فقه الصادق المجلد 33

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء الثالث والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الفصل الخامس: في نكاح الإماء.

(الفصل الخامس: في نكاح الإماء

أقول: لا يخفى أنّه حيث لا موضوع للأحكام المتعلّقة بالعبيد والإماء في زماننا هذا، فلذا عادتنا في مؤلّفاتنا - أعمّ من هذا الشرح، وكتاب «منهاج الفقاهة» - على إلغاء ما يتعلّق بهما من الأبحاث، للاشتغال بما هو أهمّ ، وعلى هذا فلا نتعرّض لمباحث هذا الفصل.

***

ص: 7

الفصل السادس: في العيوب: وهي أربعة:

في الرّجل: الجنون.

(الفصل السادس): (في العيوب)

اشارة

يدور البحث في هذا الفصل عن العيوب الموجبة لحقّ الفَسخ، (وهي أربعة في الرّجل) على المشهور(1)، وسيأتي الكلام في أنّه هل يرد العقد بغير الأربعة أم لا؟

عيب الجنون

العيب الأوّل: (الجنون) بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل الإجماع(2) بقسميه عليه، ويشهد به:

1 - خبر عليّ بن أبي حمزة، قال: «سُئل أبو إبراهيم عليه السلام عن امرأةٍ يكون لها زوجٌ وقد اُصيب في عقله بعدما تزوّجها، أو عرض جنون ؟

قال عليه السلام: لها أن تنزع نفسها منه إنْ شاءت»(3).

2 - مرسل «الفقيه»: «ورُوي(4) أنّه إن بلغ به الجنون مبلغاً لا يعَرف أوقات الصلاة، فرّق بينهما، فإنْ عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه، فقد بليت»(5)وضعفهما منجبرٌ بالعمل.

ص: 8


1- مسالك الأفهام: ج 8/110.
2- جامع المقاصد: ج 13/219.
3- التهذيب: ج 7/428 ح 19، وسائل الشيعة: ج 21/225 ح 26950.
4- قال في الفقيه: ج 3/522 ح 4819: (وفي خبرٍ آخر أنّه إن بلغ به الجنون...).
5- الفقيه: ج 3/522 ح 4819، وسائل الشيعة: ج 21/226 ح 26952.

وربما يستدلّ له: بصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إنّما يرد النكاح من البَرَص والجُذام والجنون والعَفل»(1).

وأورد عليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(2): بأنّ الشيخ رحمه الله وإنْ روى الخبر في موضعٍ من «التهذيب» هكذا، ولكنّه مرويّ في «الكافي» مع سبق جملة اُخرى وهي:

«سألته عن رجل يتزوّج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ؟

قال: لا يرد وإنّما يردّ النكاح... الخ»(3).

وأيضاً: روى في موضعٍ آخر مع إضافة جملةٍ لاحقة، وهي:

«قلت: أرأيتَ إنْ كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟

قال: المَهر لها بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليّها الذي أنكحها»(4).

ومعلوم أنّ ذلك من تقطيع الشيخ رحمه الله لا أنّه خبرٌ مستقلٌّ للحلبي كما يؤمي إليه اتّحاد السند.

وعليه، فحيث يحتمل أنْ يكون قوله: «يرد» بصيغة المعلوم لا المجهول، والضمير يرجع إلى الزّوج، فيصبح الخبر مختصّاً بجنون المرأة ولا يشمل الرّجل.

ودعوى: أولويّة ثبوته للمرأة في الرّجل من العكس الثابت نصّاً وفتوى، كما ستعرف، لكون الرّجل له التخلّص بالطلاق دونها.

ممنوعة: لعدم القطع بالأولويّة(5).ف.

ص: 9


1- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.
2- جواهر الكلام: ج 30/319.
3- الكافي: ج 5/406 ح 6، وليس في رواية الكافي لفض لا يرد، وسائل الشيعة: ج 21/209 ح 26910.
4- التهذيب: ج 7/426 ح 12، وسائل الشيعة: ج 21/213 ح 26923.
5- جواهر الكلام: ج 30/319-320، والعبارة منقولة بتصرّف.

والجواب عنه أوّلاً: أنّه لا مانع من كون ذلك الذي رواه الشيخ خبراً مستقلّاً، إذ أيّ مانعٍ من بيان المعصوم عليه السلام ذلك مرّتين، تارةً مع جملةٍ اُخرى ، وثانيةً بدونها، والحلبي أيضاً يروي الخبرين وكذا من يروي عنه، وحيث أنّ الظاهر من نقله كونه تمام المرويّ ، فلا وجه لعدم الالتزام به.

وثانياً: أنّ الخبر مرويٌ في «الكافي»(1)، و «الفقيه»(2) مع إضافة الجملة السابقة، وأيضاً روى نظيره محمّد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام ولكن مع الفصل بين تلك الجملة والجملة التي تكون مورد الاستدلال بقوله: «وقال: إنّما يُرَّد... الخ» كما عن «الفقيه»(3)، وفي «الكافي»(4): «وقال: يرد... الخ» بإسقاط لفظ إنّما، وهذا أي تكرار لفظ (قال) يدلّ على تعدّد الخبر، وأنّ الصادر من المعصوم عليه السلام جملتان غير مرتبطتين أي غير متّصلتين.

وعليه، فلفظ (يرد) يكون بصيغة المجهول، فالخبر يعمّ جنون الرّجل أيضاً.

ودعوى: أنّ النكاح إنّما يستند إلى الزّوجة، فالمتبادر من قوله عليه السلام: «يرد النكاح» أنّ الرّجل يرد النكاح، إذ رَدّه كقبوله من قِبل الزّوج، مع أنّه يشتمل على الفعل المختصّ بالمراة.

مندفعة: بأنّ المراد من النكاح ليس هو خصوص ما هو فعل الزّوجة، بل المتحصّل منه ومن فعل الزّوج، وهو يصحّ ردّه من كلّ منهما.

واختصاص العَفل بها لا يضرّ بعد كون الخبر في مقام بيان موجبات الفسخ، من غير نظرٍ إلى الفاسخ.6.

ص: 10


1- الكافي: ج 5/406 ح 6.
2- الفقيه: ج 3/433 ح 4498 و 4496.
3- الفقيه: ج 3/433 ح 4498 و 4496.
4- الكافي: ج 5/406 ح 6.

أقول: وما عن المحقّق اليزدي من الإشكال عليه بأنّه غير مشتملٍ على العيوب المختصّة بالرجل، وهو يوهن كونه في مقام بيان موجبات الفسخ الكليّة.

مردودٌ: لأنّ غاية ما يلزم من ما أُفيد، عدم ثبوت المفهوم له، لا عدم التمسّك بإطلاق منطوقه.

وعليه، فالأظهر تماميّة دلالة الخبر على ذلك، فلا إشكال في الحكم في الجملة، إنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: أنّه ربما نُسب إلى بعض متأخّري المتأخّرين(1) التوقّف في الحكم بالنسبة إلى الجنون السابق، بدعوى:

1 - أنّ النصّ مختصٌّ باللّاحق، والأولويّة ليست قطعيّة.

2 - مع أنّه لو فرض الجنون قبل العقد، لا يكون العقد صحيحاً في نفسه، لأنّه يعتبر في العاقد والموكّل العقل.

ولكن يرد الأوّل: ما تقدّم من عدم اختصاص المدرك بخبر عليّ بن حمزة، وصحيح الحلبي مطلقٌ شاملٌ له.

ويرد الثاني: أنّه يمكن فرض صحّة العقد من الولي حال كونه صغيراً أو مجنوناً، وفي الجنون المتّصل بالصغر، ولو كان العقد في حال البلوغ أو كان المتصدّي للعقد الحاكم الشرعي، أو كان الجنون أدواريّاً وعقد في حالة الصحّة.

المورد الثاني: أنّه لا خلاف(2) في أنّه تفسخ المرأة نكاحها بالجنون الحاصل للرجل، وإنْ كان أدواريّاً، سواءٌ أكان سابقاً على العقد أو تجدّد بعده، قبل الوطء أو).

ص: 11


1- الحدائق الناضرة: ج 24/338-340.
2- المبسوط: ج 4/250، قوله: (وقد روى أصحابنا أنّ جنون الرّجل إذا كان يعقل معه أوقات الصلاة فلا خيار لها).

بعده، إذا كان لا يعقل أوقات الصلاة.

وأمّا إنْ كان يعقل:

فإنْ كان قبل العقد أو مقارناً له، فالمعروف(1) عمّا عدا ابن حمزة(2) الفسخ أيضاً.

وإنْ تجدّد بعد العقد، فعن أكثر المتقدّمين عدم الفسخ(3)، وعن كثيرٍ من المتأخّرين(4) الفسخ.

يشهد لما اختاره المتأخّرون: إطلاق خبر عليّ بن أبي حمزة(5)، وصحيح الحلبي(6) المتقدّمين.

أقول: واستدلّ لما اختاره القدماء بمرسل «الفقيه» المتقدّم، ونحوه ما عن «فقه الرّضا»(7).

ولكن المرسل ضعيفٌ ، والفقه الرضوي لم يثبت لنا كونه كتاب روايةٍ ، فضلاً عن اعتباره، مع أنّ مرسل «الفقيه» غير مختصّ بالمتجدّد، بل هو يعمّ السابق.

نعم، الرضوي مختصٌّ به، وهذا يوجب الظنّ بما أصرّ عليه صاحب «الجواهر» رحمه الله من أنّ المتقدّمين لم يفصّلوا في الجنون الموجب للفسخ بين عرفانه أوقات الصلاة3.

ص: 12


1- منهم ابن إدريس في السرائر: ج 2/611، والكركي في جامع المقاصد: ج 13/22.
2- الوسيلة: ص 311، قوله في: (فصلٌ في بيان العيب المؤثّر في فسخ العقد؛ وما يعمّهما خلقة شيء واحد، وهو الجنون على وجه لا يعرف معه وقت الصلاة).
3- منهم ابن إدريس في السرائر: ج 2/611، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب: ج 2/234-235، قوله: (وإذاحدث بالرّجل أو المرأة شيء من هذه العيوب بعد ثبوت العقد واستقراره، ولم يكن حاصلاً قبل العقد، لم يجب الرّد منه، إلّاما ذكره أصحابنا من الجنون الذي لا يعقل معه صاحبه أوقات الصلوات).
4- منهم العلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/65.
5- التهذيب: ج 7/428 ح 19، وسائل الشيعة: ج 21/225 ح 26950.
6- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.
7- فقه الرّضا: ص 235، المستدرك: ج 15/53 ح 17513.

وعدمه، بل مرادهم اختصاص الجنون بالقسم الأوّل(1).

وعليه، فلا يبقى موردٌ لدعوى انجبار ضعف السَّند بالعمل.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الصدوق بنى في عبارته التي نقلها في الرواية على ما تضمّنه الخبر الذي قبلها من فرض الجنون، بعدما تزوّجها، فأطلق اعتماداً عليه، لكنّه حينئذٍ يكون من نقل المعنى، فلا يكون متن الخبر بأيدينا كي نتمسّك به، مع أنّه مع الاحتمال الذي ذكره صاحب «الجواهر»(2)، بضميمة احتمال أنْ يكون نظر الصدوق إلى الخبر الرضوي لايصحّ دعوى انجبار ضعف السند بالعمل.

المورد الثالث: في الموضوع، والظاهر أنّه أعمّ من غلبة المرض على العقل المقتضي لفساده وتعطيله عن أفعاله وأحكامه، ولو في بعض الأوقات، ومن ضعف العقل في نفسه من غير حدوثِ مرضٍ الذي أفاد الشيخ(3) أنّه أكثر.

وكيف كان، فالجنون فنون، ومفهومه مبيّن عند العرف، وأيّ قسم منه تحقّق، ترتّب عليه الحكم.

***).

ص: 13


1- جواهر الكلام: ج 30/321-322.
2- جواهر الكلام: ج 30/322.
3- المبسوط: ج 4/249-250، قوله: (والجنون ضربان: أحدهما خنق، والثاني غلبة على العقل من غير حادث مرض، وهذا أكثر).

والعنن.

عيب العنن

(و) العيب الثاني: من العيوب الموجبة لثبوت حقّ الفسخ للمرأة هو (العنن) بلا خلافٍ فيه(1).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(2).

وفي «الحدائق»: (أجمع الأصحاب على أنّ العنن من العيوب الموجبة لتسلّط المرأة على الفسخ)(3).

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضة:

منها: صحيح أبي بصير، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ابتلي زوجها، فلا يقدر على جماع، أتفارقه ؟

قال عليه السلام: نعم إنْ شاءت»(4).

ومنها: صحيح الكناني، عنه عليه السلام: «عن امرأةٍ ابتلي زوجها، فلا يقدر على الجماع أبداً، أتفارقه ؟ قال عليه السلام: نعم إنْ شاءت»(5).

ص: 14


1- الخلاف ج 4/354-355 مسألة 135، قوله: (العنة عيبٌ يثبت للمرأة به الخيار... ويضرب له مدّة سنة، وبه قال جميع الفقهاء).
2- جواهر الكلام: ج 30/324.
3- الحدائق الناضرة: ج 24/343.
4- الكافي: ج 5/411 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/229 ح 26961.
5- التهذيب: ج 7/431 ح 28، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26966.

ومنها: خبر غياث، عنه عليه السلام: «في العنين، إذا علم أنّه عنينٌ لا يأتي النساء، فرّق بينهما وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما، والرّجل لا يردّ من عيب»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «العنّين يتربّص به سَنة ثُمّ إنّ شاءت إمرأته تزوّجت، وإنْ شاءت أقامت»(2).

ومنها: موثّق عمّار بن موسى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل أُخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها؟

فقال عليه السلام: إذا كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء، فلا يمسكها إلّابرضاها بذلك، وإنْ كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: أنّ ظاهر كلام اللّغويّين(4) أنّه يعتبر في صدق العنين أمران:

أحدهما: العجز عن إتيان النساء، لضعف العضو، وعدم قدرته على الانتشار والانتصاب.

وثانيهما: فقد الرغبة إلى النساء.

وصريح كلام جمعٍ من الفقهاء(5) كفاية الأمر الأوّل في صدق العنين، ولا يهمّنا البحث في ذلك بعد كون المأخوذ في جملةٍ من النصوص عدم القدرة على النساء،1.

ص: 15


1- التهذيب: ج 7/430 ح 25، وسائل الشيعة: ج 21/229 ح 26962.
2- التهذيب: ج 7/431 ح 27، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26965.
3- التهذيب: ج 7/429 ح 22، وسائل الشيعة: ج 21/230 ح 26963.
4- لسان العرب: ج 13/291 مادّة (عنن)، قوله: (العنين الذي لا يأتي النساء ولا يريدهن).
5- منهم المحقّق في شرائع الإسلام: ج 2/540، والعلّامة في تحرير الأحكام: ج 3/521.

ومقتضى إطلاقها ثبوت هذا الحكم، وإنْ كان يشتهي النساء ويرغب إليهنّ ، بل يشمل إطلاق النصوص ما كان عن سحرٍ، كما عن «كشف اللّثام»(1) وغيره. ولعلّه المراد من قوله عليه السلام في الموثّق: «أُخذ عن إمرأته» وهو على ما قيل رقية كالسِّحر.

وعليه، فما عن بعضٍ (2) من اعتبار عدم شهوة النساء في غير محلّه.

الجهة الثانية: المعروف بين الأصحاب، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(3)، أنّ العنن الحادث بعد العقد كالموجود قبله موجبٌ لثبوت حقّ الفسخ، لإطلاق النصوص، بل لعلّه الفرد الظاهر من النصوص.

وعليه، فما عن المحقّق الثاني رحمه الله من أنّه يلوح من عبارة «المبسوط»(3) عدم ثبوت الخيار به(5) في غير محلّه(4).

الجهة الثالثة: أنّ العنن الموجب للخيار، هو ما لو لم يتمكّن من إتيان النساء مطلقاً، وأمّا لو كان قادراً على إتيان غير زوجته، ولا يقدر على إتيانها خاصّة، فهو ليس بعننٍ ، ولا يكون موجباً لثبوت حقّ الفسخ، كما هو المشهور بين الأصحاب.

ويشهد به:

1 - عدم صدق العنّين على من يقدر على إتيان سائر النساء.).

ص: 16


1- كشف اللّثام: ج 7/363.
2- جواهر الكلام: ج 30/324. (3و5) جامع المقاصد: ج 13/229 و 230.
3- المبسوط: ج 4/252، قوله: (فإن حدث عيب بعد أن كان معدوماً حال العقد... فكلّ العيب يحدث به إلّاالعنة، فإنّه لا يكون فحلاً ثم يصير عنيناً في نكاح واحد، وعندنا لا يرد الرّجل من عيب يحدث به إلّاالجنون الذي لايعقل معه أوقات الصلوات).
4- لأنّ الشيخ قال في المبسوط: ج 4/264: (إذا تزوّج امرأة ودخل بها ثمّ إنّه عجز عن جماعها واعترف هو بذلك لم يحكم بأنّه عنين، ولا يضرب له المدّة بلا خلافٍ ).

2 - وقوله في صحيح أبي بصير: «فلم يقدر على الجماع»، ونحوه ما في صحيح الكناني وغيرهما(1).

3 - وخبر عليّبن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن عنين دلّس نفسه لامراةٍ ما حاله ؟

قال عليه السلام: عليه المَهر، ويفرّق بينهما إذا علم أنّه لا يأتي النساء»(2).

4 - وقوله عليه السلام في خبر غياث المتقدّم: «إذا علم أنّه عنينٌ لا يأتي النساء فرّق بينهما».

وعن ابن زُهرة(3) وظاهر المفيد(4): أنّ المعتبر في صدق العنين وعدمه بالنسبة إلى الزّوجة، ولا عبرة بغيرها.

وظاهر «الرياض»(5) حيث حكم بأنّ القول الأوّل أشهر، كونه مشهوراً أيضاً.

وعن «المختلف»(6): التوقّف في الحكم.

واستدلّ لهذا القول: بصحيح عليّ بن رئاب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ : «فإذا ذكرتْ أنّها عذارء، فعلى الإمام أن يؤجّله سنةً ، فإنْ وصل إليها، وإلّا فرّق بينهما»(7).

إذ مقتضاه الاكتفاء في الفسخ بعجزه عن وطئها، وإنْ لم يعلم عجزه عن وطء غيرها.4.

ص: 17


1- وسائل الشيعة: ج 21/229-232.
2- مسائل عليّ بن جعفر: ص 276، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26973.
3- الغنية: ص 354، قوله: (فإن تعالج ووصل إليها فيها ولو مرّة واحدة، فلا خيار لها).
4- المقنعة: ص 520، قوله: (انتظرت به سنة، فإن وصل إليها فيها - ولو مرّة واحدة - فهو أملك بها).
5- رياض المسائل: ج 10/393.
6- مختلف الشيعة: ج 7/196.
7- الكافي: ج 5/411 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/233 ح 26974.

وفيه: إنّ الخبر واردٌ في مورد ادّعاء الزّوجة أنّه لم يقربها، وإنكار الزّوج ذلك، فالمفروض فيه أنّه لو لم يقربها فهو عنينٌ لا يقدر على إتيان النساء.

أقول: ما أفاده عليه السلام إنّما هو لتشخيص أنّه أتاها أم لا، ولا نظر له إلى ما يتحقّق به العنن.

وبعبارة اُخرى: المفروض فيه أنّ إتيانها وعدمها أمارتان لقدرته على إتيان النساء وعدمه، فلا إشكال في الحكم.

الجهة الرابعة: أنّه لا إشكال في أنّ عدم التمكّن من إتيان النساء في زمان قصير كشهرٍ مثلاً لا يوجبُ الفسخ، بل المعتبر هو كونه بنحوٍ لايتمكّن من إتيانهن في زمان معتدّ به، وقد حُدّد ذلك في النصوص وكلمات الأصحاب بالسَّنة(1)، لاحظ صحيح محمّد بن مسلم(2)، وصحيح عليّ بن رئاب(3) المتقدّمان، وفي خبر الكناني:

«اُجّل سنةً حتّى يُعالج نفسه»(4).

وهل التحديد في ذلك مطلق حتّى فيما علم بأنّه عنينٌ لايقدر على إتيان النساء أبداً، وإنْ عالج نفسه، فلا فسخ لها إلّابعد السنة، أم يكون ذلك فيما احتمل التمكّن ولو مع المعالجة ؟

ظاهر الأخبار هو الثاني، فإنّ صحيح ابن رئاب واردٌ في مورد ادّعاء الرّجل تمكّنه منه، وفي خبر الكناني قيّد بقوله: «حتّى يعالج نفسه» وعبّر عليه السلام في صحيح محمّد7.

ص: 18


1- المقنعة: ص 520، غنية النزوع: ص 354، السرائر: ج 2/612، رياض المسائل: ج 10/396.
2- التهذيب: ج 7/431 ح 25، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26965.
3- الكافي: ج 5/411 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/233 ح 26974.
4- التهذيب: ج 7/431 ح 29، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26967.

ابن مسلم عن ذلك بقوله: «يتربّص به سنة».

والتربص هو: (انتظار أمرٍ(1) يُقال: تربَّص بغلّته الغلاء، أي أبقاها لأن تَغلي).

وعليه، فما عن «المختلف»(2) من أنّ العلم إنّما يحصل بعد السَّنة، ولو قدر حصوله قبلها، فالأقوى عدم التأجيل هو الصحيح.

أقول: وأمّا النصوص(3) المتضمّنة أنّ عليّاً عليه السلام كان يؤخِّر العنّين سنةً من يوم ترافع إمرأته فإن خَلُص إليها وإلّا فرّق بينهما، فهي أيضاً تؤكّد ما ذكرناه ولا تنافيه.

وعلى هذا، فإنْ ابتلي الزّوج بمرضٍ مانع عن الجماع، ويعلم بأنّه يزول ولكن بعد مضيّ سنةٍ أو أكثر، فالأظهر عدم ثبوت الخيار، لأنّ الظاهر كون تأجيل السنة إنّما هو طريقي ولا موضوعيّة له، ومع ذلك كلّه فالاحتياط في غير مورد الوفاق لا يُترك.

الجهة الخامسة: أنّه يعتبر في ثبوت الخيار لها، أن لا يكون ذلك بعد الوطء ولو مرّة، فلو وطأها ثم عنَّ لم يَثبت الخيار، بلاخلافٍكماعن «المبسوط»(4) و «الخلاف»(5).

ويشهد به: خَبر غياث المتقدّم، وخبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «من أتى امرأة مرّة واحدة، ثمّ أُخذ عنها فلا خيار لها»(6).

الجهة السادسة: إذا علمت أنّه عنينٌ قبل النكاح، فالظاهر عدم ثبوت الخيار4.

ص: 19


1- لسان العرب: ج 7/39، كتاب العين: ج 7/120.
2- مختلف الشيعة: ج 7/197.
3- التهذيب: ج 7/431 ح 30، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26969.
4- المبسوط: ج 4/263.
5- الخلاف: ج 4/354، مسألة: 135.
6- التهذيب: ج 7/430 ح 23، وسائل الشيعة: ج 21/230 ح 26964.

لها، لأنّه:

1 - إنّما جُعل الخيار لها لأجل أن تتمكّن من التخلّص عمّا ابتليت به من جهة لزوم العقد، فمع علمها وإقدامها عليه، لا وجه لثبوت الخيار لها.

2 - ولأنّه لا خلاف في أنّها إذا علمت بعد العقد بالعَنَن ورضيت، سقط خيارها، فكذلك الرّضا السابق.

وقد يقال: إنّه يتفرّع على الوجه الأوّل أنّه لو كان العَنَن حاصلاً بسبب المرأة لا خيار لها، فإنّ البليّة حينئذٍ ليست مستندةً إلى لزوم العقد، بل إليها، ولا بأس به.

***

ص: 20

والخِصاء.

عيب الخصاء

(و) العيب الثالث: من العيوب الموجبة لتسلّط المرأة على الفسخ (الخصاء) - بالكسر والمدّ - وهو سَلّ الاُنثيّين وإخراجهما(1)، كما هو المشهور(2) بين الأصحاب.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن مسكان، قال: «بعثتُ بمسألةٍ مع ابن أعين، قلت: سَله عن خِصيّ دلّس نفسه لامراةٍ ودخل بها، فوجدته خصيّاً؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، ويوجع ظَهره، ويكون لها المَهر بدخوله عليها»(3).

ومنها: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن خِصيّ دلّس نفسه لامراةٍ ما عليه ؟

فقال عليه السلام: يوجع ظهره، ويفرّق بينهما، وعليه المَهر كاملاً إن دخل بها، وإنْ لم يدخل فعليه نصف المَهر»(4).

ومنها: موثّق بكير، عن أحدهما: «في خِصيّ دلّس نفسه لامراة مسلمة فتزوّجها؟

فقال عليه السلام: يفرّق بينهما إنْ شاءت المرأة، ويوجَع رأسه، وإنْ رضيت به وأقامت

ص: 21


1- لسان العرب: ج 14/229.
2- المبسوط: ج 4/266، قوله: (وإن دخلت مع الجهل ثمّ بانَ أنّه خصي فهل لها الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان عندنا أنّ لها الخيار)، جامع المقاصد: ج 13/227، قوله: (والقول بكونه عيباً هو المشهور بين الأصحاب).
3- التهذيب: ج 7/432 ح 33، وسائل الشيعة: ج 21/227 ح 26956.
4- قرب الإسناد: ص 108، وسائل الشيعة: ج 21/228 ح 26958.

معه، لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه»(1).

ونحوها غيرها(2).

أقول: وتمام الكلام يتحقّق في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: هل الموجب لثبوت الخيار كون الخصاء من العيوب كما هو المشهور(3)، أم يكون الموجب تدليس الرّجل بذلك، وإلّا فهو ليس بعيبٍ كما عن «المبسوط»(4) و «الخلاف»(5)؟ وجهان:

تظهر الثمرة فيما إذا لم يدلّس نفسه لها بأنْ اعتقد أنّها تعلم بالحال، أو جهل بكونه خصيّاً، فإنّه على الأوّل يثبت الخيار، وعلى الثاني لا يثبت.

أقول: ظاهر النصوص هو الثاني، لاشتمال جميعها على التدليس، وظاهر ذلك كون خيارها من جهته، لا من حيث كونه عيباً، بل هو ليس بعيبٍ كماعن «المبسوط» و «الخلاف»، لأنّه يولج، بل ربما كان أبلغ من الفحل لعدم فتوره، إلّاأنّه لا ينزل، وقال صاحب «الجواهر»: (وهو ليس بعيب، إنّما العيب عدم الوطء فتأمّل)(6).

وعليه، فما في «الجواهر»: من أنّ عدم إخباره بنفسه تدليسٌ ، بل لو لم يكن الخصاء عيباً لم يتحقّق الخيار بتدليسه أيضاً(7).4.

ص: 22


1- الكافي: ج 5/410 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/226 ح 26954.
2- وسائل الشيعة: ج 21/226-229.
3- جامع المقاصد: ج 13/227، قوله: (والقول بكونه عيباً هو المشهور بين الأصحاب).
4- المبسوط: ج 4/250، قوله: (فإن بانَ خصيّاً... فهل لها الخيار؟ قيل فيه قولان... والثاني لا خيار لها لأن الخصي يولج ويبالغ أكثر من الفحل، وإنّما لا ينزل... وهذا الوجه أقوى ).
5- الخلاف: ج 4/348 مسألة 125، قوله: (إذا كان الرّجل مسلولاً، لكنّه يقدر على الجماع، غير أنّه لا ينزل... لم يرد بالعيب). (6و7) جواهر الكلام: ج 30/323 و 324.

يرد عليه: أنّه يمكن تصوير عدم الأخبار مع عدم التدليس، كما مرّ، وتوقّف صدق التدليس على كونه عيباً ممنوعٌ ، مع أنّه لا يرد النكاح من كلّ عيبٍ ، كما صرّح بذلك في بعض أخبار العنين مثل قوله عليه السلام: «الرّجل لا يردّ من عيبٍ »(1). أي من كلّ عيبٍ ، بل من عيوب خاصّة، ولعلّه لذا أمرَ بالتأمّل.

أقول: وما أفاده بعض الأجلّة من أنّ الظاهر من قولهم في غير واحدٍ من الأخبار: «ويوجَع ظهره كما دلّس نفسه» هو أنّ الخيار من جهة الخِصاء، وإيجاع الظهر بالضرب بإزاء التدليس، لا أنّ الخيار والإيجاع كليهما من جهة التدليس(2).

يردّه: أنّ الظاهر من ذلك أنّ الإيجاع إنّما هو للتدليس، وأمّا عدم دخل التدليس في الحكم الآخر، وكون الخصاء تمام الموضوع للخيار، فلا يدلّ عليه.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوت الخيار بدون التدليس، وعلى هذا يُحمل كلام الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» لا ما أفاده الفاضل الهندي رحمه الله(3) من حمل الأخبار على من لايتمكّن من الإيلاج، ونَفى عنه البُعد.

الفرع الثاني: هل يلحق بالخصاء الوجاء - بالكَسر والمَدّ - وهو رَضّ الاُنثيّين(4) بحيث تبطل قوّتهما أم لا؟

وجهان، بل قولان:

لا يبعدُ الأوّل، لما قيل إنّه من أفراد الخصاء(5)، ولمناسبة الحكم والموضوع، فإنّ).

ص: 23


1- الكافي: ج 5/410 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/229 ح 26962.
2- جامع المدارك: ج 4/363.
3- كشف اللّثام: ج 7/363.
4- لسان العرب: ج 1/190.
5- رياض المسائل: ج 10/376، قوله: (الوجاء... وهو رَضّ الأنثيين، بل قيل: إنّه من أفراده)، وحُكي ذلك عن بعض أهل اللّغة كما في (جمهرة اللّغة: ج 1/171).

من المعلوم عدم دخل خروج الاُنثيّين في الحكم، بل تمام الموضوع عدم وجودهما.

ولكن مع ذلك الإفتاء به مشكلٌ ، وكذا في فاقد الاُنثيّين خلقة، ونحوه ممّن هو كالخِصيّ .

الفرع الثالث: إنّ مورد النصوص ما إذا كان ذلك قبل العقد، فالقول بثبوت الخيار بهذا العيب لو كان مقارناً للعقد، فضلاً عمّا إذا كان متجدّداً بعده أو بعد الوطء، لا وجه له، كما أنّ التفصيل بين المتجدّد بعد العقد قبل الوطء فالثبوت، والمتجدّد بعد الوطء فالعدم، لا وجه له.

***

ص: 24

والجُبّ .

عيب الجُبّ

(و) العيب الرابع: (الجُبّ ).

والمشهور(1) بين الأصحاب على وجهٍ لم أجد فيه خلافاً، هو كون الجُبّ من العيوب الموجبة للفسخ، وقد تردّد المحقّق في «الشرائع»(2) في ذلك، وإنْ اختار ما هو المشهور.

والظاهر أنّ منشأ التردّد عدم ورود نصّ خاصٍ فيه، ومقتضى القاعدة لزوم النكاح.

أقول: وكيف كان، فيمكن أن يستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: إطلاق صحيحي أبي بصير(3) والكناني(4) المتقدّمين في العَنن، الدالّين على ثبوت الخيار لها بعدم قدرته على الجماع، إذ عدم القدرة:

قديكون لأجل عدم انتشار العضو وعدم نهوضه لضعف القوّة الناشرة الناهضة.

وقد يكون لأجل انتفاء العضو، كما في المجبوب فإنّه بمعنى عديم الآلة.

ص: 25


1- المبسوط: ج 4/179، قوله: (السلامة من العيوب شرطٌ في النكاح، والعيوب سبعة... واثنان يختصّ بالرِّجال وهما الجُب والعنة بلا خلافٍ ).
2- شرائع الإسلام: ج 2/540، قوله: (وهل يفسخ بالجُب ؟ فيه تردّد، منشأوه التمسّك بمقتضى العقد، والأشبه تسلّطها به).
3- الكافي: ج 5/411 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/229 ح 26961.
4- التهذيب: ج 7/431 ح 28، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26966.

ودعوى: أنّ عدم القدرة على الجماع من قبيل عدم الملكة، فهو عبارة عن عدم القدرة عليه ممّن من شأنه القدرة عليه، والمجبوبُ ليس من شأنه القدرة عليه، فلا يشمله الصحيحان.

فيها: إنّ عدم المَلَكة ليس عبارة عن خصوص انتفاء الوصف عن موضوعٍ قابل للاتّصاف به شخصاً، بل هو أعمّ من ذلك ومن انتفائه عن موضوع قابل له نوعاً أو جنساً، ولذا يصحّ إطلاق الأعمى على الأكْمَه، وهو من تولّد أعمى ولا يكون قابلاً لأنْ يَبصُر شخصاً، وعلى العقرب، ومن المعلوم أنّ المجبوب بنوعه قابلٌ للاتّصاف بالقدرة على الجماع، وإنْ لم يكن بشخصه قابلاً له.

مع أنّ كون عدم القدرة على الجماع من قبيل عدم الملكة غير ظاهرٍ.

الوجه الثاني: فحوى ما دلّ على ثبوت الخيار في العنن(1)، لمشاركته له في المعنى وزيادة، لأنّ العنّين يمكن بُرئه، والمجبوب يستحيلُ برئه، والمراد بهذا الوجه ليس هو مفهوم الموافقة حتّى يقال باختصاصه بما تكون القضيّة مسوقة لبيان المفهوم، وكان هو المقصود بالأصالة منها، وكان المنطوق مقصوداً بالتبع، كما في قوله تعالى :

(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ) (2) ، فلا ربط له بالمقام، بل المراد منها الأولويّة القطعيّة أو الاطمئنانيّة.

الوجه الثالث: فحوى ما دلّ من النصوص على حكم الخِصاء(3)، فإنّه أقوى عيباً منه لقدرة الخِصيّ على الجماع في الجملة، بخلاف المجبوب.

لكن يرد عليه: ما تقدّم من أنّ ثبوت الخيار في الخِصاء ليس لكونه عيباً، بل9.

ص: 26


1- وسائل الشيعة: ج 21/229-232.
2- سورة الإسراء: الآية 23.
3- وسائل الشيعة: ج 21/226-229.

للتدليس.

وعليه، فالعمدة الوجهان الأوّلان.

وأيضاً: الاستدلال له بقاعدة(1) نفي الضرر، كما عن الشهيدالثاني رحمه الله(2) وغيره(3).

غير تامّ : لما مرّ منّا في محلّه من أنّ قاعدة لا ضرر لا تصلح لإثبات الخيار وغيره من الأحكام، وإنّما هي قاعدة نافية للحكم لا مثبتة، وسيأتي زيادة توضيحٍ لذلك في بعض المسائل الآتية:

ولو حَدَث الجُبّ بعد الوطء، أو قبله وبعد العقد:

فعن جماعةٍ منهم الشيخ في موضع من «المبسوط»(4) و «الخلاف»(5)، والمصنّف رحمه الله في المقام و «الإرشاد»(6)، وموضعٍ من «التحرير»(7) والحِلّي(8) والمحقّق في «الشرائع»(9) أنّه لا يفسخ به.

وعن القاضي(10) والشيخ في موضعٍ من «المبسوط»(11) و «الخلاف»،).

ص: 27


1- وسائل الشيعة: ج 18/31-32.
2- مسالك الأفهام: ج 8/107.
3- كالبحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/349، وصاحب الجواهر في جواهر الكلام: ج 30/328.
4- المبسوط: ج 4/252، قوله: (وعندنا لا يردّ الرّجل من العيب يحدث به إلّاالجنون).
5- الخلاف: ج 4/349 مسألة 127.
6- إرشاد الأذهان: ج 2/28 المقصد الرابع في موجب الخيار.
7- تحرير الأحكام: ج 3/513، قوله: (السادس: لو تجدّد الجُبّ فلا خيار لها).
8- السرائر: ج 2/612.
9- شرائع الإسلام: ج 2/540.
10- المهذّب: ج 2/234-235، قوله: (وإذا حدث بالرجل أو المرأة شيء من هذه العيوب بعد ثبوت العقدواستقراره... لم يجب الرّد منه إلّاما ذكره أصحابنا من الجنون... والجُبّ والخصي والعنت...).
11- المبسوط: ج 4/264، قوله: (إذا كان صحيحاً ثمّ جُبّ كان لها الخيار عندنا وعندهم بلا خلافٍ لعموم الأخبار).

والمصنّف رحمه الله في «التلخيص»(1) وفي موضع من «التحرير»(2): ثبوت الفَسخ به.

وفي «الحدائق»(3)، و «الجواهر»(4): التفصيل بين المتجدّد قبل الوطء أو بعده، والبناء على ثبوت الخيار في الأوّل دون الثاني.

أقول: والحقّ أنْ يقال:

1 - إنّه لو كان المدرك فحوى ما دلّ على ثبوت الخيار في العنن، فاللّازم هو البناء على القول الثالث، لأنّه بالفحوى لا يثبتُ أزيد من الحكم الثابت في الأصل، وقد مرّ أنّ العنين إنْ وطء مرّة واحدة لا خيار لها، وإلّا فلها الخيار، وإنْ تجدّد بعد العقد.

2 - وإنْ كان المدرك هو إطلاق الصحيحين، فمقتضى ذلك هو القول الثاني، لأنّ مقتضى إطلاقهما ثبوت الخيار حتّى في الحادث بعد الوطء.

ودعوى: أنّه يقيّد إطلاقهما بالفحوى، بتقريب أنّها تقتضي مشاركة المجبوب مع العنين في عدم الخيار بعد الوطء، كاشتراكه معه في ثبوته قبله.

فيها: أنّ غاية ما يثبت بالفحوى الاشتراك في الثبوت لا العدم، فلا تنافي ثبوت الخيار في الفرع بالنّص في محلٍّ ينتفي فيه في الأصل، وهو ما بعد الوطء.

3 - وإنْ كان المدرك فحوى ما ورد في الخصاء، فالمتعيّن البناء على القول الأوّل.).

ص: 28


1- تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف: ج 2/351.
2- تحرير الأحكام: ج 3/517، قوله: (والأقرب في الجُبّ المتجدّد بعد الوطء، ثبوت الخيار لها).
3- الحدائق الناضرة: ج 24/350، قوله: (وقد عرفت أنّ الظاهر من تلك الأخبار... أنّه مع الدخول بها ولو مرّة فلافسخ، والفسخ إنّما هو فيما عدا ذلك).
4- جواهر الكلام: ج 30/329، قوله: (وربما قيل بالتفصيل بين ما قبل الوطيء وبعده، للأصل والتصرّف المسقط للخيار، ولما سمعته من النصوص...).

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الثبوت مطلقاً.

وإنْ بقى له ما يمكن معه الوطء ولو بقدر الحشفة، لا خيار لها قولاً واحداً كما في «الجواهر»(1)، وإجماعاً كما في «الرياض»(1)، لاختصاص أدلّة الثبوت بغير هذا الفرض، كما لايخفى .

ثمّ إنّه قال المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»: (الأقربُ عدم فسخها لو كان قد صدر منها ذلك عمداً)(2) انتهى .

وفي «الجواهر»: (ولعلّه لأنّها حينئذٍ هي التي فوّتت على نفسها الانتفاع، كما لا خيار للمشتري لو أتلف المبيع أو عيّبه)(4).

أقول: لو كان مدرك ثبوت هذا الخيار قاعدة الضرر، تمّ ما أُفيد، لكن حيث أنّ مدركه إطلاق الصحيحين، وهو يشمل ما لو صَدَر منها ذلك عمداً، فالأظهر الفسخ.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المتبادر إلى الذهن من قوله: «ابتلي زوجها» في الصحيحين، هو ما لو لم يكن ذلك بتسبيبٍ منها وبفعلها، وهذا غير بعيدٍ، والاحتياط طريق النجاة.

***).

ص: 29


1- رياض المسائل: ج 10/377.
2- قواعد الأحكام: ج 3/65، قوله: (وفي الفسخ بالمتجدّد إشكال. فإن أثبتناه وصدر منها فالأقرب عدم الفسخ).

الجُذام والبَرَص

ثمّ إنّ المشهور(1) بين الأصحاب أنّه لا يردّ الرّجل بعيبٍ غير الأربعة.

وعن ابن الجُنيد(2)، والقاضي(3)، والشهيد الثاني(4)، وجماعة من المتأخّرين(5):

أنّه يردّ بالجُذام والبَرَص.

واستدلّ للأوّل: بالخبر المعتبر بوجود جمعٍ مُجمعين على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان وأبان المانع من اضرار جهالة الراوي المرويّ عن عُبّاد الضبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في العنين، قال:

«إذا علم أنّه عنينٌ لا يأتي النساء، فرّق بينهما، وإذا وقع عليها وقعةً واحدة لم يفرّق بينهما، والرّجل لا يردّ من عيب»(6).

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّه لو تمّت دلالته حيث تكون تلك بالعموم، فيخصّص بصحيح الحلبي المتقدّم في الجنون، الوارد فيه أنّه:

«إنّما يردّ النكاح من البَرَص والجُذام والجنون والعفل»(7).

ص: 30


1- مسالك الأفهام: ج 8/110، قوله: (ما ذكره - المحقّق الحِلّي - من اختصاص الرّجل بالأربعة هو المشهور بين الأصحاب).
2- نقله عن العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/184.
3- المهذّب: ج 2/231.
4- مسالك الأفهام: ج 8/110، قوله: (ودليلهما - أي القاضي وابن الجُنيد - في غير الجُذام والبَرَص غير واضح، أمّا فيهما ففي غاية الجودة).
5- كما في قواعد الأحكام: ج 3/184-185.
6- الكافي: ج 5/410 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/229 ح 26962.
7- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.

وقد مرّ عدم اختصاصه بعيوب المرأة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ النسبة حينئذٍ بين الخبرين عمومٌ من وجه، والترجيح مع النافي، لكونه المشهور بين الأصحاب.

ويمكن دفعه: بأنّ هذه الشهرة الفتوائيّة غير المستندة إلى طرح الخبر بل إلى توهّم اختصاصه بعيوب المرأة، لا تصلحُ أنْ تكون مرجّحةً ، فالمرجع إلى المرجّح الثاني وهو صفات الراوي، وهي تقتضي تقديم الصحيح.

وثانياً: أنّه حيث لا يمكن الجمع بين قوله في الخبر: «والرّجل لا يُردّ من عيب»، وحكمه في صدر الخبر بردّ العنين، فيُحمل الخبر على أنّ المراد به أنّ الرّجل لا يردّ من كلّ عيبٍ ، بل من عيوبٍ خاصّة.

وذكر لدفع توهّم السائل أنّ عدم القدرة على الجماع أزيد من مرّة واحدة أيضاً عيبٌ ، فلِمَ لا يُحكم معه بالتفريق ؟

أو على أنّ المراد أنّ الرّجل لا يردّ من العيوب الحادثة بعد العقد والجماع.

وعلى التقديرين، لا يدلّ على عدم الفسخ بالجُذام والبَرَص كما لا يخفى .

وقد استدلّ لثبوت الخيار لها بهما:

1 - بأنّهما من الأمراض المُعْدِية باتّفاق الأطبّاء، وروي أنّه عليه السلام قال: «فرّ من المَجذوم فرارك من الأسد»(1).

فلابدَّ من طريقٍ إلى التخلّص، ولا طريق للمرأة إلّاالخيار.

2 - وبأنّ النصّ والفتوى متّفقان على أنّهما عيبان في المرأة، مع وجود وسيلة0.

ص: 31


1- الفقيه: ج 3/556-557 ح 4914، وسائل الشيعة: ج 12/49 ح 15612، و: ج 15/344-345 ح 20700.

الرّجل إلى الفراق بالطلاق، وهذا يقتضي كونهما من العيوب الموجبة للفسخ لها في الرّجل بطريق أولى .

3 - وبأداء عدم الخيار إلى الضّرر المنفيّ .

ولكن يرد الأوّل: أنّه يمكن التخلّص مع التضرّر بإجبار الحاكم له بالطلاق، أو انتزاعها منه إلى حصول العلاج، مع أنّه مستلزمٌ لثبوت الفسخ بجميع الأمراض المُعْدية، ولم يقل به أحد.

ويرد الثاني: منه الأولويّة القطعيّة.

ويرد الثالث: ما تقدّم من أنّ قاعدة نفي الضرر لا تصلح لإثبات الخيار، فالصحيح ما ذكرناه.

نعم، لا بأس بذكر الوجه الثاني مؤيّداً له.

العَمى والعَرَج والزِّنا

ثُمّ إنّ المنسوب إلى القاضي(1)، والإسكافي(2): أنّ العَمى من العيوب الموجبة لثبوت الخيار للمرأة.

وعن الإسكافي إضافة العَرَج(3) والزِّنا(4).

واستدلّ للأوّل منها: بأنّ العَمى من العيوب الموجبة للخيار للرجل، فيثبت به الخيار للمرأة، للأولويّة، فإنّ للرجل التخلّص بالطلاق.

ص: 32


1- المهذّب: ج 2/231.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/181.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/186-187.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/206.

واستدلّ لكون الزّنا موجباً له: بجملةٍ من النصوص:

منها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج بإمراةٍ فلم يدخل بها فزنا، ما عليه ؟

قال عليه السلام: يُجلد الحَدّ ويحلق رأسه، ويفرّق بينه وبين أهله، ويُنفى سَنة»(1).

ومنها: خبر طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام، قال:

«قرأتُ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ الرّجل إذا تزوّج المرأة فزنا قبل أن يدخل بها لم تَحِلّ له؛ لأنّه زانٍ ، ويفرّق بينهما، ويعطيها نصف المَهر»(2).

ونحوهما غيرهما.

وأمّا العَرَج: فلا دليل له سوى الأولويّة إنْ ثبت كونه من عيوب المرأة الموجبة للخيار.

ولكن يرد على الأوّل: منع القطع بالأولويّة، والظنيّة منها لا تكفي.

ويرد على الثاني: أنّه بإزاء تلكم النصوص نصوصٌ اُخرى معارضة:

منها: صحيح رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يزني قبل أن يدخل بأهله، أيُرجم ؟ قال عليه السلام: لا.

قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنا قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السلام: لا»(3).

فيجمع بينهما بالحَمل على الاستحباب.

وإنْ أبيتَ عن كون ذلك جمعاً عرفيّاً، فالمتعيّن طرح الأُولى، لمخالفتها للمشهور،6.

ص: 33


1- مسائل عليّ بن جعفر: ص 289 ح 735، وسائل الشيعة: ج 21/236 ح 26984.
2- الفقيه: ج 3/416 ح 4452، وسائل الشيعة: ج 21/237 ح 26985.
3- علل الشرائع: ج 2/502 ح 265، وسائل الشيعة: ج 21/238 ح 26986.

مع أنّ هذه النصوص لا تدلّ على ثبوت الخيار لها، وإنّما تدلّ على لزوم التفريق، مع أنّها في الزّنا بعد العقد قبل الوطء.

وأمّا العَرَج فهو ممنوعٌ أصلاً وفرعاً.

وعليه، فالأظهر عدم كون شيء منها موجباً للفسخ.

***

ص: 34

وسبعة في المرأة: الجنون، والجُذام، والبَرَص، والقَرن، والإفضاء، والعَمى ، والإقعاد.

عيوب المرأة الموجبة لجواز فسخ الزّوج

(و) العيوب الموجبة لثبوت الخيار للزوج (سبعة في المرأة) على المشهور(1)، وهي:

(الجنون، والجُذام، والبَرَص، والقَرن، والإفضاء، والعَمى ، والإقعاد).

أمّا الجنون: فثبوت الخيار به له موردُ اتّفاق النصّ والفتوى(2)، وقد مرّ الكلام فيه موضوعاً وحكماً في عيوب الرَّجل(3)، وقد عرفت أنّه لا فرق بين السابق على العقد واللّاحق، والحكمُ في المقام أوضح، إذ صحيح المتقدّم(4) الذي أشكل بشموله للرجل لا إشكال فيه من هذه الجهة هنا.

أضف إليه: بعضُ نصوصٍ اُخر:

منها: صحيح عبد الرحمن، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البَرَص والجُذام والجنون والقَرن - وهو العفل - ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا»(5).

ص: 35


1- جامع المقاصد: ج 13/234-235.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/358، قوله: (الأوّل: لا خلاف نصّاً وفتوى في أنّ الجنون... من العيوب الموجبة للفسخ).
3- كما تقدّم في الصفحات الأولى من هذا الجزء.
4- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.
5- الكافي: ج 5/409 ح 16، وسائل الشيعة: ج 21/207 ح 26905.

ونحوه غيره(1).

وأمّا الجُذام والبَرَص: فلا خلاف في كونهما من موجبات ثبوت الخيار له(2)، والنصوص المتقدّمة جملةٌ منها شاهدة به، وإنّما وقع الكلام في حقيقتهما:

ففي «الشرائع»(3) وغيرها:

الجُذام هو الذي يظهر معه يبس الأعضاء، وتناثر اللّحم.

أقول: والظاهر كونه مرضاً معروفاً عند أهله، وأثره البيّن ما أُفيد، وبدون ذلك قد لا يَحرز المرض إلّاأهله، والمأخوذ في الدليل هو عنوان الجُذام، فكلّ ما صَدَق عليه ذلك واُحرز ولو بإخبار أهل الخِبرة، يترتّب عليه هذا الحكم.

وأمّا البَرَص: فقد وقع الخلاف في أنّه:

خصوص البياض الذي يظهر في ظاهرالبدن لفساد المزاج، كما عن «القاموس»(4).

أو البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البَلغم، كما في «الشرائع»(5).

أو الأعمّ منه ومن السواد، كما عن الشهيد الثاني في «المسالك» حيث قال فيها:

(إنّه مرض معروفٌ يحدثُ في البدن، يغيّر لونه إلى السواد أو إلى البياض، لأنّ سببه قد يكون غلبة السوداء فيحدُث الأسود، وقد يكون غلبة البلغم فيحدث الأبيض)(6).3.

ص: 36


1- وسائل الشيعة: ج 21/207-211.
2- الحدائق الناضرة: ص 358-359: (وكذا الجُذام متّفق عليه نصّاً وفتوى... وكذا لا خلاف في البَرَص نصّاً وفتوى).
3- شرائع الإسلام: ج 2/541، قواعد الأحكام: ج 3/66.
4- القاموس المحيط: ج 2/295.
5- شرائع الإسلام: ج 2/541.
6- مسالك الأفهام: ج 8/113.

وعن «مجمع البحرين»: (البَرَص لونٌ مختلطٌ حمرةً وبياضاً أو غيرهما، ولايحصل إلّامن فساد المزاج، وخَلل في الطبيعة)(1).

وفي «الحدائق»: (والمفهومُ من دعاء أمير المؤمنين عليه السلام على أنس لمّا لم يشهد بخبر الغدير، فدعا عليه ببياض لا تُواريه العِمامة، أنّ البَرَص هو البياض)(2).

ونحوه في الشهادة بذلك مضمر البصري: «في الرّجل إذا تزوّج المرأة فوجد بها قَرناً وهو العفل، أو بياضاً، أو جذاماً، أنّه يردّها ما لم يدخل بها»(3).

وإنْ كان الأظهر عدم دلالة شيء منهما على الاختصاص، لعدم ثبوت المفهوم لشيء منهما.

وبالجملة: المتيقّن منه هو البياض، وفي غيره لابدّ من الرجوع إلى أهله، فإنْ أُحرز كونه بَرَصاً فلا كلام، وإلّا فلا يكون موجباً للرّد للأصل، قال في محكي «المسالك»:

(إنّه يشتبه بالبهق في القسمين والسببين، قال: والفرق بينهما أنّ البَرَص يكون غائصاً في الجلد واللّحم، والبهق يكون في سطح الجلد خاصّة، ليس له غرزٌ، وقد يتميّزان بأن يُغرز فيه الإبرة، فإنْ خرج منه دمٌ فهو بهق، وإنْ خرج منه رطوبة بيضاء فهو برص)(4) انتهى .).

ص: 37


1- مجمع البحرين: ج 4/163.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/359.
3- الكافي: ج 5/407 ح 12، وسائل الشيعة: ج 21/215 ح 26928.
4- مسالك الأفهام: ج 8/113، قوله: (والمعتبر منه ما يتحقّق كالجذام، فإنّه قد يشتبه بالبهق، لأنّه يشبهه في القسمين والسببين. والفرق بينهما...).

من عيوب المرأة القَرن

وأمّا القَرن: - بسكون الراء وفتحه - فثبوت الخيار له به متّفقٌ عليه(1).

وتشهد به: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيحا الحلبي والبصري المتقدّمان(2).

ومنها: خبر الحسن بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأة، فوجد بها قَرْناً؟

قال عليه السلام: هذه لاتحبل، وينقبض زوجهاعن مجامعتها، تردّ على أهلها» الحديث(3).

ومنها: صحيح عبد الرحمن، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ قال:

«وتردّ المرأة من العَفل والبَرَص والجُذام والجنون، فأمّا ما سوى ذلك فلا»(4).

ومنها: غير ذلك من النصوص الكثيرة الآتية جملة اُخرى منها.

أقول: إنّما الكلام في حقيقته، والكلام فيها وقع في جهات:

الجهة الأُولى : في اتّحاد العفل والقَرن وعدمه، ولا يهمّنا البحث في ذلك بعد تفسير الإمام عليه السلام أحدهما بالآخر، كما في صحيح عبد الرحمن المتقدّم(5)، وذكر كلّ واحدٍ منهما في جملةٍ من النصوص المتقدّمة، فكلّ منهما عيبٌ موجبٌ للرّد إن اختلفا.

الجهة الثانية: في أنّ القَرَن هل هو لحمٌ ينبت في الفَرج(6) أو عظمٌ كالسِّن ينبتُ

ص: 38


1- الحدائق الناضرة: ج 24/362.
2- وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914 و ص 207 ح 26905.
3- الكافي: ج 5/409 ح 17، وسائل الشيعة: ج 21/208 ح 26907.
4- التهذيب: ج 7/425 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26917.
5- وسائل الشيعة: ج 21/207 ح 26905.
6- جمهرة اللّغة: ج 2/793 مادّة (رقن).

في الرّحم يمنعُ من الوطء(1) كما صرّح بكلّ منهما جمعٌ من أهل اللّغة ؟

أقول: الظاهر كونه للأعمّ منهما، بل ومن غيرهما:

فعن «المُغْرِب»: (القَرَن في الفرج مانعٌ يمنع من سلوك الذَكَر فيه؛ إمّا غدّة غليظة، أو لحمة مرتفعة، أو عظم)(2)، ونحوه عن «الصحاح»(3).

وهو المستفاد من النصوص لاحظ التعليل في خبر ابن صالح المتقدّم، ونحوه صحيح الكناني(4).

الجهة الثالثة: في أنّه هل هو عبارة عن شيء يخرجُ من قُبُل المرأة إلى خارج القُبُل، ويكون كالاُدرة للرِّجال، وهي وزان غُرفة، انتفاخ الخُصيتين ؟

أو أنّه عبارة عن شيء يكون في باطن القُبُل ؟

والظاهر كونه أعمّ ولو من حيث هذا الحكم كما يستفاد من مناسبة الحكم والموضوع.

الجهة الرابعة: في أنّه هل يختصّ الحكم:

بما إذا مَنَع القَرن من المُجامعة رأساً؟

أو يعمّ ما لو كان مانعاً عن كمال المجامعة ؟

أم يعمّ ما لو أمكن كمال المجامعة ؟

وجوهٌ وأقوال:6.

ص: 39


1- المصباح المنير: ص 500.
2- المغرب: ج 4/268 باب القاف مع الراء المهملة.
3- الصحاح: ج 5/1769 مادّة عفل، قوله: (العفل شييء يخرج من قبل النساء... شبيه بالادره التي للرّجل).
4- التهذيب: ج 7/431 ح 28، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26966.

نُسِب الأوّل إلى الأكثر(1)، وصاحبُ «الجواهر» رحمه الله يدّعي أنّ المشهور بين الأصحاب هو الثاني.

ويشهد لعدم اعتبار المنع من المجامعة رأساً:

1 - قوله عليه السلام في خبر الحسن، وصحيح الكناني المتقدّمين: «وينقبض زوجها عن مجامعتها».

2 - وصحيح أبي عُبيدة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجل تزوّج امرأةً من وليّها، فوجد بها عيباً بعدما دخل بها؟

فقال عليه السلام: إذا دلّست العَفلاء والبَرْصاء والمجنونة والمُفضاة، ومن كان بها زمانة ظاهرة، فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق»(2).

وحَمْلها على ما لو دَخل بها دُبراً بعيدٌ غايته، سيّما في الأولين، بل لايمكن فيهما.

نعم، الظاهر اعتبار المنع من كمال المجامعة، كما يشهد به التعليل في خبر الحسن وصحيح الكناني.

ولو تمكّن من كمال المجامعة مع الصعوبة، فهل هو ملحقٌ بما لو لم يتمكّن منه، أم يلحقه حكم ما يمكن ؟ وجهان:

من عموم قوله عليه السلام: «وينقبض زوجها عن مجامعتها»، ومن قوله عليه السلام: «هذه لا تُحبل» فإنّه إذا لم يكن في قَعر الرّحم مانعٌ عن كمال المجامعة، فالظاهر أنّها تُحبل، وجهان أظهرهما الثاني.

وأمّا الإفضاء: فقد تقدّم الكلام فيه حُكماً وموضوعاً في باب المصاهرة.).

ص: 40


1- كشف اللّثام: ج 7/367.
2- الكافي: ج 5/408 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/211 ح 26919، جواهر الكلام: ص 334-335، قوله: (بل هو الأقوى لإطلاق الأدلّة... بل ربما احتمل تنزيل كلام الكلّ عليه).

حكم المرأة العمياء

المشهور(1) بين الأصحاب كون العَمى من العيوب الموجبة للخيار.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة، فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟

قال عليه السلام: تردّ على وليّها، ويكون له المَهر على وليّها، وإنْ كان بها زمانة لايراها الرِّجال اُجيزت شهادة النساء عليها»(2).

ومنها: موثّق ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «تردّ البرصاء و العمياء والعرجاء».

وزاد في «الفقيه»: «الجذماء»(3).

وعن ظاهر الشيخ في «المبسوط»: أنّه ليس بعيبٍ حيث عدّ عيوب المرأة وجعلها ستّة ثمّ قال: (وفي أصحابنا من ألحقَ بها العَمى ، وكونها محدودة في الزّنا)(4).

أقول: ويظهر ضعفه ممّا قدّمناه.

فإنْ قيل: إنّ مقتضى مفهوم الحصر في صحيح الحلبي(5)، وقوله عليه السلام في صحيح عبد الرحمن(6)، ورفاعة(7): «فأمّا ما سوى ذلك فلا» عدم الفسخ بالعَمى .

قلنا: إنّ الصحيح والموثّق أخصّان منها، فيقدّمان عليها.

ص: 41


1- الحدائق الناضرة: ج 24/366، الموضع الخامس.
2- التهذيب: ج 7/424 ح 5 وفيه: اُجيز، ذكر صدره في وسائل الشيعة: ج 21/209 الباب 1 ح 26913 والباب 2 ص 213 ح 26924 وذيله في الباب 4 ص 216 ح 26930.
3- الفقيه: ج 3/433 ح 4497، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26916.
4- المبسوط: ج 4/249.
5- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.
6- التهذيب: ج 7/425 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26917.
7- الاستبصار: ج 3/246 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/207 ح 26906.

العَرَج من العيوب الموجبة للخيار

وأمّا العَرَج: فكونه موجباً لثبوت حقّ الفسخ، هو المشهور بين الأصحاب(1).

وعن الشيخ في «الخلاف»(2) و «المبسوط»(3)، والقاضي في «المهذّب»(4)، والصدوق في «المقنع»(5): عدم كونه موجباً له.

أقول: ثمّ إنّ القائلين بكونه موجباً له اختلفوا على أقوال:

منها: ما في المتن و «الشرائع»(6)، و «القواعد»(7)، وعن «الإرشاد»(8) من أنّ الموجب خصوص العَرَج الموجب للإقعاد.

ومنها: ما عن «السرائر»(9) و «المختلف»(10)، و «التحرير»(11) من كون الموجب هو العَرَج البيّن وإنْ لم يبلغ حَدّ الإقعاد.

ومنها: ما عن الإسكافي(12) والشيخين في «المقنعة»(13)، و «النهاية»(14)،

ص: 42


1- جامع المقاصد: ج 13/241.
2- الخلاف: ج 4/346 مسألة 124.
3- المبسوط: ج 4/249.
4- المهذّب: ج 2/231.
5- المقنع: ص 314، قوله: (النكاح لا يردّ إلّامن أربعة أشياء...).
6- شرائع الإسلام: ج 2/541.
7- قواعد الأحكام: ج 3/66.
8- إرشاد الأذهان: ج 2/28.
9- السرائر: ج 2/613، قوله: (وألحق أصحابنا عيباً ثامناً، وهو العَرَج البيّن).
10- مختلف الشيعة: ج 7/187.
11- تحرير الأحكام: ج 3/515.
12- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/186-187.
13- المقنعة: ص 519.
14- النهاية: ص 485.

وسلّار(1)، وأبي الصّلاح(2)، وابن البرّاج في «الكامل»(3)، وابن حمزة(4): وهو كون الموجب له هو العَرَج مطلقاً.

يشهد لكون العَرَج موجباً لثبوت الخيار له مطلقاً: صحيح داود وموثّق محمّد المتقدّمان.

أقول: واستدلّ لعدم كونه من العيوب مطلقاً بالحصر المستفاد من صحاح الحلبي(5) ورفاعة(6) والبصري(7) المتقدّمة، فقد حصر فيها العيوب الموجبة لثبوت الخيار بغير العَرَج، وصرّح في الأخيرين بأنّه لا يُردّ بغير ذلك، وهذا الوجه أوجبَ نوع توقّفٍ في الحكم لصاحب «الحدائق» رحمه الله(8).

ولا يصحّ الجواب عن ذلك بأنّه حيث ثبت كون الإفضاء والعَمى من الموجبات للخيار، وهما ليسا من الأربعة، فلابدّ وأن تُحمل النصوص إمّا على مطلق المرجوحيّة، أو على كون الحصر إضافيّاً، يعني أنّه لا يردّ المرأة من كلّ عيبٍ ، بل من عيوبٍ خاصّة كما عن المحقّق اليزدي رحمه الله.

بل الحقّ في الجواب، هو تسليم دلالتها على الحصر، لكن النسبة بينها وبين الخبرين الدالّين على ثبوت الخيار به هو العموم المطلق، فيقيّد إطلاقها بهما، كما في).

ص: 43


1- المراسم العلويّة: ص 152.
2- الكافي: ص 295.
3- مختلف الشيعة: ج 7/186-187.
4- الوسيلة: ص 311.
5- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.
6- علل الشرائع: ج 2/502 باب 265، وسائل الشيعة: ج 21/238 ح 26986.
7- التهذيب: ج 7/425 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26917.
8- الحدائق الناضرة: ج 24/364، قوله: (أقول: والمسألة عندي لا تخلو من إشكال).

غيره من ما ورد فيه النصّ الخاصّ ، ويبقى إطلاقها في غير ذلك على حاله.

واستدلّ للتقييد بالإقعاد:

تارةً : باستبعاد كون مطلق العَرَج عيباً كما عن الحِلّي(1).

واُخرى : بأنّه وَصَف الزمانة بالظاهرة في صحيح أبي عُبيدة(2) كما عنه(3).

وثالثة: بأنّه في صحيح داود بن سرحان وإنْ وردت كلمة (زمانة)(4)وظاهرها أنّ الرّد منوطٌ بالزمانة، ومفهوم الشرط حجّة كما عن المحقّق الثاني رحمه الله(5).

ورابعة: بأنّ الاقتصار في المخالف للأصل على موضع اليقين أقرب، كما عنه(6) أيضاً.

أقول: وفي الجميع نظر:

إذ الاستبعاد بعد ورود النصّ الصحيح لايثمر شيئاً، كماأنّ الاقتصار على المتيقّن بعد إطلاق الدليل خلافُ القاعدة المسلّمة عند الجميع، من حجيّة أصالة الإطلاق.

ومفهوم الشرط في صحيح داود غير مرتبط بالمقام، وإنّما هو بالنسبة إلى جواز شهادة النساء، قال: «وإنْكان بها زمانة لا يراها الرِّجال اُجيز شهادة النساء عليها».3.

ص: 44


1- السرائر: ج 2/613، قوله: (وألحق أصحابنا عيباً ثامناً، وهو العَرَج البيّن، ذهب إليه شيخنا في نهايته ولم يذهب إليه في مسائل خلافه).
2- الكافي: ج 5/408 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/211 ح 26919.
3- السرائر: ج 2/613، يظهر ذلك من قوله: (وألحق أصحابنا عيباً ثامناً، وهو العَرَج البيّن، ذهب إليه شيخنا في نهايته ولم يذهب إليه في مسائل خلافه. وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه: مسألة، إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي تردّ به، ولم يكن في حال العقد فإنّه يثبت به الفسخ. قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب [السرائر]: الصحيح أنّ كلّ عيبٍ حادث بعد العقد من عيوب النساء لا يردّ به النكاح).
4- التهذيب: ج 7/424 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/209 ح 26913، و ص 213 ح 26924. (5و6) جامع المقاصد: ج 13/242-243.

وصحيح أبي عبيدة لا مفهوم له، كي يدلّ على عدم كون غير الزمانة موجباً للخيار، فلا يُحمل المطلق عليه، لعدم حمله على المقيّد إذا كانا مثبتين.

مع أنّ الزمانة - على ما قيل - أمرٌ آخر غير العَرَج، ومنها ما يكون خفيّاً لا يطّلع عليه إلّاالأذكياء، ولذا حُكي عن الصدوق رحمه الله أنّه جعل الزمانة غير العَرَج، فأثبتَ الخيار بها دونه(1).

وبالجملة: فالأظهر كون العَرَج موجباً للخيار له مطلقاً، ولو استثني منه ما لو يكن بيِّناً على وجهٍ لا يعدّ عيباً عرفاً، كان حسناً.

حكم الزمانة والرَتق

ثمّ إنّ المشهور بين الأصحاب أنّه لا تردّ المرأة بغير السَّبعة المذكورة(2). ولكن هناك اُموراً اُخر ذهب جماعة إلى كونها موجبة للخيار أيضاً:

منها: الزمانة:

وقد مرّ أنّ الصدوق رحمه الله قائلٌ بكونه من موجبات تسلّط الرّجل على الفسخ(3)، وظاهر «المسالك» أيضاً ذلك(4)، وصريحهما أنّها غير العَرَج(5)، وهو الظاهر من

ص: 45


1- المقنع: ص 311، قوله: (وإن تزوّج الرّجل امرأة فوجدها قرناء... أو كان بها زمانة ظاهرة، كان له أن يردّها إلى أهلها بغير طلاق).
2- جامع المقاصد: ج 13/234-235، قوله في بيان أنّ المرأة يختصّ بها سبعة عيوب: (هذا الاختصاص جارعلى المختار في المذاهب).
3- المقنع: ص 311.
4- مسالك الأفهام: ج 7/118، قوله بعد ذكر صححيحة داود بن سرحان: (فإنّ ظاهرها أنّ الرّد منوط بالزمانة).
5- الصدوق ذكر في المقنع: ص 311 أنّ الزمانة الظاهرة من العيوب التي يراد بها النكاح، وفي ص 314 بعد أن ذكر أنّ النكاح لا يراد إلّامن أربعة أشياء، قال: (إلّا أنّه روي في الحديث أنّ العمياء والعرجاء تُردّ). المسالك: ج 8/118، قوله: (مفهوم الزمانة أمرٌ آخر غير المفهوم من العَرَج).

كلمات اللّغويّين:

فعن «المصباح»: أنّ الزمانة مرضٌ يدوم زماناً طويلاً(1).

وعن «الصحاح»: الزمانة آفةٌ تكون في الحيوانات، ورجلٌ زَمِنٌ أي مبتلاً بالزمانة(2).

وفي «المنجد»: الزمانة: العاهة، عدم بعض الأعضاء، تعطيل القوى(3).

وعن «القاموس»: الزمانة: العاهة(4).

ويؤيّده ما في صحيح داود، قال عليه السلام: «وإنْ كان بها زمانة لا يراها الرّجال اُجيز شهادة النساء عليها»(5).

وكيف كان، فيشهد لكونها من موجبات الخيار صحيحا داود والحذّاء(6)المتقدّمان، والظاهر كونها عبارة عن مطلق العيب والنقص الجسماني.

وعليه، فحيث أنّ صحيح داود ليس في مقام بيان أنّها من الموجبات له مطلقاً، بل في مقام بيان أنّ العيب الموجب للخيار إذا كان بحيثُ لا يطّلع عليه الرّجال كالعَفل، اُجيزت شهادة النساء عليه، فلا يُستفاد منه كون كلّ عيبٍ موجباً له.9.

ص: 46


1- المصباح المنير: ص 256 مادّة الزمان.
2- الصحاح: ج 5/2131 مادّة زمن.
3- المنجد: ص 306.
4- القاموس المحيط: ج 4/330.
5- التهذيب: ج 7/424 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/216 ح 26930.
6- الكافي: ج 5/408 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/211 ح 26919.

وأمّا صحيح الحذّاء، فهو في مقام بيان أنّ التدليس من الموجبات، فلا يدلّ على ان العيب مطلقاً كذلك.

وبالجملة: الأظهر أنّ الزّمانة ليست من الموجبات.

ومنها: الرَّتق.

وقد عَدّه بعضٌ من الموجبات للخيار(1).

وفي «الشرائع»: (قيل الرّتق أحد العيوب المسلِّطة على الفسخ، وربما كان صواباً إن منع الوطء)(2).

وعن «كشف اللّثام»: أنّه المشهور(3).

وفي «الجواهر»: (بل لم نعرف أحداً تردّد فيه قبل المصنّف ولا بعده، على ما اعترف به بعض الفضلاء)(4).

والرَّتق على ما ذكره أهل اللّغة هو التحام الفَرج على وجهٍ لا يمكن دخول الذَكَر فيه، راجع «المصباح المنير»(5)، و «القاموس»(6)، و «الصحاح»(7)، وغيرها(8)ونحوه كلمات جمعٍ من الفقهاء(9).7.

ص: 47


1- منهم الشيخ في المبسوط: ج 4/179، وسلّار في المراسم: ص 152، وابن البرّاج في المهذّب: ج 2/231.
2- شرائع الإسلام: ج 2/541.
3- كشف اللّثام: ج 7/370.
4- كشف اللّثام: ج 7/371، قوله: (ولما لم يكن عليه بخصوصه نصٌّ ... تردّد فيه المحقّق ولم أرَ فيه مخالفاً غيره). جواهر الكلام: ج 7/337.
5- المصباح المنير: ص 218.
6- القاموس المحيط: ج 3/343.
7- الصحاح: ج 4/1480، مادّة رتق.
8- كما في لسان العرب: ج 10/114 مادّة رتق.
9- كما في المبسوط: ج 6/13، و قواعد الأحكام: ج 3/67.

وعن «التحرير»: (الرَّتق لحمٌ ينبتُ في الفرج، يمنعُ دخول الذَكَر، وعلى هذا يكون مرادفاً للعفل بأحد معانيه المتقدّمة)(1).

وعن «المسالك»: (وذكر بعضهم أنّ الرتق مرادفٌ للقَرن والعَفل، وأنّ الثلاثة بمعنى واحد، فعلى هذا يكون داخلاً في النصّ )(2).

أقول: وكيف كان:

فإنْ كان مرادفاً للقرن والعفل، فلا كلام.

وإنْ كان غيرهما يمكن أنْ يستدلّ لكونه من موجبات التسلّط على الفسخ بالتعليل في صحيح الكناني(3)، وخبر الحسن بن صالح(4) المتقدّمين.

ومنها: الزِّنا، وقد تقدّم الكلام فيه في مبحث المصاهرة مفصّلاً فراجع(5).

ومنها: الحدُّ بالزِّنا.

فعن أكثر القدماء ثبوت الخيار به للزّوج(6):

لأنّ ذلك من الاُمور الفاحشة التي يكرهها الأزواج، ونفور النفوس منه أقوى من نحو العَمى والعَرَج.

ولزوم العار العظيم به يقتضي كون تحمّله ضرراً عظيماً.

ولما ورد في الزّنا.1.

ص: 48


1- تحرير الأحكام: ج 3/514.
2- مسالك الأفهام: ج 8/120.
3- التهذيب: ج 7/431 ح 28، وسائل الشيعة: ج 21/231 ح 26966.
4- الكافي: ج 5/409 ح 17، وسائل الشيعة: ج 21/208 ح 26907.
5- فقه الصادق: ج 31/299.
6- منهم المفيد في المقنعة: ص 519، والحلبي في الكافي: ص 295، وسلّار في المراسم: ص 152، وابن البرّاج في المهذّب: ج 2/231.

أقول: ولكن النصّ (1) قد مرَّ ما فيه وغيره من الوجوه لا تصلح لإثبات الخيار، سيّما وأنّ بيده الطلاق، وقد دلّت النصوص(2) على حصر موجبات الفسخ فيما ليس ذلك منها.

أضف إلى ذلك كلّه الخبر الذي رواه رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المحدود والمحدودة هل تُردّ من النكاح ؟ قال عليه السلام: لا»(3).

ولذلك ذهب المتأخّرون إلى أنّه ليس بعيبٍ يجوزُ الفسخ(4)، وهو الحقّ .

***9.

ص: 49


1- كما تقدّم في عيوب المرأة الموجبة لجواز فسخ الزّوج.
2- التهذيب: ج 7/425 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26917.
3- الكافي: ج 5/407 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/217 ح 26933.
4- منهم العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/185، وابنه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 3/178-179.

ولا فَسْخ بالمتجدّد بعد العَقد في غير العنَّة، وفي الجنون المتجدّد قولٌ بالفسخ.

العيب المتجدّد بعد العَقد

بقي الكلام في أحكام العيوب زيادةً على ما مرّ (و) نتعرّض لها في ضمن مسائل:

المسألة الأُولى : قد مرَّ أنّه في عيوب الرّجل (لا فسخ ب) العيب (المتجدّد بعد العقد، في غير العنة) والجُبّ (وفي الجنون المتجدّد قولٌ بالفسخ) وهو الأظهر.

وأمّا في عيوب المرأة: فملخَّص القول فيها أنّه:

تارةً : يحدثُ العيب قبل العقد.

واُخرى : يحدثُ بعد العقد والوطء.

وثالثة: يحدثُ بعد العقد وقبل الوطء.

1 - فإنْ كان حادثاً قبل العقد، فلا كلام ولا إشكال في كونه موجباً لثبوت الخيار للزوج.

2 - وإنْ حدث بعد العقد والوطء، فالمشهور بين الأصحاب أنّه لايوجب التسلّط على الفسخ(1).

وفي «الجواهر»: (بل لا أجدُ فيه خلافاً بين العامّة والخاصّة إلّامن ظاهر موضعٍ من «المبسوط»(2)، وصريح آخر(3)، فخيّره مطلقاً، ومن أبي عليّ في

ص: 50


1- جواهر الكلام: ج 30/341، قوله: (فالمشهور نقلاً وتحصيلاً أنّه لا يفسخ به).
2- المبسوط: ج 4/252، قوله: (فإن حدث عيبٌ ... فهل له الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان... والثاني له الخيار وهوالأظهر لعموم الأخبار).
3- المبسوط: ج 4/252-253، قوله: (فأيّهما فسخ نظرت... فإن كان قبل الدخول سقط المَهر... وأما أن كان العيب حدث بعد الدخول، استقرّ المسمّى).

خصوص الجنون(1)، وفي «المسالك» أنّه لا خيار في هذا الصورة اتّفاقاً)(2).

3 - وإنْ تجدّد بعد العقد وقبل الوطء، ففيه قولان:

أحدهما: أنّه لايبيحُ الفسخ، وهوالمشهور شهرة عظيمة، كادت تكون إجماعاً(3).

ثانيهما: أنّ له الفسخ، اختاره الشيخ في «الخلاف»(4)، و «المبسوط»(5).

وعن «المسالك»: (أنّه لا يخلو عن قوّة)(6).

أقول: وقد استدلّ لاختصاص الخيار بالعيب السابق على العقد، باختصاص أكثر الأخبار كما قيل بالسابق:

منها: ما ورد في خبر عبد الرحمن: «تزوّج امرأةً فوجد بها قرناً»(7).

ومنها: ما ورد في خبر الحذّاء: «تزوّج امرأةً من وليّها، فوجد بها عيباً»(8).

ومنها: ما ورد في خبري الكناني والحسن: «تزوّج امرأةً فوجد بها قرناً»(9).

وكذلك في كثيرٍ من النصوص(10).

وأمّا ما يكون مطلقاً: كقوله عليه السلام في صحيح الحلبي: «إنّما يردّ النكاح من البَرَص7.

ص: 51


1- كلّه عن العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/190، جواهر الكلام: ج 30/341.
2- مسالك الأفهام: ج 8/123.
3- جواهر الكلام: ج 30/342.
4- الخلاف: ج 3/349-350 مسألة 128.
5- المبسوط: ج 4/252، قوله: (وإن حدث بها عيب...).
6- مسالك الأفهام: ج 8/125.
7- الكافي: ج 5/407 ح 12، وسائل الشيعة: ج 21/215 ح 26928.
8- الكافي: ج 5/408 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/211 ح 26919.
9- الكافي: ج 5/409 ح 18، وسائل الشيعة: ج 21/214 ح 26927.
10- الكافي: ج 5/409 ح 17، وسائل الشيعة: ج 21/208 ح 26907.

والجُذام والجنون والعفل»(1).

وقوله عليه السلام في صحيح عبد الرحمن: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البَرَص والجُذام والجنون والقَرن»(2).

ونحوهما غيرهما(3) من النصوص المطلقة، فهي:

1 - إمّا لا إطلاق لها، بدعوى كون كلّها في مقام عَدّ العيوب الموجبة للفسخ.

2 - وإمّا أنّها موجبة له مطلقاً، فليست في مقام بيانه أصلاً كما عن المحقّق اليزدي.

3 - أو منصرفة إلى صورة السَّبق على العقد، كما عن سيّد «الرياض»(4).

4 - أو يقيّد إطلاقها بالنصوص الاُخر.

5 - أو بما دلّ عليه النصوص والفتاوى من استحقاق المرأة شيئاً من المُسمّى لو فسخ قبل الدخول، ولا يتأتّى ذلك إلّامع سبق العيب على العقد، حتّى يكون الصداق من أصله متزلزلاً، إذ لو تجدّد العيب بعد العقد - والمفروض استقرار المَهر كما هو المشهور - لابدَّ وأنْ تستحقّ المَهر كاملاً، فيُعلم من ذلك اختصاص النصوص بالسَّبق على العقد.

أقول: وفي الجميع مناقشة:

أمّا منع الإطلاق لكون النصوص في مقام تعداد العيوب، فلأنّه خلاف3.

ص: 52


1- التهذيب: ج 7/424 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26914.
2- الكافي: ج 5/409 ح 16، وسائل الشيعة: ج 21/207 ح 26905.
3- وسائل الشيعة: ج 21/207-211.
4- رياض المسائل: ج 10/383.

الظاهر، إذ أيّ مانعٍ من كونها في مقام تعدادها وثبوت الإطلاق لها، كما هو ظاهرها.

وأمّا دعوى الانصراف فلأنّها بلا منشأ.

وأمّا استحقاق بعض المُسمّى: فيمكن أنْ يكون للمقام خصوصيّة.

وعليه، فقد يتوهّم أنّ المطلقات والمقيّدات حيث لا تنافي بينهما، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد.

ولكن يمكن أنْ يقال: أنّه في صحيح عبد الرحمن علّق الإمام عليه السلام ثبوت الخيار على عدم الوطء، وصرّح فيه بأنّه: «إنْ وقع عليها فلا خيار»، وبه يقيّد إطلاق النصوص، ولا يضرّ عدم اشتماله على جميع العيوب، بعد عدم الفصل بينها في ذلك.

ويؤيّده الإجماع المُدّعى على عدم ثبوت الخيار بعد الوطء.

وأمّا قبل الوطء وبعد العقد، ففي صحيح أبي عُبيدة علّق الإمام عليه السلام ثبوت الخيار على التدليس، وهذا يقتضي السبق، فهو بمفهوم الشرط يدلّ على ثبوته إذا كان بعده، وبه يقيّد إطلاق النصوص.

بل يمكن الاستدلال له بصحيح عبد الرحمن: «إذا تزوّج المرأة فوجدَ بها قرناً...

الخ» بتقريب أنّ الظاهر كون الشرط التزويج بعد العيب.

وعلى هذا، فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على اختصاص الخيار بصورة سبق العيب على العقد.

***

ص: 53

والخيار على الفور.

فوريّة خيار الفسخ

المسألة الثانية: الظاهر من النصوص ثبوت هذا الخيار مطلقاً، من غير تقييده بزمانٍ خاص، (و) لكن الظاهر من الأصحاب(1)، التسالم على أنّ هذا (الخيار على الفور)، وعن غير واحدٍ دعوى الاتّفاق عليه(1).

واستدلّ له: بأنّ الغرض من الخيار دفع الضرر بالتسلّط على الفسخ، وهو يحصل بذلك، فيقتصر فيما خالف الأصل على مقدار ما يحصل به.

وفيه: أنّ الاقتصار على المتيقّن لو تمّ ، فإنّما هو مع عدم وجود مطلقٍ دالٍّ على ثبوت الخيار، وإلّا فلا وجه له، وقد عرفت في المقام وجوده.

وبذلك يظهر عدم تماميّة الاستدلال له بعموم أدلّة لزوم النكاح، بدعوى أنّه المرجع لو ارتفع اللّزوم عن عقدٍ في زمان، وشكّ بعد مضيّه في ثبوت الخيار أو اللّزوم لا استصحاب حكم الخاص، فإنّ ذلك يتمّ مع عدم الإطلاق لدليل الخيار، وإلّا فلا شبهة في أنّ إطلاق المقيّد يقدّم على إطلاق المطلق.

قال صاحب «المدارك»: في مقام الاستدلال له بأنّ في بعض الروايات دلالة عليه(2).

وفيه: لم نعثر عليه، وقد اعترف جدّه بأنّه ليس لهم نصٌّ في ذلك بالخصوص(4).

أقول: وإنْ كان نظره الشريف إلى ما دلّ على سقوط الخيار بالدخول.

ص: 54


1- منهم السيّد العاملي في نهاية المرام: ج 1/338، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/372.
2- نهاية المرام: ج 1/338.

فيردّه: أنّه غير الفوريّة.

وعليه، فالعمدة هو الإجماع، وكفى به مدركاً، فلو علم مَنْ له الخيار كان هوالرّجل أو المرأة، ولم يبادر بالفسخ، لزم العقد.

وهل العلم بالفوريّة شرطٌ في لزوم العقد بتأخير الفسخ، فلو كان جاهلاً وأخّر الفسخ لا يلزم العقد أم لا؟ وجهان:

صرّح في «الرياض»(1) و «الجواهر»(2) بالأوّل، ونفى عنه البُعد الشيخ الأعظم رحمه الله(3)، واستدلّ له:

بأنّ مقتضى إطلاق النصوص، هو ثبوت الخيار مطلقاً، وإنّما خرجنا عنه بالإجماع على الفوريّة، وحيث أنّ المتيقّن منه ما لو علم بالفوريّة، فمع عدم العلم بها يبقى تحت إطلاق النصوص.

وأورد عليه بعض الأجلّة(4): بأنّ الإجماع الذي يكون المتيقّن منه ما إذا علم بالفوريّة أيضاً إنْ كان هو الإجماع على فوريّة هذا الخيار.

ففيه: أنّه مستلزمٌ للدور، إذ على هذا التقدير يتوقّف الإجماع على فوريّة هذا الخيار، على العلم بالفوريّة، المتوقّف على الإجماع على الفوريّة، إذ لا علم بها إلّامن قِبل الإجماع عليها.

وإنْ كان المراد منه هو الإجماع على سقوط هذا الخيار بالعلم بفوريّته.

ففيه: أنّ هذا مستلزمٌ للغويّة هذا الإجماع، إذ لا معنى لفوريّة الخيار إلّاسقوطه بتأخير الفسخ.د.

ص: 55


1- رياض المسائل: ج 10/387.
2- جواهر الكلام: ج 30/343.
3- كتاب النكاح: ص 446، قوله: (ولو جهل أحدهم فلا يبعد معذوريّته إلى زمان العلم، لإطلاق الأخبار...).
4- يحتمل أن يراد منه الخوانساري في جامع المدارك: ج 4/359-360، حيث أشار إلى الشقّ الأوّل من الإيراد.

وليس بطلاقٍ .

وعليه، فمجرّد العلم بفوريّته يكفي في سقوطه بالتأخير، ومعه يكون قيام الإجماع على سقوطه بالعلم بفوريّته لغواً.

أقول: ولكن يمكن اختيار الشقّ الأوّل، ويجاب عن محذور الدور بأنّ الإجماع على الفوريّة لا يتوقّف على العلم خارجاً بها، بل المتوقّف عليه فرض العلم بها، إذ في مقام الإنشاء والإثبات لا يعتبر وجود الموضوع خارجاً والعلم بالفوريّة، وإنْ توقّف على الإجماع، إلّاأنّه لا يلزم محذور الدور حينئذٍ.

وبعبارة اُخرى: إنّ العلم بالجعل دخيلٌ في الفعليّة فتدبّر.

وإنْ شئت قلت: إنّ هذا المحذور هو الذي ذكروه وجها لامتناع أخذ العلم بالحكم في موضوعه، وقد أثبتنا في محلّه إمكانه، سيّما مع تعدّد الدليل فيكون ذلك بنتيجة التقييد.

وبما ذكرناه يظهر أنّه في كلّ موردٍ شُكّ في كون هذا الخيار على الفور، ولم يكن موردُ الإجماع، يُبنى على عدم كونه على الفور، كما لو توقّف ثبوته على المرافعة إلى الحاكم وما شاكل.

المسألة الثالثة: (و) الفسخُ بالعيب (ليس بطلاقٍ ) شرعيّ إجماعاً(1) ونصّاً، وقد صرّح به في صحيح الحذّاء(2) وغيره، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق.

***9.

ص: 56


1- رياض المسائل: ج 10/387.
2- الكافي: ج 5/408 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/211 ح 26919.

عدم اعتبار إذن الحاكم في الفسخ

المسألة الرابعة: لا خلاف ولا إشكال في أنّه إذا صبرت المرأة عالمةً بالحكم والموضوع، راضيةً بالزوجيّة، سقط خيارها من غير فرقٍ بين العنَّة وغيرها من العيوب، لأنّ :

1 - الخيار كما مرّ يكون على الفور، فيسقط بتأخير الفسخ.

2 - ولدلالة النصوص عليه:

منها: خبر أبي البُختري، عن جعفر، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «في العنين فإنْ رضيت أن تُقيم معه ثمّ طلبت الخيار بعد ذلك، فقد سقط الخيار، ولا خيار لها»(1).

ومنها: مرسل الصدوق: «رُوي أنّه متى أقامت المرأة مع زوجها بعدما علمت أنّه عنينٌ ، ورضيت به، لم يكن لها خيارٌ بعد الرضا»(2).

3 - ولأنّه من الحقوق فيسقط بالرضا، والالتزام بالعقد وبالإسقاط.

وإنْ لم ترض بها، وأرادت الفسخ:

ففي غير العَنة، لا خلاف(3) إلّاعن ابن الجُنيد(4) في عدم اعتبار إذن الحاكم.

ويشهد به: إطلاق الأدلّة، وعدم ما يوجبُ تقييده باعتبار إذنه.

وأمّا العنة: فإنْ لم تثبت، لابدّ وأن تصبر حتّى تمضي سنة، بعد مراجعة الحاكم

ص: 57


1- التهذيب: ج 7/431 ح 30، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26969.
2- الفقيه: ج 3/551 ح 4898، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26970.
3- مسالك الأفهام: ج 8/127، قوله: (هذا هو المشهور بين الأصحاب).
4- مختلف الشيعة: ج 7/207، قوله: (وقال ابن الجُنيد: وإذا أريدت الفرقة لم يكن إلّاعند من يجوز حكمه).

ولابدَّ من الحاكم في العنَّة خاصّة.

أو بدونها على ما مرّ(1).

وإنْ ثبتت لا يكون الخيار متوقّفاً على مضيّ السنة كما تقدّم.

وهل يعتبر إذن الحاكم، كما أفاده المصنّف رحمه الله، حيث قال: (ولابدَّ من الحاكم في العنَّة خاصّة)، وإنْ احتمل بعضهم أنْ يكون مراده اعتبار لزوم الرجوع إلى الحاكم لو لم يقرّ الرّجل بها، أو أنّه لابدّ من ذلك في الظاهر، كما هو الشأن في الاُمور المتنازع فيها.

لكن يدفع الأوّل: أنّه لا دليل عليه بالنسبة إلى ما يقتضيه تكليف المرأة.

والثاني: عدم اختصاصه بالعنة.

أم لا يعتبر إذنه، كما هو المشهور(2)؟ وجهان.

أقول: قد استدلّ لاعتبار إذنه بخبر أبي البُختري، عن جعفرٍ، عن أبيه: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: يؤخّر العنين سنةً من يوم ترافع إمرأته، فإنْ خَلُص إليها وإلّا فرّق بينهما» الحديث(3).

ونحوه خبر الحسين بن عُلوان(4).

ويردّه: أنّهما ضعيفان سنداً:2.

ص: 58


1- تقدّم ذلك في أوائل هذا الجزء.
2- مسالك الأفهام: ج 8/126، قوله: (دلّت النصوص على أنّ هذا الفسخ حقّ ثابت لكلّ واحدٍ من الزوجين، وهذا هو المشهور بين الأصحاب).
3- التهذيب: ج 7/431 ح 30، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26969.
4- قرب الإسناد: ص 501 ح 357، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26972.

أمّا الأوّل: فلوهب بن وهب أبي البُختري العامّي الكذّاب(1).

وأمّا الثاني: فلابن عُلوان(2).

والظاهر أنّ مراد المصنّف رحمه الله اعتبار كون المتصدّي للفسخ هو الحاكم، فيفسخ بنفسه أو يأمر به، ويشهد به صحيح أبي حمزة الآتي في العنّين:

«فإذا ذكرتْ أنّها عذراء، فعلى الإمام أن يؤجّله سنة، فإنْ وصل إليها وإلّا فرّق بينهما»(3).

ولكن يرد عليه: اختصاصه بالإمام، وثبوت هذه الوظيفة للحاكم الشرعي لا دليل عليه.

وعليه، فالأظهر أنّه لا يعتبر إذن الحاكم في الفسخ.

ثمّ إنّه مع عدم ثبوت العَنَن، واحتمال ارتفاعه الذي عرفتَ أنّه يجبُ أن تنتظر سنة، فالظاهر أنّ مبدأ ذلك هو ظهور أثر العَنن للزوجة، لا من حين المرافعة إلى الحاكم.

***4.

ص: 59


1- رجال النجاشي: ص 430 رقم 1155، قوله: (وكان كذّاباً).
2- رجال النجاشي: ص 52 رقم 116، قوله: (عامّي).
3- الكافي: ج 5/411 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/233 ح 26974.

ولا مَهر مع الفَسخ قبل الدخول من الرّجل.

حكم المَهر بعد الفسخ

المسألة الخامسة: إذا فسخ الزّوج أو الزّوجة بأحد العيوب السابقة:

فإمّا أنْ يكون ذلك قبل الدخول.

أو يكون ذلك بعده، حيث يجوزُ للجهل بالحال.

وعلى التقديرين:

إمّا أنْ يكون العيب قبل العقد.

أو يكون العيب بعده قبل الوطء.

أو يكون العيب بعد الوطء بناءً على تحقّق الخيار بذلك.

وعلى التقادير الخمسة:

إمّا أنْ يكون الفاسخ هو الزّوج، أو الزّوجة.

وعلى كلّ تقدير: إمّا أنْ يكون هناك مدلّسٌ أم لا.

فالصور عشرون صورة.

أقول: (و) نخبة القول فيها:

ألف: في فسخ الزّوج أنّه (لا مَهر مع الفسخ قبل الدخول من الرّجل) بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1).

ص: 60


1- جواهر الكلام: ج 30/346.

وبعده المُسمّى.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحذّاء، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج امرأةً من وليّها، فوجد بها عيباً بعدما دخل بها؟

فقال عليه السلام: إذا دلّست العَفلاء والبَرْصاء والمجنونة والمُفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة، فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزّوج المَهر من وليّها الذي كان قد دلّسها، فإنْ لم يكن وليّها علم بشيء من ذلك، فلا شيء عليه، وتردّ على أهلها.

قال: وإنْ أصاب الزّوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له، وإنْ لم يصب شيئاً فلا شيء له.

قال: وتعتدّ منه عِدّة المطلّقة إنْ كان دخل بها، وإنْ لم يكن دخل بها فلا عِدّة عليها ولا مَهر لها»(1).

ومنها: صحيح الكناني المتقدّم عن الإمام الصادق عليه السلام «يردّها على أهلها صاغرة ولا مَهر لها»(2).

ومنها: خبر غياث المتقدّم عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ولا صِداق لها»(3).

إلى غير تلكم من النصوص منطوقاً أو مفهوماً.

ب: (و) إنْ كان الفسخ (بعده): أي بعد الدخول، فلها (المُسمّى) بما استحلّ من فرجها.8.

ص: 61


1- الكافي: ج 5/408 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/211 ح 26919.
2- الكافي: ج 5/409 ح 18، وسائل الشيعة: ج 21/208 ح 26908.
3- التهذيب: ج 7/426 ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/210 ح 26918.

ويشهد به:

1 - صحيح الحذّاء المتقدّم.

2 - صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «إنّما يردّ النكاح من البَرَص والجُذام والجنون والعفل.

قلت: أرأيتَ إنْ كان قد دخل بها، كيف يصنع بمهرها؟

قال عليه السلام: المَهر لها بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها»(1).

3 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«في كتاب عليّ عليه السلام من زوّج امرأةً فيها عيبٌ دلّسه، ولم يبيّن ذلك لزوجها، فإنّه يكون لها الصداق بما استحلّ من فرجها، ويكون الذي ساق الرّجل إليها على الذي زوّجها ولم يبيّن»(2).

ونحوها غيرها.

قال الشيخ رحمه الله في «المبسوط»: (إنْ كان الفسخ بالمتجدّد بعد الدخول، فالواجب المُسمّى ، وإنْ كان بعيبٍ موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وَجبَ مَهر المثل، فإنّ الفسخ وإنْ كان في الحال، إلّاأنّه مستندٌ إلى حال حدوث العيب، فيكون كأنّه وقع مفسوخاً حين حَدَث العيب»(3).ف.

ص: 62


1- التهذيب: ج 7/426 ح 12، وسائل الشيعة: ج 21/213 ح 26923.
2- التهذيب: ج 7/432 ح 34، وفي التهذيب (دلّسته) بدل (دلّسه) و (تبين) بدل (يبيّن)، وسائل الشيعة: ج 21/214 ح 26925.
3- المبسوط: ج 4/252-253، والألفاظ منقولة بتصرّف.

ويرجعُ به الزّوج على المُدَلِّس.

فيصير كأنّه وقع فاسداً، فيلحقه أحكام الفاسد، منها وجوب مَهر المثل.

وفيه أوّلاً: أنّه اجتهادٌ في مقابل النصّ .

وثانياً: أنّه وإنْ كان بالعيب السابق، إلّاأن الفسخ لايبطل العقد من أصله، بل من حين الفسخ، ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه، كما أفاده الشهيد الثاني(1) وغيره(2).

ج: ولو كان هناك مدلّسٌ غير الزّوجة، بأنْ زوّجها ولم يبيّن عيبها كما في صحيح محمّد، مع علمه بالعيب، فلا إشكال (و) لا كلام في أنّه (يرجع به الزّوج على المدلّس) متّحداً كان أو متعدّداً، وليّاً شرعيّاً كان أو غيره.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص كصحاح الحذّاء ومحمّد والحلبي المتقدّمة وغيرها، وعليه فلا يُصغى إلى ما قيل من أنّه إنْ كان حقّاً ثابتاً لها بالدخول، فلا رجوع على المدلّس.

