البقرة: الآية 226.
3- الإنتصار: ص 277.
4- المهذّب: ج 2/302.
5- سورة البقرة: الآية 227.
6- سورة البقرة: الآية 226.

مدخولاً بها.

3 - وبأنّ لازم صحّته، جواز مطالبتها بالوطء، وهو غير مستحقّ للتمتّع بها.

4 - وبأصالة بقاء الحِلّ في موضع النزاع.

أمّا الأوّل: فممنوع.

وأمّا الثاني: يدفعه ما حُقّق في محلّه من أنّ رجوع الضمير إلى بعض المذكور سابقاً، لا يقتضي تخصيصه.

والثالث: يُردّ بأنّه ليس لازم صحّته جواز المطالبة به مطلقاً، بل جوازه إنْ كان بالدوام.

أقول: والحقّ أن يستدلّ له بصحيح ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا إيلاء على الرّجل من المرأة التي يتمتّع بها»(1)، وبه يقيّد إطلاق الكتاب والسُّنة، وقد مرّ البحث في ذلك في كتاب النكاح في مبحث المتعة(2).

ويعتبر فيها أن تكون (مدخولاً بها) بلا خلافٍ :

1 - لصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «في المرأة التى لم يدخل بها زوجها؟ قال: لا يقع عليها إيلاءٌ ولا ظِهار»(3).

2 - وحسن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«لا يقعُ الإيلاء إلّاعلى امرأةٍ قد دخل بها زوجها»(4). ونحوهما غيرهما.

***2.

ص: 83


1- التهذيب: ج 8/8 ح 22.
2- فقه الصادق: ج 32/331.
3- التهذيب: ج 8/21 ح 40، وسائل الشيعة: ج 22/316 ح 28684.
4- التهذيب: ج 8/7 ح 16، وسائل الشيعة: ج 22/345 ح 28752.

يؤلى مطلقاً أو أزيد من أربعة أشهر.

عدم وقوع الإيلاء لأربعة أشهر فما دون

المقام الثالث: في أحكام الإيلاء، (و) فيها مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف ولا إشكال في أنّه يعتبر (أنْ يُؤلي مطلقاً) أو مقيّداً بالدوام الذي تأكيدٌ لما اقتضاه الإطلاق، (أو) مقروناً بمدّةٍ (أزيد من أربعة أشهر) ولو لحظة، فلا يقع لأربعة أشهر فما دون.

ويشهد به: خبر زرارة، عن مولانا الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر؟

قال: فقال عليه السلام: لا يكون إيلاءٌ حتّى يَحلِف على أكثر من أربعة أشهر»(1).

وليس في سنده من يتوقّف فيه سوى القاسم بن عروة، وقد حسَّنه بعض الأجلّة، بل ربما قيل بوثاقته، وهو مع ذلك معتضدٌ بعمل الطائفة.

وقد جعله فخر المحقّقين(2) مذهب الإماميّة، ويؤيّده توقّف أحكامه من الإيقاف للفئة أو الطلاق عليه.

وفي «المسالك»(3): (وقيل: والحكمة في تقدير المهلة بهذه المدّة، ولم يتوجّه المطالبة إذا حلف على الامتناع أربعة أشهر فما دونها، أنّ المرأة تصبر على الزوج مدّة

ص: 84


1- التهذيب: ج 8/6 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/345 ح 28750.
2- إيضاح الفوائد: ج 3/423.
3- مسالك الأفهام: ج 10/137.

أربعة أشهر، وبعد ذلك يفنى صبرها أو يشقّ عليها الصبر)، انتهى .

أقول: ويكفي في الزيادة عن الأربعة ولو لحظة، ولا يعتبر كون الزيادة بحيث تتأتّى المطالبة في مثلها، لكن إذا قصرت عن ذلك لم تتأتّ المطالبة، لأنّها إذا مضت ينحلّ اليمين، ولا مطالبة بعد انحلاله.

ولو علّقه بأمرٍ مستقبلٍ :

فإنْ علم بعدم تحقّقه إلّابعد مضيّ أربعة أشهرٍ، صَحّ الإيلاء، وترتّب أحكامه.

وإنْ علم بتحقّقه قبل ذلك، لم ينعقد الإيلاء.

ولو شكّ في ذلك، ولم يعلم شيءٌ منهما:

ففي «الشرائع»(1)، و «المسالك»(2) وغيرهما: إنّه لا يقعُ ، ولا يحكم بكونه مؤلياً، وإنْ اتّفق مضيّ أربعة أشهر، ولم يوجد المعلّق به.

واستدلّ له: في «المسالك»: بأنّه لا يتحقّق قصد المضارّة في الابتداء، وأحكام الإيلاء منوطة به، لا بمجرّد اتّفاق الضّرر بالامتناع من الوطء.

وفيه أوّلاً: إنّ قصد الاضرار المعتبر ليس هو ترك الوطء أربعة أشهرٍ، بل المراد به ما لو كان الحلف عليترك الوطء لا بقصد الصَّلاح والإصلاح للزّوجة أو ولدها، فقَصَد المضارّة، كما يتحقّق في الحَلف على تركه الوطء أربعة أشهر فما فوق، ويتحقّق في الحَلف على تركه في أقلّ منها.

وثانياً: إنّه بناءً على ما هو الحقّ من جريان الاستصحاب في الأُمور الاستقباليّة، يجري أصالة عدم تحقّق ذلك الأمر قبل انقضاء هذه المدّة، فهو من حين9.

ص: 85


1- شرائع الإسلام: ج 3/644.
2- مسالك الأفهام: ج 10/139.

الحَلف محرِزٌ بالاستصحاب كون المدّة أزيد من الأربعة أشهر، فلا إشكال في وقوع الإيلاء في صورة الشكّ ، واتّفاق مضيّ أربعة أشهر ولم يوجد المعلّق عليه.

نعم، لو اتّفق وجوده قبل مضيّها، انكشف عدم وقوع الإيلاء.

أقول: وبذلك يظهر أنّه لو آلى أن لا يَطَئها قبل تحقّق ما علم بوجوده قبل مضيّ الأربعة، فاتّفق تأخّره عنها، وقع إيلاءً لأنّ الموضوع هو الواقع، ولا دخل للإحراز فيه، فتدبّر فإنّه حقيقٌ به.

مدة التربّص

المسألة الثانية: ولو وقع الإيلاء:

فإنْ صَبَرت فلا كلام وإنْ مضت المدّة فصاعداً، لأنّ الحقّ لها فلها إسقاطه.

وإلّا فلا حقّ لها قبل مضيّ المدّة، بل للزوج مهلةٌ بعد انعقاد الإيلاء، لا يطالَب فيها بشيء، ولكن إنْ وطأ فيها كفّر، وانحلّ الإيلاء، وإلّا تربّص إليها.

أقول: ويشهد بجميع ما ذكر الخبر الصحيح الذي رواه بكر بن أعين وبريد بن معاوية، عن أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام أنّهما قالا:

«إذا آلى الرّجل أن لا يَقرُب امرأته، فليس لها قولٌ ولا حقّ في الأربعة أشهر، ولا إثم عليه في كفّه عنها في الأربعة أشهر، فإنْ مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فسكتت ورضيت، فهو في حِلّ وسعة، فإنْ رفعت أمرها، قيل له: إمّا أن تفيء فتمسّها، وإمّا أن تُطلِّق، وعَزْمُ الطلاق أن يُخلّى عنها، فإذا حاضَتْ وطَهُرتْ طلّقها، وهو أحقّ برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء، فهذا الإيلاء الذي أنزل اللّه تعالى في كتابه

ص: 86

وسُنّة رسوله»(1).

ونحوه غيره.

بل الظاهر من النصوص والفتاوى أنّ المدّة المزبورة حقٌّ للزوج ليس لها مرافعته، وإنْ كان قد تَرَك وطئها قبل الإيلاء بأربعة أشهر أو أقلّ من ذلك.

وفي «المسالك»(2): (ولو فرض كونه تاركاً وطئها مدّةً قبل الإيلاء، يفعلُ حراماً بالنسبة إلى ما زاد عن أربعة أشهر من حين الوطء، لأنّه لا يجوزُ ترك وطء الزوجة أكثر من ذلك، ولا ينحلّ بذلك اليمين، لأنّ الإيلاء لا ينحلّ بذلك)، انتهى .

وفيه: إنّ صريح الصحيح وظاهر غيره عدم الإثم عليه في ترك الوطء مدّة التربّص مطلقاً، بل الغالب عدم اتّصال الوطء بالإيلاء، فمِنْ جَعْل المدّة أربعة أشهر من حين الإيلاء، يُستكشف عدم الإثم عليه في ترك الوطء في مدّةٍ أكثر من أربعة أشهر، ولا مانع من كون ذلك من أحكام الإيلاء المختصّة به.

ولو مضت المدّة ثمّ وطأها، انحلّ الإيلاء، وثبتَ عليه الكفّارة، كما هو الأشهر، بل عن «الخلاف»(3) الإجماع عليه.

ويشهد به: خبر منصور، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ آلى من امرأته، فمرّت أربعة أشهر؟

قال عليه السلام: يوقَف فإنْ عَزَم الطلاق بانَت منه، وعليها عِدّة المطلّقة، وإلّا كَفّر عن يمينه وأمسكها»(4).1.

ص: 87


1- الكافي: ج 6/131 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/342 ح 28745.
2- مسالك الأفهام: ج 10/138.
3- الخلاف: ج 4/520.
4- التهذيب: ج 8/8 ح 21، وسائل الشيعة: ج 22/355 ح 28781.

وإذا رافعته أنظره الحاكم أربعة أشهر، فإنْ رجع وكفَّر، وإلّا ألزمه الطلاق أو الفئة والتكفير.

وقصور سنده لو كان بالشهرة منجبرٌ، مع أنّه ممنوعٌ ، إذ ليس توهم الضعف إلّا من ناحية قاسم بن عروة، وقد مرّ أنّ بعض الأجلّة حَسّنه، بل ربما قيل بوثاقته، فما عن الشيخ من عدم الكفّارة عليه، غير تامّ .

ولو مضت المدّة فطلّقها بانَت منه، وكانت التطليقة رِجعيّة، ولا شيء عليه.

نعم، بانقضاء المدّة لا تُطلّق، لاتّفاق الكتاب والسُّنة والإجماع عليه.

وما ورد في خبر أبي بصير(1) عن ذلك محمولٌ على ما لو طلّق بعد المدّة، وإلّا فيتعيّن طرحه.

(و) لو لم يطئها ولم يُطلّقها، ولم تصبر هي، فلها المرافعة، ف (إذا رافعته أنظره الحاكم أربعة أشهرٍ) من حين الإيلاء، (فإنْ رَجَع وكفّر) فلا كلام، (وإلّا) فإنْ أصرّ على الامتناع ثمّ رافعته بعد المدّة (ألزمه) الحاكم (الطلاق، أو الفئة والتكفير) بلا خلافٍ في شيء من تلكم، والنصوصُ شاهدة بها:

منها: الصحيح المرويّ عن الإمامين الصادقين عليهما السلام إنّهما قالا:

«إذا آلى الرّجل أن لا يقرب امرأته، فليس لها قولٌ ولا حقّ في الأربعة أشهر، ولا إثم عليه في كفّه عنها في الأربعة أشهر، فإنْ مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فسكتت ورضيت، فهو في حِلٍّ وسعة، فإنْ رفعتْ أمرها، قيل له: إمّا أن تفيء0.

ص: 88


1- وسائل الشيعة: ج 22/352 ح 28770.

ويضيّق عليه في المَطْعَم والمَشرب حتّى يفعل أحدهما.

فتمسّها وإمّا أن تُطلّق»(1).

ومنها: حسن الكناني أبي الصباح، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«الإيلاء أن يقول الرّجل لامرأته: واللّه لأغيضنّك ولأسوأنّكِ ، ثمّ يهجرها ولا يُجامعها حتّى تمضي أربعة أشهر، فقد وقع الإيلاء، وينبغي للإمام أن يُجبره على أنْ يفيء أو يُطلِّق... الحديث»(2).

ونحوهما غيرهما.

ولو امتنع عن أحدِ الأمرين، فهل يُجبر على الآخر تعييناً كما في «الرياض»(3)، أم لا كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين ؟ وجهان:

من ظاهر الكتاب والسُّنة.

ومن خصوص صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«فإنّه يتربّص بها أربعة أشهر، ثمّ يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف، فإذا فاء وهو أن يصالح أهله، فإنّ اللّه غفورٌ رحيم، وإنْ لم يفِ اُجبر على الطلاق، وإنْ امتنع على الأمرين يُحبس»(4).

(ويُضيَّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يفعل أحدهما)، بلا خلافٍ .9.

ص: 89


1- الكافي: ج 6/131 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/342 ح 28745.
2- الكافي ج 6 ص 132 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/350 ح 28765.
3- رياض المسائل: ج 11/223.
4- الكافي: ج 6/130 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/344 ح 28749.

وفي رواية حمّاد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المؤلي إذا أبى أن يُطلّق ؟ قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب ويحبِسُه فيها، ويمنعه من الطعام والشراب حتّى يُطلّق»(1).

بل في جملةٍ من النصوص أنّه إنْ امتنع: «يُضرب عنقه»(2).

***6.

ص: 90


1- الكافي: ج 6/133 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/353 ح 28772.
2- الفقيه: ج 3/525 ح 4824، وسائل الشيعة: ج 22/354 ح 28776.

انقضاء مدَّة التربّص

وينبغي التنبيه على أُمور:

الأمر الأوّل: إنّه لو انقضَتْ مدّة التربّص، وهناك مانعٌ عن الوطء:

فإنْ كان المانع في الزّوج فسيأتي حكمه.

وإنْ كان من جهتها، بأنْ كانت مريضة، بحيث لا يمكن وطئها، أو محبوسة لا يمكنه الوصول إليها، أو نحو ذلك، لم يثبت المطالبة بالفئة فعلاً إجماعاً، لأنّه معذورٌ، والحال هذه، وكذا لو كانت مُحْرِمة أو حائضاً أو نفساء أو صائمة أو معتكفة فرضاً.

وهل يؤمر بفئة العاجز كما في «الشرائع»(1)، وحُكي عن كثيرٍ، أم لا كما عن الشيخ(2)؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لأنّ ما دلّ على أنّ فئة العاجز إظهار العزم على الوطء مع القدرة، يشمل المقام كما سيأتي.

ولو تجدّدت أعذارها في أثناء المدّة:

فعن الشيخ في «المبسوط»(3) أنّه تنقطع الإستدامة عدا الحيض، بمعنى عدم احتسابها من المدّة، فإذا زال العُذر، ثبت على ما مضى من المدّة قبل العذر.

واستدلّ له: بأنّ الحقّ لها، والعذر من قِبلها، ومدّة التربّص حقٌّ له، فلا يحتسب عليه منها ما لا قدرة له على الفئة فيه.

ووجه استثناء الحيض الإجماع، وأنّه لو قطع لم تسلم مدّة التربّص أربعة

ص: 91


1- الإسلام: ج 3/645. (2و3) المبسوط: ج 5/135 و 136.

أشهر لتكرّره في كلّ شهرٍ غالباً.

ويرد عليه أوّلاً: إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة أنّ مدّة التربّص أربعة أشهر مطلقاً، فكما أنّه في غير صورة الإيلاء لو ترك وَطأها أربعة أشهر، يجبُ عليه ذلك، وإنْ كان هناك عذرٌ في أثناء المدّة من جهتها، فكذلك في المقام.

وثانياً: ما تقدّم من قيام فئة العاجز مقام الوطء من القادر، وهو في حكم العاجز.

وعليه، فما عن الأكثر من عدم قطع الاستدامة هو الأظهر.

الأمر الثاني: قال في محكيّ «المبسوط»(1): إنّ مدّة التربّص تُحتسب من حين المرافعة، لا من حين الإيلاء، وذهب إلى ذلك الشيخان(2)، والأتباع(3)، والحِلّي(4)، والمصنّف رحمه الله(5) في غير «المختلف»، والشهيد(6) وغيرهم(7).

وعن ابن أبي عقيل(8) وابن الجُنيد(9) والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(10)، وولده في

الشرح(8)، والشهيد الثاني في «المسالك»(9) وغيرهم: أنّها من حين الإيلاء.6.

ص: 92


1- المبسوط: ج 5/137 و 157.
2- المقنعة: ص 522، النهاية: ص 527.
3- الكافي للحلبي: ص 302، المهذّب: ج 2/302، الوسيلة: ص 336.
4- السرائر: ج 2/720.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/58، تبصرة المتعلّمين: ص 149.
6- غاية المراد: ص 228-229، اللّمعة الدمشقيّة: ص 129.
7- الجامع للشرائع: ص 487. (8و9و10) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7/452.
8- إيضاح الفوائد: ج 3/432.
9- مسالك الأفهام: ج 10/156.

وتردّد المحقّق في «الشرائع»(1) في ذلك.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ ضرب المدّة حكمٌ شرعيّ ، باقٍ على العدم الأصلي، فيتوقّف ثبوته على حكم الحاكم.

2 - وبأصالة عدم التسلّط على الزوج بحبسٍ أو غيره، لأجل الفئة أو الطلاق، إلاَّ مع تحقّق سببه.

3 - وبجملةٍ من النصوص:

منها: خبر العبّاس بن هلال، عن الإمام الرّضا عليه السلام، قال:

«ذكر لنا أنّ أجل الإيلاء أربعة أشهر بعد ما يأتيان السلطان»(2).

ومنها: حسن أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «وإنْ رفعته إلى الإمام أنظَره أربعة أشهر، ثمّ يقول له بعد ذلك: إمّا ترجع إلى المناكحة، وإمّا أن تُطلّق، فإنْ أبى حَبَسهُ أبداً»(3).

ومنها: خبر البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «أنّه سأله صفوان وأنا حاضر عنده عن الإيلاء؟

فقال عليه السلام: إنّما يوقف إذا قدّمه إلى السلطان فيوقف السلطان أربعة أشهر، ثمّ يقول له: إمّا أن تُطلّق وإمّا أن تُمسك»(4).

ومنها: خبر أبي مريم، عن الإمام الصادق عليه السلام:0.

ص: 93


1- شرائع الإسلام: ج 3/646.
2- وسائل الشيعة: ج 22/349 ح 28762، تفسير العيّاشي: ج 1/113 ح 346. (3و4) وسائل الشيعة: ج 22/348 ح 28761 و 28760.

«عن رجلٍ آلى من امرأته ؟ قال عليه السلام: يوقف قبل الأربعة أشهر وبعدها»(1).

ولكن يُردّ الأوّل: إنّ التربّص في المدّة حكمٌ شرعي مجعولٌ بالكتاب والسُّنة، ولا يتوقّف على ضرب الحاكم.

ويُردّ الثاني: ما دلّ على التسلّط على ذلك مضيّ أربعة أشهر.

وأمّا الأخبار: فالأوّل منها ضعيفُ السَّند، والثاني غير متعرّضٍ لمبدأ المدّة، والثالث يدلّ على أنّ الإيقاف يكون في أربعة أشهر، مع أنّ صريح النصوص الصحيحة وفتاوى الأصحاب أنّه يكون بعد مضيّ الأربعة، والرابع ضعيفُ السَّند لمحسن بن أحمد وغيره.

فإذاً لا دليل على كون المبدأ من حين المرافعة.

وظاهر الآية الكريمة، من جهة ترتّب التربّص على الإيلاء، كون المبدأ من حين الإيلاء، وكذا ظاهر النصوص الصحيحة، فقد ورد في حسن بريد بن معاوية المتقدّم قوله عليه السلام: «لا يكون إيلاء إلّاإذا آلى الرّجل أنْ لا يَقرُب امرأته، ولا يمسّها، ولا يجتمع رأسه رأسها، فهو في سعةٍ ما لم تمض الأربعة أشهر، فإذا مَضَت أربعة أشهر وقف، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يعزم على الطلاق».

ونحوه حسن الحلبي، وأبي بصير عنه المتقدّمان.

وعليه، فالأظهر أنّ المبدأ من حين الإيلاء.

نعم، الإيقاف والإجبار وظيفة الحاكم كما دلّت النصوص عليه.

الأمر الثالث: إذا وطأ المؤلي ساهياً أو مجنوناً، أو اشتبهت بغيرها من حلائله، أو8.

ص: 94


1- التهذيب: ج 8/5 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/348 ح 28758.

ما شاكل، فلا إشكال في عدم وجوب الكفّارة، لعدم الحَنث، إذ الفرض عدم عَمده، مضافاً إلى عموم أدلّة الرفع.

أقول: إنّما الكلام في انحلال اليمين، وبطلان حكم الإيلاء:

فعن الشيخ(1) ذلك، وتبعه على ذلك جماعة منهم المصنّف رحمه الله(2)، جازماً به من غير نقل خلافٍ .

وظاهر «الشرائع»(3)، و «المسالك»(4): التأمّل في الحكم.

واستدلّ له: بأنّه قد وجد المحلوف عليه في الحقيقة، وتحقّقت الإصابة.

وأُورد عليه: بأنّ المحلوف عليه هو الترك في حال التذكّر، لأنّ الغرض من التعب والزَّجر في اليمين إنّما يكون عند ذكرها، وذكر المحلوف عليه، حتّى يكون تركه لأجل اليمين.

ويمكن أن يدفع: بأنّ المحلوف عليه عدم وجود الحقيقة أصلاً، فتأمّل.

وعلى تقدير عدم انحلال الإيلاء، الأظهر عدم حصول الفئة به وبقاء المطالبة، وإن سقطت منها في تلك الأربعة، ولكن يبقى لها حكم المطالبة في أربعةٍ اُخرى ، لبقاء حكم الإيلاء.

وبما ذكرناه يظهر ما في «المسالك».

***4.

ص: 95


1- المبسوط: ج 5/140.
2- تحرير الأحكام: ج 4/116.
3- شرائع الإسلام: ج 3/646.
4- مسالك الأفهام: ج 10/154.

ويقع الطلاقُ رجعيّاً.

طلاق المؤلي ليس بائناً

المسألة الثالثة: (و) لو اختار المؤلي الطلاق فطلّق (يقع الطلاق رِجعيّاً) إنْ لم يكن ما يقتضي البينونة، وفاقاً للأكثر، كما في «الرياض»(1)، وعلى المشهور كما في «المسالك»(2)، بل لم يُعرف المخالف بعينه وإن أرسله بعضٌ كما في «الجواهر»(3):

1 - لوجود المقتضي، وهو وقوعه بشرائط الرِّجعي، وانتفاء المانع، إذ ليس إلّا كونه طلاق مؤلٌ مأمورٌ به تخييراً، وهو لا يقتضي البينونة.

2 - وللنصوص الواردة:

منها: حسن بريد بن معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «فإذا مضت الأربعة أشهر وقف، فإمّا أن يفيء فيمسّها، وإمّا أن يعزم على الطلاق فيخلّي عنها، حتّى إذا حاضت وتطهّرت من محيضها طلّقها تطليقة قبل أن يُجامعها بشهادة عدلين، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء»(4).

ومنها: ما ورد في خبر أبي مريم، عن الباقر عليه السلام، قال: «فإن عزم الطلاق فهي واحدة، وهو أملك برجعتها»(5).

ص: 96


1- رياض المسائل: ج 11/224.
2- مسالك الأفهام: ج 10/142.
3- جواهر الكلام: ج 33/314.
4- التهذيب: ج 8/3 ح 3.
5- التهذيب: ج 8/5 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/351 ح 28768.

ومنها: ما ورد في صحيح جميل بن درّاج، عن منصور: «أنّه يطلّق تطليقة يملك الرجعة»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: ولكن بإزائها أخبار اُخرى :

منها: صحيح منصور بن حازم، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «المؤلي إذا وقف فلم يفيء طلّق تطليقة بائنة»(2).

ومنها: مقطوعه الآخر: «إنّ المؤلي يُجبر على أن يطلّق تطليقة بائنة»(3).

رواه عنه جميل بن درّاج في الصحيح.

ومنها: خبره الثالث، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «فإن عَزَم الطلاق بانت منه»(4).

وفي «المسالك»(5): (ربما يقع بوقوع الطلقة بائنة).

والظاهر أنّ مستند هذا القائل غير المعلوم هذه النصوص.

وكيف كان، فحيثُ إنّ هذه النصوص لا تصلح للمقاومة مع النصوص الأول، لجهاتٍ غير خفيّة، فعليه:

إمّا أن تُطرح.

أو تُحمل على من يَرى الإمام اجباره على البائنة بفدية.

أو على من كانت عند الرّجل على تطليقة واحدة.2.

ص: 97


1- الكافي: ج 6/131 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/352 ح 28769.
2- التهذيب: ج 8/4 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/353 ح 28771.
3- التهذيب: ج 8/3 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/352 ح 28769.
4- التهذيب: ج 8/8 ح 21، وسائل الشيعة: ج 22/355 ح 28781.
5- مسالك الأفهام: ج 10/142.

أو على مجرّد الفُرقة، وإن لم تكن قاطعة لعلاقة الزوجيّة.

ذكر الأخير بعض الأجلّة، والثاني الشيخ قدس سره.

ويشهد للأوّل: أنّ في ذيل مقطوع منصور، رواية جميل عنه:

«إنّه يطلّق تطليقة يَملك فيها الرجعة، فقال له بعض أصحابه: إنّ هذا يُنتقض، فقال: لا، التي تشكو فتقول يُجبرني ويَضرّني ويَمنعني من الزوج، يُجبر على أن يطلّقها تطليقة بائنة، والتي تسكُت ولا تشكو شيئاً يطلّقها تطليقة يملك فيها الرجعة».

وعليه، فالأظهر كونه رجعيّاً.

ثمّ إنّه إن استمرّ عليه فذلك، وإلّا عاد حكم الإيلاء بلا خلافٍ .

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يُحتسب العِدّة من المُدّة، فيطالب بعد رجوعه وانقضائها بأحد الأمرين: الفئة أو الطلاق، إذ الزوجيّة وإن اختلّت بالطلاق، إلّاأنّه متمكّنٌ من الوطء بالرَّجعة، فلا يكون الطلاق عُذراً كما في «الشرائع»(1)، و «المسالك»(2)، و «الجواهر»(3)؟

أم لا تُحتسب منها، لأنّ الطلاق رَفَع النكاح، وأجراها إلى البينونة، بمعنى أنّها في العِدّة في زمان يقتضي مضيّه البينونة، فلا يجوز احتساب هذه المدّة من مدّةٍ يقتضي مضيّها المطالبة بالوطء، وهو زمان التربّص لتضادّ الأثرين المقتضي لتضادّ المؤثّرين، كما عن الشيخ رحمه الله(4)، ووافقه المصنّف رحمه الله في محكيّ «التحرير»(5)، وزاد:0.

ص: 98


1- شرائع الإسلام: ج 3/647.
2- مسالك الأفهام: ج 10/167.
3- جواهر الكلام: ج 33/339.
4- المبسوط: ج 5/119.
5- تحرير الأحكام: ج 4/120.

ولو آلى مدّةً فدافع حتّى خرجتْ ، فلا كفّارة، وعليه الكفّارة لو وطأ قبله.

أنّه إن راجع ضُربتْ له مُدّة اُخرى ، ووقف عند انقضائها، فإن فاء أو طلّق وفي، فإنْ راجع ضُربَت له اُخرى ، ووقف بعد انقضائها، وهكذا؟

وجهان، بل وجوه، والأظهر هو الأوّل، لأنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة، أو بحكم الزوجة، ومجرّد أنّه ليس لها المرافعة، لأنّها لا تستحقّ عليه الاستمتاع، لا يمنع من احتساب المدّة بعدما عرفت من أنّ المُدّة تُضرب من حين الإيلاء، وإنْ لم ترافعه الزوجة.

أقول: وبما ذكرناه يظهر:

أنّه إذا آلى من المطلّقة الرجعيّة صَحّ ، ويُحتسب زمان العِدّة من المدّة.

كما ظهر أنّه لو آلى وارتدّ بالرِّدة من غير فطرةٍ ، يُحتسب عليه مُدّة الرِّدة، لأنّه وإنْ كان المنع من الوطء بسبب الارتداد، إلّاأنّه متمكّنٌ من الوطء بالقدرة على سببه وهو الإسلام.

فما عن الشيخ رحمه الله من عدم احتساب مُدّة الرِّدة، ضعيفٌ .

المسألة الرابعة: (ولو آلى مدّةً فدافع حتّى خَرَجت) سَقَط حكم الإيلاء.

ولو وطأها (فلا كفّارة) عليه، لأنّها تجبُ مع الحَنث في اليمين، ولا تتحقّق إلّامع الوطء في المُدّة المعيّنة، فإذا انقضت سَقَط حكم اليمين، سواء رافعته وألزمه الحاكم بأحد الأمرين أم لا، وإنْ أثِم بالمدافعة على تقدير المرافعة، (و) ثبت (عليه الكفّارة لو وطأ قبله) أي قبل انقضاء المُدّة كما مرّ.

ص: 99

ولو ادّعى الإصابة، فالقول قوله مع يمينه، وفئة القادر هو الوطء قُبُلاً، وفئة العاجز إظهارُ العَزم على الوطء مع القدرة.

المسألة الخامسة: (ولو ادّعى) المؤلي الفئة و (الإصابة)، وأنكرت هي: (فالقولُ قوله مع يمينه) بلا خلافٍ أجده، كما في «الرياض»(1).

أقول: ولعلّ الوجه فيه - مع كونه مخالفاً للقاعدة المقرّرة، لموافقة قولها للأصل - موثّق إسحاق بن عمّار، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن الإمام علي عليهم السلام:

«عن المرأة تزعم أنّ زوجها لا يمسّها، ويَزعم أنّه يمسّها؟

قال عليه السلام: يحلف ثمّ يترك»(2).

ويؤيده: أنّه من موارد تعذّر البيّنة.

فئة القادر

المسألة السادسة: قالوا: (وفئة القادر هو الوطء قُبُلاً، وفئة العاجز إظهار العَزم على الوطء مع القُدرة).

وعن «السرائر»(3)، و «الغنية»(4)، و «متشابه القرآن» لابن شهر آشوب(5):

أنّ المراد بالفيء في الكتاب العزيز، هو العود إلى الجماع بالإجماع، مضافاً إلى ظاهر النصوص.

ص: 100


1- رياض المسائل: ج 11/225.
2- التهذيب: ج 8/8 ح 25، وسائل الشيعة: ج 22/356 ح 28784.
3- السرائر: ج 2/721.
4- غنية النزوع: ص 365.
5- متشابه القرآن ومختلفه: ج 2/198.

أقول: ظاهر الآية الكريمة - لولا الإجماع - هو تحقّق الفئة بإظهار العزم على الطلاق مطلقاً، فإنّ الفيء بمعنى الرجوع، ورجوع المؤلي عمّا حَلَف عليه عبارةٌ عن مخالفته، يقال: (قال فلانٌ قولاً ثمّ رجع فيه) أي خالفه ونقضه، والمقصد من الإيلاء ومعناه وصف المرأة بكونها مُحرّمة الوطء، وكونها محلوفاً على ترك وطئها، فيعدّ بعد البناء على الوطء والعزم عليه راجعاً.

وغاية ما عليه الإجماع، هو اعتبار الوطء قُبُلاً بغيبوبة الحشفة في القُبُل في فئة القادر، فيقيّد به إطلاق الآية، فيبقى غيره تحت الإطلاق، من غير فرقٍ بين كون المانع من جهته أو جهتها.

وأمّا النصوص: فقد فَسَّرت (الفئة) في جملةٍ منها: بأنْ يُصالح أهله، لاحظ صحيح أبي بصير(1)، وخبره(2)، وموثّق سماعة(3)، وغيرها.

وفي جملةٍ اُخرى منها: التعبير بالإمساك مكان الفئة، كصحيح البزنطي(4) وغيره.

أقول: وهذه النصوص لا تدلّ على أزيد من إظهار العزم على الوطء، غاية الأمر في صورة القدرة على الوطء يجبُ عليه الوطء، لوجوبه بعد مضيّ أربعة أشهر، وللإجماع على اعتباره مع القدرة.

نعم، في بعض النصوص اعتبار أن يمسّها، كما في حسن بريد بن معاوية المتقدّم(5)، ولكن الجمع بينه وبين سائر النصوص يقتضي البناء على كفاية كلٍّ منهما،7.

ص: 101


1- وسائل الشيعة: ج 22/349 ح 28763.
2- وسائل الشيعة: ج 22/350 ح 28764.
3- وسائل الشيعة: ج 22/350 ح 28766.
4- وسائل الشيعة: ج 22/348 ح 28760.
5- وسائل الشيعة: ج 22/351 ح 28767.

ولا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين.

وأنّ ما تضمّن عنوان (المسّ ) إنّما هو تفسيرٌ للفيء ببعض مصاديقة.

وبعبارة اُخرى : ظاهر جملةٍ من النصوص أنّ (الفئة) عبارةٌ عن الإصلاح، الجامع بين أن يطئها، أو يظهر العزم عليه، وظاهر بعضها أنّ (الفئة) هو المسّ ، وحيث إنّه لا مفهوم للثاني، ومنطوقه لا ينافي الأُولى ، فالبناء على العمل بهما متعيّنٌ .

فتحصّل: إنّه لا دليل على اعتبار الجماع في الفئة سوى الإجماع، والمتيقّن منه هو غير العاجز عن الوطء، لامتناعه من ناحيته أو من جهتها عقلاً أو شرعاً.

لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين

المسألة السابعة: (ولا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين) إذا قصد التأكيد بما عدا الأُولى، وأمّا إذا قصد التأسيس أو أطلق ففيه صور:

الصورة الاُولى: أن يكون المحلوف عليه واحداً، والزمان واحداً:

ظاهر الأصحاب أنّه لا تتكرّر الكفّارة، لصدق الإيلاء مع تعدّد اليمين، فكفاه كفّارة واحدة.

واعترض عليهم في «المسالك»(1): بأنّ كلّ واحدٍ سببٌ مستقلٌّ في إيجاب الكفّارة، والأصل عدم التداخل.

وأجاب عنه صاحب «الجواهر»(2): بأنّ التأكيد لازمٌ لتكراره، قَصَده أو لم

ص: 102


1- مسالك الأفهام: ج 10/168.
2- جواهر الكلام: ج 33/341.

يقصده، لأنّه كتكرار الاختيار بالجملة الواحدة.

ويردّه: ما تقدّم منّا، واعترف هو قدس سره به في كتاب الظهار بأنّ اليمين على خلاف العقود والإيقاعات ليست من مقولة المعنى ، بل هي عبارة عن اللّفظ المعيّن المقصود به المعنى ، وعليه فلا وجه لما أفاده.

والأولى أن يُورَد على الشهيد رحمه الله: بأنّ المُحقَّق في محلّه(1) أنّ الأصل هو التداخل.

الصورة الثانية: ما إذا اختلف زمان اليمينين، كما لو قال: (واللّهِ لا وطأتُكِ خمسة أشهر، فإذا انقضَتْ فواللّهِ لا وطأتكِ سنةً )، فقد أتى بيمينين كلّ واحدةٍ منهما تشتملُ على مُدّة الإيلاء لكن الأولى منجّزة والثانية معلّقة على صفةٍ :

فإنْ بنينا على بطلان الإيلاء المعلّق فلا كلام.

وإنْ بنينا على صحّته، فلها المطالبة بعد مضيّ أربعة أشهر بموجب اليمين الأولى، وإنْ لم تطالبه حتّى مضى الشهر الخامس سَقَطت المطالبة، لانحلال تلك اليمين، وإنْ طلّقها سقط الإيلاء الثاني، لأنّه يعتبر فيه كون متعلّقه زوجة، والفرض خروجها عن الزوجيّة إلّاإذا رجع.

وإنْ وطأها قبل مضيّ الشهر الخامس، ثبتت الكفّارة عليه، ثمّ من ابتداء الشهر السادس يكون مبدأ مُدّة الإيلاء الثاني، فلو وطئها بعدما دَخَل في مُدّة الإيلاء الثاني، تثبت الكفّارة عليه بمقتضى الإيلاء الثاني.

وأمّا الإيلاء الأوّل فقد انحلّ ، فلا معنى للتداخل في هذا الفرض، ففرض التداخل في هذه الصورة إنّما هو بأن يطؤها بعد مضيّ أربعة أشهر، ثمّ يطؤها في مُدّة الإيلاء الثاني، فيجيء البحث المتقدّم من أصالة التداخل وعدمها، فعلى الأوّل7.

ص: 103


1- زبدة الاُصول: ج 3/157.

لا تتكرّر الكفّارة وعلى الثاني تتكرّر.

الصورة الثالثة: لو عقد اليمينين على مَدّتين، تدخُلُ إحداهما في الاُخرى ، كما إذا قال: (واللّهِ لا اُجامعكِ خمسة أشهر) ثمّ قال: (واللّهِ لا اُجامعكِ سنةً ):

فإذا مضت أربعة أشهر فلها مطالبته، فإنْ فاء انحلّت اليمينان، وتجبُ عليه كفّارة واحدة، بناءً على أصالة التداخل.

وإنْ لم تُطالبه حتّى مضيّ خمسة أشهر، لها مطالبته بمقتضى الإيلاء الثاني، وعدم مطالبتها بعد مضيّ أربعة أشهر، لا يوجبُ سقوط حقّها بالنسبة إلى الإيلاء الثاني.

حكم ما لو حَلف على ترك وطء الأربع

المسألة الثامنة: إذا قال لأربع: (واللّهِ لا وطأتكنَّ )، مريداً بذلك مجموعهنّ لا كلّ واحدةٍ منهنّ ولو بالقرينة، لم يكن مؤلياً، ما لم يطأ الثلاث، لأنّ المؤلي من علّق بالوطء مانعاً منه بيمين، ولا مانع في الفرض من وطء كلّ واحدةٍ منهنّ ، ولا يتعلّق به لزوم شيء، ولا يلحقه به ضرر.

وتقريبُ الوطء للواحدة أو الاثنتين من الحنث لا يوجبُ تحقّق الإيلاء، ويجوزُ له وطء ثلاث منهنّ من دون أن يتوجّه إليه كفّارة، لأنّها يمين واحدة، متعلّقها المجموع، فوطء كلّ واحدةٍ ليس محلوفاً تركه.

وعليه، فلو مات بعضهنّ قبل الوطء، انحلّت اليمين، لإمتناع الحنث.

ولو طلّق بعضهنّ طلاقاً بائناً، لم تنحلّ اليمين، بل تجبُ الكفّارة بوطئها بعد البينونة، وإنْ كان زناً لو انضمّ إليه وطء البقيّة.

ص: 104

ولو وطأ الثلاث يَحرُم عليه وطء الرابعة، لأنّه به يحصل الحَنث.

أقول: وهل ينكشف بذلك حُرمة وطء من سبق منهنّ ، نظراً إلى أنّ وطء كلّ واحدةٍ منهنّ جزءٌ من مصداق وطئهنّ أجمع، الذي حَرّمه على نفسه باليمين، وعدم الحكم عليه قبل وطء الرابعة، باعتبار عدم العلم بانضمام ما يتحقّق به مخالفة الحنث ؟

أم لا من جهة أنّه إنّما وجب ترك وطء الجميع بواسطة الحلف، ونقيض الواجب لا يكونُ حراماً، وإنّما يُحكم بحرمة وطء الرابعة مسامحةً ، والمراد أنّه به يُترك الواجب، والواجب من المقدّمة هو الجزء الأخير منه، فالموجب للعصيان والمخالفة هو وطء الرابعة خاصّة، حيث تجبُ الكفّارة به ؟

وجهان: أظهرهما الثاني.

وهل يصير مؤلياً بالنسبة إلى الرابعة لو وطء الثلاث، كما في «الشرائع»(1)، وتبعه غيره أم لا؟

وجهان: أظهرهما الثاني، لأنّ الإيلاء هو الحلف على ترك وطء البقيّة، فلا وجه للبناء على ترتّب أحكام الإيلاء.

بل يمكن أن يقال: إنّ الأدلّة لا تشمل الحلف على ترك وطء المجموع رأساً، لعدم كون المجموع من حيث هي زوجة، وليست من النساء، وهما ونحوهما موضوع حكم الإيلاء.

وأيضاً: لو حلف على ترك وطء كلّ واحدةٍ منهنّ ، مريداً به العموم الشمولي7.

ص: 105


1- شرائع الإسلام: ج 3/647.

الملحوظ فيه كلّ واحدةٍ واحدة بطريق العموم، كان مؤلياً من كلّ واحدةٍ منهنّ ، لتعلّق المحذور وهو الحنث بكلّ واحدةٍ منهنّ ، ولزوم الكفّارة، وكلّ من طلّقها فقد وفاها حقّها، ولم ينحلّ اليمين في البواقي.

وكذا لو وطأها قبل الطلاق، لزمته الكفّارة، وكان الإيلاء بالنسبة إلى البواقي باقياً.

وأيضاً: لو حلف على ترك وطء واحدةٍ منهنّ :

فإن أراد واحدةً بعينها، كان مؤلياً بالنسبة إليها خاصّة.

وإن أراد واحدةً غير معيّنة على نحوٍ من العموم البدلي، وقع الإيلاء، وكان اختيار التعيين بيده، نظير ما ذكرناه في طلاق واحدةٍ غير معيّنة، فراجع ما ذكرناه هناك(1)، فإنّه يجري في المقام.

وعليه، فاختيار التعيين بيده، وما لم يعيّن واحدةً لا يُحتسب تلك المدّة من مُدّة التربّص، كما في الطلاق.

أقول: وفي المقام صورٌ اُخرى يظهر حكمها ممّا قدّمناه.

***5.

ص: 106


1- فقه الصادق: ج 34/25.

الفصل السابع: في اللِّعان.

(الفصل السابع) (في اللِّعان)

اشارة

وهو بكسر اللّام، إمّا مصدر لاعَن يُلاعن، أو جمعٌ للّعن.

وهو لغةً الطرد والإبعاد(1)، وشرعاً المباهلة بين الزوجين على وجهٍ مخصوص(2)، وسُمّيت لعاناً:

لأنّ كلّاً من الزوجين يَبعُد عن الآخر بها، إذ يحرم النكاح بينهما.

أو لاشتمالها على كلمة اللّعن.

وفي «المسالك»(3): (وخُصّت بهذه التسمية لأنّ اللّعن كلمة غريبة في مقام الحُجج من الشهادات والأيمان، والشيء يُشتهر بما يقع فيه من الغريب، وعلى ذلك جَرى معظم تسميات سور القرآن).

والأصلُ فيه الكتاب والسُّنة:

أمّاالكتاب: فقوله تعالى : (وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصّادِقِينَ * وَ اَلْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ اَلْكاذِبِينَ * وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا اَلْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ

ص: 107


1- الصحاح: ج 6/2196.
2- جواهر الكلام: ج 34/2.
3- مسالك الأفهام: ج 10/175.

وسَببه: قذفُ الزَّوجة بالزِّنا.

لَمِنَ اَلْكاذِبِينَ * وَ اَلْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اَللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ اَلصّادِقِينَ ) (1) .

وأمّا السُّنة: فنصوصٌ مستفيضة، ستأتي إليها الإشارة.

أقول: ونخبة القول فيه يتحقّق في طيّ موارد:

سبب اللِّعان

(و) المورد الأوّل: في (سببه): وهو سببان:

السبب الأوّل: (قذف الزّوجة) المُحصَّنة، أي رميها (بالزِّنا) ولو دُبُراً على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل وعليه الإجماع في «الانتصار»(2)، و «الغنية»(3)، كما في «الرياض»(4).

ويشهد به: عموم الآية الكريمة، وكثير من النصوص الآتي بعضها.

وعن الصدوق في «الفقيه»(5)، و «الهداية»(6)، وظاهر «المُقنع»(7): إنّه لا لعان إلّابنفي الولد، وإذا قَذَفها ولم ينتف جُلِد ثمانين جَلدة.

ص: 108


1- سورة النور: الآية 6-9.
2- الإنتصار: ص 144.
3- غنية النزوع: ص 378.
4- رياض المسائل: ج 11/288.
5- الفقيه: ج 3/536.
6- الهداية: ص 275.
7- المقنع: ص 355.

واستدلّ له:

1 - بخبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال:

«لا يكون اللِّعان إلّابنفي الولد، وقال: إذا قَذَف الرّجل امرأته لاعنها»(1).

2 - وخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«لايقعُ اللِّعان حتّى يدخل الرّجل بامرأته، ولا يكون اللِّعان إلّابنفي الولد»(2).

وقد حملها الشيخ رحمه الله على أنّه لا لعان بدون دعوى المشاهدة إلّابالنفي.

وأيضاً يشهد به:

1 - صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّه قال في الرّجل يقذف امرأته: يُجلد، ثمّ يُخلّى بينهما، ولا يُلاعنها حتّى يقول إنّه قد رأى بين رِجْليها من يَفجُر بها»(3).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن الرّجل يفتري على امرأته ؟

قال عليه السلام: يُجلد ثُمّ يُخلّى بينهما ولا يلاعنها حتّى يقول: أشهدُ إنّي رأيتُكِ تفعلين كذا وكذا»(4).

ونحوهما غيرهما ممّا يدلّ على نفي اللِّعان بمجرّد القذف، وأنّه يعتبر ادّعاء المشاهدة.

وعن «الوافي» للفيض الكاشاني(5) في خبر أبي بصير: (لعلّ المراد أنّه إذا كانت3.

ص: 109


1- الإستبصار: ج 3/371 ح 3، التهذيب: ج 8/185 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/429 ح 28956.
2- الفقيه: ج 3/535 ح 4851، وسائل الشيعة: ج 22/429 ح 28957.
3- الكافي: ج 7/212 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/416 ح 28922.
4- التهذيب: ج 8/186 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/416 ح 28923.
5- الوافي: ج 22/963.

مع ادّعاء المُشاهدة وعدم البيّنة.

المرأة حاملاً فأقرَّ الزوج بأنّ الولد منه، ومع هذا قَذَفها، فلا لعان، وأمّا إذا لم يكن حَملٌ وإنّما قذفها بالزِّنا مع الدخول والمعاينة، فيثبت اللِّعان، كما دلّت عليه الأخبار، ويدلّ على هذا صريحاً حديث محمّد عن أحدهما، فإنّه قد أثبت اللِّعان بالأمرين).

ويَردُ عليه: أنّه كغيره من الكتاب والسُّنة يدلّ على إثباته بالقذف مطلقاً، من دون دلالةٍ على التفصيل الذي على خلافه الإجماع.

وكيف كان، فلا يترتّب اللِّعان بالقذف إلّا (مع ادّعاء المشاهدة، وعدم البيّنة) على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل في «الانتصار»(1) على الأوّل الإجماع، وفي «الغنية»(2) على الثاني، كما قاله صاحب «الرياض»(3).

ويشهد للأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: الصحيحين المتقدّمين.

ومنها: صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام قال: «إذا قذف الرّجل امرأته، فإنّه لا يلاعنها حتّى يقول رأيتُ بين رِجْليها رجلاً يزني بها»(4).

ونحوها غيرها.

وهل المعتبر مشاهدة أنّها تزني كما لعلّه المشهور بين الأصحاب، بل عن5.

ص: 110


1- الإنتصار: ص 144.
2- غنية النزوع: ص 378.
3- رياض المسائل: ج 11/288.
4- التهذيب: ج 8/187 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/417 ح 28925.

«كشف اللّثام»(1) أنّه لا خلاف فيه، ليترتّب عليه سقوط اللِّعان بقذف الأعمى ؟

أم الميزان هو العلم، وإن لم يدّع المشاهدة، كما نفى البُعد عنه في «المسالك»(2)، بل قوّاه ؟ وجهان:

لا ريب في أنّ الجمود على ظواهر النصوص، يقتضي البناء على الأوّل، وحملها على خصوص من يُمكن في حقّه، يحتاجُ إلى قرينة.

أقول: ولكن لا يبعد كون تلك كنايةً عن العلم، والشاهد به - مضافاً إلى أنّ العناوين التي لها طريقيّة إذا اُخذت في الموضوع، تكون ظاهرة في أنّه لا خصوصيّة لها، بل إنّما اُخذت فيه بما أنّها طريق الإثبات، نظير العلم والتبيّن وما شاكل، وعلى هذا بنينا على قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع - إنّ هذا التعبير موجودٌ في أخبار الشهادة، وأنّه لا يجوزُ الشهادة إلّامع الرؤية والمشاهدة، ويُستكشف من ذلك أنّ المناط هو ما يوجبُ صحّة الشهادة وهو العلم.

ويؤيّده: ما في خبر محمّد بن سليمان، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، فإنّه بعد أن اعتبر فيه الرؤية، قال:

«إنّ اللّه تعالى جَعَل للزوج مدخلاً لا يدخله غيره.

إلى أن قال: فجاز له أن يقول رأيتُ ، ولو قال غيره رأيتُ ، قيل له وما أدخَلَك المدخل الذي تَرى هذا فيه وَحدك، أنتَ متّهمٌ ، فلابدّ من أن يُقام عليك الحَدّ الذي أوجبه اللّه عليك»(3).6.

ص: 111


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/288.
2- مسالك الأفهام: ج 10/178.
3- وسائل الشيعة: ج 22/417 ح 28926.

ومع ذلك كلّه الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن متعيّنٌ .

أقول: وأمّا اعتبار عدم البيّنة، فاستدلّ له:

1 - بالآية الكريمة، فإنّها بمفهومها تدلّ على أنّه مع الشهود لا لعان.

2 - وبحديث هلال، حيث قال له النبيّ صلى الله عليه و آله: «البيّنة وإلّا حَدٌّ في ظهرك»، ثمّ نزلت الآية فلاعن بينهما(1).

3 - وبأنّه إذا نَكَل عن اللِّعان يُحدّ، فيلزم حينئذٍ حَدّه مع وجود البيّنة.

4 - وبأنّ اللِّعان حجّة ضعيفة، لأنّه إمّا شهادة لنفسه أو يمين، فلا يُعمل به مع الحُجّة القويّة وهي البيّنة، ولكن الكُلّ مخدوشة:

أمّا الآية: فلأنّه لا مفهوم لها، لعدم كونها بنحو القضيّة الشرطيّة.

وأمّا حديث هلال: فطلبه صلى الله عليه و آله منه البيّنة، وإلّا ثبت له الحَدّ كان قبل نزول آية اللِّعان(2) ومشروعيّته، والكلام بعده.

وأمّا الثالث: فلأنّه إنّما يُحدّ إذا نَكَل عن اللِّعان، ولم يمكنه دفعه بالبيِّنة، كما لو أقامها ابتداءً من بعد القذف.

وأمّا الرابع: فلأنّا لا نُسلّم كون اللِّعان حجّة ضعيفة بعد دلالة الكتاب والسُّنة على حجيّته.

وعن «الخلاف»(3)، و «المختلف»(4)، و «التحرير»(5): عدم اشتراطه.5.

ص: 112


1- المستدرك: ج 15/432 ح 18740-4، عوالي اللآلي: ج 3/411 ح 1.
2- سورة النور: الآية 6.
3- الخلاف: ج 5/8.
4- مختلف الشيعة: ج 7/471.
5- تحرير الأحكام: ج 4/125.

وقوّاه في «المسالك»(1).

وهو الأظهر لإطلاق النصوص.

ودعوى: ورودها في مقام بيان أحكامٍ اُخر لا إطلاق لها، كما في «الرياض»(2).

تندفع: بأنّ جملة منها مطلقة، لاحظ صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يقذف امرأته ؟ قال عليه السلام: يلاعنها ثُمّ يفرّق بينهما، فلا تَحلّ له أبداً»(2).

ونحوه غيره.

وعليه، فإنكار الإطلاق مكابرة.

ودعوى: أنّ إطلاقها واردٌ مورد الغالب، وهو عدم البيّنة.

مندفعة: بما مرّ مراراً من أنّ غلبة فردٍ وندرة آخر لا تصلحُ مقيّدة للإطلاق.

