فقه الصادق المجلد 34

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء الرابع والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

كتاب الفراق

وفيه فصولٌ :

الفصل الأوّل: في الطلاق.

تتمة فصل الاول

كتاب الفراق

الحمدُ للّهِ رَبّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على محمّدٍ وآله الطاهرين.

الطلاق

(كتابُ الفِراق: وفيه فصولٌ :

الفصل الأوّل: في الطلاق) وهو إزالة قيد النكاح بغير عوضٍ بصيغة: (طالق).

وطلاقُ المرأة يكون لمعنيين:

أحدهما: حَلّ عُقدة النكاح.

والآخر: بمعنى الترك والإرسال(1) كما في «مجمع البحرين»(2).

وأُورد عليه بما لا طائل تحت ذكره، والجواب عنه، بعد معلوميّته في الجملة، وإنّما المهمُّ البحث في أركانه وأقسامه ولواحقه:

أمّا أركانه: فأربعة:

الأوّل: المطلِّق.

ص: 7


1- لسان العرب: ج 10/225 مادّة (طلق).
2- مجمع البحرين: ج 5/207 مادّة (طلق).

ويشترط في المطلِّق: البلوغ.

الثاني: المطلقة.

الثالث: الصيغة.

الرابع: الإشهاد.

أمّا الركن الأوّل: فلا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يشترط في المطلِّق) شروط أربعة:

الشرط الأوّل: (البلوغ).

فعن غير واحدٍ دعوى الإجماع(1) عليه، والنصوص الشاهدة به مستفيضةً إنْ لم تكن متواترة، ستأتي جملة منها في ضمن المباحث الآتية، فلا اعتبار بعبارة الصَّبي قبل تمييزه وبلوغه عشراً.

أقول: إنّما الكلام في طلاق الصَّبي المميّز، والبالغ عشر سنين:

فقد ذهبَ جماعةٌ منهم الإسكافي(2) إلى صحّة طلاق المميّز مطلقاً.

واعتبر جماعة آخرون منهم الشيخان(3) وأتباعهما(4) والصَّدوقان(5): بلوغه عشر سنين، فقالوا بصحّة طلاق الصَّبي المميّز البالغ عشر سنين.).

ص: 8


1- رياض المسائل: ج 11/37 (ط. ج) قوله: (إجماعاً.. في الجملة).
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/366.
3- النهاية: ص 518.
4- منهم القاضي في المهذّب: ج 2/288، وابن حمزة في الوسيلة: ص 323.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 3/503 باب طلاق الغلام ح 4769، فقه الرّضا: ص 243، قال: (والغلام إذا طلّق للسنّة فطلاقه جائز).

وفي «الحدائق»(1): (والظاهر أنّه المشهور بين المتقدّمين)، وهو مختاره أيضاً.

والمشهور(2) بين المتأخّرين: اعتبار البلوغ الشرعي، المتحقّق بالإحتلام أو بغيره من الأمارات الشرعيّة له، فلا يصحّ طلاقه قبل ذلك.

وفي «الجواهر»: (بل عليه عامّتهم)(3).

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على بطلان طلاق الصَّبي مطلقاً:

منها: حسن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كلّ طلاقٍ جائزٌ إلّاطلاق المعتوه والصَّبي أو مبرسمٍ أو مجنونٍ أو مكره»(4).

ومنها: صحيح الكناني، عنه عليه السلام: «ليس طلاق الصَّبي بشيء»(5).

وإنّما عُبّرتُ عنه بالصحيح مع أنّ في سنده محمّد بن الفضيل، المشترك بين الثقة والضعيف، نظراً إلى أنّ الظاهر بقرينة رواية محمّد بن إسماعيل عنه كونه هو الثقة.

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «لا يجوزُ طلاق الصَّبي ولا السكران»(6).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم جواز طلاق الصَّبي قبل أن يحتلم:9.

ص: 9


1- الحدائق الناضرة: ج 25/152 و 153.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/149.
3- جواهر الكلام: ج 32/5.
4- الكافي: ج 6/126 باب طلاق المعتوه والمجنون ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/77 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 28068.
5- الكافي: ج 6/126 باب طلاق الصبيان ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/77 باب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28066.
6- الكافي: ج 6/124 باب طلاق الصبيان ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/78 باب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28069.

منها: خبر الحسين بن علوان، بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «لا يجوزُ طلاق الغلام حتّى يحتلم»(1).

ومنها: موثّق ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا يجوزُ طلاق الغلام ووصيّته وَصَدقته إنْ لم يحتلم»(2).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على جواز طلاقه مطلقاً:

منها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصَدَقته ؟ فقال عليه السلام:

إذا طلّق للسُّنة ووضع الصدقة في موضعها و حقها، فلا بأس، وهو جائز»(3).

ومنها: موثّق جميل، عن أحدهما عليهما السلام: «يجوزُ طلاق الغلام إذا كان قد عَقَل، وصدقته ووصيّته وإنْ لم يحتلم»(4).

ونحوهما موثّق محمّد بن مسلم(5).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على صحّة طلاقه إذا بلغ عَشر سنين:

منها: مرسل ابن أبي عُمير الذي هو بحكم الصحيح عند الأصحاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «يجوز طلاق الصَّبي إذا بلغ عشر سنين»(6).7.

ص: 10


1- قرب الإسناد: ص 50، وسائل الشيعة: ج 22/79 باب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28073.
2- الكافي: ج 6/124 باب طلاق الصبيان ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/78 باب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28070.
3- الكافي: ج 6/124 باب طلاق الصبيان ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/79 باب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28072.
4- التهذيب: ج 9/182 باب وصيّة النبيّ ح 8، وسائل الشيعة: ج 19/212 باب 15 من أبواب كتاب الوقوف والصدقات، ح 24450.
5- التهذيب: ج 9/182 باب وصيّة الصَّبي والمحجور عليهم، ح 8.
6- الكافي: ج 6/124 باب طلاق الصبيان ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/77 باب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28067.

بل عن الشيخ رحمه الله روايته عن ابن بُكير(1) أيضاً، ولكن صاحبي «المدارك»(2)و «الحدائق» قالا: إنّه وهمٌ (3).

أقول: لا إشكال في أنّ الطائفة الأُولى والثالثة مطلقتان، يقيّد إطلاقهما بالطائفة الأخيرة.

وأمّا الطائفة الثانية، فخبر الحسين ضعيفُ السند(4) جدّاً، وموثّق ابن بُكير روي بنحوين:

أحدهما: ما نقلناه.

والثاني: يجوزُ مع إضافة حرف العطف واو على قوله عليه السلام: «إنْ لم يحتلم».

والنقل الثاني لو لم يكن أرجح - من جهة أنّ نُسَخ «الكافي» مختلفة، والشيخ رواه على النحو الثاني، وأصالة عدم الزيادة لا مجرى لها، لأنّه على النقل الأوّل يزيد كلمة (لا) وعلى الثاني حرف العطف (واو) - يكونان متساويين على أقلّ التقادير، فالخبر مجملٌ .

فالجمع بين هذه النصوص يقتضي البناء على صحّة طلاق الصَّبي المميّز البالغ عشر سنين.

ولكن في نصوص تزويج الصغير ما يشهدُ بعدم صحّة طلاقه، لاحظ صحيح).

ص: 11


1- تهذيب الأحكام: ج 8/77 باب أحكام الطلاق ح 173.
2- نهاية المرام: ج 2/7-8 ووصفه بأنّه (غير جيّد).
3- الحدائق الناضرة: ج 25/151.
4- رجال النجاشي: ص 52 قوله: (مولاهم كوفي عامّي)، رجال الكشي: ج 2/687 رقم 733 قوله: (محمّد بن إسحاق و... والحسين بن علوان... هؤلاء من رجال العامّة إلّاأنّ لهم ميلاً ومحبّة شديدة..). رجال الطوسي قوله: (الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم كوفي).

الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت: الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره، أيجوز طلاقه وهو ابنُ عَشر سنين ؟

فقال عليه السلام: أمّا تزويجه فصحيح، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه إمرأته حتّى يدرك، فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإنْ أقرّ بذلك وأمضاه فهي واحدة» الحديث(1).

ونحوه غيره.

وهو وإنْ كان في طلاق الأب، ولكن حكمه عليه السلام بتوقّفه على الإدراك الذي هو البلوغ، وإمضائه لذلك أو إنكاره، يدلّ على عدم نفوذ طلاقه وهو ابنُ عَشر سنين.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الإدراك في تلك النصوص لم يُعلم كون المراد به البلوغ الشرعي، بل الحَدّ الذي يصحّ طلاقه، وهو بمقتضى نصوص الباب عشر سنين مع التمييز لا بدونه.

ومع ذلك كلّه الإفتاء بما على خلافه عامّة أساطين المتأخّرين والمحقّقين مشكلٌ ، والاحتياط طريق النجاة.

***5.

ص: 12


1- الفقيه: ج 4/310 باب ميراث الصبيان ح 5665، وسائل الشيعة: ج 26/220 باب 11 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32865.

والعقل.

اعتبارُ العَقل في المطلّق

(و) الشرط الثاني: (العقل):

بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه كما في «الجواهر»(1)، فلا يصحّ طلاق المجنون مطبقاً كان أو أدواريّاً في حال جنونه، ويشهد به خبر السكوني المتقدّم(2)، وجملة من النصوص الآتية، وكذا لا يصحّ طلاق المعتوه، وهو الأحمق الذي فقد عقله، أو المدهوش من غير مَسّ جنون(3)، أو الذي نقص عقله(4)، وتفسيره بالأوّل في أسئلة السائلين في الأخبار، وبالأخيرين في كتب اللّغة، ويشهد به خبر السكوني المتقدّم، وبعطف (المجنون) فيه على (المعتوه) يُعلم إرادة الأعمّ من المعتوه أو خصوص الأخيرين.

وأمّا خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه سُئل عن المعتوه أيجوز طلاقه ؟

فقال: ما هو؟ فقلت: الأحمق الذاهب العقل.

فقال عليه السلام: نعم»(5).

ص: 13


1- جواهر الكلام: ج 32/8.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/298 ح 94، وسائل الشيعة: ج 22/386 ح 28853.
3- كتاب العين: ج 1/104 مادّة (عنه)، لسان العرب: ج 13/512 مادّة (عنه).
4- لسان العرب: ج 13/512 مادّة (عنه)، مجمع البحرين مادّة (عنه).
5- التهذيب: ج 8/75 باب أحكام الطلاق ح 171، وسائل الشيعة: ج 22/83 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28083.

فمحمولٌ - كما عن الصدوق في «الفقيه»(1)، والشيخ في الكتابين(2) - على ما إذا طلَّق عنه وليّه.

وجَوَّز الشيخ رحمه الله في محكيّ «الاستبصار» حمله على ناقص العقل، لكنّه حَمْلٌ لا شاهد له، بل يشهد بخلافه قوله عليه السلام: «الأحمق الذاهب العقل».

أمّا السكران: فلا يصحّ أيضاً طلاق السّكران، ومن غَلَب على عقله بإغماءٍ أو شُربِ مُرقد(3) وما شاكل.

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّه غير قاصدٍ - جملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن طلاق السَّكران ؟ فقال عليه السلام:

لا يجوز ولا عتقه»(4).

ومنها: خبر إسحاق بن جرير، عنه عليه السلام: «عن السكران يُطلّق أو يَعتق أو يتزوّج، أيجوز له ذلك وهو على حاله ؟

قال عليه السلام: لا يجوز له»(5).

ومنها: خبر زكريّا بن آدم، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن طلاق السكران والصَّبي والمعتوه، والمغلوب على عقله، ومن لم يتزوّج ؟1.

ص: 14


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/505 باب طلاق المعتوه ذيل ح 4771.
2- التهذيب: ج 8/75 باب أحكام الطلاق ذيل ح 171، الاستبصار: ج 3/302 باب طلاق المعتوه ذيل ح 2.
3- المُرقد: شيء يُشرب فينوّم مَنْ شَرِبه.
4- الكافي: ج 6/126 باب طلاق السكران ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/85 باب 36 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28090.
5- التهذيب: ج 8/73 باب أحكام الطلاق ح 163، وسائل الشيعة: ج 22/82 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28081.

فقال عليه السلام: لا يجوز»(1).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس طلاق السكران بشيء»(2).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة.

***8.

ص: 15


1- التهذيب: ج 8/73 باب أحكام الطلاق ح 165، وسائل الشيعة: ج 22/83 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28082.
2- وسائل الشيعة: ج 22/85 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28088.

والاختيار.

اعتبار الاختيار في المُطلِّق

(و) الشرط الثالث: (الاختيار).

بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه(1)، والمراد به غير القصد الذي جُعِل شَرطاً آخر، وهو صدور الطلاق عن طيب النفس والرّضا، فلا يجوز إنْ وقع من كُرهٍ ، فما عن جماعةٍ من التعليل لاعتباره بأنّ المُكْرَه قاصدٌ إلى اللّفظ غير قاصدٍ إلى مدلوله، في غير محلّه.

وبالجملة: المراد به ما يُقابل الإكراه.

أقول: ويشهد لاعتباره جملة من النصوص:

منها: حسن زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن طلاق المُكْرَه وعتقه ؟

فقال عليه السلام: ليس طلاقه بطلاقٍ ولا عتقه بعتق» الحديث(2).

ومنها: خبر عبد اللّه بن الحسن، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«لا يجوزُ طلاقٌ في استكراه، ولا يجوزُ يمينٌ في قطيعة رحم.

إلى أنْ قال: وإنّما الطلاق ما اُريد به الطلاق من غير».

ومنها: خبر عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام، قال: «لو أنّ رجلاً مسلماً مرَّ بقومٍ ليسوا

ص: 16


1- جواهر الكلام: ج 32/10.
2- الكافي: ج 6/127 باب طلاق المضطرّ ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/86 باب 37 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28091.

بسلطان فقهروه حتّييتخوّف علينفسه أن يعتق أو يطلّق ففعل لم يكن عليه شيءٌ »(1).

ومنها: ما دلّ على رفع ما استكرهوا عليه عن الأمة(2)، بناءً على ما حقّقناه في كتابنا «زبدة الاُصول»(3) من عموم الحديث لجميع الآثار والأحكام التكليفيّة و الوضعيّة.

ثمّ إنّه بعدما عُلم من أنّ الميزان في هذا المقام صدق كون الطلاق مُكْرَهاً عليه وعدمه، يقع الكلام في بيان حقيقة الإكراه إجمالاً، - وقد أشبعنا الكلام فيهما في «حاشيتنا»(4) على «مكاسب» الشيخ الأعظم رحمه الله - فنقول:

حقيقة الإكراه حمل الغير على ما يُكرهه، ويعتبر في صدقه أُمور:

1 - أنْ يكون بحمل الغير على الفعل، وأمّا إذا لم يكن كذلك، بل فعله لترضية خاطره، فلا يصدق عليه المكرَه عليه، كما أنّه لو لم يكن حملٌ من إنسانٍ بل كان الحامل له ضرورة أو خوفاً من حيوانٍ مثلاً، لا يصدق عليه عنوان الإكراه.

2 - أنْ يكون حمل الغير مقترناً بوعيدٍ منه على تركه بالمطابقة أو بالالتزام، كما هو الغالب في حمل السلطان الجائر، فلو حمله غيره على فعلٍ مع وعده بالنفع، كما لو وعده بأن ينصبه والياً إذا طلّق إمرأته، لا يكون ذلك مُكرهاً عليه.

3 - أنْ يكون الضَّرر المتوعّد به ممّا لم يكن مستحقّاً عليه، فلو قال: (طلّق زوجتك وإلّا قتلتك قصاصاً) وكان مستحقّاً له، أو: (وإلّا لأُطالبنّك بالدَّين الذي لي عليك) لا يصدق الإكراه.ا.

ص: 17


1- الكافي: ج 6/126 باب طلاق المضطرّ ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/86 باب 37 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28092.
2- وسائل الشيعة: ج 22/224-228 و 235-237 باب 12 و 16 من أبواب كتاب الإيمان وج 15/369-370 باب 56 من أبواب جهاد النفس.
3- زبدة الاُصول: ج 4/259.
4- والمسمّاة ب «منهاج الفقاهة» ج 3/430 ومابعدها.

4 - أن يحتمل ترتّب الضَّرر المتوعّد به، ولا يعتبر العلم ولا الظنّ .

ولا فرق بين أنْ يكون الضَّرر المترتّب من الأمر أو من غيره، فلو أمره آمرٌ بالطلاق، وخاف من ترتّب الضَّرر على تركه من ناحية أخيه مثلاً، يصدق عليه أنّه مُكرَهٌ عليه.

ولو كان الضّرر المتوعّد به على ترك المكرَه عليه، هو ما يترتّب على المُكْرِه - بالكسر - لا المُكْرَه، كما لو قال: (طلِّق زوجتك وإلّا قتلتُ نفسي)، فهل يصدق عليه الإكراه أم لا؟

فقد استشكل الشيخ الأعظم رحمه الله(1) فيه، والحقّ هو التفصيل:

فإنّه ربما يعدّ ضرر المُكرِه ضرراًللمكرَه - بالفتح - كما لو كان المُكرِه - بالكسر - هو الابن، وفي هذا المورد يصدق الإكراه، إذ لا فرق في ترتّب الضَّرر المعتبر في صدقه بين كونه ضرراً مع الواسطة أو بلا واسطة، ولذا لو قال الأجنبي: (طلّق زوجتك وإلّا قتلتُ ابنك) يكون ذلك إكراهاً.

وربما لا يعدّ ضرره ضرراً عليه، كما لو كان المكرِه - بالكسر - هو الأجنبي، وقال: (طلّق زوجتك وإلّا قتلتُ نفسي) فإنّه لا يعدّ ضرراً عليه، فلا يصدق الإكراه، ومن هذا القبيل ما لو كان الدّاعي على الفعل شفقة دينيّة على المكرِه - بالكسر - كما لو قال: (طلّق زوجتك وإلّا زنيتُ بإمرأةٍ أجنبيّة) فإنّ طلاق زوجته لئلّا يقع فعلٌ محرّم في الخارج، ليس طلاقاً ناشئاً عن خوف ترتّب الضَّرر، فلا يصدق عليه أنّه مكرَهٌ عليه.).

ص: 18


1- المكاسب: ج 2/90 قوله: (وأمّا إذا لم يترتّب على ترك المكره عليه إلّاالضَّرر على بعض المؤمنين ممّن يُعدّ أجنبيّاً من المُكره - بالفتح - فالظاهر أنّه لا يعدّ ذلك إكراهاً عرفاً).

حكم الإكراه مع إمكان التفصّي

وهل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصّي عن الضَّرر المتوعّد به أم لا؟ فيه أقوال:

1 - اعتبار العجز عن التفصّي بالتورية أو غيرها في صدقه.

2 - عدم اعتباره.

3 - التفصيل بين التورية وغيرها، فيعتبر العجز عن التفصّي بها.

4 - التفصيل بينهما حكماً لا موضوعاً.

أقول: وقبل بيان المختار، لا بأس ببيان حقيقة التورية، فنقول: وهي أن يلقي المتكلّم كلاماً له ظهورٌ في معنى ، وهو يريدُ منه غير ذلك المعنى ، ويكون المعنى المراد مطابقاً للواقع دون المعنى الظاهر، كما إذا استأذن رجلٌ بالباب، وقال الخادم له: (ما هو هاهنا) مشيراً إلى موضعٍ خال في البيت.

ويعتبر في صدقها أمران آخران:

أحدهما: أنْ يكون اللّفظ بحسب المتفاهم العرفي ظاهراً في غير ماأفاده المتكلّم، فلو كان ظاهراً فيه، ولكن المخاطب لقصور فهمه لم ينتبه له لم يكن ذلك من التورية.

ثانيهما: أنْ يكون إرادة ذلك المعنى من ذلك اللّفظ صحيحة، بأن تكون بينهما علاقة، فلو كان استعماله فيه غير صحيح، لما كان من التورية، مثلاً لو قال: (أعطيتُ زيداً خمسين ديناراً) وأراد به ديناراً واحداً وقد أعطاه في الواقع درهماً، لم يكن ذلك من التورية، وعلى هذا فيكون التورية خارجة عن الكذب الذي هو عبارة عن

ص: 19

عدم مطابقة المعنى المراد للواقع موضوعاً.

أقول: إذا عرفت هذا فاعلم:

أنّ الأقوى هو القول الأوّل، لأنّه يعتبر في صدق المكرَه عليه على الفعل كونه صادراً عن الإلجاء والضرورة، فمع إمكان التفصّي لايصدق ذلك.

وبعبارة أُخرى: إنّ من يتمكّن من التفصّي عن الفعل المكرَه عليه، يكون مجبولاً على الجامع بينه وبين ما اُكره عليه، فاختيار ذلك الفعل لا محالة يكون لخصوصيّة أُخرى غير الجهة المشتركة بينه وبين التفصّي، فيستند ذلك الفعل لا محالة إلى غير الإكراه.

ودعوى: أنّ الإكراه إنّما هو على الفعل، وهو مكرَهٌ عليه ابتداءً ، والتفصّي إنّما يكون تخلّصاً من الإكراه بعد تحقّق موضوعه، فالإكراه متحقّقٌ ولو لم يتفصّ ، مع أنّ حمل النصوص ومعاقد الإجماعات على صورة عدم إمكان التفصّي، حملٌ بعيد، بل غير صحيحٍ ، إذ في كلّ موردٍ فُرض الإكراه، لا محالة يتمكّن الشخص من الفرار عنه بالتورية أو عدم القصد أو غير ذلك.

مندفعة: بأنّه مع إمكان الفرار عمّا اُكره عليه، لا يصدق على الفعل أنّه مكرهٌ عليه، لما عرفت من أنّه يعتبر في صدقه ترتّب الضَّرر المتوعّد به على تركه، فمع إمكان التفصّي لا يترتّب ذلك على تركه، ولا يصدق عليه الإكراه.

وأيضاً دعوى: لزوم حمل النصوص ومعاقد الإجماعات على الفرد النادر.

فيردّه: أنّ الغالب أنّ المكرَه حين الإكراه لا يلتفتُ إلى عدم كونه مكرهاً على القصد، ولأجله يرى نفسه مكرهاً على القصد أيضاً، مع أنّه لو سُلّم كون ذلك فرداً

ص: 20

نادراً لا محذور فيه، إذ حمل المطلق على الفرد النادر مستهجنٌ ، وأمّا إذا أُخذ في الموضوع عنوانٌ له أفراد نادرة في نفسه، فلا محذور فيه كالزِّنا بالمحارم، والمقام من قبيل الثاني.

فإنْ قيل: إنّه يعتبر في صدق الإكراه أن يعلم المكرَه أو يظنّ أو يحتمل بأنّه لو امتنع عن الفعل واطّلع عليه المُكرِه - بالكسر - لأوقعه في الضَّرر، ومن المعلوم أنّ هذا يصدق مع إمكان التفصّي بالتورية، وإنْ لم يصدق مع التمكّن من التفصّي بغيرها، إذ المفروض تمكّنه من الامتناع مع اطّلاع المكره، وعدم وقوع الضَّرر عليه، وذكر ذلك مدركاً للقول الثالث.

قلنا: إنّ المعتبر في صدقه أنّه لو امتنع يحتمل أو يظنّ وقوع الضَّرر عليه، فمع العلم بعدم التفات المكرِه - بالكسر - إلى التورية يعلم بعدم وقوعه عليه فلا يصدق عليه الإكراه، ألا ترى أنّه لو فرض إرسال الجائر الخمر إلى بيت أحدٍ ليشربها، وهو يقبل قوله لو قال شربتها، ويتمكّن من عدم الشرب وإظهار الشرب، فإنّه لا يجوز له الشرب مستنداً إلى أنّه لو اطّلع المكرِه على الامتناع لأوقعه في الضَّرر.

فإنْ قلت: إنّ مقتضى الأخبار(1) المجوّزة للحلف كاذباً عند الخوف والإكراه، وما(2) ورد في قضية عمّار وأبويه، حيث أُكرهوا على الكفر فأبى أبواه فقُتلا، وأظهر لهم عمّار ما أرادوا، فجاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، فنزلت الآية: (مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ ...) الخ، فقال صلى الله عليه و آله له: «إنْ عادوا عليك فَعُد» ولم ينبّهه على التورية، هو أنّ إمكان التفصّي بالتورية،3.

ص: 21


1- وسائل الشيعة: ج 22/224-228 باب 12 من كتاب الإيمان.
2- الكافي: ج 6/219 باب التقيّة ج 10، وسائل الشيعة: ج 22/225 باب 29 من أبواب الأمر والنهي ومايناسبهما، من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 21423.

لاينافي ترتّب حكم المكرَه عليه.

قلت: إنّ عدم الإشارة إلى التورية في الأخبار الأوّل، إنّما هو لأجل أنّ طبع المتكلّم في بيان مراداته بالألفاظ إنّما هو بإلقاء الألفاظ الظاهرة فيها، ولا يمكن له التورية إلّابالترويّ ، وهو في مقام الخوف و الإكراه مستلزم للعُسر و الحرج الشديدين.

وأمّا عدم الإشارة إليها فيما تضمّن قضية عمّار وأبويه، فلأنّ السَّب والتبرّي حرامٌ حتّى مع عدم قصد المعنى، وقصد معنى آخر، لأنّ مناط حرمة السَّب هو انهتاك المسبوب عند الغير، وهذا المناط موجود مع عدم القصد أيضاً.

وعليه، فالأظهر اعتبار العجز عن التفصّي في صدقه.

الصُّور التي يرتفع عنها ظهور الكراهة في المطلِّق

لا خلاف ولا ريب في أنّه لو حصل ما يرفع به ظهور الكراهة، أو حصل ما يظهر به الاختيار، صحّ الطلاق، وهذا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في المصاديق، فقد ذكروا لها موارد:

منها: ما لو أكرهه على طلاق زوجتيه، فطلّق واحدة منهما بدعوى أنّه بالمخالفة المزبورة يظهر منه الاختيار.

وفيه: إنّ طلاق الواحدة بَعض المُكرَه عليه، وقد يقصد رفع المكروه بالإجابة إلى بعضه.

ومنها: ما لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه، فطلّق واحدة معيّنة.

أقول: إنّ الإكراه:

ص: 22

تارةً : يكون على الجامع.

وأُخرى : على الفردين على البدل.

1 - فإنْ كان على الجامع: فحيثُ أنّ وجود الجامع في الخارج لابدّ وأنْ يكون مع خصوصيّةٍ من الخصوصيّات، فكلّ ما وجد في الخارج يَقعُ مكرهاً عليه.

نعم، لو اُكره على الجامع بين ما هو موضوع الأثر وغيره، كالإكراه على طلاقٍ صحيح أو فاسد، فحيث أنّ الجامع المكرَه عليه لا أثر له، وما له الأثر وهو الخصوصيّة لا إكراه عليها، وإنْ كانت هي أو مقابلها ممّا لابدَّ منه، فلا يرتفع شيء بالإكراه.

2 - وإنْ كان على الفردين على البدل: فعن المحقّق الاصفهاني أنّه لو اختار أحدهما، وإنْ كان هو موضوع الأثر دون مقابله، يقع مكرهاً عليه، ولا يترتّب عليه الأثر، إذ المفروض أنّه ومقابله كليهما مكرهٌ عليهما على البدل، فكلٌّ منهما يقعُ في الخارج يتّصف بكونه مكرهاً عليه، واختيار كلٍّ منهما اختيار البدل الإكراهي.

وفيه: أنّ الإكراه على البدل لا يزيد على الإكراه التعييني، وقد مرَّ أنّه مع إمكان التفصّي في الإكراه التعييني لا يصدقُ الإكراه، ولا يرتفع به الأثر، فكذلك في الإكراه على البدل، فإذا كان أحدهما موضوع الأثر دون الآخر، فيمكن التفصّي عمّا هو موضوع الأثر، فلا وجه لتطبيق أدلّة الإكراه عليه.

وإنْ شئت قلت: إنّه في الإكراه على البدل بين ما هو موضوع الأثر وما لا أثر له، يصرّح المكره بإتيان موضوع الحكم أو التفصّي عنه، فلا مورد لأدلّة الإكراه.

فتحصّل: أنّه لو اُكره على فردين أحدهما صحيحٌ والآخر فاسد، فحيث أنّه

ص: 23

يمكن التفصّي عن الصحيح، فلا يكون مكرهاً عليه.

ومنها: ما لو أكره أحد الشخصين على طلاق زوجته، فطلّق أحدهما زوجته، فقد صرّح بعضهم بصحّة طلاقه، وهناك أقوالٌ اُخر.

والحقّ أنْ يقال: إنّه لا إشكال في أنّ إكراه أحد الشخصين على فعلٍ واحد كإيجابه عليهما على نحو الكفاية، فكما أنّ كلّاً منهما في الفرض الثاني مكلّفٌ ، غاية الأمر بالتكليف المشروط بعدم إتيان الآخر، وكلّاً منهما بادر إلى الفعل، يكون فعله مصداقاً للواجب، ولو فعلاه جميعاً وقع كلّ منهما مصداقاً له، كذلك في المقام، كلٌّ منهما مكرَهٌ عليه في فرض عدم مبادرة صاحبه إلى الفعل.

نعم، بين البابين فرقٌ من ناحية أُخرى وهي أنّه في صدق الإكراه يعتبر عدم إمكان التفصّي، والتخلّص عن المكره عليه، كما عرفت، وعليه:

فإنْ علم المطلِّق أنّ صاحبه لا يطلّق، يقعُ طلاقه فاسداً، ويقع طلاقه مصداقاً للمكرَه عليه.

وإنْ علم بأنّه يطلّق لا يصدق على طلاقه أنّه مكرهٌ عليه، فلو طلّق يقعُ صحيحاً، لفرض إمكان التفصّي والتخلّص، بمعنى أنّه لو لم يفعل لما وقع في الضَّرر.

ولو احتمل ذلك، فهل يصحّ طلاقه لو طلّق أم لا؟

وجهان: مبنيّان على أنّه:

هل يعتبر في صدق الإكراه العلم بترتّب الضَّرر على فرض الترك ؟

أم يكفي احتمال ترتّبه ؟

إذ على الأوّل يقع طلاقه صحيحاً، وعلى الثاني يقع باطلاً، وحيثُ عرفت أنّ الأظهر هو الثاني، فالأقوى هو البطلان، إلّاإذا علم بأنّ صاحبه يطلّق.

ص: 24

الإكراه على طلاق إحدى الزوجتين وتطليقهما

ومنها: ما لو اُكره على طلاق إحدى زوجتيه من غير تعيين فطلّقهما، قالوا:

يصحّ طلاقهما لأنّه يُشعر باختياره.

أقول: هنا عدّة صور:

تارةً : يطلّقهما تدريجاً.

وأُخرى : يطلّقهما معاً.

1 - فإنْ طلّقهما تدريجاً، فقد جعل الشيخ الأعظم(1) وقوع الأوّل مكرَهاً عليه دون الثاني لأنّه الظاهر، واحتمل الرجوع إليه في التعيين.

وأورد جُلّ من تأخّر(2) عنه عليه، بأنّه: لا وجه لهذا الاحتمال، إذ بعد انطباق عنوان أحدهما على الطلاق الأوّل قهراً، وارتفاع لسان المكرَه عنه، واندفاع ضرره به لحصول مقصوده، لا وجه لوقوع الثاني مكرهاً عليه.

2 - وإنْ طلّقهما دفعةً ، ففي المسألة وجوه:

الوجه الأوّل: صحّتهما معاً، ذهب إليها الشيخ الأعظم(3)، وجُلّ الأساطين(4) ممّن تأخّر عنه في نظير المسألة، وهو ما لو اُكره على بيع عبدٍ من عبديه، فباعهما دفعة.

ص: 25


1- المكاسب: ج 3/324.
2- كالنائيني في منية الطالب: ج 1/404-405، والسيّد الحكيم في نهج الفقاهة: ص 198، والسيّد الخوئي في مصباح الفقاهة: ج 3/323-324.
3- المكاسب: ج 3/324 قوله: (ولو باعهما دفعة احتمل صحّة الجميع، لأنّه خلاف المكره عليه، والظاهر أنّه لم يقع شيء منهما عن إكراه، وبطلان الجميع لوقوع أحدهما مكره عليه ولا ترجيح، والأوّل أقوى ).
4- كالنائيني في منية الطالب: ج 1/403-404.

الوجه الثاني: بطلان الجميع.

الوجه الثالث: بطلان أحدهما وصحّة الآخر، ويرجع في التعيين إلى القرعة.

واستدلّ الشيخ قدس سره للأوّل: بما استند إليه جمعٌ في المقام، وهو أنّ ما صدر عنه خارجاً غير ما اُكره عليه، وما اُكره عليه لم يصدر عنه، ومجرّد اشتمال المجموع على أحدهما، لا يوجبُ صدق الإكراه على أحدهما فضلاً عن كليهما(1).

وفيه: إنّ المكره عليه ليس طلاق إحداهما بشرط لا، كي لا يصدق على طلاق إحداهما، بل طلاق إحداهما لا بشرط الحاصل في ضمن طلاقهما معاً، لأنّ لا بشرط يجتمع مع ألف شرط، فضمّ الآخر إليه لا يخرجه عمّا اُكره عليه.

وربما يستدلّ له: بما أفاده جمعٌ من الأساطين من أنّ طلاقهما معاً - مع كون الإكراه على أحد الطلاقين - يكشفُ عن كون المطلِّق راضياً بطلاق إحداهما لا بعينيه، ومعه لا يؤثّر الإكراه شيئاً، لأنّ المفروض أنّه إنّما ألزمه المكره، وهو طلاق إحداهما غير المعيّنة نفس ما هو راضٍ به، فلا يكون إكراهاً على ما لا يرضاه.

وفيه: إنّ طلاقهما معاً لا يكشفُ عن كونه راضياً بطلاق إحداهما في مفروض البحث، وهو كونه مكرهاً على طلاق إحداهما، إذ يمكن أنْ يكون ذلك ناشئاً عن غرضٍ آخر، وهو أنّه لا يريد التفرقة بينهما، أو نحو ذلك، فحينئذٍ يكون كلّ من الطلاقين مكروهاً.

ولكن لما عرفت من اعتبار ترتّب الضَّرر على ترك المكرَه عليه في صدق الإكراه، وهذا المعنى لا ينطبق على كلّ منهما إلّاعلى البدل، فلا محالة يقع أحدهما4.

ص: 26


1- منية الطالب: ج 1/404.

مكرهاً عليه دون الآخر، وحيث أنّ انطباقه على طلاق واحدة معيّنة ترجيحٌ بلا مرجّح، فيمكن أن يبني على كونه مخيّراً في تطبيقه على طلاق أيّتهما شاء، إذ المفروض شمول الإطلاقات لكلّ من الطلاقين، وغاية ما يمنع عنه المانع هو صحّتهما معاً، فصحّة أحدهما لا مانع منها فيبني عليها، فيكون المقام نظير من تزوّج اُختين بعقدٍ واحد، أو تزوّج الرابعة والخامسة كذلك على ما تقدّم في كتاب النكاح.

ومع الإغماض عن ذلك:

فإنْ قلنا بأنّ مورد القرعة ما لو كان هناك واقعٌ معيّن، فلا مورد لها في المقام، ويتعيّن البناء على بطلانهما، وإلّا فيرجع إلى القرعة، وقد تقدّم في كتاب النكاح(1)عدم اختصاص القرعة بما له واقعٌ معيّن، فالمتعيّن هو ذلك.

لو اُكره على الطلاق فطلّق ناوياً

أقول: بقي في المقام فرعٌ مذكورٌ في «التحرير» على ما حُكي، وهو أنّه:

(لو أُكره على الطلاق فطلّق ناوياً، قال: فالأقرب وقوع الطلاق(2)، ونحوه عن الشهيد الثاني في «المسالك» بزيادة احتمال عدم الوقوع، لأنّ الإكراه أسقط أثر اللّفظ، ومجرّد النيَّة لا أثر لها(3).

وحُكي عن سبطه في «نهاية المرام»: (أنّه نقله قولاً، واستدلّ عليه بعموم ما دلَّ من النّص والإجماع على بطلان عقد المكرَه، والإكراه يتحقّق هنا، إذ المفروض

ص: 27


1- تقدم في المجلّد 33/436، بعنوان: (ترتيب من ينفق عليه).
2- تحرير الأحكام: ج 2/51 (ط. ق).
3- مسالك الأفهام: ج 9/22.

أنّه لولاه لما فعله.

ثمّ قال: والمسألة محلّ إشكال)(1).

وعن «كاشف اللّثام»: لو علم أنّه لا يلزمه إلّااللّفظ، وله تجريده عن القصد، فلا شبهة في عدم الإكراه(2)، وإنّما يحتمل الإكراه مع عدم العلم بذلك، سواءٌ ظنّ لزوم القصد وإنْ لم يردّه المكره أم لا.

أقول: وحقّ القول يتحقّق بالبحث في موردين:

الأوّل: في بيان وجه فتوى المصنّف بالصحّة.

الثاني: في بيان محتملات هذا الفرع في نفسه وأحكامها.

أمّا المورد الأوّل: فالظاهر أنّ نظر المصنّف رحمه الله إلى أنّه لو اُكره على الطلاق وإنْ لم يقصد المعنى الذي يكون عند العامّة طلاقاً شرعيّاً مع النطق بالصريح، فطلّق ناوياً، فالأقرب وقوع الطلاق، لأنّه غير مكرهٌ عليه.

والإيراد عليه: - كما عن الشيخ الأعظم رحمه الله - بأنّه يبتنى على القول باعتبار عدم إمكان التفصّي بالتورية في صدق الإكراه، إذ لا فرق بين التخلّص بالتورية، وبين تجريد اللّفظ عن قصد المعنى ، وقد مرَّ عدم اعتباره(3).

مندفع أوّلاً: بما تقدّم من اعتبار العجز عن التورية في صدقه.

وثانياً: بالفرق بينهما بعد كون المكرَه راضياً بالنطق بالصريح مع عدم القصد، لاحظ وتأمّل في الوجه المتقدّم لعدم اعتبار العجز عن التورية، ترى عدم جريانه في المقام.ر.

ص: 28


1- نهاية المرام: ج 2/12.
2- كشف اللّثام: ج 2/119 (ط. ق).
3- المكاسب: ج 3/326 والعبارة منقولة مع تقديم وتأخير.

وأمّا المورد الثاني: فالاحتمالات المتصوّرة خمسة:

الاحتمال الأوّل: أن لا يكون للإكراه دَخلٌ في الطلاق، بل يوقعه عن طيب نفسه ورضاه، والمكره لجهله بحاله أكرهه عليه، فإنّه لا إشكال ولا كلام في صحّة هذا الطلاق.

الاحتمال الثاني: أنْ يكون كلّ من الإكراه والرِّضا سبباً مستقلّاً، بحيث لولا الإكراه كان يوقعه، ولولا الرّضا لأوقعه دفعاً للإكراه.

فعن المحقّق النائيني رحمه الله: الحكم بالبطلان، بدعوى أنّ كلّ علّتين مستقلّتين إذا وردتا على معلولٍ واحد، وكان بينهما تدافعٌ ، فلا يؤثّر كلّ منهما، كاجتماع الرِّياء وقصد الأمر في العبادات(1)، وفيما نحن فيه الطلاق وإنْ صدر عن الرِّضا إلّاأنّه يكون عن إكراه أيضاً، أو أنّه وإنْ لم يكن عن إكراه، إلّاأنّه لا يكون عن الرّضا.

وفيه أوّلاً: أنّ المكره إذا كان راضياً لا يصدق على ما صَدَر عنه عنوان المكره عليه، بل يصدق عليه هذا العنوان مشروطاً، بمعنى أنّه لو لم يكن راضياً كان مكرهاً عليه.

وبالجملة: مع وجود الرّضا لا يصدقُ الإكراه، ولا يقاسُ المقام بالرِّياء في العبادات الذي هو متحقّقٌ في الفرض، ويكون مبطلاً للصلوات، بل الصحيح تنظير المقام بما لو فرضنا العادل الوَرع التقيّ شَرَع في الصلاة أمام الناس، فإنّ هناك سببين مستقلّين لعدم إبطاله لصلاته: الخوف من اللّه تعالى ، وحفظ مقامه عند الناس، فهل يتوهّم أحدٌ القول ببطلان صلاته بدعوى أنّ ما بقي من صلاته يقعُ عن6.

ص: 29


1- منية الطالب: ج 1/406.

سببين مستقلّين.

وثانياً: أنّه لو فرض استناد الطلاق إلى الإكراه والرّضا، فمن حيث استناده إلى الإكراه لا يترتّب عليه الأثر، إلّاأنّه يترتّب عليه الأثر من حيث استناده إلى الرّضا.

وبعبارة أُخرى: الاستناد إلى الإكراه لا يؤثّر في البطلان، كما هو الحال في الرِّياء، بل يوجبُ عدم تأثير العقد المستند إليه، فلا يمنعُ عن صحّته، من حيث استناده إلى الرّضا.

وعليه، فالأظهر هي الصحّة في هذه الصورة.

الاحتمال الثالث: أنْ يكون كلٍّ من الإكراه والرّضا جزءُ السبب، بحيث أنّه لولا اجتماعهما لا يؤثّر كلّ منهما.

أقول: فالأقرب الصحّة في هذه الصورة أيضاً إمّا لعدم صدق صدور العقد عن الإكراه، أو أنّه على فرض الصدق يكون منصرفٌ النصوص، ما لو كان الإكراه سبباً تامّاً لصدوره، فلا يشمل المقام.

الوجه الرابع: أنْ يكون أحدهما سبباً مستقلّاً، والآخر ضميمة، فلا كلام في أنّه يلحقه حكمه، فإنْ كان السبب هو الرِّضا حكم بالصحّة، وإنْ كان هو الإكراه حكم بالبطلان.

الاحتمال الخامس: أنْ يكون الإكراه داعياً على الدّاعي على الطلاق:

إمّا لاعتقاده أنّ الحذر لا يتحقّق إلّابإيقاع الطلاق حقيقةً ، فيوطّن نفسه على رفع اليد عن الزوجة، فيوقع الطلاق قاصداً.

ص: 30

أو لجهله بالحكم الشرعي، فتخيّل أنّ الطلاق يقعُ مع الإكراه، فيُرضي نفسه بذلك ويُوطّنها عليه، فقد حكم الشيخ الأعظم رحمه الله(1) بتحقّق الإكراه في هذه الصورة، وخالفه المحقّق النائيني رحمه الله(2).

واستدلّ للصِّحة: بأنّه طلّق ناوياً ومريداً للطلاق، ثمّ احتمل البطلان من جهة أنّ الإكراه صار علّة لإرادة اسم المصدر، فالفعل بالأخرة يستند إليه، وإنْ كان الدّاعي الثانوي اختياريّاً.

وردّه: بأنّ لازمه بطلان أغلب المعاملات، فإنّها بالأخرة تنتهي إلى غيرالاختيار.

أقول: ولكن الحقّ ما أفاده الشيخ رحمه الله فإنّ توطين النفس، وإرادة الفعل واسم المصدر، لاينافي مع الإكراه، بل هذا المعنى ربما يستند إلى الرّضا وآخر إلى الإكراه، وإلّا فمع عدم الإرادة لا يصدق أنّه صدر عنه الطلاق عن إكراهٍ ، بل لم يصدر عنه، والنصوص إنّما ترفع أثر الطلاق الواجد لجميع مايعتبر فيه سوى أنّه صدر عن إكراه.

ودعوى: أنّه لو حكم ببطلان ذلك، لزم الحكم ببطلان أغلب المعاملات.

غريبة: فإنّه إنّما يحكم بالبطلان هنا للنصوص، ولا ربط لذلك بمسألة الاختيار وعدمه.

وعليه، فالأظهر هو البطلان في هذه الصورة.

ثمّ إنّه لايهمّنا التعرّض لما قيل في بيان مراد المصنّف رحمه الله وما يمكن أن يُورد عليه.8.

ص: 31


1- المكاسب: ج 3/327-328.
2- منية الطالب: ج 1/407-408.

صور تعلّق الإكراه

ثمّ إنّه بعدما عرفت حكم إكراه الزوج المطلِّق، يقع الكلام في صورتين:

إحداهما: ما لو تعلّق الإكراه بالزوج دون مُجري صيغة الطلاق، كما لو أكرهه على التوكيل في طلاق زوجته.

ثانيتهما: عكس ذلك، وهو ما لو أكره المطلِّق دون الزوج.

أمّا في الصورة الأُولى : فلا إشكال في فساد التوكيل، فالمطلِّق يكون فضوليّاً في طلاقه، فإن أجاز الزوج بعد ذلك الطلاق فإنّه لا إشكال في عدم صحّته؛ للإجماع(1)على عدم صحّة الفضولي في الإيقاعات وإن عقّبه الإجازة.

ولو أجاز الوكالة، فهل يصحّ الطلاق، بناءً على القول بالكشف، نظراً إلى أنّ الإجازة تتعلّق بالوكالة دون الطلاق أم لا؟

وجهان؛ أظهرهما الثاني، لأنّ معقد الإجماع على أنّ الإيقاع لا يصحّ أنْ يكون معلّقاً على الإجازة، وفي المقام صحّة الطلاق موقوفة على صحّة الوكالة، المتوقّفة على الإجازة، والمتوقّف على متوقّفٌ على شيء متوقّفٌ عليه، فتكون صحّة الطلاق موقوفة على الإجازة.

وعليه، فالأظهر عدم الصحّة، سواء تعلّقت الإجازة بالإيقاع أو بالتوكيل.

وأمّا الصورة الثانية: وهي ما لو تعلّق الإكراه بالمُجرِي للصيغة دون الزوج:

فقد يكون المُكرِه هو الزوج، كما لو قال الزوج للعاقد: (طلّق زوجتي).

ص: 32


1- غاية المراد: ج 3/37 قوله: (اختلف علماؤنا في كلّ عقد صدر من الفضولي... بعد اتّفاقهم على بطلان الإيقاع).

وقد يكون من الأجنبي، كما لو أكره الوكيلَ على طلاق زوجة الموكّل.

وفي المقام أقوال:

1 - الصحّة في الفرعين اختاره الشيخ الأعظم رحمه الله(1) وغيره(2).

2 - البطلان فيهما.

3 - التفصيل بين الفرعين، بالبناء على الصحّة في الفرع الأوّل، والبطلان في الثاني، اختاره المحقّق النائيني رحمه الله(3).

أقول: ذهب الشهيد رحمه الله إلى الصحّة في الفرع الأوّل، واحتمل وجهين في الثاني، وقال في الفرع الأوّل - بعد ذكر وجه الصحّة -:

(ويحتمل عدم الصحّة، نظراً إلى أنّ الإكراه يُسقط حكم اللّفظ، كما لو أمر المجنون بالطلاق فطلّقها).

ثمّ قال: (والفرق بينهما أنّ عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره، فإنّ عبارته مسلوبة لعارض تخلّف القصد، فإذا كان الأمر قاصداً لم يقدح إكراه المأمور)(4) انتهى.

وقال في الفرع الثاني: (ففي صحّته وجهان أيضاً: من تحقّق الاختيار في الموكل، ومن سلب عبارة المباشر)(5).

وكيف كان، فقد استدلّ للبطلان في الفرعين بوجوه عمدتها وجهان:).

ص: 33


1- المكاسب: ج 3/322-323 في قوله: (واعلم أنّ الإكراه...).
2- كالسيِّد الحكيم في نهج الفقاهة: ص 197-198 (السابع).
3- منية الطالب: ج 1/400-403 الجهة السادسة.
4- مسالك الأفهام: ج 9/22 (الأمر الخامس).
5- مسالك الأفهام: ج 9/23 (الأمر السادس).

الوجه الأوّل: أنّ مقتضى حديث(1) رفع الإكراه، رفع أثر الطلاق، وكذا مقتضى النصوص الخاصّة.

وفيه: إنّ لفعل الوكيل جهتين:

إحداهما: جهة العقديّة.

ثانيتهما: جهة قيامه بالوكيل.

والإكراهُ لا يؤثّر في فقد طلاق الوكيل لشيء من الاُمور المعتبرة فيه من الجهة الأُولى ، من العربيّة ونحوها، بعد كونه مستجمعاً لها، والجهة الثانية غير دخيلة في ترتّب الأثر وحصول الفرقة، لكون الوكيل أجنبيّاً عن الزوجة، بل طلاقه إنّما يؤثّر من حيث انتسابه إلى الزوج الموكّل، والمفروض عدم كونه مكرهاً، فما هو موضوع الأثر لم يتعلّق به الإكراه، وما تعلّق الإكراه به لا أثر له.

الوجه الثاني: أنّ القصد إلى المعنى شرطٌ في صحّة الطلاق، ومع الشكّ في ذلك لا أصل يُحرز به كون المُكره قاصداً له، إذ أصالة القصد الجارية في أفعال العقلاء، إنّما هي في الأفعال الاختياريّة دون المُكرَه عليها.

وفيه أوّلاً: أنّ الكلام إنّما هو بعد إحراز القصد.

وثانياً: أنّ أصالة القصد إنّما هي في مطلق الأفعال الاختياريّة في مقابل الاضطراريّة كحركة يد المرتعش.

واستدلّ المحقّق النائيني رحمه الله للبطلان في الفرع الثاني: بأنّ المكرَه إذا كان غير الزوج، فغاية ما هناك رضا الزوج بالطلاق، ومجرّد الرّضا لا يُصحّح الإستناد، كماس.

ص: 34


1- وسائل الشيعة: ج 23/224-228 باب 12 وج 16/235-237 من أبواب كتاب الإيمان وج 15/369-370 باب 56 من جهاد النفس.

أنّ الكراهة الباطنيّة ليست رَدّاً(1).

وفيه: أنّ محلّ الكلام هو كون المطلِّق وكيلاً مفوّضاً، وفعل الوكيل يستندُ إلى الموكّل من جهة الوكالة.

وعليه، فالأظهر هي الصحّة في الفرعين.

***2.

ص: 35


1- منية الطالب: ج 1/402.

والقصد.

اعتبار القصد

(و) الشرط الرابع: (القصد):

بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى ما ستعرف من اعتباره في جميع العقود والإيقاعات - جملة من النصوص:

منها: صحيح هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا طلاق إلّالمن أراد الطلاق»(2).

ومثله خبر عبد الواحد(3)، وصحيح زرارة(4)، وخبر اليسع(5).

ومنها: خبر اليسع، عن أبي جعفر عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«ولو أنّ رجلاً طلّق على سُنّة وعلى طُهر من غير جماع وأشهد، ولم ينو الطلاق، لم يكن طلاقه طلاقاً»(2).

ونحوها غيرها.

ص: 36


1- جواهر الكلام: ج 32/17. (2و3و4و5) التهذيب: ج 8/51 باب أحكام الطلاق ح 79 و 80. وح 27942، و 27941، الكافي: ج 6/62 باب أنّ الطلاق لا يقع إلّالمن أراد ح 1 و 2، وسائل الشيعة: ج 22/30-31 باب 11 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27943، وح 27944.
2- الكافي: ج 6/62 باب أنّ الطلاق لا يقع إلّالمن أراد ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/30 باب 11 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27940.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: إنّ للمطلِّق بحسب قصده اللّفظ وقصد معناه أحوالاً أربعة:

1 - أنْ يكون اللّفظ صادراً عنه عن غير قصدٍ، كاللّفظ الصادر من النائم أو الغالط.

2 - أنْ يكون اللّفظ مقصوداً له دون معناه، كما إذا قال: (أنتِ طالق) على وزن (أنتِ قائم).

3 - أنْ يكون المعنى مقصوداً له بالإرادة الاستعماليّة دون الإرادة الجديّة، كما إذا انشأ الطلاق بمعنى أنّه استعمل الصيغة في معناها من دون أنْ يكون هناك اعتبارٌ نفساني، ونظيره في الأخبار ما إذا أخبر عن شيء وحَكى عنه بداعي الهَزَل لا الجِدّ.

4 - أنْ يكون المعنى مقصوداً بالإرادة الجديّة.

ثمّ إنّ اعتبار القصد بالمعاني الثلاثة الأوّل في صحّة العقود والإيقاعات من القضايا التي قياساتها معها، فإنّ عناوين العقود والإيقاعات أُمورٌ قصديّة، ومع عدم هذه القصود لا يتحقّق تلكم العناوين، وفي المقام النصوص الخاصّة شاهدة به.

فإنْ قيل: إنّ اعتباره إنْ كان بهذه المكانة من الوضوح، فكيف وردت نصوصٌ مستفيضة في اعتباره ؟

قلنا: إنّ استفاضة النصوص في المقام إنّما هو في مقابل المحكيّ عن العامّة(1) من عدم اعتبار القصد مع النطق بالصريح، نعم هو معتبر في الكناية.).

ص: 37


1- بداية المجتهد لابن رشد الحفيد: ج 2/60 قوله: (وفقه المسألة عند الشافعي وأبي حنيفة أن الطلاق لا يحتاج عندهم إلى نيّة).

أقول: وبما ذكرناه يظهر أنّ جعل اعتبار القصد بالمعنى الثالث - الذي هو مورد النصوص وفتاوى الأصحاب - من شرائط المطلق كما فعله المصنّف رحمه الله أولى من جعله من شرائط العقد، فإنّه ليس من شؤون الصيغة، بل ممّا يعتبر في المطلق بالحمل الشائع.

وما ذكره بعض الأساطين: في وجه أولويّته من جعله من شرائط العقد من أنّه لا يتحقّق العقد بدونه.

يرد عليه: أنّه مع فقد سائر شرائط المطلق أيضاً لا يتحقّق العقد، أي صيغة الطلاق، فالمراد من شرائط المطلق في مقابل شرائط الصيغة، هو الاُمور التي تكون معتبرة في ترتّب الأثر على الإطلاق، مع كون مركزها المطلق.

الجهة الثانية: أنّه لا يقع الطلاق من الساهي والنائم والغالط، لأنّ أحداً منهم لا يقصد الطلاق ولا يريده، بل الثلاثة غير قاصدين للّفظ.

وعليه، فما عن «المسالك»(1) من الفرق بين الثالث والأولين، بأنّه قد تخلّف فيه قصد المعنى دون اللّفظ، بخلاف الأولين الذين تخلّفا معاً فيه، لا يخلو من نظر.

وأمّا الهازل: فهو قاصدٌ اللّفظ والمعنى ، غاية الأمر غير مريدٍ للطلاق بالإرادة الجديّة، فطلاقه أيضاً ليس بطلاقٍ لما مرَّ(2).

الجهة الثالثة: لو أوقع الطلاق، وقال بعد النطق بصيغته: (لم أقصد الطلاق بها)، فالمشهور(3) بين الأصحاب أنّه يُقبل منه ظاهراً، وإنْ تأخّر تفسيره، مالم تخرج المرأة عن العِدّة.0.

ص: 38


1- مسالك الأفهام: ج 9/24-25.
2- في أوائل بحث: اعتبار القصد.
3- جواهر الكلام: ج 32/20.

واستدلّوا له: بأنّه إخبارٌ عن نيّته التي لا تُعلم إلّامِن قِبله، ومقتضى الأصل عدمها.

وأورد عليهم الشهيد الثاني وتابعوه: باقتضاء مثل ذلك في البيع وغيره من العقود والإيقاعات، مع الاتّفاق على عدم قبول قوله فيها، مع أنّ الأمر في الطلاق أشدّ(1).

وأجاب عنهم صاحب «الجواهر» رحمه الله بما حاصله:

(إنّ الفرق بين الطلاق وما يشبهه من الإيقاعات، وبين غيرها من العقود، أنّ الطلاق ليس له إلّاطرفٌ واحدٌ وهو الإيقاع من الموقع، وأصل الصحّة لا يجري فيه بعد اعتراف فاعله بالفساد بما لا يعلم إلّامن قِبله، بخلاف البيع مثلاً، فإنّه لو ادّعى الموجب عدم القصد المقتضي لفساد إيجابه، وعدم جريان أصالة الصحّة فيه، عورض بأصالة الصحّة في القبول الذي هو فعل مُسلمٍ أيضاً، والأصل فيه الصحّة التي تتوقّف على العلم بصحّة الإيجاب، بل يكفي فيها احتمال الصحّة الذي لا ريب في تحقّقه مع دعواه التي لا تمضي إلّافي حقّه بالنسبة إلى العقد المركّب سببه منهما)(2).

وفيه: إنّ أصالة الصحّة في القبول إنّما تجري ويُجتزي بها مع إحراز صحّة الإيجاب بالقطع أو الدليل أو الأصل، فمع إحراز عدم صحّته بالأصل، لا تجري أصالة الصحّة في القبول، لعدم الأثر، فلا يقع التعارض بين الأصلين أصلاً، بل الأوّل رافعٌ للثاني.1.

ص: 39


1- مسالك الأفهام: ج 9/26، نهاية المرام: ج 2/13 قوله: (ولو ادّعى المطلّق عدم القصد... لم يقبل منه كما في سائر التصرّفات القوليّة...)، كفاية الأحكام: ص 199.
2- جواهر الكلام: ج 32/21.

مع أنّه لو سُلّم التعارض، لزم منه التساقط، فلا مُحرز لصحّة البيع.

قال الشهيد قدس سره(1): يمكن أنْ يكون مستند حكمهم بذلك وتخصيص الطلاق رواية منصور بن يونس في الموثّق، عن الإمام الكاظم عليه السلام، قال: «سألتُ العبد الصالح وهو بالعُرَيض، فقلت: جُعلت فداك إنّي تزوّجت امرأةً ، وكانت تُحبّني، فتزوّجت عليها ابنة خالي، وقد كان لي من المرأة ولدٌ فرجعتُ إلى ...

وجاءفي آخره: إنّه يدّعي الزوج أنّي إنّما طلّقت المرأة مداراةً وما أردتُ الطلاق ؟

قال عليه السلام: أمّا بينك وبين اللّه تعالى فليس بشيء، ولكن إنْ قدّموك إلى السلطان أبانها منكَ »(2).

ويرد عليه: أنّ الخبر أدلّ على العكس، فإنّه ظاهرٌ في أنّ الطلاق وإنْ كان باطلاً واقعاً، إلّاأنّه لا يقبل دعوى ذلك عند الترافع إلى السلطان.

وربما أُورد على المشهور: بأنّه لا فرق على هذا بين كون ادّعاء عدم القصد بعد العِدّة أو في أثناء العِدّة.

وأجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله: (بأنّه يُقبل قوله ما دامت في العِدّة، لبقائها في تعلّقه وفي يده على وجهٍ يقبل قوله في الفعل المتعلّق بها نحو إخبار صاحب اليد بما يقبل منه ما دام هو كذلك، وبخروجها عن العِدّة تكون أجنبيّة لا يُقبل قوله في الفعل المتعلّق بها نحو إخبار صاحب اليد بالمال بعد خروجه من يده)(3).2.

ص: 40


1- مسالك الأفهام: ج 9/27.
2- الكافي: ج 6/127 باب طلاق المضظرّ ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/87 باب 28 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28095.
3- جواهر الكلام: ج 32/22.

وفيه أوّلاً: أنّ المرأة في العِدّة البائنة أجنبيّة، والزوجيّة زائلة عنها بالكليّة، وإنّما فائدة العِدّة استبراء الرّحم من أثر الزوج، وهو أمرٌ خارج عن الزوجيّة.

وثانياً: أنّ كونها تحت حباله وعدمه لا يوجبُ الفَرق فيما هو مقتضى الدليل المزبور، وهو الإخبار عمّا لا يعلم إلّامن قبله.

وثالثاً: أنّ قبول الأخبار عمّا تحت اختياره حتّى في مثل المقام ممّا لم يدلّ عليه دليل.

فالمتحصّل: عدم تماميّة ما نُسب إلى المشهور، إلّاأنْ يكون مرادهم ذلك في العِدّة الرجعيّة، فإنّ دعواه حينئذٍ عدم القصد كإنكار الطلاق يكون رجوعاً، لكنّه لا يُلائم مع إطلاق كلامهم، وما استدلّوا به له.

وعليه، فالأظهر عدم القبول، لأنّ الظاهر من حال العاقل المختار القصد إلى مدلول اللّفظ الذي يتكلّم به، فإخباره بخلاف ذلك منافٍ للظاهر، وهذا الأصل العقلائي مقدّمٌ على العلّة التي ذكروها.

نعم، في خصوص العِدّة الرجعيّة يُقبل قوله لما تقدّم.

هذا فيما إذا لم تُصادقه المرأة على ذلك، وإلّا فيقبل قوله، لكون الحقّمنحصراً فيهما، فيعاملان بما اتّفقا عليه، ويرجع أمرهما في الصدق والكذب إلى اللّه عزّ وجلّ .

***

ص: 41

جواز الوكالة في الطلاق

اختلف الأصحاب في اعتبار المباشرة وجواز الوكالة في الطلاق على أقوال:

1 - ما هو المشهور(1) بين المتقدّمين والمتأخّرين من عدم اعتبارها، وجواز الوكالة فيه للغائب والحاضر.

2 - ما عن الشيخ(2) وابني البرّاج(3) وحمزة(4) من التفصيل بين الحاضر والغائب، فيجوز الوكالة عن الغائب دون الحاضر.

3 - ما عن حسن بن سماعة(5) من اعتبار المباشرة مطلقاً.

4 - ما عن الشيخ الكليني رحمه الله(6) من التوقّف في المسألة.

يشهد للأوّل: - مضافاً إلى إطلاق أدلّة الوكالة(7) فيما لا غَرض للشارع في اعتبار المباشرة فيه، كالعقود والإيقاعات الّتي منها الطلاق - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح سعيد الأعرج، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرّجل جعل أمر إمراته إلى رجلٍ ، فقال: اشهدوا إنّي قد جعلتُ أمر فلانة إلى فلان فيطلّقها، أيجوز ذلك للرجل ؟ فقال عليه السلام: نعم»(8).

ص: 42


1- مسالك الأفهام: ج 9/28.
2- النهاية: ص 511.
3- المهذّب: ج 2/277.
4- الوسيلة: ص 323.
5- الكافي: ج 6/130 باب الوكالة في الطلاق ذيل ح 6.
6- الكافي: ج 6/129-130 باب الوكالة في الطلاق.
7- وسائل الشيعة: ج 19/161-169.
8- الكافي: ج 6/129 باب الوكالة في الطلاق ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/88 باب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28096.

ومنها: صحيح ابن مسكان، عن أبي هلال الرازي(1)، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: رجلٌ وكّل رجلاً يطلّق إمرأته إذا حاضت وطَهُرت، وخَرَج الرّجل فبدا له، فأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمَرَهُ به، وأنّه قد بدا له في ذلك ؟

قال عليه السلام: فليُعلم أهله، وليُعلم الوكيل»(2).

ومنها: قوي السكوني، عنه عليه السلام، قال: «قال أمير المومنين عليه السلام: في رجلٍ جعل طلاق إمرأته بيد رجلين، فطلّق أحدهما وأبى الآخر، فأبى أميرالمؤمنين عليه السلام أن يُجيز ذلك حتّى يجتمعا جميعاً على طلاق»(3).

ونحوه خبر مسمع عنه عليه السلام(4).

ومنها: صحيح محمّد بن عيسى اليقطيني، قال: «بعث إليَّ أبو الحسن عليه السلام رزم ثياب - إلى أنْ قال: - وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رخيم زوجةً كانت له، وأمرني أن اُطلّقها عنه، واُمتّعها بهذا المال، وأمرني أن اُشهد على طلاقها صفوان بن يحيى وآخر نسي محمّد بن عيسى إسمه»(3).

أقول: ومقتضى ترك الاستفصال في جملةٍ من هذه النصوص، عدم الفرق بين الحاضر والغائب، ومايختصّ منها بالغائب لا مفهوم له كي يقيّد به سائر النصوص.1.

ص: 43


1- معجم رجال الحجّ : 23/88 رقم الترجمة 14938 قوله: (أبو هلال الرازي: عدّه البرقي من أصحاب الصادق عليه السلام. روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وروى عنه ابن مسكان...).
2- الكافي: ج 6/129 باب الوكالة في الطلاق ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/89 باب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28098. (3و4) الكافي: ج 6/129 باب الوكالة في الطلاق ح 3 و 5، وسائل الشيعة: ج 22/89-90 باب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28097-28099.
3- التهذيب: ج 8/40 باب أحكام الطلاق ح 40، وسائل الشيعة: ج 22/90 باب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28101.

واستدلّ للقول الثاني:

1 - بأنّه مقتضى الجمع بين هذه النصوص، وبين خبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تجوز الوكالة في الطلاق»(1)، بحمل تلكم النصوص على الغائب، وهذا على الحاضر.

2 - وبظهور نصوص حَصر الطلاق الصحيح في قول الرّجل لإمرأته في قَبل العِدّة بعدما تطهُر من مَحيضها قبل أن يُجامعها: «أنتِ طالق»(2)، باعتبار أنّها مساقة سوق التعريف الملحوظ قيديّة كلّ ما يُذكر فيه، وحينئذٍ فمن ذلك، المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب.

ولكن يُردّ الأوّل: - مضافاً إلى ضعف سند خبر زرارة، وإعراض المشهور عنه - أنّ الجمع المزبور تبرّعي لا شاهد به، كما أنّ ما في «الوسائل» من احتمال حَمل خبر زرارة على الإنكار دون الإخبار، وعلى عدم علم الوكيل بطُهر الزوجة، وعلى عدم جوازها بمجرّد الدعوى(3)، كلّها خلاف الظاهر.

فإنْ أمكن الجمع بينه وبين تلكم النصوص بحمله على الكراهة، وإلّا فيتعيّن طرحه، لأرجحيّة تلكم النصوص من وجوه لا تخفى .

ويَردُ على الثاني: أنّ النصوص المشار إليها في مقام بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو: (أنتِ خليّة) وشبهها.0.

ص: 44


1- الكافي: ج 6/130 باب الوكالة في الطلاق ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/90 باب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28100.
2- وسائل الشيعة: ج 22/41-43 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق.
3- وسائل الشيعة: ج 22 باب 90 ذيل ح 28100.

ولذا لم يُعتبر في الصيغة الخطاب قطعاً، مع أنّه لو ثبت المفهوم لها فهو مطلق يقيّد بما تقدّم.

واستدلّ للثالث: بخبر زرارة، وقد عرفت ما فيه.

وعليه، فالأظهر هو جواز الوكالة فيه مطلقاً، للغائب والحاضر.

وهل يجوز أن يوكّلها في طلاق نفسها، ويجعل الأمر إليها في ذلك كما هو المشهور(1) بين الأصحاب، أم لا يصحّ كما عن الشيخ في «المبسوط»(2)؟ وجهان:

واستدلّ للأوّل: - المصنّف رحمه الله في «المختلف» عليماحُكي - بأنّه فعلٌ يقبل النيابة، والمحلّ قابلٌ فجاز كما لو وكّل غيرها من النساء، أو توكّلت في طلاق غيرها(3).

واستدلّ الشهيد الثاني رحمه الله له: بإطلاق ما دلّ على جواز النيابة فيه مطلقاً، قال:

(وهو يشمل استنابتها كغيرها)(4).

أقول: والظاهر أنّ مراده إطلاق أدلّة الوكالة، وإلّا فنصوص الوكالة في الطلاق مختصّة بغيرها، فيرجع ما أفاده إلى ما ذكره المصنّف رحمه الله.

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّ القابلَ لا يكونُ فاعلاً.

2 - وبظاهر قوله عليه السلام: «الطلاق بيد من أخذ بالسّاق»(5)، بدعوى أنّه يقتضيا.

ص: 45


1- الحدائق الناضرة: ج 25/172.
2- المبسوط: ج 5/29.
3- مختلف الشيعة: ج 7/388-389.
4- مسالك الأفهام: ج 9/29.
5- المستدرك: ج 15/306 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 18329، السرائر: ج 2/673، والحديث لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في كليهما.

وللوليّ أن يُطلّق عن المجنون، لا الصغير والسّكران.

عدم صحّة التوكيل مطلقاً، خرج عنه غير المرأة بدليلٍ من الخارج، فتبقى هي على أصل المنع.

ويُردُّ الأوّل: - مضافاً إلى كفاية التغاير الاعتباري في العقود - أنّ الطلاق من الإيقاعات، وليس له إلّاطرفٌ واحد، ولا قابل له.

ويُردّ الثاني: أنّ ظاهره إرادة أنّ ولايته بيده على وجهٍ لا يُنافي توكيله، فإنّ كون الطلاق بيده كناية عن تسلّطه عليه، ولا ربط له بإجراء الصيغة وكالةً .

وبالجملة: فالأظهر هو الأوّل، وبه يظهر ضعف القول الثاني، كما أنّه ظهر أنّه لا وجه لتوقّف المحقّق السبزواري(1)، والمحدِّث الكاشاني(2)، والمحدِّث البحراني(3)في ذلك.

لا يجوز طلاق ولي الصغير عنه

مسألة: (و) المشهور(4) بين الأصحاب أنّه (للوليّ أن يُطلّق عن المجنون، لا الصغير والسكران).

أقول: هاهنا فروع:

ص: 46


1- كفاية الأحكام: ص 199.
2- مفاتيح الشرائع: ج 2/314.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/173.
4- مسالك الأفهام: ج 9/11-12.

الفرع الأوّل: لو طلّق الوليّ عن الصَّبي قبل بلوغه لا يصحّ طلاقه، والظاهر أنّه لا خلاف فيه، بل عن جماعةٍ دعوى الإجماع(1) عليه.

ويشهد به:

1 - صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الصَّبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟

قال: إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم.

قلت: فهل يجوز طلاق الأب ؟ قال عليه السلام: لا»(2).

ومثله موثّق عبيد بن زرارة(3).

2 - وصحيح الحلبي، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الغلام له عشر سنين فزوّجه أبوه في صغره، أيجوز طلاقه وهو ابنُ عشر سنين ؟

فقال عليه السلام: أمّا تزويجه فهو صحيحٌ ، وأمّا طلاقه فينبغي أن تُحبس عليه إمرأته حتّى يُدرك، فيعلَم أنّه كان قد طلّق، فإن أقرَّ بذلك وأمضاه، فهي واحدة بائنة، وهو خاطبٌ من الخطّاب، وإنْ أنكر ذلك وأبى أن يمضيه، فهي إمرأته» الحديث(4).

3 - وخبر الفضل بن عبد الملك، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال: لا بأس.5.

ص: 47


1- نهاية المرام: ج 2/8، الحدائق الناضرة: ج 25/153، وفي رياض المسائل: ج 11/39 (ط. ج) قوله: (الإجماع المحكيّ في كلام جماعة).
2- التهذيب: ج 7/388 باب عقد المرأة على نفسها ح 32، وسائل الشيعة: ج 20/292 باب 12 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح 25657.
3- الكافي: ج 7/132 باب ميراث الغلام ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/80 باب 33 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28075.
4- الفقيه: ج 4/310 باب ميراث الصبيان ح 5665، وسائل الشيعة: ج 26/220 باب 11 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32865.

قلت: يجوز طلاق الأب ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

الفرع الثاني: للوليّ أن يطلّق عن المجنون في الجملة، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عن فخر(2) المحقّقين الإجماع عليه.

وعن الشيخ في «الخلاف»(3) والحِلّي(4): المنع عن ذلك.

واستدلّ للأوّل: بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح أبي خالد القمّاط، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل الأحمق الذاهب العقل، أيجوز طلاق وليّه ؟

قال عليه السلام: ولِمَ لا يُطلِّق هو؟!

قلت: لا يؤمن إنْ طلَّق هو أنْ يقول غداً: لم أُطلِّق، أو لا يُحسِن أن يطلّق ؟

قال عليه السلام: ما أرى وليّه إلّابمنزلة السلطان»(5).

ومنها: خبره الآخر، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ يعرف رأيه مرّةً وينكره أُخرى ، يجوز طلاق وليَّه عليه ؟

قال عليه السلام: ما له هو لا يُطلِّق ؟!

قلتُ : لا يعرف حَدّ الطلاق، ولا يؤمَن عليه إنْ طلَّق اليوم أنْ يقول غداً لم أُطلّق.4.

ص: 48


1- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/80 باب 33 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28074.
2- إيضاح الفوائد: ج 3/292.
3- الخلاف: ج 4/442 مسألة 29.
4- السرائر: ج 3/673.
5- الكافي: ج 6/125 باب طلاق المعتوه ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/84 باب 35 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28084.

قال عليه السلام: ما أراه إلّابمنزلة الإمام يعني الولي»(1).

والمراد كونه (بمنزلة الإمام) في الطلاق كما صرّح به في خبره الثالث عنه أيضاً في طلاق المعتوه، قال عليه السلام: «يطلّق عنه وليّه، فإنّي أراه بمنزلة الإمام»(2).

ومنها: خبر شهاب بن عبد ربّه، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: المعتوه الذي لا يَحسن أنْ يُطلِّق، يطلّق عنه وليّه على السُّنة» الحديث(3).

أقول: وهذه النصوص وإنْ كانت في المعتوه وهو ناقص العقل كما مرَّ(4)، ومثله يصحّ مباشرته للطلاق بإذن الولي، ولذا يقول الإمام عليه السلام مستنكراً: «ما له لا يُطلِّق ؟!» ويعلّل السائل عدم طلاقه بكونه منكراً للطلاق أو لا يعرف حدوده، ولا ينافي ذلك النصوص المتقدّمة(5) الدالّة على أنّه لا يصحّ طلاق المعتوه، لأنّ المراد بها استقلاله فيه، لا تصدّيه له بإذن الوليّ .

وبه يظهر اندفاع ما أورده الشهيد الثاني رحمه الله على الاستدلال بهذه النصوص:

(بعدم وضوح دلالتها، فإنّ السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل، ثمّ يقول له الإمام عليه السلام: «ما له لا يُطلِّق» مع الإجماع على أنّ المجنون ليس له مباشرة الطلاق، ولا أهليّة التصرّف، ثمّ يعلّل السائل عدم طلاقه بكونه منكراً الطلاق أو لا يعرفم.

ص: 49


1- الكافي: ج 6/125 باب طلاق المعتوه ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/81 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28076.
2- الكافي: ج 6/126 باب طلاق المعتوه ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/84 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28086.
3- الكافي: ج 6/125 باب طلاق المعتوه ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/84 باب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28085.
4- تقدّم في هذا الجزء (اعتبار العقل في المطلق).
5- كما في حسن السكوني المتقدّم.

حدوده، ثمّ يُجيبه بكون الوليّ بمنزلة السلطان)(1) انتهى .

إلّا أنّها تدلّ على حكم المجنون بالفحوى، بل ظاهر الخبر الثاني للقمّاط كونه في الجنون الأدواري، فيتمّ في غيره بالفحوى ، وعدم القول بالفصل.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بإجماع(2) الفرقة.

2 - وبأصالة بقاء العقد وصحّته.

3 - وبقوله صلى الله عليه و آله: «الطلاق بيد من أخذ بالسّاق»(1).

ولكن الأوّل: موهونٌ بذهاب الأكثر إلى خلافه، ويخرج عن الأخيرين بالنصوص المتقدّمة.

وظاهر المتن كغيره عدم الفرق هنا بين المتَّصل جنونه بالبلوغ وعدمه، وهو كذلك لإطلاق النصوص.

وهل تثبت ولاية الحاكم أيضاً في المقام، من جهة تنزيل الوليّ منزلة الإمام الدالّ بالالتزام على أنّ للإمام أيضاً ذلك أم لا، لقوّة احتمال إرادة أنّه بمنزلته، حيث يكون له الولاية، فلا شركة بينهما؟

فيها وجهان، أظهرهما الثاني.

الفرع الثالث: لا خلاف في أنّه ليس لأحدٍ أن يُطلِّق عن السكران(2)؛ لأنّ الطلاق بيد من أخذ بالسّاق، ولعدم ثبوت الولاية، وهو واضحٌ جدّاً.

***5.

ص: 50


1- المستدرك: باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق ح 3.
2- مسالك الأفهام: ج 9/13 و 15.

وفي المطلَّقة دوام الزوجيّة.

اعتبار كون المطلّقة زوجة بالعقد الدائم

(و) الركن الثاني: (في المطلّقة):

أقول: وشروطها أربعة، بل خمسة:

الشرط الأوّل: (دوام الزوجيّة)، وهذا ينحلّ إلى قيدين:

أحدهما: الزوجيّة.

ثانيهما: أن تكون بالعقد الدائم.

أمّا القيد الأوّل: فاعتباره إجماعيٌّ (1)، وفي «الجواهر»: (بل لعلّه من ضروريّات المذهب)(2)، فلا يصحّ طلاق الموطوءة بالمِلك والأجنبيّة وإنْ تزوّجها بعد ذلك.

ويشهد به: - مضافاً إلى الإجماع، وإلى أنّه لإزالة قيده - النصوص الآتية، سيّما ما تضمّن منها قوله عليه السلام: «لا طلاق إلّابعد النكاح».

وهل يصحّ الطلاق قبل النكاح معلّقاً بالتزويج أم لا؟

الأظهر هو الثاني، من غير فرقٍ بين تعيين الزوجة، كأن يقول: (إنْ تزوّجت فلانة فهي طالق) أو أطلق أو عمّم، كما لو قال: (كلّ من أتزوّجها فهي طالق).

والظاهر أنّه لا خلاف فيه، وليس الوجه فيه بطلان التعليق في الإنشاء، لما مرَّ في كتاب النكاح(3) من عدم الدليل عليه سوى الإجماع، والمتيقّن منه التعليق على

ص: 51


1- مسالك الأفهام: ج 9/34.
2- جواهر الكلام: ج 32/27.
3- فقه الصادق: ج 31/39.

ما لا يكون معلّقاً عليه في نفسه، فلا يشمل التعليق في المقام على الزوجيّة.

وقد قال الشيخ في محكيّ «المبسوط»: (إنّ التعليق على ما يتوقّف صحّة العقد عليه، ليس إلّاشرطاً لما يقتضيه إطلاق العقد، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره وشرطه)(1) انتهى .

أقول: وليس وجهه أيضاً ما في «الحدائق» من أنّ الطلاق توقيفي، فلابدّ من الاقتصار على ما ثبت صحّته بالشرع، ولم يثبت مع التعليق على الزوجيّة(2)، فإنّه يكفي في الحكم بالصحّة المطلقات.

بل الوجه فيه النصوص الخاصّة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ : «أنّه سُئل عن رجلٍ قال: كلّ امرأةٍ أتزوّجها ما عاشت اُمّي فهي طالق ؟

فقال عليه السلام: لا طلاق إلّابعد نكاح»(3) الحديث.

ورواه الصدوق مرسلاً عن النبيّ (4) صلى الله عليه و آله.

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ قال: إنْ تزوّجت فلانة فهي طالق... إلى أنْ قال: فقال عليه السلام: ليس بشيء لا يُطلِّق إلّا ما يملك»(5).6.

ص: 52


1- المبسوط: ج 2/385.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/173 والعبارة منقولة بتصرّف.
3- الفقيه: ج 3/496 باب طلاق السُّنة ح 4752، وسائل الشيعة: ج 22/31 باب 12، ح 27945.
4- المقنع: ص 463.
5- الكافي: ج 6/63 باب أنّه لا طلاق قبل النكاح ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/32 باب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27946.

ومنها: خبر سليمان، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام في حديثٍ : «في رجلٍ سَمّى امرأةً بعينها، وقال يوم يتزوّجها فهي طالق ثلاثاً، ثمّ بدا له أن يتزوّجها، أيصلح ذلك ؟

فقال: إنّما الطلاق بعد النكاح»(1).

ومنها: خبر زكريّابن آدم، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن طلاق السكران، والصَّبي، والمعتوه، والمغلوب على عقله، ومن لم يتزوّج بعد؟

فقال: لا يجوز»(2).

إلى غير تلكم من النصوص المستفيضة.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

وأمّا القيد الثاني: وهو دوام الزوجيّة، فلا يقع الطلاق بالمتمتّع بها.

أقول: الظاهر أنّه لا خلاف فيه، بل الإجماع بقسمية عليه، كما في «الجواهر»(3)، وقد استدلّ لذلك:

1 - بالنصوص المتقدّمة الحاصرة للطلاق في النكاح، المتبادر منه الدوام.

2 - وبظهور حَصر طلاقها في شرطها مضيّاً، أو إسقاطاً في ذلك، لاحظ خبر هشام بن سالم، قال:

«قلت: كيف يتزوّج المتعة ؟

قال: يقول أتزوّجكِ كذا وكذا يوماً بكذا وكذا درهماً، فإذا مضت تلك الأيّام8.

ص: 53


1- الكافي: ج 6/63 باب أنّه لا طلاق قبل النكاح ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/32 باب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27947.
2- التهذيب: ج 8/73 با ب أحكام الطلاق ح 165، وسائل الشيعة: ج 22/34 باب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27956.
3- جواهر الكلام: ج 32/28.

كان طلاقها في شرطها»(1).

3 - وبما دلّ علي أنّ المتمتّع بها تبين بغير طلاق، كصحيح عمر بن اُذينة، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ في المتعة قال عليه السلام:

«فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاقٍ »(2).

أقول: ويمكن المناقشة في الكلّ :

أمّا الأوّل: فبمنع كون المتبادر من النكاح الدوام.

وأمّا الأخيران: فلأنّه لا مفهوم لهما كي يدلّان على عدم سببيّة غير ما ذكر، ولذلك قال الشهيد الثاني رحمه الله:

(والاعتماد على الاتّفاق، وإلّا فتعدّد الأسباب ممكنٌ )(3).

وقال في «الجواهر»: (وإنْ لم يحضرني من النصوص ما يدلّ على عدم وقوع الطلاق بالمتمتّع بها، نعم فيها ما يدلّ على حصوله بانقضاء المدّة وبهبتها، ولكن ذلك لا يقتضي عدم صحّته عليها، لإمكان تعدّد الأسباب)(4) ثمّ استدلّ له بما تقدّم.

ولكن الأولى أن يستدلّ له بالخبر الذي رواه محمّدبن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في المتعة، قال:

«ليست من الأربع، لأنّها لا تطلّق، ولا ترث، وإنّما هي مستأجرة»(5).4.

ص: 54


1- الكافي: ج 5/455 باب شروط المتعة ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/44 باب 18 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 26488.
2- الكافي: ج 5/451 باب أنّهنّ بمنزلة الإماء ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/77 باب 43 من أبواب المتعة، ح 26575.
3- مسالك الأفهام: ج 9/35.
4- جواهر الكلام: ج 32/28.
5- الكافي: ج 5/451 باب أنّهنّ بمنزلة الإماء ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/77 باب 43 من أبواب المتعة، ح 26574.

وخلوّها عن الحيض والنفاس إنْ كان حاضراً ودخل بها.

يشترط في المطلّقة أن تكون طاهرة

(و) الشرط الثالث: (خلوّها عن الحيض والنفاس إنْ كان حاضراً ودخل بها) بلا خلافٍ (1) فيه نصّاً وفتوى.

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(2).

ويشهد به: جملةٌ من النصوص المستفيضة بل المتواترة:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق إمرأته وهي حائض ؟ فقال: الطلاق لغير السُّنة باطلٌ »(3).

ومنها: صحيح عمر بن اُذينة، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وبُكير وبُريد وفضيل وإسماعيل الأزرق ومعمّر بن يحيى ، كلّهم عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:

«إذا طلّق الرّجل في دم النفاس، أو طلّقها بعدما يمسّها، فليس طلاقه إيّاها بطلاق»(4).

ص: 55


1- مسالك الأفهام: ج 9/35 قوله: (اتّفق العلماء...).
2- جواهر الكلام: ج 32/29.
3- الكافي: ج 6/58 باب من طلّق لغير السُّنة والكتاب ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/20 باب 8 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27911.
4- الكافي: ج 6/60 باب من طلّق لغير السُّنة والكتاب ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/20 باب 8 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27914.

ومنها: صحيح عمر بن اُذينة، عن بكير بن أعين، وغيره، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «كلّ طلاقٍ لغير العِدّة فليس طلاقه بطلاق، أن يطلّقها وهي حائض، أو في دم نفاسها، أو بعدما يغشاها قبل أن تحيض، فليس طلاقه بطلاق»(1).

إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: ثمّ إنّ ظاهر النصوص شمول الحكم للحيض والنفاس الشرعيّين، المندرج فيهما البياض المتخلّل بين الدَّمين والحيض بالاختيار.

نعم، المنساق منها ذات الدّمين فعلاً أو حكماً، بخلاف من نقت ولم تغتسل من الحَدَث.

وهل هما مانعان، أو أنّ الخلوّ منهما شرطٌ؟

المتيقّن من النصوص هو الأوّل، وعلى العكس ظاهرُ الفتاوى، ولعلّ الأظهر هو الثاني، فإنّ الظاهر من النصوص المتعدّدة استفادة الشرط المزبور من قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا اَلْعِدَّةَ ) (2)، لأنّ المراد طلاقهنّ في طُهرٍ يكون من عدّتهن، والحائض حال حيضها ليست كذلك، وكذا ذات الطُّهر المواقعة فيه.

ورتّب على النزاع صاحب «الجواهر» رحمه الله(3): أنّه على القول بشرطيّة الخلوّ، يبطل طلاق المجهول حالها، الظاهر بطلان الطلاق على القولين، إذ كما أنّه على القول بالشرطيّة يقال يعتبر الخلوّ وهو مشكوك فيه، فحصول الطلاق مشكوكٌ فيه، والأصل عدمه، كذلك يقال على القول بالمانعيّة.0.

ص: 56


1- الكافي: ج 6/61 باب من طلّق لغير السُّنة والكتاب ح 17، وسائل الشيعة: ج 22/22 باب 8 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27918.
2- سورة الطلاق: الآية 1.
3- جواهر الكلام: ج 32/29-30.

