فقه الصادق المجلد 32

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء الثاني والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

ويحرُم على الحُرّ في الدائم ما زاد على أربع حَرائر

حرمة الزيادة على الأربع في العقد الدائم

المسألة الثامنة: (ويحرمُ على الحُرّ في الدائم ما زاد على أربع حرائر) إجماعاً(1)، بل عن غير واحدٍ(2) حكاية إجماع المسلمين عليه.

وفي «الجواهر»: (إجماعاً من المسلمين، بل ضرورةً من الدِّين، وما عن طائفةٍ من الزيديّة من جواز نكاح تسع لم يثبُت، بل المحكيّ عن مشائخهم البراءة من ذلك)(3)، انتهى .

واستدلّ له: في «الجواهر» تبعاً للمسالك(4)، وتبعه جماعةٌ بالآية الكريمة:

(وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي اَلْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ) (5) .

بتقريب: أنّ الأمر فيها للإباحة، ومقتضى إباحة الأعداد المخصوصة، تحريم ما زاد عليها، إذ لو كان مباحاً لما خُصّ الجواز بها، لمنافاته الامتنان، وقصد التوسيع على العيال، ولأنّ مفهوم إباحة الأربع، حصرُ ما دون الأربع أو ما زاد عليها، والأوّلُ باطلٌ بتجويز الثلاث فيها صريحاً، فيتعيّن الثاني.

ص: 7


1- الحدائق الناضرة: ج 23/617.
2- كما في تذكرة الفقهاء: ج 2/638 (ط. ق)، وجامع المقاصد: ج 12/373-374، ومسالك الأفهام: ج 347/7، ونهاية المرام: ج 1/174.
3- جواهر الكلام: ج 30/2.
4- مسالك الأفهام: ج 7/347.
5- سورة النساء: الآية 3.

وفيه: أنّ هذا هو الذي ذُكر وجهاً لدلالة الوصف والعدد على المفهوم، فهو تمسّكٌ بمفهوم العدد، وقد حُقّق في محلّه(1) أنّه لا مفهوم له.

أقول: وربما يورد على الاستدلال بها:

1 - بأنّ ما فيها من الألفاظ ألفاظ معدولة عن أعداد مكرّرة هي اثنتين اثنتين، ثلاثة ثلاثة، أربعة أربعة، يقال: (ائتوا أرباع) أي أربعة أربعة، فالآية بظاهرها تدلّ على جواز الأربع والستّ والثمان.

2 - وبأنّ العطف بالواو يقتضي الجمع، فمعنى الآية لو اُبقيت على ظاهرها، جواز نكاح الثمانية عشر، كما أفاده المحقّق والشهيد الثانيان(2).

ولكن يمكن دفع الأوّل: بأنّها بمنزلة أعداد مكرّرة ذِكْراً، وهو أعمّ من كونه كذلك علي وجه التغاير، ألا تري أنّه يقال: (جاءني القوم أربعاًأربعاً، وخمساً وخمساً) وهكذا، يُراد به أنّ القوم انقسموا إلى جماعات؛ كلّ واحدة منها مركّبة من أربع أو خمس، وهذا استعمالٌ شائعٌ ، مع أنّ عن بعض أهل اللّغة(3) أنّها معدولة عن تلك الأعداد المكرّرة لفظاً عن صيغها، ومعنى عن تكرّرها، فمعنى (مثنى) اثنين وهكذا.

ويمكن دفع الثاني: بأنّ مقتضى العطف بالواو جمع المتعاطفة في الجواز، لا جواز الجمع بينها، نظير: (أكرم زيداً وعمرواً)، فإنّ نصب الأعداد إمّا أنه يكون على البدليّة من المفعول على الحال من فاعل طاب، ومعنى الحاليّة فيها مثلها في قولك:

(جئتُ فارساً وراجلاً)، فإنّ المراد به المجيء في كلّ حال من الحالين، لا المجيء في6.

ص: 8


1- زبدة الأصول: ج 3/205.
2- جامع المقاصد: ج 12/374، مسالك الأفهام: ج 7/347.
3- شرح ابن عقيل: ج 2/326.

حال ثبوتهما جميعاً، وكذا الحال في الآية، فإنّ المراد جواز النكاح في كلّ حال من الأحوال الثلاث دون مجموعها.

بل ربما يقال: إنّ المراد من الآية، الإذن لكلّ ناكحٍ يريدُ الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور، متّفقين فيه ومختلفين، ولو ذكرت ب (أو) لذهب تجويز الاختلاف في العدد.

وإنْ كان ذلك لا يخلو عن النظر، لأنّ الآية تجوّز الأعداد لكلّ واحدٍ من المكلّفين، لا للمجموع من حيث المجموع، فلو اختلفوا لم يفعلوا إلّاما هو الجائز كما لو اتّفقوا.

نعم، يمكن أنْ يُقال: إنّه لو كان العطف ب (أو) لزم منه عدم جواز الأربع لواجد الثلاث، وكذا العكس، لاستيفاء العدد، وهذا بخلاف العطف بواو، فإنّه تدلّ الآية حينئذٍ على جواز الثلاث حتّى لواجد الأربع بالنقص، وكذا لواجد الثلاث الأربع بالتكميل.

أقول: ويمكن الاستدلال لأصل الحكم بطوائف من النصوص:

منها: ما ورد فيمن تزوّج خمساً بعقدٍ واحد، فإنّه يدلّ على أنّه لابدّ وأن يُخلّي سبيل واحدةٍ ويُمسك الأربع(1).

ومنها: ما ورد فيمن كان عنده ثلاث نسوة فتزوّج عليهنّ اثنتين في عقدٍ واحد(2).3.

ص: 9


1- الكافي: ج 5/430 باب الذي عنده أربع نسوة ويطلّق واحدة ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/522 باب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 26252.
2- الكافي: ج 5/430 باب الذي عند أربع نسوه فيطلّق واحدة ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/523 باب 5 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 26253.

ومنها: ما ورد في الكافر إذا أسلم، وعنده أكثر من أربع(1)، الدالّ على أنّه يجبُ عليه أن يفارق ما زاد على الأربع.

ومنها: ما ورد فيمن كان عنده أربع نسوة، فطلّق واحدة ثم نكح أُخرى ، كصحيح زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا جمع الرّجل أربعاً وطلّق إحداهنّ ، فلا يتزوّج الخامسة حتّى تنقضي عِدّة المرأة التي طلّق.

وقال: لا يجمع ماءه في خَمس»(2) ونحوه غيره من النصوص الكثيرة(3).

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

تزويج الخامسة بعد طلاق الرابعة

إنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: إذا كان عنده أربع، فطلّق واحدةً منهنّ ، وأراد نكاح الخامسة:

1 - فإنْ كان الطلاق رجعيّاً، لا يجوز له ذلك إلّابعد خروجها عن العِدّة، بلا خلافٍ أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما في «الجواهر»(4).

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ المطلّقة رِجعيّاً بحكم الزّوجة نصّاً وفتوىً ، فيشمله ما دلّ على عدم جواز تزويج الخامسة - نصوصٌ مستفيضة:

ص: 10


1- الكافي: ج 5/436 باب نكاح أهل الذّمة ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/524 باب 6 من أبواب ما يحرم باستيفاءالعدد ح 26254.
2- الكافي: ج 5/429 باب الذي عنده أربع نسوه فيطلّق واحدة ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/518 باب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 26240.
3- وسائل الشيعة: ج 20/519 باب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.
4- جواهر الكلام: ج 30/10.

منها: صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«إذا جمع الرّجل أربعاً فطلّق إحداهنّ ، فلا يتزوّج الخامسة حتّى تنقضي عِدّة المرأة التي طلّقت.

وقال: لا يجمع ماءه في خَمس»(1).

ومنها: موثّق علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن الرّجل يكون له أربع نسوة، فيطلّق إحداهنّ ، أيتزوّج مكانها أُخرى؟

قال عليه السلام: لا، حتّى تنقضي عِدّتها»(2).

ومنها: خبر محمّد بن قيس، قال: «سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول في رجلٍ كانت تحته أربع نسوة فطلّق واحدةً ثمّ نكح أُخرى قبل أنْ تستكمل المطلّقة العِدّة ؟

قال عليه السلام: فليُلحقها بأهلها حتّى تستكمل المطلّقة أجلها، الحديث»(3).

ونحوها غيرها.

2 - وإنْ كان الطلاق بائناً، ففي الجواز قبل الخروج عن العِدّة قولان:

المشهور(4) على الجواز.

وعن ظاهر «التهذيب»(5) الحرمة قبل الانقضاء، ومالَ إليه كاشف اللّثام(6).

أقول: مقتضى إطلاق النصوص المانعة هو الثاني، وقد قيل في وجه عدم شمول).

ص: 11


1- الكافي: ج 5/429 باب الذي عنده أربع نسوة ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/518 ح 26240.
2- الكافي: ج 5/429 باب الذي عنده أربع نسوة ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/520 ح 26245.
3- الكافي: ج 5/430 باب الذي عنده أربع نسوة ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/519 ح 26244.
4- نهاية المرام: ج 1/178 قوله: (ولو طلّقها بائناً فقد قطع الأكثر بأنّه يجوز له العقد... في الحال).
5- تهذيب الأحكام: ج 7/294 ح 68.
6- كشف اللّثام: ج 7/213 (ط. ج).

إطلاقها للمورد، أو تعيّن حملها بالنسبة إليه على الكراهة اُمور:

الأمر الأوّل: ما في «الجواهر»(1)، من أنّه لابدّ وأن يُرفع اليد عن إطلاقها، لما في النصوص الواردة في الاُخت المفصّلة بين الرِّجعي والبائن من التعليل، لاحظ:

حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ طلّق امرأته، أو اختلعت منه، أو بانت، ألهُ أن يتزوّج باُختها؟

فقال عليه السلام: إذا برئت عِصمتها، فلم يكن له عليها رجعة، فله أن يخطب اُختها»(2).

ونحوه صحيح أبي بصير(3)، وخبر الكناني، فإنّه عُلّل عدم الجواز وانقطاعها، وعدم مِلْكه(4) فيتعدّى عن مورده إلى المقام.

وفيه: أنّه لم يذكر ذلك علّةً للحكم حتّى يصحّ التعدّي عن موردها، بل بيّن الحكم في ذلك المورد بهذه الجملة، ولعلّ لخصوصيّة المورد دخلاً في الحكم، فلا وجه للتعدّي.

الأمر الثاني: ما في «الجواهر» أيضاً، من أنّه في النصوص ما يتضمّن أنّه لا يجوز له تزويج الخامسة حتّى يعتدّ هو مثل عِدّة المطلّقة(5)، وما يتضمّن من أنّه إذا ماتت إحدى الأربع لم يجز له أن يتزوّج حتّى يعتدّ أربعة أشهرٍ وعشراً، بل فيه أنّه7.

ص: 12


1- جواهر الكلام: ج 30/10.
2- الكافي: ج 5/432 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/270 ح 28570.
3- الكافي: ج 6/144 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/270 ح 28569.
4- الكافي: ج 5/431 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/481 ح 26145.
5- وسائل الشيعة: ج 22/269 باب 47 من أبواب العدد ح 28567.

يعتدّ وإنْ كان متعة(1)، وهذا يُشعر بكون الحكم على ضربٍ من الكراهة والندب(2).

أقول: ويرد عليه أنّه:

إنْ أراد بذلك ما أفاده المحقّق اليزدي من أنّه يمكن أنْ يكون المراد من العِدّة التي حكم في الأخبار بعدم جواز الخامسة فيها على نحو الإطلاق، هي عِدّة الرّجل لا المطلّقة، فلابدّ حينئذٍ من حملها على الكراهة.

فيدفعه: أنّ هذا خلافُ صريح النصوص، لاحظ قوله في صحيح زرارة: «حتّى تنقضي عِدّة المرأة»، وكذا في غيره.

وإنْ أراد أنّه كما يكون الاعتداد في هذه النصوص على وجه الاستحباب، فليكن في نصوص المقام أيضاً كذلك.

فيرد عليه: أنّ ثبوت الاعتداد على وجه الاستحباب في بعض الموارد، لايقتضي مقايسة غيره عليه.

الأمر الثالث: ما أفاده المحقّق اليزدي رحمه الله، من أنّ الظاهر من التعبير بالطلاق على نحو الإطلاق هو الرِّجعي، كما يدلّ عليه جعل الطلاق في مقابل الخُلع والمباراة في حَسن الحلبي المتقدّم، ولا أقلّ من إجماله، وعدم ظهوره في الأعمّ ، فالمتيقّن من النصوص عِدّة الطلاق الرجعي، وفي عِدّة البائن يرجع إلى عموم دليل الحِلّ بعد عدم كون نكاح الخامسة حينئذٍ جمعاً بين الخمس.

وفيه: أنّ الطلاق ظاهرٌ في العموم، وجعله في مقابل الخُلع والمباراة إنّما هو من جهة أنّ الطلاق ربما يكون مجرّداً، وربما يكون مع بذل المَهر وما شاكل، لا أنّ المرادر.

ص: 13


1- وسائل الشيعة: ج 20/520 و 521 باب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 4 و 5.
2- جواهر الكلام: ج 30/10-11 والعبارة منقولة باختصار.

به الرِّجعي خاصّة.

الأمر الرابع: أنّه في موثّق عمّار الآتي نَهى عليه السلام عن تزويج الخامسة في عِدّة طلاق الرابعة، وفي عِدّة موتها، وحيث أنّه في المورد الثاني يكون الحكم ندبيّاً، فكذا في المورد الأوّل، لوحدة السياق.

وفيه: أنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، كما حُقّق في محلّه(1)، فليس المقام من موارد وحدة السياق كما لا يخفى .

الأمر الخامس: أنّ المنع عن تزويج الخامسة بعد طلاق الرابعة، إنّما هو من باب حرمة الجمع بين الخمس، فإذا كان الطلاق بائناً لا جمع.

وفيه: أنّه يمكن أنْ يكون الوجه فيه بقاء بعض العلائق أو غير ذلك.

فتحصّل: أنّه في مقابل إطلاق النصوص، ليس شيءٌ يتمسّك به لهذا التفصيل سوى تسالم الأصحاب عليه، وكفى به مقيّداً لإطلاق النصوص.

فرع: وإنْ ماتت الرابعة، فهل يجوز تزويج الخامسة من ساعته، أم يجبُ الصبر إلى أربعة أشهرٍ وعشراً؟ وجهان:

يشهد للأوّل: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: «عن رجلٍ كانت له أربع نسوة، فماتت إحداهنّ ، هل يصلح له أن يتزوّج في عِدّتها أُخرى قبل أنْ تنقضي عِدّة المتوفّاة ؟

قال عليه السلام: إذا ماتت فليتزوّج متى أحبّ »(2).

ويشهد للثاني: موثّق عمّار، قال: «سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ يكون له أربع0.

ص: 14


1- زبدة الأُصول: ج 1/166.
2- قرب الإسناد: ص 109، وسائل الشيعة: ج 20/521 ح 26250.

نسوة، فتموت إحداهنّ ، فهل يحلّ له أن يتزوّج أُخرى مكانها؟

قال عليه السلام: لا، حتّى تأتي عليها عِدّة المطلّقة»(1).

والجمع بينهما يقتضي حمل الموثّق على الكراهة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: أنّه ليس جمعاً عرفيّاً، إذ لو جمعنا بين قوله عليه السلام في خبر علي:

«فليتزوّج متى أحبّ »، وبين قوله في الموثّق: «لا، حتّى تأتي عليها... الخ»، يراهما أهل العرف متهافتين، ويكو نا من قبيل افعل ولا تفعل، لا من قبيل افعل ولا بأس بتركه، وعليه فيتعيّن الأخذ بالخبر، وطرح الموثّق لكونه أشهر.

ولو كان العِدّة لغير الطلاق والموت، كالفسخ بعيبٍ أو نحوه، فلا إشكال في الجواز - أي جواز تزويج الخامسة في عِدّة الرابعة - لأنّ الفسخ يوجبُ انتفاء الزوجيّة، فلا يكون جمعٌ بين خمس نساء، ونصوص الصبر في العِدّة إنّما هي في الطلاق أو فيه وفي الموت.

وأولى من ذلك في الجواز ما لو كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول، فإنّه لا عِدّة هناك، أضف إليه الخبر الذي رواه سنان بن طريف، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سُئل عن رجلٍ كان له ثلاث نسوة، ثم تزوّج امرأة أُخرى ، فلم يدخل بها، ثمّ أراد أن يعتق أمَةً ويتزوّجها؟

فقال عليه السلام: إنْ هو طلّق التي لم يدخل بها، فلا بأس أن يتزوّج أُخرى من يوم ذلك»(2).

***9.

ص: 15


1- التهذيب: ج 7/475 ح 114، وسائل الشيعة: ج 20/521 ح 26248.
2- الفقيه: ج 3/420 ح 4462، وسائل الشيعة: ج 20/521 ح 26249.

ويَحرُمُ العقدُ على ذاتِ البعل،

تزويج ذات البعل يوجب الحرمة الأبديّة

المسألة التاسعة: (ويحرُم العقد على ذات البعل) إجماعاً(1):

إمّا وضعاً: فلما يأتي.

وإمّا تكليفاً:

1 - فلاستلزام تحريم التعريض بالخطبة في العِدّة الرجعيّة كما يأتي، تحريمه بطريق أولى .

2 - ولقوله تعالى : (وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلنِّساءِ ) (2)، ففي الحديث: «هنّ ذوات الأزواج»(3).

وهل تحرم عليه به مؤبّداً أم لا؟ فيه صور:

إذ تارةً : يعلم الزّوج بأنّها ذات بعل.

وأُخرى : لا يعلم الزّوج بذلك.

وكذلك المرأة.

وعلى التقديرين أو الأربعة:

تارةً : يدخل بها الزّوج.

ص: 16


1- رياض المسائل: ج 10/205 (ط. ج).
2- سورة النساء: الآية 24.
3- الفقيه: ج 3/437 ح 4512، وسائل الشيعة: ج 28/72 باب 2 من أبواب حَدّ الزِّنا ح 34236.

وأُخرى : لا يدخل بها.

1 - أمّا صورة عدم الدخول مع الجهل - أي جهل الزّوج -:

فعن «المسالك»(1): لا إشكال في الحِلّ .

وفي «الرياض»(2): دعوى الإجماع عليه من غير فرقٍ في ذلك بين علمها وجهلها.

2 - أمّا صورة العلم والدخول: فالظاهر أنّه لا كلام بينهم في التحريم، وفي «الرياض»: (فلا خلاف في التحريم)(2).

3 - وأمّا في صورة العلم وعدم الدخول، والجهل مع عدم الدخول: فخلافٌ ، نُسب الحكم بالحِلّ إلى الأكثر في «الرياض»(4).

وأمّا النصوص: فهي طوائف:

الطائفة الاُولى: مايدلّ على الحرمة مطلقاً، مع العلم والجهل، مع الدخول وعدمه:

منها: موثّق أديم بن الحُرّ، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «التي تتزوّج ولها زوج يفرّق بينهما ثمّ لا يتعاودان أبداً»(3).

ونحوه موثّقه الآخر(4).

الطائفة الثانية: ما دلّ على الحرمة مع الجهل والدخول:

منها: موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا نعى الرّجل إلى أهله أو أخبروها7.

ص: 17


1- مسالك الأفهام: ج 7/337-338. (2و4) رياض المسائل: ج 10/205 (ط. ج).
2- رياض المسائل: ج 10/207 (ط. ج).
3- التهذيب: ج 7/305 ح 29، وسائل الشيعة: ج 20/446 ح 26055.
4- التهذيب: ج 5/329 ح 45، وسائل الشيعة: ج 12/440 ح 16717.

إنّه قد طلّقها فاعتدّت ثمّ تزوّجت، فجاء زوجها الأوّل، فإنّ الأوّل أحقّ بها من هذا الأخير، دخل بها الأوّل أم لم يدخل بها، وليس للآخر أنْ يتزوّجها أبداً، ولها المَهر بما استحلّ من فرجها»(1).

ومنها: موثّقه الآخر، عنه عليه السلام: «في امرأة فقد زوجها أو نُعي إليها فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها؟

قال عليه السلام: تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عِدّة واحدة، وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً»(2).

وهما صريحان في صورة الجهل، وظاهران في صورة الدخول، بقرينة الإعتداد من الأخير في أحدهما، واستحقاق المَهر في الثاني.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على الحرمة مع العلم دون الجهل، كمرفوع أحمد بن محمّد: «إنّ الرّجل إذا تزوّج امرأةً وعلم أنّ لها زوجاً، فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً»(3).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على عدم التحريم في صورة الجهل، كصحيح عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً ولها زوجٌ وهو لا يعلم، فطلّقها الأوّل أو مات عنها، ثمّ علم الأخير أيراجعها؟

قال عليه السلام: لا، حتّى تنقضي عِدّتها»(4).

وهذا يختصّ بصورة الجهل، وأعمٌّ من الدخول وعدمه.7.

ص: 18


1- التهذيب: ج 7/488 ح 169، وسائل الشيعة: ج 20/447 ح 26060.
2- التهذيب: ج 7/308 ح 37، وسائل الشيعة: ج 20/446 ح 26056.
3- الكافي: ج 5/429 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/449 ح 26064.
4- التهذيب: ج 7/477 ح 123، وسائل الشيعة: ج 20/446 ح 26057.

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على عدم التحريم في صورة الجهل والدخول، كصحيح عبدالرحمن، عن الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً ثمّ استبان له بعد ما دخل بها أنّ لها زوجاً غائباً فتركها، ثمّ إنّ الزّوج قدم فطلّقها أو مات عنها، أيتزوّجها بعد هذا الذي كان تزوّجها، ولم يعلم أنّ لها زوجاً؟

قال عليه السلام: ما أحبُّ له أن يتزوّجها حتّى تنكح زوجاً غيره»(1).

هذا جميعُ ما وصل إلينا من الأخبار.

وأمّا الجمع بينها: فالطائفة الثانية معارضة مع الخامسة، فإنّ الأُولى تدلّ على الحرمة في صورة الجهل والدخول، والثانية تدلّ على عدم الحرمة في تلك الصورة، والجمع العرفي بينهما يقتضي حمل الأُولى على الكراهة، ويقيّد إطلاق الطائفة الأُولى بهما، وهما لا تعارضان الطائفة الرابعة والثالثة، الدالّتين على عدم الحرمة في صورة الجهل مطلقاً، لتوافق مفاد الجميع، وهما أيضاً أخصّان من الأُولى ، فيقيّد إطلاقها بهما، فتختصّ الأُولى بصورة العلم.

فالمتحصّل من النصوص: هو الحرمة في صورة العلم، دخل بها أم لم يدخل.

ومن الغريب ما عن «القواعد»، قال: (ولو تزوّج بذات البعل، ففي إلحاقه بالمعتدّة إشكالٌ ينشأ من عدم التنصيص، ومن أولويّة التحريم)(2)، ونحوه ما عن «الروضة»(3) و «الإيضاح»(4).9.

ص: 19


1- التهذيب: ج 7/483 ح 150، وسائل الشيعة: ج 20/447 ح 26058.
2- قواعد الأحكام: ج 3/31.
3- الروضة البهيّة: ج 5/199.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/69.

وعن «كشف اللّثام»: (إنّ مقتضى إطلاق الأخبار عموم التحريم)(1).

وربما يقال: بأنّه لابدّ من البناء على الحرمة في صورة الدخول والجهل، إلحاقاً لذات البعل بذات العِدّة، الثابت فيها هذا الحكم، كما سيأتي، بدعوى أنّ الحكمة في ذلك:

1 - هي احترام الزّوج، ومعلومٌ تحقّق هذه الحكمة في ذات البعل بنحوٍ آكد وأشدّ، فيكون هذا الحكم ثابتاً فيها بالأولويّة القطعيّة.

2 - أو بدعوى شمول إطلاق نصوص ذات العِدّة لذات العِدّة الرجعيّة، بل قد صرّح بها في بعض تلك النصوص، وقد اتّفق النّص والفتوى على أنّ ذات العِدّة الرجعيّة بحكم الزّوجة، فيعلم منه أنّ حكم الزّوجة مثل حكمها.

ولكن يرد على الدعوى الأُولى: أنّه لم يعلم كون العلّة في ثبوته هو احترام الزّوج، ولعلّه من الأحكام التعبّديّة للعِدّة، وإنْ كان للعُلقة الزوجيّة دخلٌ فيه في الجملة، لكن لا بنحو الاستقلال.

ويرد على الثانية: أنّ الدليل دلّ على أنّ ذات العِدّة الرجعيّة بحكم الزّوجة، لا على أنّ الزّوجة بحكمها، ولازم ذلك ثبوت أحكام الزّوجة لها لا ثبوت أحكامها للزوجة.

***).

ص: 20


1- كشف اللّثام: ج 7/183 (ط. ج) (والعبارة منقولة بتصرّف).

والمُعتدّة ما دامت كذلك،

تزويج المعتدّة توجبُ الحرمة الأبديّة

المسألة العاشرة: (و) يحرم العقد على (المعتدّة)، كانت العِدّة بائنة أو رجعيّة، أو عِدّة وفاة أو عِدّة شُبهة، كان العقد دواماً أو متعةً ، (ما دامت كذلك) أي ما دامت في العِدّة، بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في «الجواهر»(1).

واستدلّ له: بالآية الكريمة:

(وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ اَلنِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ اَلْكِتابُ أَجَلَهُ ) (2) .

بتقريب: أنّ المراد من عَزم العُقدة نفس العُقدة، لأنّها المفهوم منه عرفاً، لشيوع التعبير عن تحريم الفعل بالنهيّ عن مقدّماته لقصد المبالغة، وهذا العرف ببابك فهل ترى يشكّ أحدٌ منهم في أنّه لو قال المولى لعبده: (إعزم على هذا الأمر) أو (لا تعزم عليه)، في أنّ الأوّل مأمورٌ به والثاني منهيٌّ عنه.

وإنْ أبيت عن ذلك، فإنّه يمكن أنْ يُقال إنّ تحريم العزم نفسه على النكاح مستلزمٌ لتحريم النكاح المعزوم عليه، إذ لو كان جائزاً لكان العزم عليه جائزاً قطعاً، إذ لا حكم للعزم بالنظر إلى ذاته، وإنّما يثبت له الحرمة والجواز بواسطة ما اُضيف إليه من الفعل المعزوم عليه.

والمراد من بلوغ الكتاب أجله، انتهاء العِدّة، بلا خلافٍ كما عن «مجمع البيان»(3).

ص: 21


1- جواهر الكلام: ج 29/428.
2- سورة البقرة: الآية 235.
3- مجمع البيان: ج 2/120-121.

ولو تزوّجها في عِدّتها جاهلاً، بطل العقد، فإنْ دخل حَرُمت أبداً

وعليه، فهذه الآية الشريفة تدلّ على حرمة العقد على المُعتدّة، ولكن موردها عِدّة الوفاة، فيُتعدّى عنه بالإجماع وعدم القول بالفصل.

(ولو تزوّجها في عِدّتها):

فإنْ كان كلٍّ من الزّوج والزّوجة (جاهلاً) بالعِدّة أو التحريم، أو بهما معاً (بطل العقد) بالضرورة، وهو ما صرّح به في بعض النصوص الآتية، لكن لا تحرم عليه ما لم يدخل بها (فإنْ دخل حَرُمت أبداً) إجماعاً فيهما، كما في «الرياض»(1).

وفي «الجواهر»: (بلاخلافٍ أجده في شيءٍ من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه)(2).

وإنْ كان عالماً: حَرُمت عليه أبداً بمجرّد العقد إجماعاً(3).

وأمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على كون العقد موجباً للحرمة الأبديّة مطلقاً، كخبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة في عِدّتها؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، ولا تحلّ له أبداً»(4).

الطائفة الثانية: ما تدلّ على أنّه لا يوجب الحرمة الأبديّة مطلقاً، كالخبر الذي رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن امرأةٍ تزوّجت قبل أنْ تنقضي عِدّتها؟6.

ص: 22


1- رياض المسائل: ج 10/208 (ط. ج).
2- جواهر الكلام: ج 29/430.
3- رياض المسائل: ج 10/210 (ط. ج).
4- نوادر الأشعري: ص 108 ح 266، وسائل الشيعة: ج 20/457 ح 26086.

قال عليه السلام: يفرّق بينها وبينه، ويكون خاطباً من الخُطّاب»(1).

الطائفة الثالثة: ما يفصّل بين العلم والجهل، ويدلّ على ثبوت الحرمة الأبديّة مع العلم دون الجهل:

منها: مصحّح إسحاق بن عمّار، قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: بلغنا عن أبيك أنّ الرّجل إذا تزوّج المرأة في عِدّتها لم تحلّ له أبداً؟

فقال عليه السلام: هذا إذا كان عالماً، فإذا كان جاهلاً فارقها ويعتدّ ثمّ يتزوّجها نكاحاً جديداً»(2).

ومنها: صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج، عنه عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يتزوّج المرأة في عِدّتها بجهالة، أهي ممّن لا تحلّ له أبداً؟

فقال عليه السلام: لا، أمّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعدما تنقضي عِدّتها، وقد يُعذر النّاس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك.

قلت: بأيّ الجهالتين يُعذر؛ بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه، أم بجهالته أنّها في عِدّة ؟

فقال عليه السلام: إحدى الجهالتين أهون من الاُخرى ، الجهالة بأنّ اللّه تعالى حَرّم ذلك عليه، وذلك بأنّه لا يقدر على الاحتياط معها.

فقلت: فهو في الاُخرى معذورٌ؟

قال عليه السلام: نعم، إذا انقضت عِدّتها، فهو معذورٌ في أن يتزوّجها.

فقلت: فإنْ كان أحدهما متعمّداً والآخر يجهل ؟4.

ص: 23


1- مسائل عليّ بن جعفر: ص 128-129.
2- الكافي: ج 5/428 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/453 ح 26074.

فقال عليه السلام: الذ ي تَعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً»(1).

الطائفة الرابعة: ما يفصّل بين الدخول وعدمه، ويدلّ على ثبوت الحرمة به وعدم الحرمة بدونه، كمصحّح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن المرأة الحُبلى يموت زوجها، فتضع وتُزوّج قبل أنْ يمضي لها أربعة أشهر وعشراً؟

فقال عليه السلام: إنْ كان دخل بها فُرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت ما بقي عليها من الأوّل، واستقبلت عِدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإنْ لم يكن دخل بها فُرِّق بينهما، واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، وهو خاطبٌ من الخطّاب»(2).

ونحوه أو قريبٌ منه موثّق محمّد بن مسلم(3)، ومصحّح سليمان(4)، وموثّق أبي بصير(5).

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على ثبوت الحرمة مع العلم أو الدخول، وعدمها مع عدمهما، كمصحّح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا تزوّج الرّجل المرأة في عِدّتها، ودخل بها، لم تحِلّ له أبداً، عالماً كان أو جاهلاً، وإنْ لم يدخل بها حَلّت للجاهل ولم تحلّ للآخر»(6).

أقول: ومقتضى الجمع العرفي بين النصوص، حمل الطوائف الأربع الاُول على الأخيرة، حملاً للمطلق على المقيّد، مع أنّ الجمع العرفي بين الطوائف الأربع - مع7.

ص: 24


1- الكافي: ج 5/427 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/450 ح 26068.
2- الكافي: ج 5/427 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/451 ح 26070.
3- الكافي: ج 5/428 ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/452 ح 26073.
4- الكافي: ج 5/427 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/452 ح 26071.
5- الكافي: ج 5/428 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/425 ح (26072).
6- الكافي: ج 5/426 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/450 ح 26067.

قطع النظر عن الأخيرة - يقتضي البناء على ما تضمّنه الأخيرة، وهو كفاية الدخول أو العلم في الحرمة، فإنّ الأوليتين مطلقتان، والأخيرتين مقيّدتان، فيُحمل المطلق على المقيّد.

وأمّا الطائفتان الأخيرتان فكلٌّ منهما متضمّنة لقضيّتين:

1 - الحرمة مع الدخول، وعدم الحرمة بدونه.

2 - الحرمة مع العلم، وعدم الحرمة مع الجهل.

ومورد التعارض هو القضيّة الأُولى من كلّ منهما مع القضيّة الثانية من الاُخرى ، إذ لا تعارض بين الأولتين منهما، وكذا بين الأخيرتين كما لا يخفى ، والنسبة بين المتعارضتين عمومٌ من وجه، فإنّ الأُولى من الثالثة تدلّ على الحرمة مع العلم دخل بها أم لا، والثانية من الرابعة تدلّ على عدم الحرمة مع عدم الدخول؛ كان جاهلاً أو عالماً، وكذا بالنسبة إلى الأُولى من الرابعة مع الثانية من الثالثة، وحيث أنّ المختار في تعارض العامين من وجه، هو الرجوع إلى المرجّحات فيرجع إليها، ويقدّم الأُولى من كلّ منهما على الثانية من الاُخرى للشهرة، فتكون النتيجة حرمتها مع الدخول أو العلم.

ويمكن أنْ يُقال: إنّ الأُولى من كلّ منهما متضمّنة لحكمٍ اقتضائي، وهو اقتضاء الدخول أو العلم للحرمة، والثانية من كلّ منهما متضمّنة لحكم لا اقتضائي، وهو عدم الحرمة لعدم المقتضي، وعند التعارض يقدّم ما له الاقتضاء على ما لا اقتضاء فيه، فتأمّل فإنّ ذلك ليس من مرجّحات باب التعارض، وإنّما هو في باب التزاحم.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه إن عقد على المُعتدّة، فمع العلم تحرم عليه، وكذلك مع الدخول، ولو لم يكن علمٌ ولا دخولٌ لا تحرم عليه.

ص: 25

المدارُ على علم أحدهما

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: أنّ العلم الموجب للحرمة، هل هو علمُ الزّوج أو الزّوجة، أو علمهما معاً، أو أحدهما؟

وجوهٌ ، أظهرها الأخير.

أمّا كفاية علم الزّوج: فيشهد بها مصحّح إسحاق، وصحيح ابن الحجّاج، ومنه يُستفاد الاكتفاء بعلم الزّوجة، لما في ذيله:

«فقلت: فإنْ كان أحدهما متعمّداً والآخر بجهل ؟

فقال عليه السلام: الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً».

فإنّه وإنْ دلّ على الحرمة على العالم خاصّة، إلّاأنّه حيث تكون الزوجيّة من قبيل الإضافات القائمة بين الإثنين كالاُخوّة والبنوّة والاُبوّة، والتقدّم والتأخّر غير القابلة للتبعيض، فالحكم بعدم الصحّة والحرمة من أحد الطرفين مستلزمٌ للحكم بهما من الطرف الآخر، والصحيح لا مفهوم له كي يدلّ على عدم الحرمة على الآخر.

ولعلّ سرّ التعبير ب (الحرمة) على العالم، التنبيه على أنّه إذا كان الطرف الآخر عالماً بأنّه كان عالماً، ثبت الحرمة في حقّه أيضاً للتلازم، وإنْ لم يكن عالماً بذلك لم يحرم بالنسبة إليه ظاهراً، كما لو ادّعت المرأة مثلاً بعد تجديد العقد عليها أنّها كانت عالمة بالحكم والموضوع حال العقد، وأنكر الزّوج علمها بذلك، وادّعى أنّهما معاً كانا جاهلين حال العقد الأوّل، فإنّه يحكم بترتيب آثار الصحّة على العقد الثاني

ص: 26

بالنسبة إلى الزّوج، وبترتيب آثار الفساد بالنسبة إلى المرأة.

أقول: ثمّ إنّ المستفاد من الصحيح، تعميم الجهل المانع عن الحرمة الأبديّة إلى الجهل بالموضوع والحكم.

نعم، يبقى حينئذٍ إشكالٌ على الصحيح، وهو:

أنّ المراد بالجهالة إنْ كان خصوص الغفلة والجهل المركّب، لما استقام ما فيه من التعليل بأنّه مع الجهل بالحكم لا يقدر على الاحتياط، إذ حينئذٍ لا يقدر على الاحتياط مع الجهل بالموضوع أيضاً.

وإنْ كان المراد بها الجهل البسيط والشكّ ، فهو يقدرُ على الاحتياط مع الجهل بالحكم.

والتفكيك بين الجهالتين، بأنْ يَجعل الجهل بالحكم بمعنى الغفلة، والجهل المركّب والجهل بالموضوع بمعنى الشكّ ، خلاف الظاهر جدّاً، وإرادة الأعمّ منهما في الموضعين لا تُصحّح التعليل، كما لا يخفى .

والجواب عن ذلك: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله: (من أنّ المتعيّن استعماله في كلا الموضعين في المعنى العام الشامل للغفلة والشكّ ، لكن لمّا كان الغالب في الجهل بالحكم هو الغفلة، إذ قلّما يتّفق مع الالتفات إليه الشكّ فيه، بخلاف الجهل بكونها في العِدّة، فإنّه يتحقّق غالباً مع الالتفات بكثرة أسبابه، إذ المتعارف بحيث قَلّ أن تخلّف التفتيش من حال المرأة التي يريد أن يتزوّجها، ومعه من المستحيل عادةً أن لا يصادف بما يورث التفاته إلى أنّها في العِدّة أم لا، كما لا يخفى ، خَصّ الإمام عليه السلام الجاهل بالتحريم بالأعذريّة، معلّلاً بكونه غير قادرٍ على الاحتياط، نظراً إلى أنّ

ص: 27

الغالب فيه الغفلة، بخلاف الجاهل بالعِدّة من دون التفات منه ممّا يتّفق نادراً في الموضعين، فإذاً لا تفكيك بحسب المعنى بين الموضعين)(1)، انتهى .

والإيراد عليه: بأنّ غلبة التفتيش عن حال المرأة توجبُ عدم بقاء الشكّ بحاله غالباً، فالتعرّض لحكم الشكّ في العِدّة تعرّضٌ للفرد النادر، كما عن بعض الأعاظم(2).

يندفع: بأنّ المستهجن حمل المطلق على الفرد النادر، وأمّا التعرّض لحكم الفرد النادر فلا قُبح فيه.

أمّا صورة العلم بالزوجيّة: فقد استدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله(3) لها بصحيح عليّ بن رئاب،، عن حمران، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأةٍ تزوّجت في عِدّتها بجهالة منها بذلك ؟

فقال عليه السلام: لا أرى عليها شيئاً، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّج بها، ولا تحلّ له أبداً.

قلت: فإنْ كانت قد عرفت أنّ ذلك محرّم عليها، ثمّ تقدّمت على ذلك ؟

فقال عليه السلام: إنْ كانت تزوّجته في عِدّةٍ لزوجها الذي طلّقها عليها الرجعة، فإنّي أرى أنّ عليها الرّجم، فإنْ كانت تزوّجته في عِدّةٍ ليس لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة، فإنّي أرى أنّ عليها حَدّ الزاني، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّجها، ولا تحلّ له أبداً»(4).1.

ص: 28


1- حكاه عنه الشيخ عبد الكريم الحائري في درر الفوائد: ج 2/447-448.
2- المراد به الشيخ عبد الكريم الحائري في درر الفوائد: ج 2/448.
3- جواهر الكلام: ج 29/430-431.
4- التهذيب: ج 7/487 ح 166، وسائل الشيعة: ج 20/455 ح 26081.

ولكن يرد عليه: أنّه وان حكم فيه بالحرمة مع علم الزّوجة، إلّاأنّ المفروض فيه الدخول بها بقرينة التعرّض للرّجم والحَدّ، ولذا حكم بها مع جهلها أيضاً.

الدخول بعد العِدّة موجبٌ للحرمة الأبديّة

التنبيه الثاني: لا فرق في الدخول الموجب للحرمة بين القُبُل والدُّبر كما صرّح به جماعة(1)، لإطلاق النصوص.

وهل هناك فرقٌ بين الدخول في العِدّة، والدخول بعدها، فيكون الموجب للحرمة الأبديّة هو الأوّل دون الثاني كما في «الجواهر»(2) و «المسالك»(3)، أم لا فرق بينهما، فالدخول بها بعد العِدّة أيضاً موجبٌ للحرمة، كما ذهب إليه سيّد «الرياض»(4)؟ وجهان.

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المنسبق إلى الذهن من النصوص، هو اعتبار الدخول في العِدّة في الحرمة فيما يعتبر فيه ذلك.

2 - وبأنّ مصحّح الحلبي الأوّل، وموثّق محمّدبن مسلم، وحسن حمران المتقدّمة مختصّة بالدخول في العِدّة، فيقيّد بها إطلاق سائر النصوص.

3 - وبأنّ المطلق من الأخبار محفوفٌ بما يصلح للقرينة، وهو ذكر الظرف في الكلام، فإنّه إذا ذكر قيدٌ في الكلام مع جُمل متعدّدة:

فتارةً : يكون القيدفي أوّل الكلام، مثل: (إذا جاءيوم الجمعة، وجاءزيدٌ وأكرمك).

ص: 29


1- منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 3/80.
2- جواهر الكلام: ج 29/433.
3- مسالك الأفهام: ج 7/337.
4- رياض المسائل: ج 10/208 (ط. ج).

واُخرى : في الوسط مثل: (إذا جاءك زيدٌ في يوم الجمعة، وأكرمك).

وثالثة: في الآخر مثل: (إذا جاءك زيدٌ وأكرمك يوم الجمعة).

يكون القيد في جميع هذه الصور مانعاً عن ظهور شيء من هذه الجمل في الإطلاق.

وفي المقام ذُكر جملتان: وهما التزويج، والدخول، وذُكر بينهما قيدٌ وهو في العِدّة صالحٌ لرجوعه إلى كلتيهما، فيكون مانعاً عن انعقاد الإطلاق، وحينئذٍ فيتعيّن الرجوع إلى عمومات الحِلّ .

وبهذه الوجوه يجابُ عن استدلال سيّد «الرياض» لما اختاره من إطلاق النصوص والفتاوى.

لكن يرد على الوجه الأوّل: منع الانصراف إلى الدخول في العِدّة.

وعلى الثاني: أنّ تلك النصوص غير صالحة للتقييد، لعدم التنافي في الحكم بينها وبين المطلقات.

وعلى الثالث: إنّ الكبرى الكليّة المذكورة لو تمّت - مع أنّ للمنع عنها مجالاً واسعاً سيّما في صورة ذكر القيد في الأثناء - لا تنطبق على المقام، لأنّ القيد في المقام مذكور في كلام السائل، والجملة الثانية مذكورة في كلام الإمام عليه السلام، فتدبّر.

وعليه، فالأظهر هو ما أفاده سيّد «الرياض» لإطلاق النصوص.

حكم تزويج من شكّ في أنّها في العِدّة

التنبيه الثالث: إذا شكّ في أنّها في العِدّة أم لا:

1 - فإنْ أخبرت بأنّها في العِدّة أو بعدم العِدّة، أو انقضائها صُدِّقت، لمصحّح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

ص: 30

«العِدّة والحيض للنساء، إذا ادَّعتْ صُدِّقت»(1).

مضافاً إلى ما دلّ على حجيّة قول ذي اليد على ما في يده، فضلاً عن نفسه، كما عليه سيرة العقلاء والمتشرّعة.

2 - وإنْ لم تخبر بشيء:

فإنْ عُلم كونها في العِدّة سابقاً، وشكّ في بقائها، لم يجز تزويجها، للاستصحاب، ولو تزوّجها مع ذلك حرمت عليه أبداً، لما حُقّق في محلّه(2) من قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة.

وإنْ لم يعلم ذلك، فإنّ مقتضى الأصل جواز التزويج، وعدم الحرمة الأبديّة لو تزوّجها.

وإنْ علم إجمالاً بكون إحدى الإمرأتين المعيّنتين في العِدّة، ولم يعلمها بعينها، ولا أخبرت إحداهما بشيء، ولم يكن مورداً للاستصحاب، وَجب عليه ترك تزويجهما، للعلم الإجمالي الموجب لتنجّز المعلوم، فيجب فيه الاحتياط.

ولو تزوّج إحداهما بَطَل، للعلم ببطلان تزويج إحداهما فضلاً عن عدم جريان الاُصول المحرزة للصحّة، فيرجع إلى أصالة الفساد أي أصالة عدم تحقّق الزوجيّة.

وهل يوجب الحرمة الأبديّة، أم لا؟ وجهان:

أظهرهما الثاني، لعدم إحراز العقد في العِدّة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّه يحصل علمٌ إجمالي آخر، وهو أنّه إمّا أن يحرم تزويج هذه، أو لا يجوز تزويج الاُخرى ، وهذا العلم موجبٌ للاحتياط.3.

ص: 31


1- الكافي: ج 6/101 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/222 ح 28439.
2- زبدة الأُصول: ج 4/13.

ولكنّه يندفع: بأنّ أحد طرفي هذا العلم - وهو حرمة تزويج الاُخرى - لايجري فيه الأصل، للعلم الإجمالي السابق، فيجري في طرفه الآخر بلا معارض.

نعم، إذا تزوّج الاُخرى أيضاً، حصل له علمٌ إجمالي بحرمة إحدى الإمرأتين، فيجبُ عليه الاحتياط.

ولو علم بأنّ هذه الإمرأة المعيّنة في العِدّة، لكن لا يدري أنّها في عِدّة نفسه، ليجوز تزويجها، لأنّها إنّما شُرِّعت للمنع عن التزويج بغير ذي العِدّة احتراماً لذي العِدّة، فلا تمنع من تزويجه، أو في عِدّةٍ لغيره، جاز له تزويجها، لأصالة عدم كونها في عِدّة الغير.

ولا يعارضها أصالة عدم كونها في عِدّة نفسه؛ لعدم الأثر له.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّه في كثير من الموارد يترتّب الأثر اللّزومي على كونها في عِدّة نفسه، كوجوب النفقة والمسكن، بل وجواز الرجوع في عِدّة الطلاق الرِّجعي وما شاكل، وعليه، فيعلم إجمالاً بأنّه:

إمّا توجّه إليه تلك الخطابات، أو ثبت في حقّه حرمة تزويجها.

وكما أنّه يترتّب على أصالة عدم كونها في عِدّة الغير جواز التزويج، كذلك يترتّب على أصالة عدم كونها في عِدّة نفسه عدم تلك الأحكام، فيتعارض الأصلان، فلا يجوز تزويجها.

حكم التزويج في العِدّة بالعقد الفاسد

التنبيه الرابع: لا إشكال في أنّه لا يلحق بالتزويج في العِدّة، وطء المُعتدّة شُبهةً ، لخروجه عن مورد النصوص، فيشملها ما دلّ على الحِلّ ، وكذا الزِّنا إلّاإذا كانت العِدّة رجعيّة على ما سيأتي.

ص: 32

وأمّا لو تزوّجها في العِدّة بالعقد الفاسد:

1 - فإنْ كان الفساد لعدم تماميّة أركانه عند العرف، فكذلك لا يوجبُ التحريم، لأنّ الموضوع هو تزويج من في العِدّة، ولا يصدق على مثل هذا عنوان التزويج عند العرف، فلا يشمله النصوص.

2 - وإنْ كان الفساد لفقد قيدٍ من القيود الشرعيّة، كالعربيّة وما شاكل، ففيه أقوال:

القول الأوّل: ما اختاره المصنّف في «التحرير» على ما حُكي، من أنّ الموجب للحرمة هو العقد الصحيح الذي لولا المانع، ترتّب عليه أثره(1)، فلا يكون الفاسد موجباً للحرمة.

القول الثاني: ما ذهب إليه قدس سره أخيراً في ذلك الكتاب إلى التفصيل بين علم العاقد بالفساد وعدمه، فعلى الأوّل لا يحرم، وعلى الثاني يوجبُ الحرمة.

القول الثالث: ما اختاره صاحب «الجواهر»(2)، وذكره في مبحث عقد المُحْرِم، وهو أنّ الفساد إنْ كان من جهة المَهر كنكاح الشِّغار، أو من جهة اللّفظ كالصيغة الفاقدة لما يعتبر فيها، فلا يوجب الحرمة.

وإنْ كان من جهة المحلّ ، كما في العقد عليها وهي مُحْرِمة مثلاً، فيوجبُ الحرمة.

القول الرابع: عدم كونه موجباً لها مطلقاً.

القول الخامس: كونه موجباً للحرمة كذلك.1.

ص: 33


1- تحرير الكلام: ج 2/14 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 29/451.

أقول: ولا يبعد دعوى أظهريّة القول الرابع، لأنّ الظاهر من الأخبار - بقرينة كون الموضوع مذكوراً في الأسئلة، ومن المعلوم أنّهم كانوا يسألون عن حكم التزويج الصحيح، لولا وقوعه في العِدّة، والجواب لا يكون مطلقاً كي يقال إنّه لا عبرة بخصوص المورد، بل هو جوابٌ عمّا سُئل، ومن جهة أنّ التزويج الواقع في كلام الشارع محمولٌ على ما يراه تزويجاً - هو التزويج الصحيح، مع قطع النظر عن وقوعه في العِدّة.

حكم العقد على امرأةٍ توفّي زوجها قبل عِلمها بوفاته

التنبيه الخامس: إذا تزوّج امرأةً بعد وفاة زوجها، وقبل علمها بالوفاة - وأنّها أصبحت خليّة غير ذات البعل، ولكنّها غير مُعتدّة لأنّ عِدّتها من حين بلوغ الخبر - فهل يوجبُ ذلك الحرمة الأبديّة أم لا؟ قولان:

ذهب إلى القول الثاني جماعة، منهم المصنّف في «القواعد»(1)، وثاني الشهيدين في «المسالك»(2)، وكاشف اللّثام(3)، وصاحب «الجواهر»(4).

أمّا القول الأوّل فقد قوّاه سيّد «الرياض»(5).

استدلّ للأوّل: بأنّه لو تزوّجها بعد هذا الزمان في زمان العِدّة، لاقتضى التحريم البتّة، ففيه أولى ، لأنّه أقرب إلى زمان الزوجيّة، والمناقشة في هذه الأولويّة ممنوعة.

ص: 34


1- قواعد الأحكام: ج 3/32.
2- مسالك الأفهام: ج 7/337.
3- كشف اللّثام: ج 7/184 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/336.
5- رياض المسائل: ج 10/211 (ط. ج).

وفيه: ما تقدّم من عدم دليلٍ على كون التحريم مع التزويج في العِدّة من جهة عُلقة الزوجيّة، واحترام الزّوج، لأنّه من الممكن - بل هو ظاهر الدليل - أنّ للعِدّة خصوصيّة مقتضية لذلك.

والاستدلال له: بأنّ المستفاد من الأدلّة أنّها في المدّة المتخلّلة بين الوفاة، وعلمها بها تكون بحكم الزّوجة المُعتدّة.

يندفع: بأنّ المراد من الأدلّة:

إنْ كان هو الأخبار، فاستفادة ذلك منها مشكلة، إلّاأن يرجع إلى ما سنذكره عند بيان المختار.

وإنْ كان المراد الأصل العملي، وهو الاستصحاب، فهو إنّما يفيد الحكم الظاهري، وقد انكشف خلافه، وأنّ العقد لم يكن على ذات البعل واقعاً، وعليه فلا وجه لتحريمها.

واستدلّ للثاني: بأنّها ليست زوجة، ولا معتدّة، لعدم الاعتداد عليها قبل العلم بالوفاة، فيرجع فيها إلى أصالة الحِلّ .

أقول: ويمكن أنْ يُستدلّ للأوّل بوجهين:

أحدهما: أنّ نصوص ذات البعل وإنْ لم تشملها، لعدم كونها ذات البعل، ولكن بعض نصوص ذات العِدّة الآتية تشملها، وهو ما تضمّن المنع عن تزويج امرأةٍ قبل أنْ تنقضي عِدّتها، فإنّ مقتضى إطلاقه شمول المنع للتزويج بعد خروجها عن كونها ذات بعل، وصيرورتها معتدّة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: - مضافاً إلى منع الإطلاق، لعدم كونه في مقام البيان من هذه

ص: 35

الجهة - أنّ التعبير بقبل انقضاء العِدّة في مورد عدم الشروع فيها غير متعارف، فهو ظاهرٌ في التزويج في العِدّة.

ثانيهما: أنّ نصوص المنع عن التزويج في العِدّة، وأنّه يوجب الحرمة الأبديّة، إنّما تدلّ على أنّ إيجاد العُلقة الزوجيّة فيها وجعل المرأة زوجة موجبٌ لذلك.

وعليه، فهذه المرأة بعدما علمت بالوفاة، يكون بقاء زوجيّتها بإيجادها قبل ذلك، فتصبح حينئذٍ امرأةٌ ذاتُ عِدّة قد تزوّجت، فتشملها النصوص، لعدم الفرق بين الحدوث والبقاء.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ النصوص ظاهرة في الإحداث وإيجاد الزوجيّة.

وعليه، فالأظهر عدم التحريم الأبدي.

وهل يكون العقد عليها باطلاً من الأوّل، أو يبطل من حين علمها بالوفاة، أم يصحّ؟ وجوه ثلاثة:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المفهوم من الأدلّة الواردة أنّ ذات العِدّة لا يصحّ تزويجها إلّابعد انقضاء العِدّة، فما دامت العِدّة غير منتهية، فعلاقة الزوجيّة للأوّل باقية، وهي تنافي التزويج للآخر، ذكره بعض الأعاظم من المعاصرين(1).

2 - وبمنافاة صحّته لما عليها من استحقاق الزّوج عليها العِدّة والحِداد الذي هو ترك الزينة في نفس الأمر، لأنّ وجوب العِدّة والحِداد عليها من حين بلوغ خبر الوفاة، إنّما هو لاحترام الزّوج، ومن المعلوم منافاة صحّة العقد عليها مع وجوب4.

ص: 36


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/134.

العِدّة والحِداد عليها، لاحترام الزّوج المتوفّى.

3 - وبعدم تمشّي القصد الجدّي منهما إلى الإنشاء الذي لابدّ منه في صحّة كلّ عقدٍ، مع إحراز كونها ذات بعل ولو بالأصل.

وهذان الوجهان منسوبان إلى المحقّق اليزدي.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لو منعنا كون علّة حرمة التزويج في العِدّة، ومحرّميّته، هي احترام الزّوج - كما منعه، ولذلك اختار عدم كونه محرّماًأبديّاً - لما كان وجهٌ لذلك إذ أهل العرف لا يفهمون ملاك هذا الحكم ومناطه حينئذٍ، بل هو حكمٌ تعبّدي.

ودعوى: أنّهم يفهمون أنّ المناط هو التمانع عندهم بين الزوجتين(1).

مندفعة: بأنّه مع قطع علاقة الزوجيّة للأوّل لا مجال لفرض قيام التمانع بينهما.

ويرد على الثاني: أنّ غاية ما يلزم من ما اُفيد، هو قيام التزاحم بين وجوب العِدّة والحِداد، وبين ما يستحقّ عليها الزّوج الثاني، لا فساد العقد.

ويرد على الثالث: أنّ المعتبر هو القصد الجِدّي إلى إيجاد الزوجيّة في اعتبارهما، لا إلى تحقّقها عند العقلاء والشارع الأقدس، ومن المعلوم أنّ ذلك ممكنٌ .

وبالجملة: لا أرى مانعاً من صحّة العقد، وكونها زوجة للثاني، ومع ذلك يجب عليها الاعتداد، فتكون من قبيل الزّوجة المفقود زوجها إذا اطمئنت بموته، ثمّ تزوّجت، ودخل بها الثاني، فإنّه إذا جاء الأوّل تكون هي زوجته، ومع ذلك يجب عليها الإعتداد من الثاني.

ولكن ظاهر الأساطين كون بطلان العقد في المقام من المسلّمات وكفى به مدركاً، وطريق الاحتياط معلومٌ .4.

ص: 37


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/134.

حكم ما لو تزوّج المُعتدّة، ودخل بها، ثمّ ولدت ولداً

التنبيه السادس: إذا تزوّج امرأةٌ في العِدّة جاهلاً، ووطئها الرّجل فحملت وجاءت بولد:

1 - فإنْ مضى من وطء الثاني أقلّ من ستّة أشهر، ولم يمض من وطء الزّوج الأوّل أقصى مدّة الحمل، لحق الولد بالأوّل قطعاً كما في «الجواهر»(1):

لقاعدة الفراش، وانتفائه عن الثاني قطعاً، فلا يعارضها شيءٌ .

ولمرسل جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهما السلام:

«في المرأة تزوّج في عِدّتها؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، وتعتدّ عِدّة واحدة منهما جميعاً، وإذا جاءت بولدٍ لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإنْ جاءت بولدٍ لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل»(2).

2 - وإنْ مضى من وطء الأوّل أقصى المدّة، ومن وطء الثاني ستّة أشهر أو أزيد إلى ما قبل الأقصى، لحق الولدُ بالثاني بلا إشكال، كما في «الرياض»(3)، وقطعاً كما في «الجواهر»(4).

ويشهد به: - مضافاً إلى قاعدة الفراش، بناءً على أنّ الفراش ما يقابل العاهر، والواطء شبهة ليس بعاهر، ولا يعارضه فراش الأوّل لانتفائه عنه قطعاً - مرسل جميل المتقدّم.

ص: 38


1- جواهر الكلام: ج 29/437.
2- التهذيب: ج 7/309 ح 41، وسائل الشيعة: ج 20/454 ح 26078.
3- رياض المسائل: ج 10/208 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/437.

3 - وإنْ مضى من وطء الأوّل أقصى المدّة، ومن وطء الثاني أقلّ من ستّة أشهر، فلا يلحق بواحدٍ منهما، للعلم بانتفائه عنهما.

4 - وإنْ مضى من وطء الأوّل ستّة أشهر فما فوق إلى أقصى المدّة، وكذا من وطء الثاني:

فعن «القواعد»(1)، و «الشرائع»(2) في بعض فروع السبب، أنّه ملحقٌ بالأوّل.

وعن «المسالك»(3) وغيرها(4) أنّه ملحقٌ بالثاني، ونَسَبه الشهيد الثاني رحمه الله إلى الأكثر.

واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن «المسالك»، من أنّ كلّاً منهما وإنْ كان فراشاً، وتتعارض قاعدة الفراش فيهما، إلّاأنّ الترجيح مع تطبيقها على الثاني، لأنّ الثابت أولى من الزائل.

وفيه: إنّ بقاء الفراش لا دخل له في الحكم، وإنّما الميزان هو الفراش حال الانعقاد، ونسبته اليهما على حَدٍّ سواء.

الوجه الثاني: ما في «الرياض»(5) من الاستدلال بمرسل جميل المتقدّم.

وأُورد عليه: بضعف السند.).

ص: 39


1- قواعد الأحكام: ج 3/145.
2- شرائع الإسلام: ج 2/507 قوله: (وإنْ احتمل أنْ يكون منهما استخرج بالقرعة على التردّد، والأشبه أنّه الثاني).
3- مسالك الأفهام: ج 7/205 الصورة الرابعة.
4- كما في الكفاية: ص 158، وكشف اللّثام: ج 2/141 (ط. ق)، ومستند الشيعة: ج 16/224-225.
5- رياض المسائل: ج 1/208-209 (ط. ج).

وفيه: إنّه مرويٌّ في «الفقيه» - على ما في «الوسائل» - عن جميل بن درّاج، وظاهرٌ أنّه لا إرسال فيه، فضلاً عن أنّه من أصحاب الإجماع، فلا يضرّ إرساله لو ثبت.

الوجه الثالث: أنّ جملةً من النصوص تدلّ على ذلك في غير المقام من موارد الوطء بالشبهة، وبعدم الفصل بين الموارد يُحكم به في المقام:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إذا كان للرّجل منكم الجارية يطأها فيعتقها فاعتدّت ونكحت، فإن وضع لخمسة أشهر فإنّه لمولاها الذي أعتقها، وإنْ وضعت بعدما تزوّجت لستّة أشهر، فإنّه لزوجها الأخير»(1).

ومنها: صحيح البزنطي، عمّن رواه عن زرارة، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن الرّجل إذا طلّق امرأته ثمّنكحت، وقداعتدّت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأخير»(2).

ونحوهما غيرهما.

وعن «المبسوط»(3)، وفخر الإسلام(4) أنّه يُقرع بينهما، لأنّ كلّاً منهما فراشٌ فتتعارض قاعدة الفراش فيهما، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيكون المقام من المشكل، فيرجع فيه إلى القرعة لأنّها لكلّ أمرٍ مُشكل(5).

ويرد عليه: ما تقدّم.ء.

ص: 40


1- الكافي: ج 5/491 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/380 ح 27352.
2- التهذيب: ج 8/167 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/383 ح 27362.
3- المبسوط: ج 5/246-247.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/355 قال: (القائل بالقرعة الشيخ الطوسي في المبسوط لإمكانه، والحقّ اختيار المنصف هنا هو أنّه الثاني لأنّها فراش له حقيقة، وفراش الأوّل زال).
5- وسائل الشيعة: ج 27/257-263 باب 13 من أبواب كيفيّة الحكم كتاب القضاء.

والولَدُ له والمَهرُ للمرأة

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله (والَولدُ له) هو الصحيح.

ثبوت المَهر المسمّى في وطء الشبهة

التنبيه السابع: لا إشكال في أنّه لو تزوّج الرّجل المُعتدّة، ولم يدخل بها، لا مَهر عليه، لفساد العقد.

وأمّا خبر عبداللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة المطلّقة، قبل أنْ تنقضي عِدّتها؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً، ويكون له صداقها بما استحلّ من فرجها، أو نصفه إنْ لم يكن دَخَل بها»(1).

فلإعراض الأصحاب عنه، ومعارضته مع النصوص الاُخر، لا يُعتنى به.

كما أنّه لا إشكال في ثبوت مَهر المِثل في الوطء بالشُّبهة المجرّدة عن التزويج، إذا كانت الموطوءة مشتبهة، للنصوص.

وأمّا إذا كان الوطء بالتزويج، ففي ثبوت المُسمّى أو مَهر المثل قولان:

ظاهر المتن، حيث قال (والمَهر للمرأة) هو الأوّل، وحُكي عن الشيخ في «المبسوط»(2)، وهو الأظهر - لا لما قيل من العقد هو السبب في ثبوت المَهر لأنّه الوجه في الشبهة، فكان كالصحيح المقتضي ضمان ما وقع عليه التراضي، لأنّه

ص: 41


1- نوادر الأشعري: ص 108 ح 267، وسائل الشيعة: ج 20/456 ح 26085.
2- المبسوط: ج 5/104.

يدفعه أنّ كون العقد سبباً للشبهة، لا يوجبُ ضمان المسمّى، والرّضا به إنّما كان مبنيّاً على العقد، فيفسد بفساده.

وبالجملة: استحقاق المسمّى إنّما يكون بالعقد، والمفروض فساده -.

بل لجملةٍ من النصوص:

منها: موثّق سليمان بن خالد، قال: «سألته عن رجلٍ تزوّج امرأةً في عِدّتها؟

قال: فقال عليه السلام: يفرّق بينهما، وإنْ كان دخل بها فلها المَهر بما استحلّ من فرجها، ويفرّق بينهما، فلا تحلّ له أبداً، وإنْ لم يكن دخل بها، فلا شيء لها من مَهرها»(1).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ :

«فإنْ كان دخل بها فلها المَهر بما استحلّ من فرجها، ويفرّق بينهما، وإنْ لم يكن دخل بها فلا شيء لها»(2).

ودعوى: أنّه لا يبعد أنْ يكون المراد منه جنس المَهر.

مندفعة: بأنّه ليس المراد جنس المَهر قطعاً، وإلّا لزم الاكتفاء بأقلّ ما يمكن أنْ يكون مهراً للإطلاق، بل المراد به إمّا المُسمّى أو مَهر المِثل، وظهورها في الأوّل من جهة ذكر التزويج غير قابلٍ للإنكار.

وأمّا ما فيها من التعليل، فلا ينافي ذلك، لأنّه يدلّ على أنّ الموجب لضمان المَهر هو الدخول، ومع عدمه لا شيء عليه، وهذا كما يلائم مع ضمان مهر المثل، يلائم مع ضمان المُسمّى.

هذا كلّه إذا لم تكن المرأة عالمة، وإلّا فلا تستحقّ شيئاً إذ لا مَهر لبغيّ .1.

ص: 42


1- الكافي: ج 5/427 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/452 ح 26071.
2- الكافي: ج 5/427 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/452 ح 26071.

وتُتمّ عِدّة الأوّل وتستأنف للثاني.

حكم ما لو اجتمعت العِدّتان

التنبيه الثامن: ولو تزوّج في العِدّة ودخل بها:

فهل يكفي في صحّة تزويجها من شخص ثالث أن تعتدّ عِدّة واحدة عن الزّوج الأوّل والثاني ؟

أم لابدّ (و) أن (تُتمّ عِدّة الأوّل، وتستأنف للثاني)؟ قولان:

1 - المشهور(1) بين الأصحاب هو الثاني، وفي «الجواهر»: (بل يمكن دعوى الإجماع عليه، بل عن الشيخ في «الخلاف»(2) الإجماع عليه)(3).

2 - وعن الصدوق في «المقنع»(4)، وابن الجُنيد(5) اختيار الأوّل، واستظهره صاحب «الحدائق»(6)، ومالَ إليه سيّد «العروة»(7).

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

منها: ما يدلّ على التداخل:

1 - صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في امرأةٍ تزوّجت قبل أنْ تنقضي عِدّتها؟

ص: 43


1- رياض المسائل: ج 10/209 (ط. ج).
2- الخلاف: ج 5/75-76 مسألة 31.
3- جواهر الكلام: ج 29/437.
4- المقنع: ص 354.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/525.
6- الحدائق الناضرة: ج 23/584-585.
7- العروة الوثقى: ج 5/520-521 (ط. ج).

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، وتعتدّ عِدّة واحدة منهما جميعاً»(1).

ونحوه موثّق أبي العبّاس(2)، ومرسل جميل(3) المتقدّمان.

2 - موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «سألته عن امرأةٍ نُعي إليها زوجها، فاعتدّت وتزوّجت، فجاء زوجها الأوّل، ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتدّ للثاني ؟

قال عليه السلام: ثلاثة قروء، وإنّما يستبرئ رحمها بثلاثة قروء، وتحلّ للنّاس كلّهم.

قال زرارة: وذلك أنّ اُناساً قالوا تعتدّ عدّتين من كلّ واحد عِدّة، فأبى أبو جعفر عليه السلام: وقال: تعتدّ ثلاثة قروء، وتحلّ للرّجل»(4).

ونحوه مرسل يونس(5).

لكن الأخيرين في ذات البعل، ودلالتهما على المقام مبنيّة على كون المسألتين من باب واحد.

ومنها: ما يدلّ على التعدّد:

1 - موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة في عِدّتها؟

قال: إنْكان دخل بها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، وأتمّت عِدّتها من الأوّل، وعِدّة أُخرى من الآخر»(6).3.

ص: 44


1- التهذيب: ج 7/308-309 ح 36، وسائل الشيعة: ج 20/453 ح 26075.
2- التهذيب: ج 7/308-309 ح 38، وسائل الشيعة: ج 20/453 ح 26076.
3- التهذيب: ج 7/308-309 ح 41، وسائل الشيعة: ج 20/454 ح 26078.
4- الكافي: ج 6/150-151 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/254 ح 28527.
5- الكافي: ج 6/151 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/254 ح 28528.
6- الكافي: ج 5/428 ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/452 ح 26073.

ونحوه صحيح عليّ بن رئاب، عن عليّ بن بشير النبّال(1).

2 - صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في من مات عنها زوجها، فوضعت وتزوّجت قبل تمام الأربعة أشهر وعشرة أيّام ؟

قال عليه السلام: إنْ كان الذي تزوّجها دخل بها، فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من عِدّة الأوّل، واستقبلت عِدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء»(2).

ونحوه مصحّح الحلبي(3)، وخبر عليّ بن جعفر عليه السلام(4).

وقد قيل في الجمع بين الطائفتين وجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الشيخ رحمه الله(5)، من حمل نصوص التداخل على عدم دخول الثاني، لعدم صراحتها في الدخول، وصراحة نصوص التعدّد فيه.

فيه: أنّه مع عدم الدخول لا معنى للاعتداد من الثاني، فالحكم بالاعتداد منه قرينةٌ على أنّ مورد تلك النصوص أيضاً الدخول.

الوجه الثاني: حمل نصوص التداخل على التقيّة، ذكره جماعة(6).

وفيه: أنّ موثّق زرارة ومرسل يونس دالّان على أنّتلك النصوص مخالفة للعامّة.

الوجه الثالث: حمل نصوص التعدّد على التقيّة، بقرينة موثّق زرارة ومرسل).

ص: 45


1- التهذيب: ج 7/309 ح 42، وسائل الشيعة: ج 20/456 ح 26082.
2- الكافي: ج 5/427 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/450 ح 26066.
3- الكافي: ج 5/427 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/451 ح 26070.
4- الكافي: ج 5/428 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/453 ح 26074.
5- تهذيب الأحكام: ج 7/308 ح 38.
6- كما في رياض المسائل: ج 10/211 (ط. ج) قوله: (بل ربما حمل الأخبار الأخيرة على التقيّة)، وقال الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 14/139: (وحملها جماعة آخرون على التقيّة، وهو غير ظاهر).

ولو عقدَ عالماً حَرُمت أبداً بالعقد.

يونس، استظهره صاحب «الحدائق» رحمه الله(1)، ومالَ إليه سيّد «العروة»(2).

وفيه: إنّه يتمّ ذلك إذا لم يمكن الجمع العرفي، ولم تكن مرجّحاتٌ اُخر لأحد الطرفين التي هي مقدّمة على هذا المرجّح.

الوجه الرابع: تقديم نصوص التعدّد، لموافقتها لأصالة عدم التداخل.

وفيه أوّلاً: إنّ الأصل هو التداخل على ما حقّقناه في محلّه(3).

وثانياً: أنّ موافقة الأصل ليست من المرجّحات.

الوجه الخامس: حمل نصوص التعدّد على الاستحباب، لأنّه أبرأ للرّحم، وأحفظ للحقوق.

وفيه: إنّ الأصحاب أعرضوا عن نصوص التداخل، ولم يفتوا به، وهذا يوجبُ سقوطها عن الحجيّة.

والحاصل: أنّه إمّا أن يمكن الجمع العرفي بين الطائفتين، فنصوص التداخل ساقطة عن الحجيّة بالإعراض، وإمّا لا يمكن، ويقع التعارض بينهما، فتقدّم نصوص التعدّد للشهرة كما أفاده المحقّق رحمه الله(4).

وعليه، فالأظهر هو وجوب التعدّد.

(و) أخيراً ظهر ممّا ذكرناه أنّه (لو عقد) على ذات العِدّة (عالماً، حَرُمَت) عليه (أبداً بالعقد).).

ص: 46


1- الحدائق الناضرة: ج 23/584-585.
2- العروة الوثقى: ج 5/521 (ط. ج).
3- زبدة الأُصول: ج 2/263.
4- شرائع الإسلام: ج 2/518 المقصد الثاني: في تحريم العين، المسألة الثانية قوله: (إذا تزوّج في العِدّة.. وتتمّ العِدّة للأوّل وتستأنف أُخرى للثاني، وقيل يجزي عِدّة واحدة).

مسائل:

الأُولى : من لاط بغلامٍ فأوقبه، حَرُمت عليه أُمّ الغلام واُخته وبنته أبداً،

حرمة أُمّ الغلام الموطوء واُخته وبنته

أقول: بقي في المقام (مسائل) يقتضي المقام البحث عن حكمها:

المسألة (الأُولى : من لاط بغلام فأوقبه، حَرُمت عليه أُمّ الغلام واُخته وبنته أبداً) إجماعاً، كما عن «الانتصار»(1)، و «الخلاف»(2)، و «الغُنية»(3)، و «التذكرة»(4)، و «المسالك»(5)، و «شرح النافع»(6) للسيّد، وغيرهم(7).

وفي «الجواهر»: (وهو في أعلى درجات الإستفاضة أو التواتر)(8).

ويشهد به: نصوص عديدة:

منها: صحيح ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في رجلٍ يعبث بالغلام. قال عليه السلام: إذا أوقب حَرُمت عليه ابنته واُخته»(9).

ص: 47


1- الانتصار: ص 265 مسألة 149.
2- الخلاف: ج 4/308 مسألة 80.
3- الغنية: ص 338.
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/633 (ط. ق).
5- مسالك الأفهام: ج 7/343.
6- نهاية المرام: ج 1/173.
7- كما في جامع المقاصد: ج 12/317.
8- جواهر الكلام: ج 29/447.
9- الكافي: ج 5/417 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/444 ح 26048.

ومنها: موثّق إبراهيم بن عمر، عنه عليه السلام: «في رجلٍ لعب بغلامٍ ، هل تحلّ له اُمّه ؟ قال عليه السلام: إنْ كان ثَقُب فلا»(1).

ونحوهما غيرهما.

وعليه، فأصل الحكم في الجملة ممّا لا إشكال فيه، إنّما الكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: هل الحرمة شاملة لبنات الأولاد وإنْ نزلن، وللجدّات وإنْ عَلون، أم لا بل تختصّ بالبنت بلا واسطة وكذا الاُمّ؟ وجهان:

صرّح بالأوّل المصنّف رحمه الله في بعض كتبه(2)، والحِلّي(3)، وعن جماعةٍ (4) دعوى الاتّفاق عليه، وتنظّر فيه كاشف اللّثام(5).

وقوّى بعضهم الثاني.

أقول: الأظهر هو الأوّل، لصدق الاُمّ على الجَدّة، والبنت على بنتِ البنت وبنتِ الإبن، كما صرّح به بعض اللّغويين(6)، هذا فضلاً عن أنّ نفس فتوى الفقهاء الذين هم أهل اللّسان بذلك، من دون أنْ يكون هناك نصٌّ خاصّ ، من أقوى الشواهد على أنّهما للأعمّ .

الأمر الثاني: إذا وطأ الغلام شُبهةً :

فهل يشمل هذا الحكم له، نظراً إلى صدق الإيقاب والثقب معه ؟ا.

ص: 48


1- التهذيب: ج 7/310 ح 45، وسائل الشيعة: ج 20/445 ح 26054.
2- قواعد الأحكام: ج 3/32، تذكرة الفقهاء: ج 2/633 (ط. ج).
3- السرائر: ج 2/525.
4- كما في جامع المقاصد: ج 12/318، رياض المسائل ج 10/213 (ط. ج).
5- كشف اللّثام: ج 7/188 (ط. ج).
6- راجع: تفسير الآلوسي: ج 3/493، تفسير البحر المحيط: ج 4/82، وغيرهما.

أم لا، من جهة أنّ الظاهر أنّ الموضوع هو اللّواط، وهو عبارة عن العمل القبيح المحرّم كالزِّنا، ولا حرمة مع الشبهة.

أو أنّ وطء الغلام بشبهةٍ نادرٌ جدّاً، فيكون الإطلاق منصرفاً عنه ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لأنّه لم يؤخذ اللّواط موضوعاً في النصوص، وانصراف المطلق عن الفرد النادر ممنوعٌ .

الأمر الثالث: هل يشمل الحكم ما لو كان الموطوء رجلاً، أم يختصّ بالغلام ؟

ذهب إلى الأوّل المصنّف رحمه الله(1)، والمحقّق الثاني(2) وغيرهما(2).

وعن «جامع المقاصد»(4): دعوى إطباق الأصحاب عليه.

وعن «الروضة»(3) الإجماع عليه.

واستشكل فيه: جماعةٌ منهم صاحب «الجواهر» رحمه الله(4)، ومنشأ الإشكال أنّ المأخوذ في النصوص موضوعاً لهذا الحكم، هو الغلام، وهو لا يشمل الشيخ، فثبوت الحكم للرّجل يتوقّف على فهم المثاليّة من الغلام، وأنّ المراد به مطلق الذَكَر، أو القطع بالمساواة، أو الإجماع على عدم الفصل، وشيءٌ من هذه الاُمور لم يثبت:

أمّا الأولان: فواضحٌ .

وأمّا الأخير: فلأنّه يحتمل رجوع الإجماع في «الروضة» إلى النَسَب مقابل الرّضاع، ورجوع الإطباق في «جامع المقاصد» إلى أصل الحكم.7.

ص: 49


1- قواعد الأحكام: ج 3/32. (2و4) جامع المقاصد: ج 12/317.
2- كما في إيضاح الفوائد: ج 3/72، كشف اللّثام: ج 7/187 (ط. ج).
3- الروضة البهيّة: ج 5/203.
4- جواهر الكلام: ج 29/447.

الأمر الرابع: لو كان الواطيءُ صغيراً، فهل تحرم عليه أُمّ الموطوء واُخته وبنته كما عن المحقّق والشهيد الثانيّين(1)، أم لا كما في «الجواهر»(2) وعن «القواعد»(3) وغيرها(4).

وجه الثاني: أنّ النصوص مختصّة بالرّجل، وهو لا يشمل الصغير.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّه لا فرق في أحكام المصاهرة بين البالغ وغيره.

2 - وبأنّه بعد البلوغ يصدق عليه أنّه رجلٌ أوقب، وإنْ كان إيقابه سابقاً.

3 - وبأنّ التحريم في النّص خارجٌ مخرج الغالب.

4 - وبأنّ المأخوذ موضوعاً في مرسل ابن سعدان(5) الآتي الشاب، وهو يصدق على الصغير القريبُ من البلوغ.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ثبوت الحكم في المصاهرة، لا يستلزم ثبوته له في اللّواط.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظاهر من العنوانين المأخوذين في الموضوع، هو اعتبار التقارن بينهما، مثلاً لو قال: (قلّد الأعلم العادل) فإنّه يَفهم العرف اعتبار تقارن الوصفين في التقليد، فلا يجوز تقليد شخصٍ كان عادلاً سابقاً وهو في الحال أعلمٌ غير عادل.0.

ص: 50


1- جامع المقاصد: ج 7/318، مسالك الأفهام: ج 7/343.
2- جواهر الكلام: ج 29/447-448.
3- قواعد الأحكام: ج 3/32.
4- كما في رياض المسائل: ج 10/214-215، الحدائق الناضرة: ج 23/599-600.
5- الكافي: ج 5/417 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/444 ح 26050.

وعليه، فظاهر قولنا: (رجلٌ أوقب) أنّه أوقب حال كونه رجلاً.

وأمّا الثالث: فلأنّ حمل القيد على الغالب، سيّما فيما اُخذ القيد عنواناً وموضوعاً بلا ذكر المقيّد، خلاف الظاهر جدّاً.

وأمّا الرابع: فلأنّه مرسلٌ لم يعمل به في مورده كما ستعرف.

وعليه، فالأظهر هو عدم الشمول.

الأمر الخامس: المشهور بين الأصحاب أنّه لا تحرم على الموطوء أُمّ الواطيء وبنته واُخته، وعن صريح «التذكرة»(1) وظاهر «الروضة»(2) دعوى الإجماع عليه، ويشهد به عمومات الحِلّ .

وحُكي عن بعضٍ (3) التحريم عليه.

واستدلّ له: بأنّ الضمير في قوله عليه السلام في النصوص: (حَرُمت عليه) يحتمل رجوعه إلى كلٍّ من الفاعل والمفعول، فتكون الأخبار من هذه الجهة مجملة، مردّدة بين المتباينين، وإجمال المخصّص المردّد بين المتباينين يَسري إلى العام، فلا يصحّ الاستدلال بعمومات الحِلّ .

وأمّا استصحاب الحِلّ ، فلتعارضه في طرف الفاعل والمفعول لا يجري، وكذا أصالة الحِلّ والبراءة.

وفيه أوّلاً: أنّ المسؤول عن حكمه هو الواطئ، فإنّه المذكور في السؤال ركناً).

ص: 51


1- تذكرة الفقيه: ج 2/633 (ط. ق).
2- الروضة البهيّة: ج 5/204.
3- نهاية المرام: ج 1/173 قوله: (ونقل عن بعض الأصحاب تعلّق التحريم به كالفاعل، وهو ضعيفٌ ولم نعثر على القائل).

للجملة، وأمّا الموطوء فهو مذكورٌ في المتعلّقات، فالحكم وهو التحريم يكون منصوباً عليه، وضمير المخاطب بالحكم راجعٌ إليه.

وبالجملة: لا مجال لإنكار ظهور الأخبار في رجوع الضمير إلى الفاعل.

نعم، الضمير الآخر راجعٌ إلى الموطوء.

وثانياً: أنّ ما ذُكر من تعارض الاُصول لا وجه له، فإنّه إنّما تتعارض الاُصول وتتساقط في التكليفين المتوجّهين إلى شخصٍ واحد، وأمّا التكليف الواحد المردّد بين شخصين - كوجوب الاغتسال على واحدٍ من واجدي المني في الثوب المشترك - فلا تتعارض ولا تتساقط، بل تجري الجميع، والمقام من قبيل الثاني كما لا يخفى .

فالمتحصّل: أنّ الأظهر هو عدم الحرمة.

الأمر السادس: أنّ اللّعِب بالغلام، والاستمتاع به بما دون الإيقاب، لا يوجبان الحرمة، للأصل، وتعليق الحرمة على خصوص الإيقاب.

وهل إدخال بعض الحَشَفة يوجبُ الحرمة، كما عن «القواعد»(1)، و «المسالك»(2)، و «جامع المقاصد»(3)، و «الروضة»(4)، وفي «الرياض»: (بل فيه الاتّفاق في الظاهر عليه)(5)؟

أم لا يوجب الحُرمة، ما لم يدخل تمام الحَشَفة ؟

توقّف صاحب «الجواهر» رحمه الله(6) في الحكم، بعد الاعتراف بأنّ مقتضى إطلاق9.

ص: 52


1- قواعد الأحكام: ج 3/32.
2- مسالك الأفهام: ج 7/343.
3- جامع المقاصد: ج 12/321.
4- الروضة البهيّة: ج 5/203.
5- رياض المسائل: ج 10/213.
6- جواهر الكلام: ج 29/449.

ولو سبقَ عقدهنّ لم يَحْرِمنَ .

النصوص في بادي النظر هو الأوّل، لأنّ الإيقاب لغةً إدخال القضيب فيصدق بمسمّاه.

ومنشأ توقّفه رحمه الله انسباق ما يحصل به المصاهرة في غير المقام، ممّا عُلّق على الدخول والوطء ونحوهما من الإيقاب، وهو كما ترى ، لعدم المنشأ له.

وادّعاء الاستقراء يندفع بأنّه لا يوجب إلّاالظنّ وهو غير مغنٍ عن الحقّ ، وبالتالي فالأوّل أظهر.

الإيقاب المتأخّر عن العقد لا يوجبُ الحرمة

الأمر السابع: (و) المشهور بين الأصحاب أنّه (لو سبق عقدهنّ ) أي عقد الاُمّ والبنت والاُخت على الإيقاب (لم تَحرمنَ عليه).

وعن بعضهم(1) دعوى الاتّفاق عليه.

وعن ابن سعيد في «الجامع»(2) التحريم، وربما يُستظهر ذلك ممّا ذكره جماعة(3)من إطلاق التحريم للمذكورات.

ويشهد للثاني: - مضافاً إلى إطلاق النصوص - خصوص صحيح ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن الإمام الصادق عليه السلام:

ص: 53


1- كما في كفاية الأحكام: ص 166 قوله: (من فجر بغلام فأوقبه حرمت... إذا سبق الفعل على النكاح، لأخبار متعدّده دالّة عليه مع اعتضادها بالشهرة البالغة حَدّ الاتّفاق).
2- الجامع للشرائع: ص 428.
3- كما في المقنعة: ص 501، قال الشيخ في النهاية: ص 453: (ومن فجر بغلامٍ فأوقب، حَرم عليه العقد على اُمّه واُخته وبنته على جميع الأحوال).

«في رجلٍ يأتي أخا امرأته ؟ فقال عليه السلام: إذا وقبه فقد حَرُمت عليه المرأة»(1).

وحمله على إرادة كونها امرأته في الحال دون زمان الإتيان، بعيدٌ مخالفٌ للظاهر.

ولكن إعراض المشهور عن المرسل يُسقطه عن الحجيّة.

وأمّا إطلاق النصوص: فيعارضه ما دلّ من النصوص على «إنّ الحرام لا يُحرّم الحلال»(2)، وحيث أنّ النسبة عمومٌ من وجه، بناء على أنّ المراد من الحلال الحلال الفعلي، والمختار في تعارض العامين من وجه الرجوع إلى المرجّحات السنديّة، فتقدّم نصوص عدم التحريم لكونها المشهورة بين الأصحاب.

ولكن قد تقدّم أنّ المراد به أعمٌّ من الفعلي والتقديري، فنصوص التحريم أخصٌّ منها فتُقدّم.

وعليه، فليس في مقابل إطلاق النصوص سوى تسالم الأصحاب على عدم الحرمة، وعليه فالمتعيّن هو الاحتياط، إذ كما أنّ مخالفة القوم مشكلة كذلك مخالفة الأدلّة مشكلة.

الأمر الثامن: لو كان الإيقاب بعد التزويج، بأن طلّق امرأته، ثمّ أراد معاودة التزويج معها، فعلى القول بعدم محرّميّة الإيقاب المتأخّر، هل يجوز التزويج الثاني أم لا؟

ذهب صاحب «الجواهر» رحمه الله(3) إلى الجواز، لو كان الطلاق بعد الإيقاب.

واختار سيّد «الرياض»(4) التحريم.).

ص: 54


1- الكافي: ج 5/418 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/444 ح 26049.
2- وسائل الشيعة: ج 20/428-430 باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- جواهر الكلام: ج 29/449.
4- رياض المسائل: ج 10/215-216 (ط. ج).

وفي رسالة الشيخ الأعظم قدس سره(1): البناء على التحريم، إذا كان الإيقاب بعد الطلاق.

وقد استدلّ للجواز: في مقابل إطلاق النصوص الموجب للحرمة بالاستصحاب.

وإشكاله ظاهرٌ، إذ استصحاب الحِلّ الفعلي لا يجري للحرمة بالطلاق، واستصحاب التعليقي لا يكون جارياً كما حُقّق في محلّه(2).

نعم، في صورة كون الإيقاب بعد الطلاق، فإنّه لا مانع من استصحاب جواز التزويج تكليفاً ووضعاً، إلّاأنّه لا مورد له مع إطلاق الأدلّة. ونصوص عدم محرّميّة الحرام للحلال، على فرض كون المراد به الحلال الفعلي، لا تشمل بعد الطلاق، والإجماع على عدم الحرمة غير ثابت.

وعليه، فالأظهر هو البناء على التحريم في الفرضين.

الأمر التاسع: إذا كان الوطء عن غير اختيارٍ، أو كان مُكرَهاً عليه، فهل يوجبُ الحرمة أم لا؟ وجهان:

من إطلاق النصوص، ومن أنّ المنساق إلى الذهن من النصوص أنّ الموضوع هو اللّواط، وهو عبارة عن العمل القبيح المحرَّم كالزِّنا، فلا تشمل النصوص الإيقاب غير المحرّم، لعدم الاختيار أو الإكراه، وعموم حديث: «رُفع ما استكرهوا عليه»(3).