وما في «الرياض»(4): من الإيراد على المصنّف رحمه الله حيث استدلّ بإطلاق النصوص، وردّ الاستدلال على اعتبار عدم البيّنة بمفهوم الآية الكريمة بأنّه لا مفهوم لها، بل يُحمل القيد على الغالب، بقوله:

(هذه الدعوى لا تُجامع الاستدلال للعموم بالإطلاقات، ومن هنا انقدح وجه التعجّب عن العلّامة حيث استند للعموم بإطلاق النصوص، وأجابَ عن المفهوم بعدم العموم للغلبة، وليتَ شِعري كيف غَفَل عن أنّ قدح الغلبة في المفهوم الذي هو لغةً للعموم ملازمٌ للقَدح في الإطلاق الذي ليس له فيها بطريق أولى )، انتهى .

من غرائب الكلام: وذلك لأنّ عدم حمل الإطلاق والعموم على الغالب إنّما هو لما ذكرناه.0.

ص: 113


1- مسالك الأفهام: ج 10/181. (2و4) رياض المسائل: ج 11/289.
2- الكافي: ج 6/163 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/415 ح 28920.

أقول: وأمّا حمل الآية على الغالب، فإنّما هو من جهة ما حُقّق في محلّه من أنّ الوصف لا مفهوم له، فيبقى أنّه ما الموجب لذكر الوصف إنْ لم يكن له مفهوم ؟

فيُجاب: بأنّه لعلّه ذُكر لأنّه الفرد الغالب، أو لغير ذلك، وأيّ علاقةٍ لذلك بالعموم، فكأنّه قدس سره فَرَض دلالة الوصف على المفهوم، وأنّها تكون بالعموم لا بالإطلاق، وتوهّم أنّ المانع من الالتزام به في المقام كون القيد غالبيّاً، فأورد على المصنّف ما أورد، واللّه تعالى هو المقيل للعثرات.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول بعدم الاشتراط أظهر.

يعتبر أن يكون القذف بالزِّنا

أقول: إنّ المعتبر هو أن يكون القذف بالزِّنا، بلا خلافٍ في ذلك، ويشهد به جملة من النصوص، تقدّم بعضها كصحيح الحلبي وغيره، فلو قذفها بما دون الوطء، لا يثبتُ اللِّعان، كما لا يثبُت بالقذف بالسُّحق.

ولو ادّعى المشاهدة، فهل يثبت به الحَدّ نظراً إلى أنّه قَذَف بفاحشة كما في «الشرائع»(1)؟

أمّا لا كما عن أبي الصَّلاح(2)، والمصنّف في «المختلف»(3)؟

وجهان: أظهرهما الثاني، لأنّ دليل القذف ظاهرٌ في الزِّنا واللّواط، فهو حينئذٍ كالقذف بإتيان البهائم فيه التعزير خاصّة.

ص: 114


1- شرائع الإسلام: ج 3/650.
2- الكافي للحلبي: ص 410.
3- مختلف الشيعة: ج 9/185.

نعم، لا فرق في ثبوت الحَدّ بين الوطء قُبُلاً أو دُبُراً.

وهل اللِّعان يثبتُ بقذفها بالوطء دُبُراً أم لا يثبت ؟

صريح «الشرائع»(1)، و «الرياض»(2)، و «الجواهر»(3): هو الأوّل.

وفي «الجواهر»: (عندنا بل عن «الخلاف» الإجماع عليه).

ومقتضى إطلاق قوله عليه السلام في صحيح أبي بصير: «حتّى يقول إنّه قد رأى بين رِجْليها من يَفجُر بها»، ونحوه غيره، ذلك.

وأمّا ما في صحيح الحلبي من قوله عليه السلام: «فإنّه لا يُلاعنها حتّى يقول رأيتُ بين رِجْليها رَجُلاً يزني بها»، فإنّه لا ينافيها لأنّ الزِّنا هو وطء الإناث، أعمّ من القُبُل والدُّبُر.

وعليه، فالأظهر ثبوت اللِّعان به.

ولو قذف زوجته بالزِّنا:

1 - فإمّا أن يضفيه إلى زمان الزوجيّة.

2 - أو يُطلق.

3 - أو يضيفه إلى ما سبق.

لا إشكال في ثبوت اللِّعان في الأولين، وأمّا الأخير ففيه قولان:

1 - مختار الشيخ في محكيّ «المبسوط»(4)، والمحقّق في «الشرائع»(5)، والشهيد0.

ص: 115


1- شرائع الإسلام: ج 3/649 و 650.
2- رياض المسائل: ج 11/287.
3- جواهر الكلام: ج 34/6.
4- المبسوط: ج 5/193.
5- شرائع الإسلام: ج 3/649 و 650.

الثاني في «المسالك»(1)، وصاحب «الجواهر» رحمه الله(2): هو الثبوت، لعموم قوله تعالى:

(اَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) (3) وما شابهه من النصوص.

2 - وعن الشيخ في «الخلاف»(4): عدم الثبوت، لأنّه لا يقال إنّه قَذَف زوجته كما لو قذف مسلماً بالزِّنا حال الكفر لا يقال إنّه قد قذف مسلماً، ولخصوص الواقعة التي هي سبب نزول الآية.

والأوّل أظهر.

ويردُ الوجه الأوّل للثاني باعتبار أنّ المسبّب للّعان كون الرّمي حين الزوجيّة، ولا دليل على اعتبار كون الرّمي بما وقع حين الزوجيّة، وعليه فيصحّ أن يقال في المثال إنّه قَذَف مُسلماً.

وأمّا الوجه الثاني: فضعفه واضحٌ ، لأنّ خصوص المورد لا يُخصّص العام.

ولو قَذَف زوجته بالزِّنا مستكرهةً عليه، أو مشتبهةً ، أو نائمة، أو في حال الجنون، فلا يوجبُ كلّ ذلك الحَدّ، ولا يثبُت اللِّعان، لأنّه إنّما نَسَبها إلى أمر لا لوم عليه، ولا إثم، بل ليس زناً في عرف الشرع، فلا حَدّ عليه، ولا يثبت اللِّعان، بل عن الشيخ(5) التردّد في التعزير أيضاً، لكنّه في غير محلّه لثبوته للعار والإيذاء.

ولو قَذَفها في حال جنونها بالزِّنا في حال الإفاقة، ثبتَ الحَدُّ، لإطلاق الأدلّة، ولكن قالوا إنّه لا يُقام عليه لا بعد المطالبة منها في حال صحّتها، فإن أفاقت وطالبت6.

ص: 116


1- مسالك الأفهام: ج 10/182.
2- جواهر الكلام: ج 34/8.
3- سورة النور: الآية 6.
4- الخلاف: ج 5/16.
5- المبسوط: ج 5/216.

وإنكار ولدٍ يَلحقُ به ظاهراً.

به صَحّ اللِّعان منه، لإسقاطه، وليس لوليّها المطالبة بالحَدّ ما دامت حَيّة، لأنّ طريق إسقاطه من جانب الزوج بالملاعنة التي لا تصحّ من الولي.

ولكن يمكن أن يقال: إنّه يثبت له اللِّعان لعدم دخل لعان المرأة في نفي حَدّ القذف بلعان الرّجل، بل هو موجبٌ لسقوط العذاب عنها، وعليه فيتّجه اللِّعان منه لإسقاط الحَدّ عنه، إلّاأن يكون هناك إجماعٌ على ما ذكروه.

إنكار الولد

السَّبب الثاني: إنكار الولد، بلا خلافٍ ، وقد تقدّم في جملةٍ من النصوص حَصر اللِّعان به.

ويعتبر فيه: ولادة الولد على فراشه، ولم يعلم وضعها لأقلّ مدّة الحمل، ولا لأقصاه، وإلّا لانتفى الولد بغير لعانٍ ، وهذا هو مراد المصنّف رحمه الله بقوله: (وإنكار ولدٍ يلحق به ظاهراً).

ولا يجوز له النفي إلّامع العلم بانتفائه عنه، وإلّا فلا يجوزُ، لأنّ الولد لاحقٌ شرعاً بالفراش، من غير فرقٍ بين أن يجد ريبةً أم لا، ولا بين أن يُشابه لونه وخُلُقه لون الأب وخلقه وعدمه.

وفي النبويّ : «أيّما رجلٍ جَحَد ولده وهو ينظر إليه، احتجب اللّهُ منه، وفَضَحَه على رؤوس الأوّلين والآخرين»(1).

ص: 117


1- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 2/202، السنن الكبرى البيهقي: ج 7/403.

وفي صحيح أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «كُفرٌ باللّه من تبرّأ من نَسَب وإنْ دَقّ »(1).

أقول: ومع علمه بانتفائه عنه، يجبُ عليه النفي ولو باللِّعان، إذا كان الظاهر لحوقه به، بلا خلافٍ فيه، حذراً من لحوق من ليس منه بسكوته.

ولو كان الزّوجُ حاضراً وقت الولادة:

1 - فإنْ نفاه، فلا كلام.

2 - وإنْ أقرَّ بالولد لزمه، وليس له أن ينفيه بعده، ولا ينتفي بانتفائه بلا خلافٍ .

بل عن «القواعد»(2): الإجماع عليه، لا لخصوص قاعدة إقرار العقلاء حتّى يقال إنّه لو علم أنّ منشأ إقراره الأخذ بظاهر قاعدة الفراش، لا وجه لعدم نفيه باللّعان لولا الإجماع، لأنّه لا يزيد حينئذٍ حكم قاعدة الإقرار على قاعدة الفراش التي ثبتَ اللِّعان لنفي مقتضاها، كما في «الجواهر»(3)، بل لقويّ السكوني، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال:

«إذا أقرَّ الرّجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبداً»(4).

فإنّ مقتضى إطلاقه أنّه ليس له أن ينفيه بعدما أقرَّ به، من غير فرقٍ بين مناشئ الإقرار.

3 - وإنْ سكت ولم يُنكر الولد، مع ارتفاع الأعذار:9.

ص: 118


1- الكافي: ج 2/350 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/506 ح 27710.
2- قواعد الأحكام: ج 3/184-185.
3- جواهر الكلام: ج 34/18.
4- التهذيب: ج 8/183 ح 63، وسائل الشيعة: ج 21/499 ح 27689.

فعن المشهور كما في «المسالك»(1): أنّه ليس له إنكاره بعد ذلك، إلّاأن يؤخّر بما جرت العادة به، كالسّعي إلى الحاكم، لأنّ حقّ النفي على الفور.

وعن المصنّف رحمه الله(2)، وفي «الشرائع»(3)، و «المسالك»(4): أنّ له إنكاره، وأنْ حقّ النفي على التراخي.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّه خيارٌ يثبت لدفع ضررٍ متحقّق، فيكون على الفور كالرّد بالعيب.

2 - وبأنّ الولد إذا كان منافياً عنه وجبَ إظهار نفيه، حذراً من استلحاق من ليس منه، وقد تعرّض بالتأخير عوارض مانعة منه كالفوت فجأةً فيفوت التدارك، وتختلط الأنساب، وذلك ضررٌ يجب التحرّز منه على الفور.

3 - وبأنّه لولا اعتبار الفور، أدّى إلى عدم استقرار الأنساب.

ولكن يَردُ على الأوّل: إنّ منشأ ثبوت هذا الحقّ إنْ كان هو قاعدة لاضرر، تمّ ما اُفيد، نظراً إلى أنّه يندفع الضرر بخصوص ثبوته في الآن الأوّل عرفاً، ولا يتمّ إذا كان منشأه إطلاق ما دلّ على ثبوت حقّ النفي له، لا لاستصحاب ذلك مع التراخي، كما في «الجواهر»(5)، بل لإطلاق الأدلّة.

والقول بذلك في الرّد بالعيب لو سُلّم، فإنّما هو لعموم أدلّة لزوم العقد، الشامل لما بعد زمان الفور، وهذا لا ربط له بالمقام.7.

ص: 119


1- مسالك الأفهام: ج 10/193 و 194.
2- تحرير الأحكام: ج 4/128.
3- شرائع الإسلام: ج 3/652.
4- مسالك الأفهام: ج 10/193 و 194.
5- جواهر الكلام: ج 34/17.

وأمّا الوجهان الآخران: فغاية ما يدلّان عليه، لزوم النفي فوراً، لا سقوطه بعد مضيّ زمانه كما لا يخفى .

فإذاً القول الثاني أظهر.

***

ص: 120

ويُشترط في الملاعن والملاعنة: التكليف.

اعتبار التكليف والإسلام في المُلاعن والملاعنة

المورد الثاني: في الشرائط، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى : (ويشترط في الملاعن والملاعنة التكليف) فلا يصحّ لعان الصّبي والمجنون إجماعاً، لأنّ اللِّعان إمّا شهادةٌ أو يمين، والصَّبي والمجنون ليسا من أهل الشهادة ولا اليمين.

ولا يقتضي قذفهما، اللِّعان بعد البلوغ والإفاقة، ولأنّه لا يترتّب على قذفهما حَدٌّ كي يراد إسقاطه باللِّعان.

والمنساق من الآية الشريفة وما ماثلها من النصوص غيرهما، أضف إلى ذلك كلّه ما دلّ على رفع القلم عن الصَّبي والمجنون(1)، الشامل للأحكام التكليفيّة والوضعيّة، منها صحّة اللِّعان.

وهل يعتبر فيهما الإسلام كما عن الإسكافي(2)، والحِلّي(3) في القذف خاصّة، أم لا كما هو المشهور بين الأصحاب ؟

وجوهٌ ، ونخبة القول في المقام يثبت بالبحث:

أوّلاً: في الملاعِن.

ص: 121


1- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81.
2- حكاه عنه في المختلف: ج 7/455.
3- السرائر: ج 2/697.

وثانياً: في الملاعنة.

أمّا الأوّل: فيشهد لعدم اعتبار الإسلام فيه، إطلاق أدلّة اللِّعان الشامل للكافر، واستدلّ لاعتباره:

بأنّ اللِّعان شهادةٌ بقرينة قوله تعالى : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ...) إلخ، خصوصاً بعد قوله تعالى : (وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ ) ، وهي لا تُقبل من الكافر.

ويَردُّه: إنّ صريح الآية إرادة اليمين من الشهادة، لقوله تعالى : (أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (1)، واليمين يستوي فيها المسلم والكافر.

ويعضده: صحّة لعان الفاسق، مع أنّه لا تُقبل شهادته.

وأيضاً يعضده: ما ورد في الخبر من قوله عليه السلام(2): «مكان كلّ شاهدٍ يمين».

وما في «الرياض»(3): من أنّ ذلك ملازمٌ لكون الاستثناء في الآية منقطعاً، إذ ليس المراد بالشهداء المستثنى منهم الحلفاء، بل الشهود بالمعنى المتعارف.

غريبٌ : فإنّ مفاد الآية الكريمة - على ما ذكرناه - أنّه إنْ رَمى زوجته بالزِّنا، ولم يكن له بيّنة، فالمُثبِت له اليمين الخاصّة.

وإنْ شئت قلت: إنّ المستثنى هو شهادة أحدهم، وهو متّصلٌ ، ولكن بيّن في ذيل الآية أنّ شهادة أحدهم هي اليمين أربعاً.

ويمكن أن يُستدلّ له: بالنصوص الآتية في المُلاعنة، بضميمة عدم القول بالفصل.

ثمّ إنّه يتصوّر لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان ذميّين، فترافعا إلينا، ويمكن فرض الزوجة مسلمة والزوج كافراً، فيما إذا أسلَمَتْ وأتت بولدٍ يلحق به شرعاً فأنكره.1.

ص: 122


1- سورة النور: الآية 6.
2- الكافي: ج 7/403 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/418 ح 28927.
3- رياض المسائل: ج 11/291.

وأمّا الملاعنة: ففيها طائفتان من الأخبار:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على وقوع اللِّعان مع كونها كافرة:

منها: حسن جميل، عن مولانا الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الحُرّ بينه وبين المملوكة لعان ؟

فقال عليه السلام: نعم، وبين المملوك والحُرّة، وبين العبد والأمَة، وبين المسلم واليهوديّة والنصرانيّة»(1).

ومنها: خبر حريز، عنه عليه السلام: «بين الحُرّة والأمَة والمسلم والذّمية لعان»(2).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على اعتبار الإسلام فيها:

منها: خبر ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا يلاعن الحُرّ الأمَة، ولا الذميّة ولا التي يتمتّع بها»(3).

ومنها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ مسلم تحته يهوديّة أو نصرانيّة أو أمَة، ينفي ولدها، وقَذَفها، هل عليه لعان ؟

قال عليه السلام: لا»(4).

ونحوهما غيرهما.

وحيث أنّ الأُولى أصَحّ سنداً وموافقةً لفتوى الأكثر، الّتي هي اُولى المرجّحات فتقدّم.8.

ص: 123


1- التهذيب: ج 8/188 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/419 ح 28929.
2- التهذيب: ج 8/189 ح 14، وسائل الشيعة: ج 22/420 ح 28933.
3- التهذيب: ج 8/188 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/420 ح 28931.
4- التهذيب: ج 8/189 ح 17، وسائل الشيعة: ج 22/421 ح 28938.

وسلامة المرأة من الصَّمم، والخَرَس، ودوام النكاح.

وأمّا الاستدلال لاعتبار الإسلام فيها بالآية، فتقريبه والجواب عنه ما مرّ ذكره في الملاعن.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار الإسلام فيهما.

المسألة الثانية: (و) يعتبر في اللِّعان (سلامة المرأة من الصَّمم والخَرَس) وقد مرّ الكلام في ذلك في كتاب النكاح(1) في أسباب التحريم في السبب الثالث عند تعرض المصنّف رحمه الله له.

اعتبار دوام النكاح والدخول

المسألة الثالثة: (و) يعتبر في الملاعنة مضافاً إلى ما مرَّ أُمورٌ:

الأمر الأوّل: (دوام النكاح).

فلا يجوزُ لعانُ المتمتّع بها مطلقاً، على المشهور، بل عليه الإجماع في نفي الولد في كلام جماعةٍ ، بل مطلقاً كما عن «الغُنية»(2).

خلافاً للمفيد(3)، والمرتضى(4) في القذف خاصّة.

يشهدُ للمشهور: صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

«لا يُلاعن الرّجل المرأة التي يتمتّع منها»(5).

ص: 124


1- فقه الصادق: ج 31/286، مبحث (اسباب التحريم).
2- غنية النزوع: ص 378.
3- المقنعة: ص 540-542.
4- الإنتصار: ص 276.
5- التهذيب: ج 8/189 ح 18، وسائل الشيعة: ج 22/430 ح 28959.

وفي اشتراط الدخول قولان.

وصحيح ابن سنان، عنه عليه السلام، قال: «لا يُلاعن الحُرُّ الأمَة، ولا الذميّة، ولا التي يتمتّع بها»(1). ونحوهما غيرهما.

واستدلّ للقول الآخر: بعموم الآية الكريمة، ولا ينافي ذلك ورودها في الدائم، لأنّ خصوص السبب لا يُخصّص العام، وإطلاقها وإنْ كان يشمل اللّعان لنفي الولد، ولكن للاتّفاق على أنّ ولد المتمتّع بها ينتفي بغير لعانٍ ، لا معنى للّعان فيه.

ويردّه: إنّ عموم الكتاب يُخصّص بالنصوص الصحيحة المعمول بها، كما حُقّق في محلّه، وقد تقدّم البحث في هذه المسألة في كتاب النكاح في مبحث المتعة(2).

أقول: ثمّ إنّه لابدّ وأن يُعلم أنّ ولد المتمتّع بها وإنْ كان يُنتفي بمجرّد النفي من غير لعانٍ ، ولكن لا يجوزُ نفيه إلّامع العلم بالانتفاء، وإن عَزَل، أو اتّهمها، أو ظنّ الانتفاء، لأنّ المني سباقٌ ، و «الولدُ للفراش»(3)، وللنصوص الخاصّة(4).

الأمر الثاني: الدخول:

اعتبره جماعةٌ ، وأنكره آخرون، وفصّل ثالثٌ بثبوته بالقذف دون نفي الولد، (و) ظاهر المصنّف رحمه الله حيث قال: (في اشتراط الدخول قولان) التوقّف في المسألة.

وفي «المسالك»(5): جَعل محلّ الخلاف لعانها بالقَذف، وادّعى الإجماع على 2.

ص: 125


1- التهذيب: ج 8/188 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/420 ح 28931.
2- فقه الصادق: ج 32/331.
3- التهذيب: ج 8/183 ح 64، وسائل الشيعة: ج 22/430 ح 28958.
4- وسائل الشيعة: ج 21/69 باب 33 من أبواب المتعة.
5- مسالك الأفهام: ج 10/212.

عدم لعانها بالولد، مع أنّ المحكي عن المفيد(1)، والصيمري(2)، والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(3) ثبوت اللِّعان لنفي الولد أيضاً.

أقول: وكيف كان، فيشهد للأوّل الذي هو المشهور بين الأصحاب جملةٌ من النصوص:

منها: موثّق أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «لا يقعُ اللِّعان حتّى يدخل الرّجل بأهله»(4).

ومنها: خبر محمّد بن مضارب، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: ما تقولُ في رجلٍ لاعنَ امرأته قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: لا يكون ملاعناً إلّابعد أن يدخل بها، يُضرب بها حَدّاً وهي امرأته ويكون قاذفاً»(5).

وفي سنده أبان وجعفر بن بشير الملحقان للسَّند بالصحيح، أو ما يقرب منه، فإنّ الأوّل من أصحاب الإجماع، وقيل في الثاني: (إنّه يروي عن الثقات ويروون عنه).

ونحوهماغيرهما من النصوص المنجبر ضعفها بحسب السند لو كان، وقدعرفت عدم الضعف بفتوى الأكثر، بل عليه الإجماع كما عن «الخلاف»(6) و «الغنية»(7).8.

ص: 126


1- المقنعة: ص 541.
2- حكاه عنه في الرياض: ج 11/294.
3- قواعد الأحكام: ج 3/20.
4- التهذيب: ج 8/192 ح 30، وسائل الشيعة: ج 22/412 ح 28912.
5- التهذيب: ج 8/197 ح 51، وسائل الشيعة: ج 22/414 ح 28918.
6- الخلاف: ج 5/31.
7- غنية النزوع: ص 378.

واستدلّ للثاني: بعموم الآية والسُّنة.

ويَردّه: إنّه لابدّ وأن يُخصّص العموم بالنصوص المتقدّمة، مضافاً إلى الإجماع على انتفاء الولد مع عدم الدخول، ولا يحتاج في نفيه إلى اللِّعان، لأنّ قبل الدخول القول قولُ الزوج مع يمينه.

واستدلّ للثالث: بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الحِلّي(1): من أنّه به يُجمع بين الأدلّة، بمعنى حمل ما دلّ على اشتراط الدخول على ما إذا كان لنفي الولد، والآخر على القذف.

ويردّه: - مضافاً إلى أنّه إن أراد بما يدلّ على عدم اعتبار الدخول عموم الآية والسُّنة، فالنسبة بينهما وبين النصوص المتقدّمة عمومٌ مطلق، وإطلاق المقيّد مقدّمٌ على إطلاق المطلق.

وإن أراد به ما يدلّ على ذلك صريحاً، فلم نظفر به.

وإلى أنّ الجمع المذكور تبرّعيّ لا شاهد به - أنّ جملة من النصوص الدالّة على اشتراط الدخول، إنّما هي في القذف:

منها: مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، قال:

«قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: الرّجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: يُضرب الحَدّ»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً غائبة لم يرها فقذفها؟ فقال عليه السلام: يُجلد»(3).7.

ص: 127


1- السرائر: ج 2/698.
2- الكافي: ج 7/211 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/413 ح 28913.
3- التهذيب: ج 10/78 ح 68، وسائل الشيعة: ج 22/414 ح 28917.

ونحوهما غيرهما.

الوجه الثاني: إنّ نصوص الاشتراط ضعيفة، وعموم الآية والسُّنة لا يشمل اللِّعان قبل الدخول لنفي الولد، لعدم توقّف نفيه على اللِّعان إجماعاً، لعدم وجود شرائط الإلحاق، ذكره في «المسالك»(1).

وفيه: ما عرفت من اعتبار النصوص سنداً.

الوجه الثالث: تنزيل الأخبار على اعتبار الدخول بالنسبة إلى نفي الولد، الذي لا يتوقّف نفيه قبل الدخول على اللِّعان.

وفيه: إنّه لا وجه لذلك، مضافاً إلى أنّ جملة من النصوص المُشتَرِطة للدخول في اللِّعان بالقذف.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر اشتراط الدخول مطلقاً.

الأمر الثالث: أن لا تكون المرأة مشهورة بالزِّنا، كما عن المحقّق رحمه الله في «الشرائع»(2).

وعن «كشف اللّثام»(3): لم أرَ من اشترطه من الأصحاب غير المصنّف رحمه الله.

والمحقّق، ظاهره التأمّل فيه، والظاهر أنّ وجهه إطلاق الأدلّة.

واستدلّ للاشتراط:

1 - بأنّ اللِّعان شُرِّع صوناً لعِرْضها من الانتهاك، وعِرْضُ المشهورة بالزِّنا منتهكٌ .8.

ص: 128


1- مسالك الأفهام: ج 10/212.
2- شرائع الإسلام: ج 3/649.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/288.

2 - وبما سيأتي في محلّه من اعتبار الإحصان، بمعنى العِفّة في حَدّ القذف الذي شُرِّع لسقوطه اللِّعان في الزوجين.

أقول: وهما كما ترى مختصّان باللّعان بالقذف، ففي اللِّعان لنفي الولد لا شبهة في عدم اعتباره.

***

ص: 129

كيفيّة اللِّعان

المورد الثالث: في كيفيّة اللِّعان:

ولا يصحُّ اللِّعان في زمان الغيبة إلّاعند الحاكم الشرعي المجعول والياً وحاكماً(1) من قبل صاحب الأمر - روحي فداه - لأنّ اللِّعان ضربٌ من الحكم، بل هو من أقوى أفراده، لافتقاره إلى سماع الشهادة أو اليمين، والحكم بالحدود، ودفعه بالشهادة بعد ذلك، أو اليمين، وحكمه بنفي الولد، وفي النصوص شهادة بذلك:

منها: المرسل عن مولانا الصادق عليه السلام، أنّه قال:

«اللِّعان أن يقول الرّجل لإمرأته عند الوالي: إنّي رأيتُ رجلاً مكان مجلسي منها، أو ينتفي من ولدها، فيقول: ليس منّي، فإذا فعلا ذلك تلاعنا عند الوالي»(2).

ونحوه غيره.

أقول: ولايتوهّم كون ذلك من مناصب الإمام عليه السلام، وثبوته للحاكم محلّ إشكالٍ ، وذلك للنصوص الآتية المتضمنّة للآداب، المصرّح فيها بالإمام، فإنّه لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم مشروعيّته عند غيره، فلا يقيّد بها إطلاق المرسل وما شابهه.

وعن «المبسوط»(3)، و «الوسيلة»(4)، و «القواعد»، و «الشرائع»(5) وغيرها:

أنّهما لو تراضيا برجلٍ من العامّة، فلاعن بينهما جاز، ولم يُصرّح في الأوّلين بالعامّة،

ص: 130


1- وسائل الشيعة: ج 27/136 باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1-6.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 15/435 ح 18750-3، دعائم الإسلام: ج 2/281 ح 1059.
3- المبسوط: ج 5/223.
4- الوسيلة: ص 338.
5- قواعد الأحكام: ج 3/188، شرائع الإسلام: ج 3/654.

وصورته أنْ يقول الرّجلُ : «أشهدُ باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما قُلتُه عن هذه المرأة» أربع مرّات.

ولكن زاد في الأوّل منهما: (أنّه يجوز عندنا) مُشعراً بالاتّفاق على جوازه، فتوهّم أنّ مرادهم جواز اللِّعان في زمان الغيبة عند غير الحاكم الشرعي.

إلّا أنّه في «المسالك»(1) قال: (والمراد بالرَّجل العامّي الذي يتراضى به الزوجان، الفقيه المجتهد حال حضور الإمام، لكنّه غير منصوبٍ من قبله، وسمّاه عاميّاً بالإضافة إلى المنصوب، فإنّه خاصٌّ بالنسبة إليه).

وعليه، فلا يهمّنا البحث فيه، وأنّه هل يعتبر تراضيهما بعد الحكم أم لا، فإنْ ساعدنا التوفيق، وأدركنا زمان حضوره عليه السلام نسألُ منه ونستريح من هذا النزاع.

وفي «المسالك»(2) بعد ذكر القولين، والاستدلال لهما، قال:

(أمّا في حال الغيبة، فينفذ فيه حكم الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، لأنّه منصوبٌ من قِبل الإمام على العموم، كما يتولّى غيره من الأحكام، ولا يتوقّف على تراضيهما بعده، لأنّ ذلك مختصٌّ بقضاء التحكيم).

(وصورته أن يقول الرّجل) أوّلاً: (أشهدُ باللّه إنّي لمن الصادقين فيما قُلتُه عن هذه المرأة) من الزِّنا، أو أنّ الولد ليس من مائي (أربع مرّات).

لكن ذَكَر غير واحدٍ، أنّه إذا أراد نفي الولد، قال: إنّ هذا الولد من زنا وليس منّي.9.

ص: 131


1- مسالك الأفهام: ج 10/228 و 229.
2- مسالك الأفهام: ج 10/228 و 229.

ثُمّ يَعِظه الحاكم، فإنْ رَجَع حَدَّه، وإلّا قال: إنّ لعنة اللّه عليه إنْ كان من الكاذبين.

وعن «التحرير»(1): لو اقتصر على أحدهما لم يَجُز.

وفيه: إنّه تختصّ الأدلّة في اللِّعان لنفي الولد، بما إذا ثبت كونه من زنا، ودعوى الزوج ذلك، بل يعمُّ ما لو احتمل الشُّبهة، بل ولو علم به، بل مقتضى إطلاق أدلّته صحّة اللِّعان لنفي الولد خاصّة من غير قذفٍ بالزِّنا، واختصاص الآية الكريمة بالقذف لا يوجبُ تخصيص النصوص المطلقة لعدم المفهوم لها.

وعليه، فالأظهر الاكتفاء بما ذكرناه.

(ثُمّ يَعِظه الحاكمُ ) بأن يذكر له أنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدُّنيا، ويقرأ عليه قوله تعالى : (إِنَّ اَلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اَللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) (2).

أو يقول له: (اتّق اللّه فإنّ لعنة اللّه شديدة) كما في الخبر(3).

وفي خبر عبدالرحمن: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال للرجل بعد الشهادات الأربع:

إتَّق اللّه، فإنّ لعنة اللّه شديدة، ثمّ قال: اشهد الخامسة»(4).

(فإنْ رَجَع) الزوج عن دعواه (حَدّه) الحاكم بلا خلافٍ ، والنصوص الآتية تشهد به كما ستعرف.

(وإلّا قال: إنّ لعنة اللّه عليه إنْ كان من الكاذبين).2.

ص: 132


1- تحرير الأحكام: ج 4/136.
2- سورة آل عمران: الآية 77.
3- الفقيه: ج 3/536 ح 4853، وسائل الشيعة: ج 22/408 ح 28904.
4- التهذيب: ج 8/184 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/407 ح 28902.

ثمّ تقولُ المرأة أربع مرّات: «أشهدُ باللّه إنّه لمن الكاذبين»، ثُمّ يعِظُها الحاكم، فإنْ اعترفت رَجَمها، وإلّا قالت: «إنّ غضب اللّه عليها إنْ كان من الصادقين»، فتحرُمُ أبداً.

(ثُمّ تقول المرأة أربع مرّات: أشهدُ باللّه إنّه لمن الكاذبين، ثمّ يَعِظُها الحاكم، فإنْ اعترفت رَجَمها، وإلّا قالت: إنّ غَضَب اللّه عليها إنْ كان من الصادقين) فيما رماها به من الزِّنا.

(ف) إذا تمَّ ذلك (تَحرُم) المرأة الملاعَنة على الملاعن (أبداً)، وقد تقدّم الكلام في ذلك في كتاب النكاح(1) مفصّلاً، ولا نعيدُ ما ذكرناه.

***0.

ص: 133


1- فقه الصادق: ج 32/230.

ويجبُ التلفّظ بالشهادة. وقيامهما عند التلفّظ.

واجبات اللِّعان

أقول: إنّ اللِّعان يشتملُ على واجبٍ (و) مندوبٍ ، فالكلام يقع في موضعين:

الموضع الأوّل: فيما (يجبُ ) فيه، وهي اُمور:

الأمر الأوّل: (التلفّظ بالشَّهادة) على الوجه المزبور، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها كقوله: (شهِدتُ اللّه) أو (أنا شاهد) أو (أحلف باللّه) أو (أقسم)، أو أبدل لفظ الجلالة كقوله: (أشهدُ بالرَّحمن) ونحوه، أو أبدل كلمة الصدق والكذب بغيرهما ممّا يفيد معناهما، كقوله: (إنّي لصادق)، أو حَذَف لام التأكيد، أو قال: (إنّها زنت)، أو قالت المرأة: (إنّه لكاذب)، أو أبدل اللّعن بغيره ولو بلفظ الإبعاد والطرد، أو لفظ (الغَضب) ولو بالسُّخط أو أحدهما بالآخر، لم يقع، بلا خلافٍ في ذلك.

واستدلّ له: بأنّ جميع ذلك خلاف المنقول شرعاً، ولكن لولا التسالم على ذلك كلّه أمكن المناقشة فيها، لأنّه لا تدلّ الآية ولا النصوص على اعتبار الألفاظ المذكورة خاصّة، بل ظاهرها إرادة إبراز المعنى المزبور، إلّاأن اتّفاق الأصحاب يقتضي الالتزام بجميع ذلك.

(و) الأمر الثاني: (قيامهما) أي المُلاعِن والملاعنة (عند التلفّظ) بلا خلافٍ يعتدّ به، وإنّما الخلاف في أنّه:

هل يجبُ أن يكونا قائمين عند تلفّظ كلّ منهما، كما عن الشيخ في «النهاية»(1)،

ص: 134


1- النهاية: ص 520.

والمفيد(1)، وأتباعهما، وأكثر المتأخّرين ؟

أم يكون الواجب هو قيام كلٍّ منهما عند لفظه، كما عن الصدوق(2)، والشيخ في «المبسوط»(3)، والحِلّي في «السرائر»(4)، وفي «الشرائع»(5)؟

أقول: ومنشأه اختلاف الأخبار.

ويشهد للأوّل منهما: صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج:

«إنّ عبّاد البصري سأل أبا عبداللّه عليه السلام وأنا حاضر: كيف يُلاعن الرّجل المرأة ؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام - وحكى قصّة الرّجل الذي جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وأخبره عن أهله، إلى أن قال -:

فأوقفها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ثمّ قال للرجل: إشهد أربع شهادات... الحديث»(6).

وحسن محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن المُلاعِن والملاعنة كيف يصنعان ؟

قال عليه السلام: يجلس الإمام مستدبر القبلة، يقيمها بين يديه مستقبل القبلة بحذائه، ويبدأ بالرّجل ثمّ بالمرأة»(7).

ونحوهما غيرهما.5.

ص: 135


1- المقنعة: ص 540.
2- المقنع: ص 355.
3- المبسوط: ج 5/198.
4- السرائر: ج 2/699.
5- شرائع الإسلام: ج 3/655.
6- التهذيب: ج 8/184 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/407 ح 28902.
7- الكافي: ج 6/165 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/409 ح 28905.

واستدلّ للثاني:

1 - بما رواه عن الصدوق، عن البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام، قال: «قلتُ له:

أصلحك اللّه كيف الملاعنة ؟(1)

إلى أن قال: وفي خبرٍ آخر: ثمّ يقوم الرّجل فيحلف أربع مرّات - إلى أن قال - ثمّ تقوم المرأة فتحلف أربع مرّات»(2).

2 - وبما في «الجواهر»(3) بالمحكيّ عن فعل النبيّ صلى الله عليه و آله من أنّه أمرَ عويمراً بالقيام، فلمّا تمّت شهادته أمرَ امرأته بالقيام(4).

ولكن الأوّل منهما: مرسلٌ لا يصلح للمقاومة مع ما تقدّم.

والثاني: لم أظفر به، فإنّه في «الوسائل» روى رواية متضمّنة لقضيّة عويمر، وليس فيها ذلك، بل فيها: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لهما: تقدّما المنبر فلاعنا، فتقدّم عويمر إلى المنبر»(5) والتقديم غير القيام.

وعليه، فالأظهر هو القول الأوّل، ولا ينافي وجوب ذلك ما في المرسل عن الإمام الصادق عليه السلام: «السُّنة أن يُجلِس الإمام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كلّ واحدٍ منهما مستقبل القبلة»(6)، لأنّ المراد بالسُّنة يمكن أن يكون ما ثبت وجوبه بغير الكتاب لا الندب.

فما عن ابن سعيد(7) من استحبابه ضعيفٌ .1.

ص: 136


1- الفقيه: ج 3/536 ح 4852، وسائل الشيعة: ج 22/408 ح 28903.
2- الفقيه: ج 3/536 ح 4853، وسائل الشيعة: ج 22/408 ح 28904.
3- جواهر الكلام: ج 34/57.
4- التهذيب: ج 8/184 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/407 ح 28902.
5- وسائل الشيعة: ج 22/411 ح 28910.
6- مستدرك وسائل الشيعة: ج 15/431 ح 18737-1، دعائم الإسلام: ج 2/281 ح 1060.
7- الجامع للشرائع: ص 481.

وبدأة الرّجل وتعيين المرأة،

(و) الأمر الثالث: (بدأة الرّجل) بالتلفّظ على الترتيب المذكور، فلو بدأتِ المرأة باللِّعان لغي بلا خلافٍ :

1 - لأنّ لعانها لإسقاط الحَدّ عنها، كما هو مقتضى قوله تعالي : (وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا اَلْعَذابَ ) (1) وهو إنّما يجبُ بلعان الزوج.

2 - وللنصوص الواردة في المقام:

منها: حسن محمّد بن مسلم المتقدّم حيث قال عليه السلام: «ويبدأ بالرجل ثمّ بالمرأة».

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن الملاعِن والملاعنة كيف يصنعان ؟

قال عليه السلام: يجلس الإمام مستدبر القبلة، يقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذائه، ويبدأ بالرجل ثمّ بالمرأة»(2).

3 - ولأنّه المحكيّ عن فعل النبيّ صلى الله عليه و آله في صحيح ابن الحجّاج، وقصّة عويمر المتقدّمين.

(و) الأمر الرابع: (تعيين المرأة) بما يُزيل الاحتمال، كذكر اسمها واسم أبيها، أو صفاتها المميّزة لها عن غيرها، لأنّه الثابت، فلو كانت حاضرة تخيّر بين ذلك وبين الإشارة، ويكفي التعيين الإجمالي، كما لو كانت له زوجة واحدة، فقال: زوجتي.5.

ص: 137


1- سورة النور: الآية 8.
2- الكافي: ج 6/165 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/409 ح 28905.

والنطق بالعربيّة مع القدرة، ويجوز غيرها مع العُذر. والبدأة بالشهادات، ثمّ باللّعن في الرَّجل، والمرأة تبدأ بالشهادات، ثمّ بالغَضَب.

(و) الأمر الخامس: (النطق بالعربيّة مع القدرة) على المشهور.

أقول: ولا دليل لهم سوى ما استدلّ به لاعتبار العربيّة في العقود والإيقاعات، وقد مرّ في كتاب النكاح(1) عدم تماميّة شيء منها، فإنْ كان هناك إجماعٌ فهو الحجّة، وإلّا فمقتضى إطلاق الآية والنصوص اللَّتين قد مرّ ظهورهما في إرادة إبراز تلك المعاني بالألفاظ، عدم اعتبار العربيّة.

وعلى أيّ حال، لا إشكال (و) لا خلاف في أنّه (يجوزُ غيرها مع العُذر).

وإشكال سيّد «الرياض»(2) عليه - لولا التسالم - في غير محلّه.

(و) الأمر السادس: (البدأة بالشهادات، ثُمّ باللَّعن في الرّجل، والمرأة تبدأ بالشهادات ثُمّ بالغَضَب) بلا خلافٍ فيه، ويظهر وجه ممّا أسلفناه.

ثمّ إنّ المحكيّ عن «القواعد»(3) زيادة الموالاة بين الكلمات، أي الشهادات في الواجب، وكذا إتيان كلّ واحدٍ منهما باللَّعن بعد إلقاء الحاكم عليه، فلو بادر قبل أن يلقيه الإمام لم يصحّ .

أقول: يشهد للثاني الأخبار المبيّنة لكيفيّة اللِّعان لتضمّنها ذلك، مع أنّ الحَدّ لا يقيمه إلّاالحاكم، فكذا ما يدرؤه، أضف إليه أنّه كاليمين في الدعاوى التي لو حلف قبل الإحلاف لم يصحّ .9.

ص: 138


1- فقه الصادق: ج 31/24.
2- رياض المسائل: ج 11/300.
3- قواعد الأحكام: ج 3/189.

ويستحبُّ جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرّجل عن يمينه، والمرأة عن يساره،

وأمّا الأوّل: فاستدلّ له في محكيّ «كشف اللّثام»(1):

1 - بأنّها من الزوج بمنزلة الشهادات، ويجبُ اجتماع الشهود على الزِّنا.

2 - وبوجوب مبادرة كلّ منهما إلى دفع الحَدّ عن نفسه، ونفي الولد إنْ كان منتفياً.

3 - ولعلّهما بضميمة الاقتصار فيما خالف الأصل على الواقع بحضرته صلى الله عليه و آله، ممّا لم يتخلّل بينهما فصلٌ طويل، تكفي في اعتبارها، فتأمّل.

وفيه: إنّ الجميع كما ترى لا تصلحُ لتقييد إطلاق الأدلّة، ولذا لم يتعرّض غيره من الأصحاب لذلك.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبارها، وإنْ كان الأحوط رعايته.

(ويستحبّ جلوس الحاكم مُستَدبِر القبلة، ووقوف الرَّجل عن يمينه، والمرأة عن يساره).

أقول: وقد دلّ على هذين الأمرين خبر البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«قال له: أصلحك اللّه كيف الملاعنة ؟

قال عليه السلام: يقعد الإمام، ويجعل ظاهره إلى القبلة، ويجعل الرَّجل عن يمينه، والمرأة والصَّبي عن يساره»(2).3.

ص: 139


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/318.
2- التهذيب: ج 8/191 ح 26، وسائل الشيعة: ج 22/408 ح 28903.

وحضور من يسمع اللِّعان. والوعظ قبل اللَّعن والغَضَب.

وعلى خصوص الأوّل، واستحباب استقبال الزوجين، صحيح محمّد بن مسلم(1) المتقدّم.

(و) يستحبّ أيضاً (حضور من يسمع اللِّعان) من أعيان البلد وصُلَحائه، فإنّ ذلك أعظم للأمر والإتّباع، فقد حضر اللِّعان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله جماعةٌ من الصحابة، منهم ابن عبّاس، وابن عُمر، وسهل بن سعد، وهم من أحداث الصحابة، وفي ما تضمّن(2) قصّة عويمر شهادةٌ به.

(و) أمّا (الوعظ قبل اللَّعن والغَضَب) فقد تقدّم ما يدلّ على استحبابه.

***0.

ص: 140


1- الكافي: ج 6/165 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/409 ح 28905.
2- وسائل الشيعة: ج 22/411 ح 28910.

ولو أكذب نفسه

حكم تكذيب الملاعن نفسه

المورد الرابع: في الأحكام، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف بيننا ولا إشكال في أنّه إذا قَذَف الرّجل امرأته، وجب الحَدّ عليه، لإطلاق الأدلّة كتاباً وسُنّةً ، ولا يتعيّن عليه اللِّعان عيناً، بل بلعانه يسقط الحَدّ عنه، ويثبت في المرأة، ولكن يسقط عنها بلعانها، كما هو مقتضى الآية الكريمة.

ومع لعانهما تثبتُ أحكامٌ أربعة:

1 - سقوط الحَدّين.

2 - وانتفاء الولد عن الرَّجل دون المرأة إنْ تلاعنا لنفيه.

3 - وزوال الفراش.

4 - والتحريم المؤبّد.

بلا خلافٍ في شيء من تلكم، والكتاب والسُّنة شاهدان بالجميع، كما تقدّم هنا وفي النكاح.

(ولو أكذب) المُلاعِن (نفسه):

فإن كان ذلك في أثناء اللِّعان، أو قبله، ثبتَ عليه الحَدّ إنْ كان اللِّعان للقذف لا مطلقاً، ولم ينتفِ عنه الولد مطلقاً، وكذا لو نَكَل، بلا خلافٍ :

ص: 141

بعد اللِّعان حُدَّ للقذف.

1 - لأنّ القذف موجبٌ للحَدّ، والفراش للحوق النسب، ولا ينتفيان إلّا باللّعان، وقد أبى عنه.

2 - ولصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«إنّه سُئل عن الرّجل يقذف امرأته ؟

قال عليه السلام: يلاعِنها ثمّ يفرّق بينهما، فلا تحلّ له أبداً، فإنْ أقرَّ على نفسه قبل الملاعنة جُلد حَدّاً وهي امرأته»(1).

3 - وصحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ لاعنَ امرأته فَحَلف أربع شهادات باللّه ثُمّ نَكَل في الخامسة ؟

فقال عليه السلام: إنْ نَكَل عن الخامسة، فهي امرأته وجُلِد، وإنْ نكَلت المرأة عن ذلك إذا كانت اليمين عليها، فعليها مثل ذلك»(2).

ونحوهما غيرهما.

ومقتضى إطلاق الثاني - وكذا الصحيح الآخر - وإنْ كان ثبوت الحَدّ لو اعترف بالولد في أثناء اللِّعان، أو نكل عن الخامسة مع كون اللِّعان لنفي الولد خاصّاً مجرّداً عن القذف بتجويزه الشبهة، إلّاأنّه لا خلاف ولا شُبهة في عدم ثبوت الحَدّ في هذه الصورة، ولا موجب له، فيُحمل إطلاق الخبرين على غير ذلك.

ولو كَذّب نفسه (بعد اللِّعان، حُدَّ للقذف) إنْ كان اللِّعان له كما في المتن، وعن1.

ص: 142


1- الكافي: ج 6/163 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/415 ح 28920.
2- التهذيب: ج 8/191 ح 24، وسائل الشيعة: ج 22/415 ح 28921.

الشيخ في «المبسوط»(1)، والمفيد(2)، والعُمّاني(3)، والمصنّف في «القواعد»(4)، وولده في شرحه(5)، والاصبهاني في شرحه(6)، وقوّاه في «المسالك»(7):

1 - لرواية محمّد بن الفضيل، عن الإمام الكاظم عليه السلام: «أنّه سُئل عن رجلٍ لاعن امرأته، وانتفى من ولده، ثمّ أكذب نفسه، هل يردّ عليه ولده ؟

فقال عليه السلام: إذا كَذّب نفسه جُلد الحَدّ، وردّ عليه ابنه، ولاترجع إليه امرأته أبداً»(8).

2 - ولأنّه آكد باللّعان القذف لتكراره إيّاه فيه، والسقوط إنّما يكون مع علم صدقه أو اشتباه الحال.

أمّا مع اعترافه بكونه كاذباً، فهو قذفٌ محضٌ ، فلا يكون زيادته مسقطة للحَدّ.

2 - ولأنّه ثبت عليه الحَدّ بالقذف، فيستصحب إلى أن يعلم المزيل، ولا يُعلم زواله بلعانٍ ظَهر كذبه.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ محمّد بن الفضيل مشتركٌ بين الثقة والضعيف.

ويَردُ على الثاني: أنّ الذي أكّد القذف هو اللِّعان المُسقِط للحَدّ في نفسه، وإكذاب نفسه الذي هو الموجب لإعادة الحَدّ تنزيهٌ لها لا زيادة هتك.

ويرد الثالث: - مضافاً إلى أنّه باللّعان سقط الحَدّ، فلو استصحب لابدّ من استصحاب عدم الثبوت لا الثبوت - أنّه لا يصلحُ للمقاومة مع العمومات الدالّة8.

ص: 143


1- المبسوط: ج 5/188.
2- المقنعة: ص 542.
3- حياة ابن أبي عقيل العُمّاني: ص 493.
4- قواعد الأحكام: ج 3/190.
5- إيضاح الفوائد: ج 3/453.
6- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 34/69.
7- مسالك الأفهام: ج 10/246.
8- التهذيب: ج 8/194 ح 40، وسائل الشيعة: ج 22/426 ح 28948.

على مسقطيّة اللِّعان للحَدّ مطلقاً.

ودعوى: اختصاصها بصورة العلم بالصدق، أو اشتباه الحال، ولا تشمل صورة اعترافه بالكذب، كما ترى بلا شاهد.

ويشهد لسقوط الحَدّ: - مضافاً إلى ذلك - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ لاعن امرأته وهي حُبلى ، قد استبان حملها، وأنكر ما في بطنها، فلمّا وضعت ادّعاه وأقرَّ به، وزعم أنّه منه ؟

فقال عليه السلام: يُردّ إليه ولده ويرثه، ولا يُجلد، لأنّ اللِّعان قد مَضى »(1).

ونحوه صحيحه الآخر، عنه عليه السلام إلّاأنّ فيه: «لأنّ اللِّعان بينهما قد مضى »(2).

وكذا خبره الثالث، إلّاأنّ فيه: «لأنّه قد مضى التلاعن»(3).

ودعوى: أنّها مختصّة بإكذاب نفسه في نفي الولد دون القذف والحَدّ، إنّما يجبُ إذا أكذب نفسه فيما رماها به من الزِّنا، كما عن الشيخ في «المبسوط»(4)، وإليه يشير في «المسالك»(5) بقوله: (والأُخرى - أي نصوص السقوط - لا تنافيه).

مندفعة: بأنّ ما فيها من التعليل كالصريح في أنّ اللِّعان كان بالقذف ونفي الولد، وإنْ كان المذكور فيها الأخير.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما أفاده الشيخ في «النهاية»(6) و «التهذيب»(7)، وسيّد0.

ص: 144


1- الإستبصار: ج 3/375 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/425 ح 28946.
2- التهذيب: ج 8/190 ح 19، وسائل الشيعة: ج 22/433 ح 28966.
3- التهذيب: ج 8/194 ح 41، وسائل الشيعة: ج 22/424 ح 28944.
4- المبسوط: ج 5/188.
5- مسالك الأفهام: ج 10/246.
6- النهاية: ص 521.
7- التهذيب: ج 8/194 في ذيل ح 40.

ولم يزل التحريم، ويرثه الولد، ولا يرثه الأب، ولا من يتقرّب به.

«الرياض»(1)، وصاحب «الجواهر» رحمه الله(2) وغيرهم من سقوط الحَدّ هو الأظهر.

(و) مع إكذاب نفسه بعد اللِّعان، لا تعودُ الحِليّة بل (لم يزل التحريم) بلا خلافٍ نصّاً وفتوى، بل ولا إشكال.

وإطلاق ما دلّ على الحرمة الأبديّة باللّعان شاملٌ لها، والنصوص الخاصّة الآتي بعضها أيضاً تشهد به.

نعم، بإكذاب نفسه يلحق به الولد، بلا خلافٍ فيه نصّاً وفتوى، لكن فيما عليه لا فيما له، لإقراره أوّلاً بالانتفاء منه، (و) لذا (يرثه الولد) مع اعترافه بعد اللِّعان، (ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به)، ويشهد به:

صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«سألته عن الملاعنة التي يقذفها زوجها، وينتفي من ولدها فيلاعنها ويفارقها، ثمّ يقول بعد ذلك: الولدُ وَلَدي، ويُكذّب نفسه ؟

فقال عليه السلام: أمّا المرأة فلا ترجع إليه، وأمّا الولد فإنّي أردّه عليه إذا ادّعاه، ولا أدعُ ولده بلا ميراثٍ ، وليس له ميراث، ويرثُ الابن الأب، ولا يرثُ الأب الابنَ ، يكونُ ميراثه لأخواله... الحديث»(3).

ونحوه غيره.3.

ص: 145


1- رياض المسائل: ج 11/304.
2- جواهر الكلام: ج 34/69.
3- التهذيب: ج 8/195 ح 43، وسائل الشيعة: ج 22/423 ح 28943.