واحتمال وجود المانع، وإنْ تشبّث بأصالة عدم الحيض:

يُجاب: بأنّه في كلّ موردٍ جرى ذلك يجري أصالة الخلوّ عن الحيض، فتدبّر.

أقول: ولا يعتبر الخلوّ من الحيض والنفاس في موارد:

المورد الأوّل: الحامل.

المورد الثاني: غير المدخول بها، فإنّه يصحّ طلاقهما حائضين بناءً على مجامعة الحيض للحمل، بلا خلافٍ (1)، ويشهد بذلك جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا بأس بطلاق خمسٍ على كلّ حال: الغائب عنها زوجها، والتي لم تحض، والتي لم يدخل بها زوجها، والحُبلى، والّتي قد يئست من المحيض»(2).

ومنها: صحيح الفاضلين زرارة ومحمّد بن مسلم وغيرهما، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «خَمسٌ يطلّقهن أزواجهنّ متى شاءوا: الحامل المستبين حملها، والجارية التي لم تحض، والمرأة التي قد قعدت من المحيض، والغائبُ عنها زوجها، والتي لم يدخل بها»(3).

ومنها: صحيح حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«خمسٌ يُطلّقن على كلّ حال: الحامل، والّتي قد يئست من المحيض، والّتي لم يَدخلُ بها، والغائبُ عنها زوجها، والّتي لم تبلغ المحيض»(4).7.

ص: 57


1- جواهر الكلام: ج 32/30.
2- الكافي: ج 6/79 باب النساء اللّاتي يطلّقن على كلّ حال ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28005.
3- التهذيب: ج 8/70 باب أحكام الطلاق ح 149، وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28006.
4- الخصال: ص 303 ح 81، وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28007.

ولو كان غائباً.

ونحوها غيرها.

فإنْ قيل: إنّ النسبة بين هذه النصوص، وبين نصوص اعتبار الخلوّ من الحيض عمومٌ من وجه، فما وجه تقديم هذه ؟

قلنا أوّلاً: إنّ المنساق من عموم: «على كلّ حال» إرادة هذه الحال.

وبعبارة أُخرى: أنّها ناظرة إلى مادلّ على أنّه لايُطلّق المرأة في بعض الأحوال، وتدلّ على أنّ هذه الخمسة يطلّقنّ حتّى في تلك الحال، فتكون حاكمةً عليها.

وثانياً: أنّه لو سُلّم كون التعارض بالعموم من وجه، يقدم هذه النصوص للإجماع وغيره.

جواز طلاق الحائض والنفساء إذا كان الزوج غائباً

(و) المورد الثالث: ما (لو كان) الزوج (غائباً) بلا خلافٍ (1) فيه في الجملة، والنصوص المتواترة دالّة عليه، منها ما تقدّم(2)، ومنها ما سيأتي شاهدة به.

أقول: إنّما «الخلاف» في قدر الغيبة الموجبة لجواز الطلاق في المحيض:

فعن جماعةٍ كالمفيد(3)، ووالد الصدوق(4)، والعُمّاني(5)، والديلمي(6)، والحلبي(7):

ص: 58


1- مسالك الأفهام: ج 9/36-37.
2- كما في الصفحتين السابقتين.
3- المقنعة: ص 526-527.
4- فقه الرّضا: ص 244، كما حكاه عنه العلّامة.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/356-357.
6- المراسم: ص 163.
7- الكافي في الفقه: ص 306.

يقدّر انتقالها من طُهرٍ إلى آخر.

أنّه يجوز مطلقاً من دون تقدير للمدّة بقدر.

وعن الشيخ في «النهاية»(1)، وابن حمزة(2): تقديرها بشهرٍ.

وعن الإسكافي(3)، والمصنّف في «المختلف»(4): تقديرها بثلاثة أشهر.

وعن الشيخ في «الاستبصار»(5)، والحِلّي(6)، والمصنّف(7) في أكثر كتبه، والمحقّق(8): أنّه (يقدّر انتقالها مِن طُهر) وطأها فيه (إلى) طُهرٍ (آخر)، وهو المشهور(9)بين المتأخّرين.

ومنشأ الاختلاف، اختلاف النصوص، فإنّ :

طائفة منها: تدلّ على جواز أن يطلّق الغائب إمرأته مطلقاً:

منها: النصوص المتقدّمة(10).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن الرّجل يطلّق إمرأته وهو غائب ؟ء.

ص: 59


1- النهاية: ص 512.
2- الوسيلة: ص 320.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/357.
4- مختلف الشيعة: ج 7/357-358.
5- الاستبصار: ج 3/295 ذيل ح 1043.
6- السرائر: ج 2/690-691.
7- إرشاد الأذهان: ج 2/42، قواعد الأحكام: ج 3/126.
8- شرائع الاسلام: ج 3/581.
9- رياض المسائل: ج 11/49 (ط. ج).
10- تقدّمت في هذا الجزء.

قال عليه السلام: يجوز طلاقه على كلّ حال، وتعتدّ إمرأته من يوم طلّقها»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يطلّق إمرأته وهو غائب، فيعلم أنّه يوم طلّقها كان طامثاً؟ قال عليه السلام: يجوز»(1).

وبإطلاق هذه الأخبار أفتى الشيخ المفيد ومن تبعه من المشايخ المتقدّم ذكرهم.

وطائفة أُخرى : تدلّ على التقدير بشهرٍ:

منها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً»(3).

ومنها: خبر ابن سماعة، قال: «سألتُ محمّد بن أبي حمزة: متى يطلِّق الغائب ؟ فقال: حَدّثني إسحاق بن عمّار، أو روى إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام، قال: إذا مضى له شهر»(2).

وطائفة ثالثة: تدلّ على تقدير المدّة بثلاثة أشهر:

منها: صحيح جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الرّجل إذا خرج من منزله إلى السفر، فليس له أن يطلّق حتّى تمضي ثلاثة أشهر»(3).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، قال: «قلتُ لأبي ابراهيم عليه السلام: الغائب الذي يطلّق أهله كم غيبته ؟4.

ص: 60


1- التهذيب: ج 8/62 باب طلاق الغائب ح 120، وسائل الشيعة: ج 22/57 باب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28013.
2- الكافي: ج 6/81 باب طلاق الغائب ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/57 باب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28012.
3- التهذيب: ج 8/62 باب أحكام الطلاق ح 122، وسائل الشيعة: ج 22/58 باب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28014.

قال: خمسة أشهر أو ستّة أشهر.

قلت: حَدٌّ دون ذا؟ قال عليه السلام: ثلاثة أشهر»(1).

وطائفة رابعة: متضمّنة لأنّ الغائب يطلّق بالأهلّة والشهور، كصحيح زرارة عن بُكير، عن الإمام الباقر عليه السلام(2).

أقول: وقد ذكروا في الجمع بين النصوص وجوهاً:

الوجه الأوّل: حملها بأجمعها على الندب، وأنّ الغائب متى تحقّق فيه الوصف جاز طلاقها، إلّاأنّ الأولى أن يصبر شهراً، وأولى منه أن يتربّص ثلاثة أشهر.

ويرد عليه: أنّ بعض تلك النصوص يأبى عن ذلك، كقوله عليه السلام في صحيح جميل:

«فليس له أن يطلِّق حتّى تمضي ثلاثة أشهر».

مع أنّ الجمع الموضوعي مقدّمٌ على الجمع الحكمي، وهو في المقام ممكنٌ بتقييد إطلاق تلك النصوص بالنصوص المحدّدة له بشهر أو ثلاثة أشهر.

وما في «الرياض»: (من أنّ كثرة الأخبار المطلقة، ووضوح دلالتها على العموم، وقصور الأخبار المقيّدة سنداً في بعضٍ ، ودلالةً في آخر، وعدداً في الجميع، ووضوح قرائن الاستحباب منها زيادةً على الاختلاف، توجبُ أولويّة الحمل على الاستحباب من التقييد)(3).

غير تامّ ، فإنّ كثرة الأخبار لا توجب عدم حملها على المقيّد.م.

ص: 61


1- التهذيب: ج 8/63 باب أحكام الطلاق ح 123، وسائل الشيعة: ج 22/58 باب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28015.
2- الكافي: ج 6/79 باب طلاق الغائب ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/56 باب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28009.
3- رياض المسائل: ج 12/209 ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام.

وفي الأخبار المقيّدة روايات صحاح وموثّقات، ولم أظفر بقرائن الاستحباب فيها، والاختلاف ليس منها.

الوجه الثاني: حمل اختلاف الأخبار على اختلاف عادات النساء في الحيض بالنسبة إلى الشهر والثلاثة والأربعة والأزيد، والميزان العلم بانتقالها من طهر إلى آخر، ذكره الشيخ(1)، وتبعه أكثر المتأخّرين.

وفيه: إنّ هذا الجمع تبرّعيٌ لا شاهد له بعد عدم ورود النصوص في موارد خاصّة، بل هي واردة بعنوان الضابط الكلّي للجميع، مع أنّه يلزم منه حمل أخبار الثلاثة على الفرد النادر.

الوجه الثالث: ما في «الجواهر» من حمل النصوص المطلقة على الغائب عنها في طهر لم يواقعها فيه، ولم يُعلم بكونها حائضاً ولو لعادةٍ لها وقتيّة مثلاً معلومة لديه، وحمل النصوص المقيّدة على من غاب عنها في طُهرٍ واقعها فيه، ثمّ حَمل نصوص الشهر على إرادة الانتقال من طهرٍ إلى زمان طهرٍ آخر من الشهر، أو حملها على المرأة المستقيمة التي هي غير مسترابة، وحمل نصوص الثلاثة على غيرها(2).

وفيه: هذا الجمع أيضاً جمعٌ تبرّعي وبعيدٌ من وجوه.

والتحقيق يقتضي أنْ يقال: إنّ نصوص الباب مختصّة بمجهولة الحال التي لم تعلم أيّام حيضها من أيّام قُرئها، إذ - مضافاً إلى أنّه من المستبعد جدّاً دعوى صحّة الطلاق في أيّام الحيض أو الطُّهر الذي واقعها فيه، بمجرّد الغيبة الحاصلة بالسفر الشَّرعي قطعاً على القول بالإطلاق، أو دعوى تلك بمضيّ الشهر لمن عادتها الأزيدص.

ص: 62


1- الاستبصار: ح 3/295 ذيل حدث 1043.
2- جواهر الكلام: ج 32/32-33 وعبارته منقولة بتلخيص.

منها، وكذا بالنسبة إلى ثلاثة أشهر - يظهر من صحيح ابن الحجّاج الآتي في الحاضر غير المتمكّن من اطلاع حالها، المتضمّن لقوله عليه السلام: «هذا مثل الغائب عن أهله يُطلّق بالأهلّة والشهور» أنّ الميزان هو عدم الاطلاع على حالها، ويظهر ذلك أيضاً من السؤال عن: «الغائب يُطلّق إمرأته ثُمّ يعلم بعد ذلك أنّها يوم طلّقها كانت طامثاً».

وبالجملة: التدبّر في النصوص يوجبُ الاطمئنان بذلك، وعليه فيقيّد إطلاق النصوص المطلقة بالمقيّدة.

وأمّا الطائفتان المقيّدتان، فهما متعارضتان لا يمكن الجمع بينهما بوجه.

وما أفاده سيّد «المدارك»: في محكيّ «شرح النافع» من ترجيح روايات الثلاثة أشهر لأصحيّة سندها، حيث قال: (ويعضده أنّ الغالب من حال الغائب عن زوجته أنْ يكون حالها مجهولاً عنده، فتكون كالمسترابة التي يجب التربّص بها ثلاثة أشهر)(1).

يردّه: أنّ من الروايات الدالّة على الشهر الواحد صحيح عبد الرحمن الآتي، وعليه فروايات الثلاثة ليست أصحّ سنداً من روايات الشهر الواحد، ويعضد هذه أنّ الغالب في النساء الاستقامة في الحيض لا الاسترابة.

وحيثُ لا ترجيح لإحدى الطائفتين على الاُخرى ، فالأظهر هو التخيير، فإنّ أخذ بروايات الشهر لابأس بحمل روايات الثلاثة أشهر على الاستحباب، والأولويّة أو المرأة المعلوم كونها مسترابة.

فالمتحصّل من النصوص: أنّ الغائب إنْ علم بكون المرأة في طُهر المواقعة، أو في حال الحيض، لايجوز له طلاقها، وإلّا فينتظر بها أن يمضي شهر واحد من حين الجماع فيطلّقها، وإنْ انتظر مضيّ ثلاثة أشهر كان أولى .9.

ص: 63


1- نهاية المرام: ج 2/18-19.

صَحّ طلاقها ولو كانت حائضاً.

حكمُ ما إذا تبيّن بعد الطلاق كونها طامثاً

أقول: وتمام الكلام هنا بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: أنّه بناءً على القول بوجوب التربّص، لو طلّق الغائب زوجته:

فإمّا أن يطلّقها بعد مضيّ المدّة المعتبرة، أو قبلها.

وعلى التقديرين:

إمّا أن يوافق فعله كونها جامعةً لشرائطه في الواقع، بأن وقع في طُهرٍ غير طُهر المواقعة.

أو لايوافق بأن تبيّن وقوعه في طهر المواقعة، أو حالة الحيض.

أو يستمرّ الاشتباه.

وعليه، فها هنا صور:

الصورة الأُولى: أن يطلّقها بعد المدّة، ثمّ تظهر الموافقة:

لا إشكال هنا في صحّة الطلاق، لاجتماع الشرائط المعتبرة في صحّته في نفس الأمر وظاهراً.

الصورة الثانية: الصورة بحالها، ولكن ظهر بعد ذلك كونها حائضاً حال الطلاق.

والظاهر الإجماع على الصحّة هنا أيضاً، لأنّه حين ما طلّقها راعى الشرائط، فظهور كونها حائضاً لا يضرّ، مع أنّه قد صرّح بذلك في خبر أبي بصير المتقدّم.

وعليه، فما ورد في المتن من أنّه (صحّ طلاقها ولو كانت حائضاً) لا إشكال فيه.

الصورة الثالثة: هي الصورة الأُولى بحالها، لكن تبيّن لاحقاًوقوعه في طهر المواقعة:

ص: 64

ففي «الرياض»: (الأظهر الأشهر الصحّة)(1).

واستدلّ الشهيد الثاني رحمه الله لها: بعد الحكم بها:

1 - بأنّ الطلاق وقع على الوجه المعتبر شرعاً.

2 - وبأنّ الطلاق إذا حكم بصحّته في حال الحيض بالنَّص والإجماع، فلأن يحكم بصحّته في حال الطُهر أولى ، لأنّ شرط الطلاق في غير الغائب أمران: وقوعه في طهرٍ، وكون الطُّهر غير طهر المواقعة، فإذا اتّفق وقوعه في حال الحيض، تخلّف الشرطان، لعدم طهرٍ آخر غير طهر المواقعة، وعدم الخلوّ من الحيض، وإذا اتّفق وقوعه في حال الطُّهر، فالمتخلّف شرطٌ واحد، وهو كون الطُّهر غير طهر المواقعة، فإذا كان تخلّف الشرطين في الغائب غير مانعٍ ، فتخلّف أحدهما أولى بعدم المنع)(2).

واستدلّ المحقّق لعدم الصحّة: بانتفاء شرط الصحّة، وهو استبراء الرّحم، خَرج منه حال الحيض، فيبقى الباقي، ونمنع من وجود الشرط، لأنّ الإذن في الطلاق استناداً إلى الظنّ لايقتضي الحكم بالصحّة إذا ظهر بطلان الظنّ (3).

والحقّ أنْ يقال: إنّ الصحّة والفساد مبتنيان على كون هذا الحكم - أي الطلاق - مع مراعاة المدّة المعتبرة حكماً واقعيّاً أو ظاهريّاً:

فعلى الأوّل: لابدّ من البناء على الصحّة، وما أفاده المحقّق: (بأنّ الإذن في الطلاق استناداً إلى الظنّ لا يقتضي الحكم بالصحّة إذا ظهر بطلان الظنّ ) غير تامّ ، لعدم ظهور بطلان الظنّ ، بل يتبدّل الموضوع، فلا يبطل الحكم.ف.

ص: 65


1- رياض المسائل: ج 11/50 (ط. ج).
2- مسالك الأفهام: ج 9/41.
3- رسائل الكركي: ج 2/212. والعبارة منقولة بتصرّف.

وعلى الثاني: لابدَّ من البناء على البطلان، والأولويّة المذكورة في كلام الشهيد رحمه الله ممنوعة لأنّه يمكن أنْ يقال - كما قيل - إنّ شرط الطلاق في غير الغائب أمران:

1 - الانتقال من طهر المواقعة.

2 - ووقوع الطلاق في الطُّهر.

فإذا اتّفق وقوعه في حال الحيض، تخلّف الثاني، وإذا اتّفق وقوعه في طُهر المواقعة، تخلّف الأوّل، فلا تتمّ الأولويّة المذكورة، وظاهر النصوص - خصوصاً المطلقات منها - المصرّحة بأنّه يطلّق الغائب على كلّ حالٍ ، وجعلها في سياق غير المدخول بها والحامل، كونه حُكماً واقعيّاً.

وعليه، فالأظهر هو الصحّة.

الصورة الرابعة: أن يطلّقها مراعياً للمدّة المعتبرة، ويستمرّ الاشتباه:

والطلاقُ هنا صحيحٌ قولاً واحداً(1)، كما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله، لوجود المقتضي وهو رعاية الشرط، وعدم المانع حتّى المتوهّم منه.

الصورة الخامسة: أن يطلّقها قبل مُضيّ المدّة المعتبرة، إلّاأنّه ظهر بعد وقوع الطلاق وقوعه في طُهرٍ لم يَقربها فيه، ففيه وجوه:

1 - الصحّة: اختارها الشهيد الثاني رحمه الله(2).

2 - البطلان: اختاره سيّد «المدارك»(1)، والمحدِّث البحراني(2).

3 - الصحّة مع الجهل باعتبار المدّة، والبطلان مع العلم به: اختاره السيّد2.

ص: 66


1- نهاية المرام: ج 2/19020.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/192.

في «الرياض»(1).

واستدلّ للأوّل:

1 - بحصول شرط الصحّة في نفس الأمر، وظهور ذلك.

2 - وبأولويّة الصحّة في طلاق الغائب من الصحّة في طلاق الحاضر، لأضعفيّة حكمه عنه، وحيث أنّ مثل هذا الطلاق صحيحٌ في الحاضر فليكن صحيحاًفي الغائب.

واستدلّ للثالث: للصحّة مع الجهل بذلك، وللبطلان مع العلم بعدم القصد إلى الطلاق.

أقول: بعدما عرفت من أنّ هذا الحكم حكمٌ واقعي لا ظاهري، يظهر أنّ ما ذُكر من حصول شرط الصحّة ممنوعٌ ، لأنّ شرطها مضيّ المدّة ولم تمض، كما يظهر منع الأولويّة، لأنّه في طلاق الحاضر لا يعتبر مضيّ المدّة، بخلاف طلاق الغائب.

ثمّ على فرض تماميّة ذلك التفصيل لا وجه له، لأنّه يمكن له أن يقصد الطلاق لو احتمل التصادف مع الشرائط النفس الأمرية.

وعليه، فالأظهر هو البطلان في هذه الصورة.

الصورة السادسة والسابعة والثامنة: الصورة بحالها، إلّاأنّه تبيّن عدم الانتقال من طُهر المواقعة أو كونها حائضاً، أو استمرّ الاشتباه:

والظاهر أنّه لا إشكال في البطلان في جميع هذه الصور، لعدم حصول الشرط، وهو مضيّ المدّة، وعدم ظهور كون الطلاق واجداً للشرائط المعتبرة فيه في الواقع.

ولو مضت المدّة المعتبرة، فأخبره عدلٌ بأنّها حائض، أو في طُهرِ المواقعة:).

ص: 67


1- رياض المسائل: ج 11/50-51 (ط. ج).

فعن «المسالك»: (في صحّة الطلاق وجهان: أجودهما العدم، لوجود المقتضي للبطلان، فإنّ صحّة طلاقه غائباً مشروطة بعدم الظنّ بحصول المانع)(1).

أقول: ما أفاده رحمه الله جيّدٌ إلّاأنّه يحتاجُ إلى إصلاح، وهو أنّ صحّة طلاق الغائب مشروطة بعدم العلم بحصول المانع، كما تقدّم، وحيث أنّ خبر الواحد حجّة في الموضوعات، وقد ثبت في محلّه قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة، فإخبار العَدل بحكم العلم، فلا يصحّ طلاقه.

لو طلّق الغائب فتبيّن أنّها في النفاس

الفرع الثاني: قال الشهيد الثاني رحمه الله: (إنّ النفاس هنا كالحيض في المنع والاكتفاء بطهرها منه، فلو غاب وهي حامل، ومضيّ مدّة يعلم بحسب حال الحمل وضعها وطُهرها من النفاس، جاز طلاقها، كما لو انتقلت من الحيض، ويكفي في الحكم في النفاس ظنّه المستند إلى عادتها وإنْ كانت عدمه ممكناً، كما قلنا في الحيض.

ثمّ قال: ولو وطئها حاملاً ثمّ غاب، وطلّق قبل مضيّ مدّة تلد فيها غالباً، وصادف الطلاق ولّادتها وانقضاء نفاسها، ففي صحّته الوجهان الماضيان في الحيض، والحكم فيهما واحدٌ)(2) انتهى .

وفيه: إنّ بين الحيض والنفاس هنا فرقاً واضحاً، فإنّه لو وطئها حاملاً ثمّ غاب عنها، جاز طلاقها بلا انتظار للمدّة، لاجتماع جهتي الجواز فيه، وهو كونه غائباً وكونها حاملاً، ودليل اعتبار المدّة لا دخل له بالمقام، فمقتضى إطلاق الأدلّة جواز

ص: 68


1- مسالك الأفهام: ج 9/43-44.
2- مسالك الأفهام: ج 9/43-44.

طلاقها مطلقاً وصحّته، ولو انكشف وقوعه في حال النفاس، وليس هو من قبيل طلاق الحائل قبل مضيّ المدّة، بل هو من قبيل طلاقها بعد مضيّ المدّة الذي عرفت الحكم فيه بالصحّة، وإنْ انكشف وقوعه في حال الحيض، فكذلك في المقام.

فإنْ قيل: إنّه من المعلوم في الشرع اتّحاد حكم الحيض والنفاس، فما الموحب للفرق بينهما في المقام ؟

قلنا: إنّ الموجب للفرق أنّ اعتبار المدّة في الحائل إنّما هو لرعاية حريم وقوع الطلاق في حال الحيض أو الطُّهر الذي واقعها فيه، وفي الحامل لا يعتبر ذلك كما مرَّ.

لو خَرَج إلى السَّفر في طُهرٍ لم يواقعها فيه

الفرع الثالث: صرّح الشيخ في «النهاية»(1)، وغيره(2) في غيرها: بأنّه لو خَرَج إلى السفر في طُهرٍ لم يقربها فيه، جاز طلاقها، ولو بانَ أنّها حائض مطلقاً، سواءٌ مضت المدّة أم لا.

وفي «الجواهر»: (بل لاأجدخلافاًفيه، بل حَكى الإجماع عليه بعض الافاضل)(3).

وفي «الرياض»(4)، وفي «الحدائق»(5)، ومحكيّ «نهاية المرام»(6): البناء على اعتبار مضيّ المدّة هنا أيضاً، إلّامع العلم بعدم كونها حائضاً.

ص: 69


1- النهاية: ص 517.
2- كالقاضي في المهذّب: ج 2/286-287.
3- جواهر الكلام: ج 32/32.
4- رياض المسائل: ج 11/51 (ط. ج).
5- الحدائق الناضرة: ج 25/194.
6- نهاية المرام: ج 2/20.

قال الشهيد الثاني رحمه الله في وجه القول الأوّل: (إنّ شرط الصحّة هنا موجودٌ وهو استبرائها بالانتقال من طُهرٍ إلى آخر، وإنّما الحيض بعد ذلك مانعٌ من صحّة الطلاق، ولا يشترط في الحكم بصحّة الفعل العلم بانتفاء موانعه، بل يكفي عدم العلم بوجودها)(1).

وأورد عليه سبطه: (بأنّ ما تضمّن اعتبار مضيّ المدّة في الغائب، يتناول بإطلاقه مَنْ خَرَج في طهر المواقعة وغيره، وبأنّ ما تضمّن بطلان طلاق الحائض متناولٌ لهذه الصورة، كما يتناول غيرها، فيتوقّف الحكم بالصحّة على وجود دليلٍ عليه)(2).

وأضاف السيّد في «الرياض»: (أنّه يتوقّف على كون العلم بالحيض مانعاً، لا كون فقده شرطاً وهو خلاف النصوص)(3).

وأضاف في «الحدائق»: (إنّه كما ان من شروط صحّة الطلاق العلم بانتقال المرأة من طُهر المواقعة، كذلك من شروطه العلم بكونها غير حائض وقت الطلاق)(4).

أقول: ولكن يمكن توجيه كلام الشهيد رحمه الله بنحوٍ لا يرد عليه هذه الإيرادات، وهو أنّه:

من خرج إلى السفر في طُهرٍ غير طُهرِ المواقعة فأراد الطلاق:

فإنْ علم بأنّها حائض، لا يجوزُ كما مرَّ(5).ء.

ص: 70


1- مسالك الأفهام: ج 9/44 المسألة الثامنة.
2- نهاية المرام: ج 2/20.
3- رياض المسائل: ج 11/51 (ط. ج).
4- الحدائق الناضرة: ج 25/194.
5- تقدّم ذلك في الشرط الثالث: (يشترط في المطلّقة أن تكون طاهرة) المذكور في هذا الجزء.

كما أنّه إنْ علم بعدم كونها حائضاً، صحّ طلاقه لما مرَّ(1) من أنّ اعتبار مضيّ المدّة في حال الجهل.

ولو شكّ في ذلك، يستصحب خلوّها عن الحيض، فيحرز هذا الشرط، أو عدم المانع بالأصل، ومعه لا يكون داخلاً في النصوص، بل به يخرج عنها، كما أنّ ما دلّ على بطلان طلاق الحائض لا يشمله، لاستصحاب عدم الحيض، ولا فرق في ذلك بين كون الحيض مانعاً أو فقده شرطاً، إذ كما يمكن استصحاب عدم المانع، يمكن استصحاب بقاء الشرط.

وما في «الحدائق»: (من أنّ الشرط العلم بكونها غير حائض).

يندفع: بعدم أخذ العلم في الموضوع أوّلاً، وقيام الاستحصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوع على بعض الوجوه ثانياً.

وعليه، فما أفاده الشهيد رحمه الله متينٌ ولكن لو انكشف أنّ الطلاق كان واقعاً في حال الحيض، كان باطلاً، لأنّ الصحّة الثابتة بالاستصحاب ظاهريّة، وإجزاءالحكم الظاهري خلاف القاعدة.

وأمّا ما في «الجواهر» من توجيه ذلك: (بأنّ نصوص اعتبار المدّة إنّما هي لمكان معرفة الانتقال من طُهر المواقعة لا مطلقاً، ضرورة عدم مدخليّة المدّة في تعرّف حيضها وعدمه حاله)(2)، فنصوص اعتبار المدّة لا تشمل المقام، ومقتضى إطلاق نصوص صحّة طلاق الغائب على كلّ حالٍ صحّته في المقام.2.

ص: 71


1- تقدّم ذلك في الشرط الثالث: (يشترط في المطلّقة أن تكون طاهرة) المذكور في هذا الجزء.
2- جواهر الكلام: ج 32/32.

فيردّه: أنّ نصوص اعتبار المدّة مطلقة، فكما لا يعرف الحيض وعدمه بانقضاء المدّة، كذلك لا يُعرف الانتقال من الطُّهر سيّما بمضي شهر واحد.

طلاق المحبوس عن زوجته

الفرع الرابع: لو كان حاضراً لكن لا يمكنه الوصول إلى الزوجة واستعلام حالها لحبسٍ ونحوه، فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّه بمنزلة الغائب فيما مرَّ من حكمه، والأقوال فيه:

كما أنّه لو كان غائباً يمكنه استعلام أحوالها، لورود الأخبار عليه ممّن يعتقد صِدقه، ويركن في صحّة الإخبار إليه، فإنّه يكون في حكم الحاضر.

ويشهد للأوّل:

1 - صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً سرّاً من أهلها، وهي في منزل أهلها، وقد أراد أن يطلّقها، وليس يصل إليها، فيعلم طمثها إذا طمثت، ولا يعلم بطهرها إذا طَهُرت ؟

قال: فقال عليه السلام: هذا مثل الغائب عن أهله، يطلّق بالأهلة والشهور.

قلت: أرايتَ إنْ كان يصل إليها الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها، كيف يطلّقها؟

قال عليه السلام: إذا مضى له شهرٌ لا تصل إليها فيه يطلّقها إذا نظر إلى غُرّة الشهر

ص: 72


1- رياض المسائل: ج 11/52 (ط. ج). قوله: (على الأظهر الأشهر).

الآخر بشهود، ويكتب الشهر الذي يطلّقها فيه، ويشهد على طلاقها رجلين، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه، وهو خاطبٌ من الخطّاب، وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تعتدّ فيها»(1).

2 - وخبر الحسن بن علي بن كيسان، قال: «كتبتُ إلى الرّجل عليه السلام أسأله عن رجلٍ له إمرأة من نساء هولاء العامّة، وأراد أن يطلّقها، وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق ؟

فكتب عليه السلام: يعتزلها ثلاثة أشهر، ثمّ يطلّقها»(2).

وأورد على الأوّل:

1 - بأنّه خبرٌ واحدٌ(3) لا يستند إليه في الحكم الشرعي.

2 - وبأنّ دلالته قاصرة، لما فيه من التدافع والتناقض، فإنّه يحكم أوّلاً بأنّه يطلّق بالأهلّة والشهور الظاهر في اعتبار تعدّد الشهر، وفي ذيله يصرّح بأنّه يطلّقها إذا مضيّ شهر.

ولكن يُردّ الأوّل: ما حُقّق في محلّه(4) من حجيّة الخبر الواحد، خصوصاً الصحيح منه.

ويردّ الثاني: أنّ قوله عليه السلام: «يطلّق بالأهلة والشهور» يراد به أنّ الميزان في3.

ص: 73


1- الكافي: ج 6/86 باب التي يخفى حيضها ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/60 باب 28 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28020.
2- الكافي: ج 6/97 باب طلاق التي تكتم حيضها ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/61 باب 28 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28021.
3- السرائر: ج 2/687 قوله: (وما ذكره شيخنا خبرٌ واحد، أورده إيراداً لا اعتقاداً).
4- كما في زبدة الاُصول، بحث (حجيّة خبر الواحد): ج 4/133.

طلاق أمثال هذه ليس إحراز الخلوّ عن الحيض، بل الميزان هو الشهور، وهي مجملة من حيث ما يكتفي به من الشهور، ويبيّن ذلك ذيل الخبر.

مع أنّه لو سُلّم ظهوره في اعتبار تعدّد الشهر، يُحمل على الاستحباب، ولعلّه يصير قرينةً على حمل نصوص الثلاثة أشهر مطلقاً الّتي منها خبر ابن كيسان عليه.

ودعوى: أنّ هذا الخبر لا يصلح للمقاومة مع ما دلّ (1) على اشتراط الخلوّ عن الحيض، والوقوع في طهرٍ غير طهر المواقعة لاستفاضته واعتضاده بالأصل.

مندفعة: بأنّ هذا الصحيح المعتضد بالشهرة العظيمة أخصّ من النصوص المشار إليها، فتخصّص به، واستفاضتها لا تمنعُ من التخصيص، كيف ويخصّص قطعي السَّند بمثله.

وعليه، فالأظهر أنّ حكم الحاضر المحبوس عن زوجته، غير المتمكّن من استعلام حالها، حكمُ الغائب، ففي صورة الجهل بحالها يتربّص شهراً ثمّ يطلّقها، ويصحّ طلاقه، وإنْ تبيّن مصادفته للحيض أو طُهر المواقعة.

***).

ص: 74


1- نهاية المرام: ج 2/22 قوله: (الشرط ثابت بإجماعنا)، جواهر الكلام: ج 32/40 قوله: (والإجماع بقسميه عليه).

وأنْ يُطلِّقها في طهرٍ لم يَقرُبها فيه بجماعٍ ، إلّافي الصغيرة واليائسة والحامل.

اعتبار وقوع الطلاق في طهرٍ لم يَقربها فيه

(و) الشرط الرابع: (أن يُطلّقها في طُهرٍ لم يقربها فيه بجماعٍ ، إلّافي الصغيرة، واليائسة، والحامل) فلو طلّق غير من استثنت في طهرٍ واقعها فيه، بطل الطلاق، بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه، وبه استفاض أخبارنا:

منها: صحيح الفضلاء زرارة، ومحمّد بن مسلم، وبُكير، وبُريد، وفضيل، وإسماعيل الأزرق، ومعمّر بن يحيى ، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام أنّهما قالا:

«إذا طلّق الرّجل في دم النفاس، أو طلّقها بعدما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق»(1).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق إمرأته بعدما غشيها بشهادة عدلين ؟ قال عليه السلام: ليس هذا طلاقاً.

قلت: فكيف طلاق السُّنة ؟

فقال: يطلّقها إذا طَهُرت من حيضها قبل أنْ يغشاها بشهادة عدلين» الحديث(2).

ونحوهما غيرهما.

ويَشهدُ لاستثناء اليائسة واخوتها - بعد الاتّفاق - جملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

ص: 75


1- الكافي: ج 6/60 باب من طلّق لغير السُّنة والكتاب ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/23 باب 9 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27920.
2- الكافي: ج 6/67 باب تفسير طلاق السُّنة ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/26 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27930.

«لا بأس بطلاق خمسٍ على كلّ حال: الغائب عنها زوجها، والّتي لم تحض، والّتي لم يدخل بها زوجها، والحُبلى، والّتي قد يئست من المحيض»(1).

ومنها: صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم وغيرهما، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام:

«خمسٌ يطلّقهن أزواجهنّ متيشاءوا: الحامل المستبين حَملها، والجارية الّتي لم تحض، والمراة التي قد قعدت من المحيض، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها»(2).

ومنها: صحيح حمّاد بن عثمان، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال:

«خمسٌ يطلّقنّ على كلّ حال: الحامل، والّتي يئست من المحيض، والّتي لم يدخل بها، والغائب عنها زوجها، والّتي لم تبلغ المحيض»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: ثمّ إنّ الكلام وقع في موردين:

المورد الأوّل: أنّ المصرّح به في هذه النصوص أنّ إحدى الخمس، المرأة الّتي لم تحض، وليس فيها ذكرٌ للصغيرة ؟!

قيل: وهي تشمل المرأة الّتي لم تحض مثلها عادةً ، وإنْ زاد سنّها عن التسع، والمذكور في الفتوى هي الصغيرة، ولذلك قال السيّد في محكيّ «شرح النافع»:

(وعندي في التخصيص نظر، ولا يبعد أنْ يكون المراد بمن لم تَحض الّتي لم تحض مثلها عادةً ، وإنْ زاد سنّها عن التسع)(4).3.

ص: 76


1- الكافي: ج 6/79 باب النساء اللّآتي يطلّقن على كلّ حال ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28005.
2- التهذيب: ج 8/70 باب أحكام الطلاق ح 149، وسائل الشيعة: ج 22/55 ح 28006.
3- الخصال: ص 303 ح 81، وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28007.
4- نهاية المرام: ج 2/23.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّ الّتي لم تحض قد فُسِّرت في بعض النصوص الواردة في العِدّة بالصغيرة لاحظ خبر عبد الرحمن بن الحجّاج الذي ليس في سنده من يتوقّف فيه سوى سهل، الثقة عند جماعة، قال:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: الّتي لم تحض، ومثلها لا تحيض.

قال: قلت: وما حَدّها؟ قال عليه السلام: إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين» الحديث(1).

وتحديدها بذلك كاشفٌ عن عدم الاختصاص بالمورد.

وثانياً: أنّه في صحيح حمّاد عبّر عنها بالتي لم تبلغ المحيض، وهي ظاهرة في الصغيرة.

وثالثاً: ما ادّعاه في «الرياض» من أنّها ظاهرة في الصغيرة، كما يكشف عنه التتبّع في أخبارهم عليهم السلام(2).

وعليه، فالمستثناة هي الصغيرة خاصّة.

المورد الثاني: هل يعتبر في صحّة طلاق الحامل الاستبانة كما عن الشيخين في «المقنعة»(3)، و «النهاية»(4)، وابن البرّاج(5)، وابن حمزة(6)، وابن إدريس(7)، وابن8.

ص: 77


1- الكافي: ج 6/85 باب طلاق التي لم تبلغ ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/179 باب 2 من أبواب العدد، ح 28324.
2- رياض المسائل: ج 11/53-54 (ط. ج).
3- المقنعة: ص 527.
4- النهاية: ص 516-517.
5- المهذّب: ج 2/285.
6- الوسيلة: ص 322.
7- السرائر: ج 2/688.

سعيد(1)، والعلّامة الطباطبائي(2) وغيرهم(3)؟

أم يكفي فيه مصادفة الواقع، كما هو ظاهر المتن، و «الشرائع»(4)، و «النافع»(5)، وغيرها(6) ممّن عَبّر كعبارتها؟ وجهان:

قد استدلّ في محكيّ (7) «المصابيح» للأوّل:

1 - بما في الصحيحين(8) من نصوص الخَمْس، من وصف الحامل بالمُستَبين حملها في أحدهما، والمتيقّن في الآخر(9).

ولا ينافيه إطلاق الحامل في غيرها، لأنّ الظاهر من قولهم: «يطلّقهنّ » إباحة الطلاق دون وقوعه، والإباحة مشروطة بظهور الحمل.

2 - وبأنّ الطلاق الواقع على غير السُّنة باطلٌ عندنا بلا خلافٍ ، وطلاق المرأة في طهر المواقعة مع عدم ظهور حملها محرّمٌ قطعاً، إذ لا مسوّغ له فيكون باطلاً.

وأجاب صاحب «الجواهر» رحمه الله عن الوجه الأوّل: (بأنّ الصحيحين اللّذين ذكرهما لا دلالة فيهما على اشتراط صحّة الطلاق بذلك، خصوصاً بناءً على ما اعترف به من أنّ المراد فيهما وفي غيرهما بيان الإباحة المتوقّفة على الاستبانة، لأصالة عدم الحمل، لا اشتراط صحّة الطلاق بذلك)(10).3.

ص: 78


1- الجامع للشرائع: ص 465.
2- حكاه عنه في الجواهر: ج 32/42.
3- منهم سيّد المدارك في نهاية المرام: ج 2/23.
4- شرائع الإسلام: ج 3/582.
5- المختصر النافع: ص 199.
6- كما في مسالك الأفهام: ج 9/47.
7- ذكر هذا الاستلال صاحب الجواهر: ج 32/42 عن المصابيح للعلّامة الطباطبائي.
8- وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق ح 28006.
9- وسائل الشيعة: ج 22/55 باب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق ح 28003، وفيه: (الحامل المُتَبَيِّن حملها).
10- جواهر الكلام: ج 32/43.

أقول: ما أفاده من كون النصوص في مقام بيان إباحة الطلاق لا الاشتراط - وعلى ذلك يبتني الوجه الثاني كما سيمرّ عليك - يردّه أنّه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من الأوامر والنواهي المتعلّقة بالعقود والإيقاعات، كونها إرشاداً إلى الصحّة واللّزوم والمانعيّة وما شاكل.

وعليه، فالنصوص في مقام بيان صحّة طلاق الخَمس من دون اعتبار القيدين المعتبرين في طلاق غيرهنّ ، وهما: الخلوّ عن الحيض، وكون المرأة في طُهرٍ غير طُهر المواقعة، فكلّ ما أُخذ في الموضوع يكون ظاهراً في دخله فيه، ومن تلك الاستبانة، ولكن ذلك يتمّ لو لم يكن هناك نصوصٌ مطلقة دالّة على صحّة طلاق الحامل مطلقاً، وهي موجودة في المقام، وحيث أنّ تلك النصوص مع النصوص المقيّدة للحمل بالاستبانة من قبيل المُثبِتين، فلا يُحمل المطلق منهما على المقيّد، بل العمل يكون على المطلق.

أمّا الوجه الثاني: فإنّه يظهر الجواب عنه ممّا ذكرنا في الوجه الأوّل، لأنّ طلاق المرأة في طهر المواقعة مع كونها حاملاً، ولم يظهر الحمل، وإنْ كان في الظاهر غير جائز وخلاف السُّنة، لكن بعدما يظهر أنّها كانت حاملاً، تظهر أنّه كان صحيحاً، وكان واقعاً على وفق السُّنة، والحكم الظاهري لا يوجبُ بطلانه.

وعليه، فما أفاده المصنّف، والمحقّق(1)، والشهيدان(2)، وصاحب «الجواهر»(3)، وغيرهم من الأساطين: من أنّه لا يعتبر في صحّة طلاقها الإستبانة، بل يكفي فيه مصادفة الواقع، هو الأظهر.3.

ص: 79


1- شرائع الإسلام: ج 3/582.
2- اللّمعة الدمشقيّة: ص 180، مسالك الأفهام: ج 9/47.
3- جواهر الكلام: ج 32/41-43.

والمسترابة تصبر ثلاثة أشهر.

(و) أمّا (المسترابة): التي هي في سِنّ من تحيض وهي لاتحيض، إمّا لعارضٍ من رضاعٍ ، أو مرضٍ ، أو لخلقةٍ ، فهذا الشرط وإنْ كان ساقطاً بالنسبة إليها، إلّاأنّ صحّة طلاقها مشروطة بأن (تصبر ثلاثة أشهر) من حين المواقعة، وتكون معتزلاً لها، ولا يصحّ طلاقها قبل ذلك، بلا خلافٍ أجده في شيء من ذلك، ويشهد به:

1 - صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري، عن الرّضا عليه السلام:

«عن المسترابة من الحيض كيف تُطلَّق ؟ قال عليه السلام: تطلّق بالشهور»، وأقلّ الشهور ثلاثة»(1).

وأظهر منه دلالةً عليه مرسل داود بن أبي يزيد العطّار، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المرأة تُستراب بها، ومثلها تَحمل و مثلها لا تحمل و لا تحيض، وقد واقعها زوجها، كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟

قال عليه السلام: ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثمّ يطلّقها»(2).

وعن «المسالك» وبعضُ من تأخّر عنه: (إنّه لا يلحق بالمسترابة من تعتاد الحيض في كلّ مدّةٍ يزيد عن ثلاثة أشهر، فإنّ تلك لا استرابة فيها، بل هي من أقسام ذوات الحيض، يجبُ استبرائها بحيضةٍ وإنْ توقّف على ستّة أشهر أو أزيد)(3).5.

ص: 80


1- التهذيب: ج 8/68 باب أحكام الطلاق ح 144، وسائل الشيعة: ج 22/189 باب 4 من أبواب العدد، ح 28351.
2- الكافي: ج 6/97 باب طلاق المسترابة ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/91 باب 40 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28102.
3- مسالك الأفهام: ج 9/48، نهاية المرام: ج 2/25.

اعتبار التعيين

وفي اشتراط تعيين الزوجة المطلّقة لفظاً أو نيّةً في صحّة الطلاق، قولان:

أحدهما: ما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، وابن البرّاج(2)، والمحقّق(3)، والمصنّف(4)، والشهيد(5) في أحد أقوالهم: من عدم الاعتبار، فلو كان له زوجتان أو زوجات، وقال: (إحدى زوجتي طالق) ولم ينو طلاق واحدةٍ معيّنة، صَحّ وتستخرج بالقرعة، أو يرجع إلى اختياره في التعيين على الخلاف بينهم.

ثانيهما: ما عن الشيخ المفيد(6)، والسيّد المرتضى(7)، والحِلّي(8)، والشيخ(9) في أحد قوليه، بل هو الأشهر كما في «الرياض»(10) حكايته عن بعض الأجلّة(11)، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً كما في «الجواهر»، بل عليه الإجماع كما عن «الانتصار»(12)، و «الطبريّات»(13): هو اعتباره، فلو طلّق بدون التعيين بَطَل.

ص: 81


1- المبسوط: ج 5/78.
2- المهذّب: ج 2/323 قوله: (فإن طلق واحدة غير معيّنة...).
3- شرائع الإسلام: ج 3/582.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/42.
5- غاية المراد: ج 3/227.
6- المقنعة: ص 525.
7- الانتصار: ص 315 مسألة 174.
8- السرائر: ج 2/665.
9- النهاية: ص 510.
10- رياض المسائل: ج 11/55 (ط. ج).
11- ربما يقصد البحراني حيث نسبه إلى المشهور في الحدائق الناضرة: ج 25/181.
12- الانتصار: ص 315 مسألة 174.
13- الناصريّات: ص 350 تكملة المسألة 164.

أقول: قد استدلّ للثاني بوجوه:

1 - إنّ أدلّة صحّة الطلاق لا تشمل طلاق المرأة المبهمة غير المعيّنة، لانصرافها إلى ما هو الشائع المعروف من الشريعة والعادة.

وفيه: أنّ الانصراف الناشئ عن شيوع فردٍ وندرة آخر لا يصلحُ لتقييد الإطلاق.

2 - إنّ الطلاق أمرٌ معيّن فلابدّ له من محلّ معيّن، وحيثُ لا محلّ فلا طلاق.

وفيه: إنّ الطلاق لدفع قيد النكاح، فكما أنّ من أسلم على أكثر من الأربع يزول قيد النكاح عن الأكثر عن الأربع، ويبقى بالنسبة إلى الأربع، فكذلك في المقام، لا أقول إنّه من الحكم هناك يُستفاد حكم المقام حتّى يقال - كما في «الجواهر»(1) - بأنّه قياس، بل أقول إنَّ أدلّ الدليل على إمكان شيء وقوعه، وبه يندفع دعوى الاستحالة.

3 - أنّ الأحكام من قبيل الأعراض، فلابدّ لها من محلّ تقوم به.

وفيه: - مضافاً إلى ما في سابقه - أنّ الأحكام من الاُمور الاعتباريّة، وهي خفيف المؤونة، وتقوم بالكلّي، فكما يصحّ اعتبار الملكيّة في بيع الكلّي، وملكيّة أحد الشيئين أو الأشياء في الوصيّة، كذلك يصحّ اعتبار زوجيّة إحدى الإمراتين وخروج الاُخرى عن قيد النكاح.

4 - إنّه ليس طلاقٌ إلّالدفع قيد النكاح الذي لم يقع في الخارج إلّاعلى شخصٍ بعينها، والأحديّة ونحوها من الاُمور الانتزاعيّة الوهميّة لم يقع عليها عقد النكاح.7.

ص: 82


1- جواهر الكلام: ج 32/47.

وفيه أوّلاً: النقض بما لو تملّك عدّة أشياء معيّنة، كلّ واحدٍ منها بسبب خاصّ ، ثمّ أوصى بأحدها لزيد، فكما أنّه لا مانع هناك من صحّة الوصيّة، كذلك في المقام.

وثانياً: بالحَلّ ، وهو أنّه لم يدلّ دليلٌ على اعتبار وقوع الطلاق على ما وقع عليه النكاح بعينه، فكما أنّ من اشترى صيعان معيّنة من حنطة له أن يبيع صاعاً منها بنحو الكلّي في المعيّن، كذلك يصحّ في المقام أن يطلّق إحدى الزوجات اللّآتي وقع النكاح على كلّ واحدةٍ بعينها.

5 - إنّ تعيين واحدة منهنّ إنْ كان بالقرعة.

فيرد عليه: أنّها لكشف الأمر المشتبه، وليس المقام منه، ضرورة خلوّه عن القصد في الواقع.

وإنْ كان بتعيين المطلِّق.

فيرد عليه: أنّه لادليل بعد فرض صحّة الطلاق على مدخليّة اختياره في ذلك.

وفيه: أنّ القرعة لا تختصّ بما ذُكر، بل هي للأعمّ من ذلك ومن المشكل الذي لا ترجيح فيه بظاهر الشرع، كما حُقّق في محلّه، وقد ورد الأمر بالقرعة فيما لا تعيّن له واقعاً.

مع أنّه ما المانع من البناء على أنّ للمطلِّق اختيار التعيين، فإنّ التعيين من توابع الطلاق، فكما أنّ له التعيين ابتداءً كذلك له التعيين استدامة.

6 - إنّ توابع الطلاق من العِدّة وغيرها لابدّ لها من محلّ معيّن.

وفيه: أنّ المصنّف قدس سره التزم بترتّب الآثار بعد التعيين، وهو صحيحٌ ، فإنّ العِدّة إنّما هي على من طُلِّقت، وما لم يتعيّن المطلّقة لا يصدق هذا العنوان على واحدةٍ منهما أو منهنّ .

ص: 83

7 - دلالة جملةٍ من النصوص عليه:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ قال لإمرأته:

أنتِ عَليَّ حرام أو بائنة أو بتة أو بريّة أو خليّة ؟

قال عليه السلام: هذا كلّه ليس بشىء، إنّما الطلاق أنْ يقول لها في قبل العِدّة بعدما تطهر من محيضها، قبل أنْ يجامعها: أنتِ طالقٌ ، أو اعتدّي، يريدُ بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين»(1).

بدعوى أنّه يدلّ على اعتبار ذكر ما يفيد التعيين.

ومنها: خبر محمّد بن أحمد بن مطهّر، قال: «كتبتُ إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام: إنّي تزوّجتُ أربعة نسوة، ولم أسأل عن أسمائهنّ ، ثمّ إنّي أردتُ طلاق إحداهنّ ، وتزويج إمرأة أُخرى؟

فكتب عليه السلام: انظر إلى علامةٍ إنْ كانت بواحدة منهنّ ، فتقول: إشهدوا أنّ فلانة الّتي بها علامة كذا وكذا هي طالق، ثمّ تزوّج الاُخرى إذا انقضتِ العِدّة»(2).

أقول: ولكن الصحيح غير ظاهرٍ في اعتبار التعيين، فإنّ قوله: «أنتِ طالق» إنّما هو في جواب أنّ السائل سأله عن كفاية أنتِ خليّة وما شابهه، فأجابه عليه السلام بذلك، فالنظر في الجواب إلى خصوص كلمة (طالق) ولذا لم يتوهّم أحدٌ اعتبار الخطاب.

وأمّا الخبر فهو وإنْ دلّ على التعيين، إلّاأنّه يدلّ على اعتباره في ترتّب الحكم الذي سئل عنه وهو التزويج بامراةٍ أُخرى ، ولا شكّ في اعتباره في ذلك، إذ ما لم6.

ص: 84


1- الكافي: ج 6/69 باب ما يجب أنْ يقول من أراد أن يطلِّق ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/41 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27975.
2- الكافي: ج 5/563 باب نوادر ح 31، وسائل الشيعة: ج 20/520 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 26246.

يعيّن لا عِدّة، ومع عدم العِدّة وعدم مضيّها لا يجوز تزويج الخامسة.

فالمتحصّل: أنّه لا دليل على اعتبار التعيين، وأنّ الأظهر صحّة الطلاق ولو لم ينو واحدةٍ معيّنة، وعليه:

فهل يستخرج المطلّقة بالقُرعة، كما في «الشرائع»(1)؟

أم يرجع في ذلك إلى تعيينه، كما أفاده المصنّف رحمه الله في محكي «القواعد»(2)؟

وجهان، أظهرهما الثاني كما في نظائره:

منها: تزويج الاُختين معاً بعقدٍ واحد، وتزويج خَمسٍ كذلك، أو اثنتين لمن عنده ثلاث.

ومنها: من باع صاعاً من صُبرة، فإنّهم صرّحوا بأنّ التخيير في تعيينه بيد البائع، بل وكذا بيع الكلّي في الذمّة.

ويمكن أن يستدلّ له: بأنّه بطلاق غير المعيّنة لا تخرجُ عن قيد النكاح إلّا الكلّي الجامع بين زوجاته، المُعرّى عن التشخّص الخاص، فكما أنّ أصل الطلاق بيد الزوج، وطلاق المرأة المعيّنة بيده، كذلك تطبيق الكلّي الجامع على واحدة معيّنة، وجعلها مطلّقة بيده، ومع ذلك الأحوط أن تستخرج بالقرعة، ثمّ يختار هو ما خرج بها.

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً ذكرها الفقهاء، وحيث أنّ نظائرها تقدّمت في كتاب النكاح(3) في مسألة: (لو أسلم الرّجل وعنده أكثر من الأربع) فلا حاجة إلى الإعادة.8.

ص: 85


1- شرائع الإسلام: ج 3/582.
2- قواعد الأحكام: ج 3/123.
3- فقه الصادق: ج 32/278.

ولا يقع إلّابقوله: طالق.

صيغة الطلاق

الركن الثالث: الصيغة.

لا خلاف ولا إشكال في أنّ النكاح بعد وقوعه عِصمةٌ مستفادة من الشرع، لايزول إلّابما جعله الشارع رافعاً له، فيقف رفعه على موضع الإذن، كما لا ريب في أنّ الطلاق شُرّع لرفعه، ومقتضى إطلاق دليله كونه رافعاً بتحقّق مسمّاه، الحاصل بإنشائه بكلّ لفظٍ دالّ عليه.

(و) لكن صرّح جماعة من الأصحاب بأنّه (لا يقعُ إلّابقوله: طالق).

أقول: تفصيل القول في المقام يقتضي البحث في جهات:

الجهة الأولى: المشهور بين الأصحاب انحصار صيغة الطلاق في مادّة الطلاق، فلو قال: (أنتِ خليّة من الزوج) أو (بريئة منه) أو (حَبلُكِ على غَاربكِ ) أو (ألحقي بأهلكِ ) أو (أنتِ بائنة) أو (حرام) أو (بتة) أي مقطوعة الزوجيّة، أو (بتلة) أي متروكة النكاح، أو (اُغربي عنّي) أو (إذهبي) أو (اخرجي) وما شابه تلكم من ألفاظ الكناية وغيرها، لم يقع به الطلاق، سواء نوى به أو لم ينوه.

وعن محمّد بن أبي حمزة(1)، والإسكافي(2)، والشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(3)،

ص: 86


1- تهذيب الأحكام: ج 8/37 باب أحكام الطلاق ح 29.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/344.
3- مسالك الأفهام: ج 9/75-76.

والسيّد في «نهاية المرام»(1) وقوعه بلفظ: (اعتدّي).

بل عن الشهيد وقوعه بغير لفظ (اعتدّي) من الكنايات التي هي أوضح معنىً من قوله: (اعتدّي) كقول: (أنتِ سَرحة) أو (سرّحتكِ ) أو (فارقتكِ ) وما شاكل(2).

ويشهد للأوّل: جملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ قال لإمرأته: أنتِ منّي خليّة أو بريّة أو بتة أو بائن أو حرام ؟ قال عليه السلام: ليس بشيء»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن رجلٍ قال لإمرأته: أنتِ عَليَّ حرام، أو بائنة، أو بتّة، أو بريّة، أو خليّة ؟

قال عليه السلام: هذا كلّه ليس بشيء إنّما الطلاق أنْ يقول لها في قبل العِدّة بعدما تطهر من محيضها، قبل أنْ يُجامعها: أنتِ طالق، أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويُشهِد على ذلك رجلين عَدْلين»(4).

ورواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنطي في كتاب «الجامع» عن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن مسلم، على ما نقله المصنّف في محكيّ «المختلف»(5)، وترك قوله: «أو اعتدّي».6.

ص: 87


1- نهاية المرام: ج 2/28-29.
2- مسالك الأفهام: ج 9/79.
3- الفقيه: ج 3/549 باب الخليّة والبريّة ح 4889، وسائل الشيعة: ج 22/37 باب 15 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27963.
4- الكافي: ج 6/69 باب ما يجب أنْ يقول من أراد أن يطلِّق ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/41 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27975.
5- مختلف الشيعة: ج 7/346.

ومنها: ما رواه الشيخ الكليني في «الكافي» عن الحسن بن سماعة، قال:

«ليس الطلاق إلّاكما روى بكير بن أعين، أنْ يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنتِ طالق، ويَشهد شاهدين عدلين، وكلّ ما سوى ذلك فهو ملغى»(1).

ودلالة هذه النصوص على الحصر ظاهرة.

واستدلّ للثاني: بصحيح محمّد على النقل الأوّل، وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الطلاق أنْ يقول لها: اعتدّي، أو يقول لها: أنتِ طالق»(2).

أقول: وأُورد على الاستدلال بهما بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الشيخ قدس سره: (بأنّ لفظ اعتدّي من غير تقدّم قول الرّجل:

أنتِ طالق، لا معنى له، لأنّ لها أن تقول: من أيّ شيء أعتدُّ؟!، وعليه فيتعيّن أنْ يكون المراد أنّ لفظ (اعتدّي) إنّما يعتبر إذا تقدّم قوله: (أنتِ طالق) حتّى يصحّ أن يُجيب الرّجل إذا سألته المرأة من أيّ شيء أعتدُّ، بأنّي طلّقتك، فالاعتبار إذاً بلفظ الطلاق)(3).

وفيه: أنّه إذا قَصَد الزوج ب (اعتدّي) الطلاق، وحكم الشارع بحصول البينونة به، يصير هذه الكلمة في معنى أنتِ طالق، فإذا سألته المرأة من أيّ شيء أعتدُّ، يقول من الطلاق الواقع بهذا اللّفظ.

الوجه الثاني: إنّهما يُحملان على التقيّة، لأنّ حصول الطلاق به مذهبُ العامّة(4)،5.

ص: 88


1- الكافي: ج 6/70 باب ما يجب أنْ يقول من أراد أن يطلّق ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/41 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27973.
2- الكافي: ج 6/69 باب ما يجب أنْ يقول من أراد أن يطلّق ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/42 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27976.
3- تهذيب الأحكام: ج 8/37 ذيل حديث 29.
4- المبسوط للسرخسي: ج 6/75.

مع أنّ الخبر الأوّل مرويٌّ بوجهين، ليس في أحدهما هذا اللّفظ.

وفيه أوّلاً: أنّ في الخبر الأوّل ما يخالف ذلك، وهو أنّه لا يقع الطلاق بقوله:

(أنتِ حرام) أو (بائنة) الخ.

وثانياً: إنّ الحمل على التقيّة إنّما هو فيما إذا لم يمكن العمل بالخبر لوجود المعارض له، وفقد الموافق من جملةٍ من المرجّحات المنصوصة، وإلّا فلا يُحمل الخبر بمجرّد الموافقة للعامّة على التقيّة.

وأمّا ما ذكر من تعدّد النقل، فالأصل يقتضي البناء على وجود الزيادة.

الوجه الثالث: أنّه يحتمل إرادة معنى الواو من (أو) على معنى ذكر ما يدلّ على إرادة الطلاق من (أنتِ طالق) في مقابل قول العامّة بوقوع الطلاق به مطلقاً.

وفيه: إنّ ذلك خلاف الظاهر، لا يُصار إليه إلّامع القرينة المفقودة في المقام.

الوجه الرابع: إنّه يحتمل أنْ يكون المراد بيان أنّ الطلاق يقعُ بحضورها أو غيبتها، فإنْ كان الثاني يُرسل إليها رسولاً يقول لها اعتدّي، كما عساه يشهد له:

1 - صحيح محمّد بن قيس أو حسنه، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«الطلاق للعِدّة أن يطلّق الرّجل إمرأته عند كلّ طُهر، يرسل إليها أن اعتدّي فإنّ فلاناً قد طلّقك، قال: وهو أملك برجعتها ما لم تنقض عِدّتها»(1).

2 - وموثّق ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يُرسل إليها، فيقول الرسول:

اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقكِ »(2).4.

ص: 89


1- الكافي: ج 6/70 باب ما يجب أنْ يقول من أراد أن يطلّق ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/42 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27977.
2- الكافي: ج 6/70 باب ما يجب أنْ يقول من أراد أن يطلّق ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/41 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27974.

وفيه: أنّ الظاهر من الصحيحين اللّذين بهما الاستدلال، كون القائل بالجملتين، أي: (أنتِ طالق) أو (اعتدّي) واحداً، والمخاطب واحدة، وحصول الطلاق بنفس هذه الجملة.

نعم، الصحيح والموثّق يدلّان على عدم اعتبار حضور الزوجة، وأنّه يصحّ أن تطلّق وهي غائبة، وبهما يتصرّف في ظهور الصحيحين وغيرهما في اعتبار الخطاب، ويُبنى على عدم اعتباره.

وبالجملة: فالحقّ أنّ الصحيحين يدلّان على الاكتفاء به، ولا مانع من الإفتاء سوى عدم إفتاء الأصحاب، خصوصاً القدماء منهم بذلك، فهما بالإعراض ساقطان عن الحجيّة.

أقول: ثمّ إنّه على القول بالاكتفاء به، لا وجه لما ذكره الشهيد رحمه الله(1) من توسعة الدائرة بالحكم بالصحّة في جملةٍ من الكنايات الظاهرة في إرادة معنى الطلاق، بل وبالألفاظ الصريحة فيه كالتسريح والفراق، وما شاكل، إذ لا وجه له حينئذٍ سوى ما أفاده من مفهوم الموافقة المؤيّد بعموم الآيات والأخبار الدالّة على الطلاق من غير تقييد.

ثمّ أورد على نفسه: بأنّ الحصر في النصوص حتّى الصحيح المستدلّ به ينافي ذلك.

وأجاب عنه: بأنّ الحصر في الصيغتين بطريق المطابقة وفي غيرهما بطريق الالتزام، فلا منافاة، مع إمكان منع دلالة (إنّما) على الحصر، بل هو لمجرّد التأكيد، وقد وقع استعمال (إنّما) في الكلام الفصيح مجرّداً عن الحصر.9.

ص: 90


1- مسالك الأفهام: ج 9/78-79.

ويرد عليه: أنّه مع عدم العلم بمناط الحكم، كيف يُدّعى مفهوم الموافقة والأولويّة، وظاهر الخبر حَصر ما يقع به الطلاق في الصيغتين، فالتعدّي ينافيه الحصر، وحمل أداة الحصر (إنّما) على غير الحصر خلاف الظاهر، يحتاج إليقرينة، ومجرّد استعماله مجرّداً عنه لا يكفي في ذلك، فإنّ الاستعمال أعمٌّ من الحقيقة.

الجهة الثانية: المشهور بين الأصحاب اعتبار أنْ يكون ما يُنشأ به البينونة من مادّة الطلاق متهيّأة بهيئة طالق، فلا يكفي لو قال: (أنتِ طلاق) أو (مطلّقة) وما شاكل، وخالف الشيخ في موردين:

أحدهما: أنّه يقع الطلاق بقول: (أنتِ مطلّقة) كما حُكي عن مبسوطه(1).

ثانيهما: ما لو سُئل الزوج هل طَلّقتَ امرأتكَ ، فيقول نعم، فإنّه(2) وبعض أتباعه(1) ذهبوا إلى وقوع الطلاق بذلك ووافقهم في الثاني المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»(2)، والمحقّق في «الشرائع»(3)، و «النافع»(4) وصاحب «الحدائق»(5).

أقول: ويشهد لما هو المشهور، النصوص الحاصرة فيما يتحقّق به الطلاق في صيغة (طالق) بإضافة ما يعيّن المطلّقة، ولم يستدلّ الشيخ رحمه الله على ما ذهب إليه من وقوعه ب (أنتِ مطلّقة)، بل قال:

(عندنا أنّ قوله: أنتِ مطلّقه إخبارٌ عمّا مضى فقط، فإنْ نوى به الإيقاع في7.

ص: 91


1- كالقاضي في المهذّب: ج 2/278، وابن حمزة في الوسيلة: ص 324.
2- قواعد الأحكام: ج 3/127 (الفصل الثالث). قوله: (ولو قيل: طلّقت فلانة ؟ فقال: نعم. قيل: يقع).
3- شرائع الإسلام: ج 3/583.
4- المختصر النافع: ص 198.
5- الحدائق الناضرة: ج 25/207.

الحال فالأقوى أن نقول إنّه يقع)(1).

وأورد عليه المحقّق في «الشرائع»: (بأنّه بعيدٌ عن شِبه الإنشاء)(2).

أقول: والظاهر أنّ نظر المحقّق إلى ما ذكره الأصحاب في اشتراط الماضويّة في ما يُنشأ به، وأنّه لا يصحّ الإنشاء بالمستقبل، ولا بالجملة الاسميّة في شيء من العقود والإيقاعات، لأنّ المستقبل أشبه بالوعد، والجملة الاسميّة إخبارٌ لا إنشاء، والأمر استدعاءٌ لا إيجاب، ولازم ذلك عدم وقوع الطلاق ب (أنتِ طالق)، ولكنّه لورود النّص الخاص به يلتزم به فيه، وفي غيره يُبنى على ذلك الأصل.

وحيثُ عرفت فساد هذا الوجه في كتاب النكاح(3)، وأنّ مقتضى القاعدة صحّة الإنشاء بالمستقبل وبالجملة الاسميّة، يصبح هذا الإيراد في غير محلّه.

وعليه، فالعمدة في الجواب عن الشيخ رحمه الله، هو حصر النصوص بما يقع به الطلاق في غيره.

أقول: واستدلّ لما ذهب إليه الشيخ وتابعوه في المورد الثاني برواياتٍ :

منها: خبر السكوني، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «عن الرّجل يقال له أطلّقتَ إمرأتكَ؟ فيقول: نعم ؟

قال: قد طلّقها حينئذٍ»(4).

وفيه: - مضافاً إلى ضعف سنده(5) - أنّه غير ظاهرٍ في إرادة الإنشاء بذلك، بلن.

ص: 92


1- المبسوط: ج 5/25.
2- شرائع الإسلام: ج 3/583.
3- فقه الصادق: أوائل ج 31/19.
4- التهذيب: ج 8/38 باب أحكام الطلاق ح 30، وسائل الشيعة: ج 22/42 باب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27978.
5- في سند بنان بن محمّد وهو عبد اللّه بن محمّد بن عيسى الأشعري ذكره النجاشي: ص 328 في ترجمة محمّدابن سنان.

هو يدلّ على أنّ الإقرار بالطلاق ملزمٌ عليه ويؤخَذ به.

ومنها: موثّق إسحاق، عنه عليه السلام: «في رجلٍ طلّق إمرأته ثلاثاً، فأراد رجلٌ أن يتزوّجها فكيف يصنع ؟

فقال عليه السلام: يدعها حتّى تحيض وتطهر، ثمّ يأتيه ومعه رجلان شاهدان، فيقول:

أطلقتَ فلانة، فإذا قال نعم، تركها ثلاثة أشهر ثمّ خَطَبها إلى نفسه»(1).

ونحوه موثّقه الآخر(2)، وموثّق حفص البختري(3).

وظهور هذه النصوص في وقوع الطلاق بقول الزوج: نعم في جواب السؤال لا يُنكر، بقرينة:

قوله عليه السلام: «يدعها حتّى تحيض وتطهر»، فإنّه بملاحظة وقوع الطلاق في طُهرٍ غير طهر المواقعة.

وأيضاً: قوله عليه السلام: «ومعه رجلان شاهدان» فإنّ ذلك لرعاية حضور العدلين.

وأيضاً: قوله عليه السلام: «تركها ثلاثة أشهر ثمّ خَطَبها إلى نفسه» فإنّه لرعاية العِدّة، إلّا أنّها ظاهرة في إرادة الإخبار عن طلاقٍ سابق من قول نعم، ومثله لا يصلح لوقوع الطلاق به إجماعاً، لاعتبار قصد الإنشاء به، ولم يفتِ بعدم اعتباره أحدٌ سوى صاحب «الحدائق»(4) رحمه الله في المقام.0.

ص: 93


1- الكافي: ج 5/424 باب المرأة التي تطلّق على غير السُّنة ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/496 باب 36 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 26186.
2- الفقيه: ج 3/406 باب ما أحلّ اللّه من النكاح ح 4419، وسائل الشيعة: ج 22/76 باب 31 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28064.
3- التهذيب: ج 8/59 باب أحكام الطلاق ح 113، وسائل الشيعة: ج 22/76 باب 31 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28063.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/210.

وبالجملة: فهذه النصوص مطروحة بالإعراض، فإذاً لا دليل على وقوع الطلاق به.

اعتبار العربيّة في صيغة الطلاق

الجهة الثالثة: المشهور(1) بين الأصحاب أنّه يعتبر العربيّة في صيغة الطلاق.

وعن الشيخ في «النهاية»: (إنّه ينوبُ مناب قوله: (أنتِ طالق) بغير العربيّة بأيّ لسانٍ كان، فإنّه تحصل به الفُرقة)(2)، إذا تعذّر عليه لفظ العربيّة.

فأمّا إذا كان قادراً على التلفّظ بالطلاق بالعربيّة، فطلّق بلسانٍ غيرها، فلا تقع الفُرقة بذلك، لأنّه ليس عليه دليل، والأصل بقاء العقد.

أقول: وقد استدلّ لاعتبار العربيّة بوجوهٍ ، أكثرها بيِّنة الفساد، وهي:

1 - التأسّي فان النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام كانوا يطلّقون بالعربيّة.

2 - وأنّ مقتضى أصالة الفساد عدم ترتّب الأثر على شيء من ما يقع به الطلاق، والمتيقّن ممّا خرج عن هذا الأصل الطلاق بالعربيّة، فلابدّ من رعايتها.

3 - وبعدم صدق الطلاق على غير العربي:

فإنّه يرد على الأوّل: أنّه لا دليل على لزوم التأسّي أو محبوبيّته في كلّ ما كانوا يفعلونه، ألا ترى إنّهم كانوا يتكلّمون بالعربي ولم يتوهّم أحدٌ لزومه أو استحبابه، ولعلّ إنشائهم الطلاق به من هذا القبيل، مع أنّ مطلوبيّته لا تستلزمُ فساد الإنشاء بغيره.

ويرد الثاني: أنّ مقتضى الإطلاقات وقوعه بغير العربي أيضاً، ومعها لا وجه

ص: 94


1- مسالك الأفهام: ج 9/67.
2- النهاية: ص 511.

للرجوع إلى الأصل.

ويرد الثالث: إنّ الطلاق من مقولة المعنى، فلا معنى لعدم صِدقه على ما أنشأ بغير العربي.

وعليه، فالعمدة في هذا المقام هو ظهور النصوص الحاصرة المتقدّمة، وبها يقيّد الإطلاقات.

وأمّا الشيخ الطوسي رحمه الله: فقد استدلّ (1) لما ذهب إليه:

1 - بأنّ المقصود في المحاورات بالذّات إنّما هو المعاني دون الألفاظ، لأنّها دلائل، ونسبة الألفاظ متساوية.

2 - وبخبر وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «كلّ طلاقٍ بكلّ لسان فهو طلاق»(1).

3 - وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف» - بعد نقل احتجاج الشيخ، ونقل احتجاج الحِلّي(2) على عدم وقوع الطلاق بغير العربي -: (بأنّ الأصل عصمة الفروج، والاستصحاب يدلّ على بقاء العقد، والفُرقة أمرٌ شرعي ولم يثبت أنّه قال: ونحن في المسألة من المتوقّفين)(4).

أمّا احتجاج الحِلّي: فقد مرَّ ما فيه.

وأمّا الوجه الأوّل، الذي ذكره الشيخ رحمه الله: فهو في نفسه متينٌ فإنّ حاصله:

أنّ الطلاق وغيره من الاعتباريّات تتحقّق باعتبار المعتبر، فهي أُمور اعتباريّة،).

ص: 95


1- التهذيب: ج 8/38 باب أحكام الطلاق ح 31، و وسائل الشيعة: ج 22/43 باب 17 من أبواب مقدّمات الطلاق ح 27980.
2- السرائر ج 2/67 قوله: (فأمّا إذا كان قادراً على التلفّظ بالطلاق بالعربيّة، وطلّق بلسان غيرها، فلا تقع الفرقة بذلك، لأنّه ليس عليه دليل، والأصل بقاء العقد).

ولولا الإجماع على أنّه ما لم يُبرز الاعتبار بمبرزٍ لقلنا بالاكتفاء بالاعتبار النفساني ولو لم يبرز، ولكن قام الإجماع عليه، ولا فرق في الإبراز بين العربي وغيره، فمقتضى إطلاق الأدلّة هو الاكتفاء بغير العربي.

لكن يرد عليه: أنّه لاوجه حينئذٍ للاختصاص بغير المتمكّن من الألفاظ العربيّة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه قام الإجماع على اعتبارها لمن يتمكّن منها، مع أنّ النصوص السابقة الحاصرة توجبُ تقييد إطلاق الأدلّة.

فإنْ قيل: إنّ الظاهر منها باعتبار توجّه الخطاب إلى الزوج بأن يقول: (أنتِ طالق)، كونها مختصّة بالمتمكّن من التلفّظ بالعربيّة، فيبقى غيره تحت الإطلاقات، ولعلّ هذا هو الوجه في تخصيص ابن إدريس الحِلّي رحمه الله(1) الاكتفاء بغير العربيّة لغير المتمكّن منها.

قلنا: إنّها وإنْ كانت بصورة الخطاب، ولكن قد مرَّ أنّها تدلّ على حصر مايقع به الطلاق فيما تضمّنته، ومن جملة القيود المأخوذة كونه بالعربي، فيقيّد إطلاق الآيات والأخبار بها.

وأمّا الخبر: فهو ضعيفُ السّند، حيث أنّ راويه(2) معروف بالكذب.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر عدم وقوع الطلاق بغير العربي من اللّغات الاُخر.

الطلاق بالكتابة

الجهة الرابعة: لا خلاف(3) بين الأصحاب في عدم وقوع الطلاق بالكتابة، من

ص: 96


1- السرائر: ج 2/676.
2- رجال النجاشي: ص 430 قوله: (وهب بن وهب... روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وكان كذّاباً...)، الفهرست: ص 256 باب (وهب) رقم (3) قوله: (عامّي المذهب، ضعيف).
3- مسالك الأفهام: ج 9/70.

الحاضرِ القادرِ على النطق، وكذا لا خلاف ظاهراً في أنّه لو عجز عن النطق ولو لعارضٍ في لسانه فكتب ناوياً به الطلاق، صَحّ كما سيأتي(1).

وإنّما الخلاف في أنّه هل يقع بالكتابة إذا كان غائباً عن الزوجة، وكان قادراً على التلفّظ أم لا؟

المشهور(2) بين الأصحاب العدم، وهو مذهب الشيخ في محكيّ «المبسوط»(3)، والخلاف(4) مدّعياً عليه الإجماع، وعنه في «النهاية»(5) وقوعه بها، وتبعه من القدماء جملة من أتباعه(6)، ومن متأخّري المتأخّرين الشهيد الثاني(7)، والفاضل الخراساني(8)، والمحدّث الكاشاني(9)، ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار.

فمّما يشهد للأوّل: صحيح زرارة، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجلٌ كتب بطلاقِ إمرأته أو بعتق غلامه، ثمّ بدا له فمحاه ؟

قال عليه السلام: ليس ذلك بطلاق ولاعتاق حتّى يتكلّم به»(10).1.

ص: 97


1- في البحث القادم في طلاق الأخرس.
2- مسالك الأفهام: ج 9/70 قوله: (فذهب الأكثر.. إلى العدم أيضاً).
3- المبسوط: ج 5/28 قوله: (فإذا كتب ونوى ولم يتلفّظ به فعندنا لا يقع به شيء إذا كان قادراً على اللّفظ... وروى أصحابنا أنّه كان مع الغيبة يقع، وإنْ كان مع الحضور فلا يقع).
4- الخلاف: ج 4/469 مسألة 29.
5- النهاية: ص 511.
6- كما في الوسيلة: ص 323، وإصباح الشيعة: ص 448-449 (الفصل الأوّل: شروط الطلاق).
7- مسالك الأفهام: ج 9/71-72.
8- كفاية الأحكام: ص 200.
9- مفاتيح الشرائع: ج 2/316.
10- الكافي: ج 6/64 باب الرّجل يكتب بطلاق إمرأته ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/36 باب 14 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27961.

وصحيحه الآخر المضمر: «سألته عن رجلٍ كتب إلى إمرأته بطلاقها، أو كتبَ بعتق مملوكه، ولم ينطق به لسانه ؟

قال عليه السلام: ليس بشيء حتّى ينطق به»(1).

وممّا يدلّ على الثاني: صحيح الثمالي، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام: عن رجلٍ قال لرجل: اكتب يافلان إلى إمرأتي بطلاقها، أو اكتب إلى عبدي بعتقه، يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟

قال عليه السلام: لايكون طلاقاً ولا عتقاً حتّى ينطق به لسانه، أو يخطّه بيده، وهو يريد الطلاق أو العتق، ويكون ذلك منه بالأهلّة والشهود، ويكون غائباً عن أهله»(2).

والنسبة بين الطائفين عموم مطلق، لأنّ الأولين مطلقان وشاملان للغائب والحاضر، والأخير مختصٌّ بالغائب، فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على الوقوع بها.

أقول: ذكروا وجوهاً لعدم العمل بظاهر الأخير:

الوجه الأوّل: ما عن «المختلف» للمصنّف رحمه الله: (من أنّه حيث لا تأثير للغيبة والحضور في السبب، فهما متعارضان، فيُحمل الأخير على حالة الاضطرار، وتكون لفظة (أو) للتفصيل لا للتخيير، أو يطرح لموافقة الأولين للأصل والشهرة في العمل)(3).ر.

ص: 98


1- التهذيب: ج 7/453 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 23، وسائل الشيعة: ج 22/36 باب 14 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27960.
2- الكافي: ج 6/64 باب الرّجل يكتب بطلاق إمرأته ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/37 باب 14 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27962.
3- مختلف الشيعة: ج 7/350-351. والعبارة منقولة مع تقديم وتأخير.

وفيه: مضافاً إلى صراحة الصحيح في كون المُطلِّق قادراً على التلفّظ، لأنّه قال:

(اكتب يا فلان... الخ) فلا وجه لحمله على حالة الاضطرار، أنّه حملٌ لا شاهد به.

وما ذكره من تساوي الغيبة والحضور في السببيّة، مصادرةٌ محضة، بل دعوى بلا دليل في مقابل النّص الصريح.

وعدم الفرق بينهما في سببيّة اللّفظ، لايستلزمُ عدم الفرق بينهما في سببيّة الكتابة.

وأمّا موافقة الأصل: فهي ليست من مرجّحات إحدى الروايتين على الاُخرى مطلقاً، فإنّ الخبر موافقه ومخالفه حاكمٌ على الأصل.

وأمّا الشهرة في العمل: فهي وإنْ كانت من المرجّحات، لكنّه في الخبرين المتعارضين لا في المطلق والمقيّد.

الوجه الثاني: ما في «الجواهر»: (من موافقة صحيح الثمالي للعامّة الذين أوقعوا الطلاق بالكتابة، لأنّها أحد الخطابين، وأحد اللّسانين المُعرِبين عمّا في الضمير، فيُحمل على التقيّة)(1).

وفيه: إنّ المخالفة للعامّة من المرجّحات عند تعارض الخبرين على نحوٍ لايمكن الجمع بينهما بوجه، بعد فقد جُملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحُجّة عن اللّاحجّة، ولا من مرجّحات المطلق على المقيّد.

الوجه الثالث: ما في «الحدائق»: (من أنّه في باب العقود والإيقاعات اتّفقت الكلمات - وهو المعهود من الشارع - على عدم الاكتفاء بغير اللّفظ، ويبعد اختصاص الطلاق بهذا الحكم، لعدم ظهور خصوصيّة له بذلك، ويعضده ما ورد(2)4.

ص: 99


1- جواهر الكلام: ج 32/63.
2- هو خبر يحيى بن الحجّاج، عن خالد بن نجيح، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجيء فيقول اشتر هذاالثوب واُربحك كذا وكذا؟ فقال عليه السلام: أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟ قلت: بلى ، قال عليه السلام: لا بأس إنّما يحلّل الكلام ويحرم الكلام»، راجع التهذيب: ج 7/50 باب البيع بالنقد والنسيئة ح 16، وسائل الشيعة: ج 18/50 باب 8 من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة، ح 23114.

في بعض الأخبار: «إنّما يُحرّم الكلام» ويؤكّده الحصر في (أنتِ طالق) فإنّه كما يدلّ على عدم الاكتفاء بغير هذا اللّفظ، يدلّ على عدم الاكتفاء بالكتابة)(1).

وبالأخيرين استدلّ صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله للقول المشهور.

وفيه: أمّا ما ذكره من عدم المعهوديّة من الشارع بالاكتفاء بالكتابة في العقود والإيقاعات، وبعد اختصاص الطلاق بهذا الحكم.

فيدفعه: أنّه لا يبعدُ بعد ورود النّص الصريح الصحيح فيه بالخصوص دون غيره، وكم له أحكامٌ تختصّ به، ألا ترى أنّ المشهور بينهم اعتبار الماضويّة في صيغ العقود، ولكن في باب الطلاق اتّفقوا على لزوم كونه بالجملة الاسميّة.

وأمّا ما ذكره من قوله عليه السلام: «إنّما يحرّم الكلام» فعلى فرض دلالته على اعتبار اللّفظ في العقود والإيقاعات، فهو مطلقٌ يقيّد إطلاقه بالصحيح، مع أنّه غير دالّ على ذلك، لأنّه في الخبر احتمالات ذكرناها في الجزء السابع عشر من هذا الشرح.

وأوضح الاحتمالات وأظهرها ما ذكره صاحب «الجواهر»(3) في كتاب البيع، وتبعه جمعٌ من الأساطين(4) من أنّ المراد بالكلام الالتزام البيعي الذي هو مورد الخبر، والمراد بالمحلّليّة والمحرّميّة المنسوبتين إليه، محلّليّة الإيجاب للمبيع على المشتري والثمن على البائع، ومحرميّة المبيع على البائع والثمن على المشتري، وإطلاقر.

ص: 100


1- الحدائق الناضرة: ج 25/214.
2- جواهر الكلام: ج 32/62.
3- جواهر الكلام: ج 22/217.
4- راجع حاشية كتاب الإصفهاني: ج 1/149 (ط. ج) وقد حكاه عن اُستاذه الآخوند واستحسنه على بعض الوجوه، وقوّاه على البعض الآخر.

الكلام على الالتزام شائعٌ مثل القول الشائع: (كلام اللّيل يمحوه النهار).

فالمتحصّل من الخبر: أنّ المشترى حيث أنّه إنْ شاء أخذ وإنْ شاء ترك، يكشف ذلك عن عدم تحقّق المعاملة، وإنّما الواقع صرف المقاولة والمواعدة، فلابأس بهما لعدم كونه حينئذٍ بيع ما ليس عنده، بخلاف ما إذا تحقّق إيجاب البيع، وتمام الكلام فيه في محلّه، وعليه فالخبر أجنبيٌ عن الدلالة على اعتبار اللّفظ.

أضف إليه: أنّ الحديث مجهولٌ عليتقدير كون الراوي ابن بُختج، لا ابن الحجّاج الحسن، ومن الغريب أنّ صاحب «الجواهر» مع أنّه ذكر هذا الاحتمال في كتاب البيع، وأوضحه وبيّنه، يستدلّ به في المقام!

وأمّا نصوص الحصر: فهي أيضاً يقيّد إطلاقها بالصحيح.

وعليه، فمقتضى الأدلّة هو البناء على الاكتفاء بها، ولكن لإعراض المشهور عن الصحيح، وعدم إفتائهم بمضمونه إنْ ثبت، يتوقّف في الحكم، فتأمّل.

ثمّ إنّه على القول بالاكتفاء بها، لابدّ من البناء على اعتبار أنْ يكتب بخطّه، كما صرّح به في الخبر، وفي «النهاية»(1) للشيخ:

قال الشهيد الثاني رحمه الله: (واعلم أنّه على تقدير القول بوقوعه بها يعتبر القصد بها إلى الطلاق، وحضور شاهدين يريان الكتابة.

وهل يشترط رؤيته حال الكتابة، أم يكفي رؤيتهما لها بعدها فيقع حين يريانها؟ وجهان:

والأوّل لايخلو عن قوّة، لأنّ ابتداءها هو القائم مقام اللّفظ)(2) انتهى . وهو جيّدٌ.2.

ص: 101


1- النهاية: ص 511.
2- مسالك الأفهام: ج 9/72.

ثمّ إنّ الظاهر من الخبر بقرينة قوله عليه السلام: «ويكون ذلك بالأهلّة والشهور ويكون غائباً عن أهله» أنّ الموضوع هو الغائب البعيد بمسافة القصر، كما تقدّم في طلاق الغائب، ولا يشمل الغائب عن المجلس، فما عن «المسالك» من احتمال شموله للغائب عن المجلس، وتقوية اعتبار الغيبة عرفاً(1) في غير محلّه.

طلاق الأخرس

الجهة الخامسة: لا خلاف ولا إشكال في أنّه يقع طلاق الأخرس بالكتابة، والإشارة، والفعل الدالّ عليه، وكذا كلّ من يتعذّر عليه النطق، والنصوص شاهدة به:

منها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن الرّجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلّم ؟

قال عليه السلام: أخرس هو؟

قلت: نعم، ويعلم منه بغضٌ لإمرأته وكراهته لها، أيجوز أن يطلّق عنه وليّه ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن يكتب ويُشهد على ذلك.

قلت: أصلحك اللّه فإنّه لا يكتب ولا يسمع، كيف يطلّقها؟

قال عليه السلام: بالذي يُعرف به من أفعاله، مثل ما ذكرت من كراهته وبُغضه لها»(2).

ومنها: خبر أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن طلاق الأخرس ؟

قال عليه السلام: يلفّ قناعها على رأسها ويجذبه»(3).

