فقه الصادق المجلد 25

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه على ما أولانا من التفقّه في الدِّين، والهداية إلى الحقّ ، والصراط المستقيم، والصّلاة والسّلام على أشرف النفوس القدسيّة، وأزكى الذّوات المطهرة الملكيّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة، هُداة الخلق وأعلام الحقّ .

وبعدُ: فهذا هو الجزء الخامس والعشرون من كتابنا (فقه الصادق)، وقد وفّقنا إلى طبعه، وأرجو من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة المجلّدات، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الفصل الرابع: في الخيار.

كتابُ الخيارات معنى الخيار اصطلاحاً

(الفصل الرابع في الخيار) وقبل بيان أقسامه وأحكامه، لابدَّ من تقديم مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: في معنى الخيار:

الخيار على ما في كتب اللّغة(1) اسمُ مصدرٍ من تخيَّر مثل الطَّيرة اسم تطيَّر، وهو مرادفٌ للإختيار، وأمّا في الاصطلاح، فقد ذكروا له معنيين:

أحدهما: ما عن موضعٍ من «الإيضاح»(2) وجماعةٍ من المتأخّرين(3) واختاره الشيخ رحمه الله(4)، من أنّه: مِلْكُ فَسخ العقد.

ثانيهما: ما عرّفه المحقّقون من القدماء(5)، من أنّه: مِلْك إقرار العقد وإزالته.

أقول: وقبل بيان ما هو الحقّ عندنا، ينبغي تقديم مقدّمة، وهي:

إنّ الجواز واللّزوم الثابتين في العقود على قسمين:

القسم الأوّل: ما لا يقبل الإسقاط والانتقال إلى الغير - كلزوم النكاح، ولذا

ص: 7


1- لسان العرب: ج 4/265.
2- إيضاح الفوائد: ج 1/482.
3- تذكرة الفقهاء: ج 10/5 (ط. ج).
4- المكاسب: ج 5/11.
5- نسبه إلى القدماء المحقّق النائيني في منية الطالب في حاشية المكاسب: ج 2/2 وص 4، وعرّفه به ولم ينسبه إلى القدماء، التنقيح: ج 2/43، رياض المسائل: ج 5/177 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 23/3، وغيرهم.

لا يصحّ جعل خيار الفسخ فيه، ولا يقبل الإقالة - وجواز الهبة - فإنّه غير قابلٍ للإسقاط والانتقال - ويعبّر عنهما باللّزوم والجواز الحُكميّين.

القسم الثاني: ما يقبل ذلك كلزوم البيع وجوازه، ويعبّر عنهما باللّزوم والجواز الحقّيين، وعن هذا الجواز يعبّر بالخيار.

إذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم، أنّه:

يرد على التعريف الأوّل: أنّ المِلْك المُستعمل في المقام لا يُراد به الملكيّة المصطلحه المضافة إلى الأعيان، بل المراد به الملك بمعناه اللّغوي، وهو السلطنة، وهو بهذا المعنى كما يصدق على القسم الثاني من الجواز، صادقٌ على القسم الأوّل أيضاً، بل يشمل مِلْك حَلّ النكاح بالطلاق.

وما أفاده الشيخ رحمه الله(1): بأنّ (التعبير بالملك للتنبيه على أنّ الخيار من الحقوق لا من الاحكام، فيخرج ما كان من قبيل الإجازة... الخ).

إنْ أراد به الملكيّة المصطلحة من جهة أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من الملك.

فيرد عليه: ما ذكرناه سابقاً عند بيان حقيقه الحقّ (2).

وإنْ أراد به الاستيلاء الخاص دون مطلق الاستيلاء - وهو ما كان نفس الاستيلاء تحت الاختيار، بحيث يمكن للشخص سلب الاستيلاء، وعزل نفسه عن السلطنة عزلاً ابتدائيّاً.

فيرد عليه: أنّه لا يعتبر في المِلْك إلّادخول الملوك تحت السلطان، لا دخول السلطنة أيضاً تحت السلطنة.3.

ص: 8


1- المكاسب: ج 5/11-12.
2- فقه الصادق: ج 22/263.

وأمّا التعريف الثاني: فأورد عليه الشيخ(1) بإيرادين:

الإيراد الأوّل: أنّه إنْ اُريد بإقرار العقد إبقائه على حاله بترك الفسخ، فذكره مستدركٌ ، لأنّ القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه.

وإنْ اُريد به إلزام العقد، كان مرجعه إلى إسقاط حقّ الخيار، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار.

وفيه: إنّ المتعيّن هو الثاني، وليس مرجعه إلى ما ذكره، بل حقيقته تثبيت العقد الذي هو أمرٌ وجودي، ولازمه سقوط الخيار.

وإنْ شئت قلت: إنّ مرجعه إلى إسقاط حقّ إزالة العقد لا إسقاط الخيار، فالخيار مركّبٌ من سلطنتين: السلطنة على إزالة العقد، والسلطنة على رفع هذه السلطنة.

ثانيهما: أنّ ظاهر الإلزام في مقابل الفسخ، جعله لازماً مطلقاً، فينتقض بالخيار المشترك.

وفيه: إنّ الذي بيد ذي الخيار الإلزام من طرفه لا من الطرفين، وإنّما يكون لازماً من الطرف الآخر، من جهة عدم الخيار له، وهذا الظهور في الفسخ أيضاً ممنوع، فإنّه إزالةٌ من جانبه، ولكن حيثُ لا يُعقل انحلال العقد من طرفٍ واحد، يلتزم بانحلاله من الطرفين، لا أنّ معنى الفسخ ذلك كي يلتزم به في الإجازة بقرينه المقابلة.

وبالجملة: فظهر أنّ ما عرَّفه القدماء متينٌ لا يرد عليه شيء.2.

ص: 9


1- المكاسب: ج 5/12.

الأصل في البيع اللّزوم

المقدّمة الثانية: ذكر غير واحدٍ(1) تبعاً للمصنّف رحمه الله في كتبه: أنّ الأصل في البيع هو اللّزوم، قال في محكى «التذكرة»(2): (الأصل في البيع اللّزوم، لأنّ الشارع وضعه مفيداً لنقل الملك، والأصل الاستصحاب، والغرض تمكّن كلٍّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه، وإنّما يتمّ باللّزوم ليأمن نقض صاحبه عليه). انتهى .

أقول: قد تقدّم البحث والكلام في المقصود الأصلي من هذه المقدّمة في أوّل كتاب البيع في مسألة المعاطاة(3)، وإنّما تعرّضنا هنا لها لجهتين:

الجهة الأُولى : التعرّض لمحتملات الأصل الواقع في كلمات الفقهاء.

الجهة الثانية: لأجل التسهيل على الطالب.

وكيف كان، فالأصل المزبور قابلٌ لإرادة معان:

المعنى الأوّل: الراجح المستند إلى الغلبة.

وفيه: إنّه ممنوعٌ صغرويّاً وكبرويّاً:

أمّا الأُولى : فلأنّ أغلب أفراد البيع تنعقد جائزة من جهة خيار المجلس وغيره، وإرادة غلبة الأزمان لا تنفع، فإنّها توجبُ الإلحاق لو شكّ في لزوم فردٍ في زمانٍ خاص، لا فيما إذا شكّ في لزوم فردٍ في جميع الأزمنة.

وأمّا الثانية: فلعدم الأساس لما اشتهر من (أنّ الظنّ يُلحق الشيء بالأعمّ الأغلب).

ص: 10


1- إيضاح الفوائد: ج 1/480، التنقيح: ج 2/44.
2- تذكرة الفقهاء: ج 10/5 (ط. ج).
3- فقه الصادق: ج 22/292.

المعنى الثاني: هو المعنى اللّغوي، وهو ما يبنى عليه الشيء، بمعنى أنّ وضع البيع وبنائه عرفاً وشرعاً على اللّزوم.

أقول: وأحسن توجيه لذلك، هو ما أفاده السيّد الفقيه رحمه الله(1)، من أنّ بناء البيع على اللّزوم، فإذا ورد دليلُ الإمضاء كفى .

وفيه: إنّه لا ريب في أنّ بناء العرف على اللّزوم في موارد، وعدمه في موارد أُخرى كما في المعيب والمغبون وشبههما، وعليه فإذا شكّ في موردٍ أنّه من قبيل الأوّل أو الثاني، فإنّه لا وجه للتمسّك بعموم بناء العرف، إذ لا عموم له.

وإنْ قيل: إنّه يتمسّك بعموم أدلّة الإمضاء.

قلت: إنّه تمسّكٌ حينئذٍ بالقاعدة المستفادة من العمومات، وسيأتي الكلام فيها.

القواعد المستفادة من العمومات

المقدّمة الثالثة: وهي عن القاعدة المستفادة من العمومات، والتي يجب الرجوع إليها عند الشكّ .

القاعدة الاُولى: وهي المستفادة من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2).

وتقريب الاستدلال به: إنّه دلَّ على وجوب الوفاء بكلّ عقد، والمراد بالعقد مطلق العهد أو ما يُسمّى عقداً عرفاً، ومعنى وجوب الوفاء، هو العمل بما اقتضاه العقد في نفسه، فإذا دلَّ العقد على تمليك العاقد ماله من غيره وَجَب العمل بما يقتضيه، فأخذه منه بغير رضاه نقضٌ لذلك، فهو حرام، فإذا حَرُم جميع ما يكون

ص: 11


1- حاشية المكاسب للسيّد اليزدي: ج 2/3.
2- سورة المائدة: الآية 1.

نقضاً لمضمون العقد - ومن جملة ذلك التصرّفات الواقعة بعد فسخ المتصرّف من دون رضاه - كان هذا لازماً مساوياً للّزوم العقد.

وأُورد عليه بإيرادات:

الإيراد الأوّل: إنّ الوفاء إنّما يتعلّق بالعهد والالتزام، وهو إنّما يتعلّق بأمرٍ اختياري مثل النذر، ولا يتعلّق بما هو خارجٌ عن تحت الاختيار كالملكيّة إلى الأبد، فلا معنى لوجوب الوفاء بمقتضى العقد.

وبعبارة أُخرى : إنّ وجوب الوفاء بشيءٍ فرعُ كونه تحت الاختيار والملكيّة، وبقائها إلى الأبد خارجة عن تحت اختيار المكلّف، فلا يتعلّق بها وجوب الوفاء، وهذه آية اختصاص الآية الشريف بباب النذر وشبهه.

وفيه: إنّ الوفاء بمعنى التمام أو ما يقاربه، وعليه فإنْ كان العقد متعلّقاً بالفعل، كان الوفاء به إيجاده، وإنْ كان متعلّقاً بالنتيجة كالعقد على الملكيّة، كان الوفاء به إتمامه، وعدم رفع اليد عنه بحلّه ونقضه.

الإيراد الثاني: ما عن المحقّق الخراساني رحمه الله(1)، من أنّ موضوع وجوب الوفاء هو العقد، لكن بقائه بعد الفسخ مشكوكٌ فيه، فالتمسّك بعموم الآية من باب التمسّك فيما لا يعلم انطباق المطلق عليه.

وفيه: إنّه لا كلام في بقاء العقد ما لم يفسخ، وعليه فالأمر بالوفاء إنْ كان إرشاداً، كان مدلول الآية المطابقي لزوم العقد، وعدم تأثير الفسخ، وإنْ كان مولويّاً نفسيّاً، كان عدم الفسخ أيضاً مأموراً به، فلو حرم لم يكن مؤثّراً إجماعاً، مع أنّ حرمة6.

ص: 12


1- حاشية المكاسب، الآخوند الخراساني: ص 146.

الفسخ لو ثبتت فإنّما هي بمناط عدم ثبوت هذا الحقّ له، فيكون من قبيل حرمة الظلم، ومن عدم الحقّ يستكشف عدم تأثيره.

الإيراد الثالث: ما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(1)، من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد، هو العمل بما يقتضيه من لزوم أو جواز، فلا يتمّ الاستدلال به على اللّزوم.

وفيه: إنّ العقد الجائز لا يجبُ الوفاء به، لجواز فسخه وحَلّه، فمن الوجوب يُستكشف كونه لازماً، مع أنّ الجواز واللّزوم يعدّان من أحكام العقد لا من منشآت المتعاقدين، ولذا لو أوقعا العقد اللّازم غير قاصدين اللّزوم بل قصدا الجواز، اتّصف العقد به.

الإيراد الرابع: ما أفاده السيّد الفقيه رحمه الله(2)، من أنّ العقد بمعنى العهد، وهو يشمل التكاليف الإلهيّة، والعهد الذي بين الخالق والمخلوق كالنذر، وما يكون بين المخلوقين بعضهم مع بعض، وحينئذٍ يدور الأمر:

بين حمل الأمر على الوجوب، ليكون خروج العقود الجائزة والمستحبّات من باب التخصيص.

وبين حمله على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب، فيسقطالاستدلال.

وحيث إنّه يبعدُ خروج المستحبّات على كثرتها، فيتعيّن الثاني.

وفيه أوّلاً: ستعرف عدم كون العقد بمعنى العهد.

وثانياً: الالتزام بالتخصيص لا محذور فيه.

وثالثاً: إنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل3.

ص: 13


1- مختلف الشيعة: ج 6/255.
2- حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: ج 2/3.

فيه، وإنّما يُنتزعان من الترخيص في الترك وعدمه، وعليه فعدم اللّزوم في بعض الموارد للترخيص في الترك، لا يوجب التزام بالتخصيص، ولا بعدم اللّزوم في الموارد التي لم يرد فيها ذلك.

فتحصّل: أنّ شيئاً من هذه الإيرادات لا يتمّ .

أقول: ولكن يرد عليه أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ العقد غير العهد، إذا العهد هو الجعل والقرار، والعقد هو ربط شيء بشيء، وهو في اصطلاح الفقهاء في قبال الإيقاع، فالعقد إنّما يُطلق على البيع باعتبار ارتباط اعتبار كلٍّ من المتعاقدين بالآخر.

الأمر الثاني: إنّ الوفاء عبارة عن التمام، فالإيفاء هو الإتمام والإنهاء.

الأمر الثالث: إنّ الأمر به إرشادٌ إلى اللّزوم، ولا يكون حكماً تكليفيّاً، وإنْ كان على هذا أيضاً تدلّ الآية على اللّزوم، وقد تقدّم تفصيل القول في كلّ واحدٍ من هذه الأُمور في مبحث المعاطاة(1). وعلى ما ذكرناه تصبح دلالة الآية على اللّزوم أظهر.

القاعدة الثانية: وهي المستفادة من قوله تعالى : (أَحَلَّ اَللّهُ اَلْبَيْعَ ) (2) وقد ذكره الشيخ الأعظم قدس سره(3) في وجه دلالة الآية الشريفة على اللّزوم، بأنّ الحليّة المستندة إلى البيع ظاهرة في التكليفيّة، لا سيّما بواسطة مقابلة ذلك ب (حَرَّمَ اَلرِّبا) (4)، وحيث إنّه لا موهم لحرمة أصل البيع - لا بما هو فعل ولا بما هو تسبيب للملك - فلابدَّ من تقدير التصرّفات، ومن حليّة التصرّفات يُستكشف صحّة البيع:5.

ص: 14


1- راجع: فقه الصادق: ج 22/292 وما بعدها.
2- سورة البقرة: الآية 275.
3- كتاب المكاسب: ج 5/19.
4- سورة البقرة: الآية 275.

إمّا من جهة أنّها تدلّ على حليّة التصرّفات المترتّبة على البيع، ومرجع ذلك إلى حليّة الأكلّ من هذا السبب، ولازم ذلك عرفاً ثبوت الملكيّة.

وإمّا من جهة أنّ حليّة التصرّفات المتوقّفة على الملك كالبيع والوطء ونحوهما من آثار الملك، فإذا دلّت الآية على جوازها، دلّت بالملازمة العقليّة على الملكيّة، أو من جهة الملازمة العرفيّة بين حليّة التصرّفات ونفوذ البيع.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الآية، حليّة التصرّفات بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضا الآخر، وهذا يستلزم عدم تأثير الفسخ وكونه لغواً، وهو لازم اللّزوم.

أورد قدس سره(1) على هذا الوجه: المفروض الشكّ في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآية، فلا يمكن التمسّك في رفعه بالإطلاق.

وفيه: وفي كلامه موارد للنظر:

المورد الأوّل: ما أفاده من أنّ المراد بالحليّة، هي الحليّة التكليفيّة.

فإنّه يرد عليه: أنّ الظاهر منها من جهة استنادها إلى البيع هي الوضعيّة، وهكذا في الحرمة المنسوبة إلى الرّبا، وعليه فتدلّ الآية الشريفة على صحّة البيع ونفوذه بالمطابقة، بلا نظر لها إلى اللّزوم.

المورد الثاني: ما أفاده من تقدير التصرّفات.

فإنّه يرد عليه: أنّه لا وجه لذلك سوى توهّم أنّه لا موجب لحرمة البيع بما هو عمل من الأعمال، فيتعيّن التقدير، وهذا عليل، فإنّ البيع من حيث أنّه يتوصّل به إلى التصرّفات، قابلٌ لأن يكون حلالاً وحراماً، وعليه فلا وجه للتقدير، وعلى ش.

ص: 15


1- كتاب المكاسب: ج 5/19 الهامش.

هذا فيستكشف من حليّة البيع بهذا المعنى نفوذه وصحّته، إذ لولا نفوذه لم يكن وجه للترخيص فيه.

المورد الثالث: ما أورده على نفسه.

فإنّه يرد عليه: أنّه لو قدّرنا كلمة (التصرّفات)، وكان مقتضى إطلاق الآية حليّة التصرّفات بعد الفسخ، لم يكن الشكّ في تأثير الفسخ مانعاً عن ذلك، لأنّ التمسّك بالإطلاق إنّما يكون لدفع مثل هذا الشكّ .

وقال المحقّق النائيني رحمه الله(1): في توجيه إيراد الشيخ رحمه الله بأنّ القيود الراجعة إلى الموضوع يمكن أنْ يكون الحكم بالنسبة إليها مطلقاً أو مقيّداً، وأمّا حالات نفس الحكم، فلا يمكن أنْ يكون الحكم بالنسبه إليها مطلقاً ولا مقيّداً، فضلاً عن أنْ يكون مطلقاً أو مقيّداً، بالإضافة إلى رافعه، إذ المحكوم ليس ناظراً إلى نفسه، فضلاً عن أنْ يكون مطلقاً بالنسبة إلى حاكمه، وفي المقام الفسخ لو كان مؤثّراً لكان رافعاً لأصل الحليّة، ولا إطلاق لها بالنسبة إلى رافعها.

وفيه أوّلاً: إنّ الشيخ رحمه الله(2) صرّح بالإطلاق.

وثانياً: إنّ الفسخ لو كان مؤثّراً، لكان رافعاً لمنشأ الحليّة، وهو البيع والعقد لا للحكم نفسه، وإطلاق الحكم بالنسبة إلى رافع منشأه كسائر حالاته أمرٌ ممكن.

وثالثاً: إنّ هذا الوجه يجري في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أيضاً، بأنْ يقال إنّ الفسخ لو كان مؤثّراً لكان رافعاً لوجوب الوفاء، فلا يمكن أنْ يكون ما دلَّ عليه مطلقاً بالنسبة إلى رافعه.8.

ص: 16


1- منية الطالب: ج 3/11.
2- المكاسب: ج 5/18.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرناه دلاله الآية الشريفة على نفوذ البيع وصحّته دون لزومه.

قال الشيخ رحمه الله(1): (ومنه يظهر وجه الاستدلال على اللّزوم بإطلاق حليّة أكل المال... الخ).

تقريب الاستدلال: إنّ الأكل الذي رخّصه الشارع، عنوانٌ للتصرّفات المترتّبة على المعاملة لا لنفسها - لما تقدّم - فمن جوازه يُستكشف نفوذ المعاملة، ومن إطلاقه - لما بعد الفسخ - يُستكشف اللّزوم.

ثمّ أورد عليه بما أورده على سابقه.

وفيه أوّلاً: إنّ (الأكل) في صدر الآية كناية عن التملّك، فكذلك في المستثنى، فالمرخّص فيه هو التمليك.

وثانياً: إنّ الإيراد غير تامٍّ كما تقدّم.

أقول: ثمّ إنّه قدس سره استدلّ بالآية الشريفة على اللّزوم بطريقٍ آخر، ذكره في المعاطاة، وقد تعرّضنا له هناك وبيّنا عدم تماميّته، فراجع(2).

القاعدة الثالثة: وهي المستفادة من قوله تعالى :

(لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (3) .

والتحقيق: يمكن تقريب الاستدلال به على اللّزوم بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ الأكل المنهيّ عنه كناية عن التصرّف المعاملي، وهو التملّك، فيدلّ على النهي عن التملّك بالباطل، ومنه أخذ مال الغير وتملكه من دون إذن صاحبه.9.

ص: 17


1- المكاسب: ج 5/18.
2- بحث المعاطاة تقدّم في ج 22.
3- سورة النساء: الآية 29.

وفيه أوّلاً: إنّ المراد بالباطل إمّا هو الباطل العرفي، أو الباطل الشرعي، أو الفاسد الخالي عن الأثر الذي لا يختلف معناه عرفاً وشرعاً، وإنّما الاختلاف بينهما في المصداق:

أمّا على الأوّل: الذي هو أساس الاستدلال - فحيث أنّ إذن المالك الحقيقي موجب للخروج عن كونه باطلاً، وفي المقام يحتمل الإذن في الفسخ، فلا محالة يشكّ في صدق الباطل عليه، ومعه لا يبقى مورد للتمسّك بإطلاق الحكم.

وأمّا على الأخيرين: فالشكّ في صدق الموضوع أظهر.

وثانياً: إنّه يحتمل اختصاص الآية بالمعاوضات، من جهة ما ورد فيها من التعبير ب (أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ ) الظاهر في إعطاء مالٍ وأخذ مال، والرجوع ليس منها، فإنّه رَدٌّ للملك، ويستتبع ذلك رجوع العوض، لا أنّه تملّك بعوض.

وثالثاً: إنّ الفسخ عبارة عن حَلّ للعقد، فلا تشمله الآية، لعدم كونه سبباً للأكل، بل هو رافع للسبب المملّك، وبعده يكون التمليك بالسبب الأوّل.

الوجه الثاني: إنّ الأكل المنهيّ عنه، كناية عن التصرّفات، فتدلّ الآية على عدم جواز التصرّفات بعد قيام السبب الباطل، ومنه الرجوع والفسخ.

أقول: ويرد عليه ما أوردناه على الوجه الأوّل.

القاعدة الرابعة: وهي المستفادة من قوله صلى الله عليه و آله: «لا يَحِلّ مال امريءٍ مسلم إلّا بطيبة نفسه»(1).

أقول: وتقريب الاستدلال به من وجهين:9.

ص: 18


1- وسائل الشيعة: ج 14/572 ح 19843، عوالي اللآلئ: ج 2/113 ح 309.

الوجه الأوّل: إنّ الخبر يدلّ على عدم حليّة مال الغير بغير رضاه، وحيث أنّه لا معنى لحرمة المال، وتقدير تصرّفٍ دون آخر ترجيحٌ بلا مرجّح، فلابدّ من أن تقدّر جميع التصرّفات ومنها الفسخ، ومن حرمته يُستكشف عدم تأثيره.

وفيه أوّلاً: إنّ الحرمة حيث استندت إلى المال، تكون ظاهرة في إرادة حرمة التصرّفات الخارجيّة المتعلّقة به، ولا تشمل التصرّفات الاعتباريّة.

وثانياً: إنّ حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها، كما تقدّم(1).

الوجه الثاني: إنّه يدلّ على حرمة التصرّفات في مال الغير بغير رضاه، ومقتضى إطلاقه حرمتها حتّى بعد الفسخ، ولازم ذلك عدم تأثير الفسخ.

وفيه: إنّه حيث يحتمل تأثير الفسخ، فيحتمل عدم كونه مال الغير بعد الفسخ، ومعه لا مورد للتمسّك بإطلاق الحكم.

القاعدة الخامسة: وهي المستفادة من قوله عليه السلام: «الناس مسلّطون على أموالهم»(2).

أقول: هذه الرواية برغم أنّها ضعيفة السند، إلّاأنّ ضعفها مجبور بالعمل.

تقريب الاستدلال: إنّها تدلّ على ثبوت السلطنة التامّة للملّاك على أموالهم، ومن مقتضيات السلطنة التامّة، رفع مزاحمة الأجانب ومنهم المالك الأوّل، ولازمه عدم تأثير فسخه.

وبعبارة أُخرى : خروج المال عن ملكه بغير رضاه منافٍ للسلطنة.

أقول: قد أورد عليه بإيرادات، وذكرناها مع أجوبتها في مبحث المعاطاة(3)،ع.

ص: 19


1- تقدّم في عدّة موارد، منها في ج 20/31، فراجع.
2- بحار الأنوار: ج 2/272، عوالي اللآلئ: ج 2/138 ح 383.
3- تقدّم بحث المعاطاة ج 22/329، فراجع.

والحقّ في الجواب عنه:

أنّها تدلّ على ثبوت السلطنة ما دام كونه مالاً له، ولا تدلّ على تسلّطه على إبقاء الموضوع، وأنّه باقٍ تحت اختياره كي تكون إزالته منافية للسلطنة الثابتة له، فتدبّر. وتمام الكلام في ذلك المبحث، كما أنّ التقريب الآخر لدلالتها على ذلك مع جوابه مذكوران هناك، فراجع(1).

القاعدة السادسة: وهي المستفادة من قوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم»(2).

تقريب الاستدلال: إنّ الشرط هو مطلق الإلزام والالتزام ولو ابتداءً من غير ربطٍ بعقدٍ آخر، وعليه فالعقد شرطٌ يجب الوقوف عنده، ويحرم التعدّي عنه، فيدلّ على اللّزوم بالتقريب المتقدّم، في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

أقول: ولكن تماميّة الاستدلال به تتوقّف على أمرين:

1 - صدق الشرط على المعاملات كالبيع.

2 - دلالته على اللّزوم.

أمّا الأوّل: - فمضافاً إلى ما سيأتي في مبحث الشروط، من عدم صدقه على الالتزامات المعامليّة - أنّه يعتبر في صدقه كون الالتزام في ضمن التزام، وهو لا يصدق على الالتزام الابتدائي.

وبعبارة أُخرى : الشرط هو الالتزام التابع، كمايظهر لمن راجع موارد استعماله، ولذا قال في محكي «القاموس»(3): (الشرطإلزام الشيء أو التزامه في البيع ونحوه).

وأمّا الثاني: فالأظهر أنّه إنشاء حكم تكليفي لا وضعي، إذ مضمونه عدم).

ص: 20


1- فقه الصادق: ج 22/329.
2- الكافي: ج 5/169 ح 1، وسائل الشيعة: ج 18/16 ح 23040.
3- القاموس المحيط: ج 2/368 مادّة (الشرط).

انفكاك المؤمن عن شرطه، وهذا ليس صفة في الشرط كي يكون ذلك إرشاداً إلى صحّته أو لزومه، بل هو صفةٌ في المؤمن، فلا محالة يكون ظاهراً في كونه أمراً بالوفاء بالشرط تكليفاً، وعليه فيجري فيه ما ذكرناه في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

القاعدة السابعة: وهي المستفادة من الأخبارالمستفيضة الدالّة على أنّ «البيّعين بالخيار»(1).

وأورد على هذا الوجه:

1 - بأنّ هذه النصوص تدلّ على اللّزوم الحيثي لا اللّزوم من جميع الجهات، ولذا لا تنافي ثبوت خيار الحيوان والشرط ونحوهما.

2 - وبأنّها في مقام جعل الخيار، لا جعل اللّزوم، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها من هذه الجهة.

ويرد على الأوّل: إنّه خلافه إطلاق النصوص.

وعلى الثاني: إنّها في مقام بيان الجواز قبل التفرّق واللّزوم بعده، ولذا قال عليه السلام في بعض تلك النصوص بعد ذلك: «فإذا افترقا فلا خيار لهما».

الاستدلال على اللّزوم بالاستصحاب

ربما يستدلّ على اللّزوم بالاستصحاب بتقريب إنّ مقتضى الاستصحاب، عدم انقطاع علاقة المالك عن العين.

أقول: وقد أشبعنا الكلام عن هذا الاستصحاب، وما يمكن أنْ يورد عليه في مبحث المعاطاة، وإنّما نذكر في المقام الإشكال الذي لم يذكره الشيخ رحمه الله(2) هناك،

ص: 21


1- الكافي: ج 5/170 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23011.
2- المكاسب: ج 5/22.

وذكره في المقام، وهو:

إنّ هذا الأصل محكومٌ باستصحاب بقاء علقة المالك الأوّل، واستصحاب بقاء حقّ الفسخ الثابت في زمان ثبوت خيار المجلس.

وأجاب الشيخ رحمه الله(1) عن الأوّل: بأنّه إنْ اُريد بقاء علاقة الملك أو علاقة تتفرّع على الملك، فلا ريب في زوالها بزوال الملك، وإنْ اُريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه، فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك.

توضيح ما إفادة: إنّه ربما يتوهّم أنّ الملكيّة وإنْ كانت أمراً اعتباريّاً، إلّاأنّها ليست بسيطة، بل هي ذات مراتب، فإذا انتقلت العين عن الشخص بنحوٍ ليس له إرجاعها إلى ملكه إلّابعقدٍ جديد، فقد انقطعت العلاقة بالمرّة، وإذا انتقلت بنحوٍ له إرجاعها إلى ملكه متى ما شاء، فقد بقيت مرتبة منها، فلو شكّ في الجواز واللّزوم، يشكّ في أنّ علقة المالك الأوّل هل انقطعت بالمرّة، أم بقيت مرتبة ضعيفة منها، فيستصحب بقائها بعد كون قوّة العلاقة وضعفها من مراتب شيء واحد، فإذا جرى هذا الأصل، لا يبقى شكّ في بقاء الملك كي يستصحب، لأنّ الشكّ في بقائه بعد الرجوع مسبّبٌ عن الشكّ في ثبوت هذا الحقّ وعدمه.

وربما يتوهّم: أنّ للشخص سلطنة على ماله، وسلطنة على تسليط الغير عليه حدوثاً وبقاءً ، ومن خلال عقد البيع زالت السلطنة عليه، وكذلك السلطنة على تسليط الغير حدوثاً.

أمّا السلطنة على تسليط الغير بقاءً ، فهي مشكوكة الارتفاع، فيستصحب بقائها، ونتيجة ذلك جواز رفع سلطنة الغير بالفسخ.3.

ص: 22


1- المكاسب: ج 5/23.

أقول: وكلاهما فاسدان:

أمّا الأوّل: فلأنّ الملكيّة التي هي أمرٌ اعتباري ومن سنخ الوجود، وتعدّ من الاُمور البسيطة وليست ذات مراتب، قد زالت بالبيع ولم يبق منها شيء، مع أنّه لو سُلّم كونها ذات مراتب - حيث إنّ ما يبقى بعد العقد الجائز مباين مع الملكيّة، ولذا ترى أنّ خيار المجلس بنظر العرف مغايرٌ مع الملكيّة - فلا يجري الاستصحاب.

وأمّا الثاني: فلأنّ ثبوت السلطنة على رَدّ الملك تعدّ سلطنة جديدة إنْ ثبتت، لأنّها تثبت في ظرف عدم الملك، فكيف تكون من آثار الملك ؟!

وأجاب الشيخ رحمه الله(1): عن الأصل الثاني بوجوه:

الوجه الأوّل: الدليل أخصّ من المدّعي، لعدم جريانه في غير البيع.

الوجه الثاني: الواجب هنا الرجوع في زمان الشكّ إلى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2) لا الاستصحاب.

وأورد عليه: بأنّ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث لاعموم زماني له، فلايكون هو المرجع في زمان الشكّ ، بل المرجع استصحاب حكم الخاص على ما أسّسه في الاُصول.

ويمكن دفعه: بأنّ ذلك يتمّ في ما إذا كان خروج الفرد في الأثناء من الأوّل كما في المقام، وإلّا فالمرجع عموم العام.

وتمام الكلام في محلّه(3).

الوجه الثالث: إنّه لا يُجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق.

وأُورد عليه: بأنّ الكلام إنّما هو مع قطع النظر عن الأدلّة الاجتهاديّة، مع أنّ 6.

ص: 23


1- المكاسب: ج 5/23.
2- سورة المائدة: الآية 1.
3- زبدة الاُصول: ج 3/256.

هذه الأخبار كما توجب عدم جريان هذا الأصل، توجبُ عدم جريان الأصل المحكوم أيضاً.

وفيه: إنّ ما يثبت بهذه النصوص هو زوال ذلك الحقّ الثابت في المجلس، وأمّا زوال الحقّ الآخر المشكوك، فهي لا تدلّ عليه، وحيث أنّه يحتمل ذلك:

فإنْ قلنا بأنّ الخيار واحدٌ وإنْ تعدّدت أسبابه، جرى استصحاب بقاء الخيار الشخصي الثابت سابقاً.

وإنْ قلنا بتعدّد أسبابه، فيمكن إجراء استصحاب الكلّي الجامع بينهما، فإنّه وإنْ كان من قبيل القسم الثالث من أقسام الكلّي، إلّاأنّه حيث يحتمل حدوث فردٍ آخر مقارناً لحدوث المتيقّن، جرى استصحاب الكلّي على مسلك الشيخ رحمه الله.

أقول: ولكن المختار عدم جريان الاستصحاب فيه، حتّى في هذا الفرض، فلايجري الأصل المزبور في المقام.

فتحصّل: أنّ الاستصحاب أيضاً من أدلّة اللّزوم.

قال العلّامة رحمه الله: - كما يظهر من «المختلف»(1) في مسألة أنّ المسابقة لازمة أو جائزة - إنّ الأصل عدم اللّزوم، ولم يردّه من تأخّر عنه إلّابعموم آية الوفاء بالعقود.

وقال الشيخ رحمه الله(2): ولم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل، نعم هو حَسنٌ في خصوص المسابقة.

وأورد عليه المحقّق الايرواني:(3) - مضافاً إلى أنّ غاية ما ذكره بطلان6.

ص: 24


1- مختلف الشيعة: ج 6/255.
2- المكاسب: ج 5/24.
3- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/6.

استصحاب بقاء الأثر بعد الفسخ الذي هو معنى أصالة اللّزوم لا صحّة أصالة الجواز - بأنّه بناءً على جريان الاستصحاب التعليقي يجري الاستصحاب في المقام، فإنّه يجري استصحاب بقاء استحقاق العوض لو سبق الثابت قبل الفسخ، ويحكم بأنّه يستحقّ العوض لو سبق بعد الفسخ، ثمّ ناقش قدس سره فيه بأنّ المختار عدم جريان الاستصحاب التعليقي.

وفيه: إنّ هذا الاستصحاب يجري إنْبنينا علي عدم جريان الاستصحاب التعليقي، من جهة أنّ الاستصحاب التعليقي المصطلح إنّما هو فيما لو تحقّق أحد جزئي موضوع الحكم كالعصير العنبي، ثمّ حين ما تحقّق الجزء الآخر شُكّ في الحكم، من جهة الشكّ في بقاء الجزء الأوّل لاحتمال التبدّل، وفي المقام ليس كذلك، بل المتيقّن هو إنشاء تمليكٍ - على تقدير السّبق - والمشكوك فيه بقاء هذا الأثر وارتفاعه عن موضوعه، فيجري الأصل فيه، ونظير المقام ما لو شكّ في وجوب الحَجّ على المستطيع.

وبالجملة: ما نحن فيه من قبيل الشكّ في بقاء التكليف المُنشَأ على الموضوع المقدّر وجوده فيجري الأصل، وهذا غير الاستصحاب التعليقي المصطلح الذي ليس الشكّ فيه في بقاء الجعل.

أقول: ولا يخفى أنّ ما ذكرناه من دلالة العمومات على أصالة اللّزوم، إنّما هو في الشكّ في حكم الشارع باللّزوم، وأمّا إذا كان الشكّ في عقد خارجي أنّه من مصاديق العقد اللّازم أو الجائز، فلا مورد للتمسّك بالعمومات، فيتعيّن حينئذٍ الرجوع إلى الاستصحاب، إلّاأنْ يكون هناك أصلٌ حاكم سابق عليه، كما لو شكّ في أنّ الواقع هبة أو صدقة، فإنّ الأصل حينئذٍ عدم قصد القربة، فيحكم بالهبة

ص: 25

الجائزة، ولكن يتمّ ذلك بناءً على كون الهبة والصدقة حقيقة واحدة، والفرق بينهما إنّما هو من قبيل الفرق بين الماهيّة بشرط لا والماهيّة بشرط شيء.

وعليه، فالتمليك المجّاني المجرّد عن قصد القربة هبة، والتمليك المجّاني الذي قُصد به القربة صدقة، إذ عليه تكون أصالة عدم قصد القربة نافية للّزوم المترتّب على الصدقة.

وأمّا بناءً على ما مالَ إليه في «الجواهر»(1) من كونهما حقيقتين متباينتين، فلا أصل لهذا الأصل. وتمام الكلام في محلّه.

أقول: بقي الكلام في معنى قول المصنّف رحمه الله في محكي «القواعد»(2)و «التذكرة»(3): (إنّه لايخرج من هذا الأصل إلّابأمرين: ثبوت خيارٍ، أو ظهور عيب.

فإنّ ظاهره أنّ ظهور العيب سببٌ لتزلزل البيع في مقابل الخيار، مع أنّه من أسباب الخيار، وقد ذكروا في بيان مراده وجوهاً:

منها: أنّ عطف ظهور العيب عليثبوت الخيار، من قبيل عطف الخاص على العام.

وفيه: إنّ المعطوف عليه ليس مطلق السبب، كما أنّ المعطوف ليس خياراً خاصّاً، بل المعطوف عليه مطلق الخيار، والمعطوف سببٌ من أسبابه فلا يتمّ ذلك.

ومنها: ما أفاده الشيخ رحمه الله(4)، وحاصله أنّ العيب سببٌ مستقلٌّ لتزلزل العقد في مقابل الخيار، فإنّ ثبوت الأرش بمقتضى العيب موجبٌ لاسترداد جزءٍ ممّا ملّكه).

ص: 26


1- جواهر الكلام: ج 35/317.
2- قواعد الأحكام: ج 2/64.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/515 (ط. ق).
4- المكاسب: ج 5/16 (ط. ج).

البائع بالعقد عن ملكه، فالعقد بالإضافة إلى جزء من الثمن متزلزل وإنْ لم يثبت الخيار.

وفيه: ما أورده قدس سره عليه بأنّه ليس الأرش جزءاً حقيقيّاً من الثمن، بل هو غرامة، فلا يوجب ثبوته تزلزل العقد.

ومنها: غير ذلك ممّا ذكره الشيخ رحمه الله مع ما يرد عليه وغيره.

والظاهر أنّ نظره قدس سره إلى أنّ العقد يقتضي اللّزوم، وكون أحد العوضين فقط عوضاً عن الآخر، والمخرج عن الأمر الأوّل هو الخيار، وعن الثاني ظهور العيب، فإنّه يوجب أخذ الأرش مع المبيع.

***

ص: 27

وأقسامه سبعة:

أقسام الخيار

اشارة

أقول: بعد الوقوف من خلال المباحث السابقة على موجبات الخيار، يقع الكلام في أقسامه (و) أحكامه:

أمّا (أقسامه): فقد ذكر المصنّف هنا (سبعة) منها، وفي بعض الكلمات التزم بأنّها ثمانية، وفي آخر أنّها أربعة عشر.

قال صاحب «الجواهر»(1): (وليس ذلك خلافاً، إنّما هو مجرّد جمع واستقصاء).

أقول: والحقّ في بيان الجامع لها أنّ الخيار:

تارةً : يكون بجعل الشارع ابتداءً ومطلقاً، كخيار المجلس والحيوان.

وأُخرى : يكون بجعلٍ من المتعاملين، مثل شرط الخيار.

وثالثة: يكون وسطاً بينهما، بأن يلتزم المتبايعان في ضمن العقد وجود شرطٍ أو وصفٍ ، أو عدمه، أو عمل خارجي، وتبيّن خلافه، فإنّه يثبت لمن له الالتزام الخيار حينئذٍ.

والكلام يقع أوّلاً في القسم الأوّل، وهو فيما يكون بجعلٍ شرعي ابتداءً .

***

ص: 28


1- جواهر الكلام: ج 23/3.

الأوّل: خيار المجلس. فمن باع شيئاً ثبت له وللمشتري الخيار ما لم يتفرّقا.

خيار المجلس

اشارة

الخيار (الأوّل: خيار المجلس).

قال الشيخ رحمه الله(1): (المراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين).

أقول: ولكن ليس في أدلّة هذا الخيار لفظ (المجلس) ولا مكان المتبايعين، بل ورد هذا الخيار في النصوص مغيّاً بالافتراق، ويستظهر من ذلك اعتبار الاجتماع العرفي في جانب المغيّا، فلو لم يكن بينهما اجتماعٌ حال البيع، لم يكن هناك خيار، كما لو أوقعا العقد، من خلال جهاز الهاتف مع كون كلّ منهما في بلدٍ سوى بلد الآخر.

نعم، حيث يكون المراد الاجتماع بالأبدان، يكون المراد الاجتماع من حيث المكان، وحيث أنّ الغالب من مكان الاجتماع كونه محلّاً للجلوس، فلذا عبّر عنه بخيار المجلس، وعلى هذا فكما لا يعتبر المجلس لا يعتبر مكان البيع، بل لو افترقا عن مكان البيع مع بقاء اجتماع المتبايعين، وعدم تفرّق أحدهما عن صاحبه، كان الخيار باقياً، فهذا الخيار خيار الاجتماع في المجلس، وإضافته إلى الاجتماع إضافة المسبّب إلى سببه، ويعبّر عن سببه بحمل سببه من باب تنزيل المحلّ منزلة المحال.

وكيف كان، (ف) لا خلاف بين الإماميّة في أنّ (من باع شيئاً ثبت له وللمشتري الخيار ما لم يتفرّقا).

ص: 29


1- المكاسب: ج 5/27.

وفي «الجواهر»(1): (إجماعا ًمنّابقسميه)، والنصوص المستفيضة شاهدة به، لاحظ:

1 - صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

البيّعان بالخيار حتّى يفترقا، الحديث»(2).

ونحوه صحيح زرارة، عنه عليه السلام(3).

2 - وصحيح الفضيل، عنه عليه السلام، في حديثٍ ، قال: «قلت له: ما الشرط في غير الحيوان ؟ قال: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»(4).

ونحوها غيرها.

3 - موثّق غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا صفق الرّجل على البيع فقد وجب، وإنْ لم يفترقا»(5).

أقول: ربما يُحمل على التقيّة.

وأُورد عليه: بأنّ الخبر علويّ ، وموجب التقيّة حَدَث في عصر الصادقين عليهما السلام.

ودفع بأنّ الحاكي لهذه الرواية حيث إنّه الصادق عليه السلام، فيمكن أن تكون التقيّة في مقام الحكاية والرواية عن الأمير عليه السلام.

وفيه: إنّ التقيّة في مقام الحكاية، بمعنى نقل جملة عن شخص مع عدم صدورها منه، وكونه كذباً غير معهود.7.

ص: 30


1- جواهر الكلام: ج 23/3.
2- الكافي: ج 5/170 ح 5، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23011.
3- الكافي: ج 5/170 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23012.
4- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23013.
5- تهذيب الأحكام: ج 7/20 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/7 ح 23017.

أقول: ولعلّ أحسن الوجوه ما أفاده بعضهم(1) من: (أنّ المراد من الصفق على المبيع، هو الصفق بعنوان الالتزام بالمبيع، لا الصفق المحقِّق للبيع، كيف وموضوعه المبيع، فيكون البيع محقّقاً قبله). انتهى .

وتنقيح مباحث هذا الخيار ومسقطانه يحصل برسم مسائل.

ثبوت الخيار للوكيل

المسألة الأُولى : لا خلاف ولا إشكال في ثبوت هذا الخيار للمتبايعين إذا كانا أصيلين، ولا في ثبوته للوكيلين في الجملة، إلّاما عن المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(2) من إنكار ثبوته للوكيل بقول مطلق.

أقول: وكيف كان، فيقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في ثبوت الخيار للوكيل.

الثاني: في ثبوته للموكّل.

أمّا المقام الأوّل: فتوضيحه، إنّ الوكيل:

1 - قد يكون وكيلاً في إجراء الصيغة خاصّة.

2 - وقد يكون وكيلاً مستقلّاً في إيجاد المعاملة فقط.

3 - وقد يكون وكيلاً مستقلّاً في أمر المعاملة إيجاداً وفسخاً، على كلامٍ في معقوليّته سيجيء.

4 - وقد يكون وكيلاً مفوّضاً إليه أمر المعاملة وجوداً وعدماً، إنْ شاء باع وإنْ شاء لم بيع.