ولو اعترفت المرأة بعد اللِّعان أربعاً، قيل: تُحدّ.

وما في خبر الكناني من أنّه لا يُردَّ عليه ولده(1)، محمولٌ على عدم اللّحوق به بنحوٍ يترتّب عليه جميع الآثار ومنها أنّه يرث ويرثه أبوه، وتمام الكلام عن ذلك في كتاب الميراث(2).

المسألة الثانية: (ولو اعترفت المرأة بعد اللِّعان) بأنْ أكذبت نفسها، لم يعد شيءٌ من أحكام اللِّعان التي ثبتت به، ولم يجبُ الحَدّ عليها بذلك إجماعاً، لما سيأتي من أنّ حَدّ الزِّنا لا يثبتُ على المُقرّ إلّا أن يُقرّ به أربع مرّات، وقد صرّح بذلك الشهيد الثاني رحمه الله(3).

أقول: وهذا على ما سَلَكناه في إكذاب الرّجل نفسه يَتُمّ .

وأمّا بناءً على مسلكه من أنّ الإكذاب يوجبُ إلغاء تأثير اللِّعان، نظراً إلى اختصاص أدلّته بصورة العلم أو اشتباه الحال، ولا تشمل صورة اعترافه، فلا يتمّ ، فإنّ الموجب لحَدّها هو لعان الرّجل، وإنّما يُسقِط الحَدّ لعانها، والمفروض سقوطه عن التأثير، فيبقى لعان الرّجل على كونه موجباً لحَدّها من دون مُسقطٍ.

وكيف كان، فعلى المختار المُجمع عليه، وهو عدم الحَدّ لو أقرّت بالزِّنا الذي قَذَفها به (أربعاً) بعد اللِّعان، (قيل: تُحدّ) والقائل عليمافي «المسالك»(4)، هو الشيخ في «النهاية»(3) وأتباعه(4)، وابن إدريس(5)، والمصنّف(6)، بل نسبه إلى الأشهر.2.

ص: 146


1- التهذيب: ج 8/194 ح 39، وسائل الشيعة: ج 22/425 ح 28947.
2- فقه الصادق: ج 37/327. (3و4) مسالك الأفهام: ج 10/246 و 247.
3- النهاية: ص 521.
4- المهذّب: ج 2/308.
5- السرائر: ج 2/701.
6- إرشاد الأذهان: ج 2/62.

ولو ادّعت المرأة المطلّقة الحَمل منه

واستدلّ له: بعموم ما دلّ على وجوب الحَدّ على من أقرَّ أربعاً مكلّفاً حُرّاً مختاراً(1)، واختاره هو أيضاً، ولا بأس به، لأنّ لعانها إنّما أسقط وجوب الحَدّ الثابت بلعان الرّجل، ولا يوجبُ سقوط الحَدّ الثابت بإقرارها أربعاً.

أقول: وبه يظهر اندفاع ما استدلّ به للقول بالسقوط، كما في «الجواهر»(2):

1 - باندفاعه باللِّعان.

2 - وبفحوى ما سمعت في إكذاب نفسه.

3 - وبالتعليل في النصوص السابقة بأنّ : «اللِّعان قد مَضى ».

أمّا الأوّل: فلأنّ المندفع باللِّعان الحَدّ الثابت بلعان الرّجل، لا مطلقه.

وأمّا الثاني: فبمنع الأولويّة بعد كون إقرارها أربعاً بنفسه من مُثبتات الحَدّ.

وأمّا الثالث: فلأنّ اللِّعان الماضي لا نقولُ بعدم تأثيره حتّى يستدلّ به في المقام، كما في الصورة السابقة، بل نقول إنّه أوجب سقوط الحَدّ الثابت بلعان الرّجل دون الثابت بغيره.

وعليه، فالأظهر حينئذٍ ثبوت الحَدّ.

ادّعاء المطلّقة الحمل من المُطلِّق

المسألة الثالثة: (ولو ادّعت المرأة المطلّقة الحَمل منه) وأنكر:

فإنْ كان بعد اتّفاقهما على الدخول، لَحِق به الولد، ولا ينتفي إلّاباللّعان إجماعاً.

ص: 147


1- وسائل الشيعة: ج 28/103 باب 16 من أبواب حَدّ الزِّنا.
2- جواهر الكلام: ج 34/70.

فأنكر الدخول، فأقامتِ بيّنة بإرخاء السِّتر، فالأقربُ سقوط اللِّعان، ما لم يثبت الدخول.

وإنْ كان بعد الاتّفاق على عدم الدخول، انتفى بغير لعانٍ .

وإنْ كان بعد الاختلاف (ف) ادّعته الزوجة، و (أنكر) الزوج (الدخول، فأقامت بيّنة بإرخاء السِّتر، فالأقرب) عند المصنّف رحمه الله، والمحقّق(1)، والحِلّي(2)(سقوط اللِّعان ما لم يَثبُتِ الدّخول) بالبيّنة أو الإقرار.

ووجهه: أنّ فائدة اللِّعان من الزوج:

إمّا نفي ولدٍ يُحكم بلحوقه شرعاً، وهو موقوفٌ على ثبوت الوطء، ليصير فراشاً ولم يحصل.

وإمّا لنفي حَدّ القذف عنه، ولم يَقذف.

وإمّا لإثبات حَدّ على المرأة، وهو هنا منتفٍ بالشبهة.

هكذا استدلّ لهذا القول في «المسالك»(3).

ولكن يرد عليه: إنّه قد تقدّم في مبحث المهور(4) أنّ الشارع الأقدس جعل الخلوة أمارةً للدخول، ولذا قد عرفت في ذلك المبحث أنّه لو ادّعى عدم الدخول، وادّعته أنّه يُحكم في الظاهر بأنّ لها تمام المَهر.ر.

ص: 148


1- شرائع الإسلام: ج 3/652.
2- السرائر: ج 2/702.
3- مسالك الأفهام: ج 10/198.
4- فقه الصادق: ج 33/83، الفصل السابع: في المَهر.

ومقتضى إطلاق تلك النصوص ترتّب جميع أحكام الدخول، منها ثبوت اللِّعان.

أضف إلى ذلك الخبر الصحيح الذي رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام:

«عن رجلٍ طلّق امرأته قبل أن يدخل بها، فادّعت أنّها حامل ؟

فقال عليه السلام: إن أقامت البيّنة على أنّه أرخى عليها سِتراً، ثمّ أنكر الولد لاعنها، ثمّ بانَت منه، وعليه المَهر كملاً»(1).

فإنّ المستفاد من هذه الرواية أنّه على تقدير إقامتها البيّنة بإرخاء السّتر، يلزمه ثلاثة أشياء: اللِّعان، والتحريم، ووجوب المَهر، فيوافق مضمونه مع تلك النصوص الدالّة على العمل بظاهر حال الصحيح عند الخلوة بالحليلة، وعدم المانع من الوطء، فيثبت المَهر واللِّعان، ويترتّب عليه التحريم، كما أفاده الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2) على ما حُكي.

وأمّا مع عدم إقامة البيّنة عليه:

فعن الشيخ(3) إثبات أحكامٍ ثلاثة، وهي: وجوب نصف المَهر، ونفي اللِّعان، ووجوب الحَدّ عليها مائة سوط.

والأولان: يثبتان، لأنّهما لازمان لعدم الدخول.

وأمّا الثالث: فلا وجه له، ولم نظفر بمستنده، فإنّ انتفاء الولد عنه بدون اللِّعان لا يُلازم ثبوت الزِّنا، وإنْ اعترفَتْ بالحَمل منه والوطء، اللَّذين كان القول قوله في نفيهما للأصل، إذ لا يلزم من انتفاء السبب الخاص المُحلّل، انتفاء غيره من الأسباب وإنْ لم تدّعيه.3.

ص: 149


1- التهذيب: ج 8/193 ح 36، وسائل الشيعة: ج 22/412 ح 28911. (2و3) النهاية: ص 523.

حكم ما إذا قذف امرأته فماتت قبل اللِّعان

المسألة الرابعة: إذا قذف امرأته فماتت قبل اللِّعان أو إكماله في كلّ منهما:

فالمشهور بين الأصحاب أنّ له الميراث، لبقاء الزوجيّة الموجبة له، وقد فات ما يوجبُ نفي الميراث بموتها وهو التلاعن، والأصل أن لا يقوم غيره مقامه.

وعن الشيخ في «النهاية»(1)، والقاضي(2)، وابن حمزة(3): إن قام رجلٌ من أهلها فلاعنه سَقَط الحَدّ عنه، وسقط إرثه:

1 - لخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجلٍ قذف امرأته وهي في قريةٍ من القُرى ، فقال السلطان: ما لي بهذا علمٌ عليكم بالكوفة، فجاءت إلى القاضي للتلاعن، فماتت قبل أن يتلاعنا، فقالوا هؤلاء: لا ميراث لك ؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام: إنْ قام رجلٌ من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له، وإنْ أبى أحدٌ من أوليائها أنْ يقوم مقامها، أخذ الميراث زوجها»(4).

2 - وخبر عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه، عن مولانا عليّ عليه السلام:

«في رجلٍ قَذَف امرأته ثُمّ خرج فجاء وقد توفّيت ؟

قال عليه السلام: تخيّر واحدة من ثنتين، يقال له: إنْ شئتِ ألزمتِ نفسكِ الذنب، فيُقام عليكِ الحَدّ، ويُعطى الميراث، وإنْ شئتِ أَقررتِ ، فلا عنتِ أدنى قرابتها اليها،

ص: 150


1- النهاية: ص 523.
2- المهذّب: ج 2/310.
3- الوسيلة: ص 337-338.
4- التهذيب: ج 8/190 ح 23، وسائل الشيعة: ج 22/435 ح 28971.

ولا ميراث لكِ »(1).

وأورد عليهم في «الرياض»(2): (بمخالفتهما للأصل من حيث أنّ اللِّعان شُرّع بين الزوجين، فلا يتعدّى إلى غيرهما وأنّ لعان الوارث متعذّرٌ، لأنّه إذ اُريد مجرّد حضور، فليس بلعانٍ حقيقي، وإنْ اُريد إيقاع الصيغ المعهودة من الزوجة، فبعيدٌ، لتعذّر القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالباً، وإيقاعه على نفي العلم تغييرٌ للصورة المنقولة شرعاً، ولأنّ الإرث قد استقرّ بالموت، فلا وجه لإسقاط اللِّعان المتجدّد له)، انتهى .

وفيه: إنّ مخالفة الأصل لا تمنعُ من العمل بالخبر، وكم خبرٍ يُخالف الأُصول والقواعد العامّة ويُعمل به، بل لو كانت هي مانعة عن العمل بالخبر لزم تأسيس فقهٍ جديد.

وأمّا قوله: (إنّ الوارث متعذّرٌ عليه القطع بفعل المورث):

فيردّه: إنّه يمكن ذلك إذا كان الفعل محصوراً، بأنْ يدّعي أنّها زنت في ساعة كذا، وقد كان الوارثُ ملازماً لها في تلك الساعة، أو للمنسوبِ إليه الزِّنا في تلك الساعة، على وجهٍ يُعلم بانتفاء الفعل، كما في نظائره من الشهادات على نفي المحصور.

وأمّا قوله: (إنّ الميراث قد استقرّ بالموت، فلا وجه لإسقاط اللِّعان المتجدّد):

فيردّه: أنّ الوجه له النّص، فكما أنّه يُسقِط اللِّعان الحَدَّ الثابت بالقذف، فليكن مُسقِطاً للميراث الثابت بالموت.

وبالجملة: فالعمدة في الإيراد على الشيخ وتابعيه، ضعف سند الخبرين، أوّلهما8.

ص: 151


1- التهذيب: ج 8/194 ح 38، وسائل الشيعة: ج 22/435 ح 28972.
2- رياض المسائل: ج 11/308.

بالإرسال، والثاني برواية عمرو، وعدم عمل المشهور بهما، فلا وجه لقيام غيرها مقامها، وعليه فميراثه ثابتٌ ، ولكن بما أنّ بعض أحكام اللِّعان مترتّبٌ على لعانه خاصّة، من غير أن يتوقّف على لعانها، وهو سقوط الحَدّ عنه، وثبوته عليها، وليسا هما من قبيل الفُرقة المؤبّدة الموجبة لنفي التوارث، وانتفاء نَسَب الولد عن الأب، المتوقّفة على لعانهما معاً، فاذا ماتت كان له اللِّعان لنفي الحَدّ كما عن الأكثر.

ودعوى جماعةٍ : من المنع عنه، لأنّه وظيفة شرعيّة موقوفة على النقل، ولم يثبت صحّته عن الزوج بعد موت الزوجة.

يردّها: أنّه إمّا أيمانٌ أو شهادة، وكلاهما لا يتوقّفان على حياة المشهود عليه والمحلوف لأجله، وعموم الآية الكريمة وما شابهها من النصوص.

وعليه، فالأظهر سقوط الحَدّ عنه باللِّعان.

وقدذكر الفقهاءفي المقام مسائل اُخر، سيأتي بعضها في كتاب الحدود(1)، وبعضها في كتاب الشهادات(2)، ويظهر حال بعضها ممّا أسلفناه فلا نُطيل الكلام بذكرها.

***

تمّ كتاب الفُرقة في ليلة الأربعاء من شهر ذي القعدة الحرام، سنة 1388 هجريّة، ويتلوه في المتن كتاب العتق، وحيث إنّه لا موضوع له في هذا الزمان، أعرضتُ عن التعرّض له، فها أنا أشرع في كتاب الأيمان بحول اللّه وقوّته وبه أستعين، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً.

***ق.

ص: 152


1- راجع الجزء 39/77 وما بعدها من فقه الصادق.
2- راجع الجزء 38/362 وما بعدها من فقه الصادق.

كتاب الأيمان.

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

الحمد للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، وصلّى اللّه على سيّد المرسلين

محمّد وعترته الطاهرين.

(كتاب الأيمان)

اشارة

الأيمان جمعُ (يمين)، وهي لغةً تُطلق:

تارةً : على الجارحة المخصوصة.

واُخرى : على البركة والقوّة، يقال: (فلانٌ عندنا باليمين، أي بالمنزلة الحُسنى ، قَدِم على أيمن اليمين، أي على اليُمْنِ والبَركة).

وثالثة: على القَسَم(1).

وتُطلق شرعاً على ما ذكره غير واحدٍ(2)، من أنّه: الحِلف باللّه أو بأسمائه الخاصّة لتحقيق ما يُحتمل الموافقة والمخالفة في الاستقبال.

والمراد بكونه شرعاً ليس ثبوت الحقيقة الشرعيّة أو المتشرّعيّة لها، بل ما يترتّب عليه الحَنْث والكفّارة ونحوهما من الأحكام التي رتّبها الشارع على اليمين، وإلّا فهي يمينٌ لغةً قطعاً.

ص: 153


1- الصحاح: ج 6/2220.
2- مختلف الشيعة: ج 8/170، إيضاح الفوائد: ج 4/4، الدروس: ج 2/161 وغيرها.

«لا واللّه بلى واللّه وكلّا واللّه، لا يَعقدُ عليها أو لا يعقد على شيء»(1).

ونحوها غيرها.

ويظهر من بعض النصوص أنّ لها مصداقاً آخر، لاحظ ما ورد في مرسل ابن أبي عُمير، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في قوله تعالى : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اَللّهُ لَكُمْ ...) إلخ(2)، نزلتْ في جماعةٍ حَلف بعضهم أن لا ينام في اللّيل أبداً، وحَلف آخر على أن لا يفطر في اليوم أبداً، وثالث أن لا ينكح أبداً.

إلى أن قال: فصَعَدَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنبر وحَمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: ما بال أقوامٍ يُحرِّمون على أنفسهم الطيّبات، ألا إنّي أنامُ باللّيل، وأنكح، وأفطر في النهار، فمن رَغِب عن سُنّتي فليس منّي.

فقام هؤلاء، فقالوا: يا رسول اللّه قد حلفنا على ذلك ؟

فأنزل اللّه عزّ وجلّ : (لا يُؤاخِذُكُمُ اَللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اَللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) »(3).

أقول: وهي بجميع معانيها ليست محرّمة، ولا يؤاخذ بها، لقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اَللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) (4).

وأمّا الثانية: وهي يمين الغَموس، وهي على ما هو المعهود بين الفقهاء وأهل اللّغة، كما في «المسالك»(3): الحَلفُ على الماضي كاذباً متعمِّداً، بأنْ يحلف أنّه ما فَعَل وقد كان فعل، أو بالعكس.2.

ص: 154


1- وسائل الشيعة: ج 23/239 ح 29474، تفسير العيّاشي: ج 1/112 ح 341.
2- سورة المائدة: الآية 87. (3و4) سورة البقرة: الآية 225.
3- مسالك الأفهام: ج 11/292.

وفسّرها صاحب «التنقيح»(1): بأنّها الحَلفُ على الماضى والحال مع تعمّد الكَذب.

وفي «الرياض»(2): (وهي على ما ذَكره الأكثر: الحَلفُ على أحد الأمرين (أي الماضي والمستقبل) مع تعمّد الكذب، وهي محرّمة بلا خلافٍ ، والنصوص بها مستفيضة.

وفي المستفيض منها - وفيه الصحيح - وغيره، أنّها: «تَذَرُ الدِّيار بلاقع من أهلها»(3).

وفي بعضها: «اليمين الغَمُوس تنتظرُ بها أربعين ليلة»(4).

وفي خبر آخر: «إنّها تثقل الرّحم»(5)، أي تقطع النسل.

وفي ثالث: عدّها «ممّا يُبارَز به اللّه تعالى »(6).

وفي رابع: «أنّها من الكبائر»(7).

ولا كفّارة فيها سوى الاستغفار كما سيأتي.

ولكن المحقّق في «الشرائع»(8) بعدما حكم بكراهة الأيمان الصادقة، قال:

(ويتأكّد الكراهية في الغَموس على اليسير من المال).

وحمله في «المسالك»(9) و «الجواهر»(10) على اليمين الصادقة على الماضي، وهو1.

ص: 155


1- حكاه عنه في الجواهر: ج 35/225.
2- رياض المسائل: ج 11/447.
3- الفقيه: ج 4/379 ح 5801، وسائل الشيعة: ج 23/204 ح 29372.
4- الكافي: ج 7/436 ح 7، وسائل الشيعة: 23 ص 205 ح 29375.
5- وسائل الشيعة: ج 23/202 ح 29367، الخصال: ج 1/124 ح 119.
6- الكافي: ج 7/435 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/203 ح 29370.
7- وسائل الشيعة: ج 15/329 ح 20660، عيون أخبار الرّضا عليه السلام: ج 2/126.
8- شرائع الإسلام: ج 3/721.
9- مسالك الأفهام: ج 11/292.
10- جواهر الكلام: ج 35/341.

لا تحلفوا باللّه كاذبين ولا صادقين»(1).

ومنها: خبر أبي سلّام المتعبّد، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول لسُدير: يا سُدير من حَلَف باللّه كاذباً كفر، ومن حَلَف باللّه صادقاً أثم، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول:

(وَ لا تَجْعَلُوا اَللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) »(2).

ونحوها غيرها.

قال صاحب «المسالك»(3): - بعد الاستدلال لكراهة اليمين الصادقة -

(وليس على إطلاقه، لما ثَبَت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حَلَف كثيراً:

كقوله صلى الله عليه و آله لما حَكى عن سليمان أنّه قال: «لأطوفنّ اللّيلة على سبعين امرأة كلّها تأتي بفارس يقاتل في سبيل اللّه» الحديث، «وأيمُ اللّه، والذي نفسُ محمّدٍ بيده، لو قالوا إنْ شاء اللّه لجاهدوا في سبيل اللّه فُرساناً أجمعون».

وقوله صلى الله عليه و آله في زيد بن حارثة: «وأيمُ واللّه إنْ كان خليقاً بالإمارة».

وغير ذلك من الأيمان المرويّة عنه صلى الله عليه و آله).

ثمّ إنّه في ذيل كلامه اختار أنّها مكروهة إذا كثرت، قال: (وعليه تُحمل الآية، وفي العرضة تنبيه عليه، وكالحلف على القليل من المال، ولا كراهة في غير ذلك).

وفيه: إنّ محلّ الكلام هو بيان حكم اليمين الصادقة من حيث هي، مع قطع النظر عن العوارض الخارجيّة، وما ورد عن المعصومين عليهم السلام من الأيمان، لعلّها كانت مقترنة بما يزيل مرجوحيّتها الّتي لا تصدرُ عنهم، كما يشير إليه خبر عليّ بن مهزيار،1.

ص: 156


1- الكافي: ج 7/434 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/197 ح 29354.
2- الكافي: ج 7/434 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/198 ح 29358.
3- مسالك الأفهام: ج 11/290-291.

قال: «كتب رجلٌ إلى أبي جعفر عليه السلام يحكي له شيئاً.

فكتب عليه السلام إليه: واللّه ما كان ذلك، وإنّي لأكره أن أقول واللّه في حالٍ من الأحوال، ولكن غمّني أن يقال ما لم يكن»(1).

وعليه، فالأظهر هي الكراهة مطلقاً.

أقول: وتتأكّد الكراهة إذا كانت على اليسير من المال:

1 - لمرسل عليّ بن الحكم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ اُدّعي عليك مالٌ ولم يكن له عليك، فأراد أن يَحلفك، فإنْ بلغ مقدار ثلاثين درهماً فاعطه ولا تَحلف، وإنْ كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تُعطه»(2).

المحمول ما في ذيله من الأمر بالحَلف على المال الكثير، على عدم شدّة الكراهة، بقرينة النبويّ الخاصّ : «من أجلّ اللّهَ أنْ يَحلِف به، أعطاهُ اللّه خيراً ممّا ذهب منه»(3).

2 - وما تضمّن دفع زين العابدين عليه السلام إلى امرأته التي ادّعت عليه صِداقها أربعمائة دينار، وقال: «أجللتُ اللّه عزّ وجلّ أنْ أحلف به يمين صبر»(4).

وظاهر الخبر الأوّل تحديد اليسير بمقدار ثلاثين درهماً، ولكن المصنّف قال:

إنّه يختلف باختلاف الشخص والحال، وهو ظاهرُ «الشرائع» حيث أطلق اليسير من المال، ولا بأس به بضميمة مناسبة الحكم والموضوع.

أقول: وتتأكّد الكراهة أيضاً مع إكثارها، للكتاب والسُّنة:4.

ص: 157


1- وسائل الشيعة: ج 23/197 ح 29353، مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/36 ح 19043-6.
2- الكافي: ج 7/435 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/201 ح 29366.
3- الكافي: ج 7/434 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/198 ح 29355.
4- التهذيب: ج 8/283 ح 28، وسائل الشيعة: ج 23/200 ح 29364.

قال اللّه تعالى : (وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ ) (1).

وفي «المسالك»(2): واستثنى بعضهم (أي من الكراهة) ما وقع منها في حاجةٍ لتوكيد كلامٍ أو تعظيم أمرٍ:

فالأوّل: كقوله عليه السلام: «فواللّه لا يملّ حتّى يملّوا».

والثاني: كقوله عليه السلام: «واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً».

وباقي ما ورد عنه صلى الله عليه و آله من الأيمان، راجعٌ إلى هذين.

وفي «الرياض»(3): بعد اختياره ذلك، (لكن عن الأكثر عدم الاستثناء).

وينقسم الأيمان باعتبار العوارض الخارجيّة إلى الأحكام الخمسة، كما قسّمها الأكثر:

فقد يَحرُم كما إذا أوجبَ إضراراً بمؤمنٍ ، أو ما شاكل.

وقد يَجبُ ، كما في استنقاذ نفسٍ محترمةٍ من القتل.

وقد يُستحبُّ ، كما إذا توقّف دفع ظالمٍ عن ماله المُجحف به.

وقد يُباح.

وقد يُكره زيادةً على كراهته كما إذا كَثُر.

وقد تَجبُ اليمين الكاذبة التي تكون محرّمة كما مرَّ، كما إذا توقّف عليها حفظ نفسه، أو نفسٍ محترمة، أو حفظ ماله أو مال غيره، وقد ورد بذلك أخبار عديدة:

منها: صحيح الأشعري، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام، في حديثٍ قال: «سألته عن9.

ص: 158


1- سورة القلم: الآية 10.
2- مسالك الأفهام: ج 11/291.
3- رياض المسائل: ج 11/449.

قال عليه السلام: تتّقي مال أخيك»(1).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة.

وفي «الشرائع»(2)، وعن «القواعد»(3) وغيرها: أنّه إنْ كان ممّن يَحسن التورية وَرّى وجوباً، وإنْ لم يُحسنها جاز الحلف كاذباً.

وأُورد عليهم: بأنّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة جواز الحَلف كاذباً لنجاة نفسه، أو نفسٍ محترمة، أو مالٍ محترم له أو لغيره، من دون إشارة إلى التورية.

وأجاب عنه المحقّق النائيني رحمه الله: بأنّ التورية أيضاً من الكذب المحرّم، ولأجله لم ينبّه عليها.

وفيه: إنّ التورية عبارة عن إلقاء المتكلّم كلاماً له ظهورٌ في معنى، وهو يريد منه غير ذلك المعنى، ويكون المعنى المراد مطابقاً للواقع دون المعنى الظاهر، كما إذا استأذن رجلٌ بالباب وقال له الخادم: ما هو هاهنا، مشيراً إلى موضعٍ خالٍ في البيت.

أقول: ويعتبر في صدق التورية أمران:

أحدهما: أن يكون اللّفظ بحسب المتفاهم العرفي ظاهراً في غير ما أفاده المتكلّم، فلو كان ظاهراً فيه، ولكن المخاطب لقصور فهمه لم يتنبّه له، لم يكن ذلك من التورية.

ثانيهما: أن يكون إرادة ذلك المعنى من ذلك اللّفظ صحيحة، بأن تكون بينهما علاقة، فلو كان استعماله فيه غير صحيح، لما كان من التورية، مثلاً لو قال: (أعطيتُ 0.

ص: 159


1- وسائل الشيعة: ج 23/227 ح 29441، بحار الأنوار: ج 101/284 ح 5.
2- شرائع الإسلام: ج 3/721.
3- قواعد الأحكام: ج 3/270.

زيداً خمسين درهماً)، وأراد به درهماً واحداً، وقد أعطاه في الواقع درهماً، لم يكن ذلك من التورية، وعلى هذا فالتوريةُ خارجةٌ عن الكذب الذي هو عبارة عن عدم مطابقة المعنى المراد للواقع موضوعاً.

فالحقُّ في الجواب عن الإيراد أن يقال:

إنّ عدم الإشارة إلى التورية في الأخبار إنّما هو لأجل أنّ طبع المتكلّم في بيان مراداته بالألفاظ، إنّما هو بإلقاء الألفاظ الظاهرة فيها، ولا يمكن له التورية إلّا بالتروّي، وهو في مقام الخوف والإكراه عَسِرٌ جدّاً، وحَرجٌ شديد، ولذلك لم ينبّه عليها في النصوص.

وعليه، فالأظهر أنّه إنْ كان يحسن التورية من دون أن يكون فيها حَرجٌ وعسرٌ لا يجوز الحلف كاذباً، وإلّا جاز، بل كان راجحاً في بعض الموارد، وواجباً في موارد أُخرى .

أقول: ثمّ إنّه لا يستفاد من النصوص الوجوب لورود الأمر بها فيها موقع توهّم الحظر، فلا يستفاد منها أزيد من الجواز.

نعم، من قول الإمام الباقر عليه السلام لزرارة: «فاحلف لهم، فهو أحلى من الَّتمر والزّبد»(1) يُستفاد الرّجحان.

وعليه، فالحكم بالوجوب متوقّفٌ على توقّف واجبٍ عليها كحفظ نفسٍ محترمة، فلو توقّف عليها حفظ مال الغير، لا تكون واجبة، لما صرّحوا به من عدم وجوب الدفاع عن المال مطلقاً.0.

ص: 160


1- الفقيه: ج 3/363 ح 4286، وسائل الشيعة: ج 23/225 ح 29430.

لا ينعقدُ اليمين بغير أسماء اللّه تعالى ،

الفصل الأوّل في ما ينعقدُ به اليمين

اشارة

المقام الأوّل: فيما ينعقد به اليمين:

(لا ينعقدُ اليمين بغير أسماء اللّه تعالى ) من المخلوقات المعظّمة، والأماكن المشرّفة كالنبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام، والحَرم والكعبة، فضلاً عن غيرها، كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1)، وتشهد به نصوص كثيرة:

منها: صحيح عليّ بن مهزيار، قال:

«قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جُعلت فداك في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ اَللَّيْلِ إِذا يَغْشى * وَ اَلنَّهارِ إِذا تَجَلّى) (2)، وقوله عزّ وجلّ : (وَ اَلنَّجْمِ إِذا هَوى ) (3) وما أشبه ؟

فقال عليه السلام: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به عزّ وجلّ »(4).

ومنها: حديث المناهي: «أنّه صلى الله عليه و آله نهى أن يحلف الرَّجل بغير اللّه، وقال صلى الله عليه و آله: من حَلَف بغير اللّه فليس من اللّه في شيء»(5).

ص: 161


1- الجواهر: ج 40/227: (بلا خلافٍ أجده).
2- سورة اللّيل: الآية 1 و 2.
3- سورة النجم: الآية 1.
4- الفقيه: ج 3/376 ح 4323، وسائل الشيعة: ج 23/259 ح 29519.
5- وسائل الشيعة: ج 23/259 ح 29520، الأمالي للصدوق: ص 424.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّه عزّ وجلّ :

(وَ اَللَّيْلِ ...) الخ ؟

قال: فقال عليه السلام: إنّ للّه عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلّابه»(1).

ومنها: خبرسماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا أرى للرَّجل أن يَحلف إلّاباللّه»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص، نصوصٌ متضمّنة لحلفهم عليهم السلام، أو حلف غيرهم، بغير اللّه تعالى وعدم منعهم عنه:

منها: خبر أبي جرير القُمّي، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: جُعِلتُ فداك، قد عرفتَ انقطاعي إلى أبيك ثم إليك، ثمّ حلفتُ له: وحقّ رسولِ اللّه وحقّ فلانٍ وفلان حتّى انتهيتُ إليه أنّه لا يخرجُ ما تخبرني به إلى أحدٍ من الناس، وسألته عن أبيه أحيٌّ هو أم ميّت ؟ قال: واللّه قد مات...

إلى أن قال: قلت: فأنتَ الإمام ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

ومنها: خبر عبد العزيز بن مسلم، عن الإمام الرّضا عليه السلام في حديثٍ طويل في صفة الإمام، والرّد على من يجوز اختياره، حيث قال: «تعدّوا وبيت اللّه الحقّ ، ونَبَذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم»(4).6.

ص: 162


1- الكافي: ج 7/449 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/259 ح 29521.
2- الكافي: ج 7/450 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/261 ح 29523.
3- الكافي: ج 1/380 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/261 ح 29524.
4- الكافي: ج 1/203 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/262 ح 29526.

ومنها: خبر عليّ بن مهزيار، قال: «قرأتُ في كتابٍ لأبي جعفر عليه السلام إلى داود بن القاسم: إنّي قد جئتُ وحياتك»(1).

ونحوها غيرها.

والجمع بين النصوص إنّما يكون بحمل الأُولى على الحكم الوضعي، لو لم تكن بأنفسها ظاهرة فيه، وهو عدم انعقاد اليمين بغير اللّه تعالى ، ويشهد به:

مضافاً إلى ظهوره، ما دلّ على أنّ اليمين بغير اللّه لا تُكفّر:

منها: خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام: اليمين التي تُكفّر: أن يقول الرّجل:

لا واللّه ونحو ذلك»(2).

ومنها: خبر ميسرة، عن أمير المؤمنين عليه السلام بعدما سأله من كان حَلَف بغير اللّه:

«أنا أكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: لا، لأنّك حلفت بغير اللّه تعالى »(3).

وعن ابن الجُنيد(4): انعقاد اليمين بما عظّم اللّه من الحقوق كقوله: (وحقّ رسول اللّه، وحقّ القرآن).

ويندفع بالنصوص المتقدّمة - مضافاً إلى ما قيل - من أنّ القَسَم بشيء يستلزم تعظيماً له، ولما لم يكن مستحقّاً للتعظيم المُطلق وبالذّات سوى اللّه تعالى ، لم يَجُز القَسَم إلّا به، ووجهه احتمالاً في «الجواهر»(5) بأنّ مراده جواز الحَلف بغير اللّه تعالى ، وأنّه9.

ص: 163


1- وسائل الشيعة: ج 23/264 ح 29532.
2- وسائل الشيعة: ج 23/263 ح 29531.
3- وسائل الشيعة: ج 23/262 ح 29527.
4- حكاه عنه في المختلف: ج 8/142.
5- جواهر الكلام: ج 35/239.

لا ينبغي ترك الوفاء مع منافاته لتعظيم ما اُريد تعظيمه شرعاً، بل لابدّ منه مع فرض الإهانة في بعض الأحوال.

أقسام اليمين باللّه تعالى وأحكامها

أقول: يظهر من النصوص المتقدّمة جواز الحلف باللّه وانعقاده به، إنّما الكلام فى أنّه هل ينعقد بكلّ ما يصدق عليه أنّه حَلفٌ باللّه تعالى ، أم يختصّ بقسمٍمخصوصٍ منه ؟

توضيح ذلك: إنّ أقسام اليمين باللّه تعالى أربعة:

القسم الأوّل: أن يقسم بما يفهم منه ذاته المقدّسة، ولا يحتمل غيره، من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى ، كقوله: (والذي أعبده) أو (اُصلّي له) أو (فَلَق الحبّة) وما شاكل.

القسم الثاني: أن يحلف بالأسماء المختصّة به تعالى ، الّتي لا تُطلق على غيره كاللّه و (الرحمن) و (ربّ العالمين) وما شاكل.

القسم الثالث: أن يحلف بما يُطلق في حقّ اللّه تعالى وفي حقّ غيره، لكن الغالب استعماله في حقّ اللّه تعالى ، وأن يقيّد في حقّ غيره بضربٍ من التقييد، كالرحيم و (الرّب) و (الخالق) و (الرازق) و (المتكبّر) و (القاهر) وما شاكل، وكلّ هذه تُستعمل في حقّ غير اللّه تعالى ، يقال: (فلانٌ رحيمُ القلب) و (ربُّ جماعةٍ ) و (قاهرٌ لفلان) و (قادرٌ على كذا)، ولكن إطلاقها ينصرف إلى اللّه تعالى .

القسم الرابع: أن يقسم بما يطلق في حقّه وحقّ غيره، ولا يغلب استعماله في أحد الطرفين، كالشيء، والموجود، والحَيّ ، والسميع، والبصير، والكريم، وما أشبهها.

ص: 164

أقول: المشهور بين الأصحاب انعقاد الأقسام الثلاثة الأُول، وعدم انعقاد الرابع.

وعن سيّد «المدارك» في «نهاية المرام»(1): احتمال اختصاص الحلف بلفظ الجلالة.

وعن الإسكافي(2): انعقاده بالسميع والبصير.

وفي «الجواهر»(3): قوّى انعقاد القسم الرابع منها، مع قصد الحالف به الذّات المقدّسة، وخصوصاً مع القرينة الحاليّة أو المقاليّة الدالّة على ذلك.

ويشهدُ على ذلك في الاقسام الثلاثة الأُول: إطلاق النصوص والأدلّة المتقدّمة جملة منها، لصدق الحلف باللّه على الجميع.

وما عن سيّد «المدارك»(4): من تبادر الحلف بلفظ الجلالة من النصوص الآمرة بالحلف باللّه تعالى .

يندفع أوّلاً: بأنّه في جملةٍ من النصوص وَقَع التعبير، ب (إلّا به، لا بإلّا باللّه)، لاحظ صحيح عليّبن مهزيار ومحمّدبن مسلم، وعليه فيندفع خصوصيّة اللّفظ جدّاً.

وثانياً: إنّ الاسم بما أنّه مُعرِبٌ عن المُسمّى ، وكاشفٌ عنه، ويكون فانياً فيه، فكلّ ما عُلّق حكمٌ على الاسم، يكون ظاهراً في تعليقه على المسمّى، أو على كلّ ما هو مُعرِبٌ عنه، وعليه فما في النصوص من عدم الحلف إلّاباللّه ظاهرٌ في إرادة الذّات المقدّسة، لا خصوص هذه اللّفظة.

وثالثاً: إنّ التعليل في الصحيح الآتي لانعقاد اليمين ب (عمر اللّه) بأنّ ذلك باللّه عزّ وجلّ كالصريح في عدم الخصوصيّة للَّفظ، فلا إشكال في الحكم.8.

ص: 165


1- نهاية المرام: ج 2/328.
2- حكاه عنه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/6.
3- جواهر الكلام: ج 35/233.
4- نهاية المرام: ج 2/328.

وأمّا القسم الرابع: فقد استدلّ لعدم انعقاده في «المسالك»(1) وإنْ نوى به الحلف: (بأنّه بسبب اشتراكه بين الخالق والمخلوق إطلاقاً واحداً، ليس له حرمة ولا عظم، فلا ينعقد به اليمين).

وفيه: إنّه مع قصد الحالف بتلك اليمين الذّات المقدّسة، وخصوصاً مع ذكر القرينة، يصدق عليها اليمين باللّه تعالى ، فتشملها النصوص، والوجه الاعتباري المزبور لا يقيّد الإطلاق، مع أنّ خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: مَن حَلَف فقال: لا وربّ المُصحف فحَنَث فعليه كفّارة واحدة»(2).

يدلّ على الانعقاد، لاشتراك (ربّ المُصحف) بين اللّه تعالى وصاحبه الذي هو ماله.

ومع ذلك كلّه، فلا يُصغى إلى ما قيل من إنّها كالعقود اللّازمة، لا يجوزُ عقدها إلّا باللّفظ الصريح، خصوصاً بعدما عرفت في كتاب النكاح ما في المقيس عليه.

وعليه، فالأظهر الانعقاد، ويُحمل كلمات المُجمعين على إرادتهم الحلف بها على الإطلاق، لا مع خصوص قصد الذّات بها، فضلاً عن ذكر ما يدلّ على إرادة ذلك منها.

فروع اليمين

الفرع الأوّل: إنّ الحروف التي يقسم بها عند أهل اللِّسان، هي:

الباء الموحّدة، والواو، والتاء وأصلها الباء، وهي صلة الحلف والقَسَم،

ص: 166


1- مسالك الأفهام: ج 11/183.
2- الكافي: ج 7/461 ح 8، وسائل الشيعة: ج 23/276 ح 29563.

وكأنّ الحالف يقول: حَلِفتُ أو أقسمتُ باللّه، ثمّ لمّا كَثُر الاستعمال وفُهِم المقصود حُذف الفعل.

وتلي الباء الواو.

وفي «المسالك»(1): (وآية قصورها من الباء أنّ الباء تدخلُ على المُضمر كما تدخلُ على المظهر، تقول: (بكَ وبه لأفعلنّ كذا)، وبخلاف الواو).

وتلي الواو التاء، وقد يُقام التاء مقام الواو، كما في (تُخَمة) و (تُراث) وهي من الوخامة، ومن قولهم وَرِث، وآية قصورها أنّها لا تدخل من الأسماء إلّاعلى اللّه تعالى .

الفرع الثاني: ولو حذف حروف القَسَم، وقال اللّهِ بالجَرّ لأفعلنّ ، ونوى اليمين:

ففي «الشرائع»(1)، و «المسالك»(3): انعقاد اليمين، لوروده في اللّغة والحديث، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه و آله لِرُكَانَة: «اللّهِ تعالى ما أردتُ إلّاواحدة»، ولأنّ الجرّ مشعرٌ بالصلة الخافضة.

وأشكل في «الرياض» (2) في ذلك: (بعدم استمرار العادة بالحَلف كذلك، وعدم المعرفة به إلّامن خواصّ الناس، مضافاً إلى الأصل السليم للمعارضة، سوى ما مرّ من الورود في الحديث واللّغة، وفي الاستناد إليهما مناقشة سيّما مع عدم معلوميّة سند الرواية).

وفيه: إنّ عدم استمرار العادة لا يصلحُ لتقييد إطلاق الأدلّة بعد صدق القَسَم2.

ص: 167


1- شرائع الإسلام: ج 3/712.
2- رياض المسائل: ج 11/452.

باللّه عليه، كما أنّ عدم معرفة الناس بذلك غيرُ مانعٍ ، والأصل لا يصلُح لمعارضة الإطلاق، وعليه فالأظهر هو الانعقاد.

الفرع الثالث: ولو قال: (اقسِمُ باللّه) أو (أحلِفُ باللّه) منشئاً بذلك الحَلف، كان يميناً بلا كلامٍ ، وكذا لو قال: (أقسمتُ باللّه) أو (أحلفتُ باللّه) بقصد إنشائه بذلك الحلف.

الفرع الرابع: ولو قال: (أشهدُ باللّه):

فعن «الخلاف»(1): أنّه ليس بيمينٍ ، لأنّ لفظ الشهادة لا يُسمّى يميناً، ولم يطَّرد به عرف اللّغة ولا الشرع.

وعن «المبسوط»(2): إنْ أراد به اليمين كان يميناً.

وفي «المسالك»(3): إنّه أشهر، قال: (لورود الشرع باليمين باللّفظ المزبور، قال اللّه تعالى : (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللّهِ ) (4)، والمراد نحلف، ولذلك قال اللّه تعالى على أثر ذلك: (اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً ) (5).

وفيه: إنّه لا وجه لجعل ذلك منهم يميناً، مع عدم ذكر لفظ الجلالة، بل هو محمولٌ على ظاهره، وهو الشهادة بالرسالة، وما في أثر ذلك وإنْ كان دالّاً على صدور اليمين منهم، لكن يتعيّن حمله على إرادة صدورها بغير هذا اللّفظ.

وعليه، فالأولى الاستدلال له: بأنّه قد تعارف اليمين به في العُرف، واستعمل2.

ص: 168


1- الخلاف: ج 6/128.
2- المبسوط: ج 6/197.
3- مسالك الأفهام: ج 11/186.
4- سورة المنافقون: الآية 1.
5- سورة المنافقون: الآية 2.

في أيمان اللِّعان، فيصدق عليه الحَلف باللّه، فيشمله العمومات، ولا فرق في ذلك بين ما لو أطلق، أو ذكر قرينةً ، أو كانت قرينة حاليّة دالّة على نيّة الحلف فيما بينه وبين ربّه.

وأمّا حمل كلامه عليه في الظاهر مع الإطلاق، فبعيدٌ بعد اشتراكه بين اليمين وغيره باعتبار احتمال أن يريد: أشهدُ بوحدانيّة اللّه تعالى ، ثُمّ يبتدئ: لأفعلنَّ كذا، وهذا بخلاف لفظ القَسَم والحلف وما شاكل، فإنّها كالصريحة في اليمين.

الفرع الخامس: ولو قال: (أعزمُ باللّه) أو (عزمتُ باللّه):

ففي «الشرائع»(1): (أنّه ليس من ألفاظ القَسَم)، واستدلّ له:

1 - بأنّ العُرف لم يُطَّرد بجعله يميناً، ولا ورد الشرع به، كما في «المسالك»(2).

2 - وبأنّه لم يرد قَسَماً إلّاللطلب: (عزمتُ عليكَ لما فعلتُ كذا)، كما عن «كشف اللّثام»(3)، فلا تنعقد به اليمين حينئذٍ، وإنْ قصدها، فضلاً عن الإطلاق المحتمل لذلك، وللإخبار عن عزمه أو الوعد بذلك.

الفرع السادس: لا ينعقدُ الحلف بالطلاق والظِهار وما شاكل بلا خلافٍ ، والنصوصُ المستفيضة(4) شاهدة به.

وفي «الجواهر»(5): (بل لعلّه من ضروريّ مذهب الشيعة في الطلاق والعتاق ونحوهما).0.

ص: 169


1- شرائع الإسلام: ج 3/711.
2- مسالك الأفهام: ج 11/187.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/8.
4- وسائل الشيعة: ج 23/230 باب 14 من أبواب كتاب الأيمان.
5- جواهر الكلام: ج 35/240.

ولا بالبراءة منه، أو من أحدِ الأنبياء أو الأئمّة عليهم السلام.

الفرع السابع: ولو قال: (أقسمُ ) أو (أحلفُ )، ولم ينطق بلفظ الجلالة، لم ينعقد يمينه قطعاً، وإن نواها، لعدم صدق الحَلف باللّه، ففي خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن عليٍّ عليه السلام، قال:

«إذا قال الرّجل أقسمتُ أو حلفتُ فليس بشيء حتّى يقول أقسمتُ باللّه، أو حلفت باللّه»(1).

وكذا لو قال (أشهدُ) مجرّداً عن لفظ الجلالة.

(و) قد ظهر ممّا قدّمناه أنّه (لا) تنعقد اليمين (بالبراءة منه) سبحانه (أو من أحد الأنبياء أو الأئمّة عليهم السلام).

وهل تجبُ لها الكفّارة أم لا؟

فيه كلامٌ سيأتي في كتاب الكفّارات(2) مفصّلاً إنْ شاء اللّه تعالى .

***د.

ص: 170


1- التهذيب: ج 8/301 ح 111، وسائل الشيعة: ج 23/234 ح 29460.
2- سيأتي في صفحة 292 في مبحث (كفّارة اليمين) من هذا المجلّد.

ويُشترط في الحالف: التكليف، والقصد، والاختيار.

بيان ما يعتبر في الحالف

المقام الثاني: فيما يعتبر في الحالف:

(و) اعلم أنّه (يُشترط في الحالف: التكليف، والقصد، والاختيار) بلا خلافٍ في شيء من تلكم، بل على اعتبار القصد إلى مدلول اليمين الإجماع في ظاهر «الغنية»(1)، و «الدروس»(2) وغيرها، كما في «الرياض»(3).

أمّا اشتراط التكليف: فلعموم ما دلّ على رفع القلم(4) عن الصَّبي والمجنون، الشامل للأحكام التكليفيّة، منها الأحكام المترتّبة على اليمين.

وأمّا القصد: فنُخبة القول فيه:

إنّ للحالف بحسب قصده اللّفظ وقصد معناه أحوالاً أربعة:

1 - أن يكون اللّفظ صادراً عنه عن غير قصدٍ، كاللّفظ الصادر من النائم أو الغالط.

2 - أنْ يكون اللّفظ مقصوداً له دون معناه، كما إذا قال: (تاء تاللّهِ لأفعلنّ كذا)، من حروف القَسَم.

ص: 171


1- غنية النزوع: ص 391.
2- الدروس: ج 2/93.
3- رياض المسائل: ج 11/457.
4- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81، الخصال: ج 1/93 ح 40.

3 - أنْ يكون المعنى مقصوداً له بالإرادة الاستعماليّة، دون الإرادة الجديّة، كما إذا أنشأ الحَلف، بمعنى استعمل الصيغة في معناه من دون أن يكون هناك اعتبارٌ نفساني، والتزام كذلك، ونظيره في الأخبار ما إذا أخبر عن شيء وحكى عنه بداعي الهَزل لا الجِدّ.

4 - أنْ يكون المعنى مقصوداً بالإرادة الجديّة، ولكنّه لم يكن عن طيب نفسٍ بذلك، بل صَدَر عنه في حال الغضب ونحوه.

أقول: إنّ اعتبار القصد بالمعنى الأوّل من القضايا التي قياساتها معها، وبالمعنى الثاني تشهد به الآية والنصوص المتقدّمة في يمين اللَّغو، بل هي تدلّ على اعتبار القصد بالمعنى الثالث أيضاً، لاحظ قوله في موثّق مسعدة:

«اللَّغو قولُ الرّجل لا واللّه وبلى واللّه، ولا يعقدُ على شيء».

وفي خبر أبي الصباح: «لا يعقدُ عليها أو لا يعقد على شيء».

وأيضاً: يمكن أن يُستدلّ لاعتباره بصحيح الأشعري، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«عن رجلٍ حلف وضميره على غير ما حلف ؟

قال عليه السلام: اليمين على الضمير»(1).

ونحوه صحيح صفوان بن يحيى (2).

بل وبالآية الكريمة: (وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) (3)، وبقوله تعالى :

(وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمانَ ) (4) .9.

ص: 172


1- الكافي: ج 7/444 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/245 ح 29489.
2- الكافي: ج 7/444 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/246 ح 29490.
3- سورة البقرة: الآية 225.
4- سورة المائدة: الآية 89.

وأمّا القصد بالمعنى الرابع: فيدلّ على اعتباره خبر عبداللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: لا يمين في غضب، ولا في قطيعة رحم، ولا في جبرٍ، ولا في إكراه.

قال: قلتُ : أصلحك اللّه، فما فرق بين الجبر والإكراه ؟

فقال عليه السلام: الجبر من السلطان، ويكون الإكراه من الزّوجة، والاُمّ والأب، وليس ذلك بشيء»(1).

أقول: وتقريب الاستدلال به من وجهين:

أحدهما: أنّه فسّر فيه الإكراه المانع عن الانعقاد، بما يكون من الزوجة، مع أنّه ليس هو الإكراه المصطلح، لعدم خوف ترتّب الضرر على مخالفتها، مع أنّه معتبرٌ في صدق الإكراه.

ثانيهما: قوله عليه السلام: «لا يمين في غَضَبٍ » فإنّه كالصريح في اعتبار القصد بالمعنى الرابع.

وبالجملة: بما ذكرناه تظهر أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ ما عن «الإرشاد»(2) وغيره من الجمع بين اعتبار النيّة والقصد، متينٌ ، فإنّ مرادهم بالنيّة القصد بالمعنى الثالث، وبالقصد المعنى الرابع، ولذلك ذكر في «الشرائع»(3) النيّة من الاُمور المعتبرة الصيغة، والقصد، ممّا يعتبر في الحالف.

الأمر الثاني: تماميّة ما ذكره جماعة(4) من أنّه لو ادّعى عدم القصد منه، يُسمعا.

ص: 173


1- الكافي: ج 7/442 ح 16، وسائل الشيعة: ج 23/235 ح 29464.
2- إرشاد الأذهان: ج 2/57 و 58.
3- شرائع الإسلام: ج 3/711 و 713.
4- مسالك الأفهام: ج 3/441، قواعد الأحكام: ج 3/574 وغيرهما.

ويصحُّ من الكافر.

منه، وإنْ كان اللّفظ صريحاً، مع أنّه لا يُسمع دعوى عدم النيّة في سائر العقود والإيقاعات إذا كان الإنشاء بالصريح.

الأمر الثالث: صحّة ما عن «الكفاية»(1) من أنّه: (يدخل في يمين اللَّغو، كلّ يمينٍ لفظاً لم يقرن بها نيّتها، كسبق اللّسان بعادةٍ أو غير عادة، أو جاهلاً بالمعنى، أو للغضب المُسقِط للقصد، أو لمجرّد الإثبات والنفي) انتهى .

وأمّا الاختيار: فيشهد لاعتباره عموم ما دلّ على رفع ما استكرهوا عليه(2)، وخبر عبداللّه بن سنان المتقدّم.

(و) هل يعتبر في الحالف الإسلام، بحيث لا (يصحّ من الكافر) كما عن الشيخ في «الخلاف»(3)، والحِلّي(4)؟

أم لا يعتبر، فيصحّ منه كما عن الشيخ في «المبسوط»(5) وأتباعه(6)، وأكثر المتأخّرين(7)، وفي «المسالك»(8) أنّه الأشهر؟

أم يفصّل بين ما كان كفره باعتبار جهله باللّه تعالى ، وعدم علمه به، فلاينعقد3.

ص: 174


1- كفاية الأحكام: ج 2/481.
2- الكافي: ج 2/462 ح 1، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.
3- الخلاف: ج 6/116.
4- السرائر: ج 3/48.
5- المبسوط: ج 6/194.
6- المهذّب: ج 2/406.
7- الجامع للشرائع: ص 417، إرشاد الأذهان: ج 2/84 وغيرهما.
8- مسالك الأفهام: ج 11/203.