ص: 102


1- مسالك الأفهام: ج 9/73.
2- الفقيه: ج 3/515 باب طلاق الأخرس ح 4806، وسائل الشيعة: ج 22/47 باب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27988.
3- الكافي: ج 6/128 باب طلاق الأخرس ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/47 باب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27989.

ومنها: خبر السكوني: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها»(1).

ونحوه خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام(2).

ومنها: خبر يونس: «في رجلٍ أخرس كتب في الأرض بطلاق إمرأته ؟

قال عليه السلام: إذا فعل في قبل الطُّهر بشهودٍ، وفُهم عنه كما يفهم عن مثله، ويريد الطلاق، جاز طلاقه على السُّنة»(3).

وظاهر هذه النصوص هو الاكتفاء بالكتابة، أو كلّ فعلٍ ، أعمٌّ من الإشارة وغيرها يُفهم منه إرادته الطلاق، من دون ترتيب بين ذلك.

وعن الحِلّي(4): تقديم الكتابة، لأنّها أقوى في الدلالة على المراد.

ولكن الأقوائيّة ليست موجبة للتقديم، إلّاعلى نحو الأولويّة، ولذا ذكرها الإمام عليه السلام أوّلاً في صحيح البزنطي.

وعن جماعةٍ منهم الصدوقان(5): اعتبار إلقاء القناع على المرأة، حيث يرى أنّ ذلك يفيد أنّها قد حرمت عليه، لخبري السكوني وأبي بصير، ولكنّهما لايُصلحان6.

ص: 103


1- الكافي: ج 6/128 باب طلاق الأخرس ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/47 باب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27990.
2- التهذيب: ج 8/92 باب أحكام الطلاق ح 233، وسائل الشيعة: ج 22/48 باب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27992.
3- الكافي: ج 6/128 باب طلاق الأخرس ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/48 باب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27991.
4- السرائر: ج 2/678 قوله: (ومن لم يتمكّن من الكلام مثل أنْ يكون أخرس، فليكتب الطلاق بيده إن كان ممّن يحسن الكتابة، فإنْ لم يحسن فليومي إلى الطلاق). وأمّا التعليل بأنّه أقوى من المراد فقد ذكره الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 9/69.
5- فقه الرّضا: ص 248، المقنع: ص 353، من لا يحضره الفقيه: ج 3/515 باب طلاق الأخرس ذيل ح 4806.

لتقييد صحيح البزنطي، الدالّ على كفاية كلّ فعلٍ يُعرف به الطلاق، فيُحملان على أنّ ذلك من أفراد الإشارة.

تفويض الطلاق إلى الزوجة

الجهة السادسة: لو خيّر الزوجُ الزوجةَ ، وقد قصد تفويض الطلاق، وجعله بيدها:

فإنْ اختارت الزّوج، أو سكتت ولو لحظة، كان ذلك قادحاً في الاتّصال عرفاً، فلا حكم له بالاتّفاق(1)، والنصوص دالّة عليه.

وإنْ اختارت نفسها بقصد الطلاق:

فالمشهور(2) بين الأصحاب شهرة عظيمة أنّه لا حكم له أصلاً.

وعن ابن الجُنيد(3)، وابن أبي عقيل(4)، والسيّد المرتضى(5)، وظاهر الصدوقين(6): وقوع الفرقة إمّا رجعيّةً كما عن الثاني منهم، أو بائنةً كما عن الأوّل.

أقول: ثمّ إنّ المراد من موضوع هذه المسألة:

1 - يحتمل أنْ يكون كون التخيير بنفسه قسماً مستقلّاً من ما يحصل به الفُرقة كالخُلع والمباراة واللّعان.

2 - ويحتمل أنْ يكون من الطلاق الكنائي، وكون الكناية تخييره لها بقصد

ص: 104


1- جواهر الكلام: ج 32/67.
2- إيضاح الفوائد: ج 3/308.
3- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/339.
4- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/339.
5- رسائل المرتضى: ج 1/241 المسألة 55.
6- المقنع: ص 347-348، من لا يحضره الفقيه: ج 3/517-519 باب التخيير. قوله: (قال أبي رضي اللّه عنه...).

الطلاق، ومرجعه إلى الطلاق منه، لكنّه معلّقاً على اختيارها.

3 - ويحتمل أنْ يكون من الطلاق الكنائي، وأنّ الكناية بقولها: (إخترتُ نفسي)، وأمّا لو قالت: (أنا طالق) وكان تخيير الزوج توكيلاً لها في طلاق نفسها، فهو خارجٌ عن هذه المسألة.

ولا إشكال في وقوعه وإنْ كان لا يقع به أيضاً لو كان بعد تفويض الزوج أمر الطلاق إليها، لما دلّ من النصوص على عدم جواز التفويض إليها كما يأتي.

مقتضى القاعدة - مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة - عدم وقوع الطلاق على جميع الاحتمالات الثلاثة:

أمّا على الأوّل: فلأنّ النكاح عِصمةٌ مستفادة من الشرع، ولا يزول إلّابما جعله الشارع الأقدس رافعاً له، فكون شيء كذلك كالطلاق واللّعان وما شاكل يحتاجُ إلى دليلٍ مثبت، وإلّا فالأصل عدمه.

وأمّا على الاحتمال الثاني: فلما مرَّ(1) من عدم وقوع الطلاق بغير صيغة (طالق) مع ضَمّ ما يعيّن به الزوجة، أضف إليه كونه مشتملاً على التعليق، وبناء الأصحاب على فساده.

وأمّا على الاحتمال الثالث: فلعدم وقوع الطلاق بالكناية كما تقدّم(2)، ولعدم جواز تولية النساء الطلاق، للنصوص الدالّة عليه:

منها: صحيح ابن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى عليٌّ عليه السلام في رجلٍ تزوّج امرأةً وأصدقته، واشترطت عليه أنّ بيدهاء.

ص: 105


1- تقدّم في صيغة الطلاق من هذا الجزء.
2- تقدّم في صيغة الطلاق من هذا الجزء.

الجماع والطلاق ؟ قال عليه السلام: خالفت السُّنة، وولّيت حقّاً ليست بأهله.

قال: وقد قضي عليٌّ عليه السلام: أنّ على الرّجل النفقة، وبيده الجماع والطلاق، وذلك السُّنة)(1).

ونحوه مرسل ابن بُكير(2)، ومرسل هارون بن مسلم(3).

وأمّا النصوص الخاصّة: فقد دلّت طائفة منها على فساد التخيير:

منها: موثّق عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ خيّر إمرأته فاختارت نفسها، بانت منه ؟

قال عليه السلام: لا، إنّما هذا شيءٌ كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصّة، اُمر بذلك ففعل، ولو اخترن أنفسهنّ لِطَلقهنّ وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) »(4).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الخيار؟ فقال عليه السلام: ما هو وما ذاك، إنّما ذاك شيءٌ كان لرسول صلى الله عليه و آله»(5).

ومنها: موثّقه الآخر، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي سمعتُ أباك يقول: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خيّر نساءه فاخترن اللّه ورسوله، فلم يمسكهنّ على طلاق، ولو اخترن أنفسهنّ لبنّ .3.

ص: 106


1- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور ح 60، وسائل الشيعة: ج 21/289 من أبواب المهور، ح 27109.
2- الكافي: ج 5/403 باب الشرط في النكاح ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/98 باب 43 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28122.
3- الكافي: ج 137/6 باب الخيار ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/93 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28107.
4- الكافي: ج 137/6 باب الخيار ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/93 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28106.
5- الكافي: ج 136/6 باب الخيار ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/92 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28103.

فقال عليه السلام: إنّ هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة، وما للناس والخيار، إنّما هذا شيءٌ خَصَّ اللّه به رسوله صلى الله عليه و آله»(1).

ومنها: خبره الثالث الذي لايبعد صحّته والذي رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه قال:

«ما للنساء والتخيير! إنّما ذلك شيءٌ خَصَّ اللّه به نبيّه صلى الله عليه و آله»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص أخبارٌ كثيرة، تدلّ على وقوع الطلاق به:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«إذا خيّرها وجَعَل أمرها بيدها في قبل عِدّتها، من غير أن يشهد شاهدين، فليس بشيء، وإنْ خيّرها وَجَعَل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عِدّتها، فهي بالخيار ما لم يتفرّقا، فإنْ اختارت نفسها، فهي واحدة، وهو أحقّ برجعتها، وإنْ اختارت زوجها فليس بطلاق»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يخيّر إمرأته أو أباها أو أخاها أو وليّها؟ فقال: كلّهم بمنزلة واحدة إذا رضيت»(4).

ومنها: صحيح الفضَيل بن يسار، عنه عليه السلام: «عن رجل قال لإمرأته: قد جعلتُ الخيارَ إليك، فاختارت نفسها قبل أنْ تقوم ؟8.

ص: 107


1- الكافي: ج 136/6 باب الخيار ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/92 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28105.
2- الفقيه: ج 3/519 باب التخيير ح 4815، وسائل الشيعة: ج 22/96 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28115.
3- الفقيه: ج 3/518 باب التخيير ح 4811، وسائل الشيعة: ج 22/96 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28116.
4- الفقيه: ج 3/518 باب التخيير ح 4813، وسائل الشيعة: ج 22/96 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28118.

قال عليه السلام: يجوز ذلك عليه» الحديث(1).

ومنها: خبر زرارة، عن الباقر عليه السلام، قال: «قلتُ له: رجلٌ خيّر إمرأته ؟

قال عليه السلام: إنّما الخيار لها ما داما في مجلسهما، فإذا تفترقا فلا خيار لها»(2).

إلى غير تلكم من النصوص، وفيها صحاحٌ وموثّقات، وحملها على إرادة الوكالة، أو على ما لو طلّقها الزوج بعد الخيار، أو الاختصاص بالنبيّ صلى الله عليه و آله وما شاكل خلاف ظاهرها، بل خلاف صريح جملةٍ منها، ولكنّها لو لم تسقط بإعراض الأصحاب عن الحجيّة، إذ لم يقل بمضمونها إلّاابن الجُنيد وابن أبي عقيل، إذ السيِّد المرتضى وإنْ نسب إليه ذلك، إلّاأنّ صاحب «الجواهر» بعدما راجع «الانتصار» قال: (إنّه لا يقول به)(3).

وأمّا الصدوق: فغاية ما هناك أنّه روى ما يدلّ على ذلك، وقد رجع عمّا ذكره في أوّل كتابه من أنّه لا يروي فيه إلّاما يَعمل به كما لا يخفى على المتصفّح له، فلم يبق إلّاالعَلَمان، ولا يوجبُ عَملهما بها عدم تحقّق الإعراض الموهن، كما لا يخفى ، ولا ريب في سقوطها عند تعارضها مع النصوص المتقدّمة، لأنّها أشهر والشهرة أوّل المرجّحات، ولا يرجع إلى غيرها معها.

وعليه، فما عن «المسالك»: (من أنّ هذه النصوص أكثر وأوضح سنداً، وأظهر دلالةً ، فإنّ فيها على كثرتها الصحيح والحسن والموثّق، وليس فيها ضعيف، بخلاف5.

ص: 108


1- الفقيه: ج 3/519 باب التخيير ح 4814، وسائل الشيعة: ج 22/97 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28119.
2- التهذيب: ج 8/90 باب أحكام الطلاق ح 227، وسائل الشيعة: ج 22/95 باب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28114.
3- جواهر الكلام: ج 32/68. ولكن تقدّم أنّ كلام المرتضى هو في رسائله: ج 1/241 المسألة 55.

أخبار المنع، فإنّ فيها الضعيف والمرسل والمجهول)(1) وقد تقدم(2).

في غير محلّه، لأنّ الترجيح بصفات الراوي إنّما هو في المرتبة المتأخّرة عن الترجيح بالشهرة، فما هو المشهور أظهر.

أقول: ثمّ إنّه على القول بوقوعه به، لابدّ من اتّصال الاختيار بالتخيير عرفاً، الذي عبّر عنه في النصوص بثبوت الخيار ما داما في المجلس، أو قبل أنْ يقوم، وما شاكل، وإن كان أحدهما غير الآخر، ولعلّ النسبة بينهما عمومٌ من وجه، وقد جعل صاحب «الجواهر»(3) هذا موهناً آخر لتلك النصوص، فتأمّل.

وهل الفراق الحاصل به فراقٌ رجعي أو بائن ؟

قولان، يشهد لكلّ منهما جملة من النصوص، راجعها، والجمع بينها بحمل ما دلّ على أنّه بائنٌ على إرادة ما لو كان بعوض، وحمل ما دلّ على أنّه رجعيٌ بما لو كان بغير عوضٍ ، جمعٌ تبرّعي لا شاهد به، وإنْ ذكره ابن الجنيد(4).

وقال الشهيد الثاني: (وفيه جمعٌ بين الأخبار(5)، كما أنّ الجمع بينهما بحمل البائن على تخيير من لا عِدّة لها كغير المدخول بها واليائسة، والرِجعيّ على من له عِدّة رجعيّة، لأنّ التخيير حائز للجميع تبرّعيٌّ ليس في الأخبار ما يشهد به، والعرف لا يساعده، وإن قال الشهيد رحمه الله إنّه ممكن)(6).

وعليه، فالأخبار متعارضة، ولا ترجيح مع شيء منها، فليحكم بالتخيير في المسألة الاُصوليّة، أو يجعل ذلك أيضاً أحد الموهنات.4.

ص: 109


1- مسالك الأفهام: ج 9/82.
2- في الجزء 32 في: البحث عن (الجذام و البَرَص).
3- جواهر الكلام: ج 32/73-74.
4- كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/339. (5و6) مسالك الأفهام: ج 9/84.

مجرّداً عن الشرط والصفة.

ثمّ إنّه يعتبر في هذا التخيير ما يعتبر في الطلاق، من عدم كونه في الحيض، ووقوعه في طهرٍ غير المواقعة، وحضور العدلين، للتصريح بذلك في النصوص.

أقول: وقد ذكروا فروعاً كثيرة فرّعوها على وقوع الفُرقة بالتخيير، وحيث عرفت فساد أصل القول به، فلا وجه لا طالة الكلام فيها، على أنّه يظهر حكمها ممّا ذكرناه.

الطلاق المُعلّق على الشرط

الجهة السابعة: صرّح الأصحاب(1) من غير خلافٍ يُعرف أنّه يُشترط فيما يطلّق به من الصيغة أنْ يكون:

1 - (مجرّداً عن الشرط)، وهو ما أمكن وقوعه وعدمه، كقدوم المسافر.

2 - (و) مجرّداً عن (الصِّفة) وهي مايُقطع بحصوله عادةً كطلوع الشمس وزوالها.

أقول: قد أشبعنا الكلام في صور التعليق، وما استدلّ به على اعتبار التنجيز في العقود والإيقاعات مطلقاً، من منافاته للجزم المعتبر في الإنشاء، وأنّ الأسباب الشرعيّة توقيفيّة لابدَّ فيها من الاقتصار على المتيقّن، وهو الخالي عن التعليق، وأنّه يلزم تخلّف المُنشأ عن الإنشاء والانصراف وغيرها، والجواب عنها في كتاب النكاح(2) فلا نعيد، وعرفت عدم تماميّة شيء منها سوى الإجماع(3)، والمتيقّن من معقده ما إذا كان الشرط مشكوك الحصول، ولم يكن ممّا يتوقّف عليه صحّة العقد

ص: 110


1- الانتصار: ص 298 كتاب الطلاق مسألة 167، شرائع الإسلام: ج 3/585، اللّمعة الدمشقيّة: ص 179 وغيرهم.
2- فقه الصادق: ج 31/39.
3- كشف اللّثام: ج 7/48 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 32/142.

كالزوجيّة بالنسبة إلى الطلاق.

وقد استدلّ على مبطليّة التعليق في المقام بوجوه اُخر.

الوجه الأوّل: أنّ ظاهر أدلّة الحصر في قول: (أنتِ طالق) عدم سببيّة الصيغة المشتملة على التعليق ولو الصوري.

وفيه: إنّ تلك الأدلّة تدلّ على وقوع الطلاق بهذه الجملة، ومقتضى إطلاقها وقوعه بها، سواء انضمّ إليها شيءٌ آخر أم لا، لأنّها لا تدلّ على كون الصيغة هي هذه الجملة بشرط عدم الانضمام، ولذا صرّح الأصحاب بصحّة الطلاق لو انضمّ إليها ضمائم من قبيل: أعدلُ طلاقٍ وأكمله، أو أحسنه أو أقبحه أو أخسّه أو أردأه أو ملُ الدُّنيا وما شاكل.

الوجه الثاني: بعض النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه سُئل عن رجلٍ قال لإمرأته:

إنْ تزوّجتُ عليكِ أو بتُّ عنكِ فأنتِ طالق ؟

فقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: من شَرَط شرطاً سوى كتاب اللّه عزّ وجلّ لم يجز ذلك عليه ولا له»(1).

ونحوه غيره.

وفيه: إنّ هذه النصوص في مقام بيان حكم الشرط، ولا نظر لها إلى الطلاق، وتدلّ على أنّ هذه الشروط شروطٌ مخالفة للكتاب والسُّنة، وقد تقدّم الكلام فيها في كتاب النكاح(2).).

ص: 111


1- الفقيه: ج 3/496 باب طلاق السُّنة ح 4752.
2- تقدّم في المجلّد 33/207، مبحث (حكم اشتراط ما يخالف المشروع في العقد).

الوجه الثالث: الإجماع(1) الذي ادّعاه جماعة وهو تامّ ، لكنّه يختصّ بما إذا شَرَط شرطاً لا يعلم تحقّقه، وإلّا لو قال: (أنتِ طالقٌ في هذه الساعة إنْ كان الطلاقُ يَقعُ بكِ ) وهو يعلم وقوعه بها، فلا إجماع على مبطليّة مثل هذا التعليق، كيف وقد أفتى جماعة - منهم المصنّف رحمه الله(2) والمحقّق(3) وغيرهما(4) - بصحّة الطلاق في الفرض، بل يختصّ بما إذا لم يكن الشرط ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه، وإلّا كما في الزوجيّة بالنسبة إلى الطلاق، فلا دليل ولا إجماع على عدم صحّة الطلاق، وإنْ لم يعلم حصول الشرط، كما لو قال: (إنْ كنتِ زوجتي فأنتِ طالق) وهو لا يعلم بالزوجيّة، لذهاب جماعةٍ إلى الصحّة، واللّه تعالى أعلم.

ولو قال: (أنتِ طالق لرضى اُمّي) فإنْ عنى بالشرط أنّها لو رَضيتْ وقَصَده، بطل الطلاق للتعليق، وإنْ عنى به الدّاعي صَحّ .

وكذا لو قال: (إنْ دخلتِ الدّار) بكسر الهمزة، لم يصحّ ، وإنْ فَتَحها صَحّ إنْ عرف الفرق وقَصده، لأنّه على الأوّل من قبيل التعليق، وعلى الثاني من قبيل التعليل.

حكم تفسير الطَلْقة باثنتين أو الثلاث

الجهة الثامنة: اختلف الأصحاب فيما لو فَسّر الطلاق باثنين أو ثلاثة، كأن قال:

(أنتِ طالق طلقتين) أو (ثلاثاً) - بعد اتّفاقهم(5) على عدم وقوع أكثر من طلقةٍ واحدة - في أنّه هل يقع بها طلقة واحدة، أم يبطل الطلاق من أصله ؟

ص: 112


1- كشف اللّثام: ج 7/48 (ط. ج).
2- قواعد الأحكام: ج 3/128.
3- شرائع الإسلام: ج 3/585.
4- كما في مسالك الأفهام: ج 9/99، و جواهر الكلام: ج 32/90-91.
5- مسالك الأفهام: ج 9/92.

أمّا الأوّل: فقد ذهب إليه الشيخ في محكيّ «النهاية»(1) والسيّد المرتضى(2) في أحد قوليه، والحِلّي(3) والمصنّف(4) رحمه الله والمحقّق(5).

وفي «الحدائق»: (والظاهر أنّه هو المشهور، سيّما بين المتأخّرين)(6).

وفي «الرياض»: (بل ربما أشعَرَ بالإجماع عليه عبارة «الناصريّة»(7)، وصرّح به في «نهج الحقّ »(8) شيخنا العلّامة)(9).

وأمّا الثاني: فقد نُسب إلى المرتضى في «الانتصار»(10) وإنْ لم يتحقّقه صاحب «الجواهر»(11)، وإلى ابن أبي عقيل(12)، وابن حمزة(13)، وسالار(14)،).

ص: 113


1- النهاية: ص 512.
2- رسائل المرتضى: ج 1/244.
3- السرائر: ج 2/678.
4- مختلف الشيعة: ج 7/352-353.
5- شرائع الإسلام: ج 3/584.
6- الحدائق الناضرة: ج 25/234.
7- الناصريّات: ص 348.
8- نهج الحقّ : ص 529.
9- رياض المسائل: ج 11/62 (ط. ج).
10- الانتصار: ص 308 مسألة 172 قوله: (وممّا انفردت الإماميّة به: القول بأنّ الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك). ولكنّه في ص 314 مسألة 173 في بحث الطلاق بعد الطلاق قال (قلنا: إنّما أبدع من جمع بين الثلاث في ضَمّ قوله: ثلاثاً إلى قوله: أنتِ طالق، فألغينا من كلامه ما هو خلاف السُّنة... وأوجبنا تطليقة واحدة). ولذ قال في رياض المسائل: ج 11/65 (ط. ج): (المستفاد منها أي العبارة الأُولى - إنّما هو الرّد على العامّة في الحكم بوقوع المتعدّدة).
11- جواهر الكلام: ج 32/81.
12- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/353.
13- الوسيلة: ص 322.
14- المراسم: ص 165 قوله: (وأن يتلفّظ بالطلاق موحداً).

ويحيى بن سعيد(1).

أقول: والأصل في هذا الاختلاف اختلاف الأخبار:

ويدلّ على الأوّل: جملة من النصوص:

منها: صحيح أبي بصير، ومحمّد بن علي الحلبي، وعمر بن حنظلة جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«الطلاق ثلاثاً في غير عِدّة إنْ كانت على طُهرٍ فواحدة، وإنْ لم تكن على طُهرٍ فليس بشيء»(2).

قوله عليه السلام: «في غير عِدّة» أي إذا لم يكن للعِدّة بأن يرجع إليها خلال العِدّة ويجامع معها.

ومنها: صحيح زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجل طلق إمرأته ثلاثاً في مجلسٍ واحد وهي طاهر؟ قال عليه السلام: هي واحدة»(3).

ونحوه خبره الآخر(4).

ومنها: خبر عمرو بن البراء، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أصحابنا يقولون:

إنّ الرّجل إذا طلّق إمرأته مرّة أو مائة مرّة فإنّما هي واحدة، وقد كان يَبلُغنا عنك3.

ص: 114


1- الجامع للشرائع: ص 465 قال: (وأن يتلفّظ به موحداً فإنْ خالف لم يقع).
2- الكافي: ج 6/71 باب من طلّق ثلاثاً ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/61 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28022.
3- الكافي: ج 6/70 باب من طلّق ثلاثاً على طُهر ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/61 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28023.
4- التهذيب: ج 8/53 باب أحكام الطلاق ح 90، وسائل الشيعة: ج 22/63 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28023.

وعن آبائك إنّهم كانوا يقولون: إذا طلّق الرّجل مرّة أو مائة مرّة فإنّما هي واحدة ؟

فقال عليه السلام: هو كما بَلَغكُم»(1).

ومنها: خبر أبي محمّدالوابشي، عنه عليه السلام: «في رجلٍ ولّى أمر إمرأته رجلاً، وأمرَهُ أن يطلّقها على السُّنة، فطلّقها ثلاثاً في مقعدٍ واحد؟

قال عليه السلام: تُردُّ إلى السُّنة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء، فقد بانت بواحدة»(2).

ومنها: صحيح إسماعيل بن عبد الخالق، قال: «سمعتُ أبا الحسن عليه السلام وهو يقول:

طلّق عبد اللّه بن عُمر إمرأته ثلاثاً، فجعلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة، فردّها إلى الكتاب والسُّنة»(3).

ومنها: صحيح شهاب بن عبد ربه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ قال:

«قلت: فطلّقها ثلاثاً في مقعد؟

قال: تُردّ إلى السُّنة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة»(4).

إلى غير تلكم من النصوص المتضمّنة لهذا المضمون.5.

ص: 115


1- الكافي: ج 6/71 باب من طلّق ثلاثاً على طهر ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/63 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28028.
2- التهذيب: ج 8/53 باب أحكام الطلاق ح 92، وسائل الشيعة: ج 22/65 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28034.
3- التهذيب: ج 8/55 باب أحكام الطلاق ح 99، وسائل الشيعة: ج 22/67 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28039.
4- الكافي: ج 6/125 باب طلاق المعتوه ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/62 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28025.

أقول: ثمّ إنّه حيث يكون الطلاق ثلاثاً في مجلسٍ واحد على نحوين:

أحدهما: أنْ يقول: (أنتِ طالقٌ ثلاثاً).

والآخر: أن يُطلّقها ثلاث مرّات، لكلّ واحدةٍ مرّة.

والثاني لا خلاف فيه، واتّفقوا على أنّه يقع واحدة منها، وتبطل الثانية والثالثة.

ومحلّ النزاع هو الأوّل، فقد وقع الخلاف في أنّ ظاهر هذه النصوص:

هل هو إرادة القسم الثاني كما أصرّ عليه السيّد في «نهاية المرام»(1) على ما حُكي عنه ؟

أم يكون ظاهرها إرادة القسم الأوّل لا بالإطلاق، بل بالنصوصيّة، كما أفاده بعض الأساطين في آخر كلامه ؟

أم تكون مطلقة شاملة لكلا القسمين، فتصلح لأن تقيّد لو كان هناك مقيّدٌ، كما أفاده الشهيد الثاني(2) وصاحب «الجواهر»(3) وغيرهما؟

أقول: استدلّ سيّد «المدارك» رحمه الله لما ذهب إليه:

بأنّ المتبادر من قول السائل: (طلّق ثلاثاً) أنّه اوقع الطلاق بثلاث صيغ، إذ لا يصدق على من قال (سُبحان اللّه عشراً) أنّه سَبّح اللّه عَشرُ مرّات(4)، وقد ذكر ذلك إيراداً على ما أفاده جَدّه في وجه الشمول لكلا القسمين، بأنّ (مِنْ ) من صيغ العموم، فيتناول مَنْ طلّق ثلاثاً مرسلةً وبثلاثة ألفاظ، وقد حكم على هذا العام بوقوع واحدة، فيتناول بعمومه موضع النزاع، كما هو شأن كلّ عام.3.

ص: 116


1- نهاية المرام: ج 2/33.
2- مسالك الأفهام: ج 9/94.
3- جواهر الكلام: ج 32/85-87.
4- نهاية المرام: ج 2/33.

واُفيد في وجه إرادة القسم المتنازع فيه وهو الثلاث المرسلة منها بفهم الأصحاب ذلك من تلكم النصوص، ولذا استدلّ بعض أصحابنا القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية، المشابهة أكثرها لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة، ولم يجب عنها الأصحاب بتلك المناقشة، بل ردّوها بمناقشات اُخر، وهذه أمارة واضحة، وشهادة بيّنة على اتّفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة، ولا قرينة على وضوح الدلالة أوضح من فهم علماء الطائفة، ويعضده أنّ الثلاث المرسلة ممّا وقع التشاجر في حكمها بين العامّة والخاصّة، وكَثُرتِ الأسئلة والأجوبة عنها.

ولكن ما ذكر أخيراً لا يصحّ وجهاً للإطلاق، فضلاً عن النصوصيّة، لأنّ الكلام إذا كان ظاهراً في نفسه في معنى خاصّ ، والأصحاب فهموا منه الإطلاق، لايكون فهمهم حجّةً علينا، سيّما ونعلم عدم ظفرهم بقرينة خَفيت علينا، كما أنّ وقوع التشاجر في حكم قسمٍ خاصّ لا يصلح قرينةً على إرادته من لفظٍ ظاهر في قسمٍ آخر.

وأمّا ما أفاده الشهيد رحمه الله في وجه الإطلاق: (بأنّ (من) مِنْ صيغ العموم.. الخ)(1).

فيردّه: أنّ عموم (من) بلحاظ المطلِّق، وهو يشمل كلّ مطلِّق، لا بلحاظ الطلاق ليشمل المُرسَلة وغيرها.

وبالجملة: فما أفاده سيّد «المدارك» قويّ ، ويعضده التقييد في كثيرٍ من تلك النصوص بقولهم: (في مقعدٍ) أو (في مجلسٍ واحدٍ) أو ما شاكل ذلك، إذ لو كان المراد4.

ص: 117


1- مسالك الأفهام: ج 9/94.

الثلاث المُرسلة، كان هذا القيد مستغنىً عنه ولغواً.

نعم، من جملة تلكم النصوص ما رواه الكلبي النسَّابة، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«فقلت: رجلٌ قال لإمرأته: أنتِ طالق ثلاثاً؟

فقال عليه السلام: تردّ إلى كتاب اللّه وسُنّة نبيّه»(1).

ولكنّه لا يدلّ على وقوع الواحدة، لأنّ الرَّد إلى كتاب اللّه والسُّنة وإنْ أُطلق في جملةٍ من النصوص في مورد إرادة وقوع الواحدة، ولكن أُطلق في جملةٍ أُخرى منها على عدم الوقوع أصلاً.

ويدلّ على القول الثاني: مكاتبة عبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السلام: «روى أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام: في الرّجل يطلّق إمرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طُهرٍ بغير جماع بشاهدين، أنّه يلزمه تطليقة واحدة ؟

فوقّع عليه السلام بخطّه: أخطأوا على أبي عبد اللّه عليه السلام إنّه لا يلزم الطلاق، ويُردّ إلى الكتاب والسُّنة إنْ شاء اللّه»(2).

وهذه المكاتبة قرينة أُخرى على عدم شمول تلك النصوص للثلاث المرسلة، إذ لو كانت شاملة لها، لما كان وجهٌ لتخطئة النسبة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، مع أنّ أكثر تلك النصوص مرويّة عنه عليه السلام.0.

ص: 118


1- الكافي: ج 1/350 باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/62 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28026.
2- التهذيب: ج 8/56 باب أحكام الطلاق ح 101، وسائل الشيعة: ج 22/67 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28040.

أقول: وأمّا النصوص الكثيرة الدالّة على أنّ : «من طَلّق ثلاثاً فليس بشيء» الّتي استدلّ بها للقول الثاني، فهي أيضاً مختصّة بغير المرسلة، ويتعيّن حملها على إرادة عدم وقوع الثلاث، لا عدم وقوع واحدةٍ منها، الذي هو المتّفق عليه، ففي خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«من طلّق ثلاثاً في مجلسٍ فليس بشيء، من خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ رَدّ إلى كتاب اللّه عزّ وجلّ ».

وأيضاً: الخبر الذي ورد فيه ذكر طلاق عبد اللّه بن عمر(1).

قال صاحب «الوسائل» بعد نقل هذا الخبر: (ويجوز حمله على أنّه ليس بشيء في وقوع الثلاث، بل تقع واحدة، قاله الشيخ(2) رحمه الله).

ويؤيّده خبر هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المرويّ عن كتاب «الخرائج»، قال:

«قلتُ : إنّي ابتليتُ فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة، فسألتُ أصحابنا فقالوا ليس بشيء، إلّاأنّ المرأة تقول لا أرضى حتّى تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام.

فقال: ارجع إلى أهلِك فليس عليك شيء»(3).

الظاهر في إرادة الرجوع، الكاشف عن وقوع طلاقٍ واحد من قوله عليه السلام: (في دفعة) أي في مجلسٍ واحد.0.

ص: 119


1- التهذيب: ج 8/54 باب أحكام الطلاق ح 96، وسائل الشيعة: ج 22/63 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28029.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/54 باب أحكام الطلاق ذيل ح 96.
3- الخرائج والجرائح: ج 2/642، وسائل الشيعة: ج 22/71 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28050.

أقول: وأمّا النصوص(1) المتضمّنة لقولهم عليهم السلام: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلسٍ واحدٍ، فإنهنّ ذوات أزواج» الّتي استدلّ بها له أيضاً، فالظاهر كونها غير دالّة عليه، بل هي في المطلقات من أبناء العامّة اللّآتي يكون طلاقهنّ فاقداً للشرطين المعتبرين في الطلاق، أي: عدم وقوعه في الحيض، وحضور العدلين.

ويؤيّده: موثّق حفص، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً فإنهنّ ذوات أزواج»(2). غير المقيّد بمجلسٍ واحد.

وعليه، فيعارضها النصوص الآتية الدالّة على صحّة الطلقات، إلزاماً لهم بما يعتقدونه من صحّتها في مجلسٍ واحد، وتُحمل على الكراهة، كما يشهد به بعض النصوص، وانتظر لذلك زيادة توضيح.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: توافق هذه النصوص على أنّه لو طلّق إمرأته ثلاثاً بثلاثة ألفاظ في مجلسٍ واحد، يقع واحد منها، ويبطل الاثنان، كما صرّح بذلك في خبر إسحاق بن عمّار الصيرفي(3)، وأنّها غير متعرّضة للثلاث المرسلة، فلابدّ في حكمها من الرجوع إلى القاعدة، وهي تقتضي البناء على وقوع الواحدة، إذا قصد الطلاق الصحيح، وهو وقوع الواحدة، والبطلان إذا قصد بها الطلاق البدعي على وجهٍ أراد من الطلاق في الصيغة ذلك الذي جَعَله صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله جمعاً بين2.

ص: 120


1- وسائل الشيعة: ج 22/68 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق.
2- التهذيب: ج 8/56 باب أحكام الطلاق ح 103، وسائل الشيعة: ج 22/68 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28042.
3- التهذيب: ج 8/53 باب أحكام الطلاق ح 94، وسائل الشيعة: ج 22/66 باب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28036.
4- جواهر الكلام: ج 32/81-82.

النصوص، على فرض شمولها للثلاث المرسلة.

أمّا البطلان في الصورة الثانية: فلعدم قصد الطلاق الصحيح، فتأمّل.

وأمّا الصحّة في الصورة الأُولى : فلما أفاده المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف» بقوله:

(لوجود المقتضي، وهو قوله: (أنتِ طالق) وانتفاء المانع، إذ ليس إلّاقوله: (ثلاثاً) وهو غير معارض، لأنّه مؤكّد لكثرة الطلاق وإيقاعه، وتكثير سبب البينونة، والواحدة موجودة في الثلاث لتركها منها، ومن وحدتين اُخريتين، ولا منافاة بين الكلّ وجزئه، فيكون المقتضي وهو الجزء خالياً عن المعارض)(1) انتهى .

وبالجملة: إذا قصد الطلاق بقوله: (أنتِ طالق) يقع به، وذكر كلمة (ثلاثاً) بعده لغو، وتعدّ ضميمة غير مضرّة، لوقوعها بعد تحقّق الطلاق الصحيح قصداً وإنشاءاً، وتكون حينئذٍ كسائر الضمائم.

أقول: ولا يبعد القول بالصحّة حتّى في الصورة الأُولى، لعدم الدليل على اعتبار قيد الوحدة في النيّة، بل غايته الدلالة على كون ما زاد عليها بدعة.

هذا كلّه إذا كان المطلِّق مؤمناً.

حكم طلاق المخالفين

وأمّا إنْ كان مخالفاً:

فالمشهور بين الأصحاب صحّة الطلقات الثلاث، ولزومها عليه، بل وصحّة الطلاق الفاقد للشرائط التي تكون معتبرة عندنا، وغير معتبرة عندهم؛ كعدم

ص: 121


1- مختلف الشيعة: ج 7/353-354.

الوقوع في الحيض، وحضور العدلين، بل ادّعى على ذلك كلّه جماعة الإجماع(1)، ويشهد بها طائفتان من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على أنّهم يلزمون في الأحكام بما يلزمون به أنفسهم:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «سألته عن الأحكام ؟

قال عليه السلام: تجوز على أهل كلّ ذوي دين ما يستحلّون»(2).

ومنها: خبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال:

«سألتُ الرّضا عليه السلام عن ميّتٍ ترك اُمّه وإخوةً وأخوات، فقسّم هؤلاء ميراثه، فأعطوا الأُمّ السُّدس، وأعطوا الإخوة والأخوات ما بقي، فمات الأخوات فأصابني من ميراثها، فأحببتُ أن أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة أم لا؟

فقال عليه السلام: بلى.

فقلت: إنّ أُمّ الميّت فيما بلغني قد دخلت في هذا الأمر أعني الدين ؟

فسكت قليلاً، ثمّ قال: خُذه»(3).

ومنها: خبر أيّوب بن نوح، قال: «كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منّا في أحكامهم أم لا؟

فكتب عليه السلام: يجوزُ لكم ذلك إذا كان مذهبكم فيه التقيّة منهم والمداراة»(4).0.

ص: 122


1- مسالك الأفهام: ج 9/96، جواهر الكلام: ج 32/87.
2- التهذيب: ج 9/322 باب ميراث الاخوة والأخوات ح 11، وسائل الشيعة: ج 26/158 باب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 32711.
3- التهذيب: ج 9/323 باب ميراث الاخوة والأخوات ح 17، وسائل الشيعة: ج 26/159 باب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 32713.
4- التهذيب: ج 9/321 باب ميراث الاخوة والأخوات ح 10، وسائل الشيعة: ج 26/158 باب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، ح 32710.

ومنها: صحيح ابن أبي عُمير، عن ابن اُذينة، عن عبد اللّه بن مُحرز، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ ترك ابنته واُخته لأبيه واُمّه ؟

فقال: المال كلّه لابنته، وليس للاُختِ من الأب والاُمّ شيء.

فقلت: فإنّا قد احتجنا إلى هذا، والميّتُ رجلٌ من هؤلاء الناس، واُخته مؤمنة عارفة ؟

قال عليه السلام: فخذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سُنّتهم وقضاياهم.

قال ابن اُذينة: فذكرتُ ذلك لزرارة، فقال: إنّ على ماجاء به ابن مُحرز لنوراً»(1).

ونحوها غيرها.

الطائفة الثانية: مايدلّ على خصوص المقام:

منها: خبر علي بن أبي حمزة: «أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن المطلّقة على غير السُّنة، أيتزوّجها الرّجل ؟

فقال عليه السلام: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوّجوهنّ فلابأس بذلك»(2).

ومنها: خبر عبد الأعلى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الرّجل يطلّق إمرأته ثلاثاً؟ قال عليه السلام: إنْ كان مستخفّاً بالطلاق ألزمته ذلك»(3).

ومنها: خبر عبد اللّه بن سنان، قال: «سألته عن رجل طلّق إمرأته لغير عِدّة، ثمّ8.

ص: 123


1- الكافي ج 7/100 باب ميراث الاخوة والاخوات ح 2، وسائل الشيعة: ج 26/157 باب 4 من أبواب ميراث الاخوة والاجداد ح (32708).
2- التهذيب: ج 8/58 باب أحكام الطلاق ح 109، وسائل الشيعة: ج 22/73 باب 30 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28056.
3- التهذيب: ج 8/59 باب أحكام الطلاق ح 110، وسائل الشيعة: ج 22/73 باب 30 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28058.

أمسك عنها حتّى انقضت عِدّتها، هل يصلح لي أن أتزوّجها؟

قال عليه السلام: نعم، لا تُترك المرأة بغير زوج»(1).

ومنها: خبر عبد الرحمن البصري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن المرأة طلّقت على غير السُّنة ؟

فقال عليه السلام: يتزوّج هذه المرأة لا تترك بغير زوج»(2).

ومنها: صحيح الهَمَداني، قال: «كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام مع بعض أصحابنا، فأتاني الجواب بخطّه: فهمتُ ما ذكرتَ من ابنتك وزوجها.

إلى أنْ قال: ومن حنثه بطلاقها غير مرّة، فانظر فإنْ كان ممّن يتولّانا، ويقول بقولنا، فلا طلاق عليه، لأنّه لم يأتِ أمراً جهله، وإنْ كان ممّن لا يتولّانا، ولا يقول بقولنا، فاختلعها منه، فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه»(3).

ونحوها غيرها.

وقد يقال: إنّه يعارض هذه النصوص طوائف من الأخبار:

الطائفة الأُولى: النصوص المتقدّمة المتضمّنة لقولهم عليهم السلام: «إيّاكُم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحدٍ، فإنّهنّ ذوات أزواج».

الطائفة الثانية: النصوص الدالّة على أنّ المرأة إذا طُلّقت على غير السُّنة، وأراد2.

ص: 124


1- التهذيب: ج 8/58 باب أحكام الطلاق ح 108، وسائل الشيعة: ج 22/73 باب 30 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28055.
2- التهذيب: ج 8/58 باب أحكام الطلاق ح 107، وسائل الشيعة: ج 22/73 باب 30 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28054.
3- التهذيب: ج 8/57 باب أحكام الطلاق ح 105، وسائل الشيعة: ج 22/72 باب 30 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28052.

الرّجل تزويجها، انتظر طُهرها، وأتى بشاهدين معه، فسأل زوجها هل طَلّقتَ فلانة، فإذا قال نعم، كانت تطليقة، واعتدّت لها، فإذا خرجت من العِدّة جاز تزويجها، كموثّقي حفص بن البُختري(1)، وموثّق إسحاق بن عمّار(2).

الطائفة الثالثة: صحيح شُعيب بن الحدّاد، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ من مواليك يُقرئك السَّلام، وقد أراد أن يتزوّج إمرأةً وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوجٌ فطلّقها على غير السُّنة، وقد كَره أن يُقْدِم على تزويجها حتّى يستأمرك، فتكون أنتَ تأمره ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحنُ نحتاط، فلا يتزوّجها»(1).

أمّا الطائفة الأُولى : فهي محمولة على الأولويّة جمعاً، كما يفصح عن ذلك خبر جعفر بن سماعة: «أنّه سئل عن إمرأةٍ طلّقت على غير السُّنة، ألي أن أتزوّجها؟ فقال: نعم.

فقلت له: ألستَ تعلم أنّ عليّ بن حنظلة روى: إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً على غير السُّنة فإنهنّ ذوات أزواج ؟

فقال: يا بُنيّ رواية عليّ بن أبي حمزة أوسع على الناس...

إلى أنْ قال: روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه2.

ص: 125


1- التهذيب: ج 7/470 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 93، وسائل الشيعة: ج 20/258 باب 157 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح 25572.

أنفسهم، وتزوَّجوهنَّ فلا بأس بذلك»(1).

وبه يظهر حال الطائفة الثانية، فإنّه يجبُ حملها على إرادة الأفضليّة جمعاً بينها وبين ما تقدّم.

وأمّا الطائفة الثالثة: فهي بنفسها ظاهرة في كون المنع على وجه الاستحباب والأفضليّة، فضلاً عن اقتضاء الجمع ذلك.

ثمّ إنّ إطلاق النّص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون المطلّقة مؤمنة أو مخالفة، بل الظاهر أنّ خبر إبراهيم الهمداني في خصوص المؤمنة، فما عن بعضٍ من احتمال الفَرق في غير محلّه.

***7.

ص: 126


1- التهذيب: ج 8/58 باب أحكام الطلاق ح 109، وسائل الشيعة: ج 22/73 باب 30 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28057.

الإشهاد

الركن الرابع: الإشهاد.

أقول: اتّفق النّص والفتوى(1) على اعتبار الإشهاد في صحّة الطلاق، وأنّه لابدَّ من حضور شاهدين حال إنشاء الطلاق، ولو تجرّد عنهما بَطَل، وبذلك استفاض أخبارنا:

منها: صحيح الفضلاء أو حسنهم، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام في حديثٍ :

«وإن طلّقها في استقبال عِدّتها طاهراً من غير جماع، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إيّاها بطلاق»(2).

ومنها: حسن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قام رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إنّي طلّقت إمراتي للعِدّة بغير شهود؟

فقال عليه السلام: ليس طلاقك بطلاق، فارجع إلى أهلك»(3).

ومنها: حسن البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«قلتُ : فكيف طلاق السُّنة ؟

فقال: يطلّقها إذا طَهُرت من حيضها قبل أنْ يغشيها بشاهدين عدلين، كما قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه»(4).

ص: 127


1- مسالك الأفهام: ج 9/111.
2- الكافي: ج 6/60 باب من طلّق لغير الكتاب والسُّنة ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/26 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27929.
3- الفقيه: ج 3/497 باب طلاق السُّنة ح 4754، وسائل الشيعة: ج 22/28 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27935.
4- الكافي: ج 6/67 باب تفسير طلاق السُّنة ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/26 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27930.

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: لابدّ من اجتماع شاهدين، فلا يُجزي لو كانا متفرّقين، ويشهد به:

1 - صحيح ابن بزيع، عن مولانا الرّضا عليه السلام: «عن تفرّق الشاهدين في الطلاق ؟

فقال: نعم، وتعتدّ من أوّل الشاهدين، وقال: لا يجوز حتّى يشهدا جميعاً»(1).

وصدر الخبر سيق لبيان جواز تفريق الشاهدين في أداء الشهادة، ولذا قال عليه السلام: «وتعتدّ من أوّل الشاهدين»، وذيله لبيان حكم الحضور.

2 - صحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق إمرأته على طهرٍ من غير جماع، وأشهد اليوم رجلاً، ثمّ مكث خمسة أيّام ثمّ أشهد آخر؟

فقال: إنّما اُمر أن يشهدا جميعاً»(2).

مع أنّ ظاهر النصوص اعتبار حضورهما عند إنشاء الطلاق، وهذا يلازم عدم التفريق.

الجهة الثانية: يعتبر في الشاهدين الرجوليّة، ولايكفي حضور النساء، ويشهد به:

1 - حسن البزنطي حيث سأل الإمام الرّضا عليه السلام: «فإن طلّق على طُهرٍ من غير جماع بشاهدٍ وامرأتين ؟

قال عليه السلام: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وتجوز شهادتهن مع غيرهنّ في3.

ص: 128


1- التهذيب: ج 8/50 باب أحكام الطلاق ح 77، وسائل الشيعة: ج 22/49 باب 20 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27994.
2- الكافي: ج 6/71 باب من طلّق وفرّق بين الشهود ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/49 باب 20 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27993.

الدّم إذا حضرنه»(1).

2 - وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن شهادة النساء في النكاح ؟

قال عليه السلام: تجوز إذا كان معهنّ رجلٌ ، وكان عليٌّ عليه السلام يقول: لا اُجيزها في الطلاق» الحديث(2).

3 - وخبر داود بن الحُصين، عنه عليه السلام: «عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهنّ إذا كانت المراة المنكرة ؟ قال عليه السلام: لا بأس به....

إلى أنْ قال: إنّ اللّه امر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين...

إلى أنْ قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يُجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيزُ في الطلاق إلّاشاهدين عدلين» الحديث(3).

4 - وخبر محمّد بن مسلم، قال: «قَدِم رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة، فقال: إنّي طلّقت إمرأتي بعدما طَهُرَت من محيضها، قبل أنْ اُجامعها؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أشهِدتَ رجلين ذوي عدل كما أمر اللّه ؟ فقال: لا.

فقال عليه السلام: إذهب فإنّ طلاقك ليس بشيء»(4).

ونحوها غيرها.3.

ص: 129


1- الكافي: ج 6/67 باب تفسير طلاق السُّنة ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/26 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27930.
2- الكافي: ج 7/390 باب ما يجوز من شهادة النساء ح 2، وسائل الشيعة: ج 27/351 باب 24 من أبواب الشهادات، ح 33910.
3- التهذيب: ج 6/281 باب البيّنات ح 179، وسائل الشيعة: ج 27/360 باب 24 من أبواب الشهادات، ح 33943.
4- الكافي: ج 6/60 باب من طلّق لغير الكتاب والسُّنة ح 14، وسائل الشيعة: ج 22/27 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27933.

ويُشترط سماع رجلين عدلين.

وعليه، فما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، والعُمّاني(2)، والإسكافي(3): من قبول شهادتهنّ مع الرجال، محمولٌ على ثبوته بذلك بعد إيقاعه بشهادة الذكرين، وإنْ كان في ذلك أيضاً كلامٌ ، ولكن الغرض بيان عدم قيام المخالف في المسألة.

الجهة الثالثة: لا يعتبر الاستدعاء من الشاهدين، بل يكفي سماعهما، سواءٌ قال لهما: (إشهدوا) أو لم يقل، ولذا قال المصنّف رحمه الله: (ويُشترط سماع رجلين عَدْلين) لعدم توقّف صدق شهادتهما ولا إشهادهما على ذلك.

أضف إليه مدلول الخبر الذي رواه حسن البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن رجلٍ كانت له إمرأة طَهُرت من محيضها، فجاء إلى جماعةٍ فقال: فلانة طالق، يقعُ عليها الطلاق، ولم يقل إشهدوا؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

وكذلك الخبر الحسن الذي رواه صفوان عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«عن رجلٍ طَهُرت إمرأته من حيضها، فقال: فلانة طالق، وقومٌ يسمعون كلامه، ولم يقل لهم إشهدوا، يقع الطلاق عليها؟

قال عليه السلام: نعم هذه شهادة»(3) ونحوهما غيرهما.6.

ص: 130


1- المبسوط: ج 8/172. (2و3) حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/455-456.
2- الكافي: ج 6/72 باب من طلّق وفرّق بين الشهود ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/50 باب 21 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27995.
3- الكافي: ج 6/72 باب من طلّق وفرّق بين الشهود ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/50 باب 21 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27996.

وهل يكفي سماعهما ولو من وراء الجدار، أم يعتبر حضورهما مجلس الإنشاء؟

قد يقال: إنّ ظاهر الأمر بالإشهاد في الآية وغيرها، قصد ايقاع الطلاق بحضورهما، فلو طلّق من دونه لم يصحّ ، وحسن صفوان لا إطلاق له كي يدلّ على كفاية السماع مطلقاً.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُستدلّ بترك الاستفصال في السؤال، ولا بأس به، والاحتياط سبيل النجاة.

يعتبر العدالة في الشاهدين

الجهة الرابعة: المشهور(1) بين الأصحاب اعتبار كون الشاهدين عادلين، فلا يكفي شهادة فاسقين، أو عدلٍ وفاسق.

وعن الشيخ في «النهاية»(2): الاكتفاء بمجرّد الإسلام، وتبعه القطب الراوندي(3)، والشهيد الثاني(4)، وسبطه(5)، والمحدِّث الكاشاني(6).

أقول: ويمكن بل الظاهر أنّ نظر الشيخ والقطب والمحدّث الكاشاني رحمهم الله إلى ما ذكر في مبحث العدالة، من أنّ الإسلام مع عدم ظهور الفسق من طرق معرفة العدالة.

وكيف كان، فيشهد للأوّل: النصوص الكثيرة المتقدّمة جملةٌ منها، المصرّحة

ص: 131


1- نهاية المرام: ج 2/38 و 39-41.
2- النهاية: ص 510.
3- فقه القرآن: ج 2/165.
4- مسالك الأفهام: ج 9/114.
5- نهاية المرام: ج 2/38 و 39-41.
6- مفاتيح الشرائع: ج 2/316-317 مفتاح (781) قوله: (لابدّ من حضور شاهدين ظاهري العدالة... ومنّا من اكتفى فيهما بالإسلام...).

باعتبار حضور العدلين، وليس بإزاء تلك شيءٌ سوى دعوى كون الإسلام مع عدم ظهور الفسق من طرق معرفة العدالة، وهذا مضافاً إلى أنّه لا ينافي القول المشهور، باطلٌ كما حقّقناه في محلّه(1).

منها: حسن البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ قال:

«قلت: فإنْ أشهد رجلين ناصبيّين على الطلاق، أيكون طلاقاً؟

فقال عليه السلام: مَنْ وُلد على الفطرة اُجيزت شهادته على الطلاق، بعد أن يعرف منه خيرٌ»(2).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن المُغيرة، قال:

«قلتُ لأبي الحسن الرّضا عليه السلام: رجلٌ طلّق إمرأته، وأشهد شاهدين ناصبيّين ؟

قال عليه السلام: كلّ مَنْ وُلِد على الفطرة، وعُرِف بالصّلاح في نفسه، جازت شهادته»(3).

وقد استدلّ بالأوّل منهما الشهيد الثاني رحمه الله، وقال: (هذه الرواية واضحة الإسناد والدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق.

ولا يرد: أنّ قوله عليه السلام: «بعد أن يعرف منه خيرٌ» ينافي ذلك، لأنّ الخير قد يُعرف من المؤمن وغيره، وهو نكرة في سياق الإثبات، لا يقتضي العموم، فلا ينافيه مع معرفة الخير منه بالّذي أظهر من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرها من أركان الإسلام، أن يُعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح، لصدق معرفة الخير معه.6.

ص: 132


1- فقه الصادق: ج 6 المقام الثاني.
2- الكافي: ج 6/67 باب تفسير طلاق السُّنة ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/26 باب 10 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27930.
3- التهذيب: ج 6/284 باب البيّنات ح 188، وسائل الشيعة: ج 27/393 باب 41 من كتاب الشهادات، ح 34036.

وفي الخبر مع تصديره باشتراط شهادة عدلين، ثمّ اكتفائه بما ذُكر، تنبيهٌ على أنّ العدالة هي الإسلام، وإذا اُضيف إلى ذلك أنْ لا يُظهِر الفسق، كان أولى )(1) انتهى .

قال سبطه - بعد نقل ذلك عنه -: (وهو جيّدٌ، والرواية الأُولى - مراده بها صحيح عبد اللّه - مع صحّتها، دالّة على ذلك أيضاً، فإنّ الظاهر أنّ التعريف في قوله عليه السلام فيها: وعُرِف بالصلاح في نفسه» للجنس لا للاستغراق، وهاتان الروايتان مع صحّتهما سالمتان عن المعارض، فيتّجه العمل بهما)(2) انتهى .

ولكن يرد عليهما أوّلاً: أنّهما في ناصبيّين، ولا خلاف بيننا في أنّ الناصب كافرٌ ونجسٌ ، بل أنجس من الكلب.

وثانياً: أنّ الأوّل بقرينة صدره الدالّ على اعتبار العدالة، تعارضه النصوص المفسّرة للعدالة بغير ذلك.

والثاني باعتبار قوله عليه السلام: «جازت شهادته» تعارضه النصوص الدالّة على عدم قبول شهادة الفاسق.

وثالثاً: أنّقوله عليه السلام: «عُرِف بالصلاح، ويُعرف منه خير» يُراد بهماحُسن الظاهر، فإنّه بعدما ليس المراد منهما ما عُرف منه خيرٌ وصَلاحٌ في الجملة، وإنْ كان مُعلناً بالفسق اتّفاقاً، فلامحالة اُريد بهما معنى خاصّ وليس ذلك إلّاالإيمان وحسن الظاهر.

أقول: والجواب وإنْ لم ينطبق على السؤال، ولكن الظاهر كونه من جهة التقيّة.

وبعبارة أُخرى: أنّه عليه السلام في مقام الجواب بيّن حُكماً كليّاً واقعيّاً، ويفهمه المؤمن، ويراه المخالف أيضاً مطابقاً للسؤال، نظير ما تقدّم في روايات: «من طلّق ثلاثاً في).

ص: 133


1- مسالك الأفهام: ج 9/114-115.
2- نهاية المرام: ج 2/441، قال: (وهاتان الروايتان مع صحّتهما سالمتان عن المعارض، فيتّجه العمل بهما).

مجلسٍ واحد»، وهو صحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«سألهُ رجلٌ وأنا حاضر: عن رجلٍ طلّق إمرأته ثلاثاً في مجلسٍ واحد؟

فقال أبو الحسن عليه السلام: من طلّق إمرأته ثلاثاً للسُّنة فقد بانت منه.

قال: ثمّ التفت إليَّ فقال: فلانٌ لا يحسن أنْ يقول مثل هذا»(1).

أي أن يُجيب بالحكم الواقعي، مع كونه موافقاً لمراد السائل، ويعتقد أنّك أجبته بمقتضي اعتقاده الفاسد.

ورابعاً: أنّ النصوص متّفقة على أنّه ليس في المخالف خيرٌ وصلاحٌ أصلاً، وأنّ عبادتهم بأسرها فاسدة، وأنّها صورة عبادة لا تُجدي ولا تنفع أصلاً.

وخامساً: مع الإغماض عن جميع ذلك، فإنّ إعراض الأصحاب عنهما يسقطهما عن الحجيّة.

وعليه، فلا إشكال في اعتبار العدالة في الشاهدين.

عدم اعتبار العلم بالمطلَّقة في الشهادة على الطلاق

الجهة الخامسة: قال سيّد «المدارك»: إنّه يعتبر في الشهادة على الطلاق العلم بالمطلَّقة، على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها(2)، ونَسب ذلك إلى الشيخ في «النهاية»، واستدلّ له:

1 - بأنّ النّص والفتوى متطابقان على اعتبار الإشهاد، ومجرّد سماع صيغةٍ لا

ص: 134


1- الاستبصار: ج 3/290 باب أنّ من طلّق إمرأته ثلاث تطليقات ح 19، وسائل الشيعة: ج 22/112 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28148.
2- نهاية المرام: ج 2/37.

يُعرف قائلها لا يُسمّى إشهاداً قطعاً.

2 - وبما رواه الكليني بإسناده عن محمّد بن أحمد بن مطهّر، قال:

«كتبتُ إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام: إنّي تزوّجت أربع نسوة، لم أسأل عن أسمائهنّ ، ثمّ أردتُ طلاق إحداهنّ وتزويج إمرأة أُخرى؟

فكتب عليه السلام: انظر إلى علامةٍ إنْ كانت بواحدةٍ منهنّ ، فتقول: إشهدوا أنّ فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق، ثمّ تزوّج الاُخرى إذا انقضت العِدّة»(1).

وقال في ضمن كلامه: (أنّ ما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرّد سماع العدلين صيغة الطلاق، وإنْ لم يعلما المطلِّق والمطلَّقة بوجه بعيدٌ جدّاً، بل الظاهر أنّه لا أصل له في المذهب)(2).

أقول: واستدلّ غيره لهذا القول بحسن حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا يكون خلعٌ ولا تخيير ولا مباراة إلّاعلى طُهرٍ من المرأة، من غير جماعٍ ، وشاهدين يعرفان الرّجل، ويريان المرأة، ويحضران التخيير، وإقرار المرأة أنّها على طُهرٍ من غير جماعٍ يوم خيّرها.

فقال له محمّد بن مسلم: ما إقرار المرأة هاهنا؟

قال: يشهدُ الشاهدان عليها بذلك للرّجل حِذار أن تأتي بعدُ فيدّعي أنّه خيّرها وهي طامث، فيشهدان عليها بما سمعا منها»(3).0.

ص: 135


1- الكافي: ج 5/563 باب نوادر ح 31، وسائل الشيعة: ج 20/520 باب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 26246.
2- نهاية المرام: ج 2/37.
3- التهذيب: ج 8/99 باب الخلع والمباراة ح 13، وسائل الشيعة: ج 22/52 باب 23 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 28000.

ولكن يُردُّ على الوجه الأوّل: أنّ الذي دلّت عليه النصوص إنّما هو اعتبار حضور عدلين وسماعهما لصيغة الطلاق، وإشهاد العدلين على الصيغة، وليس لازم ذلك معرفة المطلِّق ولا المطلَّقة بوجه، بل النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ من يحضر مجلساً وفيه قومٌ يسمعون كلامه، ويطلِّق إمرأته من دون أن يُشهدهم على ذلك، يصحّ طلاقه، دالّة على عدم اعتبار العلم، وكذا في نصوص طلاق الغائب شهادة بذلك، فإنّ الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلَّقة، سيّما إذا كانت الغيبة إلى البلاد البعيدة.

أضف إلى ذلك كلّه: السيرة القطعيّة المستمرّة على ذلك، فإنّ المطلِّق يحضر المجلس ويُطلِّق من دون أن يعرف الشهود المرأة بوجه.

وأيضاً: صحيح أبي بصير، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة، أو قال في مجلسٍ واحد ومهورهنّ مختلفة ؟ قال عليه السلام: جائزٌ له ولهنّ .

قلت: أرأيت إنْ هو خرج إلى بعض البلدان، فطلّق واحدة من الأربع، وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد، وهم لا يعرفون المرأة، ثمّ تزوّج إمرأةً من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عِدّة تلك المطلّقة، ثمّ مات بعدما دخل بها، كيف يقسّم ميراثه ؟

قال عليه السلام: إنْ كان له ولدٌ فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثُمْن ما ترك، وإنْ عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها ونَسَبها، فلا شيء لها من الميراث، وليس عليها العِدّة.

ص: 136

إلى أنْ قال: وإنْ لم تعرف التي طلّقت من الأربع، قسّمن النسوة ثلاثة أرباع ثُمْن ما ترك بينهنّ جميعاً، وعليهنّ جميعاً العِدّة»(1).

وهذه الرواية كما تراه صريحة في عدم اعتبار العلم بالمطلَّقة بوجه.

وعليه، فلو قال: (زوجتي طالق) من دون أن يعرفها الشهود، ومن دون أن يذكر اسمها صَحّ الطلاق، بل يصحّ لو أنشأ مُنشَأٌ الطلاق بحضور عدلين من غير علم لهما بكونه وكيلاً أو زوجاً أو وليّاً صحّ ، وكذا لو أنشأه بمحضر ممّن لا يَبصره ولا يعرفه لعمىً أو غيره، فضلاً عن معرفة المطلَّقة صَحّ أيضاً.

وأمّا المكاتبة: فهي لا تدلّ على اعتبار التعيين، بل تدلّ على الاجتزاء بذلك، وإنْ لم يعرفها الشهود، مثلاً لو قال: (إنّ إمرأتي التي هي أقصر من البقيّة، أو أقلّ سِنّاً منهنّ ، أو ما شابه ذلك) تدلّ المكاتبة على صحّة الطلاق، مع أنّ الشهود لايعرفونها، فهي على خلاف المطلوب أدلّ .

وأمّا الحسن، فهو أوّلاً: في غير الطلاق.

وثانياً: أنّه لو سُلّم دلالته على ذلك الجمع بينه وبين صحيح أبي بصير المؤيّد بما عرفت، يقتضي حمله على الاستحباب.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لا يعتبر علم الشهود بالمطلِّق ولا المطلَّقة.

وفي «الحدائق»(2)، و «الرياض»(3): اعتبار علمهم بها في الجملة، ولو بالمعرفة).

ص: 137


1- التهذيب: ج 8/93 باب أحكام الطلاق ح 238، وسائل الشيعة: ج 22/51 باب 23 من أبواب مقدّمات الطلاق، ح 27999.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/248.
3- رياض المسائل: ج 11/71 (ط. ج).

باسمها أو الإشارة، قال في «الرياض»: (تحقيقاً لفائدة الشهادة، والتفاتاً إلى بعض المعتبرة) وأشار بذلك إلى المكاتبة المتقدّمة.

وأمّا صاحب «الحدائق»، فلوضوح اعتبار ذلك عنده أرسله إرسال المسلّمات، ولم يذكر له وجهاً.

أمّا المكاتبة: فقد عرفت حالها.

وأمّا قوله: (تحقيقاً لفائدة الشهادة) فيرد عليه أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة، اعتبار حضور عدلين عند إنشاء الطلاق، من غير اعتبارٍ لاتّصافهما بالشهادة، على وجهٍ يعتبر فيهما ما يُعتبر في الشهادة على غير ذلك، من تشخيص المشهود عليه ونحوه، ولذا يمكن أنْ يقال بكفاية حضور عدلين لا يقبل شهادتهما على المطلِّق أو المطلَّقة لأمرٍ لا ينافي العدالة، كالاُبوّة أو الخصومة وما شاكل، وكذا لو أنشأه بمحضرٍ ممّن لا يَبصره لعمى ، صحّ الطلاق، فلا يعتبر علمهما بهما في الجملة أيضاً.

***

ص: 138

الفصل الثاني: في أقسامه:

وهو بِدعةٌ ، وسُنّة.

الفصل الثاني: في أقسام الطلاق

اشارة

(الفصل الثاني: في أقسامه:

وهو) ينقسم إلى قسمين:

1 - طلاقُ (بدعة) غير مشروعة.

2 (و) طلاق (سُنّة) مشروعة.

فيقال طلاقٌ بِدْعي وطلاقٌ سُنِّي.

والمرادُ بالبدعة: ما لا يكون مشروعاً، لا ما هو محرّم بالحرمة النفسيّة، كما فُسِّر بذلك في جملةٍ من الكلمات، لأنّه لا يكون حراماً إلّاإذا علم بعدم مشروعيّته، وأتي به بعنوان الشرعيّة، فينطبق عليه حينئذٍ عنوان التشريع المحرّم، بناءً على ما هو الحقّ من سراية الحرمة التشريعيّة إلى الفعل الخارجي.

والمرادُ بالسُنّة: ما يكون مشروعاً:

سواءً كان واجباً كطلاق المظاهر الذي يؤمر بعد المدّة بالفيء أو الطلاق كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى .

أو مستحبّاً كالطلاق مع الشقاق وعدم العِفّة.

أو مكروهاً كالطلاق عند التيام الأخلاق.

أو مباحاً كطلاق المخالفة أو سيّئة الخُلُق.

ص: 139

فالأوّل: طلاق الحائض الحائل أو النفساء، مع حضور الزّوج، والمسترابة قبل ثلاثة أشهر، وطلاق الثلاث مرسلاً، والكُلُّ باطلٌ .

الثاني: بائنٌ ورِجعي.

أقول: وكيف كان (فالأوّل) أي الطلاق البِدعي اصطلاحاً ثلاث:

أحدها: (طلاق الحائض الحائل، أو النفساء، مع حضور الزوج) إنْ كان دخل بها، بل ومع غيبته دون المُدّة المشترطة، (والمسترابة قبل ثلاثة أشهر).

وثانيها: طلاق الزوجة في طُهرٍ قاربها فيه مع عدم الغيبة، أو مطلقاً مع ثبوت الوقوع فيه - على خلافٍ قد مضى(1) - ومع عدم اليأس والصِّغر والحمل.

(و) ثالثها: (طلاق الثلاث مرسلاً) مع اعتقاد وقوعها وقصد ذلك.

(والكُلُّ باطلٌ ) كما مرَّ الكلام في الجميع مفصّلاً في الفصل السابق، ومحرّمٌ من الناحية الشرعيّة عند علمائنا.

ثمّ إنّ الحصر في الثلاث ليس لبيان عدم بطلان الطَلَقات الفاسدة الاُخرى ، كالواقعة بدون الإشهاد، أو بدون الصيغة المعتبرة وما شاكل، ولا لبيان عدم حرمة غيرها، بل مجرّد اصطلاح، وليس فيه مشاحّة، لكن لاتكون القسمة حينئذٍ حاصرة.

أقسام طلاق السُّنة

وأمّا (الثاني) وهو الطلاق السُّني، فقد قسّمه المصنّف رحمه الله في المقام إلى قسمين:

(بائنٌ ورِجْعيّ ).

ص: 140


1- تقدّم في جواز طلاق الحائض والنفساء... في بدايات هذا الجزء.

وظاهر ذيل كلامه أنّ الطلاق الرِجعي ينقسمُ إلى عِدِّي وغيره كما فعله في محكيّ «الإرشاد»(1).

وأمّا في «القواعد»: فقد قسّم العلّامة الطلاق الشرعي الذي هو طلاق السُّنة بالمعنى الأعمّ إلى طلاق عِدّة وسُنّة بالمعنى الأخصّ ، وهو أن يُطلِّق على الشرائط، ثمّ يتركها حتّى تخرج من العِدّة، سواءٌ كانت العِدّة رجعيّة أو بائنة ثمّ يتزوّجها بعقدٍ جديد، ثمّ بعد ذلك قسَّمه إلى البائن والرجعي(2).

وأمّا المحقّق في «الشرائع»(3) فقد قسّم الطلاق السُّني بالمعنى الأعمّ إلى أقسام ثلاثة: بائنٌ ، ورِجعيٌّ ، وطلاق العِدّة(4)، والأمر كذلك في محكيّ «التحرير»(5).

والمعروف بين الأصحاب جعل طلاق العِدّة قِسْماً من الطلاق الرِّجعي كما في المتن.

أقول: إنّ هذا النزاع لا يترتّب عليه أثرٌ بعد كون موضوعات الأحكام الشرعيّة المختلفة بيّنة - كما ستعرف - حتّى الطلاق العِدِّي بالنسبة إلى تحريم المؤبّد في التسع، ولكن في جملة من النصوص تقسيم الطلاق إلى السُّنة والعِدّة:

منها: ما ورد في صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«كلّ طلاقٍ لا يكون على السُّنة أو طلاق على العِدّة فليس بشيء.

قال زرارة: قلت لأبي جعفر عليه السلام: فسِّر لي طلاق السُّنة وطلاق العِدّة ؟).

ص: 141


1- إرشاد الأذهان: ج 2/44.
2- قواعد الأحكام: ج 3/131-132 والعبارة منقولة بتصرّف.
3- شرائع الإسلام: ج 2/54 (ط. ق).
4- شرائع الإسلام: ج 3/588.
5- تحرير الأحكام: ج 2/54 (ط. ق).

فقال عليه السلام: أمّا طلاق السُّنة فإذا أراد الرّجل أن يُطلِّق إمرأته فلينتظر بها حتّى تطمث وتطهر، فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غيرجماعٍ ، ويشهد شاهدين على ذلك ثمّ يَدَعها حتّى تطمث طمثتين، فتنقضي عِدّتها بثلاث حيض وقد بانت منه، ويكون خاطباً من الخُطّاب، إنْ شاءت تَزوّجته وإنْ شاءت لم تتزوّجه، وعليه نفقتها والسُّكنى ما دامت في عِدّتها، وهما يتوارثان حتّى تنقضي العِدّة.

قال: وأمّا طلاق العِدّة الذي قال اللّه عزّ وجلّ : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا اَلْعِدَّةَ ...) إلخ، فإذا أراد الرّجل منكم أن يطلّق إمرأته طلاق العِدّة، فلينتظر بها حتّى تحيض وتخرج من حيضها، ثمّ يطلّقها تطليقة من غير جماعٍ ، وبشهادة شاهدين عدلين، ويراجعها من يومه ذلك إنْ أحبَّ ، أو بعد ذلك بأيّام قبل أنْ تحيض، ويشهد على رجعتها ويواقعها حتّى تحيض، فإذا حاضت وخَرَجتْ من حيضها طلّقها تطليقةً أُخرى من غير جماعٍ ، ويُشهِد على ذلك ثمّ يراجعها أيضاً متى ما شاء قبل أنْ تحيض، ويشهد على رجعتها ويواقعها وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة، فإذا خرجتْ من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماعٍ ، ويُشهد على ذلك، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه، ولا تَحلّ له حتّى تنكِح زوجاً غيره.

قيل له: وإنْ كانت ممّن لا تحيض ؟

فقال: مثل هذه تطلّق طلاق السُّنة»(1).

ونحوه غيره.

والمستفاد من هذه النصوص أنّ طلاق العِدّة اسمٌ لمجموع الطلقات الثلاث،1.

ص: 142


1- الكافي: ج 6/65 باب تفسير طلاق السُّنة والعِدّة ح 2، أورد صدره في وسائل الشيعة: ج 22/101 باب 1 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28132، وذيله في باب 2 منها ص 108 ح 28141.

فالأوّل: طلاق اليائسة، والصغيرة، وغير المدخول بها، والمُختلعة، والمباراة مع استمرارها على البذل، والمطلَّقة ثلاثاً بينها رجعتان.

وحيث أنّ الإثنتين منها رجعيّتان والثالثة بائنة، فالطلاق العِدِّي مركّبٌ من الرِّجعي والبائن، وعليه فالأولى تقسيمه إلى أقسام ثلاثة:

(فالأوّل) أي الطلاق البائن: ما لا يصحّ للّزوج الرجوع بها بلا عقدٍ، إمّا لعدم العدَّة بالمرّة، وهو أقسامٌ ثلاثة:

1 - (طلاق اليائسة) عن المحيض ومثلها تحيض، وهي مَنْ بَلَغت خمسين أو ستّين سنة، على ما تقدّم في باب الحيض(1).

2 - (والصغيرة) وهي من لم تبلغ سِنّ إمكان المحيض، وهو التسع كما تقدّم في بدايات هذا الجزء.

3 - (وغير المدخول بها) وإنْ خلا بها خلوةً ، المحكومة بلزوم الاعتداد ظاهراً، لكنّها بائنة باعتبار عدم الدخول، أو لعدم إمكان الرجوع ابتداءً وإنْ أمكن في الجملة، (و) هو اثنان:

1 - طلاق (المختلعة والمباراة، مع استمرارها على البذل) فإنْ رجعتا به كان رجعيّاً يلحقه أحكامه كما سيأتي.

2 - وإمّا لعدم إمكان الرجوع إليها في العِدّة مطلقاً، (و) هو (المطلَّقة ثلاثاً بينها رجعتان)، أو عقدان، أو رجعة وعقد.).

ص: 143


1- فقه الصادق: ج 2/270، في مبحث (منتهى الحيض في القرشيّة والنبطيّة).

والثاني: ما عداه ممّا للرجل المراجعة فيه، وطلاقُ العدَّة من أحدِ هذه ما يراجعُ في العِدّة، ويواقع ثُمّ يُطلِّق بعد الطُّهر.

فالمراد بالرّجعة أعمٌّ من الرجوع المصطلح والعقد الجديد، لما ستعرف من عدم اعتبار خصوص الرجعتين في حرمتها عليه ما لم تَنكِح زوجاً غيره.

(والثاني): وهو الذي للمطلِّق الرَّجعة إليها في العِدّة، سواءٌ راجع أم لم يراحع (ما عداه) - أي ما عدا البائن الذي عرفت أنّ أقسامه ستّة - (ممّا للرَّجل المراجعة فيه) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع، والكتاب والسُّنة دالّان عليه، سواء اعتدّت بالأقراء أو الشهور أو الوضع.

طلاق العِدّة

(و) أمّا (طلاق العِدّة من أحد هذه) الذي عرفت أنّه مركّبٌ من طلقات: بائنة ورجعتين، فهو (ما يراجع في العِدّة) بعدما طلّقها على الشرائط (ثمّ يواقع، ثمّ يطلّق بعد الطُّهر) من المحيض الواقع بعد طُهر المواقعة، ثمّ يراجعها ويواقعها ثمّ يُطلّقها في طهرٍ آخر، فإنّها تحرُم عليه حتّى تنكِح زوجاً غيره، كما سمعت التصريح به في صحيح زرارة من خلال قوله عليه السلام: «فهذه تحرم بعد تسع، ينكحها بينها رجلان مؤبّداً، وما عداه تحرُم في كلّ ثالثةٍ حتّى تنكح زوجاً غيره».

أقول: وتنقيح القول في ذلك يقتضي البحث في مواضع:

الموضع الأوّل: أنّ المحكيّ عن الشيخ(1) في «النهاية» وجماعة: أنّ الطلاق الواقع بعد المراجعة يُوصَف بكونه عِدِّياً، وإنْ لم يقع بعده رجوعٌ ووقاع، لكن الطلاق

ص: 144


1- النهاية: ص 514.

الثالث لا يُوصَف بكونه عِدِّياً إلّاإذا كان بعد الرجوع والوقاع.

ولكن المستفاد من المتن و «النافع»(1) وغيرهما: أنّ المعتبر فيه أن يُطلِّق ثانياً بعد الرجوع والمواقعة خاصّة.

وعن بعضهم(2): عدم اعتبار الطلاق ثانياً.

وظاهر القول الأوّل: أنّ الطلاقين الأخيرين ممّا تقدّم من الكيفيّة الخاصّة، يتّصفان بالعِدّة دون الأوّل، لوقوعهما بعد المراجعة والوقاع دونه لعدمها قبله.

وظاهر القولين الأخيرين: اتّصاف الأولين بالعِدّة دون الثالث، فإنّ الثالث فاقدٌ لشرط العِدّة على القولين، والأولين واجدان له كما لا يخفى .

أقول: ولكن قد تقدّم أنّ الطلاق العِدِّي عبارة عن الطلقات الثلاث الواقعة على هذه الكيفيّة، من غير اختصاص بالأُولى والثانية أو غيرهما، لصراحة صحيح زاررة المتقدّم في ذلك ونحوه غيره.

ويترتّب على ما ذكرناه أنّه لا يتصوّر التفريق فيه، لخروجه به عن كونه عِدِّياً، ولذلك فائدة في بعض المسائل الآتية.

الموضع الثاني: أنّه يعتبر في الطلاق للعِدّة الوطء بعد المراجعة، وإلّا فلا يكون الطلاق للعِدّة، بلا خلافٍ في ذلك فتوىً ونصّاً.

اختصاص الحرمة الأبديّة في التاسعة بالطلاق العِدِّي

الموضع الثالث: المشهور(3) بين الأصحاب أنّ المطلّقة تسعاً للعِدّة تَحرمُ مؤبّداً.

وعن «المدارك»: نقل الإجماع عن جمعٍ من الأصحاب على أنّ المطلَّقة تسعاً

ص: 145


1- المختصر النافع: ص 198 قوله: (وطلاق العِدّة ما يرجع فيه، ويواقع ثُمّ يطلّق).
2- كما في قواعد الأحكام: ج 3/130.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/269.

للعِدّة، تحرمُ مؤبّداً.

قال: (ولم ينقلوا على ذلك دليلاً، والذي وقفتُ عليه في ذلك:

1 - ما رواه زرارة بن أعين، ودواد بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«الملاعنة إذا لاعنها زوجها، لم تحلّ له أبداً، والذي يتزوّج المرأة في عِدّتها وهو يعلم لا تَحِلّ له أبداً، والذي يطلّق الطلاق الذي لا تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات، لا تَحِلّ له أبداً، والمُحْرِم إذا تزوّج وهو يعلم أنّه حرامٌ عليه لا تَحِلّ له أبداً»(1).

2 - ما ورد في الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وأيضاً ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهما السلام:

«إذا طلّق الرّجل المرأة فتزوّجت ثمّ طلّقهافتزوّجها الأوّل، ثمّ طلّقها فتزوّجت رجلاً، ثمّ طلّقها فتزوّجها الأوّل، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تَحلّ له أبداً»(2).

وإطلاق الرواية الأُولى وخصوص الثانية، يقتضي حصول التحريم بالطَلَقات التسع التي ليست للعِدّة، لكن لا أعلم بمضمونه قائلاً)(3) انتهى .

أقول: وهناك روايات اُخرى مطلقة:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«سألته عن الذي يطلّق ثُمّ يراجع ثمّ يُطلّق، ثمّ يُراجع، ثمّ يُطلّق ؟8.

ص: 146


1- الكافي: ج 5/426 باب المرأة التي تحرم على الرّجل ح 1، روى منه ما محلّ الاستدلال في وسائل الشيعة: ج 20/491 باب 4 من أبواب أقسام الطلاق، ح 26172.
2- التهذيب: ج 7/311 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 48، وسائل الشيعة: ج 20/529 باب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، ح 26268.
3- نهاية المرام: ج 2/47-48.

قال عليه السلام: لا تَحِلّ له حتّى تنكحَ زوجاً غيره فيتزوّجها رجلٌ آخر فيطلّقها على السُّنة، ثمّ تَرجع إلى زوجها الأوّل فيطلّقها ثلاث مرّات على السُّنة، وتنكح زوجاً غيره فيطلّقها ثم ترجع إلى زوجها الأول، فيطلّقها ثلاث مرّات على السُّنة، ثمّ تنكِحَ ، فتلك التي لا تَحِلّ له أبداً»(1). ونحوه غيره.

أقول: يمكن أن يُستدلّ على الاختصاص بوجوه:

1 - الإجماع المحقّق والمنقول(2) مستفيضاً.

2 - ما في خبر «الخصال» الوارد في بيان ما يحرم من الفروج بالكتاب أو السُّنة، الظاهر في الحصر، وتزويج الرّجل إمرأة قد طلّقها للعِدّة(3)، فإنّه بمفهومه يدلّ على عدم الحرمة في غيره.

3 - فتوى جماعة(4) بذلك، المقيّدين بأن لا يفتون إلّابما في متون النصوص.

4 - خبر المُعلّى بن خُنَيس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ طلّق إمرأته ثمّ لم يُراجعها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها فتركها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها من غير أن يراجع، ثُمّ تركها حتّى حاضت ثلاث حيض ؟

قال عليه السلام: له أن يتزوّجها أبداً ما لم يُراجع ويمسّ »(5).5.

ص: 147


1- الكافي: ج 5/428 باب المرأة التي تحرم على الرّجل ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/118 باب 4 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28160.
2- كشف اللّثام: ج 2/39 (ط. ق)، الحدائق الناضرة: ج 25/629.
3- الخصال: ج 2/532 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/409 باب 1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 25942.
4- كالصدوق في الفقيه: ج 3/499-501 طلاق العِدّة.
5- الكافي: ج 6/77 باب ما يهدم الطلاق وما لا يهدم ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/115 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28155.

فإنّه يدلّ على عدم الحرمة الأبديّة بغير طلاق العِدّة، وإنْ طلّقت كذلك طلقات عديدة، ولو تجاوزت التِّسع، ولا ينافي ذلك اشتراط المُحلّل بعد كلّ ثلاث طلقات، فإنّه في مقام بيان الحرمة الأبديّة وعدمها، وأنّ الحرمة مقيّدة بحصول أمرين، هما: الرجوع والجماع، وإلّا فلا تحرمُ أبداً، فكما أنّ التزويج مشروطٌ بشرائط لم تُذكر في الخبر، كذلك يكون في بعض الموارد مشروطاً بوجود المُحلّل.

وعلى هذا، فلا وجه لتوقّف سيّد «المدارك»(1) وصاحب «الحدائق»(2) في الحكم المزبور.

أقول: ثمّ إنّه قد عرفت أنّ طلاق العِدّة عبارة عن الطلقات الثلاث بالكيفيّة الخاصّة، وعليه فما عن «الروضة» - بعد أنْ ذكر أنّ إطلاق العِدّة على التسع المرتبة مجازٌ، لأنّ الثالثة من كلّ ثلاث ليست للعِدّة، فإطلاقه عليها إمّا إطلاقٌ لاسم الأكثر على الأقلّ ، أو باعتبار المجاورة، حيث قال:

(وحيثُ كانت النصوص والفتاوى مطلقة في اعتبار التسع للعِدّة في التحريم الأبدي، كان أعمّ من كونها متوالية ومتفرّقة، فلو اتّفق في كلّ ثلاث واحدة للعِدّة، اعتبر فيه إكمال التسع)(3) في غير محلّه.

نعم، يمكن التفريق بين طلقاته التسع، بأن يطلّق بعد الفرد الأوّل منه وحصول المُحلّل للسُّنة مثلاً، ثمّ يتزوّجها بعد العِدّة لها أيضاً، فيطلّقها ثمّ يتزوّجها بعد العِدّة، ثمّ يطلّقها طلاقاً عديّاً للعِدّة ثلاثاً، ثمّ يصيبها المُحلّل ثمّ يتزوّجها فيطلّقها طلاقاً عدِّيّاً.6.

ص: 148


1- نهاية المرام: ج 2/47-48.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/271.
3- الروضة البهيّة: ج 5/212-216.

وعليه، فهل تحرم مؤبّداً، أم تعتبر في الحرمة الأبديّة الترتيب والتوالي، ومع تخلّل غير طلاق العِدّة لا تحرم ؟

وجهان:

من إطلاق النصوص، وقد خرج منها الخالي عن طلاق عِدِّي بالإجماع وغيره ممّا تقدّم، وبقي صور التفريق.

ومن تصريح عليّ بن إبراهيم(1) في المحكيّ عنه بعد ذكر ما يوجبُ التحريم الأبدي: (وأنّ الطلقات التسع المرتبة هذه، هي التي لا تَحِلّ لزوجها الأوّل أبداً) الظاهر في الحصر الحقيقي.

ونحوه الصدوق(2) في «الفقيه»، وهما من عمدة أرباب النصوص، ولا يفتيان إلّا بما وصل إليهما من النصوص.

أظهرهما الأوّل، كما لا يخفى .

الطلقات الثلاث الموجبة للتحريم

الموضع الرابع: المشهور بين الأصحاب أنّه إذا طلّق المرأة، فخرجت من العِدّة ثُمّ نكحها مستأنفاً، ثمّ طلّقها وتركها حتّى قضت العِدّة، ثمّ استأنف نكاحها ثُمّ طلّقها ثالثةً ، حَرُمت عليه حتّى تَنكِحَ زوجاً غيره وهذا الطلاق يفارق طلاق العِدّة في أنّ المطلّقة به لا تحرُم مؤبّداً، بخلاف طلاق العِدّة كما مرَّ.

ص: 149


1- نقله عنه في الجواهر: ج 32/126-127 حكاية عن الفقه الرضوي، راجع المستدرك الباب الرابع من أبواب أقسام الطلاق: ج 15/324 الحديث 6 (17388).
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/499-501 طلاق العِدّة.

وعن ابن بُكير(1): إنّ هذا الطلاق - أعني طلاق السُّنة بالمعنى الأخصّ - لايحتاجُ إلى محلّلٍ بعد الثلاث، ويهدم استيفاء عِدّتها تحريمها في الثالثة.

ونُسب ذلك إلى الصدوق في «الفقيه» أيضاً حيث قال:

(وسُمّي طلاق السُّنة طلاق الهدم، لأنّه متى استوفت قرؤها وتزوّجها ثانيةً ، عَدُم الطلاق الأوّل)(2).

أقول: ولكن المشهور بين الأصحاب تخصيص الخلاف بابن بُكير، ولذا تكرّر في كلماتهم دعوى إجماع(3) أصحابنا على خلافه.

