فقه الصادق المجلد 31

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء الواحد والثلاثون كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

كتاب النكاح

(كتاب النكاح)

اشارة

اختلفت كلمات الفقهاء في أنّه حقيقة في الوطء، أو العقد، أو فيهما، أو مجازٌ فيهما، على أقوال:

فعن جماعةٍ من اللّغويين(1) والفقهاء(2) اختيار الأوّل، بل عن «المختلف»(3)الإجماع عليه.

وعن الرّاغب(4) وجمعٍ آخرين(5)، وفي «المستند»(6) اختيار الثاني، وذهب جمعٌ من الفقهاء(7) إلى أنّه للّعقد شرعاً، بل عن الحِلّي(8) نفي الخلاف فيه، وعن ابن فهد(9) والشيخ(10) والفخر(11) الإجماع عليه.

ص: 7


1- كما في الصحاح: ج 1/413 مادة (نكح)، قوله (النكاح: الوطىء، قد يكون العقد). ونسبه الى الأزهري في لسان العرب: ج 2/626، وذكر تفاصيل ذلك في تاج العروس: ج 2/242-243 [النكاح].
2- كما ربما يفهم من رياض المسائل: ج 10/35-36 (ط. ج).
3- مختلف الشيعة: ج 7/35 قوله: (إنّ النكاح يراد به الوطىء كما يراد به العقد، ويدلّ عليه أنّه حقيقه في اللّغة للوطأ إجماعاً فيكون كذلك في الشرع).
4- مفردات غريب القران: ص 505.
5- راجع تاج العروس: ج 2/242-243.
6- مستند الشيعة: ج 16/9.
7- كما في نهاية المرام: ج 1/19، وكشف اللّثام: ج 7/6 (ط. ج).
8- السرائر: ج 2/524.
9- المهذّب البارع: ج 3/148.
10- كما حكاه عن في جواهر الكلام: ج 29/6.
11- إيضاح الفوائد: ج 3/2.

وفيه فصول:

وعن الزَّجاج(1) اختيار الثالث، وفي «الرياض»: (وهو الظاهر من غيره)(2).

وعن «المصباح المنير»(3) اختيار الرابع، بدعوى أنّ أصله الضَمّ والاختلاط والغَلَبة.

أقول: ولكن الظاهر عدم تماميّة شيء ممّا أفادوه في المقام، بل الحقّ أنّه اسمٌ للمعنى الاعتباري المُنشَأ باللّفظ أو الفعل، نظير سائر أسام المعاملات.

توضيح ذلك: لا إشكال في أنّ النكاح من مقولة المعنى دون اللّفظ، وإلّا لم يُعقل إنشائه باللّفظ، كما لا إشكال في أنّه ليس اسماً للوطء، ولذا لا يُستقبح ذكره، ومُنشَأٌ باللّفظ وغير ذلك من القرائن، فهو اسمٌ لذلك الأمر الاعتباري الثابت قبل الشرع، وقد أمضاه الشارع وأضاف إليه قيوداً.

وحيث أنّ كلّ أمرٍ اعتباري لابدّ وأنْ يكون أصله أمراً مقوليّاً حقيقيّاً ليعتبر ذلك الأمر، فنقول إنّ الظاهر كون أصل النكاح - أي المعنى المقولي الذي يعتبر هو الضَمّ يقال: (تناكحت الأشجار) إذا انضمّ بعضها إلى بعض، فكان كلّ واحدٍ من الرّجل والمرأة فردٌ، فإذا تزوّج أحدهما بالآخر صار زوجاً بضمّ الآخر إليه، ولعلّ استعماله في الوطء من قبيل الكناية بهذا الاعتبار كما في لفظ الجماع، بل قيل إنّ اسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم تعاطيه.

(و) كيف كان، ف (فيه فصول):ا.

ص: 8


1- حكاه عنع في رياض المسائل: ج 2/68 (ط. ق).
2- رياض المسائل: ج 10/35 (ط. ج).
3- المصباح المنير: ج 9/475 باب النون مع الكاف وما يثلثهما.

الفصل الأوّل: في النكاح: النكاح ثلاثة: الدائم، والمنقطع، ومِلْك اليمين.

(الفصل الأوّل:) في أقسام (النكاح) وهي أي أقسام النكاح (ثلاثة: الدائم، والمنقطع، ومِلْك اليمين).

أمّا القسم الأوّل: فتنقيح القول فيه يقتضي البحث في مطالب:

استحبابُ النكاح في نفسه

المطلب الأوّل: النكاح في حَدّ نفسه مع قطع النظر عن الطواريء مستحبٌّ بالكتاب والسُّنة المتواترة والإجماع(1).

قال اللّه تعالى: (وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيامى مِنْكُمْ وَ اَلصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (2).

والمأمور به في هذه الآية الكريمة وإنْ كان هو إنكاح الأولياء والسّادات الأيامى - أي العزّاب من الأحرار مطلقاً - وخصوص الصالحين من العبيد والإماء، ولكن من المعلوم أنّه ليس الترغيب فيه إلّا لفضيلة النكاح ورجحانه في نفسه، وكون الإنكاح سبباً لوجوده، ومؤدّياً إلى حصوله، وهناك أخبار تشير إلى هذا المعنى:

1 - النبويّ المرويّ بين الفريقين: «من سُنّتي التزويج، فَمن رَغِب عن سنّتي فليس منّي»(3).

ص: 9


1- الخلاف: ج 4/245-246 مسألة 2، الغنية: ص 340.
2- سورة النور: الآية 32.
3- الهداية: ص 257 كتاب النكاح، المستدرك: ج 14/152 ح 16344 باب 1 من أبواب مقدّمات النكاح.

2 - وفى نبويّ آخر: «ما بُنى بناءٌ فى الإسلام أحبّ إلى اللّه عزّوجلّ من التزويج»(1).

3 - وفي ثالث: «من تزوّج أحرز نصف دينه، فليتّق في النصف الآخر»(2).

4 - وفي العلوي: «تزوّجوا فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: من أحبّ أن يتَّبع سُنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج»(3).

5 - وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة: «تزوّجوا فإنّ التزويج سُنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(4).

ونحوها غيرها.

وفي «الجواهر» - بعد حكمة باستحباب النكاح - (إجماعاً من المسلمين، فضلاً عن المؤمنين، أو ضرورة من المذهب بل الدِّين)(5).

أقول: وينبغي التنبيه على أُمور:

1 - أنّ المستفاد من جملةٍ من النصوص استحباب حُبّ النساء: لاحظ خبر عمر بن يزيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما أظنّ رجلاً يزداد في الإيمان خيراً إلّا ازداد حُبّاً للنساء»(6).

وموثّق إسحاق بن عمّار، عنه عليه السلام: «مِنْ أخلاق الأنبياء حُبّ النساء»(7).3.

ص: 10


1- الفقيه: ج 3/383 باب فضل التزويج ح 4343، وسائل الشيعة: ج 20/14 ح 24901 باب 1 من أبواب النكاح.
2- الكافي: ج 5/328 باب كراهة العزوبة ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/20 ح 24908 باب من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الكافي: ج 329/5 باب كراهة العزوبة ح 5، وسائل الشيعة: ج 17/20 ح 24911 باب 1 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- الخصال: ص 614، وسائل الشيعة: ج 20/15 ح 24903 باب من أبواب مقدّمات النكاح.
5- جواهر الكلام: ج 29/8.
6- الكافي: ج 5/320 باب حبّ النساء ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/20 ح 24922 باب 3 من أبواب مقدّمات النكاح.
7- الكافي: ج 5/320 باب حُبّ النساء ح 1، وسائل الشيعة: ج 20 ص 22 ح 24923.

وخبر أبي العبّاس، عنه عليه السلام: «العبدُ كلّما ازداد للنساء حُبّاً ازداد في الإيمان فضلاً»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار.

2 - أنّه يظهر من جملة من النصوص كراهة العزوبة، ففي الخبر عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: رذال موتاكم العُزّاب»(2) ونحوه غيره.

3 - أنّ المستفاد من جملةٍ من الأخبار أفضليّة النكاح عن التفرّغ للعبادة، كما هو الأشهر، ففي خبر ابن القداح، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيهما أعزب»(3).

ورواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن ميمون مثله، وزاد:

«وقال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: ركعتان يصلّيهما متزوّجٌ أفضل من رجلٍ عَزَبٍ يقوم ليله ويصوم نهاره»(4).

وفي خبر عبد اللّه بن ميمون، عنه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ما استفاد امريء مسلمٌ فايدةً بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تَسرّه إذا نظر إليها»(5) الحديث.ح.

ص: 11


1- الفقيه: ج 384/3 باب حُبّ النساءح 4350، وسائل الشيعة: ج 23/20 ح 24931 باب 3 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الكافي: ج 5/329 باب كراهة العزوبة ح 3، وسائل الشيعة: ج 19/20 ح 24915 باب 2 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الكافي: ج 5/328 باب كراهة العزوبة ح 1، وسائل الشيعة: ج 20 /ص 18 ح 24913 باب 2 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- الفقيه: ج 3/384 باب فضل المتزوّج ح 4347، وسائل الشيعة: ج 20/19 ح 24914 باب 2 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- الكافي: ج 5/327 باب من وقف له الزوجة الصالحه ح 1، وسائل الشيعة: ج 20 / ص 40 ح 24979 باب 9 من أبواب مقدّمات النكاح.

وفيما رواه الصدوق في محكي «الهداية» عن النبيّ صلى الله عليه و آله:

«ما بُني في الإسلام بناءٌ أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ وأعزّ من التزويج»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار.

أضف إلى ذلك أنّ الزواج أيضاً في نفسه عبادة، وما يتبعه من أداء حقوق الزوجة، وهو المزاحم للتفرّغ للعبادة عبادات اُخر شاقّة، مع أنّه يزيد من سائر العبادات بمزيدِ التأكيدات والترغيبات.

4 - وهل يختصّ استحباب النكاح بمن اشتاقت نفسه إليه - كما عن جماعةٍ (2)منهم الشيخ في «المبسوط»(3)، بل حَكم باستحباب تركه لمن لم يشتق -؟

أم يعمّ غير المشتاق كما هو الأشهر(4)؟

وجهان، أقواهما الأوّل، لإطلاق الآية والنصوص، ولأنّ فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة، بل له فوائد اُخرى مذكورة في الأخبار:

منها: زيادة النسل، وكثرة من يذكر اللّه بقوله لا إله إلّااللّه، لاحظ الخبر الذي رواه جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ اللّه يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلّااللّه»(5).

ومنها: زيادة الرزق، ففي خبر هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «جاءح.

ص: 12


1- الهدايه: ص 257 باب النكاح، المستدرك: ج 14 / ص 52 ح 16345 باب 1 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- كما في الجامع للشرائع: ص 430 قوله: (ويكره لمن لا يقدر عليه ولا يشتهيه).
3- المبسوط: ج 4/160 قوله: (والذي لا يشتهيه، المستحبّ أن لا يتزوّج لقوله تعالى: (وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً).
4- مسالك الأفهام: ج 7/10، كفايه الأحكام: ص 152.
5- الفقيه: ج 3/382 باب فضل التزويج ح 4340، وسائل الشيعة: ج 20/14 ح 24900 باب 1 من أبواب مقدّمات النكاح.

رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فشكا إليه الحاجة.

فقال له: تزوّج، فتزوّج ووسّع عليه»(1).

ونحوه غيره، مضافاً إلى الآية الكريمة، ومنها غير ذلك.

وعليه، فالأظهر هو استحبابه مطلقاً.

5 - وهل هو مستحبٌّ تعبّدي أو توصّلي ؟

الظاهر هو الثاني، لعدم الدليل على اعتبار قصد القربة فيه، والأصل يقتضى عدمه.

نعم، عباديته وترتّب الثواب عليه تتوقّف على قصد القربة.

6 - أنّ ما ذكرناه من استحباب النكاح، إنّما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته، وأمّا بلحاظ الطوارئ، فهو ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة:

فقد يجب: كما إذا كان في تركه مظنّة الضَّرر، أو الوقوع في الزِّنا أو محرّم آخر، أو تعلّق النذز به أوّل العهد أو الحلف.

وقد يحرم: كما إذا أفضى إلى ترك حقٍّ من الحقوق الواجبة، أو الإخلال بواجبٍ آخر، وكالزيادة على الأربع.

وقد يَكره: كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه.

وقد يكون مباحاً: كما إذا عارضه مستحبٌّ آخر مساوٍ معه في المصلحة.

وبالنسبة إلى المنكوحة أيضاً ينقسم إلى الأقسام الخمسة:

فالمحرّم نكاح المحرمات، والواجب نكاح من يبتلى بالزنا معها لولا التزويج، والمستحبّ المستجمع للصفات المحمودة في النساء، والمكروه النكاح المستجمعح.

ص: 13


1- الكافي: ج 5/330 باب أنّ التزويج يزيد من الرزق ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/43 ح 24987 باب 11 من أبواب مقدّمات النكاح.

للأوصاف المذمومة في النساء، ونكاح القابلة المربيّة ونحوها، والمباح ما عدا ذلك.

هكذا أفاده جمعٌ من الفقهاء(1)، وإنْ كان للتأمّل والنظر في بعض ما ذكروه مجالٌ واسع.

***4.

ص: 14


1- كما في الحدائق الناضرة: ج 23/17-18، وجواهر الكلام: ج 29/34.

ويفتقر الأوّل إلى العقد وهو الإيجاب من أهلة، والقبول

العقد وأحكامه

في اعتبار الإيجاب والقبول اللّفظيين

المطلب الثاني: في العقد وأحكامه.

أقول: لا كلام ولا شُبهة في أنّ النكاح كسائر المعاملات من الإنشائيّات، ويحتاج في تحقّقه إلى الإنشاء والإبراز، فلا يكفي التراضي النفساني ولا يكون من الإيقاعات، وعليه فما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (ويفتقر الأوّل) أي النكاح الدائم (إلى العقد) من الواضحات التي لا كلام فيها، (و) أيضاً من الواضحات أنّ المراد من العقد (هو الإيجاب) الصادر (من أهله والقبول).

إنّما الكلام في أنّ العقد:

هل هو كسائر مضامين العقود يجوز إنشائه بالفعل، فيصحّ النكاح معاطاةً كما عن بعض معاصري المحقّق اليزدي رحمه الله ؟

أم يعتبر أنْ يكون الإنشاء باللّفظ كما هو المشهور؟

وفي رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله: (أجمع علماء الإسلام كما صرّح به غير واحدٍ(1) على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح، وأنّ النكاح لا يباح بالإباحة ولا المعاطاة)(2) انتهى .

ص: 15


1- منهم سيّد المدارك في نهاية المرام: ج 1/20، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 10/37 (ط. ج).
2- كتاب النكاح: ص 77 (المطلب الثاني: في أركانها).

وفي «المستند»: (ولابدّ فيها من إيجابٍ وقبول لفظيّين بالإجماع)(1) انتهى .

قال صاحب «الحدائق»: (أجمع العلماء من الخاصّة والعامّة على توقّف النكاح على الإيجاب والقبول اللّفظيين)(2) انتهى؟.

استدلّ للثاني بوجوه:

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله من أنّ الفعل مصداقٌ لضدّه، وهو الزّنا والسفاح، فإنّ مقابل النكاح ليس إلّاالفعل المجرّد عن الإنشاء القولي، وعمّا جعله الشارع سبباً للحليّة(3).

وفيه أوّلاً: أنّ هذا الوجه مختصٌّ بإنشائه بالوطء، ولا يشمل إنشائه بفعلٍ آخر كتمكين الزوجة ونحوه، وهذا الجواب يجري في جميع الوجوه الآتية.

وثانياً: أنّ مورد الكلام ما إذا وطء بقصد إنشاء الزوجيّة لا مجرّداً عن القصد، ومعه وإنْ كان سفاحاً وزناً، لكنّه لا مانع من كونه مبرزاً للّزوجيّة، وليست الزوجيّة والزنا متقابلتين، ومتضادّتين، فإنّ الأولى من الاعتباريّات، والثاني من عناوين الفعل الخارجي، فلا مانع من مبرزيّته لها.

الوجه الثاني: أنّ النكاح عقدٌ لازمٌ للنَّص والإجماع(4)، والمعاطاة جائزة بالإجماع(5).9.

ص: 16


1- مستند الشيعه: ج 16/84 (الفصل الأوّل: في العقد). 9) منية الطالب: ج 1/251.
2- الحدائق الناضرة: ج 23/156.
3- منية الطالب: ج 1/189.
4- وهذا ممّا لا شكّ فيه حيث أرسله الفقهاء إرسال المسلّمات، وقد حكى الإجماع على ذلك في كتاب العناوين الفقهيّة: ج 2/104.
5- ادّعى الإجماع على ذلك الميرزا الرشتي في كتاب الإجارة: ص 29.

وفيه: ما حُقّق في محلّه(1) من أنّ الأصل في المعاطاة هو اللّزوم، مع أنّه يمكن أنْ يقال إنّ الإجماع على جواز المعاطاة مختصٌّ بالمعاملة التي تجتمع الصحّة فيها مع الجواز، ولا يشمل ما لا تجتمع معه.

وبعبارة اُخرى : المُجمع عليه عدم اللّزوم مع الصحّة، وأمّا عدم اللّزوم غير المجتمع معها، فلا يكون مشمولاً له.

مضافاً إلى أنّه يمكن أن يُجعل هذا بنفسه دليلُ اللّزوم فيه، فيقال إنّ المعاطاة تفيد أصل النكاح، وأمّا اللّزوم فهو ثابتٌ بمقتضى الدليل الخاص الدالّ على أنّ كلّ نكاحٍ صحيحٌ لازم.

الوجه الثالث: أنّ لازم جريانها في النكاح، حَصر الزِّنا بصورة الإكراه والزِّنا بذات البعل ونحوهما، وهذا كما ترى .

وفيه: إنّ الوطء مع الرضا تارةً يكون مع قصد الزوجيّة، واُخرى بدونه، ومحلّ الكلام هو الأوّل كما في نكاح بعض أهل الشرائع الباطلة، وأمّا الثاني فلا ريب أنّه زنا وسفاح.

الوجه الرابع: إنّ الوطء يحتاج إلى سببٍ محلّل، فلو كان سبباً لحليّة نفسه، لزم اتّحاد السبب والمسبّب في مرتبة واحدة، مع امتناع تأثير الشيء في نفسه.

وفيه: إنّ الوطي الأوّل سببٌ للّزوجيه، وهي سببٌ لحليّة الوطء في الآنات المتأخّرة والوطء اللّاحق، فلا يلزم اتّحاد السبب والمسبّب.

الوجه الخامس: أنّ السبب المبغوض لا يؤثّر، فالوطء المؤثّر في الزوجيّة مشروط بالحليّة، والمفروض أنّها من مقتضيات الزوجيّة، فتتوقّف حليّة الوطء7.

ص: 17


1- منهاج الفقاهة: ج 3/57.

على تأثيره، ويتوقّف تأثيره على حليّته، وهذا دورٌ واضح.

وفيه: ما تقدّم(1) من أنّ النهي عن المعاملات لا سيّما الأسباب منها لا يدلّ على الفساد.

مع أنّ ترتّب الحليّة على الزوجيّة، والزوجيّة على الوطء الذي هو سببٌ لها، إنّما يكون ترتّباً رتبيّاً، وأمّا في الزمان فالجميع في زمانٌ واحد.

وعليه، فالوطء حين تحقّقه متّصفٌ بالجواز.

فتحصّل: أنّه لا مانع عقلاً ولا شرعاً من جريان المعاطاة في النكاح، ومقتضى العمومات والإطلاقات جريانها فيه، كسائر مضامين العقود، ولكن قام الإجماع على عدم الجريان، وهو المستند لو ثبت وكان تعبّديّاً لا مستنداً إلى الوجوه المتقدّمة، وهو الفارق بين النكاح وغيره من مضامين العقود، فإنّه يجوز إنشائها بالفعل بخلافه.

أقول: وقد يستدلّ لصحّة النكاح معاطاةً بالخبر الذي رواه نوح بن شعيب، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«جاءت امرأة إلى عُمر فقالت: إنّي زنيتُ فطهّرني، فأمر بها أن تُرجم، فاُخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: كيف زنيتِ؟ قال: مررتُ في البادية فأصابني عَطَشٌ شديدٌ، فاستقيتُ أعرابيّاً فأبى أن يسقيني إلّاأن اُمكِّنه من نفسي، فلمّا أجهدني العطشُ وخِفتُ على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تزويجٌ وربّ الكعبة»(2).ة.

ص: 18


1- فقه الصادق: ج 20/31.
2- الكافي: ج 5/467 باب النوادر ح 8، وسائل الشيعة: ج 21/50 ح 26506 باب 21 من أبواب المتعة.

بلفظ الماضي

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر ضعيفُ السند لضعف عليّ بن حسّان بن كثير(1)، وضعف عمّه عبد الرحمن بن كثير(2).

وثانياً: أنّ الخبر مرويّ بطريقٍ آخر، قال فيه عليه السلام:

«هذه التي قال اللّه: (فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (3)، وهذه غير باغية ولا عادية»(4).

وثالثاً: أنّه ظاهرٌ في أنّها لم يقصد بفعلها التزويج لقولها (زَنَيتُ ) و (أمكنته من نفسي) ولا شكّ في كون ذلك غير كافٍ في تحقّق النكاح، لأنّ محلّ الكلام ما لو قصد بالوطء تحقّق الزوجيّة.

عدم اعتبار الماضويّة

وقد اختلفوا في اللّفظ المنعقد به النكاح من وجوهٍ كثيرة، وتنقيح القول يتحقّق في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور بين الأصحاب - على ما عن «المسالك»(5) - أنّه لابدّ من وقوع الإيجاب والقبول (بلفظ الماضي)، واستدلّ له بوجوه:

ص: 19


1- رجال النجاشي: ص 251 رقم الترجمة (660) قوله: ضعيف جدّاً، ذكره بعض أصحابنا في الغُلاة، فاسد الاعتقاد.
2- رجال النجاشي: ص 234-235 رقم الترجمة (621) قوله: كان ضعيف، غمز أصحابنا عليه وقالوا: كان يضع الحديث.
3- سورة البقرة: الآية 173.
4- التهذيب: ج 49/10 باب حدود الزِّنا ح 186، وسائل الشيعة: ج 111/28 ح 34346 باب 18 من أبواب حَدّ الزِّنا.
5- مسالك الأفهام: ج 7/87.

الوجه الأوّل: الإجماع(1)، وهو كما ترى .

الوجه الثاني: ما ذكره غير واحدٍ من الأساطين(2)، وهو أنّ الماضي صريحٌ في الإنشاء بخلاف المضارع والأمر، فإنّ الأوّل أشبه بالوعد، والثاني استدعاءٌ لا إيجاب.

وفيه: أنّه إنْ اُريد بصراحة الماضي في الإنشاء، عدم احتياج ظهوره في الإنشاء إلى قرينة.

فيرد عليه: أنّ هذه الهيئة - أي هيئة الفعل الماضي - مشتركة بين الإنشاء والإخبار، فإنّها موضوعة للنسبة المتحقّقة بين المسند - وهو في المقام الاعتبار النفساني - والمسند إليه وهو المتكلّم، وإنّما يفترقان في الدّاعي كما حُقّق في محلّه، فلابدَّ في إفادتها الإنشاء إلى القرينة.

وإنْ اُريد بها أنّ الماضي المستعمل في مقام الإنشاء، لا يكون من قبيل الكناية أو المجاز، فهو وإنْ كان متيناً، إلّاان الفعل المضارع المستعمل في الإنشاء أيضاً كذلك، لأنّ هيئة الفعل المضارع وضعت للدلالة على تلبّس الذّات بالمبدأ في حال التكلّم أو بعده، فإذا استُعمِلت في مقام الإنشاء، فقد استُعملت فيما وضعت له.

وما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله: من أنّها تدلّ على تلبّس الفاعل بالمبدأ، وهذا ملازمٌ للتحقّق لا أنّه صريحٌ فيه بل لازمه(3).

يرد عليه: أنّ التلبّس عين التحقّق لا أنّه لازمه، وإنْ شئتَ قلت إنّها موضوعة للتحقّق أيضاً، وتمام الكلام في محلّه.6.

ص: 20


1- حكاه في جواهر الكلام: ج 22/244، مصباح الفقاهة: ج 3/40.
2- منهم المحقّق في شرائع الإسلام: ج 2/498 والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/44 (ط. ج).
3- منية الطالب: ج 1/246.

أقول: وبذلك يظهر صحّة استعمال الجملة الإسميّة - نحو قول المرأة: (أنا ناكحة نفسي لك) - في مقام الإنشاء، فإنّ هذه الهيئة وضعت للدلالة على انتساب النكاح مثلاً إلى الموجب، فيصحّ استعمالها في مقام إنشاء النكاح.

وبالجملة: ظهر أنّ الحكم في باب الطلاق بوقوعه ب (أنت طالق) ليس على خلاف القاعدة.

وأمّا الأمر: فهو موضوع للدلالة على أنّ صدور المادّة من المخاطب متعلّق لشوق المتكلّم، وعليه فصحّة الإنشاء به تتوقّف على صحّة الإنشاء بالكناية، لأنّ إنشاء النكاح مثلاً بإظهار كون وقوعه متعلِّقاً للشوق، من قبيل الاستعمال الكنائي، وستعرف صحّة الإنشاء بالكناية(1).

الوجه الثالث: أنّ قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

وفيه: أنّ التعارف لا يوجبُ تقييد إطلاق الأدلّة.

الوجه الرابع: إنّ تحقّق الزوجيّة بها متيقّنٌ ، ومع غيرها مشكوكٌ فيه، فيجب الاقتصار في الفروج المبنيّ أمرها على الاحتياط على المتيقّن.

وفيه: إنّ الاقتصار على المتيقّن غيرُ لازمٍ مع وجود الدليل في المشكوك فيه، وسيمرّ عليك ذلك.

وبالجملة: فالأظهر صحّة الإنشاء بغير الماضي، لإطلاق الأدلّة، والعمومات، وبناء العقلاء، مع عدم ردع الشارع، والنصوص الواردة في بيان عقد الانقطاع، المتضمّنة جواز الإنشاء بمثل: (أتزوّجك متعةً على كتاب اللّه تعالى )(2)، لعدم الفرقة.

ص: 21


1- المسأله السادسة: حكم الإنشاء بالكناية أو المجاز.
2- وسائل الشيعة: ج 21/43-45 باب 18 من أبواب المتعة.

ولو قيل:

بين الانقطاع والدوام، لا لعدم القول بالفصل، فإنّ جماعة من أصحابنا - على ما نُسب إليهم - ذهبوا إلى الفرق، بل للنصوص الدالّة على أنّ المتعة إذا أخلّ فيها بذكرِ الأجل انقلبت دائماً(1).

وأيضاً: يدلّ على جواز الإنشاء بغير الماضي، خبر عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام عن التزويج بغير خطبة، فقال عليه السلام:

«أوليسَ عامّة ما تتزوّج فتياتنا ونحن نتعرّق الطعام على الخوان، نقول: يا فلان زوّج فلاناً فلانة، فيقول: قد فعلتُ »(2).

فإنّه يدلّ على جواز الإنشاء بصيغة الأمر.

وأمّا الاستدلال له بالخبر الذي رواه محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في امرأةٍ جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله: فقالت: زوّجني.

فقام رجل فقال: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، زوّجنيها.

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلِّمها إيّاه»(3).

فغير تامّ ، لعدم كون قول الرّجل قبولاً، بل هو طلبٌ للنكاح، ولذا طلب صلى الله عليه و آله منه المَهر، أضف إليه الفصل الطويل بين ذلك وإيجاب النبيّ صلى الله عليه و آله، راجع الخبر.

قال المصنّف رحمه الله: (و) على القول باعتبار الماضويّة (لو قيل) مستفهماً للوليّ :ر.

ص: 22


1- وسائل الشيعة: ج 21/47-48 باب 20 من أبواب المتعة.
2- الكافي: ج 5/380 باب التزويج بغير خطبة ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/96 ح 25126 باب 41 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الكافي: ج 5/380 باب نوادر في المهر ح 5، وسائل الشيعة: ج 21 ح 26997 باب 2 من أبواب المهور.

زوّجت بِنتكَ فلانة من فلان، فقال: نعم، كفى في الإيجاب

(زوّجتُ بنتكَ فلانة من فلان، فقال) الوليّ في مقام الإنشاء للعقد لا بقصد جواب الاستفهام: (نعم، كفى في الإيجاب)، فلو قال الزوج: (قبلتُ ) صحّ العقد عند المصنّف رحمه الله هنا قطعاً، وعن «القواعد»(1) مستشكلاً، وكذا عن الشيخ(2)، وابن حمزة(3)، والمحقّق في بعض كتبه(4).

وعلّله المحقّق بأنّ نعم يتضمّن إعادة السؤال، ومراده أنّه قال زوّجتها منه.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّه لم يدلّ دليلٌ على كون حكم الصريح في الشيء حكمه شرعاً.

وثانياً: أنّه غير صريحٍ في الإنشاء، بل هو ظاهرٌ في الإخبار، بناءً على تضمّن السؤال الاستخبار عن وقوع المسؤول في الماضي، ومراعاة التطبيق بينه وبين الجواب يستلزم كونه إخباراً عن الوقوع، لا إنشاءً للتزويج.

وثالثاً: أنّه لو سُلّم ظهوره في الإنشاء، فلا ريب أنّه أضعف من ظهور المضارع الذي منع المصنّف رحمه الله من وقوع الإيجاب به.

أقول: وربما يستدلّ له بخبر أبان بن تغلب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف).

ص: 23


1- قواعد الأحكام: ج 3/9.
2- المبسوط: ج 4/194.
3- الوسيلة: ص 291.
4- المختصر النافع: ص 196. وقال في شرائع الإسلام: ج 2/499: (ولو قال... صَحّ لأنّ نعم يتضمّن إعادة السؤال، ولو لم يعد اللّفظ، وفيه تردّد).

أقول لها إذا خلوتُ بها؟

قال: تقول: أتزوّجك متعةً على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه، إلى أن قال: فإذا قالت نعم، فقد رضيتْ ، وهي امرأتك، الحديث»(1).

وكون مورده المتعة لا يضرّ، لعدم الفرق بين الانقطاع والدوام كما مرّ.

اعتبار العربيّة

المسألة الثانية: المشهور(2) بين الأصحاب اعتبار وقوع الصيغة بالعربيّة مع القدرة، وعن «المبسوط»(3) و «التذكرة»(4) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

1 - بالتأسّي، فإنّ المعصومين عليهم السلام كانوا يتزوّجون بالعربيّة.

2 - وبأنّ اعتبار الماضويّة في العقد يستلزم اعتبار العربيّة بالأولويّة.

3 - وبأنّ مقتضى أصالة الفساد ذلك، إذ المتيقّن ممّا خرج عن هذا الأصل هو العقد بالعربيّة، وبعدم صدق العقد على غير العربي مع التمكّن منه.

4 - وبأصالة الاحتياط في الفروج.

أقول: وفي الجميع نظر.

أمّا الأوّل: فلعدم لزوم التأسّي أو محبوبيّته في كلّ ما كانوا عليهم السلام يفعلونه، ألا ترى

ص: 24


1- الكافي: ج 5/455 باب شروط المتعة ح 3.
2- الحدائق الناضرة: ج 23/167 المسألة الثانية.
3- المبسوط: ج 4/194 قوله: (فإنْ كان مع القدرة على العربيّة فلا ينعقد بلا خلافٍ ).
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/582 (ط. ق).

أنّهم كانوا يتكلّمون بالعربيّ ولم يتوهّم أحدٌ محبوبيّة ذلك، ولعلّ إنشاء النكاح به من هذا القبيل.

مع أنّ المطلوبيّة لا تستلزم فساد الإنشاء بغيره، بعد شمول العمومات والإطلاقات له.

وأمّا الثاني: فلأنّ الماضويّة غير معتبرة كما مرّ، مع أنّ الماضويّة ليست من خصوصيّات اللّغة العربيّة حتّى يقال إنّ اعتبارها يستلزم اعتبار العربيّة، بل هي خصوصيّة في كلّ لغة، فهما خصوصيّتان في عَرضٍ واحد.

وأمّا الثالث: فلأنّ الأصل لا يرجع إليه مع الدليل، وانصراف الإطلاق إلى المتعارف ممنوعٌ .

وبعبارة اُخرى : إنّ هذا الوجه يتمّ إنْ لم يكن هناك إطلاق، أو كان وكان منصرفاً إلى غيره، أو لم يجز التمسّك بالإطلاق لدفع احتمال اعتبار شيء في الأسباب، والجميع كما ترى ، لوجود الإطلاق ومنع الانصراف، وقد حُقّق في البحوث السابقة من هذا الكتاب(1) من هذا الشرح أنّه يتمسّك بالإطلاق لدفع احتمال اعتبار شيء في الأسباب في باب العقود والإيقاعات.

وأمّا الرابع: فلأنّه لا يرجع إلى أصالة الاحتياط مع الدليل.

وبالجملة: ثبت أنّه لا دليل على اعتبار ذلك سوى الإجماع إنْ ثبت، وثبت كونه تعبّديّاً لا مستنداً إلى هذه الوجوه، وعليه فالأظهر عدم اعتبار العربيّة، وإنْ كان الأحوط رعايتها.).

ص: 25


1- فقه الصادق: ج 22/368، مبحث (أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين).

ويُجزئ مع العجز الترجمة والإشارة

بحث: على القول باعتبارها:

هل يجب التوكيل مع القدرة عليه إنْ عجز الزوج والزوجة عنها وعن تعلّمها؟

أم لا يجبُ ، بل (ويُجزئ مع العجز الترجمة) بالفارسيّة أو غيرها من اللّغات ؟

وجهان، والمشهور(1) بين الأصحاب هو الثاني، وعن العلّامة رحمه الله في «التذكرة»(2)، وصاحب «الحدائق»(3) وغيرهما(4) دعوى ظهور الاتّفاق على ذلك، لا لفحوى اجتزاء الأخرس بالإشارة، بل لأنّ عمدة المدرك لاعتبارها الإجماع، فيختصّ بصورة التمكّن لاختصاصه بها.

ولا فرق في ذلك بين العجز عن الركنين أو أحدهما، ولكن تختصّ الرخصة حينئذٍ بالعاجز، ويلزم غيره بالعربيّة.

ولا يضرّ اختلاف الإيجاب والقبول من حيث اللّغة، بشرط فهم كلٍّ منهما كلام الآخر، أو إخبار الثقة به ولو كان هو المتكلّم به.

(و) كذا تجزئ (الإشارة) المفهمة للآخر المراد للأخرس مطلقاً، موجباً كان أو قابلاً، أو هما معاً، أصليّاً كان أو طارئاً، بلا خلافٍ ظاهر.).

ص: 26


1- مستند الشيعة: ج 16/94، قوله: (وأمّا مع عدم القدرة على العربيّة... فالأكثر على الجواز).
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/582 (ط. ق) قوله: (وأمّا إذا لم يحسن العربيّة فإنْ أمكنه التعلّم وجب، وإلّا عقد بغيرالعربي للضرورة، وللشافعي قولان أحدهما كما قلنا).
3- الحدائق الناضرة: ج 23/168.
4- كالفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/47 (ط. ج).

ويشهد به: ما تقدّم(1) من أنّه لا دليل على اعتبار اللّفظ في النكاح سوى الإجماع المختصّ بغيره. ويؤيّده:

1 - تتبّع أحكام الشرع من قيام الإشارة مقام اللّفظ في العبادات والمعاملات.

2 - وفحوى ما ورد من أنّ طلاق الأخرس هو الإشارة(2).

تقديم القبول على الإيجاب

المسألة الثالثة: المنسوب إلى أكثر الأصحاب(3) عدم اشتراط تقديم الإيجاب على القبول هنا، بل عن «المبسوط»(4) و «السرائر»(5) دعوى الإجماع عليه.

أقول: وربما يفصّل بين ما لو كان القبول بلفظ (قبلتُ ) وما شاكل، المتضمّنة لمعنى المطاوعة فلا يجوز - وفي رسالة الشيخ الأعظم(6) دعوى الاتّفاق على عدم جوازه - وبين ما لو كان بلفظ (تزوّجت) وما شاكل فيجوز، وهنا أقوال اُخر.

ونخبة القول في المقام: إنّه إنْ كان القبول بلفظ (قبلتُ ) وما شاكل، فقد استدلّ لعدم جواز تقديمه بوجهين:

الوجه الأوّل: ما أفاده الشيخ الأعظم(7) في كتاب البيع، وحاصله أنّ القبول إنّما

ص: 27


1- في مبحث العقد وأحكامه المذكور آنفاً في الصفحة 13 من هذا المجلّد.
2- وسائل الشيعة: ج 22/47-48 باب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه.
3- منهم ابن حمزه في الوسيلة: ص 291، و المحقّق في شرائع الإسلام: ج 2/499، والعلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/10 وغيرهم.
4- المبسوط: ج 4/194.
5- السرائر: ج 2/574.
6- كتاب النكاح: ص 83.
7- المكاسب: ج 3/144.

يتضمّن أمرين:

الرضا بالإيجاب، ونقل ماله من حين القبول في البيع، والمهر في المقام، فإذا كان القبول متأخّراً كان الأمران موجودين.

وأمّا إنْ كان مقدّماً بلفظ (قبلتُ )، فالأمر الأوّل موجودٌ، ولكن الثاني غير متحقّق، لأنّ القبول بهذا اللّفظ إنّما يتضمّن تمليك المهر بالالتزام، من جهة أنّ ذلك لازم رضاه بالتزويج، فهو يكون نقلاً من حين تحقّق الإيجاب من الموجب لا من حين القبول.

وفي «رسالة النكاح» حكم رحمه الله بعدم معقوليّة الحكم بالصحّة إذا لم يسبق تزويجٌ من المرأة حتّى يقبله الرّجل(1).

وفيه أوّلاً: أنّه لا يعتبر في القبول سوى الرضا بتزويج المرأة نفسها إيّاه على المهر، بل وظيفة القابل ذلك، فإنّ المرأة تعتبر زوجيّتها للرجل بإزاء مهرٍ معيّن، وهذا الاعتبار النفساني المُظهِر بالإيجاب وحده لا يصير موضوعاً لاعتبار العقلاء والشارع، إلّامع رضا الرّجل بذلك وإبرازه له.

وثانياً: أنّه لو سُلّم اعتبار النقل فيه، لكن لم يدلّ دليلٌ على اعتبار النقل في الحال.

وثالثاً: أنّ المراد بالنقل في الحال:

إنْ كان هو النقل في اعتباره، فهو ممكنٌ في القبول المقدّم من حين القبول، لأنّه فعله الاختياري.

وإنْ كان هو النقل في اعتبار العقلاء والشارع، فهو ممّا لا يتصوّر في الإيجاب5.

ص: 28


1- كتاب النكاح: ص 85.

المقدّم أيضاً، كما هو واضح.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله، من أنّ هذا اللّفظ - أي قبلتُ - ظاهرٌ في مطاوعة شيء وإنفاذ أمرٍ أوجده، وهذا المعنى يتفرّع على وقوع إيجادٍ من الآخر كتفرّع الانكسار على الكسر، فإنّ مطاوعة الأمر المتأخّر والانفعال والتأثّر من الإيجاب فعلاً تمتنعُ عقلاً(1).

وفيه: إنّ المطاوعة المأخوذة في القبول، إنّما هي مطاوعة إنشائيّة لا حقيقيّة، فلا مانع عن تقدّم (قبلتُ ) على الإيجاب.

وإنْ كان القبول بلفظ (تزوّجتك) وما شاكل:

فتارةً : يقصد به إنشاء التزويج.

واُخرى : يقصد به قبول تزويج المرأة نفسها.

أمّا إذا قصد به إنشاء التزويج، فهو ليس قبولاً مقدّماً، بل هو إيجابٌ من جانب الزوج، وسيأتي(2) الكلام في جوازه وعدمه.

وأمّا إذا قصد به القبول، ففي رسالة الشيخ الأعظم أنّه لا يُعقل تقديمة(3).

واستدلّ للامتناع بوجوه:

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله، من أنّه يعتبر في القبول بأيّ لفظٍ كان مطاوعة الإيجاب والانفعال والتأثّر منه، وإلّا كان غير مرتبطٍ بالإيجاب، بل هو إيجابٌ مستقلٌّ ، وتضمّنه للمطاوعة يستدعي تأخّره عن الإيجاب(4).ر.

ص: 29


1- منية الطالب: ج 1/249، والعبارة منقولة باختصار.
2- في المسألة الرابعة.
3- كتاب النكاح: ص 85.
4- منية الطالب: ج 1/250-251، والعبارة منقولة باختصار.

وفيه أوّلاً: أنّه لا يعتبر في القبول سوى الرّضا بالإيجاب، وهذا لا يمنع من جواز التقديم كما مرّ، ولا يلزم منه عدم الأرتباط بالإيجاب كما لا يخفى .

وثانياً: ما تقدّم من أنّ المطاوعة الإنشائيّة قابلة للتقدّم، وليست كالمطاوعة الحقيقيّة.

الوجه الثاني: الإجماع على اعتبار القبول في العقد، وهو متضمّنٌ لمعنى المطاوعة.

أقول: ويرد عليه ما أوردناه على سابقه.

الوجه الثالث: إنّ التزويج بمفهومه متضمّنٌ لاتّخاذ المبدأ:

فإنْ كان بعنوان اتّخاذ المبدأ من الغير، فهو مطاوعة قصديّة.

وإنْ كان بعنوان اتّخاذ المبدأ ابتداءً ، فيكون من إنشاء تزويج المرأة فضولاً، لا إنشاء الزوجيّة قبولاً.

وفيه أوّلاً: أنّ المطاوعة الإنشائيّة لا تمنع من التقديم كما تقدّم.

وثانياً: أنّ صيغة التفعل ليست كصيغة الانفعال متضمّنة للمطاوعة دائماً.

الوجه الرابع: أنّ تقديم القبول خلاف المتعارف المعهود من الصيغة.

وفيه: أنّ التعارف لا يوجبُ تقييد المطلقات وانصرافها.

وعليه، فالأظهر هو جواز تقديم القبول مطلقاً، ويؤيّده النصوص الواردة في باب كيفيّة المتعة المتقدّمة(1)، المتضمّنة أنّه تقول لها:

«أتزوّجك على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه صلى الله عليه و آله، فإذا قالت نعم فقد رضيت وهي امرأتك».

فإنّ هذه النصوص وإنْ كانت قابلة للحمل على الإيجاب من جانب الزوج،ب.

ص: 30


1- تقدّم آنفاً في الصفحة 19 في مبحث عدم اعتبار الماضويّة في هذا الجزء من الكتاب.

ولكن لعدم الاستفصال بين ما لو قصد به القبول أو الإيجاب تدلّ على الجواز في المقام.

وإنْ كان القبول المقدّم بلفظ الأمر - كأن يقول زوّجني فلانة فقال زوّجتكها - فقد استدلّ لعدم جوازه بما ذكر في سابقيه، وبأنّه يعتبر الماضويّة في صيغ العقود.

وقد مرَّ ما في الجميع.

أقول: ثمّ إنّه قد استدلّ على جواز ذلك في «الشرائع»(1) بخبر سَهل السّاعدي المرويّ عند الخاصّة والعامّة، وعن «المسالك»(2): (أنّه المشهور بين العامّة والخاصّة، ورواه كلٌّ منهما في الصحيح)، وهو:

«أنّ امرأةً أتت الرّسول صلى الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهبتُ نفسي لك، وقامت قياماً طويلاً.

فقام رجلٌ وقال: يا رسول اللّه زوّجنيها إنْ لم يكن لك فيها حاجة.

إلى أنْ قال: فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: زوّجتك بما معك من القرآن»(3).

لكن لم يَرو هذا الخبر من أصحابنا غير الاحسائي في «غوالي اللّئالي»، نعم في صحيح محمّد بن مسلم ما يقرب هذا المضمون(4)، وتقريب الاستدلال به أنّه ليس في الحديث أنّ الرّجل أعاد القبول، فيكون أمره قبولاً مقدّماً على الإيجاب، وقد مرّ(5) ما في هذا الاستدلال، فراجع.ة.

ص: 31


1- شرائع الإسلام: ج 2/498.
2- مسالك الأفهام: ج 7/89.
3- عوالي اللئالي: ج 3/312 باب النكاح ح 144، المستدرك: ج 15/61 ح 17538 باب 2 من أبواب المهور.
4- الكافي: ج 5/380 باب نوادر في المهر ح 5، وسائل الشيعة: ج 21/242 ح 26997 باب 2 من أبواب المهور.
5- في الصفحة 19، مبحث عدم اعتبار الماضويّة.

جواز كون الإيجاب من الزوج

المسألة الرابعة: في جواز صدور الإيجاب من الزوج وجوهٌ وأقوال:

ثالثها التفصيل بين ما لو أنشأ الرّجل تزويج نفسه للمرأة: (زوّجتك نفسي) فلا يجوز، وبين ما لو انشأ زوجيّة المرأة لنفسه فيقول: (تزوّجتك) فيجوز.

أقول: ويشهد للجواز مطلقاً - مضافاً إلى النصوص(1) المتقدّمة الواردة في بيان كيفيّة المتعة، والاقتصار على موردها، ما قد عرفت من أنّه ينافيه ما في بعض تلك النصوص(2) من أنّه إذا لم يذكر الأجل انقلب دائماً - أنّه في النكاح يزوّج كلٌّ من الرّجل والمرأة نفسه من صاحبه وينكح صاحبه، فإنّ لفظ النكاح والتزويج يصحّ أن يُستعمل كلّ منهما مستنداً إلى كلٍّ من الرّجل والمرأة:

قال اللّه تعالى : (وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (3).

وقال تعالى : (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (4).

وقال سبحانه: (وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيامى مِنْكُمْ وَ اَلصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ ) (5).

وبالجملة: كلّ منهما في عقد النكاح يصير زوجاً للآخر، ومنضمّاً به، ويخرج من الفرديّة، فلكلٍّ منهما إيجابُ ذلك.

ص: 32


1- وسائل الشيعة: ج 21/43-45 باب 18 من أبواب المتعة.
2- وسائل الشيعة: ج 21/47-48 باب 20 من أبواب المتعة.
3- سورة النساء: الآية 22.
4- سورة البقرة: الآية 230.
5- سورة النور: الآية 32.

فإنْ قيل: إنّ المرأة تنشأ تسليط الرّجل على بُضعها في مقابل المَهر، فمقتضى المقابلة أن يصدر من الرّجل:

إمّا إنشاء القبول للتسليط المذكور بالمَهر المزبور.

وإمّا إنشاء تمليك المَهر بإزاء البُضع ابتداءً ويقبل الزوجة.

ولمّا لم يجز العقد بالطريق الثاني اتّفاقاً تعيّن الأوّل، وإنشاء زوجيّته لها لا قبول تزويجها أمرٌ لا ينطبق على إنشاء المرأة.

قلنا أوّلاً: إنّ المهر ليس عوضاً حقيقيّاً في النكاح، حتّى يقابل إنشاء المرأة للتسليط عليبضعها بإزاء المهر، بإنشاء الرّجل لقبول ذلك التسليط أو إنشائه ابتداءً ، بل كلٌّ منهما يَنشأ زوجيّته لصاحبه، الملازمة لزوجيّة صاحبه له، فلكلّ منهما الإيجاب.

وثانياً: أنّه لا يصحّ الإيجاب من الزوجة بالنحو المذكور، بأن تقول: (سلّطتك على بُضعي بإزاء المهر)، ولو بني على جواز ذلك، نمنع عدم جواز ابتداء الرّجل تمليك المهر بإزاء البُضع.

اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول

المسألة الخامسة: اختلف الأصحاب في اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول على قولين، واستدلّوا لاعتبارها بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الشهيد رحمه الله(1)، وحاصله أنّ كلّ أمرين أو أُمور يجمعها عنوانٌ واحد - كالصلاة والأذان وما شاكل - يعتبر في تحقيق ذلك العنوان، وانطباقه

ص: 33


1- القواعد والفوائد: ج 1/234 قاعدة 73، قوله: (الموالاة معتبرة في العقد ونحوه، وهو مأخوذ من اعتبارالاتّصال بين المستثنى والمستثنى منه).

على تلك الاُمور، عدم الفصل بينها بنحوٍ يوجبُ عدم تحقّق الصورة الاتّصاليّة، وصيرورة كلّ واحدٍ منها معنوناً بعنوانٍ مستقلّ ، ومن هذا القبيل العقد، فإنّه عبارة عن ربط إنشاء أحد المتعاقدين بإنشاء الآخر، فلو انفصل القبول عن الإيجاب بزمان معتدٍّ به عرفاً، لما صَدق عليهما العقد، فلا يترتّب عليهما الأثر المترقّب منه.

وفيه: أنّ العقد من مقولة المعنى لا اللّفظ، وهو عبارة عن ربط أحد الالتزامين بالآخر، باعتبار ورودهما على أمرٍ واحد، وهو في المقام زوجيّة كلٍّ من الرّجل والمرأة للآخر، وهذا لا يقتضى إلّابقاء الالتزام الأوّل على حاله وإنْ تخلّل زمان طويل.

نعم، إذا لم يكن الالتزام الأوّل باقياً في نفس الموجب - بأنْ أعرض عنه مثلاً - لم يرتبط الالتزام الثاني به، وهذا أيضاً لا فرق فيه بين تخلّل زمانٍ قصيرٍ أو طويل.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله من أنّ المتحقّق من خلال العقود المعاوضيّة هو الخلع و اللّبس أو إيجاد العلقة، فلابدّ وأنْ يكون مقارناً للخلع لبسٌ ، وهكذا مقارناً لإيجاد العُلقة قبول، وإلّا تقع الإضافة أو العلقة بلا محلّ ومضاف إليه(1).

وفيه أوّلاً: النقض بالزمان القصير الفاصل بين الإيجاب والقبول قهراً في جميع الموارد، فإنّه لا فرق في هذا المحذور الزمان القصير والطويل.

وثانياً: أنّ الخلع أو إيجاد العلقة في اعتبار الموجب وإنْ يتحقّق من حين الإيجاب، إلّاأنّ اللّبس وحصول العلقة في اعتباره أيضاً كذلك، وأمّا في اعتبار1.

ص: 34


1- منية الطالب: ج 1/251.

العقلاء والشارع فكما ليس لبسٌ إلّابعد القبول، كذا لا علقة إلّابعده، وليس خلعٌ ولا إيجادُ علقةٍ ، فتدبّر فإنّه دقيق.

الوجه الثالث: ما أفاده بعض المحقّقين(1)، من أنّه يلزم من الفصل الطويل المخلّ بالموالاة، عدم تطابق الإيجاب والقبول، إذا الإيجاب إيجاد للّزوجيّة من حينه، فإذا تأخّر القبول:

فإمّا أنْ يكون قبولاً لتمام مضمون الإيجاب، فيلزم حصول الزوجيّة قبل حصول تمام العقد، وذلك باطل.

أو يكون قبولاً لبعض مضمونه، أعني الزوجيّة من حين تحقّق القبول، فيلزم عدم المطابقة بين الإيجاب والقبول.

وفيه: أنّه ستعرف عدم اعتبار التطابق بينهما بنحوٍ يشمل مثل هذا التطابق، مع أنّ النقل في اعتبار العقلاء والشارع لا يقع إلّابعد تماميّة العقد في جميع الموارد.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول، ويؤيّده خبر سهل وما بمضمونه - المتقدّمان - المتضمّنان لإنشاء الرّجل، ثمّ بعد مضيّ زمانٍ طويل إنشائه صلى الله عليه و آله الزوجيّة وكالةً عن المرأة.

حكم الإنشاء بالكناية أو المجاز

المسألة السادسة: بعدما لا كلام في صحّة الإنشاء بالحقيقة الدالّة على المعنى ، بلا عناية قرينةٍ ولو صارفة، وبالمجاز المشهور الذي يحتاج إرادة المعنى الحقيقي منه

ص: 35


1- حاشية المكاسب للسيِّد اليزدي: ج 1/90، مستمسك العروة الوثقى: ج 14/379.

إلى قيام القرينة، وقع الخلاف في موارد:

الأوّل: في إنشاء النكاح بالكنايات.

الثاني: في إنشائه بالمجازات.

الثالث: في إنشائه بالمشترك اللّفظي.

الرابع: في إنشائه بالمشترك المعنوي.

أمّا المورد الأوّل: فالمشهور(1) بين الأصحاب عدم وقوع العقد بالكنايات، والمراد بالكناية في المقام هو استعمال اللّفظ في معناه الحقيقي، وهو اللّازم للانتقال إلى الملزوم.

استدلّ المحقّق النائيني رحمه الله: لعدم وقوع العقد بها، بأنّ إنشاء اللّازم وإيجاده في الإنشاء القولي، ليس إيجاداً للملزوم عرفاً، وكون الملزوم مقصوداً وداعياً من إيجاد اللّازم لا أثر له، لأنّ الدّواعي لا أثر لها في باب العقود والإيقاعات.

ثمّ أورد على نفسه: بأنّ الملزوم وإنْ لم يُنشأ أصالةً ، إلّاأنّه مُنشَأ تبعاً وفي المرتبة الثانية.

وأجاب عنه: بأنّ الإيجاد بهذا النحو في كمال الضعف من الوجود، فينصرف الإطلاق عنه، ولا تشمله العمومات أيضاً لخروجه عن الأسباب المتعارفة(2).

ويرد عليه أوّلاً: أنّه لا يعتبر في الإنشاء سوى كون اللّفظ ممّا له ظهور عرفي في المراد، ولا إشكال في أنّ إظهار اللّازم إظهارٌ للملزوم، ودعوى انصراف الإطلاق عنه لا تُسمع.1.

ص: 36


1- مسالك الأفهام: ج 7/95، قوله: (فكما لا يصحّ العقد عندنا بالكنايات لا يصحّ بغير العربيّة).
2- منية الطالب: ج 1/241.

وثانياً: أنّه لا فرق بين الإنشاء والأخبار إلّافي الدّاعي، كما حُقّق في محلّه، فكما يصحّ الإخبار بالكناية، كذلك يصحّ الإنشاء بها.

وأمّا المورد الثاني: فقد فصّل الشيخ الأعظم رحمه الله بين كون القرينة حاليّة أو مقاليّة، واختار الانعقاد في الثانية دون الأُولى ، وبذلك جمع بين كلمات القوم.

واستدلّ له: بأنّه إنْ كانت القرينة لفظيّة، فيرجع الإفادة بالآخرة إلى الوضع، ولا يُعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين إفادة اللّفظ للمطلب بحكم الوضع، أو إفادته له بضميمة لفظٍ آخر يدلّ بالوضع على إرادة المطلب من ذلك اللّفظ، وهذا بخلاف ما إذا كانت القرينة حاليّة، فإنّ الإفادة حينئذٍ لا تكون باللّفظ، والمفروض عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المعاملات(1).

وفيه: أنّ الدالّ على المعنى في الاستعمال المجازي، إنّما هو اللّفظ وذو القرينة، والقرينة إنّما تدلّ على تلك، أي إرادة المعنى من ذي القرينة، لا أنّ جزءً من المعنى يستفاد من ذي القرينة، وجزءً آخر منه من القرينة، مثلاً في قولنا: (رأيتُ أسداً يرمي) يكون الدالّ على المعنى والمعاملة هو اللّفظ.

وبالجملة: الأظهر صحّة الإنشاء بالمجاز وإنْ كان بعيداً.

أقول: وبما ذكرناه ظهر الحال في المشترك اللّفظي، إذا كانت إفادة اللّفظ فيه للمعنى المراد مع القرينة، وكذا في المشترك المعنوي.

ويترتّب على ما ذكرناه أنّه يصحّ إنشاء النكاح الدائم بلفظ (المتعة) مع الإتيان بما تدلّ على إرادة الدوام، كما عن «الشرائع»(2)، و «المختصر النافع»(3)،9.

ص: 37


1- المكاسب: ج 3/126.
2- شرائع الإسلام: ج 2/498 قوله: (وفي متعتك تردّد، وجوازه أرجح).
3- المختصر النافع: ص 169.

و «القواعد»(1)، و «الإرشاد»(2).

ويؤيّد ذلك ما دلّ على انقلاب المنقطع دائماً إذا لم يُذكر فيه الأجل نسياناً.

وعن «التذكرة»(3)، و «المختلف»(4): عدم الاكتفاء به، ونَسبه في محكي «كشف اللّثام»(5) إلى الأكثر، وعن ظاهر السيّد في «الناصريّات»(6) الإجماع عليه.

واستدلّ له الشهيد الثاني رحمه الله بأصالة عدم ترتّب الأثر عليه، للشكّ في جوازه، لأنّه حقيقة في المنقطع، مجازٌ في الدائم، والعقود اللّازمة لا تقع بالمجاز(7).

أقول: قد ظهر ممّا ذكرناه عدم تماميّة المقدّمة الثانية، وأصالة عدم ترتّب الأثر لا يُرجع إليها مع وجود عمومات النفوذ والصحّة.

كما أنّه يترتّب على ما ذكرناه صحّة القبول بلفظ: (أمضيتُ ) و (أجزتُ )، و (أنفذتُ )، وما شاكل، لأنّ الإنفاذ والإمضاء والإجازة وإنْ كانت تتعلّق بما له مُضيٌّ وجوازٌ ونفوذٌ، وما يترقّب منه ذلك هو السبب التام وهو العقد، لا الإيجاب خاصّة، إلّاأنّ هذه العناوين من لوازم تحقّق العقد، للحوق القبول للإيجاب، ويكون القبول ملزوماً لها، فإنشاء القبول بها من قبيل الاستعمال الكنائي، وقد عرفت صحّة الإنشاء بالكنايات.ف.

ص: 38


1- قواعد الأحكام: ج 3/9 (الفصل الأوّل: في أركانه).
2- إرشاد الأذهان: ج 2/6 (الأوّل: الصيغة).
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/581 (الركن الأوّل: الصيغة) (ط. ق).
4- مختلف الشيعة: ج 7/87 (الفصل الثاني: في العقد).
5- كشف اللّثام: ج 7/43 (ط. ج).
6- الناصريّات: ص 324 مسألة 152.
7- مسالك الأفهام: ج 7/86 والعبارة منقولة بتصرف.

وأمّا الإنشاء بالملحون: فإنْ كان بنحوٍ لا يضرّ بظهور الكلام عرفاً في إرادة النكاح فيصحّ ، وإلّا فلا يصحّ ، ويظهر وجهه ممّا قدّمناه آنفاً.

في اعتبار التنجيز وعدمه

المسألة السابعة: المشهور بين الأصحاب اعتبار التنجيز في عقد النكاح كسائر العقود، فلو علّقه على شرطٍ، أو مجيء زمانٍ بطل.

وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع(1) عليه.

وملخّص القول في المقام: إنّ محلّ الكلام:

1 - ليس هو التعليق في الإنشاء، لأنّه غير معقول، سواءٌ أكان المراد به آلة الإنشاء وهو اللّفظ مثلاً، أم نفس الاعتبار النفساني.

أمّا الأوّل: فلأنّ الإنشاء وجه من وجوه استعمال اللّفظ في المعنى، فلا يُعقل فيه التعليق.

وأمّا الثاني: فلأنّ الاعتبار فعلٌ نفساني تكويني، فكما لا يُعقل التعليق في وقوع الضرب على أحدٍ، وكذا غيره من الأفعال التكوينيّة، كذلك لا يُعقل التعليق في الاعتبار.

2 - كما أنّه ليس هو التعليق في متعلّق المُنشَأ، لأنّ متعلّق الزوجيّة هو الرّجل والمرأة، ولا يُعقل التعليق في «الجواهر»، لعدم تعدّد الوجود الجوهري بتعدّد الزمان والزماني.

ص: 39


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/48 (ط. ج).

بل المراد ومحلّ الكلام هو التعليق في المُنشَأ، وهو في المقام الزوجيّة.

وأمّا المعلّق عليه:

1 - فإنْ كان أمراً حاليّاً: فقد يكون معلوم التحقّق، وقد يكون مشكوكه.

وعلى التقديرين:

فتارةً : يكون ممّا له دخلٌ في صحّة العقد.

واُخرى : لا يكون دخيلاً فيه.

2 - وإنْ كان أمراً استقباليّاً، فهذه التقادير الأربعة تتصوّر فيه، بإضافة أنّه على أيّ تقدير:

ربما يكون القيد مأخوذاً فيه على فرض تحقّق ذلك الأمر في المستقبل.

وربما يكون بنحو الشرط المقارن، بمعنى أنّه ينشأ الزوجيّة على تقدير تحقّقه بعد تحقّقه.

وبالجملة: فصور التعليق اثنتا عشرة.

فإنْ كان المعلّق عليه أمراً استقباليّاً مشكوك الحصول، ولم تكن صحّة العقد متوقّفة عليه، وكان التعليق بنحو الشرط المقارن، فالظاهر أنّه مورد اتّفاق الأصحاب، القائلين بمبطليّة التعليق، فلو كان الإجماع تعبّديّاً كان هو الحجّة في المقام، ولا دليل عليه سوى ذلك، فإنّه استدلّ للبطلان بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن جماعةٍ (1)، من أنّه يعتبر في العقد الجزم، وهو منافٍ للتعليق.

وفيه: أنّه إنْ اُريد به الجزم بالإنشاء فهو حاصلٌ كما هو واضح، وإنْ اُريد به4.

ص: 40


1- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء: ج 10/9-10 (كتاب البيع) (ط. ج). والكركي في جامع المقاصد: ج 8/54.

الجزم بالمُنشَأ في نظره، أي تحقّق الزوجيّة الاعتباريّة جزماً مثلاً، فهو محلّ الكلام.

الوجه الثاني: أنّ الأسباب الشرعيّة توقيفيّة، لابدّ فيها من الاقتصار على المتيقّن، وهو العقد الخالي عن التعليق.

وفيه: أنّ هذا لو تمّ فإنّما هو في ظرف عدم وجود عمومٍ أو إطلاقٍ ، والمفروض وجودهما.

الوجه الثالث: أنّه يلزم تخلّف المُنشَأ عن الإنشاء، وهو غير معقول.

وفيه: إنّ المُنشَأ هو الزوجيّة على تقدير تحقّق الشرط، فلا يلزم التخلّف، مع أنّه أدلّ الدليل على إمكان شيء وقوعه وقد وقع، لاحظ الوصيّة والتدبير، والواجب المشروط.

الوجه الرابع: ما عن المحقّق النائيني رحمه الله، من انصراف العقود إلى غير المعلّقة المتعارفة بين النّاس، فلا يشمل أدلّة العقود العقد المعلّق(1).

وفيه: مضافاً إلى أنّ التعارف لا يوجبُ الانصراف المقيِّد للإطلاق، أنّ التعليق في العقد واقعٌ كثيراً كما تقدّم.

الوجه الخامس: أنّظاهر خطاب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2) كظاهر سائرالخطابات، هو أنّ الحكم معلّقٌ غير مشروطٍ بشيء، فيكون ظاهره ترتّب الأثر على العقد، وعليه:

فإنْ التزم بترتّب الأثر فعلاً قبل تحقّق ما عُلّق عليه، كان ذلك منافياً للإنشاء المعلّق، ولا سبيل إليه.

وإنْ التزم بعدم ترتّب الأثر فعلاً، لزم عدم كونه مشمولاً لهذا الخطاب، فلا1.

ص: 41


1- منية الطالب: ج 1/255.
2- سورة المائدة: الآية 1.

دليل على لزوم الوفاء به، وترتيب الأثر عليه.

وفيه أوّلاً: ان العقد ليس هو اللّفظ كما مرّ، بل هو ربط أحد الالتزامين الواردين على موردٍ واحد بالآخر، والوفاء عبارة عن إتمامه، ومعنى ذلك فيما إذا كان متعلّقة النتيجة، هو عدم حَلّه ونقضه لا ترتيب الآثار عليه، ومن الواضح أنّه في هذا الذي ذكرناه لا فرق بين العقد المعلّق والمنجّز.

وثانياً: أنّ دليل الصحّة لا ينحصر به، بل هناك أدلّة اُخرى ولا فرق فيها بين المعلّق والمنجّز.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه ليس في مقابل إطلاق الأدلّة الدالّ على الصحّة، ما يدلّ على بطلان العقد المعلّق سوى الإجماع.

أقول: وفي مقابل هذه الصورة صورتان:

أحدهما: ما إذا كان المعلّق عليه أمراً حاليّاً معلوم الحصول، مع كونه ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه.

ثانيتهما: ما إذا كان المعلّق عليه استقباليّاً كذلك، مع كون القيد مأخوذاً على نحو الشرط المتأخّر.

فإنّه لا يجري فيهما شيءٌ من المحاذير المتقدّمة، حتّى الإجماع، بل لعلّ الإجماع قائمٌ على عدم بطلان العقد المعلّق فيهما.

وأمّا إذا كان المعلّق عليه أمراً حاليّاً معلوم الحصول، مع كونه ممّا لا يتوقّف عليه صحّة العقد، أو كان أمراً استقباليّاً كذلك، مع كون الشرط بنحو الشرط المتأخّر، فلا يجري فيهما شيءٌ من الوجوه المتقدّمة، سوى ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله

ص: 42

من دعوى الانصراف التي عرفت ما فيها، والظاهر أنّهما غير داخلين في معقد الإجماع، فلا ينبغي التوقّف في عدم البطلان فيهما.

وأمّا إنْ كان المعلّق عليه أمراً استقباليّاً، معلوم الحصول، مع كون الشرط على نحو الشرط المقارن:

فمقتضى الوجه الثاني والثالث والخامس بطلانه، وكذلك مقتضى الوجه الرابع هو ذلك، لو كان المعلّق عليه ممّا لا يتوقّف صحّة العقد عليه، وقد عرفت عدم تماميّة شيء منها.

وأمّا الإجماع فالمتيقّن من معقده غيرهما، فلا وجه للبطلان.

وما ذكره الشهيد رحمه الله: في «القواعد والفوائد» من الحكم بالبطلان في الصورتين، معلّلاً بأنّ الجزم ينافي التعليق، لأنّه بعرضة عدم الحصول ولو قدر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف، لأنّ الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه، فاعتبر المعنى العام دون خصوصيّات الأفراد(1).

يرد عليه: أنّه يتمّ لو كان بطلان العقد المعلّق مفاد آيةٍ أو رواية، ولم يُحرز كون الجهل بحصول الشرط هو العلّة لذلك، لا فيما إذا كان البطلان من جهة الوجوه المتقدّمة التي عرفتها، وما يرد عليها، فراجع(2).

وأمّا إذا كان المعلّق عليه أمراً حاليّاً مشكوك الحصول، أو كان استقباليّاً كذلك، مع كونه بنحو الشرط المقارن أو المتأخّر، وكان المعلّق عليه ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه أم لا، فالظاهر شمول معقد الإجماع له.د.

ص: 43


1- القواعد والفوائد: ج 1/65 قاعدة (35).
2- صفحة 40 من هذا المجلّد.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الشيخ الطوسي رحمه الله في محكي «المبسوط»(1) استدلّ لعدم بطلان العقد المعلّق على ما يتوقّف صحيحه عليه مطلقاً، بأنّ التعليق عليه ليس إلّا شرطاً، لما يقتضيه إطلاق العقد، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره ولا شرطه.

واستدلّ المحقّق النائيني رحمه الله له بالانصراف، كما تقدّم.

أقول: وهذان الوجهان وإنْ لم يتّما - أمّا الثاني فلما مرّ، وأمّا الأوّل فلأنّ المعلّق على ذلك الشرط في الواقع هو ترتّب الأثر الشرعي على العقد دون إنشاء مدلول الكلام، فالمعلّق في كلام المتكلّم غير معلّق على شيء - إلّاأنّه حيث عرفت انحصار المدرك لهذا الشرط بالإجماع، فأمثال هذه الكلمات توجبُ الترديد في شمول معقد الإجماع للتعليق على ما يتوقّف صحّة العقد عليه، فيتعيّن البناء على الصحّة فيه للعمومات والمطلقات.

اعتبار وقوع العقد في حال يجوز لكلّ منهما الإنشاء

المسألة الثامنة: المشهور بين الأصحاب اعتبار بقاء المتعاقدين على الأهليّة إلى تمام العقد، فلو جُنّ الموجب أو أُغمي عليه قبل تحقّق القبول، لم يصحّ ، وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه، كما اعترف به بعضهم)(2)، وحكى صاحب «الحدائق» عن بعضهم دعوى الإجماع عليه(3).

ص: 44


1- المبسوط: ج 2/385 كتاب الوكالة، قوله: (وإنْ قال الموكّل: إن كنت أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتك إيّاها بعشرين، وقبل الوكيل ذلك، فمن النّاس من قال: لا يصحّ ... ومنهم من قال: يصحّ لأنّه لم يشرط إلّاما يقتضيه إطلاق العقد... فاذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره وشرطه...).
2- جواهر الكلام: ج 29/147 المسألة الثالثة.
3- الحدائق الناضرة: ج 23/176.

أقول: يقع الكلام في موضعين:

الأوّل: في عدم الأهليّة المانع عن تحقّق التعاهد والتعاقد.

الثاني: في عدم الأهليّة الموجب لعدم كون العقد صادراً عن رضا معتبر.

أمّا الموضع الأوّل: ففيه أقوال:

1 - ما مرّ(1) من أنّه المشهور، وهو اعتبار أن يتحلّى كلّ منهما لجميع القيود المعتبرة في تحقّقه في حال إنشاء الآخر.

2 - ما اختاره بعض الأجلّة(2)، وهو عدم اعتبارها فيهما.

3 - اعتبار واجديّة القابل لها في حال الإيجاب، وعدم اعتبارها بالنسبة إلى الموجب، اختاره السيّد في «حاشية المكاسب»(3) في بعض الفروض.

4 - عكس ذلك، اختاره الشهيد الثاني(4) في خصوص النوم، وظاهره المفروغيّة عن صحّة العقد مع عروض النوم بعد الإيجاب، ثمّ الإفاقة حال القبول.

وعليه، فالكلام في موارد:

1 - في الإيجاب.

2 - في القبول.

3 - في ما بينهما.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ الشيخ الأعظم لاعتبار واجديّة القابل لتلك1.

ص: 45


1- فقه الصادق: ج 23/50.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 1/92.
3- حاشية المكاسب للسيّد اليزدي: ج 1/92.
4- مسالك الأفهام: ج 7/100-101.

القيود، بأنّ المعاقدة والمعاهدة لا تتحقّق بدونها(1)، وأيّده المحقّق الاصفهاني رحمه الله باعتبار أنّ مناط المعاهدة مع الغير يقتضي كونهما كذلك معاً في حال الإيجاب، إذ معيّة المتعاقدين إنّما هي معيّة شاعرٍ ملتفتٍ إلى أنّه يلتزم للغير ويلتزم الغير له، وإلّا فلا ينقدح القصد الجدي في نفس العاقل إلى المعاهدة، مع من هو كالجدار أو كالحمار، وعلمه بالتفاته فيما بعد لا يُصحّح المعاهدة معه فعلاً(2).

وفيه أوّلاً: أنّ عنوان العقد إنّما ينطبق على الالتزامين الواردين على موردٍ واحد، وليس منطبقاً على الإيجاب فقط، وإنّما شأن الموجب هو الالتزام النفساني وإبرازه، وهو إنّما يكون باقياً ما لم يرفع اليد عنه، فإذا كان باقياً إلى حين القبول، والتزم القابل المؤهّل لذلك حين القبول، فقد ارتبط الالتزامان لا محالة، وتحقّق عنوان العقد.

ودعوى: عدم تحقّق الالتزام في نفس الموجب بالنسبة إلى من هو كالجدار، كما ترى، إذ العاقل الملتفت إلى زوجيّة من يُفرض كالجدار كيف لا ينقدح في نفسه القَصد الجدي.

وثانياً: أنّه لا ينحصر دليل النفوذ بخصوص قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

واستدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله لذلك: بأنّ ظاهر أدلّة شرطيّة القصد ونحوه في العقد، اعتبار ذلك في تمام العقد المركّب من الإيجاب والقبول، لا اعتبار قصد الموجب في الإيجاب فقط، وقصد القابل في القبول خاصّة، فإذا ارتفعت القابليّة2.

ص: 46


1- المكاسب: ج 3/177.
2- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 1/291-292.

حال الإيجاب وبعده قبل القبول، لم يكن الشرط حاصلاً في تمام العقد(1).

وفيه: أنّ دليل اعتبار القصد لا يدلّ على أزيد من اعتبار قصد الموجب في الإيجاب خاصّة، وقصد القابل في القبول فقط.

واستدلّ له في محكي «المسالك»: بأنّ العقداللّازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز، ويكون لكلٍّ منهما فسخه، ويبطل بما يبطل به الجائز، ومن جملته الجنون والإغماء(2).

وفيه: إنّه لم يدلّ دليلٌ على أنّ الإيجاب قبل القبول بمنزلة العقد الجائز في الأحكام.

أقول: فالأولى أن يستدلّ له بأنّه بعد ما لا ريب في أنّه يعتبر في ترتيب العقلاء والشارع الأثر على الالتزام النفساني، أن يُظهره لمن هو طرفه في المعاملة، فإذا كان الطرف غير قابلٍ للتخاطب، فالإظهار له كلّا إظهار، فلأجل ذلك يعتبر قابليّة القابل للتخاطب حال الإيجاب، فتدبّر فإنّه حقيقٌ به.

وأمّا المورد الثاني: فيشهد لاعتبار بقاء الموجب واجداً لتلك القيود حال القبول هو الوجه المشار إليه، ويمكن أنْ يقال في هذا المورد بأنّه بما أنّه في حال القبول يتمّ العقد، وتتحقّق زوجيّة كلّ منهما للآخر، فلابدَّ وأنْ يكون الموجب أيضاً ممّن يكون أهلاً لذلك، كي يترتّب الأثر على التزامه النفساني.

وأمّا ما ذكر في وجهه من عدم تحقّق المعاقدة والمعاهدة من جهة انتفاء الالتزام النفساني بالإغماء والجنون مثلاً.0.

ص: 47


1- جواهر الكلام: ج 29/147.
2- مسالك الأفهام: ج 7/100.

فيرد عليه: أنّ الالتزامات النفسانيّة لا تزول بذلك، ولذا لا شكّ لأحدٍ في أنّ العهود والالتزامات لا تبطل بالموت، فصلاً عن النوم والإغماء، ولا فرق بين الموت قبل لحوق القبول وبعده، إذ ضَمّ التزامٌ آخر إليها لا يوجب بقائها إنْ كانت تزول بالموت.

المورد الثالث: بما ذكرناه ظهر الحال في هذا المورد، وأنّه لا يعتبر الأهليّة بينهما، فلو أوجب أحدهما في حال أهليّة كلّ منهما، ثمّ خرجا عن الأهليّة وعادا إليها، وقَبِل الآخر صَحّ .

فإنْ قيل: إنّ الحكم بالبطلان في المورد الثاني ينافي صحّة القبول من الموصى له بعد موت الموصي، فمن صحّة القبول يُستكشف أنّ موت الموجب وخروجه عن الأهليّة لا يكون مانعاً عن صحّة العقد.

قلنا: إنّ حقيقة الوصيّة ليست إلّاالإيصاء، ولا يعتبر في تحقّقها القبول، بل هي من الإيقاعات، وقبولها قبول الوصيّة وردّها ردّها، لا أنّه جزء للوصيّة.

نعم، يعتبر القبول في الوصيّة التملكيّة، باعتبار أنّه شرطٌ لنفوذ الوصيّة لا أنّه جزءٌ للعقد، وتمام الكلام في محلّه(1).

وأمّا الموضع الثاني: فقد استدلّ صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله لاعتبار واجديّة كلّ منهما للرضا في حال إنشاء الآخر، بما ذكره في الموضع الأوّل من أنّه ظاهر أدلّة اعتبار الرضا، والجواب عنه ما تقدّم.

واستدلّ له الشيخ الأعظم رحمه الله: بعدم تحقّق معنى المعاهدة والمعاقدة حينئذٍ، وذكر7.

ص: 48


1- فقه الصادق: ج 30/317 و 318.
2- جواهر الكلام: ج 29/147.

في وجهه أنّه لا ريب في فساد الإيجاب بفسخ الموجب وعدم رضا القابل به، فيعلم من ذلك مدخليّة رضا كلّ منهما حال إنشاء الاخر في تحقّق معنى المعاهدة(1).

وفيه: أنّ الفسخ غير عدم الرضا، فإنّه يوجبُ حَلّ الالتزام حقيقةً ، فلا يكون الإيجاب باقياً كي يلحق القبول ويرتبط به، وهذا غير ما نحن فيه الذي يكون الالتزام والإيجاب باقياً.

والحقّ أنْ يقال: إنّ حقيقة العقد هي ربط الالتزامين الواردين على موردٍ واحد، كان ذلك مع رضاهما بذلك أو بدونه، فالرضا بالعقد لا يعتبر في تحقّقه، كما أنّ عدمه لا يخلّ به، من غير فرقٍ بين عدم الرضا أصلاً أو عدم الاعتبار به شرعاً، وإنّما هو شرطٌ في تأثير إنشاء كلّ منهما نفسه، ولأجل ذلك نلتزم بأنّ صحّة عقد المكرَه إذا لحقه الرضا إنّما تكون على القاعدة.

أضف إليه أنّه لو سُلّم توقّف تحقّق العقد على الرضا، إلّاأنّ دليل الصحّة لا ينحصر بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) كما تقدّم.

وبالجملة: اعتبار رضا كلّ منهما حال إنشاء الاخر ممّا لا أصل له.