ص: 31


1- حاشية المكاسب للشيخ الاصفهاني: ج 4/55.
2- جامع المقاصد: ج 4/286.

أمّا القسم الأوّل: فقد استدلّ لعدم ثبوت الخيار له في قبال ما قيل من صدق البيع عليه، فتشمله أدلّة الخيار بوجوه:

الوجه الأوّل: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1) وتفرّد به من أنّ مفاد أدلّة الخيار إثبات حقٍّ وسلطنة لكلٍّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلّط، لو لم يكن مفروغاً عنه في الخارج.

وفيه: إنّ الخيار إمّا أنْ يكون سلطنة على حَلّ العقد، أو على ترادّ العوضين، وعلى التقديرين ليس هو سلطنة على خصوص الاسترداد، بعد ثبوت السلطنة على الرَّد:

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فلأنّه لا موجب للالتزام بكونه سلطنة على الاسترداد خاصّة، سوى أنّ المالك والوكيل المفوّض لهما السلطنة على الرَّد بالإقالة ونحوها، فلا معنى لجعل الخيار لهما إلّاالسلطنة على الاسترداد.

وحيث إنّه لا يُعقل السلطنة على الاسترداد دون الرَّد، فلا محالة يكون الخيار مجعولاً لمن له سلطنة على الرَّد.

أقول: لكنّه توهمٌ فاسد، لأنّ الرَّد بما أنّ له مصاديق، وما يكون ثابتاً للمالك بعضها، فجعل الخيار بمعنى السلطنة على الرَّد والاسترداد بلا اعتبار رضا الآخر، لا يلزم منه اللّغوية.

وعليه، فالخيار هو السلطنة على ترادّ العينين، لا على جلب ما ذهب خاصّة.9.

ص: 32


1- المكاسب: ج 5/29.

ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمه الله وجّه كلام الشيخ رحمه الله بما سنذكره في الوجه السابع، فانتظر.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1) تبعاً لغيره، من أنّ بعض(2) أخبار هذا الخيار قد قرن فيه بينه وبين خيار الحيوان الذي لا يلتزم الفقيه بثبوته للوكيل في إجراء الصيغة، وظاهر ذلك - من جهة وحدة السياق - كون موضوع الخيارين واحداً.

وفيه: إنّ الموجب لاختصاص خيار الحيوان بغير الوكيل ما في بعض(3)رواياته، من جعل الخيار لخصوص صاحب الحيوان، لا اختصاص الموضوع به.

الوجه الثالث: ما في «المكاسب»(4) أيضاً حيث قال: (مضافاً إلى أدلّة سائر الخيارات، فإنّ القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه).

وفيه: إنّ بعض تلك الخيارات مختصٌّ بالمالك، لاختصاص دليله به كخيار الغبن لو قلنا إنّ مدركه حديث لا ضرر، وبعضها تابعٌ لجعل المتبايعين، ولو كان هو الأجنبي كشرط الخيار، وبعضها كخيار العيب يجري فيه ما هو الجاري في المقام.

الوجه الرابع: ما في «المكاسب»(5) أيضاً، من أنّ ملاحظة حكمة الخيار تبعّد ثبوته للوكيل المذكور.

وفيه: إنّ الحكمة غير معلومة، فضلاً عن أنّ الحكم لا يدور مدارها.

الوجه الخامس: ما في «المكاسب» في أواخر المبحث(1)، من أنّ ثبوت الخيار للوكيل يضادّ مع سلطنة الموكّل على ماله، لأنّ بالفسخ يخرج المال عن ملكه قهراً عليه، فأدلّة الخيار على فرض شمولها له، تعارض دليل سلطنة المالك، ويقدّم دليل2.

ص: 33


1- المكاسب: ج 5/32.

السلطنة وإنْ كانت النسبة عموماً من وجه، لحكم العقل وبناء العقلاء، ولا أقلّ من التساقط، ليكون المرجع استصحاب بقاء المِلك بعد فسخه.

وفيه: إنّ النسبة بين دليل الخيار ودليل السلطنة عمومٌ مطلق، لأنّ خيار كلّ من المتعاملين ينافي سلطنة الآخر على ما انتقل إليه.

الوجه السادس: ما أفاده بعض المحقّقين رحمه الله(1)، من أنّ بعض(2) نصوص الباب تضمّن ثبوت هذا الخيار للتاجر، وعدم شموله لمجري الصيغة واضحٌ ، وبه يقيّد إطلاق سائر النصوص.

وفيه: إنّه بما أنّهما مثبتان لا وجه للحمل.

الوجه السابع: إنّ دليل الخيار مخصّصٌ لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (3) فكلّ من يجب عليه الوفاء بالعقد، مختارٌ في الفسخ بدليل الخيار، والذي من شأنه الوفاء هو المتصرّف في المال، والوكيل في إجراء الصيغة، حيث إنّه لا يملك التصرّف في المال المنتقل إليه لا وفاء له، فلا يكون ذلك واجباً عليه، ولا معنى لاستثنائه عن هذا الحكم في موارد خاصّة.

وبهذا وجّه المحقّق النائيني رحمه الله(4) كلام الشيخ رحمه الله الذي هو الوجه الأوّل الذي ذكرناه.

وفيه: إنّ الوفاء بمعنى التمام، فالمأمور به في الآية الشريفة - كما تقدّم في أوّل هذا1.

ص: 34


1- منية الطالب: ج 3/21، حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/58.
2- الكافي: ج 5/174 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/7 ح 23016.
3- سورة المائدة: الآية 2.
4- منية الطالب: ج 3/21.

الجزء(1)، وفي مبحث المعاطاة - هو الإتمام والإنهاء، وإنهاء العقد وإتمامه إنّما هو بعدم نقضه وحِلّه، وليس المأمور به ترتيب الآثار عملاً كي يقال إنّها لا تشمل الوكيل المذكور، وعليه فهي شاملة له أيضاً، وبدليل الخيار يخصّص بالنسبة إليه.

أقول: فالحقّ في وجه عدم ثبوت الخيار له أنْ يقال إنّ دليل الخيار منصرف عنه.

توضيحه: إنّ البائع - وكذا البيع - له إطلاقان:

أحدهما: هو المُنشي والموجد للبيع.

الثاني: من كان حصول البيع باختياره واستقلاله وسلطانه، حتّى ولو كان غير مباشر له، فيقال: فلانٌ باع داره وعقاره، وإنْ كان البيع صادراً عن وكيله.

والمنصرف إليه، لفظ (البائع) عند الإطلاق، هو الثاني، وعليه فهو لا يشمل الوكيل الموقع للصيغة.

ويؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه ما في بعض نصوص الباب من تعليل اللّزوم بالافتراق، بكون ذلك رضاً منه(2)، فإنّه يستكشف من ذلك أنّ الخيار إنّما يكون ثابتاً لمن يكون رضاه معتبراً في المعاملة، والوكيل المُجري للصيغة لا يكون رضاه معتبراً فيها، ولا ربط له بالمعاملة كي يكون تصرّفه دالّاً على رضاه، ولعلّه إلى هذا نظر الشيخ رحمه الله في ما ذكره من الوجه الذي ذكرناه أوّلاً. فراجع وتدبّر(3).

وأمّا القسم الثاني: وهو الوكيل في إيجاد المعاملة مستقلّاً فقط، فعمدة الوجوه التي ذكرناها لعدم ثبوت الخيار للوكيل في القسم الأوّل جارية في هذا القسم، كما هو واضح، وعليه فالأظهر عدم ثبوت الخيار له.د.

ص: 35


1- صفحة 11 من هذا المجلّد.
2- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23013.
3- صفحة 32 من هذا المجلّد.

وأمّا القسم الثالث: فقد اختار الشيخ رحمه الله(1) ثبوته له، والكلام فيه في مواضع:

الموضع الأوّل: في أنّ عموم الوكالة لما يشمل فسخ المعاوضة صحيحٌ أم لا؟

أقول: والحقّ عدم صحّته، لأنّه:

إنْ اُريدبه الفسخ من قِبل الموكّل إعمالاًلحقّه، فهذا لا ربط له بثبوت الخيارللوكيل.

وإنْ اُريد به الفسخ بخيار نفسه، فهو باطلٌ ، إذ لا معنى للوكالة فيما هو وظيفته ومستقلّ فيه، مع أنّ ثبوت الخيار متوقّفٌ على الوكالة فيه، المتوقّفة على ثبوت الخيار، وهذا دورٌ واضح، وعلى هذا فلا فرق بين هذا القسم وسابقه.

الموضع الثاني: إنّه على فرض صحّة ذلك - والفرق بينه وبين سابقه ما ذكره رحمه الله في وجه عدم ثبوت الخيار للوكيل من منافاته لدليل «الناس مسلّطون على أموالهم» - يجري في هذا القسم، وعليه فقوله: (فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النَّص)، لا وجه له.

الموضع الثالث: أنّ ما اخترناه في وجه عدم ثبوت الخيار للوكيل في القسمين الأولين يجري في هذا القسم، فإنّ البائع بالإطلاق الثاني الذي هو المنصرف إليه من لفظه عند الإطلاق، وهو من كان حصول البيع باختياره وسلطانه واستقلاله، لا يشمل هذا الوكيل أيضاً.

وأمّا القسم الرابع: وهو الوكيل المفوّض إليه أمر المعاملة إنْ شاء أوجدها وإنْ شاء لم يوجدها، فالظاهر ثبوت الخيار له لصدق البائع ولو بالإطلاق الثاني عليه، كما هو واضح.2.

ص: 36


1- المكاسب: ج 5/32.

ثبوت الخيار للموكّل

وأمّا المقام الثاني: ويدور البحث فيه عن ثبوت الخيار للموكّل، فالكلام فيه يقع في موردين:

الأوّل: في أصل ثبوت الخيار للموكّل.

الثاني: في الأُمور المتفرّعة على ثبوته له.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ لعدم ثبوت الخيار له بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الظاهر من (البيّعين) في النَّص هما المتعاقدان، فلا يعمّ الموكّلين، وذكروا أنّه لو حلف على عدم البيع لم يحنث ببيع وكليه.

وفيه: ما تقدّم من أنّ (البيّع) بالإطلاق الثاني من الإطلاقين المتقدّمين الذي هو المنصرف إليه عند إطلاقه - وهو من كان حصول البيع باختياره واستقلاله - يشمل الموكّل دون الوكيل إلّافي موردٍ واحد، مع أنّه لو سُلّم أنّ المراد به العاقد، لكن بما أنّ العقد كما يُنسب إلى الوكيل بالمباشرة يُنسب إلى الموكّل بالتسبيب، لا سيّما إذا كان الوكيل وكيلاً في إجراء الصيغة خاصّة، يعمّ بيع الموكّل أيضاً.

وأمّا مسألة النذر: فإنْ نذر أنْ لا يباشر البيع لم يحنث يبيع وكليه، وأمّا إذا نذر أن لا ينقل ماله عُدَّ حانثاً. وأمّا إذا نذر أن لا يبيع بما له من المفهوم، فإنْ باع وكيله المفوّض الذي تكون وكالته قبل النذر، لم يكن حانثاً من جهة أنّه لم يصدر البيع عن اختياره، ولم ينذر أن يعزل وكيله، وإنْ وكّل غيره بعد النذر حنث، سيّما إذا كان ملتفتاً إليه حين البيع. وتمام الكلام في محلّه.

ص: 37

الوجه الثاني: إنّه لو سُلّم صحّة انتساب البيع إلى المباشر والسبب، إلّاأنّه في الاستعمال الواحد لابدَّ أن يراد أحدهما، فقوله عليه السلام «البيّعان» لابدَّ أن يراد به الوكيلان أو الموكّلان، وحيث أنّ المفروض ثبوته للوكيل المفوّض، فلا مجال لشموله الموكّل.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من عدم شموله للوكيل إلّاإذا كان وكيلاً في البيع وعدمه.

وثانياً: إنّ المستعمل فيه على فرض الشمول لهما، ليس هما معاً بما هما معنيان، بل المستعمل فيه هو الجامع بينهما، وعليه فلا محذور من إرادتهما معاً منه.

الوجه الثالث: إنّه مع فرض تأثير فسخ الوكيل، كيف يمكن الالتزام بتأثير فسخ الموكّل، مع أنّ الحقّ الواحد لا يعقل قيامه بأكثر من واحد.

وفيه: إنّه على فرض شمول النَّص لهما، لا يكون الثابت لهما خياراً واحداً بل خيارين، فإنّه كسائر القضايا الحقيقيّة ينحلّ إلى أحكام عديدة بحسب ما لموضوعه من الأفراد.

وبالجملة: فالأظهر ثبوت الخيار للموكّل.

أقول: ثمّ إنّ الشيخ رحمه الله(1) استدلّ لثبوت الخيار للموكّل، فيما إذا صدر البيع من الوكيل المطلق، في قبال دعوى عدم شمول البيع للموكّل، بوجهين آخرين:

أحدهما: أنّ المستفاد من الأدلّة كون الخيار حقّاً لصاحب المال إرفاقاً.

ثانيهما: أنّ ثبوته للوكيل لكونه نائباً عنه، يستلزم ثبوته للمنوب عنه.

وفيهما نظر:1.

ص: 38


1- المكاسب: ج 5/31.

أمّا الأوّل: فلأنّه لو سُلّم كون حكمة جعل الخيار للمالك إرفاقاً، إلّاأنّ مفاد الأدلّة حينئذٍ هو أنّ الخيار مهما ثبت، يكون للإرفاق لا أنّ كلّ من يناسبه الإرفاق يكون الخيار ثابتاً له.

وأمّا الثاني: فلأنّ ثبوت الخيار للوكيل، ليس بعنوان كونه وكيلاً ونائباً كي يقال إنّه يستلزم ثبوته للمنوب عنه، بل بعنوان كونه بيعاً، غير الصادق هذا العنوان على الفرض على الموكّل.

وبالجملة: فالصحيح في وجه ثبوت الخيار للموكّل، صدق عنوان البيع عليه.

توقّف خيار الموكّل على حضوره مجلس العقد

وأمّا المورد الثاني: فيدورالبحث فيه عن الفروع المتفرّعة عليثبوت الخيارللموكّل:

الفرع الأوّل: في أنّ ثبوت الخيار للموكّل، هل يتوقّف على حضوره مجلس العقد كما بنى عليه الشيخ رحمه الله(1)؟

أو لا يتوقّف عليه ؟

أم يفصّل بين الوكيل في إجراء الصيغة فقط، أو في خصوص معاملة خاصّة، بحيث تنتهي وكالته بالعقد، فلا يكفي اجتماع الوكيلين، بل يعتبر حضور الموكّلين مجلس العقد، وإلّا فلا خيار لهما.

وبين الوكيل المفوّض المستقلّ ، فيكفي اجتماع الوكيلين، ولا يعتبر حضور الموكّلين كما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه الله(2)؟ وجوه:

ص: 39


1- المكاسب: ج 5/30.
2- منية الطالب: ج 3/25.

أقول: والحقّ في المقام أنْ يقال:

إنّ موضوع هذا الخيار قوامه بأمرين:

أحدهما: صدق البيع.

ثانيهما: كون البائع والمشتري مجتمعين.

لما عرفت من أنّ هذا الخيار حيث يكون مغيّاً بالافتراق، فيعلم أنّه خيارُ الاجتماع، وحيث أنّ الافتراق المجعول غايةً يراد به الافتراق بدناً، يكون المراد به الاجتماع بدناً وفي المكان، ويعتبر فيه كون الاجتماع للبيع، فلو اجتمعا في مكانٍ لا للبيع، بل لغرضٍ آخر، وكانا غافلين عنه غير ملتفتين إليه، لا يثبت لهما الخيار، وعليه فإذا حضر الموكّلان مجلس العقد متوجّهين إليه، أو اجتمعا في مجلس للبيع ووكّلا شخصين آخرين اجتمعا في آخر للبيع، أو لم يجتمعا وأوقعا العقد غير مجتمعين - كما إذا كانا في محلّين متباعدين، وأوقعا العقد من خلال جهاز الهاتف - ثبت لهما الخيار.

واستدلّ للثاني بوجهين:

الوجه الأوّل: ما في محكي «الجواهر»(1) احتماله، وهو أنّ نصوص الباب مختصّة بالوكيل، ولا تشمل الموكّل، لتبادر العاقد من البيع، وإنّما نلتزم بثبوته للموكّل من جهة أنّ هذا الحقّ الثابت متعلّقٌ بالمال، فيتبعه في النقل والانتقال، وما تضمّنه النصوص يكون مغيّاً بالافتراق، وأمّا ما ثبت من الخارج فلاوجه لتقييده به، بل حيث أنّ الحقّ الثابت بعقد الوكيل يكون مغيّاً به، فيدور بقاء حقّ الوكيلين وثبوت حقّ الموكّل وبقائه مدار عدم تفرّق الوكيلين فقط.8.

ص: 40


1- جواهر الكلام: ج 23/8.

وفيه: ما تقدّم من أنّ ثبوت الحقّ للموكّل ليس إلّامن جهة صدق البيع عليه، وعليه فيعتبر فيه أيضاً الاجتماع، وإلّا فلا وجه لثبوته له، لأنّ الخيار متعلّق بالعقد لا بالمال، مع أنّه لو كان متعلّقاً به، لما كان وجه لثبوته للوكيل، بعد فرض كون ثبوته له من جهة صدق البيع عليه.

ودعوى: إنّ الموكّل كما أنّه بعقده يستفيد بإزاء ماله مِلْكاً وحقّاً، فكذا بتوكيله يستفيد ما كان له مباشرة.

مندفعة: بأنّ الموكّل إنّما يستفيد بإزاء ماله ملكاً من جهة كون المال له والبيع له، وهذا موجودٌ في بيع وكليه، وأمّا استفادته الحقّ ، فإنّما تكون لأجل بايعيّته وعاقديّته، وهذا العنوان مفقودٌ في فرض التوكيل على الفرض، فلا وجه لثبوته له.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1)، من أنّ المجلس لا عنوان له في الخيار، ولا اُنيط به الخيار، وإنّما العبرة ومدار الخيار على هيئة المتبايعين من النسبة والبعد حينما صارا متبايعين، فيحدث الخيار قائماً بهذه الهيئة، ويستمرّ ما استمرّت الهيئة، ويزول بزوال الهيئة بالافتراق، فإذا تعاقد الوكيلان وكان الموكّلان حينئذٍ على نسبة خاصّة من البعد، يثبت لهما الخيار متقوّماً بهذه الهيئة، دائماً بدوامها، ومنقطعاً بانقطاعها.

وفيه: ما تقدّم من أنّه من جعل هذا الخيار مغيّاً بالافتراق يعلم اعتبار الاجتماع في ثبوته، وأنّه لا خيار مع عدم الاجتماع، إذ لا تفرّق إلّابعد اجتماع. فراجع(2).

واستدلّ للثالث: بأنّه إذا كانت الوكالة منتهية ببيع الوكيل، كان اجتماعة.

ص: 41


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/8.
2- في الصفحة السابقة.

الوكيلين كاجتماع الأجنبيين، والمفروض عدم اجتماع الموكّلين، وحيث إنّه يعتبر في ثبوت هذا الخيار الاجتماع، فلا يكون ثابتاً لهما، وأمّا إذا كانت الوكالة باقية بعد البيع، وكان الوكيل وكيلاً مفوّضاً مستقلّاً، كان اجتماع الوكيلين اجتماعاً للموكّلين، لأنّهما بدنان تنزيليّان للموكّلين، فيثبت لهما الخيار وإنْ لم يكونا ببدنهما الحقيقين مجتمعين.

وفيه: إنّ الاجتماع كسائر الأفعال التي يكون قيامها بفاعلها على نحو الحلول كالفرح والسَّواد ونحوهما، لا يستندُ إلى شخصين طولاً، أحدهما المباشر، والآخر السبب، فكما لا يقال لسبب وجود الفرح في زيد أنّه الفرح، ولا لسبب وجود السواد في جسمٍ أنّه الأسود، بخلاف الأفعال التي يكون قيامها بفاعلها على نحو الإيجاد والإصدار كالتكلّم والوفاة والبيع ونحوها، فإنّها تستند إلى المباشر والسبب، ولذا يستعمل تارةً فيقال (اَللّهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (1) وأُخرى (قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ ) (2)، فكذلك لا يقال للموكّل السبب لاجتماع الوكيلين إنّه مجتمعٌ مع غيره، بل هو مجمعٌ لأحدهما مع الآخر.

وبالجملة: الاجتماع من الأفعال التي لا تُنسب إلى غير المباشر، فالصحيح ما ذكرناه.

تقدّم الفسخ على الإجازة

الفرع الثاني: ويدور البحث فيه عن أنّه لو ثبت الخيار للموكّل والوكيل، فَفَسخ أحدهما وأجاز الآخر:

ص: 42


1- سورة الزمر: الآية 42.
2- سورة السجدة: الآية 11.

هل يقدّم الفاسخ على المجيز، كما في مورد ثبوت الخيار للبائع والمشتري ؟

أم يكون إعمال السابق خياره نافذاً، ويسقط الخيار عن الباقي كما اختاره الشيخ رحمه الله(1)؟

وجهان، وغاية ما يمكن أنْ يقال في وجه ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أمران:

أحدهما: إنّ تقدّم الفاسخ على المجيز إنّما هو في فرض ثبوت الخيار لكلّ من الشخصين اللّذين لهما الخيار، كما في مورد الخيار من الجانبين، وفيما نحن فيه يكون الثابت خياراً واحداً قائماً بطبيعة البائع وطبيعة المشتري المنطبقة في كلّ جانبٍ على المتعدّد، فإذا سبق واحدٌ من أفراد الطبيعة إلى الإعمال فسخاً أو إمضاءاً، سقط خيار البقيّة، لأنّه يصدق أنّ الطبيعة فسخت أو اُبرمت بفسخ واحد منهما أو إجازته.

ثانيهما: إنّه وإنْ كان الثابت للموكّل والوكيل خيارين، إلّاأنّ الموكّل إذا أعمل خياره بإجازة أو فسخ، يكون ذلك فسخاً عمليّاً للوكالة، ومعه لا مورد لإعمال الموكّل خياره، لأنّ فعل الوكيل فعل للموكّل وإنْ لم يقصد الوكالة والنيابة، بل وإنْ قصد عدمها، كما لو باع الوكيل دار موكّله بعنوان الفضوليّة، وعليه فلا يبقى موردٌ لإعمال الموكّل خياره.

أقول: وفي كلا الوجهين نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ قوله عليه السلام: «البيّعان بالخيار»(2) كسائر القضايا الشرعيّة يكون من قبيل القضيّة الحقيقيّة المنحلّة إلى قضايا عديدة، حَسب ما للموضوع من1.

ص: 43


1- المكاسب: ج 5/31.
2- الكافي: ج 5/170 ح 5، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23011.

الأفراد الخارجيّة، ويثبت به لكلّ فردٍ من أفراد الموضوع حكمٌ واحد، غير ما هو الثابت لغيره من الأفراد، وعليه فكلّ من الموكّل والوكيل يثبت له خيار غير ما يكون للآخر.

وأمّا الثاني: فلأنّ الخيار الثابت للوكيل ليس ثابتاً له بعنوان الوكالة، بل بعنوان إنّه بائع، فاعماله خياره ليس إعمالاً للموكّل، مع أنّ فعل الموكّل يكون عزلاً للوكيل إذا كان منافياً مع بقاء الوكالة، وأمّا في مثل المقام فلا.

وبالجملة: فالأظهر أنّ المقام من موارد تقديم الفاسخ على المجيز.

بيان حقيقة تفرّق الموكّلين

الفرع الثالث: هل العبرة فيه بتفرّقهما عن مجلسهما حال العقد؟

أو عن مجلس العقد؟

أو بتفرّق المتعاقدين ؟

أو بتفرّق الجميع ؟

وجوهٌ ، قوّى الشيخ الأعظم رحمه الله(1) الوجه الأخير.

وأورد عليه السيّد في «الحاشية»(2): بأنّ الظاهر أنّ الحكم معلّق على صدق التفرّق، لا على صدق عدم التفرّق، والمفروض صدقه، وإنْ كان يصدق عدم التفرّق أيضاً مع بقاء أصيل أو وكيل، فيكفي في سقوط الخيار تفرّق أحد الشخصين الوكيل

ص: 44


1- المكاسب: ج 5/32.
2- حاشية المكاسب السيّد اليزدي: ج 2/6 (ط. ق).

أو الموكّل.

تحقيق القول في المقام: إنّ المستفاد من النصوص(1) كون شرط الخيار عدم التفرّق، وغاية ثبوته التفرّق، وهم نقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان، وعليه فإنْ كان الخيار ثابتاً لجنس البائع والمشتري، بلا نظر إلى الأفراد، كان الخيار ثابتاً ما لم يفترق الجميع عن الجميع، وان تفرّق البعض عن البعض، لأنّه لا يصدق افتراق الجنس وإنْ صدق افتراق بعض المصاديق.

وبالجملة: فما أفاده الشيخ رحمه الله متين، إلّاأنّه يرد عليه - مضافاً إلى ما تقدّم من منافاة المبني لظاهر القضيّة - أنّ لازم ذلك الالتزام بثبوت الخيار للموكّلين وإنْ لم يجتمعا، لصدق اجتماع الجنسين مع اجتماع الوكيلين، وإنْ قلنا بأنّ الخيار ثابتٌ للأفراد لا للجنس كما هو الحقّ ، فإمّا أنْ يكون مجلس الموكّلين غير مجلس الوكيلين، أو يكون مجلس الجميع واحداً.

فإنْ كان المجلس متعدّداً، يكون سقوط خيار كلّ من الصنفين تابعاً لتفرّقه، فلو تفرّق الوكيلان سقط خيارهما دون خيار الموكّلين، ولو انعكس الأمر انعكس.

وإنْ كان مجلس الجميع واحداً، وكان اجتماعهم للمعاملة اجتماعاً واحداً، لا محالة يكون لكلّ بائع مشتريان، ولكلّ مشترٍ بائعان، إذ مجموع الموكّل والوكيل بائعٌ ، كما أنّ مجموع الوكيل والموكّل مشترٍ.

وحينئذٍ لو تفرّق الموكّل والوكيل سقط الخيار.

وإنْ تفرّق الموكلّ من طرف أو هو مع الوكيل من الطرف الآخر، سقط خيار المتفرّق، وبقي خيار من لم يتفرّق، لأنّه يصدق عدم تفرّق البائع عن المشتري.5.

ص: 45


1- الكافي: ج 5/170، وسائل الشيعة: ج 18/5.

وبهذا يظهر ما في كلمات القوم في المقام، وأنّ هذا وجهٌ رابع لم يذكره الشيخ رحمه الله.

تفويض الأمر إلى الوكيل

الفرع الرابع: بناءً على ثبوت الخيار للموكّل هل له تفويض الأمر إلى الوكيل بحيث يصير ذا حقّ خياري ؟

قوّى الشيخ رحمه الله العدم(1)، لأنّ المتيقّن من الدليل ثبوته للعاقد عند العقد، لا لحوقه له بعده.

وقد أورد عليه جُلّ المحشين(2): بأنّ ما ذكره الشيخ رحمه الله علّة للعدم غير مرتبط بدعواه، إذ لا يراد إثبات الخيار للوكيل بأدلّته كي يقال إنّ متيقّن الأدلّة ثبوت الخيار فيما ثبت من حال العقد، وإنّما يراد إثبات الخيار له حتّى ينتقل من الموكّل، وخيار الموكّل ثابتٌ من حيث العقد.

أقول: تحقيق الكلام في هذا الأمر يستدعي البحث في مقامين:

الأوّل: في صحّة نقل الخيار إلى الوكيل وعدمها.

الثاني: في بيان مراد الشيخ رحمه الله.

أمّا المقام الأوّل: فالأظهر صحّة النقل، لكن لا بمعنى التوكيل في الفسخ والإمضاء، لأنّ ذلك ممّا لا كلام في صحّته، وأيضاً لا بمعنى جعل حقّه الثابت له شرعاً لغيره ابتداءً ، إذ هذا ممّا لا كلام في عدم صحّته، لأنّ أمر الجعل بيده، بل بمعنى

ص: 46


1- المكاسب: ج 5/32.
2- حاشية المكاسب للإيرواني: ج 2/8.

نقل حقّه إليه بناقل، لأنّه بعد القطع بأنّه قابلٌ للإسقاط كما يأتي تفصيله، فإنّ مقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) جواز نقله ونفوذ العقد الواقع عليه.

استدلّ المحقّق الاصفهاني رحمه الله(2): لعدم جواز نقله بأنّ حقّ خيار المجلس حيث إنّه مغيّى بالافتراق، فثبوته مع عدم لحاظ الغاية منافٍ لفرض كونه مغيّا، وثبوته إلى افتراق المنقول إليه عن طرفه بلا وجه، لأنّ افتراق المنقول إليه ليس مقابلاً للاجتماع على المعاملة المستفادة من الغاية، وثبوته للمنقول إليه إلى حصول الافتراق من الناقل خلاف ظاهر النَّص، لأنّ ظاهره استمرار الخيار إلى افتراق ذي الحقّ عن طرفه، والناقل ليس له حقّ حتّى يمتدّ الخيار إلى زمان افتراقه.

وفيه: إنّا نختار الشقّ الأخير، وما ذكره يردّه أنّ الافتراق قيد للموضوع، وهو مركّبٌ من أمرين: كونه بيعاً، ومجتمعاً مع طرفه، والمنقول إنّما هو الحكم الثابت لهذا الموضوع بلا تصرّف فيه، فما دام بقاء هذا الموضوع يكون الخيار المنقول ثابتاً للمنقول إليه، فإذا ارتفع الموضوع بارتفاع أحد جزئيه، سقط الخيار عن المنقول إليه.

وأمّا المقام الثاني: فالظاهر أنّ مراد الشيخ رحمه الله ليس نقل الخيار إلى الوكيل، بل ليس هذا مورد كلامه، وإنّما محلّ كلامه إثبات خيار آخر للوكيل غير خيار الموكّل فيما إذا فوّض الموكّل أمر المال إليه بعد العقد.

توضيح ذلك: ذكر الشيخ رحمه الله سابقاً أنّه يعتبر في ثبوت الخيار أمران:

الأوّل: صدق البيع.2.

ص: 47


1- سورة المائدة الآية: 1.
2- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/72.

الثاني: تسلّطه على ما انتقل إليه.

أقول: فرض الشيخ رحمه الله(1) في هذه المسألة ما لو كان وكيلاً تنتهي وكالته بالعقد، فلا خيار له في نفسه، وإنّما الكلام في أنّه إذا فوّض الموكّل أمر المال بعد البيع إليه قبل التفرّق، هل يثبت له الخيار نظراً إلى تحقّق كلا القيدين، أم لا؟

وقد اختار عدمه من جهة أنّ ظاهر الأدلّة أو متيقّنها ثبوت الخيار من حين العقد، وهذا الوكيل حين العقد لم يكن مسلّطاً على ما انتقل إليه، فلم يكن الخيار ثابتاً له، فبعد ما صار مسلّطاً عليه لا يثبت له الخيار.

وعلى هذا فما أفاده متينٌ ولا يرد عليه إيراد المحشين، والشاهد على أنّ مراده ذلك - مضافاً إلى ظهور كلامه فيه - ان مسألة نقل الخيار بحث عام غير مرتبط بالوكالة والوكيل، والأجنبي فيه سواء، ولا وجه لجعله في ذيل هذه المسألة.

***2.

ص: 48


1- المكاسب: ج 5/32.

ثبوت الخيار للفضولي

المسألة الثانية: إذا كان العاقدان فضوليّين، فهل يثبت الخيار لهما أو للماليكن ؟

أقول: حقّ القول في المسألة يتحقّق بالبحث في مقامين:

الأوّل: في ثبوت الخيار للفضوليّين وعدمه.

الثاني: في ثبوته للمالكين مع الإجازة.

أمّا المقام الأوّل: فتقريب ثبوته - بعد صدق البيع على الفضولي - هو أنّ الخيار ملك حَلّ العقد، لا ملك استرجاع العين، وموضوعه العقد الأعمّ من المؤثّر الفعلي والاقتضائي، كما يشهد لكلا الأمرين ثبوت الخيار في الصّرف والسّلم قبل القبض، وعلى ذلك فمقتضى إطلاق الأدلّة ثبوت الخيار لهما.

واستدلّ الشيخ رحمه الله(1) لعدم ثبوته: بفحوى ما تقدّم من عدم ثبوته للوكيلين غير المستقلّين.

وفيه: إنّ بعض ما ذكره وجهاً لعدم ثبوته لهما - وهو أنّ المتبادر من النَّص غيره - لايجري في المقام، بعد اعترافه بصدق المتبايعين عليهما، كما أنّ بعضه الآخر كعدم تسلّط العاقد على ما انتقل إليه بعينه يجري فيه، فلا وجه لدعوى الأولويّة.

ولكن حيث عرفت أنّ الوجه في عدم ثبوت الخيار للوكيل، عدم صدق البيع عليه، فعلى فرض تسليم صدقه على الفضولي يتعيّن البناء على ثبوت الخيار له.

وأمّا المقام الثاني: فالأقوال فيه أربعة:

ص: 49


1- المكاسب: ج 5/33.

أحدها: ما مال إليه الشيخ رحمه الله(1)، وهو ثبوت الخيار للمالكين مع حضور مجلس العقد، أو مجلس الإجازة على القول بالنقل.

ثانيها: ما اختاره المحقّق الاصفهاني(2)، وهو عدم ثبوت الخيار لهما مطلقاً.

ثالثها: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(3)، وهو الثبوت لو أجازا في مجلس العقد، وعدم الثبوت لو أجازا في مجلسٍ آخر.

رابعها: الثبوت مع حضور مجلس العقد، أو مجلس الإجازة مطلقاً، أي حتّى على القول بالكشف.

واستدلّ لعدم الثبوت مطلقاً: بأنّ موضوع الخيار هو البيع، وهو لا يصدق إلّا على من صدر عنه البيع - إمّا بالمباشرة أو بالتسبيب - ومجرّد الإجازة لا يُصحّح الانتساب المذكور، وليست الإجازة محقّقة للقيام بأحد الوجهين، وإنْ صار البيع بيعه بالإجازة، إلّاأنّه ليس بائعه، ولا يقال إنّه باعه.

وفيه: إنْ قلنا بأنّ حقيقة الإنشاء هي الإيجاد، تمّ ما أفاده، وأمّا بناءً على ما اخترناه من أنّ الإنشاء عبارة عن إبراز أمر نفساني من اعتبار ونحوه فلا يتمّ ، إذ المجيز حينما يُجيز تعتبر ملكيّة طرفه لما له في مقابل ملكيّة ماله له، ويُبرز ذلك بالإجازة، فهو يصبح حين الإجازة بائعاً حقيقة.

واستدلّ المحقّق النائيني رحمه الله(4): لما ذهب إليه من عدم الثبوت إذا لم يحضرا0.

ص: 50


1- المكاسب: ج 5/34.
2- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/73.
3- منية الطالب: ج 3/29.
4- منية الطالب: ج 3/29-30.

مجلس العقد، بأنّه يحتمل دخل خصوصيّة الاجتماع حال العقد، ولا دافع لهذا الاحتمال، وإطلاق «البيّعان بالخيار» ليس بصدد البيان من هذه الجهة.

وفيه: إنّ قوله عليه السلام: «البيّعان بالخيار» يُثبت الخيار لكلّ مَنْ صَدق عليه البيع، وكان مجتمعاً حين صدق هذا العنوان عليه مع طرفه، واحتمال دخل الخصوصيّة المشار إليها يُدفع بالإطلاق.

ودعوى عدم كونه بصدد البيان من هذه الجهة، كما ترى .

وبالجملة: الحقّ ثبوت الخيار لهما في صورة الاجتماع مع المجيز الآخر، إمّا في مجلس العقد أو مجلسٍ آخر حين الإجازة.

وأخيراً: ما ذكره الشيخ رحمه الله من الاختصاص بالقول بالنقل لا وجه له، فإنّه لا فرق بين القولين سوى حصول الملكيّة من حيث العقد على القول بالكشف، وهذا غير دخيل في الخيار، ولذا يثبت الخيار في بيع الصَّرف والسَّلم، مع عدم حصول الملك قبل القبض.

وعليه، فالأظهر هو القول الرابع.

***

ص: 51

إذا كان العاقد واحداً

المسألة الثالثة: لو كان العاقد واحداً لنفسه أو غيره عن نفسه، أو غيره ولايةً أو وكالة، فالمحكيّ عن ظاهر «الخلاف»(1)، والقاضي(2)، والمحقّق(3)، والمصنّف(4)، والشهيدين(5)، والمحقّق الثاني(6) وغيرهم(7) ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين، لأنّه بائعٌ ومشترٍ، فله ما لكلّ منهما.

أقول: ولكن قد ذكر في وجه عدم ثبوت الخيار له من ناحيتين:

الأُولى : من ناحية تثنية موضوع الخيار.

الثانية: من ناحية الغاية وهي الإفتراق.

أمّا من الناحية الأُولى : فتقريبه أنّ الموضوع هو (البيّعان)، وهذا اللّفظ ظاهرٌ في التعدّد، ولا يشمل ما إذا كان البائع والمشتري واحداً.

وفيه: إنّ التثنية في المقام باعتبار العنوان - أي البائع والمشتري - لا الأفراد، والعنوان في المقام هو المتعدّد.

وبعبارة أُخرى : هذه قضيّة حقيقيّة ومتضمّنة لثبوت الخيار على كلّ فردٍ صدق

ص: 52


1- الخلاف: ج 3/8.
2- حكاه عنه الشيخ الأنصاري في المكاسب: ج 5/35.
3- شرائع الإسلام: ج 2/276.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/265 (ط. ق).
5- الدروس: ج 3/265، مسالك الأفهام: ج 3/197.
6- جامع المقاصد: ج 4/285.
7- حكاه الشيخ الأنصاري في المكاسب: ج 5/35 عن الميسي والصيمري.

عليه عنوان البائع أو المشتري، والعاقد في المقام يكون مجمع العنوانين، فيثبت له الخيار.

وأمّا من الناحية الثانية: فتقريبه من وجوه:

الوجه الأوّل: ما عن المحقّق الخراساني رحمه الله(1) من أنّ الافتراق المجعول غايةً ، ومقابله الذي هو قيد للموضوع، من قبيل العدم والملكة، والشخص الواحد غيرُ قابلٍ لعروض الافتراق عليه، فيكون خارجاً عن مورد الحكم.

وفيه: إنّ الافتراق ليس عبارةً عن عدم الاجتماع، كي يكون هو ومايقابله من قبيل العدم والملكة، بل الافتراق وعدمه من قبيل السَّلب والإيجاب، لايُعقل ارتفاعهما.

ولعلّه إلى ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله نظر المحقّق النائيني رحمه الله(2)، حيث قال:

(إنّ قوله عليه السلام: «ما لم يفترقا» قيدٌ للموضوع، فيختصّ الخيار بموردٍ يمكن فيه الافتراق والاجتماع).

الوجه الثاني: أنّ الغاية لابدَّ وأن تكون أمراً ممكناً، وإلّا لا معنى لجعله غاية، وحيث أنّ التفرّق في شخصٍ واحد غير معقول، وظاهر النَّص كون الغاية غايةً في كلّ موردٍ يثبت الخيار، فيختصّ الخيار بمورد تعدّد البائع والمشتري المعقول فيه التفرّق.

وفيه: إنّ عدم صحّة جعل أمر غير معقولٍ غايةً ، إنّما يكون من جهة اللّغوية، وعليه فإذا أمكن تحقّق الغاية في موردٍ ولم يمكن في مورد آخر، صَحَّ جعل الحكم بنحو الإطلاق، وجعل ذلك الشيء غايةً ، كما أنّ الأمر كذلك في شرائط الموضوع0.

ص: 53


1- كفاية الأحكام: ص 91.
2- منية الطالب: ج 3/30.

وقيوده. لاحظ الاستطاعة المجعولة قيداً لوجوب الحج.

الوجه الثالث: إنّ الغاية قيد للحكم، فالحكم هو الخيار المقيّد بما قبل الافتراق، أي الخيار الملحوق بالافتراق، فإذا لم يمكن الافتراق لم يكن الخيار ثابتاً.

وفيه: إنّ الغاية ما ينتهي عنده الحكم، لا أنّها مقيّدة للحكم.

وعليه، فالأظهر ثبوت الخيار له من الجانبين.

أقول: قد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لو قلنا بالخيار، فإنّه يضلّ باقياً إلى أن يسقط بأحد المسقطات.

وفي حاشية السيّد رحمه الله(1): يمكن أنْ يقال: يبقى إلى مقدار طول مجلس نوع المتعاقدين، بمعنى مقدار أطول المجالس أو أوسطها.

وفيه: إنّ الافتراق لم يُجعل غايةً من جهة كونه طريقاً إلى مقدارٍ من الزمان كي يجري فيه ذلك، بل الظاهر من النَّص دخله من حيث هو.

وعليه، فالأظهر بقاؤه إلى أن يسقط بأحد المسقطات.

***6.

ص: 54


1- حاشية المكاسب للسيّد اليزدي: ج 2/6.

استثناء من ينعتق على أحد المتبايعين

المسألة الرابعة: يدور البحث فيها عن الأشخاص اللَّذين يستثنون من عموم ثبوت هذا الخيار:

المورد الأوّل: يُستثنى بعد تشخّص من ينعتق على أحد المتبايعين.

أقول: والوجوه بل الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:

أحدها: الثبوت مطلقاً.

ثانيها: ما هو المشهور بين الأصحاب(1)، وهو العدم كذلك.

ثالثها: ما احتمله في محكي «الدروس»(2)، وهو التفصيل بين البائع والمشتري، والثبوت للأوّل.

والتحقيق: الكلام في المقام مبنيٌّ على عدم توقّف المِلْك على انقضاء الخيار، وإلّا فلا إشكال في ثبوت الخيار، كما أنّه ينبغي نفي الإشكال عن عدم الثبوت، بناءً على عدم دخول من ينعتق على شخصٍ في ملكه، إذ المعاملة حينئذٍ:

1 - إمّا أن تكون استنقاذاً محضاً كاشتراء المسلم الأسير من الكافر.

2 - أو وإنْ كانت معاملة عقلائيّة متضمّنة للتمليك، إلّاأنّ الشارع الأقدس لم يُمضها، وحكم بعدم انتقاله إلى المشتري، وصيرورته منعتقاً.

3 - أو أنّ البيع في الفرض ليس تمليكاً، بل الإعطاء بعوض الذي هو حقيقة البيع وأثره في مثل هذا البيع أي الانعتاق، ففي الحقيقة يكون المال بإزاء الانعتاق.

ص: 55


1- الحدائق الناضرة: ج 19/16.
2- الدروس: ج 3/266.

وعلى جميع التقادير لا وجه لثبوت الخيار:

أمّا على الأوّل: فلأنّه لا يصدق على المتعاقدين (البيّعان).

وأمّا على الثاني: فلأنّ الخيار حكمٌ شرعي ثابتٌ للبيع الصحيح، وهذا البيع على الفرض ليس كذلك.

وأمّا على الثالث: فلأنّ الالتزام المزبور غير قابلٍ للفسخ، للإجماع على عدم رجوع الحُرّ عبداً.

أقول: الكلام فيما لو بنينا على عدم توقّف الملك على انقضاء الخيار، وانتقال من ينعتق إلى من ينعتق عليه ثمّ انعتاقه، والكلام فيه يقع في جهتين.

الأُولى : في وجود ما يقتضي الخيار، بمعنى شمول أدلّة الخيار له.

الثانية: في أنّه على فرض الشمول في نفسه، هل هناك ما يمنع عن ثبوته أم لا؟

أمّا الجهة الأُولى : فقد استدلّ المحقّق الايرواني رحمه الله(1) لعدم المقتضي، بأنّ المستفاد من دليل الخيار، تقوّم حقّ الخيار بقيام العوضين، إمّا بتعلّق الحقّ به ابتداءً ، وإنْ كان الحقّ قائماً بالعقد، لكن ذلك لغرض استرجاع العوضين، فلا يكون حيث لا يكون العوضان قائمين.

وفيه: إنّ حقّ الخيار متعلّق بالعقد، والمراد من كون الغرض استرجاع العوضين إنْ كان هو غرض من له الخيار، فيرد عليه أنّ ذلك ليس قيداً للخيار، وإنْ كان غرض الشارع، فيرد عليه أنّه غير ثابت.

وبالجملة: فالحقّ ثبوت المقتضى له.9.

ص: 56


1- حاشية المكاسب: ج 2/9.

وأمّا الجهة الثانية: فقد استدلّ لوجود المانع عن ثبوته بوجوهٍ :

الوجه الأوّل: ما عن المصنّف رحمه الله(1)، من أنّه لا خيار لمن انتقل إليه، لأنّه وطّن نفسه على الغبن المالي، والمقصود من الخيار أن ينظر ويتروّى لدفع الغبن عن نفسه، ولا لمن انتقل، عنه لتغليب جانب العتق.