أقول: ولكن الأظهر هو الأوّل، لمنع الانسباق، إذ لا منشأ له سوى ندرة وجود الإيقاب غير المحرّم، وهي لا تصلح للانصراف المقيّد للإطلاق، وعموم حديثس.

ص: 55


1- كتاب النكاح: ص 422.
2- زبدة الأُصول: ج 5/432.
3- وسائل الشيعة: ج 15/369-370 باب 56 من أبواب جهاد النفس.

الرفع لا يشمل الأحكام المترتّبة على الموضوعات الخارجيّة، فكما أنّه لا يرفع وجوب الغُسل عليه، كذلك لا يصلح لرفع هذا الحكم، وتمام الكلام في محلّه(1).

الأمر العاشر: لا يحرم من جهة هذا العمل الشنيع غير الثلاثة المذكورة بلا خلافٍ ، فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو اُخته أو اُمّه.

نعم، في خصوص ابنته دلّ خبرٌ ضعيف على الحرمة، وهو مرسل موسى بن سعدان، عن بعض رجاله، قال:

«كنتُ عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال له رجلٌ : ما ترى في شابّين كانا مصطحبين، فولد لهذا غلامٌ وللآخر جارية، أيتزوّج ابن هذا ابنة هذا؟

فقال عليه السلام: نعم، سبحان اللّه لِمَ لا يَحلّ؟!

فقال: إنّه كان صديقاً له. قال: وإنْ كان فلا بأس.

قال: فإنّه كان يفعل به.

قال: فأعرض بوجهه، ثمّ أجابه وهو مستترٌ بذراعه فقال: إنْ كان الذي كان منه دون الإيقاب، فلا بأس أن يتزوّج، وإنْ كان قد أوقب فلا يحلّ له أن يتزوّج»(2).

ولكن لإرساله وعدم العمل به لا يُعتمد عليه.

***0.

ص: 56


1- راجع: زبدة الأُصول: ج 4/248.
2- الكافي: ج 5/417 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/444 ح 26050.

الثانية: لو دخل بصبيّةٍ لم تبلغ تسعاً فأفضاها، حَرُمت عليه أبداً

إفضاءُ من لم تَبلُغ تسع سنين يوجبُ الحرمة الأبديّة

المسألة (الثانية: لو دخل بصبيّة) عَقَد عليها، والتي (لم تَبلُغ) بعدُ (تسعاً، فأفضاها، حَرُمت عليه أبداً) على المشهور(1).

وفي «الجواهر»: (إجماعاً محكيّاً صريحاً عن «الإيضاح»(2)، و «التنقيح»(3)، و «كنز الفوائد»(4)، و «غاية المراد»(5)، وظاهراً في «المسالك»(6)، ومحكيّ «كشف الرّموز»(7)، و «المقتصر»(8)، و «المهذّب البارع»(9)، بل و «السرائر»(10)، إنْ لم يكن محصّلاً، بل لعلّه كذلك)(11)، انتهى .

وعن الشيخين في «المقنعة»(12)، و «النهاية»(13)، والحِلّي(14): أنّ الدخول بها

ص: 57


1- رياض المسائل: ج 1/84 (ط. ج).
2- إيضاح الفوائد: ج 3/76.
3- التنقيح الرائع: ج 3/26.
4- كنز الفوائد: ج 2/367.
5- غاية المراد: ج 3/181.
6- مسالك الأفهام: ج 7/67.
7- كشف الرموز: ج 2/108.
8- المقتصر: ص 227.
9- المهذّب البارع: ج 3/210-211.
10- السرائر: ج 2/530-531.
11- جواهر الكلام: ج 29/416.
12- المقنعة: ص 748 قوله: (والرّجل إذا جامعَ الصبيّة.... فأفضاها كان عليه دية نفسها، والقيام بها حتّى يفرّق الموت بينهما).
13- النهاية: ص 453.
14- السرائر: ج 2/530.

موجبٌ للحرمة الأبديّة، وإنْ لم يُفضها.

ونقله بعضهم(1) عن المفيد أيضاً.

وعن «الكفاية»(2): نسبته إلى جماعةٍ .

وعن ظاهر «المفاتيح»(3) وشرحه نوعُ ميلٍ إليه، واختاره في «المستند»(4).

وعن ابن سعيد في «النزهة»(5)، والفاضل الهندي في «كشف اللّثام»(6): أنّه لا يوجب الحرمة حتّى مع الإفضاء.

وفي «الجواهر»: (ربما لاح من المفيد(7)، وابن الجُنيد(8)، والصدوق(9) ذلك)(10).

وفيها أيضاً: (الإنصاف مع ذلك كلّه عدم خلوّه عن القوّة)(11).

واختاره سيّد «العروة»(10) وجمعٌ من محشّيها.).

ص: 58


1- حكاه العلّامة في التحرير: ج 2/14 بقوله: (وإن لم يفضها ففي التحريم الأبدي إشكالٌ ، والشيخان رحمهما الله أطلقا القول بالتّحريم على من وطئ امرأته لدون تسع سنين).
2- كفاية المرام: ص 166 قوله: (والمشهور اعتبار الإفضاء في التحريم، والشيخ في النهاية أطلق التحريم من غير تقييد بالإفضاء... الخ).
3- مفاتيح الشرائع: ج 2/247-248 مفتاح 704.
4- مستند الشيعة: ج 16/81.
5- نزهة الناظر: ص 96.
6- كشف اللّثام: ج 7/192 (ط. ج).
7- المقنعة: ص 747 قوله: (الرّجل إذا جامع الصبيّة ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها، والقيام بها حتّى يفرّق الموت بينهما).
8- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/44.
9- المقنع: ص 309 قوله: (لا تتزوّج المراة حتّى تبلغ تسع سنين، فإنْ تزوجتها قبل أنْ تبلغ تسع سنين وأصابها عيبٌ أنتَ ضامن). (10و11) جواهر الكلام: ج 29/416 و 417.
10- العروة الوثقى: ج 5/502 (ط. ج).

واستدلّ للقول بالحرمة: بمرسل يعقوب بن يزيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «إذا خطب الرّجل المرأة فدَخَل بها قبل أنْ تبلغ تسع سنين، فُرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً»(1).

أقول: ولكن يرد عليه:

أوّلاً: ضعف السند للإرسال، ولوجود سَهل في الطريق.

وثانياً: أنّه يدلّ على الحرمة بالدخول وإنْ لم يفض، والمشهور لم يفتوا بذلك.

وثالثاً: أنّه يدلّ على انتفاءالزوجيّة بمجرّدالوطء، وتدلّ النصوص الصحيحة على بقاء الزوجيّة حتّى في صورة الإفضاء، فضلاً عن عدمه، وستجيء هذه النصوص.

ودعوى: أنّ ضعفه ينجبرُ بالعمل، وإطلاقه الشامل لفرض عدم الإفضاء يقيّد بالإجماع على اعتباره، والنصوص الدالّة على بقاء الزوجيّة مع الإفضاء لا يعمل بها، كما سيجيء.

مندفعة: بأنّ ظاهر المرسل كون الدخول محرّماً، وظاهر فتوى المشهور كون الإفضاء محرّماً، فالفتوى أجنبيّة عن المرسل، فلا انجبار، لا أقلّ من عدم إحراز استناد الأصحاب إليه، فلا يكون الانجبار ثابتاً.

وعليه، فالقول بعدم التحريم لا يخلو من قوّة، ولكن من جهة إفتاء الأصحاب به لا ينبغي ترك الاحتياط، بل لا يُترك، فتأمّل.

بحث: ولو دخل بها ولم يفضها، لا تحرم وإنْ كان أحوط.

أقول: وتمام الكلام في المقام يتحقّق بالبحث في فروع:1.

ص: 59


1- الكافي: ج 5/429 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26181.

ولم تَخرُج من حبالته

الفرع الأوّل: أنّ الصبيّة المدخول بها المُفضاة (و) غيرها (لم تخرج من حبالته) وإنْ قلنا بالحرمة، كما في المتن، و «الشرائع»(1)، و «النافع»(2)، و «الرياض»(3)، و «الجواهر»(4)، وعن «السرائر»(5)، و «الروضة»(6)، و «جامع المقاصد»(7) وغيرها(8)، للأصل والنصوص:

منها: صحيح حمران، عن الصادق عليه السلام، قال:

«سُئل عن رجلٍ تزوّج جاريةً بِكْراً لم تُدرك، فلمّا دخل بها افتضّها فأفضاها؟

فقال عليه السلام: إنْ كان دخل بها ولها تسعُ سنين، فلا شيء عليه، وإنْ كانت لم تبلغ تسع سنين، أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين افتضّها، فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإنْ أمسكها ولم يُطلّقها حتّى تموت فلا شيء عليه»(9).

ومنها: خبر بُريد بن معاوية، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجلٍ افتضّ جاريةً 2.

ص: 60


1- شرائع الإسلام: ج 2/496 المسألة 4.
2- المختصر النافع: ص 172.
3- رياض المسائل: ج 10/84 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/417.
5- الروضة البهيّة: ج 5/104.
6- جامع المقاصد: ج 12/332 قوله: (بعد أن ذكر اختيار ابن حمزة للبينونة: وقول ابن حمزة ليس ببعيد والتوقّف طريق السلامة).
7- كما في جامع للشرائع: ص 428، ونهاية المرام: ج 1/62، كشف اللّثام: ج 7/193 (ط. ج).
8- الفقيه: ج 3/431 ح 4493، وسائل الشيعة: ج 20/493 ح 26180.
9- الكافي: ج 7/314 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26182.

- يعني امرأته - فأفضاها؟

قال عليه السلام: عليه الدّية إنْ كان دخل بها قبل أنْ تبلغ تسع سنين.

قال: وإنْ أمسكها ولم يطلّقها، فلاشيء عليه، إنْ شاء أمسك، وإنْ شاء طلّق»(1).

: عن ابن حمزة: (أنّها تبين منه بغير طلاق)(2)، وأيّده الشهيد الثاني رحمه الله بأنّ التحريم المؤبّد ينافي النكاح، إذ ثمرته حَلّ الاستمتاع، ولأنّه يمنع النكاح سابقاً، فيقطعه لاحقاً، كالرِّضاع واللِّعان والقذف للزوجة الصمَّاء والخَرساء(3).

ولكن يمكن أنْ يُقال: إنّ ثمرة النكاح لا تنحصر في حَلّ الاستمتاع، بل له آثار اُخر كحليّة النظر إليها، وإلى اُمّها وبنتها، وحُرمة تزويج اُختها وما شاكل، وعلى فرضه فإنّما يوجب عدم جواز النكاح ابتداءً على من يحرم الاستمتاع منه لا بقائه، وأمّا حرمة النكاح بالرِّضاع السابق الموجبُ لانفساخ اللّاحق، فلوجود الدليل عليه.

وعليه، فالأظهر أنّها لا تخرج عن حبالته.

الفرع الثاني: يجبُ على الواطئ دية الإفضاء إجماعاً، وهي دية النفس على ما ذكروه في كتاب الديات، إنّما الكلام في أنّه:

هل يجبُ عليه الدّية مطلقاً وإنْ أمسكها ولم يُطلّقها كما هو المشهور بين الأصحاب ؟

أم تسقط الدّية عنه لو أمسكها ولم يطلّقها كما عن ابن الجُنيد(4)؟ وجهان:4.

ص: 61


1- الكافي: ج 7/314 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26182.
2- الوسيلة: ص 292.
3- مسالك الأفهام: ج 7/346.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/44.

من إطلاق النصوص الدالّة على :

1 - ثبوت الدّية مع الإفضاء، مثل ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام:

«أنّه قضى في امرأةٍ اُفضيت بالدّية»(1) ونحوه غيره.

2 - وأيضاً المتضمّنة للضمان مع العيب:

منها: خبر غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام «لا توطأ جارية لأقلّ من عشر سنين، فإنْ فعل فعيبتْ فقد ضَمِن»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من وطأ امرأته قبل أنْ تبلغ تسع سنين، فأصابها عيبٌ فهو ضامن»(3) ونحوها غيرها.

وفي هذه النصوص وإنْ لم يصرّح بالدية، لكنّها تدلّ عليها كما لا يخفى .

ومن أنّ مقتضى صحيح حمران وخبر بريد سقوطها مع الإمساك.

أقول: مقتضى القاعدة هو البناء على الثاني، حملاً للمطلق على المقيّد.

قال صاحب «الجواهر»: (أنّه يجبُ حملهما على سقوطها صلحاً بأنْ تختار المُقام معه بدلاً عن الدّية، فإنّ الدّية قد لزمته بالإفضاء، بدلالة النَّص والفتوى، فلا تسقط مجّاناً من غير عوضٍ ، لأنّه لو لم يُحمل على الصلح؛ فإمّا أنْ يكون المراد سقوط الدّية بالعزم على الإمساك، أو بنفس الإمساك المستمرّ إلى الموت، بأنْ تسقط الدّية به، أو يبقى الحكم بالسقوط مراعى بالموت، فإنْ أمسكها حتّى مات، تبيّن السقوط6.

ص: 62


1- الفقيه: ج 4/148 باب ما يجب فى الافضاء، وسائل الشيعة: ج 29/330 ح 35710.
2- التهذيب: ج 7/410 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/103 ح 25148.
3- التهذيب: ج 7/410 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/103 ح 25146.

من حين الإمساك، أو عدم ثبوت الدّية بالإفضاء، واللّوازم خصوصاً بعضها في غاية البُعد)(1)، انتهى .

والجواب: إنّ مقتضى حمل المطلق على المقيّد، هو عدم ثبوت الدّية بالإفضاء مع الإمساك، لا أنّها تثبت به وتسقط، والنَّص دلّ على أنّه إن أمسكها ولم يُطلّقها حتّى تموت لا دية عليه، ولازم ذلك بقاء الحكم بالسقوط مراعى بالموت، ولا محذور في الالتزام بذلك، وعليه فما أفاده رحمه الله ليس إلّااجتهاداً في مقابل النّص.

ولو مات الزّوج الواطي قبل موتها:

فقد يقال: بثبوت الدّية، نظراً إلى أنّ المقتضي لثبوتها هو الإفضاء، وإنّما منع عن تأثيره الإمساك المستمرّ إلى الموت، والمفروض عدم تحقّقه في الفرض، فيؤثّر المقتضي أثره كما عن المحقّق اليزدي رحمه الله.

ولكن يرد عليه: أنّه لا مجال لتشخيص المقتضي ومعرفته في باب الشرعيّات، لعدم ورود الأدلّة لبيانه، وإنّما هي في مقام بيان الحكم، فلابدّ من ملاحظة المخصّص، وهو إنّما تضمّن أنّه إنْ لم يُطلّقها أو لم يُطلّقها حتّى تموت تسقط الدّية، وهذان العنوانان صادقان في الفرض.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوتها في الفرض، ومع ذلك كلّه، الإفتاء بسقوط الدّية مع الإمساك مشكلٌ ، لكون أخبار السقوط مهجورة عند الأصحاب، وطريق الاحتياط معلوم.

الفرع الثالث: المشهور بين الأصحاب أنّه يجب عليه نفقتها ما دامت حيّة وإنْ 3.

ص: 63


1- جواهر الكلام: ج 29/322-323.

طلّقها، بل وإنْ تزوّجت بعد الطلاق.

وعن الإسكافي(1): سقوطها بالطلاق.

وعن ابن فهد(2)، والصِّيمري(3)، وابن قطّان(4)، و «الإيضاح»(5)، و «الروضة»(6):

تقييد الحكم بما إذا لم تتزوّج بغيره، واختاره الشيخ الأعظم(7)، وعن «القواعد» على إشكالٍ (8).

ويشهد للأوّل: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلٍ تزوّج جاريةً ، فوقع بها فأفضاها؟

قال عليه السلام: عليه الاجراء عليها ما دامت حيّة»(9).

وعن الشيخ في «الاستبصار»(10) حمله على الكبيرة، جمعاً بينه وبين خبري حمران وبُريد، المتضمّنين أنّه مع الإمساك لا شيء عليه، بدعوى أنّ عموم الشيء المنفي يشمل النفقة.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّهما مختصّان بصورة الإمساك، وفي تلك الصورة لاريب في وجوب النفقة لأنّها زوجته.2.

ص: 64


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/44.
2- المهذّب البارع: ج 3/212.
3- حكاه عنه السيّد الحكيم قدس سره في مستمسك العروة: ج 14/85.
4- حكاه عنه في مستمسك العروة: ج 14/85.
5- إيضاح الفوائد: ج 3/78.
6- روضة البهيّة: ج 5/105 قوله: (لو تزوّجت بغيره ففي سقوطها وجهان).
7- كتاب النكاح: ص 428.
8- قواعد الأحكام: ج 3/33.
9- التهذيب: ج 10/249 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26183.
10- الاستبصار: ج 4/294 ح 2.

وثانياً: إنّ تعرّضه عليه السلام في صدرهما لخصوص الدّية، قرينة على أنّ المراد بالشيء هو الدّية، فليكن ما ذكرناه أوّلاً قرينة عليه أيضاً.

وعليه، فالمتعيّن حملهما على ذلك، فلا موجب لحمل الصحيح على خصوص الكبيرة، وعدم التعرّض للدية لا يصلحُ قرينةً على ذلك، لعدم كونه في مقام بيان جميع أحكام المُفضاة.

واستدلّ للثاني: بزوال الزوجيّة التي هي علّة الوجوب.

وفيه: أنّ ظاهر الصحيح كون العلّة لوجوبها هي الإفضاء لا الزوجيّة.

واستدلّ للثالث: الشيخ الأعظم رحمه الله:

1 - بانصراف الصحيح إلى صورة عدم التزويج، حيث أنّ الغالب عدم رغبة الأزواج فيها بعد الإفضاء، كما تدلّ عليه الرواية القائلة بأنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، ولعلّ هذا هو مراد من علّل التقييد بزوال التعطيل على الأزواج.

2 - وبأنّه يجبُ على الزّوج الثاني نفقتها عيناً، لإطلاق الأدلّة، فيتعارضان، إذ لا تجبُ الإنفاق على واحدة على شخصين، وتترجّح تلك الأدلّة باعتبار نفقتها للقواعد الشرعيّة من كون النفقة في مقابل التمكين(1)، وإلى ذلك نظر من استدلّ له بأنّها تجب على الثاني، فلا تجب على الأوّل.

ولكن يرد على الأوّل: منع الانصراف، وما في الخبر من التعليل بالتعطيل إنّما هو لوجوب الدّية، لا وجوب النفقة، ودليل وجوبها خالٍ عن هذا التعليل.

ويرد على الثاني: أنّ وجوب النفقة على الأوّل إنّما هو للإفضاء، وعلى الثاني9.

ص: 65


1- كتاب النكاح: ص 428-429.

للزوجيّة، فلا مانع من وجوبها على كلّ منهما، فلا تعارض بين الأدلّة.

نعم، لو كان وجوب نفقة الزّوجة بمعنى أنّها تستحقّ على الزّوج أن يُشبعها، وقع التعارض بينهما، ولكنّه خلاف التحقيق، بل هي تستحقّ عين النفقة كما سيأتي، مع أنّه إذا دلّ دليلان على وجوب شيءٍ واحد على شخصين، يجمع بينهما بالبناء على كون الوجوب كفائيّاً، أضف إلى ذلك أنّه لو سُلّم التعارض، وعدم إمكان الجمع بينهما، لزم تقديم دليل الوجوب على الأوّل لكونه أشهر.

ولو مات الزّوج قبل أنْ تموت المُفضاة، فهل تسقط النفقة كما قال صاحب «الجواهر»، بأنّ : (الظاهر سقوطها بموته كما هو واضح)(1)؟، وفي «العروة»(2) نسبته إلى المشهور؟

أم لا تسقط، بل تستحقّ من تركته كسائر ديونه، كما اختاره المحقّق اليزدي رحمه الله ؟

وجهان، مبنيّان على أنّه بالإفضاء هل تشتغل ذمّة الزّوج بتمام النفقة مدّة العمر، لتكون كسائر الديون متعلّقة بتركته ؟ أم يكون اشتغال الذّمة بها تدريجيّاً، كما في النفقة الواجبة بالزوجيّة، فيختصّ بحال الحياة ؟

والظاهر هو الثاني، فإنّ التعبير في الصحيح بالإجراء ظاهرٌ في ذلك.

وإنْ شئت قلت: أنّ الظاهر أنّ الواجب هو ما وجب بالزوجيّة، غاية الأمر بواسطة الإفضاء يستمرّ ذلك وإنْ طلّقها فيلحقه أحكامها، ولذلك ترى أنّ أحداً لم يتوهّم ثبوت أمرين عليه: نفقة الزوجيّة تدريجاً، ونفقة الإفضاء دفعةً .

كما أنّه لا شكّ في أنّه ليس لها مطالبة النفقة ما دام العمر دفعةً ، ولا فرق في7.

ص: 66


1- جواهر الكلام: ج 29/428.
2- العروة الوثقى: ج 5/507.

ذلك بين كون وجوب ذلك بمعنى استحقاقها عين النفقة، أو أنّها تستحقّ عليه أن يشبعها كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر هو السقوط.

وهل تجب نفقتها لو صارت ناشزة أم لا؟ وجهان:

الظاهر من النَّص وجوبها عليه وإنْ صارت ناشزة، وكونها من قبيل الزوجيّة لا يمنع من ذلك، إذ لا مانع من كون الإفضاء موجباً لاستمرارها حتّى في حال النشوز، فالمتعيّن هو العمل بإطلاق النَّص.

ولو كانت المُفضاة كبيرة، لم تحرم، ولم تثبت الدّية، كما مرّ.

وهل يجب الإنفاق عليها مادامت حيّة أم لا؟

في «الجواهر»: (المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، على اختصاص الصغيرة بذلك)(1).

لكنّه غير ظاهر الوجه، لإطلاق صحيح الحلبي، وعدم المقيّد له، ونفي الشيء عليه في صحيح حمران، قد مرّ أنّه مختصٌ بالدية.

وعليه، فالأظهر هو الأوّل.

الفرع الرابع: أنّ الأحكام المذكورة لإفضاء الصغيرة المعقود عليها بالدخول غير الدّية، حيث تكون على خلاف القاعدة، فلا تثبت في غير ذلك، فلو زنى بالصغيرة فأفضاها، أو أفضاها بالإصبع، أو وطئها شُبهةً ، أو كانت المُفضاة كبيرة، لا تثبت شيءٌ منها.6.

ص: 67


1- جواهر الكلام: ج 29/426.

وأمّا الدّية: ففي الكبيرة المعقود عليها المُفضاة بالدخول، لا تثبت، لصحيح حمران، وخبر بُريد المتقدّمين، وفي غيرها تثبت لإطلاق نصوصها.

الفرع الخامس: أنّه قد اختلفت كلمات القوم في تفسير الإفضاء على أقوال:

الأوّل: ما هو المشهور بينهم، وهو جعل مسلكي البول والحيض واحداً، بل يظهر من محكيّ «الخلاف»(1) الإجماع عليه.

الثاني: ما عن ابن سعيد، وهو رفع الحاجز ما بين مدخل الذكر والغائط(2)، ولعلّه ظاهر «القواعد»(3)، وعن بعضهم أنّه أشهر القولين(4).

الثالث: أنّه جَعْلُ مسلك البول والغائط واحداً، وهو المحكيّ عن «كشف الرموز»(5)، «ومجمع البحرين»(6)، وعن الآبي تفسير ما في «النافع»، حيث قال:

(هو أن يصير المسلكين واحداً بذلك)(7).

الرابع: جَعْلُ مسلكي الحيض والغائط واحداً.

إلى غير تلكم من الأقوال.

والحقّ أنْ يُقال: إنّ مقتضى إطلاق النصوص ثبوت الأحكام في جميع هذه الموارد.1.

ص: 68


1- الخلاف: ج 4/395 مسألة 41.
2- الجامع للشرائع: ص 462.
3- قواعد الأحكام: ج 3/33.
4- نسبه في جواهر الكلام: ج 29/419 إلى البعض.
5- كشف الرموز: ج 2/660-661.
6- مجمع البحرين: ج 3/410
7- المختصر النافع: ص 301.

قال صاحب «الجواهر»: (إنّ كلام الفقهاء وأهل اللّغة متّفقٌ على أنّ إفضاء المرأة شيءٌ خاصّ ، لا أنّ المراد به مطلق الوصل أو التوسعة أو الشقّ أو الخَلط، كي تترتّب أحكامه على كلّ فردٍ من أفراد ذلك، كما هو مبنى كلام العلّامة ومن تابعه)(1).

والجواب: أنّه لا ريب في أنّ الإفضاء ليس له حقيقة شرعيّة، ومعناه اللّغوي في إفضاء المرأة وغيرها شيءٌ واحد، وما في كلمات اللّغويّين إنّما هو مصاديق ذلك المفهوم العام كما هو ديدنهم.

وعلى ذلك، فمقتضى الإطلاق ما أفاده المصنّف رحمه الله، إلّاأنّ الظاهر أنّ من البعيد جدّاً أو الممتنع رفع الحاجز بين مسلك البول والغائط بالوطء، فإنّ مسلك الحيض متوسّطٌ بين المسلكين، فلا يتّحدان إلّاباتّحاد الجميع، أضف إليه أنّ ما بينهما حاجزٌ قويّ عريض لا يرفع بالوطء.

وعليه، فينحصر الموضوع بجعل مسلكي البول والحيض واحداً، أو جعل مسلكي الحيض والغائط كذلك، ويترتّب على كلّ منهما الأحكام المذكورة كما عن «القواعد»(2)، و «المسالك»(3)، و «الروضة»(4)، وغيرها(5)، والظاهر أنّ الشائع هو الأوّل، ولذا خصّه الفقهاء بالذِّكر، واللّه العالم.

***).

ص: 69


1- جواهر الكلام: ج 29/421.
2- قواعد الأحكام: ج 3/33.
3- مسالك الأفهام: ج 7/68.
4- الروضة البهيّة: ج 5/104.
5- كما في كشف اللّثام: ج 7/193 (ط. ج).

الثالثة: لو زنى بامرأةٍ لم يحرم نكاحها،

جواز تزويج الزاني مع مَن زنا بها

المسألة (الثالثة: لو زنى بامرأةٍ ) خليّة عن زوجٍ (لم يحرم) عليه (نكاحها)، وإنْ لم تتب، كما هو المشهور بين الأصحاب.

وعن «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2) الإجماع عليه:

1 - لعمومات الحِلّ ، مثل قوله تعالى : (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (3).

2 - وعموم ما دلّ على أنّ : «الحرام لا يُحرّم الحلال»(4).

3 - ولجملةٍ من النصوص الخاصّة الواردة في الباب:

منها: صحيح عبيداللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «أيّما رجل فَجَر بامرأةٍ ثمّ بدا له أن يتزوّجها حلالاً، قال عليه السلام: أوّله سفاح وآخره نكاح، ومثله مثل النخلة أصاب الرّجل من ثمرها حراماً، ثمّ اشتراها بعدُ فكانت له حلالاً»(5).

ومنها: صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام، قال: «سألته عن رجل فَجَر بامرأةٍ ثمّ بدا له أن يتزوّجها؟

فقال عليه السلام: حلالٌ أوّله سفاح وآخره نكاح، أوّله حرام وآخره حلال»(6).

ونحوهما غيرهما.

ص: 70


1- الخلاف: ج 4/300 مسألة 71.
2- المبسوط: ج 4/202.
3- سورة النساء: الآية 24.
4- وسائل الشيعة: ج 20/428-430 باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
5- الكافي: ج 5/356 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/434 ح 26020.
6- الكافي: ج 5/356 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/433 ح 26018.

وعن الشيخين(1) وجماعة(2): عدم الجواز، إلّامع التوبة، واستدلّوا له بأخبار كثيرة:

منها: موثّق عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الرّجل يحلّ له أن يتزوّج امرأةً كان يفجر بها؟

قال عليه السلام: إنْ آنس منها رشداً فنعم، وإلّا فليراودها على الحرام، فإنْ تابعته فهي عليه حرام، وإنْ أبت فليتزوّجها»(3).

ومنها: موثّق إسحاق بن جرير، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: الرّجل يفجر بالمرأة، ثمّ يبدو له في تزويجها، هل يَحلّ له ذلك ؟

قال عليه السلام: نعم، إذا هو اجتنبها حتّى تنقضي عِدّتها باستبراءِ رحمها من ماء الفجور، فله أن يتزوّجها، وإنّما يجوز له أن يتزوّجها بعد أن يقف على توبتها»(4).

ونحوهما غيرهما من النصوص.

وهذه أخصّ من الأُولى فتقيّد إطلاقها.

وبعبارة أُخرى : الجمع بين الطائفتين يقتضي تقييد الأُولى بالثانية.

ولكن أورد على ذلك في «الجواهر»(5): بأنّ الطائفة الثانية قاصرة عن ذلك بالشهرة على خلافها، وبموافقتها لابن حنبل وقتادة(6).1.

ص: 71


1- المقنعة: ص 504، النهاية: ص 458.
2- منهم الحلبي في الكافي في الفقه: ص 286، وابن البرّاج في المهذّب: ج 2/188.
3- الكافي: ج 5/355 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/433 ح 26019.
4- الكافي: ج 5/356 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/434 ح 26021.
5- جواهر الكلام: ج 29/440.
6- حكى ذلك عنهما في المغني لابن قدامة: ج 7/516-517، والمجموع: ج 16/221.

وفيه: عدم ثبوت الشهرة المُسقِطة للحجيّة على خلافها، بعد إفتاء الشيخين وجماعة بما تضمّنته، ومجرّد الموافقة لمن ذُكر لا تُسقط الخبر عن الحجيّة، فإنّ مخالفة العامّة من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحجّة عن اللّاحجّة، مع أنّ نصوص اشتراط التوبة مرويّة عن الصادقين عليهما السلام وزمانهما متقدّمٌ على زمان ابن حنبل.

وربما يقال: - كما عن المحقّق اليزدي رحمه الله - بأنّ الطائفة الأُولى من جهة تضمّنها لحكمٍ غير إلزامي تكون نصّاً في الإطلاق، إذ بيان الحكم غير الإلزامي في موردٍ بنحو الإطلاق، مع كون بعض الأفراد خارجاً واقعاً عن حكم المطلق، وكونه محكوماً بحكم إلزامي، يلزم منع تفويت المصلحة، أو الالقاء في المفسدة الملزمتين، وهما قبيحان، وصدورهما من الحكيم محالٌ ، فلا محالة تكون صريحة في الإطلاق، فيقع التعارض بينهما وبين النصوص المقيّدة، وحيث أنّه لا يمكن الجمع العرفي بينهما، فالمرجع إلى المرجّحات، والترجيح مع النصوص المطلّقة.

وفيه: إنّ ذلك يتمّ إذا لم يكن هناك مصلحةٌ في تأخير البيان، أو لم تكن مفسدة في التقديم، وحيث أنّ الأحكام الشرعيّة صدرت تدريجاً لمصلحةٍ اقتضت ذلك، أو لمانعٍ في البيان دفعة، فلا مانع من التقييد من الناحية المذكورة، ولا يكون المطلق صريحاً في الإطلاق.

أقول: وأمّا ما ذكره بعضٌ في وجه حمل المقيّدة على الحكم غير اللّزومي، بأنّ ذلك ممّا تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع، وما في صحيح الحلبي المتقدّم من التمثيل، وما ورد من جواز تزويج الزانية كما سيأتي، فتُحمل المقيّدة على التنزيه مخافة

ص: 72

اختلاط المياه، واشتباه الإنسان(1).

فهو كما ترى ، لا يصلح أن يُعتمد عليه في طرح النصوص، وحملها على خلاف ظاهرها.

والحقّ أنْ يُقال: إنّ عدم إفتاء المشهور باشتراط التوبة، مع أنّ نصوصها بمرأىً منهم ومَسمع، وحمل المطلق على المقيّد من الواضحات، يوجبُ الوهن في نصوص التوبة، فالمتعيّن العمل بالمطلقات، برغم أنّ الأحوط مراعاة التوبة.

أقول: قد نقل الشهيد الثاني رحمه الله في محكيّ «المسالك»(2) عن «التحرير»(3) لزوم العِدّة على الزانية، مع عدم الحمل، ونفى هو البأس عنه، ونَسب اختيار ذلك إلى صاحبي «الوسائل»(4) و «الحدائق»(5).

ويشهد له: موثّق إسحاق المتقدّم، وما رواه في «تحف العقول» عن جواد الأئمّة عليه السلام: «عن رجلٍ نكح امرأة على زنا، أيحلّ له أن يتزوّجها؟

فقال عليه السلام: يدَعها حتّى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمَن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حَدَثاً كما احدثت معه، ثم يتزوّج بها إنْ أراد، الحديث»(6).

ولم يستبعد صاحب «الجواهر» رحمه الله(7) حمل الخبرين على ضربٍ من الندب،5.

ص: 73


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/153.
2- مسالك الأفهام: ج 9/263.
3- تحرير الأحكام: ج 1/71 (ط. ق).
4- وسائل الشيعة: ج 20/433 باب 11.
5- الحدائق الناضرة: ج 23/504-505.
6- تحف العقول: ص 454 مسألة غريبة، وسائل الشيعة: ج 22/265 ح 28559.
7- جواهر الكلام: ج 29/445.

ولعلّه من جهة مخالفتهما للمشهور، وما في الثاني من التعليل المناسب للحكم التنزيهي، وارسال الثاني، وهذا ممّا لا بأس به.

حكم تزويج الزانية لغير الزاني

هذا كلّه في تزويج الزّانية للزاني.

وأمّا تزويجها لغيره، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة جوازه مطلقاً.

وعن الحلبي(1) وظاهر «المقنع»(2): الحرمة، وقد عرفت نسبة اشتراط التوبة إلى الشيخين(3).

وعن المفيد(4) وتلميذه سلّار(5): حرمة تزويج المشهورة بالزّنا إلّابعد ظهور توبتها.

أقول: يقع الكلام في المقام:

تارةً : فيما يستفاد من الآية الكريمة: (اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ اَلزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ ) (6).

وأُخرى : فيما تقتضيه النصوص.

أمّا الآية: فقد استدلّ بها للقول بالحرمة مطلقاً، بدعوى ظهورهافي حرمة تزويج

ص: 74


1- الكافي في الفقه: ص 286، قوله: (في الضرب الخامس من المحرّمات: والزانية حتّى تتوب).
2- المقنع: ص 306.
3- المقنعة: ص 504، النهاية: ص 458.
4- المقنعة: ص 504.
5- المراسم: ص 151، قوله: (وإنْ زنت امرأته لم تحرم عليه إلّاأن تصرّ).
6- سورة النور: الآية 3.

الزانية لغير الزاني والمشرك، وحرمة التزويج من الزاني لغير الزانية والمشركة.

وفيه أوّلاً: أنّه لو تمّ الاستدلال لاختصّ بالزانية المشهورة بالزّنا، لما سيأتي من النصوص الدالّة على أنّ المراد منها تلك.

وثانياً: أنّه لو حُملت الآية على كونها في مقام تشريع التحليل والتحريم - كما هو الظاهر منها في نفسها - لزم البناء على أنّه يباح للمسلم الزاني نكاح المشركة، وللمسلمة الزانية نكاح المشرك، وهو معلومُ البطلان، لعدم جوازه إجماعاً.

وأيضاً: لزم منه عدم جواز مناكحة الزاني، إلّاإذا كانت الزّوجة زانية، والمعروف من مذهب الأصحاب(1) جوازها على كراهية.

وعليه، فلا مناص عن حملها على كونها في مقام الإخبار، ويكون المراد من النكاح الوطء، وعليه فتكون هذه الآية الشريفة نظير قوله تعالى: (اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ اَلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ ) (2) حيث اُريد بها أنّ الزاني - أي الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزِّنا - لا يرغبُ في نكاح الصالحات من النساء اللّاتي على خلاف صفته، وإنّما يميل إلى خبيثة مِنْ شكله أو مشركة تقرب منه في الخباثة، وكذلك الزانية.

وإذا كان المراد بها في صدرها ذلك، لزم أنْ يكون المراد من التحريم في آخرها أنّ المؤمنين يمتنعون عمّا يرتكبه غيرهم من المشركين والفسّاق من الميل إلى الزناة، وعدم المبالاة من نكاحهنّ ، لعدم المناسبة بين نهي المؤمنين وعدم امتناع الفسّاق عنه حتّى يجمع بينهما بالوصف.6.

ص: 75


1- رياض المسائل: ج 10/179 (ط. ج).
2- سورة النور: الآية 26.

وإنْ شئت قلت: إنّ المراد بالنكاح في الآية هو الوطء، بقرينة ما تقدّم، فالمعنى هو أنّ الزاني لا يزني إلّابالزانية أو بالمشركة، وكذلك العكس، وأمّا المؤمن فهو ممتنعٌ عن ذلك، لأنّ الزِّنا محرّمٌ ، وهو لا يرتكب ما حَرُم عليه.

وعن سعيد بن المسيّب(1): أنّ الآية منسوخة بقوله تعالى : (وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيامى مِنْكُمْ ... الخ)(2).

ولكنّه يتوقّف على أنّه إذا ورد خاصٌ مقدّم على العام، ودار الأمر بين تخصيص العام ونسخ الخاص، يُبنى على النسخ، وهو خلاف التحقيق، بل التخصيص أولى من النسخ.

وعن سعيد بن جبير(3)، والضّحاك بن مزاحم(4): أنّ المراد بالنكاح الوطء، وأنّ المراد بالآية ما رُوي عن ابن عبّاس من أنّه: «إنْ جامعها مستحلّاً فهو مشرك، وإلّا فهو زانٍ ، وكذا الزاني»(5).

وسيّد «الرياض» سلّم كونها في مقام التشريع، وأجاب بأنّها تُحمل على الكراهة بقرينة وحدة السياق، للإجماع على عدم حرمة تزويج الزاني.

وفيه: ما تكرّر منّا من أنّه لا وجه لحمل النهي على الكراهة بلا قرينة، ووحدة السياق لا تصلح لذلك، لعدم كون الحرمة والكراهة داخلتين في الموضوع له والمستعمل فيه.).

ص: 76


1- التبيان: ج 7/407-408، أحكام القران للجصّاص: ج 3/345.
2- سورة النور: الآية 32.
3- تفسير الطبري: ج 18/98، تفسير ابن كثير: ج 3/273.
4- الدرّ المنثور: ج 5/19.
5- رياض المسائل: ج 10/180 (ط. ج).

نعم، لو سُلّم ظهور الآية في الحرمة، لابدّ وأنْ تُحمل على الكراهة، للنصوص الدالّة على الجواز التي ستمرّ عليك.

وأمّا النصوص: فهي طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على الجواز مطلقاً:

منها: صحيح عليّ بن رئاب، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن المرأة الفاجرة يتزوّجها الرّجل المُسلم ؟

قال عليه السلام: نعم، وما يمنعه، ولكن إذا فعل فليحصّن بابه مخافة الولد»(1).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «سُئل عن رجلٍ أعجبته امرأةً فسأل عنها، فإذا الثناء عليها في شيء من الفجور؟

فقال عليه السلام: لا بأس بأنْ يتزوّجها ويحصّنها»(2).

ومنها: خبر عليّ بن يقطين، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: نساء أهل المدينة، قال عليه السلام: فواسق.

قلت: فأتزوّج منهنّ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

ونحوها غيرها في التزويج مطلقاً أو في المتعة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على حرمة تزويج المُعلِنة بالزّنا، والتَّمتّع بها:

منها: صحيح الحلبي، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: لا تتزوّج المرأة المُعلِنة بالزّنا، ولا يتزوّج الرّجل المُعلن بالزّنا، إلّابعد أن تعرف منهما التوبة»(4).4.

ص: 77


1- قُرب الإسناد: ص 78، وسائل الشيعة: ج 20/438 ح 26033.
2- التهذيب: ج 7/331 ح 21، وسائل الشيعة: ج 20/436 ح 26029.
3- التهذيب: ج 7/253 ح 16، وسائل الشيعة: ج 20/437 ح 26030.
4- التهذيب: ج 7/327 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/438 ح 26034.

ومنها: صحيح زرارة، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ :

(اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ اَلزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) (1) ؟

قال: هنّ نساء مشهورات بالزّنا، ورجالٌ مشهورون بالزّنا، قد شهروا بالزّنا وعرفوا به، والنّاس اليوم بذلك المنزل، فمن اُقيم عليه حَدّ الزِّنا، أو شَهر منهم بالزّنا، لم ينبغِ لأحدٍ أن يُناكحه حتّى يعرف منه توبة»(2).

ونحوه خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام(3)، وخبر حكم بن حكيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام(4)، وما عن «تفسير النعماني» عن أمير المؤمنين عليه السلام(5).

ومنها: صحيح الفضيل، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن المرأة الحسناء الفاجرة، هل تُحبُّ للرجل أن يتمتّع منها يوماً أو أكثر؟

فقال عليه السلام: إذا كانت مشهورة بالزّنا فلا يتمتّع منها ولا ينكحها»(6).

ومنها: خبر محمّد بن الفيض، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المتعة ؟

قال: نعم، إذا كانت عارفة، إلى أنْ قال: وإيّاكم والكواشف والدّواعي والبغايا وذوات الأزواج.6.

ص: 78


1- سورة النور: الآية 3.
2- التهذيب: ج 7/406 ح 34، وسائل الشيعة: ج 20/439 ح 26035.
3- التهذيب: ج 7/253 باب تفصيل أحكام النكاح ح 16، وسائل الشيعة: ج 20/436 باب 12 من أبواب مايحرم بالمصاهرة ح 26030.
4- التهذيب: ج 7/253 باب تفصيل أحكام النكاح ح 15، وسائل الشيعة: ج 20/437 باب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26031.
5- وسائل الشيعة: ج 20/437 باب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26032، إكمال الدين: ج 2/459.
6- الكافي: ج 5/454 باب أنّه لا يجوز التمتّع إلّابالعفيفة ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/28 باب 8 من أبواب المتعة ح 26436.

قلت: ما الكواشف ؟ قال: اللّواتي يكاشفن، وبيوتهنّ معلومة ويؤتين.

إلى أنْ قال: قلت: فالبغايا؟ قال: المعروفات بالزّنا»(1).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على جواز التمتّع بالمشهورة بالزّنا:

منها: موثّق إسحاق بن جرير، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور، أيحلّ أن أتزوّجها متعةً؟

قال: فقال: رَفَعَتْ رايةً؟ قلت: لا، لو رَفعتْ رايةً أخذها السلطان.

قال عليه السلام: نعم تزوّجها متعة.

قال: ثمّ أصغى إلى بعض مواليه، فأسرَّ إليه شيئاً، فلقيتُ مولاه، فقلت له: ما قال لك ؟ فقال: إنّما قال لي: ولو رفَعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء إنّما يخرجها من حرامٍ إلى حلال»(2).

ومنها: خبر الحسن بن ظريف، المتضمّن لتوقيع أبي محمّد عليه السلام:

«إنّما تُحيي سُنّة وتُميت بدعة، فلا بأس، وإيّاك وجارتك المعروفة بالعُهر، وإنْ حَدّثتك نفسك، أنّ آبائي قالوا: تمتّع بالفاجرة، فإنّك تُخرجُها من حرامٍ إلى حلال، فإنّ هذه امرأةٌ معروفة بالهتك، وهي جارة، وأخاف عليك استفاضة الخبر منها»(3) الحديث.0.

ص: 79


1- الكافي: ج 5/454 باب أنّه لا يجوز التمتّع إلّابالعفيفة ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/28 باب 8 من أبواب المتعة ح 26435.
2- التهذيب: ج 7/485 باب الزيادات في فقه النكاح ح 157، وسائل الشيعة: ج 21/29 باب 9 من أبواب المتعة ونحوها ح 26439.
3- كشف الغمّة: ج 2/423، وسائل الشيعة: ج 21/29 ح 26440.

والجمع بين النصوص في بادئ الأمر يقتضي أن يُبنى على جواز نكاح الزانية غير المشهورة بالزّنا، وأمّا المشهورة فالتمتّع بها جائزٌ، ونكاحها بالنكاح الدائم لايجوز قبل التوبة، حملاً لمطلق النصوص على مقيّدها، وظاهرها على نصّها، لأنّ الطائفة الثالثة نصٌّ في الجواز في خصوص المتعة في المشهورة بالزّنا، فنصوص المنع عنها محمولة على الكراهة، ونصوص المنع عن تزويجها مطلقاً، يقيّد إطلاقها بها، والطائفة الثانية تُقيّد الأُولى ، ولكن لأجل:

1 - عدم القول بالفصل بين المتعة والدوام.

2 - وأنّ المشهور بين الأصحاب جواز نكاح المشهورة مطلقاً.

3 - وأنّ نصوص المنع عنها أكثرها ظاهرة في الحكم التنزيهي، للتعبير ب «لم ينبغ».

4 - وما في الطائفة الثالثة من عموم التعليل.

وغير تلكم من القرائن، يتعيّن حمل الطائفة الثانية على الكراهة.

مع أنّ هناك رواية تدلّ على جواز نكاح المعروفة بالزّنا، لم ننقلها عند ذكر نصوص الباب، وهي ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره، عن ابن أبي عُمير، عن حمّاد، عن الحلبي، قال:

«أخبرني من سمع أبا جعفر عليه السلام قال: في المرأة الفاجرة التي قد عُرف فجورها، أيتزوّجها الرّجل ؟ قال: وما يمنعه، ولكن إذا فعل فليحصّن بابه»(1).

والجمع بينها وبين نصوص المنع عن تزويج المشهورة، يقتضي البناء على2.

ص: 80


1- نوادر الأشعري: ص 135 ح 348، المستدرك: ج 14/388 ح 17052.

الكراهة، فلا إشكال في الجواز مطلقاً.

نعم، يكره تزويج المشهورة بالزّنا إلّابعد التوبة.

ثمّ إنّ الكلام في أنّه هل يجب عليها أن تعتدّ أم لا، هو الكلام في الفرع السابق.

عدم حرمة الزّوجة على الزّوج بالزّنا

ولو زنت امرأة الرّجل وهي في حباله، لم تحرُم عليه ولا يجبُ عليه أن يُطلّقها، وإنْ أصرّت، كما هو المشهور(1) شهرة عظيمة، وعن «المبسوط»(2) الإجماع عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على أنّ : «الحرام لا يُحرّم الحلال»(3).

1 - موثّق عبّاد بن صُهيب، عن مولانا جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال:

«لا بأس أن يمسك الرّجل امرأته إنْ رآها تزني، إذا كانت تزني، وإنْ لم يقم عليها الحَدّ، فليس عليه من إثمها شيء»(4).

2 - خبر زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال:

يارسول اللّه، إنّ امرأتي لا تدفع يَدُ لامسٍ .

قال: طلّقها، قال: يارسول اللّه إنّي أحبّها، قال: فامسكها»(5).

أقول: وبإزائها نصوص:

منها: خبر الفضل بن يونس، عن الإمام الكاظم عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج امرأةً ،

ص: 81


1- رياض المسائل: ج 10/181 (ط. ج).
2- المبسوط: ج 4/202.
3- وسائل الشيعة: ج 20/428-430 باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- التهذيب: ج 7/331 ح 20، وسائل الشيعة: ج 20/436 ح 26028.
5- نوادر الأشعري ص 133 ح 344، المستدرك: ج 14/188 ح 17051.

فلم يدخل بها فزنت ؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، وتُحدّ الحَدّ، ولا صداق لها»(1).

ومنها: خبر إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال عليّ عليه السلام في المرأة إذا زنت قبل أنْ يدخل بها زوجها: يفرّق بينهما، ولا صداق لها، لأنّ الحَدَث كان من قبلها»(2).

ونحوهما غيرهما.

لكنّها مختصّة بالزّنا قبل الدخول، وحيثُ لم يعمل بها أحدٌ، لأنّ المفيد(3)والديلمي(4) وإنْ أفتيا بالحرمة، إلّاأنّهما لم يفرّقا بين ما قبل الدخول وما بعده، فلابدّ من طرحها، أو تأويلها بحملها على استحباب الطلاق، أو على مدّة النفي كما في «الوسائل»(5).

وقد يستدلّ للحرمة: - مضافاً إلى ذلك - بالآية الشريفة(6) وبفوات فائدة التناسل معه لاختلاط النسب.

ولكن الآية قد مرَّ عدم دلالتها على الحرمة، واختلاط النَسَب يُرد بأنّ النسب لاحقٌ بالفراش، والزّاني لا نَسَب له ولا حُرمة لمائه.

أقول: ثمّ إنّه نظير ما ورد في زنا الزّوجة موجودٌ في زنا الزّوج:3.

ص: 82


1- التهذيب: ج 7/490 ح 177، وسائل الشيعة: ج 21/218 ح 26935.
2- التهذيب: ج 7/490 ح 176، وسائل الشيعة: ج 21/218 ح 26936.
3- المقنعة: ص 504.
4- المراسم: ص 151.
5- وسائل الشيعة: ج 21/219، نهاية الباب السادس من أبواب العيوب والتدليس.
6- سورة النور: الآية 3.

ولو زنى بذاتِ بعلٍ ، أو في عِدّة رجعيّة، حَرُمتْ أبداً.

منها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ تزوّج بامرأة فلم يدخل بها فزنا، ما عليه ؟

قال عليه السلام: يُجلَد الحَدّ، ويُحلق رأسه، ويفرّق بينه وبين أهله، ويُنفى سنة»(1).

ومنها: خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال:

«قرأتُ في كتاب عليّ عليه السلام: أنّ الرّجل إذا تزوّج المرأة فزنا قبل أنْ يدخل بها، لم تحلّ له لأنّه زانٍ ، ويفرّق بينهما، ويعطها نصف المَهر»(2).

ونحوهما غيرهما.

ولكنّها محمولة على الاستحباب، بقرينة ما هو صريحٌ في عدم المنع، كخبر رفاعة بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يزني قبل أنْ يدخل بأهله، ولو زنى بذات بعلٍ أو في عِدّة رجعيّة حَرُمت أبداً، أيُرجم ؟ قال عليه السلام: لا.

قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنا قبل أنْ يدخل بها؟ قال عليه السلام: لا»(3).

وإنْ أبيتَ عن كون هذا الجمع عرفيّاً، فالمتعيّن طرح الأُولى لمخالفتها للمشهور.

حكم الزِّنا بذات البعل

(ولو زنى بذات بعل، أو في عِدّةٍ رجعيّة، حَرُمت أبداً) في قولٍ مشهورٍ كما

ص: 83


1- الفقيه: ج 3/416 ح 4451، وسائل الشيعة: ج 21/236 ح 26984.
2- الفقيه: ج 3/416 ح 4452، وسائل الشيعة: ج 21/237 ح 26985.
3- الفقيه: ج 4/40 ح 5040، وسائل الشيعة: ج 21/236 ح 26983.

في «الشرائع»(1).

وفي «الجواهر»: (بل لا أجد فيه خلافاً كما عن جماعةٍ الاعتراف به، بل في «كشف اللّثام»(2) نسبته إلى قطع الأصحاب عدا المحقّق في «الشرائع». وعن «الانتصار»(3) الإجماع عليه في ذات العِدّة، وعن «الغنية»(4)، والحِلّي(5)، وفخر

المحقّقين(4) الإجماع عليه مطلقاً)(5).

وفي رسالة الشيخ الأعظم: (بلا خلافٍ فيه ظاهراً)(6).

وحكي في «الرياض»(7) الإجماع عليه عن جماعةٍ .

وفي «الحدائق»: دعوى الإجماع عن غير واحدٍ(8).

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ له:

1 - بأنّه إذا كان العقد عالماً بدون الدخول محرّماً، وكذا الدخول مع الجهل، فالزنا أولى ، ذكره الشهيد الثاني رحمه الله(9) وتبعه غيره(10).

2 - وبما في «فقه الرّضا»: (ومن زَنا بذات بعلٍ ، مُحصناً كان أو غير مُحصَن، ثمّ ).

ص: 84


1- شرائع الإسلام: ج 2/518.
2- كشف اللّثام: ج 7/185 (ط. ج).
3- الانتصار: ص 264 مسألة 146. (4و5) الغنية: ص 338.
4- السرائر: ج 2/525.
5- جواهر الكلام: ج 29/446.
6- كتاب النكاح: ص 419.
7- رياض المسائل: ج 10/202 (ط. ج).
8- الحدائق الناضرة: ج 23/580.
9- مسالك الأفهام: ج 7/342.
10- كما في كشف اللّثام: ج 7/185 (ط. ج).

طلّقها زوجها أو مات عنها، وأراد الذي زنا بها أن يتزوّج بها، لم تحلّ له أبداً)(1).

وهذان الوجهان يدلّان على حكم المُعتدّة بالعِدّة الرجعيّة، بانضمام ما دلّ على أنّها بمنزلة الزّوجة(2).

3 - وبما عن بعض المتأخّرين: من أنّه قال: (ورُوي أنّ من زنا بامرأةٍ لها بعلٌ أو في عِدّة رجعيّة، حَرُمت عليه، ولم تحلّ له أبداً)(3).

وفيه: الأولويّة ممنوعة لعدم إحراز المناط، والرضوي لم يثبت كونه كتابُ روايةٍ ، والأخير يحتمل أنْ يكون ناظراً إلى الرضوي.

وعليه، فالعمدة هو الإجماع، وكفى به مدركاً في مثل هذا الحكم الذي يكون على خلاف القاعدة.

أقول: ولا فرق في هذا الحكم:

بين كونه عالماً حين الزِّنا بأنّها ذاتُ بعلٍ ، أو في عِدّة رجعيّة أم لا.

ولا بين كونها مدخولاً بها من زوجها أو لا.

ولا بين إجراء العقد عليها وعدمه، بعد فرض العلم بعدم صحّة العقد.

ولا بين أن تكون الزّوجة مشتبهةً ، أو زانيةً أو مُكرَهة.

كلّ ذلك لإطلاق معقد الإجماع.

نعم، لا تحرم لو كان الوطء مشتبهاً وهي زانية، لاختصاص كلامهم بالزّنا.

وما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله: من أنّه يمكن استفادة الحرمة من حكم العقدب.

ص: 85


1- فقه الرّضا عليه السلام: ص 277، المستدرك: ج 14/387 ح 17048.
2- الكافي: ج 6/73 ح 4، وسائل الشيعة: ج 22/135 ح 28210.
3- نسبه في رياض المسائل: ج 10/207، إلى بعض متأخّري الأصحاب.

على ذات البعل، بناءً على الأولويّة المزبورة، وأنّ حكمها الحرمة أبداً مع علمها دونه بمجرّد العقد(1).

يندفع: بعدم كون الأولويّة قطعيّة كما مرَّ.

ثمّ إنّه لا يكون الزِّنا بذات العِدّة البائنة، وفي عِدّة الوفاة، وعِدّة المتعة، والوطء بالشُّبهة والفسخ موجباً للحرمة الأبديّة، للأصل بعد خروجها عن معقد الإجماع.

وقد تنظّر صاحب «الرياض» في بعض ذلك، بقوله: (لجريان بعض ما تقدّم هنا كالأولويّة الواضحة الدلالة في ذات العِدّة المزبورة، بناءً على ما يأتي من حصول التحريم بالعقد عليها فيها)(2)، انتهى .

ولكن قد مرّ ما في الأولويّة.

***).

ص: 86


1- جواهر الكلام: ج 29/446.
2- رياض المسائل: ج 10/207 (ط. ج).

الرابعة: لو عَقَد المحرم عالماً بالتحريم، حَرُمت أبداً، ولو كان جاهلاً بطل العقد ولم تحرم.

التزويج في الإحرام

المسألة (الرابعة: لو عَقد المُحْرِمُ عالماً بالتحريم، حَرُمت أبداً، ولو كان جاهلاً بطل العقد ولم تحرم) كما هو المشهور شهرةً عظيمة، وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة في مبحث تروك الحجّ من هذا الشرح(1).

أقول: كتبتُ كتاب الحجّ في ثلاثة أجزاء بمدينة يزد حين أخرجوني من مسقط رأسي ظلماً وعدواناً، وليس ذلك إلّالدفاعي عن الشريعة الإسلاميّة وأحكامها أمام المعادين لهما، فنُفيت إلى هذه المدينة، وبقيتُ فيها مدّة، ثمّ انتقلت إلى قرية في ضواحي طهران واسمها (ميگون)، وقد اُخبرت أخيراً أنّ الحكومة تنوي نقلي إلى ناحيةٍ بعيدة، وعلى الجملة إنّي قريبٌ من سنتين لا أزال أُنقل من سجنٍ إلى آخر، (وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (2).

***

ص: 87


1- فقه الصادق: ج 15/245، في مباحث تروك الإحرام.
2- سورة الشعراء: الآية 227.

الخامسة: لا تنحصر المتعة وملك اليمين في عددٍ.

عدم انحصار المتعة في عدد

المسألة (الخامسة): قد عرفت أنّه لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على الأربع، ولكن ذلك مختصٌّ به، دون التمتّع بالنساء، إذ (لا تنحصر المتعة ومِلْك اليمين في عددٍ) بلا خلافٍ بين المسلمين في الثاني، وبلا خلافٍ معتدّ به فيه بيننا في المتعة، كما في «الجواهر»(1).

أقول: والمهمّ في المقام هو البحث في المتعة، ويشهد لعدم انحصارها في عددٍ، طائفة من الأخبار:

منها: صحيح زرارة، قال: «قلتُ : ما يحلّ من المتعة ؟ قال عليه السلام: كم شئتَ »(2).

ومنها: موثّقه عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «ذكرتُ له المتعة، أهي من الأربع ؟ فقال عليه السلام: تزوّج منهم ألفاً، فإنهنّ مستأجرات»(3).

إلى غير ذينك من الروايات الكثيرة(4).

ومع ذلك فعن القاضي(5): إنّها إحدى الأربع.

ص: 88


1- جواهر الكلام: ج 3/8.
2- الكافي: ج 5/451 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/18 ح 26408.
3- الكافي: ج 5/452 ح 7، وسائل الشيعة: ج 21/18 ح 26407.
4- وسائل الشيعة: ج 21/18-21 باب 4 من أبواب المتعة.
5- المهذّب: ج 2/243.

وعن «المسالك»: ميله إلى ذلك، مناقشاً في أسانيد بعض أخبار الجواز، حاكياً عن «المختلف»(1) أنّه اقتصر في الحكم على مجرّد الشهرة، ولم يصرّح بمختاره، ثمّ قال: (وعذره واضحٌ ، ودعوى الإجماع في ذلك غير سديد)(2).

وفي «الجواهر»: - بعد نقل ذلك عن «المسالك» - (قلتُ : لا بأس بدعوى ضرورة المذهب على ذلك، فضلاً عن الإجماع)(3).

أقول: الظاهر أنّ المصنّف في «المختلف» لم يقتصر على مجرّد الشهرة، بل ذكر بعد ذلك دليل المشهور، بقوله: (لنا الأصل، وما رواه زرارة في الصحيح)، ثمّ ذكر باقي النصوص، ثمّ ذكر مدرك ابن البرّاج وجواب الشيخ رحمه الله عنه.

وكيف كان، فإنّ لنا مجموعة من الأخبار، هي:

1 - ما رواه عمّار الساباطي في الموثّق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المتعة ؟ فقال عليه السلام: هي إحدى الأربع»(4).

2 - ومثله صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام، قال:

«سألته عن المتعة، إلى أنْ قال: وسألته عن الأربع هي ؟

قال عليه السلام: اجعلوها من الأربع على الاحتياط.

قال: وقلت: إنّ زرارة حكى عن أبي جعفر عليه السلام إنّما هي مثل الإماء يتزوّج منهنّ ما شاء؟5.

ص: 89


1- مختلف الشيعة: ج 7/230.
2- مسالك الأفهام: ج 7/243.
3- جواهر الكلام: ج 30/8.
4- التهذيب: ج 7/259 ح 47، وسائل الشيعة: ج 21/20 ح 26415.

فقال عليه السلام: هي من الأربع»(1).

3 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام، قال: «قال أبو جعفر: اجعلوها من الأربع.

فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ فقال عليه السلام: نعم»(2).

والمراد بالاحتياط في هذه النصوص، هو الاحتياط من المخالفين لا الاحتياط في الحُكم، إذ لا يتصوّر من الإمام الأمر به بالنسبة إلى الحكم.

وعليه، فهذه الصحاح تدلّ بأنفسها على أنّ الأمر بجعلها من الأربع إنّما هو لأجل التقيّة والاحتياط من المخالفين، نظراً إلى أنّه لو اطّلع المخالفون عليها، واعترضوا بأنّ هذا إنْ كان نكاحاً فلِمَ جعلتموه زائداً على الأربع، مع دلالة الآيات القرآنيّة على عدم جواز الزائد على الأربع، وإنْ كان من السّفاح فلِمَ ارتكبتموه ؟!

فإنّه لا تفيد إجابتهم بأنّ أئمّتنا عليهم السلام قالوا بجواز الزائد على الأربع، ونقيّد به إطلاق الكتاب، وتكون هي حاكمة على الموثّق، وعلى ذلك فالنصوص محمولة على التقيّة، فلا تعارض لما تقدّم.

ومع الإغماض عن ذلك، حيث إنّه لا يمكن الجمع العرفي بين الطائفتين، لعدم كون حمل هذه على الاستحباب منه، يتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم الأُولى ، لأنّها أشهر، وأصحّ سنداً، وأكثر عدداً ومخالفة للعامّة.

***4.

ص: 90


1- قرب الإسناد: ص 159، وسائل الشيعة: ج 21/21 ح 26418.
2- التهذيب: ج 7/259 ح 49، وسائل الشيعة: ج 21/20 ح 26414.

السادسة: لو طُلِّقَتِ الحُرّة ثلاثاً، حَرُمت حتّى تنكح زوجاً غيره

حرمة نكاح المطلّقة ثلاثاً على الزّوج إلّابعد التحليل

المسألة (السادسة: لو طُلّقت الحُرّة ثلاثاً) لم ينكحها بينهما زوجٌ آخر (حَرُمت) على المطلِّق (حتّى تنكِح) دواماً (زوجاً غيره)، بلا خلافٍ أجده في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1).

ويشهد به: الكتاب والسُّنة:

أمّا الكتاب: فقوله تعالى : (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (2)، ثمّ قال تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) (3) الآية.

وتقريب الاستدلال بها: أنّها صريحة في أنّ المرأة المطلّقة تحرُم على زوجها المطلِّق، وأنّ حَلّها له موقوفٌ على أن تنكح زوجاً غيره، وأمّا أنّ الطلاق المُحرِّم هو الطلاق الثالث، فيستفاد من تعقيب ذلك بقوله: (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ ) فإنّ معناه حينئذٍ أنّه إنْ طلّقها بعد المرّتين، أي التطليقتين الأولتين لا تَحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره، والطلاق الواقع بعدهما ليس إلّاالثالث، إذ غيره لا يقال إنّه بعد المرّتين، بل بعد الثالث وما زاد.

ص: 91


1- جواهر الكلام: ج 29/14.
2- سورة البقرة: الآية 229.
3- سورة البقرة: الآية 230.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بالطلاق في قوله: (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (1) هو الرِّجعي، بمعنى أنّ الطلاق الرِّجعي الذي يجوز للزوج الرجوع فيه مرّتان - أي تطليقتان - فالثالث بائنٌ لا رجعي.

ومعنى قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (2)، هو أنّ الزّوج بعد التطليقتين مخيّرٌ:

بين أن يمسك المرأة بالرجوع في العِدّة أو بعقدٍ جديد، وحُسْن المعاشرة معها.

وبين أن يسرّحها بإحسان بأنْ يُطلّقها التطليقة الثالثة.

ومعنى قوله: (فَإِنْ طَلَّقَها...(1) الخ) هو أنّه لو اختار بعد التطليقتين التسريح بالطلاق، فلا تحلّ له، وقد ورد التصريح في كثيرٍ من النصوص بأنّ المراد بالتسريح بإحسان هو التطليقة الثالثة(2).

ومقتضى إطلاق الآية حرمة التزويج بعد الطلاق الثالث دواماً أو متعة.

وأمّا السُنّة: فهي متواترة دالّة على جميع ما ذكرناه(3)، كما أنّها تدلّ على أنّ المُحلّل يهدم الطلقة والثنتين، كما يهدم الثلاث(4).

وأيضاً: تدلّ النصوص على اعتبار كون نكاح المُحلّل دواماً، ولا يكفي المتعة(5)، وتدلّ أيضاً على عدم الفرق بين كون الطلقات طلاق عِدّة أو سُنّة، وما في بعض النصوص من اعتبار كونه للعِدّة شاذٌّ مخالفٌ للنصوص والفتاوى، وتمامق.

ص: 92


1- سورة البقرة: الآية 230.
2- وسائل الشيعة: ج 21/118-123 باب 4 من أبواب أقسام الطلاق.
3- وسائل الشيعة: ج 21/110-123 باب 3 و 4 من أبواب أقسام الطلاق.
4- وسائل الشيعة: ج 21/125-129 باب 6 من أبواب أقسام الطلاق.
5- وسائل الشيعة: ج 21/131-132 باب 9 من أبواب أقسام الطلاق.

و إن كانت تحت عبدٍ.

ولو طُلّقت الأمَة طلقتين حرُمت حتّى تنكح زوجاً غيره، وإن كانت تحت حُرٍّ.

الكلام في ذلك وفي شرائط المحلِّل سيأتي إنْ شاء اللّه تعالى في كتاب الطلاق(1).

أقول: ثمّ إنّ هذا الحكم إنّما هو في الحُرّة (وإنْ كانت تحت عبدٍ) إجماعاً(2).

والنصوص(3) المتواترة تدلّ على أنّ العبرة بعدد الطلقات الرِّجال دون النساء، (و) أنّه (لو طَلّقتْ حُرٌّ) الأمَة طلقتين (حرمت حتّى تنكح زوجاً غيره وإنْ كان تحت حُرّ)، خلافاً للمحكي عن العامّة، فعكسوا القضيّة فجعلوا الاعتبار في عددها بالزوج.

***ق.

ص: 93


1- فقه الصادق: ج 34/167.
2- مسالك الأفهام: ج 7/353.
3- وسائل الشيعة: ج 21/159-162 باب 24 و 25 من أبواب أقسام الطلاق.

السابعة: المطلّقة تسعاً للعِدّة، ينكحها بينها رجلان، تحرمُ على المطلق أبداً

حرمة المطلَّقة تسعاً على المُطلِّق

المسألة (السابعة: المطلَّقة تسعاً للعِدّة، ينكحها بينها رجلان) بأنْ طلّقها فراجعها في العِدّة ووطئها، ثمّ طلَّقها ثمّ راجعها ووطئها ثمّ طلّقها، فتزوّجها المُحلّل، ثمّ بعد فراقه تزوّجها فطلقها ثلاثاً بينها رجعتان مع الوطء، (تحرمُ على المطلّق أبداً) بلا خلافٍ معتدّ فيه بيننا.

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

وإطلاق طلاق العِدّة، وهو الذي يتعقّبه الرجوع والوطء - كما نصّ على ذلك في صحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام الوارد في تفسير طلاق السنة والعِدّة:

«وأمّا طلاق العِدّة الذي قال اللّه تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ ... الخ)، فإذا أراد الرّجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العِدّة، فلينتظر بها حتّى تحيض، وتخرج من حيضها، ثمّ يُطلّقها تطليقة من غير جماع، وبشهادة شاهدين عدلين، ويراجعها من يومه ذلك إنْ أحبَّ أو بعد ذلك بأيّام قبل أنْ تحيض، ويُشهِد على رجعتها، ويواقعها حتّى تحيض، الحديث»(2).

ونحوه غيره - على الطلقات التسع مجازٌ، من باب تسمية الكلّ باسم الجزء،

ص: 94


1- جواهر الكلام: ج 30/18.
2- الكافي: ج 6/65 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/108 ح 28141.

لأنّ طلاق العِدّة ليس إلّاستّة منها - ضرورة أنّ الثالثة من كلّ ثلاثةٍ ليست للعِدّة بل للسُنّة.

وكيف كان، فالنصوص الدالّة على هذا الحكم مستفيضة أو متواترة ستمرّ عليك جملة منها.

أقول: إنّما الخلاف والكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه هل يعتبر أنْ يكون الطلقات التسع للعِدّة بالمعنى المتقدّم كما نُسب إلى المشهور؟ أم يكفي في التحريم المؤبّد كونها للسُّنة ؟ أو المركّب من العِدّة والسُنّة ؟

ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار، وهي أقسام:

منها: ما يدلّ على الاكتفاء بالسُّني، وعدم اعتبار العِدّي، كموثّق زرارة وداود ابن سرحان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ :

«والذي يطلّق الطلاق الذي لا تَحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات، وتزوّج ثلاث مرّات لا تَحلّ له أبداً»(1).

فإنّه يدلّ على أنّ الموضوع للحرمة ما لم تنكح زوجاً آخر، والموضوع للحرمة أبداً واحداً، غاية الأمر الأُولى الطلقات الثلاث، والثانية الطلقات التسع، وقد مرّ أنّ الموضوع للحرمة قبل النكاح مطلق الطلقات الثلاث عدّية كانت أم غيرها، ولازم ذلك الاكتفاء بالسُّني في المقام.

ومنها: ما يدلّ على انحصار الطلقات التسع الموجبة للحرمة الأبديّة بما إذا2.

ص: 95


1- الكافي: ج 5/426 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/120 ح 28162.

كانت الثلاث الأخيرة للسُنّة، كخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«سألته عن الذي يُطلّق ثمّ يُراجع ثمّ يُطلّق ثمّ يُراجع ثمّ يُطلِّق ؟

قال عليه السلام: لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فيزوّجها رجلٌ آخر فيطلّقها على السُنّة، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل فيطلّقها ثلاث مرّات تنكح زوجاً غيره، فيطلّقها ثلاث مرّات على السُّنة ثمّ تنكح، فتلك التي لا تحلّ له أبداً»(1).

ومنها: ما يدلّ على اعتبار كون الطلقات للعِدّة، مثل الخبر الذي رواه إبراهيم عن عبدالرحمن، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد عليهم السلام «سُئل أبي عليه السلام عمّا حَرّم اللّه عزّ وجلّ من الفروج في القرآن، وعمّا حَرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سُنّته ؟

قال: الذي حَرّم اللّه عزّ وجلّ ، إلى أنْ قال: وأمّا التي في السُّنة فالمواقعة في شهر رمضان، إلى أنْ قال: وتزويج الرّجل امرأة قد طلّقها للعِدّة تسع تطليقات(2) الحديث».

وقد عمل به الأصحاب، ويؤيّده ما عن «الفقه الرضوي»(3) وفتوى عليّ بن إبراهيم الكاشفة عن وجود النّص.

بل الظاهر أنّ من هذه الطائفة معتبر المُعلّى بن خُنَيس، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجل طلّق امرأته ثمّ لم يراجعها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها، فتركها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها من غير أن يراجع، ثمّ تركها حتّى حاضت ثلاث حيض ؟7.

ص: 96


1- الكافي: ج 5/428 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/118 ح 28160.
2- الخصال: ج 2/532، وسائل الشيعة: ج 20/409 ح 25952.
3- فقه الرّضا عليه السلام: ص 243، المستدرك: ج 15/324 ح 18387.

قال: له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمسّ »(1).

فإنّ لفظ التأبيد صريحٌ في العموم كما لو طلّقت كذلك ولو تجاوزت التسع، وأنّها لا تحرُم بذلك إلى حصول الأمرين من الرجوع والوقاع، وإطلاقه وإنْ شمل الطلقات الثلاث الاُول الموجبة للحرمة حتّى تنكح زوجاً غيره، ويدلّ على اعتبار كونها للعِدّة، إلّاأنّه يقيّد بما لو حصل المحلّل بعد كلّ ثلاث لما تقدّم، ومقتضاه حينئذٍ حَلّ التزويج له أبداً بعد حصول المحلّل بعد كلّ ثلاثٍ لا مطلقاً.

ومنها: ما يكون مطلقاً، كصحيح جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا طلّق الرّجل المرأة فتزوّجت، ثمّ طلّقها فتزوّجها الأوّل، ثمّ طلّقها فتزوّجت رجلاً، ثمّ طلّقها، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ أبداً»(2).

ونحوه صحيح إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وأبي الحسن عليه السلام(3)المحمولين على ما لو كان تزويج الغير ليكون محلّلاً، فالمراد بهما الطلقات التسع، وعليه فالظاهر رجوع هذه الطائفة إلى الطائفة الأُولى .

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي أنْ يُقال:

إنّ الطائفة الثالثة أخصّ مطلق من الطائفة الأُولى والرابعة، فيقيّد إطلاقهما بها.

والطائفة الثانية غير صريحة في اعتبار كون الطلقات الثلاث الأخيرة للسُّنة بالمعنى الأخصّ ، بل هي قابلة للحمل على إرادة السُّنة بالمعنى الأعمّ المقابل للبدعة، فلا تصلح لمعارضة الطائفة الثالثة، بل يُحمل ظاهرها على نصّ هذه.8.

ص: 97


1- الكافي: ج 6/77 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/115 ح 28155. (2و3) التهذيب: ج 7/311 ح 48، وسائل الشيعة: ج 20/529 ح 26268.

وعليه، فالمتحصّل من النصوص اعتبار كون الطلقات التسع للعِدّة كما هو المشهور.

قال المحقّق اليزدي: في مقام الجمع بينها كما نُسب إليه:

أنّ الطائفة الأُولى ، بضميمة القطع بأنّ الطلاق الذي لا تحلّ له معه حتّى تنكح، هو مطلق الطلقات الثلاث عدّية كانت أم غيرها، كالصريحة في الإطلاق، فلا تصلح الطائفة الثانية لمعارضتها، لقابليّتها للحمل على السُّنة بالمعنى الأعمّ ، والنسبة بينها وبين الثالثة وإنْ كانت عموماً مطلقاً، إلّاأنّه يلزم من حمل مطلقهما على المقيّد، حمل المطلق على الفرد النادر.

ولا يصحّ الرجوع إلى المرجّحات السنديّة، لأنّ الرجوع إليها إنّما هو إذا كان المتعارضان متنافيين بتمام مدلوليهما، فلابدّ من الأخذ بالمتيقّن منهما، وهو كون التسع للعِدّة موجبة للحرمة الأبديّة، والرجوع في غيره إلى مقتضى عموم قوله تعالى:

(وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (1) .

وفيه أوّلاً: أنّه كما يمكن حمل السُنّة في الثانية على إرادة السُّنة بالمعنى الأعمّ ، يمكن حمل إطلاق الأُولى على المقيّد، فلا أولويّة للأوّل.

وثانياً: أنّ حمل الأُولى على إرادة الطلقات للعِدّة بقرينة الثالثة، لا يكون مستلزماً لحمل المطلق على الفرد النادر، مع أنّ ورود المطلق لبيان حكم الفرد النادر في أمثال المقام لا محذور فيه، فإنّ الفرد الآخر منه أيضاً نادرٌ.

وثالثاً: أنّه على فرض تسليم التعارض، عدم الرجوع إلى المرجّحات4.

ص: 98


1- سورة النساء: الآية 24.

السنديّة لا وجه له، لعدم الدليل على اعتبار كون التنافي بين الدليلين في تمام مدلوليهما، ولذا بنينا على الرجوع إليها في تعارض العامّين من وجه أيضاً.

وربما يقال في الجمع بينها: إنّ الطائفتين الأخيرتين تتعارضان وتتساقطان، فالمرجع إلى الطائفة الأُولى .

وفيه أوّلاً: إنّهما من قبيل النّص والظاهر، فلا تتساقطان.

وثانياً: أنّه لو سُلّم عدم إمكان الجمع بينهما لا تتساقطان، بل المرجع إلى المرجّحات، وأيّتهما قدّمت يقيّد بها إطلاق الطائفة الأولى.

وعليه، فالحقّ ما ذكرناه.

أقول: ثمّ إنّ المستفاد من النصوص اعتبار امرين آخرين:

أحدهما: وقوع نكاح رجلين خاصّة بينهما.

الثاني: توالي الطلقات التسع العدديّة.

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلوجهين:

الوجه الأوّل: أنّه لو طلّقها تسعاً للعِدّة مع التفرّق، كما في الصورة القادمة، لزم عدم الحكم بالحُرمة بعد الطلاق التاسع، وهو خلاف صريح النصوص أو ظاهرها.

الوجه الثاني: إنّ النصوص بعد حمل مطلقها على مقيّدها، وظاهرها على نصّها، واردة في موردٍ خاصّ ، وهو توالي الطلقات التسع العَدَديّة، والتعدّي يحتاج إلى دليلٍ خاصّ وهو مفقود، وعلى هذا فلو طلّقها خمسة وعشرين مرّة، وكان في كلّ ثلاثة منها واحدة عديّة من أوّل الدور، لايوجب تحريمهاعليه مؤبّداً لانتفاءالشرطين.

ص: 99

أمّا الأوّل: فلأنّه حينئذٍ لابدّ أن يقع بعد كلّ ثلاثة منها نكاح رجل، فيقع بينها نكاح ثمانية رجال.

وأمّا الثاني: فواضح.

وعليه، فما عن الشهيد الثاني رحمه الله(1) من الحكم بالتحريم المؤبّد في هذه الصورة، تمسّكاً بإطلاق ما دلّ على التحريم كذلك بالتسع للعِدّة، الظاهر في كون جميعها للعِدّة حقيقة، خرج منه ما إذا كان الثالثة من كلّ ثلاثة منها سُنيّة بالنّص وبقى الباقي، لا وجه له.

***5.

ص: 100


1- مسالك الأفهام: ج 7/354-355.

الثامنة: لو طلّقت إحدى الأربع رجعيّاً، لم يَجُز أن ينكح بدلها حتّى تخرج من العِدّة، ويجوز في البائن، ولو عَقَد ذو الثلاث على اثنتين دفعة بَطَلا.

حكم ما لو عقد ذو الثلاث على اثنتين دفعة

المسألة (الثامنة: لو طَلّقت إحدى الأربع رجعيّاً، لم يجز أن ينكح بدلها حتّى تخرج من العِدّة، ويجوز في البائن) وقد تقدّم تفصيل القول في ذلك في ذيل مسألة حرمة تزويج ما زاد على الأربع، فراجع(1).

(ولو عقد ذو الثلاث على اثنتين دفعةً بطلا) على المشهور، وفي «الشرائع»:

(وروي أنّه يتخيّر، وفي الرواية ضعفٌ )(2).

أقول: يقع الكلام في موردين:

الأوّل: فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن النَّص الخاص.

الثاني: في الخبر.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ في «الجواهر» للبطلان:

(باستلزام صحّة كلّ منهما بطلان الآخر ولا ترجيح، وصحّة أحدهما دون الاخر غير معقولة، والصحّة في إحدى الإمرأتين على جهة الإطلاق الذي مرجعه إلى تخيير الزّوج في تعيينها غير مفادهما، ولو فرض قصد ذلك فهو غيرُ صحيحٍ للإجماع على اعتبار تعيين الزّوجة في عقد النكاح على وجه التشخيص)(3)، انتهى .

ص: 101


1- صفحة 7 من هذا المجلّد.
2- شرائع الإسلام: ج 2/519.
3- جواهر الكلام: ج 29/11.

ولكن يمكن البناء على صحّة أحد العقدين إنْ كان التزويج بعقدين دفعةً ، كما لو عقد على إحداهما وعَقَد وكيله على الاُخرى ، وصحّة العقد على إحداهما إنْ عَقَد عليهما بعقدٍ واحد ثبوتاً وإثباتاً.

أمّا في مقام الثبوت: فلأنّ الزوجيّة ليست من قبيل الأعراض الخارجيّة كي تحتاج في تشخيصها إلى موضوعٍ شخصي خارجي، بل هي من الاُمور الاعتباريّة كالملكيّة، فكما يصحّ اعتبار ملكيّة أحد الشيئين أو الأشياء كما في الوصيّة، واعتبار ملكيّة الكلّي في الذّمة أو في المعيّن كما في الخُمس والزكاة، كذلك يصحّ اعتبار زوجيّة إحدى الإمرأتين لا بعينها، كيف وقد وقع نظيره في الشرع، كما في مَن تزوّج الاُختين بعقدٍ واحد، وكما في من أسلم عن خَمس زوجات وغيرهما، وأدلّ الدليل على إمكان الشيء وقوعه.

وأمّا في مقام الإثبات: فلأنّ مقتضى الأدلّة، صحّة كلّ واحدٍ من العقدين، وصحّة العقد على كلّ منهما، غاية الأمر دلّ الدليل على عدم جواز تزويج أكثر من أربع، ولذا لا يمكن الحكم بصحتهما معاً، وحيث أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، وأنّ هذا المحذور يرتفع بالبناء على بطلان أحد العقدين، أو العقد على إحداهما، فلا وجه للبناء على بطلانهما، وإلّا لزم التخصيص بلا وجه، وحيث أنّ نسبة الدليل المخصّص إليهما على حَدٍّ سَواء، فلا وجه للبناء على بطلان أحدهما تعييناً، فيتعيّن البناء على بطلان أحدهما بنحو التخيير، وصحّة أحدهما كذلك.

أقول: ولعلّه إلى ذلك نظر المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف»، حيث احتجّ لصحّة أحدهما بنحو التخيير: (بوجود المقتضي وانتفاء المانع، إذ ليس إلّاانضمام العقد على الاُخرى ، وهو لا يقتضي تحريم المباح، كما لو جمع بين محرّمة عيناً ومحلّلة عيناً في

ص: 102

عقد، وكما لو جمع بين المحلّل والمحرّم في البيع، ولا أثر للإطلاق والتعيين، إذ في التعيين تحرم واحدة معيّنة فيبطل العقد عليها، وتحلّ أُخرى معيّنة، وفي الإطلاق تحلّ واحدة مطلقة وتَحرُم أُخرى ، وقد علمهما معاً، فيدخلان في العقد، إذ لا وجود للكلي إلّا في جزئيّاته)(1)، انتهى .

والإيراد عليه: - كما عن الشهيد الثاني رحمه الله بأنّ : (كلّ واحدة صالحة للصحّة منفردة، ومنهيّ عنها مع الانضمام، ولا أولويّة، وتعلّق العقد بغير معيّنة غير كافٍ في الصحّة، بل لابدّ من تعيينها قبل العقد)(2).

في غير محلّه: إذ الفرض تعيين كلّ منهما، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.

وعليه، فالأظهر هو البناء على صحّة عقد إحداهما، وكونه مخيّراً في اختيار أيّتهما شاء.

وأمّا النّص: فيمكن أنْ يكون نظر المحقّق رحمه الله إلى الخبرين:

أحدهما: خبر عنبسة بن مصعب، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كان له ثلاث نسوة، فتزوّج عليهنّ امرأتين في عقدة، فدخل على واحدة منهما ثمّ مات ؟

قال عليه السلام: إنْ كان دخل بالمرأة التي بدأ باسمها، وذكرها عند عقدة النكاح، فإنّ نكاحها جائزٌ، ولها الميراث، وعليها العِدّة، وإنْ كان دخل بالمرأة التي سمّيت وذكرت بعد ذكر المرأة الأُولى ، فإنّ نكاحها باطلٌ ، ولا ميراث لها، وعليها العِدّة»(3).

ثانيهما: خبر جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج خمساً في عقدة واحدة ؟3.

ص: 103


1- مختلف الشيعة: ج 7/49.
2- مسالك الأفهام: ج 7/352-353.
3- الكافي: ج 5/430 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/523 ح 26253.

ولو ترتّب بَطَل الثاني، وكذا الحكم في الاُختين.

قال عليه السلام: يُخلّي سبيل أيّتهنّ شاء»(1).

فإنْ كان نظره إلى الأوّل، فهو لا يدلّ على التخيير، وخارجٌ عمّا هو محلّ الكلام، وإنْ كان نظره إلى الثاني، أصبح قوله: (وفي الرواية ضعفٌ ) في غير محلّه، لأنّ الخبر صحيح، وهو وإنْ كان في تزويج الخمس في عقدة واحدة، إلّاأنّه يمكن استفادة الحكم منه في المقام بإلغاء الخصوصيّة، وقد تقدّم أنّ الخبر في مورده معمولٌ به، حيث عَمل به جماعة - كالشيخ(2) وأتباعه(3)، والمصنّف في «المختلف»(4)وغيرهم(5) - وحمله على إرادة الإمساك بعقدٍ جديد، خلاف الظاهر، لا وجه للمصير إليه.

فإذاً الأظهر هو الصحّة، والتخيير في اختيار أيّتهما شاء.

(ولو ترتّب) العقدان (بَطَل الثاني) بلا خلافٍ ولا إشكال، (وكذا الحكم في الاُختين) وقد تقدّم في مسألة الجمع بين الاُختين تفصيل القول في شقوق المسألة، فراجع(6).

***1.

ص: 104


1- الكافي: ج 5/430 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/522 ح 26252.
2- النهاية: ص 455-456.
3- كالقاضي في المهذّب: ج 2/185-186، ابن حمزة في الوسيلة: ص 294.
4- مختلف الشيعة: ج 7/49.
5- كابن الجنيد كماحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 49/7، البحراني في الحدائق الناضرة: ج 524/23-525.
6- فقه الصادق: ج 31/331.

الثاني: الرِّضاع، ويحرمُ منه ما يَحرمُ بالنَسَب.

الرِّضاع من أسباب التحريم

السبب (الثاني: الرِّضاع):

أقول: كونه سبباً لتحريم النكاح إجماعيٌ (1)، بل هو من ضروريّات المذهب أو الدِّين، والكتاب والسُّنة شاهدان به، وتنقيح القول فيه يتحقّق بالبحث في مطالب:

المطلب الأوّل: فيما يَحرُم به:

(و) قد طفحت كلماتهم بأنّه (يَحُرم منه ما يَحُرم بالنسب)، والنصوص المستفيضة شاهدة به:

منها: صحيح العِجلي، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: يحرم من الرّضاع ما يحرمُ من النسب»(2).

ومنها: نحوه أخبار داوود بن سَرحان، وأبي الصّباح، والحلبي(3)، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سمعته يقول: يحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من القرابة»(4).

ونحوه صحيحه الآخر عنه عليه السلام(5)، إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة، وملخّص

ص: 105


1- رياض المسائل: ج 10/130 (ط. ج).
2- الفقيه: ج 3/475 ح 4665، وسائل الشيعة: ج 20/371 ح 25850.
3- وسائل الشيعة: ج 20/371 ح 25853/372 ح 25852/379 ح 25875، والكافي: ج 5/437 ح 3 و 2، والتهذيب: ج 7/292 باب من أحلّ اللّه نكاحه من النساء ح 61.
4- الكافي: ج 5/437 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/371 ح 25851.
5- التهذيب: ج 8/244 ح 113، وسائل الشيعة: ج 20/372 ح 25856.