عقد الصبي

المسألة التاسعة: المشهور(2) بين الأصحاب أنّه يشترط في العاقد المجري للصيغة الكمال بالبلوغ والعقل، سواءٌ أكان عاقداً لنفسه أو لغيره، وكالةً أو ولايةً أو

ص: 49


1- المكاسب: ج 3/178.
2- الدروس: ج 3/192 قوله: (فعقد الصبي باطلٌ ... في الأشهر)، كفاية الأحكام: ص 89 قوله: (فيشترط أنْ يكون المتعاقدان عاقلين بالغين على المشهور).

فضولاً، فلا اعتبار بعقد الصبي ولا المجنون، بل نفي الخلاف في ذلك غير واحدٍ(1)، واستظهر الشيخ الأعظم(2) من تذكرة(3) المصنّف رحمه الله دعوى الإجماع على ذلك في الصبي.

والحقّ أنْ يقال: إنّ عقد الصبي يتصوّر على وجوده:

أحدها: كون الصبي مستقلّاً فيه، ولم يأذن الوليّ فيه.

ثانيها: ما إذا أذِن الوليّ ، ولكن كان العقد مستنداً إلى الصبي، ويكون من قبيل الوكيل المفوّض.

ثالثها: كونه آلة محضة، بمعنى أنّ العقد مستندٌ إلى الوليّ إنْ كان العقد لنفسه، ومستندٌ إلى الموكّل إنْ كان لغيره.

والأظهر هو البطلان في الوجهين الأولين، والصحّة في الأخير، كما عن عارية «الشرائع»(4)، و «إيضاح» الفخر(5)، والمحقّق الأردبيلي(6) رحمه الله، وذلك لأنّ عمدة دليل المنع عن تصرّفات الصبي ثلاثة:

المانع الأوّل: حديث رفع القلم عن الصّبي الذي رواه في محكي «الخصال» عن ابن الظبيان، عن أمير المؤمنين عليه السلام في سقوط الرّجم عن الصبي: «أما عَلِمتَ أنّ 6.

ص: 50


1- كما في الحدائق الناضرة: ج 23/172 المسألة الثالثة، وفي جواهر الكلام: ج 29/143.
2- المكاسب: ج 3/275.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/73 (ط. ق)، قوله: (الصغير وهو محجور عليه بالنص والإجماع سواء كان مميّزاً أو لا في جميع التصرّفات إلّاما يستثنى...).
4- شرائع الإسلام: ج 2/408، قوله: (فلا تصحّ إعارة الصبي ولا المجنون. ولو أذن الوالي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة).
5- إيضاح الفوائد: ج 2/478 (المقصد الرابع، المطلب الثاني في الموصي).
6- مجمع الفائدة والبرهان: ج 8/151-156.

القلم يُرفع عن ثلاثة: عن الصّبي حتّى يحتلم(1)، الحديث».

وروي عن «قُرب الإسناد» عن الإمام عليّ عليه السلام في سقوط القصاص والدّية في ماله: «وقد رُفع عنهما القلم»(2).

وفي موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الغلام متى يجبُ عليه الصَّلاة ؟ قال عليه السلام: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإنْ احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصَّلاة، وجرى عليه القلم»(3).

ونحوها غيرها.

قال الشيخ في محكيّ «المبسوط» في مسألة الإقرار: (إنّ مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكمٌ )(4).

والإيراد عليه: بأنّ الظاهر منه قلم المؤأخذة، أو أنّ الإجماع قام على عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين، أو أنّ الحديث يرفع السببيّة التامّة عن العقد الصادر منه، ولا يرفع السببيّة الناقصة، كما عن الشيخ الأعظم(5) رحمه الله.

في غير محلّه، إذ مقتضى الإطلاق المؤيّد بأنّ مورد بعض هذه الأخبار القصاص والدّية، هو رفع جميع الأحكام، والإجماع قام على ثبوت الأحكام الوضعيّة في حقّه في الجملة لا مطلقاً، كيف وقد اشتهر بينهم بطلان عقد الصبي، وكون عقد الصبي جزءُ السبب أيضاً مشمولٌ للحديث.8.

ص: 51


1- الخصال: ج 1/93، وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81 باب 4 من أبواب العبادات.
2- قرب الإسناد: ص 72، وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 35225 باب 36 من أبواب القصاص في النفس.
3- التهذيب: ج 2/380 باب الصبيان متى يؤمرون بالصلاة ح 5.
4- المبسوط: ج 6/30 (فصل: في النفقة على الأقارب).
5- المكاسب: ج 3/278.

ولكن يرد على الاستدلال: أنّ الحديث يدلّ على رفع قلم الوضع والتكليف عن الصبي، ولازم ذلك بطلان عقده بالمعيّنين.

وأمّا على الوجه الثالث: فلا، إذ العقد الصادر عنه وكالةً عن الغير أو بإذن الوليّ له نسبتان: نسبةٌ الى الصبي، ونسبةٌ إلى الوليّ أو الموكّل.

فلا مانع من كونه صحيحاً من حيث كونه مستنداً إلى البالغ، مع أنّه يمكن منع استناد العقد إلى الصبي في هذه الصورة.

المانع الثاني: النصوص الدالّة على عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء(1)، واستدلّ بها في المقام بتقريب أنّها تدلّ بالإطلاق على عدم نفوذ بيعه وشرائه حتّى مع إذن الوليّ ، ويتمّ في النكاح بعدم القول بالفصل.

وفيه: أنّ دلالتها على بطلان عقده مع الاستقلال لا تُنكر، ولا تدلّ على بطلانه مع كونه آلة محضة، لأنّه لا يستند العقد إليه، وعلى هذا بنوا على عدم ثبوت خيار المجلس لمُجري الصيغة، لعدم صدق البيع عليه، فالعقد على هذا الوجه عقدُ الوليّ أو الموكّل.

ولو تنزّلنا عن ذلك، فلا أقلّ من أنّه له نسبتين: نسبةٌ إلى الصبي، ونسبة إلى الوليّ أو الموكّل، فلا مانع من نفوذه ومضيّه بالاعتبار الثاني.

المانع الثالث: النصوص المتضمّنة لكون عمد الصبي خطأ، كالخبر الصحيح الذي رواه محمّد بن مسلم، عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه قال:

«عمد الصبي وخطأه واحد»(2).ة.

ص: 52


1- وسائل الشيعة: ج 17 باب 14/360 من أبواب عقد البيع وشروطه، ج 18 باب 2 من أبواب كتاب الحجرص 410-412.
2- وسائل الشيعة: ج 29/400-401 باب 11 من أبواب العاقلة.

وتقريب الاستدلال بها: أنّها تدلّ على أنّ الأحكام المترتّبة على الأفعال مع القصد والعمد لا تترتّب على أفعال الصبي، وأنّ أعماله عن قصدٍ كالأعمال الصادرة عن غيره بلا قصد، فعقده كعقد الهازل والنائم.

وفيه: إنّ هذه الأخبار مختصّة بباب الجنايات، لأنّ العَمد والخطأ إنّما يتصوّران في الاُمور التي لها واقع محفوظ، وذلك الأمر قد يترتّب على سببه قهراً، وقد يترتّب عليه عن قصد، وأمّا الاُمور المتوقّف تحقّقها على القصد - كالعقود والإيقاعات - حيث أنّها لا تحقّق بدون القصد، فلا يتصوّر فيها الخطأ، إذ لو قَصَدها تقع وإلّا فلا، لا أنّها تقع خطأً.

مع أنّه إنّما يصحّ تنزيل شيء منزلة آخر، لو كان للمنزّل عليه أثر، ليكون التنزيل بلحاظه، كما في القتل فإنّ للخطأ منه أثراً.

وأمّا ما لا حُكم لخطأه كباب العقود - على فرض تسليم إمكان وقوع الخطأ فيها - فلا يصحّ فيها هذا التنزيل.

وبالجملة: فالأظهر أنّه لا دليل على بطلان عقد الصبي إذا كان آلةً محضة لإجراء الصيغة.

أقول: قد استدلّ لجواز عقده على هذا النحو بوجوه:

الوجه الأوّل: خبر إبراهيم بن أبي يحيى ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:

«تزوّج رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُمّ سلمة، زوّجها إيّاه عمر بن أبي سلمة وهو صغير لم يبلغ الحُلُم»(1).د.

ص: 53


1- الكافي: ج 5/391 باب ما أحلّ للنبيّ حَلّ اللّه عليه وله من النساء ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/295 ح 25663 باب 16 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

الوجه الثاني: السيرة التي ادّعى قيامها سيّد «الرياض»(1) وغيره(2) على المعاملة مع الصبيان قبل البلوغ في بلاد الإسلام، وفي جميع الأعصار.

وحملها عليكونها صادرة من غير المبالين بالدين، مقطوع الفساد، بل عليذلك سيرة العقلاء، ولم يردع الشارع الأقدس عنها، وإنّما ردع عن الاستقلال كما عرفت.

الوجه الثالث: الآية الكريمة: (وَ اِبْتَلُوا اَلْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا اَلنِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (3). فإنّ ظاهر الآية كون الابتلاء قبل البلوغ، بقرينة التعبير باليتامى ، وقوله تعالى (حَتّى) سواءٌ كانت للغاية أم للابتداء، والظاهر من الابتلاء الابتلاء بالمعاملات على الأموال، بأن يأذنوا لهم في البيع والشراء قبل البلوغ، وذلك يقتضي صحّة تصرّفاتهم مع الإذن.

فالحاصل ممّا ذكرناه صحّة عقد الصبي إذا كان بإذن الوليّ ، أو وكيلاً في إجراء الصيغة خاصّة.

وبالجملة: وبما ذكرناه ظهر حكم المجنون الذي يَعرف ما يقول ويَقصد، ولكن الظاهر تسالمهم على بطلان عقده رأساً.

عقد السُّكرى إذا أجازت بعد الإفاقة

أقول: وممّا مر ظهر أنّه لا اعتبار بعقد السكران، فلا يصحّ ولو مع الإجازة بعد الإفاقة، كما هو المشهور(4)، لانتفاء القصد المقوّم للإنشاء، أو كون قصده بنظرالعرف كلّا قصد.

ص: 54


1- رياض المسائل: ج 8/116 (ط. ج)، قوله: (نعم الأظهر جوازه في ما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهليّة، لتداوله في الأعصار والأمصار السابقة واللّاحقة من غير نكير، بحيث يعدّ مثله إجماعاً من المسلمين كافّة...).
2- نقلها السيّد الحكيم في مستمسك العروة: ج 14/385 عن عير واحد وارتضاها.
3- سورة النساء: الآية 6.
4- الحدائق الناضرة: ج 23/173، وفي رياض المسائل: ج 10/44 (ط. ج)، قوله: (ولا السكران... على أصحّ القولين وأشهرها).

نعم، إنْ كان السُّكر بحَدٍّ يتحقّق معه القصد عرفاً، وإنْ لم يعرف المصلحة والمفسدة فيما يفعله، صحّ عقده لو أفاق وأجازه، واعتبار الإجازة إنّما هو لاعتبار الرضا في العقد.

وأمّا عقد السُّكرى: ففيه قولان:

أحدهما: ما عن الصدوق في «الفقيه»(1)، و «المقنع»(2)، والشيخ في «النهاية»(3)، ومن تبعه، والقاضي(4)، و «الكفاية»(5)، و «الحدائق»(6)، و «الوسائل»(7)، وهو الصحّة إنْ أجازت بعد الإفاقة.

ثانيهما: ما عن الأكثر بل المشهور(8)، وهو البطلان.

أقول: والظاهر أنّ أكثر المتقدّمين لم يتعرّضوا لهذه المسألة، وكيف كان:

فقد استدلّ للأوّل: بصحيح ابن بزيع، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت، فزوّجت نفسها رجلاً في سُكرها، ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك، ثمّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرّجل على ذلك التزويج، أحلالٌ هو لها أم التزويج فاسدٌ لمكان السُّكر، ولا سبيل للّزوج عليها؟

فقال عليه السلام: إذا أقامت بعدما أفاقت فهو رضاً منها.9.

ص: 55


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/409 ح 4430.
2- المقنع: ص 309.
3- النهاية: ص 468.
4- المهذّب: ج 2/194.
5- كفاية الأحكام: ص 155.
6- الحدائق الناضرة: ج 23/173-176.
7- وسائل الشيعة ج 20/294 ح 25661 باب 14 من أبواب عقد النكاح.
8- كما عن نهاية المرام: ج 1/29.

قلت: ويجوزُ ذلك التزويج عليها؟ فقال عليه السلام: نعم»(1).

أقول: أُورد على أصحاب القول الثاني بإيرادات:

الإيراد الأوّل: أنّ الخبر ضعيفٌ ، لإعراض المشهور عنه.

وفيه: أنّ الشهرة الموجبة للوهن هي ما كان مخالفها شاذّاً، وهو في المقام غير ثابت، إذ جماعة أفتوا بمضمون الخبر كما مرّ، وفتوى أكثر القدماء غير معلومة.

الإيراد الثاني: أنّه يمكن أنْ يكون الحكم بالجواز لأجل رضاها وتمكينها، لا لأجل ما فعلت في حال السُّكر، فتدلّ على جريان المعاطاة في النكاح.

وفيه: أنّه يرده قوله عليه السلام: «نعم» في جواب قول السائل: «ويجوز ذلك التزويج عليها؟».

الإيراد الثالث: ما في «الجواهر»، من أنّه يمكن تنزيل الصحيح على توكيلها في التزوّج كما هو الغالب والمتعارف، فهو حينئذٍ فضولي(2).

وفيه: أنّه خلاف ظاهر قوله: «فزوّجتْ نفسها»، الظاهر في المباشرة، وخلاف ظاهر قوله: «أم التزويج فاسدٌ لمكان السُّكر»، فإنّ الظاهر منه صدور ذلك منها في حال السُّكر.

الإيراد الرابع: ما عن «كشف اللّثام»، من حمله على ما إذا كان الزوج جاهلاً بسكرها، فإنّه لا يسمع في حقّه قول المرأة(3)، وتجرى عليهما أحكام الزوجيّة).

ص: 56


1- التهذيب: ج 7/392 باب عقد المراة على نفسها ح 47، وسائل الشيعة: ج 20/294 ح 25661 باب 14 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
2- جواهر الكلام: ج 29/146.
3- كشف اللّثام: ج 7/53 (ط. ج).

ظاهراً، فالخبر في مقام بيان الحكم في مقام الإثبات لا الثبوت.

وفيه: أنّه ينافيه قوله عليه السلام: «فهو رضاً منها»، وقوله عليه السلام: «نعم» في جواب قوله:

«ويجوز ذلك التزويج عليها؟».

الإيراد الخامس: ما عن «المختلف»، من أنّ الخبر محمولٌ على سُكرٍ لم يبلغ حَدّ التعطيل، فإنّه إذا كان كذلك صَحّ العقد مع تقريرها إيّاه(1).

وأورد عليه في «المسالك»: بأنّه إذا لم يبلغ ذلك الحَدّ، فعقدها صحيحٌ ، وإنْ لم تقرّره ولم ترض به بعد ذلك، فالجمع بين اعتبار رضاها مع السُّكر مطلقاً غير مستقيم(2).

وفيه: أنّه إذا لم يبلغ السُّكر ذلك الحَدّ، وكان بحدّ ستر عقلها بحيث لم تفرّق بين ذي المصلحة وذي المفسدة، فهي وإنْ تكون قاصدة للعقد حينئذٍ، إلّاأنّها فاقدة للرشد، وعليه فإذا تعقّبه الإجازة صَحّ ، فلا يكون العقد عن غير قصدٍ كعقد النائم حتّى يبطل رأساً، ولا من قبيل الصادر عن الرشيد الملتفت ليصحّ بدون الإجازة.

نعم، يبقى الكلام في وجه هذا الحمل في مقابل إطلاق الدليل، ولعلّ وجهة قول السائل: «فزوّجت نفسها» الظاهر في حصول مضمون العقد، فإنّها إذا لم تكن قاصدة لما تُحقّق الزوجيّة، وقوله عليه السلام: «فهو رضاً منها» الكاشف ذلك عن أنّ ما فعلتْ ناقصٌ من حيث فقد الرضا خاصّة، ولا يتمّ ذلك إلّافي الصورة المفروضة.

ويترتّب على ذلك أنّ هذا الحكم يكون على وفق القاعدة، فإلحاق السكران بها في محلّه.9.

ص: 57


1- مختلف الشيعة: ج 7/155.
2- مسالك الأفهام: ج 7/99.

لو تعلّق الإكراه بالعاقد

المسألة العاشرة: لا خلاف ولا ريب في أنّ الإكراه إذا تعلّق بالتزويج بَطَل، بمعنى أنّه يتوقّف على الرضا بالعقد، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً في كتاب البيع.

وإنّما وقع الكلام في أنّه إذا اُكره على خصوص إجراء الصيغة، كما لو اُكره الزوج العاقد في مجرّد إجراء الصيغة، فهل يصحّ مثل هذا العقد أم لا؟

وفيه قولان:

استدلّ للفساد: بأنّه مقتضى حديث رفع الإكراه(1).

وفيه: إنّ لفعل الوكيل المُكرَه جهتين:

إحداهما: جهة العقديّة.

ثانيهما: جهة قيامه بالوكيل.

والإكراه لا يؤثّر في فقد عقد الوكيل لشيء من الاُمور المعتبرة فيه من الجهة الأولى من العربيّة ونحوها بعد كونه مستجمعاً لها، والجهة الثانية غير دخيلة في ترتّب الأثر وحصول النقل والانتقال، لكون الوكيل أجنبيّاً، بل عقده إنّما يؤثّر من حيث انتسابه إلى الزوج الموكّل، والمفروض عدم كونه مكرهاً، وعليه فما هو موضوع الأثر لم يتعلّق الإكراه به، وما تعلّق الإكراه به لا أثر له.

وربما يستدلّ له: بأنّ القصد إلى المعنى شرطٌ في صحّة العقد، ومع الشكّ في ذلك لا أصل يُحرز به كون المكرَه قاصداً له، إذ أصالة القصد الجارية في أفعال العقلاء إنّما هي في الأفعال الاختياريّة دون المكرَه عليها.

ص: 58


1- وسائل الشيعة: ج 15 باب 56 من أبواب جهاد النفس: ج 23/369-370 وباب 12 ص 224-228 و 16 ص 235-237 من أبواب كتاب الايمان.

ولو زوّجت المرأةُ نفسها صَحّ ، ولايُشترط الوليّ مع البلوغ والرُّشد، ولا الشهود.

وفيه أوّلاً: أنّ الكلام إنّما هو بعد إحراز القصد.

وثانياً: أنّ أصالة القصد إنّما هي في مطلق الأفعال الاختياريّة في مقابل الاضطراريّة كحركة يد المرتعش.

وعليه، فالأظهر صحّة العقد.

(و) لا يشترط في العاقد الذكوريّة، ف (لو زوّجت المرأة نفسها صَحّ ) العقد، بلا خلافٍ ، بل في «المستند»(1): (بالإجماع المحقّق والمحكي)(2)، ويشهد به - مضافاً إلى إطلاق الأدلّة - نصوص كيفيّة المتعة، وخالفنا الشافعيّة(3)، ولا يهمّنا التعرّض لما دعاهم إلى ذلك.

(و) أيضاً (لا يشترط الوليّ مع البلوغ والرّشد) كما سيأتي مفصّلاً في الفصل الثاني(4)، (ولا الشهود) كما نتعرّض له في مبحث الآداب.

اشتراط الخيار في عقد النكاح

المسألة الحادية عشرة: المشهور بين الأصحاب عدم صحّة اشتراط الخيار في النكاح، وقد استدلّوا لذلك بوجوه:

الوجه الأوّل: ما ذكره المصنّف رحمه الله في كتاب التجارة، من توقّف ارتفاعه

ص: 59


1- مستند الشيعة: ج 16/101 (ط. ج).
2- كما في كشف اللّثام: ج 7/52 (ط. ج).
3- كتاب الأُمّ : ج 5/20 قوله: (ولا تعقد عقد النكاح.. الخ).
4- صفحة 200 من هذا المجلّد.

على الطلاق.

وفيه: أنّه لو كان دليل الطلاق دالّاً على عدم ارتفاعه، ولو بنحو رفع علقة النكاح من دون إنشاء البينونة والفُرقة بغير الطلاق - إمّا بالمنطوق أو بالمفهوم - كان ما أفاده متيناً جدّاً، ولكن حيث أنّه لا يدلّ على ذلك فلا يصحّ هذا الاستدلال.

الوجه الثاني: ما أفاده المصنّف رحمه الله في كتاب التجارة أيضاً، من أنّ دليل نفوذ شرط الخيار - وهو دليل(1) إمضاء الشرط - إنّما يدلّ على إيجاب ما هو سائغٌ في نفسه، ومشروعيّة الفسخ لابدّ لها من دليلٍ ، وقد وجد في البيع من جهة مشروعيّة الإقالة، وثبوت خيار المجلس والحيوان فيه، ولم تثبت مشروعيّتها في النكاح.

وفيه: لم يثبت مشروعيّة الفسخ في البيع، أي الفسخ الذي يجعل للمشروط له، بل الثابت عدمها قبل الشرط، ومشروعيّة الإقالة والفسخ بسبب خيار المجلس أو الحيوان لا توجب مشروعيّة الفسخ بسببٍ آخر، مع أنّها غير ثابتة بالإضافة إلى الأجنبي، ويصحّ جعل الخيار له.

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب «الجواهر»، من أنّ فيه شائبة العبادة التي لاتَقبل الخيار(2).

وفيه: إنّ مجرى ذلك لا يكفي لكونه عبادةً لا يجري فيها الخيار، فإنّه لا يعتبر فيه قصد القربة قطعاً.

الوجه الرابع: ما عنه أيضاً، من أنّ اشتراط الخيار فيه يُفضي إلى ابتذال المرأة،ة.

ص: 60


1- وسائل الشيعة: ج 18/140-144 باب 17 من أبواب الخيار: ج 23/16-17 وباب 4 من أبواب كتاب المكاتبة.
2- جواهر الكلام: ج 29/149 المسألة الرابعة.

وهو ضررٌ لها(1).

وفيه: أنّه مع إقدامها عليه لا يوجبُ دليلُ (2) نفي الضَّرر نفيه.

الوجه الخامس: إنّ شرط الخيار منافٍ للدوام المعتبر في النكاح الدائم، وعليه فهو شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد.

وفيه: إنّ الخيار لا ينافي الدوام، بل هو رفع للموجود لا توقيتٌ له، ولذا في البيع لا إشكال في صحّة شرطه، مع أنّه أيضاً إنشاء للملكيّة الدائميّة.

الوجه السادس: أنّه شرطٌ مخالف للسُنّة، لأنّ لزوم النكاح حكميٌ لا حقّي، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، فلا يجوز التمسّك بالعام.

وفيه: لم يثبت كونه كذلك، وقد مرّ أنّ الشكّ في ذلك يكفي في التمسّك بالعام، لأصالة عدم المخالفة.

وبالجملة: فالأظهر أنّه لا دليل على المنع سوى الإجماع(3) المدّعى في كلمات غير واحدٍ، ولا بأس به.

***5.

ص: 61


1- جواهر الكلام: ج 29/149 المسألة الرابعة.
2- وسائل الشيعة: ج 18/31-32 باب 6 من أبواب الخيار.
3- كما في المبسوط: ج 4/194، والسرائر: ج 2/575، وجامع المقاصد: ج 13/394-395.

ادّعاء الرّجل زوجيّة امرأةٍ

أقول: بقي أن نتعرّض في المقام للبحث عن مسائل متفرّقة مرتبطة بهذه الاُمور:

المسألة الاُولى: لو ادّعى رجلٌزوجيّة امرأة، فهي إمّا تصدّقه، أو تكذّبه، أو تقول لا أدري، وهو إنّما يكون إذا ادّعى الزوج تزويجها بإذن الوليّ حين ولايته عليها.

الصورة الاُولى: إن ادّعى الرّجل وصدّقته، حكم بزوجيّته في ظاهر الشرع، بلا خلافٍ ظاهر.

واستدلّ له في «الجواهر» وغيرها، بأنّ الحقّ ينحصر فيهما، وقد أقرّا به، فيدخلان في عموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1) لأنّه الفرض(2).

ولكن القاعدة تختصّ بما يكون على نفسه، فلا تشمل ما يتعلّق بغيره كإرث أحدهما من الآخر، فإنّه يتعلّق بوارثه، بل لا تشمل القاعدة الآثار التي لهما كالوطء، مع أنّ ظاهر كلمات الأصحاب البناء على ترتيب جميع آثار الزوجيّة.

وقد يستدلّ له: بأنّ ذلك من قبيل الدعوى بلا معارض.

ولكن دليلها هو النَّص(3) - مضافاً إلى ضعفه(4) - لا يشمل المقام.

وبذلك يظهر ما في الاستدلال بأنّه يرجع إلى الإخبار عن نفسه أو ما تحت يده، كما لو أخبر بطهارة بدنه، فإنّه لا عموم لأدلّته بنحوٍ يشمل المقام.

وعليه، فالأولى أن يستدلّ له بقاعدة: «مَنْ مَلِك شيئاً ملك الإقرار به» الثابتة

ص: 62


1- عوالي اللآلي: ج 1/223 ح 104.
2- الحدائق الناضرة: ج 23/178 المسألة الرابعة، جواهر الكلام: ج 29/152 المسألة الخامسة.
3- الاحتجاج: ج 2/289، وسائل الشيعة: ج 27/273 ح 33757 باب 17 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.
4- رواها الطبرسي عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام.

بالإجماع القولي(1) والعملي، كما يظهر من بناء الأصحاب(2) على أحكامٍ لا تنطبق إلّا على ذلك، ببناء العقلاء، ولم يردع الشارع عنها، فإنّ مفاد القاعدة أنّ من كان له السلطنة على شيء، يكون إخباره عنه حجّةً ، سواءٌ أثبته على نفسه أو على غيره، ويؤيّده الأدلّة المتقدّمة، وإن كان ثقةً يشمله ما دلّ على حجيّة خبر الثقة حتّى في الموضوعات، وليس لأحدٍ مزاحمتها إلّاللمدّعي الحِسّي، إذا ادّعى حرمة أحدهما على الآخر لرضاعٍ أو نكاحٍ في عدّة أو ما شاكل، فيسمع دعواه إنْ كانت له بيّنة وإلّا فلا، ولا يمين على المُنكر لعدم كونه حقّاً للمدّعي.

الصورة الثانية: إنْ ادّعى الرّجل زوجيّة امرأةٍ وكذّبته، فتجري عليهما قواعد الدعوى كما عن «القواعد»(3) وغيرها(4).

فيطلب من الرّجل البيّنة:

فإنْ كان له البيّنة حكم بزوجيّتها له، فيجبُ عليهما مراعاة حقوق الزوجيّة ظاهراً.

وإنْ لم يكن له البيّنة، تحلف المرأة، لعموم قوله عليه السلام في نصوص كثيرة: «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(5).

فإنْ حلفت حكم بعدم الزوجيّة وترتيب آثاره عليهما في الظاهر.

لكن المرأة في الفرض السابق والرّجل في هذا الفرض مأخوذان بإقرارهما،ى.

ص: 63


1- جواهر الكلام: ج 35/104 قوله: (بل صريح بعضهم أنّه لا خلاف فيها عندهم).
2- كما في المبسوط: ج 3/19، وإيضاح الفوائد: ج 3/303، والدروس: ج 3/366، وجامع المقاصد: ج 9/201 وغيرهم.
3- قواعد الأحكام: ج 3/11 قوله: (لو ادّعى زوجيّة امراة لم يلتفت إليه إلّابالبيّنة، سواء عقد عليها غيره أو لا).
4- كما في مسالك الأفهام: ج 7/103.
5- وسائل الشيعة: ج 27/233-235 باب 3 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

ولا يلتفت إلى دعوى الزوجيّة بغير بيِّنة، أو تصديق.

المستفاد من الدعوي والإنكار، فليس للرجل في هذا الفرض تزويج الخامسة، ولا اُمّ المنكرة ولا بنتها مع الدخول، ويجبُ عليه إيصال المَهر إليها، وإنْ كان لا يجوز لها أخذه، وأيضاً في الظاهر لا يجب ذلك، ولذا ليس لأحدٍ إلزامه به، وليس للمرأة في الفرض السابق ترتيب آثار الزوجيّة.

وقالوا: إنّه قبل التحليف يُحكم عليه بمقتضى اعترافه، ولها بمقتضى إنكارها، فيمنع الرّجل من تزويج الخامسة ومن اُختها وما شاكل، وباشتغال ذمّته بالمَهر، ولكن ليس لها المطالبة لإنكارها ولا لغيرها، لأنّه لو كان فهو حقّها فليس للغير المطالبة بدون إذنها، نعم لورّاثها المطالبة لو ماتت لأنّهم لم ينكروه.

وفيه: الأظهر عدم ثبوت الاشتغال، إذ كما أنّ الرّجل بادّعائه الزوجيّة يقرّ باشتغال ذمّته لها بالمهر، كذلك المرأة بإنكارها الزوجيّة تقرّ بعدم اشتغال ذمّته به، فكلٍّ من الإقرارين الضمنيّين يوجب شيئاً غير الآخر، فلا وجه لتقديم إقرار الزوج، مع أنّ الاشتغال لازمه وجوب الأداء وهو يناقض حرمة الأخذ فيسقطان.

وإنْ ردّت المرأة الحلف إلى الرّجل أو نكلت المرأة، حُكم بالزوجيّة وترتيب آثارها في ظاهر الشرع، لعموم أدلّة(1) اليمين المردودة والنكول.

وفي المتن: (ولا يُلتفت إلى دعوى الزوجيّة بغير بيّنةٍ أو تصديق)، وظاهره عدم تسلّطه على تحليفها، ولا وجه له كما صرّح به المحقّق الثاني(2).1.

ص: 64


1- وسائل الشيعة: ج 27/241-242 ص 233-235 باب 7 و 3 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.
2- جامع المقاصد: ج 12/91.

ولو ادّعى زوجيّة امرأةٍ ، وادّعت اُخت الزوجة زوجيّته

الصورة الثالثة: وادّعى الرّجل الزوجيّة معها وقالت المرأة لا أدري، فلا تسلّط له عليها بالزوجيّة، إلّابعد قيام البيّنة، فلو لم يكن له بيّنة سقطت دعواه، وليس له تحليفها لما دلّ من النصوص(1) على أنّ الحلف لابدّ وأنْ يكون على البتّ ، فيرجع إلى الأصل المقتضي لعدم تحقّق الزوجيّة فيحكم به.

أقول: وممّا ذكر يظهر حكم ما لو ادّعت امرأة زوجيّة رجلٍ ، فيجرى فيه الصور المتقدّمة في المسألة السابقة، ونظير ما إذا كان الدعوى على الزوجيّة ما إذا كان الزوج مزوّجاً بما لا يجتمع مع زوجيّة هذه - كاُختها أو بنتها وكالأربع - ويظهر حكم الجميع ممّا ذكر.

حكم اجتماع دعويين غير ممكن الاجتماع صدقهما في الزوجيّة

المسألة الثانية: (و) لو اجتمعت دعويان لا يمكن فرض اجتماعهما وصدقهما في الزوجيّة، كما (لو ادّعى) رجلٌ (زوجيّة امرأة)، و (ادّعت اُخت الزوجة) أو بنتها (زوجيّتة)، وكانت المرأة الأولى منكرةً لزوجيّة الرّجل.

أقول: فهنا دعويان:

إحداهما: من الرّجل على المرأة.

والثانية: من المرأة الاُخرى على ذلك الرّجل.

وحينئذٍ فإمّا أن لا تكون هناك بيّنة لواحدٍ من المدّعيين، أو تكون لأحدهما دون الآخر، أو لكليهما.

ص: 65


1- وسائل الشيعة: ج 23/246-247 باب 22 من كتاب الايمان.

أمّا في الصورة الأُولى : فيتوجّه اليمين على المنكر في كلتي الدعويين، فإنْ حلفا سقطت الدعويان.

ولو ردّت الأُولى عليه اليمين مثلاً، فحلف هو وثبتت دعواه، فهل له رَدّ اليمين على المدّعية أم لا؟ وجهان:

من أنّ نتيجة الرّد وحلفها سقوط الدعويين للتكاذب.

ومن أنّ التساقط ليس أثر الرّد الثاني، بل من آثار الرّدين، واجتماع البيّنتين المردودتين.

فعلى الأوّل: إذا حلفت سقطت الدعويان للتكاذب، وإنْ ردّت وحلف الرّجل ثبتت دعواه وسقطت دعواها.

هذا فيما إذا لم يدخل الرّجل بالثانية، وإلّا ففي كون اليمين عليه لأنّه المنكر لموافقة قوله للأصل، أو عليها لموافقة قولها للظاهر، وجهان، أقواهما الأوّل.

وأمّا في الصورة الثانية: وهي ما إذا كان لأحدهما بيّنة، فيثبت مدّعى من له البيّنة.

وهل تسقط دعوى الآخر، أم يجرى عليها قواعد الدعوى من حَلف المنكر أو ردّه ؟ قولان.

قد استدلّ للأوّل: بأنّ البيّنة حجّة شرعيّة، وإذا ثبت بها زوجيّة إحدى المرأتين لا يمكن معه زوجيّة الاُخرى ، كان لازم ثبوتها عدم زوجيّة الاُخرى .

وأُورد عليه: بأنّ البيّنة والشهادة بزوجيّة إحداهما، وإنْ كانت حجّة على نفي زوجيّة الاُخرى ، لكنّها ليست شهادة بالنفي.

ص: 66

وفيه: أنّه يتمّ إذا كان مستند البيّنة وقوع العقد، المبنيّ على ظاهر الصحّة، فإنّه حينئذٍ يمكن الغفلة عن ذلك أو عدم اعتقاد الملازمة.

وأمّا إذا كان المستند العلم، فالبيّنة كما تشهد بالزوجيّة المدّعاة للرجل مثلاً، تدلّ على كذب دعوى الآخر.

فالأولى أنْ يقال: إنّ هذا يتمّ بناءً على قبول بيّنة المنكر، وتكون بدلاً عن يمينه، كما عليه جماعة(1)، وأمّا على المشهور من عدم قبولها، فلابدّ من إجراء قواعد الدعوى مِنْ حَلف المنكر أو ردّه، ولذلك قال الشهيد رحمه الله: أنّه لابدّ حينئذٍ من اليمين على ما ادّعته الاُخت(2).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يستفاد من فحوى الخبر الآتي عدمه هنا، بناءً على العلم به في مورده.

ويمكن أنْ يقال: إنّ البيّنة على دعوى تقتضي فساد دعوى المدّعى، ليست هي بيّنة منكرٍ.

أقول: والأظهر هو الأوّل.

وأمّا في الصورة الثالثة:

فتارةً : تكون البيّنتان مطلقتين.

واُخرى : تكونان مؤرّختين.

وثالثة: يكون إحداهما مطلقة والاُخرى مؤرّخة.2.

ص: 67


1- مسالك الأفهام: ج 7/109.
2- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 162.

والمؤرّختان: تارةً يتّفق تاريخهما، واُخرى يختلف.

ومع الاختلاف: تارةً يتقدم تاريخ بيّنته، واُخرى يتقدّم تاريخ بيّنتها.

وعلى جميع التقادير:

تارةً : يكون كلّ منهما مع الدخول.

واُخرى : بدون الدخول.

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في موردين:

الأوّل: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في النَّص الخاص.

أمّا المورد الأوّل: فمحصّل القول فيه إنّه:

تارةً : يكون مستند إحدى البيّنتين العلم، ومستند الاُخرى الظهور أو الأصل، كما إذا كان مستند بيّنة الرّجل استصحاب بقاء العقد، أو ظهور وقوع العقد في كونه صحيحاً، أو دخول الرّجل، ومستند بيّنة المرأة العلم، ففي هذه الصورة يقدّم ما مستنده العلم، فإنّ العلم الذي هو مستند إحداهما مقدّمٌ على مستند الاُخرى عند المشهود عنده، فتكون البيِّنة الاُخرى باطلة المستند، فلا تكون حجّة.

واُخرى : يكون مستند إحداهما الظهور، ومستند الاُخرى الأصل، فالحكم كما في سابقه باعتبار أنّ الظهور مقدّمٌ على الأصل.

وثالثة: يكون مستند كلّ منهما العلم، ففي هذه الصورة تتساقطان، من غير فرقٍ بين إطلاق البيّنتين، أو كونهما مؤرّختين متقارنتين أو مختلفتين، أو كون إحداهما مؤرّخة والاُخرى مطلقة؛ للتعارض بينهما في جميع الفروض والتساقط.

ص: 68

حُكم لبيّنته، إلّامع تقديم تأريخها أو دخوله بها

وأمّا المورد الثاني: فالنّص هو خبر الزُّهري المرويّ عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام: «في رجلٍ ادّعى على امرأةٍ أنّه تزوّجها بوليّ وشهود، وأنكرت المرأة ذلك، فأقامت اُخت هذه المرأة على هذا الرّجل البيّنة أنّه تزوّجها بوليّ وشهود، ولم يوقّتا وقتاً؟

فكتب عليه السلام: أنّ البيّنة بيّنة الرّجل ولا تُقبل بيّنة المرأة، لأنّ الزوج قد استحقّ بُضع هذه المرأة وتريد اُختها فساد النكاح، فلا تُصدَّق ولا تُقبل بيّنتها، إلّابوقتٍ قبل وقتها، أو بدخول بها»(1).

وهو يدلّ على أنّه ي (حكم لبيّنته إلّامع تقديم تأريخها) أي تاريخ بيّنتها، (أو دخوله بها)، وقد عمل الأصحاب به.

وعن «جامع المقاصد»: كأنّ هذا الحكم مجمعٌ عليه بين الأصحاب(2).

وعن «المسالك»: (لا يظهر فيه خلافٌبينهم، وأنّه ربما ادّعى عليه الإجماع)(3).

وقريبٌ منهما كلمات غيرهما من الأساطين(4).

وأورد عليه: بأنّه مخالفٌ للقواعد من جهتين:).

ص: 69


1- الكافي: ج 5/562 باب نوادر ح 26، وسائل الشيعة: ج 20/299 ح 25670 باب 22 من أبواب كتاب عقد النكاح وأولياء العقد.
2- جامع المقاصد: ج 12/88.
3- مسالك الأفهام: ج 7/108 المسألة الثامنة.
4- كما في رياض المسائل: ج 10/48 (ط. ج).

إحداهما: أنّ الرّجل منكر ويقدّم قوله مع عدم البيّنة، ومَنْ كان القول قوله فالبيّنة بيّنة صاحبه، وقد دلّ الخبر على أنّ البيّنة بيّنته، ذكره الشهيد(1)والمحقّق(2) الثانيان.

ثانيتهما: أنّه يدلّ على تقديم إحدى البيّنتين على الاُخرى من غير مرجّح.

وربما يُجاب عن الأُولى : بأنّ الرّجل منكرٌ بالنسبة إلى دعوى الاُخت، لا بالنسبة إلى دعواه على اُختها، لأنّه حينئذٍ مدّع.

وفيه: أنّ النَّص يدلّ على تقديم بيّنته، حتّى بالإضافة إلى دعوى الاُخت عليه الّتي يكون هو فيها منكراً.

وأجاب الشيخ الأعظم رحمه الله عن الثانية: بأنّ كلّاً من البيّنتين مستندها العقد، فهما متساويتان في الاعتماد والاستناد، إلّاأنّ الرّجل والاُخت يختلفان في الاعتماد، إذ اعتماد الاُخت في دعواها على ظاهر العقد كبيّنتها، واعتماد الرّجل في دعواه على العلم بصحّة ما يدّعيه، وفساد ما تدّعيه الاُخت، فإنّ مناط صحّة ما تدّعيه الاُخت إنّما يُعرف من قِبل الرّجل وهو أعرف به(3).

وفيه: أنّ النَّص مطلقٌ يدلّ على تقديم بيّنة الرّجل حتّى في مورد اعتماد الاُخت على العلم، وكذا بيّنتها، ولكن الذي يرد على الإيراد أنّه لا مانع من العمل بالنَّص في مقابل القواعد وإنْ خالفها.

وأمّا دعوى: أنّ مورد السؤال قضيّة خاصّة لا كليّة.1.

ص: 70


1- كما في مسالك الأفهام: ج 7/108.
2- جامع المقاصد: ج 12/88.
3- كتاب النكاح: ص 101.

فمندفعة: بأنّه ينافيه ما فيه من التفصيل.

كما أنّ دعوى: أنّ السؤال في الخبر لعلّه كان مشتملاً على بعض القيود الدالّة على لزوم تقديم بيّنة الرّجل وصحّة دعواه، وأنّ ما كان من الاُخت كان مناصرةً منها لاُختها.

تندفع: بأنّ هذا ينافي الأمانة في النقل، ولو فتح هذا الباب لما صحّ الاستدلال بكثيرٍ من الأخبار.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ أصالة عدم الزيادة أصلٌ عقلائي متّبع في المحاورات.

وعليه، فالأظهر هو العمل بالنّص، ولكن المتعيّن الاقتصار على مورده، وهو في خصوص الاُختين.

وما في «الجواهر» من ضرورة عدم مدخليّة الاخوة فيه، بل إنّما هو لتحريمه، وهو مشتركٌ بين الجميع(1)، غير ظاهر الوجه، ولذلك فالأظهر عدم تعميم الحكم في مثل الاُمّ والبنت، كما عن «جامع المقاصد»(2) الجزم به.

أقول: والمستفاد من ظاهر النّص عدم الاحتياج إلى اليمين، لكن عن قواعد(3)المصنّف رحمه الله و «المسالك» الافتقار إليه، وعلّل ذلك بأنّه مع التعارض تتساقط البيّنتان، فلابدَّ من مرجّح للحكم بإحداهما(4).

وفيه: أنّه لاوجه له بعد كون النَّص ظاهراً في عدم الافتقار.0.

ص: 71


1- جواهر الكلام: ج 29/163.
2- جامع المقاصد: ج 12/90.
3- قواعد الأحكام: ج 3/11.
4- مسالك الأفهام: ج 7/110.

والقولُ قولُ الأب في تعيين المعقود عليها، بغير تسميةٍ ، مع رؤية الزوج للجميع، وإلّا بطل العقد.

لو قصد إحدى بناته ولم يُسمّها

المسألة الثالثة: إذا كان لرجلٍ عدّة بناتٍ ، فزوّج واحدة منهنّ دون أن يُسمّها عند العقد أو يعيّنها بغير الاسم لكنّه قصدها معيّنةً ، واختلف الأب والزوج فيها:

ففي المتن (والقولُ قولُ الأب في تعيين المعقود عليها، بغير تسميةٍ مع رؤية الزوج للجميع، وإلّا بطل العقد)، ونُسب ذلك إلى الشيخ في «النهاية»(1)، والقاضي ابن البرّاج(2)، والمحقّق(3)، والشهيد في «اللُّمعة»(4)، وغيرهم(5).

وعن الشهيد الثاني(6) نسبته إلى أكثر الأصحاب.

وعن الحِلّي(7)، و «المسالك»(8)، و «الروضة»(9)، و «شرح النافع»(10)، و «جامع

ص: 72


1- النهاية: ص 468.
2- المهذّب: ج 2/196.
3- شرائع الإسلام: ج 2/500 المسألة السادسة.
4- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 161.
5- كابن سعيد الحِلّي في جامع للشرائع: ص 436.
6- مسالك الأفهام: ج 7/104 المسألة السادسة.
7- السرائر: ج 2/573.
8- مسالك الأفهام: ج 7/106.
9- الروضة البهيّة: ج 5/113-115.
10- نهاية المرام: ج 1/37.

المقاصد»(1): أنّه لابدَّ من الرجوع إلى التحالف، وفي «العروة»(2) نسبة ذلك إلى المشهور.

أقول: يقع الكلام في موردين:

الأوّل: فيما تقتضيه القواعد العامّة.

الثاني: في النَّص الخاص.

أمّا المورد الأوّل: ففيه ثلاث صور:

1 - قد يكون العاقد هو الأب وحده، بأن وكّله الزوج، وأصبح متوليّاً لإنشاء الإيجاب والقبول.

2 - وقد يكون العاقد هو الأب مع وكيل الزوج.

3 - وقد يكون العاقد الأب مع الزوج.

ففي الصورة الأُولى : إنْ كان الزوج فوّض الأمر إلى الأب حتّى في تعيين الزوجة، فالقول قول الأب بيمينه، لأنّه وكيلٌ على العمل، فيُقبل قوله، ويكون خصمه مدّعياً.

وإنْ لم يفوّض أمر التعيين إليه، بل عيّنا بدواً واحدة ثمّ وكّله في العقد، فالقول قول الزوج بيمينه، لأصالة عدم توكيله فيما يدّعيه.

وفي الصورة الثانية: يكون قولُ الوكيل حجّة على الزوج دون الأب.

وفى الصورة الثالثة: إنْ كان القبول من الزوج على ما قصده الأب، فوقع الاختلاف في قصده، فالقولُ قول الأب مع يمينه، لأنّه أعرف بفعله وقصده.).

ص: 73


1- جامع المقاصد: ج 12/82 قوله: (فقول ابن إدريس لا يخلو من قوّة).
2- العروة الوثقى: ص 598-599 (ط. ج).

وأمّا المورد الثاني: ففي صحيح أبي عُبيدة، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ كان له ثلاث بناتٍ أبكار، فزوّج إحداهنّ رجلاً ولم يُسمّ التي زوّج للّزوج ولا للشهود، وقد كان الزوج فَرَض لها صداقاً، فلمّا بلغ إدخالها على الزوج، بلغ أنّها الكبرى من الثلاثة، فقال الزوج لأبيها: إنّما تزوّجتُ منك الصغيرة من بناتك ؟!

قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنْ كان الزوج رآهنّ كلهنّ ولم يُسمّ له واحدة، فالقول في ذلك قول الأب، وعلى الأب فيما بينه وبين اللّه تعالى أن يدفع إلى الزّوج الجارية التي كان نوى أن يزوّجها إيّاه عند عقدة النكاح، وإنْ كان الزّوج لم يَرهنّ كلهنّ ولم يُسمّ له واحدة منهنّ عند عقد النكاح، فالنكاحُ باطلٌ »(1).

وهو يدلّ على القول الأوّل.

وأورد أصحاب القول الثاني عليه بوجوه:

الوجه الأوّل: إعراض المشهور عنه.

وفيه: إنّ الأكثر أفتوا بمضمونه كما مرّ، ومن لم يفتِ به ما بين من لا يعمل بأخبار الآحاد - كالحِلّي رحمه الله - وبين من أخرجه وحَمله على ما لا ينافي القواعد العامّة، وعليه فلا إعراض عنه.

الوجه الثاني: أنّه مخالفٌ للقواعد العامّة.

وفيه: أنّه أخصّ منها فيقدّم، وإنْ شئتَ قلت إنّ القواعد كما تؤسّس بالأدلّة الشرعيّة والروايات كذلك تُخصّص بها.د.

ص: 74


1- الكافي: ج 5/412 باب نادر ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/294 ح 25662 باب 15 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

الوجه الثالث: أنّه يمكن حمله على بعض المحامل:

ففي «الشرائع»: (إنْ كان الزوج رآهنّ فالقولُ قول الأب، لأنّ الظاهر أنّه أوكل التعيين إليه، وعليه أن يُسلّم إليه التي نواها، وإنْ لم يكن رآهنّ كان العقد باطلاً)(1).

ونحوه ما عن «المختلف»(2).

وعن «كشف اللّثام»: (لا بُعد في أنْ يكون التفويض إلى الوليّ جائزاً في النساء اللآتي رآهنّ ، لأنّهنّ تعيّن عنده دون من لم يرهنّ لكثرة الجهالة، لأنّ الرؤية دليلٌ على التفويض، وأنّ التفويض جائزٌ مطلقاً)(3).

أقول: ولكن يرد على ما أفاده المحقّق والمصنّف:

أنّ التفويض إلى الأب إنْ كفى مع تولية القبول، من غير أن يقصد معيّنةً ، فلا فرق بين الرؤية وعدمها، فيلزم الصحّة على التقديرين، وإنْ لم يكن كافياً بطل على التقديرين، ولا دلالة في الرؤية ولا عدمها عليشيء من الأمرين، كمافي «الجواهر»(4).

وتبع في ذلك الشهيد الثاني رحمه الله، حيث قال: (دعوى أنّ رؤيتهنّ دلّت على الرضا بما عيّنه الأب، وعدمها على عدمه في موضع المنع، لأنّ كلّ واحدة من الحالين أعمٌّ من الرضا بتعيّن الأب وعدمه، وليس في الرواية على تقدير الاعتناء بها دليلٌ على ذلك، بل في هذا التنزيل تخصيصٌ لها في الحالين)(5)، انتهى .6.

ص: 75


1- شرائع الإسلام: ج 2/500.
2- مختلف الشيعة: ج 7/119.
3- كشف اللّثام: ج 7/51 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/155.
5- مسالك الأفهام: ج 7/106.

ويرد على ما أفاده «كشف اللّثام»: أنّ الرؤية ليست شرطا لصحّة التفويض، ضرورة أنّه يجوز للإنسان أن يفوّض تزويجه إلى غيره وإنْ لم يكن قد رأى امرأةً من النساء، مع أنّ مورد الخبر النزاع في التفويض وعدمه، ولو سُلّم أنّه يشترط في صحّة التفويض رؤية الجميع، لم يكف ذلك لتقديم قول الأب.

وعليه، فالإنصاف أنّه لا يمكن تنزيل الرواية على القواعد، ولا ملزم لذلك فيعمل بها، ومقتضى إطلاقها ذلك في جميع الصور الثلاث المتقدّمة، كما أنّ ظاهرها عدم الاحتياج إلى اليمين، فيلتزم به أيضاً.

لزوم تعيين الزوج والزوجة

المسألة الرابعة: طفحت كلماتهم بأنّه يشترط تعيين الزوج والزوجة على وجهٍ يمتاز كلّ منهما عن غيره بالاسم أو الوصف أو الإشارة، فلو قال: (زوّجتك إحدى بناتي) بطل، وكذا لو قال: (زوّجتُ بنتي أحد إبنيك) أو (أحد هذين).

وفي رسالة الشيخ الأعظم: بلا خلافٍ ظاهرٍ(1).

وفي «الكفاية»: لا أعرف فيه خلافاً(2).

وعن «كشف اللّثام»: أنّه اتّفاقي(3).

والمراد بذلك ليس تعيينها حال العقد، بل المراد التعين في الواقع وإنْ لم يعلم بذلك حين العقد، كما أنّ المراد به ليس لزوم ذكرهما حال العقد، فلا يكفي اتّفاقهما في

ص: 76


1- كتاب النكاح: ص 92.
2- كفاية الأحكام: ص 155.
3- كشف اللّثام: ج 7/49 (ط. ج).

النيّة والقصد المعلوم عند كلّ واحدٍ منهما، فإنّ الظاهر القطع بصحّة ذلك.

وملخّص الكلام: أنّ المراد بذلك:

إنْ كان ما يقابل المردّد، فوجهه أنّ المردّد من حيث هو لا ماهيّة له ولا وجود ولا تحقّق، فلا يكون موضوعاً للأحكام.

وإنْ كان ما يقابل الكلّي الذّمي، فوجهه ظاهرٌ، لعدم تصوّره في الإنسان.

وإنْ كان ما يقابل التخيير، فهو أيضاً ظاهرٌ، إذ التخيير المتصوّر في الواجبات مثلاً، وهو وجوب كلّ منهما عند ترك الآخر، لا يتصوّر في المقام.

وإنْ كان ما يقابل الكلّي في المعيّن، فوجهه أنّ الزوجيّة بحسب المرتكزات العرفيّة، ليست من قبيل المِلكيّة الصالحة للقيام بالكلّي مالكاً ومملوكاً، بل هي من قبيل الاخوّة والبنوّة وما شاكلّ من الإضافات التي لا تقوم بغير المتعيّنين، فلا يصحّ اعتبارها بين غير المتعيّنين.

وأمّا ما أفاده المصنّف رحمه الله: في وجه ذلك من أنّ الاستمتاع يقتضي فاعلاً ومنفعلاً معيّنين لتعيّنه(1).

فيردّه: أنّ الانتفاع المقصود من البيع أيضاً يتوقّف على التعيين، والحَلّ أنّه يكفي في ذلك التعيين بعد العقد.

وعليه، فالعمدة هو الإجماع المعتضد بما ذكرناه.

ولو عيّن الزوجة ولكن سمّاها بغير اسمها، كما لو قال: (زوّجتك بنتي فلانة) وسمّاها بغير اسمها، ولا بنت له سوى واحدة، أو قال: (زوّجتك بنتي الكبريفاطمة)).

ص: 77


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/584 (ط. ق).

وتبيّن أنّ اسمها خديجة، أو قال: (زوّجتك هذه التي تراها) وهي فاطمة أو هي الكبرى ، فالأظهر هو الصحّة، ووقوع العقد على المقصود، ويُلغى ما وقع غلطاً، ووجهه واضح.

وقد رتّب على ذلك - أي لزوم تعيين الزوجة - في «الشرائع»(1) أنّه لا يصحّ نكاح الحمل، والظاهر أنّه لا خلاف بينهم في عدم صحّته، واستدلّ له:

1 - باحتمال كونه واحداً وأزيد فلا، تعيين هناك.

2 - وباحتمال كونه لا يكون غير قابل النكاح، بأن يكون ذكراً أو خنثى مشكلاً.

3 - وبأنّه قبل ولوج الروح فيه لا يكون إنساناً، وبعده لا دليل على ولاية الأب أو غيره على الحمل، فيكون المنع لقصورٍ في المتصرّف لا في موضوع التصرّف.

4 - وبانصراف الأدلّة.

أقول: والجميع قابلة للخدشة.

إذ التعدّد لا ينافي التمييز والتعيين، واحتمال كونه غير قابل للنكاح يجتمعُ مع البناء على الصحّة المراعاة بقابليّة النكاح.

وإنْ شئتَ قلت: أنّه لا دليل على اعتبار التعيين في مقابل احتمال الذكوريّة والاُنوثيّة، كما لا دليل على لزوم التعيين المقابل للجهالة بالوحدة والتعدّد، وعدم ثبوت الولاية عليه لا ينافي صحّة العقد فضوليّاً، والانصراف ممنوعٌ .

وعليه، فالعمدة فيه الإجماع إنْ ثبت، والظاهر ثبوته.

ولا يشترط في النكاح علم كلٍّ من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر، ممّا0.

ص: 78


1- شرائع الإسلام: ج 2/500.

يختلف به الرغبات، وتكون موجبة لزيادة المَهر أو قلّته، فلا يضرّ بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها، بلا خلافٍ ، وادّعى صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) أنّ على ذلك الضرورة.

ويشهد به: - مضافاً إلى عمومات الصحّة بعد فقد الدليل على اعتبار ذلك - السيرة القطعيّة.

وأمّا قاعدة الغرر فلا تجري في المقام للسيرة، وإلّا فقد روى المصنّف رحمه الله في كتبه أنّه: «نَهى النبيّ صلى الله عليه و آله عن الغَرر»(2) وعمل بها الأصحاب في كثيرٍ من المعاملات، وظاهرهم الاعتماد عليها.

تزويج امرأة تدّعي أنّها خليّة عن الزوج

المسألة الخامسة: يجوز تزويج امرأة تدّعي أنّها خلية من الزوج، من غير فحصٍ ، بلا خلافٍ ولا كلام، ويشهد به نصوص:

منها: خبر ميسر قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول لها: ألكِ زوجٌ؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟

قال: عليه السلام: نعم، هي المصدّقة على نفسها»(3).

ومنها: خبر يونس، قال: «سألته عن رجلٍ تزوّج امرأةً في بلدٍ من البلدان،

ص: 79


1- جواهر الكلام: ج 29/158 قوله: (فإنّ العقد عليهما لا يقتضي اعتبار تشخصّهما في الصحّة، ضرورة صحّة العقد على الكلّي في البيع والإجارة).
2- التذكرة: ج 1/466 (ط. ق)، ج 10/51 (ط. ج). وسبقه الشيخ في الخلاف: ج 3/55.
3- الكافي: ج 5/392 باب تزويج بغير وليّ ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/301 ح 25677 باب 25 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

فسألها ألكِ زوجٌ؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمّ إنّ رجلاً أتاه فقال هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج ؟

فقال عليه السلام: هي امرأته إلّاأن يقيم البيّنة»(1).

ومنها: خبر أبان بن تغلب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس هذا عليك، إنّما عليك ان تصدّقها»(2).

ونحوها غيرها.

بل الظاهر جواز تزويجها إذا لم تدّع ذلك، ولكن هي دعت الرّجل إلى تزويجها، أو أجابت إذا دُعيت إلى ذلك، لخبر محمّد بن عبد اللّه الأشعري، قال:

«قلتُ للرّضا عليه السلام: الرّجل يتزوّج بالمرأة، فيقع في قلبه أنّ لها زوجاً؟

فقال: وما عليه، أرأيتَ لو سألها البيِّنة كان يجدُ من يشهد أنْ ليس لها زوج»(3).

ونحوه خبر الفضل مولى محمّد بن راشد(4).

ودعوى: أنّ الظاهر من الخبرين ترك السؤال بعد التزويج.

مندفعة: بأنّهما ظاهران في أنّه لم يسألها قبل التزويج، وبرغم ذلك حَكم الإمام عليه السلام بالصحّة، أضف إليه عموم العلّة.ة.

ص: 80


1- التهذب: ج 7/468 باب الزيادات في فقه النكاح ح 82، وسائل الشيعة: ج 20/300 ح 25673 باب 23 من أبواب عقد النكاح.
2- مستدرك الوسائل: الباب 9 من أبواب المتعة، ح 1.
3- التهذيب: ج 7/253 باب تفصيل أحكام النكاح ح 19، وسائل الشيعة: ج 32/21 ح 26446 باب 10 من أبواب المتعة.
4- التهذيب: ج 7/253 باب تفصيل أحكام النكاح ح 17، وسائل الشيعة: ج 21/31 ح 26444 باب 10 من أبواب المتعة.

فرع: لو كانت متهمة في دعواها، فهل يجبُ الفحص أم لا؟ وجهان.

يظهر من «الحدائق»(1) وغيرها(2) أنّ عدم وجوب الفحص إجماعي.

ولكن مقتضى صحيح أبي مريم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «أنّه سئل عن المتعة ؟ فقال: إنّ المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم، إنهنّ كُنّ يومئذٍ يؤمن، واليوم لا يؤمن، فاسألوا عنهن»(3) لزوم الفحص.

ولكن للإجماع المدّعى على عدم وجوبه، ولخبر الأشعري المتقدّم ونحوه غيره، يُحمل الأمر على الاستحباب.

وحيث أنّ مقتضى إطلاق النصوص جواز تزويج امرأة يعلم كونها ذات بعلٍ سابقاً، وادّعت طلاقها أو موته، فيجوز تزويج زوجة من غاب غيبةً منقطعة ولم يُعلم موته ولا حياته، إذا ادّعت حصول العلم لها بموته من القرائن، أو بإخبار المُخبرين، وإنْ لم يحصل العلم بقولها.

إقامة البيّنة على من ادّعى زوجيّة امرأة

المسألة السادسة: إذا تزوّج امرأةً تدّعي كونها خليّة عن الزوج، فادّعى زوجيّتها رجلٌ آخر، لم تُسمع دعواه إلّابالبيّنة، كما في «الشرائع»(4) وعن

ص: 81


1- الحدائق الناضرة: ج 24/128 ضمن بحث نكاح المتعة، قوله: (الثانية: قالوا يستحبّ أنْ تكون مؤمنة عفيفة، وأن يسألها عن حالها مع التهمة، وليس ذلك شرطاً في الصحّة).
2- كما في رياض المسائل: ج 10/274 (ط. ج) قوله: (وليس السؤال شرطاً في الجواز إجماعاً ولا واجباً).
3- الكافي: ج 5/453 باب أنّه لا يجوز التمتّع إلّابالعفيفة ح 1، وسائل الشيعة: ج 23/21 ح 26426 باب 6 من أبواب المتعة.
4- شرائع الإسلام: ج 2/501.

«القواعد»(1) وغيرهما(2).

ويشهد به: خبر يونس المتقدّم في المسألة السابقة، ونحوه مكاتبة الحسين بن سعيد(3)، وحسن عبد العزيز بن المهتدي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «قلت جُعلت فداك، إنّ أخي مات وتزوّجت امرأته، فجاء عمّي فادّعى أنّه كان تزوّجها سِرّاً، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار، وقالت: ما بيني وبينه شيءٌ قط.

فقال عليه السلام: يلزمك إقرارها، ويلزمه إنكارها»(4).

وعدم التعرّض فيه للبيّنة، إنّما هو لفرض دعوى التزويج سِرّاً.

وأمّا موثّق سماعة، قال: «سألته عن رجلٍ تزوّج أمَةً (جارية) أو تمتّع بها، فحدّثه رجلٌ ثقةٌ أو غير ثقة، فقال: إنّ هذه امرأتي وليست لي بيّنة ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان ثقةً فلا يقربها، وإنْ كان غير ثقة فلا يقبل منه»(5).

فلعدم العامل به، وتضمّنه خصوص المقاربة، ولم يحكم فيه بزوجيّتها للأوّل، وعدم ترتيب سائر آثار زوجيّتها للثاني، يحُمل على الاستصحاب.

وهذه النصوص إنّما تتضمّن لبيان تكليف الزوج، ومقتضى إطلاقها أنّه مع وجود البيّنة يُحكم بأنّها زوجة الأوّل، وبدونها يُحكم بأنّها امرأته، كان ذلك قبلد.

ص: 82


1- قواعد الأحكام: ج 3/11 قوله: (ولو ادّعى زوجيّة امراة لم يلتفت إليه إلّابالبيّنة سواء عقد عليها غيره أم لا).
2- كما في كشف اللّثام: ج 7/57 (ط. ج).
3- وسائل الشيعة: ج 20 باب 23/300 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 25673.
4- الكافي: ج 5/563 باب نوادر ح 27، وسائل الشيعة: ج 20/299 ح 25671 باب 23 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
5- التهذيب: ج 7/461 باب الزيارات في فقه النكاح ح 53، وسائل الشيعة: ج 20/300، ح 25672 باب 23 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

مراجعة القاضي والحاكم، أم بعد تلك، وليس للمدّعي تحليف الزوج لحكمه عليه السلام بأنّها امرأته، وعليه فما في «العروة» من قوله: (فيبقى النزاع بينه وبين الزوج، فإنْ حَلف سقط دعواه.. الخ)(1) في غير محلّه، لأنّ ظاهر النصوص قطع الدعوى بإقامة البيّنة وعدمها.

هذا بالنسبة إلى الزوج.

وأمّا بالنسبة إلى الزوجة: فهل له تحليفها مع عدم البيّنة أم لا؟

ففي «الجواهر»: (بل قيل والأكثر أنّه لو فرض عدمها، كانت دعواه عليها باطلة، لا يتوجّه عليها اليمين، وإنْ كانت هي مُنكِرة)(2)، ولكنّه قدس سره يختار أخيراً أنّ له ذلك.

أقول: والأظهر هو الأوّل، لا لما استدلّ به في محكي «المسالك» وغيرها: (بأنّ اليمين إنّما تتوجّه على المنكر إذا كان بحيث لو اعترف لزمه الحقّ ونفع المدّعى، والأمر هنا ليس كذلك، لأنّ المرأة لو صادقت المدّعي على دعواه لم تثبت الزوجيّة، لأنّ إقرارها واقع في حقّ الغير وهو الزوج)(3)، وكذا الحال لو ردّت اليمين على المدّعى، فإنّها لا تصلح حجّة في منع الزوج عن حقّه الثابت شرعاً.

فإنّه يمكن دفعه: بأنّه يكفى في صحّة سماع الدعوى وتحليفها، ترتّب الأثر في الجملة، ولو عند فراق الزوج الثاني.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المتبادر من ما دلّ على أنّ اليمين على من أنكر(4)، لزومم.

ص: 83


1- العروة الوثقى: ج 5/605 الطبع الجديد.
2- جواهر الكلام: ج 29/164.
3- مسالك الأفهام: ج 3/111، وجواهر الكلام: ج 29/164 والعبارة للأوّل.
4- وسائل الشيعة: ج 27/233-235 باب 3 من أبواب كيفيّة الحكم.

الحلف، لقطع أصل الدعوى المعلوم عدمه هنا، لمكان حقّ الزوج لا اللّوازم.

وما في بعض الموارد من سماع الدعوى بالنسبة إلى اللّوازم - كما قالوا(1) - فيما لو باع عيناً في يده على آخر، فادّعى ثالثٌ أنّها له، لم تُسمع دعواه، وإنْ كان البائع عاجزاً عن دفع الغرامة، فيكفى في سماع الدعوى ترتّب الاستحقاق إذا كان في معرض أن يترتّب عليه فعليّة الاستيفاء - إنّما هو لأجل الإجماع، وليس في المقام، لظهور إطلاق عبائر الأكثر في عدم السماع مطلقاً.

ويستحبّ أن يتخيّر البِكْر العفيفة الكريمة الأصل، بل لظاهر النصوص، لا حظ قوله عليه السلام في حَسن عبد العزيز المتقدّم: «يلزمك إقرارها، ويلزمه إنكارها».

هذا كلّه فيما إذا أنكرت.

وأمّا إذا صدّقته، وأقرّت بزوجيّته، فلا يُسمع بالنسبة إلى حقّ الزوج، لكنّها مأخوذة بإقرارها، فتردّ على المدّعى بعد موت الزوج أو طلاقه، ولا تستحقّ النفقة على الزوج، ولا المهر إذا دخل بها، لأنّها بغيّة بمقتضى إقرارها.

***7.

ص: 84


1- راجع مستمسك العروة الوثقى: ج 14/417.

ويُستحبُّ أن يتخيّر البِكْر العفيفة الكريمة الأصل

مستحبّات النكاح

(و) المطلب الثالث: فيما (يُستحبُّ ) عند إرادة التزويج، وهي كثيرة، ذكر المصنّف رحمه الله جملةً منها:

أحدها: (أن يتخيّر البِكْر العفيفة الكريمة الأصل) بأن لا تكون متولّدةً من زنا، أو حيض، أو شُبهة، أو ممّن تنال أحداً من آبائها واُمّهاتها الألسن.

وقيل: المراد من كرم الأصل، من لم يكن قد مسَّ آبائها رِقّ .

وقيل: بأن يكون أبواها صالحين.

أقول: ويمكن إرادة ما يشمل جميع ذلك منه.

ويشهد لاستحباب اختيار البِكْر: خبر عبد الأعلى بن أعين، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: تزوّجوا الأبكار، فإنهنّ أطيبُ شيءٍ أفواهاً».

قال: «وفي حديثٍ آخر وأنشفه أرحاماً، وأدرّ شيءٍ أخلافاً، وأفتخُ شيء أرحاماً»(1).

ونحوه غيره.

ويشهد لاستحباب اختيار العفيفة: النبويّ : «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها»(2) الحديث، وبمعناه غيره.

ص: 85


1- الكافي: ج 5/334 باب فضل الأبكار ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/55 ح 25021 و 25022 باب 17 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الكافي: ج 5/324 باب خير النساء ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/20 ح 24942 باب 6 من أبواب مقدّمات النكاح.

وصلاة ركعتين،

ويشهد لاستحباب اختيار كريمة الأصل: النبويّ : «أيّها النّاس، إيّاكم وخَضراء الدِّمن. قيل: يا رسول اللّه، وما خَضراءُ الدِّمن ؟

قال: المرأة الحسناء في منبت السوء»(1).

وقال صلى الله عليه و آله أيضاً: «انكحوا الأكفاء، وانكحوا فيهم، واختاروا لنُطَفِكم»(2).

ومثلهما غيرهما.

(و) ثانيها: (صلاة ركعتين) عند إرادة التزويج، قبل تعيين المرأة وخِطبتها، والدُّعاء بالمأثور، ويشهد بذلك:

خبر أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا تزوّج أحدكم كيف يصنع ؟

قلت له: ما أدري، جُعلت فداك.

قال عليه السلام: فإذا هَمَّ بذلك فليصلِّ ركعتين ويَحمد اللّه، ويقول: اللَّهُمَّ إنّي اُريد أن أتزوّج، اللَّهُمَّ فاقدر لي من النساء أعفهنّ فَرْجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهنّ رزقاً، وأعظمهنّ بركةً ، وأقدر لي منها ولداً طيّباً، تجعله خَلَفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي»(3).ح.

ص: 86


1- الكافي: ج 5/332 باب اختيار الزوجة ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/48 ح 25001 باب 13 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الكافي: ج 5/332 باب اختيار الزوجة ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/48 ح 25000 باب 13 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- التهذيب: ج 7/407 باب الاستخارة للنكاح ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/113 ح 25172 باب 53 من أبواب مقدّمات النكاح.

والإشهاد

(و) ثالثها: (الإشهاد):

1 - لمكاتبة المهلّب الدلّال إلى أبي الحسن عليه السلام: «أنّ امرأةً كانت معى في الدار، ثمّ إنّها زوّجتني نفسها.

إلى أنْقال: فكتبَ عليه السلام: التزويج الدائم لا يكون إلّابوليٍّ وشاهدين»(1) الحديث.

2 - وصحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة بغير شهود؟ فقال عليه السلام: لا بأس بتزويج البتّة فيما بينه وبين اللّه، إنّما جَعل الشهود في التزويج البتّة من أجل الولد»(2).

3 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّما جعلت البيّنة فى النكاح من أجل المواريث»(3).

وبمعنى الأخيرين نصوصٌ اُخر.

فإنْ قيل: ظاهر هذه النصوص أنّ الأمر بالإشهاد إنّما هو للإرشاد إلى تحقّق النسب والميراث وما شاكل، فلا تدلّ على الاستحباب.

قلنا: إنّ ما ذكر في هذه النصوص إنّما هو من قبيل الحكمة، وظاهر قوله: «إنّما جُعل» هو المطلوبيّة.ح.

ص: 87


1- التهذيب: ج 7/255 باب تفضيل أحكام النكاح ح 26، وسائل الشيعة: ج 21/34 ح 26457 باب 11 من أبواب المتعة.
2- الكافي: ج 5/387 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/98 ح 25131 باب 43 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- التهذيب: ج 7/248 باب تفضيل أحكام النكاح ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/99 ح 25134 باب 43 من أبواب مقدّمات النكاح.

والإعلان،

وعن العُمّاني:(1) القول بوجوبه، لظاهر المكاتبة.

وفيه: مضافاً إلى ضعفها، يشهد لعدم وجوبه جملةٌ من النصوص، كصحيح زرارة المتقدّم، وحسن حفص بن البُختري، عن مولانا الصادق عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج بغير بيّنة ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(2) ونحوهما غيرهما.

وهل يختصّ استحباب الإشهاد بالدائم كما عن «الروضة»(3)، وفي «الجواهر»(4) وغيرهما(5)؟

أم يكون مطلقاً كما يقتضيه إطلاق «النافع»(6) و «القواعد»(7) و «اللُّمعة»(8) وغيرها(9)؟

وجهان، أظهرهما الثاني، لإطلاق صحيح محمّد وما ماثله من الأخبار، إذ الميراث لايختصّبإرث الزوجة، بل يرث ولد المتعة أيضاً، والنصوص المختصّة بالدائم لا مفهوم لها، كي تدلّ على عدم استحبابه في غيره، فيقيّد بها إطلاق هذه الأخبار.

(و) رابعها: (الإعلان) الذي هو أبلغ من الإشهاد، ففي النبويّ : «لا نكاح في1.

ص: 88


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/101 قوله: (قال ابن أبي عقيل:... ولا يجوز إلّابوليّ مرشد وشاهدي عدل، وإنّما وضعت الشهود في النكاح الإعلان لعلّة الميراث وإيجاب القسم والنفقات... الخ).
2- الكافي: ج 5/387 باب التزويج بغير بيّنة ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/98 ح 25132.
3- الروضة البهيّة: ج 5/112.
4- جواهر الكلام: ج 29/39.
5- كما في النهاية ص 450، السرائر: ج 2/620، جامع المقاصد: ج 12/13 و ص 85 (ط. ج).
6- مختصر النافع: ص 171.
7- قواعد الأحكام: ج 3/11.
8- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 161.
9- كما في إرشاد الأذهان: ج 2/6 / ونهاية المرام: ج 1/31.

والخُطبة أمام العقد

السِّر حتّى يُرى دخانٌ ، أو يسمع حسُّ دفٍ »(1) ومثله غيره.

(و) خامسها: (الخُطبة أمام العقد) للتأسّي، واستفاضة النصوص في خِطبة المعصومين عليهم السلام أمام الأنكحة، وخُطبهم في ذلك مشهورة، وليست بواجبة إجماعاً(2)، ويصرّح به خبر عُبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن التزويج بغير خِطبة ؟

فقال عليه السلام: أوليسَ عامّة ما تتزوّج فتياتنا ونحن نتعرّق الطعام على الخوان، نقول: يا فلان زوّج فلاناً فلان، فيقول: قد فعلتُ »(3).

وهل يختصّ الاستحباب بخِطبة الزوج، أو وليّه، أو وكيله، أم يعمّ خِطبة الزوجة أو وكيلها أو وليّها؟

ظاهرُ «المستند»(4) الأوّل، ولكن يجب البناء على الثاني للاُمور التالية:

1 - الأحاديث المتضمّنة لخِطبة النبيّ صلى الله عليه و آله أمام تزويج فاطمة عليها السلام(5).

2 - وخبر جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «زوّج أمير المؤمنين امرأةً من بني عبد المطّلب، وكان يلي أمرها، فقال: الحمد للّه، ثمّ ذكر الخطبة»(6).ه.

ص: 89


1- دعائم الإسلام: ج 2/205 ح 749، المستدرك: ج 14/213 ح 16523 باب 34 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- مسالك الأفهام: ج 7/20، كشف اللِّثام: ج 7/13 (ط. ج).
3- الكافي: ج 5/368 باب التزويج بغير خطبة ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/96 ح 25126 باب 41 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- مستند الشيعة: ج 16/17.
5- المستدرك: ج 14/201-212 باب 33 من أبواب مقدّمات النكاح.
6- الكافي: ج 5/370 باب خطبة النكاح ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/287 ح 25646 باب 10 من أبواب مقدّمات النكاح وأوليائه.

وإيقاعه ليلاً،

3 - وإطلاق النبويّ : «كلّ نكاحٍ لا خطبة فيه فهو كاليد الجَذّاء»(1).

بل الظاهر من خبر عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : «أنّ جماعة قالوا لأمير المؤمنين عليه السلام: إنّا نريد أن نزوّج فلاناً فلانة، ونحن نريد أن نخطب ؟

فقال: وذكر خُطبةً تشتمل على حَمد اللّه والثَّناء على الوصيّة بتقوى اللّه»(2)الحديث، أنّه إذا خَطَب الأجنبي من العقد يكفي في الامتثال.

وتتحقّق الخِطبة بالحمد، ففي خبر القدّاح، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: «إذا حَمَد اللّه فقد خَطَب».

والأولى إضافة الصَّلاة على النبيّ والاستغفار، ففي خبر القدّاح عنه عليه السلام: «إنّ عليّ بن الحسين كان يتزوّج وهو يتعرّق عرقاً يأكل، ما يزيدُ على أنْ يقول: الحَمدُ للّه، وصلّى اللّهُ على محمّدٍ وآله، ونستغفر اللّه، وقد زوّجناكِ على شرط اللّه»(3).

وعن «المسالك»: (أكملها إضافة الشهادتين، والصَّلاة على النبيّ والأئمّة بعده، والوصيّة بتقوى اللّه، والدُّعاء للّزوجين)(4).

وفي «المستند»: (وأكملها الخُطَب المرويّة عنهم عليهم السلام، وهي كثيرة)(5).

(و) سادسها: (ايقاعه) أي العقد (ليلاً):8.

ص: 90


1- دعائم الإسلام: ج 2/203 ح 743، المستدرك: ج 14/201 ح 16507 باب 33 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الكافي: ج 5/369 باب خطبة النكاح ح 1، وسائل الشيعة: ج 20 /باب 42 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25128.
3- الكافي: ج 5/368 باب تزويج بغير خطبة ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/96 ح 25127 باب 41 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- مسالك الأفهام: ج 7/19.
5- مستند الشيعة: ج 16/18.

وصلاة ركعتين عند الدخول، والدُّعاء،

1 - لصحيح الحسن بن عليّ الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «من السُّنة التزويج باللّيل»(1).

2 - وخبر ميسر بن عبدالعزيز، عن الإمام الباقر: «يا ميسر، تزوّج باللّيل»(2).

ونحوهما غيرهما.

(و) سابعها: (صلاة ركعتين عند الدّخول، والدُّعاء)، لصحيح أبي بصير، قال:

«سمعتُرجلاً وهو يقول لأبي جعفر عليه السلام: إنّي رجلٌ قد أسننتُ وقد تزوّجتُ امرأةًبِكراً صغيرة، ولم أدخل بها، وأنا أخاف إذا دَخَلَت عليَّ فرأتنى أن تكرهنى لخضابى وكِبَري ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: إذا دخلتَ فمُرهم أن يأمروها قبل أن تَصل إليك أن تكن متوضّأة، ثمّ أنتَ لا تصلُ إليها حتّى توضّأ وصلِّ ركعتين، ثمّ مجِّد اللّه وصَلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، ثمّ ادعُ اللّه ومُر مَن معها أن يؤمِّنوا على دعائك، وقُل: اللَّهُمَّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها، وارضني بها، وأجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام.

ثمّ قال: واعلم أنّ الإِلف من اللّه، والفرك(3) من الشيطان ليكره ما أحلّ اللّه»(4).ح.