وفيه: إنّ المشتري وطّن نفسه على انعتاق من يشتريه بإزاء قيمته الواقعيّة، لا على الغبن من حيث المعاملة، وتغليب جانب العتق إنّما يقتضي عدم رجوع الحُرّ عبداً. ولا كلام في ذلك، وإنّما محلّ الكلام الرجوع إلى قيمته.

الوجه الثاني: إنّ ثبوت الخيار أو سقوطه إنّما هو بعد تحقّق القبض من المشتري، ثمّ دعوى الرجوع إلى القيمة لثبوت الخيار، وامتناع تعلّقه بالعين أو سقوطه.

وعليه، فحيث أنّ البيع إتلافٌ للمبيع، وموجبٌ لخروجه عن الماليّة، فلا يتحقّق القبض، فلا مورد لثبوت الخيار أو سقوطه.

وفيه: إنّ القبض المعتبر في البيع المترتّبة عليه الآثار، ليس هو القبض الخارجي، بل عبارة عن رفع اليد عنه، وجعله تحت سلطانه ويده، وعليه فنفس انعتاقه عليه إقباضٌ ، ولولا ذلك لابدَّ وأنْ يكون التلف من مال البائع، ولا يستحقّ شيئاً من الثمن والقيمة. وهذا ممّا لم يقل به أحد.

الوجه الثالث: ما أفاده الشيخ رحمه الله(2) من أنّ البائع والمشتري قد تواطئا على إخراجه عن الماليّة الذي هو بمنزلة إتلافه، وسيجيء سقوط الخيار بالإتلاف، بل بأدنى تصرّفٍ ، فعدم ثبوته به أولى .9.

ص: 57


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/516 (ط. ق).
2- المكاسب: ج 5/39.

وفيه: إنّ سقوط الخيار بالتصرّف والإتلاف، ليس من الأُمور البرهانيّة، حتّى يكون ما ذكر وجهاً له جارياً في المقام، بل إنّما هو من جهة ما في نصوص(1) خيار الحيوان من التعليل بكون ذلك رضاً منه بالبيع، فلابدَّ من الاقتصار على التصرّفات الكاشفة نوعاً عن الرضا بالبيع، وهذا يختصّ بما إذا كان التصرّف وارداً على ملكه، ولا يجري في التصرّف قبله أو حينه كما لا يخفى .

وإنْ شئت قلت: إنّ الأولويّة ممنوعة، لأنّ سقوط الخيار بإتلاف المشتري ماله الذي له فيه الخيار، لا يقتضي عدم ثبوته له بإتلافه مال الغير، فإنّ العبد إنّما يخرج عن الماليّة بقبول المشتري العقد الواقع عليه، مع أنّ البيع ليس إتلافاً للمبيع، بل إنّما يكون البيع إقداماً على إيجاد الملكيّة، والانعتاق حكمٌ شرعي مترتّب عليه قهراً.

وبالجملة: الأظهر ثبوت الخيار.

أقول: ولصاحب «المقابيس»(2) كلامٌ في المقام لا بأس بنقله، وحاصله:

1 - إنْ قلنا بأنّ الخيار والانعتاق معلولان للبيع في عرض واحد، أو معلولان للملك المعلول له، أو أنّ الخيار معلولٌ للملك، والانعتاق معلولٌ للبيع، يقوى القول بعدم ثبوت الخيار.

أمّا على الأخير فلسبق الانعتاق على الخيار.

وأمّا على الأولين: فلأنصيّة أخبار العتق.

ولا يتوهّم إمكان الجمع بالرجوع إلى القيمة، لأنّها بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل.0.

ص: 58


1- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.
2- مقابس الأنوار: ص 240.

ثمّ احتمل قريباً ثبوت الخيار، وذكر في وجهه وجوهاً:

أحدها: إنّه جمعٌ بين الحقّين.

ثانيهما: إنّ التعارض بين النصّين إنّما يكون بالنسبة إلى نفس العين، وأمّا بالنسبة إلى القيمة فلا منافاة أصلاً، بل هو عملٌ بالنصين، ومقتضى ذلك الرجوع إلى القيمة، للإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن الثمن وعن قيمة المبيع.

ثالثها: تنزيل الفسخ منزلة الأرش، فكما أنّ الانعتاق لا يوجب سقوط حقّ المشتري من الأرش إذا ظهر المبيع معيباً، فكذا لا يوجب سقوط حقّ البائع بالنسبة إلى القيمة لعدم التنافي بينهما.

2 - وأمّا لو قلنا بأنّ الخيار معلولٌ للبيع، والانعتاق معلولٌ للملك المعلول له، فيقوى القول بثبوت الخيار لسبق تعلّق حقّ الخيار.

ثمّ اختار هو قدس سره الأخير.

أقول: وفي كلامه مواقع للنظر:

الأوّل: ما ذكره من أنصيّة أخبار العتق في وجه السقوط.

فإنّه يرد عليه: أنّ الأنصيّة لا تنافي ثبوت الخيار بالنسبة إلى القيمة، وما ذكره من امتناع استحقاقها من دون المبدل لا يرجع إلى محصّل، إذ المفروض حصول المُبدَل - وهو العين - في ملكه، والتلف عليه. مع أنّ تعارض أخبار الانعتاق(1)وأخبار الخيار(2) ليس من باب تعارض الدليلين، بل من باب تزاحم الحقّين، فأنصيّة أحدهما غير مفيدة.ر.

ص: 59


1- الكافي: ج 6/177 كتاب العتق والتدبير، وسائل الشيعة: ج 23/18 الباب 7 من كتاب العتق.
2- الكافي: ج 5/170، وسائل الشيعة: ج 18/5 ب 1 من أبواب الخيار.

الثاني: ما ذكره من الإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضين.

فإنّه يرد عليه: أنّه على فرض الفسخ بالخيار، لا تزول يد البائع عنهما، إذ مع الفسخ يأخذ القيمة.

الثالث: ما ذكره من تنزيل الفسخ منزلة الأرش.

فإنّه يرد عليه: إنّ عدم مانعيّة الانعتاق من أخذ الأرش، إنّما هو من جهة عدم منافاة دليل الأرش لدليل الانعتاق، بخلاف المقام كما لا يخفى .

شراء المسلم العبد من الكافر

المورد الثاني: ويدور البحث عن قيام المسلم بشراء العبد من الكافر، فإنّ الأقوال والوجوه في هذا المورد أربعة:

أحدها: عدم ثبوت الخيار مطلقاً.

ثانيها: الثبوت مطلقاً ورجوع العبد نفسه.

ثالثها: الثبوت مطلقاً، وتقدير ملك الكافر للمسلم بعد الفسخ بمقدار ما يستحقّ به البدل، اختاره الشيخ رحمه الله(1).

رابعها: التفصيل بين البائع و المشتري، وثبوت الخيار للثاني دون الأوّل، وثبوت الخيار للمشتري إمّا بإرجاع العبد نفسه أو قيمته.

و قد استدلّ للأوّل: بأنّ الكافر لا يملك المسلم، وبمجرّد الإسلام يخرج عن ملكه، وإنّما كان له حقّ في قيمة من تملّكه كإرث الزوجة من العقار، فتكون المعاملة

ص: 60


1- المكاسب: ج 5/44.

عليه حينئذٍ بتملّك المسلم إيّاه بقيمته، واستيفاء الكافر لثمن العبد عليه، فليست هي بيعاً، فلا تشملها أدلّة الخيار.

وفيه: إنّه لا دليل على خروج العبد بمجرّد الإسلام عن ملك مالكه، وآية نفي السبيل(1) لا تدلّ على ذلك، لأنّ الملكيّة التي يكون صاحبها محجوراً عن التصرّف في المملوك لا تعدّ سبيلاً، مع أنّ ما دلَّ على أنّه يُجبر على البيع(2) يدلّ على بقاء الملكيّة.

واستدلّ للثاني: بما عن المصنّف في «القواعد»(3) من خروج الملك القهري كالإرث عمّا دلَّ على أنّ الكافر لا يملك المسلم، والملك العائد بحلّ العقد قهريٌ لا تملّك ابتدائي بالاختيار.

وفيه: إنّ ذلك يتمّ بالنسبة إلى فسخ المشتري دون فسخ البائع، فإنّ التملّك حينئذٍ باختياره. وبه يظهر مدرك القول الرابع.

واستدلّ للثالث: بأنّ ثبوت الملكيّة للكافر بمقدار يثبت عليه بدله، لا يعدّ سبيلاً للكافر على المسلم.

وفيه: إنّ الملكيّة الحقيقيّة في ذلك المقدار من الزمان وإنْ لم تكن سبيلاً، إلّاأنّها في الزمان الطويل مع محجوريّة التصرّف، ولزوم البيع عليه أيضاً لا تعدّ سبيلاً.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الرابع، بعد البناء على عدم تملّك الكافر للمسلم اختياراً على ما هو المفروض في عنوان المسألة. وتقدّم تحقيقه في هذا الشرح(4).3.

ص: 61


1- سورة النساء: الآية 141.
2- الكافي: ج 7/432 ح 19، وسائل الشيعة: ج 23/109 باب 73 باب أنّ عبد الذّمي إذا أسلم تعيّن بيعه من مسلم.
3- قواعد الأحكام: ج 2/17-18.
4- فقه الصادق: ج 22/73.

شراء العبد نفسه

المورد الثالث: شراء العبد نفسه بناءً على جوازه كما عن «التذكرة»(1).

أقول: المفروض في هذه المسألة هو شراء العبد نفسه من مولاه لنفسه، وذلك:

إمّا بالشراء بمالٍ في ذمّته.

أو بمالٍ شخصي خارجي، مع عدم كون ماله لمولاه.

أو بمالٍ غيره، بناءً على ما هو الحقّ من جواز شراء شيء لشخص بمالٍ آخر كما تقدّم تحقيقه.

وقد ذهب الشيخ رحمه الله(2) عدم الثبوت الخيار، ولو بالنسبة إلى القيمة، وعلّله بقوله: (لعدم شمول أدلّة الخيار له).

وفيه: إنّ وجه عدم الشمول:

إنْ كان لعدم عود الحُرّ رقّاً.

فيرد عليه: أنّ ما ذكره في وجه عود القيمة في بيع من ينعتق عليه يجري في المقام أيضاً.

وإنْ كان هو ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(3) من أنّ ملك الشخص لنفسه ليس إلّا عين الحُريّة، فيكون بيع العبد لنفسه عباره أُخرى عن العتق، ومن المعلوم عدم جريان الخيار في العتق.

ص: 62


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/516 (ط. ق).
2- المكاسب: ج 5/45.
3- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/10.

فيرد عليه: أنّ بيع العبد لنفسه بيعٌ حقيقة، وأثره الانعتاق على ما تقدّم تحقيقه في أوّل مبحث البيع عند بيان حقيقته(1)، فلا محذور في ثبوت الخيار فيه.

وفيها: أيضاً - أي في «التذكرة»(2) - أنّه لو اشترى جَمْداً في شدّة الحَرّ ففي الخيار إشكال.

وجّه المحقّق الثاني رحمه الله(3) الإشكال: بأنّ كون المبيع تالفاً شيئاً فشيئاً مانع عن إعمال الخيار فيه.

ثمّ أورد عليه: بأنّ الخيار لا يسقط بالتلف.

ووجّه الشيخ رحمه الله(4) الإشكال: باحتمال اعتبار قابليّة العين للبقاء بعد العقد في تعلّق الخيار بها.

توضيحه: إنّ التلف ربما يكون متأخّراً عن ثبوت الخيار، وربما يكون مقارناً للخيار المترتّب عليه العقد، وما ذكروه من أنّه لا يسقط الخيار بالتلف، يكون المراد به التلف المتأخّر عن التلف المقارن كما في المقام.

وفيه: إنّه لا دليل على اعتبار عدم التلف في ثبوت الخيار.

وجّه المحقّق النائيني رحمه الله(5) الإشكال: بأنّ مورد خيار المجلس هو البيع الذي لم يكن بناء المتعاقدين على الاعراض عن العوضين، ومع علمهما بأنّ المال بمجرّد البيع يخرج عن الماليّة إمّا شرعاً أو عادةً كما في المثال، يكون قد أقدما على ذهاب مالهما.8.

ص: 63


1- فقه الصادق: ج 22/236.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/516 (ط. ق).
3- جامع المقاصد: ج 4/287.
4- المكاسب: ج 5/45.
5- منية الطالب: ج 3/38.

وفيه: إنّ البيع ليس إقداماً على ذهاب المال، بل هو يذهب سواءً باعا أم لا، والبيع إنّما يكون إقداماً على الملكيّة، والمتلف إنّما هو شدّة الحَرّ.

وعليه، فالأظهر ثبوت الخيار فيه.

***

ص: 64

ولا يثبتُ في غير البيع.

اختصاص خيار المجلس بالبيع

المسألة الخامسة: (ولا يثبت) خيار المجلس (في) شيءٍ من العقود (غير البيع) عند علمائنا، كما عن «التذكرة»(1).

أقول: والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين.

الأوّل: في العقود اللّازمة.

الثاني: في العقود الجائزة.

أمّا المقام الأوّل: فالأظهر عدم ثبوت الخيار فيها، لعدم المقتضي له، فإنّ الأدلّة مختصّة بالبيع، والمناط غير معلوم كي يتعدّى عنه إلى غيره.

ولا يقاس ذلك بالأحكام الثابتة للبيع على القاعدة كخيار العيب، فإنّ نفس ما يدلّ على ثبوته في البيع - وهو الاشتراط الضمني الذي بناء كل عاقد عليه - يدلّ على ثبوته في غيره. وهذا بخلاف هذا الخيار، فإنّ جعله تعبّدٌ صرف، فلا يتعدّى منه إلى غيره.

وأمّا المقام الثاني: فقد استدلّ لعدم ثبوت الخيار في العقود الجائزة - مضافاً إلى عدم المقتضى - بوجود المانع، وتقريبه من وجهين:

أحدهما: عدم المعقوليّة، بدعوى أنّ الخيار ذاتي لها، فما معنى جعل الخيار؟

ص: 65


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/516 (ط. ق).

وفيه: إنّه بعد شمول دليل الخيار لها، يكون الخيار ثابتاً من جهتين: ذاتيّة وعرضيّة، كالخيارات المتعدّدة العرضيّة.

وإنْ شئت قلت: إنّ الخيار الذّاتي أيضاً يكون بجعلٍ من الشارع، فكلاهما مجعولان، ولا أولويّة لأحدهما على الآخر كي يلتزم بثبوته دونه.

ثانيهما: لزوم اللّغوية من جعله.

وفيه: إنّ للخيار آثار أو فوائد، وعدم أولويّة أحدهما على الآخر لا معنى له، لكون خيار المجلس لغواً دون الجواز. مع أنّه على القول بعدم جواز تصرّف غير ذي الخيار في زمان الخيار، عدم اللّغوية واضح، فإنّ ذلك أثر الخيار الحقّي خاصّة.

فالوجه في عدم ثبوته فيها عدم المقتضى أيضاً.

***

ص: 66

مبدأ خيار المجلس

المسألة السادسة: لا خلاف ولا إشكال في أنّ مبدأ هذا الخيار من حين العقد، إذا ظاهر الأخبار أنّ البيع علّة تامّة.

وهل يشمل الحكم عقدي الصّرف والسَّلم قبل القبض ؟ فيه إشكال من جهتين:

الأُولى : في أنّه هل يجب التقابض في المجلس أم لا؟

الثانية: في جريان الخيار فيهما على كلٍّ من القولين.

أمّا الجهة الأُولى : فقد استدلّ لوجوب التقابض بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن المصنّف قدس سره(1)، من التحفّظ على عدم صيرورة المعاملة ربويّة.

وتوضيحه: إنّه إذا كان العوضان من جنسٍ واحد، وحصل القبض من جانبٍ واحد قبل الافتراق، تصبح المعاملة كالنسيئة مع المساواة ذا مدّة وأجل، فتكون به ربويّة، لأنّ للأجل قسطاً من الثمن.

وفيه: إنّ عدم اشتراط التأخير لا تكون ربويّة، ومجرّد وجود الشبه بينه وبين الرّبا لا يوجب البطلان، مع أنّ هذا الوجه لو تمّ لدلّ على وجوب القبض شرطاً لا وجوبه مولويّاً، مع أنّه لو تمّ لدلّ على وجوب القبض بعد قبض أحدهما حقّه.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(2)، من الاستدلال بآية وجوب الوفاءبالعقد(3)

ص: 67


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/511 (ط. ق).
2- المكاسب: ج 5/49.
3- سورة المائدة: الآية 2.

بدعوى أنّ للعقد بنفسه آثاراً مع قطع النظر عن ملكيّته، ويجب ترتيبها ولو قبل حصول الملكيّة، ومنها الإقباض في المقام.

وفيه: إنّه إنْ قلنا بأنّ معنى الآية الشريفة هو لزوم إبقاء العقد على حاله، وإتمامه بعدم فسخه وحَلّه كما قوّينا، فعدم دلالة الآية حينئذٍ على وجوب التقابض واضح، بل تكون حينئذٍ إرشاداً إلى اللّزوم.

وإنْ قلنا: بأنّ معناها هو ترتيب آثار العقد، كما عن الشيخ رحمه الله، فمعناها ترتيب الآثار التي التزما به، ومن المعلوم أنّ ما التزما به هو إقباض كلٍّ منهما على فرض إقباض الآخر لا مطلقاً، فلا تدلّ على لزوم التقابض، ولا ينتقض بلزوم إقباض كلّ منهما في سائر البيوع، فإنّ فيها إنّما يجب الإقباض، من جهة تأثير البيع في الملكيّة، ويجب رَدّ المال إلى صاحبه، وهذا بخلاف باب الصرف.

أقول: وأمّا ما أورده السيّد الفقيه(1) وتبعه المحقّق الايرواني(2) عليه، بأنّ بيع الصرف لا أثر له إلّابعد التقابض، فلا يجب الوفاء به إلّابعده.

فيرد عليه: أنّ للعقد مرحلة، ولتأثيره في المِلْك مرحلة أُخرى ، ولكلّ منهما آثار، فإذا كان التقابض من آثار العقد، وجب ترتيبه على هذا العقد، وإنْ لم يحصل الملك.

الوجه الثالث: النصوص(3) المتضمّنة للأمر بالتقابض، والنهي عن البيع إلّا يداً بيد.

وفيه: إنّ تلك الأوامر والنواهي تعدّ إرشاداً إلى شرطيّة التقابض، لصحّة العقدف.

ص: 68


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/8.
2- حاشية المكاسب للإيرواني: ج 2/10.
3- الكافي: ج 5/252 ح 32، وسائل الشيعة: ج 18/167 ب 2 من أبواب الصرف.

وتأثيره في الملك، وبعيدة عن المولويّة، لما حُقّق في محلّه من ظهور الأوامر والنواهي في المعاملات في الإرشاد.

وعليه فالأظهر عدم لزوم التقابض.

وأمّا الجهة الثانية: فالكلام فيها من ناحيتين:

إحداهما: من ناحية الأثر.

الثانية: من ناحية المقتضى.

أمّا من الناحية الأُولى : فثبوت الأثر للخيار على القول بوجوب التقابض واضح، فإنّ أثره حينئذٍأنّ له فسخ العقد وإسقاط وجوب التقابض باعدام موضوعه.

لا يقال: إنّه على القول بوجوب التقابض، كيف يجري الخيار الذي لازمه عدم وجوبه.

فإنّه يقال: إنّ الخيار معناه السلطنة على حَلّ العقد، ولا ينافي ذلك وجوب التقابض على فرض بقاء العقد، ونظير هذا التكليف كثيرٌ في الشرع، لاحظ ما لو وهب أمَتهُ للغير، فإنّه مع جواز الرجوع يحرم عليه وطئها مع عدم الرجوع، كما يجب القصر ما دام المكلّف مسافراً مع أنّ له أن يقصد الإقامة أو يصبح حاضراً.

وأمّا على القول بعدم وجوب التقابض، قال الشيخ رحمه الله(1): (ففي أثر الخيار خفاء... الخ).

وفيه: إنّه لا خفاء فيه، فإنّ السلطنة على حَلّ العقد وإلغائه عن قابليّة التأثير على فرض التقابض، غير السلطنة على حَلّه بالتفرّق.9.

ص: 69


1- المكاسب: ج 5/49.

وأمّا من الناحية الثانية: فيمكن أنْ يقال بقصور أدلّة خيار المجلس عن الشمول له، من جهة أنّ ذيل النصوص الدالّة على ثبوت خيار المجلس، يدلّ على لزوم البيع بالافتراق، فيصلح ذلك قرينةً على صدرها، ويكون الخيار ثابتاً في بيعٍ لو حصل افتراق البيعين يصبح لازماً.

وأمّا بيع الصَّرف الذي يبطل بالافتراق قبل التقابض، فلا يكون مشمولاً لها.

هذا بناءً على عدم دخول التقابض في البيع شرعاً، وإلّا فعدم ثبوت الخيار في غاية الوضوح، لحكومة ما دلَّ على ذلك على أدلّة الخيار.

***

ص: 70

أو يشترطا سقوطه قبل العقد أو بعده.

سقوط الخيار باشتراط سقوطه

المسألة السابعة: ذَكر المصنّف في «التذكرة»(1) ومن تأخّر عنه(2) بأنّ هذا الخيار يسقط بأربعة أشياء:

اشتراط سقوطه، إسقاطه بعد العقد، التصرّف، التفرّق.

المسقط الأوّل: لا خلاف ظاهراً في سقوطه باشتراط سقوطه في ضمن العقد، وعن «الغُنية»(3) الإجماع عليه، وعموم أدلّة نفوذ الشرط شاهدٌ به. وإنّما الخلاف هنا فيما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله: (أو يشترطا سقوطه قبل العقد أو بعده) بعد معلوميّة أنّ مراده من بعد العقد ليس بعد تماميّة العقد، بل بعد الشروع فيه.

وأمّا الاشتراط قبل العقد، فعن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(4) سقوط الخيار به.

وقال العلّامة في «المختلف»(5) بعد نقل ذلك عنه: (وعندي في ذلك نظر، لأنّ الشرط إنّما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطاً قبل العقد وتبايعا على ذلك الشرط صَحَّ ما شرطاه) انتهى .

أقول: وأظنّ أنّ مراده في المقام هو ما ذكره أخيراً في «المختلف».

ص: 71


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/517 (ط. ق).
2- الدروس: ج 3/265، جامع المقاصد: ج 4/283.
3- غنية النزوع: ص 217.
4- الخلاف: ج 3/21.
5- مختلف الشيعة: ج 5/63.

وكيف كان، فشرط سقوط الخيار في قبال شرط عدم الفسخ، وشرط إسقاط الخيار اللّذين - هما من قبيل شرط العفل - يتصوّر على وجهين:

أحدهما: شرط سقوطه، بحيث يرجع إلى إسقاط الخيار.

ثانيهما: شرط عدم كون العقد خياريّاً.

والإشكالات الآتية عمدتها تختصّ بالثاني، وبعضها يختصّ بالأول، وبعضها يشترط بينهما.

أقول: وكيف كان، فإنّ الكلام يقع في مقامين:

الأوّل: في شمول أدلّة الشروط لهذا الشرط وعدمه.

الثاني: في أنّه هل يعارض أدلّة الخيار لأدلّة الشروط على فرض شمولها أم لا؟

أمّا المقام الأوّل: فقد أشكل على التمسّك بدليل الشروط في المقام من وجوه:

الوجه الأوّل: إنّ مفاد المستفيض: «المؤمنون - أو المسلمون - عند شروطهم»(1) لزوم العمل بالشروط، فلابدَّ وأنْ يكون الشرط فعلاً اختياريّاً للمشروط عليه، واختياريّاً له، فلا يشمل الشروط الخارجة عن تحت اختياره وقدرته، ومنها شرط عدم الخيار.

وفيه: إنّ هذا يتمّ في نفسه، إلّاأنّ الخبر الصحيح الذي رواه مالك بن عطيّة، عن سليمان، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ كان له أبٌ مملوك، وكانت لأبيه جارية مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لكِ أن اُعينكِ في مكاتبتك حتّى تؤدّي ما عليك بشرط أنْ لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنتِ ملكتِ نفسكِ؟ر.

ص: 72


1- الكافي: ج 5/169 باب الشرط والخيار في البيع، وسائل الشيعة: ج 18/16 ب 6 من أبواب الخيار.

قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك ؟

قال عليه السلام: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم»(1)، يدلّ على صحّة شرط عدم الخيار، وأنّ المستفيض يشمله، وهو يصلح قرينةً على إرادة نفوذ كلّ شرطٍ يكون مربوطاً بالمشروط عليه.

وأُورد عليه: بأنّ مورد الصحيح الشرط الابتدائي، وهو غير نافذ بالإجماع.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(2): بأنّه مطلق قابلٌ لأن يقيّد بصورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم.

قال السيّد في حاشيته(3): (الإنصاف أنّ هذه الرواية دليلٌ على شمول أدلّة الشروطللشروط البدويّة، وأنّها أيضاً واجبة الوفاء، والإجماع على الخلاف ممنوع).

وفيه: إنّ مورد الرواية الشرط في ضمن عقد الهبة، لاحظ قول السائل:

«فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار»، ولم يظهر لي منشأ اشتباه القوم وتخيّلهم كون مورده الشرط الابتدائي.

والإيراد عليه: بأنّ الهبة جائزة، والشرط في ضمن العقد الجائز غير لازم الوفاء، سيأتي الجواب عنه.

الوجه الثاني: إنّ الشرط في ضمن العقد الجائز لا يجبُ الوفاء به، لأنّه لا يزيد حكمه على حكم الأصل، بل هو كالوعد، فلزوم الشرط يتوقّف على لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.0.

ص: 73


1- الكافي: ج 6/188 ح 13، وسائل الشيعة: ج 23/155 ح 29299.
2- كتاب المكاسب: ج 5/53.
3- حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: ج 2/10.

وفيه أوّلاً: إنّه لا دليل على اعتبار كون العقد المشروط فيه لازماً، بل مقتضى عموم دليل وجوب الوفاء به لزومه حتّى في العقود الجائزة.

ودعوى: أنّه لا يزيد حكمه على حكم أصل العقد، إنْ اُريد بها أنّه تابعٌ ، والتابع لا يزيد حكمه على حكم المتبوع.

فيردّها: أنّه ليس بتابعٍ بهذا المعنى ، بل هو مستقلّ في الاعتبار والدليل.

وإنْ اُريد بها أنّه ينافي جواز العقد الذي لازمه جواز اعدامه وحَلّه مع وجوب الوفاء بالشرط.

فيردّها: أنّ الجواز واللّزوم لا يردان على محلّ واحدٍ كي يتنافيان، بل الجواز إنّما هو متعلّق بما هو كالموضوع للّزوم، ومقتضاهما معاً أنّه يجوز حَلّ العقد، ولكن على فرض عدم الحَلّ يجب الوفاء بالشرط، وكم له نظيرٌ في الفقه، مثلاً الحاضر يجبُ عليه الصوم، ولكن له أن يسافر ولا يصوم، وهكذا غيره.

وثانياً: إنّه لو تمّ البرهان المذكور، كان لازمه اعتبار أنْ لا يبقى العقد جائزاً مع لزوم شرطه، لا لزوم العقد قبل لزوم الشرط.

وعليه، فحيث أنّ مدلول هذا الشرط لزوم العقد، فلزوم الشرط عباره أُخرى عن لزوم العقد، فلا يكون هناك محذور من هذه الناحية.

أقول: وأمّا ما ذكره المحقّق الاصفهاني رحمه الله(1) زائداً على ذلك، بأنّ لزوم الشرط حسب الفرض، وإنْ توقّف على لزوم العقد، إلّاأنّ لزوم العقد لا يتوقّف على لزوم الشرط، بل يتوقّف على صحّته، لأنّ مجرّد صحّته يكفي في سقوط الخيار.2.

ص: 74


1- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/102.

فيرد عليه: إنّ دليل صحّة الشرط ولزومه واحدٌ، فمع عدم شمول دليل اللّزوم لا سبيل إلى الحكم بالصحّة. فالصحيح ما تقدّم.

الوجه الثالث: إنّ هذا الشرط مخالفٌ لمقتضى العقد، والمراد من مقتضى العقد في المقام - على ما ذكره الشيخ رحمه الله -: ما يشمل لازمه كالحكم الشرعي، وعليه فلا يرد على الشيخ رحمه الله بالتهافت بين كلماته، حيث جعل الإشكال الأوّل في منافاته لمقتضى العقد، والأخير في منافاته لحكمه الشرعي كما في «الحاشية»(1).

أقول: أجاب الشيخ رحمه الله(2) عن هذا الإشكال بوجهين:

الأوّل: أنّ المتبادر من إطلاق دليل الخيار صورة الخلوّ عن اشتراط سقوطه، وغاية ما يمكن أنْ يقال في توجيهه: إنّ الخيار حيث أنّه من باب الإرفاق بالمالك كي يتورّى في أمر المعاملة، فدليله ينصرف إلى صوره عدم الالتزام بالمعاملة واشترط عدم الخيار.

وفيه: إنّ هذا الانصراف بدوي لا يصلح لتقييد الإطلاق.

الثاني: إنّ مقتضى الجمع بين دليل الخيار ودليل الشرط، كون العقد مقتضياً لإتمام العلّة.

وفيه: بعد إصلاحه بأنّ المراد من كون العقد تارةً علّة تامّة، وأُخرى مقتضياً، هو أنّ تمام الموضوع تارةً نفس العقد، وأُخرى العقد المجرّد عن الشرط، مثلاً إنّه على فرض شمول إطلاق دليل الخيار لصورة الاشتراط ومنافاة الشرط له، يكون دليل الخيار مقدّماً لتقييد دليل الشرط، بالشرط غير المخالف للكتاب والسُنّة.5.

ص: 75


1- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/102.
2- المكاسب: ج 5/55.

والحقّ أنْ يقال: - بعد عدم كون هذا الشرط منافياً لمقتضى العقد بمعناه الأخصّ ، وهو المنافي لحقيقة العقد كالبيع بشرط أنْ لا يَملك، والمنافي لما يتقوّم به العقد كالبيع بشرط أنْ لا يكون له عوض - إنّ هذا الشرط ليس مخالفاً للكتاب والسُنّة، فإنّ الخيار من الحقوق القابلة للإسقاط والنقل، فله أن يسقطه بعد تحقّقه، ومن أوّل آن ثبوته، بأن يمنع عن ثبوته، فشرط عدم الخيار بهذا المعنى أو سقوطه ليس مخالفاً للشرع، لفرض جوازه، وأنّ له ذلك. وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

الوجه الرابع: إنّ إسقاط الخيار في ضمن العقد، إسقاطٌ لما لم يجب، فإنّ الخيار لا يحدث إلّابعد العقد، فإسقاطه في ضمن العقد كإسقاطه قبله.

وأجاب الشيخ رحمه الله(1) عنه: بأنّه مع شرط الخيار لا تشمل أدلّته ذلك العقد، ففائدة الشرط إبطال المقتضي لا إثبات المانع.

أقول: قد عرفت الجواب عن ذلك والحقّ أنْ يقال:

أوّلاً: إنّ هذا الوجه مختصٌّ بشرط السقوط، ولا يجري في شرط عدم الخيار، بمعنى اشتراط عدم ثبوته.

وثانياً: إنّ شرط سقوطه عند حصوله لا مانع منه سوى التعليق الذي لا دليل على المنع عنه، سوى الإجماع المختصّ بغير الشرط، كيف وقد ادّعى الإجماع على سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه في ضمن العقد.

فتحصّل: أنّشرط سقوطالخيار بكلا معنييه لامانع عنه، وتشمله أدلّة الشروط.5.

ص: 76


1- المكاسب: ج 5/55.

المقام الثاني: قد يتوهّم أنّه يعارض أدلّة الشروط أدلّة الخيار، والنسبة بينهما عمومٌ من وجه، فلا وجه لتقديم الأولى .

ولكنّه فاسد، لأنّ كلّ مشروطٍ لا محالة يكون محكوماً بحكمٍ قبل أن يقع في حيّز الشرط، فحينئذٍ إمّا أن يوافق حكمه مع الشرط، كما لو شرط فعل واجب أو مستحبّ ، وإمّا أن يخالفه، لا سبيل إلى تخصيص أدلّة الشروط بالقسم الأوّل كما هو واضح، وحيث أنّ نسبة دليل الشرط مع كلّ واحدٍ من أدلّة تلك الأحكام عموم من وجه، فيدور الأمر بين تقديم جميعها على دليل الشرط، وتقديمه على جميعها، وتقديمه على بعضها، والأخير مستلزمٌ للترجيح بلا مرجّح، والأوّل مستلزمٌ لإلغاء دليل الشرط، فيتعيّن الثاني.

فتحصّل: أنّ الأظهر سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد بكلا معنييه.

وقد يتوهّم: التمسّك بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناءً على صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(1): بأنّ أدلّة الخيار أخصّ ، فيخصّص به العموم.

توجيه السيّد رحمه الله: قام السيّد في حاشيته(2) بتقريب الاستدلال بآية وجوب الوفاء بتقريب آخر وحاصله:

انحلال العقد المشروط إلى عقدين: بيعٌ وشرط، وأخصيّة دليل الخيار إنّما ينتفع بالنسبة إلى حيثيّة البيعيّة، لا بالنسبة إلى حيثيّة الشرطيّة، فيكون عموم0.

ص: 77


1- المكاسب: ج 5/52.
2- حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: ج 2/10.

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة إلى عقد الشرط حاكماً على دليل الخيار، نظير ما لو صالح على سقوط الخيار في ضمن عقد البيع، فإنّ عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة إلى الصلح مقدّمٌ على أدلّة الخيار.

وفيه: إنّ الشرط حيث أنّه مرتبطٌ بالبيع، فلا محالة يكون دليل الخيار بإطلاقه شاملاً للبيع المجرّد والبيع المشروط به، وهذا بخلاف الصلح، فإنّه عقدٌ مستقلّ ليس من شؤون البيع المحكوم بالخيار بدليله، فلا يشمل دليل الخيار بإطلاقه البيع المجرّد عنه والمقيّد به، فدليل الخيار لا يعارض دليل نفوذ الصلح، بخلاف دليل لزوم الشروط. وعليه فحيث أنّ دليل الخيار أخصّ فيقدّم عليه.

أقول: ثمّ إنّ هذا الشرط يتصوّر على وجوه:

أحدها: أن يشترط عدم الخيار، قال الشيخ رحمه الله(1): (وهذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط، فيقول: (بعتُ بشرط أنْ لا يثبت خيار المجلس) كما مثّل به في «الخلاف» و «المبسوط» و «الغُنية» و «التذكرة»، لأنّ المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع).

الثاني: أن يشترطه في فرض ثبوته، وهذان القسمان من قبيل شرط النتيجة، بخلاف القسمين الآخرين اللّذين هما من قبيل شرط الفعل.

الثالث: اشتراط عدم الفسخ، بأن يشترط عدم الفسخ، فيقول: (بعثُ بشرط أنْ لا أفسخ)، والكلام في هذا الوجه يقع في جهات:

الجهة الأُولى : في صحّة هذا الشرط وشمول العموم له.6.

ص: 78


1- المكاسب: ج 5/56.

وقد يقال: بعدم صحّته من جهة المحذور الثاني من المحاذير المتقدّمة، وهو كونه شرطاً في ضمن عقد جائز.

والجواب عنه: ما تقدّم من أنّ الشرط في ضمن العقد الجائز لازم الوفاء.

نعم، لا يندفع ذلك بما أجاب به الشيخ رحمه الله من لزوم العقد بلزوم الشرط، بناءً على القول بتأثير الفسخ كما لا يخفى .

الجهة الثانية: في أنّه لو فسخ وعصى ، هل يؤثّر هذا الفسخ في حَلّ العقد أم لا؟ وقد ذكر في وجه عدم التأثير في قبال عموم دليل الخيار المقتضي للانحلال وجوه:

الوجه الأوّل: ما أشار إليه الشيخ رحمه الله(1) في ابتداء كلامه، وأوضحه المحقّق النائيني رحمه الله(2) بأنّه يشترط في نفوذ كلّ تصرّفٍ معاملي السلطنة عليه، ومع تعيّن عدم الفسخ عليه بمقتضى عموم دليل الشرط، لا سلطنة له على الفسخ، لأنّ الإلزام بعدم الفسخ موجبٌ لسلب القدرة عليه شرعاً فلا يكون مؤثّراً.

وفيه: إنّ المعتبر في نفوذ التصرّف السلطنة الوضعيّة لا التكليفيّة، ومقتضى عموم دليل الشرط سلب السلطنة التكليفيّة دون الوضعيّة، وقدتقدّم توضيح ذلك(3).

الوجه الثاني: إنّ الشرط يوجب حدوث حقّ للمشروط له في خيار المشروط عليه، ولذا يجوز إجباره عليه، فهو ممنوعٌ عن إعمال خياره لكونه متعلّق حقّ الغير، كما في بيع منذور التصدّق.7.

ص: 79


1- المكاسب: ج 4/29.
2- منية الطالب في حاشية المكاسب: ج 2/4.
3- فقه الصادق: ج 22/237.

وفيه: إنّ غاية ما يدلّ عليه دليل الشرط، لزوم العمل به، وأمّا حدوث حقّ اعتباري للمشروطله فلم يدلّ عليه دليل، وجواز الإجبار مشتركٌبين التكليف والحقّ .

الوجه الثالث: إنّ دليل الخيار يدلّ بالدلالة المطابقيّة على الترخيص التكليفي في الفسخ، ومن ذلك يستفاد الخيار، وأنّ المعاملة تنحلّ بفسخ من رخّص له الفسخ، فإذا دلَّ دليل الشرط على رفع ذلك الترخيص وحرمة الفسخ، ارتفع الخيار أيضاً، لأنّ المدلول الالتزامي يتبع المدلول المطابقي في الحجيّة كتبعيّتها لهذا في الوجود.

وفيه: إنّ المدلول المطابقي لدليل الخيار هو الوضع لا التكليف المحض.

الوجه الرابع: ما ذكره الشيخ رحمه الله(1) أخيراً من أنّ مقتضى عموم دليل الشرط ترتيب آثار الشرط، وهو عدم الفسخ حتّى بعد الفسخ، ولازم ذلك وقوع الفسخ لغواً.

وفيه: إنّ مفاد دليل الشرط ليس ترتيب آثار المشروط، ولذا لو اشتراط بيع شيء لا يحكم بترتيب آثار البيع بدونه، بل مفاده نفوذ الشرط وصحّته أو لزوم العمل به.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ شرط عدم الفسخ لا يوجبُ عدم تأثير الفسخ.

الجهة الثالثة: في أثر هذا الشرط على القول بتأثير الفسخ.

أقول: الظاهر أنّه لا أثر له سوى الإثم على مخالفته، وما يترتّب على مخالفة الشرط في سائر الموارد من تسلّط المشروط له على الفسخ عند مخالفة الشرط لا يترتّب هنا، كما لا يخفى .7.

ص: 80


1- كتاب المكاسب: ج 5/57.

الجهة الرابعة: أن يشترط إسقاط الخيار.

والكلام في جواز هذا الشرط، هو الكلام في جواز شرط عدم الفسخ، كما أنّ الكلام في تأثير الفسخ في تأثيره في الوجه المتقدّم كما سنشير إليه.

أقول: وفي المقام خصوصيّات لابدَّ من الإشارة إليها:

الخصوصيّة الاُولى: هل يجب الإسقاط، أم لا؟

فيه وجهان، قال الشيخ رحمه الله(1): (إنّ مقتضى ظاهره وجوب الإسقاط).

وعلّق عليه السيّد الفقيه(2) بقوله: (يعني أنّ ظاهر الاشتراط الإسقاط بعد العقد بلا فصل، وإلّا فمطلق الإسقاط بعد العقد مقتضى صريحه).

أقول: ولكن يمكن أنْ يكون نظر الشيخ رحمه الله إلى أحد الوجهين:

إمّا إلى أنّه بعد فرض اتّحاد الإسقاط والسقوط حقيقةً واختلافهما اعتباراً، لو اشتراط الإسقاط يمكن حمله على إرادة السقوط، فيسقط بعد البيع، ويمكن أنْ يكون مراده الفعل.

والظاهر إرادة الثاني.

أو إلى إنكار هذا الظاهر، وأنّه لا يحتاج إلى الإسقاط، بل يسقط الخيار بنفس هذا الشرط، ولم يكن للفسخ بعده أثرٌ كما يختاره.

الخصوصيّة الثانية: على فرض وجوب الإسقاط، لو أخلّ به، ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدّمان، إذ مع لزوم الإسقاط لا سلطنة للمشروط عليه على ضدّه، وهو إعمال الخيار بفسخ العقد، وكذا دليل الشرط على فرض دلالته على لزوم ترتيب2.

ص: 81


1- المكاسب: ج 5/57.
2- حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: ج 2/12.

آثار الشرط، يشمل إطلاقه بعد إنشاء الفسخ، فيكشف عن عدم تأثيره، وكذا الوجهان الآخران كما هو واضح، وقد عرفت فساد الجميع، وعليه فالأظهر تأثير فسخه.

الخصوصيّة الثالثة: هل للمشروط له الفسخ بمجرّد عدم إسقاط المشترط الخيار بعد العقد، وإنْ لم يفسخ ؟ فيه أقوال:

الأوّل: أنّ له ذلك مطلقاً.

الثاني: عدم ثبوته له مطلقاً.

الثالث: ما اختاره الشيخ رحمه الله(1)، من التفصيل بين القول بتأثير الفسخ وعدمه، واختيار أنّ له ذلك على الأوّل دون الثاني.

أقول: والأظهر هو الأوّل، لما دلَّ على ثبوت الخيار للمشروط له إذا تخلّف المشترط، ولم يعمل بالشرط في سائر الموارد، فإنّه يجري في المقام طابق النعل بالنعل.

واستدلّ للثاني: بأنّ المقصود منه إبقاء العقد، فلا يحصل التخلّف إلّاإذا فسخ، وبعده لا موضوع له.

قال الشيخ رحمه الله (2) : (والأُولى بناءً على القول بعدم تأثير الفسخ، هو عدم الخيار، لعدم تخلّف الشرط، وعلى القول بتأثيره ثبوت الخيار، لأنّه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد... الخ).

والظاهر أنّ مراده من عدم تخلّف الشرط، عدم تخلّفه من حيث الغاية والنتيجة المرجوّة.

ويرد عليه: - مضافاً إلى أنّ الغرض قد يكون سقوط الحقّ ، لا خروج العقد عن التزلزل - أنّ الموجب لخيار تخلّف الشرطبعنوانه لا من حيث تخلّف الغاية المقصودة.7.

ص: 82


1- المكاسب: ج 5/57.
2- المكاسب: ج 5/57.

وبالجملة: فالأظهر ثبوته مطلقاً.

حكم الشرط غير المذكور في متن العقد

الخصوصيّة الرابعة: بناءً على جواز الشرط - كما هو المفروض في المقام، و ستعرف في محلّه تفصيل القول فيه - لا كلام في نفوذ الشرط المذكور في متن العقد، ولو بأن يذكر قبل العقد، ويشير إليه في العقد، بأنْ يقول مثلاً: (بعتُ على ما ذُكر).

كما لا كلام معتدّ به في عدم نفوذ الشرط غير المذكور في العقد، ولم ينشأ العقد مبنيّاً عليه، بأنْ يكون حين العقد غافلاً عنه.

إنّما الكلام فيما لو ذكر الشرط قبل العقد، ووقع العقد مبنيّاً عليه، فظاهر جماعة نفوذه، وصريح آخرين عدمه.

أقول: واستدلّ لعدم العبرة به بوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المكاسب»(1)، وحاصله: إنّ الشرط هو الإلزام أو الالتزام المرتبط بمطلب أخر، فالشرط المذكور سابقاً لا يجب الوفاء به، لأنّه إمّا وعد بالتزام، أو التزامٌ تبرّعي لا يجبُ الوفاء به، وهو وإنْ كان باقياً إلى حين العقد، إلّا أنّه لا يرتبط بالالتزام العقدي إلّابجعل المتكلّم.

وفيه: إنّ الالتزام الشرطي والبيعي كليهما من مقولة المعنى لا اللّفظ، واللّفظ مُبرزٍ لهما، وعليه فإذا كان الالتزام الشرطي باقياً إلى حين العقد، وأوقع العقد مبنيّاً عليه - أي قيّد التزامه البيعي بالالتزام الشرطي بالنحو الصحيح الذي سيمرّ عليك

ص: 83


1- المكاسب: ج 5/57.