وكيف كان، فيشهد للمشهور نصوصٌ كثيرة:

منها: ما تقدّم.

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ طلّق إمرأةً ثمّ تركها حتّى انقضت عِدّتها ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها من غير أن يدخل بها حتّى فعل ذلك بها ثلاثاً؟

قال عليه السلام: لا تَحِلّ له حتّى تنكحَ زوجاً غيره»(4).

ومنها: خبر الحسن بن زياد، عنه عليه السلام: «عن طلاق السُّنة كيف يطلّق الرّجل إمرأته ؟6.

ص: 150


1- الكافي: ج 6/77 باب السُّنة في عقود النكاح ذيل ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/114 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28153.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/495 طلاق السُّنة.
3- جواهر الكلام: ج 32/129.
4- التهذيب: ج 8/65 باب أحكام الطلاق ح 133، وسائل الشيعة: ج 22/111 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28146.

فقال: يطلّقها في طُهرٍ قبل عِدّتها من غير جماعٍ بشهود، فإن طلّقها واحدة ثمّ تركها حتّى يخلو أجلها...

إلى أنْ قال: فإنْ طلّقها الثالثة فقد بانت منه، ولا تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره»(1).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الرّجل يطلّق إمرأته تطليقة، ثمّ يراجعها بعد انقضاء عِدّتها، فإذا طلّقها الثالثة لم تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره»(2).

ومنها: صحيح ابن بزيع، عن الرّضا عليه السلام: «البِكْر إذا طُلّقت ثلاث مرّات وتزوّجت من غير نكاحٍ ، فقد بانت منه، ولا تحلّ لزوجهاحتّيتنكحَ زوجاًغيره»(3).

إلى غير ذلك من النصوص المتواترة، الواردة في أقسام الطلاق، عدا طلاق العِدّة الدالّة على ذلك.

واستدلّ للقول الآخر بروايات:

الرواية الاُولى: ما رواه ابن بُكير، عن زرارة في الصحيح، قال:

«سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: الطلاق الذي يُحبّه اللّه تعالى ، والذي يطلّقه الفقيه وهو العدل بين المرأة والرّجل، أن يطلّقها في استقبال الطُّهر بشهادة شاهدين، وإرادةٍ من القلب، ثمّ يتركها حتّى تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدّم في أوّل قطرةٍ من الثالثة،3.

ص: 151


1- الكافي: ج 6/67 باب تفسير طلاق السُّنة ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/105 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28135.
2- الكافي: ج 6/76 باب التي لا تحلّ لزوجها ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/113 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28151.
3- التهذيب: ج 8/66 باب أحكام الطلاق ح 136، وسائل الشيعة: ج 22/110 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28143.

وهو آخر القروء، لأنّ الإقراء هي الأطهار، فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإنْ شاءت تزوّجته وحلّت له بلا زوجٍ ، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هَدَم ما قبله، وحَلّت له بلا زوج، وإنْ راجعها قبل أنْ تملك نفسها ثمّ طلّقها ثلاث مرّات يُراجعها ويطلّقها لم تَحلّ له إلّابزوج»(1).

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله: بأنّه يجوزُ أنْ يكون أسند ذلك إلى زرارة نصرةً لمذهبه الذي كان أفتى به، لمّا رأى أصحابه لا يقبلون منه ما يقوله برأيه أسنده إلى من روى عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبد اللّه بن بُكير معصوماً لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلى اعتقاد مذهب الفَطَحيّة ما هو معروفٌ من مذهبه، والغَلطُ في ذلك أعظم من إسناده فيما يعتقد صحّته بشُبهةٍ إلى بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام(2).

ولكن يرد عليه: ما ذكره جمعٌ من الأساطين(3) أنّ هذا القدح العظيم في ابن بكير يُنافي ما صرّح به في فهرسته(4) من توثيقه، وما رواه الكشّي(5): (من الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه)، ويوجبُ عدم جواز العمل برواياته، مع أنّهم متّفقون على العمل بها، بل ترجيحها على غيرها.

والحقّ أنْ يقال: إنّه يحتمل أنْيكون قوله: «فإنْ فعل هذا... إلى آخر الحديث»5.

ص: 152


1- التهذيب: ج 8/35 باب أحكام الطلاق ح 26، وسائل الشيعة: ج 22/116 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28158.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/36.
3- كما في مسالك الأفهام: ج 9/129، و نهاية المرام: ج 2/51.
4- الفهرست: ص 173.
5- اختيار معرفة الرجال: ج 2/673 رقم 705.

فتوى ابن بُكير ذكرها في ذيل الحديث، كما وقع ذلك من الشيخ والصدوق وغيرهما كثيراً.

ويؤيّد هذا الاحتمال: أنّ الأصحاب لمّا حاجّوه وسألوه عن أنّه هل سَمع بذلك روايةً ، لم ينقل ذلك عن زرارة.

وأيضاً روى الكليني(1) هذا الخبر بعينه، وبهذا السند، خالياً عن الحكم المذكور.

وأيضاً: يويده ما تضمّن من الأخبار من محاجّة الأصحاب له فيما تفرّد به، وجوابه(2) بأنّ هذا: (ممّا زرق اللّه من الرأي) أو(3) بأنّ الزوج وغير الزوج عندي سواء، الذي قاله بعدما سُئل عنه:

(هل سَمِعت في هذا شيئاً؟ قال: رواية رفاعة.

قيل له: إنّ رفاعة روى إذا دخل بينهما زوجٌ ).

ولو أبيتَ عن ذلك وعن ما أفاده الشيخ رحمه الله الذي يمكن توجيهه بأنّ ابن بُكير لرأيه واعتقاده كان يرى هذا الكَذب جائزاً لمصلحة أهمّ وهي نشر الأحكام الواقعيّة، فيتعيّن طرحه عند المعارضة للشهرة وغيرها من المرجّحات التي مع تلك النصوص.

الرواية الثانية: صحيح عبد اللّه بن سنان، قال:

«إذا طلّق الرّجل إمرأته فليطلّق على طُهرٍ بغير جماع بشهودٍ، فإن تزوّجها بعد3.

ص: 153


1- الكافي: ج 6/65 باب تفسير طلاق السُّنة والعِدّة ح 3.
2- الكافي: ج 6/78 باب ما يهدم الطلاق وما لا يهدم ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/114 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28154.
3- الكافي: ج 6/78 باب ما يهدم الطلاق وما لا يهدم ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/114 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28153.

ذلك فهي عنده على ثلاث، وبطلت التطليقة الأُولى، وإنْ طلّقها اثنتين ثمّ كفّ عنها حتّى تمضي الحيضة الثالثة، بانت منه بثنتين، وهو خاطبٌ من الخطّاب، فإنْ تزوّجها بعد ذلك، فهي عنده على ثلاث تطليقات، وبطلت الاثنتان، فإنْ طلّقها ثلاث تطليقات على العِدّة، لم تَحِلّ له حتّى تنكِحَ زوجاً غيره»(1).

أقول: ولكن يرد عليه:

أوّلاً: أنّه مقطوعٌ ، ولعلّ ذلك رأيه كابن بُكير.

وثانياً: أنّه لا يصلحُ للمقاومة لما تقدّم، وحَمَله الشيخ رحمه الله على أنّه لو تزوّجها بعد العِدّة، وبعد أن تزوّجها زوجٌ آخر ثمّ فارقها(2).

الرواية الثالثة: خبر مُعلّى بن خنيس المتقدّم الذي عرفت أنّه يدلّ على نفي تحريم المؤبّد في التاسعة.

وبما ذكرناه يظهر حال سائر ما استدلّ به لهذا القول، فالأظهر عدم الهدم مطلقاً.

طلاق الحامل ورجوعها

الموضع الخامس: لا خلاف بين الأصحاب في أنّه يجوزُ طلاق الحامل مرّةً ، بل عليه اتّفاقهم(3)، وقد تقدّمت النصوص(4) الكثيرة الدالّة على ذلك.

كما لا كلام في أنّه لايجوزُ أن يطلّق للسُّنة، بمعنى العقد عليها بعد انقضاء عِدّتها،

ص: 154


1- التهذيب: ج 8/30 باب أحكام الطلاق ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/116 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28157.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/31.
3- مسالك الأفهام: ج 9/131.
4- كما تقدّم في نهاية بحث: (يشترط في المطلّقة أن تكون طاهرة) من هذا الجزء.

ثمّ تطليقها ثانياً، لأنّ انقضاء عِدّتها إنّما يكون بالوضع، فتخرج عن كونها حاملاً.

إنّما الكلام في ما زاد على المرَّة للعِدّة أو للسُّنة، بالمعنى الذي هو خلاف العدِّي، أي طلاقها بعد المراجعة بلا مواقعة:

فالمشهور بين الأصحاب: جوازه في المقامين، بل عليه الإجماع في «الشرائع»(1)، ومحكيّ «القواعد»(2)، و «الإيضاح»(3)، وشرح الصِّيمري(4) في المقام الأوّل.

وعن الصدوقين في «الرسالة»(5) و «المُقنع»(6): المنع من الطلاق ثانياً ما دامت حاملاً مطلقاً.

وعن الشيخ في «النهاية»(7)، وابن البرّاج(8)، وابن حمزة(9): المنع من الطلاق للسُّنة، وجوّزوا في العِدّة المقابلة لها.

أقول: ومنشأ الاختلاف؛ اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على الجواز في المقامين:

1 - منها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل طلّق إمرأته2.

ص: 155


1- شرائع الإسلام: ج 3/589.
2- قواعد الأحكام: ج 3/131.
3- إيضاح الفوائد: ج 3/317-318.
4- غاية المرام: ص 131 مخطوط.
5- فقه الرّضا: ص 244. وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/362.
6- المقنع: ص 346.
7- النهاية: ص 516-517.
8- المهذّب: ج 2/285.
9- الوسيلة: ص 322.

وهي حامل، ثمّ راجعها، ثمّ طلّقها، ثمّ راجعها، ثم طلّقها الثالثة في يومٍ واحد تبين منه ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

وهذا كما تراه مطلقٌ شاملٌ لطلاقي العِدّة والسُّنة.

ومنها: موثّقه الآخر، قال: «قلتُ لأبي إبراهيم عليه السلام: الحامل يطلّقها زوجها ثُمّ يراجعها ثُمّ يطلّقها ثُمّ يراجعها ثُمّ يطلّقها الثالثة ؟

قال عليه السلام: تبين منه ولا تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره»(2).

ومنها: موثّقه الثالث عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «عن الحُبلى تطلّق الطلاق الذي لا تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ؟ قال عليه السلام: نعم.

قلت: ألستَ الذي قلتَ لي إذا جامع، لم يكن له أن يطلّق ؟

قال عليه السلام: إنّ الطلاق لا يكون إلّاعلى طهرٍ قد بان، أو حملٍ قد بان، وهذه قد بانَ حملها»(3).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الجواز في خصوص طلاق العِدّة:

منها: حسن يزيد الكناسي، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام: عن طلاق الحُبلى ؟

فقال عليه السلام: يطلّقها واحدة للعِدّة بالشهور والشهود.

قلت: فله أن يراجعها؟ قال: نعم، وهي إمرأته.1.

ص: 156


1- التهذيب: ج 8/73 باب أحكام الطلاق ح 161، وسائل الشيعة: ج 22/148 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28243.
2- التهذيب: ج 8/71 باب أحكام الطلاق ح 156، وسائل الشيعة: ج 22/147 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28239.
3- التهذيب: ج 8/72 باب أحكام الطلاق ح 158، وسائل الشيعة: ج 22/147 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28241.

قلت: فإنْ راجعها ومسّها، ثمّ أراد أن يُطلّقها تطليقة أُخرى؟

قال: لا يطلّقها حتّى يمضي لها بعدما يمسّها شهر.

قلت: فإنْ طلّقها ثانيةً وأشهد ثُمّ راجعها، وأشهد على رجعتها ومسّها، ثمّ طلّقها التطليقة الثالثة، وأشهد على طلاقها لكلّ عِدّة شهر هل تبين منه كما تبين المطلقة للعِدّة التي لا تَحِلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره ؟ قال عليه السلام: نعم.

قلت: فما عِدّتها؟ قال عليه السلام: عِدّتها أن تضع ما في بطنها، ثمّ قد حلّت للأزواج»(1).

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن بُكير والفضل بن محمّد الأشعري، عن بعضهم، قال:

«في الرّجل يكون له المرأة الحامل، وهو يريد أن يطلّقها؟

قال: يطلّقها إذا أراد الطلاق بعينه، يطلّقها بشهادة الشهود، فإنْ بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يُراجعها يريدُ الرَّجعة بعينها، فليراجع وليواقع، ثمّ يبدو له فيطلّق أيضاً، ثمّ يبدو له فيراجع كما راجع أوّلاً، ثمّ يبدو له فيطلّق، فهي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره إذا كان، إذا راجع يريدُ المواقعة والإمساك ويواقع»(2).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على عدم جواز طلاق الحامل بعد الرجوع بدون الجماع:

منها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلت له: رجلٌ طلّق إمرأته ثمّ راجعها بشهودٍ، ثمّ طلّقها، ثمّ بدا له فراجعها2.

ص: 157


1- الكافي: ج 6/82 باب طلاق الحامل ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/148 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28244.
2- التهذيب: ج 8/72 باب أحكام الطلاق ح 160، وسائل الشيعة: ج 22/148 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28242.

بشهودٍ ثمّ طلّقها فراجعها بشهود، تبين منه ؟ قال عليه السلام: نعم.

قلت: كلّ ذلك في طُهرٍ واحد؟ قال عليه السلام: تبين منه.

قلت: فإنّه فعل ذلك بامرأةٍ حاملٍ؟ قال عليه السلام: ليس هذا مثل هذا»(1).

الطائفة الرابعة: ما دلّ على أنّ طلاقها واحدٌ:

منها: صحيح الجُعفي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «طلاق الحامل واحد، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الحُبلى تُطلّق تطليقةً واحدة»(3).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الخامسة: ما دلّ على النهي عن الزيادة:

منها: خبر منصور الصيقل، عنه عليه السلام: «في الرّجل يطلّق إمرأته وهي حُبلى؟ قال: يطلّقها.

قلت: فيراجعها؟ قال عليه السلام: نعم يُراجعها.

قلت: فإنّه بدا له بعدما راجعها أن يطلّقها؟ قال عليه السلام: لا، حتّى تضع»(4).

هذه جميع نصوص الباب.0.

ص: 158


1- التهذيب: ج 8/92 باب أحكام الطلاق ح 236، وسائل الشيعة: ج 22/144 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28232.
2- التهذيب: ج 8/70 باب أحكام الطلاق ح 153، وسائل الشيعة: ج 22/145 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28234.
3- التهذيب: ج 8/70 باب أحكام الطلاق ح 152، وسائل الشيعة: ج 22/146 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28237.
4- التهذيب: ج 8/71 باب أحكام الطلاق ح 157، وسائل الشيعة: ج 22/147 باب 20 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28240.

أقول: أمّا خبر منصور، فهو لضعف سنده يُطرح فإنّه وابنه الراوي عنه كلاهما مجهولان(1).

وأمّا الطائفة الثالثة: فلا تدلّ على ما ذُكر، فإنّ قوله عليه السلام: «ليس هذا مثل هذا» يدلّ على عدم جواز طلاق الحامل بعد الرجوع، إلّابعد المواقعة، بل لعلّ المراد من أنّ هذا غير هذا أنّه يصحّ الطلاق ثانياً حتّى بعد الوقاع في نفس ذلك الطُهر.

وأمّا الطائفة الثانية:

فالخبر الأوّل منها: لا ينافي الطائفة الأُولى، لأنّهما مثبتان، ولا يُحمل المطلق منهما على المقيّد.

وأمّاالخبرالثاني: فهو مقطوعٌ ، والمنسوب إليه الحكم مجهولٌ ، فلا يصلح للتقييد، فلم يبق إلّاالأُولى والرابعة، ويمكن الجمع بينهما بوجوه:

1 - إمّا حمل الثانية على إرادة الطلاق، الموجب لبينونة المطلّقة، المجوّزة لتزويج الغير إيّاها، وخروجها عن قيد زوجيّة المطلِّق بالمرّة، كما يشهد به قوله عليه السلام في الصحيح متفرّعاً على أنّ طلاق الحامل واحدٌ: «فإذا وَضَعتْ ما في بطنها فقد بانت منه».

2 - وإمّا حملها على إرادة الاتّحاد صنفاً، بمعنى أنّه لا فصل بينهما بإنقضاء طُهرٍ.

3 - وإمّا حملها على استحباب الاتّحاد، أو كراهة التعدّد.

وإنْ لم يكن شيئاً من ذلك جمعاً عرفيّاً، فإنّه لا ريب في تقديم الطائفة الأُولى، لأنّها المشهورة، والشهرة أولى المُرجّحات.).

ص: 159


1- رجال الطوسي: ص 306 رقم 533 قوله: (منصور بن الوليد الصيقل الكوفي، يكنّى أبا محمّد، روى عنهما عليهما السلام).

وبما ذكرناه ظهر مدرك القولين الآخرين وضعفه.

وقد منع الإسكافي(1) عن الطلاق في المقام الثانى ثانياً، إلّابعد شهرٍ، ومستنده حسن يزيد المتقدّم، لكنّه محمولٌ على الاستحباب، للتصريح في موثّق إسحاق بوقوع الطلقات الثلاث في يومٍ واحد.

ويمكن أنْ يقال: إنّ الشيخ وتابعيه لم يريدوا بالمنع عن الطلاق الثاني للسُّنة بالمعنى المتقدّم، بل أرادوا به المنع عن طلاق السُّنة، بمعنى العقد عليها بعد انقضاء عِدّتها، ثمّ تطليقها ثانياً، الذي عرفت أنّه لا إشكال فيه، لما مرَّ، وجعل ذلك وجهاً للجمع بين النصوص الدالّة على انحصار طلاقها بواحدة، وبين ما صرّح بالزيادة عليها بحمل الأُولى على طلاق السُّنة، بمعنى أنّه إذا أراد أن يُطلّق الحامل طلاق السُّنة طلّقها طلاقاً واحداً، وتركها حتّى تضع حملها، ولا يجوزُ له أن يراجعها ويطلّقها مرّةً اُخرى قبل الوضع طلاقاً سُنيّاً؛ لأنّه مشروط بالخروج عن العِدّة التي هي هنا وَضْعُ الحمل، فطلاق السُّنة طلاقاً ثانياً لا يكون للحامل.

وإلى ذلك نظر المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف» حيث قال:

(طلاق العِدّة والسُّنة واحدٌ، وإنّما يصيرُ للسُّنة بترك المراجعة وترك المواقعة، وللعِدّة بالرجعة في العِدّة والمواقعة، فإنْ طلّقها لم يظهر أنّه للسُّنة أو للعِدّة إلّابعد وضع الحمل، لأنّه إنْ راجع قبله كان طلاق العِدّة، وإنْ تركها حتّى تضع، كان طلاق السُّنة، فإنْ قصد الشيخ ذلك فهو حقّ ويُحمل الأخبار عليه)(2) انتهى .4.

ص: 160


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/362.
2- مختلف الشيعة: ج 7/364.

طلاق الحائل ورجوعها

الموضع السادس: إذا طلّق الحائلُ طلاقاً رجعيّاً، ثمّ راجعها:

فإنْ واقعها وطلّقها في طُهرٍ آخر، صَحّ الطلاق إجماعاً(1) ونصوصاً، وفي «الجواهر»: (بل هو من قطعيّات المذهب)(2).

إنّما الكلام في أنّه هل يجوز الطلاق بعد الرجوع في ذلك الطُهر أو طهر آخر من دون المواقعة ؟

المشهور(3) بين الأصحاب: أنّ له ذلك.

وعن ابن أبي عقيل(4): أنّه لا يجوز الطلاق الثاني، إلّابعد المواقعة.

أقول: ونصوص الباب طائفتان:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على الجواز:

منها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلتُ له: رجلٌ طلّق إمرأته ثمّ راجعها بشهودٍ، ثمّ طلّقها، ثمّ بدا له فراجعها بشهود، ثمّ طلّقها فراجعها بشهودٍ، تبين منه ؟ قال: نعم.

قلت: كلّ ذلك في طُهرٍ واحد؟ قال: تبين منه.

قلت: فإنّه فعل ذلك بإمراةٍ حاملٍ ، تبين منه ؟ قال عليه السلام: ليس هذا مثل هذا»(5).

ص: 161


1- شرائع الإسلام: ج 3/590.
2- جواهر الكلام: ج 32/136.
3- رياض المسائل: ج 11/89-90 (ط. ج).
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/137.
5- التهذيب: ج 8/92 باب أحكام الطلاق ح 236، وسائل الشيعة: ج 22/144 باب 19 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28232.

ومنها: صحيح عبد الحميد بن عوّاض ومحمّد بن مسلم، قالا:

«سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ طلّق إمرأته، وأشهد على الرَّجعة ولم يُجامع، ثمّ طلّق في طُهرٍ آخر على السُّنة، أتثبتُ التطليقة الثانية بغير جماع ؟

قال عليه السلام: نعم، إذا هو أشهد على الرَّجعة ولم يُجامع، كانت التطليقة ثابتة»(1).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«عن رجل طلّق إمرأته بشاهدين، ثمّ راجعها ولم يُجامعها بعد الرَّجعة حتّى طَهُرت من حيضتها، ثمّ طلّقها على طُهرٍ بشاهدين، أيقعُ عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يُجامعها؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

ونحوها غيرها.

والأوّل من هذه النصوص في الطلاق في الطُهر الأوّل، والأخيران في الطلاق في طُهرٍ آخر.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على اعتبار الوقاع في الطلاق الثاني:

منها: صحيح ابن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يطلّق إمرأته له أن يراجع.

وقال: لا يطلّق التطليقة الاُخرى حتّى يمسّها»(3).2.

ص: 162


1- التهذيب: ج 8/45 باب أحكام الطلاق ح 58، وسائل الشيعة: ج 22/143 باب 19 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28228.
2- التهذيب: ج 8/45 باب أحكام الطلاق ح 59، وسائل الشيعة: ج 22/143 باب 19 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28229.
3- الكافي: ج 6/73 باب المراجعة لا تكون إلّابالمواقعة ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/141 باب 17 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28222.

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

«عن الرّجل يطلّق إمرأته في طهرٍ من غير جماع، ثمّ يراجعها في يومه ذلك، ثمّ يُطلّقها، تبين منه بثلاث تطليقات في طُهرٍ واحد؟ فقال عليه السلام: خالف السُّنة.

قلت: فليس ينبغي لها إذا هو راجعها أن يطلّقها إلّافي طُهرٍ؟ قال: نعم.

قلت: حتّى يُجامع ؟ قال: نعم»(1).

ومنها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«سألته عن طلاق السُّنة ؟

إلى أنْ قال: وأمّا طلاق الرّجعة، فأنْ يَدَعها حتّى تحيض وتطهر ثُمّ يطلّقها بشهادة شاهدين، ثمّ يراجعها ويواقعها، ثمّ ينتظر بها الطُّهر، فإذا حاضت وطَهُرت أشهَدَ الشاهدين على تطليقةٍ أُخرى ، ثُمّ يُراجعها ويُواقعها ثمّ ينتظر بها الطُّهر، فإذا حاضت وطَهُرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة، ثُمّ لا تحلّ له أبداً حتّيتنكِحَ زوجاً غيره، وعليها أن تعتدّ بثلاثة قروء من يوم طلّقها التطليقة الثالثة، فإنْ طلّقها واحدة بشهودٍ على طُهرٍ، ثمّ انتظر بها حتّى تحيض وتطهر ثُمّ طلّقها قبل أنْيراجعها، لم يكن طلاقه الثاني طلاقاً، لأنّه طلّق طالقاً.

إلى أنْ قال: فإنْ طلّقها على طُهرٍ بشهودٍ ثمُّ راجعها وانتظر بها الطُّهر من غير مواقعةٍ ، فحاضت وطَهُرت ثمّ طلّقها قبل أنْ يدّنسها بموافقة بعد الرَّجعة، لم يكن طلاقه لها طلاقاً، لأنّه طلّقها التطليقة الثانية في طُهر الأُولى ، ولا ينقضي الطُّهر الا بموافقة بعد الرّجعة، وكذلك لا تكون التطليقة الثالثة إلّابمراجعة ومواقعة بعد3.

ص: 163


1- الكافي: ج 6/74 باب المراجعة لا تكون إلّابالمواقعة ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/141 باب 17 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28223.

الرَّجعة ثُمّ حيضٌ وطُهر بعد الحيض، ثمّ طلاقٌ بشهودٍ حتّى يكون لكلّ تطليقةٍ طُهرٌ من تدنيس المواقعة بشهود»(1).

أقول: وللأصحاب في الجمع بين النصوص مسالك:

1 - ما عن الشيخ(2) قدس سره وجماعة: من حمل النصوص الأُولى على طلاق السُّنة، ونصوص المنع على طلاق العِدّة الذي قد مرَّ اعتبار المواقعة بعد الرَّجعة فيه.

وأورد عليه جمعٌ من الأساطين(3): بأنّ كلّاً من الأخبار ورد في الرّجل يطلّق على الوجه المذكور، ويجيبُ الإمام بالجواز أو النهي من غير استفصال، فيفيد العموم من الطرفين، فلا يكون الجمع المذكور عرفيّاً، ولذا قال المحقّق في «الشرائع»:

(إنّه تحكُّمٌ )(4) وقد استُشهد لهذا الجمع بخبر معلّى بن خنيس وأبي بصير المتقدّمين، ولوضوح عدم شهادتهما بذلك أغمضتُ عن ذكرهما.

2 - ما عن المحدِّث الكاشاني رحمه الله: من حَمل الأُولى على ما لو كان غرضه من الرَّجعة أن تكون في حِباله، وله فيها حاجة، ثمّ يبدو له أن يطلّقها، فلا حاجة حينئذٍ إلى المسّ ، ويصحّ طلاقه، وحمل الثانية على ما لو كان غرضه من الرَّجعة التطليقة الاُخرى إلى أن تبين منه، فلا يصحّ طلاقها بعد المراجعة حتّى يمسّها، وقد استشهد لهذا الجمع:

تارةً : بأنّ غرض الناس من المراجعة البينونة.0.

ص: 164


1- الكافي: ج 6/66 باب تفسير طلاق السُّنة ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/109 باب 2 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28142.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/46 ذيل ح 60.
3- منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 9/139.
4- شرائع الإسلام: ج 3/590.

وأُخرى : بخبر الحسن بن زياد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«لا ينبغي للرّجل أن يطلّق إمرأته ثمّ يراجعها، وليس له فيها حاجة ثمّ يطلّقها، فهذا الضرار الذي نَهى اللّه تعالى أن يطلّق ويراجع، وهو ينوي الإمساك»(1).

وثالثةً : بالمرويّ في تفسير قوله تعالى : (وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) عن الإمام الصادق عليه السلام:

«الرّجل يطلق حتّى إذا كادت أن يخلو أجلها راجعها ثُمّ طلّقها، يفعل ذلك ثلاث مرّات، فنهى اللّه تعالى عن ذلك»(2).

وفيه: إنّه أيضاً تبرّعيٌ ، والخبران لا يشهدان به، بل هما يدلّان على عدم جواز الرجوع والطلاق للإضرار، وأمّا أنّه يعتبر في مثل هذا الطلاق الجماع، فهما أجنبيّان عنه.

3 - ما عن جماعةٍ منهم الشهيد الثاني(3)، وسيّد «المدارك»(4)، وصاحب «الجواهر»(5): من حمل نصوص المنع على الكراهة، وأخبار الجواز على أصل الإباحة.

وفيه: إنّ هذا الجمع وإنْ كان يتمّ بالنسبة إلى صحيح ابن الحجّاج، وموثّق إسحاق، بل قوله في الموثّق بعد قول الإمام عليه السلام: «خالف السُّنة، قلت: فليس ينبغي0.

ص: 165


1- الفقيه: ج 3/501 باب طلاق العِدّة ح 4762، وسائل الشيعة: ج 22/171 باب 34 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28309.
2- الفقيه: ج 3/501 باب طلاق العِدّة ح 4761، وسائل الشيعة: ج 22/172 باب 34 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28310.
3- مسالك الأفهام: ج 9/141.
4- نهاية المرام: ج 2/58.
5- جواهر الكلام: ج 32/140.

لها... الخ»، يشهد به، فإنّه يظهر منه أنّ إسحاق فهم من قول الإمام عليه السلام: «خالف السُّنة» المستحبّ والأولى ، ولكنّه لا يتمّ بالنسبة إلى صحيح أبي بصير، إذ لو جمع بين قوله عليه السلام فيه: «لم يكن طلاقه لها طلاقاً» مع قوله عليه السلام في النصوص الاُولى:

«كانت التطليقة ثابتة» لا ريب في أنّ أهل العرف يرونهما متهافتين، ولا يكون أحدهما قرينة على الآخر الذي هو الملاك في كون الجمع عرفيّاً.

أقول: وعليه ما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله من أنّه لو لم يظهر الوجه في الجمع، لكان متعيّناً حذراً من إطراح أحدهما رأساً(1) غريبٌ ، فإنّه في الخبرين المتعارضين لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات، وطرح أحدهما لا الجمع التبرّعي.

وعليه، فالأظهر أنّهما متعارضتان، والترجيح مع الطائفة الأُولى، لأنّها المشهورة بين الأصحاب، ولموافقتها للكتاب الدالّ على جواز طلاق الزوجة مطلقاً، من غير اعتبار الجماع، وهذه زوجة بعد الرجوع، فلا إشكال في الحكم.

***2.

ص: 166


1- مسالك الأفهام: ج 9/142.

ويشترط في المُحلّل البلوغ.

المُحلّل وما يعتبر فيه

أقول: تمام الكلام في هذا الفصل يتحقّق بالبحث في مسائل:

المسألة الأُولى : قد عرفت سابقاً أنّه إذا وقعت الطلقات الثلاث مترتّبةً ، واجدةً لجميع شرائط الصحّة، أصبحت المطلَّقة محرّمةً على المطلِّق حتّى تنكِحَ زوجاً غيره، (و) إنّما الكلام في المقام فيما (يشترط في المُحلِّل)، والمعروف بين الأصحاب أنّه شروطٌ أربعة:

الشرط الأوّل: (البلوغ)، فلا يكفي غير المراهق من الصبيان الّذين لا يلتذّون بالنكاح، ولا يلتذّ بهم، قولاً واحداً بين المسلمين، فضلاً عن المؤمنين(1) كما في «الجواهر».

وأمّا المراهق للبلوغ، فالمشهور(2) بين الأصحاب شهرةً عظيمة عدم الاكتفاء به.

وعن الشيخ قدس سره في «المبسوط»(1)، و «الخلاف»(2)، والإسكافي(3)، والشهيد الثاني في «المسالك»(4): وقوع التحليل به لو وطئها.

واستدلّ للأوّل:

ص: 167


1- المبسوط: ج 5/109-110.
2- الخلاف: ج 4/504.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/390.
4- مسالك الأفهام: ج 9/165-166.

تارةً : بانصراف إطلاق قوله تعالى : (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (1) وما شابهها من النصوص، إلى الأفراد الشائعة المتعارفة، دون الأفراد النادرة، ولا ريب في أنّ نكاح غير البالغ من أندر الفروض النادرة كما قاله صاحب «الحدائق».

وأُخرى : بأنّ المعتبر في حصول التحليل ذوق العَسيلة من الجانبين كما في النصوص الآتية، وهو لا يتحقّق إلّافي البالغ:

إمّا لأنّ المراد به الإنزال.

أو لأنّ ذلك هو الفرد الكامل من لذّة الجِماع، كما في «الجواهر»(1).

وثالثةً : بظهور الكتاب والسُّنة في كون المُحلّل نكاحُ زوجٍ آخر مستقلّ بالعقد، خصوصاً أنّه وقد وقع في الآية بعد ذلك قوله: (فَإِنْ طَلَّقَها) (3)، ومن المعلوم أنّ الطلاق لا يصدر من غير البالغ كما فيها أيضاً.

ورابعةً : بأصالة بقاء الحُرمة.

وخامسةً : بمكاتبة عليّ بن الفضل الواسطي، قال:

«كتبتُ إلى الرّضا عليه السلام: رجلٌ طلّق إمرأته الطلاق الذي لا تَحِلّ له (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) فيتزوّجها غلامٌ لم يحتلم ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يبلغ.

فكتبتُ إليه: ما حَدّ البلوغ ؟ فقال عليه السلام: ما أوجب على المؤمنين الحدود»(2).

ولكن يَردُ على الأوّل: ما تكرّر منّا في هذا الشرح من أنّ الانصراف الناشيء من كثرة فردٍ، ونُدرةِ آخر لايصلحُ منشأً لتقييد الإطلاق.5.

ص: 168


1- جواهر الكلام: ج 32/159.
2- الكافي: ج 6/76 باب التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/130 باب 8 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28195.

والوطء.

ويرد على الثاني: ما سيجيءُ (1) من أنّ المراد بما ورد في الأخبار من (ذوق العَسيلة) هو لذّة الجماع، ولا وجه للحمل على إرادة الفرد الكامل كما ستعرف.

ويرد على الثالث: منع ظهور الكتاب والسُّنة في ذلك، فإنّهما تدلّان على أنّ الموجب لزوال الحرمة هو تزويج المطلَّقة زوجاً آخر، ولم ينسب الفعل إلى الزوج حتّى يُدعى ظهورهما في استقلاله فيه.

ويرد على الرابع: أنّه لا مورد للأصل مع وجود الدليل إمّا المطلق منه أو المقيّد.

أمّا الخامس: فهو متينٌ ولا يرد عليه ما أورده الشهيد الثانى(2) قدس سره من ضعفه(3)، لأنّه منجبرٌ بالعمل قطعاً.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

اعتبار الوطء في زوال الحرمة

(و) الشرط الثاني: (الوطء) إجماعاً من المسلمين(4)، عدا سعيد بن المسيّب(5)حيث اكتفى في ثبوت الحرمة بالعقد.

أقول: ويشهد به جملةٌ من النصوص:

ص: 169


1- يأتي في بحث: (اعتبار دوام العقد).
2- مسالك الأفهام: ج 9/166.
3- رجال الطوسي: ص 361 رقم 29.
4- مسالك الأفهام: ج 9/167، و جواهر الكلام: ج 32/160.
5- راجع المحلى لابن حزم: ج 10/178.

منها: خبر أبي حاتم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يطلّق إمرأته الطلاق الذي لا تَحِلّ له (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (1) ثمّ تزوّجها رجلٌ آخر ولم يدخل بها؟

قال عليه السلام: لا، حتّى يذوق عسيلتها»(2).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «في الرّجل يطلّق إمرأته تطليقة، ثمّ يُراجعها بعد انقضاء عِدّتها، فإذا طلّقها الثالثة لم تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوّجها غيره ولم يدخل بها، وطلّقها أو مات عنها، لم تَحِلّ لزوجها الأوّل حتّى يذوق الآخر عسيلتها»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عنه عليه السلام، قال: «من طلّق إمرأته ثلاثاً ولم يراجع حتّى تبين، فلا تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوّجت زوجاً ودخل بها حَلّت لزوجها الأوّل»(4).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المطلَّقة التطليقة الثالثة:

لا تَحِلّ له حتّى تنكِحَ زوجاً غيره، ويذوق عَسيلتها»(5).

ومنها: ا لنبويّ المشهورمن الجانبين: «لا، حتّيتذوقي عَسيلته، ويذوق عَسيلَتكِ »(6).7.

ص: 170


1- سورة البقرة: الآية 230.
2- الكافي: ج 5/425 باب تحليل المطلقة لزوجها ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/129 باب 7 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28191.
3- الكافي: ج 6/76 باب التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/113 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28151.
4- نوادر الأشعري: ص 111 ح 275، وسائل الشيعة: ج 22/129 باب 7 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28192.
5- الكافي: ج 6/76 باب التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/114 باب 3 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28152.
6- عوالي اللآلي: ج 2/144 ح 403، المستدرك: ج 15/328 باب 7 من أبواب أقسام الطلاق، ح 18400، الجامع الصحيح: ج 3/427.

قُبُلاً.

ونحوها غيرها.

وعليه، فلا إشكال في اعتبار الدخول، وإنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: هل يعتبر كون الوطء (قُبُلاً) أم يكفي الوطء دُبُراً؟

مقتضى إطلاق النصوص غير النبويّ الثاني ذلك، ولكن النبويّ باعتبار ما ورد فيه من قوله صلى الله عليه و آله: «حتّى تذوقي عَسيلته» ظاهرٌ في الوطء قُبُلاً كما لا يخفى .

المورد الثاني: هل يعتبر كون الوطء بحَدٍّ يكون موجباً للغُسل بغيبوبة الحَشَفة أو مقدارها من مقطوعها، أم لا يعتبر ذلك ؟

الظاهر اعتباره، لعدم ذوق العَسيلة من الجانبين بدون ذلك، ولأنّ ذلك مناط أحكام الوطء، والدخول في كلّ مقامٍ اعتبرا فيه، وظاهرهم الاتّفاق عليه.

المورد الثالث: هل يعتبر الإنزال أم لا؟

المشهور(1) بينهم عدم اعتباره، لإطلاق الأدلّة.

واستشكل جماعةٌ (2) في ذلك منهم صاحب «الجواهر»(3) نظراً إلى أنّ المعتبر - كما صرّح به في النصوص - ذوق العسيلة من الجانبين، والمراد به الإنزال، أو لذَّة الجِماع المحمول على إرادة الكامل الذي لا يحصل إلّابالإنزال.

وفيه: إنّ العَسيلة التي اُريد بها المعنى الكنائي، ليس المراد بها الإنزال، لأنّه1.

ص: 171


1- الحدائق الناضرة: ج 25/330.
2- كالبحراني في الحدائق الناضرة: ج 25/329-330.
3- جواهر الكلام: ج 32/160-161.

بالعقد الصحيح.

نُسب الذوق إلى عَسيلة الآخر، ومن المعلوم أنّ إنزال كلّ منهما يوجبُ التذاذ نفسه، لا التذاذ الآخر، وعليه فالمراد هو لذّة الجماع، أي حتّى يلتذّ كلّ منهما بجماع الآخر، وحمله على الفرد الكامل خلاف الإطلاق، بل خلاف ظاهر كلمة الذوق والتي تعني الاختبار، الظاهر في أنّه يكفي الذوق الذي هو في الأصل اختبار الطعام، ويعبّر عنه في اللّغة الفارسيّة ب (چشيدن)، ومن المعلوم أنّ هذا يحصل بدون الإنزال قطعاً.

مع أنّه لو سُلّم إجمال نصوص الذوق، فالمرجع هو إطلاق ما دلّ على الاكتفاء بالدخول من الآية وصحيح ابن قيس وغيرهما.

وبالجملة: فالأظهر عدم اعتبار الإنزال.

اعتبار دوام العقد

الشرط الثالث: أنْ يكون ذلك (بالعقد الصحيح)، فلا يكفي الوطء حراماً أو شبهةً ، ولو بالعقد الفاسد، بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه(1) كما في «الجواهر».

ويشهد به: - مضافاً إلى النصوص الآتية في عدم الاكتفاء بالعقد المنقطع، وإلى ما دلّ عليه الكتاب والسُّنة من اعتبار أن تنكِحَ زوجاً غيره، وهو لا يصدق في هذه الموارد قطعاً - حسن الفُضيل، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن رجلٍ زوّج عبده أمته، ثمّ طلّقها تطليقتين، يحِلّ له أن يراجعها إنْ أراد مولاها؟ قال: لا.

ص: 172


1- جواهر الكلام: ج 32/161.

الدائم.

قلت: أرأيتَ إنْ وطئها مولاها أيحلّ للعبد أن يراجعها؟

قال عليه السلام: حتّيتتزوّج زوجاًغيره، ويدخل بها، فيكون نكاحاً مثل نكاح الأوّل»(1).

ونحوه خبر عبد الملك(2)، وصحيح الحلبي(3).

الشرط الرابع: أنْ يكون بالعقد (الدائم)، فلا يكفي نكاح المتعة، ولا يحصل به التحليل اتّفاقاً، نصّاً وفتوىً كما في «الحدائق»(4)، بل الإجماع بقسميه عليه كما في «الجواهر»(5).

أقول: ويشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن رجلٍ طلّق إمرأته ثلاثاً، ثمّ تمتّع فيها رجلٌ آخر، هل تَحلّ للأوّل ؟

قال عليه السلام: لا»(6).

ومنها: موثّق هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج إمرأة ثمّ طلّقها فبانت منه، ثمّ تزوّجها رجلٌ آخر متعةً ، هل تَحِلّ لزوجها الأوّل ؟7.

ص: 173


1- التهذيب: ج 8/87 باب أحكام الطلاق ح 217، وسائل الشيعة: ج 22/166 باب 27 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28293.
2- التهذيب: ج 8/84 باب أحكام الطلاق ح 205، وسائل الشيعة: ج 22/165 باب 27 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28292.
3- نوادر الأشعري: ص 114 ح 285.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/330.
5- جواهر الكلام: ج 32/162.
6- الكافي: ج 5/425 باب تحليل الملطقة لزوجها ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/131 باب 9 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28197.

وكما يَهدمُ الثلاث يهدمُ ما دونها.

قال عليه السلام: لا، حتّى تدخل فيما خَرَجت منه»(1).

ومنها: خبر الصيقل، عنه عليه السلام، قال: «قلتُ له: رجلٌ طلّق إمرأته طلاقاً لا تَحِلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها رجلٌ متعةً ، أتحلّ للأوّل ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّ اللّه تعالى يقول: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها) والمتعة ليس فيها طلاق»(2).

ونحوها خبر الصيقل الآخر(3).

المُحلِّل يهدم الطلقة والثنتين كما يَهدمُ الثلاث

(و) هل المحلِّل (كما يَهدِمُ الثلاث، يَهدمُ ما دونها) على وجهٍ تكون المرأة لو رجعت إلى زوجها، كما إذا لم تكن مطلّقة، ولا يحسبُ تلك الطلقة أو الطلقتان أم لا؟ قولان:

المشهور(2) بين الأصحاب هو الأوّل.

وعن الشيخ في «الخلاف»(3)، نسبة الثاني إلى بعض أصحابنا المتأخّرين،

ص: 174


1- التهذيب: ج 8/33 باب أحكام الطلاق ح 21، وسائل الشيعة: ج 22/131 باب 9 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28198. (2و3) التهذيب: ج 8/34 باب أحكام الطلاق ح 22، الكافي: ج 5/425 باب تحليل المطلّقة لزوجها ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/132 باب 9 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28199.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/333.
3- الخلاف: ج 4/488-489 مسألة 59.

واختاره صاحب «الحدائق»(1).

وعن المصنّف في «التحرير»(2)، وسيّد «المدارك»(3)، والمحقّق السبزواري(4):

التردّد في المسألة.

أقول: في المسألة طائفتان من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على الهدم:

منها: موثّق رفاعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل طلّق إمرأته حتّى بانت منه، وانقضت عِدّتها ثمّ تزوّجت زوجاً آخر، فطلّقها أيضاً ثمّ تزوّجها زوجهاالأوّل، أيَهدم ذلك الطلاق الأوّل ؟ قال عليه السلام: نعم»(5).

ونحوه أخباره(6) الاُخر.

ومنها: خبر عبد اللّه بن عقيل، قال: «اختلف رجلان في قضيّةٍ إلى عليٍّ عليه السلام وعمر في إمرأةٍ طلّقها زوجها تطليقة أو اثنتين، فتزوّجها آخر فطلّقها أو مات عنها، فلمّا انقضت عِدّتها تزوّجها الأوّل ؟ فقال عمر: هي على ما بقي من الطّلاق.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: سُبحان اللّه! يهدم الثلاث ولا يهدم واحدة»(5).9.

ص: 175


1- الحدائق الناضرة: ج 25/333.
2- تحرير الأحكام: ج 2/57 (ط. ق).
3- نهاية المرام: ج 2/67-69.
4- كفاية الأحكام: ص 203. (5و6) الكافي: ج 6/77 باب ما يهدم الطلاق ح 3، التهذيب: ج 8/31 باب أحكام الطلاق، ح 11، نوادر الأشعري: ص 113، ح 283. وسائل الشيعة: ج 22/125 باب 6 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28177 و ص 128 ح 28189.
5- التهذيب: ج 8/34 باب أحكام الطلاق ح 25، وسائل الشيعة: ج 22/125 باب 6 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28179.

ومنها: موثّق إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سأله بعض أصحابنا وأنا حاضر: عن رجلٍ طلّق إمرأته تطليقة واحدة، ثمّ تركها حتّى بانت منه، ثُمّ تزوّجها الزوج الأوّل ؟

فقال عليه السلام: نكاحٌ جديد وطلاق جديد، وليس التطليقة الأُولى بشيء، هي عنده على ثلاث تطليقات مستأنفات»(1).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم الهدم، وهي نصوص كثيرة:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق إمرأته تطليقة واحدة، ثمّ تركها حتّى مضت عِدّتها فتزوّجت زوجاً غيره، ثمّ مات الرّجل أو طلّقها، فراجعها زوجها الأوّل ؟

قال عليه السلام: هي عنده على تطليقتين باقيتين»(2).

ومنها: صحيح عليّبن مهزيار، قال: «كتبَ عبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السلام:

روى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الرّجل يطلّق إمرأته على الكتاب والسُّنة، فتبين منه بواحدة، فتتزوّج زوجاً غيره، فيموت عنها أو يطلّقها، فترجع إلى زوجهاالأوّل، أنّهاتكون عنده على تطليقتين و واحدة قد مضت ؟ فكتب عليه السلام: صدِّقوا.

وروى بعضهم: أنّها تكون عنده على ثلاث مستقبلات، وأنّ تلك التي طلّقت ليست بشيء، لأنّها قد تزوّجت زوجاً غيره ؟

فوقّع عليه السلام بخطّه: لا»(3).4.

ص: 176


1- نوادر الأشعري: ص 114 ح 286، وسائل الشيعة: ج 22/128 باب 6 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28190.
2- التهذيب: ج 8/31 باب أحكام الطلاق ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/126 باب 6 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28182.
3- الكافي: ج 5/426 باب تحليل المطلّقة لزوجها ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/127 باب 6 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28184.

ومنها: صحيح منصور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في إمرأةٍ طلّقها زوجها واحدة أو اثنتين، ثمّ تركها حتّى تمضي عِدّتها، فتزوّجها غيره، فيموت أو يطلّقها، فيتزوّجها الأوّل ؟

قال عليه السلام: هي عنده على ما بقي من الطلاق»(1).

ونحوه صحيح ابن مسكان، عن محمّد الحلبي، عنه عليه السلام(2).

إلى غير ذلك من النصوص، وقد أنهاها في «الحدائق»(1) إلى سبعة.

وقد حَمل الشيخ(2) رحمه الله الطائفة الثانية على أنّ الزوج الثاني لم يدخل بها، أو كان تزوّجها متعةً ، أو لم يكن بالغاً، فإنّ في جميع هذه المواضع لا يحصل التحليل، كما تقدّم(3).

أقول: ولا يخفى بُعد الجميع كما صرّح به جمعٌ من الأساطين(4).

وعن «كشف اللّثام»: (وعندي أنّه لاتعارض بينهما، لاحتمال أنْ يُراد بما في بعضها من كونها عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت، أنّها تكون زوجة، ويجوز له الرجوع إليها بعد التطليقتين، فيفيد الهدم، وأنّ المراد بمضيّ الواحدة انهدامها)(5).

وفيه: أنّه لا يصحّ هذا الحمل في صحيح الحلبي وابن مهزيار راجعهما، بل وفي).

ص: 177


1- الحدائق الناضرة: ج 25/334-335.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/32 ذيل ح 16.
3- تقدّم في بحث (المحلّل وما يعتبر فيه) من هذا الجزء.
4- كما في مسالك الأفهام: ج 9/172، نهاية المرام: ج 2/68.
5- كشف اللّثام: ج 2/133 (ط. ق).

أكثرها، ولذلك قال صاحب «الحدائق»(1):

(إنّه يتعيّن تقديم عدم الهدم، لأنّ من المرجّحات عند التعارض الشهرة الروائيّة، وموافقة الكتاب، وموافقة الاحتياط، وأصحيّة السَّند، وكون القائل الإمام المتأخّر وجميع هذه في نصوص عدم الهدم، فإنّ أكثر روايات الهدم من رفاعة، وليس غيرها إلّاخبر عبد اللّه بن عقيل وهو مقطوعٌ ، فالراوي لروايات الهدم خصوص رفاعة، وأمّا روايات عدم الهدم فرواتها متعدّدون، ومقتضى إطلاق الآية الكريمة، الاحتياج إلى المحلِّل بعد الطلاق الثالث، سواءٌ تخلّل نكاح زوج غيره أم لا، وموافقتها للاحتياط وأصحيّة السند واضحة.

وأمّا كون القائل هو الإمام المتأخّر، فإنّ روايات الهدم مرويّة عن أبي عبداللّه عليه السلام، ومن روايات العدم صحيح عليّ بن مهزيار، وهو مرويٌّ عن أبي الحسن الهادي عليه السلام.

ثمّ أورد على نفسه: بأنّ روايات الهدم مخالفة للعامّة، فلابدّ من تقديمها.

وأجاب عنه أوّلاً: بعدم ثبوت ذلك.

وثانياً: بأنّ مخالفة العامّة إنّما تكون من المرجّحات بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، منها الشهرة، وصفات الراوي، وموافقة الكتاب.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّ ما ذكره من أنّ مخالفة العامّة من المرجّحات بعد فقد جملة من المرجّحات الاُخر، وإنْ كان حقّاً، لكنّه ينافي مسلكه من أوّل كتاب الطهارة إلى هنا حيث، أنّ بنائه على حمل النصوص التي لا معارض لها على التقيّة، إذا وافقت العامّة.1.

ص: 178


1- الحدائق الناضرة: ج 25/338-341.

وثانياً: أنّ ما ذكره من أنّ راوي روايات الهدم إنّما هو رفاعة خاصّة غير صحيح، لأنّ عبد اللّه بن عقيل يرويه عن أمير المؤمنين عليه السلام، وليس خبره مقطوعاً، وقد تقدّم رواية إسحاق بن جرير أيضاً.

وثالثاً: أنّ كون القائل الإمام المتأخّر من المرجّحات غَير ظاهر.

ورابعاً: أنّ الشهرة التي تكون أوّل المرجّحات، هي الشهرة الفتوائيّة لا الروائيّة، فإنّها التي توجب كون الخبر ممّا لا ريب فيه، وإلّا فالرواية التي يرويها الجميع ولا يعملون بها، فيها ريبٌ قطعاً.

ومن الواضح أنّ الشهرة الفتوائيّة على طبق روايات الهدم، فيتعيّن تقديم تلك الأخبار.

أضف إلى جميع ذلك: أنّ النصوص الكثيرة الصحيحة الّتي هي بمرآى من الفقهاء والأساطين ومسمعٍ منهم، إذا أعرضوا عنها تسقط عن الحجيّة قطعاً، فلا إشكال في أنّ المعتمد روايات الهدم.

***

ص: 179

حجيّة قول المرأة في التزويج ومضيّ العِدّة

أقول: بقي في المقام فروع، يجب التعرض لحكمها:

الفرع الأوّل: لا خلاف(1) بين الأصحاب في حصول التحليل بالذِّمي كالمسلم، لأنّهم لم يذكروا من شروط المحلِّل الإسلام، فلو كانت الزوجة كتابية والزوج مسلماً، بناءً على ما هو الحقّ من جواز تزويجها ابتداءً ، أو كان ذميّاً فأسلم بعد التزويج، وطلّقها ثلاثاً، ثمّ تزوّجها ذمّي، يحصل به التحليل، لإطلاق الأدلّة من الكتاب والسُّنة.

الفرع الثاني: المشهور(2) بين الأصحاب أنّه يُقبل قول المرأة إذا ادّعت أنّها تزوّجت ومضت العِدّة، وكان ذلك ممكناً في تلك المدّة، فيجوز للّزوج الأوّل تزويجها.

وفي «الجواهر»: (بل لا أجدٌ فيه خلافاً محقّقاً)(3).

أقول: واستدلّ له:

تارةً : بما عن «المبسوط»: من أنّ في جملة ذلك ما لا يعلم إلّامنها كالوطء وانقضاء العِدّة(4).

وأُخرى : بما في «الحدائق»: (من أنّه من القواعد المقرّرة عندهم قبول قول من لا منازع له)(5).

ص: 180


1- الحدائق الناضرة: ج 25/341.
2- مسالك الأفهام: ج 9/180.
3- جواهر الكلام: ج 32/173.
4- المبسوط: ج 32/173.
5- الحدائق الناضرة: ج 25/349.

وثالثة: بما عن الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»، حيث قال:

(ربما مات الزّوج أو تعذّر مصادفته لغيبته ونحوها، فلو لم يقبل منها ذلك، لزم الإضرار بها والحرج المنفيّين)(1).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لا يقتضي تصديقها في غيرهما كالتزويج والطلاق.

ويرد الثاني: أنّه لم تثبت تلك القاعدة بنحوٍ تشمل المقام، بل الثابت خلافها، ألا ترى أنّه لم يتوهّم أحدٌ قبول قول كلّ من يُخبر عن موضوعٍ من الموضوعات الخارجيّة المترتّبة عليها الأحكام، بل اعتبروا فيه كونه ثقةً ، بل والتعدّد، والمقام من هذا القبيل، فإنّها تَخبِرُ عن موضوعٍ متعلّق بالزوج الأوّل، وهو مكلّفٌ بتكليف تحريمي بالنسبة إليه، فلا وجه لقبول قولها.

نعم، بناءً على ما ذكرناه من حجيّة خبر الواحد الثقة في الموضوعات، في غير باب المرافعات، الأظهر قبول قولها إذا كانت ثقة، كما هو مفاد النّص الخاص الآتي.

ويرد على الثالث: عدم لزوم الضَّرر والحَرج من المنع عن تزويج شخص خاصّ إيّاها.

وعليه، فالحقّ ان يستدلّ له: - مضافاً إلى ما عرفت - بصحيح حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في رجل طلق إمرأته ثلاثاً فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقال لها: إنّي اُريد مراجعتك، فتزوّجي زوجاً غيري، فقالت له: قد تزوّجتُ زوجاً غيركَ ، وحلّلت لكَ نفسي، أيصدِّق قولها ويُراجعها وكيف يصنع ؟0.

ص: 181


1- مسالك الأفهام: ج 9/180.

قال عليه السلام: إذا كانت المرأة ثقة صُدِّقت في قولها»(1).

وهذا الخبر موافقٌ للقاعدة التي أشرنا إليها، وعليه فما في «الجواهر» من إلغاء الشرطيّة عن المفهوم، لأنّه لا مدخليّة لوثاقة المدّعي من حيث كونه كذلك في تصديقه(2)، غير تامّ .

ويشهد به أيضاً: النصوص الدالّة على تصديق النساء في عدم الزوج، أو خلوّها منه بموتٍ أو نحوه، كالصحيح المروي عن ميسر، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول لها: ألكِ زوج ؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟

قال عليه السلام: نعم، هي المصدِّقة على نفسها»(3).

ونحوه خبر أبان بن تغلب عنه عليه السلام(4).

أقول: وموردهما وإنْكان الإخبار عن عدم الزوج، إلّاأنّ مقتضى إطلاق الجواب:

«هي المُصدِّقة على نفسها» قبول قولها في التزويج أيضاً. وعليه، فما في «الجواهر»:

(من أنّ قبول قولها في الخلوّ من الزوج، لا يقتضي قبوله في حصول التزويج)(5).

في غير محلّه، لأنّ العبرة بعموم الجواب، لا بخصوص المورد، وهما صريحان في أنّها مُصدِّقة، وإنْ لم يعلم كونها ثقة، للتصريح في خبر أبان: «بأنّي لا آمنُ من أن4.

ص: 182


1- التهذيب: ج 8/34 باب أحكام الطلاق ح 24، وسائل الشيعة: ج 22/133 باب 11 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28203.
2- جواهر الكلام: ج 32/173 و 174.
3- الكافي: ج 5/462 باب أنّها مصدِّقة على نفسها ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/31 باب 10 من أبواب المتعة ح 26442.
4- الكافي: ج 5/462 باب أنّها مصدقة على نفسها ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/31 باب 10 من أبواب المتعة، ح 26442.
5- جواهر الكلام: ج 32/173 و 174.

تكون ذات بعل أو من العواهر»، فيُحمل صحيح حمّاد بقرينتهما على استحباب الاجتناب إنْ لم تكن ثقة.

الفرع الثالث: إذا عيّنت المُحلّل فكذّبها في أصل النكاح:

فعن الشهيدالثاني رحمه الله: (احتمال تصديقها في التحليل، وإنْ لم يثبت عليه موجبُ الزوجيّة، لوجود المقتضى لقبول قولها مع تكذيبه، وهو إمكان صدقها مع تعذّر إقامة البيّنة عليجميع ماتدّعيه، ومجرّد إنكاره لايمنع صدقهافي نفس الأمر وعدمه)(1).

وأورد عليه صاحب «الحدائق»: (بأنّ قبول قولها إنّما هو حيث لا معارض لها في دعواها، وإلّا كانت المسألة من قبيل مسألة المُدّعي والمنكِر، ويجبُ فيها ما يجبُ ثمة، وبعد ثبوت أحد الأمرين يترتّب عليه الحكم المناسب للمقام من التحليل وعدمه)(2).

وفيه: إنّ إعمال قواعد المُدّعي والمُنكِر إنّما هو بالنسبة إليها مع خصمها، لا بالنسبة إلى غيره، فلا ينافي ذلك قبول قولها بالنسبة إلى غير الخصم، فلا مانع من الاخذ بإطلاق النصوص، مع أنّ التكذيب أعمٌّ منه، إذ يمكن فرضه مع عدم الدعوى، بل كان ذلك مجرّد التكذيب لهما.

وعليه، فما أفاده الشهيد رحمه الله أظهر.

حكم اختلاف المُحلّل والمراة في الإصابة وعدمها

الفرع الرابع: إذا اتّفق المُحلّل والمراة على الإصابة بعد دخول المُحلّل، فلا كلام في أنّها تَحلّ للّزوج الأوّل.

ص: 183


1- مسالك الأفهام: ج 9/181.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/353. والعبارة منقولة بتصرّف واختصار.

وإنْ كَذّبها:

فعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(1): أنّه يعمل الأوّل بما يغلب على ظنّه من صدقها أو صدق المُحلِّل.

واستدلّ له: بأنّ الفرض تعذّر البيّنة، والظنّ مناط الأحكام الشرعيّة غالباً، فيرجع إليه.

وفيه: أنّه لا دليل على حجيّة الظنّ ، خصوصاً في الموضوعات، فهو لا يُغني من الحقّ شيئاً.

وفي «الشرائع»: (ولو قيل يعمل بقولها على كلّ حال، كان حَسَناً، لتعذّر إقامة البيّنة بما تدّعيه)(2).

وعن «القواعد»(3): أنّه الأقرب.

وعن «المسالك»(4): أنّه الأقوى .

وأورد عليهم صاحب «الحدائق»(5): بما ذكره في الفرع السابق.

والجوابُ عنه ما عرفت.

وأورد عليهم صاحب «الجواهر» رحمه الله: (بأنّ كلّاً منهما يؤتمن عليه، ولذا يصدّق كلٌّ منهما فيه مع عدم معارضة الآخر، ومع التعارض يُشكل ترجيح أحدهما على4.

ص: 184


1- المبسوط: ج 5/111 قوله: (وأنْ قال الزوج الثاني ما أصبتها، فإنْ غلب على ظنّه صدقها قبل قوله، وإنْ غلب كذبها تجنّبها وليس بحرام). انتهى .
2- شرائع الإسلام: ج 3/594.
3- قواعد الأحكام: ج 3/137.
4- مسالك الأفهام: ج 9/182.
5- الحدائق الناضرة: ج 25/354.

الاخر من دون مرجِّح)(1).

وفيه: أنّ مقتضى إطلاق النصوص قبول قولها في حصول التحليل، وهذا لا ينافي عدم قبول قولها في وجوب تمام المَهر على الثاني، فليكن في ذلك القول قول المُحلّل.

فإنْ قيل: إنّ النصوص غير متعرّضة لتصديقها في دعوى الوطء.

قلنا أوّلاً: إنّ مقتضى إطلاق قوله: «هي المصدِّقة على نفسها» ذلك.

وثانياً: أنّه يستفاد قبول قولها في ذلك ممّا دلّ على قبول قولها في شرطه، وهو انقضاء العِدّة وسببه، وهو الزوجيّة.

مع أنّه يمكن أنْ يقال: مع فرض خلائه بها يشمله النصوص(2) الدالّة على أنّ خلائه بها دخولٌ ، الموجب لثبوت تمام المَهر، كما مرَّ في محلّه(3).

حكم وطء المحلّل محرّماً

الفرع الخامس: لو وطئها المُحلّل وطأً محرّماً شرعاً، كالوطء في حال الإحرام، أو في الصوم الواجب، أو في حال الحيض، فهل يحصل التحليل كما هو المشهور(4)بين الأصحاب، أم لا كما عن الشيخ(5) وابن الجُنيد(6)؟ وجهان:

ص: 185


1- جواهر الكلام: ج 32/176.
2- وسائل الشيعة: ج 21/321-324 باب 55 من أبواب المهور.
3- فقه الصادق: ج 33/112.
4- جواهر الكلام: ج 32/177.
5- المبسوط: ج 5/110.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/387.

أظهرهما الأوّل، لأنّه لم يعلّق الحليّة إلّاعلى العقد الدائم الصحيح والدخول، وأمّا اعتبار حليّة الدخول وجوازه، فلا يدلّ عليه دليل، ومقتضى إطلاق الأدلّة عدم اعتبارها.

واستدلّ لما ذهب إليه الشيخ رحمه الله:

1 - بأنّ التحريم معلومٌ ، ولا دليل على أنّ هذا الوطء مُحلِّلٌ .

2 - وبنصوص(1) ذوق عسيلتها، لأنّها ظاهرة في الذوق المباح، لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لا يُبيح المُحرَّم.

3 - وبأنّه محرّمٌ عليه هذا الوطء، والنهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه.

4 - وبأنّ الإباحة تعلّقت بشرطي النكاح والوطء، ثمّ إنّ النكاح إنْ كان محرّماً لا يُحلّل للأوّل، وكذلك الوطء.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ إطلاق الأدلّة يدلّ على كونه محلِّلاً.

وأمّا الثاني: فلأنّا لا ندّعي إباحة ذلك الوطء حتّى يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لا يُبيح المُحرَّم، بل ندّعي أنّه حرامٌ محلّل للّزوجة على الزوج الأوّل، وتلك النصوص لا تتضمّن الأمر بذوق العسيلة كي يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لا يأمر بالمُحرّم، بل متضمّنة لحكمٍ وضعي، وهو الحليّة على فرض ذوق العسيلة، وترتّب أحكام وضعيّة على أفعال محرّمة كإيقاب الغلام بالنسبة إلى حرمة اُمّه وغيرها، والزِّنا بالنسبة إلى بعض من ينتسب بها، وما شاكل غير عزيز.ق.

ص: 186


1- وسائل الشيعة: ج 22/129-130 باب 7 من أبواب أقسام الطلاق.

وأمّا الثالث: فلأنّ النهي لا يدلّ على الفساد في غير العبادات.

وأمّا الرابع: فلمنع اعتبار جواز النكاح تكليفاً، بل المعتبر صحّته لا إباحته، مع أنّ إسراء ذلك لو ثبت فيه إلى الوطء قياسٌ لا نقول به.

وبالجملة: فالأظهر أنّه موجبٌ لحصول الحليّة.

وأولى من ذلك في حصول الحليّة ما لو وطئها في ضيق وقت الصلاة، فإنّه حينئذٍ لا يكون منهيّاً عنه، وعلى فرضه يكون نهياً عرضيّاً لا استقلاليّاً.

***

ص: 187

الرَّجعة تقع بالقول والفعل

المسألة الثانية: في الرَّجعة:

وهي بفتح الرّاء أفصح، ولغةً (1) المرّة من الرجوع، واصطلاحاً رَدّ المرأة إلى النكاح السابق.

أقول: ولا خلاف(2) بين المسلمين في مشروعيّتها، ويشهد بها:

من الكتاب:

1 - قوله تعالى : (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) (3) أي بردهنّ إلى النكاح، والرَّجعة فيهن إنْ أرادوا بها الإصلاح، لا المضارّة بهنّ .

2 - وقوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (4)، والإمساك بالمعروف الرَّجعة، وحُسن المعاشرة، والتسريح بإحسان التطليقة الثالثة بعد المراجعة كما في الخبر.

3 - وقوله تعالى: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) (5) أي قاربن بلوغ الأجل (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) (6) أي راجعوهنّ بقصد المعاشرة بالمعروف، (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ ) (7) أي خلوهنّ حتّى تنقضي عدّتهن، (لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) (8) أي لا تراجعوهنّ بقصد الإضرار بهنّ من غير رغبة فيهنّ ، ففي خبر الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

ص: 188


1- كتاب العين: ج 1/225 مادّة (رجع)، لسان العرب: ج 8/114 مادّة (رجع).
2- جواهر الكلام: ج 32/179.
3- سورة البقرة: الآية 228. (4و6) سورة البقرة: الآية 229. (5و7و8) سورة البقرة: الآية 231.

وتصحّ الرَّجعةُ نطقاً.

«عن قوله تعالى: (وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ...) الخ.

قال عليه السلام: الرّجل يطلّق حتّى إذا كادت أن يخلو أجلها راجعها، ثمّ طلّقها يفعل ذلك ثلاث مرّات، فنهى اللّه عزّ وجلّ عن ذلك»(1).

ونحوه خبر الفضلاء عن الإمامين الصادقين عليهما السلام(2).

وأمّا النصوص الدالّة عليها: فهي مستفيضة، بل متواترة معنىً ، سيأتي جملة منها.

أقول: وتمام الكلام في هذه المسألة بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: لا إشكال (و) لا خلاف في أنّه (تصحّ الرَّجعة نطقاً) كقوله:

(راجَعتُكِ ) و (ارتجعتكِ مطلقاً) أو مع إضافة قوله: (إلى نكاحي) ونحو ذلك من الألفاظ الدالّة على إنشاء المعنى المزبور بأنفسها، أو مع القرائن، كانت الدّلالة بالصراحة أو بالكناية على حسب غيرها من المعاني التي يُراد إبرازها بالألفاظ الدالّة عليها.

ويعتبر فيها قصد المعنى ، وإلّا فلو تلفّظ بأحد هذه الألفاظ سهواً أو غلطاً أو في حال النوم وما شاكل، لا يتحقّق الرَّجعة، لأنّها من الاُمور الاعتباريّة والمنشآت، سواءٌ أكانت من قبيل الإيقاع وأقسامه أم من حقوق المطلِّق، فلا معنى لتحقّقها بدون القصد.1.

ص: 189


1- الفقيه: ج 3/501 باب طلاق العِدّة ح 4761، وسائل الشيعة: ج 22/172 باب 34 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28310.
2- تفسير العيّاشي: ج 1/119 ح 377، وسائل الشيعة: ج 22 / باب 34 من أبواب أقسام الطلاق ح 28311.

وفعلاً.

وعليه، فما عن «الروضة» بعد ذكر الألفاظ الصريحة: (من أنّه لا يفتقر إلى نيّة الرَّجعة، لصراحة الألفاظ)(1) أُريد به أنّه لا يحتاج إلى أزيد من قصد مدلول اللّفظ الصريح، ولذا قال بعد ذلك: (وقيل يفتقرُ إليها في الأخيرين، أي رددتكِ وأمسكتكِ ، لاحتمالهما غيرها كالإمساك باليد وفي البيت ونحوه) وهو حسنٌ .

أقول: (و) كذا لا خلاف(2) في أنّها تصحّ (فعلاً) كالوطء والتقبيل واللَّمس بشهوة، أو بدونها، ونحو تلكم، إنّما الخلاف في أنّه هل يعتبر في حصولها بالفعل قصد الرَّجعة، فلا عبرة به سهواً أو غفلةً أو مع قصد عدم الرَّجعة، أو مع عدم قصد الرَّجعة كما في «الرياض»(3)، و «الحدائق»(4)؟

أم لايعتبرذلك، كماعن ظاهرالمصنّف رحمه الله في «القواعد»(5)، والمحقّق في «الشرائع»(6)؟

وعن صريح «التحرير»(7): أنّه لا حاجة إلى نيّة الرَّجعة، إذا تحقّق القصد إلى الفعل بالمطلَّقة، وإنْ كان ذاهلاً عن الرَّجعة.

بل عن «كشف اللّثام»(8): احتمال ذلك حتّى مع نيّة خلافها.).

ص: 190


1- الروضية البهيّة: ج 6/49.
2- جواهر الكلام: ج 32/180 قوله: (لا خلاف بيننا... بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن بعض العامّة موافقتنا عليه).
3- رياض المسائل: ج 11/106 (ط. ج).
4- الحدائق الناضرة: ج 25/357.
5- قواعد الأحكام: ج 3/133.
6- شرائع الإسلام: ج 3/594.
7- تحرير الأحكام: ج 2/55 (ط. ق).
8- كشف اللّثام: ج 2/131 (ط. ق).

أقول: مقتضى القاعدة هو اعتبار قصد الرجوع، لأنّ الرجوع أمرٌ وجودي اعتباري يؤثّر في رفع أثر الطلاق، ولا معنى لتحقّقه من دون قصد.

وقد استدلّ لعدم اعتباره:

تارةً : بأنّها ما دامت في العِدّة زوجة، كما في النّص الآتي، فله أن يفعل بها ما شاء، وإنْ لم يقصد الرجوع، فالأفعال بأنفسها رجوعٌ ، وإنْ لم يقصد بها ذلك لا دلالة عليه كما في «الجواهر».

وأُخرى : بإطلاق النّص، وهو صحيح محمّد بن القاسم، قال:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من غَشي إمرأته بعد انقضاء العِدّة جُلد الحَدّ، وإنْ غشيها قبل انقضاء العِدّة كان غشيانه إيّاها رجعةً لها»(1).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ غاية ما يثبت بما اُفيد إباحة الأفعال من قبيل الوطء وغيره، لا كونها رجوعاً مانعاً عن تأثير الطلاق في البينونة بمضيّ العِدّة.

وأمّا النّص: فهو يدلّ على ذلك، إلّاأنّه مختصٌّ بالوطء، ويدلّ على أنّه بدون قصد الرجوع رجعة، والتعدّي إلى غيره من الأفعال يتوقّف على وجود دليل.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يتمسّك بعدم القول بالفصل.

ويمكن أنْ يقال: إنّ حقيقة الرجوع الذي جُعل موضوعاً للحُكم، لها معنى عام شامل لإنشاء العود إلى النكاح، أو ترتيب أثرٍ من آثار الزوجيّة، فيكون الوطءمثلاً بنفسه رجوعاً، لأنّه أثرٌ من آثار الزوجيّة.

وعليه، فكلّ فعلٍ من الأفعال التي يكون جوازها معلّقاً على الزوجيّة، إذا7.

ص: 191


1- التهذيب: ج 10/25 باب حدود الزِّنا ح 74، وسائل الشيعة: ج 28/131 باب 28 من أبواب حَدّ الزِّنا، ح 34397.

وجد عن قصدٍ إلى ذلك الفعل، لا ما لو صَدَر بلا قصدٍ، أو بظنّ أنّها غير المطلّقة، يكون بنفسه مصداقاً للرجوع، لا أنّه دالٌّ عليه.

إلّا أنْيقال: إنّ المتيقّن من الرجوع الموضوع للأحكام رَدّ النكاح وفسخ الطلاق.

وعلى كلّ حالٍ ، الوطء بنفسه رجوعٌ مطلقاً.

أقول: وبذلك يظهر ما في ما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله من أنّه:

(لو وقع الوطءُ بقصد عدم الرجوع، أو مع عدم قصد الرجوع، فعل حراماً، لانفساخ النكاح بالطلاق، وإنْ كان رجعيّاً؛ لأنّ فائدة الرجعي جواز الرجوع فيه، لابقائه بحاله، وإلّا لم تبن بانقضاء العِدّة.

إلى أنْ قال: ثمّ إنْ لم يراجعها فعليه مَهر المثل، لظهور أنّها بانت بالطلاق)(1).

فإنّه يرد عليه أوّلاً: أنّ النّص دلّ على أنّ الوطء بنفسه رجعة، فلايكون حراماً، ولا موجباً لثبوت مَهر المثل.

وثانياً: أنّه في خبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «هي إمرأته ما لم تنقض العِدّة»(2) ونحوه غيره، تدلّ على جواز ترتيب آثار الزوجيّة منها الوطء، كما أنّ بقيّة أحكام الزوجيّة مترتّبة عليها ما دامت في العِدّة، كوجوب النفقة، والسُكنى، وعدم جواز تزويج اُختها، وعدم جواز تزويج الخامسة إنْ كانت هي إحدى الأربع، وثبوت الرجم إنْ زنت، وما شاكلّ من الأحكام.

وبالجملة: دلّت النصوص على أنّها زوجة ما لم ينقض العِدّة، وأنّ بانقضائها تبين، فلا يكون وطئها حراماً، ولا موجباً لثبوت مَهر المثل.0.

ص: 192


1- مسالك الأفهام: ج 9/185-186 والعبارة منقولة بتصرّف.
2- الكافي: ج 6/73 باب الإشهاد على الرَّجعة ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/135 باب 13 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28210.

إنكار الطلاق رجوعٌ

الجهة الثانية: المشهور(1) بين الأصحاب أنّه لو أنكر الزوج الطلاق في العِدّة، كان ذلك رجعةً ، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع(2) عليه.

واستدلّ له المحقّق رحمه الله في «الشرائع»: (بأنّه يتضمّن التمسّك بالزوجيّة)(3).

وعن الشهيد الثاني رحمه الله الاستدلال له: (بأنّه أبلغ من الرَّجعة بألفاظها المشتقّة منها، لدلالتها على رفعه في غير الماضي، ودلالة الإنكار على رفعه مطلقاً)(4).

وأُورد عليهما: بأنّ الرَّجعة مترتّبة على الطلاق وتابعة له، وإنكاره يقتضي إنكار التابع، فلا يكون رجعة، وإلّا لكان الشيء سبباً للنقيضين.

وفيه: إنّ حقيقة الرجوع إنّما هي التمسّك بالزوجيّة وقصد إبقائها، وهي كما تتحقّق بإنشاء الرجوع وبفسخ الطلاق، وإيجاد المانع عن تأثيره، كذلك تتحقّق بدعوى أنّها زوجته، وإنكار الطلاق معناه ذلك، فليس الرجوع مطلقاً تابعاً للطلاق، فلا يكون إنكاره إنكار الرجوع بل هو مصداق الرجوع.

أقول: ويشهد للحكم - مضافاً إلى ذلك - صحيح أبي ولّاد، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سألته عن إمرأةٍ ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العِدّة طلاقاً صحيحاً، يعني على طُهرٍ من غير جماع، وأشهد لها شهوداً على ذلك، ثمّ أنكر الزوج بعد ذلك ؟

ص: 193


1- مسالك الأفهام: ج 9/186 و 187.
2- جواهر الكلام: ج 32/182.
3- شرائع الإسلام: ج 3/594.
4- مسالك الأفهام: ج 9/186 و 187.

ولا يجبُ فيها الإشهاد.

فقال عليه السلام: إنْ كان إنكاره الطلاق قبل انقضاء العِدّة، فإنّ إنكاره للطلاق رجعة لها، وإنْ كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العِدّة، فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود، بعد أن تستحلف أنّ إنكار الطلاق بعد انقضاء العِدّة، وهو خاطبٌ من الخطّاب»(1).

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النّص، بل ما ذكرناه من أنّ إنكار الطلاق لكونه تمسّكاً بالزوجيّة يعدّ بنفسه رجعة، أنّه يحصل الرَّجعة به ولو مع ظهوره أنّ الباعث عليه عدم التفطّن إلى وقوع المنكر، ولو ذكره لم يرجع.

وعليه، فما قاله صاحب «الرياض»: (من أنّه مشكلٌ للقطع بعدم قصد الرَّجعة حينئذٍ، وهو معتبرٌ إجماعاً، وتنزيلُ النّص على ذلك بعيد، لبعد شموله لمثل ذلك)(2).

غير تامّ ، لأنّ قصد بقاء الزوجيّة قصدٌ للرجوع، لما عرفت من أنّ حقيقته قصد إبقاء الزوجيّة.

لا يجب الإشهاد في الرَّجعة

الجهة الثالثة: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (لا يجب فيها الإشهاد) بل هو مستحبٌّ ، لدلالة جملةٍ من النصوص عليه:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الذي يراجع ولم يشهد؟

ص: 194


1- الكافي: ج 6/74 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/136 باب 14 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28211.
2- رياض المسائل: ج 11/108 (ط. ج).

قال عليه السلام: يشهدُ أحبّ إليَّ ، ولا أرى بالذي صنع بأساً»(1).

ومنها: صحيح الفاضلين زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إنّ الطلاق لا يكون بغير شهود، وأنّ الرَّجعة بغير شهودٍ رجعة، ولكن ليشهد بعدُ فهو أفضل»(2).

ونحوهما غيرهم.

في كيفيّة رجوع الأخرس

الجهة الرابعة: رجعة الأخرس بالفعل وبالإشارة الدالّة على المراجعة، كما في غيره، وفيه في سائر عقوده وإيقاعاته.

وما قيل من أنّ الصدوقين(3) ذهبا إلى اختصاص ذلك بأخذ القناع عن رأسها، واضحُ الفساد، لعدم دليلٍ عليه.

وما في «النافع»: (وفي روايةٍ يأخذ القناع)(4).

مضافاً إلى عدم عثور الأساطين عليها(5)، يرد عليه أنّها لا تدلّ على الحصر، فلا تنافي مع إطلاق الأدلّة.

ص: 195


1- الكافي: ج 6/72 باب الإشهاد على الرَّجعة ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/134 باب 13 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28206.
2- الكافي: ج 6/73 باب الإشهاد على الرَّجعة ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/134 باب 13 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28207.
3- فقه الرّضا عليه السلام: ص 248، وذكره في الفقيه: ج 3/515 باب طلاق الأخرس ذيل ح 4806، المقنع: ص 353.
4- المختصر النافع: ص 199.
5- عدا ما ورد في رسالة ابن بابويه إلى ولده: (إذا أراد مراجعتها كشف القناع عنها يرى أنّها قد حَلّت)، ونحو ذلك في كتاب المقنع لابنه.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

الجهة الخامسة: نسب الشهيد الثاني(1) إلى الشيخ(2) وأتباعه(3)، والمتأخّرين(4)أنّه أنْ قال: (راجعتكِ إذا شئتِ ) أو (إنْ شئتِ ) لم يصحّ ، ولو قال: (شئتُ ) وفي «الشرائع»(5) فيه تردّد.

أقول: ولكن حيث عرفت في الطلاق وفي النكاح أنّه لا دليل على مبطليّة التعليق للعقود والإيقاعات إلّاالإجماع والنّص في بعض الموارد:

والمتيقّن من الإجماع غير الرَّجعة الّتي لا يعتبر فيها سوى التمسّك بالزوجيّة، ولا يشترط فيها الإنشاء والإيقاع.

وأمّا النّص فمفقودٌ فيها.

وعليه، فالأظهر هو الصحّة.

الجهة السادسة: ولو طلّقها رِجعيّاً ثمّ راجعها في الإحرام جاز، لأنّ الزوجة لم تخرج عن زوجيّته بالطلاق، فالرجوع لا يكون ابتداء النكاح كي لا يجوز في حال الإحرام.

الجهة السابعة: ولو طلّقها رِجعيّاً فارتدّت فراجع.

المشهور(6) بين الأصحاب: عدم صحّة الرَّجعة.0.

ص: 196


1- مسالك الأفهام: ج 9/189.
2- المبسوط: ج 5/106.
3- كما في المهذّب: ج 2/294، وإصباح الشيعة: ص 454.
4- كما في قواعد الأحكام: ج 3/134، وإيضاح الفوائد: ج 3/325.
5- شرائع الإسلام: ج 3/594.
6- الحدائق الناضرة: ج 25/360.

وتردّد فيها المصنّف(1) رحمه الله، والمحقّق(2) وغيرهما(3).

وعن «المسالك»: (بناء المسألة على أنّ الطلاق رافعٌ لحكم الزوجيّة رفعاً متزلزلاً يستقرّ بانقضاء العِدّة، أو أنّ خروج العِدّة تمام السبب في زوال الزوجيّة)(4).

وتحقيق القول: إنّه بعدما عرفت في هذا المبحث من أنّ المطلَّقة لا تخرجُ عن حبال الزوج بالطلاق، بل الجزء الأخير للسبب هو انقضاء العِدّة، وأنّ الرجوع ليس تجديداً للنكاح، بل هو مانعٌ عن تأثير الطلاق في البينونة.

وبعدما عرفت في مبحث ارتداد الزوجة أنّها إنّما تخرج بالارتداد عن الزوجيّة، إذا لم تُسْلم في العِدّة، وإلّا فلا تخرج به عنها.

فلابدَّ من البناء على صحّة الرجوع مراعاة بالإسلام، فإنْ أسلَمَت صحّت الرَّجعة، وإلّا انكشف عدم صحّتها، كما لا يخفى .

أقول: وبذلك يظهر حكم ما لو فُرض ارتداد الزوج عن ملّةٍ .

ولعلّما عن «القواعد» من: (أنّ الأقرب جوازالرجوع)(5) يرجعُ إلى ماذكرناه، وإلّا فمع عدم إسلامه أو إسلامها في العِدّة، يظهر مصادفة الرَّجعة محلّاً غير قابلٍ للرجوع، لانفساخ النكاح الكامل فضلاًعن عُلقته، ولذا تَبين منه لو لم تكن مطلّقة.

ودليل صحّة الرجوع إنّما يدلّ عليها مع انحصار سبب الفسخ في الطلاق، لا مع فرض حصول سببٍ آخر له، واللّه العالم.5.

ص: 197


1- قواعد الأحكام: ج 3/134 و 135.
2- شرائع الإسلام: ج 3/598.
3- كما في إيضاح الفوائد: ج 3/326.
4- مسالك الأفهام: ج 9/189-190.
5- قواعد الأحكام: ج 3/134 و 135.

ويُقبل قولُ المرأة في انقضاء العِدّة بالحيض.

قبول قول المرأة بانقضاء العِدّة

الجهة الثامنة: (و) المعروف بين الأصحاب(1) أنّه (يُقبل قول المرأة في انقضاء العِدّة بالحيض) في زمانٍ يمكن فيه ذلك، وأقلّه ستّة وعشرون يوماً ولحظتان:

إحداهما: بعد وقوع الطلاق.

والاُخرى : للخروج عن العِدّة، أو لتحقّق الطُّهر الثالث.

وتصوير ذلك: أنْ يُطلّق وقد بقي من الطُّهر لحظة، ثمّ تحيض أقلّ الحيض ثلاثة أيّام، ثمّ تَطهُر أقلّ الطُّهر عشرة أيّام، ثمّ تحيض أقلّ الحيض، ثمّ تطهُر عشرة أيّام ثمّ تحيض، وقد يتّفق الأقلّ نادراً بثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات، بأن يطلّقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس المعدود بحيضةٍ ، ولا حَدّ لأقلّه بلحظة، ثمّ تَطهُر عشرة، ثمّ تحيض ثلاثة، ثمّ تطهُر عشرة، ثمّ ترى الحيض لحظة.

أقول: ويشهد لقبول قولها فيه:

1 - صحيح زرارة أو حسنه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «الحيض والعِدّة للنساء إذا ادّعت صُدِّقت»(2).

ص: 198


1- كما في مسالك الأفهام: ج 9/194، وفي نهاية المرام: ج 2/74 وقال فيه (... وهذا الحكم مقطوعٌ به في كلام الأصحاب).
2- الكافي: ج 6/101 باب أنّ النساء يصدّقن في العِدّة ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/222 باب 24 من أبواب العدد، ح 28439.

2 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «العِدّة والحيض إلى النساء»(1).

3 - وخبر الطبرسي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في قوله تعالى: (وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اَللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) ؟

قال: قد فوّض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض، والطُّهر، والحَمل»(2).

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص، عدم الفرق بين دعوى المعتادة وغيرها، وبين المتّهمة وغيرها.

وعن الشهيد رحمه الله في اللّمعة: (عدم قبول دعوى غير المعتادة من المرأة إلّا بشهادة أربع نساء مطّلعات على باطن أمرها)(3).

وفي «الجواهر»(4): (ولم نعثر إلّاعلى المرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في إمرأةٍ ادّعت أنّها حاضت في شهر واحدٍ ثلاث حيض: «أنّه يسأل نسوة عن بطانتها هل كان حيضها فيما مضى على ما ادّعت، فإنْ شَهِدنَ صُدِّقت وإلّا فهي كاذبة»).

وفيه: أنّه ليس مرسلاً، بل رواه(5) الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وليس في السند من يتوقّف فيه سوى السكوني والنوفلي، وقد ذكرنا في هذا الشرح8.

ص: 199


1- التهذيب: ج 1/398 باب الحيض والاستحاضة ج 66، وسائل الشيعة: ج 2/358 باب 47 من أبواب الحيض، ح 2358.
2- مجمع البيان: ج 2/326، وسائل الشيعة: ج 22/222 باب 24 من أبواب العدد، ح 28440.
3- اللّمعة الدمشقيّة: ص 181.
4- جواهر الكلام: ج 32/191-192.
5- التهذيب: ج 6/271 باب البيّنات ح 138.