يمينه، وبين من كان كفره باعتبار جَحده بالنبوّة، أو فريضة، فينعقد كما عن «المختلف»(1)، وفي «الرياض»(2): تقويته واختياره، ونسبته إلى «التنقيح»(3)، وسيّد «المدارك»(2)، واختاره في «المسالك» أيضاً(3)؟

وجوهٌ :

استدلّ للأوّل: بأنّ شرط صحّة الحلف، الحَلفُ باللّه، والكافر لايعرف اللّه تعالى .

وفيه: - مضافاً إلى أنّه أخصّ من المدّعى، فإنّ الكافر المعتقد باللّه الجاحد للنبوّة يَعرف اللّه تعالى - إنّ الأمرين اللّذين ركّب منهما دليله لا ينطبقان على موردٍ، فإنّ شرط الصحّة الحلف باللّه بلا كلامٍ ، كما مرّ، وهذا لا يتوقّف على الاعتراف باللّه ومعرفته، بل يمكن أن يحلف به مع عدم المعرفة، فتأمّل.

واستدلّ للثاني:

1 - بإطلاق الأدلّة وعمومها كتاباً وسُنّةً ، اللّذين لا ينافيهما كفره، بعد كون الكفّار مخاطبين بالفروع.

2 - وبالنصوص(4) الدالّة على أنّ : «البيِّنة على المدّعي واليمين على من أنكر».

بتقريب: إنّ لازم ذلك توجّه اليمين على الكافر، وإنْ كان جاحداً، ولا قائل بالفصل، بل يدلّ انعقادها في مثل ذلك في الفروج والدّماء والأموال على انعقادها في غيرها بطريق أولى .ى.

ص: 175


1- مختلف الشيعة: ج 8/151. (2و3) رياض المسائل: ج 11/460.
2- نهاية المرام: ج 2/334.
3- مسالك الأفهام: ج 11/204.
4- وسائل الشيعة: ج 27/233 باب 3 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

3 - وبالنصوص الدالّة على إحلاف الكافر باللّه:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن أهل المِلل يستحلفون.

فقال عليه السلام: لا تحلّفوهم إلّاباللّه عزّ وجلّ »(1).

ومنها: خبر جرّاح المدائني، عنه عليه السلام: «لا يُحلَف بغير اللّه، وقال: اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلّفوهم إلّاباللّه عزّ وجلّ »(2).

ومنها: موثّق سماعة، عنه عليه السلام، قال: «سألته هل يصلح لأحدٍ أن يُحلِّف أحداً من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم ؟

قال عليه السلام: لا يصلح لأحدٍ أن يُحلّف أحداً إلّاباللّه عزّ وجلّ »(3).

ونحوها غيرها.

والإيراد على الأوّل: باختصاص خطابات الكتاب بالمشافهين، وورود النصوص لبيان أحكامٍ اُخر، فلا إطلاق لهما، كما في «الرياض»(4).

يندفع: بما حُقّق في محلّه من أنّ خطابات القرآن من قبيل القضايا الحقيقيّة المجعولة لعامّة المكلّفين إلى يوم القيامة، وإنكار إطلاق بعض النصوص مكابرة.

كما أنّ إيراده على الوجه الثالث: (باختصاص النصوص بالمعترفين باللّه تعالى ، ولا تشمل غيرهم)(5).

يدفعه: إطلاق قوله عليه السلام في ذيل الموثّق: «لا يَصلُحُ لأحدٍ أن يُحلّف أحداً إلّاباللّه».1.

ص: 176


1- الكافي: ج 7/450 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/266 ح 29538.
2- الكافي: ج 7/451 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/266 ح 29537.
3- الكافي: ج 7/451 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/267 ح 29540.
4- رياض المسائل: ج 11/459.
5- رياض المسائل: ج 11/460-461.

ولكن مع ذلك كلّه دعوى اختصاص جميع تلك الأدلّة بالكافر المعتقد باللّه تعالى قريبة، إذ مَنْ لا يعتقدُ به، لا يكون حلفه به حلفاً باللّه تعالى ، إذ المراد بالحلف باللّه ليس هو الحلف بالاسم خاصّة، بل بما أنّه يكون مُعرِباً عن ذاته المقدّسة، فالمُنكِر لا يحلف باللّه بهذا المعنى.

وعليه، فالقول الثالث أظهر.

أقول: وتظهر فائدة الصحّة في بقاء اليمين لو أسلم في المطلّقة، أو قبل خروج وقت المؤقّتة، وفي العقاب على متعلّقها لو مات على كفره لما يفعله، لا في تدارك الكفّارة، ولو سبق الحَنث الإسلام، لأنّها تسقط عنه به، كما قاله صاحب «المسالك»(1)، وهو متينٌ .

فرع: هل يصحّ التكفير منه في حال الكفر لو قلنا بصحّة يمين الكافر وحَنَث في يمينه، ووجبتْ عليه الكفّارة أم لا؟

وجهان: مبنيّان على صحّة العبادة من الكافر، لتمكّنه من قصد القُربة، وإنْ لم يحصل له القرب إلى اللّه تعالى ، وعدمها، وقد تقدّم تحقيق ذلك في غير موردٍ ممّا تقدّم كالحجّ والصوم وغيرهما.

وأمّا احتمال عدم كون بعض أفراد الكفّارة كالإطعام عبادة، فسيجيء الكلام فيه في باب الكفّارات.

***4.

ص: 177


1- مسالك الأفهام: ج 11/204.

وإنّما ينعقدُ على فعل الواجب أو المندوب أو المباح مع الأولويّة، أو ترك الحرام، أو ترك المكروه، أو ترك المباح مع الأولويّة، ولو تساوى متعلّق اليمين وعدمه في الدِّين والدُّنيا، وَجَب العمل بمقتضى اليمين.

يعتبر في متعلّق اليمين عدم المرجوحيّة

المقام الثالث: في متعلّق اليمين:

أقول: (و) الكلام فيه يقع في مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور بين الأصحاب أنّه (ينعقد) اليمين (على فعل الواجب، أو المندوب، أو المباح مع الأولويّة، أو ترك الحرام، أو ترك المكروه، أو ترك المباح مع الأولويّة، ولو تساوى متعلّق اليمين وعدمه في الدِّين والدُّنيا، وجَب العمل بمقتضى اليمين).

وفي «المسالك»(1): بعد نسبة ما في «الشرائع» الذي هو قريبٌ من ما في المتن إلى مذهب الأصحاب، قال:

(وضابطه ما كان راجحاً أو متساوي الطرفين، ومتى كان الرّجحان في نقيضه ديناً أو دنياً لم ينعقد) انتهى .

وعن «القواعد»(2): (إنّما ينعقد اليمين على فعل الواجب أو المندوب أو المباح إذا تساوى فعله وتركه في المصالح الدينيّة، أو كان فعله أرجح، أو على ترك الحرام أو

ص: 178


1- مسالك الأفهام: ج 11/210.
2- قواعد الأحكام: ج 3/269.

المكروه أو المرجوح في الدِّين والدُّنيا من المباح، فإنْ خالف أثِمَ وكفّر.

ولو حلف على فعل حرامٍ أو مكروهٍ أو المرجوح من المباح، أو على ترك واجبٍ أو مندوبٍ لم تنعقد اليمين، ولا كفّارة بالترك، بل قد يجبُ الترك كما في فعل الحرام وترك الواجب، وينبغي كغيرها مثل أن يحلف على أنْ لا يتزوّج على امرأة لا يتسرّى.. الخ).

أقول: وربما أشكل في موارد:

أحدها: ما لو كان مباحاً يتساوى طرفاه بحسب الدُّنيا، فإنّه استشكل في الحكم بانعقاد اليمين فيه في محكيّ «الكفاية»(1)، مع الاعتراف باتّفاق الأصحاب على الانعقاد.

ثانيها: ما إذا كان مرجوحاً دِيناً وراجحاً دُنياً، أو بالعكس، فقد استشكل في الحكم بالانعقاد في «الكفاية»(2) أيضاً على ما حُكي.

ثالثها: ما إذا كان المباح مرجوحاً دُنياً، فقد استشكل في «الجواهر»(1) في عدم انعقاد اليمين.

وأمّا النصوص: فهي طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على انعقاد اليمين المتعلّقة بالراجح دُنياً أو دِيناً، أو متساوي الطرفين:

منها: صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج، قال:

«سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: ليس كلّ يمينٍ فيها كفّارة، أمّا ما كان فيها ممّا7.

ص: 179


1- جواهر الكلام: ج 35/277.

«إنّ أبي عليه السلام كان حلف على بعض اُمّهات أولاده أن لا يسافر بها، فإنْ سافر بها فعليه أن يعتق نسمةً تبلغ مائة دينار، فأخرجها معه، وأمرني فاشتريتُ نسمةً بمائة دينار فأعتقها»(1).

ومعلومٌ أنّه لو لم يكن ينعقد، لما حَلِف.

ومنها: صحيح سعيد الأعرج، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «عن الرّجل يحلف على اليمين، فيرى أنّ تركها أفضل، وإن لم يتركها خَشى أن يأثم، أيتركها؟

قال: أما سمعتَ قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إذا رأيتَ خيراً من يمينك فدعها»(2).

فإنّه بالمفهوم يدلّ على الانعقاد في المباح.

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «كلّ يمينٍ حَلف عليه أن لا يفعلها ممّا له فيه منفعة في الدُّنيا والآخرة، فلا كفّارة عليه، وإنّما الكفّارة في أن يحلف الرّجل:

واللّهِ لا أزني، واللّهِ لا أشرب الخمر، واللّهِ لا أسرق، واللّهِ لا أخون، وأشباه هذا، ولا أعصي، ثمّ فَعَل، فعليه الكفّارة»(3).

إلى غير تلكم من النصوص البالغة حَدّ الاستفاضة بل التواتر.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم الانعقاد إذا تعلّق بمباحٍ متساوي الطرفين:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كلّ يمين لا يُراد بها وجه اللّه عزّ وجلّ ، فليس بشيء، في طلاقٍ أو عتقٍ أو غيره»(4).8.

ص: 180


1- التهذيب: ج 8/302 ح 113، وسائل الشيعة: ج 23/252 ح 29505.
2- الكافي: ج 7/444 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/240 ح 29475.
3- الكافي: ج 7/447 ح 8، وسائل الشيعة: ج 23/248 ح 29497.
4- الكافي: ج 7/441 ح 12، وسائل الشيعة: ج 23/230 ح 29448.

أقول: والنصوص كما تراها متطابقة على انعقاد اليمين إذا كان متعلقها راجحاً دِيناً أو دُنياً، وعدم انعقادها إذا كان مرجوحاً دُنياً، إنّما الخلاف في الموردين:

المورد الأوّل: فى المباح المتساوى الطرفين، غير الرّاجح شيءٌ منهما دُنياً أو دِيناً:

فالأصحاب اتّفقوا على انعقادها، واستشكل فيه في «الكفاية»(1) تبعاً للروضة، نظراً إلى الطائفة الثانية من الأخبار.

أقول: ولكن صحيح الحلبي إنّما يدلّ على اشتراط القُربة في اليمين نفسها، لا في متعلّقها، أو على أنّه لابدّ وأن يكون اليمين باللّه تعالى ، وعلى التقديرين أجنبيٌّ عن المقام.

وأمّا خبرا عبداللّه بن سنان وأبي الرّبيع: فهما يدلّان على عدم انعقاد اليمين في تحريم حلالٍ ، ومن حَلِف على أن يفعل المباح أو يتركه لم يحلف على تحريم حلالٍ ، فإنّ الحَلف على الفعل أو الترك في المباح غير الحلف على حرمةً ما هو حلالٌ ، كما لا يخفى .

وأمّا خبر حمران، وصحيح زرارة: فالإنصاف أنّهما يدلّان على عدم الانعقاد، وما عن «كشف اللّثام»(2):

(من أنّه يمكن أن يقال فيهما إنّه إذا انعقدت اليمين على شيء، كان فيه البِرّ والطاعة للّه، فمعنى هذه الأخبار أنّه لا يتحقّق يمينٌ على شيء لا يكون فيه بِرٌّ ولا طاعة ولا معصية، فإنّه متساوٍ، أو يرجّح الفعل أو الترك دُنياً أو دِيناً، فإذا حَلِف عليه انعقدت اليمين، ووجب الوفاء، فكان فيه البِرُّ والطاعة) انتهى .2.

ص: 181


1- كفاية الأحكام: ج 2/486.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/22.

خلاف الظاهر جدّاً.

لكنّهما يعارضان مع صحيحي الأعرج وعبدالرحمن وما شابههما، والترجيح مع تلك النصوص، لموافقتها لفتوى الأصحاب الّتي هي أوّل المرجّحات.

المورد الثاني: فيما إذا كان المباح مرجوحاً دُنياً:

فقد استشكل في «الجواهر»(1) في عدم انعقاد اليمين المتعلّقة به، نظراً إلى المرسل المتقدّم.

لكنّه مرسلٌ ومتضمّنٌ لنقل قضيّة في واقعة، لا تصلحُ المقاومة مع ما تقدّم.

وعليه، فما أفاده المشهور أظهر.

ولو كان متعلّق اليمين راجحاً دِيناً، ومرجوحاً دُنياً أو بالعكس:

فعن «المفاتيح»(2): الإشكال في انعقاد اليمين، قال - على ما في «الرياض»(3) -:

(لتعارض الأخبار، وظاهر الأصحاب الانعقاد نظراً إلى قول أبي عبداللّه عليه السلام في صحيح زرارة: «كلّما كان لك فيه منفعة في أمر دينٍ أو دُنياً فلا حنث عليك» ونحوه موثّقه.

وأُورد عليه: - في «الرياض»(4) و «الجواهر»(3) - بأنّ ظاهر الخبرين المتبادر منهما عند الإطلاق، هو المرجوحيّة من جهةٍ لا يعارضها رجحانٌ من اُخرى ، ولا يشملان لمحلّ الفرض من تعارض الرجحان من جهةٍ والمرجوحيّة من اُخرى .

والجواب: إنّ هذا الإيراد غريبٌ ؛ فإنّه لم يدّعِ دلالة الخبرين على حكم7.

ص: 182


1- جواهر الكلام: ج 35/277.
2- حكاه عنه في الرياض: ج 11/468. (3و4) رياض المسائل: ج 11/466 و 467.
3- جواهر الكلام: ج 35/267.

الفرض، بل يدّعي أنّهما يدلّان على كفاية الرجحان من إحدى الجهتين في الانعقاد، فيعارضان حينئذٍ مع ما دلّ من النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ المرجوح ديناً أو دنياً لا ينعقد اليمين المتعلّقة به، فيتعارضان، وهو متينٌ جدّاً.

أقول: والحقّ في الجواب عنه، هو: أنّ الرجحان الدنيوي لا يصلحُ للمعارضة مع الرجحان الديني، فإنّ الآخرة خيرٌ وأبقى .

وعليه، فما أفاده الأصحاب أظهر.

ولو كان المتعلّق حين اليمين راجحاً، ثمّ صار مرجوحاً ديناً، أو كان مرجوحاً حين اليمين، فصار راجحاً بعده، فهل ينحلّ اليمين في الأوّل ويعود في الثاني أم لا، أم يفصّل بين الموردين ؟ وجوهٌ :

الحقّ أن يقال: إنّ المعتبر هو الرجحان حين العمل لا حين اليمين، فإنْ كان حين اليمين راجحاً، ولكن في ظرف العمل صار مرجوحاً، لا ينعقد هذا اليمين، بل لعلّ ظاهر قول النبيّ صلى الله عليه و آله في صحيح الأعرج: «إذا رأيتَ خيراً من يمينك فدعها»(1) هو هذه الصورة، ولا أقلّ من الإطلاق.

كما أنّ مرسل ابن فضّال، عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن حَلِفَ على يمينٍ فرأى ما هو خيرٌ منها، فليأتِ الذي هو خيرٌ منها، وله حسنة»(2) ظاهرٌ من ذلك كما لا يخفى .

كما أنّه إذا كان حين اليمين مرجوحاً، ولكن صار راجحاً حين العمل، يكشف ذلك عن انعقاد يمينه، وإنْ كان هو لا يعلم بذلك.8.

ص: 183


1- الكافي: ج 7/444 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/240 ح 29475.
2- الكافي: ج 7/444 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/241 ح 29478.

ثمّ إنّ المعتبر هو عدم المرجوحيّة في المتعلّق من حيث هو لا بالقياس إلى أمرٍ آخر، فلو حلف أن يعطي زيداً ديناراً، وكان إعطاء عمروٍ إيّاه أرجح من إعطائه لزيد، ينعقد اليمين، كما لا يخفى .

***

ص: 184

ولا يتعلّق بفعل الغير.

حكم اليمين على فعل الغير والماضي والمستحيل

المسألة الثانية: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (لا يتعلّق) اليمين (بفعل الغير) كما لو قال: (واللّهِ لتفعلنَّ )، وهي المسمّاة بيمين المناشدة، فلو حَلِف كذلك لا تنعقد اليمين في حقّ المقسم عليه ولا المقسم، بل عليه إجماعنا كما في الشرح للسيّد(1)، كذا في «الرياض»(2).

ويشهد له: - مضافاً إلى أنّ المقسم عليه لم يَحْلِف كي يترتّب عليه أحكامه، والمقسم حَلَف في حقّ غيره، وهو فعلٌ غير اختياري له فلا يجبُ باليمين، ولا حَنْث على مخالفته - صحيح عبدالرحمن، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الرّجل يقسم على الرّجل في الطعام يأكل معه فلم يأكل، هل عليه في ذلك كفّارة ؟ قال عليه السلام: لا»(3).

وموثّق حفص وغيره عنه عليه السلام: «عن الرّجل يقسم على أخيه ؟

قال عليه السلام: ليس عليه شيءٌ ، إنّما أراد إكرامه»(4).

ونحوهما غيرهما.

وأمّا مرسل ابن سنان، عن رجلٍ ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «إذا أقسم الرّجل

ص: 185


1- نهاية المرام: ج 2/338.
2- رياض المسائل: ج 11/470.
3- التهذيب: ج 8/287 ح 49، وسائل الشيعة: ج 23/279 ح 29569.
4- التهذيب: ج 8/294 ح 81، وسائل الشيعة: ج 23/279 ح 29567.

ولا بالماضي.

على أخيه فلم يبرّ قسمه، فعلى المُقسِم كفّارة يمين»(1).

فلإرساله، وعدم عمل الأصحاب به، واحتمال إرادة القَسَم عنه، لا يُعتمد عليه.

وعلى فرض الإغماض عن ذلك كلّه، لا يصلحُ للمقاومة مع ما تقدّم.

ويستحبُّ للمُقسِم عليه إبرار القَسَم، للنبويّ الآمر بسبعٍ عَدّ ذلك منها، المحمول على الاستحباب، لضعف السند، واتّفاق الأصحاب عليه.

(ولا) تنعقدُ اليمين المتعلّقة (بالماضي) نافيةً كانت أو مثبتة، فلا يجبُ بالحَنث فيها الكفّارة، وإنْ تعمّد الكذب، بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(2): (بل الإجماع بقسميه عليه) وهي المسمّاة بيمين الغموس، إذا تعمّد الكذب بل مطلقاً كما مرّ.

أقول: ويشهد لعدم انعقادها:

1 - النصوص المتقدّمة، الحاصرة لليمين التي فيها الكفّارة فيما إذا تعلّقت بواجبٍ أو مندوبٍ أو ترك حرامٍ أو مكروه، أو مباحٍ ليفعله أو يتركه.

2 - وخبر عليّ بن حديد، عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «الأيمان ثلاث: يمينٌ ليس فيها كفّارة...

إلى أن قال: فاليمين التي ليس فيها كفّارة، الرَّجل يحلف على باب بِرٍّ أن لا يفعله،4.

ص: 186


1- التهذيب: ج 8/292 ح 72، وسائل الشيعة: ج 23/280 ح 29570.
2- جواهر الكلام: ج 35/264.

ولا بالمستحيل.

فكفّارته أن يفعله، واليمين التي تجبُ فيها الكفّارة، الرَّجل يحلفُ على باب معصيةٍ أنْ لا يفعله فيفعله، فيجب عليه الكفّارة، واليمين الغَموس الّتى توجب النار... الحديث»(1).

3 - وقوّى السَّكوني، عنه، عن أمير المؤمنين عليهما السلام: «في رجلٍ قيل له فعلت كذا وكذا، فقال: لا واللّه ما فعلته، وقد فعله ؟

فقال عليه السلام: كِذْبةٌ كَذِبها يستغفر اللّه منها»(2).

4 - ومرسل الصدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «اليمين على وجهين...

إلى أن قال: وأمّا التي عقوبتها دخول النار، فهو أن يحلف الرّجل على مال إمرئ مسلمٍ ، أو على حقّه ظُلماً، فهذه يمين غَموس، توجبُ النّار، ولا كفّارة عليه في الدُّنيا»(3).

وأمّا حكمها التكليفي: فقد مرّ في أوّل الكتاب.

(و) كذا (لا) تنعقدُ اليمين (بالمُستَحيل) عقلاً أو عادةً أو شرعاً أو شخصاً، بلا خلافٍ في شيء من تلكم، لأنّ الحلف عبارة عن الالتزام بفعلٍ أو ترك مقروناً بالقسم باللّه تعالى ، مع أنّ الكفّارة إنّما رُتّبت على الحنث والمخالفة غير الصادقين في الفرض، أضف إلى ذلك كلّه، النصوص المتقدّمة.

ثمّ إنّ الميزان كما عرفت هو القدرة حال العمل كما في سائر التكاليف.0.

ص: 187


1- الكافي: ج 7/438 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/214 ح 29398.
2- الكافي: ج 7/463 ح 19، وسائل الشيعة: ج 23/215 ح 29399.
3- الفقيه: ج 3/366 ح 4297، وسائل الشيعة: ج 23/215 ح 29400.

لو تجدّد العجزُ عن الممكن انحلّت اليمين.

ويجوزُ أن يحلف على خلاف الواقع، مع تضمّن المصلحة والتورية إنْ عرفها.

وعليه ف (لو تجدّد العَجز عن الممكن، انحلّت اليمين) كما أنّه لو تجدّدت القدرة في ظرف العمل وجبَ .

المسألة الثالثة: (ويجوزُ أن يحلف على خلاف الواقع، مع تضمّن المصلحة، والتورية إنْ عرفها) كما تقدّم في ضمن بيان حكم يمين الغَموس التكليفي.

***

ص: 188

ولو استثنى بالمشيئة انحلّت اليمين.

الإستثناء بالمشيئة

المسألة الرابعة: (ولو) حلف على فعلٍ أو تركٍ ، و (استثنى بالمشيئة)، بأن قال بعد اليمين: (إنْ شاء اللّه تعالى )، جاز إجماعاً، فتوى ونصّاً، مستفيضاً و (انحلّت اليمين) أي لم تنعقد، بلا خلافٍ فيه.

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه، لو لم يكن المَحلُوف عليه فعل الواجب أو المندوب أو ترك الحرام أو المكروه، فلا يَحنث حينئذٍ، ولا تجبُ عليه الكفّارة، وعليه أكثر أصحابنا، وإنْ كان متعلّقها ذلك).

وعن المصنّف رحمه الله في «القواعد»(2): قصر الحكم بعدم الانعقاد على المُجمع عليه دون غيره، ومال إليه سيّد «المدارك»(3)، وكاشف اللّثام(4)، والمستند:

1 - قويّ السّكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من استثنى في اليمين، فلا حنث ولا كفّارة»(5).

2 - والعلويّ : «من حلف ثمّ قال: إنْ شاء اللّه، فلا حَنث عليه»(6).

ص: 189


1- جواهر الكلام: ج 35/242.
2- قواعد الأحكام: ج 3/266-267.
3- نهاية المرام: ج 2/331.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/13.
5- وسائل الشيعة: ج 23/256 ح 29510.
6- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16/62 ح 19151-1، دعائم الإسلام: ج 2/97 ح 308.

المنجبران بالعمل.

ولعلّه المراد من الخبر الذي رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عن الرّجل يحلف على اليمين ويستثنى، ما حاله ؟

قال عليه السلام: هو على ما استثنى»(1).

أقول: ومقتضى إطلاق النصوص هو الإيقاف مطلقاً، كما هو المشهور، وعلّل المصنّف رحمه الله ما اختاره، بأنّ الواجب والمندوب ممّا يشاء قطعاً، وقد نزل إطلاق الأصحاب والأخبار على ذلك.

وأورد عليه سيّد «الرياض»(2): (بأنّ ذلك كالاجتهاد في مقابلة النّص، مع أنّه يمكن منع العلم بتعلّق المشيئة بها على الإطلاق، فقد لا يشاؤها في حقّ هذا الحالف، لعارضٍ لا يعلم به).

والحقّ أن يورد على المصنّف رحمه الله وتابعيه: بأنّ المراد بالمشيئة:

إنْ كانت هي المشيئة التشريعيّة، لزم عدم صحّة الاستثناء في المباح، لأنّ اللّه لم يشأه قطعاً.

وإنْ كان المراد المشيئة التكوينيّة، كما هو الظاهر بالمعنى المعقول منه غير المستلزم للجبر، فهي بالنسبة إلى الواجب والمندوب والمباح على حَدٍّ سواء.

وعليه، فالأظهر هو الإطلاق.

أقول: ويشترط في الاستثناء المانع عن الانعقاد أُمور:

الأمر الأوّل: أن يتلفّظ بكلمة الاستثناء، فلو نواها بقلبه لم يندفع الحَنث والكفّارة5.

ص: 190


1- وسائل الشيعة: ج 23/256 ح 29511، مسائل عليّ بن جعفر: ص 130.
2- رياض المسائل: ج 11/455.

بها، لإطلاق الأدلّة المقتصر في تقييده على موضع النّص، وهو ما لو تلفّظ بها.

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(1)، وتبعه الشهيد في «الدروس»(2) على ما حُكي الاكتفاء بالنيّة، واستدلّ له:

تارةً : باعتبار النيّة في انعقاد اليمين، فإذا لم ينو فعل المَقسم عليه إلّامعلّقاً على المشيئة، فلم ينو الحلف عليه مطلقاً، فلم ينعقد إلّامعلّقاً به.

واُخرى : بصحيح عبداللّه بن ميمون، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوماً إذا نسي»(3).

ولكن الأوّل يندفع: بأنّ مشيئة اللّه تعالى ليست عبارة عن إرادته التي تكون إذا أراد شيئاً يقول له كُن فيكون، بل عبارة عن إعطاء الحياة والقدرة وما شاكل، ومع بقاء ذلك يظهر مشيئته تعالى ، والتعليق على مثل ذلك لا يضرّ، وإنّما بُني على الإيقاف مع التلفّظ للتعبّد المحض غير الثابت بدونه.

وأمّا الصحيح فيردّه: إنّه لا يدلّ على الاكتفاء بالنيّة، بل على اعتبار التلفّظ، غاية الأمر يدلّ على أنّ الفصل بينهما غير مضرٍّ، وسيأتي الكلام فيه.

الأمر الثاني: أن يكون قاصداً إلى التلفّظ بها كاليمين، فلو سبق لسانه إليها من غير قصدٍ، لم يعتدّ بها.

أقول: هذا لعلّه من القضايا التي قياساتها معها، كاعتبار القصد بهذا المعنى في جميع العقود والإيقاعات.7.

ص: 191


1- مختلف الشيعة: ج 8/154.
2- الدروس: ج 2/165.
3- التهذيب: ج 8/281 ح 21، وسائل الشيعة: ج 23/258 ح 29517.

الأمر الثالث: أن تكون كلمة الاستثناء متّصلة باليمين، لا يتخلّلها كلامٌ ولا سكوتٌ ، إلّاأن يكون بما جرت العادة به في الكلام الواحد، كالتنفّس والتثوّب والسّعال ونحوها ممّا لا يخلّ بالمتابعة العرفيّة، بلا خلافٍ في ذلك فتوىً ، لإطلاق أدلّة حكم اليمين، والخارج عنها خصوص ما إذا استثنى متّصلاً بها، فإنّه المتيقّن من دليل الاستثناء لو لم يكن ظاهره، بل عن «كشف اللّثام»(1):

(لو أثّر مطلقاً لم يتحقّق حنثٌ إلّافي واجبٍ أو مندوبٍ أو غفلة عنه رأساً، لجواز أن يستثنى إذا شاء أن يحنث).

واستثنائه الواجب والمندوب إنّما هو لما ذهب إليه تبعاً للمصنّف من اختصاص الاستثناء بالمباح.

وعليه، فيلزم عدم الحنث مطلقاً، إلّامع الغفلة.

وأمّا صحيح ابن ميمون المتقدّم، ونحوه خبر حُسين القلانسي، أو بعض أصحابه(2) الدالّان على الاكتفاء بها لو نسى التلفّظ بها إلى أربعين يوماً، فهما غير صريحين في التأثير مع التأخير، وإنّما يدلّان على بقاء رجحان الاستثناء في اليمين في صورة النسيان إلى أربعين يوماً.

وعلى فرض دلالتهما عليه، يتعيّن طرحهما، أو حملهما على خلاف ظاهرهما، لعدم عمل أحدٍ من أصحابنا بهما، بل ولا من العامّة.

ومثلهما النصوص(3) المتضمنّة لورود قوله تعالى : (وَ اُذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) (4)4.

ص: 192


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/12.
2- الكافي: ج 7/448 ح 4، وسائل الشيعة: ج 23/257 ح 29514.
3- وسائل الشيعة: ج 23/256 باب 29 من أبواب كتاب الأيمان.
4- سورة الكهف: الآية 24.

في اليمين، وأنّ من حلف ونَسي أن يستثني فليستثنِ إذا ذكر من دون التحديد بمدّة.

الأمر الرابع: قال سيّد «المدارك»(1): (يعتبر في الحكم بالإيقاف بها قصد التعليق، فلو قصد بالمشيئة الترك، لم يحكم به، اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن، وفي غيره يرجع إلى قواعد اللّغة).

وفيه: إنّ مقتضى إطلاق النصوص - القويّ بعضها والمنجبر غيره بالعمل - عدم الفرق بينهما، كما صرّح به جدّه رحمه الله وغيره.

الأمر الخامس: ربما يقال باعتبار أن يكون عازماً عليه من ابتداء اليمين، فلو عزم عليه في الأثناء أو بعدها بلا فصلٍ ، لم يحكم بالإيقاف، اقتصاراً على المتيقّن.

ويردّه: إطلاق النصوص.

كما أنّ مقتضى إطلاقها عدم اعتبار تأخيره عنها، بل لا فرق بينه وبين تقديمه وتوسّطه.

***1.

ص: 193


1- نهاية المرام: ج 2/331.

وللوالد، والزّوج، والمولى حَلّ يمين الولد والزوجة والعبد في غير الواجب.

حكم يمين الولد والزوجة

المسألة الخامسة: ولا تنعقد انعقاداً تامّاً غير متزلزلٍ يمين الولد والزوجة والمملوك، مع الوالد والزّوج والمولى، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل عن «الغنية»(1)الإجماع عليه، إنّما الخلاف في أنّه:

هل تصحّ يمين هؤلاء وتنعقد وأنّ للوليّ الحَلّ ، كما في المتن، حيث قال: (وللوالد والزوج والمولى حَلّ يمين الولد والزوجة والعبد في غير الواجب)، وفي «الشرائع»(2)، و «النافع»(3)، وفي «المسالك»(4) نسبته إلى المشهور؟

أو أنّها لاتصحّ بدون الإذن، كما اختاره الشهيدالثاني(5)، وسيّد «الرياض»(4)، وقبلهما المصنّف في محكيّ «الإرشاد»(5)، وبعدهما غيرهما؟

وتظهر الثمرة فيما لو مات الزوج أو الأب قبل الحَلّ في المطلق، أو مع بقاء الوقت:

فعلى الأوّل ينعقد اليمين، وعلى الثاني تكون باطلة.

بل تظهر الثمرة فيما إذا لم يطّلع الأب أو الزوج إلى أن مضى الوقت، فإنّه على

ص: 194


1- غنية النزوع: ص 392-393.
2- شرائع الإسلام: ج 3/713.
3- المختصر النافع: ص 236. (4و5) مسالك الأفهام: ج 11/206 و 207.
4- رياض المسائل: ج 11/461.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/84-85.

الأوّل يحنُث، وليس كذلك على الثاني.

واستدلّ للأوّل(1): بعمومات الآيات الدالّة على وجوب الوفاء باليمين، كقوله تعالى : (وَ لا تَنْقُضُوا اَلْأَيْمانَ ) (2) وقوله عزّ وجلّ : (وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمانَ ... ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ اِحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ ) (3) وما شابهها من النصوص، فإنّها تعمّ صورة النزاع، خَرج منه ما إذا حَلّ الأب والزوج، فيبقى الباقي.

وأجاب عنه: - في «المسالك»(4) وتبعه في «الرياض»(5) - بأنّ الأمر بامتثال مقتضى اليمين وحفظها موقوفٌ على وقوعها صحيحة إجماعاً، وكون اليمين في المسألة منها أوّل الكلام، ودعواه مصادرة.

وفيه: إنّ الصحّة أمرٌ انتزاعي تنتزع من مطابقة ما وجد في الخارج لما هو طرفُ اعتبار الشارع، فتكون متأخّره عن الجعل والتشريع، فلا يعقل أخذها قيداً في المرتبة السابقة وفي المتعلّق، بل مقتضى هذه العمومات كالعمومات في سائر المقامات، عدم دخل كلّ ما يُحتمل دخله في الحكم إلّاما دلّ الدليل عليه.

وعليه، فإنكار دلالة العمومات على ما ذكر، غريبٌ ، فلا إشكال في تماميّة هذا الوجه، لكنّها متوقّفة على عدم دلالة النّص الخاص على اعتبار الإذن، وسيجيء الكلام فيه.

واستدلّ للقول الثاني: بجملةٍ من النصوص:2.

ص: 195


1- أي صحّة يمين هؤلاء وانعقادها وأنّ للوليّ الحلّ .
2- سورة النحل: الآية 91.
3- سورة المائدة: الآية 89.
4- مسالك الأفهام: ج 11/207.
5- رياض المسائل: ج 11/462.

منها: صحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا يمين للولد مع والده، ولا للمملوك مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها، ولا نذر في معصيةٍ ، ولا يمين في قطيعة»(1).

ومنها: خبر أبي القدّاح، عنه عليه السلام، قال: «لا يمين لولدٍ مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا للمملوك مع سيّده»(2).

ونحوهما غيرهما.

وتقريب الاستدلال: - كما في «المسالك»(3)، و «الرياض»(4) - أنّها محمولة على نفي الصحّة، لأنّه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة، لأنّ نفيها غير مراد.

وزاد في «الرياض»: (شهادة السياق في الصحيح، حيث زيد فيه: «ولا نذر في معصيةٍ ، ولا يمين في قطيعة» فإنّ النفي فيهما راجع إلى الصحّة إجماعاً، فليكن النفي المتقدّم عليهما كذلك.

وفيه أوّلاً: إنّه يمكن تقريب الاستدلال بها بوجهٍ أحسن من ذلك، وهو أنّ النفي نفيٌ تشريعي لا تكويني، فتدلّ النصوص على خروج يمين هؤلاء عن عالم التشريع، فيكون النفيّ لحقيقةٍ كما هو ظاهره، وتدلّ على عدم الصحّة.

ويرد عليهما وثانياً: أنّ المراد بقوله عليه السلام: «مع والده» وكذا «مع زوجها» ليس هو وجودهما، وإلّا لزم عدم الصحّة حتّى مع إذنهما التي لا خلاف في الصحّة حينئذٍ بين الأصحاب، بل الإجماع ظاهراً عليها، وليس في النصوص ما يدلّ على ذلك،3.

ص: 196


1- الكافي: ج 5/443 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/217 ح 29404.
2- التهذيب: ج 8/285 ح 41، وسائل الشيعة: 23 ص 216 ح 29403.
3- مسالك الأفهام: ج 11/207.
4- رياض المسائل: ج 11/462-463.

فلابدّ من تقديرٍ، وعليه فكما يمكن أن يقدّر ما يشهد بعدم الصحّة معه، كذلك يمكن أن يقدّر معارضته.

وبالجملة: تدلّ النصوص على أنّ يمين الولد والزوجة تخرجُ عن عالم التشريع، وتصير فاسدة مع معارضة الوالد والزوج، وأمّا بدونها وإنْ لم يأذنا، فهذه النصوص ساكتة عن حكمها، فيرجع فيه إلى العمومات المتقدّمة.

بل يمكن أن يقال: إنّ الأولى تقدير ذلك للشهرة والعمومات، وإنّ منشأ ذلك تقديم طاعة الوالد والزوج.

بل يمكن أن يقال: إنّه يتعيّن التقدير حتّى لو اُريد وجود الزوج والوالد، وعلى ذلك:

فإمّا أن لا تكون النصوص ظاهرة في عدم الصحّة مع النهي.

أو تكون مجملة، والمتيقّن منها ذلك، فيرجع فى غيره إلى العمومات المقتضية للصحّة.

أقول: وقد استدلّ لهذا القول أيضاً في «المسالك»(1): بأنّ اليمين إيقاعٌ ، وهو لا يقع موقوفاً.

ويردّه: - مضافاً إلى أنّها لا تقع موقوفة، بل تصحّ - أنّ غاية الأمر فيها كونها صحيحة لكن صحّة متزلزلة وأنّ للوالد والزوج حَلّها.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو القول الأوّل المشهور بين الأصحاب.

أقول: استثنى المصنّف وكذا غيره من هذا الحكم: اليمين على فعل الواجب.

وفي «الشرائع»(2): إضافة ترك القبيح، وكذا في «النافع»(3).6.

ص: 197


1- مسالك الأفهام: ج 11/207.
2- شرائع الإسلام: ج 3/713.
3- المختصر النافع: ص 236.

وإنّما تجبُ الكفّارة بترك ما يجبُ فعله، أو فعل ما يجبُ تركه باليمين لا بالغموس.

وأُورد عليهم: في «الرياض»(1) بأنّ النّص مطلقٌ ، ولا دليل على إخراج هذا الفرد، وتعيّن الفعل عليه وجوداً وعدماً لا يقتضي ترتّب آثار انعقاد الحلف عليه في ترتّب الكفّارة على الحنث. وسبقه في ذلك سيّد «المدارك»(2)، والمحقّق السبزواري(3).

وعلى ضوئهما عرفت من أنّ غاية ما يُستفاد من الأخبار أنّ للزوج والوالد حَلّ اليمين، وإنّما يكون ذلك فيما لهما من الأمر به، ليكون طاعتهما مقدّمةً على وجوب العمل باليمين.

وأمّا في موردٍ ليس لهما ذلك، ولا يجبُ إطاعتهما على الولد والزوجة، فلايكون مورداً للأخبار، والأمر بترك الواجب وفعل الحرام من هذا القبيل، إذ «لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق».

وبالجملة: النصوص مختصّة بموردٍ لهما المعارضة، وفي الأمر بترك الواجب أو فعل الحرام ليس لهما المعارضة، فلا تشملها النصوص، ويكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، فتدبّر فإنّه دقيق.

وعليه، فالأظهر صحّة الاستثناء.

المسألة السادسة: (وإنّما تجبُ الكفّارة بترك ما يجبُ فعله، أو فعل ما يجبُ تركه باليمين لا بالغَموس) كما مرّ الكلام فيه مستوفى في المسألة الثانية.5.

ص: 198


1- رياض المسائل: ج 11/463.
2- نهاية المرام: ج 2/335.
3- كفاية الأحكام: ج 2/485.

ولا يجوزُ أن يحلف إلّامع العلم.

المسألة السابعة: (ولا يجوزُ أن يحلف إلّامع العلم)، وقد ذكر نظير ذلك في «النافع»(1).

وعن الفاضل المقداد(2)، والسيّد(3) في شرحهما عليه، وفي «الرياض»(4): أنّ المراد به العلم بما يحلف عليه من صومٍ أو صلاةٍ أو صدقةٍ أو نحو ذلك.

قال السيّد(5): (ولا يمكن أن يكون المراد به العلم بوقوع ما يحلف عليه، لأنّ المستقبل لا يُعلم وقوعه).

ولم يذكر باقي الفقهاء هذا الشرط، وإنّما ذكروه في اليمين المتوجّهة إلى المنكر، أو المدّعي مع الشاهد، وعليه تُحمل النصوص التي ذكرها المحدِّث الحُرّ العاملي في المقام كصحيح هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا يحلف الرّجل إلّاعلى علمه»(2) ونحوه غيره.

أو تحمل على أنّ جواز اليمين على الماضي مشروطٌ بالعلم به، فلا يجوزُ الحلف عليه مع عدمه لكونه كذباً حينئذٍ.

أقول: ولو كان مراد المصنّف رحمه الله ما أفاده الأعلام، فيردّه أنّه لا دليل عليه، فلو حلف على أن يفعل ما يقترحه صديقه مع العلم بالقدرة عليه، وواجديّته لسائر1.

ص: 199


1- المختصر النافع: ص 236. (2و4) حكاه عنه في الرياض: ج 11/464. (3و5) نهاية المرام: ج 2/336.
2- الكافي: ج 7/445 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/246 ح 29491.

وينعقدُ لو قال: واللّهِ لأفعلنَّ ، أو باللّهِ ، أو بربّ الكعبة، أو تاللّهِ ، أو أيمُ اللّه.

الشرائط، صَحّ وانعقد، وإنْ لم يعلم نوعه، وأنّه هل هو الصدقة أو الصوم أو غيرهما، لإطلاق الأدلّة، ولا قرينة لحمل النصوص المشار إليها على ذلك.

ويمكن أن يكون مراده الجزم بالعمل بمقتضى اليمين.

وعليه، فهو متينٌ ، وتشهد به:

1 - قوله تعالى : (وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمانَ ) (1).

2 - وقوله تعالى : (وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) (2).

والعقد وكسب القلب عبارتان عن القصد الجزمي، ولا يبعدُ حمل النصوص على ذلك.

بعض صيغ القسم

المسألة الثامنة: قد عرفت أنّه يعتبر في صيغة القَسَم الحَلف باللّه، ومع إسقاط اسمه جَلّ جلاله لا يصحّ ولا ينعقد، كما عرفت حكم اعتبار لفظ (اقسُم) وما شاكل وعدمه، وأنّ حروف القَسَم تقوم مقامها ونحو ذلك من المباحث المتعلّقة بصيغة القَسَم.

وقد عرفت أيضاً أنّه (ينعقد لو قال: واللّهِ لأفعلنَّ ) كذا، (أو باللّه) أو (بربّ الكعبة)، (أو تاللّه).

أقول: إنّما الكلام في المقام في جملةٍ من الصيغ:

منها: صيغة أيمن اللّه (أو أيمُ اللّه).

ص: 200


1- سورة المائدة: الآية 89.
2- سورة البقرة: الآية 225.

أمّا الأوّل: ففي «الشرائع»(1): (وفي أيمنُ اللّه تردّدٌ من حيث هو جمعُ يمين، ولعلّ الانعقاد أشبه لأنّه موضوع للقسم بالعرف).

وفي «المسالك»(2): (وهو اسمٌ لا حرف، خلافاً للزّجاج والرُّماني، واختلفوا في أنّه مفردٌ مشتقٌّ من اليمين، أو جمعُ يمين:

فالبصريّون على الأوّل، والكوفيّون على الثاني، وهمزته همزة وصلٍ على الأوّل، وقطعٍ على الثاني، واعتُرِض على القائل بجمعه بجواز كسر همزته وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو: أفلس وأكلب.

والمصنّف رحمه الله تردّد في انعقاد اليمين به، من حيث إنّه جمعُ يمينٍ على قولٍ ، فالقسم به لا باللّه.

وعلى القول الآخر، فالقسمُ بوصفٍ من أوصاف اللّه، وهو يمينه وبركته لا باسمه.

ومن أنّه موضوعٌ للقَسَم عرفاً، والقسم بالوصف الذاتي للّه كالقسم به لكبرياء اللّه وعظمته وهذا أقوى ) انتهى .

أقول: لا إشكال ولا خلاف في جواز القَسَم به بعد تعارفه، وبعد دلالة النّص الصحيح على جواز القَسَم بأيمُ اللّه، الذي هو مقتضبٌ من أيمن تخفيفاً بحذف بعض حروفه وإبداله لكثرة الاستعمال.

بل عن الفاضل اللّغوي ابن آوى في استدراك «الصحاح»(3):

(في هذه الكلمات إحدى وعشرين لغة:3.

ص: 201


1- الإسلام: ج 3/712.
2- مسالك الأفهام: ج 11/201.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 35/253.

أو لعَمر اللّه، أو أُقسمُ باللّه، أو أحلِفُ بربّ المُصحف،

أربع في (أيمن) بفتح الهمزة وكسرها، مع ضَمّ النون وفتحها.

وأربع في (اليمين) باللّام المكسورة والمفتوحة، والنون المفتوحة.

ولغتان في (يمين) بفتح النون وضمّها.

وثلاث لغات في (ايم) بفتح الهمزة وكسرها، مع ضمّ الميم، وبفتح الهمزة مع فَتح الميم.

ولغتان في (إم) بكسر الميم وضمّها، مع كسر الهمزة فيها.

وثلاث فى (من) بضمّ الميم والنون وفتحها وكسرها، (وم اللّه) بالحركات الثلاث.

وكلّ ذلك يُقسَم به).

أقول: وكيف كان، ففي صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا أرى لرجلٍ أن يحلف إلّاباللّه، فأمّا قول الرّجل: لا بل شانيك، فإنّه قولُ أهل الجاهليّة، ولو حلف الناس بهذا أو أشباهه لترك الحلف باللّه، وأمّا قول الرّجل:

يا هنا ويا هناه، فإنّما ذلك لطلب الاسم، ولا أرى به بأساً، وأمّا قوله: لعمر اللّه وقوله:

لا هاهُ ، فإنّما ذلك باللّه»(1).

وبما ذكرناه ظهر أنّه ينعقد لو قال: أيمُ اللّه، (أو لعَمر اللّه، أو أقسم باللّه، أو أحلف بربّ المُصحف).

وقد تقدّم ورود الخبر في خصوص الأخير.2.

ص: 202


1- التهذيب: ج 8/278 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/260 ح 29522.

دون وحقّ اللّه.

وفي وقوع القَسَم، بحقّ اللّه تعالى خلافٌ :

صريحُ المتن حيث قال: (دون وحقّ اللّه)، وكذا المحقّق في «النافع»(1)، وسبقهما الشيخ في «الخلاف»(2) على ما حُكي عدم الوقوع.

وعن «المبسوط»(3)، و «المختلف»(4)، و «الدروس»(5) وغيرها الوقوع.

واستدلّ للأوّل:

بأنّ الحقّ مشتركٌ بين أُمور كثيرة، لا ينعقد بها اليمين، كالعبادات التي أمر بها لإطلاقه عليها في الخبر الذي سُئل فيه عنه عليه السلام، قال:

«ما حقّ اللّه على عباده ؟ قال: أن لا يشركوا به شيئاً، ويعبدوه، ويقيموا الصلاة...».

وكالقرآن: قال تعالى : (وَ إِنَّهُ لَحَقُّ اَلْيَقِينِ ) (6).

ولكن حيث عرفت وقوع القَسَم بالألفاظ المشتركة بين اللّه تعالى وغيره إذا قصد بها اللّه تعالى ، سيّما مع إقامة القرينة عليه، فالأظهر هو الوقوع، لأنّ الحقّ إذا اُضيف إلى اللّه تعالى كان وصفاً كسائر صفات ذاته، من العظمة والعِزّة ونحوهما إذا1.

ص: 203


1- المختصر النافع: ص 235.
2- الخلاف: ج 6/125.
3- المبسوط: ج 6/197.
4- مختلف الشيعة: ج 8/170.
5- الدروس: ج 2/162.
6- سورة الحاقة: الآية 51.

قصد به للّه الحقّ والمستحقّ للإلهيّة دون ما إذا قصد به المعاني الاُولى .

وأخيراً: قد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا يعتبر العربيّة في القَسَم، وأنّه يتحقّق بجميع اللّغات.

***

ص: 204

الفصل الثاني: في النذر والعهود.

الفصل الثاني النذر

اشارة

(الفصل الثاني: في النذر والعهود):

أقول: الكلام فيه يقع أوّلاً في النذر، ثمّ في العهد.

أمّا النذر: بفتح الذال في الماضي، وبكسرها وضمّها في المضارع، فهو لغةً الوعد بخيرٍ أو شرّ، بشرطٍ أو مطلقاً هكذا ذكره جمعٌ (1).

وفي «المنجد»: (أوجبَ على نفسه ما ليس بواحب).

وعليه، فمعناه الشرعي من مصاديق معناه اللّغوي، غاية الأمر جَعل له الشارع قيوداً.

وكيف كان، فهو شرعاً:

التزامُ قربةٍ لم يتعيّن أو مطلقاً كما في «المسالك»(2).

أو الالتزام بالفعل أو الترك على وجهٍ مخصوص، كما في «الجواهر»(3).

أو التزام الكامل المسلم المختار غير المحجور عليه بفعلٍ أو تركٍ بقول اللّه تعالي ، ناوياً القُربة، كما عن «الدروس»(4)، و «المهذّب»(5).

ص: 205


1- تتمّة الحدائق الناضرة: ج 2/236.
2- مسالك الأفهام: ج 11/309.
3- جواهر الكلام: ج 35/356.
4- الدروس: ج 2/149.
5- المهذّب: ج 4/133.

ويُشترط في الناذر: التكليف، والاختيار، والقصد،

والكلُّ ترجعُ إلى معنى واحد.

والأصل في شرعيّته - بعد الإجماع، والنصوص المتواترة الّتي ستمرّ عليك جملة منها - قوله تعالى : (وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (1)، وقوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (2).

أقول: والكلام فيه يقع في مقامات:

الأوّل: في الناذر.

الثاني: في الصيغة.

الثالث: في متعلّق النذر.

الرابع: في اللّواحق.

بيان ما يعتبر في الناذر

أمّا المقام الأوّل: فلا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يُشترط في الناذر: التكليف، والاختيار، والقصد).

أمّا التكليف: فيدلّ على اعتباره حديث رفع القلم(3) عن الصَّبي والمجنون، الشامل لكلّ عبادةٍ ومعاملةٍ ، ومن العبادات النذر. ولو قلنا بأنّ عبادات الصَّبي تمرينيّة محضة لا شرعيّة كعبادات المكلّفين، ولا مشروعة لمصلحة التمرين، فالأمر أوضح، وقد مرَّ الكلام في المبنى في كتاب الحجّ مفصّلاً(4).

ص: 206


1- سورة الحجّ : الآية 29.
2- سورة الإنسان: الآية 7.
3- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81.
4- فقه الصادق: ج 13/170.

وأمّا الاختيار:

فإنْ اُريد به مايُقابل الإكراه، فيدلّ على اعتباره مادلّ عليرفع مااستكره عليه(1).

وإنْ اُريد به ما يقابل النسيان، فيدلّ على اعتباره ما دلّ على رفع النسيان(2).

وإنْ اُريد به ما يقابل الإلجاء والضرورة:

فإنْ كان ذلك لمصلحته ونفعه، فلا دليل على اعتباره، لأنّ حديث الرفع الدالّ على رفع عدّة اُمور، منها ما اضطرّوا إليه، إنّما يكون في مقام الامتنان، ولا منّة في رفع الحكم في الفرض.

وإنْ كان لا لذلك، فيدلّ عليه ما دلّ على رفع ما اضطرّوا إليه.

وأمّا القصد: فيدلّ على اعتباره ما مرّ في اليمين الدالّ على اعتباره فيها، حتّى القصد بالمعنى الرابع الذي اعتبرناه في اليمين، وعليه بنينا على عدم انعقاد اليمين من الغضبان وما شاكل.

ويدلّ عليه في المقام الخبر الذي رواه محمّد بن بشير، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«قلت له: جُعلت فداك، إنّي جَعلتُ للّه عليَّ أن لا أقبل من بني عمّي صِلة، ولا أخرج متاعي في سوق مِنى تلك الأيّام ؟

فقال عليه السلام: إنْ كنتَ جعلت ذلك شكراً ففِ به، وإنْ كنت إنّما قلت ذلك من غَضَبٍ فلا شيء عليك»(3).