في باب الشروط، الذي به يخرج العقد عن التعليق - صَدَق عليذلك الالتزام الضمني الشرط حتّى على القول بأنّه التزامٌ مربوط بمطلب آخر، فيشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1)، من أنّ القصود والدواعي لا تكون معتبرة في العقود، ما لم ينشأ لفظٌ على طبقها، فمجرّد وقوع العقد مبنيّاً على شرطٍ، مع عدم ذكره في متن العقد لا يؤثّر.

ثمّ تفطّن رحمه الله لإشكالٍ ، وهو أنّه لا إشكال في الاكتفاء بالقصد في الشروط التي جرت العادة والعرف على الالتزام بها في العقد، كوصف الصحّة، وتسليم المبيع وما شابههما.

فأجاب عنه: بأنّه في تلك الشروط إنشاء العقد إنشاءٌ لها لأنّها من لوازم الفاظ العقود، فكما أنّه ينشأ بها معانيها المطابقيّة، فكذا مداليلها الالتزاميّة، وهذا بخلاف الشرط الخاص للعاقد الخاص، فإنّه ليس من المداليل الالتزاميّة، فليس هو المُنشَأ في العقد إلّامع ارتباط العقد به صريحاً أو إشارة.

وفيه: لا كلام في أنّه في باب العقود والإيقاعات وجود اللّفظ أو مبرزٍ آخر، وأمّا في باب الشروط، فلا دليل على اعتباره، ولعلّ الاكتفاء بالقصد والالتزام النفساني في الشروط التي جرت العادة على الالتزام بها في العقد، أقوى شاهدٍ على ذلك، إذ ليس ذلك الالتزام من لوازم الالتزام البيعي كي يكون اللّفظ المبرز للالتزام البيعي مبرزاً له بالالتزام، ولو بنى على كفاية ذلك لابدَّ من البناء على كفاية بناء8.

ص: 84


1- منية الطالب: ج 3/48.

المتعاقدين أيضاً، فان بناء غيرهما من أهل العرف غير دخيلٍ في الدلالة بهذا المعنى.

الوجه الثالث: النصوص الواردة في النكاح، الدالّة على أنّه لا عبرة بالشرط قبل العقد:

منها: موثّق ابن بكير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة، فرضيت به، وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح، فإنْ أجازته فقد جاز، وإنْ لم تجزه، فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح»(1).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الرّجل يتزوّج المرأة متعة: أنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنّما الشرط بعد النكاح»(2).

ومنها: موثّق ابن بكير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما كان من شرطٍ قبل النكاح هدمه النكاح، وما كان بعد النكاح فهو جائز»(3).

وفيه أوّلاً: إنّ هذه النصوص مختصّة بشروط المتعة، وتدلّ على أنّه إذا لم تذكر في ضمن العقد تنقلب دائماً.

أمّا الأولان: فواضح.

وأمّا الأخير: فلقوله عليه السلام: «هدمه النكاح»، فإنّ شروط المتعة يهدمها النكاح بدون الشرط، وأمّا سائر الشروط، فغاية الأمر عدم وجوب العمل بها لا هدمها وجعلها كالعدم.3.

ص: 85


1- الكافي: ج 5/456 ح 3، وسائل الشيعة: ج 21/45 ح 26492.
2- الكافي: ج 5/456 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/47 ح 26495.
3- الكافي: ج 5/456 ح 1، وسائل الشيعة: ج 21/46 ح 26493.

وثانياً: إنّه لا وجه للتعدّي عن باب النكاح إلى سائر الموارد والأبواب.

وثالثاً: إنّها قابلة للحمل على ما كان من الشروط سابقاً، ولم يكن مضمراً حال العقد، على وجهٍ يكون مبنيّاً عليه، إذ لا يصدق كون الشرط قبل النكاح خاصّة بعد فرض قصده في أثنائه.

فتحصّل: أنّ الأظهر نفوذه ووجوب العمل به.

المنذور عتقه

الخصوصيّة الخامسة: ذكر المصنّف في محكي «التذكرة»(1) مورداً لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس وغيره في متن العقد، وهو ما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه، قال: (لو باعه بشرط نفي الخيار، لم يصحّ البيع لصحّة النذر).

أقول: وتصوير النذر المزبور الذي يجب الوفاء، وبه ويكون صحيحاً، هو أن ينذر التملّك ثمّ العتق، إذ لو نذر العتق وهو ملك المشتري بطل النذر، ولو نذر العتق بعد التملّك على أنْ يكون التملّك شرطاً للنذر، لم يجب التملّك والوفاء بالنذر، وحينئذٍ:

تارةً : لا يمكن الإقالة أو الشراء منه ثانياً.

وأُخرى : يمكن ذلك ويعلم به.

فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: إذا لم يمكن الإقالة أو الشراء ثانياً.

لا إشكال في صحّة البيع، سواءٌ اشترط عدم الخيار أم لا، بناءً على أنّ الشرط

ص: 86


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/495 (ط. ق).

الفاسد لا يُفسد البيع، وأمّا شرط عدم الخيار، فهل يكون باطلاً وفاسداً أم لا؟ فيه وجهان:

استدلّ الشيخ رحمه الله(1) للأوّل: بأنّ النذر بالعين يوجبُ عدم تسلّط الناذر على التصرّفات المنافية له.

وفيه أوّلاً: إنّ غاية ما يقتضيه ذلك، حرمة الشرط لا فساده، لما تقدّم من عدم دلالة الحرمة على الفساد، إلّاأن يُضمّ إليه ما سنذكره.

وثانياً: إنّ وجوب الوفاء بالنذر إنّما يكون بعد البيع، فما لم يتمّ البيع لا وجوب من ناحية النذر كي يوجب عدم تسلّط البائع على هذا الشرط.

أقول: والحقّ أنْ يقال إنّ هذا الشرط من قبيل المقدّمات المفوّتة، الموجبة لفوت الغرض، وعدم القدرة على امتثال التكليف في ظرفه - وقد حقّقنا في الاُصول(2) حرمتها - فيصبح الشرط حراماً، ولا يكون نافذاً من جهة أنّه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون مخالفاً للكتاب والسُنّة، والشرط المخالف سواءٌ كان المشروط مخالفاً أو الشرط نفسه، لا يكون نافذاً، على ما سيجيء في باب الشروط.

ودعوى: أنّ الشرط المخالف بنفسه لا من جهة مخالفة المشروط إنّما لا يكون نافذاً إذا كان الشرط مخالفاً للشرع، وفي المقام الشرط لا يكون مخالفاً بنفسه، وإنّما يكون المحرّم إسقاط الخيار.

مندفعة: بأنّ الشرط بنفسه إسقاط، فيكون حراماً ومخالفاً للشرع.

المورد الثاني: ما إذا أمكن الإقالة أو الشراء منه ثانياً، فقد أفاد السيّد6.

ص: 87


1- المكاسب: ج 5/60.
2- زبدة الاُصول: ج 2/136.

الفقيه رحمه الله(1) أنّه يصحّ الشرط ولا مانع عنه.

وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله(2): بأنّ الإقالة أو الشراء ليس تحت قدرة الناذر، لأنّ تحقّق هذه العناوين يتوقّف على إرادة شخص آخر، وقد لا يريدها، وما هو تحت قدرته إعمال الفسخ، فيجبُ على الناذر إعماله، ومقتضاه عدم صحّة شرط سقوط الخيار.

وفيه: إنّ حرمة شرط سقوط الخيار إنّما تكون لأجل كونه تفويتاً للغرض، فلو فرضنا العلم بعدم الفوت - ولو بفعلٍ اختياري - لا يكون هذا الفعل مفوّتاً، فلا يكون حراماً، فيكون صحيحاً ونافذاً.

وعليه، فالأظهر ما أفاده السيّد رحمه الله.

***9.

ص: 88


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/158.
2- منية الطالب: ج 3/49.

الإسقاط بعد العقد

المسقط الثاني: إسقاط هذا الخيار بعد العقد.

أقول: استدلّ لسقوطه بالإسقاط بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع.

وفيه: إنّه لمعلوميّة مدرك المُجمعين لا يُعتمد عليه.

الوجه الثاني: القاعدة المسلّمة من أنّ لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه، المستفادة من فحويتسلّطا لناس على أموالهم(1)، فهم أولي بالتسلّط علي حقوقهم المتعلّقة بالأموال.

وفيه أوّلاً: إنّ دليل السلطنة ضعيف السند.

والجواب: إنّه لاعتماد الأصحاب عليه وتمسّكهم به يكون معتبراً.

وثانياً: ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(2)، من أنّ علقة الحقّ أضعف من علقة المال، والسلطنة في القوي لا تقتضي السلطنة في الضعيف، بل الأمر بالعكس، فلو ثبتت السلطنة في الحقّ اقتضى فحواها السلطنة في المال.

والجواب: إنّه على فرض تسليم دلالة هذا الدليل على سلطنة الإنسان على اعدام الملك، والإعراض عنه، يتمّ هذه الأولويّة، إذ السلطنة على اعدام القوي وإذهابه توجبُ بالأولويّة السلطنة على اعدام الضعيف.

وإنْ شئت قلت: إنّ السلطنة في الشيء غير السلطنة على الشيء، والأولويّة ثابتة في الثانية دون الأولويّة في الأُولى .

ص: 89


1- بحار الأنوار: ج 2/272، عوالي اللآلئ: ج 2/138 ح 383.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/13.

ثالثاً: إنّ دليل السلطنة لا يدلّ على أنّ للمالك الإعراض عن ماله، وسلب الملكيّة عن نفسه، لما تقدّم في مبحث المعاطاة(1) من أنّه كسائر الأدلّة إنّما يدلّ على ثبوت الحكم على فرض وجود الموضوع، ولا نظر له إلى بقاء الموضوع وارتفاعه، وموضوع السلطنة المال المضاف بإضافة الملكيّة، فلا يدلّ على أنّ له الإعراض عنها.

وبعبارة أُخرى : إنّه يدلّ على أنّ له السلطنة على التصرّفات في المال، ولا يدلّ على أنّ له السلطنة على السلطنة باعدامها، والإعراض عنها، وعليه فلا يدلّ بالفحوى على أنّ له إسقاط الحقّ واعدامه.

لا يقال: إنّه حيث لا معنى لتسلّطهم على مثل هذه الحقوق غير القابلة للنقل إلّا نفوذ تصرّفهم فيها بما يشمل الإسقاط، كما عن الشيخ رحمه الله(2)، فلو دلَّ هذا الدليل على ثبوت السلطنة على الحقوق بالأولويّة، دلَّ على أنّ له الإسقاط.

فإنّه يقال: إنّ هذا يتمّ لم كان ذلك - أي ثبوت السلطنة على الحقوق - مفاد دليلٍ خاصّ ، لا فيما إذا كان مستفاداً من الدليل العام، فإنّ الالتزام بعدم السلطنة في مثل هذه الحقوق رأساً، لعدم المعنى لها، يترتّب عليه محذور.

الوجه الثالث: فحوى ما سيجيء من النَّص(3) الدالّ على سقوط الخيار بالتصرّف، معلّلاً بأنّه رضا بالبيع، استدلّ بها الشيخ رحمه الله(4).

وأورد عليه المحقّق الايرواني رحمه الله(5): بأنّ النَّص بعموم التعليل يدلّ على حكم3.

ص: 90


1- فقه الصادق: ج 22/329.
2- كتاب المكاسب: ج 5/61.
3- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.
4- المكاسب: ج 5/61 و 97 و 285.
5- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/13.

المقام، بلا حاجة إلى الفحوى ، بل ومع منع الفحوى .

أقول: لكن تقريب الفحوى عليمسلك الشيخ رحمه الله - الملتزم بأنّ لزوم العقد بالرضا وإقراره إنّما يكون من جهة أنّ مرجعه إلى إسقاط الخيار - أنّه إذا دلَّ الدليل على مسقطيّة الرضا، وكونه موجباً للّزوم من جهة أنّ مرجعه إلى إسقاط الخيار، فنفس الإسقاط أولى بأنْ يكون مسقطاً للخيار، فلا يرد عليه ما أورده المحقّق المذكور.

وأمّا القول: بأنّه لا معنى لتسلّطهم على مثل هذه الحقوق.

فقد أورد عليه السيّد(1): بأنّه على فرض كونه قابلاً للنقل أيضاً، يمكن الاستدلال بأنْ يراد الأعمّ من النقل والإسقاط، قد عرفت في ذيل الإيراد الثالث على الوجه الثاني أنّه يمكن توجيه كلام الشيخ رحمه الله بنحوٍ لا يرد عليه هذا الإيراد، وإنْ كان غير تامّ على أيّ تقدير. فراجع(2).

أقول: لا خلاف ولا كلام في سقوط الخيار بكلّ لفظٍ يدلّ عليه بإحدى الدلالات، وقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: فحوى ما دلَّ على سقوط الخيار بالتصرّف، فإنّه إذا كان الفعل الكاشف عن الرضا بالبيع والالتزام به مسقطاً للخيار، فاللّفظ الدالّ على ذلك أولى بأن يكون مسقطاً، لأقوائيّة اللّفظ من الفعل، وهذا هو مراد الشيخ رحمه الله من قوله بالفحوى المتقدّمة(3)، فلا يرد عليه ما عن المحقّق الخراساني رحمه الله(4) من أنّ دليل السلطنة لا يتكفّل نفوذ السبب، بل يتكفّل مشروعيّة المسبّب، لأنّه يتوقّف على5.

ص: 91


1- حاشية المكاسب للسيّد اليزدي: ج 2/13.
2- في الصفحة السابقة.
3- المكاسب: ج 5/61.
4- حاشية المكاسب، الآخوند الخراساني: ص 165.

إرادة الفحوى الثانية لا الأُولى .

الوجه الثاني: فحوى ما دلَّ على كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد الفضولي استدلّ بها الشيخ رحمه الله(1).

وفيه: إنّا لم نجد ما يدلّ على ذلك، سوى طائفتين من النصوص:

أحدهما: في العبد يزوّج نفسه بغير إذن مولاه، المتضمّنة أنّ سكوت المولى بعد العلم إقرارٌ منه(2).

ثانيتهما: في المرأة تزوّج نفسها في حال السُّكر، المتضمّنة أنّها لو أقامت معه بعد الإفاقة يكون التزويج نافذاً(3).

وموردهما ما يكون العقد تامّاً من جميع الجهات، سوى عدم إحراز رضا من يعتبر رضاه في العقد، ومن المعلوم أنّ الرضا القلبي يكفي بأي شيء اُحرز، وهذا بخلاف الموارد التي يكون العقد فيها ناقصاً من جهة أُخرى ، وتتوقّف تماميّته من تلك الناحية على الإنشاء كبيع الفضولي، حيث إنّه ناقصٌ من جهتين: من ناحية الرضا، ومن ناحية عدم كونه مستنداً إلى المالك، ومن الجهة الثانية يحتاج إلى الإنشاء، ولهذا لا يكفي في الإجازة الرضا القبلي، بل لابدَّ من الإنشاء، والمقام من هذه الموارد، أي يتوقّف على الإنشاء، ولا يكفي مجرّد الرضا القلبي بسقوط الخيار.

وعليه، فهذا الوجه غير تامّ .

الوجه الثالث: إنّ مقتضى إطلاق الدليل كفاية كلّ ما يصدق عليه الإسقاط.4.

ص: 92


1- المكاسب: ج 5/61-62.
2- الكافي: ج 5/478 ح 4، وسائل الشيعة: ج 21/117 ب 26.
3- وسائل الشيعة: ج 20/294 ب 14.

لو قال أحدهما لصاحبه اختر

مسألة: لو قال أحدهما لصاحبه اختر، فإنْ اختار الفسخ فلا إشكال في انفساخ العقد، وإنْ اختار الإمضاء، ففي سقوط خيار الأمر أيضاً أقوال:

أحدها: السقوط مطلقاً. نُسب ذلك إلى جمعٍ من الأساطين(1) فيما لو اختار الإمضاء، وأمّا لو سكت فلم أظفر بمن يقول بالسقوط وإن نُسب إلى الشيخ رحمه الله(2)، ولكن الثابت خلافه.

ثانيها: السقوط إذا قصد التمليك.

ثالثها: السقوط إذا قصد التمليك أو التفويض.

رابعها: السقوط إذا قصد التمليك و أسقط الآخر.

خامسها: عدم السقوط.

أقول: ولا يخفى أنّ عنوان هذه المسألة إنّما يكون تبعاً للنّص، فقد روى نافع عن ابن عمر، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر»(3).

من جهة أنّ الأصحاب لم يفهموا منه التعبّد المحض فلجأوا إلى تطبيقه على القواعد، وحيث إنّه نبوي ولم يصل إلينا بطريق معتبر، واعتماد الأصحاب عليه غير

ص: 93


1- غنية النزوع: ص 217.
2- نسبه إليه صاحب جامع المقاصد: ج 4/285، وكذا المسالك: ج 3/197، وكذا رياض المسائل: ج 8/181 (ط. ج).
3- الخلاف: ج 3/11 كتاب البيوع مبحث خيار المجلس.

ثابت، فهو لا يصلح لأن يُعتمد عليه في الحكم، فلابدَّ من ملاحظة القواعد.

وملخَّص القول فيه: إنّه لا خلاف في معنى كلمة (اختر) مادّةً وهيئةً ، ولكن بعد عدم إرادة طلب الاخيتار حقيقةً يحتمل فيها معان:

1 - أنْ يكون إنشاء الطلب بها بقصد إسقاط حقّه والاعراض عنه.

2 - أنْ يكون لغرض نقل خياره إلى صاحبه وتمليكه إيّاه.

3 - أنْ يكون بقصد تفويض إعمال خياره بفسخ أو إمضاء إلى صاحبه.

4 - أنْ يكون بغرض استعلام حال المخاطب.

وعليجميع هذه المحتملات، لو اختار الآخرالفسخ، فإنّه لا إشكال في الانفساخ.

كما أنّه لو سكت لا كلام في عدم سقوط خياره، ولو أجاز لا كلام في سقوط خياره، إنّما الكلام فيما لو اختار الإمضاء، أو سكت في أنّه هل يسقط خيار الأمر أم لا؟

أمّا على الأوّل: فيسقط خياره بمجرّد الأمر.

وأمّا على الثاني: فإن قبل صاحبه التمليك سقط، وإلّا فلا.

لا يقال: إنّه قد تقدّم عن الشيخ رحمه الله وغيره(1) أنّ هذا الخيار لا يقبل النقل، فكيف يحكم بسقوط خياره ؟!

فإنّه يقال أوّلاً: قد مرّ أنّه قابلٌ له.

وثانياً: إنّ من يقول بعدم قابليّته للنقل، إنّما يلتزم به النقل إلى الأجنبي من جهة أنّه خيار المجتمعين، ويكون مغيّاً بافتراقهما، فلا يمكن نقله إلى غير من هو طرف3.

ص: 94


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/13.

المعاملة، وأمّا في النقل إلى من هو طرف المعاملة، فلا يلتزم به، لعدم جريان هذا الوجه فيه.

وأمّا على الثالث: فإنْ سكت بقى خياره ثابتاً، وإنْ اختار الإمضاء من الطرفين سقط، إذ خيار الموكّل لا يسقط ما لم يجز الوكيل من طرفه.

وأمّا على الرابع: فلا يسقط خياره أصلاً حتّى بعد الإجازة.

أقول: ولا يبعد دعوى ظهوره في الأوّل أو الثاني، وعلى فرض عدم الظهور في شيء منها، فإنّ مقتضى الاستصحاب بقاء الخيار حتّى بعد الإمضاء.

***

ص: 95

افتراق المتبايعين

المسقط الثالث: افتراق المتبايعين.

أقول: لا كلام في مسقطيّة الافتراق - بمعنى انتهاء أمد الخيار به - إنّما الكلام وقع في موارد ثلاثة:

الأوّل: في أنّ مسقطيّة الافتراق، هل تكون من جهة كاشفيّته عن الرضا بلزوم العقد، أو أنّه بنفسه مسقطٌ وغاية للخيار؟

الثاني: في تعيين أقلّ ما يحصل به الافتراق.

الثالث: في أنّه هل يلزم لو تحرّك كلّ منهما إلى جانبٍ ، أم يكفي حركة أحدهما؟

أمّا المورد الأوّل: فالحقّ أنّه بنفسه غاية له، إذ لا طريقيّة ولا كاشفيّة للتفرّق عن الرضا، والشاهد به ملاحظة حال سائر أقسام الخيار، فهل يتوهّم أحدٌ كاشفيّة التفرّق عن الرضا فيها، مع أنّ مقتضى إطلاق النصوص(1) عدم اعتبار شيء في ذلك غير عنوان التفرّق.

واستدلّ لاعتبار كشفه عن الرضا، وأنّ مسقطيّته بهذا الاعتبار بوجهين:

أحدهما: إنّ الطريقة العقلائيّة جارية على أنّهم إذا اجتمعوا على إنفاذ معاملة، لا يفترقون إلّابعد التزامهم بها، فالمطلقات محمولة على الغالب، فلا دليل على انتهاء أمد الخيار في غير مورد الرضا.

ثانيهما: قوله عليه السلام في صحيح جميل: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منها»(2).

ص: 96


1- الكافي: ج 5/170، وسائل الشيعة: ج 18/5 ابواب الخيار.
2- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23013.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت من منع الكاشفيّة، نعم كاشفيّته عن الرضا بالبيع لا تُنكر، مع أنّ المطلق لا يُحمل على الغالب.

وأمّا الثاني: فلأنّه حيث لم يُذكر متعلّق الرضا في الخبر، فيمكن أنْ يكون المراد الرضا بأصل المعاملة، إمّا بأنْ يكون المراد أنّهما أوجدا البيع عن الرضا، أو أنّهما رضيا بالبيع، بمعنى عدم الإكراه والفسخ قبل التفرّق، ويمكن أنْ يكون المراد الرضا بالتفرّق في مقابل صدوره عن كره، ويمكن أنْ يكون المراد الرضا بلزوم العقد.

ولو لم ندّع ظهوره في الأوّل، فلا أقلّ من الإجمال، وحيث أنّ الاستدلال يتوقّف على إرادة الثالث، فهو لا يتمّ لعدم ثبوتها.

والغريب أنّ الشيخ رحمه الله(1) في المقام بنى على عدم اعتبار هذا الظهور، وفي المسألة الآتية يصرّح باعتباره استناداً إلى الصحيح.

وأمّا المورد الثاني: فالأقوال فيه ثلاثة:

أحدها: كفاية مجرّد الافتراق، ولو كان أقلّ من خطوة، ذهب إليه الشيخ رحمه الله(2).

ثانيها: اعتبار الخطوة وكفايتها.

ثالثها: عدم كفايتها أيضاً، وأنّ المدار على صدق الافتراق عرفاً.

أقول: والأظهر هو الأخير لوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ الافتراق المجعول غايةً ، هو في مقابل الاجتماع البدني الصادق على ما إذا كان الفصل بينهما خطوة أو أقلّ أو أكثر، يعدّ من المفاهيم العرفيّة الذي لا يشكل أحدٌ في عدم صدقه بمجرّد التباعد بخطوة أو خطوتين.6.

ص: 97


1- المكاسب: ج 5/66-67.
2- المكاسب: ج 5/66.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام في جملةٍ من النصوص: «فلمّا استوجَبتُها قمتُ فمشيتُ خُطاً ليجب البيع»(1).

تقريب الاستدلال: علّق عليه السلام وجوب البيع على المشي خُطاً، ولا ريب في ظهوره في عدم كفاية الأقلّ ، وليس مورد الاستدلال به فعله عليه السلام كي يقال إنّه لا يدلّ على اعتبارها.

واستدلّ للأوّل بأنّ الموضوع هو الافتراق الصادق على الأقلّ من الخطوة.

وفيه: إنّ الافتراق غير التباعد، والثاني يصدق بأدنى فصلٍ بخلاف الأوّل.

وأمّا المورد الثالث: فحمل الكلام ليس صدق التفرّق مع عدم تأثير من المتفرّقين، بل هذا يبحث فيه في المسألة الآتية، والمفروض في المقام صدقه بدونه، بل هو كفاية حركة أحدهما مع سكون الآخر.

أقول: وهذا هو الأظهر، لأنّ الهيئة الاجتماعيّة الحاصلة للمتبايعين محقّقة لصدق الاجتماع، وأنّ كلّاً منهما مجتمعٌ مع الآخر، وعدم تلك محقّق لعنوان الافتراق - أي افتراق كلّ منهما عن صاحبه - وعليه فلو تحرّك أحدهما وسكن الآخر، تنعدم الهيئة الاجتماعيّة، فلا محالة يصدق الافتراق. وأضف إلى ذلك إثبات الإمام عليه السلام افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط حين قال: «فمشيتُ خُطاً ليجبُ البيع حين افترقنا».

الافتراق عن إكراه

صرّح غير واحدٍ(2) بأنّه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه، إذا مُنع من التخاير، وقد استدلّ لذلك بوجوه:

ص: 98


1- الكافي: ج 5/171 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/8 ح 23019.
2- مستند الشيعة: ج 14/370.

الوجه الأوّل: تبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل المختار.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(1): بأنّ المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري، لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار.

والحقّ أنْ يقال: إنّه لا يتبادر الاختياري في مقابل الاضطراري أيضاً، لأنّ هيئات الأفعال موضوعة نوعيّاً، مثلاً هيئة (فعل) وضعت لإفادة التحقّق في ضمن اي مادّة كانت، وقد تكون المادة اختيارية، ولا سبيل إلى غير الاختياريّة فيها ك (باع) و (طلّق)، وقد تكون بالعكس كما في (مات) و (وجد) وغيرها. وقد يجوز الأمران فيها والهيئة في جميع ذلك تستعمل في معنى واحد ولها وضع واحد. وبذلك يستكشف عدم دخل الاختيار في معناها أصلاً.

الوجه الثاني: حديث رفع ما استكرهوا عليه(2) بدعوى أنّه يدلّ على أنّ الافتراق عن كره لا يترتّب عليه الأثر، ووجوده كالعدم، وقد تقدّم في مسألة اشتراط الاخيتار في المتبايعين ما يظهر منه شمول الحديث للحكم الوضعي.

أقول: أُورد على الاستدلال به:

أوّلاً: ما أفاده الشيخ رحمه الله(3) بأنّه لو كان الحديث مدرك هذا الحكم، كان اللّازم البناء على عدم مسقطيّة التفرّق الإكراهي، مع عدم المنع من التخاير، ولم يلتزموا بذلك، فيستكشف منه أنّه لا يكون الحديث مدركاً له.

وفيه: إنّه إنْ ثبت قيام إجماع تعبّدي على السقوط، كان هو المقيّد للإطلاق، وبه9.

ص: 99


1- كتاب المكاسب: ج 5/69.
2- الكافي: ج 2/462 ح 2، وسائل الشيعة: ج 15/370 ح 20771.
3- المكاسب: ج 5/69.

ترفع اليد عمّا يقتضيه الحديث، وإلّا يلتزم المستدلّبعدم السقوط في هذا الفرض أيضاً.

ثانياً: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1) والسيّد في «الحاشية»(1)، من أنّه من التزام القائل باعتبار الاختيار في مقابل الإكراه بسقوط الخيار مع النسيان والغفلة، يُستكشف أنّ ذات الافتراق من حيث هو جُعل من المسقطات، لا بما هو فعلٌ صادرٌ عن اختيار. وحديث الرفع إنّما يجري فيما كان الفعل منوطاً بالقصد كالقعود.

وفيه: إنّ النقض بالنسيان والغفلة يمكن أنْ يجاب عنه بما أجبنا به عن إيراد الشيخ رحمه الله، وأمّا ما أفاده من اختصاص الحديث بالأفعال القصديّة فيرد عليه ما حقّقناه في محلّه من منع التخصيص بعد إطلاق الدليل.

وثالثاً: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(3) من أنّه من كون مورد بعض المرفوعات منحصراً في متعلّق التكليف كالحسد، يُستكشف اختصاص الحديث بمتعلّقات التكاليف، ولا يعمّ الموضوعات لعدم الجامع بين المتعلّق والموضوع، ولذا لو تحقّقت الإقامة عن كره لا يمكن رفع حكمها بالحديث، والتفرّق من قبيل الموضوع لا المتعلّق، فلا يشمله الحديث.

وفيه: إنّ الحديث يدلّ على رفع كلّ ما هو ثابت في عالم التشريع عن ذلك العالم إذا كان عن كره، من غير فرق بين الموضوع والمتعلّق، ولذا لو شرب الخمر عن إكراه، جاز الاقتداء به، وإنْ ورد: (لا تُصلِّ خلف شارب الخمر). وقد صرّح بذلك هو قدس سره في حديث الرفع.

وأمّا مسألة الإقامة، فالجواب عنها: أنّ الإقامة لا تعدّ موضوعاً لوجوب4.

ص: 100


1- حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: ج 2/14.

التمام، بل الموضوع هو العلم بها، وهو لا يكون إكراهيّاً، وما هو إكراهي ليس متعلّق التكليف ولا موضوعه.

ورابعاً: - وهو الصحيح - وهو أنّ لسان الحديث هو رفع الحكم لا وضعه، ولذا لو تعلّق الإكراه بعدم التزويج لا يحكم بتحقّق الزوجيّة، والتفرّق ليس موضوع الحكم، بل هو سببٌ لارتفاع ما هو الموضوع للخيار. وأمّا اللّزوم فهو يثبت بأدلّته وموضوعه العقد.

وبالجملة: موضوع الخيار اجتماع المتبايعين، والافتراق سبب لانعدامه، وهو ليس موضوعاً لحكمٍ ، فلا يصحّ أنْ يقال إنّ التفرّق الإكراهي كلّا تفرّق، فكأنّ الاجتماع باقٍ ، وعليه فالأظهر عدم صحّة الاستدلال به.

الوجه الثالث: إنّ المتبادر ما كان عن رضاً بالعقد. استدلّ به الشيخ رحمه الله(1).

وفيه: ما تقدّم في المسألة المتقدّمة من منع كاشفيّته عن الرضا، فلا وجه لهذه الدعوى أصلاً.

الوجه الرابع: قوله عليه السلام في صحيح الفضيل: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»(1).

أقول: وذكر الشيخ رحمه الله(3) في تقريب الاستدلال به وجهين:

الأوّل: إنّه يدلّ على أنّ الافتراق المجعول غايةً هو الذي ينبعث عن الرضا بالعقد، بمعنى أنّه بعد الفراغ عن أمر العقد والرضا به يفترقان.

الثاني: إنّ الافتراق من حيث كاشفيّته عن الرضا بالعقد جُعل غاية، وعلى3.

ص: 101


1- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23013.

التقديرين الافتراق الإكراهي غير مشمول له، لأنّه غير منبعث عن الرضا ولا كاشف عنه، والفرق بين الوجهين هو الفرق بين مقام الثبوت والإثبات.

وفيه أوّلاً: ما عرفت من تطرّق احتمالات في الرضا الموجود في الحديث.

وثانياً: إنّه لو سُلّم أنّ المراد بالرضا هو الرضا بلزوم العقد، والالتزام به إنّما نلتزم بالتقييد إذا كان لسان الخبر هكذا، فلا خيار لهما إن افترقا بعد الرضا منهما.

وأمّا مفاد ما في الخبر، فهو كون الافتراق التزاماً عمليّاً، ويكون قوله عليه السلام: «بعد الرضا» بياناً للافتراق.

وبعبارة أُخرى : مفاد ما في الخبر أنّه لا خيار بعد الافتراق لكونه رضاً بالعقد.

الوجه الخامس: إنّ تشريع الخيار إنّما هو للإرفاق بالمتبايعين، وهذا لا يلائم مع سقوطه بالافتراق الإكراهي.

وفيه أوّلاً: إنّ ذلك حكمة لا يدور الحكم مدارها.

وثانياً: إنّ أصل ثوبت الخيار إنّما هو للإرفاق، وهذا لا يلازم مع كون غاية الخيار أيضاً ملائمة له.

الوجه السادس: الإجماع المحكيّ عن غير واحد.

وفيه: إنّه لمعلوميّة مدرك المجمعين لا يُعتمد عليه، وعليه فالأظهر سقوط الخيار بالافتراق الإكراهي أيضاً.

هذا إذا كان الإكراه على التفرّق مع المنع من التخاير، وأمّا مع عدم المنع منه فالأمر أوضح.

إكراه أحدهما على التفرّق

ولو اُكره أحد المتبايعين على التفرّق ومُنع عن التخاير، وبقي الآخر في المجلس، فبناءً على ما اخترناه في المسألة السابقة من سقوط الخيارين بالتفرّق الكرهي لا

ص: 102

مجال لهذا البحث، بل يكون الخياران ساقطين بالأولويّة.

نعم، لو قلنا فيها بمقالة المشهور كان لهذا البحث مجالٌ .

أقول: ومورد البحث في المقام، هو عن أنّ التفرّق إذا كان عن إكراه أحدهما، هل يوجبُ سقوط الخيار أم لا؟ وأمّا الجهات الاُخر فهي لا يُبحث عنها في المقام.

وبعبارة أُخرى : البحث في المقام متمحّضٌ في مانعيّة إكراه أحدهما عن السقوط وعدمها. وعليه فلا وجه للنزاع في أنّ التفرّق هل يحصل بحركة أحدهما وسكون الآخر أم لا؟، وقد تقدّم حصوله بذلك، كما تقدّم على دخل الاختيار في ذلك.

وهكذا لا وجه لجعل النزاع في المقام، ومبنى الأقوال فيه بقاء الأكوان وعدمه، وافتقار الباقي إلى المؤثّر وعدمه، إذا لو قلنا ببقاء الأكوان وعدم احتياج الباقي إلى المؤثّر، فغاية ما يلزم منه الساكن ليس بفعله، وقد مرَّ أنّ الافتراق يحصل ولو مع عدم تأثيرٍ من المتفرّقين.

أقول: تنقيح القول في المقام إنّما هو بالبحث في مقامين:

الأوّل: عن مقتضى الأدلّة المتقدّمة في المسألة السابقة ؟.

الثاني: في ما تقتضيه الروايات الحاكية لفعله عليه السلام.

أمّاالمقام الأوّل: فمقتضى المستفاد والمتبادر من التفرّق، هو ماكان عن رضاًبالعقد.

ومقتضى الإجماع، هو سقوط الخيارين في المقام.

ومقتضى حديث الرفع(1) ثبوتهما معاً.

ومقتضى صحيح الفضيل(2)، هو التفصيل بين المكرَه وغيره، وسقوط خيار3.

ص: 103


1- الكافي: ج 2/463 ح 2، وسائل الشيعة: ج 15/370 ح 20771.
2- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23013.

غير المكره خاصّة.

أمّا التبادر، فلأنّ المتيقّن اعتبار رضا أحدهما، وليس المتبادر خصوص ما كان عن رضاهما.

وأمّا الإجماع فلعدم وجوده في المقام.

وأمّا حديث الرفع فلأنّ غاية ما قيل في توجيه دلالته على التفصيل، إنّه يدلّ على ارتفاع حكم ما تعلّق الإكراه به خاصّة دون غيره.

ودعوى: أنّه لو شمل الحديث تفرّق المكرَه، وحَكم عليه بأنّ افتراقه كلّا افتراق، كان لازمه بقاء اجتماع صاحبه معه، ومع بقاء الهيئة الاجتماعيّة شرعاً، يكون خيار كليهما باقياً شرعاً.

مندفعة أوّلاً: بأنّ لسان الحديث تنزيل الموجود منزلة المعدوم، لأنّه حينئذٍ وضعٌ لا رفع، بل لسانه لسان رفع الحكم بلا نظرٍ إلى بقاء الموضوع وعدمه كما حُقّق في الاُصول(1).

وثانياً: إنّ مقتضى كون افتراق المكرَه كلّا افتراق، كونه مجتمعاً مع صاحبه تعبّداً، لا كون صاحبه مجتمعاً معه، وعدم الانفكاك بينهما واقعاً لا يلازم عدم الانكفاك بينهما تنزيلاً وتعبّداً.

أقول: ولكن الأرجح في النظر أنّه يقتضي ثبوت الخيارين معاً، لأنّ الغاية للخيارين أمر واحد، من جهة أنّ الافتراق من المعاني المتضايفة كالاجتماع، ولا يُعقل افتراق أحدهما عن صاحبه من دون أن يفترق صاحبه عنه، وعليه فجعل الغاية متعدّدة لغوٌ، ممّا يقتضي أن تكون الغاية واحدة لا مجالة.

لا يقال: إنّه مع لحوق خصوصيّة الإكراه، يكون قابلاً للانفكاك، فيصحّ جعل الغاية متعدّدة.7.

ص: 104


1- زبدة الأصول: ج 4/277.

فإنّه يقال: إنّ الإكراه لا يكون قيد الافتراق واقعاً كالرضا، بل خصوصيّة عدم الإكراه إنّما تعتبر بحديث الرفع الحاكم على الأدلّة الواقعيّة، فليس في عوض الواقع ما يثبت القيديّة.

وعليه، فحديث الرفع إنّما يرفع حكم الافتراق المجعول غايةً ، وهو سقوط الخيارين معاً، ولازم ذلك ثبوتهما معاً. فتدبّر فإنّه دقيق.

وأمّا صحيح الفضيل: فقد أفاد الشيخ رحمه الله(1) - وتبعه المحقّق النائيني رحمه الله(1) - بأنّ الظاهر منه تقييد السقوط بالرضا منهما المنتفي بانتفاء رضا أحدهما أو كليهما، فيبقى الخيار حتّى بالنسبة إلى المختار.

وفيه: إنّ مقتضى مقابلة التثنية بالتثنية كمقابلة الجمع بالجمع هو التوزيع، وأنّ خيار كلٍّ من البائع والمشتري يكون مغيّاً برضاه، ولازم ذلك هو التفصيل بين المكرَه وغيره.

فتحصّل: أنّه لو كان المدرك في المسألة هو التبادر أو الإجماع، كان الحكم في هذه المسألة سقوط الخيارين، ولو كان هو صحيح الفضيل كان هو التفصيل، بين المكرَه وغيره، ولو كان هو حديث الرفع كان الحكم في المقام ثبوت الخيارين.

وأمّا المقام الثاني: فقد استدلّ الشيخ رحمه الله(3) لسقوط الخيارين في المقام بالرواية الحاكية لفعله عليه السلام، وأنّه قال: «فمشيتُ خُطاً ليجب البيع حين افترقنا»(2)، فإنّها تدلّ على أنّ مجرّد مشيه سببٌ لصدق الافتراق المجعول غايةً للخيار، وجعل وجوب البيع علّة غائيّةً له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الإمام عليه السلام.9.

ص: 105


1- منية الطالب: ج 3/56.
2- الكافي: ج 5/171 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/8 ح 23019.

وفيه: إنّها متضمّنة لقضيّة شخصيّة، ولعلّ تجريده في مقام الاستناد، من جهة حصول الشرط وهو الرضا منه أو منهما.

قال الشيخ رحمه الله(1): (وظاهر الصحيحة وإنْ كان أخصّ ، إلّاأنّ ظهور الرواية في عدم مدخليّة شيء آخر زائداً على مفارقة أحدهما صاحبه مؤيّدٌ بالتزام مقتضاه في غير واحدٍ من المقامات) انتهى .

أقول: والذي أظنّه أنّ هذا الكلام منه قدس سره مبنيٌّ على ما ذكره في الاُصول - في مبحث التعادل و الترجيح - من أنّ الخاص إذا كان ظنّي الدلالة لا يُقدّم على العام مطلقاً، بل لابدَّ من ملاحظة أقوى الظهورين، فإنّه في المقام دلالة الصحيح على عدم سقوط الخيارين بدون رضاهما ليست قطعيّة، بل ظنيّة ومن باب الظهور، فلابدَّ من ملاحظة أقوى الظهورين منه ومن ظهور الرواية، وحيث أنّ ظهور الرواية أقوى من جهة التزام مقتضاها في كثيرٍ من المقامات حسب ماذكره الشيخ رحمه الله، فيكون هو مقدّماً على ظهور الصحيح.

وعليه، فما أورده المحقّق الايرواني(2) بعد بيان مراده بغير ذلك في غير محلّه.

حكم ما لو زال الإكراه قبل الرّد

أقول: يدور البحث في هذا الفرع فيما لو زال الإكراه وهو لم يرد، ففيه أقوال:

القول الأوّل: ماعن الشيخ(3) وجماعة(4) من أنّه يمتدّ الخيار بامتداد مجلس الزوال.

ص: 106


1- المكاسب: ج 5/76.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/15.
3- المبسوط: ج 2/84.
4- نسبه صاحب مقابس الأنوار: ص 243 إلى ظاهر ابن زُهرة والفاضلين والإرشاد وفتوى الأخير في التحرير والشهيد الثاني في الروضة ومالَ إليه الميسي.

القول الثاني: ما عن «التذكرة»(1)، من أنّه ينقطع خياره ببقائه سائراً، قال: (وليس عليه الانقلاب إلى مجلسٍ ليجتمع مع العاقد الآخر إنْ طال الزمان، وإنْ لم يطل ففيه احتمال عند الجويني) انتهى .

القول الثالث: ما عن جمعٍ منهم السيّد في «الحاشية»(2) من بقاء الخيار إلى أن يحصل أحد المسقطات الاُخر.

استدلّ للأوّل: بأنّ الافتراق الحاصل عن كره كالمعدوم، فكأنّهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باقٍ إلى أن يحصل الافتراق.

وفيه: ما تقدّم من أنّ حديث الرفع لا ينفي الموضوع، وإنّما يتضمّن رفع الحكم خاصّة.

واستدلّ للثالث بوجهين:

أحدهما: إنّ النَّص ساكتٌ عن غاية هذا الخيار، فالمرجع هو استصحاب الخيار.

وفيه: - مضافاً إلى ما حقّقناه في محلّه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام - أنّه لو سُلّم ذلك، لا سبيل له في المقام مع وجود عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، فإنّه وإنْ لم يكن له عمومٌ أزماني، إلّاأنّ المخصّص بما أنّه من الابتداء لا من الوسط، يكون هو المرجع دون الاستصحاب.

ثانيهما: ما أفاده السيّد رحمه الله(3) من أنّ النَّص يدلّ على ذلك، فإنّه جعل المسقط الافتراق الاختياري، والمفروض عدم تحقّقه، وعدم بقاء شأنيّة التحقّق له أيضاً، لأنّ المفروض حصول الافتراق حسّاً، فيكون كما لو لم يكن افتراق أصلاً.

هذا إذا قلنا بأنّ الافتراق منصرفٌ إلى الاختياري.6.

ص: 107


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/518 (ط. ق). (2و3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: ج 2/16.

وإنْ قلنا بذلك من جهة حديث الرفع فكذلك، لأنّ مقتضاه أنّ الافتراق الإكراهي لا أثر له في الإسقاط، والمفروض عدم مسقطٍ آخر، فلابدَّ من بقاءالخيار.

وفيه أوّلاً: إنّ ذلك لو تمّ ، فإنّما هو على القول بأنّ الغاية هي حدوث الافتراق، أمّا لو قلنا بأنّها مطلق الافتراق، حدوثاً كان أو بقاءً ، فيمكن أنْ يقال إنّ الغاية وإنْ كانت حدوثاً عن إكراه وعن رضا، إلّاأنّها بقاءاً تكون لا عن إكراه، ومع تحقّق الغاية، يتحقّق شرطها أو زوال مانعها، ويرتفع المغيّا وهو الخيار، وعليه، فلا يكون الخيار باقياً لا فوراً ولا بنحو التراخي.

وثانياً: إنّه لو سُلّم كون الغاية هي حدوث الافتراق، فالغاية وإنْ كانت ممتنعة التحقّق، إلّاأنّ بقاء الخيار يتوقّف على ثبوت الإطلاق لدليله، ويمكن منعه من هذه الحيثيّة - أي حيثيّة امتناع تحقّق غايته وإمكانه - فتأمّل.

وبالجملة: وبما ذكرناه ظهر مدرك القول الثالث، وما يمكن أنْ يرد عليه.

مسقطيّة التصرّف

المسقط الرابع: التصرّف.

أقول: لابدَّ أوّلاً من بيان الموضوع، ثمّ حكمه.

أمّا الموضوع: فالظاهر أنّ مرادهم منه، هو تصرّف البائع في الثمن، والمشتري في المبيع، وأمّا العكس، فلو دلَّ على شيء، فهو الفسخ لا لزوم العقد.

وأيضاً: المراد مسقطيّة تصرّف كلّ منهما لخصوص خياره دون صاحبه.

وكيف كان، فقد استدلّ لمسقطيّته بوجوه:

ص: 108

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1)، من أنّ التصرّف إجازة فعليّة، فمسقطيّته تكون على القاعدة.