نعم، حيث أنّه إذا لم يكن المزوّج عالماً بالعيب، لا يرجع الزّوج إليه، كما صرّح به في النصوص المتقدّمة، مضافاً إلى عدم صدق التدليس حينئذٍ، الذي هو الموضوع في الأخبار.

د: لو أنكر الولي مثلاً عمله بالعيب، وأمكن في حقّه ذلك، فعلى الزّوج إقامة البيّنة.6.

ص: 63


1- مسالك الأفهام: ج 8/130-131.
2- كما في نهاية المرام: ج 1/340، والحدائق الناضرة: ج 24/376.

فإنْ فَقَدها فله عليه اليمين، فإنْ لم يحلف وحَلَف الزّوج، فلا كلام.

وإنْ حَلف، فهل يرجع الزّوج على المرأة، لأنّها الغارّة، حيث لم تُعلِم الوليّ بذلك، أم لا لاعتراف الزّوج بعدم كونها غارّة، لفرض ادّعائه علم الولي بذلك ؟

وجهان، أظهرهما الثاني.

ه: وإنْ كانت الزّوجة هي المدلِّسة، فيرجع الزّوج بالمَهر عليها، كما صرّح به الأصحاب(1)، ويشهد به:

1 - قوله عليه السلام في خبر رفاعة المتقدّم: «ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأةً وزوّجه إيّاها رجلٌ لا يعرف دخيلة أمرها، لم يكن عليه شيء، وكان المَهر يأخذه منها»(2).

2 - وصحيح الحلبي أو حسنه عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ ولّته امرأةً أمرها أو ذات قرابةٍ أو جارٍ لها، لا يعلم دخيلة أمرها، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها؟

قال عليه السلام: يؤخذ المَهر منها، ولا يكون على الذي زوّجها شيء»(3).

و: وإنْ لم يعلم الزّوج مَن المُدلّس، هل هو المزوّج أم الزّوجة ؟ فيَعلمُ بضمان أحدهما، فحينئذٍ:

إنْ أقامت الزّوجة البيّنة على أنّها أعلمت المزوّج بالعيب، فيرجع إليه.

وإلّا فإنْ حلف المزوّج على عدم العلم بالعيب، فيرجع إليها.2.

ص: 64


1- مختلف الشيعة: ج 7/206، قوله: (إذا كانت هي المدلّسة بعد الدخول وتسليم المَهر، فالمشهور أنّه يرجع الزّوج عليها بما دفعه)، جامع المقاصد: ج 13/258، قوله: (أطلق الأصحاب الرجوع بالمهر عليها إذا كانت هي المدلِّسة).
2- الكافي: ج 5/407 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/212 ح 26920.
3- الكافي: ج 5/407 ح 10، وسائل الشيعة: ج 21/212 ح 26922.

وإنْ نكل، فحلفت رجع إليه أيضاً.

ثمّ إنّ المشهور(1) بين الأصحاب أنّه لو كان الرجوع على غير الزّوجة، فلا ريب أنّه يرجع بجميع ما غرمه.

وإنْ كان الرجوع عليها، فلا يرجع بالجميع، بل يجبُ أن يستثنى منه ما يكون مَهراً.

واستدلّوا له: بأنّ الوطء المحترم لا يخلو من مَهرٍ.

وفيه: أنّه اجتهادٌ في مقابل النصوص، وقد صرّح فيها بالرجوع إليها في تمام المَهر، مع أنّه اجتهادٌ غير صحيح، إذ الظاهر أنّ الرجوع عليها بالمهر عقوبة لتدليسها، كما في الرجوع إلى غيرها.

وعلى هذا، فلا يبقى موردٌ للنزاع في أنّ المستثنى هل هو مَهر المَثل كما عن ابن الجُنيد(2) لأنّه قد استوفى منفعة البُضع، فوجب عِوضه، وهو مَهر المثل، أم هو أقلّ ما يتموّل في العادة كما عن الأكثر(3)، اقتصاراً في المخالفة على موضع اليقين.

ز: وإنْ لم يكن هناك مدلّسٌ ، كما لو كان العيب خفيّاً لم تطّلع عليه المرأة، فضلاً عن المتولّي للتزويج، فالظاهر أنّه لا رجوع، لانتفاء المقتضي، ومقتضى إطلاق النصوص المتضمّنة أنّه مع الدخول يثبُت المَهرلها، هو ثبوت المسمّى ، كما لايخفى .

هذا كلّه فيما إذا كان الفسخ من الرَّجل.).

ص: 65


1- جامع المقاصد: ج 13/258، قوله: (الرابع: إذا كان الرجوع بالمهر على غيرها فلا بحث أنّه يرجع بجميع ماغرم، وإنْ كان الرجوع عليها ففي الرجوع بجميع المَهر وجهان:... الثاني: أنّه يجب أن يستثنى ممّا يكون مَهراً... وبه صرّح كبراء الأصحاب).
2- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/206، قوله: (وقال ابن الجُنيد: وإن حكم بالفسخ لأجل العيب وهوبه رجع على المولى، وإلّا قُدّر أقلّ مَهر مثلها).
3- جامع المقاصد: ج 13/258، قوله: (والثاني... وإليه ذهب الأكثر - أقلّ ما يمكن أنْ يكون مَهراً).

ومن المرأة لا مَهر لها قبل الدخول، إلّافي العنة، فيثبتُ نصفه.

ح: (و) أمّا إنْ كان (من المرأة) ف (لا مَهر لها قبل الدخول، إلّافي العنة، فيثبت نصفه) بلا خلافٍ في المستثنى منه(1)، وبلا خلافٍ معتدٍّ به في المستثنى(2).

يشهد للأوّل:

1 - أنّه إذا فسخت الزّوجة العقد، فقد حَلّ بجميع توابعه التي منها استحقاق المزوّجة للمهر.

2 - وعموم العِلّة في خبر السكوني: «في امرأةٍ زنت قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، ولا صداق لها لأنّ الحَدث كان من قِبلها»(3).

بتقريب: أنّه يدلّ على أنّه كلّما كان السبب الموجب لفسخ العقد من قِبل المرأة، لا مَهر لها، هكذا استدلّ الأصحاب.

ولكن يردّ على الأوّل: أنّ الفرض وقوع النكاح صحيحاً، والفسخ لا يبطله من أصله، بل من حين الفسخ، ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه، ولذا لا يرجع عليها بالنفقة الماضية، وحيثُ أنّ المَهر تملكه بالعقد وليس هو عوضاً في باب النكاح، فلا وجه للقول بارتفاع استحقاقها إيّاه بالفسخ.

وأمّا الخبر فهو على خلاف المدّعى أدلّ ، فإنّه يدلّ على أنّ سبب الفسخ إنْ كان6.

ص: 66


1- جواهر الكلام: ج 30/349.
2- جامع المقاصد: ج 13/260، قوله: (ولا يستثنى من ذلك شيء إلّافسخها بعيبه قبل الدخول، فإنّه يوجب نصف المَهر باتّفاق أكثر الأصحاب).
3- التهذيب: ج 7/473 ح 105، وسائل الشيعة: ج 21/218 ح 26936.

من قِبلها لا مَهر لها، وفي المقام سببُ الفسخ من قِبل الزّوج لا الزّوجة.

وعليه، فالعمدة فيه تسالم الأصحاب عليه.

وأمّا المستثنى: فيشهد له صحيح أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«إذا تزوّج الرّجل المرأة الثيّب التي تزوّجت زوجاً غيره، فزعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها...

إلى أنْ قال: فإذا ذكرت أنّها عَذراء، فعلى الإمام أن يؤجّله سنة، فإنْ وصل إليها، وإلّا فرّق بينهما، واُعطيت نصف الصِّداق، ولا عِدّة عليها»(1).

أقول: وأمّا خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن عنّين دلّس نفسه لامراةٍ ما حاله ؟ قال عليه السلام: عليه المَهر، ويفرّق بينهما إذا علم أنّه لا يأتي النساء»(2).

فلضعفه في نفسه، وعدم العمل به، ومعارضته بما هو أشهر وأصَحّ سنداً منه لابدّ من طرحه.

ثمّ إنّه ذكر الشيخ(3) وجملة من الأصحاب(4) أنّه لو فسخت المرأة بالخِصاء ثبت لها المَهر مع الخلوة ويُعزّر، واستدلّ له:

1 - بموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ خصيّاً دلّس نفسه لامراة ؟

فقال عليه السلام: يفرّق بينهما، وتأخذالمرأة منه صداقها، ويوجع ظهره كما دلّس نفسه»(5).

2 - وصحيح ابن مسكان، قال: «بعثتُ بمسألةٍ مع ابن أعين، قلت: سَله عن5.

ص: 67


1- الكافي: ج 5/411 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/233 ح 26974.
2- قرب الإسناد: ص 249 ح 983 (تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام)، وسائل الشيعة: ج 21/232 ح 26973.
3- النهاية: ص 487.
4- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب: ج 2/235، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: ص 463.
5- الكافي: ج 5/411 ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/227 ح 26955.

خِصيّ قد دلّس نفسه لامراةٍ ودخل بها فوجدته خصيّاً؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، ويوجع ظهره ويكون المَهر لها لدخوله عليها»(1).

وفيه: أنّ ظاهر الصحيح هو ثبوت المَهر في صورة الدخول بها، وهو الوطء، لا الخلوة بها.

وأمّا الموثّق فهو مطلقٌ غير مختصّ بالخلوة، ويقيّد إطلاقه بالصحيح المرويّ عن «قرب الإسناد» عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن خِصيّ دلّس نفسه لامراةٍ ما عليه ؟

قال عليه السلام: يوجع ظهره، ويفرّق بينهما، وعليه المَهر كاملاً إنْ دخل بها، وإنْ لم يدخل بها فعليه نصف المَهر»(2).

أقول: الجمع بين النصوص يقتضي البناء على أنّه مع عدم الدخول بها يثبت نصف المَهر.

وأمّا ما عن «الفقه الرضوي»: من ثبوت نصف الصداق مطلقاً(3).

فمضافاً إلى عدم حجيّته، أنّه مطلقٌ قابلٌ للحمل على ما ذكرناه.

وما في «الجواهر»(4) من أنّ ذلك مخالفٌ للقولين، فإنّهما بين مُثبتٍ للنصف مطلقاً كالصدوقين(5) والجميع كذلك.

لا يمنعُ عن الفتوى، إذ المخالفة مع القولين في كيفيّة الجمع بين النصوص لا مانع7.

ص: 68


1- التهذيب: ج 7/432 ح 33، وسائل الشيعة: ج 21/227 ح 26956.
2- قرب الاسناد: ص 248 ح 982، التهذيب: ج 7/473 ح 105، وسائل الشيعة: ج 21/228 ح 26958.
3- فقه الرّضا: ص 237، وسائل الشيعة: ج 15/53 ح 17515.
4- جواهر الكلام: ج 350/30، قوله: (أنّه مخالف للقولين معاً، إذ هما بين مثبت للنصف مطلقاً والجمع بالدخول).
5- راجع فقه الرّضا: ص 237.

وبعده المُسمّى.

منها، مع أنّه لو كان اللّازم مراعاة فتوى الأصحاب، تعيّن البناء على ما في «الرياض» حيث قال:

(وينبغي القطع بالجميع بالدخول لاستقراره به مع عدم الخلاف فيه في الظاهر، والنصف مع عدمه إنْ خلى بها، للوفاق من العاملين بالنصوص عليه، وحينئذٍ يبقى الشكّ في النصف الآخر والاحتياط فيه لا يُترك)(1) انتهى .

ط: (و) ممّا ذكره المصنّف رحمه الله في فسخ الزّوج، يظهر أنّه إنْ كان فسخ الزّوجة (بعده) أي بعد الدخول، كان لها (المُسمّى) الذي استقرّ بالوطء، وبما استحلّ من فرجها، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل حُكي عن بعضهم الإجماع عليه(2).

***).

ص: 69


1- رياض المسائل: ج 10/391 (ط. ج).
2- جواهر الكلام: ج 30/349، قوله: (بلا خلافٍ معتدّ به أجده فيه، بل حكي بعضهم الإجماع عليه).

والقولُ قول المنكر للعيب.

فيما يفصل به النزاع لو تداعيا في العيب

المسألة السادسة: ويدور البحث فيها عن موارد النزاع:

العيب إنْ كان جليّاً، فقَطْعُ المنازعة فيه سهلٌ .

وإنْ كان خفيّاً:

فإنْ كان يمكن علم الغير به، فلا إشكال في أنّ على مُدّعي العيب البيّنة، وعلى منكره اليمين.

وإنْ لم يمكن علم الغير به، لم تُسمع البيّنة، بل لابدّ من إثباته إمّا من إقرار ذيه، أو البيّنة بإقراره، أو اليمين المردودة، أو نكوله عن اليمين، وإنْ لم يردّها بناء على القضاء به.

(و) لو لم يكن شيءٌ من ذلك، ف (القول قولُ المنكر للعيب) مع يمينه، لأصالة السلامة، ولأنّه (يُترك لو تُرِك)، ولصحيح أبي حمزة المتقدّم(1)، ولذا ذكر غير واحدٍ من الأصحاب - بل لا خلاف(2) يعتدّ به بينهم - أنّه إذا وقع النزاع بينهما في العَنة، فإنْ ادّعى الوطء وأنكرته:

فإنْ كانت عذراء، فعليها إقامة البيّنة بأن تنظر إليها من يُوثَق بها من النساء، كما في صحيح أبي حمزة المتقدّم.

ص: 70


1- الكافي: ج 5/411 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/233 ح 26974.
2- الخلاف: ج 4/357 مسألة 140.

وإنْ كانت ثيّباً، حشاها القابلة الخَلُوق، فإنْ ظهر على العضو صُدّق كما في خبر عبد اللّه بن الفضل(1)، أو تستذفر بالزّعفران ثمّ يَغسل ذكره فإنْ خَرَج الماءُ أصفر صَدّقه كما في خبر غياث(2).

وإنْ لم يدّع الوطء، لا يثبت العنة إلّابإقرار الزّوج أو البيّنة بإقراره، أو اليمين المردودة، أو نكوله عن اليمين.

ولو لم يكن كذلك، فادّعتِ عَنته وأنكر، فالقولُ قوله مع يمينه، ولا تُسمع منها البيّنة على العَنن، لكونه لا يعلم إلّامن قبله، لكونه أعمٌّ من العجز عن وطء إمرأته بخصوصها.

أقول: وأُورد على ما ذكروه في المقام بإيرادين:

أحدهما: ما عن الشهيد الثاني رحمه الله قال: (يُشكل ثبوته باليمين المردودة، بناءً على أنّها كالبيّنة، فإنّها حينئذٍ كالبيّنة منها، والفرض عدم سماعها منه، فكذا ما قام مقامها)(3).

وفيه: أنّ المراد كونها بحكم البيّنة المسموعة في إثبات الحقّ ، لا أنّها بحكمها في السّماع وعدمه.

ثانيهما: أنّه إنْ أمكن إطّلاع الغير عليها، فلِمَ لا تُسمع منها البيّنة، وإنْ لم يُمكن الاطّلاع عليها، فلِمَ يُسمع دعوى الزّوجة مع يمينها عليه ؟!

وفيه: أنّه فرقٌ بين الزّوجة وغيرها، بإمكان إطّلاعها عليها بمرور الأيّام، وتكرّر الأحوال، وتعاضد القرائن، بخلاف غيرها.2.

ص: 71


1- الكافي: ج 5/411 ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/233 ح 26975.
2- الكافي: ج 5/412 ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/234 ح 26976.
3- مسالك الأفهام: ج 8/132.

ويؤجّل الحاكمُ العنّين مع المرافعة

والمنسوب إلى الصدوقين(1) وابن حمزة(2): أنّه يُقام العنّين في الماء البارد، فإنْ تقلّص وتشنَّج ذَكره حُكِم بقوله، وإنْ بقي مسترخياً حُكم لها.

ويشهد به: مرسل الصدوق، قال: «قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا ادّعت المرأة على زوجها أنّه عنينٌ وأنكر الرّجل أنْ يكون ذلك، فالحكم فيه أن يقعد الرّجل في ماء بارد، فإنْ استرخى ذَكَره فهو عنينٌ ، وإنْ تشنّج فليس بعنين»(3).

والخبر معتبرٌ؛ لأنّ الصدوق ينسبه إلى المعصوم جزماً، وقد مرّ غير مرّة أنّ مثل هذا المرسل حجّة إنْ كان المُرْسِل ثقة، ويؤيّده قول الأطبّاء.

وعليه، فالعنة ليست من العيوب التي لا يُمكن الاطّلاع عليها فتسمع بيّنتها.

أقول: قد روى الصدوق رحمه الله رواية اُخرى في معرفة العنة، قال:

(وفي خبرٍ آخر أنّه يُطعم السَّمك الطري ثلاثة أيّام، ثمّ يقال له بُلْ على الرّماد، فإنْ ثقب بوله الرّماد فليس بعنّين، وإنْ لم يثقب بوله الرّماد فهو عنين»(4).

لكنّه مرسلٌ غير معتبر.

(و) كيف كان، فلو ثبت العَنَن:

فإنْ صَبَرت عالمةً بالحُكم والموضوع، ورضيت، فلا كلام.

وإنْ لم تصبر، بل رفعت أمرها إلى الحاكم (يؤجِّلُ الحاكم العِنِّين مع المرافعة8.

ص: 72


1- فقه الرضا: ص 237، ونسبه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/199 إلى الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة، المقنع: ص 322.
2- الوسيلة: ص 311، قوله: (وتعرف - العنة - بأحد ثلاثة أشياء:... وباسترخاء الذكر إذا جلس في الماء البارد).
3- الفقيه: ج 3/550 ح 4892، وسائل الشيعة: ج 21/234 ح 26977.
4- الفقيه: ج 3/550 ح 4893، وسائل الشيعة: ج 21/234 ح 26978.

سنةً ، فإنْ وطأها أو غيرها فلا فسخ، وإلّا فسخت، ولها نصف المَهر.

سنةً ) لأنْ يعالج نفسه، (فإنْ وطئها أو غيرها فلا فسخ، وإلّا فسخت، ولها نصف المَهر) كما تقدّم(1) الكلام في ذلك كلّه مفصّلاً.

***ء.

ص: 73


1- تقدّم في اوائل هذا الجزء.

التدليس

أقول: قبل بيان التدليس موضوعاً وحكماً، لابدَّ من بيان أمرٍ يترتّب عليه فروع كثيرة، وهو:

أنّ لزوم عقد النكاح، هل هو لزومٌ حكمي لكي لا يكون قابلاً للفسخ، ويكون شرط الخيار فيه منافياً لمقتضى العقد، بل مخالفاً للكتاب والسُّنة ؟

أم يكون حقيّاً قابلاً لذلك كالبيع، ويترتّب على ذلك مجيء خيار العيب فيه مطلقاً، وخيار تخلّف الشرط والوصف وغيرها وعدمه ؟

والجواب: أنّ الحقّ هو الأوّل لعدم مشرعيّة التقايل فيه اتّفاقاً، وللاتّفاق المدّعى عن «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2)، و «السرائر»(3)، و «جامع المقاصد»(4)، و «المسالك»(5) وغيرها(6) على أنّه لا يدخله خيارُ الشرط، ولا يصحّ شرط الخيار فيه، وفي «الجواهر»: (بل لعلّ منافاته لعقد النكاح من ضروريّات الفقه)(7).

ويمكن أنْ يستدلّ له: بإطلاق دليل لزومه، فإنّ مقتضى ذلك عدم سقوط اللّزوم إلّابما ورد فيه النصّ الخاص، وعلى ذلك بنينا على أنّ الأصل في كلّ ماشكّ

ص: 74


1- الخلاف: ج 4/292 كتاب النكاح مسألة 59.
2- المبسوط: ج 194/4، قوله: (عقد النكاح لايدخله خيار المجلس بإطلاق العقد ولا خيار الشرط بلا خلاف...).
3- السرائر: ج 2/575.
4- جامع المقاصد: ج 13/394-395.
5- مسالك الأفهام: ج 8/256، قوله: (المشهور بين الاصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار فيه).
6- كما في كشف اللّثام: ج 7/54 (ط. ج).
7- جواهر الكلام: ج 29/149.

في أنّه حقٌّ قابلٌ للإسقاط أو حكمٌ غير قابل له، هو البناء على الثاني، إلّاأن يثبت الأوّل.

فإنْ قيل: إنّ مقتضى عموم دليل لزوم(1) الشرط هو دخول خيار الشرط في جميع العقود، منها النكاح.

قلنا: إنّه قيّد إطلاق ذلك الدليل في النصوص الاُخر(2) بالشرط المخالف للكتاب والسُّنة، وإذا كان لزوم النكاح حُكميّاً لم يشمله دليل الشرط، ومع الشكّ فيه يُشكّ في مصداق المُخصّص، والثابت عدم صحّة التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

ولو شرط الخيار فيه بَطَل العقد أيضاً، لا لما قيل من أنّ الشرط الفاسد يُفسد العقد، لأنّه قد حقّقناه في محلّه من هذا الشرح(1) أنّه لا يُفسد العقد، بل من جهة أنّ شرط الخيار مرجعه إلى تحديد الزوجيّة بما قَبل الفسخ، وهذا ينافي قصد الدوام أو المؤجّل إلى أجلٍ معلوم، وهذا بخلاف سائر الشروط، فإنّ مرجعها إلى تعليق الالتزام بترتيب الآثار على وجودها، لا جعل الخيار على تقدير التخلّف.

فالمتحصّل: أنّ عقد النكاح لازمٌ ذاتاً، لا يحكم بجواز فسخه إلّافيما دلّ عليه دليلٌ خاص.

أقول: إذا عرفت هذا، فاعلم أنّه وقع النزاع في التدليس موضوعاً من جهتين:

الأُولى: أنّه هل يصدق بمجرّد عدم الإخبار بالعيب مع خفائه، أم يعتبر فيه كتمان العيب، وإظهار عدمه ؟

والظاهر هو الأوّل، كما يشهد به النصوص المتقدّمة في العيوب.

الثانية: أنّه هل يختصّ بالعيب، أم يعمّ فقد الكمال أيضاً؟8.

ص: 75


1- فقه الصادق: ج 26/268.

ولو تزوّجها حُرَّةً فبانَت أمَة فسخ، ولا مَهر إلّامع الدخول، فيرجع به على المُدلِّس، وكذا لو شُرطت بنت مَهيرة فخرجتْ بنتُ أمَة، ولو تزوّجته حُرّاً فبانَ عبداً فلها الفسخ، والمَهرُ بعد الدخول لا قبله.

والظاهر في هذا المقام عمومه له، بشرط كون صفة الكمال ممّا تقاولا عليه أو اشترطا وجوده.

وعليه، فالنسبة بين العيب والتدليس عمومٌ من وجه:

والمجمع: ما لو دلّس بالعيب.

ومورد افتراق التدليس: ما لو اشترط صفة الكمال مع فقده لها.

ومورد افتراق العيب ما لو كان العيب خفيّاً على الزّوجة ووليّها.

ثمّ إنّه - مضافاً إلى أنّه لا دليل عليثبوت الخيار بالتدليس في المقام مطلقاً، وقد عرفت أنّ الأصل لزوم النكاح - يدلّ على عدم ثبوته بغير التدليس بالعيوب الخاصّة، النصوص المتقدّمة(1) المصرّحة منطوقاً ومفهوماً بذلك، (و) لذلك اقتصر الفقهاء في الحكم بثبوت الخيار بالتدليس على التدليس بأمورٍ مخصوصة:

منها: ما (لو تزوّجها حُرّة فبانَت أمَة) قالوا (فَسَخَ ولا مَهر إلّامع الدخول، فيرجع به على المدلّس).

(وكذا) منها: (لو شرطت بنت مَهيرةٍ (2) فخرجت بنت أمَة).

(و) منها: ما (لو تزوّجته حُرّاً فبانَ عبداً) قالوا (فلها الفسخ، والمَهر بعد الدخول لا قبله).4.

ص: 76


1- تقدّمت في أوائل هذا المجلّد.
2- المهيرة: أي الغالية المَهر، كما في لسان العرب: ج 5/184.

وقد دلّ على جميع ذلك النصوص، لكن تركنا التعرّض لها على مبنانا من عدم الاشتغال بذكر ما لا موضوع له، وصرف الوقت فيما هو أهمّ .

لو تزوّج امرأة بشرط كونها بكرا فوجدها ثيّباً

منها: ما لو تزوّج امرأةً وشرط كونها بِكْراً فوجدها ثيّباً، وثبت بإقرارها أو بالبيّنة أنّها كانت كذلك قبل العقد:

فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّ له الفسخ.

وفي «الجواهر»: (ولعلّه لا خلاف فيه ولا إشكال)(2).

لكن في «كشف اللّثام»: أنّ ظاهر الأكثر وصريح بعض عدم الخيار(3).

وفي «الرياض»(4): نسبة عدم الخيار إلى المحكي عن الأكثر.

واستدلّ لثبوت الخيار بوجوه:

الوجه الأوّل: عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط(5).

وفيه: ما تقدّم(6) من أنّه لا يقتضي ثبوت الخيار في عقد النكاح.

الوجه الثاني: صحيح محمّد بن القاسم بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام:

ص: 77


1- جامع المقاصد: ج 13/301-302، قوله: (وتحقيق ذلك يقع في مقامين: الأوّل: الفسخ... وهذا هو الظاهر من كلام جمع من الأصحاب).
2- جواهر الكلام: ج 30/376.
3- كشف اللّثام: ج 7/389، قوله: (فالأقرب أنّ له الفسخ، عملاً بقضيّة الشرط، خلافاً لظاهر الأكثر وصريح بعض) (ط. ج).
4- رياض المسائل: ج 10/404 (ط. ج).
5- وسائل الشيعة: ج 18/16-17.
6- كما تقدّم في الصفحة السابقة.

«في الرّجل يتزوّج المرأة على أنّها بِكْرٌ فيجدها ثيّباً، أيجوز له أن يقيم عليها؟

قال: فقال عليه السلام: قد تفتق البِكر من الرَّكب ومن النزوة»(1).

بتقريب: أنّه يدلّ على أنّ عدم الفسخ إنّما يكون لأجل احتمال تجدّد الثيبوبة بسببٍ خفيّ ، فمفهومه ثبوت الخيار فيما لم يحتمل تجدّدها.

وفيه أوّلاً: أنّه لم يسأل عن الفسخ وعدمه، بل عن جواز القيام معها وعدمه، ولعلّ وجهه احتمال السائل أن لا يجوز له، أو يكون مرجوحاً لكشف الثيبوبة عن فجورها، وأنّها زانية، فلا ربط له بالخيار مفهوماً ومنطوقاً.

وثانياً: أنّ مفهومه - على فرض تسليم ما أُفيد - هو ثبوت الفسخ لو ثبت كون الثيبوبة حاصلة بغير الاُمور المذكورة فيه، سواءٌ سبقت العقد أو تجدّدت بعده.

الوجه الثالث: صحيح محمّد بن جزك، قال:

«كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجلٍ تزوّج جاريةً بِكْراً فوجدها ثيّباً، هل يجبُ لها الصداق وافياً أم ينتقص ؟

قال عليه السلام: ينتقص»(2).

بتقريب: أنّ الأرش في باب البيع يكون أحد طرفي الخيار، فلابدّ وأنْ يكون في هذا الباب أيضاً كذلك.

وفيه: أنّه قياسٌ مع الفارق، لكون لزوم البيع حقيّاً، ولزوم النكاح حكميّاً.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوت الخيار له.

أقول: ثمّ إنّه على المختار من أنّه ليس له الفسخ، وكذا على القول الآخر لو6.

ص: 78


1- التهذيب: ج 7/428 ح 16، وسائل الشيعة: ج 21/223 ح 26945.
2- الكافي: ج 5/413 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/223 ح 26946.

اختار البقاء، أو إذا احتمل تجدّد الثيبوبة، فهل له أن ينقص من مَهرها شيئاً كما عن المشهور(1)، أم لا كما عن الحلبي(2) وابن البرّاج(3)؟

وجهان، أظهرهما الأوّل لصحيح محمّد بن جزك المتقدّم، ومعه لا يُصغى إلى دعوى أنّ الأصل يقتضي عدم النقصان، فلا إشكال في أصل النقصان، إنّما الكلام في مقداره، وفيه أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «النهاية»(4) من أنّه ينقص منه شيءٌ في الجملة.

2 - ما عن القطب الراوندي(5) من أنّه ينقص منه السُّدس.

3 - ما عن المصنّف رحمه الله في «القواعد»(6)، و «التحرير»(7)، و «الإرشاد»(8)، والحِلّي في «السرائر»(9)، والمحقّق في «الشرائع»(10) من أنّه ينقص من المُسمّى مقدار ما بين مَهر البِكْر إلى مَهر الثيّب، نصفٌ أو ثلثٌ أو غيرهما.ة.

ص: 79


1- مسالك الأفهام: ج 8/149.
2- الكافي في الفقه: ص 296.
3- المهذّب: ج 2/213، قوله: (وإذا تزوّج امرأة على أنّها بِكْر فوجدها ثيّباً، جاز أن ينتقص من مَهرها شيئاً وليس ذلك بواجب).
4- النهاية: ص 475، قوله: (ومتى تزوّج الرّجل بامرأة على أنّها بِكر فوجدها ثيباً، فإنّه يجوز أن ينتقص من مَهرها شيئاً).
5- حكاه عنه المحقّق في نكت النهاية: ج 2/361.
6- قواعد الأحكام: ج 3/70-71.
7- تحرير الأحكام: ج 3/543، قوله: (السابع: لو تزوّج وشرط البكارة، فخرجت ثيباً لم يكن له الفسخ، وكان له أن ينقص من مَهرها شيئاً، وهو ما بين مَهر البِكر والثيب، ويرجع فيه إلى العادة).
8- إرشادالأذهان: ج 2/29-30، قوله: (ولو شرطالبكارة، فظهرت ثيباً فلا فسخ... وله أن ينقص ما بين المَهرين).
9- السرائر: ج 2/591.
10- شرائع الإسلام: ج 2/544 المسألة الخامسة.

4 - ما عن المحقّق(1) أيضاً، و «المسالك»(2)، و «المدارك»(3) من إحالة تقدير ذلك إلى نظر الحاكم.

5 - ما في «الجواهر»(4) من أنّه النصف.

واستدلّ للأخير: بالنصوص(5) المستفيضة الواردة في رَدّ الأمَة المدلّسة، الدالّة على أنّ لمولاها العُشر إنْ كانت بِكْراً، ونصف العُشر إنْ كانت ثيباً، الظاهرة في أنّ التفاوت بين البكارة والثيبوبة هو النصف، من غير فرقٍ بين الأمَة وغيرها، وإنْ اختلفتا من جهة أنّ النصف في الأمَة نصف عُشر القيمة، وفي غيرها نصف المَهر.

أقول: هذا وإنْ كان استحساناً لطيفاً، لكنّه لا يصلح مدركاً للحكم الشرعي، لاحتمال الاختصاص بالأمَة وبالبيع.

واستدلّ لما قبله: بانتفاء تقدير النصّ شرعاً، مع الحكم بأصله، فيرجع فيه إلى نظر الحاكم كما هو الشأن في كلّ ما لا تقدير له شرعاً كالتعزيرات، ودية الأطراف ونحوهما، ولا بأس به إذا لم يستفد من الأدلّة القول الثالث.

واستدلّ للثاني: بأنّ كلمة (الشيء) في عُرف الشرع هو السُّدس، ولذا يُحمل عليه في الوصيّة، فكذا هنا.

وفيه: أنّه لم تُذكر كلمة (الشيء) في الرواية.

واستدلّ للأوّل: بإطلاق لفظ النقصان.

وفيه: أنّ الظاهر من السؤال والجواب الإيكال إلى نظر العرف، ومن الضروري8.

ص: 80


1- النهاية ونكتها: ج 2/326.
2- مسالك الأفهام: ج 8/151.
3- نهاية المرام: ج 1/358، النظر الثاني في المهور.
4- جواهر الكلام: ج 30/378.
5- وسائل الشيعة: ج 21/185-188.

أنّ المركوز في الأذهان هو تفاوت ما بين مَهر البِكر ومَهر الثيّب.

وإنْ شئت قلت: إنّ ظاهر سؤال السائل: «أو ينقص» هو السؤال عن نقص ما بإزاء البِكارة، فالجواب بأنّه: «ينقصُ » يكون ظاهراً في ذلك أيضاً.

وعليه، فالأظهر هو القول الثالث.

ومنها: ما لو تزوّج امرأةً وانتسب نفسه إلى قبيلةٍ ، فبانَ من غيرها، أعلى أو أدون، كان لها الخيار.

واستدلّ له: بخبر الحلبي: «في رجلٍ يتزوّج امرأةً فيقول لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك ؟

قال عليه السلام: تفسخ النكاح أو قال: تردّ»(1).

ونحوه مرسل «السرائر»(2).

ولا يعارضه المرسل الذي رواه ابن البرّاج قال:

«روي أنّ الرّجل إذا ادّعى أنّه من قبيلةٍ معيّنةٍ ، وعقد له على امرأةٍ ، ثمّ ظهر أنّه من غيرها أنّ عقده فاسد»(3).

لإرساله، وعدم اعتماد الأصحاب عليه، وليس في النصّ اشتراط ذلك، ولذا كان المحكيّ عن ظاهر أبي عليّ (4)، و «النهاية»(5)، و «الخلاف»(6)، و «الوسيلة»(7)د.

ص: 81


1- التهذيب: ج 7/432 ح 35، وسائل الشيعة: ج 21/235 ح 26979.
2- السرائر: ج 2/611، وسائل الشيعة: ج 21/236 ح 26981.
3- المهذّب: ج 2/239، وسائل الشيعة: ج 21/236 ح 26982.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/199، قوله: (قال ابن الجُنيد: ولو انتسب أحد الزوجين إلى نسب أو صناعة ولم يكن كذلك، كان النكاح منفسخاً إنْ لم يرضه الآخر بعد علمه به).
5- النهاية: ص 498، قوله: (وإذا انتمى رجل إلى قبيلة بعينه وتزوّج فوجد على خلاف ذلك أبطل التزويج).
6- الخلاف: ج 4/286 مسألة 154.
7- الوسيلة: ص 311 فصل في بيان العيب المؤثِّر في فسخ العقد.

الخيار وإنْ لم يشترط ذلك في العقد.

ولكن حيث يكون مورد النصّ هو مجرّد ادّعاء الانتساب إلى قبيلةٍ من دون أن يشترط ذلك في ضمن العقد، أو وقوعه مبنيّاً عليه، ولم يفتِ الأصحاب بذلك، فهو مُعْرَضٌ عنه، فلا يبقى موردٌ لدعوى ثبوت ذلك في صورة الاشتراط بالأولويّة.

***

ص: 82

الفصل السابع: في المَهر:

وهو عوض البُضع، وتملكه المرأة بالعقد.

(الفصل السابع): (في المَهر)

اشارة

ويُسمّى الصداق - بفتح الصّاد وكَسرها - والنِحْلة، والأجر، والفريضة، والعَقر، والصَدُقة - بفتح الصاد مع ضمّ الدالّ ، سكونها وفتحها - والحِباء، والعليقة، والطول.

أقول: وإنْ نوقش في صدق بعض الأسماء المزبورة، ولكن لعدم الطائل تحت البحث عن ذلك، فالصفح عنه أولى .

(وهو) كما في المتن وعن غيره (عِوض البُضع).

وعن «المسالك»: (أنّه في الشرع اسمٌ لما وَجَب في مقابلة البُضع، بنكاحٍ أو وطءٍ أو موتٍ أو تفويتِ البُضع قهراً»(1).

وقد تقدّم ما في جعله عوض البضع من الإشكال، ولكن الأمر في ذلك أيضاً سهلٌ .

(و) كيف كان، فالكلام فيه في طيّ مباحث:

المرأة تملك تمام المَهر بالعقد

المبحث الأوّل: المشهور(2) بين الأصحاب أنّ المَهر (تَملكه المرأة بالعقد) بل عن

ص: 83


1- مسالك الأفهام: ج 8/157 قوله: (هو جمع مَهر، وهو مال يجب بوطأ غير زنا منها ولا ملك يمين، أو بعقد النكاح، أو تفويت بضع قهراً على بعض الوجوه).
2- مسالك الأفهام: ج 8/258.

الحِلّي(1) نفي الخلاف فيه، واستدلّ له:

1 - بالآية الكريمة: (وَ آتُوا اَلنِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ) (2) لأنّه أضاف الصدقات إليهنّ ، الكاشف ذلك عن الاختصاص.

2 - وللأمر بالدفع إليهنّ .

3 - وبأنّه مقتضى القاعدة، فإنّ المملّك للمَهر هو العقد، كان ذلك بإزاء استحقاق الانتفاع بالبُضع أم لم يكن.

أمّا على الثاني: فواضح.

وأمّا على الأوّل: فلأنّه يملك الزّوج البُضع بالعقد، فتملك المرأة عوضها به.

4 - وبالنصوص الدالّة على أنّ النماء المتخلّل بين العقد والطلاق لها:

منها: موثّق عبيد بن زرارة قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ تزوّج امرأةً على مائة شاة، ثمّ ساق إليها الغنم، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، وقد ولدت الغنم ؟

قال عليه السلام: إنْ كانت الغنم حَمَلت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها، وإنْ لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها ولم يرجع من الأولاد بشيء»(3).

ونحوه غيره، إذ لو لم يكن المَهر بتمامه مِلْكاً لها، لما كان وجهٌ لكون النماء بتمامه لها.

5 - وبالنصوص(4) الدالّة على وجوب المَهر أجمع بالموت، فإنّ إطلاقها يشمل ما لو لم يدخل بها.ر.

ص: 84


1- السرائر: ج 2/639.
2- سورة النساء: الآية 4.
3- الكافي: ج 6/106 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 4. وسائل الشيعة: ج 21/293، باب 34 من أبواب المهور، حديث 27114.
4- وسائل الشيعة: ج 21/326-334 باب 58 من أبواب المهور.

6 - وبالأخبار(1) الآتية الدالّة على وجوب نصف المَهر عليها لو أبرأته من الصداق، ثمّ طلّقها قبل الدخول، معلّلة بأنّها إذا جعلته في حِلّ منه فقد قبضته، إذ لو لم تكن مالكة لتمام الصداق، لم يكن إبرائها قبضاً لتمام الصداق، بل كان قبضاً للنصف، ويترتّب عليه عدم وجوب النصف عليها.

7 - وبما دلّ من الأخبار على أنّ الصداق لو زاد عندها زيادةً متّصلة، عليها نصف قيمته يوم دفعها إليها:

منها: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «في الرّجل يتزوّج امرأةً على وصيفٍ ، فيكبر عندها، ويريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها»(2).

إلى غير تلكم من النصوص الواردة في الأبواب المختلفة المستفاد منها ذلك.

أقول: وبإزاء ذلك كلّه طوائف من النصوص:

منها: ما دلّ على أنّ المَهر إنّما يجبُ بالدخول:

1 - صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أدخله وجبَ الغُسل والمَهر والعِدّة»(3).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «إذا التقى الختانان وَجَب المَهر والعِدّة»(4).3.

ص: 85


1- وسائل الشيعة: ج 21/301 باب 41 من أبواب المهور.
2- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح وما لا ينعقد ح 57، وسائل الشيعة: ج 293/21 باب 34 من أبواب المهور، حديث 27115.
3- الكافي: ج 6/109 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 6. وسائل الشيعة: ج 21/319 باب 54 من أبواب المهور حديث 27181.
4- الكافي: ج 6/109 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 6. وسائل الشيعة: ج 21/319 باب 54 من أبواب المهور، حديث 27183.

3 - وخبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «سأله متى يجب المَهر؟ قال عليه السلام:

إذا دَخَل بها»(1).

ونحوها غيرها(2).

ولكن هذه النصوص غير ظاهرة في عدم تملّكها المَهر ما لم يدخل بها، فإنّها متضمّنة للوجوب بالدخول، ومفهومه عدم الوجوب والثبوت والاستقرار ما لم يدخل بها، فيكون الوجوب في هذه النصوص نظير الوجوب في قوله عليه السلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا وجبَ البيع»(3).

نعم، خصوص خبر يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يوجبُ المَهر إلّا الوقاع في الفَرج»(4) ظاهرٌ في عدم التملّك ما لم يدخل بها.

أقول: ولكن للاتفاق نصّاً وفتوىً (5) على تملّكها نصف الصداق بالعقد على كلا القولين، وللأدلّة المتقدّمة، يُحمل هذا الخبر أيضاً على ما تقدّم.

ومنها: ما دلّ على إعطاء نصف نماء الصداق إيّاها لو طلّقها قبل الدخول كصحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلٍ تزوّج امرأةً على بستانٍ له معروف، وله غِلّة كثيرة، ثمّ مكث5.

ص: 86


1- التهذيب: ج 7/464 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 68. وسائل الشيعة: ج 21/320 باب 54 من أبواب المهور، حديث 27187.
2- وسائل الشيعة: ج 21/319-320 باب 54 من أبواب المهور.
3- الكافي: ج 5/170 باب الشروط والخيار في البيع ح 6: (عن أبي عبد اللّه عليه السلام... قال: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا تفرّقا فلا خيار بعد الرّضا منهما).
4- التهذيب: ج 7/464 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 67. وسائل الشيعة: ج 21/320 باب 54 من أبواب المهور، حديث 27186.
5- مسالك الأفهام: ج 8/265.

سنين لم يدخل بها ثمّ طلّقها؟

قال عليه السلام: ينظر إلى ما صار إليه من غِلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه، ويعطيها نصف البُستان، إلّاأن تعفو فتقبل منه ويصطلحان على شيء ترضى به منه، فإنّه أقرب للتقوى »(1).

وأُجيب عنه تارةً : باحتمال أنْيكون مورد السؤال الغِلّة الموجودة حين العقد، المجعولة جزءً للمَهر.

واُخرى : باحتمال كون الصداق هو البستان دون أشجاره.

وثالثة: باحتمال أنْ تكون الغِلّة من زرعٍ يزرعه الرّجل.

وعلى التقديرين الأخيرين ليست الغِلّة من نماء المَهر، بل هو مختصٌّ بالرجل، فيكون الأمر بدفع النصف إليها محمولاً على الاستحباب.

أقول: ولكن يبعّد الأوّل قوله عليه السلام: «ما صار إليه من غِلّة البستان من يوم تزوّجها»، فإنّ ظاهر ذلك السؤال عن حكم الغِلّة في تلكم السنين.

ويبعّد الثاني قوله: «على بستانٍ له معروف وله غِلّة كثيرة» إذ أرض البستان لايطلق عليها البستان.

والثالث وإنْ كان احتماله قريباً، إلّاأنّه لا وجه لحمل الأمر فيه على الاستحباب، بل يُحمل على كونه أُجرة الأرض وما شاكل، وعلى التقديرين فلا ينافي ما تقدّم.

وعليه، فما عن الإسكافي(2) من أنّها تَملك نصف الصداق بالعقد، ونصفه).

ص: 87


1- الفقيه: ج 3/431 باب ما أحلّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح وما حرّم منه ح 4491.
2- مختلف الشيعة: ج 7/140 قوله: (وقال ابن الجُنيد: الذي يوجبه العقد من المَهر المسمّى النصف، والذي يوجب النصف الثاني من المَهر بعد الذي وجب بالعقد منه هو الوقاع).

ويسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول.

بالدخول غير تامّ .

كما أنّ ما في «الحدائق»(1) من جعل المسألة مشكلة في غير محلّه.

وأوهن ممّا تقدّم: الاستدلال لعدم تملك تمام المَهر بالعقد، بأنّها لو ملكته به لاستقرّ ولم يزل إلّابناقلٍ من بيعٍ ونحوه.

فإنّ الملازمة ممنوعة وكذا اللّازم، ويكفي في السبب طلاقها قبل الدخول، وعليه فلا إشكال في الحكم.

سقوط نصف المَهر بالطلاق قبل الدخول

أقول: لا خلاف(2) بين الأصحاب (و) لا إشكال في أنّه (يسقط نصفه) أي نصف المَهر (بالطلاق قبل الدخول)، فإنْ كان قد دفع المَهر لها استعاد نصفه، وإلّا أعطاها النصف خاصّة، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع(3).

ويشهدُ به من الكتاب: قوله تعالى: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (4).

ومن السُنّة: نصوص متواترة:

ص: 88


1- الحدائق الناضرة: ج 24/516 قوله: (فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال في كلّ من الموضعين...).
2- نهاية المرام: ج 1/385 قوله (الثانية: أنّه ينتصف بالطلاق قبل الدخول وهو موضع وفاق).
3- جواهر الكلام: ج 31/80.
4- سورة البقرة: الآية 237.

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ طلّق امرأته قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: عليه نصف المَهر إنْ كان فَرَض لها شيئاً»(1).

ومنها: صحيح الكناني، عنه عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مَهرها»(2).

ونحوهما غيرهما، فما لم يدخل بها لا يستقرّ المَهر.

أقول: فكيف كان:

فتارةً : يكون المَهر ديناً في الذِّمة.

واُخرى : يكون عيناً في يد الزّوج.

وثالثة: يكون عيناً سلّمها إلى المرأة.

فإنْ كان ديناً، فلا إشكال في أنّه بالطلاق قبل الدخول تبرأ ذمّة الزّوج من نصفه، ويجبُ عليه دفع النصف الآخر إليها.

وإنْ كان عيناً في يد الزّوج، وباقية إلى حين الطلاق، من دون زيادةٍ ولا نقصان، فيكون نصفها لها ونصفها له، فيكونان شريكين فيها، وإنْ زادت بزيادةٍ من اللّه تعالى ، فهي لها، لما عرفت من أنّها تَملِكُ المَهر بتمامه بالعقد.

وإنْ كانت الزيادة بفعله:7.

ص: 89


1- الكافي: ج 6/106 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 3. وسائل الشيعة: ج 21/314 باب 51 من أبواب المهور، حديث 27169.
2- الفقيه: ج 3/505 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4773. وسائل الشيعة: ج 21/307 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27147.

فإنْ أذِنَت له بالإذن المعاملي، كانت الزيادة لها، وعليها أُجرة مِثل عمله.

وإنْلم تأذَن له، أو أذِنَت بأن يعمل به مجّاناً فالزيادة لها، بلا لزوم شيء عليها.

وإنْ نَقَصت أو تلفت، فإنْ كانت في يده أمانة منها يلحقها حكمها، وإلّا فهو ضامن.

وإنْ كان لها منافع، ضمنها.

وإنْ كان عيناً سلّمها إليها، فإنْ كانت باقية استعاد نصفها، وإلّا فنصف مثلها، أو نصف قيمتها.

وإن اتّفقت قيمتها من حين العقد إلى حين القبض فلا إشكال، وإنْ اختلفت:

فقد يقال: إنّه يرجع بأقلّ القيم، فإنّه إنْ كانت قيمتها يوم العقد أكثر من قيمتها يوم القبض، فما نَقَص قبل القبض كان مضموناً عليه، فلا يضمنها، وإنْ كانت قيمتها حين القبض أكثر، فقد زادت القيمة، وهي في مِلْكها فلا يضمنها.

وفيه أوّلاً: أنّ القيمة السوقيّة غير مضمونة بحالٍ ، فالمتّجه هو قيمة يوم التلف، لتعلّق حقّ الاستعادة بالعين ما دامت موجودة، فمع تلفها يتعلّق بقيمتها في ذلك اليوم.

وثانياً: أنّه يمكن استفادة كون العبرة بقيمة يوم الدفع إليها من الخبر الصحيح الذي رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه، عن أبيه عليهم السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام قال في الرّجل يتزوّج المرأة على وصيفٍ ، فيكبر عندها، ويريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها، ولا ينظر في زيادة ولا نقصان»(1).5.

ص: 90


1- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور وماينعقد من النكاح وما لاينعقد ح 57. وسائل الشيعة: ج 293/21 باب 34 من أبواب المهور، حديث 27115.

بتقريب: أنّ عدم النظر إلى الكِبر الذي هو سببُ زيادة القيمة ونقصها، يقتضي عدم النظر إلى ترقّي القيمة السوقيّة أو تنزّلها قبل ذلك وبعده.

وإنْ كانت العين باقية في يدها:

فإنْ نقَصَتْ عينها أو صفتها، مثل عور الدابّة، أو نسيان الصنعة، ففيه أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «المبسوط» من: (أنّ الزّوج يتخيّر بين الرجوع بنصف القيمة سليماً، وبين أخذ نصف العين من غير أرش)(1).

2 - ماعن «القواعد»(2)، و «المسالك»(3) من الرجوع بنصف العين ونصف الأرش.

3 - أنّ النقصان إنْ كان بفعلها أو فعل اللّه سبحانه وتعالى فكماأفاده الشيخ، وإنْ كان بفعل الأجنبي، لم يكن له سبيلٌ على المَهر، وضمنها نصف القيمة يوم القبض(4).

والحقّ أنْ يقال: إنّ مقتضى القواعد هو القول الثاني، فإنّ العين بقبضها تدخل في ضمانها ذاتاً ووصفاً، وحيث أنّ التعيّب بذلك لا يُخرج العين عن حقيقتها، فلابدّ من رَدّ نصف العين بمقتضى الآية الكريمة، وحيث أنّ الوصف في ضمانها، فلابدّ من الأرش.

ولكن يمكن استفادة أنّ الواجب، هو نصف قيمة يوم الدفع إليها، من صحيح عليّ بن جعفر عليه السلام المتقدّم، فإنّ عدم النظر إلى الكبر الذي هو سببُ زيادة القيمة أو نقصها، يقتضي عدم النظر إلى كلّ صفةٍ تجدّدت في العين اقتضت زيادتها أو8.

ص: 91


1- المبسوط: ج 4/277 قوله (وإنْ كان ناقصاً نقصان عين.. فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصفه أو نصف القيمة).
2- قواعد الأحكام: ج 3/82-83 قوله (وإنْ تعيّب قيل: يرجع في نصف القيمة. والأقرب في نصف العين مع الأرش).
3- مسالك الأفهام: ج 8/234 قوله: (والحقّ أنّ العين لاتخرج عن حقيقتهابالتعيّب، فيرجع بنصفها وبنصف الأرش).
4- المهذّب: ج 2/208.

نقصانها، وأنّها توجب الانتقال إلى القيمة على الوجه المزبور، فيكون المدار حينئذٍ في رَدّ نصف العين عليبقاء العين غير متغيّرة بشيء يقتضي زيادة قيمتها أو نقصانها، وإلّا فالمدار على قيمة وقت القبض، كما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1).

أقول: وبه يظهر أنّ المراد من قوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) نصف العين وصفاتها، كما يظهر أنّ الواجب رَدّ نصف القيمة، لا قيمة النصف، وأنّ الواجب قيمة يوم الدفع لا الأقلّ .

وإنْ كانت العين باقية في يدها وزادت:

فإنْ كانت الزيادة باعتبار القيمة السوقيّة، كان له نصف العين قطعاً، إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين على حالها، التي بها يتحقّق (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) .

وإنْ كانت الزيادة منفصلة كالولد واللّبن وثمرة الشَّجرة، فهي للمرأة:

أمّا بناءً على ماهو المشهور(2) المنصور من مِلْكهاالمَهر كملاًبمجرّد العقدفواضحٌ .

وأمّا على القول الآخر فلموثّق عُبيد المتقدّم(3)، وموثّقه الآخر قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ تزوّج امرأةً ومَهَرها مَهراً، فساق إليها غَنَماً ورقيقاً، فولدت عندها، فطلّقها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: إنْ كان ساق إليها ما ساق، وقد حملن عنده، فلها نصفها، ونصف ولدها، وإنْ كُنَّ حملنَ عندها، فلا شيء له من الأولاد»(4).4.

ص: 92


1- جواهر الكلام: ج 31/84.
2- مسالك الأفهام: ج 8/25.
3- الكافي: ج 6/106 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 4. وسائل الشيعة: ج 21/293 باب 34 من أبواب المهور، ح 27114.
4- التهذيب: ج 7/368 باب المهور والاُجور ح 54. وسائل الشيعة: ج 21/293 باب 34 من أبواب المهور، ح 27114.

وأمّا صحيح أبي بصير الذي توهم دلالته على كون النماء مشتركاً بينهما، فقد مرّ في صدر المبحث الجواب عنه، وعرفت أنّه إمّا ظاهرٌ في غير ذلك، أو محمولٌ عليه.

وإنْ كانت الزيادة متّصلة كالسَّمن، وكِبر الحيوان، وقصارة الثوب، وصبغه، وتعلّم الصَنعة وما شاكل، فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّ له نصف قيمة العين من دون الزيادة، فلا تجبر المرأة على دفع العين مجّاناً ولا بعوض.

ويشهد به: - مضافاً إلى صحيح عليّ بن جعفر المتقدّم - الخبر القويّ الذي رواه السكوني، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في الرّجل يتزوّج المرأة على وصيفٍ فيكبر عندها، فيزيد أو ينقص، ويريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: عليها نصف قيمته يوم دَفَعه إليها، ولا ينظر في زيادةٍ ولا نقصان»(2).

ونحوهما غيرهما، لما عرفتَ من أنّ المستفاد منهما أنّ المدار في رَدّ نصف العين على بقاء العين غير متغيّرة بشيء يقتضي زيادة قيمتها أو نقصانها، وإلّا فالقيمة وقت القبض.

وعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»: أنّ له الرجوع بنصف العين مع زيادتها(3)، لقوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) .).

ص: 93


1- مسالك الأفهام: ج 8/258.
2- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 57. وسائل الشيعة: ج 21/293 باب 34 من أبواب المهور، حديث 27115.
3- المبسوط: ج 4/278 قوله: (ويقوى في نفسي أنّ له الرجوع بنصفه مع الزيادة التي لا تتميّز لقوله تعالى ...).

وأورد عليه الشهيد الثاني قدس سره: (بأنّ الزيادة ليست ممّا فرض، فلا تدخل في مدلول الآية)(1).

وأجاب عنه سيّد «المدارك»: (بأنّ العين مع الزيادة التي لا يتميّز يصدق عليها عرفاً أنّها المفروضة، فتناوله الآية الشريفة، ولذا قال: (إنّ ما أفاده الشيخ لا يخلو من قوّة)(1).

أقول: ولكن بعدما عرفت من دلالة الخبرين وغيرهما على الحكم بالانتقال إلى القيمة، لا وجه لما أفاده الشيخ رحمه الله أصلاً.

ثمّ إنّ المشهور(2) بين الأصحاب أنّها تتخيّر حينئذٍ بين دفع نصف العين المشتملة على الزيادة، وبين بذل نصف القيمة مجرّدةً عنها، وعلّله في محكيّ «المسالك» بأنّ : (النفع عائدٌ إليه، وأصل حقّه في العين عملاً بظاهر الآية، وإنّما منع تعلّق حقّها بها الذي لا يمكن فصله، فإذا سَمحت ببذله زال المانع)(4) انتهى .

أقول: ظاهر الخبرين تعيّن القيمة عليها، ولكن الظاهر تسالمهم على جواز دفع العين، ولعلّه بضميمة ما أفاده الشهيد يكفي في الحكم بذلك.

وتمام الكلام في هذا المقام يتحقّق بالبحث في مسائل:

***).

ص: 94


1- نهاية المرام: ج 1/397.
2- رياض المسائل: ج 441/10 قوله: (ولو زادت زيادة متّصلة.. تخيّرت... على أظهر الأقوال وأشهرها) (ط. ق).

حكم ما لو أبرأته من المَهر ثمّ طلّقها قبل الدخول

المسألة الأُولى: لو أبرأته من الصداق ثمّ طلّقها قبل الدخول، رجع بنصفه إليها، كما هو المشهور(1) بين الأصحاب.

وعن الشيخ في «المبسوط»(2)، والمصنّف في «القواعد»(3) وبعضٌ آخر(4):

احتمال عدم رجوعه عليها بشيء.

والأوّل أظهر، لا لصحيح شهاب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً على ألف درهم، فبعث بها إليها، فردّتها عليه ووهبتها له، وقالت: أنا فيك أرغبُ منّي في هذه الألف، هي لك، فَتَقَبّلها منها، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: لا شيء لها، وتردّ عليه خمسمائة درهم»(5) ونحوه غيره.

فإنّ تلك النصوص عن موضوع هبة المرأة المَهر، ولا إشكال ولا كلام في الحكم فيها، وإنّما الكلام في صورة الإبراء.

بل لموثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ تزوّج جاريةً أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حِلّ ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يُعطيها شيئاً؟

قال: نعم إذا جعلته في حِلّ فقد قبضته منه، وإن خلّاها قبل أن يدخل بها

ص: 95


1- مسالك الأفهام: ج 8/239.
2- المبسوط: ج 4/308.
3- قواعد الأحكام: ج 3/86 قوله: (ويحتمل في الإبراء عدم رجوعه، لأنّه إسقاط لا تمليك).
4- وهو قول لبعض العامّة كما عن مسالك الأفهام: ج 8/240.
5- الكافي: ج 6/107 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 8. وسائل الشيعة: ج 21/301 باب 41 من أبواب المهور، حديث 27130.

رَدّت المرأةُ على الزّوج نصف الصداق»(1).

ومعه لا يُصغى إلى ما استدلّ به للقول الثاني: بأنّها لم تأخذ منه مالاً، ولا نُقِلت إليه الصداق، لاستحالة أن يستحقّ الإنسان شيئاً في ذمّة نفسه، فلا يتحقّق نقله إليه، ولا أتلفته عليه، لأنّه لم يصدر منها إلّاإزالة استحقاقها في ذمّته، وهو ليس إتلافاً عليه، فلا وجه لضمانها، فإنّه اجتهادٌ في مقابل النصّ .

مع أنّه يمكن أنْ يقال: إنّ الإبراء بنفسه تصرّفٌ في المَهر، يقتضي فراغ الذّمة منه وسقوطه، وذلك كافٍ في إيجاب نصف بدله.

وأمّا الجواب عنه: بأنّه لا مانع من الالتزام بأنّ الزّوج يملك ما في ذمّة نفسه ويسقط، لأنّ الملكيّة من الاُمور الاعتباريّة، وهي خفيف المؤونة، فلا مانع من اعتبار مالكيّة الإنسان ما في ذمّة نفسه.

فغيرُ صحيح: إذ الإبراء ليس تمليكاً، مع أنّ الملكيّة من الاعتباريّات، ومع عدم ترتّب الأثر عليها، يكون اعتبارها لغواً لا يصدرُ من الحكيم.

فإنْ قيل: إنّ أثرها في المقام السقوط.

قلنا: إنّ السقوط إنْ كان لأجل ما ذكرناه من لغويّة اعتبار المِلْكيّة، فهو مانعٌ من الحدوث كالبقاء.

وإنْ كان لكونه أثر تلك الملكيّة.

فيرده: أنّ ثبوت الشيء لا يعقل أنْ يكون علّة لسقوطه.

أقول: وهل الخُلع به كذلك، نظراً إلى أنّه كالإبراء والهبة، فيستحقّ عليها1.

ص: 96


1- التهذيب: ج 7/261 باب الاُجور والمهور ح 55. وسائل الشيعة: ج 21/301 باب 41 من أبواب المهور، حديث 27131.

مقدار نصفه، مضافاً إلى ما خَلَعها به، الذي بذلته له كما في «الشرائع»(1)، وغيرها(2)؟

أم لا يستحقّ عليها شيئاً، من جهة أنّه في الإبراء والهبة تتلف المرأة المَهر قبل الطلاق على وجهٍ يصادف وقوع الطلاق سَبْق انتقاله عنها، فيستحقّ عليها حينئذٍ مقدار نصفه لتعذّره، وأمّا في الخُلع فلا يملك الزّوج من حيث الخُلع إلّابتمام الطلاق، والمفروض أنّه يوجبُ سقوط النصف، وبقاء ملكيّة النصف الآخر، لكونه قبل الدخول، فيتعارض السببان، فإنّ الخلع يوجبُ ملكيّة التمام، والطلاق يوجبُ سقوط النصف ؟

وجهان أظهرهما الأوّل، لأنّه في الخلع لا يعتبر كون ما خَلَع به ملكاً لها، بل لو ظهر كونه مِلْكاً لغيرها تكون هي ضامنة له، وعليه فكان النصف الباقي ملكاً لها أو للزّوج ويكون الخلع صحيحاً، فيملِك الرّجل تمام المَهر إنْ كان عيناً ويسقط عن ذمّته لو كان ديناً، ويقع الطلاق صحيحاً، ولتعذّر النصف تكون الزّوجة ضامنة له.

لو وهبته نصف مَهرها مشاعاً ثمّ طلّقها قبل الدخول

المسألة الثانية: لو وهبته نصف مَهرها مشاعاً، ثمّ طلّقها قبل الدخول:

فالمشهور(3) بين الأصحاب أنّ له تمام الباقي، ولا يرجع عليها بشيء.

وعن «القواعد»(4)، و «المسالك»(5): احتمال الرجوع بنصف الباقي بعينه، وقيمة

ص: 97


1- شرائع الإسلام: ج 2/550.
2- كما في قواعد الأحكام: ج 3/86.
3- المبسوط: ج 4/310. وقال بعد ذكره لرأيه: (هو الذي يقتضيه مذهبنا).
4- قواعدالأحكام: ج 3/86 قوله: (لو وهبته النصف ثمّ طلّقهااحتمل رجوعه بالنصف الباقي، وبنصفه و بقيمة الربع).
5- مسالك الأفهام: ج 8/255 قوله: (وفي المسألة وجه بأنّ له نصف الباقي - وهو الربع - مع ربع بدل الجملة. لأنّ الهبة وردت على مطلق النصف فيشيع، وينزل هذا النصف منزلة التالف).

النصف من الموهوب.

وعن «المبسوط»(1): احتمال الرجوع إلى النصف الباقي.

واستدلّ للأوّل: بأنّه ينصرف الهبة إلى نصيبها منه، بمعنى أنّه بالطلاق قبل الدخول يتمحّض النصف الباقي للزوج، لأنّه مصداقُ (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) فلايرجع عليها بالمثل أو القيمة.

واستدلّ للثاني: بشيوع نصيبها - أي نصيب الزّوج والزّوجة - في تمام العين، وشيوع النصف الموهوب أيضاً في تمامه، فيتعلّق الهبة بنصف كلٍّ من النصيبين، فالنصف الباقي نصفه وهو الربع بمنزلة التالف، لتعلّق الهبة به، ونصفه باقٍ ، فيرجع عليها بالربع وبقيمة الربع.

واستدلّ للثالث: بأنّه لمّا تعلّقت الهبة بنصف كلٍّ من النصيبين، فهو مِلكٌ من نصيبها النصف وهو الربع، واستعجل نصف نصيب نفسه، وإنّما بقي له النصف الآخر من نصيبه وهو الربع.

أقول: ولكن جميع ما ذكرناه مبنيّة على ما هو المشهور بينهم من أنّ المِلْكيّة المشاعة حقيقتها تملّك المالك بالملكيّة التامّة الاستقلاليّة حصّةً معيّنة من المال إمّا النصف أو الثلث أو ما شاكل.

وأمّا بناءً على ما هو الحقّ من أنّ حقيقة المِلْكيّة الإشاعيّة عبارة عن الملكيّة الناقصة لتمام المال، كما شيّدنا أركانه في هذا الشرح(2) فلا يتمّ شيء من ذلك، فإنّ الزّوجة حينئذٍ تكون قد تصرّفت في تمام المال، ووهبته للرّجل، فيكون حكم هذه).

ص: 98


1- المبسوط: ج 4/309-310.
2- فقه الصادق: ج 23/352، مبحث (بيع نصف الدار).

المسألة حكم ما لو وهبت جميع الصداق، من الرجوع إلى قيمة النصف أو مثله.

مع أنّ جميع الوجوه المتقدّمة متوقّفة على كون المرأة قبل الطلاق مالكة لنصف الصداق.

وأمّا على القول المشهور(1) المنصور من أنّها مالكة لجميع المَهر بدواً، وبالطلاق قبل الدخول يرجع النصف(2)، فلا يتمُّ شيء منها، لأنّه لا معنى حينئذٍ لانصراف الهبة إلى نصيبها منه، ولا لتعلّق الهبة بنصف كلّ من النصيبين.

ويمكن أنْ يقال: إنّ الأظهر هو القول الأوّل من جهة أنّ المرأة بعدما وهبته نصف المَهر تكون مالكة لنصف المَهر بالمِلْكيّة المشاعة بالمعنى الصحيح، فحينئذ إذا طلّقها يشمله قوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) فإنّه إنّما يدلّ على رجوع النصف المُشاع، والنصف المُشاع باقٍ بحاله ولم يتغيّر، ولم يخرج عن ملكها، ويؤيّد ذلك الخبر الذي رواه محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ تزوّج امرأةً فأمهرها ألف درهم ودفعها إليها، فوهبت له خمسمائة درهم وردّتها عليه، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: تُردّ عليه الخمسمائة درهم الباقية، لأنّها إنّما كانت لها خمسمائة درهم، فوهبتها له، فهبتها إيّاها له ولغيره سواء»(3).

فإنّه وإنْ كان في هبة النصف المفروز، إلّاأنّه يشمل المقام بعموم التعليل، فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.6.

ص: 99


1- مسالك الأفهام: ج 8/258.
2- جواهر الكلام: ج 31/80.
3- الكافي: ج 6/107 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 9. وعبارة الكافي: (فهبتها إيّاه له)، وسائل الشيعة: ج 21/294 باب 35 من أبواب المهور، حديث 27116.

لو أعطاها عِوض المَهر شيئاً فطلّقها قبل الدخول

المسألة الثالثة: إذا أعطاها عِوض المَهر متاعاً أو عقاراً أو حيواناً أو غير ذلك ممّا هو ليس من أفراد الكلّي المُسمّى في العقد، كان ذلك وفاءً لو قلنا إنّه معاوضة مستقلّة، أو باعها ذلك مثلاً بما في ذمّته، ثمّ طلّقها قبل الدخول:

ففي «الشرائع»(1) وغيرها(2): كان له الرجوع بنصف المُسمّى دون العوض.

والظاهر أنّ مراد القوم بذلك هو الرجوع إلى نصف مثل المُسمّى أو قيمته، دون نصف نفس المُسمّى، وإنّما عبّروا بذلك لأنّ محطّ نظرهم في هذا الفرع إلى أنّه ليس له الرجوع إلى نصف العوض.

وكيف كان، فهو لا يرجع إلى نصف العوض، لكونه عوض المَهر لا نفسه، ولا إلى نصف المُسمّى لانتقاله إليه بالمعاوضة الجديدة، فيكون بها كالعين التالفة، أو الموهوبة له أو لغيره.

ويشهد بذلك كلّه أيضاً: صحيح الفضيل، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً بألف درهم، فأعطاها عبداً له آبقاً وبُرداً حِبرةً بألف درهم التي أصدقها؟

قال عليه السلام: إذا رضيت بالعبد.

قلت: فإنْ طلّقها قبل أن يدخل بها؟

ص: 100


1- شرائع الإسلام: ج 2/550.
2- كما في رياض المسائل: ج 10/26 الطبع الجديد، والحدائق الناضرة: ج 24/522.

قال: لا مَهر لها، وتردّ عليه خمسمائة درهم ويكون العبدُ لها»(1).

ولو كان المدفوع إليها معيباً من الكلّي الذي جعله مَهراً لها، ورضيت به فطلّقها قبل الدخول:

فهل يرجع بنصف المعيب بدون الأرش، أو معه، أم يرجع بنصف قيمة الصحيح ؟ وجوهٌ :

والحقّ أنْ يقال: إنّ الشيء بالعيب لا يخرجُ عن كونه فرداً للكلّي فأخذها إيّاه لايُخرجه عن كونه المفروض، فيشمله قوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) غاية الأمر إنْ كانت المرأة عالمة بالعيب، ورضيت به بدون الأرش أو معه وأخدته، لابدّ من ردّها نصف أرش المعيب، وإنْ كانت جاهلة لا شيء عليها غير نصف المعيب.

وعلى التقديرين لايكون أخذها للعيب لمعاوضةٍ بين المَهر والمأخوذ، كي يصحّ الرجوع إلى نصف المثل أو القيمة، بل هو أخذٌ للمَهر نفسه.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المَهر هو الكلّي الصحيح غير المنطبق على المعيب، فلا محالة يكون أخذ المعيب مع العلم بالعيب بعنوان المعاوضة، فلو طلّقها قبل الدخول، لا وجه للرجوع إلى المُسمّى لانتقاله عنها، ولا إلى العوض لعدم كونه مَهراً، بل يرجعُ إلى نصف المثل أو القيمة.

وإنْ كانت جاهلة بالعيب، فالمعاوضة الجديدة غير متحقّقة، ولا يكون أخذها بعنوان الوفاء، فهو باقٍ على مِلْك الزّوج بتمامه، وتَملك المرأة نصف المُسمّى في ذمّة الزّوج، ولا شيء عليها سوى رَدّ المأخوذ بتمامه، ولهما أن يتراضيا بأخذ نصف المعيب بدون الأرش أو معه وفاءً عمّا في ذمّة الزّوج، وهذا هو الأظهر.3.

ص: 101


1- الكافي: ج 5/380 باب نوادر في المَهر ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/282 باب 24 من أبواب المهور، حديث 27093.

العفو عمّا تستحقّه المرأة

المسألة الرابعة: إنّ عود النصف إلى الزّوج لو طلّقها قبل الدخول، إنّما هو فيما إذا لم تعف الزّوجة عن النصف الباقي لها، وإلّا فإنْ عفت يصير الجميع للزوج.

ويشهد به: - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه(1)، وإلى عموم دليل(2) السلطنة على التصرّف في المال كيف شاء المالك - قوله تعالى: (إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ ) (3)، ونصوصٌ كثيرة، فلو كان الصداق ديناً أو عيناً وقد تلفت في يد الزّوج، صَحّ عفوها بلفظه، والإسقاط والإبراء.

بل عن «القواعد»(4)، و «كشف اللّثام»(5): (والهبة).

بل عن «المسالك»(6): (والتمليك).

ولا إشكال فيما لو أُريد من لفظتي (الهبة) و (التمليك) خصوص الإبراء.

إنّما الكلام فيما لو أُريد منهما معناهما، لو تعلّقا بالعين، على أنْ يكون الإبراء تبعاً لذلك.

أقول: قد أشكل في صحّته:

تارةً : بأنّ الكلّي في الذّمة معدومٌ لايصلح لقيام صفة الملكيّة التي هي صفة

ص: 102


1- جواهر الكلام: ج 31/107.
2- البحار: ج 1/154 - الطبع القديم: ج 2/272 - الطبع الحديث.
3- سورة البقرة: الآية 237.
4- قواعد الأحكام: ج 3/84 قوله: (وإذا كان الصداق ديناً أو أتلفه صَحّ أن تهبه بلفظ الهبة والإبراء والعفو).
5- كشف اللّثام: ج 7/461، الطبع الجديد.
6- مسالك الأفهام: ج 8/261 قوله: (فإنْ كان ديناً صَحّ عفوها عنه بلفظ العفو والإبراء والهبة والترك والإسقاط... وإنْ كان عيناً فإنْ كان في يده تأدّى بلفظ التميك والهبة والعفو على قول...).

وجوديّة به، إلّافيما دلّ عليه دليل بالخصوص.

واُخرى : بأنّ الإنسان لا يملك ما في ذمّة نفسه، لاستلزامه تسلّط الإنسان على نفسه، ولا يُعقل ذلك، لأنّ المسلّط والمسلّط عليه متضائفان، والتضائف من أقسام التقابل، فكيف يمكن اجتماعهما في واحد؟!

وثالثة: باعتبار القبض في الهبة، وهو لايمكن في الدّين.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الملكيّة ليست من الموجودات الخارجيّة كي لا يُعقل تحقّقها إلّا في الموجود الخارجي، بل هي من الاعتباريّات، والاعتبار لا يحتاجُ إلّاإلى طرفٍ في اُفق الاعتبار، وهو كما يكون عيناً خارجيّة، يمكن أنْ يكون كليّاً في الذّمة، بل ربما يكون المالك كليّاً ككلّي الفقير والسيّد في باب الزكاة والخمس.

وأمّا الثاني: فلعدم المحذور في تسلّط الإنسان على نفسه، إذ ليس كلّ ما هو من أقسام التضائف من أنحاء التقابل، بل ما كان بينهما تغايرٌ في الوجود كالعليّة والمعلوليّة منها، وإلّا فالعالميّة والمعلوميّة، والمحبّية والمحبوبيّة من أقسام التضائف، وليستا من أنحاء التقابل، وتجتمعان في شخصٍ واحد، حيث يحبّ الإنسان نفسه ويعلم بنفسه، والسلطنة من هذا القبيل، فإنّ معناها كون الشخص قاهراً على شخصٍ ، وكون الغير تحت اختياره وإرادته، وهذا المعنى يمكن اجتماعه في شخصٍ واحد، بل سلطنة الإنسان على نفسه من أعلى مراتب السلطنة، كيف وقد ورد (الناس مسلّطون على أنفسهم)(1)، ولم يستشكل أحدٌ في عدم معقوليّته.).

ص: 103


1- لم يرد بهذا النصّ حديث في الكتب الروائيّة المعتبرة، والوارد على أموالهم، ولكن العديد من الفقهاء أورد هذه العبارة في مقام الاستدلال كالشيخ الأنصاري في المكاسب: ج 6/216 (ط. ج)، والكثير منهم عبّروا عن ذلك بقاعدة: (الناس مسلّطون على أنفسهم).

وأمّا الثالث: فلما ورد في الخبر السابق من قوله عليه السلام: «إذا جعلته في حِلّ منه فقد قبضته»(1).

ولكن قد عرفت أنّ تملّك الإنسان ما في ذمّة نفسه فيه محذور لزوم كون الملكيّة بلا أثر، فراجع ما ذكرناه(2). وعليه، فالأظهر عدم صحّة لفظ (الهبة) و (التمليك) إذا أُريد بهما معناهما، نعم لا محذور فيما لو أُريد بهما الإبراء والإسقاط.

ولو كان الصداق عيناً، صَحّ بلفظ (الهبة) و (التمليك) ونحوهما ممّا يقوم مقامهما.

وهل يصحّ بلفظ (العفو) كما عن «المبسوط»(3)، و «التحرير»(4) للآية الكريمة:

(إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ ) (5) نظراً إلى مجيء العفو بمعنى العطاء، كما عن «العين»(6)، و «المبسوط»(7)، وعن «المسالك» وأنّ منه قوله تعالى : (وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ اَلْعَفْوَ) (8) أي الفضل من الأموال التي يَسهل إعطائها، وقوله:

(خُذِ اَلْعَفْوَ) (9) أي خُذ ما أعطاك من ميسور أموالهم، ولا تشدّد عليهم ؟

أم لا يصحّ ، لعدم مجيء العفو بمعنى العطاء، ولم يَرد من العفو في الآيتين العطاء،9.

ص: 104


1- التهذيب: ج 7/374 باب الاُجور والمهور ح 76. وسائل الشيعة: ج 21/301 باب 41 من أبواب المهور، حديث 27131.
2- تقدّم آنفاً فى صفحة 95 من هذا المجلّد.
3- المبسوط: ج 4/306-307.
4- تحرير الأحكام: ج 3/559. الطبع الجديد.
5- سورة البقرة: الآية 237.
6- العين: ج 2/158.
7- المبسوط: ج 4/306-307.
8- سورة البقرة: الآية 219.
9- سورة الأعراف: الآية 199.

بل نفس المال الزائد، واستفيدَ العطاء من الإنفاق.

وعلى فرض تسليم استعماله فيه في موضعٍ ، فإنّه لا ريب في كونه خلاف الظاهر، والمراد بالعفو في الآية الكريمة ليس لفظه، بأن تقول المرأة عفوتُ ، بل المراد به إسقاط الحقّ من الدّين أو العين مطلقاً، نظير قوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (1) حيث أنّ المراد به ليس لفظه كي يصحّ الطلاق به، بل معناه ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لأنّ التتبّع في موارد استعمال هذه المادّة يوجب الاطمئنان بكونها للأعمّ من ما يتعلّق بالدَّين خاصّة.

عفو من بيده عُقدة النكاح

المسألة الخامسة: لو عفى من بيده عُقدة النكاح عن النصف الباقي، يصير تمام المَهر للزّوج، بلا خلافٍ ولا إشكال(2) في الجملة، للآية الشريفة: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) (3)، ومقتضى إطلاقها كإطلاق أكثر النصوص الواردة في تفسيرها الآتي بعضها، هو جواز عفو من بيده عُقدة النكاح عن تمام النصف الباقي.

أقول: وأمّا النصوص الدالّة على أنّه ليس له ذلك:

منها: مرسل الصدوق، قال: «وفي خبرٍ آخر: يأخذ بعضاً ويَدعُ بعضاً، وليس له أن يدع كلّه»(4).

ص: 105


1- سورة البقرة: الآية 229.
2- مسالك الأفهام: ج 8/262.
3- سورة البقرة: الآية 237.
4- الفقيه: ج 3/507 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4779. وسائل الشيعة: ج 21/316 باب 52 من أبواب المهور، حديث 27173.

ومنها: صحيح رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الذي بيده عُقدة النكاح ؟

فقال عليه السلام: الوليّ الذي يأخذ بعضاً ويترك بعضاً، وليس له أن يدع كلّه»(1).

ونحوهما غيرهما.

فمعارضة بما دلّ على أنّ له ذلك، كخبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، في قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) (2)؟

قال: هو الذي يعفو عن الصداق أو يحطّ بعضه أو كلّه»(3).

ونحوه غيره(4).

ولكن حيث لا يمكن الجمع بينهما، فلابدَّ من الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم النصوص الأول، لكون مضمونها مشهوراً بين الأصحاب، بل في «الحدائق»:

(ربما ظهر من «المبسوط»(5)، و «التبيان»(6)، و «مجمع البيان»(7)، والراوندي في «فقه القرآن»(8) دعوى الإجماع عليه).

وعلى ذلك فلا يُصغى إلى ما قيل من استبعاد هذا التفصيل، بأنْ يكون له العفو عن البعض دون الكُلّ ، خصوصاً مع تصريح بعضهم بعدم الفرق في البعض بين1.

ص: 106


1- التهذيب: ج 7/392 باب عقد المرأة على نفسها بالنكاح ح 48. وسائل الشيعة: ج 20/282 باب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، حديث 25633.
2- سورة البقرة: الآية 237.
3- تفسير العيّاشي: ج 1/126 ح 411. وسائل الشيعة: ج 21/317 باب 52 من أبواب المهور، حديث 27177.
4- وسائل الشيعة: ج 21/316 باب 52 من أبواب المهور حديث 27175.
5- المبسوط: ج 4/305 قوله: (إلّا أنّ أصحابنا رووا أنّ له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن جميعه).
6- التبيان: ج 2/274.
7- مجمع البيان: ج 2/125.
8- فقه القرآن: ج 2/150-151.

القليل والكثير، المقتضي لجواز العفو مع إبقاء شيء من المَهر وإنْ قَلّ ، وبها يقيّد إطلاق الآية والنصوص.

وعليه، فما أفاده المشهور أظهر.

وهل يعتبر المصلحة في عفو من بيده عُقدة النكاح، أو عدم المفسدة على القول باعتبار أحدهما في تصرّفات الولي، كما عن الحِلّي(1)، والمصنّف في «المختلف»(2)، والمحقّق(3)، أم لاتعتبر كما هو ظاهرالمشهور، بل قد ادّعى عليه الإجماع(4)؟ وجهان:

ربما يقال: أظهرهما الأوّل لإطلاق ما دلّ على ذلك في مطلق تصرّفاته على القول به.

وفيه: أنّه يلزم منه حينئذٍ حمل الآية والنصوص على الفرد النادر.

وعليه، فالأظهر هو الثاني.

ثمّ إنّه وقع الخلاف في تعيين من بيده عُقدة النكاح:

فالمشهور(5) بين الأصحاب أنّه الأب والجَدّ.

وعن «النهاية»(6): زيادة الأخ.

وعن «المهذّب»: أو من تولّيه الإمرأة عقدها.).

ص: 107


1- السرائر: ج 2/572.
2- مختلف الشيعة: ج 7/116 قوله: (والتحقيق أن نقول: إنّ الزّوجة إنْ كانت صغيرة كان وليّ أمرها الأب أو الجَدّ، ولهما العفو عن جميع النصف وبعضه مع المصلحة في ذلك، وإنْ كانت بالغة رشيدة فالأمر إليها).
3- شرائع الإسلام: ج 2/552 قوله: (ولا يجوز لوليّ الزّوج أن يعفو عن حقّه إنْ حصل الطلاق لأنّه منصوب لمصلحته).
4- جواهر الكلام: ج 31/115.
5- مسالك الأفهام: ج 8/262 قوله: (فذهب أصحابنا وجماعة من العامّة إلى أنّه وليّ المرأة كالأب والجَدّ لَهُ ).
6- النهاية: ص 468 قوله: (والذي بيده عقدة النكاح الأب... والأخ إذا جعلت الاُخت أمرها إليه).

وعن العامّة(1): إنّه الزّوج.

أقول: والأظهر أنّ المراد به من له الولاية على العقد والسلطنة عليه، إمّا بجعلٍ من اللّه تعالى كالأب والجَدّ، أو بإعطائها إيّاه كالوكيل المفوّض، لاحظ نصوص الباب:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «الذي بيده عُقدة النكاح هو وليّ أمرها»(2).

ومنها: صحيح رفاعة، عنه عليه السلام: «عن الذي بيده عُقدة النكاح ؟

قال عليه السلام: الوليّ الذي يأخذ بعضاً ويترك بعضاً، وليس له أن يدع كلّه»(3).

وبمضمونهما نصوصٌ اُخر، وهذه النصوص مختصّة بالولي الإجباري، وهناك نصوصٌ اُخر متضمّنة لحكم الأخ، وهي ما بين ما هو مطلقٌ كحسن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) (4)؟

قال: هو الأب أو الأخ أو الرّجل يوصي إليه، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبيع لها ويشتري، فإذا عَفا فقد جاز»(5).2.

ص: 108


1- المبسوط للسرخسي: ج 6/63، المغني لابن قدامة: ج 8/68.
2- التهذيب: ج 7/392 باب عقد المرأة على نفسها النكاح ح 46، وسائل الشيعة: ج 20/282 باب 8 من أبواب عقد النكاح، حديث 25632.
3- التهذيب: ج 7/392 باب عقد المرأة على نفسها النكاح ح 48، وسائل الشيعة: ج 20/282 باب 8 من أبواب عقد النكاح، حديث 25633.
4- سورة البقرة: الآية 237.
5- الكافي: ج 6/106 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/315 باب 52 من أبواب المهور، حديث 27172.

ورواه أبي بصير وسماعة عنه عليه السلام.

ونحوه صحيح أبي بصير، ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام(1).

وبين ما هو مقيّدٌ له بما إذا كان الأخ وصيّاً أو وكيلاً:

منها: مرسل ابن أبي عُمير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«في قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) (2)؟

قال: يعني الأب والذي توكله المرأة و توليه أمرها من أخٍ أو قرابةٍ ، أو غيرهما»(3).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام:

«عن قول اللّه: (إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ ) ؟ قال عليه السلام: المرأة تعفو عن نصف الصداق(4).

قلت: (أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) ؟

قال عليه السلام: أبوها إذا عفا جاز، وأخوها إذا كان يُقيم بها، وهو القائم عليها، فهو بمنزلة الأب، يجوز له، وإذا كان الأخ لايهتمّ بها، ولا يقومُ عليها، لم يجز عليها أمره»(5).

والجمع بينهما يقتضي البناء على أنّ للأخ الذي بيده أمرها للوصاية أو الوكالة أن يعفو، وليس لغيره ذلك.

أقول: فالمتحصّل من هذه النصوص أنّ المراد ممّن بيده عُقدة النكاح هو الأعمّ).

ص: 109


1- التهذيب: ج 7/393 باب عقد المرأة على نفسها النكاح ح 49، وسائل الشيعة: ج 19/168 باب 7 من أبواب كتاب الوكالة، حديث 24374.
2- سورة البقرة: الآية 237.
3- التهذيب: ج 6/215 باب الوكالة ح 6، وسائل الشيعة: ج 19/168 باب 7 من أبواب كتاب الوكالة، حديث 24374.
4- تفسير العيّاشي: ج 1/126 ح 410، وسائل الشيعة: ج 21/317 ح 27176.
5- تفسير العيّاشي: ج 1/126 ح 410 وفيه: (لا يقيم بها) بدلاً عن (لا يهتمّ بها).

من الأب والجَدّ، وممّن يجوز أمره في مال المرأة ونكاحها كائناً من كان، وقد مرّ الكلام في مبحث أولياء العقد في من له الولاية على نكاح الصغيرة، أنّه هل للوصي والأخ ذلك أم لا، وبيّنا هناك ما يُحمل عليه ظاهر أمثال هذه النصوص، فراجع(1)ولا حاجة إلى الإعادة.

***1.

ص: 110


1- فقه الصادق: ج 31.

ولو دخل قُبُلاً أو دُبراً استقرّ المَهر.

بيانُ ما يستقرُّ به المَهر

المبحثُ الثاني: فيما يستقرّ به المَهر، وهي أُمورٌ تُذكر في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف(1)(و) لا إشكال في أنّه (لو دخل) بها (قُبلاً أو دُبراً استقرّ المَهر).

وعن «الروضة»(2) وغيرها(3): الإجماع عليه.

ويشهد به:

1 - قوله تعالى في الآية المتقدّمة: (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) المتّفق على أنّه بمعنى الوطء(4).

2 - ونصوصٌ متواترة:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أدخله وجبَ الغُسل والمَهر والعِدّة»(5).

ص: 111


1- تحرير الأحكام: ج 3/555 (الخامس عشر). الطبع الجديد.
2- الروضة البهيّة: ج 5/356-357 قوله: (ومعه - أي مع القول بوجوب المَهر أجمع بالدخول -... الشهرة عن الأصحاب).
3- مسالك الأفهام: ج 8/225 قوله: (اتّفق الأصحاب على أنّ الوطأ الموجب للغسل يوجب استقرار ملك جميع المَهر للمرأة).
4- كشف اللّثام: ج 7/413 قوله: (فإنّ المسّ هو الجماع اتّفاقاً) الطبع الجديد.
5- الكافي: ج 6/109 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/319، باب 54 من أبواب المَهر حديث 27181.

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «إذاالتقى الختانان وجبَ المَهر و العِدّة و الغُسل»(1).

ومنها: صحيح حفص، عنه عليه السلام: «إذا التقى الختانان وجبَ المَهر و العِدّة و الغُسل»(2).

ومنها: خبر داود، عنه عليه السلام: «إذا أولجه فقد وجبَ الغُسل والجَلد والرَّجم ووجبَ المَهر»(1).

ومنها: خبريونس بن يعقوب، عنه عليه السلام: «لايوجبُ المَهر إلّاالوقاع في الفَرج»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام...

قال: لا يوجب المَهر إلّاالوقاع في الفَرج»(5).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام: متى يجبُ المَهر؟ فقال عليه السلام: إذا دَخل بها»(6).

إلى غير تلكم من النصوص(3)، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الدخول بها قُبلاً أو دُبراً، كما أنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الإنزال وعدمه.

وهل يجبُ المَهر ويستقرّ بالخَلوة التامّة، بحيثُ لا مانع من الوطء وغيرها، أم لا يجبُ إلّابالوطء، فلو خلا بها واستمتع بما دون الوطء، ثمّ طلّقها، لا يجبُ عليه إلّار.

ص: 112


1- الكافي: ج 6/109 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 3، وسائل الشيعة: ح 21/320 باب 54 من أبواب المهور حديث 27185.
2- التهذيب: ج 7/464 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 67، وسائل الشيعة: ج 21/320 باب 53 من أبواب المهور حديث 27185. (5و6) التهذيب،: ج 7/464 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 68، وسائل الشيعة: ج 21/320 باب 53 من أبواب المهور، حديث 27187.
3- وسائل الشيعة: ج 21/319-320 باب 54 من أبواب المهور.

نصف المَهر؟ قولان:

المشهور(1) بين الأصحاب هو الثاني.

وعن «الخلاف» للشيخ حكاية الأوّل(2) عن قومٍ من أصحابنا، ونُسب إلى الصدوق(3) أيضاً.

أقول: ولكن الظاهر إرادة الجميع الحكم بوجوب المَهر عليه على ظاهر الحال، وإنْ لم يكن دَخَل بها، لا يحِلُّ للمرأة أن تأخذ أزيد من النصف كما صرّح بذلك في محكيّ «النهاية»(4)، وحُكي عن ابن البرّاج(5)، والكيدري(6)، وابن أبي عمير(7)، وغيرهم(8).

وكيف كان، فيشهد لعدم ثبوت تمام المَهر بالخلوة جملةٌ من النصوص:

منها: موثّق يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأة فأغلق باباً وأرخى سِتراً، ولمسَ وقبَّل ثمّ طلّقها، أيوجبُ عليه الصداق ؟

قال: لا يوجبُ الصداق إلّاالوقاع»(9).0.

ص: 113


1- مسالك الأفهام: ج 8/225-226 قوله: (واختلفوا في أنّه هل يقوم غير الوطأ من مقدّماته - كالخلوة - في ذلك ؟ على أقوال... فذهب الأكثر إلى عدمه).
2- الخلاف: ج 4/396.
3- الهداية: ص 262 قوله: (وإذا تزوّج الرّجل امرأة فخلا بها فقد وجبَ عليه المَهر والعِدّة، وخلاؤه دخوله).
4- النهاية: ص 471.
5- المهذّب: ج 2/204.
6- إصباح الشيعة المطبوع في ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة: ج 18/339.
7- كشف اللِّثام: ج 7/414 قوله: (والصواب ما حكي عن ابن أبي عمير... أنّه مع الخلوة التامّة إذا ادّعت عليه الدخول كان القول قولها للظاهر). الطبع الجديد.
8- كما عن ابن الجُنيد في مختلف الشيعة: ج 7/140.
9- الكافي: ج 6/109 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/321 باب 55 من أبواب المهور حديث 27190.

ومنها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج جاريةً لم تُدْرك لا يُجامَعُ مثلها، أو تزوّج رتقاء فأُدخلت عليه فطلّقها ساعة اُدخلت عليه ؟

قال عليه السلام: هاتان ينظر إليهن من يوثق به من النساء، فإنْ كُنَّ كما دَخَلن عليه، فإنّ لها نصف الصداق الذي فرض لها، ولا عِدّة عليهنّ منه» الحديث(1).

ونحوهما غيرها(2).

ويدلّ أيضاً عليه الروايات المتقدّمة الحاصرة لوجوب تمام المَهر بالوطء(3)، ويؤيّدها:

النصوص الواردة في العِنّين، الدالّة على أنّه يُنظَر إلى سنة فإنْ وَقَع بها، وإلّا فسخت نكاحه، ولها نصف المَهر(4).

والنصوص الدالّة على أنّه إذا خَلا بها، وتصادفا على عدم الوطء، لا يُصدّقان إذا كانا متّهمين، معلّلة بأنّها تريد أن تدفع العِدّة عن نفسها، ويريد هو أن يدفع المَهر عن نفسه(5).

بل هذه النصوص تشهد به، إذ لو كانت الخَلوة موجبة للمَهر لماصَحّهذا التعليل.

إلى غير تلكم من النصوص الواردة في الأبواب المتفرِّقة.

أقول: وبإزائها نصوصٌ اُخرى :

منها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن المَهر متى يجب ؟ر.

ص: 114


1- التهذيب: ج 7/465 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 74، وسائل الشيعة: ج 21/325 باب 57 من أبواب المهور، حديث 27201.
2- وسائل الشيعة: ج 21/322 باب 55 من أبواب المهور، حديث 27194.
3- وسائل الشيعة: ج 21/319-320 باب 54 من أبواب المهور.
4- وسائل الشيعة: ج 21/229-325 باب 14 من أبواب العيون والتدليس.
5- وسائل الشيعة: ج 21/324-325 باب 56 من أبواب المهور.

قال عليه السلام: إذا اُرخيت الستور، واُجيف الباب.

وقال: إنّي تزوّجت امرأة في حياة أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام، وإنّ نفسي تاقت إليها...

إلى أنْ قال: فلمّا أن دخلتُ عليها، قذفت إليها بكِساء كان عَليَّ وكرهتها، وذهبتُ لأخرجَ فقامت مولاةٌ لها فأرخت السِّتر وأجافت الباب، فقلتُ : مَه! قد وجبَ الذي تُريدين»(1).

ومنها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يُطلّق المرأة وقد مسّ كلّ شيءٍ منها، إلّاأنّه لم يجامعها، ألها عِدّة ؟

قال عليه السلام: ابتلي أبو جعفر بذلك، فقال له أبوه عليّ بن الحسين: إذا أغلق باباً وأرخي ستراً وجبَ المَهر والعِدّة»(2).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا تزوّج الرّجل ثمّ خَلا بها فأغلق عليها باباً أو أرخى ستراً ثمّ طلّقها، فقد وجبَ الصداق، وخلائه بها دخولٌ »(3).

ونحوها غيرها(4).

أقول: قد جمع الأصحاب بين الطائفتين، بحمل الطائفة الثانية على إرادة أنّر.

ص: 115


1- التهذيب: ج 7/465 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 75، وسائل الشيعة: ج 21/323 باب 55 من أبواب المهور، حديث 27195.
2- الكافي: ج 6/109 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/321 باب 55 من أبواب المهور حديث 27191.
3- التهذيب: ج 7/464 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 71، وسائل الشيعة: ج 21/322 باب 55 من أبواب المهور، حديث 27192.
4- وسائل الشيعة: ج 21/321-324 باب 55 من أبواب المهور.

الخلوة كناية عن الدخول بها، وأنّ الظاهر من هذا العمل وقوع الدخول لوجوب السَّتر به عن الناس.

ويشهد لهذا الجمع: النصوصُ الدالّة على أنّهما لا يُصدّقان في ادّعاء عدم الوطء، معلّلة بأنّه يريد هو أن يدفع المَهر عن نفسه لاحظ خبر أبي بصير، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يتزوّج المرأة فيرخي عليها وعليه الستر، ويغلق الباب، ثمّ يطلّقها، فتُسأل المرأة هل أتاكِ؟ فتقول: ما أتاني، ويُسئل هو هل أتيتها؟ فيقول: لم آتها؟

فقال عليه السلام: لا يُصدّقان وذلك أنّها تريد أن تدفع العِدّة عن نفسها، ويريدُ هو أن يدفع المَهر عن نفسه»(1).

ونحوه غيره(2).

وأيضاً يشهد به: ما في ذيل خبر زرارة المتضمّن لقضيّة تزويج أبي جعفر عليه السلام:

«فلمّا رجعتُ إلى أبي فأخبرته بالأمر كيف كان، فقال: إنّه ليس لها عليك إلّاالنصف - يعني نصف المَهر -»(3).

فإنّه يُعلم من ذلك أنّ قوله في صدر الخبر، وفي النصوص الاُخر المتضمّنة لهذه القضيّة: «لكِ الذي تُريدين» أُريد به أنّه يجبُ المَهر بحسب ظاهر الحال لا في الواقع ونفس الأمر.6.

ص: 116


1- الكافي: ج 6/110 باب ما يوجب المَهر كملاً ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/324 باب 56 من أبواب المهور حديث 27198.
2- وسائل الشيعة: ج 21/325 باب 56 من أبواب المهور، حديث 27200، علل الشرائع: ج 2/517 حديث 7.
3- التهذيب: ج 7/466 باب من الزيادات في فقه النكاح ح 76، وسائل الشيعة: ج 21/323 باب 55 من أبواب المهور، حديث 27196.