فيما تقدّم أنّهما موثّقان، فالرواية مسندة معتبرة.

وبه يظهر أنّ ما في «الرياض»(1) وعن «المسالك»(2): من أنّها ضعيفة السند، في غير محلّه.

وفي «الحدائق»: (أنّها معارضة بما هو أكثر عدداً، وأصحّ سنداً، وأصرح دلالة، فيتعيّن حملها على المتّهمة)(3).

وفيه: أنّه لا تعارض بينهما، فإنّ هذا الخبر أخصّ من ما تقدّم، فلا يلاحظ المرجّحات، بل يقدّم هذا.

ودعوى أصرحيّة الدلالة، غير ظاهرة.

وعن الشيخ في كتابي الأخبار(4): حمله على المتَّهمة جمعاً بين الأخبار.

ولكنّه تبرّعيٌ ، بل مقتضى حمل المطلق على المقيّد، تقديم الخبر على تلك النصوص، وتقييد إطلاقها به، كما فعله الشهيد رحمه الله.

فإنْ قيل: إنّه ليس في الخبر تصريحٌ بأربع نساء.

قلنا: إنّه متضمّنٌ لتكليف نسوة من بطانتها، وأقلّ الجمع ثلاثة، وحيثُ أنّه في باب الشهادة لم نرَ مورداً اكتفى فيه بثلاث نساء، فيقال باعتبار الأربع.

أقول: ولكن الذي يوجبُ التوقّف في الحكم، إعراض الأصحاب عن هذا الخبر، وعدم عملهم به، حتّى قال سيّد «المدارك»: (إنّ العموم مقطوعٌ به في كلام2.

ص: 200


1- رياض المسائل: ج 11/110 (ط. ج).
2- مسالك الأفهام: ج 9/194-195.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/364.
4- تهذيب الأحكام: ج 8/166 ذيل ح 175، والاستبصار: ج 3/357 باب أنّ العِدّة والحيض إلى النساء ويقبل قولهنّ فيه، ذيل ح 2.

الأصحاب، ولذلك لا بأس بحمل الخبر على الاستحباب والأولويّة)(1) فللحاكم أن يحكم بما تدّعيه وإنْ كانت غير معتادة، وله أن يستظهر بطلب نسوة يشهدن لها بذلك، وإنْ كان ميزانه الحكم لها مع فرض عدم من يشهد لها، بل ومع من يشهد بأنّ عادتها على خلاف ما ذكرت، لإمكان اختلاف العادة.

وأيضاً: لا فرق في قبول دعواها بين أنْ يكون لها مقابلٌ ورادٌ لدعواها، وبين ما لو لم يكن، لأنّ مقتضى إطلاق النصوص قبول دعواها مطلقاً.

أقول: ويمكن أن يُخصّص الحكم بغير المتّهمة، لعموم العلّة في النصوص(2)الدالّة على أنّه لو خلا الرّجل بالمرأة، وادّعت عدم الوطء لا يقبل قولها إذا كانت متّهمة، بأنّها تريد أن تدفع العِدّة عن نفسها.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّها في موردٍ يكون قولها خلاف الظاهر، لا مطلقاً، وليس دعواها فيه انقضاء العِدّة، بل عدم الدخول، وعدم سماع قولها في ذلك الباب لا يُلازم عدم سماعه في هذا الباب.

وأيضاً: لو ادّعت انقضاء العِدّة بالأشهر، ولم يكن تاريخ الطلاق معلوماً ليرجع إلى الحساب.

فقد صرّح جماعة منهم المحقّق في «الشرائع»(3)، والشهيد الثاني(4) وغيرهما(5):

بأنّه لا يُقبل قولها، وكان القول قول الزوج.5.

ص: 201


1- نهاية المرام: ج 2/74. والعبارة منقولة باختصار.
2- وسائل الشيعة: ج 21/321-324 باب 55 من أبواب المهور.
3- شرائع الإسلام: ج 3/595.
4- مسالك الأفهام: ج 9/196.
5- كما في نهاية المرام: ج 2/75.

واستدلّ له:

1 - بأنّ مرجع هذا الاختلاف في الحقيقة إلى الاختلاف في زمان إيقاع الطلاق، فالقول قوله، كما يقدّم قوله في أصله.

2 - وبأنّه مع دعوى بقاء العِدّة، يدّعى تأخّر الطلاق، والأصل فيه معه، لأصالة عدم تقدّمه في الوقت الذي تدّعيه(1).

وأُورد على ذلك: بأنّ الأصلين وإنْ كانا في أنفسهما جاريين، لكن لو بُني على العمل بالأصل في مقابل إطلاق النّص، كان اللّازم العمل بأصالة عدم انقضاء العِدّة، والبقاء على الزوجيّة في الفرع السابق أيضاً.

وأجاب عنه سيّد «الرياض»: (بأنّ الأصل هنا ليس أصالة عدم الانقضاء، بل أصالة عدم تقدّم الطلاق، فلا وجه للنقض أصلاً)(2).

أقول: إنْ كان الإيراد أنّ نفس ذلك الأصل الجاري في ذلك الفرع يجري في هذا الفرع، كان الجواب متيناً، ولكن أساس الإيراد أنّه لا يعتنى بالأصل في مقابل إطلاق النّص، وعليه فلا فرق بين هذا الأصل وأصالة عدم انقضاء العِدّة.

وبالجملة: فالأظهر قبول قولها لإطلاق النصوص.

وأيضاً: لو ادّعت انقضاء العِدّة بالوضع، صُدِّقت مع الإمكان، بلا خلافٍ ولا تكلف بالبيِّنة، ولا باحضار الولد.

وعن «القواعد»: (تُصدَّق حتّى لو ادّعت الانقضاء بوضعه ميّتاً أو حيّاً، ناقصاً).

ص: 202


1- مسالك الأفهام: ج 9/196.
2- رياض المسائل: ج 11/111 (ط. ج).

أو كاملاً)(1).

ويشهد به: إطلاق النصوص المتقدّمة، خصوصاً إطلاق قول الإمام الصادق عليه السلام: «تفويض اللّه تعالى لها الحمل الذي منه هذا».

وأيضاً: لو ادّعت ولّادة ولد تامّ في أقلّ من ستّة أشهر ولحظتين: لحظة لإمكان الوطء، ولحظة للولادة:

فعن «المسالك»: (إنّه لا يُقبل قولها لعدم إمكانه)(2).

وعن «القواعد»: قبول قولها(3).

أقول: الظاهر أنّ الثاني أقرب، لأنّ مقتضى إطلاق النصوص قبول قولها في أصل الوضع، ولا ينافيه عدم إمكان خصوص ما تدّعيه بعد فرض إمكان أصل الوضع، وكون الولد ناقصاً، فلا وجه للتقييد بالإمكان في خصوص ما تدّعية، ولذا لم يقيّده الأصحاب بذلك.

وأيضاً: لو ادّعت الحمل، وأنكر الزوج:

فالمعروف بين الأصحاب(4): أنّ القول قوله، وإنْ أحضرَت ولداً فأنكر ولادتها له.

واستدلّ له: بإمكان إقامة البيّنة، فلا يُقبل مجرّد قولها فيه.4.

ص: 203


1- قواعد الأحكام: ج 3/134.
2- مسالك الأفهام: ج 9/195.
3- قواعد الأحكام: ج 3/142 قوله: (ه: لو أقرّت بانقضاء العِدّة، ثُمّ جاءت بولد لستّة أشهر منذ طلّقها، قيل: لا يلحق به. ويحتمل الإلحاق إنْ لم يتجاوز أقصى الحمل، أو لم تكن ذات بعل).
4- كما في قواعد الأحكام: ج 3/134.

وفيه: إنّ مقتضى إطلاق النصوص المتضمّنة تفويض الحَمل لها، وأنّ العِدّة إليها، هو قبول قولها في الحمل منه، وانقضاء العِدّة بوضعه.

ودعوى: اختصاصها بما إذا كانت حقيقة العِدّة معلومة أنّها بالوضع أو بالأشهر أو بالأقراء، دون ما إذا تداعيا في حقيقتها.

ممنوعة: لعدم القرينة عليه.

وعليه، فإنْ ثبت الإجماع، وإلّا فالقول قولها.

وأيضاً: لو ادّعت بقاء العِدّة وأنكره الزوج للتخلّص من النفقة مثلاً، فالقول قولها لإطلاق النصوص.

ادّعاء الزوج الرجوع في العِدّة

الجهة التاسعة: إذا ادّعت المرأة انقضاء العِدّة، فصدَّقها الزوج، أو كان الإنقضاء معلوماً، ولكن ادّعى الزوج الرَّجعة قبل ذلك بالقول أو الفعل ولم تُصدّقه المرأة، وادّعت عدمها، أو عدم العلم:

فإنْ أقام بيّنة على ذلك، قُبل قوله، وإلّا فلا، من غير فرقٍ بين ما لو تزوّجت المرأة بعد انقضاء العِدّة وعدمه.

أقول: أمّا قبول قوله مع إقامة البيّنة:

1 - فلثبوت زوجيّتها بها، كثبوت سائر الموضوعات بها.

2 - وللنصوص الخاصّة:

منها: حسن المرزبان، قال: «سألتُ أباالحسن الرّضا عليه السلام: عن رجلٍ قال

ص: 204

لإمرأته: اعتدّي فقد خلّيتُ سبيلكِ ، ثمّ أشهد على رجعتها بعد ذلك بأيّام، ثمّ غاب عنها قبل أنْ يُجامعها حتّى مضت لذلك أشهر بعد العِدّة أو أكثر، فكيف تأمره ؟

قال عليه السلام: إذا أشهد على رجعته فهي زوجته»(1).

ومنها: خبر الحسن بن صالح، قال: «سألتُ جعفر بن محمّد عليهما السلام عن رجلٍ طلّق إمرأته وهو غائب في بلدةٍ أُخرى ، وأشهد على طلاقها رجلين، ثمّ إنّه راجعها قبل انقضاء العِدّة، ولم يشهد على الرَّجعة، ثمّ إنّه قَدِم عليها بعد انقضاء العِدّة وقد تزوّجت، فأرسل إليها: إنّي قد كنتُ راجَعتُك قبل انقضاء العِدّة، ولم أشهد؟

فقال عليه السلام: لا سبيل له عليها، لأنّه قد أقرّ بالطلاق، وادَّعى الرَّجعة بغير بيّنة، فلا سبيل له عليها» الحديث(2).

ونحوهما غيرهما.

ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين علمها بالرجعة وعدمه.

فما عن بعض المحدِّثين: من اشتراط صحّة الرَّجعة بعلمها بها، فمع عدمه لاتصحّ لخبر محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ قال:

«وإنْ تزوّجت قبل أنْ تعلم بالرجعة الّتي أشهد عليها زوجها، فليس للذي طلّقها عليها سبيل، وزوجها الأخير أحقّ بها»(3).

واضحُ البطلان، لمعارضة الخبر لما تقدّم المرجوح بالنسبة إليه لوجوه غير خفيّة.3.

ص: 205


1- الكافي: ج 6/74 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/137 باب 15 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28212.
2- الكافي: ج 6/80 باب طلاق الغائب ج 4، وسائل الشيعة: ج 22/137 باب 15 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28214.
3- الكافي: ج 6/75 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/137 باب 15 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28213.

وأمّا عدم قبول قوله بدون البيّنة: فلخبر الحسن المتقدّم، ولأصالة عدم مقتضٍ لانفساخ الطلاق الذي هو سببُ البينونة، الحاكمة على أصالة بقاء الزوجيّة، بناءً على ما هو الحقّ من أنّها زوجة ما دامت في العِدّة.

وأيضاً: لو راجعها فادّعت هي - بعد اعترافها بتحقّق الرَّجعة - انقضاء العِدّة قبل الرَّجعة، فالرجعة واقعة في غير محلّها:

فالمصرّح به في جملةٍ من الكلمات(1) أنّ القول قول الزوج، إذ الأصل صحّة الرَّجعة، فقول مدّعيها حينئذٍ يقدّم على قول مدّعي الفساد.

أقول: ولكن الأظهر تقدّم قولها، لإطلاق نصوص أنّ العِدّة إليها.

ودعوى: أنّها تدلّ على أنّ نفس العِدّة إليها انقضاءً أو بقاءً ، ولا تدلّ على أنّ أحوالها إليها، وفي المقام لا خلاف في انقضاء العِدّة، إنّما الخلاف في أنّ الانقضاء كان قبل الرَّجعة أو بعدها، فذلك ليس إليها.

مندفعة: بأنّ مقتضى إطلاق الأخبار أنّ أمر العِدّة إليها مطلقاً، حتّى بالنسبة إلى أحوالها.

فإنْ قيل: إنّ اعترافها بالرجعة يقتضي الحكم عليها بها لأصالة الصحّة.

قلنا: إنّها تعترف بالرجعة الفاسدة لا الصحيحة، ولا القابلة لكلّ منهما، فلا أثر لاعترافها، ولا ينافي ما تقدّم.

أقول: بل يمكن الاستدلال بعموم العلّة في خبر الحسن المتقدّم، لأنّه قد أقرّ بالطلاق، وادّعى الرَّجعة بغير بيّنة، فلا سبيل له عليها، لأنّ المراد بالرجعة فيه، هي4.

ص: 206


1- كما في شرائع الإسلام: ج 3/595-596، وقواعد الأحكام: ج 3/134.

الرَّجعة الصحيحة، فإطلاقه يشمل المقام.

وبذلك يندفع ما يقال إنّه في مورد عدم ثبوت الرَّجعة، وهي في المقام ثابتة، فإنّ الذي ثبت ليس هو الرجوع الصحيح، وثبوت الجامع بين الصحيح و الفاسدكالعدم.

***

ص: 207

ويكره طَلاقُ المَريض ويقعُ ، ولكن ترثه المرأة وإنْ كان بائناً إلى سنة، ما لم يَمُت بعدها، ولو بلحظةٍ ، أو تتزوّج هي، أو يبرأ من مرضه، وهو يرثها في الرِّجعي في العِدّة.

طلاق المريض

المسألة الثالثة: في طلاق المريض:

(و) قد طفحت كلمات الفقهاء على أنّه (يُكره طلاق المريض ويقع، ولكن ترثه المرأة، وإنْ كان بائناً إلى سنة، ما لم يمت بعدها ولو بلحظةٍ ، أو تتزوّج هي أو يبرأ من مرضه، وهو يرثها في الرِّجعي في العِدّة).

أقول: وتحقيق الكلام في هذه المسألة يقتضي البحث في فروع:

الفرع الأوّل: المشهور(1) بينهم كراهة طلاق المريض زيادةً على كراهة أصل الطلاق.

وفي «الجواهر»: (بل لم يتحقّق الخلاف في ذلك، وإنْ حُكي التعبير بلفظ (لا يجوزُ) عن «المقنعة»(2) و «التهذيب»(3)، و (لا يجوزُ طلاق يقطع الموارثة بينهما) عن «الاستبصار»(4)، إلّاأنّه يمكن إرادتهما من ذلك الكراهة(5).

ص: 208


1- كشف اللّثام: ج 2/129 (المقصد الثاني). (ط. ق).
2- المقنعة: ص 672 قوله: (وليس له أن يطلّق في المرض).
3- تهذيب الأحكام: ج 8/76 باب أحكام الطلاق.
4- الاستبصار: ج 3/304 باب طلاق المريض ذيل ح 5.
5- جواهر الكلام: ج 32/147.

والأصل في هذا الحكم طائفةٌ من الأخبار:

منها: موثّق عبيدة بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«لا يجوز طلاق المريض، ويجوز نكاحه»(1).

ومنها: موثّق زرارة، عنه عليه السلام: «ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عن أحدهما عليهما السلام: «ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج» الحديث(3).

ونحوها غيرها.

وظاهر هذه الأخبار هو عدم الصحّة، لكون النهي ظاهراً في الإرشاد إلى الفساد في غير العبادات، إلّاأنّه لابدّ من رفع اليد عنه لما سيأتي من النصوص المصرّحة بالصحّة.

وعليه فيدور الأمر بين حملها على إرادة الحرمة التكليفيّة منها، أو الكراهة، أو على إرادة عدم مضيّ تمام حكم الطلاق على طلاقه، لما ستعرف من أنّها ترثه وإنْ إنقضت عِدّتها إلى سنة، ولعلّ الأخير أقربُ إلى ظاهر النهي.

وعليه، فلا دليل على الكراهة سوى اتّفاق الأصحاب عليها.

أقول: وما في «الجواهر» من ظهور النهي في نفسه في الحرمة إلّاأنّه يُحمل على5.

ص: 209


1- الكافي: ج 6/122 باب طلاق المريض ونكاحه ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/150 باب 21 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28247.
2- الكافي: ج 6/122 باب طلاق المريض ونكاحه ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/150 باب 21 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28248.
3- الكافي: ج 6/123 باب طلاق المريض ونكاحه ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/149 باب 21 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28245.

الكراهة لمعارضته بالنصوص المستفيضة والمتواترة الّتي ستمرّ عليك جملة منها، الّتي فهم الأصحاب منها الصحّة بلا إثمٍ ، ولو بقرينة ما في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يحضره الموت فيطلّق إمرأته، هل يجوز طلاقه ؟

قال عليه السلام: نعم، وإنْ مات ورثته، وإنْ ماتت لم يرثها»(1).

يرد عليه أوّلاً: ما تقدّم من ظهور النهي في عدم الصحّة.

وثانياً: أنّ صحيح الحلبي إمّا غير مربوط بالمقام، لعدم فرض الطلاق فيه في حال المرض، أو يكون أعمّ من تلك النصوص، فيقيّد بها.

وعلى فرض كون النسبة هو التباين، فهما متعارضتان، لا يمكن الجمع بينهما بوجهٍ ، ضرورة تعارض (نعم) في جواب قوله: (أيجوز) مع قوله فيها: (لا يجوز)، والجمع بما ذكر ليس عرفيّاً.

وهل تختصّ الكراهة بما إذا لم تطالب هي للطلاق

الظاهر ذلك، لأنّه المتيقّن من معقد الإجماع.

الفرع الثاني: أنّه لو طلّق يصحّ طلاقه، والظاهر أنّه لا خلاف(2) فيه حتّى من القائل بعدم الجواز، والنصوص الآتية شاهدة به.

الفرع الثالث: أنّه يرث زوجته ما دامت في العِدّة الرجعيّة إجماعاً(3)، كما حكاه جماعة.8.

ص: 210


1- الكافي: ج 6/123 باب طلاق المريض ونكاحه ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/151 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28250.
2- المبسوط: ج 5/68.
3- كما في مسالك الأفهام: ج 9/154. وجواهر الكلام: ج 33/138.

واستدلّ له: - مضافاً إلى معلوميّة كونها كالزوجة في باقي الأحكام -:

1 - بصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا طلّق الرّجل إمرأته توارثا ما كانت في العِدّة، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة، فليس له عليهارجعة ولاميراث بينهما»(1).

2 - وصحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«إذا طلّقت المرأة ثمّ توفي عنها زوجها وهي في عِدّة منه، لم تحرم عليه، فإنّها ترثه ويرثها مادامت في الدّم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين، فإن طلّقها الثالثة فإنّها لا ترث من زوجها شيئاً، ولا يرث منها»(2).

3 - وموثّق زرارة، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يطلّق المرأة ؟

فقال عليه السلام: يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة»(3).

ونحوها غيرها.

وأُورد على ذلك: بأنّ صحيح الحلبي المتقدّم دالٌّ على أنّه لا يرثها إذا طلّق في حال المرض، وحَمْلُه على الطلاق البائن ينافيه قوله عليه السلام قبل ذلك: «فإنْ مات ورثته»، ذكره السيّد في محكيّ «نهاية المرام»(4)، والمحقّق السبزواري(5).

وفيه أوّلاً: أنّ الصحيح إنّما هو في الطلاق عند حضور الموت، لا في المرض،2.

ص: 211


1- الفقيه: ج 4/310 باب توارث المطلّق والمطلّقة ح 5666، وسائل الشيعة: ج 26/225 باب 13 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32879.
2- الكافي: ج 7/133 باب في ميراث المطلّقات ح 1، وسائل الشيعة: ج 26/222 باب 13 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32870.
3- الكافي: ج 7/134 باب ميراث المطلّقات ح 2، وسائل الشيعة: ج 26/223 باب 13 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32873.
4- نهاية المرام: ج 2/63-64.
5- كفاية الأحكام: ص 202.

وعلى فرض كون المراد به المرض، فهو مختصٌّ بالمريض الذي حَضَره الموت، ولو بُني على عدم الفرق بينه وبين المريض الذي لم يحضره الموت، كانت النسبة بينه وبين النصوص المتقدّمة عموماً من وجه، لأنّها شاملة لطلاق المريض وغيره، وهذا يختصُّ بالمريض، وهو يشمل الطلاق البائن والرِّجعي، وهي مختصّة بالرِّجعي، فيتعارضان في طلاق المريض إنْ كان رجعيّاً، وحيث أنّ المختار في تعارض العامين من وجه هو الرجوع إلى أخبار الترجيح، فيرجع إليها، وهي تقتضي تقديم نصوص الإرث، لأنّها أشهر وأصحّ سنداً وأكثر عدداً.

ودعوى: أنّه من جهة ما ورد في صدره من أنّه إنْ مات ورثته يختصّ بالرجعي، فيكون أخصّ من نصوص الباب.

مندفعة: بما سيأتي(1) من أنّ المرأة ترثه حتّى في الطلاق البائن.

وعليه، فالأظهر أنّه يرثها لو ماتت في العِدّة الرجعيّة.

وبالجملة: وعلى ما ذكرناه من أنّ الصحيح مختصٌّ بحال حضور الموت، يجري فيه ما ذكرناه من كون النسبة هي العموم من وجه، وتقدّم هذه النصوص كما لايخفى .

أقول: ثمّ إنّ المحكيّ عن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2)، وابن حمزة في «الوسيلة»(3)وغيرهما(4): أنّه يرثها في العِدّة البائنة كالرجعيّة.

ولكن المشهور(5) بين الأصحاب شهرة عظيمة، أنّه لا يرثها فيها، بل عن4.

ص: 212


1- يأتي في بحث: (المطلّقة ترث في حال المرض).
2- النهاية: ص 509.
3- الوسيلة: ص 324.
4- كما في المهذّب: ج 2/289.
5- مسالك الأفهام: ج 9/154.

«المبسوط»(1) نفي الخلاف فيه، وعن «الخلاف»(2) الإجماع عليه.

ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار:

فإنّ طائفة منها: تدلّ على اختصاص إرث الزوج بموتها في العِدّة الرجعيّة كالنصوص المتقدّمة.

وطائفة ثانية: تدلّ على ثبوت الإرث لو ماتت في العِدّة مطلقاً، وهي متعدّدة:

منها: صحيح زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: «المطلّقة ترث وتورث حتّى ترى الدّم الثالث، فإذا رأته فقد انقطع»(3).

ومنها: خبر محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«أيّما إمرأة طُلِّقت فمات عنها زوجها قبل أنْ تنقضي عِدّتها، فإنّها ترثه ثمّ تعتدّ عِدّة المتوفّى عنها زوجها، وإنْ توفّيت في عِدّتها ورثها» الحديث(4).

ونحوهما غيرهما.

ومن الغريب أنّ صاحب «الجواهر»(5) ادّعى أنّه لا يدلّ على ذلك إلّاخبرٌ نقله من غير أن يذكر راويه!

الطائفة الثالثة: تدلّ على ثبوت الإرث في خصوص العِدّة البائنة:

منها: خبر عبد الرحمن، عن موسى بن جعفر عليهما السلام: «عن رجلٍ يطلّق إمرأته1.

ص: 213


1- المبسوط: ج 5/67.
2- الخلاف: ج 4/484-485 مسألة 54.
3- التهذيب: ج 8/123 ح 27، وسائل الشيعة: ج 26/223 ح 32872.
4- التهذيب: ج 9/381 باب ميراث القاتل ح 15، وسائل الشيعة: ج 26/224 باب 13 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32877.
5- جواهر الكلام: ج 32/151.

آخر طلاقها؟

قال عليه السلام: نعم يتوارثان في العِدّة»(1).

ومنها: خبر يحيى الأزرق، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«المطلّقة ثلاثاً ترثُ وتُورِث ما دامت في عِدّتها»(2).

أمّا الطائفة الثانية: يقيّد إطلاقها بالأُولى المصرّحة بأنّه مع عدم كون العِدّة رجعيّة لا يورثها.

وأمّا الطائفة الثالثة: فهي غير مختصّة بالمريض، فتعارض مع الطائفة الأُولى، والترجيح معها من وجوهٍ :

منها: عدم إفتاء أحدٍ بمضمون هذه حتّى الشيخ وأتباعه، فإنّهم لم يلتزموا بثبوت الميراث في العِدّة البائنة مطلقاً، والجمع بحمل هذه على المريض تبرّعيٌ لا شاهد عليه.

نعم، يمكن توجيه ذلك بأنّه من جملة نصوص اختصاص الإرث بالعِدّة الرجعيّة صحيح الحلبي المرويّ عن الإمام عليه السلام حيث قال:

«إذا طلّق الرّجل وهو صحيح لا رجعة له عليها لم يرثها»(3).

لأنّه بناءً على ما هو الحقّ من أنّ كلّ قيدٍ أُخذ في القضيّة الشرطيّة كان لها1.

ص: 214


1- التهذيب: ج 8/80 باب أحكام الطلاق ح 191، وسائل الشيعة: ج 22/155 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28260.
2- التهذيب: ج 8/94 باب أحكام الطلاق ح 239، وسائل الشيعة: ج 22/156 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28261.
3- الكافي: ج 7/134 باب في ميراث المطلّقات ح 3، وسائل الشيعة: ج 26/223 باب 13 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32871.

مفهومٌ بالنسبة إليه، ومن القيود لعدم الإرث منها في الخبر الصحّة، فيكون مفهومها أنّه يرثها إنْ كان مريضاً وطلّقها بالطلاق البائن، فيصبح الخبر أخصّ من الطائفة الأُولى ، فتخصّص به.

وعليه، فما أفاده الشيخ رحمه الله وتابعوه أقوى، هذا ولم أرَ من استدلّ بهذا الصحيح لهذا القول.

***

ص: 215

المطلّقة ترث في حال المرض

الفرع الرابع: لا خلاف ولا إشكال في أنّها ترثه - سواءٌ أكان طلاقها بائناً أو رِجعيّاً - ما بين الطلاق وبين سنة لا أزيد، ولو لحظة، ما لم تتزوّج أو يبرأ من مرضه الذي طلّقها فيه.

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه).

أقول: ويشهد به نصوص مستفيضة:

منها: صحيح أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا طلّق الرّجل المرأة في مرضه، ورثته ما دام في مرضه ذلك، وإنْ انقضت عِدّتها، إلّاأنْ يصحّ منه.

قال: قلت: فإنْ طال به المرض ؟ فقال عليه السلام: ما بينه وبين سنة»(1).

ونحوه صحيحه الآخر عنه عليه السلام(2).

ومنها: موثّقه عنه عليه السلام، قال: «قلت له: رجلٌ طلّق إمرأته وهو مريض تطليقة، وقد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين ؟

قال عليه السلام: فإنّها ترثه إذا كان في مرضه.

قلت: فما حَدُّ ذلك ؟ قال عليه السلام: لايزال مريضاًحتّى يموت، وإنْطالَ ذلك إليسنة»(3).

ص: 216


1- الكافي: ج 6/122 باب طلاق المريض ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/151 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28249.
2- التهذيب: ج 8/79 باب أحكام الطلاق ح 190، وسائل الشيعة: ج 22/154 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28259.
3- التهذيب: ج 8/78 باب أحكام الطلاق ح 184، وسائل الشيعة: ج 22/153 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28256.

ومنها: خبر عبيد بن زرارة، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق إمرأته وهو مريض حتّى مضى لذلك سنة ؟

قال عليه السلام: ترثه إذا كان في مرضه الذي طلّقها، لم يصحّ بين ذلك»(1).

ومنها: مرسل أبان الذي روى عنه ابن أبي عُمير بسندٍ صحيح، عن رجلٍ ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّه قال في رجل طلّق إمرأته تطليقتين في صحّة، ثمّ طلّق التطليقة الثالثة وهو مريض: أنّها ترثه مادام في مرضه، وإنْ كان إلى سنة»(2).

ومنها: خبر الحذّاء وأبي الورد كليهما عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«إذا طلّق الرّجل إمرأته تطليقة في مرضه، ثمّ مكث في مرضه حتّى انقضت عِدّتها، فإنّها ترثه ما لم تتزوّج، فإنْكانت تزوّجت بعد انقضاءالعِدّة فإنّها لا ترثه»(3).

إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على جميع ما ذكر.

قيل: إنّ المشهور(4) بين الأصحاب أنّها ترثه إلى السنة مع القيدين، سواء كان الطلاق للإضرار بها أم لا.

وعن جماعةٍ منهم الشيخ في «الاستبصار»(5)، والمصنّف في «المختلف»(6)،5.

ص: 217


1- الكافي: ج 6/122 باب طلاق المريض ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/153 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28255.
2- الكافي: ج 6/123 باب طلاق المريض ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/152 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28251.
3- الكافي: ج 6/121 باب طلاق المريض ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/152 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28253.
4- الحدائق: ج 25/319.
5- الاستبصار: ج 3/306 باب طلاق المريض ذيل ح 13.
6- مختلف الشيعة: ج 7/335.

والمحدِّث الكاشاني، والمحدّث الحُرّ العاملي(1)، وظاهر «الفقيه»(2): اختصاص ذلك بالصورة الأُولى .

أقول: ومقتضى إطلاق النصوص بل العموم المستفاد من ترك الاستفصال وإنْ كان هو القول الأوّل، إلّاأنّه يشهد للثاني:

1 - موثّق سماعة، قال: «سألته عن رجل طلّق إمرأته وهو مريض ؟

قال عليه السلام: ترثه ما دامت في عِدّتها، وإنْ طلّقها في حال إضرارٍ فهي ترثه إلى سنة، فإنْ زاد على السنة يوماً واحداً لم ترثه، وتعتدّ منه أربعة أشهر وعشراً عِدّة المتوفّى عنها زوجها»(3).

فإنّه بمفهوم الشرط يدلّ على عدم الإرث إلى السنة، مع عدم قصد الإضرار بالطلاق.

2 - ومرسل يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته ما العلّة التي من أجلها إذا طلّق الرّجل إمرأته وهو مريضٌ في حال الإضرار، ورثته ولم يرثها، وما حَدّ الإضرار عليه ؟

فقال: هو الإضرار، ومعنى الإضرار منعه إيّاها ميراثها منه، فأُلزم الميراث عقوبةً »(4).7.

ص: 218


1- وسائل الشيعة: ج 22/151 عنوان الباب 22.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3 / باب طلاق المريض ح 4881.
3- الكافي: ج 6/122 باب طلاق المريض ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/152 باب 22 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28252.
4- الفقيه: ج 4/311 باب توارث الرّجل والمرأة ح 5670، وسائل الشيعة: ج 26/228 باب 14 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32887.

ورواه الصدوق(1) في «العلل» بإسناده عن يونس، عن رجالٍ شتّى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وهو يدلّ على ذلك بمفهوم العلّة.

وما في «الجواهر»: من (قوّة إرادة الحكمة من العلّة)(2)، خلاف الظاهر.

قال صاحب «الرياض»: (إنّ الخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالشهرة، وحكاية الإجماع المتقدّمة مشكلٌ ، سيّما مع احتمال العموم في أكثر النصوص، لترك الاستفصال المفيد له عند الفحول، وليس كالمطلق يَقبل الحمل على الغالب)(3) انتهى .

وفيه: إنّ المطلق المعتضد بكلّ ما كان والعام يُرفع اليد عنهما بواسطة المقيّد والمخصّص، لأنّ الخاصّ قرينة، ومع وجودها ما المانع من حمل العام على الغالب ؟!

وفي «الجواهر»: (لأنّه - أي المرض - العنوان للحكم في أكثر النصوص على وجهٍ لا يصلح ما عرفت لتقييدها بعد عدم الجابر)(4).

أقول: توجيهه ممنوع لأنّه:

1 - أنّه إنْ أراد أنّ النصوص كالنّص في الإطلاق لا يقبل التقييد.

فهو ممنوعٌ ، إذ ليس فيها إلّاتعليق الحكم على عنوان المرض، فهي حينئذٍ كسائر المطلقات شاملة لصورتي قصد الإضرار وعدمه.

2 - وإنْ أراد أنّ الخبرين في أنفسهما قاصران عن التقييد لضعف السند.

فيرد عليه: أنّ الأوّل موثّق، والثاني مُرسِله من أصحاب الإجماع.

3 - وإنْ أراد ضعفهما لإعراض الأصحاب.4.

ص: 219


1- علل الشرائع: ج 2/510 باب 283 ح 1.
2- جواهر الكلام: ج 32/154.
3- رياض المسائل: ج 11/101 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 32/154.

فيردّه: أنّ جماعةً أفتوا بمضمونهما، وفيهم من هو من أساطين الفقه.

أقول: ولكن الذي يختلج في البال أنّ الحكم في الخبرين لم يعلّق على قصد الإضرار، بل على حال الإضرار، والفرق بينهما واضحٌ ، وحال الإضرار شاملٌ لما قصده وما لم يقصده، وعليه فالقول الأوّل أظهر.

بحث: هل الإرث يثبتُ مع سؤالها الطلاق وفي المختلعة واُختها أم لا؟ فيه قولان:

استدلّ للثاني: بخبر محمّد بن القاسم الهاشمي، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

لا ترثُ المختلعة ولا المباراة ولا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً، إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج وإنْ مات، لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه»(1).

ويعضده ما في النصوص المستثنية لما لو تزوّجت بأنّها إنْ تزوّجت فقد رضيت بما صنع ولا ميراث لها.

ولكن الخبر ضعيف، وانجباره بالعمل غير ثابت، وما في نصوص الاستثناء لايصلحُ منشأً للحكم.

وعليه، فالأظهر ثبوت الإرث.

أقول: ومن الغريب أنّ صاحب «الجواهر» في الفرع السابق بنى على ثبوت الإرث، وفي هذا الفرع(2) بنى على عدمه، معلّلاً بأنّه مقتضى حمل المطلق على المقيّد!

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف» الاستدلال له في المختلعة بانتفاء التّهمة(3).9.

ص: 220


1- التهذيب: ج 8/100 باب الخلع والمباراة ح 14، وسائل الشيعة: ج 26/239 باب 15 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32890.
2- جواهر الكلام: ج 32/154.
3- مختلف الشيعة: ج 7/399.

والظاهر أنّ نظره رحمه الله إلى ابتناء هذا الفرع على الفرع السابق، وحيث أنّه بنى فيه على أنّ تمام الموضوع ليس هو المرض بل مع التّهمة بقصد الإضرار، فلذلك حكم في المختلعة والمستأمرة بعدم الإرث، ولهذه الجهة أورد الشهيد الثاني رحمه الله(1) على المحقّق حيث أنّه بنى في الفرع السابق على ثبوت الإرث، وفي هذا الفرع على عدمه، وهذا كلّه كاشفٌ عن عدم اعتمادهم على خبر الهاشمي.

وكيف كان، فقد عرفت في الفرع السابق عدم تماميّة ما ذُكر من الاختصاص، فكذا في المقام.

***8.

ص: 221


1- مسالك الأفهام: ج 9/158.

ونكاحه صَحيحٌ مع الدخول وإلّا فلا.

نكاح المريض

الفرع الخامس: (ونكاحه) أي نكاح المريض (صحيحٌ مع الدخول وإلّا فلا) كما هو المشهور، بل لا خلاف فيه ولا تأمّل ولا نظر إلّاعن المحقّق في «الشرائع»(1)حيث نسب الحكم إلى الرواية، والشهيد رحمه الله في «الدروس»(2) لنسبة الحكم إلى المشهور، وهو منهما مشعرٌ بنوع تردّد منهما فيه، ولعلّ ذلك منهما لمخالفة الحكم للعمومات القطعيّة من الكتاب والسُّنة، وخصوص ما تقدّم من النصوص المتضمّنة للنهي عن طلاقه، المصرّحة بجواز النكاح من دون تقييد بالدخول.

أقول: ولكن يتعيّن تقييد الجميع بالنصوص الدالّة على هذا التفصيل، والمعمول بها بين الأصحاب:

منها: موثّق عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المريض ألَهُ أن يُطلِّق إمرأته في تلك الحال ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن له أن يتزوّج إنْ شاء، فإنْ دخل بها ورثته، وإنْ لم يدخل بها فنكاحه باطل»(3).

ص: 222


1- شرائع الإسلام: ج 4/835.
2- الدروس: ج 2/358.
3- الكافي: ج 6/121 باب طلاق المريض ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/150 باب 21 من أبواب أقسام الطلاق، ح 28246.

ومنها: صحيح أبي ولّادالحنّاط، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج في مرضه ؟ فقال عليه السلام:

إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته، وإنْ لم يدخل بها لم ترثه، ونكاحه باطل»(1).

ومنها: صحيح زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: «ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج، فإنْ هو تزوّج ودخل بها فهو جائز، وإنْ لم يدخل بها حتّى مات في مرضه فنكاحه باطلٌ ، ولا مَهر لها ولا ميراث»(2).

والمراد بالبطلان في هذه النصوص، هو عدم الصحّة على وجهٍ يترتّب عليه جميع أحكام النكاح حتّى بعد الموت من الميراث والعِدّة، لا عدم الصحّة بقول مطلق، وإلّا لزم عدم جواز وطئها في مرضه بذلك، مع أنّ النصوص صريحة في جوازه.

ولو مات المريض في مرضٍ آخر بعد بُرئه من المرض الذي تزوّجها فيه، أو مات بعد الدخول، فلا إشكال في صحّة النكاح ولزومه وترتّب جميع أحكامه عليه.

أقول: ويشهد به في الفرض الأوّل صحيح زرارة، وبه يقيّد إطلاق الموت في الأولين.

وفي الفرض الثاني جميع نصوص الباب.

ولو ماتت هي قبل الدخول، ثمّ مات هو في مرضه:

فمقتضى إطلاق النصوص الدالّ على أنّه لا يرثها، يدلّ على بطلان النكاح لو مات في مرضه ولم يدخل بها، كان عدم الدخول من جهته أو من جهتها.9.

ص: 223


1- الفقيه: ج 4/310 باب توارث الرّجل والمرأة ح 5667، وسائل الشيعة: ج 26/231 باب 18 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32897.
2- الكافي: ج 6/123 باب طلاق المريض ح 12، وسائل الشيعة: ج 26/232 باب 18 من أبواب ميراث الأزواج، ح 32899.

فما عن «الروضة»(1) وفي «الرياض»(2): من أنّه يرثها لأنّ الحكم على خلاف الاُصول المقرّرة في الكتاب والسُّنة، فيقتصر فيه على مورد المعتبرة وهو موته خاصّة.

في غير محلّه، لأنّ مورد النصوص وإنْ كان موته، ولكن ليس المفروض في جميعها موته قبل موتها، بل موته قبل الدخول، وفي ذلك المورد حُكم ببطلان النكاح، وهو شاملٌ للفرض. ومقتضى بطلان النكاح عدم ترتّب أحكامه، منها أنّه لو ماتت هي قبل موته لا يرثها، ومع إطلاق الدليل لا وجه للاقتصار على المتيقّن.

وبذلك يظهر أنّه لو مات قبل الدخول لا يترتّب عليه أحكام المصاهرة المترتّبة على التزويج، ولو لم يدخل، فتدبّر.

***).

ص: 224


1- الروضة البهيّة: ج 8/172.
2- رياض المسائل: ج 2/366 (ط. ق).

الفصل الثالث: في العدد.

الفصل الثالث: في العِدَدْ

اشارة

جمعُ عِدّة من العَدَد لغةً ، لاشتماله عليها غالباً، كذا في «الجواهر»(1).

وهي شرعاً اسمٌ لمدّة معلومة تتربّص فيها المرأة بمفارقة الزوج، أو ذي الوطء المحترم، بفسخٍ أو طلاقٍ أو موتٍ أو زوال اشتباه، لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبّد، أو للتفجّع، وشُرِّعت صيانةً للأنساب، وتحصيناً لها عن الاختلاط.

والأصلُ في وجوب العِدّة الآيات الكريمة، والنصوص المتواترة وإجماع علماء الإسلام:

قال اللّه عزّ وجلّ : (وَ اَلْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (2).

وقال تعالى أيضاً: (وَ اَللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ اَلْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ اِرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اَللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ اَلْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (3).

وقال عزّ شأنه: (وَ اَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً) (4).

ص: 225


1- جواهر الكلام: ج 32/211.
2- سورة البقرة: الآية 228.
3- سورة الطلاق: الآية 4.
4- سورة البقرة: الآية 234.

لا عِدَّة في الطلاق على الصغيرة واليائسة.

وقال تعالى : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) (1).

وغير تلكم من الآيات.

وأمّا النصوص: فهي متواترة، ستمرّ عليك في المباحث الآتية إن شاء اللّه تعالى، والكلام في هذا الفصل يقع في مقامات.

لا عِدَّة على الصغيرة واليائسة

المقام الأوّل: اختلف الأصحاب في الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين إذا طُلِّقت بعد الدخول بها، وإن فعل زوجها محرّماً، وكذا في اليائسة وهي التي بلغت سِنّ اليأس خمسين أو ستّين على ما تقدّم في باب الحيض.

فالمشهور بين الأصحاب أنّه (لا عِدَّة في الطلاق على الصغيرة واليائسة) وبه صرّح الشيخان(2)، والصدوقان(3)، وأبو الصّلاح(4)، وابن البرّاج(5)، وابن حمزة(6)، ومن تأخّر عنه.

ص: 226


1- سورة الأحزاب: الآية 49.
2- المقنعة: ص 527، الخلاف: ج 5/53.
3- فقه الرّضا: ص 246، حكاه عن الصدوق في الحدائق: ج 25/431.
4- حكاه عنه في الحدائق: ج 25/431.
5- المهذّب: ج 2/315-316.
6- الوسيلة: ص 325.

وفي «الرياض»(1): (بل ربما كان مجمعاً عليه بين متأخّريهم كما تُنادي به عبارة التهذيبين)(2).

وعن ابن سماعة(3)، والسيّدالمرتضى(4)، وابن شهرآشوب، والسيّد ابن زُهرة(5):

أنّهما تعتدّان بثلاثة أشهر.

يشهد للأوّل: جملة من النصوص:

منها: موثّق عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: ثلاث يتزوجنّ على كلّ حال: التي قد يئست من المحيض، ومثلها لا تحيض.

قلت: ومتى تكون ذلك ؟

قال عليه السلام: إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض، ومثلها لاتحيض، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض.

قلت: ومتى تكون كذلك ؟

قال عليه السلام: ما لم تبلغ تسع سنين، فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها»(6).

ومنها: صحيح حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن التي قد يئست من المحيض، والّتي لا تحيض مثلها؟4.

ص: 227


1- الرياض: ج 11/122-123.
2- الإستبصار: ج 3/338، التهذيب: ج 8/68.
3- التهذيب: ج 8/138 ح 80.
4- الإنتصار: ص 334.
5- غنية النزوع: ص 382.
6- التهذيب: ج 7/469 ح 89، وسائل الشيعة: ج 22/183 ح 28334.

قال عليه السلام: ليس عليهما عِدّة»(1).

ومنها: حسن محمّد بن مسلم، قال: «سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول في الّتي قد يئست من المحيض يطلّقها زوجها؟

قال عليه السلام: قد بانت منه ولا عِدّة عليها»(2).

وحسنه الآخر، عنه عليه السلام: «التي لا تَحبل مثلها لا عِدّة عليها»(3).

ومنها: صحيح جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام:

«في الرّجل يطلّق الصبيّة التي لم تبلغ، ولا يحمل مثلها، وقد كان دخل بها، والمرأة التي قد يئست من المحيض، وارتفع حيضها، فلا يلد مثلها؟

قال عليه السلام: ليس عليهما عِدّة، وإن دخل بهما»(4).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة(5).

وقد استدلّ للقول الآخر: بالآية الكريمة: (وَ اَللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ اَلْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ اِرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اَللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (6).

قال السيّد المرتضى: (وهذا صريحٌ في أنّ الآيسات واللّائي لم يحضن، عِدَّتهن الأشهر على كلّ حال.

ثمّ أورد على نفسه: بأنّ في الآية شرطاً وهو قوله تعالى: (إِنِ اِرْتَبْتُمْ ) وهو4.

ص: 228


1- وسائل الشيعة: ج 22/177 ح 28321.
2- التهذيب: ج 8/67 ح 139، وسائل الشيعة: ج 22/181 ح 28330.
3- التهذيب: ج 8/138 ح 79، وسائل الشيعة: ج 22/182 ح 28331.
4- الكافي: ج 6/84 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/178 ح 28323.
5- التهذيب: ج 8/66 ح 138، وسائل الشيعة: ج 22/178 ح 28322.
6- سورة الطلاق: الآية 4.

منتفٍ عنهما.

وأجاب عنه: بأنّ المراد بالريبة ليس إنْ كان مثلهنّ تحيض، ولا الارتياب بأنّها يائسة أو غير يائسة.

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلأنّه قد قطع في الآية على اليأس من الحيض، والمشكوك في حاله ليست يائسة.

بل المراد بها ما قاله جمهور المفسِّرين وأهل العلم: إن كُنتم مرتابين في عِدّة هؤلاء النساء، وغير عالمين بمبلغها.

ثمّ ذكر رواية عاميّة(1) تشهد بهذا التفسير، ثمّ قال:

ولو كان المراد بها ما ذكره الأصحاب، لكان حقّه أن يقول: إنْ ارتبنَ ، لأنّ المرجع في ذلك إليهنّ ، ولما قال: (إِنِ اِرْتَبْتُمْ ) ، علم إرادة الارتياب بالمعنى الذي ذكرناه)(2).

وفيه: إنّ تفسير الريبة بالجهل خلاف الظاهر جدّاً، وما ذكره في وجه ذلك لا يدلّ عليه. وأمّا نسبة ذلك إلى جمهور المفسّرين وأهل العلم، فهي معارضة بما في «مجمع البيان»(3) من تفسيرها بلا تدرون، لكبرٍ ارتفع حيضهنّ أم لعارض.

وأمّا قوله: إنّ المفروض في الآية اليائسة، فلا معنى للريبة فيها.

فيردّه: أنّه من المحتمل أن لايكون المراد باليأس ما هو المعروف بين الفقهاء،4.

ص: 229


1- منقولة عن تفسير ابن كثير: ج 4/381.
2- الإنتصار: ص 335.
3- تفسير مجمع البيان: ج 10/44.

وعليه جرى اصطلاحهم، بل معناه اللّغوي، فيلائم حينئذٍ مع كون المراد بالريبة ما ذكره الأصحاب.

وأمّا الرواية التي ذكرها: - فمضافاً إلى ضعف سندها، ومعارضتها بالنصوص الآتية - أنّها متضمّنة أنّ أُبيّ بن كعب سأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إنّ عدداً من عدد النساء لم يذكرن في الكتاب الصغار والكبار وأُولات الأحمال، فأنزل اللّه تعالى :

(وَ اَللاّئِي...) الخ».

ولازم ذلك تقدّم عِدّة ذوات الأقراء، مع أنّها إنّما ذكرت في سورة البقرة وهي مدنيّة، وتلك الآية مندرجة في سورة الطلاق وهي مكيّة على المشهور، أضف إلى ذلك أنّها لا تتعيّن في غير البالغة واليائسة كما لا يخفى .

وأمّا تذكير الضمير فلأنّ ارتيابها يوجبُ أرتيابنا إذا رجعنا إليها، بل قيل إنّ الرجوع إليها في اليأس المعتبر شرعاً ممنوعٌ ، فإنّه في الحقيقة خبرٌ عن السِّن، مع أنّ الخطاب مع الرجال كما يدلّ عليه قوله تعالى : (مِنْ نِسائِكُمْ ) .

وعلى هذا، فمن المحتمل قريباً أن يكون المراد بالريبة ما ذكره الأصحاب، من أنّه لا يعلم في التي لم تحض أنّ ذلك لكبرٍ أم لعارضٍ ، وكذا في التي لا تحيض، المقدّر فيها الشرط أيضاً، أنّ عدم حيضها هل يكون لصغر السِّن أو لمانع ؟

أقول: ويشهد بعدم كون المراد بها ما ذكره، النصوص الواردة عن الأئمّة عليهم السلام:

منها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن قول اللّه تعالى: (إِنِ اِرْتَبْتُمْ ) ، ما الريبة ؟

فقال عليه السلام: ما زاد على شهرٍ فهو ريبة، فلتعتدّ ثلاثة أشهر، ولتترك الحيض، وما

ص: 230

كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض، فعدّتها ثلاث حيض»(1).

ونحوه غيره.

وأيضاً: قد يستدلّ لهذا القول بجملةٍ من الأخبار:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام: «في الجارية التي لم تدرك الحيض ؟

قال: يطلّقها زوجها بالشهور»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «عِدّة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر، والتي قَعَدت عن المحيض ثلاثة أشهر»(3).

ومنها: خبره الآخر، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عِدّة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر»(4).

ومنها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عِدّة المرأة التي لاتحيض، والمستحاضة التي لا تطهر، والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض ثلاثة أشهر»(5).

ونحوها غيرها.

وفيه: أمّا الأخبار الاُخر غير هذه، وغير خبر أبي بصير الثاني، فهي مطلقة شاملة لعدم الحيض، مع كونها بالغة أو غير بالغة، يائسة أو غير يائسة، فيقيّد8.

ص: 231


1- التهذيب: ج 8/118 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/186 ح 28341.
2- التهذيب: ج 8/138 ح 81، وسائل الشيعة: ج 22/180 ح 28327.
3- التهذيب: ج 8/67 ح 142، وسائل الشيعة: ج 22/179 ح 28326.
4- التهذيب: ج 8/117 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/187 ح 28343.
5- التهذيب: ج 8/67 ح 143، وسائل الشيعة: ج 22/180 ح 28328.

إطلاقها بالنصوص المتقدّمة.

وأمّا خبر أبي بصير: فهو ضعيف السند بجماعةٍ من رواته، مع أنّه غير مسندٍ إلى الإمام.

وأمّا صحيحا ابن سنان والحلبي: فهما أيضاً مطلقان، لأنّ «لم تدرك الحيض» معناه لم يقع عليها الحيض، وهو أعمّ من كون مثلها تحيض أو لا تحيض، فيقيّد إطلاقهما أيضاً بالنصوص المتقدّمة.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّه لا عِدّة عليهما، ولا إشكال ولا ريب في الحكم.

أمّا الصغيرة: فقد صرّح الأصحاب بأن المراد بالصغيرة، هو من نقص سِنّها عن التسع.

وأشكل في ذلك سيّد «المدارك» وقال: (إنّ مورد الروايات التي لا تحيض مثلها، وهي تتناول من زاد سنّها على التسع إذا لم يحض مثلها، وقد وقع التصريح في صحيح جميل بعدم وجوب العِدّة على من لم يحمل مثلها، وإن كان قد دخل بها الزوج، مع أنّ الدخول بمن دون التسع محرّم، وحمله على الدخول المحرم خلاف الظاهر)(1)، انتهى.

وفيه أوّلاً: إنّ التي لاتحيض مثلها فُسِّرت في جملةٍ من الأخبار بمن لم تبلغ التسع، راجع موثّق ابن الحجّاج المتقدّم.

وثانياً: إنّ قوله: (حمل الدخول على المحرّم خلاف الظاهر) يدفعه التصريح في صحيح جميل وغيره، بأنّ الصبيّة التي لم تبلغ إذا دخل بها لا عِدّة عليها، ومعلومٌ أنّ1.

ص: 232


1- نهاية المرام: ج 2 / شرح ص 91.

الدخول بها محرّم، فلا إشكال في أنّ الموضوع غير البالغة، ولا تسقط العِدّة عن المتجاوزة عن التسع.

وإذا رأت المطلقة الحيض مرّة ثمّ بلغت اليأس، أكملت العِدّة بشهرين كما هو المشهور بينهم، للخبر الذي رواه هارون بن حمزة، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في إمرأة طلّقت وقد طعنت في السِّن، فحاضت حيضةً واحدة ثمّ ارتفع حيضها؟

فقال عليه السلام: تعتدّ بالحيضة وشهرين مستقبلين، فإنّها قد يئست من الحيض»(1).

***7.

ص: 233


1- التهذيب: ج 8/121 ح 15، وسائل الشيعة: ج 22/191 ح 28357.

وغير المدخول بها.

لا عِدّة على مَنْ لم يدخل بها

المقام الثاني: (و) لا عِدّة على (غير المدخول بها) إجماعاً من العلماء، كما حكاه أصحابنا كما في «الرياض»(1)، وتشهد به:

1 - الآية الكريمة المتقدّمة: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) (2).

2 - النصوص المستفيضة:

منها: صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل إمرأته قبل أن يدخل بها، فليس عليها عِدّة، تزوّج من ساعتها ان شاءت، وتبينها تطليقة واحدة، وإنْ كان فَرَض لها مَهراً فنصف ما فَرَض»(3).

ومنها: موثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل إمرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة، فقد بانت منه، وتتزوّج من ساعتها إن شاءت»(4).

ونحوهما غيرهما، وقد تقدّمت جملةٌ منها.

أقول: وتمام الكلام في هذا المقام يتحقّق في فروع:

ص: 234


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 11/111.
2- سورة الأحزاب: الآية 49.
3- التهذيب: ج 8/64 ح 130، وسائل الشيعة: ج 22/176 ح 28316.
4- الكافي: ج 6/84 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/175 ح 28315.

الفرع الأوّل: هل يعتبر الإنزال مع الدخول، أم يكفي الدخول ولو لم ينزل ؟

الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في عدم اعتباره، ويشهد به نصوص كثيرة:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجلٍ دخل بامرأةٍ؟

قال عليه السلام: إذا التقى الختانان وجب المَهر والعِدّة»(1).

ومنها: صحيح حفص بن البُختري، عنه عليه السلام: «إذا التقى الختانان وجب المَهر والعِدّة والغُسل»(2).

ومنها: موثّق يونس بن يعقوب، عنه عليه السلام: «لايوجبُ المَهر إلّاالوقاع في الفرج»(3).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام، قال: «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوّج إمرأةً فاُدخلت عليه، ولم يمسّها ولم يصل إليها حتّى طلّقها، هل عليها عِدّة منه ؟

فقال عليه السلام: إنّما العِدّة من الماء.

قيل له: فإنْ كان واقعها في الفرج ولم ينزل ؟

فقال عليه السلام: إذا أدخله وَجَب الغُسل والمَهر والعِدّة»(4).

وبه يظهر أنّه لابدّ من رفع اليد عن ظاهر الخبر الذي رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام حيث قال: «العِدّة من الماء»(5).

مع أنّه لا مفهوم له كي يدلّ على عدم العِدّة من غيره.3.

ص: 235


1- الكافي: ج 6/109 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/319 ح 27183.
2- الكافي: ج 6/109 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/319 ح 27184.
3- التهذيب: ج 7/464 ح 67، وسائل الشيعة: ج 21/320 ح 27186.
4- الكافي: ج 6/109 ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/319 ح 27181.
5- الكافي: ج 6/84 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/175 ح 28313.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

الفرع الثاني: لو أدخلها دُبُراً، فهل تجبُ العِدّة كما هو المشهور بين الأصحاب أم لا، كما عن ظاهر «التحرير»، حيث اقتصر على الدخول قُبُلاً؟ وجهان:

توقّف فيه صاحب «الحدائق»(1)، وتبعه صاحب «الرياض»(2) لولا الوفاق.

يشهد للأوّل: إطلاق النصوص، لأنّ الدخول أعمّ من كونه قُبُلاً أو دُبُراً، وكذا الوقاع في الفرج، لأنّ الدُبُر أحد المأتين وأحد الفرجين.

واستدلّ في «الحدائق» و «الرياض» للثاني: بانصراف النصوص إلى الفرد الشائع في الوطء وهو الجماع في القُبُل، لأنّه هو المندوب إليه، المحثوث إليه.

وفيه: ما تقدّم منّا مراراً من أنّ الانصراف الناشيء عن شيوع فردٍ وندرة آخر لايصلحُ لتقييد الإطلاق، سيّما مع كون ندرة ذلك لاتستلزم ندرة إطلاق الدخول والإيقاع والوطء عليه.

ويمكن أن يُستدلّ له: - وإنْ لم أرَ من استدلّ به - بمفهوم قوله في بعض النصوص المتقدّمة: «إذا التقى الختانان وَجَب المَهر والعِدّة» فإنّ مفهومه عدم وجوب العِدّة مع عدم التقاء الختانين، ولو مع الوطء دُبُراً، بل هذه الشرطيّة في صحيح حفص في فرض الدخول بها، فحينئذٍ أظهر الأفراد الداخلة في المفهوم هو الوطء دُبُراً.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ مفهومه عامٌ شامل لما إذا لم يدخل أصلاً أو أدخل دُبُراً.

وعليه، فالنسبة بين مفهوم هذه النصوص، ومنطوق ما دلّ على وجوب العِدّة بالدخول مطلقاً، عمومٌ من وجه، فيكون المرجع إلى المرجّحات، وهي تقتضي2.

ص: 236


1- الحدائق الناضرة: ج 25/394.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 11/112.

تقديم نصوص الوجوب لكونها المشهورة بين الأصحاب.

الفرع الثالث: صرّح جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني، وسبطه(1):

بأنّه يلحق بالوطء دخول المني المحترم في الفرج، فيلحق به الولد إن فُرض، وتعتدّ بوضعه.

أقول: وهو الأظهر، وذلك:

أمّا إلحاق الولد: فيشهد به النصوص(2) كما مرَّ في مبحث أحكام الاولّاد من كتاب النكاح(3).

وأمّا الاعتداد: فإن أرادوا به مطلقاً، فيمكن أن يستدلّ له بقوله عليه السلام في خبر محمّد بن مسلم المتقدّم آنفاً: «العِدّة من الماء»، وقوله عليه السلام في صحيح ابن سنان: «وإنّما العِدّة من الماء».

وإن أرادوا به خصوص صورة الحَمْل، فيمكن أن يستدلّ له بإطلاق النصوص(4) الآتية، المتضمّنة: «أنّ طلاق الحامل واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه»، وفي بعضها: «وإنْ شاء راجعها قبل أن تضع».

ودعوى: أنّها في مقام بيان مقدار العِدّة الواجبة، لا في مقام بيان أصل الوجوب، فلا إطلاق لها من هذه الجهة، ممنوعة.

فإنْ قيل: إنّ النسبة بين النصوص في الصورتين، وبين ما دلّ على تعليق وجوب العِدّة على الدخول، عمومٌ من وجه، فما الوجه في تقديم هذه ؟1.

ص: 237


1- مسالك الأفهام: ج 10/191، نهاية المرام: ج 2/77.
2- وسائل الشيعة: ج 21/378 باب 16 من أبواب أحكام الأولاد.
3- فقه الصادق: ج 33/311.
4- وسائل الشيعة: ج 22/193 باب 9 من أبواب العدد ح 28361.

قلنا: إنّه قد حُقّق في محلّه أنّه لو ترتّب جزاء واحد على شرطين، نظير: (إذا خفى الأذان فقصّر) و (إذا خفى الجدران فقصّر)، فإنّ مقتضى الجمع العرفي بين الدليلين، هو تقييد إطلاق كلّ من الدليلين المقابل للتقييد ب (أو)، فتكون النتيجة: إذا خفى الأذان أو خفى الجدران فقصّر.

وعليه، ففي المقام أيضاً يكون مقتضى الجمع بين الدليلين أنّه: إذا أدخل، أو دخل ماؤه في الفرج، أو حملت، تجبُ العِدّة، فلا تنافي بين النصوص.

وبذلك يظهر ما في «الحدائق» حيث إنّه بعدما نَقَل هذه الفتوى، قال: (وعندي فيه توقّف، لعدم الوقوف على نصٍّ يصلح دليلاً لهذا الإلحاق)(1).

الفرع الرابع: نقل جمعٌ من الأصحاب: أنّه لا فرق بين وطء الكبير والصغير وإن نقص سنّه عن زمان إمكان التولّد منه عادةً ، واستدلّ له بإطلاق النّص.

وأورد عليهم صاحب «الحدائق»: (بأنّ الإطلاق ينصرفُ إلى الأفراد الشائعة المتعارفة المتكرّرة، وهي هنا البالغ دون الصغير، فإنّه نادرٌ، بل مجرّد فرضٍ ، واستأنس له بمادلّ على عدم حصول التحليل بالغلام الذي لم يحتلم حتّى يبلغ(1)، فإنّ فيه إيماءٌ إلى عدم ترتّب الأحكام الشرعيّة على نكاح غير البالغ)(3).

وفيه: ما تقدّم من أنّ شيوع فردٍ وندرة آخر لايكونان مناط الانصراف إليه وعنه، فالمتّبع هو الإطلاق، والإستيناس بما ذكر لا يَخرجُ عن القياس.

وعليه، فالأظهر عدم الفرق بينهما.

الفرع الخامس: مقتضى إطلاق النصوص وجوب العِدّة ولو أدخلته وهو نائم،5.

ص: 238


1- الكافي: ج 6/76 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/130 ح 28195.

فإنّ ظاهر النصوص ترتّب ذلك على مجرّد الدخول، ومقتضى إطلاقها ذلك.

الفرع السادس: ظاهر كلام الأصحاب وصريح جمعٍ منهم: وجوب العِدّة على مدخولة الخصيّ ، وفيه روايتان:

إحداهما: دالّة على وجوب العِدّة، وهي صحيحة أبي عُبيدة الحذّاء، قال:

«سُئل أبو جعفر عليه السلام: عن خصيّ تزوّج إمرأةً وهي تعلم أنّه خصي ؟ قال: جائز.

قيل له: إنّه مكثَ معها ما شاء اللّه، ثمّ طلّقها هل عليها عِدّة ؟

قال عليه السلام: نعم، أليس قد لذّ منها ولذّت منه... الحديث»(1).

وثانيتهما: دالّة على عدمه، وهي صحيحة البزنطي، قال: «سألتُ الرّضا عليه السلام:

عن خصيّ تزوّج إمرأةً على ألف درهم، ثمّ طلّقها بعدما دخل بها؟

قال عليه السلام: لها الألف التي أخذت منه، ولا عِدّة عليها»(2).

أقول: قد جَمَع المحدّث الكاشاني رحمه الله بينهما بحمل الأُولى على الاستحباب(3).

وفيه: إنّ هذا ليس جمعاً عرفيّاً لتهافت (نعم) و (لا) عند العرف.

وعليه، فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّحات، والترجيح مع الأُولى، لأنّ على مضمونها الأصحاب كما في «الجواهر»(4)، فالأظهر ثبوت العِدّة.

الفرع السابع: لو كان الزوج مقطوع الذكر سليم الاُنثيّين:

قال في محكيّ «المبسوط»(5): (تجبُ العِدّة إنْ ساحقها، فإنْ كانت حاملاً6.

ص: 239


1- الفقيه: ج 3/424 ح 4472، وسائل الشيعة: ج 21/227 ح 26957.
2- التهذيب: ج 7/375 ح 80، وسائل الشيعة: ج 21/303 ح 27135.
3- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 25/396.
4- جواهر الكلام: ج 32/214-215.
5- المبسوط: ج 5/186.

فبالوضع، وإلّا فبالأشهر دون الأقراء)، واستدلّ لذلك:

1 - بإمكان الحمل عادةً بالمُساحقة مع بقاء الاُنثيّين.

2 - وبشمول المسّ لذلك وغيره، خرج غيره من الملامسة بسائر الأعضاء بالإجماع وبقي الباقي، فحينئذٍ إن حَمَلت اعتدّت بوضع الحمل، وإلّا فبالأشهر، ولا يتصوّر أن تعتدّ بالأقراء، فإنّ عِدّة الأقراء إنّما تكون عن طلاقٍ بعد الدخول، والدخول يتعذّر من جهته(1).

وفيه: إنّ الموجب للعِدّة أحد الأمرين: إمّا الدخول، أو الإنزال في فرجها كما تقدّم، ومع تحقّق أحدهما تعتدّ حتّى بالأقراء، وبدونهما لا تجبُ العِدّة.

وتعليقها على المسّ في الآية الكريمة وإنْ اقتضى ثبوت العِدّة في مساحقة المجبوب، إلّاأنّ إطلاقها يقيّد بالنصوص الدالّة على أنّ السبب أحد الأمرين، فبدونهما لا تجبُ العِدّة، وعلى فرض العِدّة لا فرق بين عِدّة الأقراء والأشهر.

وعليه، فإنْ علم بالإنزال في فَرجها، ولو بأنْ حَمَلت، الكاشف عن الإنزال تعتدّ، وإلّا فلا.

ولعلّه إلى ذلك نظر المحقّق في «الشرائع»، فإنّه بعدما نَقَل عن الشيخ ما عرفت، وتردّد فيه من جهة أنّ العِدّة ترتّبت على الوطء، قال: (نعم لو ظَهَر حملٌ اعتدّت منه بوضعه، لإمكان الإنزال)(2).

وفي محكيّ «القواعد»: (وكذا لو كان مقطوع الذكر والاُنثيّين، أي تعتدّ بالوضع8.

ص: 240


1- جواهر الكلام: ج 32/215.
2- شرائع الإسلام: ج 3/598.

لو ساحقها فَحَملت)(1)، ولكن قال على إشكال.

وفي «الجواهر»: (ولعلّه من الفراش، وكون معدن المنيّ الصُّلب بنصّ الآية، ومن قضاء العادة بالعدم مع انتفاء الاُنثيّين)(2).

الظاهر بناءً على ما تقدّم الاعتداد، لأنّ الحمل أمارة لدخول منيّه في فرجها، فتجبُ عليها العِدّة.

الفرع الثامن: هل تجبُ العِدّة بالخلوة بدون الوطء، وبدون وضع مائه فيها كما عن ابن الجُنيد(3)، أم لا تجبُ كما هو المشهور بين الأصحاب(4)؟

وجهان، والنصوصُ في ذلك متعارضة، وقد مرَّ الكلام في ذلك في مبحث المهور(5) في مسألة استقرار المَهر بالخلوة، وبيّنا هناك ما يقتضيه الجمع بين النصوص.

ومحصّله: أنّ الخلوة ليست بنفسها سبباً لاستقرار المَهر، ولا ثبوت العِدّة، ولكنّها أمارة على الوطء، فلو ادّعت الوطء وأنكره مع الخلوة حكم في الظاهر لها، فراجع ما ذكرناه(6).

***2.

ص: 241


1- قواعد الأحكام: ج 3/138.
2- جواهر الكلام: ج 32/216.
3- فتاوى ابن الجنيد للأشتهاردي: ص 284.
4- حكى الشهرة في الحدائق الناضرة: ج 25/398. (5و6) فقه الصادق: ج 33/112.

والمستقيمة الحيض عدَّتها ثلاثة أقراء إن كانت حُرَّة.

تعتدّ المستقيمة الحيض بالأقراء

(و) المقام الثالث: في (المستقيمة الحيض):

وهي التي يأتيها حيضها في كلّ شهرٍ مرّة على عادة النساء، وفي معناها المعتادة الحيض فيما دون الثلاثة أشهر، وأمّا المعتادة فيما فوقها، فستعرف أنّ حكمها غير حكم هذه.

وكيف كان، ف (عِدّتها ثلاثة أقراء إنْ كانت حُرّة) بلا خلافٍ بين العلماء من الخاصّة والعامّة، وتشهد به الآية الكريمة المتقدّمة: (وَ اَلْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (1)، والنصوص الكثيرة الآتية جملة منها.

أقول: إنّما الكلام في أنّ المراد بالقُرء هل هو الطُّهر أو الحيض ؟

المشهور بين الأصحاب هو الأوّل، بل عن صريح جماعةٍ وظاهر آخرين دعوى الإجماع عليه، ولم يُنسب الخلاف إلى أحدٍ سوى ما عن المفيد(2) من التفصيل بين الطلاق في مستقبل الطُّهر فثلاثة أطهار، وفي آخره فثلاث حيضات، واستقربه بعض المتأخّرين.

ولا يهمّنا البحث في:

أنّ القُرء في اللّغة مشتركٌ بين الحيض والطُّهر لفظاً أو معنى.

ص: 242


1- سورة البقرة: الآية 228.
2- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 32/219.

أو أنّه حقيقة في أحدهما مجازٌ في الآخر.

ولا البحث في اختلاف القُرء بالضَّم والفتح - وأنّ الأوّل للطهر ويُجمع على قروء، والثاني للحيض ويُجمع على أقراء - واتّحادهما، لورود النصوص في المراد به في المقام.

بل المهمّ البحث عن النصوص الواردة في المقام، فإنّ فيها طائفتين من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على أنّ المراد به الطُّهر:

منها: صحيح زرارة أو حسنه، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الأقراء هي الاطهار»(1).

ومنها: صحيحه الآخر أو حسنه، عنه عليه السلام، قال:

«قلتُ : أصلحكَ اللّه، رجلٌ طلّق إمرأته على طُهرٍ من غير جماع بشهادة عدلين ؟

فقال عليه السلام: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عِدّتها، وحلّت للأزواج.

قلتُ : أصلحك اللّه، إنّ أهل العراق يروُون عن عليّ عليه السلام أنّه قال: هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ؟

فقال عليه السلام: فقد كذبوا»(2).

ومنها: صحيحه الثالث، عنه عليه السلام: «المطلَّقة إذا رأت الدّم من الحيضة الثالثة، فقد بانت منه»(3).

ومنها: موثّقه الرابع المرويّ عنه بأسانيد عديدة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «أوّل دمٍ رأته من الحيضة الثالثة فقد بانت منه»(4).8.

ص: 243


1- الكافي: ج 6/89 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/201 ح 28383.
2- الكافي: ج 6/86 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/203 ح 28390.
3- الكافي: ج 6/87 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/205 ح 28396.
4- الكافي: ج 6/87 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/206 ح 28398.

ومنها: صحيحه الخامس، عن أحدهما عليهما السلام: «المطلَّقة ترثُ وتورث حتّى ترى الدّم الثالث، فإذا رأته فقد انقطع»(1).

ومنها: صحيحه السادس أو حسنه، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قلت له: إنّي سمعتُ ربيعة الرأي يقول: إذا رأتِ الدّم من الحيضة الثالثة بانت منه، وإنّما القُرء ما بين الحيضتين، وزَعم أنّه إنّما أخذ ذلك برأيه ؟

فقال أبوجعفر عليه السلام: كذب لعمري، ما قال ذلك برأيه، ولكنّه أخذه عن عليّ عليه السلام.

قال: قلت: وما قال عليٌّ فيها؟

قال عليه السلام: كان يقول: إذا رأت الدّم من الحيضة الثالثة، فقد انقضت عِدّتها، ولا سبيل له عليها، وإنّما القُرء ما بين الحيضتين. الحديث»(2).

ومنها: صحيحه السابع، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: سمعتُ ربيعة الرأي يقول: من رأيي أنّ الإقراء التي سَمّى اللّه عزّ وجلّ في القرآن إنّما هو الطُّهر فيما بين الحيضتين.

فقال عليه السلام: كذب لم يقل برأيه، ولكنّه إنّما بلغه عن عليٍّ عليه السلام.

فقلت: أكان عليٌّ عليه السلام يقول ذلك ؟

فقال عليه السلام: نعم، إنّما القُرء الطُّهر الذي يقرأ فيه الدّم فيجمعه فإذا جاء المحيض دفعه»(3).

ومنها: موثّق الجُعفي، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرّجل يطلِّق إمرأته ؟ قال عليه السلام: هو4.

ص: 244


1- الكافي: ج 6/87 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/204 ح 28392.
2- الكافي: ج 6/88 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/204 ح 28393.
3- الكافي: ج 6/89 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/201 ح 28384.

أحقّ برجعتها ما لم تقع في الدّم الثالث»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم(2) وزرارة، قالا: «قال أبو جعفر عليه السلام: القُرء ما بين الحيضتين»(3).

ومنها: خبر موسى بن بكر، عنه عليه السلام في حديثٍ : «أنّ عليّاً عليه السلام قال: إنّما القُرء ما بين الحيضتين»(4).

إلى غير ذلك من النصوص المتواترة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ المراد به الحيض:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «عِدّة الي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء وهي ثلاث حيض»(5).

ومثله صحيح أبي بصير.

ومنها: موثّق عبداللّه بن ميمون، عن الإمام الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال:

«قال عليّ عليه السلام: إذا طلّق الرّجل المرأة، فهو أحقّ بها ما لم تغتسل من الثالثة»(6).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الرّجل يطلِّق إمرأته تطليقة على طُهرٍ من غير جماع يدعها حتّى تدخل في قرئها الثالث، ويحضر غسلها ثُمّ يراجعها ويشهد على رجعتها؟1.

ص: 245


1- الكافي: ج 6/87 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/206 ح 28400.
2- التهذيب: ج 8/123 ح 23، وسائل الشيعة: ج 22/201 ح 28382.
3- التهذيب: ج 8/122 ح 22، وسائل الشيعة: ج 22/201 ح 28381.
4- الكافي: ج 6/88 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/202 ح 28386.
5- وسائل الشيعة: ج 22/202 ح 28387.
6- التهذيب: ج 8/125 ح 31، وسائل الشيعة: ج 22/207 ح 28401.

قال: هو أملك بها ما لم تحلّ لها الصلاة»(1).

ومنها: خبر الحسن بن زياد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «هي ترث وتُورث ما كان له الرَّجعة بين التطليقتين الأوليتين حتّى تغتسل»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: جمع الشيخ المفيد رحمه الله بين الأخبار بما نقلناه عنه سابقاً، ولكنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له أصلاً، وقاعدة: (الجمعُ مهما أمكن أولى من الطرح) إنّما هي في الجمع العرفي لا التبرّعي.

وقد ذكر الأصحاب للنصوص الثانية محامل كلّها خلاف الظاهر، مثل حمل الخبرين الأولين على إرادة عدم استيفاء الثالثة، وما شاكل.

وعليه، فالأولى أن يقال إنّهما متعارضتان، والترجيح مع الأُولى من وجوهٍ شتّى ، فيطرح الثانية، ويُردّ علمها إلى أهلها، فلا إشكال في الحكم.

وأيضاً: المعروف بين الأصحاب احتساب الطُّهر الذي وقع الطلاق فيه من أحد الأطهار الموجبة للخروج عن العِدّة.

وعن سيّد «المدارك»: (إنّ هذا الحكم مقطوعٌ به في كلام الأصحاب، وظاهرهم أنّه موضع وفاق)(3)، انتهى .

ويشهد به: ما في النصوص المتقدّمة من انقضاء العِدّة بالدخول في الدّم الثالث، فإنّه مبنيّ على احتساب الطُّهر الواقع فيه الطلاق من الأطهار الثلاثة، فلو حاضت1.

ص: 246


1- التهذيب: ج 8/127 ح 36، وسائل الشيعة: ج 22/208 ح 28404.
2- التهذيب: ج 8/127 ح 37، وسائل الشيعة: ج 22/208 ح 28405.
3- نهاية المرام: ج 2 / شرح ص 81.

بعد الطلاق ولو بلحظةٍ ، لصدق الطُّهر على تلك اللّحظة، كما هو مقتضى إطلاق الأدلّة، ولكن لو فرض أنّها حاضت بعد انتهاء لفظ الطلاق بلا فصلٍ ، فالطلاق صحيحٌ ، لكنّه لا يُحتسب ذلك من الأطهار، لعدم طهر بعد الطلاق.

ولا يتوهّم: أنّ مقتضى إطلاق تلك الأخبار انقضاء العِدّة بالدخول في الحيضة الثالثة حتّى في هذا المورد.

فإنّه لابدَّ من الاعتداد بثلاثة قروء إجماعاً وكتاباً وسُنّةً ، وفي الفرض لم يكن قُرءٌ بعد الطلاق، فإطلاق هذه الأخبار بقرينة ما ذكر يُنزّل على الغالب، إذ فرض وقوع الحيض بعد انتهاء الصيغة بلا فصلٍ نادرٌ جدّاً.

وأيضاً: لو شكّت في أنّ الحيض اتّصل بالطلاق، أم كان بينهما لحظة من الطُّهر؟ يُبنى على الثاني للاستصحاب، أي استصحاب بقاء الطُّهر، ولا يعارضه استصحاب بقاء العِدّة والزوجيّة لحكومته عليهما كما لا يخفى .

أقول: أطلق غير واحدٍ من الأصحاب خروجها عن العِدّة برؤية الدّم الثالث كالنصوص، لكن قال المحقّق في «الشرائع»:

(هذا إذا كانت عادتها مستقرّة بالزمان - أي تكون صاحبة العادة الوقتيّة، سواء كانت صاحبة العادة العدديّة أيضاً أم لم تكن - وإلّا صبرت إلى انقضاء أقل الحيض أخذاً بالاحتياط)(1).

والظاهر أنّ ما أفاده رحمه الله يتمّ لو لم نقل بأنّ المرأة ذات العادة الوقتية وغيرها تتحيّض برؤية الدّم.8.

ص: 247


1- شرائع الإسلام: ج 3/598.

ودعوى: أنّ مقتضى إطلاق نصوص المقام هو انقضاء عِدّتها بمجرّد رؤية الدّم في المقام، وإن لم نبن على التحيّض بها.

مندفعة: بأنّ نصوص الباب أكثرها مقيّدة بالدخول في الحيضة الثالثة، وقد ذكر ذلك بصورة القضيّة الشرطيّة في صحيح زرارة، فمع عدم الحيض لا إشكال في عدم الانقضاء.

ولا يتمّ ما أفاده المحقّق لو بنينا على التحيّض بها، لقاعدة الإمكان وغيرها.

واحتمال انقطاع الدّم قبل ثلاثة أيّام، الكاشف عن عدم كونه حيضاً جارٍ في ذات العادة أيضاً.

وعليه، فالأخذ بالاحتياط فيهما على حَدٍّ سواء، ولا بأس به استحباباً لا وجوباً.

أقول: ولا يخفى عدم الفرق في العِدّة بالأقراء بين المطلَّقة، والمفسوخ نكاحها من قِبله، أو من قِبلها، بل والموطوءة شبهةً بلا خلافٍ ، لإطلاق جملةٍ من النصوص، والاقتصار على ذكر المطلَّقة في المتن ونحوه لكونها الأصل في هذه العِدّة، باعتبار ذكرها في الكتاب وأكثر النصوص، بل لو كانت جميع النصوص مختصّة بالمطلّقة لقلنا بثبوت عِدّة الأقراء، بل العِدّة بالأشهر والوضع أيضاً لمن ذكرت، نظراً إلى أنّه لو بيّن الشارع موضوع حكمه في موردٍ، ثمّ حكم على ذلك الموضوع في موردٍ إجمالاً من دون أن يبيّن مقتضى الإطلاق المقامي إعتبار جميع ما يعتبر في الأصل في الفرع، مثلاً لو أمر الشارع الأقدس بصوم شهر رمضان، وبيّن الصوم بجميع ما يعتبر فيه، وقال إنّه الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطّرات، وبيّنها أيضاً،

ص: 248

وإلّا فقُرءان،

ثمّ أمر بصوم يوم الغدير استحباباً، يكون مقتضى الإطلاق المقامي اعتبار جميع قيود الصوم الواجب فيه.

وعليه، ففي المقام إذا حكم الشارع بلزوم أن تعتدّ المطلَّقة، وبيّن العِدّة الأقرائيّة منها والأشهريّة، ثمّ حكم في موردٍ آخر بوجوب العِدّة من دون أن يبيّن حَدّها، يُحمل على إرادة اعتبار ما في عِدّة الطلاق فيها، فتدبّر.

هذا كلّه إذا كانت المُطلَّقة حُرَّة (وإلّا ف) عِدّتها (قُرءان) بلا خلافٍ نصّاً وفتوى.

***

ص: 249

وإنْ كانت في سِنّ من تحيض ولا حيض لها، فعِدّتها ثلاثة أشهر إنْ كانت حُرّة.

عِدّة ذات الشهور

(و) المقام الرابع: في حكم عِدّة ذات الشهور:

ف (إن كانت) المطلَّقة (في سِنّ من تحيض ولا حيض لها، فعِدّتها ثلاثة أشهر، إن كانت حُرّة) بلا خلافٍ فيه.

ولا فرق عندهم بين كون انقطاع حيضها خَلْقيّاً أو لعارضٍ من حَمْلٍ أو إرضاعٍ أو مرض.

وخالفهم القاضي(1)، والمُفلح الصّيمري(2) في الأخيرين.

أقول: وكيف كان، فيشهد لأصل الحكم - مضافاً إلى الإجماع المحكيّ عن جماعةٍ -:

1 - الآية الكريمة: (وَ اَللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ اَلْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ اِرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اَللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (3).

وقد تقدّم في المقام الأوّل من هذا الفصل تقريب الاستدلال بها، فراجع(4).

2 - وجملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة أو حسنه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «أمران أيّهما سبق بانت به

ص: 250


1- المهذّب: ج 2/320.
2- غاية المرام: ص 133 مخطوط حكاه عنه في الرياض: ج 11/117.
3- سورة الطلاق: الآية 4.
4- صفحة 228 من هذا المجلّد.

المطلّقة المسترابة: تستريب الحيض إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض، ليس فيهادمٌ ، بانت به، وإنْ مرّت بها ثلاثة حيض، ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر، بانت بالحيض»(1).

ومنها: موثّقه الآخر، عن أحدهما عليهما السلام: «أيّ الأمرين سبق إليها فقد انقضت عِدّتها: إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر، لا ترى فيها دماً، فقد انقضت عِدّتها، وإن مرّت ثلاثة أقراء فقد انقضت عِدّتها»(2).

ومنها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عِدّة المرأة التي لا تحيض، والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر، وعِدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء»(3).

إلى غير ذلك من النصوص التي ستمرّ عليك جملة منها في ضمن الفروع الآتية، وعليه فلا إشكال في أصل الحكم.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: مقتضى إطلاق نصوص الباب، عدم الفرق بين كون انقطاع الحيض خَلْقيّاً أو لعارضٍ ، بل يشهد به في خصوص العارض موثّق أبي العبّاس، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ طلّق إمرأته بعدما ولدت وطهرت، وهي إمرأة لا ترى دماً ما دامت ترضع، ما عِدّتها؟

قال عليه السلام: ثلاثة أشهر»(4).0.

ص: 251


1- الكافي: ج 6/98 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/185 ح 28339.
2- الكافي: ج 6/100 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/184 ح 28337.
3- الكافي: ج 6/100 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/186 ح 28341.
4- الكافي: ج 6/99 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/185 ح 28340.

وبهما يقيّد إطلاق أدلّة اعتداد المطلّقات بالأقراء إنْ شمل إطلاقها للمقام.

الفرع الثاني: لو فرض عروض الحيض لها قبل مضيّ ثلاثة أشهر، تعتدّ بالأقراء، كما أنّ ذات الأقراء لو فرض عروض مانع لها من الحيض تعتدّ بالأشهر، لأنّ العِدّة أحد الأمرين: الأقراء الثلاثة، والشهور، وأيّتهما سبقت كان الاعتداد بها، وتدلّ عليه النصوص المتقدّمة وغيرها، وهذا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال فيما لو مرّت بها الأشهر البيض، بعد أن رأت الحيض ولو مرّةً بعد الطلاق، قبل أن تمضي الأشهر البيض:

ففي «الجواهر»(1): أنّها تنقضي عِدّتها بثلاث أشهر.

وفي «الرياض»(2): أنّها لابدَّ وأنْ تعتدّ بالأقراء.

أقول: ومنشأ الاختلاف أنّ الثلاثة أشهر التي جعلت زمان العِدّة، هل الثلاثة المتّصلة بالطلاق، أو الأعمّ منها ومن الثلاثة ولو لم تتّصل به ؟

واستدلّ في «الرياض»: - لما ذهب إليه، وأسنده إلى الأصحاب إلّامن شَذّ ممّن تأخّر - بأنّ مقتضى إطلاق النصوص وإنْ كان الاكتفاء بثلاثة أشهر بيض، ولو كانت بعد حيضة أو حيضتين، إلّاأنّه يتعيّن تقييد إطلاقها بالنصوص الآتية المصرّحة بأنّها لو رأت في الثلاثة المتّصلة بحين الطلاق تعتدّ بثلاثة أشهر بعد الصبر تسعة أشهر أو ستّة لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء.

وفيه: أنّها كما سيأتي مختصّة بمستقيمة الحيض التي عَرَض لها ارتفاع الحيض،).

ص: 252


1- جواهر الكلام: ج 32/248.
2- رياض المسائل: ج 11/118 (ط. ج).

ولم تعلم بسببها، ومن المحتمل كونه الحمل، ولا وجه للتعدّي عنها إلى كلّ مسترابةٍ بالحيض أو بالحمل.

وعليه، فالأظهر هو ما في «الجواهر»:

1 - لإطلاق النصوص.

2 - ولخصوص صحيح زرارة أو حسنه المتقدّم: «المسترابة تستريب الحيض إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض، ليس لها دم بانت به، وإنْ مرّت ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر، بانَت بالحيض.

قال ابن أبي عُمير: قال جميل: وتفسير ذلك إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّايوماً فحاضت، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّايوماً فحاضت، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت، فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه، ولا تعتدّ بالشهور. وإنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها، فقد بانت»(1).

فالمتحصّل: أنّ القاعدة المستفادة من النصوص، هي أنّ المطلّقة تعتدّ بأيّ الأمرين سبق إليها: الأقراء أو الأشهر، وإن لم تكن الشهور متّصلة بالطلاق.