ص: 91


1- الكافي: ج 5/366 باب ما يستحبّ من التزويج باللّيل ح 1، وسائل الشيعة: ج 91/20 ح 25115 باب 37 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الكافي: ج 5/366 باب ما يستحبّ من التزويج باللّيل ح 3، وسائل الشيعة: ج 91/20 ح 25113 باب 37 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الفرك: البُغض ولم يسمع إلّافي الزوجين.
4- الكافي: ج 5/500 باب القول عند دخول الرّجل بأهله ح 1، وسائل الشيعة: ج 115/20 ح 25176 باب 55 من أبواب مقدّمات النكاح.

وأمرها بمثله، وسؤال اللّه تعالى الوَلَد الذَّكر،

وفي صحيحه الآخر دعاءٌ آخر(1)، كما أنّ في الأخبار الاُخر أدعيةٌ أُخرى (2).

وهل يُستكشف من ذلك ومن الأمر بالدّعاء بقولٍ مطلق في الخبر، وإنْ ذُكر بعده المأثور؟ أم المأمور به مطلق الدُّعاء، وإنْ لم يكن بالمأثور؟

وأمّا في المتن: (وأمرها بمثله)، ونحو ذلك ما عن «الروضة»(3)، و «القواعد»(4)، وغيرهما(5)، ولكن لم أعثر على مدركه.

وهل المأثور به ذلك عند الدخول بها، كما هو صريح «الجواهر»(6) وغيرها(7)؟

أم عند الوصول واللّقاء، كما صرّح به جماعة(8)؟

ظاهر الصحيح هو الثاني، بل ذلك صريحه كما لا يخفى .

(و) ثامنها: (سؤال اللّه تعالى الوَلَد الذَّكر)، لخبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا اردت الجماع، فقل: اللَّهُمَّ ارزقني ولداً، واجعله نقيّاً، ليس في خَلقه زيادةٌ ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير»(9).د.

ص: 92


1- الكافي: ج 5/500 باب القول عند دخول الرّجل بأهله ح 2، وسائل الشيعة: ج 20 / باب 55 من أبواب مقدّمات النكاح ح 25177.
2- وسائل الشيعة: ج 20/115-117 باب 55 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الروضة البهيّة: ج 5/92.
4- قواعد الأحكام: ج 3/5.
5- كما في جامع المقاصد: ج 12/16 قوله: (وأن يأمر أهل المرأة أن يأمروها عند انتقالها إليه بصلاة ركعتين أيضاً ودعاء)، وكفاية الأحكام: ص 152 مثله.
6- جواهر الكلام: ج 29/43.
7- كما في الحدائق الناضرة: ج 23/125.
8- كما في جامع المقاصد: ج 20/16، وكفاية الأحكام: ص 152، وجامع المدارك: ج 4/134.
9- الكافي: ج 10/6 باب الدُّعاء فى طلب الولد ح 12، وسائل الشيعة: ج 369/21 ح 27327 باب 8 من أبواب أحكام الأولاد.

ويُكره إيقاع العقد والقمر في العقرب، وتزويج العقيم،

مكروهات النكاح

(و) المطلب الرابع: فيما (يُكره) عند إرادة التزويج، وهي أُمور:

المكروه الأوّل: (إيقاع العقد والقمر في العقرب) أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها، وهي القلب والاكليل والزبانا والشولة، ويشهد به:

خبر حمران، عن مولانا الصادق عليه السلام: «من تزوّج امرأةً والقمر في العقرب لم يرَ الحُسنى »(1).

(و) المكروه الثاني: (تزويج العقيم) التي لا تلد، بل يستحبّ الولود، لخبر محمّد ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: تزوّجوا بِكْراً ولوداً، ولا تزوّجوا حَسناء جميلة عاقراً، فإنّي اُباهي بكم الاُمم يوم القيمة»(2) ونحوه غيره.

المكروه الثالث: إيقاع العقد في محاق الشهر، وهي اللّيلتان أو الثلاث من آخر الشهر.

قال الصدوق: (ورُوي أنّه يُكره التزويج في محاق الشهر)(3).

ص: 93


1- التهذيب: ج 7/461 باب الزيادات في فقه النكاح ح 52، وسائل الشيعة: ج 114/20 ح 25173 باب 54 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الكافي: ج 5/333 باب كراهية تزويج العاقر ح 2، وسائل الشيعة: ج 54/20 ح 25018 باب 16 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الفقيه: ج 3/394 باب الوقت الذي يُكره فيه التزويج ح 4389، وسائل الشيعة: ج 20/115 ح 25174 باب 54 من أبواب مقدّمات النكاح.

وفي خبر عبد العظيم: «من تزوّج في محاق الشهر فليُسلّم لسقط الولد»(1).

المكروه الرابع: إيقاعه في ساعةٍ حارّة.

المكروه الخامس: غير الاُمور المذكورة، ممّا يدلّ عليه النصوص، ومذكورٌ في المفصّلات.

***ح.

ص: 94


1- عيون أخبارالرضا عليه السلام: ج 1/288 ح 35، وسائل الشيعة: ج 115/20 ح 25175 باب 54 من أبواب مقدّمات النكاح.

والجماع ليلة الخسوف ويوم الكسوف،

آداب الخَلوة بالمرأة

(و) المطلب الخامس: في آداب الخلوة بالمرأة، وهي كثيرة نتعرّض لما ذكره المصنّف رحمه الله في المقام، حيث إنّه رحمه الله ذكر جملةً من مكروهاتها.

منها: (الجماع ليلة الخسوف، ويوم الكسوف)، لصحيح سالم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قلتُ له: هل يكره الجماع في وقتٍ من الأوقات وإنْ كان حلالاً؟

قال عليه السلام: نعم، ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشَّفق، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، وفي اللّيلة التي ينكسف فيها القمر، وفي اللّيلة وفي اليوم الذين يكون فيهما الرِّيح السّوداء، أو الريح الحمراء، أو الريح الصفراء، واليوم واللّيلة الذين يكون فيهما الزلزلة، ولقد باتَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند بعض أزواجه في ليلةٍ انكسف فيها القمر، فلم يكن منه في تلك اللّيلة ماكان منه في غيرها حتّى أصبح.

فقالت له: يا رسول اللّه، ألبغضٍ كان هذا منك في هذه اللّيلة ؟

قال صلى الله عليه و آله: لا، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه اللّيلة، فكرهتُ أن أتلذّذ وألهو فيها، وقد عَيّر اللّه في كتابه أقواماً(1)... الحديث».

ص: 95


1- الكافي: ج 5/498 باب الأوقات التي يُكره فيها الباه ح 1، وسائل الشيعة: ج 125/20 ح 25206 باب 62 من أبواب مقدّمات النكاح.

وعند الزّوال، وعند الغروب، وقبل ذهاب الشَّفق، وفي المحاق، وبعد الفجر حتّى تطلع الشمس، وفي أوّل ليلةٍ من كلّ شهر

(و) منها: الجماع (عند الزَّوال) وبعده كما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام، معلّلاً فيها بأنّه إنْ قضي بينكما ولدٌ في ذلك الوقت يكون أحول، والشيطان يفرج بالحول في الإنسان(1) إلّازوال يوم الخميس كما فيها.

(و) منها: الجماع (عند الغروب وقبل ذهاب الشَّفق) أي من مغيب الشمس حتّى يذهب الشَّفق، كما صرّح به في صحيح سالم المتقدّم.

(و) منها: الجماع (في الَمحاق)، وهي ليلتان أو ثلاث من آخر الشهر، كما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «يا علي، لا تُجامع أهلك في آخر درجة إذا بقي يومان، فإنّه إن قضى بينكما ولدٌ يكون عشّاراً وعوناً للظالمين، ويكون هلاك قومٍ من النّاس على يده»(2).

وفي خبر الجعفري، عن أبي الحسن عليه السلام: «من أتى أهله في محاق الشهر فليُسلّم لسقط الولد»(3).

(و) منها: الجماعُ (بعد الفجر حتّى تطلع الشمس) كما في صحيح سالم المتقدّم.

(و) منها: الجماعُ (في أوّل ليلةٍ من كلّ شهر)، ففي وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام:ح.

ص: 96


1- الفقيه: ج 551/3 باب النوادر ح 4899، وسائل الشيعة: ج 251/20 ح 25557 باب 149 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الفقيه: ج 553/3 باب النوادر ح 4899، وسائل الشيعة: ج 127/20 ح 25209 باب 63 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- الكافي: ج 5/499 باب الأوقات التي يُكره فيها الباه ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/127 ح 25208 باب 63 من أبواب مقدّمات النكاح.

إلّا رمضان، وليلة النصف،

«لا تُجامع امرأتك في أوّل الشهر ووسطه وآخره».

وفيها أيضاً: «يا عليّ ، لا تُجامع اهلك في أوّل ليلةٍ من الهلال، ولا في ليلة النصف، ولا في آخر ليلة»(1).

(إلّا) في اللّيلة الأُولى من شهر (رمضان) فلا كراهة فيها، بل تستحبّ ، ففي المرسل المرويّ عن اميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال: «يستحبّ أن يأتي الرّجل أهله أوّل ليلةٍ من شهر رمضان، لقول اللّه عزّ وجلّ : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ اَلصِّيامِ اَلرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (2)) (3)والرّفث المجامعة».

(و) منها: الجماع (ليلة النصف) من كلّ شهر، ففي خبر مسمع، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أكره لاُمّتي أن يغشى الرّجل أهله في النصف من الشهر، أو في غُرّة الهلال»(4).

وفي وصيّته صلى الله عليه و آله: «يا عليّ ، لا تُجامع أهلك في أوّل ليلة من الهلال، ولا في ليلة النصف، ولا في آخر ليلةٍ ، فإنّه يتخوّف على ولد من يفعل ذلك الخَبَل»(5).ح.

ص: 97


1- الكافي: ج 5/499 باب الأوقات التي يُكره فيها الباه ح 3، وسائل الشيعة: ج 128/20 ح 25210 باب 64 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- سورة البقرة: الآية 187.
3- الفقيه: ج 3/473 باب النوادر ح 4653، وسائل الشيعة: ج 129/20 ح 25213 باب 64 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- الكافي: ج 5/499 باب الأوقات التي يُكره فيها الباه ح 5، وسائل الشيعة: ج 128/20 حديث 25211 باب 64 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- الكافي: ج 5/499 باب الأوقات التي يُكره فيها الباه ح 3، وسائل الشيعة: ج 128/20 حديث 25210 باب 64 من أبواب مقدّمات النكاح.

وعند الزلزلة، والرّيح الصّفراء والسّوداء، ومُستَقبل القبلة ومستدبِرها، وفي السفينة، وعارياً، وعقيب الاحتلام قبل الغُسل أو الوضوء،

(و) منها: الجماع (عند الزلزلة، والرِّيح الصَّفراء، والسَّوداء)، لما ورد النهي عنها في صحيح سالم المتقدّم، بل عن سلّار وابن سعيد: (وكلّ آية مخوفة)(1)، وربما يؤميء إليه الصحيح المذكور.

(و) منها: الجماع (مستقبل القبلة ومستدبرها)، لخبر محمّد بن العيص: «أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: اُجامع وأنا عريان ؟

فقال عليه السلام: لا، ولا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها»(2) ونحوه غيره.

(و) منها: الجماع (في السَّفينة)، ففي خبر ابن العيص، وقال عليه السلام: «لا تجامع في السفينة».

(و) منها: الجماع (عارياً) كما في خبر محمّد(3).

(و) منها: الجماع (عقيب الاحتلام قبل الغُسل أو الوضوء)، للنبويّ : «يكره أن يَغشى الرّجل المرأة وقد احتلم، حتّى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإنْ فعل فخَرَج الولد مجنوناً فلا يلومنَّ إلّانفسه»(4).ح.

ص: 98


1- المراسم: ص 153، الجامع للشرائع: ص 453.
2- التهذيب: ج 7/412 باب السُنّة في عقود النكاح ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/137 ح 25238 باب 69 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- التهذيب: ج 7/412 باب السُّنة في عقود النكاح ح 18، وسائل الشيعة: ج 138/20 ح 25239 باب 69 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- التهذيب: ج 7/412 باب السُّنة في عقود النكاح ح 18، وسائل الشيعة: ج 139/20 ح 25243 باب 70 من أبواب مقدّمات النكاح.

والنظر إلى فرج المرأة

أقول: وليس في الخبر المذكور الاجتزاء بالوضوء عن الغُسل في رفع الكراهة، كما في المتن، وعن «النهاية»(1)، و «التهذيب»(2)، و «المهذّب»(3)، و «الوسيلة»(4)، و «القواعد»(5)، و «اللُّمعة»(6) وغيرها(7)، وأظنّ أنّ مستند هؤلاء بعد التعدّي عن المورد وهو الاحتلام إلى الجماع، مرسل عثمان بن عيسى ، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا أتى الرّجل جاريته ثمّ أراد أن يأتي الاُخرى توضّأ»(8).

ولكن التعدّي غير ظاهر الوجه، واستحباب الوضوء غير كراهة الجماع بغير وضوء، فتأمّل.

(و) منها: (النظر إلى فرج المرأة) كما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السلام: «ولا ينظر الرّجل إلى فرج امرأته، وليغضّ بصره عند الجماع، فإنّ النظر إلى الفرج يُورث العَمى في الولد»(9) المحمول ما فيها من النهي على الكراهة، لخبر أبي حمزة، قال:ح.

ص: 99


1- النهاية: ص 482.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/459 ح 45.
3- المهذّب: ج 2/222.
4- الوسيلة: ص 314.
5- قواعد الأحكام: ج 3/6.
6- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 159.
7- كما في شرائع الإسلام: ج 2/494، وكفاية الأحكام: ص 153.
8- التهذيب: ج 7/459 باب الزيادات في فقه النكاح ح 45، وسائل الشيعة: ج 257/20 ح 25570 باب 155 من أبواب مقدّمات النكاح.
9- الفقيه: ج 3/551 باب النوادر ح 4899، وسائل الشيعة: ج 121/20 ح 25195 باب 59 من أبواب مقدّمات النكاح.

والكلام بغير الذِّكر

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: أينظر الرّجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها؟ قال عليه السلام:

لابأس»(1) ونحوه غيره.

فما عن ابن حمزة(2) من القول بالحرمة، ضعيفٌ .

أقول: المستفاد من بعض النصوص، كراهة النظر إلى فرج المرأة مطلقاً، لاحظ النبويّ : «وكره النظر إلى فروج النساء، وقال: إنّه يُورث العَمى »(3) ونحوه غيره.

(و) منها: (الكلام بغير الذِّكر):

1 - لخبر عبد اللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: اتّقوا الكلام عند ملتقى الختانين، فإنّه يورث الخَرَس»(4).

2 - ووصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله: «يا عليّ ، لا تتكلّم عند الجماع، فإنّه إنْ قضى بينكما ولدٌ ولا يؤمن أنْ يكون أخرس»(5). ونحوهما غيرهما.

فإنْ قيل: إنّ النصوص عامّة شاملة لذكر اللّه، فما الوجه في استثناء ذكر اللّه في المتن وغيره ؟

قلنا: إنّ الوجه فيه انصراف الكلام إلى كلام الآدمي، وما دلّ على استحباب البسملة، وقراءة أدعية خاصّة عند الجماع(6)، وما دلّ على أنّ ذكر اللّه حَسنٌ علي كلّ حال.

***ح.

ص: 100


1- الكافي: ج 5/497 باب النوادر ح 5، وسائل الشيعة: ج 120/20 ح 25192 باب 59 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- الوسيلة: ص 314.
3- الفقيه: ج 3/556 باب النوادر ح 4914، وسائل الشيعة: ج 122/20 ح 25196 باب 59 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- الكافي: ج 5/498 باب نوادر ح 7، وسائل الشيعة: ج 123/20 ح 25199 باب 60 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- الفقيه: ج 3/551 باب نوادر ح 4899، وسائل الشيعة: ج 123/20 ح 25201 باب 60 من أبواب مقدّمات النكاح.
6- وسائل الشيعة: ج 20/135-137 باب 18 من أبواب مقدّمات النكاح.

والوطء في الدُّبر

حكم وطء الزوجة دُبُراً

المطلب السادس: في بعض اللّواحق، (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور بين الأصحاب أنّه يُكره (الوطء في الدُّبر) للجائز وطؤها، ولا يكون ذلك حراماً.

وعن السيّد في «الانتصار»(1)، والشيخ في «الخلاف»(2)، وابن زُهرة في «الغُنية»(3)، والحِلّي في «السرائر»(4) دعوى الإجماع عليه.

وعن «التذكرة»: (ذهب علمائنا إلى كراهة إتيان النساء في أدبارهنّ وأنّه ليس بمحرّم)(5).

وعن القميّين(6)، وابن حمزة(7)، والشيخ الرازي(8)، والرّاوندي في «اللّباب»(9)،

والسيّد أبي المكارم صاحب «بلابل القلاقل»(8) القول بالحرمة، وادّعى بعض

ص: 101


1- الانتصار: ص 293-294 مسألة 166.
2- الخلاف: ج 4/336-338 مسألة 117.
3- الغنية: ص 361.
4- السرائر: ج 2/606.
5- تذكرة الفقهاء: ج 2/576 (ط. ج).
6- نسب إليهم ذلك في كشف الرموز: ج 2/105.
7- الوسيلة: ص 409. (8و9) حكاه في جواهر الكلام: ج 29/105.
8- وهو أبو المكارم كما حكاه في الجواهر: ج 29/105.

الفُضلاء سماع ذلك ممّن قوله حجّة(1).

يشهد للجواز: عدّة من النصوص:

منها: صحيح صفوان، قال: «قلتُ للرضا عليه السلام: إنّ رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيى منك أن يسألك عنها، قال: ما هي ؟

قال: قلتُ : الرّجل يأتي امرأته في دبرها؟ قال عليه السلام: نعم، وذلك له.

قلت: وأنتَ تفعل ؟ قال عليه السلام: إنّا لا نفعل ذلك»(2).

وما عن «المسالك»: من المناقشة في سنده، بأنّ فيه عليّ بن الحَكَم، وهو مشترك بين الثقة وغيره.

فيه: أنّ الظاهر اتّحاده، وعلى تقدير الاشتراك، الظنّ بكونه الثقة من جهة أنّ أحمد بن محمّد كثيراً يروى عنه، يكفي في تعيينه كما في غيره من الأسماء المشتركة.

ومنها: موثّق ابن أبي يعفور - كالصحيح - عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال عليه السلام: لا بأس»(3).

وإيرادُ ثاني الشهيدين عليه: بأنّ في سنده معاوية بن حكيم، وهو وإنْ كان ثقة جليلاً، إلّاأنّ الكشّي(4) قال عنه إنّه فطحي(5).9.

ص: 102


1- كشف الرموز: ج 2/105.
2- التهذيب: ج 7/415 باب السُّنة في عقود النكاح ح 35، وسائل الشيعة: ج 145/20 ح 25259 باب 73 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- التهذيب: ج 7/415 باب السُّنة في عقود النكاح ح 34، وسائل الشيعة: ج 147/20 ح 25263 باب 73 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- رجال الكشي: ج 2/635 الرقم 639.
5- مسالك الأفهام: ج 7/59.

في غير محلّه: لأنّ الحجّة لا تنحصر في الصحيح، بل الموثّق حجّة أيضاً بلا كلام، مع أنّ ما أفاده الكشّي غير ثابتٍ .

ومنها: خبر يونس بن عمّار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه، أو لأبي الحسن عليهما السلام:

«إنّي ربما أتيتُ الجارية من خلفها - يعني دُبُرها - ونذرتُ فجعلت على نفسي إنْ عدتُ إلى امرأةٍ هكذا فعليَّ صدقة درهم، وقد ثَقُل ذلك عليَّ؟

فقال عليه السلام: ليس عليك شيءٌ ، وذلك لك»(1).

ومنها: صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال عليه السلام: لا بأس إذا رضيت. قلت: فأين قول اللّه عزّ وجلّ : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللّهُ ) (2)؟ قال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ (3)) »(4).

ونحوها غيرها من النصوص.

ولكن صحيح ابن أبي يعفور يقيّد الجوار بالرِّضا، وهو يصلح أنْ يكون مقيّداً لإطلاق سائر النصوص، سيّما مع كونه موافقاً للاعتبار، نظراً إلى عدم كون ذلك من حقوق الزوجيّة، وعليه فيتوقّف جوازه على رضاها، إلّاأنّ الظاهر - كما أفاده في «الجواهر» - أنّه لم يرَ قائلٌ بهذا التفصيل، بل على خلافه الإجماع المركّب(5).8.

ص: 103


1- التهذيب: ج 7/460 باب الزيادات في فقه النكاح ح 50، وسائل الشيعة: ج 147/20 ح 25266 باب 73 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- سورة البقرة: الآية 222.
3- سورة البقرة: الآية 223.
4- التهذيب: ج 7/414 باب السُّنة في عقود النكاح ح 29، وسائل الشيعة: ج 20/146 ح 25260 باب 73 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- جواهر الكلام: ج 29/108.

أقول: وقد استدلّ للقول الآخر بجملةٍ من النصوص:

منها: مصحّح معمّر بن خلّاد، قال: «قال لي أبو الحسن عليه السلام: أيّ شيء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن ؟

قلت: إنّه بَلَغني أهل المدينة لا يرون به بأساً.

فقال: إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرّجل المرأة من خلفها، خرج ولده أحول، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (1) من خَلف أو قُدّام، خلافاً لقول اليهود، ولم يعن في أدبارهن»(2).

ومنها: خبر سُدير، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: محاش(3)النساء على اُمّتي حرام»(4).

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: محاش نساء اُمّتي على رجال اُمّتي حرام»(5).

ومنها: خبر هاشم وابن بُكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال هاشم: لا تَعري ولا تفرث، وابن بكير قال: لا يفرث، أي لا يأتي من غير هذا الموضع»(6).ح.

ص: 104


1- سورة البقرة: الآية 223.
2- التهذيب: ج 7/415 باب السُّنة في عقود النكاح ح 32، وسائل الشيعة: ج 141/20 حديث 25248 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- محاش النساء: أدبارهنّ .
4- التهذيب: ج 7/416 باب السُّنة في عقود النكاح ح 36، وسائل الشيعة: ج 20/142 حديث 25249 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- الفقيه: ج 3/468 باب النوادر ح 4629، وسائل الشيعة: ج 143/20 حديث 25252 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
6- التهذيب: ج 7/416 باب السُّنة في عقود النكاح ح 37، وسائل الشيعة: ج 142/20 حديث 25250 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.

ومنها: خبر زيد بن ثابت، قال: «سأل رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام: أتؤتى النساء في أدبارهنّ؟

فقال: سَفلت، سفل اللّه بك، أما سَمِعتَ يقول اللّه: (أَ تَأْتُونَ اَلْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ اَلْعالَمِينَ (1)) »(2).

ومنها: خبر الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: «كتبتُ إلى الرّضا عليه السلام في مثله، فورد الجواب: سألت عمّن أتى جاريةً في دبرها، والمرأة لعبة الرّجل فلا تُؤذى، وهي حرثٌ كما قال اللّه»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يأتي أهله في دبرها، فكره ذلك، وقال: وإيّاكم ومحاشّ النساء»(4).

ومنها: مرسل أبان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن إتيان النساء في أعجازهنّ؟ قال عليه السلام: هي لعبتك فلا تؤذها»(5).

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّ المُصحّح لا يدلّ على الحرمة، وإنّما يدلّ على قصور الآية عن الدلالة على الجواز، ولعلّ أهل المدينة كانوا يستدلّون بالآية على الجواز، فأراد عليه السلام بيان بطلان استدلالهم.

وفي دلالة خبر سُدير ومرسل الصدوق تأمّلٌ ، إذ المحاشّ ليس بمعنى الدُّبر، بلح.

ص: 105


1- سورة الأعراف: الآية 80.
2- تفسير العيّاشي: ج 2/22 ح 55، وسائل الشيعة: ج 144/20 حديث 25258 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- تفسير العيّاشي: ج 111/1 ح 336، وسائل الشيعة: ج 144/20 حديث 25257 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- تفسيرالعيّاشي: ج 111/1 ح 335، وسائل الشيعة: ج 144/20 حديث 25256 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- الكافي: ج 5/540 باب محاش النساء ح 1، وسائل الشيعة: ج 143/20 حديث 25251 باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.

هو في اللّغة(1) بمعنى المتاع والأثاث.

وكذا في دلالة مرسل أبان، وخبر الجرجاني، بل قوله: «لعبتك فلا تؤذها» مشعرٌ بالجواز، فإنّه يدلّ على أنّه لا منشأ للنهي سوى إيذائها، أضف إلى ذلك ضعف سند أكثر تلك النصوص.

وثانياً: أنّه لو تمّ سندها ودلالتها، فإنّ الجمع بينها وبين ما تقدّم يقتضي حملها على صورة عدم رضاها، من جهة أنّ صحيح ابن أبي يعفور أخصّ منها، أو حملها على الكراهة بناءً على عدم اختصاص الجوار بصورة الرّضا.

وثالثاً: أنّه لو سُلّم تماميّة سندها ودلالتها، ولم يتمّ أحد الجمعين المُشار إليهما، ووقع التعارض بين الطائفتين، لابدّ من تقديم الأُولى للشهرة، ومخالفة العامّة، وموافقة الكتاب.

فتحصَّل: أنّه بحسب الأخبار لا ينبغي التوقّف في الجواز على كراهيّةٍ في صورة الرّضا، وأمّا مع عدم رضاها، فلا يُترك الاحتياط بالترك، وإنْ كان القول بالجواز قريباً.

وأمّا بحسب الآيات: فقد استدلّ للجواز بآياتٍ :

1 - قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (2).

أقول: وتقريب الاستدلال به بنحوٍ تندفع جملة من الإيرادات عليه، هو أنّ كلمة (أنّى) إمّا لخصوص المكان كما عن أئمّة اللّغة، أو للأعمّ منه ومن الكيف، وعلى التقديرين يثبت المطلوب:3.

ص: 106


1- راجع مادّة (محش) في الصحاح: ج 3/1019، ولسان العرب: ج 6/345.
2- سورة البقرة: الآية 223.

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فللإطلاق.

وكونها حَرْثاً لا يستلزم تقييد الإتيان بموضع الحَرْث، بل المرأة نفسها شُبّهت بالحَرْث، ورُخِّص في إتيانها، ولذا يُستفاد منها جواز التفخيد ونحوه.

وبهذا البيان يندفع ما أورده بعض المعاصرين على الاستدلال بها، بأنّ المنصرف من المكان مكان الفعل لا الموضع من المرأة(1)، لأنّ المرأة بعدما شُبِّهت بالأرض، قال اللّه تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (2) فبهذه القرينة ظاهرة في إرادة الموضع من المرأة.

هذا مع قطع النظر عن النصوص المفسّرة.

وأمّا بلحاظها، فالنصوص متعارضة، فإنّ صحيح ابن أبي يعفور يقتضي تفسير الآية بما دلّ على جواز وطئها دُبراً، ومصحّح معمّر ظاهرٌ في تفسيرها بغير ذلك، ولا يمكن الجمع بينهما.

2 - قوله تعالى : (أَ تَأْتُونَ اَلذُّكْرانَ مِنَ اَلْعالَمِينَ وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ ) (3).

بتقريب: أنّ المراد بالجملة الثانية بقرينة المقابلة، هو إتيان النساء في أدبارهنّ ، ففي خبر عليّ بن يقطين، عن الإمام الرّضا عليه السلام:

«عن إتيان النساء في أدبارهنّ؟6.

ص: 107


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/63.
2- سورة البقرة: الآية 223.
3- سورة الشعراء: الآية 165 و 166.

فقال عليه السلام: ما ذكر اللّه ذلك في الكتاب إلّافي موضعٍ واحد، ثمّ تلا الآية»(1).

وفيه: تأمّلٌ ، والخبرُ ضعيف(2).

3 - قوله تعالى : (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (3).

واستدلّ للمنع: بقوله تعالى : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللّهُ ) (4).

وفيه: أنّ المراد ب (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللّهُ ) (5) من الجهة التي أباحها اللّه، وهي القُبُل والدُّبر، وقد تقدّم في الجزء الثاني من هذا الشرح في مبحث الحيض، أنّه على فرض القول بجواز وطء الزوجة دُبُراً، لا فرق في ذلك بين حال الحيض وغيرهما، فراجع(4).

وهل الدُّبر كالقُبُل في جميع الأحكام حتّى ثبوت النسب، وتقرير المسمّى والحَدّ ومهر المثل، مع فساد العقد والعِدّة وتحريم المصاهرة، وما شاكل كما عن الشيخ(5)، وكثير(6)، مع استثناء التحليل والاحضان واستنطاقها في النكاح، نظراً إلى صدق الوطء والمسّ والدخول والإيتاء ونحوها من العناوين التي أُخذت موضوعاً للأحكام المذكورة أم لا، أو هناك فرقٌ بين الأحكام ؟ وجوهٌ :

والحقّ أنّه لابدّ من البحث عن ذلك في كلّ مسألةٍ متضمّنة لواحدٍ من تلك الأحكام مستقلّاً، وهو موكولٌ إلى محالّها.2.

ص: 108


1- المستدرك: ج 15/232 باب 55 من أبواب مقدّمات النكاح حديث 16582.
2- رواه أحمد بن محمّد اليساري، راجع رجال النجاشي: ص 80 رقم 192، رجال الكشّي: ص 865 رقم 1128.
3- سورة المؤمنون: الآية 6. (4و5) سورة البقرة: الآية 222.
4- : فقه الصادق: ج 3/9.
5- المبسوط: ج 4/243 قوله: (والوطي في الدُّبر يتعلّق به أحكام الوطي في الفرج).
6- كابن حمزة في الوسيلة: ص 411، والعلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/521 كتاب الحدود، والكركي في جامع المقاصد: ج 12/502.

والعزل عن الحُرّة بغير إذنها

فرع: ذكر بعض الفقهاء(1) ممّن قال بالجواز، أنّه يتحقّق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطئها دُبُراً.

ولكن يرد عليه: أنّه لم يدلّ دليلٌ على وجوب تمكينها في كلّ ما هو جائزٌ من أنواع الاستمتاعات، حتّى يكون تركه نشوزاً، بل صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم - المعلّق للجواز على رضاها - يدلّ على أنّه ليس من حقوق الزوجيّة، وأنّ مع عدم رضاها لا يجوز الوطء، فلا يجب عليها التمكين حينئذٍ.

حكم العزل عند الوطء

(و) المسألة الثانية: ذهب المشهور(2) إلى كراهة (العزل عن الحُرّة بغير إذنها)، وعدم اشتراط ذلك عليها حين التزويج.

وخالفهم جمعٌ من الفقهاء، منهم الشيخان في «المقنعة»(3)، و «الخلاف»(4)، و «المبسوط»(5)، وبنوا على حُرمته، وعن «الخلاف» دعوى الإجماع عليها.

وقد اتّفقوا(6) على جوازه في الأمَة، وإنْ كانت منكوحةً بعقد الدوام، والحُرّة

ص: 109


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام: ج 3/108 الأمر الأوّل.
2- كشف اللّثام: ج 7/269 الطبع الجديد قوله: (جائزٌ عند الأكثر).
3- المقنعة: ص 516.
4- الخلاف: ج 4/359 مسألة 143.
5- المبسوط: ج 4/267.
6- كما عن نهاية الأحكام: ج 1/59.

المتمتّع بها، ومع إذنها ومع اشتراط ذلك عليها في العقد، وفي الدُّبر، وفي حال الضرورة.

أقول: يقع الكلام في موردين:

الأوّل: فيما هو محلّ الخلاف.

الثاني: في الموارد المتّفق عليه فيها.

أمّا المورد الأوّل: فيشهد للجواز نصوصٌ :

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن العزل ؟ فقال عليه السلام:

ذاك إلى الرَّجل يصرفه حيث شاء»(1).

ومنها: موثّق عبد الرحمن، بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن العزل ؟ فقال عليه السلام: ذاك إلى الرّجل»(2).

ومنها: الصحيح عن عبد الرحمن الحذّاء، عنه عليه السلام، قال:

«كان عليّ بن الحسين عليه السلام لا يرى بالعزل بأساً، يقرأ هذه الآية: (وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (3) فكلّ شيء أخذ اللّه منه الميثاق، فهو خارجٌ وإنْ كان على صخرة صمّاء»(4).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا بأس بالعزل عن المرأة الحُرّة إنْ أحبّ صاحبها وإنْ كرهت، وليس لها من الأمر شيء»(5).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم أيضاً، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: الرّجلح.

ص: 110


1- الكافي: ج 5/504 باب العزل ح 3، وسائل الشيعة: ج 149/20 حديث 25272 باب 75 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.
2- الكافي: ج 504/5 باب العزل ح 1، وسائل الشيعة: ج 149/20 حديث 25273 باب 75 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- سورة الأعراف: الآية 172.
4- الكافي: ج 504/5 باب العزل ح 4، وسائل الشيعة: ج 149/20 حديث 25274 باب 75 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- الكافي: ج 504/5 باب العزل ح 2، وسائل الشيعة: ج 150/20 حديث 25275 باب 75 من أبواب مقدّمات النكاح.

تكون تحته الحُرّة، أيعزل عنها؟

قال عليه السلام: ذاك إليه، إنْ شاء عَزَل، وإنْ شاء لم يعزل»(1).

ونحوها غيرها.

واستدلّ لعدم الجواز بوجوه:

الوجه الأوّل: النبويّان العاميّان:

في أحدهما: «أنّه صلى الله عليه و آله نهى أن يَعزل عن الحُرّة إلّابإذنها».

وفي الآخر: «أنّه الوأد الخفيّ أي قتل الولد»(2).

الوجه الثاني: خبر «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنّه قال: «العار الخفيّ أن يُجامع الرّجل المرأة، فإذا أحسّ الماء نزعه منها فأنزله فيما سواها، فلا تفعلوا ذلك، فقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعزل عن الحُرّة إلّابإذنها»(3).

الوجه الثالث: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن العزل ؟ فقال عليه السلام: أمّا الأمَة فلا بأس، فأمّا الحُرّة فإنّي أكره ذلك، إلّاأن يشترط عليها حين يتزوّجها»(4).

وصحيحه الآخر، عن الإمام الباقر عليه السلام مثل ذلك، وقال في حديثه: «إلّا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوّجها»(5).ح.

ص: 111


1- التهذيب: ج 7/461 باب الزيارات في فقه النكاح ح 56، وسائل الشيعة: ج 150/20 حديث 25276 باب 75 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- التذكرة: ج 2/576.
3- دعائم الإسلام: ج 2/212، المستدرك: ج 14/233 حديث 16584 باب 57 من أبواب مقدّمات النكاح.
4- التهذيب: ج 7/417 باب السُّنة في عقود النكاح ح 43، وسائل الشيعة: ج 151/20 حديث 25278 باب 76 من أبواب مقدّمات النكاح.
5- التهذيب: ج 7/417 باب السُّنة في عقود النكاح ح 44، وسائل الشيعة: ج 151/20 حديث 25279 باب 76 من أبواب مقدّمات النكاح.

الوجه الرابع: مفهوم خبر الجُعفي، قال: «سمعتُ أبا الحسن عليه السلام يقول: لا بأس بالعزل في ستّة وجوه: المرأة التي تيقّنت أنّها لا تلد، والمُسنّة، والمرأة السليطة، والبذيّة، والمرأة التي لا ترضع ولدها، والأمَة»(1).

الوجه الخامس: أنّ فيه فواتاً للغرض من النكاح، وهو الاستيلاد.

الوجه السادس: أنّ ذلك منافٍ لحقّ الزوجيّة وهو الالتذاذ، بل ربما كان ففيه إيذاءٌ لها.

الوجه السابع: أنّه يجبُ فيه الدّية، وثبوتها يقتضي الحرمة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأولان: فلضعف السند، مع أنّ نصوص الجواز ما بين ما هو صريح في الجواز بلا رضاها وإذنها، كموثّق ابن مسلم، وبين ما هو كالصريح في ذلك كبقيّة النصوص، فإنّ قوله: «ذاك إلى الرّجل»، أو: «ذاك إليه إنْ شاء عَزَل»، كالصريح في ذلك، فتُحمل هذه النصوص على الكراهة.

وأمّا الثالث: فلأنّ الكراهة أعمٌّ من الحرمة، مع أنّ نصوص الجواز كما عرفت صريحة أو كالصريحة في الجواز بدون رضاها وإذنها، فيُحمل الصحيحان على الكراهة المصطلحة.

وأمّا الرابع: فلأنّه من قبيل مفهوم الوصف ولا نقول به، مع أنّه قابلٌ للحمل على الكراهة، جمعاً بينه وبين ما تقدّم.ح.

ص: 112


1- الفقيه: ج 3/443 باب العزل ح 4539، وسائل الشيعة: ج 20/152 حديث 25281 باب 76 من أبواب مقدّمات النكاح.

وأمّا الخامس: فلأنّ الغرض من النكاح ليس واجب التحصيل.

وأمّا السادس: فلعدم الدليل على وجوب كلّ ما يوجب التذاذ المرأة، مع أنّه إنّما بإنزالها لا بالإنزال فيها.

وأمّا السابع: فلأنّ ثبوت الدّية أعمٌّ من الحرمة، مع أنّه ستعرف عدم ثبوتها.

وبالجملة: فالأظهر هو جواز العزل تكليفاً على كراهيةٍ في المورد المفروض، وظاهر خبر الجُعفيّ عدم الكراهة في العجوزة، والعقيمة، والسليطة، والبذيّة، والتي لا ترضع ولدها.

وأمّا المورد الثاني: وهو ما اتّفقوا على جوازه فيه بلا كراهيةٍ ، فهو موارد:

1 - الأمَة: وقد تكرّر منهم دعوى الإجماع(1) عليه، ويشهد به صحيحاً محمّد وخبر الجُعفي المتقدّمة، ونحوها غيرها.

2 - الحُرّة المتمتّع بها: وفي «الجواهر»: (يجوز العزل عنها وإنْ لم تأذن، قولاً واحداً كما في «جامع المقاصد»(2)، وإجماعاً كما في(3) غيره)(4).

أقول: ولكن ليس في الأخبار تعرّض لها بالخصوص، بل في «المستند»:

(وظاهر إطلاق بعض أدلّة المنع شموله للمتمتّع بها أيضاً، ولا بأس به)(5)، فعلى القول بحرمة العزل يكون المعتمد في التخصيص الإجماع، وعلى القول بالكراهة لا دليل على التخصيص.5.

ص: 113


1- نهاية الأحكام: ج 1/59، كفاية الأحكام: ص 154.
2- جامع المقاصد: ج 13/33.
3- نهاية الاحكام: ج 1/59، كشف اللّثام: ج 7/286 الطبع الجديد، الحدائق الناضرة: ج 23/86.
4- جواهر الكلام: ج 29/114.
5- مستند الشيعة: ج 16/75.

3 - ما لو أذِنَت بذلك، أو اشترط ذلك عليها: ويشهد به صحيحا ابن مسلم المتقدّمان.

4 - في حال الضرورة: لعموم ما دلّ على حليّة ما اضطرّ إليه(1).

5 - الوطء في الدُّبر: ويقتضيه بعض أدلّة المنع المتقدّمة، بل قد يُستفاد من خبر الجعفي.

حكم الدّية لو تحقّق العَزل

اختلف الأصحاب في حكمها على قولين:

1 - ذهب جماعةٌ - منهم الشيخ(2)، والقاضي(3)، وأبو الصلاح(4)، وابنا حمزة(5)، وزُهرة(6)، والكيدري(7) - إلى ثبوت دية النطفة لو تحقّق العَزل.

2 - وعن المعظم منهم الحِلّي(8)، والمصنّف(9)، وثاني المحقّقين(10) والشهيدين(11) - عدم وجوبها عليه، وإنْ قلنا بالحرمة.

ص: 114


1- وسائل الشيعة: ج 15/369-370 باب 56 من أبواب جهاد النفس.
2- الخلاف: ج 4/359 مسألة 143.
3- المهذّب: ج 2/510.
4- الكافي في الفقه: ص 392.
5- الوسيلة: ص 456.
6- الغنية: ص 415.
7- إصباح الشيعة: ص 501.
8- السرائر: ج 2/607.
9- مختلف الشيعة: ج 7/420-421، وذهب إلى ثبوتها في قواعدالأحكام: ج 3/50، وإرشاد الأذهان: ج 3/5.
10- جامع المقاصد: ج 12/506.
11- مسالك الأفهام: ج 7/65-66.

واستدلّ للأوّل: بما ادّعاه الشيخ رحمه الله من الإجماع على ذلك.

وبالصحيح المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أنّه أفتى في منيّ الرّجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء، ولم يردّ ذلك نصفُ خمس المائة عشرة دنانير»(1) بدعوى ظهور في كونه في الدّية كائناً ما كان السبب، ولا ينافي اختصاصه بغير المتنازع بعد ظهور أنّ المُنشَأ هو التفويت المطلق.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه موهونٌ بمصير المعظم إلى خلافه، بل عن نهايته ذلك(2) أيضاً، مع أنّه ليس تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام.

ويرد على الثاني: عدم كونه ظاهراً فيما ذُكر، وقياس الوالد بالأجنبيّ مع الفارق، مع أنّ النصوص المجوّزة المصرّحة بأنّه: «مائهُ يضعه حيث يشاء» الدالّة على أنّه لا حقّ للمرأة على الرّجل في مائه، تعارضه على فرض الدلالة، وتقدّم عليه، وعليه فالأظهر عدم ثبوت الدّية.

أقول: بقي في المقام فروعٌ :

الفرع الأوّل: أنّه هل يجوز للمرأة أن تمنع من الإنزال في فرجها أم لا؟

ففي «الجواهر»: (لا ينبغي التأمّل في الحرمة)(3)، ولعلّ وجهه منافاة ذلك للتمكين الواجب عليها.

الفرع الثاني: أنّه على فرض الحرمة، هل يثبت عليها الدّية أم لا؟

ذهب صاحب «الجواهر» رحمه الله إلى الأوّل، قال: (ضرورة كونها كالمفزع أو أعظم5.

ص: 115


1- الكافي: ج 7/342 باب دية الجنين ح 1، وسائل الشيعة: ج 29/312 حديث 35674.
2- النهاية: ص 779 قوله: (إذا عزل الرّجل... كان عليه عُشر دية الجنين يسلّمه إليها على ما روي في الأخبار).
3- جواهر الكلام: ج 29/114-115.

في التفويت، إذا كان قد نحت نفسها عنه عند إنزاله).

وفيه: أنّ الجناية في الصحيح من الأجنبي، وفي المورد من الاُمّ ، ومن المعلوم أنّ قياس الاُمّ بالأجنبي مع الفارق، وعليه فالأظهر عدم ثبوتها.

الفرع الثالث: هل يجوز للمرأة اراقة مائها من فرجها، قبل إراقة مائه فيها، على فرض إمكان تصوّر ذلك أم لا؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، للأصل، وفحوى ما سمعته في الرّجل.

الفرع الرابع: هل يجوز للمرأة عدم إقرار النطفة في رحمها بعد فراغ الرّجل أم لا؟ وجهان:

من عموم العلّة في خبر إسحاق بن عمّار، قال:

«قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: المرأة تخاف الحَبل، فتشرب الدّواء، فتلقي ما في بطنها؟ قال عليه السلام: لا.

فقلت: إنّما هو نطفة ؟

فقال عليه السلام: إنّ أوّل ما يُخلق نطفة»(1).

ومن عدم كونه علة، ومورد الخبر غير المقام، والأصل يقتضي الجواز، وهذا هو الأظهر.

الفرع الخامس: أنّه هل هناك فرقٌ في جواز العَزل بين الجماع الواجب - خصوصاً فيما يجبُ في كلّ أربعة أشهر - وغيره، فلا يجوز في الأوّل، أم لا؟

قد استدلّ للأوّل: بانصراف دليل وجوبه إلى المتعارف، بملاحظة كونه إرفاقاً3.

ص: 116


1- الفقيه: ج 4/171 ح 5394، وسائل الشيعة: ج 29/25 حديث 35063.

بالزوجة، والإرفاق إنّما يحصل مع الإنزال فيها.

وفيه: منع الانصراف، لأنّ التعارف لا يصلح منشأً للانصراف المقيِّد للإطلاق، مع أنّ الإرفاق بها إنّما هو بإنزالها لا الإنزال فيها.

وعليه، فالأظهر أنّه لافرق في الجواز بين الجماع الواجب وغيره.

***

ص: 117

وأن يطرق المسافرُ أهله ليلاً.

كراهة التطرّق ليلاً

المسألة الثالثة: (و) يُكره (أن يطرق المسافر أهله ليلاً)، للخبر الذي رواه عبداللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «يكره للرّجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلاً حتّى يُصبح»(1).

ومقتضى إطلاقه عدم الرّفق بين أن يعلم بذلك قبل اللّيل وعدمه، كما صرّح به في محكيّ «المسالك»(2).

وفي «الجواهر»: (فقد يقال إنّ المنساق من يَطرُق ولو بواسطة حِكمة الحكم، حال عدم الإعلام المستلزم لعدم الاستعداد)(3).

وأيّده بعضهم(4) بما قال ابن الأثير عن التطرّق من أنّ (5): (أصل الطروق من الطريق، وهو الدّق، سُمّي الآتي باللّيل طارقاً لاحتياجه إلى دَقّ الباب).

ولكن يرد على ما في «الجواهر»: منع الانسباق، وعلى التأييد أنّه لا يلزم الإطّراد في علّة التسمية، مع أنّ دَقّ الباب لا ينحصر بوقت المبيت.

ص: 118


1- الكافي: ج 5/449 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/131 حديث 25220.
2- مسالك الأفهام: ج 7/68.
3- جواهر الكلام: ج 29/118 المسألة الخامسة.
4- مهذّب الأحكام: ج 24/25، قال: (والمنساق منه ومن غيره صورة عدم الإعلام بالدخول ولو بالوسائل الحديثة).
5- النهاية في غريب الحديث: ج 3/121.

ويحرمُ الدخول بالمرأة قبل بلوغ تسع سنين.

الدخول بالمرأة قبل إكمالها تسع سنين

(و) المسألة الرابعة: (يحرمُ الدّخول بالمرأة قبل بلوغ تسع سنين) أي إكمالها، بالإجماع المحقّق والمحكي مستفيضاً(1)، كذا في «المستند»، وفي «الجواهر»: (إجماعاً بقسميه)(2)، ويشهد به جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إذا تزوّج الرّجل الجارية وهي صغيرة، فلا يدخل بها حتّى يأتي لها تسع سنين»(3).

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا يدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين»(4).

ونحوه خبر أبي بصير، عنه عليه السلام(5).

والتخيير فيهما بين الأقلّ والأكثر موجبٌ لحمل الأكثر على الاستحباب.

وأمّا خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «لا تُوطأ جاريةً لأقلّ من عشر سنين، فإنْ فعل فعيبت فقد ضمن»(6).

فلهجره، ومخالفته لما تقدّم، يُحمل صدره على الكراهة إنْ أمكن وإلّا فيطرح.

ص: 119


1- مستند الشيعة: ج 16/80.
2- جواهر الكلام: ج 29/414.
3- الكافي: ج 5/398 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/101 ح 25142.
4- الكافي: ج 5/398 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/101 ح 25143.
5- الكافي: ج 5/398 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/101 ح 25145.
6- التهذيب: ج 7/410 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/103 ح 25148.

ومقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين النكاح الدائم والمتعة.

وهل يجوز الاستمتاع بما عدا الوطء، من النظر واللّمس بشهوة، والضَّم والتفخيذ؟

الظاهر ذلك ولو في الرَّضيعة، للأصل السالم عن المعارض.

وعليه، فما عن «الروضة» من استجواد تحريم الاستمتاع بغير الوطء(1) أيضاً، في غير محلّه.

نعم، الظاهر عدم جواز الوطء في الدُّبر، لإطلاق النصوص، ولاشتراك الدُّبر والقُبُل غالباً في الأحكام، وهو الذي يقتضيه إطلاق كلمات الأصحاب.

فرع: لو شكّ في بلوغ امرأةٍ ، حُكم بعدم جواز وطئها، لا لأنّ الحِلّ على بلوغ التسع فالشكّ فيه شكٌّ في المعلّق كما اُفيد، لأنّ الشكّ في الحرمة موردٌ لأصالة البراءة، بل لاستصحاب بقاء الصغر وعدم البلوغ.

ولو أثم ودَخَل بها، فهل تحرُم بذلك عليه أبداً مطلقاً، أو في خصوص صورة الإفضاء، أم لا تحرم عليه ؟

وجوهٌ وأقوالٌ ، سيأتي(2) التعرّض لها عند ذكر المصنّف رحمه الله هذه المسألة في المحرّمات، إنّما الكلام في المقام في أنّها هل تخرج بذلك عن زوجيّته، أم لا كما عن «السرائر»(3)، و «الجامع»(4)، و «الشرائع»(5)، و «كشف اللّثام»(6) وغيرها(7)؟8.

ص: 120


1- الروضة البهيّة: ج 5/104-105.
2- فقه الصادق: ج 32/57.
3- السرائر: ج 2/530.
4- الجامع للشرائع: ص 428.
5- شرائع الإسلام: ج 2/496.
6- كشف اللّثام: ج 7/193 الطبع الجديد.
7- كما عن مفاتيح الشرائع: ج 2/247-248.

أقول: الأظهر هو الثاني، لصحيح حمران، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ تزوّج جاريةً بِكْراً لم تُدرك، فلمّا دخل بها افتضّها فأفضاها؟ فقال عليه السلام: إنْ كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين، فلا شيء عليه، وإنْ كانت لم تبلغ تسع سنين، أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين افتضّها، فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرم ديتها، وإنْ أمسكها ولم يُطلّقها حتّى تموت فلا شيء عليه»(1).

ونحوه في ذلك خبر بُريد(2).

واستدلّ للقول الأوّل:

1 - بمرسل يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام: «إذا خطب الرّجل المرأة، فَدَخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، فُرِّق بينهما ولم تحلّ له أبداً»(3).

2 - وبأنّ التحريم المؤبّد ينافي مقتضى النكاح، إذ ثمرته حَلّ الاستمتاع.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه ضعيف السند، فضلاً عن الشكّ في شموله لصورة عدم الإفضاء، ولم يفت الأصحاب بالحرمة في غير صورة الإفضاء إلّاقليل منهم.

فإنْ قيل: إنّه يقيّد إطلاقه بالإجماع المُدّعي على عدم التحريم بدون الإفضاء، فهو بعد التقييد معمولٌ به، ويُجبر ضعفه بذلك.

قلنا: إنّ ظاهر الفتاوى استناد التحريم إلى الافضاء، وظاهر الخبر استناده إلى الدخول، فتكون الفتوى أجنبيّة عن الخبر لا من مقيّداته.1.

ص: 121


1- الفقيه: ج 3/431 ح 4493، وسائل الشيعة: ج 20/103 ح 25150.
2- الكافي: ج 7/314 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26182.
3- الكافي: ج 5/429 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/494 ح 26181.

أضف إلى ذلك كلّه معارضته مع الخبرين المتقدّمين، الذين أفتى الأصحاب بما تضمّناه، فهما مقدّمان.

وأمّا الثاني فيرد عليه: أنّه مع بقاء الزوجيّة يجوز سائر الاستمتاعات غير الوطء.

وعليه، فالأظهر عدم الخروج عن الزوجيّة.

***

ص: 122

ويجوزُ النظر إلى من يريد التزويج بها،

النظر إلى المرأة التي يُراد تزويجها

(و) المسألة الخامسة: (يجوزُ النظر إلى من يريد) الزوج (التزويج بها) بلا خلافٍ فيه في الجملة، وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1)، ويشهد به النصوص المتواترة الآتية جملةٌ منها.

أقول: وتنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: في بيان مقدار ما يحقّ للخاطب النظر إلى الجسد، وفيه أقوالٌ ووجوه:

1 - ما عن «الشرائع»(2)، و «الإرشاد»(3)، و «القواعد»(4)، وغيرها(5) من أنّه الوجه والكفّان، بل ربما نُسب إلى المشهور(6).

2 - ما عن «المقنعة» من أنّه الوجه واليدان، وأنّه يجوز النظر إليها ماشيةً في ثيابها(7).

ص: 123


1- جواهر الكلام: ج 29/63.
2- شرائع الإسلام: ج 3/495.
3- إرشاد الأذهان: ج 2/5.
4- قواعد الأحكام: ج 3/6.
5- جامع المقاصد: ج 12/28.
6- جواهر الكلام: ج 29/66، قوله: (بل قيل: إنّه المشهور وإنْ كنّا لم نتحقّقه).
7- المقنعة: ص 520.

3 - ما عن المشايخ الثلاثة(1) وجمعٌ من الأساطين(2) من أنّه الشَّعر والمحاسن.

4 - أنّه جميع الجسد ما عدا العورة، وفي «الجواهر»: (فلا محيص للفقيه الذي كَشَف اللّه عن بصيرته عن القول بجواز النظر إلى جميع جسدها)(3)، انتهى .

أقول: ومنشأ الاختلاف هي النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما دلّ على جواز النظر إليها مطلقاً:

1 - مصحح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرّجل يريد أن يتزوّج المرأة، أينظر إليها؟

قال عليه السلام: نعم، إنّما يشتريها بأغلى الثمن»(4).

ونُسب إلى المحقّق اليزدي رحمه الله إنكار دلالته على جواز النظر إلى جميع جسدها، لوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ السؤال فيه بقوله: «أينظر إليها»، إنّما هو عن أصل جواز النظر، فالجواب بقوله «نعم» يكون أيضاً في مقام تجويزه، وليس بصدد بيان ما ينظر إليه.

الوجه الثاني: احتمال وروده مورد الغالب من النظر إلى الوجه واليدين، لأنّهما موقع النظر غالباً، وغيرهما مستورٌ كذلك بالثياب، ومع هذا الاحتمال فلا ينعقد له ظهورٌ في الإطلاق، ولهذا الوجه الثاني مَنَع الشيخ الأعظم(5) رحمه الله إطلاقه.9.

ص: 124


1- الفقيه: ج 3/413 ح 4439، والنهاية: ص 484.
2- كالسبزواري في كفاية الأحكام: ص 153، والبحراني في الحدائق الناضرة: ج 23/44، والنراقي في مستند الشيعة: ج 16/37.
3- جواهر الكلام: ج 29/67.
4- الكافي: ج 5/365 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/87 ح 25100.
5- كتاب النكاح: ص 38-39.

ولكن يرد على الوجه الأوّل: أنّ السؤال ليس عن أمرٍ مجمل مبهم، بل كان السائل في مقام استعلام الوظيفة، فلا محالة يكون السؤال عن النظر إلى جميع الجسد من جهة حذف المتعلّق، فجوابه عليه السلام يدلّ على العموم.

ويرد على الوجه الثاني: أنّ الغلبة لا توجبُ الانصراف المقيّد للإطلاق، مع أنّها ممنوعة فإنّ الغالب عدم ستر مقدارٍ من الشعر وجزء من الرقبة والصدر والساقين، فهو مطلقٌ ويؤكّد إطلاقه ما فيه من التعليل للجواز بأنّه: «يشتريها بأغلى الثمن».

ودعوى: أنّ المراد به ما يندفع به معظم الغرر الحاصل من جهة حُسن الخِلقة واللّون وقُبحهما، وأنّ ذلك يندفع بالنظر إلى الوجه والكفّين، إذ يستدلّ بهما غالباً على حُسن سائر الأعضاء وقُبحها من حيث الخِلقة واللّون، كما أفاده الشيخ الأعظم(1)، وتبعه المحقّق اليزدي.

مندفعة: بأنّ الاستدلال بالوجه على غيره لا يصحّ مع ما يرى من التفاوت.

2 - وموثّق يونس، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يريدُ أن يتزوّج المرأة، يجوز له أن ينظر إليها؟

قال عليه السلام: نعم، وترقّق له الثياب، لأنّه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»(2).

فإنّ ترقيق الثياب ليس إلّالتمكين الرّجل من النظر إلى ما خلف الثياب من سائر أنحاء البدن.

الطائفة الثانية: ما دلّ على الجواز في خصوص الوجه والمِعْصَم، كمصحّح0.

ص: 125


1- كتاب النكاح: ص 40.
2- علل الشرائع: ج 2/500 باب 260 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/90 ح 25110.

الفضلاء، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوّجها»(1).

والمعاصم جمع مِعْصَم، وهو موضع السِّوار من الساعد(2)، والسوار حلقة كالطوق تلبسها المرأة في زندها أو معصمها الذي هو فوق الزند.

وقد استدلّ به القائلون باختصاص الجواز بالوجه والكفّين، بحمل المعاصم على الكفّين، وهو كما ترى غير ظاهر الوجه، إذ المعصم كما عرفت غير الكف، والعمل بالنّص لا مانع منه بعد اعتماد جماعة عليه.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على جواز النظر إلى خلفها ووجهها، كصحيح الحسن بن السِّري، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يريد أن يتزوّج المرأة، يتأمّلها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟

قال عليه السلام: نعم، لا بأس أن ينظر الرّجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها»(3).

الطائفة الرابعة: ما دلّ على جواز النظر إلى الشعر، كصحيح عبد اللّه بن سنان، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يريد أن يتزوّج المرأة، أينظر إلى شعرها؟ فقال عليه السلام: نعم، إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»(4).

الطائفة الخامسة: ما دلّ على الجواز في المحاسن، كخبر غياث بن إبراهيم، عن6.

ص: 126


1- الكافي: ج 5/365 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/88 ح 25101.
2- كتاب العين: ج 1/315 مادّة (عصم).
3- الكافي: ج 5/365 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/88 ح 25102.
4- التهذيب: ج 7/435 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/89 ح 25106.

جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «في رجلٍ ينظر إلى محاسن امرأةٍ يريد أن يتزوّجها؟ قال عليه السلام: لا بأس إنّما هو مستام، فإن يقض أمر يكن»(1).

ونحوه خبر الباهلي(2).

هذه هي نصوص الباب، وحيث أنّه لا تعارض بينها إذ بأجمعها مثبتات، فلا وجه لحمل مطلقها على مقيّداتها.

وعن المحقّق اليزدي البناء على تعارضها لوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ المقيّدات إنّما هي في مقام التحديد لموضوع حكمٍ واحد، فتدلّ بالمفهوم على عدم الجواز في غير الموارد المذكورة فيها.

الوجه الثاني: أنّه في حَسن الفضلاء عُلّق الجواز على إرادة التزويج، الدالّ على عليّة إرادته لجواز النظر إلى خصوص الوجه والمِعصم الآبي عن حملهما على مجرّد التمثيل، لعدم صحّة تعليل الخاص بما يكون علّة للعام، فمفهومه عدم الجواز في غيرهما.

ولكن يرد على الوجه الأوّل: أنْ لا قرينة تشهد بكونها في مقام التحديد، ومجرّد تضمّنها لبيان حكم ما فيها لو اقتضى ذلك، لزم البناء على ثبوت المفهوم للوصف بل اللّقب.

ويرد على الثاني: أنّ مفهوم الحسن عدم جواز النظر عند عدم إرادة التزويج، لا عدم جواز النظر إلى غير الوجه والمِعْصم، فإنّ المفهوم عبارة عن انتفاء الحكم المذكور عند انتفاء الشرط، لا انتفاء حكمٍ آخر عند وجوده.1.

ص: 127


1- التهذيب: ج 7/435 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/89 ح 25107.
2- قرب الإسناد: ص 74، وسائل الشيعة: ج 20/90 ح 25111.

وعن الشيخ الأعظم رحمه الله: البناء على ثبوت المفهوم للمقيّدات، من جهة أنّ تخصيص النظر في مصحّح الفضلاء بالوجه والمعاصم لا يظهر له وجهٌ إلّا اختصاصهما بجواز النظر، قال:

(وأوضح من ذلك صحيح السِّري، فإنّه عليه السلام بعد أنْ قال: «ينظر إليها» قال عليه السلام:

«ينظر إلى خلفها وإلى وجهها»(1).

وفيه: أنّ ما ذكر في وجه اختصاص المصحّح، إنّما هو ما ذكر في ثبوت المفهوم للوصف واللّقب، وقد اُجيب عنه في محلّه.

وأمّا التخصيص في صحيح السِّري، فإنّما هو لذكره في السؤال، مع أنّ غايته سقوط الإطلاق المذكور فيه، لا سقوط إطلاق غيره.

فتحصّل: أنّ الأظهر جواز النظر إلى جميع بدنها، نعم قام الإجماع على خروج خصوص العورة، ولا بأس باستثنائها.

ثمّ إنّه على فرض التنزّل وتسليم ثبوت المفهوم للمقيّدات، الجمع بين النصوص إنّما يكون بحمل المطلق على المقيّدات، وتقييد إطلاق مفهوم كلّ منها بمنطوق غيرها، فتكون النتيجة جواز النظر إلى ما ذُكر في المقيّدات من المعاصم والخلف والشعر والمحاسن.

شرائط جواز النظر إلى من يريد تزويجها

المورد الثاني: في بيان أُمور دخيلة أو توهم دخلها في هذا الحكم، أي جواز النظر إلى من يريد تزويجها - وهي ستّة:

ص: 128


1- كتاب النكاح: ص 39.

الأمر الأوّل: أنّه قد يقال باعتبار أنْ يكون النظر إليها بإذنها ورضاها.

ولكن المشهور بين الأصحاب(1) عدم اعتبار ذلك، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، وهذا هو الأظهر، لعموم النَّص، وليس النظر من الحقوق حتّى يتوهّم توقّفه على إذنها.

الأمر الثاني: اعتبار أن لا يكون النظر بقصد التلذّذ، كما صرّح به جماعة(2)، واستدلّ له:

1 - باختصاص النصوص المتقدّمة بالنظر للاطّلاع، فيرجع في غيره إلى عموم المنع.

2 - وبمرسل عبد اللّه بن المفضّل، عن أبيه، عن رجل: «عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلتُ : أينظر الرّجل إلى المرأة يريد تزويجها، فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟

قال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذّذاً»(3).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ النصوص مطلقة، بل قد يقال إنّ التقييد بذلك في المقام غير ممكن، فإنّ النظر إلى جسد المرأة ليطّلع على أنّها صبيحة حسنة خِلقةً ولوناً بحيث تصلح لأن يتزوّجها ويعاشرها، ويقضي بها شهوته، لا ينفكّ غالباً عن الريبة، وأمّا الخبر فلإرساله لا يُعتمد عليه.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار ذلك.

الأمر الثالث: عدم تكرار النظر، ذهب إلى اعتباره بعضٌ .4.

ص: 129


1- الحدائق الناضرة: ج 23/42 الفائدة السابعة.
2- كما في المهذّب البارع: ج 3/204، الروضة البهيّة: ج 5/98.
3- الكافي: ج 5/365 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/88 ح 25104.

والأظهر عدم اعتباره، وجواز تكرار النظر إذا لم يكن قد تعمّق في الأوّل، واحتمل أن يفيده الثاني ما يفيده الأوّل، لإطلاق النصوص والتعليل.

الأمر الرابع: أن لا يكون مسبوقاً بحالها، والوجه فيه انصراف النصوص إلى النظر للاطّلاع، فالفرض خارجٌ عنها، فيرجع فيه إلى عموم المنع.

الأمر الخامس: أنْ يكون مريداً لتزويجها.

أقول: وتفصيل القول في هذا الشرط أنّه:

تارةً : لا يريد التزويج أصلاً.

واُخرى : لا يكون مريداً له، إلّاأنّه يحتمل أنّه لو صادف امرأة تكون على أوصاف كذائيّة، قد تحصل له إرادة تزويجها.

وثالثة: يريد التزويج ولا نظر له إلى امرأةٍ خاصّة، بل كان بصدد تعيين الزوجة من خلال هذا الاختبار.

ورابعة: يريد تزويج امرأةٍ خاصّة بإرادة قريبة من الفعلية، كما إذا كانت جميع المقتضيات موجودة، إلّاأنّه لا يعلم أنّها حسنة خِلْقةً ولوناً أم لا، بحيث لو كانت حسنة لصارت إرادته فعليّة.

وخامسة: يريد تزويج امرأةٍ خاصّة على جميع التقادير.

لا إشكال في عدم شمول النصوص للقمسين الأولين والأخير.

أمّا الأولان: فللتقييد فيها بمُريد التزويج.

وأمّا الأخير: فلانصراف النَّص، سيّما بملاحظة التعليل إلى مورد النظر ليجمع أمره في التزويج، فمع إرادته على كلّ تقديرٍ يرجع إلى عموم المنع.

ص: 130

كما لا إشكال في الشمول للقسم الرابع.

وإنّما الكلام في القسم الثالث، والأظهر فيه هو الشمول، لأنّ مورد السؤال وإنْ كان هو إرادة تزويج امرأةٍ خاصّة، إلّاأنّ المدار على عموم الجواب، وهو يشمل هذا القسم أيضاً.

فتحصّل: أنّه يجوز النظر إلى امرأة يريد تزويجها بالخصوص، أو يكون قاصداً لمطلق التزويج، وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار.

الأمر السادس: أن ينظر إلى جسدها من فوق الثياب الرقيقة، ويشهد له الأمر بترقيق الثياب في موثّق يونس المتقدّم، ولا بأس به مع فرض قضاء الغَرَض به، ولكن الظاهر عدم قضائه به، وذلك - بضممية عدم إفتاء الأصحاب به، وأنّ الأمر بالترقيق إنّما هو للإطلاق - يصلح لرفع اليد عن ظهوره في اللّزوم.

حكم نظر المرأة إلى الرّجل المريد تزويجها

المورد الثالث: في أنّه هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى من يريد تزويجها كما عن «القواعد»(1) وغيرها(2)؟

أم لا يجوز لها ذلك كما في «الجواهر»(3)، وفي «كشف اللّثام»: (لا أعرف من الأصحاب من قال به - أي بالجواز - غيره - أي العلّامة) والحلبي وابن سعيد(4)؟ وجهان.

ص: 131


1- قواعد الأحكام: ج 3/6.
2- كالكافي في الفقه: ص 296، الجامع للشرائع: ص 396، جامع المقاصد: ج 12/29، مسالك الأفهام: ج 41/7.
3- جواهر الكلام: ج 29/68.
4- كشف اللّثام: ج 7/21.

واستدلّ للأوّل:

1 - باستفادته من التعليل في النصوص، فإنّ الرّجل إذا جاز له النظر لئلّا يضيّع ماله الذي يعطيه على وجه الصداق وغيره، فجوازه للمرأة لئلّا يضيّع بُضعها أولى .

2 - وبما ورد(1) في بعض النصوص أنّه صلى الله عليه و آله قال لرجلٍ من أصحابه، وقد خطب امرأة: «لو نظرتَ إليها فإنّه أحرى أن يؤدم(2) بينكما»، بدعوى أنّ مقتضى عموم العلّة هو جواز نظر ها إليه.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ المرأة تملك بُضعها بإزاء المال الذي يعطيها، فاللّازم معرفته لا معرفة الرّجل.

ويرد على الثاني: أنّه ضعيف السند.

وعليه، فالأظهر عدم جواز نظرها إليه، اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال إنّ السيّد الرضي رحمه الله ينسب الخبر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله جزماً، ممّا يقتضي أن يصبح هذا الخبر من أقسام الخبر الحجّة.

***ة.

ص: 132


1- المجازات النبويّة: ص 114 ح 81، وسائل الشيعة: ج 20/90 ح 25112.
2- أي المودّة والأُلفة.

وإلى أهل الذّمة بغير تلذّذ،

حكم النظر إلى نساء أهل الذّمة

(و) المسألة السادسة: المشهور(1) بين الأصحاب أنّه يجوز النظر (إلى) نساء (أهل الذّمة بغير تلذّذ).

أقول: وتنقيح القول في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في جهتين:

الجهة الأُولى : يجوز النظر إلى شعور نساء أهل الذّمة وأيديهنّ ، ويشهد به خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا حُرمة لنساء أهل الذّمة أن ينظر إلي شعورهنّ وأيديهنّ »(2).

والخدشة في سنده في غير محلّها، إذ ليس في السند من يتوهّم الإشكال من ناحيته غير النوفلي والسكوني، والأظهر أنّهما ثقتان، وإنْ صار الأوّل غالياً في آخر عمره، والثاني عامّيٌ .

ويؤيّده خبر أبي البُختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: «لا بأس بالنظر إلى رؤس نساء أهل المدينة»(3)، الحديث.

أقول: ويمكن الاستدلال له بما دلّ من النصوص على أنهنّ مماليك الإمام عليه السلام - كصحيح أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ أهل الكتاب مماليك الإمام»(4)،

ص: 133


1- مسالك الأفهام: ج 7/444.
2- الكافي: ج 5/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/205 ح 25440.
3- قرب الإسناد: ص 62، وسائل الشيعة: ج 20/205 ح 25440.
4- الكافي: ج 5/358 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/545 ح 26305.

ونحوه غيره - لا من تحليلهم عليهم السلام لشيعتهم، والإذن في ذلك ورضاهم به، إذ التحليل في مثل المقام غير ثابت، ومجرّد الرّضا لا يكفي في الجواز، بل لما دلّ على جواز النظر إلى أمَة الغير، وحيث أنّ المتيقّن ممّا ثبت من جواز النظر إلى أمَة الغير من السِّيرة والنصوص الواردة في مملوكة الابن وغيرها، هو النظر إلى الرأس واليدين، فالثابت بذلك هو جواز النظر إلى شعورهنّ وأيديهن، وعدم التجاوز عنهما إلى المواضع الاُخرى من أجسامهنّ .

وأمّا الاستدلال له: بأنّهن بمنزلة الإماء للمسلمين، لأنّ الكفّار فيءٌ لهم وإنّما يحرّمهم الذّمة، فتكون نساء أهل الذّمة بمنزلة الإماء المزوّجة بالعبد.

فيرد عليه: أنّ المِلْك إنّما يكون بالاسترقاق.

فالمتحصّل من الأدلّة: هو جواز النظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ ، ومقتضى إطلاق الأيدي هو جواز النظر إلى جميع اليد، وعليه فلا بُعد في دعوى أنّ ذكر الشعور والأيدي من باب أنّ المتعارف كشفهما لا لخصوصيّةٍ فيهما، وعليه فالقول بجواز النظر إلى المقدار الذي جَرت عادتهنّ في تلك الأزمنة على عدم ستره قويٌّ .

الجهة الثانية: في أنّه هل يقيّد الجواز بعدم التلذّذ والرِّيبة، بحيث لا يجوز النظر مع التلذّذ والرِّيبة - أي خوف الوقوع في الحرام - وهو المعبّر عنه بخوف الفتنة، أو الوقوع في الحرام مع المنظور إليه، وإنْ كان عالماً بعدم وقوعه كما هو المشهور(1) بين الأصحاب، أم لا؟

واستدلّ للأوّل:8.

ص: 134


1- الحدائق الناضرة: ج 23/58.

1 - بأنّ النصوص المجوّزة مختصّة بغير ذلك، فيرجع فيه إلى عموم المنع.

2 - وبما في «رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله» من وضوح حرمة النظر مع خوف الوقوع في الحرام، وأمّا حرمته مع أحد الأمرين، فلأنّ فيهما الفساد المنهيّ عنه(1).

3 - وبما في «الجواهر» من إشعار النصوص، بل ظهورها، بل صريح بعضهافيه(2).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ النصوص مطلقة.

وعلى الثاني: أنّه لا دليل على حرمة فعلٍ يُخاف معه الوقوع في الحرام، وكون التلذّذ من الفساد أوّل الكلام.

وعلى الثالث: إنّا لم نعثر على خبرٍ يكون ظاهراً في ذلك، فضلاً عن الصراحة.

فإذاً لا دليل على اعتبار ذلك، سوى الإجماع لو ثبت، والظاهر ذلك.

إلحاق نساء أهل البوادي والقُرى بنساء أهل الذِّمة

وقد يُلحق بنساء أهل الذّمة، نساء أهل البوادي والقُرى ، لخبر عبّاد بن صُهيب، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل تهامة، والأعراب، وأهل السواد، والعلوج، لأنّهم إذا نُهوا لا ينتهون»(3).

وعن «الفقيه»(4) روايته، ولكن ذكر بدل «أهل السّواد والعلوج»، (أهل البوادي من أهل الذّمة).

ص: 135


1- كتاب النكاح: ص 55-56.
2- جواهر الكلام: ج 29/70.
3- الكافي: ج 5/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/206 ح 25442.
4- الفقيه: ج 3/469 ح 4636.

أقول: والخدشة فيه بضعفه بغير محلّها، لأنّ عبّاد ثقة، وقد صرّح العلّامة المجلسي رحمه الله في «مرآة العقول» بأنّ الخبر موثّق(1)، مع أنّ الراوي عن عبّاد، هو الحسن بن محبوب، وهو من أصحاب الإجماع، أضف إليه أنّ الراوي عنه هو أحمد ابن محمّد بن عيسى ، وهو أخرج البرقي عن قمّ لروايته عن الضعفاء، ممّا يعني أنّه كان يراه ثقةً ، وعليه فلا إشكال فيه من ناحية السند.

ثمّ إنّ تهامة - بكسر التاء - اسم منطقة تساير البحر الأحمر وفيها مكّة والمدينة، والعلوج جمع عِلْج وهو الرّجل الضخم من كفّار العجم أو مطلق الكافر(2).

وتذكير الضمير في التعليل إمّا للتجوّز، أو لأنّ المراد أنّ رجالهم إذا نَهوا عن ذلك أمروهنّ بالتستّر لا ينتهون عن التبرّج.

واحتمل صاحب «الجواهر»: (أنْ يكون المراد بالتعليل، عدم وجوب الغَضّ ، وعدم حرمة التردّد في الأسواق والزقاق من هذه الجهة، لما في ذلك من العُسر والحَرج بعد فرض عدم الانتهاء بالنهي)(3).

وعلى هذا فما قيل من أنّه يُطرح الخبر لعدم عمل المشهور به، لعدم تعرّضهم لمضمونه، يكون مندفعاً(4).

وعليه، فالمتيقّن هو عدم حرمة التردّد في الأسواق ونحوها، مع العلم بوقوع النظر إليهنّ ، ولا يجبُ غَضّ البصر، ويترتّب على ذلك أنّه يؤخذ بعموم العلّة،2.

ص: 136


1- مرآة العقول: ج 2/353.
2- لسان العرب: ج 2/326 مادّة علج.
3- جواهر الكلام: ج 29/69.
4- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/21-22.

ويتعدّى إلى التردّد في الأماكن والأسواق وما شاكل في هذا الزمان، وهو زمان حريّة النساء من جميع القيود الدينيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، حيث وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «يظهر في آخر الزمان واقتراب السّاعة، وهو شَرّ الأزمنة نسوةٌ كاشفاتٌ عاريّات متبرّجات»(1).

ويستفاد منه جواز ذلك، وعدم حرمة التردّد فيها، وعدم وجوب الغَضّ .

أقول: ثمّ إنّه ورد في ذيل الخبر - على ما رواه في «الكافي» - قوله عليه السلام: «والمجنونة المغلوبة على عقلها، لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها، ما لم يتعمّد ذلك».

والمرادُ بالتعمّد القصد إلى النظر الملازم للنظر بشهوة، ويمكن أنْ يكون المراد بهذه الجملة ما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله في التعليل، واللّه تعالى هو العالم.

***1.

ص: 137


1- الفقيه: ج 3/390 ح 4374، وسائل الشيعة: ج 20/35 ح 24961.

نظر كلٍّ من الرَّجل والمرأة إلى مماثله

أقول: بقي في المقام مسائل لم يتعرّض المصنّف رحمه الله لها، وهي سبع:

المسألة الأُولى : يجوز لكلٍّ من الرّجل والمرأة النظر إلى ممّاثله، بلا خلافٍ (1) فيه في الجملة، ويشهد له النصوص(2) الواردة في آداب الحمّام، والأخبار(3) الواردة في تغسيل الأموات، المتضمّنة للأمر بأن يلقى على عورته خِرقة، بضميمة ما دلّ على عدم الفرق بين الأحياء والأموات من الإجماع، وما ورد من أنّ حرمة: «المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً»(4)، فإنّ مقتضى هذه النصوص جواز النظر إلى ما عدا العورة، وهذا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في مواضع:

الموضع الأوّل: أنّ جملةً من النصوص ظاهرة في عدم جواز النظر إلى الفخذ، بل من السُّرة إلى الرُّكبة:

منها: الخبر الذي رواه بشير النبّال في حديثٍ ، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ أبا جعفر عليه السلام دخل الحمّام فاتّزر بازارٍ، وغَطّى ركبتيه وسُرّته، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلّى ما كان خارجاً من الإزار، ثمّ قال: اخرج عنّي، ثمّ طلّى هو ما تحته بيده، ثمّ قال: هكذا فافعل»(5).

ص: 138


1- الحدائق الناضرة: ج 23/61.
2- وسائل الشيعة: ج 20/34-35 و ص 67-68 باب 4 و 31 من أبواب آداب الحمّام كتاب الطهارة.
3- وسائل الشيعة: ج 20/479-486 باب 2 من غسل الميّت.
4- وسائل الشيعة: ج 3/55 ح 3010.
5- الكافي: ج 6/501 ح 22، وسائل الشيعة: ج 2/67 ح 1503.

ومنها: خبر الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «إذا زوّج الرّجل أمَتهُ فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين السُّرة والرُّكبة»(1).

ومنها: خبر «الخصال» عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس للرّجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم»(2).

أقول: ولكن خبر الحسين - مضافاً إلى ضعف سنده، لأنّ ابن عُلوان على ما قيل عامّيٌ لا يُعتمد عليه(3)، وأعرض الأصحاب عنه، لأنّهم حدّدوا العورة بالقُبُل والدُّبر - معارضٌ بما هو أقوى منه، لاحظ:

1 - مرسل الواسطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «العورة عورتان: القُبُل والدُّبر، والدُّبر مستورٌ بالإليتين، فإذا سَترتَ القضيب والبيضتين فقد سَترت العورة»(4).