وأيضاً يشهد به: الخبر الذي رواه ابن أبي عُمير قال:

«اختلف الحديثُ في أنّ لها المَهر كملاً، وبعضهم قال نصف المَهر، وإنّما معنى ذلك أنّ الوالي إنّما يحكم بالظاهر إذا أغلق الباب وأرخي الستر، وجبَ المَهر، وإنّما هذا عليها إذا علمت أنّه لم يمسّها، فليس لها فيما بينها وبين اللّه إلّانصف المَهر»(1).

وأمّا قوله عليه السلام في خبر زرارة المتقدّم: «وخلائه بها دخولٌ » فلا يمنع عن هذا الحمل.

أقول: فقد ظهر بما ذكرناه ضعف ما في «الحدائق»(2) من الإشكال على هذا الجمع، بأنّ ما تضمّن قضيّة تزويج أبي جعفر عليه السلام وخبر زرارة لا يقبلان هذا الحمل، وإنْ أبيتَ عن كون هذا الجمع عرفيّاً، فيتعيّن طرح الطائفة الثانية لمخالفتها لما هو المشهور بين الأصحاب والكتاب، ولموافقتها للعامّة، لما رووه عن عُمر أنّه قال:

«من أرخى ستراً وأغلق باباً فقد وجبَ عليه المَهر، ما ذنبهنّ إنْ جاء العجز مِن قِبلكم»(3).

وقد ذهب إليه أبو حنيفة، وكثيرٌ من العامّة(4) اعتماداً على هذه الرواية.

وعن ابن الجُنيد(5) اختيار قولٍ رابعٍ في المسألة، وهو وجوب المَهر بالجماع في غير الفَرج والتقبيل وسائر أنواع الاستمتاع، إذا كان بتلذّذ والإنزال بالملاعبة.

وفي «الجواهر»: (فلم أجدُ له في هذه النصوص ما يدلّ عليه، ويمكن أنْ يكون0.

ص: 117


1- الكافي: ج 6/110 باب ما يوجب المَهر كملاً ذيل ح 7.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/511.
3- الخلاف: ج 4/398 كتاب الصداق.
4- المغني لابن قدامة: ج 8/62.
5- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/140.

قد أخذه من النصوص(1) الدالّة على قيام نحو ذلك مقام الوطء، في حرمة مملوكة الولد على الوالد وبالعكس، باعتبار تنزيل ذلك منزلة الجماع)(2).

ولكن ذلك يتوقّف على حجيّة القياس.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الخلوة والاستمتاعات غير الوطء لا تُوجبُ المَهر.

المسألة الثانية: يستقرّ المَهر بارتداد أحد الزوجين، كما تقدّم(3) الكلام فيه مفصّلاً، فلا نعيده.

موت أحد الزّوجين

المسألة الثالثة: في استقرار المَهر بموتِ أحد الزوجين قبل الدخول أقوالٌ :

1 - أنّه يجبُ بموت كلّ واحدٍ منهما، قيل إنّه أشهر الأقوال(4).

2 - أنّه لا يستقرّ بموتِ واحدٍ منهما، بل حكمُ موتِ أحدهما حكم الطلاق، نُسب ذلك إلى جماعةٍ (5) من القدماء والمتأخّرين، بل قيل إنّه المشهور بين قدماء الطائفة.

ص: 118


1- وسائل الشيعة: ج 20/417-419 باب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
2- جواهر الكلام: ج 31/78-79.
3- فقه الصادق: ج 32/263، مبحث (حكم ارتداد أحد الزوجين).
4- الناصريّات: ص 334 المسألة 156 قوله: (وعلى ذلك إجماع جميع الفقهاء)، كشف اللّثام: ج 7/415 قوله: (ولا فرق بين موت الزّوج قبل الدخول أو المرأة في استقرار جميع المَهر وفاقاً للأكثر). الطبع الجديد.
5- راجع الكافي: ج 6/118-120 باب المتوفّى عنها زوجها، والفقيه: ج 3/507 ح 4780، نهاية المرام: ج 1/389 قوله: (والمسألة قويّة الإشكال، لصحّة الروايات من الجانبين وتعارضها ظاهر، لكن أخبار التنصيف مستفيضة جدّاً فلا يبعد ترجيحها لذلك). وقال البحراني في الحدائق: ج 24/554: (ظاهر صاحبي الكافي والفقيه هو القول بالتنصيف حيث إنّهما اقتصرا في نقل أخبار المسألة على أخبار التنصيف...).

3 - أنّه يستقرّ بموت الزّوج، وحُكمُ موتِ الزّوجة حكمُ الطلاق(1).

أقول: ومنشأ الاختلاف؛ اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على انتصاف المَهر بموتِ كلّ منهما قبل الدخول:

منها: موثّق عبيد بن زرارة، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأة ولم يدخل بها؟

قال عليه السلام: إنْ هلكت أو هلك أو طلّقها ولم يدخل بها، فلها النصف، وعليها العِدّة كملاً ولها الميراث»(2).

ومنها: صحيح زرارة، قال: «سألته عن امرأة تموت قبل أن يدخل بها، أو يموت الزّوج قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: أيّهما ماتَ فللمرأة نصف ما فُرض لها، وإنْ لم يكن فُرض لها فلا مَهر لها»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على انتصاف المَهر بموت الزّوج:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «في الرّجل يموتُ وتحته امرأة لم يدخل بها؟0.

ص: 119


1- النهاية: ص 471 تهذيب الأحكام: ج 8/148 باب عدد النساء.
2- الكافي: ج 6/118 باب المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/327 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27204.
3- الكافي: ج 6/119 باب المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/328 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27208.
4- الكافي: ج 8/118 باب المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها ح 6 و 7، وسائل الشيعة: ج 21/328-329 باب 58 من أبواب المهور، ح 27209 و 27210.

قال عليه السلام: لها نصف المَهر، ولها الميراث كاملاً، وعليها العِدّة كاملة»(1).

ونحوه صحاح عبد الرحمن والحلبي ومحمّد(2)، وموثّق عبيد(3) وخبره(4)، وغيرها(1) من الأخبار البالغة حَدّ التواتر.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّه لا يُنتصف المَهر بموت الزّوج قبل الدخول:

منها: خبر سليمان بن خالد، قال: «سألته عن المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها؟

فقال عليه السلام: إنْ كان فرض لها مَهراً فلها مَهرها، وعليها العِدّة، ولها الميراث، وعِدّتها أربعة أشهر وعشراً، وإنْ لم يكن فرض لها مَهراً فليس لها مَهر ولها الميراث وعليها العِدّة»(2).

ومنها: خبر الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا توفّى الرّجل عن إمرأته ولم يدخل بها، فلها المَهر كلّه إنْ كان سَمّى لها مَهراً، وسهمها من الميراث، وإنْ لم يكن سَمّى لها مَهراً، لم يكن لها مَهر، وكان لها الميراث»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه قال في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها: إنْ كان فَرض لها مَهراً، فلها مَهرها الذي فَرض لها، ولها الميراث2.

ص: 120


1- الكافي: ج 10/119 باب المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها ج 10، وسائل الشيعة: ج 21/330 باب 58 من أبواب المهور، ح 27213.
2- التهذيب: ج 8/145 باب عدد النساء ح 101، وسائل الشيعة: ج 21/331 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27221.
3- التهذيب: ج 8/145 في عدد النساء ح 102، وسائل الشيعة: ج 21/332 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27222.

- إلى أنْ قال: - وإنْ لم يكن فَرض لها مَهراً، فلا مَهر لها، وعليها العِدّة، ولها الميراث»(1).

ونحوه صحيحه الآخر، وخبر(2) زرارة وأبي بصير.

ومنها: صحيح منصور بن حازم، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يتزوّج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: لها صداقها كاملاً وترثه» الحديث(3).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على عدم الانتصاف بموتِ أحدٍ من الزّوج والزّوجة:

منها: خبر منصور بن حازم، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل تزوّج امرأة وسَمّى لها صداقاً، ثمّ مات عنها ولم يدخل بها؟

قال عليه السلام: لها المَهر كاملاً ولها الميراث.

قلت: إنّهم رووا عنك أنّ لها نصفُ المَهر؟ قال عليه السلام: لا يحفظون عَنّي إنّما ذلك للمُطلّقة»(4).

بتقريب: أنّ مورده وإنْ كان موت الزّوج، لكن المستفاد من حصر التنصيف في المطلّقة قبل الدخول هو عدمه في غيرها مطلقاً.5.

ص: 121


1- التهذيب: ج 8/146 باب عدد النساء ح 104 و 105 و 106، وسائل الشيعة: ج 21/332 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27223.
2- التهذيب: ج 8/146 باب عدد النساء ح 104 و 105 و 106، وسائل الشيعة: ج 21/332 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27223.
3- التهذيب: ج 8/146 باب عدد النساء ح 106، وسائل الشيعة: ج 21/332 باب 58 من أبواب المهور، ح 27224.
4- التهذيب: ج 8/147 باب عدد النساء ح 112، وسائل الشيعة: ج 21/333 باب 58 من أبواب المهور، ح 27225.

أقول: أمّا بالنسبة إلى موت الزّوجة، فالنصوص متّفقة على التنصيف، إذ ليس في النصوص ما يتوهّم دلالته على عدم التنصيف به إلّاخبر منصور بالتقريب المتقدّم، ويدفعه أنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى موت الزّوج الذي هو المسؤول عنه.

والاستدلال له: بما دلّ على ثبوت المَهر بالعقد، ويُستصحب كما عن الحِلّي(1).

غير تامّ : للّزوم الخروج عنه بالنصوص المتقدّمة الدالّة على التنصيف بموت الزّوجة، فلا ينبغي التوقّف في انتصاف المَهر بموتها.

وأمّا بالنسبة إلى موت الزّوج، فالطائفتان الأوليتان متّفقتان على التنصيف به، والأخيرتان تدلّان على عدم التنصيف، ولا يصحّ الجمع بينهما بحمل الأخيرين على الاستحباب، كما عن الشيخ رحمه الله(2) لعدم كونه جمعاً عرفيّاً.

ودعوى المحقّق اليزدي: من أنّ الترجيح بحسب الدلالة لما دلّ على عدم التنصيف مطلقاً، لأنّ قوله عليه السلام في خبر منصور: «لا يحفظون عنّي إنّما ذلك للمطلّقة» بمدلوله المطابقي متعرّضٌ لحال أخبار التنصيف، ودالٌّ على أنّها غير مطابقة للواقع، فيكون هذا الخبر حاكماً على تلك الأخبار، ولا يبقى مجالٌ للمعارضة، كي يرجع إلى مرجّحات الصدور أو جهته.

وقال في توضيح حكومته عليها: إنّ المراد به بعد القطع بصدور مضمون تلك الأخبار عنهم، أنّهم لمكان غفلتهم عن القرائن الحاليّة والمقاليّة المكتنفة بما أحدث لهم من الأحاديث، لا يتميّز لهم ما يكون من أحاديثي صادرة على نحو الجِدّ في مقام بيان الأحكام الواقعيّة، عمّا يكون منها صادرة على نحو التقيّة، فيروون عنّي ما8.

ص: 122


1- السرائر: ج 2/585 قوله: (قد بيّنا بغير خلاف بيننا أنّ بالعقد تستحقّ المرأة جميع المهر المسمّى ... فبقينا على ما كنّا عليه من استحقاقه، فمن ادّعى سقوط شيء منه يحتاج إلى دليل).
2- التهذيب: ج 8/148.

سمعوه منّي كائناً ما كان.

يرد عليه أوّلاً: ما تقدّم من عدم دلالته على عدم التنصيف بموت الزّوجة، وإنّما هو في موت الزّوج خاصّة.

وثانياً: أنّ هذا ليس جمعاً دلاليّاً، ولا يكون من الحكومة، بل هو جمعٌ جهتي، غاية الأمر لدليلٍ خاص.

وثالثاً: أنّه قد نَقل جملةٌ من الأصحاب(1) أنّ جمهور العامّة على القول في هذه المسألة بوجوب المَهر كملاً، ويؤيّده ما عن كتاب «ينابيع الأحكام» المُعدّ لنقل مذاهبهم الأربعة متّفقةً كانت أو مختلفة، قال:

(ويتقرّر المَهر كلّه بالوطء ولو حراماً، وموت أحدهما، لانتهاءالعقد به)(2) انتهى .

ورابعاً: أنّ ظاهر خبر منصور إنكاره عليه السلام الروايات الدالّة على التنصيف، وحيثُ يطمئن بصدور مضمونها عنه عليه السلام، فلابدّ وأن يُحمل هذا الخبر على ما صرّح به عليه السلام، قال عليه السلام - على ما رواه منصور بن حازم -:

«ما أجد أحداً أحدثه وإنّي لأُحدّث الرّجل بالحديث، فيتحدّث به فأوتي فأقول إنّي لم أقله»(3).

والحقّ أنْ يقال: إنّ الترجيح لنصوص التنصيف بموت الزّوج:

أوّلاً: لما في «الرياض»، بل حَكى عليه بعض المتأخّرين(4) الشهرة بين قدماء).

ص: 123


1- كما في نهاية المرام: ج 1/389-390.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/556.
3- بصائر الدرجات: ص 499 باب في الأئمّة أنّهم لو وجدوا من يحتمل عنهم لأعطوهم ح 5 باختلاف يسير.
4- كفاية الأحكام: ص 183 قوله: (لكن أخبار التنصيف أكثر وأشهر بين القدماء لاشتمال كلّ من الكتب الأربعة على بعضها...).

الطائفة(1)، وعليه فالشهرة التي هي أوّل المرجّحات تكون مع تلكم النصوص.

وثانياً: أنّ المرجّح الثاني وهو صفات الراوي معها، لأنّ رواتها أوثق وأورع وأكثر.

وثالثاً: لمخالفتها للعامّة.

ورابعاً: لاعتضادها بالنصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة:

منها: ما في اُختين اُهديتا إلى أخوين(2).

ومنها: ما في الرّجل يزوج ابنه يتيمة في حِجره ومات الزّوج قبل الدخول(3).

ومنها: ما في غلامٍ وجاريةٍ زوّجهما وليّان(4).

ومنها: غير تلكم حيث حكموا عليهم السلام بتنصيف المَهر في جميع هذه الأبواب بموت الزّوج قبل الدخول.

هذا كلّه مضافاً إلى إمكان حمل نصوص الجميع على إرادة جميع ما تستحقّه المرأة من المَهر، لا جميع ما فرض لها.

ويؤيّده: أنّ ذلك جُعل في مقابلِ من لم يُسمّ لها المَهر التي لا مَهر لها، وتدلّ على أنّ من سُمّي لها مَهراً، لها المَهر، ومن لم يُسمّ لها المَهر لا مَهر لها.3.

ص: 124


1- رياض المسائل: ج 10/433 الطبع الجديد.
2- الفقيه: ج 3/422 باب ما أحلّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4469، وسائل الشيعة: ج 21/330 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27214.
3- الفقيه: ج 4/309 باب ميراث الصبيان... ح 5664، وسائل الشيعة: ج 21/330 باب 58 من أبواب المهور حديث 27215.
4- الكافي: ج 5/401 باب تزويج الصبيان ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/326 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27203.

وعليه، فالجمع الدّلالي بين النصوص أيضاً يقتضي البناء على التنصيف.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول بالتنصيف بموتِ الزّوج أيضاً أظهر، والأحوط المصالحة.

لو دخل الزّوج قبل تسليم المَهر كان ديناً عليه

أقول: ثمّ إنّ في المقام فرعاً مناسباً وهو:

أنّ المشهور(1) بين الأصحاب أنّه إذا دخل الزّوج قبل تسليم ما في ذمّته من المَهر الحالّ أو المؤجّل أو بعضه، كان جميعه أو الباقي منه ديناً على الزّوج، ولا يسقط بالدخول، سواءٌ طالت مدّتها عنده أو قصرت، طالبت أو لم تُطالب به.

وعن التهذيبين(2) حكاية القول بالسقوط بالدخول عن بعض الأصحاب.

وعن الصدوق(3) والحلبي(4): (وإنْ أخذَت منه شيئاً قبل الدخول، سقط الباقي، إلّا أن توافقه على بقاء الباقي عليه ديناً).

ويشهد للأوّل: مضافاً إلى عموم الأدلّة الدالّة على وجوب اداء المَهر والدّين الذي منه المَهر، نصوصٌ خاصّة:

منها: صحيح البزنطي، قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: الرّجل يتزوّج المرأة على

ص: 125


1- كشف اللّثام: ج 7/448، جواهر الكلام: ج 31/72، قوله (للأصل والإجماع بقسميه).
2- التهذيب: ج 7/360 ذيل حديث 26، والاستبصار: ج 3/223 ذيل حديث 10.
3- الهداية: ص 259-260 قوله: (فإنْ أعطاها من الخمسمائة درهم درهماً واحداً أو أكثر من ذلك ثُمّ دخل بها فلاشيء لها بعد ذلك، إنّما لها ما أخذت منه).
4- الكافي في الفقه: ص 294 قوله: (وإذا سلّمت نفسها وقد قبضت شيئاً لم يكن لها غيره إلّاأن توافقه على الباقي وتشهد عليه به...).

الصداق المعلوم، فيدخل بها قبل أن يعطيها؟

فقال عليه السلام: يقدّم إليها ما قلّ أو كَثُر إلّاأنْ يكون له وفاء من عَرض، إنْ حدث به حَدثٌ أُدّي عنه، فلا بأس»(1).

ومنها: موثّق عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يتزوّج المرأة، فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها؟

قال عليه السلام: لا بأس إنّما هو دينٌ لها عليه»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

أقول: وبإزائها طوائفَ من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على سقوط المَهر بالدخول مطلقاً كصحيح عبد الرحمن ابن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل والمرأة يهلكان جميعاً، فيأتي ورثة المرأة فيدّعون على ورثة الرّجل الصداق ؟

فقال: وقد هَلَك وقُسّم الميراث ؟

فقلت: نعم. فقال: ليس لهم شيء.

قلت: فإنْ كانت المرأة حيّةً فجاءت بعد موتِ زوجها تدّعي صداقها؟

فقال: لا شيء لها، وقد أقامت وهو معه مقرّةً حتّى هلك زوجها.8.

ص: 126


1- الكافي: ج 5/413 باب الرّجل يتزوّج المرأة فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/255 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27029.
2- الكافي: ج 5/414 باب الرّجل يتزوّج المرأة فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً ح 4.
3- التهذيب: ج 7/357 باب في المهور والاُجور... ح 16 و 17، وسائل الشيعة: ج 21/259 باب 8 من أبواب المهور، حديث 37037 و 27038.

فقلت: فإنْ ماتت وهو حَيٌّ فجاء ورثتها يطالبونه بصداقها؟

قال: وقد أقامت حتّى ماتت لا تطلبه ؟

فقلت: نعم. فقال عليه السلام: لا شيء لهم.

قلت: فإنْ طلّقها فجاءت تطلب صداقها؟

قال: وقد أقامت لا تطلبه حتّى طلّقها؟ لا شيء لها.

قلت: فمتى حُدّ ذلك الذي إذا طلبه لم يكن لها؟

قال عليه السلام: إذا أُهديت إليه، ودخلت بيته، وطلبت بعد ذلك، فلا شيء لها»(1).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على سقوط العاجل:

منها: موثّق عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «دخول الرّجل على المرأة يهدم العاجل»(2).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة ويدخل بها، ثمّ تدّعي عليه مَهرها؟

قال عليه السلام: إذا دخل عليها فقد هَدَم العاجل»(3).

ونحوهما غيرهما(4).3.

ص: 127


1- الكافي: ج 5/385 باب اختلاف الزّوج والمرأة وأهلها في الصداق ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/257 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27036.
2- الكافي: ج 5/383 باب أنّ الدخول يهدم العاجل ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/256 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27033.
3- الكافي: ج 5/383 باب أنّ الدخول يهدم العاجل ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/256 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27034.
4- الكافي: ج 5/383 باب أنّ الدخول يهدم العاجل ح 3.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على سقوط المَهر إنْ أخذت منه شيئاً قبل الدخول:

منها: صحيح الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل تزوّج امرأة فدخل بها، ثمّ أولدها ثمّ مات عنها، فادّعتْ شيئاً من صداقها...؟

إلى أنْ قال: وأمّا الصداق فإنّ الذي أخذتْ من الزّوج قبل أن يدخل عليها، فهو الذي حَلّ للزوج به فرجها، قليلاً كان أو كثيراً، إذا قبضته منه وقبلته ودخلت عليه، فلا شيء لها بعد ذلك»(1).

ونحوه خبر المفضّل بن عمرو(2).

أقول: ولكن حيث لم يَستند الأصحاب إلى شيء من هذه النصوص، وأعرضوا عنها، فلا بأس بأحد التأويلات المذكورة في المقام:

التأويل الأوّل: وهو أحسنها ما عن الشيخ رحمه الله(3) وجماعة(4) من حمل نصوص السقوط باجمعها على أنّه ليس لها شيءٌ بمجرّد الدعوى من دون بيّنة، ويؤيّده:

1 - الخبر الذي رواه الحسن بن زياد، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«إذا دخل الرّجل بامرأته ثمّ ادّعت المَهر، وقال الزّوج: قد أعطيتُكِ ، فعليها البيّنة، وعليه اليمين»(5).5.

ص: 128


1- التهذيب: ج 7/359 باب في المهور والاُجور... ح 22، وسائل الشيعة: ج 21/260 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27041.
2- التهذيب: ج 7/361 باب في المهور والاُجور... ح 27، وسائل الشيعة: ج 21/261 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27042.
3- تهذيب الأحكام: ج 7/360 ذيل حديث 25.
4- كالمحقّق البحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/500-501.
5- الكافي: ج 5/386 باب اختلاف الزّوج والمرأة وأهلها في الصداق ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/257 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27035.

2 - والتوقيع الشريف كتب الحميري إليه روحي فداه:

«اختلف أصحابنا في مَهر المرأة، فقال بعضهم: إذا دخل بها سَقط عنه المَهر، ولا شيء عليه، وقال بعضهم: هو لازمٌ في الدُّنيا والآخرة، وكيف ذلك، وما الذي يجب فيه ؟

فأجاب عليه السلام: إنْ كان عليه بالمَهر كتابٌ فيه ذكر دينٌ ، فهو لازم في الدُّنيا والآخرة، وإنْ كان عليه كتابٌ فيه اسمُ الصِّداق سقط إذا دخل بها، وإنْ لم يكن عليه كتابٌ فإذا دخل بها سَقَط باقي الصداق»(1).

فإنّ أوّله كالصريح في أنّ على المرأة الإثبات، وأنّه بدون البيّنة لا يثبت مقدار المَهر.

التأويل الثاني: عن الحِلّي(2) وجماعة من أنّ نصوص السقوط محمولة على المفوّضة التي لم يُسمَّ لها مَهراً، فإنّه إذا قدّم لها شيئاً قبل الدخول، ثمّ دخل بها ساكتة عن ذكر المَهر، كان ذلك مَهراً لها، وليس لها المطالبة بمَهر المثل ولا بمَهر السنة لاحقاً.

ولكن يردّه: أنّ خبر المفضّل غير قابل لهذا الحمل، فإنّه صريحٌ في تسمية المَهر، ومع ذلك حكم عليه السلام بسقوطه بالدخول.

التأويل الثالث: ما عن المحدِّث الكاشاني رحمه الله(3) من حمل مطلق الأخبار على8.

ص: 129


1- الاحتجاج: ج 2 / ص 419، وسائل الشيعة: ج 21/261 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27044.
2- السرائر: ج 2/581 قوله: (وإن لم يكن سَمّى لها مَهرا وأعطاها شيئاً قبل دخوله بها، ثمّ دخل بها بعد ذلك، لم تستحقّ عليه شيئاً سوى ما أخذته منه قبل الدخول، سواء كان ذلك قليلاً أو كثيراً، على ما رواه أصحابنا، وأجمعوا عليه، فإنّ دليل هذه المسألة هو الإجماع المنعقد منهم بغير خلاف، وفيه الحجّة، لا وجه لذلك إلّاالإجماع).
3- مفتاح الشرائع: ج 2/280، الوافي: ج 22/538.

مقيّدها، أي يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه، فإنّهم كانوا يومئذٍ يجعلون بعض الصداق عاجلاً وبعضه آجلاً، وكان بمعنى العاجل ما كان دخوله بها مشروطاً على إعطائه إيّاها، فإذا دخل بها قبل الإعطاء، فكانت المرأة أسقطت عنه حقّها العاجل، ورضيت بتركه، لا سيّما إذا أخذت بعضه أو شيئاً آخر، وأمّا الآجل فلما جعلته حين العقد ديناً عليه، فلا يسقط إلّابالأداء، وعليه تُحمل الأخبار الاُولى .

وفيه: هذا الجمع وإنْ كان وجيهاً بالنسبة إلى جملةٍ من النصوص، ويشهد به خبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الرّجل يتزوّج بعاجلٍ وآجل ؟ قال عليه السلام: الآجل إلى موتٍ أو فُرقةٍ »(1).

إلّا أنّه في نصوص السقوط ما هو في الآجل، كما أنّه في نصوص عدم السقوط ما هو في العاجل.

وعليه، فالأصحّ هو الحمل الأوّل، وإنْ أبيت عن ذلك وقلتَ لا يمكن الجمع بين النصوص بوجه، فالمتعيّن تقديم النصوص الأُولى، لأنّها المشهورة بين الأصحاب، وموافقة للكتاب، ومؤيّدة بالنصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة، كموت أحد الزوجين، والطلاق بعد الدخول، والعنّين، والخِصاء، وغير تلكم من الأبواب الدالّة على عدم سقوط المَهر بالدخول.

***1.

ص: 130


1- الكافي: ج 5/381 ص 381 باب نوادر في المَهر ح 11.

ويصحُّ أن يكون عيناً، أو ديناً، أو منفعةً ، ولا يتقدّر قلَّةً ولا كَثرة، ولابُدَّ فيه من الوصف أو المشاهدة.

لا حَدّ للمهر في الكثرة

المبحث الثالث: فيما يصحّ أن يُجعل مَهراً، (و) قد تقدّم في الفصل الرابع في مبحث المتعة(1) أنّه:

(يصحّ أنْ يكون) المَهر (عيناً أو دَيناً أو منفعة) أو حقّاً، أو عمل حُرٍّ (و) ما شاكل.

كما تقدّم(2) أنّه (لا يتقدّر قلّةً ولا كثرةً ، و) عرفت الكلام في أنّه (لابدَّ من الوصف أو المشاهدة).

وإنّما الكلام في المقام في مسائل لم نذكرها هناك.

المسألة الأُولى: عن اختلاف الأصحاب في حَدّ المَهر:

1 - المشهور(3) بين الأصحاب شهرةً عظيمة أنّه لا حدَّ للمَهر كثرةً ، كما قدّمناه.

2 - وعن السيّد المرتضى(4)، والإسكافي(5)، والصدوق(6) المنع من الزيادة عن مَهر السُّنة، وهو خمسمائة درهم، بل لو زاد عليها رُدّ إليها.

ص: 131


1- تقدّم في أواخر الجزء 32.
2- تقدّم في أواخر الجزء 32 في بيان حَدّ المَهر.
3- مختلف الشيعة: ج 7/239.
4- الانتصار: ص 292 مسألة 164.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/129 الفصل الثالث: في الصداق.
6- الهداية: ص 259.

واستدلّ له:

1 - (بالإجماع.

2 - وبأنّ المَهر يتبعه أحكام شرعيّة، فإذا وقع العقد على مَهر السنة فما دون، ترتّبت عليه الأحكام بالإجماع، وأمّا الزائد فليس عليه إجماعٌ ولا دليلٌ شرعي فيجب نفيه)(1).

3 - وبخبر المفضّل بن عُمر، قال: «دخلتُ على أبي عبد اللّه عليه السلام، فقلت له:

أخبرني عن مَهر المرأة الذي لايجوز للمؤمنين أن يجوزوه ؟

قال: فقال عليه السلام: السُّنة المحمديّة خمسمائة درهم، فمن زاد على ذلك رَدّ إلى السُّنة، ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم، فإنْ أعطاها من الخمسمائة درهم درهماً أو أكثر من ذلك ثمّ دخل بها فلا شيء عليه» الحديث(2).

ولكن يردّ على الوجه الأوّل: عدم ذهاب الأصحاب إليه، ولم يظهر له موافقٌ سوى ما نُسب إلى الإسكافي والصَّدوق، وصاحب «الجواهر»(3) يُصرّ على عدم ذهابهما إليه، ولذا قال في محكيّ «المسالك» بعد نقل ادّعاء السيّد الإجماع عليه:

(وهو عجيبٌ ، فإنّه لا يعلم له موافقٌ فضلاً عن أنْ يكون ممّا يُدّعى فيه الإجماع)(4).

ويردّ الوجه الثاني: أنّ الدليل - مضافاً إلى عموم قوله تعالى: (فَآتُوهُنَّ8.

ص: 132


1- الانتصار: ص 292 مسألة 164.
2- الاستبصار: ج 3/224 باب أنّ الرّجل إذا سمّى المَهر ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/261 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27042.
3- جواهر الكلام: ج 31/16 قوله: (لكن لا يخفى عليك عدم صراحة كلام الإسكافي في موافقة المرتضى... كماأنّه قد يظهر من الصدوق إرادته الاستحباب).
4- مسالك الأفهام: ج 8/168.

أُجُورَهُنَّ ) (1) ، وقوله عزّ وجلّ : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (2)، وما ماثلهما من الآيات المطلقة - خصوص قوله عزّ وجلّ : (وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (3) فإنّ القنطار(4) هو المال العظيم، أو ما وزنه أربعين أوقية من الذهب أو الفضّة، أو ألف دينار، أو ألف ومائتا أوقية، أو سبعون ألف دينار، أو ثمانون ألف درهم، أو مائتا رطل من ذهب أو فضّة، أو ملُ مِسْك ثورٍ ذهباً أو فضّة.

وصحيح الوشّاء، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: «سمعتهُ يقول: لو أنّ رجلاً تزوّج امرأةً وجَعل مَهرها عشرين ألفاً، وجعل لأبيها عشرة آلاف، كان المَهر جائزاً، والذي سمّاه لأبيها فاسداً»(5).

وصحيح الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً بألف درهم، فأعطاها عبداً له آبقاً، وبُرْداً حبرة بألف درهم التي أصدقها؟

قال: إذا رضيت بالعبد، وكانت قد عرفته، فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد»(6).

ونحوهما غيرهما(7).ر.

ص: 133


1- سورة النساء: الآية 24.
2- سورة البقرة: الآية 237.
3- سورة النساء: الآية 20.
4- لسان العرب: ج 5/118.
5- الكافي: ج 5/384 باب الرّجل يتزوّج المرأة بمَهرٍ معلوم ويجعل لأبيها شيئاً ح 1، وسائل الشيعة: ج 263/21 باب 9 من أبواب المهور، حديث 27046.
6- الكافي: ج 5/380 باب نوادر في المَهر ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/282 باب 24 من أبواب المهور، حديث 27093.
7- وسائل الشيعة: ج 21/239-241 باب 1 من أبواب المهور.

وعليه، فلا يبقى مجالٌ لما ذكر.

وأمّا الخبر: - فمضافاً إلى ضعف سنده بمفضّل(1)، وتضمّنه لأحكام غريبة، وقد تقدّم في المسألة السابقة ما في أمثال هذا الخبر، وإعراض الأصحاب - عنه لايصلحُ أنْ يقاوم النصوص المتقدّمة.

وعليه، فالأظهر هو جواز الزيادة عن مَهر السنّة.

أقول: وفي المقام طائفة من النصوص، يظهر منها تعيّن كون المَهر مَهر السُّنة، وهي الأخبار المتضمّنة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يتزوّج ولا زوج بناته بأكثر من ذلك، وأنّه أمرَ اللّه تعالى نبيّه صلى الله عليه و آله أن يسنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم، ففعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).

ولم أظفر بما يدلّ صريحاً على أنّ من زاد على ذلك، رُدَّ إلى مَهر السنّة، ولا شيء عليه أكثر من مَهر السُّنة، سوى خبر المفضّل المتقدّم.

وعليه، فما نُسب إلى المحقّق اليزدي من ورود ذلك في الأخبار الكثيرة، كما ترى ، ولعلّه أراد ما أشرنا إليه.

وكيف كان، فهذه النصوص لا تدلّ على تعيّن كون المَهر ذلك، سيّما وقد دلّت النصوص الكثيرة على جواز دفع المَهر أزيد من ذلك، وقد تقدّم بعضها.

وفي «المبسوط»: (أنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام أصدق إمرأته مائة جارية، مع كلّ جاريةٍ ألف درهم، وإنّ عمر أصدق بنت أمير المؤمنين عليه السلام أربعين ألف درهم، وذكر أنّ جماعة من الصحابة والتابعين أصدقوا نحو ذلك)(3).ق.

ص: 134


1- النجاشي: ص 416 قوله: (كوفي، فاسد المذهب).
2- وسائل الشيعة: ج 21/244-249 باب 4 من أبواب المهور.
3- ذكر ذلك الشيخ في المبسوط: ج 4/272 من كتاب الصداق.

وفي خبر محمّد بن مسلم، قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: تدري من أين صار مهور النساء أربعة آلآف ؟ قلت: لا.

قال: إنّ اُمّ حبيب بنت أبي سفيان كانت بالحبشة، فخطبها النبيّ صلى الله عليه و آله، وساق إليها عنه النجاشي أربعة آلاف فمِن ثَمّ يأخذون به، فأمّا المَهر فاثنتا عشر أُوقية ونشّ »(1).

وبالجملة: فالمتعيّن حمل تلكم النصوص على إرادة أنّ المَهر الشرعي، أي ما أُخذ في موضوعه المَهر، هو ذلك، فإذا أمهرت المرأة أزيد من الخمسمائة، كان الجميع واجباً على الزّوج قطعاً، إلّاأنّ المَهر الشرعي منه الخمسمائة والزائد مَهر عرفيٌ واجبٌ شرعي على الزّوج، وإنْ شئت فسمّه نِحلة، وإذا ورد الدليل على أنّ للمرأة الامتناع عن الزّوج حتّى تتسلّم المَهر، ولم تكن هناك قرينة على إرادة العرفي، كان المراد به الخمسمائة، وإذا عقد على امرأةٍ على المَهر انصرف إلى ذلك، وهكذا.

ويشهد به: مارواه العيّاشي في تفسيره، عن عمر بن يزيد، قال:

«قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: أخبرني عمّن تزوّج على أكثر من مَهر السُّنة، أيجوز ذلك ؟

قال عليه السلام: إذا جاز مَهر السُّنة، فليس هذا مَهراً إنّما هو نِحلة، لأنّ اللّه تعالى يقول:

(وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) إنّما عَنى النحل ولم يعنِ المَهر، ألا ترى أنّها إذا أمهرها مَهراً ثمّ اختلعت، كان له أن يأخذ المَهر كاملاً، فما زاد على مَهر السُّنة فإنّما هو نحل، كما أخبرتك، فمن ثمّ وَجبَ لها مَهر نسائها لعلّةٍ من العِلل» الحديث(2).9.

ص: 135


1- الكافي: ج 5/382 باب نوادر في المَهر ح 13، وسائل الشيعة: ج 21/247 باب 4 من أبواب المهور، حديث 27005.
2- تفسيرالعيّاشي: ج 1/229 حديث 67، وسائل الشيعة: ج 21/248 باب 4 من أبواب المهور، حديث 27009.

حكمُ ما لو سَمّى للمرأة مَهراً ولغيرها شيئاً

المسألة الثانية: لو سَمّى للمرأة مَهراً، ولأبيها أو غيره من الأولياء أو واسطةً أو أجنبي شيئاً معيّناً، فالمشهور(1) بين الأصحاب لزوم ما سَمّي لها، وسقوط ما سَمّي لغيرها، بل عن «الغُنية» الإجماع(2) عليه، والكلام فيه:

تارةً : فيما تقتضيه القواعد.

واُخرى : فيما تقتضيه النصوص الخاصّة.

أمّا الأوّل: فما يجعل لغيرها إنْ كان من جملة المَهر فَسَد، لما يأتي من النصوص المانعة عن جعل المَهر لأب الزّوجة، معلّلاً بأنّه ثمن رقبتها.

وهل يفسدُ ما جُعل لها أيضاً أم لا؟ كلامٌ سيأتي.

وأمّا لو جَعل المَهر شيئاً وفَسَد بعضه، وإنْ لم يكن من جملة المَهر، بل كان خارجاً عنه فالأظهر صحّة الشرط، سواءٌ كان ذلك شرطا في المَهر أو في العقد، وسواءٌ كان الشرط عملاً أو مالاً، وعلى الثاني كان الشرط تمليك المال للغير، أو ملكيّة الغير له، وذلك كلّه لعموم دليل(3) وجوب الوفاء بالشرط.

ودعوى: أنّ الشرط للأجنبي كالشرط الابتدائي لا يجبُ الوفاء به.

مندفعة: بأنّه لم يدلّ الدليل إلّاعلى لزوم كون الشرط في ضمن عقد، وأمّا

ص: 136


1- الحدائق الناضرة: ج 24/444 قوله: (وظاهر الأصحاب الاتّفاق على صحّة المَهر الذي جعله للزوجة وبطلان ما سمّاه لغيرها).
2- غنية النزوع: ص 349 قوله: (وإذا أصدقها على أنّ لأبيها ألفاً صَحّ العقد بلا خلافٍ ، ويجب عليه الوفاء بما سمّى لها، وهو بالخيار فيما شرط لأبيها، بدليل إجماع الطائفة).
3- وسائل الشيعة: ج 18/16-17 باب 6 من أبواب الخيار كتاب التجارة.

كون المشروط له أحد المتعاقدين، فلم يدلّ دليلٌ عليه، ولذا لم يَستشكل أحدٌ في جعل خيار الشرط في البيع للأجنبي بذلك.

فإنْ قيل: إنّ شرط النتيجة لا يجبُ الوفاء به، لأنّ أسباب الملك محصورة، وليس الشرط منها.

قلنا: إنّ النتيجة المشروطة إنْ دلّ الدليل الخاص على عدم حصولها إلّابسببٍ خاصّ كالزوجيّة والطلاق وما شاكل، صَحّ ما اُفيد، وأمّا إنْ لم يدلّ دليل على ذلك كالملكيّة، فنفس دليل لزوم الوفاء بالشرط يدلّ على تحقّقها به، وأنّه من أسبابها، كيفَ وقد اتّفقوا على صحّة شرط ملكيّة اُمورٍ مثل اشتراط كون مال العبد، وحمل الجارية، وثمر الشجرة، مِلْكاً للمشتري وغير ذلك.

ودعوى: تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع.

مندفعةٌ : بعدم صلاحيّة ذلك للفرق، مع أنّه يظهر من بعضهم جواز اشتراطُ مِلك حَمل دابّةٍ في بيعٍ آخر.

فإنْ قيل: إنّه يعتبر كون الشرط فعلاً ليجب الوفاء به.

قلنا: إنّ دليل الشرط بما أنّ مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن شرطه كما هو واضح في قولهم عليهم السلام: «المسلمون عند شروطهم»(1) فلا محالة يكون ظاهراً في الحكم التكليفي، ولكن لا يتوقّف ذلك على كونه فعلاً، بل يشمل ما لو كان من قبيل شرط النتيجة، بلحاظ ترتيب الآثار عليها، ولذا تمسّك به الإمام عليه السلام في موارد كلّها من هذا القبيل كعدم الخيار، للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها على أداء مال المكاتبة6.

ص: 137


1- الكافي: ج 5/384 باب الرّجل يتزوّج المرأة بمهرٍ معلوم ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/263 باب 9 من أبواب المهور، حديث 27046.

مشترطاً عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق(1).

فإنْ قيل: إنّ الشرط إنْ كان في العقد لا في المَهر فسد العقد، لأنّ النكاح لايقبل الاشتراط.

قلنا: سيأتي في بعض المسائل الآتية أنّ الذي يَفسُد ويُفسد هو شرط الخيار في النكاح دون سائر الشروط.

وأمّا الثاني: ففي المقام رواية وهي صحيحة الوشّاء، عن الإمام الرضا عليه السلام: «لو أنّ رجلاً تزوّج امرأةً وجعل مَهرها عشرين ألف، وجعل لأبيها عشرة آلاف، كان المَهر جائزاً، والذي جعله لأبيها فاسداً»(2).

أقول: هذه الرواية تدلّ على أنّ المجعول لأبيها لو كان بنحو شرط تمليكه له، أو شرط الملكيّة له من ماله، فهو فاسدٌ، وبإلغاء الخصوصيّة يُتعدّى إلى لو ما جُعل عملاً له عليه، وأيضاً يتعدّى إلى غير الأب، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون المجعول مؤثّراً في تقليل مَهر الزّوجة بسبب جعله في العقد وعدمه، ولا بين كون المجعول لأبيها تبرّعاً محضاً، أو لأجل وساطة عمل محلّل، ولكنّها لا تشمل ما لو جُعل لها مَهراً وشَرط أن تعطي المرأة أباها شيئاً منه، أو أن تعمل لأبيها عملاً، أو صيرورة مقدارٍ من المَهر بعد دخوله في ملكها لأبيها، والأظهر صحّة ذلك كلّه.

وعليه، فما عن المحقّق الثاني في «شرح القواعد»:6.

ص: 138


1- الكافي: ج 6/188 باب المكاتب ح 13، وسائل الشيعة: ج 33/155 باب م 11 من أبواب المكاتبة، حديث 29299.
2- الكافي: ج 5/384 باب الرّجل يتزوّج المرأة بمهر معلوم ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/263 باب 9 من أبواب المهور، حديث 27046.

(وإنْ كان قد سَمّى المجموع للزوجة مَهراً، وشرط عليها أن تدفع إلى أبيها منه شيئاً على وجه التبرّع منه والإحسان، فالفساد لا وجه له، لأنّ ذلك شرطٌ لايخالف الكتاب والسُّنة، فلا وجه لإبطاله، وعلى هذا لو طلّقها يرجعُ بنصف المجموع، لأنّ جميعه هو المَهر)(1).

متينٌ جدّاً.

كما أنّ ما قاله المحقّق في «الشرائع» بأنّه: (لو أمَهرها مَهراً وشَرط أن يعطي أباها منه شيئاً معيّناً قيل(2) يصحّ المَهر والشرط)(3) ونحوه ما عن «القواعد»(4)، هو الصحيح، أي مانسباه إليقيل متينٌ ، وقد مال إليه الشهيد رحمه الله أيضاًفي «شرح الإرشاد»(5).

جواز تزويج إمرأتين بعقدٍ واحد

المسألة الثالثة: لا خلاف بين الأصحاب في أنّه يجوز أن يتزوّج امراتين أو أكثر بعقدٍ واحد، بل ظاهر جماعة(6) منهم عدم الفرق في ذلك بين وحدة الزّوج وتعدّده، كما لو قال: زوّجت فاطمة زيداً وهنداً بكراً، فقال وكيلها: قد قبلتُ .

ويشهد به في جميع الصور إطلاق الأدلّة، وفي بعضها خصوص صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج خمساً في عَقدةٍ؟ قال عليه السلام: يخلّي سبيل أيّتهنّ

ص: 139


1- جامع المقاصد: ج 13/397.
2- كشف اللّثام: ج 7/424 قوله: (والقائل أبو عليّ ).
3- شرائع الإسلام: ج 2/546.
4- قواعد الأحكام: ج 3/77.
5- غاية المراد: ج 3/118 قوله: (ولا يلزم ما يسمّيه للأب غير المَهر أو منه على رأي).
6- حكاه في الجواهر: ج 31/22 عن ظاهر جماعة، والمحقّق اليزدي في سؤال وجواب ص 175 سؤال 284.

شاء، ويمسك الأربع»(1).

ونحوه غيره(2).

أقول: إنّما الخلاف في أنّه هل يصحّ المَهر لو جمعهما بمَهرٍ واحد كقوله بمائة فرسٍ ونحو ذلك أم لا؟

وقد ذُكر في وجه عدم الصحّة: أنّ المَهر هنا متعدّد في نفسه، وإنْ كان مجتمعاً، وحصّة كلّ واحدٍ غير معلومة حال العقد، وعلمها بعد ذلك لا يُفيد الصحّة.

وفيه أوّلاً: قد تقدّم(3) أنّه لا دليل على اعتبار معلوميّة المَهر، بل ظاهر جملةٍ من النصوص عدم اعتبارها:

منها: صحيح محمّد بن مسلم المتضمّن لقضيّة المرأة التي أتت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وطلبت منه الزّوج، وزوّجها النبيّ صلى الله عليه و آله من رجلٍ ، وجعل ما يُحسنه الرّجل من القرآن مَهراً لها، ولم يسأل عن مقداره مع كونه مجهولاً لها(4).

ومنها: النصوص الآتية الدالّة على جواز جعل المَهر بيتاً أو داراً أو خادماً، وأنّ لها الوسط منها(5).

ومنها: الأخبار الدالّة على جواز تفويض المَهر، بأنْ يذكر المَهر في العقد،ر.

ص: 140


1- الكافي: ج 5/430 باب الذي عنده أربع نسوة فيطلّق واحدة ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/522 باب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، حديث 26252.
2- الكافي: ج 5/430 باب الذي عنده أربع نسوة فيطلّق واحدة ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/523 باب 5 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، حديث 26523.
3- تقدّم في أواخر الجزء 32 في بحث: اعتبار كون المَهر معلوماً.
4- الكافي: ج 5/380 باب نوادر في المَهر ح 5، وسائل الشيعة: ج 21 / باب 2 من أبواب المهور، حديث 26997.
5- وسائل الشيعة: ج 21/283-284 باب 25 من أبواب المهور.

ويفوّض تعيينه إلى أحد الزوجين بعينه(1)، بل قد عرفت أنّه لولا مخالفة الأصحاب لقلنا بعدم اعتبار معلوميّة المَهر ولو من جهة.

وثانياً: أنّه لو دلّ الدليل على اعتبار معلوميّة المَهر، فالمتيقّن منه معلوميّة ما جُعل في العقد مَهراً، وهي حاصلة في المقام، وإنّما المجهول حصّة كلّ منهما، فالأظهر هو الصحّة.

وعليها فهل يكون المَهر بينهنّ بالسَّوية كما عن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»(2)ومن تبعه(3)؟

أم يقسَّط على مهور أمثالهنّ ، فيُعطي كلّ واحدةٍ ما يقتضيه التقسيط نحو البيع ؟ وجهان.

واستدلّ للأوّل: بأنّ المَهر ليس عوضاً حقيقيّاً كي يُقسّط على حساب ما يقع بإزائه من المعوّض، بل هو نِحلةٌ ، فإذا جُعل شيءٌ واحدٌ مَهراً لإمراتين يكون نظير ما إذا وَهَب شيئاً واحداً لشخصين في كونه بينهما بالسويّة، من غير فرقٍ بين كونهما مساويين في الشأن أو مختلفين.

أقول: لا إشكال ولا خلاف في عدم كونه عوضاً حقيقيّاً، ولذا لا يُفسخ العقد بتلفه، ولا يُسّقط بامتناعها عن التمكين إلى الموت، ونحو ذلك من الفروع التي لاتناسب مع كونه عوضاً، وعلى ذلك بنينا على أنّ ضمان الزّوج للمَهر إنّما هو ضمان يد كالعارية المضمونة، لا ضمان معاوضة، ولكن ذلك وحده لا يقضي التسوية، بعد9.

ص: 141


1- وسائل الشيعة: ج 21/278-280 باب 21 من أبواب المهور.
2- المبسوط: ج 4/363.
3- المهذّب: ج 2/209.

فرض أنّ للبُضع قيمة، وهي مَهر المثل، وعليه فالأظهر هو تقسيط المَهر نحو تقسيطه في المبيعين.

حكم من أسرّ مَهراً وأعلن غيره

المسألة الرابعة: إذا تزوّج المرأة بمَهرٍ سِرّاً وبآخر جهراً، لا خلاف(1) بينهم في أنّ لها الأوّل في الجملة.

أقول: وتنقيح القول عنها يتحقّق بالبحث عن أمرين:

الأوّل: فيما تقتضيه القاعدة.

الثاني: ما يقتضيه النصّ الخاص.

أمّا الأمر الأوّل:

فتارةً : يعقد معها على مَهرٍ معيّن سرّاً، ثمّ يعقد معها على مَهرٍ آخر جهراً، كما هو المعمول بين الناس.

واُخرى : يقع العقد على مَهرٍ معيّن كألفين جهراً مع تواطئهما على إرادة الألف من الألفين.

وثالثة: يقع العقد على الألفين، لكنّهما تواطئا على عدم الالتزام إلّابنصف ما ذُكر في العقد.

أمّا في الصورة الأُولى : فلا إشكال في صحّة الأوّل، وأنّ لها المَهر الأوّل، لوقوع العقد الثاني لغواً.

ص: 142


1- جواهر الكلام: ج 31/37.

وأمّا في الصورة الثانية: فقد قال عنها صاحب «المسالك»:

(فيه وجهان مبنيّان على أنّ اللّغات هل هي توقيفيّة أو اصطلاحيّة، وعلى أنّ الاصطلاح الخاص هل يؤثّر في الاصطلاح العام ويغيّره أم لا؟

فعلى الأوّل: يفسد المَهر، لأنّ الألف غير ملفوظة، والألفين غير مقصودة، ولم تقع عبارةً عنها لمباينتها لها، وينتقل إلى مَهر المثل.

وعلى الثاني: يحتمل الصحّة، ويكون المَهرُ الألف، لاصطلاحهما عليه، وكونه الفين لوقوع العقد عليه باتّفاقهما، والوضع العام لا يتغيّر، وهذا الاحتمال يجري أيضاً على الأوّل)(1) انتهى .

أقول: لا إشكال في أنّه لا يعتبر في الإنشائيّات سوى الاعتبارالنفساني، وإبراز ذلك بأيّ نحوٍ كان، غاية الأمر قام الإجماع على اعتبار كون المُبرز للعقد نفسه مصداقاً عرفيّاً له، ومبرزاً له بحسب المتفاهم العرفي، ولا دليل على اعتبار ذلك في الخصوصيّات.

وعليه، فيصحّ المَهر المقصود في الصورة المفروضة لقصد الألف، وإبرازه بما تواطئا على كونه مَهراً له.

وبالجملة: فالأظهر هو الصحّة على المَهر المقصود.

وأمّا في الصورة الثالثة:

1 - فإنْكان تواطئهما على عدم الالتزام إلّابالنصف، على نحو اشتراطالسقوط بعد الثبوت، فالأظهر الصحّة، ووقوع العقد على المَهر الذي جَهَر به بناءً على6.

ص: 143


1- مسالك الأفهام: ج 8/186.

ما تقدّم من أنّه لا عبرة بالشرط غير المذكور في النكاح، لدلالة النصوص الخاصّة عليه.

2 - وإنْكان تواطئهما على عدم ثبوت أزيد من النصف، فالظاهر فساد المَهر، لرجوع ذلك إلى التناقض في القصد.

وأمّا النصّ : فقد رَوى زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ أسرَّ صِداقاً وأعلن أكثر منه ؟

فقال عليه السلام: هو الذي أسرّ، وكان عليه النكاح»(1).

وظاهره وحدة العقد وتعدّد المَهر بحسب السِرّ والعلن، فينطبق على الصورة الثانية التي كان مقتضى القاعدة أيضاً هو الصحّة على المَهر الذي أسرَّ به.

امتناع الزّوجة عن التسليم حتّى تقبض مَهرها

المسألة الخامسة: المشهور(2) بين الأصحاب أنّه يجوز للزوجة غير المدخول بها أن تمتنع من تسليم نفسها حتّى تقبض مَهرها، إذا كان المَهر حالّاً والزّوج موسراً.

وفي «الحدائق»(3): نفي الخلاف فيه.

وعن «كشف اللّثام»(4) وغيره(5): دعوى الاتّفاق عليه.

ص: 144


1- الكافي: ج 5/381 باب نوادر في المَهر ح 12، وسائل الشيعة: ج 21/271 باب 15 من أبواب المهور، حديث 27071.
2- الحدائق الناضرة: ج 24 قوله: (والمشهور، بل ادّعي عليه الإجماع هو جواز الامتناع لها).
3- الحدائق الناضرة: ج 24/459.
4- كشف اللّثام: ج 7/409، الطبع الجديد.
5- كما في مسالك الأفهام: ج 8/194.

وفي «الحدائق»(1)، وعن المحقّق الأردبيلي(2)، وسيّد «المدارك»(3): أنّه ليس لها الامتناع من تسليم نفسها.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ النكاح مع الإصداق معاوضة بالنسبة إلى ذلك، لاتّحاده معها في الكيفيّة المقتضية أنّ لكلّ من المتعاقدين الامتناع من التسليم حتّى يقبض العوض.

2 - وبخبر زرعة، عن سماعة: «سألته عن رجلٍ تزوّج جاريةً أو تمتّع بها، ثمّ جعلته من صداقها في حِلّ ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال عليه السلام: نعم إذا جعلته في حِلّ فقد قبضته منه»(4).

بدعوى أنّه يدلّ بمفهومه على عدم جواز الدخول بها قبل القبض، وأنّ لها الامتناع من ذلك.

لا يقال: إنّ إطلاقه يقتضي عدم جواز الدخول بها حتّى مع عدم امتناعها.

فإنّه يرده: أنّ هذا الحكم حيث يكون من جهة مراعاة حقّها، فلا إطلاق له لصورة رضاها بالدخول.

3 - وبما دلَّ من النصوص على عدم الدخول بها حتّى يعطيها شيئاً، كالخبر1.

ص: 145


1- الحدائق الناضرة: ج 24/462.
2- مجمع الفائدة والبرهان، قوله: (... وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كلّ واحدٍ منهما عند طلب الآخر وعدم جواز الحبس حتّى يقبض حقّه).
3- نهاية المرام: ج 1/413 قوله: (ولم نقف في هذه المسألة على نصّ ، والذي يقتضيه النظر فيها أنّ تسليم الزّوجة لنفسها حقّ عليها، وتسليم المَهر إليها حقّ عليه..).
4- التهذيب: ج 7/374 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 76، وسائل الشيعة: ج 21/301 باب 41 من أبواب المهور، حديث 27131.

الذي رواه أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا تزوّج الرّجل المرأة، فلا يحلّ له فرجها حتّى يسوق إليها شيئاً درهماً فما فوقه، أو هديّة من سويق أو غيره»(1).

ونحوه غيره(2).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلعدم كون النكاح مع المَهر من قبيل المعاوضات الحقيقيّة أوّلاً.

وثانياً: أنّه في البيع ونحوه إنْ التزمنا بعدم وجوب التسليم ما لم يتسلّم العِوض، فإنّما هو من جهة الشرط الضمني المبنيّ عليه العقد، وهو عدم التسليم إلّا مع تسليم الآخر، وإنْ كان في صحّة هذا الشرط في محلّه كلاماً، من جهة كونه خلاف الكتاب والسُّنة، ولكن هذا الوجه لايجري في المقام، لما تسالموا عليه من أنّ الشرط في عقد النكاح لا يجبُ الوفاء به، إلّاإذا ذُكر في ضمن العقد، وقد مرّ(3) الكلام فيه.

وأمّا ما ذكره المحقّق اليزدي رحمه الله: في وجه جواز الامتناع عن التسليم ما لم يتسلّم في المقامين، من أنّ معنى الوفاء بالعقد اللّازم بحكم العُرف والشّرع، هو العمل خارجاً على طبق ما التزم المتعاقدان به في العقد من النقل والانتقال، ومن المعلوم أنّهما التزما وتعهدا في العقد على المبادلة الماليّة بين العوضين، وتسليط كلّ منهما صاحبه على ما عنده من أحد العوضين بإزاء تسليط الآخر إيّاه على ماعنده من).

ص: 146


1- التهذيب: ج 7/357 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 15، وسائل الشيعة: ج 21/254 باب 7 من أبواب المهور، حديث 27024.
2- وسائل الشيعة: ج 21/254-255 باب 7 من أبواب المهور.
3- تقدّم في أواخر الجزء 32 تحت عنوان (حكم الشرط المذكور قبل العقد).

العوض الآخر، والعمل الخارجي على طبق هذا الالتزام والتعهّد إنّما هو بدفع كلّ منهما ما مَلكه من صاحبه إليه بإزاء دفع الآخر ما ملكه منه إليه.

فيرد عليه: أنّ الوفاء عبارة عن التمام أو ما يقاربه، والإيفاء عبارة عن الإتمام والإنهاء، وعليه فإنْ كان العقد متعلّقاً بالنتيجة كملكيّة عينٍ بعوض، أو زوجيّة إمراةٍ بصداقٍ ، كان الوفاء به إتمامه، وعدم رفع اليد عنه بحلّه ونقضه.

وبالجملة: فلا يستفاد من دليل وجوب الوفاء بالعقد لزوم تسليم العوضين، إذ العقد لم يتعلّق بترتيب آثار الملكيّة، بل هو أجنبيّ عن الوفاء به، مع أنّ غاية ما يلزم ممّا اُفيد، وجوب التسليم على كلّ منهما، لا جواز امتناع كلّ منهما مع امتناع الآخر، ولا تلازم بينهما، إذ منع أحدهما الآخر عن حقّه وظلمه، لايستلزمُ جواز الظلم للآخر ومنعه من حقّه.

ودعوى: أنّه يلزمُ منه الضَّرر عليها.

مندفعةٌ : بأنّ الحاكم يجبره حينئذٍ على دفع العِوض والمَهر.

وأمّا الثاني فيردّه: أنّ مفهومه حينئذٍ ينطبق على منطوق النصوص الاُخر، الظاهرة في عدم جواز الدخول قبل أن يعطيها شيئاً، فإنّه المسؤول عنه في المنطوق، فالجوابُ عنه هو الجواب عن الوجه الثالث.

وأمّا الثالث فيرده أوّلاً: أنّه لا ربط لتلك النصوص بالمَهر، بل إنّما تدلّ على أنّه لابدّ وأن يعطيها شيئاً ولو غير المَهر.

وثانياً: أنّها محمولة على الاستحباب، للإجماع(1) على عدم لزومه، وللنصوص6.

ص: 147


1- الحدائق الناضرة: ج 24/465-466.

الصريحة في ذلك:

منها: صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل تزوّج امرأةً أيحلّ له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

ونحوه غيره(2).

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: عدم جواز أن تمتنع من تسليم نفسها قبل قبض المَهر، لولا الإجماع على الجواز، والظاهر وجوده، فتدبّر.

فرع: على القول بجواز الامتناع، وقع الإشكال فيما لو امتنع كلّ منهما من التسليم حتّى يقبض، وفيه أقوال:

1 - ما عن «المسالك»(3)، و «كشف اللّثام»(4) من أنّه يؤمر الزّوج بإيداع الصداق عند من يثقان به، أو عَدل وتؤمر الزّوجة بالتمكين، فإذا وطئها قبضته، لأنّ الوطء في النكاح هو القبض، إذ البُضع لا يدخل تحت اليد.

2 - أنّه يُجبر الزّوج على تسليم الصداق أوّلاً، فإذا سلّمه سلّمت هي نفسها، لأنّ فائت المال يُستدرك بخلاف فائتِ البُضع.

3 - أنّه لا يُجبر واحدٌ منهما، بل يوقَف إلى أن يبادر أحدهما بالتسليم، فيُجبر الآخر عليه.د.

ص: 148


1- نوادر الأشعري: ص 115 ح 288، وسائل الشيعة: ج 21/262 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27045.
2- التهذيب: ج 7/357-358 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 16 و 17، وسائل الشيعة: ج 21/259 باب 8 من أبواب المهور، ح 27037 و 27038.
3- مسالك الأفهام: ج 8/194.
4- كشف اللّثام: ج 7/409 الطبع الجديد.

ويرد الأخير: أنّ الإيقاف ربما يؤدّي إلى بقاء النزاع، فلابدّ من تعيين ما به يرتفع النزاع.

ويرد ما قبله: أنّ مدرك جواز امتناعها:

إنْ كان هو الأخبار الخاصّة، فهو متينٌ ، لعدم نصّ في امتناع الزّوجة، وكذا لو كان هو الإجماع.

وإنْ كان هو القاعدة، فهي في اقتضائها لجواز الامتناع بالنسبة إليهما على حَدٍّ سواء.

ويرد الأوّل: أنّه لو دلّ الدليل على جواز امتناع كلّ منهما، لا دليل على وجوب الإيداع.

ويمكن أنْ يقال: إنّه على القول بجواز امتناع كلّ منهما، فإنّ طريق دفع التنازع هو أن تمكّن المرأة الزّوج من نفسها، ويؤمر الزّوج بإعطاء المَهر، ثمّ الوطء، فإنّ ما بإزاء المَهر هو التمكين لا الوطء خارجاً، وبذلك يرتفع النزاع، إذ بعد التمكين إنْ امتنع الزّوج من دفع المَهر لها أن تمتنع من المضاجعة والوطء.

أقول: وفي المقام صورٌ اُخرى :

الصورة الاُولى: ما لو كان الزّوج مُعسراً، والمَهر معجّلاً، فالمشهور(1) بينهم أنّ الحكم فيها كما في الصورة السابقة، من أنّه لا يجوز لها الامتناع حتّى تقبض مَهرها، وإنّما الفرق بينهما في الإثم وعدمه، إذ مع اليسار ومطالبتها المَهر، يجبُ عليه التسليم، فبالمنع منه يأثم، بخلاف فرض عدم اليسار.).

ص: 149


1- مسالك الأفهام: ج 8/195 قوله: (وله يختلف ذلك بإعسار الزّوج ويساره! الأكثرون على عدمه).

ولكن حيث عرفت أنّ العمدة في وجه الامتناع في الصورة السابقة، هو الإجماع والمتيقّن من معقده صورة اليسار، فلا مخصّص في المقام، لعموم ما دلّ على وجوب طاعة الزّوج.

بل يمكن أنْ يقال: إنّه في صورة علمها قبل العقد باعسار الزّوج، وأنّه لايصير موسراً إمّا للتالي أو في زمانٍ قريب، يكون إقدامها على العقد كاشفاً عن عدم اشتراطها عدم التسليم، وإسقاطها لحقّ الامتناع.

وعليه، فلو تمّ ما أُفيد في الصورة السابقة من أنّ القاعدة تقتضي جواز الامتناع، لا يتمّ في هذه الصورة.

الصورة الثانية: ما لو كان المَهر مؤجّلاً، وكان الزوجُ موسراً أو مُعْسِراً، فإنّه لا خلاف(1) بينهم في أنّه ليس لها الامتناع، إذ لا يجبُ لها عليه شيء، فيبقى وجوب حقّه عليها بلا معارض، مع أنّ بناء العقد حينئدٍ على عدم إيقاف تسليم نفسها على تسلّم المَهر.

ولكن وقع الخلاف بينهم في أنّها لو عصت، ولم تُمكّن منه إلى أن صار المَهر حالّاً، أو أنّه مضت المدّة ولم يدخل بها لمانعٍ من جهته، أو من جهتها:

هل يجوز لها الامتناع من تسليم نفسها حتّى تقبض المَهر كما عن الشيخ في «النهاية»(2)؟).

ص: 150


1- الحدائق الناضرة: ج 24/472.
2- النهاية: ص 475 قوله: (وللمرأة أن تمتنع من زوجها حتّى تقبض منه المَهر، فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع)، وقال البحراني في الحدائق الناضرة: ج 24 / ص 473: (أقول: والقول بجواز الامتناع منقولٌ عن الشيخ في النهاية، حيث أطلق جواز امتناعها حتّى تقبض المَهر الشامل لمحلّ النزاع).

أم لا يجوز لها ذلك، كما عن الشيخ في «المبسوط»(1) وتبعه الأكثر(2)؟ وجهان:

واستدلّ للأوّل: بأنّ بناء المعاوضة كان على سقوط حقّ امتناعها إلى الأجل لا مطلقاً، فإذا حَلّ الأجل أثّر المقتضي - وهو المعاوضة - أثره، وهو جواز الامتناع من التسليم قبل التسلم.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من عدم تماميّة هذا الوجه رأساً - أنّه لو تمَّ لايجري في المقام، إذ بعد فرض إسقاط المرأة حقّ امتناعها قبل أن تُسلَّم المَهر، لايكون العقد مقتضياً لجواز الامتناع.

وبعبارة اُخرى : عدم جواز الامتناع قبل حلول الأجل، ليس لوجود المانع، بل لعدم المقتضى، فبعد حلوله لا وجه له بعد دلالة الدليل على أنّه تجبُ على المرأة طاعة الزّوج.

وعليه، فالأظهر أنّه ليس لها الامتناع بعد حلول الأجل.

الصورة الثالثة: ما لو كان المَهر حالّاً، ولكن الزّوجة مكَّنت من الدخول عليها قبل أن تقبض المَهر، فدخل بها، فهل لها الامتناع بعد ذلك ما لم تقبض المَهر أم لا؟

قيل: المشهور بين الأصحاب هو الثاني(3)، وقد صرّح به جمعٌ من القدماء(4) والمتأخّرين(5).7.

ص: 151


1- المبسوط: ج 4/313-314.
2- كالمحقّق في شرائع الإسلام: ج 2/552، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/197، والسيّد العاملي في نهاية المرام: ج 1/414.
3- جواهر الكلام: ج 31/44.
4- كما في الخلاف: ج 4/393 مسألة 39.
5- كما في إيضاح الفوائد: ج 3/197.

وعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، والشيخ المفيد(3)، والقاضي(4)اختيار الأوّل.

وفرّق ابنُ حَمزة(5) بين تسليم نفسها اختياريّاً فحكم بسقوط حقّها من الامتناع، وإكراهاً فجوّز لها الامتناع.

أقول: أمّا في صورة عدم الإكراه، فعلى ما اخترناه من عدم اقتضاء القاعدة جواز امتناعها عن التسليم، وأنّ البناء عليه في أصل المسألة إنّما هو للإجماع، فالحكم واضحٌ ، إذ لا إجماع في هذه الصورة، فلا يجوز لها الامتناع قطعاً.

وأمّا على القول بأنّ القاعدة تقتضي هناك جواز الامتناع.

فقد يقال: بأنّها تقتضي الجواز في المقام، لأنّ أحد العوضين وهو منفعة البُضع يتجدّد، لا يمكن قبضه جملةً ، والمَهرُ ثابتٌ بإزاء الجميع، فبالتسليم مرّة لم يحصل الإقباض، فجاز الامتناع.

وفيه: إنّه لو سُلّم كون النكاح من قبيل المعاوضات، فغاية ما هناك كون المَهر بإزاء الزوجيّة التي من آثارها الاستمتاع بالبُضع ولو مرّة واحدة.

مع أنّه لو سُلّم كونه بإزاء البُضع، فهو بإزاء الانتفاع بها ولو مرّة واحدة، إذ لو كان كما اُفيد لزم أن ينقص من المَهر كلّما امتنعت الزّوجة من الانتفاع بها، وهذا باطلٌ بالضرورة.9.

ص: 152


1- النهاية: ص 475 قوله: (وللمرأة أن تمتنع من زوجها حتّى تقبض منه المَهر).
2- المبسوط: ج 4/313.
3- المقنعة: ص 510 قوله: (وللمرأة أن تمنع الزّوج نفسها حتّى تقبض منه المَهر).
4- جواهر الفقه: ص 174 مسألة 618.
5- الوسيلة: ص 299.

وأمّا في صورة الإكراه: فحيثُ أنّ الذي تقتضيه القاعدة(1) - على ما زعموا - هو جواز امتناعها والدخول بها عن كُرهٍ ، لا يوجبُ تسليمها، بل يبقى حقّها باقياً.

ولكن المختار عدم جواز الامتناع عليها في هذا الفرض أيضاً، لأنّ المتيقّن من الإجماع ما لو لم يدخل بها.

أقول: ثمّ إنّه على القول بأنّ لها حقّ الامتناع، لو دخل بها وهي مستكرهة، هل يكون دخوله بها حراماً أم لا؟

الظاهر هو الثاني، فإنّ غاية ما يثبت بالقاعدة والدليل الخاص، أنّ لها أن تمتنع، وأمّا أنّه ليس له الدخول بزوجته، فلا يدلّ شيءٌ من ما ذكر عليه.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الشرط الضمني في ضمن العقد هو عدم الدخول بها حتّى يُسلّمها المَهر، أو أنّ بناء العقد على ذلك.

وعليه، فيتمّ القول بعدم جواز الوطء، ولكن الذي يسهّل الخطب فساد المبنى.

الصورة الرابعة: ما لو عقد المرأة غير المهيّأة للدخول بها، إمّا لكونها صغيرة، أو مريضة، أو ما شاكل، فهل له أن يمتنع من تسليم المَهر إنْ كان حالّاً أم لا؟

أمّا على ما اخترناه: فلا إشكال في أنّه ليس له الامتناع من ذلك.

وأمّا على القول الآخر: فيمكن التفصيل بين ما إذا كانت مهيّأة لسائر الاستمتاعات فامتنعت هي إنْ كانت كبيرة، أو وليّها إنْ كانت صغيرة من تسليمها، فله ذلك.

وإنْ لم تكن مهيّأة لها، أو سلّمت نفسها لها، فليس له ذلك، ويظهر وجهه ممّا أسلفناه.8.

ص: 153


1- وعلى هذه القاعدة كان رأي ابن حمزة في الوسيلة: ص 299. وقوّاه الشهيدالثاني في مسالك الأفهام: ج 8/198.

كما أنّه يظهر منه حكم ما لو كانت صغيرة فزوّجها وليّها، وهي قابلة للاستمتاعات الاُخر غير الوطء، وهو أنّه ليس له أنْ يمتنع من تسليمها إليه.

ودعوى: أنّ القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء، والباقي تابعٌ فإذا تعذّر المتبوع انتفي التابع، وإمساكها لغير ذلك حضانة، والزّوج ليس أهلاً لها، وإنّما هي للأقارب، مع أنّه لا يؤمُن إذا خلا بها أن يأتيها فتتضرّر.

مندفعةٌ : بأن الاستمتاع بغير الوطء أيضاً مقصود بالأصالة، وعلى أيّ تقديرٍ هو من آثار الزوجيّة، ولذا لا إشكال في جوازه مع عدم جواز الوطء، والخوف من أنْ تتضرّر لا يسوّغ منع الزّوج من حقّه.

***

ص: 154

ولو لم يتعيّن صَحّ العقد.

التفويض

المبحث الرابع: في التفويض.

وهو لغةً (1) إيكال الأمر إلى الغير، وشرعاً رَدّ أمر المَهر أو البُضع إلى أحد الزوجين أو الثالث، أو إهمال المَهر في العقد، وعدم ذكره بالمرَّة.

والأوّلُ : يسمّى تفويض المَهر.

والثاني: يسمّى تفويض البُضع.

فالكلام هنا يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في تفويض البُضع بأنْ لا يذكر في العقد مَهرٌ أصلاً.

ذكر المَهر ليس شرطاً في صحّة العقد

صرّح غير واحدٍ من الأصحاب(2) بأنّه ليس ذكر المَهر شرطاً في صحّة العقد، (و) أنّه (لو) عَقَد عليها و (لم يتعيّن) المَهر، ولم يذكره في العقد (صَحّ العقد).

وفي «الحدائق»: (وادّعي عليه جماعة الإجماع)(3).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(4).

ص: 155


1- لسان العرب: ج 7/210 (فوّض).
2- نهاية المرام: ج 1/373 قوله: (الاختلاف بين الأصحاب في جواز إخلاء العقد عن المَهر).
3- الحدائق الناضرة: ج 24/475.
4- جواهر الكلام: ج 31/49.

ويشهد به من الكتاب: قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى اَلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى اَلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ ) (1).

ومن السُّنة: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح الحلبي، قال: «سألته عن الرّجل تزوّج امرأةً فدخل بها، ولم يفرض لها مَهراً، ثمّ طلّقها؟

فقال عليه السلام: لها مَهرٌ مثل مهور نسائها ويمتعها»(2).

ومنها: موثّق منصور بن حازم، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: في رجلٍ تزوَّج امرأةً ولم يفرض لها صِداقاً؟

قال عليه السلام: لا شيء لها مِن الصداق، فإنْ كان دخل بها فلها مَهر نسائها»(3).

ومنها: ما رواه عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام في رجلٍ تزوّج امرأةً ولم يفرض لها صداقها، ثمّ دخل بها؟

قال عليه السلام: لها صداق نسائها»(4).

ونحوها غيرها(5).3.

ص: 156


1- سورة البقرة: الآية 236.
2- التهذيب: ج 7/362 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 31، وسائل الشيعة: ج 21/268 باب 12 من أبواب المهور، حديث 27065.
3- التهذيب: ج 7/362 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 30، وسائل الشيعة: ج 21/269 باب 12 من أبواب المهور، حديث 27066.
4- التهذيب: ج 7/362 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 29، وسائل الشيعة: ج 21/269 باب 12 من أبواب المهور، حديث 27067.
5- التهذيب: ج 7/363 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 33.

ثمّ إنّه لا خلاف(1) ولا إشكال في صحّة العقد لو أهمل ذكر المَهر، أو شَرَط عدم المُسمّى في العقد، إنّما الكلام فيما لو شرط عدم المَهر أصلاً ولو بعد الدخول، فالمعروف(2) بينهم بطلان العقد، واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ الشرط خلاف مقتضى العقد، وخلاف الكتاب والسُّنة.

ولكن يرد الأوّل: أنّه ليس خلافُ مقتضى العقد الذي هو عبارة عن الالتزام بزوجيّة كلّ منهما للآخر.

ويرد الثاني: أنّ غايته فساد الشرط، فيكون من قبيل العقد الذي لم يُسمّ فيه المَهر، وقد حُقّق في محلّه(3) أنّ الشرط لا يُفسد العقد.

الوجه الثاني: النصوص الخاصّة:

منها: صحيح الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مَهر؟ فقال عليه السلام: إنّما كان هذا للنبيّ صلى الله عليه و آله، وأمّا لغيره فلا يصحّ هذا حتّى يعوّضها شيئاً، يقدّم إليها قبل أن يدخل بها، قلّ أو كثُر، ولو ثوبٍ أو درهمٍ ، وقال يُجزي الدرهم»(4).

ومنها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ اِمْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) (5)؟

فقال عليه السلام: لاتحلّ الهبة إلّالرسول اللّه صلى الله عليه و آله، وأمّا غيره فلايصلح نكاحٌ إلّابمَهر»(6).7.

ص: 157


1- كشف اللّثام: ج 7/430-431.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/477.
3- منهاج الفقاهة: ج 6/328-343 حكم الشرط الفاسد، فقه الصادق: ج 26/268.
4- الكافي: ج 5/384 باب المرأة تهب نفسها للرّجل ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/264 باب 2 من أبواب عقد النكاح، حديث 25585.
5- سورة الأحزاب: الآية 50.
6- الكافي: ج 5/384 باب المرأة تهب نفسها للرجل: ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/265 باب 2 من أبواب عقد النكاح، حديث 25588 و ج 21/274 باب عدم جواز هبة المرأة نفسها بغير مهر ح 27077.

وكان لها مع الدخول مَهرُ المثل، ما لم يتجاوز السُّنَّة، فإنْ تجاوز رُدّ

ونحوهما المرسل عن عبد اللّه بن سنان(1)، ومرسل ابن المغيرة(2).

وفيه أوّلاً: أنّه لو تمّ ذلك ودلّت هذه النصوص على البطلان، لزم منه فساد العقد بدون ذكر المَهر مطلقاً.

وبعبارة اُخرى : ليس مورد هذه النصوص اشتراط عدم المَهر كي تدلّ على البطلان في خصوص هذا الفرض.

وثانياً: أنّها تدلّ على عدم وقوع نكاحٍ بلا مَهر أصلاً، وهذا لا يلازم بطلان العقد في المقام، بل صحّته مع المَهر.

وبالجملة: بعد فرض أنّ فساد الشرط لا يوجبُ فساد العقد، يكون اشتراط عدم المَهر رأساً كعدم الاشتراط، فكما يحكم هناك بالصحّة للكتاب والسُّنة، فكذلك هنا.

وعليه، فما عن الشيخ رحمه الله(3) من الصحّة حتّى مع اشتراط عدم المَهر، وقوّاه صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله هو الأصَحّ .

وكيف كان، فالمشهور(5) بين الأصحاب أنّ مجرّد العقد بلا مَهر لا يوجبُ المَهر (و) لا المتعة، بل (كان لها مع الدخول مَهر المثل، ما لم يتجاوز السُنَّة، فإنْ تجاوزَ رَدّ).

ص: 158


1- الكافي: ج 5/384 باب المرأة تهب نفسها للرجل: ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/265 باب 2 من أبواب عقد النكاح، حديث 25587.
2- الكافي: ج 5/385 باب المرأة تهب نفسها للرجل: ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/266 باب 2 من أبواب عقد النكاح، حديث 25589.
3- المبسوط: ج 4/294.
4- جواهر الكلام: ج 31/49-51.
5- مسالك الأفهام: ج 8/203 قوله: (من حكم التفويض أن لا يجب المَهر لها بالعقد عندنا ولا المتعة).

إليها، ومع الطلاق قبل الدخول لها المتعة.

إليها، ومع الطلاق قبل الدخول لها المتعة)، فلو مات أحدهما قبل الدخول فلا مَهر لها ولا متعة.

أقول: ها هنا فروع:

ثبوت المَهر بالدخول

الفرع الأوّل: أنّه لايجبُ المَهر ولا المتعة إلّابالدخول أو الطلاق، فلا شيء عليه بدونهما، والظاهر أنّه لا خلاف فيه، وتشهد له الآية المتقدّمة، وجملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قال في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها:... وإنْ لم يكن فَرَض لها مَهراً فلا مَهر لها»(1).

ومنها: صحيح زرارة: «عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها، أو يموت الزّوج قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: أيّهما ماتَ فللمرأة نصف ما فرض لها، وإنْ لم يكن فرض لها فلا مَهر لها»(2).

ونحوهما غيرهما.

حكم المَهر إذا لم يُذكر في العقد

الفرع الثاني: لا خلاف(3) بين الأصحاب في أنّه مع الدخول يجبُ عليه مَهر

ص: 159


1- التهذيب: ج 8/146 باب عدد النساء ح 104، وسائل الشيعة: ج 21/332 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27223.
2- الكافي: ج 6/119 باب المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/328 باب 58 من أبواب المهور، حديث 27208.
3- كشف اللّثام: ج 7/432. الطبع الجديد.

المثل، وهذا لا إشكال فيه، والنصوص(1) شاهدة به، وقد تقدّمت جملة منها، إنّما الكلام فيما قيّدوه به، وهو أن لا يتجاوز عن مَهر السُنّة، وهو خمسمائة درهم، وإلّا رُدّ إلى مَهر السُنّة ؟

واستدلّ له:

1 - بالإجماع الذي ادّعاه السيّد ابن زُهرة(2)، وفخر المحقّقين رحمه الله(3).

2 - وبجملةٍ من النصوص:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً فوهم أن يُسمّي لها صداقاً حتّى دخل بها؟

قال عليه السلام: السُّنة، والسُّنة خمسمائة درهم»(4).

ومنها: خبر المفضّل بن عُمر المتقدّم، المتضمّن أنّ من زاد على ذلك رُدّ إلى السُّنة، ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم(5).

3 - وبمعلوميّة أدونيّة كلّ امرأةٍ بالنسبة إلى بنات النبيّ صلى الله عليه و آله اللّآتي لم يتزوّجن إلّا بذلك.

4 - وبفحوى ما ورد فيمن تزوّج امرأةً على حكمها الآتي، الدالّ على أنّه2.

ص: 160


1- وسائل الشيعة: ج 21/368-369 باب 12 من أبواب المهور.
2- غنية النزوع: ص 348.
3- إيضاح الفوائد: ج 3/216 قوله: (فيرد مَهر المثل إلى مَهر السُنّة إن زاد عليه مطلقاً وهو اختيار أكثر الأصحاب...).
4- التهذيب: ج 7/362 باب المهور والاُجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 32، وسائل الشيعة: ج 21/270 باب 13 من أبواب المهور، حديث 27069.
5- الاستبصار: ج 3/224 باب أنّ الرّجل إذا سمّى المَهر ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/261 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27042.

لايتجاوز ما سَنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الإجماع المحكيّ ، فإنّه بعد معلوميّة مدرك المُجمعين ليس بحجّة.

وخبر أبي بصير وإنْ لم يرد عليه ما ذُكر من ضعف السند(2)، وأنّه في غير المفوّضة، فإنّه في ناسي ذكر الصداق، فإنّ ضعف سنده لو كان منجبرٌ بالعمل، مع أنّه ممنوعٌ .

ونسيان ذكر الصداق من مصاديق المفوّضة، إذ ليس معناها إلّاعدم ذِكر المَهر.

ولكن يرد عليه: أنّه يدلّ على استحقاقها لمهر السُنّة بالدخول مطلقاً، وإنْ كان مَهر مثلها أقلّ من مَهر السُّنة، فيقع التعارض بينه وبين النصوص المتقدّمة.

أقول: وقد يُجمع بين الطائفتين بحمل النصوص المتقدّمة على إرادة مَهر المؤمنات، بحمل (نسائها) عليهنّ ، والمراد من (مَهرهنّ ) ما سَنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهنَّ من مَهر السُّنة.

ويشهد به: ما ورد في ذيل خبر العيّاشي المتقدّم في جواب السؤال عن مقدار مَهر المثل:

«إنّ مَهر المؤمنات خمسمائة، وهو مَهر السُّنة وقد يكون أقلّ من خمسمائة، ولا يكون أكثر من ذلك، ومن كان مَهرها ومَهر نسائها أقلّ من خمسمائة، أعطى ذلك الشيء، ومن فخر وبذخ بالمَهر فازداد على خمسمائة، ثمّ وجب لها مَهر نسائها في علّةٍ1.

ص: 161


1- التهذيب: ج 7/365 باب المهور والأجور ح 42، وسائل الشيعة: ج 21/278 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27084.
2- لوجودسهل بن زياد الذي ضعّفه النجاشي: ص 185، وضعّفه الشيخ في الفهرست: ص 80، وقوّاه في رجاله ص 401.

من العلل، لم يزد على مَهر السُّنة خمسمائة درهم»(1).

قيل: ويشهد لهذا الجمع ما دلّ على حصر المَهر في المَهر المُسمّى ومَهر السُّنة كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قال: المَهر ماتراضى عليه الناس، أواثنتا عشرأوقية ونشّ ، أوخمسمائة درهم»(2).

ونحوه خبر جميل(3).

أقول: ولكن يرد على هذا الجمع، أنّ قوله في صحيح الحلبي المتقدّم: «لها مَهرُ مثل مهور نسائها» يأبى عن الحمل المزبور، فإنّ مَهر السُّنة مَهرٌ لها بما هي مؤمنة، لا مَهرُ مثل مهور المؤمنات.

مع أنّ خبر العيّاشي يدلّ على أنّ مَهر المؤمنات قد يكون أقلّ من مَهر السُّنة، وقوله: «إنّ مَهر المؤمنات... إلخ» في جواب السؤال عن مَهر نسائها لا عن مَهر السُّنة.

أضف إلى ذلك: أنّ لازم ذلك هو البناء على استحقاقها مَهر السُّنة مطلقاً، والأصحاب غير ملتزمين بذلك.

ودعوى: أنّ مَهر السُّنة ليس هو خصوص خمسمائة درهم، بل هو تلك أو أقلّ ، وإنّما يكون خمسمائة حَدّاً للأكثر، لقوله في خبر العيّاشي: «وقد يكون أقلّ من خمسمائة درهم، ولا يكون أكثر من ذلك» فيها أنّ الضمير في «يكون» راجعٌ إلى مَهر المؤمنات لا إلى مَهر السُّنة، ومَهر السُّنة هو خصوص خمسمائة درهم، كما صرّح6.

ص: 162


1- تفسير العيّاشي: ج 1/229 ح 67، وسائل الشيعة: ج 21/248 باب 4 من أبواب المهور حديث 27009.
2- الكافي: ج 5/378 باب أنّ المَهر اليوم ما تراضى عليه الناس ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/240 باب 1 من أبواب المهور، حديث 26991.
3- التهذيب: ج 7/354 باب 31 في المهور والاُجور ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/241 باب 1 من أبواب المهور، حديث 26996.

بذلك في النصوص، وبذلك ظهر ما في نصوص الحصر.

فإذا التعارض بين الطائفتين باقٍ ، فإنْ أمكن حمل خبر أبي بصير على مورده فهو، وإلّا فيقدّم تلكم النصوص عليه، وبها يقيّد إطلاق نصوص الحصر المتقدّمة.

وبالجملة: فالمتحصّل بعد ملاحظة جميع النصوص، أنّ لها مَهر المثل مطلقاً وإنْ زاد على مَهر السُّنة كما هو ظاهر المصنّف في محكيّ «المختلف»(1) وصريح الشهيد الثاني(2)، وصاحب «الحدائق»(3).

أقول: ويعتبر في ثبوت مَهر المثل ملاحظة حال المرأة في الشرف والجمال والعقل والأدب والبِكارة، وصراحة النَسب، واليسار، وحُسن التدبير، وكثرة العِشرة، وعادة نسائها وما شاكلّ من الاُمور التي يختلف بها الغرض والرغبة اختلافاً بيِّناً.

والمعتبر في ذلك ملاحظة أقاربها من الطرفين، كما هو الأشهر(4)، بل ظاهر «المبسوط»(5) أنّ عليه الإجماع، للعموم المستفاد من إضافة النساء إليها.

وعليه، فماعن «المهذّب»(6)، و «الجامع»(7) من التخصيص بالعصبات مع الإمكان.

غير تامّ ، إذ لا دليل لها سوى دعوى عدم اعتبار الاُمّ ، ومن انتسب إليها في الفخر،0.

ص: 163


1- مختلف الشيعة: ج 7/129-130.
2- مسالك الأفهام: ج 8/166-169.
3- الحدائق الناضرة: ج 24/429-433 المسألة الثالثة.
4- رياض المسائل: ج 10/424 الطبع الجديد.
5- المبسوط: ج 299/4 قوله: (ومتى اعتبرنا بنسائها من الطرفين عليمذهبنا... فإنّه يعتبر الأقرب فالأقرب منهنّ ).
6- المهذّب: ج 2/211.
7- الجامع للشرائع: ص 410.

وهو كما ترى .

ويعتبر أيضاً كون أقاربها من أهل بلدها لا يخالف عادةً بلدها، لتفاوت البلدان في المهور تفاوتاً بيّناً، وربما يظهر من بعضهم ملاحظة حال الزّوج بالنسبة إلى مَهرها، لاختلاف مَهر النساء باختلاف الأزواج اختلافاً بيّناً، وهو متينٌ ، كما جزم به المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»(1).

بيان مورد المتعة

الفرع الثالث: لا خلاف(2) بين الأصحاب في أنّه لو طلّق المفوّضة قبل الدخول، فلها المتعة ولا مَهر لها.

وفي «الجواهر»: (بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه)(3).

أقول: ويشهد به ظاهر الكتاب والسُّنة المستفيضة الآتية جملة منها، إنّما الكلام في أنّه:

هل تختص المتعة بالمطلّقة قبل الدخول، كما هو المشهور بين الأصحاب، وظاهر الفتاوى التسالم عليه ؟

أم تجبُ في غيرها أيضاً كما احتمله بعض الأجلّة(4)؟

والجواب: أنّ النصوص الواردة في المقام طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ بالإطلاق على ثبوتها، دخل بها أم لم يدخل:

ص: 164


1- قواعد الأحكام: ج 3/80 قوله: (والمعتبر بالمتعة حال الرّجل...).
2- نهاية المرام: ج 1/377.
3- جواهر الكلام: ج 31/51.
4- جامع المدارك: ج 4/396-399 قوله: (ثمّ إنّ ظاهر الفتاوى عدم ثبوت المتعة إلّاللمفوّضة التي طلّقت قبل الدخول...).

منها: صحيح حفصٍ ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يُطلِّق إمرأته أيمتّعها؟

قال عليه السلام: نعم، أما يحبّ أنْيكون من المحسنين، أما يحبُّ أنْيكون من المّتقين»(1).

ومنها: خبر البزنطي، عن بعض أصحابنا، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ متعة المطلّقة فريضة»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

ومقتضى إطلاقها وجوب المتعة في المطلّقة، مفوّضةً كانت أم غيرها، دخل بها أم لا.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على وجوب المتعة في المطلّقة المفوّضة وغيرها قبل الدخول:

منها: خبر أبي حمزة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ يريد أن يطلّق إمرأته قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: يمتّعها قبل أن يطلّقها»(4).

ونحوه غيره(5).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على وجوب المتعة في المفوّضة قبل الطلاق لو دخل بها:0.

ص: 165


1- الكافي: ج 6/104 باب متعة المطلّقة ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/306 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27144.
2- الكافي: ج 6/105 باب متعة المطلّقة ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/307 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27145.
3- التهذيب: ج 8/141 باب عدد النساء ح 89، وسائل الشيعة: ج 21/306 باب 48 من أبواب المهور.
4- التهذيب: ج 8/141 باب عدد النساء ح 88، وسائل الشيعة: ج 21/306 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27143.
5- التهذيب: ج 8/142 باب عدد النساء ح 91، وسائل الشيعة: ج 21/305 باب 48 من أبواب المهور، ح 27140.

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج امرأةً فدخل بها ولم يفرض لها مَهراً، ثمّ طلّقها؟

قال عليه السلام: لها مِثل مهور نسائها ويمتّعها»(1).

ومنها: ما ورد في خبره الآخر، عنه أيضاً: «في قوله تعالى: (وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) (2)؟ قال: متاعها بعد أن تنقضي عِدّتها»(3)، الحديث.

إذ لا عدَّة لغير المدخول بها إجماعاً(4) ونصّاً.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على وجوب المتعة للمفوّضة غير المدخول بها، لو طلّقها، وهي كثيرة:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يطلّق إمرأته قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السلام: عليه نصف المَهر إنْ كان فرض لها شيئاً، وإنْ لم يكن فَرَض لها شيئاً فليمتّعها على نحو ما يتمتّع به مثلها من النساء»(5).

ونحوه خبر أبي بصير(6)، وخبر الحسن بن زياد(7)، وغيرهما(8).1.

ص: 166


1- التهذيب: ج 7/362 باب المهور والاُجور ح 31، وسائل الشيعة: ج 21/268 باب 12 من أبواب المهور، حديث 27065.
2- سورة البقرة: الآية 241.
3- الكافي: ج 6/105 باب متعة المطلّقة ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/312 باب 50 من أبواب المهور، حديث 27163 و 27164.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/336 قوله: (وأجمعت الأُمّة أيضاً على أنّ المطلّقة قبل المسيس لا عِدّة عليها...).
5- الكافي: ج 6/106 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/307 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27146.
6- الكافي: ج 6/108 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/307 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27146.
7- تفسير العيّاشي: ج 1/130 ح 432، وسائل الشيعة: ج 21/311 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27159.
8- الكافي: ج 6/106 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 1.

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على عدم ثبوت المتعة إلّافي المفوّضة غير المدخول بها:

منها: صحيح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل امرأته قبل أن يدخل بها، فلها نصف مَهرها، وإنْ لم يكن سَمّى لها مَهراً فمتاعٌ بالمعروف على الموسع قدره وعلى المُقتر قدره، وليس لها عِدّة» الحديث(1).

فإنّه بمفهوم الشرط يدلّ على اختصاص المتعة بالمفوّضة غير المدخول بها، ونحوه غيره.

الطائفة السادسة: ما يدلّ على اختصاص وجوب المتعة بغير المدخول بها كخبر عليّ بن أحمد بن أشيم، قال:

«قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن المطلّقة التي تجبُ لها على زوجها المتعة، أيّهنّ هي، فإنّ بعض مواليك يزعُم أنّها تجبُ المتعة للمطلّقة التي قد بانت، وليس لزوجها عليها رجعة؛ فأمّا التي عليها رجعة، فلا متعة لها؟

فكتب عليه السلام: البائنة»(2).

بناءً على أنّ المراد بالبائنة غير المدخول بها، كما هو الظاهر.

أقول: والجمعُ بين النصوص يقتضي أنْ يقال:

إنّ إطلاق الطائفة الأُولى يقيّد بالطائفة الخامسة والسادسة، كما أنّ إطلاق2.

ص: 167


1- الفقيه: ج 3/505 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4773، وسائل الشيعة: ج 21/307 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27147.
2- التهذيب: ج 8/141 باب 6 عدد النساء ح 90، وسائل الشيعة: ج 21/306 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27142.

الثانية يقيّد بالطائفة الخامسة، وأمّا الطائفة الثالثة فهي معارضة مع الطائفة الخامسة، والجمع العرفي بينهما يقتضي حملها على الاستحباب.

وإنْ أبيتَ عن ذلك فيتعيّن حملها على التقيّة.

وعليه، فما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد نقل جملةٍ من النصوص من (أنّ المطلّق منها منزَّلٌ على المطلّقة المفوّضة التي لم يُفرض لها، ولم يدخل بها، والناصّ منها منزَّلٌ على ضربٍ من التقيّة أو الاستحباب)(1) هو الحقّ .

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: تماميّة ما أفاده المشهور من اختصاص وجوب المتعة بالمفوّضة المطلّقة غير المدخول بها.

هذا غاية ما يستفاد من النصوص.

وأمّا الآيات: فالآية المتقدّمة: (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى اَلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى اَلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ ) (2) تدلّ على وجوب المتعة للتي لم تُفرض لها فريضة إنْ طُلّقت قبل الدخول، وحيث أنّه في الآية اللّاحقة لهذه الآية يبيّن حكم من سُمّي لها فريضة، وتدلّ تلك الآية على وجوب نصف المَهر، والتفصيلُ قاطع للشركة، فتدلّ على عدم وجوبها لغير المفوّضة.

وبها وبالنصوص المتقدّمة يقيّد إطلاق قوله تعالى: (وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) إنْ كان المراد به المتعة لا النفقة.

ولو أبراته المفوّضة قبل الوطء والطلاق من مَهر المثل أو المتعة:1.

ص: 168


1- جواهر الكلام: ج 31/58 العبارة منقولة باختصار.
2- سورة البقرة: الآية 236.
3- سورة البقرة: الآية 241.

فإنْ كان الإبراء تنجيزيّاً فعليّاً، لم يصحّ ، لأنّه إبراء ما لم يثبت.

وإنْ كان معلّقاً على الوطء أو الطلاق صَحّ ، لعدم الدليل على عدم جواز مثل هذا التعليق في الإنشاء بعد كونه صحيحاً على القاعدة، كما مرّ في بعض المسائل المتقدّمة.

تعيين المراد من المتعة

ثمّ إنّه لا خلاف(1) ولا كلام في أنّه يعتبر في المتعة حال الزّوج بالنسبة إلى السِّعة والإقتار، وتشهد به:

1 - الآية الكريمة: (عَلَى اَلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى اَلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (2).

2 - وجملة من النصوص:

منها: صحيح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل إمرأته قبل أن يدخل بها، فلها نصف مَهرها، فإنْ لم يكن سَمّى لها مَهراً فمتاعٌ بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره»(3). ونحوه غيره.

أقول: يقع الكلام في مواضع:

الموضع الأوّل: هل يلاحظ حالها أيضاً من حيث الشَّرف كما في «الجواهر»(4) وغيرها(5)؟

ص: 169


1- غنية النزوع: ص 349 قوله: (ويعتبر بحال الزّوج... بدليل الإجماع).
2- سورة البقرة: الآية 236.
3- الفقيه: ج 3/505 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4773، وسائل الشيعة: ج 21/307 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27147.
4- جواهر الكلام: ج 31/52.
5- شرائع الإسلام: ج 2/548، مسالك الأفهام: ج 8/204.

وعن «المبسوط»: (إنّ الاعتبار بهما جميعاً عندنا، وقال قومٌ (1): الاعتبار به لقوله تعالى: (وَ مَتِّعُوهُنَّ ...) الخ وهذا هو الأقرب)(2).