القول في المقام إنّما يكون ببيان اُمور:

الأمر الأوّل: فيما يستفاد من النبويّ الذي رواه الفريقان وما بمضمونه:

أقول: لا إشكال ولا خلاف بين علماء الإسلام في حصول نظائر القرابات الحاصلة بالنسبة والقرابة بالرِّضاع أيضاً، ونصّ عليه في الجملة في الكتاب العزيز، قال اللّه تعالى : (وَ أُمَّهاتُكُمُ اَللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ اَلرَّضاعَةِ ) (1)، وتظافرت النصوص على إثبات النظائر النَسَبيّة بالرّضاع من الاُمّ والبنت والاُخت والعمّة والخالة وما شاكل، كما لا يخفى على المتتبّع، وعلى ذلك فلا إشكال في حصول القرابات السبع النَسَبيّة الإناثيّة - أي الاُمّهات، والبنات، والأخوات، وبناتِ الأخ، وبناتِ الاُخت، والعمّات، والخالات - بسبب الرّضاع.

القرابة الأُولى: وهي الاُمّ من الرّضاعة، وهي امرأة أرضعتك، أو ولّدت من أرضعتك، أو أرضعت من ولّدتك، أو أرضعت من ولّدك، فلها سبعُ شُعب:

الأُولى : من أرضعتك.

الثانية: الاُمّ النسبيّة للاُمّ الرّضاعيّة.

الثالثة: الاُمّ الرّضاعيّة للاُمّ الرّضاعيّة بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من اُمّهاتها النسبيّة أو الرّضاعيّة.

الرابعة: الاُمّ النسبيّة للأب الرّضاعي.

الخامسة: الاُمّ الرّضاعيّة للأب الرّضاعي بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من اُمّهاته النسبيّة أو الرّضاعيّة.3.

ص: 106


1- سورة النساء: الآية 23.

السادسة: الاُمّ الرّضاعيّة للاُمّ النسبيّة بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من اُمّهاتها النسبيّة أو الرّضاعيّة.

السابعة: الاُمّ الرّضاعيّة، للأب النسبي كذلك.

القرابة الثانية: هي البنات الرّضاعيّة، وهي كلّ امرأةٍ ارتضعت من لبنك، ولو كان المرتضع رجلاً فهو ابنه الرّضاعي، وبنات الأولاد وهنّ بنات بناته، أو بنات أبنائه بلا واسطة، أو مع واسطة أو وسائط.

وحيث أنّ لكلّ من الابن والبنت قسمين نَسَبيّاً ورضاعيّاً، والبنتيّة لكلّ من الاربعة أيضاً على قسمين النسبيّة والرّضاعيّة، فيحصل لبنات الأولاد أيضاً الشعب الثمان، ولما كان صدق الرّضاعيّة موقوفاً على توسّط الرّضاع، يخرج شعبتان منها، وهما شُعبة البنت النسبيّة للبنت النسبيّة، وشُعبة البنت النسبيّة للأب النسبي، ويبقى السِّت الباقية، نظير ما مرّ في الجَدّات، فبضميمة البنت الرّضاعيّة بلا واسطة تكون مجموعها سبع شعب.

القرابة الثالثة: هي الأخوات الرّضاعيّة، وهنّ بنات أبويه أو إحداهما، ولها شعبٌ ثلاث:

1 - البنات الرّضاعيّة للأبوين النسبيّين.

2 - والبنات النسبيّة للأبوين الرّضاعيين.

3 - والبنات الرّضاعيّة للأبوين الرّضاعيين.

ولو كان المرتضع رجلاً فهو أخوه الرّضاعي.

القرابة الرابعة: بنات الأخ، وهنّ بنات اُخته من النَسَب أو الرّضاع بلا واسطة

ص: 107

أو بواسطة أو وسائط.

وحيث أنّ الأخ قسمان، والبنت أيضاً قسمان، فيحصل لبنات الأخ أربعُ شُعب، يخرج منها شعبة واحدة هي البنت النسبيّة للأخ النَسبي، ويبقى ثلاث شعب.

القرابة الخامسة: بنات الاُخت، يعلم شُعبها بالقياس إلى بنات الأخ.

القرابة السادسة: العمّات، وهنّ أخوات أبيه.

وحيث عرفت أنّ الأب على قسمين، والأخوات أيضاً كذلك، فيحصل للعمّات أربع شُعب، شعبة واحدة نَسَبيّة، والثلاث الباقية رضاعيّة، ويدخل في هذه القرابة أخوات أبي أبيه.

القرابة السابعة: الخالات، وهي أخوات اُمّه، ويَعلم أقسامها وشعبها بالقياس إلى العمّات.

فهؤلاء هنّ القرابات الرّضاعيّة من الإناث، ويُعلم بالقياس إليهنّ القرابات الذكوريّة للرجال وللنساء أيضاً.

عموم المنزلة

الأمر الثاني: ويدور البحث فيه عن أنّه:

هل تختصّ الحرمة الحاصلة بالرِّضاع، بما إذا تحقّق أحد تلكم العناوين المحرّمة، كما هو المشهور بين الأصحاب ؟

أم يعمّ ما إذا حصل عنوانٌ ملازمٌ لعنوان محرّم كأُمّ الأخ من الأبوين الملازمة لكونها اُمّاً، فلو أرضعت امرأةً ابناً، تحرُم هي على أخيه كما ذهب إليه جمعٌ من

ص: 108

المتأخّرين كالمحقّق الداماد وغيره(1)؟

وبعبارة أُخرى : هل مقتضى عموم الموصول في قوله صلى الله عليه و آله: «يحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من النسب».

هو عموم المنزلة، وأنّه يحرم من جهة الرّضاع كلّ عنوانٍ يحرُم من جهة النسب، سواءٌ كان اتّصاف ذلك العنوان بالحرمة لذاته أو لملازمته لعنوانٍ محرّم ؟

أم مقتضاه اعتبار اتّحاد العنوان الحاصل بالرّضاع مع أحد العناوين النَسَبيّة المُحرِّمة لذاته، مثلاً الاُمّ محرمة من جهة النَسب، فإذا حصل بالرِّضاع نفس هذا العنوان ثبت التحريم، ولو حصل بالرّضاع ما يلازمه مثل اُمومة أخيه لم تحرم ؟

وجهان، وحيثُ لا إشكال في أنّ المراد من الموصول ليس هو نفس ما يحرم بالنسب، كما هو واضحٌ ، فيدور الأمر بين أن يراد به خصوص العناوين النَسَبيّة المحرِّمة شرعاً، أو الأعمّ منها ومن العناوين الملازمة لأحد تلكم العناوين، والقول بعمومُ المنزلة يتوقّف على إثبات الثاني، وغاية ما قيل في وجهه اُمور:

أحدها: أنّ مقتضى عموم الموصول، أنّ كلّ عنوانٍ محرّم في الأنساب إذا حصل نظيره بسبب الرّضاع، يكون حكمه حكمه، فكما أنّ اُخت الأخ النسبي حرامٌ على الإنسان، كذلك اُخت الأخ الرّضاعي، والتخصيص بخصوص العناوين المحرّمة لذاتها بلا وجه.

وفيه أوّلاً: إنّ العناوين الملازمة للعناوين المحرّمة بذاتها كاُخت الأخ ليست محرّمة بالنسب، بل هي ملازمة لعنوان محرم.ن.

ص: 109


1- راجع جامع المدارك في شرح مختصر النافع: ج 4/177، حيث نسبه إلى بعض الأعلام من المتأخّرين.

فإنْ قيل: إنّها محرّمة بالعَرَض لا بالذّات.

قلنا: إنّ ظاهر النسبة هو كون الوصف بحال نفسه، فقوله صلى الله عليه و آله: (ما يحرم) أي العنوان المتّصف بالحرمة، وتكون الحرمة وصفاً له وعارضة عليه نفسه، فلا يشمل المحرّم بالعَرَض.

وثانياً: إنّ العناوين الملازمة في النسب إنّما تحرُم لأجل ملازمتها للعناوين المحرّمة، وبقيد اتّصافها بها، مثلاً اُخت الأخ إنّما تحرمُ من جهة النسب بعنوان كونها اُختاً له، واُمّ ولد بنت الشخص تحرمُ عليه بعنوان كونها بنتاً له، لا بعنوان كونهما اُخت الأخ، واُمّ ولد بنته، لأنّه لا نَسَب بينهما وبين الشخص من حيث هذين العنوانين، بل النَسَب بينهما وبين أخيه وولد بنته، فالمحرِّم في النسب أُمّ ولد البنت المقيّدة بكونها بنتاً، واُخت الأخ المقيّدة بكونها اُختاً، ومن المعلوم أنّ هذه العناوين المقيّدة لا تحصلُ بسبب الرّضاع حتّى تحرُم من جهته كما تحرم بالنسب، وإنّما الحاصل به نفس العناوين غير المقيّدة، ضرورة أنّ اُخت الأخ الرّضاعيّة لا تصير اُختاً له، ومرضعة ولد بنتِ الشخص لا تُتّصف بالبنتيّة وإنْ اتّصفت باُمّ ولد البنت.

ثانيها: أنّ المراد بالموصول ليس العناوين، بل الأشخاص الخارجيّة المعنونة بالعناوين المحرّمة، وكما أنّ الشخص الخارجي المعنون بالعنوان المحرّم بالذات إنّما يحرم بذاته، كذلك الشخص الخارجي المعنون بالعنوان الملازم للعنوان المحرّم، مثلاً في النسب تحرُم المرأة الخارجيّة المعنونة بكونها أُمّ ولد بنت الشخص، فإذا حصل نظيرها في الرّضاع كان حكمها حكمها.

أقول: وهذا الوجه وإنْ سَلم عن الإيراد الأوّل الوارد على الوجه الأوّل، لكنّه

ص: 110

يرد عليه الإيراد الثاني بنحو واضح، فإنّ الشخص الخارجي لا يحرمُ بواسطة تعنونه بعنوانٍ ملازم لعنوان محرّم، بل لتعنونه بعنوان محرّم بذاته، أضف إليه أنّ القضايا الشرعيّة ظاهرة في كونها بنحو القضايا الحقيقيّة لا الخارجيّة.

ثالثها: ترتيب قياسين تكون النتيجة في إحداهما صغرى للآخر، بأن يقال:

لا شكّ في أنّ أُمّ ولد البنت بنتٌ ، وكلّ بنتٍ حرامٌ ، فينتج أنّ أُمّ ولد البنت محرّمة من جهة النسب.

وتُجعل هذه النتيجة صغرى لكبرى أُخرى ، وهي:

كلّ ما يحرمُ من النَسَب يحرمُ من الرّضاع، فيستنتج أنّ أُمّ ولد البنت تحرمُ من جهة الرّضاع.

وفيه: ما عرفت من منع الكبرى في القياس الثاني:

1 - لأنّ ما يحرمُ من النسب لا بذاته بل لملازمته لعنوانٍ محرّم، لا يحرمُ إذا حصل نظيره في الرّضاع.

2 - ولأنّ العناوين الملازمة للعناوين المحرّمة، إنّما تحرمُ بقيد اتصافها بالعناوين المحرّمة كما مرَّ.

رابعها: صحيح أيّوب بن نوح، قال: «كتبَ عليّ بن شُعيب إلى أبي الحسن عليه السلام:

امرأة أرضعت بعض وَلدي، هل يجوزُ لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام: لا يجوز ذلك، لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك»(1).

ونحوه صحيح عليّ بن مهزيار(2).8.

ص: 111


1- التهذيب: ج 7/321 ح 32، وسائل الشيعة: ج 20/404 ح 25942.
2- الكافي: ج 5/446 ح 13، وسائل الشيعة: ج 20/402 ح 25938.

أقول: وتقريب الاستدلال به من وجوه:

الوجه الأوّل: أنّه يدلّ على حرمة اُخت ولد الشخص عليه، وهي ليست من العناوين المحرّمة بذاتها، وإنّما تحرم هي في النسب لكونها بنتاً له أو ربيبة، فيعلم من ذلك حرمة العنوان الملازم لعنوان محرّم.

مع أنّه إذا انضمّ إلى ذلك قوله صلى الله عليه و آله: «يحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من النسب»، تكون النتيجة أنّه كما تحرمُ إذا تحقّق أحد العناوين المحرّمة بالرّضاع، كذلك تحصلُ الحرمة إذا تحقّق أحد العناوين الملازمة لتلك العناوين.

الوجه الثاني: أنّه علّل الحرمة بالمنزلة، فيدلّ على أنّها علّة للحرمة.

الوجه الثالث: أنّه نزّل ولد المُرضعة منزلة ولد الشخص، ومقتضى عموم التنزيل، ترتّب جميع آثار الولد لمن هو بمنزلته، فيحرمُ كلّ من كان حراماً عليه أو على أولاده وإخوانه وأخواته لو كان أولاد المرضعة أولاداً له حقيقةً ، لأنّه كما تحرمُ عليه بناتها لأنّهنّ صِرن بناتاً له، كذلك يحرمن على جميع أولاده، لأنّهنّ أصبحن أخوات لهم، ويَحرُمنَ على إخوانه لأنّهم صاروا أعماماً لهنّ ، هكذا.

ولكن يرد على ما اُفيد أوّلاً في التقريب الأوّل: أنّه قياسٌ لا نقول به.

وعلى ما اُفيد ثانياً: إنّ قوله صلى الله عليه و آله: «يحرمُ من الرّضاع... الخ»، لا مفهوم له كي يدلّ على عدم حرمة غير ذلك بالرِّضاع، مع أنّه لو كان دالّاً على ذلك غايته الإطلاق فيقيّد إطلاقه بالخبر.

ويرد على الثاني: أنّ تعليل المنزلة لا يثبتُ به علّية مطلق المنزلة، حتّى منزلة غير الولد أيضاً إلّاباستنباط العلّة، وليس هو إلّاالقياس.

ص: 112

ويرد على الثالث: أنّ مقتضى عموم التنزيل ترتيب جميع آثار الولد عليه، وأمّا حرمتها على إخوانه مثلاً فهي ليست من آثار كونها ولداً له، بل من آثار كونها بنتُ أخٍ لهم، وهكذا.

مع أنّ التنزيل في الخبرين ظاهرٌ في كونه بلحاظ التزويج عليه خاصّة، ولا أقلّ من الإجمال فهو المتيقّن.

أقول: وبما ذكرناه ظهر كيفيّة الاستدلال لعموم المنزلة بما دلّ على حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللّبن ولادةً ورضاعاً، وفي أولاد المُرضعة ولادةً ، والجواب عنه، وسيأتي لهذا زيادة توضيح إنْ شاء اللّه تعالى .

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ المستفاد من النبويّ المشهور بين الفريقين وما شابهه من النصوص، أنّ كلّ عنوانٍ محرِّم بذاته في النَسَب إذا حصل نظيره بالرِّضاع يوجبُ الحرمة، وفي غير ذلك لا دليل على الحرمة، والأصل يقتضي الجواز إلّاما خرج بدليل خاصّ ، وستأتي موارده.

وبعبارة أُخرى : كلّ عنوانٍ له اسمٌ في الأنساب، وحكمٌ في السُّنة والكتاب بحرمته، إذا حصل بالرّضاع يحكم بحرمته وإلّا فلا، إلّاالموارد الخارجة بالدليل من الطرفين.

القرابة المنضمّة بالمصاهرة

الأمر الثالث: لا يخفى أنّ العناوين المحرِّمة قسمان:

القسم الأوّل: ما يكون تحريمه منتسباً إلى النسب وحده، ويكون النسب كالعلّة التامّة لتحريمه، كالاُمّ والاُخت والبنت وما شاكل.

ص: 113

القسم الثاني: ما يكون تحريمه مستنداً إلى العنوان المتحصّل من النسب وغيره كالمصاهرة، فيكون النسب كجزء العلّة للتحريم، مثل أُمّ الزّوجة، فإنّ حرمتها مستندة إلى عنوان المصاهرة المتحصّلة من ثبوت الزوجيّة بين الرّجل والمرأة، وثبوت النسب بين المرأة وامرأة أُخرى .

أقول: لا إشكال في ثبوت الحرمة بالرِّضاع إنْ كان العنوان الحاصل من قبيل القسم الأوّل، وإنّما الكلام فيما إذا كان من قبيل القسم الثاني، كما في الاُمّ الرّضاعيّة للزوجة الحقيقية واُختها الرّضاعيّة، ولا يخفى أنّه في خصوص أُمّ الزّوجة وردت نصوصٌ وفيها كلامٌ سيأتي(1) عند تعرض المصنّف رحمه الله له، والمشهور بين الأصحاب سببيّة الرّضاع لنشر الحُرمة في هذا القسم أيضاً.

قال المحقّق الأردبيلي: (الحكم بتحريم هذا الصنف مصرّحٌ به في كلمات الأصحاب، بل ظاهر «الكفاية»(2) اتّفاق الأصحاب عليه، بل صرّح بعضهم(3)باتّفاق الطائفة عليه، وصرّح آخر(4) بنفي الخلاف، وفي «شرح المفاتيح»(5) الإجماع عليه)(6)، انتهى .

ومع ذلك كلّه فقد اختار هو قدس سره تبعاً للكفاية عدم النشر لولا الإجماع.

يشهد للأوّل: إطلاق قوله صلى الله عليه و آله: «ما يَحرُم من النَسَب...» فإنّه يصحّ استناد0.

ص: 114


1- سيأتي التعرّض لذلك تحت عنوان: (حكم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الاُخرى ) من هذا الجزء.
2- كفاية الأحكام: ص 161.
3- كما في رياض المسائل: ج 10/161 (ط. ج).
4- كما في السرائر: ج 2/556.
5- حكاه عنه المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 16/280.
6- مستند الشيعة: ج 16/280.

حرمة أُمّ الزّوجة واُختها على الزّوج إلى النَسَب، فيقال: تحرمُ أُمّ الزّوجة واُختها على الزّوج، لأجل النَسَب الذي بينهما وبين زوجته.

ويؤيّده: الإجماع والنصوص الآتية(1)، الواردة في خصوص أُمّ الزّوجة، بضميمة الإجماع المركّب.

وقد استدلّ للقول الآخر: بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه قد اشتهر بينهم على وجهٍ لم يَشكّ أحدٌ فيه، أنّ المحرِّم من جهة المصاهرة لا يحرمُ من جهة الرّضاع، فلو أرضعت امرأةٌ ولد رجلٍ لا تحرمُ أُمّ المرضعة على الرّجل من حيث أنّها جَدّة ولده لاُمّه الرّضاعيّة، وليس ذلك إلّامن جهة عدم قيام الرّضاع مقام المصاهرة، فلا تصير المرضعة بمنزلة الزّوجة حتّى تصير اُمّها أُمّ الزّوجة، وعليه ففي المقام حيث أنّ تحريم الزّوجة على الزّوج من جهة المصاهرة، فلا تحرم من جهة الرّضاع.

وفيه: إنّ الذي يحصل في المقام بالرّضاع، هو العنوان النَسَبي، وهي الاُمومة، وأمّا عنوان المصاهرة وهي الزوجيّة، فهي وجدانيّة حقيقيّة، فدليل التنزيل ينزل الاُمّ الرّضاعيّة منزلة الاُمّ النسبيّة، وهذا بخلاف المثال المذكور، فإنّ العنوان النسبي حقيقي، وعنوان المصاهرة تنزيلي، متوقّف على تنزيل مُرضِعة الولد منزلة الزّوجة، وأدلّة التنزيل لا تصلح لذلك.

وعلى الجملة: بدليل التنزيل ينزّل الاُمّ الرّضاعيّة منزلة الاُمّ النَسبيّة، لقيام الرّضاع مقام النسب في إناطة التحريم به، فتحرم لذلك.ء.

ص: 115


1- سيأتي التعرّض لذلك تحت عنوان: (حكم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الاُخرى )، من هذا الجزء.

الوجه الثاني: أنّ الظاهر من دليل التنزيل، ترتيب آثار العنوان النسبي على العنوان الرّضاعي، فإذا كان الأثر للعنوان النسبي مع المصاهرة، فلايشمله أدلّة التنزيل.

وفيه: إنّه حيث لا مانع من تنزيل جزء الموضوع إذا كان الجزء الآخر محرزاً بالوجدان أو بتنزيلٍ آخر - والمفروض في المقام إحراز عنوان المصاهرة وجداناً فلا مانع من تنزيل الرّضاع منزلة النسب الذي هو جزء الموضوع، ومقتضى إطلاق الدليل ذلك.

الوجه الثالث: أنّ المراد بلفظ (النسب) في النبويّ ، هو النسب الحاصل بين المُحرِّم والمحرَّم عليه على حَدّ قولهم: (سبب التحريم:

إمّا نسبٌ ، أو رضاعٌ ، أو مصاهرة)، والنسب في المقام بين شخصين آخرين.

وفيه: إنّه تقييدٌ للمطلق من غير تقييد، بل المراد به هو مطلق النسب الموجب للتحريم، سواءٌ كان بين نفس المحرِّم والمحرَّم عليه، أم بين أحدهما وزوج الآخر أو غيره - مثل الغلام الموطوء - ولهذا يصحّ التمسّك بالنبويّ في تحريم مرضعة الغلام الموقب واُخته وبنته الرّضاعيتين على الموقب.

الوجه الرابع: إنّ التحريم في غير المحرّمات النسبيّة السَّبع، ليس من جهة النسب، بل هو مستندٌ إلى المصاهرة، حيث أنّ الشيء يستندُ عرفاً إلى الجزء الأخير من العلّة التامّة، ففي المقام تكون الحرمة مستندة إلى الزوجيّة، فلا يعمّها دليل تنزيل الرّضاع منزلة النسب.

وفيه: إنّ التحريم في الكتاب والسُّنة لم يتعلّق بعلاقة المصاهرة التي بينها وبين الزّوج، وإنّما عُلّق على الرابطة النسبيّة التي بينها وبين زوجة الزّوج، وهي الاُمومة

ص: 116

وما شاكل، فحرمة أُمّ الزّوجة على الزّوج إنّما هي من جهة النسب الحاصل بين المحرم وزوجة المحرِّم عليه، فإذا ورد الدليل على حرمة أُمّ الزّوجة، نقول إنّ التحريم تعلّق بالمرأة المتّصفة بالاُمومة للزوجة، وهي رابطة نسبيّة عُلّق عليها التحريم، فإذا حصل نظيرها بالرّضاع تحصل الحرمة للنبوي.

وبالجملة: فكما يصدق على أُمّ الرّجل أنّها محرّمة عليه من جهة النَسَب، فكذلك يصدق على اُمّ زوجته أنّها محرّمة عليه من جهة النَسَب، لأنّها حرمت عليه من جهة كونها اُمّاً لزوجته.

وعليه، فالموضوع في كلّ منهما هي الاُمّ ، إلّاأنّه في الأوّل أُمّ المحرَّم عليه، وفي الثاني أُمّ زوجته.

فتحصّل ممّا ذكرناه: ضعف استشكال صاحب «الكفاية»(1)، والمحقّق النراقي(2)في نشر الحرمة في هذا القسم من العناوين المحرمة.

لو شكّ في دخل شيء في نشر الحرمة

المطلب الثاني: يعتبر في انتشار الحرمة بالرّضاع اُموراً بلا خلافٍ فيها في الجملة، وإنْ وقع الخلاف في بعض تلك الاُمور، وقبل التعرّض لها ينبغي تأسيس الأصل، ليكون هو المستند مع عدم الدليل على اعتبار أمرٍ من الاُمور.

وبعبارة أُخرى : يستند إليه في صورة الشكّ في دخل شيء في نشر الحرمة مع عدم الدليل عليه.

ص: 117


1- كفاية الأحكام: ص 162.
2- مستند الشيعة: ج 16/280-281.

والحقّ أنْ يُقال: إنّ مقتضى إطلاق قوله صلى الله عليه و آله: «يحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من النسب»، هو عدم دخل شيء من القيود، فكلّ ما دلّ الدليل على اعتباره يقيّد به إطلاق النبويّ ، وما لم يدلّ عليه دليل يدفع احتمال دخله بالإطلاق.

ودعوى : أنّه إنّمايكون مسوقاًلبيان أنّ الرّضاع كالنَسب في السببيّة لنشر الحرمة، وأمّا أنّ السبب منه، فليس بصدد بيانه كي يُؤخذ بإطلاقه كما عن المحقّق اليزدي.

مندفعة: بأنّه في مقام بيان السبب منه، وأنّ الرّضاع بما هو رضاعٌ سببٌ ، فكلّ ما دلّ على دخله فيه يقيّد إطلاقه به ويبقى الباقي.

والشاهد عليذلك: - مضافاًإليظهوره، ولا أقلّمن الشكّ ، ومقتضى القاعدة هو البناء على كونه في مقام البيان - النصوص الواردة في تفسيره وتطبيقه على موارده:

منها: صحيح العِجلي، في حديثٍ قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يَحرُم من الرّضاع ما يَحرُم من النسب، فسِّر لي ذلك ؟

فقال عليه السلام: كلّ امرأةٍ أرضعت من لبن فحلها ولدُ امرأةٍ أُخرى من جاريةٍ أو غلام، فذلك الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحديث»(1).

ويمكن الاستدلال له: بإطلاق هذا الصحيح وما شاكله أيضاً.

وعلى هذا فمقتضى الأصل اللّفظي، عدم دخل قيدٍ شُكّ في دخله مع عدم الدليل عليه.

نعم، لو لم يكن الإطلاق، كان مقتضى الأصل العملي عدم وجود سبب التحريم المانع عن تأثير عقد النكاح حدوثاً وبقاءً بدون ذلك القيد.

***2.

ص: 118


1- الكافي: ج 5/442 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/388 ح 25902.

إذا كان عن نكاحٍ

اعتبار كون اللّبن عن نكاحٍ صحيح

أقول: إذا عرفت الاُمور المذكورة آنفاً، فاعلم أنّ للرّضاع الشرعي الموجب للتحريم شروطاً:

الشرط الأوّل: إنّما يحرمُ الرّضاع (إذا كان) حاصلاً (عن) وطءٍ صحيحٍ شرعي ب (نكاح) دوامٍ أو متعةٍ أو تحليلٍ أو ملك يمين.

فلو كان عن وطء زناً، لا ينشر الحرمة إجماعاً بقسميه، كما في «الجواهر»(1)، وإجماعاً محقّقاً ومحكيّاً في «السرائر»(2)، و «التذكرة»(3)، وشرحي «القواعد» للمحقّق الثاني(4) والهندي(5)، و «شرح النافع»(6) للسيّد، و «المفاتيح»(7) وشرحه(8)، وظاهر «المسالك»(9)، و «الكفاية»(10)، وغير ذلك(11)، كما في «المستند»(12).

ص: 119


1- جواهر الكلام: ج 29/265.
2- السرائر: ج 2/520.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/615.
4- جامع المقاصد: ج 12/204.
5- كشف اللّثام: ج 7/129 (ط. ج).
6- نهاية المرام: ج 1/100.
7- مفاتيح الشرائع: ج 2/237.
8- حكاه عنه المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 16/231.
9- مسالك الأفهام: ج 7/207.
10- كفاية الأحكام: ص 158.
11- كما في الحدائق الناضرة: ج 23/323، رياض المسائل: ج 10/131 (ط. ج).
12- مستند الشيعة: ج 16/231.

وكذا لا ينشر لو دَرّ من المرأة من دون نكاحٍ ، فضلاً عن غيرها من الذكر والبهيمة، بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1).

وفي نكاح الشبهة تردّد كما عن «السرائر»(2)، وإنْ كان المشهور(3) بين الأصحاب شهرة عظيمة، تنزيله على الوطء بالعقد الصحيح.

وعليه، فالكلام يقع في موارد:

المورد الأوّل: ما لو كان اللّبن منتجاً عن وطء الزنا.

استدلّ الشيخ الأعظم قدس سره(4) لعدم النشر:

1 - بانصراف إطلاقات التحريم بالرّضاع إلى غير ذلك.

2 - وبصحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن لبن الفحل ؟

قال: هو ما أرضعتْ امرأتك من لبنك ولبن وَلَدك ولدُ امرأةٍ أُخرى لا من حرام»(5).

ونحوه حَسَنه بإبراهيم بن هاشم(6).

وفيه: الانصراف ممنوع، والاستدلال بالصحيح:

إنْ كان بما نقله في ذيله بقوله عليه السلام: (لا من حرام).

فيرد عليه: أنّ الموجود في كتب الحديث: (فهو حرامٌ ) بدل ذلك.5.

ص: 120


1- جواهر الكلام: ج 29/264.
2- السرائر: ج 2/552.
3- جامع المقاصد: ج 12/204 قوله: (أمّا الشبهة فإنّه كالصحيح على أقوى القولين، وهو اختيار الشيخ وأكثر الأصحاب).
4- كتاب النكاح: ص 290. (5و6) الكافي: ج 5/440 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/391 ح 25905.

وإنْ كان بقوله عليه السلام: (ما أرضعتْ امرأتك... الخ) كما استدلّ به غيره(1).

فيرد عليه: أنّه في مقام تفسير لبن الفحل الموجب للحرمة عليه، ولا يدلّ على حصر الرّضاع الموجب لنشر الحرمة بذلك، بل قوله عليه السلام في خبر محمّد بن عُبيدة الهَمْداني، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«فما بال الرّضاع يُحرّمُ من قِبل الفحل، ولا يُحرّم من قبل الاُمّهات، وإنّما الرّضاع من قبل الاُمّهات، وإنْ كان لبن الفحل أيضاً يُحرّم»(2)، ومثله العلويّ (3)يؤكّد عدم المفهوم له من هذه الجهة.

وأمّا الإيراد عليه: بأنّه لا يعتبر كون المرضعة زوجة لصاحب اللّبن، بل يكفي كونها مملوكة أو متعة مع عدم تبادرهما من لفظ (امرأتك).

فيمكن الجواب عنه: بأنّه يلتزم فيهما بالتخصيص للدليل.

وربما يستدلّ له: بصحيح بُريد العِجلي، عن الإمام الباقر عليه السلام الوارد في تفسير النبويّ : «كلّ امرأةٍ أرضعت من لبن فحلها ولدُ امرأةٍ أُخرى من جارية أو غلام، فذلك الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: وكلّ امرأة أرضعتْ من لبن فحلين، كانا له واحداً بعد واحد، من جاريةٍ أو غلام، فإنّ ذلك رضاعٌ ليس بالرّضاع الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يَحرّم من الرّضاع ما يُحرّم من النسب، وإنّما هو من نسب ناحية الصهر رضاعٌ ، ولا يُحرّم شيئاً، وليس هو سببُ رضاعٍ من ناحية لبن الفحولة فيحرم»(4).2.

ص: 121


1- كالبحراني في الحدائق الناضرة: ج 23/324 حيث قال: (والتقريب فيها أنّه خصّ عليه السلام لبن الفحل بما يحصل من امراته... ولبن نكاح الشبهة وإنْ لم يكن عن نكاحٍ صحيح أيضاً، إلّاأنّ دخوله قد جاء بدليل آخر).
2- الكافي: ج 5/441 ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/391 ح 25910.
3- دعائم الإسلام: ج 2/242 ح 907، المستدرك: ج 14/370 ح 16984.
4- الكافي: ج 5/442 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/388 ح 25902.

وفيه: إنّه يدلّ على أنّ الرّضاع الواحد من لبن فحلين لا يُحرّم، وعلى أنّ العبرة في الاُخوّة بالرّضاع بالاُخوّة من قِبل الأب الرّضاعي، وهو الفحل، ولا عبرة بالاُمّ الرّضاعي، وسيأتي تحقيق الكلام في الفرعين.

أقول: الأولى الاستدلال له - كما في «الجواهر»(1) -:

1 - بالخبر الذي رواه «دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنّه قال:

«لبن الحرام لا يُحرّم الحلال، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها، ثمّ أرضعت بلبن فجور.

قال: ومن أرضع من فجور بلبن صبيّة لم يُحرّم من نكاحها، لأنّ اللّبن الحرام لا يُحرّم الحلال»(2) وهذا الخبر برغم ضعفه، لكنّه منجبرٌ بالعمل، ومعتضدٌ بالإجماع، ومؤيّدٌ بما تقدّم.

2 - وبعدم تحقّق النَسَب بالزّنا.

المورد الثاني: في ما لو دَرّ اللّبن من المرأة من دون نكاح.

يشهد لعدم نشر الحرمة به:

1 - موثّق يونس بن يعقوب، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سألته عن امرأةٍ دَرّ لبنها من غير ولادة، فأرضعت جاريةً وغلاماً من ذلك اللّبن، هل يحرّم بذلك اللّبن ما يحرم من الرّضاع ؟ قال عليه السلام: لا»(3).

2 - خبر يعقوب بن شعيب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأةٌ دَرَّ لبنها من غير ولادةٍ ، فأرضعت ذكراناً وإناثاً، أيحرّم من ذلك ما يُحرّم من الرّضاع ؟8.

ص: 122


1- جواهر الكلام: ج 29/266.
2- المستدرك: ج 14/373-374 باب 11 من أبواب ما يحرم بالرّضاع.
3- الكافي: ج 5/446 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/398 ح 25928.

فقال لي: لا»(1).

المورد الثالث: ما لو كان اللّبن عن وطء الشُّبهة.

أقول: سبق أنّ المشهور بين الأصحاب الحاقه في النشر بالنكاح وأخويه، لكن جزم الحِلّي(2) الجزم بعدم النشر، وتردّد سيّد «المدارك»(3) فيه، واستحسنه الشيخ الأعظم قدس سره(4)، إلّاأنّه قوّى أخيراً ما هو المشهور.

ولا يخفى أنّه على ما ذكرناه في المورد الأوّل، يكون إلحاقه بالنكاح واضحٌ ، لإطلاق دليل محرّميّة الرّضاع، وما دلّ على خروج المورد الأوّل والثاني مختصٌّ بهما لا يشمل المقام، أضف إلى ذلك كون وطء الشبهة ملحقاً بالنكاح في النسب فإنّه يؤيّد ذلك.

وأمّا على ما سلكه الشيخ الأعظم فقد اُشكل عليه الأمر، لأنّ مقتضى صحيح ابن سنان وحَسَنه - على فرض الدلالة على عدم النشر بالزّنا كما استدلّ بهما له - عدم النشر في وطء الشبهة أيضاً.

ولذلك ادّعى رحمه الله أنّ دلالة المطلقات على الإطلاق أقوى من دلالة المقيّد على الاختصاص، وأنّه لابدّ من حمل ما فيهما من تخصيص اللّبن بالمرأة على التمثيل بالفرد الغالب، للاتّفاق على النشر بالارتضاع من المملوكة والمحلّلة، فلا مقيّد لإطلاق الأدلّة.3.

ص: 123


1- التهذيب: ج 7/325 ح 47، وسائل الشيعة: ج 20/399 ح 25929.
2- السرائر: ج 2/552 قوله: (وإنّما التأثير للبن الولادة من النكاح المشروع فحسب، دون النكاح الحرام والفاسد، ووطء الشبهة، لأنّ نكاح الشبهة عند أصحابنا لا يفصّلون بينه وبين الفاسد إلّافي إلحاق الولد ورفع الحَدّ فحسب، وإن قلنا في وطء الشبهة بالتحريم كان قويّاً، لأنّ نسبه عندنا نسب صحيح شرعي... ولي في ذلك نظرٌ وتأمّل).
3- نهاية المرام: ج 1/101.
4- كتاب النكاح: ص 293.

ولكن يرد على ما أفاده أوّلاً: أنّ دلالة المطلق على حكم فردٍ إنْ كانت بنحو النصوصيّة، يصلح المطلق لمعارضة المقيّد الدالّ على حكم ذلك الفرد، وإلّا فيقدّم المقيّد على المطلق مطلقاً، وضروري أنّ نصوص محرّميّة الرّضاع ليست نصّاً في حصول الحرمة بوطء الشبهة.

ويرد على ما أفاده ثانياً: أنّ الاتّفاق على النشر بالارتضاع من المملوكة والمحلّلة، بضميمة ما فيهما من النّص، يقيّد الخبرين على فرض ظهورهما في اعتبار كون المرضعة امرأته، ولا يصلح قرينةً لحمل القيد على الغالب، مع أنّه على هذا لايبقى له دليلٌ على عدم النشر بالزّنا سوى الإجماع المعلوم مدركه.

وعليه، فالصحيح ما ذكرناه.

في اعتبار انفصال الولد وعدمه

المورد الرابع: المستفاد من النصوص المتقدّمة، سيّما موثّق يونس، وخبر يعقوب اعتبار حصول اللّبن من الحمل، فلو دَرّ اللّبن عن الخالية عنه وإنْكانت منكوحةً نكاحاً صحيحاً لا ينشر الحرمة، كما هو المشهور شهرة عظيمة، وعن «التذكرة»(1)، وفي «المستند»(2)، وعن غيرهما(3) دعوى الإجماع عليه، إنّما الخلاف في اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه إذا حصل الحمل لا من الوطء، كما لو حَملت المرأة من دخول ماء زوجها السابق إلى فرجها من غير دخول، ثمّ ولدت:

فهل تنتشر الحرمة كما هو مقتضى إطلاق الأخبار؟

ص: 124


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/615 (ط. ق).
2- مستند الشيعة: ج 16/233.
3- كما في الحدائق الناضرة: ج 23/323.

أم لا تنتشر كما هو ظاهر الأصحاب، حيث اعتبروا الوطء في ترتّب حكم الرّضاع، وصريح المحكي عن ثاني الشهيدين(1) حيث اعتبر الدخول ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، فالمدار على تكون الولد من مائه على وجهٍ يُنسب إليه الولد الذي يتبعه اللّبن، ولا يبعد أنْ يكون تعبير الأصحاب بالوطء باعتبار الغلبة، لا أنّ المراد اشتراط ذلك على وجهٍ يَخرج به الفرض.

الأمر الثاني: أنّه هل يعتبر انفصال الولد، كما في «الجواهر»(2)، وعن «الخلاف»(3)، و «الغنية»(4)، و «السرائر»(5)، و «التذكرة»(6)، و «التحرير»(7)، و «النهاية»(8) وشرح «القواعد» للمحقّق الثاني(9)، و «شرح النافع» للسيّد(10)، بل قيل إنّه الأشهر، بل عن الثلاثة الاُول الإجماع عليه ؟

أم يكفي الحمل، كماعن موضعٍمن «المبسوط»(11)، والمحقّق(12)، و «القواعد»(13)،1.

ص: 125


1- مسالك الأفهام: ج 7/207.
2- جواهر الكلام: ج 5/264.
3- الخلاف: ج 5/108 مسألة 22.
4- الغنية: ص 336.
5- السرائر: ج 520/2 قوله: (ومن شرط تحريم الرّضاع أنْ يكون لبن ولادة من عقد أو شبهة عقد... بدليل إجماعنا).
6- تذكرة الفقهاء: ج 2/617 (ط. ق) قوله: (اللّبن الذي ينزل على الاحبال لا حرمة له...).
7- تحرير الأحكام: ج 3/9 (ط. ق): ولا من دَرّ لبنها من غير ولادة.
8- النهاية: ص 461.
9- جامع المقاصد: ج 12/203-204.
10- نهاية المرام: ج 1/101.
11- المبسوط: ج 5/310 قوله: (فاحبلها ونزل لها لبنٌ فأرضعت به... فإنّ المرضع ولدهما معاً من الرّضاعة).
12- شرائع الإسلام: ج 2/508 قوله: (ولو طلّق الزّوج وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولداً نشر الحرمة كما لو كانت في حباله).
13- قواعد الأحكام: ج 3/21.

و «المسالك»(1)، و «الرّوضة»(2)، واختاره الشيخ الأعظم(3)؟ وجهان:

مقتضى إطلاق النصوص الدالّة على إناطة الحرمة بلبن الفحل - صحيح بُريد المتقدّم(4) وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يرضع من امرأةٍ وهو غلام، أيحلّ له أن يتزوّج اُختها لاُمّها من الرّضاعة ؟

فقال عليه السلام: إنْكانت المرأتان رضعتامن امرأةٍواحدةٍ ، من لبن فحل واحد، فلايحلّ (5)، ونحوهما غيرهما - هو الثاني، وكذا مقتضى إطلاق أدلّة محرّميّة الرّضاع.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بقوله عليه السلام في صحيح ابن سنان المتقدّم: «ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك»، بدعوى عدم صدق (الولد) مضافاً إلى (الأب) على الحمل.

2 - وبموثّق يونس، وخبر يعقوب المتقدّمين، الدالّين على أنّ دَرّ اللّبن من غير ولادةٍ لا يوجب النشر، وهما أخصّان من المطلقات، فتقيّد بهما.

وما عن المحقّق اليزدي: من الجواب عنهما بأنّهما يعارضان مع المطلقات المتقدّمة، حيث أنّها لورودها في مقام التخيير، وبيان الحَدّ، تكون كالنص الصريح في الإطلاق، بل يوجبُ انعقاد الإطلاق.

ولكن يرد على الوجه الأوّل: أنّ الولد يصدق على الحمل، مع أنّ وجود الولد بالفعل لا يعتبر في إضافة اللّبن إليه، ولذا لو مات الولد فأرضعت اُمّه يوجب ذلك نشر الحرمة.4.

ص: 126


1- مسالك الأفهام: ج 7/209.
2- الروضة البهيّة: ج 5/156.
3- كتاب النكاح: ص 291.
4- الكافي: ج 5/442 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/388 ح 25902.
5- الكافي: ج 5/443 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/389 ح 25904.

ويرد على الثاني: أنّه ليس فيهما أنّ دَرّ اللّبن قبل الولادة لا يوجبُ النشر، بل دَرّ اللّبن من غير ولادة، الظاهر إرادة الدَرّ من غير ولادةٍ رأساً حتّى في المستقبل، بحيث يكون الدّر لا عن حمل، فلا ينهضان لتقييد المطلقات.

وعليه، فالأظهر هو الاكتفاء بالحمل.

الأمر الثالث: لو دَرّ اللّبن قبل الحَمل، واستمرّ ذلك إلى ما بعد الحمل:

فهل يكفي ذلك في نشر الحرمة، نظراً إلى صدق كون اللّبن عن الحمل، وأنّ المسبّب يضافُ إلى أقوى السببين ؟

أم لا من جهة أنّه إنّما يصدق كون اللّبن دارّاً بنفسه وعن الحمل، ويكون منتسباً إليهما، ويكون كلّ منهما جزءُ العلّة، لو لم نقل بأنّ الأصل عدم حدوث اللّبن عن الحمل، وأنّه استمرارٌ لما كان قبله، وبه يظهر ما في الوجه الثاني ؟

وجهان، أقواهما الثاني.

الأمر الرابع: أنّ اللّبن الموجود بعد السِّقط، هل حُكمه حُكم اللّبن بعدالولادة أم لا؟

الظاهر هو الفرق بين كون الساقط تامُّ الخلقة، وقد ولج فيه الرُّوح، وبين عدم كونه كذلك:

فإنْ كان من قبيل الأوّل، حيث إنّه يصدق عليه الولد، وعلى وضعه الولادة، فحكمه حكم اللّبن بعد الولادة.

وإنْ كان من قبيل الثاني، فلا يترتّب عليه حكمه.

نعم، فيما إذا تمّت خلقته، ولم يولجه الروح، إشكالٌ .

الأمر الخامس: لا يعتبر بقاء المرأة على الحبالة، فلو طلّقها أو مات عنها وهي

ص: 127

حاملٌ منه، فأرضعت من لبنه ولداً تنتشر الحرمة، سواء في العِدّة أم بعدها، طال الزمان أم قصُر، تزوّجت بغيره أم لا.

فرع: لو استمرّ اللّبن من الأوّل إلى بعد التزويج من الثاني والحَمل منه، فهل اللّبن للثاني أو الأوّل، أولهما؟

وجوهٌ ، لا يبعد أظهرية الثاني، للاستصحاب.

وربما يقدّر بمضيّ أربعين يوماً من الحمل، فيكون اللّبن حينئذٍ للثاني، فينتشر الحرمة له.

ولو استمرّ إلى زمان الوضع، فما قبل الوضع للأوّل، وما بعده للثاني، لإجماع(1)أهل العلم كما قيل، وكفى به مستنداً.

***).

ص: 128


1- مستند الشيعة ج 16/235 قوله: (لو ولدت من الثاني... بإجماع أهل العلم كما قيل).

اعتبار بلوغ الرّضاع حَدّاً معيّناً

الشرط الثاني: الكميّة، أي بلوغ الرّضاع حَدّاً معيّناً، فإنّ المشهور بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه، أنّه لا يكفي مسمّى الرّضاع ومطلقه في نشر الحرمة.

وفي «الجواهر»: (إجماعاً بقسميه ونصوصاً مستفيضة أو متواترة)(1).

وفي «المستند»: (وهو مجمعٌ عليه بين الطائفة، إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً مستفيضاً)(2).

وخالف في المسألة بعض العامّة، فاكتفى بالمُسمّى، وادّعى أنّ عليه إجماع أهل العلم، ووافقه من أصحابنا ابن الجُنيد(3)، والمصريّ في «الدعائم»(4).

أقول: ويشهد لعدم كفاية المُسمّى نصوص كثيرة يأتي أكثرها في المباحث الآتية عند بيان التقديرات، ولكن بإزائها نصوص:

منها: صحيح عليّ بن مهزيار، عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّه كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرّضاع ؟

فكتب عليه السلام: قليله وكثيره حرام»(5).

ومنها: العلويّ : «يحرم من الرّضاع قليله وكثيره، المصَّة الواحدة تحرّم»(6).

ونحوه العلويّان الآخران(7).

ص: 129


1- جواهر الكلام: ج 29/269.
2- مستند الشيعة: ج 16/237.
3- المغني لابن قدامة: ج 9/192 قوله: (وعن أحمد رواية ثانية أنّ قليل الرّضاع وكثيره يحرّم.. وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والزُهري وقتادة...).
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/6.
5- دعائم الإسلام: ج 2/240-241.
6- التهذيب: ج 7/316 ح 16، وسائل الشيعة: ج 20/377 ح 25869.
7- دعائم الإسلام: ج 2/240 ح 901، المستدرك: ج 14/366 ح 16974.

ومنها: خبر زيد بن عليّ ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تَحلّ له أبداً»(1).

أقول: ولكن يرد عليها:

أوّلاً: أنّ غير الأوّل منها ضعيفُ السَّند(2)، والأوّل مجملٌ إذ المسؤول عنه فيه غير معلوم، ولعلّه تحريم أصل الارتفاع كما بعد الفِطام.

وثانياً: أنّ الأصحاب أعرضوا عنها.

وثالثاً: أنّها معارضة مع ما هو أكثرُ عدداً، وأصحّ سنداً، وأشهر عملاً وفتوىً ورواية، فلا ينبغي التوقّف في عدم كفاية المُسمّى .

ثمّ إنّ أصحابنا قدّروا المقدار الخاصّ الذي اعتبروه بثلاثة تقديرات: الأثر، والعدد، والزمان، خلافاً:

1 - للمحكيّ عن المفيد(3)، وسلّار(4)، فخصّا الحكمَ بالعدد.

2 - وللصدوق حيث قصره فيما حكى من هدايته(5) على الزمان، و «المقنع»(6)على الأثر.

3 - وللمحكيّ عن ابن سعيد(7) من تخصيص التأثير بما عدا الأثر.5.

ص: 130


1- فقه الرّضا عليه السلام: ص 232 ح 16973، الجعفريّات: ص 116، مستدرك وسائل الشيعة: ص 366 ح 16972.
2- تقدّم آنفاً.
3- المقنعة: ص 502.
4- المراسم: ص 151.
5- الهداية: ص 267.
6- المقنع: ص 330.
7- الجامع للشرائع: ص 435.

يوماً وليلة،

تقدير فترة الرِّضاع بالزمان

أمّا التقدير الأوّل: التقدير بالزمان، والمعروف بينهم اعتبار كون الرّضاع (يوماً وليلة).

وعن ظاهر «التبيان»(1)، و «مجمع البيان»(2)، و «الغنية»(3)، و «الإيضاح»(4)وغيرها(5): عدم الخلاف فيه.

وعن «الخلاف»(6): دعوى الإجماع عليه.

وعن «التذكرة» نسبته إلى علمائنا(7).

وعن «كشف اللّثام»(8): الاتّفاق عليه.

أقول: وبذلك يظهر ما ورد في «فقه الرّضا»: (والحَدّ الذي يحرّم به الرّضاع ممّا عليه عمل العصابة، دون كلّ ما روي فإنّه مختلفٌ ، ما أنبت اللّحم وقوي العظم،

ص: 131


1- التبيان: ج 3/160.
2- مجمع البيان: ج 3/55.
3- الغنية: ص 336 قوله: ومنها: (أنْ يكون ممّا ينبت اللّحم ويشدّ العظم، بأنْ يكون يوماً وليلة أو عشرة رضعات عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم خمس عشرة رضعة، والأوّل أحوط).
4- إيضاح الفوائد: ج 3/47.
5- كما في رياض المسائل: ج 10/136 (ط. ج).
6- الخلاف: ج 5/95-97 مسألة 3.
7- تذكرة الفقهاء: ج 2/620 (ط. ق).
8- كشف اللّثام: ج 7/135-136 (ط. ج).

وهو رضاع ثلاثة أيّام متوالياتٍ وعشرة رضعات... الخ)(1).

لأنّه لم يُعرف ولا حُكي عن أحدٍ من عصابة الحقّ العمل بذلك، بل لا يوجد رواية ولو شاذّة توافقه مع كثرة أخبار الباب.

ولِنعْم ما أفاده فقيه الأُمَّة صاحب «الجواهر» رحمه الله: (إنّ هذا أحد المقامات التي تشهد بعدم صحّة نسبة هذا الكتاب، مضافاً إلى ما اشتمل عليه ممّا لا يليق بمنصب الإمامة، وممّا هو مخالفٌ للمتواتر عن الأئمّة، أو ما ثبت بطلانه بإجماع الإماميّة بل الأُمَّة)(2) انتهى .

وأمّا نصوص الباب: فهي مختلفة:

فمنها: ما يدلّ على المشهور، وهو موثّق زياد بن سوقة، قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرِّضاع حَدٌّ يُؤخذ به ؟

فقال عليه السلام: لا، يُحرّم الرّضاع أقلّ من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحلٍ واحد، لم يفصل بينهما رضعة امرأةٍ غيرها.

فلو أنّ امرأةً أرضعت غلاماً أو جاريةً عشر رضعات من لبن فحلٍ واحد، وأرضعتهما امرأةٌ أُخرى من فحلٍ آخر عشر رضعات، لم يحرم نكاحهما»(3).

أقول: والإيراد عليه:

تارةً : بضعف السند.

وأُخرى : بما في «المستند» من أنّ دلالته بمفهوم الوصف الذي في اعتباره نظر(4).2.

ص: 132


1- فقه الرّضا عليه السلام باب النكاح والمتعة والرّضاع: ص 234، المستدرك: ج 14/366 ح 16972.
2- جواهر الكلام: ج 29/286.
3- التهذيب: ج 7/315 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح (25860).
4- مستند الشيعة: ج 16/242.

وثالثةً : بمعارضته بما دلّ على حصر الرّضاع المحرّم فيما أنبت اللّحم وشدّ العظم الآتي.

في غير محلّه: إذ ليس في سنده من يتوقّف فيه سوى عمّار الذي نقل الشيخ رحمه الله(1)عمل الأصحاب برواياته، ووثّقه الرجاليّون(2)، مع أنّ في السند ابن محبوب وهو من أصحاب الإجماع، أضف إلى ذلك عمل الأصحاب به، ودلالته على الاكتفاء برضاع يوم وليلة ليست بمفهوم الوصف، لوردوه في مقام التحديد، فلا إشكال في ثبوت المفهوم له.

ومعارضته بما دلّ على الحصر غير ظاهرة، لفقد العلم بعدم كونه منه، وأمّا لو فرض صورة علمه بذلك فستعرف حكمها لاحقاً.

ومنها: مايدلّ على أنّ المدار على الرّضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ، وهو:

1 - مرسل الصدوق الذي رواه في «الهداية»، قال:

«قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يحرم من الرّضاع ما يحرم من النسب، ولا يحرّم من الرّضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ليس بينهنّ رضاع»(3).

وفي «المستدرك»: (الأقوى ما دلّ عليه خبر «الهداية» وعليه المُعظم)(4).

أقول: ويمكن أن يكون ذلك كلام صاحب «غوالي اللئالي»(5).

2 - ومرسل «المقنع»: (وروي لا يحرم من الرّضاع إلّارضاع خمسة عشر يوماً).

ص: 133


1- الفهرست: ص 189 رقم 526.
2- رجال النجاشي: ص 290 رقم 779، خلاصة الأقوال: ص 381.
3- الهداية: ص 267، المستدرك: ج 14/366 ح 16971.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 14/367.
5- عوالي اللّئالي: ج 1/234 ح 138 قوله: (وقال عليه السلام: لا تحرم المصّة والمصّتان ولا الرضعة والرضعتان).

ولياليهنّ ، ليس بينهنّ رضاعٌ ، وبه كان يفتي شيخنا محمّد بن الحسن)(1).

لكن صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) لم يجده في «المقنع»، بل وجد فيه:

«وسُئل الإمام الصادق عليه السلام هل لذلك حَدّ؟

فقال عليه السلام: لا يحرم من الرّضاع إلّارضاع يومٍ وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهن»(3).

ومنها: ما يدلّ على التقدير بسنة:

1 - صحيح العلاء بن رزين، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سألته عن الرّضاع ؟

فقال عليه السلام: لا يحرم من الرّضاع إلّاما ارتضع من ثدي واحدٍ سنة»(4).

2 - ومرسل «المقنع»: (وروي لا يحرمُ من الرّضاع إلّاما ارتضع من ثدي واحدٍ سنة)(5).

ومنها: ما يدلّ على اعتبار الحولين، كخبر الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا يحرمُ من الرّضاع إلّاما كان حولين كاملين»(6).

ونحوه خبر زرارة وعبيد بن زرارة(7).

أقول: وأمّا ما رواه الصدوق قدس سره من الطائفة الثانية، فهو وإنْ كان واجداً لشرائط7.

ص: 134


1- المقنع: ص 330، وسائل الشيعة: ج 20/379 ح 25874.
2- جواهر الكلام: ج 29/279.
3- المقنع: ص 330، وسائل الشيعة: ج 20/379 ح 25873.
4- التهذيب: ج 7/318 ح 23، وسائل الشيعة: ج 20/378 ح 25872.
5- المقنع: ص 330، وسائل الشيعة: ج 20/379 ح 25876.
6- الفقيه: ج 3/477 ح 4675، وسائل الشيعة: ج 20/387 ح 25899.
7- التهذيب: ج 7/317 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/386 ح 25897.

الحجيّة لنسبته ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه و آله جزماً، إلّاأنّه من المحتمل انقطاع الحديث على كلمة (النسب)، ويكون الباقي فتوى الصدوق رحمه الله.

ويؤيّده: أنّ المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله متواتراً الجملة الأُولى خاصّة.

وأمّا مرسل «المقنع» منها فضعيفٌ للإرسال، وقد مرّ إنكار صاحب «الجواهر» رحمه الله وجوده.

وأمّا الطائفة الثالثة: فلم يوجد عاملٌ بها، ويتعيّن طرحها لذلك، وقد صحّف بعض متأخِّري المتأخّرين(1) ما فيها من كلمة (سُنّة) بالضَّم والتشديد، أو بالكسر، مع الإضافة إلى ضمير الارتضاع على أنّ المراد الرّضاع في الحولين اللّذين هما سِنّ الرّضاع والسُّنة فيه.

وأمّا الطائفة الرابعة: فإنّه وإنْ مال بعض متأخِّري المتأخّرين إلى مضمونها، لتعدّد رواياتها، واعتضادها بالأصل، والمخالفة لمذهب الجمهور، فقابلة للحمل على إرادة الظرفيّة من الحولين، ولا ينافيه وصف الكاملين، بل يتعيّن ذلك بعد فرض مخالفتها لإجماع المسلمين.

وفي «الجواهر»: (بل يمكن أنْ يكون مخالفاً للضرورة من الدِّين، وبُعده عن التقديرين الآخرين)(2).

أضف إلى جميع ذلك: أنّ هذه الطوائف معارضة مع الطائفة الأُولى المعمول بها بين الأصحاب، فهي تقدّم عند التعارض، لو لم تكن هذه ساقطة عن الحجيّة بأنفسها بالإعراض.7.

ص: 135


1- كشف اللّثام: ج 7/137 (ط. ج).
2- جواهر الكلام: ج 29/287.

فالمتحصّل: أنّ الميزان في حصول الحرمة هو رضاع يومٍ وليلة.

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: أنّ المشهور بين الأصحاب في هذا التقدير أنّه ينشر الحرمة مطلقاً.

وعن «المبسوط»(1)، و «النهاية»(2)، و «التذكرة»(3): أنّه يشترط عدم انضباط العدد، ويُعلم من ذلك أنّ الشيخ والمصنّف يعتبرون أنّ هذا التحديد لوحظ فيه الوسط، فإنّه - كما اعترف به الشهيد الثاني(4) - يأتي على العدد تقريباً، فيكون تحقيقاً في تقريبٍ ، كما هو عادة الشارع في ضبط قوانين الشرع في مقامات عديدة، وتظهر الثمرة لو نقص العدد في اليوم واللّيلة، بأن رضع فيهما الرضيع سبعة أو ثمانية مرّات، فينشر على المشهور، ولا ينشر على ما ذهبا إليه.

أقول: ولكن الأوّل أظهر، لإطلاق الموثّق والفتوى، سيّما مع معلوميّة اختلاف الأطفال في ذلك اختلافاً بيّناً.

الأمر الثاني: أنّه هل يعتبر ابتداء الرّضاع في ابتداء اليوم، وانتهائه في آخر اللّيلة أو العكس ؟

أم يكفي الملفّق لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ قولان:

فعن «الروضة»(5): اعتبار وقوع أوّل الرّضاع في أوّل اليوم.7.

ص: 136


1- المبسوط: ج 5/292.
2- النهاية: ص 461.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/620 (ط. ج).
4- مسالك الأفهام: ج 7/222.
5- الروضة البهيّة: ج 5/157.

واستظهر سيّد «الرياض»(1) عدم الاكتفاء بالملفّق، وقوّاه في «المستند»(2)، واحتمله في «الجواهر»(3).

والأقوى هو الثاني، لأنّ الظاهر من التحديد باليوم واللّيلة، إرادة مقدارهما، ألا ترى أنّه يقال لمن سار مقدار اليوم واللّيلة بحسب الزمان، أنّه سار يوماً وليلة، ولذا يُحمل على ذلك في الأزمنة المأخوذة موضوعات للأحكام الشرعيّة - كإقامة عشر أيّام، ومسير يومٍ وأكثر أيّام الحيض وأقلّها وما شاكل - وإلى هذا نظر الشيخ الأعظم رحمه الله حيث قال: (لصدق رضاع يومٍ وليلة عرفاً على رضاع الملفّق)(4).

واستدلّ للقول الآخر: بمنع صدق القيد المأخوذ في الرواية على صورة التلفيق، ويكون غيرها هو المتيقّن منه، فيجبُ الاقتصار عليه في مخالفة الأصل.

ولكن يندفع الأوّل: بما مرّ.

ويندفع الثاني: بأنّه لا وجه للاقتصار على المتيقّن مع وجود الإطلاق.

الأمر الثالث: أنّه هل يعتبر في رضاع هذا الزمان حال متعارف أوساط الأطفال، أو حال شخص ذلك الرضيع ؟ وجهان:

وتظهر الثمرة فيما إذا كان الطفل عُرضة ما يحتاج معه إلى الأقلّ ممّا يحتاج إليه الصحيح، أو كان مريضاً يحتاج إلى أزيد ممّا يحتاج إليه الصحيح كغلبة القيء عليه لعارضٍ .5.

ص: 137


1- رياض المسائل: ج 10/136 (ط. ج).
2- مستند الشيعة: ج 16/244.
3- جواهر الكلام: ج 29/288.
4- كتاب النكاح: ص 305.

أقول: أقواهما الثاني، لإطلاق الرواية وظاهرها.

وعلى القول بأنّ هذا التقدير من قبيل التحقيق في التقريب الأوّل، يكون أظهر.

ولكن عرفت فساده، ومخالفته لظاهر دليل التحديد.

الأمر الرابع: أنّ مقتضى الطلاق الموثّق، هو الاكتفاء بما هو المتعارف من الرّضاع في اليوم واللّيلة، فلا يعتبر إكمال الرَّضعة في كلّ مرّة، بل يكفي الإكمال بمرّة أُخرى ، وعليه فلو ارتضع الصَّبي بعض الرضعة، واشتغل بلعبٍ ونحوه حتّى تحقّق الفصل الطويل، ثمّ ارتضع رضعةً كاملة، لم يقدح وكان كافياً.

وعن «كشف اللّثام»(1)، وفي «المستند»(2): اعتبار الإكمال في كلّ رضعة، بدعوى أنّه المتبادر من رضاع يومٍ وليلة، بل هو معناه.

ولكنّه غير تامّ في جميع الأفراد، كما في المثال المذكور، وما شابهه.

الأمر الخامس: إذا تخلّل بين رضعاته يسيرٌ من الطعام، بحيث لا تُغنيه عن شُرب ما اعتاده من اللّبن، هل تكفي تلك الرضعات في نشر الحرمة، كما صرّح به بعض المحقّقين(3) أم لا؟ وجهان.

وفي «رسالة الشيخ الأعظم قدس سره»: (ويُشكل فيما اعتاده من يسيرٍ من طعام بحيثُ لا يُغنيه عمّا اعتاد شريه من اللّبن)(4)، انتهى .

ومنشأ الإشكال: إمّا عدم صدق رضاع يومٍ وليلة، بدعوى أنّ الظاهر منه هو4.

ص: 138


1- كشف اللّثام: ج 7/138 (ط. ج).
2- مستند الشيعة: ج 16/244.
3- جامع المدارك: ج 4/187.
4- كتاب النكاح: ص 304.

كون تغذية الطفل في تمام هذه المدّة باللّبن.

أو قوله عليه السلام في الموثّق: «متواليات» بدعوى رجوعه إلى الجملتين.

ويندفع الأوّل: بأنّ الظاهر منه هو الرّضاع في تلك المدّة بما هو المتعارف في رضاع الطفل، فلا يقدح اليسير من الطعام.

ويندفع الثاني: بأنّ الظاهر من القيد بقرينة الجمع، هو الرجوع إلى الجملة الثانية كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر: هو الاكتفاء بها، وأولى من ذلك ما لو شَرب الماء للعطش، وكذا لو أكل أو شرب الدّواء للعلاج.

***

ص: 139

أو ما أنبتَ اللّحم، وشَدّ العَظم،

تقدير فترة الرِّضاع بالأثر

التقدير الثاني: التقدير بالأثر.

قال المصنّف قدس سره: (أو ما أنبتَ اللَّحم، وشَدّ العظم)، ولا يخفى أنّ حصول النشر مع تحقّق هذا الأثر ممّا لا خلاف فيه بين علماء الإسلام، كما في «رسالة الشيخ الأعظم قدس سره»(1)، واعتباره متّفقٌ عليه، بل صرّح جماعة(2) بالإجماع عليه، وفي «الإيضاح»: أنّ عليه إجماع علماء الإسلام، ويشهد به نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح عبداللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام، قال: «لا يحرمُ من الرّضاع إلّا ما أنبتَ اللّحم، وشَدّ العظم»(3).

ومنها: حسن ابن أبي عُمير - أو صحيحه - عن زياد القندي، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلت: يحرمُ من الرّضاع الرضعة والرّضعتان والثلاثة ؟

قال عليه السلام: لا، إلّاما اشتدّ عليه العظم، ونبت اللّحم»(4).

ومنها: صحيح عليّ بن رئاب، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

ص: 140


1- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 301.
2- مسالك الأفهام: ج 7/213 قوله: (لا خلاف في النشر به)، نهاية المرام: ج 1/101.
3- الكافي: ج 5/438 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/382 ح 25886.
4- الكافي: ج 5/438 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/381 ح 25882.

«قلتُ : ما يحرمُ من الرّضاع ؟ قال: ما أنبتَ اللّحم وشَدّ العظم.

قلت: فيحرمُ عَشر رضعات ؟ قال عليه السلام: لا، لأنّه لا تُنبِتُ اللّحم، ولا تَشدّ العَظم عشر رضعات»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالتعرّض لاُمور:

الأمر الأوّل: قد وقع التحديد في غير واحدٍ من النصوص بإنبات اللّحم والدّم:

منها: مصحّح حمّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يحرمُ من الرّضاع إلّاما أنبتَ اللَّحم والدَّم»(2).

ومنها: صحيح عبيد بن زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الرّضاع، ما أدنى ما يحرم منه ؟ قال: ما أنبتَ اللّحم والدّم»(3).

وفي «كشف اللّثام»: (إنّ المراد بالدّم فيهما الغريزي، وهو الذي ينسبُ إليه الإنبات، لا الذي يستحيل إليه الغذاء في الكبد قبل الانتشار منه إلى الأعضاء)(4)، انتهى .

وعلى ذلك فلا يبعد تلازم التقديرين، ويؤيّده عدم تعرّض الأصحاب لتحقّق الحكم به نفياً وإثباتاً، وعليه، فإنْ علم بنبات اللّحم والدّم، ولم يعلم باشتداد العظم، يُحكم بالنشر، لإطلاق النّص.).

ص: 141


1- التهذيب: ج 7/313 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25861.
2- الكافي: ج 5/438 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/382 ح 25885.
3- الكافي: ج 5/439 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/379 ح 25877.
4- كشف اللّثام: ج 7/135 (ط. ج).

أقول: ونُسب إلى المحقّق اليزدي رحمه الله أنّه قال: يمكن إحراز الاشتداد بذلك الإطلاق، لئلّا يلزم التقييد، إذ مع حفظ الإطلاق، واعتبار الاشتداد في الانتشار، يُستكشف الملازمة بين التقديرين، وإلّا لزم رفع اليد عن الإطلاق.

وفيه: أنّ أصالة الإطلاق كأصالة الحقيقة وما شاكل، إنّما يُرجع إليها عند الشكّ في المراد مع إحراز الموضوع لإثبات الحكم، وأمّا مع معلوميّة الحكم، فلا وجه للرجوع إليها لإحراز الموضوع المشكوك فيه، ولو أُحرز عدم الملازمة، فيقيّد إطلاق مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر، وتكون النتيجة الاكتفاء بكلّ واحدٍ من التقديرين.

الأمر الثاني: أنّ مقتضى الأخبار اعتبار الأثرين معاً، كما عن الأكثر، فلا يكفي حينئذٍ أحدهما.

وعن الشهيد في «اللُّمعة»(1): الاكتفاء به، بل حكاه السيّد في محكيّ «نهاية المرام»(2) عن جماعةٍ ، وقوّاه وعلّله بالتلازم، واحتمل التعليل به في «الروضة»(3)ولكن رَجّح اعتبار الجمع، وقَطَع به في «المسالك»(4) على ما حَكى، ورَدّ القول بالاكتفاء به بالشّذوذ ومخالفة النصوص والفتوى.

أقول: ويظهر من هذه الكلمات أنّه لا خلاف في أصل الحكم، وهو اعتبار الأثرين معاً، وإنّما الاختلاف في التلازم بين الأثرين، فلو اُحرز أحدهما يُحرز الآخر قهراً، فيثبت الحكم على القول به، وعلى فرض البناء على عدم التلازم3.

ص: 142


1- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 163.
2- نهاية المرام: ج 1/103.
3- الروضة البهيّة: ج 5/156-157.
4- مسالك الأفهام: ج 7/213.

لا ينشر الحرمة.

وفي «المستند»(1) الاستدلال للاكتفاء بأحدهما بالنصوص الدالّة على أنّه:

(يحرم بالرّضاع ما أنبتَ اللّحم والدّم).

وفيه: أنّها لا تدلّ على الاكتفاء بأحدهما، وإنّما تدلّ على الاكتفاء بإنبات الدّم مع انبات اللّحم عن شَدّ العظم.

الأمر الثالث: أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ هذه العلّامة علامة مستقلّة مقابلة للزمان والعَدد.

وفي «الجواهر»: (وبه قال الشيخ في «النهاية»(2) و «الخلاف»(3)، والقاضي(4)والحلبيّون الثلاثة(5)، والشهيدان(6)، والمحقّق والكركي(7)، وعامّة المتأخّرين(8)، وهو الأصحّ )(9)، انتهى .

وعن الحلبيّين(10)، والطبرسي(11)، وظاهر كتابي الشيخ في الأخبار(12)،3.

ص: 143


1- مستند الشيعة: ج 16/239.
2- النهاية: ص 461.
3- الخلاف: ج 5/95-96 كتاب الرّضاع مسألة 3.
4- المهذّب: ج 2/190.
5- السرائر: ج 2/520، شرائع الإسلام: ج 2/508، قواعد الأحكام: ج 3/22.
6- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 163، مسالك الأفهام: ج 7/223.
7- جامع المقاصد: ج 17/214-215.
8- كالسيّد في نهاية المرام: ج 1/102.
9- جواهر الكلام: ج 29/275.
10- الكافي في الفقه: ص 285، الغنية: ص 336.
11- مجمع البيان: ج 2/190.
12- الاستبصار: ج 3/194 ح 4، تهذيب الأحكام: ج 7/312 ح 3.

ومحتمل المفيد(1)، وسلّار(2)، وابن سعيد(3): سقوط الفائدة في هذه العلّامة، والاستغناء عنها بالزمان والعدد، وقوّاه الشيخ الأعظم رحمه الله(4).

أقول: الظاهر من النصوص الدالّة على الحرمة معها، سواءٌ وافق أحدهما أو خالف هو الأوّل، ولكن من جهة أنّ الإطلاع عليه بنحوٍ يظهر للحسّ عند الحاجة إليه لا يمكن إلّالبعض أهل الخبرة، ومع ذلك حَصَر في النصوص الكثيرة الرّضاع المحرّم بما: (أنبت اللّحم وشَدّ العظم)(5)، واُشير في بعضها إلى أنّ العدد إنّما يحرّم لكونه محصّلاً له(6) يتعيّن البناء على الثاني، ويشير إليه صحيح عليّ بن رئاب، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت: ما يحرم من الرّضاع ؟ قال عليه السلام: ما أنبتَ اللّحم وشَدّ العظم.

قلت: فيحرم عشر رضعات ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّه لا تنبت اللّحم، ولا تشدّ العظم عشر رضعات»(5).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ هذا في خصوص العدد دون الزمان، مع أنّ لازم ذلك ليس حصر علامته فيهما، بحيث لو تحقّق عند أهل الخبرة بل وعند غيرهم بدونهما لا يُحكم بالحرمة، بل لازمه كونهما علامتين له، فيبنى عليه مع وجود أحدهما، وإنْ شكّ فيه، ولم يظهر لاهل الخبرة، وعليه فلا يسقط هذه العلّامة.1.

ص: 144


1- المقنعة: ص 502 قوله: (والذي يحرم من النكاح عشرة رضعات متوالات).
2- المراسم: ص 151.
3- الجامع للشرائع: ص 435.
4- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 303. (5و6) وسائل الشيعة: ج 20/374-382 باب 2 من أبواب ما يحرم بالرِّضاع.
5- التهذيب: ج 7/313 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25861.

أضف إليه أنّ الجمع بين ما في صحيح ابن رئاب - الذي اُشير إليه في بعض النصوص الاُخر - وإطلاق ما دلّ على أنّ العدد بنفسه يوجب التحريم، يمكن بالبناء على أنّ ذلك هي الحكمة لمحرّميّة العدد لا العلّة، بل يتعيّن ذلك بملاحظة ما في صحيح محمّد بن مسلم - من جعل العدد مقابل الأثر - فقد روى عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام أنّهما قالا:

«إذا رضع الغلام من نساء شتّى ، وكان ذلك عدّة، أو نبت لحمه ودمه عليه يحرم عليه بناتهنّ كلهنّ »(1).

وعليه، فالأظهر أنّ كلّاً من التقديرات الثلاثة مستقلٌّ في التأثير في الحرمة، سيأتي إنْ شاء اللّه تعالى ما يقتضيه الجمع بين أدلّتها في موارد الاختلاف.

الأمر الرابع: هل يعتبر في التحريم بالأثر استقلال الرّضاع في حصوله على وجهٍ ينسب إليه، فلو فرض تركّب غذاء الصّبي منه ومن غيره، وكان الإنبات والإشتداد منسوبين إليهما لا يكفي، أم لا يعتبر ذلك ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لأنّ ذلك هو الظاهر من ما دلّ على أنّ المُحرِّم هو ما أنبتَ اللّحم وشَدّ العظم، فإنّه في صورة التركّب لا يكون ذلك منتسباً إلى الرّضاع، ويشير إليه:

1 - الخبر المرسل الذي رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«الرّضاع الذي ينبت اللّحم والدّم، هو الذي يرضع حتّى يتضلّع ويتملّى7.

ص: 145


1- وسائل الشيعة: ج 20/382 ح 25887.

وينتهي نفسه)(1).

2 - وخبر ابن أبي يعفور، قال: «سألته عمّا يحرم من الرّضاع ؟

قال عليه السلام: إذا رضع حتّى يمتلي بطنه، فإنّ ذلك يُنبت اللّحم والدّم»(2).

فإنّهما يدلّان على أنّ الإنبات المجعول موضوعاً للحرمة، هو ما انتسب إلى الرّضاع خاصّة.

3 - وخبر مسعدة بن زياد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يحرمُ من الرّضاع إلّا ما شَدّ العظم، وأنبت اللّحم، فأمّا الرضعة والثنتان والثلاث - حتّى بلغ العشر - إذا كُنّ متفرّقات فلا بأس»(3).

فإنّه يشعر بأنّه في صورة التفرّق لا يكفي، لعدم انتساب شَدّ العظم وإنبات اللّحم إليها.

وعليه، فلا يُصغى إلى ما قيل من إنّ اللّبن والغذاء وإنْ امتزجا في المعدة، إلّاأنّ لكلّ منهما أثراً مستقلّاً، فيصدق على كلّ منهما أنّه أنبتَ لحماً وشَدّ عَظْماً، مع إنّه فاسدٌ في نفسه، لأنّ المعلول إنّما يُنسب إلى مجموع العلّتين لو اشتركا لا إلى كلّ منهما.

الأمر الخامس: أنّ المعتبر في الأثرين هو حصولهما بنحوٍ يظهر لدى حِسّ أهل الخبرة، فلا يتحقّقان بالمُسمّى ، كما يشير إليه النصوص الدالّة على أنّهما لا يحصلان بالرّضعة والثنتين والثلاث، وقد تقدّم بعضها، ولو كان مطلق التأثير كافياً، كان ذلك حاصلاً بالرّضعة الواحدة، مع أنّه لزم منه فساد التحديد، لأنّه8.

ص: 146


1- الكافي: ج 5/445 ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/383 ح 25889.
2- التهذيب: ج 7/316 ح 15، وسائل الشيعة: ج 20/383 ح 35888.
3- التهذيب: ج 7/314 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/377 ح 25868.

لا يزيد على اعتبار أصل الرّضاع.

فما عن ظاهر ابن الجُنيد(1) - ومن قال بالمُسمّى من أصحابنا(2) - من الاكتفاء بما يحصل من الرّضعة الواحدة، غيرُ تامٍّ .

الأمر السادس: أنّ المرجع في حصول الأثرين فيما لا يكون بيّناً، هو قول أهل الخبرة، كما نصّ عليه جماعة(3).

وفي «الجواهر»: (نعم يعتبر فيه شروط الشهادة من الإيمان والعدالة والعدد، فلا حكم للواحد)(4).

وقريب منه في «المستند»(5).

أقول: ولكن الأظهر هو ما عن السيّد الدّاماد(6) من الاكتفاء بخبر الواحد، وذلك لما حقّقناه في محلّه(7) من حجيّة خبر الواحد في الموضوعات.

الأمر السابع: ولا يعتبر الإيمان والعدالة، بل يُكتفى بخبر الثقة، لما حُقّق في محلّه(8) من حجيّة الخبر الموثّق في الموضوعات.

***8.

ص: 147


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/6.
2- كما في دعائم الإسلام: ج 3/240-241.
3- كالشيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 7/213، السيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 10/135 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/276.
5- مستند الشيعة: ج 16/240.
6- حكاه عنه المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 16/240. (7و8) زبدة الأُصول: ج 4/148.

التقدير بالعدد

التقدير الثالث: تقديره بالعدد:

واعتباره في التقدير إجماعي، ونقلُ الإجماع عليه مستفيضٌ ، وقد تقدّم ما نُسب إلى ابن الجُنيد من الاكتفاء برضعة واحدة، وما يمكن أنْ يُستدلّ به والجواب عنه، وإنّما المعركة الكبرى في أنّ العدد المحرّم:

1 - هو ماكان عشررضعات، كماعن العُمّاني(1)، والمفيد(2)، والسيّد(3)، والحلبى(4)، والقاضي(5)، والديلمي(6)، والحِلّي في أوّل كتاب النكاح(7)، وابني زُهرة(8) وحَمزة(9)، والمصنّف في «المختلف»(10)، وولده في «الإيضاح»(11)، والشهيدفي «اللُّمعة»(12)، والسيّدالدّاماد(13)، وابن فهد(14)، بل هو الأشهر كما صرّح به الشهيدالثاني(15)؟

ص: 148


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/5.
2- المقنعة: ص 502.
3- ذكره الحِلّي في السرائر: ج 2/520.
4- الكافي في الفقه: ص 285.
5- المهذّب: ج 2/190.
6- المراسم: ص 151.
7- السرائر: ج 2/520.
8- الغنية: ص 336.
9- الوسيلة: ص 301.
10- مختلف الشيعة: ج 7/5-6.
11- إيضاح الفوائد: ج 3/47.
12- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 163.
13- حكاه عن الرسالة الرّضاعيّة في بلغة الفقيه: ج 3/198، دليل العروة الوثقى: ج 2/621.
14- المهذّب البارع: ج 3/241.
15- مسالك الأفهام: ج 7/215.

أو كان خمس عشرة رضعة،

2 - (أو كان خمسة عَشَر رضعة) كما عن الشيخ في «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، وكتابي الأخبار(3)، والحِلّي في أوّل الرّضاع(4)، والمحقّق(5)، والمصنّف في غير «المختلف»(6)، والمحقّق الثاني في شرح «القواعد»(7)، والشهيد الثاني(8)، ولعلّه المشهور بين المتأخّرين، بل نُسب ذلك إلى المشهور(9) بقول مطلق ؟

واستدلّ للأوّل:

1 - بالإطلاقات من الكتاب والسُّنة، ولكنّها لا تصلح للمقاومة مع النصوص الآتية، بل يقيّد الإطلاقات بها.

2 - وبخبر الفُضيل، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا يحرم من الرّضاع إلّاالمخبورة أو خادم أو ظِئرٌ ثمّ يرضع عشر رضعات يروى الصّبي وينام»(10).

وأُورد عليه تارةً : بضعف السند، لأنّ في طريقه محمّد بن سنان، وقد ضعّفه0.

ص: 149


1- النهاية: ص 416.
2- المبسوط: ج 4/204.
3- الاستبصار: ج 3/194 ح 5، تهذيب الأحكام: ج 7/315 ح 12.
4- السرائر: ج 2/551.
5- شرائع الإسلام: ج 2/508.
6- كما في تذكرة الفقهاء: ج 2/620، تحرير الأحكام: ج 2/9.
7- جامع المقاصد: ج 12/217.
8- مسالك الأفهام: ج 7/221-222.
9- كما في تذكرة الفقهاء: ج 2/620.
10- التهذيب: ج 7/315 ح 13، وسائل الشيعة: ج 20/377 ح 25870.

المشايخ(1) عدا المفيد رحمه الله.

وأُخرى : باضطراب المتن، لخلوّ «الفقيه»(2) من زيادةٍ رواها الشيخ في ذيله - أعني قوله عليه السلام: «ثمّ يرضع عَشر رضعات» - مع سبق الصدوق عن الشيخ زماناً، وضبط الأخبار كتابة، فكيف يتصوّر في حقّه أو في الكتب التي أخذ الحديث منها إهمال شطرٍ من كلام المعصوم عليه السلام مرتبطٍ بما قبله غاية الارتباط، ويحتاج إليه نهاية الاحتياج.

وثالثة: بالمخالفة للإجماع، من جهة حصرها الرّضاع المحرّم في المخبورة.

ولكن يمكن دفع الأوّل: بأنّ الأظهر وثاقته، فقد وثّقه المفيد رحمه الله في «الإرشاد»(3)في باب النّص على مولانا الرّضا عليه السلام، والفاضل المجلسي في «الوجيزة»(4)، والشيخ الحُرّالعاملي(5)، والحسن بن أبي شُعبة في «تحف العقول»(6)، والسيّد ابن طاووس في كتاب «التتّمات والمهمّات»(7)، والمصنّف رحمه الله في رضاع «المختلف»(8)، ومسألة التكبير للركوع من «المنتهى »(9) على ما حُكي، وقد تبعه في وصف حديثه هذا بالصحّة9.

ص: 150


1- رجال النجاشي: ص 328 رقم 888، رجال الكشّي: ج 2/687 رقم 729 وج 2/795-796 رقم 976-981، رجال الطوسي: ص 364.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/477 ح 4672.
3- الإرشاد: ج 2/248.
4- حكاه الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: ص 309 عن الوجيزة بقوله: (هو معتمدٌ عندي).
5- راجع وسائل الشيعة: ج 30/474، وقد حكاه عنه غير واحد منهم كاشف الغطاء في الفوائد الرجاليّة: ج 3/260-261.
6- حكاه عنه في منتهى المقال: ج 6/69 رقم 2669.
7- حكاه عنه الحُرّ العاملي في وسائل الشيعة: ج 30/474.
8- مختلف الشيعة: ج 7/8.
9- حكاه عن المنتهى غير واحد منهم ما في مجمع الفائدة والبرهان: ج 3/309.

ولده الفخر(1)، والمحقّق الكركي(2)، وحُكي القول بوثاقته عن السيّد الدّاماد(3)، والميرزا في «الوسيط»(4)، والعلّامة الطباطبائي(5).

أضف إلى ذلك ورود جملةٍ من النصوص في مدحه، ورواية كثيرٍ من الأجلّاء عنه، ولهذا لا يُعتنى بتضعيف جماعةٍ إيّاه، سيّما وأنّ منشأ تضعيف جمعٍ منهم رميه بالغلوّ، وهو غير ظاهر، واصطلاح جمعٍ آخر منهم في الضعف غير ما يضرّ بحجيّة الخبر، مع أنّ اعتماد القدماء من الأصحاب عليه، وإفتائهم بما تضمّنه يوجبُ جبر الضعف لو كان.

وأمّا الثاني فيدفعه: أنّ الظاهر كون ما رواه الشيخ رحمه الله غير ما رُوي في «الفقيه»، لأنّ أحدهما مرويٌّ عن الإمام الصادق عليه السلام والآخر عن الإمام الباقر عليه السلام، وليس في طريق رواية «الفقيه» محمّد بن سنان، ومتن الخبرين أيضاً مختلف، فلا شكّ في التعدّد، ومجرّد كون الراوي فيهما الفُضيل لا يوجب كونهما خبراً واحداً.

مع أنّه لو سُلّم وحدتهما، فإنّ مقتضى أصالة عدم الزيادة عند دوران الأمر بينها وبين النقيصة، هو البناء على الثاني على ما حُقّق في محلّه(4)(6).

وأمّا الثالث فيندفع: بأنّ الحصر في الخبر يمكن أنْ يكون لاشتراط التوالي، الذي لا يتحقّق غالباً إلّافي تلكم النسوة، ويؤيّده ما ورد في الخبر الآخر من7.

ص: 151


1- إيضاح الفوائد: ج 3/46.
2- جامع المقاصد: ج 13/340.
3- حكاه عنه في الفوائد الرجاليّة: ج 3/259. (4و5) حكاه عن الوسيط للميرزا الاسترآبادي صاحب منهج المقال مخطوط كاشف الغطاء في الفوائد الرجاليّة: ج 259/3.
4- زبدة الأُصول (ط. ق): ج 3/437.

قوله عليه السلام: «أو ظئر تستأجر، أو خادم تُشترى، أو ماكان مثل ذلك موقوفاً عليه»(1).

مع أنّ الحكم المخالف للإجماع لو كان، فإنّما هو في الجملة الأُولى بالنسبة إلى منطوقها، لا المفهوم الذي هو المقيّد لإطلاق الأدلّة.

فتحصّل: أنّه لا إشكال في الخبر سنداً ولا دلالةً .

كما أنّ موثّق عمر بن يزيد، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الغلام يرضع الرّضعة والثنتين ؟

فقال عليه السلام: لا يحرّم، فعدّدتُ عليه حتّى أكملتُ عَشر رضعات، فقال عليه السلام: إذا كانت متفرّقة فلا»(2).

واستدلّ له أيضاً: بحصول الأثرين - أي النبات والاشتداد - بها، كما يدلّ عليه صحيح عُبيد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرّضاع، ما أدنى ما يحرّم منه ؟

قال عليه السلام: ما يُنبت اللّحم والدّم، ثمّ قال: أترى واحدة تنبته ؟

فقلت: اثنتان أصلحك اللّه ؟ فقال عليه السلام: لا، فلم أزَل أعدّ عليه حتّى بلغت عَشر رضعات»(3).

وبخبر مسعدة، عنه عليه السلام: «لا يحرّم من الرّضاع إلّاما شَدّ العظم وأنبت اللّحم، فأمّا الرضعة والرضعتان والثلاث - حتّى بلغ عشراً - إذا كن متفرّقات فلا بأس»(4).8.

ص: 152


1- التهذيب: ج 7/324 ح 42.، وسائل الشيعة: ج 20/376 ح 25866.
2- التهذيب: ج 7/314 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/375 ح 25864.
3- الكافي: ج 5/438 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/380 ح 25880.
4- الكافي: ج 5/439 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/380 ح 25878.

أقول: ولكن بإزاء هذه النصوص ما يدلّ على القول الثاني:

منها: موثّق زياد بن سوقة، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: هل للرِّضاع حَدٌّ يؤخذ به ؟

فقال عليه السلام: لا يحرّم الرّضاع أقلّ من يومٍ وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات، من امرأةٍ واحدة، من لبن فحلٍ واحد، لم يفصل بينهما رضعة امرأة أُخرى ، فلو أنّ امرأةً أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحلٍ واحد، وأرضعتهما امرأةٌ أُخرى من فحلٍ آخر عشر رضعات، لم يحرم نكاحهما»(1).

ونحوه مرسل «المقنع»(2).

وأيضاً: ما دلّ على أنّ عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً:

منها: صحيح عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قلتُ له: ما يحرّم من الرّضاع ؟

قال: ما أنبتَ اللّحم، وشَدّ العظم.

قلت: فيحرّم عشر رضعات ؟ قال عليه السلام: لا، لأنّه لا تنبت اللّحم، ولا تشدّ العظم عشر رضعات»(3).

ومنها: موثّق عبيدبن زرارة، قال: «سمعته يقول: عشررضعات لاتحرّمن شيئاً»(4).

ومثله خبر ابن بكير(5).ى.