2 - وقريبٌ منه مرسل «الكافي»، وخبر محمّد بن حكيم، قال الميثمي: قال لا أعلمه إلّاقال: «رأيتُ أبا عبد اللّه عليه السلام أو من رآه متجرّداً وعلى عورته ثوبٌ ، فقال:

إنّ الفخذ ليست من العورة».

وأمّا الخبران الآخران:

1 - فللإجماع(5) على عدم وجوب ستر شيء سوى العورة.

2 - ولخبر الميثمي المتقدّم.

3 - ولمرسل «الفقيه»:1.

ص: 139


1- قرب الإسناد: ص 49، وسائل الشيعة: ج 21/148 ح 26755.
2- رجال النجاشي: ص 52 الترجمة 116.
3- الخصال: ج 2/630، وسائل الشيعة: ج 5/23 ح 5787.
4- التهذيب: ج 1/374 ح 9، الكافي: ج 6/501 ح 26، وسائل الشيعة: ج 2/34 ح 1401.
5- الحدائق الناضرة: ج 23/61.

«أنّه عليه السلام كان يَطلي عانته وما يليها، ثمّ يلفّ إزاره على طرف إحليله، ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر جسده»(1)، وقريبٌ منه غيره.

يتعيّن حملهما على الاستحباب.

الموضع الثاني: الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في حرمة النظر إلى شابٍ حَسَن الصورة بريبةٍ أو تلذّذ، وتكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع(2) عليه وكفى به مدركاً، بضميمة خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إيّاكم وأولاد الأغنياء والملوك المُرْد فإنّ فتنتهم أشدّ من فتنة العذارى في خدورهنّ »(3).

وظاهره وإنْ كان عدم جواز النظر إليهم مطلقاً، إلّاأنّه الإجماع والسيرة.

وما ورد: (من أنّ وفداً قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفيهم غلامٌ حَسَنُ الوجه، فأجلسه من ورائه، وكان ذلك بمرأى من الحاضرين، ولم يأمره بالإحتجاب عنهم، ولا نهاهم عن النظر إليه)(4) يقيّد إطلاقه بصورة التلذّذ والريبة.

حكم نظر المشركة والكتابيّة إلى المسلمة

الموضع الثالث: المشهور(5) بين الأصحاب جواز نظر المرأة إلى مثلها، وإنْ كانت الناظرة من أهل الكتاب أو مشركة.

ص: 140


1- الفقيه: ج 1/117 ح 250، وسائل الشيعة: ج 2/68 ح 1504.
2- مستند الشيعة: ج 16/63-64.
3- الكافي: ج 5/548 ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/340 ح 25773.
4- التذكرة: ج 2/573.
5- مسالك الأفهام: ج 7/45.

وعن الشيخ رحمه الله والطبرسي في تفسيرهما(1) والرّاوندي في «فقه القرآن» المنع من نظر المشركة إلى المسلمة.

قال الشيخ والرّواندي: (إلّا أنْ تكون أمَة)(2)، ووافقهم صاحب «الحدائق» رحمه الله(3).

وعن الشيخ رحمه الله(4) في أحد قوليه: (أنّ الذميّة لا تنظر إلى المسلمة حتّى الوجه والكفّين).

واستدلّ لعدم الجواز بالنسبة إلى الكافرة مطلقاً: بالآية الكريمة: (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) إلى قوله تعالى: (أَوْ نِسائِهِنَّ ) (5)، بتقريب أنّ الذميّة ليست من نسائهنّ .

وفيه: أنّ المراد من كلمة (نِسائِهِنَّ ) في الآية:

يحتمل أنْ يكون المراد منهنّ المسلّمات، ويكون وجه إضافتها إلى الضمير العائد إلى (الْمُؤْمِنَاتِ ) اشتراكهما في الإيمان.

ويحتمل أنْ يكون المراد منها النساء الأقارب واللّآتي يراودونهنّ .

ويحتمل أنْ يكون المراد منها مطلق النساء، ويكون وجه إضافتها حينئذٍ الاشتراك في الاُنوثيّة.

ويحتمل أنْ يكون المراد منها من فى صحبتهن من الخوادم أعمٌّ من الإماء والحرائر.

ولا يخفى بُعد الأخيرين:1.

ص: 141


1- التبيان: ج 7/430، مجمع البيان: ج 7/242.
2- فقه القرآن: ص 128-129.
3- الحدائق الناضرة: ج 24/62.
4- مسالك الأفهام: ج 7/45.
5- سورة النور: الآية 31.

أمّا الأخير: فلأنّه يلزم فيه لغويّة قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) بناءً على اختصاصه بالإماء، لرواية الأصحاب ذلك.

وأمّا ما قبله: فلأنّ ظاهر الإضافة إرادة التقييد، فلا يحسن التعبير بها في مقام إفادة الإطلاق.

فيدور الأمر بين الأولين، والاستدلال يتوقّف على ظهور الآية في إرادة الأوّل، إذ لو كانت ظاهرة في الثاني، أو حُكِم بالإجمال لا يتمّ الاستدلال.

أمّا على الأوّل: فواضحٌ .

وأمّا على الثاني: فلأنّ إجمال المستثنى يَسري إلى المستثنى منه ويوجب إجماله، ولكلّ منهما جهة توجبُ احتمال إرادته.

أمّا الجهة الموجبة لارادة الأوّل، فهي إضافة (اَلنِّساءِ ) إلى (الْمُؤْمِنَاتِ ) بما هنّ مؤمنات، وأخذ الوصف العنوان في الموضوع مشعرٌ بدخالته، فالمراد هو مَنْ شاركهنّ في هذا الوصف.

وأمّا الجهة الموجبة لاحتمال إرادة الثاني: فهي قرينة السياق.

وعليه، فالآية مجملة من هذه الجهة، فلا مورد للاستدلال بها.

واستدلّ لعدم الجواز بالنسبة إلى أهل الكتاب: بصحيح حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهوديّة والنصرانّية، فإنهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ »(1).

وفيه: أنّه اليستفاد منه أزيد من الكراهة، لما فيه من التعليل الدالّ على كراهة9.

ص: 142


1- الكافي: ج 5/519 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/184 ح 25379.

إطّلاع رجال أهل الذّمة على خصوصيّات نساء المؤمنين.

ثمّ إنّ مقتضى التعليل:

1 - اختصاص الحكم بمن لها صفاتٌ يَحسُن نقلها لا مطلقاً.

2 - وبمن تصف لزوجها مَنْ تراها من المسلمات.

3 - وتعميم الحكم إلى غير اليهوديّة والنصرانيّة من الكافرات.

جواز النظر إلى المحارم عارياً ما عدا العورة

المسألة الثانية: يجوز النظر إلى المحارم، بلا خلافٍ فيه في الجملة.

أقول: وتنقيح الكلام يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: المشهور بين الأصحاب جواز النظر إلى الجسد(1) عارياً ما عدا العورة.

وعن «القواعد» في آخر حَدّ المحارم: (ليس للمَحرم التطّلع على العورة والجسد عارياً)، ونحوه ما عن «التحرير»(2).

ويشهد للمشهور: - مضافاً إلى الإجماع(3) بل عدّه صاحب «الجواهر»(4) من الضروريّات، وإلى الأصل - الآية الكريمة: (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ...) إلخ(5)، فإنّها وإنْ وردت في بعض المحارم، إلّاأنّه يتمّ في غيره بعدم الفصل، والزينة

ص: 143


1- قواعد الأحكام: ج 3/572.
2- تحرير الأحكام: ج 3/400 (ط. ج).
3- كشف اللّثام: ج 7/25 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/71.
5- سورة النور: الآية 31.

تعمّ الظاهرة والباطنة، ومنها الذراعان، والمستور الخمار كما في الصحيح(1).

والنصوص الواردة في تغسيل المحارم مجرّدة الدالّة على جوازه، إلّاأنّه: «يُلقى على عوراتهنّ خِرقة»(2).

بضميمة ما دلّ على أنّ : «حُرمة الميّت كحرمة الحَيّ » من الإجماع والأخبار(3).

وما في بعض النصوص من تغسيلهم من وراء الثياب، وإنْ أفتى به المشهور، لكنّه محمولٌ على الاستحباب، كما حقّقناه في الجزء الثالث من هذا الشرح(4).

أقول: واستدلّ لعدم جواز النظر إلى ما عدا الاُمور المتّفق عليها من الوجه والكفّين والقدمين ونحوها:

1 - بما دلّ على أنّ : «النساء عورة»(5) خرجت تلك الاُمور وبقي الباقي.

2 - وبخبر أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام: «في قوله تعالى : (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) فهو الثياب والكُحل والخاتم وخِضاب الكفّ والسّوار»، والزينة ثلاثة:

زينة للناس، وزينة للمَحرم، وزينة للزوج.

وأمّا زينة النّاس فقد ذكرناه، وأمّا زينة المَحرم فموضع القِلادة فما فوقها، والدُّملج وما دونه، والخَلخال وما أسفل منه، وأمّا زينة الزوج فالجسد كلّه»(6).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لا دليل علي عدم جواز النظر إلى العورة بالمعنى المذكور.

وبعبارة اُخرى : إنّ كونهنّ عورة بالنسبة إلى المحارم أيضاً غير ثابت، لاحتمال3.

ص: 144


1- الكافي: ج 5/520 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/200 ح 25425.
2- وسائل الشيعة: ج 2/516-519 باب 20 من أبواب غسل الميّت.
3- الكافي: ج 7/346 ح 14، وسائل الشيعة: ج 29/324 ح 35697.
4- فقه الصادق: ج 3/329.
5- وسائل الشيعة: ج 20/64-67 باب 24 من أبواب مقدّمات النكاح.
6- تفسير القمّي: ج 2/101، المستدرك: ج 14/275 ح 16703.

كونهنّ كذلك بالإضافة إلى الأجنبي، ولذا لم يتوهّم أحدٌ كونهنّ كذلك بالإضافة إلى المماثل.

ويرد على الثاني: أنّه ضعيفُ السند، والأصحاب أعرضوا عنه.

وعليه، فالأظهر جواز النظر إلى الجسد ما عدا العورة.

أقول: ثمّ إنّ المحارم على أقسام:

القسم الأوّل: المحرم النَسَبي، وهي التي يحرم نكاحها نسباً.

القسم الثاني: المحرم الرِّضاعي.

القسم الثالث: المحرم بالمصاهرة.

أمّا الأوّل: فقد تقدّم حكمه.

وأمّا الثاني: فما كان دليله من قبيل ما دلّ على أنّه بمنزلة السبب، فإنّه يستفاد حكمه ممّا تقدّم، وأمّا ما كان حكمه مستفاداً من قبيل ما دلّ على أنّه لا ينكح أبو المرتضع في أولاد المرضعة، فلا مخرج له عن عموم ما دلّ على حرمة النظر ووجوب الستر.

وأمّا القسم الثالث: فالمصاهرة المجوّزة للنظر، هي ماكانت بعلاقة الزوجيّة، وأمّا غيرها - كالتحريم الحاصل باللّواط - فلامخرج له عن عموم مادلّ عليحرمة النظر.

اشتباه من يجوز النظر إليه بمن لا يجوز

المسألة الثالثة: إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بمن لا يجوز، على وجهِ الامتزاج، وَجَب الاجتناب عن الجميع مع الحصر، للعلم الإجمالي الموجب للاحتياط عقلاً،

ص: 145

وكذا لو اشتبه من يجب التستّر عنه ومن لا يجب.

وإنْ كانت الشبهة غير محصورة أو بدويّة، ففيه فروض:

الفرض الأوّل: ما إذا شكّ في كونه مماثلاً أم لا، فقد استدلّ لوجوب الاجتناب بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن العلّامة وغيره من أنّ مقتضى عموم الأدلّة من الآية وغيرها، حرمة النظر إلى كلّ أحدٍ، خرج عنه المماثل، فمع الشكّ في كون المنظور إليه مماثلاً أم لا، بما أنّه شكٌّ في مصداق الخاص، يكون المرجع هو العموم.

وفيه: إنّ التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة لا يجوز، كما حُقّق في محلّه(1).

الوجه الثاني: ما في «العروة» من أنّ التخصيص في المقام بما أنّه ليس من قبيل التنويع، بل المستفاد من المخصّص شرطيّة الجواز بالمماثلة أو المحرميّة، فيكون النظر مقتضياً للحرمة، والمماثلة من قبيل المانع، فمع الشكّ في المانع يكون المرجع إلى أصالة عدمه، فيُبنى على تحقّق المقتضى بالفتح(2).

وفيه: لا مجال لتمييز المقتضي عن المانع في باب الشرعيّات بعد عدم ورود الدليل لبيان ذلك، فلعلّه لا مقتضي للحرمة في النظر إلى المماثل، مع أنّه لو سُلّم إحراز المقتضي، فإن قاعدة المقتضي والمانع ليست بحجّة كما حُقّق في محلّه.

الوجه الثالث: ما عن المحقّق النائيني رحمه الله، من أنّ تعليق الرخصة والجواز على عنوان خاص وجودي، يدلّ بالدلالة الالتزاميّة العرفيّة على أنّها منوطة بإحرازف.

ص: 146


1- زبدة الاُصول: ج 3/243، تحت عنوان: التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.
2- العروة الوثقى: ج 5/492-494 (ط. ج) والعبارة منقولة بتصرّف.

ذلك العنوان، فلا يجوز الاقتحام عند الشكّ فيه(1).

وفيه: أنّ إناطة حكم ترخيصي بأمرٍ وجودي كإناطة المنّة به، لا يُراد بها إلّا جعل حكمٍ واقعي لموضوع واقعي.

الوجه الرابع: الأصل المتّفق عليه في النفوس والفروج والأموال، وهو أصالة الاحتياط.

وفيه: إنّ أصالة الاحتياط ليست أصلاً مستقلّاً، بل المراد بها إمّا أصالة العموم بناءً على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، أو الاُصول الموضوعيّة كأصالة عدم الزوجيّة، وعدم تحقّق الرّضاع وما شاكل، وعلى فرض تسليم كونها أصلاً مستقلّاً، فإنّما هو بالنسبة إلى الوطء لا النظر.

الوجه الخامس: استصحاب عدم المماثلة، بناءً على ما هو الحقّ من جريان الأصل في الاعدام الأزليّة.

وما أفاده بعض الأعاظم من أنّ الاُنوثة والذكورة من قبيل الذاتيّات عرفاً، فلا يصحّ التمسّك بأصالة عدم ذكوريّة من يشكّ في ذكوريّته واُنوثيّته، ولا أصالة عدم اُنوثيّته(2).

يرد عليه: إنّهما عند العرف أيضاً من الأوصاف العنوانيّة الزائدة على الذاتيّات نظير القرشيّة.

ودعوى: أنّ حرمة النظر مشروطة بأمرٍ وجودي وهو المخالف، وباستصحاب عدم المماثل لا يمكن إحراز ذلك إلّاعلى القول بالأصل المُثبت.6.

ص: 147


1- ذكره في تعليقه على العروة الوثقى: ج 5/492 (ط. ج).
2- مستمك العروة الوثقى: ج 14/56.

مندفعة: بأنّ مقتصى عموم الآية الشريفة غير المنصرفة إلى خصوص المخالف - بقرينة (نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (1) وإنْ كان استثناءً عن إبداء الزينة - حرمة النظر إلى المخالف والمماثل، خرج عن ذلك المماثل وبقي الباقي.

وعليه، فالأظهر حرمة النظر إليه.

الفرض الثاني: ما لو شكّ في أنّها زوجيّة أو لا:

والأظهر فيه أيضاً حرمة النظر، لأصالة عدم حدوث الزوجيّة، إذا كانت الحالة السابقة عدم الزوجيّة، وإنْ كانت الحالة السابقة الزوجيّة، يجري استصحاب بقائها، ويحكم بجواز النظر، ومع توارد الحالتين والشكّ في المتأخّر يتساقط الأصلان، فيرجع إلى أصالة البراءة المقتضية للجواز.

ثمّ إنّ مقتضى الوجوه المتقدّمة في الفرض السابق، عدم جواز النظر في هذا المورد أيضاً، ولكن عرفت ما فيها.

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو شكّ في المحرّميّة من باب الرّضاع، فإنّ مقتضى أصالة عدم تحقّقه الحرمة وعدم الجواز.

الفرض الثالث: لو شكّ في أنّ المنظور إليه حيوانٌ أو إنسانٌ يجوز النظر إليه، لاختصاص دليل المنع بالإنسان، فيشكّ في المورد في الجواز، ولا أصل يُحرز به موضوع عدم الجواز، وحينئذٍ يكون المرجع إلى أصالة البراءة المقتضية للجواز.

الفرض الرابع: لو شكّ في أنّه بالغٌ أو صبيّ :

ففي «العروة» استظهر وجوب الاجتناب للعموم(2)، على الوجه المتقدّم منه في الفرض الأوّل، ولكن الأظهر عدم الوجوب، لاستصحاب بقاء الصِّبا وعدم التمييز.).

ص: 148


1- سورة النور: الآية 31.
2- العروة الوثقى: ج 5/494 (ط. ج).

النظر إلى الأجنبيّة

المسألة الرابعة: لا يجوز النظر إلى الأجنبيّة إجماعاً(1)، بل ضرورة المذهب، بل الدِّين.

ويجبُ على النساء التستّر من الرِّجال، ويشهد لها الآية الكريمة:

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اَللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ اَلتّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ مِنَ اَلرِّجالِ أَوِ اَلطِّفْلِ اَلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ اَلنِّساءِ وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَى اَللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (2) .

وغَضّ البصر وإنْ كان غير ترك النظر، إلّا أنّه يكفى مستنداً لتعيين المراد الإجماع، فإنّهم أجمعوا على التمسّك بالآية لحرمة النظر، والنصوص الكثيرة الآتية جملة منها.

النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة

قد استثنى جماعة - منهم الشيخ(3)، وصاحب «الحدائق»(4)، والمحقّق النراقي(5)، والشيخ الأعظم(6) - من حرمة النظر إلى الأجنبيّة، الوجه والكفّين، فقالوا

ص: 149


1- مستند الشيعة: ج 16/29، الفصل الثاني.
2- سورة النور: الآية 30 و 31.
3- المبسوط: ج 4/160.
4- الحدائق الناضرة: ج 23/55.
5- مستند الشيعة: ج 16/31.
6- كتاب النكاح: ص 53.

بالجواز فيهما.

وعن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1)، و «الإرشاد»(2)، وكاشف اللّثام(3)، وصاحب «الجواهر»(4) وغيرهم(5) القول بعدم الجواز. وعن جمعٍ ، منهم المحقّق في «الشرائع»(6)، والمصنّف في «القواعد»(7): أنّه يجوز فيها مرّةً ، ولا يجوز تكرار النظر.

واستدلّ للأوّل: بالآية الكريمة المتقدّمة: (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) (8)وهو مفسّرٌ بالوجه والكفّين.

أقول: ينبغي ملاحظة ما يستدلّ به في المقام: فإنْ كان الاستدلال بالنَّص المفسِّر للّزينة، الظاهرة بهما، فسيأتي الكلام فيه.

وإنْ كان بالآية نفسها.

فيرد عليه: أنّ الزينة الظاهرة فُسِّرت بتفاسير، منها ما عن ابن مسعود من تفسيرها بالثياب، ومنها غير ذلك(9).

واستدلّوا له أيضاً: بجملة من النصوص:

منها: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الذراعين من المرأة،1.

ص: 150


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/573 (ط. ق).
2- إرشاد الأذهان: ج 2/5.
3- كشف اللّثام: ج 7/25-26 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/80.
5- كالنائيني في تعليقته على العروة الوثقى: ج 5/487 (ط. ج).
6- شرائع الإسلام: ج 2/495.
7- قواعد الأحكام: ج 3/6.
8- سورة النور: الآية 31.
9- مجمع البيان: ج 7/241، الدّر المنثور: ج 5/41.

أهُما من الزِّينة التي قال اللّه تبارك وتعالى : (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) (1)؟

قال: نعم، وما دون الخِمار من الزينة، وما دون السِّوارين»(2).

بدعوى: أنّ ما يستره الخِمار هو الرأس والرقبة، والوجه خارجٌ عنه، وأنّ الكفّ فوق السّوار لا دونه، فيكونان خارجين عن الزينة.

وفيه أوّلاً: أنّه لو دلّ على الجواز، فإنّما يدلّ على جواز الإبداء، وعدم وجوب سترهما، وهو أعمٌّ من جواز النظر، لأنّه من الممكن أن يرفع الشارع الأقدس وجوب الستر عليها بالنسبة إلى الوجه والكفّين، للعُسر والحرج، أو لغير ذلك، بخلاف سائر البدن، وإنْ وجب على الناظر الغضّ كما عساه يقال في بدن الرّجل بالنسبة إلى المرأة.

وثانياً: ان الصحيح سؤالاً وجواباً ناظرٌ إلى العقد الإيجابي، وهو كون الذراعين من الزينة، ولا نظر له إلى العقد السلبي، ولا مفهوم له، فتأمّل.

ومنها: خبر زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) (3)؟ قال عليه السلام: الزينة الظاهرة الكُحل والخاتم»(4).

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر مجهولٌ كما صرّح به العلّامة المجلسي رحمه الله، لأنّ في طريقه القاسم بن عروة.

وثانياً: إنّ جواز النظر إلى الكُحل والخاتم ولو إلى مواضعهما، أعمٌّ من النظر إلى الوجه والكفّين.

وثالثاً: أنّه في مقام بيان مايجوز للمرأة إظهاره، وهو أعمٌّ من جواز النظر كما مرّ.7.

ص: 151


1- سورة النور: الآية 31.
2- الكافي: ج 5/520 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/200 ح 25425.
3- سورة النور: الآية 31.
4- الكافي: ج 5/521 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/201 ح 25427.

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) (1)؟ قال عليه السلام: الخاتم والمسكة وهي القُلب»(2). والقُلَب بالضَمّ السّوار.

وأُورد عليه: بضعف السند، ورماه المجلسي رحمه الله بالجهالة.

وفيه: الأظهر أنّه موثّق، لأنّه يرويه الكليني رحمه الله عن محمّد بن الحسين شيخه، الذي قال عنه النجاشي إنّه ثقة(3)، عن أحمد بن إسحاق الذي لا شبهة في وثاقته(4)، عن سعدان بن مسلم(5) الذي روى روايته القميّون والأعاظم، وفيهم الصفوان، وقد قال المولى الوحيد - ولنِعمَ ما قال -: (إنّ في رواية هؤلاء الأعاظم شهادة على كونه ثقة)، عن أبي بصير الثقة.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّه يدلّ على جواز الإبداء دون جواز النظر.

وثانياً: أنّه مختصٌّ باليد، ولا يكون متعرّضاً للوجه.

وثالثاً: أنّه لو دلّ على الجواز، لدلّ على جواز النظر إلى موضع السّوار، وهو ما فوق الكفّ ، وهو لا يجوز بالإجماع.

ومنها: صحيح مسعدة بن زياد، قال: «سمعتُ جعفراً عليه السلام وسُئل عمّا تُظهر المرأة من زينتها؟ قال عليه السلام: الوجه والكفّين»(6).

وفيه: إنّه دالٌّ على جواز الابدّاء، وهو أعمٌّ من جواز النظر.9.

ص: 152


1- سورة النور: الآية 31.
2- الكافي: ج 5/521 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/201 ح 25428.
3- رجال النجاشي: ص 334 الرقم 897.
4- رجال النجاشي: ص 91 الرقم 225، رجال الطوسي: ص 397.
5- رجال النجاشي: ص 192 الرقم 515.
6- قرب الإسناد: ص 40، وسائل الشيعة: ج 20/202 ح 25429.

ومنها: مرسل مروك بن عبيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: ما يَحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن مَحرماً؟ قال عليه السلام: الوجه والكفّان والقَدَمان»(1).

وفيه أوّلاً: أنّه مرسلٌ .

وثانياً: أنّه مشتملٌ على جواز النظر إلى القدمين ولا قائل به.

ومنها: خبر أبي الجارود المتقدّم في مسألة جواز النظر إلى المحارم، وقد عرفت أنّه ضعيفُ السّند، معرَضٌ عنه عند الأصحاب.

ومنها: صحيح أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«سألته عن المرأة المسلمة يُصيبها البلاء في جسدها إمّا كسرٌ وإمّا جَرحٌ في مكانٍ لا يصلح النظر إليه، يكون الرّجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له النظر إليها؟ قال عليه السلام: إذا اضطرّت فليعالجها إنْ شاءت»(2).

بتقريب: أنّ الخبر كالصريح في أنّ من جسد المرأة ما يصلح النظر إليه وما لايصلح، والمتيقّن من الأوّل هو الوجه والكفّان.

وفيه: أنّه لا مفهوم له، سيّما وهو واردٌ في مقام بين حكم آخر.

ومنها: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الرّجل، ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تَحلّ له ؟

قال عليه السلام: الوجه والكفّ وموضع السّوار»(3).).

ص: 153


1- الكافي: ج 5/521 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/201 ح 25426.
2- الكافي: ج 5/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/233 ح 25512.
3- قرب الإسناد: ص 102، بحار الأنوار: ج 24/34 (ط. ج).

وفيه: مضافاً إلى عدم ثبوت اعتباره، أنّه يحتمل أنْ يكون المراد المحارم، بأن يكون المراد من: «لا تَحلّ له» لا تَحلّ له نكاحها، وحَصر المحلَّل في الثلاثة لا يدلّ على إرادة غيرها من الأجانب، إذ عدم العمل بخبرٍ لا يوجبُ حمله على معنى آخر، مع أنّ ما في ذيله من استثناء موضع السوار لم يفتِ به أحدٌ بالنسبة إلى الأجنبيّة.

ومنها: ما ورد في المرأة تموت وليس معها إلّاالرّجال(1).

وفيه: لم أفهم وجه دلالة تلك النصوص على هذا الحكم، فإنّها على اختلاف مضامينها ليس فيها ما ينافي عدم جواز النظر، فراجعها(2).

ومنها: ما ورد في باب الحَجّ ، في باب ما يجوز أن تلبسه المرأة المُحْرِمة من الثياب، وهو متضمّنٌ للأمر بالإسفار، والنهي عن النقاب والبُرقع(3)، فيدلّ على عدم وجوب ستر الوجه، وجواز النظر إليه.

وفيه: إنّ الاسفار لم يؤمر به، وإنّما نُهي عن النقاب والبُرقع في إحرام المرأة خاصّة، وقد أمر في بعض النصوص بإرخاء الثوب من الرأس إلى الذَقن أو الأنف(4)، فما تضمّنه تلك النصوص لا ينافي وجوب ستر الوجه عليها، سيّما بما لايمسّ الوجه، مع أنّه لو دلّ على شيء، فإنّما هو عدم وجوب السَّتر لا جواز النظر.

ومنها: خبر جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام المتضمّن لدخول جابر الأنصاري مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيت فاطمة عليها السلام ورؤيته مصفرّة الوجه، ثمّ رؤيته بعد دعاء النبيّ صلى الله عليه و آله وجهها كأنّ الدّم ينحدر من قصاصها حتّى عاد وجهها محمرّة(3).3.

ص: 154


1- وسائل الشيعة: ج 2/522-526 باب 22 من أبواب غسل الميّت كتاب الطهارة.
2- صفحة 149 وما بعدها من هذا المجلّد. (3و4) وسائل الشيعة: ج 12/493-495 باب 48 من أبواب تروك الإحرام كتاب الحجّ .
3- الكافي: ج 5/528 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/215 ح 25463.

وفيه: أنّه من البديهي أنّ فاطمة عليه السلام التي قالت للنبيّ صلى الله عليه و آله: «خير النساء أن لايرينَ الرّجال ولا يراهنّ الرّجال»(1)، لم تكن كاشفة عن وجهها بمحضرٍ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجابر ينظر إليها، فيتعيّن طرح الخبر أو تأويله، مع أنّه ضعيف السند لعمرو بن شمر(2).

فتحصّل: أنّه لا دليل على جواز النظر إلى الوجه والكفّين.

نعم، بعض ما تقدّم يدلّ على عدم وجوب ستر الوجه والكفّين عليها.

وقد استدلّ للمنع بوجوه:

أحدها: إطلاق آية الغَضّ (3).

أقول: وفيه تأمّل يظهر وجهه ممّا قدّمناه.

ثانيها: إطلاق قوله تعالى : (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) (4).

وفيه: أنّه يقيّد بما دلّ على جواز إبداء الوجه والكفّين.

ثالثها: ما عن «كنز العرفان» من إطباق الفقهاء على أنّ بدَن المرأة عورة إلّاعلى مثل الزوج والمحارم(3).

وفيه: أنّه مع هذا الخلاف العظيم، كيف يُعتمد على مثل هذه الدعوى .

رابعها: استمرار سيرة المتديّنين على السَّتر.

وفيه: أنّه أعمّ من الوجوب، مع أنّه قد مرَّ ما دلّ على جواز الابدّاء.2.

ص: 155


1- وسائل الشيعة: ج 20/229-231 باب 127 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- رجال النجاشي: ص 387 رقم 765 قوله (ضعيف جدّاً). (3و4) سورة النور: الآية 31.
3- كنز العرفان: ج 2/222.

خامسها: النصوص المتضمّنة للذّم على النظر، وأنّه سهمٌ من سهام ابليس، وإنّ زنا العين النظر(1) ونحو ذلك من التعبيرات.

وفيه: إنّ هذه النصوص ناظرة إلى ما يترتّب على النظر من الأثر المحرّم، ولا تكون متعرّضة لما يجوز النظر إليه وما لايجوز، فيختصّ بالنظر بشهوة.

سادسها: مكاتبة الصفّار إلى أبي محمّد عليه السلام: «في رجلٍ أراد أن يشهد على امرأةٍ ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها وهو من وراء السّتر يسمع كلامها، إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي شهدك وهذا كلامها، أو لا يجوز له الشهادة حتّى تَبرز ويثبتها بعينها؟

فوقع عليه السلام: تتنقّب وتظهر للشهود»(2).

وفيه: إنّ الأمر بالتنقّب يُحمل على الاستحباب، بقرينة ما هو صريح في عدم وجوب الستر المتقدّم، مع أنّه يعارضه صحيح عليّ بن يقطين، المروي عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أنّه قال:

«لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة، وليست بمسفرةً إذا عُرفتْ بعينها أو حَضر من يعرفها، فأمّا إذا كانت لا تُعرف بعينها، ولا يحضر من يعرفها، فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها»(3).

سابعها: ما تضمّن أنّ المرأة الخثعميّة أتت النبيّ صلى الله عليه و آله بمنى في حجّة الوداع تسستفتيه، وكان الفضل بن العبّاس رديف رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فأخذ ينظر إليها وتنظرت.

ص: 156


1- وسائل الشيعة: ج 20/190-195 باب 104 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- التهذيب: ج 6/255 باب البيّنات ح 71.
3- وسائل الشيعة: ج 27/402 ح 34061 من أبواب الشهادات.

إليه، فصَرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجه الفضل عنها، وقال: رجلٌ شابٌ وامرأة شابّة، أخافُ أن يدخل الشيطان بينهما»(1).

وفيه: إنّه لو كان الفضل ينظر إلى وجه المرأة، وكانت مكشوفة الوجه، فهو يدلّ على جواز النظر، من جهة عدم نهيه إيّاهما عن النظر، وإنّما صرف صلى الله عليه و آله وجه الفضل عنها معلّلاً بخوف دخول الشطان الناشي من التلذّذ الحاصل من النظر، ومن جهة نظره صلى الله عليه و آله إليها، فرآها تنظر إلى الفضل، ولو كان ينظر إليها من وراء الستر، فهو أجنبيٌ عن المقام.

وبالجملة: فشيءٌ ممّا استدلّ به على المنع لا يدلّ عليه.

واستدلّ للثالث:

1 - بما تضمّن النهي عن النظرة الثانية، كالنبويّ : «لا تتبع النظرة النظرة، وليس لك - يا عليّ - إلّاأوّل نظرة»(2).

2 - وفي آخر: «أوّل نظرةٍ لك، والثانية عليه ولا لكَ ، والثالثة فيها الهلاك»(3).

3 - وخبر الكاهلي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «النظرة بعد النظرة تزرعُ في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة»(4).

ونحوها غيرها.

وفيه: إنّ هذه النصوص ما بين ما هو ضعيفُ السّند، وما يكون متضمّناً لترتّب0.

ص: 157


1- التذكرة: ج 2/573، المبسوط: ج 4/160 كتاب النكاح.
2- عيون أخبار الرّضا عليه السلام: ج 2/65 ح 285، وسائل الشيعة: ج 20/193 ح 25405.
3- الفقيه: ج 3/474 ح 4658، وسائل الشيعة: ج 20/193 ح 25402.
4- الفقيه: ج 4/18 ح 4970، وسائل الشيعة: ج 20/192 ح 25400.

الأثر المحرّم على النظرة الثانية.

فتحصّل: أنّه لا دليل على شيء من الأقوال، فالمرجع إلى الأصل المقتضي للجواز، المؤيّد بما دلّ على جواز إبداء الوجه والكفّين للمرأة، لولا ما عليه مرتكزات المتشرّعة من المنع، على وجهٍ يعدّ ارتكاب النظر عندهم من المنكرات.

وربما يقال: إنّ مقتضى عموم الآية بعد الإجماع، على أنّ المراد من (الغضّ ) ترك النظر، وهو المنع.

وفيه تأمّل: فإنّه من المحتمل أنْيكون المرادالفروج، بقرينة السياق لا العموم، مع أنّ إرادة العموم تقتضى حملها علي غَضّ النظر عن كلّ شيء، فيلزم التخصيص الأكثر.

وعليه، فالأظهر عدم وجوب سترهما عليها، وجواز النظر لولا مرتكزات المتشرّعة، فتدبّر.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن النظر للريبة والتلذّذ، وإلّا فلا إشكال في الحرمة، للإجماع(1)، والنصوص المتقدّم بعضها، بل يحرم النظر وإنْ لم يكن للتلذّذ، بل لغايةٍ اُخرى ، وحصل التلذّذ في حال النظر.

ودعوى: أنّ النظر إلى حِسان الوجوه لا ينفكّ عن التلذّذ غالباً، بمقتضى الطبيعة البشريّة المجبولة على ملائمة الحِسان، ولو حَرُم النظر مع حصول التلذّذ لوجب استثناء النظر إلى حِسان الوجوه، مع أنّ لا قائل بالفصل بينهم، وبين غيرهم.

مندفعة: بأنّ ما تقتضيه الطبيعة البشريّة هو التلذّذ غير الشهوي، والمحرّم هو الشهوي منه.6.

ص: 158


1- إيضاح الفوائد: ج 3/6.

وأمّا صحيح عليّ بن سويد، قال: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة، فيَعجبني النظر إليها؟

فقال عليه السلام: لا بأس يا عليّ إذا عرف اللّه من نيّتك الصدق، وإيّاك والزِّنا، فإنّه يمحق البركة، ويهلك الدِّين»(1).

فلا ينافي ما ذكرناه، لأنّ الظاهر منه الاضطرار إلى النظر لعلاجٍ ونحوه، فقوله:

«إذا عرف اللّه من نيّتك الصدق» أي إذا كان النظر للعلاج ونحو ذلك فلا بأس.

وتتّحد المرأة مع الرّجل في المستثنى منه إجماعاً، لعموم الآية الشريفة، بعد الإجماع على أنّ المراد من الغَضّ هو ترك النظر، وعدم الأمر بالاحتجاب لعدم وجوب السَّتر عليه، لا ينافي حرمة النظر.

وأمّا في المستثنى، وهو الوجه والكفّان لو قلنا به، فلا دليل على الاتّحاد، وإن ادّعى سيّد «الرياض» الإجماع(2) عليه.

نعم، لو قلنا بأنّ الغَضّ غير ترك النظر، فحينئذٍ لا يقوم دليل على حرمة النظر إلى وجهه وكفّيه، والأصل يقتضي الجواز، ويشهد به السِّيرة القطعيّة.

***).

ص: 159


1- التذكرة: ج 2/573، المبسوط كتاب النكاح.
2- رياض المسائل: ج 10/72 (ط. ج).

حرمة مسّ كلّ ما يَحرُمُ النظر إليه

أقول: بقي في المقام فروعٌ يقتضي المقام أن نتعرّض لها:

الفرع الأوّل: هل يحرم لمس ما يحرم النظر إليه أم لا؟ وجهان:

1 - فعن الشيخ الأعظم رحمه الله: (إذا حَرُم النظر حَرُم اللّمس قطعاً)(1).

2 - وفي «الجواهر» عَدّ حرمة لمس الأجنبيّة ممّا لا خلاف فيه(2).

ويشهد للأوّل: جملة من النصوص:

منها: ماورد في كيفيّة بيعة النساء مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله، كخبر المفضّل، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: كيف ماسح رسول اللّه صلى الله عليه و آله النساء حين بايعهنّ؟

فقال عليه السلام: دعا بمِرْكَنِهِ الذي كان يتوضّأ فيه، فصبَّ فيه ماءً ، ثمّ غَمَس فيه يده اليمنى ، فكلّما بايع واحدة منهنّ ، قال: اِغمسي يدكِ ، فتغمس كما غَمَس رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فكان هذا مماسحته إيّاهنّ »(3).

ونحوه غيره.

ومنها: ما ورد في مصافحة الأجنبيّة، كمصحّح أبي بصير، عنه عليه السلام، قال: «قلتُ له: هل يصافح الرّجل المرأة ليست بذات محرم ؟

فقال عليه السلام: لا، إلّامن وراء الثوب»(4).

ص: 160


1- كتاب النكاح: ص 68.
2- جواهر الكلام: ج 29/100.
3- الكافي: ج 5/526 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/208 ح 25447.
4- الكافي: ج 5/525 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/207 ح 25445.

وموثّق سماعة، عنه عليه السلام: «عن مصافحة الرّجل المرأة ؟

قال عليه السلام: لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّاامرأة يحرم عليه أن يتزوّجها:

اُختٌ أو بنتٌ أو عمّة أو خالة أو بنت اُختٍ أو نحوها، وأمّا المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يُصافحها إلّامن وراء الثوب، ولا يغمز كفّها»(1).

ونحوهما غيرهما.

ومورد هذه النصوص وإنْ كان المماسّة في الكفّين، إلّاأنّه يثبت الحكم في سائر الموارد بالإجماع وعدم القول بالفصل.

حكم ابتداء النساء بالسَّلام

الفرع الثاني: حَكَم جماعةٌ (2) بكراهية ابتداء النساء بالسّلام، واستدلّ له بموثّق مسعدة بن صدقة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبدأوا النساء بالسّلام، ولا تدعوهنّ إلى الطعام، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: النساء عيٌّ وعورة، فاستروا عيّهنّ بالسكوت، واستروا عوراتهم بالبيوت»(3).

وبخبر غياث عنه عليه السلام: «لا تُسلّم على المرأة»(4).

ولكن يعارضهما مصحّح رِبعي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

ص: 161


1- الكافي: ج 5/525 ح 1.
2- ذكر ذلك العديد من الفقهاء، وجعل له الحُرّ العاملي في وسائل الشيعة باباً خاص كما في: ج 20/234 باب 131 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.
3- الكافي: ج 5/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/234 ح 25516.
4- الكافي: ج 5/535 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/234 ح 25517.

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُسلِّم على النساء ويردونّ عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يُسلِّم على النساء، ويَكره أن يُسلّم على الشابة منهنّ ، ويقول: أتخوّف أن يُعجبني صوتها، فيدخل عَليَّ أكثر ممّا طلبتُ من الأجر»(1).

ودعوى : أنّه يحمل المصحّح على مختصّاته صلى الله عليه و آله، خلاف الظاهر، سيّما وهو متضمّنٌ لسلام عليٍّ عليه السلام أيضاً.

فإنْ قلت: الجمع بينهما يقتضي البناء على الكراهة، كما أفتى بها المشهور.

قلت: إنّ خبر الجواز ظاهرٌ في الاستمرار، وأنّ سيرته صلى الله عليه و آله كانت ذلك، وهذا ينافي الحمل على الكراهة، ولعلّ الجمع بالبناء على المرجوحيّة في الشّابة غير بعيدٍ، وإنْ لم يكن ذلك جمعاً عرفيّاً يتعيّن تقديم المصحّح لأرجحيّة سنده.

حكم النظر إلى العضو المُبان من الأجنبي

الفرع الثالث: ويدور البحث فيه عن أنّه:

1 - هل يجوز النظر إلى العضو المُبان من الأجنبي ؟

2 - أم لا يجوز ذلك ؟

3 - أم يفصّل بين مثل اليد والأنف واللّسان ونحوها، وبين مثل السِّن والظُّفر والشَّعر وما شاكل، فلا يجوز في القسم الأوّل، ويجوز في الثاني ؟ وجوهٌ :

وجه الأوّل: أنّ الأدلّة مختصّة بالنظر إلى الأجنبي، غير الشامل للعضو المبان منه، واستصحاب المنع الثابت حال الاتّصال لا يجري لتبدّل الموضوع.

ص: 162


1- الكافي: ج 5/535 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/234 ح 25518.

ووجه الثاني: أنّه بعد ملاحظة ما دلّ على عدم جواز النظر إلى الأجنبي بعد الموت، وأنّ الممنوع هو النظر إلى الأعضاء ولو لم يكن فيها الروح، وأنّ الممنوع هو النظر إلى كلّ عضوٍ من الأعضاء، يصبح احتمال دخل الاتّصال في غاية البُعد، فنفس ما دلّ على حرمة النظر إلى الأجنبي، يدلّ على حرمته في المقام.

ووجه الثالث: إنّ ما دلّ على حرمة النظر إلى الأجنبي وإنْ شمل العضو المبان منه، إلّاأنّه يختصّ بما يكون من أجزاء الجسم، ولا يشمل ما يكون نابتاً في الجسم الذي يحكم في حال الاتّصال بعدم جواز النظر إليه بالتبعيّة، وعليه فيجوز النظر إليه بعد الانفصال والخروج عن التبعّية.

أقول: والأقوى بحسب الأدلّة هو الأوّل، لأنّ الموضوع فيها هو الأجنبيّ غير الشامل لعضوٍ منه، والاتّصال من حيث هو لا يكون دخيلاً في الحكم، بل من حيث أنّه يوجبُ صدق الإنسان على المنظور إليه.

والاستصحاب لا يجري لا من جهة تبدّل الموضوع حتّى يقال بأنّ الاتّصال والانفضال من الحالات لا من مقوّمات الموضوع، بل لما حقّقناه في محلّه من عدم جريانه في الأحكام(1).

ولكن مع ذلك الاحتياط بترك النظر - لا سيّما إلى مثل اليد - لا ينبغي أن يُترك.

***3.

ص: 163


1- زبدة الاُصول: ج 5/353.

حكم القواعد من النساء

المسألة الخامسة: يُستثنى من عدم جواز النظر إلى الأجنبي والأجنبيّة مواضع:

منها: القواعد من النساء اللّآتي لا يرجون نكاحاً، أي قعدن من المحيض والولد، ولا يطمعن في الزواج، ويشهد به:

1 - الآية الشريفة: (وَ اَلْقَواعِدُ مِنَ اَلنِّساءِ اَللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ ) (1).

ومقتضى إطلاق الآية جواز النظر إلى جميع جَسَدها، كما هو الظاهر من عبارة الشهيد و «التذكرة»(2) وغيرهما(3)، إلّاأنّه فسّرت (ثِيابَهُنَّ ) في النصوص بالثياب الظاهرة كالجِلْباب(4).

2 - وجملة من النصوص: كمصحّح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّه قرأ: (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ ) قال عليه السلام: الخمار والجلباب.

قلت: بين يدي من كان ؟ فقال بين يدي من كان، غير متبرِّجة بزينة»(5) ونحوه حسن حريز(6).

وفي حسن محمّد بن أبي حمزة، عنه عليه السلام: «تضع الجلباب وحده»(7).

وفي صحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «ما الذي يصلح لهنّ أن يضعن من

ص: 164


1- سورة النور: الآية 60.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/574.
3- كما في جامع المقاصد: ج 12/34، الحدائق الناضرة: ج 23/64.
4- كقول الفيض الكاشاني في التفسير الصافي: ج 3/447، التفسير الأصغر: ص 856.
5- الكافي: ج 5/522 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/202 ح 25431.
6- الكافي: ج 5/522 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/203 ح 25433.
7- الكافي: ج 5/522 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/203 ح 25432.

ثيابهن ؟ قال: الجلباب»(1).

أقول: ثمّ إنّ الجميع بين الأولين والأخيرين، يقتضي البناء على كون الحصر في الأخيرين إضافيّاً بالنسبة إلى بواطن البدن، أو حملهما على الاستحباب.

فالمستفاد من هذه النصوص جواز النظر إلى ما يَستره الخِمار والجلباب، وهو الشّعر والرَّقبة وبعض الصدر والذراع.

ويشهد لجواز النظر إلى الشعر والذراع منهن: صحيح البزنطي، عن مولانا الرّضا عليه السلام: «عن الرّجل يحلّ له أن ينظر إلى شعر اُختِ امرأته ؟ فقال عليه السلام: لا، إلّاأنْ تكون من القواعد.

قلت له: اُختُ إمرأته والغريبة سواء؟ قال عليه السلام: نعم.

قلت: فمالي من النظر إليه منها؟ فقال عليه السلام: شعرها وذراعها»(2).

ولعلّ الاختصاص بالشَّعر والذراع لمزيد الاهتمام بهما، فلا ينافي مع جواز النظر إلى الرقبة وبعض الصدر، ويؤيّده خبر عليّ بن أحمد بن يونس، قال:

«ذكر الحسين أنّه كتب إليه يسأله عن حَدّ القواعد من النساء التي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها وذراعها؟ فكتب عليه السلام: من قعدن عن النكاح»(3).

النظر إلى الصبيّ والصبيّة

ومنها: الصبيّ والصبيّة، وهذا في الجملة من القطعيّات، وتنقيح القول بالبحث يتحقّق في موارد:

ص: 165


1- الكافي: ج 5/522 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/202 ح 25430.
2- قرب الإسناد: ص 160، وسائل الشيعة: ج 20/199 ح 25420.
3- التهذيب: ج 7/467 ح 79، وسائل الشيعة: ج 20/203 ح 25434.

المورد الأوّل: لا إشكال في عدم حرمة نظر الصبي والصبيّة إلى البالغين، وعدم وجوب التستّر عليهما، لعموم حديث رفع القلم(1)، ولبعض النصوص الآتية.

المورد الثاني: يجوزُ النظر إلى غير المميّز منهما، ولا يجبُ التستّر عنهما إجماعاً(2):

1 - للآية الكريمة: (أَوِ اَلطِّفْلِ اَلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ اَلنِّساءِ ) (3)، والمتيقّن منه غير المميّز.

2 - وللسيرة القطعيّة.

3 - ولجملةٍ من النصوص الواردة في الموارد المتفرّقة.

المورد الثالث: إذا كان الصبي مميّزاً:

فإنْ كان بالغاً مبلغاً يترتّب على نظره تهييج شهوته، فالظاهر أنّه لا خلاف في كونه كالبالغ في النظر، فيجب على الوليّ منعه منه، وعلى الأجنبيّة التستّر منه، بل عن «جامع المقاصد»(4) نفي الخلاف فيه بين أهل الإسلام، وكفى به بضميمة ارتكاز المتشرّعة مدركاً.

وإنْ لم يبلغ ذلك، فمقتضى صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «يؤخذ الغلام بالصّلاة وهو ابنُ سبع سنين، ولا تُغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم»(5). ونحوه صحيحه الآخر(6) عدم وجوب التستّر منه.8.

ص: 166


1- وسائل الشيعة: ج 29/90 ح 35225 و: ج 1/42-45.
2- كتاب النكاح: ص 60.
3- سورة النور: الآية 31.
4- جامع المقاصد: ج 12/38.
5- الفقيه: ج 3/436 ح 4507، وسائل الشيعة: ج 20/229 ح 25497.
6- قرب الإسناد ص 170، وسائل الشيعة: ج 20/229 ح 25498.

وكذا مقتضى الآية الشريفة: (وَ إِذا بَلَغَ اَلْأَطْفالُ مِنْكُمُ اَلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) (1) فإنّ مفهومه عدم وجوب الاستيذان لغير من بلغ الحُلُم وإنْ كان مميّزاً، بل ما ورد في صدر الآية: (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ اَلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ اَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا اَلْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ ) (2) من جهة تخصيص الاستيذان بالأوقات الثلاثة، يُشعر بعدم حرمة النظر والتطلّع فى غير تلك الأوقات، وعدم وجوب التحفظ والتستّر.

واستدلّ لوجوب التستّر منه: الآية الشريفة: (أَوِ اَلطِّفْلِ اَلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ اَلنِّساءِ ) (3) بدعوى أنّ جواز إبداء الزينة لهنّ ، عُلّق على الطفل الذى لا يظهر على العورة، أي يكون غير مميّز، فالمميّز داخلٌ في النهي عن إبداء الزينة له.

وفيه: أنّ الظهور على عورات النساء يمكن أنْ يراد به القوّة على نكاحهنّ ، ويكون كنايةً عن البلوغ، وعليه فتُحمل الآية على ذلك للصحيح المتقدّم الصريح في عدم وجوب التستّر منه ما لم يحتلم.

المورد الرابع: إذا كانت الصبيّة مميّزة، فلا يجوز النظر إليها مع ثوران الشهوة كما هو المعروف، لما تقدّم، وبدونه يجوز النظر إليها، لصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

«سألتُ أبا إبراهيم عليه السلام عن الجارية التي لم تُدرِك، متى ينبغي لها أن تُغطّي رأسها؟ قال: حتّى تحرم عليها الصَّلاة»(4).

وهو وإنْ دلّ على عدم وجوب تغطية رأسها، إلّاأنّ ذلك في جواب السؤال عمّا ينبغي لها أن تغطي رأسها ممّن ليس بينها وبينه محرم، ويدلّ بالدلالة الالتزاميّة6.

ص: 167


1- سورة النور: الآية 59.
2- سورة النور: الآية 58.
3- سورة النور: الآية 31.
4- الكافي: ج 5/533 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/228 ح 25496.

على جواز نظره إليها، ومورده وإنْ كان الرأس، إلّاأنّه يتعدّى إلى غيره لعدم القول بالفصل.

ثمّ إنّه يتعدّى عن الصبيّة إلى الصبي للأولويّة، ويحكم بجواز نظر المرأة إليه قبل البلوغ.

تقبيل الرَّجل الصبيّة

فرع: لا بأس بتقبيل الرّجل الصبيّة التي ليست له بمحرمٍ ، قبل أنْ يأتي عليها ست سنين، للأصل، والسيرة، وجملة من النصوص:

1 - صحيح الكاهلي، قال: «سأل أحمد بن النعمان أبا عبد اللّه عليه السلام عن جاريةٍ ليس بيني وبينها رحمٌ تغشاني، فأحملها واُقبّلها؟

قال: إذا أتى لها ست سنين فلا تضعها على حِجرك»(1).

2 - وخبر زرارة، عنه عليه السلام: «إذا بلغت الجارية الحُرّة ستُ سنين، فلا ينبغي لك أن تُقبّلها»(2).

3 - ومرفوع زكريّا المؤمن، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا بلغت الجارية ستُ سنين، فلا يُقبّلها الغلام، والغلام لا يقبِّل المرأة إذا جاز سبع سنين»(3).

وقريب منها مرسلا عُقبة(4) وهارون بن مسلم.(5)

ص: 168


1- الكافي: ج 5/533 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/229 ح 25499.
2- الكافي: ج 5/533 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/230 ح 25500.
3- الفقيه: ج 3/437 ح 4510، وسائل الشيعة: ج 20/230 ح 25502.
4- التهذيب: ج 7/461 ح 54، وسائل الشيعة: ج 20/230 ح 25504.
5- الكافي: ج 5/533 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/230 ح 25501.

وإنْ بَلَغت ستُ سنين، فمقتضى خبري زرارة وزكريّا والمرسلين عدم جواز تقبيلها، لكنّها ضعيفة السند:

أمّا الأوّل: فلعبد الرحمن بن يحيى .

وأمّا الثاني: فلزكريّا، مضافاً إلى رفعه.

وأمّا الأخيران: فللإرسال.

وصحيح الكاهلي لو لم يكن ظاهراً في الجواز من جهة اقتصاره عليه السلام على النهي عن الوضع على الحجر، مع أنّ السؤال كان عنه وعن التقبيل، لا يكون دالّاً على المنع.

وعليه، فالأظهر هو الجواز، نعم لا يجوز الوضع في الحجر، للصحيح.

هذا إذا لم تكن القُبلة عن شهوةٍ ، وإلّا فلا تجوز، وإنْ لم تبلغ ستّ سنينٍ ، كما يظهر وجهه ممّا أسلفناه.

النظر عند الضرورة

ومنها: ما إذا كان النظر إليها لضرورةٍ وحاجةٍ مضطرٍّ إليها كالعلاج، سواءٌ كانت الضرورة ممّا يلزم رفعه شرعاً، كما إذا كان المرض ممّا يؤدّي إلى الهلاكة لو تَركت المعالجة، أم كانت ممّا لا يلزم رفعه، كما لو لم يكن مؤدّياً إليها، وكان تحمّله شاقّاً عليها.

أقول: والوجه في ذلك في خصوص المعالجة، صحيح أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسرٌ وإمّا جرحٌ في مكانٍ لا يصلح النظر إليه، ويكون الرّجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له النظر إليها؟

ص: 169

قال عليه السلام إذا اضطرّت إليه فليعالجها إنْ شاءت»(1).

ثمّ إنّ ظاهر عبارات الأكثر كفاية الحاجة في جواز النظر، ولكن صريح الخبر اعتبار الضرورة التي هي أخصّ من الحاجة، وعليه فيجوز إذا لم يكن المماثل، لعدم صدق الضرورة مع وجوده.

وأمّا في غير مقام العلاج: فإنْ كان النظر ممّا يتوقّف عليه واجبٌ أهمّ - كحفظ النفس المحترمة - من الحرام، جاز النظر، بل وَجَب، وإلّا فلا دليل على جوازه.

ودعوى: أنّه إذا اضطرّت المرأة إلى الرّجل، وإنْ لم تكن الضرورة واجب الدفع، يشمل أدلّة رفع ما اضطرّ إليه من حديث الرفع(2)، وما دلّ على أنّ الضرورات تُبيح المحذورات للمرأة، وتوجبُ رفع الحكم عنها، وحيث إنّه متوقّفٌ عقلاً على رفعه عن الغير، فيكون دليل رفعه عن المضطرّ دالّاً بدلالة الاقتضاء على رفعه عن ذلك الغير، صوناً لكلام الحكيم عن اللّغوية، كما عن المحقّق الحائري اليزدي رحمه الله.

مندفعة: بأنّ ذلك تامٌّ إذا كان الدليل دالّاً على رفع حكم هذا المضطرّ بالخصوص، وإلّا فيحكم بعدم رفع الحكم عنه، ولا يلزم من ذلك محذورٌ.

وعليه، فالحقّ عدم الجواز حينئذٍ.

النظر لتحمُّل الشهادة

ومنها: النظر إليها لأداء الشهادة أو تحمّلها.

ومنها: النظر إلى فرج الزانيين ليشهد عليهما بالزنا.

ص: 170


1- الكافي: ج 5/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/233 ح 25512.
2- وسائل الشيعة: ج 15/369-370 باب 56 من أبواب جهاد النفس.

ومنها: النظر إلى فرجها للشهادة على الولادة.

ومنها: النظر إلى الثدي للشهادة على الولادة.

ولا دليل على جواز النظر في شيء من هذه الموارد ما لم يكن مضطرّاً إلى النظر.

وقد استدلّ على الجواز: بوجوهٍ ، بعضها عامٌ لجميع الفروض، وبعضها استدلّ به في بعض تلك الفروض:

الوجه الأوّل: الآية الشريفة: (وَ لا يَأْبَ اَلشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (1) بدعوى أنّ الآية الشريفة كما يظهر من الأخبار الواردة في تفسيرها، تدلّ على وجوب تحمّل الشهادة مع استدعاء مَنْ له الحقّ كزوج الزانية، فإذا وجبَ تحمّل الشهادة وجبَ النظر، تحصيلاً لما يتوقّف عليه تحمّل الشهادة الواجب.

وفيه أوّلاً: أنّ وجوب تحمّل الشهادة محلّ الكلام، ولعلّ مفاد الآية بعد ملاحظة مجموع النصوص، أنّ أداء الشهادة يكون واجباً فيما إذا دُعي الشاهد إلى تحمّل الشهادة.

وثانياً: أنّه وإنْ كان واجباً، إلّاأنّه إذا توقّف واجبٌ على مقدّمة محرّمة، لا تصير تلك جائزة أو واجبة، ما لم يثبت أهميّة الواجب، بل يسقط الوجوب، وفي المقام بما أنّه لم يثبت أهميّته يسقط وجوبه.

أقول: ولكن الإنصاف أنّ منع دلالة الآية على وجوب تحمّل الشهادة بعد ملاحظة النصوص، كصحيح هشام المتضمّن أنّ هذه الآية قبل الشهادة، وآية (وَ لا تَكْتُمُوا) (2) بعدها(3)، في غير محلّه.5.

ص: 171


1- سورة البقرة: الآية 282.
2- سورة البقرة: الآية 283.
3- وسائل الشيعة: ج 27/309 ح 33805.

ولا مجال له، كما أنّ منع سقوط الحرمة فاسدٌ، إذ لو سُلّم عدم أهميّة الواجب، فإنّه لا إشكال في عدم ثبوت أهميّة حرمة النظر، وعليه فيتساقطان معاً، فيكون جائزاً، بل يمكن دعوى أهميّة الوجوب من جهة الوجوه الآتية، فانتظر.

الوجه الثاني: أنّ ذلك وسيلة إلى إقامة حدود اللّه.

وفيه: أنّ وجوب إقامة الحدود بمعنى وجوب ما يثبت به موضوعها، ممّا لم يدلّ عليه دليل، بل الثابت هو وجوبها عند اجتماع الشرائط التي منها ثبوت ما يجبُ عنده إقامة الحَدّ من الزّنا ونحوه.

الوجه الثالث: أنّ في ذلك المنع من الفساد، واجتراء النفوس على ارتكاب هذا المحرّم، وانسداد باب ركنٍ من أركان الشرع.

وفيه: إنّ جعل ذلك كاشفاً عن أهميّة وجوب تحمّل الشهادة من حرمة النظر متينٌ ، وأمّا جعله دليلاً مستقلّاً فلا يتمّ ، كما يظهر ممّا أسلفناه.

الوجه الرابع: أنّه لولا جواز النظر لم تُسمع الشهادة بالزِّنا، لتوقّف تحمّلها على الإقدام على النظر المحرّم في نفسه وإدامته، لاستعلام الحال، بحيث يُشاهد الميل في المكحلة، وإيقاف الشهادة على التوبة يحتاج إلى زمانٍ يعلم منه العَزم على عدم المعاودة، فيعود المحذور السابق.

الوجه الخامس: استقرار السيرة على عدم استنكار ذلك على الشاهد، فتدبّر.

واللّه العالم.

***

ص: 172

نظر الخِصيّ إلى الأجنبيّة

المسألة السادسة: المشهور بين الأصحاب عدم جواز نظر الخصيّ إلى غير مالكته، وفي «الشرائع»: (قيل نعم)(1)، ولكن صاحب «الجواهر» رحمه الله صرّح بعدم العثور على قائله(2).

وكيف كان، فقد استدلّ للجواز، بالآية الشريفة: (أَوِ اَلتّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ مِنَ اَلرِّجالِ ) (3).

وفي «الجواهر»: (وقد ظهر من ذلك أنّ المراد ب (غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ ) من لا يشتهي النكاح لكِبر سنٍّ ونحوه، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو نكاحاً ولا تطمع فيه)(4).

أقول: اختلفت كلمات الأصحاب في تفسير (غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ ) :

فقيل: هو التابع الذي يتبعك لينال من طعامك، ولا حاجة له في النساء، وهو الأبله المولّى عليه، عن ابن عبّاس وقتادة وغيرهما(5).

وقيل: هو العنّين الذي لا إرب له في النساء لعجزه، عن عِكْرمة والشِّعبي(6).

وقيل: إنّه الخِصيّ المجبوب، الذي لا رغبة له في النساء، عن الشافعي(7).

ص: 173


1- شرائع الإسلام: ج 2/497.
2- جواهر الكلام: ج 29/90.
3- سورة النور: الآية 31.
4- جواهر الكلام: ج 29/95-96.
5- التبيان: ج 7/430، فقه القران: ج 2/129، الدّر المنثور: ج 5/43.
6- التبيان: ج 7/430، مجمع البيان: ج 7/242.
7- مجمع البيان: ج 7/242.

وقيل: إنّه الشيخ الهَرمّ لذهاب إربه، عن بُريد بن أبي حبيب(1).

وقيل: العبد الصغير، عن أبي حنيفة(2).

وقيل غير ذلك.

والذي يظهر من الآية الشريفة، بعد ملاحظة ما ورد في ذيلها من قوله تعالى :

(أَوِ اَلطِّفْلِ اَلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ اَلنِّساءِ ) (1) اعتبار أُمور ثلاثة:

1 - كونه تابعاً.

2 - وغير محتاجٍ إلى النساء.

3 - وعدم الظهور على عورات النساء، أي غير المميّز لذلك.

وهذا ينطبق على الأبله المولّى عليه، الذي لا تعلّق له ولا توجّه له إلى النساء، وقد وردت النصوص عن الإمام الصادق عليه السلام التي هي ما بين صحيحٍ وموثّق، تفسيره: «بالأحمق المولّى عليه الذي لا يأتي النساء»(2).

وعليه، فهو لا يشمل الخِصيّ ، ولا الشيخ الكبير، ولا العنّين، ولا المجبوب.

وأمّا ما أرسله في «كنز العرفان» عن الإمام الكاظم عليه السلام من تفسيره الآية ب «الشيخ الذي سقطت شهوته»(3) فلإرساله لا يُعتمد عليه.

وربما يستدلّ للجواز: بصحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال:

«سألتُ أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن قناع الحرائر من الخصيّان ؟ فقال عليه السلام: كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن عليه السلام ولا يتقنعنّ .3.

ص: 174


1- سورة النور: الآية 31.
2- وسائل الشيعة: ج 20/204-205 باب 111 من أبواب مقدّمات النكاح.
3- كنز العرفان: ج 2/.223.

قلت: فكانوا أحراراً؟ قال عليه السلام: لا.

قلت: فالأحرار يتقنّع منهم ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

ولكن يعارضه موثّق - أو حسن - محمّد بن إسحاق، قال:

«سألتُ أبا الحسن موسى عليه السلام، قلت: يكون للرّجال الخِصيّ يدخلُ على نسائه فيناولهم الوضوء، فيرى شعورهنّ؟ قال: عليه السلام: لا»(2).

وقريب منه غيره.

ودعوى: أنّ الجمع عرفي بين الطائفتين يقتضى حمل الأخيرة على الكراهة.

مندفعة: بأنّ الضابط في كون الجمع عرفيّاً فرض الخبرين صادرين من شخصٍ واحد في مجلس واحد، فإنْ رأى أهل العرف أحدهما قرينةً على الآخر - كما في افعل، ولا بأس بتركه - فالجمع عرفي، وإنْ رأوهما متهافتين، فلا يكون الجمع عرفيّاً.

وفي المقام لو جمعنا قوله عليه السلام: «لا» في جواب لزوم القناع، مع قوله عليه السلام: «لا» في جواز النظر، يرى أهل العرف التهافت بينهما، ولا يرون أحدهما قرينةً على الآخر، ولذلك لا يمكن عَدّ هذا الجمع عرفيّاً.

نعم، يمكن أنْ يقال إنّ الأُولى تدلّ على عدم وجوب التستّر، والثانية تدلّ على عدم جواز النظر، فلا تعارض بينهما.

ولكن لاعراض الأصحاب عن الأُولى، لا يمكن العمل بها، ويتعيّن طرحها أو حملها على التقيّة، ويشير إلى الثاني الخبر الذي رواه صالح بن عبد اللّه الخثعمي، عن6.

ص: 175


1- الكافي: ج 5/532 ح 3، وسائل الشيعة: ج 220/226 ح 25487.
2- الكافي: ج 5/532 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/226 ح 25486.

أبي الحسن عليه السلام، قال:

«كتبتُ إليه اسأله عن خصيّ لي في سنّ رجلٍ مُدْرِك، يحلّ للمرأة أن يراها، وتنكشف بين يديه ؟

قال: فلم يجبني فيها»(1).

وعليه، فالأظهر عدم جواز النظر ووجوب تستّرهنّ منه.

***2.

ص: 176


1- قرب الإسناد: ص 125، وسائل الشيعة: ج 20/227 ح 25492.

سماع صوت الأجنبيّة

المسألة السابعة: ذهب جماعةٌ - منهم المصنّف رحمه الله(1) والمحقّق(2) - إلى حرمة سماع صوت الأجنبيّة، وإنْ لم يكن فيه تلذّذ ولا ريبة، بل نُسب ذلك إلى المشهور(3)، واستدلّ له:

1 - بما ورد «أنّ صوتها عورة»، وعن «كشف اللّثام»(4) وغيره(5) الاتّفاق على ذلك.

2 - وبموثّق مسعدة بن صدقة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبدأوا النساء بالسّلام، ولا تدعوهنّ إلى الطعام، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: النساء عَيٌّ وعورة، فاستروا عيّهنّ بالسّكوت، واستروا عورتهنّ بالبيوت»(6).

3 - وبما تضمّن النهي عن السلام على المرأة، كخبرغياث، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا تُسلّم على المرأة»(7).

4 - وبما يظهر منه المفروغيّة من حرمة الجهر عليها بالقراءة، مع سماع الأجانب، وبدونه مخيّرة في ذلك.

ص: 177


1- قواعد الأحكام: ج 3/7.
2- شرائع الإسلام: ج 2/496.
3- الحدائق الناضرة: ج 23/66.
4- كشف اللّثام: ج 7/29 (ط. ج)، ولم يذكر الاتّفاق على ذلك.
5- كما في رياض المسائل: ج 10/74 (ط. ج)، كتاب النكاح للأنصاري: ص 66.
6- الكافي: ج 5/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/234 ح 25516.
7- الكافي: ج 5/535 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/234 ح 25517.

5 - وبما دلّ على النهي عن جهرها بالتلبية(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلعدم ثبوته، ولذلك قال صاحب «كشف اللّثام»: (لا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسنداً، وإنّما رواه المصنّف في المدنيّات الأُولى مرسلاً، ونفقات «المبسوط»(2) تُعطى العدم)(3)، انتهى .

مع أنّ حرمة سماعه على فرض كونه عورة، غير ظاهر الدليل.

وأمّا الثاني: فلأنّه يدلّ على أنّ النساء عاجزات عن التكلّم بما ينبغي في أكثر المواطن، فينبغي السعي في سكوتهنّ ، فهو أجنبيٌ عن المقام.

وأمّا الثالث: فلما تقدّم(4) من عدم حرمة ابتداء النساء بالسّلام.

وأمّا الرابع: فلأنّه لا دليل على حرمة الجهر عليها، سوى بعض هذه الوجوه التي عرفت حالها.

وأمّا الخامس: فلأنّه يدلّ على أنّ الإجهار بالتلبية الواجب أو المندوب على الرجال - على اختلاف القوالين - مرفوع عن النساء، ولا يدلّ على حرمته.

فإذاً لا دليل على حرمته، والأصل يقتضي الجواز، أضف إليه ما دلّ على تكلّم الرجال مع النساء في مجالس المعصومين عليهم السلام، بل تكلمهم عليهم السلام مع النساء، وتكلّم الصدِّيقة الطاهرة عليها السلام مع جملةٍ من الأصحاب، وخروجها للمخاصمة - في قضيّة).

ص: 178


1- وسائل الشيعة: ج 12/379-380 باب 38 من أبواب الإحرام من كتاب الحجّ .
2- المبسوط: ج 6/3.
3- كشف اللّثام: ج 7/29 (ط. ج).
4- تقدّم ص 188، (حكم ابتداء النساء بالسلام).

غصب فدك منها - إلى المسجد وفيه جماعة من الصحابة، وخطبتها الطويلة مشهورة عند الفريقين(1)، وسلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام على النساء وجوابهنّ لهما(2)، إلى غير ذلك ممّا يقطع معه الإنسان بجواز ذلك.

قال صاحب «الجواهر»: (بل ينبغي ترك ما زاد على خمس كلمات، لخبر المناهي، قال: «ونهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها أم غير ذي محرمٍ منها أكثر من خمس كلمات ممّا لابدّها منه»(3) المحمول على الكراهة)(4).

وفيه: أنّه ضعيف السند(5) لا يُعتمد عليه، سيّما مع التقييد فيه بالضرورة، فإنّه معها لاكراهة في التكلّم قطعاً، كما يظهر من ملاحظة خُطَب الصدِّيقة عليها السلام وبناتها.

وقال صاحب «العروة»(6): (ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهيّيج للسامع بتحسينه وترقيقه، قال تعالي : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) )(7).

وفيه: إنّ الآية الشريفة صدراً وذيلاً مختصّة بنساءالنبيّ صلى الله عليه و آله، ولا تشمل غيرهنّ .

نعم، مقتضى الاتكاز بالتقريب المتقدّم الحرمة في هذا الفرض أيضاً.

***2.

ص: 179


1- راجع ابن أبي الحديد: ج 16/211، النَّص والاجتهاد: ص 117، الاحتجاج والشافي وكشف الغمّة وغيرها.
2- الكافي: ج 5/535 ح 3، مشكاة الأنوار: ص 197، وسائل الشيعة: ج 20/234، المستدرك: ج 14/290 ح 16745.
3- الفقيه: ج 4/3 ح 4968، وسائل الشيعة: ج 20/211 ح 25455.
4- جواهر الكلام: ج 29/99.
5- لجهالة شعيب بن واقد الذي أسند الصدوق الحديث إليه إضافة إلى وجود مجهول آخر في الطريق إلى شعيب هو عبد العزيز بن محمّد.
6- العروة الوثقى: ج 5/490 (ط. ج).
7- سورة الأحزاب: الآية 32.

الفصل الثاني: في الأولياء:

إنّما الولاية للأب وإنْ علا، والوصيّ والحاكم.

أولياء العقد

(الفصل الثاني: في الأولياء):

(إنّما الولاية للأب وإنْ علا، والوصيّ ، والحاكم)، والمولى، ولا ولاية لغير هؤلاء.

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في مواضع:

الموضع الأوّل: لا ولاية لغير من ذُكر على المشهور شهرةً عظيمة، وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه في غير الاُمّ وآبائها)(1).

ويشهد له: - مضافاً إلى الأصل - صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في الصبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟

فقال: إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم»(2).

فإنّ مفهومه نفي الولاية عن غير الأب.

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر.

وقال: يستأمرها كلّ أحدٍ ما عدا الأب»(3).

ص: 180


1- جواهر الكلام: ج 29/170.
2- التهذيب: ج 7/388 ح 32، وسائل الشيعة: ج 20/292 ح 25657.
3- الكافي: ج 5/393 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25611.

ونحوه غيره التي استدلّ بها سيّد «الرياض»(1)، فهي مختصّة بالبالغة، وأجنبيّة عن المقام.

أقول: ويشهد له في بعض الموارد صحيح محمّد بن الحسن الأشعري، قال:

«كتبَ بعض بني عمّي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:

ما تقولُ في صبيّةٍ زوّجها عمّها، فلمّا كَبُرت أبتِ التزويج ؟

قال: فكتبَ عليه السلام إليّ : لا تكره على ذلك والأمر أمرها»(2).

وأمّا الخبر الصحيح الذي رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الذى بيده عقدة النكاح ؟ قال عليه السلام: هو الأب والأخ والرّجل يوصى إليه»(3).

فلإعراض الأصحاب عنه لا يُعتمد عليه.

وعن ابن الجُنيد(4) ثبوت الولاية للاُمّ وآبائها، واستدلّ له:

1 - بأنّ رسول اللّه أمر نعيم بن النجاح أن يستأمر اُمّ ابنته في أمرها، وقال:

«واتمروهنّ في بناتهنّ »(5).

2 - وبموثّق إبراهيم بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا كانت الجارية بين أبويها، فليس لها مع أبويها أمرٌ، وإذا كانت قد تزوّجت لم يزوّجها إلّابرضاً منها»(6).9.

ص: 181


1- رياض المسائل: ج 10/88 (ط. ج).
2- الكافي: ج 5/394 ح 7، وسائل الشيعة: ج 20/276 ح 25619.
3- التهذيب: ج 7/393 ح 49، وسائل الشيعة: ج 20/283 ح 25634.
4- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/107.
5- الخبر غير موجود في كتب الحديث من طرقنا، وإنّما ذكره في «الحدائق» و «الجواهر» وغيرهما نقلاً عن كتب العامّة مرسلاً، كسنن البيهقي: ج 7/115-116.
6- التهذيب: ج 7/380 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/284 ح 25639.

فالأبُ على الصغيرين،

ولكن يرد على الأوّل: - مضافاً إلى ضعف ما تضمّنه، وإلى مخالفته للإجماع، وأخصيّته عن المدّعى لاختصاصه بالاُمّ - أنّه لا يدلّ على الولاية.

ويرد على الموثّق: أنّه لا يدلّ على ثبوت الولاية للأبوين، بل ينفي الولاية عن نفسها مع أبويها، وهذا يلائم كون الولاية لخصوص الأب، كما في الخبر الصحيح المرويّ عن أحدهما عليه السلام:

«لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمرٌ.

وقال: يستأمرها كلّ أحدٍ ما عدا الأب»(1).

مع أنّه مع المحتمل أنْ يكون المراد بالأبوين الأب والجدّ.

أقول: وقد يستدلّ لولاية الجَدّ الاُمّي - أي أب الاُمّ - بما تضمّن من النصوص لولاية الجَدّ(2) بدعوى شموله له، ولكن أكثر تلك النصوص واردة لبيان حكم تزاحم الأب والجَدّ، وجملةٌ منها مختصّة بالجَدّ للأب، لما فيها من التمسّك بقول النبيّ صلى الله عليه و آله:

«أنتَ ومالُكَ لأبيك»، وبعضها الوارد في بيان هذا الحكم غير المذيّل بقوله صلى الله عليه و آله، ولا يبعد دعوى انصرافه إلى الجَدّ الأبي، وسيأتي زيادة توضيح لذلك لاحقاً.

ولاية الأب والجَدّ على الصغيرين

الموضع الثاني: بعدما عرفت من انحصار الولاية في من ذُكر، (ف) اعلم أنّ (الأب) والمراد به من يعمّ الجَدّ له الولاية (على الصغيرين) أي الصبي والصبيّة،

ص: 182


1- الكافي: ج 5/393 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25611.
2- وسائل الشيعة: ج 20/275-279 و ص 289-291 باب 6 و 11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

بلاخلافٍ فيه في الجملة، بل هو من القضاياالثابتة، ويشهد لذلك نصوصٌ مستفيضة:

منها: صحيح الفضل بن عبد الملك، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال عليه السلام: لا بأس.

قلت: يجوز طلاق الأب ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن الصَّلت، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، لها أمرٌ إذا بلغت ؟

قال عليه السلام: لا، ليس لها مع أبيها أمر»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما، قال عليه السلام: «إذا زوّج الرّجل ابنه فهو جائزٌ على ابنه»(3).

ومنها: صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا زوّج الأب والجَدّ كان التزويج للأوّل، فإنْ كانا جميعاً في حال واحدة، فالجَدّ أولى »(4).

ونحوها غيرها.

وعليه، فما عن ابن أبي عقيل(5) من عدم الولاية للجَدّ، مستنداً إلى بعض النصوص، المشتمل على الحصر بالإضافة إلى الأب، ضعيفٌ ، لأنّه يقيّد مفهومه بما دلّ على ثبوت الولاية للجَدّ.

أقول: والظاهر أنّه لا خلاف في أنّ الجَدّ وإنْ علا يشارك الأب في الولاية،0.

ص: 183


1- الكافي: ج 5/400 ح 1، وسائل الشيعة: ج 22/80 ح 28074.
2- الكافي: ج 5/394 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/276 ح 25620.
3- الكافي: ج 5/395 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25649.
4- الكافي: ج 5/395 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25651.
5- كما حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/100.

وقد استدلّ لذلك بما في نصوص ولاية الجَدّ من التعليل بأنّ الجارية وأباها للجَدّ(1)، وقد استشهد به الإمام أبو عبد اللّه عليه السلام، على ما في حسن عُبيد بن زرارة لمضيّ نكاح الجَدّ بدون إذن الأب، ردّاً على من أنكر ذلك وحكم ببطلانه من العامّة في مجلس بعض الأُمراء(2).

وفيه: أنّ الولاية لا تُستفاد من هذه الجملة، كي يتعدّى إلى الجَدّ الأعلى ، إذ اللّام في التعليل ليست للمِلْك، لعدم مملوكيّة رقبة الولد لأحدٍ، كما أنّ هذا التعليل موجودٌ في الأموال أيضاً، وليس ماله المفروض مملوكاً له مِلْكاً لأبيه، وكذا لا ينبغي التوقّف في عدم كونها للاختصاص بعنوان كونها وأبيها تحت ولايته، فإنّه لا ولاية للجَدّ على الأب، بل المراد بها أنّ الولد موهوبٌ تكويناً للأب، ومنتسبٌ إليه بكونه ولده، ويؤيّده المكاتبة الواردة عن الإمام الرّضا عليه السلام، حيث قال:

«وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه، وليس ذاك للولد، لأنّ الولد موهوبٌ للوالد في قوله عزّ وجلّ .. الخ»(3). وعليه، فهي حكمة التشريع.