أو لا يلاحظ حالها كما هو المشهور شهرةً عظيمة، كما في «الرياض»(3)، بل عن «الغُنية» دعوى الإجماع عليه ؟(4)

وجهان، أوجههما الأوّل، لأنّ الآية والنصوص لا تدلّان إلّاعلى اعتبار حاله، ولا مفهوم لهما كي تدلّان أنّه لا تلاحظ حال غيره.

وجملة من النصوص تدلّ على اعتبار حالها أيضاً:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ طلّق إمرأته قبل أن يدخل بها عليه نصف المَهر إنْ كان فرض لها شيئاً، وإنْ لم يكن فرض لها شيئاً، فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء»(5).

ونحوه خبر أبي بصير(6).

وعليه، فالاعتبار بحالهما.

الموضع الثاني: أنّ المفهوم من ظاهر الآية الكريمة، وجملةٌ من الأخبار، هو انقسام الزّوج إلى قسمين: المُوسِر والمُعْسِر، ولكن المشهور(5) بين الأصحابد.

ص: 170


1- كالشافعي حيث ذكر الشيخ في الخلاف: ج 4/376، راجع المجموع: ج 16/391، والمبسوط للسرخسي: ج 5/182.
2- المبسوط: ج 4/295، وعبارة المبسوط: (وهذا هو الأقوى ).
3- رياض المسائل: ج 10/424-425.
4- غنية النزوع: ص 349. (5و6) الكافي: ج 6/106 ح 3 و ص 108 ح 11 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها، وسائل الشيعة: ج 21/308 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27146.
5- رياض المسائل: ج 10/425 الطبع الجديد.

تقسيمه إلى ثلاثة، بإضافة المتوسّط إليهما.

واستدلّ له:

1 - بما عن «فقه الرّضا»: «وإنْ لم يُسمّي لها صداقاً، يمتّعها بشيء قَلَّ أو كثُر على قدَر يساره، فالموسع يمتّع بخادمٍ أو دابّةٍ ، والوسط بثوبٍ ، والفقير بدرهم أو خاتم، كما قال اللّه تعالى: (وَ مَتِّعُوهُنَّ ...) إلخ»(1).

2 - وبمرسل «الفقيه» قال: «رُوي أنّ الغني يمتّع بدارٍ وخادمٍ ، والوسط يمتّع بثوبٍ ، والفقير يمتّع بدرهمٍ وخاتم»(2).

أقول: يمكن الاستدلال له بإطلاق خبر العيّاشي أيضاً المروي عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام:

«عن المطلّقة ما لها من المتعة ؟ قال عليه السلام: على قدر مال زوجها»(3).

قال صاحب «الحدائق»: (والظاهر كما استظهره في «المسالك» أنّ مرجع الاقسام الثلاثة المذكورة إلى القسمين المذكورين، لأنّ القسم الثالث الذي هو الوسط، بعض أفراده ملحقٌ بالأعلى ، وبعضها ملحقٌ بالأسفل، فهو لايخرج منهما، ومن ثمّ إنّه عليه السلام في كتاب الفقه بعد ذكر الأقسام الثلاثة استدلّ عليه بالآية التي ظاهرها إنّما هو التقسيم إلى قسمين، وما ذاك إلّامن حيث ما ذكرناه)(4).5.

ص: 171


1- فقه الرّضا: ص 241 باب طلاق السُّنة والعدّة والحامل، المستدرك: ج 15/90 باب 34 من أبواب المهور، حديث 17626.
2- الفقيه: ج 3/506 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4776، وسائل الشيعة: ج 21/310 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27154.
3- تفسير العيّاشي: ج 1/130 ح 431، وسائل الشيعة: ج 21/311 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27158.
4- الحدائق الناضرة: ج 24/485.

للموسِر بالثوب المرتفع، أو عشرة دنانير، والمتوسّط بخمسة، والفقير بخاتمٍ أو درهم.

الموضع الثالث: قال المصنّف رحمه الله: (للمُوسِر بالثوب المرتفع أو عشرة دنانير، والمتوسّط بخمسة، والفقير بخاتمٍ أو درهم).

وعن «النافع»: (إنّ الغنيّ يمتّع بالثوب المرتفع وعشرة دنانير وأزيد)(1).

واعترض سيّد «المدارك» على المحقّق: بأنَّا لم نقف على مستنده.

قال: (وزاد في «الشرائع»(2) الدابّة أيضاً) وهو كالذي قبله.

ثمّ قال: (والأجود اتّباع ما ورد به النقل، وهو أنّ الغنيّ يمتّع بالعبد أو الأمَة أو الدار، والفقير بالحنطة والزبيب والخاتم والثوب والدرهم فما فوقه)(3).

وفيه: إنّ المذكور في النصوص:

بالنسبة إلى الموسِع (العبد والأمَة) كما في خبر الحلبي(4)، و (الدار والخاتم) كما في مرسل «الفقيه»(5) و (الراحلة) كما في خبر عبد اللّه بن بكر(6).6.

ص: 172


1- المختصر النافع: ص 189 (الطرف الثاني: التفويض).
2- شرائع الإسلام: ج 2/548.
3- نهاية المرام: ج 1/60.
4- الكافي: ج 6/105 باب متعة المطلّقة ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/308 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27152.
5- الفقيه: ج 3/506 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4776، وسائل الشيعة: ج 21/310 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27154.
6- قرب الإسناد: ص 74 ح 637، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، وسائل الشيعة: ج 21/310 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27156.

وبالنسبة إلى المتوسّط: (الثوب) كما في المرسل.

وبالنسبة إلى الفقير: (الحنطة والزبيب والثوب والدرهم) كما في خبر الحلبي، و (خمار أو شبهه) كمافي خبرأبي بصير(1)، و (الدرهم، والخاتم) كمافي مرسل الصدوق(2).

وحيث أنّه من المعلوم كون ذلك من باب المثال، سيّما بعدما في النصوص من الاختلاف لا الحصر، فكلّ ما ذكره الأصحاب مع ما بين ما ذكروه من الاختلاف، حَسنٌ لا إيراد عليهم.

محلّ المتعة قبل الطلاق أو بعده

أقول: بقي في المقام فروعٌ :

الفرع الأوّل: أنّظاهر الكتاب وجملة من النصوص(3): أنّمحلّ المتعة بعد الطلاق.

وصريح جملةٍ اُخرى من النصوص، أنّ محلّها قبل الطلاق:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن الرّجل يطلّق إمرأته ؟ قال عليه السلام: يمتّعها قبل أن يطلّق، فإنّ اللّه تعالى يقول:

(وَ مَتِّعُوهُنَّ ...) إلخ»(4).

ص: 173


1- الكافي: ج 6/105 باب متعة المطلّقة ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/309 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27153.
2- الفقيه: ج 3/506 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4776، وسائل الشيعة: ج 21/310 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27154.
3- كما في الكافي: ج 6/108 باب ما للمطلّقة التي لم يدخل بها من الصداق ح 11، و ص 104 باب متعة المطلّقة ح 1، ومن لا يحضره الفقيه: ج 3/505 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4773.
4- التهذيب: ج 8/142 باب عدد النساء ح 91، وسائل الشيعة: ج 21/305 باب 49 من أبواب المهور، حديث 271140.

ومنها: خبر زرارة، عنه عليه السلام: «متعة النساء واجبة، دخل بها أو لم يدخل بها، ويمتّع قبل أن تطلّق»(1).

ومنها: خبر أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«سألته عن الرّجل يريد أن يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: يمتّعها قبل أن يطلّقها»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: الجمع بين النصوص يقتضي أنْ يقال:

إنّ استحقاقها للمتعة إنّما يكون بالطلاق، ولكن له أن يقدّم المتعة، فإنْ قدّمها ثمّ طلّقها يكون الطلاق كاشفاً عن كون ما أعطاها متعة، لا أنّه نقلٌ يُسقط به الفرض، كما ذكره بعض الأجلّة(3)، وإنْ لم يطلّقها فله استرجاعها منه.

الفرع الثاني: أنّه بعدما لا إشكال في وجوب المتعة، وقع الكلام في أنّه:

هل هو مجرّد الحكم التكليفي، من غير استتباع للوضع ؟

أم يكون مستتبعاً له ؟

وعلى الثاني: فهل هو من قبيل الحقّ المتعلّق بالذّمة، كحقّ الرهانة، أم يكون من قبيل الدَّين الثابت في ذمّة الزّوج ؟

ففيه وجوه:4.

ص: 174


1- الفقيه: ج 3/507 باب طلاق التي لم يدخل بها ح 4782، وسائل الشيعة: ج 21/312 باب 50 من أبواب المهور، حديث 27162.
2- التهذيب: ج 8/141 باب عدد النساء ح 88، وسائل الشيعة: ج 21/306 باب 48 من أبواب المهور، حديث 27143.
3- كتاب النكاح للشيخ الآراكي: ص 554.

أوجهها أوسطها، إذ التكاليف المتعلّقة بالمال يستفاد منها عرفاً كونها من الحقوق أو الدّين، وحيث أنّ أمثال هذا الحكم المتعلّق بما لا حَدّ مخصوص له، بل له مراتب متفاوتة، لا تكون من قبيل الدّين، إذ لا معنى لاشتغال الذّمة بما هو مردّدٌ بين الأقلّ والأكثر، فلا محالة تكون من قبيل الحقوق، ولا يستلزم ذلك عدم الضرب مع الغرماء بموتٍ أو بفلسٍ .

وعدم تعلّقه بتركة الزّوج، لعدم اختصاص ذلك بالدين المصطلح، بل هو جارٍ في الحقّ المالي أيضاً، ولتمام الكلام محلّ آخر.

الفرع الثالث: إنّه قد عرفت أنّ مستحقّ المتعة هي المطلقة التي لم يُفرض لها مَهر، ولم يدخل بها، وهل المفوّضة التي حصلت البينونة بينها وبين الزّوج بغير الطلاق، إمّا من قِبله من فسخٍ أو موتٍ أو لعان أو غير ذلك، أو من قِبلها كالارتداد والإسلام، أو من قِبلهما كالخُلع، أو من أجنبيّ كالرِّضاع لا مَهر لها ولا متعة كما هو المشهور(1)؟

أم تجب المتعة في الجميع، كما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(2)؟

أم تجب إذا كانت البينونة من قِبله، أو من قبلهما، دون ما كان من قِبلها خاصّة كما عن الشيخ في «المبسوط»(3)؟

وجوهٌ ، أظهرها بحسب الأدلّة هو الأوّل لاختصاص الدليل بالطلاق.

وما في خبر جابر من التعليل له بقوله عليه السلام:0.

ص: 175


1- كشف اللّثام: ج 7/437 قوله: (وأمّا غير المطلّقة... فالأكثر على عدم الوجوب) الطبع الجديد.
2- مختلف الشيعة: ج 4/180.
3- المبسوط: ج 4/319-320.

«فإنهنّ يرجعنَ بكآبةٍ وخسارة وهَمّ عظيم وشماتة من أعدائهنّ »(1).

لا يصلحُ منشأً للتعميم بعد ضعف الخبر(2)، وكونه في مقام بيان الحكمة لا العلّة.

التراضي بعد العقد بفرض المَهر

الفرع الرابع: صرّح غير واحدٍ(3) بأنّه لو تراضيا بعد العقد بفرض المَهر جاز، سواءٌ أكان بقدر مَهر المثل، أو أقلّ أو أزيد، وسواءٌ أكانا عالمين أو جاهلين، أو كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً.

واستدلّ له في «الشرائع» وغيرها: بأنْ فرض المَهر إليهما ابتداءً ، فجاز انتهاءاً(4).

والظاهر أنّ نظرهم في هذا الدليل:

1 - إلى إطلاق قوله تعالى : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (5) بمنع انصرافه إلى ما هو المتعارف من فرضها في العقد.

2 - وإلى النصوص الحاصرة للمَهر بما تراضيا عليه، ومَهر السُّنة المتقدّمة كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المَهر؟ فقال: ما تراضى عليه الناس أو اثنتا عشر أوقية ونشّ أو خمسمائة درهم»(6). ونحوه غيره(7).

ص: 176


1- التهذيب: ج 8/141 باب عدد النساء ح 87، وسائل الشيعة: ج 21/310 باب 49 من أبواب المهور، حديث 27157.
2- في السند عمرو بن شمر الجُعفي. قال النجاشي ص 287 رقم 765: (... روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ضعيف جدّاً...) وذكره الشيخ في رجاله: ص 250 رقم 416.
3- كالعلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/79، والكركي في جامع المقاصد: ج 13/422-423.
4- شرائع الإسلام: ج 2/548، مسالك الأفهام: ج 8/210 قوله: (لأنّ الحقّ لها).
5- سورة البقرة: الآية 236.
6- الكافي: ج 5/379 باب أنّ المَهر اليوم ما تراضى عليه الناس ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/240 باب 1 من أبواب المهور، حديث 26990.
7- التهذيب: ج 7/354 باب 31 في المهور والاُجور ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/241 باب 1 من أبواب المهور، حديث 26996.

أقول: وكيف كان، فظاهر من تعرّض له كون المسألة من ما تسالموا عليه، وهل للمفوّضة حقّ مطالبة فرض المَهر بعد العقد، وحَبس نفسها على فرضه، وعلى تسلّمها بعده، كما صرّح بها غير واحدٍ(1)، بل لم ينقل الخلاف عن أحدٍ، وفي «الجواهر»: (أنّه يظهر من ذكرهم له ذكر المسلّمات أنّ عليه الإجماع)(2)؟

أو ليس لها ذلك ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّها بالعقد ملكت أن تملك المَهر عليه بالفرض، أو الدخول، فكان لها المطالبة بذلك كي تعرف استحقاقها بالوطء أو الموت او الطلاق، ورضاها بالتفويض إنّما هو بالنسبة إلى خلوّ العقد عن المَهر لا عدمه مطلقاً.

2 - وبأنّ النكاح معاوضة في الواقع، وإنْ خلا عقده عن ذكر العوض، فيجري عليه حينئذٍ حكمها من المطالبة بتعيين العوض، وحبس المعوّض حتّى يُسلّم العوض.

ذكرهما صاحب «الجواهر»(3) رحمه الله.

3 - وبصحيح الحلبي، عن الإمام عليه السلام: «عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مَهر؟

فقال عليه السلام: إنّما كان هذا للنبيّ صلى الله عليه و آله فأمّا لغيره فلا يصلح هذا حتّى يعوضها شيئاً، يقدّم إليها قبل أن يدخل بها، قلّ أو كثر ولو ثوب أو درهم»(4).5.

ص: 177


1- قواعد الأحكام: ج 3/80، جامع المقاصد: ج 13/434، كاشف اللّثام: ج 7/437 الطبع الجديد.
2- جواهر الكلام: ج 31/61.
3- جواهر الكلام: ج 31/61-62.
4- الكافي: ج 5/384 باب المرأة تهب نفسها للرّجل ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/264 باب 2 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، حديث 25585.

بتقريب: أنّه يستفاد منه أنّ لها حقّاً عليه قبل الدخول، فلها المطالبة به قبله.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه مصادرة، فإنّ ملكيّتها لأنْ تملك المَهر عليه قبل الدخول، لا دليل عليها، والكلام الآن في ذلك.

وأمّا الثاني: فلمنع كون النكاح معاوضة، كما مرّ منّا ومنه قدس سره(1) في موارد عديدة.

وأمّا الثالث: فلأنّه يدلّ على لزوم المَهر في النكاح، وأنّه لابدّ وأن يعطي الزّوج شيئاً قبل النكاح، ولا يدلّ على استحقاقها فرض المَهر قبل الدخول.

وعليه، فالعمدة فيه هو التسالم عليه.

ولو تراضيا على شيء فلا كلام، وإلّا فقد يقال: إنّه يرجع إلى الحاكم، فكلّما فرضه الحاكم يلزم عليهما، لأنّ الحاكم مُعدّ لفصل الخصومات.

أقول: ولكن الحقّ أنّه يرجع إلى مَهر السُّنة، للنصوص الحاصرة للمَهر في ما تراضيا(2) به، ومَهر السُّنة، وبذلك يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

***1.

ص: 178


1- جواهر الكلام: ج 31/24 و 42.
2- الكافي: ج 5/457 باب ما يجزي من المَهر ح 1 وغيره، وسائل الشيعة: ج 21/49 باب 21 من أبواب المتعة حديث 26501.

تفويض المَهر

المقام الثاني: في تفويض المَهر.

وهو يتصوّر على نحوين:

أحدهما: أن يذكر المَهر في العقد على نحو الإجمال، ويفوّض تعيينه إلى أحد الزوجين أو الأجنبي.

ثانيهما: أن لا يذكر في العقد مَهرٌ أصلاً، بل يفوّض فيه أصل فرض المَهر وتقديره إلى أحد الزوجين أو الأجنبي.

أقول: وقع الخلاف بين صاحب «الجواهر»(1) وبعض الأجلّة(2) في أنّ الثاني من قبيل تفويض البُضع، أو من قبيل تفويض المَهر؟

وأثر هذا النزاع أنّه إنْ كان من قبيل تفويض البُضع، صَحّ على القاعدة، ولحقه حكمه، وإنْ كان من قبيل تفويض المَهر، فهو باطلٌ على القاعدة، لجهالة المَهر، وإذا كان الدليل على الصحّة مع الجهل بالمهر مختصّاً بالقسم الأوّل كان هذا باطلاً.

ولكن حيث عرفت أنّه لا دليل على بطلان العقد بجهالة المَهر، إلّاالإجماع(3)إنْ ثبت، والمتيقّن منه غير المقام، فهو صحيحٌ على القولين، فلا أثر لهذا النزاع، وإنْ كان الأظهر كونه من قبيل تفويض المَهر، فإنّ مرجع تفويض أصل تقدير المَهر ومقداره إلى أحد الزوجين إلى جَعل مَهرٍ يفرضه أحدهما.

ص: 179


1- جواهر الكلام: ج 31/66-67.
2- جامع المدارك: ج 4/401-402.
3- جواهر الكلام: ج 31/49.

وكيف كان، فالأولى الرجوع إلى النصوص الخاصّة الدالّة على صحّة العقد مع تفويض المَهر، وما يترتّب عليه من الأحكام، وهي أخبار:

منها: خبر زرارة، قال: «سألتُ أباجعفر عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً عليحكمها؟

قال عليه السلام: لا تجاوز بحكمها مَهر نساء آل محمّد عليهم السلام اثنتا عشرة أوقية ونشّاً، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضّة.

قلت: أرايتَ إن تزوّجها على حكمه، ورضيت بذلك ؟

فقال: ما حَكَم مِن شيء فهو جائزٌ عليها، قليلاً كان أو كثيراً.

قال: فقلت له: كيف لم تُجِز حُكمها عليه، وأجزتَ حكمه عليها؟

قال: فقال عليه السلام: لأنّه حكمها، فلم يكن لها أن تجوز ما سَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وتزوّج عليه نساءه، فرددتها إلى السُّنة، ولأنّها هي حكمته وجعلت الأمر إليه في المَهر، ورضيت بحكمه في ذلك، فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج إمرأةً على حُكمها أو على حكمه، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: لها المتعة والميراث، ولا مَهر لها.

قلت: فإنْ طلّقها وقد تزوّجها على حُكمها؟

قال: إذا طلّقها وقد تزوّجها على حكمها لم يتجاوز بحُكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم فضّة مهور نساء رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).5.

ص: 180


1- التهذيب: ج 7/365 باب المهور والاُجور ح 43، وسائل الشيعة: ج 21/278 باب 21 من أبواب المهور حديث 27084.
2- الكافي: ج 5/379 باب نوادر في المَهر ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/279 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27085.

ولو تزوَّجها بحكم أحدهما صَحّ .

ومنها: صحيح الأحول، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ تزوّج امرأةً بحكمها، ثمّ مات قبل أن تحكم ؟

قال عليه السلام: ليس لها صداق وهي ترث»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يفوَّضُ إليه صِداق إمرأته، فينقص عن صداق نسائها؟

قال عليه السلام: تلحق بمهر نسائها»(2).

ونحوها جملة من النصوص الاُخر(3).

أقول: وتنقيح القول فيما يستفاد من هذه النصوص، يقتضي البحث في مواضع:

الموضع الأوّل: أنّ إطلاق النصوص يشمل القسمين المتقدّمين، وهما:

تفويض أصل تقدير المَهر، ومقداره إلى أحدهما.

وذكر المَهر في العقد على نحو الإجمال، وتفويض تعيينه إلى أحدهما.

فلا وجه لاختصاص الحكم بأحد القسمين.

الموضع الثاني: (و) الظاهر من الأخبار أنّه (لو تزوّجها بحُكْم أحدهما، صَحّ )4.

ص: 181


1- الفقيه: ج 3/415 باب ما أحلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4450، وسائل الشيعة: ج 21/279 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27086.
2- التهذيب: ج 7/366 باب في المهور والاُجور ح 45، وسائل الشيعة: ج 21/279 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27087.
3- التهذيب: ج 7/365 باب في المهور والاُجور ح 44.

العقد، وهو المتّفق(1) عليه في أحدهما بعينه.

وعن «كشف اللّثام»: (أو مطلقاً كما يظهر من «الخلاف»(2) و «المبسوط»(3)و «السرائر»(4)، وعن هذه الكتب، و «التحرير»(5): اختيار جواز التفويض إليهمامعاً)(6).

وعن بعضهم(7): جوازه إلى الأجنبي.

فإنْ قلنا: بعدم اعتبار معلوميّة المَهر، فالأظهر هو الصحّة في الجميع.

وإنْ قلنا باعتبارها، فحيث أنّ المدرك منحصرٌ بالإجماع، ولا إجماع في شيء من الموارد، فالأظهر هو الصحّة في الجميع أيضاً.

أقول: ويؤيّده في التفويض إلى الأجنبي، ما قيل من أنّه في معنى التوكيل، وقد تراضيا عليه، وفي الجميع الأولويّة من توفيض البعض، وعموم قوله صلى الله عليه و آله:

(المسلمون عند شروطهم)(8).

ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني رحمه الله منع التفويض إلى الأجنبي، وقال: (إنّه لايتعدّى إلى غير الزوجين بغير إذنٍ شرعي)(9)، ومع ذلك جوّز التفويض إليهما معاً، مع أنّه أيضاً بلا إذن شرعي، لاختصاص النصوص بالتفويض إلى أحدهما،5.

ص: 182


1- رياض المسائل: ج 10/426 الطبع الجديد.
2- الخلاف: ج 4/380 المسألة 21.
3- المبسوط: ج 4/297.
4- السرائر: ج 2/593.
5- تحرير الأحكام: ج 3/546-547.
6- كشف اللّثام: ج 7/443 الطبع الجديد.
7- نسبه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/215 إلى بعض.
8- وسائل الشيعة: ج 18/16-17 باب 6 من أبواب الخيار كتاب التجارة.
9- مسالك الأفهام: ج 8/215.

ويلزمُ ما يَحكُم به صاحب الحكم ما لم تتجاوز المرأةُ مَهر السُّنة إنْ كانت هي الحاكمة.

مع أنّ التفويض إليهما مظنّة النزاع والاختلاف.

الموضع الثالث: المشهور(1) بين الأصحاب أنّ المَهر:

متى فوّض تقديره إلى الزّوج، كان له الحكم بما شاء، من قليلٍ أو كثير، فلا تقدير له في طرف القلّة ولا الكثرة.

(و) إذا فوّض تقديره إلى الزّوجة، لم يتقدّر من طرف القلّة، ويتقدّر في طرف الكثرة بمهر السُّنة، (ويلزم ما يَحكُم به صاحب الحكم ما لم تتجاوز المرأة مَهر السُّنة، إنْ كانت هي الحاكمة)، بل الظاهر عدم الخلاف في شيء من ذلك(2).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(3)، ويشهد به خبر زرارة المتقدّم.

وأورد عليه سيّد «المدارك»:

1 - بضعف السَّند، لأنّ في طريقه حسن بن زرارة(4)، وهو مهملٌ .

2 - وبأنّ ما تضمّنه من تعليل الفرق غير واضح، فإنّه فرقٌ بنفس الدعوى(5).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ الحسن بن زرارة وإنْ لم يوثّق في كتب الرِّجال، ولكن).

ص: 183


1- نهاية المرام: ج 1/379 قوله (وقد أطبق الأصحاب...).
2- الحدائق الناضرة: ج 24/492.
3- جواهر الكلام: ج 31/687.
4- رجال الطوسي: ص 180 رقم 10.
5- نهاية المرام: ج 1/380 قوله: (وهذه الرواية قاصرة من حيث السند باشتماله على الحسن بن زرارة وهو مجهولٌ ...).

الظاهر - كما صرّح به المجلسي رحمه الله(1) وغيره - أنّه حَسنٌ لكونه إماميّاً ممدوحاً، ودعا له الإمام الصادق عليه السلام في الخبر الذي رواه الكشي بطريقٍ صحيح(2)، وعليه فلا وجه للمناقشة في السند.

مضافاً إلى استناد الأصحاب إليه، وكون الرّاوي عنه هشام بن سالم(3).

ويرد الثاني أوّلاً: أنّ عدم وضوح الفرق لا يضرّ بالمقصود من الاستدلال به.

وثانياً: أنّه يمكن أنْ يوجّه التعليل بأنّه إذا كانت هي الحاكمة لو لم يقدّر لها حَدٌّ يُمكن أنْ تَجحف وتَحكُم بما لا يطيق، فلذا حَدّ لها، فلما كان خير الحدود ما حَدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله جُعل ذلك حَدّاً.

أضف إلى ذلك كلّه أنّ صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم أيضاً يدلّ على التحديد إنْ كانت هي الحاكمة، فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة.

وأمّا خبر أبي بصير: الظاهر في التقدير في طرف القِلّة، لو فوّض الأمر إلى الزّوج، بأن لا يكون أقلّ من مَهر المثل، فقد حمله الشيخ قدس سره على ما إذا فوّض إليه على أن يجعله مَهر نسائها(4).

قال المحدِّث الكاشاني: (وبُعدُه لا يخفى ، والصواب حمله على ما هو الأولى، وإنْ لم يلزمه أكثر ممّا أوفى)(5) انتهى .

أقول: الجمع بينه وبين خبر زرارة يقتضي البناء عليما أفاده المحدِّث الكاشاني رحمه الله.1.

ص: 184


1- حكاه عن الوجيزة للعلّامة المجلسي صاحب الحدائق: ج 24/493.
2- رواه العلّامة المامقاني في ترجمة زرارة: ج 1/441.
3- رجال النجاشي: ص 434 باب الهاء رقم 1165 قوله: (هشام بن سالم الجواليقي.. روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهما السلام، ثقة ثقة).
4- تهذيب الأحكام: ج 7/366 باب المهور والاُجور ح 45.
5- الوافي: ج 21/461.

ولو مات الحاكم قبله فلها المتعة.

الموضع الرابع: (ولو ماتَ الحاكم):

1 - فإنْ كان قبل الحكم، وبعد الدخول، فلا خلاف(1) بينهم في أنّ لها مَهر المثل.

2 - ولو مات (قبله) وقبل الدخول، (ف) عن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2)، والقاضي(3)، وابن حمزة(4) والصدوق في «المقنع»(5) والمصنّف في المقام وفي «المختلف»(6)، وفخر المحقّقين في الشرح(7)، والشهيدين في «شرح الإرشاد»(8)، و «المسالك»(9): أنّ (لها المتعة)، بل قيل إنّه المشهور بين الأصحاب(10).

وعن الشيخ في «الخلاف»(11)، والحِلّي(12)، وابن الجُنيد(13): عدم وجوب شيء لها لا متعةً ولا غيرها. وعن المصنّف رحمه الله في «القواعد»: أنّ لها مَهر المثل(14).).

ص: 185


1- جواهر الكلام: ج 31/70.
2- النهاية: ص 472.
3- المهذّب: ج 2/206.
4- الوسيلة: ص 296.
5- المقنع: ص 327.
6- مختلف الشيعة: ج 7/146.
7- إيضاح الفوائد: ج 3/219-220.
8- غاية المراد: ج 3/126.
9- مسالك الأفهام: ج 8/218-222.
10- جواهر الكلام: ج 31/70.
11- الخلاف: ج 4/378 مسألة 18.
12- السرائر: ج 2/586-587.
13- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/147.
14- قواعد الأحكام: ج 3/82 قوله: (ولو مات الحاكم قبله وقبل الدخول فلها مَهر المثل، ويحتمل المتعة).

أقول: والظاهر أنّ لزوم مَهر المثل لو مات بعد الدخول، فلما مرّ(1) في مفوّضة البُضع، وقد عرفت هناك أنّه غير مقيّد بأنْ لايتجاوز عن مَهر السُنّة، فكذا في المقام.

3 - وأمّا لو مات قبل الدخول فقد استدلّ لما هو المشهور بينهم بصحيح محمّد ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في رجلٍ تزوّج امرأةً على حُكمها أو على حكمه، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها؟

قال عليه السلام: لها المتعة والميراث، ولا مَهر لها»(2).

وأُورد عليه تارةً : بأنّ النشر على ترتيب اللّف، فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه لا الحاكم.

واُخرى : باختصاص الجواب فيه بموت الزّوج، إذ لو ماتت لم يكن لها ميراث، ولا يتمّ المقايسة بإيجاب المتعة لها والميراث له.

وأُجيب عن الأوّل: في جملةٍ من الكتب كالرياض(3)، و «الجواهر»(4) وغيرهما(5):

1 - بأنّه لا جهة لثبوت المتعة بموت المحكوم عليه مع بقاء الحاكم، فإنّ المؤمنين عند شروطهم(6) وانعقد النكاح على حكمه، فإذا كان باقياً كان له الحكم.1.

ص: 186


1- مرّ ذلك قبل قليل في: حكم المَهر إذا لم يذكر في العقد.
2- الكافي: ج 5/379 باب نوادر في المَهر ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/279 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27085.
3- رياض المسائل: ج 10/429 الطبع الجديد.
4- جواهر الكلام: ج 31/70-71.
5- كما في كشف اللّثام: ج 7/445-446. الطبع الجديد.
6- التهذيب: ج 7/371 باب المهور والاُجور ح 66، وسائل الشيعة: ج 21/276 باب 20 من أبواب المهور، حديث 27081.

2 - وبأنّه نَصَّ في آخر الخبر بأنّ له الحكم مع الطلاق، القاطع لعلاقة الزوجيّة، بخلاف الموت، فثبوت الحكم له هنا ثابتٌ بالأولويّة، فلابدّ من الحمل على موت الحاكم، جمعاً بين طرفيه وبينه وبين الاُصول.

أقول: ولكن هذين الجوابين لا يفيدان في رفع اجمال الخبر لو سُلّم كونه مجملاً، ولا في صرف ظهوره لو كان ظاهراً في ما اُفيد، فإنّ تخصيص القواعد بالخبر الخاص غير عزيز، والأولويّة ليست قطعيّة.

فالحقّ في الجواب عن الإيراد الأوّل أنْ يقال:

أوّلاً: أنّ الظاهر من الخبر كونه مطلقاً برجوع كلٍّ من قوله: «فمات أو ماتت» إلى كلٍّ من قوله: «على حكمها أو على حكمه»، فيكون المعنى: رجلٌ تزوّج امرأةً على حكمه، فمات أو ماتت، أو على حكمها فمات أو ماتت، ويدلّ الخبر حينئذٍ على ثبوت المتعة بموت كلٍّ من الحاكم والمحكوم عليه، غاية الأمر يقيّد إطلاقه بالصحيح الآخر فيما كان المحكوم عليه هو الذي مات كما سيأتي(1).

والوجه فيما ذكرناه ظاهرٌ، لاحظ كلّ موردٍ ذُكر فيه قضيّتان ثمّ فَرّع عليهما قضيّتان اُخريتان، كقولنا: (إنْ جاء زيدٌ أو جاء عمرو فَكُلْ غذاءك معه أو اشتر له من السوق غذاءً ) وهل يتوقّف أحدٌ في إرجاع القضيّتين اللّاحقتين إلى كلّ من الأولتين، وإنّما الالتزام باللّف والنشر فيما إذا لم يمكن إرجاع القضيّتين اللّاحقتين إلى كلّ من السابقتين.

وثانياً: أنّه لو أغمضنا عن ذلك، وسلّمنا أنّه لابدّ وأنْ يكون الخبر من قبيل اللّف والنشر المرتب أو المشوّش، نقول إنّ الظاهر منه هو الثاني، وإنّه يدلّ علىة.

ص: 187


1- يأتي في الصفحة التالية.

ثبوت المتعة لو مات الحاكم، لأنّه الأقرب والمحدث عنه المؤيّد ذلك بما ذكره القوم في مقام الجواب عن هذا الوجه المتقدّم.

ويرد الثاني: عَدم الفرق بين الموتين بالإجماع.

أقول: وبما ذكرناه يظهر ضعف ما استدلّ به للقول الثاني من اشتراط المِثْل بالدخول، والمتعة بالطلاق، ولا شيء منهما هنا، والأصل.

وما استدلّ به للقول الأخير: بأنّها لم يفوّض بُضعها، بل سَمّى لها في العقد مَهراً مُبهماً فاستحقّت المَهر بالعقد، ولمّا لم يتعيّن وَجَب الرجوع إلى مَهر المثل، فإنّ هذه الوجوه في مقابل النصّ ، اجتهادٌ في مقابله، لا يُعتنى بها.

الموضع الخامس: ولو مات المحكوم عليه وكان الحاكم باقياً، كان له الحكم، ولا أثر لموت المحكوم عليه، لإطلاق الدليل الدالّ على ثبوت الحكم له مع عدم اشتراط حضور المحكوم عليه.

ولا يعارضه إطلاق صحيح محمّد المتقدّم، إذ النسبة عمومٌ من وجه، والترجيح مع هذا الدليل، كما لا يخفى .

وأمّا صحيح الأحول الدالّ على عدم ثبوت الصداق لو مات الرّجل الذي تزوّج امرأةً بحكمها، فلعدم عمل الأصحاب به يتعيّن طرحه.

الموضع السادس: قد ذكر الأصحاب(1) أنّه لو طلّقها قبل الدخول وقبل الحكم، أُلزم من إليه الحكم أن يحكم، وكان لها النصف ممّا حكم به.

ولو كانت المرأة هي الحاكمة، وحكمت بما يزيد على مَهر السُّنة، فالواجب هو نصف مَهر السُّنة، ولو كان بعد الدخول، فالواجب هو جميع ما يَحكم به الحاكم إلّا0.

ص: 188


1- شرائع الإسلام: ج 2/549، جواهر الكلام: ج 31/69-70.

إذا كانت هي الحاكمة، فحكمت بما يزيد على مَهر السُّنة.

ويشهد لهذه الأحكام: ما دلّ (1) عليها قبل الطلاق، فإنّ مقتضى إطلاقه ذلك كان قبل الطلاق أو بعده.

وأيضاً: يشهد به فيما إذا كانت هي الحاكمة، ذيل صحيح محمّدبن مسلم المتقدّم، وبضميمة عدم القول بالفصل بين ما إذا كانت هي الحاكمة أو هو الحاكم، يثبت الحكم في الجميع.

فإنْ قيل: إنّ مقتضى إطلاق صحيح محمّد، هو وجوب جميع ما تحكم به إذا لم يتجاوز مَهر السُّنة.

قلنا: إنّه يقيّد بما دلّ على تنصيف المَهر بالطلاق قبل الدخول(2).

وإنْ شئت قلت: إنّ الصحيح يدلّ على تعيّن المَهر بحكمها، ونصوص التنصيف تدلّ عليه في المَهر المعيّن، فلا تعارض بينهما.

فإنْ قيل: إنّه يعارض صحيح محمّد ما دلّ على وجوب مَهر المثل بالدّخول(3).

قلنا: إنّ النسبة بينهما عمومٌ من وجه، والصحيح لكونه مشهوراً بين الأصحاب يكون أرجح، فلا إشكال في شيء من الأحكام المذكورة.

وعليه، فإنْ امتنع مَن إليه الحكم أن يحكم، ألزمه الحاكم الشرعي بأن يحكم مقدّمةً لإيصال الحقّ إلى صاحبه إذا طلب منه الآخر ذلك، ولا يخفى وجهه.

***ر.

ص: 189


1- التهذيب: ج 7/365 باب المهور والاُجور ح 43، وسائل الشيعة: ج 21/278 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27084.
2- وسائل الشيعة: ج 21/313-315 باب 51 من أبواب المهور.
3- وسائل الشيعة: ج 21/268-269 باب 21 من أبواب المهور.

ولو تزوّجها على خادم مطلقاً، أو دارٍ، أو بيتٍ ، كان لها وسط ذلك.

حكم ما لو تزوّج امرأةً على خادمٍ أو دار

أقول: بقي من احكام المهور اُمورٌ لابدَّ من بيانها، ونذكرها في مسائل:

المسألة الأُولى : قد تقدّم(1) الكلام في ما ذكرناه من اعتبار معلوميّة المَهر، وأنّه لو كان مجهولاً بطل المَهر، ويثبت مَهر المثل.

(و) لكن صرّح جماعة منهم الشيخ في «المبسوط»(2) و «الخلاف»(3)، والسيّد ابن زُهرة في «الغُنية»(4)، وأتباع الشيخ(5)، وجمعٌ من المتأخّرين(6) منهم المصنّف وغيرهم(7)، بأنّه: (لو تزوّجها على خادمٍ مطلقاً) ولم يعيّن، (أو دارٍ أو بيتٍ ، كان لها وسط ذلك).

وفي «الجواهر»: أنّه المشهور ومستنده خبر عليّ بن حمزة المعتبر، سيّما مع وجود ابن أبي عُمير في سنده، قال:

«قلتُ لأبي الحسن الرضا عليه السلام: تزوّج رجلٌ امرأةً على خادمٍ؟

ص: 190


1- في أوائل الجزء 32 تحت عنوان (اعتبار كون المَهر معلوماً).
2- المبسوط: ج 4/319.
3- الخلاف: ج 4/371 مسألة 9.
4- الغنية: ص 348.
5- المهذّب: ج 2/206، الجامع للشرائع: ص 441.
6- كما في الحدائق الناضرة: ج 24/439-440، ورياض المسائل: ج 10/410-411 (ط. ج).
7- جواهر الكلام: ج 31/21.

قال: فقال عليه السلام لي: وسط من الخدم.

قال: قلت: على بيت ؟ قال: وسطٌ من البيوت»(1).

وخبره الآخر، قال: «سألتُ أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل زوّج ابنه ابنة أخيه، وأمهرها بيتاً وخادماً، ثمّ مات الرّجل ؟

قال عليه السلام: يؤخذ المَهر من وسط المال.

قال: قلت: فالبيتُ والخادم ؟ قال: وسطٌ من البيوت، والخادم وسطٌ من الخدم» الحديث(2).

والمرسل - كالصحيح على الأشهر - الصحيح، عن أبي الحسن عليه السلام:

«في رجلٍ تزوّج امرأةً على دارٍ؟ قال عليه السلام: لها دارٌ وسط»(3).

وأورد جمعٌ من المتأخّرين: منهم: المحقّق(4)، والشهيد(5) الثانيان بعد نقل خبر عليّ بن أبي حمزة الأوّل، ومرسل ابن أبي عُمير:

1 - بضعف السند، لأنّ راوي الأوّل عليّ المذكور، وهو رأس الواقفيّة، والثاني مرسلٌ .

2 - وبقصور الدلالة، لأنّ الوسط من هذه الأشياء لا ينضبط، بل هو مختلفٌ5.

ص: 191


1- الكافي: ج 5/381 باب نوادر في المَهر ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/283 باب 25 من أبواب المهور، حديث 27095.
2- الكافي: ج 5/381 باب نوادر في المَهر ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/283 باب 21 من أبواب المهور، حديث 27094.
3- التهذيب: ج 7/375 باب في المهور والاُجور ح 83، وسائل الشيعة: ج 21/284 باب 25 من أبواب المهور، حديث 27096.
4- جامع المقاصد: ج 13/343.
5- مسالك الأفهام: ج 8/174-175.

اختلافاً شديداً، خصوصاً مع عدم تعيين بلد الدار والبيت.

ولكن يرد الأوّل: بأنّ الراوي في الخبر الأوّل والمُرسِل في المرسَل بما أنّه ابن أبي عُمير، وهو لا يُرسل إلّاعن ثقة، ولا يروي إلّاعن من يعتمد عليه، فهما معتبران.

أضف إليه: أنّ عليّاً(1) المذكور يعتمد على نقله وروايته، ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني رحمه الله مع اعترافه بأنّ مرسل ابن أبي عُمير: (قبله الأصحاب اعتماداً منهم على أنّه لا يُرسل إلّاعن الثقة(2) قال: فإنْ تمّ ما قالوه فهو يتسامح في الرواية مع ذكر المرويّ عنه، لا مع تركه)(3).

وهذا كما ترى .

أضف إلى ذلك كلّه: اعتماد قدماء الأصحاب على هذه النصوص، فإنْ كان فيها ضعفٌ فهو ينجبر بالعمل.

ويردّ الثاني: أنّه مع توافقهما على شيء من تلكم الاُمور، فلا كلام، وإلّا فيعيّن القيمة ويتصالحان.

وبالجملة: فلا وجه للترديد في الحكم بعد وجود الروايات المعتبرة المعمول بها بين الأصحاب، ولكن يقتصر على مورد النصوص، وفي غيره يرجع إلى ما تقتضيه القاعدة وقد مرّ.

***5.

ص: 192


1- رجال النجاشي: ص 249 رقم الترجمة 656 قوله: (... وهو أحد أعمدة الواقفة).
2- رجال النجاشي: ص 326 رقم الترجمة 887 قوله: (... فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله...).
3- مسالك الأفهام: ج 8/175.

ولو قال على السُنَّة فخمس مائة درهم.

حكم ما لو تزوّج امرأةً على السُّنة

المسألة الثانية: (ولو قال) أتزوّجكِ (على السُّنة) مكتفياً به، ولم يُسمّ مَهراً، (ف) المشهور(1) بين الأصحاب من غير خلافٍ (2) يُعرف أنّ مَهرها (فخمسُ مائة درهم)، بل عن ظاهر «الروضة»(3) الإجماع عليه.

ويشهد به: خبر اُسامة بن حفص - المعتبر بوجود المُجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده(4)، وكان قيّماً لأبي الحسن موسى عليه السلام -:

قال: «قلت له: رجل يتزوّج امرأةً ولم يُسمّ لها مَهراً، وكان في الكلام: أتزوّجكِ على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه، فمات عنها، أو أراد أن يدخل بها فما لها من المَهر؟

قال عليه السلام: مَهر السُّنة.

قال: قلتُ : يقولون لها مهور نسائها؟ فقال: مَهر السُّنة.

وكلّما قلتُ شيئاً، قال: مَهر السُّنة»(5).

ص: 193


1- مسالك الأفهام: ج 8/175.
2- جواهر الكلام: ج 31/26 قوله: (بلا خلافٍ أجده فيه..).
3- الروضة البهيّة: ج 5/346 قوله: (للنصّ والإجماع).
4- وهو عثمان بن عيسى . راجع رجال الكشي: ج 2/830-831 تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرِّضا عليهما السلام.
5- التهذيب: ج 7/363 باب المهور والاُجور ج 33، وسائل الشيعة: ج 21/270 باب 13 من أبواب المهور، حديث 27068.

أقول: وأورد عليه الشهيد الثاني في محكيّ «المسالك» بعد موافقته مع الأصحاب في «الروضة» على ما حُكي:

1 - بأنّ سنده ضعيفٌ .

2 - وبأنّ تزويجها على الكتاب والسُّنة أعمٌّ من جعل المَهر مَهر السُّنة، إذ كلّ نكاحٍ مندوب إليه جائزٌ، فهو على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه.

3 - وبأنّه على تقدير إرادتها بذلك كون المَهر مَهر السُنّة، ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظرٌ، كما لو قال: (تزوّجتكِ على المَهر الذي تزوّج به فلان)(1).

ولكن يرد الأوّل: - مضافاً إلى ما تقدّم من وجود المُجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في السند، وهو عثمان بن عيسى - أنّ الأصحاب اعتمدوا عليه حتّى نَقل هو الإجماع على الحكم، فلو كان هناك ضعفٌ ينجبر بالعمل.

ويردّ الثاني: أنّ الظاهر من العبارة المذكورة إرادة ما أباحه اللّه في الكتاب والسُّنة من المَهر، وجرى عليه.

ويردّ الثالث: أنّه مع وجود النصّ المعمول به، لا وجه للمناقشة بما ذكر، وهل هو إلّااجتهادٌ في مقابل النصّ .

مضافاً إلى ما مرَّ(2) من عدم الدليل على اعتبار معلوميّة المَهر سوى الإجماع، والمتيقّن منه غير المقام.

ثمّ إنّ مقتضى القاعدة وإطلاق النصّ عدم الفرق بين علمها بمقدار مَهر السُّنة).

ص: 194


1- مسالك الأفهام: ج 8/176.
2- فقه الصادق: ج 32/346، تحت عنوان: (اعتبار كون المَهر معلوماً).

وجهلهما، أو أحدهما به.

وأيضاً: مقتضى القاعدة وظاهر النصّ ثبوت المَهر بالعقد، كالمعيّن بالذكر فيه لا بالدخول كمهر السُّنة الثابت به للمفوّضة على بعض الوجوه.

***

ص: 195

ولو تزوّج الذِّميان على خمرٍ صَحّ ، فإن أسلم أحدهما قبل القبض، فلها القيمة.

حكم زواج الذميّان على الخمر

المسألة الثالثة: (ولو تزوّج الذِّميان) أو غيرهما من أصناف الكفّار (على خمرٍ) أو خنزيرٍ أو نحوهما ممّا لا ماليّة له، ولا يصحّ جعله مَهراً من المسلم، (صَحَّ ) العقد والمَهر:

لا لعدم كون الكفّار مكلّفين بالأحكام الوضعيّة، فإنّه ممنوعٌ .

ولا لقاعدة الإلزام(1)، فإنّها فيما عليهم لا فيما لهم.

بل لما دلَّ على أنّه: «لكلّ قومٍ نكاح»(2)، وما دلَّ على صحّة النكاح لو أسلم الكافر(3) وما شابه ذلك من الأدلّة، ومنها نصوص المقام الآتية.

وكيف كان، (فإنْ ) أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض، فلا كلام.

إنّما الكلام فيما لو (أسلم أحدهما) أو أسلما (قبل القبض، ف) إنّ فيه قولين:

أحدهما: أنّ (لها القيمة) عند مستحليه، وهو المشهور(4) بين الأصحاب.

ثانيهما: أنّ لها مَهر المثل.

ص: 196


1- وسائل الشيعة: ج 26/317-319 باب 1 و 3 من أبواب ميراث المجوس.
2- وسائل الشيعة: ج 21/199 باب 83 من أبواب نكاح العبيد والإماء، و: ج 26/317 باب 1-2 من أبواب ميراث المجوس، و: ج 28 ص 28 باب 13 من أبواب جهاد النفس و: ج 28/173 باب 1 من أبواب حَدّ القذف.
3- وسائل الشيعة: ج 20/540 و 546 باب 5 و 9 من أبواب ما يحرم بالكفر.
4- الحدائق الناضرة: ج 10/424.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنه يحرمُ بعد الإسلام إقباض الخمر أو قبضها أو هما معاً، إذ لو أسلم الزّوج يحرم عليه الإقباض، ولو أسلمت الزّوجة يحرمُ عليها القبض، وإن أسلما معاً حَرم كلا الأمرين، فيتعذّر تسليمهما، إذ المتعذّر الشرعي كالمتعذّر العقلي، فهو بمنزلة التلف، والمرجع حينئذٍ إلى القيمة.

2 - وبخبر عبيد بن زرارة، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دِنّاً خمراً وثلاثين خنزيراً، ثمّ أسلما بعد ذلك، ولم يكن دَخَل بها؟

قال عليه السلام: ينظر كم قيمة الخنازير، وكم قيمة الخمر، ويرسل به إليها، ثمّ يدخل عليها، وهما على نكاحهما الأوّل»(1).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ غاية ما يلزم من الإسلام سقوط الماليّة عنها بالنسبة إليهما، لا حرمة الإقباض أو القبض.

وعليه، فلو لم تُسلَّم المرأة، تكون للخمر ماليّة بالنسبة إليها، فلا وجه للانتقال إلى القيمة، مع أنّه لو أسلما وسقطت عن الماليّة، لا وجه لضمان القيمة لما حُقّق في محلّه(2) من أنّه إذا نَقَصت العين المضمونة من حيث القيمة السوقيّة، من دون أن ينقص منها ومن صفاتها شيءٌ ، أو سقطت عن الماليّة، لا وجه للضمان، فإنّ منشأه إمّا اليد أو الإتلاف أو الإقدام، ولا شيء منها في المقام.6.

ص: 197


1- التهذيب: ج 7/356 باب المهور والاُجور ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/243 باب 3 من أبواب المهور، حديث 26999.
2- منهاج الفقاهة: ج 3/316.

وعليه، فمقتضى القاعدة عدم الانتقال إلى القيمة.

ويرد على الثاني: ضعف سنده:

أوّلاً: لأنّه في السند القاسم بن محمّد الجوهري(1) وهو ضعيف أو مجهول.

وثانياً: يعارضه خبر طلحة بن زيد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلين من أهل الذّمة أو من أهل الحرب، تزوّج كلّ واحدٍ منهما امرأة ومَهرها خمراً وخنازير، ثمّ أسلما؟

قال عليه السلام: ذلك النكاح جائزٌ حلال لا يحرم من قبل الخمر والخنازير.

وقال عليه السلام: إذاأسلما حَرُم عليهما أن يدفع إليهما شيئاًمن ذلك، يعطياهما صداقهما»(2).

وحمل الثاني على القيمة كحمل الأوّل على إرادة مَهر المِثل بعيدٌ غايته، فلايمكن الجمع العرفي بينهما.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ ضعف السند ينجبرُ بالعمل، وهو يكون حينئذٍ أرجح من معارضه للشهرة.

وعليه، فما أفاده المشهور هو الصحيح، ومعه لا يُصغى إلى ما قيل من إنّ تعذّر تسليم المَهر بمنزلة الفساد، فينتقل إلى مَهر المثل(3)، مع أنّه فاسدٌ في نفسه، لأنّ المفروض أنّ المسمّى وقع صحيحاً، واستحقّته عليه، وإنّما تعذّر تسليمه لاحقاً، فلو كان شيءٌ فهو الانتقال إلى القيمة.0.

ص: 198


1- رجال النجاشي: ص 315 رقم الترجمة 862 قوله: (... كوفي، سكن بغداد، روى عن موسى بن جعفر عليه السلام وله كتاب...)، رجال الطوسي: ص 342 أصحاب موسى بن جعفر عليه السلام باب القاف رقم 1 قوله: (... له كتاب، واقفي).
2- التهذيب: ج 7/355 باب المهور والاُجور ح 10، وسائل الشيعة: ج 21/243 باب 3 من أبواب المهور، حديث 26998.
3- ذكره وضعّفه سيّد المدارك في نهاية المرام: ج 1/370.

وأمّا خبر طلحة: فقد عرفت أنّه يطرح.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصّ عدم الفرق بين كون المَهر المُسمّى الفاسد جزئيّاً خارجيّاً كهذه الخمرة، أو كليّاً في الذّمة.

***

ص: 199

ولو تزوّج المسلمُ عليه، قيل يصحُّ ، ويثبتُ مع الدخول مَهر المثل.

جَعلُ المُسلم المَهر خمراً

المسألة الرابعة: (ولو) (تزوّج المسلم عليه)، كانت الزّوجة مسلمةً أو غيرها (قيل: يصحّ ) العقد، والقائلُ هو الشيخ في «المبسوط»(1)، و «الخلاف»(2) وابن حمزة(3)، والسيّد ابن زُهرة(4)، والحِلّي(5)، والمحقّق(6).

وفي «الحدائق»: (والظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين)(7).

وفي «الجواهر»: (إنّه المشهور)(8).

أقول: ثمّ إنّه اختلف القائلون بالصحّة فيما يجبُ عليه على أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «الخلاف»(9)، والحِلّي والمصنّف(10) في جملةٍ من كتبه: (و) هو أنّه (يثبتُ مع الدخول مَهرُ المِثل).

2 - أنّه يجبُ مَهر المثل بالعقد.

ص: 200


1- المبسوط: ج 4/272.
2- الخلاف: ج 4/363 كتاب الصداق مسألة 1.
3- الوسيلة: ص 296.
4- الغنية: ص 348.
5- السرائر: ج 2/577.
6- شرائع الإسلام: ج 2/545.
7- الحدائق الناضرة: ج 24/425.
8- جواهر الكلام: ج 31/11.
9- الخلاف: ج 4/363 كتاب الصداق مسألة 1.
10- تحرير الأحكام: ج 3/526 الطبع الجديد. قواعد الأحكام: ج 3/76.

وقيل: يبطلُ العقد.

3 - أنّ الواجب قيمته عند مستحليه، وهو منقولٌ عن الشيخ رحمه الله في موضعٍ من «المبسوط»(1).

4 - الفرقُبين كون المَهر الذي لايملكه المُسلم متقوّماًفي الجملة كالخمر والخنزير، فيعتبر قيمته، وغير متقوّمٍ كالحُرّ فيعتبر مَهر المِثل، كما عن بعض الأصحاب(2).

(وقيل) - والقائل جماعةٌ منهم الشيخان في «المقنعة»(3) و «النهاية»(4)، والقاضي(5)، والتقيّ (6). على ما حُكي: (يبطلُ العقد).

أقول: يقع الكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: في أنّه هل يصحّ العقد أم لا؟

استدلّ للبطلان:

1 - بأنّ الرضا شرطٌفي صحّة العقد، وهو إنّماوقع عليجعل الخمرفي مقابل البُضع، مع أنّه باطلٌ ، فما وقع عليه الرضا غير صحيح، وما هو صحيحٌ لم يقع عليه التراضي.

2 - وبقول الإمام الباقر عليه السلام: «الصِّداق ما تراضيا عليه قَلّ أو كَثُر»(7).5.

ص: 201


1- المبسوط: ج 4/290 قوله (وأمّا إن اصدقها خمراً معيناً فالذي يقتضيه مذهبنا أنّ لها قيمته عند مستحليه).
2- المبسوط: ج 4/290.
3- المقنعة: ص 508-509.
4- النهاية: ص 469.
5- المهذّب: ج 2/200.
6- الكافي في الفقه: ص 293.
7- التهذيب: ج 7/353 باب المهور والاُجور ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/241 باب 1 من أبواب المهور، حديث 27995.

ويلزمه بطريق عكس النقيض إنّ ما لم يتراضيا عليه لم يكن مَهراً، المقتضي عدم غير المذكور في العقد مَهراً، فينافي ما دلّ عدم إخلاء البُضع عن المَهر، فليس حينئذٍ إلّاالبطلان.

3 - وبأنّ النكاح حيثُ يذكر فيه المَهر عقدٌ معاوضةٌ ، ضرورة اتّحاده مع عقود المعاوضة في العقد، ودخول الباء ونحو ذلك، ولذا أُطلق عليه الأجر في قوله تعالى :

(وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1) ، فينبغي أن يعتبر فيه ما يعتبر فيها، من توقّف الصحّة على صحّة العوض كالبيع ونحوه، وصحّته بلا مَهر لا تنافي جريان حكم المعاوضة عليه مع ذكر المَهر.

ولكن يُردّ الأوّل: أنّ المَهر من قبيل الشرط في عقد النكاح، وحقيقة النكاح إيجاد الزوجيّة بين الزوجين، والرّضا بها لا يكون مقيّداً بما جُعل مَهراً، غايته كون المَهر داعياً على الرّضابالزوجيّة، ولذا لاخلاف ولا كلام في أنّه لو ظهر المَهر مستحقّاً لا يقع العقدُ باطلاً، فلو كان الرّضا بها وإيجادها معلّقاً على المَهر، لزم بطلان النكاح.

وإنْ شئت قلت: إنّ إيجاد العُلقة الزوجيّة غير معلّق على المَهر، والرّضا بها المعتبر في صحّة النكاح لا دليل عليه أزيد من ما هو موجودٌ في المقام.

ويرد الثاني: أنّ غاية ما يستفاد من عكس النقيض هي أنّ ما لم يتراضيا عليه لايكون صداقاً، وهذا لايستلزم بطلان العقد.

وبعبارة اُخرى: إنّه يدلّ على أنّ المَهر المذكور في العقد ذلك، لا مطلق المَهر، كيف والمَهر الواجب مع عدم ذكره في العقد لم يتراضيا عليه، مع أنّه لو قيل بالأعمّ4.

ص: 202


1- سورة النساء: الآية 24.

كان مقتضاه كفاية الرضا اللّاحق بالمَهر الذي يعيّن بعد العقد.

ويردّ الثالث: أنّ النكاح بالنسبة إلى المَهر ليس من قبيل المعاوضة، وإنْ ذُكر المَهر، بل المَهر حينئذٍ من قبيل ما يُشترط في ضمن عقد البيع، فكما أنّ فساد الشرط هناك لا يوجبُ فساد البيع، فكذلك فساد المَهر لا يوجبُ فساد النكاح.

وعليه، فالأظهر هو الصحّة، ويؤيّده النصوص الآتية(1) الدالّة على أنّه لو اشترط في العقد ما يخالف المشروع، بطل الشرط وصَحّ العقد، معلّلاً بأنّ : «شرط اللّه قبل شرطكم».

بل هي تدلّ على الصحّة في المقام:

إمّا لكون ذكر المَهر من قبيل الشرط أو لعموم العلّة، أو لتنقيح المناط.

وبالجملة: فلا ينبغي الإشكال في الصحّة.

الموضع الثاني: فيما يجبُ على تقدير القول بالصحّة.

وقد يقال: إنّ الواجب هو مَهر المثل مطلقاً.

واستدلّ له المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»(2): بأنّه شَرَط عوضاً لم يُسلّم لها، فينتقل إلى مَهر المثل.

وفيه: أنّ مَهر المثل إنّما ثبت كونه عِوضاً للوطء، لا أنّه يكون بدلاً عن المَهر الفاسد.

واستدلّ على أنّ الواجب قيمته عند مستحليه:).

ص: 203


1- في الصفحات القادمة بعنوان: (حكم اشتراط ما يخالف المشروع في العقد).
2- قواعد الأحكام: ج 3/76 قال: (فلو تزوّج المسلم على خمر أو خنزير أو حُرّ بطل المسمّى، وقيل العقد. وهل تثبت قيمة المسمّى أو مَهر المثل ؟ قولان الأقرب الثاني).

1 - بأنّ قيمة الشيء أقرب إليه عند تعذّره.

2 - وبأنّهما عقدا على شخصٍ باعتبار ماليّته، فمع تعذّر الشخص يجبُ المصير إلى المال.

ويردّ الأوّل: أنّ الانتقال إلى القيمة فرع استحقاق ذي القيمة.

ويردّ الثاني: أنّ الخمر لا ماليّة لها كي تعتبر.

ولذلك يظهر ضعف القول بالقيمة إذا كان المَهر الذي لا يملكه المُسلم متقوّماً في الجملة.

أقول: وأمّا الاستدلال لوجوب القيمة بقوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1).

بتقريب: أنّ المراد من (الجُناح) المنفيّ ، هو المَهر، فمفهوم الآية حينئذٍ ثبوت المَهر، وكونه مضموناً عليه بالمسّ ، أو فرض فريضة، وإطلاقها شاملٌ لما إذا كان فُرض فريضةً فاسدة، فتدلّ الآية على ثبوت المَهر، وكونه مضموناً عليه في المقام، فيجبُ عليه دفع قيمته عند تعذّر دفع نفسه.

ففاسدٌ: لأنّ الآية تدلّ على ثبوت المَهر الذي فرض، والمفروض في المقام عدم ثبوته، لعدم قابليّته للملكيّة، فلا يكون ثابتاً ومضموناً عليه.

وإنْ شئت قلت: إنّ ذكر المَهر الفاسد كالعدم، فالمقام داخلٌ في منطوق الآية الدالّ على أنّه لا يجب شيءٌ بدون الدخول.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو ثبوت مَهر المثل بالدخول لما دلّ على6.

ص: 204


1- سورة البقرة: الآية 236.

ثبوته به مطلقاً(1)، وأنّ الاستحلال من الفرج سببٌ لاستحقاق المَهر(2).

هذا كلّه إذا جعل المهرَ نفس الخمر.

وأمّا لو جعل المَهر استحقاقه لها، أي الحقّ المتعلّق بها، لأنّ له أن يخلّلها، - وبعبارة اُخرى له حقّ الأولويّة - فهل يصحّ مَهراً أم لا؟

وجهان، أظهرهما ذلك، لأنّه لا إشكال في ثبوت حقّ الأولويّة في أمثال هذا المقام:

لا لما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله: (من أنّ الحقّ ليس أمراً مغايراً للمِلْك، بل هو من شؤونه ومراتبه الضعيفة المندكة تحت القوى، لأنّه عبارة عن إضافة خاصّة بين المستحقّ والمستحقّ عليه، وهي حاصلة للمالك ومحفوظة في جميع الحالات المتواردة على الملك)(3)، فمن يجعل العنب خمراً مثلاً يكون الزائل بثبوت الخمريّة المِلْك، وأمّا الحقّ فهو باق.

فإنّه يرد عليه: أنّ الملكيّة والحقيّة من الاعتبارات الشرعيّة والعرفيّة، لا من المقولات، والاعتبار لا اشتداد فيه ولا حركة، وكلٍّ من المِلك والحقّ اعتباري غير الآخر.

ولا لما أفاده بعضٌ (4): (من كون حقّ الأولويّة من آثار المِلْك، فمع زواله غاية الأمر يُشكّ في ارتفاعه، فيستصحب بقائه).).

ص: 205


1- وسائل الشيعة: ج 21/319 باب 54 من أبواب المهور، حديث 271819 و 27183 و 27184.
2- وسائل الشيعة: ج 21/320 باب 54 من أبواب المهور، حديث 17187.
3- منية الطالب: ج 1/333.
4- ذكره الإصفهاني في حاشية المكاسب: ج 1/443 (ط. ج).

فإنّه يرد عليه: أنّ ما هو من آثار الملك إنّما هو الحكم التكليفي من قبيل جواز التصرّف فيه ونحوه، وهو غير حقّ الأولويّة، مع أنّ لازم كونه أثراً له ارتفاعه بارتفاعه.

وبالجملة: حقّ الأولويّة الذي هو اعتبارٌ خاص ليس من آثار المِلْك.

ولا لما أفاده بعضٌ (2) آخر من أنّه قد دلّ الدليل على أنّ المالك أحقّ بماله، فيستفاد من ذلك كون حقّ الأولويّة من مقارنات الملك، ولو شكّ في زواله بارتفاع المِلْك، يُستصحب ذلك.

فإنّه يردّه: أنّ ما يدلّ عليه الدليل المزبور، إنّما هو أولويّة المالك بالتصرّف في ماله من غيره، وهذه غير ثبوت حقّ الأولويّة.

ولا للإجماع؛ لعدم كونه تعبّديّاً، ولعلّ مستند المُجمعين ما تقدّم.

بل لثبوته بالسِّيرة العقلائيّة، وبناء العقلاء على ذلك.

أقول: والظاهر أنّه لا ريب في بنائهم عليه، وحيث لم يردع الشارع الأقدس عنه، فيستكشف إمضائه لذلك، وعلى هذا فحيث قد تقدّم أنّه يجوز جعل الحقّ مَهراً، فلا مانع من جعل حقّ الأولويّة في الخمر مَهراً، ولا نصّ في عدم جوازه.

وعليه، فالأظهر هو الجواز.

***

ص: 206

ولو شرط في العقد المُحرّم بطل الشرط خاصّة.

حكم اشتراط ما يُخالف المشروع في العقد

المسألة الخامسة: (ولو شرط في العقد) ما يخالف المشروع، كأن يَشترط فعل (المحرّم، بطل الشرط) اتّفاقاً(1).

ويشهد به: النصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة، الدالّة على فساد الشرط المخالف للكتاب والسُّنة، وإليك جملة منها:

منها: صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم بما وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ »(2).

ومنها: خبره الآخر عنه عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم إلّاكلّ شرطٍ خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ فلا يجوز»(3).

ومنها: العلويّ المرويّ موثّقاً: «من شرط لإمرأته شرطاً فليفِ لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلّاشرطاً حرّم حلالاً أو أحَلَّ حراماً»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

ص: 207


1- كشف اللّثام: ج 7/420. الطبع الجديد.
2- الكافي: ج 5/169 باب الشرط والخيار في البيع ح 1، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب 6 من أبواب الخيار، حديث 23040.
3- التهذيب: ج 7/22 باب عقود البيع ح 10، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب 6 من أبواب الخيار حديث 23041.
4- التهذيب: ج 7/467 باب الزيادات في فقه النكاح ح 80، وسائل الشيعة: ج 18/17 باب 6 من أبواب الخيار، حديث 23044.

«وإنْ كان شرطاً يخالفُ كتاب اللّه عزّ وجلّ فهو رَدٌّ إلى كتاب اللّه عزّوجلّ »(1).

ونحوها غيرها(2).

أقول: وتفصيل القول في هذا المقام، وتمييز الشرط المخالف للكتاب والسُّنة عن غير المخالف لهما، موكولٌ إلى محلّه، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في الأجزاء السابقة من هذا الشرح، ويشهد له في خصوص المقام، صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام: «أنّه قضى في رجلٍ تزوّج امرأةً وأصدقته هي، واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق ؟

قال عليه السلام: خالفت السُّنة، وولّيت حقّاً ليست بأهله، فقضى أنّ عليه الصداق، وبيده الجماع والطلاق، وذلك السُّنة»(3).

وبمعناه مرسل ابن بُكير(4) ونحوهما(3) جملةٌ من النصوص الآتية في ضمن الفروع اللّاحقة، فلا إشكال في بطلان الشرط.

كما لا ينبغي الإشكال في أنّ الباطل هو الشرط خاصّة دون العقد، كما هو المتّفق(4) عليه، وكذا المَهر كما هو المشهور(5) بين الأصحاب، لما حُقّق في محلّه من6.

ص: 208


1- التهذيب: ج 7/25 باب عقود البيع ح 24، وسائل الشيعة: ج 18/17 باب 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة، حديث 23043.
2- التهذيب: ج 7/67 باب ابتياع الحيوان ح 3، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب 6 من أبواب الخيار، حديث 23042. (3و4) الفقيه: ج 3/425 باب ما أحلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4475، وسائل الشيعة: ج 21/289 باب 29 من أبواب المهور، حديث 27109.
3- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور ح 60.
4- كشف اللّثام: ج 7/420 الطبع الجديد.
5- جواهر الكلام: ج 31/96.

ولو اشترط أن لا يُخْرِجها من بلدها لَزم.

أنّ الشرط(1) الفاسد لا يُفسد، ولصحيح محمّد بن قيس وغيره، وهذا كلّه ممّا لا كلام فيه، (و) إنّما الكلام في المقام وقع في فروع:

حكم اشتراط أن لا يخرج الزّوجة من بلدها

الفرع الأوّل: أنّه (لو اشترط أن لا يخرجها من بلدها):

ففي المتن وعن «النهاية»(2)، و «المهذّب»(3)، و «الوسيلة»(4)، و «الجامع»(5)، و «النافع»(6) وغيرها(7): (لزم) الشرط.

وعن «الخلاف»(8)، و «المبسوط»(9)، و «الغُنية»(10)، و «السرائر»(11)، والمحقّق الثاني(12) في شرح «القواعد»: بطلان الشرط، وصحّة العقد.

ص: 209


1- منهاج الفقاهة: ج 6/328-343 حكم الشرط الفاسد.
2- النهاية: ص 474.
3- المهذّب: ج 2/212.
4- الوسيلة: ص 297.
5- الجامع للشرائع: ص 443.
6- المختصر النافع: ص 190.
7- كما في مختلف الشيعة: ج 7/152-153.
8- الخلاف: ج 4/388 مسألة 32.
9- المبسوط: ج 4/303.
10- الغنية: ص 349 قال: (ولو شرط في النكاح أن لا يسافر بها، لكان الأولى الوفاء بذلك لقوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم».
11- السرائر: ج 2/589-590.
12- جامع المقاصد: ج 13/398-399.

وظاهر «الشرائع»(1)، ومحكيّ «القواعد»(2): التوقّف في المسألة.

أقول: والأوّل أظهر:

1 - لأنّه شرطٌ جائز ليس بمخالفٍ للكتاب والسُّنة، لعدم وجوب الإخراج، وعدم حرمة عدمه، فيشمله عموم ما دلّ على صحّة الشرط ولزومه.

2 - ولصحيح أبي العبّاس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة، ويشترط أن لا يخرجها من بلدها؟

قال عليه السلام: يفي لها بذلك، أو قال: يلزمه ذلك»(3).

3 - وصحيح ابن أبي عمير، قال: «قلتُ لجميل بن درّاج: رجلٌ تزوّج امرأة وشَرَط لها المقام في بلدها، أو بلدٍ معلوم ؟

فقال: قد روى أصحابنا عنهم عليهم السلام: أنّ ذلك لها، وأنّه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها»(4).

واستدلّ القائلون ببطلان الشرط: بأنّه شرطٌ مخالف للشرع من حيث وجوب إطاعة الزّوج، وكون مسكن الزّوجة ومنزلها باختياره.

ويرد عليه: أنّ المشروط ليس هو عدم وجوب إطاعة الزّوج، ولا كون اختيار المنزل بيدها، بل هو أن لا يخرجها الزّوج من بلدها، وهو فعل الزّوج، ويكون مباحاً.8.

ص: 210


1- شرائع الإسلام: ج 2/551 قوله: (الثامنة: إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها، قيل يلزم، وهو المرويّ ).
2- قواعد الأحكام: ج 3/77 قوله: (ولو شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل يلزم الشرط للرواية).
3- الكافي: ج 5/402 باب الشرط في النكاح ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/299 باب 40 من أبواب المهور، حديث 27126.
4- التهذيب: ج 7/373 باب المهور والأجور ح 72، وسائل الشيعة: ج 21/300 باب 40 من أبواب المهور، حديث 27128.

نعم، لو اشترط أن لا يجب عليها إطاعة الزّوج في ذلك، كان ذلك خلاف المشروع، والنصوص السابقة لا تشمله.

ولعلّه بذلك يمكن رفع الخلاف بين الأصحاب بحمل قول من أفتى بلزوم الشرط، على ما لو كان الشرط عدم إخراجها، وحمل قول من أفتى ببطلان الشرط، على ما لو شَرَط كون اختيار المسكن بيدها، وأن لا يجب عليها إطاعة الزّوج في ذلك.

ولو عصى الزّوج وأراد مخالفة هذا الحكم، وإخراجها هل يجب عليها الخروج لوجوب إطاعة الزّوج أم لا؟

وجهان، أقربهما الثاني، لأنّه بالشرط حصل لها حقٌّ في أن لا يخرجها، فلا يجب إطاعة الزّوج في ذلك.

ولو رضيت بالخروج جاز الإخراج، وسقط حقّها.

ودعوى: أنّ الذي يعقل سقوطه بالإسقاط هو الحقّ الثابت، واستحقاق السكنى يتجدّد بتجدّد الزمان، فلا يسقط بالإسقاط كالنفقة.

مندفعة: بأنّ حقّ السكنى إنّما هو من ناحية الشرط، ويثبت بثبوت حقّ الشّرط، فإذا أسقطته سَقَط.

وعليه، فلا وجه لتوقّف سيّد «المدارك»(1) في السقوط لما ذكر.

أقول: ثمّ إنّ القائلين بصحّة الشرط اختلفوا فيما لو شَرَط مَهراً كمائة دينار مثلاً إنْ أخرجها إلى بلاده، وأقلّ منه كخمسين مثلاً إنْ لم تخرج معه:7.

ص: 211


1- نهاية المرام: ج 1/407.

فذهب جمعٌ منهم كالشيخ(1) والمصنّف(2) في أكثر كتبه، والمحقّق في «النافع»(3)وغيرهم(4): إلى بطلان الشرط، ولزوم المَهر الزائد إنْ أخرجها إلى بلاد الشرك، وصحّة الشرط ولزومه إنْ أخرجها إلى بلاد الإسلام، والمستند في ذلك حسن عليّ ابن رئاب، بل صحيحه، عن الإمام الكاظم عليه السلام، قال:

«سُئل وأنا حاضرٌ عن رجلٍ تزوّج امرأةً على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإنْ لم تخرج معه فإنّ مَهرها خمسون ديناراً إنْ أبَت أن تخرج معه إلى بلاده ؟

قال: فقال عليه السلام: إنْ أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك، فلا شرط له عليها في ذلك، ولها مائة دينار التي أصدقها إيّاها، وإنْ أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين، ودار الإسلام فله ما اشترط عليها، والمسلمون عند شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتّى يؤدّي إليها صِداقاً، أو ترضى منه من ذلك بما رضيت، وهو جائزٌ له»(5).

وأُورد عليه:

1 - بمخالفته للاُصول، للجهل بالمَهر، حيث جعله مائة على تقديرٍ وخمسين على تقدير آخر.9.

ص: 212


1- النهاية: ص 474-475.
2- مختلف الشيعة: ج 7/152-153.
3- المختصر النافع: ص 190 [الحكم] السابع.
4- منهم المحقّق البحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/540-544 المسألة السابعة، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 10/452 الطبع الجديد.
5- الكافي: ج 5/404 باب الشرط في النكاح ح 9.

2 - وللحكم بأنّ لها الزائد إنْ أراد إخراجها إلى بلاد الشرك، من غير خروج إليها، مع أنّه خلاف الشرط.

3 - وللحكم بأنّه لا يخرجها إلى بلاد الإسلام إلّابعد أن يوفّي لها مَهرها الأزيد، وإطلاقه يشمل ما لو كان ذلك بعد الدخول، وكانت غير مطالبة بالمَهر، مع أنّه لايجوز الامتناع بعد الدخول كما تقدّم، ولا يجبُ عليه إعطاء المَهر إلّاأن تطلبه.

4 - وللّزوم إطاعة الزّوج والخروج معه إلى حيث شاء.

وفيه أوّلاً: أنّ تخصيص القواعد والاُصول بالنَّص الخاصّ غير عزيزٍ في الفقه، بل لو منع من ذلك لزم تأسيس فقهٍ جديد، كيف وقد حُقّق في محلّه(1) أنّ عموم الكتاب يخصّص بالخبر الواجد لشرائط الحجيّة.

وثانياً: أنّه يمكن منع مخالفته للاُصول، لما عرفت(2) من عدم الدليل على اعتبار معلوميّة المَهر من كلّ جهةٍ ، وعدم مضريّة الجهل الذي يؤول إلى العلم.

وأمّا الحكم بأنّ لها الزائد إنْ أراد إخراجها إلى بلاد الشرك، من غير خروجٍ إليها: فيمكن أنْ يكون من جهة صَرف الإخراج المشترط إلى الجائز منه، لئلّا يخالف المشروع.

وأمّا الحكم بلزوم تسليمه جميع المائة، لو أراد خروجها إلى بلده:

فيمكن أنْيكون مقيّداً بصورة عدم الدخول قبله، للأدلّة الاُخر، ويكون ذلك في صورة المطالبة، كما يشير إليه قوله: «أو ترضى بما رضيت» لشموله للرضا بالتأخير.

ويمكن أنْ يكون التقديم مراداً من الشرط، بمعنى أنّه اشترط علينفسه تعجيل).

ص: 213


1- زبدة الاُصول: ج 3/319، تحت عنوان: (تخصيص الكتاب بخبر الواحد).
2- تقدّم في أواخر الجزء 32/346، في بحث: (اعتبار كون المَهر معلوماً).

ذلك إليها إنْ أراد إخراجها إلى بلاده، وإطاعة الزّوج إنّما تجبُ فيما ليس فيه معصية اللّه تعالى ، والخروج إلى بلاده غير جائز لها.

فتحصّل: أنّ تردّد المحقّق في «الشرائع»(1) فيه أو ردّه كما ارتضاه جماعة(2) في غير محلّه، فما أفاده المشهور أظهر.

حكمُ اشتراط عدم الإفتضاض

الفرع الثاني: إذا اشترط أن لا يفتضَّها - أي لا يدخل بها - ففيه أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «النهاية»(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والشهيد الثاني في «المسالك»(5): من لزوم الشرط، وصحّة العقد في الدائم والمنقطع.

2 - ما عن الشيخ في «المبسوط»(6)، والمصنّف في «المختلف»(7)، وفخرالمحقّقين(8)في «الشرح»، والمحقّق الثاني في «شرح القواعد»(9) والسيّد في «شرح النافع»(10) من الحكم ببطلان الشرط والعقد معاً في الدائم، وصحّتهما في المنقطع.

ص: 214


1- شرائع الإسلام: ج 2/551 المسألة السابعة.
2- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 13/399.
3- النهاية: ص 373.
4- شرائع الإسلام: ج 2/551 المسألة السابعة.
5- مسالك الأفهام: ج 8/247-248.
6- المبسوط: ج 4/303-304.
7- مختلف الشيعة: ج 7/150.
8- إيضاح الفوائد: ج 3/207-208، قال: (وأبطل ابن البرّاج الشرط خاصّة فيهما، واختاره ابن إدريس وهو الأقوى عندي).
9- جامع المقاصد: ج 13/392، ج 3/207-208.
10- نهاية المرام: ج 1/247 قوله: (لا خلاف في جواز ذلك في عقد المتعة...).

3 - ما عن الحِلّي(1) وجماعة(2): من الحكم بفساد الشرط في الدائم والمنقطع، وصحّة العقد فيهما.

وعليه، فالكلام يقع في موردين:

الأوّل: في صحّة الشرط.

الثاني في صحّة العقد.

أمّا المورد الأوّل: فمقتضى القاعدة صحّة الشرط، لأنّ الافتضاض عملٌ جائز فعله وتركه للزوج، فاشتراط عدمه ليس شرطاً مخالفاً للكتاب والسُّنة، فيشمله عموم أدلّته.

وما أفاده المصنّف: في «المختلف» - على ما حُكي - من أنّه شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد(3)، ووجّهه بعضهم(4) بأنّ المقصود الأصلي من النكاح الدائم هو التناسل والتوالد، وهو متوقّفٌ على الدخول والافتضاض، فاشتراط عدم الدخول منافٍ لمقتضى العقد.

يرد عليه أوّلاً: أنّ المقصود الأصلي في النكاح الدائم وإنْكان غالباً هو التناسل، لكنّه ليس المقصود منه دائماً.

وثانياً: أنّ الشرط المخالف لمقتضى العقد هو الشرط الذي يكون منافياً لما ينشأ بالعقد، وحقيقة العقد متوقّفة عليه، كما لو اشترط البيع بلا ثمن، والمقام ليس كذلك،3.

ص: 215


1- السرائر: ج 2/589.
2- منهم القاضي في المهذّب: ج 2/207.
3- مختلف الشيعة: ج 7/151.
4- جامع المقاصد: ج 13/393.

فإنّ مقتضى العقد هو الزوجيّة، وهي تُنشأ وتوجد، واشتراط عدم الدخول غير منافٍ لذلك.

وما عن ابن إدريس الحِلّي: من أنّ اشتراط عدم الوطء مخالفٌ لتصريح الكتاب والسُّنة بأنّ له الوطء إنْ شاء فيكون اشتراطه خلاف المشروع(1).

يرد عليه: أنّ الشرط إنْ كان هو عدم ثبوت حقّ الوطء له شرعا، تمّ ما أُفيد.

وأمّا إنْ كان الشرط هو عدم الوطء خارجاً، فلا يكون مخالفاً، لأنّ ترك المباح أو المستحبّ لا يكون شرطه مخالفاً للمشروع، وإلّا لزم عدم صحّة اشتراط شيء سوى فعل الواجب.

أقول: وبما ذكرناه يظهر أنّ النظر فيما أفاده المحقّق اليزدي رحمه الله في وجه بطلان الشرط في الدائم، من أنّ صحيح محمّدبن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام: «قضى عليٌّ عليه السلام في رجلٍ تزوّج امرأةً وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، قال عليه السلام: خالفت السُّنة وولّيت حقّاً ليست بأهله»(2).

يدلّ على ذلك، وأنّ الجمع بينه وبين ما يأتي من النصوص الدالّة على جواز ذلك، يقتضي حمل تلك النصوص على المنقطع، وحمل هذا على الدائم، لأنّ الشرط في الصحيح هو ثبوت الحقّ للمرأة، وأنْ يكون بيدها الجماع، وهذا شرطٌ مخالف للمشروع قطعاً، ومحلّ الكلام اشتراط عدم الفعل.9.

ص: 216


1- السرائر: ج 2/589، قوله: (الشرط باطلٌ لأنّه مخالف لموضوع الكتاب والسُّنة، لأنّ الأصل براءة الذّمة من هذا الشرط، والإجماع غير منعقد).
2- الفقيه: ج 3/425 باب ما أحلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4475، وسائل الشيعة: ج 21/289 باب 29 من أبواب المهور، حديث 27109.

وعليه، فالأظهر صحّة الشرط على القاعدة، وكذا العقد، إذ بعد فرض صحّة الشرط لا وجه لبطلان العقد، بل الأظهر هو صحّة العقد، وإنْ كان الشرط باطلاً، لما تقدّم في المسائل السابقة من أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد، سيّما في باب النكاح، فراجع(1).

أقول: ويشهد لصحّة الشرط والعقد - مضافاً إلى ذلك - جملةٌ من النصوص الواردة في المقام:

منها: خبر سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: جاء رجلٌ إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها، فقالت: اُزوّجكَ نفسي على أن تلتمس منّي ما شئتَ من نظرٍ والتماس، وتنال ما ينال الرّجل من أهله، إلّاأنّك لا تدخل فَرْجك في فرجي، وتتلذّذ بما شئتَ ، فإنّي أخاف الفضيحة.

قال عليه السلام: ليس له منها إلّاما اشترط»(2).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام، قال: «قلت له: رجلٌ تزوّج بجاريةٍ عاتق على أن لا يفتضّها، ثمّ أذِنَت له بعد ذلك ؟

قال عليه السلام: إذا أذنت له فلا بأس»(3).

فإنّ مقتضى إطلاق منطوق الأوّل ومفهوم الثاني لزوم هذا الشرط في النكاح مطلقاً، دائماً كان أو منقطعاً.8.

ص: 217


1- تقدّم في صفحة 155 في بحث (ذكر المَهر ليس شرطاً في صحّة العقد) وما بعده.
2- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور ح 58، وسائل الشيعة: ج 21/295 باب 36 من أبواب المهور، حديث 27117.
3- التهذيب: ج 7/369 باب المهور والاُجور ح 59، وسائل الشيعة: ج 21/295 باب 36 من أبواب المهور، حديث 27118.

ودعوى: أنّه يجب تقييد إطلاقهما بما دلّ على اختصاص ذلك بالمنقطع كخبر عمّار بن مروان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجل جاء إلى امرأةٍ فسألها أن تزوّجه نفسها متعةً ، فقالت: أزوّجكَ نفسي...» إلى آخر ما في خبر سماعة المتقدّم(1).

مندفعة: بأنّهمامن قبيل المُثبتين لاتنافي بينهما، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد.

وما أفاده المحقّق اليزدي: من أنّه يعارض هذه النصوص صحيح ابن قيس المتقدّم، الدالّ على عدم صحّة هذا الشرط، والجمع بين الطائفتين يقتضي حمل الصحيح على النكاح الدائم، وتلك النصوص على النكاح المنقطع.

يرد عليه: أنّ مورد هذه النصوص اشتراط عدم الدخول بها، ومورد الصحيح اشتراط أنّ بيدها الجماع، وقد عرفت أنّ الشرط في مورد نصوص الباب صحيحٌ على القاعدة، وفي مورد الصحيح باطلٌ ، فلا تعارض بين النصوص.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: صحّة شرط عدم الافتضاض ولزومه، وصحّة العقد في المنقطع والدائم، فلو أذِنَت في الإفتضاض لاحقاً جاز الدخول بها، لأنّه إسقاطٌ لحقّها، وقد صرّح بالجواز في خبر إسحاق المتقدّم.

اشتراط عدم التزويج عليها

الفرع الثالث: إذا اشترط أن لا يتزوّج عليها، ففيه قولان: صحّة الشرط، وبطلانه.

ص: 218


1- الكافي: ج 5/467 باب النوادر ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/72 باب 36 من أبواب المتعة، حديث 27565.

أقول: ومنشأهما اختلاف النصوص.

منها: ما يدلّ على لزوم هذا الشرط، كموثّق منصور بزرج، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«قلت له: إنّ رجلاً من مواليك تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّاأن يجعل للّه عليه أن لا يطلّقها، ولا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع ؟

فقال عليه السلام: بئس ما صَنَع، وما كان يُدريه ما يقع في قلبه باللّيل والنهار، قل له:

فليفِ للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: المؤمنون عند شروطهم»(1).

وصدر الخبر وإنْ كان يحتمل إرادة النذر أو العهد منه، ولكن ذيله قرينة على إرادة الشرط.

وأظهر من ذلك في إرادة الشرط روايةً ، هو الخبر الذي رواه الكليني رحمه الله في «الكافي» وفيه:

«قالت المرأة: لا أتزوّجكَ أبداً إلّاأن تجعل لي عليك أنْ لا تطلّقني، ولا تتزوّج عليّ ...» إلى آخر الخبر(2).

فما عن الشيخ في «التهذيب»(3) من حمل الخبر على النذر غير تامّ .

ومنها: ما توهم دلالته على فساد الشرط:6.

ص: 219


1- التهذيب: ج 7/371 باب المهور والاُجور ح 66، وسائل الشيعة: ج 21/276 باب 20 من أبواب المهور، حديث 27081.
2- الكافي: ج 5/404 باب الشرط في النكاح ح 8.
3- التهذيب: ج 7/371 باب المهور والاُجور، ذيل حديث 66.

1 - صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج امرأةً وشرط لها إنْ هو تزوّج عليها امرأةً أو هجرها أو اتّخذ عليها سَريّة فهي طالق، فقضى عليه السلام في ذلك: أنّ شرط اللّه قبل شرطكم، فإنْ شاء وَفّى لها بما اشترط، وإنْ شاء أمسكها واتّخذ عليها ونكح عليها»(1).

2 - وخبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأةٍ تزوّجها رجلٌ وشَرَط عليها وعلى أهلها إنْ تزوّج عليها امرأةً أو هجرها أو أتى عليها سريّة فإنّها طالق ؟

فقال: شرط اللّه قبل شرطكم، إنْ شاء وَفّى بشرطه، وإنْ شاء أمسك امرأته، ونكح عليها وتسرّى عليها، وهجرها إنْ أتت بسبيل ذلك، قال اللّه تعالى في كتابه:

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ )(2) وقال: اُحلّ لكم (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ )(3) قال: (وَ اَللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ (4)) »(5).

3 - وخبر حمّادة اُخت أبي عُبيدة الحَذّاء، قالت: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً وشرط لها أن لا يتزوّج عليها، ورضيت أنّ ذلك مَهرها؟

قالت: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذا شرطٌ فاسدٌ لا يكون النكاح إلّاعلى درهمٍ أو درهمين»(6).8.

ص: 220


1- التهذيب: ج 7/370 باب المهور والاُجور ح 63، وسائل الشيعة: ج 21/296 باب 38 من أبواب المهور، حديث 27120.
2- سورة النساء: الآية 3.
3- سورة النساء: الآية 3.
4- سورة النساء: الآية 34.
5- تفسير العيّاشي: ج 1/240 ح 121، وسائل الشيعة: ج 21/277 باب 20 من أبواب المهور، حديث 27083.
6- الكافي: ج 5/381 باب نوادر في المَهر ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/275 باب 20 من أبواب المهور، حديث 27078.

أقول: ولكن الحقّ عدم ارتباط الطائفة الثانية بالمسألة المتنازع فيها، فإنّ الأخير منها في ما لو جعل هذا الشرط مَهراً لها، ولذا قال عليه السلام: «لا يكون النكاح إلّا على درهم أو درهمين»، والشرط في الأولين ليس هو عدم التزويج وعدم الهَجر والتسرية، بل الظاهر منهما كون الشرط خصوص الجزاء، وهو صيرورتها طالقاً إنْ تزوّج عليها، أو تسرّى عليها أو هَجَرها، ولا أقلّ من كونه مجموع الشرطوالجزاء، لا خصوص الشرط وهذا واضحٌ ، ولا ينافيه ما في ذيلها من قوله عليه السلام: «فإنْ شاء وَفّى لها» فإنّ المراد به إنْ شاء طلّقها، كما يشهد به قوله عليه السلام بعد ذلك: «وإنْ شاء أمسكها» فإنّه قرينةٌ على إرادة التطليق من قوله عليه السلام: «إنْ شاء وَفّى لها».

وعلى ذلك، فلا معارض للخبر الدالّ على الجواز، مضافاً إلى كونه شرطاً سائغاً، لأنّه يشترط ترك المباح، وهذا جائزٌ بالضرورة.

نعم، لو اشترط أن لايكون له حقّ في التزويج، كان ذلك مخالفاً للكتاب والسُّنة كما لا يخفى .

أقول: وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم(1) في المقام، كما يظهر حكم ما لو اشترط عليها أنْ لا يُطلّقها، ولكن إنْ تزوّج عليها أو طلّقها صَحّ ذلك، وإن أثِمَ ، إذ غاية ما يثبت بالشرط عدم جواز ذلك، والحرمة أعمّ من الفساد.

اشتراط تسليم المَهر في أجل

الفرع الرابع: ما لو اشترط تسليم المَهر في أجلٍ ، فإنْ لم يُسلّمه كان العقد باطلاً.

أقول: المشهور(2) بين الأصحاب صحّة العقد والمَهر، وبطلان الشرط، والأصل

ص: 221


1- راجع المبسوط: ج 4/303، وشرائع الإسلام: ج 2/551، وقواعد الأحكام: ج 3/76.
2- جواهر الكلام: ج 31/96.

في ذلك صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في رجلٍ يتزوّج المرأة إلى أجلٍ مُسمّى، فإنْ جاء بصداقها إلى أجلٍ مُسمّى فهي إمرأته، وإنْ لم يأتِ بصداقها إلى الأجل، فليس له عليها سبيل، وذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه ؟

فقضى عليه السلام للرجل: أنّ بيده بُضع إمرأته وأحبط شرطهم»(1).

ومقتضى القاعدة وإنْ كان بطلان العقد من جهة عدم كونه إنشاء للزوجيّة الدائمة، بل للزوجيّة إلى أمدٍ إنْ لم يأتِ بالصِّداق، ولا للنكاح المنقطع لعدم تعيين الأجل، ولكن دلّ النصّ الخاص على صحّة العقد والمَهر، وبطلان الشرط، وعمل به الأصحاب.

الفرع الخامس: جعل خيار الشرط للزّوج، وقد تقدّم الكلام(2) فيه مفصّلاً، وعرفت أنّ الأظهر بطلان الشرط وإبطاله العقد.

***ء.

ص: 222


1- الكافي: ج 5/402 باب الشرط في النكاح ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/265 باب 10 من أبواب المهور، حديث 27052.
2- تقدّم الكلام في ذلك في بحث التدليس من هذا الجزء.

في التنازع: لو اختلفا في أصل المَهر

المسألة السادسة: في التنازع، وفيه فروع:

الفرع الأوّل: إذ اختلفا في أصل استحقاق المَهر وعدمه:

1 - فإنْ كان ذلك قبل الدخول، فلا إشكال ولا كلام في أنّ القول قول الزّوج مع يمينه، لأصالة عدم فرضه في العقد، وأصالة براءة ذمّته عن المَهر.

2 - وإنْ كان بعد الدخول:

فالمشهور(1) بين الأصحاب على ما حُكي أنّ القول قوله أيضاً.

وعن «التحرير»: (إذا وقع الاختلاف في أصل المَهر بعد الدخول، يستفسر هل سَمّى أو لا؟ فإنْ ذكر تسميته كان القول قوله مع اليمين، وإن ذكر عدمها، لزم مَهر المثل، وإنْ لم يجب بشيء حُبس حتّى يتبيّن)(2).

وعن «القواعد» (أنّه إنْ أنكر التسمية صُدّق باليمين، لكن يثبت عليه قبل الدخول مَهر المثل)(3).

والتحقيق: يقتضي أنْ يقال إنّ إنكاره استحقاق المَهر:

تارةً : يكون لأجل ادّعائه أنّ المَهر كان دَيناً له في ذمّتها، أو عيناً له في يدها، أو في يده، وقد تلفت من غير تقصير.

ص: 223


1- تحرير الأحكام: ج 3/561 (الفصل السابع: في اختلاف الزوجين) الطبع الجديد.
2- تحرير الأحكام: ج 3/561. الطبع الجديد.
3- قواعد الأحكام: ج 3/88 قوله: (والتحقيق أنّه إنْ أنكر التسمية... لكن يثبت عليه قبل الدخول مع الطلاق المتعة ومع الدخول مَهر المثل).

واُخرى : يكون لأجل ادّعائه أنّه أعطاها المَهر قبل الدخول.

وثالثة: يكون لأجل ادّعائه بطلان العقد، وعلم المرأة بذلك، فهي بغيّة، ولا مَهر لِبَغيّ (1).

ورابعة: لادّعائه أنّ المَهر كان شيئاً قليلاً أعطاه إيّاها، وهي تعترف بأخذه، ولكن تدّعي كون المَهر المُسمّى أزيد من ذلك، أو تدّعي أنّ العقد كان بالتفويض، فالثابت بالدخول مَهر المثل.

وخامسة: لادّعائه أنّ التزويج كان في حال صغره، وأنّ المَهر كان في ذمّة أبيه.

أمّا إنْ كانت الدعوى على الوجه الأوّل: فالقول قول الزّوج مع يمينه، لأصالة البراءة، وعدم اشتغال ذمّته بشيء.

فإنْ قلت: إذا كان المُدّعى كون المَهر ديناً في ذمّة الزّوج، والزّوج يدّعي أنّ له في ذمّتها بمقدار ذلك، فذمّته ساقطة بالتهاتر، فيمكن إجراء استصحاب بقاء اشتغال الذّمة حينئذٍ.

ودعوى: أنّ امر المستصحب دائرٌ بين ما هو مقطوع الارتفاع، وما هو مشكوك فيه، فلا يجري.

ممنوعة: لأنّ الزّوجة إنْ لم تُسلّم اشتغال ذمّتها له ولذلك تدّعي المَهر، فنفس ذلك الثابت يُستصحب.

نعم، إنْكانت مدّعية أنّ المَهر كان أزيد من ذلك، فالمقدار الثابت سقط بالتهاتر، وبالنسبة إلى الزائد يكون الزّوج منكراً والأصل معه.».

ص: 224


1- سنن البيهقي: ج 6/6: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن ثمن الكلب ومَهر البغي».

قلت: إنّ التهاتر إنْ كان متفرّعاً على اشتغال ذمّة كلّ منهما بمثل ما اشتغلت به ذمّة الآخر، كان ما أُفيد تامّاً، ولكن إنْ كان مدّعي الزّوج أنّ نفس ما له في ذمّتها جُعلت مَهراً، أو قلنا في التهاتر إنّ الدّين لا يستقرّ في ذمّة أحدالطرفين في ما كان ذمّة الطرف الآخر مشغولة به من قَبلُ ، فلايتمّ كما لايخفى ، إذ لاعلم باشتغال الذّمة حينئذٍ.

وإنْ كانت الدعوى على الوجه الثاني: فالقول قول الزّوج أيضاً للنصوص الخاصّة:

منها: خبر الحسن بن زياد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا دخل الرّجل بامراته ثمّ ادّعت المَهر، وقال قد أعطيتُك، فعليها البيّنة، وعليه اليمين».

ومنها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عنه عليه السلام في حديثٍ :

«إذا أُهديت إليه ودخلت بيته، وطلبت بعد ذلك، فلا شيء لها، إنّه كثيرٌ لها أن يستحلف باللّه ما لها قِبَله من صداقها قليلٌ ولا كثير»(1). ونحوهما غيرهما(2) من النصوص، وقد تقدّمت في مسألة عدم سقوط المَهر بالدخول، وقلنا إنّ هذه النصوص محمولة على صورة الدعوى، فراجع تلك المسألة(3).