نعم، يستثنى من ذلك ما لو رأت في الشهر الثالث حيضةً ، وتأخّرت الثانية أو الثالثة، فإنّ فيها روايتين:

إحداهما: أنّها تصبر تسعة أشهر ثمّ تعتدّ بعد ذلك بثلاثة أشهر، وهي رواية سورة ابن كُليب المعتبرة بوجود المُجمع على تصحيح رواياته في سندها، قال:

«سُئل أبو عبداللّه عليه السلام: عن رجلٍ طلّق إمرأته تطليقة واحدة عليطُهرٍ من غير جماع9.

ص: 253


1- التهذيب: ج 8/118 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/185 ح 28339.

بشهودٍ طلاق السُّنة، وهي ممّن تحيض، فمضى ثلاثة أشهر فلم تحض إلّاحيضة واحدة، ثمّ ارتفع حيضتها حتّى مضى ثلاثة أشهر أُخرى ، ولم تدر ما رَفَع حيضتها؟

فقال عليه السلام: إنْ كانت شابّة مستقيمة الطمث، فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلّا حيضة، ثمّ ارتفع طمثها، فلا تدري ما رفعها، فإنّها تتربّص تسعة أشهر من يوم طلّقها، ثمّ تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر، ثمّ تتزوّج إن شاءت»(1).

ثانيتهما: موثقة عمّار الساباطي، قال:

«سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الرّجل عنده إمرأة شابّة وهي تحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة، كيف يطلّقها زوجها؟

فقال عليه السلام: أمر هذه شديد، هذه تُطلّق طلاق السُّنة تطليقة واحدة على طُهرٍ، من غير جماعٍ بشهود، ثمّ تُترك حتّى تحيض ثلاث حيض، متى حاضتها فقد انقضت عِدّتها.

قلت له: فإنْ مرضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض ؟

فقال عليه السلام: يتربّص بها بعد السنة ثلاثة أشهر، ثمّ قد انقضت عِدّتها.

قلت: فإنْ ماتت أو مات زوجها؟

قال: أيّهما ماتَ ورثه صاحبه، ما بينه وبين خمسة عشر شهراً»(2).

أقول: والكلام في المقام يقع:

تارةً : في الجَمع بين الخبرين.

وأُخرى : في التعدّي عن موردهما:8.

ص: 254


1- وسائل الشيعة: ج 22/199 ح 28379.
2- التهذيب: ج 8/119 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/199 ح 28378.

أمّا الأوّل: فعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(1) حمل الثاني على احتباس الدّم الثالث.

وفي «الشرائع»(2): أنّه تحكّمٌ ، وهو كذلك لعدم شاهدٍ على ذلك، والأظهر أنّه لاتعارض بينهما، فإنّ الخبر الأوّل في مستقيمة الحيض التي تحيض في كلّ شهرٍ مرّة، والثاني فيمن تحيض كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة، فلا تعارض بينهما، ولكن الظاهر عدم العامل بالخبر الثاني.

وعن الشيخ في «الاستبصار»(3) حمله على ضرب من الندب والاحتياط، فهو مطروحٌ ويبقى الأوّل.

وأمّا الثاني: فقد استدلّ بخبر سورة صاحب «الحدائق» رحمه الله، قائلاً: (بأنّ مسترابة الحمل تصبر تسعة أشهر لبراءة رحمها، فإنْ ظَهر عدم كونها حاملاً تصبر ثلاثة أشهر بعد التسعة)(4).

ويرد عليه: أنّه لم يفرض في الرواية كونها مسترابة الحمل، واستفادة ذلك من حكمه عليه السلام بأنّها تتربّص تسعة أشهر من جهة أنّها أقصى الحمل، يدفعها فرض ذلك من حين الطلاق، لا من حين الوطء، فلو فرض كونه معتزلاً لها أزيد من ثلاثة أشهر، تجاوزت المدّة المذكورة أقصى الحمل على جميع الأقوال.

وأيضاً: فعمومه يشمل ما لو علمت عدم الحمل من الأوّل، أو علمت به في الأثناء، من جهة أنّ الحمل يظهر بعد مضيّ ثلاثة أشهر غالباً، كما تشير إليه1.

ص: 255


1- النهاية: ص 533.
2- شرائع الإسلام: ج 3/600.
3- الإستبصار: ج 3/323 في ذيل ح 2.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/311.

النصوص، وسيجيء لذلك زيادة توضيح.

أقول: حيث يكون الاعتداد بعد مضيّ التسعة أشهر، وتبيّن عدم الحمل، ومضيّ عِدّة غير المسترابة من الأقراء أو الشهور بثلاثة أشهر خلاف القاعدة والحكم، رتّب على موضوعٍ خاصّ ، فالمتعيّن الاقتصار على مورده، وعدم التعدّي عنه.

وعليه، فهل يقتصر على ما إذا رأت الدّم في الشهر الثالث كما عن ظاهر «الشرائع»(1)، أم يعمّ ما لو رأت في الشهر الأوّل أو الثاني واحتبس ؟

مقتضى الجمود على النّص هو الأوّل، لظهور السؤال فيه، فإلحاق غيره يحتاجُ إلى دليلٍ وليس إلّاالوجوه الاعتباريّة.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لاوجه لحمل الخبر على مسترابة الحمل التي رأت الدّم في دون الثلاثة أشهر، ثمّ ارتفع حيضها ولو لعارضٍ معلومٍ من عادةٍ ونحوها، كما عن غير واحدٍ، بل المتّجه الاقتصار على مورد النّص.

عِدّة من تحيض في كلّ ثلاثة أشهر أو أزيد مرّة

الفرع الثالث: لو كانت لاتحيض إلّابعد ثلاثة أشهر أو أزيد مرّة، فلا خلاف في أنّها تعتدّ بالأشهر دون الأقراء، بل عن «الخلاف»(2)، و «السرائر»(3)، و «كشف اللّثام»(4) دعوى الاتّفاق عليه.

ص: 256


1- شرائع الإسلام: ج 3/600.
2- الخلاف: ج 5/69.
3- السرائر: ج 2/742.
4- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/136.

أقول: ويشهد به نصوصٌ :

منها: حسن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن التي لا تحيض إلّافي ثلاث سنين أو في أربع سنين ؟

قال عليه السلام: تعتدّ بثلاثة أشهر ثمّ تتزوّج إنْ شاءت»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، أنّه قال:

«في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة، أو في ستّة، أو في سبعة أشهر، والمستحاضة، والتي لم تبلغ الحيض، والتي تحيض مرّة ويرتفع مرّة، والتي لا تطمع في الولد، والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنّها لم تيأس، والتي ترى الصُفرة من حيضٍ ليس بمستقيم فذكر: أنّ عِدّة هؤلاء كلهنّ ثلاثة أشهر»(2).

ومنها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المرأة التي يطلّقها زوجها وهي تحيض كلّ ثلاثة أشهر حيضة ؟

فقال عليه السلام: إذاانقضت ثلاثة أشهر أنقضت عِدّتها، يحسب لهالكلّشهرٍ حيضة»(3).

ومنها: صحيح أبي مريم، عنه عليه السلام: «عن الرّجل كيف يطلّق إمرأته وهي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر حيضة واحدة ؟

قال عليه السلام: يطلّقها تطليقة واحدة في غُرّة الشهر، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلّقها، فقد بانت منه، وهو خاطبٌ من الخطّاب»(4).0.

ص: 257


1- الفقيه: ج 3/513 ح 4800، وسائل الشيعة: ج 22/187 ح 28345.
2- الكافي: ج 6/99 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/183 ح 28335.
3- الكافي: ج 6/99 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/184 ح 28336.
4- التهذيب: ج 8/120 ح 13، وسائل الشيعة: ج 22/200 ح 28380.

ومنه يعلم كون المراد من (حيضها في كلّ ثلاثة أشهر) بعدها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص نصوصٌ اُخرى تدلّ على أنّ من تحيض كلّ ثلاثة سنين مرّة تعتدّ بعادتها السابقة:

منها: خبر أبي الصباح الكناني، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن التي تحيض كلّ ثلاث سنين مرّة، كيف تعتدّ؟

قال عليه السلام: تنتظر مثل قُرئها الذي كانت تحيض فيه في الاستقامة، فلتعتدّ ثلاثة قروء، ثمّ لتتزوّج إنْ شاءت»(1).

هكذا رواه الصَّدوق، ولكن الكليني(2)، و الشيخ(3) روياه مع تبديل سنين بأشهر.

أقول: ولا يبعد أصحيّة الأوّل، فإنّ الخبر مرويٌّ (4) عن الكناني بطريقٍ آخر مع لفظ سنين، وأيضاً فيطابق على هذا على خبري أبي بصير(5) وهارون بن حمزة الغَنَوي(6)، والأمر سهلٌ بعد عدم وجود العامل بها على التقديرين، إلّاعن الشيخ في كتاب الحديث، فيتعيّن طرحها أو حملها على إرادة الكناية بذلك عن الأشهر، على معنى احتساب كلّ شهر بحيضةٍ ، كما يشير إليه خبر أبي بصير المتقدّم، بل الظاهر تعيّن إرادة المعنى الكنائي منها، فإنّ المفروض في السؤال أنّها تحيض كلّ3.

ص: 258


1- الفقيه: ج 3/514 ح 4803، وسائل الشيعة: ج 22/187 ح 28344.
2- الكافي: ج 6/99 ح 4.
3- التهذيب: ج 8/120 ح 14، الإستبصار: ج 3/325 ح 8.
4- وسائل الشيعة: ج 22/189 ح 28349.
5- وسائل الشيعة: ج 22/188 ح 28348.
6- وسائل الشيعة: ج 22/190 ح 28353.

ثلاث سنين مرّة، الظاهر في عدم عادة مغايرة لذلك لها سابقاً، ولا أقلّ من السكوت عن ذلك، فقوله عليه السلام: «تنتظر مثل قرئها الذي كانت تحيض في الاستقامة» كما ترى لا يُلائم مع السؤال إلّابارادة أنّها تفرض مستقيمة الحيض، فتعتدّ ثلاثة قروء على ذلك الفرض، وحيث إنّ لكلّ شهر حيضاً، فيكون المراد أنّها تعتدّ بثلاثة أشهر، فهذه النصوص منطبقة على النصوص المتقدّمة.

وهل يكتفي بثلاثة أشهر مطلقاً، وإنْ لم تكن بيضاً كما عن «التحرير» حيث قال: (إنّها متى كانت لا تحيض في كلّ ثلاثة أشهر فصاعداً تعتدّ بالأشهر، ولم يعتدّ بعروض الحيض في أثنائها كما فرضناه)(1)، وقد يستظهر ذلك من إطلاق المصنّف في سائر كتبه(2)، والمحقّق في «الشرائع»(3) حيث قالا: اعتدّت بالأشهر، وإنْ كان في ذلك نظرٌ واضح ؟

أم لا يكتفي بها، بل لابدَّ من ثلاثة أشهر بيض، فلو كانت لا تحيض إلّابعد أربعة أشهر مثلاً، وطلّقت حيث بقى إلى حيضها شهراً، اعتدّت بثلاثة أشهر بيض بعد الحيض، فتكون أيّام عِدّتها حينئذٍ أربعة أشهر وعشراً إنْ كانت عادتها في الحيض عشراً؟

وجهان: أظهرهما الثاني، لأنّ إطلاق نصوص المقام وإنْ اقتضى ذلك، إلّاأنّه يتعيّن تقييده بالنصوص المتقدّمة المشترطة في الاعتداد بالأشهر خلوّها من الحيض ولو مرّة.0.

ص: 259


1- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 1/71.
2- قواعد الأحكام: ج 3/139، إرشاد الأذهان: ج 2/47.
3- شرائع الإسلام: ج 3/600.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ ما دلّ على اعتبار الخلوّ عن الحيض إنّما هو في المسترابة من المحيض، والمقام ليس منها، والاحتياط سبيل النجاة.

أقول: وقد يتوجّه هنا إشكالٌ على سيّد «الرياض»(1)، حيث إنّه يقول في المسترابة: (يعتبر في الثلاثة أشهر التي تعتدّ بها، الاتّصالُ بالطلاق، وإنْ من لم تكن طاهرةً بعد الطلاق ثلاثة أشهر، يتعيّن عليها أن تعتدّ بالأقراء)، ويصرّح في المقام بأنّ من لا تحيض فيما دون ثلاثة أشهر مندرجة في المسترابة، ومع ذلك التزم بأنّها تعتدّ بثلاثة أشهر، وإنْ لم تمض عليها ثلاثة قروء، وفراراً من هذا الإشكال يلتزم بتخصيص السابقة باليائسة من المحيض إلّاأنّها في سِنّ من تحيض، دون هذه، فإنّها غير يائسة، بل ذات عادة مستقيمة، لكن على خلاف العادة، لتحيّضها في كلّ شهر مرّة، وبه وإنْ اندفع هذا الإشكال، لكن يبقى عليه إشكالٌ آخر وهو:

أنّه ما الوجه حينئذٍ في تقييد إطلاق نصوص الباب بكون الثلاثة أشهر خالية عن الحيض، إذ لم يذكر له وجهاً سوى ما في تلك النصوص ؟! فتدبّر.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار هذا القيد.

عِدّة المسترابة بالحمل

الفرع الرابع: لو ارتابت المطلّقة بالحمل:

1 - فإنْ كان ذلك بعد انقضاء العِدّة والنكاح، لم يبطل النكاح، لحسن محمّد بن حكيم، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

ص: 260


1- رياض المسائل: ج 11/118.

«قلت له: المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها، ما عِدّتها؟ قال عليه السلام: ثلاثة أشهر.

قلت: جُعلت فداك، فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر، فتبيّن لها بعدما دخلت على زوجها أنّها حامل ؟

قال عليه السلام: هيهات من ذلك يا ابن حكيم، رَفعُ الطَّمث ضربان:

أمّا فسادٌ من حيضة، فقد حَلّ لها الأزواج وليس بحامل.

وأمّا حاملٌ ، فهو يستبين بثلاثة أشهر، لأنّ اللّه تعالى قد جعله وقتاً يستبين فيه الحمل.

قال: قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر؟ قال: عِدّتها تسعة أشهر.

قلت: فإنّها ارتابت بعد التسعة أشهر؟ قال عليه السلام: إنّما الحمل تسعة أشهر.

قلت: فتزوّج ؟ قال عليه السلام: تحتاط بثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ارتابت ؟ قال عليه السلام: ليس عليها ريبة، تزوّج... الخبر»(1).

2 - ولو كان ذلك بعد انقضاء العِدّة وقبل النكاح، فالظاهر أنّه لا خلاف في أنّه لا يجوز لها التزويج، وما في ذيل الحسن، وما في موثّقه الآخر عنه عليه السلام: «قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها ويرتفع طمثها كم عِدّتها؟ قال عليه السلام:

ثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد ثلاثة أشهر؟ قال عليه السلام: عِدّتها تسعة أشهر.

قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد تسعة أشهر؟ قال عليه السلام: إنّما الحبل تسعة أشهر.4.

ص: 261


1- الكافي: ج 6/102 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/224 ح 28444.

قلت: تزوّج ؟ قال عليه السلام: تحتاط بثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر؟ قال عليه السلام: لا ريبة عليها تتزوّج إن شاءت»(1)، لا ينافيان ذلك:

فإنّ الأوّل محمولٌ على استبانة الحَمل بقرينة نفيه عليه السلام الريبة بعد الثلاثة أشهر إنْ لم يستبن الحَمل.

والثاني محمولٌ على صورة ادّعائها الحَمل، بل هي صريحه، نحو خبره الثالث، عن أبي عبداللّه عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلت له: رجلٌ طلّق إمرأته فلما مضت عليها ثلاثة أشهر أدعت حَبلاً؟

قال عليه السلام: ينتظر بها تسعة أشهر... الخ»(2).

ومن الواضح أنّ حكم ادّعائها الحَمل حكمُ استبانته، لما تقدّم من أنّ العِدّة والحَمل إلى النساء.

وبالجملة: مقتضى إطلاق الأدلّة انقضاء عِدّة المسترابة بالحمل بعد الثلاثة أشهر، وروايات ابن حكيم لا تنافيها.

3 - الكلام فيما لو ارتابت به قبل انقضاء العِدّة:

فإن المحكيّ عن الشيخ(3) والمصنّف رحمه الله في «التحرير»(4) و «المختلف»: أنّه لايجوز لها أن تنكح ولو انقضت العِدّة، ومالَ إليه صاحب «الحدائق» رحمه الله(5).6.

ص: 262


1- الكافي: ج 6/101 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/223 ح 28442.
2- الكافي: ج 6/102 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/224 ح 28445.
3- المبسوط: ج 5/240.
4- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 1/71.
5- الحدائق الناضرة: ج 25/446.

وفي «الشرائع»(1)، وعن «القواعد»(2)، وغيرهما: أنّه يجوز لها أن تنكح بعد انقضاء العِدّة ما لم تتيقّن الحَمل.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأخبار محمّد بن حكيم المتقدّمة.

2 - وبصحيح ابن الحجّاج أو حسنه، قال: «سمعتُ أبا إبراهيم عليه السلام يقول: إذا طلّق الرّجل إمرأته، فادّعت حبلاً، انتظر بها تسعة أشهر، فإنْ ولدت وإلّا اعتدت بثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه»(3).

3 - وبخبر سورة المتقدّم.

4 - وباستصحاب حالها إلى انقضاء عِدّة الحامل ولو لأنّها من شبهة الموضوع.

5 - وبابتناء النكاح على الاحتياط.

أقول: وفي الكلّ مناقشة:

أمّا أخبار ابن حكيم: فلما مرَّ من أنّ الأخيرين منها في صورة ادّعائها الحمل، والأوّل محمولٌ على استبانة الحمل، أو على ضربٍ من الندب، أمّا الأوّل فلما مرّ، وأمّا الثاني فلأنّه عليه السلام حكم أوّلاً بأنّه مع استبانة الحمل بعد التزويج لا عبرة بها، فأمره متّصلاً بذلك بالتربّص تسعة أشهر بالريبة بعد الثلاثة، لابدَّ من حمله عليه.

وأمّا صحيح ابن الحجّاج: فهو في صورة ادّعائها الحمل بعد الطلاق، فغير مربوط بالمقام.1.

ص: 263


1- شرائع الإسلام: ج 3/601.
2- قواعد الأحكام: ج 3/140.
3- الكافي: ج 6/101 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/223 ح 28441.

وأمّا خبر سورة: فلما تقدّم في الفرع السابق من عدم فرض ريبة الحمل فيه.

وتقييده بذلك بقرينة أخبار ابن حكيم كما في «الحدائق»(1) كما ترى .

وأمّا الاستصحاب: فهو محكومٌ باستصحاب عدم الحَمل.

وأمّا ابتناء النكاح على الاحتياط: فلا يصلح دليلاً على المنع عنه، بعد فرض دلالة المطلقات على جوازه.

وعليه، فالأظهر أنّ المسترابة بالحمل قبل انقضاء العِدّة، يجوز لها أن تنكح بعد انقضائها، ما لم تتيقن بالحمل، لانقضاء العِدّة شرعاً، وأصل انتفاء الحمل كما عن «القواعد»(2).

نعم، لو انكشف حملها من المطلِّق بطل النكاح الثاني، ولا يخفى وجهه، ولو انكشف ذلك بعدما لو تحقّقت الريبة وانكشاف الحَمل بعد انقضاء العِدّة والنكاح، بل وقبل النكاح، صَحّ النكاح الثاني كما مرَّ، واللّه العالم.

الفرع الخامس: المراد بالشهر الهلالي منه، لكونه حقيقة فيه، وعليه فلو طلّقت في أوّل الهلال عرفاً، اعتدّت بثلاثة أشهر بالأهلّة بلا خلافٍ ولا إشكال.

ويشهد به: - مضافاً إلى ظهور الأدلّة من جهة ما ذكرناه - صحيح أبي مريم المتقدّم.

ولو طلّقت في الأثناء اعتدّت بهلالين، لتمكّنها منهما، وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأوّل، كما صرّح به جماعةٍ ، ليتحقّق صدق الثلاثة أشهر بالأهلّة عرفاً، إذ المنساق إلى الذهن من ترتيب ما هو من قبيل هذه الأحكام على الشهر، ما0.

ص: 264


1- الحدائق الناضرة: ج 25/446.
2- قواعد الأحكام: ج 3/140.

يشمل الملفّق، ولا يعتبر أن لايكون ملفّقاً.

وفي «الرياض»(1): (أكملت المنكسر خاصّة بثلاثين بعد الهلالين على الأشهر الأظهر)، وقوّاه المحقّق(2).

وقد يستدلّ له: بأنّه حيث يتعذّر في غير الشهرين الهلالي، فينصرف إلى العددي.

أقول: ويظهر ما فيه ممّا قدّمناه، كما يظهر به ما في القولين الآخرين وهو اعتبار العددي في الجميع، نظراً إلى أنّه يكمل الأوّل من الثاني فينكسر، ويكمل من الثاني فينكسر، ويكمل من الثالث فينكسر، ويكمل من الرابع، وتلفيق ما نقص من الأوّل بمقداره من الآخر، فلو كان الشهر الأوّل الواقع في نصفه الطلاق تسعة وعشرين يوماً، والشهر الرابع ثلاثين، تكون أيّامه ثلاثين يوماً إلّانصف يوم.

وعليه، فالأظهر ما ذكرناه تبعاً لجمعٍ من الأساطين.

عِدّة غير ذات العادة

الفرع السادس: لو استمرّ بالمعتدّة الدّم مشتبهاً، بأن تجاوز العشرة، رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة، فتجعلها حيضاً، والباقي استحاضة، فيلحق بالأوّل حكم الحيض، وبالباقي حكم الطُّهر إلى وقت العادة من الشهر الآخر، وتنقضي بذلك العِدّة كغير المستمرّة بها الدّم.

ولو لم تكن لها عادةً : إمّا لكونها مبتدئة، أو مضطربة، أو ناسية، ترجع إلى

ص: 265


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 11/117.
2- شرائع الإسلام: ج 3/601.

الصفات على ما تقدّمت في باب الحيض، لأنّها طريق شرعي لمعرفة الحيض، فتجعل واجد الصفات حيضاً، والباقي استحاضة، فيلحق بالأوّل حكم الحيض، وبالثاني حكم الطُّهر كما تقدّم.

وهذا مضافاً إلى أنّه مقتضى أماريّة الصفات.

أقول: يشهد به في خصوص المقام مرسل جميل، عن أحدهما عليهما السلام، قال: «تعتدّ المستحاضة بالدّم إذا كان في أيّام حيضها، أو بالشهور إن سبقت لها، فإن اشتبها فلم تعرف أيّام حيضها من غيرها، فإنّ ذلك لا يخفى لأنّ دم الحيض دمٌ عبيطٌ حارٌّ، ودم الاستحاضة دم أصفرٌ بارد»(1).

ولو اشتبه بنحوٍ لا يتحقّق بالتميّيز، رجعت إلى عادة نسائها من أقربائها، أو أقرانها، على ما تقدّم في باب الحيض، ويشهد به في خصوص المقام خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن عِدّة المستحاضة ؟

فقال: تنظر قدر أقرائها فتزيد يوماً أو تنقص يوماً، فإنْ لم تحض، فلتنظر إلى بعض نسائها فلتعتدّ بأقرائها»(2).

ولكنّه كأماريّة عادة النساء لها مختصٌّ بالمبتدئة.

ولو اختلفن أو فقدن، اعتدّت بالأشهر، كفاقد التمييز من المضطربة، لصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عِدّة المرأة التي لا تحيض، والمستحاضة التي لا تطهر، والجارية التي قد6.

ص: 266


1- التهذيب: ج 8/127 ح 38، وسائل الشيعة: ج 22/190 ح 28355.
2- وسائل الشيعة: ج 22/191 ح 28356.

يئست، ثلاثة أشهر»(1).

ومثله صحيح محمّد بن مسلم(2)، وخبر أبي بصير(3)، وغيرهما.

أقول: ولا يلاحظ هنا ما ذكروه في باب الحيض، من تحيّض هذه بالروايات، والظاهر عدم الخلاف في ذلك في المقام، ولا مانع من الالتزام بالفرق بين المقامين.

***3.

ص: 267


1- الفقيه: ج 3/512 ح 4798، وسائل الشيعة: ج 22/180 ح 28328.
2- وسائل الشيعة: ج 22/183 ح 28335.
3- وسائل الشيعة: ج 22/187 ح 28343.

والحاملُ عِدّتها وَضعُ الحَمل.

عِدّة الحامل

(و) المقام الخامس: في عِدّة (الحامل) المطلَّقة:

لا ريب ولا كلام في أنّ (عِدّتها وضعُ الحَمل) ولو بعد الطلاق بلا فصل، والكتاب والسُّنة شاهدان به.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى: (وَ أُولاتُ اَلْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (1).

وأمّا السُّنة: فنصوصٌ متواترة، ستمرّ عليك جملة منها، وعليه فلا إشكال في أصل الحكم أجمالاً، إنّما الكلام في مواضع:

الموضع الأوّل: أنّ عِدّتها هل هي خصوص وضع الحمل، كما هو المشهور شهرة عظيمة ؟

أم أقرب الأجلين منه ومن الأقراء؟

أو الأشهر، كما عن الصدوق(2)، وابن حمزة(3)، بل ظاهر السيّد المرتضى (4)والحِلّي(5) اعتبار غيرهما مخالفاً؟

قال السيّد المرتضى رحمه الله: (ممّا يُظنّ أنّ الإماميّة مجمعةٌ عليه ومنفردة به، القول بأنّ

ص: 268


1- سورة الطلاق: الآية 4.
2- الفقيه: ج 3/509 في ذيل ح 4787.
3- الوسيلة: ص 325.
4- الإنتصار: ص 337.
5- السرائر: ج 2/690.

عِدّة الحامل المطلّقة أقرب الأجلين، بمعنى أنّ المطلَّقة إذا كانت حاملاً ووضعت قبل الأقراء الثلاثة، فقد بانت بذلك، وإنْ مَضَت الأقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها، بانت بذلك أيضاً)(1)، انتهى .

وقال ابن إدريس الحِلّي(2): (وقد ذهب بعضُ أصحابنا إلى أنّ الحامل عِدّتها أقرب الأجلين، من جملتهم ابن بابويه، ومعنى ذلك أنّه إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر، فقد انفضت عِدّتها، ولا تَحِلّ للأزواج حتّى تضع ما في بطنها، وإنْ وضَعَت الحَمل بعد طلاقه بلا فصل بانت منه، وحَلّت للأزواج، وهذا المذهب في العجب كالأوّل) انتهى .

وقوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(3).

وأمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما دلّت على أنّ المطلَّقة؛ حاملاً كانت أو حائلاً، تعتدّ بالأشهر أو الأقراء، وقد تقدّمت تلك النصوص.

الطائفة الثانية: ما دلّت على أنّ المطلَّقة الحامل عِدّتها وضع الحمل:

منها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«طلاق الحُبلى واحدة، وإنْ شاء راجعها قبل أن تضع، فإنْ وضَعَتْ قبل أن يُراجعها فقد بانت منه، وهو خاطبٌ من الخطّاب»(4).5.

ص: 269


1- الإنتصار: ص 37.
2- السرائر: ج 2/690.
3- جواهر الكلام: ج 32/253.
4- التهذيب: ج 8/71 ح 155، وسائل الشيعة: ج 22/146 ح 28235.

ومنها: صحيح الجُعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«طلاق الحُبلى واحدة، فإذا وضعتْ ما في بطنها فقد بانت»(1).

ورواه زرارة في الصحيح عنه عليه السلام(2)، ونحوها غيرها.

الطائفة الثالثة: ما دلّت على أنّ عِدّتها أقرب الأجلين:

منها: خبر الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «طلاق الحامل واحدة، وعِدّتها أقرب الأجلين»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«طلاق الحُبلى واحدة، وأجلها أن تضع حملها، وهو أقرب الأجلين»(4).

ومثله صحيح أبي بصير عنه عليه السلام(5).

أقول: والتحقيق في مقام الجمع أن يقال:

إنّ النسبة بين الطائفتين الأولتين عمومٌ مطلق، فيقيّد إطلاق الأُولى بالثانية، وتختصّ هي بغير الحامل.

وما في «الجواهر»: - بعد تقوية القول الثاني - ضرورة كونه مقتضى الجمع بين الأدلّة كتاباً وسُنّة، إذ منها ما دلّ على اعتداد المطلّقة بالثلاثة، ومنها ما دلّ على اعتداد الحامل مطلَّقة كانت أو غيرها بالوضع، فيكون أيّهما سَبَق يحصلُ به الاعتداد، بعد القطع بعدم احتمال كون كلٍّ منهما عِدّة في الطلاق، كي يتوجّه الاعتداد6.

ص: 270


1- الكافي: ج 6/81 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/194 ح 28364.
2- الفقيه: ج 3/509 ح 4787، وسائل الشيعة: ج 22/193 ح 28361.
3- الكافي: ج 6/81 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/194 ح 28363.
4- الكافي: ج 6/82 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/195 ح 28366.
5- الكافي: ج 6/82 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/59 ح 28016.

حينئذٍ بأبعدهما)(1)، انتهى .

يرد عليه: أنّنظره من مادلّ على اعتداد الحامل مطلَّقة كانت أو غيرها بالوضع:

إنْ كان إلى النصوص، فهي في الطلاق.

وإنْ كان إلى الآية الكريمة، فهي أيضاً بقرينة كون الخطاب للأزواج مختصّة به.

أضف إليه ما عن «مجمع البيان» في ذيل الآية، قال: (هي في المطلّقات خاصّة، وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم السلام)(2).

وأمّا الطائفة الثالثة: فخبر الكناني منها ظاهرٌ في أنّ عِدّة الحامل أسبق العِدّتين وأقربهما، بل وكذلك الآخران، وتكون هي وجه جمع بين الطائفتين الأولتين، ويؤيّده أيضاً ما عن «المختلف»(3) من أنّ خبر زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام يدلّ عليه، وإنْ كان لم يصل إلينا، لكنّه بحكم الخبر المرسل.

أقول: قد أورد عليها بإيرادين:

الإيراد الأوّل: ما عن سيّد «المدارك»(4): من أنّ العمدة فيها خبر الكناني، وهو ضعيفُ السند، لاشتماله على محمّد بن الفُضيل وهو مشتركٌ .

وفيه: أنّ الظاهر بقرينة رواية محمّد بن إسماعيل عنه أنّه الثقة.

الإيراد الثاني: أنّه قد فُسّر أقرب الأجلين في الصحيحين الأخيرين منها بوضع الحمل، وجَعَل ذلك أقرب الأجلين.5.

ص: 271


1- جواهر الكلام: ج 32/253.
2- تفسير مجمع البيان: ج 10/44، وسائل الشيعة: ج 22/195 ح 28369.
3- مختلف الشيعة: ج 7/520.
4- نهاية المرام: ج 2 / شرح ص 95.

وإنْ كان سقطاً.

وفيه: أنّ المراد بهما الاعتداد بالوضع حال كونه أقرب الأجلين، فالجملة أي قوله عليه السلام: «وهو أقربُ الأجلين» حاليّة، فيوافقان الخبر الأوّل إذ جعلها جملة مستأنفة لا حاصل له، ضرورة أنّه في الخارج قد يكون الوضع أقرب، وقد يكون أبعد، كما هو واضح.

فالمتحصّل: أنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على القول الثاني.

عِدّة الحامل الوضع وإنْ كان سقطاً

الموضع الثاني: لا إشكال في أنّه لا فرق في هذا الحكم بين كون الحمل تامّاً، أو غير تامّ ، فبوضعه تنقضي العِدّة (وإنْ كان سقطاً).

ويشهد به: - مضافاً إلى إطلاق الكتاب والسُّنة - موثّق ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الحُبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سِقْطاً، تمّ أو لم يتمّ ، أو وضعته مضغة ؟

فقال عليه السلام: كلّ شيء يستبين أنّه حملٌ تمّ أو لم يتمّ فقد انقضت عِدّتها، وإنْ كان مضغة»(1).

أقول: إنّما الكلام فيما إذا كان نطفةً أو علقة ؟

أمّا النطفة: فالمشهور بين الأصحاب أنّه لا عبرة بها مع عدم استقرارها، بل

ص: 272


1- التهذيب: ج 8/128 ح 42، وسائل الشيعة: ج 22/197 ح 28374.

معه، وإنْ قال الشهيد الثاني رحمه الله(1) فيه وجهان من الشكّ في كونه قد صار حملاً.

وعن الشيخ(2)، و «الجامع»(3)، و «التحرير»(4): انقضاءالعِدّة بوضعها، واستدلّ له:

1 - بإطلاق الأدلّة.

2 - وبأنّ النطفة مبدأ نشوء الآدمي.

أقول: يرد الثاني أنّ الميزان صدق الحَمل، لا كونه مبدأ النشوء، ويرد على ما قبله ما ذكره الفقهاء من عدم صدق الحمل عليه، ولا أقل من الشكّ ، وعليه فلا يصحّ التمسّك بإطلاق النصوص.

وربما يشعر بذلك الموثّق، فإنّه في مقام بيان أنّ أقلّ ما بوضعه ينقضي العِدّة حيث قال عليه السلام: «وإنْ كان مضغة».

أمّا العلقة: فإنّه يظهر حكمها ممّا ذكرناه، فهي عبارة عن القطعة من الدّم التي لا تخطيط فيها، وقد نُسب إلى المحقّق(5) وجماعة(6) موافقة الشيخ فيها.

وعن «المسالك»: (وهو قريبٌ ، مع العلم بأنّها مبدأ نشوء آدمي)(7).

أقول: ولكن الدليل على الطرفين مشتركٌ بينها وبين النطفة، فالفرق في غير محلّه.

ولو ثبت كون السِّقط مضغةً ، سواءٌ ظهر فيه خَلقُ آدمي من عينٍ أو ظُفرٍ أو يدٍ أو رجلٍ ، أو لم يظهر، تنقضي العِدّة بوضعه، لإطلاق الموثّق.5.

ص: 273


1- مسالك الأفهام: ج 9/255.
2- المبسوط: ج 5/240.
3- الجامع للشرائع: ص 471.
4- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 4/159.
5- شرائع الإسلام: ج 3/601.
6- الوسيلة: ص 325، الجامع للشرائع: ص 471، قواعد الأحكام: ج 3/259 وغيرهم.
7- مسالك الأفهام: ج 9/255.

ولو شكّ فيه، فهل يكتفي بالظنّ كما عن «القواعد»(1)، أو تُقبل شهادة مَهَرة الفنّ في ذلك، أم يعتبر العلم ؟

وجوه: خيرها أوسطها، لأنّ الأصل في الظنّ عدم الحجيّة.

وما أفاده المصنّف رحمه الله: من قيامه مقام العلم في الشرع إذا تعذّر العلم.

يدفعه: أنّ ذلك فيما إذا لم يكن هناك طريقٌ آخر للامتثال، وفي المقام يمكن، واعتبار العلم وإن كان مقتضى القاعدة والموثّق الوارد فيه قوله عليه السلام: «كلّ شيء يستبين أنّه حَملٌ ».

لكن لما كان قول أهل الخبرة حُجّة، وبناء العقلاء على الرّجوع إليهم، وإمضاء الشارع الأقدس لذلك، فقولهم حجّةٌ شرعيّة، وقد حُقّق في محلّه(2) قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة.

عِدّة الحامل توأمين

الموضع الثالث: لو كانت المرأة حاملاً باثنين فولدت أحدهما، فهل تبين بذلك وإن لم تنكح إلّابعد ولّادة الثاني ؟

أو أنّها لا تبين إلّابعد وضع الثاني ؟

قولان: إلى الأوّل ذهب الشيخ في «النهاية»(3)، وابن البرّاج(4)، وابن حمزة(5)،

ص: 274


1- قواعد الأحكام: ج 3/141.
2- زبدة الأُصول: ج 4/7.
3- النهاية: ص 517.
4- المهذّب: ج 2/286.
5- الوسيلة: ص 322.

والإسكافي(1)، والمحدِّث البحراني(2)، والمحدِّث العاملي(3).

وعن الشيخ في «الخلاف»(4)، و «المبسوط»(5)، والحِلّي(6)، والمصنّف، والمحقّق(7) وغيرهم اختيار الثاني.

وفي «الرياض»: (والأشهر بين الطائفة - بل ادّعى عليه الشيخ في «الخلاف» إجماع العلماء إلّامن عِكرمة - هو عدم الانقضاء إلّابوضع الحمل أجمع)(8)، انتهى .

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ الحمل يصدق على الواحد، فبوضعه يصدق وضع الحمل المأخوذ في الأدلّة غاية العِدّة.

2 - وبأنّه لاريب في أنّه كذلك حالة الانفراد، وكذاعند الاجتماع للاستصحاب.

3 - وبخبر عبد الرحمن، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ طلّق إمرأته وهي حُبلى، وكان في بطنها اثنان، فوضعت واحداً وبقى واحد؟

قال عليه السلام: تبين بالأوّل ولا تَحِلّ للأزواج حتّى تضع ما في بطنها»(9).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ الغاية ليست هي (وضع الحمل)، بل (وضع حملها) أو2.

ص: 275


1- فتاوى ابن الجنيد: إعداد الاشتهاردي ص 284.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/451.
3- وسائل الشيعة: ج 22/196 باب أنّ ذات التوأمين تبين من الطلاق بوضع الأوّل... إلخ.
4- الخلاف: ج 5/60.
5- المبسوط: ج 5/241.
6- السرائر: ج 2/689.
7- تحرير الأحكام: ج 4/159، المختلف: ج 7/519، الشرائع: ج 1/29.
8- رياض المسائل: ج 11/131.
9- التهذيب: ج 8/73 ح 162، وسائل الشيعة: ج 22/196 ح 28372.

(ما في بطنها) وما شاكل، ومن المعلوم أنّ هذه العناوين لا تصدق على وضعٍ واحد بعد كون الباقي في البطن واحداً أو أكثر، فإنّه (وضعُ بعض حملها) أو (ما في بطنها) لا (وضع حملها).

ويرد على الثاني: أنّه في حالة الانفراد يكتفي به لصدق الموضوع، وفي حال الاجتماع لا يصدق كما عرفت.

والاستصحاب تعليقي لايجري، مع أنّه لا مورد له مع إطلاق الدليل وظهوره.

وأمّا الخبر: فهو ضعيف السند، لاشتماله على جعفر بن سماعة الذي هو مجهول أو ضعيف، والحسن بن سماعة الذي هو واقفي لم يثبت وثاقته، وإفتاء من تقدّم بمضمونه لا يوجبُ جَبر الضعف، بعد عدم عمل الأكثر به، ورجوع الشيخ رحمه الله عنه.

وأمّا ما رواه الطبرسي في «مجمع البيان» بقوله: (وروى أصحابنا أنّ الحامل إذا وضعت واحداً انقطعت عصمتها من الزوج، ولا يجوز لها أن تعقد على نفسها لغيره حتّى تضع الآخر)(1).

فالظاهر أنّ نظره إلى هذا الخبر، وعلى فرض كونه خبراً آخر فلإرساله لا يُعتمد عليه.

وعليه، فالأظهر أنّها لا تبين إلّابوضع الجميع.

وعلى القولين لا يجوزُ لها التزويج ما لم تضع الآخر، لتصريح الخبر به.

وثمرة الاختلاف: إنّما هي في جواز الرَّجعة، ووجوب النفقة، فيثبتان على المختار، وينتفيان على القول الآخر.

الموضع الرابع: لو حملت من زنا ثمّ طلّقها الزوج، اعتدّت بالأشهر أو الأقراء لا3.

ص: 276


1- تفسير مجمع البيان: ج 10/44، وسائل الشيعة: ج 22/197 ح 28373.

بالوضع، بلا خلافٍ ، بل عليه ظاهر اتّفاق كلمة الأصحاب، كما في «الحدائق»(1)، لأنّه يعتبر في الحمل كونه منسوباً إلى من العِدّة منه أمّا ظاهراً أو احتمالاً، فمع القطع بعدم الانتساب إليه، وكونه من الزِّنا، كما لو علم انتفائه عن الفراش بكونه غائباً عنها تلك المُدّة، أو تلد تامّاً لدون ستّة أشهر من يوم النكاح، تعتدّ بما تعتدّ به لولا الزِّنا، فإنّ الزِّنا لا حُرمة له، حملت منه أو لم تحمل، ولا يلحق بالزاني، ولذا لو حَمَلت من الزِّنا ولم تكن ذات بعل، فإنّه يجوز لها التزويج قبل أن تضع.

وبالجملة: الحكم من المسلّمات فلا حاجة إلى إطالة الكلام فيه.

نعم، لو لم تحمل من الزِّنا:

فعن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(2)، والشهيد الثاني في «المسالك»(3)، والمحدِّث البحراني(4): أنّ عليها العِدّة.

أقول: قد تقدّم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من مسائل (ما يحرم بالمصاهرة) في كتاب النكاح(5)، كما أنّه قد تقدّم في كتاب النكاح في مبحث (ما يحرم بالمصاهرة) حكم ما لو وطئت المرأة شُبهةً ، واُلحق الولد بالواطء لبُعد الزوج عنها، ثمّ طلّقها الزوج، وأنّه يجب عليها عِدّتان، وحُكُم تداخل العِدّتين، وأنّها تعتدّ عِدّة الطلاق بعد الوضع، فراجع فلا نطيل الكلام بالإعادة(6).

***9.

ص: 277


1- الحدائق الناضرة: ج 25/458.
2- تحرير الأحكام: ج 4/160.
3- مسالك الأفهام: ج 9/263.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/458. (5و6) فقه الصادق: ج 31/299.

وعِدّة الحُرّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام.

عِدّة المتوفّى عنها زوجها

(و) المقام السادس: في (عِدّة الحُرّة المتوفّى عنها زوجها) المنكوحة بالعقد الصحيح الدائم.

أقول: لا خلاف في أنّ عِدّتها إذا كانت حائلاً (أربعة أشهر وعشرة أيّام)، بل الإجماع بقسميه عليه، ويشهد به:

1 - قوله تعالى: (وَ اَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً) (1).

2 - ونصوصُ صحاحٍ مستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة، بل متواترة، وستمرّ عليك جملةٌ منها.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: هل يختصّ ذلك بالعقد الدائم، كما عن جماعةٍ منهم المفيد(2)، والمرتضى(3)، والعُمّاني(4) وسلّار(3)، وأمّا عِدّة المتمتّع بها من الوفاة، فعدّتها شهران وخمسة أيّام ؟

أم لا يختصّ به، فعدّتها أيضاً أربعة أشهر وعشراً؟

ص: 278


1- سورة البقرة: الآية 234.
2- المقنعة: ص 534 و 536. (3و4) حياة ابن أبي عقيل العُمّاني: إعداد مركز المعجم الفقهي، ص 484.
3- المراسم العلويّة: ص 167.

قد مرَّ الكلام في ذلك مفصّلاً في المسألة الأخيرة من الفصل الرابع في المتعة من كتاب النكاح(1).

الفرع الثاني: هل يختصّ ذلك بالمدخول بها، فلا عِدّة على من لم يدخل بها لو مات زوجها أم يعمّها؟

أقول: فيها طائفتان من الأخبار:

الطائفة الاُولى: تدلّ على العموم، وهي كثيرة:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «في الرّجل يموت وتحته إمرأة لم يدخل بها؟

قال عليه السلام: لها نصف المَهر، ولها الميراث كاملاً، وعليها العِدّة كاملة»(2).

ونحوه غيره.

الطائفة الثانية: تدلّ على أنّه لا عِدّة عليها:

منها: خبر محمّد بن عمر الساباطي، قال: «سألتُ الرّضا عليه السلام: عن رجلٍ تزوّج إمرأةً فطلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السلام: لا عِدّة عليها. وسألته عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السلام: لا عِدّة عليها، هما سواء»(3).

أقول: النصوص الأُولى مشهورة بين الأصحاب، فإنّه لا خلاف بينهم في أنّ عليها العِدّة، وموافقة للقرآن، ومخالفة للعامّة، وأصحّ سنداً من الأخير، وغير تلكم من المرجّحات الموجبة لتقديمها، مضافاً إلى ضعف سند الأخير، فيطرح أو يُحمل على التقيّة، كما يشهد به بعض نصوص الباب.0.

ص: 279


1- فقه الصادق: ج 32/397.
2- التهذيب: ج 8/144 ح 98، وسائل الشيعة: ج 21/326 ح 27202.
3- التهذيب: ج 8/144 ح 96، وسائل الشيعة: ج 22/248 ح 28510.

صغيرة، أو يائسة، أو غيرهما، دَخَل بها أو لا. ولو كانت حاملاً فأبعدُ الأجلين.

الفرع الثالث: مقتضى إطلاق الكتاب والسُّنة، وصريح الإجماع عموم الحكم لكلّ إمرأةٍ ، (صغيرةً ) كانت (أو يائسة، أو غيرهما) بالغاً كان الزوج أو غير بالغ، كما عرفت عمومه لمن (دَخَل بها أو لا).

الفرع الرابع: قد تقدّم في عِدّة الحائل:

أنّ الشهر حقيقةً في الهلالي منه دون العددي، حتّى في صورة التلفيق.

وأمّا اليوم: فالمراد به في المقام مجموع اللّيل والنهار، للاتّفاق كما عن «كشف اللّثام»(1) والإجماع كما عن «المسالك»(2)، على أنّ المراد ب (العشر) عشر ليالي مع عشرة أيّام، فتبين بغروب الشمس من اليوم العاشر.

وعن الأوزاعي(3): أنّها تبين بطلوع الفجر العاشر، لتذكير العدد في الآية، المقتضى للتأنيث في تمييزه فيكون ليالي.

ولكن يرد عليه: - مضافاً إلى ما عرفت - تصريح بعض أهل العربيّة بأنّ ذلك فيما إذا كان التمييز مذكوراً، وإلّا فيجوز تناوله للمذكّر والمؤنّث.

الفرع الخامس: مقتضى إطلاق الآية الكريمة والنصوص المستفيضة، كون ذلك عِدّة للمتوفّى عنها زوجها مطلقاً، (و) لكن قام الإجماع على أنّها (لو كانت حاملاً، ف) تعتدّ ب (أبعد الأجلين): من المدّة المزبورة، ومدّة وضع الحمل، ويشهد به أيضاً نصوص مستفيضة:5.

ص: 280


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/118.
2- مسالك الأفهام: ج 9/273.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 32/275.

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الحامل المتوفّى عنها زوجها:

تنقضي عِدّتها آخر الأجلين»(1).

ومنها: موثّق عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «الحُبلى المتوفّى عنها زوجها عِدّتها آخر الأجلين»(2).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: المرأة الحُبلى المتوفّى عنها زوجها تضع وتزوّج قبل أن يخلو أربعة أشهر وعشر؟

قال: إن كان زوجها الذي تزوّجها دَخل بها، فُرِّق بينهما، واعتدّت ما بقي من عِدّتها الأُولى ، وعِدّة أُخرى من الأخير، وإنْ لم يكن دَخَل بها فُرّق بينهما، واعتدّت ما بقي من عِدّتها، وهو خاطبٌ من الخطّاب»(3).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «المتوفّى عنها زوجها الحامل، أجلها آخر الأجلين إن كانت حُبلى ، فتمّت لها أربعة أشهر وعشر، ولم تضع، فإنّ عِدّتها إلى أنْ تضع، وإن كانت تضع حملها قبل أن يتمّ لها أربعة أشهر وعشر تعتدّ بعدما تضع تمام أربعة أشهر وعشر، وذلك أبعد الأجلين»(4).

إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: ولا يهمّنا البحث في أنّه لو لم تكن هذه النصوص، هل كان مقتضى الجمع بين آيتي أُولي الأحمال والوفاة ذلك، أم لم يكن، نظراً إلى أنّ آية أُولي الأحمال في المطلَّقة خاصّة.

***7.

ص: 281


1- التهذيب: ج 8/150 ح 118، وسائل الشيعة: ج 22/239 ح 28486.
2- الكافي: ج 6/114 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/241 ح 28490.
3- الكافي: ج 6/114 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/241 ح 28491.
4- الكافي: ج 6/113 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/240 ح 28487.

وعليها الحِداد.

الحِداد

أقول: (و) تمام الكلام في هذا الفصل يقتضي البحث في مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف بين كافّة أهل العلم من الخاصّة والعامّة، أنّه يلزم (عليها الحداد)، أي على المتوفّى عنها زوجها ما دامت في العِدّة، والأخبار به من الفريقين متظافرة:

منها: ما أمر فيه بالحِداد، كالنصوص الآتية المتضمّنة أنّ المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر، وهذا الاعتداد يُسمّى حِداداً، مثل الخبر المرسل الذي رواه الواسطي عن بعض أصحابنا، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال:

«يحدّ الحميم حميمه ثلاثاً، والمرأة على زوجها أربعة أشهر وعشراً»(1).

والحِداد لغةً وشرعاً عبارة عن ترك الزينة في الثياب والبدن، كما صرّح به جماعة من اللّغويين(2) والفقهاء(3).

ومنها: ما أمر فيه بالحِداد، وفُسِّر الحِداد بما تقدّم، كخبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنْ مات عنها - يعني وهو غائب - فقامت البيّنة على موته، فعِدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً، لأنّ عليها أن تَحِدّ في الموت أربعة أشهر

ص: 282


1- التهذيب: ج 8/161 ح 158، وسائل الشيعة: ج 22/234 ح 28475.
2- لسان العرب: ج 3/143، مجمع البحرين: ج 1/473، تاج العروس: ج 4/413.
3- النهاية: ص 537، المهذّب: ج 2/319، السرائر: ج 2/745 وغيرها.

وعشراً، فتُمْسِك عن الكُحل والطيب والإصباغ»(1).

ومنها: ما تضمّن النهي عن الاُمور المزبورة، كصحيح ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المتوفّى عنها زوجها؟

فقال: لا تكتحل للزينة، ولا تطيّب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق، وتمشط بغِسلة، وتحجّ وإنْ كانت في عِدّتها»(2).

والغِسلة - بالكسر - الطيب، وما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط، كما عن «مجمع البحرين»(3)، و «الصِّحاح»(4).

وعن «القاموس»(5): (أنّها ما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط، وما يغسل به الرأس من خطمي)، ونحوه عن «الصحاح».

وفي «المنجد»(6): (ما يغسل به من ماء وأشنانٍ وغيرهما).

وعليه، فالمتيقّن ما لم يشتمل على الطيب والصبغ للنهي عنهما.

وقوله عليه السلام: «للزينة» ظاهرٌ في كونه علّة للنهي عن الاكتحال، فيدلّ على أنّ الممنوع عنه الاكتحال الذي يصدق عليه الزينة، فلا بأس بما لا يعدّ زينة، وبه يقيّد إطلاق النهي عن الكُحل في غيره كخبر زرارة، وخبر أبي العبّاس، قال:

«قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: المتوفّى عنها زوجها؟ا.

ص: 283


1- الكافي: ج 6/112 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/233 ح 28470.
2- الكافي: ج 6/116 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/233 ح 28471.
3- مجمع البحرين: ج 3/312.
4- الصحاح: ج 5/1781.
5- القاموس المحيط: ج 4/25.
6- ذكره في تهذيب اللّغة باب غلس: ج 3/54، وفي لسان العرب باب غسل: ج 11/494 وغيرهما.

قال: لا تكتحل لزينةٍ ولا تطيّب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تخرج نهاراً، ولا تبيت عن بيتها.

قلت: أرأيتَ إنْ أرادت أن تخرج إلى حقٍّ كيف تصنع ؟

قال عليه السلام: تخرج بعد نصف اللّيل، وترجع عِشاءً »(1).

ونحوهما غيرهما.

ومنها: ما تضمّن النهي عن التزيين، كخبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«المتوفّى عنها زوجها ليس لها أن تطيّب ولا تزيّن»(2).

فالمتحصّل من مجموع هذه النصوص: أنّ المنهيّ عنه هو تزيين نفسها بالكُحل أو الصبغ أو الطيب، ولبسها الثياب المصبوغة بصبغ يعدّ زينةً في اللّباس، وأمّا لبسها الثياب الفاخرة والمصبوغة بصبغ بعيدٍ عن شبهة الزينة كالأسود والأزرق، وما يدخل على الثوب لنفي الوسخ عنه، وتمشيط رأسها وغَسلها، والسِّواك وتقليم الأظفار، ودخول الحمّام، والاكتحال بما لا يعدّ زينة، وافتراش الفرش النفيسة، والمساكن المزيّنة، وتزيين أولّادها، وما شاكل، ممّا لا يرجع إلى تزيين نفسها، فلا بأس بها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص أخبارٌ اُخرى يظهر منها عدم حرمة الزينة كموثّق الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحلّ لها أن تخرج من بيتها في عِدّتها؟3.

ص: 284


1- التهذيب: ج 8/159 ح 151، وسائل الشيعة: ج 22/233 ح 28472.
2- الكافي: ج 6/117 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/234 ح 28473.

قال عليه السلام: نعم، وتختضب، وتكتحل، وتمتشط، وتصبغ، وتلبس المصبغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج»(1).

ولكنّه مطلقٌ قابلٌ للحمل على ما إذا لم يعدّ ذلك زينة، فيدلّ على أنّ هذه الاُمور من حيث هي لا تكون محرّمة.

والجمع بينه وبين ما تقدّم، يقتضي البناء على جواز تلكم إنْ لم تعدّ زينة، وإلّا فتحرم، وإنْ لم يكن ذلك جمعاً عرفيّاً، يتعيّن طرحه لأرجحيّة ما تقدّم.

أقول: والمشهور بين الأصحاب أنّه لا فرق في وجوب الحِداد بين الصغيرة والكبيرة، والمسلمة والكافرة، ولا بين المدخول بها وغيرها.

وعن «السرائر»(2)، و «الجامع»(3)، و «المختلف»(4)، و «كشف اللّثام»(5)، وفي «الحدائق»(6): عدم ثبوت ذلك في الصغيرة، ومال إليه الشهيد في «الروضة»(7)، وهو الأظهر من حيث الأدلّة، فإنّ هذا الخطاب كسائر الخطابات الشرعيّة مختصٌّ بالبالغين، ولا نصّ في توجيهه في المقام إلى وليّها، ومقتضى الأصل عدم الوجوب.

ولكن الظاهر اتّفاقهم على أنّه على الوليّ أن يُجنّبها ما تتجنّبه الكبيرة، وهو الحُجّة، خصوصاً في مثل هذا الحكم الذي لا نصّ فيه، وثبوته على خلاف القاعدة،).

ص: 285


1- الفقيه: ج 3/508 ح 4785، وسائل الشيعة: ج 22/234 ح 28476.
2- السرائر: ج 2/739.
3- الجامع للشرائع: ص 472.
4- مختلف الشيعة: ج 7/496.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/119.
6- الحدائق الناضرة: ج 25/474.
7- شرح اللّمعة: ج 6/63، لكنّه قال: (ولا فرق بين الزوجة الكبيرة والصغيرة).

فيلتزم به.

قال صاحب «الجواهر»(1): (لا يخفى على من رزقه اللّه فهم اللّسان، مساواة الأمر بالحِداد للأمر بالاعتداد، الذي لا خلاف بين المسلمين، فضلاً عن المؤمنين في جريانه على الصغيرة، فيجري مثله في الحِداد...

وبالجملة: فالمراد التربّص بها هذه المدّة مجرّدةً عن الزينة، وهو معنى يشمل الصغير والكبير، والعاقل والمجنون على معنى تكليف الولي بذلك)، انتهى .

وفيه: إنّ الاعتداد عبارة عن عدم صحّة تزويجها في تلك المدّة وما شاكل ذلك، ورتّب على موت الزوج، ومثل هذا التكليف لا يعدّ حديث رفع القلم عن الصَّبي(2)صالحاً لرفعه.

وأمّا الحداد فهو متعلّق لحكمٍ نفسيّ تكليفي، متوجّهٌ إلى من يجب عليها الحِداد، ولا ربط له بالاعتداد، ولذا اتّفقوا على أنّ الحِداد واجبٌ مستقلّ بنفسه ولا يعدّ شرطاً في العِدّة، فلو أخلّت به ولو عمداً إلى أن انقضت العِدّة، حلّت للأزواج، وتكون آثمة خاصّةً ، فهو مشمول لحديث الرفع، فلا يكون واجباً عليها.

أقول: ومن الغريب أنّه قدس سره مع تصريحه بذلك، يقول في آخر كلامه:

(إنّ التكليف بالاعتداد والحِداد من خطاب الوضع بالمعنى المزبور، ولذا لم يتوقّف صحّة الاعتداد على ملاحظة الامتثال)(3)، انتهى .

إذ مع تسليم عدم كونه شرطاً لصحّة الاعتداد، فأيّ وضعٍ يكون هنا ليلتزم به1.

ص: 286


1- جواهر الكلام: ج 32/281.
2- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81، الخصال: ج 1/93.
3- جواهر الكلام: ج 32/281.

في هذا الحكم ؟!

وعليه، فالعمدة في ثبوت الحكم المذكور هو الإجماع.

وأيضاً: لا خلاف ولا إشكال في أنّ الحكم مختصٌّ بالمتوفّى عنها زوجها دون أقاربهاوالمطلّقة، لاختصاص الأدلّة بها، والأصل يقتضي عدم الوجوب على غيرها، أضف إليه الإجماع عليه في محكيّ «الانتصار»(1)، ويشهد به في المطلَّقة نصوص:

منها: موثّق الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المرأة إذا اعتدّت هل يَحِلّ لها أن تختضب في العِدّة ؟

قال عليه السلام: لها أن تكتحل وتمشط وتصبغ، وتلبس الصبغ، وتختضب بالحنّاء، وتصنع ما شاءت لغير زينةٍ من الزوج»(2).

المحمول على المطلَّقة بقرينة ما سبق.

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عِدّة المتوفّى عنها زوجها آخر الأجلين، لأنّ عليها أن تحدّ أربعة أشهر وعشراً، وليس عليها في الطلاق أن تَحِدّ»(3).

ونحوهما خبر عليّ بن جعفر(4).

بل قد دلّت النصوص على أولويّة التزيّين في عِدّة الطلاق الرِّجعي(5).

وأمّا خبر مسمع بن عبدالملك، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن عليٍّ عليه السلام: المطلَّقة تحدّ كما تَحدّ المتوفّى عنها زوجها، ولا تكتحل، ولاد.

ص: 287


1- الإنتصار: ص 345.
2- التهذيب: ج 8/82 ح 199، وسائل الشيعة: ج 22/234 ح 28476 مع تفاوت.
3- التهذيب: ج 8/150 ح 119، وسائل الشيعة: ج 22/217 ح 28426.
4- وسائل الشيعة: ج 22/218 ح 28429، قرب الإسناد: ص 110.
5- وسائل الشيعة: ج 22/217 باب 21 من أبواب العدد.

تتطيّب، ولا تختضب، ولا تمشط»(1).

فالجمع بينه وبين النصوص الواردة في المطلَّقة مطلقاً يقتضي البناء على استحبابه لها، ثمّ الجمع بينه وبين ما ورد في الطلاق الرِّجعي يقتضي تقييده به، فتكون نتيجة الجمع بين الأخبار، هي استحباب ذلك للبائنة كما أفاده الشيخ رحمه الله(2).

وعليه، فما قاله صاحب «الجواهر» من إنّه: (لا ريب في بُعده، لقصور الخبر عن إثباته)(3)، غير تامّ ، لأنّه:

إنْ كان نظره إلى ما ادّعاه من القصور لضعف السند، فهو لا يضرّ بثبوت الاستحباب.

وإنْ كان إلى معارضة ما تقدّم، فيردّه أنّ ذلك مقتضى الجمع العرفي بين النصوص.

***4.

ص: 288


1- التهذيب: ج 8/160 ح 154، وسائل الشيعة: ج 22/218 ح 28428.
2- الخلاف: ج 5/73.
3- جواهر الكلام: ج 32/284.

ولو مات بعد الطلاق رِجعيّاً، اعتدّت الحُرّة والأمَة للوفاة.

عِدّة من مات زوجها بعد الطلاق

(و) المسألة الثانية: (لو مات) الزّوج (بعد الطلاق رِجعيّاً، اعتدّت الحُرّة والأمَة للوفاة)، أي عليهما أن تستأنفا عِدّة الوفاة، بلا خلافٍ فيه كما عن «المبسوط»(1).

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ المطلّقة الرِّجعيّة زوجة ما دامت في العِدّة كما مرَّ، فيشملها أدلّة عِدّة الوفاة كتاباً وسُنّة - جملة من الأخبار:

منها: صحيح جميل أو حسنه، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام:

«في رجل طلّق إمرأته طلاقاً يملك فيه الرَّجعة، ثمّ مات عنها؟

قال عليه السلام: تعتدّ بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشراً»(2).

ومنها: خبر هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجلٍ كانت تحته إمرأة فطلّقها، ثمّ مات قبل أن تنقضي عِدّتها؟

قال عليه السلام: تعتدّ أبعد الأجلين عِدّة المتوفّى عنها زوجها»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: «أيّما إمرأة طلّقت ثمّ توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عِدّتها، ولم تحرم عليه، فإنّها ترثه، ثمّ تعتدّ عِدّة المتوفّى عنها زوجها»(4).

ص: 289


1- المبسوط: ج 5/277.
2- التهذيب: ج 8/149 ح 113، وسائل الشيعة: ج 22/250 ح 28516.
3- التهذيب: ج 8/149 ح 115، وسائل الشيعة: ج 22/249 ح 28512.
4- التهذيب: ج 8/149 ح 116، وسائل الشيعة: ج 22/250 ح 28514.

ومنها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ طلّق إمرأته، ثمّ إنّه ماتَ قبل أن تنقضي عِدّتها؟

قال عليه السلام: تعتدّ عِدّة المتوفّى عنها زوجها، ولها الميراث»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: أنّه هل عليها أن تعتدّ بكلتا العِدّتين، فلو طلّقها زوجها، وبعد مضيّ شهرٍ مات زوجها، وجب عليها أن تعتدّ شهرين آخرين للطلاق، وأربعة أشهر وعشراً للوفاة، بأن تعتدّ بعد الموت ستّة أشهر وعشراً نظراً إلى تحقّق سببين للعِدّة، فلا وجه للتداخل، ولا للانتقال من عِدّة الطلاق إلى عِدّة الوفاة، كما ذكر الأصحاب ذلك فيما لو وطئها واطيءٌ بالشبهة، فَحَملت ثمّ طلّقها زوجها، وقالوا: إنّ عليها عِدّتين، بأن تعتدّ أوّلاً من الواطيء بوضع الحَمل، ثمّ من الزوج عِدّة الطلاق، معلّلين بأنّهما لا تتداخلان عندنا، لأنّهما حقّان مقصودان للآدميّين كالدَين، فتداخلهما على خلاف الأصل ؟

أو أنّ عليها أن تعتدّ بعِدّة الوفاة خاصّة، إمّا للانتقال أو لأصالة التداخل ؟

والأظهر: هو الثاني، لما ذكرناه في محلّه من أنّ مقتضى القاعدة هو التداخل في المسبّبات(2)، ولأنّ ذلك ظاهرُ النصوص، حيث تضمّنت أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشراً، إذ على الأوّل لابدّ وأن تعتدّ بالأجلين لا بأبعد الأجلين، ولعلّ2.

ص: 290


1- الفقيه: ج 3/545 ح 4878، وسائل الشيعة: ج 22/251 ح 28520.
2- لكنّه (دام ظلّه) اختار لاحقاً عدم التداخل حيث قال: (فهل القاعدة الأوّليّة تقتضي التداخل في المسبّبات... إلى أن قال: أم تقتضي عدم التداخل ؟ وجهان، أظهرهما الثاني) راجع: زبدة الاُصول: ج 3/172.

هذا هو الوجه في التزام الفقهاء في المقام بالانتقال، وهو الفارق بينه وبين مسألة الوطء بالشبهة ثُمّ الطلاق، مضافاً إلى أنّه في تلك المسألة تدلّ النصوص أيضاً على عدم التداخل، كما مرَّ في محلّه.

المورد الثاني: لو كان عِدّة الطلاق أزيد من عِدّة الوفاة، كالمسترابة التي يجبُ عليها في عِدّة الطلاق أن تصبر تسعة أشهر، ثمّ ثلاثة أشهر، فلو طلّقها ثمّ بعد شهرٍ مات زوجها:

هل عليها أن تعتدّ عِدّة الوفاة، لأنّ مقتضى إطلاق النصوص الانتقال ؟

أم تعتدّ بعِدّة الطلاق خاصّة، لأنّها أبعد الأجلين، ولا وجه للانتقال في هذا الفرض، لأنّ الانتقال إلى عِدّة الوفاة انتقالٌ إلى الأقوى والأشدّ، فلا يكون سبباً في الأضعف ؟

أم يجبُ عليها إكمال عِدّة الطلاق ثلاثة أشهر بعد التسعة، ثمّ تعتدّ عِدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً؟

أم يجبُ أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً بعد التسعة ؟

وجوهٌ وأقوال:

وملخّص القول فيه: إنّه على القول بعدم شمول نصوص الانتقال للفرض، والبناء على أصالة عدم التداخل، لابدّ من البناء على الثالث، فإنّ في المقام سببين:

أحدهما: مقتضٍ للعِدّة سنة.

والآخر: سبب للعِدّة أربعة أشهر وعشر.

وعليه، فلا وجه للاكتفاء بما دون ذلك.

ص: 291

وما في «الجواهر»: (من أنّ دليل عِدّة المسترابة منحصرٌ في خبري سورة وعمّار، وهما - مع الإعراض عن الثاني منهما - غير شاملين للفرض قطعاً)(1).

يردّه: أنّ خبر سورة على فرض العمل به، ولو في موردٍ خاصّ وهو مستقيمة الحيض الّتي لم تطمث في ثلاثة أشهر إلّامرّة، ثمّ ارتفع طمثها، الذي بنينا عليه تبعاً له قدس سره، له إطلاقٌ من هذه الجهة، أي موت المطلِّق في أثناء العِدّة.

نعم، في غير هذا المورد لا يجبُ على المسترابة إلّاالإعتداد بالأشهر كما مرَّ، لكنّه خارجٌ عن فرض المسألة.

كما أنّ ما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله(2): من أنّ الحقّ الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورده، والرجوع في غيره إلى ما تقتضيه القاعدة، وغايتها هنا التربّص بها إلى أبعد الأجلين: من الأربعة أشهر وعشر، والمُدّة التي يظهر فيها عدم الحمل، ولا يحتاج بعدها إلى أمرٍ آخر.

مردودٌ: بأنّ خبر سورة إنْ شمل الفرض، لزم التربّص بعد تلك المدّة أربعة أشهر وعشراً، لعموم أدلّة عِدّة الوفاة على القول بعدم التداخل، وإلّا فاللّازم هو الاقتصار على الأربعة أشهر وعشر لأصالة عدم الحمل.

وإن قلنا: بأصالة التداخل، وبنينا على عدم شمول نصوص الانتقال للفرض، فالمتعيّن هو البناء على القول الثاني، ولعلّ ذلك مبنى ما اختاره الشهيد الثاني رحمه الله، فلا إيراد عليه.

وأمّا إنْ قلنا: بشمول نصوص المقام للفرض:2.

ص: 292


1- جواهر الكلام: ج 32/262.
2- مسالك الأفهام: ج 9/262.

فإنْ استظهرنا منها أنّها تدلّ على الانتقال إلى عِدّة الوفاة مطلقاً، فاللّازم هو البناء على القول الأوّل.

وإنْ استظهرنا منها أنّها تدلّ على الانتقال إلى الأقوى ، بمعنى أنّ اللّازم هو الاعتداد بما هو أبعد خاصّة، فالمتعيّن هو البناء على القول الثاني أيضاً، ولا يخفى وجهه، ولعلّ نظر الشهيد رحمه الله إلى ذلك.

والتحقيق أن يقال: لاينبغي التوقّف في أنّه من نصوص الباب ما لا يتضمّن كلمة (أبعد الأجلين) كصحيح محمّد بن قيس، وموثّق سماعة يشمل الفرض، لكنّه لايدلّ على الانتقال، وإنّما يدلّ على لزوم مراعاة عِدّة الوفاة عليها، وهذا لاينافي لزوم عدّة أُخرى عليها بسببٍ آخر.

وما تضمّن منها كلمة (أبعد الأجلين) لا يشمل الفرض، لعدم كون عِدّة الوفاة حينئذٍ أبعد الأجلين.

ودعوى: كون القيد غالبيّاً، لا تُصحّح شمول ذلك للمقام.

نعم، هي لا تمنع من شمول ما ترك فيه الوصف.

وعلى ذلك، فكلتا الطائفتين - أي نصوص عِدّة الوفاة، وما دلّ على عِدّة الطلاق - تشملان الفرض، وحيث أنّ المختار عندنا هو تداخل المسبّبات، فاللّازم عليها هو أن تعتدّ بأبعد الأجلين: من عِدّة الوفاة، وعِدّة الطلاق، وهو في الفرض ينطبق على الثاني.

فالمتحصّل ممّاذكرناه: أنّ الأظهر هوالقول الثاني الذي ذهب إليه الشهيد الثاني رحمه الله.

أقول: ثمّ إنّ المعروف بين الأصحاب أنّ الانتقال إلى عِدّة الوفاة إنّما هو

ص: 293

ولو كان بائناً أتمّت عِدَّة الطلاق.

في الطلاق الرِّجعي، (و) أمّا (لو كان) الطلاق (بائناً) فلا تنتقل إليها، بل (أتمّت عِدّة الطلاق).

وفي «الجواهر»(1): (بلا خلافٍ أجده فيه)، لأنّها حينئذٍ أجنبيّة لا تشملها أدلّة عِدّة الوفاة.

وأمّا نصوص الباب: فبعضها وإنْ كان مطلقاً، إلّاأنّ بعضها مقيّدٌ بقوله عليه السلام: «ولم يحرم عليه»، الذي هو كناية عن الطلاق بائناً، بناءً على أنّ الظاهر مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، وأنّ العطف التفسيري خلاف الأصل، وهو يقيّد إطلاق غيره، فتختصّ بالعِدّة الرجعيّة، ففي البائنة يرجعُ إلى الأصل المقتضى لعدم وجوب عِدّة أُخرى عليها غير عِدّة الطلاق.

وأمّا خبر علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا: «في المطلَّقة البائنة إذا توفّى عنها زوجها، وهي في عِدّتها، قال: تعتدّ بأبعد الأجلين»(2).

فلضعف سنده، وقطعه، وإعراض الأصحاب عنه، لا يُعتمد عليه.

وهل يُحكم بالاستحباب بضميمة قاعدة التسامح أم لا؟ وجهان:

أشهرهما الثاني، لأنّ قاعدة التسامح إنّما تجري مع ورود روايةٍ ضعيفة دالّة على مطلوبيّة شيء، وما نقله عليّ بن إبراهيم لم يثبت كونه رواية، بل عن «كشف اللّثام»: (الظاهر أنّه رأيٌ رآه بعض الأصحاب حكاه عنه عليّ بن إبراهيم)(3).

***3.

ص: 294


1- جواهر الكلام: ج 32/262.
2- الكافي: ج 6/120 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/250 ح 28517.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 32/263.

ولا يجوزُ للّزوج أن يُخرِج الرِجعيّة من بيت الطلاق حتّى تَخرُج عِدّتها، إلّاأن تأتي بفاحشة.

حرمة إخراج المطلّقة الرِّجعيّة من بيت زوجها

(و) المسألة الثالثة: (لا يجوزُ للّزوج أن يُخرج) المطلَّقة (الرجعيّة من بيت الطلاق حتّى تخرج عِدّتها، إلّاأن تأتي بفاحشة)، حاملاً كانت أو حائلاً، بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

ويشهد به:

من الكتاب: قوله تعالى: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (2).

ومن السُّنة: أخبار كثيرة:

منها: صحيح سعد بن أبي خلف، قال: «سألتُ أبا الحسن موسي عليه السلام عن شيء من الطلاق ؟

فقال عليه السلام: إذا طلّق الرّجل إمرأته طلاقاً لا يملك فيه الرَّجعة، فقد بانت منه ساعة طلّقها، وملكت نفسها، ولا سبيل له عليها، وتعتدّ حيثُ شاءت، ولا نفقة لها.

ص: 295


1- جواهر الكلام: ج 32/330.
2- سورة الطلاق: الآية 1.

قال: قلت: أليس اللّه عزّوجلّيقول: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ ) (1)؟

فقال عليه السلام: إنّما عَنى بذلك التي تطلّق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تَخرج ولا تُخرج حتّى تطلّق الثالثة، فإذا طُلّقت الثالثة فقد بانت منه، ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلّقها الرّجل تطليقة، ثمّ يدعها حتّى يخلو أجلها، فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها، ولها النفقة والسُّكنى حتّى تقضي عِدّتها»(2).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن المطلّقة أين تعتدّ؟ فقال عليه السلام: في بيت زوجها»(3).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عنه عليه السلام: «تعتدّ المطلّقة في بيتها، ولا ينبغي للّزوج إخراجها، ولا تخرج هي»(4).

ونحوها غيرها.

أقول: وتنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: هل وجوب الإسكان المزبور من حيث وجوب نفقتها عليه في أيّام العِدّة، فيختصّ بما إذا كانت مستحقّة لها، فلو كانت صغيرة وطئت ولو محرّماً، أو ناشزة من الزوجيّة، أو في أثناء العِدّة، لا سكنى لها كما لا نفقة ؟

أم هو مطلقٌ فللمطلَّقة الرجعيّة السُّكنى وإنْ لم تكن لها نفقة ؟ وجهان:

1 - ظاهر غير واحدٍ من الأصحاب، وصريح آخرين: هو الأوّل، كما هو ظاهر صحيح أبي خلف، للعدول في ذيله عن النهي عن الإخراج، إلّاأنّ لها8.

ص: 296


1- سورة الطلاق: الآية 1.
2- الكافي: ج 6/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/216 ح 28422.
3- الكافي: ج 6/91 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/213 ح 28417.
4- الكافي: ج 6/91 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/213 ح 28418.

النفقة والسُّكنى .

2 - ومن بيان جواز الإخراج في البائنة، إلّاأنّه لا نفقة لها.

الفرع الثاني: هل يجوز له أن يخرجها من بيت الطلاق إلى بيتٍ آخر له مناسبٍ لحالها وشأنها، كان بيت الطلاق دون شأنها أو مناسباً لحالها، أم لا؟

الظاهر ذلك من حيث هذا الحكم - وأمّا من حيث حكم خروجها فسيأتي الكلام فيه - لما عرفت من أنّ حرمة الإخراج من باب وجوب الإسكان، وقد مرَّ في النفقات أنّ تعيّن المسكن بيد الزّوج، فله أن يَنقلها من منزلٍ إلى آخر، وإلى ذلك يشير كلام الفضل بن شاذان، قال(1):

(إنّ معنى الخروج والإخراج أن تَخرج مراغمةً ، ويُخرجها مراغمةً ، فهذا الذي نَهى اللّه تعالى عنه، إذ لو نقلتها إلى مكانٍ آخر، سيّما إذا كان أولى من مكانها الأوّل، لا يقال إنّه أخرجها من بيته).

وعليه، فلو كان المنزل الذي كانت فيه حين الطلاق دون شأنها، لها المطالبة بالخروج إلى منزلٍ يُناسبها، كما أنّه لو طلّقها في مسكنٍ أعلى من شأنها، يجوز له نقلها إلى منزلٍ يناسبها، كما صرّحوا بذلك، بل ظاهر «المسالك» المفروغيّة عنه(2)، وسيأتي لهذه الفروع زيادة توضيح إنْ شاء اللّه تعالى .

الفرع الثالث: لا كلام بينهم في أنّه يجوز إخراجها إذا أتَتْ بفاحشةٍ مبيّنة، كما نطق بذلك الكتاب المجيد، إنّما الاختلاف في المراد من (الفاحشة المبينة)؟5.

ص: 297


1- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 32/332.
2- مسالك الأفهام: ج 9/325.

قيل: إنّها الزِّنا، والمعنى إلّاأن يزنين فيُخْرَجنَ لإقامة الحَدّ عليهنّ .

وقيل: هي كلّ ما يوجبُ الحَدّ.

والمشهورُ بين الأصحاب: أنّها كلّ ذنبٍ ، وأدناه أن تؤذي أهله.

وأمّا النصوص:

فمنها: ما يدلّ على أنّها الزِّنا كمرسل «الفقيه»: «سُئل الصادق عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : (لا تُخْرِجُوهُنَّ ...) الخ ؟

قال عليه السلام: إلّاأن تزني فتُخْرَج ويُقام عليها الحَدّ»(1).

ومنها: ما يدلّ على أنّها السُّحق، كخبر سعد بن عبداللّه، قال:

«قلت لصاحب الزمان عليه السلام: أخبرني عن الفاحشة المبيّنة إذا أتتِ المرأة بها في أيّام عِدّتها حَلَّ للّزوج أن يُخرجها من بيته ؟

قال عليه السلام: الفاحشة المبيّنة هي السُّحق دون الزِّنا... الحديث»(2).

ومنها: ما يدلّ على أنّ المراد بها أن تؤذي أهلها، أو أنّ أدناها ذلك:

فعن «النهاية»(3): (قد روي: أنّ أدنى ما يجوزُ له معه إخراجها، أن تؤذي أهل الرّجل).

بل هو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام(4)، كذا عن «الخلاف»(5)،3.

ص: 298


1- الفقيه: ج 3/499 ح 4759، وسائل الشيعة: ج 22/220 ح 28435.
2- وسائل الشيعة: ج 22/221 ح 28436، الإحتجاج: ج 2/463.
3- النهاية: ص 534.
4- وسائل الشيعة: ج 22/221 ح 28437.
5- حكاه عن الخلاف صاحب الجواهر: ج 32/333.

و «المبسوط»(1)، و «مجمع البيان»(2)، و «الجامع»(3).

وأيضاً: خبر محمّد بن عليّ بن جعفر عليه السلام، قال «سأل المأمون عن الرّضا عليه السلام عن ذلك ؟

فقال عليه السلام: يعني بالفاحشة المبيّنة أن تُؤذي أهل زوجها، فإذا فعلت، فإنْ شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عِدّتها فعل»(4).

ومثله خبر ابن أسباط(5).

أقول: وهذه النصوص وإنْ كانت ضعيفة الإسناد، إلّاأنّها بالعمل منجبرة، فلا إشكال في العموم، وأنّ أدناه أنْ تؤذي أهله.

أمّا مرسل «الفقيه»: فهو لا يدلّ على الحصر.

وأمّا خبر سعد: فيُحمل على إرادة عدم انحصارها بالزِّنا، وشمولها للسُّحق.

وعليه، فالجمع بين الأخبار يقتضي البناء على ما ذهب إليه المشهور.

***8.

ص: 299


1- المبسوط: ج 5/253.
2- تفسير مجمع البيان: ج 10/40.
3- حكاه عن صاحب الجواهر: ج 32/333.
4- التهذيب: ج 8/132 ح 55، وسائل الشيعة: ج 22/220 ح 28434.
5- وسائل الشيعة: ج 22/221 ح 28438.

ولا لها أن تَخرُجَ .

حرمة خروج المطلّقة الرجعيّة

المسألة الرابعة: (و) كما لا يجوز له إخراجها من بيته، (لا) يجوزُ (لها أن تَخرُجَ )، بلا خلافٍ ، وتشهد به:

1 - الآية الكريمة المتقدّمة: (وَ لا يَخْرُجْنَ ) .

2 - وجملة من الأخبار:

منها: ما تقدّم.

ومنها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن المطلَّقة أين تعتدّ؟

قال عليه السلام: في بيتها لا تخرج، وإنْ أرادت زيارةً خرجت بعد نصف اللّيل، ولا تَخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتّى تقضي عِدّتها»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا ينبغي للمطلَّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقضي عِدّتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إنْ لم تحض»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام: «عن المطلَّقة أين تعتدّ؟

قال عليه السلام: في بيتها إذا كان طلاقاً له عليها رجعة، ليس له أن يُخرجها، ولا لها أن تَخرُج حتّى تنقضي عِدّتها»(3).

ص: 300


1- التهذيب: ج 8/159 ح 149، وسائل الشيعة: ج 22/215 ح 28421.
2- التهذيب: ج 8/116 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/198 ح 28375.
3- التهذيب: ج 8/132 ح 56، وسائل الشيعة: ج 22/214 ح 28419.

إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق ببيان أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ جملة من نصوص الباب تضمّنت النهي عن أن تخرج من بيتها نهاراً، وتبيت في غير بيتها، ولكن جملة أُخرى من النصوص مشتملة على جوازهما:

منها: موثّق الساباطي المتقدّم.

ومنها: موثّق ابن بكير، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام: عن المرأة التي توفّي عنها زوجها تحجّ؟

قال عليه السلام: نعم، وتخرج وتنتقل من منزلٍ إلى منزل»(1).

ونحوه خبر عُبيد بن زرارة(2).

ومنها: مكاتبة الصفّار، في الصحيح للعسكري عليه السلام: «في إمرأةٍ مات عنها زوجها وهي في عِدّة منه، وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها، وهي تعمل للناس، هل يجوز لها أن تخرج و تعمل وتبيت عن منزلها في عِدّتها؟

فوقّع و قال عليه السلام: لا بأس بذلك إنْ شاء اللّه»(3).

ومنها: مرسل يونس، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المتوفّى عنها زوجها، تعتدّ في بيتٍ وتمكث فيه شهراً أو أقل من شهر أو أكثر، ثُمّ تتحوّل منه إلى غيره، فتمكث في المنزل الذي تحوّلت إليه مثل ما مكثَتْ في المنزل الذي تحوّلت منه، كذا صنيعها حتّى تنقضي عِدّتها؟4.

ص: 301


1- الكافي: ج 6/118 ح 14، وسائل الشيعة: ج 22/243 ح 28498.
2- الكافي: ج 6/116 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/244 ح 28499.
3- الفقيه: ج 3/508 ح 4784، وسائل الشيعة: ج 22/246 ح 28504.

قال: يجوز ذلك لها ولا بأس»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام، قال: «سُئل عن المرأة يموت عنها زوجها، أيصلح لها أن تحجّ أو تعود مريضاً؟

قال عليه السلام: نعم، تخرج في سبيل اللّه، ولا تكتحل ولا تطيب»(2).

إلى غير ذلك من الأخبار.

أقول: والجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على جواز الخروج والمبيت في غير منزلها على كراهية، وحيث أنّ الظاهر من جملةٍ من النصوص جواز الخروج لغير ضرورة كعيادة المريض والمبيت في غير منزلها كذلك، بل أنّ لها أن تبيت في كلّ منزلٍ شاءت، ولو كلّ شهرٍ في منزل، فلا وجه للجمع بينهما بحمل نصوص الجواز على صورة الضرورة، كما أفاده صاحب «الحدائق»(3) رحمه الله، بقرينة مكاتبة الحميري إلى صاحب الزمان أرواحنا فداه، قال:

«سألته عن المرأة يموت زوجها، هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟

فوقّع عليه السلام: تخرج في جنازته.

وهل يجوز لها وهي في عِدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

فوقّع عليه السلام: تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها.

وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقٍّ يلزمها، أم لا تخرج من بيتها، وهي في عِدّتها؟1.

ص: 302


1- الكافي: ج 6/116 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/246 ح 28505.
2- الكافي: ج 6/117 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/244 ح 28501.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/471.

التوقيع: إذا كان حقٌّ خرجت فيه وقضته، وإنْ كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها، خرجت لها حتّى تقضيها، ولا تبيت إلّافي منزلها»(1).

مع أنّ تجويز الخروج من منزلها لتشييع جنازة زوجها، ولزيارة قبره، ولقضاء حقٍّ يلزمها، من دون الاستفصال بين أن يكون لها من يَنظر فيه، تجويزٌ لجواز الخروج اختياراً.

نعم، هي ظاهرة في عدم جواز المبيت في غير منزلها، ولم يقيّد ذلك بصورةٍ دون أُخرى ، فهي أيضاً من نصوص المنع المطلقة الجمع بينها وبين غيرها ممّا تقدّم.

الأمر الثاني: إنّ عدم الخروج والمبيت وجوباً أو استحباباً، إنّما هو في المنزل الذي تختاره للاعتداد، ولا يتعيّن بيتها الذي تسكن فيه في حال موت الزوج، ولا بيت الزوج، كما تشهد به جملة من النصوص:

منها: موثّق معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المرأة المتوفّى عنها زوجها تعتدّ في بيتها أو حيث شاءت ؟

قال عليه السلام: بل حيث شاءت، إنّ عليّاً عليه السلام لمّا توفّي عمر أتى أُمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته»(2).

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «عن إمرأة توفّي عنها زوجها أين تعتدّ في بيت زوجها تعتدّ أو حيث شاءت ؟.... الحديث»(3).

ونحوهما غيرهما.

وهذه النصوص أيضاً تؤيّد عدم وجوب المبيت في بيتها، وعدم حرمة الخروج،2.

ص: 303


1- وسائل الشيعة: ج 22/245 ح 28503، بحار الأنوار: ج 101/185.
2- التهذيب: ج 8/161 ح 156، وسائل الشيعة: ج 22/242 ح 28494.
3- التهذيب: ج 8/161 ح 157، وسائل الشيعة: ج 22/241 ح 28492.

فإنّها تدلّ على جواز الخروج والمبيت بعدما شَرَعت في الاعتداد.