وبعبارة اُخرى : أنّها علّة التحليل في مقام الثبوت لا الإثبات، وتدلّ على أنّ منشأ جعل تلك الآثار ذلك، ولا تكون هي متكفّلة لبيان حكم جعلي، ولذلك لا يصحّ التمسّك بإطلاقها.

وأيضاً: ربما يستدلّ له بإطلاق نصوص ولاية الجَدّ.

وفيه: إنّ أكثرها واردة في مزاحمة الأب للجَدّ، وجملةٌ منها صريحة أو ظاهرة في الجَدّ الأدنى .7.

ص: 184


1- وسائل الشيعة: ج 20/289-291 باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
2- قرب الإسناد: ص 119.
3- علل الشرايع: ج 2/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 17/266 ح 22487.

نعم، موثّق عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجلٍ ، ويريد جَدّها أن يزوّجها من رجلٍ آخر؟

فقال عليه السلام: الجَدّ أولى بذلك، ما لم يكن مضارّاً إنْ لم يكن الأب زوّجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجَدّ»(1) مطلقٌ ، ولا يبعد دعوى انصرافه إلى الأدنى ، والمسألة محتاجة إلى تأمّل أزيد.

لا يشترط ولاية الجَدّ بحياة الأب ولا بموته

أقول: نُسب إلى المشهور(2) بين القدماء أنّ ولاية الجَدّ مشروطة بحياة الأب، فلو فُقد الأب وبقي الجَدّ لا ولاية له، واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: ما عن الفاضل الهندي في «كشف اللّثام»، وهو أنّ الأدلّة من الطرفين ضعيفة، والأصل عدم الولاية إلّافيما أجمع عليه، وهو عند حياة الأب(3).

وفيه: ما تقدّم من أنّ بعض نصوص ولاية الجَدّ مطلق، وسنده قويّ .

الوجه الثاني: موثّق الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ الجَدّ إذا زوّج ابنة إبنه، وكان أبوها حيّاً، وكان الجَدّ مرضيّاً، جاز»(4) بدعوى أنّ مفهومه عدم الجواز مع عدم حياة أبيها.

وفيه: إنّ الشرط الوارد فيه المسوق لبيان تحقّق الموضوع والوصف، لا مفهوم

ص: 185


1- الكافي: ج 5/395 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25650.
2- كالشيخ في النهاية: ص 465-466، الحلبي في الكافي: ص 292، ابن الجنيد كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/100، ابن البرّاج في المهذّب: ج 2/197.
3- كشف اللّثام: ج 7/60 (ط. ج).
4- الكافي: ج 5/396 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/290 ح 25652.

له، ولعلّ فائدة ذكر الوصف للرّد على العامّة القائلين باشتراط ولاية الجَدّ بموت الأب.

وعليه، فالحقّ عدم اشتراطها بتلك، لإطلاق الخبر، وأمّا ما في «الجواهر» من حمل القيد على إرادة بيان الجواز في هذه الحال، فضلاً عن حال موت الأب، مع تسليم كون الشرط ممّا له مفهومٌ في نفسه(1)، فغير وجيه.

أقول: وربما يستدلّ على ثبوت الولاية له مع فقد الأب بوجهين آخرين:

أحدهما: الاستصحاب في بعض الأفراد.

وفيه: أنّ المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام.

ثانيهما: أنّ الجَدّ له ولاية المال إجماعاً(2)، فيثبت له ولاية النكاح كالأب:

1 - للخبر الوارد في تفسير قوله تعالى : (اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) (3)، حيث عَدّ من أفراده مَنْ يجوز أمره في مال المرأة، فيبتاع لها ويشتري(4).

2 - ولصحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام وفيه أيضاً، قال: «هو وليّ أمرها»(5) ولا خلاف في أنّ الجَدّ وليّ أمر الصغيرة في الجملة.

أقول: إنْ كان الاستدلال بإطلاق هده الأدلّة فمتينٌ ، وإلّا فلا صراحة في شيء منها في ثبوت الولاية مع فَقْد الأب.

فرع: ثمّ إنّه مع فَقْد الأب، هل الولاية مختصّة بالجَدّ الأدنى ، أم تكون ثابتة لأبيه أيضاً؟ قولان.2.

ص: 186


1- جواهر الكلام: ج 29/171.
2- مسالك الأفهام: ج 7/117.
3- سورة البقرة: الآية 237.
4- التهذيب: ج 7/393 ح 49، وسائل الشيعة: ج 20/283 ح 25634.
5- التهذيب: ج 7/392 ح 46، وسائل الشيعة: ج 20/282 ح 25632.

استدلّ للأوّل: بقوله تعالى : (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (1).

بتقريب: أنّها تدلّ على أنّ القريب أولى بقريبه من البعيد، فنَفَت ولاية البعيد، وخرج منها الجَدّ مع الأب وبقي الباقي.

وفيه أوّلاً: إنّ هذه الآية مختصّة بباب الإرث.

وثانياً: إنّها تدلّ على أولويّة بعض الأرحام من بعض، ولا تدلّ على تعيين البعض الأولى، ولعلّه البعض البعيد، بل احتمال كونه أولى وأرجح من جهة ما في النصوص من التعليلات.

واستدلّ للثاني: بإطلاق الأدلّة وبالاستصحاب.

ويرد على الأوّل: ما تقدّم من عدم الدليل على ولاية الجَدّ الأعلى .

وعلى الثاني: ما تكرّر منّا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة.

اعتبار عدم المفسدة في تزويج الصغيرين

المشهور بين الأصحاب - على ما نُسب إليهم(2) - اعتبار عدم المفسدة في صحّة تزويج الأب والجَدّ، واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: الآية الكريمة: (وَ لا تَقْرَبُوا مالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (3).

بتقريب: أنّ هذه الآية الشريفة تشمل الجَدّ، ويتمّ الأمر في الأب بعدم الفصل، وبرغم أنّها واردة في الأموال، إلّاأنّه يتعدّى عن موردها إلى المقام، لعدم القول بالفصل.

ص: 187


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- مستند الشيعة: ج 16/167 قوله: (الظاهر وجوب مراعاة الوليّ عدم المفسدة في النكاح لظاهر الإجماع).
3- سورة الأنعام: الآية 152.

وفيه أوّلاً: أنّ شمولها للجَدّ محلّ تأمّل، لأنّ من له جَدٌّ لا يصدق عليه اليتيم.

وثانياً: أنّ عدم الفصل من الجهتين غيرُ ثابت.

الوجه الثاني: أنّ جملةً من النصوص تقيّد تصرّف الوليّ الإجباري في المال:

1 - بصورة الحاجة كالخبر الذي رواه الحسين بن أبي العلا(1).

2 - أو بأن لا يكون فيه سَرفٌ ، كصحيح محمّد بن مسلم(2).

3 - أو كونه ممّا لابدّ منه، معلّلاً بأنّ اللّه لا يُحبّ الفساد كصحيح الثمالي(3)، ويتعدّى عنه إلى المقام.

وفيه: أنّها في مقام بيان مورد جواز أخذ الأب لنفسه مع الحاجة، وهذا غير مربوطٍ بتصرّفه فيه بعنوان الولاية، الذي هو محلّ الكلام في المقام.

الوجه الثالث: موثّق عبيد بن زرارة، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل، ويريد جَدّها أن يزوّجها من رجلٍ آخر؟

فقال عليه السلام: الجَدّ أولى بذلك، ما لم يكن مضارّاً، إنْ لم يكن الأب زوّجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجَدّ»(4).

وهو إنْ كان في الجَدّ إلّاأنّه يتعدّى عنه إلى الأب، لعدم القول بالفصل، وبه يقيّد إطلاق النصوص الذي استدلّ به لعدم الاعتبار، وعليه فالأظهر اعتبار ذلك.

فرع: وهل يعتبر وجود المصلحة في إقدامهما على التزويج أم لا؟0.

ص: 188


1- الكافي: ج 5/136 ح 6، وسائل الشيعة: ج 17/265 ح 22486.
2- التهذيب: ج 6/343 ح 82، وسائل الشيعة: ج 17/262 ح 22479.
3- التهذيب: ج 6/343 ح 83، وسائل الشيعة: ج 17/262 ح 22479.
4- الكافي: ج 5/395 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25650.

أقول: ظاهر «المسالك»(1) أنّ المشهور بين الأصحاب عدم اعتباره، واستدلّ للاعتبار:

1 - بالآية الشريفة المتقدّمة، بدعوى أنّ الأحسن ما فيه المصلحة، وهي وإنْ لم تشمل الأب، ولكنّها تشمل الجَدّ، وتثبت في الأب لعدم القول بالفصل، ثمّ إنّه إذا ثبت ذلك في الأموال يتعدّى عنها إلى المقام.

2 - وبالأصل، فإنّه إذا لم يكن لأدلّة الولاية إطلاقٌ ، لابدّ من الاقتصار على المتيقّن، وهو الولاية على التصرّف الذي فيه المصلحة، والرجوع في غير ذلك إلى أصالة عدم ثبوت الولاية، أو عدم نفوذ التصرّف.

ولكن يرد على الأوّل أوّلاً: أنّه لا يصدق اليتيم على من له الجَدّ.

وثانياً: أنّ المراد بأحسن الحَسَن، والفعل الذي لا مفسدة فيه حَسنٌ .

وثالثاً: أنّ الآية منصرفة إلى الأجانب، والخطاب فيها لا يشمل الجَدّ.

ورابعاً: أنّ عدم الفصل غير مُحرز.

وخامساً: أنّه لو ثبت ذلك في التصرّف في المال، لا وجه للتعدّي منه إلى المقام، مع أنّ الأكثر على الفصل.

ويرد على الثاني: أنّ مقتضى الإطلاق عدم الاعتبار، أضف إليه بناء العقلاء فإنّ بنائهم على ثبوت الولاية مع عدم المفسدة، ولم يردع الشارع الأقدس عنه.

عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب

فرع آخر: هل تعتبر في ولاية الأب والجَدّ العدالة، أم لا كما هو المشهور بين الأصحاب ؟ وجهان:

ص: 189


1- مسالك الأفهام: ج 7/118.

قد استدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه ولايةٌ على من لا يَدفع عن نفسه، ولا يعرب عن حاله، ويستحيل من حِكمة الصانع جعل الفاسق أميناً تُقبل إقراراته وإخباراته عن الغير.

وفيه: إنّ المنافي للحكمة جَعل من لا يُبالي بالخيانة وليّاً مطلقاً، فإذا فرضنا تحديد الولاية بالنكاح الذي لا مفسدة فيه، لا منافاة هناك، مع أنّ الأب مأمونٌ من ذلك بملاحظة شفقته على بنته ورأفته عليها عادةً .

الوجه الثاني: آية الركون إلى الظالم، قال اللّه عزّ وجلّ : (وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّارُ) (1).

وتقريب الاستدلال به: أحد وجيهن:

أحدهما: إنّ جعله تعالى الفاسق أميناً ووليّاً ركونٌ منه إلى الظالم، مع أنّه نهي عن ذلك.

ثانيهما: إنّ العقد مع الأب بعنوان أنّه وليُّ الطفل ركونٌ إليه، وهو منهيٌ عنه.

أقول: وفي كليهما نظرٌ:

أمّا الأوّل: فلأنّ مجرّد جعله أميناً ووليّاً كجعل شخصٍ وكيلاً ليس ركوناً إليه، مع أنّ الملاك غير معلوم، ولعلّ لركون العبد مفسدة غير موجودة في ركون المولى.

وأمّا الثاني: فلأنّ العقد مع الأب بعنوان أنّ اللّه تعالى جَعله وليّاً ليس ركوناً من العبد إليه، فإنّه كالعقد معه بما أنّه مالك أو وكيلٌ ، مع أنّ الظالم أخصّ من الفاسق، أضف إلى ذلك كلّه ما قيل من ورود الآية في حقّ سلاطين الجور، وأنّ المراد بالركون الدُّعاء لهم بالبقاء(2).8.

ص: 190


1- سورة هود: الآية 113.
2- منية الطالب: ج 2/228.

الوجه الثالث: آية النبأ(1).

وفيه: إنّ قبول إخبار الفاسق حينئذٍ وإقراره إنّما يكون من جهة كونه وليّاً، حيث أنّه (من مَلك شيئاً ملِك الإقرار به)، ولا ينافي مع عدم قبوله منه عن غيره من حيث هو، والآية متضمّنة للثاني، مع أنّ عدم قبول إخباره لا ينافي ثبوت الولاية، مع أنّ قبول إخباره بعد ثبوت الولاية بما أنّه بلسان أنّه لأبيه غير قبول إخباره عن غيره، بل هو في حكم قبول إقراره على نفسه.

أقول: ويمكن أنْ يستدلّ لعدم اعتبار العدالة بوجهين آخرين غير الإجماع:

أحدهما: الأصل، تمسّك به الشيخ الأعظم(2) رحمه الله في مقابل الإطلاق، وعليه فليس المراد به القاعدة المستفادة منه، كما توهّم، بل المراد به الأصل العملي، ولذا أورد عليه جمعٌ من المتأخّرين عنه - منهم المحقّق النائيني رحمه الله - بأنّ الأصل بالعكس، لأنّ نفوذ نكاح شخصٍ على آخر يتوقّف على دليل، ومع عدمه فالأصل يقتضي عدم نفوذه(3).

وفيه: الظاهر أنّ مراده بالأصل هو استصحاب عدم الردع، بعد ثبوت عدم اعتبارها عند العقلاء، وعدم ثبوت ردعٍ من الشارع الأقدس عنه، وعليه فلا إيراد متوجّه إليه.

ثانيهما: إطلاق النصوص.

وبالجملة: فالمتحصّل ممّا ذكرناه عدم اعتبار العدالة.6.

ص: 191


1- سورة الحجرات: الآية 6.
2- المكاسب: ص 535.
3- منية الطالب: ج 2/226.

والمجنونين،

ولاية الأب والجَدّ على المجنون

(و) الموضع الثالث: ويدور البحث فيه عن أنّه هل للأب والجَدّ ولاية على (المجنونين) أي الذكر والاُنثى مطلقاً كما في المتن، وعن «التذكرة»(1)، و «التحرير»(2)، و «كشف اللّثام»(3)، واختاره الشيخ الأعظم(4) رحمه الله وصاحب «الجواهر»(5) وغيرهما؟

أم لهما الولاية عليهما إذا كان الجنون متّصلاًبالبلوغ، ومع الانفصال لا ولاية لهما؟

أم لا ولاية لهما عليهما مطلقاً؟

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في موردين:

الأوّل: في الجنون المتّصل بالبلوغ.

الثاني: في المنفصل عنه.

أمّا المورد الأوّل: ففي «الجواهر» - بعد الإفتاء بثبوت ولايتهما عليهما في هذا المورد -: (بلا خلافٍ أجده فيه، بل في «المسالك» أنّه موضع وفاقٍ (5)، بل في غيرها الإجماع عليه)(7)، انتهى .

وفي «المستند»: (ثمّ ولاية الأب والجَدّ مع وجودهما عليه، مع اتّصال الفساد

ص: 192


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/600 (ط. ق).
2- تحرير الأحكام: ج 2/8 (ط. ق).
3- كشف اللِّثام: ج 7/60 (ط. ج).
4- كتاب النكاح: ص 108. (5و7) جواهر الكلام: ج 29/186.
5- مسالك الأفهام: ج 7/144.

بالصغير، ثابتة عند الأصحاب، كما في بعض العبارات، وبلا خلافٍ كما في بعض آخر، وإجماعاً كما في كلام جماعةٍ ، بل هو إجماعٌ محقّقاً)(1)، انتهى .

ويمكن أنْ يستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل، هل يصلح له أن يزوّج ابنته بغير إذنها؟

قال عليه السلام: نعم، ليس يكون للولد أمرٌ إلّاأنْ تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك، فتلك لا يجوز نكاحها، إلّاأن تستأمر»(2).

فإنّ مقتضى عموم المستثنى منه، ثبوت الولاية للأب في ما هو محلّ الكلام.

الوجه الثاني: مفهوم مرسل ابن بكير، عن رجلٍ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«لا بأس أن تزوّج المرأة نفسها إذا كانت ثيّباً بغير إذن أبيها، إذا كان لابأس بما صنعت»(3).

فإنّ مفهومه ثبوت البأس بدون إذن أبيها إذا كان بأس بما صنعت، أي كانت فاسدة العقل، فيتمّ في الصغير بعدم القول بالفصل.

الوجه الثالث: عموم خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري، وتعتق وتشهد، وتُعطي من مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائزٌ، تزوّج إنْ شاءت بغير إذن وليّها، وإنْ لم تكن كذلك، فلا يجوز ترويجها إلّا بأمر وليّها»(4).2.

ص: 193


1- مستند الشيعة: ج 16/134 المسألة 7.
2- مسائل عليّ بن جعفر: ص 112، وسائل الشيعة: ج 20/286 ح 25644.
3- التهذيب: ج 7/386 ح 25، وسائل الشيعة: ج 20/272 ح 25607.
4- التهذيب: ج 7/378 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/285 ح 25642.

وليس معنى الولاية إلّاالتوقّف على إذنه.

تقريب الاستدلال: أنّه يدلّ على أنّ ولاية التزويج لوليّ من لا تكون مالكة لأمرها كالمجنونة، والمراد من الوليّ هو الأب والجَدّ:

لأنّهما المتبادر من الوليّ العرفي الذي هو المراد منه في الخبر، وإرادة الحاكم منه في غاية البُعد.

ولأنّ (أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (1).

وللإجماع على ولايتهما في مالها، كما عن «التذكرة»(2) وغيرها(3)، ومعلومٌ أنّ ظاهر الخبر هو إثبات الولاية على التزويج لمن له ولاية على مالها.

ولأنّ الأب بيده عُقدة النكاح، كما في صحيح أبي بصير(4) وغيره، والذي بيده ذلك وليُّ الأمر كما في صحيح ابن سنان(5)، وهو وإنْ كان في المجنونة، إلّاأنّه يثبت في المجنون بعدم القول بالفصل.

وبهذا البيان يظهر صحّة الاستدلال له بكلّ ما دلّ على أنّ المرأة إذا لم تكن مالكة لأمرها لا تزوّج بغير وليّ .

فإنْ قيل: لازم ما ذكر من الوجهين الأولين، ثبوت الولاية للاُمّ والأخ وما شاكلّ ، مع عدم وجود الأب والجَدّ، مع أنّه لا ريب في عدمه.

قلنا: إنّه يقيّد إطلاق النَّص بما تقدّم من عدم ثبوت الولاية لغير الأربعة المشار إليهم.2.

ص: 194


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/80 (ط. ق).
3- مسالك الأفهام: ج 7/161، ذاكراً أنّه لا خلاف فيه.
4- التهذيب: ج 7/393 ح 49، وسائل الشيعة: ج 20/283 ح 25634.
5- التهذيب: ج 7/392 ح 46، وسائل الشيعة: ج 20/282 ح 25632.

ولا خيار لهما بعد زوال الوصفين.

الوجه الرابع: ما دلّ على ثبوت ولاية التزويج للأب مطلقاً، كصحيح أبي بصير المتقدّم، ويقيّد إطلاقه بما دلّ على عدم ثبوتها في موارد خاصّة، ويبقى الباقي.

وبذلك يظهر صحّة الاستدلال له بما دلّ (1) على ثبوت الولاية على التزويج لمن يجوز أمره في مال المرأة، فإنّه يجوز أمر الأب في مالها إذا كانت مجنونة، ويثبت في المجنون بعدم الفصل.

وأمّا المورد الثاني، وهو ما إذا كان الجنون منفصلاً عن البلوغ، فالظاهر ثبوت الولاية لهما، كما يقتضيه أكثر الأدلّة المتقدّمة في المورد الأوّل.

تزويج الأب أو الجَدّ للصغيرة نافذٌ عليهما

الموضع الرابع من مواضع البحث: فيما أفاده المصنّف بقوله: (ولا خيار لهما بعد زوال الوصفين) أي الصِغر والجنون.

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: في الصغيرة:

والظاهر أنّه لا خلاف في عدم الخيار لها بعد بلوغها، إذا زوّجها الأب أو الجَدّ قبله.

وفي «الحدائق»: (ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه)(2).

ص: 195


1- وسائل الشيعة: ج 20/382-383 باب 8 من أبواب عقد النكاح.
2- الحدائق الناضرة: ج 23/204.

والكلام فيه:

تارةً : في ثبوت الخيار لها، بمعنى أنّ لها إجازة العقد و ردّه، بحيث تكون تماميّة العقد ونفوذه موقوفة على الإجازة، كما في عقد الفضولي.

واُخرى : في ثبوت الخيار بين الفسخ وإبقاء العقد، بحيث يكون العقد صحيحاً، وإنّما يكون لها حقّ حَلّه.

أمّا الخيار بالمعنى الأوّل: فيشهد لعدمه جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الصبي يتزوّج الصبيّة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم جائزٌ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا، فإنْ رضيا بعد ذلك فالمَهر على الأب»(1) الحديث.

فإنّه كالصريح في صحّة العقد، وإنّما لها حَقّ الحَلّ .

واحتمال: كون المراد بالجواز، الجواز التكليفي دون الوضعي بمعنى الصحّة.

يردّه: ظهور الجواز في المعاملات في الوضعي، مع أنّ الجواز التكليفي لا يختصّ بما إذا كان العاقدان الأبوين.

ومنها: صحيح ابن بزيع، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الصبيّة يزوّجها أبوها ثمّ يموت وهي صغيرة، فتكبر قبل أنْ يدخل بها زوجها، يجوز عليه التزويج أو الأمر إليها؟

قال عليه السلام: يجوز عليه تزويج أبيها»(2).

ومنها: صحيح محمّد، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الصبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟8.

ص: 196


1- التهذيب: ج 7/382 ح 19، وسائل الشيعة: ج 20/277 ح 25625.
2- الكافي: ج 5/394 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/275 ح 25618.

فقال عليه السلام: إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم»(1) الحديث.

إذ العقد قبل البلوغ لو كان فضوليّاً، لم يكن وجهٌ للتوارث.

ونحوها غيرها.

وأمّا الخيار بالمعنى الثاني: فما دلّ من النصوص المتقدّم بعضها على التوارث، وعلى أنّ التزويج جائزٌ نافذٌ عليه، لا ينفي الخيار، ولكن يشهد لعدم الخيار لها بهذا المعنى:

مضافاً إلى أنّه الأصل، وإلى خبر «دعائم الإسلام» عن الإمام عليّ عليه السلام:

«تزويج الآباء على البنين والبنات جائزٌ إذا كانوا صغاراً وليس لهم خيار إذا كبروا»(2).

ما دلّ من النصوص(3) على أنّه لا أمر لها بعد البلوغ، لظهوره في أنّه ليس لها اختيارٌ وسلطنة على العقد الصادر عن أبيها.

وحمله على إرادة أنّه لا يكون العقد عليها موقوفاً على إجازتها خاصّة، خلافُ الظاهر.

أقول: ويعارضه خبران:

الأوّل: صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم، المصرّح بأنّ لها الخيار.

والثاني: خبر بريد الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام: متى يجوز للأب أن يزوّج ابنته ولا يستأمرها؟0.

ص: 197


1- التهذيب: ج 7/388 ح 32، وسائل الشيعة: 20/292 ح 25657.
2- دعائم الإسلام: ج 2/618 ح 811، المستدرك: ج 14/321 ح 16830.
3- الكافي: ج 5/394 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/276 ح 25620.

قال عليه السلام: إذا جازت تسع سنين، فإنْ زوّجها قبل بلوغ التسع سنين، كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين»(1).

ولكن لعدم العمل بهما، ومعارضتهما لما هو أشهر منها، بل المتّفق عليه، يتعيّن طرحهما.

تزويج الأب أو الجَدّ للصغير نافذٌ عليه

المورد الثاني: في الصغير.

ويشهد لعدم الخيار بالمعنى الأوّل له:

1 - ما دلّ من النصوص على توارثهما إذا زوّجهما الأبوان(2).

2 - وصحيح الحلبي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الغلام له عَشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره، أيجوز طلاقه وهو ابنُ عشر سنين ؟

فقال عليه السلام: أمّا تزويجه فهو صحيحٌ ، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتّى يدرك»(3).

وأمّا الخيار بالمعنى الثاني: فاستدلّ لعدم ثبوته له بعد البلوغ صاحب «الحدائق»(4) رحمه الله بهذين الخبرين، ولكن قد مرَّ أنّهما لا ينافيان الخيار بهذا المعنى .

وعليه، فالأولى الاستدلال له بأصالة اللّزوم، وبخبر «الدعائم» المتقدّم، وبما تضمّن أنّ العقد جائزٌ على الصبي، المتقدّم بالتقريب المتقدّم.

ص: 198


1- التهذيب: ج 7/382 ح 20، وسائل الشيعة: ج 20/278 ح 25626.
2- التهذيب: ج 7/388 ح 32، وسائل الشيعة: ج 20/292 ح 25657.
3- الفقيه: ج 4/310 ح 5665، وسائل الشيعة: ج 26/220 ح 32865.
4- الحدائق الناضرة: ج 23/205.

وعن الشيخ رحمه الله وبني البرّاج(1) وحمزة(2) وإدريس أنّ له الخيار بهذا المعنى .

واستدلّ له:

1 - بتطرّق الضَّرر إليه من جهة إثبات المَهر في ذمّته والنفقة، من غير ضرورة.

2 - وبصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم.

3 - وبخبر بُريد الكناسي: «أنّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يُدرك، كان بالخيار إذا أدرك، وبلغ خمس عشرة سنة، أو يُشعر في وجهه، أو يَنبت في عانته»(3).

4 - وبصدر صحيح الحَذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن غلامٍ وجارية زوّجهما وليّان لهما، وهما غير مُدركين ؟

فقال: النكاح جائزٌ، أيّهما أدرك كان له الخيار»(4).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا ضرر حاصلٌ لكي ننفيه، مع كون المَهر في ذمّة الأب، بل وبدونه.

وأمّا الثاني: فلاشتماله على ما يخالف الإجماع، والنصوص المعتبرة، من ثبوت الخيار للصغيرة، والتبعيض في حجية الخبر لو كان مشتملاً على حكمين أحدهما ممّا لا يُمكن البناء عليه، إنّما يكون فيما لو كان الخبر مشتملاً على جملاتٍ ، وكان مستجمعاً لشرائط الحجيّة بالنسبة إلى بعضها دون بعض، لا مثل المقام الذي بيّن الحكمان بجملةٍ واحدة، كما لا يخفى .2.

ص: 199


1- المهذّب: ج 2/197.
2- الوسيلة: ص 300.
3- التهذيب: ج 7/382 ح 20، وسائل الشيعة: ج 20/278 ح 25626.
4- الكافي: ج 5/401 ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32862.

والبالغ الرّشيد لا ولاية عليه، ذكراً كان أو اُنثى .

وأمّا الثالث: فلأنّه - مضافاً إلى ضعفه لجهالة حال بُريد الكناسي، اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال إنّه في السند أحمد بن محمّد بن عيسى ، والحسن بن محبوب، وأبو أيّوب الخزّاز، وهذا يشعر بالوثاقة - مشتملٌ على أحكام مخالفة للإجماع:

منها: ثبوت الخيار للصغيرة.

ومنها: تحقّق البلوغ لو أشعر في وجهه، وغير ذلك.

وأمّا الرابع: فلأنّه في ذيله حَكَم بأنّه إذا كان العاقدان الأبوين، جاز العقد، فيُعلم من ذلك أنّ المراد بالصدر عقد غير الوليّ الشرعي.

وأمّا خبر أبان(1)، وموثّق الفضل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا زوّج الرّجل ابنه فذاك إلى ابنه، وإذا زوّج الابنة جاز»(2)، فهما مختصان بالبالغ، أو محمولان عليه.

وعليه، فالأظهر عدم ثبوت الخيار.

عدم ولاية الأب والجَدّ على البِكْر الرّشيدة

الموضع الخامس: (والبالغ الرّشيد لا ولاية عليه؛ ذكراً كان أو اُنثى ).

أقول: لا خلافٍ ولا إشكال في الأوّل، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع(3) عليه، وعن «كشف اللّثام»: (إجماعاً منّا ومن العامّة)(4)، وبعض نصوص الباب شاهد به:

منها: خبر ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلت له: إنّي اُريد أن

ص: 200


1- التهذيب: ج 7/393 ح 52، وسائل الشيعة: ج 20/293 ح 25660.
2- الكافي: ج 5/393 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25612.
3- الناصريّات: ص 320، قواعد الأحكام: ج 3/14، جامع المقاصد: ج 12/123.
4- كشف اللّثام: ج 7/77 (ط. ج).

أتزوّج امرأةً ، وإنّ أبوايّ أرادا أن يزوّجاني غيرها؟

فقال عليه السلام: تزوّج التي هويتَ ، ودَع التي يهوى أبواك»(1).

ومنها: موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّه أراد أن يتزوّج امرأة، قال: فكره ذلك أبي فمضيتُ فتزوّجتها»(2).

ونحوهما غيرهما.

مضافاً إلى عموم دليل السلطنة.

وأمّا الثاني: فقد اختلف الفقهاء في ثبوت الولاية للأب والجَدّ على البالغة الرشيدة الباكرة في خصوص أمر تزويجها وعدمه على أقوال ستّة:

القول الأوّل: ما عن الشيخ في أكثر كتبه(3)، والصّدوق(4)، والعُمّاني(5)، والقاضي(6)، وكاشف اللّثام(7)، وصاحب «الحدائق»(8) من ثبوت الولاية لهما عليها مستقلّاً مطلقاً، بل هو المنسوب إلى المشهور بين القدماء.

القول الثاني: ما في المتن و «الشرائع»(9)، و عن «القواعد»(10) وغيرهما(11)،2.

ص: 201


1- الكافي: ج 5/401 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/292 ح 25658.
2- الكافي: ج 5/400 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/277 ح 25621.
3- النهاية: ص 465، المبسوط: ج 4/162، التهذيب: ج 7/379.
4- الهداية: ص 360.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/97.
6- المهذّب: ج 2/193.
7- كشف اللّثام: ج 7/77-81 (ط. ج).
8- الحدائق الناضرة: ج 23/211.
9- شرائع الإسلام: ج 2/502.
10- قواعد الأحكام: ج 3/14.
11- كالمفيد في أحكام النساء: ص 36، وابن الجُنيد كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/96، والشهيدين في الروضة البهيّة: ج 5/112.

من استقلالها، وعدم الولاية لهما عليها مطلقاً، بل هو المنسوب إلى المشهور بين القدماء والمتأخّرين(1).

وفي «الرياض»(2) دعوي الشهرة العظيمة عليه.

وعن السيّد في «الانتصار»(3)، و «الناصريّات»(4): الإجماع عليه.

القول الثالث: ثبوت الولاية لهما عليها على نحو التشريك، بمعني اعتبار إذنها وإذن أحدهما معاً، نُسب ذلك إلى المفيد(5)، والحلبيّين(6)، وظاهر «الوسائل»(7).

القول الرابع: التفصيل بين الدوام والانقطاع، وثبوت الولاية لهما في الأوّل دون الثاني، نُسب ذلك في «الشرائع»(8) إلى قائلٍ ولم نعرفه، وعن الشهيد في «شرح نُكَت الإرشاد»: (أنّ المحقّق سُئل عن قائله فلم يُجب)(9).

القول الخامس: عكس الرابع، وهو المحكيّ عن الشيخ رحمه الله في كتابي الأخبار(10).

القول السادس: ثبوت التشريك بين المرأة وأبيها خاصّة دون غيره من الأولياء، ونُسب ذلك إلى المفيد رحمه الله(11) أيضاً.0.

ص: 202


1- كما في جواهر الكلام: ج 29/211.
2- رياض المسائل: ج 10/95 (ط. ج).
3- الانتصار: ص 288 مسألة 161.
4- الناصريّات: ص 320.
5- المقنعة: ص 510.
6- الكافي: ص 292، الغينة: ص 343.
7- وسائل الشيعة: ج 20/284-286.
8- شرائع الإسلام: ج 2/502.
9- غاية المرام: ج 3/22.
10- التهذيب: ج 7/254، الاستبصار: ج 3/145 وص 236.
11- نسبه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 3/20، وربما يستفاد ذلك من المقنعة: ص 510.

أقول: هذه هي الأقوال في المسألة، ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على ثبوت الولاية للوليّ بنحو الاستقلال:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمرٌ، وقال: يستأمرها كلّ أحدٍ ما عدا الأب»(1).

ونحوه صحيحاً عبد اللّه بن الصَّلت(2)، والحلبي(3)، وغيرهما.

وقد استقصاها الشيخ الأعظم رحمه الله، وقال بعد ذلك: (هذه ثلاث وعشرون رواية تدلّ على استمرار ولاية الأب على البالغة البِكر)(4).

الطائفة الثانية: ما دلّ على جواز تزويج الأب على بنته، كموثّق عبيد بن زرارة، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجلٍ ، ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل ؟

فقال عليه السلام: الجَدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً، إنْ لم يكن الأب زوّجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجَدّ»(5).

فإنّ إطلاقه يعمّ ما إذا كانت الجارية بالغة رشيدة.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّ الجارية التي لها أب لا تتزوّج إلّابإذن أبيها:

منها: خبر أبي مريم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الجارية البِكْر التي لها أب0.

ص: 203


1- الكافي: ج 5/393 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25611.
2- الكافي: ج 5/394 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/276 ح 25620.
3- وسائل الشيعة: ج 20/271 ح 25604.
4- كتاب النكاح: ص 116.
5- الكافي: ج 5/395 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25650.

لا تزوّج إلّابإذن أبيها»(1).

ومنها: صحيح ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ »(2).

وما عن الشهيد الثاني رحمه الله: (من احتمال كون (من) للتبعيض، فلا يدلّ على محلّ النزاع، فإنّ الصغيرة من الأبكار لا تتزوّج إلّابإذن أبيها)(3).

يدفعه: - مضافاً إلى بُعده - أنّ لازم ذلك لغويّة التقييد بالأبكار، فإنّ الثيّب أيضاً كذلك.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على اعتبار إذن أبيها في المتعة:

منها: صحيح أبي مريم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «العذراء التي لها أب لاتزوّج متعةً إلّابإذن أبيها»(4).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «البِكْر لا تتزوّج متعةً إلّا بإذن أبيها»(5).

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على استقلال الباكرة في أمرها:

منها: مصحّح الفضلاء - الفضيل بن يسار، وزرارة، ومحمّد بن مسلم، وبُريد بن معاوية - عن أبي جعفر عليه السلام: «المرأة التي قد مَلِكَتْ نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها، تزويجها بغير وليّ جائزٌ»(6).4.

ص: 204


1- الكافي: ج 5/391 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/270 ح 25600.
2- الفقيه: ج 3/395 ح 4390، وسائل الشيعة: ج 20/277 ح 25622.
3- مسالك الأفهام: ج 7/134.
4- التهذيب: ج 7/254 ح 24، وسائل الشيعة: ج 21/35 ح 26458.
5- قرب الإسناد: ص 159، وسائل الشيعة: ج 21/33 ح 26451.
6- الفقيه: ج 3/397 ح 4397، وسائل الشيعة: ج 20/267 ح 25594.

والمراد بكونها مالكة نفسها وغير مولّى عليها كونها كذلك في سائر العقود والإيقاعات.

وبعبارة اُخرى : فيما يرجع إلى نظام معاشها من العقود والإيقاعات والعطيّات وغيرها ما عدا النكاح.

أقول: والشاهد على إرادة ذلك دون ما يشمل النكاح أمران:

الأوّل: أنّ لازم إرادة مالكيّة نفسهما حتّى في النكاح، وعدم كونها مولّى عليها حتّى فيه، لغويّة هذه الجملة، وكون الحمل ضروريّاً عقليّاً، وأخذ الحكم في الموضوع، إذ لا معنى لعدم كونها مولّى عليها في النكاح، وكونها مالكة نفسها فيه، إلّا جواز تزويجها بغير وليّ .

الثاني: تفسير مالكيّة الأمر في خبر زرارة بذلك: فإنّه رُوي عن الباقر عليه السلام أنّه قال: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري، وتعتق وتشهد، وتُعطي مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائزٌ، تتزوّج إنْ شاءت بغير إذن وليّها، وإنْ لم تكن كذلك، فلا يجوز تزويجها إلّابأمر وليّها»(1).

فما عن كاشف اللّثام من منع كون البِكر مالكةً أمرها، غير مولّى عليها، إذ هو أوّل المسألة(2)، ضعيفٌ .

ومنها: خبر سعدان بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«لا بأس بتزويج البِكْر إذا رضيت بغير إذن وليّها»(3).0.

ص: 205


1- التهذيب: ج 7/378 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/285 ح 25642.
2- كشف اللّثام: ج 7/79 (ط. ج).
3- التهذيب: ج 7/380 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/284 ح 25640.

هكذا في جملةٍ من النسخ، وعن نسخ «التهذيب» المعتبرة و «جامع المقاصد»(1)و «الوسائل» و «الحدائق» روايته بإبدال (وليّها) ب (أبيها).

والإيراد عليه: بعدم توثيق الرجاليّين راوي الخبر.

في غير محلّه: فإنّ ملاحظة حال الرّجل(2) المسطورة في كتب الرجاليّين توجبُ الوثوق بخبره واعتبار حديثه.

واحتمال: كون هذا الخبر بعينه مرسله عن رجلٍ ، عنه عليه السلام: «لا بأس بتزويج البِكْر إذا رضيت من غير إذن أبويها»(3).

يدفعه: أنّ الشيخ رواهما معاً(4)، أضف إليه اختلاف متنيهما، فإنّ الأب أُفرد في المسند وثُنّي في المرسل، مع أنّ المرسل إذا رُوي بنحو الاستناد إلى من رُوي عنه الواسطة، يكون ذلك كاشفاً عن كونه موثّقاً لدى المُرْسِل، وإلّا لم يصحّ روايته بنحو الاستناد وهو واضحٌ . ونحوها غيرها.

الطائفة السادسة: ما دلّ على اعتبار إذن البِكْر ورضاها، كصحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «تستأمر البِكْر وغيرها، ولا تنكح إلّابأمرها»(5).

واحتمال: أن تُقرأ (تستأمر) بالبناء للفاعل، أي الباكرة تستأمر غيرها، ليدلّ على الخلاف كما عن «كشف اللّثام»(6).

يدفعه: عدم انسجام الكلام، وعدم صحّته في غير البِكْر.).

ص: 206


1- الحدائق الناضرة: ج 23/223.
2- رجال النجاشي: ص 192 الرقم 515، الفهرست: ص 140-141.
3- التهذيب: ج 7/380 ح 14 و 11، وسائل الشيعة: ج 20/284-285 ح 25640 و 25637.
4- تهذيب: ج 7/254 ح 20 وص 380 ح 14.
5- التهذيب: ج 7/380 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/284 ح 25637.
6- كشف اللّثام: ج 7/79 (ط. ج).

الطائفة السابعة: ما يدلّ على جواز تزويج البِكْر متعةً بغير إذن أبيها:

منها: خبر أبي سعيد، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن التمتّع من الأبكار اللّواتي بين الأبوين ؟

فقال عليه السلام: لا بأس، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب»(1).

ومنها: خبر الحلبي، قال: «سألته عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟

قال عليه السلام: لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعفّ بذلك»(2).

ونحوهما غيرهما.

أقول: هذه هي نصوص الباب، وقد استدلّ كلّ قومٍ بطائفةٍ أو أكثر من هذه النصوص.

استدلّ للقول الأوّل: بالطوائف الثلاث الاُول من هذه الطوائف، بل الرابعة أيضاً، بإلغاء خصوصيّة المتعة، وعدم الفصل بينها وبين الدائم.

واستدلّ للقول الثاني: بالطائفة الخامسة والسادسة، بل السابعة أيضاً.

واستدلّ للثالث: بأنّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على اعتبار إذن الأب، وبين ما دلّ على اعتبار إذنها.

واستدلّ للرابع: بانصراف ما دلّ على استقلال الوليّ إلى الدائم، وبالطائفة الخامسة.

وذكروا في وجه الخامس: أنّه مقتضى الأخذ بنصوص استقلال الوليّ ، بعد تقييدها بالدوام، وإخراج المتعة بالطائفة السابعة.

والإشكال في جميعها ظاهر.5.

ص: 207


1- التهذيب: ج 7/254 ح 22، وسائل الشيعة: ج 21/33 ح 26452.
2- التهذيب: ج 7/254 ح 23، وسائل الشيعة: ج 21/34 ح 26455.

ما يقتضيه الجمع بين نصوص الباب

والحقّ أنْ يقال: إنّه لا تعارض بين الطوائف الأربع الأولة حتّى الرابعة، بناء على عدم المفهوم في اللّقب، كما لا تعارض بين الطوائف الثلاث الأخيرة، ولا بين الثانية والخامسة، ولا بين الثانية والسابعة، بل التنافي يكون بين الأُولى والخامسة، وبينها وبين السادسة، وبينها وبين السابعة، وبين الثانية والسادسة، وبين الرابعة والسابعة، وعليه فلابدَّ من البحث في موارد:

المورد الأوّل: في الجمع بين الطائفة الأُولى والخامسة:

وقد يقال: - كما عن الشيخ الأعظم رحمه الله(1) - أنّه تُحمل الطائفة الأولى على الاستحباب، بمعنى أنّه يستحبّ للبِكْر إيكال أمرها إلى أبيها.

بتقريب: أنّه وإنْ أمكن الجمع بحمل الخامسة على غير الأب، إلّاأنّه يلزم من التقييد طرح الأخبار الواردة في جواز التمتّع بالبِكْر بدون إذن أبيها(2)، وطرح مرسل سعدان، عن رجلٍ ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس بتزويج البِكْر إذا رضيت من غير إذن أبويها»(3)، وخبر ابن عبّاس الذي هو نحو المرسل في ذلك(2).

وفيه: إنّ الخبرين ضعيفان، واستناد القوم إليهما غيرُ ثابتٍ ، واخبار التمتّع بالبِكْر متعارضة، سيأتي الكلام فيها.

وعليه، فحيث أنّ الجمع الموضوعي إنْ أمكن مقدّمٌ على الجمع الحكمي،

ص: 208


1- كتاب النكاح: ص 120-121. (2و3) التهذيب: ج 7/254 ح 20، وسائل الشيعة: ج 21/34 ح 26454.
2- التذكرة: ج 2/585، كتاب النكاح: ص 120-121.

فيتعيّن ذلك، ولا يصحّ الحمل على الاستحباب.

أضف إلى ذلك: أنّه لا يصحّ حمل جملةٌ من نصوص الطائفة الأُولى على الاستحباب:

لاحظ قوله عليه السلام: «ليس لها مع أبيها أمرٌ» كما في صحيح عبد اللّه بن الصّلت(1).

وقوله عليه السلام: «ليس لها مع أبيها أمرٌ إذا أنكحها جاز نكاحه، وإنْ كانت كارهة» كما في خبر الحلبي(2).

وإنْ شئتَ قلت: إنّ أهل العرف لا يجمعون بين قوله: «لا تستأمر الجارية ليس لها مع الأب أمرٌ»، وبين قوله عليه السلام: «تزويجها بغير وليّ جائز»، بحمل الأوّل على الاستحباب، بل يرونها متهافتين.

وأفاد المحقّق اليزدي في الجمع بينهما: أنّه يقتضى تقييد الأُولى بما إذا زوّجها الأب، فتدلّ على أنّه لو زوّجها الأب ليس لها أمرٌ، وحَمَل الخامسة على صورة عدم تزويج الأب، فتكون النتيجة ولاية كلّ منهما على التزويج مستقلّاً، مع تقديم اختيار الأب على اختيارها لو سبق اختيار الأب أو تقارن الاختياران.

وفيه: إنّ الطائفة الأُولى كالنّص في أنّه لا أمر لها مع أبيها، وإنْ لم يزوّجها الأب، لاحظ قوله عليه السلام في صحيح محمّد: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمرٌ»(3).

وربما يقال: - كما عن بعض المعاصرين(4) بأنّ الطائفة الخامسة مطلقة شاملة1.

ص: 209


1- الكافي: ج 5/394 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/276 ح 25620.
2- التهذيب: ج 7/381 ح 15، وسائل الشيعة: ج 20/285 ح 25643.
3- الكافي: ج 5/393 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25611.
4- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/441.

للأب وغيره، والأُولى مختصّة بالاب، فيقيّد إطلاق الخامسة بالاُولى ، فتكون النتيجة ولاية الأب عليها خاصّة.

وفيه: إنّ خبر سعدان الذي هو من الطائفة الخامسة، صريحٌ في جواز تزويجها بغير إذن أبيها، بناءً على ما عن نسخ «التهذيب» المعتبرة، ولا مورد للاعتماد على النقل الآخر.

وعليه، فهاتان الطائفتان متعارضتان، لا يمكن الجمع بينهما بوجهٍ ، وسيأتي بيان ما تقتضيه قاعدة الترجيح.

المورد الثاني: في الجمع بين الطائفة الأُولى والسادسة، وقد ذُكر في مقام الجمع بينهما الوجوه المتقدّمة، ولا بأس بالثالث منها.

المورد الثالث: في الجمع بين الأُولى والسابعة.

والحقّ أنّه مقتضى تقييد الأُولى بالسابعة لولا معارضتها بطائفة اُخرى ، كما سيأتي الكلام فيه.

المورد الرابع: في الجمع بين الثانية والسادسة، وهو إنّما يكون بتقييد إطلاق الثانية الشامل للبالغة وغيرها بالسادسة.

المورد الخامس: في الجمع بين الرابعة والسابعة، وهو يقتضي البناء على جواز المتمتّع بها بدون إذن الأب، مع اتّقاء موضع الفرج، لأنّ هناك طوائف من النصوص:

منها: نصوص المنع، وهي الطائفة الرابعة.

ومنها: نصوص الجواز، وهي الطائفة السابعة.

ومنها: نصوص الجواز مع اتّقاء موضع الفرج، كخبر الحلبي، قال: «سألته عن

ص: 210

التمتّع من البِكْر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟ قال عليه السلام: لا بأس ما لم يقتض ما هناك»(1).

ونحوه غيره.

والطائفة الأخيرة تقيّد إطلاق الاُولتين، وتكون النتيجة ما ذكرناه.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ صحيح أبي مريم المتقدّم - عن الإمام الصادق عليه السلام: «العَذراء التي لها أب لا تزوّج متعةً إلّابإذن أبيها»(2).

ونحوه صحيح البزنطي(3) لتضمّنهما ثبوت البأس في التزويج لا في الاستمتاع - يأبيان عن هذا الجمع، فيتعيّن الجمع بتقديم الطائفة المجوّزة لصراحتها في الجواز، وظهور المانعة في المنع، فيرفع اليد عن ظهورها بالنّص.

أقول: وبعد ما ثبت من عدم إمكان الجمع العرفى بين الطائفة الأُولي والخامسة، يقع الكلام فيما يقتضيه أدلّة الترجيح والتخيير، وهي تقتضي تقديم الخامسة لوجهين:

الوجه الأوّل: أنّها أشهر؛ لما تقدّم من نسبة القول بمضمونها إلى المشهور بين القدماء والمتأخّرين، بل في «الرياض» دعوى الشهرة العظيمة عليه، وعن السيّد دعوى الإجماع عليه.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المرجّح هي الشهرة الفتوائيّة بين القدماء، دون الروائيّة، أو الشهرة بين المتأخّرين، وحيث أنّ القول بمضمون كلّ من الطائفتين نُسب إلى المشهور بين القدماء، فهذا المرجّح ليس مع شيء منهما، فتأمّل.1.

ص: 211


1- التهذيب: ج 7/254 ح 23، وسائل الشيعة: ج 21/34 ح 26455.
2- التهذيب: ج 7/254 ح 24، وسائل الشيعة: ج 21/35 ح 26458.
3- قرب الإسناد: ص 159، وسائل الشيعة: ج 21/33 ح 26451.

الوجه الثاني: أنّه لو أُغمض عمّا ذُكر أوّلاً، وحيث أنّ المرجّح من حيث السند مفقودٌ، لما عرفت من وجود الأخبار الصحيحة في كلتا الطائفتين، وكذلك المرجّح من حيث الصدور لاختلاف العامّة في هذه المسألة، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّح المضموني، وهو يقتضي تقديم الخامسة أيضاً، لأنّها موافقة للكتاب والسنّة:

أمّا الكتاب: فآيات منه توافق نصوص استقلال البِكْر:

الآية الأُولى : قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1).

والإيراد عليه: بعدم صدق العقد الذي هو بمعنى العهد على المزاوجة عرفاً، لا أقلّ من الشكّ في الصدق، كما عن المحقّق الحائري اليزدي رحمه الله.

في غير محلّه: لما حُقّق في محلّه من أنّ العقد غير العهد، إذ العهد هو الجَعل والقرار، وأمّا العقد فهو ربط شيء بشيء، وهو يصدق على المزاوجة باعتبار ارتباط اعتبار كلٍّ من الزوجين باعتبار الآخر.

الآية الثانية: قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).

الآية الثالثة: قوله تعالى : (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (3).

وأمّا السُنّة: فدليل استقلال البِكْر موافقٌ لقاعدة تسلّط النّاس على أنفسهم، المنعقد عليها الإجماع الكاشف عن السُّنة القطعيّة.

والإيراد عليه: بأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه القاعدة، هي عدم ولاية الأب عليها،4.

ص: 212


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- سورة البقرة: الآية 234.
3- سورة النساء: الآية 24.

وأمّا استقلالها في أمرها، بحيث لا يعتبر في جواز تزويجها إذنُ أبيها ورضاه فلا، كما عن المحقّق اليزدي.

غريب: فإنّ مفاد القاعدة سلطنة الإنسان على نفسه سلطنة تامّةً مطلقة، ولازم ذلك عدم اعتبار إذن الغير ورضاه.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو تقديم الطائفة الخامسة، الدالّة على استقلال البِكْر، وعدم ثبوت الولاية للأب عليها، ولكن الاحوط استحباباً هو الاستيذان منه.

لا ولاية للوليّ إذا عضل المرأة

هاهنا تنبيهان ينبغي التعرّض لهما:

التنبيه الأوّل: إنّه بناءً على ثبوت الولاية للأب والجَدّ على البِكْر، لو عضلها الوليّ ، أي منعها من التزويج بالكفو، مع رغبتها، بمَهر المثل أو بدونه، تسقط ولايته، ويجوز لها أن تزوّج نفسها بلا خلافٍ ، وفي «الجواهر»: (إجماعاً منّا بقسميه)(1).

واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: قوله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).

بتقريب: أنّ المراد نهي النّاس أجمع - ويدخل فيهم الأولياء - بأن لا يكون عضلٌ منكم، أو المراد الخطاب إلى الأولياء، وعلى كلّ حال فالمراد ب (أَزْواجَهُنَّ ) من رضين بهم أن يكونوا أزواجاً.

ص: 213


1- جواهر الكلام: ج 29/184.
2- سورة البقرة: الآية 232.

وفيه أوّلاً: إنّ الآية تدلّ على حرمة العَضل، وهي لا تستلزم سقوط الولاية، اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال بظهورها في الإرشاد.

وثانياً: أنّه من المحتمل - لو لم يكن هو الظاهر - كون المخاطب الأزواج السابقة، إذ الوارد في صدر الآية قوله تعالى : (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ) ... إلخ(1)، وعليه فتدلّ الآية الشريفة على عدم جواز عَضل الأزواج السّابقة النساء أنْ يتزوّجن بعد خلائهنّ .

الوجه الثاني: كونه خيانة.

وفيه: أنّ الخيانة لو أثّرت، توجب سقوط الولاية في شخص الفعل الذي تحقّقت الخيانة به، لا سقوطها بالمرّة، وثبوت الولاية للمولّى عليه.

الوجه الثالث: عموم نفي الحَرج والضَّرر(2).

وفيه: - مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعى - أنّهما نافيان لا مثبتان، فلا يثبت بهما استقلال البِكْر.

فإذاً العُمدة هو الإجماع.

ولو منعها من التزويج بغير الكُفو لا يكون ذلك عَضْلاً.

أمّا إذا كان عدم الكفاية شرعيّاً، لفساد العقد، فلا مورد للولاية عليها حتّى من نفسها، بناءً على ما ستعرفه من اشتراط(3) الكفاية في صحّة النكاح.

وأمّا إذا كان عدمها عرفيّاً - كما لو أرادت التزويج ممّن في تزويجه غضاضة وعارٌ عليهم - فلإطلاق الكفو في كلامهم، مع أنّ مدرك سقوط الولاية الإجماع،).

ص: 214


1- سورة البقرة: الآية 231.
2- سورة الحجّ : الآية 78، سورة المائدة: الآية 6، وسائل الشيعة: ج 18/31-32 باب 17 من أبواب الخيار.
3- سيأتي لاحقاً في هذا الجزء البحث عن (تزويج المولّى عليها من غير الكفو أو بدون مَهر المثل).

والمتيقّن منه غير ذلك.

وبذلك يظهر أنّه لو منعها من التزويج بكُفوٍ معيّنٍ ، مع وجود كُفو آخر، لا تسقط ولايته على فرض ثبوتها.

أقول: وفي حكم العَضْل الغيبة المنقطعة، الّتي يحصل معها المشقّة الشديدة، من اعتبار الاستيذان من الوليّ حكماً، صرّح بذلك الشيخ في «الخلاف»(1)، والسيّد في «الرياض»(2)، وصاحب «الحدائق»(3)، والشيخ الأعظم(4) وغيرهم(5)، وارتضاه كثيرٌ من الأصحاب على ما نُسب إليهم(6)، وعن بعضهم نفي «الخلاف»(7) فيه، ومدركه الوجهان الأخيران اللّذان ذكرناهما في العَضْل.

حكم ذهاب البِكارة بغير الوطء

التنبيه الثاني: لا خلاف يعتدّ به في أنّه لا ولاية للأب والجَدّ على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّباً.

وفي «رسالة الشيخ الأعظم» دعوى اتّفاق النَّص والفتوى عليه(8).

وعن «جامع المقاصد» دعوى اتّفاق علمائنا عليه(9).

ص: 215


1- الخلاف: ج 4/278 مسألة 37.
2- رياض المسائل: ج 10/105 (ط. ج).
3- الحدائق الناضرة: ج 23/232.
4- كتاب النكاح: ص 127.
5- كما في نهاية المرام: ج 1/77، كفاية الأحكام: ص 156.
6- رياض المسائل: ج 10/150 (ط. ج) قوله: (وارتضاه كثيرٌ من الأصحاب).
7- كما في كفاية الأحكام: ص 156.
8- كتاب النكاح: ص 112.
9- جامع المقاصد: ج 12/123.

ويشهد به: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المرأة الثيّب تخطب إلينفسها؟

قال: هي أملك بنفسها، تولّي أمرها مَن شاءت إذا كان كُفواً بعد أنْ تكون قد نكحت رجلاً قبله»(1).

ومنها: خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عنه عليه السلام: «عن الثيّب تَخطب إلى نفسها؟ قال عليه السلام: نعم، هي أملك بنفسها، تولّي أمرها من شاءت، إذا كانت قد تزوّجت زوجاً قبله»(2).

ونحوهما غيرهما.

فما عن العُمّاني:(3) من بقاء الولاية عليها، شاذٌ ضعيفٌ لا مدرك له.

وعن «المسالك»: (أنّه ليس ما يمكن الاستناد إليه في هذه الفتوى، إلّارواية عامّة عاميّة، ورواياتنا خاصّة خاصيّة، وهي مقدّمة عند التعارض)(4).

أقول: الكلام في المقام يدور حول الفروع الآتية:

على القول بثبوت ولايتهما على البِكْر، لو ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة ونحوها، أو ذهبت بالزِّنا أو الشبهة، أو تزوّجت ومات زوجها، أو طلّقها قبل الدخول، هل الولاية باقية أم لا؟

أمّا في المورد الأوّل: فقد صرّح جماعة - منهم الشهيد الثاني(5) وصاحب3.

ص: 216


1- الكافي: ج 5/392 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/269 ح 25597.
2- التهذيب: ج 7/384 ح 21، وسائل الشيعة: ج 20/271 ح 25605.
3- كما حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 7/143. (4و5) مسالك الأفهام: ج 7/143.

«الجواهر»(1)، والمحقّق النراقي(1) وغيرهم(2) - بالبقاء.

واستدلّ له:

1 - بالاستصحاب.

2 - وبصدق الباكرة عليها لأنّها مَنْ لم تُمسّ .

3 - وبعدم صدق الثيّب عليها، لأنّها مَنْ تزوّجت.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ المختار عندنا عدم جريان الاستصحاب فى الأحكام الكليّة.

وعلى الثاني: أنّ الباكرة هي العَذراء، وهي من عليها خاتمٌ من اللّه تعالى .

وعلى الثالث: أنّ الثيّب هي غير الباكرة.

فالحقّ أن يستدلّ له: باختصاص نصوص الثيّب بمن تزوّجت، بل ما فيها من الشرط، بأن تكون قد نكحت رجلاً قبله، أو تزوّجت كذلك، حيث يدلّ بمفهومه على ذلك.

وأمّا المورد الثاني: ففي «المستند»(3) اختار إلحاقها بالبِكْر.

وفي «الجواهر»(5): ألحقها بالثيّب، واستدلّ له:

1 - بصدق الثيّب عليها، لأنّ الثيبوبة هي زوال البكارة بالوطء.

2 - وما في بعض النصوص من ظهور اعتبار النكاح في الثيّب محمولٌ على الغالب ونحوه، بعد قصوره عن تقييد غيره من المطلق للشهرة.

وفيه: إنّ بعض نصوص استقلال الثيّب مقيدٌ باعتبار النكاح، وبما فيه من3.

ص: 217


1- مستند الشيعة: ج 16/123.
2- كما في كفاية الأحكام: ص 156، كشف اللّثام: ج 7/76 (ط. ج)، رياض المسائل: ج 10/89 (ط. ج).
3- مستند الشيعة: ج 16/123.

الشرط حيث يدلّ على عدم الاستقلال بدونه، وبه يقيّد إطلاق سائر النصوص، ولا وجه لحمل القيد على الغالب، والشهرة لا تصلح لذلك.

وعليه، فالأظهر أنّها في المورد ملحقة بالبِكْر.

وأمّا المورد الثالث: ففي «المستند»(1): (لم يسقط الولاية، للإجماع، وصِدق الباكرة والجارية).

وأُورد عليه: بأنّ الثيّب إذا كانت هي مَنْ تزوّجت، كما صرّح بذلك، فيصدق عليها الثيّب، فيشملها نصوصها، فيقع التعارض بين نصوص الباكرة ونصوصها.

ولكن يمكن دفعه: بأنّ مراده ممّا صرّح به، هو أنّ الثيبوبة عبارة عن زوال البكارة بوطء الزوج، فلا تصدق في المورد.

وكيف كان، فلا إشكال في اعتبار زوال البكارة في صدقها، فهي في المورد باكرة يلحقها حُكمها.

***3.

ص: 218


1- مستند الشيعة: ج 16/123.

والحاكم

ولاية الحاكم على المجنون والصبيّ

(و) الموضع السادس: في ولاية (الحاكم) على التزويج، والكلام فيها في موردين:

الأوّل: في الولاية على المجنون.

الثاني: في الولاية على الصبي.

أمّا المورد الأوّل: فإنْ كان للمجنون وليٌّ من الأب والجَدّ، أو الوصيّ على القول بثبوت الولاية له، لا يكون للحاكم الشرعي ولاية عليه.

وإنْ لم يكن له وليٌّ ، فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم في ولاية الحاكم على تزويجه.

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه، بل الظاهر كونه مجمعاً عليه)(1).

وفي «المستند»: (بلا خلافٍ بين علمائنا يُعلم، كما في «التذكرة»(2)، بل بالإجماع كما قيل)(3).

وقد ذكره جمعٌ من الفقهاء على نحوٍ يظهر أنّه من المسلّمات، راجع «الشرائع»(4)، و «القواعد»(5)، وغيرهما(6).

ص: 219


1- جواهر الكلام: ج 29/189.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/592 (ط. ق).
3- مستند الشيعة: ج 16/143.
4- شرائع الإسلام: ج 2/502-503.
5- قواعد الأحكام: ج 3/12.
6- كمسالك الأفهام: ج 7/146-147، جامع المقاصد: ج 12/96-97.

ويمكن أنْ يستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: كون ذلك من الاُمور الحسبيّة، أي الاُمور التي نعلم أنّ الشارع الأقدس يريد تحقّقها، وتولّي ذلك في الجملة والقدر المتيقّن منه، أنْ يكون من الحاكم، أو بإذنه مع الإمكان.

وبالجملة: لا إشكال في أنّ للحاكم ولاية الحسبة، وكون ذلك من الاُمور الحسبيّة، ولكن الثابت بذلك هو الولاية على التزويج في صورة الحاجة الشديدة، والضرورة القصوى كما لا يخفى .

الوجه الثاني: النبويّ المرويّ في كتب أصحابنا - المنجبر ضعفه بالاشتهار -:

«السلطان وليُّ مَن لا وليّ له»(1).

وفي «الجواهر»: (إنّ هذه القاعدة استغنت عن الجابر في خصوص الموارد نحو غيرها من القواعد)(2).

تقريب الاستدلال: أنّه يدلّ على ثبوت الولاية على مَن لا وليّ له في التصرّفات، المتوقّف نفوذها على إذن الوليّ ، لمن له السلطنة، والنائب العام في زمان الغيبة كذلك.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ النائب العام - وهو المجتهد الجامع للشرائط - بناءً على المختار من عدم ثبوت السلطنة له، على نحو ما للإمام عليه السلام، وإنّما هو مرجعٌ في الأحكام والقضاء ووليّ الحسبة، كما حُقّق في محلّه، لا يصدق عليه السلطان، بل8.

ص: 220


1- التذكرة: ج 2/592، رواه أبو داود في سننه: ج 1/481، وابن ماجة تحت رقم 1789.
2- جواهر الكلام: ج 29/188.

الظاهر ولا أقلّ من المحتمل أنّ المراد بالسلطان هو الإمام، فلا يصحّ الاستدلال به، وأدلّة نيابة الفقيه قد حُقّق في محلّه أنّها لا تدلّ على ثبوت جميع مناصب الإمام له.

الوجه الثالث: أنّ الحاكم وليُّ المجنون في ماله بلا خلافٍ ، ويدلّ عليه:

1 - صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الذي بيده عُقدة النكاح ؟

قال: هو الأب والأخ والرّجل يُوصى إليه، والذي يجوز أمره في مال الإمرأة فيبتاع لها ويشتري»(1) الحديث.

ولا يضرّ اختصاصه بالمرأة، لعدم القول بالفصل بينها وبين الرّجل.

2 - وما دلّ على أنّ من بيده عُقدة النكاح، هو وليّ أمرها، كصحيح عبد اللّه بن سنان: «فإنّ الحاكم وليّ أمر المجنونة والمجنون»(2).

الوجه الرابع: أنّ الظاهر كون ذلك - أي تزويج المجنون والمجنونة اللّذين لا وليّ لهما، سيّما مع الحاجة الشديدة - من مناصب القضاة، وعليه فمقتضى قوله عليه السلام في خبر أبي خديجة: «فإنّي قد جعلته قاضياً»(3)، ثبوت هذا المنصب، كغيره من مناصب القضاة للفقيه، وكذا قوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»(4).

وعليه، فالأظهر ثبوت الولاية له عليه، والأحوط اشتراط الحاجة إليه، أو قضاء المصلحة اللّازمة المراعاة.

وأمّا المورد الثاني: فإنْ كان للصَّبي أبٌ أو جدّ، فلا كلام ولا إشكال في عدم6.

ص: 221


1- التهذيب: ج 7/393 ح 49، وسائل الشيعة: ج 20/283 ح 25634.
2- التهذيب: ج 7/392 ح 46، وسائل الشيعة: ج 20/282 ح 25632.
3- الفقيه: ج 3/2 ح 3216، وسائل الشيعة: ج 27/12 ح 33083.
4- الكافي: ج 7/412 ح 5، وسائل الشيعة: ج 27/136 ح 33416.

ولاية الحاكم على تزويجه.

وإنْ لم يكن له أبٌ ولا جَدّ، فالمشهور(1) بين الأصحاب أنّه ليس للحاكم ولاية على نكاحه، بل قال الشيخ الأعظم رحمه الله أنّه: (لا يبعد كونه إجماعيّاً)(2)، والظاهر أنّه كذلك، مع عدم الحاجة إليه، للأصل بعد عدم الدليل.

أقول: إنّما الكلام في ولايته مع الحاجة إليه بغير الوطء، ولا يظهر من الأصحاب إفتائهم بعدم ثبوت الولاية، حتّى في هذا الفرض النادر، ولذا استدلّوا له بعدم الحاجة.

وكيف كان، فمع الحاجة الشديدة، فإنّ مقتضى خبري أبي خديجة وابن حنظلة ثبوتها، لأنّه حينئذٍ من وظائف القضاة، كما أنّ مقتضى كونها حينئذٍ من الاُمور الحسبيّة ذلك، فإنّ الحاكم وليُّ الحِسبة، وأيضاً مقتضى ما دلّ على أنّ النكاح بيد الوليّ في المال المتقدّم ذلك، فإنّ الحاكم وليّه في ذلك.

نعم، بإزاء جميع ذلك صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«في الصّبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟

فقال: إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم»(3).

يدلّ على عدم ثبوتها له، فإنّ مفهومه نفي التوارث إذا كان المتولّي للتزويج غير الأب، ويعضد هذا المفهوم كونه في مقام التفصيل وهو قاطعٌ للشركة.

وكذا يدلّ على العدم صحيح الحَذّاء، الدالّ على أنّه إذا زوج الصغير غير7.

ص: 222


1- الحدائق الناضرة: ج 23/237.
2- كتاب النكاح: ص 149.
3- التهذيب: ج 7/388 ح 32، وسائل الشيعة: ج 21/292 ح 25657.

الأب، توقّف التوارث بعد موت أحدهما على بلوغ الآخر وإجازته(1).

وما في «الجواهر»: (من أنّ المراد بهذه الأخبار، أنّ العقد إنْ كان ممّن له الولاية مضى، وإلّا كان فضولاً، ولهذا اقتصر فيه على الأب)(2).

يرد عليه: أنّ حمل القيد على كونه من باب المثال خلاف الظاهر، لا يصار إليه إلّا مع القرينة، وعدم ذكر الجَدّ لا يصلح لذلك، لاحتمال إرادته من الأب، مع أنّه يقيّد إطلاق مضمونهما من عدم الولاية لغير الأب بالإجماع، والنصوص الخاصّة، وبهذين الخبرين يخرج عن الأدلّة المُثبتة.

وعليه، فالأظهر هو عدم ثبوت الولاية للحاكم على نكاح الصبي.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه من المقطوع به من مذاق الشارع صحّة العقد للصبي مع الضرورة، ولا يكون ذلك مستثنىً من ولاية الحِسبة، وليس ذلك ببعيد.

***9.

ص: 223


1- الكافي: ج 5/401 ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32862.
2- جواهر الكلام: ج 29/188-189.

والوصي على المجنون البالغ، ذكراً كان أو اُنثى ، مع المصلحة.

للوصي أن يزوّج المجنون

(و) الموضع السابع: في ولاية الوصيّ :

ففي المتن حَكَم المصنّف بثبوت الولاية ل (الوصيّ على المجنون البالغ، ذكراً كان أو اُنثى مع المصلحة)، وهو المنسوب إلى المشهور(1) في صورة ما ا ذا بلغ فاسد العقل.

وفي «الجواهر»: (بل نَفى بعضهم الخلاف عن ثبوتها في ذلك، بل عن ظاهر «الكفاية»(2) الإجماع عليه، بل عن القطيفي دعواه صريحاً)(3)، انتهى .

أقول: وقد استدلّ لثبوت الولاية له عليه بوجوه:

الوجه الأوّل: الضرورة وعجز المحتاج عن المباشرة، وعدم زوال العُذر، وخوف الوقوع في الزِّنا، والمَرض.

وفيه: إنّ ما ذُكر يُثبت ولاية الحِسبة على الحاكم الشرعي، لا ولاية الوصي.

الوجه الثاني: استصحاب الولاية إلى ما بعد البلوغ إذا بلغ فاسد العقل.

وفيه أوّلاً: أنّ الاستصحاب في الأحكام الكليّة غير جارٍ، كما حُقّق في محلّه.

ص: 224


1- نسبه في الحدائق الناضرة: ج 23/240-241 إلى المشهور بين المتأخّرين، وقال الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح ص 148: (واعلم أنّ معظم من أنكر ولاية الوصي مطلقاً ذهب إلى أنّه يثبت ولايته على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة إلى الضرورة).
2- راجع كفاية الأحكام: ص 156 حيث لم يذكر أيّ إجماع.
3- جواهر الكلام: ج 29/191.

وثانياً: سيأتي الكلام في ولايته على الصغير.

الوجه الثالث: عمومات الوصيّة، وسيجيء الكلام فيها في ولايته على الصبي.

وعليه، فالأظهر أنّه على القول بعدم ولايته على الصبي، يتعيّن القول بذلك في المجنون.

وأمّا الصَّبي: ففيه أقوال:

القول الأوّل: نفي الولاية مطلقاً، اختاره في «المبسوط»(1)، و «الشرائع»(2)، و «النافع»(3)، و «القواعد»(4)، و «التذكرة»(5)، و «اللُّمعة»(6)، و «الكفاية»(7)، بل هو المشهور كما في «المسالك»(8)، و «الروضة»(9).

القول الثاني: ثبوتها كذلك، وهو للمبسوط أيضاً، وعن «المختلف»(10)، و «شرح الإرشاد» للشهيد(11)، و «الروضة»(12).

القول الثالث: ثبوتها إذا نصّ الموصى على النكاح وعدمه بدونه، وهو المحكيّ عن8.

ص: 225


1- المبسوط: ج 4/59.
2- شرائع الإسلام: ج 2/503.
3- المختصر النافع: ص 173.
4- قواعد الأحكام: ج 3/12.
5- تذكرة الفقهاء: ج 2/592 (ط. ق).
6- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 161.
7- كفاية الأحكام: ص 156.
8- مسالك الأفهام: ج 7/148.
9- الروضة البهيّة: ج 5/118.
10- مختلف الشيعة: ج 7/126-127 قوله: (والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف).
11- غاية المراد: ج 3/49-50.
12- الروضة البهيّة: ج 5/118.

«الخلاف»(1)، و «الجامع»(2)، والمحقّق الثاني(3) وغيرهم(4)، كماقاله صاحب «المستند»(5).

ويشهد للأوّل:

1 - أصالة عدم الولاية.

2 - صحيح محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام: «فى الصبى يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟

فقال: إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم»(6).

فإنّ مفهومه نفي التوارث إذا كان المتولي للتزويج غير الأب، وإنْ كان هو الوصيّ ، أضف إلى أنّ ذلك من قبيل مفهوم الشرط الذي نقول به، كما أنّ استفصال المعصوم عليه السلام لإطلاق كلام السائل شاهدٌ على ذلك، لأنّ التفصيل قاطع للشركة، ففي الحقيقة تكون دلالته بحسب المنطوق أيضاً.

وبذلك ظهر دلالة خبر الحذّاء الدالّ على أنّه إذا زوّج الصغيرَ غير الأب، وقف التوارث بعد موت أحدهما على بلوغ الباقي وإجازته للنكاح(7).

3 - وصحيح محمّد بن اسماعيل بن بزيع، قال: «سأله رجلٌ عن رجلٍ مات وترك أخوين وابنة والبنت صغيرة، فعمد أحد الأخوين الوصيّ فزوّج الابنة من ابنه، ثمّ مات أبو الابن المزوّج، فلمّا أن مات قال الآخر: أخي لم يزوّج ابنه، فزوّج2.

ص: 226


1- الخلاف: ج 4/254 كتاب النكاح مسألة 9.
2- الجامع للشرائع: ص 438 قوله: (ولا يدخل النكاح في إطلاق الوصيّة).
3- جامع المقاصد: ج 12/99.
4- كالتنقيح الرائع: ج 3/33.
5- مستند الشيعة: ج 16/139.
6- التهذيب: ج 7/388 ح 32، وسائل الشيعة: ج 20/292 ح 25657.
7- الكافي: ج 5/401 ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32862.

الجارية من ابنه، فقيل للجارية: أيّ الزوجين أحبّ إليكِ الأوّل أو الآخر؟ قالت: الآخر.

ثمّ إنّ الأخ الثاني ماتَ وللأخ الأوّل ابنٌ أكبر من ابن المزوّج، فقال للجارية:

اختاري أيّهما أحبّ إليكِ الزوج الأوّل أو الزوج الآخر؟

فقال: الرواية فيها أنّها للّزوج الأخير، وذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها»(1).

وإيراد صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله:

تارةً : بأنّه مضمر.

واُخرى : بأنّ نسبة ذلك إلى الرواية مشعرة بالتقيّة، لو فرض كونه من الإمام عليه السلام.

وثالثة: بأنّ التعليل عليل.

ورابعة: بعدم ثبوت كون الأخ وصيّاً على نكاح البنت.

غير تامّ : إذ القطع من مثل ابن بزيع الذي هو من أجلّاء الأصحاب، ولا يروي عن غير المعصوم قطعاً، لا يقدح في الحُجيّة، والإشعار بالتقيّة لا يوجبُ وهناً في الخبر، مع أنّ التقيّة في خلاف الخبر لا في مضمونه، والتعليل متينٌ ، فإنّ مفهومه أنّ العقد كان بإمضائها في حال كبرها، وعدم الاستفصال يكفي في شمول الخبر لما إذا كان وصيّاً على النكاح.

ويشهد به أيضاً: النصوص الظاهرة في نفي الولاية على المرأة عن غير الأب:0.

ص: 227


1- الكافي: ج 5/397 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/282 ح 25631.
2- جواهر الكلام: ج 29/190.

1 - صحيح محمّد، عن أحدهما عليه السلام: «يستأمرها كلّ أحدٍ ما عدا الأب»(1).

2 - صحيح ابن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «تستأمر البِكْر وغيرها ولا تنكح إلّابأمرها»(2).

ونحوهما غيرهما.

وقد استدلّ للثاني:

1 - بصحيحي أبي بصير، ومحمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الذي بيده عُقدة النكاح ؟

قال عليه السلام: هو الأب والأخ والرّجل يوصى إليه، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري، فأيّ هؤلاء عفا فقد جاز»(3).

2 - ونحوه صحيح الحلبي وأبي بصير وسماعة جميعاً عن الإمام الصادق عليه السلام(4).

3 - وحسن الحلبي أو صحيحه(5).

وتقريب الاستدلال بها: أنّ الظاهر كون المراد ب (من بيده عُقدة النكاح) مَنْ له الولاية عليه مستقلّاً، وب (الذي يجوز أمره في مال المرأة) مَنْ له الولاية في غير النكاح من العقود والإيقاعات والعطيّات وما شاكل، فتدلّ هذه الأخبار على ثبوت الولاية للوصي.2.

ص: 228


1- الكافي: ج 5/393 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25611.
2- التهذيب: ج 7/380 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/271 ح 25603.
3- التهذيب: ج 7/393 ح 49 وص 484 ح 154، وسائل الشيعة: ج 20/283 ح 25634 و 25635.
4- الكافي: ج 5/106 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/315 ح 27172.
5- الكافي: ج 5/106 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/315 ح 27172.

والإيراد عليها: بأنّ مقتضى إطلاقها أنّ المراد بالعقود عليها أعمٌّ من الكبيرة والصغيرة، ولا ريب في عدم ولاية الوصي على الكبيرة.

يندفع: بأنّه يقيّد الإطلاق بالنصوص الدالّة على أنّه لا ولاية لغير الأب على الكبيرة المتقدّمة.

كما أنّ الإيراد عليها: بأنّ ذكر الأخ في تلك النصوص ممّا يستوجب القصور في الدلالة، لاحتمال إرادة الوكيل من الأخ والموصى إليه لا مطلقاً.

مندفع: بأنّ الظاهر منها إرادة من بيده عُقدة النكاح بأصل الشرع، وكون ذلك على وجه اللّزوم والتعيّن، غاية الأمر في خصوص الأخ دلّت الأدلّة على عدم ثبوت الولاية له، فتُحمل بالنسبة إليه خاصّة على إرادة الأحقيّة والأولويّة.

ولعلّه إلى هذا نظر صاحب «الجواهر» رحمه الله، حيث قال: (إنّ الاشتمال على ذكر الأخ لا يُسقط النَّص عن الحجيّة في غيره)(1).

ويمكن أنْ يكون نظره الشريف إلى أنّ هذه الجملة من النَّص غير معمولٍ بها، وهذا لا يضرّ بحجيّته في غيرها.

أقول: ولكن يرد على الاستدلال بها، أنّها وإنْ كانت أخصّ من جميع ما تقدّم من النصوص الدالّة على القول الأوّل عدا صحيح ابن بزيع، ولكنّها معارضة معه وهو يقدّم للأشهريّة.

4 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «الذي بيده عُقدة النكاح هو وليّ أمرها»(2).2.

ص: 229


1- جواهر الكلام: ج 29/190.
2- التهذيب: ج 7/392 ح 46، وسائل الشيعة: ج 20/282 ح 25632.

بتقريب: أنّ المراد من (وليّ أمرها) في غير النكاح، وإلّا لزم التفسير بما يساوي المفسّر في الإجمال، ولا ريب أنّ الوصي على الصغيرة وليّ أمرها في غير النكاح، فيكون عُقدته بيده.

ولكن النسبة بينه وبين النصوص المستدلّ بها للقول الأوّل عدا صحيح ابن بزيع، عمومٌ من وجه، والترجيح معها للشهرة، والنسبة بينه وبين صحيح ابن بزيع عمومٌ مطلق، فيقيّد إطلاق صحيح ابن سنان به.