وإنْ كانت الدعوى على الوجه الثالث: فالقول قول الزّوجة، لأصالة عدم العلم، وأصالة الصحّة في فعل المسلم.

وإنْ كانت الدعوى على الوجه الرابع:

فإنْ ادّعت المرأة أنّ المَهر سُمّي في العقد، ولكن كان أكثر من ما أعطاها الزّوج، فالقول قول الزّوج لأصالة عدم الزائد.د.

ص: 225


1- الكافي: ج 5/385 باب اختلاف الزّوج والمرأة ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/257 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27036.
2- الاحتجاج،: ج 2/491، وسائل الشيعة: ج 21/261 باب 8 من أبواب المهور، حديث 27044.
3- صفحة 159 وما قبلها من هذا المجلّد.

والقولُ قولُ الزّوج في قدر المَهر.

وإنْ ادّعت التفويض، فالقول قولها، لأنّ استصحاب عدم التسمية في العقد، بضميمة ما دلّ على ثبوت مَهر المثل بالدخول، يقتضي اشتغال ذمّته بمهر المثل.

وإنْ كانت الدعوى على الوجه الخامس: فالقول قول الزّوج أيضاً، لأصالة عدم اشتغال ذمّته لها بشيء.

فالمتحصّل: أنّه في أغلب الفروض يكون القول قول الزّوج، وأنّ ما أفاده المصنّف في «التحرير»(1) تامٌّ ، إلّاما ذكره من: (الحبس حتّى يتبيّن إنْ لم يجب) كما أنّ ما أفاده في «القواعد»(2) تامٌّ فتدبّر.

حكمُ ما لو اختَلفا في قدر المَهر

الفرع الثاني: إذا اتّفقا على ثبوت المَهر في ذمّة الزّوج، (و) كان الاختلاف في المقدار، بأن ادّعت الزّوجة قدراً زائداً عمّا يقرّ به الزّوج، فالمشهور بين الأصحاب أنّ (القول قول الزّوج في قَدَر المَهر).

وفي «الجواهر»(3): (بل هو كالمجمع عليه، بل ربما حكاه بعضهم)(4).

ويشهد به: - مضافاً إلى أصالة البراءة عن الزائد - صحيح أبي عُبيدة، عن الإمام

ص: 226


1- تحرير الأحكام: ج 3/561 (الفصل السابع: في اختلاف الزوجين) (ط. ج).
2- قواعد الأحكام: ج 3/88.
3- جواهر الكلام: ج 31/136.
4- منهم المحقّق في شرائع الإسلام: ج 2/555، والعلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/88.

الباقر عليه السلام: «في الرّجل تزوّج امرأةً فلم يدخل بها، فادّعت أنّ صداقها مائة دينار، وذكر الزّوج أنّ صداقها خمسون ديناراً، وليس لها بيّنة على ذلك ؟

قال: القول قول الزّوج مع يمينه»(1).

ومقتضى إطلاق الصحيح، عدم الفرق:

بين ما إذا أطلقا الدعوى بأنْ ادّعت الزّوجة أنّ مَهرها مائة دينار، وادّعى الزّوج أنّه خمسون ديناراً، من غير أنْ تدّعي هي تسمية الأكثر، وهو تسمية الأقلّ ، أو يتّفقا على عدم التسمية.

وبين ما إذا ادّعت الزّوجة تسمية الأكثر، وهو تسمية الأقلّ .

والإشكال على الحكم في الصورة الأُولى : بأنّه مع إطلاق الدّعوى كما يحتمل كونه بطريق التسمية، يحتمل كونه عِوض البُضع المحترم، وعِوضه مطلقاً مَهرُ المثل، وإنّما يتعيّن غيره بالتسمية، ومقتضى الأصل عدم التسمية، وهذا الأصل مقدّمٌ على أصل البراءة.

يندفع: بأنّه لا يحتمل ادّعاء الزّوجة عدم التسمية، فإنّه مع عدمه لا تستحقّ المَهر إلّابالدخول، فلا محالة يكونان متوافقين على التسمية.

كما أنّ الإيراد عليه في الصورة الثانية: بأنّ كلّاً منهما يدّعي شيئاً ينكره الآخر، ومقتضى ذلك القول بالتحالف.

غير تامّ : فإنّ التحالف إنّما يكون فيما إذا لم يتّفقا على شيء، وفي المقام يتّفقان على استحقاق الأقلّ ، فالزّوجة غير منكرة، بل هي تَدّعي استحقاقها الزائد، والزّوج6.

ص: 227


1- التهذيب: ج 7/364 باب المهور والاُجور ح 39، وسائل الشيعة: ج 21/274 باب 18 من أبواب المهور، حديث 27076.

ولو أنكره بعد الدخول، فالوجه مَهرُ المِثل.

يكون منكراً لذلك، ومجرّد كونها منكرة لوقوع العقد على الأقلّ ، لا يوجبُ كونها منكرة يتوجّه إليها الحلف، لعدم رجوع دعوى الزّوج وقوع العقد على الأقلّ إلى أمرٍ مالي.

والدّعوى في خصوصيّة العقد ملغاةٌ في هذا المقام، وإنّما المسموع ما هو اللّازم لهذه الدعوى من الاختلاف في الدّين من حيث كونه ديناً زيادةً ونقيصة.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر أنّ القول قول الزّوج مع يمينه، حتّى إذا كان الاختلاف في القدر بعد الدخول، لأصالة البراءة، ولإطلاق صحيح أبي عُبيدة.

نعم، في فرض الدخول يتصوّر اختلافهما في القدر على نحوين آخرين:

1 - أن يتّفقا على عدم التسمية، وأنّه بالدخول تستحقّ الزّوجة مَهر المثل، ولكن المرأة تدّعي أنّ قبيلتها وعشيرتها كلّهم شرفاء، فيكون مَهر مثلها مائة دينار مثلاً، والزّوج يدّعي أنّ قبيلتها من الرعايا فيكون مَهر مثلها خمسين ديناراً.

والظاهر تقديم قول الزّوج لأصالة البراءة عن الزائد، دون صحيح أبي عُبيدة، لأنّه لا يشمل هذه الصورة كما لايخفى .

2 - أن يختلفا في التسمية وعدمها، والزّوج يدّعي التسمية بشيءٍ قليل، والزّوجة تدّعي عدم التسمية، وأنّها بالدخول تستحقّ مَهر المثل.

والظاهر في هذه الصورة تقديم قول الزّوجة، لأصالة عدم التسمية، وهي مقدّمة على أصالة البراءة، وإلى هذا نظر المصنّف رحمه الله حيث قال:

(ولو أنكره بعد الدخول، فالوجه مَهر المثل) أي أنكر الزّوج القدر الزائد التي تدّعيه المرأة.

ص: 228

هذا كلّه إذا كان الاختلاف في قَدَر المَهر.

ولو كان الاختلاف في وصفه:

فإنْ كان المختلف فيه وصف الصِّحة، فالقول قول مدّعيه، لموافقة قوله لأصالة الصحّة إنْ قلنا بأنّ الجهالة مطلقاً موجبة لبطلان المَهر، وكان مدّعي عدم اشتراط وصف الصحّة مدّعياً أنّ المَهر هو الأعمّ من الصحيح وغيره.

وإنْقلنا بعدم مبطليّة الجهالة، أو ادّعى الآخر أنّ العقد وقع على غير الصحيح، فحكمه حكم من ادّعى وصفاً موجباً لزيادة الماليّة، وهو تقديم قول الزّوج المنكِر لأخذ الوصف الموجب لرفع المبلغ في المَهر لأصالة البراءة عن الزائد.

حكم ما لو اختلفا في الدخول

الفرع الثالث: إذااتّفقا في قَدَر المَهر ووصفه، ولكن المرأة تدّعي الدخول و استحقاق تمام المَهر، والزّوج يدّعي عدمه، وأنّها لاتستحقّبالطلاق إلّانصف المَهر:

فإنْ كان ذلك بعد خلوته بها خلوة خالية عن موانع الوقاع، فالقول قولها، لما تقدّم في مسألة: (ما يستقرّ به المَهر)، لأنّ النصوص الدالّة على استقراره بالخلوة، محمولة على صورة الدعوى.

والظاهر أنّ نظر الشيخ في التهذيبين(1) وغيره(2) ممّن قال في هذه الصورة بأنّ القول قول المرأة بيمينها إلى ذلك، لا إلى ما في «الشرائع» حيث قال: (عملاً بشاهد

ص: 229


1- التهذيب: ج 7/465-466، الاستبصار: ج 3/228.
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة: ص 298 قوله: (و إذا دخل بها وأرخى الستر عليها، وادّعى الرّجل أنّه لم يواقعها، وأمكنه إقامة البيّنة وأقامها قُبلت منه، وإنْ لم يمكنه كان له أن يستحلفها، فإنْ استحلفها وإلّا لزمه توفية المَهر).

ولو ادَّعتِ المواقعة، فالقولُ قوله مع يمينه، على إشكالٍ .

الحال في خلوته بالحلائل)(1)، فيكون قولها موافقاً للظاهر، إذ لا دليل على حجيّة ظهور الحال في ذلك، كي يكون صالحاً لقطع الأصل الموافق لدعوى عدم الوقاع.

(و) إنْ لم تكن الخلوة ثابتة، كما (لو ادّعتِ ) الخَلوة و (المواقعة:

(ف) المشهور(2) بين الأصحاب: أنّ (القول قوله مع يمينه) لأصالة عدم المواقعة، فهو منكرٌ لما تدّعيه المرأة عليه.

وظاهر المصنّف التردّد في الحكم، حيث قال: (على إشكال).

أقول: ولعلّ نظره إلى الإشكال في إطلاق: «فإنّ القول قولها مع الخلوة».

أو إذا كانت بِكْراً قبل العقد، فإنّه حينئذٍ ينظر إليها من يوثق بها من النساء، فإنْ كانت البَكارة زائلة، فالقول قولها، وإنْ احتمل أنّها أزالت البكارة بإصبعها بعدما اُدخلت عليه، لصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن رجلٍ تزوّج جارية لم تُدرك لا يجامع مثلها، أو تزوّج رتقاء فاُدخلت عليه فَطَلّقها ساعة اُدخلت عليه ؟

قال عليه السلام: هاتان ينظر إليهنّ من يوثق به من النساء، فإنْ كُن كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق الذي فُرِض لها» الحديث(3).

فإنّ مفهومه أنّه إذا كانت البكارة زائلة، فلها تمام الصداق.

***

ص: 230


1- شرائع الإسلام: ج 3/555.
2- جواهر الكلام: ج 31/141-142.
3- التهذيب: ج 7/465 باب الزيادات في فقه النكاح ح 74، وسائل الشيعة: ج 21/325 باب 57 من أبواب المهور، حديث 27201.

ولو زوّج الأب الصغير، ضَمِن المَهر مع فقره.

ضمان الأب المزوّج المَهر عن ولده الصغير

المسألة السابعة: (ولو زوّج الأبُ الصغيرَ، ضَمِن المَهر مع فقره) أي يكون المَهر في عهدة الوالد، إنْ لم يكن للولد مالٌ ، كما هو المشهور(1) بين الأصحاب.

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه)(2).

وفي «الرياض»: (اتفاقاً منّا كما عن «الخلاف»(3)، و «المبسوط»(4)، و «السرائر»(5)، و «التذكرة»(6),(7).

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضةٌ :

منها: صحيح الفضل بن عبد الملك، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال عليه السلام: لا بأس.

قلت: يجوز طلاق الأب ؟ قال: لا.

قلت: على مَن الصِّداق ؟

قال: على الأب إنْ كان ضمنه لهم، وإنْ لم يكن ضمنه فهو على الغلام، إلّاأن

ص: 231


1- مسالك الأفهام: ج 8/284.
2- جواهر الكلام: ج 31/123.
3- الخلاف: ج 4/373 مسألة 13.
4- المبسوط: ج 4/292.
5- السرائر: ج 2/569-570.
6- تذكرة الفقهاء: ج 2/608. الطبع الجديد.
7- رياض المسائل: ج 10/455. الطبع الجديد.

لايكون للغلام مالٌ ، فهو ضامنٌ له وإنْ لم يكن ضمن»(1).

وإنّما وصفنا الخبر بالصحّة تبعاً لصاحب «المسالك»(2) و «الجواهر»(3)، وإلّا ففي سنده عبد اللّه بن محمّد، وهو وإن ورد التصريح في كتب الرّجال بأنّه يعتمد على خبره، لكن مجرّد ذلك لايكفي في توصيف الخبر بالصحّة.

أضف إليه: أنّ في طريقه أيضاً عليّ بن الحَكَم(4)، فالأولى التعبير بالحَسَن.

ثمّ إنّ الخبر مرويّ عن «الوافي»(5) مع إبدال قوله: «إلّا أن لا يكون للغلام» بقوله: «إلّا أنْ يكون للغلام».

ولكن ما نقلناه هو الصحيح، لأصالة عدم الزيادة، ولعدم استقامة المعنى على ما نقله المحدّث الكاشاني رحمه الله.

ومنها: موثّق عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يزوّج ابنه وهو صغير؟

قال عليه السلام: إنْ كان لابنه مالٌ فعليه المَهر، وإنْ لم يكن للابن مالٌ فالأب ضامنُ المَهر ضَمِن أو لم يضمن»(6).

ومنها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الرّجل يزوّج ابنه وهو صغير4.

ص: 232


1- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/325 باب 28 حديث 27201.
2- مسالك الأفهام: ج 8/284.
3- جواهر الكلام: ج 31/125.
4- رجال النجاشي: ص 274 رقم الترجمة 718، قوله: (عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي.. له كتاب...). الفهرست: ص 151 رقم 3 قوله: (عليّ بن الحكم الكوفي، ثقة، جليل القدر، له كتاب...).
5- الوافي: ج 21/415 ح 21460، وفيها: (إلّا أن لا يكون للغلام).
6- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/287 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27104.

فدَخل الابن بإمراته، على مَن المَهر؛ على الأب أو على الإبن ؟

قال عليه السلام: المَهر على الغلام، وإنْ لم يكن له شيءٌ فعلى الأب، ضمن ذلك على ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير»(1).

ونحوها غيرها(2).

أقول: وتمام الكلام فيما يستفاد من هذه النصوص يتحقّق بالبحث عن جهات:

الجهة الاُولى: إنّ مقتضى هذه النصوص أنّه إنْ كان للغلام مالٌ فالمَهر عليه، وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ المَهر على الأب مطلقاً:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن رجلٍ كان له ولد فزوّج منهم اثنين، وفرض الصداق، ثمّ مات، من أين يجب الصداق؛ من جملةِ المال أو من حصّتهما؟

قال عليه السلام: من جميع المال، إنّما هو بمنزلة الدّين»(3).

ومنها: صحيحه الآخر، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «سألته عن الصبيّ يزوّج الصبيّة ؟

قال: إنْ كان أبواهما هما اللّذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا، فإنْ رضيا بذلك فإنّ المَهر على الأب» الحديث(4).5.

ص: 233


1- مسائل عليّ بن جعفر: ص 197 ح 418، وسائل الشيعة: ج 21/288 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27107.
2- وسائل الشيعة: ج 21/289 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27108.
3- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/288 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27106.
4- التهذيب: ج 7/382 باب عقد المرأة على نفسها ح 19، وسائل الشيعة: ج 20/277 باب 6 من أبواب النكاح وأولياء العقد، حديث 25625.

ومنها: صحيح الحذّاء الوارد في تزويج الصغيرين، حيث قال عليه السلام في آخره:

«يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمَهر على الأب للجارية»(1).

الجهة الثانية: المحكيّ عن تذكرة(2) المصنّف رحمه الله وقواعده(3): أنّه مع فقر الولد لو صرّح الأب بنفي الضمان، لايكون الأب ضامناً له.

واستدلّ له: بأنّ قوله في النصوص: «أو لم يضمن» يكون ظاهراً في عدم اشتراط الضمان، لا اشتراط العدم، وصورة اشتراط العدم خارجة عن النصوص، ومقتضى القاعدة حينئذٍ ضمان الولد نفسه كما لايخفى .

وأورد عليه الشهيد الثاني رحمه الله(4): بأنّ قوله: «إنْ لم يضمن» وإنْ لم يكن صريحاً في اشتراطعدم الضمان، لكنّه مطلق شاملٌللصورتين، أي عدم اشتراطه واشتراط عدمه.

وأجاب عنه سبطه: - بعد تسليم إطلاق النصوص - بأنّ عموم قوله صلى الله عليه و آله:

«المؤمنون عند شروطهم»(5) يقتضي المصير إلى ما ذهب إليه العلّامة رحمه الله، والروايات لا تنافيها ظاهراً ولا صريحاً(6).

أقول: إن منعنا شمول إطلاق النصوص لصورة اشتراط عدم الضمان، فلا كلام2.

ص: 234


1- الكافي: ج 5/401 باب تزويج الصبيان ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 باب 11 من أبواب ميراث الأزواج، حديث 32862.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/609 الطبع القديم. قوله: (وإنْ كان معسراً فإمّا أن يضمن الأب... أو يصرّح بنفي الضمان فلا ضمان).
3- قواعد الأحكام: ج 3/87.
4- مسالك الأفهام: ج 8/285.
5- التهذيب: ج 7/371 باب المهور والاُجور ح 66، وسائل الشيعة: ج 21/276 باب 20 من أبواب المهورحديث 27081.
6- نهاية المرام: ج 1/412.

في تماميّة ما أفاده المصنّف رحمه الله.

وأمّا لو سلّمنا شموله لها:

فإنْ كان ضمان الأب الذي يدلّ عليه النصوص من قبيل الحكم اللّزومي، أي لا يصحّ جعل المَهر على الابن، فلا مورد للتمسّك بعموم دليل الشرط، لأنّه مقيّدٌ بما لا يخالف الكتاب والسُّنة، وهذا الشرط خلاف الكتاب والسُّنة.

وإنْ كان ضمان الأب إرفاقيّاً، صَحّ التمسّك بعموم دليل وجوب الوفاءبالشرط، ولا يُصغى إلى ما قيل من إنّ النسبة بين دليل الشرط ونصوص الباب هي العموم من وجه وهي تقدّم:

إمّا لما في «الحدائق» من أنّ دليل الشرط يُعمل به حيثُ لا معارض له(1).

أو لما في «الرياض» من أنّ ارتكاب التقييد فيه ليس بأولى من العكس، بل العكس أولى؛ لاعتضاده بفتوى الفقهاء(2).

لحكومة دليل الشرط - كغيره من أدلّة العناوين الثانويّة - على أدلّة العناوين الأوليّة.

أقول: ولكن الحقّ هو ما أفاده المصنّف رحمه الله من عدم شمول النصوص لصورة اشتراط عدم الضمان، وظهورها في إرادة عدم اشتراط الضمان(3).

ويؤيّده مقابلته بصورة اليسار المذكور فيها، أنّه إنْ ضمنه الأب كان المَهر عليه، وإلّا فعلى الغلام، وبقرينة المقابلة يكون المراد به عدم اشتراطه.د.

ص: 235


1- الحدائق الناضرة: ج 24/574.
2- رياض المسائل: ج 10/457. الطبع الجديد.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/609. الطبع الجديد.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ هذه الصورة وإنْ لم تكن داخلة تحت النصوص المتضمّنة للتفصيل، ولكن تشملها النصوص المطلقة الدالّة على أنّ الصداق على الأب، الظاهرة في الحكم اللّزومي التعييني.

وعليه، فالأظهر كون الضمان على الأب وإنْ تبرّأ منه، ولا يشمله دليل الشرط.

وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

الجهة الثالثة: في معنى الضمان في المقام احتمالان:

أحدهما: هو الضمان المصطلح عليه، فيكون بمعنى التعهّد للمَهر بعد ثبوته في ذمّة الولد.

ثانيهما: هو التعهّد للمَهر ابتداءً .

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المَهر مقابلٌ للبُضع، وكونه عِوضاً عنه، فلابدّ وأن يثبت في ذمّة من يَملك البُضع تحقيقاً للمعاوضة.

2 - وبقوله عليه السلام في صحيح محمّد بن مسلم: «إنّما هو بمنزلة الدّين»(1)، إذ لو كان المراد بالضمان المعنى الثاني، كان نفس الدّين لا بمنزلته.

ويردّ الأوّل أوّلاً: أنّ النكاح ليس من قبيل المعاوضة كما مرّ مراراً.

وثانياً: أنّه لو كان منها فإنّ اقتضاء المعاوضة خروج العوض عن كيس مَن مَلِك المعوّض ممنوعٌ ، ولذلك بنينا في باب البيع على صحّة البيع لو جعل الثمن من مال شخصٍ ، ودخل المثمن في كيس شخصٍ آخر.6.

ص: 236


1- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/288 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27106.

ويترتّب على ما ذكرناه أنّه يصحّ في المقام أيضاً تزويج الإنسان بمَهرٍ في ذمّة الغير، أو بعينٍ شخصيّة مملوكة له، إذا أذن الغير، إنْ لم يكن إجماعٌ على عدم الجواز.

ويردّ الثاني: أنّه لو كان بمعنى الضمان المصطلح، غايته ثبوت المَهر في ذمّة الابن آناً مّا، وانتقاله إلى ذمّة الأب، فعلى التقديرين هو دينٌ لا بمنزلة الدّين.

أقول: والأظهر هو الثاني:

1 - لقولهم عليهم السلام في صحيحي محمّد(1)، والحذّاء(2) وخبر عليّ بن جعفر الوارد فيه قوله عليه السلام: «المَهرُ على الأب» فإنّه ظاهرٌ في ثبوت المَهر ابتداءً في ذمّة الأب.

2 - وقولهم في النصوص الاُخر: «فالأبُ ضامنُ المَهر»(3) محمولٌ على إرادة التعهّد، نظير قوله: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن».

الجهة الرابعة: في «الحدائق»: (قالوا لو كان الصَّبي مالكاً لبعض المَهر دون بعض، لزمه بنسبة ما يملكه، ولزم الأب الباقي، وهو جيّدٌ)(4). وفي «الجواهر»(5): (بل يكون تمام المَهر عليه، اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن، ولتعليق ضمان الأب على ما: «إذا لم يكن عنده شيءٌ » في خبر عليّ بن جعفر و «مالٍ » في غيره(6).4.

ص: 237


1- التهذيب: ج 7/382 باب عقد المرأة على نفسها ح 19، وسائل الشيعة: ج 20/277 باب 6 من أبواب عقدالنكاح وأولياء العقد، حديث 25625.
2- الكافي: ج 5/401 باب تزويج الصبيان ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 باب 11 من أبواب ميراث الأزواج حديث 32862.
3- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/287 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27104.
4- الحدائق الناضرة: ج 10/575.
5- جواهر الكلام: ج 31/127.
6- الكافي: ج 5/400 باب تزويج الصبيان ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/287 باب 28 من أبواب المهور، حديث 27104.

ما أفاده في «الجواهر»: من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن لا وجه له مع الإطلاق.

وما أفاده: من أنّ مقتضى إطلاق النصوص أنّه لو كان للابن مالٌ ولو قليل كان المَهر عليه.

يردّه: أنّه بمناسبة الحكم والموضوع يقيّد إطلاقها بما إذا كان للابن مالٌ بقدر المَهر، لأنّ هذا الحكم إنّما هو لمراعاة حال المرأة، وعدم جعل مَهرهافي ذمّة الصغير إنْلم يكن له بإزائه مالٌ ، أو لمراعاة حال الصَّبي بعدم إشغال ذمّته، مع عدم شيء له بإزائه.

وعليه، فالمراد من النصوص، هو عدم امتلاكه المال بقدر المَهر.

ويؤيّده عدم موردٍ لا يكونُ للابن مالٌ ولو بمقدارٍ قليل.

وعليه، فلازم ذلك ثبوت المَهر في الفرض على الأب، ويبقى ما ظاهر «الحدائق»(1) نسبته إلى المشهور بلا مدركٍ .

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ أهل العرف يفهمون ولو بعد ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع من النصوص المتضمّنة، أنّ المَهر بجميع أجزائه على الابن لو كان له مالٌ ، وعلى الأب لو لم يكن له مال، هو التوزيع، نظير ما ذكروه في مقابلة الجمع بالجمع، فبنسبة ما يملكه الابن يكون المَهر عليه، والباقي على الأب، وهذا هو الأظهر.

الجهة الخامسة: إطلاق الروايات والفتاوي يقتضي ثبوت المَهر على الابن لو كان له مالٌ لا يصرف في الدّين على تقديره، كدارِ سُكنى، ودابّة ركوبٍ ، ونحو ذلك.

وأُورد على ذلك: بانصراف المال في النصوص إلى ما يمكن للمرأة استيفاء).

ص: 238


1- الحدائق الناضرة: ج 24/575، قوله: (قالوا...).

مَهرها منه، وحيثُ أنّه لا يجبُ على الزّوج في الفرض صرف هذه الأشياء في أداء المَهر لو طلبته الزّوجة، بل يبقى المَهر في ذمّته إلى أن يقدر على الوفاء، كما هو مقتضى الجمع بين دليل هذه المسألة لو شمل للفرض، ودليل(1) استثناء هذه الأشياء من الصَّرف في الدّين، فلا تشمل النصوص لما كان له مالٌ لا يُصرف في الدّين.

أمّا انصراف النصوص إلى صورة وجود مالٍ له يجوزُ له صرفه في الدّين، فلا يُنكر، وأمّا انصرافها إلى ما لو كان له مالٌ يجبُ صرفه في الدّين فممنوعٌ .

وعليه، فما عن المشهور أظهر.

الجهة السادسة: لو أدّى الأب المَهر عن الصَّبي فيما يضمن، فإنّه لا يجوز له بعده الرجوع على الابن وإنْ قصد الرجوع به عليه.

ولو أدّاه عنه في موضع لا يضمن المَهر فيه:

فإنْكان ذلك تبرّعاً، لايكون له الرجوع إليه، وكذا لو ضمنه لا بقصد الرجوع.

وإنْ أدّاه عنه بقصد الرجوع، أو ضمنه كذلك، فالظاهر جواز الرجوع، لعموم ما دلّ على نفوذ تصرّف الولي الإجباري.

وعليه، فما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة» من عدم جواز الرجوع بالأداء، ورجوعه بالضمان مع قصد الرجوع به(2)، غيرُ ظاهر الوجه.

الجهة السابعة: لا فرق في هذا الحكم بين الأب والجَدّ، لصدق الأب على الجَدّ أيضاً، سيّما في هذا الباب الذي يكون ولايته أقوى من ولاية الأب في بعض المواضع.).

ص: 239


1- الكافي: ج 5/96 باب قضاء الدّين ح 3، وسائل الشيعة: ج 18/339 باب 11 من أبواب الدّين والقرض حديث 23801.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/609 (ط. ق).

وما عن «المسالك»: من عدم صدق الأب عليه حقيقةً ، ولذا يصحّ سلبه عنه، ومطلق الاستعمال أعمٌّ من الحقيقة.

كما ترى ، وقد مرّ ما يوضّح به المقام في مبحث ولاية الأب والجَدّ، فراجع(1).

الجهة الثامنة: لا فرق في ضمان الأب:

بين المعجَّل منه والمؤجّل، وإنْ زاد الأجل على زمان البلوغ.

ولا بين كون النكاح فضوليّاً أجازه الأب أو غيره.

ولو كان النكاح فضوليّاً ولم يُجزه الأب، ولا رَدّه فأجاز الابن بعد البلوغ، فالظاهر عدم الوجوب على الأب:

1 - للأصل بعد اختصاص النصوص بغيره.

2 - ولخبر عليّ بن جعفر:

ولو كان فضوليّاً فأجازه الأب بعد البلوغ:

فهل يجبُ عليه لإطلاق النصوص ؟ أم لا يجبُ لخبر عليّ بن جعفر؟

أم يفصّل بين القول بالكشف والنقل، فعلى الأوّل يجبُ عليه، وعلى الثاني لا يجب ؟

وجوهٌ ، أقواها الوسط فإنّ نكاح الأب إنّما يكون بالإجازة، وهو يكون في حال البلوغ وإنْ قلنا بالكشف في الإجازة.

وعليه، فقوله عليه السلام في خبر عليّ بن جعفر: «إذا كان هو أنكحه وهو صغير» بمفهومه يدلّ على عدم الوجوب عليه.

وكذا لا فرق بين أنْ يكون المَهر ديناً في ذمّة الوالد أو عيناً يبذلها للمهر بها عن2.

ص: 240


1- فقه الصادق: ج 31/182.

ولده، وإنْ كان مورد النصوص الدّين، ولكن الظاهر تسالمهم على عدم الفرق، والقطع بإلغاء الخصوصيّة.

الجهة التاسعة: إذا دفع الأب المَهر الذي في ذمّته لإعسار الصَّبي، أو دفعه تبرّعاً عنه مع كونه موسِراً، ثمّ بلغ الصَّبي، وطلّق قبل الدخول، فهل يرجع نصف المَهر إلى الأب، أو إلى الابن كما هو المشهور(1) - بل في «الرياض» بلا خلافٍ كما حُكي(2) - أم لا ينتقل لا إلى الأب ولا إلى الابن ؟ وجوه.

استدلّ للأخير: بأنّ المرأة كما تقدّم تملك المَهر بالعقد، وأنّ الطلاق قبل الدخول موجبٌ لعود نصف المَهر إلى الزّوج، وحيث أنّ النصوص المنصّفة مختصّة بما إذا كان الفارض للمَهر، والمؤدّي له هو الزّوج، وغير شاملة لما إذا كان الفارض والمؤدّي غير الزّوج، فلا يكون هذا الطلاق منصِّفاً للمَهر، فهو بتمامه باقٍ على مِلك المرأة.

ولكن يردّه: أنّ بعض تلكم النصوص مطلقٌ شاملٌ له، لاحظ قوله عليه السلام في موثّق عبيد المتقدّم: «إنْ هلكتْ أو هلكَ أو طلّقها فلها النصف»(3). ونحوه غيره(4).

وعليه، فلا إشكال في رجوع النصف عن المرأة.

واستدلّ للقول الثاني: - في «الحدائق»(5)، و «الجواهر»(6)، وغيرهما(7) - بأنّ الطلاق7.

ص: 241


1- الحدائق الناضرة: ج 24 قوله: (وهو اختيار جمع من الأصحاب).
2- رياض المسائل: ج 10/457. الطبع الجديد.
3- التهذيب: ج 8/144 باب عدد النساء ح 99، وسائل الشيعة: ج 21/314 باب 51 من أبواب المهور، حديث 27171.
4- وسائل الشيعة: ج 21/313-314 باب 51 من أبواب المهور.
5- الحدائق الناضرة: ج 24/576.
6- جواهر الكلام: ج 31/128.
7- كما في مسالك الأفهام: ج 8/287.

مملّك جديدٌ للنصف، ومقتضى عموم نصوصه رجوع النصف إلى الزّوج بالطلاق.

وفيه: إنّ النصوص الدالّة على ملكيّة الزّوج، وكون الطلاق مملّكاً للنصف له، مختصّة بما إذا كان الفارض والمؤدّي هو الزّوج، ولا تشمل ما لو كانا غيره، ومملكيّة الطلاق للنصف لا تُنكر، إلّاأن الكلام فيمن يملك، وأنّه هل هو الزّوج أو المؤدّي للمهَر والفارض له ؟

والاستدلال له: بأنّه بمنزلة الهبة، فيجري مجراها من عدم العود إلى الأب.

غير تامّ : لأنّ ذلك دعوى خالية عن الدليل.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الطلاق فاسخٌ ، ومقتضى الفسخ هو عود النصف إلى من دفعه وفاءً .

وفيه: ما تقدّم من عدم كونه فاسخاً، بل هو رافعٌ له من حينه.

فإذاً لا دليل على شيء من القولين، ولذا نسب إلى بعض الأجلّة الرجوع إلى القرعة، لأنّه من قبيل المال المردّد بين شخصين.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه يكفي دليلاًلرجوعه إلى الابن تسالم الأصحاب عليه، فتأمّل.

أقول: وبما ذكرناه يظهر حكم ما لو أدّى الوالد المَهر عن ولده الكبير تبرّعاً، ثمّ طلّق الولد، أو أدّى الأجنبي عنه.

نعم، لو كان المَهر في ذمّة الزّوج، والأبُ ضمن عنه بمعناه المصطلح، تمّ ما ذكروه من رجوع النصف إلى الابن، للنصوص(1) الدالّة على رجوع النصف إلى الزّوج.

ودعوى: أنّ الأب إنّما يضمن على نحو ضمان الابن له، فكما أنّ الابن يضمن).

ص: 242


1- تقدّم في صفحة 88 من هذا المجلّد في مبحث: (سقوط نصف المَهر بالطلاق قبل الدخول).

وللمرأة الامتناعُ قبل الدخول حتّى تقبض المَهر.

بالعقد المَهر المتزلزل القابل للزوال بالطلاق لا المستقرّ، كذلك الأب يضمن المَهر المتزلزل، ومعنى تزلزل المَهر هو كونه مِلْكاً للمرأة ما لم يقع الطلاق قبل الدخول، فالطلاق وإنْ لم يكن فسخاً، لكنّه مثله في أنّه بوقوعه تزول ملكيّة المرأة عن نصف المَهر، فيعود نصفه إلى مِلْك من كان مالكاً له سابقاً، كما عن بعض الأجلّة.

مندفعة: بما مرّ(1) مفصّلاً من أنّ المرأة تملك بالعقد تمام المَهر بالملكيّة المستقرّة، وأنّ الطلاق مملّكٌ جديد للنصف.

المسألة الثامنة: (وللمرأة الامتناع قبل الدخول حتّى تقبض المَهر) وقد مرَّ(2)الكلام فيه مستوفى.

***).

ص: 243


1- تقدّم في صفحة 83 من هذا المجلّد في مبحث: (المرأة تملك تمام المَهر بالعقد).
2- تقدّم في صفحة 144 من هذا المجلّد في مبحث: (امتناع الزّوجة عن التسليم حتّى تقبض).

الفصل الثامن: في القِسْم والنشوز.

الفصل الثامن: القسم والنشوز والشقاق

اشارة

(الفصل الثامن: في القِسم والنشوز) والشقاق:

أقول: الكلامُ يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في القسم.

وهو(1) - بفتح القاف - مصدر قسمت الشيء، - وبالكسر - الحَظّ والنصيب، والمراد في المقام قسمة اللّيالي بين الزوجات. ويمكن اعتباره من كلّ منهما، ولا يترتب على تحديده بحَدٍّ جامع مانع أثرٌ كي نطول الكلام في ذلك.

وتمام الكلام في المقام في البحث في موارد:

المورد الأوّل: لا ريب ولا خلاف في أنّ لكلٍّ من الزّوج والزّوجة حقوقاً واجبة ومستحبّة على الآخر، والكتاب والسُّنة المتواترة شاهدان به، وليس المقام مقام ذكرهما.

المورد الثاني: لا خلاف في أنّ القِسمة بين الزوجات من الحقوق الواجبة على الزّوج في الجملة، والآيات والنصوص الآتية تدلّ عليه، إنّما الخلاف في أنّها هل تجبُ على الزّوج ابتداءً بمجرّد العقد والتمكين كالنفقة كما هو المشهور على ما صرّح

ص: 244


1- كتاب العين: ج 5/86 مادّة (قسم)، لسان الميزان: ج 12/478 مادّة (قسم).

وللزوجة دائماً ليلةٌ من أربع، وللزوجتين ليلتان، وللثلاث ثلاث،

به جماعة(1)؟

أم لاتجبُ عليه حتّى يبتدئ بها، كما عن الشيخ في «المبسوط»(2)، والمصنّف(3) في بعض كتبه، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والشهيدالثاني في «الروضة»(5)، والسيّدفي «نهاية المرام»(6)، والمحقّق السبزواري(7)، وصاحب «الحدائق»(8)، وقوّاه في «الرياض»(9)؟

(و) الثمرة بين القولين - كما صرّح به جماعة(10) - أنّه:

على القول الأوّل: (للزوجة) الواحدة (دائماً ليلة من أربع) ليال، يبيت عندها، واللّيالي الثلاث الباقية له يضعها حيثُ يشاء.

(وللزوجتين ليلتان) من كلّ أربع ليال.

(وللثلاث ثلاث) منها.2.

ص: 245


1- منهم العلّامة في مختلف الشيعة: ج 77/318، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/311، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/487 (ط. ق).
2- المبسوط: ج 4/325-326.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/31، تحرير الأحكام: ج 3/567-568 (ط. ق).
4- شرائع الإسلام: ج 2/556.
5- الروضة البهيّة: ج 5/404-411.
6- نهاية المرام: ج 1/416.
7- كفاية الأحكام: ص 186.
8- الحدائق الناضرة: ج 24/590-591.
9- رياض المسائل: ج 10/462-463. (ط. ق).
10- منهم العلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/90، والمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام: ص 186، والبحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/591-592.

ولو كُن أربعاً، فلكلّ واحدةٍ ليلة.

(ولو كُنَّ أربعاً، فلكلّ واحدةٍ ليلة)، ولا يبقي له شيءٌ من كلّ أربعٍ ، وكلّما فَرغ الدور استأنف الدور على الترتيب المذكور.

وعلى القول الثاني: لو كانت زوجة واحدة، لايجبُ عليه القسمة مطلقاً، ولو مع المبيت عندها ليلةً ، ولو كانت له زوجات متعدّدة لا تجبُ عليه إلّامع المبيت عند إحداهنّ ليلةً واحدة، فتجبُ حينئذٍ تلك لهنّ حتّى يتمّ الدور، ثمّ لا يجبُ عليه شيء، فله حينئذٍ الإعراض عن القسم عنهنّ جمعاء إلّاأن يبيت عند بعضهنّ ، فيجبُ عليه إيفاء القسمة للباقيات، ثمّ لا يجبُ عليه الاستئناف، وهكذا.

واستدلّ للقول الأوّل: بآياتٍ وأخبار:

فمن الآيات: قوله تعالى : (وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1).

بتقريب: أنّه يدلّ على وجوب معاشرة النساء بالمعروف في الجملة، ولايصدق ذلك عرفاً بمجرّد الإنفاق، ولا بانضمام وطئهنّ في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة بأقلّ الواحب ممّا يوجبُ الغُسل، فدلّ على وجوب شيءٍ آخر يوجبُ صدق المعاشرة - وليس غير المضاجعة - بالإجماع، فيتعيّن وجوبها.

وأورد عليه الشهيد الثاني: بأنّ المعاشرة تتحقّق بدون المضاجعة، بل بالإيناس والإنفاق، وتحسين الخلق، والاستمتاع بالنهار مع عدم المبيت، على الوجه الذي أوجبه القائل(2).2.

ص: 246


1- سورة النساء: الآية 19.
2- مسالك الأفهام: ج 8/312.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم رحمه الله: بأنّ ما عدا الإنفاق من هذه الاُمور التي ذكرها غير واجبٍ إجماعاً، فلم يبق هنا ما يصلح أنْ يكون واجباً إلّاالمضاجعة(1).

وفيه: أنّ ظاهر الآية وجوب كلّ معاشرةٍ بالمعروف، وحيث نعلم عدم وجوبها، فيدور الأمر:

بين تقييد إطلاق الآية، وحملها على خصوص المبيت عندها.

أو حمل الأمر فيها على الاستحباب.

والمتيقّن هو الثاني، سيّما وأنّ الأوّل مستلزمٌ لتخصيص الأكثر.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه على ما هو الحقّ من خروج الوجوب والاستحباب عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، وأنّ الأمر في الموردين استُعمِل في معنى واحد، وإنّما ينتزع الوجوب والاستحباب من ورود الترخيص في ترك المأمور به وعدمه، ظاهر الآية وجوب كلّ ما هو معاشرة بالمعروف، وقد دلّ الدليل على عدم وجوب جملةٍ من مصاديقها، فيحكم بالاستحباب فيها، ولم يدلّ دليلٌ على عدم وجوب المبيت عندها، فيبقى على وجوبها.

مع أنّه يرد على الشهيد قدس سره: أنّه على ما أفاده لا يمكن الاستدلال بالآية على وجوب القِسمة في الجملة، مع أنّه قدس سره كغيره استدلّ بها له(2).

ومن الآيات: قوله تعالى: (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) (3).

بتقريب: أنّه يدلّ على عدم جواز الميل إلى تقديم إحدى الزوجتين، حتّى9.

ص: 247


1- كتاب النكاح: ص 471-472.
2- كتاب النكاح: ص 472.
3- سورة النساء: الآية 129.

تكون الاُخرى كالمعلّقة: لا ذاتُ بعلٍ ولا مطلّقة، فيدلّ على تحريم الميل لأجل العلّة المذكورة، وهي أن تذرها كالمعلّقة، ولا ريب في تحقّق هذه الغاية في ترك القسمة ابتداءً ، فيتحقّق التحريم.

وفيه: إنّ تحقّق الغاية في ترك القسمة ابتداءً مع الإيناس بها والإنفاق عليها، وتحسين الخُلُق والاستمتاع بالنهار، وما شاكل، ممنوعٌ كما لايخفى .

ومن الآيات: قوله تعالى : (وَ اَللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضاجِعِ ) (1).

بتقريب: أنّه يدلّ على جواز الهجرة في المضاجع، مع خوف النشوز، فيدلّ بمفهومه على عدم الجواز مع عدم خوف النشوز.

ويدلّ عليه: قوله تعالى في ذيل الآية: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (2).

وفيه أوّلاً: أنّه لا مفهوم له، لأنّه من قبيل مفهوم الوصف.

ودعوى: أنّه في مقام تحديد الصنف الذي يجوز هَجره من النساء.

ممنوعة: لعدم القرينة على ذلك، وما في ذيل الآية لا يصلح قرينةً عليه، لرجوعه إلى جميع ما قبله منها الضرب.

وثانياً: إنّ مفهومة على فرض الثبوت، عدم مطلوبيّة الهَجر في المضاجع، لا حرمته، كما هو واضح.

وأمّا السُّنة: فقد استدلّ بأخبارٍ له:

منها: موثّق محمّد بن قيس، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «وإذا كانت الأمَة4.

ص: 248


1- سورة النساء: الآية 34.
2- سورة النساء: الآية 34.

عنده قبل نكاح الحُرّة على الأمَة، قسَّم للحُرّة الثُّلثين من ماله ونفسه، يعني نفقته، والأمَة الثُّلث من ماله ونفسه»(1).

أقول: وإيراد الشهيد الثاني(2) عليه بضعف السند.

في غير محلّه، إذ لا منشأ له إلّااشتراك محمّد بن قيس بين الثقة والضعيف، ويدفعه أنّ الظاهر في المقام - بقرينة كون الراوي عاصم بن حميد(2) هو الثقة.

كما أنّ إيراده عليه بضعف الدلالة، نظراً إلى أنّ ظاهره وجوب ما ليس بواجب إجماعاً، لعدم وجوب قسم الحُرّة بالثلثين من تمام الأوقات، والأمَة بالثُّلث(4).

غير تامّ : فإنّ خروج ما هو غير واجب بالإجماع، لا ينافي وجوب ما هو المتنازع فيه، كما مرّ في الآية الأُولى .

وأيضاً: كما أنّ المراد بالمال في الرواية خصوص النفقة، كما فسّره الإمام عليه السلام، يمكن أنْ يكون المراد بالنفس المضاجعة، إذ ليس غيرها واجباً إجماعاً(3).

ولكن يرد على الاستدلال به: أنّه في مقام بيان كيفيّة القسمة بين الحُرّة والأمَة لو أراد القسمة، لا في مقام بيان وجوبها.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ السؤال في الخبر إنّما هو عن نكاح الحُرّة على الأمَة، وبعد حكمه عليه السلام بجوازه بيّن هذا الحكم ابتداءً من غير السؤال عنه، وظاهره كونه بياناً لكلا الأمرين أي حكم القسمة نفسها وكيفيّتها.).

ص: 249


1- التهذيب: ج 7/421 باب القسمة للأزواج ح 6، وسائل الشيعة: ج 21//346 باب 8 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27257. (2و4) مسالك الأفهام: ج 8/312-313.
2- رجال النجاشي: ص 301 قوله: (ثقة، عين، صدوق).
3- الحدائق الناضرة: ج 24/595 قوله: (السادس: قد صرّح الأصحاب بأنّ الواجب في القسمة هوالمضاجعة ليلاً...).

وبهذا يظهر دلالة النصوص الاُخر التي بمضمون هذا الخبر على ذلك، كموثّق عبد الرحمن، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يتزوّج الأمَة على الحُرّة ؟

قال عليه السلام: لا يتزوّج الأمَة على الحُرّة، ويتزوّج الحُرّة على الأمَة، وللحُرّة ليلتان وللأمَة ليلة»(1).

ونحوه غيره(2).

أقول: ولكن هذه النصوص لا تدلّ على وجوب القسمة مع وحدة الزّوجة، بل هي مختصّة بصورة التعدّد.

ودعوى : عدم القول بالفصل.

ممنوعة: لتصريح ابن حمزة(3) باشتراط التعدّد في وجوب القسمة، وحُكي أيضاً عن ظاهر جماعة كالمقنعة(4)، و «النهاية»(5)، و «المهذّب»(6)، و «الجامع»(7).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّهم في مقام بيان أنّ القسمة مختصّة بالمتعدّد لاعتبار تعدّد الزّوجة في مفهومها.6.

ص: 250


1- التهذيب: ج 7/421 باب القسمة للأزواج ح 7، وسائل الشيعة: ج 21//346 باب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27258.
2- التهذيب: ج 7/421 باب القسمة للأزواج ح 8 و 6، وسائل الشيعة: ج 21/346 باب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27256 و 27257.
3- الوسيلة: ص 312.
4- المقنعة: ص 516.
5- النهاية: ص 483.
6- المهذّب: ج 2/225.
7- الجامع للشرائع: ص 456.

وأمّا القسم للواحدة، بمعنى إعطائها قساماً، أو حظّاً من اللّيل، أو نصيباً من المعاشرة، فغير متعرّضين لحكمه، فيتمّ ما عن ظاهر «المسالك»(1) وغيرها(2) من عدم القول بعدم الوجوب في الواحدة، والوجوب في المتعدّدة.

ومنها: النصوص الدالّة على أنّه إذا أحلّت المرأة من الرّجل ليلتها، حَلّ له تلك كخبر عليّ بن أبي حمزة، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) ؟

قال عليه السلام: إذا كان كذلك فهَمَّ بطلاقها فقالت له: امسكني وأدَعُ لك ما عليك وأحللك من يومي وليلتي، حَلّ له ذلك ولا جناح عليهما»(3).

ونحوه صحيح الحلبي أو حسنة(4)، وخبر أبي بصير(5)، ورواية زيد الشَّحام(6)، وخبر البزنطي(7).0.

ص: 251


1- مسالك الأفهام: ج 8/313-314.
2- نهاية المرام: ج 1/417.
3- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27266.
4- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/349 باب 11 من أبواب القسم والنشوزوالشقاق، حديث 27265.
5- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27267.
6- الفقيه: ج 3/520 باب النشوز ح 4816، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27268.
7- تفسير العيّاشي: ج 1/278 ح 281، وسائل الشيعة: ج 21/351 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27270.

أقول: ولا يقدح اشتمال بعضها على ذكر (اليوم) و (اللّيل) مع أنّ اليوم ليس حقّاً لها، لأنّ ترك ظاهر الخبر في بعض موارده لا يوجب طرحه بالنسبة إلى الباقي، مع أنّ كون الزّوج عندها في صبيحة ليلتها من الحقوق المستحبّة، فيحمل الخبر بالنسبة إلى اليوم على الاستحباب.

ومنها: النصوص الدالّة على أنّ لكلّ زوجةٍ ليلةً من الأربع، الشاملة لصورتي الاتّحاد والتعدّد:

1 - خبر الحسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يكون له المرأتان، وإحداهما أحبّ إليه من الاُخرى، ألَهُ أن يفضّلها بشيء؟

قال عليه السلام: نعم له أن يأتيها ثلاث ليالٍ ، والاُخرى ليلة، لأنّ له أن يتزوّج أربع نسوة، فليلتاه يجعلهما حيثُ يشاء.

إلى أنْ قال: وللرجل أن يفضّل نساءه بعضهنّ على بعض ما لم يكُنّ أربعاً»(1).

فإنّ حكمه بجواز تفضيل إحداهما بليلتين معلّلاً بأنّ له أن يتزوّج أربع نسوة، الظاهر في أنّ لكلّ واحدةٍ ليلة من الأربع، ولذا أباح اللّه تعالى أربع نسوة، والتفريع عليه بأنّ ليلتيه يجعلهما حيث يشاء، يشهد باستحقاق الزّوجة ليلةً واحدةً من أربع ليال.

أقول: وبهذا التقريب يندفع ما أُورد على الاستدلال به بأنّ ما تضمّنه الخبر من وجوب القِسمة ليس محلّ الكلام، فإنّه فيما إذا باتَ عند إحداهنّ متّفقٌ عليه، وإنّما الكلام في وجوب القِسمة ابتداءً ، فإنّ الاستدلال إنّما هو بعموم العلّة بتقريب أنّه لايستقيم العلّة إلّابأنْ يكون المراد بها أنّه حيث تكون للزوجة الواحدة ليلة من4.

ص: 252


1- التهذيب: ج 7/419 باب القسمة للأزواج ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/337 باب 1 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27234.

أربع ليال، وكانت اللّيالي الثلاث الباقية له، أباح اللّه تعالى للرجل أن يتزوّج أربع نساء، إذ لو كان لكلّ واحدةٍ أزيد من ليلة، كان تشريع الأربع تضييعاً لحقوقهنّ .

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن الرّجل تكون عنده امرأتان، وإحداهما أحبُّ إليه من الاُخرى؟

قال عليه السلام: له أن يأتيها ثلاث ليال والاُخرى ليلة، فإنْ شاء أن يتزوّج أربع نسوة كان لكلّ امرأةٍ ليلة، فلذلك كان له أن يفضّل بعضهنّ على بعض ما لم يكنّ أربعاً»(1).

وكون صدره في مقام تفضيل بعضهنّ على بعض، لا يُنافي ظهور قوله عليه السلام:

«لكلّ امرأةٍ ليلة» في وجوب القِسمة والقسم ابتداءً ، سيّما وهو مذكور علّةً للتفضيل كما مرّ(2).

ونحوهما غيرهما(3).

ومنها: مادلّ على أنّه لو اشترط عند العقد أن يأتيها متى شاء، أو في كلّ اسبوعٍ مرّة، لم يجز الشرط، بل لها من كلّ أربع ليالٍ ليلة واحدة:

1 - خبر زرارة، قال: «سئل أبو جعفر عليه السلام عن النهاريّة يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها متى شاء، كلّ شهرٍ وكلّ جمعةٍ يوماً، ومن النفقة كذا وكذا؟

قال عليه السلام: ليس ذلك الشرط بشيء، ومن تزوّج امرأةً فلها ما للمرأة من النفقة4.

ص: 253


1- الفقيه: ج 3/428 باب ما أحلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4482، وسائل الشيعة: ج 21/338 باب 1 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27235.
2- تقدّم آنفاً.
3- التهذيب: ج 7/419-420 باب القسمة للأزواج ح 3 و 1، وسائل الشيعة: ج 21/337 باب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27233 و 27234.

والقِسمة» الحديث(1).

فإنّ الحكم بعدم جواز الشرط، ثمّ الحكم باستحقاق المرأة القسم بمجرّد التزويج، وعطف القِسمة على النفقة، توجبُ ظهور الخبر في وجوب القِسمة على نحوٍ لا يقبل الإنكار.

2 - وأوضح منه خبره الآخر، قال: «كان النّاس بالبصرة يتزوّجون سِرّاً فيشترط عليها أن لا آتيك إلّانهاراً، ولا آتيك باللّيل، ولا أقسِمُ لكِ؟

قال: وكنتُ أخاف أنْ يكون هذا تزويجاً فاسداً، فسألتُ أباجعفر عليه السلام عن ذلك.

فقال: لا بأس به - يعني التزويج - إلّاأنّه لا ينبغي أنْ يكون هذاالشرط بعد النكاح، ولو أنّها قالت له بعد هذا الشرط قبل التزويج: نعم، ثمّ قالت بعدما تزوّجها: إنّي لا أرضى إلّاأن تقسم لي، وتبيت عندي، فلم يفعل كان آثماً»(2).

فإنّه صريحٌ في وجوب القسم، وإطلاقه شاملٌ لصورة وحدة الزّوجة.

ومنها: الخبر الذي رواه صاحب «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام: «أنّ عليّاً صلوات اللّه عليه، قال: للرّجل أن يتزوّج أربعاً، فإنْ لم يتزوّج غير واحدةٍ ، فعليه أن يبيت عندها ليلةً من أربع ليال، وله أن يفعل في الثلاث ما أحبّ ممّا أحلّه اللّه تعالى »(3).

إلى غير تلكم من النصوص.5.

ص: 254


1- الكافي: ج 5/403 باب الشرط في النكاح ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/298 باب 39 من أبواب المهور، حديث 27124.
2- التهذيب: ج 7/374 باب الشرط في النكاح ح 73، وسائل الشيعة: ج 21/298 باب 39 من أبواب المهور، حديث 27123.
3- دعائم الإسلام: ج 2/252 فصل: (ذكر القِسمة بين الضرائر) ح 955.

وعليه، فالمستفاد من الكتاب والسُّنة وجوب القسم.

أقول: قد استدلّ للقول الثاني:

تارةً : بالأصل.

واُخرى : بما أفاده الشهيد الثاني من أنّ قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (1): (يدلّ على أنّ الواحدة كالأمَة لا حقَّ لها في القِسمة المعتبر فيها العدل، ولوجبت لها ليلةً من الأربع من الأربع لساوت غيرها، وكلّ من قال بعدم الوجوب للواحدة، قال بعدمه للأزيد، إلّامع الابتداء)(2).

وثالثة: بما في «رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله»(3) حيث قال: (نعم، يمكن أنْ يتمسّك لهم بما دلّ من الأخبار على حَصر الحقّ الواجب للمرأة في أن يكسوها من العُرى ويُطعمها من الجوع، كموثّقة إسحاق بن عمّار(4)، ورواية عمر بن جبير العَزرمي(5)، ورواية شهاب بن عبد ربّه(6)، ونحوها غيرها)(7).8.

ص: 255


1- سورة النساء: الآية 3.
2- مسالك الأفهام: ج 8/311.
3- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 479.
4- الفقيه: ج 3/440 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 4526، وسائل الشيعة: ج 21/510 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 17716.
5- الكافي: ج 5/511 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/511 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27720.
6- الكافي: ج 5/511 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/513 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27727.
7- الكافي: ج 5/510 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/511 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27718.

أقول: ولكن الأصل يخرج عنه بالدليل، والآية الكريمة تدلّ على عدم جواز أزيد من واحدة إذا خيف عدم مراعاة العَدل الواجب بينهنّ ، وأمّا أنّ الواحدة ماذا حُكمها، فهي ساكتة عنه.

وعطف الأمَة عليها لايستلزمُ اتّحاد حكمهما في غير ما هو مورد الآية، وهو العَدل بين النساء.

وعليه، فالآية تدلّ على أنّ من خاف أن لا يعدل بين النساء، ينكح واحدة فيَسْلِم من الحيف والميل، أو أمَةً ولو كانت متعدّدة، لأنّ منافعها مملوكة للمولى، فلايلزم ظلم عليهنّ ، لو ترك المولى استيفاء المنفعة من بعضهنّ .

وأمّا الأخبار: فغاية ما تدلّ عليه، حصر حقّها فيما تضمّنته من سَدّ جوعها، وإكسائها، والعفو عن ذنبها، فمفهومها مطلقٌ بالنسبة إلى النصوص المتقدّمة الدالّة على كون القسمة من حقوقها، فيقيّد بها كما يقيّد بما دلّ (1) على وجوب الدخول بها في كلّ أربعة أشهرٍ مرّة.

مع أنّ تلكم الأخبار في حقوقها المختصّة بها، ولا نظر لها إلى مثل هذا الحقّ المشترك بينها وبينه.

مع أنّ في النصوص المشار إليها كلاماً يأتي في مبحث النفقات(2).

فتحصّل: أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الأظهر والأقوى .

جَعلُ القِسْمة أزيد من ليلة

المورد الثالث: على القول بوجوب القِسمة:

ص: 256


1- التهذيب: ج 7/412 باب السُّنة في عقود النكاح ح 19، وسائل الشيعة: ج 20/140 باب 71 من أبواب مقدّمات النكاح، حديث 25246.
2- يأتي في صفحة 392 من هذا المجلدّ في الفصل العاشر: (في نفقة الزّوجة).

هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلةٍ لكلّ واحدةٍ ، بأن يبيت ليلتين أو ثلاث ليالٍ عند كلّ واحدةٍ منهنّ ، كما عن الشيخ في «المبسوط»(1) وجماعة(2)؟

أم لا يجوز إلّابرضاهنّ ، كما في «الشرائع»(3) وعن غيرها(4)؟ وجهان:

استدلّ للأوّل:

1 - بالأصل.

2 - وبحصول الغرض حيث تحصل التسوية بينهنّ في الزمان.

3 - وبأنّ الحقّ له، فتقديره إليه، وحقّهنّ إنّما هو في العدل والتسوية، وهو متحقّقٌ في المفروض.

4 - وبإطلاق الأمر بالقسمة.

أقول: أمّا ضعف غير الأخير فظاهرٌ، إذ الأصل يرجع إليه مع فقد الدليل، والباقي لا يعتمد عليه في الأحكام الشرعيّة.

وأمّا الأخير: فإنْ كان مدرك وجوب القسمة آية المعاشرة، تمّ ما أُفيد، وأمّا إنْ كان المدرك هو النصوص، فهي تدلّ على استحقاق كلّ زوجةٍ ليلةً من أربع ليال، ولازم ذلك عدم جواز القِسمة بالنحو المذكور.

وما في «الجواهر»: من أنّ النصوص مُساقة لبيان مقدار الاستحقاق الذي هو أربع من لياليه، على وجهٍ لو أراد التفضيل بما زاد عنده من الأربع كان له، لا أنّ4.

ص: 257


1- المبسوط: ج 4/328.
2- منهم ابن زهرة في الغنية: ص 350، والقاضي في المهذّب: ج 2/225.
3- شرائع الإسلام: ج 2/556.
4- كشف اللّثام: ج 7/488، الحدائق الناضرة: ج 24/593-594.

المراد منها بيان الاستحقاق المنافي لذلك(1).

يدفعه: أنّه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من أخذ كلّ عنوانٍ في الحكم دخله فيه بنفسه، لا بما هو فردٌ لعنوانٍ جامع بينه وبين غيره.

وبذلك ظهر مدرك الثاني، ويشهد به مضافاً إلى ذلك خبر سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ كانت له امرأة، فتزوّج عليها، هل يحلّ له أن يفضّل واحدة على الاُخرى؟

قال عليه السلام: يفضّل المُحْدَثة حدثان عرسها ثلاثة أيّام إنْ كانت بِكْراً، ثمّ يسوّى بينهما بطيبة نفس إحداهما الاُخرى »(1).

بناءً على أنّ المراد به التسوية التي يتراضيان بها.

وعليه، فلو جعل لكلّ واحدةٍ منهنّ ثلاث ليال أو أزيد، ولم تطب نفس إحداهما إلّابليلةٍ ليلة لم يفعل تلك.

والإيراد عليه: بأنّه غيرُ ظاهرٍ في ذلك، وكونه من المأوّل، فيمكن إرادة الاستحباب برضاهما فيما فضل عنده من اللّيالي، وغير ذلك كما في «الجواهر»(3).

غير وارد: فإنّ المسؤول عنه هو أن يبيت عند إحدى المرأتين أزيد من ليلة، فجوابه عليه السلام بأنّه لا مانع من ذلك بشرط التساوي ورضاهما بذلك، وهذا هو المتنازع فيه، فالخبر ظاهرٌ في القول الثاني.

ثمّ إنّه على تقدير القول بجواز القسم كذلك، وقع الخلاف بينهم في أنّه هل يكون لذلك حَدٌّ وماذا حَدّه ؟4.

ص: 258


1- التهذيب: ج 7/419 باب القسمة للأزواج ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/340 ح 27244.

فعن الشيخ في «المبسوط»(1) وجماعة(2): أنّ حَدّه ثلاث ليال، واعتبر في الزائد رضاهنّ .

وعن الإسكافي(3): جواز جعلها سبعاً.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الثلاث أقصى المأثور، إذا كانت ثيّباً، ولو في التي تزوّجها جديداً.

وللثاني: بأنّ الأقصى هي السبع، وبأنّ الزائد على السبع يُعدُّ هجراً وعِشرةً بغير المعروف.

كيفيّة البدأة في القسمة

المورد الرابع: بناءً على القول بوجوب القسمة اختلفت كلماتهم في كيفيّة البدأة:

فالمنسوبُ إلى المشهور(4): أنّه يبدأ بمن شاء منهنّ ، حتّى يأتي عليهنّ ، ثمّ يجبُ التسوية على الترتيب.

وقيل: يجبُ الرجوع إلى القرعة(5).

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّ البدأة من واحدةٍ معيّنة دون الاُخرى ترجيحٌ بلا مرجّح.

2 - وبأنّه من باب تزاحم الحقوق، والمرجع فيه هو القرعة.

ص: 259


1- المبسوط: ج 4/328.
2- منهم القاضي في المهذّب: ج 2/225.
3- نقله عنه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/316.
4- مسالك الأفهام: ج 8/318 قوله: (وهو الذي اختاره المصنّف والأكثر)، الحدائق الناضرة: ج 24/594 قوله: (المشهور الأوّل وهو اختيار المحقّق في الشرائع والشارح في المسالك).
5- إيضاح الفوائد: ج 3/251.

3 - وبأنّ تقديم واحدة بغير القرعة، يقتضي الميل إليها، وقد نهى عنه النبيّ صلى الله عليه و آله، حيث قال - على ما رواه الصدوق -:

«ومن كانت له إمرأتان، فلم يَعْدِل بينهما في القِسم من نفسه وماله، جاء يوم القيامة مغلولاً مائلاً شِقّه حتّى يدخل النار»(1).

4 - وبفحوى قرعة النبيّ صلى الله عليه و آله بين نسائه إذا أراد سفراً، فيصحب من أخرجتها القُرعة(2).

5 - وبأنّه مقتضى العدل في القِسمة، قال الشيخ في محكيّ «المبسوط»: (إنّه مخاطبٌ بقسمة العدل بينهنّ إنْ أراد القسمة، ولا تتحقّق إلّابمعاملتها قِسمة الحقّ بين مستحقّيه، ولا ريب في ترجيح الأوّل من المستحقّين لمثل هذا الحقّ الذي لايمكن استيفاءه إلّابالترتيب إلى مرجّحٍ ، وليس إلّاالقرعة)(3) انتهى .

ولكن يرد على الأوّل: أنّ مقتضى إطلاق الأمر بالقسمة كون الزّوج مخيّراً في البدأة بأيّتهنّ شاء، فالبدئة بكلّ واحدةٍ منهنّ إنّما هي للتخيير الشرعي، فلا تكون من الترجيح بلا مرجّح.

وبه يظهر ما في الثاني: فإنّه يكون من قبيل تزاحم الحقوق لو كان البدأة بكلّ واحدةٍ منهنّ واجبة عيناً، ومع التخيير لا تزاحم بين الحقوق.).

ص: 260


1- ثواب الأعمال: ص 283، وسائل الشيعة: ج 21/342 باب 4 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27248.
2- الاختصاص للمفيد ص 116-118، المستدرك ج 17 باب 11 من أبواب الحكم كتاب القضاء ص 377 حديث (21629).
3- المبسوط: ج 4/326 وعبارته: (فإمّا إنْ أراد أن يبتدئ بواحدة منهنّ فيجب عليه القسم لأنّه ليس واحدة منهم أولى بالتقديم من الاُخرى ، فعليه أن يقسّم بينهنّ بالقرعة، فمن خرجت له القرعة قدّمها، هذا هو الأحوط).

ويرد الثالث: أنّ الميل المحرّم هو الميل الكلّي عن إحداهما إلى الاُخرى ، المستلزم للعول والجور عليها بالإخلال بنفقتها وقسمها، لا مطلق الميل ولو لم يكن مستلزماً لذلك، كيف وقد دلّت النصوص على جواز تفضيل إحدى الإمرأتين على الاُخرى بالمبيت عندها أزيد من المبيت عند الاُخرى ، وقد دلَّ الكتاب أيضاً على أنّ المنهيّ عنه، هو الميل الكلّي:

قال اللّه تعالى : (وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ ) (1).

وما ورد في تفسير الآية من أنّ المراد بالعدل فيها المودّة القلبيّة(2)، لا ينافي ما ذكرناه من أنّ المنهيّ عنه هو الميل الكلّي في ترتيب الأثر خارجاً، كيف والمودّة القلبيّة من الاُمور غير الاختياريّة، لا يصحّ النهي عنها، فالمنهيّ عنه هو ترتيب الأثر خارجاً.

ويرد الرابع: - مضافاً إلى أنّ فعله صلى الله عليه و آله أعمٌّ من الوجوب - أنّ مورده المضاجعة في السفر التي لا تكون واجبة قطعاً، ولا ربط له بالمقام.

ويرد الأخير: أنّ حقّ كلّ واحدةٍ منهنّ لو كان هو البدأة بها خاصّة، كان ما أُفيد تامّاً، وإذا كان حقّها المبيت عندها في كلّ أربع ليلةٍ مخيّراً بين الأوّل والوسط والأخير، فمقتضى إطلاق الأدلّة هو البدأة بأيّتهنّ شاء.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما هو المشهور أظهر، فله البدأة بأيّتهنّ شاء.4.

ص: 261


1- سورة النساء: الآية 129.
2- الكافي: ج 5/362 باب (فيما أحلّه اللّه عزّ وجلّ من النساء) ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/345 باب 7 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27254.

ولو وهبته إحداهنَّ ،

حكم المعاوضة على هبة الزّوجة حقّها

المورد الخامس: (ولو وهبته إحداهنّ ) حقّها من القِسم، لا يجبُ على الزّوج القبول، لأنّ الاستمتاع بها حقٌّ له في الجملة، فهو حقٌّ مشتركٌ بينهما، ولو رضي الزّوج جاز، وقد دلّت النصوص على ذلك، لاحظ:

1 - صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) (1)؟

فقال: هي المرأة تكون عند الرّجل فيكرهها، فيقول لها إنّي أُريد أن اُطلّقك، فتقول له: لا تفعل، إنّي أكره أن تُشمت بي، ولكن اُنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئتَ ، وما كان سوى ذلك مِنْ شيء فهو لكَ ، ودعني على حالتي، فهو قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) (2) وهذا هو الصلح»(1).

2 - وخبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «في الآية الكريمة: (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ ...) الخ ؟

قال عليه السلام: هذا يكون عنده المرأة لا تُعجبه، فيريد طلاقها، فتقول له: أمسكني ولا تُطلّقني، وأدَعُ لكَ ما على ظهرك، وأعطيكَ من مالي، واُحلّلك من يومي وليلتي، فقد طاب ذلك كلّه»(2).

ص: 262


1- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/349 باب 11 من أبواب القسم والنشوزوالشقاق، حديث 27265.
2- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27267.

وَضَع ليلتها حيثُ شاء.

ونحوهما خبر عليّ بن أبي حمزة(1)، ورواية البزنطي(2).

فمع السقوط (وَضَع) الزّوجُ (ليلتها حيثُ شاء) كما هو واضح.

وهل يصحّ المعاوضة عليها، بأنّ تلتمس عِوضاً من حقّها أم لا؟ نُسب إلى الشيخ في «المبسوط»(3)، والمصنّف(4) في بعض كتبه اختيار الثاني، ولكن الأوّل أظهر، لأنّ لإسقاط حقّها ماليّة عرفاً، فيعوّض بالمال.

ويشهد به: مضافاً إلى ذلك:

1 - خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ : «مَن تزوّج امرأةً فلها ما للمرأة من النفقة والقِسمة، ولكنّه ان تزوّج امرأةً فخافت منه نشوزاً، وخافت أن يتزوّج عليها أو يطلّقها، فصالحت مِن حقّها على شيء من نفقتها أو قسمتها، فإنّ ذلك جائزٌ لا بأس به»(5).

2 - وخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ له إمرأتان، قالت إحداهما:2.

ص: 263


1- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27266.
2- الفقيه: ج 3/520 باب النشوز، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27270.
3- المبسوط: ج 4/325.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/32 قوله: (ولا يلزم العوض لو اصطلحا عليه)، تحرير الأحكام: ج 3/569 قوله: (الخامس: لو دفع إليها عِوضاً عن ليلتها فقبلت، قال الشيخ لم يصحّ ...).
5- الكافي: ج 5/403 باب الشرط في النكاح ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/343 باب 6 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27252.

ليلتي ويومي لكَ يوماً أو شهراً أو ما كان، أيجوز ذلك ؟

قال: إذا طابت نفسها، واشترى ذلك منها، فلا بأس»(1).

ومعلومٌ أنّ إطلاق كلمة (اشترى) هنا مجازٌ، فهو كناية عن المعاوضة عليه، ومعه لا يُصغى إلى ما استدلّ للثاني بأنّه حقّ لا يتقوّم منفرداً، أي غير مالي، لعدم كونه في مقابلة عين أو منفعةٍ ، وإنّما هو مأوى ومسكن، فلا تصح المعاوضة عليه.

ثمّ إنّ الموجود في النصوص هو إسقاط الحقّ مجّاناً أو بعوض، إلّافي خبر عليّ ابن جعفر عليه السلام الظاهر في إعطائها الحقّ إيّاه، والموجود في كلمات الأصحاب هو هبة ليلتها للزّوج، فهل يصحّ نقل حقّها إليه أم لا يصحّ إلّاالإسقاط؟

قد يقال بالثاني، نظراً إلى أنّ الحقّ لما كان نحواً من السلطنة على من عليه الحقّ ، فلا يعقل نقله إليه، لأنّ الإنسان لا يمكن أنْ يتسلّط على نفسه بالنحو الذي كان لطرفه.

وبالجملة: لا يعقل قيام طرفي السلطنة بشخصٍ واحد، وعلّل بعضهم ذلك بأنّ المسلّط والمسلّط عليه متضائفان، والتضائف من أقسام التقابل، فكيف يعقل اجتماعهما في واحد؟!

وفيه أوّلاً: أنّ المسلّط عليه إنّما بمعنيين:

أحدهما: طرف السلطنة.

والثاني: من بضرره السلطنة.

مثلاً في حقّ الشفعة يملك الشريك ما اشتراه المشتري ببذل الثمن، فهو مسلّطٌ7.

ص: 264


1- التهذيب: ج 7/474 باب الزيادات في فقه النكاح ح 110، وسائل الشيعة: ج 21/344 باب 6 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27257.

عليه بالمعنى الأوّل، ومن عليه الحقّ هو المسلّط عليه بالمعنى الثاني.

وعليه، فنقل الحقّ إلى من عليه الحقّ ، لا يلزم منه اتّحاد المسلّط والمسلّط عليه، بمعنى قيام طرفي السلطنة بشخصٍ واحد.

وثانياً: أنّ السلطنة من قبيل الحُبّ يمكن اجتماع طرفيها في شخص واحد، فكما أنّ الإنسان يحبّ نفسه، فكذلك يكون مسلّطاً على نفسه، كيف وقد اشتهر ورود:

(أنّ الناس مسلّطون على أنفسهم)(1)، فلا إشكال في أنّ هبة هذا الحقّ لا محذور فيها من هذه الجهة.

نعم، يبقى محذور اللّغويّة، فإنّ كون هذا الحقّ مشتركاً بينهما، وثابتاً للزوج، فانتقاله إليه واعتباره له ثانياً لا أثر له، فتأمّل.

أقول: وعلى ما ذُكر من منع انتقاله إليه، وأنّه يقبل الإسقاط خاصّة، ربما يوجّه القول بعدم جواز أخذها العوض بإزائه، باعتبار أنّ نفس الإسقاط بما أنّه فعلٌ من الأفعال، وأثره وهو السقوط، بما أنّه اسم المصدر ليس من الأفعال التي تقبل للمملوكيّة نظير الخياطة، فإنّ هذا المعنى معنى حرفي غير قابل لأن يتموّل إلّا باعتبار نفس الحقّ ، وقد عرفت ما فيه.

ولكن يرده: - مضافاً إلى كونه اجتهاداً في مقابل النصّ - أنّ نفس الإسقاط وإنْ كان لا يتموّل، والحقّ فرضنا عدم قابليّته للنقل إليه، إلّاأنّه لا مانع من صيرورة الحقّ سبباً وواسطةً في قابليّة إسقاطه للملكيّة، ولأن يُبذل بإزائه المال.م.

ص: 265


1- لم يرد بهذا النصّ حديث في الكتب الروائيّة المعتبرة، والوارد على أموالهم، ولكن العديد من الفقهاء أورد هذه العبارة في مقام الاستدلال كالشيخ الأنصاري في المكاسب: ج 6/216 (ط. ج)، والكثير منهم عبَّروا عن ذلك: بقاعدة الناس مسلّطون على أنفسهم.

ونظير ذلك العلم، فإنّه بنفسه لا يُملك، لكنّه يصير سبباً لزيادة ماليّة العبد المتّصف به.

هذا كلّه في الهبة للزوج.

وأمّا الضرّة فهل يصحّ هبتها أم لا؟

المشهور بينهم ذلك، واستدلّ له:

1 - بتسلّطها على حقّها كالمال، إلّاأنّه لما كان مشتركاً بينها وبين الزّوج اعتبر رضاه.

2 - وبالنبوي المرسل المذكور في «المسالك»: «إنّ سودة بنت زَمعة لمّا كبرت وهبت نوبتها لعائشة، فكان النبيّ صلى الله عليه و آله يقسم لها يوم سودة ويومها»(1).

ولكن يرد الأوّل: أنّه يتمّ لو ثبت أمران:

أحدهما: أنّه من الحقوق لا من الأحكام الشرعيّة.

والثاني: كونه حقّاً قابلاً للانتقال، بأنْ لا يكون وجود الشخص مقوّماً له، وإلّا فمثل حقّ النظارة والتولية غير قابل للانتقال.

والأمر الأوّل وإنْ ثبت بما ذكرناه، إلّاأنّ إثبات الأمر الثاني مشكلٌ . اللّهُمَّ إلّا أنْ يستدلّ له بخبر عليّبن جعفر عليه السلام المتقدّم، المتضمّن لانتقاله إلى الزّوج بعوض، والمسألة تحتاج إلى تأمّل زائد.

وأمّا الثاني: فقد ردّ عليه صاحب «الحدائق» بقوله:

(إنّ هذه الرواية من روايات العامّة، فإنّي لم أقف بعد التتبّع عليها في شيء من كتب أخبارنا)(2).2.

ص: 266


1- مسالك الأفهام: ج 8/339، صحيح مسلم: ج 4/174.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/612.

ولو وهبت الضرَّة، باتَ عندها.

أقول: ولكن الظاهر أنّ المسألة إجماعيّة، (و) عليه ف (لو وهبت الضرَّة باتَ عندها) ولكن يتوقّف ذلك على قبولها، ولو لم تقبل لا ينتقل الحقّ إليها.

والتعبيرُ بالهبة إنّما هو من الفقهاء، فلا وجه لإجراء جميع احكام الهبة عليه، لعدم ثبوت كون ذلك هبة مصطلحة، وإطلاق لفظ الهبة في المرسل كالعبارات من باب التوسّع، وإلّا فالمراد نقل الحقّ إلى الضرّة.

وفي جواز الرجوع فيها إنْ وهبت الضرّة أو الزّوج إشكال.

ودعوى: أنّ ذلك من قبيل الإذن، فإذا رجعت عن الإذن كان الحقّ لها كما في «الجواهر»(1).

غير ظاهرة، بل المستفاد من الأدلّة أنّه حقٌّ كسائر الحقوق يسقط بالإسقاط، وينتقل إلى الضرّة، وعوده يحتاج إلى دليلٍ مفقود، ومقتضى أصالة اللّزوم هو عدم جواز الرجوع.

نعم، لها التبعيض بأنْ تهب اسبوعاً أو شهراً أو ما شابه ذلك، فبعد مضيّه يعود حقّها.

وإنْ ثبتَ كونه هبة، تصحّ دعوى جواز الرجوع، لأنّه هبةٌ غير ذي رحم تكون جائزة.

لكن تقدّم عدم ثبوت ذلك.6.

ص: 267


1- جواهر الكلام: ج 31/186.

والواجبُ المضاجعة ليلاً لا المواقعة.

وإنْ وهبت للضرّات جمعاء، وجبَ قسمتهنّ على أنْ يكون عند واحدةٍ منهنّ في كلّ دورٍ، أو يبيتُ عند كلّ واحدةٍ منهنّ بعض اللّيلة.

الواجب في القِسم المبيتُ عندها ليلاً

المورد السادس: (والواجبُ ) في القِسمة (المضاجعة ليلاً، لا المواقعة)، بلا خلافٍ (1) في الأوّل، وعلى الاشهر في الثاني.

أمّا كون الواجب هو المضاجعة بمعنى المبيت عندها، وكونه عندها بما لهذا المفهوم من السِّعة، فيشهد به:

1 - النصوص المتقدّمة.

2 - وخصوص صحيح ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ له أربع نسوة، فهو يبيتُ عند ثلاث منهنّ في لياليهنّ فيمسهنّ ، فإذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسّها، فهل عليه في هذا إثمٌ؟

قال عليه السلام: إنّما عليه أن يبيت عندها في ليلتها، ويظلّ عندها في صبيحتها، وليس عليه أن يُجامعها إذا لم يرد ذلك»(2).

ص: 268


1- الحدائق الناضرة: ج 24/595 قوله: (السادس: قد صرّح الأصحاب بأنّ الواجب في القسمة هو المضاجعة ليلاً دون المجامعة)، جواهر الكلام: ج 31/161.
2- الفقيه: ج 3/427 باب (ما أحلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح) ح 4481، وسائل الشيعة: ج 21/342 باب 5 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27249.

وأمّا عدم وجوب المواقعة، فللأصل ولخبر الكرخي، ولما دلّ على عدم وجوبها إلّافي كلّ أربعة أشهر(1).

أقول: إنّما الكلام في وجوب المضاجعة، بمعنى أن ينام قريباً منها على النحو المعتاد، معطياً لها وجهه كذلك في جملة اللّيل، فلا يكفي المبيت في بيتها في حُجرةٍ اُخرى بعيداً عنها، وإنْ لم يكن في الحجرتين غيرهما، ولا المبيت عندها مع عدم إعطائها وجهه، ولا المبيت عندها في حجرتها قريباً منها، ولكن في فراشٍ آخر بعيداً عنها.

فقد استدلّ له:

1 - بالتأسّي.

2 - وبظاهر قوله تعالى : (وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).

3 - وبقوله تعالى : (وَ جَعَلْنَا اَللَّيْلَ لِباساً) (3) وقد ورد في تفسيره عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «أنّه جعل اللّيل ليلاً لأنّه يُلايل الرِّجال من النساء، وجعله اللّه اُلفةً ولباساً».

4 - وبأنّه المتعارف من المبيت عندها، بل هو وشبهه السبب في تعيين ليلةً لها، وإضافتها إليها.

5 - وباستفادته من قوله تعالى : (وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضاجِعِ ) (4) حيث اشترط ذلك بالنشوز، وأنّه مع الطاعة ليس للزوج عليها هذا السبيل.4.

ص: 269


1- وسائل الشيعة: ج 21/140-141 باب 71 من أبواب مقدّمات النكاح، وفي أخبار في أبواب من الإيلاء: ج 22/341-356 دلالة عليه.
2- سورة النساء: الآية 19.
3- سورة النبأ: الآية 10.
4- سورة النساء: الآية 34.

أمّا التاسِّي: حيث لايُعلم أنّ فعل المعصومين عليهم السلام عليوجه اللّزوم لايقتضي ذلك.

وآية المعاشرة: لا تدلّ على لزوم كلّ ما هو معاشرة بالمعروف، بل مقتضى إطلاقها الاكتفاء بما هو معاشرة بالمعروف عرفاً، ومن الضروري أنّ المبيت عندها من ذلك.

وإرادة المضاجعة بالنحو المزبور من اللّباس.

ودلالة الآية على اللّزوم تحتاجان إلى دليل، وكون المتعارف من المبيت ذلك لا يصلحُ منشئاً لانصراف الإطلاق.

وآية الهجر في المضاجع قد تقدّم عدم دلالتها على لزوم ذلك مع عدم النشوز.

فإذاً لا دليل على لزوم أزيد من صدق المبيت عندها.

أمّا كون الواجب هو المبيت عندها باللّيل، فهو ممّا لا خلاف(1) فيه، والنصوص المتقدّمة شاهدة به.

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يجب زائداً عليه قيلولة صبيحة تلك اللّيلة عندها، كما عن الإسكافي(2)؟

أم يجبُ الكون مع صاحبة اللّيل نهاراً كما عن «المبسوط»(3)، ووافقه المصنّف في محكيّ «التحرير»(4)، لكنّه جعل النهار تابعةً للّيلة الماضية ؟

أم يجبُ أن يظلّ عندها صبيحتها؟).

ص: 270


1- نهاية المرام: ج 1/419 قوله: (المشهور بين الأصحاب اختصاص وجوب القسمة باللّيل).
2- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/234.
3- المبسوط: ج 4/327.
4- تحرير الأحكام: ج 3/571 (ط. ق) قوله: (العاشر: النهار تابعٌ للّيلة الماضية فلصاحبتها نهار تلك اللّيلة، لكن له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة...).

أم لا يجبُ من ذلك شيءٌ ، بل النهار له، ووجوب القِسمة مختصٌّ باللّيل، كما هو المشهور(1) بين الأصحاب ؟

يشهد للأخير: - مضافاً إلى الأصل، وإلى أنّ النهار جُعِل معاشاً، وخُلق لهم مبصراً ليبتغوا فيه من فضله، وليتسبّبوا إلى رزقه، وإلى السيرة المستمرّة - اختصاص نصوص القسمة باللّيل.

واستدلّ لما قبله: بخبر الكرخي المتقدّم، المتضمّن قوله عليه السلام: «ويظلّ عندها صبيحتها».

لكنّه محمولٌ على الاستحباب، لفتوى الأصحاب.

واستدلّ لما قبله: بالنصوص(2) الدالّة على أنّه للحُرّة يومان، وللأمَة يومٌ ، والنصوص(3) الدالّة على تخصيص البِكر والثيّب بالأيّام، بناءً على كون اليوم اسماً لمجموع اللّيل والنهار.

أقول: النصوص المشار إليها - مضافاً إلى معارضتها بما مرّ - يعارضها الأخبار(4) الواردة في ذينك المقامين، المصرّحة باللّيل بدل اليوم، فلابدّ:

إمّا من حمل (اليوم) على إرادة اللّيلة خاصّة، تسميةً للجزء باسم الكلّ .

أو يراد باللّيلة مجموع اليوم، المشتمل على النهار واللّيل، تسميةًللكلّ باسم الجزء.

والترجيحُ مع الأوّل.7.

ص: 271


1- الحدائق الناضرة: ج 24/596.
2- وسائل الشيعة: ج 21/346-347 باب 8 من أبواب القسم والنشوز، و: ج 20/509-510 باب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- وسائل الشيعة: ج 21/339-341 باب 2 من أبواب القسم والنشوز.
4- وسائل الشيعة: ج 21/339-341 باب 2 و 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، وص 346-347.

وللحُرّة ليلتان، وللأمَة

أضف إلى ذلك كلّه: أنّها في موردين خاصّين، والتعدّي يحتاجُ إلى دليل.

أمّا القول الأوّل: فلم يظفر الأصحاب بمدركه، وعليه فالأظهر ما هو المشهور.

أقول: ثمّ إنّ المراد من البيتوتة معها في اللّيل، ليس المُقام معها من أوّل غروب الشمس إلى طلوع الفجر، بل المراد بها ما يعتاد منها، وهو بعد قضاء الرّجل من الصلاة في المسجد، ومجالسة الضيف وقضاء حوائجه الاجتماعيّة، ونحو ذلك، حملاً للإطلاق على المتعارف، وللسيرة القطعيّة المستمرّة، بل الظاهر جواز دخوله في تلك اللّيلة على الضرَّة أو غيرها.

ولكن في «الرياض»: (ليس له ذلك إلّالضرورةٍ فيما قطع به الأصحاب، لمنافاته المعاشرة المزبورة)(1).

وفيه: أنّه كما لا تكون مجالسة الضيف وما شاكل منافية لها، كذلك لا يكون الدخول على الضرَّة كذلك.

كيفيّة معاملة الزوج مع المسلمة والكتابيّة

المورد السابع: لا إشكال (و) لا خلاف(2) يعتدّ به بين الأصحاب، في أنّه إذا كانت الأمَة مع الحُرّة، أو الحرائر حيث يجوز الجمع بينهما في التزويج، كان (للحُرّة ليلتان، وللأمة) ليلة، والنصوص(3) شاهدة به.

ص: 272


1- رياض المسائل: ج 10/467 (ط. ق).
2- الخلاف: ج 4/411-412 مسألة 3 قوله: (إذا كانت عنده حُرّة وأمَة كانت للحُرّة لليلتان، وللأمَة ليلة... دليلناإجماع الفرقة وأخبارهم).
3- وسائل الشيعة: ج 21/346-347 باب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق.

والكتابيّة ليلة.

وأيضاً: لا خلاف(1) بينهم في أنّه إذا كان عنده مسلمة وكتابيّة، كان للمسلمة ليلتان، (و) ل (الكتابيّة ليلة)، بل عن «الخلاف» دعوى قيام الإجماع عليه(2).

ويشهد به: خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: هل للرجل أن يتزوّج النصرانيّة على المسلمة، والأمَة على الحُرّة ؟

فقال عليه السلام: لا تزوّج واحدة منهما على المسلمة، وتزوّج المسلمة على الأمة والنصرانيّة، وللمسلمة الثُّلثان، وللأمة والنصرانيّة الثُّلث»(3).

المنجبر ضعفه لو كان بالشهرة، مع أنّه حسنٌ ، بل عَدّ في «الجواهر»(4)و «المسالك»(5) مثله من الصحيح، لأنّه ليس في طريقه من يتوقّف فيه سوى عبداللّه بن محمّد بن عيسى الأشعري، وقد عدّ الشهيد الثاني رحمه الله وصاحب «الجواهر» الخبر الذي هو في طريقه صحيحاً، فتوقف الشهيد الثاني(6) في الحكم في غير محلّه.

وعليه، فهل الدور من الثمانية خمسٌ للزوج، وليلتان للمسلمة، وليلة للكتابيّة ؟).

ص: 273


1- رياض المسائل: ج 10/469 (ط. ق) قوله: (فللحُرّة المسلمة ليلتان ولها ليلة بلا خلافٍ يُعبأ به بين الطائفة).
2- الخلاف: ج 4/411 مسألة 2.
3- الكافي: ج 5/359 باب الحُرّ يتزوّج الأمة ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/544 باب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، حديث 263302.
4- جواهر الكلام: ج 31/167.
5- مسالك الأفهام: ج 8/66-67 قوله: (وأمّا الثاني فلأنّ في سند الحديث بنان بن محمّد - أي عبد اللّه بن محمّد بن عيسى - وحاله مجهول ولم ينصّ الأصحاب فيه بمدح ولا جرح... فوصف الرواية حينئذٍ بالحسن غير واضح).
6- مسالك الأفهام: ج 8/323 قوله: (مساواة الحُرّة الكتابيّة للأمَة في القسمة لا نصّ عليه ظاهراً، لكنّه مشهور بين الأصحاب...).

أم من الأربع ليلتان و نصف للزوج، وليلة للمسلمة و نصفُليلةٍ للكتابيّة ؟ وجهان:

ذهب الشهيد الثاني رحمه الله إلى الثاني(1).

وفي الأمَة: المشهور(1) بين الأصحاب هو الأوّل.

واستدلّ الشهيد رحمه الله لما اختاره: بأنّ الأصل في الدور الأربع، وتنصيف اللّيلة في القسمة يجوزُ لعوارضَ كما سيأتي(3).

وعليه، فالتنصيف وإنْ لم يجز ابتداءً ، إلّاأنّه لا مانع من كونه كذلك هنا، فالجمع بين نصوص الدور، والنصوص المتضمّنة لأنّ لإحداهما مثلي ما للاُخرى (2)يقتضي الالتزام بذلك.

وفيه: أنّ النصوص الواردة في الأمَة، المستفاد منها حكم الكتابيّة، تدلّ على عدم التنصيف، لاحظ ما تضمّن أنّ للحُرّة ليلتين، وللأمَة ليلة فإنّه ظاهرٌ في عدم التنصيف، كما أنّ الأصحاب استفادوا من نصوص القسم عدم جواز أقلّ من اللّيلة.

وبها يبيّن إجمال بقيّة النصوص المتضمّنة للثّلث والثّلثين.

والجمع بينها وبين نصوص الدور، يقتضي البناء على أنّ الدور هنا من الثمان.

ويؤيّده: ما عن «الخلاف» وغيره من الإجماع عليه.

وأيضاً: أنّ في تنصيف اللّيل رفعاً للاستيناس، وتنقيصاً للعيش، مضافاً إلى تعسّر ضبط النصف غالباً، فلا يصحّ جعله مناطاً للحكم الشرعي.

أقول: وعلى القول بكون الدور من الثمان:6.

ص: 274


1- نقل الشهرة الشهيد الثاني مسالك الأفهام: ج 8/322.
2- التهذيب: ج 7/421 باب القسمة بالأزواج ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/346 باب 8 من أبواب القسم والنشوزوالشقاق، حديث 27256.

وتختصُّ البِكْر عند الدخول بسبعٍ ، والثيّب بثلاث.

هل يجبُ تفريق ليلتي المسلمة بأنْ تكون واحدة في الأربعة الأُولى، والثانية في الأربع الثانية، إنْ لم ترض بغيره كما عن البعض(1)؟

أم يجوز الجمع، كما في «الحدائق»(2)، و «الرياض»(3)، و «الجواهر»(4)؟ وجهان:

من أنّ لها حقّاً في كلّ أربع واحدة.

ومن أنّ إطلاق نصوص الباب يقتضي جواز الجمع.

ولعلّ الثاني أقوى، لأنّ النصوص المُثبتة لحقّها في كلّ أربع ليلة مختصّة بغير ما إذا اجتمعت مع الأمة أو الكتابيّة.

وفي صورة الاجتماع المرجع خصوص نصوص الباب، وهي مطلقة.

وعليه، فالأظهر جواز الجمع، والأولى إذا أراد الجمع أن يجعل ليلتيه ليلةً أخيرة من الأربع الأُولى، والأُولى من الثانية إنْ لم ترض به.

اختصاص البِكْر عند الدخول بسبعٍ ، والثيّب بثلاث

المورد الثامن: (و) المشهور(5) بين الأصحاب أنّه (تختصّ البِكْر عند الدخول بسبع، والثيّب بثلاث)، وبه صرّح المحقّق في «الشرائع»(6)، ولكنّه قال في «النافع»:

ص: 275


1- كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة: ج 5/414.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/600 و 602.
3- رياض المسائل: ج 10/468 (ط. ق).
4- جواهر الكلام: ج 31/166.
5- الحدائق الناضرة: ج 24/600 و 602.
6- شرائع الإسلام: ج 2/557.

(وتختصّ البِكر عند الدخول بثلاثٍ (1) إلى سبع، والثيّب بثلاث)، وتبعه على ذلك الشيخ قدس سره في كتابي الأخبار، حيث قال:

(إنّ اختصاص البِكْر بالسَّبع على وجه الاستحباب، وأمّا الواجب لها فثلاث)(2).

أقول: والكلام يقع أوّلاً في البِكْر، ثمّ في الثيّب.

أمّا البكر: ففيها طوائف من النصوص:

منها: ما يدلّ بالإطلاق على تفضيل البِكْر بثلاث، كخبر البصري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يكون عنده المرأة، فيتزوّج الاُخرى ، كم يجعل للّتي يَدخل بها؟

قال عليه السلام: ثلاثة أيّام ثمّ يقسّم»(3).

ومنها: ما يدلّ على تفضيل البِكْر خاصّة بثلاث ليال:

1 - موثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ كانت له امرأة، فتزوّج عليها، هل يحلّ له أن يفضّل واحدة على الاُخرى؟

قال عليه السلام: يفضّل المُحْدَثة حَدَثان عِرسها ثلاثة أيّام إنْ كانت بِكراً»(4).

2 - وخبر الحسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:4.

ص: 276


1- المختصر النافع: ص 191.
2- التهذيب: ج 7/420 باب القسمة للأزواج ذيل حديث 4، والاستبصار: ج 3/241 باب القسمة بين الأزواج ذيل حديث 2.
3- الكافي: ج 5/565 باب نوادر ح 40، وسائل الشيعة: ج 21/339 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27240.
4- التهذيب: ج 7/419 باب القسمة للأزواج ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/340 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27244.

«قلتُ له: الرّجل تكون عنده المرأة، فيتزوّج جارية بِكْراً؟

قال عليه السلام: فليفضّلها حين يدخل بها ثلاث ليال»(1).

ومنها: ما يدلّ على تفضيل البِكْر بسبع:

1 - صحيح ابن أبي عمير، عن غير واحدٍ، عن محمّد بن مسلم، قال:

«قلت له: الرّجل يكون عنده المرأة، يتزوّج اُخرى ألَهُ أن يفضّلها؟

قال عليه السلام: نعم إنْ كانت بِكْراً فسبعة أيّام، وإنْ كانت ثيّباً فثلاثة أيّام»(2).

2 - وخبره الآخر، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: رجل تزوّج امرأةً وعنده امرأة ؟

فقال عليه السلام: إنْ كانت بِكْراً فليبت عندها سبعاً، وإنْ كانت ثيّباً فثلاثاً»(3).

ونحوهما صحيح هشام(4).

أقول: يدور البحث هنا في مقامين:

تارةً : في أنّ المستفاد من النصوص هل هو الحكم الندبي، كما في «الحدائق»(5)، و «الرياض»(5)، بل قال في «الحدائق»: (لم أقف على مصرّح بالوجوب)(7)، مع أنّه).

ص: 277


1- التهذيب: ج 7/419 باب القسمة للأزواج ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/340 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27243.
2- الفقيه: ج 3/427 باب ما أحَلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4480، وسائل الشيعة: ج 21/339 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27237.
3- التهذيب: ج 7/420 باب القسمة للأزواج ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/340 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27241.
4- الكافي: ج 5/565 باب نوادر ح 39، وسائل الشيعة: ج 21/339 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27239. (5و7) الحدائق الناضرة: ج 24/505 و 604.
5- رياض المسائل: ج 10/470 (ط. ق).

قبل أسطر نقل عن الشيخ في «النهاية»(1)، وكتابي الأخبار(2) القول بوجوب الثلاث، وحَمَل عليه عبارة «النافع»(3)؟

أم يكون الحكم على وجه الوجوب، كما في «الجواهر»(4)، وظاهر «الخلاف»(5)دعوى الإجماع عليه.

واُخرى : في الجمع بينها.

أمّا الأوّل: فمن جملةٍ من نصوص الباب وإنْ كان لا يُستفاد سوى الرجحان، إلّا أنّ جملةً اُخرى منها ظاهرة في الوجوب، لاحظ صحيح هشام، وخبر محمّد، وخبر الحسن وغيرها.

وما في بقيّة الأخبار من أنّ له أن يفضّلها، لا يكون صريحاً، بل ولا ظاهراً في الندب، كي يكون قرينهً على صرف هذه النصوص عن ظاهرها.

وما في «الرياض»: من أنّه (لورود الأمر في مقام الجواب عن السؤال عن جواز التفضيل، لا دلالة له على الوجوب، لوروده في مقام توهّم الحَظر)(6).