ص: 153


1- التهذيب: ج 7/315 ح 12، المقنع ص 330، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25860.
2- التهذيب: ج 7/313 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25861.
3- التهذيب: ج 7/313 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25861.
4- التهذيب: ج 7/313 ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25862.
5- مستند الشيعة: ج 16/247-248 والعبارة منقولة بالمعنى.

أقول: وقد قيل في مقام الجمع بين الطائفتين وجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المستند»، من أنّ الطائفة الثانية أعمٌّ من الأُولى ، فإنّها تدلّ على عدم حصول الرّضاع المحرّم بالعَشر أعمٌّ من المتواليات والمتفرّقات، والأُولى تدلّ على حصوله بها إذا كانت متواليات، فيقيّد إطلاقها بها(1).

وفيه: إنّ قوله عليه السلام في موثّق زياد: «عشر رضعات» بقرينة تفريعه على اعتبار «خَمس عشرة رضعة متواليات» ظاهرٌ في العشر المتواليات دون الأعمّ منها ومن المتفرّقات.

الوجه الثاني: أنّ الطائفة الأُولى دلالتها على الاكتفاء بالعشر إنّما هي بالمفهوم، ودلالة الثانية على عدم الاكتفاء بها بالمنطوق، فهذه أصرح دلالة، مع احتمال مفهومها الحَمل على ما إذا وقعت العَشر المتواليات في يومٍ وليلة، فإنّ مفهومها بهذا الاعتبار أعمّ من منطوق الطائفة الثانية.

وفيه: إنّ مجرّد الأصرحيّة لا يصلحُ قرينةً على التقديم، بعد فرض دلالة كلٍّ منهما على خلاف ما يدلّ عليه الآخر، إلّاإذا كانا من قبيل النّص والظاهر أو ما شاكل، وأمّا أعميّة مفهوم الأُولى بالاعتبار المذكور، فقد اعترف قائلها في ذيل كلامه بأنّ التخصيص بها بعيدٌ، ومع ذلك فهي غيرُ تامّة، إذ لم يتعرّض في تلك النصوص للزّمان الذي يقع فيه العدد، بل هي متعرّضة لحكم العدد من حيث هو.

الوجه الثالث: تقديم الأُولى ، لموافقتها للكتاب.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم رحمه الله: بأنّ الترجيح بموافقة الكتاب يتوقّف على عدم1.

ص: 154


1- كتاب النكاح: ص 311.

جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وإلّا فموافقة الكتاب لتلك الروايات بعد تخصيصه بالطائفة الثانية غير حاصلة، إلّابعد ترجيح تلك الروايات، وهو أوّل الكلام، ويلزم الدور أيضاً كما لا يخفى (1).

ويرد عليه: إنّ موافقة الكتاب من المرجّحات بنصّ الأخبار، فلا سبيل إلى ما اُفيد، ولكن الترجيح بها يتوقّف على عدم إمكان الجمع العرفي بينهما، وفَقْدِ جملةٍ من المرجّحات.

والحقّ أنْ يُقال: إنّ الطائفتين متعارضتان، لا يمكن الجمع بينهما، فلابدّ من الرجوع إلى نصوص الترجيح، وهي تقتضي تقديم نصوص حصول الرّضاع المحرّم بالعَشر، فإنّ أوّل المرجّحات هو الشهرة، وهي غير ثابتة في شيءٍ منهما، والثاني صفات الراوي، ولا شبهة في أنّها أصحّ سنداً فتُقدَّم، وإذا ثبت عدم النشر بالعَشر، تعين القولُ بالنَشر بالخَمس عشرة، لعدم القائل باعتبار أزيدٍ منها من حيث العَدد، ولمفهوم صدر موثّق سوقة الوارد في مقام التحديد.

وأمّا خبر عمر بن يزيد، قال: «سمعتُ أباعبداللّه عليه السلام يقول: خمس عشرة رَضعةً لا تُحرّم»(2) فمحمولٌ على صورة عدم التوالي، للإجماع ظاهراً على النشر بهذا العدد مع التوالي.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو كون الرِّضاع المحرم خمس عشرة رضعة، ولا يُحرّم الأقلّ منها.5.

ص: 155


1- كتاب النكاح: ص 311.
2- التهذيب: ج 7/314 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/375 ح 25865.

كاملة

وأيضاً: لا خلاف في أنّه يعتبر في الرَّضعات المحرّمة أنْ تكون كلّ رضعةٍ (كاملة)، فالرضعة الناقصة لا تعدّ من العدد، ما لم تُكمل على وجهٍ لا يقدح في الاتّحاد:

1 - لأنّ المتبادر من إضافة (الرضعة) إلى (العدد) ذلك، ولا يقالُ عشر رضعاتٍ إلّامع كون كلّ واحدةٍ كاملة، ولو نقص بعضها يصحّ السلب.

2 - وللتقييد في خبر الفُضيل المتقدّم بالّلتي: «ترويّ الصَّبي» أي كلّ واحدةٍ منها، ولا ينافيه اشتماله على كلمة (النوم) أيضاً، لأنّ ارضاع الطفل بمثل ذلك يكون منوّماً عادةً ، أو المعنى أنّه يكون من شأنه ذلك.

3 - ولخبر ابن أبي يعفور: «سألته عمّا يحرمُ من الرِّضاع ؟ قال عليه السلام: إذا رضع حتّى يمتلي بطنه»(1) الحديث، فتأمّل.

والمرجع في الكمال هو العرف.

وعن بعضٍ تحديده: (بأنْ يَروى الصّبي ويصدر من قِبل نفسه)(2).

وفي مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«الرّضاع الذي ينبت اللّحم والدّم، هو الذي يرضع حتّى يتضلّع ويمتلي وينتهي من نفسه»(3).

والظاهر من نظر العرف أيضاً ذلك.8.

ص: 156


1- التهذيب: ص 316 ح 15، وسائل الشيعة: ج 20/383 ح 25889.
2- حكاه المحقّق في الشرائع: ج 2/227، والعلّامة في التحرير: ج 2/9، وغيرهما والكلّ حكاه ب قيل.
3- التهذيب: ص 316 ح 14 و 15، وسائل الشيعة: ص 383 ح 25888.

كما أنّ المرجع في معنى الاتّحاد هو العرف، فلو لفَظ الصّبي الثدي للنفس أو السّعال، أو الانتقال من ثَدي إلى ثدي أُخرى ، أو الالتفات إلى مُلاعبٍ ونحوه، ثمّ عاد في الحال، فالمجموع يعدّ رضعة واحدة.

نعم، لو لم يعد إلّابعد مدّة، فالظاهر عدم احتساب مجموعها من العدد.

***

ص: 157

من الثدي

اعتبار كون شرب اللّبن على وجه الامتصاص من الثدي

الشرط الثالث: من الشرائط كون شُرب اللَّبن على وجه الامتصاص (من الثَّدي)، فلا ينشرُ الحُرمة بوجور اللّبن في حلق الصّبي على المعروف بين معظم الأصحاب.

وعن «المسالك»: (لا نعلمُ فيه خلافاً لأحدٍ من أصحابنا إلّاابن الجُنيد)(1).

وعن ظاهر «التذكرة»(2): الإجماع عليه.

وعن الإسكافي(3) الاكتفاء بالوجور.

وفي «المستند»: (وهو مختار مواضع من «المبسوط»(4)، مدّعياً في بعضها ما يظهر منه الإجماع، وإنْ وافق المشهور في موضعٍ آخر منه)(5).

وقوّاه في «المفاتيح»(4) وشرحه(5).

واستدلّ للأوّل: بأنّه المتبادر من الرّضاع، والإرضاع، والإرتضاع، وأنّه يصحّ سلب هذا العنوان عمّا لو شربه من غير الثَّدي، فكيف بمن احتقن به، أو أكله

ص: 158


1- مسالك الأفهام: ج 7/230.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/617 (ط. ق).
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/15. (4و5) المبسوط: ج 5/294 و 295.
4- مفاتيح الشرائع: ج 2/238.
5- مستند الشيعة: ج 16/259-260.

جُبُنَّاً، وبذلك صرّح اللّغويون أيضاً.

وإنْ شئت فقل: من الواضح أنّ الرّضاع من الموضوعات، ولا يعتبر في صدقه عند العرف بعض ما اعتبره الشارع الأقدس، ومع ذلك نرى أنّه لا يصدق ذلك عندهم لو شَرب الطفل لبن الحيوان بخلاف ما إذا مَصَّ من ثديه.

وبالجملة: لا ينبغي التوقّف في التبادر، وصحّة السَّلب المذكورين، ولا أقلّ من الشكّ ، فحيث أنّه حينئذٍ من قبيل الشكّ في صدق الموضوع، فلا مورد للتمسّك بالإطلاق الذي قدّمنا أنّه لو شكّ في دخل قيدٍ في الرّضاع المحرّم يبني على عدم الدخل، فإنّ ذلك بعد فرض صدق الموضوع عرفاً، وفي المقام يكون ذلك مشكوكاً فيه، ويؤيّده ما ورد في الصحيحين:

في أحدهما: «لا يحرمُ من الرّضاع إلّاما ارتضع من ثَدي واحد سنة»(1).

وفي آخر: «لايَحرمُ من الرّضاع إلّاما ارتضعا من ثدي واحدٍحولين كاملين»(2).

بناءً على ما تقدّم في توجيه الخبرين بما لا ينافي المُجمَع عليه، بجعل:

«حولين كاملين» في الثاني ظرفاً، وقراءة: «سُنّة» في الأوّل بتشديد النون، والإضافة إلى ضميرٍ راجع إلى الإرضاع.

أقول: وإنّما جعلناهما مؤيّدين نظراً إلى إمكان أنْ يُقال إنّ قوله عليه السلام: «من ثدي» لا يكون ظاهراً في الامتصاص، لصدقه مع كون اللّبن منه كيفما شُرب، سيّما إذا كان بنحو الوجور، وإنْ كان بعيداً جدّاً.7.

ص: 159


1- التهذيب: ج 7/318 ح 23، وسائل الشيعة: ج 20/378 ح 25896.
2- التهذيب: ج 7/317 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/386 ح 25897.

وأيضاً: أنّ الظاهر من الثاني اعتبار اتّحاد المرضعة في نشر الحرمة بين المرتضعين، وعدم كفاية اتّحاد الفحل في ذلك، وهو مخالفٌ للإجماع(1) - على ما قيل(2) - ولما دلّ على كفاية اتّحاد الفحل، وإنْ كان يمكن أنْ يُقال إنّه عامٌ يدلّ على عدم الاكتفاء باتّحاد الفحل بالعموم، فيقيّد إطلاقه بما دلّ على كفايته وبالإجماع.

مع أنّه من المحتمل بعيداً كون لفظ: «واحد» صفة للرجل المحذوف اُقيمت مقامه لا للثدي، فيكون المعنى حينئذٍ: (إلّا ما ارتضعا من ثَدي يكون مختصّاً برجلٍ واحد).

ويمكن أنْ يكون المراد دفع احتمال الاكتفاء بالارتضاع من امرأتين، بأن يرتضع بعض الرّضاع المُحرِّم من إحداهما والباقي من الاُخرى .

أقول: وأيضاً يؤيّد أصل الحكم الصحيحان:

أحدهما: ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه: «جاء رجلٌ إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك(3) فاسقته جاريتي ؟

فقال: اوجع امرأتك، وعليك بجاريتك»(4).

وفي الثاني: «عن امرأةٍ حَلبت من لبنها، فأسقت زوجها لتحرُم عليه ؟

قال عليه السلام: أمسكها وأوجع ظهرها»(5).

فإنّهما بترك الاستفصال عامّان للرّجل والجارية الصغيرين دون الحولين.2.

ص: 160


1- كشف اللّثام: ج 7/140 (ط. ج).
2- جامع المدارك: ج 4/185.
3- مكوك: إناء كانوا يكيلون به.
4- الكافي: ج 5/445 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/393 ح 25916.
5- الكافي: ج 5/443 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/385 ح 25892.

ولو نَشر الوجور الحرمة لخُصّ بقاء الزوجيّة فيهما بما إذا وقع الوجور بعدهما.

ويؤيّد إطلاقهما أنّ ظاهر السؤال هو السؤال عن أنّ هذا القسم من شُرب اللّبن، هل يحرّم أم لا، ولا نظر له إلى سائر الجهات.

واستدلّ للقول الثاني:

1 - بصدق الرّضاع على الوجور.

2 - وبتنقيح المناط، فإنّ العلّة الموجبة للتحريم هي إنبات اللّحم وشَدّ العظم، كما يظهر من غير واحدٍ من الأخبار، وهما يتحقّقان بغير الامتصاص أيضاً.

3 - وبمرسل الصدوق، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «وجور الصَّبي بمنزلة الرّضاع»(1).

4 - وبخبر «الجعفريّات» عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا أوجر الصّبي أو أسعط باللبن فهو رضاع»(2).

ونحوه خبر «دعائم الإسلام» عنه(3).

أمّا الأوّل: فيندفع بما مرّ.

وأمّا الثاني: فيردّه منع كون العلّة التامّة هو الإنبات، فكما أنّ للولادة والحمل وما شاكلّ مدخليّة في الحكم، يمكن أنْ يكون للامتصاص من الثدي أيضاً دخلٌ فيه، وعلّية الإنبات ليست منصوصة، وتعليل عدم التحريم في بعض النصوص بعدم الإنبات، لا يدلّ على تعليل التحريم بالإنبات.

وأمّا الثالث: فاورد عليه بضعف السند، ومعارضته مع النصوص المتقدّمة.

ويمكن الجواب عن الأوّل: بأنّ الصدوق يَنسب هذا الخبر إلى المعصوم عليه السلام7.

ص: 161


1- وسائل الشيعة: ج 20/394 ح 25918. (2و3) الجعفريّات: ص 116، دعائم الإسلام: ج 2/242 ح 910، المستدرك: ج 14/370 ح 16987.

جزماً، وقد مرّ غير مرّة أنّ هذا النحو من المرسل إنْ كان مُرِسله ثقة حجّة.

والجواب عن الثاني: بحكومة المرسل عليها، ولكنّه غير ظاهرٍ في عموم المنزلة، بل من الممكن أنْ يكون التنزيل بلحاظ الحرمة بعد الفطام، فلا حكومة له على ما أُخذ في الموضوع من الارتضاع من ثدي واحد، كما فيما تقدّم من النصوص فتأمّل.

أضف إليه إعراض المشهور عنه.

وأمّا الرابع فيردّه: أنّ الخبرين ضعيفان سنداً، والأصحاب أعرضوا عنهما، ومشتملان على ما يخالف الإجماع، وهو إلحاق الشُرب من الانف بالرّضاع.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه يعتبر في الرّضاع المحرّم الامتصاص من الثدي، ومع ذلك الاحتياط في خصوص الوجور لا ينبغي تركه.

***

ص: 162

لا يفصلُ بينها رضاعٌ أُخرى

اعتبار توالي الرَّضعات

الشرط الرابع: أنْ (لا يفصل بينها) أي بين الرّضعات (رضاعٌ ) من امرأةٍ (أُخرى ) إجماعاً في التقدير العددي، كما عن «التذكرة»(1)، و «الخلاف»(2)، و «الغنية»(3)، و «المسالك»(4)، وصرّح به الأكثر في الزماني، وعلى الأظهر في التقدير الأثري.

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: في التقدير العددي.

ويشهد لاعتبار عدم الفصل فيه موثّق زياد بن سوقة المتقدّم، قال:

«قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: هل للرّضاع حَدُّ يؤخذ به ؟

فقال عليه السلام: لايحرّم الرّضاع أقلّ من يومٍوليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات، من امرأةٍ واحدة، من فحلٍ واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأةٍ غيرها»(5) الحديث.

ويؤيّده موثّق عمر بن يزيد المتقدّم، المتضمّن لأنّ الرضعات إذا كانت متفرّقات لا تُحرّم، ونحوه خبر مَسعدة(6).

فلو رضع من واحدة بعض العدد، ثمّ رضع من أُخرى ، بطل حكم الأُولى وإنْ

ص: 163


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/620 (ط. ج).
2- الخلاف: ج 5/95-97 مسألة 3.
3- الغنية: ص 336.
4- مسالك الأفهام: ج 7/227.
5- التهذيب: ج 7/315 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/374 ح 25860.
6- التهذيب: ج 7/314 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/377 ح 25868.

أكملته بعد ذلك، وكذا لو تناوب عليه عِدّة نساء لم تنشر الحرمة، وإنْ كُنَّ لرجلٍ واحد، ما لم يكمل من واحدةٍ منهنّ بالخصوص خمس عشرة رضعة ولاءً .

وهل القادح في التوالي هو مسمّى رضاع امرأةٍ أُخرى ، كما هو صريح «القواعد»(1)، وظاهر المتن، و «الشرائع»(2)، والمحكيّ من عبارة «المبسوط»(3)، بل عن «كشف اللّثام» نسبته إلى إطلاق الأصحاب(4)، وعن «المسالك»: (ينبغي أنْ يكون العمل عليه)(5)؟

أو الرضعة الكاملة، فلا يقدح فيه حينئذٍ الناقصة، كما هو صريح «التذكرة»(6)، و «الجواهر»(7)، و «الرياض»(8)، وقوّاه الشيخ الأعظم قدس سره(9)؟ وجهان.

يشهد للثاني: ظهور لفظ (رضعة) في موثّق زياد، الذي هو الأصل في هذا الحكم في ذلك، خصوصاً بعد ملاحظة إرادة الكاملة منها في ضمن الخمس عشرة، لظهور اتّحاد المراد منها فيهما.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّه لا يصدق التوالي التي قيّدت الرّضعات به في الموثّق عرفاً إلّامع عدم فصل مسمّى الرّضاع.6.

ص: 164


1- قواعد الأحكام: ج 3/23.
2- شرائع الإسلام: ج 2/508.
3- المبسوط: ج 5/294.
4- كشف اللّثام: ج 7/140 (ط. ج).
5- مسالك الأفهام: ج 7/229.
6- تذكرة الفقهاء: ج 2/620 (ط. ق).
7- جواهر الكلام: ج 29/293.
8- رياض المسائل: ج 10/143 (ط. ج).
9- كتاب النكاح: ص 316.

2 - وبصدق التفرّق الذي جُعل قادحاً ومانعاً في الخبرين الآخرين، مع تخلّل الرّضعة الناقصة.

ولكن يرد الأوّل: أنّ التوالي قد فُسّر في الموثّق بأنْ لا يفصل بين الرضعات رضعة امرأةٍ أُخرى الظاهرة في الكاملة، ومن الواضح أنّ ظهور الشرح مقدّمٌ على ظهور المشروح، لكونه قرينة عليه، ومنع كونه تفسيراً له - كما في «المستند»(1) - خلاف الظاهر.

ويرد الثاني: أنّ الخبرين يدلّان على أنّ عشر رضعات إذا كانت متفرّقة لا تُحرّم، ومفهومهما أنّها إذا لم تكن متفرّقة تُحرّم.

أمّا المفهوم فقد مرّ عدم العمل به، وأنّ نصوص التحريم بالعشر لابدّ وأن تُطرح، والمنطوق لا يدلّ على أنّ الخمس عشرة إذا كانت متفرّقة كذلك، فتدبّر فإنّه دقيق.

وعليه، فالأظهر أنّ فصل الرضعة الناقصة لا يقدح.

وأمّا تخلّل غير الرّضاع: من المأكول والمشروب، فلا يقدح، ولا يكون مانعاً عن نشر الحرمة، كما عن «المقنعة»(2)، و «السرائر»(3)، و «القواعد»(4)، و «شرح النافع» لسيّد «المدارك»(5) وغيرها(6)، بل عن «السرائر»، و «الحدائق»(7) دعوى الإجماع عليه.7.

ص: 165


1- مستند الشيعة: ج 16/255.
2- المقنعة: ص 502.
3- السرائر: ج 2/520.
4- قواعد الأحكام: ج 3/23.
5- نهاية المرام: ج 1/112.
6- كما في جامع المقاصد: ج 12/220، كشف اللّثام: ج 7/140 (ط. ج).
7- الحدائق الناضرة: ج 23/317.

وفي «رسالة الشيخ الأعظم قدس سره»: (ينبغي القطع بعدم قطع تخلّل غير الرّضاع في التوالي)(1)، لأنّ التوالي المعتبر قد فُسِّر في الموثّق بأنْ لا يفصل بين الرضعات رضاعُ امرأةٍ أُخرى ، فلا دليل على قدحه.

أقول: واستدلّ للقدح به:

تارةً : بأنّ العدد كاشفٌ عن الإنبات، فلو تخلّل الأكل على وجهٍ يعلم عدم الإنبات بالخمسة عشر المتخلّلة - كما لو اتّفق الفصل بين كلّ رضعتين مثلاً - لا يكون كاشفاً، فلا يحرم.

وأُخرى : بأنّ التخلّل به ينافي التوالي المعتبر في الرضعات.

وثالثة: بصدق التفرّق معه، وقد جُعل مانعاً عن النشر في الخبرين المتقدّمين.

والجواب: أنّ في الكلّ مناقشة:

أمّا الأوّل: فلأنّ ظاهر الدليل كما تقدّم كون العدد سبباً مستقلّاً لا كاشفاً، مع أنّ العدد المزبور كاشفٌ شرعاً، ويمكن أنْ يكون الشارع قد لاحظ الكشف في أغلب أفراده وجعله علامةً دائماً محافظةً على ضبط الشرع، كما في «الجواهر»(2).

وأمّا الثاني: فلما مرّ من تفسير التوالي بعدم تخلّل رضاعٍ آخر.

وأمّا الثالث: فلما تقدّم من أنّ مفهوم الخبرين ساقطٌ، ومنطوقهما لا يدلّ على المقام، مع أنّ التفرّق إنّما يصدق إذا تخلّل بينها من جنسها، وإلّا فيتوقّف حصول التعدّد على تخلّل شيء ظاهر.

وعليه، فالأظهر عدم قدح تخلّله.3.

ص: 166


1- كتاب النكاح: ص 317.
2- جواهر الكلام: ج 29/293.

المورد الثاني: في التقدير الزماني.

وقد تقدّم أنّ الظاهر من دليل اعتباره - وهو موثّق زياد المتقدّم - هو كون تغلبة الطفل في المدّة المذكورة بلبن امرأة معيّنة، غاية الأمر بما يتعارف في رضاع الطفل، فلا يقدح اليسير من الطعام.

وعلى هذا، فلو تخلّل رضعةٌ أُخرى ، أو أكل أو شرب غير الماء، يكون مانعاً عن تحقّق ما هو الموضوع للحرمة.

فالمتحصّل: أنّه يعتبر في نشر الحرمة في التقدير الزماني التوالي وعدم التخلّل.

المورد الثالث: في التقدير بالأثر.

وقد مرّ عند بيان أصل التقدير اعتبار عدم التخلّل فيه أيضاً، فراجع.

***

ص: 167

وأنْ يكون في الحولين بالنسبة إلى المُرتَضع،

اعتبار كون الرّضاع في الحولين

(و) الشرط الخامس: من الشرائط (أنْ يكون) الرّضاع (في) أثناء (الحولين بالنسبة إلى المُرتَضع) قبل استكمالهما، فلا عبرة برضاعه بعدهما، إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً عن «الخلاف»(1)، و «الغُنية»(2)، وفي «التذكرة»(3)، و «المختلف»(4)، و «القواعد»(5)، و «شرح الإيضاح»(6) ونكت الشهيد(7) و «المسالك»(8)، وشرح الصّيمري(9) وغيرهما(10)، كما في «المستند»(11).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(12).

وفي «الرياض»: (واعتباره مقطوعٌبه في كلام الأصحاب، مدّعى عليه الإجماع)(13).

ص: 168


1- الخلاف: ج 5/99-100 مسألة 5.
2- الغنية: ص 335.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/619 (ط. ق).
4- مختلف الشيعة: ج 7/12.
5- قواعد الأحكام: ج 3/23.
6- إيضاح الفوائد: ج 3/48.
7- غاية المراد: ج 3/145.
8- مسالك الأفهام: ج 7/235.
9- تلخيص الخلاف: ج 3/110.
10- كما في نهاية المرام: ج 1/112، الحدائق الناضرة: ج 23/363.
11- مستند الشيعة: ج 16/250، كتاب فقه الرّضا: مسألة 5.
12- جواهر الكلام: ج 29/297.
13- رياض المسائل: ج 10/144 (ط. ج).

أقول: واستدلّ له:

1 - بالنبويّ المرويّ مستفيضاً: «لا رضاع بعد فطام»، لاحظ صحيح منصور ابن حازم(1).

2 - وخبر انس بن محمّد، عن أبيه(2)، ومرسل المفيد(3) وغيرها، وعين هذه الجملة مرويّة عن الإمام الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي(4)، وخبر حمّاد بن عثمان(5)، ومعنى هذه - على ما عن «الفقيه» - أنّه إذا رضع حولين كاملين ثُمّ شَرب من امرأةٍ أُخرى ما شرب، لم يحرم الرّضاع، لأنّه رضاعٌ بعد فطام، أي بعد بلوغ سِنّ الفطام(6).

قال حمّاد بن عثمان: سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «لا رضاع بعد فطام، قلت: وما الفطام ؟ قال عليه السلام: الحولين الذين قال اللّه عزّ وجلّ »(7).

وفيه: أُوردعلى الاستدلال بذلك في «المستند»: بأنّهذه الجملة مجملة من وجهين:

أحدهما: باعتبار الحولين، حيث إنّه يحتمل أنْ يكون بالنسبة إلى المرتضع، ويحتمل أنْ يكون بالنسبة إلى ولد المرضعة، ولا يفيدُ تفسيره بالأوّل في «الكافي» و «الفقيه»، لعدم حجيّة قولهما مع احتمال غيره بحسب اللّغة، سيّما مع معارضته4.

ص: 169


1- الكافي: ج 5/443 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/384 ح 25890.
2- الفقيه: ج 4/352 ح 5762 باب نوادر، وسائل الشيعة: ج 20/387 ح 25900.
3- وسائل الشيعة: ج 20/387 باب 5 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25901، المقنعة: ص 503.
4- الكافي: ج 5/443 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/385 ح 25891.
5- الكافي: ج 5/443 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/385 ح 25894.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3/476 ذيل الحديث 4666.
7- الكافي: ج 5/443 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/385 ح 25894.

بتفسيره بالثاني في كلام ابن بُكير، كما نقله في التهذيبين(1) بسندٍ معتبر، ويظهر منهما ارتضائه أيضاً لذلك التفسير، وحمل جمعٍ من الأصحاب على ذلك بعض الأخبار المشترط لعدم الفطام أيضاً.

ثانيهما: باعتبار الرّضاع المنفيّ بعدهما، أو المثبت قبلهما، إذ بعد أن ليس المراد بالنفيّ نفيه حقيقةً ولا حقيقة شرعيّة، فمن الممكن أنْ يكون المراد نفي الرّضاع المجوّز، أو الوارد في الكتاب، أو غير ذلك من المجازات، وكذلك في الإثبات(2).

ويرد على ما أفاده أوّلاً: أنّ ظاهر قوله عليه السلام: «لا رضاع بعد فطام» هو كونهما وصفين لواحدٍ، أي لا رضاع بالنسبة إلى صبيّ بعد فطامه، لا بعد فطام صبيٍّ آخر، وكلام ابن بُكير ككلام الكليني والصّدوق لا يكون حجّة في تعيين المفاهيم العرفيّة.

ويرد على ما أفاده ثانياً: أنّ قوله: «لا رضاع» من قبيل نفي الحُكم بلسان نفي الموضوع.

وبعبارة أُخرى : نفيٌللرِّضاع حقيقةً عن عالم التشريع، ولا مجاز ولا خلاف الواقع.

وحينئذٍ مقتضى إطلاقه أو ظهوره نفي محرّميّة الرّضاع.

وعليه، فالمتحصّل من النبويّ وما شاكله، هو أنّ الرّضاع الواقع بعد زمان الفطام - أعني الحولين - لا يُحرّم، وما يقع قبله يُحرّم، فلا عبرة بنفس الفطام، حتّى أنّه لو لم يفطم الصّبي إلى أن تجاوز الحولين، ثمّ ارتضع بعدها قبل الفطام لم يثبت التحريم، كما أنّه لو فطم قبل الحولين ثمّ ارتضع قبلهما ثبت التحريم.

وعن ابن الجُنيد: أنّه لو رضع بعد الحولين قبل أنْ يفطم، يثبت التحريم(3)، فهو2.

ص: 170


1- تهذيب الأحكام: ج 7/317-318 ح 19، الاستبصار: ج 3/197-198 ح 19.
2- مستند الشيعة: ج 16/251.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/12.

مخالفٌ في الحكم الأوّل، ويشهد له خبر داود بن الحُصين، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«الرّضاع بعد الحولين قبل أنْ يفطم محرّم»(1).

ولكن رماه الشيخ في «التهذيب» بالشذوذ، وحَمَله فيه وفي «الاستبصار» على التقيّة على ما حُكي، وعن الشهيد رحمه الله أنّ هذه الفتوى مسبوقة بالإجماع وملحوقة به(2).

وعلى الجملة: الخبر عليفرض تسليم صحّة سنده، لإعراض الأصحاب عنه، ومعارضته بالنصوص الاُخر لا يُعتمد عليه.

وعن الحسن بن أبي عقيل: البناء على عدم التحريم، إذا ارتضع قبل الحولين وبعد الفطام.

وفي صحّة النسبة تأمّلٌ ، إذ لم يفتِ إلّابمضمون النبويّ ، حيث قال: (الرّضاع الذي يُحرّم قبل الفطام)، وقريبٌ منه عبارة «الكافي».

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ له المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف» بصحيح البقباق، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «الرّضاع قبل الحولين قبل أنْ يفطم»(3).

وأجاب عنه: بأنّ المراد قبل أنْيستحقّ الفَطم(4)، واستحسنه الشيخ الأعظم رحمه الله(5).

لكنّه خلافُ الظاهر، إذ ظاهر أخذ كلّ عنوانٍ في الموضوع، دخله فيه في نفسه.

وأجاب عنه المحقّق اليزدي: بأنّه يقع التعارض بين ظهور خبر حمّاد في أنّ 8.

ص: 171


1- وسائل الشيعة: ج 20/386 ح 25896.
2- غاية المراد: ج 3/146.
3- الكافي: ج 5/443 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/385 ح 25893.
4- مختلف الشيعة: ج 3/13.
5- كتاب النكاح: ص 298.

المراد بالفطام هو الحولين، وظهور خبر البقباق في أنّ المراد نفسه في مقابل الحولين، فيجبُ الرجوع حينئذٍ إلى إطلاق صحيح بُريد، القاضي بنفي اعتبار الفطام بنفسه في نشر الحُرمة.

وفيه: أنّه لا تعارض بينهما، فإنّ خبر حمّاد يُفسّر الفطام بالحولين، وهذا الخبر متضمّنٌ لاعتبار أنْ يكون الرّضاع قبل أنْ يفطم زائداً على اعتبار كونه في الحولين.

وعليه، فما في «الجواهر» من أنّ الإنصاف عدم خلوّ اعتبار ذلك عن قوّة، إنْ لم يقم إجماع، ضرورة كونه هو مقتضى قواعد الجمع بين الإطلاق والتقييد، وأصالة التأسيس، وظهور الفِطام في الفعليّ منه لا سِنّه)(1) هو الصحيح.

عدم اعتبار كون الرّضاع قبل فطام ولد المرضعة

أقول: المحكيّ عن جماعةٍ - منهم الحلبي(2)، وابنا زُهرة(3) وحمزة(4)، اعتبار أنْ يكون الرّضاع قبل فطام ولد المرضعة أيضاً، فإذا ارتضع قبل فطام المرتضع، وبعد فطام ولد المرضعة، لا يحرم.

وعن الحِلّي(5)، والمصنّف(6) في غير «المختلف»، والمحقّق في «الشرائع»(7)

ص: 172


1- جواهر الكلام: ج 29/297.
2- الكافي في الفقه: ص 285.
3- الغنية: ص 335.
4- الوسيلة: ص 301.
5- السرائر: ج 2/552.
6- قواعد الأحكام: ج 3/23، إرشاد الأزهان: ج 2/20.
7- شرائع الإسلام: ج 2/509 الشرط الثالث.

وفي ولد المُرضِعة قولان

والشهيدين(1)، وفخر الإسلام(2) وغيرهم(3): عدم اعتبار ذلك، بل ربما نُسب(4) إلى الأكثر.

وظاهر المصنّف رحمه الله هنا، حيث قال: (وفي ولد المُرضعة قولان) التردّد في الحكم.

وكيف كان، فمستند القول الثاني إطلاق الأدلّة والأصل.

واستدلّ للأوّل:

1 - بإطلاق قوله صلى الله عليه و آله: «لا رضاع بعد فطام»، وأخبار الحولين.

2 - وبقول ابن بُكير في تفسير النبويّ أنّه: «إذا تمَّ للغلام سنتان أو الجارية، فقد خرج من حَدّ اللّبن، ولا يفسد بينه وبين من شَرب من لبنه، قال: وأصحابنا يقولون إنّها لا تُفسد إلّاأنْ يكون الصّبي والصبيّة يشربان شَربةً شربة».

3 - وبما عن «الغنية»(5) من الإجماع عليه.

أمّا الأوّل: فمردود بما مرّ من أنّ الظاهر من النبويّ أنّ المراد من (الفطام) فيه هو فطام من لا رضاع له وهو المرتضع، وأمّا إرادة فطام غيره خاصّة، أو بالإطلاق، فهي خلاف الظاهر.

ولوفرض الشكّفيماذكرناه، فغايته الإجمال، والمتيقّن هوفطام خصوص المرتضع.

ص: 173


1- غاية المراد: ج 3/146-149، مسالك الأفهام: ج 7/237.
2- إيضاح الفوائد: ج 3/48.
3- كما في جامع المقاصد: ج 12/222، رياض المسائل: ج 10/145 (ط. ج).
4- كما في إيضاح الفوائد: ج 3/48.
5- الغنية: ص 335.

أقول: وبه يظهر ما في أخبار الحولين، أضف إليه أنّه قد وقع الحولان في الأخبار تفسيراً للفطام، الذي عرفت ظهوره في فطام المرتضع، فالمراد منه لا محالة حولاً رضاع المرتضع.

ومع الشكّ في ذلك، حيث أنّ إرادة حولي المرتضع متيقّنة للإجماع وغيره، وإرادة حولي ولد المرضعة مشكوك فيها، فلابدّ من الرجوع بالنسبة إليه إلى أدلّة اُخر.

وأمّا الثالث فيردّه: عدم حجيّة فهم ابن بُكير علينا، ومعارضته بفهم الشيخ الكليني والصدوق كما مرَّ.

وأمّا الرابع: فالمنقول منه غير حجّة، لا سيّما مع ذهاب جمعٍ كثير من الأساطين إلى خلافه، بل نُسب إلى الأكثر، أضف إليه معلوميّة مدرك المُجمعين، ولا أقلّ من احتماله.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار كون الرّضاع في حولي ولد المرضعة، فلو مضى لولدها أكثر من حولين، ثمّ أرضعت من له دون الحولين، نَشر الحرمة.

ولو رضع العدد إلّارضعة، فتمّ الحولان للمرتضع، ثمّ أكمله بعدهما، لم يَنشر الحرمة، لتحقّق الفطام، وكذا لو كمل الحولان ولم يرو من الأخيرة، لعدم صدق تمام العدد في الحولين.

بحث: لو تمّت الرضعة مع تمام الحولين للمرتضع:

فهل يحرّم لأنّ المنفيّ في النصوص الرّضاع بعد الفطام ؟

أم لا يحرّم، لأنّ في صحيح البقباق المتقدّم الرِّضاع قبل الحولين ؟

ص: 174

وجهان أظهرهما الأوّل، لأنّه يمكن أنْ يكون المراد من الصحيح قبل تجاوز الحولين، لا قبل تمامهما، فلا صارف عن ظهور الآخر.

ولو شكّ في كونه في الحولين

فعن «القواعد»(1)، و «جامع المقاصد»(2): الحكم بالحِلّ ، لأنّ الشكّ في الشرط شكٌّ في المشروط، فيبقى أصل الإباحة بحاله.

وفيه: أنّ مقتضى استصحاب بقاء كونه في الحولين، وعدم تجاوزهما، البناء على تحقّق الشرط.

ودعوى : أنّه يعارضه استصحاب عدم الرّضاع في الحولين.

مندفعة: بأنّه إنْ اُريد به عدم تحقّق موضوع الحرمة، فهو محكومٌ بالتحقّق بضمّ الوجدان إلى الأصل، إذ الرّضاع وجدانيٌّ ، وعدم تماميّة حولي المرتضع محرزٌ بالأصل.

وإنْ اُريد به عدم اقتران الرّضاع بالحولين.

فيردّه: أنّه ليس الاقتران والاجتماع موضوع الحكم، بل تمام الموضوع هو ذوات القيدين، أي الرّضاع وكون المرتضع في حولي رضاعه.

وعليه، فالأظهر هو الحكم بالحرمة.

أقول: ثمّ إنّ المراد بالحول هو القمري لا الشمسي، لأنّه المتداول عند العرب في عصرهم عليهم السلام ومستمرٌّ إلى يومنا هذا، فالمعتبر في الحولين الأهلّة.5.

ص: 175


1- قواعد الأحكام: ج 3/23.
2- جامع المقاصد: ج 12/225.

ولو انكسر الشهر الأوّل، بأن كان الشروع في الارتضاع من يوم العاشر من الشهر مثلاً، اعتبر ثلاثة وعشرون شهراً بعد المنكسر بالأهلّة، وإكمال المنكسر من الشهر الخامس والعشرين كغيره من الآجال على ما تقدّم في التقدير الزماني للرِّضاع.

***

ص: 176

وأنْ يكون اللّبن لفحلٍ واحدٍ، فلو أرضعت امرأتان صبيّين بلبنِ فحلٍ واحد، نَشَر الحرمة بينهما، ولو أرضعت امرأة صبيّين بلبنِ فحلين، لم يَنشُر الحرمة.

اعتبار اتّحاد الفحل

(و) الشرط السادس: من شروط نشر الحرمة بالرّضاع هو (أنْ يكون اللّبن) الذي يرتضع المرتضعتان منه (لفحلٍ واحد، فلو أرضعت امرأتان صبيين بلبن فحل واحد نشر الحرمة بينهما، ولو أرضعت امرأة صبيّين بلبنِ فحلين لم ينشر الحُرمة).

أقول: صريح كلامه رحمه الله أنّ العبرة بالاُخوّة الرّضاعيّة من جهة الأب وهو الفَحل، ولا يكفي الاخوة من جهة الاُمّ خاصّة، وهذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل الاكتفاء بالاُخوّة من ناحية الأب خاصّة إجماعي لم يخالف فيه أحد.

وأمّا عدم الاكتفاء بها من ناحية الاُمّ خاصّة، فعن «التذكرة»(1)، و «المسالك»(2)دعوى الإجماع عليه.

ولكن الشيخ الطبرسي(3) صاحب «التفسير» خالف في ذلك، فاعتبر الأخوّة الرّضاعيّة من جهة الاُمّ ، وحُكي عن الراوندي في «فقه القرآن»(4)، وقوّاه صاحب «المفاتيح»(5) وشارحه(6)، واستجوده الشهيد الثاني في محكيّ «المسالك»(7).

ص: 177


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/621 (ط. ق).
2- مسالك الأفهام: ج 7/237 قوله: (بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع).
3- مجمع البيان: ج 3/54-55.
4- فقه القرآن: ج 2/90.
5- مفاتيح الشرائع: ج 2/238 مفتاح 692.
6- حكاه عنه المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 16/267.
7- مسالك الأفهام: ج 7/240.

فها هنا مطلبان:

المطلب الأوّل: في اعتبار اتّحادالفحل، وأنّه لاتكفي الاُخوّة الرّضاعيّة من جهة الاُمّ ، وقد عرفت أنّ المشهور بين الأصحاب اعتباره، ويشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الرّجل يرضع من امرأةٍ وهو غلام، أيحلّ له أن يتزوّج اُختها لاُمّها من الرّضاعة ؟

فقال عليه السلام: إنْ كانت المرأتان رضعتا من امرأةٍ واحدة، من لبن فحلٍ واحد فلا يحلّ ، وإنْ كانت المرأتان رضعتا من امرأةٍ واحدةٍ من لبن فحلين فلا بأس بذلك»(1).

ومنها: موثّق الساباطي، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن غلامٍ رضع من امرأةٍ ، أيحلّ له أن يتزوّج اُختها لأبيها من الرّضاعة ؟

فقال عليه السلام: لا، فقد رضعا جميعاً من لبن فحلٍ واحد، من امرأةٍ واحدة.

قال: فيتزوّج اُختها لاُمّها من الرّضاعة ؟

قال: فقال عليه السلام: لا بأس، إنّ اُختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام، فاختلف الفحلان فلا بأس»(2).

ولا يضرّ ظهورهما في اعتبار اتّحاد المرضعة الذي ليس معتبراً بالإجماع، لما يأتي.

أقول: وقد يستدلّ له بصحيح العِجلي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يُحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من النسب، فسِّر لي ذلك ؟3.

ص: 178


1- الكافي: ج 5/443 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/389 ح 25904.
2- الكافي: ج 5/442 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/388 ح 25903.

فقال عليه السلام: كلّ امرأةٍ أرضعت من لبن فحلها ولدُ امرأةٍ أُخرى من جاريةٍ أو غلام، فذلك الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله. وكلّ امرأةٍ أرضعت من لبن فحلين، كانا لها واحداً بعد واحد، من جاريةٍ أو غلام، فإنّ ذلك رضاعٌ ليس بالرّضاع الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يحرم من الرّضاع ما يحرم من النسب، وإنّما هو نُسب من ناحية الصِّهر رضاع، ولا يحرّم شيئاً، وليس هو سببُ رضاعٍ من ناحية لبن الفحولة فيحرم»(1).

بدعوى أنّ قوله عليه السلام: «واحداً بعد واحد» ليس حالاً للفحلين، بل هو مفعولٌ ل «أرضعت»، و «من جاريةٍ أو غلام» بيانٌ له.

ولكنّه غير ظاهر، لاحتمال كونه حالاً من فحلين، والمفعول مقدّراً يدلّ عليه ذكره سابقاً، وقوله: «من جاريةٍ أو غلام» بياناً له، فيكون مفاده حينئذٍ أنّه يعتبر أنْ يكون القدر المحرّم من اللّبن لفحلٍ واحد، فلو أرضعت المرأة من لبن فحلٍ نصف المقدار المحرّم، وأرضعت من لبن فحلٍ آخر نصفه الآخر لم يحرم، وهو غير مربوط بما نحن فيه.

ويؤيّد هذا الاحتمال قوله عليه السلام: «ولا يحرّم شيئاً، وليس هو سببُ رضاعٍ من ناحية الفحولة»، إذ على الاحتمال المذكور في وجه الاستدلال لا يصحّ النفي بقول مطلق كما لا يخفى .

وأيضاً: قد يستدلّ له بصحيح مالك بن عطيّة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة فتلد منه، ثمّ ترضع من لبنه جاريةً ، يصلح لولده من غيرها أن يتزوّج تلك الجارية التي أرضعتها؟2.

ص: 179


1- الكافي: ج 5/442 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/388 ح 25902.

قال عليه السلام: لا، هي بمنزلة الاُخت من الرِّضاعة، لأنّ اللّبن لفحلٍ واحد»(1).

وما في معناه من الأخبار.

ولكن فيه نظر، لأنّها تدلّ على أنّ الاشتراك في لبن الفحل الواحد يوجبُ التحريم، وهو المطلب الثاني، ولا تدلّ على انحصار جهة التحريم فيه، وأنّه لا يكفي الاُخوّة من ناحية الاُمّ .

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بعموم قوله تعالى: (وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ اَلرَّضاعَةِ ) (2).

2 - وبالنبويّ : «يحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من النسب»(3)، ولا ريب في كفاية الاُخوّة من أحد الأبوين في الحرمة من ناحية النسب، فكذلك من ناحية الرّضاع.

3 - وبخبر محمّد بن عبيدة الهمداني، قال: «قال الرّضا عليه السلام: ما يقول أصحابك في الرّضاع ؟

قال: قلت: كانوا يقولون اللّبن للفحل حتّى جاءتهم الرواية عنك أنّك تُحرّم من الرّضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك.

قال: فقال عليه السلام: وذلك أنّ أمير المؤمنين سألني عنها البارحة، فقال لي: اشرح لي اللّبن للفحل، وأنا أكره الكلام، فقال: كما أنتَ حتّى أسألك عنها، ما قلتَ في رجلٍ كانت له اُمّهات أولاد شتّى ، فأرضعت واحدة منهنّ بلبنها غلاماً غريباً، أليس كلّ شيء من ولد ذلك الرّجل من اُمّهات الأولاد الشتّى محرماً على ذلك الغلام ؟ قال:ع.

ص: 180


1- الفقيه: ج 3/477 ح 4671، وسائل الشيعة: ج 20/393 ح 25914.
2- سورة النساء: الآية 23.
3- وسائل الشيعة: ج 20/371-373 باب 1 من أبواب ما يحرم بالرِّضاع.

قلت: بلى .

قال: فقال أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرّضاع يُحرّم من قِبل الفحل ولا يُحرّم من قِبل الاُمّهات، وإنّما الرّضاع من قِبل الاُمّهات وإنْ كان لبن الفحل أيضاً يحرّم»(1).

ولكن الأولين مطلقان يقيّد إطلاقهما بما تقدّم.

وأمّا الخبر فضعيفُ السّند، لأنّ محمّد بن عُبيد ليس له ذكرٌ في الرِّجال فهو مجهولٌ ، مع أنّه أيضاً أعمّ من النصوص المتقدّمة، من جهة شموله لأولاد المرضعة نسباً، ولا خلاف في تحريمهم على المرتضع، وإنْ تعدّد الفحل كما سيجيء، فيقيّد إطلاقه بها.

أضف إلى ذلك أنّه لو سُلّم معارضته مع ما تقدّم، لا مجال لما توهّمه المحدِّث الكاشاني(2) من تقديمه عليها بمخالفتها للكتاب، واحتمال حملها على التقيّة، إذ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة إنّما يكون بعد فقد جملةٍ من المرجّحات من الشهرة وصفات الراوي، وهي تقتضي تقديم تلك النصوص كما لا يخفى .

المطلب الثاني: في الاكتفاء في نشر الحرمة باتّحاد الفحل، ولا يعتبر وحدة المرضعة، فتكفي الأخوّة من جانبِ الأب خاصّة في ثبوت التحريم، وقد عرفت أنّه إجماعي، واستدلّ له:

1 - بصحيح مالك المتقدّم.

2 - وصحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن امرأةٍ أرضعت جاريةً ولزوجها ابنٌ من غيرها، أيحلّ للغلام ابن زوجها أن يتزوّج الجارية التي أرضعت ؟9.

ص: 181


1- الكافي: ج 5/441 ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/391 ح 25910.
2- الوافي: ج 21/248-249.

فقال عليه السلام: اللّبن للفحل»(1).

3 - وموثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ كان له امرأتان، فولدت كلّ واحدة منهما غلاماً، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جاريةً من عرض النّاس، أينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية ؟

فقال عليه السلام: لا، لأنّها أرضعت بلبن الشيخ»(2).

إلى غير تلكم من النصوص.

أقول: ولولا كون الحكم مُجمعاً عليه، لأمكن الخدشة في هذه النصوص، لأنّها بأجمعها واردة فيما كان أحدهما ولداً نَسَبيّاً، وتدلّ على عدم اعتبار وحدة المرضعة واُمّ الولد الآخر في اُخوّة ولده الرّضاعي لولده النَسَبي، ومحلّ الكلام هو الاُخوّة بين المرتضعين الذين يكونان كلاهما ولدين رضاعيّين للفحل.

ولو سُلّم إطلاقها ولو بواسطة ما فيها من عموم العلّة، يقيّد بموثّق الساباطي المتقدّم في المطلب الأوّل، إلّاأنّ الظاهر منهم كون الحكم بنحو لا يمكن الخدشة فيه بوجهٍ ، واللّه تعالى أعلم.

وأمّا خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجل تزوّج امرأةً فولدت منه جارية، ثمّ ماتت المرأة، فتزوّج أُخرى فولدت منه ولداً، ثمّ إنّها أرضعت من لبنها غلاماً، أيحلّ لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوّج ابنة المرأة التي كانت تحت الرّجل قبل المرأة الأخيرة ؟7.

ص: 182


1- الكافي: ج 5/440 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/390 ح 25908.
2- الكافي: ج 5/440 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/390 ح 25907.

فقال عليه السلام: ماأحبُّ أن يتزوّج ابنة فحلٍ قد رضع من لبنه»(1) فلاينافي النصوص المتقدّمة، لعدم ظهور نفي المحبّة في عدم الحرمة، فيمكن أن يراد منه ما لا ينافيها.

لا يعتبر اتّحاد الفحل إذا كان أحد الولدين نَسَبيّاً لها

بقي في المقام فروع:

الفرع الأوّل: أنّ ما ذكرناه من عدم اعتبار اتّحاد المرضعة، إنّما هو في حرمة أحد المرتضعين على الآخر بعد حصول الحرمة لأحدهما مع المرضعة وصاحب لبنه، وأمّا في ثبوت الحرمة بين الرضيع والمرضعة وصاحب اللّبن، فلا ريب ولا خلاف في اعتبار وحدة المرضعة، وعن «التذكرة»(2) دعوى الإجماع عليه، وفي «الجواهر»:

(بل الإجماع بقسميه عليه)(3)، ويشهد به موثّق زياد بن سوقة المتقدّم وغيره.

الفرع الثاني: أنّ ما ذكرناه تبعاً للمشهور من اعتبار وحدة الفحل، وأنّه لا يكتفي باتّحاد المرضعة في حصول الاُخوّة بين المرتضعين، إنّما هو فيما إذا كانا كلاهما ولدين رضاعيّين للمرضعة، وأمّا إذا كان أحدهما ولداً نَسَبيّاً لها، فلا يعتبر في اُخوّة ولدها الرّضاعي لولدها النَسَبي اتّحاد الفحل، فلو أرضعت ولداً حرم عليه أولادها النسبيّة كلّهم، وإنْ كانوا من غير صاحب لبن المرتضع، وذلك للأدلّة التالية:

1 - إطلاق الكتاب والسُّنة، بعد اختصاص دليل اعتبار وحدة الفحل بالولدين الرّضاعيين.

ص: 183


1- الكافي: ج 5/440 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/389 ح 25906.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/622 (ط. ق).
3- جواهر الكلام: ج 29/301.

2 - ولموثّق جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا رَضَع الرّجل من لبن امرأةٍ حَرُم عليه كلّشيء من ولدها، وإنْكان الولد من غير الرّجل الذي كانت أرضعته بلبنه»(1).

وصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر أو أبي عبداللّه عليهما السلام:

«إذا رضع الغلام من نساءٍ شتّى ، فكان ذلك عدّة أو نبت لحمهُ ودمُه حرم عليه بناتهنّ كلّهن»(2).

أقول: ظاهر كلام الشيخ الأعظم قدس سره التوقّف في المسألة، فإنّه قال:

(لكن يظهر من بعض الأخبار اتّحاد الفحل هنا أيضاً، مثل صحيحة صفوان، عن أبي الحسن عليه السلام، وفيها:

«قلت له: فأرضعتْ اُمّي جاريةً بلبني ؟ فقال عليه السلام: هي اُختك من الرّضاعة.

قلت: فتحلّ لاخٍ لي من اُمّي لم ترضعها اُمّي بلبنه ؟

قال عليه السلام: والفحل واحد؟ قلت: نعم، هو أخي لأبي واُمّي.

قال عليه السلام: اللّبن للفحل، صار أبوك أبوها واُمّك اُمّها»(3).

فإنّ استفصال الإمام عليه السلام عن اتّحاد الفحل، مع تصريح السائل بكون الأخ ولد المرضعة نسباً، يدلّ على تغاير حكمه مع حكم صورة تعدّد الفحل)(4)، انتهى .

وفيه: إنّه لم يصرّح بكون الأخ ولداً نَسَبيّاً، فإنّ قوله: «لأخٍ لي من اُمّي»، بقرينة: «لم تُرضعها اُمّي بلبنه» ظاهرٌ في الأخ الرّضاعي، ولا أقلّ من المحتمل، إذ لو5.

ص: 184


1- وسائل الشيعة: ج 20/403 ح 25941.
2- الكافي: ج 5/446 ح 15، وسائل الشيعة: ج 20/403 ح 25940.
3- الكافي: ج 5/439 ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/395 ح 25921.
4- كتاب النكاح: ص 325.

كان المراد الأخ النَسَبي لكان القيد لغواً مستغنى عنه، لعدم اعتبار الرّضاع في تحقّقه.

ويؤيّد ما ذكرناه قوله عليه السلام في الخبر على اتّحاد الفحل في هذه الصورة، مع أنّه لو سلّم دلالته على ذلك، لإعراض الأصحاب عنه ساقطٌ عن الحجيّة، أضف إليه معارضته لما هو أشهر منه.

هذا كلّه مضافاً إلى اضطراب المتن، فإنّ الوارد في بعض النسخ بدل قوله: «هو أخي لأبي واُمّي»، قوله: «هي اُختي» ويناسبه جواب الإمام عليه السلام، وإلّا فعلى ما ذكره الشيخ لا يكون الجواب مرتبطاً بالسؤال الثاني، بل هو جوابٌ عن السؤال الأوّل، كما لا يخفى على المتدبّر.

عدم اعتبار اتّحاد الفحل في غير الإخوة

الفرع الثالث: قد حُكي عن المصنّف في «القواعد»(1): أنّ أُمّ المرضعة من الرّضاع، أو اُختها منه، أو بنات أخيها منه، لا تحرمنْ على المرتضع، لأنّ الرّضاع الحاصل بين المرضعة والمرتضع بلبن فحل، والحاصل بينها وبين اُمّها أو اُختها أو أخيها بلبن فحلٍ آخر، فلم يتّحد الفحل، فلا نشر.

ومثله عن المحقّق الثاني في «شرح القواعد»(2)، وزاد على فروض القواعد عدم تحريم عمّة المرضعة وخالتها من الرّضاع على المرتضع، واستدلّ على ذلك في «شرح القواعد» بما ملخّصه:

ص: 185


1- قواعد الأحكام: ج 3/27.
2- جامع المقاصد: ج 12/258.

إنّ الإجماع قائمٌ على اعتبار اتّحاد الفحل في محرّميّة الرّضاع، فلو كان لمن أرضعت صبيّاً أُمٌّ من الرّضاع، لم تحرم تلك الاُمّ ، لأنّ نسبتها إليه بالجدودة إنّما تتحصّل من رضاعه من مرضعته ورضاع مُرضعته منها، ومعلومٌ أنّ اللّبن في الرّضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والاُمّ المذكورة، لانتفاء الشرط، فينتفي التحريم.

فإنْ قيل: إنّه يدلّ على التحريم عموم ما يدلّ على أنّه يحرم من الرّضاع ما يَحرُم من النسب.

قلنا: الدليل الدالّ على اعتبار اتّحاد الفحل خاصٌّ ، فلا حجّة في العام حينئذٍ.

وفيه أوّلاً: إنّ دليل اعتبار اتّحاد الفحل المخصّص لعموم الكتاب والسُّنة، مختصٌّ بالرّضاع الموجب لاُخوّة المرتضعين، ولا إطلاق له يشمل المقام.

وثانياً: أنّه ورد التصريح في صحيح الحلبي وموثّق عمّار المتقدّمين اللّذين هما دليل اعتبار اتّحاد الفحل كما مرّ، بحرمة اُخت المرضعة من الرّضاع على المرتضع، مع أنّه من المعلوم مغايرة فحل المرتضع لفحل اُخت المرضعة، وهو أحد الموارد التي حكم في الكتابين بعدم التحريم تفريعاً على تعدّد الفحل.

وثالثاً: أنّه علّل حرمة اُخت المرضعة على المرتضع في الموثّق بأنّ الاُختين ارضعتا بلبن فحلٍ واحد، فمفاد التعليل أنّه إذا تحقّقت الاُخوّة بينهما باتّحاد الفحل، كفى ذلك في حرمة كلّ منهما على فروع الآخر ولو من الرّضاع.

***

ص: 186

اعتبار حياة المرضعة في نشر الحرمة

أقول: بقي من شرائط نشر الحرمة بالرّضاع أمرٌ واحد لم يتعرّض له المصنّف رحمه الله وهو حياة المرضعة، والمشهور بين الأصحاب اعتبارها، وفي «رسالة» الشيخ الأعظم رحمه الله: بل لم أعثر على حكاية خلافٍ صريحٍ (1)، وعن ظاهر «التذكرة»(2)، والصيمري(3) أنّ عليه الإجماع.

واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: انصراف الأدلّة إلى الأفراد المعهودة المتعارفة.

وفيه: أنّ ذلك لا يوجبُ الانصراف المقيِّد للإطلاق.

الوجه الثاني: أنّ الحكم عُلّق في الأخبار على الامرأة، وهي لا تصدق على الميتة.

وفيه: منع عدم الصدق.

الوجه الثالث: أنّ موضوع الحكم هو الإرضاع، وظاهره كونه عن الاختيار والقصد المتوقّف على الحياة، إذ لولاها لم يصحّ الإسناد إليها بوجه، فالأدلّة بأنفسها تدلّ على اعتبارها.

وفيه: أنّه قام الإجماع - كما ادّعاه الشهيد الثاني رحمه الله(4) - على عدم اعتبار

ص: 187


1- كتاب النكاح: ص 294.
2- تذكرة الفقهاء (ط ق): ج 2/615.
3- غاية المرام: ج 3/41-42.
4- مسالك الأفهام: ج 7/234.

الاختيار والقصد في الانتشار، ولذا لو سعى إليها الولد وهي نائمة، أو التقم ثديها وهي غافلة يتحقّق النشر، فيُستكشف من ذلك عدم دخل الاختيار في الحكم.

ودعوى : أنّ الأدلّة الدالّة على أنّ الموضوع هو الإرضاع، تدلّ بالدلالة المطابقيّة على اعتبار الاختيار، وبالدلالة الالتزاميّة على اعتبار الحياة، والإجماع على عدم اعتبار الاختيار، حيث يكون من قبيل القرينة المنفصلة، فهو يمنعُ عن حجيّة ظهورها في اعتبار الاختيار لا عن أصل ظهورها في اعتباره، وحيث أنّ الدلالة الالتزاميّة تابعة للمطابقيّة في الدلالة والظهور لا في الحجيّة، فتبقى حجيّة الأدلّة في اعتبار الحياة بحالها.

مندفعة أوّلاً: بمنع ظهور الأدلّة في اعتبار الاختيار، لعدم دخله في مادّة الأفعال ولا في هيئاتها، ولذا جرى بنائهم على التمسّك بعموم: «مَن أتلف» في موارد الإتلاف غير الاختياري.

وثانياً: بأنّ غاية ما يدلّ عليه الأدلّة - على فرض التسليم - اعتبار الاختيار، ولا دلالة له بوجهٍ على اعتبار الحياة، والإجماع دالٌّ على عدم اعتباره.

وثالثاً: بما حُقّق في محلّه(1) من تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة حجيّةً كتبعيّتها لها دلالةً .

الوجه الرابع: ما في «رسالة» الشيخ الأعظم رحمه الله، قال:

(إنّ بعض فروض الارتضاع من الميّتة خارجٌ عن إطلاق مثل قوله تعالى :

(وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ اَلرَّضاعَةِ ) (2) لانصراف المطلق إلى غيره، فيدخل تحت قوله3.

ص: 188


1- راجع: زبدة الأُصول: ج 2/34.
2- سورة النساء: الآية 23.

تعالى : (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (1) فيثبتُ عدم النشر في هذا الفرد بالآية، ويجبُ إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم به، لعدم القول بالفصل.

وقلبُ هذا الدليل، بأنْ يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت آية التحريم بها، وإلحاق الفرض الخارج منها بعدم القول بالفصل، وإنْ كان ممكناً، إلّاأنّ غاية الأمر حينئذٍ وقوع التعارض حينئذٍ بواسطة عدم القول بالفصل بين آيتي التحريم والتحليل، فيجبُ الرجوع إلى أدلّة الإباحة من العمومات والاُصول المعتضدة بفتوى معظم الفحول)(2).

وفيه أوّلاً: منع انصراف آية التحريم(3) عمّا لو كانت جميع الرّضعات في حال الموت، إذ لا منشأ له سوى نُدرة الوجود، وقد حُقّق في محلّه أنّها لا تصحّ منشأً للانصراف المقيِّد للإطلاق.

وثانياً: ما نبّه عليه المحقّق الخراساني رحمه الله(3) من أنّ آية التحليل ناظرة إلى آية التحريم(5)، لأنّها تدلّ على حليّة ما عدا ما حُرّم في آية التحريم، فعلى فرض استفادة التحريم بالارتضاع من الميّتة مطلقاً من آية التحريم، ولو بضميمة عدم القول بالفصل، كيف يمكن أنْ يُستفاد التحليل من آيته بضميمة ما عرفت ؟!

أقول: ولكن يمكن دفع الثاني بأنّ آية التحليل تدلّ على حليّة غير ما حَرُم بآية التحريم، ولا نظر لها إلى ما ثبت حرمته بدليل آخر.

وعليه، فآية التحريم تدلّ على نشر الحرمة في بعض الفروض، وآية التحليل8.

ص: 189


1- سورة النساء: الآية 24.
2- كتاب النكاح: ص 296-297. (3و5) سورة النساء: الآية 23.
3- كتاب الرّضاع: ص 8.

تدلّ على حليّة غير ذلك الفرض، وعدم القول بالفصل وإنْ كان صالحاً لتسرية الحكم إلى الفروض الاُخر، لكنّه لا يصلح للحكومة على آية التحليل، فهو أيضاً صالحٌ لتسرية الحليّة إلى سائر الفروض، فيقع التعارض بين الآيتين. وعليه فالعمدة هو الأوّل.

فتحصّل: أنّه لا دليل على اعتبارها سوى الإجماع إنْ ثبت، وكان تعبّديّاً.

***

ص: 190

ومع الشرائط تصير المرضعة اُمّاً، وذو اللَّبن أباً، وإخوتهما أخوالاً وأعماماً وأولادهما إخوة،

ما يَحرُمُ من الرِّضاع

المطلب الثالث: في أحكام الرّضاع، وفيه مسائل.

المسألة الأُولى: إذا حصل الرّضاع المُحرّم (و) هو ما كان (مع الشرائط) السابقة (يصير المُرضعة اُمّاً، و) يصبح (ذو اللّبن) وهو الفحل (أباً)، وآبائهما من الذكور والإناث أجداداً وجَدّات (وإخوتهما) أي المرضعة والفحل (أخوالاً) وخالات (وأعماماً) وعمّات، أي إخوة المرضعة تصير أخوالاً وخالات، وإخوة الفحل أعماماً وعمّات (وأولاد) كلٍّ من (هما إخوة) وأخوات، وتحرمُ هؤلاء القرابات كلّاً، بلا خلافٍ أجده في شيء من ذلك، بل الظاهر اتّفاق أهل الإسلام جميعاً عليه، إلّامن لا يُعتدّ به من العامّة، كما في «الجواهر»(1).

أقول: ويشهد للحرمة النبويّ المشهور: «يحرمُ من الرِّضاع ما يحرمُ من النسب»(2)، وما ماثله من النصوص المرويّة عن الإمام الصادق عليه السلام(3) بالتقريب المتقدّم في أوّل المطلب الأوّل، وقد عرفت أنّه يدلّ على أنّ كلّ عنوان مُحرِّمٍ بذاته في النَسَب إذا حصل نظيره بالرّضاع يوجبُ الحرمة.

أضف إليه التصريح بجملةٍ من تلكم القرابات في الكتاب والسُّنة:

ص: 191


1- جواهر الكلام: ج 29/309. (2و3) وسائل الشيعة: ج 20/371-373 باب 1 من أبواب ما يحرم بالرّضاع.

قال اللّه تعالى : (وَ أُمَّهاتُكُمُ اَللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ اَلرَّضاعَةِ ) (1)والاُمّهات شاملة للجدّات أيضاً.

ومثل الآية الكريمة نصوصٌ مستفيضة:

1 - ففي صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يصلحُ للمرأة أن ينكحها عمّها ولا خالها من الرّضاعة»(2).

2 - وفي صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «عن لبن الفحل ؟

قال عليه السلام: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك، ولبن ولدك، ولدُ امرأةٍ أُخرى ، فهو حرام»(3).

3 - وفي خبر مسعدة بن زياد، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: يحرمُ من الإماء عشر: لا تجمعُ بين الاُمّ والإبنة، إلى أنْ قال: ولا أمَتك وهي عمّتك من الرّضاعة، ولا أمَتك وهي خالتك من الرّضاعة، ولا أمَتك وهي اُختك من الرّضاعة، ولا أمَتك وهي إبنة أخيك من الرّضاعة»(4) إلى غير تلكم من النصوص. وعليه، فلا إشكال في حرمة العناوين المحرّمة النسبيّة، إذا تحقّق نظائرها بالرّضاع.

وينبغي التنبيه على اُمور:7.

ص: 192


1- سورة النساء: الآية 23.
2- الكافي: ج 5/445 باب النوادر في الرّضاع ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/396 باب 8 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25923.
3- الكافي: ج 5/440 باب صفة لبن الفحل ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/389 باب 6 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25905.
4- الفقيه: ج 3/451 باب أحكام المماليك ح 4559، وسائل الشيعة: ج 20/397 / باب 8 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25927.

الأمر الأوّل: إنّ الركن في التحريم بهذه القرابات، هو المرتضع والمرضعة والفحل، فيحرُم على الأوّل المرضعة ومن يحرم بسببها من الاُمّهات والأخوات والعمّات والخالات، ومن يَحرُم بسبب الفحل ممّن ذُكر، وأولاد المرضعة والفحل، ويحرمُ على الفحل والمرضعة المرتضع والمرتضعة وأولادهما، فالموارد التي يكون الحكم بالحرمة على طبق هذا الضابط كثيرة لا يهمّنا التعرّض لها تفصيلاً.

الأمر الثاني: أنّه لا يُستثنى من الكبرى الكليّة شيء، وما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة» من أنّه: (يحرمُ في النَسَب أربع نسوة قد لا يَحرُمن في الرّضاع:

الأُولى: أُمّ الأخ في النسب حرامٌ ، لأنّها إمّا اُمٌّ أو زوجة أبٍ ، وفي الرّضاع قد لا تحرُم، كما لو أرضعت أجنبيّة أخاك أو اُختك.

الثانية: أُمّ ولد الولد حرامٌ ، لأنّها أُمّ بنته أو زوجة ابنه، وفي الرّضاع قد لاتكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبيّة ابن الابن، فإنّها اُمّ ولد الولد وليست حراماً.

الثالثة: جدّة الولد في النسب حرام، لأنّها إمّا بنتٌ أو ربيبةٌ ، وفي الرّضاع قد لاتكون كذلك، كما إذا أرضعت الأجنبيّة ولدك، فإنّ اُمّها جدّته وليست باُمّك ولا اُمّ زوجتك.

الرابعة: اُخت ولدك في النسب حرامٌ عليك، لأنّها إمّا بنتك أو ربيبتك، فإذا أرضعت أجنبيّة ولدك، فبنتها اُختُ وَلدك، وليست ببنت ولا ربيبة)(1).

لا يعدّ استثناءً عن الضابط، ضرورة أنّ شيئاً من العناوين الحاصلة من الرّضاع في هذه الصور لا يكون موضوعاً للحرمة في النسب، بل الموضوع اُمورٌ اُخر مفقودة فيها، فهي خارجة عن القاعدة.4.

ص: 193


1- تذكرة الفقهاء (ط ق): ج 2/614.

ويحرمُ أولاد صاحب اللّبن ولادةً ورضاعاً على المرتضع، وأولاد المرضعة ولادةً لا رضاعاً، ولا ينكحُ أبو المرتضع في أولاد صاحب اللّبن ولادةً ،

وفي الصورة الأخيرة بالخصوص كلامٌ من ناحية أُخرى سيأتي(1).

الأمر الثالث: أنّه قد عرفت في الأمر الثاني من المطلب الأوّل أنّ القرابة المنضمّة إلى المصاهرة، إذا كانت القرابة رضاعيّة والمصاهرة حقيقيّة توجبُ نشر الحرمة.

أقول: وفي خصوص أُمّ الزّوجة نصوصٌ ستأتي(2) عند تعرّض المصنّف رحمه الله لها.

حُرمة المنسوب إلى الفَحل

(و) المسألة الثانية: (يحرُم أولاد صاحب اللَّبن) أي الفحل (ولادةً ورضاعاً على المرتضع) لأنّهم إخوة من الأب والاُمّ أو من الأب، والإخوة من العناوين المحرّمة في النسب، فيحرم مثلها في الرّضاع.

(و) كذا (أولاد المرضعة ولادةً لا رضاعاً) وقد تقدّم تفصيل القول في الحكمين في مسألة اشتراط اتّحاد الفحل، وعرفت هناك أنّ اعتبار اتّحاد الفحل إنّما هو في خصوص الإخوة بين المرتضعين، ولا يعتبر في سائر العناوين.

وعليه فيحرمُ نسل الأخوة من الاُمّ نسباً ورضاعاً بمعنى المرتضع بلبن الأخ من الاُمّ .

ص: 194


1- في المسألة الثالثة.
2- كما يأتي بعد عدّة صفحات، تحت عنوان: (حكم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الاُخرى ).

حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللَّبن

(و) المسألة الثالثة: (لا ينكحُ أبو المرتضع في أولاد صاحب اللّبن ولادةً ) كما هو المشهور بين الأصحاب على خلاف الضابط المتقدّم، ضرورة أنّ أولاد الفحل لم يزيدوا على أن صاروا اُخوةً لولد أبي المرتضع، ومن المعلوم أنّ اُخوّة الولد ليست من العناوين المحرّمة في النسب مستقلّة، ولذا حُكي عن الشيخ في «المبسوط»(1)والقاضي(2) وابن فهد(3) البناء على الحِلّ وعدم الحرمة.

ولكن الأوّل أظهر، لصحيح عليّ بن مهزيار، قال: «سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام: أنّ امرأةً أرضعت لي صبيّاً، فهل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟

فقال عليه السلام، لي: ما أجود ما سألتَ من ههنا يؤتى أن يقول النّاس: حرمت عليه امرأته من قِبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره.

فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة غيرها؟

فقال عليه السلام: لو كُنّ عشراًمتفرّقات ماحَلّلك شيءٌمنهنّ ، وكنّفي موضع بناتك»(4).

وبه يخرج عن القاعدة، فلا إشكال في أصل الحكم.

أقول: إنّما الكلام في فروع:

ص: 195


1- المبسوط: ج 4/204.
2- المهذّب: ج 2/191.
3- المهذّب البارع: ج 3/238.
4- الكافي: ج 5/441 باب صفة لبن الفحل ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/391 باب 6 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25911.

ورضاعاً.

الفرع الأوّل: (و) هو إنّه كما يحرم على أبي المرتضع أولاد الفحل ولادةً ، هل تحرم عليه أولاده (رضاعاً) كما هو المشهور، وعن «التذكرة»(1) الإجماع عليه، أم لا، وعن ظاهر «الكفاية»(2) نوعُ تردّدٍ، وكذا ظاهر «المستند»(3) حيث تأمّل في شمول الصحيحة للأولاد الرّضاعيّة ؟

استدلّ صاحب «المستند»: لعدم شمول الصحيح لهنّ ، بعدم صدق الإبنة حقيقةً إلّا على الابنة النَسَبيّة، والشيخ الأعظم رحمه الله يُسلّم ذلك حيث قال: (وظاهر الرواية كما ترى مختصٌّ بفروع الفحل نَسَباً)(4).

ولكنّه استدلّ لإلحاق الأولاد الرّضاعيّة بهنّ بوجهين:

أحدهما: قاعدة: (يحرمُ من الرِّضاع ما يحرمُ من النَسَب)، فإذا حَرُم ولد الفحل نسباً على اُصول المرتضع، حَرُم ولده رضاعاً.

وأورد عليه المحقّق اليزدي رحمه الله: بأنّ المراد بالموصول هي العناوين النَسَبيّة التي نشأت حرمتها من النَسَب، فلا يعمّ لعنوان نسبي نشأت حرمته من الرّضاع كولد الفحل نسباً، حيث أنّ حرمته على اُصول المرتضع إنّما هي من قِبل الرّضاع لا النسب.

وفيه: أنّ التحريم في السُّنة لم يتعلّق بالعُلقة الحاصلة بالرّضاع، وإنّما علّق على1.

ص: 196


1- تذكرة الفقهاء (ط ق): ج 2/623.
2- كفاية الأحكام: ص 160-161.
3- مستند الشيعة: ج 16/283.
4- كتاب النكاح: ص 351.

الرابطة النسبيّة التي بين الأولاد وبين صاحب لبن المرتضع، فلا مانع من شمول النبويّ له.

ثانيهما: إنّ منشأ صيرورتهنّ أولاد الاُصول المرتضع إخوته لولدهم، ولا فرق بين الأخوّة النَسَبيّة والرّضاعيّة.

وفيه: إنّ صيرورتهن أولاداً تنزيليّاً لهم، لم يُعلم كونها بواسطة كونهنّ اُخوةً للمرتضع، بل هو تنزيلٌ مستقلٌّ ، ولا مانع من التفكيك بين المتلازمين في التنزيل.

أضف إليه أنّ المنزّل إنّما هو الولد النَسَبي على الفرض، وهذا لا يلازم تنزيل الولد الرّضاعي أيضاً.

وعليه، فالعمدة هو الوجه الأوّل.

مضافاً إلى إمكان منع الاختصاص، فإنّ مقتضى إطلاق الصحيح حرمة أولاد صاحب اللّبن مطلقاً - رضاعيّةً كنّ أم نسبيّة - على أبي المرتضع، ومنع صدق الابنة على الرّضاعيّة مكابرة واضحة.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور.

الفرع الثاني: أنّه يختصّ هذا الحكم بأولاد الفحل، فلا يتعدّى إلى أُمّ الفحل، ولا إلى أخواته، فلا تحرمن على أبي المرتضع.

ودعوى : أنّ تنزيل أولاد الفحل منزلة أولاد أبي المرتضع، يستلزم كون أُمّ الفحل جدّة للمرتضع واُخته عمّةً له، وهما - أي الجدّة والعمّة - من العناوين المحرّمة في النَسَب، فكذلك في الرّضاع.

مندفعة: بأنّ جِدّة الولد ليست بنفسها من العناوين المحرّمة في النَسب، بل إمّا لكونها اُمّاً لأبي الولد، أو لكونها اُمّاً لزوجته - وكذا عمّة الولد فإنّها لا تحرم

ص: 197

بعنوانها، وحرمتها ليست لأنّها عمّة لولده، بل تحرم من جهة أنّها اُخته، والامران مفقودان في المقام.

وتنزيل أولاد الفحل منزلة أولاده، لا يستلزمُ التنزيل المذكور، إذ لا مانع من التفكيك بين المتلازمين.

الفرع الثالث: أنّه هل تحرم أُمّ المرتضع على أولاد صاحب اللّبن، لأنّهم إذا صاروا أولاداً لأب المرتضع صاروا أولاداً لاُمّه أيضاً، والاُمّ تحرم على أولاده، أم لا؟ قولان:

ظاهر «الجواهر»(1) اختيار الثاني.

وصرّح الشيخ الأعظم رحمه الله(2) بالأوّل، واستدلّ له:

1 - باستلزام كون أولاد الفحل بمنزلة أولاد أبي المرتضع كونهم أولاداً لاُمّه.

2 - وبالإجماع المركّب.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه بعد فرض عدم كونهم أولاداً للأب لا نسباً ولا رضاعاً، وأنّهم نُزِّلوا منزلة أولاده تعبّداً، والتفكيك بين المتلازمين في التنزيل التعبّدي ممكنٌ وواقعٌ ، يكون الاستلزام المذكور ممنوعاً.

ويرد على الثاني: عدم ثبوته، وعليه فما في «الجواهر» أظهر.

جواز تزويج أولاد الفحل مع إخوة المرتضع

الفرع الرابع: لا تحرمُ أولاد الفحل على اُخوة المرتضع، وفاقاً للحِلّي(3)،

ص: 198


1- جواهر الكلام: ج 29/320.
2- كتاب النكاح: ص 342.
3- السرائر: ج 2/555.

والقاضي(1)، والمصنّف(2)، والمحقّق(3)، وفخر المحقّقين(4)، والشهيدين(5) وصاحب «الجواهر»(6)، والمحقّق النراقي(7)، بل نُسب إلى الأكثر(8)، لأنّهم لم يزيدوا على أن صاروا بالرّضاع إخوة لأخي اُولئك، واُخوّة الأخ ليست موجبة للتحريم، إذ قد يتزوّج أخو الرّجل لأبيه اُخته لاُمّه، ولو قيّد الأخ من الأبوين فلايوجب التحريم، لأنّ اُخت الأخ للأبوين تَحرم من جهة كونها اُختاً له، ولم يحصل بالرّضاع هذا العنوان، فما حصل بالرّضاع غير موجبٍ للحرمة، وما هو موجبٌللحرمة لم يحصل بالرّضاع.

وأمّا موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ تزوّج اُخت أخيه من الرّضاعة ؟

فقال: ما أحبّ أن أتزوّج اُخت أخي من الرّضاعة»(9).

فلو لم يكن دالّاً على الحِلّ ، لا ريب في إشعاره به كما لا يخفى .

وخلافاً للشيخ في محكيّ «الخلاف»(10) و «المبسوط»(11) و «النهاية»(12)، وابن2.

ص: 199


1- المهذّب: ج 2/191.
2- تحرير الأحكام (ط ق): ج 2/10.
3- شرائع الإسلام: ج 2/511.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/50.
5- الروضة البهيّة: ج 5/171.
6- جواهر الكلام: ج 29/318.
7- مستند الشيعة: ج 16/289.
8- كما في كفاية الأحكام: ص 161.
9- الكافي: ج 5/444 باب النوادر في الرّضاع ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/368 باب 6 من أبواب ما يحرم بالنسب ح 25847.
10- الخلاف: ج 5/93 كتاب الرّضاع مسألة 1.
11- المبسوط: ج 5/293.
12- النهاية: ص 462.

حمزة(1)، وقوّاه في محكيّ «الكفاية»(2) فقالوا بالتحريم، واستدلّوا له:

1 - بأنّ أولادالفحل إخوة المرتضع، فيحرمن على أخوان المرتضع، وكذا العكس.

2 - وبأنّهم أولادٌ لأبي المرتضع، لصحيح عليّ بن مهزيار المتقدّم، وهو يقتضي كونهم بمنزلة الاُخوة لإخوة المرتضع، فيحرم بعضهم على بعض.

3 - وبأنّ اُخت الأخ من النَسَب محرّمة، فكذا من الرّضاع، للعموم المتقدّم.

4 - وبأنّ كونهم بمنزلة الولد، يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولديّة، ومن جملة أحكامه تحريم أولاد الأب عليه.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما مرَّ.

وأمّا الثاني: فلمنع اقتضاء كونهم بمنزلة الاُخوة لأولاده، إذ لا مستند له سوى تلازم عنواني البنوّة للأبوين مع الاُخوّة لأولادهما، وهو مسلّمٌ إذا كانت البنوّة نَسَبيّة أو رضاعيّة، لا في مثل المقام ممّا تكون البنوّة تعبّديّة شرعيّة تنزيليّة.

وأمّا الثالث: فلأنّ اُخت الأخ من النَسَب ليست محرّمة بهذا العنوان، وإنّما هو عنوانٌ ملازم لعنوان محرّمٍ وهو الاُخت.

وأمّا الرابع: فلأنّ تحريم أولاد الأب على الولد ليس من حيث الولديّة للأب، بل من حيث أخوّته للأولاد.

وقد قوّى الشيخ الأعظم هذا الوجه، وذكر في وجه صحّته أنّ الأخوّة التي اُنيطت بها الحرمة في آية التحريم، ليس مفهومها العرفي بل الحقيقي، إلّاكون الشخصين ولدين لواحدٍ، فكونهم أولاداً لأبيه أو لاُمّه عين كونهم إخوةً له، لا أنّه1.

ص: 200


1- الوسيلة: ص 302.
2- كفاية الأحكام: ص 161.

عنوانٌ آخر ملازمٌ له.

ثمّ قال: (فالقول بالتحريم في المسألة لا يخلو عن قوّة)(1).

وفيه: إنّ الأخوّة إضافة بين الولدين، والولديّة إضافةٌ بين الأب والابن، فالاُخوّة قرابة خاصّة مغايرة للولديّة ناشئة عنها لا أنّها عينها، مع أنّه لو سُلّم كونها عينها، نقول إنّ الظاهر من الصحيح كون التنزيل بلحاظ حرمة تزويج أبي المرتضع في أولاد صاحب اللّبن، لابلحاظ جميع الآثار التي منهاحرمة بعضهم عليبعض.

وبالجملة: فالأظهر عدم الحرمة.

عدم حرمة جَدّة المُرتضع وإخوته على الفَحل

الفرع الخامس: لا إشكال في أنّه يحرمُ المرتضع لو كان اُنثى على الفَحل، وعليه الإجماع(2)، لأنّها بنته من الرّضاع.

وكذا لا إشكال ولا خلاف في حرمة فروع المرتضع - أي أولاده - عليه وإنْ نزلوا، لأنّهم أحفاده، من غير فرقٍ بين فروعه النَسَبيّة أو الرّضاعيّة.

وكذا لا إشكال في أنّه لا تحرمُ أُمّ المرتضع على الفَحل، كما هو واضح.

إنّما الكلام في هذا الفرع في موردين:

المورد الأوّل: أنّه هل تحرم أُمّ أُمّ المرتضع - أي جدّته - على الفحل كما عن الحِلّي(3) والمصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4) و «المختلف»(5)، والفخر في «الإيضاح»(6)،

ص: 201


1- كتاب النكاح: ص 345.
2- كما في السرائر: ج 2/555.
3- السرائر: ج 2/555.
4- تذكرة الفقهاء (ط ق): ج 2/622.
5- مختلف الشيعة: ج 7/19.
6- إيضاح الفوائد: ج 3/53.

والشهيد في «غاية المراد»(1)، وصاحب «التنقيح»(2)، والسيّد الداماد.

أم لا تحرم كما عن الشيخ في «المبسوط»(3)، والمحقّق الكركي(4)، وصاحب «الجواهر»(5)، والشيخ الأعظم(6)، والمحقّق النراقي(7)، بل الظاهر أنّه المشهور بين الأصحاب ؟ وجهان.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّها بمنزلة جَدّة الولد النَسَبي فتكون محرّمة.

2 - وبأنّ الإمام عليه السلام حكم في صحيح ابن مهزيار المتقدّم بتحريم اُخت الابن من الرّضاع، وجعلها بمنزلة البنت، ولا ريب أنّ اُخت الابن إنّما تحرُم بالنَسَب لو كانت بنتاً، والسبب لو كانت ربيبة، فالتحريم هنا باعتبار المصاهرة، وجَعْل الرّضاع كالنَسَب، فيكون في أُمّ الاُمّ كذلك.

وقال الشهيد رحمه الله في تأييد الوجه الثاني الذي ذكره المصنّف رحمه الله: (بأنّ هذا ليس قياساً، بل هو تنبيه لجزئي من كلّي على حكم الكلّي)(8).

ولكن يرد على الوجه الأوّل: أنّ جَدّة الولد النَسَبي ليست بنفسها من العناوين المحرّمة، بل هي ملازمة للاُمّ أو أُمّ الزّوجة، وقد مرّ عدم محرّميّة الرّضاع في أمثال ذلك إلّاعلى القول بعموم المنزلة.2.

ص: 202


1- غاية المراد: ج 3/152.
2- التنقيح الرائع: ج 3/54.
3- المبسوط: ج 5/292.
4- جامع المقاصد: ج 12/243-244، وفي رسائل الكركي: ج 1/229-231.
5- جواهر الكلام: ج 29/321.
6- كتاب النكاح: ص 347 مسألة 18.
7- مستند الشيعة: ج 16/291.
8- غاية المراد: ج 3/152.

ويرد على الوجه الثاني: أنّ تنزيل أولاد اللّبن في الصحيح منزلة أولاد أبي المرتضع، لا يستلزم تنزيلهم منزلة أولاد اُمّه وجَدّته، لأنّه تنزيلٌ تعبّدي يقتصر فيه على مقدار الدليل، والتعدّي لا يكون إلّاقياساً منهيّاً عنه.

وعليه، فالأظهر عدم الحرمة.

المورد الثاني: في أنّه هل تحرم اُخوّة المرتضع على الفحل كما عن الشيخ في «الخلاف»(1)، و «النهاية»(2)، والحِلّي(3)، والمحقّق(4) في «الرسالة»؟ أم لا كما لعلّه المشهور بين الأصحاب ؟

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّهن أخوات ولده فيحرمن عليه.

2 - وباستلزام تنزيل أولاد الفحل منزلة أولاد أبي المرتضع، لتنزيل أولاد أبي المرتضع منزلة أولاد الفحل.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ اُخت الولد إنّما تحرم إذا كانت بنتاً أو ربيبةً دخل باُمّها، والرّضاع لا يوجبُ حصول أحد هذين العنوانين، واُخت الولد بنفسها ليست من العناوين المحرّمة، نعم يتمّ ذلك على القول بعموم المنزلة، وقد عرفت أنّا لا نقول به.

ويرد على الثاني: منع التلازم كما مرّ.

وبالجملة: فالأظهر عدم الحرمة.2.

ص: 203


1- الخلاف: ج 5/93 كتاب الرّضاع مسألة 1.
2- النهاية: ص 462.
3- السرائر: ج 2/555.
4- رسائل الكركي: ج 1/232.

ولا في أولاد زوجته المُرضعة ولادةً لا رضاعاً،

حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد المرضعة

(و) المسألة الرابعة: (لا) ينكح أبو المرتضع (في أولاد زوجته المرضعة ولادةً لا رضاعاً) على الأشهر، على خلاف الضابط المتقدّم، لأنّ فروع المرضعة لا يزيدوا على أنْ يكونوا اُخوةً لولد أبي المرتضع، واُخت الولد لا دليل على تحريمها من حيث هذا العنوان، بل إنّما تحرم لكونها بنتاً له أو ربيبةً دخل بأُمّها، وشيءٌ من العنوان لا يحصل بالرّضاع، ولذا ذهب جماعةٌ منهم الشيخ في «المبسوط»(1) - على ما حُكي - والقاضي(2) إلى عدم التحريم.

أقول: القول بالحرمة هو الأظهر، لدلالة جملةٍ من النصوص الخاصّة عليه:

منها: صحيح أيّوب بن نوح، قال: «كتب عليّ بن شُعيب إلى أبي الحسن عليه السلام:

امرأة أرضعتْ بعض وَلدي، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟

فكتب عليه السلام: لا، لا يجوز ذلك لك، لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك»(3).