وفيه: إنّه قدس سره صرّح في غير موردٍ بأنّه يعتبر في الإنشاء أنْ يكون ما يُنشَأ به مصداقاً للعنوان المقصود إنشائه، فكلّ تصرّف ليس مصداقاً للإجازة لا يصحّ الإنشاء به، نعم التصرّف الذي يكون كذلك، أي يكون مبرزاً عرفاً، يصحّ إنشاء الإجازة به.

الوجه الثاني: ما في «المكاسب»(2) من عموم العلّة المذكورة في خيار الحيوان، وهي قوله عليه السلام: «فذلك رضاً منه فلا شرط له»(3).

بتقريب: إنّه يدلّ على أنّ التصرّف كاشفٌ نوعي عن الرضا بالعقد، والشارع الأقدس أمضيهذه الكاشفيّة، ومن المعلوم أنّه لااختصاص للكاشفيّة بخيارالحيوان.

وفيه: إنّه سيجيء أنّ محتملات هذه الجملة متعدّدة، وأظهرها أنّه عليه السلام بصدد التعبّد بكون تلك الأفعال التزاماً وإجازة، وعليه فلا سبيل إلى التمسّك بعموم العلّة، فإنّه إنّما تكون العلّة معمّمة، فيما إذا كانت علّة عرفاً ويفهم العرف عليّته، ولا تكون تعبديّة، وإلّا فيدور الحكم مدار مقدار التعبّد، وحيث أنّ النَّص مختصٌّ بخيار الحيوان، فلا وجه للتعدّي.

الوجه الثالث: ما في «المكاسب»(4) أيضاً من أنّ سقوط خيار المشتري بتصرّفه2.

ص: 109


1- منية الطالب: ج 3/56.
2- المكاسب: ج 5/81-82.
3- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.
4- المكاسب: ج 5/82.

مستفادٌ من نفس الرواية المعلّلة، حيث قال عليه السلام: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل ثلاثة أيّام، فذلك رضاً منه، فلا شرط»، فإنّ الشرط يشمل شرطا لمجلس.

وفيه: إنّ الشرط المنفيّ خصوص خيار الحيوان، إذ الشرط الذي يسقط بذلك قبل ثلاثة أيّام خصوص ذلك، وأمّا خيار المجلس فلا فرق فيه بين قبل الثلاثة وبعدها، ولعلّه لذلك أمر بالتأمّل.

وبالجملة: فالحقّ عدم مسقطيّة التصرّف من حيث هو، نعم الأفعال التي تكون مبرزة لذلك، وقُصد بها السقوط، تكون مسقطة لكونها إسقاطاً، لا لمسقطيّة التصرّف، هذا تمام الكلام في خيار المجلس.

***

ص: 110

الثاني: خيار الحيوان:

خيار الحيوان

اشارة

الخيار (الثاني): هو (خيار الحيوان) الذي قام عليه الإجماع في الجملة بل عُدَّ ضروريّاً عند علماء المذهب، كما في «الجواهر»(1)، والنصوص الشاهدة به مستفيضة إنْ لم يكن متواترة:

منها: صحيح الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الشرط في الحيوان ؟ قال:

ثلاثة أيّام للمشتري، الحديث»(2).

ومنها: موثّق الحسن بن عليّ بن فضّال، عن الإمام الرضاء عليه السلام: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «في الحيوان كلّه شرطٌ ثلاثة أيّام للمشتري، فهو بالخيار إنْ اشترط أو لم يشترط»(4).

ونحوها غيرها من الأخبار الآتي طرف منها.

أقول: واستقصاء القول في المقام يتحقّق بالبحث في أُمور:

الأمر الأوّل: هل يثبت الخيار في بيع كلّ حيوانٍ حتّى مثل الجراد والزنبور

ص: 111


1- جواهر الكلام: ج 23/23.
2- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/11 ح 23027.
3- تهذيب الأحكام: ج 7/67 ح 1، وسائل الشيعة: ج 18/10 ح 23024.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/201 ح 3761، وسائل الشيعة: ج 18/10 ح 23023.

والسَّمك والعَلَق ودود القِزّ، وحتّى الحيوان المُشرف على الموت، أم يختصّ بما يقصد حياته، فلايشمل المقصود لحمه، أم يختصّ بما يقصد لحمه وحياته معاً؟ وجوه:

أقول: الظاهر من النَّص والفتوى العموم لكلّ ذي حياة، وقد وقع الكلام في الحيوان الذي يكون المقصود لحمه لا حياته بالإصالة كالسّمك المُخرَج من الماء، أو لعارضٍ كالصيد المُشرِف على الموت، فإنّ ظاهر الفتوى ثبوت الخيار فيه، وعن جماعةٍ من متأخّري المتأخّرين عدم ثبوته فيه(1). والشيخ رحمه الله(2) نفى البُعد عن عدم ثبوت هذا الخيار في القسم الأوّل، واستشكل في القسم الثاني، واستدلّ للأوّل بإطلاق النَّص.

وفيه: إنّ الظاهر من أخذ كلّ عنوانٍ في الموضوع، دخله فيه من حيث هو، لا كونه إشارةً ومعرّفاً للمصاديق الخارجيّة، وعليه فبما أنّ المأخوذ في موضوع هذا الخيار بيع الحيوان، فيكون الخيار ثابتاً فيما يباع بما أنّه حيوان - أي ذو نفس - وأمّا ما يباع لا بهذا العنوان، بل بما هو لحكمٍ ، فلا يكون مشمولاً لهذا الحكم، من غير فرق بين ما هو كذلك بالأصالة، أو بالعارض، بل لو بيع حيوان سالم باقٍ لا بما هو حيوان بل بما أنّه لحكمٍ ، لا يكون مشمولاً له.

بحث: هل يعدّ زهاق روح المُشرِف على الموت تلفاً من البائع قبل القبض، أو في زمان الخيار على القول به، أو في المجلس، أم لا؟

وجهان، مختار الشيخ الثاني(3).

وأُورد عليه: بأنّه بناءً على ثبوت الخيار، لم لا يعدّ زهاق روحه تلفاً في3.

ص: 112


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/16، منية الطالب: ج 3/57. (2و3) المكاسب: ج 5/83.

زمان الخيار.

وبعبارة أُخرى : إذا لو حظ جهة اللحميّة لا خيار ولا تلف من البائع، وأمّا إنْ لوحظ جهة الحيوانيّة، دخل الخيار فيه، وكان تلفه من البائع.

وفيه: إنّ ملاك ثبوت الخيار هو وقوع البيع على ذات ما هو حيوانٌ ، وإنْ لم يقصد هذه الجهة، وأمّا ملاك التلف، فهو زوال الوصف والمقوّم للماليّة، والحياة في الفرض غير مقوّمة لها، فلا يعدّ زوالها تلفاً.

فرع: لو كان الحيوان لا يبقى إلى ثلاثة أيّام، ففي منتهى خياره وجوه وأقوال:

مقتضى ظاهر النَّص أنّ كلّ حيوانٍ ثبت فيه الخيار، كان خياره باقياًإلى الثلاثة.

وقد يقال: بأنّ منتهاه في المقام التلف.

وفيه: إنّه مبنيٌّ على كون متعلّق الخيار العين، وهي الحيوان، فمع نفاده يزول الخيار، لكن المبنى فاسدٌ، لأنّه متعلّق بالعقد.

وقد يقال: بأنّه خيارٌ ثابتٌ لم يثبت منتهاه من الدليل، لأنّ النصوص من جهة حِكمة جَعْل الخيار - وهي الاطّلاع على عيوب الحيوان - تكون منصرفة عنه، فيأتي فيه الوجهان:

من امتداد الخيار إلى أنْ يأتي أحد المسقطات للاستصحاب.

ومن كونه على الفور، لأنّه القدر المتيقّن.

وفيه: إنّ الحكمة لا سيّما غير المنصوصة منها لا يعتنى بها، فالمتّبع هو إطلاق النصوص.

هذا كلّه لو كان المبيع معيّناً.

ص: 113

كلّ من اشترى حيواناً ثبت له الخيار خاصّة.

وأمّا لو كان كليّاً ففيه وجوه.

وملخَّص القول فيه: إنّه إنْ كان المبيع كليّاً في المعيّن، لا كلام في ثبوت الخيار فيه، وإنْ كان كليّاً في الذّمة، مقتضى إطلاق النصوص ثبوت الخيار فيه.

أقول: قد استدلّ للعدم بوجهين:

الوجه الأوّل: انصراف النصوص إلى الشخصي، من حيث أنّ المتداول بين الناس في بيع الحيوان هو الشخصي، فالخيار الثابت في بيع الحيوان ينصرف إلى ما هو المتداول عندهم.

وفيه: إنّ التعارف والتداول لا يوجبان الانصراف المقيّد للإطلاق، والشاهد على ذلك أنّه لا يتوهّم أحدٌ انصراف قوله تعالى : (أَحَلَّ اَللّهُ اَلْبَيْعَ ) (1) عنه.

الوجه الثاني: إنّ حكمة جعل الخيار لا تجري في الكلّي.

وفيه: إنّ الحكمة لا توجب تقييد الإطلاق.

وبالجملة: فالأظهر ثبوت الخيار في الكلّي مطلقاً.

اختصاص الخيار بالمشتري

الأمر الثاني: (كلّ من اشترى حيواناً، ثبت له الخيار خاصّة) كما هو المشهور(2)، وعن «الغُنية»(3) و «الدروس»(4) دعوى الإجماع عليه.

ص: 114


1- سورة البقرة: الآية 275.
2- مختلف الشيعة: ج 5/64، رياض المسائل: ج 8/181 (ط. ج).
3- غنية النزوع: ص 219.
4- الدروس: ج 3/272.

أقول: وتنقيح القول في هذا الأمر يتحقّق بالبحث في مقامين:

الأوّل: في أنّه هل يختصّ هذا الخيار بمن انتقل إليه الحيوان، أم يكون ثابتاً لمن انتقل عنه أيضاً؟

الثاني: في أنّه هل يثبت لمن انتقل إليه مطلقاً، أم يختصُّ بخصوص المشتري ؟

أمّا المقام الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب هو الاختصاص، وعن السيّد الأجل المرتضى(1) ثبوته لمن انتقل عنه، وقوّاه في محكي «المسالك»(2) مع قطع النظر عن الشهرة، وتبعه في ذلك صاحب «المفاتيح»(3)، وتوقّف في محكى «غاية المراد»(4) وحواشي «القواعد»(5)، وتبعه في محكي «المقتصر»(6).

أقول: وتحقيق الكلام في هذا المقام يقتضي البحث في موردين:

الأوّل: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصّة.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ الشيخ رحمه الله(7) لعدم الثبوت بوجهين:

الوجه الأوّل: عموم قوله عليه السلام: «فإذا افترقا وجب البيع»(8)، خَرج عنه المشتري وبقي البائع.5.

ص: 115


1- الانتصار: ص 433.
2- مسالك الأفهام: ج 3/200.
3- مفاتيح الشرائع: ج 3/68-69.
4- غاية المراد: ج 2/96-97.
5- حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 4/555 (ط. ق).
6- المقتصر: ص 168-169.
7- المكاسب: ج 5/86.
8- الكافي: ج 5/170، وسائل الشيعة: ج 18/5.

وفيه أوّلاً: إنّه مختصٌّ ببيع غير الحيوان، لأنّ التفصيل قاطعٌ للشركة، فالتفصيل بين الحيوان وغيره في صحيح الفضيل الآتي وغيره، موجبٌ لاختصاص ذلك بغير الحيوان.

وثانياً: إنّ الوجوب الذي تثبته هذه الجملة، هو الوجوب الإضافي، وقد ورد نظيره في خيار الحيوان، ولذا لا تكون أدلّة الخيارات متعارضة.

وثالثاً: إنّ الوجوب بمعنى لزوم العقد، وعدم قابليّته للانحلال، فإذا ثبت الخيار - ولو للمشتري - لم يكن البيع واجباً، وليس وجوب البيع من قبيل العام كي يقال إنّه خُصّص بالإضافة إلى المشتري، وتخصيصه بالنسبة إلى البائع مشكوك فيه فيتمسّك بالعموم.

وبالجملة: بما ذكرناه ظهر عدم صحّة الاستدلال بقوله عليه السلام: «فإذا افترقا فلا خيار»(1).

الوجه الثاني: العمومات العامّة الواردة في البيع وغيره مثل قوله تعالى :

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2) فيما لا يكون فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط، ويثبت في الباقي بعدم القول بالفصل.

وفيه: إنّه يصحّ التمسّك بها حتّى فيما ثبت فيه خيار المجلس، لأنّه لو سُلّم كون المرجع استصحاب حكم الخاص، إذا لم يكن للعام عموم أزماني - مع أنّه غير تامّ - فإنّما هو فيما إذا لم يكن التخصيص من الابتداء، وإلّا فالمرجع هو عموم العام.

واستدلّ للقول الآخر: بأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيارالمجلس.1.

ص: 116


1- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23013.
2- سورة المائدة: الآية 1.

وفيه: بعد تصحيحه بأنّ اجتماع السببين للخيار، موجبٌ لثبوت خيار واحدٍ ذي جهتين، وعليه فتصحّ دعوى استصحاب الكلّي الموجود بوجود خيار المجلس، فإنّه من قبيل الكلّي المردّد بين الطويل و القصير، مضافاً إلى أنّ المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام فيقتضي أن يصبح المقام - كما تقدّم - من موارد التمسّك بالعموم لا الاستصحاب.

فتحصّل: أنّ الأظهر بحسب القواعد عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه.

وأمّا المورد الثاني: فقد استدلّ على الاختصاص بصحاح خمسة:

أحدها: صحيح ابن رئاب، المحكيّ عن «قُرب الإسناد» عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ اشترى جاريةً ، لمن الخيار للمشتري، أو للبائع، أو لهما كليهما؟

قال عليه السلام: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام، فإذا مضت ثلاثة أيّام نظرة، فقد وجب الشراء على ذلك»(1).

ثانيها: صحيح الفضيل بن يسار، عنه عليه السلام:

«عن الشرط في الحيوان ؟ قال عليه السلام: ثلاثة أيّام للمشتري.

قلت: وما الشرط في غير الحيوان ؟

قال عليه السلام: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»(2).

ثالثها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام، قال: «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري»(3).

رابعها: صحيح ابن رئاب، عنه عليه السلام، قال: «الشَّرط في الحيوان ثلاثة3.

ص: 117


1- وسائل الشيعة: ج 18/12 ح 23031، قرب الإسناد: ص 78.
2- الكافي: ج 5/170 ح 6، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23013.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/201 ح 3761، وسائل الشيعة: ج 18/10 ح 23023.

أيّام للمشتري»(1).

خامسها: صحيح ابن مسلم: «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام»(2).

وخبر عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري»(3).

أقول: لا كلام في دلالة صحيح عليّ بن رئاب الأوّل على ذلك، فإنّ المسؤول عنه إنّما هو جنس الخيار لا فرد منه، إذ لا مقابلة بين ثبوت فردٍ للبائع وفردٍ آخر للمشتري، بل المقابلة بين ثبوت الجنس للبائع واختصاصه به، وثبوته للمشتري، فجوابه عليه السلام كالنَّص في الاختصاص، فيدلّ بالمفهوم على نفيه عن البائع.

وأمّا سائر النصوص: فقد قيل في دلالتها على ذلك وجوه:

أحدها: ما في «المكاسب»(4) في ذيل صحيح الفضيل بن يسار، قال قدس سره: (وإطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان، بعد الافتراق، يشمل ما إذا كان الثمن حيواناً).

وفيه: الظاهر كما تقدّم أنّ الخيار المنفيّ خصوص خيار المجلس لا مطلق الخيار.

ثانيها: ما أفاده قدس سره في ذيل خبر عليّ بن أسباط، وهو الوجه عنده في دلالة سائر النصوص بقوله: (فان ذكر القيد مع إطلاق الحكم قبيحٌ إلّالنكتةٍ جليّة).

وفيه: إنّ هذا ذُكر وجهاً لدلالة الوصف، واللّقب على المفهوم، وقد حُقّق في7.

ص: 118


1- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.
2- الكافي: ج 5/170 ح 5، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23011.
3- الكافي: ج 5/216 ح 16، وسائل الشيعة: ج 18/6 ح 23015.
4- المكاسب: ج 5/87.

الاُصول عدم تماميّته.

ثالثها: ما أفاده صاحب «الجواهر»(1)، من أنّ اللّام تفيد الاختصاص.

وفيه: إنّ الاختصاص الذي تفيده اللّام، غير الانحصار الموجب لثبوت المفهوم، فإنّ الاختصاص ليس إلّاأنّ المشتري لا شريك له في حقّ الخيار، غير المنافي لثبوت فردٍ آخر منه للبائع.

وفي مقابل هؤلاءمن يدّعي عدم دلالة شيء من تلك النصوص على الاختصاص.

أمّا صحيح ابن رئاب: فلأنّه واردٌ في الجارية دون الحيوان.

وأمّا غيره: فلأنّه يُحمل قوله عليه السلام: «ثلاثة أيّام للمشتري» على أنّ جعل الخيار لأجل رعاية حال المشتري، لا أنّ المجعول له الخيار هو المشتري، فكأنّ اللّام للغاية لا للاختصاص.

وفيه: الظاهر أنّ عدم الفرق بين الجارية وسائر الحيوانات من المتسالم عليه، وحمل اللّام على الغاية خلاف الظاهر، لا سيّما بعد وقوع هذه الجملة جواباً عن السؤال عن حَدّ الخيار.

وبالجملة: فالأظهر دلالتها على الاختصاص، من جهة ورودها في مقام الضبط والتحديد، لا سيّما ما وقع منها جواباً عن السؤال عمّا هو الشرط في الحيوان، ويؤيّده تغيير التعبير، لاحظ ما ورد في صحيح محمّد بن مسلم من قوله عليه السلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام».

ودعوى: أنّ (صاحب الحيوان) مطلقٌ من حيث إرادة الفعلي والسابق، فيعمّ كليهما.5.

ص: 119


1- جواهر الكلام: ج 23/25.

مندفعة: بأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس.

أقول: وبإزاء هذه النصوص، صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا»(1).

وهو مستند السيّد قدس سره(2).

قال الشيخ رحمه الله(3): في مقام الجمع بينه وبين الروايات المتقدّمة:

أوّلاً: إنّ تلك النصوص - سوى ما عن «قرب الإسناد» - إنّما تكون دلالتها بالمفهوم، لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيح، فيمكن حملها على بيان الفرد الشديد الحاجة، إذ الغالب كون إرادة الفسخ في طرف المشتري، ولا ريب أنّ الأظهريّة في الدلالة متقدّمة في باب الترجيح على الأكثريّة. وأمّا صحيح ابن رئاب، فصحيح ابن مسلم أرجح منه من حيث السند، لأنّ راويه من أجلّ الثقات، وهو مرويٌّ في الكتب الأربعة، و «قرب الإسناد» ليس في الاعتبار بتلك المكانة.

ثمّ قال: (الإنصاف أنّ أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة، حتّى محمّد بن مسلم الراوي للصحيحة، مع أنّ المرجع بعد التكافؤ عموم أدلّة لزوم العقد بالافتراق، والمتيقّن خروج المشتري).

ولكن يرد على ما أفاده قدس سره أوّلاً: إنّ قوّة دلالة أحد المتعارضين في نفسها ليست موجبة للتقديم، لعدم دلالة دليلٍ على ذلك، وإنّما توجب ذلك فيما إذا كان قرينة على الآخر ولم يكونا عند العرف متنافيين، وضابط ذلك أنّه لو جمعا في كلامٍ واحد،9.

ص: 120


1- تهذيب الأحكام: ج 7/23 ح 16، وسائل الشيعة: ج 18/10 ح 23025.
2- حاشية المكاسب: ج 2/17.
3- المكاسب: ج 5/89.

وفرض صدور المجموع عن شخص واحد، لا يكون هذا الكلام متهافتاً صدوره مع ذيله، بل كان أحدهما قرينةً على الآخر، كما لو ورد (اغتسل للجمعة) ثمّ ورد (لا بأس بترك غُسل الجمعة)، وهذا الضابط لا ينطبق على المقام، فإنّا إذا جمعنا قوله عليه السلام في صحيح الفضيل في جواب السائل: «ما الشَّرط في الحيوان ؟ ثلاثة أيّام للمشتري»، مع قوله عليه السلام في صحيح محمّد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان» لا يرى العرف أحدهما قرينةً على الآخر، بل يرى صدره متهافتاً مع ذيله.

ويرد على ما أفاده ثانياً: إنّه في الخبرين المتعارضين لا مجال للحكم بالتساقط والرجوع إلى العام الفوق، بل لابدَّمن الرجوع إلى المرجّحات، ومع فقدهايُحكم بالتخيير.

أقول: جمع المحقّق النائيني رحمه الله(1) بين الطائفتين بوجهٍ آخر، وهو:

إنّ صحيح محمّد بن مسلم بإطلاقه يشمل ما إذا كان الثمن أو المثمن أو كلاهما حيواناً، فيقيّد بواسطة النصوص الاُخرالتي منها صحيحه الآخربما إذا كان الثمنان حيواناً.

وفيه: إنّه حملٌ على الفرد النادر، وفي مثله يكون المطلق معارضاً مع المقيّد.

ودعواه أنّ قوله عليه السلام: «صاحب الحيوان» أظهر في الاختصاص، لا تكون جواباً عن ذلك، لأنّ ما ذكره تقريبٌ لدلالته على المفهوم، وصيرورته مقيّداً، وهذا لا يلازم صلاحيّته لتقييد الإطلاق بهذا النحو من التقييد.

وبالجملة: فالحقّ أنّ الطائفتين متعارضتان، ولا يمكن الجمع بينهما، بل الترجيح مع أخبار المشهور لوجهين:

أحدهما: أنّها المشهورة بين الأصحاب روايةً وفتوى.2.

ص: 121


1- منية الطالب: ج 2/32.

ثانيهما: أنّها موافقة للكتاب، لأنّها تدلّ على عدم ثبوت الخيار للبائع، وصحيح ابن مسلم يدلّ على ثبوته له، وهي موافقة لقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) فتقدّم هي.

هذا على فرض تسليم حجيّة صحيح ابن مسلم في نفسه، مع أنّها قابلة للمنع من جهة إعراض الأصحاب عنه، وعدم إفتائهم بمضمونه.

وعليه، فالأظهر هو اختصاص هذا الخيار بمن انتقل إليه، وعدم ثبوته لمن انتقل عنه.

وأمّا المقام الثاني: فظاهر المشهور الاختصاص بالمشتري، وعن جماعة من المتأخّرين(2) منهم الشهيد في «المسالك»(3) ثبوته لمن انتقل إليه الحيوان ثمناً أو مثمناً.

واستدلّللعموم: بصحيح محمّدبن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال:

«البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام»(4).

وأُورد عليه بإيرادات:

الإيراد الأوّل: إنّه مطلقٌ يقيّد إطلاقه بالخبر الموثّق الذي رواه ابن فضّال، عن علي بن موسى عليه السلام أنّه قال: «صاحبُ الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام»(5).4.

ص: 122


1- سورة المائدة: الآية 2.
2- مجمع الفائدة: ج 8/392، الحدائق الناضرة: ج 19/25، مستند الشيعة: ج 14/377.
3- مسالك الأفهام: ج 3/200.
4- الكافي: ج 5/170 ح 5، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23011.
5- تهذيب الأحكام: ج 7/67 ح 1، وسائل الشيعة: ج 18/10 ح 23024.

وأجاب عنه الشيخ(1): باحتمال ورود التقييد مورد الغالب، إذ الغالب كون صاحب الحيوان مشترياً.

ثمّ أورد على نفسه (2) : بأنّه كما يحتمل ذلك، يحتمل ورود الإطلاق في الصحيح مورد الغالب، بأنْ يكون المراد من صاحب الحيوان هو المشتري، وإنّما لم يذكر القيد من باب الإتّكال على الغلبة.

وأجاب عنه: بأنّه قد تكون الغلبة بحيث توجبُ تنزيل التقييد عليها، ولا توجب تنزيل الإطلاق.

وأورد عليه السيّد الفقيه (1) : - وتبعه المحقّق الايرواني رحمه الله(2) - بأنّ مجرّد الدعوى والإمكان لا تصحّح الاستدلال.

أقول: توضيحاً لما أفاده الشيخ رحمه الله بنحوٍ يظهر عدم ورود ما أُورد عليه، مع ما هو الحقّ في المقام:

إنّ المطلق في الأحكام الانحلاليّة لا يُحمل على المقيّد إذا كانا متوافقين - كما في:

(أكرم العلماء) و (أكرم الفقهاء) - لعدم التنافي بينهما، والمقام من هذا القبيل، ولا ينافي ثبوت الخيار لهما مع ثبوته للمشتري، فلا يُحمل المطلق على المقيّد.

نعم، يبقى حينئذٍ سؤالٌ ، وهو: أنّه على هذا ما فائدة القيد، ولِمَ ذُكر ذلك ؟

والجواب عنه: أنّه إنّما ذكر القيد لكونه غالبيّاً، كما في الآية الشريفة:

(وَ رَبائِبُكُمُ اَللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) (3) .3.

ص: 123


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/17.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/17.
3- سورة النساء: الآية 23.

فإنْ قيل: لِمَ لا يُحمل المطلق على الغالب ؟

قلنا: إنّه مع تماميّة مقدّمات الحكمة، ينعقد للّفظ ظهورٌ في الإطلاق، ولا يصحّ إرادة المقيّد منه، إلّامع ضَمّ ما يصلح عرفاً أن يتّكل عليه في مقام إرادة المقيّد، وبعض مراتب الغلبة لا يصلح لذلك، وهذا بخلاف حمل المقيّد عليه، فإنّه لا يراد بحمله على الغلبة صرفه عن كونه مقيّداً، بل هو بنفسه غير قابل لذلك، وإنّما يُحمل على الغالب خروجاً عن اللّغوية. وعلى هذا فتكون الغلبة موجبة لتنزيل التقييد عليها غير موجبة لتنزيل الإطلاق.

مع أنّه يمكن أنْ يكون (المشتري) وصفاً ل (الحيوان) بأن يُقرأ بفتح الرّاء.

الإيراد الثاني: إنّه يقيّد إطلاقه بما دلَّ على اختصاص الخيار بالمشتري من النصوص المتقدّمة في المقام الأوّل.

والجواب عنه: إنّه لا مفهوم لها، لأنّ مورد صحيح ابن رئاب اشتراء الجارية.

وغيره يتوقّف ثبوت المفهوم له على القول بثبوت المفهوم للوصف واللّقب.

الإيراد الثالث: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1) - وتبعه المحقّق الاصفهاني رحمه الله(1) - من انصرافه إلى المشتري، فلا مخصّص يعتدّ به لعمومات اللّزوم مطلقاً أو بعد المجلس.

وفيه: إنّه لا منشأ لتوهّم الانصراف سوى الغلبة، وهي لا توجب الانصراف المقيّد للإطلاق كما حُقّق في محلّه.

الإيراد الرابع: ما ذكره الشيخ رحمه الله(3) بقوله: (ولا صحيحة محمّد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين، لإمكان تقييدها وإنْ بَعُد).4.

ص: 124


1- حاشية المكاسب: ج 4/153-154.

ثلاثة أيّام.

أقول: ولكن لم يظهر لي وجه هذا الإيراد، وأنّه كيف يكون إيراداً على هذا الدليل، بل الصحيح لو لم يكن معاضداً ليس بمنافٍ قطعاً.

وعليه، فالأظهر ثبوت هذا الخيار لمن انتقل إليه مطلقاً.

مدّة الخيار ثلاثة أيّام

الأمر الثالث: مدّة خيار الحيوان (ثلاثة أيّام) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في ظاهر «الانتصار»(1)، و «التذكرة»(2)، والمحكيّ عن «الخلاف»(3)، وصريح «السرائر»(4): الإجماع عليه. كذا في «الجواهر»(5).

والنصوص المتقدّم بعضها والآتي بعضها الآخر شاهدة به.

وما عن جماعةٍ من القدماء كالحلبيّين(6) وغيرهما(7)، من الحكم بضمان البائع مدّة الاستبراء، و عن «المقنعة»(8)، و «النهاية»(9)، و «المراسم»(10)،

ص: 125


1- الانتصار: ص 433.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/519.
3- الخلاف: ج 3/12.
4- السرائر: ج 2/277 و 279-280.
5- جواهر الكلام: ج 23/26.
6- الكافي في الفقه: ص 353.
7- غنية النزوع: ص 219.
8- المقنعة: ص 592-593.
9- راجع هامش المكاسب: ج 5/91، وذلك لأنّ العبارة ساقطة من النهاية المتداولة بين أيدينا، نعم هي موجودة في النهاية المطبوعة مع نكت النهاية: ج 2/144-145، والمطبوعة ضمن الجوامع الفقهيّة ونقلها العلّامة بلفظها في المختلف: ج 5/223.
10- المراسم العلويّة: ص 175.

و «الجامع»(1)، من الحكم بأنّ نفقة تلك المدَّة على البائع، ليس مخالفة في الإنسيّ من الحيوان، إذ يمكن القول بالضمان والنفقة مع انقضاء مدّة الخيار للأدلّة الخاصّة، فهي ثلاثة أيّام في الحيوان كلّه؛ إنسيّة وغيره.

***2.

ص: 126


1- الجامع للشرائع: 262.

من حين العقد.

ثبوت خيار المجلس لو كان المبيع حيواناً

الأمر الرابع: ابتداء هذا الخيار (من حين العقد) كما صرّح به جماعة، وهو ظاهر الباقين، بل هو المشهور بين الأصحاب، كما عن «مجمع الفائدة والبرهان»(1).

وعن ظاهر «الدروس»(2) التوقّف.

وعن «الغُنية»(3): إطلاق التحديد بالتفرّق في ابتداء مدّة الخيار، بحيث يشمل خيار الحيوان.

ونصّ على ذلك الشيخ(4) وابن إدريس رحمهما الله(5) في خيار الشرط، ويلزمهما القول به في غيره لعموم ما عَلّلا به.

أقول: وكيف كان، فالكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأوّل: في أنّه هل يختصّ خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع حيواناً، أم يعمّ ما إذا كان حيواناً؟

الثاني: في أنّه على فرض التعميم، هل يكون مبدأه من بعد التفرّق، أو من حين العقد؟

ص: 127


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 8/396.
2- الدروس: ج 3/266.
3- غنية النزوع: ص 220.
4- المبسوط: ج 2/85.
5- السرائر: ج 2/247.

أمّا المقام الأوّل: فقد ذهب السيّد الفقيه(1) وتبعه المحقّق الايرواني رحمه الله(2)إلى الأوّل.

واستدلّ له: بأنّ النصوص من جهة تضمّنها المقابلة بين النوعين، وأنّ نوعاً من الخيار - وهو خيار الحيوان - ثابتٌ فيه، ونوعاً آخر منه ثابتٌ في غيره، تدلّ على الاختصاص، وبها يقيّد إطلاق ما دلَّ على خيار المجلس مطلقاً، كقوله عليه السلام:

«أيّما رجلٍ اشترى من رجلٍ بيعاً، فهما بالخيار حتّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع»(3).

وفيه أوّلاً: إنّ المقابلة الواقعة بين الخيارين إنّما هي من حيث منتهاهما لا في أنفسهما، وعليه فالنصوص المشار إليها تدلّ على أنّ أمد الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام، وبعدها لا خيار، ونصوص خيار المجلس بإطلاقها تدلّ على أنّ أمد الخيار مطلقاً التفرّق، ولا خيار بعده، ولا تعارض بين الجملة الإيجابيّة من كلّ منهما مع الجملة الإيجابيّة من الأُخرى ، وإنّما التعارض بين الإيجابيّة من كلّ منهما مع السلبيّة من الأُخرى ، والنسبة بما أنّها عمومٌ مطلق، فيقيّد إطلاق السلبيّة من كلّ منهما بإيجابيّة الأُخرى .

وثانياً: إنّ النصوص المشار إليها بأنفسها لا تصلح دليلاً للتفصيل القاطع للشركة، وذلك لأنّ صحيح محمّد بن مسلم - المتقدّم في المسألة المتقدّمة دليلاً على السيّد المرتضى رحمه الله - وإنْ كان مفصّلاً، إلّاأنّه قد عرفت أنّه مطروحٌ إمّا للاعراض1.

ص: 128


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/23 (في مسقطات خيار الحيوان).
2- حاشية المكاسب للإيرواني: ج 2/17 (في مبدأ خيار الحيوان).
3- الكافي: ج 5/170 ح 7، وسائل الشيعة: ج 18/9 ح 23021.

أو لترجيح غيره عليه.

لا يقال: إنّه متضمّن لحكمين:

أحدهما: ثبوت خيار الحيوان للمتبايعين.

الثاني: عدم ثبوت خيار المجلس فيه.

وهو غير حجّة في المدلول الأوّل دون الثاني، إذ لا مانع من طرح الخبر من جهةٍ ، والعمل به من جهه أُخرى .

فإنّه يقال: إنّ دلالته على الحكم الثاني إنّما تكون من جهة التفصيل، فإذا سقط عن الحجيّة بالإضافة إلى أحد طرفي التفصيل، وهو ثبوت خيار الحيوان للمتبايعين، تبعه سقوطه عن الحجيّة في الحكم المترتّب على التفصيل.

وأمّا خبر عليّ بن أسباط المتقدّم: فهو ضعيفُ السند، لأنّ في طريقه الحسين ابن محمّد بن عامر (عمران) وهو مجهولٌ .

وأمّا صحيح الفضيل المتقدّم: فالتفصيل فيه إنّما يكون في كلام السائل لا الإمام عليه السلام.

وأمّا الصحيح الآخر لمحمّد بن مسلم: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، وصاحبُ الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام»(1)، فهو لا يدلّ على عدم ثبوت خيار المجلس في الحيوان، لأنّه عليه السلام ذكر أوّلاً أنّ خيار المجلس ثابتٌ في كلّ بيع، ثمّ عقّبه ببيان حكمٍ آخر لبعض أفراد البيع، وهو بيع الحيوان، فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام، وترتيب حكم آخر على الخاص غير المنافي لحكم العام، فلا يكون مخصّصاً له، وبه1.

ص: 129


1- الكافي: ج 5/170 ح 5، وسائل الشيعة: ج 18/5 ح 23011.

يظهر حال صحيح الحلبي.

وبالجملة: فالأظهر هو ثبوت خيار المجلس فيما إذا كان المبيع حيواناً.

مبدأ هذا الخيار

وأمّا المقام الثاني: فظاهر النصوص كالفتاوى، كون المبدأ من حين العقد، وقد استدلّ لكون المبدأ من حين التفرّق بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، من أنّ الخيار يدخل إذا ثبت العقد، والعقد لم يثبت قبل التفرّق.

أقول: ويرد على هذا الوجه:

1 - إنْ اُريد من عدم الثبوت، عدم تأثيره في الملكيّة.

فيرد عليه: أنّه مؤثّرٌ فيها من حين العقد، غاية الأمر تكون جائزة قبل التفرّق.

2 - وإنْ اُريد به عدم اللّزوم الذاتي.

فيردّه: أنّ البيع من العقود اللّازمة.

3 - وإنْ اُريد به عدم اللّزوم الفعلي.

فيردّه: أنّ اللّزوم الفعلي مع وجود الخيار غير معقول، لأنّهما ضدّان لا يجتمعان، واللّزوم الفعلي مع قطع النظر عنه موجود، إذ لا وجه للبناء على ثبوت خيار المجلس ابتداءً ، ثم ملاحظة خيار الحيوان بعد كونهما في عرض واحد.

الوجه الثاني: استصحاب عدم ارتفاع الخيار بانقضاء ثلاثة أيّام من حين العقد.

ص: 130


1- المبسوط: ج 2/85.

وفيه: - مضافاً إلى أنّه لا يجري مع ظهور الدليل - أنّه لا يجري في جميع الموارد، فإنّه إذا فرض عدم التفرّق قبل مضيّ ثلاثة أيّام، وحصوله بعده، لا يجري هذا الأصل، لأنّه:

إنْ اُريد استصحاب بقاء خيار المجلس فهو متيقّنُ الارتفاع.

وإنْ اُريد استصحاب بقاء خيار الحيوان، فهو مشكوك الحدوث بعد الثلاثة.

وإنْ اُريد استصحاب الخيار الجامع بينهما، فهو من قبيل استصحاب القسم الثالث من أقسام الكلّي، والمختار عدم جريانه. فتأمّل.

مع أنّه لا يترتّب على هذا الأصل، الآثار المرتّبة على عدم ثبوته قبل التفرّق من كون إسقاطه إسقاطاً لما لا يجب ونحوه، لأنّه بالنسبة إليها مثبت.

الوجه الثالث: أصل عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس.

ويرد عليه: أنّه لا يجري مع ظهور الدليل.

أقول: وأُورد عليه بإيرادين آخرين:

أحدهما: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1)، من أنّه مثبتٌ ، لأنّ عدمه قبل الافتراق لازمٌ عقلي لبقائه إلى الثلاثة من حين التفرّق.

وفيه: إنّه كذلك بالنسبة إلى آثار وجوده بعد انقضاء الثلاثة من حين العقد، وأمّا بالنسبة إلى الآثار المترتّبة على عدم ثبوته قبل التفرّق فلا يكون مثبتاً.

وبذلك يظهر أنّ هذين الأصلين بالنسبة إلى الآثار متعاكسان، وكلٌّ منهما يترتّب عليه سنخٌ خاص من الآثار، ومثبِتٌ بالنسبة للآخر، فلا وجه للاشكال في3.

ص: 131


1- المكاسب: ج 5/93.

جريان أحدهما خاصّة بالمثبتيّة.

ثانيهما: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1)، من أنّه بمعناه المحمولي - وهو عدم تحقّق الخيار قبل بيع الحيوان - لا أثر له، وبمعناه النعتي مثبتٌ .

وفيه: إنّ العدم المحمولي والنعتي إنّما يكون مقسمهما الوصف والموصوف، فيقال عدم الوصف قبل الموصوف عدمٌ محمولي، وعدمه بعده عدمٌ نعتي، ولا ربط لذلك بالمقام، فإنّ مَنْ له الخيار في المقام هو هذا المعنى.

أقول: ويمكن تقريب جريان الأصل بوجهٍ آخر، وهو استصحاب عدم جعل الشارع خيار الحيوان قبل التفرّق، ويكون المستصحَب العدم النعتي، فإنّه صلى الله عليه و آله في أوّل بعثته لم يجعل خيار الحيوان قبل التفرّق قطعاً، ويستصحب ذلك لاحقاً.

وما عن المحقّق النائيني رحمه الله(2) من (أنّ استصحاب عدم الجعل، لا يثبت به عدم المجعول)، أجبنا عنه في الاُصول في مبحث البراءة حَلّاً ونقضاً(3).

ولكن يرد عليه: أنّه لا يثبت به منتهى الخيار، مضافاً إلى محكوميّته بالنسبة إلى الروايات الظاهرة في أنّ المبدأ من حين العقد.

الوجه الرابع: إنّ جملةً من النصوص(4) تدلّ على أنّ تلف الحيوان في الثلاثة من البائع لا المشتري. وبضمّ هذه النصوص إلى ما دلَّ على أنّ التلف في زمان الخيار المشترك ممّن انتقل إليه، يُستكشف أنّ مبدأ خيار الحيوان ممّا بعد التفرّق، إذ لو كان5.

ص: 132


1- منية الطالب: ج 2/34.
2- حكاه عنه المحقّق الخوئي في دراسات في علم الاُصول: ج 3/269، وهو ظاهر كلامه في مبحث دوران الأمربين الأقلّ والأكثر في فوائد الاُصول: ج 4/168 وما قبلها.
3- زبدة الاُصول: ج 4/312، مبحث (الاستدلال على البراءة بالاستصحاب).
4- الكافي: ج 5/171 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/14 ب 5.

من حين العقد، لم يكن التلف في جزءٍ من الثلاثة من البائع.

وأجاب الشيخ رحمه الله(1) عن ذلك: بأنّ أدلّة التلف من البائع محمولة على الغالب من كونه بعد المجلس.

وفيه أوّلاً: إنّ الغلبة ممنوعة، إذ نسبة التلف إلى كلّ جزءٍ من الأجزاء، كنسبته إلى سائر الأجزاء بلا تفاوت.

وثانياً: إنّ الغلبة لا توجبُ الانصراف المقيّد للإطلاق.

أقول: والحقّ في الجواب أنْ يقال:

أوّلاً: إنّه لو سُلّم التعارض بين هذين الدليلين المتكفّلين، لما كان وجهٌ للتصرّف في الدليل الظاهر في أنّ مبدأ خيار الحيوان من حين العقد.

وثانياً: إنّه لا دليل بالخصوص على أنّ التلف في زمان الخيار المشترك من المنتقل إليه، وإنّما يلتزم به على القاعدة، فتخصّص القاعدة بالنصوص الدالّة على أنّ تلف الحيوان في الثلاثة من البائع.

وثالثاً: إنّه لو سُلّم التعارض، وعدم التخصيص، ولزوم التصرّف في أدلّة الخيار، نقول:

إنّه كما يرتفع التعارض حينئذٍ بما ذكر، كذلك يرتفع بالالتزام بعدم وجود خيار المجلس، وبأنّ خيار الحيوان يثبت بعد المجلس إلى أن تتمّ ثلاثة أيّام من حين العقد، بل لعلّ الأخير أظهر من جهة أنّه مقتضى ثبوت المقتضي لخيار الحيوان مع وجود المانع في المجلس.3.

ص: 133


1- المكاسب: ج 5/93.

الوجه الخامس: أنّه لو كان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد، لزم: إمّا اجتماع المثلين، أو اجتماع السببين على مسبّبٍ واحد، لأنّ الثابت قبل التفرّق إمّا خياران أو أحدهما، فعلى الأوّل يلزم اجتماع المثلين، وعلى الثاني يلزم اجتماع السببين على مسبّبٍ واحد.

والشيخ رحمه الله(1) في مقام تقريب الإشكال، اقتصر على المحذور الثاني، والعلّامة(1)اقتصر على المحذور الأوّل.

وعليه، فمن الغريب أنّ الشيخ رحمه الله حَمل جواب العلّامة رحمه الله على ما ذكره في مقام الجواب، مع أنّه في مقام الجواب عمّا ذكره من المحذور لا ما أفاده الشيخ رحمه الله.

أقول: وكيف كان، فقد أجاب الشيخ رحمه الله(3) عنه:

بأنّ الخيار - الذي هو المسبّب - إنْ كان مختلف الحقيقة، باختلاف الموارد، فلا محذور في تعدّد السبب لفرض تعدّد المسبّب، ولا يلزم مع ذلك اجتماع المثلين.

وإنْ كان في جميع الموارد متّحد الحقيقة، فلا بأس بتعدّد السبب، إمّا لأنّ الأسباب معرّفات، والسبب الحقيقي واحد، وإمّا لأنّ السببين عند الاجتماع معها علّة تامّة، وعند الانفراد كلّ منهما علّة تامّة، وعلى التقديرين السبب واحد.

وفيه: إنّ الأسباب لا معرّفات ولا مؤثّرات، بل المؤثّر في جعل الأحكام الشرعيّة إرادة الجاعل، وهي تكون موضوعات للأحكام، ولا يُعقل تخلّف الأحكام عنها.

والحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّه عند تعدّد السبب إنْ أمكن الالتزام بتعدّد).

ص: 134


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/520 (ط. ق).

المسبّب، فهو المتعيّن، وإلّا فإنْ أمكن الالتزام بالتعدّد من حيث الإضافة إلى الأسباب، كالقتل بالنسبة إلى أسبابه، يتعيّن ذلك، وإلّا فيلتزم بالتأكّد إنْ أمكن، والمقام من قبيل الثاني، لأنّ الخيار الذي هو ملك الالتزأم لا يقبل التعدّد ولا التأكّد، ولكنّه يمكن تقييده من جهة السبب، وأثره أنّه يمكن إسقاطه من جهةٍ وإبقائه من جهةٍ اُخرى .

بحث: هل المراد بزمان العقد، هو زمان مجرّد الصيغة كعقد الفضولي على القول بالنقل، أو زمان الملك ؟

وجهان، أقربهما الثاني، ويدلّنا على ذلك أنّ الخيار إنّما يثبت في العقد الذي لولاه كان لازم الوفاء.

وبعبارة أُخرى : دليل الخيار مخصّص لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إذ على هذا فهو يكون ثابتاً من حين صدق عنوان البائع والمشتري، وهما إنّما يصدقان من حين الإجازة، من غير فرقٍ بين القول بالنقل أو الكشف.

نعم، التعبير ب (صاحب الحيوان) في بعض النصوص موهمٌ لكون المدار على الملكيّة، وعليه فالتفصيل بين القول بالنقل أو الكشف في محلّه.