واستدلّ للقول الثالث: وهو عدم الجواز مع عدم نصّ الوصي عليه بما تقدّم، وبجوازه مع نصّه عليه بوجوه:

الوجه الأوّل: قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (1).

فإنّ حرمة تبديل الوصيّة مستلزمة لتحقّق الولاية بتولية الموصي.

وأورد عليه سيّد الرياض والمحقّق النراقي: بأنّ الضمير في (بَدَّلَهُ ) راجعٌ إلى الإيصاء للوالدين والأقربين بما ترك من الخير(2)، المتقدّم ذكرهما في آية الوصيّة(3)، فلا يعمّ مطلق التبديل.

واُجيب عنه: بأنّه في كثيرٍ من النصوص استدلّ الإمام عليه السلام بهذه الآية في أحكامٍ كثيرةٍ من الوصاية، وهو دليلٌ على عدم الاختصاص بالمورد، فلابدَّ من إرجاع ضمير (بَدَّلَهُ ) إمّا إلى مطلق الإيصاء، وإمّا إلى خصوص الإيصاء للوالدين والأقربين، لكن مع إناطة حكم الإثم بأصل تبديل الإيصاء لا خصوص هذا الإيصاء، بأن يُجعل المورد خاصّاً والمناط عامّاً.0.

ص: 230


1- سورة البقرة: الآية 181.
2- رياض المسائل: ج 10/108 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 16/140-141.
3- سورة البقرة: الآية 180.

ولذا قال الشيخ الأعظم: (الإنصاف أنّ الآية ظاهرة في المُدّعى، ولو بمعونة الأخبار المشتملة على الاستدلال بها)(1).

أقول: الظاهر أنّ الآية بحسب ظهورها الأوّلي خاصٌ من جهتين:

من جهة الاختصاص بالوالدين والأقربين.

ومن جهة الاختصاص بكون الموصى به ما ترك من الخير.

والأخبار تصلح شاهدة للتعميم من الجهة الأُولى ، وأمّا من الجهة الثانية فلا قرينة لصرف الآية عن ظاهرها.

ودعوى: أنّ ولاية الأب نفسها من الخير، وهى مع التفويض تنتقل فلا تنقطع بالموت.

ممنوعة: لأنّ تلك الولاية لا تكون باقية قطعاً، فلو ثبت فإنّما هي فردٌ آخر من الولاية، مع أنّ بقائها بالوصيّة أوّل الكلام، وهو مفروضُ التحقّق في الآية، فلا يمكن إثباته بها.

الوجه الثاني: قوله تعالى : (وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) (2)بدعوى أنّ التزويج مع المصلحة إصلاح.

وفيه أوّلاً: أنّه غير مختصّ بالوصي، بل هو شاملٌ لجميع المكلّفين.

وثانياً: أنّه يدلّ على أنّ ما هو إصلاحٌ لهم خير، وأمّا كون شيء إصلاحاً فهو لا يدلّ عليه، والكلام في أنّ تزويج الوصي الصّبي هل هو نافذٌ ليكون إصلاحاً، أم لا فلا يكون إصلاحاً.

الوجه الثالث: أنّ الوصيّة بالمال نافذة بالنسبة إليه، فكذلك في النكاح.0.

ص: 231


1- كتاب النكاح: ص 144.
2- سورة البقرة: الآية 220.

وفيه: أنّ التلازم غيرُ ثابتٍ ، والقياسُ باطل.

الوجه الرابع: عموم ما دلّ من النصوص على نفوذ الوصيّة:

منها: مكاتبة الصفّار إلى الإمام العسكري عليه السلام: «رجلٌ أوصى بثُلث ماله في مواليه ومولياته، الذكر والاُنثى فيه سواء، أوللذّكر مثل حَظّ الانثيين من الوصيّة ؟

فوقّع عليه السلام: جائزٌ للميّت ما أوصى به على ما أوصى إنْ شاء اللّه»(1).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ أوصى إلى رجلٍ بولده وبمالٍ لهم، وأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال وأنْ يكون الرّبح بينه وبينهم ؟

فقال: لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حَيّ »(2).

دلّ بمقتضى عموم العلّة على أنّ كلّ ما أذن فيه أبو الصغير في حال حياته، فهو نافذٌ ماضٍ بعد ممّاته، ومنه إذنه للوصيّ في تزويج صغيره وتوليته له فيه.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ الظاهر منها اختصاصها بالقيود المقوّمة للوصيّة، الراجعة إلى أنحاء الوصيّة، نظير قوله عليه السلام: «الوقوفُ على حَسب ما يقفها أهلها»، فلا تدلّ على نفوذ الوصيّة بكلّ ما تعلّقت، مع أنّه دلّت الآية الكريمة على عدم نفوذ الوصيّة لو كان من الجَنَف المتعلّق بالغير(3).

أقول: ويمكن دعوى كون الإيصاء بتزويج صغيرٍ، كالإيصاء بتزويج غيره من الأجانب من الجَنَف، ففي صحيح أبي أيّوب، عن محمّد بن سوقة، عن الباقر عليه السلام:).

ص: 232


1- الفقيه: ج 4/209 ح 5485، وسائل الشيعة: ج 19/394 ح 24832.
2- الكافي: ج 7/62 ح 19، وسائل الشيعة: ج 19/427 ح 24885.
3- إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة آية 182: (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ).

«عن قول اللّه تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ ...) إلخ ؟

قال عليه السلام: نَسَختها الآية التي بعدها، قوله عزّ وجلّ : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) ، إلى أنْ قال: يعني الموصى إليه إنْ خاف جنفاً من الموصي فيما أوصى به إليه ممّا لا يرضى اللّه عزّ ذكره من خلافِ الحقّ ، فلا إثم عليه»(1) الحديث.

ويرد على الثاني: - مضافاً إلى ذلك - أنّه مختصٌّ بالوصيّة بالمال الذي ثبت بالدليل أنّ له الإيصاء به، لقوله عليه السلام: «في ذلك» فلا وجه للتعدّي.

فتحصّل: أنّ الأظهر النفي مطلقاً، كما هو المشهور بين الأصحاب.

***6.

ص: 233


1- الكافي: ج 7/21 ح 2، وسائل الشيعة: ج 19/351 ح 24746.

ويقفُ عقد غيرهم على الإجازة،

نكاح الفضولي

ويلحق بهذا الفصل مسائل:

المسألة الأُولى: إذا عقد أحدٌ من الأولياء، الثابت ولايتهم، صَحّ العقد، (ويقف عقد غيرهم على الإجازة)، ويصحّ بها في الحُرّ والعبد، كما عن المفيد(1)، والسيّد(2)، والشيخ في جملةٍ من كتبه(3)، والديلمي(4)، والقاضي(5)، والحلبي(6)، والحِلّي(7)، والمحقّق(8)، والمصنّف(9) وجمعٌ ممّن تأخّر عنه(10).

وفي «الجواهر»: (بل المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخّرين، بل في «الناصريّات» الإجماع عليه، بل من أنكر الفضولي في غير النكاح أثبته هنا للإجماع والنصوص)(11).

ص: 234


1- المقنعة: ص 511.
2- الناصريّات: ص 332 المسألة 155.
3- النهاية: ص 467، التهذيب: ج 7/386، الاستبصار: ج 3/239.
4- المراسم: ص 150.
5- المهذّب: ج 2/197.
6- الكافي في الفقه: ص 292 الضرب الأوّل من الأحكام.
7- السرائر: ج 2/564-565.
8- شرائع الإسلام: ج 2/504 الفصل الثالث: في أولياء العقد.
9- قواعد الأحكام: ج 3/14.
10- كابن فهد في المهذّب البارع: ج 3/230، الكركي في جامع المقاصد: ج 12/150-151، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 7/159.
11- جواهر الكلام: ج 29/201.

ويشهد به: - مضافاً إلى أنّ صحّة عقد الفضولي ولزومه مطلقاً ممّا يقتضيه العمومات، مثل قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) وغيره على ما مرَّ الكلام فيه مفصّلاً في مبحث بيع الفضولي من هذا الشرح(2) - طوائف من النصوص:

منها: ما هو مختصٌّ بالحُرّ:

1 - صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ زوّجته اُمّه وهو غائب ؟

قال عليه السلام: النكاح جائزٌ إنْ شاء المتزوّج قَبل، وإنْ شاءَ تَرك، فإنْ ترك المتزوّج تزويجه فالمَهر لازم لاُمّه»(3).

2 - صحيح ابن بزيع المتقدّم في تزويج الوصيّ (4).

3 - صحيح الحذّاء المتقدّم(5)، الدالّ على أنّه إذا زوّج الصغيرين غير أبيهما، وقف التوارث بعد موت أحدهما على بلوغ الباقي وإجازته للنكاح، ونحوهاغيرها.

ومنها: ما ورد في العبيد والإماء:

1 - مصحّح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن مملوكٍ تزوّج بغير إذن سيّده ؟ فقال عليه السلام: ذاك إلى سيّده، إنْ شاء أجازه، وإنْ شاءَ فرّق بينهما.

قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحَكَم بن عُيينة وإبراهيم النَخَعي وأصحابهما يقولون إنّ أصل النكاح فاسدٌ ولا تحلّ إجازة السيّد له!2.

ص: 235


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- فقه الصادق: ج 23/131.
3- الكافي: ج 5/401 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/280 ح 25629.
4- الكافي: ج 5/397 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/282 ح 25631.
5- الكافي: ج 5/401 ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32862.

فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّه لم يَعصِ اللّه وإنّما عَصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1) ونحوه خبره الآخر(2).

2 - صحيح معاوية بن وهب، قال: «جاء رجلٌ إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: إنّي كنتُ مملوكاً لقومٍ ، وإنّي تزوّجتُ امرأة حُرّة بغير إذن مواليّ ، ثمّ أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين اُعتقت ؟

فقال له: أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأةً وأنت مملوك لهم ؟ فقال: نعم، وسكتوا عنّي ولم يغيّروا عَليَّ .

قال عليه السلام: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرارٌ منهم، اثبتْ على نكاحك الأوّل»(3).

ونحوه خبر الحسن بن زياد الطائي عنه عليه السلام(4).

3 - وخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، أنّه قال لعبدٍ تزوّج بغير إذن سيّده، وقال له السيّد طلّق: «أمّا الآن فإنْ شئتَ فطلّق، وإنْ شئتَ فامسك.

فقال السيّد: يا أمير المؤمنين عليه السلام، أمره كان بيدي فجعلته بيد غيري ؟!

قال عليه السلام: ذلك لأنّك حين قلت له طلّق أقررتَ له بالنكاح»(5).

وعن الشيخ في «الخلاف»(6) و «المبسوط»(7): بطلان نكاح الفضولي مطلقاً.ك.

ص: 236


1- الكافي: ج 5/478 ح 3 و 2، وسائل الشيعة: ج 21/114-115 ح 26666 و 26667.
2- الكافي: ج 5/478 ح 3 و 2، وسائل الشيعة: ج 21/114-115 ح 26666 و 26667.
3- الكافي: ج 5/478 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/117 ح 26671.
4- التهذيب: ج 7/343 ح 37، وسائل الشيعة: ج 21/118 ح 26673.
5- وسائل الشيعة: ج 21/118 ح 26674.
6- المبسوط: ج 4/257، كتاب النكاح، المسألة 11.
7- المبسوط: ج 4/163 فصل: في ذكر أولياء المرأة والمماليك.

وعن فخر المحقّقين(1): فساد عقد الفضولي في جميع العقود التي منها النكاح.

واستدلّ له: - مضافاً إلى الوجوه التي ذكروها لبيان فساد عقد الفضولي مطلقاً، وقد ذكرناها مع أجوبتها في كتابنا «منهاج الفقاهة»(2) المطبوع - بجملةٍ من النصوص المتضمّنة لفساد النكاح بغير إذن الوليّ أو المولى أو إذنها:

1 - خبر البقباق، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: يتزوّج الرّجل بالأمَة بغير علم أهلها؟

قال عليه السلام: هو زنا، إنّ اللّه تعالى يقول: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ (3)) »(4).

ونحوه خبره الآخر(5).

2 - وخبر فضل بن عبد الملك(6)، وخبر أبي بصير(7).

3 - صحيح ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّابإذن آبائهن»(8) ونحوه غيره.

4 - صحيح منصور بن حازم، عنه عليه السلام: «تستأمر البِكْر وغيرها ولا تنكح إلّا بأمرها»(9) ونحوه غيره.

ولكن يرد على الطائفة الأُولى: أنّ الظاهر من الأسئلة فيها السؤال عن صحّة6.

ص: 237


1- إيضاح الفوائد: ج 3/27.
2- راجع: منهاج الفقاهة: ج 4/9.
3- سورة النساء: الآية 25.
4- الفقيه: ج 3/451 ح 4560، وسائل الشيعة: ج 21/119 ح 26676.
5- الكافي: ج 5/479 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/120 ح 26678.
6- الكافي: ج 5/479 ح 2، وسائل الشيعة: ج 21/120 ح 226678.
7- التهذيب: ج 7/335 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/120 ح 26679.
8- الفقيه: ج 3/395 ح 4390، وسائل الشيعة: ج 20/277 ح 25603.
9- التهذيب: ج 7/380 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/271 ح 256.

العقد بدون الإذن والإجازة، فلا تشمل صورة وقوع الإجازة.

مع أنّه لو سُلّم عمومها، يتعيّن حملها على ذلك، جمعاً بينها وبين ما تقدّم.

ويرد على الطائفتين الأخيرتين: أنّهما تدلّان على اعتبار الإذن، ولا تدلّان على لزوم سبقه على النكاح، مع أنّ النكاح الفضولي إنّما ينتسب إلى المُجيز من حين إجازته إيّاه، وبها يصير العقد عقده، وفي ذلك الحين يكون النكاح نكاحاً صادراً وواقعاً عن الإذن.

وعليه، فالأظهر هو صحّة نكاح الفضولي مع الإجازة.

وعليه، فهل يصحّ نكاح الفضولي مطلقاً - أي من كلّ من كان غير الوليّ والوكيل، سواءٌ أكان قريباً أو أجنبيّاً، بل الصادر منهما على غير الوجه المأذون فيه من اللّه تعالى ، كما لو تعدّى الوكيل عمّا عيّنه الموكّل، أو أوقع الوليُّ العقد الذي فيه المفسدة - أو يختصّ بالبعض ؟

أقول: المشهور بين الأصحاب هو الأوّل، وعن ابن حمزة اختصاصه بتسعة مواضع:

1 - عقد البِكْر الرشيدة مع حضور وليّها.

2 - عقد الأبوين على الابن الصغير.

3 - عقد الجَدّ مع عدم الأب.

4 - عقد الأخ والاُمّ والعمّ على الصبيّة.

5 - تزويج الرّجل عبد غيره بغير إذن سيّده(1).

6 - تزويجه من نفسه بغير إذن سيّده.0.

ص: 238


1- الوسيلة: ص 300.

لتوقيفيّة العقود، واختصاص الأخبار بهذه المواضع، ولا دليل في غيرها، ومالَ إليه المحقّق النراقي(1) رحمه الله.

وفيه أوّلاً: ما أشرنا إليه من أنّ صحّة عقد الفضولي ممّا تقتضيه العمومات، وفي تلك لا فرق بين التسعة وغيرها.

وثانياً: أنّه يتعدّى عرفاً عن مورد النصوص، لعدم الخصوصيّة عرفاً.

وثالثاً: أنّ مقتضى عموم العلّة في مصحح زرارة وخبره الواردين في نكاح العبد بغير إذن سيّده إنّه: «لم يَعصِ اللّه وإنّما عَصى سيّده، فإذا أجاز جاز» هو صحّة نكاح الفضولي مطلقاً.

أقول: ولا يعتبر في الإجازة لفظٌ خاص، بل تقع بكلّ ما دلّ على إنشاء الرّضا بذلك العقد، لإطلاق أدلّة الصحّة، بل تقع بالفعل الدالّ عليها أيضاً، للإطلاق، ولصحيح ابن وهب المتقدّم في أدلّة صحّة عقد الفضولي.

وقد وقع الكلام في أنّ الإجازة في المقام كما في البيع، هل تكون كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه، ليجب ترتيب الآثار من حينه ؟

أو تكون ناقلة ؟ على أقوال أربعة:

القول الأوّل: الكشف الحقيقي، والمراد منه:

1 - إمّا أن يكون العقد تمام السبب المؤثّر، ولا دخل للإجازة في سببيّته، وإنّما لها الدخل في الكشف عن ثبوت الأثر حينه، كما عن «جامع المقاصد»(2).9.

ص: 239


1- مستند الشيعة: ج 16/178.
2- حكاه عنه في مستمسك العروة الوثقى: ج 14/498-499.

2 - أو يكون الشرط هو الرّضا التقديري، وهو حاصلٌ كما عن المحقّق الرشتي(1).

3 - أو يكون الشرط هو الوصف الانتزاعي، وهو تعقّب الإجازة ولحوقها كما عن جماعةٍ .

4 - أو يكون الإجازة شرطاً بنحو الشرط المتأخّر، كما عن صاحب «الجواهر»(2).

القول الثاني: الكشف الحكمي بجعل العقد نافذاً من حينه حكماً لا حقيقة.

القول الثالث: الكشف الانقلابي، بمعنى أنّ العقد غير مؤثّرٍ إلى حين الإجازة، فإذا لحقه الإجازة انقلب وأثّر من حينه، وترتّب عليه مضمونه من حين وقوع العقد.

القول الرابع: النقل.

وقد أشبعنا الكلام في بطلان الكشف الحقيقي بجميع معانيه، والكشف الحكمي والنقل في مبحث البيع الفضولي من هذا الشرح(3)، وأثبتنا صحّة الكشف الانقلابي، وأنّه هو الذي يقتضيه ظاهر الأدلّة والأرتكاز العرفي، ويشهد لكونها كاشفة في المقام صحيح الحذّاء الحاكم بالتوارث مع لحوق الإجازة(4).

***2.

ص: 240


1- حكاه عنه في مستمسك العروة الوثقى: ج 14/499.
2- جواهر الكلام: ج 29/203.
3- فقه الصادق: ج 23/190، البيع الفضولي.
4- الكافي: ج 5/401 ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/229 ح 32862.

ويكفي فيها سكوتُ البِكْر.

سكوت البِكْر رضاها

(و) المسألة الثانية: (ويكفي فيها) أي في الإجازة (سكوت البِكْر) كما يكفي في الإذن ابتداءً ، كما هو المشهور بين الأصحاب(1) شهرة عظيمة، بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه إلّاعن الحِلّي قدس سره(2).

وعن «المبسوط»(3): (أنّه احتاط في استنطاقها).

أقول: والأصل في هذا الحكم نصوصٌ خاصّة:

منها: صحيح البزنطي، قال: «قال أبو الحسن عليه السلام في المرأة البِكْر إذنها صماتها، والثيّب أمرها إليها»(4).

ومنها: صحيح داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ يريد أن يزوّج اُخته ؟

قال عليه السلام: يؤأمرها، فإنْ سكتت فهو إقرارها، وإن أبَت لم يزوّجها»(5).

ونحوه مصحّح الحلبي(6).

ص: 241


1- جواهر الكلام: ج 29/203.
2- السرائر: ج 2/569.
3- المبسوط: ج 4/162-163.
4- الكافي: ج 5/394 ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/274 ح 25615.
5- الفقيه: ج 3/397 ح 4396، وسائل الشيعة: ج 20/274 ح 25616.
6- الكافي: ج 5/393 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/273 ح 25612.

ومنها: خبر الضحّاك بن مزاحم، قال: «سمعتُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول، وذكر حديث تزويج فاطمة عليها السلام، وأنّه طلبها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

إلى أنْقال: فقام - يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله - وهو يقول اللّه أكبر، سكوتها إقرارها»(1).

والمناقشة فيها: بأنّها في الإذن السابق، والمناط غير منقّح فيها.

أنّه لا خلاف في عدم الفرق بينه وبين الإجازة اللّاحقة، مع أنّ الصحيح الأوّل مطلق.

أقول: ينبغي التحقيق حول حقيقة السكوت:

فتارةً : يكون السكوت دالّاً قطعاً على الرّضا.

واُخرى : يكون السكوت مقروناً بقرائن توجبُ الظنّ بالرِّضا.

وثالثةً : لا تكون هناك قرينة على شيء من الرّضا وعدمه.

ورابعة: يكون مقروناً بقرائن موجبة للقطع بعدم الرّضا.

وخامسة: يكون مقروناً بما يوجب الظنّ بعدمه.

وسادسة: تتعارض فيه الأمارات.

وقد اختار صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله حجيّة السكوت في الصور الثلاث الاُول، وظاهر سيّد «العروة»(3) الاختصاص بالصورتين الأولتين، وظاهر سيّد «الرياض»(4) حجيّة ما عدا المقترن بما يدلّ على عدم الرّضا قطعاً.

أقول: وتنقيح القول يتحقّق ببيان أُمور:).

ص: 242


1- أمالي الطوسي: ص 39، وسائل الشيعة: ج 20/275 ح 25617.
2- جواهر الكلام: ج 29/204.
3- العروة الوثقى: ج 5/624 (ط. ج).
4- رياض المسائل: ج 10/114 (ط. ج).

وللمولى الولاية على مملوكه، ذكراً كان أو اُنثى مطلقاً،

الأمر الأوّل: أنّ المستفاد من جملة من النصوص، الاكتفاء بالسّكوت في الإجازة، ولو في غير الباكرة، لاحظ صحيح ابن وهب المتقدّم في أدلّة صحّة نكاح الفضولي، المتضمّن لصحّة عقد العبد بدون إذن مواليه بسكوتهم، وأنّ سكوتهم إقرارهم، ونحوه ما دلّ على أنّ المولى الذي قال لعبده المزوّج لنفسه فضولاً: طلّق، يكون ذلك إقراراً بالنكاح وقد مرّ(1)، وقد تقدّم في تلك المسألة كون ذلك على وفق القاعدة.

الأمر الثاني: أنّه في هذه النصوص لم ينزّل السكوت منزلة الرّضا، بل نُزّل منزلة الإقرار والإذن الكاشفين عنه، فلا وجه لتوهّم كونه بمنزلة الرّضا موضوعاً للصحّة واقعاً، بل الظاهر كونه موضوعاً للحجيّة.

الأمر الثالث: أنّ السكوت يعدّ من الأمارات العرفيّة، وعند أهل العرف يكون حجّة في الصورتين الأولتين، فعلى هذا يدور الأمر في هذه النصوص بين كونها إمضاءً لما عند العرف، فتختصّ حجيّته بالصورتين الأولتين، وبين كونها تأسيساً في مقابل ما عند العرف، فيعمّ الحجيّة جميع الصور عدا الرابعة.

والظاهر من كلام الشارع وإنْ كان هو التأسيس، ولكن فى باب العقود والإيقاعات لا يبعد دعوى الظهور في الإمضاء، ولا أقلّ من الاحتمال، فالمتيقّن هو حجيّته في الصورتين الأولتين.

(و) المسألة الثالثة: (للمولى الولاية على مملوكه، ذكراً كان أو اُنثى مطلقاً)».

ص: 243


1- قوله عليه السلام: «لأنّك حين قلت له طلّق أقررت له بالنكاح».

إجماعاً على الظاهر، للأخبار الكثيرة، وحيث أنّه لا موضوع لهذه المسألة في هذا العصر، فالإغماض عن التعرّض لها ولفرعها أولى .

***

ص: 244

ولا ولاية للأُمّ .

عدم ولاية الأُمّ على الصغير

المسألة الرابعة: (و) قد تقدّم أنّه (لا ولاية للاُمّ ) وأبيها على الولد مطلقاً، فلو زوّجت الولد فاجاز صَحّ مطلقاً، لكونه فضوليّاً، فيشمله عموم أدلّته، مضافاً إلى خبر محمّد الآتي.

ولو أنكر بطل مطلقاً إجماعاً(1)، وتبعه المَهر كذلك، لو كان المعقود عليه فضولاً اُنثى ، وهذه اُمورٌ لا خلاف فيها.

أقول: إنّما الكلام فيما لو كان المعقود عليه ولداً كبيراً:

فعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»(2) وأتباعه(3): أنّه إنْ ردّه لزم الاُمّ المَهر للمعقود عليها تماماً، وتردّد فيه في «الشرائع»(4).

ومدرك ا لشيخ في مقابل الاُصول والقواعد المقتضية لعدم لزومه عليها، خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«أنّه سأله عن رجلٍ زوّجته اُمّه وهو غائب ؟

قال عليه السلام: النكاح جائزٌ، إنْ شاء المتزوّج قَبل، وإنْ شاءَ ترك، فإنْ تَرَك المتزوّج

ص: 245


1- الناصريّات: ص 332 المسألة 155.
2- النهاية: ص 468.
3- كما في المهذّب: ج 6/196، إصباح الشيعة: ص 407 (الفصل الرابع).
4- شرائع الإسلام: ج 2/506.

تزويجه، فالمَهر لازم لاُمّه»(1).

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر ضعيفٌ لإسماعيل بن سهل(2).

وثانياً: إنّ الأصحاب أعرضوا عنه.

وثالثاً: أنّه يحتمل فيه ما أفاده سيّد «الرياض» بقوله: (إنّه يدلّ على خلافه، للتصريح فيه بأنّ المَهر لازمٌ لاُمّه، وهو غير لزومه عليها، فالمعنى حينئذٍ أنّه لا مهر عليها، بل لها استعادته مع الدفع، والامتناع منه مع عدمه، فعلى أيّ تقديرٍ هو لها)(3).

وقد حَمل الخبر على ما إذا دعت الوكالة عنه ولم تثبت، وعلّل لزوم المَهر عليها حينئذٍ بأنّها قد فوّتت البُضع على المرأة.

ولكن يرد التعليل: ما أفاده المحقّق والشهيد الثانيان، بأنّ ضمان البُضع بالتفويت مطلقاً ممنوعٌ ، وإنّما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقاً(4).

ويرد على الحمل المزبور: أنّه يأبى عنه ما دلّ من النصوص على ضمان نصف المهر بدعوى الوكالة، وتمام الكلام في مسألة الوكالة موكولٌ إلى محلّه من ذلك الكتاب(5).

***5.

ص: 246


1- الكافي: ج 5/401 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/280 ح 25629.
2- رجال النجاشي: ص 28 قوله: (ضعّفه أصحابنا).
3- رياض المسائل: ج 10/125 المسألة السادسة (ط. ج).
4- مسالك الأفهام: ج 5/195.
5- جامع المقاصد: ج 12/167، مسالك الأفهام: ج 7/195.

ويستحبُّ للبالغة أن تستأذن أباها، وإنْ تُوكِّل أخاها مع فقده،

استحباب إذن البالغة أباها

(و) المسألة الخامسة: (يستحبّ للبالغة ان تستأذن أباها) كما عن جماعةٍ (1).

واستدلّ له في «الرياض»:

1 - بما تقدّم من الأخبار المحمولة عليه.

2 - ولأنّ الأب في الأغلب أخبر بمن هو من الرجال أنسب(2).

ولكن يرد على الأوّل: ما تقدّم عند الجمع بين النصوص من عدم صحّة حملها على الاستحباب، مع أنّها مختصّة بالبِكْر، غير شاملة للثيّب.

ويرد على الثاني: أنّه لا يصلح مدركاً لإثبات حكم شرعي.

قيل: (و) يستحبّ (أن توكّل أخاها مع فقده) أي الأب، إذ عُلّل بعده في جملة من بيده عقدة النكاح فيما تقدّم من الأخبار المحمولة على التوكيل، ولكنّها غير مقيّدة بفقد الأب.

***

ص: 247


1- كالمحقّق في شرائع الإسلام: ج 2/505، العلّامة في تحرير الأحكام: ج 3/418 (ط. ج).
2- رياض المسائل: ج 10/126 (ط. ج).

وليس للوكيل أن يزوّجها من نفسه بغير إذنها،

تزويج الوكيل موكّلته من نفسه

(و) المسألة السادسة: لا إشكال ولا خلاف في أنّه (ليس للوكيل أن يزوّجها من نفسه بغير إذنها) بالعموم أو الخصوص.

إنّما الكلام في موردين:

الأوّل: في أنّه إذا وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها من نفسه، فهل يصحّ تزويجها منه أم لا؟

الثاني: فيما لو كانت الوكالة عامّة، ولم يصرّح فيها بنفسه ؟

أمّا المورد الأوّل: ففيه قولان:

القول الأوّل: الجواز، كما عن الإسكافي(1) والمحقّق في «الشرائع»(2)، والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(3) و «المختلف»(4) و «التذكرة»(5)، والشهيدين في «اللُّمعة»(6) و «الروضة»(7) و «المسالك»(8)، وسيّد «الرياض»(9)، وصاحب

ص: 248


1- كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/128.
2- شرائع الإسلام: ج 2/503.
3- قواعد الأحكام: ج 3/15.
4- مختلف الشيعة: ج 7/128.
5- تذكرة الفقهاء: ج 2/603 (ط. ق).
6- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 162.
7- الروضة الدمشقيّة: ج 5/122.
8- مسالك الأفهام: ج 7/152.
9- رياض المسائل: ج 10/110 (ط. ج).

«الجواهر»(1)، والمحقّق النراقي(2)، وغيرهم(3).

وفي «الرياض» و «المستند» نَسب ذلك إلى الأشهر، بل ظاهر قول السيّد في آخر كلامه: (ولولا الشُّهرة لتعيّن المصير إليها)(4)، كونه مشهوراً بين الأصحاب.

القول الثاني: المنع، ويظهر من «كشف اللّثام»(5) أنّه المشهور، فإنّه نسب الجواز إلى أبي عليّ والمحقّق لا غير.

يشهد للمنع: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد ابن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطي، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن امرأة تكون في أهل بيتٍ ، فتكره أن يعلم بها أهل بيتها، أيحلّ لها أن توكّل رجلاً يريد أن يتزوّجها، تقول له: قد وكّلتك فاشهد على تزويجي ؟ قال عليه السلام: لا.

قلتُ : جُعلت فداك، وإنْ كانت أيِّماً؟ قال عليه السلام: وإنْ كانت أيِّماً.

قلت: فإنْ وكّلت غيره بتزويجها منه ؟ قال عليه السلام: نعم»(6).

أقول: وأُورد عليه بإيرادات:

الإيراد الأوّل: ما في «المسالك»، قال: (والرواية ضعيفة السند)(7).3.

ص: 249


1- جواهر الكلام: ج 29/196.
2- مستند الشيعة: ج 16/146.
3- كما في نهاية المراد: ج 1/82.
4- رياض المسائل: ج 10/111 (ط. ج).
5- كشف اللّثام: ج 7/100 (ط. ج).
6- التهذيب: ج 7/378 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/288 ح 25648.
7- مسالك الأفهام: ج 7/153.

وفيه: أنّه لو كانت الحجيّة مختصّة بالخبر الصحيح تمّ ما أفاده، ولكن لمّا أثبتنا في محلّه حجيّة الموثّق أيضاً والخبر منه، فلا يتمّ ما اُفيد.

الإيراد الثاني: ما في «المسالك» أيضاً، من قصور الدلالة، لجواز كون المنفيّ هو قولها: (وكّلتك فاشهد)، فإنّ مجرّد الإشهاد غير كافٍ (1).

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر من الخبر، سيّما بقرينة السياق مع ما بعده، أنّ النفي راجعٌ إلى الحلّ .

وثانياً: أنّه إنْ اُريد من احتمال كون المنفيّ قولها: (وكّلتك فاشهد)، ما فهمه المحقّق النراقي(2) وهو احتمال كون النفي راجعاً إلى حليّة التوكيل في الإشهاد خاصّة دون التزويج.

فيرد عليه: أنّ الظاهر منه بقرينة ما قبله وما بعده، كون التوكيل توكيلاً في التزويج، دون الإشهاد خاصّة.

وإنْ اُريد به ما فهمه غيره، وهو عدم كفاية الإشهاد فقط.

فيرد عليه: - مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، كما يظهر من ملاحظة ما بعده - أنّ الإشهاد لابدّ وأنْ يكون مع وجود المشهود به، ومعه لا محالة يكون عدم الكفاية لعدم الصحّة.

الإيراد الثالث: ما في «الجواهر»، من احتمال إرادة الكراهة من النهي، باعتبار تطرّق التهمة الموجبة للفتنة ومخالفة التقيّة ونحو ذلك(3).6.

ص: 250


1- مسالك الأفهام: ج 7/153.
2- مستند الشيعة: ج 16/147.
3- جواهر الكلام: ج 29/196.

وفيه: إنّ رفع اليد عن ظهور النهي في المنع، وحمله على الكراهة أو الإجمال بلا قرينةٍ لا وجه له، وما ذُكر لا يصلح قرينةً على ذلك كما لا يخفى .

الإيراد الرابع: ما في «المستند»، من أنّه لعلّ عدم الحليّة بتزويجها من نفسه، لإطلاق قولها: (قد وكّلتك)، من غير تصريحٍ أو نصب قرينةٍ على توكيله في التزويج لنفسه أيضاً(1).

وفيه: أنّ الظاهر من السؤال هو السؤال عن توكيل المرأة الرّجل المُريد تزويجها، لا عن خصوص توكيلها إيّاه باللّفظ الخاص، كما يشهد به قوله: «فإنْ وكّلت غيره بتزويجها منه»، ولو كان النفي راجعاً إلى ما اُفيد، لزم عدم انطباق الجواب على السؤال.

وبالجملة: فالإنصاف أنّه لا قصور في سند الرواية، ولا في دلالتها، ولم يثبت إعراض المشهور عنها، فالعمل بها متعيّن.

ودعوى: اختصاص الخبر بمورده، وهو ما كان بحيث يتطرّق التهمة الموجبة للفتنة، فلو وكّلته بمرأى من النّاس وكانوا شاهدين ذلك، لا وجه لعدم الجواز.

مندفعة: بأنّ قوله: (فاشهد) يدفع ذلك، فإنّه حكم بالمنع حتّى مع الإشهاد، وعليه فالأظهر هو المنع مطلقاً.

وأمّا المورد الثاني: وهو فيما لو كانت الوكالة عامّة:

فعن «المسالك»: (لا خلاف في أنّه لا يجوز له تزويجها من نفسه مع تعيين الزوج ومع الإطلاق)(2)، انتهى .2.

ص: 251


1- مستند الشيعة: ج 16/147.
2- مسالك الأفهام: ج 7/152.

وعن «التذكرة»(1): احتمال جواز أن يزوّجها من نفسه مع الإطلاق، لإطلاق الإذن.

واستدلّ للأوّل: بالانصراف، ولذا صرّحوا بأنّه لو كان التوكيل على وجهٍ يشمل نفسه أيضاً بالعموم أو الإطلاق المقرون بما يمنع الانصراف عن نفسه جاز.

ويرد عليه: منع الانصراف المقيّد للإطلاق، فإنّه بدويٌ ناشٍ من تغاير الفاعل والمفعول غالباً ويزول بالتأمّل، إذ لو سُلّم ذلك في الأفعال الخارجيّة القائمة بين الاثنين - كما لو أعطاه مالاً فقال له: اعطه الفقير - مع أنّ للمنع عنه مجالاً، فإنّه لا نُسلِّم ذلك في الاُمور الاعتباريّة كالتزويج، فعلى القول بالجواز مع التصريح، لابدّ من القول به مع الإطلاق أو العموم.

ولكن قد عرفت أنّ الأظهر هو المنع مع التصريح، فكذا مع الإطلاق.

وعليه، فلو وكّل المرأة من يريد تزويجها، ووكّل الرّجل من يقبل له، فهل يصحّ نظراً إلى عدم اتّحاد القابل والموجب ؟ أم لا من جهة إطلاق الموثّق، ومن جهة أنّ الوكيل قائمٌ مقام الموكّل، فكلّما جاز له فعله جاز لموكّله ؟ وجهان، أظهرهما الثاني.

حكم تولّي طرفي العقد

وهل يختصّ المنع بمورد الخبر، وهو تزويج الوكيل من نفسه، فيجوز في غيره - كما في الوكيل من الطرفين، والوليّ على شخصين، والوكيل عن أحد الطرفين، والوليّ على الآخر - تولّي طرفي العقد كما عن المحقّق(2)، والمصنّف(3)، والشهيدين(4)

ص: 252


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/603 (ط. ق).
2- شرائع الإسلام: ج 2/503.
3- قواعد الأحكام: ج 3/15.
4- غاية المراد: ج 2/290-291، مسالك الأفهام: ج 7/153.

وغيرهم(1)، بل هو الأشهر كما قيل(2)، بل عن «المسالك» نفي الخلاف فيه، وفي «الجواهر»: (لا أجدُ فيه خلافاً)(3).

أم يعمّ المنع جميع صور الاتّحاد، كما ذهب إليه بعض علمائنا على ما صرّح به في «الإيضاح»(4)، واختاره المحقّق النراقي في «المستند»(5)؟ وجهان.

قد استدلّ للثاني: بأنّه يلزم من القول بالجواز، أنْ يكون شخص واحد موجباً وقابلاً.

واُجيب عنه: بأنّ اتّحاد الموجب والقابل، بعد التغاير الاعتباري الكافي لتناول العمومات والإطلاقات له، غَير قادحٍ .

واستدلّ للأوّل: بعموم أدلّتي الوكالة والولاية، فإنّ المستفاد من الأُولى جواز توكيل كلّ أحدٍ ولو كان وكيلاً للآخر، أو وليّاً عليه، ومن الثانية جواز تزويج الوليّ مطلقاً.

وأُورد عليه في «المستند»: بأنّ تلك الأدلّة إنّما تفيد أنّ الوليّ أو الوكيل ولو كان وكيلاً للآخر، أو وليّاً عليه، إذا تزوّج من له الولاية عليه أو الوكالة منه يصحّ ، ولم يثبت كون العقد الصادر طرفاه من واحدٍ تزويجاً، إذ ثبوته فرع صحّته، ولم تثبت بعد(6).

وعليه، فحيث لا دليل على الصحّة ولا على الفساد، فيتعيّن الرجوع إلى أصالة الفساد.4.

ص: 253


1- كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 3/26، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 12/146.
2- رياض المسائل: ج 10/109 (ط. ج).
3- جواهر الكلام: ج 29/196.
4- إيضاح الفوائد: ج 3/26. (5و6) مستند الشيعة: ج 16/148-149 المسألة 14.

وفيه: إنّ دليل كون ذلك تزويجاً صحيحاً، هو عموم أدلّة النكاح والزواج، وإنّما المانع المتوهّم هو عدم قابليّة هذا الشخص، لعدم ثبوت ولايته أو وكالته على هذا الوجه، وهو يندفع بعموم أدلّتهما.

فإذاً، الأظهر هي الصحّة مطلقاً.

***

ص: 254

ولو زوّج الصغيرين الأبوان توارثا، ولو كان غيرهما وقف على الإجازة. فإنْ

حكم تزويج غير الوليّ الصغيرين

المسألة السابعة: (ولو زوّج الصغيرين الأبوان) فقد مرّ(1) أنّ العقد لازمٌ عليهما، ولا يجوز لهما بعد البلوغ ردّه أو فسخه.

أمّا الإرث بينهما، فقد حكم المصنّف بثبوته وقال: (توارثا).

وقيل:(2) بلا خلافٍ يُعرف حتّى ممّن خَيّر الصبي عند الإدراك، لتصريحه به مع ذلك.

ووجهه: أنّه عقدٌ صحيحٌ شرعاً، فيشملهما إطلاق دليل توارث الزوجين، ويشهد به مع ذلك خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الصبي يزوّج الصبيّة، هل يتوارثان ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم»(3) ونحوه غيره.

(ولو كان) العاقد (غيرهما) أي غيرالأبوين (وقف على الإجازة) أي إجازتهمابعد البلوغ، لعدم الولاية لهما على أنفسهما قبله، أو إجازة وليّهما قبله، إذ لا ولاية له بعده.

(فإنْ ) بلغا وأجازا ثبتت الزوجيّة، وترتّب عليها أحكامها من حين العقد، لما تقدّم من كون الإجازة كاشفة، ولصحيح الحذّاء الآتي.

ص: 255


1- تقدّم في ولاية الأب والجَدّ على الصغيرين في هذا المجلّد ص 213.
2- كشف اللّثام: ج 7/103 (ط. ج).
3- الكافي: ج 7/132 ح 3، وسائل الشيعة: ج 26/220 ح 32864.

ماتَ أحدهما قبل البلوغ بَطَل، وإنْ بلغ أحدهما وأجاز ثمّ ماتَ ، حلف الثاني بعد بلوغه على انتفاء الطمع وورث، وإلّا فلا.

وإنْ ردّا، أو ردّ أحدهما، أو ماتا، أو (ماتَ أحدهما قبل البلوغ، بَطَل) العقد، وكشف عن عدم صحّته من حين الصدور.

(وإنْ بلغ أحدهما، وأجاز، ثمّ مات) قبل بلوغ الآخر، يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجيّة، فإنْ بلغ وأجاز (أُحلف الثاني بعد بلوغه) وإجازته (على انتفاء الطمع)، وأنّه لم تكن إجازته للطمع في الإرث، فإنْ حلف (ورث، وإلّا فلا) بلا خلافٍ ظاهر في الجملة.

أقول: والأصل في هذا الحكم صحيح أبي عُبيدة الحذّاء، قال:

«سألتُ أباجعفر عليه السلام عن غلامٍ وجاريةٍ زوّجهما وليّان لهما، وهما غير مدركين ؟

قال: فقال عليه السلام: النكاح جائز، أيّهما أدرك كان له الخيار، فإنْ ماتا قبل أنْ يُدركا فلا ميراث بينهما ولا مَهر، إلّاأن يكونا قد أدركا ورضيا.

قلت: فإنْ أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال عليه السلام: يجوز ذلك عليه إنْ هو رضى.

قلت: فإنْ كان الرّجل الذي أدرك قبل الجارية، ورضى النكاح، ثمّ مات قبل أنْ تُدرك الجارية، أترثه ؟

قال عليه السلام: نعم، يعزل ميراثها منه حتّى تُدرك، وتَحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّارضاها بالتزويج، ثمّ يُدفع إليها الميراث ونصف المَهر.

قلت: فإنْ ماتت الجارية ولم تكن أدركتْ ، أيرثها الزوج المُدْرِك ؟

قال عليه السلام: لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت.

ص: 256

قلت: فإنْ كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أنْ تُدرك ؟

قال عليه السلام: يجوزُ عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمَهرُ على الأب للجارية»(1).

والإيراد على الخبر: بتضمّنه ثبوت الخيار وهذه الأحكام فى فرض تزويج الوليّ .

يندفع: بأنّ المراد بالوليّ في الصدر بقرينة المقابلة للأب في الذيل، هو الوليّ العرفي، كالعمّ والأخ وما شاكل.

وأمّا ما ورد فيه من تنصيف المهر بالموت قبل الدخول، فلا يتوجّه من أجله الإشكال على الخبر، لأنّ جماعة(2) ذهبوا إلى ذلك، ويرونه مقتضى الجمع بين النصوص.

ومورد الخبر وإنْ كان هو موت الزوج، لكن الظاهر تسالمهم على عدم الفرق بينه وبين موت الزوجة.

أقول: ويمكن أنْ يستدلّ له في موت الزوجة، بصحيح الحلبي، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الغلام له عشرُ سنين فيزوّجه أبوه في صغره، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين ؟

قال: فقال: أمّا تزويجه فصحيحٌ ، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتّى يُدرك، فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإنْ أقرّ بذلك وأمضاه، فهي واحدة بائنة، وهو خاطبٌ من الخطّاب، وإنْ أنكر ذلك وأبى أن يُمضيه فهي امرأته.

قلت: فإنْ ماتت أو مات ؟

قال عليه السلام: يوقف الميراث حتّى يُدرك أيّهما بقى، ثمّ يَحلف باللّه ما دعاه إلى أخذ).

ص: 257


1- الكافي: ج 5/401 ح 4، وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32862.
2- نهاية المرام: ج 1/91 وص 357، كفاية الأحكام: ص 179، رياض المسائل: ج 10/403 (ط. ج).

الميراث إلّاالرّضا بالنكاح، ويدفع إليه الميراث»(1).

فإنّه وإنْ كان في طلاق الفضولي، ولكن إذا انضمّ ذلك إلى صحيح الحذّاء يفهم أهل العرف عدم الخصوصيّة والتعدّي إلى نكاح الفضولي.

وإذا كان الباقي غير متّهم بأنّ إجازته للرّغبة في الاستيلاء على الإرث، كما إذا أجاز قبل أنْ يعلم بالموت، أو كان المَهر اللّازم عليه أزيد ممّا يرث أو نحو ذلك، فهل يحتاج ا لى الحلف أم لا؟ قولان:

ذهب الشهيد الثاني(2) وصاحب «الحدائق»(3) إلى الأوّل، نظراً إلى عدم كون التهمة علّة تامّة لاعتباره، بل هي حكمة لا يجب اطّرادها، فيتعيّن الأخذ بإطلاق النَّص.

ولكن الظاهر من قوله عليه السلام: «تحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّارضاها بالتزويج، كون الاحتياج إلى الحلف فيما لم يُحرز من طريقٍ آخر أنّه ما دعاها إليه إلّا الرّضا بالتزويج. وبعبارة اُخرى الظاهر كونه طريقُ إثبات ذلك، ومع ثبوته بطريق آخر لا حاجة إلى الإثبات، وعليه فالأظهر هو القول الثاني الدالّ على عدم الاحتياج إلى الحلف.

فرع: هل تترتّب الأحكام الاُخر المترتّبة على الزوجيّة كحرمة الاُمّ والبنت وما شاكل، أم لا؟

أقول: والحقّ أنْ يقال إنّ في المقام صورتين:3.

ص: 258


1- الفقيه: ج 4/310 ح 5665، وسائل الشيعة: ج 26/220 ح 32865.
2- مسالك الأفهام: ج 7/181.
3- الحدائق الناضرة: ج 23/293.

الأُولى: ما لو أجاز الباقي وحلف.

الثانية: ما لو أجاز ولم يحلف.

أمّا في الصورة الأُولى : فلا إشكال في ترتّبها، لأنّ بهما يتحقّق العقد الكامل والزوجيّة، فيترتّب عليها أحكامها، وقد دلّت الصحيحة على ذلك.

وأمّا في الصورة الثانية: فإنْ قلنا بأنّ صحّة عقد الفضولي الذي ماتَ أحد طرفيه بعد اللّزوم من قبله باجازة الباقي، تكون على مقتضى القاعدة، كما هو الحقّ ، لأنّ الإجازة تكشف عن الزوجيّة قبل الموت، فحينئذٍ لا محلّ للقول بأنّ الموت مانعٌ عن ثبوت الزوجيّة بها، وليست الإجازة من قبيل القبول الذي هو جزءُ العقد، ولذا لو مات الموجب قبل قبول القابل، لم يتحقّق العقد، بل هي آلة استناد العقد المتحقّق إلى المجيز.

وعليه، فلا مانع من إجازة العقد مع موت الطرف الآخر، ولزم منه البناء على ترتّب جميع الأحكام بالإجازة، وفي خصوص المَهر والميراث دلّ الدليل الخاص على توقّفهما على الحلف أيضاً، فيقتصر على مورديه، فلو كانت الإجازة طمعاً للمَهر والميراث ترتّب عليها تلك الأحكام.

وإنْ قلنا بأنّ صحّته في المورد على خلاف القاعدة، فالمتيقّن هو صورة الإجازة مع الحلف، فبدونه لا تترتّب تلك الأحكام.

حكم ما لو زوّج البالغان بغير إذنهما فمات أحدهما بعد إجازته

بحثٌ : هل يختصّ الحكم المذكور آنفاً بخصوص مورد النَّص وهو تزويج الصغيرين ؟

أم يتعدّى عنه إلى غيره، كما لو زوّج المجنونان وأفاق أحدهما وأجاز العقد ومات،

ص: 259

ثمّ أفاق الآخر وأجاز، أو كان أحد الطرفين الوليّ والطرف الآخر الفضولي، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير، أو كانا بالغين كاملين، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو نحو ذلك ؟

ففيه أقوال:

القول الأوّل: ما عن «شرح النافع»(1)، و «جامع المقاصد»(2)، من عدم التعدّي إلى شيء من الموارد.

وعن «جامع المقاصد»: أنّه المُفتى به.

وعن «الحدائق»: أنّه المشهور بين الأصحاب(3).

القول الثاني: التعدّي إلى جميع تلك الموارد، بلا احتياج إلى الحلف أو معه، اختاره جماعةٌ منهم المحقّق النراقي(4) والسيّد في «العروة»(5).

القول الثالث: التعدّي إليخصوص ما إذا كان أحد الطرفين صغيراً، وكان الطرف الآخر مجنوناًعَقد له وليّه أو الفضولي، أو بالغاًكاملاً عقد له الفضولي أو الوكيل، أو كان بنفسه الطرف للعقد، نُسب ذلك إلى «القواعد»(6)، و «المسالك»(7)، و «الروضة»(8).

أقول: والحقّ فيه أنْ يقال:6.

ص: 260


1- نهاية المرام: ج 1/91-92.
2- جامع المقاصد: ج 12/158.
3- الحدائق الناضرة: ج 23/286.
4- مستند الشيعة: ج 16/195 قوله: (فالحقّ تعميم الحكم بالنسبة الجميع الموارد... الخ).
5- العروة الوثقى: ج 5/632-633 (ط. ج).
6- قواعد الأحكام: ج 3/16.
7- مسالك الأفهام: ج 7/181-183.
8- الروضة البهيّة: ج 5/145-146.

أوّلاً: أنّه في بعض الموارد غير مورد تزويج الصغيرين فضولاً، دلّ النَّص على جريان هذا الحكم فيه:

منها: خبر عبّاد بن كثير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ زوّج ابناً له مُدركاً من يتيمة في حجره ؟

قال عليه السلام: ترثه إنْ مات ولا يرثها، لأنّ لها الخيار، ولا خيار عليها»(1).

ومنها: خبر عبيد بن زرارة: «في الرّجل يزوّج ابنه يتيمةً في حِجره، وابنه مُدْرِك واليتيمة غير مُدرِكة ؟

قال عليه السلام: نكاحه جائزٌ على ابنه، فإنْ مات عزل ميراثها منه حتّى تُدرك، فإذا أدركت حلفت باللّه ما دعا إلى أخذ الميراث إلّارضاها، ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المَهر.

قال: وإنْ ماتت هي قبل أنْ تُدرك، وقبل أنْ يموت الزوج، لا يرثها الزوج، لأنّ لها الخيار عليه إذا أدركت، ولا خيار له عليها»(2).

ومنها: صحيح الحلبي المتقدّم في مسألة التعدّي عن مورد صحيح الحذّاء، وهو موت الزوج إلى صورة موت الزوجة.

وثانياً: أنّه بتنقيح المناط يتعدّى إلى جميع الموارد، حيث يُعلم أنّه لا مدخليّة لشيء من الخصوصيّات في تأثير الإجازة.

وعن «القواعد»، و «المسالك»(3)، و «الروضة»(4): الاستدلال للتعدّي إلى ما6.

ص: 261


1- الكافي: ج 7/132 ح 2، وسائل الشيعة: ج 26/219 ح 32863.
2- ذكر صدره في وسائل الشيعة: ج 21/330 ح 27215، الفقيه: ج 4/309 ح 5664.
3- مسالك الأفهام: ج 7/182.
4- الروضة البهيّة: ج 5/146.

كان العقد لازماً من الطرف الآخر، بأنّه أقرب إلى الثبوت، وأولى منه ممّا هو جائزٌ من الطرفين كما في الصغيرين.

وثالثاً: أنّه يمكن الأخذ بعموم العلّة المنصوصة في خبري عبّاد وعبيد من قوله عليه السلام: «لأنّ لها الخيار ولا خيار عليها»، وإثبات هذا الحكم في جميع تلك الموارد، فإنّها تدلّ على توريث كلّ من كان له الخيار بعد موت من لا خيار له، ومعلومٌ أنّه لا يكون إلّابعد الإجازة.

ورابعاً: ما تقدّم من أنّ صحّة عقد الفضولي بعد موت أحد الطرفين اللّازم عليه العقد، وإجازة الطرف الآخر، تكون على وفق القاعدة، بناءً على المختار من الكشف الانقلابي.

وعلى ذلك، فالأظهر هي الصحّة في جميع الفروض.

أقول: بقي الكلام في الاحتياج إلى الحلف في غير الموارد المنصوصة.

والتحقيق: أنّ التعدّي إلى غير المنصوص:

1 - إنْ كان لأجل القاعدة، أو العلّة المنصوصة، لم يحتج إلى الحلف.

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني فلأنّ العلّة تدلّ على أنّ الخيار وعدم الخيار علّتان للتوريث وعدمه، غاية الأمر أنّه ضَمّ إليه الإجازة أيضاً بالإجماع، ولا دليل على ضَمّ غيرها.

2 - وإنْ كان لأجل تنقيح المناط خاصّة احتاج إليه.

استدلّ المحقّق الثاني(1) للصحّة: إذا كان الزوجان بالغين: (بأنّ عقد الفضولي إذاى.

ص: 262


1- جامع المقاصد: ج 12/158 والعبارة منقولة بالمعنى.

كان له مجيزٌ في الحال، فلا إشكال في صحّته، وإنْ لم يكن له مجيزٌ في الحال، فهو محلّ إشكال، وعقد الكبيرين فضولاً من القسم الأوّل دون عقد الصغيرين، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى ، وهذا متّجهٌ لم يتنبّه عليه أحد)، انتهى .

وفيه أوّلاً: إنّ عقد الصغيرين أيضاً من القسم الأوّل، لأنّ لهما وليُّ نكاح، كان الأب موجوداً أم لا.

أمّا على الأوّل: فواضحٌ .

وأمّا على الثاني: فلولاية الحاكم على القول بها.

وثانياً: أنّ الإشكال في الصحّة في المقام، ليس من ناحية صحّة عقد الفضولي في نفسه وعدمه، بل من ناحية موت أحد الطرفين قبل الإجازة، ومن هذه الجهة لا فرق بين الكبيرين والصغيرين.

وقد استدلّ للبطلان وعدم التعدّي عن مورد النَّص بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ الحكم بالصحّة على خلاف القاعدة، فيقتصر على مورده.

وفيه: قد ظهر الجواب عن ذلك ممّا ذكرناه في وجه الصحّة والتعدّي.

الوجه الثاني: ما عن «المسالك» حيث قال: (فيحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته، وقبل إجازة الآخر، سواءٌ قلنا إنّ الإجازة جزء السبب أم كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد:

أمّا على الأوّل: فظاهرٌ، لأنّ موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطلٌ ، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول.

وأمّا على الثاني: فلأنّ الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد، بل لابدّ

ص: 263

معها من اليمين، وقد حصل الموتُ قبل تمام السبب، خرج منه ما ورد فيه النَّص، وهو العقد على الصغيرين، فيبقى الباقي)(1).

وفيه أوّلاً: إنّ اليمين كما عرفت لا مدخليّة لها في الثبوت، وإنّما هي طريقٌ لإثبات كون الإجازة لغير الطمع في الإرث.

وثانياً: أنّه لو سُلّم كونها جزء السبب، فحالها حال الإجازة في أنّ الأثر يثبت من حين العقد، وقياسها بالقبول الذي هو ركن العقد، وبدونه لا يتمّ العقد مع الفارق، لعدم دخالتها في تحقّق العقد.

الوجه الثالث: ما عن «جامع المقاصد» من أنّ الإرث لا يثبتُ باليمين(2).

وفيه: إنّ المُثبت للإرث هي الإجازة، واليمين يعدّ من طرق إثبات كون الإجازة على النحو الذي لا بدَّ وأنْ تكون على ذلك النحو، كي تؤثّر في الإرث.

***8.

ص: 264


1- مسالك الأفهام: ج 7/182.
2- جامع المقاصد: ج 12/158.

إذا لزم العقد على أحد الطرفين فهل يلزم بأحكامه

المسألة الثامنة: إذا زوّج الصغيران فضولاً، فأجاز أحدهما بعد بلوغه، أو زُوّج البالغان فضولاً فأجاز أحدهما، صار العقد لازماً من جهته، وليس له الرّد بعد ذلك، كما يشهد به - مضافاً إلى كون ذلك على وفق القاعدة - قوله عليه السلام في صحيح الحذّاء المتقدّم: «يجوز ذلك عليه إنْ هو رضي».

والسؤال حينئذٍ عن أنّه هل يثبت على الطرف اللّازم من طرفه ما لم يُجز الآخر، تحريم المصاهرات، فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها والخامسة، وإذا كانت زوجةً حرم عليها التزويج بغيره ؟

وبعبارة اُخرى: إذا لزم العقد من أحد الطرفين، ولم يتحقّق إجازة ولا رَدٌّ من الطرف الآخر، هل يجري على الطرف اللّازم آثار الزوجيّة، وإنْ لم تجر على الطرف الآخر، أم لا؟ قولان:

فعن «القواعد»(1) اختيار الأوّل، وعن «كشف اللّثام»(2) نفي الإشكال فيه.

واستدلّ له: في «كشف اللّثام»: (بأنّه مع العقد على اُخت المعقود عليها، يصدق الجمع بين الاُختين، وهكذا في بقيّة الموارد، ولا يُجدي التزلزل).

وفيه: أنّ المفروض كون العقد فضوليّاً، ولم يتحقّق مضمونه، فلا يلزم الجمع بين الاُختين، لأنّه حين العقد على اُخت المعقود عليها لا تكون المعقودة زوجته، إلّا على بعض وجوه الكشف.

ص: 265


1- قواعد الأحكام: ج 3/16.
2- كشف اللّثام: ج 7/107 (ط. ج).

وربما يستدلّ له: بأنّ النكاح في حقّ من لزم عليه العقد ثابتٌ ، غاية الأمر للطرف الآخر فسخ ذلك، فيحرم عليه المحرّمات بالمصاهرة، لأنّه يصدق على اُمّ من زُوّجت فضولاً واُختها مثلاً اُمّ المعقود عليها بالعقد الصحيح اللّازم من طرف الزوج واُختها.

وبعبارة اُخرى: المصرّح به في الروايات أنّه نكاحٌ صحيح، وأنّه نكاحه، وأنّه تزويجٌ ونحو هذه التعابير، فيشمله أخبار حرمة نكاح اُخت المنكوحة واُمّها وبنتها وخامستها، ونكاح المتزوّجة، ونحو ذلك.

وفيه أوّلاً: النقض بأنّه يلزم من ذلك ثبوت تحريم المصاهرة في حقّ غير اللّازم، أي الطرف الفضولي، لصدق النكاح، غاية الأمر له ردّه وفسخه، ومجرّد اللّزوم من أحد الطرفين وعدمه من الطرف الآخر لا يصلح فارقاً.

وثانياً: الحَلّ ، وهو أنّ المنسبق إلى الذهن من النصوص وأدلّة تحريم المصاهرات، حرمتها بعد تحقّق الزوجيّة، لا بعد تحقّق العقد.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ المحرّم اُخت الزوجة واُمّها وبنتها وما شاكل، لا اُخت المعقود عليها واُمّها وبنتها.

واستدلّ له الشيخ الأعظم رحمه الله: بقوله: (إنّ من لزم عليه العقد مخاطبٌ بوجوب الوفاء بالعقد، كما يدلّ عليه - مضافاً إلى العمومات - قوله عليه السلام في صحيح الحذّاء المتقدّم: «يجوز ذلك عليه»، ومن جملة آثار هذا العقد التي يجب ترتيبها، هو عدم التزويج باُختها واُمّها والخامسة، وليس جريان أحكام المصاهرة من جهة دخول المعقود في أفراد الزوجة حتّى يقال إنّها منصرفة إلى غيرها، بل من جهة حكم

ص: 266

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وخصوص الفقرة المذكورة في الصحيحة، بوجوب ترتيب آثار الزوجيّة المتحقّقة المنجّزة على هذه المعقود عليها، وإنْ لم تكن زوجيّتها متحقّقة منجّزة)(1)، انتهى .

وفيه: إنّ غاية ما تدلّ عليه أدلّة اللّزوم، عموماً وخصوصاً، أنّه ليس له فسخه، لا ترتيب آثار الزوجيّة، ولذا لا يجوز للّزوج اللّازم عليه العقد وطء المعقود عليها قبل أنْ تُجيز، وعدم التزويج باُختها واُمّها والخامسة من آثار الزوجيّة لا من آثار العقد.

وعليه، فالأظهر عدم حرمة المصاهرات، فيجوز للّزوج اللّازم عليه تزويجُ امرأة اُخرى دائماً، إنْ كانت هذه رابعة، وتزويج اُخت هذه المرأة وبنتها واُمّها، وإنْ كان اللّزوم من جانب الزوجة يجوز لها التزويج بغيره.

وعلى هذا، فإذا تزوّج الاُمّ أو البنت مثلاً ثمّ حصلت الإجازة من الزوجة، فهل تكشف الإجازة عن بطلان ذلك، أم تبطل الإجازة ؟ وجهان:

والتحقيق أنْ يقال: إنّه بناءً على الكشف الحقيقي، تبطل تلك العقود، وبناء على النقل أو الكشف الانقلابي المختار تبطل الإجازة، وذلك لأنّه:

على الكشف الحقيقي: بالإجازة ينكشف تحقّق الزوجيّة من الأوّل، فيعدّ العقد على الثانية عقدٌ على اُخت الزوجة أو اُمّها أو ما شاكل.

وبناء على النقل: فإنّ الإجازة تكون مؤثّرة في تحقّق الزوجيّة من حينها، والمفروض أنّ اُختها أو اُمّها صارت زوجة له قبل ذلك، فلا تصلح الإجازة للتأثير7.

ص: 267


1- كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 157.

في تحقّق الزوجيّة لها.

وأمّا بناءً على الكشف الانقلابي: فالإجازة مؤثّرة في حصول الزوجيّة السابقة من حين الإجازة، فحصول الزوجيّة إنّما يكون في الزمان المتأخّر، والمفروض حصول زوجيّة اُختها أو اُمّها قبل ذلك، وهو مانعٌ عن حصول هذه.

وبعبارة اُخرى: الإجازة منها لعقد الفضولي تزويجٌ فلا يجوز لها، لأنّها زوّجت قبل ذلك اُختها واُمّها، وتمام الكلام في محلّه.

أقول: قد ظهر ممّا ذكرناه حكم فرعٍ آخر، وهو أنّه إذا رَدّ المعقود أو المعقودة فضولاً العقد، ولم يجزه، لا يترتّب عليه شيءٌ من أحكام المصاهرة، سواءٌ أجاز الطرف الآخر أو كان أصيلاً أم لا، لعدم حصول الزوجيّة بهذا العقد غير المجاز.

وقد اختار المحقّق النراقى رحمه الله حرمة اُمّ المعقود عليها، نظراً إلى أنّ حرمة اُمّ الزوجة ليست مشروطة بالدخول ببنتها على الأصَحّ ، ولا ببقاء زوجيّة البنت، بل هي محرّمة أبداً، ويصدق عليها أنّها اُمّ زوجتها بالعقد الصحيح، وبالفسخ وإنْ ينكشف فساد العقد من أصله، إلّاأنّه ينكشف به عدم تحقّق الزوجيّة اللّازمة من الطرفين، أو عدم تحقّق ما يترتّب عليه جميع الآثار، لا أنّه لم يتحقّق نكاحٌ وزوجيّة أصلاً(1).

وفيه: إنّ الدليل دلّ على حرمة اُمّ المنكوحة أو الزوجة وما شاكل، لا على حرمة اُمّ المعقودة ولو بالعقد غير المؤثّر في تحقّق مضمونه، وفي الفرض وإنْ لزم العقد من أحد الطرفين، لكن لا إشكال في عدم ثبوت الزوجيّة، وهي العلاقة المتحقّقة بين الزوجين حتّى على القول بالكشف الحقيقي، فلا وجه لحرمة اُمّ المعقودة.ر.

ص: 268


1- مستند الشيعة: ج 16/202-203 والعبارة منقولة مع الاختصار.

وربما يستدلّ له: بأنّ العقد إذا صار لازماً من أحد الطرفين، يكون فسخ الآخر رافعاً له من حينه، فالمرأة مزوّجة قبله فتحرم اُمّها.

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم - ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله: (من أنّ احتمال كون الفسخ رافعاً من حينه، لا يقتضيه أصلٌ ولا قاعدة ولا فتوى، بل يمكن تحصيل الإجماع، بل الضرورة بخلافه)(1).

وعليه، فالأظهر عدم حرمتها.

***8.

ص: 269


1- جواهر الكلام: ج 29/218.

استقلال الأب والجَدّ في الولاية

المسألة التاسعة: كلٍّ من الأب والجَدّ مستقلّ في الولاية، فلا يلزم الاشتراك ولا الاستيذان من الآخر، بلا إشكالٍ ولا خلاف، ويقتضيه إطلاق نصوص الولاية، وبعض النصوص الخاصّة الآتية.

فإنْ زوّج كلٌّ منهما من عليه الولاية لهما بشخصين:

فإنْ اختلفا زماناً، فإنْ عُلم السابق منهما، فهو المقدم وإنْ كان أباً، سواءٌ علم كلّ منهما بعقد الآخر أم لا، كما هو المشهور بينهم.

وفي «الجواهر»: (لم نعرف فيه خلافاً بينهم، بل يمكن دعوى الإجماع عليه)(1)، انتهى .

وعن «الغُنية»(2)، و «السرائر»(3)، و «التذكرة»(4) دعوى قيام الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى إطلاق الأدلّة، حيث يقتضي صحّة العقد السابق فلا يبقى مورد للّاحق:

1 - صحيح هشام ومحمّد بن حكيم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا زوّج الأبُ والجَدُّ كان التزويج للأول، فإنْ كانا جميعاً في حال واحدة فالجَدّ أولى »(5).

2 - وموثّق عبيد بن زرارة، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل، ويريد جَدّها أن يزوّجها من رجلٍ آخر؟

ص: 270


1- جواهر الكلام: ج 29/209.
2- الغنية: ص 342.
3- السرائر: ج 2/516.
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/594 (ط. ق).
5- الكافي: ج 5/395 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25651.

فقال عليه السلام: الجَدّ أولى بذلك، ما لم يكن مضارّاً، إنْ لم يكن الأب زوّجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجَدّ»(1).

وإنْ علم التقارن، قُدّم عقد الجَدّ إجماعاً، كما عن «السرائر»(2)، و «الغُنية»(3)، و «التذكرة»(4)، وعن «الروضة»: (لا نعلم فيه خلافاً)، لصحيح هشام المتقدّم، وأمّا الموثّق فهو يدلّ على أولويّة الجَدّ في صورة التشاح قبل العقد.

أقول: ثمّ إنّ المذكور في الصحيح أولويّة الجَدّ، ولذا قد يتوهّم أنّه غير صريح في التعيين.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّه مع اقتران العقدين، حيث أنّه لا يمكن الحكم بصحّتهما معاً وهو واضح، ولا بصحّة أحدهما على نحو التخيير بمعنى تخيير المعقود عليه في التعيين لعدم الدليل، ولا أحدهما لا على التعيين، لعدم تحقّق غير المعيّن، فلابدّ وأن يُحكم بصحّة أحدهما المعيّن، أو بطلانهما معاً، والأوّل يتوقّف على ثبوت المرجّح، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح، وهو محال، فإذا حكم الشارع بوجود الترجيح في عقد الجَدّ، تعيّن البناء على أنّه الصحيح معيناً دون عقد الأب.

ولو تشاحّا قبل العقد: قالوا يُقدّم اختيار الجَدّ، بل عليه الإجماع عن «الانتصار»(5)، و «الخلاف»(6)، و «المبسوط»(7)، و «التذكرة»(8).).

ص: 271


1- الكافي: ج 5/395 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25650.
2- السرائر: ج 2/561.
3- الغنية: ص 342.
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/594 (ط. ق).
5- الانتصار: ص 286-287.
6- الخلاف: ج 4/269 مسألة 23.
7- المبسوط: ج 4/176.
8- تذكرة الفقهاء: ج 2/594 (ط. ق).

ويشهد به: موثّق عُبيد المتقدّم، وصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «إذا زوّج الرّجل ابنة ابنه، فهو جائزٌ على ابنه، ولإبنه أيضاً أن يزوّجها.

فقلت: فإنْ هوى أبوها رجلاً وجَدّها رجلاً؟

فقال عليه السلام: الجَدّ أولى بنكاحها»(1).

وليس المراد بأولويّة الجَدّ سقوط ولاية الأب، للاتّفاق على صحّة عقده لو سبق، وصرّح به في الموثّق، بل المراد بها إمّا وجوب تقديمه الجَدّ، أو استحباب ذلك، والظاهر هو الثاني أي يستحبّ للأب ترك التشاح، وتفويض الأمر إلى الجَدّ:

1 - لعدم استفادة أكثر من الاستحباب من النصوص.

2 - ولموثّق البقباق، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلنا: فإنْ هوى أبو الجارية هوىً ، وهوى الجَدّ هوىً ، وهما سواءٌ في العدل والرّضا؟

قال عليه السلام: أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجَدّ»(2).

إذا عقد الأب والجَدّ ولم يُعلم السّابق منهما

ولو جهل السَّبق والاقتران، ففيه أقوال:

القول الأوّل: ما عن «المبسوط»(3)، و «التحرير»(4)، وهو إيقاف النكاح حتّى يتبيّن مع رجاء زوال الاشتباه وبدونه فهو باطل.

القول الثاني: الرجوع إلى القرعة، جوّزه في «القواعد»(5) و «التذكرة»(6) على ما

ص: 272


1- الكافي: ج 5/395 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/289 ح 25649.
2- الكافي: ج 5/396 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/290 ح 25652.
3- المبسوط: ج 4/181.
4- تحرير الأحكام: ج 2/8 (ط. ق).
5- قواعد الأحكام: ج 3/17.
6- تذكرة الفقهاء: ج 2/597 (ط. ق).

حُكي، ولكن قال في الأوّل: (ويؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق، ويجدد من وقعت له النكاح).

القول الثالث: أنّه يفسخ الحاكم النكاحين، اختاره في محكيّ «القواعد»(1).

القول الرابع: أنّهما يجبران على الطلاق، قوّاه المصنّف في «التذكرة»(2) على ما حُكي.

القول الخامس: أنّه يصحّ عقد الجَدّ، اختاره السيّد في «العروة»(3).

القول السادس: ما في «الجواهر»(4)، من أنّه إنْ علم تاريخ أحدهما وجهل الآخر، حُكم بصحّة المعلوم، وإنْ جهلا معاً قدّم عقد الجَدّ، ثمّ احتمل الرجوع إلى القرعة.

واستدلّ سيّد «العروة» لما اختاره: بأنّ المستفاد من النصوص أنّ شرط تقديم عقد الجَدّ، هو عدم سبق عقد الأب، وهذا أمرٌ عدمي يُحرز بالأصل، وأمّا شرط تقديم عقد الأب فهو كونه سابقاً، وهذا لا يمكن إحرازه بالأصل.

وفيه: المستفاد من النصوص - سيّما بعد ضَمّ ما دلَّ (5) على أنّ المزوّجة لا تُزوَّج - أنّه يعتبر في صحّة عقد الجَدّ كون المرأة خليّة غير مزوّجة قبل أنْ يعقد عليها الجَدّ، أو أنّه يعتبر في صحّة عقد الأب كون المرأة غير مزوّجة حتّى في حال العقد، فالشرط لصحّة عقد كلّ منهما وجوديٌ ، ولكن حيث أنّ لكلّ من الأمرينة.

ص: 273


1- قواعد الأحكام: ج 3/17.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/597 (ط. ق).
3- العروة الوثقى: ج 5/620 (ط. ج).
4- جواهر الكلام: ج 29/211.
5- وسائل الشيعة: ج 20/446-449 باب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

الوجوديين حالة سابقة فيجري فيه الأصل، فمقتضى استصحاب كون المرأة خليّة قبل عقد الجَدّ صحّة عقده، كما أنّ مقتضى استصحاب بقاء ذلك في حال عقد الأب صحّته أيضاً، فيتعارض الاستصحابان، ولا يعتبر في صحّة عقد الأب أمرٌ وجودي آخر، وهو كونه سابقاً على عقد الجَدّ، لعدم اعتبار هذا العنوان في صحّة عقده قطعاً، ولذا لو عقد الأب عليها خاصّة، صَحّ العقد بلا كلام.

ويمكن أنْ يقال: إنّ الشرط لصحّة عقد كلّ منهما أمرٌ عدمي، وهو:

1 - عدم سبق عقد الأب بالنسبة إلى عقد الجَدّ.

2 - وعدم سبق عقد الجَدّ، وعدم مقارنته مع الآخر بالنسبة إلى عقد الأب.

وكلٌّ منهما موردٌ للأصل، فيتعارض الأصلان.

نعم، لو قلنا بأنّ الاقتران ليس أمراً وجوديّاً، لم يجر فيه الأصل، فالأصل بالنسبة على عقد الجَدّ بلا معارض، كما أنّه لو قلنا بعدم جريان الأصل في مجهول التاريخ، لو علم تاريخ أحدهما جرى فيه الأصل بلا معارض، لكن المبنيين فاسدان.

أقول: وبما ذكرناه يظهر ما فى القول السادس الذى اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله.

وأمّا القول الثالث: وهو فسخ الحاكم النكاحين، فقد استدلّ له:

1 - بالآية الكريمة: (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (1).

2 - وبما دلّ على نفي الضَّرر والحَرج(2)، لأنّ بقاء الزوجة على زوجيّتها ضررٌ عليها وحرجٌ بعد علمها بأنّها محرّمة على أحد الرّجلين:

إنْ كان العقد على الإبنة وعلم الزوج بحرمة إحدى المرأتين اللّتين زوّجتا له.2.

ص: 274


1- سورة البقرة: الآية 229.
2- سورة الحجّ : الآية 78، سورة البقرة: الآية 185، وسائل الشيعة: ج 18/31-32 وج 22/171-172.

وإنْ كان العقد على الابن، وكان له قبل ذلك ثلاث زوجات.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ المراد بالتسريح على ما يظهر من صدر الآية وذيلها هو ترك الرجوع بها في العِدّة حتّى تنتهي العِدّة.

ويرد على الثاني: أنّه أخصّ من المدّعى، إذ قد لا يكون الصبر حرجيّاً ولا ضرريّاً، مع أنّ أدلّة نفي الضَّرر والحرج نافية للحكم لا مثبتة، فلا تصلح لإثبات جواز الإجبار على الطلاق أو وجوبه، أضف إليه أنّه إنْ كان العقد على الابن لا يكون الطلاق بيد الوليّ ولا بيده كما لا يخفى .

وأمّا طلاق الحاكم: فقد استدلّ له في محكيّ «القواعد» و «جامع المقاصد» بأنّ فيه دفع الضَّرر، مع السلامة من ارتكاب الإجبار في الطلاق(1).

ويرد عليه: أنّ هذا المقدار لا يكفي في إثبات ولاية الحاكم على الطلاق.

والتحقيق أنْ يقال: إنْ لم يلزم من الصبر ضَررٌ ولا حَرجٌ ، يتعيّن ذلك.

وإنْ لزم أحدهما:

فإنْ كان العقد على الإبنة، فإنْ طلّقاها فلا كلام، وإلّا فلها أو وليّها أو الحاكم القرعة، فيعامل مع من أصابتها القرعة معاملة الزوجيّة، لأنّها: «لكلّ أمرٍ مُشكل»، ولكن هذه القرعة لا تكفي بالنسبة إلى الرّجل الذي لا يكون الأمر بالنسبة إليه مشكلاً، لتمكّنه من أن يطلّقها.

وإنْ كان العقد على الابن، يتعيّن الرجوع إلى القرعة، لكون الأمر مشكلاً بالنسبة إلى الطرفين، ولا يمكن رفع الإشكال بوجهٍ ، لفرض عدم وجوب الاحتياطة.

ص: 275


1- قواعد الأحكام: ج 3/17، جامع المقاصد: ج 12/173 العبارة الأخيرة.

لقاعدة الضَّرر والحرج.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه مع إمكان الاحتياط وعدم امتناعه، لا يكون الأمر مشكلاً، وعليه فلا مورد للقرعة، والمسألة محتاجة إلى تأمّل أكثر.

فالمتعيّن هو الصبر إلى أن يبلغ.

***

ص: 276

عدم ثبوت الولاية للكافر

المسألة العاشرة: يعتبر في ولاية الأب والجَدّ كونهما عاقلين، فلا ولاية للمجنون بلا خلافٍ ولا إشكال، لأنّ من لا سلطنة له على نفسه، كيف يكون مسلّطاً على الغير.

وبعبارة اُخرى : ان قوام الولاية بالنظر والرأي، والمجنون قاصرٌ عن ذلك.

فهل يعتبر كون الوليّ مسلماً إذا كان المولّى عليه مسلماً تبعاً لاُمّه أو جَدّه أو بوصفه الإسلام قبل البلوغ، بناء على اعتباره، أم لا؟ وجهان:

المشهور بين الأصحاب هو الأوّل، بل عليه الإجماع، كما عن «المسالك»(1)، و «كشف اللّثام»(2)، و «الحدائق»(3)، و «الجواهر»(4)، وقد استدلّ له:

1 - بالآية الكريمة: (وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (5) إذ من المعلوم أنّ الولاية سبيلٌ على المؤمن.

2 - وبالنبوي المرسل - المنجبر بعمل الأصحاب، واستدلالهم به في موارد متعدّدة - وهو قوله صلى الله عليه و آله: «الإسلام يَعلُو ولا يُعلى عليه»(6)، بل الصدوق حيث نسب ذلك إلى المعصوم جزماً فيكون حجّة في نفسه.

ص: 277


1- مسالك الأفهام: ج 7/166.
2- كشف اللّثام: ج 7/67 (ط. ج).
3- الحدائق الناضرة: ج 23/167.
4- جواهر الكلام: ج 29/206.
5- سورة النساء: الآية 141.
6- الفقيه: ج 4/334 ح 5719، وسائل الشيعة: ج 26/14 ح 32383.