ومنها: صحيح عبداللّه بن جعفر، قال: «كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام: امرأة أرضعت وَلداً لرّجلٍ ، هل يحلّ لذلك الرّجل أن يتزوّج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع عليه السلام:

ص: 204


1- المبسوط: ج 4/204، قوله: (فإنّ التحريم تعلّق به وبنسله.. دون من هو في طبقته من أخواته أو أخوته أو أعلى منه من آبائه وأُمّهاته).
2- المهذّب: ج 2/191.
3- التهذيب: ج 7/321 باب فيما يحرم من النكاح من الرّضاع ح 32، وسائل الشيعة: ج 20/404 باب 16 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25942.

لا تحلّ له»(1).

وعليه، فلا إشكال في أصل الحكم، إنّما الكلام في فروع.

الفرع الأوّل: قالوا باختصاص هذا الحكم بأولادها نَسَباً، ولا تحرم أولادها الرّضاعيّة، للأصل بعد اختصاص النصوص بالأوّل.

وأُورد عليه: - مضافاً إلى إطلاق الصحيحين - أنّه إذا ثبت التحريم في الولد النَسَبيّ للمرضعة، ثبت في الولد الرّضاعي لها، لأنّه يحرم من الرّضاع ما يحرمُ من النَسَب، والجواب عن ذلك باختصاصه بالنسب الذي لم ينشأ من الرّضاع، قد عرفت في المسألة السابقة ردّه.

وأجاب الشيخ الأعظم رحمه الله: عن ذلك بوجهين:

أحدهما: أنّ الإمام عليه السلام حكم بتحريم ولد المرضعة على أبي المرتضع، لا من حيث هو وَلدها حتّى يحرم ولدها الرّضاعي، بل لأجل كونه بمنزلة ولد أبي المرتضع، وهذا المعنى غير معلومٍ في ولدها الرّضاعي(2).

وفيه: إنّ التنزيل المذكور لم يُذكر في أحد الصحيحين، وذكر في الآخر تعليلاً للحكم بحرمة ولد المرضعة، فالمُحرّم بحسب الخبرين هو ولدها من حيث هو، لا من حيث أنّه ولدٌ تنزيلي لأبي المرتضع، فيشمله: (يحرمُ من الرّضاع ما يحرمُ من النَسَب).

مع أنّه لو سُلّم دلالتهما على أنّها تحرم لأجل كونها ولداً تنزيليّاً لأبي0.

ص: 205


1- الكافي: ج 5/447 باب نوادر في الرّضاع ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/404 باب 16 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25943.
2- كتاب النكاح: ص 341 مسألة 10.

المرتضع، لكنّها لا تخرجُ عن كونها شيئاً حَرم من النَسَب، فيشمله دليل حرمة الرّضاعي منه أيضاً.

ثانيهما: أنّ هذا الكلام لا يصحّ في ولدها الرّضاعي الذي ارتضع بلبن فحلٍ غير فحل المرتضع الذي يكون الكلام في اُصوله، لعدم الاُخوّة بين ذلك الولد وبين المرتضع، ومن الظاهر بل المقطوع به أنّ كون ولد المرضعة بمنزلة ولد أبي المرتضع فرعُ الاُخوّة الرّضاعيّة للمرتضع، المفقودة مع تعدّد الفحل، وإنّما يصحّ هذا الكلام لو صَحّ في صورة اتّحاد الفحل، وحدوث الاُخوّة بين ذلك الولد وبين المرتضع، وحينئذٍ فيكون هذا الولد من أولاد صاحب الفحل رضاعاً(1).

وفيه: إنّه لم يظهر أنْ يكون ولد المرضعة بمنزلة ولد أبي المرتضع بواسطة الاُخوّة الرّضاعيّة للمرتضع المفقودة، فإنّ التنزيل المذكور تنزيلٌ تعبّدي، وإلّا فليس ولدها ولداً له نَسباً ولا رضاعاً، والتفكيك في التنزيل بين الملازمين لا مانع منه أصلاً.

وبالجملة: فالأظهر هو شمول الحكم لأولادها الرّضاعيّة أيضاً لولا الإجماع على عدم الحرمة فيهم.

حكم أُمّ المرتضع على أولاد المرضعة

الفرع الثاني: المشهور بينهم - على ما قيل - إنّه تحرم أُمّ المرتضع على أولاد المرضعة، وإنْ كانت القاعدة لا تقتضي ذلك، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه.

ص: 206


1- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 341 مسألة 10.

وقد نفى صاحب «الجواهر»(1) البُعد عن عدم الحرمة، بل ظاهر ذيل كلامه الإفتاء بعدم الحرمة.

واستدلّ الشيخ الأعظم رحمه الله(2) للأوّل: بأنّ كونهم بمنزلة ولد أبيه، يستلزم كونهم بمنزلة ولد اُمّه.

وفيه: منع الملازمة العرفيّة بين التنزيلين كما مرّ، بل التفكيك واقعٌ في نظائر المقام، لاحظ الاُخوّة فإنّها ثابتة مع اتّحاد الفحل، وغير ثابتة مع تعدّده، فلتكن البنوّة في المقام كذلك.

أقول: وربما يستدلّ له بأنّ مقتضى عموم تنزيل أولاد المرضعة منزلة أولاد أبي المرتضع، ترتّب جميع أحكام أولاده، ومن الأحكام حرمة أُمّ أخيهم عليهم.

وفيه: أنّ التنزيل إنّما هو في خصوص الأحكام المترتّبة على كونهم أولاداً لأبيهم، وهذه ليست منها، وأُمّ الأخ ليست من العناوين المحرّمة بنفسها، وزوجة الأب وإنْ تحرم إلّاأنّ المحرّم هو زوجة الأب الحقيقي لا الأب التنزيلي بلحاظ هذا الأثر أيضاً غير ظاهر، فإنّ الظاهر من الدليل كونه بلحاظ خصوص التحريم على أبي المرتضع.

وأمّا الإجماع الذي اُدّعي قيامه في المقام، فعلى فرض ثبوته، لكن لا يصلح مدركاً باعتبار أنّ الحكم في كلماتهم عُلّل بما ذكر.

وعليه، فتحصّل أنّ الأظهر عدم الحرمة.

الفرع الثالث: إنّه يتفرّع على القول بعدم جواز نكاح أبي المرتضع في أولاد0.

ص: 207


1- جواهر الكلام: ج 29/319-320.
2- كتاب النكاح: ص 342 مسألة 10.

المرضعة، أنّه لو أرضعت ولد إنسان جدّته لاُمّه بلبن جَدّه أو غيره، حَرُمت أُمّ المرتضع على أبيه، لأنّ اُمّه من أولاد المرضعة، فتحرم على أبي المرتضع.

كما أنّه يتفرّع على المسألة السابقة: أنّه لو أرضعت ولداً إحدى نسوة جَدّه بلبن جَدّه الرّضاع المعتبر حَرُمت على أبيه، لأنّ اُمّه حينئذٍ من أولاد صاحب اللّبن، فتحرُم على أبي المرتضع.

الفرع الرابع: لا إشكال في أنّه تحرم المرضعة على المرتضع لو كان ذكراً لأنّها اُمّه، وكذا لا إشكال في حرمتها على أولاده لأنّهم أحفادها.

وهل تحرم على أخ المرتضع نظراً إلى أنّها بالرّضاع تصير أُمّ الأخ وهي حرام في النَسَب، أم لا؟ وجهان:

أظهرهما الثاني لأنّ أُمّ الأخ ليست بنفسها من العناوين المحرّمة في النسب، وإنّما تحرم من جهة كونها اُمّاً أو زوجة للأب، ولا يحصل شيءٌ منهما بالرّضاع.

وحكم فروع حواشي المرتضع حكم نفس الحواشي في عدم التحريم على المرضعة، كما لا يخفى .

الفرع الخامس: لا تحرمُ على أبي المرتضع: المُرضعة، ولا اُمّها، ولا اُختها:

أمّا المُرضعة: فلأنّها لا تصير بالرّضاع أزيد من كونها أُمّ ولده، واُمّ الولد أولى بالتحليل من كلّ أحد.

وأمّا أُمّها: فلأنّها بالرّضاع تصير جَدّة لولده، وجَدّة الولد لا تكون من العناوين المحرّمة، وإنّما تحرم إذا كانت اُمّاً لزوجته، وبالرّضاع لا يحصل ذلك، وحكي عن الحِلّي(1) القول بحرمتها، ويظهر ضعفه ممّا ذكرناه.3.

ص: 208


1- السرائر: ج 2/553.

ولأولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللَّبن النكاح في أولاد المرضعة والفَحل.

الفرع السادس: (و) البحث فيه عن أنّه:

هل يجوز (لأولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللّبن) وهم اُخوة المرتضع (النكاح في أولاد المُرضعة) كما عن الحِلّي(1)، والقاضي(2)، والمصنّف(3) في أكثر كتبه، وفخر المحقّقين(4)، والمحقّق(5)، والشهيدين(6) وغيرهم، بل حُكي عن الأكثر؟

أم لا يجوز، كما عن جماعة منهم الشيخ في «الخلاف»(7) و «النهاية»(8)، بل عن الأوّل منهما الإجماع عليه ؟

أقول: (و) الكلام في هذه المسألة هو الكلام في حرمة أولاد (الفَحل) على اُخوة المرتضع وعدمها - المتقدّم في الفرع الرابع من المسألة الثالثة - قولاً ومدركاً ومختاراً، وقد عرفت أنّ الأظهر هو عدم الحرمة فلا نعيد.

الرّضاع اللّاحق موجبٌ للحرمة كالسّابق

المسألة الخامسة: الظاهر أنّه لا خلاف في عدم الفرق في سببيّة الرّضاع للحُرمة، بين سبقه على النكاح ولحوقه به، فكما أنّ الرّضاع المحرّم سابقاً يمنعُ من

ص: 209


1- حكاه عنه فخر المحقّقين في الإيضاح: ج 3/51.
2- المهذّب: ج 3/245-246.
3- قواعد الأحكام: ج 3/24.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/51.
5- شرائع الإسلام: ج 2/229 / والمختصر النافع: ج 1/176.
6- راجع شرح اللُّمعة: ج 5/171.
7- الخلاف: ج 5/93 مسألة 1.
8- النهاية: ج 2/306.

ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما، حَرُمتا إنْ كان دخل بالمرضعة، وإلّا فالمُرضعة.

النكاح، كذلك يبطله لاحقاً، وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه، وفي «الجواهر»(2): (للقطع بعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة في ذلك).

ويشهد به: - مضافاً إلى عموم دليل محرّميّة الرّضاع، كقوله صلى الله عليه و آله: «يحرمُ من الرِّضاع ما يحرمُ من النسب»(3) - خصوص النصوص الواردة في تحريم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الاُخرى :

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «لو أنّ رجلاً تزوّج جاريةً رضيعةً فأرضعتها امرأته، فَسَد النكاح»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج جاريةً صغيرة فأرضعتها امرأته وأُمّ ولده ؟ قال عليه السلام: تحرم عليه»(5).

ونحوهما غيرهما، فإنّها بضميمة عدم القول بالفصل، تدلّ على هذه الكليّة، ويترتّب عليها فروع كثيرة، منها ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله:

حكم الزوجتين المُرتضعة إحداهما من الاُخرى

(ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما، حرمتا إنْ كان دخل بالمرضعة، وإلّا فالمرضعة).

ص: 210


1- كما في جامع المقاصد: ج 12/233 حيث ادّعى عدم الخلاف، وفي كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/148.
2- جواهر الكلام: ج 29/324 مسألة 4.
3- وسائل الشيعة: ج 20/371-373 ح 25850 باب 1 من أبواب ما يحرم بالرّضاع.
4- الفقيه: ج 3/476 باب الرّضاع ح 4670، وسائل الشيعة: ج 20/399 باب 10 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25930.
5- الكافي: ج 5/445 باب نوادر في الرّضاع ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/399 باب 10 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25931.

وتفصيل القول فيه: أنّه إذا تزوّج رضيعة فأرضعتها امرأته:

فتارةً : يكون بلبنه.

وأُخرى : يكون بلبن غيره كانت في حبالته، كما إذا استمرّ لبن الأوّل إلى أن تزوّجت به ؟

فهل يصحّ نكاحه أم لا؟

وعلى التقديرين: قد يُفرض الدخول بالمرضعة، وقد يُفرض عدم الدخول.

أقول: يقع الكلام:

أولاً: فيما يستفاد من القاعدة.

وثانياً: فيما تدلّ عليه النصوص الخاصّة.

أمّا المقام الأوّل: فقد يقال إنّ مقتضى القاعدة بطلان نكاح الزوجتين بالرّضاع، فإنّه بمجرّد تحقّق الرّضاع تتحقّق الاُمّية والبنتيّة بينهما، فتبطل زوجيّتهما معاً، لعدم إمكان الجمع بين الاُمّ والبنت في الزوجيّة في زمانٍ واحد ولو بقاءً ، فلا محالة ترتفعان معاً لعدم المرجح في البين.

أقول: وهذا الوجه وإنْ كان لا يرد عليه ما ذكره صاحب «الكفاية»(1) من احتمال الرجوع إلى القرعة، فإنّه يرجع إليها فيما إذا كان هناك واقعٌ معيّن عند اللّه مشتبهاً عندنا، لا في مثل المقام.

ولكن يمكن أنْ يورد عليه بأنّه في صورة الدخول بالكبيرة، يبطل نكاح الرضعيّة، لأنّ بنت الزّوجة المدخول بها محرّمة أبداً حتّى البنت التي توجد بعد2.

ص: 211


1- كفاية الأحكام: ص 162.

خروجها عن حبالته.

ودعوى : أنّه لا دليل على حرمة بنت الزّوجة الرّضاعيّة.

مندفعة: بورود النّص(1) بها، مضافاً إلى ما تقدّم في الأمر الثاني من المطلب الأوّل من أنّ العنوان المتولّد من النَسَب والمصاهرة يوجبُ التحريم إذا كان الحاصل بالرّضاع العنوان النَسَبي، كما في المقام، مع أنّه في صورة كون اللّبن له تكون الرضيعة بنتاً رضاعيّة له فتحرم.

وأمّا الكبيرة فلا أرى وجهاً لبطلان نكاحها، فإنّه عند تحقّق الرّضاع تخرجُ الصغيرة عن حبالته، وفي ذلك الآن تتحقّق الاُمومة، فليس هناك زمانٌ خارجي تتّصف فيه الكبيرة بأنّها أُمّ الزّوجة.

وغاية ما قيل في وجه خروجها:

1 - أنّ أُمّ الزّوجة كبنت الزّوجة، كما أنّ الثانية تحرمُ وإنْ وجدت بعد خروج الاُمّ عن الزوجيّة، كذلك الأُولى ، فالكبيرة أُمُّ من كانت زوجته.

2 - أو أنّ المشتقّ أعمٌّ من المتلبس ومن انقضى عنه المبدأ، فيصدق عليها اُمّ الزّوجة بهذا الاعتبار.

3 - أو أنّه لمكان اتّصال آخر زمان زوجيّة الصغيرة بأوّل زمان اُمومة الكبيرة، تكون كالمجتمع معها زماناً، فيصدق على الكبيرة بعد هذه المسامحة العرفيّة أنّها صارت أُمّ الزّوجة حقيقة.

4 - أو أنّ بطلان الزوجيّة في طول حصول الاُمومة والبنتيّة، ففي تلك المرتبةع.

ص: 212


1- وسائل الشيعة: ج 20/399 باب 10 من أبواب ما يحرم بالرّضاع.

يصدق عليها أُمّ الزّوجة فتحرم.

أقول: والجميع باطلٌ :

أمّا الأوّل: فلأنّ ظاهر الآية الكريمة والنصوص أنّ المحرّم هي أُمّ الزّوجة، وفي النسب لا يتصوّر تحقّق الاُمومة بعد الخروج عن الزوجيّة، بخلاف بنت الزّوجة، فدليل محرّميّة الرّضاع لا يصلحُ لإثبات حرمة من اتّصفت بالاُمومة بعد خروج البنت عن الزوجيّة.

وأمّا الثاني: فلما حُقّق في محلّه(1) من كون المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس.

وأمّا الثالث: فلأنّ المسامحات العرفيّة في تطبيق المفاهيم على المصاديق تُضرب على الجدار.

وأمّا الرابع: فلأنّ الأحكام الشرعيّة مترتّبة على الموجودات الزمانيّة دون الرُتبيّة.

وبالجملة: فالأظهر أنّها لا تخرج عن الزوجيّة، ولا يبطل نكاحها، ولا يلزم منه الترجيح بلا مرجّح.

هذا كلّه في صورة الدخول بالكبيرة.

وأمّا مع عدم الدخول بها، وكون اللّبن لغيره، فما ذُكر في وجه بقائهما على الزوجيّة متينٌ ، ولكن ليس لازم ذلك بطلان نكاحهما بل هو التخيير، فإنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، فبالرّضاع لا يمكن بقاء زوجيّتهما، ولا مانع من بقاء زوجيّة إحداهما بنحو التخيير، لإمكان ذلك ثبوتاً، كما تقدّم في مسألة الجمع بين4.

ص: 213


1- راجع: زبدة الأُصول: ج 1/234.

الاُختين وأنّه المتعيّن في مقام الإثبات، فراجع ما حقّقناه هناك.

هذا كلّه في بطلان الزوجيّة.

وبه يظهر الحال في الحرمة الأبديّة، فإنّ الصغيرة تحرمُ أبداً مع الدخول بالكبيرة، والكبيرة لا تحرمُ مطلقاً، وقد استدلّ فخر المحقّقين(1) لحرمتها بوجهين:

أحدهما: ما تقدّم من أنّ أُمّ الزّوجة كبنت الزّوجة تحرُم، وإنْ اتّصفت بالاُمومة بعد خروج البنت عن الزوجيّة، وظاهر المحقّق النائيني ارتضائه، وقد عرفت ما فيه.

ثانيهما: أنّه يكفي في الحرمة صدق المشتقّ ، وتحقّق الزوجيّة في زمانٍ ما، فتدخل في عموم قوله تعالى : (وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (2).

وفيه: أنّه إنْ اُريد به كون المشتقّ حقيقة في الأعمّ .

فيرد عليه: ما تقدّمت الإشارة إليه.

وإنْ اُريد به أنّ صدق الزّوجة على البنت في زمانٍ مّا كافٍ في حرمة اُمّها أبداً، إذ لم تقيّد حرمة أُمّ الزّوجة في الآية بكونها أُمّ الزّوجة الفعليّة، فيكفي في الحرمة كونها أُمّ الزّوجة السابقة.

فيرد عليه: أنّ ذلك خلاف ظاهر الدليل، فإنّ ظاهر كلّ عنوان مأخوذٍ في الموضوع، دخله في فعليّة الحكم، ودوران الحكم بقاءً وارتفاعاً مدار بقائه وارتفاعه.

وعليه، فالأظهر عدم الحرمة الأبديّة.

كما أنّ الصغيرة مع عدم الدخول بالمرضعة لا تحرمُ أبداً، إلّاإذا كان لبن المرضعة من الزّوج، ولم يدخل بها، كما لو فرض حملها منه مع سبق المنيّ إلى فرجها3.

ص: 214


1- إيضاح الفوائد: ج 3/52.
2- سورة النساء: الآية 23.

بدون الدخول، فإنّها حينئذٍ بنته.

هذا ما تقتضيه القاعدة.

وأمّا المقام الثاني: وهو ما يستفاد من النصوص الخاصّة، فقد ورد في أحد النصوص المتقدّمة قوله عليه السلام: «فَسَد النكاح»، وهو مجملٌ قابلٌ للحمل على إرادة فساد نكاح كلٍّ منهما.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ المراد به نكاحه لكلّ منهما، ولكن الوارد في بعض النسخ:

«فَسَد نكاحها»، وفي الآخر: «تحرمُ عليه» وهو أيضاً مجملٌ .

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ ظاهر السؤال كون السؤال عن حكم تزويج الصغيرة، فالضمير في الجواب يرجع إليها، وحرمتها حينئذٍ تكون على وفق القاعدة، لأنّ المفروض في السؤال إرضاع امرأته واُمّ ولده إيّاها، والغالب كونها مدخولة، وكان اللّبن منه.

وعلى هذا، فلا يستفاد من تلك النصوص حكمٌ مخالفٌ للقاعدة.

نعم، الخبر الذي رواه عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قيل له: إنّ رجلاً تزوّج بجاريةٍ صغيرة، فأرضعتها امرأته، ثمّ أرضعتها امرأة له أُخرى ، فقال ابن شِبْرمة: حَرُمت عليه الجارية وامرأتاه.

فقال أبو جعفر عليه السلام: أخطأ ابن شِبْرمة، تَحرمُ عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلاً، فأمّا الأخيرة فلم تحرُم عليه كأنّها أرضعت ابنته»(1).

يدلّ على حرمتهما معاً.8.

ص: 215


1- الكافي: ج 5/446 باب نوادر في الرّضاع ح 13، وسائل الشيعة: ج 20/402 باب 14 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25938.

والإيراد عليه: بضعف السند لصالح بن أبي حمّاد(1).

يدفعه: ما قاله صاحب «الرياض»(2) من أنّه: (وإنْ ضُعّف في المشهور، إلّاأنّ القرائن على مدحه كثيرة، فهو حسن).

وتوهم: الإرسال فيه، من جهة أنّ المراد بابي جعفر هو الباقر عليه السلام، لأنّه المراد عند إطلاقه، سيّما بقرينة أنّ ابن شِبرمة كان في زمانه عليه السلام، وابن مهزيار لم يُدرك الإمام الباقر عليه السلام، بل لو كان المراد به هو الجواد عليه السلام كان الخبر مرسلاً، إذ ليس فيه أنّه سمع ذلك بلا واسطة، فالإرسال متحقّقٌ على التقديرين.

يندفع: بأنّ الظاهر منه سماعه عن أبي جعفر عليه السلام، فلو اُريد به الجواد عليه السلام لا يكون هناك إرسالٌ ، وكثرة إطلاقه على الباقر عليه السلام لا يُنافي حمله على الجواد عليه السلام خصوصاً بالقرينة.

وعليه، فلا إشكال في الخبر سنداً ودلالةً ، غاية الأمر هو مختصٌّ بصورة الدخول، إذ كون الامرأتين له كلتاهما غير مدخولٍ بهما وكونهما ذات لبن بعيدٌ غايته، مع أنّ قوله عليه السلام في ذيله: «كأنّها أرضعت ابنته» صريحٌ في كون لبن المرضعة الأُولى منه.

فالمتحصّل: هو أنّه إنْ كان دَخل بالكبيرة، أو كان اللّبن له، حَرُمتا - أي الكبيرة والصغيرة عليه - وفَسَد نكاحهما، وإلّا لم تحرما عليه:

أمّا الصغيرة: فلأنّها بنت الزّوجة غير المدخول بها.

وأمّا الكبيرة: فلعدم انطباق عنوان أُمّ الزّوجة عليها في زمانٍ ، وتسالمهم على4.

ص: 216


1- رجال النجاشي: ص 198.
2- رياض المسائل (ط ج): ج 10/164.

حرمتها - لو ثبت - لا يضرّ بعد معلوميّة مدركهم.

وأمّا بطلان نكاحهما: فالأظهر فيه أيضاً التخيير مع عدم الدخول، وعدم كون اللّبن من الزّوج، وبطلان نكاح خصوص الصغيرة لو كان اللّبن من الزّوج، وبطلانهما معاً مع الدخول.

إرضاع الزوجتين الكبيرتين الزوجة الصغيرة

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم مسألتين اُخريين:

إحداهما: أنّه لو كان للرّجل زوجتان كبيرتان وزوجة رضيعة، فأرضعتها إحدى الزوجتين أوّلاً، ثمّ أرضعتها الاُخرى :

فإنّها تحرُم المرضعة الأُولى والصغيرة في فرض الدخول بالمرضعة الأُولى :

أمّا الصغيرة: فلصيرورتها بنته، أو ربيبته التي دخل باُمّها.

وأمّا الكبيرة: فلخبر عليّ بن مهزيار، ومع الدخول لا يحرُم شيءٌ منهما.

وأمّا المرضعة الثانية: فعن الإسكافي(1)، والشيخ في «النهاية»(2)، وظاهر الكليني(3): حِلّيتها.

بل هو خيرة «الرياض»(4)، و «الجواهر»(5)، وسيّد «المدارك»(6)، حاكياً له عن جماعة.

ص: 217


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7/22.
2- النهاية: ص 456.
3- الكافي: ج 5/446 ح 13.
4- رياض المسائل (ط ج): ج 10/163-164.
5- جواهر الكلام: ج 29/333.
6- نهاية المرام: ج 1/129.

وعن جماعةٍ : حرمتها أيضاً نسبها الشهيد الثاني رحمه الله إلى الحِلّي(1)، والمحقّق في «النافع»(2)، وأكثر المتأخّرين(3).

والحقّ أنْ يُقال: إنْ كان دخل بالمرضعة الأُولى ، فلا تحرم الثانية قاعدةً ونصّاً، لأنّ المرضعة الأُولى والصغيرة خرجتا عن حبالته بالرّضاع الأوّل وحَرُمتا عليه، فالثانية أرضعت بنته أو ربيبته لا زوجته كما صرّح بذلك في النّص.

واستدلّ الشهيد الثاني(4) وغيره(3) لحرمتها أيضاً:

1 - بصدق أُمّ الزّوجة عليها، لعدم اشتراط بقاء المعنى في صدق المشتقّ .

2 - وبمساواة الرّضاع للنَسَب، وهو يُحرّم سابقاً ولاحقاً.

ويندفع الأوّل: بما حُقّق في محلّه(4) من كون المشتقّ حقيقةً في خصوص المتلبس.

والثاني: بأنّ ظاهر قوله تعالى : (وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (5) كون الموضوع هو أُمّ الزّوجة ولا تشمل اُمّ من كانت زوجته، وأيضاً لا نظير لها في النسب، كي يحرم مثلها في الرّضاع، واُمّ الزّوجة المطلقة إنّما تحرم لصدق اُمّ الزّوجة الفعليّة قبل الطلاق عليها، فتحرم أبداً.

وبالجملة: فالأظهر عدم حرمتها.

وأمّا في صورة عدم الدخول بالمرضعة الأُولى : ففي فرض خروج الصغيرة عن الزوجيّة لا تحرم أيضاً لما مرّ، ومع بقائها على زوجيّتها تكون حكم المرضعة الثانية3.

ص: 218


1- السرائر: ج 2/540.
2- المختصر النافع: ص 176. (3و4) راجع مسالك الأفهام: ج 7/269.
3- السرائر: ج 2/540.
4- راجع: زبدة الأُصول: ج 1/234.
5- سورة النساء: الآية 23.

حينئذٍ حكم المرضعة الأُولى المتقدّم في المسألة السابقة.

الثانية: لو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين:

فإنّه مع فرض الدخول بالكبيرة، أو كون الإرضاع بلبنه، حَرُمت الصغيرتان من غير فرقٍ بين التعاقب والدفعة، إمّا لكونهما ربيبتين دخل باُمّهما، أو لكونهما بنتيه، وحَرُمت الكبيرة لخبر ابن مهزيار.

ومع عدم الدخول بها لا تحرم واحدةً منهنّ ، كما يظهر ممّا ذكرناه.

حكم مَهر الصغيرة إذا فسد نكاحها

فرع: لو فسد عقد الصغيرة بالرِّضاع، فهل يَغرُم الزّوج مَهرها بتمامه مطلقاً، أم لا، ام هناك تفصيلٌ؟ وجوهٌ وأقوال.

ونخبة القول في المقام:

1 - أنّه إنْ كان الرّضاع بسببٍ مختصٍّ بالرضيعة، كما لو سعت إليها فامتصّت ثديها من غير شعور المرضعة، ففي «الشرائع»(1)، و «الجواهر»(2)، وعن «التذكرة»(3)، و «التحرير»(4)، و «المسالك»(5) وغيرها(6) سقط مَهرها.

وظاهر «الجواهر»: أنّه لا خلاف في المسألة، واستدلّ له:

ص: 219


1- شرائع الإسلام: ج 2/511.
2- جواهر الكلام: ج 29/325.
3- تذكرة الفقهاء (ط ق): ج 2/623.
4- تحرير الأحكام (ط ق): ج 2/10.
5- مسالك الأفهام: ج 7/258.
6- كما في جامع المقاصد: ج 12/235.

(بأنّ استدامة استحقاق المَهر باعتبار استدامة العقد، فإذا بَطَل العقد سقط المَهر، كما في كلّ عقدٍ يتعقّبه الفسخ أو الانفساخ من طرفٍ أو طرفين يبطل تسبيبه، ومنه الإقالة والخيار المقتضيان رَدّ الثمن إلى المشتري، والمبيع إلى البائع، بل ذلك روح البطلان.

والإيراد عليه: بأنّ لازمه سقوط المَهر في صورة الموت أو الطلاق قبل الدخول.

مندفع: بأنّه يلتزم هناك بعدم السقوط للنَّص الخاص»(1).

وفيه: أنّه في باب النكاح زوجيّة الزّوجة إنّما هي مقابل زوجيّة الزّوج، والمَهر ليس مقابل الزوجيّة، ولا يكون عوضاً عن شيء، وإنّما هو منحة من الزّوج بالنسبة إلى الزّوجة، ولذا يصحّ مع خلوّه عنه، وأُطلق عليه عنوان النِحلة في قوله تعالى :

(وَ آتُوا اَلنِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (2) فيكون من قبيل الشرط في ضمن العقد، وعليه:

فإنْ كان بطلان العقد بما يوجب حَلّه من أصله، سقط المَهر أيضاً، لبطلان الشرط ببطلان العقد.

وإنْ كان بما يوجبُ رَفع استمراره كما في المقام، فإنّ عقد النكاح لا يبطل من أصله، بل يبطل من حين تحقّق الرّضاع، فلا وجه لسقوط المَهر أصلاً.

والظاهر أنّه إلى هذا نظر الشهيدالثاني رحمه الله حيث وجّه ما استظهره من «التذكرة» من احتمال عدم السقوط، بأنّ المَهر وجب بالعقد والأصل يقتضي استمراره.

أقول: وربما يستدلّ للسقوط بأنّ الصغيرة بفعلها فوّتت البُضع الذي هو4.

ص: 220


1- جواهر الكلام: ج 29/325.
2- سورة النساء: الآية 4.

عِوض المَهر.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم: بأنّه لا دليل على سقوطه بفعل الصغيرة الذي حصل منها من غير قصدٍ وتمييز(1)، وتبع في ذلك الشهيد الثاني رحمه الله حيث قال:

(والرضيعة لا قصد لها، فكان فعلها بمنزلة عدمه)(2).

ولكن يرد عليهما: أنّه في باب الضمان لا يعتبر القصد والتمييز، فلو أتلف مال الغير وهو نائمٌ يكون ضامناً.

ويرد على الاستدلال: أنّ المَهر عِوضٌ عن استحقاق الانتفاع بالبُضع، وسائر الاستمتاعات ولو آناً مّا، ضرورة عدم مدّة معلومةٍ له كي يوزّع المَهر عليها.

والحقّ أنْ يُقال: إنّه بناءً على ضمان المنافع غير المستوفاة، حيث أنّ الصغيرة فوّتت بُضعها على الزّوج، فتكون ضامنةً لما بإزائها وهو مهر المثل، فالمسمّى لا يسقط، وتشتغل ذمّة الرضيعة بمهر المثل، فتأمّل.

2 - وإنْ كان الرّضاع بسببٍ مختصّ بالكبيرة، بأن تولّت إرضاعها:

فعن الشيخ في «المبسوط»(3) وجماعةٍ (4): أنّ للصغيرة نصف المَهر المُسمّى .

وعن جماعةٍ (5): وجوب الجميع عليه.

واختار صاحب «الجواهر» رحمه الله(6) سقوط الجميع.6.

ص: 221


1- كتاب النكاح: ص 360.
2- مسالك الأفهام: ج 7/258.
3- المبسوط: ج 5/298.
4- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء (ط ق): ج 2/623، والصيمري في تلخيص الخلاف: ج 3/112.
5- كما في جامع المقاصد: ج 12/234، قوله: (ويحتمل وجوب الجميع). ومسالك الأفهام: ج 7/259.
6- جواهر الكلام: ج 29/326.

واستدلّ للأخير: بما تقدّم مع جوابه.

وللأوّل: بأنّه فسخٌ حصل قبل الدخول ولم يسقط المَهر، لأنّه ليس من قِبل الزّوجة، فأشبه الطلاق حينئذٍ، وهو ليس إلّاقياساً ممنوعاً عنه شرعاً.

وعليه، فالأظهر استحقاقها للجميع، فحينئذ:

إنْ كان الإرضاع بأمرٍ من الزّوج، لا شيء على المرضعة، وإلّا فهي ضامنة لمَهر المثل للزوج، لأنّها فوّتت عليه منفعة البُضع، وقد حُقّق في محلّه(1) ضمان المنافع غير المستوفاة.

وفي «رسالة» الشيخ الأعظم: (ولا يبعدُ عدم الرجوع فيها إذا كان الإرضاع واجباً عليها، لفقد من يرضعها بما يسدّ رمقها، لأنّه حينئذٍ مأمورٌ به، فلا يتعقّبه ضررُ الضمان)(2).

وفيه أوّلاً: النقض بما إذا وجب أكلّ مال الغير حفظاً للنفس، أو وجبَ عليه إطعام من في معرض التلف، فإنّه لا شُبهة في ضمانه في الصورتين، وكذلك في المقام.

وثانياً: بالحَلّ ، وهو أنّ الوجوب التكليفي لا ينافي الضمان.

وإنْ شئت قلت: إنّه مأمورٌ بالإتلاف بعوض.

وقد عرفت أنّ مدرك ضمانها لمَهر المثل ليس قاعدة الضرر، حتّى يقال - كما عن المحقّق اليزدي رحمه الله - بأنّ ضمانها مع وجوب الإرضاع عليها كذلك خلاف الامتنان، فلا يمكن اثباته بقاعدة نفي الضرر التي تكون في مقام الامتنان.1.

ص: 222


1- فقه الصادق: ج 24/320.
2- كتاب النكاح: ص 361.

ولو أرضعتِ الأُمّ من الرِّضاعة الزّوجةَ حَرُمت، ولا تحرمُ أُمّ أُمّ الولد من الرّضاع، وإنْ حرمت من النَسَب. ويستحبُّ اختيار المُسلمة الوضيئة العفيفة العاقلة للرِّضاع،

قال المصنّف رحمه الله: (و) ممّا يتفرّع على الكبرى الكليّة أنّه (لو) تزّوج مثلاً رضيعةً ، ف (أرضعت) مَن يفسد نكاح الصغيرة برضاعها ك (الاُمّ ) من النَسَب، أو (من الرّضاعة الزّوجة، حَرُمت)، لأنّها تصير حينئذٍ اُخته.

(و) لو تزوّج كبيرة، فأرضعت بنتها ولده من غيرها، لم تَحرُم عليه، لأنّه (لا تحرمُ أُمّ اُمّ الولد من الرّضاع، وإنْ حَرُمت من النَسَب)، لأنّ جدّة الولد إذا كانت نَسَبيّة إمّا اُمّ أو اُمّ زوجة، ولا يحصل شيءٌ من العنوانين بالرّضاع، وجدّة الولد من حيث هي ليست عنواناً مستقلّاً للتحريم.

كما أنّه لو أرضعت زوجته ولد ولده، لا تَحرُم عليه، لأنّ أُمّ ولد الولد في النَسَب تحرمُ لكونها بنتاً أو زوجة الابن، وشيءٌ من العنوانين لا يحصل بالرّضاع.

أقول: ولا يخفى أنّ المسائل المتصوّرة في هذا الباب كثيرة لا تنحصر، ولكن مع الضوابطالتي ذكرناها يظهر الحكم في الجميع بعد التأمّل، فلاحاجة إلى ذكرالممكن منها.

اختيار الظئر

المسألة السادسة: (ويستحبُّ ) لمن استرضع، وليّاً كان أو غيره (اختيار المُسلمة الوضيئة العفيفة العاقلة للرّضاع) للأخبار التالية:

1 - خبر محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تسترضعوا الحَمقاء، فإنّ اللّبن

ص: 223

يُعدي، وإنّ الغلام ينزع إلى اللّبن - يعني إلى الظِئر - في الرعونة والحَمق»(1).

2 - وخبر مسعد بن صدقة، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تسترضعوا الحَمقاء، فإنّ اللّبن يغلب الطباع.

قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا تسترضعوا الحَمقاء، فإنّ اللّبن يشبّ عليه»(2).

3 - وخبر غياث بن إبراهيم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: انظروا من ترضع أولادكم، فإنّ الولد يشبّ عليه»(3).

4 - وما رواه الصدوق بإسناده عن الإمام الرّضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا تسترضعوا الحَمقاء، ولا العَمْشاء، فإنّ اللّبن يعدي»(4).

5 - وخبر الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول تخيّروا للرّضاع كما تخيّرون للنكاح، فإنّ الرّضاع يغيّر الطّباع»(5).

وقد تقدّم استحباب اختيار العفيفة للنكاح.

6 - وخبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عليكم بالوضاء من الظؤرة، فإنّ اللّبن يُعدي»(6).3.

ص: 224


1- وسائل الشيعة: ج 21/467 باب 78 من أبواب أحكام الأولاد ح 27601، الكافي: ج 6/43 باب من يكره لبنه ح 8.
2- وسائل الشيعة: ج 21/467 باب 78 من أبواب أحكام الأولاد ح 27602، الكافي: ج 6/43 باب من يكره لبنه ح 9.
3- وسائل الشيعة: ج 21/466 باب 78 من أبواب أحكام الأولاد ح 27600، الكافي: ج 6/44 باب من يكره لبنه ح 10.
4- وسائل الشيعة: ج 21/467 باب 78 من أبواب أحكام الأولاد ح 27603، قرب الإسناد: ص 45.
5- وسائل الشيعة: ج 468/21 باب 78 من أبواب أحكام الأولاد ح 27605، عيون أخبارالرّضا عليه السلام: ج 34/2 ح 67.
6- وسائل الشيعة: ج 21/468 باب 79 من أبواب أحكام الأولاد ح 27607، الكافي: ج 6/44 باب من يكره لبنه ح 13.

7 - وخبر محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «لبن اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من لبن وَلد الزِّنا»(1) وهو بالفحوى يدلّ على أنّ الأولى عدم اختيار اليهوديّة واُختيها.

إلى غير تلكم من النصوص المستفاد منها رجحان اختيار المتّصفة بالزائد من الأوصاف الحسنة المذكورة، ومرجوحيّة اختيار المتّصفة بأضدادها في الخَلق والخُلُق.

ولو اضطرّ إلى اختيار غير المسلمة، استرضعت الذّميّة، وانتفت حينئذٍ الكراهة، كما ورد التنويه لذلك في حسن عبداللّه بن هلال، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن مظائرة المجوسيّة ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن أهل الكتاب»(2) ونحوه غيره.

ويمنعها من شُرب الخمر ولحم الخنزير لو استرضعها، لصحيح الحلبي، قال:

«سألته عن رجلٍ دفع ولده إلى ظئرٍ يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته ؟

قال عليه السلام: ترضعه لك اليهوديّة والنصرانيّة في بيتك، وتمنعها من شُرب الخمر وما لا يحلّ مثل لحم الخنزير، ولا يذهبنّ بولدك إلى بيوتهنّ .

الزانية لا ترضع ولدك فإنّه لا يحلّ لك، والمجوسيّة لا ترضع لك ولدك، إلّاأن تضطرّ إليها»(3) ونحوه غيره.0.

ص: 225


1- وسائل الشيعة: ج 21/464 باب 76 من أبواب أحكام الأولاد ح 27593، الكافي: ج 6/43 باب من يكره لبنه ح 5.
2- وسائل الشيعة: ج 21/464 باب 76 من أبواب أحكام الأولاد ح 27594، الكافي: ج 6/42 باب من يكره لبنه ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 21/465 باب 76 من أبواب أحكام الأولاد ح 27597، التهذيب ج 8/116 باب الحكم في أولاد المطلّقات ح 50.

وبه يظهر كراهة تمكينها من حَمل الولد إلى منزلها، وأشديّة كراهة استرضاع المجوسيّة وولد الزِّنا.

ما يثبت به الرِّضاع

المسألة السابعة: يثبتُ الرّضاع:

1 - بالعلم، لأنّه حجّة ذاتاً.

2 - وبالاطمئنان الذي هو حجّة عقلائيّة.

3 - وبشهادة العدلين، لما دلّ على حجيّتها في الموضوعات عموماً، بل وبشهادة العَدل الواحد بل الثقة، بناءً على ما هو المختار من حجيّة خبر الثقة في الموضوعات.

ولا تُقبل شهادة المرضعة وحدها بالرّضاع، لجملةٍ من النصوص:

منها: المرسل - كالموثّق بابن بُكير المُجمع على تصحيح ما يصحّ عنه - عن الإمام الصادق عليه السلام: «في امرأةٍ أرضعت غلاماً وجارية ؟

قال عليه السلام: يعلم ذلك غيرها؟ قلت: لا.

فقال عليه السلام: لا تصدّق إنْ لم يكن غيرها»(1).

ومنها: خبر صالح بن عبداللّه الخَثعمي، عن أبي الحسن موسى عليه السلام:

«عن أُمّ ولدٍلي صدوقٍ زَعَمتْ أنّها أرضعت جاريةًلي، أُصدّقها؟ قال عليه السلام: لا»(2).

ص: 226


1- وسائل الشيعة: ج 20/401 باب 12 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25935، التهذيب: ج 7/323 باب فيما يحرم من النكاح من الرّضاع ح 38.
2- وسائل الشيعة: ج 20/401 باب 12 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25934، الكافي: ج 5/446 باب نوادر في الرّضاع ح 17.

ومنها: صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن امرأةٍ تزعم أنّها أرضعت المرأة والغلام، ثمّ تَنكر بعد ذلك ؟

فقال عليه السلام: تصدّق إذا أنكرت ذلك.

قلت: فإنّها قالت وادّعت بعدُ بأنّي قد أرضعتها؟

قال عليه السلام: لا تصدّق ولا تنعم»(1).

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل تقبل شهادة غيرها من النساء، كما عن المفيد(2)، والعُمّاني(3)، والإسكافي(4)، والديلمي(3) وابن حمزة(4)، والشيخ في موضع من

«المبسوط»(5)، والمصنّف رحمه الله(6)، والمحقّق(7)، والشهيدين(8)، وفخر الإسلام(9)، والصيمري(10) وغيرهم من سائر المتأخّرين(11) بل عليه عامّتهم ؟

أم لاتقبل كما عن الشيخ في «الخلاف»(12) وموضع آخر من «المبسوط»(13)1.

ص: 227


1- وسائل الشيعة: ج 20/400 باب 12 من أبواب ما يحرم بالرّضاع ح 25933، الكافي: ج 5/445 باب نوادر في الرّضاع ح 9.
2- المقنعة: ص 727. (3و4) حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 8/473.
3- المراسم: ص 234.
4- الوسيلة: ص 222.
5- المبسوط: ج 8/172.
6- مختلف الشيعة: ج 8/473.
7- شرائع الإسلام: ج 4/921.
8- الروضة البهيّة: ج 3/144.
9- إيضاح الفوائد: ج 4/435.
10- تلخيص الخلاف: ج 3/113 مسألة 17.
11- كالكركي في جامع المقاصد: ج 12/265-266، والسبزواري في كفاية الأحكام: ص 285.
12- الخلاف: ج 7/107 مسألة 20.
13- المبسوط: ج 5/311.

والحِلّي(1)، وابن سعيد(2)، والمصنّف في «التحرير»(3)، وعن الشهيد الثاني(4) نسبته إلى الأكثر، وعن «كشف الرموز»(5) نسبته إلى الشيخ وأكثر أتباعه ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل:

1 - لكثيرٍ من النصوص الدالّة على قبول شهادة النساء فيما لا يجوز للرِّجال النظر إليه(6).

2 - ولمفهوم مرسل ابن بُكير، فإنّ مقتضى إطلاقه الشمول لما إذا كان الغير اُنثى ، لو لم يكن ظاهراً في إرادة الاُنثى ، نظراً إلى أنّ الرّجل إنْ لم ينظر إليها وإلى ثَديها لا يقدر أن يشهد بالرّضاع، وإنْ نظر إليها لا تُقبل شهادته للفِسق، فتأمّل.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بالإجماع المحكيّ عن «الخلاف»، وظاهر «المبسوط».

2 - وبما في الثاني من نسبته إلى رواياتِ الأصحاب، وإرسالها بالنسبة إلينا ينجبرُ بالشهرة المنقولة.

3 - وبالنصوص المتقدّمة الدالّة على عدم قبول شهادة المُرضعة بإلغاءالخصوصيّة.

ولكن الأوّل: موهونٌ بذهاب المعظم إلى خلافه، حتّى مدّعيه في كتابه الآخر.ت.

ص: 228


1- السرائر: ج 2/137.
2- الجامع للشرائع: ص 542-543.
3- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/212، قوله: (والأقرب قبول شهادة النساء منفردات في الرّضاع وإن كان الأكثر قد منع من قبولها).
4- مسالك الأفهام: ج 14/259.
5- كشف الرموز: ج 2/525.
6- وسائل الشيعة: ج 27/350-365 باب 24 من كتاب الشهادات.

وأمّا الثاني: فمن المحتمل أنْ يكون نظره الشريف إلى النصوص المتقدّمة، وستعرف ما في الاستدلال بها، إذ من المستبعد جدّاً عثوره على روايات لم يعثر عليها أحدٌ قبله ولا بعده ولا نُقلت في كتابٍ .

وأمّا الثالث: فلا وجه لإلغاء الخصوصيّة بعد احتمال خصوصيّة المورد، وعدم العلم بالمناط، سيّما مع قوله في المرسل: «إنْ لم يكن غيرها».

وعليه، فالمتحصّل أنّ الأظهر هو القبول.

***

ص: 229

الثالث: اللِّعان، ويثبتُ به التحريم المؤبّد،

من أسباب التحريم اللِّعان

السببُ (الثالث) من أسباب التحريم: (اللِّعان) وهو مصدرُ لاعَن، وربما استعمل جمعاً، ولغةً : الطرد والإبعاد من الخير(1)، والاسم اللّعنة، وشرعاً: المباهلة بين الزوجين على وجهٍ مخصوص.

أقول: والأصل فيه الكتاب الكريم، قال اللّه تعالى : (وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصّادِقِينَ * وَ اَلْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ اَلْكاذِبِينَ * وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا اَلْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلْكاذِبِينَ * وَ اَلْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اَللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ اَلصّادِقِينَ ) (2).

والنصوص(3) الواردة في بيان مورد نزول الآية الكريمة وغيرها، والإجماع، وسيأتي تنقيح القول فيه، وفي أركانه وأحكامه في الفصل السابع من كتاب الفراق عند تعرّض المصنّف رحمه الله لها مفصّلاً.

أقول: (و) المقصود في المقام بيان أنّه إذا تحقّق اللِّعان الواجد للأجزاء والشرائط (يثبت به التحريم المؤبّد) أي تحريم الملاعنة على الملاعن تحريماً مؤبّداً،

ص: 230


1- لسان العرب: ج 1/387 مادّة (لعن).
2- سورة النور: الآية 6-9.
3- راجع وسائل الشيعة: ج 22/407-439 أبواب كتاب اللِّعان.

وكذا قذفُ الزّوج امرأته الصَّماء أو الخَرساء،

والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك ولا إشكال، بل عليه الإجماع في كلمات جماعة(1)، ويشهد به نصوصٌ :

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «أنّه سُئل عن الرّجل يقذف امرأته ؟ قال عليه السلام: يلاعنها، ثمّ يفرّق بينهما فلا تحلّ له أبداً»(2).

ونحوه غيره.

(وكذا) يثبتُ التحريم المؤبّد ب (قذف الزّوج امرأته الصَّماء أو الخَرساء) بأن يرميها بالزّنا بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(3): (بل الإجماع بقسميه عليه).

ويشهد به طائفةٌ من الأخبار:

منها: صحيح أبي بصير - أو موثّقه - عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ قَذف امرأته بالزّنا وهي خَرساء صمّاء لا تسمعُ ما قال ؟

قال عليه السلام: إنْ كان لها بيّنة تشهد له عند الإمام جُلد الحَدّ، وفُرِّق بينها وبينه، ثمّ لا تحلّ له أبداً، وإنْ لم يكن لها بيّنة فهي حرامٌ عليه ما أقام معها، ولا إثم عليها منه»(4).8.

ص: 231


1- منهم صاحب مسالك الأفهام: ج 7/356، ونهاية المرام: ج 1/187 (السبب الخامس)، وكشف اللّثام: ج 7/181 (ط. ج).
2- وسائل الشيعة: ج 20/492 باب 22 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26175، الكافي: ج 6/163 باب اللِّعان ح 6.
3- جواهر الكلام: ج 30/25.
4- وسائل الشيعة: ج 22/427 باب 8 من كتاب اللِّعان ح 28953، الكافي: ج 6/166 باب اللِّعان ح 18.

ومنها: صحيح الحلبي ومحمّد بن مسلم - أو حسنهما - عنه عليه السلام:

«في رجلٍ قذف امرأته وهي خَرساء؟ قال عليه السلام: يفرّق بينهما»(1).

ومنها: خبر محمّد بن مروان، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في المرأة الخَرساء، كيف يلاعنهازوجها؟ قال عليه السلام: يفرّق بينهماولاتحلّله أبداً»(2).

إنّما الكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: أنّ ظاهر المتن ومثله كلامُ الأكثر من جهة التعبير ب (أو)، الاكتفاء بأحد الوصفين في ثبوت الحكم، بل هوفي معقدإجماعي محكيّ «الغنية»(3) و «السرائر»(4).

وعن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(5) الإشكال في الصَّماء.

أقول: لا إشكال في الاكتفاء بالخَرس وحده لإطلاق الخبرين الأخيرين:

أمّا الأوّل: فمضافاً إلى أنّه مرويٌّ تارةً مع كلمة (أو) وأُخرى بدونها، لا ينافي الإطلاق، لعدم حمل المطلق على المقيّد في غير المتنافيّين.

وأمّا الصَّمم: فلا دليل على الاكتفاء به وحده، إلّاعلى تقدير أرجحيّة ثبوت كلمة (أو) في خبر أبي بصير على تركها، والظاهر أنّه كذلك، فإنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة يُبنى على الثانية، وفي المقام يدور الأمر بين زيادة كلمة (أو) ونقصها فيُبنى على وجودها.

ويمكن أنْ يُقال: إنّ مقتضى إطلاق الأخيرين سببيّة الخَرس وحده لثبوت5.

ص: 232


1- وسائل الشيعة: ج 22/427 باب 8 من كتاب اللِّعان ح 28952، الكافي: ج 6/164 باب اللِّعان ح 9.
2- وسائل الشيعة: ج 22/428 باب 8 من كتاب اللِّعان ح 28955، الكافي: ج 6/167 باب اللِّعان ح 20.
3- الغنية: ص 378.
4- السرائر: ج 2/525.
5- تحرير الأحكام (ط. ق): ج 2/15.

الحكم، وعليه فذكر الصَّمم في خبر أبي بصير لابدّ وأن يكون إمّا لكونه أيضاً سبباً له أو لغواً، ولا ثالث، إذ احتمال الإطلاق في سببيّة الخَرس، وتقييد سببيّة الصَّمم به لايرجع إلى محصّل، والثاني خلافُ ظاهر السؤال، سيّما مع قوله: «لا تَسمُع ما قال»، فإنّه ظاهر في مدخليّته في الحكم، فيتعيّن الأوّل.

وعليه، فالأظهر الاكتفاء بكلّ واحدٍ من الوصفين.

وممّا ذكرناه ظهر وجه إشكال المصنّف رحمه الله في «التحرير» في الصَّماء وضعفه، كما ظهر أنّ وجهه ليس ما عن «المسالك» من اعتبار الأمرين.

الأمر الثاني: مقتضى إطلاق النصوص، عدم اختصاص الحكم بالخَرس والصَّمم الخَلقيين، وثبوته الحكم في العارضيّ منهما، وغاية ما قيل في وجه الاختصاص إنّ ظاهر خبر أبي بصير اعتبار الأمرين، وظاهر الأخيرين سببيّة الخرس وحده، والجمع بينهما إنّما يكون باختصاصه بالخَلقيين، للتلازم بين الخَرس الخَلقي والصَّمم، وقد عرفت ما فيه.

وبه يظهر ما في «الجواهر» حيث استجود القول بالاختصاص، إنْ لم يكن إجماعٌ على خلافه(1).

الأمر الثالث: صرّح غير واحدٍ(2) بأنّ القذف الموجب للحرمة الأبديّة هو ما يوجب اللِّعان لولا الآفة، بأنْ يرميها بالزِّنا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة، فلا حُرمة مع عدمهما.7.

ص: 233


1- جواهر الكلام: ج 30/26.
2- منهم في جامع المقاصد: ج 12/305، وكشف اللّثام (ط. ج): ج 7/181، وجواهر الكلام: ج 30/27.

وفي «الرياض»(1): (لولا الإجماع المحكيّ على القيد، لكان إطلاق التحريم متّجهاً، تبعاً لإطلاق النصوص).

أقول: وقد سُئل صاحب «الجواهر» على الاختصاص بهذا الإجماع المدّعى، وبإشعار الخبر الثالث، بأنّ التفرقة المزبورة هي اللِّعان بينهما، بل لعلّ السؤال في الخبرين الأوّلين مبنيٌ على ذلك، بمعنى أنّ الخَرساء والصّماء التي لا لعان معها باعتبار الخرس والصَّمم إذا قذفها زوجها كيف الحكم فأجاب بما عرفتَ ، ثمّ قال:

(وهذاهوالمناسب لقاعدة الاقتصارعلى المتيقّن فيماخالف الأصل والعمومات)(2).

وفيه: أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة، أضف إليه معارضته بخلوّ معقد إجماع «الغنية» عن ذلك، وذِكْره متّصلاً بحكم الملاعنة لا يدلّ على اعتبار ما يعتبر فيها فيه.

وإشعار الخبر الثالث لو سُلّم، لا يكون حجّة موجباً لتقييد الإطلاق، مع أنّ للمنع عنه مجالاً، لأنّ جملة: «كيف يُلاعنها زوجها» واردٌ في كلام السائل لا المعصوم عليه السلام، أضف إليه أنّه مرويٌّ بطريقٍ آخر هكذا:

«في المرأة الخرساء يقذفها زوجها».

وقاعدة الاقتصار على المتيقّن إنّما هي في صورة عدم وجود الإطلاق.

وعليه، فما أفاده سيّد «الرياض» أشبه.

أقول: ويترتّب على ما ذكرناه، أنّه يختصّ الحكم بالقذف، فلا يَلحق به نفي الولد.ف.

ص: 234


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/232.
2- جواهر الكلام: ج 30/26، والعبارة منقولة بتصرّف.

واستدلّ في «الجواهر» للإلحاق: (بأنّ قوله في الخبر الثالث: «كيف يُلاعنها» يدلّ عليه، لأنّ معناه أنّه إذا حصل سبب اللِّعان في غيرها معها كيف يلاعنها).

وفيه أوّلاً: أنّ الخبر ضعيفٌ لمحمّد بن مروان.

وثانياً: أنّه مرويٌّ بنحوٍ آخر تقدّم، والظاهر أنّه الصحيح، فإنّه على هذا النحو المذكور لا يرتبط الجواب بالسؤال.

الأمر الرابع: نُسب إلى الصدوق رحمه الله القول بثبوت هذا الحكم لو قَذفت الزّوجة الزّوج الأخرس أو الأصمّ .

واستدلّ له: بالمرسل - كالصحيح لكون المرسل ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه - عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في امرأةٍ قذفتْ زوجَها وهو أصمّ؟ قال عليه السلام: يفرّق بينها وبينه ولا تحِلّ له أبداً»(1).

وأورد عليه صاحب «الجواهر»(2): بأنّ هذا الحكم من أحكام اللِّعان بين الزّوجة والزّوج، وإنّما هو في قذف الزّوج للزوجة لا العكس.

ولكنّه كما ترى اجتهادٌ في مقابل النّص، مع أنّه قد عرفت عدم كونه منها، والخبر وإنْ اختصَّ بالأصمّ ، إلّاأنّه يلحق به الأخرس بعدم القول بالفصل.

أقول: والصحيح أن يورد على هذا الدليل: بإعراض المشهور عنه، ولنِعمَ ما أفاده سيّد «الرياض»(3) بقوله:3.

ص: 235


1- وسائل الشيعة: ج 22/428 باب 8 من كتاب اللِّعان ح 28954، الكافي: ج 6/166 باب اللِّعان ح 19.
2- جواهر الكلام: ج 30/27.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/233.

(إنّ الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، التي كادت تكون إجماعاً، أوجب المصير إلى طرحه، مضافاً إلى أنّ الموجب لاعتبار السند هو إجماع العصابة المحكيّ ، وفيه وهنٌ بالنظر إلى المقام، لمصير المعظم إلى الخلاف، إلّاأنّ العمل به أحوط)، انتهى .

***

ص: 236

الرابع: الكفر، ولا يجوزُ للمسلم أن ينكح غير الكتابيّة إجماعاً، وفيها

نكاح الكتابيّة

السَّببُ (الرابع) من أسباب التحريم: (الكفر، و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى : (لا يجوزُ لمسلمٍ أن ينكح غير الكتابيّة إجماعاً) من المسلمين فضلاً عن المؤمنين، والكتاب والسُّنة الآتيان شاهدان به.

(و) أمّا (فيها) أي في الكتابيّة فأقوالٌ ستّة:

1 - التحريم مطلقاً، وهو مذهب المرتضى(1)، والشيخ(2) في أحد قوليه، والمفيد(3) كذلك، والحِلّي(4).

2 - الجواز مطلقاً، وهو المنسوب إلى الصدوقين(5)، وابن أبي عقيل(6)، وقوّاه صاحب «الجواهر»(7).

3 - جواز نكاحها متعةً اختياراً ودائماً اضطراراً، وهو مذهب الشيخ في «النهاية»(8)، وابن حمزة(9) وابن البرّاج(10).

ص: 237


1- الإنتصار: ص 279 مسألة 155.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/296 باب 26 من أبواب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب.
3- المقنعة: ص 500، باب من يحرم نكاحهن من النساء.
4- السرائر: ج 2/621.
5- فقه الرّضا: ص 235، المقنع: ص 308.
6- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 7/73.
7- جواهر الكلام: ج 30/31.
8- النهاية: ص 457.
9- الوسيلة: ص 290.
10- المهذّب: ج 2/241.

قولان.

4 - عدم جواز العقد بحال، وجواز مِلك اليمين، نُقل عن الشيخ في أحد قوليه(1)، ونسب إلى المفيد رحمه الله(2).

5 - جواز المتعة ومِلْك اليمين وتحريم الدوام، وهو المشهور بين المتأخّرين، واختاره أبو الصَّلاح(3)، وهو ظاهر كلام الشيخ في «المبسوط»(4).

6 - تحريم نكاحها مطلقاً اختياراً، أو تجويزه مطلقاً اضطراراً، وتجويز الوطء بملك اليمين، نَسبه المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف» إلى ابن الجُنيد(5).

أقول: والمشهور بين الأصحاب من هذه الأقوال (قولان) وهما القول الأوّل والخامس، وتنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: فيما يستفاد من الكتاب نفسه مع قطع النظر عن النصوص، وقد استدلّ للمنع تارةً وللجواز أُخرى بآيات:

الآية الأُولى : قوله تعالى : (وَ لا تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكاتِ ) (6).

وتقريب الاستدلال بهذه الآية على المنع:

إمّا أنّها تدلّ على عدم جواز نكاح المشركة مطلقاً، والكتابيّة مشركة، وقد1.

ص: 238


1- النهاية: ص 457، قوله: (ولا بأس أن يطأ بملك اليمين اليهوديّة والنصرانيّة).
2- المقنعة: ص 508 باب العقود على الإماء.
3- الكافي للحلبي: ص 286 و 299 و 300.
4- المبسوط: ج 4/215-216.
5- مختلف الشيعة: ج 7/91.
6- سورة البقرة: الآية 221.

قال اللّه تعالى حكاية: (وَ قالَتِ اَلْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اَللّهِ وَ قالَتِ اَلنَّصارى اَلْمَسِيحُ اِبْنُ اَللّهِ ) (1).

وقال: (اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اَللّهِ وَ اَلْمَسِيحَ اِبْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (2).

أو أنّ تعليق المنع على الغاية التي هي الإيمان، يدلّ على اشتراطه في النكاح.

أو أنّ تعقيب النهي بقوله تعالى : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى اَلنّارِ وَ اَللّهُ يَدْعُوا إِلَى اَلْجَنَّةِ ) (1) يقتضي كونه علّة للمنع، لأنّ الزوجين ربما أخذ أحدهما من دين صاحبه، فيدعو ذلك إلى دخول النار، وهذا المعنى مطّردٌ في جميع أقسام الكفر، ولا اختصاص له بالشرك.

وفيه: أنّ المتبادر من الشرك في إطلاق الشرع غير أهل الكتاب، كما يؤيّده عطف المشركين على أهل الكتاب وبالعكس في كثيرٍ من الآيات:

قال اللّه تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ اَلنّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اَلْيَهُودَ وَ اَلَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى ) (2).

وقال سبحانه: (ما يَوَدُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ وَ لاَ اَلْمُشْرِكِينَ ) (3).

وهذا لا ينافي اعتقادهم ما يوجبُ الشِّرك، كما لا ينافي عدم كون المؤمن الموحّد العامل لغير اللّه مشركاً، ما دلّ على أنّ من أشرك مع اللّه غيره في عملٍ لم يقبله(4)، وكذا كون غير المؤمن من أصناف المسلمين غير مشركٍ ما تضمّن أنّ :0.

ص: 239


1- سورة البقرة: الآية 221.
2- سورة المائدة: الآية 82.
3- سورة البقرة: الآية 105.
4- وسائل الشيعة: ج 61/1 باب 8 من أبواب مقدّمة العبادات ح 131، المحاسن: ج 252/1 باب الإخلاص ح 270.

«من نَصَب ديناً غير دين المؤمنين فهو مشركٌ »(1).

وبالجملة: المتبادر من لفظ (المشرك) غير الكتابي، و (الإيمان) الذي جُعل غايةً ، لم يثبت كون المراد به الإسلام، بل الظاهر منه إرادة الإيمان باللّه تعالى ، وكون قوله: (أُولئِكَ يَدْعُونَ ...) (2) علّةً للمنع غير ظاهر.

وعليه، فالآية الشريفة الاُولى لا تدلّ على المنع من نكاح الكتابيّة.

الآية الثانية: قوله تعالى : (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ) (3).

قد استدلّ به للمنع عن نكاحها، بتقريب:

أنّ (العِصَم) جمع (عِصمة) وهي ما يعتصم به من عقدٍ أو ملك، فإنّ المرأة بالنكاح تُعصم من غير زوجها، و (الكوافر) جمع (كافرة).

فالمراد نهي المؤمنين على المقام على نكاح الكافرات، ومتى ثبت انقطاعُ العصمة السابقة بالنكاح السابق، لزم منه عدم تأثير اللّاحق بل لعلّه أولى ، والكافرة تشمل الكتابيّة.

وفيه: أنّه بالإجماع(4) يبقى النكاح إذا أسلم زوج الذّميّة دونها، وإنْ اختلفوا في جواز نكاحها ابتداءً ، ومع انتفاء حكم الأصل، وتعيّن حمل الآية على الحكم التنزيهي في مورده، لا تُجدي أولويّة المنع عن الابتداء.

الآية الثالثة: قوله عزّ وجلّ : (اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ) (5) إلى أن يقول:

(وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلْمُؤْمِناتِ وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ 5.

ص: 240


1- وسائل الشيعة: ج 1/30 باب 2 من أبواب مقدّمة العبادات ح 42، الكافي: ج 2/383 باب الإخلاص ح 2.
2- سورة البقرة: الآية 221.
3- سورة الممتحنة: الآية 10.
4- راجع نهاية المرام: ج 1/194، ورياض المسائل (ط. ج): ج 10/241.
5- سورة المائدة: الآية 5.

أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) (1) .

وهذه الآية الكريمة تدلّ على جواز نكاح الكتابيّة مطلقاً.

فإنْ قيل: لفظ (أُجُورَهُنَّ ) (2) ظاهرٌ في العوض للمؤجّل، فإنّه يُسمّى في النكاح الدائم صداقاً ونِحلةً وفَرضاً، فتختصّ الآية الكريمة بالمؤجّل.

قلنا: لا ظهور له في ذلك، وقد أُطلق (أُجُورَهُنَّ ) عليه في مطلق النكاح:

قال اللّه تعالى : (وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1).

وقال: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2).

أقول: وقد استدلّ في المقام بآياتٍ اُخر، لأجل عدم ظهورها في الجواز ولا في المنع، أغمضنا عن ذكرها.

ثمّ إنّه لو أغمضنا عمّا ذكرناه - من عدم دلالة الآيتين الأولتين على المنع، وسلّمنا دلالتهما عليه، حيث إنّهما شاملتان للكتابيّة وغيرها، والآية الأخيرة مختصّة بالكتابيّة - فإنّ مقتضى قاعدة حَمل المطلق على المقيّد، تقييد إطلاقهما بها لا نسخها بهما، فإنّه في صورة تقدّم الخاص على العام بنينا على الالتزام بالتخصيص لا النسخ، فضلاً عن صورة التأخّر كما في المقام، فإنّ الآية الأخيرة في سورة المائدة وهي آخر سورة نَزلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

ففي النبويّ : «إنّسورة المائدة آخرالقرآن نزولاً، فأحلّوا حلالهاو حَرِّموا حرامها»(3).4.

ص: 241


1- سورة الممتحنة: الآية 10.
2- سورة النساء: الآية 25.
3- أخرجه أحمد: ج 6/88، والحاكم: ج 2/311 في تفسير سورة المائدة، وصحّحه البيهقي في سننه: ج 7/172، وتفسير الشوكاني: ج 9/204.

وفي العلوي: «وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة التي نَسخت ما قبلها ولم يَنسخها شيءٌ »(1).

وبالجملة: فالمتحصّل من الآيات بأنفسها جواز نكاح الكتابيّة مطلقاً.

المورد الثاني: في النصوص الواردة في تفسير الآيات:

فقد يقال: إنّهاتقتضي المنع، لدلالة جملةٍمن النصوص علينَسخ آية الحِلّبالأولتين:

منها: موثّق ابن الجَهم، قال: «قال لي أبو الحسن الرّضا عليه السلام: يا أبا محمّد، ما تقول في رجلٍ تزوّج نصرانيّة على مسلمة ؟

قال: قلت: جُعِلت فداك، وماقولي بين يديك! قال: لتقولنّ ، فإنّذلك يعلم به قولي.

قلت: لا يجوزُ تزويج النصرانيّة على مسلمة ولا غير مسلمة.

قال عليه السلام: ولِمَ؟

قلت: لقول اللّه عزّ وجلّ : (وَ لا تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (2).

قال: فما تقول في هذه الآية: (وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (3)؟

قلت: فقوله: (وَ لا تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكاتِ ) نَسخت هذه الآية ؟ فتبسّم ثمّسكت»(4).

ومنها: صحيح زرارة، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قوله عزّ وجلّ :

(وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ؟6.

ص: 242


1- تفسير البرهان: ج 1/263 مع اختلاف يسير.
2- سورة البقرة: الآية 221.
3- سورة المائدة: الآية 5.
4- وسائل الشيعة: ج 20/534 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26274، الكافي: ج 5/357 باب نكاح الذّميّة ح 6.

فقال عليه السلام: هي منسوخة بقوله تعالى: (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ(1)) »(2).

ومنها: خبره الآخر، عنه عليه السلام، قال: «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب.

قلتُ : جُعِلت فداك، وأين تحريمه ؟

قال: قوله: (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ) »(3).

ومنها: المرويّ عن «تفسير العيّاشي» عن مسعدة بن صدقة، قال:

«سُئل أبو جعفر عليه السلام عن قول اللّه: (وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ (4)) ؟

قال عليه السلام: نَسَختها (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ) »(5).

ومنها: ما رواه الطبرسي في «مجمع البيان» عند قوله: (وَ اَلْمُحْصَناتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ ) ، قال:

روى أبو الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّه منسوخٌ بقوله تعالى : (وَ لا تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (6) وبقوله: (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ) »(7).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في قوله تعالى: (وَ اَلْمُحْصَناتُ ) الخ ؟

قال: هي منسوخة، نسختها قوله تعالى : (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ) »(8).2.

ص: 243


1- سورة الممتحنة: الآية 10.
2- وسائل الشيعة: ج 20/533 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26272، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّميّة ح 8.
3- وسائل الشيعة: ج 20/534 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26275، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّميّة ح 7.
4- سورة المائدة: الآية 5.
5- المستدرك: ج 14/433 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 17198، تفسير العيّاشي: ج 1/296 ح 38.
6- سورة البقرة: الآية 221.
7- وسائل الشيعة: ج 20/535 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26278، مجمع البيان: ج 3/280.
8- المستدرك: ج 14/434 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 17202.

ومنها: خبر «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إنّما أحلَّ اللّه نساء أهل الكتاب للمسلمين إذا كان في نساء المسلمين قلّة، فلمّا كَثُرت المسلمات، قال اللّه عزّ وجلّ : (وَ لا تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (1)، وقال: (وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ اَلْكَوافِرِ(2)) »(3).

أقول: ولكن هذه النصوص ضعيفة، سوى الأولين منها:

أمّا خبر زرارة: فلضعف درست الواسطي(4).

وأمّا ما عن «تفسير العيّاشي»: فللإرسال، وكذا خبر الطبرسي، مضافاً إلى ضعف أبي الجارود.

وأمّا خبر أبي بصير: فلضعف أحمد بن محمّد السياري(5) الذي ضعّفه الأكثر.

وأمّا خبر «الدعائم»: فللإرسال.

أمّا الأولان: فهما متعارضان، من جهة أنّ الأوّل يدلّ على أنّ الناسخ (وَ لا تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكاتِ ) ، والثاني يدلّ على أنّ الناسخ آية النهي عن الإمساك، وضروري أنّ النسخ بإحداهما لا يجتمعُ مع النسخ بالاُخرى ، لاستحالة نسخ الشيء ورفعه بعد زواله وارتفاعه.

مع أنّه يمكن أنْ يُقال: إنّه ليس في خبر ابن الجَهم سوى تبسّمه عليه السلام، ويمكن أنْ يكون ذلك على اشتباهه، خصوصاً وأنّه عليه السلام سأله عن تزويج النصرانيّة على المسلمة، الظاهر في أنّ جواز تزويجها لا على المسلمة مفروغٌ عنه.).

ص: 244


1- سورة البقرة: الآية 221.
2- سورة الممتحنة: الآية 10.
3- المستدرك: ج 14/433 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 17199، دعائم الإسلام: ج 2/249 ح 942.
4- رجال النجاشي: ص 162 رقم (430)، الفهرست: ص 288.
5- رجال النجاشي: ص 80 رقم (192) رجال الكشي: ص 865 رقم (1128).

أقول: وأمّا صحيح زرارة:

فيعارضه أولاً: جملة من النصوص الدالّة على أنّ سورة المائدة محكمة، لم ينسخ شيءٌ منها، كصحيحه عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«سمعته يقول: جَمَع عمر بن الخطّاب أصحاب رسول اللّه وفيهم عليّ عليه السلام، فقال:

ما تقولون في المَسح على الخُفّين...

إلى أنْ قال: فقال عليّ عليه السلام: سبق الكتاب الخُفّين، إنّما اُنزلت المائدة قبل أنْ يقبض - أي رسول اللّه صلى الله عليه و آله - بشهرين أو ثلاثة»(1).

والنبويّ والعلوي المتقدّمان الصريحان في ذلك، والترجيح مع هذه النصوص لموافقتها لظاهر الكتاب، فإنّ في صدر آية المائدة: (اَلْيَوْمَ أُحِلَّ ...) الخ الظاهر في تجدّد الحال ورفع الحرمة السابقة، فهي ظاهرة في كون هذه الآية ناسخة لا منسوخة.

مع أنّه لو سُلّم التعارض والتساقط، المرجع إلى القاعدة التي تقدّمت، وهي تقدّم التخصيص على النسخ.

وثانياً: أنّ آية النهي عن الإمساك قد مرّ أنّ الإجماع والنصوص على خلاف ظاهرها، فهي محمولة على إرادة الحكم التنزيهي، فهي إمّا لا تصلح لأن تَنسخ آية الحِلّ ، وإمّا توجبُ البناء على المرجوحيّة.

فتحصّل: أنّه ليس في النصوص المفسّرة ما ينافي ظاهر الآيات.

المورد الثالث: فيما يستفاد من النصوص الخاصّة.1.

ص: 245


1- وسائل الشيعة: ج 1/458 باب 38 من أبواب الوضوء ح 1212 كتاب الطهارة، التهذيب: ج 1/361 باب صفة الوضوء ح 21.

أقول: وملخَّص الكلام أنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على المنع مطلقاً، أو قيل بدلالته عليه:

منها: حسن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«سألته عن نصارى العرب، أتُؤكل ذبائحهم ؟ فقال: كان عليّ عليه السلام ينهى عن ذبائحهم، وعن صيدهم، وعن مناكحتهم»(1).

ومنها: موثّق ابن الجهم المتقدّم، وفيه قولُ ابن الجهم: «لايجوز تزويج النصرانيّة على مسلمة وعلى غير مسلمة» بحضورٍ من الإمام الرّضا عليه السلام وتقريره إيّاه.

ومنها: صحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال: «وما أحبّ للرّجل المسلم أن يتزوّج اليهوديّة ولا النصرانيّة، مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر»(2).

ومنها: خبر زرارة، عنه عليه السلام: «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن تزويج اليهوديّة والنصرانيّة ؟ قال عليه السلام: لا، الحديث»(4).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الجواز مطلقاً:2.

ص: 246


1- وسائل الشيعة: ج 20/533 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26273، الكافي: ج 6/239 باب ذبائح أهل الكتاب ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 20/534 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26274، الكافي: ج 5/357 باب نكاح الذّميّة ح 6.
3- وسائل الشيعة: ج 20/534 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26275، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّميّة ح 7.
4- المستدرك: ج 14/343 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 17202.

منها: موثّق سماعة بن مهران، قال:

«سألته عن اليهوديّة والنصرانيّة، أيتزوّجها الرّجل على المسلمة ؟

قال عليه السلام لا، ويتزوّج المسلمة على اليهوديّة والنصرانيّة»(1). فتدبّر.

ومنها: صحيح هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ تزوّج ذمّية على مسلمة ؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، ويضرب ثُمن حَدّ الزاني إثنا عشر سوطاً ونصفاً، فإنْ رضيتِ المُسلمة ضُرب ثُمن الحَدّ ولم يفرّق بينهما، الحديث»(2).

ونحوه خبر منصور بن حازم.

ودلالتهما على جواز تزويجها على المُسلمة في صورة رضاها واضحة، ولولا جوازه لا على المسلمة لما كان جائزاً عليها مع رضاها.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«سألته عن نكاح اليهوديّة والنصرانيّة ؟

فقال عليه السلام: لا بأس، أما علمت أنّه كانت تحت طلحة بن عبداللّه يهوديّة على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله»(3).

ومنها: صحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:5.

ص: 247


1- وسائل الشيعة: ج 20/544 باب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26301، الكافي: ج 5/357 باب نكاح الذّميّة ح 5.
2- وسائل الشيعة: ج 20/544 باب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26303، الفقيه: ج 3/426 باب ما أحلَّ اللّه من النكاح ح 4478.
3- وسائل الشيعة: ج 20/541 باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26294، التهذيب: ج 7/298 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 5.

«سألته عن رجلٍ له امرأة نصرانيّة، ألَهُ أن يتزوّج عليها يهوديّة ؟

فقال عليه السلام: إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام عليه السلام، وذلك موسَّعٌ منّا عليكم خاصّة، فلا بأس أن يتزوّج.

قلت: فإنّه تزوّج عليهما أمَة ؟

قال عليه السلام: لا يصلح أن يتزوّج ثلاث إماء، الحديث»(1).

ومنها: صحيح معاوية بن وهب، وغيره جميعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في الرّجل المؤمن يتزوّج اليهوديّة والنصرانيّة ؟

فقال عليه السلام: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة والنصرانيّة!

فقلت له: يكون له فيها الهوى.

قال عليه السلام: إن فعل فليمنعها من شُرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، واعلم إنّ عليه في دينه غضاضة»(2).

وما في «الوسائل» من أنّه مخصوصٌبالهَوى الغالب، غير ظاهرٍو مخالفٌلإطلاقه.

ومنها: خبر الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم ؟ فقال عليه السلام: لا بأس به»(3).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على جواز التزويج في حال الضرورة:5.

ص: 248


1- وسائل الشيعة: ج 20/545 باب 8 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26305، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّميّة ح 11.
2- وسائل الشيعة: ج 20/536 باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26279، الكافي: ج 5/356 باب نكاح الذّميّة ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 62/24 باب 27 من أبواب الذبائح ح 30000، التهذيب: ج 9/68 باب الذبائح والأطعمة ح 25.

منها: خبر حفص بن غياث، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن الأسير، هل يتزوّج في دار الحرب ؟

فقال عليه السلام: أكره ذلك، فإنْ فعل في بلاد الروم، فليس هو بحرام هو نكاحٌ ، وأمّا في الترك والديلم والخَزَر فلا يحلّ له ذلك»(1).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهوديّة ولا نصرانيّة، وهو يجدُ مسلمةً حُرّة أو أمَة»(2).

ونحوه خبر يونس عنهم عليهم السلام(3).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على جواز المتعة:

منها: موثّق الأشعري، قال: «سألته عن الرّجل يتمتّع من اليهوديّة والنصرانيّة ؟

قال عليه السلام: لا أرى بذلك بأساً»(4).

ومنها: مرسل الحسن بن عليّ بن فضّال - الذي هو كالموثّق - عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يتمتّع الرّجل باليهوديّة والنصرانيّة وعنده حُرّة»(5).8.

ص: 249


1- وسائل الشيعة: ج 20/537 باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26282، التهذيب: ج 7/299 باب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب ح 9.
2- وسائل الشيعة: ج 20/536 باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26280، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّميّة ح 10.
3- وسائل الشيعة: ج 20/537 باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26281، الكافي: ج 5/360 باب الحر يتزوّج الأمَة ح 8.
4- وسائل الشيعة: ج 21/37 باب 13 من أبواب المتعة ح 26465، التهذيب: ج 7/256 باب تفصيل أحكام النكاح ح 30.
5- وسائل الشيعة: ج 21/37 باب 13 من أبواب المتعة ح 26466، التهذيب: ج 7/256 باب تفصيل أحكام النكاح ح 28.

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على اختصاص الجواز بالبُلَه منهنّ ، وهنّ المستضعفات من اللّاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما نحنُ عليه كما في الخبر(1):

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن نكاح اليهوديّة والنصرانيّة ؟

فقال عليه السلام: لا يصلح للمسلم أن ينكح يهوديّة ولا نصرانيّة، إنّما يحلّ منهنّ نكاح البُلَه»(2).

ونحوه غيره.

أقول: وفي المقام طائفة سادسة استدلّ بها على المنع في المتعة، ولكن لظهورها في الكراهية أغمضنا عن ذكرها.

وأمّا الجمع بين النصوص:

فقد يقال: إنّه يقيّد إطلاق الطائفة الأُولى المانعة، إمّا بالثالثة فتختصّ بحال الاختيار، أو بالرابعة فتختصّ بالدائم، أو بهما معاً فتختصّ بالدائم في حال الاختيار، ثمّ بعد ذلك يخصَّص الطائفة الثانية بالأُولى ، لصيرورتها أخصّ منها.

وعلى الأوّل يثبتُ القول الرابع، وعلى الثاني القول الثالث، وعلى الثالث القول الخامس.

وفيه أوّلاً: أنّه يبتنى على القول بانقلاب النسبة ولا نقولُ به، فالتعارض بين الأولتين بحاله.2.

ص: 250


1- وسائل الشيعة: ج 20/539 باب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح 26286، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصّاب والشّكاك ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 20/538 باب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26285، الكافي: ج 5/356 باب نكاح الذّميّة ح 2.

وثانياً: أنّه ليس في نصوص الطائفة الثالثة ما يدلّ على اختصاص الجواز بحال الضرورة، بل هي ظاهرة في الجواز في الحالين.

والحقّ أنْ يُقال: إنّ نصوص المنع:

بعضها ضعيفُ السند كخبر أبي بصير للسياري.

وبعضها لو لم يكن ظاهراً في الجواز، لا يكون ظاهراً في المنع كصحيح عبداللّه، لقوله: «ما أحبُّ »، فإنّ نفي المحبّة لو لم يكن ظاهراً في الجواز، يكون أعمّ من الحرمة والكراهة قطعاً.

وبعضها غير حجّة كموثّق ابن الجَهم، كما مرّ في المورد الثاني.

وبعضها أعمّ من نصوص الجواز كحسن محمّد بن مسلم، فإنّه يدلّ على النهي عن المناكحة، وهي أعمّ من أن يزوّجهم المسلمة أو يتزوّج من نسائهم، ونصوص الجواز مختصّة بالثاني، فيقيّد إطلاقه بها.

مع أنّه لو سُلّم تعارضهما، فإنّ الجمع العرفي بينهما يقتضي حمل المانعة على الكراهة.

وأمّا الطائفة الثالثة: فقد عرفت حالها.

والطائفة الرابعة: لا تنافي في نصوص الجواز، بل هما مثبتتان، فلا وجه لحمل مطلقتهما على المقيّدة.

وأمّا الطائفة الخامسة: فهي:

أوّلاً: لم يعمل بها المشهور، إذ لم يفتِ أحدٌ بمضمونها سوى سلّار.

وثانياً: إنّ أكثرها تدلّ على جواز نكاح البُلَه، ولا تدلّ على المنع عن تزويج غيرها.

ص: 251

وأمّا صحيح زرارة المتضمّن لقوله عليه السلام: «إنّما يحلّ منهن نكاح البُلَه» فهو بالمفهوم يدلّ على المنع عن نكاح غيرها، ولكن قوله في صدره «لا يصلح» مشعرٌ بالكراهة، وإرادة الحرمة منه بقرينة قوله عليه السلام: «إنّما يحلّ » ليس بأولى من إرادة ضعف الكراهة أو عدمها من الثاني بقرينة قوله عليه السلام: «لا يصلح»، مع أنّ تقييد نصوص الجواز بها مستلزمٌ لحملها على الفرد النادر.

وعليه، فالمتعيّن حملها على الكراهة.

أضف إلى ذلك: أنّ البُلَه فُسِّرت في صحيح زرارة ب «اللّآتي» لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه»(1)، وفي خبره الآخر فُسِّرت ب «اللّآتي لا تنصب» وجُعِلت في مقابل المستضعفات(2)، وعليه، فلو دلّ على المنع، كان دالّاً على المنع من تزويج الناصبة منهنّ .

ولو تنزّلنا عن ذلك وسَلّمنا دلالته على المنع، وخصّصنا نصوص الجواز به، يقع التعارض بينه وبين الطائفة المجوّزة للتمتّع بهنّ ، والنسبة عمومٌ من وجه، والترجيح معها كما لا يخفى .

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول بالجواز مطلقاً - كما عن الصدوقين، والعُمّاني، وقوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله وأصرّ عليه - هو الأظهر، قال في «الجواهر»(3) بعد اختيار الجواز مطلقاً:3.

ص: 252


1- وسائل الشيعة: ج 20/556 باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26336، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصاب والشكاك ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 20/559 باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26343، التهذيب: ج 7/304 باب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب ح 26.
3- جواهر الكلام: ج 30/42-43.

(فلم يبق بحمد اللّه سبحانه في المسألة بعد اليوم من إشكال، ومع الإغماض عنه لابدّ من اختيار القول السادس الذي اختاره سلّار).

أقول: ثمّ إنّ نصوص المنع على فرض دلالتها عليه، لا تشمل مِلْك اليمين، وعلى فرض الشمول:

1 - تخصّص بقوله تعالى : (إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (1)، فإنّ النسبة عمومٌ من وجه، والترجيح مع الكتاب.

2 - وبالإجماع المُدّعى عليه.

3 - وبفحوى أخبار جواز التمتّع ووطء المجوسيّة بملك اليمين الآتية.

4 - وخبر الدينوري(2).

ثمّ إنّه ربما يستدلّ على المنع بآياتٍ ، ولوضوح عدم دلالتها عليه أغمضنا عن ذكرها، مضافاً إلى أنّ نصوص الجواز أخصّ منها.

قال الشهيد الثاني رحمه الله(3): (لا فرق في الكتابيّة بين الذّميّة وهي القائمة بشرائط الذّمة منهنّ ، والحَربيّة وهي الناقضة لها، لعموم الأدلّة).

وأورد عليه الشيخ الأعظم رحمه الله(4): بأنّ الموضوع في الروايات اليهوديّة والنصرانيّة، وهما منصرفتان إلى الذّمية.7.

ص: 253


1- سورة النساء: الآية 24.
2- وسائل الشيعة: ج 543/20 باب 6 من أبواب مايحرم بالكفر ح 26299، التهذيب: ج 387/6 باب المكاسب ح 272.
3- مسالك الأفهام: ج 7/363، قوله: (واعلم أنّه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذّمي، لشمول الإسم لهما).
4- كتاب النكاح: ص 397.

أقول: وهو كما ترى ، إذ لا منشأ للانصراف حتّى الغلبة التي توهم كونها من المناشيء، وما في خبر أبي البُختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّه كره مناكحة أهل الحرب»(1) لو لم يدلّ على الجواز، لا يكون ظاهراً في المنع كما لا يخفى .

وعليه، فما أفاده الشهيد رحمه الله أظهر.

وتمام الكلام بالبحث في مسائل:

***5.

ص: 254


1- وسائل الشيعة: ج 20/534 باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26277، قرب الإسناد: ص 65.

نكاح المجوسيّة

المسألة الأُولى : في تزويج المجوسيّة والصابئة والسامرة:

أمّا المجوسيّة: فعن «النهاية»(1)، وفي «الشرائع»(2) وفي «رسالة الشيخ الأعظم»(3) وعن غيرها(4): أنّ حكمها حكم الكتابيّة، وحيث أنّ المختار عندهم جواز التمتّع والوطء بمِلْك اليمين فيها، فقد اختاروا في المجوسيّة ذلك.

وفي «الرياض»(5)، و «الجواهر»(6): المنع فيها مطلقاً، بل نُسب ذلك إلى المشهور.

وعن «السرائر»(7)، و «التبيان»(8): الإجماع عليه.