ولكن الظاهر - ولو بقرينة سائر النصوص - أنّ المراد ب (الصاحب) هو المتلقّي للحيوان لا المالك الفعلي، والغرض منه تخصيص الخيار بالمشتري.

فالأظهر ثبوت الخيار من حين الإجازة على جميع المسالك.

وبالجملة: فما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1) من أنّه على القول بالكشف الحقيقي، يتعيّن البناء على ثبوت الخيار من حين إجراء الصيغة، في غير محلّه.6.

ص: 135


1- منية الطالب: ج 2/36.

دخول اللّيلتين المتوسّطتين في ثلاثة الخيار

أقول: لا إشكال في دخول اللّيلتين المتوسّطتين في الثلاثة أيّام، والوجه في ذلك ظهور النصوص في امتداد الخيار من أوّل تحقّقه إلى حين زواله.

وأيضاً: لا إشكال في دخول اللّيلة الأُولى إنْ وقع العقد في اللّيل، إنّما الكلام فيما لو وقع العقد في أوّل اليوم، وأنّه هل تدخل الثالثة أم لا؟

قد يقال: بالدخول، واستدلّ له:

1 - بظهور (اليوم) في النهار مع اللّيل، إمّا لأنّه اسمٌ للمجموع، أو للتغليب.

2 - وبأنّه تدخل اللّيلتين في الثلاثة كما تقدّم فتدخل الثالثة، وإلّا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ (اليوم) في اللّغة وبحسب المتفاهم العرفي اسمٌ لبياض النهار، والتغليب ليس بنحوٍ يوجب الظهور.

وأمّا الثاني: فلأنّ دخول اللّيلتين ليس من جهة دخولهما في المستعمل فيه، بل لما عرفت.

وعليه، فلا يلزم الاختلاف في مفردات الجمع.

ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّ المراد ب (اليوم) هل هو اليوم التامّ ، فلا يكفي الملفّق أو مقداره ولو من نهارين، أو مقداره من الزمان ولو بضمّ اللّيل ؟

الأظهر هو الأوسط، لأنّ الظاهر من الدليل اعبتار اليوم، أي بياض النهار

ص: 136

إنْ شاء الفسخ فيها فسخ،

على نحو الطريقيّة إلى الساعات النهاريّة، وعليه فيكفي الملفّق من نهارين، ولا يكفي الملفّق من يوم وليل.

وكيف كان، ففي المدّة المذكورة يكون الخيار بنفسه باقياً (إنْ شاء) من له الخيار (الفسخ فيها فَسَخ).

***

ص: 137

ما لم يشترطا سقوطه، أو يتصرّف المشتري فيه.

التصرّف مسقط للخيار

الأمر الخامس: إنّ هذا الخيار يكون باقياً (ما لم) يتحقّق أحد المسقطات وهي أُمور:

1 - الإسقاط بعد العقد.

2 - ان (يشترطا سقوطه).

وقد تقدّم الأمران في خيار المجلس، فلا حاجة إلى ذكر ما لهما من المباحث.

3 - ما ذكره المصنّف بقوله قدس سره: (أو يتصرّف المشتري فيه).

أقول: لا خلاف ظاهراً في مسقطيّة التصرّف في الجملة لهذا الخيار، بل عليها الإجماع، وإنْ كانت كلماتهم في الخصوصيّات مشوّشة ومضطربة، والأقوال فيها كثيرة، والنصوص شاهدة به:

منها: صحيح عليّ بن رئاب، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإنْ أحدث المشتري فيما اشتري حَدَثاً قبل الثلاثة الأيّام، فذلك رضاً منه، فلا شرط له.

قيل له: وما الحدث ؟ قال: إنْ لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث»(1).

ص: 138


1- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.

ومنها: صحيح الصفّار، قال: «كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام: في الرّجل اشترى من رجلٍ دابّة، فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ، ألَهُ أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي فيها الخيار، بعد الحدث الذي يحدث فيها، أو الركوب الذي يركبها فراسخ ؟

فوقّع عليه السلام: إذا أحدَث فيها حدثاً، فقد وَجَب الشراء إنْ شاء اللّه»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وتنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في موارد:

الأوّل: في بيان ما يستفاد من الأخبار.

الثاني: في المبعّدات المذكورة، لكون التصرّف بنفسه مسقطاً.

الثالث: فيما توهم من منافاة طائفة أُخرى من الأخبار لهذه الروايات.

أمّا المورد الأوّل: فالكلام فيه في جهات:

الجهة الأُولى : إنّ قوله عليه السلام في صحيح الصفّار: «إذا أحدث فيها حدثاً فقد وَجَب الشراء» ونحوه ما في صحيح ابن رئاب، يدلّ على أنّ إحداث الحدث بنفسه مسقطٌ، و المراد به إعمال عملٍ جديد لم يكن من شأنه وقادراً عليه قبل العقد، ولذلك لا يشمل كلّ تصرّف كسقي الدابّة وإعلافها، كما لا يشمل التصرّف للاستخبار أو للرّد، لأنّه ليس هذا التصرّف من باب تصرّف الملّاك في أملاكهم، ولذا قيّد الراوي ركوب الدابّة ب (ركوب ظهرها فراسخ) الذي هو من شؤون المالك، ومن وجوه الانتفاع بماله، كما أنّ الإمام عليه السلام قيّد النظر بما كان محرّماً عليه قبل الشراء.3.

ص: 139


1- تهذيب الأحكام: ج 7/75 ح 34، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23033.

وعلى هذا، فالمستفاد من هذه النصوص أنّ كلّ تصرّف مالكي لم يكن جائزاً للمشتري قبل الشراء، إذا وقع بعده يكون مسقطاً للخيار، ولو لم يكن إجازة فعليّة.

الجهة الثانية: إنّه قد يتوهّم أنّ الأمثلة المذكورة في النصوص من تقبيل الجارية ولمسها والنظر إليها ليست مصاديق لإحداث الحَدَث، بل هي من قبيل الأمر بإغلاق الباب، فكيف حكم بمسقطيّتها؟!

لكنّه فاسدٌ إذ قد عرفت أنّ إحداث الحدث، يعمّ كلّ تصرّفٍ لم يكن من شأنه قبل العقد، وهذه منه.

الجهة الثالثة: ورد في صدر صحيح ابن رئاب قوله عليه السلام: «فإنْ أحدث المشتري فيما اشترى حَدَثاً قبل الثلاثة الأيّام، فذلك رضاً منه، فلا شرط له» حيث رتّب سقوط الخيار على أنّ إحداث الحدث يعدّ رضاً بالبيع، وقد وقع الكلام في ما هو المراد من هذه الجملة، وقبل بيان ما ذكره الشيخ رحمه الله من المحتملات، لابدَّ من بيان ما هو الحقّ عندنا، وهو يتوقّف على مقدّمة، وهي:

إنّ المراد بالرّضا ليس طيب النفس الذي يعدّ من صفات النفس، بل المراد به الاختيار الذي هو من الأفعال، وذلك لوجوه:

منها: حمله على إحداث الحدث الذي هو من الأفعال، ولا يصحّ حمل الصفة على الفعل إلّابالعناية.

ومنها: أنّه لا عبرة بالرضا غير المبرز في باب المعاملات قطعاً.

ومنها: إنّ الرضا بمعنى طيب النفس يتعدّى بحرف الباء، وبمعنى الاختيار يتعدّى بنفسه، وهو في هذه النصوص تعدّى بنفسه، وعلى هذا فالمراد من قوله عليه السلام:

ص: 140

«فذلك رضاً منه» أنّه أجازه باختياره، فيكون مفاد هذه الجملة من الصحيح، التعبّد بأنّ كلّ ما يكون إحداث الحدث يكون إجازة للعقد، وموجباً لسقوط الخيار، فيتّحد مفادها مع سائر النصوص المطلقة.

أقول: إذا عرفت هذا فاعلم، أنّ الشيخ رحمه الله لمّا بنى على أنّ المراد من الرضا هو طيب النفس، احتمل وجوهاً فيها(1):

الوجه الأوّل: أنّ الرضا محمولٌ على التصرّف بعنوان التعبّد والتنزيل.

الوجه الثاني: إنّ قوله: «فذلك رضاً منه» توطئةٌ للجواب الذي هو قوله: «ولا شرط له» ويكون المراد منه أنّ التصرّف باعتبار أنّه يعدّ كاشفاً نوعيّاً عن الرضا يكون مسقطاً، لكن لوحظ هذا العنوان على وجه الحكمة غير المطردة، فيكون التصرّف مسقطاً ولو علم في موردٍ عدم الرضا بالعقد.

الوجه الثالث: أنْ يكون المراد من قوله عليه السلام: «فذلك رضاً منه» هذا المعنى المشار إليه في الوجه الثاني، لكنّه مأخوذٌ على وجه العليّة، فيكون مفاده أنّ كلّ تصرّفٍ يكون كاشفاً نوعيّاً عن الرضا يكون مسقطاً للخيار.

الوجه الرابع: هذا المعنى مع إرادة الكاشفيّة الفعليّة الشخصيّة عن الرّضا، ومختاره قدس سره هو الوجه الثالث.

أقول: جميع هذه الوجوه بعيدة:

أمّاالأوّل: فلأنّ الرضا بنفسه لاحكم له في باب المعاملات كي ينزّل التصرّف منزلته.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظاهر ممّا يذكر في مقام كونه علّة لا حكمة.9.

ص: 141


1- راجع حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/168-169.

وأمّا الثالث: فلعدم انطباق ذلك على الأمثلة المذكورة في النصوص، لعدم كونها كاشفة عن الرضا لو خُلّيت وطبعها.

وأمّا الرابع: فيرد عليه - مضافاً إلى ما أُورد على الوجه الثالث - أنّه لم يلتزم به أحد، وأضف إلى ذلك ما عرفت من فساد المبنى .

وعليه، فالمتعيّن هو ما ذكرناه.

ثمّ مع الإغماض عمّا ذكرناه، فغاية الأمر إجمال هذه الجملة، فلا مقيّد لإطلاق النصوص.

وبالتالي، فالمستفاد من النصوص هو أنّ إحداث الحدث بنفسه مسقطٌ للخيار، فما عن المحقّق النائني رحمه الله(1) من حمل النصوص على إرادة أنّ كلّ تصرّفٍ يكون إجازة فعليّة يكون مسقطاً، غير تامّ .

وأمّا المورد الثاني: فقد ذكروا من مبعّدات كون كلّ إحداث الحدث يعدّ مسقطاً أُموراً:

منها: أنّه لو كان كذلك، لزم لغويّة جعل الخيار، إذ من المعلوم عدم انفكاك المملوك أو الحيوان المُشترى عن تصرّفٍ ما في أثناء الثلاثة.

وفيه: قد مرّ أنّ إحداث أخصّ من وجه من التصرّف، وبه يظهر الجواب عن الأمر الثاني، وهو أنّ الحكمة في هذا الخيار الاطّلاع على أُمور خفيّة في الحيوان، توجبُ إعراض المشتري، وكيف يمكن أنْ يطّلع الإنسان على ذلك مع عدم التصرّف.

ومنها: أنّ الأصحاب ذكروا أنّ كلّ فعلٍ وتصرّف يعدّ إجازة إذا كان فيما انتقل8.

ص: 142


1- منية الطالب: ج 2/38.

إليه، ويكون ردّاً وفسخاً إذا كان في ما انتقل عنه، ومن المعلوم أنّ كلّ تصرّفٍ فيما انتقل عنه لا يكون ردّاً، فكذا الإجازة.

وفيه: إنّه قد عرفت أنّ إحداث الحدث بنفسه مسقطٌ، لا بما أنّه إجازة فعليّة، والملازمة التي ذكرها الأصحاب إنّما هي بين ما هو إجازة فعليّة وفسخ فعلي، لا بين إحداث الحَدَث والفسخ، فلا ربط لذلك بالمقام.

ومنها: حكم بعضهم بكفاية الدالّ على الرضا، وإنْ لم يعد تصرّفاً كتقبيل الجارية.

وفيه: إنّه وإنْ لم يكن ذلك تصرّفاً، إلّاأنّه إحداثُ الحَدَث.

ومنها: ورود النَّص(1) أيضاً بأنّ العَرض على البيع يعدّ إجازة، مع أنّه ليس حدثاً عرفاً.

وفيه: إنّ تعريض الشيء للبيع إذا كان بعنوان بيعه، لا بعنوان استخبار قيمته، يعدّ من الحدث عرفاً.

وأمّا المورد الثالث: فما توهّم منافاته للنصوص المتقدّمة خبران:

الخبر الأوّل: ما رواه عبد اللّه بن الحسن حكاية للخبر النبويّ :

«في رجلٍ اشتري عبداً بشرطٍ إلى ثلاثة أيّام، فمات العبد في الشرط؟

قال صلى الله عليه و آله: يستحلف باللّه ما رضيه، ثمّ هو بريء من الضمان»(2)، المروي في «قرُب الإسناد».

بتقريب: أنّه صلى الله عليه و آله لم يستفصل بين إحداث الحدث وعدمه، وحكم بالبراءة ولو أحدث الحَدَث، فيستكشف من ذلك أنّ المُسقط إنّما هو الرضا، ومسقطيّة إحداث8.

ص: 143


1- دعائم الإسلام: ج 2/45 ح 110، مستدرك وسائل الشيعة: ج 13/299 ح 15417-1.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/80 ح 57، وسائل الشيعة: ج 18/15 ح 23038.

الحدث إنّما تكون لأجل كاشفيّته عن الرضا لا أنّه بنفسه مسقط.

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر ضعيف السند.

وثانياً: المراد بالرضا فيه، ليس هو طيب النفس، إذ هو ليس مسقطاً للخيار قطعاً، بل المراد به الالتزام بالعقد والاختياريّة، وقد مرّ أنّ إحداث الحدث منه تعبّداً وبالحكومة.

وثالثاً: إنّ الخبر وارد لبيان حيثيّة التلف في زمان خاصّ لا للبيان من جهة أُخرى ، فلا يمكن التمسّك بترك الاستفصال فيه بين إحداث الحدث وعدمه.

الخبر الثاني: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ اشترى شاةً فأمسكها ثلاثة أيّام ثمّ ردّها؟

فقال عليه السلام: إنْ كان في تلك الثلاثة الأيّام يشرب لبنها، يردّ معها ثلاثة أمداد، وإنْ لم يكن لها لبن، فليس عليه شيء»(1) ونحوه الآخر.

وفيه أوّلاً: إنّ موردهما الرَّد بعد الثلاثة، فهما أجنبيّان عن المقام، ويُحملان على إرادة الرَّد بخيار العيب، والتصرّف ليس مسقطاً له.

وثانياً: إنّه لم يعمل بهما لتضمّنهما رَدّ ثلاثة أمداد.

فتحصّل: أنّ الأظهر كون إحداث الحَدَث - أي إعمال عملٍ جديد - الذي لم يكن له ذلك قبل الاشتراء، لا يعدّ من المسقطات بنفسه.

***1.

ص: 144


1- الكافي: ج 5/173 ح 1، وسائل الشيعة: ج 18/26 ح 23061.

فإنْ تَلف في هذه المدّة قبل القبض أو بعده، فمن البايع، ما لم يحدث المشتري فيه حدثاً.

حكم تلف المبيع في زمان الخيار

الأمر السادس: في حكم تلف المبيع في زمان الخيار، (فإنْ تلف) المبيع بعد انقضاء مدّة الخيار، فهو من مال المشتري، وإنْ كان تلفه (في هذه المدّة قبل القبض أو بعده)، وكان الخيار للمشتري، (ف) التلف يحتسب (من) مال (البائع) إجماعاً (ما لم يحدث المشتري فيه حدثاً).

وعليه، فإنّ إحداث الحَدَث كما مرّ مسقطٌللخيار، فهو رافع لموضوع هذا الحكم.

وكيف كان، فيشهد لهذا الحكم في الجملة، طائفة من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يشتري الدابّة أو العبد، ويشترط إلى يومٍ أو يومين، فيموت العبد والدابّة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك ؟

فقال عليه السلام: على البائع حتّيينقضي الشرط ثلاثة أيّام، ويصير المبيع للمشتري»(1).

وعن «التهذيب» روايته مثله، بزيادة قوله عليه السلام: «ويصير المبيع للمشتري، شَرَط البائع أو لم يشترط»(2).

ومنها: النبويّ الخاصي الآتي.

ص: 145


1- الكافي: ج 5/169 ح 3، وسائل الشيعة: ج 18/14 ح 23036.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/24 ح 20، وسائل الشيعة: ج 18/15 ح 23037.

ومنها: مرسل ابن رباط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنْ حَدَث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام، فهو من مال البائع»(1).

ومنها: خبر البصري، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ اشترى أمَة بشرطٍ من رجل يوماً أو يومين، فماتت عنده، وقد قطع الثمن، على مَن يكون الضمان ؟

فقال: ليس على الذي اشترى ضمانٌ حتّى يمضي شرطه»(2).

وقد رودت روايات دالّة على ثبوت هذا الحكم في خيار الشرط أيضاً، لاحظ رواية إسحاق بن عمّار، وخبر معاوية بن ميسرة، فثبوت ذلك فيهما في الجملة ممّا لا كلام فيه، وهذا الحكم هو الذي طفحت عبارات القوم به.

قالوا: إنّ تلف المبيع في زمان الخيار ممّن لا خيار له، ومن مال البائع، وهذه قاعدة مسلّمة عند القوم، مصطادة من النصوص الواردة في خياري الحيوان والشرط.

وعليه، فلا يُصغى إلى ما قيل من أنّ مقتضى الاستصحاب عدم انفساخ العقد، وأصالة البراءة عن وجوب دفع الثمن.

وخبر عقبة بن خالد عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ اشترى متاعاً من رجلٍ وأوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده...

فسرق المتاع، من مال من يكون ؟

قال عليه السلام: من مال صاحب المتاع - إلى أنْ قال - فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامنٌ لحقّه حتّى يرد»(3).6.

ص: 146


1- تهذيب الأحكام: ج 7/67 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/15 ح 23039.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/24 ح 21، وسائل الشيعة: ج 18/14 ح 23035.
3- الكافي: ج 5/171 ح 12، وسائل الشيعة: ج 18/23 ح 23056.

وعموم ما دلَّ على وجوب الوفاء بالعقد، عدم كون التلف من مال البائع، إذ الأوّلان محكومان للنصوص، والأخيران يقيّد إطلاقهما بها.

وربما يقال: إنّه يعضد النصوص ويشهد بالقاعدة استصحاب الضمان الثابت قبل القبض، بما دلَّ على أنّ كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، الآتي في محلّه، وهو وإنْ لم يكن خالياً عن الإشكال، إلّاأنّه لا بأس به تأييداً، وعليه فالقاعدة لا ريب فيها.

أقول: وحيث انجرّ الكلام إلى القاعدة، فلا بأس بتنقيح القول فيها.

وملخَّص الكلام إنّما هو بالبحث في مواضع:

اختصاص هذا الحكم بخياري الحيوان والشرط

الموضع الأوّل: في إنّ هذا الحكم هل يختصّ بخياري الحيوان والشرط، كما عن «الجواهر»(1)؟

أم يعمّ خيار المجلس، لو كان للمشتري فقط، كما لو أسقطه البائع، كما مال إليه الشيخ(2)؟

أم يكون ثابتاً في جميع الخيارات، كما هو المنسوب إلى المشهور؟ وجوه:

الوجه الأوّل: اختصاص النصوص من حيث المورد بهما، خصوصاً بملاحظة ذكر المدّة في جميع الروايات، عدا النبويّ :

«في رجلٍ اشترى عبداً بشرطٍ ثلاثة أيّام، فمات العبد في الشرط؟

ص: 147


1- جواهر الكلام: ج 23/89.
2- كتاب المكاسب: ج 6/238-239.

قال صلى الله عليه و آله: يستخلف باللّه ما رضيه، ثمّ هو بريءٌ من الضمان» عدا النبويّ (1).

واستدلّ للثاني: بأنّ بالشرط الذي جُعل انقضائه غايةً لضمان من لا خيار له أطلق في النصوص على خيار المجلس.

وفيه: إنّ المراد بالشرط في نصوص الباب، هو ما ذكر فيها سابقاًسؤالاًوجواباً، وهو الخيار الذي يشترطه المتابعان.

واستدلّ للثالث: بوجهين:

أحدهما: صدق الشرط على مطلق الخيار.

وفيه: ما تقدّم آنفاً.

ثانيهما: استفادة المناط الذي يعمّ جميع الخيارات، من قوله عليه السلام في ذيل الرواية:

«حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام، ويصير المبيع للمشتري»(2) فإنّه يستفاد منه - بعد حمل «يصير المبيع» على صيرورته مِلْكاً لازماً للمشتري، للفراغ عن كونه مِلْكاً له قبل انقضاءالخيار - أنّ المناط في الضمان عدم استقرار الملك، لكون مالكه ذا خيار، يقدر أن يسلب الملكيّة عن نفسه، وأنّ في مثل ذلك يكون تلف ماله على غيره.

وعليه، فلا فرق بين الخيارات لأنّ هذا المناط موجود في جميعها.

وفيه: إنّ كلمة (حتّى ) قلّما يتّفق استعمالها في العليّة، ومعناها غالباً هي الغاية، وهي ظاهرة فيها في الخبر، فلا يستفاد العموم من الخبر.

بعبارة أُخرى : لا سبيل إلى إحراز أنّ ما ذكر هو تمام العلّة بحيث يتعدّى عن مورد النصوص إلى غيره.6.

ص: 148


1- تهذيب الأحكام: ج 7/80 ح 57، وسائل الشيعة: ج 18/15 ح 23038.
2- الكافي: ج 5/169 ح 3، وسائل الشيعة: ج 18/14 ح 23036.

أقول: وأمّا ما أورده الشيخ رحمه الله(1) عليه - بعد الاعتراف بأنّه المناط - بأنّ الظاهر منه بقرينة (حتّى ) الظاهرة في الاستمرار من حال العقد إلى حين انقضاء الخيار، الاختصاص بما إذا كان التزلزل من أوّل الأمر، وهذا مختصٌّ بالخيارات الثلاثة، إذ في الخيارات الاُخر غير الثلاثة يحدث التزلزل بعد أن كان العقد لازماً.

فيرده: أنّه في خياري الغبن والعيب يحدثُ التزلزل من حين العقد لا من بعد الظهور، مع أنّ كلمة (حتّى ) وإنْ كانت ظاهرة في الاستمرار، إلّاأنّ كون المبدأ من حين العقد أو غيره، فلا دلالة للفظة (حتّى ) عليه جزماً.

اختصاص هذا الحكم بالمبيع الشخصي

الموضع الثاني: في أنّ هذه القاعدة هل تختصُّ بالمبيع، أم تعمّ الثمن ؟ وجهان:

الوجه الأوّل: اختصاص الأخبار بالمبيع.

الوجه الثاني: أمران:

أحدهما: عموم المناط، وأنّ الملاك تلف المِلْك المتزلزل ولو كان ثمناً.

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم من عدم كونه علّة - أنّه لو سُلّم ذلك فالعلّة هي صيرورة المبيع مِلْكاً مستقرّاً للمشتري، كما في الخبر، لا صيرورة البيع لازماً، والفرق واضح.

ثانيهما: استصحاب ضمان المشتري الثابت قبل قبضه، وقد تقدّم عدم جريانه.

وعليه، فالأظهر هو الاختصاص.

ص: 149


1- راجع كتاب المكاسب: ج 2/170-172 بتصرّف.

الموضع الثالث: أنّ القاعدة هل تختصّ بالمبيع الشخصي، أو مع الثمن الشخصي، أم تعمّ الكلّي منهما بعد التطلبيق على الفرد؟

أقول: وجه الأوّل أمران:

أحدهما: ظهور النصوص، بقرينة ما فيها من استناد التلف والهلاكة وما شابهما إلى الشخصي، فإنّ الكلّي إذا كان مبيعاً أو ثمناً لا تلف له ولا هلاكة، والفرد ليس مبيعاً.

ثانيهما: أنّ مقتضى ضمان المبيع في مدّة الخيار على من لا خيار له، بقائه على ما كان عليه قبل القبض، ودخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد، بل معني الضمان بالنسبة إلى الفرد صيرورة الكلّي كغير المقبوض، وهذا ممّا لا تدلّ عليه الأخبار.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ المبيع إذا كان كليّاً، وانطبق على الفرد، يصبح البيع مستقرّاً عليه، فيكون هو المبيع بالحمل الشائع، ويكون للبيع حينئذٍ التلف والهلاكة، ومعنى ضمانه حينئذٍ انفساخ المعاملة، لا صيرورة الكلّي كغير المقبوض، بحيث يعود الثمن كليّاً، فإنّ عوده كذلك بعد التشخّص كما ترى ، وعليه فالأظهر هو التعميم.

المستفاد من النصوص كون هذا الضمان ضمان المعاوضة

الموضع الرابع: ويدور البحث فيه عن أنّ الضمان المستفاد من هذه النصوص:

هل هو ضمان المعاوضة وانفساخ العقد قبل التلف آناً مّا كما هو المشهور؟

أم هو ضمان الغرامة، والرجوع على البائع بقيمته وبدله على تقدير عدم الفسخ،

ص: 150

كما عن الشهيدين(1)، والعلّامة(2)؟ قولان:

وأمّا سائر الوجوه المحتملة في «المكاسب» وغيرها فلم نجد قائلاً بشيء منها.

أقول: وتنقيح القول فيه يتحقّق بالبحث في مقامين:

الأوّل: فيما يستفاد من ظواهر النصوص.

الثاني: في الحكم بلحاظ القواعد الخارجيّة الشرعيّة.

أمّا المقام الأوّل: فظاهر قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان: «وإنْ كان بينهما شرط أيّاماً معدودة، فهلك في يد المشتري، فهو من مال البائع»(3)، هو الانفساخ، إذ كلمة (من) إمّا نشوية أو تبعيضيّة أو للابتداء، وعلى جميع التقادير ظاهرة في ذلك.

أمّا على الأوّل: فلأنّ نشوة الهلاكة من مال البائع وعروضها عليه عبارة أُخرى عن صيرورته مِلْكاً له قبلها، وحيث أنّه لا يصير ملكاً له مجّاناً بل بالعوض، فيعود الثمن أيضاً إلى المشتري.

وأمّا على الثاني: فلأنّ ظاهره حينئذٍ كون المبيع الهالك مال البائع، وحيث لا يعقل ذلك، فيقدّر ملكه له قبل التلف آناً مّا.

وأمّا على الثالث: فلأنّ الضمير حينئذٍ وإنْ كان يرجع إلى المبدأ المستفاد من قوله: (فهلك) نظير قوله تعالى : (اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) (4) إلّاأنّ ظاهر كون هلاكة المبيع من مال البائع، كونه مِلْكاً له قبل التلف، إذ فرق بين كون التلف من البائع، وكونه على البائع، وظاهر الأوّل ما ذكرناه.8.

ص: 151


1- الدروس: ج 3/371.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/537 (ط. ق).
3- تهذيب الأحكام: ج 7/24 ح 20، وسائل الشيعة: ج 18/20 ح 23048.
4- سورة المائدة: الآية 8.

وقد استدلّ للقول الثاني: بقوله عليه السلام: «على البائع» في جواب السائل: «على من ضمان ذلك»، بدعوي ظهور ضمان المال التالف في الغرامة والخسارة لمال الغير، فإنّ الإنسان لا يكون ضامناً لمال نفسه، هذا مضافاً إلى التعبير بلفظ (على ) فإنّ تلف مال كلّ أحدٍ منه خسارة منه لا عليه. وبالجمع بين التلف والحدث في جملةٍ من النصوص، مع أنّه لا انفساخ في الحدث - كما سيأتي - فالضمان المنسوب إليهما بمعنى واحد، وهو الغرامة.

ولكن يرد على الأوّل: إنّ السؤال عن ضمان ما تلف في ملك المشتري بأنّه هل تكون خسارته على البائع أو على المشتري ممّا لا يتصوّر له وجه معقول، إذ لا يتوهّم عاقلٌ كون المشتري غارماً لما تلف في ملكه، فلا محالة يكون المسؤول عنه إمّا ضمان المعاوضة أو الجامع، وعلى التقديرين لا يعارض مع الظهور المتقدّم.

وبه يظهر الجواب عن التعدّي بحرف الاستعلاء، وكذا عن الجمع بين التلف والحدث.

وأمّا المقام الثاني: فالقول بالانفساخ مخالفٌ لقاعدة أصالة بقاء العقد المستفادة من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيره.

وأمّا القول بالغرامة: فهو مخالفٌ لأصالة البراءة عن وجوب تدارك التالف في ملك صاحبه، فكلٌّ منهما مخالفٌ لقاعدة لا أولويّة لأحد القولين من الآخر من هذه الجهة.

وقد يقال: كما في «المكاسب»(1): (بأنّ القول بالغرامة مخالفٌ لقاعدتين:9.

ص: 152


1- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 5/319.

والعيب الحادث من غير تفريط لا يمنع الرَّد بالسابق.

إحداهما ما أشرنا إليه، ثانيتهما قاعدة الخراج الدالّة على أنّ المنافع لمن يكون ضامناً للمال) فإنّه على هذا البائع ضامنٌ له والمنافع للمشتري.

ويرد عليه: أنّ قاعدة (الخراج بالضمان) بهذا المعنى لا أساس لها، وقد تقدّم الكلام فيها في المقبوض بالعقد بالفاسد، وسيأتي في مسألة التلف قبل القبض.

والمخالفة للقاعدة الأُولى ، وإنْ لزمت، إلّاأنّ القول بالانفساخ أيضاً مخالفٌ لقاعدة أُخرى كما عرفت.

وقد يقال: بأنّ القول بالانفساخ مخالفٌ لقواعد أربع، وسيأتي في مسألة التلف قبل القبض توجيهه، وما يرد عليه، فانتظر.

أقول: ثمّ إنّه سيأتي في تلك المسألة أنّ الانفساخ إنّما يكون من حين العقد، ويكون حقيقيّاً لا حكميّاً، وجميع ما نذكره في تلك المسألة جارٍ هنا.

الموضع الخامس: أنّه لو كان التالف هو الجزء، انفسخ العقد بالنسبة إليه، ولو كان هو الوصف الراجع إلى وصف الصحّة، فهل تشمله القاعدة لقوله عليه السلام في الصحيح المتقدّم: «أو يحدثَ فيه حَدَثٌ » فإنّ المراد بالحدث أعمّ من الجزء والوصف، أم لا يشمله كما هو الظاهر من المتن، قال: (والعيب الحادث من غير تفريط لا يمنع الرَّد بالسابق)؟ وجهان:

وعلى فرض الشمول، يشكل الأمر في معناه، إذ لا يعقل الانفساخ بالإضافة إليه، لفرض عدم مقابلته بالثمن، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في خيار العيب، وذكرنا ما أفاده الشيخ في المقام ونقده، فانتظر.

ص: 153

حكم إتلاف المبيع في زمان الخيار

الموضع السادس: إذا كان تلف المبيع بالإتلاف لا بآفة سماويّة، فهذه النصوص لا تشمله، لانصرافها إلى التلف السماوي.

وأمّا حكمه: فملخّص القول فيه أنّ الإتلاف:

تارةً : يكون ممّن له الخيار.

وأُخرى : يكون ممّن عليه الخيار.

وثالثةً : يكون من الأجنبي.

1 - فإنْ كان الإتلاف من ذي الخيار، فقد حكم الشيخ رحمه الله(1) بكونه مسقطاً لخياره، وهو كذلك في خيار الحيوان وفي خيار الشرط لو قصد به الإجازة والإمضاء، وإلّا فالأظهر بقائه، وقد مرّ وجهه.

2 - وإنْ كان الإتلاف ممّن عليه الخيار، فإنْ أجاز من له خيار العقد، ولم يفسخه، غرم المتلف للمشتري ما تلفه، ولو فسخ يأخذ الثمن، ولا يخفى وجهه.

ولو كان الإتلاف من الأجنبي، لا تنفسخ المعاملة، ولا يسقط الخيار، فلو أمضاها لا كلام، وإنْ فسخ رجع المشتري إلى البائع، فيأخذ ثمنه.

أقول: وأمّا بالنسبة إلى البائع فوجوه:

أحدها: إنّه يرجع بالقيمة إلى المتلف.

ثانيها: إنّه يرجع إلى صاحبه.

ثالثها: إنّه يتخيّر بينهما.

ص: 154


1- المكاسب: ج 5/301.

واستدلّ للأوّل بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ البدل في ذمّة المتلف قائمٌ مقام العين، فيستردّه بالفسخ بعد عدم إمكان استرداد العين.

وفيه: أنّ ما في ذمّة المتلف قبل الفسخ، إنّما هو الحصّة الخاصّة من الكلّي، المتقوّمة بطرفيها، من ذمّة المتلف لمالكه حين التلف، فإنْ اشتغلت ذمّته لغيره، فهو غير ما كان.

الوجه الثاني: ما حاصله أنّ العين التالفة مِلكٌ للمالك السابق بعد الفسخ، وهي في عهدة المتلف، فتكون كما لو كانت موجودة عنده، فلابدّ من الرجوع إليه.

وأُورد عليه: بأنّ الفسخ وإنْ أوجب اعتبار كون العين مِلْكاً للناقل، إلّاأنّها موصوفة باشتغال ذمّة متلفها ببدلها، وتلفها بهذا الوصف يكون على المالك المنقولة إليه، لا على المتلف، فيتعيّن أنْ يكون الضامن للفاسخ هو المفسوخ عليه.

أقول: ذكر الشيخ رحمه الله(1) في وجه الثاني ما يكون دليلاً له، ومع ذلك هو إيرادٌ على الوجهين اللّذين ذكرهما للوجه الأوّل، وسيأتي عند شرح كلماته بيان ذلك، وستعرف أنّ مراده الإيرادان المتقدّمان فانتظر.

والأظهر هو التخيير، فإنّ العين بالتلف تثبت في عهدة المتلف، ومقتضى الفسخ رجوع العين إلى الفاسخ، وحيث أنّها في عهدة الأجنبي فيرجع إليه، ولكن لا يتعيّن ذلك، بل له أن يرجع إلى المفسوخ عليه، لأنّ المال كان في عهدته قبل وضع الأجنبي يده عليه.

***2.

ص: 155


1- كما يظهر من المكاسب: ج 5/302.

الثالث: خيار الشرط، وهو يثبتُ في كلّ مبيعٍ اشتُرط الخيار فيه.

خيار الشرط

اشارة

الخيار (الثالث: خيار الشرط) بالضرورة بين علماء المذهب والكتاب والسُنّة، عموماً وخصوصاً في بعض أفراده. كما في «الجواهر»(1).

(وهو يثبتُ في كلّ مبيعٍ اشتُرط الخيار فيه)، وقد استدلّ لصحّة هذا الشرط بوجهين:

الوجه الأوّل: الأخبار العامّة المسوّغة لاشتراط كلّ شرطٍ إلّاما استثني، كالخبر المستفيض: «المسلمون عند شروطهم»(2).

أقول: قد أُورد على الاستدلال بها بأُمورٍ:

الأمر الأوّل: ما عن «المستند» من أنّ هذا الشرط مخالفٌ للكتاب والسُنّة. إذ السنّة دلّت على أنّ البيع يجبُ بالافتراق، فاشتراط عدم وجوبه مخالفٌ للسُنّة، فلا يكون مشمولاً لتلك الأخبار، لأنّه قد استثني من الشروط لازمة الوفاء ما خالف الكتاب والسُنّة.

وفيه: إنّ وجوب البيع ولزومه حقّي لا حكمي، لجريان الإقالة فيه، فشرط عدمه ليس مخالفاً للكتاب والسُنّة، إذ الشرط المخالف للسنة هو شرط فعل، أو ترك محكوم بحكمٍ إلزامي، أو عدم حكمٍ وضعي غير حقّي، كما تقدّمت الإشارة إليه، وسيجيء تفصيله في باب الشروط.

ص: 156


1- جواهر الكلام: ج 23/32.
2- الكافي: ج 5/169 ح 1، وسائل الشيعة: ج 18/16 ح 23040.

الأمر الثاني: إنّه شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد، لأنّ مقتضاه لزوم البيع.

وفيه: إنّ اللّزوم من أحكام العقد لا من مقوّماته، فشرط عدمه ليس مخالفاً لمقتضى العقد.

الأمر الثالث: ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1)، من أنّ ظاهر الأخبار الحكم التكليفي، ووجوب أنْ يكون المؤمن عند شرطه، فلا يعمّ ما هو من قبيل شرط النتيجة الذي منه المقام، وهو شرط الخيار، وثبوت حقّ الرجوع.

وفيه أوّلاً: قد تقدّم في مسألة اشتراط سقوط خيار المجلس أنّ مفاد هذه النصوص بقرينة غيرها من الأخبار، نفوذ الشرط الذي له ربط بالمشروط عليه، فتشمل شرط النتيجة.

وثانياً: إنّه يمكن إرجاع هذا الشرط إلى شرط الفعل، بأنّ يشترط أن يفسخ متى ما أراد.

الأمرالرابع: ماأفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(2) أيضاً، من أنّ المقام داخلٌفي شرط فعل اللّه - أعني حكمه بالخيار - وهو خارجٌ عن الاختيار، غير مشمول لخطاب (اَلْمُؤْمِنُونَ ) .

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم من إمكان إرجاعه إلى شرط الفعل - أنّ هذا الحكم الشرعي بما أنّه مجعولٌ في ظرف إنشاء المكلّف - كما في سائر الإنشائيّات - يكون مقدوراً بالواسطة.

وإنْ شئت قلت: إنّ المشروط هو الخيار عند المتبايعين، والشارع الأقدس أمضى ذلك وحكم بالخيار، لا أنّه المشروط. فتدبّر.

وعليه، فالأظهر تماميّة هذا الوجه.0.

ص: 157


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/20.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/20.

ولا يتقدّر بمدّة معيّنة، بل لهما أن يشترطا مهما شاءا، بشرط أنْ تكون المدّة مضبوطة.

الوجه الثاني: الأخبار الخاصّة الواردة في بعض أفراد المسألة:

منها: النصوص المستفيضة الواردة في اشتراط الفسخ بردّ الثمن الآتي نقلها.

ومنها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ كان بينهما شرط أيّاماً معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط، فهو من مال البائع»(1).

ومنها: غير ذلك، وقد جعلها صاحب «المستند» مخصّصة لما دلَّ على عدم صحّة الشرط المخالف.

وأورد عليه: بأنّ سياق أدلّة عدم صحّة الشرط المخالف، آبٍ عن التخصيص.

اشتراط ضبط مدّة الخيار المجعول

(و) كيف كان، ف (لا يتقدّر بمدّة معيّنةٍ ، بل لهما أن يشترطا مهما شاءا، بشرط أنْ تكون المدّة مضبوطة).

أقول: محلّ الكلام في هذا المقام، ليس جواز كون زمان الخيار منفصلاً - بل اتّفقت كلماتهم على جواز ذلك لعموم أدلّة الشروط.

ودعوى: أنّه يلزم منه جواز العقد بعد لزومه.

مندفعة: بأنّه لا محذور في ذلك، مضافاً إلى ثبوت نظيرها في الشرع

ص: 158


1- تهذيب الأحكام: ج 7/24 ح 20، وسائل الشيعة: ج 18/20 ح 23048.

كخيار التأخير.

ولا في جواز تقدير أيّ مدّةٍ شاءا، وإنّما الكلام وقع فيما لو اشترط مدّة مجهولة كقدوم الحاجّ ، والكلام فيه في موردين:

الأوّل: في صحّة الشرط وفساده.

الثاني: في صحّة البيع وفساده.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ على بطلان الشرط بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع، وهو كما ترى .

الوجه الثاني: ما أرسله بعضٌ من نهي النبيّ صلى الله عليه و آله عن الغرر(1). وهو عامٌّ شاملٌ للشرط أيضاً.

أقول: ولا بأس به، وبرغم أنّه كان ضعيف السند، إلّاأنّ عمل الأصحاب واستدلالهم له في جملةٍ من المواضع يوجبُ جَبره.

الوجه الثالث: إنّ البيع يبطل، فيكون الشرط باطلاً بالتبع.

الوجه الرابع: ما في «الجواهر»(2)، من أنّ اشتراطه مخالفٌ للسُنّة.

وفيه: أنّه إنْ اُريد بذلك أنّ البيع بواسطة هذا الشرط يصبح غرريّاً وشرطاً مخالفٌ للسنّة.

ففيه: أنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «إلّا شرطاً خالف كتاب اللّه» كون الالتزام بنفسه أو الملتزم به مخالفاً للكتاب أو السنّة، وأمّا الشرط الموجب لمخالفة شيء آخر2.

ص: 159


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/466 (ط. ق) مسألة بيع الطير في الهواء، وعن الشهيد رحمه الله نحوه.
2- جواهر الكلام: ج 23/32.

للكتاب أو السنّة، فهو غير مشمولٍ له.

وإنْ اُريد به أنّ الشرط الغَرريّ بنفسه منهيٌّ عنه، فيكفي في فساده نفس دليل الغرر.

وأمّا المورد الثاني: فقد استدلّ لبطلان البيع بوجوه:

أحدها: الإجماع، وهو كما ترى .

ثانيها: إنّ الشرط إذا فَسد فَسد المشروط، وقد تقدّم فساد الشرط.

وفيه: ما سيجيء في محلّه من أنّ الشرط الفاسد لا يكون مفسداً.

ثالثها: صيرورة المعاملة بذلك غرريّة.

وأُورد عليه تارةً : بأنّ العقلاء يُقْدِمون على مثل هذه المعاملة، ويسامحون في مثل هذه الجهالة.

وأُخرى : بأنّ الشرط إنّما هو الالتزام في ضمن الالتزام، وأمّا جهالة المظروف فلا تسري إلى الظرف، وهو معلومٌ من جميع الجهات، فلا يكون غرريّاً.

وثالثةً : بما عن المحقّق الايرواني رحمه الله(1)، من أنّ الغرر المنهيّ عنه لا يشمل الغرر الحاصل بجهالة مدّة الخيار، وإلّا بطل كلّ البيوع بجهالة مدّة خيار المجلس.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ إقدام العقلاء لا يوجبُ رفع الغرر، فإنّهم ربما يُقدِمون على المعاملة الخطريّة، والشارع الأقدس لسدّ هذا الباب نهى عن البيع الغَرريّ .

وأمّا الثاني: فلأنّ الشرط وإنْ كان التزاماً في ضمن التزام، إلّاأنّ المشروط بما1.

ص: 160


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/21.

أنّه جواز العقد - ومن المعلوم أنّ الملكيّة اللّازمة غير الملكيّة الجائزة - فلا محالة تسري الجهالة إلى البيع، ويصبح البيع بذلك غرريّاً، كما لا يخفى .

وأمّا الثالث: فلأنّ خيار المجلس إنّما يكون بجعلٍ من الشارع، وأمّا المتعاملان فهما عالمان بما يُنشآن، ولا جهالة فيه بوجهٍ ولا غرر. وحكم الشارع لا يوجبُ غرريّة البيع.

وعليه، فالأظهر تماميّة هذا الوجه، والنتيجة هي بطلان البيع.

أقول: قد صرّح غير واحدٍ(1) بعدم الفرق في بطلان العقد بين ذِكْر المدّة المجهولة، وبين عدم ذكر المدّة، بأن يقول: (بعتكَ بشرط أنْ يكون لي الخيار مدّة) لاستواء الجميع في الغرر بالتقريب المتقدّم.

وقيل: إنّ المشهور بين المتقدّمين الصحّة في الثاني، والإنصراف إلى ثلاثة أيّام، وعن جماعةٍ دعوى الإجماع عليه، واستدلّ له:

1 - بما عن محكي «الخلاف»(2) من وجود أخبار الفرقة به.

بتقريب: إنّ هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبارٍ، فيكفي في انجبارها الإجماعات المنقولة.

2 - وبالأخبار الواردة في شرط الحيوان، بدعوى أنّ قوله عليه السلام: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، اشترط أم لم يشترط»(3)، يدلّ بالفحوى على أنّ الشرط في غيره ثلاثة أيّام مع اشتراط الخيار، وإنْ لم يشترط ثلاثة أيّام لا2.

ص: 161


1- المكاسب: ج 5/116.
2- الخلاف: ج 3/20 ذيل المسألة 25.
3- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.

اشتراطها، لعدم اختصاصه به، إذ ضرورة صحّة اشتراط أيّ عددٍ شاء، فالمختصّبها حينئذٍ إطلاق اشتراط الخيار.

3 - وبالنبويّين الواردين في حنّان بن منقذ الذي كان يخادع في بيعه، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إذا بعتَ فقل خلابة ولك الخيار ثلاثاً» كما في أحدهما، وجعل له الخيار ثلاثاً كما في الآخر(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ عمل الأصحاب إنّما يوجب انجبار ضعف السند، لو عُلم استنادهم إلى الخبر، وإلّا فمجرّد مطابقة الفتاوى مع مدلول الخبر لا يوجب جبر الضعف، وفي المقام حيث لم يُحرز ذلك، بل يحتمل استنادهم إلى الوجه الثاني، بل يحتمل أنْ يكون مراد الشيخ من الأخبار ذلك، فلا يحتمل عدم دلالتها على فرض وجودها، فلا يصحّ الاستدلال بها.