ولكن يرد على الاستدلال بالآية: أنّ الظاهر من الجعل فيها بقرينة ما قبلها، وهو قوله تعالى: (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ ) (1)، هو الجعل في الآخرة، مع أنّه فُسِّرت الآية في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على المؤمنين، أضف إليه أنّ جواز نكاح الابن إذا كان ذا مصلحةٍ ، أو لم يكن فيه مفسدة، لا يصدق عليه السبيل.

وأمّا النبويّ ، فيرد على الاستدلال به: أنّ لازم ولاية الأب الكافر على ابنه المسلم، كون الإسلام غير عال، لأنّ الظاهر من العلوّ هو الظهور، فهو نظير قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ) (2).

وعليه، فالعمدة هو الإجماع وتسالم الأصحاب عليه.

ولو كان الابن كافراً فهل لابيه الكافر الولاية عليه أم لا؟

نُسب الأوّل إلى المصنّف رحمه الله في «القواعد»(3).

ولكن ظاهر «الشرائع»(4) و «التحرير»(5) اختيار الثاني.

أقول: والأوّل أظهر، لعموم أدلّة الولاية، وما ذكر في وجه عدم ولاية الأب الكافر على الولد المسلم لا يجري في المقام.

وأمّا ما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله(6) في وجه ثبوت الولاية، وهو قوله تعالى: (وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (7) فهو غير مربوط بالمقام، كما يظهر من3.

ص: 278


1- سورة النساء: الآية 141.
2- سورة التوبة: الآية 33.
3- قواعد الأحكام: ج 3/13.
4- شرائع الإسلام: ج 2/504.
5- تحرير الأحكام: ج 2/6.
6- جواهر الكلام: ج 29/270.
7- سورة الأنفال: الآية 73.

دلالته على ثبوت الولاية من الطرفين وشموله للكبير أيضاً.

وأضعف من ذلك: استدلال الشيخ رحمه الله على ما عن «المبسوط»(1) بهذه الآية، لأنّه إذا كان للكافر وليّان مسلمٌ وكافر، تختصّ الولاية بالكافر، إذ مع قطع النظر عن عدم ارتباط الآية بالمقام، فإنّ الاستدلال بها متوقّف على القول بمفهوم الوصف واللّقب كما هو واضح.

حكم تزويج المولَّى عليه من المعيب

أقول: بقي في المقام فروعٌ مناسبة:

الفرع الأوّل: في جواز تزويج الوليّ المولّى عليه ممّن به عيبٌ من أحد العيوب المجوّزة للفسخ أقوال ثلاثة، وهي:

بطلان النكاح، وصحّته بلا خيار، وصحّته مع الخيار.

والتحقيق أنْ يقال: إنّه في التزويج ممّن به عيبٌ في نفسه المفسدة والضَّرر، ولو الغضاضة العرفيّة والاستنكار، وحيث أنّ وجود المفسدة والضَّرر يمنعان عن صحّة تصرف الوليّ فيكون العقد باطلاً، ولكن إذا كان هناك مصلحة أرجح من تلك المفسدة والضَّرر جاز، وحينئذٍ إذا عقد:

1 - فإنْ لم يكن عالماً بالعيب، كان له الخيار، لثبوته بمقتضى عموم أدلّته للمولّى عليه، فقبل البلوغ ينوب عنه فيه الوليّ ، وبعد البلوغ يقوم به بنفسه أو بوكيله.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه لم يدلّ دليلٌ على ثبوت ولايته في الفسخ، وعليه فينحصر

ص: 279


1- المبسوط: ج 4/180.

ثبوت الخيار له بعد الكمال.

2 - وإنْ كان عالماً به، فالأظهر - كما في «الجواهر»(1) تبعاً للمسالك(2) - ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه، لإطلاق أدلّة تلك العيوب، الدالّة على ثبوت الخيار مع عدم علم الزوج أو الزوجة، وحيث أنّ المولّى عليه قاصرٌ لا يتمكّن من الفسخ بنفسه، فعلمه كالجهل.

وأمّا علم الوليّ فلا يوجب سقوط الخيار، فحينئذٍ هل للولي الفسخ أم لا؟

فيه وجهان سابقان، وقد مرّ أنّ الأظهر أنّه ليس له كما أفاده الشهيد الثاني.

وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو زوّجه ممّن به عيبٌ غير العيوب المجوّزة للفسخ، وأنّه مع عدم المصلحة الراجحة يكون العقد باطلاً، ومعها يصحّ بلا خيار.

تزويج المولّى عليها من غير الكفو أو بدون مَهر المثل

الفرع الثاني: لو زوّجها الوليّ من غير الكُفو:

فإنْ كان عدم الكفاءة من قبيل الإعسار الموجب للخيار، كان حكمه حكم من زوّجها الوليّ ممّن به عيبٌ .

وإنْ كان ممّا يمنع عن التزويج، بطل العقد، وهو واضح.

الفرع الثالث: في تزويج المولّى عليها بدون مَهر المثل أقوال:

1 - بطلان العقد.

2 - صحّته مع ثبوت خيار الفسخ لها.

ص: 280


1- جواهر الكلام: ج 29/212-213.
2- مسالك الأفهام: ج 7/172.

3 - صحّة العقد وبطلان المَهر، نقله في محكيّ «المبسوط»(1) قولاً.

4 - صحّة العقد والمَهر، مع ثبوت الخيار فيه لا في العقد، نُسب هذا القول إلى المصنّف رحمه الله في «القواعد»(2)، والمحقّق في «الشرائع»(3).

5 - صحّة العقد والمَهر مع اللّزوم في المسمّى لو راعى المصلحة، ومع الخيار فيه لو لم يراعها، ذهب إليه في «الروضة»(4) على ما حُكي، واستوجهه في محكيّ «المفاتيح»(5) وشرحه.

6 - صحّة العقد والمَهر ولزومهما، اختاره المحقّق النراقي(6) رحمه الله.

7 - صحّة العقد والمَهر ولزومهما، غاية الأمر للمزوّجة التسلّط على مطالبة الزوج بما يزيد على المسمّى ، بحيث يكون المجموع بقدر مَهر المثل.

أقول: وتظهر الثمرة بين هذا القول وبين القول الرابع، فيما إذا كان الصداق المسمّى عيناً، فإنّه على القول الرابع بالفسخ، ترجع هي إلى الزوج، وتشتغل ذمّته بمهر المثل، وعلى هذا القول تكون باقية في ملك الزوجة ولها مطالبة الزائد.

وجه الأوّل: أنّه عقدٌ جرى على خلاف المصلحة، فيبطل للّزوم رعايتها، مع أنّ إطلاق أدلّة الولاية منصرفٌ إلى التزويج بمَهر المثل، فالتزويج بدونه غيرُ مشمولٍ لأدلّتها.7.

ص: 281


1- المبسوط: ج 4/179.
2- قواعد الأحكام: ج 3/15.
3- شرائع الإسلام: ج 2/503، (الفصل الثاني: في أولياء العقد).
4- الروضة البهيّة: ج 5/140.
5- مفاتيح الشرائع: ج 2/269، مفتاح 730.
6- مستند الشيعة: ج 16/167.

ولكن يرد الأوّل: أنّه لا يجب مراعاة المصلحة في عقد الأب والجَدّ، مع أنّ عدم رعاية المصلحة غير كونه خلاف المصلحة.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ التزويج بدون مَهر المثل إذا كان واجداً لمقدارٍ من المصلحة، ومعه واجداً لمقدارٍ أزيد، لا دليل على لز وم رعاية الأزيد.

ويرد الثاني: منع الانصراف، سيّما وأنّ ولاية الأب والجَدّ ولاية سلطنةٍ وقهر، لا ولاية غِبطة وحِسبة كولاية الحاكم.

ووجه الثاني: أنّ المَهر الذي جرى عليه العقد فاسدٌ، لعدم رضاها به، فلها خيار فسخ العقد.

وفيه أوّلاً: منع فساد المَهر، لعدم اعتبار رضاها، وقد صرّح في النصوص المتقدّمة في أدلّة الولاية، بأنّ عقد الوليّ نافذٌ عليها، وإنْ كانت كارهة.

وثانياً: أنّ فساد المَهر لا يوجبُ ثبوت الخيار في العقد، بل هو موجبٌ للانتقال إلى مَهر المثل.

أقول: وبما ذكرناه ظهر وجه القول الثالث والجواب عنه.

ووجه الرابع: أنّ المَهر عوضٌ لها في بُضعها، فالنقص فيه ضررٌ منفيٌّ في الشرع، فينجبر بتخييرها في فسخ المسمّى، والرجوع إلى مهر المثل.

وفيه: إنّ للأب أو الجَدّ التصرّف في مالها كلّما كان لها فيه مصلحة، فإذا جاز إسقاط مالها عن ذمّة ا لغير لمصلحتها، جاز تقليل مهرها بطريق أولى .

وبهذا الذي ذكرناه مع جوابه يظهر وجه القول الخامس.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ تصرفات الوليّ في مالها نافذة وإنْ لم يكن فيها

ص: 282

مصلحة، كما يشهد به إطلاق أدلّة الولاية، ولذلك بنينا على عدم اعتبار وجود المصلحة في تصرّفه.

ويؤيّده بل يدلّ عليه عمومات(1) لزوم المَهر المسمّى كملاً أو نصفاً، المذكورة في أبواب مايوجب المَهر، وما إذا ماتت المرأة أو طُلّقت قبل الدخول، المعتضدة كلّها بقوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكاحِ ) (2) فإذا ساغ له العفو فنقصه ابتداءً أولى .

ووجه السابع: أنّ الجمع بين أدلّة لزوم تزويج الوليّ ، وبين دليل نفي الضَّرر(3)، يقتضي ذلك، فإنّ في صبر المزوّجة على أقلٍّ من مهر المثل بإزاء بُضعها ضرراً في كثيرٍ من المواضع، كما إذا زوّجها بعُشر مهر المثل، فإنّ الصبر على ذلك مشقّة عظيمة، سيّما على ما نشاهد من أنّ في تقليل المَهر عند النساء غضاضة ومنقصة وعاراً لا يتحمّلنه، وحيث أنّ الضَّرر والحرج منفيّان في الشريعة، وجب تداركه بثبوت الاعتراض للمرأة.

فإنْ قيل: إنّ التزويج بدون مَهر المثل اُنشأ بإنشاءٍ واحد:

فإمّا أنْ يكون هذا لازماً، فلا اعتراض على المَهر.

أو يكون غير لازمٍ ، فيثبت الخيار في التزويج.

وعليه، فلا وجه للّزوم العقد والخيار في المَهر.

قلنا: إنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، فإذا رأينا أنّ الشارع الأقدس فكّك بين التزويج والمَهر المسمّى في موارد، فالمتيقّن من ما يقتضيه أدلّة الضَّرر والحَرج هو9.

ص: 283


1- وسائل الشيعة: ج 21/319-324.
2- سورة البقرة: الآية 237.
3- وسائل الشيعة: ج 25/427-429.

الخيار في المَهر خاصّة، ولا موجب لرفع اليد عن دليل لزوم العقد.

فإنْ قيل: أنّه يلزم من ذلك أنّه لو عقد على كبيرة فضولاً بمهر معيّنٍ ، أنْ يكون لها أن يجيز العقد دون المَهر، فيرجع في المَهر إلى مَهر المثل.

قلنا: فرقٌ بين إجازة الفضولي وحكم الشارع، فإنّ في الإجازة بما أنّ المُنشَأ واحدٌ لا يجوز ذلك، بخلاف حكم الشارع، ونظير ذلك أنّه لا إشكال في أنّه إذا بيع شيءٌ مركّبٌ فضولاً بثمنٍ ، فإنّ ليس للمجيز أن يجيز نصفه بنصف الثمن، مع أنّه إذا بيع الكلّ ثمّ ظهر كون النصف مستحقّاً للغير، كان العقد بالنسبة إلى النصف لازماً.

ولكن يرد على ذلك: أنّ هذا الضَّرر حيث أقدم عليه مَنْ بيده العقد وتعيين المَهر، لا يوجبُ ثبوت الخيار.

وعليه، فالأظهر هو لزوم العقد والمَهر، وهو القول السادس.

لو عقد الأخوان على امرأة

المسألة الحادية عشرة: لو زوّج الأخوان اُختهما من رجلين:

1 - فإنْ لم يكونا وكيلين، فالعقدان فضوليّان، اختارت أيّهما شاءت، سواءٌ تقارنا أو اختلفا، والأولى أنّ لها إجازة عقد الأخ الأكبر، لخبر وليد بيّاع الأسفاط، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده، عن جاريةٍ كان لها أخوان، زوّجها الأكبر بالكوفة، وزوّجها الأصغر بأرض اُخرى؟

قال عليه السلام: الأوّل بها أولى ، إلّاأنْ يكون الآخر قد دخل بها في امرأته، ونكاحه جائزٌ»(1).

ص: 284


1- الكافي: ج 5/396 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/281 ح 25630.

وما في الخبر من الاستثناء يكون على القاعدة، فإنّ الأولويّة إنّما تكون مع عدم إجازتها للعقد الآخر، ومن المعلوم أنّ الرّضا بالدخول والتمكين منه من اقوى الإجازات الفعليّة.

2 - وإنْ كانا وكيلين:

فهل هما كالوكيلين الأجنبيّين أو الوليّين - وقد مرّ حكمهما -؟

أم يقدّم عقد الأخ الأكبر مطلقاً، اقترنا زماناً أم اختلفا، إلّامع دخول مَنْ عَقَد عليه الأصغر، لا مع سبق عقد الأكبر، فيقدّم عقد الأصغر كما عن «النهاية»(1)، والقاضي(2)؟

أم يقدم عقد الأكبر مع التقارن مطلقاً، كما عن أبي حمزة(3)؟

أم يقدم عقد الأكبر مع التقارن، إلّامع دخول من عَقَد عليه الأصغر، كما عن التهذيبين(4)، و «المختلف»(5)، وابن سعيد(6)؟ وجوه:

مدرك الأقوال غير الأوّل خبر وليد المتقدّم، ومبنى الاستدلال به كون الأخوين فيه وكيلين، مع أنّه غير ظاهر في ذلك، بل الظاهر منه بقرينة عدم التعرّض للوكالة هو الفضوليّة، ومفاده حينئذٍ منطبقٌ على «القواعد».

والنتيجة: هي أنّ الأظهر كونهما كالأجنبيين. واللّه العالم.

***7.

ص: 285


1- النهاية: ص 466.
2- المهذّب: ج 2/195.
3- الوسيلة: ص 300.
4- تهذيب الأحكام: ج 7/387 ذيل ح 29، الاستبصار: ج 3/240 ح 3.
5- مختلف الشيعة: ج 7/111.
6- الجامع للشرائع: ص 437.

الفصل الثالث: في المحرّمات.

وهي قسمان: نَسبٌ ، وسَبَب:

فالنَسَبُ : الاُمّ وإنْ عَلَت، والبِنْت وإنْ سَفلت

أسباب التحريم

(الفصل الثالث: في المحرمات):

(وهي قسمان: نسبٌ ، وسَبَب).

أقول: وجميع أسباب التحريم واحد وعشرون، وهي:

النَسَب، والرّضاع، والمُصاهرة، والنظر، واللّمس، والزِّنا بغيرها، والإيقاب، والإفضاء، والكفر، وعدم الكفاءة، والرّق، وتبعيض السَبَب، واستيفاء العدّد، والإحصان، واللّعان، وقذف الصمّاء والخَرساء، والطلاق، والإعتداد، والإحرام، والتعظيم كزوجات النبيّ صلى الله عليه و آله.

وكيف كان، (ف) يحرم ب (النسب) سبعة أصنافٍ من النساء، مذكورات في الآية الكريمة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ اَلْأَخِ وَ بَناتُ اَلْأُخْتِ ) الآية(1).

الصنف الأوّل: (الاُمّ وإنْ عَلت) وهي كلّ امرأةٍ وَلَدتك، أو انتهى نَسَبك إليها من العلوّ بالولادة، لأبٍ كانت أو لاُمّ .

(و) الصنف الثاني: (البنت وإنْ سفلت) وهي كلّ اُنثى ينتهي نسبها إليك بالتولّد، بواسطة أو غيرها.

ص: 286


1- سورة النساء: الآية 23.

والاُخت وبناتها وإنْ نزلن، والعمّة والخالة وإنْ عَلتا،

(و) الصنف الثالث: (الاُخت) وهي الاُنثى التي وَلَدها وإيّاك شخصٌ واحد من غير واسطة، ولا يدخل في اسمها غيرها، ولذا لم يكن فيها علوّ ولا سفل.

(و) الصنف الرابع: (بناتها) أي بنات الاُخت (وإنْ نزلن)، وهي كلّ امرأةٍ ولدتها اُختك بواسطة أو غيرها.

(و) الصنف الخامس: (العمّة) وإنْ ارتفعت، وهي:

كلّ اُنثى هي اُخت ذكرٍ ولدت له، بواسطةٍ أو غيرها، من جهة الأب أو الاُمّ أو منهما.

أو كلّ اُنثى ولدها واحدٌ آبائك شخص من غير واسطة.

فالمراد بالمرتفع فيها عمّة الأب والاُمّ ، وعمّة الجَدّ والجَدّة وهكذا، لا عمّة العمّة، فإنّها قد لا تكون محرّمة.

كما لو كانت العمّة القريبة عمّة للاُمّ خاصّة، أي اُخت أبيه من اُمّه، فإنّ عمّتها حينئذٍ تكون اُخت زوج جدّته اُمّ أبيه، واُخت زوج الاُمّ لا تحرم، فاُخت زوج الجَدّة أولى .

(و) الصنف السادس: (الخالة وإنْ علتا)، والضمير ترجع إليها وإلى العمّة، والمراد بها من تشمل الخالات العاليات، أي خالة الأب والاُمّ والجَدّ والجَدّة وهكذا.

فضابط الخالة: كلّ اُنثى هي اُخت اُنثى ولدتك بواسطة أو غيرها، أو كلّ اُنثى ولدها وإحدى اُمّهاتك شخصٌ من غير واسطة، فالخالة العليا هي اُخت الجَدّة وإنْ علت لا خالة الخالة، فإنّها قد لا تحرم كما لو كانت الخالة القريبة خالةً لأبٍ خاصّة،

ص: 287

وبنات الأخ وإنْ نزلن.

أي اُخت اُمّه من أبيها، فإنّ خالتها تكون اُخت امرأة الجَدّ، واُخت امرأة الأب لا تَحرُم، فاُخت امرأة الجَدّ أولى .

(و) الصنف السابع: (بنات الأخ وإنْ نزلن) سواءٌ كان الأخ لأبٍ أو لاُمّ أو لهما، وسواءٌ كانت بنته لصُلبه، أو بنتِ بنته، أو بنتِ ابنه، وبناتهنّ وإن سفلن.

وضابطها: كلّ امرأةٍ ولدها أخوه بواسطة أو غيرها.

أقول: وتحريم هؤلاء مجمعٌ عليه بين الاُمّة(1)، بل عليه الضرورة الدينيّة، ومصرّح به في الجملة في الكتاب والسنّة، فلا يهمّنا النزاع في أنّه:

هل تشمل الآية جميعهنّ ، نظراً إلي صدق الأسماء حقيقةً على العاليات والسافلات ؟

أو أنّها وإنْ كانت حقيقة فيما لو لم يكن واسطة، ولكن اتّفق المفسّرون منّا على إرادة هؤلاء منها؟

أو أنّ المقصود منها تفصيل المحرّمات كما يقتضيه المقام، ويدلّ عليه قوله تعالى:

(وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ، ولا ريب أنّ الحمل على العموم أنسب بالفرض المذكور، لانحصار المحرّمات النَسَبيّة في السبع على ذلك التقدير، بخلاف ما لو اُريد منها الثاني، فإنّه يخرج عنها حينئذٍ كثيرٌ ممّن تحرم بالنسب ؟

أو أنّ المعنى الحقيقي للاُمّ على هذا التقدير، ليس فيه تعدّد، يصحّ معه استعمال صيغة الجمع، وعليه فيجبُ حمله على ما يطلق عليه اللّفظ، ولو مجازاً تحقيقاً لمقتضى).

ص: 288


1- رياض المسائل: ج 10/129 (ط. ج).

الحجيّة، وإرادة هذا المعنى من لفظ الاُمّ ، تقتضي إرادته من غيره، لأنّ الظاهر كون الحجيّة في الجميع على نسقٍ واحد، كما أفاده صاحب «الجواهر»(1) رحمه الله ؟

أم الآية الشريفة مختصّة بمن لا واسطة فيه، واستفادة تحريم غيرها إنّما تكون من خلال السُّنة والإجماع كما ذهب إليه سيّد «الرياض»(2)؟

وكيف كان - فبالرغم من أنّ الأوّل أظهر - فإنّه يستفاد من الآية - مضافاً إلى ذلك - أنّ مثلهنّ من الرّجال يحرمُ على النساء، فيحرم الأب وإنْ علا على البنت، والولد وإنْ سفل على الاُمّ ، والأخ وابنه وابن الاُختِ على الاُخت والعمّة والخالة، والعمّ وإنْ علا، وكذلك الخال على بنت الأخ وبنت الاُخت.

والضابط: من لو كان امرأة وهي رجلٌ كان محرماً مع بقاء النسب بعينه، والوجه في ذلك أمران:

أحدهما: أنّ التحريم من أحد الطرفين هنا يستلزم التحريم من الطرف الآخر.

ثانيهما: أنّ المراد من تحريم النساء المذكورات في الآية:

إمّا تحريم تزويجهنّ .

أو تحريم وطئهنّ .

وعلى التقديرين تدلّ على فساد العقد كما حُقّق في محلّه، وفساد العقد يستدعي التحريم من الطرفين.

أقول: ذكر المصنّف رحمه الله عبارة مختصرة جامعة لجميع من يحرم بالنسب من الطرفين، وهي أنّه: (يحرم على الإنسان اُصوله، وفصوله، وفصول أوّل اُصوله، وأوّل).

ص: 289


1- جواهر الكلام: ج 29/240.
2- رياض المسائل: ج 10/173-174 (مؤسّسة النشر الإسلامي).

فصلٍ من كلّ أصلٍ بعد أوّل الاُصول، ويدخل في الأوّل الآباء والاُمّهات، وفي الثاني البنون والبنات، وفي الثالث الإخوة والاخوات وأولادهم سافلون وسافلات، وفي الرابع الأعمام والعمّات والأخوال والخالات دون أولادهم من بنين أو بنات)(1).

وأخصر منها قولهم: (يحرُم على الإنسان كلّ قريبٍ عدا أولاد العمومة والخؤولة)(2).

بيان ما يَثبُتُ به النَّسَب

فرعان:

الفرع الأوّل: لا خلاف ولا إشكال في أنّ النَسَب يثبُت مع النكاح الصحيح في نفس الأمر، والمراد به هنا على ما ذكره غير واحدٍ الوطء المستحقّ في نفس الأمر بأصل الشرع، كان سبب الاستحقاق النكاح أو التحليل أو المِلْك، وإنْ عَرَضه الحُرمة بحيضٍ أو صيامٍ أو إحرامٍ أو نحوها، ما لم يخرج عن أصل الحليّة، فيدخل فيه حينئذٍ وطء الجاهل بالاستحقاق، كمن وطء حليلته باعتقاد أنّها أجنبيّة، لعدم عِلمه بالسبب كما لو زوّجه الوليّ أو الوكيل(3).

كما لا خلاف ولا كلام في ثبوت النسب مع الشُّبهة، وفي «الجواهر»: (إجماعاً بقسميه)(4)، والنصوص تدلّ عليه.

أقول: والمراد بوطء الشبهة، الوطء الذي ليس بمستحقّ في نفس الأمر، مع

ص: 290


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/613 (ط. ق) العبارة منقولة مع التوضيح.
2- الروضة البهيّة: ج 5/155، نهاية المرام: ج 1/98.
3- كما في جامع المقاصد: ج 12/190، مسالك الأفهام: ج 7/202، جواهر الكلام: ج 29/243-244، والعبارة للأخير.
4- جواهر الكلام: ج 29/244.

عدم علم فاعله بالتحريم، فيدخل فيه ما لو اعتقد الاستحقاق، أو كان جائزاً عليه بحسب ظاهر الشرع، كما لو زوّج امرأة تدّعي أنّها خليّة عن الزوج، مع عدم حصول العلم من قولها، ثمّ تبيّن أنّها متزوّجة، أو صدر ممّن هو غير مكلّفٍ كالنائم والمجنون والسكران بسبب محلّل ونحوهم، ولا إشكال في أنّه لا يثبت بالزِّنا.

وفي «الجواهر»: (إجماعاً بقسميه، بل يمكن دعوى ضروريّته، فضلاً عن دعوى معلوميّته من النصوص أو تواترها فيه)(1)، انتهى .

وعن الصدوق(2)، وأبي عليّ (3)، وأبي الصّلاح(4): إلحاق ولد الزِّنا باُمّه، واستدلّ له:

1 - بخبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: ولد الزنا وابنُ الملاعنة ترثه اُمّه وأخواله وأخواته لاُمّه أو عصبتها»(5).

2 - وبما عن يونس أنّه قال: «ميراثُ ولد الزِّنا لقرابته من قِبل اُمّه على ميراث ابن الملاعنة»(6).

وفيه أوّلاً: إنّ خبر إسحاق ضعيف السند، لأنّ في طريقه غياث بن كلوب(7)وغيره، وما عن يونس موقوفٌ لم يسنده إلى أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام.7.

ص: 291


1- جواهر الكلام: ج 29/256.
2- المقنع: ص 504-505.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/76.
4- الكافي في الفقه: ص 377.
5- التهذيب: ج 9/345 ح 23، وسائل الشيعة: ج 26/278 ح 32998.
6- التهذيب: ج 9/344 ح 22، وسائل الشيعة: ج 26/276 ح 32995.
7- رجال النجاشي: ص 305 رقم 834، الفهرست: ص 197.

وثانياً: أنّه يعارضهما نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في حديثٍ في ولد الزِّنا؟

قال: قلت: فإنّه ماتَ وله مالٌ مَن يرثه ؟ قال عليه السلام: الإمام»(1).

ومنها: خبر محمّد بن الحسن الأشعري، قال: «كتبَ بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثانى عليه السلام معي، يسأله عن رجلٍ فَجَر بامرأةٍ ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل، فجاءت بولدٍ هو أشبه خَلق اللّه به ؟

فكتب عليه السلام بخطّه وخاتمه: الولد لغيّة لا يورث»(2).

فإنّ إطلاقهما كعموم التعليل في الأخير يشمل الاُمّ .

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أيّما رجل وقع على وليدة قومٍ حراماً، ثمّ اشتراها وادّعى ولدها، فإنّه لا يورث منه شيءٌ ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:

الوَلدُ للفراش وللعاهر الحَجَر، لايورث ولد الزِّنا، إلّارجلٌ يدّعي ابن وليدته»(3).

ونحوها غيرها.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّهما أخصّ منها، فيرد عليهما حينئذٍ إعراض الأصحاب، مضافاً إلى موافقتهما للعامّة، فليحملا على التقيّة، أو على كون الاُمّ زانية، فإنّها وأقاربها يرثونه حينئذٍ، لثبوت النَسَب الشرعي بينهم، فيكون كولد الملاعنة.

أقول: إنّما الكلام فيما إذا كان مبدأ انخلاق الولد وتكوّنه من غير الثلاثة المتقدّمة:

1 - كما لو جامع الرّجل زوجته، وساحقت هي جاريةً ، فحبلت الجارية من0.

ص: 292


1- التهذيب: ج 9/343 ح 18، وسائل الشيعة: ج 26/275 ح 32992.
2- التهذيب: ج 9/343 ح 17، وسائل الشيعة: ج 26/274 ح 32991.
3- التهذيب: ج 9/346 ح 26، وسائل الشيعة: ج 26/274 ح 32990.

ماء الرّجل المنتقل إليها.

2 - أو كان الحمل بواسطة تلقيح ماء غير الزوج بالمرأة، وما شابه ذلك.

فالأظهر هو ثبوت النَسَب بذلك، ولحوق الولد بأبويه.

أمّا لحوقه باُمّه فلتكوّنه في رحمها، ويُسمّى ولداً لغةً وعرفاً، ولم يدلّ دليلٌ شرعي على خلافه، لاختصاص ما دلّ على نفي الولد بالزِّنا، بل مقتضى عموم الآية الكريمة: (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اَللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (1) حيث جَعل المولّدة - مطلقاً سواءً كان المتولّد إبناً أو بنتاً شرعاً - على حسب القانون اللّغوي.

وأمّا لحوقه بصاحب الماء، فلأنّ خلاقه من مائه ويُسمّى ولداً، والأصل عدم النقل.

وأمّا قوله صلى الله عليه و آله: «للعاهر الحَجَر»، مختصٌّ بالزاني، كما أنّ قوله صلى الله عليه و آله: «الولدُ للفراش»، جَعلٌ لقاعدةٍ في ظرف الشكّ ، ولا مفهوم له كي يدلّ على انتفاء النسب بانتفاء الفراش.

أقول: ويمكن أنْ يستشهد له بما ورد في المساحقة:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «سمعتُ أبا جعفر وأبا عبد اللّه عليهما السلام يقولان:

بينما الحسن بن عليّ عليهما السلام في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبلَ قومٌ ، فقالوا: يا أبا محمّد، أردنا أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: وما حاجتكم ؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألةٍ .

قال: وما هي تخبرونا بها؟2.

ص: 293


1- سورة المجادلة: الآية 2.

قالوا: امرأةٌ جامعها زوجها، فلمّا قام عنها قامت بحموّتها(1) فوقَعَتْ على جاريةٍ بكرٍ فساحقها، فوقعتِ النطفة فيها فحَمَلَتْ ، فما تقول في هذا؟

فقال الحسن عليه السلام: معضلة وأبو الحسن لها، وأقول فإنْ أصبتُ فمن اللّه ومن أمير المؤمنين، وإنْ أخطأتُ فمن نفسي، فأرجوا أن لا اُخطئ إنْ شاء اللّه:

يعمدُ إلى المرأة فيُؤخذ منها مَهر الجارية البِكْر في أوّل وهلة، لأنّ الولد لا يخرجُ منها حتّى تشقّ فتذهب عُذرتها، ثمّ تُرجَم المرأة لأنّها محصنة، وينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها، ويردّ الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثمّ تُجلد الجارية الحَدّ.

قال: فانصرف القوم من عند الحسن عليه السلام، فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما قلتم لأبي محمّد؟ وما قال لكم ؟

فأخبروه، فقال: لو أنّني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني»(2).

وقريبٌ منه أخبار إسحاق بن عمّار، وعمرو بن عثمان، والمعلّى بن خُنيس، عن الإمام الصادق عليه السلام(3).

وأورد على الاستدلال بها: للحوق الولد بصاحب الماء بوجهين:

أحدهما: أنّ الولد غير مولودٍ على فراش الرّجل، فكيف يُلتحق به!

وفيه: ما تقدّم من أنّها قاعدة ظاهريّة مضروبة لحال الشكّ ، ولا تدلّ على نفي الولد بانتفاء الفراش، مع أنّه لو كان لدليلها مفهومٌ ، وكان دالّاً على انتفائه بانتفائه،5.

ص: 294


1- حُمُوّة الشيء: شدّته وسورته.
2- الكافي: ج 7/202 ح 1، وسائل الشيعة: ج 28/167 ح 34474.
3- الكافي: ج 7/203 ح 2، التهذيب: ج 10/58 و ص 59 ح 2 و 4، الفقيه: ج 4/43 ح 5050، وسائل الشيعة: ج 28/167 ح 34475.

كانت هذه الأخبار أخصّ منه، فيقيّد إطلاقه بها.

ثانيهما: أنّ أصحابنا لا يرجمون المساحقة، ولا يرون مَهر البغيّ ، وهذه الأخبار بما أنّها متضمّنة لرجم المساحقة، وإلزام المَهر على الفاعلة، مع أنّها لم تُكرِه المفعولة ولذا تُجلد، لا تكون معمولاً بها.

وفيه أوّلاً: أنّ المساحِقة إذا كانت مُحصَنة تُرجم عند الشيخ(1) والقاضي(2)، وابن حمزة(3)، ومالَ إليه في «المسالك»(4).

وأمّا المَهر؛ فالوجه فيه كونه سبباً في ذهاب العُذرة، وديتها مَهر نسائها، وليست هي كالزّانية في سقوط دية العُذرة، لأنّ الزانية أذنت في الافتضاض بخلاف هذه.

وثانياً: عدم العمل ببعض الخبر جمعاً بينه وبين أخبارٍ اُخر، لا يوجبُ عدم العمل ببعضه الآخر الذي لا معارض له.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: ثبوت النسب بغير الزِّنا، وعدم ثبوته به.

النسب الحاصل من الزِّنا من أسباب التحريم

الفرع الثاني: إنّ ما ذكرناه تبعاً للأصحاب والدليل، من عدم ثبوت النسب بالزِّنا، إنّما هو في غير تحريم النكاح - أي نكاح النسبيّات السّبع - وأمّا بالنسبة إليه، فالظاهر ثبوته، بمعنى حرمة نكاحهنّ ولو كان الوطء الموجب لتحقّقها حراماً وزناً،

ص: 295


1- النهاية: ص 706.
2- المهذّب: ج 2/531.
3- الوسيلة: ص 414.
4- مسالك الأفهام: ج 14/418-421.

فيحرم على الزّاني لو كان بنتاً وعلى الزانية لو كان ولداً.

وعن «المسالك»: (إنّه يظهر من جماعة من علمائنا - منهم العلّامة في «التذكرة»(1)، وولده في الشرح(2)، وغيرهما(3) - أنّ التحريم إجماعي).

وفي «الجواهر»: (بل الظاهر اتّفاق المسلمين كافّة على تحريم الولد على اُمّه)(4).

وفي «المستند»: (إجماعاً محكيّاً حكاه الشيخ في «الخلاف»(5)، والفاضل في «التذكرة»(6)، والمحقّق الثاني في «شرح القواعد»(7) والهندي فيه(8) أيضاً)(9).

وقد استدلّ له بوجوه:

1 - أنّ التحريم ذاتي لا مدخليّة للنسب الشرعي فيه، والعقل مستقلٌّ به، وفي الخبر الوارد في بدو النسل من ذريّة آدم عن الإمام الصادق عليه السلام التصريح بذلك(10)، وبالملازمة بين حكم العقل والشرع يُستكشف الحرمة الشرعيّة.

2 - أنّ الإنسان لا ينكح بعضه بعضاً، كما في بعض النصوص النافية لخلق حوّاء من آدم(11).ل.

ص: 296


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/613 (ط. ق).
2- إيضاح الفوائد: ج 3/42.
3- كما سيأتي عن النراقي في «مختلف الشيعة».
4- جواهر الكلام: ج 29/257.
5- الخلاف: ج 4/306-307 مسألة 79.
6- تذكرة الفقهاء: ج 2/257.
7- جامع المقاصد: ج 12/190.
8- كشف اللّثام: ج 7/125 (ط. ج).
9- مستند الشيعة: ج 16/221. (10و11) علل الشرايع: ج 1/17 باب 17 من باب كيفيّة بدو النسل.

3 - أنّ مدار تحريم النسبيّات السّبع على اللُّغة، ويصدق النسبة عرفاً ولغةً ، والأصل عدم النقل.

4 - أنّ ولد الزِّنا كافرٌ، ولا يحل على المسلم نكاح الكافر، لاشتراط الكفاءة كما سيجيء(1).

5 - أنّ الأصل في هذا الباب هو الاحتياط، فالشكّ في الجواز مع عدم دليل عليه يكفي في الحكم بالحرمة.

6 - قيام الإجماع عليه.

أقول: ولكن لو كان دليلٌ على نفي النسب، لكان أكثر هذه الأدلّة وهي الثلاثة الاُول باطلة، إذ المنفيّ شرعاً كالمنفيّ عقلاً، وما يبقى واضح الدفع، إذ الإجماع لا يُستند إليه مع معلوميّة مدرك المجمعين، وولد الزِّنا لا يكون كافراً، وأصالة الاحتياط لا يرجع إليها في مقابل العمومات، إلّاأنّه حيث لا إطلاق لدليل نفي السبب، بحيث يشمل جميع الأحكام، فالرجوع إلى عموم ما دلّ على تحريم النسبيّات السّبع هو المتعيّن.

ومع ذلك، فقد استشكل في الحكم جمعٌ من المتأخّرين - منهم الشهيد الثاني في محكي «المسالك»(2)، وسيّد «الرياض»(3)، وغيرهما - وذكروا في وجه الإشكال، أنّه:

1 - لا يكتفى بصدق النسبة بمجرّدها في الشريعة، وقال الحِلّي: (إنّ عرف الشرع طارٍ على اللّغة)(4).4.

ص: 297


1- يأتي في الجزء 32 تحت عنوان: (لا يجوز للمسلمة أن تنكح غير المسلم).
2- مسالك الأفهام: ج 7/202-202.
3- رياض المسائل: ج 10/129 (ط. ج).
4- السرائر: ج 2/524.

2 - وباستلزامها ثبوت الأحكام الباقية، كحلّ النظر، والانعتاق بملك الفرع أو الأصل و تحريم الحليلة، وغير تلكم من توابع النسب.

3 - وبانتفاء النسب معه شرعاً.

ولكن يرد الأوّل: أنّه لو كان للنسب أو ألفاظ النسبة من الأب والاُمّ وغيرهما، حقيقة شرعيّة تمّ ما اُفيد، وللزم الاقتصار على النسب الحاصل من الوطء الصحيح، ويلزمه عدم ثبوت تحريم النكاح أيضاً، ولكنّها غير ثابتة بل ثابتة العدم.

وعليه، فهي كسائر العناوين محمولة على ما هو المتفاهم منها عرفاً.

ويرد على الثاني: أنّ عدم ثبوت بقية الأحكام إنّما هو لأدلّة خاصّة.

ويرد على الثالث: ما تقدّم من عدم الدليل على انتفاء النسب بقول مطلق.

وعلى ذلك، فلا وجه للتوقّف في التحريم.

وفي «الجواهر»: (بل قد يتوقّف في جواز النظر بالنسبة إلى من حَرُم نكاحه فيما عرفت، ولكن الإنصاف عدم خلوّ الحَلّ من قوّة، بدعوى ظهور التلازم بين الحكمين هنا، خصوصاً بعد اتّحادهما في المناط)(1) انتهى ، فتأمّل.

هذا كلّه في النسب.

***9.

ص: 298


1- جواهر الكلام: ج 29/259.

وأمّا السبب: فاُمور:

الأوّل: ما يحرمُ بالمصاهرة.

المحرّمات بالمصاهرة

(وأمّا السبب فاُمور):

الأمر (الأوّل: ما يَحرمُ بالمصاهرة).

أقول: اختلفت كلمات القوم في حقيقة المصاهرة:

فعن الأكثر تعريفها: بأنّها علاقة تحدث بين كلّ من الزوجين وأقرباء الآخر، توجب حرمة النكاح، وهو المعروف من معناها لغةً (1) وعرفاً.

قال المحقّق في «الشرائع»: (وهي تتحقّق مع الوطء الصحيح، ويُشكل مع الزِّنا والوطء بالشبهة والنظر واللّمس)(2).

وقال الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك» بعد تقييد حصول العلاقة بالنكاح:

(ويلحق بالنكاح النظر والوطء واللّمس على وجهٍ مخصوص)(3).

هذا هو المعروف من معناها لغةً وعرفاً.

والمصنّف رحمه الله تحت عنوان: (ما يحرم بالمصاهرة) ذكر ما يحرم بالزِّنا، وظاهر ذلك اختياره ما في «المسالك».

ص: 299


1- لسان العرب: ج 4/471، مجمع البحرين: ج 3/370 مادّة صهر.
2- شرائع الإسلام: ج 2/514.
3- مسالك الأفهام: ج 7/281.

فمن وطأ امرأةً بالعقد أو المِلْك، حَرُمَتْ عليه اُمّها وإنْ عَلَت

وكيف كان، فالأمر سهلٌ ، لعدم كون هذا العنوان بنفسه موضوعاً للحكم، فلا مورد لإطالة الكلام في بيان مفهومها.

وعليه، (ف) الأولى البحث في الموارد الّتي دلّت الأدلّة من الكتاب والسنّة والإجماع على ثبوت الحُرمة فيها، سواءٌ كانت هذه الموارد داخلة تحت مفهوم المصاهرة، أم خارجة عنه، وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في مسائل.

حرمة اُمّ الموطوءة بالوطء الصحيح وبنتها

المسألة الأُولى : (من وطأ امرأةً بالعقد أو المِلك، حَرُمت عليه اُمّها وإنْ عَلَت) لأبٍ أو لاُمٍّ ، بلا خلافٍ فيه بين المسلمين، بل هو إجماعٌ (1) منهم، ويشهد به - مضافاً إلى ذلك - قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ... إلى قوله عزّ وجلّ : وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (2)، ونصوصٌ كثيرة(3) ستمرّ عليك خلال المباحث القادمة.

ثمّ إنّه قال الفاضل النراقي في «المستند»: (صرّح الأكثر بأنّ الحكم ثابتٌ لاُمّ الاُمّ وجدّاتها من الطرفين، والظاهر أنّ المستند فيه الإجماع المركّب، وإلّا فإثبات المطلب من غير جهة الإجماع مشكلٌ )(4)، انتهى .

ص: 300


1- جواهر الكلام: ج 29/349.
2- سورة النساء: الآية 23.
3- وسائل الشيعة: ج 20/462-465 باب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
4- مستند الشيعة: ج 16/308.

وبنتها وإنْ نزلت، تحريماً مؤبّداً، سواءٌ سبقن على الوطء أو تأخّرن عنه.

ويرد عليه: ما تقدّم في مبحث ما يَحرُم(1) بالنسب أنّ عنوان الاُمّ صادقٌ على كلّ من ولدتك، كان ذلك مع الواسطة أو بلا واسطة.

(و) كذا يحرم عليه (بنتها وإنْ نزلت تحريماً مؤبّداً، سواءٌ سبقن على الوطء أو تأخّرنّ عنه) بلا خلافٍ ، بل إجماعاً محكيّاً(2) ومحقّقاً:

1 - للآية الشريفة: (وَ رَبائِبُكُمُ اَللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (3).

2 - ولنصوصٍ كثيرة:

منها: صحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة متعةً ، أيحلّ له أن يتزوّج ابنتها؟ قال عليه السلام: لا»(4).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «عن رجلٍ كانت له جارية فاُعتقت فزوّجت فولدت ابنة، أيصلح لمولاها الأوّل أن يتزوّج ابنتها؟

قال عليه السلام: هي عليه حرام وهي ابنته، والحُرّة والمملوكة في هذا سواء»(5).

ونحوهما غيرهما.

ثمّ إنّه صرّح في كثيرٍ من الكتب بحرمة البنت وإنْ نزلت، وفي بعضها التصريح8.

ص: 301


1- صفحة 286 من هذا المجلّد.
2- جواهر الكلام: ج 29/349.
3- سورة النساء: الآية 23.
4- الكافي: ج 5/422 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/457 ح 26087.
5- التهذيب: ج 7/277 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/458 ح 26088.

بعدم الفرق بين بنت الابن وبنت البنت.

وقال المحقّق النراقي: (أنّ حكم بنت البنت وبنت الابن فنازلاً، حكم البنت بالإجماع، وإنْ لم يُستنبط من الأخبار)(1).

ولكن يرد عليه: عموم البنت والابنة الموجودتين في الأخبار للبنت بواسطة، نعم استفادة ذلك من الآية الكريمة مشكلة، لعدم ثبوت شمول الربيبة لها.

فما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة» من الاستدلال له بعموم الآية، غير تامّ .

ولا فرق بين كون البنت في حِجره أم لا، بلا خلافٍ فيه، وعن غير واحدٍ(2)دعوى الإجماع عليه، وعن «التذكرة»(3)، و «المسالك»(4) دعوى قيام (إجماع علماء الإسلام إلّامن شَذّ منهم عليه)، ويشهد به:

1 - خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهم السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:

الربائب عليكم حرام من الاُمّهات اللّآتي قد دُخل بهنّ ، هنّ في الحُجور وغير الحجور سواء، والاُمّهات مبهمات»(5).

ونحوه خبر غياث(6)، ومرسل الفقيه(7).9.

ص: 302


1- مستند الشيعة: ج 16/333.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/630 (ط. ق).
3- كما في نهاية المرام: ج 1/134، جواهر الكلام: ج 29/349.
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/630 (ط. ق)، مسالك الأفهام: ج 7/282.
5- الاستبصار: ج 3/156 باب 103 / ح 1، التهذيب: ج 7/273 ح 1، الفقيه: ج 3/415 ح 4448، وسائل الشيعة: ج 20/458 ح 26089.
6- التهذيب: ج 7/273 ح 1 و 2 وح 26090 و 26092، الفقيه: ج 3/415 ح 4448، وسائل الشيعة: ج 20/458-459 ح 26089.
7- التهذيب: ج 7/273 ح 1 و 2 و ح 26090 و 26092، الفقيه: ج 3/415 ح 4448، وسائل الشيعة: ج 20/458-459 ح 26089.

وتحرُم الموطوءة بالمِلْك أو العقد على أب الواطئ وإن علا، وعلى أولاده وإنْ نزلوا.

وما في خبر محمّد بن عبد اللّه بن جعفر، عن صاحب الزمان عليه السلام من عدم الحرمة إذا لم تكن رُبيت في الحِجر(1) لضعف سنده، واضطراب متنه، وعدم علم الأصحاب به، ومعارضته بما تقدّم، لابدّ من رَدّ علمه إلى أهله.

(و) كذا (تحرُم الموطوءة بالمِلْك أو العقد على أبِ الواطئ وإن علا، وعلى أولاده وإنْ نزلوا) نصّاً وإجماعاً من المسلمين، فضلاً عن المؤمنين(2)، كذا في «الجواهر»:

1 - للآية الكريمة: (وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ اَلنِّساءِ ) (3).

2 - ولقوله تعالى: (وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (4).

3 - وللكثير من النصوص الآتي طرفٌ منها.

التزويج بالمرأة التي زنى باُمّها أو بنتها

هذا كلّه في الوطء بالعقد والمِلْك.

وأمّا الوطء المحرّم: أي الزِّنا:

تارةً : يكون طارئاً على التزويج، فإنّه لا يوجب الحرمة إجماعاً(5) إذا كان بعد الوطء، وعلى المشهور(6) شهرة عظيمة إذا كان قبله.

ص: 303


1- الاحتجاج: ج 2/489، وسائل الشيعة: ج 20/459 ح 26093.
2- جواهر الكلام: ج 29/350.
3- سورة النساء: الآية 22.
4- سورة النساء: الآية 23.
5- مسالك الأفهام: ج 7/297-298، نهاية المرام: ج 1/147.
6- مستند الشيعة: ج 16/345.

أقول: يشهد لعدم كونه موجباً للحُرمة مطلقاً نصوصٌ :

منها: الخبر الحسن الذي رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: «في رجل زنا باُمّ امرأته أو بنتها أو باُختها؟ فقال عليه السلام: لا يحرم ذلك امرأته، ثمّ قال: ما حَرّم حَرامٌ حلالاً قطّ»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «أنّه سُئل عن الرّجل يفجر بامرأة، أيتزوّج بابنتها؟

قال عليه السلام: لا، ولكن إنْ كانت عنده امرأة ثمّ فجر باُمّها أو اُختها لم يحرم عليه امرأته، إنّ الحرام لا يفسد الحلال»(2).

ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة.

وعن الإسكافي(3): (إنْ كان ذلك قبل الوطء أوجب الحرمة)، ونُسب ذلك إلى ظاهر «الاستبصار»(4)، ومالَ إليه صاحب «الحدائق»(5)، واستدلّ له:

1 - بموثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «فى الرّجل تكون عنده الجارية، فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجَدّ، أو الرّجل يزني بالمرأة، هل يجوز لأبيه أن يتزوّجها؟

قال عليه السلام: لا، إنّما ذلك إذا تزوّجها فوطأها ثمّ زنا بها ابنه لم يضرّه، لأنّ الحرام لا يُفسد الحلال، وكذلك الجارية»(6).

2 - وخبر أبي الصباح الكناني، عنه عليه السلام: «إذا فجر الرّجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها8.

ص: 304


1- الكافي: ج 5/416 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/429 ح 26004.
2- الكافي: ج 5/415 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/428 ح 26002.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/39.
4- الاستبصار: ج 3/164 ح 4.
5- الحدائق الناضرة: ج 23/483-485.
6- الكافي: ج 5/420 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/420 ح 25978.

أبداً، وإنْ كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك، ولم يدخل بها، فقد بطل تزويجه، وإنْ هو تزوّج ابنتها ودخل بها، ثمّ فجر باُمّها بعدما دخل بابنتها، فليس يفسد فجوره باُمّها نكاح ابنتها، إذا هو دخل بها، وهو قوله: لا يُفسد الحرامُ الحلالَ إذا كان هكذا»(1).

وهما من أقسام الموثّق، ودلالتهما ظاهرة، فلا مجال للمناقشة في سندهما، ولكن لإعراض الأصحاب عنهما لا يُعتمد عليهما.

واُخرى : يكون الزِّنا سابقاً على التزويج: ففيه قولان:

أحدهما: أنّه يوجب الحرمة، وهو المحكيّ عن «النهاية»(2)، و «الخلاف»(3)، والقاضي(4)، وبني البرّاج وحمزة(5) وزُهرة(6) وسعيد(7)، والمصنّف في «التذكرة»(8)و «المختلف»(9)، وولده في «الإيضاح»(10)، والشهيدفي «اللُّمعة»(11)، وظاهر «النكت»(12)، والسيوري في «الكنز»(13) و «التنقيح»(14)، وابن فهد(15) والصيمري(16) والمحقّق في «كنز4.

ص: 305


1- التهذيب: ج 7/329 ح 11، وسائل الشيعة: ج 20/430 ح 26009.
2- النهاية: ص 452.
3- الخلاف: ج 4/306-307 مسألة 79.
4- المهذّب: ج 2/183.
5- الوسيلة: ص 294.
6- الغنية: ص 337.
7- الجامع للشرائع: ص 428.
8- تذكرة الفقهاء: ج 2/632 (ط. ق).
9- مختلف الشيعة: ج 7/35.
10- إيضاح الفوائد: ج 3/68.
11- اللُّمعة الدمشقيّة: ص 164.
12- غاية المراد: ج 3/157.
13- كنز العرفان: ج 3/187-188.
14- التنقيح الرائع: ج 3/66-70.
15- المهذّب البارع: ج 3/259-263.
16- تلخيص الخلاف: ج 2/339 مسألة 74.

الفوائد»(1)، والشهيد الثاني في «الروضة»(2)، و «المسالك»(3)، والسيّد في «شرح النافع»(4)، والفاضل الهندي(5)، والعلّامة الطباطبائي(6)، والمقدّس البغدادي(7)، ونَسَبه

في محكيّ «المختلف» إلى أكثر أصحابنا، وفي «التذكرة» إلينا الظاهر في الإجماع.

القول الثاني: أنّه لا يوجب الحرمة، وهو المنسوب إلى «الفقيه»(5)، و «المقنع»(6)، و «المقنعة»(7)، و «المسائل الناصريّات»(8)، و «المراسم»(9)، و «السرائر»(10)، و «النافع»(11)، و «الإرشاد»(12)، و «كشف الرموز»(13)، وفي «الرياض»: (ظاهر «التذكرة»(14) كون القول به مشهوراً بين الأصحاب)، وعن طبريات المرتضى رحمه الله الإجماع عليه(15).

وأمّا النصوص: فمن حيث الدلالة على الحرمة والجواز طائفتان، ومن حيث2.

ص: 306


1- كنز الفوائد: ج 2/255.
2- الروضة البهيّة: ج 5/182.
3- مسالك الأفهام: ج 7/298-300.
4- نهاية المرام: ج 1/148-149. (5و6و7) حكاه عنه في الجواهر: ج 29/368.
5- من لايحضره الفقيه: ج 3/417 ح 4456.
6- المقنع: ص 325.
7- المقنعة: ص 504.
8- الناصريّات: ص 318 مسألة 149.
9- المراسم: ص 151.
10- السرائر: ج 2/523-524.
11- المختصر النافع: ص 177.
12- إرشاد الأذهان: ج 2/21.
13- كشف الرموز: ج 2/134-135.
14- تذكرة الفقهاء: ج 2/632 (ط. ق).
15- حكاه عن الطبريّات في الجواهر: ج 32/264، وادّعاه في الناصريّات: ص 362.

تطبيق النبويّ : «الحرامُ لا يُفسد الحلال»، أو «لا يُحرّمُ الحلالُ » على المورد أربع طوائف.

أمّا من الجهة الأُولى : فتدلّ على الحرمة روايات:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «أنّه سُئل عن الرّجل يفجر بامرأةٍ ، أيتزوّج بابنتها؟

قال عليه السلام: لا، ولكن إنْ كانت عنده امرأة ثمّ فجر باُمّها أو اُختها، لم تحرم عليه امرأته، إنّ الحرام لا يُفسد الحلال»(1).

ومنها: صحيح عيص بن القاسم، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ باشر امرأة وقبّل غَير أنّه لم يفض إليها، ثمّ تزوّج ابنتها؟

فقال عليه السلام: إنْ لم يكن أفضى إلى الاُمّ فلا بأس، وإنْ كان أفضى فلا يتزوّج ابنتها»(2).

ومنها: صحيح منصور بن حازم، عنه عليه السلام: «في رجلٍ كان بينه وبين امرأة فجورٌ، هل يتزوّج ابنتها؟

فقال عليه السلام: إنْ كان من قُبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها، وليتزوجها هي إنْشاء»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «عن رجلٍ فجر بامرأةٍ ، أيتزوّج اُمّها من الرّضاعة أو ابنتها؟ قال عليه السلام: لا»(4).

ونحوها غيرها.

ويشهد للجواز: نصوصٌ كثيرة:9.

ص: 307


1- الكافي: ج 5/415 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/428 ح 26002.
2- الكافي: ج 5/415 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/424 ح 25988.
3- الكافي: ج 5/416 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/424 ح 25989.
4- الكافي: ج 5/416 ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/427 ح 25999.

منها: صحيح سعيد بن يسار، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ فجر بامرأةٍ ، يتزوّج ابنتها؟

قال عليه السلام: نعم يا سعيد، إنّ الحرام لا يُفسد الحلال»(1).

ومنها: صحيح هشام بن المثنّى، عنه عليه السلام، قال: «إنّه سُئل عن الرّجل يأتي المرأة حراماً، أيتزوّجها؟ قال عليه السلام: نعم، واُمّها وبنتها»(2).

ومنها: موثّق حنان بن سُدير، قال: «كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ سأله سعيد عن رجلٍ تزوّج امرأةً سِفاحاً، هل تحلّ له ابنتها؟

قال عليه السلام: نعم، إنّ الحرام لا يُحرِّم الحلال»(3).

ومنها: صحيح صفوان، قال: «سأله المرزبان عن رجلٍ يفجر بالمرأة وهي جارية قومٍ آخرين، ثمّ اشترى ابنتها، أيحلّ له ذلك ؟

قال عليه السلام: لا يحرّم الحرامُ الحلال(4).

ورجلٌ فجر بامرأةٍ حراماً، أيتزوّج بابنتها؟

قال عليه السلام لا يحرّم الحَرامُ الحلال»(5).

ونحوها غيرها.

وأمّا من الجهة الثانية:4.

ص: 308


1- التهذيب: ج 7/329 ح 12، وسائل الشيعة: ج 20/425 ح 25992.
2- التهذيب: ج 7/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/425 ح 25993.
3- التهذيب: ج 7/328 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/426 ح 25997.
4- التهذيب: ج 7/471 ح 97، وسائل الشيعة: ج 20/427 ح 25998.
5- الكافي: ج 5/416 ح 4، التهذيب: ج 7/329 ح 11 و: ج 5/415 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/428-430 ح 26004.

فالطائفة الأُولى : ما لا تعرّض له لبيان المراد من الحديث من حيث الشمول للحلال التقديري وعدمه، كحسن زرارة(1) المتقدّم في صدر المسألة، وبمضمونه مصحّح الحلبي(2).

والطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ المراد بالحلال الحلال الفعلي بشرط الوطء، كموثّق عمّار(3)، وخبر الكناني(4) المتقدّمين في أوائل هذه المسألة.

والطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّ المراد به الحلال الفعلي بعقدٍ أو ملك، كصحيح محمّد بن مسلم(5) المتقدّم هناك.

والطائفة الرابعة: ما يدلّ على أنّ المراد به ما يعمّ الحلال التقديري، كصحاح سعيد وهشام وصفوان، وموثّق حنّان المتقدّمة آنفاً.

وأمّا الجمع بين النصوص:

فبالنسبة إلى الجهة الأُولى : ربما يقال - كما عن «التهذيب»(6)، وارتضاه الشيخ الأعظم(7)، واحتمله صاحب «الجواهر»(8) رحمه الله -: بأنّه تُحمل نصوص الجواز وعدم الحرمة على الفجور بغير الجماع، مثل اللّمس والقُبلة ونحوهما.2.

ص: 309


1- الكافي: ج 5/416 ح 4 و 3 وح 26009، التهذيب: ج 7/329 ح 11 وج 5/415 ح 1 وح 26002، وسائل الشيعة: ج 20/428-430 ح 26004..
2- الكافي: ج 5/420 ح 9، وسائل الشيعة: ج 20/420 ح 25978.
3- الكافي: ج 5/416 ح 4 و 3 وح 26009، التهذيب: ج 7/329 ح 11 وج 5/415 ح 1 وح 26002، وسائل الشيعة: ج 20/428-430 ح 26004.
4- الكافي: ج 5/416 ح 4 و 3 وح 26009، التهذيب: ج 7/329 ح 11 وج 5/415 ح 1 وح 26002، وسائل الشيعة: ج 20/428-430 ح 26004.
5- التهذيب: ج 7/329 ح 13.
6- كتاب النكاح: ص 372. (7و8) جواهر الكلام: ج 29/372.

وفيه أوّلاً: إنّه بعيدٌ في نفسه، ولايكون جمعاً مرضيّاً عند العرف، ولا قرينة عليه.

وثانياً: أنّ صحيح هشام وموثّق حنّان كالصريحين، بل هما صريحان فى إرادة الجماع.

وقد يقال: - كما احتمله أيضاً صاحب «الجواهر» - بأنّه تُحمل نصوص عدم النشر على إرادة الفجور بعد التزويج(1).

وفيه: أنّ أكثر نصوص الجواز صريحة في السؤال عن التزويج بعد الفجور.

وأمّا الحمل على التقيّة: - أي حمل نصوص عدم النشر عليها - الذي استحسنه صاحب «الجواهر» رحمه الله - فمضافاً إلى أنّ القول بالحرمة مشهور بين المخالفين - أنّه إنّما يُحمل الخبر عليها في صورة التعارض بعد عدم إمكان الجمع العرفي، وفقد جملةٍ من المرجّحات، وستعرف إمكان الجمع.

والحقّ أنْ يقال: إنّ الجمع العرفي بين الطائفتين يقتضي حمل نصوص المنع على الكراهة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ صحيح محمّد بن مسلم من جهة ما فيه بعد النهي عن التزويج بقوله عليه السلام: «ولكن إنْ كانت عنده امرأة ثمّ فجر باُمّها أو اُختها لم تحرم»، المؤيّد بالتعليل بقوله عليه السلام: «إنّ الحرام لا يُفسد الحلال»، كالصريح في الحرمة في الإباء عن الحمل على الكراهة.

وعليه، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وحيث أنّ كلّاً من الطائفتين مشهورة بين الأصحاب، ومشتملة على الصحيح وغيره، وليست مخالفة للعامّة، فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّح المضموني، وهو موافقة الكتاب، وهي تقتضي تقديم نصوص2.

ص: 310


1- جواهر الكلام: ج 29/372.

الجواز، لموافقتها لقوله تعالى : (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (1) فيصحّ الأخذ بها متعيّناً.

وأمّا بالنسبة إلى الجهة الثانية: فالأُولى من الطوائف لا تعارض مع غيرها، والثانية منها قد مرّ أنّها مهجورة، فالتعارض إنّما هو بين الطائفتين الأخيرتين.

وقد يقال: إنّه لا ينبغي التأمّل في ترجيح الثانية، لكثرة العدّد، وانفراد الثالثة بالصحيح المذكور، كما عن بعض المعاصرين.

ولكن يرده: أنّ الشهرة المرجّحة هي الشهرة الفتوائية، مع أنّه لو كان المراد بها الشهرة الروائيّة، ليس المراد بها كثرة عدد الرواية، بل اشتهار نقل الرواية في كتب الأصحاب، ومن المعلوم أنّ الصحيح المذكور مشتركٌ مع معارضه في ذلك.

وعليه، فالمتعيّن - حيث إنّه لا يمكن الجمع العرفي بينهما، ولا الرجوع إلى الشهرة وصفات الراوي - الرجوع إلى موافقة الكتاب، وهي تقتضي تقديم الثانية كما مرّ.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ التعارض بينهما إنّما هو في أنّ المراد بالحلال، هل هو ما يعمّ التقديري، أو ما يختصّ بالفعلي ؟ ومن هذه الجهة لا تكون الثانية موافقة للكتاب، فتدبّر فإنّه دقيق.

وعليه، فلا ترجيح لشيء منهما، فيحكم بالتخيير، فلنا أن نأخذ بالطائفة الثانية ونحكم بالجواز، وعلى فرض البناء على التساقط في تعارض الخبرين عند فقد الترجيح يتساقطان، فالمرجع إلى عموم آية الحِلّ المتقدّمة.4.

ص: 311


1- سورة النساء: الآية 24.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو الجواز، وعدم نشر الحرمة بالزِّنا السابق على التزويج أيضاً.

تزويج الرّجل المرأة التي وطأ اُمّها أو بنتها شُبهةً

أمّا الوطء بالشبهة: فيدور البحث في أنّه هل يكون ملحقاً بالنكاح لينشر الحرمة ؟ أم يكون ملحقاً بالزِّنا فلا ينشرها؟

وفيه أقوالٌ :

القول الأوّل: أنّه لا ينشر الحرمة مطلقاً، ذهب إليه الحِلّي(1)، والمحقّق في «الشرائع»(2)، و «النافع»(3)، والمصنّف رحمه الله في «الإرشاد»(4)، والشيخ الأعظم(5)، ونسبه الشيخ(6) إلى جماعةٍ .

وفي «القواعد»: (وهل يلحق الوطء بالشبهة والزِّنا بالصحيح ؟ خلاف)(5).

القول الثاني: أنّه ينشر الحرمة مطلقاً، اختاره جماعة(6).

القول الثالث: أنّه ينشر الحرمة إنْ كان سابقاً على التزويج، وإنْ كان طارئاً فلا(7)، نُسب ذلك إلى الأكثر.

ص: 312


1- السرائر: ج 2/535.
2- شرائع الإسلام: ج 2/516 السبب الثالث المصاهرة.
3- المختصر النافع: ص 177.
4- إرشاد الأذهان: ج 2/21. (5و6) كتاب النكاح للشيخ الأنصاري: ص 383.
5- قواعد الأحكام: ج 3/30.
6- كالشيخ في المبسوط: ج 4/208، والعلّامة في تذكرة الفقهاء: ج 2/631، الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 7/171 (ط. ج)، النراقي في مستند الشيعة: ج 16/332.
7- كما في مسالك الأفهام: ج 7/303، نهاية المرام: ج 1/145.

أقول: واستدلّ للنشر مطلقاً، أو في صورة السبق:

1 - بكونه أولى من الزِّنا المحرّم، لأنّه وطء محترمٌ شرعاً، فيكون الحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزِّنا.

2 - وبأنّ معظم أحكام الوطء الصحيح لاحقة به، كالنسب والمَهر وما شاكل، وتخلّف المحرّمية لا يضرّ، فإنّها متعلّقة بكمال حرمة الوطء.

3 - وبالإجماع الذي ادّعاه في «التذكرة»(1)، وحكى فيها عن ابن المُنذر دعوى الإجماع عليه من كلّ مَن يُحفظ منه العلم من علماء الأمصار، وعد منهم أصحاب النَّص وهم الإماميّة.

4 - وبحديث: «لا يُحرّم الحَرامُ الحلال المتقدّم بناءً على أنّ المراد بالحلال الأعمّ من التقديري، بدعوى أنّ تعليل انتفاء المصاهرة بالوطء من جهة الحرمة، يقتضي ثبوت المصاهرة مع انتفاء الحرمة، كما في الشبهة.

أقول: وفي الجميع نظر.

أمّا الأوّل: فلما مرّ من عدم نشر الحرمة بالزِّنا، مع أنّ الأولويّة ممنوعة، لعدم إحراز المناط.

وأمّا الثاني: فلأنّ الاستقرار المزبور غايته كونه سبباً لحصول الظنّ ، وهو لايُغني عن الحقّ شيئاً.

وأمّا الثالث: فلعدم ثبوته، وقد مرّ إفتاء جماعة بعدم النشر، مع أنّ كونه تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم غير ثابت، ولعلّهم استندوا إلى بعض ما تقدّم.).

ص: 313


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/631 (ط. ق).

وأمّا الرابع: فلأنّ المراد من الحرام ليس هو الزِّنا خاصّة، بل ظاهره إرادة الحرام ولو مع العذر، فيشمل الشبهة، مع أنّ الأخذ بعموم العلّة والتعدّي عن موردها معناه البناء على ثبوت ذلك الحكم في كلّ موردٍ ثبت فيه العلّة، لا ثبوت ضدّ الحكم مع انتفاء العلّة، مثلاً قولنا: (لا تشرب الخمر لأنّه مسكر) يدلّ على حرمة كلّ مسكرٍ، ولو لم يكن خمراً، ولا يدلّ على إباحة كلّ غير مسكر.

ففي المقام مقتضى عموم العلّة أنّ الحرام ولو كان هو غير الزِّنا لا يوجبُ نشر الحرمة، ولا يدلّ على أنّ غير الحرام يوجبُ النشر، فتدبّر فإنّه دقيق.

وبالجملة: فالأظهر عدم كون الزِّنا موجباً للنشر مطلقاً.

ثمّ إنّ أدلّة النشر مختلفة المفاد، إذ الإجماع يقتضي الاقتصار على الوطء السابق لأنّه المتيقّن منه، وكذا الأولويّة من الزِّنا، بناءً على القول بالتحريم به، لاختصاصه بالزِّنا السابق، والاستقراء وعموم العلّة يقتضيان العموم كما لا يخفى .

أقول: وينبغي التنبيه على أُمور.

التنبيه الأوّل: الكلام في أنّ زنا الأب: هل يوجبُ حرمة المزنيّ بها على الأب وكذا العكس أم لا؟ أم هناك تفصيلٌ بين الزِّنا السابق والزِّنا الطارئ، هو الكلام في التزويج بمن زنا باُمّها أو بنتها قولاً ودليلاً ومختاراً، وكذا بالنسبة إلى الوطء بالشبهة.

هل يقوم النظر واللَّمس مقام الوطء

التنبيه الثاني: المشهور(1) بين الأصحاب أنّه تحرم مملوكة الأب على الابن

ص: 314


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/633 (ط. ق).

وبالعكس مع اللّمس أو النظر إذا كان عن شهوةٍ ، ويشهد به نصوصٌ ، وبإزائها أيضاً أخبار، وحيث لا موضوع لهذه المسألة، فالإغماض عن التعرّض لها ولفروعها أولى .

التنبيه الثالث: في أنّ النظر واللّمس، هل يقومان مقام الوطء في كلّ موردٍ يكون الوطء فيه ناشراً للحرمة، فتحرم الأجنبيّة الملموسة أو المنظورة شُبهةً ، أو حراماً على الابن والأب، وتحرم اُمّها وبنتها على القول بحرمتها بالوطء، أم لا؟

قال صاحب «المسالك»: (اختلف القائلون بأنّ الزِّنا ينشر حرمة المصاهرة، في أنّ النظر المحرم إلى الأجنبيّة واللّمس هل ينشر الحرمة، فتحرم به الاُمّ وإنْ علت، والبنت وإنْ نزلت، أم لا؟ هكذا نقله فخر الدين في شرحه(1)، ولم نقف على القائل بالتحريم.

إلى أنْ قال: وهو قولٌ ضعيفٌ جدّاً لا دليل عليه)(2)، انتهى .

أقول: وما ذكره متينٌ ، فإنّ ما دلّ على النشر بهما مختصٌّ بما إذا وقعا على الوجه الحلال بالأمَة أو مع إضافة الزوجة، فلا وجه للتعدّي إلى وقوعهما على الوجه الحرام في الأمَة فضلاً عن الأجنبيّة، مع أنّه يدلّ على عدم النشر في الأجنبيّة النصوص المتقدّمة، المتضمّنة لأنّ مباشرة المرأة إنْ كانت بدون الجماع لا توجبُ نشر الحرمة، لاحظ:

1 - صحيح العيص، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ باشر امرأةً وقبّل، غير أنّه لم يفض إليها، ثمّ تزوّج ابنتها؟9.

ص: 315


1- إيضاح الفوائد: ج 2/66.
2- مسالك الأفهام: ج 7/308-309.

فقال: إنْ لم يكن أفضى إلى الاُمّ فلا بأس، وإنْ كان أفضى فلا يتزوّج ابنتها»(1).

ونحوه غيره.

وأمّا النبويّان:

2 - في أحدهما: «لا ينظر اللّه تعالى إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأة وابنتها»(2).

3 - وفي الآخر: «من كشف قناع امرأة حَرُمت عليه اُمّها وبنتها»(3).

فلكونهما عاميّين ضعيفين، والأوّل قد أنكره المحدّثون منهم كما قيل(4)، ومورده النظر إلى الموضع الخاص، لا يُعتمد عليهما.

وأمّا في نشر الحرمة بهما في الربيبة فكلامٌ سيأتي لاحقاً.

***).

ص: 316


1- الكافي: ج 5/415 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/424 ح 25988.
2- عوالي اللآلي: ج 3/333 ح 222، المستدرك: ج 14/399 ح 17085.
3- عوالي اللآلي: ج 3/333 ح 223، المستدرك: ج 14/401 ح 17093.
4- تذكرة الفقهاء: ص 637 (ط. ق).

ومَنْ عَقد على امرأةٍ ولم يدخُل بها، حَرُمت عليه اُمّها أبداً.

حرمة اُمّ المعقودة على الزوج

(و) المسألة الثانية: (من عَقَد على امرأةٍ ولم يدخل بها، حَرُمت عليه اُمّها أبداً) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة.

وعن «الروضة»: (كاد يكون إجماعاً)(1)، وعن «الغُنية»(2)، و «الناصريّات»(3):

الإجماع عليه.

وفي «المستند»: (بل يمكن أنْ يقال: إنّه إجماعٌ محقّق)(4).

وعن العُمّاني(5)، والصدوق(6)، والكليني، و «شرح النافع»(7) و «آيات الأحكام» للأردبيلي: اشتراط الدخول بالبنت في تحريم الاُمّ .

وعن «المختلف»(8): التوقّف فيه.

ويشهد للأوّل:

من الكتاب: قوله تعالى: (وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (9) فإنّ مقتضى إطلاقه من جهة

ص: 317


1- الروضة البهيّة: ج 5/177.
2- الغنية: ص 336.
3- الناصريّات: ص 317 مسألة 148.
4- مستند الشيعة: ج 16/301.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/27 المطلب الثاني: في تحريم المصاهرة.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3/414 ح 4447، المقنع: ص 312.
7- نهاية المرام: ج 1/131-134.
8- مختلف الشيعة: ج 7/31.
9- سورة النساء: الآية 23.

إضافة الجمع إلى الضمير، من دون تقدّمٍ معهود، حرمة اُمّ المعقودة وإنْ لم يدخل بها.

وأُورد على الاستدلال به: أنّ سياق الآية هكذا: (وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اَللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (1) ومن المحتمل رجوع القيد إلى الجملتين معاً، ومع هذا الاحتمال لا ينعقد له ظهورٌ في العموم، لاكتنافه بما يصلح أنْ يكون قرينةً مانعة.

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر من الجمل المتعدّدة المتعقّبة بقيدٍ، رجوعه إلى خصوص الأخيرة، كما حُقّق في محلّه.

وثانياً: أنّ القيد الذي يُدّعى رجوعه إلى الجملتين:

إمّا أنْ يكون مجرّد قوله تعالى: (اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) .

أو المجموع من قوله: (مِنْ نِسائِكُمُ اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (2).

وعلى الأوّل: يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبيّ ، وهو غير جائز.

وعلى الثاني: يلزم مضافاً إلى ذلك، استعمال المشترك في معنييه، إذ القيد إنْ رجع إلى (الرّبائب) كانت (من) ابتّدائيّة، وإنْ رجع إلى (نسائكم) كانت نشويّة، فإرجاعه إليهما يلزم منه الاستعمال في معنيين. هكذا ذكره جماعة من المفسّرين(1) والفقهاء(2).

فإنْ قيل: إنّها تستعمل في الجامع بينهما، وهو مطلق الاتّصال، ويجعل المجموع حالاً عن اُمّهات النساء والربائب.

قلنا أوّلاً: إنّه خلاف الظاهر، لظهورها في النشويّة.

وثانياً: أنّه مستلزمٌ لاختلاف العامل في الحال.5.

ص: 318


1- كما في تفسير الرازي: ج 10/32.
2- كالخونساري في جامع المدارك: ج 4/206، والسيّد الخوئي قدس سره في كتاب النكاح: ج 1/325.

هذا كلّه مضافاً إلى ما في النصوص من الرجوع إلى الأخيرة خاصّة، كالمروي عن «تفسير العيّاشي» عن أبي حمزة، أنّه:

«سُئل مولانا الباقر عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً وطلّقها قبل أنْ يدخل بها، أتحلّ له ابنتها؟

فقال عليه السلام: قد قضى في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، لا بأس به، إنّ اللّه تعالى يقول:

(وَ رَبائِبُكُمُ اَللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) ولو تزوّج الابنة ثمّ طلّقها قبل أنْ يدخل بها لم تحلّ له اُمّها.

قال قلت له: أليس هما سواء؟

قال: فقال عليه السلام: ليس هذه مثل هذه، إنّ اللّه تعالى يقول: (وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) لم يستثن فى هذه كما اشترط فى تلك، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط، وتلك فيها شرط»(1).

ومثله ذيل صحيح منصور الآتي.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ دلالة الآية الكريمة على حرمة اُمّ الزوجة مطلقاً غير قابلة للإنكار.

ويشهد له من السُّنة: نصوص:

منها: خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام في حديثٍ ، قال:

«والاُمّهات مبهمات، دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ ، فحَرِّموا وأبهِموا ما أبهم اللّه تعالى »(2).8.

ص: 319


1- تفسير العيّاشي: ج 1/230 ح 74، وسائل الشيعة: ج 20/465 ح 26103.
2- التهذيب: ج 7/273 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/463 ح 26098.

ومنها: خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام:

أنّ عليّاً عليه السلام قال: إذا تزوّج الرّجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالاُمّ ، فإذا لم يدخل بالاُمّ فلا بأس أن يتزوّج بالابنة، وإذا تزوّج بالإبنة فدخل بها أو لم يدخل بها، فقد حَرُمت عليه الاُمّ .

وقال: الربائب عليكم حرامٌ كُن في الحِجر أو لم يكنّ »(1).

ومنها: موثّق أبي بصير، قال: «سألته عن رجلٍ تزوّج امرأةً ثمّ طلقها قبل أن يدخل بها؟

فقال عليه السلام: يحلّ له ابنتها، ولا تحلّ له اُمّها(2).

ومنها: خبر العيّاشي المتقدّم آنفاً.

أقول: واستدلّ للقول الآخر:

تارةً : بالكتاب بالتقريب المتقدّم، وقد عرفت الجواب عنه.

واُخرى : بالنصوص:

منها: صحيح جميل بن درّاج، وحمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «الاُمّ والبنت سواءٌ إذا لم يدخل بها، يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أنْ يدخل بها، فإنّه إنْ شاء اُمّها وإنْ شاء ابنتها»(3).

ومنها: عن «الفقيه» هكذا؛ روى بإسناده عن جميل بن درّاج، أنّه:

«سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأة ثمّ طلقها قبل أنْ يدخل بها، هل9.

ص: 320


1- التهذيب: ج 7/273 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/459 ح 26090.
2- التهذيب: ج 7/273 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/459 ح 26091.
3- التهذيب: ج 7/273 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/463 ح 26099.

تحلّ له ابنتها؟

قال عليه السلام: الاُمّ والبنت في هذا سواء، إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الاُخرى »(1).

ومنها: صحيح منصور بن حازم، قال: «كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجلٌ فسأله عن رجلٍ تزوّج امرأةً فماتت قبل أنْ يدخل بها، أيتزوّج باُمّها؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: قد فعله رجلٌ منّا فلم نرَ به بأساً.

فقلت له: جُعلت فداك، ما تفخر الشيعة إلّابقضاء عليّ عليه السلام في هذه الشمخيّة(2)التي أفتاها ابن مسعود أنّه لا بأس بذلك، ثمّ أتي عليّاً عليه السلام فسأله، فقال له عليٌّ عليه السلام:

من أين أخذتها؟

قال: من قول اللّه عزّ وجلّ : (وَ رَبائِبُكُمُ اَللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (3).

فقال عليّ عليه السلام: إنّ هذه مستثناة، وهذه مرسلة، واُمّهات نسائكم.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أما تسمع ما يروى هذا عن عليّ عليه السلام!

فلمّا قمتُ ندِمتُ وقلت: أيّ شيءُ صنعت، يقول هو: قد فعله رجلٌ منّا فلم نرَ به بأساً، وأقول: قضى عليّ عليه السلام!