ورتّب المحقّق في «الشرائع»(4) على اعتبار القصد، عدم صحّة النذر من4.

ص: 207


1- الكافي: ج 2/462 ح 1، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20770.
2- وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.
3- التهذيب: ج 8/316 ح 55، وسائل الشيعة: ج 23/324 ح 29658.
4- شرائع الإسلام: ج 3/724.

والإسلام،

المُكرَه، وهذا يدلّ على ارادته من القصد ما يعمّ المعنى الرابع، فلا وجه للإيراد عليه بأنّ المكرَه لا طيب نفس له بمضمون الصيغة، لا أنّه غير قاصدٍ لمدلولها، وتمام الكلام في محلّه(1).

(و) هل يعتبر (الإسلام) في الناذر، فلا يصحّ نذر الكافر، كما هو المشهور بين المتأخّرين من الأصحاب شهرة عظيمة ؟

أم لا يعتبر، فيصحّ نذره كما عن سيّد «المدارك»(2)، وتبعه في محكيّ «الكفاية»(3)، وفي «الرياض»(4): (لا يخلو من قوّةٍ إنْ لم يكن الإجماع على خلافه كما هو الظاهر)؟

قيل: وجهان مبنيّان على أنّ عبادات الكافر صحيحة أم لا؟

فعلى الأوّل يصحّ ، وعلى الثاني لا يصحّ ، وقد مرّ الكلام في المبنى في كتاب الحجّ (5)، ولكن الأظهر هي الصحّة مطلقاً، لعدم كون النذر بنفسه من العبادات، ومراد القوم من اعتبار القُربة فيه كون الدّاعي إليه التسبّب به إلى إتيان متعلّقه قُربةً إلى اللّه تعالى ، لما ستعرف من أنّه مكروه عند المشهور. وعليه، فلا مانع من صحّة نذر الكافر كيمينه، وما في «الرياض» من التردّد فيه من جهة الإجماع في غير محلّه، إذ لم نظفر بمن تعرّض لحكم نذرِ الكافر نفياً أو إثباتاً قبل المصنّف والمحقّق.

وما ذكرناه من التفصيل في اليمين بين كون الكافر معتقداً بالصانع وعدمه،9.

ص: 208


1- منهاج الفقاهة: ج 3/430.
2- نهاية المرام: ج 2/347.
3- كفاية الأحكام: ج 2/490.
4- رياض المسائل: ج 11/478.
5- فقه الصادق: ج 13/259.

وإذن الزّوج والمولى في الزّوجة والعبد، في غير الواجب.

جارٍ هنا أيضاً لعين ما ذكرناه هناك.

ولو نذر في حال الكفر وخالف، ثمّ أسلَم، سَقَطتِ الكفّارة عنه، لأنّ الإسلام يَجبُّ ما قبله.

ولو أسلم ووقتُ العمل باقٍ ، فهل يَسقط وجوب الوفاء به، ولا تجبُ الكفّارة بالمخالفة، لعموم حديث الجُبّ (1)، أم لا يسقط لانصرافه عن المقام ؟

وجهان: أظهرهما الثاني، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً في كتاب الحَجّ (2)، وعلى ذلك فما في «المسالك»(3) من أنّه رُوي أنّ عمر قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله: (كنتُ نذرتُ اعتكاف ليلة في الجاهليّة، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: اوفِ بنذرك)، محمولٌ على ظاهره من الوجوب، ولا وجه لحمله على الاستحباب، كما فيها وفي «الجواهر»(4).

اعتبار إذن الزوج

أقول: (و) ممّا قيل باعتباره في صحّة النذر (إذن الزوج والمولى في الزوجة والعبد في غير الواجب) بل هو المشهور بين الأصحاب، سيّما المتأخّرين كما قيل،

ص: 209


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 7/448 ح 8625-2، عوالي اللآلي: ج 2/54 ح 145. ورواه أبو الفرج الاصبهاني، وابن هشام في سيرته في حكاية إسلام مغيرة بن شعبة، وابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى في قصّة إسلام مغيرة وغدره برفقائه، وعليّ بن إبراهيم في تفسيره في ذيل قوله تعالى : (وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ اَلْأَرْضِ يَنْبُوعاً) في قصّة إسلام عبداللّه أخي أُمّ سَلَمة. وروي في السيرة الحلبيّة في: ج 3 / ص 105 و 106، وفي الخصائص الكبرى : ج 249/1، وفي مجمع البحرين كتاب الباء باب ما أوّله الجيم في لغة جبب.
2- فقه الصادق: ج 13/262.
3- مسالك الأفهام: ج 11/310.
4- جواهر الكلام: ج 35/358.

وألحق بذلك المصنّف في بعض كتبه(1)، والشهيد في «الدروس»(2) - على ما حُكي - الولَد، فأوقفا نذره على إذن الأب كاليمين.

وقد استدلّ لإلحاق النذر باليمين في هذا الحكم ليشمل الولد أيضاً، فمن يرى اعتبار إذن الزوج والوالد في صحّة اليمين وانعقادها يقول بذلك في المقام، ومن يرى عدم الاشتراط وإنّما لهما حَلّ اليمين، يلتزم في المقام بذلك أيضاً، بأنّ المراد باليمين في الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقها عليه في جملةٍ من الأخبار:

منها: خبران أُطلق فيهما في كلام الإمام عليه السلام اليمين على النذر:

1 - موثّق سماعة: «عن رجلٍ جعل عليه أيماناً أن يمشي إلى الكعبة، أو صدقةً أو نذراً أو هدياً إنْ هو كلّم أباه...

إلى أن قال: فقال عليه السلام: لا يمين في معصية اللّه، إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها، ما جعل اللّه عليه في الشكر إنْ هو عافاه من مرضه...

إلى أن قال: فقال: للّه عليَّ كذا شكراً، فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به»(3).

2 - خبر السندي بن محمّد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت له: جَعلتُ على نفسي مشياً إلى بيت اللّه ؟

قال عليه السلام: كفّر عن يمينك فانما جَعلت على نفسك يميناً وما جعلته للّه ففِ به»(4).6.

ص: 210


1- إرشاد الأذهان: ج 2/90.
2- الدروس: ج 2/149.
3- الكافي: ج 7/440 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29643.
4- الكافي: ج 7/458 ح 18، وسائل الشيعة: ج 23/308 ح 29626.

ومنها: أخبار أُطلق فيها اليمين على النذر فى كلام الراوي، وقرّره المعصوم عليه السلام عليه:

1 - موثّق مسعدة بن صدقة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يحلف بالنذر ونيّته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقلّ؟

قال عليه السلام: إذا لم يجعل للّه فليس بشيء»(1).

2 - وخبر الحسن بن عليّ ، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلتُ له: إنّ لي جاريةً ليس لها منّي مكان ولا ناحية، وهي تحتمل الثمن، إلّا إنّي كنتُ حَلفت فيها بيمينٍ ، فقلتُ : للّه عليَّ أن لا أبيعها أبداً، ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤونة ؟

فقال عليه السلام: فِ للّه بقولك له»(2).

3 - وخبر علي السائي، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: إنّي كنت أتزوّج المتعة، فكرهتها وتشاءمتُ بها، فأعطيت اللّه عهداً بين الركن والمقام وجَعلتُ عليَّ في ذلك نذراً أو صياماً أن لا أتزوّجها، ثمّ إنّ ذلك شقَّ عليَّ ، وندمتُ على يميني، ولم يكن بيدي من القوّة ما أتزوّج به في العلانية ؟

فقال عليه السلام لي: عاهدتَ اللّه أن لا تطيعه... الحديث»(3).

إلى غير تلكم من النصوص.

قال في «الرياض»(4) في تقريب هذا الوجه: (وحيثُ ثبت إطلاق اليمين على0.

ص: 211


1- الكافي: ج 7/458 ح 22، وسائل الشيعة: ج 23/294 ح 29593.
2- التهذيب: ج 8/310 ح 26، وسائل الشيعة: ج 23/320 ح 29650.
3- الكافي: ج 5/450 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/16 ح 26403.
4- رياض المسائل: ج 11/480.

النذر، فإمّا أن يكون على سبيل الحقيقة أو المجاز والاستعارة، وعلى كلا التقديرين، فدلالة المعتبرين على المقصود واضحة، لكون النذر على الأوّل من جملة أفراد الحقيقة المتعيّنة، وعلى الثاني مشاركاً لها في الأحكام الشرعيّة، ومنها انتفائها عند عدم إذن الثلاثة) انتهى .

وبالاستقراء: قال في «الرياض»(1): (مضافاً إلى التأييد بالاستقراء والتتبّع التام الكاشف عن اشتراك النذر واليمين في كثيرٍ من الأحكام) انتهى .

وتنقيح المناط: فإنّ المنشأ فيهما واحدٌ، وهو وجوب طاعة الزّوج، وكونه قيّماً على المرأة.

أمّا الوجه الأوّل فيردّه: أنّ الإطلاق إذا لم يكن على وجه الحقيقة، لا وجه لاستفادة الحكم حينئذٍ، لعدم دلالة الإطلاق عليه والاستعمال فيه على كونه بلحاظ الحكم، كي يُدّعى أنّ مقتضى الإطلاق ثبوت جميع أحكامها له.

وبعبارة اُخرى : إنّ الدليل إنْ كان متضمّناً لتنزيل شيء منزلة آخر، نظير:

«الطواف في البيت صلاة»، و «الفقاع خمر»، وما شاكل، كان مقتضى الإطلاق ثبوت جميع أحكام المنزّل عليه للمنزّل، وإنْ كان على وجه استعمال اللّفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر مجازاً، ليترتّب عليه حكمٌ ، لا يكون هناك تنزيلٌ وتشبيه حتّى يستدلّ بعموم المنزلة، وهذا واضحٌ جدّاً.

وأمّا الوجه الثاني فيردّه: أنّ التتبّع يشهد باختلافهما في كثيرٍ من الأحكام، كرجحان المتعلّق، ونيّة القُربة - فتأمّل - وغيرهما.0.

ص: 212


1- رياض المسائل: ج 11/480.

وعلى كلّ حالٍ ، لا يدلّ الاشتراك في جملةٍ من الأحكام على الاشتراك في جميع الأحكام.

وأمّا الوجه الثالث فيدفعه: منع ذلك، لعدم كون العلّة منصوصة، بل هي مستنبطة.

ولكن مع ذلك كلّه دعوى الإلحاق بواسطة النصوص المتضمنّة للإطلاق عليه قريبة، فإنّ إطلاق اليمين على النذر في النصوص المُشار إليها وهي كثيرة من دون قرينةٍ دالّة عليه، كاشفٌ عن كون الموضوع له لها هو المعنى الأعمّ .

وبعبارة اُخرى : إنّه يكشف عن كون المراد بها عند الإطلاق هو المعنى الأعمّ ، فتأمّل فإنّ في النفس مع ذلك شيئاً.

أقول: ويشهد لاعتبار إذن الزوج في صحّة نذر الزوجة، الخبر الصحيح الذي رواه ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«ليس للمرأة مع زوجها أمرٌ في عتقٍ ولا صدقةٍ ولا تدبيرٍ ولا هبةٍ ولا نذرٍ في مالها إلّابإذن زوجها، إلّافي حجّ أو زكاةٍ أو بِرّ والديها أو صلة رحمها»(1).

وأُورد عليه: باشتماله على ما لا نقول به من الاُمور المزبورة، والاستثناء الذي قد يقال بمنافاتها أيضاً.

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر كون الاستثناء من التصرّف في مالها، ولا ريب في جواز ذلك لها، بل وجوبه في الحجّ الواجب، والزّكاة الواجبة، وصلة الرّحم كذلك.

وثانياً: إنّ عدم العمل ببعض الخبر لمعارضته فيه بما هو أقوى سنداً أو دلالةً ، لا يكون مانعاً عن العمل ببعضها الآخر الذي لا معارض له فيه.

أقول: وينبغي التنبيه على أُمور:7.

ص: 213


1- التهذيب: ج 8/257 ح 168، وسائل الشيعة: ج 23/315 ح 29637.

لا يشمل الفرض.

وأمّا نصوص نفي اليمين لها مع الزوج، بناءً على ما بيّناه من أنّها تدلّ على أنّ للزوج أن يحلّ اليمين بعد انعقادها، وبناءً على شمول اليمين للنذر، فالظاهر شمولها للمقام، كما لا يخفى ، فله حَلّ نذرها.

وإنْ لم يحلّه، أو قلنا بأنّه ليس له ذلك:

فقد يقال: إنّه يعتبر في متعلّق النذر الرّجحان حين العمل، وهذا النذر لا رجحان لمتعلّقه في ظرف العمل، بل هو مرجوحٌ ، لكونه منافياً لحقّ الزوج، فلا يجب عليها العمل به.

ويردّه: أنّ النذر حين ما انعقد لم يكن هناك مانعٌ ، وصار سبباً لوجوب العمل في ظرفه، وفي ظرف العمل ليس للزوج المنع عنه، إذ «لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق»، فلا يصير المتعلّق مرجوحاً.

وعليه، فالأظهر وجوب العمل به.

مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ الرجحان إنّما هو رجحان العمل في نفسه، لا الرجحان حتّى بلحاظ الملازمات والمقارنات، والعملُ في الفرض راجحٌ في نفسه.

وعلى أيّ تقدير، فالنذر منعقدٌ، ويجبُ العمل به، وليس للزّوج على هذا المبنى المنع عنه.

أقول: وتمام الكلام في ذلك، وفي جملةٍ من الفروع المناسبة قد تقدّم في كتاب الحجّ في مبحث نذر الحجّ ، فراجع(1).

***6.

ص: 214


1- فقه الصادق: ج 13/356.

وهو:

إمّا بِرٌّ، كقوله: إنْ رُزقتُ ولداً فللّه عَليَّ كذا.

أو شُكرٌ، كقوله: إنْ بَرئ المريض فللّه عَليَّ كذا.

أو زَجْرٌ، كقوله: إنْ فَعَلتُ محرّماً فللّه عَليَّ كذا، وإنْ لم أفعل الطاعة فللَّه عَليَّ كذا.

أو تبرّعٌ ، كقوله: للّه عَليَّ كذا.

صيغة النذر وكيفيّة انعقاده

المقام الثاني: في صيغته:

قال قدس سره: (وهو إمّا بِرٌّ، كقوله: إنْ رُزقتُ ولداً فللّه عَليَّ كذا. أو شُكرٌ، كقوله: إنْ بَرئ المريض فللّه عَليَّ كذا. أو زَجْرٌ، كقوله: إنْ فَعَلتُ محرّماً فللّه عَليَّ كذا، وإنْ لم أفعل الطاعة فللَّه عَليَّ كذا. أو تبرّعٌ ، كقوله: للّه عَليَّ كذا).

قال الشهيد الثاني في «المسالك»(1): النذرُ ينقسم إلى نذر بِرٍّ وطاعة، وإلى نذر لجاجٍ وزجر.

ونذر البِرّ نوعان:

1 - نذر مجازات، وهو أن يلتزم قُربةً في مقابلة حدوث نعمةٍ أو اندفاع بليّة.

2 - ونذر تبرّعٍ ، أي التزامُ شيء ابتداءً من غير أن يعلّقه على شيء.

ص: 215


1- مسالك الأفهام: ج 11/312-314.

وكلّ واحدٍ من المزجور عنه والمُجازى عليه:

إمّا أن يكون طاعة، أو معصية، أو مباحاً.

ثمّ إمّا أن يكون مَنْ فَعَله أو فَعَل غيره أو خارجاً عنهما، لكونه من فِعل اللّه تعالى كشفاء المريض، ومتعلّقه إمّا فعلٌ أو ترك، فهذه صور المسألة.

والجزاء على الطاعة: كقوله: (إنْ صَلّيتُ فللّه عَليَّ صوم يوم مثلاً)، أي إذا وفّقني اللّه للصلاة صمتُ شُكراً، والزّجر عنها كذلك، إلّاأنّه قصد الزَّجر عنها.

وعلى المعصية: كقوله: (إنْ شَربتُ الخَمر فللّه عليَّ كذا) زجراً لنفسه عنه، أو شكراً عليها.

والمايز القصد كذلك، فالأوّل منهما منعقدٌ دون الثاني.

وفي جانب النفي: كقوله: (إنْ لم اُصلِّ فللّه عليَّ كذا) و (إنْ لم أشرب الخمر فللّه عليَّ كذا)، فإنّ قَصَد في الأوّل الزّجر، وفي الثاني الشُّكر على توفيقه له، انعقد دون العكس.

وفي المباح: يتصوّر الأمر إنْ نفياً وإثباتاً، كقوله: (إنْ أكلتُ أو لم آكل فللّه عليَّ كذا) شكراً على حصوله، أو على كسر الشهوة، أو زجراً.

ويتصوّر الأقسام كلّها في فعل الغير، كقوله: (إنْ صَلّى فلانٌ ) أو (قَدِم من سفره) أو (أعطاني) إلى غير ذلك من أقسامه.

وضابط المنعقد من ذلك كلّه: ما كان طاعةً وقَصَد بالجزاء الشكر، أو تركها وقَصَد الزَّجر، وبالعكس في المعصية وفيما خرج عن فعله يتصوّر الشكر دون الزَّجر، وفي المباح الرّاجح دِيناً يتصوّر الشكر، وفي المرجوح الزَّجر وعكسه

ص: 216

كالطاعة، وفي المتساوي الطرفين يتصوّر الأمران، ومثله: (إنْ رأيتُ فلاناً فللّه عليَّ كذا)، فإنْ أراد إنْ رَزَقني اللّه رؤيته فهو نذرُ بِرّ، وإنْ أراد كراهة رؤيته فهو نذر لجاج) انتهى .

أقول: ما أفاده رحمه الله وإنْ كان مفيداً من حيث تشقيق صور المسألة، إلّاأنّه لم يبيّن الضابط الصحيح لما ينعقد، ولما لا ينعقد، ولم يذكر وجه الانعقاد وعدمه.

والصحيح أن يقال: إنّ شرط النذر إنْ كان واجباً أو مندوباً أو مباحاً، له فيه نفعٌ دنيوي، أو فعلُ الغير، أو الموجودات الخارجيّة الاُخر كذلك، أو كان ترك الحرام أو المكروه أو المباح أو فعل الغير أو الموجود الخارجي الذي له نفعٌ فيه، وجَعَل المنذور شكراً له انعقد، وإنْ جَعَله زجراً عنه، لم ينعقد، والفارق بين الشكر والزَّجر هو القصد.

ويشهد به: - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه - موثّق سماعة، قال:

«سألته عن رجلٍ جعل عليه أيماناً أن يمشي إلى الكعبة، أو صدقة، أو نذراً، أو هدياً إنْ هو كلّم أباه أو اُمّه أو أخاه أو ذا رحمٍ ، أو قطع قرابة، أو مأثماً يقيم عليه، أو أمراً لا يصلح له فَعَله ؟

فقال عليه السلام: لا يمين في معصية اللّه، إنّما اليمين في الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها، ما جَعَل للّه عليه في الشكر إنْ هو عافاه اللّه من مرضه، أو عافاه من أمرٍ يخافه، أو رَدّ عليه ماله، أو رَدّه من سفرٍ، أو رَزَقه رزقاً، فقال: للّه عليَّ كذا وكذا شُكراً، فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أنْ يفي به»(1).

وهذا كما ترى صريحٌ في اعتبار أن يكون ما يَجعل عليه للّه شُكراً، ونحوه غيره.3.

ص: 217


1- التهذيب: ج 8/311 ح 31، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29643.

وإنْ كان فِعْلُ محرّمٍ أو مكروهٍ ، أو تركُ واجبٍ أو مندوبٍ ، وجَعَل المنذور للّه عليه زجراً صحّ ، وإنْ جَعَله شُكراً لا يصحّ .

أمّا عدم صحّته شكراً، فلأنّه لا يقبل أن يجعل في مقابله شكراً، إذ الشكر إنّما يكون على النعمة أعمّ من الدنيويّة والاُخرويّة.

مضافاً إلى جملةٍ من النصوص:

منها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن امرأةٍ تصدّقت بما لها على المساكين إنْ خرجت مع زوجها، ثمّ خرجت معه ؟

فقال: ليس عليها شيء»(1).

ومنها: ما ورد في خبر عليّ بن أبي حمزة، قال: «سألتُ أباعبداللّه عليه السلام عن رجلٍ جعل عليه مشياً إلى بيت اللّه الحرام، وكلّ مملوكٍ له حُرّ إنْ خرج مع عمّته إلى مكّة، ولا تَكارى لها ولا صَحِبها؟

فقال عليه السلام: ليس بشيء ليكاري لها وليخرج معها»(2).

ونحوهما غيرهما.

وأمّا صحّته زجراً: فالظاهر الإجماع عليها، والوجه فيها أنّ الزَّجر عن المعصية والمخالفة طاعة، فيشمله ما دلّ على انعقاد النذر إذا كان طاعة.

وإنْ كان الشرط تركُ مباحٍ ، أو أمرٍ له فيه منفعة، فعدم صحّته شُكراً واضحٌ ، لأنّه لا يكون قابلاً للشكر، ولا يتصوّر فيه الزَّجر، فلا ينعقد النذر.

وإنْ كان الشرط أمراً مباحاً متساوي الطرفين، ولا يعود نفعه إليه، وحاله6.

ص: 218


1- التهذيب: ج 8/311 ح 32، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29644.
2- التهذيب: ج 8/313 ح 38، وسائل الشيعة: ج 23/319 ح 29646.

بالنسبة إليه سواءٌ من تلك الجهة، أو كان أمراً خارجيّاً كذلك، ولم يكن فيه نفعٌ عائدٌ إلى المجتمع، فالظاهر عدم صحّة النذر، لعدم قابليّة ذلك للشكر، هذا كلّه في نذر الشرط.

حكم نذر التبرّع

وأمّا نذر التبرّع: وهو أن ينذر مبتدئاً بغير شرطٍ، كأن يقول: (للّه عليَّ أن أصوم)، ونحو ذلك، ففي انعقاده قولان:

أحدهما: الانعقاد، وهو اختيار الأكثر، كما في «المسالك»(1)، وعليه الإجماع، كما عن الشيخ في «الخلاف»(2).

وقد استدلّ له:

1 - بقوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (3)، فأطلق نذرها ولم يذكر عليه شيء.

2 - وبالنبويّ : «من نَذَر أن يُطيع اللّه فليطعه»(4).

3 - وبطائفة من الأخبار:

منها: بصحيح عبدالملك بن عمرو، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«من جَعَل للّه عليه أن لا يركب مُحرّماً سمّاه فركبه ؟

ص: 219


1- مسالك الأفهام: ج 11/314.
2- الخلاف: ج 6/191-192.
3- سورة آل عمران: الآية 35.
4- صحيح البخاري: ج 9/246، سنن البيهقي: ج 10/76 وغيرهما.

قال: لا ولا اعلمه إلاّ قال: فليعتق رقبة، أو لِيَصُم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستّين مسكيناً»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «إنْ قلت للّه عليَّ فكفّارة يمين»(2).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الأيمان والنذور واليمين التي هي للّه طاعة ؟ فقال: ما جُعل للّه عليه في طاعةٍ فليقضه، فإنْ جَعَل للّه شيئاً من ذلك ثمّ لم يفعل فليكفّر عن يمينه»(3).

ومنها: خبر صفوان الجمّال، عن أبي عبداللّه عليه السلام، في حديثٍ :

«وما جعلته للّه ففِ به»(4).

ومنها: خبر عمرو بن خالد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «النذر نذران، فما كان للّه ففِ به»(5).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«ليس شيءٌ هو للّه طاعة يجعله الرّجل عليه، إلّاينبغي له أن يفي به»(6).

إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة المرتّبة للحكم على الصيغة المزبورة بدون الشرط.

وأُورد عليه: بأنّه لا إطلاق للنصوص، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه5.

ص: 220


1- التهذيب: ج 8/314 ح 42، وسائل الشيعة: ج 23/322 ح 29653.
2- الكافي: ج 7/456 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/392 ح 28868.
3- الكافي: ج 7/446 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/247 ح 29495.
4- الكافي: ج 7/458 ح 18، وسائل الشيعة: ج 23/308 ح 29626.
5- التهذيب: ج 8/310 ح 28، وسائل الشيعة: ج 22/393 ح 28873.
6- التهذيب: ج 8/312 ح 36، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29645.

على وجوب الوفاء بكلا القسمين، وأنّ النذر الشرعي أعمٌّ من النذر اللّغوي، وحَصر الملزم في اليمين والعهد والنذر وإنْ كان تامّاً، إلّاأن المحصور فيه النذر الشرعي لا النذر اللّغوي، فتدبّر فإنّه دقيق.

وعليه، فالأظهر تماميّة دلالة النصوص على ذلك.

استدلّ للقول الآخر: (بأنّ النذر لغةً هو الوعد بشرط كما عن تغلب، والشرع نَزَل بلسانهم، والأصل عدم النقل)(1).

وفيه أوّلاً: ما في «الرياض»(2): من أنّه وعدٌ بغير شرط، ولو سُلّم فقد المعارض من اللّغة، واتّفاق أهلها على ما ذكره، يعارض بالعرف المتقدّم عليها.

أقول: ومناقشة صاحب «الجواهر» رحمه الله(3) فيه، بمنع معلوميّة كونه كذلك في زمن صدور الإطلاقات كتاباً وسنّةً ، في غير محلّها لأنّه إذا كان لفظٌ بحسب المتفاهم العرفي ظاهراً في معنى فعلاً، يبنى على كونه كذلك في زمان الشارع للاستصحاب القهقري، المبنيّ عليه السيرة القطعيّة، وإلّا لزم التوقّف في العمل بالظهورات في كثيرٍ من المقامات، ولزم منه تأسيس فقهٍ جديد.

وثانياً: ما تقدّم من أنّ بعض النصوص مطلق ليس فيه كلمة النذر.

وأضعفُ من هذا الوجه، دعوى الإجماع، كما لا يخفى .

وأيضاً: قد يستدلّ له:

1 - بصحيح منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا قال الرّجل: عليَّ 7.

ص: 221


1- حكاه عنهم في الجواهر: ج 35/366.
2- رياض المسائل: ج 11/484.
3- جواهر الكلام: ج 35/367.

المشي إلى بيت اللّه، وهو مُحْرِمٌ بحجّةٍ ، أو عليَّ هَديُ كذا وكذا، فليس بشيء حتّى يقول: للّه عليَّ المشي إلى بيته، أو يقول: للّه عليَّ أن أحرم بحجّةٍ ، أو يقول: للّه عَليَّ هَديٌ كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا»(1).

2 - وبموثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ جَعَل عليه أيماناً أن يمشي إلى الكعبة، أو صدقة أو نذراً، أو هدياً إنْ هو كلّم أباه أو اُمّه أو أخاه أو ذا رحمٍ ، أو قطع قرابةً ، أو مأثماً يقيم عليه، أو أمراً لا يصلح له فعله ؟

فقال عليه السلام: لا يمين في معصية اللّه، إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها، ما جَعَل للّه عليه في الشكر إنْ هو عافاه اللّه من مرضه، أو عافاه من أمرٍ يخافه، أو رَدّ عليه ماله، أو رَدّه في سفر، أو رَزَقه رزقاً، فقال: للّه عليَّ كذا وكذا الشكر، فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به»(2).

بتقريب أنّ الأوّل بمفهوم الشرط، والثاني بمفهوم الحَصر يدلّان على عدم صحّة النذر غير المعلّق على شرط، وبهما يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة.

ودعوى : - سيّد «الرياض»(3) - أنّ المقصود منهما بيان لزوم ذكر اللّه تعالى في النذر، وعدم تعلّقه بالمحرّم، لا لزوم التعليق، فلا عِبرة بمفهومهما، مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد الغالب، فإنّ الغالب في النذر ذلك لا المطلق.

مندفعة: بأنّ حمل القيد على الغالب لا لبيان خصوصيّة في الحكم خلاف الظاهر، لا يُصار إليه إلّامع القرينة، ولو كان المقصود منهما خصوص ما أشار إليه لما5.

ص: 222


1- الكافي: ج 7/454 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/293 ح 29590.
2- التهذيب: ج 8/311 ح 31، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29643.
3- رياض المسائل: ج 11/485.

كان وجهٌ لذكر القيد.

أقول: فالحقّ في الإيراد على الاستدلال بهما أن يقال:

إنّ القيد في الصحيح يحتمل أن يكون راجعاً إلى الجملة الثانية، بل قد يقال إنّ الظاهر منه ذلك، وعليه فهو يدلّ على القول الأوّل لا على هذا القول.

وأمّا الموثّق: فهو بقرينة السؤال واردٌ في مقام بيان أنّ النذر لشُكرٍ إنّما هو فيما كان قابلاً لأن يُشكر عليه، فمفهومه عدم صحّة النذر لشكر إذا كان الشرط غير قابلٍ لذلك، فهو أجنبيٌّ عن لزوم التعليق، بل لعلّ نذر الشكر أعمٌّ من المعلّق، كما لو أنعم اللّه تعالى على إنسانٍ نعمة، ويريد شكرها بنذرِ بعض العبادات، ففي خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو أنّ عبداً أنعم اللّه عليه نعمةً إمّا أن يكون مريضاً أو ابتلاه ببليّةٍ فعافاه من تلك البليّة، فَجَعَل على نفسه أن يُحرِم بخراسان كان عليه أن يُتمّ »(1).

بل هذا الخبر كالصريح في صحّة النذر غير المعلّق، لفرض كون الشرط فيه متحقّقاً قبل النذر، فلا ينبغي التوقّف في صحّة نذر التبرّع.

***0.

ص: 223


1- التهذيب: ج 8/310 ح 29، وسائل الشيعة: ج 11/327 ح 14930.

ولو قال: عَليَّ كذا، ولم يَقُل للّه لم يَجِب.

اعتبار النُطق باسم اللّه تعالى

(و) يشترط في صحّة النذر، النطق باسم اللّه تعالى ، ف (لو قال: عَليَّ كذا ولم يَقُل للّه لم يجب) بلا خلافٍ فيه في الجملة.

وما عن ابن حمزة(1): من أنّه إن قال: (عليَّ كذا إنْ كان كذا)، وجبَ الوفاء ولا كفّارة، وإن قال: (عليَّ كذا) استحبّ الوفاء، لا ينافي ذلك، فإنّ قوله: (ولا كفّارة) كاشفٌ عن بنائه على عدم صحّة النذر.

وما عن الشيخين(2)، والقاضي(3): من الانعقاد بمجرّد النيّة من دون ذكر شيء أصلاً، فهو أيضاً خلافٌ في مسألة اُخرى ، وهي أنّه هل يُكتفى في انعقاد النذر بالبناء القلبي والاعتبار النفساني، أم يعتبر التلفّظ بألفاظ مُعرِبة عمّا في الضمير؟

أقول: هنا مسائل:

المسألة الأُولى : يعتبر في صحّة النذر جعل العمل للّه على نفسه، وإلّا فلا يصحّ ، والنصوص الدالّة عليه كثيرة:

منها: صحيح منصور بن حازم المتقدّم، بناءً على ما عن نسخة «التهذيب» عن «الكافي» الوارد فيها قوله عليه السلام: «أو يقول: للّه عليَّ هَدي كذا... الخ».

ص: 224


1- الوسيلة: ص 350.
2- المقنعة: ص 562، النهاية: ص 562.
3- المهذّب: ج 2/409.

ومنها: صحيح أبي الصباح الكناني، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ قال:

عليَّ نذر؟

قال عليه السلام: ليس النذر بشيء حتّى يُسمّي شيئاً للّه صياماً أو صدقةً أو هَدْياً أو حَجّاً»(1).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي جعلتُ على نفسي شكراً للّه ركعتين اُصلّيهما في السفر والحضر، فأُصلّيهما في السفر بالنهار؟ قال عليه السلام: نعم. ثمّ قال: إنّي لأكره الإيجاب أن يوجب الرّجل على نفسه.

فقلت: إنّي لم أجعلهما للّه عليَّ إنّما جَعلتُ ذلك على نفسي اُصلّيهما شكراً للّه، ولم أوجبهما على نفسي، أفأدعهما إذا شئتُ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

ومنها: مرسل الصدوق، عنه عليه السلام: «إذا لم يقل للّه عليَّ فليس بشيء»(3).

ونحوها غيرها.

فما عن «المختلف»(4): من أنّه تواتر من أنّ مناط الوجوب تعليق النذر بقول للّه، متينٌ .

وهل يعتبر خصوص لفظ الجلالة، كما عن الأكثر، أم يكتفي بأحد أسمائه الخاصّة، كما في اليمين، كما عن «الدروس»(5)، وقواه سيّد «الرياض»(6)؟

وجهان: أقواهما الثاني، لما عرفت في اليمين من أنّ الاسم بما أنّه مُعرِبٌ عن6.

ص: 225


1- الكافي: ج 7/455 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/293 ح 29591.
2- الكافي: ج 7/455 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/303 ح 29613.
3- الفقيه: ج 3/361 ح 4278، وسائل الشيعة: ج 23/325 ح 29660.
4- مختلف الشيعة: ج 8/210.
5- الدروس: ج 2/149.
6- رياض المسائل: ج 11/486.

المسمّى ، فكلّ اسمٍ اُخذ في الموضوع ظاهرٌ في نفسه في كون المراد المسمّى، بلا خصوصيّة لهذا الاسم، فقوله: «حتّى يُسمّى شيئاً للّه، ظاهرٌ في إرادة أنّ النذر حقيقته تمليك العمل لذاته المقدّسة، سواءٌ ذكر ذلك بلفظ الجلالة أو بغيره من أسمائه تعالى .

وعليه، فينعقد النذر وإن أبدل لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ غير العربيّة، كما في «الرياض»(1).

المسألة الثانية: لو اعتقد وبنى في نفسه أنّه إنْ كان كذا فللّه تعالى كذا، ولم يتلفّظ باسمه تعالى ، بل نواه في ضميره خاصّة، ففيه قولان:

أشهرهما بين المتأخّرين، وفاقاً للإسكافي(2) والحِلّي(3): أنّه لا ينعقد.

وعن الشيخين(4)، والقاضي(5)، وابن حمزة(6): أنّه ينعقد، ووجبَ الوفاء به.

واستدلّ للأوّل:

1 - بالأصل.

2 - وبأنّه في الأصل وَعْدٌ بشرطٍ أو بدونه، والوعد لفظي، والأصل عدم النقل.

3 - وبأنّه المتبادر من النذر في العرف.

4 - وبالشكّ في كون المجرّد عن اللّفظ نذراً حقيقيّاً أُمرنا بالوفاء به شرعاً، ومعه لايمكن الخروج من الأصل القطعى السليم بحسب الظاهر عمّا يصلح للمعارضة.0.

ص: 226


1- رياض المسائل: ج 11/486.
2- حكاه عنه في المختلف: ج 8/195.
3- السرائر: ج 3/58 و 65.
4- المقنعة: ص 562، النهاية: ص 562.
5- المهذّب: ج 2/409.
6- الوسيلة: ص 350.

5 - وبظواهر النصوص المتقدّمة، الدالّة على اعتبار لفظ الجلالة.

أقول: وفي الكلّ مناقشة:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا يرجع إليه مع إطلاق الدليل.

وأمّا الثاني: فلأنّ النذر كسائر عناوين العقود والإيقاعات من مقولة المعنى، ومن الاعتبارات النفسانيّة، وكذلك الوعد، غاية الأمر أنّ الوعد إنْ كان مع غير اللّه، لابدّ وأن يُظهر ليعرف ذلك الشخص، وإنْ كان مع اللّه العالم بالضمائر، فلا يعتبر ذلك فيه، مع أنّ دليل مشروعيّة النذر لايختصّ بما تضمّن هذا اللّفظ، بل هو مشروعٌ بعنوان جعل شيء للّه تعالى ، وكون الجعل من مقولة المعنى أوضح من أن يُبيّن.

وأمّا الثالث: فلمنع التبادر بعد كون اللّفظ كاشفاً عن النذر.

وأمّا الرابع: فلأنّ إطلاق الأدلّة يرفع الشكّ .

وأمّا الخامس: فلأنّها في مقام بيان اعتبار الجعل للّه تعالى ، وأنّه لا يكفي الجعل المطلق، وإنّما ذُكر التسمية والتلفّظ تبعاً للنذور الغالبة حيث إنّها ملفوظة لا منويّة.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرناه قوّة القول الآخر.

والإجماع والتسالم على اعتبار المُظهِر في العقود والإيقاعات وإنْ كان لا كلام فيه، ولذلك بنينا على اعتباره فيها، إلّاأنّه إنّما يعتبر ليكون دالّاً على الإعلام عمّا في الضمير، والعقد هنا مع اللّه تعالى العالم بالسَّرائر، فلا يعتبر فيه.

عدم اعتبار قصد القُربة في النذر

المسألة الثالثة: طفحت كلماتهم باعتبار القُربة في النذر، ولذلك قال صاحب «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه)، إنّما الخلاف في أنّ المراد بها:

ص: 227


1- جواهر الكلام: ج 35/369.

هل هو صدور النذر عن قصد القُربة، بجعلها غايةً للفعل، بأن يقول بعد الصيغة: (للّه) أو (قربةً إلى اللّه تعالى )، ونحو ذلك كسائر العبادات ؟

أم يكون المراد بها جعل العمل المنذور للّه تعالى؟

ففي «المسالك»(1): (والمراد بنيّة القُربة أن يقصد بقوله: للّه عليَّ كذا معناه، بمعنى أنّه لا يكفي قوله: (للّه) من دون أن يقصد به معناه، وإلّا فالقُربة حاصلة من جعله للّه، ولا يشترط معه أمرٌ آخر كما قرّرناه)، انتهى .

وفي «الروضة»(2): - على ما حُكي - ويستفاد من الصيغة أنّ القُربة المعتبرة في النذر إجماعاً، لا يشترط كونها غايةً للفعل كغيره من العبادات، بل يكفي تضمّن الصيغة لها، وهو هنا موجودٌ بقول: للّه عليَّ ، وإنْ لم يتبعها بعد ذلك بقوله: قربةً إلى اللّه أو للّه، ونحوه.

وبهذا صرّح الشهيد في «الدروس»(3) على ما حُكي، وجعله أقرب، وفي «الجواهر»(4): وهو الأقرب.

وعن «كشف اللّثام»(5): في شرح قول المصنّف رحمه الله في «القواعد»: (ويشترط في الصيغة نيّة القربة) قال:

(بالمنذور وإنْ كان النذر مجّاناً اتّفاقاً، للأصل والنصوص، ويعطيها قوله: للّه، ولا حاجة إلى زيادة: (قُربةً إلى اللّه)، انتهى ، وفي «الرياض»(6).6.

ص: 228


1- مسالك الأفهام: ج 11/316.
2- شرح اللّمعة: ج 3/39.
3- الدروس: ج 2/150.
4- جواهر الكلام: ج 35/370.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/75.
6- رياض المسائل: ج 11/486.

ثمّ إنّ المستفاد من النصوص، أنّه يكفي في القُربة ذكر لفظ الجلالة مع النيّة، من غير اشتراط جعل القُربة غايةً بعد الصيغة، فلا يحتاج بعدها إلى قوله: (قربةً إلى اللّه)، ونحوه وبه صرّح الشهيدان(1) وغيرهما خلافاً لنادر(2) فاشتراطه ووجهه مع ندرته غير واضح.

إلى غير تلكم من كلماتهم المتّفقة على عدم اعتبار قصد الامتثال في إجراء الصيغة، وأنّ المعتبر جعل العمل للّه، وتمليكه إيّاه، وليس في كلماتهم تشويشٌ ، ومرجع الجميع إلى شيء واحد.

وكيف كان، فقد استدلّ لاعتبارها بالمعنى الأوّل في النذر، وبعبارة اُخرى كون النذر من العبادات، بوجوهٍ :

الوجه الأوّل: الإجماع، وقد مرّ ما فيه.

الوجه الثاني: أنّ صيغة النذر وهي قول الناذر: (للّه عليَّ كذا) تقتضي ذلك، فإنّ مفاده الالتزام بالترك أو الفعل للّه تعالى ، وليست القربة إلّاذلك.

وفيه: إنّه فرق بين كون فعلٍ للّه تعالى بمعنى قصد امتثال الأمر به والتقرّب به إليه تعالى ، وبين كونه له بحيثُ يصير اللّه تعالى مالكاً لذلك الفعل بالمعنى المناسب له.

والذي يدلّ عليه صيغة النذر، هو الثاني، وقصد القُربة الموجب لكون العمل عبادةً هو الأوّل، وبينهما بونٌ بعيد.

الوجه الثالث: دلالة جملةٍ من النصوص عليه:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ قال: «كلّ يمينٍ لا يُراد7.

ص: 229


1- الدروس: ج 2/150، شرح اللّمعة: ج 3/40.
2- حكاه عنه في الرياض: ج 11/487.

بها وجه اللّه عزّ وجلّ فليس بشي»(1).

ومنها: صحيح منصور، عنه عليه السلام: «إذا قال الرّجل عليَّ المشي إلى بيت اللّه وهو مُحْرِمٌ بحجّة، أو عليَّ هديُ كذا وكذا، فليس بشيء حتّى يقول: للّه عليَّ المشي إلى بيته، أو يقول: للّه عليَّ أن أحرم بحجّة، أو يقول: للّه عليَّ هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا»(2).

ومنها: موثّق إسحاق، عنه عليه السلام، قال: «قلتُ له: إنّي جَعلتُ على نفسي شكراً للّه تعالى ركعتين اُصلّيهما في السَّفر والحَضر، أفأُصلّيهما في السَّفر بالنهار؟ فقال عليه السلام: نعم»(3).

ونحوها غيرها.

وفيه: إنّ جملة من الأخبار المذكورة كصحيح منصور تدلّ على عدم انعقاد النذر إلّاأن يقول كلمة: (للّه)، وجملةٌ منها كموثّق إسحاق تدلّ على انعقاد النذر إذا كان متعلّقه الطاعة، وجملة منها كصحيح الحلبي تدلّ على اعتبار أن يكون النذر له تعالى لا لغيره بالمعنى الثاني.

فإذاً لا دليل على اعتبار نيّة القُربة في النذر.

أقول: بل يمكن أن يستدلّ على عدم اعتبارها بوجوه:

أحدها: الأصل، فإنّه يشكّ في اعتبارها وعدمه، والأصل يقتضي عدمه.

ثانيها: إطلاق أدلّة النذر، بناءً على ما هو الحقّ من إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر.3.

ص: 230


1- الكافي: ج 7/441 ح 12، وسائل الشيعة: ج 23/230 ح 29448.
2- الكافي: ج 7/454 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/293 ح 29590.
3- الكافي: ج 7/455 ح 5، وسائل الشيعة: ج 23/303 ح 29613.

(إنّ المشهور هو القول الأوّل).

3 - ما حكاه جماعة(1) وهو كالثالث، إلّاأنّه أطلق فيه جواز نذر المباح في الشقّ الثاني، وقال بصحّته مطلقاً، ولو كان متساوي الطرفين، ولم يظفر الفقهاء بقائله بشخصه.

أقول: ويشهد للأوّل:

1 - جميع النصوص الدالّة على لزوم جعل المنذور للّه تعالى ، إذ لا معنى لجعل العمل المباح، فضلاً عن المكروه والحرام له تعالى .

وإنْ شئت قلت: إنّ جعل إتيان عملٍ شكراً على نعمةٍ مثلاً، إنّما يصحّ إذا كان في نفسه مطلوباً له تعالى ، كي يكون قابلاً لأن يشكر به، والمباح غير قابلٍ لذلك.

2 - وبعض الأخبار الخاصّة:

منها: صحيح الكناني، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «ليس شيء هو للّه طاعة يجعله الرّجل عليه، إلّاينبغي له أن يفي به، وليس من رجلٍ جعل للّه عليه مشياً في معصية اللّه، إلّاأنّه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة اللّه»(2).

بناءً على أنّ المراد ممّا في صدره التحديد عليوجهٍ يكون جميع قيوده معتبرة فيه.

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «ليس النذر بشيء حتّى يُسمّي شيئاً للّه صياماً أو صدقةً أو هَدْياً أو حجّاً»(3).

ومنها: صحيح منصور، وموثّق سماعة المتقدّمين.1.

ص: 231


1- رياض المسائل: ج 11/492، وفي الطبعة القديمة: ج 2/256.
2- التهذيب: ج 8/312 ح 36، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29645.
3- التهذيب: ج 8/303 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/293 ح 29591.

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يقول: عليَّ نذرٌ؟

قال عليه السلام: ليس بشيء حتّى يسمّي شيئاً ويقول عليَّ صومٌ للّه، أو يتصدّق أو يعتق أو يَهدي هدياً، فإنْ قال الرّجل: أنا أهدي هذا الطعام، فليس هذا بشيء، إنّما تهدى البدن»(1).

وذيل هذا الخبر كالصريح في أنّ النذر ليس بنفسه من الموجبات لتعلّق الأمر بشيء، وإنّما هو ملزمٌ لما أمر به في نفسه.

وأيضاً: استدلّ لصحة نذر المباح:

1 - بعمومات الوفاء بالنذر.

2 - وبطائفة من الأخبار الخاصّة:

منها: خبر الحسن بن عليّ ، عن أبي الحسن عليه السلام: «في جاريةٍ حَلَف منها بيمين فقال: للّه عليَّ أن لا أبيعها؟ قال عليه السلام: فِ للّه بقولك»(2).

والبيع مباح إذا لم يقترن بعوارض مرجّحة، وإطلاقه أعمّ من وجودها.

ونحوه آخر(3).

ومنها: خبر يحيى بن أبي العلاء، عن مولانا الصادق، عن أبيه عليهما السلام:

«إنّ امرأة نذرت أن تُقاد مزمومة بزمام في أنفها، فوقع بعيرٌ فخرم أنفها فأتت عليّاً عليه السلام تخاصم فأبطله، فقال: إنّما نذرتِ للّه»(4).7.

ص: 232


1- التهذيب: ج 8/303 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/294 ح 29592.
2- التهذيب: ج 8/310 ح 26، وسائل الشيعة: ج 23/320 ح 29650.
3- الإستبصار: ج 4/46 ح 4.
4- التهذيب: ج 8/313 ح 39، وسائل الشيعة: ج 23/319 ح 29647.

أقول: ثمّ إنّ المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين، كالأكل للتقوّي للعبادة، هل حكمه حكم الراجح لنفسه ليجوز نذره، أم يكون حكمه حكم المباح المتساوي الطرفين فلا يجوز؟

قال في «الجواهر»(1): (بل إنْ لم يكن إجماعٌ - كما عساه يظهر من نفي الإشكال عنه في «كشف اللّثام»(2) - أمكن الإشكال في انعقاد النذر على المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين كالأكل للتقوّي للعبادة مثلاً، لظهور النصوص والفتاوى في العبادات الأصليّة)، انتهى .

والسيّد في «الرياض»(3) يدّعي الشهرة على عدم انعقاد النذر المتعلّق بالمباح، ولو كان راجحاً ديناً.

أقول: وكيف كان، فالحقّ أن يقال:

إنّ المباح المقترن بما يقتضي رجحانه، إنْ كان من قبيل ما لو كان العنوان الراجح منطبقاً على نفس ذلك المباح، ولم يكن له وجودٌ خارجيٌ سوى وجود ذلك المباح، انعقد النذر قطعاً، فيما إذا قَصَد ذلك العنوان، فإنّ المتعلّق حينئذٍ هو الأمر الراجح الديني لا المباح، لعدم الفرق في ذلك بين كون الفعل راجحاً بالعنوان الأوّلي، أم كان من العناوين الثانويّة، وإنْ كان له وجودٌ خارجي ممتازٌ عن وجود المباح، لم يصحّ نذر المباح، بل يصحّ نذر نفس ذلك العنوان، ولا يخفى أنّ غاية ما يستفاد من النصوص اعتبار كون المنذور راجحاً في نفسه.0.

ص: 233


1- جواهر الكلام: ج 35/381.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/83.
3- رياض المسائل: ج 11/490.

وأمّا كونه أرجح من غيره، أو عدم كونه مرجوحاً بالنسبة إلى آخر، أو كون أوصافه ومشخّصاته راجحة، فلا دليل على شيء من ذلك، فلو نَذَر الصلاة في مكانٍ معيّن، بحيث كان النذر متعلّقاً بالصلاة في ذلك المكان، لا بخصوصيّةٍ إيقاعها فيه، أو الصلاة في زمانٍ خاصٍ كذلك، أو نَذَر الصّدقة بمالٍ مخصوص، أو نَذَر إيقاع صلاته في مسجد المحلّة مع إمكان إيقاعها في المسجد الجامع وما شاكل، صَحّ النذر وانعقد، ويجب الخصوصيّات أيضاً.

أقول: ولا سبيل إلى دعوى أنّ المستحبّ هو الصلاة المطلقة، أو الصدقة كذلك، أو إيقاع الصلاة في المسجد.

أمّا خصوصيّة المال والمكان فمباحة، فكما لا ينعقد ولو خلصت الإباحة، فكذا إذا تضمّنها النذر فإنّها تندفع بأنّ المنذور هو الفعل المقيّد على نحو دخول التقيد وخروج القيد.

وبعبارة اُخرى : الحصّة التوأمة من الطبيعة لتلك الخصوصيّات، والحصّة التوأمة متمحّضة في الرجحان، وإنْ كانت حصّة اُخرى أرجح منها، وعليه فيتعيّن عليه الإتيان بذلك المقيّد، فلو أتى بغير تلك الحصّة لم يمتثل أمر النذر.

وعلى هذا، فلو نَذَر إيقاع صلاة الظهر في محلّ خاص، سواءٌ نذر الإتيان بها فيه، أو بخصوصيّة المحلّ ، فصلّى في غيره، فإنّه لا إشكال في كونه حانثاً للنذر، فهل يصحّ صلاته ويسقط الأمر بالظهر؟

الظاهر ذلك، فإنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه، فالفرد الآخر من صلاة الظهر - الذي هو أيضاً من مصاديق الطبيعة المأمور بها - غير ما أتى به، وإنْ كان له أمرٌ آخر، ولكنّه لا يقتضي النهي عمّا أتى به، فيصحّ لو قصد به الأمر بالطبيعة

ص: 234

مقدوراً للناذر.

وأمّا محذور اللّغوية: فهو يندفع بأنّه يمكن أن يكون الشخص بحيث لا ينبعث من أمرٍ واحد، وينبعثُ لو تأكّد ذلك، بل فحين ينبعث من أمرٍ واحد لا إشكال في أنّ باعثيّة الأمرين أشدّ.

وعليه، فلا محذور من هذه الناحية أيضاً، فيصحّ نذر الواجب أو المستحبّ بلا إشكال.

اعتبار كون المتعلّق مقدوراً

المسألة الثانية: لا خلاف بين الأصحاب في اعتبار أن يكون المنذور (مقدوراً للناذر)، فلاينعقد على غير المقدور عقلاً كاجتماع النقيضين، ولا غير المقدور عادةً كالصعود إلى السّماء، وإنّما يعتبر ذلك حين العمل، ولا عبرة بالقدرة حين النذر، فإن كان النذر موقّتاً يعتبر القدرة في الوقت، وإنْ كان مطلقاً يعتبر القدرة في العمر.

ويتفرّع على ذلك أنّه لو كان قادراً حين النذر، ولكن تجدّد العجز حين العمل، سقط التكليف به عنه، ولا حنث ولا كفّارة عليه.

وهذا الأمر مضافاً إلى وضوحه، من جهة اعتبار القدرة في متعلّق التكليف، وعدم حصول الحنث بترك غير المقدور، وعدم ثبوت الكفّارة، لأنّها مترتّبة على الحنث والمخالفة، يشهد به الخبر المنجبر ضعفه بصفوان، وعمل الأعيان، عن الصادق عليه السلام في حديثٍ قال: «من جَعَل للّه شيئاً فبلغ جُهده، فليس عليه شيء»(1).

ص: 235


1- التهذيب: ج 8/313 ح 40، وسائل الشيعة: ج 23/308 ح 29627.