الأمر الثالث: هل عدم جواز خروجها لرعاية حقّ الزوج، فلو أذن لها في الخروج جاز، كما عن جماعةٍ منهم: أبو الصّلاح(1)، والفضل بن شاذان(2)، والمصنّف رحمه الله في «التحرير»(3)، وقوّاه صاحب «الجواهر»(4) وقال: (بل يمكن تنزيل من أطلق على إرادة غير الفرض)، بل عن الفضل: (أنّ أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيّع قد رَخّصوا لها في الخروج الذي ليس على السُّخط والرغم، وأجمعوا على ذلك)؟

أم لا يجوز لها الخروج وإنْ اتّفقا عليه، لأنّ فيه حقّاً للّه تعالى؟ كما عن «القواعد»(5)، و «المسالك»(6)، وغيرهما، بل قيل: إنّه ظاهرُ الأكثر؟ وجهان:

استدلّ للثاني:

1 - بظهور الكتاب والسُّنة والفتاوى في ذلك، بل عن «الكشّاف»(7): (إنّما جمع بين النهيين ليشعر بأنْ لا يأذنوا وأنْ ليس لإذنهم أثر).

2 - وبمكاتبة الصفّار إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام: «في إمرأةٍ طلّقها زوجها ولم يجر عليها النفقة للعِدّة، وهي محتاجة، هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل أو الحاجة ؟9.

ص: 304


1- الكافي في الفقه: ص 312.
2- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 32/332.
3- تحرير الأحكام: ج 4/178.
4- جواهر الكلام: ج 32/332.
5- قواعد الأحكام: ج 3/152.
6- مسالك الأفهام: ج 9/315.
7- الكشاف للزمخشري: ج 4/119.

إلّا مع الضرورة بعد منتصف اللّيل، وترجع

فوقّع عليه السلام: لا بأس بذلك إذا علم اللّه الصحّة منها»(1).

فإنّها مختصّة بحالة الضرورة، ولازمه عدم الجواز بدونها.

ولكن يرد على الأوّل: - مضافاً إلى ما تقدّم منّا من أنّ الظاهر من النصوص كون وجوب الإسكان من باب وجوب النفقة، وعدم جواز الخروج، لكونها زوجة يجب عليها إطاعته - أنّ صحيح الحلبي يدلّ على الجواز مع إذن الزوج، ومثله خبر معاوية بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«المطلّقة تحجّ في عِدّتها إنْ طابت نفس زوجها»(2).

حيث إنّه علّق فيه جواز الحجّ على إذن الزوج، ولو لم يكن هذا الحكم رعاية لحقّه، لما كان للتعليق معنى.

وأمّا المكاتبة: فهي لا تدلّ على عدم الجواز، لعدم المفهوم لها، مع أنّه على فرض الدلالة سبيلها سبيل بقيّة النصوص الناهية عنه يقيّد إطلاقها بما مرَّ.

وعليه، فالأظهر هو جواز الخروج مع إذنه.

الأمر الرابع: أنّ حرمة خروجها إمّا مطلقاً، أو مع عدم إذن الخروج، إنّما هو في حال الاختيار، و (إلّا) ف (مع الضرورة) فهو جائزٌ بلا خلافٍ ، ومكاتبة الصفّار شاهدة به، والمستفاد منها أنّ المدار على مقدار ما يتأدّى به الضرورة.

ولكن في المتن و «الشرائع»(3) وغيرهما(4): تخرجُ (بعد نصف اللّيل، وترجعا.

ص: 305


1- الفقيه: ج 3/499 ح 4760، وسائل الشيعة: ج 22/278 ح 28587.
2- التهذيب: ج 8/131 ح 51، وسائل الشيعة: ج 22/219 ح 28431.
3- شرائع الإسلام: ج 3/605.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/50، إيضاح الفوائد: ج 3/370 وغيرهما.

قَبل الفجر. وعليه نفقة عِدّتها.

قبل الفجر).

وفي «الرياض»(1) بعد أن نسبَ وجوب العود قبل الفجر إلى الأشهر، قال: (بل لم أقف على مخالفةٍ إلّامن بعض من نَدر ممّن تأخّر).

واستدلّ له: بموثّق سماعة المتقدّم.

ولكنّه - مضافاً إلى كونه في الخروج للزيارة لا للضرورة - ليس فيه العود قبل الفجر، ولايستفاد ذلك من النهي عن الخروج نهاراً كما لايخفى .

وأيضاً: هل يجوز لها أن تحجّ ندباً؟ فيه روايات:

منها: ما يدلّ على الجواز مطلقاً، كمضمر محمّد بن مسلم، قال: «المطلَّقة تحجّ وتشهد الحقوق»(2).

ومنها: ما يدلّ على المنع كخبر سماعة المتقدّم.

ومنها: ما يدلّ على الجواز بإذن الزوج، كخبر معاوية بن عمّار المتقدّم.

والجمع بين النصوص يقتضي البناء على الجواز بإذنه.

الأمر الخامس: قد تقدّم في مبحث النفقات(3) أنّه لا ريب (و) لا كلام في أنّه يجبُ (عليه نفقة عِدّتها) من كسوتها وإسكانها.

الأمر السادس: لا خلاف في أنّ المنع عن الخروج والإخراج مختصٌّ بالطلاق الرّجعي، فلا منع عنهما في البائن، والنصوص السابقة شاهدة به، لاحظ صحيح أبي4.

ص: 306


1- رياض المسائل: ج 11/161.
2- التهذيب: ج 8/131 ح 52، وسائل الشيعة: ج 22/219 ح 28430.
3- فقه الصادق: ج 33/374.

خلف وغيره، وبها يقيّد إطلاق الآية الكريمة لو لم نقل أنّها بقرينة ما في آخرها من العلّة مختصّة بالرجعيّة، وكذا يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ المطلّقة تعتدّ في بيت زوجها، وقد مرَّ حكم نفقتها أيضاً، وأنّها لا تجبُ إلّاأن تكون حاملاً، فلها النفقة والسُكنى إجماعاً، وكتاباً وسُنّة.

الأمر السابع: بناءً على ما اخترناه في الإخراج والخروج، تسقط جملة من الفروع التي ذكروها في المقام، مثل: ما لو طلّقها في بيتٍ ، ثمّ باع البيت، أو حَجَر عليه الحاكم، وما شاكل ذلك، فإنّه يصحّ البيع في الأوّل، ولا تُضرب مع الغرماء في الثاني، ولا يقدّم حقّها عليهم، لعدم تعلّق حقّه بذلك البيت الخاص، فإنّ لها عليه الإسكان.

ثمّ إنّه قد مرَّ الكلام في نفقة المطلّقة الرجعيّة والبائنة والحامل وغيرهنّ مفصّلاً في مبحث النفقات(1)، فلا وجه للإعادة.

***4.

ص: 307


1- فقه الصادق: ج 33/374.

وتعتدّ المطلَّقة من وقت إيقاعه.

مبدأ زمان العِدّة

المسألة الخامسة: لا ريب في أنّ زوجة الحاضر تعتدّ من حين الطلاق أو الوفاة، وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسيمه عليه) لأنّه الظاهر من أدلّة الاعتداد بالطلاق أو الوفاة، كما في سائر الموارد التي يجعل شيء سبباً لشيءٍ آخر، كسببيّة العقد للّزوجيّة، والبيع للانتقال وما شاكل.

(و) كذا (تعتدّ المطلَّقة) من الغائب (من وقت إيقاعه) على المشهور بين الأصحاب، بل عن «الناصريّات»(2) الإجماع عليه، والنصوص شاهدة به:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«إذا طلّق الرّجل وهو غائبٌ فليُشهِد على ذلك، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم، فقد انقضت عِدّتها»(3).

ومنها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يطلّق إمرأته وهو غائبٌ عنها، من أيّ يومٍ تعتدّ؟

فقال عليه السلام: إنْ قامت لها بيّنةُ عدلٍ أنّها طُلّقت في يومٍ معلوم وتيقّنت، فلتعتدّ من يوم طُلِّقت، وإنْ لم تحفظ في أيّ يومٍ أو في أيّ شهرٍ، فلتعتدّ من يوم يبلغها»(4).

ص: 308


1- جواهر الكلام: ج 32/371.
2- الناصريّات: ص 360.
3- الكافي: ج 6/111 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/225 ح 28446.
4- الكافي: ج 6/110 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/226 ح 28447.

ومنها: صحيح الفضلاء أو حسنهم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«أنّه قال في الغائب: إذا طلّق إمرأته فإنّها تعتدّ من اليوم الذي طلّقها»(1).

ومثله خبر زرارة(2)، وخبر الكناني(3).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «في رجلٍ طلّق إمرأته وهو غائب، فمضت أشهر؟

فقال عليه السلام: إذا قامت البيّنة أنّه طلّقها منذ كذا وكذا، كانت عِدّتها قد انقضت فقد حَلّت للأزواج... الحديث»(4).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وعن الحلبي(5): (أنّها تعتدّ من حين بلوغ الخبر)، واستدلّ له:

1 - بظاهر الأمر بالتربَّص.

2 - وبأنّ الاعتداد عبارةٌ يحتاج إلى النيّة.

أقول: الثاني ممنوعٌ ، والأوّل لو سُلّم يجبُ الخروج عنه بما تقدّم.

نعم، يبقى في المقام إشكالٌوهو أنّمقتضى صحيح أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المطلّقة يطلّقها زوجها فلا تعلم إلّابعد سنة ؟

فقال: إنْ جاء شاهدا عدلٍ فلا تعتدّ، وإلّا فلتعتدّ من يوم يبلغها»(6).5.

ص: 309


1- التهذيب: ج 8/161 ح 159، وسائل الشيعة: ج 22/226 ح 28448.
2- الكافي: ج 6/111 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/226 ح 28450.
3- الكافي: ج 6/111 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/227 ح 28451.
4- وسائل الشيعة: ج 22/227 ح 28452.
5- الكافي للحلبي: ص 313.
6- الإستبصار: ج 3/354 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/228 ح 28455.

والمتوفّى عنها زوجها من حين البلوغ.

بل وصحيح الحلبي المتقدّم وغيرهما: أنّه لو لم يثبت بالبيّنة الشرعيّة أو القرائن القطعيّة، لابدّ وأن تعتدّ من حين البلوغ، ولو حصل القطع بتقدّم الطلاق عليه يوماً أو أزيد.

أقول: ولكن يمكن أن يقال إنّ تلك النصوص في صورة الجهل المطلق بزمان وقوع الطلاق، الملازم مع احتمال وقوع الطلاق في ذلك اليوم.

وبعبارة أُخرى : مع اليقين بوقوع الطلاق قبل يومٍ أو أزيد، يدخل في الفرض الأوّل، وهو اليقين بسبق الطلاق.

وبالجملة: الجمع بين النصوص صدراً وذيلاً يقتضي البناء على أنّه إنْ ثبت سبق الطلاق بالبيّنة أو القرائن القطعيّة، تعتدّ من حين ما ثبت، وإلّا فمن حين البلوغ.

(و) أمّا (المتوفّى عنها زوجها): ففيها أقوال:

أحدها: أنّها تعتدّ (من حين البلوغ) لا من حين الوفاة، وهو المشهور بين الأصحاب.

وعن «السرائر»(1)، و «التحرير»(2): نفي الخلاف فيه.

ثانيها: ما عن ابن الجُنيد(3): من التسوية بينهما وبين المطلّقة في الاعتداد من حين الموت والطلاق إنْ عَلِمتا بالوقت، وإلّا فمن حين يبلغها فيهما، ومال إليه الشهيد2.

ص: 310


1- السرائر: ج 2/739.
2- تحرير الأحكام: ج 4/166.
3- فتاوى ابن الجُنيد: ص 282.

الثاني رحمه الله وجماعة(1).

ثالثها: ما عن الشيخ في «التهذيب»(2): من أنّ المتوفّى عنه زوجها تعتدّ من يوم وفاة الزوج إنْ كانت المسافة قريبة كيومٍ أو يومين أو ثلاثة، وإلّا فمن يوم بَلَغها الخبر.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على ما هو المشهور:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «في رجل يموت وتحته إمرأة وهو غائب ؟

قال عليه السلام: تعتدّ من يوم يبلغها وفاته»(3).

ومنها: صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّه قال في الغائب عنها زوجها إذا توفّي، قال: المتوفّى عنها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر، لأنّها تحدّ عليه»(4).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يبلغها، لأنّها تريد أن تحدّ عليه»(5).

إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ بظاهره على ما ذهب إليه ابن الجُنيد:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:0.

ص: 311


1- مسالك الأفهام: ج 9/351، المختصر النافع: ص 203، كشف الرموز: ج 2/231.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/165.
3- الكافي: ج 6/112 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/228 ح 28456.
4- الكافي: ج 6/112 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/229 ح 28458.
5- وسائل الشيعة: ج 22/229 ح 28459، عوالي اللآلي: ج 2/286 ح 30.

«قلت له: إمرأة بلغها نعي زوجها بعد سنةٍ أو نحو ذلك ؟

فقال عليه السلام: إنْ كانت حُبلى فأجلها أن تضع حَملها، وإنْ كانت ليست بحُبلى فقد مضت عِدّتها إذا قامت لها البيّنة أنّه مات في يوم كذا وكذا، وإنْ لم يكن لها بيّنة، فلتعتدّ من يوم سمعت»(1).

ومنها: خبر وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام

«عن المتوفّى عنها زوجها إذا بلغها ذلك، وقد انقضت عِدّتها، فالحِداد يجب عليها؟

فقال عليّ عليه السلام: إذا لم يبلغها ذلك حتّى تنقضي عِدّتها، فقد ذهب ذلك كلّه، وتنكح مَن أحبّت»(2).

ومنها: خبر الحسن بن زياد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المطلّقة يطلّقها زوجها ولا تعلم إلّابعد سنة، والمتوفّى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلّابعد سنة ؟

قال عليه السلام: إنْ جاء شاهدان عدلان فلا تعتدّان، وإلّا تعتدّان»(3).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ بظاهره على ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله:

منها: صحيح منصور، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام: يقول في المرأة يموت زوجها أو يطلّقها وهو غائب.

قال عليه السلام: إن كان مسيرة أيّام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ، وإنْ كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر، لأنّها لابدّ من أن تحدَّ له»(4).7.

ص: 312


1- التهذيب: ج 8/164 ح 170، وسائل الشيعة: ج 22/231 ح 28465.
2- التهذيب: ج 7/469 ح 87، وسائل الشيعة: ج 22/230 ح 28462.
3- التهذيب: ج 8/164 ح 169، وسائل الشيعة: ج 22/231 ح 28464.
4- التهذيب: ج 8/165 ح 171، وسائل الشيعة: ج 22/232 ح 28467.

أقول: قد جمع الشهيدالثاني رحمه الله بين الأوليين بحمل الأُولى على الاستحباب(1)، وارتضاه جماعة(2).

وفيه: أنّه مع إمكان الجمع الموضوعي، لا يصل النوبة إلى الجمع الحكمي، وفي المقام الأوّل ممكنٌ ، لأنّ الطائفة الأُولى مختصّة بالغائب، والثانية أعمٌّ منه ومن الحاضر الذي لم يبلغها الخبر لمانع من الموانع، كالحبس والمرض ونحوهما، فيُحمل المطلَّقة على المقيّدة، ويختصّ الثانية بالحاضر.

وعلى هذا، فلا وجه لما عن الشيخ رحمه الله من احتمال وهم الراوي واشتباهه المطلَّقة بالمتوفّى عنها زوجها(3)، مع أنّه لا يتصوّر ذلك في خبر الحسن الذي جَمَع بينهما.

كما لا وجه لما في «الحدائق» من حمل هذه النصوص على التقيّة(4).

وأمّا الطائفة الثالثة: فقد حَمَلها صاحب «الحدائق»(5) على إرادة مَنْ كان في حكم الحاضر ممّن كان في بلاد متَّسعة جدّاً، بحيث يكون تأخّر وصول الخبر اليوم واليومين، أو رستاق فيه قرى عديدة.

أقول: وهو بعيدٌ جدّاً، لفرض الغائب في صحيح منصور، وللتفصيل بين مسيرة أيّام، والبُعد.

وعليه، فالحقّ أنّها لإعراض الأصحاب عنها، لابدّ من طرحها أو حملها على التقيّة.4.

ص: 313


1- مسالك الأفهام: ج 9/352.
2- منهم السيّد محمّد العاملي في نهاية المرام: ج 2/124.
3- التهذيب: ج 8/157.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/542.
5- الحدائق الناضرة: ج 25/543-544.

فتحصّل: أنّ المستفاد من النصوص:

1 - أنّ المتوفّى عنها زوجها الغائب، تعتدّ من حين بلوغ الخبر.

2 - والمتوفّى عنها زوجها الحاضر من حين الوفاة، وإنْ لم يبلغها الخبر، إلّابعد مضيّ أيّام، بل وإنْ بلغها الخبر بعد انقضاء العِدّة، وهو مقتضى القاعدة في الحاضر.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق ببيان أُمور:

الأمر الأوّل: إنّه لا فرق في الزوجة المعتدّة من حين البلوغ بين الدائمة والمتمتّع بها، والصغيرة والكبيرة، لإطلاق الأدلّة.

ولو كانت الزوجة صغيرة، ولم يبلغها خبر الوفاة، ولكن بَلَغ وليّها خَبرها، فهل تعتدّ من حين بلوغ الخبر الوليّ ، أو من حين بلوغها؟

الظاهر هو الثاني لإطلاق الأدلّة.

الأمر الثاني: إذا بلغها الخبر بالوفاة، ولكن لم يكن الخبر واجداً لشرائط الحجيّة، فلا إشكال في أنّه لا يثبت به الموت، وليس لها ترتيب آثاره، فلا تنكح.

إنّما الكلام في أنّها إذا رتّبت الآثار، بأن تزوّجت، فبان كونه بعد عِدّتها، فهل يصحّ كما عن المشهور، وفي «الجواهر»(1) بل لم أجد به خلافاً أم لا تصحّ؟

وجهان مبنيّان على أنّ المراد ببلوغ الخبر في النصوص، هل هو الخبر الواجد لشرائط الحجيّة أم مطلقه ؟

ظاهر الأخبار هو الأوّل، لأنّ الموضوع بلوغ الوفاة، أي ثبوتها عندها، لا وصول خبرها أيّاً ما كان، وقوله عليه السلام في خبر أبي الصباح: «إنْ قامت البيّنة أو لم5.

ص: 314


1- جواهر الكلام: ج 32/375.

تقم»، لا ينافي ذلك بناءً على ما هو الحقّ من حجيّة خبر العدل الواحد في الموضوعات، بل وعلى القول الآخر لحجيّة الخبر المحفوف بالقرائن القطعيّة، فلا يعتبر قيام البيّنة خاصّة، ولكن لذهاب الأصحاب إلى صحّة التزويج في الفرض، نلتزم به تبعاً لهم.

وهل يلحق بالخبر الفاقد لشرائط الحجيّة أمارة ظنيّة غير معتبرة ؟

وجهان: أظهرهما العدم، لعدم تعرّض الأصحاب لذلك.

الأمر الثالث: لو تزوّجت بعد وفاة زوجها المجهولة لها أو لهما قبل العِدّة، ففي كونه موجباً للحرمة الأبديّة وعدمه، كلامٌ تقدّم في كتاب النكاح في ذيل مسألة العقد في العِدّة(1).

وهل يصحّ العقد لعدم كونها ذات بعلٍ ومعتدّة واقعاً وإنْ كانت بحسب الظاهر محكومة بأنّها ذات بعل، أم لا يصحّ؟

وجهان: لا يبعدُ الأوّل.

وعلى فرض القول بالصحّة، هل يبطل النكاح ببلوغ خَبر موت الزّوج، لوجوب الاعتداد عليها، والعِدّة لا تجتمع مع كونها ذات بعل، أم لا يبطل ؟

لا يبعدُ البناء على الثاني، لأنّ النصوص المانعة عن التزويج في العِدّة ظاهرة في ابتداء النكاح.

ودعوى : عدم اجتماع الزوجيّة لشخصٍ مع الاعتداد من آخر.

يدفعها: أنّ نظيره ما لو وطئت المزوّجة شُبهةً ، فإنّه يجبُ عليها الاعتداد من وطء الشبهة، ولا تخرجُ عن حبالة الزوج.4.

ص: 315


1- فقه الصادق: ج 32/34.

فإنْ قيل: إنّه يكفي في الحكم بفساد العقد استحقاق العِدّة عليها في نفس الأمر للّزوج، فلا يؤثّر العقد عليها في نفس الأمر حتّى إن استمرّ جهلها.

قلنا: إنّ ذلك يحتاجُ إلى دليلٍ ، والذي دلّ عليه الدليل هو بطلان نكاح ذات البعل وذات العِدّة، فاستحقاق العِدّة عليها لم يجعل في النصوص من الموانع لصحّة العقد، كما أنّ كون تلك المُدّة أقرب إلى الزوجيّة، بل هي في ظاهر الشرع زوجة، لايمنع عن الصحّة.

فالمتحصّل: أنّ البناء على الصحّة لو تزوّجت، مع كون العقد الثاني واجداً لشرائط الصحّة من غير هذه الجهة، ليس بكلّ البعيد، واللّه تعالى أعلم.

***

ص: 316

حكم ما لو طلّق ثمّ راجعها ثمّ طلّق قبل المسيس

المسألة السادسة: إذا طلّقها بعد الدخول، ثمّ راجع في العِدّة، ثمّ طلّق قبل المسيس، لزمها استئناف العِدّة، لأنّه بالرجوع انفسخ الطلاق وعاد النكاح السابق، بل بقي بناءً على ما عرفت من أنّ الزوجيّة باقية ما لم تنقض العِدّة، وليس الرجوع إنشاء لنكاحٍ جديد، فالطلاق الثاني طلاقُ إمرأةٍ مدخول بها بالنكاح الذي يريدُ فسخه بالطلاق.

وكذا لو خالعها بعد الرَّجعة، إذ هو كالطلاق بالنسبة إلى ذلك.

ولو خالعها من أوّل الأمر بعد الدخول، ثمّ تزوّجها بعقدٍ جديد في العِدّة، وطلّقها قبل الدخول، فهل تجبُ عليها العِدّة أم لا؟

وعلى الأوّل، هل يجبُ إكمال العِدّة الأُولى، أو الاستئناف ؟ عدّة أقوال.

استدلّ لعدم وجوب العِدّة عليها: بأنّ العِدّة الأُولى بطلت بالفراش الجديد، ضرورة كونها زوجة حينئذٍ، وقد انقطع حكم الطلاق، والفرض أنّ العقد الثاني لم يحصل معه دخولٌ ، فيشمله ما دلّ على أنّه لا عِدّة على المطلّقة غير المدخول بها.

وأورد عليه بإيرادات:

الإيراد الأوّل: إنّ العِدّة الأُولى لم تُكمل، وانقطاعها إنّما هو بالنسبة إلى زمان الفراشيّة، فمع فرض زواله بالطلاق الثاني، وجب عليها إكمال الأُولى، وهذا هو الوجه للقول الأوّل.

الإيراد الثاني: إنّ العِدّة الأُولى لم تسقط إلّابالنسبة إلى الزوج الأوّل الذي هو

ص: 317

صاحب الفراش، حيثُ لا يجبُ الاستبراء من مائه، وأمّا بالنسبة إلى غيره فما العلّة في سقوطها؟ بل لايسقط به شيءٌ لأنّه لم يكن عليها عِدّةٌ بالنسبة إلى الزوج كي تسقط بالنسبة إليه، وإنّما الساقط العِدّة الثانية فقط ليس إلّا.

وهذا متينٌ جدّاً، وعليه فيجبُ عليها إكمال الأُولى .

فإنْ قيل: إنّه لو دخل بها وطلّقها، يلزم عليها حينئذٍ إكمال الأُولى ثمّ استئناف عدة جديدة.

قلنا: إنّه في الفرض يكتفي باستئناف العِدّة، لأنّ الأصل هو التداخل في المسبّبات.

الإيراد الثالث: إنّه يصدق على الطلاق الثاني أنّه طلاق إمرأةٍ مدخول بها ولو بالعقد السابق الذي لم يُتمّ عِدّته.

وفيه أوّلاً: النقض بما لو تزوّجها بعد انقضاء العِدّة قبل الدخول، فإنّ لازم ذلك هو الالتزام بوجوب العِدّة عليها، ولا أظنّ أن يلتزم به المُورِد.

وثانياً: إنّ المنساق إلى الذهن من نصوص العِدّة على من طُلِّقت وهي مدخولٌ بها، الدخول بالعقد الذي فَسَخه، لا ما يشمل العقد الأوّل، ولا أقلّ من الشكّ ، والأصل عدم العِدّة، فالقول الأوّل أظهر.

فرع: لو عقد على إمرأةٍ بالعقد المنقطع ودخل بها، ثمّ وَهَب مدّتها، ثُمّ عَقَد عليها إمّا دواماً أو انقطاعاً فطلّقها، أو وهبَ مدّتها أو انقضت من دون أن يدخل بها، فهل عليها العِدّة كما عن جماعةٍ منهم الشيخ البهائي قدس سره، والمحدّث الكاشاني، والمحدِّث البحراني ؟(1)4.

ص: 318


1- الحدائق الناضرة: ج 24/194.

أم لا تجب عليها كما ذهب إليه جماعة آخرون، منهم المحقّق الداماد، بل نُسب إلى المشهور؟

وجهان: أوجههما الأوّل، لما تقدّم من أنّ العقد الثاني إنّما يوجب سقوط العِدّة بالنسبة إلى الزوج، بل لا يوجبُ سقوط شيء، فإنّه لا عِدّة عليها بالنسبة إليه، ولا وجه لسقوط العِدّة بالنسبة إلى غيره، فيجبُ عليها إكمال الأُولى كما تقدّم.

أقول: وبما ذكرناه يظهر أنّ ما ذكره بعضٌ في باب الحيل الشرعيّة من جواز نكاح جماعةٍ إمرأة واحدة في يوم واحد، ولو كانت ذات عِدّة، بأنْ يتزوّجها أحدهم ويدخل بها ثمّ يطلّقها، ثمّ يتزوّجها ثانياً ويطلّقها من غير دخولٍ ، فإنّه يجوز حينئذٍ للآخر أن يتزوّجها لسقوط العِدّة، لأنّها غير مدخول بها، وهكذا الثاني والثالث، فاسدٌ، لأنّه:

أوّلاً: لو تمّ فإنّما هو في المتعة لا في العقد، لاشتراط صحّة الطلاق بوقوعه في طُهرِ غير المواقعة.

وثانياً: إنّه لا يتمّ في المتعة أيضاً، لما عرفت من عدم سقوط العِدّة الأُولى بالعقد الجديد.

***

ص: 319

تداخل العدد

المسألة السابعة: بناءً على ما هو الحقّ من أنّ الأصل هو التداخل في المسبّبات، كما ذكرناه في غير موضعٍ من هذا الشرح، من غير فرقٍ بين تعدّد السبب جنساً ووحدته، الأظهر تداخل العِدّتين، بل العِدد في موارد لم يرد نصٌّ خاصّ على عدم التداخل، فلو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شُبهةً ، تستأنف عِدّة كاملة للأخير منهما، وتدخل فيها بقيّة الأُولى، كما جزم به المصنّف في «القواعد»(1) والمحقّق في «الشرائع»(2).

ولو نكحت في العِدّة الرجعيّة لمشتبهٍ وحملت من الثاني، اعتدّت بالوضع من الثاني، وتدخل فيها الأُولى.

ولو وضعت قبل أن تنقضي العِدّة الأُولى، اعتدّت إلى أن تنقضي.

وعليه، فما في «الشرائع»(3) من أنّها تعتدّ بعد الوضع بقيّة الأُولى، غير تامّ .

ولو طلّقها وهي حامل، ثمّ وطئها شُبهةً ، أو وطئها غيره شبهةً ، فإنّها تعتدّ بالوضع للأوّل، وبالأشهر أو الأقراء للثاني، وهما تتداخلان، فتعتدّ بأبعد الأجلين.

إلى غير تلكم من الفروع المترتّبة على ذلك.

أقول: ويترتّب على ما ذكرناه أنّه في الفرع الثاني يجوزُ لزوجها الذي طلّقها الرجوع في زمان العِدّة، ما لم تَنقض عِدّة الطلاق، وكونها في عدّة الغير لا يمنع عن الرجوع، لأنّ الرجوع ليس إنشاءً لنكاح جديد كي لايجوز في حالة العِدّة، بل إبقاءٌ للنكاح الذي لم يبطله العِدّة للثاني، فلعلّه الذي يقصده الشيخ رحمه الله بقوله من أنّ للأوّل

ص: 320


1- قواعد الأحكام: ج 3/149. (2و3) شرائع الإسلام: ج 3/610.

الرجوع في زمن الحمل(1).

ولو طلّقها رجعيّاً، فحاضت مرّة، ثمّ وطئها شُبهةً فحملت وانقطع حيضها، فهل تنقضي عِدّتها بالوضع أم لا؟

الظاهر ذلك، لأنّ العِدّة من الطلاق حينئذٍ تقدّر بالأشهر، لما عرفت من عدم اعتبار اتّصال الأشهر البيض بالطلاق، فتتداخل العِدّتان وتنقضي بالوضع، وله الرجوع في زمان الحمل ما لم تنقض الأشهر، لأنّها زمان الرجوع، والعِدّة الثانية لاتمنعُ عنه كما مرَّ، ولا يجوزُ له الرجوع بعد ذلك.

وعليه، فما في «القواعد»(2) وشرحها(3): من أنّه لو طلّقها رجعيّاً ووطئها بظنّ أنّها غيرها بعد مضيّ قُرءٍ مثلاً، فحملت وانقطع الدّم، كان له الرَّجعة قبل الوضع، لأنّ الحمل لا يتبعّض بعضه من الأُولى، والباقي من الثانية، فيكون جميع أيّامه محسوبة من بقيّة الأُولى وجميع الثانية.

غير تامّ : لأنّ ذلك ينافي انقضاء عِدّتها بالأشهر لو فرض سبقها للوضع، فتمحّض الزائد للوضع، فلا يجوز الرجوع فيه.

هذا إذا قلنا بأنّ الوطء لشبهةٍ لا يكون رجوعاً، وإلّا فيسقط ذلك، ولا عِدّة عليها بل هي زوجته.

ولو طلّقها رجعيّاً وفسخت المطلَّقة في أثناء العِدّة، بناءً على أنّ لها ذلك، لأنّها كالزوجة، فتأتي بعِدّة مستأنفة للفسخ، ويدخل فيها بقيّة عِدّة الطلاق.2.

ص: 321


1- المبسوط: ج 5/246.
2- قواعد الأحكام: ج 3/149.
3- إيضاح الفوائد: ج 3/362.

نعم، لا وجه للاكتفاء بإكمال الأُولى .

وعليه، فما عن «القواعد»(1): من أنّه لو فسخت النكاح في عِدّة الرجعي، ففي الاكتفاء بالإكمال إشكال، بل نُسب إلى «المبسوط» اختياره الاكتفاء بالإكمال، غير تامّ .

المسألة الثامنة: عِدّة الذميّة كالمسلمة في الطلاق والوفاة، بلا خلافٍ .

وعن بعضهم: دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به:

1 - إطلاق الأدلّة كتاباً وسُنّةً .

2 - وخصوص النصوص(2) الصحيحة في عِدّة الوفاة.

وما ورد في عِدّة الطلاق من النّص(3) على أنّها تعتدّ مثل عِدّة الأمَة نصف عِدّة الحُرّة، لإعراض الأصحاب عنه لا يُعتمد عليه.

وعليه، فلا وجه لإشكال سيّد «المدارك»(2)، والمحدّث البحراني(3) في الحكم، ولا موجب لإطالة الكلام في ذلك.

***3.

ص: 322


1- قواعد الأحكام: ج 3/149. (2و3) راجع وسائل الشيعة: ج 22 باب 45 من أبواب العدد.
2- نهاية المرام: ج 2/111.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/503.

خاتمة حكم المفقود زوجها

أقول: لا إشكال ولا خلاف بين العلماء في أنّ :

1 - الغائب إنْ عُلم حياته فهو كالحاضر.

2 - وإنْ علم موته اعتدّت منه، وجاز تزويجها.

3 - ولو علمت هي بالوفاة خاصّة، جاز لها التزويج، وإن لم يحكم به الحاكم، وحَلّ لكلّ من شاركها في العلم بالوفاة، أو اختصّ عنها بالجهل بها وبحالها أيضاً مع تعويله في الخلوّ عن الزوج بدعواها نكاحها.

4 - وإن جهل خَبره، وكان له وليٌّ أو وكيل أو متبرّعٌ ينفق عليها، فلا خيار لها، وإنْ أرادت ما تريد النساء، وطالت المدّة عليها، فهي حينئذٍ مبتلاة، فلتصبر بلا خلافٍ في ذلك، للأصل والنصوص الآتية.

5 - إنّما الكلام فيما لو جَهِل خبره، ولم يكن من ينفق عليها، ولم تصبر، فقد اختلفت كلماتهم فيه من جهات، نتعرّض لها بعد نقل روايات الباب:

منها: صحيح بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المفقود كيف تصنع إمرأته ؟

فقال: ما سكتت عنه وصبرت فخلّ عنها، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين، ثمّ يكتب إلى الصُّقع الذي فُقد فيه، فليسأل عنه، فإنْ خُبِّر عنه بحياة صَبَرت، وإن لم يخبر عنه بحياةٍ حتّى تمضي الأربع سنين، دعا وليّ الزوج المفقود، فقيل له: هل للمفقود مالٌ ، فإنْ كان للمفقود مالٌ أنفق عليها حتّى يعلم

ص: 323

حياته من موته، وإنْ لم يكن له مالٌ قيل للولي: انفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها، وإنْ أبى أن ينفق عليها، أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقه في استقبال العِدّة، وهي طاهر، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فإنْ جاء زوجها قبل أن تنقضي عِدّتها من يوم طلّقها الولي، فبدا له أن يراجعها، فهي إمرأته، وهي عنده على تطليقتين، وإنْ انقضت العِدّة قبل أن يجيء ويراجع، فقد حَلّت للأزواج، ولا سبيل للأوّل عليها»(1).

قال الصّدوق: (وفي روايةٍ أُخرى : «إنّه إن لم يكن للّزوج وليٌّ ، طلّقها الوالي، ويشهد شاهدين عادلين، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج، وتعتدّ أربعة أشهر وعشراً، ثمّ تتزوّج إنْ شاءت»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، قال: «سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن المفقود؟

فقال عليه السلام: المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإنْ لم يوجد له أثر، أمر الوالي وليّه أن يُنفق عليها، فما أنفق عليها فهي إمرأته.

قال: قلت: فإنّها تقول فإنّي اُريد ما تريد النساء؟

قال عليه السلام: ليس ذلك لها ولا كرامة، فإنْ لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلّقها، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً»(3).

ومنها: صحيح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في إمرأةٍ غاب عنها زوجها7.

ص: 324


1- الكافي: ج 6/147 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/156 ح 28264.
2- الفقيه: ج 3/547 ح 4884.
3- الكافي: ج 6/147 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/158 ح 28267.

أربع سنين، ولم ينفق عليها، ولم تدر أحَيٌّ هو أم ميّت، أيجبر وليّه على أن يطلّقها؟

قال عليه السلام: نعم، وإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان.

قلت: فإنْ قال الوليّ : أنا أنفقُ عليها؟ قال عليه السلام: فلا يُجبر على طلاقها.

قال: قلت: أرأيتَ إنْ قالت أنا اُريد مثل ما تُريد النساء، ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟

قال عليه السلام: ليس لها ذلك ولا كرامة، إذا أنفق عليها»(1).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن المفقود؟

فقال: إنْ علمت أنّه في أرضٍ فهي منتظرة له أبداً حتّى يأتيها موته، أو يأتيها طلاقٌ ، وإنْ لم تعلم أين هو من الأرض، ولم يأتها منه كتابٌ ولا خبرٌ، فإنّها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين، فيُطلب في الأرض، فإنْ لم يوجد له خبرٌ حتّى يمضي الأربع سنين، أمرَها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، ثمّ تحلّ للأزواج، فإنْ قَدِم زوجها بعدما تنقضي عِدّتها، فليس له عليها رجعة، وإنْ قدِم وهي في عِدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها»(2).

ومنها: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام:

«أنّ عليّاً عليه السلام قال في المفقود: لا تتزوّج إمرأته حتّى يبلغها موته، أو طلاق، أو لحوق بأهل الشرك»(3).

أقول: هذه هي النصوص التي يُعتمد عليها، وفي المقام رواياتٌ ضعيفة اُخرى6.

ص: 325


1- الكافي: ج 6/148 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/158 ح 28268.
2- الكافي: ج 6/148 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/506 ح 26214.
3- التهذيب: ج 7/478 ح 129، وسائل الشيعة: ج 22/157 ح 28266.

أغمضنا عن ذكرها، ونخبة القول في المقام بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: إنّ هذه النصوص كما ترى بعد حمل مطلقها على مقيّدها، دالّة على عدم الخيار مع العلم، أو وجود من ينفق عليها.

نعم، لا تدلّ على أنّه إن أنفق عليها من بيت المال لا خيار لها، ومقتضى إطلاقها ثبوت الخيار لها، بل هي مختصّة بالإنفاق من ماله أو إنفاق وليّه أو وكيله، فلو أنفق عليها متبرّعٌ لا دليل على وجوب أن تصبر، ولها أن لا تقبل ما يُنفقه الأجنبي عليها.

فما في «الجواهر»(1)، و «الرياض»(2): من أنّه إنْ أنفق عليها متبرّعٌ لا خيار لها، غير تامّ .

الجهة الثانية: حُكي عن «السرائر»(3) أنّ هذا الحكم مختصٌّ بحال انبساط يد الإمام عليه السلام، فلا مجرى له في زمان الغيبة، ولذا قال: (إنّها في زمان الغيبة مبتلاة، وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه).

وفيه أوّلاً: إنّ أكثر نصوص الباب تضمّنت الرجوع إلى الوالي، وأمّا الرجوع إلى الإمام عليه السلام فهو وارد في خصوص موثّق سماعة، ولا مفهوم له، والوالي يشمل الفقيه، لأنّه المجعول قاضياً وحاكماً من قِبل صاحب الأمر أرواحنا فداه.

وثانياً: إنّ مناصب الإمام ما كان منها من وظائف القضاة والحكّام، ومثل ذلك تكون ثابتة للفقية أيضاً، لجعله عليه السلام إيّاه(4) قاضياً وحاكماً. وعليه، فلا إشكال في عدمي.

ص: 326


1- جواهر الكلام: ج 32/288.
2- رياض المسائل: ج 11/137.
3- السرائر: ج 2/737.
4- وسائل الشيعة: ج 27/136 باب 11 من أبواب صفات القاضي.

كونه من مختصّات الإمام عليه السلام، بل هو ثابتٌ للفقيه الجامع للشرائط أيضاً.

وهل يتوقّف الطلاق أو الإعتداد على رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي كما عن «القواعد»(1)، حيث قال: (لو مضت مائة سنة ولم ترفع أمرها إلى الحاكم، فلا طلاق ولا عِدّة، بل تبقى على حكم الزوجيّة، وأنّ الفحص في زمن الأربع لابدَّ وأن يكون من الحاكم، أم لا يتوقّف شيءٌ منهما على رفع الأمر إليه، وللوالي أو غيره التصدّي له، غاية الأمر يكون من الاُمور الحسبيّة، فيقوم عدول المؤمنين مقامه)، كما عن المحدِّث الكاشاني(2)؟

وفي «الحدائق»(3): (وجهان: مقتضى إطلاق صحيح الكناني هو الثاني وما في سائر النصوص لا مفهوم له كي يقيّد به إطلاقه.

أمّا صحيح بُريد: فلتعليقه على: «إنْ رَفَعت أمرها إلى الوالي»، ولا يدلّ على لزوم الرفع.

وأمّا صحيح الحلبي: فلأنّ قوله عليه السلام: «بعث الوالي الخ»، لعلّه من جهة كون ذلك من الاُمور الحسبيّة يتصدّاه، كما يشهد به قوله عليه السلام في صحيح الكناني: «وإنْ لم يكن له وليٌّ طلّقها السلطان»، المعلوم إرادة الولي العرفي دون الشرعي.

وأمّا موثّق سماعة: فقد عرفت حاله.

وعلى هذا، فلوليّه التصدّي له، وإن لم يكن له وليٌّ يتصدّاه الحاكم، لأنّه من الاُمور الحسبيّة، وإن لم يكن الحاكم يتصدّاه عدول المؤمنين.4.

ص: 327


1- قواعد الأحكام: ج 3/145.
2- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 25/486.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/484.

أقول: وبهذا يظهر اندفاع ما أورده صاحب «الجواهر» رحمه الله على المحدّثين، بقوله:

(إنّ جميع النصوص المزبورة ما بين صريحٍ وظاهرٍ في مدخليّة الوالي في ذلك، بل وفي بعضها من إرسال رسولٍ أو الكتابة إلى ذلك الصُّقع، كالصريح في بسط اليد، ومع فرض عدم مدخليّة الحاكم، لا مدخليّة لعدول المؤمنين الذين ولايتهم فرع ولايته)(1)، انتهى .

الجهة الثالثة: هل يختصّ هذا الحكم بالمفقود بسبب سفرٍ وغيبة، كما في «الحدائق»(1)، أم يشمل المفقود بانكسار سفينةٍ أو معركةٍ أو نحو ذلك كما في «الجواهر»(3) وعن «المسالك»(2) وغيرهما، بل هو المشهور بينهم ؟

وجهان، أقواهما الثاني لإطلاق النصوص، فإنّ المأخوذ في موضوعها المفقود الشامل للجميع، ولا ينافي ذلك ما في بعضها من الإرسال إلى النواحي، فإنّ المدار على التجسّس عنه في الوجه الذي فُقِد فيه ليُعلم حاله.

الجهة الرابعة: الظاهر عدم اعتبار كون الفحص من الحاكم، بل يجوز من الوليّ أو غيره، لما عرفت من أنّ الرجوع إلى الحاكم يكون من باب الحِسْبة، ولا مدخليّة لنظره في الفحص، ولا يعتبر أن يكون في ضمن الأربع سنين، بل يجوز بعدها، كما هو ظاهر صحيح الحلبي، ولا ينافيه صحيح بُريد لأنّه لا يدلّ على تعيّن كونه في ضمن الأربع.

وعليه، فالجمع يقتضي البناء على كفاية كلّ منهما.6.

ص: 328


1- الحدائق الناضرة: ج 25/488.
2- مسالك الأفهام: ج 9/286.

الجهة الخامسة: هل مبدأ الأربع سنين المضروبة، من حين الفقد وانقطاع الخبر، أو من حين رفع الأمر إلى الحاكم ؟ قولان:

نُسب الثاني إلى المشهور، وهو ظاهرُ صحيح بُريد، وموثّق سماعة.

وصريح صحيح الحلبي هو الأوّل، وكذا صحيح الكناني.

والجمع بينهما يقتضي البناء على أنّ صحيح بُريد والموثّق اُريد بهما أنّ الحاكم يؤجّلها أربع سنين، من دون أن يعيّن مبدأها، فإنْ لم يمض من حين الفقد زمانٌ معتدّ به، فتصبر أربع سنين، وإلّا فبالمقدار الذي يتمّ به الأربع سنين.

وبعبارة أُخرى : إنّهما بقرينة الصحيحين في مقام بيان مقدار المدّة المجعولة للانتظار، لا في مقام بيان مبدأها، كما لا يخفى .

وعليه، فلو مضى من زمان فقده أربع سنين، وفي ذلك الزمان فَحَصتْ عنه وثَبَت ذلك للحاكم، يأمرها الحاكم بالإعتداد، أو يُطلِّق على الخلاف الآتي من دون أن ينتظر شيئاً.

الجهة السادسة: هل يعتبر الطلاق فلا تبين بدونه، كما لعلّه المشهور بين الأصحاب، أم يكفي أمر الحاكم لها بالإعتداد، كما عن ظاهر الشيخين(1)، وابن البرّاج(2)، والحِلّي(3)، و «القواعد»(4)، و «الشرائع»(5)، وغيرها؟ وجهان:

صريح الصِّحاح هو الأوّل، وليس بإزائها سوى الموثّق وهو ظاهر في الاكتفاء به.2.

ص: 329


1- الخلاف: ج 4/281، المقنعة: ص 537.
2- المهذّب: ج 2/338.
3- السرائر: ج 2/736.
4- قواعد الأحكام: ج 3/144.
5- شرائع الإسلام: ج 3/602.

وما عن «كشف اللّثام»(1) من أنّ غاية الأمر السكوت، غير تامّ ، فإنّه ظاهرٌ بقرينة الأمر بالاعتداد بدون الطلاق في عدم لزومه.

نعم، ما اشتمله من كون العِدّة أربعة أشهر وعشراً، لا ينافي لزوم الطلاق بعد احتمال اختصاص هذا الطلاق به.

ومقتضى الجمع العرفي وهو حمل الظاهر على النّص: البناء على لزوم الطلاق، فيطلّق الوليّ بأمر الحاكم، وإلّا فيطلّقها الحاكم.

أقول: والجمعُ بينهما بحمل نصوص الطلاق على ما إذا كان له وليّ ، وخبر الأمر بالاعتداد على ما إذا لم يكن له وليٌّ ، مضافاً إلى كونه تبرّعيّاً، ينافيه صحيح الكناني، ومرسل الصدوق.

وأمّا ما ذكره بعض المحقّقين: من أنّ مقتضى الجمع العرفي هو البناء على التخيير بينهما، بمعنى أنّ الحاكم يتخيّر بين أمرها بعِدّة الوفاة بدون الطلاق، وبين أمر الولي بالطلاق، فإنْ كان الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً منافياً للطلاق كان وجيهاً، ولكن بما أنّهما لا يتنافيان، لإمكان أن يكون لهذا الطلاق عِدّة مخصوصة غير سائر الطلقات، وقد جمع بينهما في مرسل الصدوق، فلا يتمّ .

أقول: والحقّ ما ذكرناه من لزوم الطلاق، فحينئذٍ:

إنْ كان له وليٌ أجبره الحاكم على الطلاق.

وإنْ لم يكن له وليٌ ، طلّقها الحاكم، كما صرّح بذلك في النصوص، وتعتدّ عِدّة الوفاة.3.

ص: 330


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/133.

الجهة السابعة: لو طلّقها الوليّ أو الحاكم، ثمّ جاء زوجها، أي ظهر حياته:

فإنْ كانت خارجة عن العِدّة، ونكحت زوجاً آخر، فلا سبيل له عليها إجماعاً، والنصوص السابقة شاهدة به.

وإنْ لم تكن العِدّة منقضية، فهو أملك بها، لصحيح بُريد وموثّق سماعة، وظاهر الأوّل منهما ومحتمل الثاني أنّ له الرجوع إليها، لا أنّها زوجته قهراً، كما هو ظاهر «الشرائع»(1) وصريح غيرها.

فلو لم يرجع حتّى انقضت العِدّة، بانت منه.

وإنْ كانت العِدّة منقضية، ولكنّها لم تتزوّج بعدُ، فصريح صحيح بريد وموثّق سماعة أنّه لا سبيل له عليها.

وعن الشيخ(2)، وفي «الشرائع»(3) أنّ فيه روايتين، ولكن الأساطين والفقهاء لم يعثروا على رواية الرجوع.

وعن الشيخين(4) وابن البرّاج(5)، وفخر المحقّقين(6): أنّه إنْ جاء وقد انقضت العِدّة، ولم تتزوّج، كان أملك بها من غير نكاحٍ يستأنفه، بل بالعقد الأوّل.

لكن قد ظهر ضعفه ممّا قدّمناه.

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(7):5.

ص: 331


1- شرائع الإسلام: ج 3/602 قوله: (وإن جاء وهي في العِدّة فهو أملك بها...).
2- المبسوط: ج 5/278.
3- شرائع الإسلام المصدر السابق.
4- النهاية: ص 538، المقنعة: ص 537.
5- المهذّب: ج 2/338.
6- إيضاح الفوائد: ج 3/354.
7- مختلف الشيعة: ج 7/385.

إنّ العِدّة إنْ كانت بعد طلاق الوليّ ، فلا سبيل له عليها، وإنْ كان بأمر الحاكم من غير طلاقٍ ، كان أملك بها.

واستدلّ له: بأنّ الأوّل طلاقٌ شرعي قد انقضت عِدّته بخلاف الثاني، فإنّ أمرها بالاعتداد كان مبنيّاً على الظنّ بوفاته، وقد ظهر بطلانه، فلا أثر لتلك العِدّة، والزوجيّة باقية لبطلان الحكم بالوفاة.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من لزوم الطلاق وتعيّنه.

وثانياً: إنّ لازم مااُفيد أولويّته بها حتّى لو تزوّجت، والإجماع قائمٌ على خلافه.

وثالثاً: إنّ الموثّق الذي هو منشأ الإفتاء بكفاية الأمر بالاعتداد، دالٌّ على أنّه لا سبيل له عليها بعد انقضاء العِدّة.

وعليه، فالأظهر أنّه إن جاء بعد انقضاء العِدّة لا سبيل له عليها.

الجهة الثامنة: لو نكحت بعد العِدّة، ثمّ بانَ موت الزوج، كان العقد الثاني صحيحاً، سواءٌ أكان موته قبل العِدّة أو معها أو بعدها، بلا خلافٍ ولا إشكالٍ ، لأنّ العقد السابق سقط اعتباره في نظر الشارع بالطلاق، فلا حكم له بموته، كما لا حكم له في حال حياته، هكذا ذكره الأصحاب، وهو متينٌ ، والنصوص السابقة شاهدة به.

أقول: ولكن صاحب «الجواهر»(1) يستثني من ذلك صورةً : وهي ما لو جاء خبر موته وهي في أثناء العِدّة، بأنّه يمكن القول باستئنافها عِدّة الوفاة، ولم يذكر لذلك وجهاً في مقابل النصوص الظاهرة في كفاية العِدّة المزبور لها هاهنا على كلّ حال.0.

ص: 332


1- جواهر الكلام: ج 32/300.

فإنْ قيل: لعلّ نظره رحمه الله إلى أنّها ما دامت في العِدّة الرجعيّة، فهي زوجة، فيشملها ما دلّ على لزوم الاعتداد من الوفاة.

قلنا: إنّه قد مرَّ أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه النصوص، هي أنّ له الرجوع إليها، لا أنّها زوجته، وكون المعتدّة بالعِدّة الرجعيّة بحكم الزوجة في غير المقام، لا يستلزمُ أن تكون كذلك في المقام أيضاً، سيّما وأنّ ظاهر نصوص الباب الاكتفاء بالعِدّة المزبورة مطلقاً.

أقول: وبذلك يظهر اندفاع ما قيل من إنّه إذا جاء خبر الموت بعد الاعتداد، وكان الموت في الأثناء، استأنفت العِدّة، لما دلّ على أنّه إذا تجدّد الموت في أثنائها، انتقلت إلى عِدّة الوفاة وإنْ لم تعلم بالموت إلّابعدها، ومع ذلك كلّه ما أفاده صاحب «الجواهر» قويٌّ ، لأنّ صحيح بُريد كالصريح في أنّها في العِدّة كالمطلّقة بالطلاق الرجعي، محكومة بأنّها إمرأته، وعليه فيشملها ما دلّ على لزوم الاعتداد على الزوجة من حين بلوغ خبر الموت، ولا ينافيه نصوص الباب بعد عدم التنافي بينهما، فبالمقدار الباقي من عِدّتها تتداخلان، وتكمل الزائدة بعد مضيّ تلك المدّة.

الجهة التاسعة: ذكر الأصحاب أنّه لو طلّقها الزوج، واتّفق كون ذلك في زمان العِدّة التي هي من طلاق الحاكم أو الولي، صَحّ ، لأنّ طلاقه رجعي، والمطلّقة الرجعيّة زوجة، فالطلاق واقعٌ في محلّه.

لكن الشهيد الثاني رحمه الله(1) اعترض على ذلك: بأنّه لا تصحّ عندنا تطليقتان من دون تخلّل رجوعٍ بينهما.4.

ص: 333


1- مسالك الأفهام: ج 9/294.

اللَّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ المطلقة الرجعيّة باقية على الزوجيّة حقيقةً إلى انقضاء العِدّة، أو يُجعل ذلك بمنزلة الرجوع والطلاق نحو قول القائل: (اعتق عَبدك عنّي).

أقول: وحيث عرفت أنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة حقيقةً ، وأنّ انقضاء العِدّة جزءُ السبب في الزوال، فما لم تنقض العِدّة لا تخرج عن الزوجيّة، فيصحّ الطلاق، ولو اتّفق كون ذلك بعد العِدّة بَطَل الطلاق لانقطاع العصمة بينهما بانقضائها على كلّ حال.

الجهة العاشرة: ظاهر أكثر الأصحاب أنّه لا نفقة على الغائب في زمان العِدّة، ولو حضر قبل انقضائها.

وتردّد المحقّق فيه في «الشرائع»(1) واستدلّ له:

بأنّ العِدّة: إمّا عِدّة وفاة وإنْ جاز له الرجوع فيها، أو عِدّة طلاق.

وعلى التقديرين لا نفقة لها:

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فلظهور الأدلّة في أنّ نفقة المطلّقة الرجعيّة تثبت فيما لو طلّقها هو لا الطلاق في مثل الفرض.

وعليه، فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوبها.

وفيه: إنّه يتمّ بناءً على عدم اعتبار الطلاق في فراقها، وإلّا فهو طلاق رجعي يشمله ما دلّ على أنّ المطلّقة الرجعيّة لها النفقة، من غير تقييد بكون المطلِّق هو الزوج.

وعليه، فالأظهر أنّ عليه النفقة.3.

ص: 334


1- شرائع الإسلام: ج 3/603.

الجهة الحادية عشر: لو مات أحد الزوجين بعد العِدّة، لا توارث بينهما سواء تزوّجت بزوجٍ آخر أم لا، لما عرفت من انتفاء العصمة بينهما، وأنّه لا سبيل له عليها بعدها.

أمّا لو مات في العِدّة، فالأظهر ثبوت الإرث، لما تقدّم من اعتبار الطلاق، وأنّ طلاقها رجعي، فيشمله ما دلّ على التوارث لو مات أحدهما في العِدّة الرجعيّة.

الجهة الثانية عشر: قال الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(1):

(إنّ الحكم مختصٌّ بالزوجيّة، فلا يتعدّى إلى ميراثه، وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، فيتوقّف ميراثه وما يترتّب على موته، إلى أن يمضي مُدّة لا يعيش مثله إليها عادةً ).

وفيه: إنّ مقتضى القاعدة وإن كان ما اُفيد، ولكن وردت النصوص في ميراثه بخلاف ذلك:

منها: موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المفقود يُحبس ماله عن الورثة قدر ما يُطلب في الأرض أربع سنين، فإنْ لم يقدر عليه، قُسِّم ماله بين الورثة»(2).

ونحوه غيره، وسيأتي الكلام في ذلك في محلّه.

الجهة الثالثة عشر: لو أنفق عليها الوليّ أو الحاكم من ماله، ثمّ تبيّن تقدّم موته على الإنفاق، فلا ضمان عليها، ولا على المُنفِق، للأمر به شرعاً، ولأنّها محبوسة لأجله، وقد كانت زوجته ظاهراً، والحكم مبنيٌّ على الظاهر كما في «المسالك»(3).9.

ص: 335


1- مسالك الأفهام: ج 9/288.
2- التهذيب: ج 9/388 ح 3، وسائل الشيعة: ج 26/300 ح 33038.
3- مسالك الأفهام: ج 9/289.

وفيه نظر: لأنّه بانكشاف الموت، يظهر كون ما اُنفق عليها كان من مال الورثة، فهي تكون ضامنة للتصرّف في مال الغير، وإن لم تأثمّ بذلك.

نعم، لا ضمان على الوليّ أو الحاكم، إذ لا سبيل على المحسن.

هذا آخر كتاب الطلاق، وقد وفّقنا اللّه سبحانه وتعالى لإتمامه عصر يوم الاثنين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1388 من الهجرة النبويّة الشريفة، والحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله الطاهرين.

***

ص: 336

الفصل الرابع: في الخُلع والمباراة.

الفصل الرابع: في الخُلْع والمُباراة

اشارة

(الفصل الرابع: في الخلع والمباراة):

الخُلْع - بالضَّم - اسمٌ من الخَلع - بالفتح: الذي هو في اللّغة بمعنى النَزع، وهو شرعاً إزالة قيد النكاح بفديةٍ من الزوجة، وكراهةٍ منها له خاصّة دون العكس.

أقول: مقتضى كلام الجوهري والفيّومي وغيرهما من اللّغويين، إطلاق الخُلع لغةً على المعنى الشرعي.

قال الجوهري: (وبالضَّم طلاقُ المرأة ببذلٍ منها أو من غيرها)(1).

وقال الفيومي: (والاسم الخُلع - بالضّم - وهو استعارةٌ من خَلْع اللّباس، لأنّ كلّ واحدٍ منهما خالعٌ للآخر، فإذا فعلا ذلك فكان كلّ واحدٍ منهما نزع لباسه عنه)(2).

ولذا قال سيّد «المدارك»: (والظاهر أنّ هذا المعنى كان معروفاً قبل ورود الشرع)(3).

أقول: ومقتضى كلام الفيّومي في «المصباح»: أنّ الخُلع بالمعنى الشرعي مأخوذٌ من الخَلع - بالفتح - بمعنى النزع، من حيث إنّ كلّاً منهما لباسٌ للآخر كما أشارت إليه

ص: 337


1- الصحاح: ج 3/1205.
2- البحر الرائق: ج 4/119.
3- نهاية المرام: ج 2/126.

الآية: (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ ) (1)، وكأنّه بمفارقة أحدهما الآخر على هذه الكيفيّة، يكون كلّ واحدٍ منهما قد نزع لباسه.

والمباراة: بالهمزة وتقلب الفالغة هي المفارقة لغةً ، وشرعاً هي إزالة قيد النكاح بفديةٍ منها مع كراهةٍ من الجانبين.

أقول: وكيف كان، فشرعيّة الخُلع ثابتة بإجماع المسلمين، والكتاب والسُّنة:

قال اللّه تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اَللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ ) (2).

قال الشهيد الثاني رحمه الله: (إنّ سبب نزول الآية أنّ زوجة ثابت بن قيس أتت النبيّ صلى الله عليه و آله وأظهرت الكراهة منه، فنزلت الآية، وكان قد أصدقها حديقة، فقال ثابت: «يا رسول اللّه تَردُّ الحديقة ؟ فقال صلى الله عليه و آله: ما تقولين ؟ قالت: وأزيده، فقال: لا، حديقة فقط» فاختلعت منه)(3).

وعن «المجمع»(4) رواية ذلك ملخّصاً.

أقول: والظاهر عدم كون الخبر مرويّاً في كتب أخبارنا، وإنّما هو في كتب العامّة(5).

وأمّا السُّنة: فهي مستفيضة بل متواترة، سيمرّ عليك طرفٌ منها في الأبحاث الآتية.

ثمّ إنّ الظاهر من كلام جُلّ الأصحاب عدم وجوب الخُلع.ا.

ص: 338


1- سورة البقرة: الآية 187.
2- سورة البقرة: الآية 229.
3- مسالك الأفهام: ج 9/410.
4- تفسير مجمع البيان: ج 2/103.
5- سنن أبي داوود ج 2 باب الخلع، تفسير الرازي: ج 6/106 وغيرهما.

وعن ظاهر الشيخ في «النهاية»(1) وجوبه، وتبعه أبو الصَّلاح(2)، وابن البرّاج(3)، والسيّد ابن زُهرة(4).

قال المصنّف في محكيّ «المختلف»(5): بعد نقل الوجوب عن هؤلاء، وإفتائه بعدم الوجوب: (لنا أصل البراءة من وجوب الخُلع.

ثمّ قال: واحتُجّ بأنّ النهي عن المنكر واجبٌ ، وإنّما يتمّ بهذا الخلع فيجب.

والجواب: المنع عن المقدّمة الثانية، والظاهر أنّ مراد الشيخ رحمه الله بذلك شدّة الاستحباب).

وأنكر صاحب «الحدائق» إفتاء هؤلاء بالوجوب، وقال: (إنّ المراد به في كلماتهم الثبوت)(6).

وعلى كلّ حال، فلا ريب في ضعفه.

نعم، المستفاد من مجموع الأدلّة والفتاوى أنّه لا مرجوحيّة له شرعاً.

أقول: تحقيق الكلام فيه يقتضي البحث في مقامات:

المقام الأوّل: في الصيغة.

صيغة الخُلْع

والكلام فيه في ضمن مسائل:

المسألة الأُولى: اللّفظ الصريح في الخُلع أن يقول: (خَلَعتكِ على كذا) أو (فلانة

ص: 339


1- النهاية: ص 529.
2- الكافي للحلبي: ص 307.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7/391.
4- غنية النزوع: ص 375.
5- مختلف الشيعة: ج 7/391.
6- الحدائق الناضرة: ج 25/555.

ولا يقعُ الخُلَع بمجرّده، ما لم يتبع بالطلاق على قولٍ .

مختلعة على كذا)، بلا خلافٍ على وقوع الخُلع بهما، وإنْ توقّفوا في الجملة الإسميّة في العقود، لكن قد عرفت ممّا حقّقناه في غير مقامٍ من هذا الشرح(1) أنّ مقتضى القاعدة عدم اعتبار لفظٍ خاصّ في شيء من العقود والإيقاعات، وأنّه يصحّ إنشاؤها بالماضي والمستقبل والجملة الإسميّة وما شاكل - إلّاما دلّ عليه دليلٌ خاصّ - بشرط ظهور اللّفظ فيه، ولو بالقرائن.

وبذلك يظهر عدم اعتبار لفظٍ خاصّ في المقام.

(و) المسألة الثانية: قال الشيخ الطوسي رحمه الله: (لا يقع الخُلع بمجرّده، ما لم يُتبع بالطلاق) وتبعه ابن زُهرة(2) وابن إدريس(3) مدّعياً أوّلهما الإجماع عليه، بل قال الشيخ: (هو مذهب جعفر بن سماعة، والحسن بن سماعة، وعليّ بن رباط، وابن حُذيفة من المتقدّمين، ومذهب عليّ بن الحسن من المتأخّرين)(4).

واختاره الشهيد في «اللّمعة»(5).

لكن ظاهر المتن، حيث قال - بعد العبارة المذكورة -: (على قولٍ ) هو التوقّف في المسألة، وكذا ظاهر المحقّق في «الشرائع»(6) حيث اقتصر على نقل قول الشيخ وإسناد خلافه إلى الرواية.1.

ص: 340


1- فقه الصادق: ج 22/236 و 285.
2- غنية النزوع: ص 375.
3- السرائر: ج 2/726.
4- تهذيب الأحكام: ج 8/97.
5- شرح اللّمعة: ج 6/87.
6- شرائع الإسلام: ج 3/611.

وعن ظاهر المفيد(1)، والصدوق(2)، وابن أبي عقيل(3)، وسلّار(4)، وابن حمزة(5)، وصريح جماعةٍ آخرين منهم المصنّف في «المختلف»(6)، و «التحرير»(7)، والشهيد في «شرح الإرشاد»(8)، والشهيد الثاني(9)، بل الظاهر أنّه المشهور بين الأصحاب:

أنّه يقع الافتراق بمجرّده من دون اتباعٍ بالطلاق.

أقول: النصوص الدالّة على القول الثاني مستفيضة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عِدّة المختلعة عِدّة المطلّقة وخلعها طلاقها، وهي تجزي من غير أن يُسمّى طلاقاً»(10).

ومنها: صحيح ابن بزيع، قال: «سألتُ أبا الحسن الرّضا عليه السلام: عن المرأة تُباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طُهرٍ من غير جماع، هل تبين منه بذلك، أو تكون إمرأته ما لم يتبعها بالطلاق ؟

فقال عليه السلام: تبين منه، وإنْشاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها، وتكون إمرأته فعلت.

فقلت: فإنّه قد رُوي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق ؟2.

ص: 341


1- أحكام النساء: ص 45، المقنعة: ص 528.
2- المقنع: ص 348.
3- حياة ابن أبي عقيل العُمّاني: ص 489.
4- المراسم العلويّة: ص 164.
5- الوسيلة: ص 331.
6- مختلف الشيعة: ج 7/393.
7- تحرير الأحكام: ج 4/82.
8- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 25/560.
9- مسالك الأفهام: ج 9/367.
10- الفقيه: ج 3/523 ح 4821، وسائل الشيعة: ج 22/285 ح 28602.

قال عليه السلام: ليس ذلك إذا خلع.

فقلت: تبين منه ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، قال: «قلتُ : أرأيتَ إنْ هو طلّقها بعدما خلعها أيجوز عليها؟

قال: ولِمَ يُطلّقها وقد كفاه الخُلع، ولو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «فإذا قالت ذلك من غير أن يُعلمها، حَلّ له ما أخذ منها، وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها، وكانت بائناً بذلك، وكان خاطباً من الخطّاب»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص خبر موسى بن بكر، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«قال عليٌّ عليه السلام: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العِدّة»(4).

ونحوه خبره الآخر(5)، وقد عمل بهما الشيخ، وحمل النصوص المتقدّمة على التقيّة(6).

وفيه أوّلاً: إنّ المخالفة للعامّة وإنْ كانت من المرجّحات، إلّاأنّها مرجّح بعد فقد جملةٍ من المرجّحات: كالشهرة، وصفات الراوي، وموافقة الكتاب، ومن الواضح9.

ص: 342


1- التهذيب: ج 8/98 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/286 ح 28607.
2- التهذيب: ج 8/99 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/286 ح 28606.
3- وسائل الشيعة: ج 22/284 ح 28601.
4- التهذيب: ج 8/97 ح 8، وسائل الشيعة: ج 22/283 ح 28599.
5- وسائل الشيعة: ج 22/285 ح 28603.
6- تهذيب الأحكام: ج 8/98 في ذيل ح 9.

أنّ تلك المرجّحات تقتضي تقديم النصوص الأول، ومن الغريب أنّ المحدِّث البحراني قبل صفحات اعترف بذلك، ومع ذلك قال في المقام: (إنّ الخبر المخالف للعامّة يقدّم على ما وافقهم مطلقاً).

أقول: وإنّما توقف في المسألة من جهة أنّه لم يثبت عنده كون مذهب العامّة الاقتصار على صيغة الخلع، كما ادّعاه الشيخ رحمه الله، قال: (بل الظاهر من صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة إنّما هو العكس، فإنّه عليه السلام بعدما أفتى بالاكتفاء بمجرّد الخلع، وأنّه لا ضرورة إلى الاتباع بالطلاق، قال: «ولو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقها»، فإنّه ظاهرٌ في أنّ الاتباع بالطلاق إنّما أجازوه تقيّةً ، ولو كان الأمر إليهم لم يجيزوا الطلاق هنا، بل اكتفوا بالخلع)(1).

وهذا الذي ذكره أخيراً إشكال ثان على الشيخ رحمه الله.

وثالثاً: إنّ الخبرين يدلّان على اتباع الخلع بالطلاق ما دامت في العِدّة، ولم يقل بذلك أحدٌ، بل القائلون باعتبار الطلاق إنّما يعتبرون اتباعه به بلا فصل.

وإنْ شئت قلت: إنّهما يدلّان على صحّة الخلع، وتأثيره بدون الطلاق، ولذا تصير المرأة ذات عِدّة، وإنّما يعتبر إنشاء صيغة الطلاق في العِدّة، فالخبران مُعرَضٌ عنهما عند الأصحاب جميعاً.

أقول: وأفسد من ذلك ما استدلّ به ابن سماعة(2) بأنّه:

(قد تقرّر عدم وقوع الطلاق بشرطٍ والخلع من شرطه أن يقول الرّجل: (إن رجعت في ذلك فأنا أملك ببضعك)، فينبغي أن لا يقع به فرقة).8.

ص: 343


1- الحدائق الناضرة: ج 25/565.
2- حكاه عنه الشيخ رحمه الله في التهذيب: ج 8/98 في ذيل ح 8.

إذ يرد عليه: - مضافاً إلى أنّه اجتهادٌ في مقابل النَّص - أنّ ذلك من أحكام الخُلع لا من شرائطه، مع أنّه على تقدير كونه شرطاً، لا يكون شرطا منافياً للتنجيز، وإنّما هو اشتراط أمرٍ آخر، كما سيمرّ عليك.

أقول: والذي أظنّه في الخبرين بملاحظة قوله عليه السلام: «المختلعة يتبعها الطلاق» ولم يقل الخُلع يتبعه الطلاق، أنّ المراد بهما: أنّه يجوز أن تُطلَّق المرأة المختلعة ما دامت في العِدّة مرّةً أُخرى ، بأن ترجع في البذل فيراجعها الزوج ثمّ يُطلِّقها.

ثمّ إنّه قد يتوهم: دلالة صحيح ابن بزيع على اعتبار أن لا يتبع الخلع بالطلاق، لقوله عليه السلام فيه: «ليس ذلك إذا خَلَع».

وفيه: إنّ هذا يتمّ لو كان كلمة «خلع» المذكورة في الخبر، بسكون اللّام وضَمّ العين - أو خَلْعاً - بفتحها، ليكون خبر ليس، ولكن الظاهر كما ضبطه بعض مشايخ سيّد «الرياض» كونه بفتح الثلاثة، ويكون إذا حينئذٍ شرطيّة، فيكون المراد أنّه ليس الحكم الذي ذكره السائل من عدم البينونة إلّابالاتباع بالطلاق، في صورة ما إذا خَلَع، بل يختصّ ذلك بغيرها، وسيأتي اشتراطه في المباراة عند الأكثر.

الطلاق مع الفدية منفرداً عن لفظ الخُلع

المسألة الثالثة: قد تكرّر في كلمات الأصحاب أنّه يقعُ الطلاق مع الفدية، والطلاق بعوض، وأنّه يقع به البينونة، وإن انفرد عن لفظ الخُلع، ومحلّ الكلام في المقام إنّما هو في صورة كراهية الزوجة، وأمّا بدونها فسيأتي الكلام فيه.

ثمّ إنّه تارةً : يَقصدُ الخُلع وينشأ ذلك بالطلاق مع الفدية وبالعوض، فإنّه حينئذٍ لا إشكال في صحّته، لما عرفت من عدم اعتبار لفظٍ خاصّ في الخلع، وأنّه يصحّ

ص: 344

إنشاؤه بكلّ لفظ مبرزٍ لذلك، ومن أفراده الطلاق مع الفدية، لأنّ الخلع نوعٌ خاصّ من الطلاق، يختصّ بلفظ (خَلَعتُ ) وما شاكل عن باقي أفراد الطلاق، لا أنّه حقيقة خاصّة غير حقيقة الطلاق، كي لا يصحّ إنشاءه كما ستعرفه.

وأُخرى : لا يقصد إلّاالطلاق مع الفدية، ولا يقصد عنوان الخلع، والظاهر أيضاً صحّته، لأنّ حقيقة الخلع هي الطلاق بعوض، مع كراهية الزوجة، ولا يعتبر فيه عنوانٌ آخر قصدي ليعتبر قصده، فقصد الطلاق بفدية، قصدُ عنوان الخلع الذي هو موضوع الحكم، فيقع الطلاق بائناً.

أقول: وممّا يشهد بما ذكرناه من أنّه نوعٌ خاصٌّ من الطلاق، ما في النصوص المتقدّمة:

ففي صحيح الحلبي: «خُلعها طلاقها».

وفي صحيح محمّد بن مسلم: «وكانت تطليقةً بغير طلاق يتبعها، وكانت بائناً».

ونحو ذلك ما في سائر النصوص.

وبهذا يظهر أنّ الحقّ فيما عنونوه من أنّ الخُلع هل يكون طلاقاً أو فسخاً، كونه طلاقاً كما هو المشهور بين الأصحاب.

هذا، ولكن نُسب إلى الشيخ رحمه الله اختيار أنّه فسخٌ (1)، واحتجّ له المصنّف رحمه الله بأنّها فُرقة عريت عن صريح الطلاق ونيّته، فكانت فسخاً كسائر الفسوخ.

وأجاب عنه: بأنّه لا استبعاد في مساواته للطلاق، وقد دلّ الحديث عليه، فيجب المصير إليه.4.

ص: 345


1- الخلاف: ج 4/424.

أقول: والحقّ ما عرفت من أنّه طلاقٌ لا شيء آخر مساوٍ له، مع أنّ الشيخ رحمه الله مذهبه اتباع الخُلع بالطلاق.

وكيف كان، فقد رتّبوا على هذا النزاع عَدّ الخُلع في الطلقات المحرّمة وعدمه:

فعلى القول بأنّه فسخٌ لا يعدّ منها، ويجوزُ تجديد النكاح ثُمّ الخُلع من غير حصرٍ، بلا احتياج إلى المحلّل.

وعلى القول بأنّه طلاقٌ يترتّب عليه أحكام الطلاق، ولكن على القول بأنّه فسخ يترتّب عليه هذا الحكم من أحكام الطلاق للنصوص المتقدّمة، فلا ثمرة لهذا النزاع.

اعتبار الموالاة بين البذل والطلاق

المسألة الرابعة: ظاهر الأصحاب أنّه يعتبر في صيغة الخُلع وقوعها على جهة المعاوضة بينه وبين الزوجة، قالوا: ويتحقّق ذلك بأحد أمرين:

الأوّل: تقدّم سؤالها ذلك، على وجه الإنشاء، بأن تقول مثلاً على وجه الإنشاء:

(بذلتُ لكَ كذا على أن تخلعني) مثلاً، فيقول: (خلَعتُكِ على ذلك) مثلاً، أو (أنتِ طالق بذلك) أو مجرّداً ناوياً للعوض.

والثاني: ابتدائه بذلك مصرّحاً بالعوض، فتقبل المرأة بعده بلا فصلٍ ينافي المعاوضة، وبدون ذلك يقع الخُلع باطلاً.

وفي «الجواهر»: (بل لا أجد فيه خلافاً)(1).

ص: 346


1- جواهر الكلام: ج 33/14.

وقد استدلّ لذلك بوجوه:

الوجه الأوّل: تظافر النّص والفتوى بأنّ موضوع الخلع، تقدّم الفداء، واُلحق به المقارنة للطلاق بالعوض، وعلى كلّ حالٍ فالتزامها به بعد ذلك خارجٌ عن موضوع الخلع.

وفيه: إنّ تظافر النّص إنّما هو على اعتبار كراهتها قبل الطلاق، وإبراز تلك لا تقدّم الفداء، مع أنّه لا تدلّ النصوص على اعتبار عدم الفصل بين الفداء المقدّم والطلاق، فلو تقدّم فدائها ثُمّ طلاقها عليه، مع فرض استمرار عزمها على البذل صَحّ ، وكذا في صورة التأخّر الملحق بصورة التقدم.

الوجه الثاني: إنّه لو تأخّر الفدية لزم البناء على الوقوف إلى زمن رضاها أو رَدّها، وهو معلوم البطلان، لعدم جريان الفضولي فيه.

وفيه: إنّ ذلك غير مربوط بالفضوليّة، بل هو من قبيل تأخّر أحد طرفي العقد، ولا مانع من تأخّره من هذه الناحية، بل العقد دائماً من هذا القبيل، غاية الأمر الفرق بين المقام وسائر الموارد طول الزمان الفاصل وقِصره، وهذا لا يوجبُ الفرق بينهما.

الوجه الثالث: إنّه إذا تأخّر القبول من المرأة، لزم منه التعليق في الطلاق، باعتبار ترتّب الطلاق على قبول البذل، وهو يوجب البطلان.

وفيه أوّلاً: إنّه لو تمّ لزم منه عدم صحّته في صورة التأخّر مطلقاً ولو قبلت بلا فصل.

وثانياً: إنّ التعليق الذي هو مقتضى المعاوضة، لا يوجبُ البطلان، ألا ترى أنّ الموجب للبيع مثلاً يُملّك ماله بإزاء الثمن، ومعنى ذلك تمليكه إيّاه إنْ أعطاه الثمن،

ص: 347

وهذا ليس تعليقاً موجباً للبطلان.

وثالثاً: إنّه يمكن البناء على صحّة الطلاق من حينه، غاية الأمر إنْ قبلت البذل لا رجعة له، وإلّا فله الرجوع، كما في سائر الموارد.

الوجه الرابع: إنّ الخلع من المعاوضات، كما يشهد به - مضافاً إلى اتّفاق الأصحاب - إطلاق لفظ الشراء والصلح على الحال المزبور، فعن أمير المؤمنين عليه السلام:

«لكلّ مطلّقة متعة إلّاالمختلعة، فإنّها اشترت نفسها»(1).

وفي خبر البقباق عن الإمام الصادق عليه السلام: «المختلعة إنْ رجعت في شيء من الصلح، يقول: لأرجعنّ في بضعك»(2).

وظهور النصوص في اعتبار إنشاء التراضي بينهما بذلك، واعتبار الموالاة في المعاوضات واضح.

وفيه أوّلاً: إنّ الخلع ليس من المعاوضات قطعاً، ولذا لو رجعت بالبذل لم يبطل الطلاق، بل يكون رِجعيّاً نصّاً وفتوى، ولو كان البذل ممّا لا يملكه المسلم أو مغصوباً، لا خلاف بينهم في عدم فساد الطلاق، بل البذل منها باعثٌ على إيجاد الطلاق الذي هو من قسم الإيقاع الذي لا يملك عوضاً ولا شرطاً، ولذا قلنا إنّ طلاق الخلع من أقسام الطلاق حقيقةً ، لا أنّه من العقود، غاية الأمر الشارع الأقدس خصّ هذا القسم من الطلاق بأحكام، وإطلاق الشراء والصلح عليه أعمٌّ من ذلك، فإنّه بضربٍ من العناية، واعتبار التراضي لا يدلّ على ذلك.

وثانياً: إنّه لا دليل على اعتبار الموالاة في المعاوضات، لأنّ العقد من مقولة9.

ص: 348


1- التهذيب: ج 8/137 ح 75، وسائل الشيعة: ج 22/299 ح 28648.
2- التهذيب: ج 8/100 ح 16، وسائل الشيعة: ج 22/293 ح 28629.

المعنى لا اللّفظ، وهو عبارة عن ربط أحد الالتزامين بالآخر باعتبار ورودهما على أمرٍ واحد، وهو كون أحد المالين مثلاً بإزاء الآخر، وهذا لايقتضي إلّابقاء الالتزام الأوّل على حاله، وإنْ تخلّل زمان طويل.

وتفصيل القول في ذلك في محلّه، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتاب البيع(1).

الوجه الخامس: إنّ المتيقّن من النصوص، هو صورة عدم الفصل بينهما، وفي غيرها لا دليل على مشروعيّة الخلع.

وفيه: إنّه لا وجه للأخذ بالمتيقّن بعد إطلاق النصوص، سيّما وأنّ الخُلع كما مرَّ من الإنشائيّات التي عليها سائر المذاهب، وكان متعارفاً قبل الإسلام، والنصوص والآية الكريمة تكون إمضاءً له.

فالمتحصّل: إنّه لا دليل على اعتبار ذلك إلّاالإجماع إن ثبت وكان تعبّديّاً، ولكن الاحتياط حَسَنٌ سيّما في هذا الباب، وفي خصوص صورة تأخّر البذل.

أقول: ويترتّب على ما ذكرناه، أنّه لو ابتدأ فقال للكارهة: (أنتِ طالق بألفٍ ) أو (وعليكِ ألف) صحّ الخُلع وإنْ تأخّر بذلها، وإنّه لو بذلت تكون فدية، ولو قبلت ضمنت، وليس من قبيل ضمان ما لم يجب، كما في «الشرائع»(2).

نعم، ما لم تقبل المرأة لا يستحقّ عِوضاً، ويكون الطلاق رجعيّاً مع فرض اجتماع شرائطه، وإلّا كان بائناً.

***4.

ص: 349


1- فقه الصادق: ج 23/34.
2- شرائع الإسلام: ج 3/614.

ولابدَّ فيه الفِدية، وهي ما يصحّ تملّكه بشرط التعيين، واختيار المرأة، وله أن يأخذ أكثر ممّا أعطاها.

الفدية

المقام الثاني: في الفِدية:

(و) قد عرفت أنّ الفرق بين الخلع وغيره، أنّه (لابدّ فيه من الفِدية)، إنّما الكلام في المقام فيما يعتبر فيها:

قال المصنّف رحمه الله: (وهي ما يَصحّ تملكه بشرط التعيين، واختيار المرأة، وله أن يأخذ أكثر ممّا أعطاها).

أقول: وتمام الكلام يتحقّق في ضمن مسائل:

المسألة الأُولى : طفحت كلماتهم بأنّه كلّ ما يصحّ أن يكون مَهراً، يصحّ أن يكون فِداءً (1)، وقد مرَّ في بحث المَهر(2) أنّ كلّ ما يملكه المسلم من عينٍ أو دين أو منفعة، يصحّ كونه مهراً إذا كان متموّلاً، وحينئذٍ فيصحّ أن يقال: (هي ما يصحّ تملّكه).

ولا تتقدّر الفدية في جانب الكثرة بما وصل إليها من المَهر وغيره، بلا خلافٍ في شيء من ذلك، والآية الكريمة والنصوص شاهدة بذلك:

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «المبارئة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما شئتَ أو ما تراضيا عليه من صداقٍ أو أكثر، وإنّما صارت

ص: 350


1- شرائع الإسلام المصدر السابق، جواهر الكلام: ج 33/19 وغيرهما.
2- تقدّم في الجزء 33 في الفصل السابع في المهور.

المبارئة يُؤخذ منها دون المَهر، والمُختلعة يؤخذ منها ما شاء، لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام، وتُكلّم بما لا يحلّ لها»(1).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «فإذا اختلعت فهي بائن، وله أن يأخذ من مالها ما قَدَر عليه، وليس له أن يأخذ من المبارئة كلّ الذي أعطاها»(2).

ومنها: حسن زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ :

«فإذا قالت ذلك فقد حَلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليلٍ أو كثير»(3).

ونحوها غيرها.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

المسألة الثانية: صرّح جماعة بأنّه إنّما يصحّ جعل كلّ ما يملك فديةً ، بشرط التعيين إمّا بالإشارة كهذا الموجود، أو بالوصف الذي يَحصل به التعيين المُخرِج له عن الجهالة له.

وظاهرهم الاكتفاء في ذلك بمشاهدته، ولو جهل خصوصيّاته، فالمعتبر معلوميّته في الجملة.

وفصّل صاحب «الشرائع»(4) بين الغائب والحاضر، واكتفى في الثاني بالمشاهدة، واعتبر ذكر الجنس والوصف والقدر في الغائب.

أقول: الظاهر أنّ التعيين المقابل للابهام الواقعي معتبرٌ قطعاً، لأنّ المردّد4.

ص: 351


1- التهذيب: ج 8/101 ح 19، وسائل الشيعة: ج 22/287 ح 28610.
2- التهذيب: ج 8/95 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/288 ح 28613.
3- التهذيب: ج 8/98 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/288 ح 28614.
4- شرائع الإسلام: ج 3/614.

لا حقيقة له ولا وجود، مع أنّ الوارد في النصوص، أنّه: «كلّ ما تراضيا عليه من المال ونحوه صحّ به الخُلع»، والمردّد الواقعي لا يكون قابلاً للتراضي عليه، فلا محالة يتعقّبه الخلاف والنزاع.

وأمّا التعيين المقابل للجهل، فلا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل وإطلاق النصوص عدم اعتباره، والنهي عن الغرر إمّا مختصٌّ بالبيع أو وسائر المعاوضات، لا مثل الفدية التي ليست من المعاوضات كما عرفت، فيكفي في الحاضر والغائب التعيين الموجب لكونه شيئاً يتموّل ويتراضيان عليه، وقد مرَّ تفصيل القول في ذلك في المهور(1).

وعليه، فلو بذلت له ما في ذمّته من المَهر، جاز وإنْ لم تعلم قدره، لأنّ ذلك متعيّنٌ في نفسه.

فما عن الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(2) من عدم الصحّة، ضعيفٌ .

ولو خالعها على ألفٍ وأطلق ولم يذكرا المراد من تلك الألف ولا قصداً، بَطَل لعدم التعيّن.

ولو اتّفقا على قصدٍ معيّن، بأن قصد كلّ منهما ألف درهم، وإن لم يذكر الدرهم، صَحّ كما عن الشيخ(3) والمصنّف والمحقّق(4) التصريح بذلك.

وكذا لو قصد أحدهما الألف درهم، وقَصَد الآخر ما يقصده من دون أن يعلم5.

ص: 352


1- راجع الجزء 33، الفصل السابع: في المهور.
2- مسالك الأفهام: ج 9/387.
3- الخلاف: ج 4/434.
4- شرائع الإسلام: ج 3/615.

بقصده، صَحّ أيضاً للتعيّن.

وقوع الخُلع على ما لا يُملك

المسألة الثالثة: لو وقع الخُلع علىَ ما لا يَملكه المُسلم كالخمر والخنزير:

1 - تارةً يعلم الزوج بذلك، فالظاهر أنّه لا خلاف في بطلان الخُلع، لأنّ البذل فاسدٌ، لاشتراط المالية فيه بلا خلافٍ ، والنصوص المتقدّمة شاهدة به، مضافاً إلى وضوحه، وعدم وقوع الخلع بدون البذل أيضاً لا ريب فيه.

أقول: الكلام في أنّه هل يقع طلاقاً رجعيّاً أم لا؟ فيه أقوال:

القول الأوّل: وقوع الطلاق الرِّجعي مطلقاً، كان الخُلُع بصيغة: (خَلعتُكِ على كذا)، أو بصيغة: (أنتِطالق بكذا)، أوباتباع الخُلع بالطلاق، اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله(1).