فلقيتُه بعد ذلك، فقلتُ : جُعلت فداك، مسألة الرّجل إنّما كان الذي كنتَ تقول كأن زلّة منّي، فما تقول فيها؟

فقال: يا شيخ تخبرني أنّ عليّاً عليه السلام قضى فيها، وتسألني ما تقول فيها»(4).7.

ص: 321


1- الفقيه: ج 3/414 ح 4447، وسائل الشيعة: ج 20/464 ح 26102.
2- الشمخيّة: المسألة العالية.
3- سورة النساء: الآية 23.
4- الكافي: ج 5/422 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/462 ح 26097.

ومنها: خبر محمّد بن إسحاق بن عمّار، قال: «قلت له: رجلٌ تزوّج امرأة ودخل بها ثمّ ماتت، أيحلّ له أن يتزوّج اُمّها؟

قال: سبحان اللّه، كيف تحلّ له اُمّها، وقد دخل بها!

قال: قلت له: فرجلٌ تزوّج امرأةً فهلكت قبل أنْ يدخل بها، تحلّ له اُمّها؟

قال عليه السلام: وما الذي يَحرُم عليه منها ولم يدخل بها»(1).

وأمّا الصحيح الأوّل: فمجملٌ ، إذ من الممكن أنْ يكون المراد أنّه إذا تزوّج الاُمّ ولم يدخل بها، فالاُمُّ والبنت سواء في الإباحة، إنْ شاء دخلَ بالاُمّ وإنْ شاء فارقها وتزوّج بالبنت، ويؤيّده إفراد الضمير الراجع إلى الاُمّ .

وما فيه من التفسير غير المعلوم كونه من الإمام، أو من الراوي غير حجّة، وقوله: (يعني) يُشعر بكونه من الراوي، إذ لو كان من الإمام كان المناسب أنْ يقول:

(أعني)، وهذا يوجبُ الوَهن فيما حُكي عن «الفقيه»، إذ يحتمل قويّاً كون قوله:

«إذا لم يدخل بإحداهما الخ»، من كلام الصدوق، ذكره تفسيراً تبعاً لما فسّر به في تلك الرواية.

وأمّا الصحيح الثاني: فهو على خلاف مدّعاهم أدلّ ، لأنّه مشتملٌ على قضاء عليّ عليه السلام، ويظهر منه أنّ ذلك كان معلوماً عند الشيعة بحيث كانوا يفتخرون فيه على غيرهم، ونقله منصور بمحضر منه عليه السلام وقرّره، وهذه قرينة قطعيّة على أنّ قوله عليه السلام:

«قد فعله رجلٌ منّا فلم نرَ به بأساً»، صدر على وجه التقيّة، ويُشعر به فتوى ابن مسعود بعدم البأس بذلك.1.

ص: 322


1- التهذيب: ج 7/275 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/464 ح 26101.

وأمّا الصحيح الثالث: - فمع الإغماض عن إضماره - أنّه غير ظاهر الدلالة، فإنّه يمكن أنْ يكون الاستفهام للإثبات والتقرير، فكأنّه قال: لو حَلّت اُمّها، فما الذي يَحرُم عليه من جهة المرأة مع عدم الدخول، مع أنّ خصوص الحرمة في الجملة لأجلها ظاهر.

أضف إلى ذلك: أنّه لو سُلّم دلالة هذه النصوص على اشتراط الدخول في الحرمة الابدّية، وأغمضنا عمّا ذكرناه، يقع التعارض بينها وبين ما تقدّم الدالّ على أنّ العقد يكون محرماً وإنْ لم يدخل بها، ودلالة تلك النصوص على الحرمة مع عدم الدخول ليس بالظهور حتّى يقال - كما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين(1) - بأنّ الجمع بين النصوص يقتضي حمل نصوص المنع مع عدم الدخول على الكراهة، بل إنّما هي بالنصوصيّة، للتصريح فيها بالحرمة، سيّما مع التصريح فيها بأنّه لافرق في الحرمة بين الدخول وعدمه، المعتضد بالتصريح باعتبار الدخول في تحريم الربيبة، وعدم اعتباره في تحريم الاُمّ .

وعليه، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، كما أفاده شيخ الطائفة(2)، وهي تقتضي تقديم الأُولى لكونها أشهر، ولموافقتها للكتاب، ومخالفة هذه له.

وأمّا ما أفاده بعض الأجلّة:(3) من أنّ هذه النصوص لمخالفتها للكتاب في أنفسها لابدّ من ضَربها على الجدار.

فيردّه: أنّ ذلك في المخالفة بنحو التباين، لا في المخالفة بنحو العموم والخصوص0.

ص: 323


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/187.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/275 ح 5.
3- كتاب النكاح للآراكي: ص 110.

كما في المقام، فإنّ الآية الكريمة مطلقة، تدلّ على ثبوت الحرمة مع الدخول وبدونه، وذكر قيد الدخول في الربائب دون اُمّهات النساء لا يوجبُ صراحتها في العموم.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما أفاده المشهور من عدم اعتبار الدخول في الحرمة الأبدّية هو الصحيح.

***

ص: 324

وبنتُها ما دامت الاُمّ في عقده، فإنْ طلّقها قبل الدخول، جاز له العقد على بنتها، ولو دخل حَرُمت أبداً.

حكم النكاح مع الربيبة

ويدور البحث فيها عن حرمة الربيبة جمعاً مع عدم الدخول باُمّها ومؤبّداً معه.

المسألة الثالثة: قال المصنّف رحمه الله: (و) لو عقد على امرأة حَرُمت عليه (بنتها ما دامت الاُمّ في عقده، فإنْ طلّقها قبل الدخول، جاز له العقد على بنتها، ولو دخل حَرُمت أبداً) فها هنا أحكام نذكرها خلال اُمور:

الأمر الأوّل: إنّه تحرُم بنت المعقودة غير المدخول بها جمعاً، والظاهر أنّه إجماعي، ويمكن أنْ يستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه يستفاد ذلك من النصوص الآتية المتضمّنة لحرمتها أبداً بشرط الدخول، فإنّها تتضمّن جواز التزويج عليها مع عدم الدخول في صورة موت الاُمّ أو طلاقها.

الوجه الثاني: صحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرّجل يتزوّج المرأة متعةً ، أيحلّ له أن يتزوّج ابنتها؟ قال عليه السلام: لا»(1).

فإنّ مقتضى إطلاقه حر مة التزويج ولو لم يدخل بها، وقد خرج عنه صورة عدم الدخول مع فراقها وبقى الباقي.

ص: 325


1- الكافي: ج 5/422 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/457 ح 26087.

الوجه الثالث: أنّه لو تزوّج امرأة ولم يدخل بها، ثمّ تزوّج بنتها:

فإنْ كان التزويجان صحيحين، كان ذلك مخالفاً لما قدّمناه من حرمة اُمّ المعقودة ولو لم يدخل بها.

وإنْ صار الأوّل باطلاً، كان ذلك بلا وجه، فيتعيّن بطلان الثاني.

وكيف كان، فالمسألة من المسلّمات.

الأمر الثاني: إنّ الربيبة لا تحرم أبداً مع عدم الدخول بالاُمّ ، ويشهد به:

1 - الإجماع.

2 - الآية الكريمة: (وَ رَبائِبُكُمُ اَللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (1).

3 - النصوص الكثيرة المتقدّم طرفٌ منها في المسألة السابقة.

الأمر الثالث: إنّ الربيبة تحرم عيناً مع الدخول باُمّها بعد التزويج، وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً، وتقدّم أيضاً عدم لحوق الزِّنا ووطء الشبهة بالدخول بالعقد والملك.

إنّما الكلام في المقام في موارد:

المورد الأوّل: إنّ النظر واللّمس بشهوة، هل يقومان مقام الوطء، فلو عقد على امرأة وقبلها أو لامسها أو نظر إليها بشهوة، أو نظر إلى فرجها، فهل تحرم عليه بنتها أم لا؟

ظاهر الأصحاب حيث اشترطوا في تحريم الربيبة الدخول هو الأوّل، ولكن3.

ص: 326


1- سورة النساء: الآية 23.

صاحب «الجواهر»(1) رحمه الله قوّى الثاني.

يشهد للأوّل:

1 - الآية الكريمة: (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (2).

2 - وصحيح العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل باشر امرأته وقبّل، غير أنّه لم يفض إليها، ثمّ تزوّج ابنتها؟

قال عليه السلام: إنْ لم يكن أفضى إلى الاُمّ فلابأس، وإنْكان أفضى فلا يتزوّج ابنتها»(3).

واستدلّ للثاني: بالنبويين العامين المتقدّمين:

في أحدهما: «لا ينظر اللّه تعالى إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأة وابنتها»(4).

وفي الآخر(5): «من كشف قناع امرأة حرمت عليه اُمّها وبنتها».

وبصحيح محمّد بن مسلم: «سُئل أحدهما عليهما السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً فنظر إلى رأسها، وإلى بعض جسدها، أيتزوّج ابنتها؟

قال عليه السلام: لا، إذا رأى منها ما يحرم على غيره، فليس له أن يتزوّج ابنتها»(6).

ونحوه خبر أبي الربيع، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً فمكث أيّاماً معها لا يستطيعها، غير أنّه قد رأى منها ما يحرم على غيره، ثمّ يطلقها، أيصلحُ له أن يتزوّج ابنتها؟4.

ص: 327


1- جواهر الكلام: ج 29/378.
2- سورة النساء: الآية 23.
3- التهذيب: ج 7/280 ح 22، وسائل الشيعة: ج 20/461 ح 26096.
4- عوالي اللآلي: ج 3/333 ح 222، المستدرك: ج 14/399 ح 17085.
5- عوالي اللآلي: ج 3/333 ح 223، المستدرك: ج 14/401 ح 17093.
6- التهذيب: ج 7/280 ح 23، وسائل الشيعة: ج 20/460 ح 26094.

قال عليه السلام: أيصلح له وقد رأى من اُمّها ما رأى »(1).

ومثله موثّق محمّد بن مسلم(2).

ونوقش(1) في صحيح العيص: بأنّ الموجود في النسخة الصحيحة: «باشر امرأة» بدل «باشر امرأته» فهو أعمّ من الزوجة والأجنبيّة، فيُحمل على الأجنبيّة بقرينة هذه النصوص.

ولكن يرد على ما اُفيد أوّلاً: إنّ هذه النصوص أخصّ من المدّعى من وجه، وأعمّ منه كذلك، لاختصاصها بالنظر، ولا تعرّض فيها للمسّ ، وليست مختصّة بالنظر عن شهوة، والتخصيص بذلك ليس أولى من حملها على الكراهة.

وثانياً: أنّها معارضة بنظر العرف مع الكتاب والنصوص الدالّة على انحصار سببيّة التحريم بالدخول، لا من جهة دلالتهما على الانحصار، فإنّ غاية تلك دلالتهما بالعموم على عدم سببيّة غيرالدخول، فيقيّد إطلاقهما بهذه النصوص، بل من جهة أنّه لو كان المسّ والنظر موجبين للمحرّميّة لزم من ذلك لغويّة الدخول، لسبقه بأحدهما غالباً أو دائماً، فالبناء على كونهما من أسباب التحريم مستلزمٌ لإلغاء سببيّة الدخول.

فهذه النصوص معارضة مع الكتاب، والنصوص المعمول بها، فتُضرب على الجدار لأمرهم عليهم السلام بذلك.

وثالثاً: أنّ الأصحاب أعرضوا عنها.

وعليه، فالأظهر عدم كونهما من أسباب الحرمة كالوطء.

المورد الثاني: صرّح غير واحدٍ(2) بأنّه لا فرق في الدخول الموجب للحرمة بين0.

ص: 328


1- كما في جواهر الكلام: ج 29/379.
2- منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 3/80.

القُبُل والدُّبر، وظاهرهم كونه من المسلّميات، ولكن عن «القواعد»: (الأقرب مساواة الوطء في الفرجين)(1)، حيث يُشعر ذلك بوجود الخلاف.

وكيف كان، فيشهد للحكم إطلاق الكتاب والنصوص، ودعوى تبادر القُبل، ممنوعة.

المورد الثالث: يكفي في الحرمة مسمّى الدخول ولو ببعض الحَشَفة، ولكن ربما يُدّعى الإجماع على اعتبار دخول تمام الحشفة، وكفى به مدركاً، ويؤيّده الاستقراء، فإنّ معظم أحكام الدخول - كالعِدّة، والمَهر، والغُسل - مترتّبة على دخول الحشفة، وهذا يوجبُ الظنّ باعتباره في المقام.

المورد الرابع: إذا كان الدخول بغير اختيار، فهل يوجبُ الحرمة أم لا؟ وجهان:

1 - من إطلاق الأدلّة.

2 - ومن أنّ ظاهر الكتاب والنصوص كون المحرّم هو الدخول، المستند إلى الفاعل عن اختيار.

أقول: والأظهر هو الأوّل، لأنّ دعوى ظهورهما في اعتبار الاختيار:

1 - إمّا أنْ يكون منشأهما انصراف مادّة الأفعال إلى خصوص ما إذا صدرت عن إرادة واختيار، كما قد يقال.

2 - أو انصراف هيأتها إلى ذلك.

وكلاهما باطلان.

أمّا الأوّل: فلأنّ المادّة إنْ لم تكن بنفسها قصديّة تصدق على جميع مصاديقهاة.

ص: 329


1- قواعد الأحكام: ج 3/34 الفصل الأوّل: في المصاهرة.

بالتواطي، مثلاً الدخول كما يصدق على ما كان عن اختيارٍ، كذلك يصدق على ما إذا كان بغير اختيارٍ، بلا تفاوت في الصدق.

وأمّا الثاني: فلأنّ الهيئة موضوعة للحكاية بها عن تحقّق المادّة في الخارج ونفس الأمر، وهذا أمرٌ يشترك فيه جميع الموارد على اختلافها، ولذا ترى أنّ الفقهاء أفتوا بضمان المُتلف اختياراً أو غفلةً أو في حال النوم أو ما شاكل، تمسّكاً بعموم: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»(1).

المورد الخامس: لو اُكره على الدخول، فقد يتوهّم أنّ مقتضى حديث: «رُفع ما استكرهوا عليه»(2) عدم كون ذلك موجباً للحرمة.

ولكن يردّه: أنّ الظاهر من الحديث كون المرفوع هو الأحكام المترتّبة على أفعال المكلّفين، وأمّا الحكم المترتّب على الموضوع النفس الأمري الواقعي، بلا دخلٍ لفعل المكلّف فيه، فلا يرفع بالحديث، ولذا لو اُكره على أن يُلاقي ببعض جسده النجاسة، يُحكم بنجاسة ذلك الموضع، وتفصيل ذلك في محلّه، وفي المقام بما أنّ الحكم مترتّبٌ على الدخول، فالحديث المذكور لا قدرة له على رفع ذلك.

***0.

ص: 330


1- هذا العموم المشتهر على ألسنة الفقهاء ليس نصّاً، وإنّما هو مصطادٌ من النصوص، حتّى صار عبارة عن قاعدة عامّة، راجع وسائل الشيعة: في الباب 10 و 11 و 14 من كتاب الشهادات، والباب 7 و 5 من كتاب الرهن ح 2 منهما، والباب 29 من كتاب الإجارة، والباب 18 من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9 وغيرهم.
2- وسائل الشيعة: ج 15/369-370.

وتحرمُ اُخت الزّوجة جمعاً لا عيناً،

حرمة الجمع بين الاُختين

المسألة الرابعة: (وتحرمُ اُخت الزّوجة جمعاً لا عيناً) كتاباً، وسنّةً مستفيضة أو متواترة، وإجماعاً بقسميه، كما في «الجواهر»(1).

وفي «الرياض»: (بإجماع علماء الإسلام)(2).

وفي «المستند» (بإجماع جميع المسلمين له)(3).

ويشهد به صريح الآية الكريمة: (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلْأُخْتَيْنِ ) (4) ونصوصٌ كثيرة ستأتي جملةٌ منها.

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في أُمور:

الأمر الأوّل: لا فرق في ذلك بين العقد الدائم والمنقطع، إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً(5)، ويشهد به:

1 - صحيح البزنطي، عن الإمام الرّضا عليه السلام: «عن رجلٍ تكون عنده امرأة، يحلّ له ان يتزوّج اُختها متعةً؟ قال عليه السلام: لا»(6).

ص: 331


1- جواهر الكلام: ج 29/356.
2- رياض المسائل: ج 10/172 (ط. ج).
3- مستند الشيعة: ج 16/309.
4- سورة النساء: الآية 23.
5- كما في كشف اللّثام: ج 7/197 (ط. ج).
6- وسائل الشيعة: ج 20/477 ح 26138.

2 - مصحّح يونس، قال: «قرأتُ كتاب رجلٍ إلى أبي الحسن عليه السلام: الرّجل يتزوّج المرأة متعةً إلى أجلٍ مسمّى، فينقضي الأجل بينهما، هل يحلّ له أن ينكح اُختها من قبل أنْ تنقضي عِدّتها؟

فكتب عليه السلام: لا يحلّ أن يتزوّجها حتّى تنقضي عِدّتها»(1)؟

ومثله أخبار عليّ بن أبي حمزة، والحسين بن سعيد، وأحمد بن محمّد بن عيسى (2)، لكن في هذه النصوص كلامٌ سيأتي لاحقاً.

وأمّا خبر منصور الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس بالرّجل أن يتمتّع اُختين»(3).

فمضافاً إلى ضعفه في نفسه لجهالة منصور، ومخالفته لفتوى الأصحاب، أنّه ليس ظاهره أنّ له أن يتمتّع بالاُختين في حالةٍ واحدة، فيُحمل على أنّه يجوز له العقد على كلّ واحدةٍ بعد الاُخرى لما تقدّم، كما أفاده شيخ الطائفة رحمه الله(4).

الأمر الثاني: لا فرق في هذا الحكم بين كون الاُختين لأبٍ أو لاُمٍّ أو لهما، لإطلاق الأدلّة، كما لا فرق فيه بين ما إذا كانتا نَسَبيتين أو رضاعيتين، بلا خلافٍ ولا كلام، ويشهد له:

مضافاً إلى عموم قوله صلى الله عليه و آله: «يحرم من الرّضاع ما يَحرُم من النسب»(5).1.

ص: 332


1- الكافي: ج 5/431 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/480 ح 26143.
2- الكافي: ج 5/431 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/480 ح 26143.
3- التهذيب: ج 7/287 ح 47، وسائل الشيعة: ج 20/481 ح 26144.
4- تهذيب الأحكام: ج 7/288 ح 47.
5- وسائل الشيعة: ج 20/371 ابواب ما يحرم بالرضاع / باب 1.

صحيح الحذّاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تنكح المرأة على عمّتها، ولا خالتها، ولا على اُختها من الرّضاعة»(1).

حرمة نكاح المرأة في عِدّة اُختها

الأمر الثالث: إذا تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ طلّقها:

فإمّا أنْ يكون الطلاق رجعيّاً.

أو يكون بائناً بأنْ كان قبل الدخول.

أو ثالثاً، أو بالخُلع أو المباراة وما شاكل.

فعلى الأوّل: لا يجوز له نكاح الاُخت الاُخرى ، مادام لم تخرج الأُولى عن العِدّة.

وعلى الثاني: يجوز بلا فصل.

أقول: لا خلافٍ حكم الموردين، ويشهد لهما منطوقاً ومفهوماً صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في رجلٍ طلّق امرأةً أو اختلعت أو بانَت، ألَهُ أن يتزوّج باُختها؟

فقال عليه السلام: إذا برأت عصمتها، ولم يكن له عليها رجعة، فله أن يخطب اُختها»(2).

ومثله صحيح أبي بصير(3)، وخبر أبي الصباح الكناني(4)، وخبر أبي اُسامة(5).

وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم جواز نكاح إحدى الاُختين في عِدّة الاُخرى :

ص: 333


1- التهذيب: ج 7/292 ح 65، وسائل الشيعة: ج 20/476 ح 26136.
2- الكافي: ج 5/432 ح 7، وسائل الشيعة: ج 22/270 ح 28570.
3- الكافي: ج 6/144 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/270 ح 28569.
4- الكافي: ج 5/431 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/481 ح 26145.
5- نوادر الأشعري: ص 122 ح 311، وسائل الشيعة: ج 22/271 ح 28573.

1 - صحيح محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اُختين نكح إحداهما رجلٌ ثمّ طلّقها وهي حُبلى ، ثمّ خَطَب اُختها، فجمعهما قبل أنْ تضع اُختها المطلقة وَلَدها، فأمره أن يفارق الأخيرة حتّى تضع اُختها المطلّقة وَلَدها، ثمّ يخطبها ويصدقها صداقاً مرّتين»(1).

2 - وموثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ طلّق امرأته وهي حُبلى ، أيتزوّج اُختها قبل أنْ تضع ؟

قال عليه السلام: لا يتزوّجها حتّى يخلو أجلها»(2).

ونحوهما غيرهما.

ويلحق بالطلاق البائن، ما إذا فسخ نكاح الاُخت لعيبٍ يوجبه، أو ظهر فساد نكاحها، لعدم صدق الجمع حينئذٍ.

أقول: وأمّا صحيح زرارة، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً بالعراق، ثمّ خَرج إلى الشام، فتزوّج امرأةً اُخرى ، فإذا هي اُخت امرأته التي بالعراق ؟

قال عليه السلام: يفرّق بينه وبين المرأة التي تزوّجها بالشام، ولا يقرب المرأة العراقيّة حتّى تنقضي عدّة الشاميّة»(3) الحديث.

فهو في وطء الزوجة قبل خروج اُختها الموطوءة شُبهةً من عِدّتها وهو غير ما1.

ص: 334


1- الكافي: ج 5/430 باب: الجمع بين الاُختين ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/476 باب: 24 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 26135.
2- الكافي: ج 5/432 ح 8، وسائل الشيعة: ج 20/481 ح 26146.
3- الكافي: ج 5/431 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/478 ح 26141.

نحن فيه، إلّاأن يُستفاد حكم ما نحن فيه بعدم الفرق، ويضاف إلى ذلك إعراض الأصحاب عنه، وقد حمله المصنّف رحمه الله في محكي «القواعد»(1) على الكراهة.

فرع: لو طلّقها رجعيّاً، وأسقط الزوج حقّ الرجوع بوجهٍ لازم شرعي، وقلنا بعدم جواز الرجوع حينئذٍ، فهل يجوز تزويج اُختها قبل انقضاء العِدّة أم لا؟ وجهان:

من إطلاق صحيح ابن قيس وموثّق زرارة.

ومن أنّ مقتضى صحيح الحلبي وما شاكله أنّه مع انتفاء الرجعة يجوز تزويج اُختها.

وأظهرهما الأوّل، فإنّ جواز التزويج في صحيح الحلبي وأمثاله عُلّق على أمرين: براءة العصمة، وانتفاء الرجعة، فمفهومها حينئذٍ أنّه مع عدم البراءة، أو ثبوت الرجعة، لا يجوز التزويج، وفي الفرض الرّجعة وإنْ انتفت، إلّاأنّ الظاهر عدم براءة العصمة، ولذا يتوارثان ويكون لها النفقة ونحوها.

الأمر الرابع: لو ماتت الزوجة، جاز له نكاح اُختها من ساعته، للأصل، وخبر علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: «وسألته عن رجلٍ كانت له امرأة فهلكت، أيتزوّج اُختها؟ قال عليه السلام: من ساعته إنْ أحبّ »(2).

الأمر الخامس: لو كان عنده إحدى الاُختين بعقد الانقطاع، وانقضت المدّة:

فهل يجوز له نكاح اُختها لعدم صدق الجمع، ليشملها عموم أدلّة الحِلّ؟

أم لا يجوز لأخبار يونس، والحسين بن سعيد، وأحمد بن محمّد بن عيسى ، وعليّ بن أبي حمزة المتقدّمة في أوّل هذه المسألة، الدالّة على عدم الجواز؟ وجهان.1.

ص: 335


1- قواعد الأحكام: ج 3/34، المقصد الثاني: في التحريم غير المؤبّد.
2- الكافي: ج 5/432 ح 9، وسائل الشيعة: ج 22/270 ح 28571.

ربما يقال: بأنّ الأوّل أظهر، لإعراض المشهور عن هذه النصوص، وعدم إفتائهم بمضمونها، مع أنّه لا معارض لها.

وعلى القول بعدم الجواز، هل يبنى عليه إذا وهب مدّتها أم لا؟

قد يقال بذلك، من جهة أنّ مورد الأخبار وإنْ كان هو انقضاء المدّة، إلّاأنّ المفهوم عرفاً أنّ موضوع الحكم العدّة الموجبة للعلقة، وليس لانقضاء الأجَل خصوصيّة في ذلك.

لا يوجبُ الزِّنا بإحدى الاُختين حرمة نكاح الاُخرى

الفرع السادس: من زنا بإحدى الاُختين جاز له نكاح الاُخرى في مدّة استبراء الأُولى ، لعموم أدلّة الحِلّ ، بعد عدم صدق الجمع بين الاُختين، وقد تقدّم أنّ الحرام لايُحرّم الحلال، وكذا إذا وطئها شُبهةً .

ولكن في المقام رواية ربما يستدلّ بها على عدم جواز نكاح اُخت من وطئت شُبهةً ، ما لم تخرج عن العِدّة، وهي صحيح بُريد العجلي، قال:

«سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً ، فزفّتها إليه اُختها، وكانت أكبر منها، فاُدخلتْ منزل زوجها ليلاً، فعمدتْ إلى ثياب امرأته فنزعتها منها ولبستها، ثمّ قعدتْ في حِجلة اُختها ونحَّت امرأته، وأطفأت المصباح واستحيت الجارية أن تتكلّم، فدخل الزوج الحِجلة فواقعها وهو يظنّ أنّها امرأته التي تزوّجها، فلمّا أن أصبح الرّجل قامت إليه امرأته، فقالت: أنا امرأتك فلانة، التي تزوّجت وأنّ اُختي مَكرت بي فأخذ ت ثيابي فلبستها وقَعَدَت في الحِجلة ونحّتني، فنظر الرّجل في ذلك

ص: 336

فوجد كما ذكر؟

فقال عليه السلام: أرى أن لا مهر للّتي دلّست نفسها، وأرى أنّ عليها الحَدّ لما فعلت؛ حَدّ الزاني غير مُحصنٍ ، ولا يقرب الزوج امرأته التي تزوّج حتّى تنقضي عدّة التي دلّست نفسها، فإذا انقضت عدّتها ضَمّ إليه امرأته»(1).

أقول: ولكن يرد على الاستدلال به:

أوّلاً: أنّ عمل الأصحاب به في مورده غير ظاهر.

وثانياً: أنّ مورده وطء الزوجة قبل خروج اُختها الموطوءة شبهةً من العِدّة، وهو غير ما نحن فيه، وعدم الفرق غير ثابت، مع أنّ مورده الشبهة من طرفه خاصّة، فالتعدّي يحتاج إلى العلم بعدم الخصوصيّة.

حكم اقتران العقد على الاُختين

الأمر السابع: لو تزوّج الاُختين:

فتارةً : يتزوّج إحداهما، ثمّ يتزوّج الاُخرى .

واُخرى : يتزوّجهما بعقدٍ واحد.

وثالثةً : يتزوّجهما بعقدين مقترنين كما لو عقد على إحداهما وعَقَد وكيله على الاُخرى في زمانٍ واحد.

ورابعةً : يتزوّجهما ويشكّ في السَّبق والاقتران.

وخامسةً : يتزوّجهما تدريجاً ولكن لا يعلم السّابق واللّاحق.

ص: 337


1- الكافي: ج 5/409 ح 19، وسائل الشيعة: ج 21/222 ح 26943.

أمّا في الصورة الأُولى : فلا خلاف ولا إشكال في بطلان عقد الثانية كما في «الجواهر»(1)، وعن «كشف اللّثام» أنّه قطعي(2)، لا لاستصحاب صحّة عقد السابقة، ولا لأن الجمع حصل بعقد اللّاحقة، فإنّهما قابلان للمناقشة، بل لصحيح زرارة، قال:

«سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً في العراق، ثمّ خرج إلى الشام فتزوّج امرأةً اُخرى ، فإذا هي اُخت امرأته التي بالعراق ؟

قال عليه السلام: يفرّق بينه وبين المرأة التي تزوّجها بالشام، ولا يقرب المرأة العراقيّة حتّى تنقضي عِدّة الشاميّة.

قلت: فإنْ تزوّج امرأةً ثمّ تزوّج اُمّها، وهو لا يعلم أنّها اُمّها؟

قال عليه السلام: قد وضع اللّه تعالى عنه جهالته بذلك.

ثمّ قال: إنْ عَلم أنّها اُمّها فلا يقربها، ولا يقرب الابنة حتّى تنقضي عِدّة الاُمّ منه، فإذا انقضت عِدّة الاُمّ حَلّ له نكاح الابنة»(3).

وأمّا صحيح ابن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ نكح امرأةً ثمّ أتى أرضا فنكح اُختها ولا يعلم ؟

قال عليه السلام: يمسك أيّتهما شاء، ويخلّي سبيل الاُخرى »(4).

فلعدم العمل بما هو ظاهره في بادي الأمر، ومعارضته لما تقدّم، لابدّ من طرحه، أو حمله على التخيير بين إمساك الأُولى بالعقد الأوّل، وبين طلاقها وإمساك2.

ص: 338


1- جواهر الكلام: ج 29/380.
2- كشف اللّثام: ج 7/199 (ط. ج).
3- الكافي: ج 5/431 ح 4، وسائل الشيعة: ج 20/478 ح 26141.
4- الكافي: ج 5/431 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/479 ح 26142.

الثانية بعقدٍ جديد.

ولافرق في ذلك بين كون عقد الثانية بعد وطء الأُولى أو قبله، لإطلاق الصحيح.

ولو وطأ الثانية:

1 - فإنْ كان بعد العلم بأنّها اُخت الأُولى لا يحرم وطء الأُولى بذلك، لأنّ الحرام لا يُحرّم الحلال.

2 - وإنْ كان مع الجهل بذلك: فعن ظاهر نهاية الشيخ(1)، وابني حمزة(2)والبرّاج(3): إنّه يحرم وطئها قبل خروج الثانية عن العِدّة، ويشهد لذلك صحيح زرارة المتقدّم، لكن المعظم أعرضوا عنه، ومع ذلك فهو أحوط.

وأمّا في الصورة الثانية: فعن «النهاية»(4)، و «المهذّب»(5)، و «الجامع»(6)، و «المختلف»(7) أنّه يكون مخيّراً في اختيار أيّتهما شاء.

وعن «المبسوط»(8)، وابن حمزة(9)، والحِلّي(10)، وأكثرالمتأخّرين(11): بطلان1.

ص: 339


1- النهاية: ص 454.
2- الوسيلة: ص 293.
3- المهذّب: ج 2/184.
4- النهاية: ص 454.
5- المهذّب: ج 2/184.
6- الجامع للشرائع: ص 429.
7- مختلف الشيعة: ج 7/49.
8- المبسوط: ج 4/206.
9- الوسيلة: ص 293.
10- السرائر: ج 2/536.
11- كالعلّامة في إرشاد الأذهان: ج 2/22، فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 3/85، والطباطبائي في نهاية المرام: ج 1/180-181.

العقد.

يشهد للأوّل: ما رواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عُمير، عن جميل بن دُرّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ تزوّج اُختين في عقدة واحدة ؟

قال عليه السلام: يمسك أيّتهما شاء، ويخلّي سبيل الاُخرى .

وقال في رجلٍ تزوّج خمساً في عقدة واحدة، قال عليه السلام: يخلّي سبيل أيّتهن شاء»(1).

أقول: وأورد عليه:

تارةً : بما في «الشرائع» من أنّ في الرواية ضعفاً(2).

واُخرى : بما عن «كشف اللّثام» من أنّ الخبر ليس نصّاً في المدّعى، لاحتمال أنّه أراد يمسك أيّتهما شاء بعقدٍ جديد(3).

وثالثة: بأنّه مخالفٌ للقواعد.

والتحقيق: في الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الخبر على ما رواه الصدوق صحيح، وإنْ كان على رواية الشيخ إيّاه ضعيفاً بعليّ بن السندي.

وأمّا الثاني: فلعدم اعتبار النصوصيّة في الحجيّة، بل يكفي الظهور أيضاً، وهو غير قابل للإنكار.

وأمّا الثالث: فلأنّ القواعد العامّة تخصّص بالسُّنة ولا مانع عنه.

وعليه، فالأظهر هو الأوّل.).

ص: 340


1- الفقيه: ج 3/419 ح 4460، وسائل الشيعة: ج 20/478 ح 26139.
2- شرائع الإسلام: ج 2/516-517.
3- كشف اللّثام: ج 7/202-203 (ط. ج).

وأمّا الصورة الثالثة: فقد حُكي فيها القولان المذكوران في الصورة الثانية، واستدلّ للقول بالصحّة والتخيير في اختيار أيّتهما شاء بصحيح جميل المتقدّم، بدعوى أنّ المفهوم عرفاً منه كون الموضوع هو اقتران العقدين لا وحدتهما.

أقول: فإنْ تمّ فلا كلام، والأفضل الرجوع إلى ملاحظة القواعد العامّة.

فقد يقال: إنّها تقتضي بطلان العقدين، لأنّ صحّتهما معاً لا تتوهّم، للنهي عن الجمع بين الاُختين في الكتاب والسنّة، والبناء على صحّة أحدهما معيّناً دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجّح، ونكاح إحداهما لا بعينها لا يكون موضوعاً للصحّة، لعدم تعلّق العقد بهذا العنوان، فيتعيّن البناء على بطلان العقدين، ولكن يمكن البناء على صحّة أحد العقدين أيضاً، وكون الزوج مخيّراً في اختيار أيّتهما شاء ثبوتاً وإثباتاً.

أمّا في مقام الثبوت: فلأنّ الزوجيّة ليست من قبيل الأعراض الخارجيّة كي تحتاج في تشخّصها إلى موضوعٍ شخصي خارجي، بل هي من الاُمور الاعتباريّة كالملكيّة، فكما يصحّ اعتبار ملكيّة أحد الشيئين أو الأشياء في الوصيّة، واعتبار ملكيّة الكلّي في الذّمة أو في المعيّن، كذلك يصحّ اعتبار زوجيّة إحدى الاُختين لا بعينها، كيف وقد وقع نظيره في الشرع كما في الصورة السابقة، وكما في من أسلم عن خمس زوجاتٍ وغيرهما.

وأمّا في مقام الإثبات: فلأنّ مقتضى إطلاق الأدلّة صحّة كلا العقدين، غاية الأمر دلّ الدليل على عدم جواز الجمع، وأنّه لايمكن الحكم بصحّة العقدين، وحيث أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، وأنّ هذا المحذور يرتفع بالبناء على بطلان أحد العقدين، فلا وجه للبناء على بطلانهما معاً، وإلّا لزم التخصيص بلا وجه، وحيث أنّ

ص: 341

نسبة الدليل المخصّص إليهما على حَدٍّ سواء، فلا وجه للبناء على بطلان أحدهما تعييناً، فيتعيّن البناء على بطلان أحدهما بنحو التخيير، وصحّة أحدهما كذلك.

وبالجملة: فالأظهر هو البناء علي صحّة أحدهما، وكونه مخيّراً فى اختيار أيّتهما شاء.

وأمّا الصورة الرابعة:

1 - فإنْ كان الشكّ في السبق والاقتران بالنسبة إلى كلّ منهما، فيعلم بصحّة أحد العقدين - إمّا تعييناً أو تخييراً - وبطلان الآخر كذلك، فلا وجه للحكم ببطلانهما معاً.

ويترتّب على ذلك: أنّه إنْ دخل بهما، يضع تمام المَهر بين يديهما، وإنْ لم يدخل بهما يضع نصف المَهر كذلك على القول بعدم استحقاق التمام إلّابالدخول، ويقول هذا ما ثبتَ لإحداكما عَليَّ من المَهر، ويجري عليه حكم المال المردّد بين الشخصين:

من الصلح الإجباري، أو التنصيف، أو القرعة كلٍّ على مسلكه، وليس له تزويج اُختهما ولا الخامسة ولا اُمّهما.

وأمّا الأحكام الاُخر المترتّبة على الزوجيّة - كجواز الوطء والنظر - فليس له ترتيبها، للعلم الإجمالي بحرمة وطء إحداهما مثلاً، وهكذا غيرها، وكذا الأحكام المترتّبة على الزوجة ليس لهما اجرائها وهو واضحٌ .

وأمّا النفقة: فهل يجب عليه نفقة إحداهما، يصنعُبها مايصنع بالمَهر أم لا؟ وجهان:

من أنّها لا تجبُ إلّامع تمكين الزوجة.

ومن أنّ الدليل دلّ على وجوب نفقة الزوجة غير الناشزة، والنشوز لا يصدق على عدم التمكين في المقام، كما لا يخفى ، وهذا هو الأظهر.

ص: 342

وهل لكلٍّ من الاُختين أن تتزوّج ؟

الظاهر ذلك، لعدم إحراز صحّة العقد عليها، فترجع إلى الأصل المقتضى للعدم، ولا يعارض بالأصل الجاري بالنسبة إلى الاُخرى كما هو واضح.

نعم، ليس لها أن تتزوّج بهذا الذي عقد عليهما، للعلم ببطلان هذا التزويج، إمّا لوقوع السابق عليها، فالمزوّجة لا تتزوّج، أو لوقوعه على اُختها، ولا يجوز الجمع بين الاُختين.

2 - وإنْ كان الشكّ في السَّبق والاقتران بالنسبة إلى واحدة منهما بعينها دون الاُخرى ، بأن تردّد في العقد على الاُخت الكبرى بين كونه سابقاً ومقارناً، وفي العقد على الصغرى بين كونه لاحقاً أو مقارناً، فيعلم بصحّة العقد على الكبرى إمّا تعييناً أو تخييراً فيبنى عليها، وعلى بطلان الآخر للعلم به حينئذٍ إمّا للحوق أو لاختيار العقد على الكبرى .

وأمّا في الصورة الخامسة: فيجري ما ذكرناه في الفصل السابق، فيما لو عقد الوليّان على الصبية، فراجع(1).

***).

ص: 343


1- ما تقدّم في الصفحة 272، تحت عنوان: (إذا عقد الأب والجَدّ ولم يعلم السابق منهما).

وكذا تحرمُ بنتُ اُختها وأخيها، إلّامع إذن العمّة والخالة، ولو عقد من دون إذنهما بَطَل.

حكم تزويج بنت الأخ والاُخت على العمّة والخالة

المسألة الخامسة: (وكذا تحرم) جمعاً (بنت اُختها) أي الزوجة (وأخيها، إلّامع إذن العمّة والخالة، ولو عقد من دون إذنهما بَطَل) كما هو المشهور(1) بين الأصحاب شهرة عظيمة.

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ معتدّ به أجده في شيء من ذلك، بل الإجماع مستفيضاً أو متواتراً عليه)(2) انتهى .

وعن القديمين:(3) الجواز مطلقاً، أي مع الإذن وبدونه.

وناقش الشهيد الثاني رحمه الله(4) في صحّة النسبة، وعن «الكافية»(5) نفي البُعد عنه.

وعن الصدوق في «المقنع»(6): المنع مطلقاً.

أقول: النصوص الواردة في المسألة على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على المنع مطلقاً، كصحيح الحذّاء، قال:

ص: 344


1- مسالك الأفهام: ج 7/290.
2- جواهر الكلام: ج 29/357.
3- كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 7/59.
4- مسالك الأفهام: ج 7/291.
5- كفاية الأحكام: ص 163.
6- المقنع: ص 328-329.

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا تُنكح المرأة على عمّتها، ولا على اُختها من الرّضاعة»(1) ونحوه غيره.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الجواز كذلك، كخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن امرأة تزوّج على عمّتها أو خالتها؟ قال عليه السلام: لا بأس»(2).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على المنع بدون الإذن والرّضا، والجواز معه:

منها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تزوّج ابنة الأخ وابنة الاُخت على العمّة ولا على الخالة إلّابإذنهما، وتزوّج العمّة والخالة على إبنة الأخ وابنة الاُخت بغير إذنهما»(3).

ومنها: خبر الحذّاء، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا تُنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها إلّابإذن العمّة والخالة»(4).

ونحوهما غيرهما.

وقد استدلّ القديمان بالطائفة الأُولى ، واستدلّ الصدوق بالثانية، ومقتضى قاعدة الجمع هو تقييد الأولتين بالثالثة، وتكون النتيجة هو ما ذهب إليه المشهور.

وقد استدلّ للصدوق بعمومات الحِلّ ، لكن يجبُ الخروج عنها بالنصوص المقيّدة.

كما أنّه ربما يستدلّ للقديمين رحمهما الله بما عن العامّة حيث إنّهم قائلون بالمنع مطلقاً، بأنّه من مصاديق الكبرى الكليّة التي بنائهم عليها، وهي أنّه:0.

ص: 345


1- التهذيب: ج 7/333 ح 6، وسائل الشيعة: ج 20/489 ح 26166.
2- التهذيب: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/487 ح 26161.
3- الكافي: ج 5/424 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/487 ح 26159.
4- الكافي: ج 5/424 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/487 ح 26160.

يحرم الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلاً لكان يحرمُ عليه تزويج الاُخرى ، فإنّ العمّة أو الخالة لو كانت رجلاً، كان يحرم عليها بنت أخيها وبنت اُختها، لكونه حينئذٍ عمّاً لها أو خالاً، والعمّ يحرُم عليه تزويج بنت أخيه، والخال يحرمُ عليه تزويج بنت اُخته.

ولكن يرد على هذ ه الضابطة: - فهي وإنْ كانت حسنة - إلّاأنّه لا مدرك لها، مع أنّها أيضاً قابلة للتقييد، فتقيّد با لنصوص المتقدّمة.

أقول: تمام الكلام في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الأُولى: أنّه لو عقد على بنت اُخت زوجته، أو على بنت أخيها بغير إذنها، ففيه أقوالٌ خمسة.

القول الأوّل: ما عن الشيخين(1) ومن تبعها(2)، بل عن غير واحدٍ(3) نسبته إلى الأكثر، وهو أنّ للعمّة أو الخالة الخيار في فسخ العقد الواقع على بنت الأخ والاُخت، وبين فسخ عقدهما بلا طلاق.

القول الثاني: ما عن الحِلّي(4)، من بطلان عقد البنت، وتزلزل عقد العمّة أو الخالة، فيكون للمدخول عليها فسخُ عقد نفسها.

القول الثالث: ما ذهب إليه المحقّق في «الشرائع»(5) ومحكيّ «النافع»(6)، من6.

ص: 346


1- المقنعة: ص 505، النهاية: ص 459.
2- كما في المراسم: ص 151-152.
3- راجع جواهر الكلام: ج 29/361.
4- السرائر: ج 2/545.
5- شرائع الإسلام: ج 2/515.
6- المختصر النافع: ص 176.

الحكم ببطلان العقد الثاني منجزاً.

القول الرابع: ما عن المصنّف(1) في جملةٍ من كتبه، وكثير من المتأخّرين(2)، من تزلزل العقد الواقع على بنت الأخ أو الاُخت، ووقوفه على رضا العمّة والخالة، وتتخيّران بين الفسخ والإمضاء.

القول الخامس: ما عن القاضي(3) وابن حمزة(4)، من تزلزل العقدين، وعدم خيار المدخول عليها في فسخ عقد الداخلة، بل للزوّج سلطنة فسخ عقدها من غير طلاقٍ ، فإنْ فسخَ أو رضيت المدخول عليها، وإلّا فللمدخول عليها الخيار بين الرّضا وبين فسخ عقد نفسها من دون طلاق.

وقد استدلّ للأوّل: بوقوع العقدين صحيحين، وحيث إنّه لا يمكن الجمع بينهما إلّا بإذنهما، فهما مخيّران في رفع الجمع بينهما بين رفع الأوّل ورفع الثاني.

وفيه: إنّ الدليل دلّ على اعتبار اذنهما في العقد الثاني، ولازمه السلطنة على رفعه، ولا دليل على السلطنة على رفع الأوّل، بل مقتضى أصالة اللّزوم عدم السلطنة على ذلك.

ويرد القول الثاني: أنّه مع البناء على بطلان العقد الثاني، لا وجه للبناء على تزلزل الأوّل.

وأمّا القول الثالث: فقد استدلّ له بوجوه:3.

ص: 347


1- قواعد الأحكام: ج 3/35، تحرير الأحكام: ج 2/12.
2- كما في جامع المقاصد: ج 12/341، الروضة البهيّة: ج 5/181.
3- المهذّب: ج 2/188.
4- الوسيلة: ص 293.

الوجه الأوّل: إنّ النهي عنه في النصوص بنفسه يدلّ على الفساد، لكونه إرشاداً إليه، كما هو الظاهر من النواهي الواردة في سائر أبواب المعاملات.

وفيه: إنّ متعلّق النهي العقد بدون رضا العمّة والخالة، فالعقد معه غير مشمولٍ للنهي، فإذا تعقّبه الرّضا والإذن لابدّ من البناء على صحّته.

فإنْ قيل: إنّ ظاهر الأخبار اعتبار وجود الإذن والرّضا حال العقد، فإنّ الظاهر أنّ (الباء) في قوله عليه السلام: «إلّا بإذنهما» أو «برضاً منهما» للمقارنة، فالمعنى: إلّامقارناً بإذنهما وبرضاً منهما، وعليه فالعقد المتعقّب بالرضا والإذن مشمولٌ للنهي الدالّ على الفساد.

قلنا: إنّ ظهور لفظة (ب) في المقارنة ممنوعٌ ، بل الظاهر منها المصاحبة والمعيّة، فالعقد المتعقّب بالرضا والإذن داخلٌ في المستثنى منه.

الوجه الثاني: أنّ الصحّة في مثل هذا العقد المنهيّ عنه تحتاج إلى دليل خاص، غير قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) و (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (2) لعدم ثبوت وجوب الو فاء والحليّة مع الحكم بالحرمة:

أمّا الحكم بالحليّة: فواضحٌ .

وأمّا وجوب الوفاء: فلأنّ ما كان ابتدائه وإحداثه مبغوضاً، يكون البقاء عليه كذلك.

وفيه أوّلاً: أنّ البناء على تحريم العقد، بحيث يوجبُ الإثم غير ظاهر، فإنّه بعد حمل النهي عنه على الإرشاد إلى الفساد، لا يبقى دليلٌ على الحرمة التكليفيّة.4.

ص: 348


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- سورة النساء: الآية 24.

وثانياً: أنّ الحليّة التي تدلّ عليها الآية الكريمة هي الحليّة الوضعيّة، وهي تجتمع مع الحرمة التكليفيّة.

وثالثاً: إنّ بقاء العقد ولزومه ليس فعل المكلّف، حتّى يقال إنّ ما كان إحداثه مبغوضاً يكون البقاء عليه كذلك.

الوجه الثالث: أنّ العقد على بنت الأخ والاُخت بدون إذن العمّة أو الخالة معصية للّه تعالى ، فيكون فاسداً، لعموم العلّة الواردة في أخبار نكاح العبد بدون إذن مولاه من أنّه: «لم يَعْصِ اللّه وإنّما عَصى سيّده، فإذا أجاز جاز»(1) فإنّها تدلّ على أنّه لو عَصى اللّه لكان نكاحه باطلاً، فتدلّ على أنّ معصية اللّه تعالى كليّة موجبة للفساد.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من عدم الدليل على الحرمة التكليفيّة، فالعلّة تدلّ حينئذٍ على الصحّة لا الفساد.

وثانياً: أنّ المراد بالعلّة إنْ كلّ نكاحٍ لا يكون غير مشروعٍ بذاته، كنكاح المحرّمات من النساء، بل إنّما يكون غير نافذٍ لرعاية حقّ الغير، يصحّ بإجازة من اعتبر رضاه، فإنّ كونه معصيةً لذلك الغير قابلٌ للّزوال بسبب تبدّل كراهته بالرضا، وإلّا فعصيان العبد سيّده عصيانٌ للّه تعالى أيضاً.

وعليه، فالعلّة تدلّ على صحّة النكاح في المقام، فإنّه إنّما لا يكون نافذاً لرعاية حقّ العمّة والخالة.

الوجه الرابع: خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «ولا تزوّج بنت الأخ والاُخت6.

ص: 349


1- وسائل الشيعة: ج 20/114-116.

على العمّة والخالة إلّابرضاً منهما، فمن فعل ذلك فنكاحه باطلٌ »(1).

وفيه: إنّ الخبر لايشمل العقد في المقام بعد الإذن، ولا تنافي بين كونه باطلاً - أي غير صحيح - قبل الإذن لفقد الشرط، وصحّته بعده لوجود المقتضى وعدم المانع.

وأمّا ما ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله(2) من ضعف الخبر.

فيرد عليه: أنّه ليس في سند الخبر من يتوهّم التوقّف فيه إلّابنان بن محمّد(3)، وهو لو لم يكن ثقة يكون حسناً قطعاً، فلا إشكال في الخبر سنداً.

أقول: قد ظهر ممّا ذكرناه مدرك القول الرابع وأنّه الحقّ .

وأمّا القول الخامس: فلم أظفر بما يمكن أنْ يستدلّ به له.

وبالجملة: فما أفاده المصنّف رحمه الله وكثيرٌ من المتأخّرين، من الوقوف على رضا العمّة والخالة هو الصحيح.

حكم ما لو اقترن العقدان

الجهة الثانية: لو اقترن العقدان، إمّا بأن تزوّج العمّة وبنت الأخ، أو الخالة وبنت الاُخت بصيغةٍ واحدة، أو عقد هو على إحداهما ووكيله على الاُخرى في زمانٍ واحد، فهل يتوقّف صحّة عقد البنت على إذن العمّة أو الخالة أم لا؟ وجهان:

أكثر نصوص الباب الدالّة على اعتبار الإذن، مختصّة بصورة إدخالها على العمّة أو الخالة فلا تشمل الفرض.

ص: 350


1- التهذيب: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/487 ح 26161.
2- كتاب النكاح: ص 387.
3- رجال النجاشي: ص 328 ترجمة محمّد بن سنان، رجال الكشّي: ج 1/191.

أقول: قد استدلّ لاعتبار الإذن في المقام بوجوه:

الوجه الأوّل: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة وعمّتها، ولا بين المرأة وخالتها»(1).

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر قاصرٌ من حيث السند، لأنّ في طريقه محمّد بن الفضيل(2)، وهو مشتركٌ بين الضعيف والثقة.

فإنْ قيل: إنّ الرّاوي عن أبي الصباح هو محمّد بن القاسم بن الفضيل، وهو ثقة.

توجّه عليه: أنّ ظاهر العنوان من جهة عدم ذكر القاسم، هو الأزدي، وهو ضعيف، وقد ضعّف المحقّق في بحث العدّد من «نكت النهاية»(3) محمّد بن الفضيل الذي يروي عن أبي الصباح، والظاهر أنّ نظرة إلى ما ذكرناه.

وثانياً: أنّه قاصرٌ من حيث الدلالة، لأنّ إطلاقه موهونٌ بكثرة التقييد، فإنّه يجوز الجمع مع سبق عقد البنت كما سيأتي، ويجوز أيضاً في صورة اللّحوق مع إذن العمّة أو الخالة.

الوجه الثاني: خبر «دعائم الإسلام» عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «أنّه نهى أن يجمع الرّجل بين المرأة وعمّتها، وبين المرأة وخالتها»(4).

ويرد عليه أوّلاً: ضعف السند.

وثانياً: وهن الإطلاق.3.

ص: 351


1- التهذيب: ج 7/332 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/489 ح 26165.
2- رجال الطوسي: رقم 35 و 36.
3- نكت النهاية: ج 2/483.
4- دعائم الإسلام: ج 2/235 ح 882، المستدرك: ج 14/410 ح 17123.

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله، من أنّه يمكن استفادة حكم ذلك ممّا تسمعه في الجمع بين الحُرّة والأمَة بعقدٍ واحد، بناء على اتّحادهما في كيفيّة دلالة الدليل، وقد ورد الخبر الصحيح(1) هناك بصحّة عقد الحُرّة دون الأمَة، أي مع عدم الإذن(2)، فإذا كان مقتضى احترام الحُرّة عدم جواز الجمع بينها وبين الأمَة في عقدٍ واحد إلّابإذنها، كان مقتضى احترام العمّة والخالة أيضاً عدم جواز الجمع بينهما وبين بنت الأخ والاُخت إلّابإذنهما.

وفيه: إنّ هذا ليس إلّاالقياس.

فالمتحصّل: أنّه لا دليل على البطلان، فالأظهر هو الصحّة بدون التوقّف على الإذن.

جواز تزويج العمّة والخالة على بنتِ الأخ والاُخت بدون إذنهما

الجهة الثالثة: المشهور(3) بين الأصحاب أنّه يجوز العقد على عمّة الزوجة وخالتها ولو مع كراهة الزوجة.

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ معتدّ به أجده فيه).

بل عن «التذكرة»(4): الإجماع عليه(5).

وعن «المقنع»(6): المنع مطلقاً كالعكس.

ص: 352


1- التهذيب: ج 7/345 ح 45، وسائل الشيعة: ج 20/512 ح 26231.
2- جواهر الكلام: ج 29/360.
3- رياض المسائل: ج 10/174-175 (ط. ج).
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/638 (ط. ق).
5- جواهر الكلام: ج 29/357-358.
6- المقنع: ص 328-329.

ونقل في «الجواهر»(1) عن بعضٍ أنّ القول بالجواز حتّى مع الكراهة منافٍ للخبر المرويّ عن محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:

«لا تزوّج الخالة والعمّة على ابنة الأخ وابنة الاُخت بغير إذنهما»(2).

وهذا يُشعر بوجود القول باعتبار إذنهما في الجواز.

أقول: وكيف كان، فيشهد للأوّل كثيرٌ من النصوص، وقد تقدّمت جملة منها آنفاً:

ومنها أيضاً: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تنكح ابنة الاُخت على خالتها، وتنكح الخالة على ابنة اُختها، ولا تنكح ابنة الأخ على عمّتها، وتنكح العمّة على ابنة أخيها»(3).

ومنها: خبره الآخر، عن الإمام الباقر عليه السلام: «تزوّج الخالة والعمّة على بنت الأخ وابنة الاُخت بغير إذنهما»(4).

ومنها: موثّق عليّ بن جعفر - أو حسنه - عن أخيه عليه السلام في حديثٍ :

«تزوّج العمّة والخالة على ابنة الأخ وابنة الاُخت، ولا تزوّج بنت الأخ والاُخت على العمّة والخالة إلّابرضاً منهما»(5) الحديث.

ونحوها غيرها من الأخبار المفصّلة وغيرها.

واستدلّ لما ذهب إليه الصدوق: بخبر أبي الصباح، عن الصادق عليه السلام: «لا يحلّ 1.

ص: 353


1- جواهر الكلام: ج 29/358.
2- قال صاحب الجواهر في تعليقته على هذا الخبر: (رواه في المسالك كذلك، والظاهر أنّه وهمٌ منه، الذي عثرنا عليه في الاُصول من خبر ابن مسلم: «تزوّج الخالة... إلخ» من دون نهي).
3- نوادر الأشعري: ص 105 ح 256، وسائل الشيعة: ج 20/490 ح 26170.
4- التهذيب: ج 7/332 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/488 ح 26163.
5- التهذيب: ج 7/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 20/487 ح 26161.

للرّجل أن يجمع بين المرأة وعمّتها، ولا بين المرأة وخالتها»(1).

لكنّه قد مرّ أنّه ضعيف السند، مع أنّه مطلقٌ يقيّد إطلاقه بالنصوص المتقدّمة.

واستدلّ للقول الثالث: بخبر ابن مسلم المتقدّم.

أقول: ولكن يرد عليه.

أوّلاً: أنّ المضبوط روايته من دون كلمة النفي، فينطبق مفاده على سائر النصوص.

وثانياً: أنّه لو كانت الرواية كما رويت، كانت معارضةً مع النصوص الاُخر، والجمع العرفي يقتضي حملها على الكراهة.

أقول: المشهور(2) بين الأصحاب أنّه لا فرق بين علم العمّة والخالة بالحال وجهلهما بها.

وعن «المسالك»: (اشتراط علم الداخلة بكون المدخول عليها زوجته وإلّا لم يصحّ )(3).

وعن «القواعد»: (الأقرب أنّ للعمّة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا، لا المدخول عليها)(4)، ونسبه في «المستند»(5) إلى المشهور.

وقد ذكروا في المقام احتمالاتٌ اُخر:

1 - بطلان عقد الداخلة منجزاً.

2 - تخييرها في فسخ عقد المدخول عليها.7.

ص: 354


1- التهذيب: ج 7/332 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/489 ح 26165.
2- رياض المسائل: ج 10/175 (ط. ج).
3- مسالك الأفهام: ج 7/292.
4- قواعد الأحكام: ج 3/34.
5- مستند الشيعة: ج 16/327.

3 - تخييرها في فسخ أحد العقدين.

4 - بطلان عقد المدخول عليها.

5 - بطلان العقدين.

والأظهر هو القول الأوّل المشهور بين الأصحاب، للأصل، وإطلاق النصوص.

واستدلّ لاشتراط العلم: بخبر محمّد بن مسلم المتقدّم، الذي استدلّ به لاعتبار إذنهما، بناءً على رجوع الضمير إلى العمّة والخالة.

وقد تقدّم ما فيه، أضف إليه أنّ رجوع الضمير إليهما خلافُ الظاهر، بل الظاهر رجوعه إلى المدخول عليهما.

قال صاحب «الجواهر» بعد نقله لعبارة «المسالك»: (ولعلّه أخذه ممّا تسمعه في نكاح الحُرّة على الأمَة، بناءً على اشتراك المسألتين في كيفيّة دلالة الدليل وفي حكمه الحكم وهي الاحترام، إلّاأنّه ستعرف هناك عدم اعتبار الإذن في الجواز والصحّة، وإنّما تتسلّط هي على الخيار، اللّهُمَّ إلّاأنْ يريدوا ذلك هنا أيضاً)(1)، انتهى .

ويرد عليه: ما أفاده قدس سره من أنّه بعد التسليم لا يخرج عن القياس.

أقول: واستدلّ لما ذهب إليه المصنّف في «القواعد»:

1 - بخبر أبي الصباح المتقدّم.

2 - وبأنّ ملاك هذا الحكم - أي عدم تزويج بنت الأخ والاُخت على العمّة والخالة - الاحترام، كما صرّح بذلك في خبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إنّما نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن تزويج المرأة على عمّتها وخالتها إجلالاً للعمّة والخالة،9.

ص: 355


1- جواهر الكلام: ج 29/359.

فإذا أذِنَتْ في ذلك فلا بأس»(1).

ومن المعلوم أنّه لا فرق في الاحترام بين التقدّم والتأخّر.

ولكن يرد على الأوّل: ما تقدّم من ضعفه، وتقييد إطلاقه بما مرّ.

ويرد على الثاني: أنّ كون ذلك علّة يتعدّى عن موردها غير ثابت، مع أنّ غايته الإطلاق، فيقيّد بما مرّ.

أضف إلى ذلك ظهور الفرق بين الداخلة والمدخول عليها في الاحترام وعدمه.

وأمّا الاحتمالات الاُخر، فلا مدرك معتدٍّ به لشيء منها، وعليه فالأظهر هو صحّة العقدين ولزومهما.

كفاية الرّضا الباطني

الجهة الرابعة: هل يعتبر إظهار الرّضا بالإذن، أم يكفي الرّضا الباطني ؟ وجهان:

الموجود في أكثر النصوص هو الإذن، ومقتضى ذلك عدم كفاية الرّضا الباطني، وفي خبر عليّ بن جعفر - المتقدّم - اعتبار الرّضا وكفايته، فيدور الأمر بين أُمور:

الأمر الأوّل: كون الشرط هو الجامع بين الأمرين، فكلّ واحدٍ منهما مصداق له، فيكفي الرّضا أيضاً.

الأمر الثاني: كون الشرط في الحقيقة مركّباً من الأمرين، فكلٍّ من الرّضا والإذن جزءٌ للشرط، وهو إنّما يكون بتقييد كلّ من المذكورين بانضمامه إلى الشرط الآخر.

ص: 356


1- علل الشرائع: ج 2/499 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/489 ح 26168.

الأمر الثالث: كون كلّ منهما شرطاً مستقلّاً، وهذا إنّما يكون بتقييد إطلاق كلّ من الشرطين بإثبات العِدْل له، فيكون وجود أحدهما كافياً.

الأمر الرابع: جعل الإذن طريقاً إلى الرّضا، فيكون الشرط هو الرّضا لا غير.

وحيثُ لا ريب في كون الرابع خلاف الظاهر، فإنّ ظاهر أخذ كلّ عنوانٍ في الموضوع دخله في الحكم بنفسه، لا بما أنّه طريقٌ إلى أمرٍ آخر، كما لا ريب في كون الأوّل خلاف الظاهر، فإنّه أيضاً مرجعه إلى إلغاء خصوصيّة كلّ منهما، فيدور الأمر بين الثاني والثالث، والأظهر منهما هو الثالث، وذلك لأنّ كلّاً من القضيّتين مركّبة من منطوقٍ ومفهوم، فمنطوق إحداهما عدم جواز التزويج بدون الإذن، ومفهومها جوازه معه، ومنطوق الاُخرى عدم جواز التزويج بدون الرّضا، ومفهومها جوازة معه، ولا إشكال في أنّه لا تعارض بين المنطوقين، ولا بين المفهومين، بل التنافي إنّما هو بين مفهوم كلٍّ منهما مع منطوق الاُخرى ، فإنّ عدم جواز التزويج بدون الإذن أعمٌّ من وجود الرّضا وعدمه، وجوازه مع الرّضا الذي هو مفهوم الاُخرى أعمٌّ من وجود الإذن وعدمه، وكذا العكس، والنسبة بين المتنافيين عموم من وجه:

فإمّا أن يحكم في المجمع، وهو وجود الإذن بدون الرّضا، والرّضا بدون الإذن بالتساقط، والرجوع إلى عموم دليل الحلّ .

أو يحكم بالتخيير.

وعلى التقديرين تكون النتيجة كفاية كلّ منهما وإنْ لم يقترن بالآخر.

ودعوى: أنّه لا يمكن في المقام البناء على كفاية الرّضا الباطني، من جهة أنّ الحالات النفسانيّة غيرالبارزة ساقطة عن درجة الاعتبار في باب العقود والإيقاعات.

ص: 357

مندفعة: بأنّ ذلك إنّما هو في المؤثّر، وهو العقد دون الشروط.

ويمكن أنْ يقال: إنّ مفهوم القضيّتين ليس هو جواز التزويج مع الرّضا أو الإذن، بل اعتبار الرّضا والإذن في صحّة التزويج.

وعليه، فلا يصلح المفهومان لمعارضة المنطوقين، بل الجمع العرفي يقتضي البناء على اعتبارهما معاً، وهذا هو الأظهر.

وبالجملة: فالأظهر عدم كفاية الرّضا.

الجهة الخامسة: هل يختصّ هذا الحكم بالعمّة الدُنيا، أم يعمّ العمّة العليا؟ قولان:

فعن «المبسوط»(1) وجماعة(2) اختيار الثاني، وقوّاه صاحب «الجواهر»(3).

واستشكل فيه المصنّف رحمه الله في محكيّ «القواعد»(4).

أقول: التعميم أظهر، لإطلاق النصوص، لصدق العمّة والخالة وبنتِ الأخ والاُخت.

لو اشترط على الخالة والعمّة الإذن في تزويج بنت الاُخت والأخ

الجهة السادسة: إذا اشترط في عقد العمّة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ أو الاُخت، ثمّ لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط، لم يصحّ العقد على إحدى البنتين، لإطلاق النصوص.

وهل له إجبارهما في الإذن، فإنْ تعذّر قام الحاكم الشرعي مقامه في استيفاء

ص: 358


1- المبسوط: ج 4/205.
2- كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 7/293، الطباطبائي في رياض المسائل: ج 10/172-173 (ط. ج).
3- جواهر الكلام: ج 29/361.
4- قواعد الأحكام: ج 3/34.

الحقّ بإعمال ولايته ؟

أم ليس له ذلك إلّامن باب الأمر بالمعروف، ولا يقوم الحاكم الشرعي مقامه إذ لا ولاية له على تحصيل الواجبات الشرعيّة على النّاس ؟

وجهان مبنيّان على أنّ الشرط هل يوجب حقّاً للمشروط له على المشروط عليه أم لا يوجب ذلك ؟

إذ على الأوّل: يكون الزوج مالكاً على العمّة أو الخالة الإذن في العقد، فيكون له المطالبة به، ومع الامتناع يكون له إجبارها عليه.

وعلى الثاني: لا يكون مالكاً عليها.

وحيث أنّ المختار على ما حُقّق في مبحث أحكام الشرط من هذا الشرح(1)هو ثبوت الحقّ بالشرط، فالأوّل أظهر.

فرع: ولو اشترط في ضمن عقدهما أنْ يكون له العقد على ابنة الأخ أو الاُخت:

ففي «العروة»(2): (الظاهر الصحّة وإنْ أظهرتا الكراهة بعد هذا).

أقول: إنْ كان الشرط هو العقد عليها بدون الإذن والوكالة، فهو شرطٌ مخالف للكتاب والسُّنة فيبطل.

فإنْ قيل: إنّ مرجع ذلك إلى إسقاط حقّ الإذن.

قلنا: لم يثبت كون ذلك من قبيل الحقوق القابلة للإسقاط، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الموجبة لاعتباره، ولو بعد الإسقاط، كونه من قبيل الحكم غير القابل لذلك.ي.

ص: 359


1- كما تقدّم ذلك في أحكام الشرط ج 26/220.
2- العروة الوثقى: ج 5/539، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي.

وإنْ كان الشرط هو الوكالة عنها في الإذن، فالظاهر صحّة الشرط ولزومه، ولكن بعد ما عرفت من اعتبار الرّضا أيضاً، وهو غير قابل للوكالة، فلا ينفع ذلك.

وعليه، فالأظهر عدم صحّة العقد.

***

ص: 360

ومن زنا بعمّته أو خالته، حَرُمت عليه بناتهما أبداً

عدم حرمة بنت العمّة أو الخالة المزنيّ بهما

المسألة السادسة: (ومن زنا بعمته أو خالته، حَرُمت عليه بناتهما أبداً) إنْ كان سابقا على التزويج على المشهور(1) شهرة عظيمة.

وعن المرتضى(2)، و «التذكرة»(3): الإجماع عليه.

وعن الحِلّي(4)، والمصنّف في «المختلف»(5): التوقّف في الحكم.

وفي «المستند»(6) - بعد نسبة عدم الحرمة إلى الحِلّي و «الكفاية»(7) -: تقوية ذلك.

وقد استدلّ للحرمة: - مضافاً إلى الإجماعات المنقولة -:

1 - بمصحّح محمّد بن مسلم، قال: «سأل رجلٌ أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا جالسٌ عن رجلٍ نالَ من خالته في شبابه ثمّ ارتدع، يتزوّج ابنتها؟ قال عليه السلام: لا.

قلت: إنّه لم يكن أفضى إليها إنّما كان شيءٌ دون شيء؟

فقال: لا يُصدّق ولا كرامة»(8).

ص: 361


1- شرائع الإسلام: ج 2/516.
2- الانتصار: ص 266 مسألة 151.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/633 (ط. ق).
4- السرائر: ج 2/529530.
5- مختلف الشيعة: ج 7/43.
6- مستند الشيعة: ج 16/344.
7- كفاية الأحكام: ص 163.
8- الكافي: ج 5/417 ح 10، وسائل الشيعة: ج 20/432 ح 26014.

2 - وموثّق أبي أيّوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سأله محمّد بن مسلم وأنا جالس عن رجلٍ نال من خالته وهو شابٌ ثمّ ارتدع، أيتزوّج ابنتها؟ قال عليه السلام: لا.

قال: إنّه لم يكن أفضى إليها، إنّما كان شيءٌ دون ذلك ؟

قال عليه السلام: كَذب»(1).

3 - وبما عن ابن إدريس: (وقد رُوي أنّ من فَجر بعمّته أو خالته لم تحلّ له ابنتاهما أبداً»(2).

4 - وبما عن «فقه الرّضا»: (فإنْ زنى رجلٌ بعمّته أو خالته حَرُمت عليه ابنتاهما أن يتزوّجهما»(3).

5 - وبالنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ من زنى بامرأةٍ حَرُمت عليه بنتها.

ولكن يرد على الأوّل: عدم حجيّة الإجماع المنقول، سيّما مع معلوميّة المستند.

ويرد على المصحّح والموثّق: ما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله بأنّ السائل لم يصرّح فيهما بوقوع الوطء أوّلاً، وصرّح بعدمه ثانياً، وكذّبه الإمام عليه السلام، وهذا غير لائق بمقامه، وهو قرينة الفساد(4).

أضف إليه: أنّ الظاهر كون الخبرين حاكيين عن واقعةٍ واحدة، وفي خبر محمّد أنّ السائل رجلٌ وهو جالس، وفي خبر أبي أيّوب أنّ السائل محمّد بن مسلم، وهذا موهنٌ آخر، مع اختصاصهما بالخالة، اللّهُمَّ إلّاأنْ يُدّعى عدم الفصل.1.

ص: 362


1- التهذيب: ج 7/311 ح 49، وسائل الشيعة: ج 20/432 ح 26015.
2- السرائر: ج 2/529، وسائل الشيعة: ج 20/432 ح 26017.
3- فقه الرّضا عليه السلام: ص 278، المستدرك: ج 14/386 ح 17040.
4- مسالك الأفهام: ج 7/301.

ويرد على مرسل الحِلّي، وما عن «فقه الرّضا»: ضعف السَّند.

وأمّا الأخير: فقد مرّ ما فيه، وعرفت أنّ الزِّنا لا يوجب نشر الحرمة.

فإذاً لا دليل على حرمة تزويج بنت العمّة أو الخالة المزنيّ بهما.

فإنْ قيل: إنّ تسالم الأصحاب على هذا الحكم، وعدم حكاية الخلاف فيه من أحدٍ يوجبُ الاطمينان بثبوته، وأنّ منشأه التسالم عند أصحاب الأئمّة عليهم السلام عليه.

أجبنا عنه: بأنّ جمعاً كثيراً من الأصحاب بنائهم على حُرمة بنت المزنيّ بها مطلقاً، ولعلّ إفتائهم بها في المقام لكونه من مصاديق تلك، وجمعاً منهم توقّفوا في الحكم، أو أفتوا بعدم الحرمة، وفتوى جماعة منهم غير معلومة، والباقون استندوا إلى الأخبار المتقدّمة، وما كان شأنه ذلك لا يكون كاشفاً عن تسالم أصحاب الأئمّة عليهم السلام عليه.

وبالجملة: فالأظهر عدم الحرمة.

***

ص: 363

ولو ملك الاُختين فوطأ إحداهما، حَرُمت الاُخرى جمعاً.

الجمع بين الاُختين بالملك

المسألة السابعة: (ولو ملك الاُختين فوطأ إحداهما حَرُمت الاُخرى جمعاً) بلا خلافٍ كما عن «المسالك»(1)، واتّفاقاً كما عن «كشف اللّثام»(2)، وادّعى صاحب «الجواهر» رحمه الله أنّ عليه الإجماع بقسميه(3).

أقول: ولا يخفى أنّ بنائنا في هذا الشرح وفي سائر المؤلَّفات على عدم التعرّض لأحكام العبيد والإماء، لعدم الموضوع لها في هذا الزمان، ولذلك لا نتعرّض لهذه المسألة، وما ورد فى هذا الفصل من أحكامها، كما أنّه لا نتعرّض لمسائل الفصل الخامس.

والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه علي سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

***

ص: 364


1- مسالك الأفهام: ج 7/316.
2- كشف اللّثام: ج 7/203 (ط. ج).
3- جواهر الكلام: ج 29/386.

فهرس الموضوعات

كتاب النكاح... 7

استحبابُ النكاح في نفسه... 9

العقد وأحكامه... 15

في اعتبار الإيجاب والقبول اللّفظيين... 15

عدم اعتبار الماضويّة... 19

اعتبار العربيّة... 24

تقديم القبول على الإيجاب... 27

جواز كون الإيجاب من الزوج... 32

اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول... 33

حكم الإنشاء بالكناية أو المجاز... 35

في اعتبار التنجيز وعدمه... 39

اعتبار وقوع العقد في حال يجوز لكلّ منهما الإنشاء... 44

عقد الصبي... 49

عقد السُّكرى إذا أجازت بعد الإفاقة... 54

لو تعلّق الإكراه بالعاقد... 58

اشتراط الخيار في عقد النكاح... 59

ادّعاء الرّجل زوجيّة امرأةٍ ... 62

حكم اجتماع دعويين غير ممكن الاجتماع صدقهما في الزوجيّة... 65

لو قصد إحدى بناته ولم يُسمّها... 72

لزوم تعيين الزوج والزوجة... 76

تزويج امرأة تدّعي أنّها خليّة عن الزوج... 79

إقامة البيّنة على من ادّعى زوجيّة امرأة... 81

ص: 365

مستحبّات النكاح... 85

مكروهات النكاح... 93

آداب الخَلوة بالمرأة... 95

حكم وطء الزوجة دُبُراً... 101

حكم العزل عند الوطء... 109

حكم الدّية لو تحقّق العَزل... 114

كراهة التطرّق ليلاً... 118

الدخول بالمرأة قبل إكمالها تسع سنين... 119

النظر إلى المرأة التي يُراد تزويجها... 123

شرائط جواز النظر إلى من يريد تزويجها... 128

حكم نظر المرأة إلى الرّجل المريد تزويجها... 131

حكم النظر إلى نساء أهل الذّمة... 133

إلحاق نساء أهل البوادي والقُرى بنساء أهل الذِّمة... 135

نظر كلٍّ من الرَّجل والمرأة إلى مماثله... 138

حكم نظر المشركة والكتابيّة إلى المسلمة... 140

جواز النظر إلى المحارم عارياً ما عدا العورة... 143

اشتباه من يجوز النظر إليه بمن لا يجوز... 145

النظر إلى الأجنبيّة... 149

حرمة مسّ كلّ ما يَحرُمُ النظر إليه... 160

حكم النظر إلى العضو المُبان من الأجنبي... 162

حكم القواعد من النساء... 164

النظر إلى الصبيّ والصبيّة... 165

تقبيل الرَّجل الصبيّة... 168

النظر عند الضرورة... 169

النظر لتحمُّل الشهادة... 170

نظر الخِصيّ إلى الأجنبيّة... 173

ص: 366

سماع صوت الأجنبيّة... 177

أولياء العقد... 180

ولاية الأب والجَدّ على الصغيرين... 182

لا يشترط ولاية الجَدّ بحياة الأب، ولا بموته... 185

اعتبار عدم المفسدة في تزويج الصغيرين... 187

عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب... 189

ولاية الأب والجَدّ على المجنون... 192

تزويج الأب أو الجَدّ للصغيرة نافذٌ عليهما... 195

تزويج الأب أو الجَدّ للصغير نافذٌ عليه... 198

عدم ولاية الأب والجَدّ على البِكْر الرّشيدة... 200

ما يقتضيه الجمع بين نصوص الباب... 208

لا ولاية للوليّ إذا عضل المرأة... 213

حكم ذهاب البِكارة بغير الوطء... 215

ولاية الحاكم على المجنون والصبيّ ... 219

للوصي أن يزوّج المجنون... 224

نكاح الفضولي... 234

سكوت البِكْر رضاها... 241

عدم ولاية الأُمّ على الصغير... 245

استحباب إذن البالغة أباها... 247

تزويج الوكيل موكّلته من نفسه... 248

حكم تولّي طرفي العقد... 252

حكم تزويج غير الوليّ الصغيرين... 255

حكم ما لو زوّج البالغان بغير إذنهما، فمات أحدهما بعد إجازته... 259

إذا لزم العقد على أحد الطرفين فهل يلزم بأحكامه... 265

استقلال الأب والجَدّ في الولاية... 270

إذا عقد الأب والجَدّ ولم يُعلم السّابق منهما... 272

ص: 367

عدم ثبوت الولاية للكافر... 277

حكم تزويج المولَّى عليه من المعيب... 279

تزويج المولّى عليها من غير الكفو أو بدون مَهر المثل... 280

لو عقد الأخوان على امرأة... 284

أسباب التحريم... 286

بيان ما يَثبُتُ به النَّسَب... 290

النسب الحاصل من الزِّنا من أسباب التحريم... 295

المحرّمات بالمصاهرة... 299

حرمة اُمّ الموطوءة بالوطء الصحيح وبنتها... 300

التزويج بالمرأة التي زنى باُمّها أو بنتها... 303

تزويج الرّجل المرأة التي وطأ اُمّها أو بنتها شُبهةً ... 312

هل يقوم النظر واللَّمس مقام الوطء... 314

حرمة اُمّ المعقودة على الزوج... 317

حكم النكاح مع الربيبة... 325

حرمة الجمع بين الاُختين... 331

حرمة نكاح المرأة في عِدّة اُختها... 333

لا يوجبُ الزِّنا بإحدى الاُختين حرمة نكاح الاُخرى ... 336

حكم اقتران العقد على الاُختين... 337

حكم تزويج بنت الأخ والاُخت على العمّة والخالة... 344

حكم ما لو اقترن العقدان... 350

جواز تزويج العمّة والخالة على بنتِ الأخ والاُخت بدون إذنهما... 352

كفاية الرّضا الباطني... 356

لو اشترط على الخالة والعمّة الإذن في تزويج بنت الاُخت والأخ... 358

عدم حرمة بنت العمّة أو الخالة المزنيّ بهما... 361

الجمع بين الاُختين بالملك... 364

ص: 368

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.