واستدلّ للأوّل:

1 - بما دلّ على أنّ المجوس محكومون بحكم الكتابيّين، أو أنّهم منهم:

منها: مرسل الواسطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المجوس، أكان لهم نبيٌّ؟

فقال: نعم، أما بلغك كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أهل مكّة، إلى أنْ قال: فكتب إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أنّ المجوس كان لهم نبيٌّ فقتلوه، وكتابٌ أحرقوه»(9).

ص: 255


1- النهاية: ص 457.
2- شرائع الإسلام: ج 2/520.
3- كتاب النكاح: ص 395.
4- كما في قواعد الأحكام: ج 3/14.
5- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/238.
6- جواهر الكلام: ج 30/44.
7- السرائر: ج 2/542.
8- التبيان: ج 2/218.
9- وسائل الشيعة: ج 15/126 باب 49 من أبواب جهاد العدو ح 20131، الكافي: ج 3/567 باب صدقة أهل الجزية ح 4.

ونحوه خبر الأصبغ عن عليّ عليه السلام(1)، ومرسل المفيد عنه عليه السلام(2).

ومنها: النبويّ : «سنّوا بهم سُنّة أهل الكتاب»(3) ونحوها غيرها.

2 - وبما دلّ على جواز التمتّع بهنّ ، ووطئهن بملك اليمين:

منها: خبر محمّد بن سنان، عن الإمام الرّضا عليه السلام عن نكاح اليهوديّة والنصرانيّة ؟ فقال: لا بأس.

فقلت: فمجوسيّة ؟ فقال عليه السلام: لا بأس، يعني متعة»(4).

ومنها: خبرمنصورالصيقل، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لابأس أن يتمتّع بالمجوسيّة»(5).

ونحوه مرسل حمّاد بن عيسى (6).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن الرّجل المُسلم أيتزوّج المجوسيّة ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن إنْ كانت له أمَة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها، ويعزل عنها، ولا يطلب ولدها»(7).3.

ص: 256


1- وسائل الشيعة: ج 15/128 باب 49 من أبواب جهاد العدو ح 20137، أمالي الصدوق ص 343 المجلس الخامس والخمسون.
2- وسائل الشيعة: ج 15/128 باب 49 من أبواب جهاد العدو ح 20138، المقنعة: ص 270.
3- وسائل الشيعة: ج 15/128 باب 49 من أبواب جهاد العدو ح 20139، أمالي الطوسي: ص 365 المجلس الثالث عشر.
4- وسائل الشيعة: ج 21/38 باب 13 من أبواب المتعة ح 26468، التهذيب: ج 7/256 باب تفصيل أحكام النكاح ح 31.
5- وسائل الشيعة: ج 21/38 باب 13 من أبواب المتعة ح 26468، التهذيب: ج 7/256 باب تفصيل أحكام النكاح ح 31.
6- وسائل الشيعة: ج 21/37 باب 13 من أبواب المتعة ح 26469، التهذيب: ج 7/256 باب تفصيل أحكام النكاح ح 33.
7- وسائل الشيعة: ج 20/543 باب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26298، الفقيه: ج 3/407 باب ما أحلَّ اللّه من النكاح ح 4423.

أقول: ونخبة القول أنْ يُقال:

إنّ ما دلّ على أنّهم كتابيّون أو بحكمهم، فضعيفُ السند، للإرسال وغيره، مع أنّ الوارد في الثاني من تلكم الأخبار قوله عليه السلام: «غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم»، فالمراد بها غير ما نحن فيه، كالدية والجزية اللّتين دلّت النصوص الكثيرة على أنّهم فيهما كاليهود والنصارى (1)، بل في مرسل «المقنعة» المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

«المجوس إنّما اُلحقوا باليهود والنصارى في الجزية والدّيات»(2).

فإنّه بمفهوم الحصر يدلّ على الإلحاق في خصوص الموردين دون غيرهما.

وأمّا ما دلّ على جواز الوطء بملك اليمين، فالظاهر أنّه لا إشكال فيه سنداً ودلالة.

وأمّا ما دلّ على جواز التمتّع بهنّ ، فأورد سيّد «الرياض»(3)، وصاحب «الجواهر»(4) عليه: بضعف السند، ولا وجه له في خبرين منها سوى وجود محمّد ابن سنان، وقد مرّ أنّ الأظهر الاعتماد على روايته، ولكنّه يُحمل على الكراهة.

وموثّق الأشعري، قال: «سألته عن الرّجل يتمتّع من اليهوديّة والنصرانيّة ؟

قال عليه السلام: لا أرى بذلك بأساً.4.

ص: 257


1- وسائل الشيعة: ج 15/126-128 باب 49 من أبواب جهاد العدو، وج 29/217-220 باب 13 من أبواب ديات النفس.
2- وسائل الشيعة: ج 15/128 باب 49 من أبواب جهاد العدو ح 20138، المقنعة: ص 270.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/238.
4- جواهر الكلام: ج 30/44.

قال: قلت: فالمجوسيّة ؟ قال عليه السلام: أمّا المجوسيّة فلا»(1).

بل خبر محمّد بن سنان يدلّ على جواز نكاحهنّ مطلقاً، فيعارضه صحيح محمّد بن مسلم، وموثّق الأشعري، إذ لو لم يجز التمتّع لم يجز الدائم قطعاً، والجمعُ بين الطائفتين يقتضي البناء على الكراهة.

أقول: فالمتحصّل من مجموع ما ذكرناه جواز نكاحهنّ مطلقاً على كراهية في غير الوطء بملك اليمين، لولا الإجماع على المنع.

نكاح الصابئة

وأمّا الصابئة: فقد وقع الخلاف في أنّهم من النصارى أم لا.

وعن المحقّق الثاني: أنّهم فرقتان: فرقة توافق النصارى في اُصول الدِّين، والاُخرى تخالفهم، ويعبدون الكواكب، وتسند الآثار إليها، وتنفي الصانع المختار.

قال: (وكلام المفيد قريبٌ من هذا، قال: إنّ جمهور الصابئين توحّد الصانع في الأزل، ومنهم من يجعل معه هيولى في القِدَم، صُنع منها العالم، فكانت عندهم الأصل، ويعتقدون في الفَلَك وما فيه الحياة والنطق، وأنّها المدبِّر لما في هذا العالم الدائر عليه، وعظّموا الكواكب وعَبدوها من دون اللّه، وسمّاها بعضهم ملائكة، وبعضهم آلهة، وبنوا لها بيوتاً للعبادات) انتهى (2).

وعن «تفسير القمّي»: (الصابئون قومٌ لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا

ص: 258


1- وسائل الشيعة: ج 21/37 باب 13 من أبواب المتعة ح 26465، التهذيب: ج 7/256 باب تفصيل أحكام النكاح ح 30.
2- جامع المقاصد: ج 12/385، المقنعة: ص 271.

مسلمون، ولكنّهم يعبدون الكواكب والنجوم)(1).

وعن «التبيان» و «المجمع» للطوسي والطبرسي: أنّه لا يجوز عندنا أخذ الجزية من الصابئة، لأنّهم ليسوا من أهل الكتاب(2).

أقول: وعلى هذا:

1 - فإنْ ثبت كونهم من النصارى ، فحكمهم حكمهم، وما في «رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله»(3) من أنّ المتبادر من النصارى هو ما يقابل الصابئة غير ظاهر.

2 - وإنْ ثبت كونهم غيرهم، كما يشهد به عطفهم عليهم في قول اللّه تعالى :

(إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَلَّذِينَ هادُوا وَ اَلصّابِئُونَ وَ اَلنَّصارى ) (4) لا يجوز تزويجهم.

3 - وإنْ شكّ في أنّهم من النصارى أم لا، فحيث أنّه يُشكّ حينئذٍ في صدق العنوان الخارج عن تحت ما دلّ على المنع، فلا يصحّ التمسّك بعموم دليل المنع، لكونه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

وهل يجوز التمسّك بعموم قوله تعالى : (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (5) كما هو ظاهر الشيخ الأعظم رحمه الله(6) (حيث قال: مع الشكّ في شمول عموم المنع يبقى على أصل الإباحة) أم لا؟

الظاهر ذلك، فإنّ هذه الآية قُيّد إطلاقها على الفرض بغير المسلمة، وقُيّد7.

ص: 259


1- تفسير القمّي: ج 1/48.
2- التبيان: ج 1/283، مجمع البيان: ج 1/242.
3- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 397.
4- سورة المائدة: الآية 69.
5- سورة النساء: الآية 24.
6- كتاب النكاح: ص 397.

إطلاق المقيّد باليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة، فكما أنّه لا يصحّ التمسّك بإطلاق المقيّد الأوّل، لا يصحّ التمسّك بإطلاق المطلق أيضاً، لعين ذلك المحذور، فيتعيّن الرجوع إلى الأصل وهو في المقام أصالة الفساد، لا أصالة الإباحة كما لا يخفى .

وأخيراً: ظهر بما ذكرناه حكم السّامرة، فإنّهم بالنسبة إلى اليهود كالصائبة بالنسبة إلى النصارى.

***

ص: 260

ولا للمسلمة أن تنكِحَ غير المُسلم،

عدم جواز نكاح المسلمة مع غير المسلم

المسألة الثانية: (ولا) يجوز (للمسلمة أن تنكح غير المسلم) بلا خلافٍ ، بل إجماعاً محقّقاًو محكيّاً عن «المبسوط»(1)، و «المسائل الناصريّة» للمرتضى(2) وغيرهما(3).

وفي «الجواهر»(4): الإجماع بقسميه عليه.

وفي «الرياض»(5): ولا يجوز للمسلمة تزويج الكافر نصّاً وإجماعاً.

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك - من الكتاب آيتان:

1 - قول اللّه تعالى : (وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (6).

2 - وقول اللّه سبحانه: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اَلْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (7).

ومن السُنّة: نصوصٌ كثيرة:

منها: خبر الفضيل بن يسار - المعتبر بوجود المُجمع على تصحيح ما يصحّ

ص: 261


1- المبسوط: ج 4/178، قوله: (الكفاءة معتبرة بلا خلافٍ في النكاح).
2- الناصريّات: ص 327 مسألة 153.
3- كما في جامع المقاصد: ج 12/129، ومسالك الأفهام: ج 7/400 حيث قال بعدم وجود خلاف في ذلك.
4- جواهر الكلام: ج 30/92.
5- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/248.
6- سورة النساء: الآية 141.
7- سورة الممتحنة: الآية 10.

عنه في سنده قال:

«قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ لامرأتي اُختاً عارفة على رأينا، وليس على رأيها بالبصرة إلّاقليل، فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟

قال عليه السلام: لا، ولا نعمة ولا كرامة، إنّ اللّه عزّوجلّيقول:

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ ) الخ»(1).

ومنها: خبره الآخر، عنه عليه السلام: «العارفة لا توضع إلّاعند عارف»(2).

ومنها: خبره الثالث، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن المرأة العارفة، هل اُزوّجها الناصب ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّ الناصب كافر»(3).

دلّ بعموم العلّة على عدم تزويجها الكافر.

ومنها: خبر عبداللّه بن سنان، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام بِمَ يكون الرّجل مسلماً تحلّ مناكحته وموارثته، وبِمَ يحرم دمه ؟

قال عليه السلام: يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر، وتحلّ مناكحته وموارثته»(4).

ومنها: خبر زرارة، عنه عليه السلام: «تزوّجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم فإنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه»(5).5.

ص: 262


1- وسائل الشيعة: ج 20/550 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26320، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصاب والشكاك ح 6.
2- وسائل الشيعة: ج 20/550 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26321، الكافي: ج 5/350 باب مناكحة النصاب والشكاك ح 11.
3- وسائل الشيعة: ج 20/553 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26331، التهذيب: ج 7/303 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 21.
4- وسائل الشيعة: ج 20/554 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26333، التهذيب: ج 7/303 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 23.
5- وسائل الشيعة: ج 20/555 باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26335، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصاب والشكاك ح 5.

ولو ارتدّ أحد الزوجين قبل الدخول، انفسخ في الحال

إلى غير تلكم من النصوص.

وقد تقدّم أيضاً ان الجمع بين نصوص تزويج الكتابيّة، يقتضي حمل النّص المانع على تزويج المسلم الكتابي، فالحكم ممّا لا ريب فيه ولا إشكال.

حكم ارتداد أحد الزوجين

المسألة الثالثة: (ولو ارتدّ أحد الزوجين) عن الإسلام (قبل الدخول، انفسخ) العقد (في الحال) مطلقاً، سواءٌ كان الارتداد عن فطرةٍ أو ملّة، بلا خلافٍ أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل من أهل العلم كافّة على ما عن «التذكرة»(1)، كما في «الجواهر»(2)، ونحوه في «الرياض»(3)، والوجه فيه:

أنّه إنْكان المرتدّ هوالزّوج، فإنّه (لَنْ يَجْعَلَ اَللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (4).

وإنْ كان هي الزّوجة، فلعدم جواز البقاء على نكاح غير الكتابيّة والمجوسيّة إجماعاً(5).

وهما ملحقتان به في المقام بالإجماع المركّب.

أضف إليه: المعتبرة الواردة في المرتدّ الفطري الشاملة لصورتي الدخول وعدمه كما تسمعها.

ص: 263


1- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 2/647.
2- جواهر الكلام: ج 30/47.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/239.
4- سورة النساء: الآية 141.
5- راجع مسالك الأفهام: ج 7/365.

وخبر مسمع بن عبدالملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: المرتدّ عن الإسلام تَعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويُستتاب ثلاثة أيّام، فإنْ تاب وإلّا قتل يوم الرابع»(1).

وهو وإنْ اختصّ بارتداد الرّجل، ولكن في «الرياض»(2) أنّ ارتداد المرأة ملحقٌ به بالإجماع المركّب.

وفي «الجواهر»: (قد يناقش بظهوره فيما بعد الدخول، ولعلّه لظاهر العزل، وفيه نظر).

ولو ارتدّا معاً دفعةً ، فالظاهر أنّ حكمه حكم ارتداد أحدهما، لإطلاق النّص ومعقد الإجماع.

ولو ارتدّ المُسلم المتزوّج كتابيّة، فالظاهر أيضاً الانفساخ، لإطلاق الدليل.

وهل الارتداد مانعٌ عن التزويج ابتداء، فلو ارتدّت المرأة لا يجوز تزويجها أم لا؟ وجهان.

استدلّ صاحب «الجواهر»(3) للأوّل: بأنّ المرتدّة حكمها السجن والضرب أوقات الصلاة حتّى تتوب أو تموت، فهي بحكم العدم التي لا يصحّ نكاحها.

وفيه: أنّ مجرّد كونها بحكم العدم، لا يمنعُ عن صحّة التزويج ما دامت حيّة.

وفي محكيّ «الدروس»(4): (لا يصحّ تزويج المرتدّ والمرتدّة على الإطلاق، لأنّه5.

ص: 264


1- وسائل الشيعة: ج 28/328 باب 3 من أبواب حد المرتدّ من كتاب الحدود ح 34876، التهذيب: ج 10/138 باب حَدّ المرتدّ والمرتدّة ح 7.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/239.
3- جواهر الكلام: ج 30/48.
4- الدروس: ج 2/55.

دون المسلمة وفوق الكافرة، ولأنّه لا يقرّ على دينه، والمرتدّة فوقه لأنّها لا تُقتل).

وهو كما ترى ، وقد مرّ الكلام في ذلك في الجزء الأوّل من هذا الشرح، وعرفت أنّ الأظهر عدم المانع عن التزويج من حيث الرِّدة.

ولو ارتدّت الزّوجة وانفسخ العقد، فهل يسقط المَهر كما هو المشهور، بل في «الجواهر»(1): (بلا خلافٍ أجده فيه)، أم لا؟ وجهان.

استدلّ للأوّل: بأنّ الحدث جاء من قِبلها، وبأنّ المعاوضة انفسخت قبل التقابض.

ويرد الثاني: ما تقدّم من الفرق بين انفساخ العقد من الأوّل، وبين انفساخه من حين الحدث، وفي الأوّل يسقط المَهر على القاعدة، وفي الثاني لا يسقط كذلك، والمقام من قبيل الثاني.

وأمّا الوجه الأوّل: فظاهرهم كونه من المسلّمات، ويمكن أنْ يكون مدركه خبر إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام: «في المرأة إذا زنت قبل أنْ يدخل بها زوجها؟

قال عليه السلام: يفرّق بينهما، ولا صداق لها، لأنّ الحدث كان مِن قِبَلها»(2).

وقصور سنده(3) منجبرٌ بالعمل بالتعليل.

أقول: ويمكن أنْ يستدلّ له بفحوى النصوص الآتية، المتضمّنة لسقوط مهر النصرانيّة بإسلامها.ه.

ص: 265


1- جواهر الكلام: ج 30/48.
2- وسائل الشيعة: ج 21/218 باب 6 من أبواب العيوب والتدليس ح 26936، التهذيب: ج 7/490 باب الزيادات في فقه النكاح ح 176.
3- الشيخ يروي الخبر بقوله: «وفي رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد..» وطريق الشيخ إلى إسماعيل بن أبي زياد فيه ابن أبي جيد ولا توثيق في حقّه.

ويقفُ بَعده على انقضاء العِدّة،

ولو ارتدّ الزّوج قبل الدخول، ففيه قولان:

أحدهما: ما في «الشرائع»(1) وغيرها(2) من سقوط نصف المَهر.

واستدلّ له: بتنزيل الفسخ بارتداده منزلة طلاقه المُنصِّف للمَهر قبل الدخول، فإنّ كليهما من قبله.

وفيه: أنّه لا يخرج عن القياس.

ثانيهما: وجوبُ جميع المَهر عليه، وهو الأظهر، وقد تقدّم الكلام فيه في مبحث الرّضاع من هذا الجزء مفصّلاً، وبيّنا أنّه بالعقد تملك المرأة المَهر، وبفسخه لا يعود، لعدم كونه ركن النكاح، فراجع(3).

حكم ارتداد أحد الزوجين بعد الدخول

(و) لو ارتدّ أحد الزوجين (يقف) الفسخ - إنْ كان الارتداد (بعده) أي بعد الدخول - (على انقضاء العِدّة) من غير فرقٍ في وقوعه من أيّهما، ومن غير فرقٍ في ارتداد الزّوجة بين الفطري والمِلّي.

نعم، يعتبر في الزّوج أنْ يكون عن ملّةٍ ، لما ستعرف أنّه لا انتظار للفطري.

وحينئذٍ إنْ رجع أو رجعت قبل انقضاء العِدّة، كانت زوجته، وإلّا انكشف أنّها بانت من أوّل الارتداد كما هو المشهور بين الأصحاب.

ص: 266


1- شرائع الإسلام: ج 2/520.
2- المبسوط: ج 4/238، إرشاد الأذهان: ج 2/24، اللُّمعة الدمشقيّة: ص 166 كتاب النكاح مسألة 11.
3- صفحة 220 من هذا المجلّد.

وفي «الرياض»(1): (وظاهر الأصحاب الاتّفاق على الحكم).

واستدلّ له: بفحوى المعتبرة(2) الدالّة على انقضاء العِدّة في البينونة المحضة في إسلام أحد الوثنيين، لأضعفيّة الكفر الارتدادي عن الأصلي، لبقاء حرمته فيه دونه، فثبوت الحكم في الأقوى ملازمٌ لثبوته في الأضعف بطريق أولى .

أقول: وهو كما ترى ، حيث لا يخرج عن القياس، بل القياس مع الفارق، فإنّه في الوثني تكون الزوجيّة ثابتة في حال الكفر، وإنّما تبين بالإسلام، وفي المقام البينونة تكون بالكفر.

وعليه، فالأولى الاعتراف بعدم الدليل، بل يدلّ على خلافه حَسن الحضرمي، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«إنْ ارتدّ الرّجل المسلم عن الإسلام بانَت منه امرأته كما تَبين المطلّقة ثلاثاً، وتعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة، فإنْ رجع إلى الإسلام وتابَ قبل أنْ تتزوّج، فهو خاطب، ولا عِدّة عليها منه له، وإنّما عليها العِدّة لغيره، فإنْ قُتل أو ماتَ قبل انقضاء العِدّة اعتدّت منه عِدّة المتوفّى عنها زوجها، وهي ترثه في العِدّة، لا يرثها إنْ مات وهو مرتدٌّ عن الإسلام»(3).

ومثل هذا الإجماع يكون حجّة قطعاً، وكاشفاً عن الحجّة كما حُقّق في محلّه، ولا يسقط شيءٌ من المَهر، لاستقراره بالدخول.4.

ص: 267


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/240.
2- وسائل الشيعة: ج 20/546 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر.
3- وسائل الشيعة: ج 26/28 باب 6 من أبواب موانع الإرث من كتاب الفرائض والمواريث ح 32414، التهذيب: ج 10/142 باب حَدّ المرتدّ والمرتدّة ح 24.

إلّا أن يرتدّ الزّوج عن فطرةٍ ، فينفسخ في الحال. وعِدّة المرتدّ عن فطرة عِدّة الوفاة، وعن غيرها عِدّة الطلاق.

ولا ريب في الأحكام المذكورة (إلّاأنْ يرتدّ الزّوج عن فطرة، ف) أنّه (ينفسخ) النكاح (في الحال) بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه).

ويشهد به: موثّق عمّارالساباطي، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: كلّ مسلمٍ بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام، وجَحَد محمّداً نبوّته وكذّبه، فإنّ دمه مباحٌ لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ، ويقسّم ماله على ورثته، وتعتدّ امرأته عِدّة المتوفّى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(2).

ونحوه غيره.

(و) يظهر من الموثّق أنّ (عِدّة المرتدّ عن فطرةٍ عِدّة الوفاة، و) عِدّة المرتدّ (عن غيرها عِدّة الطلاق) بلا خلافٍ .

وفي «الرياض»(3): (ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه، بل صرّح به جماعة(4)، وهو الحجّة)، ويشهد به حَسن الحضرمي المتقدّم.3.

ص: 268


1- جواهر الكلام: ج 30/49-50.
2- وسائل الشيعة: ج 28/324 باب 1 من أبواب حَدّ المرتدّ ح 34865، التهذيب: ج 10/136 باب حَدّ المرتدّ والمرتدّة ح 2.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/240.
4- منهم صاحب جامع المقاصد: ج 12/411، ونهاية المرام: ج 1/193.

ولو أسلم زوج الكتابيّة ثبتَ عقده،

حكم ما لو أسلم زوج الكتابيّة

المسألة الرابعة: (ولو أسلم زوج الكتابيّة، ثبتَ عقده) سواء كان قبل الدخول أو بعده، دائماً كان التزويج أو منقطعاً، كتابيّاً كان الزّوج أو وثنيّاً، بلا خلافٍ .

وفي «الرياض»(1): (وعن «المسالك»(2) وغيرهما(3) دعوى الإجماع عليه).

أمّا على المختار من جواز نكاح المسلم الكتابيّة ابتداءً ، فواضحٌ .

وأمّا على القول الآخر:

1 - فللإجماع.

2 - ولما سيأتي(4) في من أسلم على أكثر من الأربع، فإنّه يدلّ على بقاء نكاح الأربع، وانفساخ الزائد خاصّة.

3 - ولإطلاق صحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«سألته عن رجلٍ هاجر وترك امرأته مع المشركين، ثمّ لحقت به بعد ذلك، أيمسكها بالنكاح الأوّل، أو تنقطع عصمتها؟

قال عليه السلام: بل يمسكها وهي امرأته»(5).

ص: 269


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/241.
2- مسالك الأفهام: ج 7/365.
3- كما في جامع المقاصد: ج 12/135، ونهاية المرام: ج 1/194.
4- سيأتي بعد عدّة صفحات تحت عنوان: (لو أسلم كافرٌ وله أزيد من أربع منكوحات).
5- وسائل الشيعة: ج 20/540 باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26291، الكافي: ج 5/435 باب نكاح أهل الذّمّة ح 2.

ونحوه صحيح الحلبي، عنه عليه السلام(1).

وينبغي تقييدهما بالكتابيّة للمعتبرة الآتية.

أقول: ويشهد به في بعض الفروض خبر محمّدبن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين فهما علي نكاحهما، الحديث»(2).

وخبر يونس، قال: «الذي تكون عنده المرأة الذّمية فتسلم امرأته ؟

قال: هي امرأته يكون عندها بالنهار، ولا يكون عندها باللّيل.

قال: فإنْ أسلم الرّجل ولم تسلم المرأة، يكون الرّجل عندهاباللّيل والنهار»(3).

وهل تلحق المجوسيّة بالكتابيّة - كما عن الشيخ رحمه الله(4)، وصريح «رسالة الشيخ الأعظم»(5) نفي الخلاف فيه، لإطلاق صحيح ابن سنان، وخبر ابن مسلم - أم لا، لخبر منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ مجوسي كانت تحته امرأة على دينه، فأسلم أو أسلمت ؟

قال عليه السلام: ينتظر بذلك انقضاء عِدّتها، فإنْ هو أسلم أو أسلمت قبل أنْ تنقضي عِدّتها، فهما علينكاحهماالأوّل، وإنْ هي لم تَسلم حتّيتنقضي العِدّة، فقد بانت منه»(6).6.

ص: 270


1- وسائل الشيعة: ج 20/540 باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26291، الكافي: ج 5/435 باب نكاح أهل الذّمة ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 20/541 باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26292، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّمية ح 9.
3- وسائل الشيعة: ج 20/548 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26313، الكافي: ج 5/437 باب نكاح أهل الذّمة ح 8.
4- كما حكاه في جواهر الكلام: ج 30/51.
5- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 397.
6- وسائل الشيعة: ج 20/546 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26308، التهذيب: ج 7/301 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 16.

ولو أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ العَقدُ في الحال

ونحوه خبره الآخر(1)؟ وجهان:

أظهرهما الأوّل، لضعف الخبرين بإعراض المشهور عنهما، واختصاص البينونة فيهما إذا أسلمت دونه، فإنّه الذي نصّ عليه آخراً، ولا ينافيه التعميم أوّلاً.

أضف إليه ما تقدّم من أنّ الأظهر بحسب الروايات جواز نكاح المجوسيّة ابتداءً ، وإنّما مَنَعنا عن الإفتاء به الإجماعُ المُدّعى على المنع، وفي المقام لو لم يكن الإجماع على الجواز، لا يكون على المنع.

حكم ما لو أسلمت زوجة الكتابي

(ولو أسلمت) زوجة الكتابي (دونه قبل الدخول، انفسخ العقد في الحال) بلا خلافٍ :

1 - لحرمة نكاح الكافر المسلمة كما تقدّم.

2 - ولصحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما»(2).

ونحوه غيره، وبها يقيّد إطلاق خبر محمّد بن مسلم المتقدّم.

وأمّا خبر يونس المتقدّم - فمضافاً إلى ضعف سنده، وعدم ثبوت كونه من المعصوم عليه السلام - لإعراض الأصحاب عنه، ومعارضته مع ما هو أشهر وأصحّ سنداً

ص: 271


1- وسائل الشيعة: ج 20/546 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26308، التهذيب: ج 7/301 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 16.
2- وسائل الشيعة: ج 20/547 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26309، الكافي: ج 5/435 باب نكاح أهل الذّمة ح 2.

وبعده يقفُ على العِدّة، فإنْ أسلم فيها كان أملك بها.

منه، لا يُعتمد عليه.

ولا عِدّة عليها منه، لعدم الدخول، ولا مَهر لأنّ الحدث جاء من قِبلها، ويدلّ على ذلك كلّه - مضافاً إلى أنّه المعروف من مذهب الأصحاب - صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السلام:

«في نصراني تزوّج نصرانيّة، فأسلمت قبل أنْ يدخل بها؟

قال عليه السلام: قد انقطعت عصمتها، ولا مَهر لها، ولا عِدّة عليها منه»(1).

أقول: ولكن في مصحّح السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام في مجوسيّة أسلمت قبل أنْ يدخل بها زوجها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لزوجها: أسلم، فأبى زوجها أن يسلم، فقضى لها عليه نصف الصداق، وقال عليه السلام: لم يزِدها الإسلام إلّاعزّاً»(2).

وهو وإنْ اختصّ باسلام المجوسيّة وصحيح عبدالرحمن واردٌ في النصرانيّة، ولكن لعدم العامل به يُطرح، إذ المعروف بين الأصحاب عدم الفرق في من أسلمت بين كونها نصرانيّة أو مجوسيّة أو غيرهما من أقسام الكفّار.

(و) إنْ أسلمت (بعده) أي بعد الدخول (يقف) الفسخ (على) انقضاء (العِدّة، فإنْ أسلم فيها، كان أملك بها) وهي امرأته، وإلّا بانت منه بإسلامها، كما عن المشهور.6.

ص: 272


1- وسائل الشيعة: ج 20/547 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26311، الكافي: ج 5/436 باب نكاح أهل الذّمة ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 20/548 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26312، الكافي: ج 5/436 باب نكاح أهل الذّمة ح 6.

ويشهد به: مضافاً إلى ما تقدّم:

1 - صحيح البزنطي، قال:

«سألتُ الرّضا عليه السلام عن الرّجل تكون له الزّوجة النصرانيّة فتسلم، هل يحلّ لها أن تُقيم معه ؟

قال: إذا أسلمت لم تحلّ له.

قلت: فإنّ الزّوج أسلم بعد ذلك، أيكونان على النكاح ؟

قال عليه السلام: لا، يتزوّج بتزويج جديد»(1).

ومقتضى إطلاقه - وكذا إطلاق صحيح عبداللّه بن سنان المتقدّم - وإنْ كان حصول التفريق، وعدم الحليّة بالإسلام، إلّاأنّه يقيّد إطلاقهما بما بعد انقضاء العِدّة إجماعاً(2).

2 - وخبر السكوني المعتبر، عن جعفر، عن أبيه عن أمير المؤمنين عليهم السلام:

«إنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل زوجها؟

فقال عليّ عليه السلام: لا يفرّق بينهما، ثمّ قال: إنْ أسلمت قبل انقضاء عِدّتها فهي امرأتك، وإنْ انقضت عِدّتها قبل أنْتسلم، ثمّ أسلمت، فأنتَ خاطبٌمن الخطاب»(3).

3 - ولخبري منصور بن حازم المتقدّمين.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.5.

ص: 273


1- وسائل الشيعة: ج 20/542 باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26295، التهذيب: ج 7/300 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 13.
2- الخلاف: ج 4/325-326 كتاب النكاح مسألة 105.
3- وسائل الشيعة: ج 20/546 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26307، التهذيب: ج 7/301 باب من يحرم نكاحهن بالأسباب ح 15.

وعن الشيخ في «النهاية»(1)، والتهذيبين(2): (لم ينفسخ النكاح بانقضاء العِدّة إنْ كان الزّوج قائماً بشرائط الذّمة، بل نكاحه حينئذٍ باقٍ ، غير أنّه لا يمكن من الدخول عليها ليلاً، ولا من الخلوة بها نهاراً، ولا من إخراجها إلى دار الحرب).

أقول: ومدركه مرسل جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليه السلام:

«أنّه قال في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم، قال عليه السلام: هما على نكاحهما، ولا يفرّق بينهما، ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة»(3).

والمرسل عن محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين، فهما على نكاحهما، وليس له ان يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها، ولا يبيت معها، ولكن يأتيها بالنهار. وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم، فهم على نكاحهم إلى انقضاء العِدّة، فإنْ أسلمت المرأة ثمّ أسلم الرّجل قبل انقضاء عِدّتها فهي امرأته، وإنْ لم يسلم إلّابعد انقضاء العِدّة، فقد بانت منه ولا سبيل له عليها»(4).

والأوّل وإنْ كان ضعيفاً لعليّ بن حديد(5)، إلّاأنّ الثاني لا ضعف فيه، بناءً ).

ص: 274


1- النهاية: ص 457.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/300 باب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب ح 12، الإستبصار: ج 3/181 باب الرّجل والمرأة إذا كانا ذمّيين فتسلم المرأة دون الرّجل ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 20/546 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26306، التهذيب: ج 7/300 باب من يحرم نكاحهنّ بالأسباب ح 12.
4- وسائل الشيعة: ج 20/547 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26310، الكافي: ج 5/358 باب نكاح الذّمية ح 9.
5- رجال النجاشي: ص 274 رقم (717)، رجال الكشّي: ص 840 رقم (1078).

ولو كان الزوجان حربيّين

على ما في «الجواهر»(1) من: (روايته عن ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا، عن ابن مسلم)، وإليه نظر سيّد «الرياض»(2) حيث قال: (المرسل كالصحيح). وأمّا بناءً على ما في «الوسائل» الموجودة عندي، فهو أيضاً ضعيفٌ ، لأنّ المرسِل فيها هو إبراهيم بن هاشم، وحيث إنّي الآن محبوسٌ في قرية ميكون من قرى عاصمة إيران بجرم الدفاع عن حريم الإسلام وأحكامه السماويّة، ولا أتمكّن من الفحص والتتبّع التامّ لأرى أنّ الصحيح ما في هذه «الوسائل» أو ما في الكتابين لعدم وجود الكتب عندي، فلا أحكم باعتباره في نفسه وعدمه، ولكن لإعراض المشهور عن الخبرين حتّى مثل الشيخ(3) نفسه في كتبه الاستدلاليّة، ومعارضتهما بما هو أشهر وأصحّ سنداً منهما، لا يُعتمد عليهما.

أقول: ولا فرق على قول الشيخ رحمه الله بين حالي الدخول وعدمه، لإطلاق دليله كما عن «المسالك»(4) وغيرها(5)، اللّهُمَّ إلّاأنْ يكون نظر الشيخ رحمه الله إلى تقييد إطلاقهما بصحيح ابن الحجّاج المتقدّم.

كما لا فرق فيما ذكرناه من الأحكام بين ما إذا كان الكتابيّان ذميّين (و) ما (لو كان الزوجان حربيّين)، لكن المذكور في المتن اختصاصه بما إذا كان الكتابيّان ذميّين، وهو المنقول عن الشيخ رحمه الله، وألحقا الحربيّين بالوثنيّين، وسيأتي حكمهما.4.

ص: 275


1- جواهر الكلام: ج 30/50.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/243.
3- الخلاف: ج 4/325-326، كتاب النكاح مسألة 105.
4- مسالك الأفهام: ج 7/367.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/227، رياض المسائل (ط. ج): ج 10/244.

وأسلم أحدهما قبل الدخول، انفسخ النكاح في الحال،

وقد استدلّ له الشيخ الأعظم رحمه الله(1) بقوله: (لعدم جواز نكاح المسلم غير الكتابيّة ابتداءً ولا استدامةً إجماعاً).

أقول: وهو غريبٌ ، فإنّ الحربي قد يكون كتابيّاً، وقد يكون غير كتابي، ومحلّ الكلام هو الكتابي، ولعلّ نظره الشريف إلى ما ذكره قبل أسطر بانصراف اليهود والنصارى إلى الذّمي(2)، وقد عرفت ما فيه.

وربما يستدلّ له: بأنّ خبري محمّد ويونس مختصّان بالذميّين، فيقيّد بهما إطلاق بقيّة النصوص.

لكن يردّه: أنّهما لا يتنافيان مع النصوص المطلّقة كي يقيّدنها، لكونهما من قبيل المثبتين.

وبالجملة: الأظهر عدم الفرق في الحكم المذكور بين الحربيّ والذِّمي.

أقول: هذا كلّه في إسلام زوج الكتابيّة، وإنْ لم يكن هو كتابيّاً، وفي إسلام زوجة الكتابي وإنْ لم تكن هي كتابيّة.

(و) أمّا لو كان الزوجان وثنيّين عابدين للوثن وهو الصَّنم، أو كانا بحكمهما من الكفّار غير الكتابيّين، ف (أسلم أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال):

إذ لو كان المسلم هو الزّوج، لزم من بقاء نكاحه بقاء نكاح الكافرة غير الكتابيّة، وقد اتّفقوا(1) على عدم جواز نكاحها ابتداءً واستدامةً ، وعليه تمام المَهر،7.

ص: 276


1- كما عن مسالك الأفهام: ج 7/367.

ولو كان بعده وقفَ على انقضاء العِدّة.

لثبوته بالعقد، وقياس الإسلام بالطلاق فيجبُ النصف، باطلٌ .

وإنْ كانت الزّوجة هي التي أسلمت، فبطلان النكاح أظهر لما مرّ، ويسقط المَهر لأنّ الحدث جاء من قبلها.

(ولو كان) الإسلام (بعده)، أي بعد الدخول (وقف) الانفساخ (على انقضاء العِدّة):

فإنْ انقضَت، فلم يُسلم الآخر، تبيّن انفساخه من حين الإسلام.

وإنْ أسلم فيها استمرّ النكاح، بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(1): (بل لعلّ الاتّفاق نقلاً وتحصيلاً عليه).

وفي «الرياض»(2): (بل حُكي عليه الإجماع).

ويشهد به:

1 - خبر ابن مسلم المتقدّم.

2 - خبر منصور بن حازم، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ مجوسي أو مشركٍ من غير أهل الكتاب، كانت تحته امرأة، فأسلم أو أسلمت ؟

قال: ينتظر بذلك انقضاء عِدّتها، فإنْ هو أسلم أو أسلمت قبل أنْ تنقضي عِدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، وإنْ هي لم تُسلم حتّى تنقضي العِدّة فقد بانت منه»(3).6.

ص: 277


1- جواهر الكلام: ج 30/54.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/245.
3- وسائل الشيعة: ج 20/546 باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26308، التهذيب: ج 7/301 باب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب ح 16.

ولو أسلم الزّوج الحَربيّ على أكثر من أربع حربيّات وأسلمن، فاختار أربعاً، انفسخ نكاح البواقي.

لو أسلم كافر وله أزيد من أربع منكوحات

المسألة الخامسة: (ولو أسلم الزّوج) الوثني ومن بحكمه كالكتابي (الحَربيّ ) عند المصنّف رحمه الله، أو الكتابي الذّمي، وعنده أربع فما دون، كتابيّات أو وثنيّات، أسلمن معه، أو في العِدّة، بقي نكاح الجميع كما يظهر ممّا أسلفناه.

ولو أسلم (على أكثر من أربع) وثنيّات أو من بحكمهن كال (حربيّات) عند المصنّف، ولم يُسلمن معه ولا في العِدّة، انفسخ نكاح الجميع، (و) إنْ (أسلمن) معه (فاختار أربعاً، انفسخ نكاح البواقي) بلا خلافٍ ، وعن ظاهر «المبسوط»(1)و «التذكرة»(2) الإجماع عليه.

ويشهد به: في الجملة نصوصٌ :

منها: ما رواه العامّة عن ابن عمر: «أنّ غيلان بن سَلَمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهليّة، فأسلمن معه، فأمره النبيّ صلى الله عليه و آله ان يتخيّر أربعاً منهنّ »(3).

ومنها: خبر «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال:

«في المشرك يسلم وعنده اُختان حُرّتان أو أكثر من أربع نسوة حرائر؟

ص: 278


1- المبسوط: ج 4/220 تحت عنوان: (فصلٌ : في تزويج المشركين).
2- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 2/652.
3- الجامع الصحيح: ج 3/435، تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 2/652.

ولو أسلم الذّمي وعنده أربع، ثبت َ عقده عليهنّ ، ولو كُنَّ أزيد تخيّر أربعاً، وبطل نكاح البواقي.

قال عليه السلام: يترك التي نكح أوّلاً من الاُختين والأربع الحرائر الأُولى ، وتنزع منه الاُخت الثانية وما زاد على أربع حرائر»(1).

ونحوه خبر «الجعفريّات»(2).

أقول: ضعف إسنادها منجبرٌ بعمل الطائفة، وكذا ضعف دلالتها، لأنّ الأوّل في واقعةٍ ، فلا يكون له إطلاق، من حيث كون الأكثر على الأربع كتابيّات أو وثنيّات أو مختلفات، والمتيقّن ما إذا كان الأكثر كتابيّات، والأخيرين دالّان على تعيّن اختيار الأربع الأُولى فالأُولى ولم يفتِ أحدٌ بذلك.

ويمكن أنْ يُقال: بأنّ إجمال الأوّل يبين بالأخيرين، والأمر باختيار الأربع الأُولى فيهما يُحمل على التخيّير أو الأفضليّة بقرينة الأوّل وبقرينة ما يأتي في الكتابيّات، فلا إشكال في الحكم.

(ولو أسلم) الكتابي الأعمّ من (الذّمي) وغيره (وعنده أربعُ ) كتابيّات، (ثبتَ عقده عليهنّ ) لما مرّ.

(ولو كُنَّ أزيد، تخيّر أربعاً، وبطل نكاح البواقي) بلا خلافٍ .

ويشهد به: - مضافاً إلى ما مرَّ - خبر عُقبة بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في مجوسيّ أسلم وله سبعُ نسوةٍ ، وأسلمن معه، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: يُمسك أربعاً،6.

ص: 279


1- المستدرك: ج 14/428 باب 4 من أبواب مايحرم باستيفاءالعدد ح 17185، دعائم الإسلام: ج 250/2 ح 946.
2- المستدرك: ج 14/427 باب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 17184، الجعفريّات: ص 106.

ويطلّق ثلاثاً»(1).

وضعف سنده(2) غير قادحٍ في الحجيّة بعد إنجباره بعمل الأصحاب، وما فيه من الأمر بتطليق الثلاث منافٍ لاتّفاق الأصحاب عليحصول الفسخ بالاختيار خاصّة.

وعليه، فيُحمل على كونه مخفّفة من الإطلاق، أي يفارق ثلاثاً ويُخلّي سبيلهنّ .

***ل.

ص: 280


1- وسائل الشيعة: ج 20/524 باب 6 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 26254، الكافي: ج 5/436 باب نكاح أهل الذّمة ح 7.
2- لوجود محمّد بن عبداللّه بن هلال في سنده، وهو مجهول.

فيما يتحقّق به الاختيار

وينبغي التنبيه على اُمورٍ:

التنبيه الأوّل: فيما يتحقّق به الاختيار:

أقول: لقد أطالوا البحث فيما يتحقّق به مفهومه، ولا وجه له أصلاً بعد عدم التصريح أو الإشارة إليه في شيء من النصوص سوى ما في النبويّ ، وقد روي في كتب أحاديث العامّة التي هي المصدر فيه بنحوٍ آخر، وهو: «أمسك أربعاً وفارق سائرهنّ »(1).

وكيف كان، فلا إشكال في تحقّقه بالقول الدالّ على الإمساك، صريحاً أو كنايةً أو مجازاً، من أيّ لغةٍ كان، كان اللّفظ بالماضي أو غيره، لإطلاق الدليل.

وقد مرّ أنّ مقتضى القاعدة عدم اعتبار الصراحة والحقيقة والماضويّة والعربيّة في العقود والإيقاعات، إلّاما خرج بالإجماع، فلا يعتبر في المقام بالأولويّة.

وكذا يتحقّق بالفعل كالوطء والتقبيل واللّمس مع قصد الاختيار، بل لولا الإجماع المُدّعى على اعتبار الكاشف، لقلنا بكفاية مجرّد الإرادة والرّضا النفساني في تحقّقه.

ولو قال لما زاد على الأربع: (اخترتُ فِراقَكُنّ )، فلا شكّ في اندفاعهن لإطلاق الأدلّة.

وهل يثبت به نكاح البواقي كما في «الشرائع»(2) و «الجواهر»(3) وغيرهما(4)، أم

ص: 281


1- سنن البيهقي: ج 7/181، صحيح ابن حبان: ج 9/466.
2- شرائع الإسلام: ج 2/521.
3- جواهر الكلام: ج 30/60.
4- كما في قواعد الأحكام: ج 3/47، ومسالك الأفهام: ج 7/372، وكفاية الأحكام: ص 167.

يحتاج إلى إنشاء اختيار إمساكهنّ؟ وجهان.

استدلّ للأوّل: بأنّ العقد مقتضٍ للبقاء، والزيادة في العدد مانعة، فإذا اندفعت الزيادة أثَّر المقتضي أثره.

وأُورد عليه: بأنّ نكاح أشخاصهن يبطل بالإسلام، والباقي هو نكاح الأربع الكلّي، فلا عقد في خصوص الأربع الباقيات كي يؤثّر بعد رفع المانع.

وفيه: أنّه بالإسلام لا يبطل نكاح الجميع، بل يبطل نكاح الزائد على الأربع، ويبقى الأربع على الصحّة، غاية الأمر كلّ منها بنحو التخيير، وقد مرّ في مسألة تزويج الاُختين معقوليّة ذلك، وضروري أنّه مع فرض انعدام أحد أطراف التخيير يتعيّن الحكم، ففي المقام يتعيّن بعد بطلان نكاح الزائد بقاء الأربع على نكاحهن.

وإنْ شئت قلت: أنّه لو سُلّم ما ذُكر من أنّ الباقي هو نكاح الأربع الكلّي، فالكلّي أيضاً بعد انحصار أفراده في الأربع الباقيات يتعيّن فيها، نظير من ملك صاعاً من صُبرةٍ ، فإنّه إذا لم يبق منها إلّاصاعاً يتعيّن فيه.

ولو طلّق أربعاً، ففي «الشرائع»(1): (اندفع البواقي، وثبت نكاح المطلّقات، ثمّ طُلقن بالطلاق، لأنّه لا يواجه به إلّاالزّوجة، إذ موضوعه إزالة قيد النكاح)، انتهى .

توضيحه: إنّ حقيقة الطلاق هي إزالة النكاح، فالنكاح جزءٌ من مفهومه، فقصد الطلاق يستلزمُ قصد اختيار النكاح إذ لا طلاق بدونه، ولذا لا يصحّ توجيهه إلّا إلى الزّوجة.

وفيه: إنّ المطلّق:1.

ص: 282


1- شرائع الإسلام: ج 2/521.

تارةً : لا يقصد النكاح، وإنّما غرضه فراق المطلّقة، نظراً إلى حصوله بكلّ ما يدلّ عليه، وبديهي أنّ الطلاق بما له من المفهوم العرفي من الدّوال عليه.

وأُخرى : يقصد اختيار النكاح قبل أنْ يطلّق، ثمّ يجري صيغة الطلاق.

وثالثة: يقصد اختيار النكاح بنفس صيغة الطلاق.

ورابعة: يقصد الطلاق الشرعي من دون قصد اختيار النكاح.

فعلى الأوّل: يتحقّق الفراق، ولا يثبتُ نكاح المطلقات كما لا يخفى .

وعلى الثاني: يتوقّف ثبوت نكاحهنّ وصحّة الطلاق على كفاية الإرادة النفسانيّة خاصّة في ثبوت النكاح، وقد مرّ أنّ ظاهرهم الاتّفاق على عدمه.

وعلى الثالث: يثبت النكاح ولا يقع الطلاق:

أمّا ثبوت النكاح: فلما مرَّ من كفاية كلّ مظهر لاختياره.

وأمّا عدم وقوع الطلاق: فلتوقّفه على ثبوت النكاح، والمفروض عدم ثبوته إلّا به، فيلزم من وقوعه الدور.

وعلى الرابع: لا يثبتُ النكاح، ولا يقع الطلاق:

أمّا عدم ثبوت النكاح فلعدم قصد اختياره، وليس ذلك من الاُمور القهريّة الواقعة، ولو مع عدم القصد.

وأمّا عدم وقوع الطلاق: فلعدم ثبوت النكاح.

ثمّ إنّه في صورة عدم وقوع الفراق وثبوت نكاح البواقي لا كلام، كما أنّه في صورة ثبوت نكاحهنّ فكذلك.

وأمّا في صورة عدم وقوع الطلاق، وعدم ثبوت النكاح، فلا إشكال في بقاء الاختيار.

ص: 283

وعليه، فلو اختار بعد ذلك المطلقات، قد يقال بتأثير الطلاق في إزالة نكاحهنّ ، من جهة كشف الاختيار عن الزوجيّة حال وقوع الطلاق كمافي «الجواهر»(1).

ولكنّه غير تامّ : من جهة أنّ الاختيار لا يكون كاشفاً عن ثبوت زوجيّة المختارة تعييناً، بل الاختيار موجبٌ لتعيّن الكلّي في المختارة، فحين الطلاق لم تكن المطلّقة زوجةً تعييناً كي يقع طلاقها مؤثّراً.

وقياس الاختيار بإجازة النكاح الواقع فضولاً قبل الطلاق، على القول بالكشف، كما في «الجواهر»، مع الفارق، فإنّه بالاجازة ينكشف أنّ المرأة المعيّنة المطلّقة كانت زوجة حين الطلاق.

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّه لا فرق بين الطلاق وبين الظهار والايلاء، لا كما عن «المبسوط»(2) من كونهما اختياراً كالطلاق، بل في عدم كونهما اختياراً كالطلاق إلّا في بعض الفروض.

وعليه، فما في «الشرائع»(3) وعن غيرها(4) من الفرق بينهما وبينه من جهة أنّ الطلاق لا يواجه به غير الزّوجة، وهما قد يواجه بهما غير الزّوجة، بل الأجنبيّة أليق بهما من الزّوجة.

غير تامّ لأنّه يرد عليه: - مضافاً إلى ما مرّ - أنّه كما لا يقع الطلاق خارجاً إلّا في الزّوجة، كذلك لا يقع الظّهار والإيلاء الشرعيين إلّافيها، وكما أنّ مفهومهما العرفي يمكن تحقّقه في غيرها، كذلك مفهوم الطلاق عرفاً قابلٌ لوقوعه في غيرها.7.

ص: 284


1- جواهر الكلام: ج 30/61.
2- المبسوط: ج 4/237.
3- شرائع الإسلام: ج 2/522.
4- كما في مسالك الأفهام: ج 7/373-374، وكفاية الأحكام: ص 167.

إسلام الزّوج عن أكثر من أربع وثنيّات وأسلمن في العِدّة

التنبيه الثاني: لو أسلم الزّوج، وكان عنده أكثر من أربع وثنيّات ولم يسلمنَ معه، بل أسلمن في العِدّة، فهل يُحكم بالتخيير أم لا؟

أقول: قد يقال بالثاني من جهة اختصاص النّص بما لو أسلمنَ معه، وفي الفرض لابدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة، وهو بطلان نكاح الجميع، لعدم إمكان صحّة الجميع، وبقاء البعض ترجيحٌ بلا مرجّح.

ودعوى : أنّ النّص وإنْ اختصّ بما لو أسلمن معه، إلّاأنّ الظاهر من السؤال كون السائل بصدد السؤال عمّا إذا لم يكن هناك مانعٌ عن صحّة النكاح إلّازيادة العدد، فيستفاد من الحكم بالتخيير في الجواب كبرى كليّة، وهي أنّه كلّما لم يكن هناك مانعٌ عن صحّة النكاح إلّازيادة العدد، فللزوج التخيير في إمساك الأربع وفراق ما زاد، فيدلّ على ثبوت التخيير في المسألة أيضاً، إذ بعد إسلامهنّ في العِدّة لا مانع عن صحّة نكاحهنّ إلّاالزيادة في العدد، كما عن المحقّق اليزدي رحمه الله.

ممنوعة: لأنّ الميزان في استفادة الحكم، هو ظواهر الأدلّة سؤالاً وجواباً، ولا عبرة بقصد السائل.

وعليه، فظاهر السؤال في النّص هو السؤال عن خصوص ما لو أسلمن معه، والجواب مختصّ به، فالتعدّي يحتاج إلى دليلٍ مفقود، وتنقيح المناط غير ظاهر، لاحتمال خصوصيّة إسلامهنّ معه.

فإنْ قيل: إنّه يمكن إثبات التخيير باستصحابه التعليقي، بأنْ يقال إنهنّ لو أسلمن سابقاً معه، كان له التخيير، والآن كما كان.

قلنا: - مضافاً إلى منع جريان الاستصحاب التعليقي مطلقاً، وإلى عدم جريانه

ص: 285

في الأحكام الكليّة - إنّ الموضوع غير باقٍ ، فإنّ الموضوع هو إسلامهنّ مع إسلامه، وهذا غير إسلامهنّ بعد، فلا يجري استصحاب الحكم.

أقول: ولكن يمكن إثبات التخيير على القاعدة بأنْ يقال:

إنّه بعدما لا مانع ثبوتاً من بقاء نكاح الأربع لا على التعيين - ولذا في صورة إسلامهنّ معه يُحكم به ولو كان ممتنعاً لما كان واقعاً - فإنّ مقتضى الأدلّة الأوليّة بقاء نكاح الجميع، ولكن لا يمكن الحكم بذلك لما دلّ على عدم جواز نكاح أزيد من الأربع، وهذا المانع لا يصلح أنْ يكون منشأً لفساد نكاح الجميع، لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، فهو مانعٌ عن بقاء نكاح الأزيد من الأربع، وحيث أنّ نسبته إلى الجميع على حَدٍّ سَواء، فلا يمكن الحكم ببقاء نكاح الأربع المعيّنة، فيتعيّن البناء على بقاء نكاح الأربع لا على التعيين، فتدبّر فإنّه دقيق.

وبالجملة: فالأظهر هو الحكم بالتخيير في هذه الصورة أيضاً.

إسلام الكافر وإسلام أربع منهنّ معه

التنبيه الثالث: لو أسلم الكافر الذي عنده أكثر من أربع نسوة، فأسلمت معه أربع منهنّ :

فتارةً : تكون الجميع كتابيّات، أو وثنيات مع إسلام البواقي في العِدّة.

وأُخرى : تكون الجميع وثنيّات، ولا تسلم البواقي في العِدّة.

أمّا في الصورة الثانية: فلا إشكال في بقاء نكاح المسلمات، لبطلان نكاح البواقي في نفسه، فلا محلّ للتخيير.

وأمّا في الصورة الأُولى : فقد يقال بانتفاء التخيير وتعيّن المسلمات للزوجيّة، من

ص: 286

جهة أنهنّ بإسلامهنّ شملهنّ ما دلّ على أنّه: «إنْ أسلم وأسلمت معه امرأته» الشامل لإسلام الأربع أيضاً، فهو يكون على نكاحه بالنسبة إليهنّ ، فإذا ثبت نكاحهنّ سقط نكاح البواقي عن قابليّة البقاء، فلا يشمله ما دلّ على التخيير، لأنّ الحكم به إنّما هو مع صلاحيّة الكلّ للبقاء على الزوجيّة، فيكون هذا الدليل وارداً على دليل التخيير.

وفيه أوّلاً: أنّه لا يتمّ في الكتابيات، لأنّه يجوز نكاح الكتابيّة إمّا مطلقاً كما هو المختار، أو استدامةً خاصّة كما هو المشهور، فكما أنّ الأربع المسلمات مشمولة لما دلّ على بقاء نكاحهنّ في أنفسهنّ ، فكذلك الكتابيّات الباقيات تشملهنّ ما دلّ على بقاء نكاح الكتابيّة لو أسلم زوجها، فيقع التعارض، والمرجع حينئذٍ إلى ما تقتضيه القاعدة من التخيير وما دلّ عليه.

وأمّا الوثنيّات اللّآتي أسلمن في العِدّة، فهن أيضاً مشمولات لما دلّ على بقاء نكاحهنّ ، والمرجع فيهنّ إلى أدلّة التخيير.

وثانياً: أنّ الموضوع لأدلّة التخيير هو ما إذا كان الكلّ صالحة من جميع الجهات للبقاء على الزوجيّة من غير ناحية العدد، ومن المعلوم أنّ البواقي غير المسلمات صالحة للبقاء عليها مع قطع النظر عن العدد، فلا ورود، بل يقع التعارض بين الدليلين مع قطع النظر عمّا ذكرناه، والمرجع هي القاعدة المقتضية للتخيير.

لو أسلم الكافر بعد تزويج الاُمّ وبنتها

التنبيه الرابع: إذا أسلم الكافر بعد تزويجه امرأة وبنتها الكتابيّتين:

فتارةً : يكون ذلك بعد الدخول بالاُمّ .

ص: 287

وأُخرى : يكون ذلك بعد الدخول بالبنت.

وثالثة: يكون بعد الدخول بهما.

ورابعة: يكون قبل ذلك.

ربما يقال: إنّه لابدّ من البناء على بطلان نكاحهما لو وقعا دفعة، وبطلان نكاح اللّاحقة لو كان ترتيباً في جميع الصور، وتحرم البنت خاصّة لو كان العقد السابق هو ما وقع على الاُمّ ودخل بها، وتحرم الاُمّ خاصّة لو كان السابق هو ماوقع على البنت، دخل بها أم لا.

والوجه في ذلك: أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما هم مكلّفون بالاُصول، من غير فرقٍ بين الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة.

ولكن يرد عليه: أنّ الكفّار وإنْ كانوا مكلّفين بالفروع، ولكن في خصوص باب النكاح دلّ الدليل على صحّة نكاحهم، وإنْ كان باطلاً في الإسلام، وهو دليل التقرير، وأنّه لكلّ قومٍ نكاح(1).

أقول: وعليه، فقد يتوهّم أنّه يصحّ نكاحهما، ولا تحرمُ شيءٌ منهما في شيء من الصور، لأنّه:

بعد تزويجه إيّاهما في حال الكفر، وحُكم الشارع الأقدس بصحّة النكاحين، وعدم حُرمة شيء منهما عليه في شيء من صور الدخول، لا محالة تكون المرأة وبنتها خارجتين عن تحت ما دلّ على حرمة اُمّ الزّوجة والربيبة، وعدم صحّة3.

ص: 288


1- وسائل الشيعة: ج 21/199-200 باب 83 من أبواب نكاح العبيد والإماء وج 28 باب 1 من أبواب حَدّ القذف ح 34487 وج 26 باب 1 و 2 من أبواب ميراث المجوس ص 317-319 وباب 73 من أبواب جهاد النفس، الكافي: ج 7/240 باب كراهية قذف من ليس على الإسلام ح 3.

نكاحهما معاً، وبعدما أسلم لا وجه للتمسّك بعموم أدلّة التحريم والبطلان، إذ لا عموم أزماني لها كي يتمسّك به بعد زمان التخصيص.

هذا على فرض تسليم كون خطاب التحريم متوجّهاً إلى المسلمين والكفّار، وخروج الكفّار بأدلّة التقرير.

وأمّا على القول بكون المخاطب خصوص المسلمين، فالأمر أوضح، إذ الظاهر منها حينئذٍ كون العنوانين - أي اُمّ الزّوجة والربيبة - حادثين حين الخطاب لا قبله، وهو أيضاً فاسدٌ.

أمّا على القول بكون الخطاب للأعمّ - كما هو الظاهر، وخرج الكفّار بالدليل الخاص - فلأنّ المختار عندنا جواز التمسّك بعموم العام بعد مضيّ زمان التخصيص مطلقاً، كان للعام عمومٌ أزماني أم لم يكن.

أضف إليه أنّه يكون المخصّص في المقام يخرج من الأوّل، وفي مثل ذلك لابدّ من التمسّك بعموم العام، وإنْ سُلّم أنّ الفرد الخارج في الأثناء لا يتمسّك فيه بعموم العام بعد مضيّ زمان التخصيص، إلّاإذا كان للعام عمومٌ أزماني، مع أنّ الخارج في المقام عن تحت العموم هو العنوان العام لا خصوص الفرد، ومع ارتفاع العنوان يتمسّك بالعموم بلا كلام، مثلاً إذا قال: (صَلِّ خلف المسلم)، ثمّ قال: (لا تُصلّ خلف الفاسق)، وكان زيدٌ فاسقاً، ثمّ أصبح عادلاً، فإنّه لا إشكال في جواز الاقتداء به للعموم، فإنّ الخارج عنه هو الفاسق، والمفروض ارتفاع الفسق.

ولا سبيل إلى أنْ يُقال: بأنّ هذا الشخص كان خارجاً عن تحت ما دلّ على جواز الاقتداء، وبعدما صار عادلاً يُشكّ في جوازه، فلا سبيل إلى التمسّك بعموم العام، لعدم العموم الأزماني له.

ص: 289

والمقام من هذا القبيل، فإنّ الخارج هو عنوان الكافر، لا هذا الشخص.

وأمّا على القول بكون الخطاب لخصوص المسلمين، فمقتضى إطلاق الأدلّة شموله لمن أسلم بعد تحقّق العنوانين أيضاً.

وبالجملة: وعلى هذا فالحقّ أنْ يُقال: إنّه في صورة الدخول بهما تحرمان معاً:

أمّا الاُمّ : فلكونها اُمّ الزّوجة.

وأمّا البنت: فلكونها ربيبة دخل باُمّها، وكذا في صورة الدخول بالاُمّ خاصّة.

وفي صورة الدخول بالبنت خاصّة، أو عدم الدخول بهما، تحرم الاُمّ خاصّة لكونها اُمّ الزّوجة، ولا يعتبر في حرمتها الأبديّة الدخول بالزوجة، ولا تحرمُ البنت أبداً لكونها ربيبة لم يدخل باُمّها.

وعليه، فالعقدان يبطلان في الصورتين الأولتين، ويبطل عقد الاُمّ خاصّة في الصورتين الأخيرتين، فلا وجه لبطلان نكاح البنت، بل تبقى هي على حبالته.

وعن الشيخ في «الخلاف»(1): الحكم بالتخيير في إمساك أيّتهما شاء وفراق الاُخرى .

وعن «المبسوط»(2): الحكم بذلك في خصوص صورة الدخول بهما.

واستدلّ له المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف»(3) بما نقله عنه، وحاصله:

أنّ الكافر إذا جمع بين من لا يجوز له الجمع بينهما أو بينهنّ - كما لو تزوّج اُختين0.

ص: 290


1- الخلاف: ج 4/331 كتاب النكاح مسألة 108.
2- المبسوط: ج 4/221 قوله: (فإن لم يكن دخل بواحدة منهما قيل فيه قولان: أحدهما: هو بالخيار في إمساك أيّتهما شاء، وفارق الأُخرى ، والثاني: أنّه يثبت نكاح البنت ويزول نكاح الأُمّ ، ويقوى في نفسي الأول... وأمّا إن كان قد دخل بكلّ واحدةٍ منهما حرمت البنت على التأبيد... والأُمّ حرمت عليه مؤبّداً أيضاً).
3- مختلف الشيعة: ج 7/70.

وما شاكل - إنّما يُحكم بصحّة نكاح من يختارها لا عقدها.

وعليه، فالاختيار حينئذٍ بمنزلة العقد ابتداءً ، وكان كأنّه الآن تزوّج بها وحدها، وعليه اختيار أيّتهما شاء في المقام، كما أنّه مخيّرٌ في ابتداء الأمر أن يعقد على كلّ منهما شاء.

ولكن يرد عليه: أنّه يتمّ فيما لو كان العقد على كلّ منهما باقياً في نفسه، فبالاختيار يثبت أحدهما ويرتفع غيره، وفي المقام بمجرّد الإسلام يبطل نكاح الاُمّ ، فلا قابليّة له للبقاء كي يختاره.

نعم، لو قلنا بعدم شمول إطلاقات الأدلّة لما إذا كان العنوانان ثابتين ومحكومين بالحلّية قبل توجّه الخطاب كان ما أفاده الشيخ رحمه الله متيناً غايته.

لكن عرفت أنّه غير صحيح، على أنّه يتمّ لو قطع بذلك، ولو شُكّ فيه لما كان ما اُفيد تامّاً، للشكّ في قابليّة نكاح الاُمّ للبقاء حينئذٍ بخلاف نكاح البنت، والاستصحاب لا يجري لتبدّل الموضوع، ولعدم جريانه في الأحكام.

وقد ظهر ممّا ذكرناه حكم فرعين آخرين:

أحدهما: ما لو أسلم عن اُختين تزوّجهما دفعةً أو مرتّباً:

فإنّه إنْ كان لم يدخل بهما، تخيّر في إمساك أيّتهما شاء وفراق الاُخرى .

وإنْ دخل بهما ليس له إمساك شيء منهما، لأنّه:

لو اختار إحداهما يكون ذلك موجباً لكون إحداهما في حبالته، مع كون الاُخرى في العِدّة، وقد مرّ أنّه كما لا يجوز الجمع بين الاُختين، كذلك لا يجوز تزويج إحداهما في عِدّة الاُخرى .

ص: 291

وإنْ كان دخل بإحداهما، كان نكاحها خاصّة باقياً، لأنّ اختيار الاُخرى يلزم منه المحذور المذكور.

أقول: ولكن الظاهر من الأصحاب كون التخيير في اختيار أيّتهما شاء مطلقاً مفروغاً عنه، ويشهد به خبرا «الدعائم» و «الجعفريّات» المتقدّمان(1) المنجبر ضعفهما بالعمل.

ولكن فيهما أنّه يختار الأُولى ، وتنزع منه الاُخت الثانية.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّهم لم يعملوا بهذه الجملة، والتفكيك في الحجيّة بين جملات الخبر لا مانع منه، واللّه تعالى هو العالم.

الفرع الثاني: ما لو أسلم وكان عنده امرأة وعمّتها أو خالتها:

فإنْ رضيت صَحّ الجمع بلا إشكال، بل الظاهر كفاية رضاها حال الكفر لإطلاق الأدلّة.

وإنْ لم تجز، تخيّر إحداهما كما لو عرض ذلك لمسلمٍ برضاع مثلاً.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّه يبطل عقد بنت الأخ أو الاُخت، ولا وجه لبطلان عقد العمّة أو الخالة فيبقى عقدها، ولا نصّ خاصّ في المسألة، واستفادة حكمها من ما ورد في نظائرها غير تامّة.

أقول: وهذا هو الأظهر إنْ لم يقم الإجماع على خلافه.

***6.

ص: 292


1- المستدرك: ج 14/427-428 باب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 17184 و 17185، دعائم الإسلام: ج 2/250 ح 946، الجعفريّات: ص 106.

مسائل:

الأُولى: لا يجوزُ للمؤمنة أن تتزوّج بالمخالف، ويجوزُ العكس.

حكم تزويج المؤمنة من المخالف

بقي الكلام في المقام في (مسائل) لابدّ من التعرّض لها.

المسألة (الأُولى ): قد مرّ الكلام في اعتبار الكفاءة، بمعنى التساوي في الإسلام، لكن السؤال عن أنّه هل الكفاءة بمعنى الإيمان بالمعنى الأخصّ شرطٌ في صحّة النكاح أم لا؟

فيه وجوه وأقوال:

المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنّه (لا يجوز للمؤمنة أن تتزوّج بالمخالف، ويجوز العكس).

وحقّ القول في المقام: إنّه لا خلاف يعتدّ به بينهم في جواز العكس، بل عن «كشف اللّثام»(1) وغيره(2) نفي الخلاف فيه.

وفي «الجواهر»(3): (بل لم يحكِ أحدٌ هنا الخلاف في ذلك عمّن عُلم أنّ مذهبه كفر المخالفين، كالمرتضى وابن إدريس وغيرهما).

وأمّا تزويج المؤمنة بالمخالف: ففيه قولان:

1 - ذهب جماعة - منهم المصنّف رحمه الله - إلى اعتبار التساوي، وأنّه لا يجوز

ص: 293


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/84. (2و3) كما في جواهر الكلام: ج 30/92 و 93.

تزويج المؤمنة بالمخالف.

وفي «الجواهر»: نسبته إلى المشهور بين المتأخّرين ومتأخِّريهم(1).

وفي «الرياض»(2): (أنّه حُكي عليه الإجماعات المستفيضة عن «الخلاف»(3)و «المبسوط»(4) و «السرائر»(5) وسلّار(6) و «الغنية»(7).

2 - والقول الآخر ما عن المفيد(8)، وابن سعيد(9)، والمحقّق(10) وصاحب «الجواهر»(11) وغيرهم، وهو عدم اعتباره وجواز تزويجها إيّاه.

واستدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع، قال في «الرياض»(12) بعد نقل الإجماعات عن الكتب المتقدّمة: (وهي الحجّة فيه).

وفيه أوّلاً: أنّه غير ثابتٍ ، كيف وقد ذهب جمعٌ من الأساطين إلى الجواز!9.

ص: 294


1- جواهر الكلام: ج 30/101 و 96.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/248-249.
3- الخلاف: ج 4/271 مسألة 27 قوله: (الكفاءة معتبرة في النكاح وهي عندنا شيئان، أحدهما الإيمان...).
4- المبسوط: ج 4/178 قوله: (الكفاءة معتبرة عندنا في النكاح وعندنا هي الإيمان).
5- السرائر: ج 2/557 قوله: (فعندنا أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران: الإيمان...).
6- المراسم: ص 150 قوله: (ومنّا أن تكون المرأة مؤمنة أو مستضعفة... فإن كانت ذميّة أو مجوسيّة أو معاندة لم يصحّ نكاحها غبطة، لأنّ الكفاءة في الدِّين مراعاة عندنا في صحّة هذا العقد، وهو كما ترى لا يدلّ على ما نحن بصدد إثباته).
7- الغنية: ص 343 قوله: (والكفاءة تثبت عندنا بأمرين: الإيمان...).
8- المقنعة: ص 512 باب الكفاءة في النكاح.
9- الجامع للشرائع: ص 432.
10- شرائع الإسلام: ج 2/525.
11- جواهر الكلام: ج 30/101 و 96.
12- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/249.

وثانياً: أنّ الظاهر من ما ادّعى عليه الإجماع في «الخلاف»(1)، و «المبسوط»(2)، و «الغنية»(3)، و «المسائل الناصريّة»(4)، هو اعتبار التساوي في الإسلام، ومرادهم من الإيمان فيها ما يرادف الإسلام.

ويشهد به: استدلالهم فيها على نفي الزيادة عن اعتبار الإيمان واليسار في مقابل الشافعي وغيره من العامّة، ممّن اعتبر في الكفاءة أزيد من ذلك، بكون المُجمع عليه ذلك، والأصل عدم الزيادة، ولا شُبهة في أنّ الإيمان المعتبر عند الجميع هو الإسلام، إذ لا معنى أخصّ للإيمان عند العامّة، وتفريع بعضهم على اعتبار ذلك أنّه لا يجوز تزويج المسلمة غير المسلم وغير ذلك من القرائن تظهر لمن راجع كلماتهم.

وثالثاً: أنّه مع معلوميّة مدرك المُجمعين لا يكون الإجماع حجّة.

الوجه الثاني: النصوص المستفيضة أو المتواترة الدالّة على كفر المخالفين(5)، بتقريب أنّه إنْ اُريد منه الحقيقة كانت دلالتها واضحة، وإلّا كان المراد المشاركة في الأحكام التي منها ما نحن فيه.

وفيه: أنّ المراد بها أنّهم بحكم الكفّار في الآخرة لا في الدُّنيا، كي يحلّ أموالهم ودمائهم، ويحرم مناكحتهم وموارثتهم، لمعلوميّة عدم كون المخالف من حيث كونه مخالفاً كذلك، كما صرّحت به النصوص، وتواترت في الفرق بين الإسلام والإيمان:

منها: خبر سماعة، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: أخبرني عن الإسلام والإيمان،ّ.

ص: 295


1- الخلاف: ج 4/271-272 كتاب النكاح مسألة 27.
2- المبسوط: ج 4/178.
3- الغنية: ص 343.
4- الناصريّات: ص 327 مسألة 153.
5- وسائل الشيعة: ج 28/339-356 باب 10 من أبواب حَدّ المرتدّ.

أهما مختلفان ؟

فقال عليه السلام: إنّ الإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان.

فقلت: تصفهما لي ؟

فقال عليه السلام: الإسلام شهادة أن لا إله إلّااللّه، والتصديق برسول اللّه صلى الله عليه و آله، وبه حُقنت الدِّماء، وعليه جَرَت المناكح، وعلى ظاهره جماعة النّاس، والإيمانُ الهُدى، وما يثبتُ في القلوب من صفة الإسلام، وما ظَهر من العمل به، والإيمانُ أرفع من الإسلام بدرجة، الحديث»(1).

ومنها: خبر حمران بن أعين، قال: «سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: الإيمان ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللّه تعالى، وصدقه العمل بالطاعة للّه تعالى والتسليم لأمره، والإسلام ما ظهر من قولٍ أو فعل، وهو الذي عليه جماعة النّاس من الفِرق جميعها، وبه حُقنت الدِّماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، فخرجوا بذلك من الكفر، واُضيفوا إلى الإيمان.

إلى أنْ قال: فقلت: هل للمؤمن فضلٌ على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك ؟

فقال: عليه السلام لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد، ولكن للمؤمن فضلٌ على المسلم في أعمالهما، وما يتقرّبان به إلى اللّه تعالى »(2).

ومنها: صحيح عبداللّه بن سنان، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام بِمَ يكون الرّجل مسلماً تحلّ مناكحته وموارثته، وبِمَ يحرم دمه ؟5.

ص: 296


1- أُصول الكافي: ج 2/25 باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ح 1.
2- أُصول الكافي: ج 2/26 باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ح 5.

قال عليه السلام: يحرم دمه بالإسلام، إذا ظهر، ويحلّ مناكحته وموارثته»(1).

ومنها: خبر الفضيل بن يسار، عنه عليه السلام:

«الإيمان يُشارك الإسلام، ولا يشاركه الإسلام، إنّ الإيمان ما وقرّ في القلوب، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدِّماء»(2).

ومنها: خبر القاسم الصيرفي شريك المفضّل، عنه عليه السلام:

«الإسلام يحقن به الدّم، ويُؤدَّى به الأمانة، وتستحلّ به الفروج، والثواب على الإيمان»(3).

إلى غير تلكم من النصوص الدالّة على اشتراك المسلم والمؤمن بالمعنى الأخصّ في الأحكام الدنيويّة في هذا الزمان، الذي هو زمان الهدنة، وهو الزمان الذي لم تقم فيه يد الشرع، كما يشير إليه صحيح العلاء بن رزين لما سأل أبا جعفر عليه السلام عن جمهور النّاس، فقال:

«هم اليوم أهلُ هدنة، تُردّ ضالّتهم، وتُؤدّى أمانتهم، وتُحقَن دمائهم، وتجوز مناكحتهم وموارثتهم في هذه الحال»(4).

الوجه الثالث: النصوص الدالّة على أنّ المؤمنين بعضهم أكفّاء بعض، مثل ما6.

ص: 297


1- وسائل الشيعة: ج 20/554 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26333، التهذيب: ج 7/303 باب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب ح 23.
2- أُصول الكافي: ج 2/26 باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ح 3.
3- وسائل الشيعة: ج 20/556 باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26337، الكافي: ج 2/24 باب أنّ الإسلام يحقن به الدّم ح 1.
4- وسائل الشيعة: ج 20/561 باب 12 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26348، الفقيه: ج 3/472 باب النوادر ح 4646.

رواه الكليني: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صَعد المنبر ذات يومٍ ، فحَمَد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال:

أيّها النّاس، إنّ جبرئيل أتاني عن اللّطيف الخبير فقال: إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر...

إلى أنْ قال: فقام إليه رجلٌ فقال: يارسول اللّه صلى الله عليه و آله، فمن نزوّج ؟

فقال: الأكفّاء.

فقال: ومن الأكفّاء؟ فقال صلى الله عليه و آله: المؤمنون بعضهم أكفّاء بعض»(1).

ونحوه غيره.

وفيه: إنّ المؤمن كان في السابق خصوصاً في زمانه صلى الله عليه و آله مرادفاً للمسلم، والإيمان بالمعنى الأخصّ اصطلاحٌ جديد.

الوجه الرابع: النصوص الدالّة على تزويج البنات ممّن يرضى خلقه ودينه، كخبر عليّ بن مهزيار قال:

«كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه السلام في أمر بناته، فكتب إليه أبو جعفر:

فهمتُ ما ذكرتَ ، إلى أنْ قال: فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه، إلّاتفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير»(2).

ونحوه غيره.

وفيه: أنّها في مقام بيان اشتراط وجوب التعجيل أو استحبابه، أو وجوب2.

ص: 298


1- وسائل الشيعة: ج 20/61 باب 23 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25037، الكافي: ج 5/337 باب ما يستحبّ من تزويج النساء ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 20/76 باب 28 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 25073، الكافي: ج 5/347 باب آخر منه ح 2.

الإجابة أو استحبابها عند الخِطبة، بما إذا كان الخاطب مرضيّ الخُلق والدِّين والأمانة، فلا ربط لها بما هو محلّ الكلام.

وبعبارة أُخرى : أنّها لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم صحّة التزويج بمن لا يرضى خُلُقه ودينه، مع أنّ المراد من الدِّين هو الإسلام، قال اللّه تعالى: (إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّهِ اَلْإِسْلامُ ) (1) لا الإيمان بالمعنى الأخصّ .

أضف إليه: أنّ لزوم تزويج مرضيّ الدِّين لا يدلّ على بطلان تزويج غيره.

الوجه الخامس: ما دلّ على النهي عن تزويج الشكاك، معلّلاً بأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها، كالخبر عن الإمام الصادق عليه السلام:

«تزوّجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم، فإنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها، ويقهرها على دينه»(2).

ونحوه غيره.

فإنّ مقتضى عموم العلّة، عدم جواز تزويج المؤمنة كلّ مخالفٍ ، مع أنّ حرمة تزويج الشكاك مستلزمٌ لحرمة تزويج غيرهم من المعتقدين للخلاف بالأولويّة.

وفيه: إنّ ما فيها من التعليل قرينة على عدم كون النهي إرشاداً إلى الفساد، بل النهي تعلّق به لأمرٍ خارج لا بعنوان التزويج نفسه، فلا يدلّ على الفساد.

الوجه السادس: النصوص المتواترة الدالّة على عدم جواز نكاح الناصب(3)ر.

ص: 299


1- سورة آل عمران: الآية 19.
2- وسائل الشيعة: ج 20/555 باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26335، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 5.
3- وسائل الشيعة: ج 20/549-554 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر.

الآتي بعضها، بناءً على أنّ المراد بالناصب كلّ مخالفٍ :

1 - لقول الإمام الهادي عليه السلام - في جواب محمّد بن عليّ بن عيسى ، حيث سأله من الناصب، بقوله: هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجِبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما -: «من كان على هذا فهو ناصب»(1).

2 - ولقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر المُعلّى بن خُنَيس:

«ليس الناصب من نَصَب لنا أهل البيت، لأنّك لا تجد أحداً يقول أنا أبغض محمّداً وآل محمّد، ولكن الناصب من نَصَب لكم وهو يعلم إنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا»(2).

وفيه: إنّ تلكم النصوص مختصّة بالناصب أهل البيت، الذي هو أنجس من الكلب ويكون كافراً، لما في خبر الفضيل بن يسار، قال:

«سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن المرأة العارفة، هل أزوّجها الناصب ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّ الناصب كافرٌ.

قلت: فأزوّجها غير الناصب ولا العارف ؟

فقال: غيره أحبّ إليّ منه»(3).

فإنّه يدلّ بما فيه من العلّة على اختصاص الحكم بالناصب الكافر، وقد مرّ عدم كون مطلق المخالف كافراً، مع أنّ ذيله صريحٌ في الاختصاص.1.

ص: 300


1- وسائل الشيعة: ج 9/490 باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 12559، مستطرفات السرائر: ص 583.
2- وسائل الشيعة: ج 9/486 باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 12548، ثواب الأعمال: ص 207.
3- وسائل الشيعة: ج 20/559 باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26344، التهذيب: ج 7/303 باب فيمن يحرم نكاحهنّ بالأسباب ح 21.

الوجه السابع: النصوص الخاصّة الناهية عن ذلك:

منها: المرسل - كالموثّق، بل الموثّق لإرساله عن غير واحدٍ، الملحق مثله عند جماعةٍ بالمسند - المرويّ عن أبان عن الفضيل بن يسار، قال:

«سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن نكاح الناصب ؟

فقال: لا واللّه ما يحلّ .

قال فضيل: ثمّ سألته مرّة أُخرى ، فقلت: جُعلت فداك، ما تقول في نكاحهم ؟

قال: والمرأة عارفة ؟ قلت: عارفة ؟

فقال عليه السلام: إنّ العارفة لا توضع إلّاعند العارف»(1).

ومنها: المعتبر بوجود المُجمع عليتصحيح مايصحّ عنه في سنده، عنه عليه السلام، قال:

«قلتُ له: إنّ لامرأتي اُختاً عارفة على رأينا، وليس على رأيها بالبصرة إلّا قليل، فاُزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟

قال عليه السلام: لا، ولا نعمة ولا كرامة، إنّ اللّه تعالى يقول: (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اَلْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (2)) »(3).

ومنها: خبر عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ : «ولا يتزوّج الناصب المؤمنة، ولا يتزوّج المستضعف مؤمنة»(4).8.

ص: 301


1- وسائل الشيعة: ج 20/550 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26321، الكافي: ج 5/350 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 11.
2- وسائل الشيعة: ج 20/549 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26318، الكافي: ج 5/348 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 20/550 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26320، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 6.
4- وسائل الشيعة: ج 20/550 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26319، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 8.

وفيه أوّلاً: أنّ المراد بالعارف في الخبر الأوّل يمكن أنْ يكون غير الناصب، كما يؤيّده صدر الخبر، كما أنّ المراد به في الخبر الثاني يمكن أنْ يكون هو الخارجي المُبغض لأمير المؤمنين وأولاده عليهم السلام، الذي قام الإجماع على كفره، وعدم جواز مناكحته، كما يشهد به استدلاله عليه السلام بالآية الكريمة.

وثانياً: أنّه لو سُلّم ظهورها في المنع، لابدّ من حملها على الكراهة، للنصوص الصريحة في الجواز، كخبر الفضيل المتقدّم، وصحيح عبداللّه بن سنان المتقدّم، الوارد في: «الرّجل بِمَ يكون مسلماً يحلّ مناكحته ؟...» وخبر هشام بن الحكم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال منكراً: «أتتكافأ دمائكم ولا تتكافأ فروجكم»(1).

هذا كلّه مضافاً إلى ما وقع من تزويج عبداللّه بن عمر بن عثمان فاطمة بنت الحسين عليه السلام، وتزويج مصعب بن الزبير اُختها سُكينة وغير ذلك، فلا ينبغي التوقّف في جواز التزويج.

هذا كلّه في غير الناصب والناصبة.

لا يصحّ نكاح المؤمنة الناصب ولا العكس

وأمّا نكاح المؤمنة بالناصب المُعلِن عداوته لأهل البيت عليهم السلام أو لأحدهم، وكذلك العكس، فالظاهر أنّه لا خلاف في عدم جوازه، وفي «الجواهر»(2): (بل الإجماع بقسميه عليه).

ويشهد به: نصوصٌ كثيرة قد تقدّمت جملة منها:

ص: 302


1- وسائل الشيعة: ج 70/20 باب 26 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25059، الكافي: ج 5/345 باب آخر منه ح 5.
2- جواهر الكلام: ج 30/102.

ومنها أيضاً: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا يتزوّج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك»(1).

ومنها: صحيحه الآخر عنه عليه السلام، قال: «قلت له: اُزوّج الناصب ؟ قال عليه السلام: لا، ولا كرامة»(2).

ومنها: صحيح عبداللّه بن سنان، قال:

«سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الناصب الذي قد عرف نُصبه وعداوته، هل يزوّجه المؤمنة، وهو قادرٌ على ردّه، وهو لا يعلم بردّه ؟

قال عليه السلام: لا يتزوّج المؤمن الناصبة، ولا يتزوّج الناصب المؤمنة، ولا يتزوّج المستضعف المؤمنة»(3).

ونحوها غيرها.

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص الناصب بمن يظهر العداوة والنصب، ولا يتحقّق بمجرّد البغض والعداوة الباطنيّة.

أقول: وأمّا خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«دخل رجلٌ على عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال: إنّ امرأتك الشيبانيّة خارجيّة تشتم عليّاً عليه السلام، فإنْ سَرّك أن اُسمعك ذلك منها أسمعتك ؟ قال عليه السلام: نعم.

قال: فإذا كان حين تريدُ أن تخرج كما كنتَ تخرج فعُد فأكمن في جانب الدار،8.

ص: 303


1- وسائل الشيعة: ج 20/549 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26317، الكافي: ج 5/348 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 20/549 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26318، الكافي: ج 5/348 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 20/550 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26319، الكافي: ج 5/349 باب مناكحة النصّاب والشكاك ح 8.

قال: فلمّا كان من الغد كمن عليه السلام في جانب الدار، وجاء الرّجل فكلّمها، فتبيّن ذلك منها، فخلّى سبيلها، وكانت تُعجبه»(1).

الذي استدلّ به صاحب «الجواهر»(2) وتبعه المحقّق اليزدي لتحقّق النصب بمجرّد البُغض الباطني، فلا يدلّ عليه، بل يشهد بخلافه قول الرّجل: (خارجيّة تشتم عليّاً)، فإنّه يظهر منه كونها مُعلنة بذلك، غاية الأمر لم تكن مظهرة عنده عليه السلام، والمعتبر هو إعلانه بذلك لا الإعلان عند من يريد التزويج.

وعلى ذلك، فلا إشكال في زواجه صلى الله عليه و آله من عايشة، ولا في تزويجه ابنته من عثمان، وتزويج الأمير عليه السلام ابنته من عُمر - لو صحَّ ذلك -، وتزويج مصعب بن الزبير سُكينة بنت الحسين عليه السلام، وتزويج عبيداللّه بن عمر بن عثمان اُختها فاطمة وغير ذلك، بل هذا كلّه يدلّ على ما اخترناه من جواز تزويج المؤمنة بالمخالف، فإنّهم لم يكونوا مُعلنين ببغض علي عليه السلام وأولاده المعصومين في زمان التزويج، وإنْ كانت عايشة أظهرت ذلك بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله.

وعن الشهيد الثاني رحمه الله(2) وفي «الجواهر»(4): (الظاهر ندرة ذلك - أي الناصب المُعلِن بالعداوة في هذا الزمان - أو عدمه).

وعليه، فلا يهمّنا حينئذٍ تفصيل القول في ذلك وفي سائر فرق الإماميّة أكثر من ذلك.4.

ص: 304


1- وسائل الشيعة: ج 20/551 باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 26323، الكافي: ج 5/351 باب مناكحة النصّاب و الشكّاك ح 14. (2و4) جواهر الكلام: ج 30/102.
2- مسالك الأفهام: ج 7/404.

في اعتبار اليسار في الكفاءة وعدمه

وهل يشترط في الكفو زائداً على ما مرّ تمكّنه من النفقة، أم لا؟ فيه أقوال:

1 - الاشتراط، نُسب ذلك إلى الشيخين في «المقنعة»(1) و «المبسوط»(2)و «الخلاف»(3)، وابن زُهرة(4) والمصنّف رحمه الله في «التذكرة»(5).

2 - عدم الاشتراط، وهو المشهور بين الأصحاب، وعن الشهيد رحمه الله(6) الإجماع عليه، وصاحب «الجواهر» رحمه الله(7) نظره إلى ذلك، ولذا يؤوّل كلمات القائلين بالاشتراط إلى أنّ مرادهم بذلك وجوب اعتبار ذلك من الولي والوكيل، باعتبار المفسدة على المرأة بذلك، أو وجوب الإجابة على القول به، فيما لو خوطب القادر على النفقة.