يردّه: أنّ بعض النصوص وإنْ تضمّن السؤال عن أنّه جواز تفضيلها وعدمه، إلّا أنّه غير مذكور في بعضها الآخر، لاحظ خبر الحسن، وصحيح هشام، وخبر محمّد، فهي ظاهرة في الوجوب، وبقيّة النصوص غير ظاهرة في خلافها، فلا وجه لرفع اليد عنه.).

ص: 278


1- النهاية: ص 483.
2- التهذيب: ج 7 باب القسمة للأزواج ذيل ح 4، الاستبصار: ج 3/241 باب القسمة بين الازواج ذيل ح 2.
3- المختصر النافع: ص 191.
4- جواهر الكلام: ج 31/172.
5- الخلاف: ج 4/413-414 مسألة 6.
6- رياض المسائل: ج 10/470 (ط. ق).

وعليه، فالأظهر كون الحكم لزوميّاً.

وأمّا الثاني: فقد يقال إنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على وجوب الثلاث، وأفضليّة السَّبع، حَمْلاً للمطلق منها على المقيّد، والناصّ على الظاهر، كما لا يخفى .

ولكن الظاهر تعارض نصوص السبع في البِكْر مع الثلاث، وليس الجمع المذكور عرفيّاً، فإنْ شئتَ أن تعرف ذلك، فاجمع قوله عليه السلام في خبر الحسن:

«فليفضّلها حين يدخل بها ثلاث ليال»، مع قوله عليه السلام في صحيح هشام: «يُقيم عندها سَبعة أيّام»، أو مع قوله عليه السلام في خبر محمّد: «إذا كانت بِكْراً فليبت عندها سبعاً، وإنْ كانت ثيّباً فثلاث» في كلامٍ واحد، ولا ريب في أنّ أهل العرف يرونهما متهافتين، فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّحات، والترجيح مع نصوص السبع، وبها يقيّد إطلاق الطائفة الأُولى ، وتختصّ هي بالثيب.

وبالجملة: الأظهر أنّ الواجب تفضيل البِكْر بالسَّبع.

وأمّا الثيّب: فلا خلاف(1) يعتدّ به في أنّها تفضّل بالثلاث، والنصوص المتقدّمة متّفقة على ذلك.

وما عن «العلل» في حديثٍ : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تزوّج زينب بنت جَحْش، فأولَم وأطعم الناس - إلى أنْ قال: - ولبث سبعة أيّام بلياليهنّ عند زينب، ثمّ تحوّل إلى بيت اُمّ سلمة، وكان ليلتها وصبيحة يومها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).8.

ص: 279


1- جواهر الكلام: ج 31/171.
2- علل الشرائع: ج 1/65، وسائل الشيعة: ج 21/339 باب 2 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27238.

فإنّه لضعفه في نفسه، لضعف عِدّة من رجال سنده(1)، وعدم عمل الأصحاب به، ومعارضته مع ما تقدّم، لا يُعتمد عليه، ويُحمل على الاختصاص به صلى الله عليه و آله، لعدم وجوب القسم عليه.

وبه يظهر ما في النبويّ : «قال صلى الله عليه و آله لاُمّ سلمة لما تزوّجها: ما بكِ على أهلك من هوانٍ ، إنْ شئتِ سبَّعتُ عندكِ وسبَّعت عندهنّ ، وإنْ شئت ثلّثتُ عندكِ ودرت»(2).

ثمّ إنّ الظاهر - كما هو المشهور(3) بين الأصحاب - أنّه لا يقضي للنساء الباقيات شيءٌ من ما فضل به المُحْدَثة حَدَثان عِرسها، لأنّ الظاهر من النصوص استحقاقها لذلك، ثمّ الظاهر من النصوص هو اعتبار التوالي في الثلاث والسَّبع، لأنّه الظاهر من الأمر بشيء في زمانٍ مستمرٍّ، كما في أقلّ الحيض وأكثره، وإقامة عشرة أيّام وما شاكل، ويعضد ذلك في المقام:

1 - قوله عليه السلام في خبر عبد الرحمن: «ثلاثة أيّام ثمّ يقسم».

2 - وفي الموثّق: «ثلاثة أيّام ثمّ يسوّي بينهما».

وقد صرّح جماعة منهم المصنّف(4) رحمه الله، وصاحب «الجواهر»(5) وغيرهما:

بالفرق بين الحُرّة والأمَة المسلمة والكتابيّة، وأنّ لهما نصف ما على الحُرّة.5.

ص: 280


1- في السند عبد اللّه بن عبّاس ذكره الطوسي في رجاله ص 42 باب العين رقم 6، وكذلك الحسين بن علوان، قال عنه النجاشي ص 52 رقم 116: (مولاهم كوفي عامّي...). وترجمه الشيخ في الفهرست: ص 184 رقم 101 فقال: (مولاهم كوفي).
2- الخلاف: ج 4/414 كتاب القسم، سنن ابن ماجة: ج 1/617 ح 1917.
3- جواهر الكلام: ج 31/173 قوله: (بل لم نعرف فيه خلافاً إلّامن الإسكافي).
4- تحرير الأحكام: ج 3/575 (ط. ق) قوله: (لو زفّت إليه زوجة أمَة، فالأقرب تخصيصها بنصف ما تخصّص به الحُرّة).
5- جواهر الكلام: ج 31/175.

وصَرّح آخرون(1): بعدم الفرق، وهو الأظهر، لإطلاق النصوص والفتاوي.

وما في «الجواهر»: من أنّه (يمكن أنْ يكون الإطلاق هنا اتّكالاً على معلوميّة نقصان الأمَة عن الحُرّة، والكافرة عن المسلمة حتّى ورد أنّ الأمة على النصف من الحُرّة، والكتابيّة بمنزلة الأمة)(2).

لا يكفي في تقييد الإطلاق أو عدم انعقاده، كما لا يخفى .

وعلى ذلك، فلا مورد للبحث في كيفيّة التنصيف، وأنّه:

هل يكمل المُنكسر، فيثبت للبِكْر الأمة أو الكتابيّة، أربع ليالٍ ، وللثيّب منهما ليلتان ؟

أم يكون للبِكْر ثلاث ليال ونصف، وللثيّب ليلة ونصف، كماعن «المسالك»(3)، و «الحدائق»(4)؟

وإنْ كان الثاني أظهر، لأنّ المدَّة قابلة للتنصيف.

موارد سقوط حَقّ القِسم

المورد التاسع: يسقط حَقّ القِسم في موارد:

منها: السفر، بمعنى أنّ له السفر وحده من دون استصحاب إحداهنّ .

وليس عليه قضاء ما فاتهنّ في السفر.

ص: 281


1- منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/330، والمحقّق البحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/604.
2- جواهر الكلام: ج 31/174.
3- مسالك الأفهام: ج 8/330.
4- الحدائق الناضرة: ج 24/607.

أقول: والظاهر أنّ عليه اتّفاق الأصحاب.

وفي «الجواهر»(1): (للإجماع الفعليّ من المسلمين على المسافرة كذلك، من غير نكير، ولا نُقل قضاءً ، مع أصالة عدم وجوبه بعد قصور أدلّة القسم لمثله)، وهو حسن.

ولو أراد إخراجهنّ أو بعضهنّ له ذلك اتّفاقاً، ولا قضاء عليه للمتخلّفات، لأنّه إذا كان بالسفر حقوقهنّ ساقطة، فلا يكون للقضاء معنى ؛ سواءً كان خروج المصحوبة بالقرعة أم بدونها.

وعن بعضهم(2): (لو صحبها بدونها قضى، وإلّا كان ميلاً وظلماً وخروجاً عن التأسّي، فإنّ عدم قضاء النبيّ صلى الله عليه و آله للقرعة) انتهى .

وفيه: أنّه مع عدم حقّ لهنّ في أوقات السفر، ولذا جاز انفراده، لا وجه لوجوب القضاء، لأصالة عدم وجوبه، ولا فرق في ذلك كلّه بين الإقامة في السفر عَشرة أيّام وعدمها، للسيرة، ومعها لا يُصغى إلى ما قيل من أنّه بالإقامة يخرجُ عن اسم المسافر.

وهل هناك فرقٌ بين سفر النقلة من مكانٍ إلى مكان آخر، وبين سفر الغيبة، فيجبُ القضاء للبواقي لو صَحِب إحداهنّ كما في «القواعد»(3)، أو مع كون ذلك بدون القرعة، كما عن بعضٍ؟).

ص: 282


1- جواهر الكلام: ج 31/179.
2- الخلاف: ج 4/415 مسألة 7 قوله: (إذا سافر ببعض نسائه من غير قرعة، فعليه أن يقضي لمن بقي...)، الجامع للشرائع ص 456-457 قوله: (ولو سافر للنقلة وأراد نقلهن فاستصحب واحدة قضى للبواقي... بخلاف سفر الغيبة).
3- قواعد الأحكام: ج 3/94-95 قوله: (ولو سافر للنقلة وأراد نقلهنّ فاستصحب واحدة قضى للبواقي... بخلاف سفر الغيبة).

أم لا فرق بينهما أصلاً؟

وجهان، الأظهر هو الثاني، لأنّه بعدما سقط حقهنّ بالسفر للنقلة أيضاً، ولذا جاز انفراده بلا كلامٍ ، ولم تشمل أدلّة القسم معه، لا وجه لوجوب القضاء، والأصل عدمه.

ومنها: ما إذا كانت الزّوجة صغيرة.

أقول: عدم القِسمة لها هو المشهور(1) بين الأصحاب.

وفي «الجواهر»: (فلا أجد فيه خلافاً)، وعلّل ذلك بأنّ القسمة من حقوق الزوجيّة، وهي بمنزلة النفقة التي تسقط بالصِّغر.

وفيه: الصغيرة إنْ كانت غير قابلة للاستمتاع الملتذّة به، لا ريب في عدم شمول النصوص لها، لأنّ المبيت إنّما جُعل حقّاً لها؛ لأن تلتذّ وتأنس وتألف.

وأمّا إنْ كانت قابلة لذلك، فإطلاق النصوص شاملٌ لها، وسقوط النفقة المشروطة بالدخول لو قلنا به، لا يوجب سقوط حقّها من القِسم.

والشكّ في شمول الأدلّة لمثلها، يندفعُ بالإطلاق. وعليه فإنْ كانت المسألة إجماعيّة فلا كلام، وإلّا فيشكل سقوط القِسمة لها.

ومنها: ما إذا كانت ناشزة:

وهي أيضاً ادّعي عدم الخلاف(2) في سقوط القِسمة في حقّها، وعُلّل ذلك أيضاً بالعلّة المتقدّمة.).

ص: 283


1- كشف اللّثام: ج 7/510 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 31/190، وفي الحدائق الناضرة: ج 24/613 قوله: (الثاني عشر: لا قسمة للصغيرة ولاالناشزة عند الأصحاب).

ويستحبُّ

أقول: والأولى الاستدلال له بالآية الكريمة: (وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضاجِعِ ) (1).

ومنها: ما إذا كانت مجنونة:

أقول: والحقّ أنّها إنْ كانت بحيث لا يكون لها شعورٌ بالاُنس به، فالظاهر سقوط حقّها لما مرّ، وإلّا فلا وجه له، إلّاإذا كانت المسألة اتّفاقيّة.

ومنها: ما إذا كانت المرأة مسافرة:

ونخبة القول فيها: أنّها إنْ سافرت بغير إذنه في غير واجبٍ أو ضروري، فهي ناشزة، وقد تقدّم أنّه لا حقّ لها، وإنْ كان ذلك بإذنه أو في سفرٍ لا يعتبر إذنه، فعدم استيفاء الحقّ مستندٌ إليها، فلا يكون الزّوج آثماً في ذلك، وثبوت القضاء حينئذٍ يحتاجُ إلى دليلٍ ، والأصل عدمه.

وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

استحباب القرعة والتسوية

المورد العاشر: (و) قد صرّح غير واحدٍ من الأصحاب(2) بأنّه (يستحبّ ) في المقام اُمور:

منها: أنّه إذا كان للرجل نساءٌ وأراد أن يصحب بعضهنّ في السفر، أقرع بين نسائه، فأيّتهنّ خَرَج اسمها خَرجَ بها، للتأسّي برسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإنّه كان يفعلُ كذلك(3).

ص: 284


1- سورة النساء: الآية 34.
2- كما في شرائع الإسلام: ج 2/559، وقواعد الأحكام: ج 3/95، وكشف اللّثام: ج 7/515-516 (ط. ق).
3- المستدرك: ج 377/17 باب 11 من أبواب كيفيّة الحكم حديث 13، كتاب القضاء حديث 21629، الاختصاص للمفيد: ص 116-118، سنن أبي داود: ج 2/474 باب في القسم بين النساء، ح 213.

التسوية في الإنفاق.

وهل يجوز العدول عمّن خَرجَ اسمها إلى غيرها، أو تركها مع المتخلّفات، أم لا يجوز ذلك ؟

أم يجوز تركها مع المتخلّفات، ولا يجوزُ العدول إلى غيرها، كما عن «المبسوط»(1)، و «الوسيلة»(2)؟ وجوهٌ :

وجه الأوّل: أنّ القرعة ليست من الملزمات، والأصل جواز كلا الأمرين.

وجه الثاني: أنّه لو جاز ذلك لإنتفت فائدة القرعة.

وجه الثالث: أنّ القرعة لا توجبُ الصُّحبة، وإنّما تعيّن من يستحقّ التقديم على تقدير إرادتها.

أقول: والأوّلُ أظهر بعد فرض عدم وجوب القرعة، وجواز أن يصحب أيّتهنّ شاء بدونها، ولا يخفى وجهه على هذا.

ومنها: (التسوية) بين الزوجات (في الإنفاق)، وإطلاق الوجه، والجماع، وغير تلكم، لأنّه من العدل والإنصاف الذين رَغَّب فيهما الشارع كما مرّ، وقد: «رُوي أنّ عليّاً عليه السلام كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدةٍ لا يتوضّأ في بيت الاُخرى »(3).

وفي خبر معمّر بن خَلّاد النهي عن عدم التسوية، فإنّه سَئل الإمام الرضا عليه السلام عن تفضيل نسائه بعضهنّ على بعض، فقال عليه السلام: «لا»(4).7.

ص: 285


1- المبسوط: ج 4/334.
2- الوسيلة: ص 312.
3- مجمع البيان: ج 2/121، وسائل الشيعة: ج 21/343 باب 5 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27251.
4- التهذيب: ج 7/422 باب القسمة للأزواج ح 10، وسائل الشيعة: ج 21/341 باب 3 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27247.

أقول: ولكنّه محمولٌ على استحباب التسوية:

1 - لخبر الهاشمي، عن الإمام الكاظم عليه السلام: «عن الرّجل يكون له امرأتان، يريد أن يُؤثِر إحداهما بالكسوة والعطيّة أيصلح ذلك ؟

قال عليه السلام: لا بأس، واجهد في العَدل بينهما»(1).

2 - ولظاهر قوله تعالى: (وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ ) (2).

3 - وللإجماع على عدم وجوب ذلك.

ومنها: أنْ يكون صبيحة ذلك اليوم عند صاحبة اللّيل، لخبرالكرخي(3) المتقدّم في المورد السادس.

ومنها: أن لا يجمع بين ضَرّتين في منزلٍ واحد، إلّامع اختيارهنّ ، أو مع انفصال المرافق، لكون ذلك من المعاشرة بالمعروف، وسياسةٌ وجلبٌ للقلوب، ومراعاةٌ لكمال العدل.

وعن المصنّف رحمه الله في «القواعد»(4): وجوب ذلك، ولا شاهد له إلّاإذا كان ذلك إضراراً بهنّ بأن لا يوفيهنّ حقّهنّقِسمة وغيره، بل قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (5) يدلّ على عدم الوجوب.

***6.

ص: 286


1- التهذيب: ج 7/422 باب القسمة للأزواج ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/341 باب 3 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27246.
2- سورة النساء: الآية 129.
3- الفقيه: ج 3/427 باب ما أحلَّ اللّه عزّ وجلّ من النكاح ح 4481، وسائل الشيعة: ج 21/342 باب 5 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27249.
4- قواعد الأحكام: ج 3/91 الفصل الثاني: في مكانه وزمانه.
5- سورة الطلاق: الآية 6.

ويجبُ على الزّوجة التمكين.

بيان النشوز

المقام الثاني: في النشوز:

وأصله لغة(1) الارتفاع، وهو في الاصطلاح عبارة عن خروج الزّوج أو الزّوجة عن الطاعة الواجبة عليه للآخر.

ثمّ إنّه حيث قد يكون النشوز من الزّوجة، وإليه يشير قوله تعالى:

(وَ اَللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضاجِعِ وَ اِضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (2) .

وقد يكون من الزّوج، وإليه يشير قوله تعالى: (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) (3).

فالكلام يقعُ في موضعين:

الأوّل: في نشوز الزّوجة.

الثاني: في نشوز الزّوج.

أمّا الموضع الأوّل: فلا كلام في أنّ للزوج على الزّوجة حقوقاً واجبة، مرَّ بعضها، ويأتي بعضها الآخر في النفقات(4)، فينبغي التعرّض لها:

يجبُ على الزّوجة التمكين

(و) من تلكم الحقوق أنّه (يجب على الزّوجة التمكين) من الاستمتاع، مع

ص: 287


1- كتاب العين: ج 6/232 مادّة (نشز)، لسان العرب: ج 5/417 مادّة (نشز).
2- سورة النساء: الآية 34.
3- سورة النساء: الآية 128.
4- يأتي الحديث عن النقات في أواخر هذا الجزء في الفصل العاشر.

عدم المانع عقلا أو شرعاً، وهو التخلية بينها وبينه، بحيث لا يختصّ موضعاً ولا وقتاً، فلو بذلت نفسها في زمانٍ دون زمان، أو مكانٍ دون مكانٍ آخر ممّا يسوغ فيه الاستمتاع، لم يحصل التمكين، والدليل على وجوبه مضافاً إلى الإجماع(1) جملة من النصوص.

منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«جاءت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ما حقّ الزّوج على المرأة ؟

فقال صلى الله عليه و آله لها: أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيته إلّابإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلّابإذنه، ولا تمنعه نفسها وإنْ كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه» الحديث(2).

ومنها: خبر العزرمي، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله في حقّ الزّوج على المرأة: «ليس لهاأن تصوم إلّابإذنه - إلى أنْقال: - وتعرض نفسها عليه غدوةً و عشيّة»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للنساء: «لا تطولنّ صلاتكنّ لتمنعنّ أزواجكنّ »(4).

إلى غير ذلك من النصوص(5).2.

ص: 288


1- جواهر الكلام: ج 31/302.
2- الكافي: ج 5/506 باب حقّ الزّوج على المرأة ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/157 باب 79 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، حديث 25300.
3- الكافي: ج 5/508 باب حقّ الزّوج على المرأة ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/158 باب 79 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، حديث 25301.
4- الكافي: ج 5/508 باب كراهية أن تمنع النساء أزواجهن ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/164 باب 83 من أبواب مقدّمات النكاح، حديث 25316.
5- الكافي: ج 5/508 باب حقّ الزّوج على المرأة ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/158 باب 79 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، حديث 25302.

وإزالة المُنفِّر.

أقول: ولكن هذا الحكم كسائر الأحكام مقيّدٌ بأن لا يلزم منه ضررٌ عليها، أو حرجٌ ومشقّة، وإلّا فيرتفع وجوبه بقاعدة نفي الضَرر والحَرج.

وهل التمكين من وطئها دُبراً واجبٌ عليها على القول بالجواز أم لا؟

الظاهر هو عدم وجوب التمكين، وقد مرَّ(1) في ذلك المبحث ما دلّ على إناطة جواز وطئها دبراً برضاها، فلها أن لا ترضى وتمتنع من ذلك.

ولو كان هناك مانعٌ من الوطء دون سائر الاستمتاعات، فهل يجبُ عليها التمكين من سائر الاستمتاعات أم لا؟

وجهان: أظهرهما الأوّل، لإطلاق ما دلّ على وجوب عَرض نفسها عليه، وأن لا تمنعه من نفسها.

ودعوى: انصرافها إلى الجماع المتعذّر بالفرض ممنوعةٌ .

فإنْ قيل: إنّ سائر الاستمتاعات يجبُ عليها التمكين منها تبعاً للجماع، فمع سقوط وجوب المتبوع يسقط وجوب التابع.

قلنا: إنّ ظاهر الأدلّة وجوبها في عرض وجوب الجماع لا تبعاً له، بل الظاهر وجوب مقدّمات الاستمتاعات عليها، كالتنظيف المعتاد (وإزالة المنفِّر) وما شاكل.

قال صاحب «الجواهر»: (ضرورة تحقّق النشوز بالعبوس، والإعراض، والتثاقل، وإظهار الكراهة له بالفعل والقول ونحوهما، ممّا ينقص استمتاعه بها، وتلذّذه بها،).

ص: 289


1- فقه الصادق: ج 31/101، بحث (حكم وطء الزّوجة دبراً).

وله ضَرْبُ الناشزة بعد وَعْظِها وهَجْرها.

بل لا ينبغي التأمّل في تحقّقه بتبرّمها بحوائجه المتعلّقة بالاستمتاع، أو الدالّة على كراهتها له)(1).

وفي محكيّ «المسالك»: (المراد بحوائجه التي يكون التبرّم بها أمارة النشوز، ما يجبُ عليها فعله من الاستمتاع ومقدّماته، كالتنظيف المعتاد، وإزالة المنفِّر والاستمداد بأن تمتنع وتتثاقل إذا طلبها على وجه يحوج زواله تكلّفٌ وتعبٌ ، ولا أثر لامتناع الدلال، ولا للامتناع من حوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع، إذ لا يجب عليها ذلك)(2).

بيان ما تستحقّ الزّوجة بالنشوز

(و) كيف كان، فمتى ظهرت من المرأة أمارات النشوز، وامتنعت عن بعض ما يجبُ عليها، مثل أن تُقطّب في وجهه، أو تُبرم في ما يتعلّق بالاستمتاع، أو تغيّر عادتها في أدبها، جاز (له ضرب الناشزة بعد وَعظها وهَجْرها) بلا خلافٍ في ذلك في الجملة، والكتاب والسُّنة الآتيان شاهدان بذلك، إنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: إنّ جواز هذه الاُمور؛ أي الوعظ والهَجْر والضَّرب:

هل يكون مشروطاً بالنشوز؟

أم بخوفه بظهور أماراته، مع عدم تحقّقه ؟

أم يكون جواز الهَجْر في المضجع والوعظ مشروطاً بخوف النشوز، وجواز

ص: 290


1- جواهر الكلام: ج 31/205.
2- مسالك الأفهام: ج 8/360-361.

الضرب بالنشوز نفسه، ولا يجوز إلّابعد تحقّقه ؟

وجوهٌ وأقوال:

اختار المصنّف رحمه الله(1) تبعاً للشيخ في «المبسوط»(2) والمحقّق في «الشرائع»(3)، وتبعهم السيّد في «الرياض»، وغيره القول الأخير.

وقد استدلّ لجواز الأمرين مع أمارات النشوز:

1 - بظاهر الآية الكريمة: (وَ اَللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضاجِعِ وَ اِضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (4).

2 - ولعدم جواز الضرب إلّامع تحقّق النشوز بالإجماع المحكيّ عن «الخلاف»(5) و «المبسوط»(6).

3 - وبعدم جواز العقوبة إلّاعلى فعلٍ ، وليس بدون تحقّق النشوز.

واستدلّ لما قبله: بظاهر الآية، وعدم حجيّة الإجماع المنقول، والتعليل المذكور، مضافاً إلى أنّه لا يعتنى به في قبال ظاهر الآية حيث يُنتَقض بالهَجر في المضجع الذي هو تفويتٌ لحقّها الواجب أيضاً، فعلى ما ذكر لا يجوز هو أيضاً إلّامع تحقّق النشوز.

واستدلّ للأوّل: بأنّ المراد من الخوف في الآية هو العلم، كقوله تعالى : (فَمَنْ).

ص: 291


1- تحرير الأحكام: ج 3/576-577 الفصل الثاني في النشوز (ط. ق).
2- المبسوط: ج 4/337.
3- شرائع الإسلام: ج 2/560.
4- سورة النساء: الآية 34.
5- الخلاف: ج 4/415-416 مسألة 8.
6- المبسوط: ج 4/337 قوله: (فإذا ظهر هذا منها وعظها... وأمّا إن نشزت فامتنعت.. حَلَّ ضربها بلا خلافٍ ).

خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) (1) .

ولكن بعدما عرفت حقيقة النشوز، وأنّها بماذا تتحقّق، نعلم أنّه لم يُعلّق في الآية الكريمة الاُمور الثلاثة على النشوز، ولا على ظهور أمارته، حتّى يُفسّر بما في كلمات الفقهاء بأن تتقطب في وجهه، أو تُبرم في حوائجه، أو تغيّر عادتها في أدبها وما شاكل ذلك، بل على خوف النشوز المتحقّق بالاحتمال العقلائي، ولعلّ ما ذكروه يصلحُ منشأً للاحتمال العقلائي.

وعليه، فلا بأس به.

وكيف كان، فقد عُلّق الأحكام المذكورة على خوف النشوز، وحمله على العلم مجازٌ لا يُصار إليه إلّامع القرينة المفقودة في المقام، واستعماله فيه في بعض المواضع لا يصلحُ قرينةً عليه.

وبالجملة: فالأظهر ترتّبها بأجمعها على خوف النشوز، والإجماعُ على عدم الضرب بدون تحقّق النشوز غيرُ ثابتٍ ، وعلى فرض الثبوت كونه تعبّديّاً غير معلوم، وعدم استحقاقها العقوبة بدون المعصية لا يصلحُ رافعاً لظهور الآية، فالقول الثاني أظهر.

المورد الثاني: في أنّه هل تكون تلكم الأحكام المذكورة في الآية الشريفة على نحو التخيير، أو الجمع، أو الترتيب بالتدرّج من الأخفّ إلى الأثقل ؟ وجوهٌ وأقوال:

وفي المقام قولٌ رابعٌ حُكي عن المصنّف في «التحرير»(2) وهو أنّه مع خوف النشوز يقتصر على الوعظ، فإنْ نَشَزتْ ينتقل إلى الهَجر، وإنْ أصرّت عليه ينتقل إلى الضَّرب.).

ص: 292


1- سورة البقرة: الآية 182.
2- تحرير الأحكام: ج 3/577 (الفصل الثاني: أحكام النشوز) (ط. ق).

أقول: ظاهر الآية الكريمة عدم الترتيب بين الثلاثة، وعدم التخيير، لأنّ الواو لمطلق الجمع.

واستدلّ للقول بالترتيب: بأنّه يستفاد ذلك من ترتّب أفراد النهي عن المنكر.

والإيراد عليه: بأنّ الكلام في أنّ ذلك منها، ضرورة عدم النشوز بها، وعدم ثبوت حرمتها بدونه.

غيرُ تامّ ، لأنّ من تلكم الأدلّة كما يستفاد وجوب النهي عن المنكر، يستفاد المنع من أن يوجد، بل الواجب من النهي عن المنكر ذلك.

ولكن يرد عليه: أنّ الآية الأُولى أخَصّ منها، وإنّما هي في موردٍ خاص، مع أنّه لايكون الواجب في ذلك الباب رعاية الترتيب الكامل في جميع المراتب، كما لايخفى .

وعليه، فالأظهر هو جواز الجمع، وعدم الترتيب بينها.

المورد الثالث: في المراد من هذه الاُمور المذكورة:

أمّا الوعظ: فالمراد به ظاهرٌ لا خلاف فيه، وهو تخويفها باللّه سبحانه، وذكر ما ورد من حقوق الزّوج على المرأة في الأخبار عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وأبنائه الأطهار عليهم السلام.

وأمّا الهَجر: فقد اختلفت كلماتهم فيه:

فعن الثقة الجليل عليّ بن إبراهيم القُمّي(1): تفسيره بالسَّب.

وعن بعضٍ (2): أنّه كناية عن ترك الجماع.

وعن الصدوقين(3)، وابن البرّاج(4)، وفي «الشرائع»(5): أن يدير عنها ظهره.0.

ص: 293


1- تفسير القمّي: ج 1/137.
2- نهاية المرام: ج 1/427 قوله: (وقيل: إنّه كناية عن ترك الجماع).
3- فقه الرضا: ص 245، ونقل ذلك العلّامة عنهما في مختلف الشيعة: ج 7/404.
4- المهذّب: ج 2/264.
5- شرائع الإسلام: ج 2/560.

وعن الشيخ في «المبسوط»(1)، والحِلّي(2): أن يترك فراشها.

قال المصنّف في محكي «المختلف» بعد نقل الأخيرين: (وكلاهما عندي جائزٌ، ويختلف ذلك باختلاف الحال في السهولة والطاعة وعدمها)(3).

ونُقل ذلك عن الشيخ المفيد رحمه الله(4) أيضاً.

أمّا القول الأوّل فيردّه: عدم مناسبته مع المقام، وإنْ كان السَّب أحد معاني الهجر، كما لا يخفى .

ويردّ الثاني: أنّ حمله على إرادة المعنى الكنائي، يحتاجُ إلى دليلٍ ، وليس الأمر دائراً بين أحدٍ من القولين الثالث والرابع، كي يلزم اختيار أحدهما، بل مقتضى الإطلاق هو القول الأخير، وورود الرواية(5) بالأوّل منهما لاينافي ذلك، فإنّه أحد الأفراد قطعاً، والرواية لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم كون غيره هجرا.

وأمّا الضرب: فقد اختلفت كلماتهم فيه أيضاً:

فعن قومٍ (6): أنّ الضرب يكون بمنديلٍ ملفوف، أو دِرّةٍ ولا يكون بسياطٍ ولا خشب.

وعن بعض(7): أنّه بالسَّواك.).

ص: 294


1- المبسوط: ج 4/338.
2- السرائر: ج 2/729.
3- مختلف الشيعة: ج 7/405.
4- المقنعة: ص 518.
5- الفقيه: ج 3/521 باب النشوز.
6- المبسوط: ج 4/338 قوله: (وقال قوم...).
7- السرائر: ج 2/729 قوله: (وروي في بعض أخبارنا أنّه يضربها بالسواك).

وفي «الشرائع»: (ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها، ما لم يكن مُدمياً ولا بَرحاً)(1). وبه صرّح غيره(2).

والمراد من غير المُبرّح ما لا يُدمي لحماً ولا يَهْشِمُ عظماً، ويكون بحيث يتألّم منه المضروب، ولا يوجبُ ضرراً في بدنه.

أقول: والأظهر هو الأخير، كما هو مقتضى الجمع بين الآية الكريمة الآمرة بالضرب مطلقاً، والنبويّ المرويّ عن «تحف العقول» أنّه صلى الله عليه و آله قال في خطبة الوداع:

«إنّ لنسائكم عليكم حقّاً، ولكم عليهنّ حقّاً؛ حقّكم عليهنّ أن لا يوطئن - إلى أنْ قال: - فإنْ فعلن فإنّ اللّه تعالى قد أذِنَ لكم أن تعضلوهنّ وتهجروهنّ في المضاجع، وتضربوهنّ ضَرْباً غير مُبرّحٍ ... الخ»(3).

وما عن الإمام الباقر عليه السلام من تفسيره ب (الضَّرب بالسَّواك)(4)، لضعفه، وبُعده عن حصول الغرض به دائماً، ومنافاته لإطلاق كلمات الأصحاب، لا يكون منشأً للفتوى.

ولِنعم ما قاله الشهيد الثاني رحمه الله، قال: (وفي بعض الأخبار أنّه يضربها بالسِّواك، ولعلّ حكمته توهّمها إرادة المُداعبة، وإلّا فهذا الفعل بعيدٌ عن التأديب والإصلاح)(5) انتهى . وهو متينٌ .7.

ص: 295


1- شرائع الإسلام: ج 2/560.
2- كما في قواعد الأحكام: ج 3/96، وكشف اللّثام: ج 7/519 (ط. ق).
3- تحف العقول: ص 33، وسائل الشيعة: ج 21/517 باب 6 من أبواب النفقات، حديث 27733.
4- مجمع البيان: ج 3/80.
5- مسالك الأفهام: ج 8/357.

ولو نَشَز طالبته، ولها تركَ بعض حقّها أو كلّه استمالةً ، ويحلّ قبوله.

نشوز الزّوج

الموضع الثاني: ويدور البحث فيه عن نشوز الزّوج.

يقول المصنّف رحمه الله: (ولو نشز) الزّوج بمنع حقوقها الواجبة، من قِسمٍ ونفقةٍ ونحوهما (طالبته)، ووعظته، وإلّا رفعت أمرها إلى الحاكم، وكان للحاكم إلزامه بها، وليس لها أن تهجره، ولا أن تضربه وإنْ رَجَت عوده إلى الحقّ بهما، بلا خلافٍ (1)، لأنّهما متوقّفان على الإذن الشرعي، وليس، بل في الآيتين التنبيه على تفويضهما إليه لا إليها.

ولو لم يمنعها شيئاً من حقوقها، ولا يؤذيها بضربٍ ولا سَبٍّ ، ولكنّه يكره مصاحبتها، فلا يدعوها إلى فراشه، أو يَهمّ بطلاقها، فلا شيء عليه، (ولها) حينئذٍ (ترك بعض حقّها أو كلّه) مِنْ قسمةٍ أو نفقةٍ (استمالةً ) له، (ويحلّ ) له (قبوله) بلا خلافٍ أجده، فيه بل الإجماع بقسميه عليه(2) كما في «الجواهر».

ويشهد به: نصوص عديدة:

منها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) (3)؟

فقال عليه السلام: هي المرأة تكون عند الرّجل فيكرهها، فيقول لها: إنّي أُريد أن اُطلّقك،

ص: 296


1- جواهر الكلام: ج 31/207 قوله: (... كما صرّح به غير واحد مرسلين له إرسال المسلّمات...).
2- جواهر الكلام: ج 31/208.
3- سورة النساء: الآية 128.

فتقول له: لا تفعل إنّي أكره أن يُشمتَ بي، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئتَ ، وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك، ودَعني على حالتي، فهو قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) (1) وهذا هو الصلح»(1).

ومنها: خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ ...) الخ(3)؟

قال عليه السلام: إذا كان كذلك فهمَّ بطلاقها فقالت له: أمسكني وأدَعُ لك بعض ما عليك، واُحلّلك من يومي وليلتي، حَلّ له ذلك، ولا جناح عليهما»(2).

ونحوهما أخبار أبي بصير، وزيد الشّحام، والبزنطي، وزرارة(3).

أقول: هذه النصوص وإنْ اختصّت بجواز قبوله ما تبذل له من حقوقها في مقابل ما يريد فعله معها ممّا هو غير محرّم عليه، كطلاقٍ ونحوه، وتدلّ على أنّ هذا هو المراد من الآية الكريمة، لكنّه لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم جواز قبوله ما تبذلها بإزاء فعله معها ممّا يحرمُ عليه، وعليه فالمرجع فيه إلى ما تقتضيه القاعدة، وقد مرّ في القسم أنّ لها إسقاط حقّها كلّه أو بعضه، ويجوز له قبوله، كما يجوز أن تسقطه بعوضٍ ، فراجع(4).

***د.

ص: 297


1- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/349 باب 11 من أبواب القسم والنشوز، حديث 27265.
2- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/350 باب 11 من أبواب النشوز والشقاق، حديث 27266.
3- الكافي: ج 6/145 باب النشوز ح 1 و 3، تفسير العيّاشي: ج 1/278 ح 281 و 283، وسائل الشيعة: ج 350/21-351 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27267-27270.
4- تقدّم في صفحة 262، تحت عنوان: (حكم المعاوضة على هبة الزّوجة حقّها) في هذا المجلّد.

ولو كَرِه كلٌّ منهما صاحبه.

الشقاق

المقام الثالث: ويدور البحث فيه عن الشِقاق:

وهو مصدرٌ عليوزن فِعال، من الشِّق بالكسرالناحية، أو من الشَّق بمعنى التفرّق الذي منه: (شَقَّ فلانٌ العصا) أي فارق الجماعة، و (انشقَّت العصا) أي تفرّق الأمر.

(و) هو في الاصطلاح ما (لو كره كلٌّ منهما صاحبه).

والحكم فيه هو بعث حَكَمين بالتفصيل الآتي، والأصل في هذا الحكم:

1 - الآية الكريمة: (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اَللّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اَللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) (1).

2 - وجملةٌ من النصوص:

منها: موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها) (2) أرأيتَ إن استأذن الحَكَمان فقالا للرجل والمرأة: ألستما قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق ؟ فقال الرّجل والمرأة: نعم، فأشهدا بذلك شهوداً، أيجوز تفريقهما عليهما؟

قال عليه السلام: نعم، ولكن لا يكون ذلك إلّاعن طُهرٍ من المرأة، من غير جماعٍ من الزّوج.

ص: 298


1- سورة النساء: الآية 35.
2- سورة النساء: الآية 35.

قيل له: أرأيتَ إنْ قال أحد الحكمين: قد فرّقتُ ، وقال الآخر: لم اُفرّق بينهما؟

فقال عليه السلام: لا يكون التفريق حتّى يجتمعا جميعاً على التفريق، فإذا اجتمعا جميعاً على التفريق جاز تفريقهما»(1).

ومنها: خبر عليّ بن أبي حمزة، قال: «سألتُ العبد الصالح عليه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى : (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ ...) الخ ؟

فقال عليه السلام: يشترط الحكمان إنْ شاءا فرّقا وإنْ شاءا جمعا، ففرّقا أو جمعا جاز»(2).

ونحوه خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«سألته عن قول اللّه: (فَابْعَثُوا...) الخ ؟ قال عليه السلام: ليس للحَكَمين أن يفرِّقا حتّى يستأمرا»(4).

ونحوه خبره الآخر عن الإمام الباقر عليه السلام(5).5.

ص: 299


1- الكافي: ج 6/146 باب الحكمين والشقاق ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/353 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27274.
2- الكافي: ج 6/146 باب الحكمين والشقاق ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/349 باب 10 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27264.
3- الكافي: ج 6/146 باب الحكمين والشقاق ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/352 باب 12 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27273.
4- الكافي: ج 6/147 باب الحكمين والشقاق ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/352 باب 12 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27272.
5- تفسير العيّاشي: ج 1/240 ح 123، وسائل الشيعة: ج 21/353 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27275.

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فَابْعَثُوا...) الخ ؟

قال عليه السلام: ليس للحَكَمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا الرّجل والمرأة، ويشترطان عليهما إنْ شاءا جمعا وإنْ شاءا فرّقا، فإنْ جمعا فجائزٌ، وإنْ فرّقا فجائز»(1).

ومنها: خبر زيد الشّحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في قوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها) ؟

قال عليه السلام: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستامرا الرّجل والمرأة»(2).

ونحوه خبر «دعائم الإسلام»(3).

ومنها: خبر الحلبي، عنه عليه السلام: «ويشترط عليهما إنْ شاءا جمعا وإنْ شاءا فرّقا، فإنْ جمعا فجائزٌ وإنْ فرّقا فجائز»(4).

ومنها: خبر فضالة: «فإنْ رضيا وقلّداهما الفُرقة ففرّقا فهو جائزٌ»(5).

ومنها: خبر عُبيدة، قال: «أتى عليّ بن أبي طالب عليه السلام رجلٌ وامراة، مع كلّ واحدٍ منهما فئامٌ من الناس، فقال عليّ عليه السلام: ابعثوا حَكَماً من أهلها، وحَكَماً من أهله.8.

ص: 300


1- الفقيه: ج 3/521 باب الشقاق ح 4817، وسائل الشيعة: ج 21/348 باب 10 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27263.
2- تفسير العيّاشي: ج 1/241 ح 124، وسائل الشيعة: ج 21/353 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27276.
3- دعائم الإسلام: ج 2/271 ح 1019، وسائل الشيعة: ج 21/107 باب 10 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 17677.
4- تفسير العيّاشي: ج 1/241 ح 125، وسائل الشيعة: ج 21/354 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27277.
5- تفسير العيّاشي: ج 1/141 ح 126، وسائل الشيعة: ج 21/354 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27278.

ثمّ قال للحَكَمين: هل تدريان ما عليكما؟! إنْ رأيتما أن تجمعا جَمَعتُما، وإنْ شئتما أن تفرّقا فرّقتما.

فقالت المرأة: رضيتُ بكتاب اللّه عَليّ ولي، فقال الرّجل: أمّا الفرقة فلا.

فقال عليّ عليه السلام: لا تبرح حتّى تقرّ بما أقرّت به»(1).

ونحوه خبر «دعائم الإسلام»(2).

وقريبٌ منهما ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره، إلّاأنّه قال:

«بعدما لم يرض الزّوج بالفُرقة، فأوجب عليه نفقتها، ومنعه أن يدخل عليه»(3).

أقول: وتمام الكلام فيما يستفاد من هذه النصوص والآية الشريفة من الأحكام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: هل الشقاق يتحقّق بكراهة كلّ منهما صاحبه، ولو لم يمتنع كلّ منهما من الوفاء بحقوق الآخر، كما هو ظاهر المتن، و «النافع»(4)، و «الحدائق»(5)، و «الجواهر»(6)، وغيرها(7)؟).

ص: 301


1- تفسير العيّاشي: ج 1/241 ح 127، وسائل الشيعة: ج 21/354 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27279.
2- دعائم الإسلام: ج 2/271 ح 1018، المتسدرك ج 15/107 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 77678.
3- تفسير القمّي: ج 1/138، المستدرك ج 15/108 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 17679.
4- المختصر النافع: ص 191.
5- الحدائق الناضرة: ج 24/622 المقام الثاني في الشقاق.
6- جواهر الكلام: ج 31/210 وقوله: (والظاهر تحقّق الشقاق بينهما بالنشوز من كلّ منهما).
7- رياض المسائل: ج 10/478 (ط. ق).

أم يعتبر في تحقّقه النشوز منهما، كما هو ظاهر «الشرائع»(1)؟

وجهان، ليس في شيءٍ من الأخبار المتقدّمة ما يشهد بأحدهما.

والظاهر صدقه مع كلٍّ من الأمرين، ولكن في الخبر الذي رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «وإذا نَشَز الرّجل مع نشوز المرأة فهو الشقاق»(2). إلّاأنّه لا يدلّ على الحصر.

الجهة الثانية: أنّ المراد بخوف الشقاق في الآية:

1 - هل هو خشية الشقاق، كما هو ظاهر اللفظ، وعن الطبرسي في «مجمع البيان»(3)، والسيّد في «نهاية المرام»(4)؟

2 - أو العلم به كما عن الشهيد الثاني في «المسالك»(5)؟

3 - أو يقال كما في «الرياض»: (إنّ الشقاق إنّما يتحقّق مع تمام الكراهة بينهما، فيكون المراد بالآية أنّه إذا حَصَلت كراهة كلّ منهما لصاحبه، وخفتم حصول الشقاق بينهما فابعثوا)(6)؟

4 - أو يقال كما عن «كشف اللّثام»(7) احتماله: (أنّ الموضوع هو إضمار شدّة الشقاق بينهما والتأدي إلى التسابّ والتهاجر والتضارب)؟0.

ص: 302


1- شرائع الإسلام: ج 2/561.
2- تفسير العيّاشي: ج 1/240 ح 122، وسائل الشيعة: ج 21/351 باب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27269.
3- مجمع البيان: ج 3/81.
4- نهاية المرام: ج 1/430.
5- مسالك الأفهام: ج 8/364.
6- رياض المسائل: ج 10/478 (ط. ق).
7- كشف اللّثام: ج 7/520.

أنفذ الحاكمُ حَكَمين من أهلهما أو أجنبيّين.

وجوهٌ ، والأخير لا وجه له أصلاً، وما قبله يحتاج إلى تقديرٍ لا شاهد له، وما قبله خلاف الظاهر.

وأمّا خبر زرارة المتقدّم: «وإذا نَشَز الرّجل مع نشوز المرأة، فهو الشقاق» فهو يفسّر الشقاق نفسه، والموضوع للأحكام الآتية التي تضمّنتها الآية الشريفة خوف الشقاق.

فإذاً الأظهر هو الأوّل.

ويؤيّده ماقيل: (من إنّ الغرض من بعث الحَكَمين هو الإصلاح بينهما باجتماعٍ أو فُرقة، ومتيكان الشقاق معلوماً، علم أنّه لا يمكن الإصلاح بالاجتماع، فتأمّل)(1).

في أنّ مُرسِل الحَكَمين هو الحاكم

الجهة الثالثة: اختلفت كلمات القوم في المخاطب بالآية الكريمة بالأمر بإنفاذ الحَكَمين:

وأنّه هل هو الحاكم الشرعي، كما في «الشرائع»(2)، وعن «القواعد»(3)، وفي المتن، حيث قال: (أنفَذَ الحاكمُ حَكَمين من أهلهما أو أجنبيّين)، ونَسَبه الشهيد الثاني رحمه الله(4) إلى الأكثر؟

ص: 303


1- الحدائق الناضرة: ج 24/626.
2- شرائع الإسلام: ج 2/561.
3- قواعد الأحكام: ج 3/96.
4- مسالك الافهام ج 8 ص 365.

أو هو الزّوجان كما عن الصدوقين(1)، وفي «النافع»(2)؟

أو أهل الزوجين ؟

أو أنّ الإمام يأمر الزوجين أن يبعثا كما عن الإسكافي(3)؟

أقول: الأظهر هو الأوّل، لأنّ ظاهر الآية الشريفة كون المخاطب غير الزوجين، إذ لو كانا هما المخاطبان، كان اللّازم تساوي الضمائر من حيث الحضور والغيبة، والتثنية والجمع، ويقال: (وإنْ خفتم الشقاق بينكما فابعثوا حَكَمين من أهلكما)، فمن اختلاف الضمائر، يُعلم كون المخاطب بالبعث غير الزوجين، والمتيقّن منه الحاكم الشرعي، ولا ينافي ذلك شيء من النصوص، وإنْ تضمّن بعضها لزوم استيمارهما، والاستشارة وأخذ الرأي منهما، كما في موثّق سماعة من قوله: «ألستما قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق»(4) وفي غيره ما يقرب ذلك.

إلّا أنّه لا تنافي بين كون الباعث هو الحاكم الشرعي، ويعتبر استيمارهما، مع أنّ اعتبار الاستيمار إنّما هو في خصوص الطلاق، كما يأتي.

وعليه، فالأظهر اعتبار أنّ من عليه الإرسال هو الحاكم.

الجهة الرابعة: صرّح جماعة(5): بأنّ البعث واجبٌ ، لظاهر الأمر، ولكون ذلك من الاُمور الحسبيّة التي نُصِب الحاكم لأمثالها، ومن الأمر بالمعروف الذي وجوبه من البديهيّات.6.

ص: 304


1- فقه الرّضا: ص 245، المقنع: ص 350.
2- المختصر النافع: ص 191 قوله: (بعث كلّ منهما حَكَماً من أهله، ولو امتنع الزوجان بعثهما الحاكم).
3- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/407.
4- الكافي: ج 6/146 باب الحكمين والشقاق ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/353 باب 13 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، حديث 27274.
5- كما في السرائر: ج 2/730، ومسالك الأفهام: ج 8/366.

وعن «التحرير»(1): القول بالاستحباب، واستدلّ له:

1 - بالأصل.

2 - وظهور الأمر في الإرشاد على أنّه من الاُمور الدنيويّة التي لا تظهر إرادة الوجوب منه فيها.

ويظهر ضعفه ممّا ذكرناه.

الجهة الخامسة: هل يعتبر أنْ يكون الحَكَمان من أهلهما، كما عن المصنّف في «المختلف»(2)، وسيّد «المدارك»(3)، والحِلّي(4)، وفي «الرياض»(5)؟

أم يجوز أنْ يكونا أجنبيّين، كما في المتن، و «الشرائع»(6)، و «النافع»(7)، و «الجواهر»(8)، وعن «المبسوط»(9)، و «الوسيلة»(10)، وغيرهما(11)؟ وجهان:

ظاهر الآية الكريمة هو الأوّل، وأيّده المصنّف(12) رحمه الله بأنّ الأهل أعرفُ بالمصلحة من الأجانب.

واستدلّ للثاني:4.

ص: 305


1- تحرير الأحكام: ج 3/578 (الفصل الثالث: في الشقاق) (ط. ق).
2- مختلف الشيعة: ج 7/404.
3- نهاية المرام: ج 1/430-341.
4- السرائر: ج 2/730.
5- رياض المسائل: ج 10/479 (ط. ق).
6- شرائع الإسلام: ج 2/561.
7- المختصر النافع: ص 191.
8- جواهر الكلام: ج 31/213.
9- المبسوط: ج 4/340.
10- الوسيلة: ص 333.
11- كما في المهذّب: ج 2/266، وكشف اللّثام: ج 7/521. (ط. ق).
12- مختلف الشيعة: ج 7/404.

1 - بعدم اعتبار القرابة في الحكومة، والغرض يحصلُ بالأجنبي، كما يحصل بها.

2 - وبأنّ الآية مسوقة للإرشاد.

3 - وبظهور النصوص من جهة عدم التقييد.

4 - وبعموم الحَكَم للزوجين ذوي الأهل وغيرهما.

ولكن يردّ الأوّل: أنّ هذه التعليلات لا تُسمع في مقابل ظواهر الأدلّة.

ويردّ الثاني: أنّ الظاهر من الأمر كونه نفسيّاً لا إرشاديّاً، مع أنّ كونه إرشاديّاً لا يلازم التعدّي عن مورده.

ويردّ الثالث: أنّ النصوص متعرّضة لبيان الأحكام بعد تعيين الحَكَمين، ولا إطلاق لها من الجهة المبحوث عنها.

ويردّ الرابع أوّلاً: ندرة وجود الزوجين الذين لا أهل لهما.

وثانياً: أنّ لازم التقييد بكون الحَكَمين من أهلهما، تقييد الموضوع بالزّوجين الّذين لهما أهلٌ ، كما هو الشأن في نظائر المقام.

وعليه، فالأظهر هو اعتبار كون الحَكَمين من أهلهما، هذا مع أنّه المتيقّن، وليس لإجزاء غيره دليلٌ ، والأصل يقتضى عدمه.

إرسال الحَكَمين على سبيل التحكيم لا غيره

الجهة السادسة: المشهور(1) بين الأصحاب أنّ إرسال الحَكَمين إنّما هو على سبيل التحكيم لا التوكيل، بل عن ظاهر «السرائر»(2)، و «فقه القرآن»(3) الإجماع

ص: 306


1- الحدائق الناضرة: ج 24/629.
2- السرائر: ج 2/730.
3- فقه القرآن: ج 1/193.

عليه، وعن «المبسوط»: (أنّه مقتضى المذهب)(1)، وهو الأظهر:

1 - لظاهر الكتاب حيث سَمّاهما الحَكَمين، وكذا في السُّنة.

2 - ولأنّه مقتضى خطاب غير الزّوجين ببعثهما، فإنّ المخاطب في التوكيل هو الزوجان.

3 - ولأنّهما إنْ رأيا الإصلاح فَعَلاه من غير استئذان، ويلزم ما يشترطانه عليهما، ولو كان توكيلاً لم يقع إلّاما دلّ عليه لفظهما.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بأنّ البُضع حقٌّ للزوج، والمال حقّ للزوجة، وهما رشيدان بالغان، فلا يكون لأحدٍ ولاية عليهما، فلا يكونان إلّاوكيلين.

2 - وبأنّه لا يعتبر في الحَكَمين في المقام الاجتهاد والفقه قطعاً، فلو كانا غير وكيلين، وعلى سبيل التحكيم، كان اللّازم اعتبار الفقه، إذ لا حُكم لغير الفقيه اتّفاقاً.

ويرد على الأوّل: أنّه لا مانع من الحكم على البالغ الرشيد إذا امتنع عن قبول الحقّ .

ويرد على الثاني: أنّ الحاكم في الحقيقة هو الحاكم الشرعي الذي بعثهما، فهما بمنزلة الوكيلين عنه، مع أنّ محلّ الحُكم حيث يكون جزئيّاً، لا مانع من تفويض أمره إلى الآحاد.

وعلى أيّ تقديرٍ، لا مورد لهذه الكلمات في مقابل ظهور الأدلّة.

وعليه، فالأظهر أنّه على سبيل التحكيم.0.

ص: 307


1- المبسوط: ج 4/340.

فإنْ رأيا الصُّلحَ أصلحاهما، وإنْ رأيا الفُرقَة راجعاهما في الطلاق والبذل.

الجهة السابعة: لا خلاف على الظاهر بينهم في أنّ الحَكَمين يتبع نظرهما في الصلح، بلا توقّفٍ على شيء:

(فإنْ رأيا الصُّلح أصلحاهما) لأنّه مقتضى تحكيمهما.

(و) إنّما الخلاف في أنّه (إنْ رأيا الفُرقة) بطلاقٍ أو خُلعٍ :

فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّهما ي (راجعاهما في الطلاق والبَذل) أي لا يصلح الطلاق بدون رضا الزّوج، ولا البذل بدون رضا الزّوجة إنْ كان خُلعاً.

وقيل: لا يعتبر إذنهما.

والحقّ أنْ يقال: إنّ المستفاد من الأخبار اعتبار أحد الأمرين في الطلاق:

إمّا اشتراط الحَكَمين عليهما ذلك من أوّل الأمر.

أو الإستئذان منهما في الطلاق والبذل حينما يريدا ذلك إن أطلقا، ولم يشترطا الطلاق من الأوّل.

ولعلّ كلام المشهور حيث التزموا باعتبار الاستئذان منزّلٌ على صورة الإطلاق.

أقول: وكيف كان، فيشهد للأوّل:

موثّق سماعة، حيث لم يعتبر بعد الاشتراط، إلّاكونها على طُهرٍ من غير جماعٍ ، لو أراد الطلاق.

ومثله خبر أبي بصير، وخبر عليّ بن أبي حمزة، وخبر الحلبي، وأصرح من الجميع خبر فضالة، والتي تقدّمت جميعها.).

ص: 308


1- كشف اللّثام: ج 7/522 (ط. ق).

ولا حُكم مع اختلافهما.

ويشهد للثاني: خبرا أبي مسلم، ورواية زيد، وغيرها.

وأمّا صحيح الحلبي:

فإنْ كان بنحو العطف ب (أو) في قوله عليه السلام: «ويشترطا» كان الخبر دالّاً على كفاية أحد الأمرين.

وإنْ كان بنحو العطف بواو، كما هو الموجود في النسخ، فالظاهر كون قوله عليه السلام:

«ويشترطا» تفسيراً لقوله: «يستأمرا الرّجل والمرأة» لا دالّاً على اعتبار الأمرين معاً، لعدمه اتّفاقاً، ولكونه خلاف الظاهر.

وبالجملة: فالأظهر كفاية أحد الأمرين.

ودعوى: أنّه ينافي ما دلّ على أنّ (الطلاق بيد من أخذ بالسّاق).

مندفعة: بأنّ تخصيص العام غير عزيز، مع أنّه باشتراطه عليهما قد وقع الطلاق بإذنه، فتدبّر.

الجهة الثامنة: (و) لاخلاف أيضاً بينهم في أنّه (لا حُكم مع اختلافهما) أي اختلاف الحكمين، ويشهد به:

1 - الأصل، واختصاص النصوص بصورة الاتّفاق، وعدم جواز الترجيح بلا مرجّح.

نعم، لحَكَمِ الرّجل أن يُطلّق بغير عوضٍ إنْ أذن له الرّجل في ذلك، لأنّ حَكَم المرأة لا علاقة له بالطلاق.

ص: 309

الجهة التاسعة: بناء على التحكيم، لو أرسل الحاكم الحَكَمين، فغاب الزوجان أو أحدهما:

فعن «المبسوط»: لم يَجُز الحُكم، لأنّه حُكمٌ على الغائب ولا يجوز(1).

ولكن الأظهر هو الجواز كما في «الشرائع»(2)، إذ لا دليل على عدم جواز الحُكم للغائب.

وعليه في المقام، ومقتضى إطلاق الأدلّة جوازه، وعدم جواز حُكم الحاكم على الغائب في بعض الموارد، لا يستلزمُ ذلك في المقام.

فإنْ قيل: إنّه مع الغيبة يُحتمل ارتفاع الشقاق بينهما، فلا مورد للحكم.

قلنا أوّلاً: يستصحب بقائه.

وثانياً: أنّه خروجٌ عن محلّ البحث، وهو الحكمُ عليهما من حيث الغيبة خاصّة.

الجهة العاشرة: إذا اشترط الحَكَمان عليهما أو على أحدهما شَرطاً، وجبَ الوفاء به، لا لعموم «المسلمون عند شروطهم»(3) فإنّه في اشتراط الإنسان على نفسه، ولا يشمل ما لو اشترط على غيره، بل لإطلاق أدلّة الباب.

نعم، إذا كان الشرط غير مشروعٍ ، كان باطلاً، لأنّ المحرَّم لا يَحِلُّ بشرطهما، وهو واضح.

***ة.

ص: 310


1- المبسوط: ج 4/341 قوله: (وإذا قيل على سبيل الحكم لم يكن لهما أن يفصلا شيئاً لأنّا وإن أجزنا القضاء على الغايب فإنّما نقضي عليه، فما يقضى له فلا).
2- شرائع الإسلام: ج 2/561.
3- وسائل الشيعة: ج 18/16-17 باب 6 من أبواب الخيار كتاب التجارة.

الفصلُ التاسع: في أحكام الأولاد. يُلحق الولدُ في الدائم مع الدخول.

الفصل التاسع: في لحوق الأولاد بالآباء وما يُشترط فيه

اشارة

(الفصل التاسع: في أحكام الأولاد).

أقول: وتنقيح القول فيها يتحقّق بالبحث في مقامات:

الأوّل: في إلحاق الأولاد بالآباء، وبيان ما يشترط في ذلك.

الثاني: في أحكام الولادة وسُننها.

الثالث: في الرِّضاع.

الرابع: في الحضانة.

أمّا المقام الأوّل: فالكلام فيه في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: لا كلام ولا إشكال في أنّه (يُلحق الولد في) الموطوءة بالعقد (الدائم) بالزّوج، (مع) اجتماع شروط ثلاثة:

الشرط الأوّل: (الدخول) بلا خلافٍ (1) فيه في الجملة، والأخبار الآتية شاهدة به، إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: فيما إذا دخل بها قُبُلاً، وعلم عدم الإنزال، أو دخل بها دُبُراً مع العلم بعدم جذب الرَّحم المنيّ بوجهٍ :

فإنّ المشهور بين الأصحاب إلحاق الولد بالزوج.

ص: 311


1- الحدائق الناضرة: ج 25/3.

ولكن المحكيّ عن جماعةٍ - في الوطء دُبُراً أو في الوطء قُبُلاً مع العلم بعدم الإنزال، وعدم سبق المنيّ ، أو فيهما، عدم الإلحاق - منهم الحِلّي في «السرائر»(1)، والمصنّف في «التحرير»(2)، والشهيد الثاني في «الروضة»(3)، والسيّد في «نهاية المرام»(4)، وسيّد «الرياض»(5)، وصاحب «الحدائق»(6)، والمحقّق اليزدي وغيرهم، وهو الأظهر إذ مع العلم بعدم خروج المنيّ منه، أو عدم دخوله في فرجها، يعلم بانتفاء الولد، وعدم كونه منه، فكيف يلحق به ؟!

أقول: اللّهُمَّ إلّاأنْ يتمَّ ما أفاده في «الجواهر» بقوله:

(مع فرض إمكان سبق المنيّ وعدم الشعور به، لا سبيل حينئذٍ للقطع بنفي الاحتمال، ولو بعيداً، مع تحقّق مسمّى الدخول، على أنّه يمكن التولّد من الرّجل بالدخول وإنْ لم يُنزل، ولعلّه لتحرّك نطفة الامرأة، واكتسابها العلوق من نطفة الرّجل في محلّها أو غير ذلك)(7).

ولكنّه كما ترى :

فإنّ الأوّل: خلافُ الفرض، مع أنّه لايتمّ في الوطء في الدُبر، خصوصاً مع عدم الإنزال.3.

ص: 312


1- السرائر: ج 2/658-659.
2- تحرير الأحكام: ج 2/45 الطبع القديم.
3- الروضة البهيّة: ج 5/432.
4- نهاية المرام: ج 1/432.
5- رياض المسائل: ج 10/483 (ط. ق).
6- الحدائق الناضرة: ج 25/3-4.
7- جواهر الكلام: ج 31/223.

والثاني: باطلٌ .

وتمسّكه له بقاعدة الفراش(1) باطلٌ ، فإنّها قاعدة مضروبة لمقام الشكّ في كون الولد للزوج، بعد تحقّق الفِراش، فلو علم بعدم الإنزال، وعدم سبق المنيّ ، لا مورد لجريانها.

أقول: ويدلّ على أنّه لا عبرة بمجرّد الدخول في الإلحاق، الخبر الذي رواه أبو البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، قال:

«جاء رجلٌ إليرسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: كنتُ أعزِل عن جاريةٍ لي، فجاءت بولدٍ؟

فقال صلى الله عليه و آله: الوكاء قد ينفلت فألحقَ به الولد»(2).

إذ لو كان مجرّد الدخول كافياً في الإلحاق، لما كان وجهٌ لهذا التعليل الذي هو كنايةٌ عن أنّ المنيّ ربما يَسبقُ من غير أن يشعر به الرجل.

فالمتحصّل: أنّ الدخول الذي يكون شرطاً للإلحاق، هو ما إذا احتمل معه خروج المنيّ ، وجذب الرّحم إيّاه، وأمّا مع العلم بعدم السبق فلا عبرة به.

المورد الثاني: ما إذا لم يدخل بها، ولكن أنزل على فرجها، فإنّ المعروف من مذهب الأصحاب(3) أنّ معه يُلحق به الولد، ويشهد به:ع.

ص: 313


1- الوافي: ج 12/214 باب إلحاق الولد بصاحب الفراش، وسائل الشيعة: ج 21/169-170 باب 56، وباب 58 ص 173-175، وباب 74 ص 193 من أبواب نكاح العبيد والإماء، و ج 22/429-430 باب 9 من اللّعان، وج 26/274-278 باب 8 من ميراث الملاعنة.
2- قرب الإسناد: ص 140 ح 500 تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، وسائل الشيعة: ج 21/378 باب 15 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27349.
3- كشف اللّثام: ج 2/173 الطبع القديم. قوله: (كما يلحق بالوطي فيما دون الفرج لاحتمال سبق الماء إليه). وذهب السيّد الخوئي إلى ذلك في منهاج الصالحين: ج 2/382 الفصل التاسع.

ومضيُّ ستّة أشهر من حين الوطء.

خبر أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

«أنّ رجلاً أتى عليّاً عليه السلام فقال: إنّ امرأتي هذه حامل، وهي جارية حَدثة، وهي عذراء وهي حاملٌ في تسعة أشهر، ولا أعلم إلّاخيراً، وأنا شيخٌ كبير ما افترعتها، وأنّها لعلى حالها؟

فقال له عليّ عليه السلام: نشدتُك اللّه هل كنتَ تُهريق على فرجها؟

قال: نعم.

إلى أنْ قال عليّ عليه السلام -: وقد ألحقت بك وَلَدها» الحديث(1).

ونحوه ما رواه المفيد عن نَقَلة الآثار من العامّة والخاصّة(2).

الشرط الثاني: (و) هو (مضيّ ستّة أشهر من حين الوطء)، فلا عبرة بالأقلّ في الولد الكامل كتاباً وسُنّةً مستفيضة أو متواترة، وإجماعاً محكيّاً كذلك، كما في «الجواهر»(3).

بل في «الرياض»: (إجماعاً من المسلمين كافّة)(4).

وستأتي جملة من تلكم النصوص.).

ص: 314


1- قرب الإسناد: ص 149 ح 541، وسائل الشيعة: ج 21/378 باب 16 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27350.
2- الإرشاد: ج 1/210، وسائل الشيعة: ج 21/379 باب 16 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27351.
3- جواهر الكلام: ج 31/224.
4- رياض المسائل: ج 10/483 (ط. ق).

ووضعه لمدَّة الحَمل، وهي ستّة أشهر إلى عشرة.

أقصى مدّة الحَمل

الشرط الثالث: (و) هو (وضعه لمدّة الحمل) إجماعاً من المسلمين كافّة(1) كما في «الرياض» (وهي):

(ستّة أشهر إلى عشرة) في الولد الكامل عند الشيخ في «المبسوط»(2)، والمصنّف في أكثر كتبه(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4).

والأصحاب بعدما وافقوهم في الأقلّ ، خالفوهم في أقصى المدّة:

فإنّ المشهور(5) بينهم أنّ أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر لا عشرة، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه(6).

وعن جماعةٍ منهم السيّد المرتضى في «الانتصار»(7)، والمصنّف في «المختلف»(8)،

ص: 315


1- رياض المسائل: ج 10/483 (ط. ق).
2- المبسوط: ج 4/97، قال: (فإنْ أتت به في مدّة لا يمكن إلحاقه به مثل أن يكون فوق تسعة أشهر عندنا.. فإنّهاهنا لا يثبت النسب). ولكن صاحب المدراك قال نهاية المرام: ج 1/433: (نُسب ذلك إلى الشيخ في موضعٍ من المبسوط).
3- قواعد الأحكام: ج 3/98، تحرير الأحكام: ج 2/44 الطبع القديم، إرشاد الأذهان: ج 2/38.
4- شرائع الإسلام: ج 2/562.
5- مسالك الأفهام: ج 8/374.
6- المبسوط: ج 8/305.
7- الانتصار: ص 345 كتاب العدد وأكثر الحمل مسألة 193.
8- مختلف الشيعة: ج 7/316.

وأبو الصلاح(1)، والشهيد الثاني في «المسالك»(2)، وسبطه في «نهاية المرام»(3)، وصاحب «الكفاية»(4): أنّ أقصى المدَّة سنة.

وعليه، فالأقوال ثلاثة:

استدلّ للقول الأخير: بجملةٍ من النصوص:

منها: خبر غياث، عن جعفر، عن أبيه صلى الله عليه و آله: «أدنى ما تحمل المرأة لستّة أشهر، وأكثر ما تحمل لسنة».

قال بعض المحدّثين في بعض النسخ: «وأكثر ما تحمل لسنتين»(5).

أقول: الخبر مرويٌّ في «الوسائل» بلفظ (سنتين) ولم يذكر غيره، وعلى هذا فلابدّ من حمل الخبر على التقيّة، إذ لم يقل أحدٌ من أصحابنا بأنّ أقصاه سنتين.

ومنها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سمعتُ أبا إبراهيم عليه السلام يقول: إذا طلّق الرّجل إمرأته، فادّعت حَبْلاً، انتظرَ بها تسعة أشهر، فإنْ ولدت وإلّا اعتدّت بثلاثة أشهر، ثمّ قد بانت منه»(6).

ونحوه خبر محمّد بن حكيم، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها، فيرتفع طمثها، كم1.

ص: 316


1- الكافي في الفقه: ص 314 أحكام الأولاد.
2- مسالك الأفهام: ج 8/373-374.
3- نهاية المرام: ج 1/433.
4- كفاية الأحكام: ص 190-191.
5- الفقيه: ج 3/511 باب طلاق الحامل ح 4793، وسائل الشيعة: ج 21/384 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27366.
6- الكافي: ج 6/101 باب المسترابة بالحبل ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/223 باب 25 من أبواب العدد، حديث 28441.

عِدّتها؟ قال عليه السلام: ثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ادّعتِ الحَبل بعد ثلاثة أشهر؟

قال: عِدّتها تسعة أشهر.

قلت: فإنّها ادّعتِ الحَبل بعد تسعة أشهر؟

قال: إنّما الحَمل تسعة أشهر.

قلت: تزوَّج ؟ قال عليه السلام: تحتاط بثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر؟ قال: لا ريبة عليها، تزوَّج إنْ شاءت»(1).

أقول: قد استدلّ بهما السيّد في محكيّ «نهاية المرام» لهذا القول، قال: (والظاهر أنّ المراد بقوله: «الحَبل تسعة أشهر» أنّ الغالب فيها ذلك، ثمّ أمرها بالاحتياط ثلاثة أشهر، وذلك مجموع السنة)(2).

وأورد عليه في «الحدائق»(3) و «الجواهر»(4): بأنّ الثلاثة أشهر بعد التسعة في الخبرين إنّما هو للتعبّد، لا لاحتمال بقاء الحمل.

وبعبارة اُخرى : هي عِدّة شرعيّة نظير عِدّة من مات زوجها قبل عشر سنين من مفارقتها، وما شاكل.

وأيّده صاحب «الحدائق»: بموثّق سماعة(5) الآتي، الدالّ على أنّها تعتدّ ثلاثة8.

ص: 317


1- الكافي: ج 6/101 باب المسترابة بالحبل ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/223 باب 25 من أبواب العدد، حديث 28442.
2- نهاية المرام: ج 1/434.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/8.
4- جواهر الكلام: ج 31/227.
5- التهذيب: ج 8/119 باب عدد النساء ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/199 باب 13 من أبواب العدد، حديث 28378.

أشهر بعد مضيّ السنة، إذ لو كان ذلك لتحصيل أقصى الحمل، لزم منه كون أقصاه خمسة عشر شهراً، وهو باطلٌ بالضرورة.

وفيه: إنّ ذلك يتمّ في صحيح عبد الرحمن لكنّه لا يتمّ في خبر محمّدبن حكيم، فإنّ قوله عليه السلام: «تحتاط بثلاثة أشهر» بضميمة قوله عليه السلام: «لا ريبة عليها فيما بعد مضيّ السنة» كالصريح في أنّ عدم التزويج في الثلاثة أشهر بعد تسعة أشهر، إنّما هو لاحتمال الحَمل لا للتعبّد الشرعي، أو لغيره من الحكم.

وعليه، فيتعيّن حَمل قوله عليه السلام: «إنّما الحمل تسعة أشهر» على أنّه الأغلب، وبه يظهر ما في «الجواهر»(1) من دعوى صراحتهما من أنّ الأقصى تسعة أشهر.

ومنها: خبر آخر لابن حكيم، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«قلتُ : المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها...

إلى أنْ قال: فإنّها ارتابت ؟ قال: عِدّتها تسعة أشهر.

قلت: فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر؟ قال: إنّما الحمل تسعة أشهر.

قلت: فتتزوَّج ؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر؟ قال عليه السلام: ليس عليها ريبة تزوَّج»(2).

ومثله خبره الثالث عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن عليهما السلام(3)، والكلام فيهما استدلالاً وإيراداً وجواباً ما في سابقهما.3.

ص: 318


1- جواهر الكلام: ج 31/227.
2- الكافي: ج 6/102 باب المسترابة بالحبل ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/224 باب 25 من أبواب العدد، حديث 28444.
3- الكافي: ج 6/101-102 باب المسترابة بالحبل ح 3 و 5، وسائل الشيعة: ج 22/223-224 باب 25 من أبواب العدد، حديث 28445 و 26443.

ومنها: خبر أبان عن أبي إبراهيم أو ابنه عليهما السلام أنّه قال:

«في المطلّقة يطلّقها زوجها، فتقول: أنا حُبلى فتمكث سنة.

فقال: إنْ جاءت به لأكثر من سنة لم تُصدّق ولو ساعة واحدة في دعواها»(1).

وهو بالمفهوم يدلّ على أنّه إن جاءت به لسنة أو أقلّ تُصدّق، فهو كالصريح في أنّ أقصى المدّة سنة.

ويؤيّدها: ما قاله سيّد «المدارك»: (وذكر جَدّي أنّه وقع في زمانه في بعض النساء تأخّر حملهنّ سنةً ، وحكي لنا في هذا الزمان أنّه وقع ذلك أيضاً في بعض نساء بلدنا)(2).

أقول: وبإزاء تلكم النصوص نصوصٌ تدلّ على أنّ أقصى الحمل تسعة أشهر.

منها: خبر محمّد بن حكيم، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام: فقلت المرأة التي لا تحيض مثلها ولم تحض كم تعتدّ؟ قال: ثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها ارتابت ؟ قال عليه السلام: تعتدّ آخر الأجلين تعتدّ تسعة أشهر.

قلت: فإنّها ارتابت ؟ قال عليه السلام: ليس عليها ارتيابٌ ، لأنّ اللّه عزّ وجلّ جعل للحَبل وقتاً، فليس بعده ارتياب»(3).

لكن الاستدلال به متوقّفٌ على عدم إرادة تسعة أشهر بعد ثلاثة أشهر، وإلّا فهو من أدلّة القول الأوّل، وهو محتملٌ ، فالخبر مجملٌ لايصحّ الاستدلال به.2.

ص: 319


1- الكافي: ج 6/101-102 باب المسترابة بالحبل ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/223 باب 25 من أبواب العدد، حديث 28443.
2- نهاية المرام: ج 1/434.
3- التهذيب: ج 8/68 باب أحكام الطلاق ح 146، وسائل الشيعة: ج 22/189 باب 4 من أبواب العدد، حديث 28352.

ومنها: مرسل عبد الرحمن بن سيابة، عمّن حَدّثه، عن أبي جعفر عليه السلام: «غاية الحمل بالولد في بطن اُمّه كم هو، فإنّ الناس يقولون: ربما يبقى في بطنها سنتين ؟

فقال عليه السلام: كذبوا، أقصى مدَّة الحمل تسعة أشهر، ولا يزيد لحظة، ولو زاد ساعة لقتلَ أُمَّه قبل أن يخرج»(1).

ولكنّه مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال، أنّ المسؤول عنه فيه مدّة الحمل بالولد، ومن المعلوم عدم صدق الولد ما دام كونه عَلَقةً ومُضغةً ، فصدق الولد يتوقّف على مضيّ ثلاثة أشهر، فإذا كان أقصى مدّة الحَمل بالولد تسعة أشهر، كان أقصى مدّة الحمل من بدء ما يكون نطفة سنة.

ويؤيّد ذلك: قوله عليه السلام: «ولو زاد ساعةً لقتل اُمّه قبل أن يخرج منها» لأنّه:

إنْ كان المراد بيان أقصى مدّة الحمل المطلق، كان هذا مخالفاً للوجدان، حيث أنّ الغالب هو التجاوز عن التسعة بأيّام، فهذا الخبر أيضاً من أدلّة القول بالسَّنة.

ومنها: خبر أبان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ مريم حَمَلَتْ بعيسى تسع ساعات كلّ ساعةٍ شهراً»(2).

وفيه: إنّه ليس في مقام بيان الحكم، بل في مقام بيان كيفيّة حمل مريم عليها السلام.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: تطابق النصوص على أنّ أقصى المدّة سنة.

وأمّا القول بأنّه عشرة أشهر: فلم نقف له على مستندٍ وإنْ حُكي عن جماعةٍ منهم ابن حمزة أنّ به رواية(3).8.

ص: 320


1- التهذيب: ج 8/166 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/380 ح 27354.
2- الكافي: ج 8/232 حديث الفقهاء و العلماء ح 516، وسائل الشيعة: ج 21/382 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27358.
3- الوسيلة: ص 318.

ولو غابَ أو اعتزل أكثر من عشرة أشهر، ثمّ ولدتْ لم يَلحق به، والقولُ قوله في عدم الدخول.

(و) كيف كان، ف (لو غاب) الزّوج (أو اعتزل أكثر من عشرة أشهر) على القول بأنّها أقصى المدّة، وأكثر من السنة على المختار، (ثُمّ وَلَدتْ ، لم يَلْحَق به) الولد، كما يظهر وجهه ممّا تقدّم.

حكم ما لو اختلفا في الدخول

المسألة الثانية: لو اختلفا في الدخول، أي الوطءالموجب لإلحاق الولد وعدمه، فادّعته المرأة ليلحق به الولد، (و) أنكر الرّجل، ف (القول قوله في عدم الدخول) لأصالة عدم الدخول، ولأنّه من فعله فيقبل قوله فيه، هكذا ذكره الأصحاب(1).

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّه إنْ كان ذلك بعدما خلا بها، يقدّم قول الزّوجة لظهور الخلوة في الدخول.

والدليل على حجيّة هذا الظهور، وتقدّمه على الأصل، النصوص(2) الواردة في تنصيف المَهر بالطلاق قبل الدخول، الدالّة على أنّه إنْ خلا بها يجبُ عليه تمام المَهر، المتقدّمة في تلك المسألة(3)، وقد عرفت أنّها محمولة على الظاهر، وإرادة أنّ الخلوة طريق إلى الدخول، بل هناك روايات(4) تدلّ على أنّه مع الخلوة لا يسمع قولهما في

ص: 321


1- كما في قواعد الأحكام: ج 3/99، ونهاية المرام: ج 1/435، وكشف اللّثام: ج 7/536 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 21/321-324 باب 55 من أبواب المهور.
3- راجع ما تقدّم في (بيان ما يستقرّ به المَهر) من هذا الجزء.
4- وسائل الشيعة: ج 21/324-325 باب 56 من أبواب المهور.

عدم الدخول، فمع الخلوة يقدّم قولها.

وأمّا بدونها: فإنْ كانت المرأة بِكْراً، المرجع إلى النساء حيث ينظر إليها من يوثق به من النساء، فإنْ لم تكن كما دخلت عليه، حكم بالدخول كما دلّ على ذلك النصّ (1).

ولو اتّفقا على الدخول، ولكن الزّوج أنكر الولادة، وادّعى أنّها جاءت بالولد من الخارج، فالقول قول الزّوج لأصالة عدم الولادة.

ولو اتّفقا على الدخول وعلى الولادة، واختلفا في مضيّ أقصى مدّة الحمل، بأن ادّعى الزّوج أنّها جاءت بالولد بعد مضيّ أكثر من سنة من حين الدخول، وادّعت المرأة عدم مُضيّ تلك المدّة، فالظاهر أنّ القول قول الزّوجة، لأصالة عدم زيادة المدّة، وعدم مضيّها، فيدخل المقام بذلك تحت ما دلّ على إلحاق الولد بالزوج مع اجتماع الشرائط.

حكم ما لو اختلفا فيما يُوجب الإلحاق

ولو اتّفقا على الدخول وعلى الولادة، واختلفا في مضيّ أقلّ مدّة الحمل، وادّعى الزّوج ولادته لدون ستّة أشهر من حين الوطء، وادّعت الزّوجة مضيّ أقلّ المدّة، فمقتضى أصالة عدم انقضاء مدّة الحمل هو تقديم قول الزّوج.

وقد علّله الشهيد الثاني رحمه الله في محكيّ «المسالك» بوجهٍ آخر، وهو: (أنّ مال هذه الدّعوى - أي دعوى عدم مُضيّ تلك المدّة - إلى دعوى الدخول، فإنّه إذا قال:

لم تمض ستّة أشهر من حين الوطء، فمعناه أنّه لم يطأ قبل هذه المدّة، وإنّما وطأ في

ص: 322


1- التهذيب: ج 7/465 باب الزيادات في فقه النكاح ح 74، وسائل الشيعة: ج 21/325 باب 57 من أبواب المهور، حديث 27201.

انتهائها، فكما أنّ قوله يقدّم في عدم الدخول لأصالة عدمه، فكذا هنا لأصالة عدم تقدّمه، لاشتراكهما في تعليل الأصل)(1) انتهى .

أقول: وقد استدلّ لتقديم قولها بوجوهٍ :

الوجه الأوّل: ما في «الجواهر» من أصالة لحوق الولد بالوطء المحترم، حتّى يتبيّن فساد ذلك، وهي قاعدة اُخرى غير قاعدة الولد للفراش، ولو لكونها أخصّ منها، وحينئذٍ فمتى تحقّق الوطء حُكم شرعاً بلحوق الولد، إلّاإذا عَلم العدم بالوضع لأقلّ الحَمل أو لغير ذلك، ففي الفرض تكون المرأة مُنكِرة لموافقة قولها لهذه القاعدة(2).

وفيه: إنّ النصوص المحدّدة لأقلّ مدّة الحَمل(2) تدلّ على اعتبار مضيّ المدّة المزبورة في الإلحاق، وأنّ بدونه لايلحق الولد، فكما أنّه لو علم بالوضع لأقلّ المدّة، لامجال للتمسّك بالأصل المزبور كذلك لو شُكّ فيه، وجرى استصحاب عدم المضيّ .

وإنْ شئت قلت: إنّ الاستصحاب لكونه جارياً في الموضوع، يكون حاكماً على تلك القاعدة.

الوجه الثاني: ما في «الجواهر»(4) أيضاً وغيرها من أنّ قاعدة: (الولد للفراش) تدلّ على ذلك، وهي قاعدة مضروبة لحالة الشكّ ، وشيّد هذا الوجه المحقّق اليزدي قائلاً بأنّ هذه القاعدة في طول القاعدة المستفادة من النصوص المحدّدة لأقلّ مدّة الحمل وأقصاها، الّتي هي مضروبة لحال الشكّ في الفجور، ولا نظر لها إلى الشكّ في المدّة، وهذه القاعدةُ اُسِّست لحالة الشكّ مطلقاً.د.

ص: 323


1- مسالك الأفهام: ج 8/384. (2و4) جواهر الكلام: ج 31/234.
2- وسائل الشيعة: ج 21/380-384 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد.

قال: (ويؤيّد ذلك أنّه لو كانت تلكم النصوص في مقام تقييد الولد للفراش، ولم تكن قاعدة مستقلّة، للزم لَغويّة قاعدة الولد للفراش، أو كونها قليل المورد).

أقول: لا إشكال في أنّ قاعدة الولد للفراش قاعدة مضروبة في حالة الشكّ والاحتمال، وعدم إحراز كون الولد متكوّناً من ماء الزّوج.

وأمّا النصوص المحدّدة لأقلّ مدّة الحمل ولأقصاها، فإنّما هي في مقام بيان حكمٍ واقعي، وأنّ الولد لا يكون في أقلّ المدّة ملحقاً، ويُحرز بها عدم الإلحاق، وهي موجبة للعلم بعدم الإلحاق.

وأمّا أنّه إذا كان الولد بعد مضيّ أقلّ المدّة، وقبل مضيّ أقصاها، فهل الولدُ ملحقٌ بالزوج أم لا؟ فتلكم النصوص أجنبيّة عن بيانه، ولو تضمّن بعضها لذلك أيضاً، فهو أمرٌ آخر، ويكون مفاده مفاد قاعدة الفراش حينئذٍ.

وبهذا يظهر أمران:

1 - أنّ أصالة عدم مضيّ تلك المدّة بضميمة تلكم النصوص، حاكمة على قاعدة الفراش، لارتفاع موضوعها وهو الشكّ .

2 - أنّه يبقى موارد كثيرة لقاعدة الفراش مع تقييدها بتلكم النصوص، فإنّها في كلّ موردٍ شُكّ في الفجور، وكانت الولادة بعد الدخول وقبل مضيّ أقصى المدّة، وبعد مضيّ أقلّها لما عرفت من أنّ تلكم النصوص لا نظر لها إلى الإلحاق، وإنّما هي في مقام بيان موارد عدم الإلحاق وموارد إمكان الإلحاق.

الوجه الثالث: ما عن «كشف اللّثام» من: (أنّ العلوق بالولد من فعلها، فيرجع إليها فيه، فيقدّم قولها مطلقاً)(1).).

ص: 324


1- كشف اللّثام: ج 7/537 (ط. ق).

وفيه: إنّ العلوق بالولد ليس من فعلها، بل من فعل اللّه تعالى .

الوجه الرابع: ما ذكره سيّد «الرياض» من أنّ الأصل الذي مع الزّوج معارضٌ بأصالة عدم موجبٍ للحمل لها غير دخوله(1).

وفيه: أنّه إنْ أراد به الأصل الذي ذكره صاحب «الجواهر»(2)، وهو الوجه الأوّل، فيرد عليه ما تقدّم.

وإنْ أراد به الاستصحاب، فهو لا يُثبت كون الولد من دخوله.

فالمتحصّل: أنّ ما ذكرناه من كون القول قول الزّوج بيمينه في هذه الصورة لا إشكال فيه.

ولو اتّفقا على الدخول، وعلى مضيّ أقلّ المدّة، وعدم تجاوز أكثرها، فلا إشكال في لحوق الولد بالزوج، وإنْ وطئها واطىءٌ فجوراً، فضلاً عمّا لو اختلفا فيه، فإنّ :

«الَولدُ للفِراش وللعاهر الحَجَر».

نعم، فيما إذا وطئها واطىءٌ شُبهةً كلامٌ قد تقدّم، وعرفت أنّ المتّجه حينئذٍ القرعة مع مضيّ أقلّ المدّة منه أيضاً، وعدم تجاوز الأقصى .

ولو اختلفا فيه، فالقول قولها، لأصالة عدم الوطء، إلّامع وجود أمارةٍ عليه كالخلوة.

ولو اتّفقا على الدخول، وعلى عدم حصول الشرط، بأن اتّفقا على التجاوز عن أقصى مدّته من زمانه:

فهل يُكتفى باتّفاقهما على نفي الولد عنه في انتفائه، نظراً إلى أنّ الفعل لا يعلم إلّا4.

ص: 325


1- رياض المسائل: ج 10/489 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 31/234.

ولو اعترف به ثُمّ أنكر الولد، لم ينتفِ إلّاباللّعان.

منهما، وإقامة البيّنة على ذلك متعذّرة، أو متعسّرة، فلو لم يكتفِ باتّفاقهما لزم الإضرار بالزوج، لعلمه بانتفائه عنه في الواقع، ولا يمكنه نفيه ظاهراً، وإلى أنّ الشارع أوجب عليه النفي مع علمه بالانتفاء، ولا يمكن ذلك باللّعان في الفرض، لتوقّفه على تكاذبهما، فلو لم يكتفِ به في انتفائه عنه، لزم لغويّة إيجاب النفي عليه ؟

أم لا يُكتفى به نظراً إلى تعلّق الحقّ بغيرهما وهو الولد، ولا مانع من انتفائه عنه واقعاً، وعدم الانتفاء ظاهراً، أو لايلزم من ذلك إضرارٌ به، فإنّ الولد بحسب قاعدة الفراش ملحقٌ به ظاهراً، فله العمل فيما بينه وبين اللّه بما يعلم، وفي الظاهر بما تقتضيه القاعدة، كما لا مانع من عدم قبول قوله في نفي الولد، وإنّما أثره عدم ترتيب الآثار التي له بذلك، ولا يلزم اللّغويّة.

وجهان: أظهرهما الثاني.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر ما في إطلاق ما أفاده المصنّف رحمه الله، حيث قال: (ولو اعترف به) أي بالدخول (ثُمّ أنكر الولد، لم ينتفِ إلّاباللِّعان).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ مرجع الضمير هو الولد دون الدخول، فمراده أنّه بعد الاعتراف بالولد لا أثر لإنكاره، وهو تامٌّ إجماعاً(1) ونصّاً(2).ة.

ص: 326


1- نهاية المرام: ج 1/440، كشف اللّثام: ج 7/537 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 26/270-271 باب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة.

ولا يجوزُ له إلحاق ولد الزّنا به. ولو تزوّجت بآخر بعد طلاق الأوّل،

حكم لحوق ولد الزّنا

المسألة الثالثة: (و) أنّه كما لا يجوزُ نفي الولد مع العلم أو مع الشكّ لاحتمال الفجور، بعد تحقّق شروط الإلحاق، للنصوص المتقدّمة(1) جملةٌ منها، كذلك (لا يجوزُ له إلحاق وَلد الزّنا به) وإنْ تزوّج الزانية بعد الحَمل، لأنّ قاعدة الفراش مختصّة بالمنعقد بالفراش وللعاهر الحجر.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - خبر عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن الحسن القُمّي، قال: «كتبَ بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام معي يسأله عن رجلٍ فجر بامراةٍ فحملت، ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل، فجاءت بولدٍ هو أشبه خلق اللّه به ؟

فكتب عليه السلام بخطّه وخاتمه: الولدُ لغيّة لا يورث»(2).

ونحوه غيره(3).

حكم ما لو جاءت المزوّجة بعد الطلاق بولدٍ

المسألة الرابعة: (ولو) طلّق إمرأته، و (تزوّجت بآخر بعد طلاق الأوّل)

ص: 327


1- خرجت النصوص المشار إليها في بداية هذا الفصل (التاسع).
2- التهذيب: ج 9/343 باب ميراث ابن الملاعنة ح 17، وسائل الشيعة: ج 26/274 باب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، حديث 32991.
3- تهذيب الأحكام: ج 9/344، باب ميراث ابن الملاعنة ج 19 و 20.

وأتت بولدٍ لأقل من ستّة أشهر، فهو للأوّل، وإنْ كان لستّة أشهر فصاعداً فهو للأخير، ولو كان لأقل من ستّة أشهر من وطء الثاني، وأكثر من عشرة أشهر من طلاق الأوّل، فليس لهما.

وانقضاء العِدّة (وأتت بولدٍ لأقلّ من ستّة أشهر) من وطء الثاني، وكان لأكثر منها من وطء الأوّل، (فهو للأوّل).

(وإنْ كان لستّة أشهر فصاعداً):

فهو للأخير، ولو كان لأقلّ من ستّة أشهرٍ من وطء الثاني، وأكثر من عشرة أشهر) على مبنى المصنّف رحمه الله من أنّها أقصى مدّة الحَمل.

وأكثر من سنة على المختار (من طلاق الأوّل، فليس لهما).

وهذاكلّه ممّا لاخلاف فيه، وتقتضيه القواعد المتقدّمة، مضافاًإلى النصوص الخاصّة:

منها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرّجل إذا طلّق إمرأته ثمّ نكحت، وقد اعتدّت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأوّل، وإنْ كان ولداً نقص من ستّة أشهر فلاُمّه ولأبيه الأوّل، وإنْ ولدت لستّة أشهر فهو للأخير»(1).

ومنها: مرسل جميل، عن أحدهما عليهما السلام: «في المرأة تزوَّج في عِدّتها؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، وتعتدّ عِدّة واحدة منهما جميعاً، فإنْ جاءت بولدٍ لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإنْ جاءت بولدٍ لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل»(2).4.

ص: 328


1- التهذيب: ج 8/167 باب لحوق الأولاد بالآباء ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/383 باب 17 من أبواب أحكام الأوالد، حديث 27363.
2- التهذيب: ج 8/168 باب لحوق الأولاد بالآباء ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/383 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27364.

ولو اعترفَ بولد أمَته أو المتعة ألحق به، ولا يقبل نفيه بعد ذلك.

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كان للرّجل منكم الجارية يطأها، فاعتدّت ونكحت، فإنْ وضعت لخمسة أشهر، فإنّه لمولاها الذي أعتقها، وإنْ وضَعتْ بعدما تزوّجت لستّة أشهر، فإنّه لزوجها الأخير»(1).

ونحوها غيرها(2).

وبذلك يظهر ضعف القول بالقرعة لو كان لأكثر من ستّة أشهر من وطء الثاني، وأقلّ من أقصى المدّة من وطء الأوّل.

حكم الاعتراف بالولد ثمّ إنكاره

المسألة الخامسة: (ولو اعترف بولدِ أمَته أو المتعة اُلحق به، ولا يُقبل نفيه بعد ذلك) إجماعاً(3)، ويشهد به نصوصٌ :

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال: «وأيّما رجلٍ أقرَّ بولده ثمّ انتفى منه فليس له ذلك، ولا كرامة، يُلحق به ولده إذا كان من امرأته أو وليدته»(4).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «إذا أقرّ رجلٌ بولده ثمّ نفاه لزمه»(5).

ص: 329


1- الكافي: ج 5/491 باب الرّجل يكون لها الجارية يطؤها ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/380 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27352.
2- الفقيه: ج 3/470 باب النوادر ح 4639.
3- نهاية المرام: ج 1/440.
4- التهذيب: ج 9/346 باب ميراث ابن الملاعنة ح 26، وسائل الشيعة: ج 26/270 باب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، حديث 32983.
5- التهذيب: ج 9/346 باب ميراث ابن الملاعنة ح 28، وسائل الشيعة: ج 26/271 باب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، حديث 32984.

ولو وطأ بالشُّبهة لحق به الولد، فإن كان لها زوجٌ وظنّت خلوّها رُدّت عليه بعد العدَّة من الثاني.

ومنها: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام:

«إذا أقرّ الرّجل بالولد ساعةً لم ينفِ عنه أبداً»(1).

ونحوها غيرها(2).

حكم الولد المولود من وطء الشُبهة

المسألة السادسة: (ولو وطأ بالشُّبهة، لحق به الولد، فإنْ كان لها زوجٌ وظنّت خلوّها رُدّت عليه بعد العِدَّة من الثاني)، وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة وفروعها حتّى إلحاق الولد في الفصل الثاني فيما يحرم بالسبب، في مسألة حرمة التزويج في العدّة، فراجع(3).

***

ص: 330


1- التهذيب: ج 8/183 باب لحوق الأولاد بالآباء ح 63، وسائل الشيعة: ج 26/271 باب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، حديث 32986.
2- تهذيب الأحكام: ج 9/346 باب ميراث ابن الملاعنة ح 27 و 28.
3- فقه الصادق: ج 32/16.

ويجبُ عند الولادة استبداد النساء أو الزّوج بالمرأة.

بيان ما يجبُ عند الولادة

المقام الثاني: في أحكام الولادة:

ويدور البحث في هذا المقام في الأعمّ من ما يستحبّ (ويجب):

منها: أنّ الواجب (عند الولادة استبداد النساء) دون الرّجال (أو الزّوج بالمرأة)، بلا خلافٍ (1) في شيء من ذلك، ولا إشكال.

أقول: هاهنا فروع:

الفرع الأوّل: يجبُ على النساء كفائيّاً الحضور عند الولادة، لوجوب حفظ النفس المحترمة عند تحقّق ما يُخشى منه تلفها مع عدم الحضور، ومنه ما نحن فيه.

الفرع الثاني: يجبُ استبداد النساء، ولا يجوزُ حضور الرّجال، وعُلّل بأنّ مثل ذلك يوجبُ سماع صوتها غالباً، والاطّلاع على ما يَحرم.

والجواب عن الوجه الأوّل: ما تقدّم(2) من عدم حرمة سماع صوت الأجنبيّة، واُيّد ذلك بأنّ حضور الرّجال ربما يؤدّي إلى تلفها، وتلف ولدها، باعتبار ما يحصل معها من الحياء ونحوه، وبما دلّ من النصّ (3) والفتوى(4) على قبول شهادة النساء

ص: 331


1- رياض المسائل: ج 10/501-502 (ط. ق).
2- فقه الصادق: ج 6/400.
3- وسائل الشيعة: ج 37/350-365 باب 24 من أبواب الشهادات.
4- الخلاف: ج 5/107 مسألة 20، شرائع الإسلام: ج 4/921، قواعد الأحكام: ج 3/499 باب الشهادات.

منفردات بالولادة والإستهلال ونحوهما.

أقول: الظاهر أنّ ما ذكر أوّلاً في هذا الزمان ممّا يُضحِك الثكلى، بل تفتخر النساء بحضور الرّجال الأجانب، وكونهم متصدِّين لذلك، وأحد المناصب المهمّة كون الرّجل من القوابل، بل يعدّ المناقشة في شرعيّة مثل هذه الاُمور في عصرنا الحاضر من الخرافات!!

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ هذا في النساء المتبرّجات الكاشفات اللّآتي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حقّهن: «من الدّين خارجات»(1).

وأمّا المتديّنات وهنّ كثيرات جدّاً، فهو حقٌّ ، بل ينبغي ذكره دليلاً وشاهداً لا مؤيّداً.

الفرع الثالث: عدم الفرق بين الرّجال الأجانب والمحارم، لاستلزام ذلك إطّلاع المحارم أيضاً على ما يحرم عليهم.

الفرع الرابع: مع فرض عدم من يقوم بحاجتها من النساء، يجبُ على الرّجال، لأنّ وجوب حفظ النفس المحترمة أهمٌّ من المحرّمات، فعند التزاحم يسقط كلّ محرمٍ ، ولذا قالوا: (المحظورات تُباح عند الضرورات).

وعليه، فهل تقدّم المحارم على الأجانب كما صرّح به بعضهم(2)؟

أم لا تقدّم عليهم كما في «الجواهر»(3)؟0.