القول الثاني: عدم وقوعه إلّاإذا اتبع الخُلَع بالطلاق، اختاره المحقّق في «الشرائع»(2)، وقوّاه الشهيد الثاني رحمه الله(3).

القول الثالث: البطلان مطلقاً، اختاره المحدِّث البحراني رحمه الله(4).

واستدلّ للأوّل: بأنّ الخُلع بنفسه طلاقٌ وإنْ كان مورده خاصّاً، فتارةً يصحّ ، وأُخرى يبطل لفقد شرطٍ من شرائطه، ولكنّه لا يبطل أصل الطلاق الحاصل به، كما يؤمى إليه مادلّ من النّص على صيرورة الطلاق رِجعيّاً لو فَسَخت البذل ورَجعت به.

ص: 353


1- جواهر الكلام: ج 33/23.
2- شرائع الإسلام: ج 3/615.
3- مسالك الأفهام: ج 9/390.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/591.

وفيه: إنّه لا إشكال - كما تقدّم منّا - أنّ الخُلع قسمٌ من الطلاق، ولكنّه قسمٌ خاصّ منه، له أحكام خاصّة، منها: أنّه يصحّ إنشائه بغير لفظ (طالق)، وعليه فلو وقع صحيحاً ثمّ فَسَخ، دلّ الدليل على وقوعه رجعيّاً، وأمّا لو كان باطلاً من الأوّل، فوقوعه رجعيّاً مع كونه غير واجدٍ لشرائط الطلاق الرجعي الّتي منها وقوع الطلاق بصيغة خاصّة، فلا دليل على صحّته ووقوعه رِجعيّاً.

واستدلّ للثالث: بأنّ الواقع غير مقصودٍ، وما قُصد غير واقعٍ لتوجّه القصد إلى الخلع بهذا البذل، والبينونة به، ولم يتعلّق بمجرّد الطلاق الرجعي، وعليه فالطلاق الرِّجعي غير مقصودٍ، وما قُصد غير صحيحٍ ولا واقع.

وفيه: ما تقدّم من أنّ عنوان الخُلع ليس من العناوين القصديّة المعتبرة في الصحّة، وكذا كون الطلاق رِجعيّاً أو بائناً، بل هما من أحكام الطلاق المختلف باختلاف الموارد، فلا يَلزمُ وقوع ما لم يُقصد وعَدم وقوع ما قُصِد.

واستدلّ للثاني: الشهيد الثاني رحمه الله(1): بأنّه مع الاقتصار على الخُلع لا يتحقّق صحّة الطلاق مع فساد العوض، لأنّ الخُلع الذي يقوم مقام الطلاق، أو هو الطلاق، ليس إلّااللّفظ الدالّ على الإبانة بالعوض، فبدونه لا يكون خُلعاً، فلا يتحقّق رفع الزوجيّة بائناً ولا رجعيّاً، وإنّما يتمّ إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من فساد أحدهما فساد الآخر، فيفسد حينئذٍ الخُلع لفوات العوض، ويبقى الطلاق المتعقّب به رِجعيّاً.

وفيه أوّلاً: إنّ الطلاق المتعقّب بالخُلع ليس إنشاءً مستقلّاً، وقد صرّح الشهيد رحمه الله0.

ص: 354


1- مسالك الأفهام: ج 9/390.

نفسه بأنّه هو المملّك للعِوض، وعليه فلا سبيل إلى القول بالتفصيل.

وثانياً: ما تقدّم من عدم كون الخُلع والطلاق حقيقتين مختلفتين.

فالحقّ أن يقال: إنّه يصحّ إن كان الخُلع بصيغة طالق، مع ضَمّ ما يوجبُ تعيين الزوجة، سواء قدّمها صيغة الخُلع أو عَقّبتها كلمة (بعوض) وما شاكل، لفرض أنّه قاصدٌ للطلاق، وأنشاءه بما يصحّ إنشائه به، وزيادة كلمة (أو جملة) قبل الصيغة أو بعدها لا تكون من الموانع، فيصحّ الطلاق الرجعي، وفي غير ذلك لا يصحّ لفقد شرط الصحّة، وهو الصيغة الخاصّة، ومن ذلك ينقدح قولٌ رابع في المسألة.

2 - وأمّا في صورة الجهل: كما لو خالعها على خَلٍّ بزعمهما، فبانَ أنّه خمر، فلا خلاف في صحّة الخلع، وأنّ له بقدرها خلّاً.

واستشكل فيه صاحب «الحدائق» رحمه الله(1): نظراً إلى أنّه لا نصّ فيه، فلابدّ من التوقّف.

وقد استدلّ لما ذهب إليه الأصحاب:

1 - بأنّ تراضيهما على مقدارٍ من الجُزئي المعيّن الذي يظنّان كونه متموّلاً، يقتضي الرّضا بالكلّي المنطبق عليه، لأنّ الجزئي مستلزمٌ له، فالرّضا به مستلزمٌ للرّضا بالكلّي، فإذا فات الجُزئي لمانعٍ ، تبقى صلاحيّته لملك الكلّي.

2 - وبأنّه أقرب إلى المعقود عليه.

ويَردُ على الوجه الأوّل: أنّ الذي وقع عليه التراضي هو الموجود الخارجي الذي هو خمر، وظنُّ كونه خَلّاً لا يصيّرها خَلّاً كي يستلزم الخَلّ الكلّي ويكون2.

ص: 355


1- الحدائق الناضرة: ج 25/592.

الرّضا به مستلزماً للرّضا به، مع أنّ ما وقع عليه التراضي هو الحصّة الخاصّة من الطبيعة المتحقّقة في ضمن الجزئي، فلا يعقل بقائها مع ارتفاع الجزئي، والمحكوم بثبوته - وهي الحصّة المتحقّقة منها في ضمن فرد آخر - لم يقع التراضي عليه.

ويُردّ الثاني: أنّ الانتقال إلى الأقرب فرع استحقاق نفسه.

أقول: وبذلك يظهر اندفاع ما قيل من إنّه يصحّ ويجب قيمته عند مستحلّيه معلّلاً بأنّ قيمة الشيء أقرب إليه عند تعذّره، فإنّ الانتقال إلى القيمة فرعُ استحقاق ذي القيمة.

وعليه، فالأظهر عدم صحّته خُلعاً، وإنّما يصحّ طلاقاً رجعيّاً على التفصيل المتقدّم في صورة العلم، إلّاأن يثبت قيام إجماعٍ تعبّدي على ما ذكروه في المقام، وهو كما ترى .

نعم، يمكن أن يبنى على الصحّة، وأنّ له بقدرها خَلّاً لو خالعها على الموجود الخارجي، لا بما أنّه شخصٌ خاصّ ، بل بما أنّه مصداق لقدر معيّن من الخَلّ ، بحيث يكون الخلع واقعاً على ذلك المقدار من الخَلّ ، ولكنّه خارجٌ عن الفرض.

الباذل للفداء

المسألة الرابعة: لا خلاف في صحّة بذل الفدية من المرأة، وهو مورد الآية والأخبار، وكذا من وكيلها الباذل من مالها، لعموم الوكالة وإطلاقها.

وألحق الشهيد الثاني رحمه الله(1) بالوكيل الضامن له بإذنها من ماله، ليرجع به

ص: 356


1- مسالك الأفهام: ج 9/392.

عليها، وذكر في وجهه أنّ دفعه له بمنزلة إقراضه لها، وإن كان بصورة الضمان.

وفيه: إنّ من يقول للزوج: (طلّق زوجتك على مائة وعليَّ ضمانها):

تارةً : يقصد المائة في ذمّة الزوجة، فحينئذٍ يكون الخُلع واقعاً على مالها لا على ماله.

وأُخرى : يقصد المائة في ذمّة نفسه، فلا معنى لقوله: (وعليّ ضمانها).

وكذا لو وقع على مائةٍ خارجيّة، ثمّ لو قصد المائة في ذمّته لا يتصوّر قرضه لها، فلا أتصوّر عاجلاً معنى معقولاً لضمانه في ذمّته، على نحوٍ يرجع إلى كون دفعه له إقراضه لها.

أقول: وكيف كان، فقد وقع الخلاف في صحّة البذل من المتبرّع:

والمشهور بين الأصحاب: عدم صحّته خُلعاً، بل عن «المسالك»: (لم يُعرف القائل بالجواز منّا)(1).

وقد استدلّ له: بأنّ الخُلع من عقود المعاوضة، فلا يجوز أن يكون العوض من غير صاحب المعوّض كالبيع.

ولكن قد عرفت عدم كون الخُلع من عقود المعاوضة، وعلى فرض كونه منها، لا يعتبر في المعاوضة دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوّض، كما بيّناه في كتاب البيع(2).

وعليه، فالأولى أن يستدلّ له:

بأنّدليل مشروعيّة الخُلع، وترتّب أحكامه الخاصّة عليه إنّما هوالآية و النصوص:4.

ص: 357


1- مسالك الأفهام: ج 9/392.
2- فقه الصادق: ج 22/244.

أمّا الآية: فهي قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ ) (1) فهي مختصّة بصورة افتدائها، ولا تشمل فداء الأجنبي.

وأمّا النصوص:

فجملةٌ منها: في مورد كون الفدية من مالها، ولا إطلاق لشيء منها يشمل صورة فداء الأجنبي.

وجملةٌ أُخرى : مفادها مفاد الآية الكريمة.

وعليه، فلا دليل على مشروعيّة الطلاق في صورة فداء المتبرّع.

نعم، لو افتدت من مال الغير بإذنه صَحّ الخُلع، لشمول الآية وما شابهها من الأخبار له حينئذٍ لولا الإجماع على البطلان.

ولا تدلّ النصوص الدالّة على جواز رجوعها فيما بذلته، على اختصاص الخُلع بهذه الصورة، كي يستشهد بعكس نقيضها على البطلان في المقام.

أقول: قد ذكر الأصحاب فروعاًمترتّبة عليجواز الفِداء من الأجنبيّ ، وأعرضنا عن ذكرها بعد عدم جوازه.

وفي مورد كون الفداء من مال الغير، وافتدت هي به بإذنه، هل يجوز لها الرجوع أم لا؟

الظاهر أنّه لا يجوز، لاختصاص ما دلّ على جواز رجوعها بما إذا كانت الفدية من مالها، ومقتضى أصالة اللّزوم عدم جواز رجوعها في الفرض.

***9.

ص: 358


1- سورة البقرة: الآية 229.

ويُشترط في الخالع: التكليف، والإختيار، والقصد.

شرائط الخالع والمختلعة

المقام الثالث: في الشرائط، وهي:

1 - إمّا تتعلّق بالخالع أو المختلعة.

2 - أو تكون خارجة عنهما.

فها هنا مواضع ثلاثة:

الموضع الأوّل: ما يتعلّق بالخالع:

لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يشترط في الخالع) أُمورٌ ثلاثة:

(التكليف) أي البلوغ والعقل، (والاختيار، والقصد).

وقد تقدّم تفصيل القول في هذه الشروط في كتاب الطلاق(1)، لأنّه مُطلِّق، وعليه فيأتي فيه النزاع في صحّته من الصَّبي البالغ عشر سنين وعدمها.

وهل يصحّ الخُلع من وليّ الطفل أم لا؟

ففي «الحدائق»(2): (إن جعلنا الخُلع طلاقاً أو مفتقراً إلى أن يتبع بالطلاق، لم يصحّ مطلقاً، لما تقدّم من أنّه ليس للوليّ أن يطلّق عن الصَّبي، وإنْ جعلناه فَسخاً كما هو القول الآخر، صَحّ وروعي في صحّته المصلحة، لأنّه حينئذٍ بمنزلة المعاوضة عنه، وهي جائزة مع المصلحة)، انتهى .

ص: 359


1- صفحة 7 من هذا المجلّد.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/595.

وفي المرأة مع الدخول: الطُّهر الذي لم يُقرّبها فيه بجماعٍ مع حضوره، وانتفاء الحَمل، وإمكان الحيض، واختصاصها بالكراهية

أقول: ولكن الظاهر عدم صحّته حتّى على ذلك القول، لأنّ النصوص الدالّة على أنّ الخُلع طلاق إنْ لم تكن صالحة لإثبات كونه طلاقاً حقيقة، فلا إشكال في أنّها منزّلة للخُلع منزلة الطلاق، ومقتضى إطلاق التنزيل ترتّب آثاره عليه، ومنها هذا الأثر.

وعليه، فالأظهر عدم صحّة الخُلع من وليّ الصَّبي.

الموضع الثاني: فيما يعتبر في المُختلعة:

لا خلاف (و) لا كلام في أنّه يشترط (في المرأة مع الدخول) بها (الطُّهر الذي لم يُقرّبها فيه بجماعٍ مع حضوره، وانتفاء الحَمل، وإمكان الحيض، واختصاصها بالكراهية)، بل الإجماع بقسميه على اعتبار الجميع.

أقول: ويشهد لاعتبار غير الكراهية منها خاصّة:

1 - ما دلّ على اعتباره في الطلاق الذي هو من أقسامه، فكلّ ما دلّ الدليل على اعتباره فيه، يعتبر في الخُلع، كما أنّ كلّ ما دلّ الدليل على عدم اعتباره في الطلاق لا يعتبر فيه، إلّاما خرج بالدليل.

2 - مضافاً إلى جملةٍ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا طلاق ولا خُلع ولا مباراة ولا خيار إلّاعلى طُهرٍ من غير جماع»(1).2.

ص: 360


1- الكافي: ج 6/143 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/291 ح 28622.

ومنها: صحيح محمّد بن إسماعيل، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام:

«عن المرأة تُباري زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طُهرٍ من غير جماع هل تبين منه ؟

فقال عليه السلام: إذا كان ذلك على ما ذكرت فنعم»(1).

ومنها: خبر زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«الخلع تطليقة بائنة وليس فيها رجعة، قال زرارة: لا يكون إلّاعلى مثل موضع الطلاق إمّا طاهراً وإمّا حاملاً بشهود»(2).

ونحوها غيرها.

وعليه، فيصحّ خُلع الحامل مع رؤية الدّم، كما يصحّ طلاقها، ولو قيل إنّها تحيض، لأنّها إحدى الخمس التي يُطلّقن على كلّ حال.

وكذا يصحّ خُلع التي لم يدخل بها، ولو كانت حائضاً، وتخلع اليائسة التي وطئها في طهر المخالعة.

فإنْ قيل: إنّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة عدم صحّة خلع الحائض وإن كانت حاملاً، أو غير مدخول بها.

قلنا: بعدما عرفت من أنّه طلاقٌ ، يكون سبيل هذه النصوص سبيل النصوص الدالّة على بطلان الطلاق في الحيض، فتعارض مع ما دلّ على أنّ خمساً يُطلَّقن على كلّ حال، منهن: الحامل، وغير المدخول بها، والنسبة عمومٌ من وجه، وتقدّم هذه النصوص كما مرَّ في الطلاق.5.

ص: 361


1- الكافي: ج 6/143 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/286 ح 28607.
2- التهذيب: ج 8/100 ح 17، وسائل الشيعة: ج 22/292 ح 28625.

اعتبار الكراهية من المرأة في الخُلع

أقول: وأمّا الكراهية من المرأة خاصّة، فاعتبارها في الخُلع إجماعيٌّ ، والنصوص المستفيضة أو المتواترة الآتية طرفٌ منها دالٌّ عليه.

إنّما الكلام فيه في موارد:

المورد الأوّل: هل يعتبر زائداً على الكراهة، إسماع معاني الأقوال المذكورة في النصوص، كما عن الشيخ(1) وغيره من المتقدّمين، بل عن الحِلّي(2) دعوى إجماع أصحابنا عليه ؟

أم يعتبر تعديتها في الكلام خاصّة تعديةً تُوهم وقوعها في الاُمور المحرّمة لولا البينونة، كان ذلك بعبارة مخصوصة أم لم يكن كما في «الرياض»(3)؟

أم يكفي خصوص الكراهية منها، سواءٌ علم ذلك من قولها أو فعلها أو غيرهما، كما عليه جُلّ متأخّري الأصحاب، بل في «كشف اللّثام»(4) نسبته إلى الأصحاب على ما حُكي ؟

أمّا الكتاب: فهو شاهد بالقول الأخير، لأنّه جُعل المدار في الآية الكريمة(5)على خوف عدم إقامة حدود اللّه تعالى ، ولا ريب في تحقّقه معها، وقضيّة جميلة المتقدّمة التي هي الأصل في نزول الآية خالية عن ذكر هذه الأقوال المذكورة في النصوص.

ص: 362


1- الخلاف: ج 4/421.
2- السرائر: ج 2/724.
3- رياض المسائل: ج 11/177.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 8/187.
5- سورة البقرة: الآية 230.

وأمّا النصوص: فمنها ما ظاهره القول الأوّل:

مثل: حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا يحلّ خُلعها حتّى تقول لزوجها: (واللّهِ لا أبرُّ لكَ قَسَماً، ولا أطيعُ لكَ أمراً، ولا اغتسل لك من جنابةٍ ، ولأوطئنَّ فراشكّ ، ولآذننَّ عليك بغير إذنك، وقد كان النّاس يرخّصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حَلّ له ما أخذ منها، الحديث»(1).

ومثل: حسن محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «المختلعة التي تقول لزوجها: (اخلعني وأنا أعطيكَ ما أخذتُ منك ؟

فقال عليه السلام: لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئاً حتّى تقول: (واللّهِ لا أبرُّ لك قَسَماً، ولا أطيعُ لكَ أمراً، ولآذننَّ في بيتك بغير إذنك)، ولأوطئنَّ فراشك غيرك، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلّمها حَلّ له ما أخذ منها»(2).

ونحوهما غيرهما.

أقول: ولكن بملاحظة ما ورد في ذيل الخبر الحسن المرويّ عن محمّد، من قوله عليه السلام: «فإذا فَعَلَتْ ذلك من غير أن يعلمها»، ولما فيها من اختلافها في الألفاظ.

ولصحيح محمّدبن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا قالت المرأة لزوجها جملة: (لا أطيعُ لك أمراً)، مفسَّراً وغير مفسَّر حَلّ له ما أخذ منها، وليس له عليها رجعة»(3).

وخبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يجوز للرّجل أن يأخذ من المختلعة حتّى تتكلّم بهذا الكلام كلّه.6.

ص: 363


1- الكافي: ج 6/139 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/280 ح 28590.
2- الكافي: ج 6/140 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/280 ح 28591.
3- الكافي: ج 6/141 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/289 ح 28616.

وقال: إذا قالت له: (لا أطيعُ اللّه فيكَ )، حَلّ له أن يأخذ منها ما وجد»(1).

لابدّ من البناء على عدم اعتبار تلك الأقوال، بل الجمع بين الخبرين الأخيرين وما في ذيل الخبر الحسن المرويّ عن محمّد الدالّ على عدم اعتبار القول، كفاية كلّ ما يكشف عن مخالفتها لحدود اللّه.

بل الجمع بين النصوص والآية وكلمات الأصحاب، يقتضي البناء على كفاية كونها بحيث يخاف عدم إقامتها لحدود اللّه، والظاهر ملازمة ذلك لكراهتها إيّاه، وإنْ لم تصل إلى الحَدّ الذي ذكره سيّد «الرياض»، وظاهر جمعٍ وصريح آخرين حَملُ كلمات القدماء أيضاً على ذلك.

فالمتحصّل: أنّ المستفاد من الأدلّة وكلمات الأصحاب، الاكتفاء بالكراهية التي من شأنها صيرورة المرأة مخالفة لحدود اللّه تعالى ، فلا ينافي تخلّفها في بعض الأفراد النادرة، كما أنّه لا يكتفي بالمخالفة والتقصير في حقوق الزوج، مع عدم كونها كارهة له، وهذا شاهدٌ آخر على أنّ المدار على المنكشف بالأقوال والأفعال المزبورة لا بالكاشف.

وعليه، فما أفاده المتأخّرون من اعتبار مطلق الكراهية هو الأظهر، ولعلّه أيضاً مراد المتقدّمين أيضاً، بقرينة عدم ذكر المتأخّرين الخلاف في المسألة.

(ثمّ إنّه) لا فرق بين كون الكراهة ذاتيّة أو لعارضٍ ، فما أفاده بعض الأعاظم من الاختصاص بالأُولى غير ظاهر الوجه.

***5.

ص: 364


1- التهذيب: ج 8/96 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/289 ح 28615.

وحضور شاهدين عَدلين. وتجريده عن شرطٍ لا يقتضيه العقد.

في الشرط الذي لا يقتضيه العقد

الموضع الثالث: فيما يعتبر في صحّة الخُلع، غير شرائط الخالع والمختلعة:

قال المصنّف رحمه الله: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه:

1 - يعتبر (حضور شاهدين عدلين)، ويشهد به مادلّ على اعتبار ذلك في الطلاق، بعدما عرفت من أنّه قِسْمٌ من الطلاق، والنصوص السابقة أيضاً شاهدة به.

وهل يعتبر علم الشاهدين بالمرأة والخالع أم لا؟

فيه بحث قد تقدّم في الطلاق، فلا نعيد.

2 - (و) منه (تجريده عن شرط لا يقتضيه العقد).

ذَكَره الأصحاب مرسلين له إرسال المسلّمات، قال الشهيدالثاني في «المسالك»(1):

(الضابط في كلّ شرطٍ لايصحّ تعليق العقد عليه، هو الشرط الخارج عن مقتضى العقد، فلو شَرَط ما هو مقتضاه، بمعنى أنّ مضمونه يتناوله العقد، وإنْ لم يشترط، لم يَضرّ، وكان ذلك بصورة الشرط لا بمعناه كقوله: (إنْ رجعتِ في البذل رجعتُ في الطلاق)، فإنّ ذلك أمرٌ ثابت مترتّب على صحّة الخُلع، اشترط أم لم يشترط، وكذا قولها: (على أنّ لي الرجوع فيه في العِدّة) ونحو ذلك)، انتهى .

وقد تبعه غيره على ذلك، وهو الأظهر، لأنّه:

ص: 365


1- مسالك الأفهام: ج 9/416.

تارةً : لا يُعلّق إنشاء الخُلع على الشرط، بل يشترط في ضمنه شيئاً على أحد الطرفين، نظير ما يشترط في ضمن عقد البيع من فعلٍ أو نتيجةٍ .

وأُخرى : يعلّق إنشاء الخُلع عليه.

أمّا القسم الأوّل: وهو غير المنافي للتنجيز المعتبر، فمحصّل القول فيه:

إنّ مقتضى عموم دليل وجوب الوفاء بالشروط - الذي خرج عنه الشروط الابتدائية إمّا لعدم صدق الشرط عليها، أو للإجماع، وبقي الباقي منه - الشرط في ضمن الخُلع، وإنْ كان هو شبيهاً بالمعاوضة لا معاوضة حقيقيّة، لزوم الوفاء به كان ذلك مقتضى العقد أم لم يكن، وما ذكره الشهيد من المثال من هذا القبيل، ولا أظنّ أن يكون ذلك مراد الأصحاب من اعتبارهم تجريده عن الشرط ذلك.

وأمّا القسم الثاني: فقد مرَّ في مبحث الطلاق(1) أنّ المعلّق عليه إنْ كان ممّا يقتضيه العقد، كقول: (أنتِ طالق إنْ كُنتِ زوجتي)، و (خالعتكِ على ألفٍ إن بذلتِ ) وما شاكل، أو كان ممّا عُلم حصوله صَحّ ، وإلّا بطل، وما ذكرناه هناك يجري في المقام، ولا حاجة إلى الإعادة.

ودعوى سيّد «الرياض»: (أنّ المتيقّن من أدلّة الخُلع هو الخلع المنجّز، فالمعلّق منه باطلٌ وإنْ علم تحقّقه، إلّاما يقتضيه القعد)(2).

مندفعة: بأنّ مقتضى إطلاق النصوص كالأخبار المتقدّمة في أوّل هذا المقام صحّة المعلّق أيضاً، غاية الأمر خرج عنها بالإجماع ما عُلّق على ما لا يقتضيه العقد، ويكون غير معلوم الحصول.9.

ص: 366


1- صفحة 110 من هذا المجلّد.
2- رياض المسائل: ج 11/179.

كما يرد عليه أيضاً: أنّ لازم ما أفاده البطلان، وإنْ كان الشرط ممّا يقتضيه العقد.

أقول: ويرد عليه مضافاً إلى ذلك كلّه تمثيله لشرطٍ يقتضيه العقد بشرط الرجوع إنْ رجعت، لما عرفت من عدم كون ذلك منافياً للتنجيز الذي ادّعى أنّ المتيقّن من الأدلّة الخُلع المنجز.

ولو عُلّقت البذل على قيدٍ، فالظاهر صحّته أيّاً ما كان القيد، لعدم الإجماع على فساده.

وعن «المسالك»(1): (وبقي البحث في تعليق الاستدعاء على الشرط، وقد تقدّم تجويزه).

وفي «التحرير»(2): (ولو قالت: إنْ طلّقتني واحدة فلك عَليَّ ألف فطلّقها، فالأقرب ثبوت الفدية، وهو تعليقٌ محض.

إلّا أن يقال: بأنّ الاستدعاء يتوسّع فيه وإنْ لم يختصّ بلفظ)، انتهى .

أقول: بما ذكرناه يظهر ما في كلمات الفقهاء من الخَلط في المقام.

***9.

ص: 367


1- مسالك الأفهام: ج 9/418.
2- تحرير الأحكام: ج 4/89.

ويبطل لو انتفت الكراهية منها، ولا يملك الفدية.

حكم ما لو خالعها والاخلاق ملتئمة

المقام الرابع: في الأحكام (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: (يبطل) الخُلع (لو انتفت الكراهية منها، ولا يملك الفدية) بلا خلافٍ ولا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى السُّنة المستفيضة أو المتواترة الّتي قد مرَّ كثيرٌ منها، كما في «الجواهر»(1).

ويشهد لعدم تملّكه الفدية، النصوص المتقدّمة المصرّحة بعدم حَلّ أخذ شيء منها مع عدم الكراهية.

وفي وقوع الطلاق رجعيّاً وعدمه، أقوالٌ تقدّمت في مبحث ما لو جعل الفدية ممّا لا يُملك، وبيّنا هناك ما هو المختار عندنا، وما ذكرناه هناك يجري في المقام، فلا نعيد.

أقول: إنّما الكلام في المقام في أنّه:

هل يصحّ الطلاق بالعوض بدون الكراهية، ويصحّ البذل، وتحصل البينونة بالطلاق، ويكون الحاصل أمراً غير الخُلع والمباراة ؟

أم يكون ذلك من أقسام الخُلع والمباراة ولا فرد آخر له ؟

المشهور بين الأصحاب هو الثاني، بل عن كتاب «نهج الحقّ وكشف الصدق»:

ص: 368


1- جواهر الكلام: ج 33/55.

(ذهبت الإماميّة إلى أنّه إذا كانت الأخلاق ملتئمة بين الزوجين، والحال عامرة، فبذلت له شيئاً على طلاقها، لم يَحِلّ له أخذه.

وخالف أبوحنيفة ومالك و الشافعي و أحمد، وقد خالفوا قول اللّه تعالى .. الخ)(1).

وعن سيّد «المدارك» بعد نقل القول الأوّل عن جَدّه:

(إنّ الطلاق بعوضٍ من أقسام الخُلع، كما صرّح به المتقدّمون والمتأخّرون من الأصحاب.

إلى أن قال: وما ذكره جَدّي في «الروضة» و «المسالك» من أنّ الطلاق بعوضٍ لا يعتبر فيه كراهة الزوجة، بخلاف الخُلع، غير جيّدٍ، لأنّه مخالفٌ لمقتضى الأدلّة، وفتوى الأصحاب، فإنّا لا نعلم له في ذلك موافقاً)(2).

وذهب الشهيد الثاني(3)، والمحقّق القمّي(4) إلى الأوّل، ونقله المحدِّث البحراني(5) عن جماعةٍ من معاصريه من علماء العراق.

أقول: يشهد لما هو المشهور بين الأصحاب الآية الكريمة: (وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اَللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اَللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ ) (6)، فإنّها تدلّ على عدم جواز أخذ الفدية من المرأة، إلّامع خوف عدم إقامة حدود اللّه سبحانه، بأن يظهر للّزوج9.

ص: 369


1- نهج الحقّ وكشف الصدق: ص 533.
2- نهاية المرام: ج 2/139.
3- مسالك الأفهام: ج 9/420.
4- جامع الخلاف والوفاق: ص 489.
5- الحدائق الناضرة: ج 25/575.
6- سورة البقرة: الآية 229.

ما يدلّ على البُغض والكراهة والنفرة، ومقتضى ذلك عدم جواز أخذ الفدية في الطلاق بعوضٍ كالخلع إلّامع الكراهة، وأمّا مع عدمها فلا يحِلُّ شيءٌ من ذلك، ولايقع الطلاق بائناً.

وبالجملة: الآية الكريمة التي هي الأصل في تشريع الخُلع الذي له أحكام خاصّة، منها كون الطلاق بائناً، وحليّة الفدية، تختصّ بصورة الكراهة.

نعم، لا تدلّ على أنّه في صورة عدم الكراهة إذا تحقّق سببٌ آخر لحليّة الفدية، أو لكون الطلاق بائناً، لا يكون كذلك، كما لا يخفى .

وأيضاً: يدلّ عليه النصوص المتقدّمة المشرّعة لطلاق الخلع، الذي له أحكام خاصّة، فإنّها كما ترى متّفقة الدلالة على أنّه في الخلع، أي ما شُرّع فيه حليّة الفِدية بدون انطباق أيّ عنوانٍ آخر عليها من الهبة وما شاكل، وكون الطلاق بائناً، يعتبر الكراهية منها.

فعلى هذا، الملتزمون بالقول الأوّل إنْ كان لهم دليلٌ على كون الطلاق بالعوض أيضاً له هذه الأحكام، وإن لم تكن هناك كراهية من الزوجة، نلتزم به وإلّا فلا، وعليه فلابدّ إذا من ملاحظة كلماتهم:

أمّا الشهيد الثاني رحمه الله: فقد استدلّ لما اختاره بالنصوص، فإنّه قال في محكيّ «المسالك» في شرح قول المصنّف -: ويقع الطلاق مع الفدية بائناً الخ:

(إذا وقع الطلاق مع الفدية به، سواءٌ كان بلفظ الخلع، وقلنا بأنّه طلاق أو اتبع به أو بلفظ الطلاق، وجعله بعوضٍ ، فإنّه يقع بائناً لا رجعيّاً للنصوص الدالّة عليه، وقد تقدّم بعضها.

ص: 370

إلى أن قال: واعلم أنّه مع اشتراك الخُلع والطلاق بعوضٍ في هذا الحكم يفترقان بأنّ الخُلع مختصٌّ بحال الكراهة للزّوج له خاصّة كما انفردت المباراة بكون الكراهة منهما، واشتراط كون العوض بقدر ما وصل إليها، بخلاف الطلاق بالعوض، فإنّه لايشترط فيه شيءٌ من ذلك)(1)، انتهى .

وقال فيها أيضاً في موضعٍ آخر(2): (النصوص إنّما دلّت على توقّف الخُلع على الكراهة، وظاهر حال الطلاق بعوضٍ أنّه مغايرٌ له وإنْ شاركه في بعض الأحكام)، انتهى .

وقريب منهما ما ذكره في مبحث المباراة منها، وما أفاده في «الروضة» على ما حُكي.

أقول: ويرد على كلامه رحمه الله:

1 - إنّه إنْ أراد بالنصوص نصوص الباب، كما يشير إليه قوله: (وقد تقدّم بعضها) فهي وإنْ دلّت على أنّ الطلاق بالعوض ولو لم يكن بلفظ الخُلع يقع صحيحاً، وتحصل به البينونة، ويملك الزوج الفدية، إلّاأنّها كما عرفت متّفقة الدلالة على اعتبار الكراهة منها.

وبعبارة أُخرى : إنّها تدلّ على أنّ الطلاق بعوضٍ خلعٌ ، وإن لم يكن بلفظه كما قدّمناه(1).

2 - وإنْ أراد بها ما يُشعر به كلامه في المباراة، وهي أدلّة جواز الطلاق مطلقاً، فهو وإنْ كان حسناً من حيث البناء على صحّة الطلاق، لكنّه حينئذٍ يكون رجعيّاًد.

ص: 371


1- صفحة 344 من هذا المجلّد.

لا بائناً لما دلّ عليكون البائن منه له موارد مخصوصة، ولم يذكر منها الطلاق بعوض.

نعم، ذَكر الخُلع والمباراة، وهو ليس منهما، لعدم وجود الكراهة.

3 - وإنْ أراد بها غيرهما، فلم تصل إلينا تلك النصوص.

وأمّا المحقّق القمّي رحمه الله: فقد أطال في المقام، ومحصّل ما ذكره:

أنّ للطلاق بالعوض في غير مورد الخُلع أقساماً ستّة:

أوّلها: الطلاق بالعوض.

والثاني: الصُّلح عن الطلاق بكذا.

والثالث: الهبة المعوّضة بالطلاق.

والرابع: الجُعالة على الطلاق.

والخامس: اشتراط الطلاق بعقد بيع مثلاً.

والسادس: الطلاق مع شرط العوض.

وذكر أنّ دليل صحّة ما عدا الأوّل والسادس عمومات الصلح والهبة والجُعالة والبيع، وذكر في وجه كون الطلاق بائناً، أنّه حينئذٍ في قوّة اشتراط عدم الرَّجعة به، قال: وإن كان لولا ذلك لكان رجعيّاً.

وذكر في وجه الأوّل أنّه مقتضى قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1)الشامل ولو للعقد الجديد، وما دلّ على الوفاء بالميثاق والعهد المحتمل لإرادته أيضاً من الوفاء بالعقود، وجَعَل دليل الأخير دليل(2) وجوب الوفاء بالشرط، الشامل للإلزامر.

ص: 372


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- وسائل الشيعة: ج 18/16 باب 6 من أبواب الخيار.

بالعوض على وجه الشرطيّة ولو في ضمن الإيقاع.

أقول: وفي كلامه قدس سره مواقع للنظر:

1 - إنّ ما أفاده من أنّ دليل وجوب الوفاء بالعقود يشمل الطلاق بعوضٍ ، وإن كان متيناً جدّاً، لما حقّقناه في محلّه من عدم اختصاصه بالعقود التي كانت متعارفة في زمن صدوره، ولا بما هو المتعارف منها خاصّة، ولو في هذه الأزمنة، بل يشمل كلّ عقدٍ ومنه الطلاق بعوضٍ ، ويدلّ أيضاً على لزومه، أي لزوم إيقاع الطلاق، ولزوم تسليم المرأة العوض، ولا تنافيه الآية الكريمة والنصوص المتقدّمة، كما مرَّ.

إلّا أنّه يبقى إشكالٌ وهو إنّ هذا الطلاق كسائر الطلقات رِجعيٌّ ، فما الوجه في صيرورته بائناً؟

فإنْ قيل: إنّ المعوّض هو الطلاق البائن لا الطلاق الرجعي.

قلنا: إنّ دليل وجوب الوفاء بالعقد لا يصلحُ أن يجعل غير المشروع مشروعاً، لعدم تعرّضه لحال طرفي العقد.

فإنْ قيل: إنّه في قوّة اشتراط عدم الرَّجعة.

قلنا: إنّ الشرط إن كان هو عدم ثبوت حقّ الرَّجعة له، فهو شرطٌ مخالف للكتاب والسُنّة فغير جائز، وإنْ كان عدم الرجوع خارجا فهو مشروعٌ ، ويصير الرجوع محرّماً؛ لوجوب الوفاء بالشرط، ولو الضمني منه، إلّاأنّ حرمته لا تنافي تأثيره، لما حُقّق في محلّه(1) من أنّ النهي في غير العبادات لا يدلّ على الفساد.

وبالجملة: حكم الشارع الأقدس بأنّ الطلاق إذا وقع صحيحاً يكون رجعيّاً).

ص: 373


1- راجع زبدة الأُصول: ج 3/106، مبحث: (النهي في المعاملات).

إلّا في موارد خاصّة، ودليل وجوب الوفاء بالعقد لا يصلح لتغيير هذا الحكم الشرعي وجعله بائناً.

2 - إنّ ما ذكره من أنّ مقتضى عمومات الصُّلح والهبة والجُعالة والبيع، صحّة الأقسام الأربعة منها، وإن كان متيناً، وتوجبُ ملكيّة الزوج للفدية، ولكنّها لاتوجبُ صيرورة الطلاق بائناً، وقد اعترف هو قدس سره بذلك، ولكن قال: (إنّه في قوّة اشتراط عدم الرَّجعة، وأنّه لولا ذلك لكان رِجعيّاً).

ويرد عليه: ما تقدّم من أنّ الشرط إن كان هو عدم ثبوت حقّ الرَّجعة له، فهو مخالف للكتاب والسُّنة، وإن كان هو عدم الرجوع خارجاً، فهو لا يلازم عدم تأثير الرجوع.

فإنْ قيل: إنّ الرجوع حقٌّ للّزوج فله إسقاطه، فشرط سقوطه ليس شرطاً مخالفاً للكتاب والسُّنة.

قلنا: إنّ ذلك غير ثابتٍ ، بل الظاهر أنّه من قبيل الأحكام، ولا يسقط بإسقاطه.

3 - إنّ الشرط في ضمن الإيقاع غير واجب الوفاء.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الطلاق بالعوض إنْ وقع بالصيغة الجامعة للشرائط، يصحّ الطلاق رجعيّاً لا بائناً، ويملك الزوج العوض بأحد الطرق المتقدّمة، ولو رجع الزوج بعد الطلاق له ذلك، وإنْ كانت المرأة أيضاً يجوز لها الرجوع فيما بذلته، كما هو مقتضى الشرط الضمني الذي تخلفه الزوج، ولعلّه يكون ذلك قولاً ثالثاً في المسألة وهو: تملّك الفدية والعِوض، وكون الطلاق رِجعيّاً، فتدبّر.

***

ص: 374

ولها الرجوع في الفِدية ما دامت في العِدّة. وإذا رجعت كان له الرجوع في البضع وإلّا فلا.

للمرأة الرجوع في الفِدية ما دامت في العِدّة

المسألة الثانية: لا خلاف بين الأصحاب (و) لا ريب في أنّ (لها الرجوع في الفِدية ما دامت في العِدّة)، وتشهد به النصوص:

منها: صحيح محمّد بن إسماعيل، قال: «سألتُ أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن المرأة تُباري زوجها، أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طُهرٍ من غير جماع، هل تبين منه بذلك، أو تكون إمرأته ما لم يتبعها بطلاق ؟

فقال عليه السلام: تبين منه، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون إمرأته فعلت...» الحديث(1).

ومنها: صحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ : «ولا رجعة للّزوج على المختلعة، ولا على المبارئة إلّاأن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها»(2).

ومنها: موثّق أبي العبّاس، عنه عليه السلام: «المختلعة إنْ رجعت في شيءٍ من الصلح يقول لأرجعنَّ في بُضعك»(3).

أقول: لا إشكال فيه، كما لا إشكال (و) لا كلام في أنّها (إذا رجعت كان له الرجوع في البُضع، وإلّا فلا) كما تشهد به النصوص المتقدّمة.

ص: 375


1- التهذيب: ج 8/98 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/286 ح 28607.
2- وسائل الشيعة: ج 22/293 ح 28630.
3- التهذيب: ج 8/100 ح 16، وسائل الشيعة: ج 22/293 ح 28629.

إنّما الكلام وقع في موارد:

المورد الأوّل: إنّ المحكي عن ابن حمزة(1)، والشهيدالثاني(2)، وسيّد «المدارك»(3):

أنّه يعتبر في جواز رجوعها فيما بذلت الاشتراط أو تراضيهما، وإلّا فلا يجوز له الرجوع، ونفى عنه البأس في محكي «المختلف»(4).

واستدلّ له: بأنّ الخُلع عقد معاوضةٍ ، فيعتبر في فسخه رضاهما.

ويردّه: أنّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة، هو جواز رجوعها مطلقاً، بل هو الظاهر منها بالخصوص، لاحظ قوله عليه السلام: «وإن شاءت أن يرد...» في صحيح ابن بزيع، وقوله عليه السلام: «إلّا أن يبدو للمرأة» في صحيح ابن سنان، وقريبٌ منهما في غيرهما.

وعليه، فالأظهر أنّ ما هو المشهور بين الأصحاب من جواز الرجوع مطلقاً هو الأظهر.

المورد الثاني: أنّه هل يعتبر في صحّة رجوعها فيما بذلت صحّة رجوعه ؟ فلو كان الطلاق بائناً، لكون المرأة غير مدخول بها، أو يائسة لايجوز لها الرجوع فيه، كما عن الشيخ وجماعة، بل ربما نُسب إلى الأشهر، وعن «الروضة»(5): أنّه المشهور؟

أم لايعتبر فيها ذلك كما هو ظاهر غير واحدٍ ممّن أطلق جواز الرجوع، كالمصنّف رحمه الله في المتن، والمحقّق في «الشرائع»(6) وغيرهما في غيرهما؟9.

ص: 376


1- الوسيلة: ص 332.
2- مسالك الأفهام: ج 9/424-425.
3- نهاية المرام: ج 2/140.
4- مختلف الشيعة: ج 7/399.
5- شرح اللّمعة: ج 6/104-106.
6- شرائع الإسلام: ج 3/619.

أقول: الظاهر هو الأوّل، لأنّ دليل جواز رجوعها فيما بذلت مختصٌّ بمورد جواز رجوعه.

أمّا صحيح ابن بزيع: فلقوله عليه السلام: «وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون إمرأته فعلت»، فإنّ المراد بقوله: «فتكون إمرأته»، أنّها تصير بحكم الزوجة لكونها في العِدّة الرجعيّة.

وأمّا موثّق أبي العبّاس: فلتعليق قوله عليه السلام: «لأرجعن في بُضعك» على رجوعها في شيء من الصلح.

بل الظاهر منهما التلازم بين جواز رجوعها وجواز رجوعه.

وأمّا صحيح ابن سنان: فهو وإنْ كان لا يدلّ على التلازم، لكن لا إطلاق لجواز رجوعها كي يشمل صورة عدم جواز رجوعه.

وبالجملة: فالمتحصّل من ذلك الاستدلال له بوجهين:

أحدهما: دلالة الخبرين على التلازم بينهما.

ثانيهما: عدم دليل على جواز الرجوع في غير ما لو جاز له الرجوع، ومقتضى أصالة اللّزوم عدم جواز الرجوع، ويؤيّده إجماعهم على عدم جواز رجوعها بعد العِدّة، مع أنّه ليس في النصوص التقييد بذلك، فإنّه كاشفٌ عن فهم العلماء التلازم بين الأمرين.

فرع: هل للزّوجة الرجوع فيما بذلت، من دون أن يعلم الزوج بذلك إلّابعد العِدّة، نظراً إلى تحقّق الشرط، وهو جواز الرجوع له واقعاً، كما عن «القواعد»(1) وغيرها؟7.

ص: 377


1- قواعد الأحكام: ج 3/157.

أم ليس لها ذلك، من جهة أنّ الشرط هو علم الزوج، ليكون له الرجوع إن أراد كما عن جماعة ؟(1)

وجهان:

قد استدلّ للثاني في «الرياض»(2): بأنّ مورد النّص علمه بذلك، فلا دليل على جواز الرجوع في غيره، والأصل يقتضي عدمه.

أقول: الظاهر أنّ ما أفاده - ووافقه صاحب «الجواهر» رحمه الله - يتمّ في صحيح ابن سنان وموثّق أبي العبّاس:

أمّا الصحيح: فواضحٌ .

وأمّا الموثّق: فلأنّ جواب الشرط فيه الخطاب بقول: «لأرجعنّ »، الذي لا ينطبق إلّاعلى حال العلم.

ولكنّه لا يتمّ في صحيح محمّد بن إسماعيل، إذ غاية ما قيل في وجه اختصاصه أيضاً هي ما ذُكر في «الجواهر»(3) من أنّه اعتبر في شرطه كونها إمرأةً له، وأقرب مجازاته حال علمه الذي يكون أحقّ حينئذٍ ببُضعها.

وهو كما ترى ، إذ لا حاجة إلى الالتزام بالمجاز، كي يلتزم بأقرب المجازات، بل إمّا أن نقول بأنّ الرجعيّة زوجة ما دامت في العِدّة، فالإطلاق حقيقي، أو نقول بأنّها ليست بزوجة، بل هي منزّلة منزلتها، فكذا في المقام.

وبالجملة: الإطلاق إمّا حقيقي أو على وجه الحكومة، ولا يقتضي شيءٌ منهما4.

ص: 378


1- إيضاح الفوائد: ج 3/379.
2- رياض المسائل: ج 11/182.
3- جواهر الكلام: ج 33/64.

اعتبار العلم، فمقتضى إطلاقه صحّة الرجوع في الفرض.

فإن قيل: إنّه يقيّد إطلاقه بالخبرين الآخرين.

قلنا: إنّهما لا يدلّان على عدم جواز الرجوع في غير موردهما، فلا مفهوم لهما كي يقيّد به إطلاق الخبر، ومنطوقهما لا ينافيانه.

وأمّا قاعدة لا ضرر: التي استدلّ بها في المقام لعدم صحّة الرجوع، فممنوعة ويرد عليها:

أوّلاً: إنّ جواز رجوعها لا يكون ضرريّاً واقعاً، لجواز رجوعه حينئذٍ واقعاً.

وثانياً: إنّه يمكن له أن يدفع الضَّرر بأن يرجع إليها في آخر زمان العِدّة احتمالاً، فإنْ كانت راجعة فيما بذلت عادت إلى الزوجيّة، وإلّا فيقع لغواً.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو جواز رجوعها مع جهله أيضاً.

المورد الثالث: لو رجعت المرأة في البذل، وصارت العِدّة رجعيّة بعد أن كانت بائنة قبل ذلك، فهل يترتّب عليها أحكام العِدّة الرجعيّة كوجوب النفقة، والسُكنى، وتجديد عِدّة الوفاة لو مات في هذه العِدّة ونحو تلكم أم لا؟ قولان:

استدلّ للثاني: بأنّها ابتدأت على البينونة وسقط هذه الأحكام، فعودها بعد ذلك يحتاج إلى دليل، والأصل يقتضي استصحاب الحكم السابق، ولا يلزم من جواز رجوعه على هذا الوجه كونها رجعيّة مطلقاً، لجواز أن يراد بالرجعيّة ما يجوز للّزوج الرجوع فيها مطلقاً، بل عن «المسالك»(1) هو الظاهر.

أقول: لكن يمكن أن يستدلّ للأوّل بوجهين:7.

ص: 379


1- مسالك الأفهام: ج 9/427.

الوجه الأوّل: إنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام في صحيح ابن بزيع: «وتكون إمرأته» ذلك، فإنّه إن لم نقل بعودها إلى الزوجيّة كما في الرجعيّة من الأوّل، حيث عرفت أنّها زوجته ما لم تنقض العِدّة، فلا كلام في أنّ مقتضى إطلاق التنزيل منزلتها، ترتّب جميع الأحكام المترتّبة على الزوجة عليها.

الوجه الثاني: إنّه قد حكم الشارع الأقدس بترتّب أحكامه على العِدّة الرجعيّة، أي على المرأة ما دامت فيها، فمقتضى ما دلّ على أنّها تصير رجعيّة برجوعها في البذل، ترتّب تلك الأحكام، وليس في أدلّتها ما يوجب التقييد بالرجعيّة من الأوّل.

وعليه، فالقول الأوّل هو الأظهر.

تزويج اُخت المختلعة في العِدّة

المورد الرابع: ويدور البحث فيه عن جواز نكاحين:

1 - هل يجوز للرّجل أن يتزوّج اُخت الزوجة التي خَلَعها؟

2 - وأيضاً هل يجوز له أن يتزوّج برابعة وهو في العِدّة، أم لا؟

وجهان بل قولان:

يشهد للأوّل فيهما: ما دلّ على الجواز في العِدّة البائنة ومنها المقام، وفي خصوص اُخت الزوجة، صحيح أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجل اختلعت منه إمرأته أيحلّ أن يخطب اُختها من قبل أن تنقضي عِدّة المُختلعة ؟

قال عليه السلام: نعم قد بَرأت عصمتها منه، وليس له عليها رجعة»(1).

واستدلّ للثاني:

ص: 380


1- الكافي: ج 6/144 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/270 ح 28569.

ولا توارث بينهما في العِدّة.

1 - بأنّه عقدٌ متزلزل في حكم الرجعي.

2 - وبأنّه على تقدير تقدّم ذلك ثمّ رجوعها يصير جامعاً بين الاُختين، وأزيد من العَدد.

ويرد الأوّل: أنّه لا تزلزل فيه بعد كونه بائناً، وإمكان صيرورة الطلاق رِجعيّاً بعد رجوعها، لا يمنع من ترتّب أحكام البينونة قبل الرجوع.

ويرد الثاني: ما سيجيء من عدم جواز الرجوع بعد التزويج.

فرع: هل لها الرجوع فيما بذلت، باعتبار كون المانع من رجوعه من قِبله، مع أنّه يتمكّن منه أيضاً ولو بتطليق الاُخت مثلاً بائناً؟

أم لا يجوز لها الرجوع ؟

أم يفصّل بين صورة إمكان رجوعه فيجوز لها الرجوع، وإلّا فلا يجوز؟

وجوهٌ أقواها الأخير، على القول بعدم جواز رجوعه، لاستلزامه الجمع بين الاُختين وبين الخمسة، لما تقدّم من التلازم بين جواز رجوعه وجواز رجوعها.

(و) المورد الخامس: هو أنّه (لا توارث بينهما في العِدّة) فلو ماتَ أحد المختلعين في العِدّة، لم يرثه الآخر، إلّاإذا رجعت في البذل:

1 - لانقطاع العِصمة بينهما.

2 - ولحسن حمران، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«وأمّا الخُلع والمباراة فإنّه يلزمها... إلى أن قال: ولا ميراث بينهما في العِدّة»(1).3.

ص: 381


1- التهذيب: ج 8/99 ح 13، وسائل الشيعة: ج 22/291 ح 28623.

3 - ولعموم العِلّة في حَسَنه الآخر، عن الباقر عليه السلام: «المباراة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما، لأنّ العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج»(1).

ومقتضى إطلاق الحسن الأوّل وإنْ كان عدم التوارث في العِدّة حتّى لو رجعت في البذل، إلّاأنّه يتعيّن تقييده بمفهوم العِلّة.

4 - وبصحيح محمّد بن إسماعيل المتقدّم، الدالّ على تنزيلها منزلة الزوجة لو رجعت في البذل، والنسبة بينهما وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّاأنّه يقدم هذا للشهرة وغيرها.

ويمكن أن يقال: إنّ الحسن حيث إنّه رتّب فيه عدم التوارث على كون الخُلع تطليقة بائنة لارجعة له عليها، فظاهره عدم التوارث ما دام كونه كذلك، فلو انقلب إلى الرجعي لا يكون له هذا الحكم، وعليه فلا إشكال في التوارث مع صيرورته رجعيّاً.

الرجوع ببعض ما بذلت

المورد السادس: في رجوع المرأة ببعض ما بذلت أقوال:

1 - عدم الجواز، اختاره سيّد «المدارك»(2)، ومال إليه جَدّه(3).

2 - الجواز مع جواز رجوع الزوج في الزوجيّة، قوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(4).

ص: 382


1- التهذيب: ج 8/102 ح 24، وسائل الشيعة: ج 22/296 ح 28638.
2- نهاية المرام: ج 2/141.
3- مسالك الأفهام: ج 9/429.
4- جواهر الكلام: ج 33/67.

3 - جواز رجوعها دونه.

واستدلّ للأوّل أوّلاً: بأنّ جوازه يقتضي صيرورة الطلاق رِجعيّاً، وإنّما يصير رجعيّاً إذا لم يشتمل على عوض، والعوض باقٍ في الجملة إذ لا فرق فيه بين القليل والكثير.

وثانياً: بصحيح ابن بزيع المتقدّم، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام: «وإنْ شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون إمرأته فعلت»، هو اعتبار رَدّ الجميع لأنّ (ما) من صيغ العموم، فلا يترتّب عليه الحكم بالبعض.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ العوض إنّما هو المجموع لا البعض الباقي وإن كان صالحاً لجعله عوضاً ابتداءً بوقوع الخُلع عليه، لكن المفروض وقوع الخلع على المجموع المنتفي بانتفاء البعض، فلا يلزم الجمع بين العوض والمعوّض، مع أنّه إذا رجعت هي في البعض يكون ذلك بحكم اسقاط البعض الباقي والإبراء منه، إذ لا يجب عليها أخذه، بل لها إسقاط الجميع.

أضف إليه: أنّ النصوص تدلّ على جواز رجوعها في البعض، فلا مورد لهذا الوجه، وليس إلّااجتهاداً في مقابل النّص:

لاحظ قوله عليه السلام في موثّق أبي العبّاس: «إنْ رَجَعت في شيء من الصلح - يعني البذل - يقول: لأرجعنّ ».

وقوله عليه السلام في صحيح ابن سنان المتقدّم: «وينبغي له أن يشترط عليها كما يشترطه صاحب المباراة، وإنْ ارتجعت في شيء ممّا أعطيتني فأنا أملَكْ ببُضعك»، المعلوم منه إرادة استحباب اشتراط مقتضى الخُلع فيه.

ص: 383

وأمّا الوجه الثاني: فيدفعه أنّه لا يدلّ على الحصر، بل غاية مدلوله كون ما تضمّنه أحد الأفراد، وهذا لا ينافي ثبوت فردٍ آخر له.

وعليه، فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على جواز رجوعها، وأنّ له حينئذٍ الرجوع، وعلى فرض رجوعه، عليه أن يردّ البعض الباقي، لما ورد في ذيل صحيح ابن سنان المتقدّم من قوله عليه السلام: «فيردّ عليها ما أخذ منها».

أقول: وبما ذكرناه ظهر ضعف ما استدلّ به للقول الثالث، بأنّ البذل جائز من جهتها، فلها الرجوع إلى الكلّ وإلى البعض، ولكن لا يجوز له في الفرض الثاني الرجوع، لأنّ بقاء شيء من العوض مانعٌ من رجوعه.

المورد السابع: مقتضى إطلاق الأخبار أنّه إذا رجعت المُختلعة في البذل، أصبح الطلاق رِجعيّاً، وإنْ كان الخُلع بصيغته من دون أن يتبع بالطلاق.

ودعوى: أنّه يلزم منه وقوع الطلاق بغير صيغة (طالق)، وقد دلّت النصوص على حَصر ما يقع به الطلاق فيها.

مندفعة: بأنّ النسبة بين هذه النصوص وبين تلك الأخبار عمومٌ من وجه، لشمول هذه لما إذا كان الخُلع واقعاً مع صيغة الطلاق وبدونها، وشمول تلك الأخبار للخُلع وغيره، ولكن تقدّم نصوص الباب للأشهريّة.

أقول: وبذلك يظهر ضعف ما في «الجواهر»(1) من أنّه:

(لو لم يكن إجماعاً منهم، لأمكن القول هنا أيضاً بأنّه إنْ كانت الصيغة هنا بلفظ (خلعتُ ) و (رجعتُ في البذل) فَسَد الخُلع من أصله، وعادت الامرأة إمرأة له8.

ص: 384


1- جواهر الكلام: ج 33/68.

بلا رجوع منه)، انتهى .

وأضعف منه تنزيل صحيح ابن بزيع عليه، لما عرفت من أنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة، والصحيح يدلّ على ذلك، أو يكون لبيان فردٍ تنزيلي لها بلسان الحكومة وشاهده، مضافاً إلى ظهوره شموله لما إذا كانت الصيغة بلفظ الطلاق.

***

ص: 385

ولو بانت الفِدية مستحقّة، قيل: يبطل الخُلع.

ولو كانت فدية المُسلم خمراً، فإن اتبع بالطلاق كان رجعيّاً.

ولو خالعها على ألفٍ ولم يعيّن بَطَل.

ولو خالع على خَلٍّ فبانَ خَمراً صَحّ ، وله بقدره خَلٌّ .

فروع الخُلع

المسألة الثالثة: ويدور البحث فيها عن جملةٍ من الفروع الظاهر حكمها ممّا سبق.

الفرع الأوّل: (ولو بانت الفدية مستحقّةً قيل يبطل الخُلع) كما قيل فيما لو خالعها على خَلّ بزعمها فبانَ خمراً.

أقول: قد عرفت تفصيل القول فيه في بحث الفدية، وبيّنا أنّ الخُلع لا يصحّ قطعا، وحينئذٍ إنْ كان ذلك بصيغه الطلاق أو اتبع بها، وقع الطلاق رِجعيّاً، وإلّا بطل رأساً، وما ذكرناه يجري في المقام، كما ذكره الشهيد الثاني(1) حيث قال في ذيل ذلك الفرع: (ولو ظهر مستحقّاً لغيره، فالحكم فيه مع العلم والجهل كما فصّل).

(و) بالجملة: ما ذكره فيما (لو كانت فدية المُسلم خمراً) قال (فإن اتبع بالطلاق كان رِجعيّاً) جارٍ في هذا الفرع.

الفرع الثاني: (ولو خالعها على ألفٍ ولم يُعيّن) حتّى في القصد، (بَطَل)، لما مرَّ من اعتبار التعيين بهذا المعنى .

الفرع الثالث: (ولو خالعها على خَلٍّ ) بزعمهما (فبانَ خمراً، صَحّ وله بقدره خَلّ ) على المشهور.

ص: 386


1- مسالك الأفهام: ج 9/391.

ولو طلّق بفديةٍ كان بائناً، وإنْ تجرّد عن لفظ الخُلع.

ولو قالت: (طلّقني بكذا) كان الجواب على الفور، فإنْ تأخّر فلا فدية، وكان رجعيّاً.

أقول: قد مرَّ في مبحث الفدية(1) أنّ حكم صورة الجهل، حكم صورة العلم من غير فرقٍ بينهما.

الفرع الرابع:

(ولو طلّق بفديةٍ ) مع الكراهة من الزوجة (كان بائناً، وإنْ تجرّد عن لفظ الخُلع) كما تقدّم في المسألة الثالثة من المقام الأوّل(2).

الفرع الخامس:

(ولو قالت طلّقني بكذا، كان الجواب على الفور، فإنْ تأخّر فلا فدية وكان رجعيّاً) على المشهور، وبيّنا ما هو المختار عندنا في المسألة الرابعة من المقام الأوّل.

الفرع السادس:

لو خالعها وشَرَط الرجوع لم يصحّ الشرط، لكونه مخالفاً للكتاب والسُّنةد.

ص: 387


1- صفحة 350 من هذا المجلّد.
2- صفحة 344 من هذا المجلّد.

الدالّين على كونه طلاقاً بائناً.

وهل يبطل الخُلع كما عن الشهيد الثاني رحمه الله(1)، أم لا يبطل كما عن الحِلّي(2)؟

وجهان مبنيّان على أنّ الشرط الفاسد يُفسِدُ العقد أم لا يُفسده، وحيث أنّ المختار هو الثاني - كما حُقّق في كتاب البيع(3) - فما أفاده الحِلّي أظهر.

وكذا يبطل الشرط لو طلّق بشرط العوض، لعدم لزوم الوفاء بالشرط إلّاما كان منه في ضمن العقد أو ما يشبهه كالخُلع، والشرطُ في ضمن الإيقاع كالشرط الابتدائي لا يجبُ الوفاء به، هذا مع عدم الكراهة من الزوجة، وإلّا فيصحّ خُلعاً إن قبلت الزوجة العِوض كما مرَّ.

الفرع السابع:

قال المصنّف في «المختلف»(4) على ما حُكي: (لو خالع المريض لم ترثه الزوجة في العِدّة)، وعلّله بانتفاء التّهمة.

أقول:

قد مرَّ تفصيل القول في ذلك في الفرع الرابع من المسألة الثالثة من مسائل الفصل الثاني، وبيّنا أنّ الأظهر أنّها ترثه.9.

ص: 388


1- مسالك الأفهام: ج 9/430.
2- كما هو ظاهر الحِلّي في السرائر: ج 2/725.
3- فقه الصادق: ج 26/268.
4- مختلف الشيعة: ج 7/399.

الفرع الثامن:

نَقَل المصنّف رحمه الله عن الصدوق(1) أنّه قال في المختلعة:

(ولا تخرج من بيتها حتّى تنقضي عِدّتها، وإذا طلّقها فليس لها متعة، ولا نفقة، ولا سُكنى .

ثمّ اعترضه، فقال: (والجمع بين الكلامين مشكلٌ ، والوجه أنّ لها الخروج لأنّه طلاقٌ بائن)(2)، انتهى .

أقول:

ويدلّ على عدم ثبوت السُكنى لها ولا النفقة الخبر الصحيح الذي رواه رفاعة عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المختلعة ألَها سكنى ونفقة ؟

قال عليه السلام: لا سكنى لها ولا نفقة»(3).

ونحوه غيره.

مضافاً إلى أنّ الطلاق بائن، وليس للمطلّقة في عِدّته نفقة ولا سُكنى كما تقدّم.

وأيضاً:

استدلّ لما ذهب إليه الصدوق بروايات:

منها:

صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عِدّة المبارئة والمختلعة والمخيّرة1.

ص: 389


1- المقنع: ص 349.
2- مختلف الشيعة: ج 7/400.
3- الفقيه: ج 3/523 ح 4822، وسائل الشيعة: ج 22/300 ح 28651.

عِدّة المطلّقة، ويعتددن في بيوت أزواجهن»(1).

ومنها:

خبر زرارة، عنه عليه السلام: «عن عِدّة المختلعة كم هي ؟

قال عليه السلام: عِدّة المطلّقة، ولتعتدّ في بيتها، والمبارئة بمنزلة المختلعة»(2).

ومثله خبر(3) داود بن سرحان عنه عليه السلام.

وحَمَل المجلسي قدس سره(4) النصوص الأخيرة على الاستحباب، قال: (وإن كان القول بظاهرها لا يخلو عن قوّة).

وفيه:

أنّها معارضة مع النصوص الأول، والجمع بما اُفيد ليس عرفيّاً، والعمل بظاهرها لا وجه له.

وحملها المحدّث الكاشاني(5) على التقيّة.

أقول:

أمّا صحيح أبي بصير، فحمله على التقيّة في محلّه، لاشتماله على المخيّرة، ولا نقول بالتخيير، وأمّا النصوص الاُخر فهي تدلّ على أنّها تعتدّ في بيتها لا في بيت زوجها، والفرق واضح، مع أنّ شيئاً منها لا يدلّ على عدم جواز خروجها، ولو دلّت8.

ص: 390


1- التهذيب: ج 8/136 ح 74، وسائل الشيعة: ج 22/298 ح 28644.
2- التهذيب: ج 8/136 ح 71، وسائل الشيعة: ج 22/298 ح 28643.
3- التهذيب: ج 8/136 ح 72، وسائل الشيعة: ج 22/297 ح 28641.
4- ملاذ الأخيار: ج 13/270.
5- الوافي: ج 23/1257-1258.

النصوص على شيء فهو ثبوت السكنى لها، فتعارض حينئذٍ مع النصوص المتقدّمة، والترجيح معها فتُقدّم.

وبالجملة:

الأظهر أنّه يجوز خروجها.

***

ص: 391

المباراة

وأمّا المباراة: فهي في اللّغة بمعنى المفارقة، وفي الاصطلاح هي طلاقٌ بعوضٍ مترتّب على كراهية كلّ من الزوجين صاحبه، ولها أحكام مختصّة بها، وأحكام تشارك الخُلع فيها، وهي قسمٌ من أقسام الخُلع كما صرّح به غير واحدٍ، ولذا رتّبوا عليها أحكام الخُلع، بل هو مقتضى استدلالهم بآية الفدية على الخُلع.

ويشهد به: ما ورد في سبب نزولها مع أنّها في المباراة، وإنّما اختصّت باسمٍ خاصّ ، لترتّب أحكامٍ خاصّة على هذا القسم من الخُلع(1).

أقول: وكيف كان، فلابدّ أوّلاً من نقل النصوص الخاصّة الواردة فيها، ثمّ بيان الأحكام المختصّة بها، والمشتركة بينها وبين الخُلع بالمعنى الأخصّ .

أمّا الأخبار: فهي عديدة:

منها: موثّق سماعة، قال: «سألته عن المباراة كيف هي ؟

فقال عليه السلام: تكون للمرأة شيءٌ على زوجها من مَهرٍ أو من غيره، ويكون قد أعطاها بعضه، فيكره كلّ واحدٍ منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها: ما أخذتُ منكَ فهو لي وما بقي عليكَ فهو لك واُبارئك، فيقول الرّجل لها: فإنْ أنتِ رجعتِ في شيء ممّا تركتُ فأنا أحقُ ببُضعك»(2).

ورواه الشيخ عنه في الموثّق، عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن إمرأةٍ قالت لزوجها: لكِ كذا وكذا وخَلّ سبيلي ؟

ص: 392


1- سورة البقرة: الآية 229.
2- الكافي: ج 6/142 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/294 ح 28633.

فقال عليه السلام: هذه المباراة»(1).

ومنها: صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام: «المباراة، تقول المرأة لزوجها: لكَ ما عليك واتركني، أو تجعل له من قِبلها شيئاً فيتركها، إلّاأنّه يقول: فإنْ ارتجعتِ في شيء فأنا أملَكُ ببُضعِك، ولا يَحلّ لزوجها أن يأخذ منها إلّاالمَهر فما دونه»(2).

ومنها: موثّق ابن سنان، عنه عليه السلام: «المباراة، تقول لزوجها: لكَ ما عليكَ وبارئني، فيتركها.

قال قلت: فيقول لها إنْ ارتجعتَ في شيء فأنا أملَكَ ببُضعك ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

وروى الصدوق رحمه الله مثله في الصحيح عن الحلبي عنه عليه السلام، ثمّ قال: (ورُوي أنّه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر من مَهرها، بل يأخذ منها دون مهرها)(4).

ومنها: خبر الكناني، عنه عليه السلام: «إنْ بارأتْ إمرأةٌ زوجها فهي واحدة، وهو خاطب من الخطّاب»(5).

ومنها: خبر إسماعيل الجُعفي، عن أحدهما عليهما السلام: «المباراة تطليقة بائن وليس فيها رجعة»(6).

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «المبارئة يؤخذ منها دون الصداق، والمُختلعة يؤخذ منها ما شئتَ ... الحديث»(7).0.

ص: 393


1- الكافي: ج 6/142 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/288 ح 28612.
2- الكافي: ج 6/143 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/295 ح 28634.
3- الكافي: ج 6/143 ح 6، وسائل الشيعة: ج 22/295 ح 28635.
4- الفقيه: ج 3/519 ح 4816، وسائل الشيعة: ج 22/294 ح 28632.
5- الكافي: ج 6/142 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/296 ح 28636.
6- التهذيب: ج 8/101 ح 22، وسائل الشيعة: ج 22/296 ح 28637.
7- الكافي: ج 6/142 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/287 ح 28610.

وشروط المباراة كالخُلع، إلّاأن الكراهية منهما.

ومنها: موثّق جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق»(1).

ومنها: خبر حمران، عن مولانا الباقر عليه السلام: «المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاقٍ ، ولا ميراث بينهما، لأنّ العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج»(2).

ومنها: خبر زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «لا مباراة إلّاعلى طُهرٍ من غير جماعٍ بشهود»(3).

ومنها: خبرهما الآخر، عن مولانا الصادق عليه السلام: «المباراة تطليقة بائن وليس فيها رجعة»(4).

أقول: وفي المقام رواياتٌ اُخر تقدّمت جملةٌ منها في الخلع، نشير إليها في ضمن المباحث الآتية، وجملةٌ أُخرى منها ضعيفة السند، أغمضنا عن ذكرها، وبعضها لايكون مستفاداً منه حكمٌ من الأحكام اللّزومية مثل ما دلّ على عدم لزوم كونها عند السلطان(5).

(و) تنقيح القول في المقام في ضمن مسائل:

المسألة الأُولى : في شروط المباراة:ة.

ص: 394


1- التهذيب: ج 8/102 ح 25، وسائل الشيعة: ج 22/296 ح 28639.
2- التهذيب: ج 8/102 ح 24، وسائل الشيعة: ج 22/296 ح 28638.
3- التهذيب: ج 8/102 ح 26، وسائل الشيعة: ج 22/292 ح 28626.
4- التهذيب: ج 8/102 ح 23، وسائل الشيعة: ج 22/292 ح 28625.
5- وسائل الشيعة: ج 22/301 باب 14 من كتاب الخلع والمباراة.

قال المصنّف رحمه الله: (شروط المباراة كالخُلع، إلّاأنّ الكراهية منهما).

أمّا شروط الخالع: فاعتبارها في الخُلع كان بمقتضى القواعد، ولأنّ الخلع من أقسام الطلاق، وهما يقتضيان اعتبارها في المبارئ.

وأمّا شروط المختلعة:

فاعتبارها كان باعتبار أنّ الخُلع طلاقٌ ، مضافاً إلى نصوص خاصّة، وهما يقتضيان اعتبارها في المبارئة، لأنّ المباراة كالخُلع من أقسام الطلاق، والنصوص الخاصّة في الخلع مشتملة على المباراة أيضاً فراجعها، أضف إليها الخبر الحادي عشر. وبذلك يظهر حال الشروط الاُخر، كاعتبار الإشهاد، والتجريد عن الشرط، وما شاكل.

وأمّا اعتبار كون الكراهية فيها من الطرفين، فهو مقطوعٌ به في كلامهم، ويشهد به الخبر الأوّل.

ثمّ إنّه بناءً على ما اخترناه في الخُلع من كفاية مطلق الكراهة، الحكم في المقام واضحٌ ، وأمّا على القول باعتبار شيء زائدٍ عليها، فيمكن أن يقال بكفاية مطلقها في المقام، كما هو ظاهر الأصحاب جميعاً، حيث لم يتعرّضوا هنا لاعتبار ذلك، وإنْ كان من الجائز أنّ عدم تعرّضهم لذلك من جهة أنّهم يرون المباراة من أقسام الخُلع، فلا يرون حاجةً إلى الإعادة، لما في ذيل صحيح زرارة وهو الخبر الثامن، وإنّما صارت المبارئة يؤخذ منها ما شاء، لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام، وتتكلّم ما لا يَحِلّ لها، فإنّه يدلّ على عدم اعتبار التعدّي في الكلام فيها.

صيغة المباراة

المسألة الثانية: في صيغتها:

ص: 395

وصورتها: (بارأتُكِ بكذا فأنتِ طالق).

ففي المتن (وصورتها: بارأتُكِ بكذا فأنتِ طالق).

الكلام في أنّه هل يعتبر أن تكون بلفظ (بارأتكِ )، وأنّه لو قال (فاسختكِ ) أو (أبّنتك) أو غيره من الألفاظ لم تصحّ؟

أم لا يعتبر ذلك بل يكفي كلّ لفظٍ يفيد هذا المعنى ؟

أقول: الكلام هنا هو الكلام في الخُلع، فقد عرفت عدم اعتبار لفظٍ خاصّ ، وأمّا اعتبار اتّباع المباراة بالطلاق، وأنّه لا يعتدّ بها دونه، فهو المشهور، ونصوص الباب ما بين مصرّح بعدم اعتباره، كموثّق جميل، وخبر حمران، وصدر صحيح ابن بزيع المتقدّم في الخُلع، وبين ظاهرٍ في ذلك كبقيّة النصوص، وليس في شيء منها ما يدلّ على اعتبار الاتباع بالطلاق، وقد صارت هذه عويصة على جمعٍ من الأساطين:

أمّا الشيخ الطوسي رحمه الله(1): فقد حمل ما دلّ صريحاً على عدم الاعتبار على التقيَّة.

ويرد عليه: ما أورده الشهيد الثاني(2) من أنّ المباراة لا يستعملها العامّة، ولا يعتبرون فيها ما يعتبره أصحابنا، بل يجعلونها من جملة كنايات الخُلع أو الطلاق، وحينئذٍ فكيف يَتمُّ حَمل ما ورد من أحكامها على التقيّة.

وقد ناقش الشهيد رحمه الله نفسه في هذا الإجماع ولم يُسلّمه في أمثال المقام.

أقول: ولكن يردّه حينئذٍ أنّ الإجماع أو الشهرة العظيمة على خلاف ما دلّ عليه النصوص الصحيحة، غير المعارضة بشيء، المخالف للقاعدة، حيث عرفت4.

ص: 396


1- التهذيب: ج 8/102 في ذيل ح 25، الإستبصار: ج 3/319 في ذيل ح 4.
2- مسالك الأفهام: ج 9/454.

أنّها من أقسام الخُلع، وقالوا: لا يعتبر ذلك فيه، لا يمكننا عدم الاعتناء به، كيف والفقهاء ملتزمون بعدم الإفتاء إلّابما ثبت لهم من الأدلّة الشرعيّة المعتبرة، وهذه الروايات بمرأى منهم ومسمع، ولم يعملوا بها.

أمّا صاحب «الجواهر»:(1) فقد حمل نصوص الباب على ما إذا وقع المباراة بصيغة الخُلع، وقال: (إنّ فتوى الأصحاب إنّما هي فيما إذا كانت بغير صيغة الخلع، بل وقعت بالكنايات).

ويرد عليه أوّلاً: إنّ صيغة المباراة كالخُلع صريحة في الفراق بحسب المعنى الشرعي، وعدم كونها إيقاعاً جديداً بل قسماً من الخُلع، لا ينافي ذلك بعد كون هذا القسم من الخُلع له أحكام خاصّة، واسمٌ مخصوص يشتقّ له من لفظه، كما يشتقّ للخُلع صيغة من لفظه، مع أنّه قسمٌ من أقسام الطلاق.

وثانياً: إنّه قد تقدّم في باب الخُلع وقوعه بالكنايات الظاهرة فيه بحسب القرائن أيضاً.

وربما يقال: إنّ صحيح ابن بزيع المتقدّم: «سألتُ أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن المرأة تُباري زوجها، أو تختلع منه بشهادة شاهدين، على طُهرٍ من غير جماع، هل تبين منه بذلك، أو تكون إمرأته ما لم يتبعها بالطلاق ؟

فقال عليه السلام: تبين منه، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها، وتكون إمرأته فعلت.

فقلت: فإنّه رُوي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق ؟

قال عليه السلام: ليس ذلك إذا خَلَع.1.

ص: 397


1- جواهر الكلام: ج 33/91.

فقلت: تبين منه ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

بناءً على ما تقدّم من أن الظاهر كون الكلمة هي خَلَعَ - بفتح الثلاثة - ويكون إذا شرطيّة، يدلّ على اعتبار الاتباع بالطلاق، فإنّه يفهم منه أن عدم اشتراط الاتباع بالطلاق المشار إليه بذلك مخصوصٌ بالخلع، ومفهومه ثبوته في المباراة المسؤول عنها أيضاً، وإلّا لما كان لتخصيص النفي بالخُلع وجهٌ أصلاً.

وأورد عليه: بأنّ صدره ينافي ذلك للحكم فيه بالبينونة فيهما بدون الاتباع.

أقول: ويمكن ردّه بأنّ استفادة البينونة من الصدر بدون الاتباع بالطلاق فيهما تكون متوقفة على عدم إلحاق الإمام عليه السلام بكلامه ما يظهر منه الاختصاص بالخُلع، وفي الخبر وإنْ لم يلحق هو بنفسه، إلّاأنّه يمكن أن يكون ذلك من جهة سؤال الراوي، ثمّ بيانه عليه السلام فلا إشكال فيه، مع أنّه يصرّح الراوي بورود روايةٍ باعتبار الاتباع به، والإمام عليه السلام يقرّره عليه، ولكن يقول إنّه في غير الخُلع، وليس إلّاالمباراة.

وعليه، فخبران صحيحان يدلّان على اعتبار الاتباع بالطلاق في المباراة، ومن الواضح أنّ نصوص الباب لا تصلح، لأنّ تعارضهما إمّا غير الصريح منها فواضح، وإمّا الصريح فلأرجحيّة الخبرين من وجوه لا تخفى .

وبالجملة: فالأظهر اعتبار الاتباع بالطلاق في المباراة.

ثمّ إنّ الكلام في أنّه هل يصحّ إيقاع المباراة بصيغة الطلاق بعوضٍ ، هو الكلام في الخلع، كما أنّ الكلام في اعتبار قصد هذا العنوان وعدمه، هو ما ذكرناه في الخُلع، فلا نعيد.7.

ص: 398


1- التهذيب: ج 8/98 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22/286 ح 28607.

وهي بائنٌ ما لم ترجع في البذل في العدَّة.

المباراة تطليقة بائنة

المسألة الثالثة: إذا تحقّقت المباراة الجامعة للشرائط، يقع الطلاق البائن، (وهي) أي المباراة، طلاقٌ (بائنٌ ) بلا خلافٍ ولا إشكال (ما لم ترجع في البذل في العِدّة)، فإذا رجعت صار الطلاق رجعيّاً، وللمرأة الرجوع متى شاءت، بلا خلافٍ يعتدّ به في شيء من ذلك.

أقول: ويشهد بكونها طلاقاً بائناً - مضافاً إلى ما تقدّم في الخُلع - أخبار الكناني والجُعفي وحمران وغيرها ممّا تقدّم. كما يشهد على جواز رجوعها في البذل صحيحا أبي بصير، والحلبي، وموثّقا سماعة وابن سنان المتقدّمة.

قيل: إنّ المعتبر اشتراط الرجوع، وإلّا فلا يجوز لها الرجوع.

ويرده: صحيحا أبي بصير والحلبي والموثّقان التي استند إليها لهذا القول، إذ ليس فيها سوى اشتراط الزوج رجوعه في البُضع لو رجعت في البذل، وهو غير اشتراطها الرجوع في البذل، بل ظاهرها جواز رجوعها مطلقاً، ولو مع عدم اشتراطها، وعدم الرّضا من الزوج أصلاً، كما هو المشهور بين الأصحاب.

نعم، الأولى أن يشترط الزوج الرجوع في البُضع إنْ رجعت في البذل، للأمر به في النصوص، المحمول على الاستحباب، لإتّفاقهم على عدم لزوم ذلك، والنصوص المتقدّمة شاهدة أيضاً بجواز رجوعه إذا رجعت.

ثمّ إنّ الكلام في أنّه هل يجوز لها الرجوع حتّى فيما ليس للّزوج الرجوع، وغير ذلك من فروع المسألة، هو الكلام في الخُلع.

ص: 399

ولا يَحِلّ له الزائد على ما أعطاها.

المسألة الرابعة: (ولا يحلّ له الزائد على ما أعطاها) اتّفاقاً.

ويشهد به: صحيحا أبي بصير وزرارة وغيرهما المتقدّمة.

أقول: إنّما الخلاف في أنّه هل يجوز له أخذ المَهر كلّاً كما عن المشهور، أم لابدّ وأن يأخذ ما دون المَهر كما عن الصدوقين(1) والعُمّاني(2)؟ وجهان:

يشهد للأوّل صحيح أبي بصير، وللثاني صحيح زرارة.

والشهيد الثاني رحمه الله عَمِل بالأوّل، وقال: (لكون خبر زرارة مقطوعاً)(3).

ويردّه: أنّه وإنْ كان مقطوعاً في «التهذيب»، إلّاأنّه متّصلٌ في «الكافي» كما نقلناه.

وسبطه(4) عَمل بالثاني لطعنه في الأوّل باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره.

ويرده: أنّه بقرينة كون الراوي عنه هنا عبداللّه بن مسكان، يكون هو ليث المرادي الثقة الجليل، ولذا وصفه جَدّه بالصحّة، كما وصفناه بها تبعاً له ولغيره.

وعليه، فالخبران متعارضان فإنْ أمكن حمل صحيح زرارة على الاستحباب، وكان ذلك جمعاً عرفيّاً، أو حمله على إرادة المَهر فما دونه فهو، وإلّا فيقدّم خبر أبي بصير للشهرة.7.

ص: 400


1- فقه الرّضا: ص 245، المقنع: ص 349.
2- حياة ابن أبي عقيل العُمّاني: ص 490.
3- مسالك الأفهام: ج 9/458.
4- نهاية المرام: ج 2/147.

فالأظهر أنّ له أن يأخذ المَهر كُلّاً.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ المباراة تشترك مع الخُلع في الأحكام إلّافي ثلاثة:

أحدها: اعتبار الكراهة من الطرفين فيها، واعتبار الكراهة منها خاصّة في الخُلع.

ثانيها: إنّه يأخذ في المباراة المَهر وما دونه، وفي الخلع له أن يأخذ ما تراضيا عليه، وإنْ كان أكثر من المَهر.

ثالثها: إنّه يعتبر فيها اتباع صيغة المباراة بصيغة الطلاق، ولا يعتبر ذلك في الخلع، واللّه العالم.

والحمد للّه أوّلاً و آخراً وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

***

ص: 401

ص: 402

فهرس الموضوعات

كتاب الفراق 7

الطلاق 7

اعتبارُ العَقل في المطلّق 13

اعتبار الاختيار في المُطلِّق 16

حكم الإكراه مع إمكان التفصّي 19

الصُّور التي يرتفع عنها ظهور الكراهة في المطلِّق 22

الإكراه على طلاق إحدى الزوجتين وتطليقهما 25

لو اُكره على الطلاق فطلّق ناوياً 27

صور تعلّق الإكراه 32

اعتبار القصد 36

جواز الوكالة في الطلاق 42

لا يجوز طلاق ولي الصغير عنه 46

اعتبار كون المطلّقة زوجة بالعقد الدائم 51

يشترط في المطلّقة أن تكون طاهرة 55

جواز طلاق الحائض والنفساء إذا كان الزوج غائباً 58

حكمُ ما إذا تبيّن بعد الطلاق كونها طامثاً 64

لو طلّق الغائب فتبيّن أنّها في النفاس 68

لو خَرَج إلى السَّفر في طُهرٍ لم يواقعها فيه 69

طلاق المحبوس عن زوجته 72

اعتبار وقوع الطلاق في طهرٍ لم يَقربها فيه 75

ص: 403

اعتبار التعيين 81

صيغة الطلاق 86

اعتبار العربيّة في صيغة الطلاق 94

الطلاق بالكتابة 96

طلاق الأخرس 102

تفويض الطلاق إلى الزوجة 104

الطلاق المُعلّق على الشرط 110

حكم تفسير الطَلْقة باثنتين أو الثلاث 112

حكم طلاق المخالفين 121

الإشهاد 127

يعتبر العدالة في الشاهدين 131

عدم اعتبار العلم بالمطلَّقة في الشهادة على الطلاق 134

الفصل الثاني 139

في أقسام الطلاق 139

أقسام طلاق السُّنة 140

طلاق العِدّة 144

اختصاص الحرمة الأبديّة في التاسعة بالطلاق العِدِّي 145

الطلقات الثلاث الموجبة للتحريم 149

طلاق الحامل ورجوعها 154

طلاق الحائل ورجوعها 161

المُحلّل وما يعتبر فيه 167

اعتبار الوطء في زوال الحرمة 169

اعتبار دوام العقد 172

ص: 404

المُحلِّل يهدم الطلقة والثنتين كما يَهدمُ الثلاث 174

حجيّة قول المرأة في التزويج ومضيّ العِدّة 180

حكم اختلاف المُحلّل والمراة في الإصابة وعدمها 183

حكم وطء المحلّل محرّماً 185

الرَّجعة تقع بالقول والفعل 188

إنكار الطلاق رجوعٌ 193

لا يجب الإشهاد في الرَّجعة 194

في كيفيّة رجوع الأخرس 195

قبول قول المرأة بانقضاء العِدّة 198

ادّعاء الزوج الرجوع في العِدّة 204

طلاق المريض 208

المطلّقة ترث في حال المرض 216

نكاح المريض 222

الفصل الثالث 225

في العدد 225

لا عِدَّة على الصغيرة واليائسة 226

لا عِدّة على مَنْ لم يدخل بها 234

تعتدّ المستقيمة الحيض بالأقراء 242

عِدّة ذات الشهور 250

عِدّة من تحيض في كلّ ثلاثة أشهر أو أزيد مرّة 256

عِدّة المسترابة بالحمل 260

عِدّة غير ذات العادة 265

عِدّة الحامل 268

ص: 405

عِدّة الحامل الوضع وإنْ كان سقطاً 272

عِدّة الحامل توأمين 274

عِدّة المتوفّى عنها زوجها 278

الحِداد 282

عِدّة من مات زوجها بعد الطلاق 289

حرمة إخراج المطلّقة الرِّجعيّة من بيت زوجها 295

حرمة خروج المطلّقة الرجعيّة 300

مبدأ زمان العِدّة 308

حكم ما لو طلّق ثمّ راجعها ثمّ طلّق قبل المسيس 317

تداخل العدد 320

خاتمة 323

حكم المفقود زوجها 323

الفصل الرابع/ في الخُلْع والمُباراة 337

صيغة الخُلْع 339

الطلاق مع الفدية منفرداً عن لفظ الخُلع 344

اعتبار الموالاة بين البذل والطلاق 346

الفدية 350

وقوع الخُلع على ما لا يُملك 353

الباذل للفداء 356

شرائط الخالع والمختلعة 359

اعتبار الكراهية من المرأة في الخُلع 362

في الشرط الذي لا يقتضيه العقد 365

حكم ما لو خالعها والاخلاق ملتئمة 368

ص: 406

للمرأة الرجوع في الفِدية ما دامت في العِدّة 375

تزويج اُخت المختلعة في العِدّة 380

الرجوع ببعض ما بذلت 382

فروع الخُلع 386

المباراة 392

صيغة المباراة 395

المباراة تطليقة بائنة 399

فهرس الموضوعات 401

ص: 407

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.