3 - أنّ لها الخيار إذا تبيّن لها العدم، كماعن ابني إدريس(8) وسعيد(9)، والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(10).

استدلّ للأوّل بوجوه:

ص: 305


1- المقنعة: ص 512 باب الكفاءة في النكاح.
2- المبسوط: ج 4/178.
3- الخلاف: ج 4/271 مسألة 27.
4- الغنية: ص 343.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 2/603.
6- غاية المراد: ج 3/189-190.
7- جواهر الكلام: ج 30/104.
8- السرائر: ج 2/557.
9- الجامع للشرائع: ص 439.
10- مختلف الشيعة: ج 7/299.

الوجه الأوّل: الآية الكريمة: (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ اَلْمُحْصَناتِ اَلْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (1).

وفيه: أنّه ليس في الآية النهي عن نكاح المُحصَنة مع عدم الطَول، بل ظاهرها الإرشاد إلى أنّ من لم يتمكّن من نكاح المحصنات عليه بالإدماء، مع أنّ المراد بالطول هو المَهر دون النفقة.

الوجه الثاني: قول النبيّ صلى الله عليه و آله لفاطمة بنت قيس لما استشارته، وأرادت النصيحة منه: «إنّ معاوية صعلوكٌ لا مال له»(2).

وفيه: إنّ ظهوره في الإرشاد، وعدم دلالته على عدم جواز التزويج واضحٌ .

الوجه الثالث: النصوص المتضمّنة أنّ الكُفو أن يكون عفيفاً وعنده يسار، كخبري الهاشمي، ومحمّد بن الفُضيل(3)، ومرسلي أبان والصدوق.

وفيه: أنّ المراد بالكفو فيها هو العرفي منه، كما يشهد به ذكر العِفّة، مع أنّه لم يدلّ دليلٌ على اعتبار هذا العنوان في صحّة النكاح، وإنّما دلّ الدليل على وجوب اجابة الخاطب أو استحبابها إنْ كان كفؤاً، وعلى استحباب تعجيل البنات من الأكفاء، وعلى اعتبار التساوي في الإسلام.

الوجه الرابع: قاعدة لا ضرر(4) حيث أنّ في ذلك إضراراً بالمؤونة.ع.

ص: 306


1- سورة النساء: الآية 25.
2- المستدرك: ج 9/129 باب 134 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر من كتاب الحجّ ح 10452، عوالي اللآلي: ج 1/438 ح 155.
3- وسائل الشيعة: ج 20/78 باب 28 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 25079 و 25077 و 25076، التهذيب: ج 7/394 باب الكفاءة في النكاح ح 3 و 1، الكافي: ج 5/347 باب الكفو ح 1. ونفس المصدر مرسلي أبان والصدوق.
4- وسائل الشيعة: ج 18/31-32 باب 17 من أبواب الخيار كتاب البيع.

وفيه: إنّ صحّة النكاح لا تكون ضرريّة كي ترتفع بالقاعدة، وإنّما هي مستلزمة لعدم وجوب الإنفاق عليها على الزّوج لإعساره، وهو ضرري، أضف إليه أنّ وجوب الإنفاق عليها لا يَسقط، بل يجبُ على وليّها أو عامّة المسلمين، أو من بيت مال المسلمين.

الوجه الخامس: أنّه يعدّ نقصاً عرفاً، لتفاضل النّاس في اليسار تفاضلهم في النَسَب.

وفيه أوّلاً: أنّه لا نقص في عدم المال، خصوصاً بعد كون أولياء اللّه كذلك.

وثانياً: أنّه لا دليل على اعتبار التساوي من هذه الجهة، كما لا دليل على اعتباره من ناحية النسب، بل الدليل على خلافه.

الوجه السادس: أنّ بالنفقة قوام النكاح، ودوام الزوجيّة.

وهو كما ترى اجتهادٌ في مقابل النّص.

فإذاً لا دليل على اعتبار اليسار، فمقتضى العمومات عدم اعتباره، وصحّة نكاح من لا مال له.

ويشهد لها: مضافاً إلى ذلك:

1 - قوله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1).

2 - النصوص المستفيضة الآمرة لذوي الحاجة بالمناكحة:

منها: صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فشكا إليه الحاجة، فقال له: تزوّج، فتزوّج ووسّع عليه»(2).2.

ص: 307


1- سورة النور: الآية 32.
2- وسائل الشيعة: ج 20/43 باب 11 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 24987، الكافي: ج 5/330 باب أنّ التزويج يزيد في الرزق ح 2.

ومنها: خبر معاوية بن وهب، عنه عليه السلام: «في قوله عزّ وجلّ : (وَ لْيَسْتَعْفِفِ اَلَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1)؟

قال عليه السلام: يتزوّجوا حتّى يُغنيهم اللّه من فضله»(2).

ونحوهما غيرهما.

3 - النصوص الآمرة بتزويج من يرضى دينه وخُلُقه(3)، الدالّة على عدم اعتبار غير ذلك، لورود جملةٍ منها في بيان من يزوّج.

4 - وماوردفي خصوص تزويج الفقراء، كالصحيح الطويل المتضمّن لأمرالنبيّ صلى الله عليه و آله زياد بن لبيد الذي كان من الأشراف والموسرين، تزويج ابنته الدّلفاء من جُويبر، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قِباح السودان، فضمّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحال غربته وعريه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر، وكساه شملتين(4).

فلا ينبغي التوقّف في عدم اعتبار اليسار من النفقة ومن المَهر فعلاً بالفعل.

أقول: استدلّ لعدم لزوم النكاح إذا تبيّن لها عدم اليسار، وأنّ لها الخيار حينئذٍ:

1 - بأنّ الفقر نقصٌ وعيبٌ .

2 - وبأنّ الصبر على ذلك ضررٌ عليها.1.

ص: 308


1- سورة النور: الآية 33.
2- وسائل الشيعة: ج 20/43 باب 11 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 24988، الكافي: ج 5/331 باب أنّ التزويج يزيد في الرزق ح 7.
3- وسائل الشيعة: ج 20/76 باب 28 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 25073، الكافي: ج 5/347 باب آخر منه ح 2.
4- وسائل الشيعة: ج 20/67 باب 25 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 25055، الكافي: ج 5/339 باب أنّ المؤمن كفؤ المؤمنة ح 1.

ولكن يندفع الأوّل: بما مرّ من عدم كونه عيباً، وعدم كون مطلق العيب موجباً للتسلّط على الفسخ.

ويرد الثاني: ما تقدّم من أنّ لزوم النكاح ليس ضرريّاً، سيّما بعد وجوب الإنفاق عليها على غيره.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوت الخيار لها.

وكذا لو تجدّد عجز الزّوج عن النفقة، كما هو المشهور بين الأصحاب، على ما عن «المسالك»(1).

وعن جماعةٍ ثبوت خيار الفسخ لها ابتداءً ، أو مع عدم الحاكم، وإلّا فله الخيار، منهم الإسكافي(2)، والفاضل الهندي(3)، والمحقّق اليزدي رحمه الله، وغيرهم(4)، واستدلّ لثبوت الفسخ بذلك بقوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (5).

وتقريب الاستدلال به: أنّ الخطاب بالإمساك بالمعروف وإنْ كان متوجِّهاً إلى القادر عليه، كما في سائر التكاليف، ولكن بإطلاق المادّة يُستكشف عدم اختصاصه بالقادر، وأنّ كلّ أحدٍ مخيّرٌ بين الأمرين.

وعليه، فإذا تعذّر الإمساك بالمعروف، تعيّن التسريح بإحسان، وهذا التكليف حيث يكون لمراعاة حال المرأة، يستفاد منه ثبوت حقّ أحد الأمرين: من الإنفاق، والطلاق لها على الزّوج، كما هو الشأن في جميع التكاليف المجعولة رعايةً لحقّ الغير،9.

ص: 309


1- مسالك الأفهام: ج 7/407.
2- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 7/328.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/91.
4- نهاية المرام: ج 1/205-206، كفاية الأحكام: ص 169 قوله: (وقوله - أي ابن الجنيد - أقرب).
5- سورة البقرة: الآية 229.

كحرمة الغيبة، ولذا لو عصى واغتاب لا يكفي مجرّد التوبة في رفع العقوبة عنه، بل لابدّ من استرضاء المغتاب، وفي المقام لو تعذّر الإنفاق، تعيّن ثبوت حقّ الطلاق لها عليه.

وفيه أوّلاً: نمنع كون الإمساك بلا نفقة، مع عدم القدرة عليها، وكونها ديناً عليه، من غير المعروف.

وثانياً: كونه حقّاً، بمعنى أنّه مع امتناعه عن الطلاق، للحاكم أو لنفسها التصدّي للطلاق، والفسخ لا يستفاد من الآية.

وثالثاً: إنّ الآية الشريفة بقرينة ما قبلها وما بعدها، وما ورد في تفسيرها من أنّ المراد بالتسريح بإحسان الطلاق الثالث(1)، تدلّ على أنّ الزّوج بعدما طلّقها مرّتين، مخيّرٌ:

بين إمساك المرأة بالرجوع، وحسن المعاشرة على الوجه المعروف شرعاً وعرفاً.

وبين أن يُطلّقها التطليقة الثالثة، ولا يراجعها حتّى تنقضي عِدّتها، وتبين عنه بانقضاء العِدّة.

وعليه، فلا ربط لها بالمقام.

أقول: وربما يستدلّ له:

1 - بصحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من كانت عنده امرأة، فلم يَكسُها ما يواري عورتها، ويُطعمها ما يُقيم صُلبها، كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما»(2).9.

ص: 310


1- وسائل الشيعة: ج 22/118-123 باب 4 من أبواب أقسام الطلاق.
2- وسائل الشيعة: ج 21/509 باب 1 من أبواب النفقات ح 27715، الفقيه: ج 3/441 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 4529.

2 - وصحيح ربعي والفضيل، عنه عليه السلام: «إنْ أنفق عليها ما يُقيم صُلبها مع كسوة، وإلّا فرّق بينهما»(1).

ونحوهما غيرهما.

والأوّل يدلّ على أنّ للحاكم ذلك، ويَحمل غيره عليه، إذ لا مفرّق غيره بالإجماع، فتأمّل، ولكنّها لا تدلّ على أنّ لها الفسخ والطلاق، ولو مع عدم الحاكم.

وأورد صاحب «الحدائق»(2): على الاستدلال بها: أنّها مطلقة تدلّ على أنّه على الإمام أن يُطلِّق المرأة التي لا ينفق عليها زوجها إمّا لعدم تمكّنه، أو لعدم إرادة الإنفاق عليها مع تمكّنه، فيقيّد إطلاقها بما رُوي من أنّ امرأةً استعدت إلى أمير المؤمنين عليه السلام على زوجها، أنّه لا ينفق عليها زوجها وكان زوجها مُعسِراً، فأبى عليه السلام أن يحبسه وقال: «إنّ مع العُسر يُسراً»(3)، ولو كان له الفسخ لفرّقها به.

وفيه: إنّ المرأة لم تطالبه بالطلاق، أو بأحد الأمرين من الطلاق أو النفقة، بل طالبته بخصوص النفقة، وحيثُ كان الزّوج مُعْسِراً غير متمكِّن منها، فأبى عليه السلام أن يحبسه.

ولكن يرد عليها: أنّها بعمومها تدلّ على عدم الفرق بين تجدّد الإعسار مع الرّضا به وعدمه، وفي صورة سبق الفقر بين الرّضا به وعدمه، ومحلّ الكلام هو صورة التجدّد مع عدم الرّضا به.5.

ص: 311


1- وسائل الشيعة: ج 21/509 باب 1 من أبواب النفقات ح 27714، الفقيه: ج 3/441 باب حقّ المرأة على الزّوج ح 4530.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/80.
3- التهذيب: ج 7/454 باب الزيادات في فقه النكاح ح 25.

ويُكرَه تزويج الفاسق

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ الأمر فيها بالتفريق يدلّ على ذلك لا على لزومه، لكونه وارداً مورد توهّم الحظر.

وعليه، فليس في مقابل تلكم النصوص سوى دعوى الشهرة على خلافها، وكونها في مثل هذه المسألة موهنة غير ظاهر.

وعليه، فما أفاده الفاضل الهندي(1) من أنّ للحاكم أن يُطلّقها، ومع عدمه يُطلّقها غيره، هو الأظهر بحسب الدليل، لولا مخالفة الأصحاب.

كراهة تزويج الفاسق

(ويُكره تزويج الفاسق) كما في «الشرائع»(2)، و «النافع»(3)، و «الرياض»(4)، وعن «القواعد»(5) وغيرها(6)، بل عن «المسالك»(7): (لا شُبهة في كراهة تزويجه حتّى منع منه بعض العلماء).

واستدلّ له:

ص: 312


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/91.
2- شرائع الإسلام: ج 2/526.
3- المختصر النافع: ص 180.
4- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/260.
5- قواعد الأحكام: ج 3/15.
6- جامع المقاصد: ج 12/140، نهاية المرام: ج 1/209، كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/93.
7- مسالك الأفهام: ج 7/412.

1 - بالآية الشريفة: (أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (1).

2 - وبمفهوم قوله عليه السلام: «إذا جاءكم مَن تَرضون خُلُقه ودينه فزوّجوه»(2) الدالّ على أنّ من لا يرضى دينه لا يزوّج، والفاسق كذلك.

3 - وبأنّ الفاسق لفسقه حَريٌّ بالإعراض والإهانة، والتزويج إكرامٌ ومودّة.

4 - وبأنّه لا يؤمَن من الاضرار بها، وقهرها على الفِسق، لا أقلّ من ميلها إليه، أو سقوط محلّه من الحرمة عنده.

5 - وبما دلّ على عدم تزويج شارب الخمر، ففي صحيح ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: شاربُ الخمر لا يزوّج إذا خَطَب»(3) ونحوه غيره.

6 - وبالتعليل في نصوص تزويج المؤمنة بالمخالف، بأنّ : «المرأة تأخذ من أدب زوجها».

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الآية: فلأنّ نفي الاستواء لا يدلّ على كراهة تزويج الفاسق، فليكن تزويج غيره راجحاً، وتزويجه غير راجح ولا مرجوح، مع أنّ المراد بالفسق فيها هو الكفر بقرينة المقابلة بالإيمان، ولذا استدلّ بها جمعٌ على عدم جواز تزويج المؤمن الكافرة مطلقاً.

وأمّا الثاني: فلأنّ مطلق الفاسق لا يكون داخلاً فيمن لا يرضى دينه وخُلُقه،2.

ص: 313


1- سورة السجدة: الآية 18.
2- وسائل الشيعة: ج 20/76 باب 28 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 25073، الكافي: ج 5/347 باب آخر منه ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 20/79 باب 29 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 25082، الكافي: ج 5/348 باب كراهية أن ينكح شارب الخمر ح 2.

لعدم خروجه بالفسق عن الدين، وعدم كونه منافياً لحُسن السجايا، مع أنّ تلكم النصوص في مقام بيان وجوب الإجابة أو استحبابها لو خوطب، فليس مفهومه إلّا عدم وجوبها أو عدم استحبابها لا كراهة التزويج.

وأمّا الثالث: فلأنّه ليس كلّ فاسقٍ حَريّاً بالإهانة والإعراض عنه، على وجهٍ ينافيه التزويج.

وأمّا الرابع: فلأنّه ليس كلّ فاسقٍ يُخاف منه الإضرار بها، ومن قهرها عليه، بل ربما يكون الفاسق ببعض أنواعه أشدّ مواضبةً على حليلته من غيره، لئلّا تقع في ذلك الفسق.

أمّا السادس: فإنّه يظهر حكمه بما ذكرناه في الرابع.

وأمّا الخامس: فلأنّه مختصٌّ بشارب الخمر، والتعدّي يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

وبالجملة: فالأظهر ما في «الجواهر»(1) من أنّه لا يكون مكروهاً مطلقاً.

نعم، لا ريب في كراهة تزويج شارب الخمر والمخنّث، وما شاكل، لما فيها من النصوص:

قال في «الرياض»(1): (وعن «المسالك»(2) أنّه ذهب بعضٌ إلى المنع من تزويج الفاسق) وتجاهل صاحب «الجواهر»(4) معرفته بمن نُسب إليه المنع.

وعن «كشف اللّثام»(3): (لا يحرمُ اتّفاقاً منّا).

أقول: ولعلّه من العامّة، إلّاأنّه يمكن أنْ يكون من إنكار الضروريّات.

***3.

ص: 314


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/260.
2- مسالك الأفهام: ج 7/412.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/93.

الثانية: نكاحُ الشِّغار باطلٌ ،

في نكاح الشِّغار

المسألة (الثانية: نكاح الشغار) بكسر الشين والغين المعجمتين (باطلٌ ) بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه).

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: خبر غياث بن إبراهيم، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا جَلَب ولا جَنَب ولا شِغار في الإسلام، والشغار أن يزوّج الرّجل الرّجل ابنته أو اُخته، ويتزوّج هو ابنة المتزوّج أو اُخته، ولا يكون بينهما مَهر غير تزويج هذا هذا وهذا هذا»(2).

ومنها: مرسل ابن بُكير، عن بعض أصحابنا، عن أحد الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام، قال: «نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلّابُضع صاحبتها، وقال: ولا يحلّ أن تنكح واحدة منهما إلّابصداقٍ أو نكاح المسلمين»(3).

ومنها: مرفوع ابن جمهور، عنه عليه السلام: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن نكاح الشغار،

ص: 315


1- جواهر الكلام: ج 30/128.
2- وسائل الشيعة: ج 303/20 باب 27 من أبواب عقدالنكاح ح 25680، الكافي: ج 361/5 باب نكاح الشغار ح 2.
3- وسائل الشيعة: ج 20/303 باب 27 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 25679، الكافي: ج 5/360 باب نكاح الشغار ح 1.

وهي الممانحة، وهو أن يقول الرّجل للرّجل: زوّجني ابنَتُك حتّى اُزوّجك ابنتي على أن لا مَهر بينهما»(1).

ومنها: حديث المناهي، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «نهى أن يقول الرّجل للرجل زوّجني اُختك حتّى اُزوّجك اُختي»(2).

أقول: فأصل الحكم في الجملة ممّا لا إشكال فيه، وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في اُمور:

الأمر الأوّل: ان هذه النصوص هل تدلّ على الحرمة، أو البطلان، أو هما معاً، أم تدلّ على فساد المَهر دون أصل النكاح ؟

الظاهر من غير المرسل منها البطلان، فإنّ قوله: «لا شغار» نفيٌ للحكم بلسان نفي الموضوع، فيدلّ على عدم صحّته.

كما أنّ قوله عليه السلام: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن نكاح الشغار»، أيضاً دالٌّ عليه لأنّ النهي في المعاملات بالمعنى الأعمّ ظاهرٌ في الإرشاد إلى الفساد لا الحرمة التكليفيّة.

ودعوى : رجوع النهي إلى المَهر لا إلى أصل النكاح، فلا يدلّ إلّاعلى فساد المَهر.

ممنوعة: لأنّ التي قد تعلّق بالشغار وهو النكاح المخصوص.

وأمّا المرسل: فصدره أيضاً يدلّ على الفساد، وأمّا ذيله: «ولا يحلّ ... إلخ» فالظاهر منه بقرينة الصدر الحليّة الوضعيّة.8.

ص: 316


1- وسائل الشيعة: ج 304/20 باب 27 من أبواب عقدالنكاح ح 25681، الكافي: ج 361/5 باب نكاح الشغار ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 20/304 باب 27 من أبواب عقد النكاح ح 25682، الفقيه: ج 4/3 باب ذكر جملة من مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله ح 4968.

فإذاً لا دليل على حرمته سوى ما في «الجواهر» من دعوى الإجماع بقسميه عليها.

الأمر الثاني: هل هناك وجهٌ آخر لفساد النكاح غير النصوص أم لا؟

ظاهرُ جمعٍ من الأصحاب(1) الأوّل، حيث استدلّوا له:

1 - بأنّه تعليقُ عقد على عقد على الدور.

2 - وبأنّه اشتراط عقدٍ في عقد.

3 - وباشتراك البُضع بين المرأة المجعول في مهرها، وبين الرّجل الذي وقع له عقد النكاح، فأشبه نكاح المرأة من رجلين.

مضافاً إلى عدم قابليّة البُضع مهراً.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه ليس هناك تعليقٌ ، بل إنّما هو إلزام كلّ منهما الآخر بالتزويج بلا مَهر غير البُضع، ألا ترى أنّه لو جعل المَهر في نكاح عملٍ خاصّ كتعليم القرآن لا يكون ذلك من قبيل التعليق في العقد.

ويرد على الثاني: أنّه لا يقتضي الفساد، كيف وقد صرّحوا بصحّة اشتراط النكاح في النكاح بمَهرٍ معلوم.

ويرد على الثالث: أنّ غاية ما يلزم منه، هو فساد المَهر لا النكاح، مع أنّ كون الانتفاع بالبُضع حقّاً للمرأة أيضاً لا أرى فيه محذوراً، ولا يكون شبيهاً بنكاح المرأة الواحدة من رجلين الذي دلّ الدليل على عدم جوازه.

وعليه، فالأظهر أنّه لا وجه للفساد سوى النصوص الخاصّة.0.

ص: 317


1- منهم الشهيدالثاني في مسالك الأفهام: ج 7/421، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل (ط. ج): ج 269/10.

وهو جعل نكاح امرأةٍ مهراً لاُخرى ،

الأمر الثالث: في معنى نكاح الشغار:

ففي المتن (وهو جعل نكاح امرأةٍ مَهراً لاُخرى ) ونحوه ما في «الشرائع»(1)، و «النافع»(2)، و «الرياض»(3)، و «الجواهر»(4)، وعن «القواعد»(5) وغيرها(6)، بل هو المحكيّ عن الفقهاء أجمع.

ويشهد به: خبر غياث، ومرفوع ابن جمهور، وحديث المناهي.

قال صاحب «المنجد» في توضيح هذه الكلمة: (زوّج كلّ واحدٍ صاحبه امرأةً بشرط أن يزوّجه أُخرى بلا مَهر).

فما عن «الصحاح»(7)، و «القاموس»(7)، و «المجمع»(8) من تفسيره بجعل بُضع امرأةٍ مَهر أُخرى ، يكون من قبيل تعريف الشيء بلازمه، كما هو طريقة أهل الأدب، ويشير إليه ما عن الجوهري(10)، قال:

(الشِّغار نكاحٌ كان في الجاهليّة، وهو أن يقول الرّجل لآخر: زوّجني ابنتك أو اُختك على أن اُزوّجك ابنتي أو اُختي على أنّ صداق كلّواحدةٍ منهمابُضع الاُخرى ).ر.

ص: 318


1- شرائع الإسلام: ج 2/527 المسألة السادسة.
2- المختصر النافع: ص 181.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/269.
4- جواهر الكلام: ج 30/128.
5- قواعد الأحكام: ج 3/49.
6- جامع المقاصد: ج 12/487، نهاية المرام: ج 1/216. (7و10) الصحاح: ج 2/700 مادّة شغر.
7- القاموس المحيط: ج 2/60.
8- مجمع البحرين: ج 2/520 مادّة شغر.

فما عن «كشف اللّثام»(1) قال: (والضابط أنّ كلّ نكاحٍ جُعل البُضع فيه مهراً أو جزءه أو شرطه فهو باطلٌ ، وإنْ جُعل النكاح مَهراً أو جزءه أو شرطه في نكاحٍ بطل المسمّى دون النكاح)، غير تامّ .

وأمّا مرّسل ابن بُكير: فالمراد به أنّ البُضع هو المَهر في الواقع باعتبار كونه نتيجة العقد وثمرته.

وعلى أيّ تقدير لا ينافي النصوص المتقدّمة، فيكون كلٌّ منهما باطلاً.

الأمر الرابع: إذا انضمّ إلى البضع أو النكاح مالٌ في الجانبين، كأن يزوّج ابنته من آخر على أنْ يكون مَهرها نكاح الاُخرى مع ألف درهم مثلاً.

فعن «القواعد»(1)، و «كشف اللّثام»(3) بطلانه.

ومال صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) إلى الصحّة، قال: (ولعلّ عدم كونه شغاراً لا يخلو من قوّة).

أقول: الظاهر أنّ أكثر النصوص وإنْ صُرّح فيها بأنْ لا يكون بينهما مَهرٌ غير تزويج الاُخرى ، إلّاأنّ حديث المناهي مطلق.

وعليه، فالأظهر هو البطلان.

الأمر الخامس: هل الشغار اسمٌ لنكاح الإمرأتين على الوجه المزبور فالمأخوذ فيه هو الدور، أم هو النكاح الذي يكون المَهر فيه نكاح المرأة الاُخرى ولو بمهرٍ غير نكاح الأُولى ، فيتحقّق حينئذٍ في واحدة دون الثانية ؟0.

ص: 319


1- قواعد الأحكام: ج 3/50.
2- جواهر الكلام: ج 30/130.

ظاهر الأصحاب هو الثاني، لكن مال صاحب «الجواهر» رحمه الله إلى الأوّل، ممّا يعني أنّه لا يبطل مع عدم الدور، وإنْ قال في آخر كلامه: (نعم قد يُشعر ذيل مرسل ابن بُكير بتحقّقه في طرفٍ واحد)(1).

أقول: يشهد لما هو ظاهر فتاوى الأصحاب - مضافاً إلى ذيل المرسل - إطلاق حديث المناهي.

فلو قال: (زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك، على أنْ يكون نكاح بنتي مهراً لبنتك)، صَحّ نكاح بنته التي لم يُجعل نكاح بنتِ المخاطب مهراً لها، وبطل نكاح بنت المخاطب إذا زوّجها كذلك، لتحقّق الشغار بالنسبة إليها خاصّة، وكذلك العكس.

الأمر السادس: لا يختصّ الحكم بالبنت والاُخت، كما هو مقتضى إطلاق كلمات الأصحاب، لأنّ ما ورد في النصوص إنّما هو من قبيل التمثيل كما لا يخفى .

***1.

ص: 320


1- جواهر الكلام: ج 30/131.

الثالثة: يجوز تزويج الحُرّة بالعبد، والهاشميّة بغيره، والعربيّة بالعجمي، وبالعكس.

جواز تزويج الرّجل بمَن دونه نَسَباً

المسألة الثالثة: (يجوز تزويج الحُرّة بالعبد، والهاشميّة بغيره، والعربيّة بالعَجمي، وبالعكس)، وكذا أرباب الصنايع الدنيّة بذوات الدِّين من العلم والصلاح والبيوتات وغيرهم اتّفاقاً، إلّاعن الإسكافي(1) حيث اعتبر فيمن تحرم عليهم الصدقة، ألّا يتزوّج فيهم إلّامنهم، كما في «الرياض»(2).

ويشهد بذلك كلّه: - مضافاً إلى عموم الأدلّة - خصوص ما دلّ على ذلك:

منها: صحيح الحضرمي، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوّج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبدالمطّلب، وإنّما زوّجه لتتضع المناكح، وليتأسّوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله، وليعلموا أنّ أكرمهم عند اللّه أتقاهم»(3).

ومنها: خبر عليّ بن بلال، قال: «لقى هِشام بن الحكم بعض الخوارج، فقال: يا هشام، ما تقول في العجم يجوز أن يتزوّجوا في العرب ؟ قال: نعم.

قال: فالعرب يتزوّجوا من قريش ؟ قال: نعم.

قال: فقريش يتزوّج في بني هاشم ؟ قال: نعم.

قال: عمّن أخذتَ؟

ص: 321


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 7/298-299.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/258.
3- وسائل الشيعة: ج 20/69 باب 26 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25057، الكافي: ج 5/344 باب آخر منه ح 1.

قال: عن جعفربن محمّدٍ عليه السلام، سمعته يقول: أتتكافأدماؤكم ولاتتكافأفروجكم»(1).

ومنها: الصحيح - الذي ذكره - المتضمّن لتزويج جويبر الدَّلفاء بنت زياد بن لبيد، وفيه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يا زياد، جُويبر مؤمنٌ ، والمؤمن كُفو المؤمنة»(2).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

أقول: وأمّا ما عن ابن الجنيد، المسبوق بالإجماع والملحوق به، فاستدلّ له:

1 - بمرسل الصدوق، قال: ونظر النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أولاد عليّ عليه السلام وجعفر فقال:

بناتنا لبنينا»(3).

2 - وبما في ذيل خبر ابن شهر آشوب: «إنّ الخارجي خَطب بنت أبي عبداللّه، فقال له: إنّك لكفؤٌ في دينك وحسبك في قومك، ولكن اللّه تعالى صاننا عن الصدقات، وهي أوساخ أيدي النّاس، فنكره أن نشرك فيما فضّلنا اللّه به من لم يجعل اللّه له مثل ما جَعَل لنا»(4).

ولكن ليس في شيءٍ منهما ما يشهدُ بالحرمة، وعلى فرضه لا يصلحان لمعارضة ما تضمّن نكاح ضباعه بنت الزّبير بن عبدالمطّلب من مقداد، ونكاح زينب بنت عَمّ النبيّ صلى الله عليه و آله من زيد(5)، سيّما مع ما في تلكم النصوص من التعليل، فلا إشكال في الحكم.9.

ص: 322


1- وسائل الشيعة: ج 70/20 باب 26 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25059، الكافي: ج 5/345 باب آخر منه ح 5.
2- وسائل الشيعة: ج 20/67 باب 25 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25055، الكافي: ج 5/339 باب أنّ المؤمن كفؤ المؤمنة ح 1.
3- وسائل الشيعة: ج 20/74 باب 27 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25068، الفقيه: ج 3/393 باب الأكفاء ح 4384.
4- المستدرك: ج 14/184 باب 22 من أبواب مقدّمات النكاح ح 16457، المناقب: ج 4/258.
5- وسائل الشيعة: ج 20/75 باب 27 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25071، الزهد: ص 60 ح 59.

ويجبُ إجابة المؤمن القادر على النفقة.

حكم إجابة خِطبة المؤمن

قالوا: (ويجب إجابة) خطبة (المؤمن القادر على النفقة)، وإنْكان أخفضُنَسَباً.

وقيّده بعضهم(1): بما إذا لم يكن ممّن يُكره مناكحته.

وعن «كشف اللّثام»(2): زيادة: (ولم يعلم فيه شيءٌ من المسلّطات على الفسخ، ولم يأبِ المولى عليها).

وأضاف الشهيد الثاني رحمه الله(3): (عدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوّة).

أقول: واستدلّ لأصل الحكم:

1 - بالنصوص الدالّة على أنّه إذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفساد كبير(4).

2 - وبما عن الحِلّي(5): (رُوي أنّه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته، وكان عنده يسارٌ بقدر نفقتها، وكان ممّن يَرضى أفعاله وأمانته، ولا يكون مرتكباً لشيءٍ مّا يدخل به في جُملة الفسّاق، وإنْ كان حقيراً في نَسَبه، قليل المال، فلم يزوّجه إيّاها،

ص: 323


1- جواهر الكلام: ج 30/109.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 7/92.
3- مسالك الأفهام: ج 7/410.
4- وسائل الشيعة: ج 20/76-79 باب 28 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.
5- السرائر: ج 2/558 باب الكفاية في النكاح.

كان عاصياً للّه تعالى ، مخالفا لسنّة نبيّه».

ولكن لا إشكال في اختصاص النصوص بالبالغة، بقرينة قوله عليه السلام: «إلّا تفعلوه الخ»، وحيث لا ريب في اعتبار رضاها، وعدم كون الاختيار بيد الولي العرفي، فالتكليف بالتزويج إنْ كان متوجّهاً إليه، يكون تكليفاً بما لا يُطاق، فلا محالة يكون المراد من الأمر بالتزويج فيها عدم امتناع الولي العرفي بعد فرض رضا المخطوبة، وعلى ذلك يُحمل مرسل الحِلّي.

فإنْ قيل: إنّه تجب الإجابة على المخطوبة نفسها.

قلنا: إنّه خلاف ظاهر النصوص، فإنّ المأمور فيها الأولياء، مع أنّه منافٍ للسيرة المستمرّة، وللنصوص الدالّة على اعتبار رضاها.

وبالجملة: المستفاد من النصوص أنّه لا يجوزُ امتناع الأولياء عن تزويج البنات، إذا جاءهم خاطبٌ مرضيٌّ دينه وأفعاله، من حيث عدم الكفاية في الحَسَب والنَسَب والشرف والثروة كما كان متعارفاً في الجاهليّة.

أقول: ثمّ إنّه ليس في شيء من النصوص - غير المرسل - اعتبار اليسار، والأصحاب قيّدوه به، وعلى ما ذكرناه في معنى الأحاديث لا يعتبر اليسار أيضاً، إذ لا وجه له سوى نفي الضرر، وتزويج البنت بالمُعسر لا يكون ضرريّاً على الولي، كي يرفع وجوبه بدليل نفي الضرر، فتدبّر فإنّه يمكن أنْ يكون التقييد لأجل المرسل.

***

ص: 324

التعريض بالخطبة لذات البعل وذات العِدّة

المسألة الرابعة: صرّح الأصحاب(1) بأنّه لايجوز التعريض بالخِطبة - بالكسر لذات البعل، ولا لذات العِدّة الرجعيّة من غير الزّوج، ويجوز التعريض للمطلقة ثلاثا في العِدّة من الزّوج وغيره، ولا يجوز فيها التصريح لها منه ولا من غيره.

أمّا المطلّقة تسعاً للعِدّة ينكحها بينها رجلان: فلا يجوزُ التعريض لها من الزّوج في غير العِدّة، فضلاً عنها، ولا يجوز التصريح في العِدّة منه ولا من غيره.

وأمّا المُعتدّة البائنة: فيجوزُ التعريض من الزّوج ومن غيره، والتصريح من الزّوج في العِدّة دون غيره.

أقول: يشهد لعدم جواز التعريض بها لذات البعل، وبحكمها ذات العِدّة الرجعيّة، الإجماع الذي حكاه جماعة(2)، مضافاً إلى منافاته لاحترام العِرض المحترم كالمال والدّم، ومن إفساد المرأة على زوجها الذي ربما أدّى إلى سعيها بالتخلّص منه ولو بقتله، كما وقع لجَعدة زوجة الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام لمّا واعدها معاوية بأنْ يزوّجها من يزيد لعنهما اللّه.

وأمّا بقيّة الأحكام: فقد استدلّ لها بالآية الكريمة: (وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اَلنِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اَللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ اَلنِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ

ص: 325


1- راجع شرائع الإسلام: ج 2/526، إرشاد الأذهان: ج 2/31، جامع المقاصد: ج 12/49 وغيرها.
2- كما في الروضة البهيّة: ج 5/239، ورياض المسائل (ط. ج): ج 10/266.

اَلْكِتابُ أَجَلَهُ ) (1) ، فهي وإنْ واردة في ذيل آية عِدّة الوفاة(2)، إلّاأنّها لا تختصّ بها، بل تدلّ على عدم جواز التصريح بالخطبة ممّن يجوز له التزويج معها بعد العِدّة، إذ لو جاز لقال: (ولا جُناح عليكم في خِطبة النساء)، فالتخصيص بخصوص التعريض، يستكشفُ منه عدم جواز التصريح.

وأمّا التعريض بها، وهو ما يفهم السامع المراد من غير تصريح:

فإنْ كان من قبيل المواعدة سِرّاً فلا يجوز.

وإنْ كان من قبيل القول المعروف، وهو الخِطبة بعد انقضاء العِدّة، فيجوز.

أقول: ثمّ إنّ الآية وإنْ اختصّت بذات العِدّة، ولكن يفهم منها حكم ذات البعل بالأولويّة، لأنّ النهي عنها إنّما هو لاحترام الزّوج.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّها لا تدلّ على حكم التصريح إلّاعلى القول بثبوت المفهوم للوصف وما شاكل، ولا نقول به، مع أنّ كون التعريض بمعنى التلويح المقابل للتصريح غير معلوم.

بل قد يقال: إنّ استعماله في هذا المعنى حادث من علماء اللّسان.

وثانياً: أنّ كونه لاحترام الزّوج غير ثابت، فلا يفهم منها حكم ذات البعل.

وثالثاً: أنّ الآية تدلّ على جواز التعريض بالخطبة بالقول المعروف، والمنهيّ عنه خصوص المواعدة السرّية، وهي على ما يظهر من مقابلتها بالقول المعروف، ومن النصوص المفسّرة للآية؛ أن يقول لها موعدك بيت فلان، ويعرض لها بالرَّفث وما يُستهجن ويُعدّ من الفحش، ويكون منافياً للحياء، كأن يقول لها أنا كثير الجماع4.

ص: 326


1- سورة البقرة: الآية 235.
2- سورة البقرة: الآية 234.

وأمثال ذلك ممّا تنزجر عنها العفائف، وعبّر عنها بالسِرّ لأنّه ممّا يُسرّ به عادةً .

قال الفرزدق:

موانعُ للأسرار إلّامن أهلها ويخلفن ما ظَنَّ الغَيورُ المُشَفشفِ (1)

يعني إنّهنّ عفائف يمنعن عن الجماع، إلّامن أزواجهن، وحينئذٍ يكون سِرّاً مفعولاً به، وهو المنهيّ عنه، دون القول المعروف، وهو التعريض للخِطبة على وجهها وحِلّها.

ففي خبر عليّ بن أبي حمزة، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ :

(وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (2) ؟

قال: يقول الرّجل: اُواعدك بيتِ آل فلان، يَعرض لها بالرّفث ويرفث، يقول اللّه عزّ وجلّ : (إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) (3) والقولُ المعروف التعريض بالخِطبة على وجهها وحِلّها: (وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ اَلنِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ اَلْكِتابُ أَجَلَهُ 4) »(3).

وفي خبر «العيّاشي»، عن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في هذه الآية:

«المرأة في عِدّتها تقول لها قولاً جميلاً، ترغّبها في نفسك، ولا تقول إنّي أصنعُ كذا وأصنعُ كذا القبيح من الأمر في البُضع، وكلّ أمرٍ قبيح»(4).

وفي خبر مسعدة بن صدقة، عنه عليه السلام: «في قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، يقول الرّجل للمرأة وهي في عِدّتها: يا هذه ما أحبَّ إليّ ما سَرّك، ولو قد4.

ص: 327


1- الصحاح: ج 4/1383 مادّة شف.
2- سورة البقرة: الآية 235. (3و4) سورة البقرة: الآية 235.
3- وسائل الشيعة: ج 20/498 باب 37 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26190، الكافي: ج 5/435 باب في قوله عزّ وجلّ : (وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) ح 3.
4- وسائل الشيعة: ج 499/20 باب 37 من أبواب مايحرم بالمصاهرة ح 26193، تفسيرالعيّاشي: ج 123/1 ح 394.

مضى عِدّتك لا تفوتيني إنْ شاء اللّه، فلا تسبقيني بنفسك، وهذا كلّه من غير أن تعزموا عُقدة النكاح»(1).

وفي صحيح الحَلبي، عنه عليه السلام: «ويعني بقوله: (إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) (2) التعريض بالخِطبة، ولا يعزم عُقدة النكاح حتّى يبلغ الكتاب أجَلهُ »(3).

وفي خبر ابن سنان عنه عليه السلام، قال: «فقلت: فقوله: (إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ؟ قال عليه السلام: هو طلب الحلال من غير أن يَعزم عُقدة النكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله»(4).

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ المستفاد من الآية والنصوص جواز التعريض بالخِطبة، والتصريح بها في العِدّة، من الزّوج وغيره، بالقول المعروف الحسن، وعدم جواز التعريض بها بما ينافي الحياء، ويعدُّ من الفحش.

فإذاً لا دليل على تلكم الأحكام سوى الإجماع، وثبوته غير معلوم، وعلى فرضه كونه تعبّديّاً غير ثابتٍ ، وبالتالي فلا دليل على المنع، لكن الاحتياط سبيل النجاة.

وعلى القول بالمنع، لو عصى وصرّح بالخِطبة، لا يحرمُ نكاحها بعد انقضاء العِدّة، لأنّ عصيان ذلك لا يوجبُ حرمة النكاح كما لا يخفى .2.

ص: 328


1- وسائل الشيعة: ج 499/20 باب 37 من أبواب مايحرم بالمصاهرة ح 26194، تفسيرالعيّاشي: ج 123/1 ح 395.
2- سورة البقرة: الآية 235.
3- وسائل الشيعة: ج 20/497 باب 37 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26189، الكافي: ج 5/434 باب في قوله عزّ وجلّ : (وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) سورة البقرة: الآية 235، ح 1.
4- وسائل الشيعة: ج 20/497 باب 37 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26188، الكافي: ج 5/434 باب في قوله عزّ وجلّ : (وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) سورة البقرة: الآية 235، ح 2.

والمحكي عن الشيخ رحمه الله في بعض كتبه(1)، والشهيد في «اللُّمعة»(2): أنّه إذا خطب منها، فأجابته هي أو وليّها أو وكيلها، حَرُم على غيره خِطبتها، واستدلّ له:

1 - بقوله صلى الله عليه و آله: «ولا يخطب أحدكم على خِطبة أخيه»(3).

2 - وبحرمة الدخول في سُوم المؤمن الذي منه ذلك، لقوله عليه السلام في جملةٍ من النصوص الواردة في جواز النظر إلى من يريد تزويجها: «إنّما هو مستام»(4).

3 - وبأنّ فيه إيذاء المؤمن، وإثارة الشَّحناء.

4 - وبوجوب الإجابة عليها.

أقول: ولكن الخبر ضعيف، ومنع كونه مستاماً حقيقةً ، لعدم شراء المرأة، ومنع حرمة الدخول في السّوم، وعدم كونه إيذاء للمؤمن وإثارة الشحناء مطلقاً.

نعم، إنْ حصلا لا بأس بالقول بالحرمة.

وقد مرّ عدم وجوب الإجابة، مع أنّه لا يمنع من إجابة الآخر، خصوصاً إذا رجّح على الأوّل بزيادة ركونها إليه.

وبالجملة: لا دليل على الحرمة.

و في «الرياض»(5): دعوى الإجماع على كراهتها، واستدلّ له بالخبر لقاعدة التسامح(6).ت.

ص: 329


1- المبسوط: ج 4/218.
2- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 167 المسألة الثامنة عشر.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 2/470، الجامع الصحيح: ج 3/440.
4- وسائل الشيعة: ج 20/496 باب 36 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- رياض المسائل (ط. ج): ج 10/268.
6- وسائل الشيعة: ج 1/80-82 باب 18 من أبواب مقدّمة العبادات.

ولكنّها مختصّة بالمستحبّات، ولا تشمل المكروهات، فإنْ ثبت الإجماع، ولم يكن مستند المُجمعين ما ذُكر يلتزم بها وإلّا فلا.

وعلى فرض القول بالمنع، لو خطب وتزوّج كان العقد صحيحاً، لأنّ النهي لم يتعلّق بالعقد بل بالخطبة.

وإنْ قيل: إنّ الموجب لأذيّة المؤمن وإثارة الشَّحناء هو العقد لا الخِطبة المجرّدة، فلو كان المدرك ذلك لزم البناء على البطلان.

قلنا: إنّ النهي التحريمي النفسي عن المعاملة بالمعنى الأعمّ ، لا يدلّ على الفساد كما حُقّق في محلّه، وإنّما الدالّ عليه هو النهي الإرشادي، وفي المقام لا يكون إرشاديّاً قطعاً كما هو واضح.

وعليه، فالأظهر عدم الفساد.

***

ص: 330

الفصل الرابع: في المتعة.

(الفصل الرابع في المتعة)

اشارة

لا خلاف بين المسلمين كافّة في أنّها شُرِّعت في صدر الإسلام، وقد اتّفقت الشيعة على بقاء حليّة المتعة، ووافقهم جمعٌ من الصحابة:

كابن مسعود، وابن عبّاس، وأبي سعيد الخُدري، وأُبيّ بن كعب، وجابر، بل عن جابر: (عن جميع الصَّحابة مدّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبي بكر وعُمر إلى قُرب آخر خلافة عمر) ومن التابعين كطاوس، وسعيد بن جُبير، وعطاء، وسائر فقهاء مكّة وغيرهم.

ونَسب شيخ الإسلام المرغيناني القولَ بجواز المتعة إلى مالك.

ونَسب ابن كثير ذلك إلى أحمد بن حنبل عند الضرورة.

أقول: وكيف كان، فتشهد لمشروعيّتها الآية الشريفة: (فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1)، وقد تواترت النصوص عن الطريقين على أنّ المراد بها، هو التمتّع بالنساء بنكاح المتعة، كما أنّ علماء الفريقين متّفقون على ذلك إلّاما عن الحسن.

وعليه، فلا يهمّنا البحث في دلالة الآية على ذلك وعدمها.

استدلّوا على رفع إباحتها بوجوه:

ص: 331


1- سورة النساء: الآية 24.

الوجه الأوّل: إنّ قوله تعالى : (وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (1)، يكون ناسخاً لآية الحِلّ ، نظراً إلى أنّ المتعة ليست مِلكُ يمينٍ ، ولا زوجيّة، لأنّ المتمتّع بها لا ترث ولا تورث، ولأنّها تبين بغير طلاق ولا لعان ولا ظهار ولا إيلاء ولا نفقة ولا قسم، وانتفاء لوازم الزوجيّة عنها يقتضي انتفاء الملزوم، فإذا لم تكن زوجةً كانت من العدوان المحرّم بمقتضى الآية الشريفة.

وفيه أوّلاً: أنّ دلالة الآية لو تمّت لكانت بالعموم، فيخصّص بالآية المتقدّمة عمومها، لأنّ الخاص يقدّم على العام، لا أنّ العام ينسخه.

وثانياً: منع كون الاُمور المذكورة من اللّوازم التي لا تنفكّ عن الزوجيّة، وقد ثبت أنّ الكافر لا يرثُ المسلم، وأنّ القاتل لا يرث المقتول، والإبانة تحصل بغير الطلاق في المرتدّة، والأمَة المبيعة، وما لو كان الزّوج فيه عيبٌ من أحد العيوب المنصوصة، وثبت أنّ النفقة تسقط بالنشوز والزوجيّة باقية، وعدم اللِّعان والظهار والإيلاء من جهة اشتراطها بالدوام، ولايكون تمام موضوعها الزوجيّة.

الوجه الثاني: أنّ آية الحِلّ نُسخت بقوله تعالى : (وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) (2) نظراً إلى أنّ المتمتّع بها لا ترث ولا تورث.

والجواب: ظهر ممّا ذكرناه في الجواب عن الناسخ الأوّل اندفاع كون هذه الآية ناسخة.

وجه الاندفاع: أنّ ما دلّ على نفي التوارث في نكاح المتعة، يكون مخصّصاً لآية الإرث.2.

ص: 332


1- سورة المؤمنون: الآية 6.
2- سورة النساء: الآية 12.

الوجه الثالث: أنّها منسوخة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (1) نَسب النحّاس ذلك إلى ابن عبّاس(2).

وفيه: أنّه إنْ كان منشأ توهم النسخ أنّه لا طلاق في نكاح المتعة.

فيرد عليه: أنّه ليس في الآية تعرّضٌ لبيان مورد الطلاق، وإنْ كان من جهة كون عِدّة المتعة أقلّ .

فيرد عليه: أنّ الآية لاتدلّ على لزوم كون عِدّة النساء على نحوٍ واحد.

الوجه الرابع: أنّه قد نُسخت الآية الشريفة في زمان رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ورووا في ذلك روايات.

وفيه أوّلاً: إنّ تلكم النصوص معارضة بروايات أهل البيت عليهم السلام، المتواترة الدالّة على إباحتها، وإنّه لم ينه عنها النبيّ صلى الله عليه و آله.

وثانياً: أنّها معارضة بنصوصٍ كثيرة مرويّة في الكتب المعتمدة عند أهل السُنّة مثل «صحيح مسلم» والبخاري و «مسند أحمد»، و «سنن البيهقي» وغيرها الدالّة على حليّة المتعة في الأزمنة الأخيرة من حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى زمان من خلافة عمر.

وإليك بعض تلكم الأخبار:

«مسند أحمد»(3): «روى عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تبارك وتعالى ، وعملنا بها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلم تَنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى مات».6.

ص: 333


1- سورة الطلاق: الآية 1.
2- حكاه غير واحدٍ من المعاصرين، وقد ورد حكاية القول بالنسخ في حاشية اللُّمعة: ج 5/258.
3- مسند أحمد: ج 4/436.

وذكرت هذه الرواية في «صحيح مسلم»(1) مع زيادة:

«ثمّ قال رجلٌ برأيه ما شاء».

ورواها مع هذه الزيادة الرازي ذيل تفسيره للآية الكريمة.

وفي «صحيح البخاري»(2): «روى عبد اللّه بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليس معنا نساء، قلنا: ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد اللّه: (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اَللّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اَللّهَ لا يُحِبُّ اَلْمُعْتَدِينَ ) »(3).

أقول: وقراءته هذه الآية صريحة في أنّتحريم المتعة لم يكن بأمرٍمن اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله.

إلى غير تلكم من الأخبار.

وثالثاً: أنّه لو كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن المتعة، لما نَسَبه عُمر بن الخطّاب إلى نفسه، وقد روى أبو نضرة، عن جابر في حديثٍ ، قال:

«تمتّعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومع أبي بكر، فلمّا وَلّي عُمر خطب النّاس فقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذا الرسول، وإنّ القرآن هذا القرآن، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما، إحداهما متعة النساء»(4).

ورواه أبو صالح كاتب اللّيث في نسخته، والطحاوي.

وقال البيهقي: أخرجه مسلم من وجهٍ آخر عن همّام.6.

ص: 334


1- صحيح مسلم: ج 4/48 باب جواز التمتّع.
2- صحيح البخاري: ج 6/119 باب ما يكره من التبتل والخصاء.
3- سورة المائدة: الآية 87.
4- راجع سنن البيهقي: ج 7/206.

فالمتحصّل: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم ينه عنها، ولا نزل بحرمتها الكتاب.

الوجه الخامس: أنّ عمر كان مجتهداً فنهى عنها لمّا رأى في ذلك من المصالح.

وفيه: إنّ الاجتهاد في مقابل النّص لا يجوز، ويُضرب على الجدار.

فإنْ قيل: إنّه نهى عنها بعنوان الولاية والحكومة.

قلنا أوّلاً: لا نُسلّم حكومته و ولايته.

وثانياً: إنّه لو كان مفيداً فإنّما هو في زمان حياته لا في هذه الأزمنه.

وثالثاً: أنّه لا ولاية له في تغيير الأحكام، فقد قال اللّه تعالى : (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اَللّهُ لَكُمْ ) (1).

وقال أيضاً: (وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اَللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (2).

وبالجملة: لا إشكال في حليّة المتعة، بل هي من المستحبّات، لما دلّ عليه من النصوص الكثيرة، راجع عنها «الوسائل»(3).

نعم، تُكره مع الغِنى عنها، واستلزامها الشنعة أو فساد النساء، راجع عن ذلك أيضاً «الوسائل»(4).

أقول: وكيف كان، فالنظر فيه يستدعي بيان أركانه وأحكامه:

***3.

ص: 335


1- سورة المائدة: الآية 87.
2- سورة الأحزاب: الآية 36.
3- وسائل الشيعة: ج 21/12-17.
4- وسائل الشيعة: ج 21/22-23.

ويُشترط فيها الإيجاب والقبول من أهله،

صيغة عقد الانقطاع

أركان عقد المتعة: وهي أربعة:

الركن الأوّل: الصيغة، واعتبارها ممّا لا خلاف فيه، بل عليه الإجماع(1)، وقد تقدّم في عقد النكاح(2) تنقيح القول في ذلك، وأنّه هل يكفي في إنشائه الفعل أم لا، وقد مرّ هناك استدلال بعضهم على تحقّقه بالفعل برواية، وبيّنا ما فيها.

قال المصنّف رحمه الله: (ويشترط فيها الإيجاب والقبول من أهله) لأنّها من العقود.

وممّا ذكرناه في تلك المسألة من ما يعتبر في الصيغة، وما لا يعتبر فيها من الماضويّة والعربيّة، وتقدّم الإيجاب على القبول، وما شاكل يظهر حكم المقام، فلا حاجة إلى الإعادة.

نعم، ذهب جمعٌ ممّن منع من الإيجاب والقبول بغير الماضي، إلى جواز الإنشاء بالاستقبال في المقام، لدلالة طائفة من النصوص عليه كخبر أبان بن تغلب قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟

قال عليه السلام: تقول أتزوّجكِ متعةً على كتاب اللّه وسنّة نبيّه - إلى أنْ قال -: فإذا قالت نعم، فقد رضيت، وهي امرأتك، وأنت أولى النّاس بها»(3).

ص: 336


1- جواهر الكلام: ج 30/153.
2- فقه الصادق: ج 31/15.
3- وسائل الشيعة: ج 21/43 ح 26486، الكافي: ج 5/455 باب شروط المتعة ح 3.

ونحوه غيره، وهي تدلّ على جواز تقدّم القبول على الإيجاب.

وقد يقال: - كما عن المحقّق اليزدي(1) - بأنّ النكاح المنقطع ليس كالدائم في كونه من الموضوعات العرفيّة، بل هو من المستنبطة، ولذا كثر السؤال عن كيفيّته عن الأئمّة عليهم السلام، ولم يسأل عن كيفيّة الدائم، فلا إطلاق لأدلّته كي يرجع إليه عند الشكّ في اعتبار شيء شطراً أو شرطاً في سببيّته لحصول الزوجيّة، فإذا شكّ في دخل شيء في الصيغة، ولم يدلّ دليلٌ على عدم اعتباره لابدّ من البناء على اعتباره أخذاً بالقدر المتيقّن.

وفيه أوّلاً: أنّه لا يعتبر في بالتمسّك بالإطلاق، كون الموضوع من الموضوعات العرفيّة، بل حيث تكون المتعة وسائر المعاملات بالمعنى الأعمّ من مقولة المعنى لا اللّفظ، وهي اسمٌ لاعتبار الزوجيّة الموقّتة، فيتمسّك بإطلاق دليل المشروعيّة، وهي الآية الشريفة المتقدّمة والنصوص الكثيرة.

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، في جواب من قال له: ما تقول في متعة النساء؟

قال: «أحلّها اللّه في كتابه وعلى سُنّة نبيّه، فهي حلالٌ إلى يوم القيامة»(2).

ونحوه غيره.

بتقريب: أنّ لأدلّة المشروعيّة كما يكون إطلاقاً أفراديّاً وتدلّ على مشروعيّة كلّ فردٍ من أفراد المتعة في كلّ زمان، كانت الزّوجة كفواً للزوج نَسَباً مثلاً أم لم يكن، وغير ذلك من الخصوصيّات، كذلك لها إطلاق أحوالي تدلّ على إمضاء كلّ 9.

ص: 337


1- حكاه المحقّق الخونساري في جامع المدارك: ج 4/287.
2- الكافي: ج 5/449 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/6 ح 26359.

فردٍ من أفراد المتعة في جميع حالاته؛ أي سواء اُبرزت بالعربي أو بالفارسي أو بغيرهما، وكذا بالنسبة إلى سائر الخصوصيّات، ولازم ذلك إمضاء كلّ مظهر.

أقول: ويمكن التمسّك بالإطلاق المقامي لها بتقريب أنّ الشارع الأقدس شرّع المتعة، وللمعاملات منها هذه عند العرف مظهرات، ولو كان المعتبر فيها مُظهِرٌ خاصّ كان عليه البيان، وحيث لم يبيّن، فيستكشف إيكال ذلك إلى العرف.

وثانياً: أنّ النكاح المنقطع ليس شيئاً وراء النكاح، غاية الأمر دلّ الدليل على أنّ هذا أيضاً من أحد أقسام النكاح، فيتمسّك بإطلاق أدلّة إمضاء النكاح لدفع ما يشكّ في دخله فيه.

وعليه، فكلّ ما شُكّ في دخله في الصيغة، يُبنى على عدم اعتباره فيها إلّاما دلّ الدليل عليه، وعلى هذا فجميع ما ذكرناه في صيغة عقد الدائم تجري في المقام.

***

ص: 338

بيان محلّ المتعة

الركن الثاني: المحلّ .

ويُشترط فيه إذا كان الزّوج مُسلماً أن تكون الزّوجة مسلمة أو كتابيّة كاليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة، وأمّا المسلمة مؤمنة كانت أو غير مؤمنة، فلا تتمتّع إلّابالمسلم، وقد تقدّم الكلام في ذلك كلّه في مسألة نكاح الكتابيّة من هذا الجزء، فراجع.

إنّما الكلام في المقام في أنّه قد يتوهّم عدم جواز التمتّع بغير المؤمنه بالمعنى الأخصّ ، ومن غير المؤمن.

وبعبارة أُخرى : قد يتوهّم في لمقام اعتبار الكفاءة في الإيمان، لما روي في «الفقيه» مرسلاً عن الإمام الرّضا عليه السلام أنّه قال:

«المتعة لا تحلّ إلّالمن عرفها، وهي حرامٌ على مَن جهلها»(1).

بدعوى أنّ المراد بالعرفان بالمتعة والجهل بها؛ هو العرفان والجهل بمشروعيّتها، فيكون المراد بالعارف المؤمن، وبالجاهل المخالف، فيدلّ الخبر على أنّه لا يجوز تمتّع المؤمن بالمخالفة، والمخالف بالمؤمنة، لأنّ الحرمة والفساد من طرفٍ يستلزم الحرمة والفساد من الطرف الآخر، لأنّ العقد لايتبعّض صحّةًوفساداً بالنسبة إلى المتعاقدين.

وفيه أوّلاً: إنّ كون المراد من الحليّة والحرمة الوضعيّتين غير معلوم، ولعلّ المراد بهما التكليفيّتان، والتفكيك في الحرمة التكليفيّة بين المتعاقدين لا مانع عنه.

ص: 339


1- الفقيه: ج 3/459 ح 4584، وسائل الشيعة: ج 21/8 ح 26366.

وثانياً: أنّ كون المراد بالعرفان والجهل بها هو العرفان بمشروعيّتها والجهل بها، الملازمين للمؤمن والمخالف غير معلوم، ولعلّ المراد بهما العرفان بحقيقتها، وأنّها نوعٌ من النكاح والجهل بها، فتدلّ حينئذٍ على عدم جواز تمتّع العالم بها بالجاهلة بها وكذا العكس، من غير فرقٍ بين كونهما مؤمنين أو مخالفين أو مختلفين، ولعلّ السرّ فيه حينئذٍ عدم إنشاء الزوجيّة من أحد الطرفين.

وثالثاً: أنّ الأصحاب أعرضوا عنه.

ورابعاً: أنّه يعارضه نصوصٌ :

منها: خبر محمّد بن العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المتعة ؟ فقال عليه السلام: نعم، إذا كانت عارفة.

قلنا: فإنْ لم تكن عارفة ؟

قال: فاعرض عليها، وقُل لها فإنْ قَبلت فتزوّجها، وإنْ أبَت أن ترضى بقولك فَدَعها»(1).

ومنها: خبر محمّد بن إسماعيل، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن المتعة ؟

فقال: لا ينبغي لك أن تتزوّج إلّابمؤمنة أو مسلمة»(2).

ونحوهما غيرهما، فتأمّل.

وكيف كان، فلا إشكال في جواز التمتّع بالمخالفة، بل وفي جواز تمتّع المخالف بالمؤمنة على ما مرّ.0.

ص: 340


1- الكافي: ج 5/454 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/25 ح 26429.
2- الكافي: ج 5/454 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/25 ح 26430.

وقد يتوهّم: عدم جواز التمتّع بالمؤمنة، لقول الإمام الصادق عليه السلام في المرسل المرفوع: «لا تتمتّع بالمؤمنة فتذلّها»(1).

وفيها: إنّه فاقد لشرائط الحجيّة، ومعرَضٌ عنه عند الأصحاب.

قال الشيخ رحمه الله بعد ذكر الخبر: (هذا شاذٌ ويحتمل أنْ يكون المراد به إذا كانت المراة أهل بيت الشرف، يلحق أهلها العار، ويلحقها الذّل، ويكون ذلك مكروهاً»(2).

***4.

ص: 341


1- التهذيب: ج 7/253 ح 14، وسائل الشيعة: ج 21/26 ح 26432.
2- التهذيب: ج 7/253 ذيل ح 14.

وذِكرُ المَهر

اعتبار ذكر المَهر في عقد المتعة

الركن الثالث: المَهر.

قال المصنّف رحمه الله: (و) يشترطفي صحّة عقدالمتعة خاصّة (ذِكرُ المَهر) بلاخلافٍ .

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

واستدلّ له في «الرياض»(2) بالإجماع.

ويشهد به: نصوصٌ مستفيضة:

منها: صحيح زرارة، عن مولانا الصادق عليه السلام: «لا تكون متعة إلّابأمرين: أجَلٌ مُسمّى ، وأجرٌ مُسمّى »(3).

ومنها: صحيح الهاشمي، عنه عليه السلام: «عن المتعة ؟ فقال عليه السلام: مَهرٌ معلوم إلى أجَلٍ معلوم»(4).

ونحوهما غيرهما.

أقول: ثمّ إنّ تمام الكلام في المقام يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: قالوا: يشترط في المَهر إذا كان عيناً أنْ يكون مملوكاً للمتمتّع، فلو كان مملوكاً لغيره لم يصحّ العقد.

ص: 342


1- جواهر الكلام: ج 30/162.
2- رياض المسائل: ج 10/278 الركن الثالث.
3- الكافي: ج 5/455 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/42 ح 26483.
4- التهذيب: ج 7/262 ح 60، وسائل الشيعة: ج 21/42 ح 26485.

واستدلّ لذلك: بأنّ المَهر عوض البُضع، ولابدّ أن يخرج العوض عن ملك من يدخل في ملكه المعوّض، لا عن ملك غيره، وإلّا لم تتحقّق المعاوضة.

وتوضيحه: - على ما عن «القواعد»(1) - أنّ المعاوضة من المعاني النسبيّة التعلّقيّة، فلابدّ وأن تكون العوضيّة في شيء، فإذا كانت المعاوضة في الملكيّة، فلابدَّ من قيام كلٍّ من العوضين مقام الآخر في الإضافة الملكيّة لصاحبها، ومقتضى ذلك انتقال كلّ منهما إلى مالك الآخر، وعليه فيمتنع أن يملك البُضع بمال غيره، كما صرّح في «الجواهر»(2) بالنتيجة.

وأورد عليه المحقّق اليزدي رحمه الله: بأنّ المتعة ليست من العقود المعاوضيّة، لعدم مساعدة العرف والاعتبار عليه، إذ لا يعدّ البُضع مالاً عندهم.

وفيه: أنّه في المتعة وإنْ لم يُملك المتمتّع البُضع، ولا يصيرُ مملوكاً له، ولكن يملك منفعته، وإنكار كونه مالاً غريبٌ ، إذ ليس المال إلّاما يُبذل بإزائه الشيء، لما فيه من المنفعة العائدة إلى الإنسان، ويحتاج إليه بحسب فطرته من المأكل والمشرب والملبس وما شاكل، أو ما يعتبر له الماليّة كالنقود، ولا ريب في كون البُضع من هذا القبيل.

نعم، لا يُجعل العوض والمَهر بإزاء ملكيّة البُضع، بل بإزاء تملّك منفعته، ولذلك:

قال أبو جعفر عليه السلام: «وإنّما هي مستأجرة»(3).

وفي خبرٍ آخر: «وهذه مستأجرة»(4).0.

ص: 343


1- قواعد الأحكام: ج 2/394.
2- جواهر الكلام: ج 30/162.
3- الكافي: ج 5/451 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/77 ح 26574.
4- الكافي: ج 5/460 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/60 ح 26530.

وأيضاً في الآية الكريمة: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) .

والحقّ أن يورد عليه: بأنّ عنوان المعاوضة ليس موضوعاً للأثر، ولم يؤخذ في الدليل، بل المأخوذ فيه عنوان الأجر، كما في النصوص المتقدّمة.

وعليه، فلا مانع من جعل الأجر من كيس غير المتمتّع المالك لمنفعة البُضع إذا أذن، ويترتّب على ذلك عدم اعتبار كونه مملوكاً للمتمتّع، كما ويترتّب عليه جواز كونه كليّاً في ذمّة شخصٍ ، وإنْ لم يكن المتمتّع مالكاً لما في ذمّته.

جعل الحقّ مَهراً

الفرع الثاني: هل يصحّ جعل الحقّ القابل للنقل عوضاً ومهراً أم لا؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لإطلاق الأدلّة بل يصحّ جعل عَمل الحُرّ قبل وقوع المعاوضة عليه مَهراً، فإنّه وإنْ لم يكن ملكاً، لكنّه مالٌ لكونه ممّا يرغب اليه ويميل النوع إليه.

ودعوى: أنّ الماليّة صفة وجوديّة لابدّ لها من محلّ ، والعمل المعدوم لا يكون محلّاً لها.

وأيضاً: لو كان مالاً وصاحبه ذا مال، لتعلّق به الاستطاعة إذا كان قادراً على عمل يكون عوضه ممّا يتحقّق به الاستطاعة، وخرج عن كونه فقيراً.

وأيضاً: لوكان مالاً لكان حابسه ضامناً.

مندفعة: بأنّ الماليّة من الاُمور الاعتباريّة، وهي تقوم بمحلّ يكون موجوداً تقديراً بتبع وجود الحُرّ العامل القادر عليه، والاستطاعة تتوقّف على الملكيّة، وهو حيث لا يكون ملكاً وإنْ كان مالاً لا يتحقّق به الاستطاعة.

ص: 344

نعم، يخرج صاحبه عن كونه فقيراً لتسلّطه على تمليكه للغير، ولذلك بنينا على عدم جواز إعطاء الزكاة والخمس لمن يقدر على الاكتساب، وعدم الحكم بضامن حابسه، إنّما هو من جهة أنّ الضمان يتوقّف على سببٍ وهو إمّا الإتلاف أو اليد أو الاستيفاء، وشيءٌ منها لا يكون في المقام.

أمّا الأوّل: فلعدم كون عمل الحُرّ مالاً له كي يشمله قاعدة: «من أتلف مال الغير...».

أمّا الثاني: فلعدم كونه تحت الاستيلاء واليد، لا بنفسه ولا بتبع الاستيلاء على الحُرّ.

وأمّا الثالث: فواضحٌ .

والنتيجة: أنّه على الأظهر مالٌ ، ويصحّ جعله مهراً.

ودعوى: أنّ النصوص منصرفة عن ذلك لعدم تعارف جعله عوضاً.

مندفعة: بأنّ الانصراف الناشئ عن قلّة وجود فردٍ، لا يصلح مقيّداً لإطلاق الأدلّة.

وهل يصحّ جعل إسقاطالحقّ القابل له دون النقل - كحقّ الشفعة والخيار - مهراً؟

الظاهر ذلك لإطلاق الأدلّة.

فإنْ قيل: إنّ الإسقاط بما أنّه فعلٌ من الأفعال نظير الخياطة، ويكون معناً حرفيّاً غير قابل لأن يتموّل إلّاباعتبار أثره، وأثره في المقام هو السقوط، وهو غير قابل للمملوكيّة لعدم كونه من الأفعال.

قلنا: إنّ نفس الإسقاط وإنْ كان معنىً حرفيّاً لايتموّل، إلّاأنّه لا مانع من

ص: 345

صيرورة الحقّ الذي يسقط سبباً وواسطةً في قابليّة إسقاطه للتموّل والملكيّة، ونظير ذلك أنّ العلم بنفسه لا يُملك، لكنّه يصير سبباً لزيادة ماليّة العبد المتّصف به.

فإنْ قيل: إنّ الإسقاط وإنْ كان مالاً، إلّاأنّه لا ينتقل إلى المتمتّع بها، ويعتبر في المتعة صيرورتها مالكة لما يجعل عوض بُضعها.

قلنا: لم يدلّ دليلٌ على ذلك، بل غاية ما يدلّ عليه الدليل أنّه لابدّ وأنْ يكون للبُضع عوض، فليكن الإسقاط والسقوط بنفسه عوضاً، نظير بيع الدَّين على من هو عليه، حيث أنّ البيع هناك لا يفيد إلّاالإسقاط، فكذلك في المقام.

اعتبار كون المَهر معلوماً

الفرع الثالث: قالوا ويشترط في المَهر أنْ يكون معلوماً إمّا بالكيل للمكيل، أو بالوزن للموزون، أو بالعدّ للمعدود.

أقول: وهذا ممّا لا كلام فيه، إذ يشهد به مضافاً إلى اتّفاقهم، قول الصادق عليه السلام في صحيح الهاشمي المتقدّم: «مَهرٌ معلوم إلى أجلٍ معلوم».

إنّما الكلام فيما ذكروه من أنّه تكفي المشاهدة في جميع الموارد، حتّى في الموارد التي لا يكتفى بها من المعاملات الاُخر، وأضاف إليه بعضهم من كفاية التوصيف، بل اللّمس أو الذوق أو ما شاكل ؟

وأورد عليهم: سيّد «المدارك»(1)، وصاحب «الحدائق» رحمه الله(2) بأنّه لا وجه له.

وفيه: أنّه ليس في الأخبار سوى اعتبار كون المَهر معلوماً، وهذا يصدق على

ص: 346


1- نهاية المرام: ج 1/231.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/157.

ما لو كان معلوماً بالمشاهدة ونحوها، ولا دليل على اعتبار كون المكيل كيله معلوماً، وكذا الموزون والمعدود، وإنّما نلتزم بذلك في البيع للنصوص الخاصّة الدالّة عليه المفقود في المقام.

فإنْ قيل: إنّه يلزم من عدم العلم بالكيل أو الوزن أو العدد الغَرر وقد نُهي عنه.

قلنا أوّلاً: إنّه لا يلزم الغرر مع المشاهدة.

وثانياً: إنّ دليل نفي الغرر مختصٌّ بالبيع.

وما عن المصنّف رحمه الله من أنّه: (نهى صلى الله عليه و آله عن الغَرر)(1) غيرُ ثابتٍ ، فتأمّل.

وبالجملة: فكما أنّ عدم معرفة كيل الموزون ووزن المكيل والمعدود لاينافي كونه معلوماً من جهة معلوميّة الكيل أو الوزن أو العدد، كذلك لاينافي عدم معرفة شيء منها مع كونه معلوماً من حيث المشاهدة.

ويؤيّد ما ذكرناه النصوص(2) الدالّة على الاكتفاء بنحو الكف من البُرّ أو السويق ونحو ذلك، فإنّه يستكشف منها عدم اعتبار معلوميّة الكيل أو الوزن.

***1.

ص: 347


1- التذكرة: ج 10/48.
2- وسائل الشيعة: ج 21/48-51.

ولابدَّ فيه من ذكر أجلٍ مُعيَّنٍ .

اعتبار الأجل في عقد المتعة

الركن الرابع: الأجل:

(ولابدّ فيه من ذِكر أجل) وإلّا بطل، أي لم يكن عقد متعة بلا خلافٍ ، بل هو في «الجواهر» إجماعاً بقسميه(1)، وفي «الحدائق»(2): (أجمع الأصحاب على أنّ ذكر الأجل شرطٌ في صحّة نكاح المتعة).

ويشهد به: النصوص منها ما تقدّم في المَهر، ومنها ما سيجيء في طيّ الفروع الآتية.

ويعتبر أنْ يكون الأجل المذكور على نحو (معيّنٍ ) محروسٍ من الزيادة والنقصان، فلا يجوز أنْ يكون كليّاً كشهرٍ من الشهور، ولا غير محروسٍ من الزيادة والنقصان، كقدوم الحاجّ ، بلا خلاف، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(3).

ويشهد به: - مضافاً إلى ذلك، وإلى اعتبار كونه معلوماً، كما في صحيح الهاشمي المتقدّم، واعتبار التسمية كما في صحيح زرارة المتقدّم جملةٌ من النصوص:

منها: خبر أبان ابن تغلب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف أقول لها إذا خلوتُ بها؟

ص: 348


1- جواهر الكلام: ج 30/172.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/138.
3- مختلف الشيعة: ج 7/217، نهاية المرام: ج 1/239.

قال عليه السلام: تقول أتزوّجكِ متعةً على كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله، لا وارثة ولا موروثة، كذا وكذا يوماً، وإنْ شئت كذا وكذا سنة» الحديث(1).

ومنها: خبر هشام بن سالم، قال: «قلت: كيف يتزوّج المتعة ؟

قال: يقول أتزوّجكِ كذا وكذا يوماً بكذا وكذا درهماً»(2).

ومنها: خبر محمّد بن إسماعيل، عن الإمام الرّضا عليه السلام قال:

«قلت له: الرّجل يتزوّج المرأة متعةً سنة أو أقلّ أو أكثر؟

قال عليه السلام: إذا كان شيئاً معلوماً إلى أجلٍ معلوم.

قال: قلت: وتبين بغير طلاقٍ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

ومنها: خبر هشام، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ قال:

«قلتُ : أصلحكَ اللّه فكيف أتزوّجها؟

قال عليه السلام: أيّاماً معدودة بشيء مسمّى مقدار ما تراضيتم به» الحديث(4).

ومنها: حسن بكّار بن كردم، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يلقى المرأة فيقول لها: زوّجيني نفسكِ شهراً، ولا يُسمّي الشهر بعينه، ثمّ يمضي فيلقاها بعد سنين ؟

فقال: له شهره إنْ كان سمّاه، فإنْ لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها»(5).

ومنها: مضمر زرارة، قال:4.

ص: 349


1- الكافي: ج 5/455 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/43 ح 26486.
2- الكافي: ج 5/455 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/44 ح 26488.
3- الكافي: ج 5/459 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/58 ح 26425.
4- التهذيب: ج 7/267 ح 76، وسائل الشيعة: ج 21/48 ح 26498.
5- الكافي: ج 5/466 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/72 ح 26564.

«قلتُ له: هل يجوز أن يتمتّع الرّجل من المرأة ساعةً أو ساعتين ؟

فقال: الساعة والساعتان لا يوقف على حَدّهما، ولكن العرد والعردين، واليوم واليومين واللّيلة وأشباه ذلك»(1).

أي العرفيّة لا النجوميّة، وبعبارة أُخرى الساعة لا يُراد بها المقدار من الزمان المحدود بحَدٍّ خاصّ ، يُعلم بالآلة المعدّة لذلك، بل هو مقدار قليل من الزمان، وهو غير محدود.

وهل يكون له تقديرٌ في جانب القِلّة والكثرة أم لا؟

المشهور(2) بين الأصحاب أنّه لا تقدير له في شيء من الجانبين، وقد صرّح غير واحدٍ بالتعليق على ما شاءا من الأجل وتراضيا عليه.

وعن الشهيد الثاني(3)، والفاضل الهندي(4) وغيرهما: التصريح بجواز تقدير الأجل في الكثرة بوقتٍ طويل، يُعلم بعدم بقائهما إليه، وبتقديره في القلّة بلحظةٍ .

وعن «الوسيلة»(5): (تقدير الأقلّ بما بين طلوع الشمس والزوال).

أقول: يشهدلماهوالمشهور - مضافاًإلى العمومات - التصريح به في بعض النصوص:

منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المَهر؟ فقال عليه السلام: ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل»(6).

ص: 350


1- الكافي: ج 5/459 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/58 ح 26526.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/138.
3- مسالك الأفهام: ج 7/449.
4- كشف اللّثام: ج 7/279-280 الطبعة الجديدة.
5- الوسيلة: ص 310.
6- الكافي: ج 5/457 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/49 ح 26501.

ومنها: خبر أبان المتقدّم: «وتُسمّي من الأجل ما تراضيتما عليه قليلاً كان أو كثيراً».

ونحوهما غيرهما.

وأورد صاحب «الجواهر»: - على ما في «المسالك» و «كشف اللّثام» من جواز تقدير الأجل بوقتٍ يعلم بعدم بقائهما إليه - بأنّ :

(المنساق من النصوص الواردة في المشروعيّة، وفي اعتبار الأجل فيها غير ذلك، خصوصاً بعد عدم جواز مثله في الإجارة المشبه بها المتعة، ضرورة عدم قابليّتها حينئذٍ للاستمتاع، فلا وجه لإنشاء تملّكه وتمليكه بالعوض، بل هو شبه المعاملة السفهيّة، بل لا ريب في عدم مراعاة مثله في التوزيع، لعدم تحقّق حبس المنفعة فيه المقتضي للتوزيع)(1).

وفيه: أنّه لايعتبر القابليّة للاستمتاع في جميع الزمان الذي تثبت المتعة فيه، وليس هناك تمليكٌ وتملّك بالعوض إنشاءً ، بل المُنشأ هو الزوجيّة، وأثرها مالكيّة المتمتّع للانتفاع ببُضع المتمتّع بها، وعدم جواز مثله في الإجارة - التي هناك تمليكٌ للمنفعة - لا يلازم عدم جوازه في المقام، وعدم التوزيع لعدم تحقّق حبس المنفعة، غير مستلزمٍ لعدم تحقّق الزوجيّة.

وعليه، فالأصحّ أنّه ليس في مقابل إطلاق الأدلّة ما يركن إليه.

وأضعف منه: ما أورده عليهما بأنّ (التحديد من طرف الأقلّ بلحظةٍ لايتمّ ، لاعتبار زمانٍ يسع لتحقّق ماهيّة الاستمتاع)(2).

فإنّه وإنْ كان المقصد الأصلي في تشريع المتعة الاستمتاع، ولكن كما لا يعتبر في6.

ص: 351


1- جواهر الكلام: ج 30/175 و 176.
2- جواهر الكلام: ج 30/175 و 176.

حصول الزوجيّة بها الاستمتاع الخارجي، لا يعتبر القابليّة لذلك، من جهة أنّ المُنشَأ فيها الزوجيّة، ولها آثار اُخر غير الجماع كتحريم المصاهرة وجواز النظر إلى اُمّها وما شاكل.

أقول: وعليه فما أفاده العَلَمان هو الصحيح، ويترتّب عليه جواز العقد متعةً على الصغيرة التي لا يجوز وطئها، وللصغير الذي لا قابليّة له للوطء وللاستمتاعات الاُخر، بل الأمر في الصغيرة أوضح، فإنّه يمكن الاستمتاع الآخر بها.

عدم اعتبار اتّصال المدّة بالعقد

المشهور في كلام الأصحاب على ما في «الحدائق»(1) أنّه يجوز أن يعيّن شهراً متّصلاً بالعقد، ومتأخّراً عنه. نعم مع الإطلاق يقتضي الاتّصال.

وعن جماعةٍ منهم السيّد في «شرح النافع»: (لايجوز إلّاالمتّصل)(2) واختاره صاحب «الجواهر»(3)، وأنكر(4) نسبة القول الأوّل إلى المشهور أو الأكثر، بل احتمل أن لا يكون قائل به إلّانادراً.

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ للأوّل بوجهين:

الوجه الأوّل: العمومات، فإنّه عقدٌ مشتملٌ على أجلٍ مضبوط، فيلزم الوفاء به لعموم الأمر.

ص: 352


1- الحدائق الناضرة: ج 24/148.
2- نهاية المرام: ج 1/240.
3- جواهر الكلام: ج 30/177-179.
4- جواهرالكلام: ج 30/178.

أقول: وأُورد عليه:

تارةً : بانصراف العقود إلى العقود المتعارفة بين عامّة النّاس، فلا تشمل الأدلّة مثل هذا العقد.

وأيّد صاحب «الجواهر» رحمه الله هذا الوجه(1) بما (دلّ على عدم جواز عقد الزّوج عليها فضلاً عن غيره قبل انقضاء أجلها بأجلٍ آخر أو مهرٍ كذلك، ضرورة أولويّته بجواز المنفصل)(2).

وأُخرى : بما في «الجواهر» من: (أنّ ما ورد من النصوص بلفظة إلى أجل نحو:

(فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) (3) إلى أجلٍ وشبهه ظاهرٌ في اعتبار اتّصال الأجل، وأنّه المراد من النكاح المنقطع في مقابلة الدائم، بمعنى أنّ غيره يبقى على دوامه والمتعة يقطع فيها الدوام).

وثالثة: بأنّه يلزم منه تخلّف المُنشَأ عن الإنشاء، وهو غير معقول.

ورابعة: بأنّ ظاهر خطاب: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (4) كظاهر سائر الخطابات، أنّ الحكم مطلق غير مشروط، فيكون ظاهره ترتّب الأثر على العقد.

وعليه، فإنْ التزم في ما جعل الأجل فيه منفصلاً بترتّب الأثر فعلاً، كان ذلك منافياً للإنشاء.

وإنْ التزم بعدم ترتّب الأثر فعلاً، لزم عدم كونه مشمولاً لهذا الخطاب، فلا1.

ص: 353


1- وسائل الشيعة: ج 21/54-57.
2- جواهر الكلام: ج 30/178.
3- سورة النساء: الآية 24.
4- سورة المائدة: الآية 1.

دليل على ترتّب الأثر ولزوم الوفاء.

وخامسة: بمنافاة ذلك للتنجيز المُجمع على اعتباره.

وسادسة: بأنّه لو جاز ذلك لزم جواز أن يتمتّع بها غيره في القطعة الواقعة من الزمان بين العقد ومبدأ الأجل المنفصل.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا وجه لدعوى الانصراف سوى عدم التعارف، وقد مرّ أنّه لا يصلح منشئاً للانصراف المقيّد للإطلاق، وأنّ الانسباق المذكور بدوي يزول بأدنى تأمّلٍ ، وما دلّ (1) على عدم جواز عقد الزّوج عليها قبل انقضاء أجلها، إنّما هو فيما لو عقد عليها في المدّة المتّصلة بالعقد، حيث يلزم الجمع بين الأجلين كما يؤمى إليه تعليل الفساد في بعض نصوصه بأنّهما شرطان في شرط.

وأمّا الثاني: فلأنّ النصوص المشار إليها لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم مشروعيّة غير ما تضمّنته، بل غاية ما تدلّ عليه مشروعيّة ما كان الأجل فيه متّصلاً بالعقد، وعدم التعرّض للمنفصل، ويرجع فيه إلى العمومات، وهي لا تقيّد إطلاقها لكونهما مثبتتين.

وأمّا الثالث: فهو شُبهة أوردوها على الواجب المشروط، وقد أجبنا عنها في «حاشيتنا على الكفاية»(2) مفصّلاً، ونقتصر في المقام على الإشارة إلى وقوع ذلك الذي هو أدلّ دليل على إمكانه، لاحظ اُموراً مثل الوصيّة والنذر والتدبير والواجب المشروط وإجارة الشخص للحجّ وغيره وما شاكل.ن.

ص: 354


1- وسائل الشيعة: ج 21/57.
2- هذا الكتاب لم يطبع للمؤلّف حتّى الآن.

وأمّا الرابع: فلعدم انحصار دليل المشروعيّة ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، بل هناك أدلّة اُخرى وهي التي استندوا في الجواز في المقام إليها، مع أنّ أثر العقد فيما إذا كان الأجل منفصلاً هو اجراء أحكام المتعة في تلك المدّة المسمّاة، فتخلّفه عن العقد حينئذٍ إنّما هو بحسب مقتضى العقد ومن آثاره.

وأمّا الخامس: فلعدم اعتبار التنجيز المقابل لمثل ذلك، بل المعتبر منه أن لا يكون الإنشاء معلّقاً على أمرٍ مشكوك الحصول.

وأمّا السادس: فلأنّه لا مانع من جواز استمتاع الغير بها في تلك المدّة إنْ لم يصدق عليها ذات البعل، وإلّا فلا يجوز لذلك، كما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله(1).

وعليه، فالأصحّ تماميّة هذا الوجه.

الوجه الثاني: حسن بكّار المتقدّم.

وأُورد عليه تارةً : بضعف السند.

وأُخرى : بإمكان حمله على ما إذا قصدتحقّق الزوجيّة عليوجهٍ يحصل بها حرمة المصاهرة وغيرها من استحقاق المَهر بالموت، ويكون الأجل المتأخّر حينئذٍ لتأخير الاستمتاع، وحَمل على هذا صاحب «الجواهر»(2) عبارات الأكثر القائلين بالجواز.

ولكن يرد الأوّل: أنّه لا وجه لضعف سنده سوى وجود بكّار، وإلّا فقد روى الخبر الصدوق رحمه الله(3) بسنده إليه وسنده إليه صحيح.).

ص: 355


1- مسالك الأفهام: ج 7/452.
2- جواهر الكلام: ج 30/179.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/465 ح 4609 وقال في: ج 4/526: (وما كان فيه عن بكّار بن كردم، فقد رويته عن محمّد بن الحسن رحمه الله عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان، عن بكّار بن كردم).

وأمّا بكّار، فالأظهر كونه حسناً، فقد جاء في محكيّ «التعليقة»:

(عدّه خالي ممدوحاً، لأنّ للصدوق طريقاً إليه، وروى عنه ابن أبي عُمير، ويونس بن عبد الرحمن، وفيه إشعارٌ بوثاقته)، انتهى .

أضف إليه كون أحمد بن محمّد بن عيسى في الطريق، واستناد الأصحاب إليه في المقام، وعليه فلا إشكال في سنده.

ويرد الثاني: أنّه خلاف ظاهره، ولا وجه له، فإنّه يصرّح في السؤال بوقوع العقد على شهرٍ واحد، فالأظهر صحّة مثل هذا العقد الذي جُعل الأجل فيه منفصلاً، وتؤيّده النصوص المتقدّمة المنزلة للمتمتّع بها منزلة المستأجرة، فإنّه يجوز ذلك في الإجارة بلا شبهة، فكذا فيما نزل منزلتها.

ولو أطلق يعني شَرَط العاقد أجَلاً مطلقاً، لم يعيّنه بكونه متّصلاً بالعقد أو منفصلاً، فالمشهور(1) صحّة العقد، وحمله على الاتّصال، لأنّه الظاهر عرفاً كما في نظائره من الإجارة وغيرها ممّا هو محمولٌ على الاتّصال بالعقد، فلا يعتبر ذكر أوّل الأجل، ويشير إليه قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر بكّار المتقدّم: «وإنْ لم يكن سمّاه، فلا سبيل له عليها».

وعليه، فإنّ الحكم بنفي السبيل عليها مع عدم تسمية الشهر بعد مضيّ الشهر المتّصل بالعقد، ظاهرٌ في ذلك، كما هو ظاهر عبارة الشيخ رحمه الله في محكيّ «النهاية»(2)حيث جعل نفي السبيل فيه كناية عن بطلان العقد، لاستلزامه نفي السبيل أيضاً خلاف الظاهر لا وجه له.2.

ص: 356


1- الحدائق الناضرة: ج 24/148 (الموضع الثالث).
2- النهاية: ص 491-492.

وعليه، فما قاله ابن إدريس الحِلّي رحمه الله (من البطلان للجهل بالأجل، باعتبار احتماله الاتّصال والانفصال)(1)، واضح الضعف.

حكم الاقتصار على ذكر العدد

ولو اقتصر على ذكر العدد مرّة أو مرّتين أو أزيد، على وجهٍ مضبوط، من غير تقييد بالزمان:

فعن الأكثر(2): البناء على البطلان.