ص: 332


1- الفقيه: ج 3/390 باب المذموم من أخلاق النساء ح 4374، وسائل الشيعة: ج 20/35 باب 7 من أبواب مقدّمات النكاح، حديث 24961.
2- كما في مسالك الأفهام: ج 8/383-394، ورياض المسائل: ج 10/502 (ط. ق).
3- جواهر الكلام: ج 31/250.

وجهان؛ أظهرهما الأوّل، لأنّ تصدّي المحارم مستلزمٌ لكون ما يرتكب من المحرّمات أقلّ ، مثلاً لمس سائر مواضع البدن غير العورة والنظر إليها لايكون محرّماً عليهم، وهي محرّمة على الأجانب، فكلّ ما أمكن تقليل ارتكاب المحرّمات تعيّن.

وعليه، فلابأس بما قاله بعضهم من وجوب جَعل الأجنبي محرماً، مع الإمكان(1)، إذ بذلك تقلّ المحظورات بقدر الإمكان.

الفرع الخامس: لا بأس بالزوج وإنْ وُجد النساء، لعدم حرمة شيء عليه، بل يحلّ له النظر إلى العورة، ولا يجوز ذلك للنساء إلّاعند الضرورة.

وعلى ذلك، فقد يقال إنّه مع تمكّنه من الحضور، وعدم ترتّب محذور عليه، لايجوز للنساء التصدّي.

ثمّ إنّ في المقام رواية، وهي الرواية التي رواها جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا حضرت ولادة امرأة، قال: أخرجوا من في البيت من النساء، لا تكون المرأة أوّل ناظر إلى عورة»(1).

وفي «الجواهر»: (وهو حكمٌ غريبٌ ، ومخالفٌ للسيرة والفتاوى وغيرها من النصوص)(3).

أقول: الظاهر من الأمر بجماعةٍ بإخراج النساء، إرادة اللّآتي لاتكون متصدّيات لأمرٍ، ولا بأس بذلك استحباباً، واللّه العالم.7.

ص: 333


1- الفقيه: ج 3/560 باب النوادر ح 4925، وسائل الشيعة: ج 21/385 باب 18 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27367.

ويستحبُّ غُسلُ المولود، والأذان في اُذنه اليمنى ، والإقامة في اليُسرى.

ما يندب عند الولادة

(و) منها: أنّه (يستحبُّ ) عند الولادة اُمور:

1 - (غُسل المولود) بضمّ الغين.

قد تقدّم الكلام في الدليل على استحبابه ووقته واعتبار الترتيب فيه، وعدمه، وضعف القول بوجوبه في مبحث الأغسال من كتاب الطهارة(1).

2 - (والأذان في اُذُنه اليمنى ، والإقامة في اليسرى ).

ويشهد به جملة من النصوص:

منها: الخبر القويّ الذي رواه السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

من وُلِد له مولودٌ فليؤذّن في اُذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم في اُذنه اليُسرى ، فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم»(2).

ومنها: مرسل الصدوق: «قال الصادق عليه السلام: المولود إذا وُلِد يؤذّن في اُذُنه اليمنى ويُقام في اليسرى »(3).

ونحوهما غيرهما(4).

ص: 334


1- فقه الصادق: ج 4/131.
2- الكافي: ج 6/24 باب ما يفعل بالمولود ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/405 باب 35 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27420.
3- الفقيه: ج 1/299 باب الأذان والإقامة ح 911، وسائل الشيعة: ج 5/456 باب 46 من الأذان، حديث 7072 كتاب الصلاة.
4- تحف العقول: ص 12، وسائل الشيعة: ج 20/131 باب 66 من أبواب مقدّمات النكاح، حديث 25219.

وتحنيكه بتربة الحسين عليه السلام، وبماء الفرات،

ولا يعارضها خبر حفص الكناسي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«مروا القابلة أو بعض من يليه أن يقيم الصلاة في اُذُنه اليمنى ، فلا يصيبه لَممٌ ولا تابعةٌ أبداً»(1).

لإمكان البناء على كونه مستحبّاً آخر.

وربما يقال: إنّ محلّ ذلك قبل قَطع السُّرة لخبر الرازي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«خُذ عدسة جاوشير فذيفه بماءٍ ثمّ قطّر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين، وفي الأيسر قطرة، وأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقم في اليسرى ، يفعل ذلك قبل أن تقطعُ سُرّته، فإنّه لا يفزع أبداً»(2) الحديث.

ولكن ذلك لا مفهوم له كي يقيّد به إطلاق النصوص الاُخر، ويعارض به ما تضمّن(3) فعل المعصومين عليهم السلام بعد قطع السُّرة، بل في السابع أيضاً فالكلّ حَسنٌ .

3 - (وتحنيكه بتربة الحسين عليه السلام) للنصوص(4).

4 - (وبماء الفُرات) الذي هو النهر المعروف، للأخبار(5) أيضاً فإنْ لم يوجد ماء الفرات فبماء السماء كما في مرسل الكليني(1).

قالوا: والمراد بالتحنيك إدخال ذلك إلى حَنَكه، وهو أعلى داخل الفم.5.

ص: 335


1- الكافي: ج 6/24 باب ما يفعل بالمولد ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/407 باب 36 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27425.

وتسميته باسم أحد الأنبياء أو الأئمّة عليهم السلام. والكنية، ولا يُكنَّى محمّداً بأبي القاسم.

وقيل: يكفي الدلك بكلّ من الحَنَكين، للعموم، وإنْ كان المتبادر دلك الأعلى .

5 - (وتسميته باسم أحد الأنبياء أو الأئمّة عليهم السلام) أو ما يتضمّن العبوديّة للّه سبحانه، كعبد اللّه، وعبد الرحمن، وسائر الأسماء المستحسنة.

كما يشهد بذلك كلّه نصوص(1) مستفيضة وأصدق الأسماء ما سُمّي بالعبوديّة، وأفضلها أسماء الأنبياء كما في النَّص(2).

6 - (و) ان يُكنّيه ب (الكنية)، والمراد بها ما صُدّر بأب واُمّ مخافة النبز وهو لقب السوء، قال الإمام الباقر عليه السلام في خبر معمّر بن خيثم:

«إنّا لنكنّي أولادنا في صِغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم»(1).

وفي خبر السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام: «من السُّنة والبِرّ أن يُكنّى الرّجل باسم ابنه»(2).

ويستثنى من ذلك ما ذكره المصنّف بقوله: (ولا يُكنّي محمّداً بأبي القاسم) أي لايجمع بين التسمية بمحمّد، والتكنية بأبي القاسم، لخبر السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن أربع كُنى: عن أبي عيسى ، وعن أبي الحَكَم، وعن8.

ص: 336


1- الكافي: ج 6/19 باب الأسماء والكنى ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/397 باب 27 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27397.
2- الكافي: ج 2/162 باب البِرّ بالوالدين ح 16، وسائل الشيعة: ج 21/397 باب 27 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27398.

وحَلْق رأسه يوم السابع، والعقيقة

أبي مالك، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمّداً»(1).

والظاهر رجوع القيد إلى الأخير، وأمّا الثلاثة فتُكره مطلقاً.

ثمّ إنّ الظاهر التسالم على حَمل النهي على الكراهة.

7 - (وحَلْق رأسه يوم السّابع).

ففي خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المولود يُسمّى في اليوم السابع، ويُعقّ عنه، ويُحلق رأسه، ويتصدّق بوزن شعره فِضّة، ويُبعث إلى القابلة بالرِّجْل مع الوَرَك ويُطعم منه ويتصدّق»(2).

وفي خبره الآخر: «إذا وُلِد لك غلامٌ أو جارية، فعقّ عنه يوم السابع شاةً أو جزوراً، وكُل وأطعم وسم، وأحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة، واعط القابلة طائفة من ذلك، فأيّ ذلك فعلت أجزاك»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

8 - (و) بها يظهر استحباب (العقيقة)، وسيأتي الكلام(5) فيها، وقالوا ينبغي أنْء.

ص: 337


1- الكافي: ج 6/21 باب الأسماء والكنى ح 15، وسائل الشيعة: ج 21/400 باب 29 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27406.
2- الكافي: ج 6/29 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 10، وسائل الشيعة: ج 21/420 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27468.
3- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/422 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27474.
4- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/420 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27470.
5- يأتي الكلام في: (عقيقة المولود) بعدة عدَّة صفحات من هذا الجزء.

بعده. والتصدّق بوزنه ذهباً أو فضّة، وثَقبُ أُذنه. وختانه فيه.

تكون العقيقة (بعده) أي بعد الحلق، واستدلّ له في محكيّ «الروضة»(1)، قال:

(«فقال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السلام: بأيّ ذلك يُبدأ؟ قال عليه السلام:

يحلق رأسه ويعقّ عنه ويتصدّق بوزن شعره فضّة، يكون ذلك في مكان واحد»(2)، وفيه نظر).

والأمرُ سهلٌ .

9 - (و) أمّا (التصدّق بوزنه) أي وزن شعره (ذهباً أو فضّة) فقد مرّ ما يدلّ عليه.

10 - (وثقب اُذُنه) بإجماعنا كما في «الرياض»، والنصوص(3) المستفيضة شاهدة به، ومقتضى إطلاق جملة منها الاكتفاء بثقب اُذن واحدة، ولكن بعضها يدلّ على استحباب ثقب الاُذنين، كالخبرين(4) الواردين في ثقب اُذني الحَسَنين عليهما السلام، ولا يُحمل المطلق منها على المقيّد، فالكلّ حَسنٌ .

11 - (وختانه فيه) أي في اليوم السابع، بلا خلافٍ في استحبابه.

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

والنصوص(2) به مستفيضة أو متواترة.د.

ص: 338


1- جواهر الكلام: ج 31/263.
2- وسائل الشيعة: ج 21/433-437 باب 52 من أبواب أحكام الألاد.

ولا خلاف(1) أيضاً في أنّه لو أخّر عنه جاز، وقد صرّح به في صحيح ابن يقطين(2) وغيره(3).

وجوب الختان

أقول: وقع الخلاف في أنّه:

هل يجبُ على الوليّ الخِتان قبل أن يبلغ الصَّبي، بحيث يكون ختانه في يوم السابع، إلى حين البلوغ من الواجب الموسّع، وأفضل الأفراد الختان يوم السابع، كما عن المصنّف في «التحرير»(4) واستظهره الشهيد الثاني(5) من عبارة «الشرائع»(6)؟

أم لا يجبُ عليه، كما هو المشهور(7) بين الأصحاب ؟

واستدلّ للأوّل: بالنصوص الآمرة(8) للوليّ بأن يختنه.

وأجاب عنه السيّد في محكيّ «المدارك»: بالتصريح في صحيح عليّ بن يقطين بأنّه لا بأس بالتأخير.

ص: 339


1- جواهر الكلام: ج 31/263.
2- الكافي: ج 6/36 باب التطهير ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/438 باب 54 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27525.
3- الكافي: ج 6/35 باب التطهير ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/433 باب 52 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27512.
4- تحرير الأحكام: ج 2/43 (ط. ق).
5- مسالك الأفهام: ج 8/402-403 قوله: (يظهر من عبارة المصنّف حين الولادة إلى أن يقرّ التكليف).
6- شرائع الإسلام: ج 2/565 قوله: (وأمّا الختان فمستحبّ يوم السابع، ولو أخّر جاز).
7- نهاية المرام: ج 1/453 قوله: (ذهب الأكثر إلى أنّه لا يجب إلّابعد البلوغ).
8- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1/31 ح 19، وسائل الشيعة: ج 21/439 باب 54 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27527.

وأُورد عليه في «الحدائق»: (بأنّ الظاهر من الصحيحة المذكورة إنّما هو أنّه لا بأس بالتأخير عن السابع، بمعنى أنّه لا يتحتّم عليه فعله وجوباً أو استحباباً في يوم السابع، بل يجوز التأخير عنه، والقائل بالوجوب إنّما أراد به الوجوب الموسّع إلى ما قبل البلوغ، فلا تكون الرواية منافية له)(1).

وفيه: إنّ النصوص المتضمّنة لأمر الولي بذلك متضمّنة لأمره به يوم السابع، كقويّ السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: طهّروا أولادكم يوم السابع، إنّه أطيب وأطهر وأسرع لنبات اللّحم» الحديث(2).

ونحوه غيره(3).

وعليه، فصحيح عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن ختان الصَّبي لسبعة أيّام من السنة هو أو يؤخّر فأيّهما أفضل ؟

قال: لسبعة أيّام من السنة، وإنْ أخّر فلا بأس»(4).

يصلحُ شاهداً لحمل تلك الأوامر على الاستحباب.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ ظاهر تلك النصوص وجوب الاختتان على الوليّ ، وغاية ما يدلّ عليه الصحيح أنّ للوليّ أن يؤخّر عن اليوم السابع، ولا يدلّ على جواز تركه5.

ص: 340


1- الحدائق الناضرة: ج 25/50.
2- الكافي: ج 6/35 باب التطهير ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/434 باب 53 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27515.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1/31 ح 19، وسائل الشيعة: ج 21/439 باب 54 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27527.
4- الكافي: ج 6/36 باب التطهير ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/438 باب 53 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27525.

بالمرّة إلى أن يبلغ الصَّبي، وبهذا المقدار يرفع اليد عن ظهور تلكم النصوص، فلا وجه لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب رأساً.

استدلّ صاحب «الحدائق»(1) على الاستحباب: بالأخبار الدالّة على أنّه من السنن كصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ختان الغلام من السُّنة، وخَفض الجارية ليس من السُّنة»(2).

ونحوه غيره(3).

وفيه: إنّ السُّنة تطلق على معنيين:

1 - على المستحبّ .

2 - وعلى ما ثبت وجوبه بغير الكتاب.

والمرادُ بها في هذه النصوص الثاني، لوجهين:

أحدهما: قوله عليه السلام: «وخَفض الجارية ليس من السُّنة» فإنّه بعد معلوميّة استحبابه - كما سيأتي - يكون المراد نفي الوجوب، مع أنّه صرّح به في الخبر الذي رواه مسعدة بن صدقة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«خفض النساء مكرمة وليس من السُّنة، ولا شيئاً واجباً، وأيّ شيء أفضل من المكرمة»(4)، فيدلّ ذلك على إرادة الواجب من كلمة (السُّنة).3.

ص: 341


1- الحدائق الناضرة: ج 25/50.
2- الكافي: ج 6/37 باب خفض الجواري ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/441 باب 53 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27532.
3- الكافي: ج 6/35 باب التطهير ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/434 باب 53 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27508.
4- الكافي: ج 6/37 باب خفض الجواري ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/441 باب 56 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27533.

الثاني: التصريح بأنّه سُنّة واجبة في الخبر الذي رواه الفضل بن شاذان، عن الإمام الرضا عليه السلام: «أنّه كتب إلى المأمون: والختان سُنّةٌ واجبة للرِّجال، ومكرمة للنساء»(1).

وعلى ذلك فهذه النصوص تدلّ على وجوب الختان لا على استحبابه.

فإنْ قيل: إنّ غاية ما يدلّ عليه كون الختان من الواجبات، وهذا ممّا لا كلام فيه إنْ لم يختن الغلام إلى أن بلغ، فإنّه يجب عليه الختان كما سيأتي، وهذا لا يدلّ على وجوبه على الوليّ .

قلت: إنّ ظاهر صحيح ابن سنان المتقدّم، وجوب ختان الغلام، وهو من لم يبلغ، وحيث أنّه لا يجبُ على نفسه، فيكون واجباً على الوليّ .

أقول: ويشهد لوجوبه عليه - مضافاً إلى ذلك - التوقيع الشريف:

«وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نَبَت غلفته بعدما يختتن، هل يختتن مرّةً اُخرى؟ فإنّه يجب أن تقطع غلفته» الحديث(2).

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ مقتضى النصوص وجوبه على الوليّ ، ولا قرينة لحملها على الاستحباب سوى تَسالم(3) الأصحاب عليه.

ثمّ إنّ من يجب عليه ذلك هو خصوص الأب والجَدّ، لأنّهما المتيقّن إرادتهما من النصوص، والمورد لجملة منها، فلا يجب على غيرهما قطعاً.1.

ص: 342


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/125 باب ما كتبه الرضا عليه السلام للمأمون ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/437 باب 52 من أبواب احكام الأولاد، حديث 27520.
2- كمال الورى : ج 2/521 ح 39، وسائل الشيعة: ج 21/442 باب 57 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27534.
3- جواهر الكلام: ج 31/260-261.

ويجبُ بعد البلوغ.

ثُمّ لا خلاف(1)(و) لا إشكال في أنّه لو بلغ الصَّبي ولم يختتن، (يجبُ ) أن يختن نفسه (بعد البلوغ).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه، بل عُدّ وجوب الختان من ضروريّات المذهب والدّين)(2).

ويشهد به: - مضافاً إلى ما تقدّم من النصوص المتضمّنة أنّ الختان من السُّنة أو من السنة الواجبة - قوي السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا أسلم الرّجل اختتن ولو بلغ ثمانين سنة»(1).

وخبر يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم عليه السلام، في حديثٍ طويل:

«إنّ رجلاً من الرهبان أسلم على يده - إلى أنْ قال - وقال: اختتن»(2).

ولا قائل بالفصل.

ومن الغريب ما في «الحدائق» من عدم الدليل على وجوبه عليه سوى الإجماع المُدّعى (3).

أمّا الخُنثى المشكل: فهل يجب ختانه أم لا؟ وجهان:

قال الشهيد الثاني رحمه الله: (في وجوبه وتوقّف صحّة صلاته عليه وجهان:4.

ص: 343


1- الكافي: ج 6/37 باب التطهير ح 10، وسائل الشيعة: ج 21/440 باب 55 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27529.
2- الكافي: ج 1/483 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/440 باب 55 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27530.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/54.

وخَفضُ الجواري مستحبّ .

من الشكّ في ذكوريّته التي هي مناط الوجوب معتضداً بأصالة البراءة.

ومن توقّف حصول اليقين بصحّة صلاته عليه، وتناول قوله عليه السلام: «اختتنوا أولادكم يوم السابع» خَرج الاُنثى منه خاصّة فيبقى الباقي)(1).

وأورد عليه صاحب «الجواهر»: بأنّ عنوان الوجوب الذكر(2).

أقول: جملة من النصوص وإن اشتملت عليه، إلّاأنّ جملةً منها مطلقة ولا يحمل المطلق على المقيّد في المثبتين، فالخارج هو الاُنثى ، وعليه:

فإنْ قلنا: بأنّ الخُنثى حقيقة ثالثة، فما أفاده الشهيد لا إشكال فيه.

وإنْ قلنا: بأنّها إمّا ذكرٌ أو اُنثى ، فيمكن أن يوجّه كلامه بأنّها باستصحاب عدم الاُنوثيّة الأزلي تدخل في النصوص، ولا يعارضه أصالة عدم الذكوريّة، لعدم كونها موضوع الحكم، فما أفاده متينٌ لا إيراد عليه.

نعم، ما ذكره من توقّف صحّة صلاته عليه غير تامّ ، لما ذكر في محلّه(2) من عدم توقّف صحّة الصلاة على الختان، حتّى في الذَّكر، فضلاً عن الخُنثى .

هذا كلّه في الذَّكر.

(و) أمّا الخِتان في الإناث، المعبّر عنه في كلام الأصحاب ب (خَفْضِ الجَواري)، ف (مستحبٌّ ) بلاخلافٍ (4)، والنصوص المتقدّمة شاهدة به، وبعدم الوجوب لا عليهنّ).

ص: 344


1- مسالك الأفهام: ج 8/404. (2و4) جواهر الكلام: ج 31/262.
2- فقه الصادق: ج 9/196، مبحث (مَنْ يُكره الإئتمام به).

ولا على أوليائهنّ ، ووقته فيهن لسبع سنين، ففي خبر وهب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام: «لا تخفض الجارية حتّى تبلغ سبع سنين»(1).

وينبغي عدم الاستيصال فيه، لصحيح ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لاُمّ حَبيب: «إذا أنتِ فَعلت فلا تنهكي ولا تستأصلي، واشمّي، فإنّه أشرق للوجه، وأحظى عند الزّوج»(2).

ونحوه غيره(3).

***ه.

ص: 345


1- التهذيب: ج 6/360 باب المكاسب ح 154، وسائل الشيعة: ج 17/130 باب 18 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة، حديث 22172.
2- الكافي: ج 5/118 باب كتسب الماشطة والخافضة ح 1، وسائل الشيعة: ج 17/129 باب 18 من أبواب ما يكتسب به، حديث 22170.
3- التهذيب: ج 6/360 باب المكاسب ح 156 رواه بإسناده عن أحمد بن محمّد مثله.

ويستحبُّ له أن يعقّ عن الذَّكَر بذَكَرٍ، وعن الاُنثى باُنثى .

عقيقة المولود

(و) أمّا العقيقة: والمراد بها في المقام الذَّبيحة التي تُذبح للمولود، فالمشهور بين الأصحاب أنّه (يستحبّ له أن يعقّ عن الذَكَر بذَكرٍ، وعن الاُنثى باُنثى ).

وعن «الخلاف»: (إجماع الفرقة وأخبارهم عليه).

ويشهد به: خبر محمّد بن مارد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن العقيقة ؟ فقال عليه السلام: شاة أو بقرة أو بدنة، ثمّ يُسمّى...

إلى أنْ قال: إنْ كان ذَكَراً عَقَّ عنه ذَكَراً، وإنْ كان اُنثى عَقَّ عنه باُنثى »(1).

وخبر يونس، عن رجلٍ ، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال:

«إذا كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية، فليعقّ عنه كَبْشاً عن الذَكر ذَكراً، وعن الاُنثى مثل ذلك عقّوا عنه»(2). فتأمّل.

أقول: ولكن في أكثر النصوص التسوية، فقد ورد في صحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «العقيقة في الغلام والجارية سَواء»(3).

ص: 346


1- الفقيه: ج 3/485 باب العقيقة ح 4715، ذكر صدره في وسائل الشيعة: ج 21/418 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27463.
2- الكافي: ج 6/27 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/423 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27478.
3- الكافي: ج 6/26 باب أنّ عقيقة الذَكَر والاُنثى سَواء ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/417 باب 42 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27457.

ونحوه غيره(1).

ولعلّ الجمع بين النصوص يقتضي حمل نصوص التسوية على إرادة ثبوت أصل الاستحباب، أو هو مع الخصوصيّات المعتبرة فيها سوى الاُنوثيّة والذكوريّة.

كما أنّ الجمع بينها وبين النصوص الدالّة على أنّه يُجزي فيها كلّ شيء كخبر منهال(2) وغيره(3) يقتضي حملها على إرادة الأفضليّة.

وبالجملة: فلا خلاف في رجحانها في الجملة، إنّما الكلام في أنّها:

هل تكون واجبة، كما عن الإسكافي(4)، والسيّد المرتضى(5)، بل عن الثاني دعوى الإجماع عليه، ومالَ إليه المحدِّث الكاشاني(6)؟

أم هي مستحبّة، كما هو المشهور(7) بين الأصحاب، وعن «الخلاف»(8) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ للأوّل: بطوائف من النصوص:

منها: النصوص(9) الآمرة بها وهي كثيرة تقدّم(10) جملة منها.ت.

ص: 347


1- وسائل الشيعة: ج 21/417-418 باب 42 من أبواب أحكام الأولاد.
2- الكافي: ج 6/29 باب أنّ العقيقة ليست بمنزلة الاُضحية ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/425 باب 45 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27489.
3- الكافي: ج 6/29 باب أنّ العقيقة ليست بمنزلة الاُضحية ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/425 باب 45 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27490.
4- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/303.
5- الانتصار: ص 406 مسألة 233.
6- مفاتيح الشرائع: ج 2/367 مفتاح رقم 834 قوله: (وأوجبه السيّد مدّعياً عليه الإجماع ولم يثبت، والإسكافي للنصوص المتعدّدة... وحملت على التأكيد أو الثبوت).
7- مختلف الشيعة: ج 7/303.
8- الخلاف: ج 6/67-68 مسألة 29.
9- وسائل الشيعة: ج 21/420-425 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد.
10- تقدّمت قبل عدّة صفحات.

ومنها: النصوص المتضمّنة أنّها واجبة، كصحيح أبي بصير(1)، وموثّقه(2)، وخبر عليّ بن حمزة(3)، وخبر عليّ (4).

ومنها: النصوص المتضمّنة أنّ المرء مرتهنٌ بعقيقته، كموثّق الساباطي(5)وغيره(2)، بتقريب أنّها تدلّ على أنّ العقيقة حقّ واجبٌ وفي عنق المولود، وهو مقيّدٌ به، لا ينفكّ عنه إلّابالأداء.

ويؤيّده: ما في خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ امريء مرتهنٌ يوم القيامة بعقيقته»(7).

أقول: وأُورد على الاستدلال بهافي «الحدائق»(3)، و «الجواهر»(4) وغيرهما(5):

تارةً : بعد العقيقة في سياق الاُمور المتّفق على استحبابها في الأخبار.

واُخرى : بجعل العقيقة في خبر عمر بن يزيد أوجب من الاُضحية التي هي مستحبّة اتّفاقاً(6).).

ص: 348


1- الكافي: ج 6/27 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/422 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27477. (2و3و4و5و7) التهذيب: ج 7/440 باب الولادة والنفاس ح 24 و ح 27445 و ح 23 و ح 27443، و ص 441 ح 25. وح 27447، وأيضاً ص 441 باب الولادة والنفاس ح 27. الكافي: ج 6/25 باب العقيقة ووجوبها ح 4. وح 27441، وسائل الشيعة: ج 21/412-414 باب 38 من أبواب أحكام الأولاد، ح 27444.
2- الكافي: ج 6/24 باب العقيقة ووجوبها ح 2 وسائل الشيعة: ج 21/413 باب 38 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27446.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/59-60.
4- جواهر الكلام: ج 31/267.
5- كما في رياض المسائل: ج 10/509 (ط. ق).
6- مختلف الشيعة: ج 4/291 قوله: (المشهور استحباب الاُضحية)، مسالك الأفهام: ج 8/318 قوله: (وهي مستحبّة استحباباً مؤكّداً على المشهور).

وثالثة: بأنّ جملة من النصوص تدلّ على إجزاء الاُضحية عنها إذا لم يعقّ عنه، إذ لو كانت واجبة لما كان يعقل إجزاء الاُضحية المستحبّة عنها، إذ لا نظير له في الأحكام الشرعيّة.

ورابعة: بالتساهل في أمرها وأنّه يُجزي كلّ شيء.

وخامسة: بأنّ الوجوب في الأخبار من الألفاظ المتشابهة.

والجواب: أنّ الكلّ كما ترى :

إذ ذكر شيء في سياق جملةٍ من الاُمور التي تدلّ دليل آخر على استحبابها، لايوجبُ حَمل الأمر على الاستحباب، بناء على ما هو الحقّ من خروج الوجوب والاستحباب عن حريم المستعمل فيه، وأنّ الوجوب ينتزع من عدم الترخيص في ترك المأمور به، والاستحبابُ من الترخيص فيه.

وجعلها أوجب من الاُضحية - أي أشدّ ثبوتاً من الأُضحية - يتلائم مع كونها مستحبّة أكيدة أو واجبة.

وإجزاء الأُضحية المستحبّة لايستلزم استحبابها، إذ كم لإجزاء المستحبّ عن الواجب من نظيرٍ في الفقه كإجزاء الغُسل المستحبّ عن الوضوء الواجب، وإجزاء صلاة الجمعة - على القول باستحبابها - عن صلاة الظهر، وإجزاء غُسل الجمعة وغيره من الأغسال المستحبّة عن الأغسال الواجبة، إلى غير ذلك من الموارد.

والتساهل في الخصوصيّات المعتبرة فيها غير التساهل في أصل العقيقة.

وكون الوجوب من الألفاظ المُشتبهة في الأخبار ممنوع أوّلاً، بل ظاهر في الوجوب المصطلح.

وعدم قرينيّته لحمل سائر الأخبار على الاستحباب ثانياً، بل هي تبيّن إجمال هذه.

ص: 349

ويمكن أنْ يستدلّ على الاستحباب: بأنّ المستفاد من النصوص(1) الدالّة على إجزاء الاُضحية عن العقيقة إذا لم يعقّ عنه، وما دلّ (2) على أنّه يعقّ الإنسان عن نفسه إذا لم يعقّ عنه أبوه، هو بقاء الأمر بالعقيقة، والتكليف المتعلّق بها أيّاماً كان إلى ما بعد اليوم السابع من الولادة، فإذا انضمّ إلى ذلك ما دلّ على أنّه لا عقيقة بعد يوم السابع:

1 - الخبر الذي رواه ذُريح المحاربي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في العقيقة ؟ قال: إذا جازت سبعة أيّام فلا عقيقة له»(3).

2 - وخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليهما السلام قال: «إنّما الحَلق والعقيقة والاسم في اليوم السابع»(4).

يستفاد استحباب العقيقة، إذ لو كانت واجبة لما كان لنفيه وجهٌ ، ولو كان الواجب خصوص يوم السابع، فبمضيّه يسقط ذلك الأمر، فلا معنى لإجزاء الاُضحية عنه، لأنّ الإجزاء كلمة تُستعمل فيما إذا كان الأمر باقياً، ومع سقوطه بالعصيان، وكون الباقي أمراً آخر غير ذلك الأمر لا معنى للإجزاء.

فإنْ قيل: إنّ غاية ما يدلّ عليه نصوص الإجزاء، هو إجزاء الاُضحية عن العقيقة، ولا تدلّ على إجزائها عن العقيقة الواجبة، فلعلّها مُجزية عن العقيقة المستحبّة وهي ما بعد يوم السابع.1.

ص: 350


1- وسائل الشيعة: ج 21/449 باب 65 من أبواب أحكام الأولاد.
2- وسائل الشيعة: ج 21/414-415 باب 39 من أبواب أحكام الأولاد.
3- الكافي: ج 6/38 باب أنّه إذا مضى السابع ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/445 باب 60 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27540.
4- مسائل عليّ بن جعفر: ص 111 ح 27، وسائل الشيعة: ج 21/445 باب 60 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27541.

وهي بصفات الأُضحيّة.

قلنا: إنّ ظاهر قوله عليه السلام: «فقد أجزا عنه عقيقة» كما في موثّق سماعة(1)، أو «أجزئه ذلك عن عقيقته» كما في مرسل «المقنع»(2)، أنّ ذلك يُجزي عن العقيقة التي أمر بها في الشرع.

وعليه، فالأظهر هو الاستحباب، ويؤيّده تسالم الأصحاب عليه إلّانادراً، ولعلّه يؤيّده بعض ما تقدّم، فلا إشكال في الاستحباب.

ثمّ إنّه على القول بالوجوب لا إشكال في اختصاصه بالمُوسر، وأمّا المُعْسِر فلايجبُ عليه قطعاً؛ لموثّق الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«العقيقة لازمة لمن كان غنيّاً، ومن كان فقيراً إذا أيسر فعل، فإنْ لم يقدر على ذلك فليس عليه شيء»(3).

ونحوه خبره الآخر(4)، وخبر إسحاق(5).

(و) يستحبّ أنْ تكون (هي) أي العقيقة (بصفات الاُضحية) من كونها سليمة6.

ص: 351


1- الكافي: ج 6/39 باب نوادر ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/449 باب 65 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27549.
2- وسائل الشيعة: ج 21/449 باب 65 من أبواب أحكام الأولاد ح 27551، المقنع: ص 336.
3- الفقيه: ج 3/485 باب العقيقة ح 4714، وسائل الشيعة: ج 21/419 باب 43 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27465.
4- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/419 باب 43 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27467.
5- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/419 باب 43 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27466.

ولا يأكل الأبوان منها.

عن العيوب، سمينة، لموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : «ويُذبح عنه كبشٌ ، وإنْ لم يوجد كبشٌ أجزأ عنه ما يجزي في الاُضحية، وإلّا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة، وتُعطى القابلة ربعها، وإنْ لم تكن قابلة فالأمَه تُعطيها من شاءت، وتُطعم منه عشرة من المسلمين، فإنْ زادوا فهو أفضل ويأكل منه»(1).

وقد تقدّمت النصوص الدالّة على إجزاء الاُضحية عنها، ولا ينافي ذلك ما ورد في خبر منهال من قوله عليه السلام: «إنّما هي شاة لحم ليست بمنزلة الاُضحية يجزي منها كل شيء»(2).

وما في خبر المرازم: «العقيقة ليست بمنزلة الهَدْي خيرها أسمنها»(3).

فإنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على استحباب كونها واجدة لصفات الاُضحية، غاية الأمر يجزي غيرها، وأنّه لا يكون متأكّداً تأكّده في الاُضحية.

وبالجملة: فالمتحصّل من النصوص أنّ الأولى أنْ تكون كبشاً، وإلّا فالواجد لصفات الاُضحية، وإلّا فحملٌ أعظم ما يكون من حملان السُّنة، والمُجزي كلّ ما يصدق عليه أنّه شاة وبقرة أو بدنة.

(ولا يأكل الأبوان منها) استحباباً، أي يكره أكلهما، بل حُكي(2) قولٌ بعدم).

ص: 352


1- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/421 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27471. (2و3) الكافي: ج 6/29 باب أنّ العقيقة ليست بمنزلة الاُضحية ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/425 باب 45 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27489 و 27490.
2- رياض المسائل: ج 10/513 قوله: (بل حكي قول بعدم الجواز).

الجواز، والنصوص فيه مختلفة:

منها: ما تضمّن النهي عن أكلهما، بل وغيرهم من الأهل والعيال كخبر أبي خديجة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا يأكل هو ولا أحدٌ من عياله من العقيقة.

قال: وللقابلة ثلث العقيقة، وإنْ كانت القابلة اُمّ الرّجل أو في عياله فليس لها منها شيء، وتجعل أعضاء ثمّ يطبخها ويقسّمها، ولا يعطيها إلّاأهل الولاية.

وقال: يأكلّ من العقيقة كلّ أحدٍ إلّاالاُمّ »(1).

وما ورد في ذيل الخبر يوجبُ حَمل الصَّدر على الكراهة.

ومنها: ما تضمّن النهي عن أكل الاُمّ خاصّة، كحسن الكاهلي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في العقيقة ؟ قال: لا تُطعم الاُمّ منه شيئاً»(2).

ونحوه مرسل ابن مسكان(3).

ومنها: ما تضمّن أكل الأب منها، كخبر أبي بصير، عنه عليه السلام:

«إذا ولد لكَ غلامٌ أو جارية، فعقّ عنه يوم السابع شاةً أو جزوراً، وكُلْ منها وأطعم»(4).4.

ص: 353


1- الكافي: ج 6/32 باب أنّ الاُمّ لا تأكلّ من العقيقة ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/428 باب 47 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27497.
2- الكافي: ج 6/32 باب أنّ الاُمّ لا تأكلّ من العقيقة ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/428 باب 47 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27498.
3- الكافي: ج 6/32 باب أنّ الاُمّ لا تأكلّ من العقيقة ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/428 باب 47 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27499.
4- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/422 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27474.

ولا يُكسرُ شيءٌ من عظامها.

ونحوه خبره الآخر(1).

ومنها: ما يدلّ على جواز أكل العيال منها جميعاً، كخبر يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سَمّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حَسَناً وحُسيناً يوم سابعهما، وعَقّ عنهما شاة شاة، وبعثوا برِجْل شاةٍ إلى القابلة، ونظروا ما غيره فأكلوا منه، وأهدوا إلى الجيران، وحلقت فاطمة رؤوسهما وتصدّقت بوزن شعرهما فِضّة»(2).

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي البناء على كراهة أكل العيال، وشدّة كراهة أكل الأبوين، خصوصاً الاُمّ ، فإنّ الكراهة في أكلها أشدّ.

(ولا يُكسرُ شيءٌ من عظامها) للنهي عنه في جملةٍ من النصوص، كخبرالكاهلي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«العقيقة يومُ السابع، وتُعطى القابلة الرِّجْل مع الوَرَك ولا يُكسر العظم»(3).

ونحوه غيره، المحمولة على الكراهة، للتصريح في موثّق الساباطي بجواز الكسر، قال:

«سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن العقيقة إذا ذُبحت يُكسر عظمها؟

قال عليه السلام: نعم يكسر عظمها، ويقطع لحمها، ويصنع بها بعد الذبح ما شئت»(4).4.

ص: 354


1- دعائم الإسلام: ج 2/187 فصل: ذكر العقائق ح 680.
2- الكافي: ج 6/33 باب أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفاطمة عليها السلام عقّا الحسن والحسين عليهما السلام ح 5، وسائل الشيعة: ج 431/21 باب 50 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27506.
3- الكافي: ج 6/29 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 11، وسائل الشيعة: ج 21/421 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27472.
4- الفقيه ج 3/486 ح 4720، وسائل الشيعة: ج 21/424 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27484.

وأمّا ما اشتهر بين العوام من استحباب لَفّ العظام بخِرقةٍ بيضاء ودفنها، فلم أقف ولا وَقَف غيري على ما يدلّ عليه من النصوص وفتاوى الأصحاب.

أقول: ثمّ إنّ النصوص مختلفة في تفريق مقدار من العقيقة:

ففي بعضها: أنّها تُطبخ بماءٍ ومِلْح، ويُدعى عليها رَهطٌ من المسلمين ويأكلون(1).

وفي بعضها: أنّه يُدعى عَشَرة من المسلمين(2).

وفي بعضها: كالخبر المتقدّم، تفريق اللّحم من غير طبخٍ .

والكُلُّ حَسَنٌ .

ثمّ إنّه لا إشكال في استحباب أن يعطى جزءاً منها للقابلة، والروايات في ذلك مستفيضة، وقد تقدّمت، إلّاأنّها مختلفة في تعيين ما تُعطى:

ففي خبر أبي خديجة المتقدّم: ثلث العقيقة.

وفي موثّق عمّار: ربعها.

وفي خبر ابن أبي العلاء المتقدّم: بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله برجل شاة إلى القابلة.

وفي خبر حفص: الرِّجْل مع الوَرَك(1).

وإنْ لم تكن قابلة تُعطى الاُمّ تتصدّق بها من شاءت، كما في خبر عمّار.

***9.

ص: 355


1- الكافي: ج 6/28 باب أنّه يعقّ يوم السابع للمولود ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/423 باب 44 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27479.

وأفضلُ المراضع الاُمّ ، وللحُرّة الأُجرة على الأب، ومع موته من مال الرضيع.

الرِّضاع

المقامُ الثالث: في الرِّضاع، (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: (أفضل المراضع الاُمّ ) لخبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما مِنْ لبنٍ يرضع به الصَّبي أعظم عليه بركةً من لبن اُمّه»(1).

المسألة الثانية: لا خلاف(2)(و) لا إشكال في الجملة في أنّ (للحُرّة الأُجرة على الأب، ومع موته مِنْ مال الرضيع).

وتفصيل القول في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: إذا وجبَ على الاُمّ الرِّضاع، هل تستحقّ أُجرةً عليه من الأب أو من الولد إنْ كان له مالٌ أم لا؟ قولان:

ذهب الأكثرُ(3) إلى الأوّل.

والمقداد في «كنز العرفان»(4) قَطَع بالثاني على ما حُكي.

ص: 356


1- الكافي: ج 6/40 باب الرِّضاع ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/452 باب 68 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27559.
2- جواهر الكلام: ج 31/275.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/73.
4- كنز العرفان: ج 2/232 قوله: (ولا استحقاق الأُجرة لو أرضعت بعد استيجاره للرّضاع الشرعي وأنّه يجوز أن ينقص عن ذلك).

واستدلّ له: بأنّه واجبٌ ، ولا يجوز أخذ الأُجرة على الواجب.

وفيه: أنّ الأظهر جواز أخذ الأُجرة على الواجب، كما حقّقناه في الأجزاء السابقة من هذا الشرح(1).

ويشهد للأوّل: -

1 - مضافاً إلى أنّها مالكة اللّبن فلها أن تأخذ اُجرته إمّا من الأب لوجوب نفقة الصَّبي عليه، أو من الابن إنْ كان له مال -.

2 - قوله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2)، واختصاصها بالمطلّقة لا يضرّ بما هو مورد الاستدلال.

3 - وجملة من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجلٍ مات وترك امرأة ومعها منه ولد، فألقته على خادمٍ لها فأرضعته، ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي ؟ فقال عليه السلام: لها أجرُ مثلها، وليس للوصيّ أن يخرجه من حِجْرها حتّى يدرك ويدفع إليه ماله»(3).

ومنها: صحيح ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا، عن ابن يعفور، عنه عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ توفّي وترك صبيّاً، فاسترضع له ؟

قال عليه السلام: أجرُ رضاع الصَّبي ممّا يرث من أبيه واُمّه»(4).1.

ص: 357


1- فقه الصادق: ج 22/7.
2- سورة الطلاق: الآية 6.
3- الكافي: ج 6/41 باب الرِّضاع ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/456 باب 71 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27570.
4- الكافي: ج 6/41 باب الرِّضاع ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/456 باب 71 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27571.

ونحوهما غيرهما(1).

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الأب إنْ كان موسراً فالأُجرة عليه، لأنّها من النفقة الواجبة، كما لا إشكال في أنّه مع عدم الأب تكون الأُجرة على الابن ومِنْ ماله.

إنّما الكلام فيما إذا كان الأب مُعسراً، أو كان الولد موسراً:

فقد يقال: إنّ ظاهر إطلاق الفتاوي كون الأُجرة عليه، واستدلّ له: بإطلاق الآية المتقدّمة، وبقوله تعالى : (وَ عَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) (2).

ولكن الآيتين إنّماهماعلى حال الإنفاق، والمعلوم عدم وجوبه على الأب في الصورتين.

وعليه، فالأظهر في الصورتين أنّ الأُجرة من مال الابن.

استئجار الأب للأم للرِّضاع

الفرع الثاني: لا خلاف(3) ولا إشكال في جواز استئجار الأب للاُمّ للرّضاع، إذا كانت مطلّقة بائنة، إنّما الخلاف فيما لو كانت زوجة:

فالمشهور(4) بين الأصحاب: الجواز.

وعن الشيخ رحمه الله في «المبسوط»: المنع من استئجارها له، وكذا مَنَع من استئجارها لخدمته أو خدمة غيره وإرضاع ولد غيره(3).

والأوّلُ أظهر، للعمومات والمطلقات الدالّة على جواز الإجارة.

ص: 358


1- روى الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى مثله في تهذيب الأحكام: ج 7/447 باب الولادة والنفاس والعقيقة ح 56. وفي دعائم الإسلام: ج 2/255 ح 974 «أنّ عليّاً عليه السلام قضى على رجلٍ لامرأته، وكانت ترضع ولداً له بربع مكوك من طعام...».
2- سورة البقرة: الآية 233. (3و4) الحدائق الناضرة: ج 25/73.
3- المبسوط: ج 6/36.

ولا تُجبر على إرضاعه، وتُجبر الأمَة.

واستدلّ للثاني: بأنّه يعتبر في صحّة الإجارة القدرة على التسليم، وهي لاتقدر باعتبار ملك الزّوج للاستمتاع بها.

وفيه أوّلاً: أنّ استئجار الزّوج نفسه إيّاها إسقاطٌ لحقّه من الاستمتاع في الأوقات التي لا يمكن مع الإرضاع.

وثانياً: أنّ القدرة على التسليم المعتبرة في صحّة الإجارة، هي القدرة التكوينيّة لا الشرعيّة، فغاية ما يلزم أنّها بإرضاع الولد إذا فوّتت حقّ الزّوج وأراد الزّوج الاستمتاع بها، ولم تُسلّم نفسها، تكون عاصية وآثمة، ولا وجه لبطلان الإجارة بعد كون اللّبن مملوكاً لها وتسلّمه خارجاً.

وبالجملة: الزّوج مالكٌ لمنفعة الاستمتاع خاصّة، ولا يكون مالكاً لغيره من منافعها، فلا مانع من الاستئجار لغيرها.

الفرع الثالث: للاُمّ أخذ الأُجرة من الأب أو الابن على التفصيل المتقدّم في الفرع الأوّل، استأجرها الأب أو غيره لذلك أم لا، أرضعت هي بنفسها الولد أو بغيرها، لإطلاق الأدلّة، ولصحيح ابن سنان المتقدّم.

لا تُجبر الأُمّ على الإرضاع

المسألة الثالثة: لا خلاف(1)(و) لا إشكال في أنّه (لا تُجبر) الأُمّ الحُرّة (على إرضاعه) (و) لكن (تُجبر الأمَة) في الجملة، واستدلّ له:

ص: 359


1- الحدائق الناضرة: ج 25/71 و 77.

1 - بالآية المتقدّمة: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1).

2 - وبالآية الشريفة: (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) (1) الشاملة لإضرارها بالإجبار على إرضاعه، لو كان واجباً.

3 - وبقوله تعالى: (وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (3).

أمّا الأُولى : فيدلّ على لزوم الأُجرة في صورة الإرضاع، ولا تدلّ على عدم وجوبه إلّاعلى القول بعدم جواز أخذ الأُجرة على الواجب، وقد عرفت منعه، مع أنّها في المطلّقة البائنة.

وفي «الحدائق»: (عدم الوجوب فيها لا خلاف فيه)(2)، فكأنّ مراده إمكان الفرق بين الزّوجة والمطلّقة، وإلّا فعدم الوجوب في الزّوجة أيضاً لا خلاف فيه.

وأمّا الثانية: فيرد على الاستدلال بها أنّ الإرضاع إنْ كان واجباً عليها، لايكون إجبارها به إضراراً بها.

وعدم دلالة الثالثة واضح.

أقول: الأولى أن يستدلّ له بخبر سليمان بن داود المنقري، قال:

«سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرِّضاع ؟

قال: لا يُجبر المرأة على إرضاع الولد ويُجبر اُمّ الولد»(3).8.

ص: 360


1- سورة البقرة: الآية 233.
2- الحدائق الناضر: ج 25/72.
3- الكافي: ج 6/40 باب الرِّضاع ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/452 باب 68 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27558.

وضعفه(1) ينجبر بالعمل ويؤيّده الآيات المتقدّمة.

بل يمكن القول بدلالتها للتعبير في الأُولى ، بقوله: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ ) إذ لو كان واجباً لما حَسُن هذا التعبير، وبه يظهر وجه دلالة الثالثة، إذ لا يَحسُنُ التعبير ب (إِنْ تَعاسَرْتُمْ ) إذا كان واجباً.

وكيف كان، فلا يعارض ما تقدّم قوله تعالى : (وَ اَلْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ اَلرَّضاعَةَ ) (2) لأنّ الآية الكريمة في مقام بيان مدّة الرِّضاع لا أصل الوجوب، مع أنّه لو سُلّم كونها في مقام بيان ذلك، تُحمل على الاستحباب جمعاً.

أقول: قد استثني من عدم وجوب إرضاع الأُمّ في كلمات الفقهاء صورٌ:

منها: ما إذا لم يكن للولد مُرضعةٌ اُخرى ، فإنّه واجبٌ عليها الإرضاع حينئذٍ، لا لمافي «الرياض»(3) من وجوب إنفاقها عليه في هذه الصورة، فإنّه غير واجبٍ عليها مع يسار الأب، أو وجود المال للابن، ولذا يجوز لها أخذ الأُجرة في هذه الصورة، بل لوجوب حفظ النفس المحترمة.

وبه يظهر أنّه لابدّ من تقييد ذلك بما إذا لم يمكن حفظ المولود بإطعامه الأغذية الاُخر، وإلّا فلا يجبُ .

كما يظهر أنّه ليس استثناء من مسألتنا هذه، فإنّه يجبُ على غير الأُمّ أيضاً ذلك، إذا انحصر، فهذا غير مختصّ بها.).

ص: 361


1- في سند الخبر عليّ بن محمّد القاساني، وقد قال عنه النجاشي في رجاله: ص 255 رقم الترجمة 669 (كان فقيهاً، مكثراً من الحديث، فاضلاً، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسى ، وذكر أنّه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما يدلّ على ذلك). وقال الشيخ في رجاله ص 388: (ضعيف).
2- سورة البقرة: الآية 233.
3- رياض المسائل: ج 10/515 (ط. ق).

وحَدّ الرِّضاع حولان.

ومنها: ما إذا كانت مرضعة اُخرى ، ولكن لم يمكن استئجارها لإعسار الأب، وعدم تمكّنه منه، وعدم مال للولد.

والكلامُ في هذه الصورة كسابقتها من حيث ما استدلّوا به، والجواب عنه، والأظهر فيها عدم وجوب الإرضاع عليها، لأنّ غاية الأمر وجوب الإنفاق، ويمكن ذلك باستئجار مرضعةٍ اُخرى ، أو بالتماسها، فلاوجوب عليها من حيث كونها أُمّاً.

وعليه، فهذه أيضاً لاتكون مستثناة من مسألتنا.

ومنها: اللَّباء وهو أوّل ما يُحلب بعد الولادة مطلقاً، أو إلى ثلاثة أيّام:

فعن جماعة منهم المصنّف في «القواعد»(1)، والشهيد في «اللُّمعة»(2): وجوب إرضاعها اللّباء.

واستدلّ له: بأنّ الولد لا يعيشُ بدونه.

ورُدَّ بأنّه ممنوعٌ بالوجدان، قال الشهيد الثاني: (لعلّهم أرادوا الغالب، أو أنّه لايقوى ولا يشدّ بنيته إلّابه)(3).

أقول: وعلى الوجه الثاني لا وجه لوجوب الإرضاع حينئذٍ، والأوّل أيضاًممنوعٌ .

نهاية الرِّضاع

المسألة الرابعة: لاخلاف(4)(و) لا إشكال في أنّ الأصل في (حَدّ الرِّضاع حولان):

ص: 362


1- قواعد الأحكام: ج 3/101 الفصل الثالث في الرِّضاع.
2- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 176.
3- مسالك الأفهام: ج 8/413.
4- الحدائق الناضرة: ج 25/79.

للآية المتقدّمة، وقوله تعالى : (وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) (1)، والنصوص الآتية.

ويجوز الاقتصار عليواحدٍ و عشرين شهراً بلاخلافٍ (2)، والنصوص شاهدة به:

منها: خبر عبد الوهاب بن الصباح، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الفرض في الرِّضاع أحد وعشرون شهراً، فما نقص عن أحد وعشرين شهراً فقد نَقَص المرضع، وإنْ أراد أن يتمّ الرِّضاعة فحولين كاملين»(3).

ومنها: موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«الرِّضاع واحدٌ وعشرون شهراً، فما نقص فهو جورٌ على الصَّبي»(4).

ونحوهما غيرهما(5).

واستدلّ له سيّد «الرياض» بالآية الكريمة:

(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (6) ، بدعوى أنّ الغالب في الحمل تسعة أشهر(7).

ولكن ينافيه استدلال أمير المؤمنين عليه السلام به على ما في خبرٍ رواه العامّة والخاصّة على أنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر(8).0.

ص: 363


1- سورة لقمان: الآية 14.
2- جواهر الكلام: ج 31/277.
3- التهذيب: ج 8/106 باب الحكم في أولاد المطلّقات ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/454 باب 70 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27564.
4- الكافي: ج 6/40 باب الرِّضاع ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/455 باب 70 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27567.
5- وسائل الشيعة: ج 21/454 باب 70 من أبواب أحكام الأولاد (أقلّ مدّة الرِّضاع وأكثرها).
6- سورة الأحقاف: الآية 15.
7- رياض المسائل: ج 10/518 (ط. ق).
8- الإرشاد: ج 1/206، وسائل الشيعة: ج 21/382 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27360.

وأقلّه أحد وعشرون شهراً.

وأيضاً: ينافيه خبر هشام الدالّ على أنّها نزلت في الحُسين عليه السلام، وكان حمله ستّة أشهر(1).

وعليه، فالعمدة هي النصوص.

وهل يجوز نقصه عن ذلك لغير ضرورةٍ أم لا؟ وجهان.

(و) ظاهر ما قاله المصنّف في المتن من أنّ (أقلّه أحد وعشرون شهراً) هو الثاني، وهو المشهور بين الأصحاب(2)، واستدلّ له بالنصوص المتقدّم جملة منها آنفاً، ولكنّها لا تدلّ على عدم جواز أنقص من أحد وعشرين شهراً.

أمّا خبر عبد الوهاب المتضمّن قوله عليه السلام: «فقد نَقَص المُرضع» فواضحٌ فإنّ المرضع كانت هي الأُمّ أم غيرها لا يكون الإرضاع واجباً عليها، فنقصه لا إشكال فيه.

وأمّا الموثّق: فلتوقّفه على حرمة كلّ ما هو جورٌ على الصَّبي.

نعم، إذا توقّف تغذية الصَّبي عليه، وجب على الأب الاسترضاع، ولا يجوز له أنقص، ولكن في أمثال هذا الزمان الذي يكون بدل اللّبن موجوداً، وربما يكون أنفع وأقوى للصبي، فلا دليل على عدم جواز عدم الاسترضاع.

أقول: ويؤيّد الجواز:

1 - الآية الشريفة: (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) (3).3.

ص: 364


1- أمالي الطوسي: ص 661، وسائل الشيعة: ج 21/384 باب 17 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27365.
2- رياض المسائل: ج 10/519 (ط. ق).
3- سورة البقرة: الآية 233.

2 - وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين، وإنْ أرادا الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما، فهو حَسنٌ ، والفصال الفطام»(1).

ونحوه صحيحه الآخر(2)، وخبر أبي بصير(3).

وهل يجوز الزيادة على الحولين مطلقاً كما عن جماعةٍ (4)؟

أم لا يجوز كما هو المشهور(5)؟ وجهان:

يشهد للأوّل: صحيح(6) سعد بن سعد الأشعري، عن الرضا عليه السلام، قال:

«سألته عن الصَّبي هل يرضع أكثر من سنتين ؟ فقال عليه السلام: عامين.

قلت: فإنْ زاد على سنتين، هل على أبويه من ذلك شيء؟ قال عليه السلام: لا».

وصحيحا الحلبي المتقدّمان، وخبر أبي بصير.

واستدلّ للثاني تارةً : بما قيل من إنّ به خبر(7)، بدعوى أنّه في حكم المرسل).

ص: 365


1- التهذيب: ج 8/105 باب الحكم في أولاد المطلّقات ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/454 باب 70 من من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27563.
2- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلّقة ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/454 باب 70 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27565.
3- الفقيه: ج 3/510 باب طلاق الحامل ح 4788، وسائل الشيعة: ج 21/455 باب 70 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27569.
4- منهم ابن حمزة في الوسيلة: ص 316، وابن إدريس في السرائر: ج 2/648، ولكنّه قال: (إلّا أنّه لا يكون أكثر من شهرين، على ما روي).
5- رياض المسائل: ج 10/520 (ط. ق).
6- الكافي: ج 6/41 باب الرِّضاع ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/454، باب 70 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27566.
7- رياض المسائل: ج 10/520 قوله: (ولكن المشهور أنّه لا يجوز أكثر من المدّة المزبورة، ومستنده غيرواضح، إلّاما يقال من أنّ به رواية).

المنجبر بالعمل.

واُخرى : بما في «الجواهر»: (من أنّ لبنها بعدما خرج عن مدّة الرِّضاع، من فضلات ما لا يؤكل لحمه الممنوع أكلها، بل الظاهر أنّ ذلك لكونه من الخبائث كالبُصاق وباقي رطوباتها، وكلّ ما حَرُم على المكلّف لخبثه، يَحرُم إطعامه لغير المكلّف كالدّم ونحوه)(1).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ الرواية على فرض وجودها حيث لا يكون متنها معلوماً لا تصلح مستندة للحكم.

ويرد الثاني أوّلاً: أنّ محلّ الكلام هو ارتضاع الصَّبي بعد سنتين، ولو من لبن امرأةٍ ولدت لأقلّ من تلك المدّة.

وبعبارة اُخرى : حرمة إرضاع الصّبي لبن المرأة بعد مضيّ حولين من الولادة، غير حرمة إرضاع الصَّبي بعد حولين من ولادته، كما هو واضح.

وثانياً: منع كون لبنها من الخبائث مثل عَرَقها ولو بعد مضيّ حولين.

وثالثاً: أنّه لا دليل على حرمة إطعام غير المكلّف ما يحرم على المكلّف.

وعليه، فالأظهر أنّه لا دليل على المنع، والأصل يقتضي الجواز.

ثمّ على القول بالحرمة لا دليل على استثناء الشهر والشهرين، والاستدلال له كما في «الجواهر»: (بأنّه يصعب فصال الطفل دفعةً واحدة على وجه يخشى عليه التلف، لشدّة تعلّقه به، وبالمرسل المنجبر بالشهرة)(2).

في غير محلّه، فإنّ الأوّل يندفع بأنّه إذا كان يحرم الإرضاع بعد الحولين، فلابدّ قبل أن يتمّ الحولين أن يتهيّأ لفصاله لما ذكر، والثاني قد تقدّم ما فيه.8.

ص: 366


1- جواهر الكلام: ج 31/278.
2- جواهر الكلام: ج 31/278.

والاُمُّ أحقّ بإرضاعه إذا رضيت بما يطلبه غيرها من أُجرةٍ أو تبرّع.

الأُمّ أحقّ بالإرضاع

المسألة الخامسة: (والاُمُّ أحقُّ بإرضاعه إذا رضيت بما يطلبه غيرها من أُجرة أو تبرّع) بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه(1)، كما في «الجواهر».

وفي «الرياض»: (إجماعاً حكاه جماعة)(2).

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الحُبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها، وهي أحقّ بولدها حتّى ترضعه بما تقبله امرأة اُخرى ، إنّ اللّه تعالى يقول: (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) »(3).

ومنها: خبر الكناني، عنه عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل المرأة وهي حُبلى، أنفق عليها حتّى تضع حملها، وإذا وضعته أعطاها أجرها، ولايضارّها إلّاأن يجد مَنْ هي أرخص أجراً منها، فإنْ هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه»(4).

ومنها: خبر فضل بن أبي العبّاس، عنه عليه السلام: «فإنْ قالت المرأة لزوجها الذي

ص: 367


1- جواهر الكلام: ج 31/280.
2- رياض المسائل: ج 10/521.
3- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلّقة ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/472 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27615.
4- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلقة ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/471 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27612.

طلّقها أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه، فهي أحقّ به»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: ويُشعر به الآية المتقدّمة: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2)، وقوله تعالى : (وَ اَلْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ) (3)خصوصاً مع قوله تعالى بعد ذلك: (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) .

ثمّ إنّه يظهر من النصوص أنّه لو طلبت الأُمّ زيادةً عمّا يقنع غيرها، فللأب نزعه منها، واسترضاع غيرها مطلقاً، وإنْ لم تطلب أزيد من أُجرة المثل، ويشهد به إطلاق قوله تعالى : (وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (4).

ومع ذلك كلّه، فلا يصغى إلى ما قيل(5) من إنّها أحقّ مطلقاً إذا لم تطلب أكثر من أُجرة المثل.

***0.

ص: 368


1- الكافي: ج 6/44 باب من أحقّ بالولد ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/471 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27613.
2- سورة الطلاق: الآية 6.
3- سورة البقرة: الآية 233.
4- سورة الطلاق: الآية 6.
5- السرائر: ج 2/650.

وأحقُّ بحضانة الذَكَر مدّة الرِّضاع إذا كانت حُرّة مسلمة، وبالاُنثى إلى سبع سنين.

الحضانة

المقام الرابع: في الحضانة:

وأصلها من: حَضَن الطائرُ بيضه أي ضمّه تحت جناحه، قال في «المصباح المنير» بعد ذكر ذلك: (والحضانة - بالفتح والكسر - اسمٌ منه)(1).

وهي في الاصطلاح - كما عن «القواعد»(2) و «المسالك» -:

(ولايةُ سلطنةٍ على تربية الطفل، وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه، وجعله في سريره، وكُحله، وتنظيفه، وغَسل خِرقه وثيابه ونحو ذلك)(3).

ولا ينافي ذلك عدم الوجوب عليها، فإنّ هذه الولاية على تقدير عدم الوجوب، وأنّه لمن له تلك الاسقاط ولايةً غير لزوميّة.

وكيف كان، فالمهمّ البحث في ما يستفاد من الأخبار (و) تنقيح الكلام عنها يتحقّق بالبحث في مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور(4) بين الأصحاب أنّ الأُمّ (أحقّ بحضانة الذَكَر مدّة الرِّضاع، إذا كانت حُرّة مسلمة، وبالاُنثى إلى سبع سنين)، والأبُ أحقّ بها بعد مدّة

ص: 369


1- المصباح المنير: ص 140 مادّة (حضن).
2- قواعد الأحكام: ج 3/101 (الفصل الرابع: في الحضانة).
3- مسالك الأفهام: ج 8/421.
4- رياض المسائل: ج 10/549-550.

الرِّضاع في الذَكَر، وبعد سبع سنين في الاُنثى ، بل عن «الغُنية» دعوى قيام الإجماع(1) عليه.

وعن الشيخ المفيد(2) وتلميذه سلّار(3): أنّ الأُمّ أحقّ بالذَكَر مدّة الحولين، وبالاُنثى إلى تسع سنوات.

وعن الصدوق: (أنّ الأُم أحقّ بالولد ما لم تتزوّج)(4).

وعن الشيخ في «الخلاف»(5)، وابن الجُنيد: أنّ الاُمّ أحقّ بالبنت ما لم تتزوّج، وأمّا بالصبي إلى سبع سنين(6).

هذه هي الأقوال في المسألة.

وأمّا النصوص: فهي مختلفة:

منها: ما يدلّ على أحقيّة الأُمّ بالولد مدّة الرِّضاع كصحيح الحلبي، وخبرالكناني، وخبر فضل المتقدّمة في المسألة السابقة، الدالّة على أحقيّة الأُمّ بالرضاع، وهي من جهة ما فيها من جعل الغاية الفطام تدلّ على اختصاص أحقيّتها بمدّة الرِّضاع.

ولكن الظاهر منها، كونها بصدد بيان الأحقيّة بالرّضاع، ولا نظر لها إلى الأحقيّة من سائر الجهات، ويشير إليذلك خبرالحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المطلّقة يُنفق عليه حتّى تَضع حملها، وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة اُخرى »(7).6.

ص: 370


1- الغنية: ص 387.
2- المقنعة: ص 531.
3- المراسم العلويّة: ص 166.
4- المقنع: ص 360.
5- الخلاف: ج 5/132 مسألة 36.
6- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/306.
7- تفسير العيّاشي: ج 1/121 ح 385، المستدرك: ج 15/162 باب 58 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 17866.

وعليه، فالأولى إلغاء هذه النصوص من المقام، والرجوع إلى النصوص الاُخر وهي طوائف:

الطائفة الأُولى : ما تدلّ على أحقيّة الأُمّ مطلقاً ما لم تتزوّج: كمرسل المنقري، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يطلّق إمرأته وبينهما ولدٌ، أيّهما أحقّ بالولد؟

قال عليه السلام: المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»(1).

ورواه الصدوق بإسناده عن المنقري، عن حفص بن غياث أو غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(2).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أحقيّة الأب مطلقاً، إلّافي الإرضاع:

1 - موثّق فضل بن أبي العبّاس البقباق، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلتُ له الرّجل أحقّ بولده أم المرأة ؟

قال عليه السلام: لا، بل الرّجل، فإنْ قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها أنا أرضع ابني بمثل ما تَجدُ مَنْ تُرضعه، فهي أحقّ به»(1).

2 - وخبر الفضيل بن يسار، عنه عليه السلام: «أيّما امرأةٍ حُرّة تزوّجت عبداً فولدت له أولاداً، فهي أحقّ بولدها منه، وهم أحرار، فإذا اُعتق الرّجل فهو أحقّ بولده منها لموضع الأب»(2).6.

ص: 371


1- الكافي: ج 6/44 باب من أحقّ بالولد ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/471 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27613.
2- الفقيه: ج 3/435 باب الولد يكون بين والديه ح 4503، وسائل الشيعة: ج 21/459 باب 73 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27576.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أحقيّة الأُمّ بالولد إلى سبع سنين مطلقاً:

1 - صحيح أيّوب بن نوح، قال: «كتبَ إليه بعضُ أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد، وخليت سبيلها؟

فكتب عليه السلام: المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، إلّاأن تشاء المرأة»(1).

2 - وصحيحه الآخر، قال: «كتبتُ إليه مع بشر بن بشّار: جُعِلتُ فداك، رجلٌ تزوّج امرأة فولدت منه، ثمّ فارقها، متى يجبُ له أن يأخذ ولده ؟

فكتب عليه السلام: إذا صار له سبع سنين، فإنْ أخذه فله، وإنْ تركه فله»(2).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على أنّ حضانة الولد مشتركة بينهما في مدّة الرِّضاع، وبعد مضيّها يكون الأب أحقّ بها كخبر داود بن الحُصين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

(وَ اَلْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ) ؟

قال عليه السلام: ما دام الولد في الرِّضاع فهو بين الأبوين بالسويّة، فإذا فطم فالأب أحقّ به، فإذا مات الأب فالاُمّ أحقّ به من العَصبة» الحديث(3).

والطائفة الأُولى : ضعيفة السند للإرسال، ولعلي بن محمّد القاساتي(4) الذي هو في سند الخبر الذي رواه الكليني رحمه الله.

وأمّا الطوائف الثلاث الاُخر: فالنسبة بين الأُولى منها والثانية عمومٌ مطلق، فإنّ).

ص: 372


1- الفقيه: ج 3/435 باب الولد يكون بين والديه ح 4504، وسائل الشيعة: ج 21/472 باب 73 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27616.
2- السرائر: ج 3/581، وسائل الشيعة: ج 21/472 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27617.
3- الكافي: ج 6/45 باب من أحقّ بالولد ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/470 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27611.
4- رجال النجاشي: ص 255 قوله: (كان فقيهاً مكثراً من الحديث، فاضلاً، غمز عليه أحمد بن عيسى ، وذكر أنّه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما يدلّ على ذلك)، رجال الشيخ: ص 388 (ضعيف).

الأُولى تدلّ على أحقيّة الأب مطلقاً، والثانية تدلّ على أحقيّة الأُمّ إلى سبع سنين، فيقيّد إطلاقها بها.

ولا يمكن الجمع العرفي بين الثانية منها والثالثة، والترجيح مع الثانية للأشهريّة وأصحيّة السند.

وبالجملة: فالمتحصّل من هذه النصوص أحقيّة الأُمّ بالولد مطلقاً إلى سبع سنين، كما استظهره سيّد «الرياض» من الأخبار، لكنّه قال:

(إنّ بواسطة الإجماع المحكيّ عن «الغُنية» على أنّ الأب أحقّ بالذَكَر بعد مدّة الرِّضاع، المؤيّد ذلك بالمناسبة، فإنّ الذَكَر أولى بالزوج من الزّوجة كأولويّتها منه بالاُنثى في الحضانة، يبنى على القول بالتفصيل)(1) انتهى .

ولكن الإجماع المحكيّ في مثل هذه المسألة مع اختلاف الأقوال والنصوص، لايكون حجّة قطعاً، وأولى منه في عدم الحجيّة المناسبة المذكورة.

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: إنّ هذه الأحقيّة الثابتة للزوجة إنّما تكون على سبيل غير اللّزوم، أي لها إسقاطها للتعليق على مشيّتها في صحيح أيّوب، فلها أن تسقط حقّها فتكون تلك للأب.

وهل للأب أيضاً إسقاطها أم يجبُ عليه تلك ؟ وجهان:

صرّح بالأوّل جماعة منهم صاحب «الرياض»(2) والشهيد في قواعده(3)،).

ص: 373


1- رياض المسائل: ج 10/525 (ط. ق).
2- رياض المسائل: ج 10/529 (ط. ق).
3- القواعد والفوائد: ج 1/396 قوله: (الرابعة: لو امتنعت الاُمّ من الحضانة صار الأب أولى ، ولو امتنعا معاً، فالظاهر إجبار الأب).

وتسقط الحضانة لو تزوّجت.

واستدلّ له:

بأنّه ليس في النصوص سوى أصل الاستحقاق، وهو أعمٌّ من الوجوب، والأصل يقتضي عدمه.

وعليه، فإذا أسقط الأبُ أيضاً حقّه، يكون الولد الذي لو تُرِك حضانته يضيع كسائر المضطرّين، يجبُ حضانته كفايةً .

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ هذا الحقّ الثابت بما أنّه لمصلحة الطرفين؛ أي الأب والولد، فسقوطه بالإسقاط يحتاجُ إلى دليلٍ ، والأصل يقتضي عدمه، مع أنّ السؤال في صحيح أيّوب أنّه متى يجبُ له ان يأخذه ولده ؟ ظاهرٌ في أنّ وجوب الحضانة كان مفروغاً عنه، وسَئل عن وقته، وقرّره الإمام عليه السلام على ذلك.

نعم، إذا تصدّى غيره لتربيته، لايجبُ عليه ذلك، كمايشهد به صحيح أيّوب المتقدّم.

الأمر الثاني: (وتسقط الحضانة لو تزوّجت) الأُمّ بعدما طلّقها الأب، وكان الأب حينئذٍ أحقّ به بلا خلافٍ (1)، ويشهد به:

1 - مرسل المنقري المتقدّم.

2 - خبر داود الرّقي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن امرأةٍ حُرّة نكحت عبداً فأولدها أولاداً، ثمّ إنّه طلّقها فلم تقم مع ولدها وتزوّجت، فلمّا بلغ العبد أنّها تزوّجت أراد أن يأخذ ولده منها، فقال: أنا أحقّ بهم منكِ إنْ تزوّجت ؟9.

ص: 374


1- جواهر الكلام: ج 31/289.

فقال عليه السلام: ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإنْ تزوّجت حتّى يُعتَق، هي أحقّ بولدها منه ما دام مملوكاً، فإذا اُعتق فهو أحقّ بهم منها»(1).

فإنْ قيل: إنّ النسبة بين هذه النصوص ونصوص السَّبع عمومٌ من وجه، فلم يقدم هذه ؟

قلنا: إنّ المختار في العامين من وجه هو الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم هذه للشهرة.

ثمّ إنّ التزويج المسقط لحقّ حضانتها هل يشمل ما لو تزوّجت به أم يختصّ بالتزويج بغيره ؟

ظاهر النصوص هو الثاني، مع أنّه يلزم من شموله له سقوط حضانتها وهي في حباله قبل أن تفارقه، وهو معلومُ العدم.

وعليه، فما عن «المسالك» من احتمال الأوّل(2) غريبٌ .

الأمر الثالث: لا حضانة للكافرة لو كان الزّوج مسلماً، لصيرورة الولد حينئذٍ مسلماً لإسلام أبيه، ولقوله تعالى : (وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (3) لو قلنا بأنّ الحضانة ولاية أو سلطنةٌ على الولد.

واستدلّ له أيضاً: بقوله صلى الله عليه و آله: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه»(4)، وفيه نظر.3.

ص: 375


1- الكافي: ج 6/45 باب من أحقّ بالولد ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/459 باب 73 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27577.
2- مسالك الأفهام: ج 8/426 قوله: (ويحتمل عموم الحكم نظراً إلى الإطلاق).
3- سورة النساء: الآية 141.
4- الفقيه: ج 4/334 باب ميراث أهل الملل ج 5719، وسائل الشيعة: ج 26/14 باب 1 من أبواب موانع الإرث، حديث 32383.

والنسبة بين الآية الكريمة ونصوص الحضانة وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّا أنّ الآية تقدّم.

وعلى ما اخترناه من صحّة إسلام الصَّبي، إنْ وُصِف الولد بالإسلام، وأسلم، تسقط حضانة أبويه الكافرين، كما لا يخفى ، بل عن «المسالك» سقوط الحضانة وإنْ لم يصحّ إسلامه، واستدلّ له بأن لا يفتنوه من الإسلام الذي قد مال إليه(1).

وهو كما ترى ، إذ لا يمكن رفع اليد عن الإطلاق بمثل هذه الوجوه الاعتباريّة.

الأمر الرابع: صرّح غير واحدٍ(2) بأنّه يعتبر فيمن يحضن الولد العقل، فلا حضانة للمجنونة، كانت الحضانة مِن قبيل الولاية أم لم تكن كذلك، لأنّ المجنون يحتاج إلى من يحضنه فكيف يحضن غيره ؟!

وفي «الجواهر»: (قد يقال - إنّ لم يكن إجماعاً - إنّ الجنون وإنْ كان مطبقاً، لا يُبطل حقّها من الحضانة، وإن انتقل الأمر حينئذٍ في تدبير ذلك إلى وليّها كباقي الاُمور الراجعة إليها)(3).

وفيه: أنّ انتقال الأمر إلى وليّها يحتاج إلى دليلٍ ، فما ذكروه حَسنٌ .

الأمر الخامس: وعن «المسالك» وغيرها: (أنّ في إلحاق المرض المُزمن الذي لايُرجى زواله كالسِّل والفالج بحيث يشغله الألم عن كفالته وتدبير أمره وجهين:

من اشتراكهما في المعنى المانع من مباشرة الحفظ، وأصالة عدم سقوط الولاية، مع7.

ص: 376


1- مسالك الأفهام: ج 8/422.
2- كما في قواعد الأحكام: ج 3/102 قوله: (ولا حضانة للمجنونة)، و مسالك الأفهام: ج 8/423، والحدائق الناضرة: ج 25/91.
3- جواهر الكلام: ج 31/287.

إمكان تحصيلها بالاستنابة)(1).

أقول: والأظهر هو الثاني إذ لا إشكال في أنّه لايلزم المباشرة في الحضانة، وعليه فسقوط الحضانة مع إطلاق الأدلّة ممّا لا وجه له.

وبه يظهر ضعف ما عن سيّد «المدارك» من أنّه لو كان المرض ممّا يُعدي كالجذام والبَرَص، فالأظهر سقوط الحضانة بذلك، تحرّزاً من تعدّي الضَّرر إلى الولد(2)، لما عرفت من إمكان الاستنابة.

***9.

ص: 377


1- مسالك الأفهام: ج 8/423، نهاية المرام: ج 1/468، الحدائق الناضرة: ج 25/91.
2- نهاية المرام: ج 1/469.

ولو ماتَ الأبُ أو كان مملوكاً أو كافراً فالأُمّ أولى .

ثبوت الحضانة للاُمّ بموت الأب

المسألة الثانية: (ولو مات الأب أو كان مملوكاً أو كافراً، فالاُمُّ أولى ) بلا خلافٍ (1).

أمّا إذا كان كافراً أو مملوكاً: فلما تقدّم.

وإنّما الكلام فيما لو مات بعد انتقال حقّ الحضانة إليه، كما لو مات والولد أكبر من سَبع:

وقد ادّعى صاحب «الجواهر»(2): الإجماع بحسب ظاهر كلمات الأصحاب على انتقال الحضانة إلى الأم دون الوصي المنصوب مِن قِبل الأب وغيره.

واستشكل فيه صاحب «الحدائق» بقوله: (لم أقف له على دليلٍ في النصوص، وهم أيضاً لم يذكروا له دليلاً، مع أنّ عود الحقّ يحتاجُ إلى دليل)(3).

أقول: قد استدلّ لما هو المتَّفق عليه، في «الرياض»(4) و «الجواهر»(5) بوجوهٍ :

الوجه الأوّل: أنّها أشفق وأرفق وأرحم، (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (6).

ص: 378


1- الحدائق الناضرة: ج 25/94.
2- جواهر الكلام: ج 31/293.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/94-95 والعبارة منقولة بتصرّف.
4- رياض المسائل: ج 10/526-527 (ط. ق).
5- جواهر الكلام: ج 31/293.
6- سورة الأنفال: الآية 75.

وفيه: أنّ ذلك وحده لا يكفي في مقابل ما دلّ على قيمومة الوصي على صغار الموصي، الشامل لما إذا كان للصغار اُمٌّ .

الوجه الثاني: أنّ ذلك مقتضى الأصل في بعض الصور، وهو ما إذا مات الأب في أثناء مدّة الرِّضاع، فإنّ مقتضى الاستصحاب هو بقاء حقّ الحضانة لها، فإذا ثبت ذلك في هذه الصورة، يتمّ في غيرها، وهو ما إذا مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه.

وفيه أوّلاً: المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة.

وثانياً: إنّ هذا الأصل يجري للنصوص المحدّدة لمدّة حقّ الحضانة لها بسبع سنين، الدالّة بمفهوم الغاية على أنّه لا حقّ لها بعد تلك المدّة، الشاملة باطلاقها لهذه الصورة، ومعه لا مورد للاستصحاب.

وثالثاً: إنّ عدم القول بالفصل في الحكم الواقعي بين الصورتين، لايستلزم اتّحادهما في الحكم الظاهري أيضاً، كما لا يخفى .

ورابعاً: إنّ هذا الأصل يعارض أصالة عدم ثبوت حقّ الحضانة لها في الصورة الثانية، المتمّم في الصورة الأُولى بعدم القول بالفصل، فتأمّل لأنّه يمكن أنْ يقال إنّ ذلك الأصل لا يجري لابتلائه بالمعارض، وهو عدم ثبوت الحقّ لغيرها مع العلم بثبوته إمّا لها أو لغيرها.

الوجه الثالث: ظهور قوله: (لا تُضَارَّ...) الخ في كون الحقّ لهما دون غيرهما، إلّاأنّه مع وجودهما كان تفصيل الأمر بينهما شرعاً على ما عرفت، وأمّا مع موت أحدهما فيبقى الآخر بلا معارض.

وفيه: ما تقدّم(1) من عدم دلالة ذلك على ثبوت حقّ الحضانة لها أصلاً.).

ص: 379


1- تقدّم في هذا الجزء تحت عنوان: (الاُمّ أحقّ بالإرضاع).

الوجه الرابع: إنّ النصوص تُثبت أحقيّة المرأة قبل سبع سنين، وأحقيّة الأب بعدها، فأصل الحقّ ثابتٌ لكلٍّ منهما إلّاأنّه يكون غيره أحقّ منه، فإذا مات اللّاحق كان الحقّ لذي الحقّ .

وفيه: أنّ المراد بالأحقّية في النصوص هو الحقّ ، وإلّا فلا ريب في أنّه مع عدم وجود الأب لا حقّ للمرأة بعد سبع سنين أصلاً، كما لا يخفى .

الوجه الخامس: قوله عليه السلام في خبر داود بن الحُصين المتقدّم: «فإذا ماتَ الأب فالاُمّ أحقّ به من العَصبة»(1).

وفيه: أنّه مختصٌّ بصورة عدم وجود الوصيّ ، لأنّ احتمال ثبوت الولاية على الصغير لهم إنّما هو في تلك الصورة، وإلّا فمع وجود الوصيّ لا ولاية لهم عليه قطعاً، والخبر إنّما يدلّ على تقديم الأُمّ على العَصبة لو دار الأمر بينهما، فهو أجنبي عن محلّ الكلام.

الوجه السادس: قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان المتقدّم: «وليس للوصيّ أن يُخرجه من حِجرها حتّى يُدرك ويدفع إليه ماله»(2).

فإنّه صريحٌ في ثبوت حقّ الحضانة للاُمّ ، مع وجود الوصيّ .

وهو وإنْ اختصّ بما إذا مات الأب في أثناء المدّة التي تكون الحضانة لها في تلك المدّة، إلّاأنّه يتمّ في غيره بعدم القول بالفصل، ولا يعارضه أدلّة قيمومة الوصيّ على الصغير، لكونه أخصّ منها فيقدّم عليها.0.

ص: 380


1- الكافي: ج 6/45 باب من أحقّ بالولد ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/470 باب 81 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27611.
2- الكافي: ج 6/41 باب الرِّضاع ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/456 باب 71 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27570.

وبذلك يظهر ما في «الحدائق» من عدم الوقوف على دليلٍ يدلّ عليه(1).

ومقتضى إطلاق الصحيح، عدم الفرق بين كونها مزوّجة أم لا، كما صرّح به المصنّف في محكيّ «الإرشاد»(2).

ودعوى: أنّ عدم التزويج شرطٌ في ثبوت الحضانة لها مطلقاً، وثبوتها منافٍ لحقوق الزّوج، كما عن الشهيد الثاني(3).

مندفعة: بما تقدّم من عدم كونه شرطاً في ثبوتها مطلقاً، وعدم منافاته معها بعد إمكان الاستنابة.

وعليه، فالأظهر ثبوتها لها وإنْ كانت مزوّجة.

ولو ماتت الأم في أثناء المدّة التي لها حقّ الحضانة، فهل ينتقل هذا الحقّ إلى الأب أم إلى وصيّها؟

وجهان: من اختصاص النصّ بموت الأب، ومن عدم القول بالفصل.

حكمُ الحِضانة مع فقد الأبوين

المسألة الثالثة: قد اختلف الأصحاب في حكم الحضانة مع فقد الأبوين على أقوال:

1 - ما عن الشيخ في «المبسوط»(4)، والحِلّي(5)، والمصنّف(6) في غير «المختلف»،

ص: 381


1- الحدائق الناضرة: ج 25/94-95.
2- إرشاد الأذهان: ج 2/40 قوله: (ولو مات الأب لم تسقط به واستحقّت الحضانة إلى وقت البلوغ).
3- مسالك الأفهام: ج 8/427.
4- المبسوط: ج 6/43.
5- السرائر: ج 2/654.
6- قواعد الأحكام: ج 3/102.

والمحقّق في «الشرائع»(1): من أنّه تكون الحضانة لأبِ الأب مقدّماً على غيره من الإخوة والأجداد، وإنْ شاركوه في الإرث.

2 - ما عن الأكثر(2): من تعدّي الحكم إلى باقي الأقارب، وترتيبهم حسب ترتيب الإرث، فينظر إلى الموجود من الأقارب ويقدّر لو كان وارثاً، ويُحكم له بحقّ الحضانة، ثمّ إن اتَّحد اختصّ ، وإنْ تعدّد اُقرع بينهم.

3 - ما عن المصنّف في «الإرشاد»(3): من أنّه مع فقد الأبوين ينتقل الحكم إلى الأجداد، ويقدّمون على الإخوة، ولا يفرّق بين الجَدّ للأب وغيره، ومع فقدهم ينتقل إلى باقي مراتب الإرث.

4 - ما عن الشيخ المفيد في «المقنعة» من أنّه: (مع موت الأب تقوم اُمّه مقامه في ذلك، فإنْ لم يكن له اُمٌّ ، وكان له أب قامَ مقامه في ذلك، فإنْ لم يكن له أبٌ ولا اُمٌّ كانت الأُمّ التي هي الجَدّة أحقّ به من بعيد)(4).

5 - ما عن الإسكافي، قال: (من مات من الأبوين كان الباقي أحقّ به من قرابة الميّت، إلّاأنْ يكون المستحقّ له غير رشيد، فيكون من قرب إليه أولى به، فإنْ تساوت القرابات، قامت القرابات مقام من هي له قرابة في ولاية...

إلى أنْ قال: والاُمّ أولى ما لم تتزوّج، ثمّ قرابتها أحقّ به من قرابة الأب)(5).

6 - إنّه ينتقل إلى قرابة الأب وهم العَصَبة.2.

ص: 382


1- شرائع الإسلام: ج 3/567.
2- كالعلّامة في تحرير الأحكام: ج 2/44 (ط. ق)، الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/431.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/40 قوله: (ولو عدم الأبوان فللأجداد، فإنْ عدموا فأقرب النسب كالإرث).
4- المقنعة: ص 531.
5- نقله عنه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/431-432.

وفي المقام أقوالٌ اُخر.

أقول: والحقّ أنْ يقال:

إنّه مع فقد الأبوين ينتقل حقّ الحضانة إلى الخالة، للعلويّ : «إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قضى بابنة حمزة لخالتها، وقال صلى الله عليه و آله: الخالة والدة»(1).

ومع فقدها أو عدم قبولها، فهو للجَدّ، لأنّ له ولاية المال والنكاح، فيكون له ولاية التربية بطريق أولى ، وإنّما كانت الأُمّ أولى منه بالنَّص، فمع عدمه تثبت الولاية، ومع فقده فهو للوصيّ .

وإنْ لم يكن فللحاكم الشرعي، لأنّه: (وليُّ من لا وَليّ له)، ومع عدمه فالأرحام على حَسَب مراتبهم في الإرث، لقوله تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (2).

ودعوى: تقديم العَصَبة وهم قرابة الرّجل، لقوله في خبر داود بن الحصين: «فإذا ماتَ الأب فالاُمّ أحقّ من العَصَبة»، إذ لو كان العَصَبة أجنبيّة عن هذا الحقّ بالمرّة لاستهجن هذا التعبير منه عليه السلام.

مندفعة: بأنّ ذلك وإنْ كان يُشعر بتقديمهم، بل وتقديمهم على الجَدّ أيضاً، لكنّه لايكون دالّاً على ذلك، فإنّ التعبير يستحسن مع توهّم كونهم ممّن ينتقل إليهم هذا الحقّ بعد الأُمّ ، فتدبّر.

***5.

ص: 383


1- أمالي الطوسي: ص 342، وسائل الشيعة: ج 21/460 باب 73 من أبواب أحكام الأولاد، حديث 27579.
2- سورة الأنفال: الآية 75.

الفصلُ العاشر: في النفقات:

أمّا الزّوجة: فيجبُ لها النفقة،

الفصل العاشر: نفقة الزَّوجة

اشارة

(الفصل العاشر: في النفقات):

فنقول: من المعلوم أنّه لا تجبُ النفقة من حيثُ هي، ولا من حيث توقّف حفظ النفس المحترمة عليها إلّابأحد الأسباب الثلاثة - وهي: الزوجيّة، والقرابة، والمِلك - بإجماع الأُمّة، كما عن جماعةٍ الاعتراف به(1)، كما في «الجواهر»، وعليه فالكلامُ يقع في الموارد التالية:

1 - الزّوجة.

2 - الأقارب.

3 - المملوك.

(أمّا الزّوجة):

(فيجبُ لها النفقة) إجماعاً(2)، ويشهد له:

من الآيات: قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اَللّهُ ) (3).

ص: 384


1- جواهر الكلام: ج 31/301.
2- مسالك الأفهام: ج 8/438 (النظر الخامس: في النفقات).
3- سورة الطلاق: الآية 7.

وقوله عزّ وجلّ : (اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى اَلنِّساءِ بِما فَضَّلَ اَللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (1).

وقوله عزَّ مِنْ قائل: (وَ عَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).

وقوله تعالى : (وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) وغيرها من الآيات.

ومن السُّنة: طائفة من الأخبار:

منها: صحيح فضيل بن يسار، وربعي بن عبد اللّه، جميعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في قوله تعالى : (وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اَللّهُ ) (4)؟

قال: إنْ أنفق عليها ما يُقيم ظهرها مع كسوة، وإلّا فرّق بينهما»(5).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار: «أنّه سُئل أبا عبد اللّه عليه السلام عن حقّ المرأة على زوجها؟ قال عليه السلام: يُشبع بطنها، ويكسو جثتها، وإنْ جهلت غَفَر لها» الحديث(6).

ومنها: خبر العزرمي، عنه عليه السلام: «جاءت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فسألته عن حقّ الزّوج على المرأة فخبّرها، ثمّ قالت: فما حقّها عليه ؟

قال صلى الله عليه و آله: يكسوها من العُرى، ويُطعمها من الجوع» الحديث(7).0.

ص: 385


1- سورة النساء: الآية 34.
2- سورة البقرة: الآية 233.
3- سورة النساء: الآية 19.
4- سورة الطلاق: الآية 7.
5- الفقيه: ج 3/441 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 4530، وسائل الشيعة: ج 21/509 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27714.
6- الفقيه: ج 3/440 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 4526، وسائل الشيعة: ج 21/510 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27716.
7- الكافي: ج 5/511 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/511 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27720.

من الإطعام والكَسوة والسُّكنى.

إلى غير تلكم من النصوص المتواترة الآتية جملةٌ منها ضمن المسائل القادمة.

وعليه، فهذا الأمر لاينبغي الكلام فيه لوضوحه، إنّما الكلام في قدر النفقة، والشروط، واللّواحق، فالبحث في عدّة مقامات:

المقام الأوّل: في قدر النفقة، وفيه فروع.

الفرع الأوّل: هل يختصّ الوجوب بإنفاق ما تحتاج إليه المرأة (من الإطعام والكسوة والسُّكنى) بحيث لا يجب غيرها؟

أم يجبُ كلّ ما تحتاج إليه من ما ذكر، ومن إدامٍ وإخدام وآلة الإدهان إنْ يجب، مثل الدواء، وأُجرة الحمّام، والفَصد، والحِجامة ونحو ذلك أيضاً؟

أم يعمّ الوجوب مثل الكفّارات الواجبة عليه وما شاكل ؟

وجوهٌ وأقوال:

ذكر بعضهم(1): أنّ الواجب ثمانية أشياء: الطعام، والإدام، والكسوة، والفراش، وآلة الطبخ، والشرب، وآلة التنظيف، والسكنى، ونفقة الخادمة.

قال صاحب «الجواهر»: بعد ذكر ذلك، وبعض كلمات اُخر:

(لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكلمات من التشويش والاضطراب، ولو أحالوا ذلك إلى العادة لكان أحسن، وكأنّهم تبعوا في ذلك ما في كتب العامّة...

إلى أنْ قال: ضرورة أنّه إنْ كان المدار في الإنفاق، بذل جميع ما تحتاج إليه6.

ص: 386


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/104-106.

المرأة، لم يكن لاستثناء الدواء والطيب والكُحل والفَصد وجهٌ .

وإنْ كان المدار على خصوص الكسوة والإطعام والمسكن، لم يكن لعَدّ الفرش والإخدام، وخصوصاً ماكان منه للمرض وغير ذلك ممّا سمعته في الواجب منها وجهٌ .

وإنْ جُعل المدرك في المعاشرة بالمعروف وإطلاق الإنفاق، كان المتّجه وجوب الجميع، بل وغير ما ذكروه من اُمورٍ اُخر لا حصر لها.

فالمتّجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق الأزواج على الزوجات، من حيث الزوجيّة، لا من حيث شِدّة حُبٍّ ونحوه، من غير فرقٍ بين ما ذكروه من ذلك، وما لم يذكروه، مع مراعاة حال الامراة والمكان والزمان ونحو ذلك)(1) انتهى .

أقول: وهو الأظهر، لأنّ مقتضى إطلاق الآيات الشريفة ما ذكره رحمه الله، كما أنّه مقتضى جملةٍ من النصوص:

منها: قوله في صحيح فضيل: «إنْ أنفق عليها ما يقيم ظهرها» فإنّ إقامة الظهر كناية عن الإعاشة، أي إن أنفق عليها ما تحتاج إليه في الإعاشة، ونحوه غيره.

ومنها: ماورد في الخبر الذي رواه شهاب بن عبد ربه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت له: ما حقّ المرأة على زوجها؟

قال عليه السلام: يسدّ جوعتها، ويَستر عورتها، ولا يقبّح وجهها، فإذا فعل ذلك فقد واللّه أدّى إليها حقّها».

لا ينافي ذلك؛ لأنّ سَدّ الجوع وسَتر العورة أُريد بهما ماتحتاج إليه في الإعاشة، كما يشهد به ما ورد في ذيله:7.

ص: 387


1- جواهر الكلام: ج 31/336-337.

«قلت: فالدهن ؟ قال: غِباً يوماً ويوم لا.

قلت: فاللحم ؟ قال: في كلّ ثلاثةٍ فيكون في الشهر عشر مرّات لا أكثر من ذلك، والصّبغ في كلّ ستّة أشهر، ويكسوها في كلّ سنة أربع أثواب؛ ثوبين للشتاء وثوبين للصيف، ولا ينبغي أن يقفر بيته من ثلاثة أشياء: دهن الرأس، والخِلّ والزيت، ويقوتهنّ بالمُدّ فإنّي أقوت به نفسي، وليقدّر لكلّ إنسان منهم قوته، فإن شاء أكله، وإنْ شاء تصدّق به، ولا يكون فاكهة عامة إلّاأطعم عياله منها، ولا يدع أنْ يكون للعبد عندهم فضلٌ في الطعام أن يسنا لهم في ذلك شيء، ما لم يسناهُ لهم في سائر الأيّام»(1).

فإنّه كما ترى بعدما ذكره من أنّ حقّها سَدّ الجوع وسَتر العورة، وأنّه: «إذا فعل ذلك فقد واللّه أدّى إليها حقّها» ذكر عدّة أشياء غير داخلة في ما ذكر أوّلاً، فيعلم من ذلك كون ما ذكر في الصدر كناية عن إعاشتها.

وعلى ذلك، فالمتّجه وجوب كلّ ما تحتاج إليه من الطعام، والإدام، والكسوة، والإسكان، والإخدام، وآلة الإدهان، وآلة الطبخ، والشراب، والفراش، وآلة الزينة، والدّواء، وأُجرة الحمّام ونحو ذلك ممّا يشمله إطلاق الإنفاق والمعاشرة بالمعروف.

الفرع الثاني: في تقدير الإطعام خلافٌ :

فعن الشيخ الطوسي رحمه الله في «الخلاف»(2): تقديره بالمُدّ للرفيعة والوَضيعة والمُوسِر والمُعْسِر.3.

ص: 388


1- الكافي: ج 5/511 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/513 باب 2 من أبواب النفقات، حديث 27727.
2- الخلاف: ج 2/112 مسألة 3.

وعن جماعةٍ منهم الشيخ في «المبسوط»(1): أنّه مُدٌّ للمُعْسِر، ومُدّان للمُوسِر، ومُدٌّ ونصف للمتوسّط.

وعن المشهور(2): الاقتصار على سَدّ الخِلّة.

يشهد للأخير: إطلاق الأدلّة.

واستدلّ للأوّل: بصحيح شهاب المتقدّم، وبتقدير المُدّ في الكفّارة قوتاً للمسلمين، فاعتبرت النفقة به، لأنّ كلّاً منهما مالٌ يجبُ بالشرع لأجل القوت، ويستقرّ في الذِّمة.

أقول: ولكن الصحيح محمولٌ على أنّ ما تضمّنه كان عادتهم في تلك الأوقات، لعدم القول به من أحدٍ من الأصحاب عدا الشيخ في «الخلاف»، وتضمّنه لكون اللّحم في كلّ ثلاثة أيّام، وللصبغ الشامل للحنّاء والوَسْمة في كلّ ستّة أشهر، وغير ذينك من الاُمور التي لا قائل بتعينها.

ويستفاد ذلك من الأخبار الواردة في الكفّارات والصدقات كما في حديث ضيعة الإمام الصادق عليه السلام المسمّاة بعين زياد(3).

أضف إلى ذلك كلّه خبر زيد الشَّحام، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :

«وأمّا نحنُ فنرزق عيالنا مُدّين من تمر»(4).4.

ص: 389


1- المبسوط: ج 6/7-6.
2- مسالك الأفهام: ج 8/457 قوله: (وهو اختيار ابن إدريس وسائر المتأخّرين)، جواهر الكلام: ج 31/331 قوله: (المشهور شهرة عظيمة).
3- الكافي: ج 3/569 باب نادر ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/205 باب 18 من أبواب زكاة الغلّات، حديث 11847.
4- الفقيه: ج 3/146 باب الإباق ح 3536، وسائل الشيعة: ج 21/512 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27724.

وأمّا الثاني: فهو لا يخرجُ عن القياس.

واستدلّ للثاني: بأنّه مقتضى الجمع بين التقدير بالمُدّ في الكفّارة، وبين إيجاب الشارع في بعض الكفّارات لكلّ مسكين مُدّين.

وفيه: - مضافاً إلى كونه قياساً - أنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد به.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب من عدم التقدير، والرجوع إلى قدر الكفاية، وسَدّ الخِلّة وهي الحاجة.

وأمّا جنس الطعام: فقيل إنّ المعتبر فيه قوت البلد الغالب كالبُرّ في العراق وخراسان، والأرُزّ في طبرستان، والذَّرة في اليمن وما شاكل، لأنّ المطلق يحمل على المعتاد، ولأنّه من المعاشرة بالمعروف(1).