وما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(2): من أنّ السند المنقول بالمعنى حجّة عندهم، والمرسل بعد الجبر يبلغ مبلغه.

يردّه: إنّه فرقٌ بين الخبر المنقول من غير أن يدخل فيه اجتهاد الراوي، وبين نقل مفاده بحسب اجتهاده، والأوّل حجّة دون الثاني، والمقام من قبيل الثاني.

وأمّا الثاني: فلأنّه لا مفهوم لتلك الأخبار أصلاً، وعلى فرضه فهو عدم ثبوت الثلاثة في غير الحيوان، لا الثلاثة مع الاشتراط.1.

ص: 162


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/519 (ط. ق).
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/21.

وأمّا الثالث: فلأنّهما ضعيفان سنداً وقاصران دلالةً .

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلما عن «التذكرة»(1) من (أنّ قوله (لا خلابة) عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثاً، وإذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط) انتهى .

وبالجملة: فالأظهر أنّ حكم هذه الصورة حكم الصورة الأُولى .

واستدلّ للقول الآخر: بأنّ الغرر مندفعٌ بتحديد الشرع، وإنْ لم يعلم به المتعاقدان كما في خيار الحيوان.

وعليه، فالأظهر هو التفصيل بين علمهما بتحديد الشارع وعدمه:

فعلى الأوّل: لا غَرر، إذ التزامهما بالخيار التزامٌ به في ثلاثه أيّام.

وعلى الثاني: يكون غرريّاً، لأنّه لا إقدام على الحكم الشرعي، وما أقدما عليه حيث إنّه غَرري، والحكم الشرعي لا يرفع الغرر، فلا محالة يكون الدليل المفروض مخصّصاً لدليل الغرر.

ولا يقاس بالجهل بخيار الحيوان ومدّته، فإنّه ليس هناك إقدامٌ معاملي على الخيار.

أقول: وهناك صورة ثالثة، وهي ما لو ذكر مدّةً مطلقة؛ إمّا أبداً، أو مادام العمر.

فعن المحقّق النائيني رحمه الله(2): الحكم بفساد الشرط فيها، بدعوى أنّه مخالفٌ لمقتضى العقد، فإنّ مقتضاه بمدلوله الالتزامي، هو التزام كلٍّ من المتبايعين بما أنشأه،0.

ص: 163


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/519 (ط. ق).
2- منية الطالب: ج 2/40.

فلو لم يلتزم أحدهما به في مقدارٍ من الزمان، فهو ينافي إطلاقه، ولا بأس به.

وأمّا لو لم يتلزم به أبداً، فهو ينافي مقتضاه ويفسد.

وفيه: إنّ الشرط المخالف لحقيقة العقد، أو لما يتوهّم به إنّما لا يكون نافذاً فيما إذا كان منافياً لمقتضاه، حتّى مع الشرط، وأمّا ما ينافي مقتضاه الذي يكون مقتضاه لولا الشرط، فلا مانع من نفوذه كما سيأتي تنقيحه في مبحث الشروط(1)، والمقام من هذا القبيل كما لا يخفى .

وبالجملة: فالأظهر صحّة البيع والشرط في هذه الصورة.

مبدأ خيار الشرط

ومبدأ هذا الخيار من حين العقد، لأنّه المتبادر من الإطلاق، وقد تقدّم في مبحث خيار الحيوان ما يمكن أنْ يستدلّ به على كون المبدأ من بعد انتهاء أمد سائر الخيارات، وأنّه لا يتمّ شيء ممّا ذكروه، فلا مانع ثبوتاً من الالتزام بأنّ مبدأه في المقام من حين العقد، كما أنّه إذا كان المتبادر من الإطلاق كون المبدأ من حين العقد نلتزم به.

وإنّما الكلام في المقام في موردين:

المورد الأوّل: فيما أفاده الشيخ قدس سره(2) بقوله: (ولو جعل مبدأه من حين التفرّق بطل، لأدائه إلى جهالة مدّة الخيار).

فإنّه يرد عليه: إنّه لو جُعل الخيار من حين التفرّق إلى ثلاثة أيّام، يكون المجعول

ص: 164


1- فقه الصادق: ج 26/247.
2- المكاسب: ج 5/120.

معلوماً بحسب المقدار، وإنّما المجهول وقته، ولا يوجب ذلك الغرر، بل لو جعل الخيار من حين التفرّق إلى ما يكمل مع المجلس ثلاثة أيّام صَحَّ ذلك، للعلم بمدّة الخيار الثابت له الأصلي والجعلي، وأمّا جهالة كلّ واحدٍ منهما فلا توجب الغَرر. فتأمّل.

المورد الثاني: فيما أفاده رحمه الله بقوله(1): (بل الحكم بثبوته من حين التفرّق حكمٌ على المتعاقدين بخلاف قصدهما).

فإنّه أورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله(2): بأنّه إذا قلنا إنّ المبدأ من حين انقضاء الخيار، من جهة عدم إمكان تأثير الشرط في زمان وجود خيارٍ آخر، لا يلزم هذا المحذور، إذ المانع من التأثير قهري، فلا يلزم مخالفة القصد التي لا يمكن الالتزام بها.

وفيه: إنّ ذلك خلاف ما سار عليه الشيخ رحمه الله، فإنّ مورد بحثه ما إذا كان الالتزام بكون المبدأ من حين انقضاء الخيار من جهة الانصراف، لا من جهة عدم إمكان تأثير الشرط في زمان وجود خيارٍ آخر، إذ عليه مع الجهل بخيار المجلس لا محالة يقصد الخيار من حين العقد، فالحكم بثبوته من حين التفرّق، حكمٌ على المتعاقدين بخلاف قصدهما، وهو وإنْ لم يكن فيه محذورٌ لو ساعدنا الدليل، إلّاأنّه لفقده لا يمكن الالتزام به.

***1.

ص: 165


1- المكاسب: ج 5/121.
2- منية الطالب: ج 2/41.

ويجوز اشتراطه لأحدهما أو لهما أو لثالث.

جعل الخيار للأجنبي

أقول: (و) يدور البحث في المقام عن أنّه (يجوز اشتراطه لأحدهما أو لهما أو لثالثٍ ) بلا خلاف، وعن «التذكرة»(1) دعوى الإجماع عليه.

والكلام في هذه المسألة يقع في موارد:

المورد الأوّل: في أنّه هل يصحّ جعل الخيار للأجنبي أم لا؟

استدلّ للثاني بوجوه:

الوجه الأوّل: ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله(2)، من أنّ الخيار عبارة عن رَدّ كلّ مالٍ إلى مالكه الأصلي، أو إقراره في ملك مالكه الفعلي، وهذا ينفذ ممّن كان زمام المال بيده، وأمّا الأجنبي فأجنبي عنه.

وبعبارة أُخرى : وإنْ كان الأصل في كلّ حقّ أنْ يكون قابلاً للإسقاط، إلّاأنّه ليس كلّ حقٍّ قابلٌ للنقل إلى الغير، وعلى فرض كونه قابلاً له، فليس قابلاً للنقل إلى كلّ أحد، فإنّ حقّ القسم قابل للتمليك إلى الزوج والضَّرة، ولا يقبل تمليكه إلى الأجنبي، وعليه فالخيار وإنْ كان قابلاً للتمليك إلى أحدهما، إلّاأنّه لا يقبل التمليك إلى الأجنبي.

وفيه: إنّ الخيار عبارة عن حَلّ العقد، ولازمه رَدّ كلّ مالٍ إلى مالكه الأصلي،

ص: 166


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/521 (ط. ق).
2- منية الطالب: ج 2/42.

مع أنّه لو سُلّم كون ذلك معناه، لم يدلّ دليلٌ على اعتبار كون الرَّد ممّن كان زمام المال بيده، وما ذكره بعيدٌ، وبعبارة أُخرى غير مربوطٍ بالمقام، فإنّه إنّما هو في نقل الحقّ الثابت له كخيار المجلس ونحوه، ومحلّ الكلام جعل الخيار له ابتداءً .

الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ رحمه الله(1) في مسألة ثبوت الخيار للوكيل، واستند بعضهم إليه في المقام، وحاصله:

إنّ مفاد أدلّة الخيار هو إثبات سلطنةٍ لكلّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر، بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه، والأجنبي حيث أنّه لا سلطنة له على ما انتقل إلى جاعل الخيار، فلا معنى للخيار، ولعلّ ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله يرجع إلى ذلك.

وفيه أوّلاً: إنّ الخيار إنّما يكون سلطنة على حَلّ العقد.

وثانياً: إنّه لو تنزّلنا عن ذلك، فهو سلطنة على التّراد لا خصوص الاسترداد، وقد تقدّم في تلك المسألة توضيح ذلك.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق الإصفهاني رحمه الله(2)، من أنّ الخيار بناءً على تعلّقه بالعقد إنّما يناسب من له عقد ومن شأنه الوفاء به، والأجنبي أجنبيٌ عنه وعن الوفاء به، ولذا قلنا إنّ دليل الخيار مخصّصٌ لدليل الوفاء بالعقد، وإنّه لا يتوجّه إلّاإلى من له العقد، فدليل الوفاء بالشرط لا قصور له من حيث شموله لكلّ شرط، بل القصور من ناحية الخيار، حيث إنّه لا معنى له إلّابالإضافة إلى من له عقدٌ.

وفيه أوّلاً: إنّه لم يدلّ دليلٌ على أنّ الخيار ثابتٌ لخصوص من يكون مأموراً4.

ص: 167


1- المكاسب: ج 5/29.
2- حاشية المكاسب للإصفهاني: ج 4/184.

بالوفاء بالعقد، وما أفاده مجرّد الاعتبار.

وثانياً: إنّ المأمور به - على ما تقدّم في مبحث المعاطاة(1) - هو عدم حَلّ العقد ونقضه، ولا ترتيب الآثار عملاً كي لا يشمل الأجنبي، وعليه فالآية تشمل الأجنبي، ودليل الشرط يكون مخصّصاً لها.

الوجه الرابع: ما نقله الشيخ رحمه الله(2)، من أنّ اشتراط الخيار مخالفٌ للمشروع، نظراً إلى أنّ الثابت في الشرع صحّة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل أو بالعارض.

والجواب عنه: ما أفاده رحمه الله(3)، من منع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعاً ولا عقلاً، بل المعتبر فيه تعلّق حقّ الفاسخ بالعقد أو بالعين وإنْ كان أجنبيّاً.

وعليه، فالأظهر صحّة جعل الخيار للأجنبي.

المورد الثاني: إنّ جعل الخيار للأجنبي، هل هو من باب التمليك، أو التوكيل أو التحكيم ؟

فقد يقال: - كما عن المحقّق النائيني رحمه الله(2) - بأنّه:

ليس من قبيل التمليك، لأنّه لو كان على نحو جعل الملك، كان لازمه إرث وارث الأجنبي عنه، لأنّ ما تركه الميّت يكون لوارثه، ولا من باب التوكيل، وإلّا أمكن عزله، بل هو متوسّطٌ بين الملكيّة والوكالة، نظير التولية على الوقف، وهذا هو المراد من التحكيم الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله في المقام.

والتحقيق: يمكن أنْ يقال إنّه من قبيل التمليك وجعل الحقّ له، وإنّما لا يرثه2.

ص: 168


1- فقه الصادق: ج 22/335. (2و3) المكاسب: ج 5/123 و 124.
2- منية الطالب: ج 2/42.

وارثه من جهة ضيق مقدار الجعل والمجعول، لأنّ المجعول هو حقّ الخيار للأجنبي، بما أنّه ذو نظر وراي يُعتمد عليه في أمر العقد، ولا يجوز نقله إلى الغير، لأنّه حقٌّ خاص لا يتعدّاه.

كما أنّه يمكن أنْ يقال: إنّه من باب التوكيل، وإنّما لا يجوز عزله، لأنّه بعنوان الشرط في عقدٍ لازم، إذ الوكالة جائزة بعنوانها، ولا ينافي اللّزوم إذا وقعت موقع الاشتراط في ضمن العقد اللّازم، والظاهر من جعل الخيار للأجنبي كونه من قبيل الأوّل.

فرع: هل على الأجنبي أن يراعي مصلحة الجاعل أم لا؟ وجهان.

قد استدلّ للأوّل: بأنّه أمينٌ فيجب عليه مراعاة الغِبطة.

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(1): بأنّ مقتضى التحكيم نفوذ حكمه على الجاعل من دون ملاحظة مصلحة.

وفيه: إنّه إذا كان جعل الخيار من باب التحكيم أو التمليك أو التوكيل، لزم عليه رعاية غبطة الجاعل.

أمّا على الأخير: فواضح.

وأمّا على الأولين: فلأنّ جعل الخيار للأجنبي بحسب الغالب، إنّما يكون للوثوق بنظر من جُعِل له الخيار، فالإطلاق واردٌ مورد الغالب من حيث اعتبار ما يراه صلاحاً.

وعليه، فيصحّ التعليل المذكور، لأنّه تأمينٌ بتفويض أمر العقد إليه لا جعل الحقّ له خاصّة.3.

ص: 169


1- المكاسب: ج 5/123.

المورد الثالث: لو جُعل الخيار ففي «المكاسب»(1): (كان كلّ منهم ذا خيار، فإنْ اختلفوا في الفسخ والإجازة، قُدِّم الفاسخ).

أقول: جعل الخيار للمتعدّد يتصوّر على وجوه:

أحدها: جعل خيارٍ واحدٍ للمجموع من حيث المجموع.

ثانيها: جعل الخيار لكن واحدٍ مستقلّاً.

ثالثها: جعل الخيار للطبيعة المنطبقة على المتعدّد.

وعلى الأوّل: لا أثر لفعل واحدٍ منهم ما لم يوافقه الآخرون.

وعلى الثاني: يقدّم الفاسخ، لأنّ مرجع الإجازة إلى إسقاط خيار المجيز خاصّة.

وعلى الثالث: يقدّم فعل المقدّم في فعله إجازةً أم فسخاً.

وعن «الوسيلة»(2): (إنّه إذا كان الخيار لهما، واجتمعا على فسخٍ أو إمضاءٍ نفذ، وإنْ لم يجتمعا بَطَل).

أقول: قد احتمل في توجيه هذه العبارة وجهان:

الوجه الأوّل: أنْ يكون مراده رحمه الله جعل المتبايعين الخيار لأنفسهما بعد الاجتماع، وعليه فإنْ اجتمعا فهو، وإنْخالف أحدهما الآخر بطل، أي لم يؤثّرالفسخ ولا الإجازة.

الوجه الثاني: أنْ يكون مراده جعل الخيار لكلّ واحدٍ مستقلّاً، فقوله: (ولم يجتمعا) أي إذا فسخ أحدهما وأمضى الآخر (بَطَل) أي بطل البيع، ممّا يعني كون الفسخ مؤثّراً.8.

ص: 170


1- المكاسب: ج 5/122.
2- الوسيلة: ص 238.

أقول: يرد على الوجه الأوّل: إنّ جعل الخيار بالنحو المزبور لغوٌ بعد أنّ لهما الإقالة.

قال فيها أيضاً(1): (وإنْ كان لغيرهما، ورضي نفذ البيع، وإنْ لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء).

مراده من الرضا ليس هو إجازة العقد، بل المراد الرضا بجعل الخيار وقبوله، وعليه فمراده من هذه العبارة: أنّ الأجنبي المجعول له الخيار إنْ قَبل، نَفَذ البيع من ناحية المتبايعين - أي ليس للشارط خيار - وإنْ لم يقبل فالمتباع بالخيار لتعذّر الشرط.

وعلى هذا فلا يرد عليه ما عن «المختلف»(2) من أنّ هذا الخيار إنْ جُعل للأجنبي لم يكن لأحد المتبايعين خيار، فإنْ اختار الأجنبي الإمضاء نفذ، وإنْ اختار الفسخ انفسخ، ولا عبرة بالمتبايعين.

كما أنّه لا يرد ما في «الحاشية»(3) من أنّ مقتضى كون الخيار للأجنبي، كون الأمر بيده، فلا معنى لكون الأمر بيد المبتاع مع فرض فسخه.

فإنّ منشأ هذين الإيرادين، توهّم كون مراده من الرضا إمضاء العقد وإجازته.

وعن «الدروس»(4): (يجوز اشتراطه لأجنبي منفرداً، ولا اعتراض عليه، ومعهما أو مع أحدهما، ولو خولف أمكن اعتبار فعله... الخ).8.

ص: 171


1- الوسيلة: ص 238.
2- مختلف الشيعة: ج 5/76.
3- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/25.
4- الدروس: ج 3/368.

أقول: مراده بحسب الظاهر أنّه لو جعل الخيار للأجنبي مع أحدهما أو معهما، فإنْ اتّفقا على فسخٍ أو إمضاء فهو، وإنْ خولف بأن فَسَخ الأجنبي وأجاز الأصيل، أمكن تقديم فسخه، إذ لو لم يقدّم - و المفروض أنّه لا يقدّم إجازته، لأنّها لا توجب سقوط خيار الأصيل - لم يكن لذكر الأجنبي فائدة.

وعلى هذا، فكلام الشيخ رحمه الله(1) مؤيّدٌ له.

ولكن يرد عليه: أنّه إنْ كان المجعول خياراً واحداً لهما، فإنّ عدم تقديم فسخه على إجازة الأصيل لا يوجب لغويّة ذكره، إذ فائدته حينئذٍ تأثير فسخه في صورة موافقة الأصيل، وإنْ كان المجعول متعدّداً قدّم فسخه كما هو الشأن في جميع الموارد، لا للغويّة ذكره لو لم يقدّم.

جواز اشتراط الاستئمار

أقول: لا خلاف بين الأصحاب في أنّه يجوز لكلّ منهما اشتراط الاستئمار، بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي في أمر العقد، فيأتمر بأمره، أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداءً .

والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأوّل: في الحكم الوضعي.

الثاني: في الحكم التكليفي.

أمّا المقام الأوّل:

ص: 172


1- المكاسب: ج 5/123.

فتارةً : يجعل الخيار لنفسه، ويشترط عليه أنْ لا يختار أحد الأمرين من الفسخ أو الإمضاء، إلّابتعيين المستأمر (بالفتح).

وأُخرى : يجعل الخيار لنفسه عند أمر الأجنبي بأحدهما.

وثالثة: يجعل لنفسه حقّ الفسخ عند أمر الأجنبي به، ولا يجعل شيئاً عند أمره بالإجازة.

ورابعة: يجعل الخيار للأجنبي، ويقيّد بأن لا يباشر إعماله، بل يأمر العاقد بما يريد.

ففي الصورة الأُولى : إذا فسخ قبل الاستئمار أو بعده، مع أمره به أو بالإجازة، يكون نافذاً لفرض ثبوت الخيار له، غاية الأمر تخلّف ما اشترط عليه في الفرض الأوّل والثالث.

وفي الصورة الثانية: لا ينفذ فسخه قبل الاستثمار، لعدم ثبوت الخيار له قبله، ولكن لو استأمر ينفذ فسخه وإنْ أمره بالإجازة.

وفي الصورة الثالثة: لا ينفذ فسخه قبل الاستئمار، وكذا بعده، وأمره بالإجازة والإمضاء.

وفي الصورة الرابعة: لا ينفذ فسخه إلّابعد أمره به، لكون الحقّ للأمر، والمأمور آلة. هذا في الفسخ.

وأمّا في الإجازة: فإنْ كانت قبل الاستثمار، لم تنفذ في الصور الثلاث الأخيرة، ونفذت في الأُولى ، ولا يخفى وجهه.

وإنْ كانت بعد الاستئمار، وأمره بالفسخ، نفذت في الصورتين الأولتين، ولم تنفذ في الأخيرتين.

ص: 173

وإنْ كانت بعده وأمره بالإمضاء، نفذت في جميع الصور. ولا يخفى وجهه.

وأمّا المقام الثاني: فإنْ كان المشروط ثبوت الحقّ من دون أن يعمل أحدهما عملاً ولو معلّقاً على أمر المستأمر (بالفتح) كما في الصورة الثانية والثالثة، لا كلام في عدم وجوب الاستثمار، ولا العمل بأمره، فإنّ غاية ما هناك ثبوت الحقّ بهذا الشرط، فلا ملزم له بالاستئمار أو الفسخ لو أمر به.

وإنْ كان المشروط مع ذلك عملاً:

فتارةً : يكون ذلك حقّاً للمستأمر على صاحبه خاصّة، كما في الصورة الأُولى لو اشترط المستأمر (بالكسر) أنْ يكون اختياره للفسخ أو الإمضاء عن أمر المستأمر.

وأُخرى : يكون حقّاً لصاحبه عليه إمّا خالصاً أو بالمشاركة.

وفي الفرض الأوّل: لا يجبُ عليه شيء، إذ لا يجب للمشروط له استيفاء شرطه، لأنّ الحقّ له، وجاز له أن يرفع اليد عن حقّه، فلو أمره بالفسخ له أن لا يفسخ.

وفي الفرض الثاني: يجب عليه العمل بما يأمره.

وعلى أيّ حال، لا يجب الاستئمار إلّاإذا اشترط أحدهما على صاحبه أن يستأمر زائداً على جعل الخيار بعد الاستئمار.

***

ص: 174

اشتراط مدّة يردّ فيها البائع الثمن ويرتجع المبيع.

بيع الخيار

مسألة: من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه، ويقال له بيع الخيار، (و) هو (اشتراط مدّةٍ يردّ فيها البائع الثمن، ويرتجع المبيع).

وهو جائزٌ عندنا كما عن «التذكرة»(1)، وعن غيرها(2) دعوى الإجماع عليه، وفي «الجواهر»(3): إجماعاً بقسميه عليه.

أقول: والكلام في هذه المسألة يقع أوّلاً في مدركها، ثمّ ثانياً في الفروع المستخرجة من الأخبار.

أمّا الأوّل: فالنصوص الواردة في المقام أربعة:

النّص الأوّل: صحيح سعيد بن يسار: «قال: قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا نخالط اُناساً من أهل السواد أو غيرهم، فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر، والعشرة ثلاثة عشر، ونؤخّر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها، ويكتب لنا الرّجل منهم على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءاً قد باع وقبض الثمن منه، فنعده إنْ جاء هو بالمال إلى وقتٍ بيننا وبينهم أن نردّ عليه الشراء، فإنْ جاء الوقت ولم يأتنا بالدارهم فهو لنا، فما ترى في الشراء؟

ص: 175


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/521 (ط. ق).
2- جامع المقاصد: ج 4/293، مسالك الأفهام: ج 2/202، مفتاح الكرامة: ج 4/565.
3- جواهر الكلام: ج 23/36.

قال: أرى أنّه لك إنْ لم يفعل، وإنْ جاء بالمال للوقت فردّ عليه»(1).

الظاهر من الصحيح أنّ الشارط هو المشتري، والمشروط له هو البائع، والمعلّق عليه هو رَدّ الثمن، والمشروط رَدّ المبيع.

وعلى هذا، فليس الالتزام يردّ المبيع فسخاً، إذ المشتري ليس له الخيار، لأنّ من له الخيار هو البائع، بل المتعيّن إمّا إرادة الإقالة أو إرادة رَدّ المبيع ردّاً ملكيّاً معاطاتيّاً.

أقول: ويحتمل فيه معنى آخر، وهو اشتراط تحقّق البيع في رأس المدّة إذا لم يردّ مثل الثمن، وكان الواقع فعلاً صورة بيع.

ويؤيّده أنّ الظاهر من السؤال عدم أخذهم اُجرة المبيع من البائع، ولو كان المبيع حقيقيّاً كان اللّازم الأخذ منه.

النَّص الثاني: موثّق إسحاق بن عمّار، قال: «حدّثني من سمع أبا عبداللّه عليه السلام وسأله رجلٌ وأنا عنده، فقال: رجلٌ مسلم احتاج إلى بيع داره، فجاء إلى أخيه، فقال له: أبيعك داري وتكونُ لك أحبّ إليَّ من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنةٍ أن تردّ عَليّ؟

قال عليه السلام: لا بأس بهذا إنْ جاء بثمنها إلى سنة رَدّها عليه. الحديث»(2).

وما استظهرناه في الصحيح المتقدّم جارٍ هنا، بل هو في الموثّق أوضح.

ثمّ إنّ هذا الخبر على ما في «الكافي»(3) و «التهذيب»(4) يكون مرسلاً، فإنّه لم3.

ص: 176


1- الكافي: ج 5/172 ح 14، وسائل الشيعة: ج 18/18 ح 23045.
2- الكافي: ج 5/171 ح 10، وسائل الشيعة: ج 18/19 ح 23047.
3- الكافي: ج 5/171 ح 10.
4- تهذيب الأحكام: ج 7/23 ح 13.

يذكر المُخبر لإسحاق، نعم على ما عن الصدوق يكون موثّقاً، وبالتالي فحجيّته محلّ تأمّل.

النَّص الثالث: خبر معاوية بن ميسرة، قال: «سمعتُ أبا الجارود يسأل أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ باع داراً له من رجل، وكان بينه وبين الرّجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط إنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله ؟ قال: له شرطه»(1).

وهذا الخبر من حيث السند قابل لأن يُخدش فيه، إذ أنّ ابن ميسرة لم يوثّق، وأمّا من حيث الدلالة فظاهره شرط النتيجة، إمّا شرط ملكيّة الدار للبائع عند إعطاء الثمن، أو انفساخ البيع، ولا يبعد دعوى أظهريّة الثاني من جهة تعارف رَدّ المبيع بعنوان الانحلال.

النَّص الرابع: خبر أبي الجارود، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنْ بعتَ رجلاً على شرطٍ، فإنْ أتاك بمالك وإلّا فالبيع لك»(2).

وهذا الخبر ضعيفٌ سنداً، وأجنبي عن المقام:

أمّا ضعفه: فلأنّ أبا الجارود وهو زياد بن المنذر ضعيف.

وأمّا أجنبيّته عن المقام: فلأنّ ظاهره إرادة أنّ من باع شيئاً على شرط، ولم يعمل المشروط عليه بالشرط، يثبت الخيار للبائع.

فتحصّل: أنّ ما يستفاد من نصوص الباب أمران:6.

ص: 177


1- تهذيب الأحكام: ج 7/176 ح 37، وسائل الشيعة: ج 18/20 ح 23049.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/23 ح 14، وسائل الشيعة: ج 18/18 ح 23046.

أحدهما: شرط الإقالة أو التمليك الجديد.

ثانيهما: شرط الانفساخ عند رَدّ الثمن، لا تعليق الخيار على رَدّه.

الأنحاء التي يقع الشرط عليها

أقول: إذا عرفت ثبوت هذا الخيار من الأخبار والفتوى، فاعلم أنّ توضيح المسألة يتحقّق بالبحث في أُمور:

الأمر الأوّل: ما في الأنحاء التي يمكن أنْ يقع الشرط عليها، وهي خمسة صور:

الصورة الاُولى: أنْ يكون الخيار معلّقاً على رَدّ الثمن، والفرق بين التعليق والتوقيت إنّما هو في مقام الإثبات.

وقد أُورد على صحّة الشرط في هذه الصورة، في خصوص الأوّل، بالتعليق الممنوع عنه شرعاً، وفي كليهما بجهالة مدّة الخيار من حيث المبدأ، لأنّه لا يعلم وقت رَدّ الثمن.

ويندفع الأوّل: بأنْ لا دليل على مبطليّة التعليق في غير العقود.

وقد يقال: في مقام اندفاع الثاني، بأنّ الجهالة لا تضرّ هنا لعدم الغَرر، لأنّ أمر الخيار بيده كما عن المحقّق الخراساني(1).

وفيه: إنّ الغرر اللّازم إنّما هو بالنسبة إلى المشتري، لأنّه لايعلم متى يفسخ العقد.

وعن المحقّق النائيني رحمه الله(2) الجواب عنه: بأنّ الخيار هنا غير مجهول إلّامن باب الجهل بالمعلّق عليه، وهو يرجع إلى إشكال التعليق لا الجهالة.

ص: 178


1- حاشية المكاسب للآخوند: ص 178.
2- منية الطالب: ج 2/44.

وفيه: إنّ الجهل بالمعلّق عليه يوجبُ الجهل بمبدأ الخيار، وهو يوجبُ الغرر المبطل، مع قطع النظر عن التعليق.

وعليه فالظاهر هو البطلان، إلّامع تعيين المدّة كتحديده بالرَّد في رأس السنة التي هي الصورة الثانية في كلام المحقّق النائيني رحمه الله.

الصورة الثانية: أنْ يكون الفسخ معلّقاً على الرَّد لا الخيار، بأنْ يكون الحقّ ثابتاً من حين العقد متعلّقاً بالفسخ عند رَدّ الثمن، ففي الحقيقة ينحلّ إلى شرط الخيار مطلقاً، وشرط عدم إعماله إلّاعند رَدّ الثمن.

ولا كلام في مشروعيّة الشرط في هذه الصورة.

الصورة الثالثة: أنْ يكون الرَّد فسخاً فعليّاً، بأن يشترط حقّ الخيار متعلّقاً بالفسخ برد الثمن، فيكون رَدّ الثمن ما به الفسخ.

أقول: وسيأتي الكلام في صحّة الفسخ به عند تعرّض الشيخ رحمه الله له، فصحّة هذا الشرط تتبع صحّة الفسخ به.

الصورة الرابعة: أنْ يكون رَدّ الثمن قيداً للانفساخ، بأن يشترط انفساخ العقد عند رَدّ الثمن.

أقول: وأُورد على صحّة هذا النحو من الاشتراط:

تارةً : بأنّ انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاءٍ مخالفٌ للمشروع، لأنّ المسبّبات متوقّفة على أسبابها الشرعيّة كما في «المكاسب».

وأُخرى : بأنّه من قبيل شرط النتيجة.

وثالثةً : بأنّه يلزم منه إمّا انفساخ البيع بلا سببٍ ، وإمّا اقتضاء وجود الشيء

ص: 179

عدم نفسه، إذ لو كان اشتراط الانفساخ إنشاءاً للفسخ، لزم انفساخ البيع بهذا الشرط، فلا بيع حتّى يشترط في ضمنه انفساخه بردّ مثل الثمن، وإلّا كان الشرط الانفساخ بلا سبب، وهو مخالفٌ للسنّة كما عن المحقّق النائيني رحمه الله(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الشرط يكفي في سببيّته للفسخ.

وأمّا الثاني: فلما سيأتي في مبحث الشروط من صحّة شرط النتيجة.

وأمّا الثالث: فلأنّ الشرط ليس هو انفساخ البيع من حيث الشرط كي يردّ المحذور الثاني، بل الشرط هو الانفساخ من حين رَدّ الثمن، فحين الشرط يكون البيع متحقّقا ثابتاً، والشرط لا يقتضي عدمه.

هذا كلّه مضافاً إلى ما عرفت من دلالة النصوص الخاصّة على صحّة الاشتراط بهذا النحو.

الصورة الخامسة: أنْ يكون رَدّ الثمن شرطاً لوجوب الإقالة على المشتري أو التمليك الجديد، وهذا لا إشكال في مشروعيّته.

وهناك أنحاء أُخر يظهر حكها ممّا ذكرناه.

الثمن المشروط رَدّه لفسخ البيع

الأمر الثاني: الثمن المشروط ردّه:

1 - إمّا أنْ يكون في الذّمة.

2 - وإمّا أنْ يكون معيّناً.

ص: 180


1- منية الطالب: ج 2/44.

وعلى كلّ تقدير: تارةً يقبضه، وأُخرى لا يقبضه.

فالكلام في المقام يقع في موضعين:

الأوّل: فيما إذا لم يقبض البائع الثمن المعلّق على ردّه الخيار من المشتري إلى أن أتى رأس المدّة.

الثاني: فيما إذا أقبضه.

أمّا الموضع الأوّل: فالكلام فيه إنّما هو في ثبوت الخيار وعدمه، وقد بنى الشيخ رحمه الله المسألة على أنّ الرَّد شرط للخيار على تقدير القبض لا مطلقاً، أو أنّ اشتراط الرَّد بمنزلة اشتراط القبض قبله، فعلى الأوّل يثبت الخيار، وعلى الثاني لا يثبت.

أقول: لا إشكال في أنّ الوجه الأوّل خلاف الظاهر، لأنّ مآله إلى كون الخيار مطلقاً على تقدير عدم القبض، ومشروطاً على تقدير القبض، مع أنّ ظاهر القضيّة كونه مشروطاً مطلقاً.

بل المسألة مبنيّة على أنّ الرَّد الذي أُخذ شرطاً:

هل هو مأخوذٌ على وجه الطريقيّة لوصول الثمن وحصوله عند البائع ؟

أم يكون مأخوذاً على وجه الموضوعيّة ؟

فعلى الأوّل: يثبت الخيار، وعلى الثاني لا يثبت، ولعلّ الظاهر المتعارف هو الأوّل. وعلى كلّ تقدير لو لم يفسخ حتّى انقضت المدّة لزم البيع.

وأمّا الموضع الثاني: فالكلام فيه في موارد:

الأوّل: في ما إذا كان الثمن عيناً شخصيّة.

ص: 181

الثاني: في ما إذا كان في ذمّة المشتري.

الثالث: في ما إذا كان في ذمّة البائع.

أمّا المورد الأوّل:

1 - فإنْ كان الشرط رَدّ العين بنفسها، فلا شبهة في أنّه لا خيار مع عدم ردّها، من غير فرق بين صورة التلف وغيرها، وفي التلف بين كونه بفعل البائع أو المشتري أو الأجنبي أو بآفةٍ سماويّة.

2 - وإنْ كان الشرط رَدّ العين مع وجودها، وردّ بدلها مع تلفها، فلا كلام أيضاً في تحقّق الخيار على التقديرين.

3 - وإنْ كان الشرط رَدّ بدلها مع وجودها بالخصوص، أو بالإطلاق:

فقد أشكل عليه: بأنّ مقتضى الفسخ رجوع كلّ من العينين إلى صاحبها الأصلي، فاشتراط رجوع البدل مع بقاء الأصل شرطٌ مخالف لما يقتضيه الفسخ.

ولذا قطع السيّد في «الحاشية»(1) بالفساد.

ولكن ذلك إنّما هو فيما إذا قيد الفسخ بالرَّد، ويكون الرَّد فسخاً فعليّاً، وهي الصورة الثالثة من الصورة المتقدّمة في الأمر السابق، ولا يتمّ في باقي الصور، من كون الرَّد مقدّمة للفسخ أو معلّقاً عليه الخيار، أو مقدّمةً للإقالة أو التمليك الجديد، إذ الفسخ لا يتحقّق به، بل يصير المردود في يد البائع بمنزلة المقبوض بالسَّوم، فإن فسخ البائع بعد ذلك يرجع الثمن إلى المشتري، والمردود باقٍ في ملك البائع. فلهما التراضي على كون كلّ منهما بدلاً عن الآخر.4.

ص: 182


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/44.

ويمكن أنْ يقال: إنّ المعاملة بينهما وهي تملّك عين الثمن الراجع إلى البائع ببدله الذى أحضره، إنّما يتحقّق بشرط حصولها في ضمن العقد، بلااحتياج إليمعاملة أُخري .

4 - وإنْ كان الشرط رَدّ الثمن بنحو الإطلاق، من دون تعيين عينه أو بدلها، فمقتضى الجمود على ظاهر العبارة، أنّ العبرة بردّ العين، فيسقط الخيار بتلفها.

ولكن لا يبعد دعوى أنّ المتعارف المنصرف إليه الإطلاق، هو أنّ المقصود دفع الأعمّ من العين والبدل.

وأمّا المورد الثاني: فالخيار فيه معلّقٌ على رَدّ البدل يقيناً، فإنّ ما في ذمّة البائع يسقط بالبيع، وصيرورته له، فكأنّه تلفٌ ، فالمراد بردّ المشترط رَدّ بدله.

وأمّا المورد الثالث: فقد يقال بأنّ ردّه - أي رَدّ الثمن - يتحقّق بمثله أيضاً، كما يتحقّق بنفس المقبوض، إذ كلّ فردٍ من مصاديق الكلّي، وشرط رَدّ الكلّي معناه شرط رَدّ ما كان مصداقاً له كما عن المحقّق النائيني رحمه الله(1).

وفيه: إنّ الثمن وإنْ كان هو الكلّي في الذّمة، إلّاأنّه بعد أداء فردٍ منه - بما أنّه أداء للكلّي - يستقرّ الثمن على الفرد المقبوض، ويصبح الفرد الآخر بدله، لا أنّه مصداقٌ للثمن، فيلحقه حكم العين الشخصيّة.

الفسخُ بالرَّد

الأمر الثالث: هل يصحّ إنشاء الفسخ بالرَّد، أم لا كما هو ظاهر الأصحاب، نظراً إلى أنّ رَدَّ الثمن في هذا البيع مقدّمة لفسخ البائع ؟ وجهان:

ص: 183


1- منية الطالب: ج 2/45.

وملخّص القول: إنّ الكلام في المقام ليس في كفاية الرَّد في الفسخ إذا قُصد به ذلك، بل البحث في المقام إنّما هو عن أنّ الرَّد المعلّق عليه الخيار، أو الفسخ، أو الإقالة، هل يمكن أنْ يُنشأ به الفسخ أم لا؟

والكلام فيه في مقامين:

الأوّل: في معقوليّة ذلك في مقام الثبوت.

الثاني: في الدلالة عليه في مقام الإثبات.

أمّا المقام الأوّل: فعمدة ما قيل في وجه عدم المقوليّة، هي أنّ الخيار وحقّ الفسخ إنّما هما في رتبة لاحقة على الرَّد، فكيف يحصل به الفسخ.

وفيه أوّلاً: إنّه لو تمّ لاختصّ بوجهين من الوجوه المزبورة، وهما الوجه الأوّل - وهو تعليق الخيار على الرَّد - والوجه الثالث - وهو اشتراط الفسخ بالرَّد من غير أنْ يكون خيارٌ قبله - ولا يتمّ في سائر الوجوه.

أمّا في الوجه الثاني، فلأنّه يكون الخيار قبله وإن اشترط أن لا يفسخ إلّابعد الرَّد، وهذا لا يوجبُ عدم تأثير فسخه في مرتبة مقارنة، بل أو سابقة على الرَّد.

وأمّا في الوجه الرابع: فلأنّه يكون الرَّد قيداً للانفساخ لا الفسخ.

وأمّا في الوجه الخامس: فلأنّ لهما الإقالة أو المعاملة الجديدة قبل أن يردّ الثمن.

وثانياً: إنّه لايتمّ ، لأنّ الرَّد شرطٌ مقارنٌ لحقّ الخيار، فمقارناً للرّد يحدث الخيار، ويثبت له حقّ السلطنة على الفسخ، وفي ذلك الزمان له إعمال خياره، وبه ينفسخ العقد.

ومجرّد تقدّم الرَّد على الخيار رتبةً ، لا يوجب عدم المعيّة في الوجود التي هي المعيار في الأسباب والمسبّبات الشرعيّة.

ص: 184

وبالجملة: حين الرَّد يثبت الخيار، ولمن له الخيار استيفاء حقّه في نفس ذلك الزمان، فلا مانع من جعله آلةً للأعمال، نعم إذا كان الرَّد شرطاً متقدّماً صَحَّ ما ذكر.

وأمّا المقام الثاني: فقد استدلّ على عدم دلالته على الفسخ بوجهين:

أحدهما: إنّ الرَّد من حيث هو لا يدلّ على الفسخ أصلاً.

ثانيهما: إنّ الرَّد يدلّ على إرادة الفسخ، والإرادة غير المراد.

والجواب: إنّ الرَّد من حيث هو وإنْ كان لا يدلّ على الفسخ، إلّاأنّه مع قصد الفسخ يدلّ عليه، كما أنّ الإعطاء بنفسه لا يدلّ على التمليك، ولكن مع قصده يدلّ عليه.

أقول: وأجاب عنهما الشيخ رحمه الله(1) بوجوه أُخر:

الوجه الأوّل: أنّ الرَّد بنفسه يدلّ على الرضا بكون المبيع ملكاً له، والثمن ملكاً للمشتري، والفرق بين هذا الوجه وما اخترناه الذي ذكره أيضاً قبل ذلك، هو أنّ السبب المؤثّر في الوجه المختار الرَّد بنفسه، وفي هذا الوجه ما ينكشف به وهي الكراهة الباطنيّة. فالفعل دالّ على ما به الفسخ لا أنّه هو ما به الفسخ.

وفيه: إنّ الفسخ من الإنشائيّات، ولا يتحقّق بمجرّد القصد، بل يحتاج إلى دالّ ومظهر خارجي من قول أو فعل.

الوجه الثاني: ظهور الأخبار في كفاية رَدّ الثمن في وجوب رَدّ المبيع.

وفيه: إنّه قد عرفت أنّ المستفاد من الروايات أمران:

1 - شرط الإقالة أو التمليك الجديد بعد الرَّد.4.

ص: 185


1- المكاسب: ج 5/134.

2 - وشرط الانفساخ عند رَدّ الثمن.

وبه يظهر ما في الوجه الثالث الذي ذكره بقوله: (بل قد عرفت في رواية معاوية ابن ميسرة حصول تملّك المبيع بردّ الثمن)، فيُحمل على تحقّق الفسخ الفعلي به.

***

ص: 186

فإنْ خرجت المدّة، ولم يأتِ بالثَّمن كاملاً، لزم البيع.

مسقطات خيار الشرط

الأمر الرابع: يسقط هذا الخيار بمسقطات عديدة:

المسقط الأوّل: انقضاء المدّة، وعدم رَدّ الثمن أو بدله على التفصيل المتقدّم، وإليه أشار المصنّف بقوله: (فإنْ خرجت المدّة، ولم يأتِ بالثمن كاملاً لزم البيع).

ويشهد به: - مضافاً إلى الإجماع - النصوص المتقدّمة.

المسقط الثاني: إسقاطه بعد العقد، ذكره جماعة(1)، واستشكل فيه المصنّف في «التذكرة»(2).

أقول: بناءً على عدم جواز إسقاط الخيار قبل ثبوته - إمّا منجّزاً كما هو المختار - أو ولو معلّقاً كما ذهب إليه جمعٌ ، من جهة أنّه إسقاطٌ لما لا يجب - تعرّض الفقهاء للبحث عن أنّه: هل يصحّ إسقاط هذا الخيار بعد العقد أم لا؟، فنقول:

لا إشكال في صحّته على الوجه الثاني من الوجهين، لتحقّق الخيار، وثبوته بعد العقد.

وأمّا على الوجه الأوّل - وهو تعليق الخيار على الرَّد - فقد ذكر في وجه صحّة إسقاطه وجوه:

ص: 187


1- راجع كتاب الشروط أو الالتزامات التبعيّة: ج 3/293-294.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/520 (ط. ق).

الوجه الأوّل: ما في «المكاسب»(1) من أنّ تحقّق السبب - وهو العقد - يكفي في صحّة إسقاط الحقّ .

وفيه أوّلاً: إنّ الرَّد أيضاً جزء السبب.

وثانياً: إنّ البرهان المذكور لعدم صحّة إسقاط ما لم يجب، لا يفرّق فيه بين تحقّق سببه وعدمه.

الوجه الثاني: ما في «المكاسب»(2) أيضاً، من أنّ المشروط له مالكٌ للخيار قبل الرَّد، ولو من حيث تمكّنه من الرّد.

وفيه: إنّ هذا لو تمّ لاقتضى جواز الإسقاط قبل العقد أيضاً، لكونه مالكاً لسببه وهو العقد، والفرق بين السبب وهو العقد، والشرط وهو الرَّد، والالتزام بكفاية مِلْك الثاني دون الأوّل، تحكّمٌ .

الوجه الثالث: ما أفاده السيّد الفقيه(1) والمحقّق النائيني رحمه الله(2)، من أنّ حقّ الخيار وإنْ لم يمكن إسقاطه، إلّاأنّ حقّ الشرط - وهو الحقّ الثابت للمشروط له على المشروط عليه بعد العقد، والشرط في ضمنه - فعليٌّ وقابلٌ للإسقاط، فلا يحدث الخيار بالرَّد.

وفيه: إنّ المشروط:

إنْ كان فعلاً من أفعال المشروط عليه، كان لثبوت حقّ الشرط معنى معقول.

وإنْ كان من قبيل النتيجة، لا معنى له، لأنّه بنفوذ الشرط تثبت تلك النتيجة، ولا حالة منتظرة كي يستحقّ المشروط له.1.

ص: 188


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/27.
2- منية الطالب في حاشية المكاسب: ج 2/70-71.