وسيأتي تمام الكلام في ذلك عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

فرع: لو نذر صوم ألف سنةٍ ، أو حَجّ ألف عامٍ :

فعن «القواعد»(1): احتمال البطلان لتعذّره عادةً ، والصحّة لإمكان بقائه بالنظر إلى قدرة اللّه تعالى ، ووجوب المنذور مدّة عمره.

وجه الأوّل: ما ذكره من عدم القدرة على متعلّق النذر عادة.

ووجه الثاني: احتمال البقاء فيستصحب، فيجبُ عليه العمل بمقتضاه، غاية الأمر إنْ مات وكان قد خالف النذر، لا كفّارة عليه، لانكشاف عدم القدرة.

ووجه الثالث: أحد الأمرين:

إمّا كون ذكر الألف للمبالغة، والمراد به مدّة عمره، كما إذا نذر صوم الدّهر، فإنّه يجبُ عليه صوم ما قدر عليه.

وأمّا كون المنذور عبادات متعدّدة، فيجبُ الممكنة منها دون غيرها.

وظاهر «كشف اللّثام»(2) تقوية الأخير، حيث قال: (مبنى البطلان على كون المنذور عبادة واحدة، وهو ممنوعٌ ).

أقول: والأوّلُ أظهر لأنّ احتمال كون المنذور متعدّداً، يدفعه ظاهر الدليل، فإنّ النذر واحدٌ، والمنذر هو المجموع، وكونه في نفسه مركّباً من عبادات متعدّدة، كلّ واحدة منها متعلّقة لأمرٍ واحد غير مربوط بما يكون متعلّقاً بالأفراد الاُخر، لاينافي تعلّق أمرٍ واحدٍ آخر بالمجموع، بحيث يكون كلّ واحد منهما جزءاً من هذا المأمور به لا مستقلّاً.0.

ص: 236


1- قواعد الأحكام: ج 3/285.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/80.

واحتمال كون ذكر الألف للمبالغة، خلاف ظاهر العبارة، وإنّما نلتزم بنذر صوم مدّة العمر لو نذر صوم الدهر، لانصرافه إلى دهر الناذر.

واحتمال البقاء إلى ألف سنة بقدرة اللّه تعالى ، لا ينافي العلم العادي المانع عن جريان الاستصحاب.

وعليه، فالاحتمال الأوّل هو الأقوى .

حكم ما لو كان المنذور ترك المحرّم أو المكروه

المسألة الثالثة: إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا في المقام صريحاً لحكم ما لو كان المنذور ترك الحرام أو المكروه بل ظاهر كلماتهم عدم صحّته.

قال في «الشرائع»(1): (فضابطه أن يكون طاعة مقدوراً للناذر)، فهو إذاً يختصّ بالعبادات كالحجّ والصوم والصلاة والهَدي والصدقة والعتق.

وأضاف إليه صاحب «الجواهر»(2): (ونحوها ممّا هو مأمورٌ به واجباً أو مندوباً على وجهٍ يكون عبادة).

وفي «النافع»(3): (وضابطه ما كان طاعةً للّه تعالى ).

وفي «الرياض»(4) في شرحه: (مأموراً بها وجوباً أو استحباباً).

وفي «المسالك»(5): (والمراد بالطّاعة ما يشتمل على القُربة من العبادات).

ص: 237


1- شرائع الإسلام: ج 3/725.
2- جواهر الكلام: ج 35/377.
3- المختصر النافع: ص 238.
4- رياض المسائل: ج 11/490.
5- مسالك الأفهام: ج 11/318.

إلى غير ذلك من عباراتهم الموهمة لذلك، لكنّهم في مسائل العتق في مسألة ما لو نَذَر أن لا يبيع مملوكاً، صرّحوا بانعقاد النذر إنْ كان عدم البيع راجحاً، فيُستكشف من ذلك أنّ مرادهم بالطّاعة في المقام، هو موافقة الوظيفة المجعولة تركاً أو فعلاً.

أقول: وكيف كان، فيشهد لصحّة النذر - مضافاً إلى العمومات، وإلى ما دلّ على أنّ الضابط كونه طاعة، الشاملة لترك المحرّم أو المكروه كما مرّ، ويشعر به جَعْلُ ذلك في مقابل المعصية - طائفة من الأخبار:

منها: ما ورد في صحيح الكناني المتقدّم عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ليس شيءٌ هو للّه تعالى طاعة يجعله الرّجل عليه، إلّاينبغي له أن يفي به، وليس من رجلٍ جَعَل للّه عليه شيئاً في معصية اللّه تعالى، إلّاأنّه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة اللّه»(1).

ونحوه غيره.

ومنها: الخبرين(2) الواردين فيمن نَذَر ترك بيع الجارية.

ومنها: صحيح عبدالملك بن عمرو، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «من جَعَل للّه عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه ؟

قال: لا، ولا أعلمه إلّاقال: فليعتق رقبة، أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستّين مسكيناً»(3).3.

ص: 238


1- التهذيب: ج 8/312 ح 36، وسائل الشيعة: ج 23/318 ح 29645.
2- الإستبصار: ج 4/43 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/320 ح 29650.
3- التهذيب: ج 8/314 ح 42، وسائل الشيعة: ج 23/322 ح 29653.

ومنها: خبر محمّد بن بشير، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«قلتُ له: جُعلت فداك إنّي جَعلتُ للّه عليَّ أن لا أقبل من بني عمّي صلةً ولا أخرجُ متاعي في سوق مِنى تلك الأيّام ؟

فقال عليه السلام: إنْ كنتَ جعلت ذلك شكراً ففِ به، وإنْ كنت إنّما قلت ذلك من غضبٍ فلا شيء عليك»(1).

ونحوهما غيرهما.

وعليه، فلا إشكال في صحّة نذر ترك المكروه أو الحرام.

والكلامُ في نذر ترك المباح هو الكلام في نذر فعله، والأظهر عدم انعقاده.

***8.

ص: 239


1- التهذيب: ج 8/316 ح 55، وسائل الشيعة: ج 23/324 ح 29658.

ولو نَذَر فِعْلُ طاعةٍ ولم يعيّن، تصدّق بشيء، أو صَلّى ركعتين، أو صام يوماً.

حكم ما لو نذر فعل طاعةٍ ولم يعيّن

المقام الرابع: في اللّواحق.

لا يخفى أنّه قد تقدّم في كتاب الصوم تفصيل المسائل المتعلّقة بنذر الصوم، كما أنّه قد تقدّم في كتاب الحجّ المسائل المتعلّقة بنذر الحَجّ والعُمرة والهَدْي(1).

وإنّما الكلام في المقام في جملةٍ من مسائل النذر الّتي لم نتعرّض لها فيما سبق، (و) هي مسائل:

المسألة الأُولى: (لو نَذَر فِعْلُ طاعةٍ ولم يعيّن، تصدّق بشيء، أو صَلّى ركعتين، أو صام يوماً) أو غير ذلك ممّايصدق عليه أنّه طاعة، وهذا ممّا لا خلاف فيه، ويشهد به:

- مضافاً إلى أنّه نذرٌ مشروع، ويحصل البراءة منه بإتيان كلّ ما يصدق عليه أنّه طاعة من الاُمور المذكورة، وعيادة المريض، وتشييع الجنازة، وإفشاء السّلام وما شاكل - خبر مسمع بن عبدالملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«أنّه سُئل عن رجلٍ نذر ولم يُسمّ شيئاً؟

قال عليه السلام: إنْشاء صَلّى ركعتين، وإنْشاء صام يوماً، وإنْ شاء تصدّق برغيفٍ »(2).

أقول: فتأمّل، فإنّ الرواية واردة فيما إذا نذر ولم يُسمّ شيئاً، وقد وردت روايات كثيرة على أنّ مثل هذا النذر باطلٌ ، ومحلّ الكلام ما لو نَذَر وسَمّى فعلُ طاعةٍ مطلقاً،

ص: 240


1- فقه الصادق: ج 13/356.
2- الكافي: ج 7/463 ح 18، وسائل الشيعة: ج 23/296 ح 29601.

من دون التقييد بشيء، فالخبر أجنبيٌ عن المقام.

وعليه، فالعمدة هو إطلاق الأدلّة، ولا ينافيه النصوص المتضمنّة أنّه إنْ نذر ولم يُسمّ شيئاً لم ينعقد، لأنّ المفروض في المسألة التسمية إجمالاً، فكما لو نذر وسمّى نوعاً له أفراد كثيرة يجزي، كذلك لو نَذَر وسمّى عنواناً أعمّ منه، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف، إنّما الخلاف في موارد:

المورد الأوّل: إذا أتى بركعة الوتر، هل يجزي في امتثال النذر أم لا؟

وفي «الرياض»(1): (وفي الاجتزاء بمفردة الوتر قولان: أجودهما ذلك، وفاقاً للحِلّي(2) وجماعة، لأنّها من حيث انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة وتسليمة عندنا صلاة مستقلّة، فيشملها عموم قوله صلى الله عليه و آله: «الصلاة خير موضوع»(3)، خلافاً للشيخين(4)، وابن بابويه(5)، والشهيد في «الدروس»(6)، للنهي في النبويّ (7) عن البتراء، المفسّر في «النهاية الأثيريّة»(8) بأنّ الوِتر ركعة واحدة، وللخبر)، ثمّ ذكر خبر مسمع المتقدّم.

ومحصّل الكلام: أنّه استدلّ لعدم الاجتزاء بها بوجوه:

الوجه الأوّل: النبويّ .3.

ص: 241


1- رياض المسائل: ج 11/495.
2- السرائر: ج 3/69.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 3/42 ح 2971-8.
4- المقنعة: ص 564، النهاية ونكتها: ج 3/54.
5- حكاه عنه في المختلف: ج 8/197.
6- الدروس: ج 2/151.
7- نيل الأوطار: ج 3/28.
8- النهاية لابن الأثير: ج 1/93.

وفيه أوّلاً: إنّه ضعيفُ السند.

وثانياً: إنّه يقيّد إطلاقه بما دلّ على مشروعيّة الوتر.

ودعوى: أنّه مختصٌّ بغير صورة النذر، فتلك الصورة داخلة تحت الإطلاق، مجازفة لا تستحقّ الجواب.

وثالثاً: إنّه مجملٌ فالمحكي عن بعض في تفسير البتراء أنّه هو الذي شُرّع في ركعتين، فأتمّ الأُولى وقَطَع الثانية.

الوجه الثاني: خبر مسمع، بدعوى التصريح فيه بركعتين، فهو يدلّ على عدم الاجتزاء بالركعة.

وفيه أوّلاً: ما مرّ من أنّ مورده غير مفروض المسألة، فهو أجنبيٌ عن المقام.

وثانياً: إنّ اقتصاره عليه السلام على الركعتين، لا يدلّ على عدم الاجتزاء بالركعة، كما أنّ اقتصاره على التصدّق برغيفٍ ، لا يدلّ على عدم الاجتزاء بما دونه، والاقتصار على الثلاثة لا يدلّ على عدم الاجتزاء بغيرها من العبادات، فالمراد منه بيان أمثلة لما يُمتثل به النذر.

الوجه الثالث: إنّ الوتر اسمٌ للرّكعات الثلاث، لا لخصوص المفردة، ومشروعيّة فعلها على الانفراد غير ثابتة، وقد مرّ الكلام حول هذا المبنى سابقاً في بدايات هذا الشرح، والكلام في المقام مبنيٌ على جواز الإتيان به منفردة عن ركعتي الشفع، وعليه فالأظهر هو الاجتزاء بها.

المورد الثاني: إذا أتى بركعةٍ من الصلاة غير ركعة الوتر، هل يجتزيء بها، أم لا؟ فيه قولان:

ص: 242

القول الأوّل: للحِلّي(1)، والمحقّق(2)، وتبعهما جماعة فيما لو نذر صلاة ولم يعيّن، الذي يكون المدرك فيه مع المدرك في المقام واحداً، ولذا قال في «الجواهر»(3) في هذا المسألة في شرح قول المحقّق: (وقيل تُجزيه من الصلاة ركعة، وفيه البحث السابق).

وقال في «المسالك»(4)، في ذيل هذه المسألة: (والكلامُ في الصلاة المجزية هنا ما يعتبر في المنذورة بخصوصها من كونها ركعتين، والاجتزاء بركعة).

القول الثاني: للشيخ في «المبسوط» و «الخلاف»(5) على ما حكي.

أقول: بناءً على ما حُقّق في محلّه من أنّ النافلة لا تكون مشروعة إلّاركعتين، ولا يجوز النقيصة إلّافي صلاة الوتر، ولا الزيادة إلّافي صلاة الأعرابيّ ، لا ينبغي التوقّف في عدم الاجتزاء بها، لعدم كونها طاعة.

ودعوى: أنّها تصير طاعة بالنذر.

مندفعة: بأنّ شمول النذر لها متوقّفٌ على كونها طاعة، ولو توقّفت الطاعة عليه لزم الدور.

وبعبارة اُخرى : النذر ملزِمٌ لا مشرّع، ومشروعيّة الوِتر في مقام خاصّ لاتستلزمُ مشروعيّتها على الإطلاق، وما دلّ (6) على صحّة النذر في نذر الإحرامم.

ص: 243


1- السرائر: ج 3/69.
2- شرائع الإسلام: ج 3/727.
3- جواهر الكلام: ج 35/403.
4- مسالك الأفهام: ج 11/353.
5- الخلاف: ج 6/201.
6- وسائل الشيعة: ج 4/166 باب 13 من أبواب المواقيت، وسائل الشيعة: ج 10/195 باب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم.

قبل الميقات، والصوم في السّفر، إنّما يدلّ عليذلك في خصوص الموردين، ويُستشكف من دليلهما كون العَمَلين راجحين بشرط النذر، فلا وجه للتعدّي إلى سائر الموارد، وعليه فالإتيان بها لا تجزي.

أقول: وبذلك يظهر عدم صحّة النذر لو نذر الإتيان بركعة خاصّة، فما عن «الدروس»(1) من أنّه لو قيّده بركعة واحدة، فالأقرب الانعقاد، ضعيفٌ .

كما أنّه ظهر ممّا ذكرناه: أنّه لو صَلّى في فرض المسألة ثلاث ركعات أو أزيد في غير الفريضة، لا تجزي بها لعدم المشروعيّة.

فما عن «الدروس»(2) من انعقاد نذر الخَمس فصاعداً بتسليمةٍ ، غير تامّ ، ومن الغريب أنّه جزم قبل ذلك بأنّه لو نَذَر هيئة غير مشروعة لم ينعقد.

المورد الثالث: في «المسالك»(1): ولو فصّل بين الأزيد من الركعتين بالتسليم، ففي شرعيّة ما بعد الركعتين بنيّة النذر وجهان، ثمّ اختار الأوّل إذا قصد الزائد ابتداءً ، نظراً إلى كون الواجب أمراً كليّاً، ودخول بعض أفراده في بعضٍ لا يُخرج الزائد عن أن يكون فرداً للكلّي، ومثّل لذلك بالركعتين والأربع في مواضع التخيير.

وفيه: إنّه بعد ما أتى بالركعتين وسَلّم، انطبق عليهما المنذور، وسقط التكليف، لأنّ إجزاء المأتي به عن أمره قهري غير قابل للعدم، فلا أمر بالزائد، إلّاعلى القول بجواز تبديل الامتثال، فيأتي به ويرفع اليد عمّا أتى به، وهو خلاف القاعدة.

وعلى ذلك بنينا على عدم جواز التخيير بين الأقلّ والأكثر، وما ذكره من المثال ليس من هذا القبيل، فإنّ الركعتين اللّتين هما طرف التخيير، مقيّدتان بوقوع3.

ص: 244


1- مسالك الأفهام: ج 11/353.

السلام بعد التشهّد الأوّل، والأربع مقيّدة بعدم وقوعه بعده، فهما من قبيل التخيير بين المتباينين لا الأقلّ والأكثر.

فرع: وهل يجوز إتيان الصلاة جالساً بدون السورة، وماشياً وراكباً وما شاكل من الخصوصيّات الجائزة في النافلة دون الفريضة ؟ قولان:

ففي «الجواهر»(1) تقوية الثاني، نظراً إلى أنّ المنذور طبيعة الصلاة، لا النافلة منها خاصّة، ضرورة كون النفل والفرض من عوارض الصلاة لا من مقوّماتها، فيجبُ فيها المتيقّن على تقديري النفل والفرض، فلا يجوز تلك الخصوصيّات الجائزة في النفل خاصّة، مع أنّها بالنذر تخرج عن كونها نافلة، فلايجوز تلك الاُمور.

وفيه: إنّ المنذور إذا كان هي طبيعة الصلاة بنحوٍ كان عنوان النافلة خارجاً عن المنذور، ولو بنحو البدليّة، بطل النذر، لعدم كونها مشروعة في نفسها، فإنّ المشروع هي النافلة والفريضة والطبيعة الجامعة المعرّاة عن كلتا الخصوصيّتين غير مشروعة، فلا يصحّ النذر.

وعليه، فالصحيح كون النفل والفرض لا بهذين العنوانين، بل بما هما معرّفان لما هو المأمور به بالأمر الندبي أو الوجوبي داخلين في المنذور، فالمتّجه الاكتفاء بما يجوزُ في النافلة خاصّة.

ودعوى: أنّها بالنذر تخرجُ عن كونها نافلة.

تندفع: بأنّ ما دلّ على جواز تلكم الاُمور في النافلة، ظاهرٌ في جوازها في النافلة بما أنّها صلاة، وإنْ صارت فريضةً بالعنوان الثانوي كالنذر واليمين وإطاعة الوالد والإجارة وما شاكل.4.

ص: 245


1- جواهر الكلام: ج 35/404.

ولو نَذَر صوم حينٍ ، كان عليه ستّة أشهر، ولو قال زماناً، فخمسة أشهر.

وعليه، فالأظهر جواز تلكم الاُمور، وحصول الامتثال بالصّلاة مع تلك الخصوصيّات.

نذر صوم حين أو زمان

المسألة الثانية: (ولو نَذَر صومٌ حين كان) اللّازم (عليه) صوم (ستّة أشهر، ولو قال زماناً ف) عليه (خمسة أشهر) بلا خلافٍ فيهما، إلّاعن سيّد «المدارك»(1)، ويشهد لهما: قويّ السكوني(2)، عن أبي عبداللّه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام:

«في رجلٍ نذر أن يصوم زماناً؟

قال عليه السلام: الزمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأنّ اللّه تعالى يقول: (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) (3)».

ويشهد للأوّل: خبر أبي الربيع الشّامي المعتبر - بوجود من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، وهو الحسن بن محبوب في السند - عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍ قال: للّه عليَّ أن أصوم حيناً، وذلك في شُكرٍ؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام: قد اُتي عليّ عليه السلام بمثل هذا، فقال: صُم ستّة أشهر فانّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) (4)، يعني ستّة أشهر»(3).

ص: 246


1- نهاية المرام: ج 2/354.
2- الكافي: ج 4/142 ح 5، وسائل الشيعة: ج 10/388 ح 13659. (3و4) سورة إبراهيم: الآية 25.
3- الكافي: ج 4/142 ح 6، وسائل الشيعة: ج 10/387 ح 13658.

ولو نَذَر الصَّدقة بمالٍ كثير، فثمانون درهماً.

أقول: والإيراد عليهما بضعف السند كما في «المسالك»(1)، وتبعه سبطه(1) بأنّ حال السكوني معلومٌ ، وفي طريق الثاني جهالة، في غير محلّه، لأنّ السكوني يعتمد على روايته، وادّعى الشيخ الإجماع على قبول روايته(2)، وأبو الربيع وكذا الرّاوي عنه وهو خالد بن حريز، وإنْ كانا مجهولين، إلّاأنّ الراوي عنهما من أصحاب الإجماع، مع أنّه لو كان ضعفٌ في السند، فهو منجبرٌ بالعمل كما اعترف به في «المسالك»(4)، وعليه فلا إشكال في الحكم.

هذا إذا لم ينو شيئاً غير هذا، وإلّا فالمعتبر ما نواه، كما لا يخفى .

المسألة الثالثة: (ولو نَذَر الصَّدقة بمالٍ كثير، ف) يجبُ عليه (ثمانون درهماً) بلا خلافٍ ، ويَشهدُ به:

1 - حسن أبي بكر الحضرمي، قال: «كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله رجلٌ عن رجلٍ مرض فنذر للّه شكراً إنْ عافاه اللّه أن يتصدّق من ماله بشيء كثير، ولم يُسمّ شيئاً فما تقول ؟

قال عليه السلام: يتصدّق بثمانين درهماً، فإنّه يُجزيه، وذلك بيّنٌ في كتاب اللّه، إذ يقول لنبيّه صلى الله عليه و آله: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (3)، والكثيرة في كتاب اللّه ثمانون»(4).7.

ص: 247


1- نهاية المرام: ج 2/354.
2- عدّة الاُصول: ج 1/56.
3- سورة التوبة: الآية 25.
4- التهذيب: ج 8/317 ح 57، وسائل الشيعة: ج 23/299 ح 29607.

2 - ومرسل ابن أبي عُمير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «أنّه قال: في رجلٍ نذر أن يتصدّق بمالٍ كثير؟

فقال عليه السلام: الكثير ثمانون فما زاد، لقول اللّه تبارك وتعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) ، وكانت ثمانين موطناً»(1).

3 - ومرسل القمّي: «إنّ المتوكّل سُمَّ فنذرَ إنْ عُوفي أن يتصدّق بمالٍ كثير، فأرسل إلى الهادي عليه السلام فسأله عن حَدّ المال الكثير، فقال له: الكثير ثمانون»(2).

ورواه أبو عبداللّه الزيادي.

4 - وقريبٌ منه خبر يوسف بن السخت، الحاكي لقضيّة المتوكّل، وفيه:

«فكتبَ أبو الحسن عليه السلام: تصدّق بثمانين درهماً»(3).

وعليه فلا إشكال في أصل الحكم، إنّما الكلام في أنّه:

هل يتعيّن ثمانون درهماً مطلقاً، كما في المتن وعن الشيخين(4)، وسلّار(5)، والقاضي(6)، وابن سعيد(7)، وفي «الشرائع»(8)، و «النافع»(9)، و «الرياض»(10)؟8.

ص: 248


1- وسائل الشيعة: ج 23/300 ح 29608.
2- الكافي: ج 7/463 ح 21، وسائل الشيعة: ج 23/298 ح 29606.
3- وسائل الشيعة: ج 23/300 ح 29609.
4- المقنعة: ص 564-565، النهاية: ص 565.
5- المراسم العلويّة: ص 189.
6- المهذّب: ج 2/411.
7- الجامع للشرائع: ص 424.
8- شرائع الإسلام: ج 3/728.
9- المختصر النافع: ص 238.
10- رياض المسائل: ج 11/498.

أم تُردّ إلى المتعامل به درهماً أو ديناراً، كما عن الحِلّي(1)؟

أم يفصّل بين نذر المال المطلق فالأوّل، والمقيّد بنوعٍ فالثمانون منه، كما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(2)؟

وعن «الدروس»(3) تفصيلٌ آخر بين النذر به من ماله فالأوّل، والنذر بمالٍ كثير بقول مطلق، فالتوقّف، ونزل الأقوال على هذه الصورة.

أقول: الأقرب هو القول الأوّل؛ لأنّ الظاهر من النصوص بقرينة مناسبة الحكم والموضوع، والاستدلال بالآية الكريمة، أنّ الكثير الواقع في النذر عبارة عن ثمانين مطلقاً، غاية الأمر حيث كان المنذور في مورد الأخبار المال الكثير، المنصرف إلى النقدين، فإنّهما المعيار والميزان في الماليّة، وهما المال المحض، فقد فسّره عليه السلام بثمانين درهماً من باب أنّه أقلّ الفردين، وأقلّ المُجزي، ولذلك قال في الخبر الحسن:

«فإنّه يُجزيه» الكاشف عن وجود فردٍ آخر له وهو ثمانون ديناراً، وأطلق في مرسل ابن أبي عمير، فيُستكشف من ذلك أنّه إنْ نذر الصدقة بمالٍ كثير، كان أقلّ المجزى ثمانون درهماً، وله ردّها إلى ما يتعامل به، فإنّ ظاهر النصوص أنّ أقلّ المُجزى هذا المقدار من الماليّة.

وإنْ كان المنذور نوعاً آخر، وأضاف الكثير إليه، كما لو قال: (عَليَّ الصدقة بكتبٍ كثيرة)، كان عليه ثمانون كتاباً، وهكذا كما لا يخفى ، وبذلك يظهر ما في كلمات القوم.5.

ص: 249


1- السرائر: ج 3/61.
2- مختلف الشيعة: ج 8/188.
3- الدروس: ج 2/155.

ولو عَجَز عمَّا نذر سَقَط فرضه.

حكم ما لو عجز عمّا نذر

المسألة الرابعة: (ولو عجز عمّا نذر، سقط فرضه) أداءً وقضاءً :

1 - لقبح التكليف بما لا يطاق.

2 - وللخبر المتقدّم في مسألة اعتبار القدرة حين العمل في متعلّق النذر: «مَن جَعَل للّه شيئاً فبلغ جُهده فليس عليه شيء»(1).

أقول: قد وردت روايات في خصوص نذر الصوم والحجّ ماشياً: ففي بعض أخبار الصوم: «يتصدّق بدل كلّ يومٍ مُدّاً»(2). وفي آخر: «يعطي مُدين»(3).

وفي خبر الحَجّ فيمن نذر المشي إلى بيت اللّه الحرام، فمشى نصف الطريق أو أقلّ أو أكثر، قال عليه السلام: «ينظر إلى ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدّق به»(4).

وقد مرّ الكلام في المسألتين الأُولى في كتاب الصوم(5)، والثانية في كتاب الحجّ (6)، وبيّنا لزوم حملها على الندب. وأيضاً في الصحيح: «كلّ من عَجَز عن نذرٍ نذره، فكفّارته كفّارة يمين»(7). وسيأتي الكلام عنه في باب الكفّارات(8).

ص: 250


1- التهذيب: ج 8/313 ح 40، وسائل الشيعة: ج 23/308 ح 29627.
2- وسائل الشيعة: ج 23/312 ح 29633.
3- الكافي: ج 7/457 ح 15، وسائل الشيعة: ج 23/312 ح 29632.
4- التهذيب: ج 8/316 ح 53، وسائل الشيعة: ج 23/323 ح 29656.
5- الجزء الثاني عشر من فقه الصادق.
6- فقه الصادق: ج 13/438.
7- الكافي: ج 7/457 ح 17، وسائل الشيعة: ج 22/393 ح 28872.
8- صفحة 278 من هذا المجلّد.

ولو نَذَر أن يتصدّق بجميع ما يملكه، وخاف الضَّرر، قوّمه وتصدّق شيئاً فشيئاً حتّى يوفي.

(ولو نذرَ أن يتصدّق بجميع ما يملكه) انعقد نذره وإنْ تضرّر، وذلك لما عرفت من أنّ المعتبر في متعلّق النذر، كونه طاعةً في نفسه، والصدقة بجميع المال كذلك، وإنْ كان مكروهاً، لأنّه من الكراهة في العبادة غير المنافية للرّجحان، ومجرّد تضرّره به لا يكون موجباً لسلب الرجحان، أو عروض عدمه، ما لم ينطبق عليه عنوانٌ مرجوحٌ ، فيجبُ عليه الوفاء به.

نعم، لو نذر الصَّدقة به (وخاف الضرر)، وشَقّ عليه الوفاء به، (قوّمه) على نفسه، (وتصدّق شيئاً فشيئاً حتّى يوفي) كما قطع به الأصحاب، واعترف به جماعة منهم، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه كما في «الرياض»(1)، ويشهد به: صحيح محمّد ابن يحيى الخثمعي، قال:

«كنّا عند أبي عبداللّه عليه السلام جماعة إذ دخل عليه رجلٌ من موالي أبي جعفر عليه السلام فسلّم عليه، ثمّ جلس وبكا، ثمّ قال: جُعِلت فداك إنّي كنتُ أعطيت اللّه عهداً إنْ عافاني اللّه من شيءٍ كنتُ أخافه على نفسي، أن أتصدّق بجميع ما أملك، وإنّ اللّه تعالى عافاني منه، وقد حوّلت عيالي من منزلي إلى قُبّةٍ في خراب الأنصار، وقد حَمَلتُ كلّ ما أملك، فأنا بائعٌ داري وجميع ما أملك فأتصدّق به ؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام: انطلق وقوِّم منزلك، وجميع متاعك، وما تملك بقيمة0.

ص: 251


1- رياض المسائل: ج 11/499-500.

عادلة، واعرف ذلك، ثمّ اعمد إلى صحيفة بيضاء، فاكتب فيها جملة ما قوّمت، ثمّ أنظر إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة، وأوصه ومُرْه إنْ حَدَث بك حَدثُ الموت أن يبيع منزلك وجميع ماتملك فيتصدّق به عنك، ثمّ ارجع إلى منزلك، وقُم في مالك على ما كنتَ فيه، فكُلْ أنتَ وعيالك مثلَ ما كنتَ تأكل، ثمّ انظر كلّ شيء تصدّق به فيما يُستقبل من صدقة أو صلة قرابة، أو في وجوه البِرّ، فاكتب ذلك كلّه واحصه، فإذا كان إلى رأس السنة فانطلق إلى الرّجل الذي أوصيتَ إليه فَمُره أن يخرج إليك الصحيفة، ثمّ اكتب فيها جملة ما تصدّقت وأخرجت من صدقةٍ أو بِرّ في تلك السنة، ثمّ افعل ذلك في كلّ سنةٍ حتّى تفي للّه بجميع ما نذرت فيه، ويبقى لك منزلك ومالك إنْ شاء اللّه تعالى .

قال: فقال الرّجل: فرَّجتَ عنّي يابن رسول اللّه، جَعَلني اللّه فداك»(1).

وأُورد عليه: بمخالفته للقواعد لأنّ ظاهره وروده مورد حصول الضرر على الناذر بالصدقة بجميع ماله، ولم يحكم عليه السلام ببطلان النذر في شيءٍ منه، وإنّما دفع عنه الضرر بتقويمه على نفسه، والصدقة به على التدريج، وهذا حكمٌ خارج عن قاعدة النذر.

وأيضاً: فهو عليه السلام لم يأمره بالصدقة بما لا تضرّه الصدقة به عاجلاً.

وأيضاً: فالمنذور صدقة جميع ما يملكه بعينه، فقد حكم عليه السلام بإجزاء القيمة.

وفيه: إنّ الخبر صحيحٌ سنداً، والأصحاب تلقّوه بالقبول كما في «المسالك»(2)، فلا وجه للإيراد عليه بما ذكر، إذ كم خبرٍ مخالفٍ للقواعد يعمل به، بل لعلّ أكثر7.

ص: 252


1- الكافي: ج 7/458 ح 23، وسائل الشيعة: ج 23/314 ح 29636.
2- مسالك الأفهام: ج 11/367.

الأخبار من هذا القبيل، فاستشكال السيّد في «شرح النافع»(1) لا وجه له كفتوى صاحب «المفاتيح» بالاستحباب(2).

وهل يلحق بمورد النّص ما خرج عنه من النذر ببعض المال مع خوف الضرر، أم لا؟

وجهان بل قولان، اختار أوّلهما سيّد «الرياض»(3)، وصاحب «الجواهر»(4)، والثاني الشهيد الثاني في «المسالك»(5).

واستدلّ للأوّل: بأنّ كلّ فردٍ من افراد ماله على تقدير نذر الجميع منذورُ الصدقة، وبالفحوى بناءً على أنّ النذر بجميع المال أضرّ من النذر ببعضه، فلزوم الوفاء به يستلزم لزومه فيه بطريق أولى .

وفي «الرياض»(6) بعد ذكر هذا الوجه لمختاره، قال: (إلّا أنّ اللّازم من هذا إنّما هو ثبوت الانعقاد، لا جواز التقويم والإخراج شيئاً فشيئاً).

واستدلّ للثاني: بأنّ الحكم على خلاف القاعدة، فيقتصر فيه على مورده.

وفيه: إنّ الأحكام المذكورة في النّص ثلاثة:

1 - انعقاد النذر.

2 - وعدم وجوب تعجيل الإخراج.

3 - وجواز التقويم وإعطاء القيمة بدلاً عن منذور الصَّدقة.0.

ص: 253


1- نهاية المرام: ج 2/356.
2- حكاه عنه في الرياض: ج 11/500.
3- رياض المسائل: ج 11/500.
4- جواهر الكلام: ج 35/423.
5- مسالك الأفهام: ج 11/367.
6- رياض المسائل: ج 11/500.

أمّا الحكم الأوّل: فهو على وفق القاعدة، فإنّ المنذور طاعة، وكونه مضرّاً بحاله لا ينافيه رجحانه، بل وإنْ كان هناك عنوانٌ آخر مرجوح ديني ملازمٌ للتضرّر، فإنّ المعتبر كما عرفت كون المتعلّق بنفسه راجحاً، وهذا راجحٌ في نفسه وإنْ كان غيره أرجح منه.

ولا مجال لتطبيق حديث لا ضرر(1) في المقام، بعد كون الحكم مجعولاً في مورد الضرر، وهو استحباب الصدقة بجميع المال، فلا يرفع استحبابه قاعدة لا ضرر، وقد دلّ الدليل الخاص على انعقاده، فانعقاد النذر إنّما يكون على وفق القاعدة.

وأمّا الحكم الثاني: وهو عدم وجوب التعجيل، فهو أيضاً كذلك، لعدم كون المنذور إلّاالصّدقة بالمال، ومقتضى الأصل عدم وجوب التعجيل.

فبالنسبة إلي هذين الحكمين يتعدّى إلي نذر البعض، بلا حاجةٍ إلى الفحوى واُختها.

وأمّا الحكم الثالث: فإنْ كان المنذور هو التصدّق به عيناً أو قيمةً ، فهو أيضاً على وفق القاعدة.

وإنْ كان هو التصدّق به عيناً، يكون هذا الحكم على خلاف القاعدة، فبالنسبة إليه لا يتعدّى عن مورد النّص.

والفحوى ممنوعة، لعدم معلوميّة المناط، وعلى فرض كون المناط هو التضرّر، فالتضرّر بالتصدّق بجميع المال أكثر من التضرّر ببعضه، فلا أولويّة، وكون البعض منذور الصدقة على تقدير نذر المجموع، لا يوجبُ التعدّي بعد احتمال دخل المجموع في الحكم.

وعليه، فالأظهر عدم التعدّي، نعم له التصدّق به شيئاً فشيئاً حتّى يوفي.5.

ص: 254


1- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

ومع الإطلاق لا يتقيّد بوقتٍ ، ولو قيّده بوقتٍ أو مكانٍ لزم.

لو نذر وقيّده بمكانٍ أو وقت

المسألة الخامسة: إن نذر القُربة كالصّدقة أو الصوم أو الصلاة وما شاكل:

1 - فقد يكون مطلقاً غير مقيّدٍ بوقتٍ أو مكان.

2 - وقد يكون مقيّداً بأحدهما.

3 - وقد يكون مشروطاً بشرط.

لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (مع الإطلاق لا يتقيّد بوقتٍ ) ولا بمكانٍ ، ووقته تمام العمر، ومكانه جميع الأرض، ولا يتضيّق إلّابظنّ الوفاة، لكونه من الواجبات الموسّعة.

(ولو قيّده بوقتٍ أو مكانٍ ) كما لو نذر الصدقة في يوم الجمعة، أو الصلاة فيها، أو نذر الصَّدقة في مسجدٍ خاص، والصلاة في المسجد الجامع وما شاكل (لزم)، سواءً اشتمل على مزيّة أم لا، من غير فرقٍ بين الصدقة وغيرها، لما عرفت من أنّه لا يعتبر الرّجحان في الخصوصيّات، بل المعتبر هو كون المنذور راجحاً بنفسه.

نعم، لو نذر الخصوصيّة، كما لو نذر إيقاع الصلاة في مكانٍ خاصّ لابدّ من أن يكون لها مزيّة وفضيلة، وإنْكانت الخصوصيّة الاُخرى أفضل منها، ومع عدم المزيّة لم ينعقد النذر كما مرّ الكلام في ذلك مفصّلاً في ضابط متعلّق النذر.

أقول: إنّ الأصحاب اتّفقوا على هذا الحكم(1) في ما لو قيّد الصلاة بوقتٍ ، وما

ص: 255


1- حكى الإتّفاق عنهم في الرياض: ج 11/508.

ولو نَذَر صوم يومٍ بعينه فاتّفق له السفر أفطر وقضاه، وكذا لو حاضتِ المرأة أو نَفَستْ ، ولو كان عيداً أفطر ولا قضاء، وكذا لو عَجَز عن صومه.

وكيف كان، فمقتضى الأدلّة عدم التضيّق، إلّاعلى القول بدلالة الأمر على الفور، ومعها لا وجه للفرق بين المطلق والمشروط، وقد حُقّق في محلّه فسادها.

وعليه، فالأظهر عدم التضيّق، فلا حَنث ولا كفّارة بالتأخير.

المسألة السادسة: (ولو نَذَر صوم يومٍ بعينه فاتّفق له السفر أفطر وقضاه، وكذا لو حاضتِ المرأة أو نَفستْ ، ولو كان عيداً أفطر ولا قضاء، وكذا لو عَجَز عن صومه).

وقد مرّ الكلام في جميع ذلك في كتاب الصوم من هذا الشرح(1)، فلا نطيل الكلام بإعادة ما ذكرناه.

***ر.

ص: 256


1- فقه الصادق: المجلّد الثانى عشر.

والعَهدُ أن يقول: عاهدتُ اللّه، أو عَليَّ عَهدُ اللّه أنّه متى كان كذا فعلَيَّ كذا.

العهد

(و) أمّا (العهد) الذي هو في الأصل: الاحتفاظ بالشيء ومراعاته على ما قيل(1)، فصيغته (أنْ يقول: عاهدتُ اللّهَ أو عليَّ عَهدُ اللّه أنّه متى كان كذا فعلَيَّ كذا) ومقتضى هذه العبارة كعبارة «الشرائع»(2) و «النافع»(3) عدم وقوعه إلّامشروطاً.

ولكن المحكيّ عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(4) وقوعه مطلقاً أيضاً، بل عن الشيخ في «الخلاف»(5) دعوى الإجماع عليه، وهذا هو الأظهر، لإطلاقات الكتاب والسُّنة، بناءً على صدقه على المتبرّع به عرفاً ولغةً .

أمّا الكتاب: فقوله تعالى : (اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ) (6).

وقوله سبحانه: (وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (7).

وأمّا السُّنة: فعدّة أخبار:

منها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ عاهد اللّه في غير معصية، ما عليه إن لم يفِ للّه بعهده ؟

ص: 257


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/119.
2- شرائع الإسلام: ج 3/731.
3- المختصر النافع: ص 237.
4- قواعد الأحكام: ج 3/295.
5- الخلاف: ج 6/130.
6- سورة البقرة: الآية 27.
7- سورة البقرة: الآية 40.

وهو لازمٌ ،

قال عليه السلام: يعتق رقبة، أو يتصدّق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام: «من جعل عليه عهد اللّه وميثاقه في أمرٍ للّه فيه طاعة فَحَنث، فعليه عتق رقبةٍ أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً»(2).

ومنها: خبر ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (3)، قال: العهود»(4).

ومنها: خبر أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام:

«في رجلٍ عاهد اللّه عند الحِجْر أن لا يقرب محرّماً أبداً، فلمّا رجع عاد إلى المحرّم ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: يعتق أو يصوم أو يتصدّق على ستّين مسكيناً، وما ترك من الأمر أعظم يستغفر اللّه ويتوب إليه»(5).

وهذه الأدلّة كما ترى ليس في شيء منها اعتبار كونه مشروطاً.

(وهو) أي العهد (لازمٌ ) بلا خلافٍ ، لأصالة اللّزوم، وعدم ما يدلّ على جواز الرجوع فيه.4.

ص: 258


1- التهذيب: ج 8/309 ح 25، وسائل الشيعة: ج 23/326 ح 29663.
2- التهذيب: ج 8/315 ح 47، وسائل الشيعة: ج 23/326 ح 29664.
3- سورة المائدة: الآية 1.
4- وسائل الشيعة: ج 23/327 ح 29665، تفسير العيّاشي: ج 1/289 ح 5.
5- وسائل الشيعة: ج 23/327 ح 29666، نوادر الأشعري: ص 173 ح 454.

وحكمه حكمُ اليمين.

أقول: (و) قد اختلفت عبارات الأصحاب في العهد:

فالمصنف رحمه الله(1)، والمحقّق(2) جعلا (حُكمه حُكم اليمين) فينعقد فيما ينعقد فيه، ويبطل فيما يبطل.

والشيخ(3) والشهيد(4) جعلا حكمه حكم النذر.

وصاحب «الجواهر» رحمه الله(5): ذهب إلى أنّه لا دليل على مساواة العهد لليمين أو النذر كي يقال حكمه حكمه مطلقاً.

واستدلّ للأوّل: بخبر عليّ بن جعفر المتقدّم، حيث علّق الكفّارة على العهد في غير معصية، فيشمل المباح، ليكون حكمه حكم اليمين، وهو وإنْ شمل المكروه والمباح الرّاجح تركه، إلّاأن ذلك خارجٌ بالإجماع.

واستدلّ للثاني: بمساواته له في الكفّارة الكبيرة المخيّرة، كما دلّ عليه خبر أبي بصير وأحمد بن محمّد المتقدّمان، وبجعل مورده الطاعة في خبر أبي بصير.

أقول: والإنصاف عدم تماميّة شيء من هذه الوجوه:

لأنّ جعل مورده الطاعة في خبر أبي بصير، إنّما هو في السؤال لا في الجواب، كي يدلّ على الحصر، والمساواة في الكفّارة أعمّ من الاتّحاد في جميع الأحكام.7.

ص: 259


1- إرشاد الأذهان: ج 2/96، تبصرة المتعلّمين ص 206، قواعد الأحكام: ج 3/295.
2- شرائع الإسلام: ج 3/731.
3- النهاية: ص 563.
4- الدروس: ج 2/157.
5- جواهر الكلام: ج 35/447.

ولا ينعقدُ النذر والعهد إلّاباللّفظ. ولو جَعَل دابّته، أو عبده، أو جاريته هَدْياً لبيت اللّه تعالى ، أو أحد المشاهد،

وعليه، فالحقّ ما أفاده صاحب «الجواهر»، فلابدّ في كلّ حكمٍ من المراجعة إلى أدلّته، وقد مرّ أنّ مقتضى إطلاق النصوص صحّة العهد المطلق، كما أنّ مقتضاه صحّة العهد على المباح.

وأمّا الكفّارة: فالمتّجه كونها الكبرى المخيّرة، إذ لا معارض لذلك سوى إطلاق الصدقة في خبر عليّ بن جعفر، ويمكن حمله على إرادة الصدقة على ستّين مسكيناً.

وأمّا اعتبار إذن الوالد والزوج: فلا دليل عليه فيه، لا بمعنى أنّ له حَلّ العهد، ولا بمعنى اشتراط صحّته به.

اللّهُمَّ إلّاأن يُدّعى صدق اليمين عليه، وهو كما ترى .

(و) المشهور بين الأصحاب أنّه (لا ينعقد النذر والعهد إلّاباللّفظ)، وقد مرّ الكلام في انعقاد النذر بدون اللّفظ، والخلاف في العهد كالخلاف فيه، والمختار المختار، والدليل الدليل، فلا حاجة إلى التعرّض له.

جعل الدابّة هدياً

أقول: بقي في المقام مسألة:

(و) هي أنّه (لو جعل دابّته أو عبده أو جاريته هَدياً لبيت اللّه تعالى، أو أحد المشاهد):

ص: 260

بِيعَ وصُرِف الثمن في مصالح البيت، أو المشهد الذي جُعل له، وفي معونة الحاجّ والزائرين.

ففي المتن، و «الشرائع»(1) وغيرهما: (بيعَ وصُرِف الثمن في مصالح البيت أو المشهد الذي جُعل له، وفي معونة الحاجّ والزائرين).

وفي «المسالك»(2): (نعم صُرِف ما يُهدى إلى المشهد ويُنذر له إلى مصالحه ومعونة الزائرين حَسنٌ ، وعليه عمل الأصحاب).

وعن «المبسوط»(3): (صُرف المُهدى إلى بيت اللّه إلى مساكين الحرم كالهَدي من النعم إذا لم يعيّن له في نذره مصرفاً غيرهم).

ورجّحه المصنّف رحمه الله في «المختلف»(4)، و «التحرير»(5)، وولده(6)، والشهيد(7)على ما حُكي، وفي «المسالك»(8): (وهو الأصَحّ ).

وظاهر «الشرائع»(9) والمتن اختصاص هذا الحكم بالثلاثة.

أقول: والحقّ أن يقال:9.

ص: 261


1- شرائع الإسلام: ج 3/729.
2- مسالك الأفهام: ج 11/373.
3- حكاه عنه في المختلف: ج 8/202.
4- مختلف الشيعة: ج 8/202-205.
5- تحرير الأحكام: ج 4/361.
6- إيضاح الفوائد: ج 4/73.
7- الدروس: ج 2/153.
8- مسالك الأفهام: ج 11/374.
9- شرائع الإسلام: ج 3/729.

إنّ المنذور هدياً إنْ كان من النعم، وكان للكعبة، انصرف إلى الهَدي النُسكي، وتعيّن نقله إلى مكّة والذبح إمّا بها أو بمِنى على ما تقدّم في كتاب الحجّ (1).

وإنْ كان من غير النعم، سواءٌ كان دابّة أو عبداً أو جارية، أو غير ذلك، كان ممّا يُنقل أو كان ممّا لا ينقل كالدار، صَحّ النذر وانعقد، لأنّ الذي يختصّ بالنعم هو الهَدي النُسُكي لا الإهداء والصدقة.

والنصوص الدالّة على أنّ الطعام لا يُهدى، وحَصْر الهدي في البُدن والنِعم، تختصُّ بالهدي المعتبر شرعاً، لا مطلق الإهداء، وإلّا ففي صحيح عليّبن جعفر عليه السلام، عن أخيه:

«عن رجلٍ جعل جاريته هدياً للكعبة كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: إنّ أبي أتاه رجلٌ جَعَل جاريته هَدياً للكعبة، فقال له: قوّم الجارية أو بِعها، ثمّ مُر مُنادياً يقوم على الحِجْر فينادي: ألا من قَصُرت به نفقته، أو قَطَع به طريقه، أو نفد طعامه، فليأتِ فلان ابن فلان، وأمَرَهُ أن يعطي أوّلاً فأوّلاً حتّى ينفد بثمن الجارية»(2).

ونحوه خبر الصيرفي(3)، والمرويّ عن قرب الإسناد(4).

ولا خصوصيّة للجارية، فيكون غيرهاكذلك، لعدم الفارق، وفي «المسالك»(5):

(بل للإجماع على عدمه).4.

ص: 262


1- فقه الصادق: ج 18/126.
2- التهذيب: ج 5/440 ح 175، وسائل الشيعة: ج 13/250 ح 17672.
3- وسائل الشيعة: ج 13/254 ح 17679، غيبة النعماني: ص 236 ح 25.
4- وسائل الشيعة: ج 13/248 ح 17667.
5- مسالك الأفهام: ج 11/374.

أقول: وفي المقام خبرٌ آخر لعليّ بن جعفر عليه السلام توهّم الشهيد الثاني(1) وصاحب «الجواهر»(2) أنّه يدلّ على أنّ المنذور إنْ كان دابّةً لا ينعقدُ النذر، وهو: قال:

«سألته عن الرّجل يقول هو يهدي إلى الكعبة كذا وكذا، ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه ؟

قال عليه السلام: إنْ كان جَعَله نذراً ولا يملكه، فلا شيء عليه، وإنْ كان ممّا يُملك غلامٌ أو جاريةٌ أو شبهه، باعه واشترى بثمنه طيباً يطيّب به الكعبة، وإنْ كانت دابّة فليس عليه شيء»(3).

ولكنّه اشتباه منهما، فإنّ المفروض في الخبر أنّ الناذر قد نذر شيئاً للكعبة ولا يملكه، فأجاب عليه السلام بأنّه إنْ كان يُملك غلاماً أو جارية أو شبهه باعه ويتمكّن بثمنه من الوفاء بالنذر، وإنْ كان دابّة لا يجبُ عليه أن يبيعها فيصير متمكّناً من الوفاء بالنذر، وعليه فهو أجنبي عن المقام.

فتحصّل ممّا ذكرناه: صحّة النذر وانعقاده.

وأمّا مصرفه: فالمستفاد من الخبر الأخير، لزوم صرفه في ما يرجع إلى البيت من التعظيم ونحوه، فبالأولويّة يدلّ على جواز صرفه في البناء ونحوه.

والأخبار الأُول تدلّ على لزوم صرفه في معونة الحاجّ ، ولا معارضة بين الأخبار، فالنصوص تدلّ على أنّ المصرف إمّا ما يرجع إلى البيت، أو إلى الحجّاج، والظاهر أنّ ذلك حكمُ النذر للمشاهد المشرّفة.2.

ص: 263


1- مسالك الأفهام: ج 11/375.
2- جواهر الكلام: ج 35/428.
3- التهذيب: ج 8/310 ح 27، وسائل الشيعة: ج 23/321 ح 29652.

وعليه، فما عن «السرائر»(1) من نسبة الصرف في مصالح البيت أو المشهد أو في معونة الحاجّ والزائر إلى الرواية حَسَنٌ ، ويكون نظره إلى ذلك.

هذا كلّه في النذر للبيت أو المشهد.

أمّا إذا نذر لمن في المشهد من الأئمّة الهُداة، والأولياء البَررة، فالظاهر إرادة صرفه في سبيل الخير، بقصد رجوع ثوابه إليهم، من غير فرقٍ بين الصدقة على المساكين والزائرين، وغير الصدقة من وجوه الخير التي يرجع ثوابها إليهم.

كلّ ذلك مع عدم قصدٍ من الناذر ينافيه، وإلّا اُتبع قَصده.

***2.

ص: 264


1- السرائر: ج 3/62.

الفصل الثالث: في الكفّارات.

الفصل الثالث الكفّارات

اشارة

(الفصل الثالث: في الكفّارات): الكفّارة اسمٌ للتكفير، وأصلها السّتر لأنّها تستر الذّنب، ومنه الكافر لأنّه يَسترُ الحقّ ، وقد ورد في الكتاب والسُّنة لفظ الكفّارة، وسيمرّان عليك، ولذلك جرى فيها النزاع المعروف، وهو أنّه:

هل لها حقيقة شرعيّة أو متشرّعيّة أم لا؟

وفي أنّها اسمٌ للأعمّ أو الصحيح ؟

وغير ذينك من المباحث المحرّرة في الاُصول(1)، ولا أثر لشيء منها في المقام، لأنّه في كلّ موردٍ اُمرنا بالكفّارة قد بيّن الشارع المراد بها ومصداقها، فلا ثمرة لتلكم المباحث في المقام، كما لا أثر لإتعاب النفس لبيان تعريف جامعٍ ومانع لها.

قال صاحب «المسالك»:(2)(وقد عرّفها بعضهم بأنّها طاعة مخصوصة مسقطة للعقوبة، أو مخفّفة غالباً، وقيّد بالأغلبيّة لتدخل كفّارة قتل الخطاء فيها، فإنّها ليست عقوبة، وينتقض في طرده بالتوبة، فإنّها طاعة مخصوصة، بل هو من أعظم الطاعات.

ثمّ قد يكون مسقطة للذنب، كما إذا كان الذّنب حقّ اللّه تعالى ، ولم يجب قضاءه، وقد يكون مُخفِّفة له، كما إذا اقترنت بوجوب القضاء أو رَدّ الحقّ ونحوه.

وكذا ينتقض بقضاء العبادات، فإنّه طاعة مسقطة للذّنب المترتّب على

ص: 265


1- زبدة الاُصول: ج 1/130.
2- مسالك الأفهام: ج 10/7.

التهاون في الفعل إلى أن خرج الوقت، أو مخفّفة له من حيث افتقار سقوطه إلى التوبة)، انتهى .