وعن الشيخ في «النهاية»(3)، و «التهذيب»(4)، والمحقّق في «الشرائع»(5): الحكم بالصحّة وانقلابه دائماً.

واستدلّ للأوّل: بالنصوص المتقدّمة الدالّة على اعتبار تعيين الأجل وإلّا بطل العقد، إذ الأجل الواقع على هذا الوجه غير معلومٍ ، إذ يمكن وقوع المرّة أو المرّات في الزمان القصير والطويل.

ولكن يرد عليه: أنّه لو تمّ فإنّما هو فيما لو عقد عليها إلى آخر زمان المرّة أو المرّات، وأمّا لو عقد عليها واشترط المرّة أو المرّات، فهو في حكم ترك ذكر الأجل غير المعلوم، فيلحقه حكمه الآتي.

أقول: ولكن في المقام طائفتين من النصوص:

ص: 357


1- السرائر: ج 2/623.
2- مسالك الأفهام: ج 7/454.
3- النهاية: ص 491.
4- تهديب الأحكام: ج 7/267 ح 76.
5- شرائع الإسلام: ج 2/531.

إحداهما: تدلّ على صحّته وانقلابه دائماً:

منها: خبر هشام بن سالم، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أتزوّج المرأة متعةً مرّةً مبهمة ؟

قال: فقال عليه السلام: ذاك أشدّ عليك ترثها وترثك، ولايجوز لك أن تطلّقها إلّاعلى طُهر وشاهدين.

قلت: أصلحكَ اللّه فكيف أتزوّجها؟

قال: أيّاماً معدودة بشيء مسمّى مقدار ما تراضيتم به، فإذا مضت أيّامها كان طلاقها في شرطها، ولا نفقة ولا عِدّة لها عليك، الحديث»(1).

وإطلاقه يشمل الصورتين.

ثانيتهما: ما يدلّ على الصحّة، ووقوعه متعةً :

منها: موثّق زرارة، قال: «قلت: هل يجوز أن يتمتّع الرّجل من المرأة ساعةً أو ساعتين ؟ فقال عليه السلام: الساعة والساعتان لايوقف عليحدّهما، ولكن العرد والعردين، واليوم واليومين، واللّيلة وأشباه ذلك»(2).

وعن «القاموس»: (العرد الصلب الشديدالمنتصب، والذكر المنتشر المنتصب)(3)وهو هنا كناية عن المرّة والمرّتين.

ومنها: خبر القاسم بن محمّد، عن رجلٍ سمّاه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يتزوّج المرأة على عرد واحدٍ؟0.

ص: 358


1- التهديب: ج 7/267 ح 76، وسائل الشيعة: ج 21/48 ح 26498.
2- الكافي: ج 5/459 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/58 ح 26526.
3- القاموس المحيط: ج 1/600.

فقال عليه السلام: لا بأس، ولكن إذا فرغ فليحوّل وجهه ولا ينظر»(1).

ومنها: خبر خلف بن حمّاد، قال: «أرسلتُ إلى أبي الحسن عليه السلام: كم أدنى أجل المتعة، هل يجوز أن يتمتّع الرّجل بشرط مرّة واحدة ؟

قال عليه السلام: نعم»(2).

ولكن خبر هشام ضعيفُ السند لموسى بن سعدان(3).

وأمّا الطائفة الثانية: فلإعراض الأصحاب عنها لا يُعمل بها، ولا بأس حينئذٍ بحملها على الصورة الآتية، كما في «الرياض»(4) و «الجواهر»(5) فإنّه أولى من الطرح.

أقول: وفي المقام صورتان اُخريتان:

الصورة الاُولى: أن يشترط العدد في زمانٍ معيّن، بحيث يكون الزمان أجَلاً مضبوطاً، كيومٍ وشهرٍ، ولكن ذكر العدد شرطاً زائداً على ذلك.

لا خلاف ولا إشكال في صحّة المتعة إلى الأجل، ولزوم الوفاء بالشرط، لاستجماع العقد شرائط الصحّة، وليس فيه الا اشتراط العدد وهو شرطٌ سائغٌ يشمله دليل لزوم الوفاء بالشرط(6)، وخصوص ما دلّ (7) على صحّة اشتراط عدم5.

ص: 359


1- الكافي: ج 5/460 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/59 ح 26528.
2- الكافي: ج 5/460 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/59 ح 26529.
3- رجال النجاشي: ص 404 رقم 1072 قوله: (موسى بن سعد الحنّاط، ضعيف في الحديث...)، الرِّجال لابن الغضائري: ص 90، قوله: (ضعيفٌ ، في مذهبه غلوّ).
4- رياض المسائل: ج 10/288.
5- جواهر الكلام: ج 30/182.
6- وسائل الشيعة: ج 18/16-17.
7- الكافي: ج 5/467 ح 9، وسائل الشيعة: ج 21/72 ح 26565.

الوطء في المتعة.

وعليه، فلو بقيت المدّة واستوفى العدد، تكون الزوجيّة باقية، ولا يجوز الوطء، وتجوز سائر الاستمتاعات، وحينئذٍ لو أذِنت في الوطء فهل يجوز الوطء نظراً إلى أنّ ذلك حقّها، أم لا؟ من جهة أنّ العقد لم يتضمّن سوى ذلك العدد؟

وجهان ذكرهما الشهيد الثاني رحمه الله(1).

وفي «الرياض»(2): أجودهما الأوّل، وفاقاً للأشهر، وهو الأظهر، لما حُقّق في محلّه من أنّ للمشروط له إسقاط الشرط لكونه من الحقوق القابلة للإسقاط.

ودعوى: أنّ العقد لم يتضمّن سوى ذلك العدد.

يدفعها: أنّ ذكر العدد إنّما هو من قبيل الشرط في ضمن العقد، والعقد يقتضي جواز الوطء إلى أيّ عددٍ تمكّن منه، وإنّما بنينا على عدم جواز الزائد على العدد المذكور من جهة ما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط، والفرض سقوطه.

ويشهد للجواز مضافاً إلى ذلك ما دلّ (3) على جواز الوطء لو عقد على إمرأة، وشرط أن لايفتضّها، ثمّ أذِنت له في ذلك.

الصورة الثانية: أن يشترط العدد في وقتٍ معيّن، بحيث يكون ظرفاً له كاليوم مثلاً، ولا مدخل له في التأجيل.

والمرادُ أن لا يقع خارج ذلك اليوم منه شيء، وتبين بانتهاء العدد المشروط، كما أنّها تبين بانقضاء ذلك الوقت وإنْ لم يفعل.9.

ص: 360


1- مسالك الأفهام: ج 7/455.
2- رياض المسائل: ج 10/288.
3- الفقيه: ج 3/466 ح 4612، وسائل الشيعة: ج 21/33 ح 26449.

فعن الشيخ في «النهاية»(1): الحكم بالصحّة.

وعن المصنّف رحمه الله(2) في «المختلف»: البناء على البطلان.

قال الشهيد الثاني رحمه الله في محكيّ «المسالك»: (وفي صحّته قولان، أصحّهما البطلان، وهو الأظهر، لجهالة الأجل، إذ يحتمل الزيادة والنقصان، حيث يكون مقيّداً بانقضاء العدد).

وفي محكيّ «المختلف»: (ويجيءُ على قول الشيخ: بانعقاد الشرط بالعدد المبهم صحّته دائماً أن يصحّ هنا كذلك، لأنّ الأجل المجهول باطلٌ ، فيساوي غير المذكور.

وجوابه الفرق، ومنع الأصل)(3) انتهى .

أقول: والظاهر أنّ نظره في الفرق إلى أنّ العقد يبطل بذكر الأجل المجهول فيه الذي هو شرط الباطل، بخلاف ما إذا لم يذكر الأجل فيه أصلاً.

***).

ص: 361


1- النهاية: ص 491.
2- مختلف الشيعة: ج 7/219.
3- مسالك الأفهام: ج 7/455-456 (القسم الثالث).

ولو لم يذكر المَهر بَطل العقد، ولو لم يذكر الأجل فالأقربُ البطلان

حكم ما لو لم يُذكر الأجل

أقول: وأمّا أحكامه زائداً على ما مرّ، فنذكرها في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى : (ولو لم يذكر المَهر بطل العقد) لما مرّ من اشتراط ذكر المَهر، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

المسألة الثانية: (ولو لم يذكر الأجل) ففيه أقوال:

1 - ما في المتن، قال: (فالأقربُ البطلان) وهو مختار والده(1) وولده(2)، والشهيد الثاني(3) وسبطه سيّد «المدارك»(4)، وصاحب «الرياض»(5)، وجماعة(6).

2 - أنّه ينعقد دائماً، وهو المنسوب إلى المشهور(7)، وفي «الجواهر»: (بل لعلّه مجمعٌ عليه)(8).

3 - ما عن الحِلّي، قال: (إنْ كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائماً، وإنْ كان بلفظ التمتّع بَطَل العقد)(9).

ص: 362


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/217.
2- إيضاح الفوائد: ج 3/128.
3- مسالك الأفهام: ج 7/448.
4- نهاية المرام: ج 1/244.
5- رياض المسائل: ج 10/289-290 المسألة الأُولى .
6- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 13/26، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/280.
7- مسالك الأفهام: ج 7/447-448.
8- جواهر الكلام: ج 30/172.
9- السرائر: ج 2/550.

4 - ما في «الرياض»(1) حكايته وهو أنّ الإخلال بالأجل إنْ كان جهلاً أو نسياناً بطل، وإنْ كان عمداً بالدوام انقلب.

5 - ما نفى عنه البُعد صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) من البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس الصيغة، وأنّ الأجل إنّما يذكره كاشفاً لما أراده من اللّفظ، وانقلابه دائماً في غير ذلك.

والحقّ أنْ يُقال: إنّ مَن أخلَّ بذكر الأجل:

تارةً : لايقصده أيضاً بل يقصد الزوجيّة خاصّة.

وأُخرى : يقصده ولا يذكر الأجل جهلاً أو نسياناً.

وثالثة: يقصده ولا يذكر الأجل عمداً.

فإنْ لم يقصد الأجل، وقصد الزوجيّة: فمقتضى القاعدة وقوع النكاح دائماً، إذ ليس النكاح الدائم إلّاما قُصد به النكاح، ولا يعتبر قصد الداوم.

وإنْ شئت قلت: إنّ التقابل بين الدوام والانقطاع ليس تقابل المتغايرين، بل تقابل المطلق والمشروط بشيء، فإذا لم تتحقّق الخصوصيّة والقيد، يقع المطلق لقصده وإنشائه.

وإن قصده ولم يذكر الأجل نسياناً أو جهلاً:

فقد يقال: إنّ النكاح حيث يكون حقيقة واحدة، والفرق بين الدوام والانقطاع هو الفرق بين المطلق والمشروط بشيء، والنكاح من الإنشائيّات، فإذا ترك الأجل).

ص: 363


1- رياض المسائل: ج 10/289-291 المسألة الأُولى .
2- جواهر الكلام: ج 30/175 قوله: (نعم لا يبعد البطلان).

لا تتحقّق الخصوصيّة الزائدة، لعدم إنشائها، وإنّما يقع المطلق لقصده وإنشائه، ولكنّه يتمّ على مسلك المشهور من الالتزام في الإنشائيّات بأنّها إيجاديّات.

وأمّا عليمذهب الحقّ من أنّه في باب الإنشائيّات إنّما يعتبر المتعاقدان المُنشَأ، وهو يوجد باعتبارهما، واللّفظ كاشفٌ ومبرزٌ عن ذلك الاعتبار، فلا يتمّ ، لأنّ المفروض أنّهما اعتبرا الزوجيّة الموقّتة، فلا وجه لوقوع الدائميّة.

وبه يظهر حكم ما لو ترك ذكر الأجل عمداً.

وبالجملة: مقتضى القاعدة هو الصحّة، ووقوع النكاح دائماً، فيما إذا لم يقصد، والبطلان فيما إذا قصده وترك ذكر الأجل عمداً أو نسياناً أو جهلاً، هذا فيما إذا كان الإنشاء بلفظ النكاح والتزويج.

وإنْ كان بلفط (متّعتُ ) بَطَل حتّى فيما إذا لم يقصد الأجل، فإنّ لفظه يكون بحسب اصطلاح المتشرّعة متضمّناً لزمانٍ مّا، لأنّه موضوع عندهم تعييناً أو تعيّناً لخصوص النكاح المنقطع، فعليه المُنشَأ وهو الزوجيّة بلا قيد لم يُبرز بما يكون مبرزاً له عرفاً، ويعتبر ذلك في ترتّب الأثر في باب الإنشائيّات.

وأمّا النصوص الخاصّة: فقد استدلّ بنصوصٍ للقول بانقلابه دائماً:

منها: خبر أبان بن تغلب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف أقول لها إذا خلوتُ بها؟

قال: تقول أتزوّجكِ متعة...

إلى أنْ قال: قلت: فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام ؟

قال عليه السلام: هو أضرّ عليك. حكم ما لو لم يُذكر الأجل

ص: 364

قلت: وكيف ؟

قال: لأنّك إنْ لم تشترط، كان تزويج مقام، ولزمتك النفقة في العِدّة، وكانت وارثة ولم تقدر على أن تطلّقها إلّاطلاق السُنّة»(1).

ومنها: خبر هشام، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: أتزوّج المرأة متعةً مرّة مبهمة ؟

فقال: ذاك أشدّ عليك ترثها وترثك، ولا يجوز لك أن تُطلّقها إلّاعلى طُهر وشاهدين...»(2).

ومنها: موثّق عبد اللّه بن بُكير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : إنْ سَمّى الأجل فهو متعة، وإنْ لم يُسمّ الأجل فهو نكاح بات»(3).

أقول: ولكن الأخير يرد عليه - مضافاً إلى ما في «الرياض»(4) من أنّ في بعض نسخ الرواية بدل (بات) كلمة (بان) وعليه فهو صريحٌ في البطلان - أنّه ليس فيه أنّهما أرادا المتعة، وأخلّا بذكر الأجل، بل ظاهره أنّ النكاح مع الأجل متعة، وبدونه الدوام، وهو ممّا لا نزاع فيه.

وبعبارة أُخرى : لا يدلّ على أنّه لا عبرة بالقصد، وإنّما الاعتبار بذكر الأجل وعدمه كما لا يدلّ على عدم اعتبار قيود اُخر فيها.

وأمّا خبر هشام: فمضافاً إلى ضعف سنده كما مرّ، أنّ مورده ذكر المرّة المُبهمة، وقد مرّ أنّه في مورده لم يَعمل به المشهور.0.

ص: 365


1- الكافي: ج 5/455 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/43 باب 18 من أبواب المتعة ح 26486 (صدر الحديث) وذكر ذيله في الباب 20 من أبواب المتعة ص 47 ح 26497.
2- التهذيب: ج 7/267 ح 76، وسائل الشيعة: ج 21/48 ح 26498.
3- الكافي: ج 5/456 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/47 ح 26496.
4- رياض المسائل: ج 10/290.

وأمّا خبر أبان: فهو ضعيفُ السند لابراهيم بن المُفضّل(1) وغيره(2)، واستناد المشهور إليه غيرُ ثابتٍ ، مع أنّه ليس صريحاً ولا ظاهراً في المقام، لاحتمال أنْ يكون المراد من الاستحياء من ذكر الأجل، الحياء من التمتّع بها، وإيجابه العدول إلى الدوام، فكأنّه قال: أتزوّج دائماً لا متعةً لحيائي منها، ولعلّ هذا أظهر فإنّ الحياء يمنع عن تبانيهما على المتعة أو على الدوام، وإلّا فلو كانا بانين على المتعة وقاصدين لها، فأيّ حياءٍ في ذكر لفظ الأجل.

ولعلّه إلى هذا نظر سيّد «المدارك» حيث أنّه أجاب عن هذه الرواية بأنّه لا دلالة فيها على أنّه إذا قصد متعةً ولم يذكر الشرط ينعقد دائماً(3)، فلا مورد لتعجّب صاحب «الحدائق» رحمه الله(4) منه بدعوى صراحتها في المقام.

وأيضاً: يحتمل فيه إرادة إثبات أضرّيته بحسب ظاهر الشرع، بمعنى أنّ المرأة لو ادّعت الدوام، وأثبت ذكر الألفاظ بدون ذكر الأجل، أُخذ الرّجل في ظاهر الشرع بأحكام الدائمة، ولا يلازم ذلك ثبوت الزوجيّة الدائميّة في الواقع، حتّى يجوز له الاستمتاع بها.

وعلى هذا فلا يصحّ الاستدلال بشيء من هذه النصوص.

أقول: عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان إذا قصدا المتعة، وأخلّا بذكر3.

ص: 366


1- رجال الطوسي: ص 157، أصحاب الصادق عليه السلام رقم 47 قوله: (إبراهيم بن مفضّل بن قيس بن رمانة الأشعري، مولاهم، أسند عنه).
2- مثل سهل بن زياد، وقد قال عنه النجاشي: ص 185، رقم 490 (كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه)، وقال الشيخ في الفهرست: ص 142 (ضعيف)، ولكنّه قال في رجاله: ص 387 رقم 4 (ثقة).
3- نهاية المرام: ج 1/243-244.
4- الحدائق الناضرة: ج 24/142-143.

ويحرمُ غير الكتابيّة من الكفّار، والأمَة على الحُرّة من دون إذنها، وبنتُ الأخ، وبنتُ الأُختِ من دون إذن العَمّة والخالة،

الأجل، من غير فرقٍ بين ألفاظ الصيغة، ويؤيّده بل يدلّ عليه مضمر سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ أدخل جاريةً يتمتّع بها، ثمّ نسي حتّى واقعها، يجبُ عليه حَدّ الزاني ؟

قال عليه السلام: لا، ولكن يتمتّع بها بعد النكاح، ويستغفر ربّه ممّا أتى»(1).

وما في «الجواهر» من أنّه يمكن إرادة أصل العقد من الاشتراط فيه(2) غير صحيح لأنّه يدفعه قوله عليه السلام: «يتمتّع بها بعد النكاح»، اللّهُمَّ إلّاأنْ يريد بالنكاح الوطء، لا عقد النكاح، فتحصّل أنّ الأقوى هو البطلان.

المسألة الثالثة: (ويحرم غير الكتابيّة) والمجوسيّة (من الكفّار) كما مرّ الكلام(3)فيه في اعتبار الكفاءة في الفصل المتقدّم.

(و) يحرم أيضاً التمتّع ب (الأمَة على الحُرّة من دون إذنها) لدلالة النصوص عليه(4).

(و) كذا يحرم التمتّع (ببنت الأخ، وبنت الاُخت، من دون إذن العمّة والخالة) كما تقدّم في مسائل المصاهرة(5).).

ص: 367


1- التهذيب: ج 10/49 ح 184، وسائل الشيعة: ج 28/147 ح 34433.
2- جواهر الكلام: ج 30/174.
3- تقدّم في مبحث (نكاح الكتابيّة).
4- وسائل الشيعة: ج 21/41 باب 16 من أبواب المتعة.
5- راجع بحث (عدم ولاية الأب والجَدّ على البكر الرشيدة).

ويُكره الزانية، والبِكْر من غير إذن الأب.

المسألة الرابعة: (ويكره) التزويج ب (الزانية) المشهورة بالزّنا، إلّابعد التوبة، من غير فرق بين المتعة والدوام، كما تقدّم الكلام فيه مفصّلاً.

(و) تقدّم أيضاً في مبحث الأولياء(1)، حكم التمتّع والتزويج ب (البكر من غير إذن الأب).

***).

ص: 368


1- راجع بحث (عدم ولاية الأب والجَدّ على البكر الرشيدة).

ولا حَدّ للمَهر

بيان حَدّ المَهر

المسألة الخامسة: في بيان أحكام المَهر.

أقول: (و) تمام الكلام فيها يتحقّق في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: أنّه (لا حَدّ للمَهر) ويتقدّر بالمراضاة، قلّ أو كَثُر، بلا خلافٍ (1) إلّا عن الصدوقين(2)، حيث حدّدا القِلّة بدرهم.

ويشهد لما هو المشهور جملة من النصوص:

منها: حسن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كم المَهر، يعني في المتعة ؟

قال عليه السلام: ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل»(3).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في المتعة ؟

قال عليه السلام: لابدَّ من أن يصدقها شيئاً قلَّ أو كثُر، والصِّداق كل شيء تراضيا عليه في تمتّعٍ أو تزويجٍ بغير متعة»(4).

وأمّا النصوص المتضمّنة أنّ أدنى ما يحلّ أو يتزوّج به المتعة كفٌ من بُرّ، أو طعامُ دقيقٍ أو تمر(5). فهي ظاهرة في إرادة أنّ المَهر كلّ ما تراضيا به من ناحية القِلّة

ص: 369


1- الحدائق الناضرة: ج 24/429.
2- المقنع: ص 339.
3- الكافي: ج 5/457 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/49 ح 26501.
4- الفقيه: ج 3/464 ح 4605، وسائل الشيعة: ج 21/50 ح 26507.
5- وسائل الشيعة: ج 21/48-51، باب 21 من أبواب المتعة.

صالحٌ للعوضيّة كما لايخفى .

وأمّا ما عن الصدوق فيشهد له خبر أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن متعة النساء؟

قال: حلال، وإنّما يجزي فيه الدرهم فما فوق»(1).

ونحوه خبر عليّ بن رئاب(2).

فدلالتهما على ما اختاره وإنْ كانت ظاهرة، فإنّ التعبير بأنّ المجزي ذلك فما فوقه يدلّ على أنّه أقلّ المُجزي، ولكن لصراحة النصوص المتقدّمة في إجزاء الأقلّ منه، وعدم عمل الأصحاب بهما، لا يُعتمد على ظاهرهما.

وجوب دفع المَهر بالعقد

الفرع الثاني: هل يجبُ دفع المَهر بالعقد، كما صرّح به المفيد(3) والمرتضى(4)، والقاضي(5)، والمحقّق(6) في «الشرائع»، والمصنّف(7) في «القواعد»، وغيرهم(8) أم لا يجبُ كما عن جماعة(9)؟ وجهان:

ص: 370


1- الكافي: ج 5/457 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/48 ح 26499.
2- وسائل الشيعة: ج 21/51 ح 26508، قرب الإسناد: ص 77.
3- يظهر ذلك من أحكام النساء: ص 37، باب أحكام النساء في النكاح.
4- الانتصار: ص 269-271 في استدلاله على إباحة نكاح المتعة بالآية الكريمة: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ).
5- المهذّب: ج 2/200.
6- شرائع الإسلام: ج 2/530.
7- قواعد الأحكام: ج 3/52 (الثالث: المَهر).
8- كالحلبي في الكافي: ص 298.
9- كالكركي في جامع المقاصد: ج 13/22، والمحقّق البحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/159، والطباطبائي في رياض المسائل: ج 10/282.

يمكن أنْ يستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المتمتّع بها كالمستأجرة، فكما أنّ المستأجرة تملك الاُجرة بعقد الإجارة، وتستحقّ مطالبتها، كذلك المتمتّع بها.

2 - وبأنّه كالمهر المستحقّ دفعه عقيب العقد، وإنْ كان استقراره هنا مراعى بالدخول والوفاء بالتمكين في المدّة.

3 - وبظاهر الآية الكريمة: (فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1).

4 - وبخبر عمر بن حنظلة، قال للصادق عليه السلام: «أتزوّج المرأة شهراً فتريد المَهر كملاً، وأتخوّف أن تخلفني ؟

فقال عليه السلام: لا يجوز أن تحبس ما قدرت عليه، فإنْ هي أخلَفَتك فخُذ منها بقدر ما تخلفك»(2).

والإيراد على الخبر: باضطراب المتن، لأنّ المحكيّ عن بعض النسخ: «يجوزُ أن تحبس» بدل: «لا يجوز أن تحبس».

في غير محلّه: إذ مضافاً إلى أنّ قوله: «فخذ منها» يشهد بأنّ الصحيح لايجوز، أنّه عند دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة يبنى على الزيادة كما عليه بناء العقلاء على ما حُقّق في محلّه.

كما أنّ الإيراد على الأوّل: بالفرق بين البابين، من جهة أنّه في الإجارة يتسلّم المنفعة بتسلّم الدابّة المستأجرة مثلاً بخلاف المقام الذي يمكن أنْيمنع عليه في الاستيفاء.

في غير محلّه: فإنّه في ذلك الباب أيضاًيمكن أيضاًللمؤجّر أن يمنع من الاستيفاء.).

ص: 371


1- سورة النساء: الآية 24.
2- الكافي: ج 5/460 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/61 ح 26533 وفيه (يجوز) بدل (لا يجوز).

أقول: وربما يُستدلّ لوجوب دفع المَهر بالعقد، بالنصوص الدالّة على جواز حبس المَهر عنها بقدر ما تخلّف من المدّة، إلّاأيّام حيضها:

منها: الصحيح إلى عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: أتزوّج المرأة شهراً فأحبس عنها شيئاً؟

قال عليه السلام: نعم، خُذ منها بقدر ما تخلفك إنْ كان نصف شهر فالنصف، وإنْ كان ثلثاً فالثُّلث»(1).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: الرّجل يتزوّج المرأة متعةً بشرط أن تأتيه كلّ يوم حتّى توفيه شرطه، أو يشترط أيّاماً معلومة تأتيه فيها، فتغدر به فلا تأتيه على ما شَرَطه عليها، فهل يصلح أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيّام، فيحبس عنها بحساب ذلك ؟

قال عليه السلام: نعم، ينظر إلى ما قطعت من الشرط، فيحبس عنها من مَهرها مقدار ما لم تفِ له، ما خلا أيّام الطمث، فإنّها لم ولا يكون لها إلّاما أحَلَّ له من فرجها»(2).

ونحوهما غيرهما.

واستدلّ بها في «الحدائق»(3)، وتبعه المحقّق اليزدي رحمه الله بتقريب أنّ حبسه عنها يقتضي بقاءه في ذمّة الزّوج وعدم دفعه لها.

ولكن يرد على ذلك: أنّها ليست في مقام بيان جواز حبس تمام المَهر وعدمه0.

ص: 372


1- الكافي: ج 5/461 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/61 ح 26534.
2- الكافي: ج 5/461 ح 4، وفي رواية: (تشترط له أن تأته كلّ يوم... أو أيّاماً...)، وسائل الشيعة: ج 61/21 ح 26535.
3- الحدائق الناضرة: ج 24/159-160.

ولو وهبها المُدّة قبل الدخول، ثبت نصفه.

كي يؤخذ بإطلاقها، بل في مقام بيان أنّه ينقص من المَهر بمقدار ما تخلّف المرأة، فلا تدلّ على أزيد من جواز عدم الدفع في الجملة، وهو ممّا لا كلام فيه، إذ لو لم تُطالب لا يجب الدفع، مع أنّ التعبير بقوله عليه السلام: «خُذ منها» في جواب قول السائل:

(فأحبس عنها) يُشعر بوجوب الدفع، وأنّه يستردّ في صورة التخلّف.

وعليه، فالأظهر وجوب الدفع بعد العقد.

حكم ما لو وهب الزّوج المدّة

الفرع الثالث: (ولو وهبها) الزوج (المدّة):

فتارةً : يكون ذلك (قبل الدخول).

وأُخرى : يكون بعده.

وعلى الأوّل:

تارةً : يَهب تمام المدّة.

وأُخرى : يهب بعضها.

فإنْ وهبَ تمام المدّة، وكان قبل الدخول (ثبت نصفه) أي نصف المَهر، كما عن المشهور(1)، وعن «جامع المقاصد»(2) و «السرائر»(3) الإجماع عليه.

ص: 373


1- مسالك الأفهام: ج 7/443.
2- جامع المقاصد: ج 13/23.
3- السرائر: ج 2/622-623.

وعن «كشف اللّثام»: (هو مقطوعٌ به في كلام الأصحاب)(1).

ويشهد به: مقطوع زرعة، عن سماعة: «سألته عن رجلٍ تزوّج جاريةً أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حِلّ ، يجوز أن يدخل بها قبل أنْ يعطيها شيئاً؟

قال: نعم إذا جعلته في حِلّ فقد قبضته منه، فإنْ خلّاها قبل أنْ يدخل بها ردّت المرأة على الرّجل نصف الصداق»(2).

والمناقشة في سند الخبر بكونه مقطوعاً في غير محلّها بعد استناد الأصحاب إليه، والظنّ القويّ بكون مرجع الضمير هو الإمام عليه السلام.

والإيراد عليه: بإمكان إرادة خصوص الطلاق من التخلية، مناف لإطلاقه، وعليه فلا إشكال في ثبوت نصف المَهر.

هذا إذا وهبها تمام المدّة.

وأمّا إنْ لم يهب تمام المدّة الباقية، بل بعضها، كما لو بقى من مدّتها شهران فوهبها شهراً منهما، ولم يدخل بها إلى حين حصول الفُرقة فهل يثبت نصف المَهر أم تمامه ؟

وجهان بل قولان:

مقتضى إطلاق النّص هو الأوّل، فإنّه دالٌّ على أنّ الفرقة الحاصلة من هبة المدّة قبل الدخول موجبة لنصف المَهر.

ولو وهبها بعد الدخول استقرّ المَهر بشرط الوفاء بالمدّة، أي التمكين من نفسها في تمام مدّته التي لم يهبها.0.

ص: 374


1- كشف اللّثام: ج 7/277.
2- التهذيب: ج 7/476 ح 118، وسائل الشيعة: ج 21/63 ح 26540.

ولو أخلّت هي ببعض المدّة، سقط من المَهر بنسبته،

حكم إخلال المرأة ببعض المدّة

الفرع الرابع: (ولو أخلّت هي ببعض المدّة، سقط من المَهر بنسبته) إنْ نصفاً فنصفٌ ، وإنْ ثُلثاً فثلث، بلا خلافٍ أجده فيه كما في «الجواهر»(1).

ويشهد به: صحيح ابن حنظلة(2)، وموثّق إسحاق(3) المتقدّمان، ونحوهما غيرهما.

وقد استثني في النصوص أيّام الحيض، وتدلّ على عدم حبس المَهر بتخلّفها في تلك الأيّام.

وعليه، فهل ذكرها من قبيل التمثيل، ويكون المراد عدم الحبس بالنسبة إلى المدّة التي تخلّفت فيها لعُذرٍ شرعي أوجب عليها عدم المجيء، أم لخصوصيّةٍ في الحيض فلا يستثنى غيره ؟

أقول: ظاهرٌ أنّه ينقص من المَهر بالنسبة لو كان تخلّفها لعذرٍعقليّ ، فإنّ المأخوذ موضوعاً في الموثّق هو عدم الوفاء، وهو يشمل الإخلال لمانعٍ عقلي، وإنْ كان لايشمله ما في الصحيح من التخلّف، ولكنّهما مثبتان لا يحمل المطلق منهما على المقيّد، والظاهر اختصاص النصوص بالتخلّف في تمام اليوم واللّيلة، فلو جاءت في اليوم ولم تجيء باللّيل لا يشملها نصوص الباب.

كما أنّ الظاهر وجوب المَهر أجمع بموتها، كما جزم به الشهيد الثاني رحمه الله(4) لعدم

ص: 375


1- جواهر الكلام: ج 30/168.
2- الكافي: ج 5/461 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/61 ح 26534.
3- الكافي: ج 5/461 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/61 ح 26535.
4- مسالك الأفهام: ج 7/444 (السطر الأخير).

ولو ظهر بطلان العقد، فلا مَهر قبل الدخول، وبَعده.

شمول النصوص لهذا الفرض.

وبالجملة: مقتضى القاعدة استحقاق تمام المَهر بالدخول، خرج الإخلال منها بالمدّة لا لحيضٍ ، ويبقى غيره، فلو منع العُذر من الاستمتاعات الاُخر غير الجماع كلّ المدّة أو بعضها، لا يسقط من المَهر شيءٌ ، بل لو منع العُذر من الجماع في تمام المدّة لايسقط من المَهر شيء إنْ كانت هي مسلِّمةً نفسها وإنّما عَرض المانع من الخارج.

حكم ما لو ظهر بطلان العقد

الفرع الخامس: (ولو ظهر بطلان العقد) إمّا بظهور زوجٍ ، أو عِدّة، أو كونها محرّمة عليه جمعاً أو عيناً، أو غير تلكم من موجبات البطلان، (فلا مَهر قبل الدخول) وإنْ استمتّع بها بتقبيلٍ ونحوه، لا المسمّى لبطلان العقد، ولا مَهر المِثل، لأنّه يثبت بالدخول، والمفروض عدمه.

(و) أمّا إذا تبيّن فساد العقد (بعده)، أي بعد الدخول، ففيه أقوال:

1 - ما عن الشيخين في «المقنعة»(1)، و «النهاية»(2)، و «التهذيب»(3)، و «المهذّب»(4) من أنّ لها ما أخذت، ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي، ولم يفصّلا بين كونها عالمة أو جاهلة، بل قد يقال إنّ مرادهم أنّ لها ما أخذت ولو جميع المَهر، وله حبس الجميع لو كان عنده.

ص: 376


1- حكاه عنه في نهاية المرام: ج 1/263.
2- النهاية: ص 491.
3- التهذيب: ج 7/261 ح 54.
4- المهذّب: ج 2/242.

لها المَهر مع جهلها

2 - إنْ كانت عالمة فلا شيء لها، وإنْ كانت جاهلة فلها مجموع المسمّى، وهو مختار المحقّق في «الشرائع»(1) وجماعة(2)، وهو ظاهر عبارة المتن حيث قال: (لها المَهر مع جهلها).

3 - أنّه لا شيء لها مع العلم مطلقاً، ومع الجهل لها مَهر المثل، وهو مختار المحقّق في «النافع»(3)، والشهيد الثاني(4)، وسيّد «المدارك»(5)، وصاحب «الجواهر» رحمه الله(6) وغيرهم(7).

4 - أنّه لا شيء لها مع العلم، ومع الجهل يستحقّ أقلّ الأمرين من المسمّى ومَهر المثل.

أقول: مقتضى القاعدة هو سقوط المَهر مع علمها بالفساد، إذ لا مَهر لبغيّ (8).

وأمّا مع الجهل فقد تقدّم في المسألة السابعة من مسائل التزوّج في العِدّة: أنّ الوطء بالتزويج، فالأظهر ثبوت المسمّى، لدلالة جملةٍ من النصوص عليه، وفي المقام حيث يكون الوطء بالشبهة مع التزويج، فيثبت المسمّى .).

ص: 377


1- شرائع الإسلام: ج 2/530.
2- كما في قواعد الأحكام: ج 3/52، ورياض المسائل: ج 10/282.
3- المختصر النافع: ص 182.
4- مسالك الأفهام: ج 7/447 في قوله (وثالثها).
5- نهاية المرام: ج 1/238 (القول الثالث).
6- جواهرالكلام: ج 30/171-172.
7- كالكركي في جامع المقاصد: ج 13/25.
8- سنن البيهقي: ج 6/6: (أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن مَهر البغي وثمن الكلب).

وما في «الرياض»: (من أنّه لو قيل بلزوم أقلّ الأمرين تمسّكاً بأصالة البراءة عن الزائد لم يكن بعيداً)(1).

بعيدٌ إذ لا مجرى لأصالة البراءة مع الدليل.

وعليه، فالقول الثاني بحسب القاعدة أظهر.

وفي المقام روايتان توهم أنّهما دالّتان على خلاف ذلك:

إحداهما: حسنة حفص بن البُختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا بقى عليه شيءٌ من المَهر، وعلم أنّ لها زوجاً، فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها، ويَحبس عليها ما بقي عنده»(2).

تمسّك بها الشيخ رحمه الله في محكيّ «التهذيب» لما اختاره.

ثانيتهما: مكاتبة ابن الريّان إلى أبي الحسن عليه السلام:

«الرّجل يتزوّج المرأة متعةً بمَهرٍ إلى أجلٍ معلوم، وأعطاها بعض مهرها وأخّرته بالباقي ثم دخل بها، وعلم بعد دخوله بها قبل أنْ يوفيها باقي مهرها أنّها زوّجته نفسها، ولها زوجٌ مقيمٌ معها، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟

فكتب عليه السلام: لا يعطيها شيئاً لأنّها عصت اللّه عزّوجلّ »(3).

استدلّ بها على ما اختاره الشيخ رحمه الله أيضاً.

أقول: وأمّا الثانية المختصّة بصورة العلم، فهي لا تدلّ على ما استدلّ بها له، لأنّ قوله: «لا يعطيها شيئاً» خصوصاً مع التعليل بأنّها عَصت اللّه، ظاهرٌ في عدم8.

ص: 378


1- رياض المسائل: ج 10/284.
2- التهذيب: ج 7/261 ح 54، وسائل الشيعة: ج 21/62 ح 26537.
3- الكافي: ج 5/461 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/62 ح 26538.

استحقاقها شيئاً، وأنّ له استرجاع ما أخذته، ولكن لما كان سؤال السائل عن جواز حبس الباقي وعدمه أجابه بذلك، فكأنّه فهم منه الإعراض عمّا دفعه إليها، وعدم إرادته، ولا أقلّ من السكوت عن حكم ما دفع إليها، فيرجع فيه إلى مقتضى القاعدة وهو جواز الاسترجاع.

وأمّا الأُولى فهي وإنْ كانت مطلقة من حيث العلم والجهل، إلّاأنّه يقيّد إطلاقها بالثانية، وتختصّ بما إذا كانت جاهلة، بل ويمكن أنْ يُقال إنّ قوله: «فلها بما استحلّ من فرجها» دالٌّ على الاختصاص بصورة الجهل، إذ مع فرض كونها عالمة يكون بغيّاً، ولا مَهر لبغيّ ، فلا يناسب مع التعليل.

وحَمَلها صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) على كون المدفوع إليها مساوياً لمهر المثل أو رضاها به أو نحو ذلك، وهذا ممّا لا وجه له سوى كونها مخالفة للقاعدة، ولا محذور في ذلك، إذ كم خبرٍ يخالف القاعدة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّه لم يعمل الأصحاب بها، فتُطرح حينئذٍ لذلك، واللّه العالم.

***1.

ص: 379


1- الجواهر الكلام: ج 30/171.

ويَلحقُ به الولد وإنْ عزل، ولو نفاه فلا لعان.

حكم ما لو عزل المتمتِّع عن المتمتَّع بها وحملت

المسألة السادسة: قد مرّ سابقاً(1) أنّه يجوز العزل للمتمتّع، وإنْلم تأذن المتمتّع بها.

نعم، الأولى الاشتراط عليها، لتضمّن الأخبار له، كما مرّ (و) لكن (يلحق به الولد وإنْ عزل) بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه(2) كما في «الجواهر»، لا حتمال سبق المَنيّ من غير تنبّه، والولد للفراش، وللنصوص الآتية، وكذا في كلّ وطءٍ صحيح أو شُبهة.

(ولو نفاه) انتفى ظاهراً (فلا لعان) كما هو المشهور بين الأصحاب، بل في «الجواهر» أنّ (الإجماع بقسميه عليه)(3) وفي «الحدائق»(2) احتمال الإلحاق به قويّ .

أقول: إنّ طائفةً من النصوص تدلّ على لحوق الولد به وإنْ عزل، ومقتضى إطلاقها اللّحوق وإنْ نفاه:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في حديثٍ في المتعة ؟

قال: قلت: ارأيتَ إنْ حَبَلت ؟ قال: هو ولده»(3).

ومنها: صحيح ابن بزيع، قال: «سأل رجلٌ الرّضا عليه السلام عن الرّجل يتزوّج المرأة

ص: 380


1- فقه الصادق: ج 31/109. (2و3) جواهر الكلام: ج 30/187.
2- الحدائق الناضرة: ج 24/173، قوله: (إنّ ما دلّ عليه الخبران المذكوران - أي صحيحتي ابن أبي يعفور وابن سنان - من أنّه لا يلاعن الرّجل المرأة المتمتّع بها لا تصريح فيه بكون اللِّعان لنفي الولد... وحينئذٍ فلا دليل على الحكم المذكور، إلّاما يدّعونه من الاتّفاق إنْ ثبت، فلو قيل بعد انتفائه... لكان في غاية القوّة إلّاأنّ الخروج عمّا ظاهرهم الاتّفاق عليه مشكل، وموافقتهم من غير دليل واضح أشكل).
3- التهذيب: ج 7/264 ح 66، الكافى: ج 5/464 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/69 ح 26556.

متعةً ، ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها(1) فتأتي بعد ذلك بولدٍ، فينكر الولد؟

فشدّد في ذلك، وقال عليه السلام: يجحد! وكيفَ يجحد؟ إعظاماً لذلك.

قال الرّجل: فإنْ اتّهمها؟ قال عليه السلام: لا ينبغي لك أن تتزوّج إلّامأمونة»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

ويؤكّدها قاعدة الفراش، فإنّ المراد بالفراش ما يعمّ عقد الانقطاع أيضاً، بقرينة مقابلته بقوله صلى الله عليه و آله: «وللعاهر الحَجَر»(4).

أقول: وبإزاء تلك المجموعة، أخبارٌ وروايات اُخرى :

منها: روايات صحيح ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا يلاعن الرّجل المرأة التي يتمتّع منها»(5).

ومنها: صحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «لا يلاعن الحُرّ الأمَة، ولا الذّمية، ولا التي يتمتّع بها»(6).

ونحوهما غيرهما.

فقد استُدلّ بها لانتفاء الولد عنه بلا لعان لو نفاه، وتقريب الاستدلال بها من وجوه:

الوجه الأوّل: أنّها تدلّ على أنّه لا لعان في المتمتّع بها، فالأمر يدور بين أمرين:

إمّا انسداد باب نفي الولد.0.

ص: 381


1- أي يعزل عنها.
2- التهذيب: ج 7/269 ح 82، وسائل الشيعة: ج 21/69 ح 26557.
3- الكافي: ج 7/163، باب ميراث ولد الزِّنا ح 1.
4- وسائل الشيعة: ج 21/173-175، باب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
5- الكافي: ج 6/166 ح 17، وسائل الشيعة: ج 22/430 ح 28959.
6- التهذيب: ج 8/188 ح 12، وسائل الشيعة: ج 22/430 ح 28960.

أو انتفائه بلا لعانٍ .

والأوّل يلزم منه كونه أقوى من ولد الزّوجة الدائمة، ومن المعلوم كون المتمتّع بها أنقص وأدون فراشاً من الدائمة، كما يؤمى إليه عطف المتمتّع بها بالأمَة، فيتعيّن الثاني.

الوجه الثاني: إنّ هذه النصوص ناظرة إلى الأدلّة الدالّة على أنّ انتفاء الولد يتوقّف على اللِّعان في الدائمة، فتدلّ على أنّ انتفاء الولد لا يتوقّف في المنقطعة على اللِّعان.

الوجه الثالث: أنّ الظاهر من نفي اللِّعان كنفي الضرر، نفي آثاره، منها اشتراطه في انتفاء الولد عنه بنفيه.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأخير: فلأنّ النصوص تنهى عن اللِّعان، ولا تكون بلسان نفي اللِّعان، والفرق بين التعبيرين ظاهرٌ، مع أنّه لو كان بلسان النفي غاية ما يثبت بها عدم ثبوت حكم اللِّعان، وهو انتفاء الولد به لا ثبوت الانتفاء بدونه، كما لايخفى .

وأمّا ما قبله: فلأنّ كون هذه النصوص ناظرة إلى نصوص انتفاء الولد في الدائمة باللعان غير ظاهر.

مع أنّه يرد عليه الوجه الثاني الذي أوردناه على الأوّل.

وأمّا التقريب الأوّل فيردّه: أنّه لعدم العلم بمناطات الأحكام الشرعيّة لا مانع من الالتزام بأنّه لا ينتفي الولد في المنقطعة بنفيه مطلقاً.

فالحقّ أنّه ليس في مقابل إطلاق تلكم النصوص سوى الإجماع والتسالم، ولعلّه بضميمة الوجه الأوّل كافيان في إثبات الحكم، فتأمّل.

ص: 382

ولا يقعُ بها طلاقٌ ولا لعان،

عدم وقوع الطلاق والظهار واللِّعان بالمتعة

المسألة السابعة: لا إشكال (و) لاخلاف فتوى ونصّاً في أنّ المتعة (لا يقع بها طلاق)، وأنّها تبين بانقضاء المدّة أو هبتها على وجهٍ ليس له الرجوع في العِدّة.

(و) أيضاً لا خلاف في أنّه (لا) يقع بها (لعانٌ ) لنفي الولد، وقد مرّ الكلام فيه.

وأمّا اللِّعان: للقذف، فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّه لا يقع بها، للصحيحين المتقدّمين.

وعن الشيخ المفيد(2)، والسيّد المرتضى(3): وقوعه بها، لعموم الآية، والنصوص الدالّة على وقوع اللِّعان في الزّوجة.

وأُورد عليهما: بأنّ النسبة عموم مطلق، والكتاب فضلاً عن النصوص يقيّد إطلاقه بالسنة، ويمكن أنْ يوجّه كلامهما بأنّ النسبة بين الآية المتضمّنة للّعان بالقذف، وكذا ما ماثلها من النصوص وبين الصحيحين عمومٌ من وجه، وفي العامين من وجه إنْ كان أحد الطرفين الكتاب يقدّم الكتاب بناءً على ما هو الأظهر من أنّه يرجع فيهما إلى المرجّحات السنديّة، ولا معنى لذلك فيما إذا كان أحدهما الكتاب، وحيث أنّه من المرجّحات موافقة الكتاب، فنفس الكتاب أولى بالتقديم، فما أفاداه قويّ بحسب الدليل، ولكن لعدم إفتاء الأصحاب به يتوقّف في الفتوى.

ص: 383


1- نسبه الكركي إلى الأكثر كالشيخ وابن الجنيد وأبي الصلاح والمحقّق، راجع جامع المقاصد: ج 13/35.
2- المسائل الصاغانيّة: ص 48-49.
3- الانتصار: ص 276 في قوله: (والذي ذكروه رابعاً جوابه... والظهار أيضاً يقع بالتمتّع بها وكذلك اللِّعان).

ولا ظهار،

(و) أمّا الظهار: المشهور بين الأصحاب(1) وقوع الظهار، وعن جماعةٍ منهم الصدوق(2)، والحِلّي(3)، والمصنّف رحمه الله أنّه (لا) يقع بها (ظهار).

يشهد للأوّل:

1 - إطلاق الآية(4).

2 - وإطلاق الرويات الآتية(5) في محلّها الدالّة على تشريع الظهار، فإنّ الموضوع له في الكتاب والسُّنة نسائهم، ولا ريب في شمولها للمنقطعة.

واستدلّ للثاني: بأنّ أحكامه عليخلاف الأصل، فيقتصر فيها عليموضع اليقين.

3 - وبأصالة بقاء الحليّة والإباحة.

4 - وبأنّ من أحكامه إلزام المظاهر بالرجوع بالوطء أو الطلاق، وليس للمتمتّع بها حقّ في الوطء، ولا يقع بها طلاقٌ ، وقيام هبة المدّة مقامه قياسٌ لا نقول به.

5 - وبأنّ أمره بأحد الأمرين موقوفٌ على المرافعة المتوقّفة عليوجوب الوطء.

6 - وبمرسل ابن فضّال، عمّن أخبره، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«لا يكون الظهار إلّاعلى مثل موضع الطلاق»(6).0.

ص: 384


1- رياض المسائل: ج 10/296.
2- الهداية: ص 274 قوله: (ولا يقع الظاهر إلّاعلى موضع الطلاق).
3- السرائر: ج 2/624.
4- سورة المجادلة: الآية 2-3.
5- فقه الصادق: ج 34/7، تحت عنوان: (الفصل الخامس: في الظهار).
6- الكافي: ج 6/154 ح 5، وسائل الشيعة: ج 22/307 ح 28660.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأولان: فلأنّه لا وجه للاقتصار على المتيقّن، ولا الرجوع إلى الأصل مع إطلاق الأدلّة.

وأمّا الثالث: فلعدم الدليل على ملازمة هذا الحكم للظهار، إذ من الجائز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين وهو الدائمة.

ودعوى: أنّ مقتضى إطلاق دليله ثبوته في كلّ ظهارٍ، فمن عدم ثبوته في موردٍ يستشكشف عدم الظهار هناك.

مندفعة: بأنّ أصالة الإطلاق يرجع إليها لتعيين الحكم، ولا يرجع إليها بعد معلوميّته لتعيين الموضوع.

وأمّا الرابع: فيظهر فيه ما ذكرناه في ما قبله.

وأمّا الخامس: فلأنّه ضعيف بالإرسال، والأصحاب لم يستندوا إليه كي ينجبر ضعفه بالشهرة، مع أنّه يمكن أنْ يكون المراد به ما في سائر النصوص من اعتبار وقوع الظهار على طهر بغير جماعٍ بشهادة شاهدين.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر وقوع الظهار بها.

***

ص: 385

ولا ميراث لها وإنْ شرط،

عدم ثبوت التوارث في المتعة

المسألة الثامنة: اختلف الأصحاب في ثبوت التوارث بالمتعة على أقوال:

القول الأوّل: ما في المتن (و) هو أنّه (لا ميراث لها وإنْ شرط) فلا توارث فيها من الجانبين، سواءٌ شرطا التوارث أو عدمه، أو لم يشترطا، وهو الذي اختاره أبو الصلاح(1)، والحِلّي(2)، وابن المصنّف فخر المحقّقين(3)، والمحقّق الثاني(4).

وفي «الحدائق»: (والظاهر أنّه مذهب أكثر المتأخّرين)(5).

القول الثاني: عكس هذا القول، وهو أنّها تقتضي التوارث كالدائم حتّى لو شرطاسقوطه، وبطل الشرط، كما لو شرطا عدمه في الدائم، وهو مختار ابن البرّاج(6).

القول الثالث: أنّ أصل العقد لا يقتضي التوارث، ولكن باشتراطه يثبت، وهو مذهب الشيخ(7) وأتباعه(8) إلّاالقاضي، وبه قطع المحقّق(9) والشهيد الثاني(10)

ص: 386


1- الكافي في الفقه: ص 298.
2- السرائر: ج 2/624.
3- إيضاح الفوائد: ج 3/132.
4- جامع المقاصد: ج 13/37.
5- الحدائق الناضرة: ج 24/176 قوله: (وثانيها).
6- المهذّب: ج 2/240.
7- النهاية: ص 492.
8- الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص 309 قوله: (فصل: في بيان نكاح المتعة).
9- شرائع الإسلام: ج 2/532.
10- مسالك الأفهام: ج 7/468-470 قوله: (ثالثها).

وقيل: (كاد أنْ يكون هذا القول مشهوراً)(1).

القول الرابع: أنّهما يتوارثان ما لم يشترطا سقوطه، ذهب اليه السيّد المرتضى(2)وابن أبي عقيل(3).

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، وإلّا فمقتضى عموم الآية الكريمة(4)ثبوت التوارث مطلقاً، وهي على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على عدم ثبوت التوارث مطلقاً:

منها: صحيح ابن أبي عمير أو حسنه، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ في المتعة قال: «فإنْ حَدَث به حدثٌ لم يكن لها ميراث»(5).

ومنها: صحيح عمر بن حنظلة، عنه عليه السلام في حديثٍ في المتعة: «وليس بينهما ميراث»(6).

ومنها: صحيح سعيد بن يسار، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة متعةً ولم يشترط الميراث ؟

قال عليه السلام: ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط»(7).

ونحوها غيرها.2.

ص: 387


1- رياض المسائل: ج 10/300.
2- الانتصار: ص 274-275.
3- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/226.
4- سورة النساء: الآية 12.
5- الكافي: ج 5/466 ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/67 ح 26548.
6- التهذيب: ج 7/270 ح 83، وسائل الشيعة: ج 21/67 ح 26551.
7- التهذيب: ج 7/264 ح 67، وسائل الشيعة: ج 21/67 ح 26552.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على ثبوت الميراث إلّامع اشتراط سقوطه:

منها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة متعة ؟

قال: إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنّما الشرط بعد النكاح»(1).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على ثبوت الميراث في صورة اشتراطه خاصّة:

منها: صحيح البزنطي، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام، قال:

«تزويج المتعة نكاح بميراث، ونكاح بغير ميراث إنْ اشترطت الميراث كان، وإنْ لم تشترط لم يكن»(2).

ونحوه صحيح محمّد بن مسلم، وغيره(3).

واستدلّ للقول الأوّل: بالطائفة الأُولى بدعوى أنّها تدلّ على أنّه لا ميراث بينهما مطلقاً، وحينئذٍ لو شرط الإرث، يكون الشرط مخالفاً للكتاب والسُّنة، ولا يكون نافذاً و صحيحاً.

وللقول الثاني: بعموم الآية.

وللقول الثالث: بالطائفة الثالثة.

وللقول الرابع: بالطائفة الثانية.

ولكن الحقّ أنْ يُقال: إنّ إطلاق الآية الكريمة والطائفة الأُولى من النصوص يقيّد بالطائفة الثالثة، فإنّها أخصّ منهما.

فإنْ قيل: إنّ صحيح سعيد نصٌّ في عدم الإرث حتّى مع اشتراطه، فيعارض مع الطائفة الثالثة.0.

ص: 388


1- الكافي: ج 5/465 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/66 ح 26547.
2- الكافي: ج 5/465 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/66 ح 26546.
3- التهذيب: ج 7/264 ح 66، وسائل الشيعة: ج 21/67 ح 26550.

قلنا: إنّ محتملات قوله عليه السلام: «اشترط» في صحيح سعيد ثلاثة:

1 - أنْ يكون راجعاً إلى قول السائل مع إرادة اشتراط الإرث من قوله: «ولم يشترط الميراث»، فيدلّ على عدم الإرث حتّى مع اشتراط ثبوته.

2 - أنْ يكون راجعاً إلى قوله: (ولكن المراد من قول السائل لم يشترط الميراث أنّه لم يشترط النفي) فإنّه المتعارف اشتراطه في نكاح الانقطاع دونه في الزمان السابق، كما يفصح عنه المستفيضة المتضمّنة لعدم اشتراطه في الشروط المذكورة في العبارة المنعقد بها عقد المتعة(1)، فيدلّ على عدم الإرث مع اشتراط عدمه.

3 - أنْ يكون راجعاً إلى قوله عليه السلام: «ليس بينهما» فيدلّ على أنّ عدم الإرث لا يتوقّف على الاشتراط، بل اشترط عدمه أو لم يشترط لا يكون هناك إرثٌ .

وعلى الأخيرين لايعارض مع الطائفة الثالثة كما لايخفى ، وحيث أنّه مجملٌ قابلٌ للحمل على كلٍّ من المعاني، فلا يصلح للمعارضة، بل يبيّن إجماله بالطائفة الثالثة.

مع أنّه لو سُلّم ظهوره في المعنى الأوّل، حيث يكون قابلاً للحمل على أحد الأخيرين، فيُحمل عليه بقرينة الطائفة الثالثة الصريحة في ثبوت الإرث مع اشتراطه، لأنّ حمل الظاهر على النّص من الجمع العرفي المقبول.

وأمّا الطائفة الثانية: فقوله عليه السلام: «يتوارثان إذا لم يشترطا» حيث يكون ظاهره ثبوت الإرث إنْ لم يشترط ثبوته، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فيدور الأمر:

بين حمله على إرادة اشتراط عدمه، فيدلّ عليثبوت الإرث مالم يشترط عدمه.

وبين حمله على إرادة اشتراط الأجل، فيدلّ على أنّه إذا لم يشترط الأجلة.

ص: 389


1- وسائل الشيعة: ج 21/43-45 باب 18 من أبواب المتعة.

ينقلب العقد دائماً فيتوارثان.

وحيثُ لا مرجّح لأحد الاحتمالين، فيكون الخبر مجملاً وساقطاً عن الاستدلال به.

مع أنّه لو سُلّم ظهوره في الأوّل، تكون النسبة بينه وبين الطائفة الثالثة عموماً من وجه، وهي تُقدّم للأشهريّة وأصحيّة السند وغيرهما.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على أنّ النكاح المنقطع بنفسه لايقتضي التوارث، وإنّما يثبت التوارث بالاشتراط.

ودعوى: أنّ الشرط حينئذٍ مخالفٌ للكتاب السُّنة، فلا يكون نافذاً.

مندفعة: بأنّه يخصّص ما دلّ على أنّ الشرط المخالف للكتاب والسُّنة غير نافذٍ بالنصوص المتقدّمة، بل تقدّمها عليه إنّما هو بالتخصّص لا بالتخصيص، كما لا يخفى .

***

ص: 390

وتعتدُّ بعد الأجل بحيضتين، أو بخمسة وأربعين يوماً،

عِدّة المُتمتّع بها

المسألة التاسعة: إذا انقضت مدّة المتمتّع بها بعد الدخول، أو وهبت، ففي مدّة عِدّتها خلافٌ بين الأصحاب:

القول الأوّل: ما ذكره المصنّف في المتن: (وتعتدُّ بعد الأجل بحيضتين أو بخمسة وأربعين يوماً).

والمراد أنّها حيضتان، وإنْ كانت في سنّ مَن تحيض ولا تحيض فخمسة وأربعون يوماً، وهو مختار الشيخ في محكيّ «النهاية»(1)، وابن البرّاج(2)، وسلّار(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والشهيد في «اللُّمعة»(5) وغيرهم(6).

والظاهر أنّ الخلاف بينهم إنّما هو في الشقّ الأوّل، وإلّا فالثاني متّفقٌ عليه، وفي «الجواهر» دعوى الإجماع بقسميه عليه(7).

القول الثاني: أنّها حيضة واحدة، ذهب إليه ابن أبي عقيل(8).

ص: 391


1- النهاية: ص 492.
2- المهذّب: ج 2/243-244.
3- المراسم: ص 167-168.
4- شرائع الإسلام: ج 2/532.
5- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 168.
6- مسالك الأفهام: ج 7/472-473.
7- جواهر الكلام: ج 30/199.
8- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/232.

القول الثالث: ما عن الصدوق في «المقنع»(1) من أنّها حيضة ونصف.

القول الرابع: ما عن الشيخ المفيد(2)، وابن إدريس(3)، والمصنّف في «المختلف»(4)، وظاهر الشهيد الثاني في «المسالك»(5) من أنّها طُهران.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على القول الأوّل:

منها: صحيح إسماعيل بن الفضل أو حسنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المتعة ؟ فقال عليه السلام: إلق عبد الملك بن جُريح فاسأله عنها، فإنّ عنده منها علماً!.

فأتيته فأملى عليَّ شيئاً كثيراً في استحلالها، وكان فيما روى ابن جُريح، قال:

ليس فيها وقت - إلى أنْ قال -: وعِدّتها حيضتان، وإنْ كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوماً.

قال: فأتيتُ بالكتاب أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: صدق وأقرّ به»(6).

ونحوه في ذلك خبر أبي بصير المرويّ عن «تفسيرالعيّاشي»(7)، وخبره الآخر(8).

وأمّا ما استدلّ به في محكيّ «المسالك»(9)، و «الروضة»(10) له من2.

ص: 392


1- المقنع: ص 341.
2- المقنعة: ص 536.
3- السرائر: ج 2/625.
4- مختلف الشيعة: ج 7/232.
5- مسالك الأفهام: ج 7/472-473.
6- الكافي: ج 5/451 ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/19 ح 26413.
7- تفسير العيّاشي: ج 1/233 ح 86، وسائل الشيعة: ج 21/56 ح 26521.
8- المستدرك: ج 14/466 ح 17318.
9- مسالك الأفهام: ج 7/472-473.
10- الروضة البهيّة: ج 5/301-302.

صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ على المتمتّعة ما على الأمَة»(1) بدعوى أنّه بضميمة ما دلّ على أنّ عِدّة الأمَة حيضتان، يدلّ على المطلوب.

فغير تامّ ، فإنّ هذا الكلام من الإمام عليه السلام في الصحيح بعد قوله: «وعِدّة المطلّقة ثلاثة أشهر، والأمَة المطلّقة نصف ما على الحُرّة» فهو ظاهرٌ في إرادة المماثلة بالأشهر.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على القول الثاني:

منها: صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عِدّة المتمتّعة إنْ كانت تحيض فحيضة، وإنْ كانت لا تحيض فشهر ونصف»(2).

والإيراد عليه: بأنّه مرويٌّ في «الكافي»(3) مع إسقاط عِدّة المتمتّعة، فما في أوّله اجتهادٌ من راويه كذلك كما هي عادته غالباً.

في غير محلّه: لما مر من أنّه عند دوران الأمر بين الزيادة والنقصان يُبنى على وجود الزيادة، وأنّه نقص عن النقل الآخر سهواً.

مع أنّ في ذيل خبر إسماعيل المتقدّم أنّه - أي زرارة - كان يقول: «إنْ كانت تحيض فحيضة».

ومنها: خبر البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام، قال:

«قال أبو جعفر عليه السلام: عِدّة المتعة حيضة، وقال: خمسة وأربعون يوماً لبعض أصحابه»(4).4.

ص: 393


1- التهذيب: ج 8/157 ح 144، وسائل الشيعة: ج 22/275 ح 28581.
2- التهذيب: ج 8/165 ح 172، وسائل الشيعة: ج 21/51 ح 26509.
3- الكافي: ج 5/458 ح 1.
4- قرب الإسناد: ص 361 ح 1293 مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، وسائل الشيعة: ج 21/53 ح 26514.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على القول الثالث:

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة يتزوّجها الرّجل متعةً ثمّ يتوفّى عنها، هل عليها العِدّة ؟

فقال عليه السلام: تعتدّ أربعة أشهر وعشراً وإذا انقضت أيّامها وهو حَيّ فحيضة ونصف، مثل ما يجب على الأمَة»(1).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على القول الرابع، وهو حسن زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «وإنْ كان حُرٌّ تحته أمَة فطلاقه تطليقتان وعِدّته قُرءان»(2).

بدعوى أنّ المراد بالقُرء في العدد الطُهر نصّاً وفتوى، كما سيجيء في محلّه(3).

هذه هي نصوص الباب.

أقول: قد نُسب إلى بعض المحقّقين أنّ خبر الحميري عن صاحب الأمر أرواحنا فداه: «في المرأة المتمتّع بها التي وهب الزّوج مدّتها في أثناء الطمث وأراد غيره أن يزوّجها؟

قال: يستقبل بها حيضة غيرتلك الحيضة، لأنّ أقلّ العِدّة حيضة وطهرة تامّة»(4).

يصلح للجمع بين النصوص، بتقريب أنّه يدلّ على اعتبار الحيضة التامّة والطهرة التامّة.

أمّا الثاني: فواضحٌ .5.

ص: 394


1- الفقيه: ج 3/464 ح 4606، وسائل الشيعة: ج 21/52 ح 26513.
2- الكافي: ج 6/167 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/256 ح 28530.
3- فقه الصادق: ج 34/242، تحت عنوان: (تعتدّ المستقيمة الحيض بالإقراء).
4- الاحتجاج: ج 2/311، وسائل الشيعة: ج 21/53 ح 26515.

وأمّا الأوّل: فلقوله عليه السلام: «يستقبل بها حيضة» إذ لو كانت الحيضة الناقصة كافية لم يكن وجه لقوله: «يستقبل بها حيضة».

وعليه فحيث أنّ وقوع الهبة في الآن المتّصل بزمان حيضها أو الآن المتّصل بزمان طهرها في غاية الندرة، بل الغالب وقوعها في أثناء الحيض أو الطهر، فالحيضة والطهرة التامّتان لا تنفكّان عن الطهرين أو الحيضة والنصف، فإنْ كان في أثناء الطهر، فتقع الحيضة التامّة من عِدّتها بين الطهرين:

أحدهما: وهب مدّتها فيه.

والآخر: الطهر التامّ الذي يكون من عِدّتها.

وإنْ وقع في أثناء حيضها، فيقع الطهر التامّ من عِدّتها بين الحيضتين.

إحداهما: الحيضة التي وهب مدّتها فيها.

والاُخرى : الحيضة التامّة تكون من عِدّتها(1).

ولا يبعد أنْ يكون نظر صاحب «الجواهر» رحمه الله إلى ذلك، راجع «الجواهر»(2)برغم أنّ عبارتها قاصرة عن إفادة ذلك.

ولكن يبقى حينئذٍ نصوص الحيضة على حالها، وهي لإعراض المشهور عنها تُطرح، وما ذكر من الجمع إنْ كان تامّاً وإلّا فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم نصوص الحيضتين للأشهريّة، سيّما بعد كون الطائفة الرابعة مجملة من جهة أنّ كون المراد بالقُرء في العدد الطُهر، غير ملازمٍ لإرادته منه في المقام.9.

ص: 395


1- جامع المدارك: ج 4/313.
2- جواهر الكلام: ج 30/199.

بحث: هل المراد بالحيضتين التامّتان، فلا يجزي حينئذٍ انقضاء أجلها في أثناء حيضتها، والدخول في حيضة أُخرى؟

أو أنّه يكفي فيها بعض الحيضة الأُولى ولو لحظة، والحيضة الثانية ولو لحظة ؟

أو أنّه لابدّ من تمام الحيضة الثانية خاصّة أو العكس أو لابدّ من حيضةٍ كاملة ولحظةٍ من حيضةٍ أُخرى من غير فرق بين السابقة واللّاحقة ؟ وجوه:

ظاهر النصوص هو الأوّل، وصريح خبر «الاحتجاج» هو الثالث، ولكنّه غير نقيّ السند.

ثمّ إنّ جماعة من الأصحاب منهم سيّد «المدارك»(1)، والمحدِّث الكاشاني(2)، والفاضل الخراساني رحمه الله(3) توقّفوا في المسألة، وإن جعل السيّد الجمع الآتي أولى .

وجماعة آخرين منهم المجلسي قدس سره(4) جمعوا بين الأخبار بحمل ما زاد على الحيضة على الاستحباب، وجعله السيّد أولى .

وصاحب «الحدائق» رحمه الله(5) قدّم نصوص الحيضتين لموافقتها للاحتياط.

أقول: والكلّ كما ترى ، إذ التوقّف لا وجه له؛ لأنّه إنْ أمكن الجمع العرفي فهو المتعيّن، وإلّا فلابدّ من الرجوع إلى أخبار الترجيح، وقد عرفت أنّها تقتضي تقديم نصوص الحيضتين.9.

ص: 396


1- نهاية المرام: ج 1/255-258.
2- مفاتيح الشرائع: ج 2/350 مفتاح 811.
3- كفاية الأحكام: ص 171.
4- نقله عنه البحراني في الحدائق الناضرة: ج 24/189، وقال في الحاشية: (وبه صرّح شيخنا المجلسي قدس سره في حواشيه على التهذيب...).
5- الحدائق الناظرة: ج 24/189.

وفي الموت بأربعة أشهرٍ وعشرة أيّام.

وحمل ما زاد على الحيضة على الاستحباب جمعٌ تبرّعي لا عرفي، إذ لو عُرض قوله عليه السلام: «عِدّتها حيضتان» مع قوله عليه السلام: «عِدّتها حيضة واحدة» أو «حيضة ونصف» على أهل العرف يرونهما متهافتين، ولا يرون أحدهما قرينةً على الآخر، والموافقة للاحتياط ليست من المرجّحات، وعلى فرض كونها منها فالمرجّحات التي قبلها موجودة. وعليه، فالصحيح ما ذكرناه.

عِدّة المتمتّع بها من الوفاة

أقول: هذا كلّه في عِدّة الفراق (و) أمّا (في الموت): فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّها تعتدّ (بأربعة أشهر وعشرة أيّام) إنْ لم تكن حاملاً.

وعن المفيد(2)، والمرتضى(3)، والعُمّاني(4)، وسلّار(5): أنّ عِدّتها شهران وخمسة أيّام.

يشهد للأوّل: مضافاً إلى عموم الآية الكريمة(6)، جملةٌ من النصوص:

ص: 397


1- جامع المقاصد: ج 31/42-43.
2- المقنعة: ص 536.
3- الانتصار: ص 274-275، في جوابه علي من استدلّ على أنّها ليست زوجة، بأنّها لو كانت زوجة لوجب أن تعتدّ عِدّة الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيّام.
4- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/234.
5- المراسم العلويّة: ص 166.
6- سورة البقرة: الآية 234.

ففي صحيح ابن الحجّاج(1) المتقدّم: «تعتدّ بأربعة أشهر وعشراً».

وكذا في صحيح زرارة(2) الذي تقدّم.

أقول: وبإزائهما خبران:

أحدهما: مرسل الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل تزوّج امراةً متعةً ، ثمّ مات عنها، ما عِدّتها؟ قال: خمسة وستّون يوماً»(3).

استدلّ به للقول الثاني، لكنّه ضعيفٌ مرسلٌ ، وفي طريقه الطاطري الواقفي الذي قيل فيه إنّه: (شديد العناد في مذهبه، صعب العصبيّة على من خالفه من الإماميّة) ومعارضٌ مع ما هو أشهر وأصحّ سنداً منه، فيتعيّن طرحه.

ثانيهما: خبر عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عِدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوماً»(4).

ولكنّه لعدم عمل أحدٍ من الأصحاب به، حُمل على ما إذا كان الموت بعد انقضاء الأجل، ولعلّه يشعر به عطف الموت بالفاء، فيكون المراد من قوله: (تمتّع بها) استيفاء التمتّع بها في تمام المدّة لا إحداث التمتّع.

أقول: وربما يستدلّ للقول الثاني مضافاً إلى ما مرّ:

بأنّها كالأمَة في الحياة، فكذلك في الموت.

وتقريب الدليل: بوجهٍ يخرج عن القياس هو أنّ ذلك مقتضى عموم المنزلة، المستفادة من قوله عليه السلام في صحيح زرارة المتقدّم: «وكذلك المتعة عليها2.

ص: 398


1- الفقيه: ج 2/464 ح 4606، وسائل الشيعة: ج 21/52 ح 26513.
2- التهذيب: ج 8/157 ح 144، وسائل الشيعة: ج 22/275 ح 28581.
3- التهذيب: ج 8/158 ح 146، وسائل الشيعة: ج 22/276 ح 28583.
4- التهذيب: ج 8/157 ح 145، وسائل الشيعة: ج 22/276 ح 28582.

مثل ما على الأمَة»(1).

ولكن يرد عليه: أنّ التنزيل في الخبر بلحاظ خصوص عدّة الفراق لا الموت، للتصريح في صدره بكون عِدّة الوفاء في الجميع أربعة أشهر وعشراً، مع أنّه لو سُلّم عموم المنزلة يتعيّن تقييد إطلاقه بالصحيحين المتقدّمين.

وعليه، فما أفاده المشهور أظهر.

هذا كلّه إذا كانت حائلاً.

وأمّا إذا كانت حاملاً: فلا خلاف بينهم في أنّ عِدّتها أبعد الأجلين: من وضع الحمل، وعِدّة الوفاة.

ويشهد به: إطلاق النصوص الدالّة على أنّ عِدّة الحُبلى المتوفّى عنها زوجها أبعد الأجلين:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قال في الحامل المتوفّى عنها زوجها، تنقضي عِدّتها آخر الأجلين»(2).

ومنها: موثّق سماعة، قال: «المتوفّى عنها زوجها الحامل أجلها آخر الأجلين إنْ كانت حُبلى فتمّت لها أربعة أشهر وعشراً، ولم تضع فإنّ عِدّتها إلى أن تضع، وإنْ كانت تضع حملها قبل أنْ يتمّ لها أربعة أشهر وعشراً، تعتدّ بعدما تضع تمام أربعة أشهر وعشر، وذلك أبعد الأجلين»(3).

ونحوهما غيرهما. ومع هذه النصوص لاحاجة إلى التمسّك بالاستصحاب، ولا مورد له كي يعارض بالاستصحاب التعليقي، فتدبّر.7.

ص: 399


1- التهذيب: ج 8/157 ح 144، وسائل الشيعة: ج 22/275 ح 28581.
2- الكافي: ج 6/114 ح 2، وسائل الشيعة: ج 22/241 ح 28490.
3- الكافي: ج 6/113 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/240 ح 28487.

تجديد العقد على المتمتّع بها قبل انقضاء الأجل

المسألة العاشرة: المشهور(1) بين الأصحاب أنّه لا يصحّ له تجديد العقد على المتمتّع بها دائماً أو منقطعاً قبل انقضاء الأجل أو هبته.

واستدلّوا له:

1 - بأنّه يلزم من صحّة العقد أحد المحذورين:

إمّا تحصيل الحاصل، لو قلنا بتأثير العقد الجديد من حينه.

أو تأخّر أثره لو قلنا بتاثيره بعد انقضاء أجل العقد الأوّل.

2 - وبمفهوم صحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في المتعة، قال:

«لابأس بأن تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول لها: استحللتكٍ بأجلٍ آخر برضاً منها، ولا يحلّ ذلك لغيركَ حتّى تنقضي عِدّتها»(2).

3 - وبخبر أبان بن تغلب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جُعِلت فداك الرّجل يتزوّج المرأة متعةً فيزوّجها على شهر، ثمّ إنّها تقع في قلبه فيحبُّ أنْ يكون شرطه أكثر من شهر، فهل يجوز أن يزيدها في اجرها ويزداد في الأيّام قبل أنْ تنقضي أيّامه التي شرط عليها؟

فقال عليه السلام: لا يجوز شرطان في شرط.

قلت كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: يتصدّق عليها بما بقي من الأيّام ثمّ يستانف شرطاً جديداً»(3).

ص: 400


1- مختلف الشيعة: ج 7/244-245.
2- الكافي: ج 5/458 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/54 ح 26517.
3- الكافي: ج 5/458 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/57 ح 26524.

أقول: ولكن يرد على الوجه العقلي:

أوّلاً: أنّه لو تمّ لاختصّ بما إذا عقد عليها ثانياً بأجلٍ من حين العقد، وأمّا لو عقد عليها بأجلٍ من حين انقضاء الأجل الأوّل، فلا يلزم ذلك المحذور، وقد مرّ(1)عدم لزوم اتّصال المدّة بالعقد.

وثانياً: إنّ الزوجيّة من الاُمور الاعتباريّة، والاعتبار خفيف المؤونة، فلامانع من اعتبار زوجيّتها من حين العقد، غاية الأمر قبل انقضاء الأجل الأوّل يلتزم بالتأكّد نظير التأكّد في الأحكام التكليفيّة.

وأمّا خبر أبان: فمضافاً إلى ضعف سنده لإبراهيم بن المفضل(2)، أنّه محتملٌ لأن يراد به زيادة الأجَل والمَهر في أثناء المدّة، تعويلاً على العقد السابق، من غير تجديدٍ، ليكون بمنزلة اشتراط أجَلين ومَهرين في عقدٍ واحد، ويكون هذا هو المراد من قوله عليه السلام: «لايجوز شرطان في شرط» أي أجلان في عقدٍ واحد، ولا نظر له إلى أجلين في عقدين، وإنْ تداخل الأجلان، فإنّه ليس حينئذٍ أجلان في عقدٍ واحد.

وأمّا الصحيح: فقد يمنع كون مفهومه ذلك، باعتبار وروده في تفسير قوله تعالى : (وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ اَلْفَرِيضَةِ ) (3).

ولما في ذيله: «ولا يحلّ ذلك لغيرك» فيكون المراد به حينئذٍ أنّ العقد المستأنف بعد مضيّ الأجل بلا فصل يختصّ بالزوج، وأمّا غيره فلابدّ أن لا يعقد عليها حتّى تنقضي عِدّتها.4.

ص: 401


1- راجع مبحث: (عدم اعتبار اتّصال المدّة بالعقد) من هذا الجزء ص 352.
2- رجال الطوسي: ص 157 رقم 47، قوله: (إبراهيم بن مفضل بن قيس بن رمانة الأشعري، مولاهم، أسند عنه).
3- سورة النساء: الآية 24.

أقول: ويؤيّده خبر عبد السلام، عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية:

«قلت: إنْ أراد أن يزيدها ويزداد قبل انقضاء الأجل الذي أجل ؟

قال عليه السلام: لا بأس بأن يكون ذلك برضاً منه ومنها بالأجل والوقت»(1).

وعلى هذا فيقوى ما عن العُمّاني(2)، وابن حمزة(3)، والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(4)من الصحّة.

ولكن الإنصاف أنّ منع ثبوت المفهوم للصحيح في غير محلّه، وبه يقيّد إطلاق خبر عبد السلام، بأن يتصدّق عليها بما بقى من المدّة ثمّ يستأنف العقد الجديد.

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص الصحيح بالعقد بالأجل من حين العقد، ولا يشمل ما لو عقد عليها بأجلٍ من حين انقضاء الأجل الأوّل، فإنّه من قبيل العقد بعد انقطاع الأجل، فإنّ عقد الزوجيّة إنّما يكون من ذلك الحين، وإنْ كان إبرازه وإنشائه قبل الانقضاء، والخبر ظاهرٌ في المنع عن نفس التزويج قبل الانقضاء لا عن إنشائه.

كما أنّ صريح الخبرين الاختصاص بالمنقطع، ولا يعمّان ما لو كان العقد الثاني عقد دوام، ومقتضى القاعدة كما عرفت صحّته.

***5.

ص: 402


1- تفسير العيّاشي: ج 1/234 ح 88، وسائل الشيعة: ج 21/56 ح 26523.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/245، قوله: (قال ابن أبي عقيل: لو نكح متعةً إلى أيّام مسمّاة فإن أراد أن ينكحها نكاح الدائم قبل أن تنقضي أيّامه منها لم يجز له ذلك).
3- الوسيلة: ص 310.
4- مختلف الشيعة: ج 7/245.

حكم الشرط المذكور قبل العقد

المسألة الحادية عشرة: لا إشكال ولا خلاف في أنّه يعتبر في لزوم الوفاء بما يشترط في عقد الانقطاع من الشروط السائغة، ذكرها في ضمن العقد، بأن تكون مقترنة بالإيجاب والقبول، لما حُقّق في محلّه(1) من أنّ الشرط غير المذكور في العقد لا يجبُ الوفاء به، إمّا لعدم صدق الشرط عليه الذي هو بمعنى الربط، أو للإجماع.

وإنّما الكلام في المقام في موردين:

المورد الأوّل: المشهور(2) أنّه لايجب الوفاء بالشرط المذكور قبل العقد، وإنْ كان من قبيل الشروط المضمرة المبنيّ عليها العقد، ووقع العقد مبنيّاً عليه، الذي هو من قبيل الذكر في العقد في سائر العقود، بل في «الرياض» دعوى الإجماع(3) عليه.

أقول: قد استدلّ له بنصوص:

منها: موثّق ابن بكير، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة، فرضيت به، وأوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح، فإنْ أجازته فقد جاز، وإنْ لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح»(4).

ومنها: موثّقه الآخر عنه عليه السلام: «ما كان من شرطٍ قبل النكاح هدمه النكاح، وما كان بعد النكاح فهو جائز»(5).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة متعة ؟

قال: إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنّما الشرط بعد النكاح»(6).

ص: 403


1- فقه الصادق: ج 26/219، تحت عنوان: (يعتبر ذكر الشرط في متن العقد).
2- الحدائق الناضرة: ج 24/167.
3- رياض المسائل: ج 10/291.
4- الكافي: ج 5/456 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/45 ح 26492.
5- الكافي: ج 5/456 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/46 ح 26493.
6- الكافي: ج 5/456 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/47 ح 26495.

ونحوها غيرها.

وأورد على ذلك في «الجواهر»: بأنّه تُحمل النصوص المزبورة على ما كان من الشروط سابقاً، ولم يكن مضمراً حال العقد، على وجه يكون مبنيّاً عليه، لعدم صدق الشرط قبل النكاح، خاصّة بعد فرض قصده في الأثناء مدلولاً عليه بالقرائن الحاليّة(1)، ولاستبعاد اختصاص المقام عن غيره بذلك.

وفيه: أنّه ينافيه قوله عليه السلام في الموثّق: «فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح»، فإنّه كالصريح في لزوم أن يذكر ثانياً، ولا يكتفي بالمقدّر، والاستبعاد المذكور بعد عدم العلم بمناطات الأحكام في غير محلّه.

وعن المحقّق اليزدي: اختصاص النصوص بالشروط المعتبرة في المتعة من الأجل والمَهر. ويردّه: موثّق محمّد بن مسلم.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور، ولا مانع من الالتزام به في المقام.

المورد الثاني: أنّ المنسوب إلى الشيخ في «النهاية»(2) لزوم ذكر الشروط في عقد الانقطاع بعد العقد ثانياً، وعن تهذيبه(3) الاكتفاء بذكرها بعد العقد، والوجه في اختصاص شروط هذا العقد بذلك ما في النصوص السابقة، من اعتبار كون الشرط بعد النكاح، وأنّه جائزٌ دون غيره.

ولكن الظاهر منها - كما فهمه الأصحاب - اعتبار ذكر الشرط بعد الإيجاب والقبول بلا فصلٍ ، بحيث يكون من متعلّقاتهما لا بذكره بعد ولو مع فصل طويلٍ .

والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.4.

ص: 404


1- جواهر الكلام: ج 30/184.
2- النهاية: ص 493.
3- تهذيب الأحكام: ج 7/263 ح 64.

فهرس الموضوعات

حرمة الزيادة على الأربع في العقد الدائم... 7

تزويج الخامسة بعد طلاق الرابعة... 10

تزويج ذات البعل يوجب الحرمة الأبديّة... 16

تزويج المعتدّة توجبُ الحرمة الأبديّة... 21

المدارُ على علم أحدهما... 26

الدخول بعد العِدّة موجبٌ للحرمة الأبديّة... 29

حكم تزويج من شكّ في أنّها في العِدّة... 30

حكم التزويج في العِدّة بالعقد الفاسد... 32

حكم العقد على امرأةٍ توفّي زوجها قبل عِلمها بوفاته... 34

حكم ما لو تزوّج المُعتدّة، ودخل بها، ثمّ ولدت ولداً... 38

ثبوت المَهر المسمّى في وطء الشبهة... 41

حكم ما لو اجتمعت العِدّتان... 43

حرمة أُمّ الغلام الموطوء واُخته وبنته... 47

الإيقاب المتأخّر عن العقد لا يوجبُ الحرمة... 53

إفضاءُ من لم تَبلُغ تسع سنين يوجبُ الحرمة الأبديّة... 57

جواز تزويج الزاني مع مَن زنا بها... 70

حكم تزويج الزانية لغير الزاني... 74

عدم حرمة الزّوجة على الزّوج بالزّنا... 81

حكم الزِّنا بذات البعل... 83

التزويج في الإحرام... 87

عدم انحصار المتعة في عدد... 88

حرمة نكاح المطلّقة ثلاثاً على الزّوج إلّابعد التحليل... 91

ص: 405

حرمة المطلَّقة تسعاً على المُطلِّق... 94

حكم ما لو عقد ذو الثلاث على اثنتين دفعة... 101

الرِّضاع من أسباب التحريم... 105

عموم المنزلة... 108

القرابة المنضمّة بالمصاهرة... 113

لو شكّ في دخل شيء في نشر الحرمة... 117

اعتبار كون اللّبن عن نكاحٍ صحيح... 119

في اعتبار انفصال الولد وعدمه... 124

اعتبار بلوغ الرّضاع حَدّاً معيّناً... 129

تقدير فترة الرِّضاع بالزمان... 131

تقدير فترة الرِّضاع بالأثر... 140

التقدير بالعدد... 148

اعتبار كون شرب اللّبن على وجه الامتصاص من الثدي... 158

اعتبار توالي الرَّضعات... 163

اعتبار كون الرّضاع في الحولين... 168

عدم اعتبار كون الرّضاع قبل فطام ولد المرضعة... 172

اعتبار اتّحاد الفحل... 177

لا يعتبر اتّحاد الفحل إذا كان أحد الولدين نَسَبيّاً لها... 183

عدم اعتبار اتّحاد الفحل في غير الإخوة... 185

اعتبار حياة المرضعة في نشر الحرمة... 187

ما يَحرُمُ من الرِّضاع... 191

حُرمة المنسوب إلى الفَحل... 194

حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللَّبن... 195

جواز تزويج أولاد الفحل مع إخوة المرتضع... 198

عدم حرمة جَدّة المُرتضع وإخوته على الفَحل... 201

حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد المرضعة... 204

ص: 406

حكم أُمّ المرتضع على أولاد المرضعة... 206

الرّضاع اللّاحق موجبٌ للحرمة كالسّابق... 209

حكم الزوجتين المُرتضعة إحداهما من الاُخرى ... 210

إرضاع الزوجتين الكبيرتين الزوجة الصغيرة... 217

حكم مَهر الصغيرة إذا فسد نكاحها... 219

اختيار الظئر... 223

ما يثبت به الرِّضاع... 226

من أسباب التحريم اللِّعان... 230

نكاح الكتابيّة... 237

نكاح المجوسيّة... 255

نكاح الصابئة... 258

عدم جواز نكاح المسلمة مع غير المسلم... 261

حكم ارتداد أحد الزوجين... 263

حكم ارتداد أحد الزوجين بعد الدخول... 266

حكم ما لو أسلم زوج الكتابيّة... 269

حكم ما لو أسلمت زوجة الكتابي... 271

لو أسلم كافر وله أزيد من أربع منكوحات... 278

فيما يتحقّق به الاختيار... 281

إسلام الزّوج عن أكثر من أربع وثنيّات وأسلمن في العِدّة... 285

إسلام الكافر وإسلام أربع منهنّ معه... 286

لو أسلم الكافر بعد تزويج الاُمّ وبنتها... 287

حكم تزويج المؤمنة من المخالف... 293

لا يصحّ نكاح المؤمنة الناصب ولا العكس... 302

في اعتبار اليسار في الكفاءة وعدمه... 305

كراهة تزويج الفاسق... 312

في نكاح الشِّغار... 315

ص: 407

جواز تزويج الرّجل بمَن دونه نَسَباً... 321

حكم إجابة خِطبة المؤمن... 323

التعريض بالخطبة لذات البعل وذات العِدّة... 325

الفصل الرابع في المتعة... 331

صيغة عقد الانقطاع... 336

بيان محلّ المتعة... 339

اعتبار ذكر المَهر في عقد المتعة... 342

جعل الحقّ مَهراً... 344

اعتبار كون المَهر معلوماً... 346

اعتبار الأجل في عقد المتعة... 348

عدم اعتبار اتّصال المدّة بالعقد... 352

حكم الاقتصار على ذكر العدد... 357

حكم ما لو لم يُذكر الأجل... 362

بيان حَدّ المَهر... 369

وجوب دفع المَهر بالعقد... 370

حكم ما لو وهب الزّوج المدّة... 373

حكم إخلال المرأة ببعض المدّة... 375

حكم ما لو ظهر بطلان العقد... 376

حكم ما لو عزل المتمتِّع عن المتمتَّع بها وحملت... 380

عدم وقوع الطلاق والظهار واللِّعان بالمتعة... 383

عدم ثبوت التوارث في المتعة... 386

عِدّة المُتمتّع بها... 391

عِدّة المتمتّع بها من الوفاة... 397

تجديد العقد على المتمتّع بها قبل انقضاء الأجل... 400

حكم الشرط المذكور قبل العقد... 403

ص: 408

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.