وعن «المسالك»(2): الرجوع في ذلك أيضاً إلى ما يعتاد لأمثالها، بل ظاهر «كنز العرفان»(3) من نسبة ذلك إلى الأصحاب تسالمهم على ذلك، وهو أرجح من الأوّل، إذ المحكّم فيما لا تعيين من الشارع، هو نظر أهل العرف وهم يرون ذلك، ولعلّة المعاشرة بالمعروف لا الأوّل.

ويترتّب على ما ذكرناه: أنّ اللّازم مراعاة حال الزّوجة دون الزّوج.

ودعوى: أنّ ذلك ربما يؤدّي إلى تكليف الزّوج بما لا يُطاق، بأن تكون ذات شرفٍ والزّوج مُعْسِراً.

مندفعة: بأنّه ينفق عليها ما قدر، ويكون الزائد ديناً عليه، كما إذا لم يتمكّن من أصل الإطعام.).

ص: 390


1- قواعد الأحكام: ج 3/104، كاشف اللّثام: ج 7/564 (ط. ق).
2- مسالك الأفهام: ج 8/456.
3- كنز العرفان: ج 2/219 (العاشرة: لينفق ذو سعةٍ من سعته).

وبذلك يظهر ما في الأدام، فإنّ البحث فيه جنساً وقدراً كالطعام، لاتّحاد المدرك في الجميع.

وعن «المبسوط»: أنّ عليه في الاسبوع اللّحم مرّة لأنّه هو العرف(1).

وعن الإسكافي: أنّ على المتوسّط أن يُطعمها اللّحم في كلّ ثلاثة أيّام مرّة(2).

ومن تعليلاتهم يظهر إرادة الجميع، هو الرجوع فيه إلى العرف في أمثال المرأة، وحينئذٍ إذا كانت عادة أمثالها دوام أكل اللّحم وجب، لأنّه المعاشرة بالمعروف.

وبه يظهر وجوب بذل الشاي والتنباك والقهوة إذا كانت عادةً لأمثالها، أو لها خاصّة، بل إذا كان عادة أمثالها أكل الشيء العزيز كالمربيّات والحلويّات ونحو ذلك وجب.

وأيضاً: يظهر حال الكسوة والخَدَم والمسكن وغيرها ممّا يجبُ عليه لها، قال الشهيد الثاني رحمه الله:

(إنّها ترجع فيما تحتاج إليه من طعام وجنسه: من البُرّ والشعير والتمر والزبيب والذّرة وغيرها، والأدام والسَّمن والزيت والشِّيرج، واللّحم واللّبن، والكسوة من القميص والسراويل والمقنعة والجُبّة وغيرها، وجنسها من الحرير والقطن والكتان، والإسكان في دارٍ أو بيتٍ لائقين، والإخدام إذا كانت من أهل ذوي الحشمة والمناصب المرتفعة، وآلة الإدهان التي تدهن به شعرها أو ترجله من زيتٍ وشيرج مطلق أو مطيّب بالورد أو البنفسج أو غيرهما ممّا لايعتاد لأمثالها)(3) انتهى .6.

ص: 391


1- المبسوط: ج 6/7.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/320 (الفصل الثامن: في النفقات).
3- مسالك الأفهام: ج 8/456.

وبالجملة: بالضابط الذي ذكرناه يظهر لك الحال في جميع هذه الفروع.

ثمّ إنّه بما أنّ حشمة الزّوجة وما يقابلها تختلفان باعتبار الزّوج، فاللّازم هو مراعاة أمثال المرأة بما هي عليه.

وبما ذكرناه يظهر وجه عدم استثناء أُجرة الحمّام والفَصد وما شاكل، بل ويجبُ الضيافات الواجبة في العرف والعادة لأمثالها، وما تعتاد أمثال المرأة من الاصطياف وما شاكل.

أقسام النفقة

الفرع الثالث: للنفقة أقسام:

القسم الأوّل: ملكٌ بلا خلافٍ (1)، وهو طعام اليوم واللّيلة ونحوه ممّا يتوقّف الانتفاع به على إتلافه كالصابون ونحوه.

والشاهد به - مضافاً إلى الإجماع(2) المُدّعى في كلمات جماعةٍ - قوله عليه السلام في صحيح شهاب: «وليقدر كلّ إنسانٍ منهم قوته، فإنْ شاء أكله، وإنْ شاء وهبه، وإنْ شاء تصدّق به»(3).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ ذلك كلّه يلائم مع الإباحة المطلقة، بناء على ما هو الحقّ من عدم توقّف الهبة والتصدّق على المِلك، بل يجوزان مع الإباحة المطلقة، ولذا قال في محكيّ «كشف اللّثام»: (بإمكان القول بعدم اعتبار المِلْك فيه، وأنّ الواجب هو البذل والإباحة)(4).

ص: 392


1- الحدائق الناضرة: ج 25/124 المسألة الرابعة.
2- رياض المسائل: ج 10/546 (ط. ق). قوله: (ومن المؤنة التمليك في صبيحة كلّ يوم لا أزيد اتّفاقاً).
3- وسائل الشيعة: ج 21/513 باب 2 من أبواب النفقات، حديث 27727، الكافي: ج 5/511 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 5.
4- كشف اللّثام: ج 7/574 (ط. ق).

أقول: ولا يهمّنا البحث في ذلك بعد تسالمهم على أنّه لو منعها وانقضى اليوم برغم أنّها ممكّنة، استقرّت نفقة ذلك اليوم في ذمّته، وأنّها لو قَتَرت على نفسها أو أنفقت على نفسها من غيرها، كان ذلك في ذمّته، وتستحقّها عليه، وأنّها تملك المطالبة بنفقة يومها في صبيحته مع التمكين، وأنّها إذا قبضتها تفعل بها ما تشاء.

ولو قبضت نفقة يومها أو أيّامها المتعدّدة، فطلّقها الزّوج في الأثناء، أو مات، أو صارت هي ناشزة، يجب عليها رَدّ ما فَضُل عندها إليه أو إلى الورثة، لأنّه يظهر بأحد هذه الاُمور عدم استحقاقها لها من حين حدوثه وتحقّقه، ويشهد به في الجملة خبر زرارة، قال:

«سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ سافر وترك عند إمرأته نفقة ستّة أشهر، أو نحواً من ذلك، ثمّ مات بعد أشهر أو اثنين ؟

فقال: تردّ فضل ما عندها في الميراث»(1).

القسم الثاني: أمتاعٌ بلا خلافٍ (2)، كالمسكن والخادم ونحوهما ممّا عُلم من الأدلّة عدم اعتبار المِلْك في إنفاقهنّ .

وستأتي الثمرة بين كونه إمتاعاً أو ملكاً في القسم الثالث.

أقول: هذا القسم هو ممّا اختلفت كلماتهم فيه، من حيث كونه امتاعاً أو مِلْكاً كالكسوة وشبهها من أعيان النفقة التي لا يتوقّف الانتفاع بها على إتلافها، وإنْ كان الاستعمال يتلفها لكن بعد مدّةٍ نحو فراش النوم واليقظة، وآلات التنظيف من المشط ونحوه:).

ص: 393


1- التهذيب: ج 9/243 باب من الزيادات ح 37، وسائل الشيعة: ج 19/434 باب 99 من الوصايا، حديث 24896.
2- رياض المسائل: ج 10/546 (ط. ق) قوله: (ثُمّ إنّ المعتبر من المسكن الامتناع اتّفاقاً).

فعن «المبسوط»(1)، و «القواعد»(2) وغيرها(3): أنّها ملكٌ ، وهو الظاهر من «الشرائع»(4).

وعن «الإرشاد»(5)، و «كشف اللّثام»(6)، وغيرهما(7): أنّها أمتاع، ومال إليه في «فوائد الشرائع»(8).

وفي «الرياض»: أنّه أشهر وأجود(9).

وفي «الجواهر»: (ولعلّه كذلك)(10).

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ ما في ذمّة الزّوج هو كلّي الكسوة، فإذا بذل شخصيّها لزم منه صيرورتها مِلْكاً لها نحو المدفوع وفاءً للدين.

2 - وبأنّ عطف الكسوة على الرزق في الآية الكريمة: (وَ عَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ ) (11) يقتضي ذلك، بعد ثبوت المِلْكيّة في الرزق.3.

ص: 394


1- المبسوط: ج 6/10 قوله: (وأمّا الكسوة... فإذا أعطاها لمدّة ثُمّ بانت بموتٍ أو غيره قال قوم عليها رَدّ الكسوة، وقال آخرون لا يستردّ... والأوّل أقوى ).
2- قواعد الأحكام: ج 3/107.
3- كما في إيضاح الفوائد: ج 3/272.
4- شرائع الإسلام: ج 2/571.
5- إرشاد الأذهان: ج 2/35.
6- كشف اللّثام: ج 7/572 (ط. ق).
7- كما في مسالك الأفهام: ج 8/464-465، نهاية المرام: ج 1/487.
8- حكاه عن فوائد الشرائع صاحب الجواهر: ج 31/346.
9- رياض المسائل: ج 10/546 (ط. ق).
10- جواهر الكلام: ج 31/346.
11- سورة البقرة: الآية 233.

3 - وبالنبويّ : «فعليكم رزقهنّ وكِسْوتُهنّ بالمعروف»(1) فإنّ اللّام ظاهرة في المِلك.

4 - وبأنّه يجبُ على الزّوج في إنفاقه أن يملك الزّوجة الكسوة على وجهٍ إنْ لم يملكها لم يكن منفقاً، فيكون ذلك شرطاً في إنفاق الكسوة شرعاً.

أقول: ولكن الجميع قابلة للمناقشة:

أمّا الأوّل: فلأنّ وجوب إنفاق الكسوة إنْ كان مقتضياً لثبوت مالٍ لها في ذمّة الزّوج، كان ما أُفيد تامّاً، وأمّا إنْ كان هو خطاباً شرعيّاً، نظير وجوب نفقة الأرحام فإعطاء الشخص الخارجي إنّما هو لكونه متعلّقاً لحقّها، ولها أن تنتفع به، وهذا لا يقتضي الملكيّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ العطف يقتضي المشاركة في الحكم الذي تكون الآية بصدد بيانه، وهو وجوب الإنفاق، وكون الرزق يعتبر فيه الملكيّة لدليلٍ آخر غير ملازمٍ لكون الكسوة كذلك.

وأمّا الثالث: فلضعف سنده للإرسال، مع أنّ اللام غير ظاهرة في المِلْكيّة، بل هي ظاهرة في الاستحقاق الملائم مع المِلْكيّة وغيرها.

وأمّا الرابع: فلعدم الدليل على لزوم التمليك واعتباره في إنفاق الكسوة.

أقول: ولكن مع ذلك كلّه، هذا القول أظهر في خصوص الكسوة دون الفراش ونحوه، لجريان العادة بتمليكها، المحمول عليها الأدلّة الآمرة بإنفاقها كما تقدّم.

ويؤيّده: أنّه إذا مات الزّوج لا يُحتسب الكسوة من الميراث، إلّاإذا كانتع.

ص: 395


1- تحف العقول: ص 30 خطبته صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع.

أزيد من المتعارف، حتّى عند المتديّنات، ولا ينكره أحدٌ من المتشرّعين.

وعلى ذلك، فالأظهر كونه مِلْكاً في الكسوة، وامتاعاً في الفراش ونحوه.

بيان ثمرات القول بالمِلْك أو الامتاع

ثمّ إنّ الأصحاب ذكروا أنّه تظهر ثمرة الخلاف في كونها مِلْكاً أو امتاعاً في موارد:

منها: ما في «القواعد» بناء على الملك، حيث قال: (ولو طلّقها قبل انقضاء المدّة المضروبة للكسوة، بأنّ له استعادتها لا بعدها، ولو انقضى نصف المدّة - سواءٌ لبستها أو لا ثمّ طلّقها - احتمل على التمليك التشريك واختصاصها، وكذا لو ماتت)(1) انتهى .

وفي «الجواهر»: (ولعلّ وجه الاختصاص أنّها ملكتها بالقبض، واستحقّتها بالتمكين الكامل، فيكون كنفقة اليوم إذا طلّقها في الأثناء)(2).

أقول: ولكن الأظهر التشريك إنْ كان في أثناء المدّة المضروبة للكسوة، والاختصاص إنْ كان بعدها، سواءٌ لبستها أم لم تلبسها، لإرادة الاستفصال.

هذا على التمليك.

وأمّا على تقدير الامتاع فيُستعاد مطلقاً.

ومنها: أنّه لا يصحّ لها بيع المأخوذ، ولا التصرّف فيه بغير اللّبس من إجارةٍ أو إعارةٍ أو نحوهما على الامتاع، بخلاف المِلْك ما لم ينافِ غَرَض الزّوج من

ص: 396


1- قواعد الأحكام: ج 3/107.
2- جواهر الكلام: ج 31/350.

التزيّن والتجمّل.

ومنها: أنّ له أخذ المدفوع إليها، وإعطائه غيرها على الامتاع، دون التمليك إلّا برضاها.

ومنها: ما عن «المسالك» و «كشف اللّثام»: من أنّه إذا لم يكسها مدّةً ، صارت الكسوة ديناً عليه على التمليك، دون الامتاع(1) الذي معناه تمكينها من الانتفاع الذي لايتصوّر ضمانه بعد انقضاء مدّته، إذ ليس هو منفعة لها ولا عين.

وأورد عليهما صاحب «الجواهر» رحمه الله: (بأنّه يكفي في ضمانه كونه حقّاًماليّاً لها)(2).

وفيه: إنّ الحكم بالضمان يحتاجُ إلى دليلٍ ، وأدلّة الضمان محصورة في قاعدة اليد والإتلاف والإقدام، وليس شيء منها يشمل مثل هذا الحقّ المالي.

ومنها: ما عن «كشف اللّثام»: (أنّه لا يصحّ الاعتياض عنها على الامتاع، ويصحّ على التمليك)(3).

وفيه: أنّه يصحّ الاعتياض عنها على الامتاع بجعل إسقاطها عوضاً، فإنّ الإسقاط حينئذٍ له ماليّة يعوّض عنه كما مرّ(4) تفصيل القول في ذلك في مبحث (ما يصحّ جعله مَهراً).

ومنها: أنّه لو انقضت المدّة والكسوة باقية، طالبته بالكسوة لما يستقبل على القول بالملك دون الامتاع، لبقائها على مِلْكه، وفرض صلاحيّتها لاكتسائها.).

ص: 397


1- مسالك الأفهام: ج 8/466، كشف اللّثام: ج 7/575 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 31/349.
3- كشف اللّثام: ج 7/575 (ط. ق).
4- تقدّم في ج 32/344، تحت عنوان (جعل الحقّ مَهراً).

ومنها: أنّه لو اخلقتها قبل المدّة بتقصيرٍ منها، لم يجب عليه بدلها على الملك، ويجبُ على الامتاع، وإنْ ضمنت حينئذٍ له ما أتلفته بتقصيرها.

ومنها: غير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره.

***

ص: 398

مع العقد الدائم والتمكين التامّ .

شرائط وجوب دفع النفقة

المقام الثاني: ويدور البحث فيه عن الشرائط التي يترتّب عليها وجوب دفع النفقة:

أقول: والمتّفق عليه منها اثنان:

الشرط الأوّل: ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله: (مع العقد الدائم)، فلا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعاً(1).

وفي خبر هشام، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث المتعة: «ولا نفقة ولا عِدّة عليكِ »(2) وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً.

(و) الشرط الثاني: (التمكين التامّ ) وقد مرّ تفسيرالتمكين التامّ في مبحث النشوز في الفصل الثامن(3)، واعتباره في الجملة ممّا عليه الإجماع بقسميه، ويشهد به:

1 - خبر «تحف العقول» عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال في خطبة الوداع: «إنّ لنسائكم عليكم حقّاً ولكم عليهنّ حقّاً:

حقّكم عليهنّ : أن لا يوطئن فرشكم، ولا يُدْخِلنَ بيوتكم أحداً تكرهونه إلّا بإذنكم، وأن لا يأتين بفاحشة، فإنْ فعلن فإنّ اللّه تعالى قد أذِنَ لكم أن تعضلوهنّ

ص: 399


1- كشف اللّثام: ج 7/558 (ط. ق).
2- التهذيب: ج 7/267 باب تفصيل أحكام النكاح ح 76، وسائل الشيعة: ج 21/79 باب 45 من أبواب المتعة، حديث 26577.
3- في صفحة 278 من هذا المجلّد.

وتهجروهنّ في المضاجع، وتضربوهنّ ضَرْباً غير مُبرّحٍ ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف»(1).

2 - وقوي السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«أيّما امرأةٍ خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع»(2).

ونحوه العلويّان المرويّان عن «الجعفريّات» و «دعائم الإسلام»(3).

والمستفاد من هذه النصوص أنّه مع عدم القيام بالحقوق الواجبة للزوج، تسقط نفقة الزّوجة.

إنّما الكلام في المقام في موارد:

المورد الأوّل: أنّه هل تجب النفقة بالعقد إذا كانت دائماً، وإنْ سقطت بالنشوز، أو أنّه يشترط مع العقد التمكين التامّ؟

المشهور(4) بين الأصحاب: هو الثاني.

وفي «الرياض»: (بل كاد أنْ يكون إجماعاً، مع أنّا لم نقف على مخالفٍ فيه صريحاً، بل ولا ظاهراً، بل ظاهر «الروضة»(4) الإجماع عليه)(6).

وقد استدلّ له:8.

ص: 400


1- تحف العقول: ص 33، وسائل الشيعة: ج 21/517 باب 6 من أبواب النفقات، ح 27733.
2- الكافي: ج 5/514 باب ما يجب من طاعة الزّوج على المرأة ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/517 باب 6 من أبواب النفقات، حديث 27732.
3- الجعفريّات: ص 108، دعائم الإسلام: ج 2/255 ح 973، المستدرك: ج 15/219 باب 3 من أبواب النفقات، حديث 18048. (4و6) رياض المسائل: ج 10/530 (ط. ق).
4- الروضة البهيّة: ج 5/467-468.

1 - باختصاص الأمر بالإنفاق بما تقتضيه العادة، وليس من مقتضياته الوجوب إلّابعد التمكين، كما هو المشاهد من أهلها، فإنّهم ينكحون ويتزوّجون من دون إنفاق إلى حين الزفاف، مع عدم اختلاف من الزوجات وأهلهنّ مع الأزواج المستمرّين على ذلك ولا نفاق.

2 - وبأنّه لا إطلاق لأدلّة وجوب الإنفاق، والمتيقّن منها صورة التمكين التامّ .

3 - وبما ورد من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تزوّج ودخل بعد سنين، ولم يُنفق إلّابعد دخوله.

4 - وبأنّ العقد يوجبُ المَهر عوضاً، فلا يوجب عوضاً آخر.

5 - وبأنّ النفقة مجهولة، والعقدُ لا يوجب مالاً مجهولاً، فالواجبُ هو التمكين.

6 - وبظهور الأمر بالمعاشرة بالمعروف في ذلك، أي الإنفاق مع التمكين لا بدونه.

7 - وبأنّ الأصل براءة الذّمة من وجوب النفقة، خرج منه حالة التمكين بالإجماع، فيبقى الباقي على الأصل.

8 - وبالإجماع.

أقول: وفي جميع هذه الأدلّة نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا وجه لدعوى اختصاص الأدلّة بما تعارف فعله في الخارج من عدم الإنفاق بدون التمكين، بعدما عُلّق الأمر بالإنفاق في الأدلّة على الزوجيّة، وجُعل ذلك من حقوق الزّوجة.

وأمّا الثاني: فلأنّه لا وجه لمنع إطلاق الأدلّة والنصوص.

وأمّا الثالث: فلعدم علمنا بكيفيّة فعله صلى الله عليه و آله.

وأمّا الرابع: فلأنّ النفقة ليست من الأعواض، والشارع إنّما أثبت وجوب

ص: 401

النفقة على الزّوجة، فهو حكمٌ متفرّع على حصول الزوجيّة.

وأمّا الخامس: فإنّ حكمه يظهر ممّا سبقه.

وأمّا السادس: فلأنّ الأمر بالمعاشرة بالمعروف لم يظهر لي كيف يقتضي عدم الإنفاق إلّامع التمكين، سيّما إذا كانت معذورة في عدم التمكين ؟!

وأمّا السابع: فلأنّ الأصل لا يرجع إليه مع الدليل.

وبالجملة: فالأظهر ما في «الحدائق»(1) و «الجواهر»(2) من عدم اعتبار التمكين التامّ في وجوب النفقة.

نعم، التمكين الذي يكون عدمه نشوزاً يعتبر في وجوب النفقة لما مرّ.

المورد الثاني: أنّ التمكين المعتبر على المختار، هل هو شرطٌ لوجوب النفقة، أم النشوز الذي ضدّه يكون مانعاً؟

اختار صاحب «الجواهر» رحمه الله الأوّل، واستدلّ له:

بأنّ المستفاد من النصوص المتضمّنة لحقوقه عليها، إذا انضمّت إلى ما دلّ على سقوط النفقة بالخروج من بيته بغير إذنه، أنّ النشوز إنّما جُعل مسقطاً باعتبار تفويته الشرط الذي هو وجوب طاعتها وعرضها نفسها عليه، وعدم خروجها من بيته بغير إذنه، لا أنّه مانعٌ لوجوب النفقة(3).

أقول: الظاهر أنّ الأولى من ذلك استدلاله بظاهر خبر «تحف العقول» المتقدّم، المعلِّق لوجوب النفقة على الاطاعة.8.

ص: 402


1- الحدائق الناضرة: ج 25/99-107. (2و3) جواهر الكلام: ج 31/306-308.

المورد الثالث: على القول المشهور من اعتبار التمكين:

هل يعتبر أن تظهر كونها ممكّنة له فيما يريده من الاستمتاعات، إمّا بأنْ تَعرض نفسها عليه، أو بأن تقول: سلّمتُ نفسي إليك حيثُ شئت، أو أي زمان شئت، ولو مع عدم مطالبة الزّوج وإرادته ؟

أم لايكفي حصوله بالفعل، بل لابدّ من لفظ يدلّ عليه من قبل ؟

أم لا يعتبر شيء من ذلك، بل إذا كانت بحيث يصدق عليها أنّها ممكنة بأن تخلّي بينها وبينه يجبُ النفقة ؟

أقوالٌ ، صرّح بعضهم بالأوّل، وعن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(1) اختيار الثاني، وظاهر «المسالك»(2) أنّ القائل به جماعة.

لكن الأخير أظهر إذ غاية ما يثبت بالدليل، اعتبار التمكين التامّ ، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.

وما عن «كشف اللّثام»: من أنّه لا يتحقّق التمكين التامّ إلّابالإظهار(3).

واضحُ الفَساد، سيّما وقد أفاد أنّه لا يحصل بدون الإظهار باللّفظ.

والنصوص(4) الدالّة على عَرض نفسها عليه كلّ غُدوة وعشيّة، إنْ كانت دالّة على لزوم ذلك عليها، لزم اعتبار ذلك في وجوب النفقة، فإنّ تركه حينئذٍ موجبٌ للنشوز، وإلّا فلا دليل على اعتبار ذلك أيضاً.ح.

ص: 403


1- تحرير الأحكام: ج 2/45 الطبع القديم.
2- مسالك الأفهام: ج 8/440.
3- كشف اللّثام: ج 7/557 (ط. ق).
4- وسائل الشيعة: ج 20/157-159 باب 79 من أبواب مقدّمات النكاح.

مع القدرة.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ المعتبر في وجوب الإنفاق التمكين الذي يعدّ عدمه نشوزاً، ولعلّ ذلك مراد المصنّف رحمه الله في المقام، حيث قال: والتمكين التامّ (مع القدرة).

ثمرات الخلاف في شرطيّة التمكين ومانعيّة النشوز

أقول: فرّع الأصحاب على النزاع حول شرطيّة التمكين ومانعيّة النشوز فروعاً:

منها: أنّه لو تنازع الزوجان في التمكين والنشوز، بأن ادّعى الزّوج النشوز والزّوجة التمكين، قالوا:

على القول بالشرطيّة: يكون قول الزّوج مقدّماً، إذ الأصل عدم التمكين.

وعلى القول بالمانعيّة: يقدّم قولها، لأصالة عدم تحقّق النشوز الموجب لسقوط ما وجب بالعقد.

أقول: يتمّ ذلك على ما ذكروه في التمكين المعتبر، ولا يتمّ على ما اخترناه؛ لأنّ أصالة الصحّة في فعل المسلم تقتضي موافقة قولها للأصل، وكونها منكرة.

ومنها: ما لو لم يطالب الزّوج من الزّوجة بالزفاف، ولم تمتنع هي منه، ولا عَرَضتْ نفسها عليه، ومضت مدّة على ذلك:

فإنّه على القول باعتبار التمكين، لم تستحقّ المرأة النفقة، لفقد الشرط.

وعلى القول بمانعيّة النشوز، استحقّت؛ لعدم النشوز.

ولكن على ما بنينا عليه، من أنّه على القول باعتبار التمكين المعتبر هو ما

ص: 404

يقابل النشوز، فهذه الثمرة غير تامّة أيضاً.

ومنها: ما لو كانت الزّوجة صغيرة:

فقد ذهب القائلون بشرطيّة التمكين إلى أنّه لا نفقة لها، لعدم تحقّق التمكين من جانبها، ولو مكّنت منه، لعدم صلاحيّتها لذلك، لأنّ التمكين التامّ في الشرع هو التمكين في غير هذه الحال.

وعلى القول بمانعيّة النشوز التزموا بثبوت النفقة.

ولكن الظاهر استحقاقها لها حتّى على القول بشرطيّة التمكين بالمعنى المقابل للنشوز، الذي لا يتحقّق إلّابتقصيرها في أداء الحقّ ، فلها النفقة، إذ لا حقّ للرجل في وطئها ليكون امتناعها عنه نشوزاً، بل تجبُ النفقة وإنْ امتنعت من سائر الاستمتاعات، لعدم كونها مقصّرة في ذلك.

ومنها: ما لو كان الزّوج صغيراً وهي كبيرة:

فعن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(1) و «المبسوط»(2): أنّه لا نفقة لها، ونحوه عن «الجامع»(3)، و «المهذّب»(4).

واستدلّ له: بعدم التمكين بانتفاء التمكّن.

وأشكل فيه في «الشرائع»: نظراً إلى تحقّق التمكين من طرفها(5)، ولذا اختار9.

ص: 405


1- الخلاف: ج 5/113 مسألة 5.
2- المبسوط: ج 6/12-13.
3- الجامع للشرائع: ص 489.
4- المهذّب: ج 2/347.
5- شرائع الإسلام: ج 2/569.

المحقّق وفاقاً للإسكافي(1) والحِلّي(2) وجوب الإنفاق.

أقول: وربما يستدلّ لعدم الوجوب باختصاص التكاليف بالبالغين، فالصغير لا تكليف عليه، ولكنّه يتوقّف على اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين، وللكلام في ذلك محلّ آخر، وقد اشبعنا الكلام عنه في كتاب الحجّ (3)، وأثبتنا عدم الاختصاص إلّافي بعض الموارد.

فالمتحصّل: أنّه على المختار من وجوب النفقة لكلّ إمراةٍ غير ناشزة، تجبُ النفقة لها في المقام.

ومنها: ما لو امتنع الوطء لعذرٍ شرعي أو عذر عقليٍّ ؛ كالحيض والمرض والرتق والقرن، أو ما لو اتّفق الزّوج عظيم الآلة وهي ضعيفة، أو كانت هي نحيفة وهو ضخم الجسم يضرّ وطئه بها وإنْ لم يكن عظيم الآلة بالنسبة إلى غيره:

فإنّه على ما هو المشهور(4) بينهم من شرطيّة التمكين التامّ من الوطء، لابدّ من البناء على سقوط النفقة في هذه الموارد.

وعلى ما اخترناه من شرطيّة الطاعة فيما وجبَ عليها من حقوق الزوجيّة التي يكون انتفائها بالنشوز، أو مانعيّة النشوز، لزم البناء على وجوب النفقة في جميع هذه الموارد، كما هو واضح.

ولكن الظاهر أنّه لاخلاف بينهم في وجوب النفقة في هذه الموارد، واستدلّوا له:

1 - بعموم أدلّة الإنفاق(5).ت.

ص: 406


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/321.
2- السرائر: ج 2/655.
3- فقه الصادق: ج 13/19.
4- رياض المسائل: ج 10/530-631 (ط. ق).
5- وسائل الشيعة: ج 21/509-512 باب 1 من أبواب النفقات.

2 - وبإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قُبلاً.

3 - وبظهور العُذر فيه، فإسقاط النفقة به يعدّ من غير المعاشرة بالمعروف.

4 - وبأنّه إنْ لم تجب نفقتها مع دوام عُذرها، لزم دوام الزوجيّة بلا نفقة، وهو ضررٌ عظيم.

5 - وبأنّ المرض كأيّام الحيض في ظهور العُذر، وتوقّع الزّوال ورضاه لما تزوّج به، فكأنّه أسقط حقّه من التمكين بالوطء في حال المرض والحيض وما شاكل، ورضي بما عداه، فهو التمكين التامّ في حقّه.

والجواب: الإنصاف أنّ شيئاً من هذه الوجوه لا يصلحُ مدركاً للحكم الشرعي، لأنّ أدلّة الإنفاق على ما ادّعوه، إمّا مجملة أو مقيّدة بالتمكين التامّ المنتفي في المقام، والاستمتاع بما دون الوطء قُبُلاً لا يُجزي بعد كون الشرط عندهم التمكين من الوطء، وكون إسقاط النفقة به من غير المعاشرة بالمعروف لا يفيدُ، بعد دلالة الدليل على عدم وجوب النفقة، والضَّرر لا يصلحُ منشأً لجعل الحكم، فإنّ قاعدته نافية لا مثبتة، وإسقاط الزّوج حقّه من التمكين بالوطء لا يكفي في وجوب الإنفاق.

***

ص: 407

وإنْ كانت ذميّة أو أمَة.

نفقة المطلّقة

المقام الثالث: في اللّواحق، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى: أنّ الزّوجة الدائمة الممكِّنة تجبُ نفقتها (وإنْ كانت ذميّة، أو أمَة) بلا خلافٍ (1)، لإطلاق الأدلّة.

المسألة الثانية: تثبت النفقة للمطلّقة الرجعيّة بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه(2) كما في «الجواهر»، ويشهد به نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح سعد بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام: عن شيء من الطلاق ؟

فقال عليه السلام: إذا طلّق الرّجل إمرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة، فقد بانت منه ساعة طلّقها، ومَلِكَتْ نفسها، ولا سبيل له عليها، وتعتدّ حيثُ شاءت، ولا نفقة لها.

قال: قلتُ : أليسَ اللّه يقول: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ ) (3)؟

قال: فقال عليه السلام: إنّما عنى بذلك الّتي تطلّق تطليقة بعد تطليقة، فتلك التي لاتُخرَج ولا تَخرُج حتّى تطلّق الثالثة، فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه، ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلّقها الرّجل تطليقة الثالثة فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه، ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلّقها الرّجل تطليقة ثمّ يَدَعها حتّى يخلو أجلها، فهذه أيضاً تقعد في

ص: 408


1- جواهر الكلام: ج 31/327.
2- جواهر الكلام: ج 31/316-317. وفي نهاية المرام: ج 1/478، قال: (هذا الحكم موضع نصّ ووفاق).
3- سورة الطلاق: الآية 1.

منزل زوجها، ولها النفقة والسُكنى حتّى تنقضي عِدّتها»(1).

ومنها: خبر زرارة المرويّ عن المشايخ الثلاثة بأسانيد متعدّدة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها، إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

أقول: قد استثني من ذلك موردان:

المورد الأوّل: قال الشهيد الثاني رحمه الله: (استثنى بعضهم آلة التنظيف، لأنّ الزّوج لا ينتفع بذلك وهو حسن)(4).

وقال سبطه: (والإطلاق أجود، لعلّ اللّه يُحدث بعد ذلك أمرا)(5).

أقول: والظاهر أنّ نظره إلى الروايات، ففي موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في المطلّقة تعتدّ في بيتها، وتظهر زينتها، لعلّ اللّه يُحدِثُ بعد ذلك أمرا»(6).

وفي خبر زرارة، عنه عليه السلام: «المطلّقة تَكتحل وتَختضِبْ وتَلبس ما شاءت من5.

ص: 409


1- الكافي: ج 6/90 باب عِدّة المطلّقة ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/519 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27739.
2- الكافي: ج 6/104 باب أنّ للمطلّقة ثلاثاً لا سكن لها ولا نفقة ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/519 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27740.
3- الكافي: ج 6/104 باب أنّ للمطلّقة ثلاثاً لا سكن لها ولا نفقة ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/520 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27742.
4- مسالك الأفهام: ج 8/449.
5- نهاية المرام: ج 1/478.
6- الكافي: ج 6/91-92 باب عِدّة المطلّقة ح 10 و 14، وسائل الشيعة: ج 22/217 باب 21 من أبواب العدد، حديث 28424 و 28425.

الثياب، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (لَعَلَّ اَللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) »(1)الحديث(2). ونحوهما غيرهما.

وبها استدلّ صاحب «الحدائق»(3) رحمه الله على عدم استثنائها.

ولكن ليس في شيءٍ منها ما يشهد بكون آلة الزينة منه، والأولى الاستدلال له بإطلاق الروايات، وبما دلّ على(4) أنّها في أيّام العِدّة زوجة، وعدم انتفاع الزّوج بها لا يدلّ على استثنائها، كيف فإنّها من النفقة، وإنْ كان الزّوج في السفر، ولا ينتفع بها، فالأظهر عدم الاستثناء.

المورد الثاني: ما عن المصنّف(5) رحمه الله في «القواعد» من استثناء وطئها في العِدّة للشُبهة، سواءٌ حملت أم لا، وتأخّرت عِدّة الزّوج عن عِدّتها وقلنا لا رجوع له في الحال، فلا تجب النفقة على إشكالٍ .

وذكر رحمه الله نظير ذلك في الزّوجة الموطوءة بشُبهةٍ أيضاً، قال:

(وفي المعتدّة في شبهة إنْ كانت في نكاحٍ ، فلا نفقة لها على الزّوج على إشكال)(6).

وذكر في منشأ الإشكال في المقام: (أنّ النفقة إنّما تجب للزوجة ومن في حكمها، وهي من في العِدّة الرجعيّة؛ لكونها بمنزلة الزّوجة الممكّنة، لأنّ له الرجوع إليها متى شَاء، والأمران منتفيان، ومن بقاء حكم الزّوجة، وإنْ امتنع الرجوع الآن لمانعٍ ،0.

ص: 410


1- سورة الطلاق: الآية 1.
2- الكافي: ج 6/91-92 باب عِدّة المطلّقة ح 10 و 14، وسائل الشيعة: ج 22/217 باب 21 من أبواب العدد، حديث 28424 و 28425.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/109.
4- الكافي: ج 6/73 باب الإشهاد على الرجعة ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/135 باب 13 من أبواب أقسام الطلاق، حديث 28210. (5و6) قواعد الأحكام: ج 3/109 و 110.

فإنْ طلّقت بائناً أو مات الزّوج، فلا نفقة مع عدم الحَمل.

وإطلاق النصّ )(1).

أقول: الأظهر هو الثاني كما يظهر وجهه ممّا أسلفناه، وعليه فيتمّ ما عن بعضهم من اختصاص ذلك بما إذا كانت الشبهة منها، أو من الواطيء أيضاً، وأمّا لو اختصّت بالواطيء فالأظهر عدم النفقة، لأولويّته من النشوز المسقط للنفقة، وبذلك يظهر حكم المسألة الاُخرى التي هي نظير المقام.

المسألة الثالثة: لا نفقة على المطلّقة غير الرجعيّة، وكذا على المعتدّة عِدّة الوفاة غير الحامل، (فإنْ طلّقت بائناً، أو مات الزّوج، فلا نفقة مع عدم الحمل).

أقول: هاهنا فرعان:

الفرع الأوّل: لا نفقة على المطلّقة البائنة غير الحامل، وقد تكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع(2) عليه، وكثيرٌ من النصوص تشهد به:

منها: ما تقدّم.

ومنها: صحيح ابن سنان أو موثّقه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المطلّقة ثلاثاً على السُّنة، هل لها سكنى أو نفقة ؟

قال عليه السلام: لا»(3).5.

ص: 411


1- كشف اللّثام: ج 7/580 (ط. ق).
2- كشف اللّثام: ج 7/581، رياض المسائل: ج 10/537 (ط. ق).
3- الكافي: ج 6/104 باب أنّ للمطلّقة ثلاثاً لا سكن لها ولا نفقة ح 2، 5 و 3، وفي التهذيب: ج 8/133 باب عدد النساء ح 61، وسائل الشيعة: ج 21/520-521 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27743 و 27741 و 27744 و 27745.

ونحوه موثّق سماعة(1)، وخبر أبي بصير(2)، وصحيح الحلبي(3)، وغيرها(1).

وبإزائها خبران:

أحدهما: صحيح ابن سنان، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المطلّقة ثلاثاً على العِدّة لها سكنى أو نفقة ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

ثانيهما: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن المطلّقة ألها نفقة على زوجها حتّى تنقضي عِدّتها؟

قال عليه السلام: نعم»(3).

أمّا الثاني: فمطلق والجمع بينه وبين ما تقدّم يقتضي حمله على المطلّقة الرجعيّة.

وأمّا الأوّل: فالنسبة بينه وبين ما تقدّم هو التباين، وحمله على خصوص الحامل تبرّعيٌ .

وفي شهادة نصوص الطلاق مع الحمل كلامٌ سيأتي(4).

وعليه، فإنْ كان حمله على الاستحباب جمعاً بينه وبين ما تقدّم جمعا عرفيّاً فهو).

ص: 412


1- الكافي: ج 6/104 باب أنّ للمطلّقة ثلاثاً لا سكن لها ولا نفقة ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/520 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27742.
2- التهذيب: ج 8/133 باب عدد النساء ح 60، وسائل الشيعة: ج 21/521 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27746.
3- قرب الإسناد: ص 110، وسائل الشيعة: ج 21/522 باب 8 من أبواب النفقات ح 27749.
4- يأتي لاحقاً في هذا الجزء في (نفقة الحامل).

المتعيّن، وإلّا فلابدّ من طرحه لأشهريّة المعارض، وغيرها من المرجّحات التي معه.

الفرع الثاني: لا نفقة على المتوفّى عنها زوجها إنْ لم تكن حاملاً، والظاهر أنّه إجماعيٌ (1) أيضاً، ويشهد به:

1 - خبر زرارة الحاصر لوجوب النفقة على الرجعيّة.

2 - وفحوى ما دلّ على عدم وجوب نفقتها إنْ كانت حاملاً، وسيأتي.

3 - صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن المتوفّى عنها زوجها ألها نفقة ؟ قال عليه السلام: لا ينفق عليها من مالها»(2).

4 - خبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المرأة المتوفّى عنها زوجها هل لها نفقة ؟ فقال عليه السلام: لا»(3).

وبإزاء جميع ذلك صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من ماله»(4).

لكنّه لعدم عمل الأصحاب به على إطلاقه، ومعارضته لما تقدّم، لابدّ من طرحه أو حمله على خلاف ظاهره من إرادة الإنفاق عليها من مال الولد، ولذا جعله الشيخ رحمه الله دليلاً لذلك كما سيأتي.

***3.

ص: 413


1- رياض المسائل: ج 10/537 (ط. ق).
2- التهذيب: ج 8/152 باب عدد النساء ح 126، وسائل الشيعة: ج 21/523 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27755.
3- الكافي: ج 6/115 باب عِدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/522 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27752.
4- الكافي: ج 6/120 باب الرّجل يطلّق امرأته ثُمّ يموت قبل أن تنقضي عِدّتها ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/523 باب 8 من أبواب النفقات، حديث 27753.

نفقة الحامل

المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب أنّه يجبُ الإنفاق على المطلّقة الحامل حتّى تضع، وكذا السُكنى.

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

ويشهد به الكتاب والسُّنة:

أمّا الكتاب: فقوله تعالى : (وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (2).

وأمّا السُّنة: فجملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن قيس أو حسنه، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«الحاملُ أجلها أن تضع حملها، وعليه نفقتها بالمعروف حتّى تضع حملها»(3).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يطلّق امرأته وهي حُبلى؟

قال عليه السلام: أجلها أن تضع حَملها، وعليه نفقتها حتّى تضع حملها»(4).

ونحوهما صحيح الحلبي(5)، وخبر الكناني(6)، وإطلاق الجميع شاملٌ للبائن.

ص: 414


1- جواهر الكلام: ج 31/320.
2- سورة الطلاق: الآية 6.
3- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلّقة ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/518 باب 7 من أبواب النفقات، حديث 27736.
4- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلّقة ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/518 باب 7 من أبواب النفقات، حديث 27734.
5- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلقة ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/518 باب 7 من أبواب النفقات، حديث 27737.
6- الكافي: ج 6/103 باب نفقة الحبلى المطلّقة ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/518 باب 7 من أبواب النفقات، حديث 27735.

فإنْ قيل: إنّ النسبة بينها وبين ما دلّ على أنّه لا نفقة على المطلّقة البائنة عمومٌ من وجه، فكيف يُقدّم هذا؟

قلنا أوّلاً: إنّ الآية تقدّم ولا تلاحظ المرجّحات بالنسبة إليها، والنصوص تقدّم لأشهريّتها وغيرها من المرجّحات.

وقد يقال: إنّه لا معارضة بينها، فإنّ تلكم النصوص تدلّ على أنّه لا نفقة لها من حيث الزوجيّة، وهذه تدلّ على أنّ لها النفقة من حيث الحَمل، فتأمّل.

وهل تثبت النفقة للحامل البائنة بالفسخ أو لا؟ وجهان:

أظهرهما الثاني، لاختصاص الأدلّة بالطلاق، فإثبات الحكم في غيره قياسٌ لا نقول به.

ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ النفقة هل هي للحَمل أم لاُمّه ؟

فعن الشيخ(1) وجماعة(2): أنّها للحمل، ونسبه في «الحدائق»(3) إلى الأكثر.

وعن ابن حمزة(4) وجماعة(5): أنّها للاُمّ .

وتوقّف في المسألة جماعةٌ منهم الشهيد الثاني(6) رحمه الله.

واستدلّ للأوّل:

1 - بدوران وجوب النفقة مع الحمل وجوداً وعدماً.3.

ص: 415


1- المبسوط: ج 5/211.
2- كما في المهذّب: ج 2/348، ومختلف الشيعة: ج 7/325.
3- الحدائق الناضرة: ج 25/111.
4- الوسيلة: ص 328.
5- كما في السرائر: ج 2/656 قوله (فإنْ كانت حاملاً فلها النفقة)، والجامع للشرائع ص 472 قوله (فلها السكنى والنفقة).
6- مسالك الأفهام: ج 8/451-453.

2 - وبأنّها لو كانت حائلاً فإنّها لا نفقة لها، ومتى كانت حاملاً وجبت النفقة، فلمّا وَجَبتْ بوجوده وسَقَطتْ بعدمه، دلّ على أنّها له كدورانها مع الزّوجة وجوداً وعدماً وبوجوبها له منفصلاً فكذا متّصلاً.

3 - وبنصّ الأصحاب على أنّه ينفق عليها من مال الحمل.

4 - وبانتفاء الزوجيّة التي هي أحد أسباب الإنفاق كالمِلْك فليس إلّاالقرابة.

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّه لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها، ولما كانت نفقته مقدّرة بحال الزّوج، لأنّ نفقة الأقارب غير مقدّرة بخلاف نفقة الزّوجة.

2 - وبأنّه لو كانت للحمل، لوجبت على الجَدّ، كما لو كان منفصلاً، ولسقطت بيساره بإرثٍ أو وصيّة قد قبلها وليّه.

ولكن هذه الوجوه كما ترى اعتبارات لا تصلح للحكم الشرعي، ولنِعم ما قال سيّد «الرياض»: (إنّه استند الجانبان إلى اعتباراتٍ واهية، ربما أشكل التمسّك بها في إثبات الأحكام الشرعيّة)(1).

والحقّ أنْ يقال: - بعد توجيه ما ذكروه من النفقة للحمل - بأنّه ليس المراد كونها له حقيقة حتّى يوجّه باعتبار صيرورتها سبباً لتعيش الحمل، فإطعامها وكسوتها وسُكناها مقدّمةً له، لأنّ الإنفاق عليه إنّما يكون بالإنفاق على اُمّه، فإنّ ذلك كما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله من المضحكات(2)، بل المراد به بعد الاتّفاق منهم جميعاً على كون النفقة على الحامل، كون الحمل علّة تامّة لذلك، وموضوعاً4.

ص: 416


1- رياض المسائل: ج 10/538 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 31/324.

مستقلّاً له، وهو يوجبُ جَعل ما يُنفَق على الأُمّ بحكم نفقة القريب، فيجري عليها حينئذٍ حكمها، في مقابل القول القول الآخر، وهو أنّ الحمل وإنْ كان واسطةً ، إلّا أنّه واسطة في صيرورة المرأة بحكم الزّوجة كالرجعة في غيرها، فيجري عليها حينئذٍ حكم نفقة الزّوجة.

وعلى ذلك، فيمكن الاستدلال لكون النفقة للاُمّ ، بظهور الآية الكريمة، فإنّها تشمل الرجعيّات والبائنات، وحيثُ لا كلام في أنّ نفقة الأُولى نفقة زوجة، فكذا الثانية، لظهورها في اتّحاد النفقتين فيهما، بل وبظهور النصوص فإنّها ظاهرة في اتّحاد النفقة عليها قبل الطلاق وبعده، ولو من باب الإطلاق المقامي، وعليه فيصحّ استدلال سيّد «المدارك» لهذا بأنّه المستفاد من الآية الكريمة(1).

أقول: ذكروا لثمرات هذا الخلاف موارد:

منها: ما إذا لم ينفق عليها حتّى مضت مُدّة أو مجموع العِدّة، فلا قضاء على القول بأنّها للحمل، لأنّ نفقة الأقارب لا تُقضى، بخلافه على القول بأنّها للاُمّ ، فإنّ نفقة الزّوجة تُقضى.

ومنها: ما لو كانت ناشزة وقت الطلاق، أو نَشَزت بعده، فإنّ المتَّجه السقوط على الثاني، ولا تسقط على الأوّل.

ومنها: سقوطها بموت الزّوج على الأوّل دون الثاني.

ومنها: استرداد نفقة اليوم لو سلّمها إذا خرج الولد ميّتاً في أوّله على الأوّل دون الثاني.9.

ص: 417


1- نهاية المرام: ج 1/479.

ومنها: غير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره، والتأمّل فيها يوجبُ بطلان جملةٍ منها، وصحّة الاُخرى ، فلا حاجة إلى التفصيل.

نفقة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً

المسألة الخامسة: في وجوب نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها أقوال:

1 - ماذهب إليه الشيخ في «النهاية»(1)، والصّدوق في «المقنع»(2)، وابن الجُنيد(3)، وأبو الصلاح(4)، وابنا البرّاج(5) وحمزة(6): من وجوب الإنفاق عليها من مال الولد.

وفي «الحدائق»(7): نسبته إلى المشهور بين المتقدّمين.

2 - ما عن ابن أبي عقيل(8)، والشيخ المفيد(9)، والحِلّي(10)، والمحقّق(11)، والمصنّف(12)، وسائر المتأخّرين(13): من أنّه لا نفقة لها.

بل في «الرياض»: (أنّه حَكى الشهرة المطلقة عليه جماعة)(14).

ص: 418


1- النهاية: ص 537.
2- الفقيه: ج 3/510 ذيل حديث 4790.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/493.
4- الكافي في الفقه: ص 313.
5- المهذّب: ج 2/319.
6- الوسيلة: ص 329.
7- الحدائق الناضرة: ج 25/118.
8- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/493.
9- نقل عنه الحِلّي في السرائر: ج 2/738 من كتابه التمهيد.
10- السرائر: ج 2/738.
11- شرائع الإسلام: ج 2/570.
12- قواعد الأحكام: ج 3/110.
13- كما في إيضاح الفوائد: ج 3/539 (ط. ق).
14- رياض المسائل: ج 10/539 (ط. ق).

3 - ما عن بعض المحدّثين(1): من وجوب الإنفاق عليها من نصيب الولد إنْ كانت محتاجة، وإلّا فلا نفقة لها.

وفي «الحدائق»: (وهو لا يخلو عن قُربٍ )(2).

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على أنّه لا نفقة لها:

منها: صحيح الحلبي أو حسنة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الحُلبى المتوفّى عنها زوجها أنّه لا نفقة لها»(3).

ومنها: حسن الكناني، عنه عليه السلام: «في المرأة الحامل المتوفّى عنها زوجها، هل لها نفقة ؟ قال عليه السلام: لا»(4).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في المرأة المتوفّى عنها زوجها هل لها نفقة ؟ قال عليه السلام: لا»(5).

ونحوها غيرها(6).1.

ص: 419


1- وهو العلّامة المجلسي في حواشيه على كتب الأخبار، طبقاً لما أفاده المحقّق البحراني في الحدائق الناضرة ج 25 / حاشية ص 118.
2- الحدائق الناضرة: ج 25/118.
3- الكافي: ج 6/114 باب عِدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/522 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27750.
4- الكافي: ج 6/114 باب عِدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/522 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27751.
5- الكافي: ج 6/114 باب عِدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/522 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27752.
6- نهاية المرام: ج 1/481.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّه لا نفقة للمتوفّى عنها زوجها، أعمٌّ من أن تكون حاملاً أم لا، كصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن المتوفّى عنها زوجها ألها نفقة ؟ قال عليه السلام: لا، يُنفَق عليها من مالها»(1).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّه يُنفق عليها من نصيب ولدها كخبر أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المرأة الحُبلى المتوفّى عنها زوجها يُنفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها»(2).

وقد وصفه جماعة بالصحّة.

وأورد عليهم سيّد «المدارك»: بأنّ في طريقه محمّد بن الفضيل، وهو مشتركٌ بين الثقة والضعيف، ولعلّهم اطّلعوا على قرائن أفادت أنّه ثقة(3)، ونحوه عن «المسالك»(4)، وتبعهما صاحب «الجواهر»(5) من غير ذكر (ولعلّهم... الخ).

أقول: والأوّل أقوى ، لأنّ الظاهر أنّه الثقة في المقام، بقرينة رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع(6) عنه، ورواية الصدوق(7) عنه عن الكناني، فإنّ هذين ذُكرا للتمييز. وعليه، فالأظهر صحّة وصفه بالصحّة.9.

ص: 420


1- الكافي: ج 6/120 باب الرّجل يطلّق امرأته ثُمّ يموت ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/523 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27755.
2- الكافي: ج 6/115 باب عِدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ح 10، وسائل الشيعة: ج 21/524 باب 10 من أبواب النفقات، حديث 27757.
3- نهاية المرام: ج 1/481.
4- مسالك الأفهام: ج 8/453 قوله: (ورواية أبي الصباح الكناني - وهي قريبة إلى الصحّة).
5- جواهر الكلام: ج 31/325.
6- رجال النجاشي: ص 330 رقم الترجمة 893 قوله: (كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم). رجال الطوسي: ص 264 قوله: (ثقة صحيح، كوفي).
7- الفقيه: ج 3/510 باب طلاق الحامل ح 4789.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على أنّه يُنفَق عليها من جميع المال، أو من مال الزّوج:

منها: خبرالسكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها من جميع المال حتّى تضع»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: (المتوفّى عنها زوجها يُنفَق عليها من ماله»(2).

أمّا الطائفة الأخيرة: فلعدم العامل بها لا يُعمل بظاهرها، وعليه فيمكن أنْ يقال عن صحيح ابن مسلم أنّ الصحيح في ضبط قوله عليه السلام: «من ماله» هو (من مالها)، ويشهد به صحيحه الآخر الذي رواه عن أحدهما، وقد تقدّم.

وأمّا الطائفة الثانية: فهي مطلقة قابلة للحمل على غير الحامل.

وعليه فالتعارض يثبت بين الطائفة الأُولى والثالثة، وقد جمع الشيخ(3) رحمه الله بين الطائفتين بحمل الأُولى على إرادة أنّه لا نفقة لها من مال الميّت، وإنْ كان لها النفقة من مال الولد، وارتضاه جماعة من الأساطين(4).

أقول: وهو وإنْ كان في بادئ النظر جمعاً لا بأس به، إلّاأنّه ينافيه قوله عليه السلام في صحيح محمّد بعدما نفى كون النفقة لها: «ينفق عليها من مالها» فتأمّل.

وعن «تمهيد» المفيد: إنكار ذلك أشدّ الإنكار، وقال: (إنّ الجنين وهو جنينٌ).

ص: 421


1- التهذيب: ج 8/152 باب عدد النساء ح 127، وسائل الشيعة: ج 21/524 باب 10 من أبواب النفقات، حديث 27758.
2- الكافي: ج 6/120 باب الرّجل يطلق امرأته ثُمّ يموت ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/523 باب 9 من أبواب النفقات، حديث 27753.
3- تهذيب الأحكام: ج 8/160 ذيل حديث 124.
4- كما في رياض المسائل: ج 10/539 (ط. ق).

لايعرف له موت ولا حياة، فلا ميراث له، ولا مال، فكيف يُنفَق على الحُبلى من مال من لا مال له، لولا السهو في الرواية والإدخال فيها)(1).

وفيه: أنّ المراد به المال المعزول للولد، فإنْ خرج حيّاً حُسب عليه، وإلّا يكون تالفاً على الجميع.

وعن بعض المحدّثين(2): الجمع بين النصوص بحمل الأُولى على غير المحتاجة، والثانية على المحتاجة الواجب نفقتها عليه.

وفيه: أنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له.

أقول: الإنصاف تماميّة الجمع الذي ذكره الشيخ رحمه الله، ولا يرد عليه ما ذكرناه، فإنّ صحيح محمّد مطلقٌ يُحمل على غير الحامل، فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على أنّه يُنفَق عليها من مال ولدها، والظاهر أنّه إلى هذا الجمع نظر المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف» حيث قال:

(والتحقيق أن نقول: إن جعلنا النفقة للحمل، فالحقّ ما قاله الشيخ، وإنْ جعلناها للحامل، فالحقّ ما قاله المفيد)(3).

فيكون مراده أنّ الجمع بين النصوص يقتضي حمل ما دلّ على وجوب الإنفاق عليها من مال ولدها أنّ هذه النفقة للولد لا للحامل، وحَمل ما دلّ على أنّه لا نفقة بالكليّة، على النفقة بالكليّة على النفقة للحامل، ومآله إلى أنّها تستحقّ النفقة للولد، ولا تستحقّها لنفسها.3.

ص: 422


1- نقله عنه الحِلّي في السرائر: ج 2/738.
2- وهو العلّامة المجلسي في حواشيه على كتب الأخبار، طبقاً لما أفاده المحقّق البحراني في الحدائق الناضرة ج 25 / حاشية صفحة 118.
3- مختلف الشيعة: ج 7/493.

وتقضى مع الفوات.

فلا يرد عليه: ما أورده السيّد في «نهاية المرام»(1)، والشيخ في «الجواهر»(2).

وإنْ أبيتَ عن كون هذا الجمع عرفيّاً، فالمتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم الطائفة الثالثة، لأنّ مضمونها مشهورٌ بين المتقدّمين كما مرّ.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الأوّل.

المسألة السادسة: (وتقضي) نفقة الزّوجة (مع الفَوات) بأن لم يُنفَق عليها مع كونها غير ناشزة، كما تقدّم الكلام فيه مفصّلاً.

***6.

ص: 423


1- نهاية المرام: ج 1/482.
2- جواهر الكلام: ج 31/326.

وأمّا الأقارب: فيجبُ للأبوين وإنْ عَلوا، وللأولاد وإنْ نزلوا خاصّة.

نفقة الأقارب

(وأمّا الأقاربُ : فيجبُ ) الإنفاق على بعضهم دون بعض، وتفصيل القول في ذلك يقتضي البحث في موارد:

الأوّل: فيمن يُنفَق عليه.

الثاني: في شرائط وجوب الإنفاق.

الثالث: في كيفيّة الإنفاق.

الرابع: في ترتيب المُنفِقين.

الخامس: في ترتيب المُنفَق عليهم.

المورد الأوّل: ففي المتن أنّه يجبُ : (للأبوين وإنْ عَلوا، وللأولاد وإنْ نزلوا خاصّة).

أقول: هاهنا فروع ينبغي التعرّض لها:

الفرع الأوّل: يجب الإنفاق على الأبوين والأولاد، وعليه الإجماع(1)، بل في «الجواهر» عليه الإجماع من المسلمين(2)، ويشهدُ به نصوصٌ مستفيضة أو متواترة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلت: من الذي أُجبر في نفقته ؟ قال عليه السلام: الوالدان والولد والزّوجة والوارث الصغير»(3).

ص: 424


1- شرائع الإسلام: ج 2/573.
2- جواهر الكلام: ج 31/366.
3- الفقيه: ج 3/105 باب الحكم بإجبار الرّجل ح 3424، وسائل الشيعة: ج 21/511 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27722.

ومنها: صحيح جميل بن درّاج: «لا يُجبر الرّجل إلّاعلى نفقة الأبوين والولد.

قال ابن أبي عُمير: قلت لجميل: والمرأة ؟

قال: قد روى عَنبسة عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السلام: إذا كساها ما يُواري عورتها، ويُطعمها ما يقيم صُلبها، أقامت معه وإلّا طلّقها.

قلت: فهل يُجبر علينفقة الاُخت ؟ فقال: لو أجبرنفقة الاُخت خلاف الرواية»(1).

ومنها: خبر حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: من الذي أُجْبَر عليه وتلزمني نفقة ؟ قال: الوالدان و الولد و الزّوجة»(2).

ومنها: حسن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: من يُلزم الرّجل من قرابته ممّن يُنفَق عليه ؟

قال عليه السلام: الوالدان والولد والزّوجة»(3).

ونحوها غيرها.

الفرع الثاني: المشهور بين الأصحاب أنّه يتعدّى الوجوب إلى من علا من الآباء والاُمّهات، أو سَفل من الأولاد، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه(4)، بل لم يُعرف المناقشة من أحدٍ سوى المحقّق في «الشرائع» و «النافع» في آباء الآباء واُمّهاتهم، وبرغم ذلك قال: (أشبهه وأظهره الوجوب)(5).5.

ص: 425


1- الكافي: ج 5/512 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/510 باب 1 من أبواب النفقات، حديث 27717.
2- الكافي: ج 4/13 باب من يلزم نفقته ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/525 باب 11 من أبواب النفقات، حديث 27761.
3- الكافي: ج 4/13 باب من يلزم نفقته ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/526 باب 11 من أبواب النفقات، حديث 27763.
4- رياض المسائل: ج 10/542 قوله: (وإطباق الفقهاء عليه هنا ظاهراً).
5- شرائع الإسلام: ج 2/573، المختصر النافع: ص 195.

ويشهد به: - مضافاً إلى صدق الوالدين والولد على الجميع - الخبر الوارد في الزكاة: «يُعطى منها الأخ والاُخت، والعمّ والعمّة، والخال والخالة، ولا يُعطى الجَدّ والجَدّة»(1) خصوصاً بعد توافق النَّصّ والفتوى على أنّ الزكاة لا تُعطى للأبوين لوجوب نفقتهما.

وفي الصحيح: «خمسةٌ لايُعطون من الزكاة شيئاً: الأب، والاُمّ ، والولد، والمملوك، والزّوجة، وذلك أنّهم عياله لازمون له»(2).

الفرع الثالث: صرّح الأصحاب بأنّه لا تجبُ نفقة من عدا من ذكرناه من الأقارب كالإخوة، والأعمام، والأخوال وغيرهم، بل في «الرياض»: (الإجماع في الظاهر عليه)(3)، ونقل المصنّف رحمه الله في «القواعد»(4) قولاً بالوجوب على الوارث، وأسند ولده في «الإيضاح» هذا القول إلى الشيخ، مع أنّه - على ما نُقل عنه في «المبسوط» - قطع باختصاصها بالعمودين، وأسند وجوبها للوارث إلى الرواية، وحملها على الاستحباب(5).

وكيف كان، فيشهد للمشهور النصوص المتقدّمة الحاصرة لوجوب النفقة فيمن ذُكر فيها، والنصوص(6) المستفيضة الدالّة على إعطائهم الزكاة، المنافي لوجوب الإنفاق عليهم، كما مرَّ.ة.

ص: 426


1- الكافي: ج 3/552 باب تفضيل القرابة في الزكاة ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/241 باب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، حديث 11930.
2- الكافي: ج 3/552 باب تفضيل القرابة في الزكاة ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/240 باب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، حديث 11928.
3- رياض المسائل: ج 10/542 (ط. ق).
4- قواعد الأحكام: ج 3/113.
5- المبسوط: ج 6/35.
6- وسائل الشيعة: ج 9/245-247 باب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة.

بشرط الفقر، والعَجز عن التكسّب.

وأمّا ما في الصحيح السابق، المتضمّن لوجوب الإنفاق على الوارث الصغير، فللاتّفاق على عدم الوجوب، يُحمل على الاستحباب، وكذا العلويّ الوارد في اليتيم:

«خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه»(1).

وقد دلّت النصوص على استحباب الإنفاق عليهم:

منها: مرفوع زكريّا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام: «من عال ابنتين أو اُختين أو عمّتين أو خالتين، حجبتاه من النار بإذن اللّه»(2). ونحوه غيره.

وأمّا الآية الكريمة: (وَ عَلَى اَلْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (3) فغير دالّة على خلاف ما ذكرناه، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالوارث هو الصَّبي الرضيع، أي عليه في ماله الذي ورثه، مثل ما كان على أبيه من الإنفاق على اُمّه، كما يُشير إليه المرتضوي، ولتمام الكلام في الآية محلٌّ آخر.

شروط وجوب الإنفاق

المورد الثاني: فقد صرّح غير واحدٍ بأنّ وجوب الإنفاق على المذكورين مشروطٌ (بشرط الفقر والعجز عن التكسّب)، وغِنى المنفق، ولا يعتبر شيءٌ آخر.

أقول: هاهنا فروع ينبغي التعرّض لها:

ص: 427


1- الكافي: ج 4/13 باب من يلزم نفقته ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/526 باب 11 من أبواب النفقات، ح 27762.
2- الخصال: ج 1/27، وسائل الشيعة: ج 21/527 باب 12 من أبواب النفقات، ح 27765.
3- سورة البقرة: الآية 233.

الفرع الأوّل: يعتبر الفقر في المُنفَق عليه، والظاهر أنّه لا خلاف فيه، بل عن ظاهر بعضهم الإجماع عليه(1).

واستدلّ له: بالأصل السّالم عن معارضة الأدلّة السابقة، بعد انصرافها لغير المفروض.

أقول: لكنّه قابلٌ للمناقشة بمنع الانصراف، وعليه فالأولى الاستدلال له - مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه - أنّه المفهوم من إيجاب نفقة كلٍّ من الأبوين والأولاد على الآخر، فإنّه إذا كان الوجوب مطلقاً، لزم فيما كان الأب والولد غنيّين أن يجب نفقة الأب على الولد، ونفقة ذلك الولد على الأب، وهذا كما ترى ، فالمفهوم عرفاً من إيجاب الإنفاق على كلّ منهما للآخر، اشتراط الفقر في المُنفَق عليه، فيجبُ على كلّ منهما أن ينفق على الآخر إنْ كان فقيراً، ولعلّ هذا هو السرُّ في اعتبار غِنى المُنفِق الذي اتّفقت(2) كلمتهم عليه.

الفرع الثاني: المشهور(3) بين الأصحاب اعتبار عجز المُنفَق عليه من الاكتساب اللّائق بحاله، واستدلّوا له:

بأنّ النفقة معونة على سَدّ الخِلّة، والمُكتَسِب قادرٌ، فهو كالغني، ولذا مُنع من الزكاة والكفّارة المشروطة بالفقر، ولا وجه لمنع صدق الغنى عرفاً على القادر المُعْرِض عن الاكتساب، بل يصدق عليه أنّه محتاجٌ ، فإنّ العرف ببابك، فاختبر).

ص: 428


1- رياض المسائل: ج 10/544 (ط. ق). قوله: (واشتراطه كاشتراط اليسار في المنفق موضع وفاق)، جواهر الكلام: ج 31/371.
2- كشف اللّثام: ج 7/596 (ط. ق).
3- رياض المسائل: ج 10/544 (ط. ق) قوله: (أشهرهما ذلك).

منهم حال ذوي الحِرَف والصنائع إذا أعرضوا عن شغلهم وظلّوا كمن لا شُغل له، فإنّه لا يشكّ أحدٌ منهم في عدم صدق الفقير عليهم، فهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّه لم يدلّ دليلٌ لفظي على عدم وجوب الإنفاق على الغني، كي يُتمسّك بإطلاقه، وإنّما المخصّص لإطلاق الأدلّة لبيٌّ كما مرّ، والمتيقّن منه غير ذلك.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المخصّص اللُّبي المجمل إذا كان بحكم القرينة المتّصلة كما في المقام، يسري إجماله إلى العام، فلا إطلاق للأدلّة يشمل القادر على التكسّب، والأصل يقتضي عدم وجوبه، وهذا هو الأظهر.

وعليه، فالأظهر اعتبار ذلك، بل عن بعضهم(1) أنّ المرأة القادرة على التكسّب بالتزويج يكون بحكم الغني، ولكنّه ممنوعٌ .

وعن «شرح النافع»: (أنّ النافع احتمال اشتراط عدم تمكّن القريب من أخذ الزكاة ونحوها من الحقوق)(2).

وهو غريبٌ ، فإنّ تلكم الحقوق كهذا مشروطة بالفقر، نعم لو أخذها وصار غنيّاً لا يجب الإنفاق عليه.

الفرع الثالث: تجب النفقة ولو كان المُنفَق عليه فاسقاً أو كافراً، بلا خلافٍ ، بل عن جماعةٍ (3) الإجماع عليه(4)، وإطلاق النصوص المتقدّمة شاهدٌ به، مع أنّه في الوالدين أُمرنا بمصاحبتهما بالمعروف، مع كفرهما الذي هو كالمخصّص لما تضمّن(5)2.

ص: 429


1- منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/485، والسيّد العاملي في نهاية المرام: ج 1/485.
2- نهاية المرام: ج 1/485 قوله: (وهل يشترط عدم تمكّن القريب من أخذ نفقته من الزكاة ونحوها من الحقوق ؟ احتمالان أظهرهما العدم تمسّكاً بالإطلاق).
3- كما في المبسوط: ج 6/35، وكشف اللّثام: ج 7/598 (ط. ق).
4- جواهر الكلام: ج 31/598.
5- سورة المجادلة: الآية 22.

النهي عن الموادّة لمن نَصَب للّه المحادة، لو سُلّم شموله للمقام، مع أنّه ممنوع، لعدم صدق الموادّة على الإنفاق، فيثبت في الأولاد لعدم القول بالفصل.

الفرع الرابع: يشترط في المُنفِق أنْ يكون غنيّاً لما مرّ(1)، وهل يعتبر عجز الفقير الذي لا يجبُ عليه الإنفاق عن الاكتساب أم لا؟ وجهان:

من إطلاق الأمر بالإنفاق، وإطلاق الأمر بإعطائه الأجر للرّضاع، وأنّ القادر على التكسّب غنيٌّ في الشرع.

ومن الإقتصار فيما خالف أصل البراءة وغيره على محلّ اليقين، وهو الوجوب بشرط الغنى الفعلي، وأنّ النفقة عليهم مواساة، ولا مواساة على الفقير وإنْ كان قادراً على الاكتساب، وأنّ اللّه تعالى قال: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اَللّهُ ) (2) ولم يقل فليكتسب.

أقول: أظهرهما الأوّل، كما عن «المبسوط»(3)، و «التحرير»(4)، لأنّ أصل البراءة لا يرجع إليه مع الدليل، والقادر على الاكتساب داخلٌ في ذي السِّعة وفيما آتاه اللّه تعالى .

الفرع الخامس: إذا كان له ما يمكنه أن ينففه على نفسه أو زوجته أو قريبه، فإنّه لا إشكال في تقدّم نفسه، لأهميّة النفس عند الشارع.

ولو تمكّن زائداً من نفقة نفسه، على الإنفاق على زوجته أو قريبه، قالوا(5)).

ص: 430


1- تقدّم في شروط وجوب الإنفاق من هذا الجزء.
2- سورة الطلاق: الآية 7.
3- المبسوط: ج 6/31 قوله: (إنّ القدرة على الكسب بمنزلة المال في يده).
4- تحرير الأحكام: ج 2/50 الطبع القديم.
5- نهاية المرام: ج 1/483 قوله: (هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، وظاهرهم أنّه موضع وفاق).

يقدّم الزّوجة، واستدلّوا له بأنّ نفقة الزّوجة نفقة معاوضة(1).

والأولى أن يستدلّ له بأنّ نفقة الزّوجة تثبت في الذّمة، وليست نفقة القريب كذلك، فمن عنده بمقدار نفقة أحدهما يشتغل ذمّته بنفقة الزّوجة، فبالنسبة إلى القريب يكون فقيراً، فلا تجبُ نفقة القريب.

ويمكن أنْ يستدلّ له بوجه آخر: وهو أنّ وجوب نفقة القريب مشروطٌ بالغنى، ووجوب نفقة الزّوجة مطلق، فشمول دليل وجوب نفقة الزّوجة الذي هو لعدم كونه مشروطاً يشمله رافعٌ لموضوع وجوب نفقة القريب.

وعليه، فالأظهر ما أفادوه من تقديم نفقة الزّوجة.

كيفيّة الإنفاق

المورد الثالث: الواجب من الإنفاق أن يكون بقدر الكفاية من الإطعام والكِسوة والمسكن، وما يحتاج إليه ممّا جرت العادة بإنفاقه، مع اعتبار اللّائق بالحال في الجميع، نحو ما مرَّ(2) في نفقة الزّوجة، وإنّما الفرق بينهما في أنّ الظاهر تسالمهم(3) في المقام على أنّها امتاع، وفي الزّوجة على أنّها ملك، وقد مرَّ هناك أنّه لا يستفاد حتّى من قوله عليه السلام في صحيح شهاب: «ليقدّر كلّ إنسان منهم قوته إنْ شاء وهبه وإنْ شاء تصدّق به»(4) الشامل للمقام أزيد من الامتاع، وأنّ البناء فيها على

ص: 431


1- نهاية المرام: ج 1/483.
2- تقدّم في أقسام النفقة من هذا الجزء.
3- جواهر الكلام: ج 31/376.
4- الكافي: ج 5/511 باب حقّ المرأة على الزوج ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/513 باب 2 من أبواب النفقات، حديث 27727.

كونها مِلْكاً، إنّما هو لاتّفاق الأصحاب عليه.

وعليه، فلا إشكال في المقام في كونه امتاعاً.

نعم، يجوز له أن يقتّر على نفسه، ويهب ما يُنفَق عليه وأنْ يتصدّق به.

أقول: ويمكن أنْ يفرق بينهما بوجهٍ آخر، وهو أنّه لو فرض استغنائه في المقام بضيافةٍ ونحوها، لم تجب له نفقة، بخلاف الزّوجة، فإنّ المدار هنا على الحاجة بخلافه هناك.

وحينئذٍ هل يجبُ إعفاف من يجبُ عليه النفقة له أم لا؟

المشهور بين الأصحاب(1) هو الثاني، والمراد بالإعفاف أن يصيّره ذا عِفّة إمّا بتزويجه، أو يعطيه مَهراً يتزوّج به.

وعن بعض الأصحاب(2): وجوب اعفاف الأب.

أقول تارةً : يحتاج إلى النكاح، ويشقّ عليه الصبر.

واُخرى : لا يكون كذلك.

أمّا الصورة الاُولى: فلا يبعد القول بالوجوب، من غير فرقٍ بين الأب والابن، فإنّه حينئذٍ داخلٌ فيما يحتاج إليه في الإعاشة، ويكون من قبيل الدّواء ونحوه الذي عرفت في مبحث نفقة الزّوجة(3) وجوبها.

وأمّا في الصورة الثانية: فالأظهر عدم الوجوب، فإنّ المأمور به في النصوص هو النفقة الظاهرة فيما هو المتعارف في الإنفاق من سَدّ الغورة وستر العورة، وماد.

ص: 432


1- الحدائق الناضرة: ج 25/137.
2- حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/489 عن بعض الأصحاب.
3- تقدّم في صفحة 384، (الفصل العاشر: في نفقة الزّوجة) من هذا المجلّد.

يتبعهما غير الشاملة للاعفاف، ولعلّ محلّ كلام الفقهاء هو الصورة الثانية.

وبعبارة اُخرى : إنّ محلّ البحث هو الاعفاف من حيث كونه اعفافاً، لا مع الاحتياج إليه لشدّة شَبَق أو أذيّة، فيتمّ ما ذكروه.

وأمّا المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الوالدين، فإنّما يراد بها المتعارف منها، وليس هو إلّاما ذكرناه، لا أقلّ من الشكّ ، والأصل البراءة.

ولو تزوّج إمّا بأنَّ زوجه المُنفِق، أو كان له مالٌ بقدر التزويج وتزوّج به فأصبح فقيراً:

فهل تجب نفقة الزّوجة حينئذٍ كما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، لأنّها من جملة مؤونته وضروراته كنفقة خادمه حيثُ يحتاج إليه ؟

أم لا تجب كما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(2)؟

أم تكون نفقة الزّوجة تابعة للاعفاف، فإنْ وجب وجبتْ ، وإلّا استحبّت(3)، كما عن الشهيد الثاني في «المسالك»؟ وجوه:

أقول: والحقّ أنْ يقال: إنّه إنْ وجب التزويج، وكانت الزّوجة بحيث لابدَّ من بذل نفقة لها، وجبت نفقتها عليه، لكونها حينئذٍ ممّا يحتاج إليه، وتكون بحكم الدواء وما شاكل.

وإنْ لم يجب التزويج، أو وجب ورضيت الزّوجة بكون نفقتها ديناً عليه، لا تجبُ لعدم اندراج نفقتها حينئذٍ في نفقته الواجبة على المُنفِق، فتدبّر.9.

ص: 433


1- المبسوط: ج 6/49.
2- مختلف الشيعة: ج 7/327.
3- مسالك الأفهام: ج 8/489.

وعلى الأب نفقة الولد، فإنْ فُقد أو عَجز فعلى أب الأب، وهكذا، فإنْ فقدوا فعلى الأُمّ ، فإنْ فقدت فآباؤها.

ترتيب المنفقين

المورد الرابع: (و) قال عنه المصنّف في المتن:

(على الأب نفقة الوَلَد، فإنْ فُقد أو عَجز فعلى أب الأب، وهكذا فإنْ فُقِدوا فعلى الأُمّ ، فإنْ فقدت فآباؤها).

والظاهر أنّه لا خلاف(1) في شيء من ذلك، ويشهد لتقدّم الأب على الأُمّ :

1 - قوله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2) فإنّه يدلّ على أنّ أجر الرِّضاع على الأب، وإنْ كانت الأُمّ موسرة.

2 - وبعدم القول بالفصل يثبت في الولد الكبير.

3 - والإجماع(3) على عدم وجوب الإرضاع على الأُمّ .

ويمكن أنْ يستدلّ له: بأنّ النصوص مختصّة بالرّجل، فشمولها للاُمّ إنّما هو بقاعدة الاشتراك المفقود هنا بالإجماع.

أقول: ويشهد لتقديم الأب على الابن وهكذا:

1 - شمول النصوص للجميع لصدق الأب على الجَدّ، والابن على ابن الابن.

ص: 434


1- جواهر الكلام: ج 31/381.
2- سورة الطلاق: الآية 6.
3- كشف اللّثام: ج 7/601 (ط. ق).

2 - الإجماع(1) المؤيّد بقوله تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللّهِ ) (2).

3 - وبقول أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر السابق: «خذوا بنفقة أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه»(3).

ويشهد لوجوب النفقة على اُمّ الولد مع فقد الآباء:

1 - قاعدة الاشتراك.

2 - وعلى أنّه مع عدمها تجبُ على آبائها بالترتيب السابق، كما تقدّم.

3 - مضافاً إلى الإجماع(4) في جميع ذلك.

ولو كان له ابنٌ وأبٌ موسران، قالوا: نفقته عليهما بالسويّة، وربما يُحتمل الوجوب كفاية، أو كون التخيير بيد المُنفَق عليه، أو الرجوع إلى القرعة.

ولكن الأظهر هو الأوّل، فإنّ المستفاد من توجّه الأمر بشيء قابل لأن يشترك فيه جماعة، كونه بينهم بالسَّوية، لاحظ ما لو امر المولى عبيده بكنس البيت، فإنّ المفهوم عرفاً من ذلك لزوم اشتراكهم فيه، ومعه لا يُصغى إلى ما قيل من اقتضاء الخطاب تكليف كلّ واحدٍ منهم بتمام النفقة لا النصف أو الثلث.

ولو اجتمع الابن والبنت: فقد استظهر جماعة(5) استوائهما، لإطلاق الميراث، وضعفهما ظاهرٌ لمن تدبّر.).

ص: 435


1- رياض المسائل: ج 10/548 (ط. ق).
2- سورة الأنفال: الآية 75.
3- الكافي: ج 4/13 باب من يلزم نفقته ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/526 باب 11 من أبواب النفقات، حديث 27762.
4- رياض المسائل: ج 10/549 (ط. ق).
5- رياض المسائل: ج 10/550 (ط. ق). قوله: (والذي اسظهره جماعة استواء الابن والبنت).

ولو اجتمع الأب مع ابن الابن أو الابن، مع أب الأب: وجبت النفقة على الأقرب، لأنّه المقدّم على الأبعد كما مرّ.

ولو كان له اُمّ وولدٍ، فالظاهر أنّ النفقة على الابن، لتقدّمه على الجَدّ المقدّم على الأُمّ .

وفي المقام شقوقٌ اُخر يظهر حكمها ممّا ذكرناه، فلا حاجة إلى تطويل الكلام.

ترتيب من يُنفَق عليه

المورد الخامس: فقد عرفت أنّ نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزّوجة، ونفقة الزّوجة مقدّمة على نفقة القريب، إنّما الكلام في هذا المورد في الترتيب بين من يُنفَق عليه في نفقة القريب:

فلو كان له أبوان وفَضُلَ له ما يكفي أحدهما، فمع فرض انتفاعهما به كانا فيه بالسَّواء، لأنّه يجبُ نفقة كلّ منهما وحده، فمع فرض الاجتماع يكون من قبيل المال المردّد بين الشخصين الذي يقتضي التنصيف فيه قاعدة العدل والإنصاف المقدّمة على دليل القرعة(1).

ومع فرض عدم انتفاعهما به، يتعيّن الرجوع إلى القرعة، لأنّه إذا لم ينسدّ خِلّة الجميع، لزمه الإنفاق على من ينسدّ به خلّته، واحداً كان أو أكثر، ولا يمكن الترجيح.

وعليه، فالمتعيّن هو القرعة، لأنّها المرجع عند تزاحم الحقوق، وهي لكلّ أمرٍ مشكل.

ص: 436


1- وسائل الشيعة: ج 27/257-263 باب 13 من أبواب كيفيّة كتاب القضاء.

وأمّا المملوك فتجبُ نفقته على مولاه، وله أن يجعلها في كسبه مع الكفاية، وإلّا تمّمه المولى .

وما عن «المبسوط»(1) و «السرائر»(2): من احتمال القسمة للاشتراك في الاستحقاق، واختصاص القرعة بما ينحصر المستحقّ فيه في واحد ولم يتعيّن.

يندفع: بأن يتمّ مع فرض انتفاعهما به، وأمّا مع فرض عدم الانتفاع به، فلا يستحقّان معاً، لأنّ ذلك لسدّ باب الخِلّة، بل يستحقّه أحدهما، فلابدّ من القرعة.

والظاهر عدم اعتبار شدّة الحاجة لصغر أو غيره في ترجيح أحدهما، وإنْ احتمله المصنّف في «القواعد»(3) على ما حُكي، لعدم الدليل على الترجيح به، وغاية ما يقتضيه آية اُولي الأرحام تقديم الأقرب فالأقرب، ومقتضى إطلاق الأدلّة عدم الترجيح.

وبما ذكرناه يظهر حكم ما لو كان له ولدان أو أبٌ وابن، ولو كان له أبٌ وجَدّ، أو اُمّ وجَدّة، أو ابنٌ وابن ابن، وهكذا قالوا: يخصّ به الأقرب الذي هو أولى بالمعروف، ويؤيّده قوله تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ ...) الخ، بل تشهد به.

وهل يختلف الذكور والإناث في هذا المقام ؟ الأظهر العدم، وإنْ اختلفوا في الميراث، لعدم الدليل على الاختلاف، بل مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الاختلاف، فتدبّر.

نفقة البهائم

(وأمّا المملوك فتجبُ نفقته على مولاه، وله أن يجعلها في كسبه مع الكفاية، وإلّا تمّمه المولى).

ص: 437


1- المبسوط: ج 6/34.
2- السرائر: ج 2/657.
3- قواعدالأحكام: ج 3/116 قوله: (ولو كان أحد الأقارب أشدّ حاجة كالصغير مع الأب، احتمل تقديم الصغير).

وتجبُ النفقة للبهائم.

(وتجبُ النفقة للبهائم) المملوكة التي منها دود القِزّ، والنَحل بلا خلافٍ (1)، سواء كانت مأكولة اللّحم، أو لم تكن، وسواء انتفع بها أو لا، ويشهد به جملة من الروايات:

منها: خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «للدّابة على صاحبها ستّة حقوق:

لا يحمّلها فوق طاقتها، ولا يتّخذ ظهرها مجلساً يتحدّث عليها، ويبدأ بعلفها إذا نزل، ولا يسمها، ولا يضربها في وجهها، فإنّها تُسبئح، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به»(2).

ومنها: خبره الآخر، بإسناده عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «للدّابة على صاحبها خصال:

يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب في وجهها فإنّها تُسبِّح بحمد ربّها، ولا يقف على ظهرها إلّافي سبيل اللّه، ولا يحمّلها فوق طاقتها، ولا يكلّفها من الشيء إلّاما تطيق»(3).

ومنها: النبويّ : «ورأيتُ في النار صاحب الهِرّة تنهشها مقبلة ومدبرة، كانت أوثقتها فلم تُطعمها، ولم تكن تُرسلها تأكل من حشاش الأرض»(4).

إلى غير تلكم من النصوص الدالّة على ذلك، ويقوم مقام نفقتها تخليتها في2.

ص: 438


1- نهاية المرام: ج 1/491.
2- الكافي: ج 6/537 باب نوادر في الدواب ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/480 باب 9 من أبواب أحكام الدواب، حديث 15310.
3- مسالك الأفهام: ج 8/503.
4- الجعفريّات: ص 142، المستدرك: ج 8/302 باب 44 من أبواب أحكام الدواب، ح 9502.

المرعى لترعى فيه، ويجتزي بعلفه كما هو المتعارف في جميع البلدان، ولو لم يجزّها فعلى المالك الإتمام، وتمام الكلام بيان اُمور:

الأمر الأوّل: إنّه لا تقدير لنفقتها، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكلٍ وسَقي، والمكان المناسب من مراحٍ واصطبلٍ يليق بحالها، وما يدفع به البرد عنها إذا احتاجت إليه.

الأمر الثاني: لو كان للبهيمة ولدٌ يرضع وفَّر عليه من لبنها قدر كفايته، لكونه النفقة الواجبة عليه، وله الفاضل بعد ذلك، إلّاأن يجتزي الولد بغيره من رَعي أو علف كلّاً أو بعضاً، فإنّه يجوز حينئذٍ أخذ اللّبن كلّاً أو بعضاً.

الأمر الثالث: لو كان أخذ اللَّبن مضرّاً بالبهيمة نفساً لقلّة العلف، لم يجز له أخذه، كما أنّه إذا كان الاستقصاء في الحلب مضرّاً بها، لم يجز، بل وجب أن يبقى في الضَّرع شيئاً لئلّا تتأذّى بذلك، بل قالوا: يستحبّ له أن يقصّ أظافرها تحرّزاً من إيذائها بالقرض، ولا يكلّفها ما لا تُطيقه من ثقيل الحمل وإدامة السفر كما في النصوص المتقدّمة.

الأمر الرابع: قال الشهيد الثاني رحمه الله: (يجبُ أن يبقى للنحل شيئاً من العسل في الكورة لو احتاجت إليه بمقدار ما يكفيها)(1).

وقال هو وغيره: (إنّ ديدان القِزّ إنّما تعيش بورق التوت، فعلى مالكهابكفايتها منه، وحفظها من التلف)(2).1.

ص: 439


1- مسالك الأفهام: ج 8/503.
2- مسالك الأفهام: ج 8/503، نهاية المرام: ج 1/491.

فإنْ امتنعَ أُجبر على البيع أو الذبح إنْ كانت مذكّاة، أو الإنفاق.

الأمر الخامس: (فإنْ امتنع) من الإنفاق عليها، ولو بالتخلية للرَّعي الكافي لها، (أجبره) الحاكم (على البيع، أو الذبح إنْ كانت مذكّاة) تقصد بالذّبح للّحم، (أو الإنفاق) عليها، فإنْ تعذّر إجباره نابَ الحاكم عنه في ذلك على ما يراه، وتقتضيه الحال، لأنّ ذلك حقّ لها في ماله، فإنْ امتنع يُجبر عليه، وإنْ لم يمكن يتصدّى الحاكم بنفسه، لأنّه وليّ الممتنع.

ولحفظالبهيمة عن التلف وما ذكروه من التخيير، فإنّما هو مع إمكان الفروض، وإلّا وجب الممكن، فلو فرض عدم وقوع التذكية عليه كالكلب، أُجبر على الإنفاق أو البيع أو نحوه دون التذكية.

ولو امتتع البيع ونحوه، وكان الممكن هو التذكية أو الإنفاق:

فإنْكان ممّا يُقصد بالذبح لحمه، فلا إشكال في أنّه يُجبره على أحد الأمرين.

وإنْ كان ممّا لا يُقصد لحمه، ولكن كان ممّا تقع التذكية عليه للجلد، فهل يُجبر على الإنفاق خاصّة كما عن «المبسوط»(1) لكون البهيمة حينئذٍ غير مقصودة بالذّبح في أصل الشرع ؟

أم يجبر على أحدالأمرين: من الإنفاق أو التذكية، لكونها أحد طرق التخلّص ؟

وجهان، أقواهما الثاني.

الأمر السادس: ما كان من المال لا روح له كالعقار، فالمفهوم من كلام7.

ص: 440


1- المبسوط: ج 6/47.

الأصحاب أنّه لا يجبُ عمارته، ولا زراعة الأرض، لكنّه يُكره عدم التعرّض له إذا أدّى إلى الخراب.

فعن «المسالك»: (وفي وجوب سَقي الزّرع والشجر وحرثه مع الإمكان قولان: أشهرهما العدم)(1).

وعن «التحرير»: (أنّ ما يتلف بترك العمل فالأقرب إلزامه بالعمل من حيث أنّه تضييع للمال، فلا يقرّ عليه)(2).

والحقّ أنْ يقال: إنّ مقتضى تسلّط النّاس على أموالهم(3)، وعدم الدليل على حرمة مثل هذا التضييع وإتلاف المال، وأصالة البراءة، هو جواز ذلك.

ودعوى: أنّه يدخل بتركه المال حتّى يتلف في السفهاء، فيُحجر عليه ممنوعة.

نعم لمّا عُلم من مذاق الشارع الأقدس، أنّه لا يحبّ تضييع المال وإتلافه، فالقول بالكراهة بضميمة فتوى الأصحاب غير بعيد.

ثمّ إنّه في الأرض التي تركها صاحبها حتّى صار مواتاً بحثٌ آخر قد استوفيناه في كتاب الخُمس من هذا الشرح في مبحث الأنفال(4)، وهو أنّه:

«هل تَخرج الأرض بالموت عن مِلك المُعمّر، كما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»، والشهيد الثاني في «المسالك»(5)؟ أم لا تخرج، كما هو المشهور بين الأصحاب ؟

وعلى الثاني فهل يملكها لو عمّرها آخر كما عن جمعٍ ، بل عن «جامع المقاصد»3.

ص: 441


1- مسالك الأفهام: ج 8/504.
2- تحرير الأحكام: ج 2/51 (ط. ق).
3- البحار: ج 1/154 الطبع القديم، و: ج 2/272 الطبع الحديث.
4- فقه الصادق: ج 11/271.
5- مسالك الأفهام: ج 8/423.

أنّه المشهور بين الأصحاب(1)؟

أم لا يملكها، كما عن جماعةٍ؟

أم يفصّل بين ما إذا كان الخراب مستنداً إلى إهمال المالك وترك المزاولة لها، وبين ما إذا لم يكن مستنداً إلى ذلك، فيملكها على الأوّل دون الثاني، وبيّنا هناك أنّ الجمع بين النصوص يقتضي اختيار القول الأخير. واللّه العالم.

***

أقول: الحمد للّه على هدايته، والشكر على توفيقه إيّاي لإتمام كتاب النكاح الذي يعدّ آخر قسم العقود، وقد تحقّق ذلك في أوائل اللّيلة الثانية من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1388 في قرية ميگون من قرى طهران، في أواخر السنة الثانية من السنين التي كنت مُبعدَاً عن دياري بغير حقّ ، وليس ذلك إلّالقيامي بالدفاع عن حريم كتاب اللّه المتكفّل لهداية البشر في جميع شؤونهم، في أجيالهم وأدوارهم، ولقد ضيّقوا الأمر عليَّ ومنعوا من أن يزورني أحدٌ، والمأمورون في جميع الأوقات يراقبونني، وهم غلاظٌ شِداد، وفي هاتين السنتين لا زالت أُنقَل من سجنٍ إلى سجن، وتمادياً منهم في أذيّتي فقد كانوا ينقلونني في أيّام الصيف إلى المناطق الحارّة كمدينة زابل وما أدراك ما زابل، كانت تبلغ درجة الحرارة فيها إلى خمسين درجة مئويّة، وفي أيّام الشتاء إلى المناطق الباردة كهذه القرية، وأنا في هذه المدّة مريض بأمراض عديدة، منها قرحة الاثني عشر، وقد منعوني عن المراجعة إلى الطبيب فيها كما منعوهم عن الكشف عَليَّ ، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ .

***7.

ص: 442


1- جامع المقاصد: ج 7/17.

فهرس الموضوعات

الفصل الخامس / في نكاح الإماء 7

الفصل السادس / في العيوب 8

عيب الجنون 8

عيب العنن 14

عيب الخصاء 21

عيب الجُبّ 25

الجُذام والبَرَص 30

العَمى والعَرَج والزِّنا 32

عيوب المرأة الموجبة لجواز فسخ الزّوج 35

من عيوب المرأة القَرن 38

حكم المرأة العمياء 41

العَرَج من العيوب الموجبة للخيار 42

حكم الزمانة والرَتق 45

العيب المتجدّد بعد العَقد 50

فوريّة خيار الفسخ 54

عدم اعتبار إذن الحاكم في الفسخ 57

حكم المَهر بعد الفسخ 60

فيما يفصل به النزاع لو تداعيا في العيب 70

التدليس 74

لو تزوّج امرأة بشرط كونها بكرا فوجدها ثيّباً 77

ص: 443

الفصل السابع / في المَهر 83

المرأة تملك تمام المَهر بالعقد 83

سقوط نصف المَهر بالطلاق قبل الدخول 88

حكم ما لو أبرأته من المَهر ثمّ طلّقها قبل الدخول 95

لو وهبته نصف مَهرها مشاعاً ثمّ طلّقها قبل الدخول 97

لو أعطاها عِوض المَهر شيئاً فطلّقها قبل الدخول 100

العفو عمّا تستحقّه المرأة 102

عفو من بيده عُقدة النكاح 105

بيانُ ما يستقرُّ به المَهر 111

موت أحد الزّوجين 118

لو دخل الزّوج قبل تسليم المَهر كان ديناً عليه 125

لا حَدّ للمهر في الكثرة 131

حكمُ ما لو سَمّى للمرأة مَهراً ولغيرها شيئاً 136

جواز تزويج إمرأتين بعقدٍ واحد 139

حكم من أسرّ مَهراً وأعلن غيره 142

امتناع الزّوجة عن التسليم حتّى تقبض مَهرها 144

التفويض 155

ذكر المَهر ليس شرطاً في صحّة العقد 155

ثبوت المَهر بالدخول 159

حكم المَهر إذا لم يُذكر في العقد 159

بيان مورد المتعة 164

تعيين المراد من المتعة 169

محلّ المتعة قبل الطلاق أو بعده 173

ص: 444

التراضي بعد العقد بفرض المَهر 176

تفويض المَهر 179

حكم ما لو تزوّج امرأةً على خادمٍ أو دار 190

حكم ما لو تزوّج امرأةً على السُّنة 193

حكم زواج الذميّان على الخمر 196

جَعلُ المُسلم المَهر خمراً 200

حكم اشتراط ما يُخالف المشروع في العقد 207

حكم اشتراط أن لا يخرج الزّوجة من بلدها 209

حكمُ اشتراط عدم الإفتضاض 214

اشتراط عدم التزويج عليها 218

اشتراط تسليم المَهر في أجل 221

في التنازع لو اختلفا في أصل المَهر 223

حكمُ ما لو اختَلفا في قدر المَهر 226

حكم ما لو اختلفا في الدخول 229

ضمان الأب المزوّج المَهر عن ولده الصغير 231

الفصل الثامن / القسم والنشوز والشقاق 244

جَعلُ القِسْمة أزيد من ليلة 256

كيفيّة البدأة في القسمة 259

حكم المعاوضة على هبة الزّوجة حقّها 262

الواجب في القِسم المبيتُ عندها ليلاً 268

كيفيّة معاملة الزوج مع المسلمة والكتابيّة 272

اختصاص البِكْر عند الدخول بسبعٍ ، والثيّب بثلاث 275

موارد سقوط حَقّ القِسم 281

ص: 445

استحباب القرعة والتسوية 284

بيان النشوز 287

يجبُ على الزّوجة التمكين 287

بيان ما تستحقّ الزّوجة بالنشوز 290

نشوز الزّوج 296

الشقاق 298

في أنّ مُرسِل الحَكَمين هو الحاكم 303

إرسال الحَكَمين على سبيل التحكيم لا غيره 306

الفصل التاسع / في لحوق الأولاد بالآباء وما يُشترط فيه 311

أقصى مدّة الحَمل 315

حكم ما لو اختلفا في الدخول 321

حكم ما لو اختلفا فيما يُوجب الإلحاق 322

حكم لحوق ولد الزّنا 327

حكم ما لو جاءت المزوّجة بعد الطلاق بولدٍ 327

حكم الاعتراف بالولد ثمّ إنكاره 329

حكم الولد المولود من وطء الشُبهة 330

بيان ما يجبُ عند الولادة 331

ما يندب عند الولادة 334

وجوب الختان 339

عقيقة المولود 346

الرِّضاع 356

استئجار الأب للأم للرِّضاع 358

لا تُجبر الأُمّ على الإرضاع 359

ص: 446

نهاية الرِّضاع 362

الأُمّ أحقّ بالإرضاع 367

الحضانة 369

ثبوت الحضانة للاُمّ بموت الأب 378

حكمُ الحِضانة مع فقد الأبوين 381

الفصل العاشر / نفقة الزَّوجة 384

أقسام النفقة 392

بيان ثمرات القول بالمِلْك أو الامتاع 396

شرائط وجوب دفع النفقة 399

ثمرات الخلاف في شرطيّة التمكين ومانعيّة النشوز 404

نفقة المطلّقة 408

نفقة الحامل 414

نفقة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً 418

نفقة الأقارب 424

شروط وجوب الإنفاق 427

كيفيّة الإنفاق 431

ترتيب المنفقين 434

ترتيب من يُنفَق عليه 436

نفقة البهائم 437

فهرس الموضوعات 443

ص: 447

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.