أقول: إنّما المهمّ هو البحث فيما وقع الخلاف فيه، وهو:

إنّ وجوب الكفّارة، هل يكون على الفور أو التراخي ؟

أو يفصّل بين الكفّارة الواجبة عن ذنبٍ فالأُولى ، وبين الواجبة لا عن ذنبٍ ككفّارة قتل الخطاء فالثاني ؟

وظاهر «المسالك»(1) أنّ محلّ الخلاف هو القسم الأوّل، وأمّا القسم الثاني فوجوبها على التراخي من غير خلاف.

وكيف كان، فقد استدلّ لوجوب الفور فيما إذا كانت الكفّارة عن الذنب:

1 - بأنّها كالتوبة الواجبة لذلك، لوجوب الندم علي كلّ قبيح أو إخلالٍ بواجب.

2 - وبأنّها في معنى التوبة، من حيث أنّها مسقطة للذّنب أو مخفّفة، والتوبة واجبة على الفور، وكذلك الكفّارة.

ولكن يرد على الأوّل أوّلاً: أنّ الكفّارة لا تُسقط استحقاق العقاب، بل لابدّ معها من التوبة المشتملة على ترك الذنب في الحال، والنَّدم على فعله فيما سلف، والعَزم على عدم العود إليه في المستقبل إلّافي بعض الموارد الذي نشير إليه في المباحث الآتية.

وثانياً: أنّ المراد بوجوب الندم:

إنْ كان درك العقل حُسن الكفّارة المُسقِطة للعقاب، من جهة أنّ بها يدفع الضرر:8.

ص: 266


1- مسالك الأفهام: ج 10/8.

فمثل هذا المُدرَك العقلاني لا يصلح منشئاً للوجوب الجعلي الشرعي، فإنّه من قبيل الحكم بوجوب الطاعة وحرمة المعصية، فإنّه عبارة عن درك ترتّب العقاب لو لم يدفع.

وإنْ كان المراد به أنّ العقل يُدرك حُسن الكفّارة، كما يُدرك حُسن الندامة، والعزم على عدم العود إلى المعصية، مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر.

فيرد عليه: أنّ هذا ليس بنحوٍ يُستكشف منه وجوب ذلك، كما لا يُستكشف من دركه قبح العزم على المعصية حرمتها، ولذا لا شيء على العزم عليها وإنْ كان من مساوئ الأخلاق.

وبذلك كلّه ظهر ما في الوجه الثاني، مع أنّه لا يلزم من مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها لها في جميع الأحكام.

وقد يقال: - كما في «الجواهر»(1) - بأنّ الكفّارة إذا كانت من قبيل الحقوق الماليّة كالإطعام، كان وجوبها على الفور، لأنّ الأصل في الحقوق الماليّة - سواءٌ أكانت لشخصٍ معيّن أو غير معيّن - الفوريّة، إلّامع الإذن من صاحب الحقّ ، ومن ذلك:

رَدّ الأمانات الشرعيّة إلى أهلها فوراً، وأداء الخُمس والزكاة وغيرها، وكأنّه متّفقٌ عليه، إلى أن قال:

(ولعلّ تأخير الحقّ عن مستحقّيه، مع حاجتهم إليه من الظلم المحرّم عقلاً ونقلاً، ومن الإضرار المنهيّ عنه أيضاً).

وفيه: إنّ الحقوق الماليّة على أقسام:

منها: ما يكون العين الشخصيّة للغير، وفي هذا القسم يجبُ الرَّد فوراً، لأنّ إبقائها غصبٌ محرّم إلّامع الإذن.9.

ص: 267


1- جواهر الكلام: ج 33/169.

وهي: مرتّبة، ومخيّرة، وما يجتمع فيه الأمران، وكفّارة الجمع.

فالمرتّبة:

ومنها: ما يكون من قبيل تعلّق الحقّ بالعين الشخصيّة كالزكاة والخمس، والكلام في أنّه هل يجبُ الأداء فوراً مرَّ في محلّه.

ومنها: ما يتعلّق بالذّمة، وفي مثل ذلك فيما دلّ دليلٌ خاص على وجوب رَدّه فوراً فلا كلام، وإلّا لا دليل على كون الوجوب فوريّاً، وقاعدة لا ضرر حيث تكون نافية لا مثبتة، لا تصلحُ لأن تكون منشئاً للوجوب.

وأمّا قوله رحمه الله: من أنّ تأخير الحقّ عن مستحقّيه مع حاجتهم إليه من الظلم المُحرّم.

فيدفعه: أنّ الحقّ إنْ كان على الفور كان ما اُفيد تامّاً، وأمّا إنْ كان على نحو التراخي، كما إذا كان للغير دينٌ في ذمّته مؤجّلاً، ولم يحين الأجل، فإنّ تأخير الحقّ عن مستحقّه لا يكون من الظلم المُحرّم، فإثبات الفوريّة بذلك دورٌ واضح، فتدبّر فإنّه دقيق.

وبالجملة: فالأظهر ما أفاده الشهيدالثاني رحمه الله من عدم كون الوجوب على الفور.

كفّارة الظهار

أقول: وكيف كان، فالكلام في هذا الفصل في مقصدين:

المقصد الأوّل: في حَصر الكفّارة، وبيان أقسامها:

(وهي) تنقسم إلى (مرتّبة، ومخيّرة، وما يجتمع فيه الأمران، وكفّارة الجمع) فأقسامها أربعة:

(ف) القسم الأوّل: وهو (المرتّبة) لها مصاديق:

ص: 268

كفّارة الظهار، وكفّارة قَتْل الخطاء، ويجبُ فيهما عِتقُ رقبة، فإنْ عَجَز صام شهرين متتابعين، فإنْ عَجَز أطعم ستّين مسكيناً.

المصداق الأوّل: (كفّارة الظهار).

(و) المصداق الثاني: (كفّارة قتل الخَطاء و) ذلك لأنّه (يجبُ فيهما عتق رقبةٍ ، فإنْ عَجَز صام شهرين متتابعين، فإنْ عَجَز أطعم ستّين مسيكناً) على المشهور فيهما شهرة عظيمة، بل بلا خلافٍ في الأوّل، وعن جماعةٍ دعوى الإجماع عليه(1)، ويشهد بهما:

1 - من الكتاب: قوله تعالى : (وَ اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (2) - إلى قوله تعالى -: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (3).

وقوله عزّ وجلّ : (وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) - إلى قوله -: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ) (4).

والآية الأُولى نصٌّ في الأُولى، والثانية في الثانية بالنسبة إلى العتق والصيام.

2 - ومن السُّنة: نصوصٌ في البابين وقد تقدّمت النصوص في الظهار.

ففي الموثّق: «جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه ظاهرتُ من2.

ص: 269


1- كما حكاه في الرياض: ج 12/456.
2- سورة المجادلة: الآية 3.
3- سورة المجادلة: الآية 4.
4- سورة النساء: الآية 92.

امرأتي ؟ قال صلى الله عليه و آله: اذهب فاعتق رقبة.

قال: ليس عندي، قال: اذهب فصم شهرين متتابعين، قال: لا أقوى، قال:

اذهب فاطعم ستّين مسكيناً... الحديث»(1).

وفي المرسل كالصحيح: «في رجلٍ صام شهراً من كفّارة الظهار، ثمّ وجد نسمة ؟ قال عليه السلام: يعتقها ولا يعتد بالصوم»(2).

ولا قائل بالفرق.

وأظهر منهما النصوص(3) الواردة فى تفسير الآية، بل وغيرها من النصوص المتقدّمة، ومثلها النصوص الواردة فى القتل، كصحيح عبداللّه بن سنان، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«إذا قتل خطأ أدّى ديته إلى أوليائه، ثمّ أعتق رقبة، فإنْ لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مُدّاً مُدّاً»(4).

ونحوه غيره.

ولم يُنقل الخلاف عن أحدٍ في كفّارة الظهار.

وعليه، فالنصوص الظاهرة في كون الكفّارة بنحو التخيير:

منها: صحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المظاهر؟

قال: تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً... الحديث»(5).

ونحوه غيره، لابدّ من حَمْل ما فيها من كلمة (أو) الظاهرة في التخيير في نفسها،7.

ص: 270


1- الكافي: ج 6/155 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/360 ح 28786.
2- التهذيب: ج 8/17 ح 29، وسائل الشيعة: ج 22/366 ح 28797.
3- وسائل الشيعة: ج 22/303 باب 1 من أبواب الظهار.
4- التهذيب: ج 8/322 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/374 ح 28816.
5- التهذيب: ج 8/15 ح 24، وسائل الشيعة: ج 22/360 ح 28787.

وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامداً: إطعام عشرة مساكين، فإنْ عَجَز صام ثلاثة أيّام متتابعات.

والمخيّرة: من أفطر يوماً من شهر رمضان، أو من نذرٍ معيّن، أو خالف نذراً، أو عهداً على

على إرادة الترتيب، ولعلّ ذلك ممّا يقتضيه الجمع العرفي بينهما وبين النصوص المتقدّمة والآية، من جهة أنّ (أو) تأتي لغير التخيير أيضاً، وإنْ أبيت عن ذلك فهي شاذّة مطروحة.

وعن المفيد(1)، وسلّار(2): مخالفة الأصحاب في كفّارة قتل الخطاء، والتزامهما بأنّ كفّارته مخيّرة لا مرتّبة، ولم يظفر الأساطين من الفقهاء بمستندهما، وعليه فالمذهب هو الأوّل كما في «المسالك»(3).

(و) المصداق الثالث: (كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامداً) فإنّه يجبُ عليه (إطعام عشرة مساكين، فإنْ عَجَز صام ثلاثة أيّام متتابعات) كما تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً في كتاب الصوم من هذا الشرح(4) فلا نعيد.

كفّارة مخالفة العهد وحنث النذر

القسم الثاني: (و) هو (المخيّرة)، فلها أيضاً موارد جمعها المصنّف رحمه الله في قوله:

(من أفطر يوماً من شهر رمضان، أو من نذر معيّن، أو خالف نذراً، أو عهداً على

ص: 271


1- المقنعة: ص 569.
2- المراسم العلويّة: ص 190.
3- مسالك الأفهام: ج 10/10.
4- فقه الصادق: ج 12/200، مبحث الكفّارات.

آخر(1) من باب الكفّارات: بأنّها كفّارة يمين مطلقاً.

وفي «الإرشاد»(2) أفتى أوّلاً: بالتفصيل في العهد والنذر، فإنْكان صوماً فأفطره فكفّارة رمضان، وإلّا فكفّارة يمين.

ثمّ بعد ذلك أفتى(3): بأنّها كفّارة يمين مطلقاً.

وقد مرّ ما يمكن أن يكون مدركاً لكون كفّارتها كفّارة اليمين، والجواب عنه، فما يُشعر به عبارته في المقام من التردّد في كون كفّارته كبيرة مخيّرة مطلقاً، لنسبة ذلك إلى قولٍ في غير محلّه أيضاً.

المورد الثاني: في كفّارة حَنْث النذر، ففيها أقوال:

1 - أنّها ككفّارة رمضان مطلقاً، وهي الكبيرة المخيّرة، ذهب إليه الشيخان(2)، وأتباعهما(3)، والمصنّف في محكيّ «المختلف»،(4) والمحقّق،(5) وأكثر المتأخّرين.

2 - أنّها كفّارة يمين - سيأتى لاحقاً البحث عنها - مطلقاً، ذهب إليه الصدوق،(6)والمصنّف في «التحرير»(7) على ما حُكي والمحقّق في «النافع»(8) وجماعة.8.

ص: 272


1- قواعد الأحكام: ج 3/307. (2و3) إرشاد الأذهان: ج 2/97 و 100.
2- المقنعة: ص 562 و 565، النهاية ونكتها: ج 3/66.
3- الكافي: ص 225-226، الوسيلة: ص 351 و 353، المهذّب: ج 2/421.
4- مختلف الشيعة: ج 8/213.
5- شرائع الإسلام: ج 3/730 لكنّه حكاه قولاً حيث قال: يلزم بمخالفة النذر المنعقد كفّارة يمين، وقيل كفّارة من أفطر في شهر رمضان.
6- المقنع: ص 137.
7- تحرير الأحكام: ج 4/364.
8- المختصر النافع: ص 208.

3 - التفصيل بين ما إذا كان النذر لصومٍ فأفطره فكفّارة رمضان، وإنْ كان لغير ذلك، فكفّارة يمين، ذهب إليه المرتضى(1)، والحِلّي(2)، والمصنّف في بعض كتبه(1).

4 - ما عن الشيخ رحمه الله(2) وهو التفصيل بين المتمكّن من إحدى الخصال، فكفّارة رمضان، والعاجز عنها فكفّارة يمين.

5 - ما عن سلّار(3) والكراجُكي(4): من أنّ كفّارته كفّارة الظهار أي المرتّبة.

أقول: وهناك أقوالٌ اُخر نادرة، ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على القول الأوّل، كصحيح عبدالملك بن عمرو، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عمّن جعل للّه عليه أن لا يركب مُحرّماً سمّاه فركبه ؟

قال: لا ولا أعلمه إلّاقال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستّين مسكيناً»(5).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على القول الثاني، كحسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إن قلت: للّه عليَّ ، فكفّارة يمين»(6).

وخبر حفص بن غياث، عنه عليه السلام: «عن كفّارة النذر؟ فقال: كفّارة النذر كفّارة اليمين»(7).1.

ص: 273


1- حكاه عنه في مسالك الأفهام: ج 10/18.
2- التهذيب: ج 8/306 في ذيل ح 13.
3- المراسم العلويّة: ص 190.
4- حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: ص 261، كما في المسالك: ج 10/22.
5- التهذيب: ج 8/314 ح 42، وسائل الشيعة: ج 23/322 ح 29653.
6- التهذيب: ج 8/306 ح 13، وسائل الشيعة: ج 22/392 ح 28868.
7- التهذيب: ج 8/316 ح 52، وسائل الشيعة: ج 22/393 ح 28871.

وفيه: إنّ الظاهر من الخبر العجز عن المنذور، لا عن الكفّارة.

واستدلّ للقول الخامس: بأنّ ظاهر الطائفة الثالثة تعيّن الرقبة مع التمكّن منها، وهذا يقتضي حمل (أو) في الطائفة الأُولى على إرادة الترتيب لا التخيير.

وفيه: إنّها في نفسها وإنْ كانت ظاهرة في التعيّن من جهة ظهور الأمر فيه، إلّا أنّه بواسطة الطائفتين الأوليين تُحمل على إرادة التخيير، وأنّ ذلك يُجزي في الكفّارة لا أنّه متعيّن.

واستدلّ للقول الثالث: المرتضى قدس سره(1) بأنّه تُحمل الطائفة الأُولى على نذر الصوم، والثانية على نذر غيره للمناسبة، وارتضاه المصنّف رحمه الله في بعض كتبه، لكنّه لا شاهد له، بل قيل إنّ ظاهر صحيح عبدالملك نذر غيره.

وعليه، فيدور الأمر بين القولين الأولين، وحيث أنّ القول الأوّل مشهورٌ بين الأصحاب، بل لم نظفر بقائل بالثاني من المتقدّمين إلّاالصدوق، والشهرة أوّل المرجّحات، فتقدّم الطائفة الأُولى ، ويؤيّده أنّها مخالفة للعامّة.

أقول: لقد أطنب في «المسالك»(2) في ترجيح الطائفة الثانية سنداً ودلالةً .

أمّا من حيث السند: فلأنّ عبدالملك لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال، وإنّما مدحوه مدحاً بعيداً عن التعديل، وغايته أن يكون حَسَناً، والتعبير بالصحيح عن خبره من جهة وثاقة رجال إسناده إلى عبدالملك، فهي صحّة إضافيّة مستعملة في اصطلاحهم كثيراً، فلا يترجّح خبره على الأخبار الاُخر، بل الترجيح معها، لأنّ حسن الحلبي في ذلك الجانب، وهو من أعلى مراتب الحسن، لأنّ حسنه باعتبار2.

ص: 274


1- رسائل الشريف المرتضى: ج 1/246.
2- مسالك الأفهام: ج 10/19-22.

دخول إبراهيم بن هاشم في طريقه، وهو من أجلّاء الأعيان، بخلاف تلك الرواية، فإنّ الظاهر أنّها لا تلحق أدنى مراتب الحُسن فضلاً عمّا فوقه.

ويؤيّد حسن الحلبي صحيح ابن مهزيار المتقدّم، وخبر حفص الذي قال الشيخ رحمه الله إنّ كتابه معتمدٌ عليه.

وأيضاً: اتّفاق روايات العامّة التي صحّحوها عن النبيّ صلى الله عليه و آله.

وأمّا من حيث دلالةً : فلأنّ عبدالملك، قال: «ولا أعلمه إلّاقال...»، وهو يُشعر بتردّد الراوي في مقول الإمام عليه السلام، وإنْ كان قد أتى بلفظ العلم الدالّ على الجزم، إلّا أنّ قرينة المقام تقتضي أن يريد بالعلم ما يشمل الظنّ ، وإلّا لقال ابتداءً قال: (فليعتق رقبة... إلخ) وهو واضح.

أقول: وفي كلامه قدس سره مواقع للنظر:

1 - أمّا ما أفاده بالنسبة إلى عبدالملك، فيرد عليه:

أوّلاً: إنّ المصنّف وولده، والشهيد في «الدروس» عدّوا خبره صحيحاً، وحمله على الصحّة الإضافيّة بعيدٌ غايته، وقد سعى المولى الوحيد إثبات وثاقة الرّجل.

وثانياً: إنّ الرّاوي عنه في هذا الخبر اثنان من أصحاب الإجماع؛ وهما ابن أبي عُمير، وجميل بن درّاج، ومثل هذا الخبر كلّ فقيه يبني على صحّته.

وثالثاً: إنّ الرجوع إلى صفات الراوي إنّما هو بعد عدم وجود المرجّح الأوّل، وهو الشهرة، وقد مرّ وجودها.

2 - وأمّا ما ذكره من تأييد حَسَن الحلبي بروايات العامّة، فهو من الغرائب، فإنّ المخالفة للعامّة جُعلت من المرجّحات لا الموافقة.

3 - وأمّا ما أفاده من حيث الدلالة:

ص: 275

وما يجتمع فيه الأمران: كفّارة اليمين، عتقُ رقبةٍ ، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإنْ عَجَز صام ثلاثة أيّام متواليات.

فيردّه: أنّ الظاهر من العلم هو الجزم، ولعلّ هذا النحو من التعبير آكد من التعبير بأنّه قال كذا.

وبالجملة: فالأظهر ترجيح الطائفة الأُولى للشهرة ولمخالفة العامّة، فالقول الأوّل أظهر.

كفّارة اليمين

القسم الثالث: (و) هي (ما يجتمع فيه الأمران) التخيير والترتيب ف (كفّارة اليمين)، وهي: (عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كِسوتهم، فإنْ عَجَز صام ثلاثة أيّام متواليات).

وفي «المسالك»(1): (والحكمُ في هذه الكفّارة محلّ وفاقٍ بين المسلمين، من حيث أنّها منصوصة في القرآن، قال عزّ مِنْ قائل: (لا يُؤاخِذُكُمُ اَللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (2)، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ولا معارض لها).

ص: 276


1- مسالك الأفهام: ج 10/24.
2- سورة المائدة: الآية 89.

وكذا الإيلاء.

وكفّارة الجمع في قتل المؤمن عمداً ظُلماً، عتقُ رقبةٍ مؤمنة، وصيامُ شهرين متتابعين، وإطعامُ ستّين مسكيناً.

(وكذا) تجبُ هذه الكفّارة التي تجمع فيها التخيير والترتيب، فالأوّل في الخصال الثلاث، والثاني في الصيام، فإنّه مرتّبٌ على العجز عن الثلاث السابقة في (الإيلاء) بلا خلافٍ ، فإنّه يمين فتشمله الآية الشريفة والنصوص، وعليه فلا إشكال في الحكم.

القسم الرابع: (و) هو (كفّارة الجمع)، فهي (في قتل المؤمن عمداً ظُلماً) فيجبُ (عتق رقبةٍ مؤمنة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً) بالإجماع والنصوص المستفيضة.

والمراد ب (المؤمن) هنا هو المسلم، ومن بحكمه كولده الصغير والمجنون، ولا فرق بين الذكر والاُنثى .

ويشترط كون القتل مباشرةً لا تسببياً، وسيأتي تفصيل القول في ذلك وسائر فروع المسألة في بابه إنْ شاء اللّه تعالى.

ومثلها كفّارة من أفطر على مُحرّمٍ في شهر رمضان، على قولٍ تقدّم ذكره في كتاب الصوم(1) من هذا الشرح خلافاً للأكثر فالتخيير، وقد مرّ ما هو الأظهر عندنا.

***6.

ص: 277


1- فقه الصادق: ج 12/206.

وقيل من حَلَف بالبراءة فعليه كفّارة ظهار، فإنْ عَجز فكفّارة اليمين.

كفّارة الحلف بالبراءة من اللّه تعالى

(و) يلحق بالمقام مسائل:

المسألة الأُولى: (قيل) - والقائل الشيخان(1) وجماعة(2)، بل عن «الغنية»(3)الإجماع عليه -: (مَن حَلف بالبراءة) مِن اللّه تعالى شأنه، أو مِنْ رسوله صلى الله عليه و آله، أو من الأئمّة عليهم السلام على الاجتماع أو الانفراد (فعليه كفّارة ظهار، فإنْ عَجَز فكفّارة اليمين):

إمّا بمجرّده، كما عن الشيخ الطوسي(4)، والسيّد المرتضى(5)، بل عن «الغنية»(6)الإجماع عليه.

أو بعد الحَنث، كما عن المفيد(7)، والديلمي(8).

وعن ابن حمزة(9): إنّ عليه كفّارة نذر.

وعن الصَّدوق(10): أن يصوم ثلاثة أيّام، ويتصدّق على عشرة مساكين.

ص: 278


1- المقنعة: ص 558-559، النهاية: ص 570.
2- المهذّب: ج 2/421.
3- غنية النزوع: ص 393.
4- النهاية: ص 570.
5- رسائل المرتضى: ج 1/247، بحث: (كيفيّة اليمين وحكم اليمين).
6- غنية النزوع: ص 393.
7- المقنعة: ص 559.
8- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 33/179.
9- الوسيلة: ص 349.
10- المقنع: ص 136-137.

وعن «التحرير»(1)، و «المختلف»(2): إنّ عليه أن يُطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكينٍ مُدّ، ويستغفر اللّه شأنه، وقوّاه في «المسالك»(3)، و «الجواهر»(4).

وعن الشيخ في «الخلاف»(5)، والحِلّي(6)، وأكثر المتأخّرين: إنّه يأثم ولاكفّارة عليه.

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: لا خلاف أجده في أصل الحرمة، وادّعى في «الجواهر»(7) قيام الإجماع بقسميه عليها، من غير فرقٍ بين الصدق والكذب، والحنث وعدمه.

وعن فخر المحقّقين(8): إجماع أهل العلم على عدم جوازه، ويشهد به طائفة من الأخبار:

منها: المرفوع كالصحيح: «سَمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجلاً يقول: أنا بَريءٌ من دين محمّد صلى الله عليه و آله!

فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ويلك إذا برئت من دين محمّدٍ فعلى دين من تكون ؟ قال: فما كلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى مات»(9).

ونحوه مرسل الصدوق(10)، وتأمّل فإنّهما في البراءة من الدِّين، لا في الحلف0.

ص: 279


1- تحرير الأحكام: ج 4/368.
2- مختلف الشيعة: ج 8/141.
3- مسالك الأفهام: ج 10/26.
4- جواهر الكلام: ج 33/179.
5- الخلاف: ج 6/112.
6- السرائر: ج 3/39-40.
7- جواهر الكلام: ج 33/180.
8- إيضاح الفوائد: ج 4/81.
9- الكافي: ج 7/438 ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/212 ح 29393.
10- الفقيه: ج 3/373 ح 4310.

بالبراءة منه، والفرق واضح.

ومنها: خبر يونس بن ظبيان، قال: «قال لي: يا يونس لا تحلف بالبراءة منّا، فإنّه مَن حَلِف بالبراءة منّا صادقاً أو كاذباً فقد بريء منّا»(1).

ومنها: الخبر الصحيح، قال: «كتب محمّد بن الحسن إلى أبي محمّد عليه السلام:

رجلٌ حَلف بالبراءة من اللّه ورسوله فحنث، ما توبته وكفّارته ؟

فوقّع عليه السلام: يُطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مُد، ويستغفر اللّه عزّ وجلّ »(2).

ومنها: صحيح المفضّل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في قوله عزّ وجلّ : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ اَلنُّجُومِ * وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (3) يعني به البراءة من الأئمّة عليهم السلام، يحلف بها الرّجل يقول: إنّ ذلك عند اللّه عظيم»(4).

وفي «الرياض»(5): (بل ويُحتمل الكفر في بعض موارده).

والظاهر أنّه يشيرُ إلى ما عن «التنقيح»(6) حيث قال: (التلفّظ بذلك - أي البراءة - إنْ علّقه على محالٍ ، لا يُخرجه عن الإسلام، لأنّ حكم المعلّق حكم المعلّق به، وإنْ علّقه على ممكنٍ ، فهل يخرج به عن الإسلام أم لا؟

الحقّ نعم، لقيام الدليل على وجوب الثبات على الاعتقاد الصحيح، وامتناع الانتقال عنه، فإذا علّق على ممكن، والممكن جائز الوقوع فيقع المعلّق عليه.1.

ص: 280


1- الكافي: ج 7/438 ح 2، وسائل الشيعة: ج 23/213 ح 29394.
2- الكافي: ج 7/461 ح 7، وسائل الشيعة: ج 23/213 ح 29395.
3- سورة الواقعة: الآية 75 و 76.
4- الفقيه: ج 3/377 ح 4326، وسائل الشيعة: ج 23/214 ح 29397.
5- رياض المسائل: ج 11/239.
6- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 33/181.

نعم، إنْ كان المتلفّظ يعلم معنى التعليق، كَفر في الحال، وإلّا فلا)، انتهى .

أقول: ولكن الصحيح ما عن المحقّق الكركي رحمه الله(1) من أنّه إنْ أراد بذلك المبالغة في المنع لا يَكفُر، وإنْ قصد معنى التعليق يكفر، لمنافاة التعليق للجزم.

المورد الثاني: قد عقد صاحب «الوسائل» فيها(2) باباً لجواز استحلاف الظالم بالبراءة من حول اللّه وقوته، وظاهره الفتوى به، ويشهد به:

1 - ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: «احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنّه بريء من حول اللّه وقوّته، فإنّه إذا حلف بها كاذباً عُوجل، وإذا حلف باللّه الذي لا إله إلّاهو:

لم يعاجل، لأنّه قد وَحَدّ اللّه سبحانه»(3).

2 - وخبر صفوان الجمّال: «إنّ المنصور قال لأبي عبداللّه عليه السلام: رُفِع إليّ أنّ مولاك المُعلّى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ؟

فقال: واللّه ما كان - إلى أن قال - المنصور: - فأنا أجمعُ بينك وبين من سَعى بك، قال: فافعل، فجاء بالرَّجل الذي سعى به، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام: يا هذا أتحلف ؟

فقال: نعم، واللّه الذي لا إله إلّاهو، عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، لقد فعلتَ .

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام: ويلك تُبجِّل اللّه فيستحي من تعذيبك! ولكن قُلْ :

برئتُ من حَول اللّه وقوّته، والتجأتُ إلى حولي وقوّتي، فحلف بها الرّجل فلم يُتمّها حتّى وقع ميّتاً.3.

ص: 281


1- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 33/181-182.
2- وسائل الشيعة: ج 23/269 باب 33 من أبواب كتاب الأيمان.
3- وسائل الشيعة: ج 23/270 ح 29551، نهج البلاغة: ص 512 تحت رقم 253.

فقال المنصور: لا اُصدّق عليك بعد هذا أبداً، وأحسن جائزته»(1).

ونحوه المرويّ عن الإمام الرّضا عليه السلام عن أبيه، ورواه المفيد(2) مرسلاً.

ولكن في «الجواهر»(3): (إنّي لم أجد من أفتى بذلك من الأصحاب - إلى أن قال:

ولا ريب أنّ الاحتياط يقتضي تركه إلّافي مهدور الدّم من الناصب).

المورد الثالث: في كفّارته كما عرفت أقوال: أمّا الأقوال الثلاثة الأُول فلم أظفر بما يصلح أن يُستشهد به لشيء منها.

وأمّا ما عن الصدوق فقد استدلّ له بخبر عمرو بن حُريث:

«سُئل الصادق عليه السلام عن رجلٍ قال: إنْ كلّم ذا قرابةٍ له، فعليه المشي إلى بيت اللّه، وكلّ ما يملكه في سبيل اللّه، ولو برأ من دين محمّد صلى الله عليه و آله.

قال عليه السلام: يصوم ثلاثة أيّام، ويتصدّق على عشرة مساكين»(4).

ولكنّه ضعيفُ السند لمفضّل بن صالح أبي جميلة، مع أنّه لم يعمل به غير الصدوق رحمه الله.

أضف إليه أنّه يحتمل أن يكون المراد بيان كفّارة إيقاع النذر لغير اللّه تعالى ، ويكون سبيله سبيل خبر عمر بن خالد عن الإمام الباقر عليه السلام: «النذر نذران: فما كان للّه ففِ به، وما كان لغير اللّه فكفّارته كفّارة يمين»(5).

وأمّا ما عن المصنّف وجماعة فيشهد له مكاتبة الصفّار الصحيحة المتقدّمة،3.

ص: 282


1- الكافي: ج 6/445 ح 3، وسائل الشيعة: ج 23/269 ح 29550.
2- وسائل الشيعة: ج 23/270 ح 29552.
3- جواهر الكلام: ج 35/346.
4- التهذيب: ج 8/310 ح 30، وسائل الشيعة: ج 23/320 ح 29649.
5- التهذيب: ج 8/310 ح 28، وسائل الشيعة: ج 22/393 ح 28873.

وفي «النافع»(1).

وعن سلّار(2)، والحِلّي(3)، والشهيد في «اللّمعة»(4): إنّ فيه كفّارة الظهار، وعن الثاني منهما دعوى قيام الإجماع عليه.

وعن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في «القواعد»(5)، و «الإرشاد»(6)، وظاهر المحقّق في «الشرائع»(7)، والفخر(8)، وثاني الشهيدين في «المسالك»(9) وسبطه(10): إنّه لا كفّارة فيه.

أقول: وليس في المقام إلّارواية واحدة، هي رواية خالد بن سُدير أخي حنان ابن سدير، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: عن رجلٍ شقّ ثوبه على أبيه أو على أُمّه أو على أخيه أو على قريبٍ له ؟

فقال عليه السلام: لا بأس بشقّ الجيوب، قد شَقّ موسى بن عمران على أخيه هارون، ولا يشقّ الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته، وتشقّ المرأة على زوجها، وإذا شقّ 7.

ص: 283


1- المختصر النافع: ص 208.
2- المراسم العلويّة: ص 190.
3- السرائر: ج 3/78.
4- اللّمعة الدمشقيّة: ص 76.
5- قواعد الأحكام: ج 3/297.
6- إرشاد الأذهان: ج 2/97.
7- شرائع الإسلام: ج 3/631.
8- إيضاح الفوائد: ج 4/82.
9- مسالك الأفهام: ج 10/27.
10- نهاية المرام: ج 2/197.

زوجٌ على امرأته، أو والدٌ على ولده فكفّارته حنث يمين، ولا صلاة لهما حتّى يُكفّرا، أو يتوبا من ذلك، فإذا خَدَشتِ المرأة وجهها، أو جَزّت شعرها أو نتفته، ففي جَزّ الشعر عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وفي الخدش إذا دميت، وفي النتف كفّارة حنث يمينٍ ، ولا شيء في اللَّطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة، ولقد شَقَقن الجيوب، ولَطَمْنَ الخدود الفاطميّات على الحُسين بن عليّ عليهما السلام، وعلى مثله تُلطم الخدود، وتُشقّ الجيوب»(1).

وهذه كما ترى ظاهرة في القول الأوّل.

وفي «المسالك»(2): (في طريق الرواية ضعفٌ ، فإنّ خالد بن سُدير غير موثّق، وقال الصدوق(3): إنّ كتابه موضوعٌ ، وفي طريقه أيضاً محمّد بن عيسى وهو ضعيف)، انتهى .

ولذلك لم يعمل بها جمعٌ من المتأخّرين، واستندوا إلى الأصل في عدم وجوب الكفّارة.

ولكن يرد عليه: أنّ الأصحاب اعتمدوا عليها، وهذا يوجبُ جَبر الضعف قطعاً، فلا إشكال في وجوب الكفّارة.

فإنْ قيل: إنّ شهادة الصدوق بأنّ كتابه موضوعُ شهادة بالكذب، وعدم النقل من المعصوم عليه السلام، ومثل هذا الخبر الثابت كذبه لا يَنجبرُ ضعفه بالعمل.

قلنا: إنّ ما نسبه الشهيد رحمه الله إلى الصدوق، فهو نقل ذلك عن شيخه محمّد بن].

ص: 284


1- التهذيب: ج 8/325 ح 23، وسائل الشيعة: ج 22/402 ح 28894.
2- مسالك الأفهام: ج 10/27.
3- الفهرست للشيخ الطوسي: ص 174 [269].

الحسن بن الوليد في حقّ خالد بن عبداللّه بن سَدير، لا في خالد بن سَدير، قال:

وَضَعه محمّد بن موسى الهمداني، مع أنّ ذلك إنّما هو بالنسبة إلى كتابه، وهذا الخبر يرويه عنه جعفر بن عيسى لا عن كتابه، فلا محيص عن القول بوجوب الكفّارة.

أقول: إنّما الكلام في أنّها تخييريّة أو مرتّبة ؟

ظاهر الخبر هو الأُولى .

وفي «الرياض»(1): حَمَلها بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل، لا كونها مخيّرة.

ويردّه: إنّ فتوى الأكثر أنّها مخيّرة لا مرتّبة، فلا معدّل عن ظاهر الخبر.

وعليه فالقول بالتخيير أظهر، نعم الأحوط رعاية الترتيب.

ثمّ إنّه وإنْ كان لم يقيّد ذلك في الخبر بكونه في المصاب، ولكن سياقه شاهدٌ بالتقييد به كما قيّد به المصنّف رحمه الله وغيره.

ودعوى الأولويّة ممنوعة، لأنّ في جَزّ الشعر في المصيبة إشعاراً بعدم الرّضا بقضاء اللّه تعالى ، نعم لا فرق في المصاب بين القريب والبعيد للإطلاق.

وهل يفرّق بين جَزّ الكلّ أو البعض ؟ وجهان:

في «الرياض»(2): (ظاهر إطلاق الرواية العدم، واستقربه في «الدروس»،(1)قال: لصدق جَزّ الشَّعر، وشعرها عرفاً بالبعض، وهو أحوط، بل لعلّه أقرب، لكون جَزّ الكلّ نادراً، فيبعد أن يُحمل النّص عليه)، انتهى .

ولا يلحق بالجَزّ - وهو القص - النتف، لصريح الرواية، ولا القرض بالسِّن،8.

ص: 285


1- الدروس: ج 2/178.

وفي نتفه، أو خَدش وجهها، أو شَقّ الرّجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفّارة يمين.

لعدم اندراجه في موضوع اللّفظ، وعدم الفحوى والأولويّة.

وفي «المسالك»(1): (ويحتمل قويّاً إلحاق الحلق)، وعن «الدروس»(2) البناء عليه، ولم يستبعده سيّد «الرياض»(3).

ولكن الجمود على ظاهر اللّفظ، يمنُع من الإلحاق، وكذلك في الإحراق.

كفّارة نتف الشَّعر، وشَقّ الثوب، وخَدش الوجه

المسألة الثالثة: (وفي نتفه) أي نتف المرأة شعرها وهو قلعه - بخلاف الجَزّ وهو القص والقرض - (أو خَدش وجهها، أو شَقّ الرّجل ثوبه في موتِ ولده أو زوجته كفّارة يمين) بلا خلافٍ ، إلّاعن بعض متأخّري المتأخّرين، بل عن «الانتصار»(4)، و «السرائر»(5) دعوى إجماع أصحابنا عليه، ويشهد به خبر خالدبن سدير المتقدّم، الذي عرفت أنّ ضعف سنده منجبرٌ بعمل الأصحاب.

والكلام في تقييد ذلك بالمصاب، وفي الاجتزاء ببعض الشَّعر، ما تقدّم في الجَزّ، وقد قيّد الخَدش في الخبر بالمُدْمي، فإذا لم يُدمِ لا يثبت الكفّارة، ولعلّ إطلاق الأصحاب منزّلٌ على الغالب من ملازمة الخدش للإدماء.

ص: 286


1- مسالك الأفهام: ج 10/28.
2- الدروس: ج 2/178.
3- رياض المسائل: ج 11/246.
4- الإنتصار: ص 366.
5- السرائر: ج 3/78.

ولو تزوّج بامرأةٍ في عِدّتها، فارقها، وكفَّر بخمسة أصوع من دقيق.

نعم، لا يعتبر فيه سوى الإدماء كالبلوغ حَدّ الخارصة وغيره، فإنّ مقتضى إطلاقه الاكتفاء بقطع شيء من جلده ومزقه وخمشه.

وعليه، فما عن «التحرير»(1) من التصريح بعدم اعتبار الإدماء، معترفاً ظهور الخبر فيه، غير ظاهر الوجه.

أقول: ثمّ إنّه لا يعتبر خدش جميع الوجه للإطلاق، كما لا عبرة بخدش غيره وإدمائه، ولا بشقّ ثوبها على ولدها أو زوجها.

وهل يختصّ بشقّ الثوب الملبوس، أم يعمّ شَقّ المنزوع ؟

الأظهر هو الأوّل؛ لأنّه الذي يُشقّ في المصيبة.

نعم، لا فرق بين الاستيعاب وعدمه، ولا فرق بين الولد مع الواسطة أو بلا واسطة، كما لا فرق بين الذكر والاُنثى ، كما لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، كلّ ذلك للإطلاق.

كفّارة التزويج في العِدَّة

المسألة الرابعة: (ولو تزوّج بامرأةٍ في عِدّتها فارقها) كما تقدّم في كتاب النكاح، (وكفّر بخمسة أصوعٍ من دقيق)، كما صرّح به جماعة، إنّما الكلام والخلاف:

في أنّه واجبٌ كما عن ظاهر الشيخ في «النهاية»(2)، وصريح ابن حمزة(3)،

ص: 287


1- تحرير الأحكام: ج 4/369-370.
2- النهاية: ص 572.
3- الوسيلة: ص 354.

والمصنّف في «القواعد»(1) و «التحرير»(2)، وفخر المحقّقين(3) وغيرهم ؟

أم تكون هذه الكفّارة مستحبّة، كما في «المسالك»(4)، و «الجواهر»(5) وغيرهما؟

وفي «الرياض»(6): توقّف في «المسالك» تبعاً للشهيد في «اللّمعة»(7).

والمستند خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن امرأةٍ تزوّجها رجلٌ فوجد لها زوجاً؟

قال عليه السلام: عليه الجَلد، وعليها الرجم، لأنّه قد تقدّم بعلمٍ ، وتقدّمت هي بعلم، وكفّارته إنْ لم يُقدم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً»(8).

وروى الصدوق عن أبي بصير، عنه عليه السلام: «في رجلٍ يتزوج المرأة ولها زوج ؟

قال عليه السلام: إذا لم يرفع إلى الإمام، فعليه أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً» بعد أن يفارقها(9).

وتقريب الاستدلال بهما: أنّهما وإنْ وردا في ذات البعل، إلّاأنّ ذات العِدّة الرجعيّة بحكمها بل منها، ولا فرق في المعتدّة بين الرجعيّة والبائنة.

ولكن يرد على ذلك: أنّ ما تضمّنه الخبران لم يفتِ الأصحاب به، ولم يتعرّضوا0.

ص: 288


1- قواعد الأحكام: ج 3/297.
2- تحرير الأحكام: ج 4/370.
3- إيضاح الفوائد: ج 4/83.
4- مسالك الأفهام: ج 10/33.
5- جواهر الكلام: ج 33/189.
6- رياض المسائل: ج 11/242.
7- اللّمعة الدمشقيّة: ص 76.
8- الكافي: ج 7/193 ح 3، وسائل الشيعة: ج 28/127 ح 34387.
9- التهذيب: ج 7/481 ح 142، وسائل الشيعة: ج 22/404 ح 28900.

ولو نامَ عن العِشاء الآخرة حتّى خَرج الوقت، أصبح صائماً ويصلّيها.

له، وما أفتوا به ليس في الخبرين، فهما - مضافاً إلى ما قيل من ضعف السند فيهما - غير معمول بهما.

وبالجملة: إنْ كان مستند الأصحاب هذين الخبرين، لم يحسن الرجوع عمّا فيهما من المزوّجة إلى فرض المسألة في المعتدّة، المُلحق بعض مصاديقها بالمزوّجة، ثمّ إنّهما مشتملان لقيدٍ لم يجد الأساطين العامل به، وهذا موهنٌ آخر لهما.

وعليه، فالأظهر عدم الوجوب.

وإنْ كان البناء على الاستحباب في المزوّجة والمعتدّة الرجعيّة بواسطة الخبرين، لا بأس به، ثمّ يُبنى عليه في البائنة بعدم القول بالفصل.

وعن «الانتصار»(1): إنّه يكفّر بخمسة دراهم، مدّعياً عليه الإجماع.

وهو كما ترى، إذ لم يفتِ أحدٌ بذلك غيره، ولذلك حَمَله بعضهم على إرادة القول الأوّل، ولكن يجزي عن الصاع بدرهم قيمةً .

ثمّ إنّ الدقيق في ظاهر النّص والفتوى مطلق، ولكن ربما يخصّ بنوعٍ يجوزُ إخراجه كفّارة وهو دقيق الشعير والحنطة، ولا بأس به للانصراف.

كفّارة النوم عن العشاء الآخرة

المسألة الخامسة: (ولو نام عن العشاء الآخرة حتّى خرج الوقت، أصبح صائماً ويصلّيها) كما عن المرتضى(2)، مدّعياًعليه الإجماع، وكذا عن ابن زُهرة في «الغنية»(1)

ص: 289


1- غنية النزوع: ص 141.

وعن الشيخ في «النهاية»(1)، واختاره السيّد في «الرياض»(2).

ويشهد له: المرسل كالصحيح والمرويّ عن مولانا الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ نام عن العُتمَة فلم يقم إلى انتصاف اللّيل ؟

قال عليه السلام: يُصلّيهما ويصبح صائماً»(3).

والمناقشة فيه: بأنّه مرسلٌ ، ومع ذلك لا يدلّ على الوجوب إذ لا أمر كما في «المسالك»(4).

في غير محلّها: لأنّ إرساله لا يضرّ بالحُجيّة، بعد كون المُرسِل من أصحاب الإجماع، وهو عبداللّه بن المُغيرة، والجملة الخبريّة أظهر في الوجوب من الأمر.

كما أنّ المناقشة فيه: بعدم تعرّض الخبر لقضاء ذلك اليوم لو فرض تعذّر حصوله شرعاً بعذرٍ كحيضٍ أو سفرٍ أو مرضٍ أو غير ذلك، وعدم التعرّض لحكمه لو أفطره عامداً، كما في «الجواهر»(5) كما ترى .

وعليه، فالإنصاف أنّ الخبر سنداً ودلالةً لا إشكال فيه، إلّامن جهة إعراض المشهور عنه، إذ لم نظفر بمن أفتى بالوجوب غير من تقدّمت الإشارة إليهم.

ودعوى السيّدين(6) الإجماع، فالظاهر كونها من قبيل ادّعاء الإجماع على مقتضى الدليل، اللّهُمَّ إلّاأن يقال إنّ قدماء الأصحاب عبّروا في كتبهم بما هو عبارةق.

ص: 290


1- النهاية: ص 572.
2- رياض المسائل: ج 11/243.
3- التهذيب: ج 8/323 ح 16، وسائل الشيعة: ج 4/216 ح 4957.
4- مسالك الأفهام: ج 10/34.
5- جواهر الكلام: ج 33/191.
6- في الإنتصار والغنية المصدر السابق.

ولو عَجَز عن صوم يومٍ نذره، تصدّق بمُدين على مسكين.

النّص، الكاشف ذلك عن عدم إعراضهم عنه، إلّامن جهة أنّه متضمّنٌ للنوم إلى بعد انتصاف اللّيل، وهو إنّما يتمّ إذا بنينا على خروج وقت العشاء الآخرة بانتصاف اللّيل.

وعلى القول بأنّ وقتها إلى طلوع الفخر لا يتمّ ، اللّهُمَّ إلّاأن يقال إنّ هذا حكمٌ تعبّدي ليس من باب الكفّارة عن ذنب، ولذا ورد في النوم عنها الشامل لغير العمدي منه، فلا مانع من هذه الجهة.

وعليه، فلا إشكال في الخبر إلّامن جهة أنّ ظاهر كلمات جماعةٍ وصريح آخرين أنّ ذلك مستحبٌّ لا واجب، ولذلك نحن من المتوقّفين في المسألة.

وعلى كلّ حال، لا فرق بين النائم كذلك عمداً أو سهواً لإطلاق النّص والفتوى .

نعم، يختصّ الحكم بالنائم عن العشاء الآخرة، فلا يلحق به النائم عن غيرها، ولا السكران، ولا المتعمّد تركها، ولا الناسي لها من غير نوم.

ثمّ إنّه إن أفطر ذلك اليوم لعُذرٍ أو لغير عذر، فالأظهر عدم وجوب قضائه لعدم الدليل.

المسألة السادسة: (ولو عجز عن صوم يومٍ نذره، تصدّق بمُدين على مسكين) كما عن الشيخ في «النهاية»(1)، وتبعه جماعة منهم المصنّف رحمه الله، والمحقّق في «الشرائع»8.

ص: 291


1- النهاية: ص 168.

و «النافع»(1)، لخبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ يجعل عليه صياماً في نذر، فلا يقوى ؟

قال عليه السلام: يُعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مُدين»(2).

ولكن الخبر متروكٌ لضعف سنده، ودلالته على كون مُدين بإزاء أن يصوم عنه، لا كون إعطائهما بعنوان الصدقة.

وعليه، فما في الخبر لا عامل به، وما في الفتوى لا دليل عليه.

ومعارضته بما في آخر: «عن رجلٍ نَذَر صياماً، فثَقُل الصيام عليه ؟

قال عليه السلام: يتصدّق لكلّ يوم بمُدٍ من حنطة»(3).

لا يستند إليه في الفتوى.

نعم، لا بأس بالبناء على الاستحباب، وما بين الخبرين من الاختلاف، على الاختلاف في مراتب الاستحباب.

***3.

ص: 292


1- شرائع الإسلام: ج 3/631، المختصر النافع: ص 208.
2- الكافي: ج 7/457 ح 15، وسائل الشيعة: ج 23/312 ح 29632.
3- الفقيه: ج 3/372 ح 4308، وسائل الشيعة: ج 23/312 ح 29633.

مسائل:

الرابعة: إذا عجز عن الصِّيام في المرتَّبة، وجبَ الإطعام

الإطعام وأحكامه

المقصد الثاني: في بيان خصال الكفّارة وأحكامها.

أقول: وهي كثيرة، إلّاأنّ المهمّ الذي لابدّ من التعرّض لذكره في المقام، وذكره المصنّف رحمه الله في ضمن (مسائل)، هي الخصال الأربع المشهورة:

العتق، والإطعام، والكسوة، والصيام.

وحيث إنّ العتق لا موضوع له في هذا الزمان، فالإعراض عن بيان أحكامه أولى ، ولذلك نسقط المسائل الثلاث الأُول التي ذكرها المصنّف رحمه الله، ونبدأ بالمسائل التي تليها، وهي المسألة (الرابعة):

أقول: وتفصيل القول في المقام يقتضي البحث في مسائل:

المسألة الأُولى : في الصيام وقد مرّ الكلام فيها في مبحث الصوم(1)، وبيّنا هناك أحكامها فلا نعيد.

المسألة الثانية: في الإطعام وأحكامه:

لا خلاف ولا إشكال في أنّه (إذا عَجَز عن الصيام في المرتبة وجبَ الإطعام) للكتاب والسُّنة كما مرّ.

وأيضاً: يتعيّن في المخيّرة لو تعذّر غيره من الأفراد كما هو الشأن في جميع

ص: 293


1- فقه الصادق: المجلّد الثانى عشر.

الواجبات المخيّرة، فإنّه إذا تعذّر أحد الفردين فيها تعيّن الآخر.

إنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: هل الموجب للانتقال إلى الإطعام الذي هو في المرتبة المتأخّرة، خصوص العجز عن الصوم، أو ينتقل الفرض إليه مع جواز الإفطار لأحد الأسباب المجوّزة للإفطار في الواجب المعيّن كخوف الضرر؟ وجهان:

فعن «القواعد»(1)، و «كشف اللّثام»(2): اختيار الأوّل، قالا: فهذا الصوم بخلاف صوم شهر رمضان، فلا يجوز الإفطار من الصحيح لخوف المرض، لعموم الأمر بصومه، وتعليق التأخير إلى أيّام اُخر على المرض مع أنّه لا بدل له.

أقول: يرد عليهما: إنّ الآية الكريمة المسوّغة للإفطار مع خوف الضرر، مختصّة بصوم شهر رمضان، إلّاأنّ النصوص الدالّة على جواز الإفطار معه عامّة لغيره من أفراد الصيام الواجبة، ولكن يبقى الكلام في أنّه إذا جاز الإفطار لخوفِ الضرر، فمعنى جوازه جواز الصوم أيضاً، فإذا انتقل إلى الإطعام، لزم منه التخيير بين الصوم والإطعام، مع أنّ الإطعام مرتّب على الصوم.

والجواب عنه: إنّما يكون بأحد وجهين:

1 - إمّا بأن الترتيب إنّما هو بين وجوب الصوم تعييناً، ووجوب الإطعام، لا بين الاجتزاء بالصوم وبين وجوب الإطعام.

2 - وإمّا بأنّه لا يجتزي بالصوم في هذا الفرض، لانتقال الفرض إلى الإطعام.3.

ص: 294


1- قواعد الأحكام: ج 3/304.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/163.

أقول: ولعلّ الثاني أظهر، لأنّ الظاهر من الأدلّة تعيّن الإطعام في فرض وجوبه، فالاجتزاء بغيره يحتاج إلى دليل.

وفي المقام رواية تدلّ على انتقال الفرض من الصوم إلى الإطعام، بمجرّد وجود مسوّغ الإفطار، وهي صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (1)؟

قال عليه السلام: مِنْ مرضٍ أو عطاش»(2).

المورد الثاني: ظاهر الآية وما شابهها من النصوص، أنّ الموجب للانتقال من الصوم إلى الإطعام، هو عدم الاستطاعة من الصوم بقول مطلق، فلو لم يستطع منه في زمانٍ ، وعلم بأنّه يرتفع المانع بعد مدّة، لا يجوز له البدار إلى الإطعام، إذ المعلّق عليه ليس هو عدم الاستطاعة في زمان خاص، أو مكان مخصوص، بل عدم الاستطاعة في المدّة المضروبة لهذا الفعل، وهو تمام العمر، بناءً على عدم وجوب الفور كما مرّ، فمع العلم بالزوال لا ينتقل الفرض إلى الإطعام.

وأمّا مع الاحتمال، فيمكن البناء على جواز البدار جوازاً ظاهراً بالاستصحاب بقاء العذر، بناءً على ما هو الحقّ من جريان الاستصحاب في الاُمور الاستقباليّة، غاية الأمر أنّه إذا زال العذر، انكشف عدم الانتقال واقعاً، فيجبُ الصوم حينئذٍ، كما أنّه في صورة العلم بالبقاء أيضاً كذلك، كما لا يخفى .

أقول: ولكن يدلّ على الاكتفاء بالمانع عن الصوم فعلاً ولو رجى زواله:

1 - خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:9.

ص: 295


1- سورة المجادلة: الآية 4.
2- الكافي: ج 4/116 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/361 ح 28789.

«جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّي ظاهرتُ من امرأتي ؟

فقال صلى الله عليه و آله: اعتق رقبة.

فقال: ليس عندي، قال: اذهب فصُم شهرين متتابعين.

قال: لا أقوى، قال: اذهب فأطعم ستّين مسكيناً»(1).

فإنّه بواسطة ترك الاستفصال، يدلّ على المطلوب.

2 - والنصوص(2) الدالّة على أنّ العاجز عن العتق إذا صام ثمّ قَدَر عليه يُجزيه الصوم.

منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما صلى الله عليه و آله: في حديث الظهار:

قال: «فإن صام فأصاب مالاً فليمض الذي ابتدأ به»(3).

ومنها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ صام من الظهار ثمّ أيسر، وبقى عليه يومان أو ثلاثة من صومه ؟

فقال عليه السلام: إذا صام شهراً، ثمّ دخل في الثاني أجزأه الصوم، فليتمّ صومه ولا عتق عليه»(4).

ولا يعارضها ما دلّ (5) على أنّه يعتق ولا يعتدّ بالصوم، لتعيّن حمله على الاستحباب جمعاً، كما أفاده الشيخ رحمه الله(6).2.

ص: 296


1- التهذيب: ج 8/321 ح 7، مستدرك وسائل الشيعة: ج 15/409 ح 18656-1.
2- وسائل الشيعة: ج 22/365 باب: (إنّ من شرع في الصوم ثمّ قدر على العتق).
3- الكافي: ج 6/156 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/365 ح 28796.
4- وسائل الشيعة: ج 22/366 ح 28798، قرب الإسناد: ص 111.
5- التهذيب: ج 8/17 ح 29، وسائل الشيعة: ج 22/366 ح 28797.
6- التهذيب: ج 8/17 في ذيل ح 29، الإستبصار: ج 3/268 في ذيل ح 2.

أقول: والخبران وإنْ كانا في العاجز عن العتق، لكن بواسطة عدم القول بالفصل يتمّ المطلوب، ولكن حيث لا إطلاق لشيء منها، لأنّ الأوّل قضيّةٌ في واقعة، والأخيرين في مقام بيان الاجزاء بعدما شرع في الصوم على وجهٍ جائز، فلا تدلّ على الجواز حتّى ما لو علم بزوال العذر.

والمتيقّن منها صورة الشكّ والاحتمال، فلو علم بزوال المانع لا وجه للانتقال إلى الإطعام.

كيفيّة الإطعام ومقدار الطعام

المورد الثالث: ومتى انتقل الفرض إلى الإطعام، يتخيّر فيه بين إطعام المستحقّ وبين التسليم إليه.

أمّا الأوّل: فيشهد به - مضافاً إلى وضوحه - صحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «يُشبعهم مرّة واحدة»(1) ونحوه غيره(2).

والنصوص الدالّة على أنّه إن أطعم صغاراً وكباراً فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير الآتية.

ثمّ إنّه إنْ اختار الإطعام، فلا يتقدّر بقدرٍ، بل حَدّه أن يُشبع مرّةً كما صرّح به في صحيح أبي بصير، ومعه لا وجه لما قيل إنّه يُشبع طول يومه، لأنّ ما ذكر في وجهه اجتهادٌ في مقابل النّص.

ص: 297


1- وسائل الشيعة: ج 22/381 ح 28839.
2- التهذيب: ج 5/333 ح 61، وسائل الشيعة: ج 13/166 ح 17495.

لكلِّ مسكينٍ مُدٌّ من طعام.

وأمّا على تقدير اختيار التسليم، فهل (لكلّ مسكينٍ مُدٌّ من طعام)، كما هو المشهور، خصوصاً بين المتأخّرين كما في «المسالك»(1)؟

أم له مُدّان مع القدرة، ومُدٌّ مع العجز، كما عن «الخلاف»(2)، و «المبسوط»(3)، و «النهاية»(4)، و «التبيان»(5)، و «مجمع البيان»(6)، و «الوسيلة»، و «الإصباح»(7)، بل عن صريح الأوّل وظاهر الرابع والخامس الإجماع عليه ؟

أم يجبُ المُدّ وزيادةً عليه بقدر ما يكون لطحنه وخُبزه وإدامه ؟

وجوهٌ وأقوال، منشأها اختلاف النصوص:

فطائفة منها: تدلّ على المُدّ: كالنصوص(8) المستفيضة أو المتواترة الواردة في كفّارة اليمين، المتمّمة بعدم القول بالفصل، وما ورد في كفّارة القتل خطأ(9)، وكفّارة شهر رمضان من الخمسة عشر صاعاً(10)، وما في حديث الأنصاري(11) الذي دَفَع3.

ص: 298


1- مسالك الأفهام: ج 10/91.
2- الخلاف: ج 4/560.
3- المبسوط: ج 5/177.
4- النهاية: ص 569.
5- التبيان: ج 2/126.
6- تفسير مجمع البيان: ج 2/11.
7- الوسيلة: ص 353، وحكاه عن الإصباح في جواهر الكلام: ج 33/258.
8- وسائل الشيعة: ج 22/375 و 380 باب 12 و 14 من أبواب الكفّارات.
9- وسائل الشيعة: ج 22/374 باب 10 من أبواب الكفّارات.
10- وسائل الشيعة: ج 10/44 باب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
11- الفقيه: ج 2/115 ح 1885، وسائل الشيعة: ج 10/46 ح 12793.

له النبيّ صلى الله عليه و آله مكتل التمر الذي فيه خمسة عشر صاعاً، وغير ذلك.

وطائفة اُخرى منها: تدلّ على مُدّين:

منها: صحيح أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام: «في كفّارة الظهار؟

قال: تصدّق على ستّين مسكيناً، ثلاثين صاعاً، مُدّين مُدّين»(1).

ومنها: المرسل عن عليّ عليه السلام: «في الظهار يُطعم ستّين مسكيناً كلّ مسكين نصف صاع»(2).

وطائفة ثالثة: ظاهرة في القول الثالث:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في كفّارة اليمين مُدُّ وحفنة»(3).

ومنها: صحيح هشام بن الحكم، عنه عليه السلام: «في كفّارة اليمين مُدٌّ مُدٌّ من حنطة، وحفنة لتكون الحفنة في طحنه وحطبه»(4).

وجَمعَ الشيخ قدس سره(5) بين الأوليين بحمل الأُولى على العاجز، والثانية على القادر، لكنّه تبرّعيٌ لا شاهد به.

والحقّ أن يقال: إنّه إنْ لم يكن مخالفاً للإجماع، كان المتعيّن الاقتصار في الطائفة الثانية على موردها، وهو كفّارة الظهار.

وأمّا حديث الأنصاريّ : فإنّما هو في صورة العجز، ولكن الظاهر التسالم على عدم الفرق في ذلك بين كفّارة الظهار وكفّارة غيره، وعليه فيتعيّن حمل الثانية على8.

ص: 299


1- وسائل الشيعة: ج 22/382 ح 28840.
2- دعائم الإسلام: ج 2/280 ح 1056.
3- الفقيه: ج 3/365 ح 4292، وسائل الشيعة: ج 22/383 ح 28847.
4- الكافي: ج 7/453 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/381 ح 28838.
5- التهذيب: ج 4/238 في ذيل ح 5 وحكاه عنه في وسائل الشيعة: ج 22/384 ذيل ح 28848.

الاستحباب، جمعاً بين الطائفتين، وكذا الطائفة الثالثة تُحمل على الاستحباب:

1 - للتصريح في الطائفة الأُولى بالمُدّ.

2 - بل في خبر محمّد بن مسلم(1) أنّ التقدير بالمُدّ مع أنّ في الأهل من قوّته من دون المُدّ للطحن وغيره.

وبالجملة: فالأظهر هو الاجتزاء بالمُدّ، ويستحبّ الزيادة، وأقلّها الحفنة، وأعلاها المُدّ، وبذلك يُجمع بين جميع النصوص كما لا يخفى .

ثم إنّه قال في «المسالك»(2): (والمعتبر من المُدّ الوزن لا الكيل عندنا، لأنّ المُدّ الشرعي مركّبٌ من الرِّطل، والرِّطل مركّبٌ من الدرهم، والدرهم مركّبٌ من وزن الحبّات، ويُسمّى درهم الكيل، ويتركّب من المُدّ الصّاع، ومن الصّاع الوَسَق، فالوزنُ أصلُ الجميع، وإنّما عُدل إلى الكيل في بعض المواضع تخفيفاً، وتظهر الثمرة في اعتبار الشعر بالكيل والوزن، فإنّهما مختلفان جدّاً بالنسبة إلى مقدار البُرّ من الكيل)، انتهى .

وجوب استيفاء العدد مع التمكّن، وحكم ما لو تعذّر

المورد الرابع: لا خلاف بيننا في أنّه مع التمكّن لابدّ من استيفاء العدد، ولايكفي إعطاء ما دونه وإنْ راعى العدد في الدفع، بأن دفع إلى مسكين واحد في ستّين يوم، لأنّ المأمور به هو إطعام الستّين مسكيناً، وهو يشتمل على وصفٍ وهو المسكنة، وعددٍ وهو الستّون، فكما لايجوز الإخلال بالوصف، كذلك لايجوز الإخلال بالعدد.

ص: 300


1- وسائل الشيعة: ج 22/382 ح 28841، تفسير العيّاشي: ج 1/336 ح 167.
2- مسالك الأفهام: ج 10/92.

ولو تعذّر العَدد جاز التكرار.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - موثّق إسحاق بن عمّار، قال:

«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستّين مسكيناً، أيجمع ذلك لإنسانٍ واحد يعطاه ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن يعطى إنساناً إنساناً كما قال اللّه تعالى »(1).

ولا فرق بين كون العدد مجتمعين في بلدٍ أو بلدان كثيرة، مع التمكّن من الوصول إليهم، فيجب السعي على إطعام العدد، لتوقّف الواجب عليه.

(ولو تعذّر العَدد جاز التكرار) على المشهور بين الأصحاب، بل لم أقف على مخالفٍ صريح يعتدّ به، كما اعترف به غيرنا أيضاً.

بل في «كشف اللّثام»(2): (يظهر من «الخلاف»(3) الاتّفاق عليه) كما قاله صاحب «الجواهر»(4).

ويشهد به: قويّ السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «إنْ لم يجد في الكفّارة إلّاالرّجل والرجلين، فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً»(5).

والإيراد عليه: بأنّه ضعيف السند، واحتمال التقيّة لوروده موافقاً لمذهب أبي3.

ص: 301


1- التهذيب: ج 8/298 ح 95، وسائل الشيعة: ج 22/386 ح 28854.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 9/168.
3- الخلاف: ج 4/559.
4- جواهر الكلام: ج 33/261.
5- الكافي: ج 7/453 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/386 ح 28853.

حنيفة، مع كون الراوي من قضاة العامّة.

يندفع: بأنّ الأظهر قبول روايات السكوني، بل عن الشيخ الإجماع على ذلك، مع أنّه منجبرٌ بالعمل، واحتمال التقيّة لا يصلحُ رافعاً لحجيّة الخبر، فإنّ مخالفة العامّة من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحُجّة عن اللّاحجّة، مع أنّ مذهب أبي حنيفة الإطلاق لا في خصوص صورة التعذّر، وعليه فلا إشكال في الحكم.

ثمّ إنّ ظاهر الخبر رعاية التعدّد في الأيّام، فلابدّ من رعاية ذلك.

ولو تمكّن من المتعدّد ما دون العدد المعتبر كثلاثين:

فهل يجبُ رعاية العدد لكي لا يجوز التكرار على واحدٍ، بل لابدّ من استيفاء العدد الموجود؟

أم لا يجبُ ذلك، بل يجوز التكرار على الواحد؟

وجهان: لا إشكال في أنّ الآية والنصوص الدالّة على اعتبار العدد لا تشمل الفرض، وقاعدة الميسور قد حقّقنا في محلّه(1) عدم تماميّتها.

وعليه، فمقتضى القاعدة - لولا خبر السكوني - سقوط الكفّارة، ولكن الخبر دلّ على قيام عدد الأيّام مقام عدد الأشخاص، وحيث لا إطلاق له كي يشمل الاكتفاء بذلك حتّى مع تعدّد المساكين، فالأحوط رعاية العدد الموجود، لأنّ به يحصل الامتثال قطعاً، وبإعطاء الواحد يُشكّ فيه، فأصالة الاشتغال مقتضية لذلك، والمسألة غير محرّرة في كلماتهم.5.

ص: 302


1- زبدة الأصول: ج 5/125.

هذا كلّه في المتّحدة.

وأمّا المتعدّدة: فلا خلاف ولا إشكال في جواز الإعطاء لواحدٍ، وإنْ تمكّن من الغير، من غير فرقٍ بين الإشباع والتسليم، فيحتسب إشباع مسكينٍ في اليوم مرّتين بمسكينين.

وتَردُّد الشهيد الثاني رحمه الله(1) في الإشباع مرّتين في يومٍ واحد، في غير محلّه.

نعم، من يرى إنّه في صورة الإشباع يجبُ في كلّ كفّارةٍ الإشباع في طول اليوم، كما عن جماعةٍ ، المستلزم للإشباع مرّتين، لابدّ له من البناء على عدم احتسابهما بمسكينين، ولعلّ ترديد الشهيد رحمه الله منشأه التردّد في ذلك، وقد مرّ ضعف المبنى .

جنس كفّارة الإطعام

المورد الخامس: في جنس كفّارة الإطعام:

أقول: اختلفت كلمات الفقهاء فيه:

فعن الشيخ في «الخلاف»(2) مدّعياً عليه الوفاق، والشهيد في «الدروس»(3)والشهيد الثاني في «المسالك»(4) وغيرهم: أنّ الواجب ما يُسمّى طعاماً، ونفى عنه البأس في «الرياض»(5).

ص: 303


1- مسالك الأفهام: ج 10/97.
2- الخلاف: ج 4/563.
3- الدروس: ج 2/186.
4- مسالك الأفهام: ج 10/94-95.
5- رياض المسائل: ج 11/271.

ويُطْعَم غالب قُوته.

(و) عن جماعةٍ منهم المصنّف(1)، والمحقّق(2)، وقبلهما الشيخ في «المبسوط»(3):

وجوب أنْ (يُطعم غالب قوته) أي غالب قوت البلد.

وقد أرجع صاحب «الجواهر»(4) هذا القول إلى القول الأوّل، وهو غير صحيح، بل لعلّ مرجع هذا القول إلى القول الثالث، وهو ما عن المصنّف في «المختلف»(5): من إيجاب الحنطة والشعير والدقيق والخبز، فإنّ ذلك قوت غالب البلد.

وجزم الشهيدان(6) بإجزاء التمر والزّبيب.

وعن المفيد(7)، والحِلّي(8): أنّه في خصوص كفّارة اليمين يجبُ الإطعام من أوسط ما يطعم به الأهل.

أقول: أمّا في غير كفّارة اليمين، فلا ينبغي التوقّف في إجزاء إطعام كلّ ما يُسمّى طعاماً، بلا خصوصيّةٍ لطعام خاصّ لإطلاق الأدلّة.

وأمّا في كفّارة اليمين: فظاهر الآية الكريمة ما أفاده المفيد والحِلّي، ولكن فُسِّرت الآية في النصوص:0.

ص: 304


1- الإرشاد: ج 2/100، التبصرة: ص 207، التحرير: ج 4/29، القواعد: ج 3/305.
2- شرائع الإسلام: ج 3/639.
3- المبسوط: ج 5/177.
4- جواهر الكلام: ج 33/262.
5- مختلف الشيعة: ج 8/239.
6- الدروس: ج 2/186، مسالك الأفهام: ج 10/94.
7- المقنعة: ص 568.
8- السرائر: ج 3/70.

تارةً : بأنّ المراد التوسّط في المقدار، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في قول اللّه عزّ وجلّ : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) (1)؟

قال عليه السلام: هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المُدّ، ومنهم من يأكل أكثر من المُدّ، ومنهم من يأكل أقلّ من المُدّ، فبين ذلك، وإنْ شئت جعلت لهم أُدماً والأُدم أدناه ملحٌ وأوسطه الخَلّ والزيت، وأرفعه اللّحم»(2).

ونحوه غيره.

وأُخرى : بأنّ المراد التوسط في الجنس، كصحيح أبي بصير، قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام: عن: (أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) ؟

قال: ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك.

قلت: وما أوسط ذلك ؟

فقال: الخَلّ والزيت والّتمر والخُبز يُشبعهم مرّة واحدة»(3).

ونحوه غيره.

وفي «الجواهر»(4): (لا يبعد إرادتهما معاً من الأوسط).

ولكن الطائفة الأُولى صريحة في عدم لزوم رعاية الوسط في الجنس، لقوله عليه السلام:

«وإنْ شئتَ جعلت لهم أُدماً» فلا يستفاد من الآية والنصوص الواردة في تفسيرها اعتبار شيء زائداً على ما يُسمّى طعاماً.4.

ص: 305


1- سورة المائدة: الآية 89.
2- الكافي: ج 7/453 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/381 ح 28837.
3- الكافي: ج 7/454 ح 14، وسائل الشيعة: ج 22/381 ح 28839.
4- جواهر الكلام: ج 33/264.

وقد يقال: إنّ المعتبر خصوص الحنطة والشعير والدقيق والخبز، للنصوص الحاصرة في ذلك:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لكلّ مسكين مُدّ من حنطةٍ أو مُدّ من دقيق وحفنة»(1).

ومنها: خبر الثمالي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عمّن قال واللّه، ثُمّ لم يفِ به ؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام: كفّارته إطعام عشرة مساكين مُدّاً مُدّاً دقيق أو حنطة»(2).

ونحوهما غيرهما.

بل قيل: إنّ ظاهر الآية أيضاً ذلك، فإنّه اُضيف (الأوسط) فيها إلى (أهليكم) الشامل لأهل المكفّر وغيره، فيراد من أوسط ما تطعمه النّاس وهو ماذكر.

وفيه: أمّا ما ذكر في الآية فيرد عليه - مضافاً إلى ما تقدّم من تفسير الأوسط بالأوسط في المقدار - أنّ ظاهر تعليق الجمع على الجمع إرادة التوزيع، ألا ترى أنّه تعالى قال: (وَ اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فإنّ ظاهر ذلك أنّه يجبُ على كلّ فردٍ مسح رأسه نفسه، لا مسح رأس الجميع، وكذلك في المقام فإنّ ظاهر الآية أنّه يجبُ أن يكفّر كلّ فرد بأوسط ما يُطعم به أهله.

وأمّا النصوص: فهي لا مفهوم لها، كي تدلّ على عدم إجزاء غير الحنطة والدقيق، ولذا ليس في النصوص ذكرٌ للشعير مع أنّه يُجتزي به، سيّما وأنّها في مقام بيان حكمٍ آخر وهو بيان المقدار.1.

ص: 306


1- الكافي: ج 7/451 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/375 ح 28818.
2- الكافي: ج 7/453 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/376 ح 28821.

ويُستحبّ الأدام،

أضف إلى ذلك التصريح في بعض النصوص بإجزاء الخبز واللّحم والزيت والتمر، كصحيح أبي بصير المتقدّم وخبر زرارة(1) وغيرهما.

ودعوى: أنّ تلك النصوص في الإشباع دون التسليم.

يدفعها: - مضافاً إلى عدم الفرق بينهما في ذلك في كلمات الأصحاب سوى صاحب «الجواهر» رحمه الله - أنّ خبر زرارة مطلق.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو الاكتفاء بكلّ ما يكون طعاماً، والأحوط اختيار الحنطة أو الشعير أو الدقيق أو الخبز.

(ويُستحبُّ ) أنْ يَضمّ إليه (الإدام) ولا يكون واجباً كما هو المشهور بين الأصحاب، ويشهد به صحيح الحلبي المتقدّم.

وعن المفيد(2) وسلّار(3) وجوبه، لصحيح أبي بصير المتقدّم، المحمول على الاستحباب بقرينة صحيح الحلبي، مع أنّه فُسّر (الأوسط) المذكور في الآية الشريفة بالخَلّ والزيت والتمر والخبز، وظاهره الاكتفاء بكلّ واحدٍ من المذكورات، فلا يدلّ على وجوب الإدام زائداً عن الخبز.

أقول: والمرادُ بالإدام ما جرت العادة بأكله مع الخبز، مايعاً كان كالزيت والدّبس وماء اللّحم، أو جامداً كالجُبُنّ واللّحم، وهو بحسب الجنس يختلف نفاسته9.

ص: 307


1- وسائل الشيعة: ج 22/382 ح 28843، تفسير العيّاشي: ج 1/338 ح 173.
2- المقنعة: ص 568.
3- المراسم العلويّة: ص 189.

وأعلاه اللَّحم، وأوسطه الخَلّ ، وأدناه المِلح.

ولا يجوزُ إطعام الصغار إلّامنضمّين إلى الرجال، فإنْ انفردوا احتُسِب الإثنان بواحد.

ورداءته (وأعلاه اللّحم، وأوسطه الخَلّ ) والزيت، (وأدناه المِلْح)، كما صرّح بذلك في صحيح الحلبي المتقدّم.

عدم إجزاء إطعام الصغار منفردين

المورد السادس: في إطعام الصغار:

قال المصنّف رحمه الله: (ولا يجوزُ إطعام الصغار إلّامنضمّين إلى الرِّجال، فإنْ انفردوا احتسب الاثنان بواحد).

ونخبة القول في المقام: إنّ الإطعام قد يكون بالتسليم، وقد يكون بالإشباع.

أمّا الأوّل: فلا إشكال في جواز التسليم إليهم في الجملة، وأنّه لا فرق بين الكبير والصغير في اعتبار المُدّ، إنّما الكلام في أنّه:

هل يجوز التسليم إليهم، ولو لم يأذن الولي ليبرأ الذمّة بذلك ؟

أم يعتبر إذن الوليّ؟

أم لا يجوز حتّى مع إذن الوليّ؟

قد استدلّ للأخير: بأنّ الصَّبي محجورٌ، فكما لا عبرة بعباراته لا عبرة بقبضه، فتعيين الكفّارة في المُدّ الشخصي الذي اُعطي للصبي لا يوجبُ التعيّن، فتبقى الكفّارة

ص: 308

في الذمّة.

وفيه أوّلاً: ما حُقّق في محلّه من صحّة تصرّفات الصَّبي مع إذن الوليّ ، فيصحّ قبضه بإذنه.

وثانياً: يدلّ على جواز التسليم إلى الصغير، صحيح يونس بن عبدالرحمن، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ عليه كفّارة إطعام عشرة مساكين، أيعطي الصغار والكبار سواء، والنساء والرّجال، أو يفضّل الكبار على الصّغار، والرّجال على النساء؟

فقال عليه السلام: كلّهم سواء»(1).

ولكنّه من جهة عدم وروده لبيان هذا الحكم، لا إطلاق له كي يعمّ صورة عدم الإذن.

فالمتّجه حينئذٍ اعتبار إذن الأولياء في ذلك، من غير فرقٍ بين أن يأذن الولي المُعطي في إقباضه، أو يأذن الصغير في قبضه، وبذلك يستند القبض إلى الولي.

ودعوى: أنّ النصوص والآية مطلقة شاملة للصغير والكبير، ومقتضي إطلاقها عدم اعتبار الإذن، لا تنفع بعد دلالة الدليل على عدم جواز تصرفات الصَّبي مستقلّاً، ومنها القبض، وإنْ كان المقبوض مِلْكاً لشخصه فضلاً عمّا إذا كان للعنوان الكلّي الذي هو أحد مصاديقه.

وأمّا الثاني: وهو الإشباع، فلا يعتبر إذن الولي، لأنّ المأمور به ما هو فعل المكفّر، وليس لفعل الصَّبي دخلٌ فيه، ومقتضى إطلاق الأدلّة كفاية إشباع الصغير والاجتزاء به.7.

ص: 309


1- الإستبصار: ج 4/53 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/387 ح 28857.

وعليه، فما عن المفيد(1) من عدم الاجتزاء به ضعيفٌ ولكن المشهور بين الأصحاب أنّه إن أطعم الصغار مع الكبار، يحتسب الصغار من العدد، وإن انفردوا بالأكل احتسب الاثنان منهم بواحد.

وعن ابن حمزة(2): احتساب الاثنين بواحد مطلقاً، ومال إليه السيّد فى «الرياض»(3).

وحُكي عن الإسكافي(4)، والصَّدوق(5) في خصوص كفّارة اليمين، وأمّا في غيرها فيجتزي بهم مطلقاً.

والمستند في مقابل إطلاق الأدلّة الدالّة على الاجتزاء بهم واحتسابهم من العدد مطلقاً، هو موثّق غياث بن إبراهيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«لا يُجزي إطعام الصغير في كفّارة اليمين، ولكن صغيرين بكبير»(6).

وهذا كما ترى مختصٌّ بكفّارة اليمين، وأعمٌّ من إطعام الصغار منفردين أو مختلطين مع الكبار.

واستدلّ للتعميم: من الجهة الأُولى:

1 - باستبعاد الفرق مع اتّحاد الأمر في الجميع بإطعام المسكين المؤيّد بالشهرة العظيمة على عدم الفرق.

2 - وبظهور الخبر في إرادة بيان كيفيّة الإطعام في جميع الكفّارات وإن ذكر5.

ص: 310


1- المقنعة: ص 556.
2- الوسيلة: ص 353.
3- رياض المسائل: ج 11/273.
4- حكاه عنه في المختلف: ج 8/235.
5- المقنع: ص 408.
6- الكافي: ج 7/454 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/387 ح 28855.

وقلّته، بحيث يُقارب أكل المتوسّط من الكبار، ولعلّ بلوغ عشر سنين يقارب ذلك غالباً كما في «المسالك»(1)؟

وجهان: أظهرهما الأوّل، لأنّ الظاهر من الصغير في لسان الشارع هو الصغير الشرعي، وهو غير البالغ، كما يظهر من ملاحظة الأحكام المرتّبة في النصوص على عنوان الصغير في باب النكاح والطلاق والحَجْر وغيرها.

ولا يجوز نقصان المستحقّ عن المُدّ على تقدير التسليم، وإنْ كَثُر المستحقّون، وضاق العدد، فلو دفع الستّين إلى مائة وعشرين، أجزأ عنه نصف المخرج، ووجب أن يكمل الستّين منهم مُدّاً كلّ واحدٍ نصف مُدّ، لظهور النصوص في اعتبار أن يعطي كلّ مسكين مُدّاً.

وبعبارة اُخرى : كما لا يجوزُ إعطاء مُدّين لمسكينٍ واحد، كذلك لا يجوز إعطاء مُدٍّ لمسكينين لاعتبار العدد، كما أنّ الظاهر عدم الاجتزاء بالقيمة لظاهر النصوص.

***8.

ص: 311


1- مسالك الأفهام: ج 10/98.

و «التحرير»(1)، و «الإرشاد»(2)، والمحقّق(3): إجزاء الثوب الواحد مع الاختيار.

وعن ابن الجُنيد(4): أنّ العبرة بما يَستر به في الصلاة، فيعتبر للمرأة درعٌ وخِمار، ويجزي للرجل ثوبٌ يجزيه للصلاة.

وعن المفيد(5)، وسلّار(6)، والشيخ في «الخلاف»(7)، والصدوق(8)، وابن حمزة(9)، والكيدري: اعتبار ثوبين مطلقاً.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، وهي على طوائف:

منها: ما أُطلق فيه اعتبار ثوبين، كصحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام: «في كفّارة اليمين: يُطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين مُدين من حنطة ومُدّ من دقيق وحفنة، أو كسوتهم لكلّ إنسان ثوبان... الحديث»(10).

ومثله أخبار عليّبن أبي حمزة(11)، وأبي جميلة(12)، والقمّاط(13)، وزرارة(14)3.

ص: 312


1- تحرير الأحكام: ج 4/386.
2- إرشاد الأذهان: ج 2/100.
3- شرائع الإسلام: ج 3/639.
4- حكاه عنه في المختلف: ج 8/226.
5- المقنعة: ص 568.
6- المراسم العلويّة: ص 189.
7- الخلاف: ج 6/140.
8- الفقيه: ج 3/368.
9- الوسيلة: ص 354.
10- وسائل الشيعة: ج 22/383 ح 28844، تفسير العيّاشي: ج 1/338 ح 174.
11- وسائل الشيعة: ج 22/375 ح 28819.
12- وسائل الشيعة: ج 22/380 ح 28836.
13- وسائل الشيعة: ج 22/378 ح 28830.
14- وسائل الشيعة: ج 22/382 ح 28843.

وابن سنان(1) وغيرها.

ومثل هذه الطائفة: ما دلّ على أنّها ثوبان لكلّ رجلٍ ، كخبر ابن سنان(2)، وخبر سماعة(3).

ومنها: ما دلّ على أنّها ثوب واحدٌ مطلقاً:

1 - صحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قلت كسوتهم ؟ قال:

ثوب واحدٌ»(4).

2 - وصحيح محمّد بن قيس، قال: «قال أبو جعفر عليه السلام في حديث كفّارة اليمين إلى أن قال:

قلنا: فمن وجد الكسوة ؟ قال عليه السلام: ثوب يُواري عورته»(5).

3 - وخبر معمّر بن عمر، عمّن وجب عليه الكسوة في كفّارة اليمين، قال عليه السلام:

«هو ثوبٌ يواري عورته»(6).

4 - والنبويّ : «ويجزي في الظهار صبي ممّن ولد في الإسلام، وفي كفّارة اليمين ثوبٌ يواري عورته»(7).

5 - وخبر أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الكسوة ؟ قال: ثوبٌ »(8).9.

ص: 313


1- وسائل الشيعة: ج 22/382 ح 28842.
2- وسائل الشيعة: ج 22/378 ح 28828.
3- وسائل الشيعة: ج 22/377 ح 28826.
4- وسائل الشيعة: ج 22/381 ح 28839.
5- التهذيب: ج 8/295 ح 85، وسائل الشيعة: ج 22/384 ح 28849.
6- وسائل الشيعة: ج 22/384 ح 28850.
7- التهذيب: ج 8/320 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/369 ح 28808.
8- التهذيب: ج 8/296 ح 87، وسائل الشيعة: ج 22/381 ح 28839.

أقول: وفي المقام نصوص اُخر، سنشير إليها.

وقد قيل في الجمع بين الطائفتين وجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الشيخ رحمه الله(1) من حمل الطائفة الاُولى على القادر، وحمل الثانية على من لا يقدر إلّاعلى الواحد.

وفيه: إنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد به.

الوجه الثاني: ما في «المسالك»(2)، قال: (ويمكن ترجيح الثوبين مطلقاً، بأنّ خبرهما الصحيح أصحّ من خبر أبي بصير، لاشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره، وصحّته إضافيّة كما بيّناه مراراً، بخلاف صحيح الحلبي، وباقي الأخبار شواهد لأنّها ضعيفة الإسناد أو مرسلة، فإنّ محمّد بن قيس الذي يروي عن الباقر مشتركٌ بين الثقة وغيره، وخبر حسين بن سعيد مراده النبويّ مرسلٌ ، ومعمّر بن عثمان مجهول)، انتهى .

وفيه أوّلاً: إنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو بعد عدم إمكان الجمع العرفي، وستعرف إمكانه.

وثانياً: إنّ الرجوع إلى صفات الراوي إنّما هو في المرتبة المتأخّرة عن الشهرة الموافقة للطائفة الثانية.

وثالثاً: إنّ أصحيّة صحيح الحلبي غير ظاهرة، فإنّ أبا بصير وإنْ كان مشتركاً بين الثقة وغيره، ولكن بقرينة الرواة عنه يكون الراوي لهذا الخبر هو الثقة، وخبر حسين بن سعيد لوجود المُجمع على تصحيح رواياته في طريقه وهو البزنطي4.

ص: 314


1- التهذيب: ج 8/296 في ذيل ح 87، الإستبصار: ج 4/52 في ذيل ح 5.
2- مسالك الأفهام: ج 10/104.

لا يضرّ إرساله، وكذا خبر معمّر، ومحمّد بن قيس راوي الخبر المتقدّم هو البَجَليّ الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه.

فتحصّل: أنّ أخبار الثوب أسانيدها في غاية الاعتماد، ومع ذلك معتضدة بالشهرة المتأخّرة وغيرها، فعلى فرض عدم إمكان الجمع العرفي بينهما تقدّم هذه.

الوجه الثالث: ما في «الرياض»(1) قال: (والأجود حمل الأولة على الفضيلة، أو ما إذا لم يحصل بالواحد سَتر العورة، ولذا قيّد بالستر في أكثر ما مرّ من المعتبرة، بخلاف الأخبار الأولة وهذا أولى ).

أقول: ولكن الجمع بحمل الأُولى على الفضيلة هو المتعيّن لكونه جمعاً عرفيّاً، ويشهد به - مضافاً إلى ذلك - ما في النبويّ الذي عرفت اعتباره بعد الحكم بإجزاء ثوب يواري عورته، وقال: «ثوبان».

وأمّا اعتبار الساتريّة في الثوب الواحد، فهو قيدٌ زائد دلّ على اعتباره نصوص الباب.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ ذلك إنّما هو في الثوب الواحد، وليس في نصوص الثوبين ما يدلّ على اعتبارها، وعليه فالمعتبر:

إمّا ما يصدق عليه الكسوة والثوب بشرط كونه ساتراً للعورة.

أو ثوبان وإن لم يكونا ساترين.

الوجه الرابع: ما في «الجواهر»(2) قال: (نعم، لو قيل بالجمع بين النصوص باختلاف الفقراء مكاناً وزماناً، فمنهم من يجزيه الثوب، ومنهم الثوبان كان وجهاً4.

ص: 315


1- رياض المسائل: ج 11/276.
2- جواهر الكلام: ج 33/274.

لشهادة خبر محمّد بن مسلم).

وأمّا كسوتهم: فإن وافقت بها الشتاء، فكسوتهم لكلّ مسكينٍ إزار ورداء، وللمرأة ما يوارى ما يحرم منها إزارٌ وخِمار ودرع(1)، مضافاً إلى معلوميّة اختلاف الكسوة بالنسبة إلى الفقراء كاختلاف الأكل، ضرورة ظهور الإضافة في إرادة كسوتهم اللّائقة بحالهم، باعتبار الحقارة وغيرها، لا مطلق مُسمّى كِسوةً .

أقول: ولكن الجمع المذكور لا شاهد له، إذ اجزاء ثوبٍ واحدٍ لبعض الفقراء دون آخر لا يشهد بالتفصيل والفرق، كما أنّ اختلافهم في جنس الكسوة اللّائقة بحالهم لا يوجبُ الفرق من تلك الجهة، ولذا في الطعام لم يفرّق بين أفراد الفقراء، مع أنّهم فيه مختلفون، وشهادة خبر محمّد بن مسلم لم تظهر لي.

وبالجملة: فهذا الجمع غيرُ تامّ فالصحيح ما تقدّم.

وأمّا خبر ابن مسلم: فلعدم العمل به يُطرح.

وأمّا ما عن ابن الجُنيد: فلم نظفر بمدركه.

أقول: إذا تقرّر ذلك، فتمام البحث يتوقّف على بيان أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ المعتبر في الكسوة صدق تلك وصدق الثوب:

أمّا صدق الكسوة: فللأمر بها في الآية الكريمة.

وأمّا صدق الثوب: فللنصوص المتقدّمة، ولعلّ الثاني أخصّ .

وعليه، فلا يجزي الخُفّ ، والقلنسوة، والعِمامة، والنعل، والمنطقة، وما شاكل، ويجزي القميص والجُبّة والقباء.7.

ص: 316


1- وسائل الشيعة: ج 22/382 ح 28841، تفسير العيّاشي: ج 1/336 ح 167.

وفي الرِّداء والإزار والسَّراويل إشكالٌ ، وإنْ جَزَم بإجزائها الشهيدان(1).

وعن الشيخ في «المبسوط»(2): عدم إجزاء السَّراويل، لعدم صدق الكسوة عليها عرفاً.

الأمر الثاني: إنّه لا فرق في جنس الثوب بين القطن والصوف والكتّان والحرير الممزوج والخالص والشعر وغيرها.

وهل يعتبر فيه أن يكون ممّا يجوزُ الصلاة فيه كما عن أبي عليّ (3)، أم لا؟

وجهان: الظاهر عدم اعتبار ذلك.

نعم، لو قيل باعتبار أن يكون ممّا يجوزُ لبسه، لم يكن بعيداً، لأنّ المأمور به هو ما يكسو به المسكين عورته، فإذا كان ممنوعاً من ذلك لم يجز، فلا يجوزُ إعطاء الحرير الخالص للرّجل، كما صرّح به المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»(4).

وما في «الجواهر»(5) من الإيراد عليه: بأنّ الظاهر الاجتزاء بتمليك الثوب أو الثوبين، فيتحقّق الامتثال حينئذٍ بدفعه للرّجل، وإنْ حرم عليهم لبسه، لكنّه صالحٌ للابدال، وجائزٌ لبسه للضرورة والحرب وللبيع وغير ذلك.

غير وارد: لأنّ الظاهر من الآية والنصوص هو إعطاء ما يجوز للمسكين لبسه في حال الاختيار لا قيمته.

الأمر الثالث: يجزي كسوة الصغار وإنْ كانوا رُضَّعاً، وإن انفردوا عن الرجال،6.

ص: 317


1- الدروس: ج 2/188، مسالك الأفهام: ج 10/104.
2- المبسوط: ج 6/212.
3- حكاه عنه في المختلف: ج 8/226.
4- قواعد الأحكام: ج 3/305.
5- جواهر الكلام: ج 33/276.

ومع المكنة من كسوة الكبار، لإطلاق الأدلّة.

الأمر الرابع: ولو تعذّرت العَشَرة انتظر، وما دلّ على التكرار على الممكن في الأيّام مختصٌّ بالإطعام، والقياس باطلٌ عندنا.

الأمر الخامس: قد مرّ في الإطعام أنّه إنْ كان بالإشباع لا يعتبر إذن الولي في إطعام الصغير، وإنْ كان بالتسليم يعتبر ذلك.

والفرق بينهما: أنّه في التسليم يملك المكفّر الكفّارة، والصغير لا أهليّة له للقبول إلّامع الإذن، وفي الإشباع لا يعتبر التمليك، فلا مانع منه بدون الإذن.

وأمّا في الكسوة فحيثُ إنّها تكون بالتمليك دائماً، فيعتبر فيها إذن الوليّ لما مرّ في التسليم في الإطعام.

وما في «الشرائع»(1)، و «الجواهر»(2) وغيرهما من عدم قابليّة الصغير للقبول حتّى مع إذن الوليّ ، قد مرّ جوابه.

***6.

ص: 318


1- شرائع الإسلام: ج 3/640.
2- جواهر الكلام: ج 33/286.

حكم العاجز عن الصيام

المسألة الرابعة: كلّ من وَجَب عليه صوم شهرين متتابعين فعَجَز، صام ثمانية عشر يوماً، فإنْ لم يقدر تصدّق عن كلّ يومٍ بمُدٍّ من طعام كما عن الشيخ(1) وجماعة، بل في «المسالك»(2) نسبة ذلك كلّه إلى المشهور.

يشهد بالحكم الأوّل: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين، فلم يقدر على الصدقة ؟

قال عليه السلام: فليصم ثمانية عشر يوماً، عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(3).

المنجبر ضعفه بالعمل، والمؤيّد بموثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق، ولا ما يتصدّق، ولا يقوى على الصيام ؟

قال عليه السلام: يصوم ثمانية عشر يوماً»(4).

وهما كما ترى مختصّان بالعاجز عن الخصال الثلاث، بل ظاهر التعليل في الخبر الأوّل كون ذلك بدلاً عن الإطعام لا عن الصوم.

وعليه، فالأولى التعبير بأنّ من وَجَب عليه صوم الشهرين فعجز عنهما وعن الإطعام، يصوم ثمانية عشر يوماً.

ص: 319


1- النهاية: ص 572.
2- مسالك الأفهام: ج 10/119.
3- التهذيب: ج 4/312 ح 12، وسائل الشيعة: ج 10/381 ح 13644.
4- التهذيب: ج 8/23 ح 49، وسائل الشيعة: ج 22/372 ح 28813.

أقول: وبإزاء الخبرين:

1 - صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عُذر؟

قال عليه السلام: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»(1).

2 - وصحيحه الآخر، أو حسنه، عنه عليه السلام: «في رجلٍ وقع على أهله في شهر رمضان، فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكيناً؟

قال عليه السلام: يتصدّق بقدر ما يطيق»(2).

وعن ظاهر الكليني والتهذيبين العمل بهما.

وفي «الرياض»(3): لا يخلو من قوّةٍ ، لصحّة السند، ولموافقة قاعدة الميسور.

وعن المصنّف في «المختلف»(4)، والشهيد في «الدروس»(5): الجمع بين الطائفتين بالتخيير بينهما.

والحقّ أن يقال: إنّ هذين الخبرين لا يعارضان الموثّق، لكونه في الظهار وهما في كفّارة شهر رمضان، ونسبتهما مع الخبر الأوّل عمومٌ مطلق، فيقيّد إطلاقه بهما.

وعليه، فالجمع بين الأخبار يقتضي البناء على أنّ العاجز عن الخصال الثلاث7.

ص: 320


1- الكافي: ج 4/101 ح 1، وسائل الشيعة: ج 10/44 ح 12789.
2- التهذيب: ج 8/324 ح 21، وسائل الشيعة: ج 10/46 ح 12791.
3- رياض المسائل: ج 11/279.
4- مختلف الشيعة: ج 3/439.
5- الدروس: ج 1/277.

في المرتّبة والمخيّرة في غير كفّارة شهر رمضان، يصوم ثمانية عشر يوماً، وفيها يتصدّق بما يطيق.

وهل يعتبر التتابع في هذا الصوم، أم لا؟ وجهان:

من أصالة البراءة عن وجوب التتابع.

ومن أنّ المتبادر من الأمر بكلّ صومٍ شُرّع للكفّارة التتابع، وكون التتابع واجباً في الأصل فكذا في البدل.

ولكن الملازمة ممنوعة، وكذا التبادر، فالمتّجه عدم اعتباره، وقد مرّ الكلام في ذلك في كتاب الصوم(1).

***7.

ص: 321


1- فقه الصادق: ج 12/417.

دفع الكفّارة إلى من تجبُ نفقته على الدافع

المسألة الخامسة: لا خلافَ بين الأصحاب في أنّه لا تُصرف الكفّارة إلى من تجبُ نفقته على الدافع كالأب والاُمّ والأولاد والزوجة الدائمة، وعلّله في «الشرائع»(1) بأنّهم أغنياء بالدافع.

وأوضحه في «المسالك»: (بأنّه لما كانت المسكنة المتحقّقة هنا بعدم القدرة على مؤونة السنة شرطاً في المستحقّ ، وكانت نفقة العمودين والزوجة واجبة على الأب والزوج، كان المُنفِق عليه غنيّاً بذلك، فلا يجوز أن يُعطى من الكفّارة لفقد الشرط وهو الاستحقاق)(2).

وفيه أوّلاً: إنّ ذلك لو تمّ فإنّما هو في الزوجة خاصّة، وأمّا في العمودين والأولاد فكما أنّ شرط إعطاء الكفّارة الفقر، كذلك شرط وجوب النفقة الفقر والعجز عن التكسّب كما مرّ، بل قد عرفت هناك أنّ جماعة احتملوا اشتراط عدم تمكّنهم من أخذ الزكاة والكفّارة ونحوهما من الحقوق.

وعليه، فله أن يدفع الكفّارة إليهم، ويخرجون بذلك عن الفقر، فلاتجبُ نفقتهم.

وثانياً: إنّه لا يتمُّ في الزوجة أيضاً، فإنّه وإنْ وجبَ عليه الإنفاق عليها مطلقاً، لكن إذا لم يبذل، وإنْ عصى بذلك تكون هي فقيرة وتستحقّ الكفّارة، بل لو أبرأتها من النفقة، له أن يعطيها الكفّارة كما لا يخفى .

ص: 322


1- شرائع الإسلام: ج 3/640.
2- مسالك الأفهام: ج 10/115.

وبالجملة: فالأولى أن يستدلّ له بما دلّ على عدم جواز إعطاء الزكاة لواجبي النفقة، معلّلاً بأنّهم عياله لازمون له(1)، فإنّه بعموم العلّة، يدلّ على عدم إعطاء الكفّارة إيّاهم، وقد مرّ الكلام في ذلك مفصّلاً في كتاب الزكاة(2).

أقول: ويمكن أن يستدلّ بظاهر الآية المتقدّمة الآمرة بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم به الأهل، فإنّها ظاهرة في مغايرة من يدفع إليه الكفّارة مع عيال الرجال.

وبما ذكرناه يظهر جواز دفع الغير الزكاة إلى من يجبُ نفقته على غير الدافع، إلّا في زوجة الموسر الباذل، وقد مرّ الكلام في ذلك وفي فروع المسألة في كتاب الزكاة(3)فلا نعيد، وإنّما الغرض في المقام الإشارة إلى ذلك.

***7.

ص: 323


1- الكافي: ج 3/552 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/525 ح 27759. (2و3) فقه الصادق: ج 10/347.

السادسة: لابدَّ من نيّة القُربة،

اعتبار قصد القربة في الكفّارة

المسألة (السادسة: لابدّ من نيّة القُربة) في جميع الخصال بلا خلافٍ ، أمّا في الصوم فواضحٌ ، وأمّا في العتق فلا مورد للبحث فيه، وعليه فيقع الكلام في خصوص الإطعام والكسوة:

واستدلّ له في «الرياض»(1): بأنّ التكفير عبادة، فيشمله ما دلّ على اعتبار قصد القربة في العبادات، وظاهره التسالم على أنّه من العبادات.

وقد ادّعى سيّد «المدارك»(2) الإجماع عليه، قال في شرطيّة الايمان: (التكفير عبادة، والعبادة من شروطها الايمان، والمقدّمتان إجماعيّتان).

قال صاحب «المسالك»(3): ويعتبر فيها - أي الكفّارة - نيّة القُربة لقوله تعالى:

(وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اَللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ ...) إلخ(4).

أقول: وهذا هو القدر المتّفق عليه منها، قال الصِّيمري(5):

(يُشترط في التكفير النيّة المشتملة على الوجه والقُربة... إلى أن قال: وهذه الشروط مجمعٌ عليها).

ص: 324


1- رياض المسائل: ج 11/281.
2- نهاية المرام: ج 2/219.
3- مسالك الأفهام: ج 11/205.
4- سورة البيّنة: الآية 5.
5- حكاه عنه في الجواهر: ج 33/226.

والتعيين والتكليف، والإسلام في المكفِّر.

ونحو تلكم كلمات غيرهم من الفقهاء، وعلى ذلك فلابدّ من البناء على اعتبار نيّة القربة.

ولا يُصغى إلى ما قيل من أنّ الأصل في الواجبات التوصّليّة، ولم يدلّ دليلٌ على خروج التكفير مطلقاً عنه، إذ المتيقّن من الإجماع إنّما هو كون العتق والصوم من العبادات، فإنّ كلماتهم متّفقة على دعوى الإجماع على كون التكفير مطلقاً من العبادات، أو يعتبر فيه قصد القُربة، وهما مترادفان، فالإجماع من قبيل الإجماع على القاعدة فيؤخذ بإطلاقه.

وفي المقام فروع تعرّض لها الفقهاء، من اعتبار قصد الوجه (و) إنّه يعتبر فيه (التعيين) وما شاكل، فحيثُ إنّا قد استوفينا البحث في ذلك كلّه في كتاب الصلاة والحَجّ والزكاة، فلا نرى فائدة في التعرّض لها ثانياً، ولا خصوصيّة للمقام بالنسبة إلى شيء من تلكم الاُمور، فصرف الوقت في غيرها أولى .

قال رحمه الله: (و) يُشترط في المكفّر (التكليف)، فلا يجبُ الكفّارة على الصَّبي والمجنون، لأنّ القلم مرفوع عنهما(1)، وهو أعمٌّ من الوضع والتكليف.

(و) قد صرّح جماعة باعتبار (الإسلام في المكفّر)، ومرادهم بذلك اعتبار الإسلام في صحّته من الكافر، لا اعتباره في وجوبه عليه، كما أنّ التعيين وقصد القربة إنّما هما من شرائط الصحّة والتكليف من شرائط الوجوب، وبذلك يظهر ما3.

ص: 325


1- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81، الخصال: ج 1/175 ح 233.

في كلام المصنّف رحمه الله من الخلط.

ثمّ إنّ الكلام في صحّة العبادة من الكافر وعدمها، قد تقدّم في كتاب الحَجّ (1)مفصّلاً، فلا نعيد ما ذكرناه.

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

***).

ص: 326


1- فقه الصادق: ج 13، بحث (الكافر مكلّف بالحجّ ).

فهرس الموضوعات

الفصل الخامس / في الظهار... 7

صيغة الظهار... 10

حكم التشبيه بغير ظهر الأُمّ من سائر أجزائها... 16

شرائط وقوع الظهار... 23

ما يعتبر في المظاهرة... 26

تعليق الظهار على الشرط... 31

حكم ما لو قيّد الظهار بمدَّة معيّنة... 35

عدم وجوب الكفّارة بمجرّد الظهار... 41

حكم ما لو طلّق المظاهِر رجعيّاً ثمّ راجعها... 47

وجوب كفّارةٍ اُخرى بالوطء قبل الكفّارة... 52

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء... 55

حكم العاجز عن الكفّارة... 57

رفع المظاهِرة أمرها إلى الحاكم... 61

حكم ما لو ظاهر من زوجاته المتعدِّدة بلفظٍ واحد... 64

حكم ما دون الوطء من الاستمتاعات... 70

ص: 327

حكم الوطء خلال الصوم... 72

الفصل السادس / في الإيلاء... 75

ما يعتبر في المؤلى والمؤلى منها... 81

عدم وقوع الإيلاء لأربعة أشهر فما دون... 84

مدة التربّص... 86

انقضاء مدَّة التربّص... 91

طلاق المؤلي ليس بائناً... 96

فئة القادر... 100

لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين... 102

حكم ما لو حَلف على ترك وطء الأربع... 104

الفصل السابع / في اللِّعان... 107

سبب اللِّعان... 108

يعتبر أن يكون القذف بالزِّنا... 114

إنكار الولد... 117

اعتبار التكليف والإسلام في المُلاعن والملاعنة... 121

اعتبار دوام النكاح والدخول... 124

كيفيّة اللِّعان... 130

واجبات اللِّعان... 134

حكم تكذيب الملاعن نفسه... 141

ادّعاء المطلّقة الحمل من المُطلِّق... 147

ص: 328

اعتبار كون المتعلّق مقدوراً... 247

حكم ما لو كان المنذور ترك المحرّم أو المكروه... 249

حكم ما لو نذر فعل طاعةٍ ولم يعيّن... 252

نذر صوم حين أو زمان... 258

حكم ما لو عجز عمّا نذر... 262

لو نذر وقيّده بمكانٍ أو وقت... 267

العهد... 270

جعل الدابّة هدياً... 273

الفصل الثالث / الكفّارات... 278

كفّارة الظهار... 281

كفّارة مخالفة العهد وحنث النذر... 284

كفّارة اليمين... 292

كفّارة الحلف بالبراءة من اللّه تعالى... 294

كفّارة جَزّ المرأة شعرها في المصاب... 299

كفّارة نتف الشَّعر، وشَقّ الثوب، وخَدش الوجه... 303

كفّارة التزويج في العِدَّة... 304

كفّارة النوم عن العشاء الآخرة... 306

الإطعام وأحكامه... 310

كيفيّة الإطعام ومقدار الطعام... 314

وجوب استيفاء العدد مع التمكّن، وحكم ما لو تعذّر... 317

ص: 329

جنس كفّارة الإطعام... 320

عدم إجزاء إطعام الصغار منفردين... 325

الكسوة وأحكامها... 331

حكم العاجز عن الصيام... 339

دفع الكفّارة إلى من تجبُ نفقته على الدافع... 342

اعتبار قصد القربة في الكفّارة... 344

فهرس الموضوعات... 347

***

ص: 330

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.