والمقام من قبيل الثاني، فإنّ المشروط ثبوت الخيار على تقدير الرَّد، ونفس ذلك ليس من الحقوق الفعليّة، بل حقٌّ تعليقي. فتدبّر فإنّه دقيق.

وبالجملة: فالأظهر أنّ حقّ الخيار على القول بعدم نفوذ إسقاط ما لم يجب، لا يصحّ إسقاطه قبل الرَّد وبعد العقد.

نعم، لو قلنا بأنّ إسقاط ما لم يجب لا دليل على عدم نفوذه سوى الإجماع، والمتيقّن منه عدم تحقّق السبب أيضاً، أمكن أنْ يقال بصحّة إسقاطه في المقام بعد العقد.

المسقط الثالث: التصرّف في الثمن المعيّن.

أقول: محلّ الكلام في المقام ذو قيود:

القيد الأوّل: أنْ يكون الخيار فعليّاً، وإعماله معلّقاً على الرَّد، أو كون الخيار معلّقاً عليه.

القيد الثاني: أنْ يكون المشروط رَدّ الثمن المعيّن لا مثله، وإلّا لم يكن التصرّف فيه مسقطاً بلا كلام، إذ لا يكون التصرّف حينئذٍ كاشفاً عن الرضا بلزوم العقد، لعدم المنافاة بين فسخ العقد وصحّة هذا التصرّف.

القيد الثالث: أنْ يكون التصرّف مسقطاً للخيار مطلقاً، لا في خصوص خيار الحيوان للنَّص.

وعلى هذا فمحلّ الكلام متمركز في صورتين:

الصورة الاُولى : ما إذا كان الخيار فعليّاً، وإعماله معلّقاً على رَدّ الثمن.

لا ينبغي التوقّف في مسقطيّة التصرّف في هذه الصورة، وما ذكروه من الوجوه

ص: 189

الثلاثة لعدم مسقطيّة التصرّف لهذا الخيار وهي:

1 - منافاة ذلك لمشروعيّة الخيار لانتفاع البائع بالثمن.

2 - وموثّق إسحاق المتقدّم.

3 - وأنّ التصرّف المسقط ما وقع في زمان الخيار، ولا خيار إلّابعد الرَّد.

لا يجري شيء منها في هذه الصورة.

أمّا الأوّل: فلأنّ المفروض في هذه الصورة تعلّق الغرض بردّ عين الثمن، فلا يكون الغرض الانتفاع بعينه.

وأمّا الثاني: فلأنّ مورد الموثّق، شرط رَدّ مثل الثمن لا عينه، مع أنّه قد مرّ عدم كون مورده بيع الخيار بشرط رَدّ الثمن.

وأمّا الثالث: فلأنّ الخيار في هذه الصورة ثابتٌ من حين العقد.

الصورة الثانية: ما إذا كان الخيار معلّقاً على الرَّد:

فقد ذكر في وجه عدم مسقطيّة التصرّف له الوجوه الثلاثة المشار إليها آنفاً، وقد ظهر جواب الأولين منها، أمّا الثالث:

فقد أجاب عنه الشيخ رحمه الله(1): بأنّ المستفاد من النَّص والفتوى أنّ التصرّف مسقطٌ فعليٌ كالقول يسقط الخيار به في كلّ موردٍ يصحّ إسقاطه بالقول، وقد تقدّم جواز الإسقاط قولاً قبل العقد.

وفيه: ما تقدّم من عدم جوازه على القول بعدم جواز إسقاط الخيار قبل مجيء زمانه.8.

ص: 190


1- المكاسب: ج 5/138.

نعم، على القول بجواز إسقاط الخيار قبل مجيئه معلّقاً، أمكن البناء على مسقطيّته، هذا كلّه في الكبرى .

وأمّا الصغرى: فالظاهر أنّ بيع الخيار المتعارف بين الناس، كما يظهر من الروايات، هو البيع بشرط الخيار بردّ مثل الثمن لا عينه، وهو الموافق لبناء هذه المعاملة على التصرّف في الثمن، كما أنّ الظاهر كون المتعارف بين الناس تعليق إعمال الخيار على الرَّد لا نفسه.

أقول: وبما ذكرناه ظهر ما في المحكيّ عن المحقّق الأردبيلي(1) وصاحب «الكفاية»(2) من أنّ الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرّف في الثمن:

1 - لأنّ المدار في الخيار عليه، لأنّه شُرِّع لانتفاع البائع بالثمن، فلو سقط الخيار، سقطت الفائدة.

2 - وللموثّق المتقدّم، المفروض في مورده تصرّف البائع في الثمن وبيع الدار لأجل ذلك، فإنّه إنْ كان مرادهما أنّ التصرّف لا يُسقط هذا الخيار فيما هو المتعارف بين الناس من هذا المعاملة، تمَّ ما أفاداه كما عرفت.

وإنْكان مرادهما عدم مسقطيّته لهذا الخيار أصلاً - كما يظهر من التعليل - فيردّ عليهما ما تقدّم من مسقطيّته له في بعض الصور.

أقول: وأمّا المحكيّ عن العلّامة الطباطبائي في مصابيحه(3) في الرَّد على ذلك، فحاصله أنّ التصرّف إنّما يُسقط الخيار إذا وقع في زمان الخيار، وما قبل الرَّد ليس).

ص: 191


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 8/402.
2- كفاية الأحكام: ص 92.
3- المصابيح: ص 139 (مخطوط).

زمان الخيار، والخيار وإنْ كان مقدوراً في المدّة المشروطة للقدرة على سببه، إلّاأنّ التمكّن منه لا يقتضي الفعليّة، والحكم منوطٌ بالفعليّة دون القوّة، مع أنّ القوّة غير مطردة، إذ لو اشترط الخيار و رَدّ في وقتٍ منفصلٍ عن العقد، كيومٍ بعد سنة مثلاً، فإنّه لا خيار هناك لا بالفعل ولا بالقوّة.

وفيه: إنّ ما أفاده إنْ تمّ فإنّما هو في غير بيع الخيار المتعارف بين الناس، وهو تعليق إعماله على الرَّد، مع أنّ تماميّته فيه أيضاً محلّ كلام كما تقدّم، وأفاده صاحب «الجواهر»(1) في رَدّ صاحب «المصابيح» بما حاصله يرجع إلى أُمور ثلاثة:

الأمر الأوّل: إنّ تعليق الخيار على الرَّد موجبٌ لجهالة مبدأه.

الأمر الثاني: إنّه خلاف فهم أهل العرف، لأنّهم يفهمون من هذا الشرط جعل الخيار في طول المدّة.

الأمر الثالث: إنّ المنقول عن الشيخ رحمه الله(2) عدم ثبوت الملك في زمان الخيار.

وردّه الأصحاب ببعض نصوص(3) الباب، الدالّ على أنّ غِلّة المبيع للمشتري، ولولا كون ذلك مدّة الخيار، لم يصحّ هذا الرَّد، فيُستكشف من ذلك إنّهم فهموا من هذه النصوص أنّ مجموع المدّة ظرفٌ للخيار.

أما الوجه الأوّل: فقد عرفت في أوّل مبحث خيار الشرط(4) تماميّته، وأنّ ما ذُكر في جوابه غير تامّ .د.

ص: 192


1- جواهر الكلام: ج 23/80.
2- مفتاح الكرامة: ج 4/594.
3- الكافي: ج 5/171 ح 10، وسائل الشيعة: ج 18/19 ح 23047.
4- صفحة 156 من هذا المجلّد.

وأمّا الوجه الثاني: فقد عرفت آنفاً تماميّته.

وأمّا الوجه الثالث: فقد أجاب عنه الشيخ رحمه الله(1) بأنّه لعلّ الأصحاب فهموا من كلام الشيخ أنّ مذهبه توقّف المِلك على انقضاء زمان الخيار ولو منفصلاً. فتأمّل.

***9.

ص: 193


1- المكاسب: ج 5/139.

والتلف من المشتري في المدّة والنماء له.

حكم تلف المبيع

الأمر الخامس: (و) قد طفحت كلمات الفقهاء بأنّ (التلف من المشتري في المدّة والنماء له).

أمّا كون النماء له فواضحٌ .

وأمّا كون التلف منه، فالكلام فيه في مقامين:

الأوّل: في حكم تلف المبيع.

الثاني: في حكم تلف الثمن.

أمّا المقام الأوّل: فلا كلام في أنّ التلف يكون من المشتري، سواءٌ أكان قبل الرَّد أم بعده، وإنّما الكلام في أنّه هل يسقط خيار البائع أم لا؟ فيه أقوال:

القول الأوّل: السقوط مطلقاً.

القول الثاني: عدم السقوط مطلقاً.

القول الثالث: التفصيل بين ما قبل الرَّد وما بعده، والسقوط في الأوّل دون الثاني اختاره في «الجواهر»(1).

واستدلّ للأوّل بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ الخيار متعلّقٌ بالعين، فمع تلفها يسقط الخيار لانتفاء الموضوع.

ص: 194


1- جواهر الكلام: ج 23/90.

وفيه: إنّه متعلّقٌ بالعقد، وهو ملك حَلّ العقد، ولا مانع من ثبوته بعد تلف العين، وهذا مضافاً إلى أنّه محقّقٌ في محلّه، فإنّ نفس تشريع بيع الخيار أقوى شاهد له، فإنّه إنّما يكون المتعارف فيه التصرّف في الثمن بالنقل والإتلاف، ومع ذلك يكون الخيار باقياً.

الوجه الثاني: إنّ الغرض من البيع الخياري نوعاً، هو أن يصون البائع ماله بماله من الخصوصيّة العينيّة، فلا محالة يشترط ارتجاع المبيع عند رَدّ الثمن، فمع تلف العين يسقط الخيار.

وفيه: إنّ المتعارف في هذه المعاملة، هو أنّ الغرض صون البائع ماله من التلف بما له من الماليّة، من دون غرضٍ له في الخصوصيّة العينيّة، والعين وجوداً وعدماً عنده على حَدٍّ سَواء، ولو كان في مورد غرض شخصي متعلّق بالعين، لاشترط ذلك على المشتري صريحاً.

وبما ذكرناه ظهر وجه عدم السقوط.

وأمّا القول الثالث: فغاية ما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) في وجهه، هو أنّ التلف بعد الرَّد حيث إنّه في زمن الخيار، فله حينئذٍ الفسخ ثمّ الرجوع إلى المثل أو القيمة، وأمّا التلف قبل الرَّد، فحيث إنّه ليس في زمان الخيار كي يستحقّ الرجوع عليه، فيتّجه سقوط الخيار.

وفيه: أنّه إنْ كان نظره قدس سره إلى قاعدة: (التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له).

فيرد عليه: إنّ مقتضاها الانفساخ لا ثبوت حقّ الفسخ، مع أنّه لو دلّت0.

ص: 195


1- جواهر الكلام: ج 23/90.

القاعدة على ذلك، كان مفادها ثبوت الخيار للبائع من هذه الجهة أيضاً، وهذا لا ينافي ثبوته له قبل الرَّد من جهة أُخرى .

مع أنّ هذه القاعدة إنّما هو فيما لو تلف عند من انتقل إليه في زمان خياره، وهنا يتلف عند المشتري الذي لا خيار له. مضافاً إلى أنّه التزم عند إجابته على صاحب «المصابيح»(1) بأنّ قبل الرَّد أيضاً يكون الخيار ثابتاً.

وإنْ كان نظر إلى غير تلك القاعدة فعليه البيان.

وبالتالي، فالأظهر عدم السقوط مطلقاً.

حكم تلف الثمن

وأمّا المقام الثاني: وهو ما لو تلف الثمن، فالكلام فيه في موضعين:

الأوّل: في أنّ تلف الثمن من البائع أو المشتري ؟

الثاني: في سقوط الخيار وبقائه.

أمّا الموضع الأوّل: فإنْ كان التلف بعد الرَّد وقبل الفسخ، فمقتضى القاعدة كونه من البائع، لأنّه مملوكٌ له، وتكون يد المشتري أمانية.

أقول: وقد استدلّ لكونه من المشتري، بقاعدة (التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له).

وفيه: إنّ مورد نصوص(2) تلك القاعدة هو خيار الحيوان والشرط فيما إذا كان التالف هو المبيع، ولذلك فإنّ التعدّي إلى غيرهما والى تلف الثمن يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

ص: 196


1- حكاه عن المصابيح السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة: ج 6/242.
2- وسائل الشيعة: ج 18/14 ب 5.

وقد يقال: إنّ مقتضى قاعدة: (الخراج بالضمان) إذا انضمّت إلى الإجماع، على أنّ النماء للمالك، كون تلف المبيع من المشتري، وتلف الثمن من البائع.

وفيه أوّلاً: إنّ سند ما تضمّن(1) القاعدة ضعيفٌ للإرسال، وجبره بالعمل غير معلوم، كما بيّناه في هذا الشرح(2) في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

وثانياً: إنّ محتملات هذه العبارة كثيرة، أظهرها أنّ المراد ب (الضمان) المعنى المصدري، مع إمضاء الشارع له، فتختصّ بالعقود المعاوضيّة الصحيحة، وهذا هو الذي فهمه المشهور منها، وبالتالي فهي أجنبيّة عن المقام. مع أنّه سيأتي في أحكام الخيار أنّ قاعدة (التلف في زمان الخيار) حاكمة عليها.

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم تلف الثمن قبل الرَّد، وأنّه من البائع.

وأمّا ما أفاده الشيخ رحمه الله(3): من أنّه كان الخيار ثابتاً قبل الرَّد، فلا ريب في كونه مشمولاً لقاعدة التلف في زمان الخيار، وهي تدلّ على أنّه من المشتري، وإلّا فحيث أنّ البيع متزلزل - ولو بواسطة الخيار المنفصل - فتشمله القاعدة أيضاً كما هو مقتضى أخبار المسألة.

والظاهر أنّ نظره الشريف إلى ما في نصوص الباب، من قوله(4) عليه السلام: «حتّى يمضى شرطه»، بدعوى شموله لما إذا كان البيع في معرض حدوث الخيار، وإلّا فموردها خيار الحيوان المتّصل بالعقد.5.

ص: 197


1- صحيح الترمذي: ج 5/285، سنن ابن داود: ج 2/255، المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان.
2- فقه الصادق: ج 24/278.
3- المكاسب: ج 5/140-141.
4- وسائل الشيعة: ج 18/14 ب 5 ح 23035.

فهو كما ترى .

وعليه، فالأظهر كونه من البائع في الصورتين.

وأمّا الموضع الثاني: فإنْ كان الشرط رَدّ عين الثمن، فإنْ كان التلف قبل الرَّد، سقط الخيار لعدم إمكان ردّه، وإلّا فهو باقٍ ، سواءٌ أكان الشرط رَدّ مثل الثمن أو كان التلف بعد الرَّد، ووجهه واضح.

رَدّ المثل إلى الوكيل أو الولي

الأمر السادس: لا خلاف ظاهراً في القدرة على الفسخ بردّ الثمن على نفس المشتري، أو بردّه على وكيله المطلق، او الحاكم، أو العدول مع التصريح بذلك في العقد، ووجه ظاهر. إنّما الكلام فيما إذا لم يعلّق الخيار على ما يشمل الرَّد إلى غير المشتري من الوكيل أو غيره، وإلّا فلا ريب في الكفاية، بل لو علّق الخيار على الالقاء في البحر أو الوضع في مكان مخصوص ثبت الخيار بذلك.

كما أنّه ليس مورد البحث ما لو عَلّق الخيار على الرَّد إلى خصوص المشتري بنحو التقييد، إذ لا ريب حينئذٍ في عدم الكفاية، وأنّه لو امتنع الرَّد إليه، سقط الخيار، لتعذّر شرطه.

بل مورد البحث ما لو عَلّق الخيار على الرَّد إلى خصوص المشتري، لا بنحو التقييد، بل الرَّد إليه فقط، ليكون ثابتاً بالقصر الذاتي لا بلحاظه بما هو مشترٍ فقط.

أقول: إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يقع الكلام في هذا الأمر في موارد:

الأوّل: في أنّه هل يكفي الرَّد إلى وكيل المشتري أم لا؟

ص: 198

الثاني: في كفاية الرَّد إلى الحاكم الشرعي وعدمها.

الثالث: في أنّه إذا كان المشتري هو الأب، واشترى للصغير، هل يكفي الرَّد إلى الجَدّ أم لا؟

الرابع: في أنّه إذا كان المشتري هو الحاكم الشرعي واشترى ولايةً ، هل يكفي الرَّد إلى حاكمٍ آخر أم لا؟

الخامس: في أنّه إذا اشترى شخصٌ فمات، هل يكفي الرَّد إلى وارثه أم لا؟

أمّا المورد الأوّل: فإنْ لم يكن وكيلاً في قبض الثمن، فإنّه لا إشكال في عدم الكفاية، وإنْ كان وكيلاً فيه، فقد يقال كما عن المحقّق النائيني رحمه الله(1) وغيره أنّ عموم دليل الوكالة - على فرض إطلاق الوكالة لماله وعليه كما هو المفروض في المقام - يدلّ على أنّ قبض الوكيل قبضُ الموكّل، فإذا ثبت أنّ قبضه قبض الموكّل، شمل الإطلاق الرَّد إليه.

وفيه: إنّ كان المعلّق عليه الخيار، هو قبض الموكل لما هو فعلٌ من أفعاله صَحَّ ذلك، وأمّا إنْ كان المعلّق عليه إحضار البائع الثمن عند المشتري، لم يصلح دليل الوكالة للتعميم من هذه الجهة، فإنّ معنى التوكيل الاستنابة فيما هو من وظائف الموكّل، ويكون تحت اختياره وسلطانه، ولا تقتضي الوكالة تنزيل ذات الوكيل منزلة ذات الموكّل، ولا تنزيل صفاته منزلة صفاته، فليس رَدّ البائع إليه وإحضار الثمن عنده، رَدّاً للثمن إلى الموكّل وإحضاراً لديه، فلا يكون ذلك كافياً، ولعلّه إلى هذا نظر السيّد الفقيه رحمه الله(2) حيث قال: (إنّ عموم دليل النيابة، لا يجعل الرَّد إلى9.

ص: 199


1- منية الطالب: ج 2/54.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/29.

الوكيل ردّاً إليه).

وأمّا المورد الثاني: فقد استدلّ المحقّق النائيني رحمه الله للكفاية بعموم دليل ولاية الحاكم(1).

وفيه: إنّ ولاية الحاكم إنْ كانت من جهة ولايته على الغائب، لا يشمل دليله المقام، لأنّ موردها مال الغائب، والغائب لا مال له في المقام قبل الرَّد، لأنّه للبائع لا المشتري.

وإنْ كانت من جهة ولايته على الممتنع، فلابدَّ من التفصيل المتقدّم، فإنّ دليل الولاية يدلّ على أنّ للحاكم تصدّي ما هو فعل الممتنع، وعليه:

فإنْ كان المعلّق عليه الخيار هو قبض المشتري بما هو فعله، كان مقتضى عموم دليل الولاية أنّ للحاكم ذلك، وأنّ فعله بمنزلة فعله.

وإنْكان المعلّق عليه إحضارالبائع الثمن عنده، لم يكن دليل الولاية كافياً لإثبات ذلك، فإنّه ليس هناك فعلٌ امتنع المشتري عنه كي يكون للحاكم الولاية عليه.

هذا بناءً على شمول دليل الولاية للامتناع الاضطراري، وإلّا لم يكن في الفرض الأوّل أيضاً كافياً.

وأمّا المورد الثالث: فالأظهر عدم الكفاية مطلقاً، حتّى في مورد قيام الحاكم والوكيل مقامه، لأنّ دليل ولاية الجَدّ إنّما يدلّ على ولايته في عرض ولاية الأب، بخلاف دليل نيابة الوكيل وولاية الحاكم، فلا يقام الجد مقام الأب، ولا يكون فعله فعله.5.

ص: 200


1- راجع فقه الصادق بحث (ولاية الحاكم الشرعي) في: ج 24/25.

وعليه، فإنْ كان الشرط هو الرَّد إلى الأب بما هو وليٌّ ، كفى الرَّد إلى الجَدّ، لكنّه خارجٌ عن فرض المسألة، وإنْ كان هو الرَّد إلى الأب بما هو، لم يكن الرَّد إلى الجَدّ كافياً قطعاً.

وما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1): من أنّه يكفي لولاية كلّ منهما على الطفل، فقبض كل منهما قبضٌ الطفل.

غريبٌ : فإنّ المعلّق عليه ليس قبض الطفل، بل قبض الأب الذي هو المشتري.

وأمّا المورد الرابع: فقد استدلّ الشيخ رحمه الله(1) للكفاية فيه بأنّ قبول الحاكم الآخر، وتملّكه ليس مزاحمة للحاكم الأوّل كي لا يجوز، ثمّ قال: (لكن الأظهر أنّها مزاحمة عرفاً).

واستدلّ المحقّق النائيني رحمه الله(3): لعدم الكفاية بأنّه بتصرّف الحاكم الأوّل، ووضع يده عليه، خرج مال الطفل عن المال الذي لا وليّ له، فليس للحاكم الآخر التصرّف في هذا المال.

أقول: الظاهر أنّ هذه التوجيهات أجنبيّة عمّا هو محلّ البحث، فإنّ مورد البحث كفاية رَدّ البائع الثمن إلى الحاكم الآخر مع اشتراط الرَّد إلى الحاكم المشتري نفسه، ولا ريب في أنّه ليس له ذلك، لعدم ولايته على الحاكم الآخر، نعم إذا كان الشرط هو الرَّد إلى الحاكم كفي. فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.

وأمّا المورد الخامس: فالأظهر عدم الكفاية، فإنّ الرَّد إلى الوارث ليس ردّاً إلى المورث الذي علّق عليه الخيار.4.

ص: 201


1- المكاسب: ج 5/144.

وعليه، فما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1) من أنّ الوارث ينتقل إليه المال على نحو تعلّق حقّ المورث البائع إليه، فالرّد اليه كالرّد إلى مورثه، غير تامّ ، لأنّ ما أفاده يتمّ في ورثة البائع، والكلام إنّما هو في ورثة المشتري.

الانفساخ بردّ بعض الثمن

الأمر السابع: لا خلاف ولا كلام في أنّه إذا اطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن، ليس له الفسخ إلّابردّ الجميع، فلو رَدّ بعضه لم يكن له الفسخ، وليس للمشتري التصرّف في المدفوع إليه، لبقائه على ملك البائع.

كما لا كلام في أنّه لو اشترط الفسخ بردّ بعضه له ذلك، إنّما الكلام في أنّه لو اشترط الفسخ في كلّ جزءٍ بردّ ما يخصّه من الثمن، والكلام فيه يقع في موردين:

الأوّل: في صحّة هذا الشرط وفساده.

الثاني: في أنّه على فرض فسخ البعض، فإنّه لو قلنا بصحّة هذا الشرط هل يثبت للمشتري للخيار أم لا؟

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ للفساد بوجهين:

الوجه الأوّل: ما عن «المستند»(2)، من أنّ شرط الخيار في نفسه شرطٌ مخالفٌ للسنّة، وإنّما التزمنا به للإجماع والنصوص(3) الخاصّة، ومورد النصوص شرط الخيار بالفسخ في الجميع، والتعدّي يحتاج إلى دليل مفقود، والمتيقّن من الإجماع غير المقام.

ص: 202


1- منية الطالب: ج 2/53.
2- مستند الشيعة: ج 14/371-372.
3- الكافي: ج 5/172 ح 14، وسائل الشيعة: ج 18/18 ب 7.

وفيه: ماتقدّم مفصّلاً من أنّه ليس شرطاً مخالفاً للسنّة، وإنّه يصحّ على القاعدة.

الوجه الثاني: أنّ الالتزام العقدي أمرٌ بسيط، فإمّا أن يجعل للمشروط له تمام الالتزام، وإمّا يبطل.

وبعبارة أُخرى : إنّه غير قابل للتبعيض.

وفيه: إنّ الالتزام وإنْ كان واحداً، وإذا لم يُجعل الخيار بهذا النحو كان جميع أجزاء الملتزم به متّحد الحكم، ولا يجوز الفسخ في البعض، لكن إذا جُعل له الخيار بهذا النحو، فالالتزام المزبور ينحلّ إلى الالتزام بكون كلّ جزءٍ من المبيع في مقابل كلّ جزءٍ من الثمن، بلا ربط له بسائر الأجزاء، فكأنّه التزامات عديدة، وعليه فلا مانع من فسخ البعض دون البقيّة.

وبالتالي، فالأظهر صحّة هذا الشرط.

وأمّا المورد الثاني: فإنْ كان المجعول رَدّ كلّ جزءٍ مستقلّاً، ولو لم يردّ البقيّة، لا خيار للمشتري قطعاً، فإنّه الذي أقدم على ذلك.

وإنْ كان رَدّ الجميع بهذا النحو، فما دام لم تخرج المدّة، وكانت باقية لا خيار له، لأنّ المشتري أقدم على الفسخ تدريجاً.

وأمّا إنْ خرجت المدّة، فلم يفسخ الجميع، بل فسخ البعض، فحينئذٍ:

إنْ كان جعل الخيار له بهذا منوطاً بردّ الثمن بتمامه تدريجاً، كشف ذلك عن بطلان ما فعله من الفسخ، لعدم حصول المعلّق عليه.

وإنْ لم يكن منوطاً به، بل شَرَط في ضمن هذا الجعل أن يفسخ الجميع، كان للمشتري خيار تخلّف الشرط.

ص: 203

وعلى أيّ حال، لا وجه لثبوت خيار التبعيض الذي أفاده الشيخ رحمه الله(1)، وأضعف منه الالتزام بثبوته وإنْ لم تخرج المدّة.

***5.

ص: 204


1- المكاسب: ج 5/145.

جريان خيار الشرط في العقود الجائزة

مسألة: يدور البحث هنا عن أنّ خيار الشرط هل يختصّ بالبيع، أم يعمّ كلّ معاوضة لازمة، أو العقود مطلقاً، أم يدخل خيار الشرط في الإيقاعات أيضاً؟

أقول: وتمام الكلام فيها بالبحث في مقامات:

الأوّل: في العقود الجائزة.

الثاني: في الإيقاعات.

الثالث: في العقود اللّازمة.

أمّا المقام الأوّل: فظاهر «الشرائع»(1)، و «الإرشاد»(2)، و «الدروس»(3)، و «تعليق الإرشاد»(4)، و «مجمع الفائدة والبرهان»(5)، و «الكفاية»(6) دخول خيار الشرط فيها.

وتوجيه الشيخ(7) كلماتهم بأنّ مرادهم العقود اللّازمة، لا وجه له، إذ لم يذكر وجهاً له سوى أنّ هذه العبارة التي في هذه الكتب ذكرها في «التحرير»(8) بعدما منع من الخيار في العقود الجائزة، وهو كما ترى .

وكيف كان، فقد استدلّ لعدم الجريان، في مقابل عموم ما دلَّ على نفوذ كلّ

ص: 205


1- شرائع الإسلام: ج 2/23.
2- الإرشاد: ج 1/375.
3- الدروس: ج 3/268.
4- حاشية الإرشاد: ص 260 (مخطوط).
5- مجمع الفائدة والبرهان: ج 8/411.
6- كفاية الأحكام: ص 92.
7- المكاسب: ج 5/158.
8- التحرير: ج 1/168.

شرطٍ وصحّته(1) بوجوه:

منها: أنّه من قبيل تحصيل الحاصل، فإنّ السلطنة على الفسخ فيها ثابتة دائماً، ولا تنفكّ عنها، ولا تسقط بالإسقاط.

وفيه: إنّ الثابت بالشرط فردٌ آخر من السلطنة، دون ما هو من لوازمها.

ومنها: أنّه يلزم اجتماع المثلين.

وقد تقدّم الجواب عن ذلك في خيار الحيوان.

ومنها: لزوم اللّغوية، فإنّها جائزة ذاتاً، فجعل الخيار فيها لغو رأساً.

وفيه: إنّ هذ السلطنة المجعولة غير ما هو من لوازم العقد وثابتٌ فيها، فإنّ تلك السلطنة غير قابلة للمصالحة والإسقاط والإرث، وهذه قابلة لجميعها، فيمكن أن ينقلها إلى غيره بالصّلح ونحوه، ويرثها وارثه، وبالتالي فالأظهر صحّة جعل الخيار فيها.

أقول: ثمّ إنّ هذه الوجوه لو تمّت، فإنّما هي في جعل الخيار للعاقد، وأمّا جعله للأجنبي، فلا يجري شيء منها فيه.

قال المحقّق النائيني رحمه الله(2): إنّ العقود الإذنيّة كالوكالة لا يجري فيها الخيار لوجهٍ آخر، وهو أنّ إطلاق العقد عليها لأجل أنّها واقعة بين اثنين، وإلّا فنفس حقيقتها متقوّمة بالإذن المحض، والرضا الصرف.

وفيه: إنّ مجرّد ذلك لا يمنع من جعل الخيار بعد كون هذا الإذن والرضا بعنوان العقد والالتزام، وله آثار غير ما هو مترتّب على الإذن المحض.5.

ص: 206


1- الكافي: ج 5/169 باب الشرط والخيار في البيع، وسائل الشيعة: ج 18/16 ب 6.
2- منية الطالب: ج 2/55.

جريان الخيار في الإيقاعات

وأمّا المقام الثاني: ويدور البحث فيه عن ثبوت هذا الخيار في الإيقاعات وعدمه، وقد استدلّ لعدم دخول ذلك فيها بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين، كما نبّه عليه جملةٌ من الأخبار، والإيقاع إنّما يقوم بواحد.

وفيه: إنّ الشرط متقوّمٌ بأمرين: مشروطٌ له، ومشروطٌ عليه، وهذا غير كون مورده ومحلّه متقوّماً بأمرين، فلو سُلّم احتياج الشرط إلى القبول، فإنّما هو محتاجٌ إلى قبول الشرط لا قبول محلّه ومورده.

الوجه الثاني: الإجماع الذي ادّعاه في «المبسوط»(1) على عدم دخوله في الطلاق والعتق، والذي ادّعاه في «المسالك»(2) على عدم دخوله في الإبراء.

وفيه: إنّه مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعي، ليس إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثالث: ما في «المكاسب»(3) من منع صدق الشرط، وانصرافه عمّا هو في ضمن الإيقاع.

وفيه: إنّ غاية ما يثبت بالدليل، هو خروج الشروط الابتدائية عن تحت أدلّة الشروط سواءٌ أكان تخصيصاً أو تخصّصاً، وأمّا لزوم كونه في ضمن التزامين، وعدم

ص: 207


1- المبسوط: ج 2/81.
2- مسالك الأفهام: ج 3/252.
3- المكاسب: ج 5/150.

كفاية ما هو في ضمن التزام واحد، فمّما لم يدلّ عليه دليل، بل النصوص الآتية تدلّ على عدم لزوم ذلك.

الوجه الرابع: ما في «المكاسب»(1) أيضاً، وحاصله:

أنّ دليل الشرط إنّما يدلّ على إيجاب ما هو سائغٌ في نفسه، ومشروعيّة الفسخ لابدَّ لها من دليل، وقد ثبت هذا الدليل في العقود من جهة مشروعيّة الإقالة، وثبوت خيار المجلس والحيوان فيها، ولم يثبت ذلك في الإيقاعات.

وفيه: إنّه لم تثبت مشروعيّة الفسخ في العقود - أي الفسخ الذي يُجعل للمشروط له - بل الثابت عدمها قبل الشرط، ومشروعيّة الإقالة والفسخ بسبب خيار المجلس أو الحيوان لا توجب مشروعيّة الفسخ بسببٍ آخر، مع أنّها غير ثابتة، بالإضافة إلى الأجنبي، ويصحّ جعل الخيار له.

الوجه الخامس: ما أفاده الشيخ رحمه الله(2) في آخر كلامه، وحاصله:

إناطة دخول الشرط بصحّة التقايل، فيكون الالتزام في ضمن العقد مثلاً بمنزلة رضا المتعاقدين بعده، فإذا كان تراضيهما بعد العقد كافياً في الانحلال، كان الالتزام به في ضمن العقد كافياً في تسلّط المشروط له على حَلّه، وإلّا فلا.

وفيه: إنّ اعتبار كون الالتزام بمنزلة التراضي بعد العقد، لا يكون من منشآت الشارط، ولم يدلّ دليلٌ عليكونه كذلك بحسب الجعل الشرعي، وبالتالي فلا وجه له.

الوجه السادس: إنّ دليل الشرط خُصّص بما دلَّ على عدم نفوذ ما خالف الكتاب والسُنّة، وشرط الخيار في الإيقاع إنْ عُلم كونه مخالفاً للسنّة من جهة كون لزومه حكميّاً لا حقيّاً فهو، وإلّا فالنتيجة نتيجة ثبوته في عدم جواز شرط الخيار،6.

ص: 208


1- المكاسب: ج 5/150 و 156.
2- المكاسب: ج 5/150 و 156.

لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

وفيه: إنّه سيجيء في محلّه أنّ مقتضى أصالة عدم المخالفة في موارد الشكّ ، هو البناء على شمول العموم لها.

الوجه السابع: إنّ الخيار عبارة عن مِلك فسخ العقد وحلّه، ولا حَلّ إلّابين أمرين مرتبطين، فلا يعقل في الإيقاع الذي هو التزام واحد.

وفيه: إنّ الفسخ عبارة عن رفع الأمر الثابت، سواءٌ أكان واحداً أم متعدّداً.

الوجه الثامن: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1)، وحاصله:

إنّ الإيقاع حيث إنّه إذا أنشأ يوجد المُنشَأ، ولا يتوقّف على القبول، فالشرط الواقع بعده:

إمّا يرجع إلى الشرط الابتدائي لو لم يكن المُنشَأ منوطاً به.

وإمّا إلى تعليق المُنشَأ الذي هو باطلٌ ، لو اُنيط أصل المُنشَأ به.

وإمّا إلى تخصيص المُنشَأ بخصوصيّة.

وعلى أيّ تقدير، فهو خارجٌ عن الالتزام في ضمن الالتزام الذي هو محلّ الكلام، وهذا بخلاف العقود، فإنّه يعقل فيها إناطة المُنشَأ به بحيث يصير الشرط ضميمةً لأحد العوضين.

وفيه: إنّه في العقود لا يُناط المُنشَأ به بهذا المعني، ولذا لا يرد من العوض بمقدار ما يقابل به الشرط، وسيأتي في باب الشروط بيان حقيقة الشرط، وأنّه أمرٌ يوجد في العقد والإيقاع بلا تفاوت بينهما.6.

ص: 209


1- منية الطالب: ج 2/56.

فتحصّل: أنّ الأظهر صحّة شرط الخيار في الإيقاع، إلّاما خرج بالدليل، ويشهد له - مضافاً إلى ذلك - النصوص الواردة فيمن يعتق عبده أو جاريته ويشترط عليه العمالة أو الخدمة(1).

جريان الخيار في سائر العقود اللّازمة

وأمّا المقام الثالث: وهو جريان الخيار في سائر العقود اللّازمة عدا عقد البيع، فملخَّص القول فيه هو أنّها على أقسام:

الأوّل: ما ادّعى أنّه لا يدخله شرط الخيار اتّفاقاً.

الثاني: ما اختلف فيه.

الثالث: ما يدخله اتّفاقاً.

أمّا القسم الأوّل: فهو النكاح، وقد استدلّ على المنع فيه بوجوه:

الوجه الأوّل: ما ذكره الشيخ رحمه الله(2) في المقام، من توقّف ارتفاعه شرعاً على الطلاق.

وفيه: إنّه لو كان دليل الطلاق دالّاً على عدم ارتفاعه ولو بنحو رفع عُلقة النكاح، من دون إنشاء البينونة والفرقة بغير الطلاق إمّا بالمنطوق أو بالمفهوم، كان ما أفاده متيناً جدّاً، ولكن حيث إنّه لا يدلّ على ذلك، فلا يصحّ هذا الاستدلال.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(3) أيضاً، من عدم مشروعيّة التقايل فيه، وتقدّم تقريبه مع جوابه.

ص: 210


1- الكافي: ج 6/179 باب الشرط في العتق، وسائل الشيعة: ج 23/25 ب 10 باب (أنّ من اعتق مملوكاً وشرط عليه خدمة مدّة معيّنة). (2و3) المكاسب: ج 5/151.

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1)، من أنّ فيه شائبة العبادة التي لا تَقبل الخيار.

وفيه: إنّ مجرّد ذلك لا يكفي لكونه عبادة لا يجري فيها الخيار، لأنّه لا يعتبر فيه القربة قطعاً.

الوجه الرابع: ما عن «الجواهر»(2) أيضاً، من أنّ اشتراط الخيار فيه يفضي إلى ابتذال المرأة، وهو ضررٌ لها.

وفيه: إنّه مع إقدامها على ذلك بنفسها لا يوجب دليل نفي الضرر نفيه.

الوجه الخامس: إنّ شرط الخيار منافٍ للدوام المعتبر في النكاح الدائم، فهو شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد.

وفيه: إنّ الخيار لا ينافي الدوام، لأنّه رفعٌ للموجود، لا توقيت له في المبيع، ولذا في البيع لا إشكال في صحّة شرطه، مع أنّه أيضاً إنشاء للملكيّة الدائميّة.

الوجه السادس: إنّه شرطٌ مخالف للسنّة، لأنّ لزوم النكاح حكميٌ لا حقّي، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، فلا يجوز التمسّك بالعام.

وفيه: إنّه لم يثبت كونه كذلك، وقد مرَّ أنّ الشكّ في ذلك يكفي في التمسّك بالعام، لأصالة عدم المخالفة.

وبالجملة: فالأظهر أنّه لا دليل على المنع سوى الإجماع المُدّعى في كلمات غير واحدٍ، ولا بأس به.

وأمّا القسم الثاني: ويتضمّن عدداً من العقود:

الأوّل: الوقف(1).1.

ص: 211


1- المكاسب: ج 5/151.

فقد أستدل للمنع فيه بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّه يشترط القربة فيه، وما كان للّه لا يرجع.

أقول: أورد عليه الشيخ رحمه الله(1) بمنع الكبرى ، لكن أورد عليه السيّد قدس سره(2) - وتبعه المحقّق الايرواني(3) - بأنّه قدس سره سيعترف بصحّة الكبرى في الصدقة.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ ما ذكره في المقام لا ينافي مع ما ذكره في الصدقة، فإنّه يُسلّم دلالة النصوص(4) المتضمّنة لذلك المضمون على اللّزوم غير القابل للفسخ، إلّا أنّه منعه في المقام من جهة عدم شمولها بمالها من المعنى للمقام، فإنّ المراد بها:

ليس ما يقع في الخارج للّه، وإنْ أمكن أن يقع لغيره كالبيع، ولا ما يشترط في صحّته الوقوع للّه كالوقف، بل المراد بها ما لا يقع في ذاته إلّاللّه تعالى كالصدقة بالمعنى الأخصّ ، التي تكون القُربة فيها من قبيل الفصل المقوّم لها لا الشرط.

ويمكن أنْ يورد على هذا الوجه: بمنع الصغرى أيضاً، فإنّه وإنْ كان المشهور اعتبار القربة في الوقف، إلّاأنّ الأظهر - تبعاً لجمع من الأساطين - عدم اعتبارها، للإطلاقات، ولما دلّ على صحّة وقف الكافر، وإطلاق الصدقة عليه إنّما يكون باعتبار الأفراد التي تقع في الخارج مع قصد القربة، وتمام الكلام في محلّه.

الوجه الثاني: إنّه فكّ ملكٍ بلا عوض، وشرط الخيار يصحّ في العقود المعاوضيّة.

وفيه أوّلاً: إنّ حقيقة الوقف ليست فكّ الملك، بل هي حبس العين وتسبيل المنفعة.).

ص: 212


1- المكاسب: ج 5/151.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/33.
3- حاشية المكاسب للإيرواني: ج 2/27.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/247 ح 5587، وسائل الشيعة: ج 19/204 ب 11 باب (عدم جواز الرجوع في الوقف بعد القبض).

وثانياً: إنّه قد مرّ جريان شرط الخيار في الإيقاع، فضلاً عمّا هو بمنزلته.

الوجه الثالث: الاستدلال بما ورد في الخبرين:

1 - الخبر الذي رواه إسماعيل بن الفضل عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجهٍ من وجوه الخير، قال: إنْ احتجتُ إلى شيءٍ من المال فأنا أحقّ به، ترى ذلك له - وقد جعله للّه - يكون له في حياته، فإذا هَلَك الرّجل يرجع ميراثاً أو يمضي صدقة ؟

قال عليه السلام: يرجع ميراثاً على أهله»(1).

2 - موثّقه الآخر في مسألة شرط الواقف، وأنّه أحقّ بالوقف عند الحاجة، وهو قوله عليه السلام: «من أوقف أرضاً، ثمّ قال: إنْ احتجتُ إليها فأنا أحقّ بها، ثمّ إن مات الرّجل فإنّها ترجعُ إلى الميراث»(2).

تقريب دلالتهما: إنّهما يدلّان على بطلان الوقف، وليس إلّامن جهة اشتماله على الشرط المزبور.

وفيه: إنّه يمكن أنْ يقال بدلالتهما على الصحّة، بقرينة التعبير بالرجوع، إذ مع البطلان لا رجوع، بل هو باقٍ على ملكه، فيدلّان على صحّة الوقف والشرط، وأنّه يعود إليه عند الحاجة، ثمّ إنْ مات يرثه وارثه.

وعلى فرض دلالتهما على البطلان، يمكن أنْ يكون الوجه فيه إدخال نفسه في الوقف.9.

ص: 213


1- تهذيب الأحكام: ج 9/135 ح 15، وسائل الشيعة: ج 19/177 ح 24390.
2- تهذيب الأحكام: ج 9/150 ح 59.

وبالجملة: فقد استدلّ للمنع ببعض الوجوه الاُخر، لكن الأظهر تبعاًللمشايخ(1)الثلاثة جواز اشتراط الخيار في الوقف.

الثاني: الصدقة.

وقد استدلّ الشيخ رحمه الله(2) لعدم دخول خيار الشرط فيها، بعموم ما دلَّ على أنّه لا يرجع فيما كان للّه، وهي أخبار مستفيضة:

منها: قوله عليه السلام: «إنّما الصدقة للّه عزّ وجلّ ، فما جُعل للّه عزّ وجلّ فلا رجعة له فيه»(3). ونحوه وغيره.

وتقريب الاستدلال بها: إنّها تدلّ على أنّ اللّزوم حكمٌ لماهيّة الصدقة، وأنّها ماهية منافية للرجوع، وهذا المعنى آبٍ عن لحوق خصوصيّة توجب تغيّر الحكم، فلا يصحّ جعل الخيار فيها.

وأورد السيّد الفقيه رحمه الله(4) على الاستدلال بها: بأنّه لا يصدق الرجوع إلى الصدقة على الفسخ بالخيار، لأنّ إخراجه للمال ليس على كلّ تقدير، والإخراج الخياري المتزلزل ليس إخراجاً حقيقة، فالرجوع إنّما يصدق مع كون المال باقياً على الوقفيّة أو الصدقة أو نحو ذلك لا مثل المقام.

وفيه: إنّ الرجوع الحقيقي هو رَدّ الملك، وهو المراد في هذه النصوص، إذ الرجوع الممنوع عنه في الصدقة هو ما يكون جائزاً في الهبة، ومن المعلوم أنّ 3.

ص: 214


1- المقنعة: ص 652، الانتصار: ص 468، النهاية: ص 595.
2- المكاسب: ج 5/153.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/247 ح 5587، وسائل الشيعة: ج 19/204 ح 24429.
4- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/33.

الرجوع الجائز فيها رَدّ الملك، لا التصرّف في الموهوب مع بقاء الهبة، وعليه فالأظهر عدم دخول خيار الشرط فيها.

الثالث: الصُّلح.

أقول: وفيه أقوال:

القول الأوّل: دخوله فيه مطلقاً، ولعلّه المشهور، وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

القول الثاني: عدم دخوله كذلك، وهو المنسوب إلى الشيخ في «المبسوط»(2)و «الخلاف»(3).

القول الثالث: التفصيل بين الصلح الذي فائدته الإبراء فلا يدخل فيه، وغيره فيدخل، ذهب إليه العلّامة في «التحرير»(4) والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(5)، واختاره الشيخ رحمه الله(6).

وقد استدلّ للمنع في المفيد فائدة الإبراء بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن «غاية المرام»(7) بأنّ مشروعيّته لقطع المنازعة فقط، واشتراط الخيار لكي تعود الخصومة مرّةً اُخرى ينافي مشروعيّته، وكلّ شرطٍ4.

ص: 215


1- المهذّب البارع: ج 2/538.
2- المبسوط: ج 2/80.
3- الخلاف: ج 3/12 مسألة 10.
4- التحرير: ج 1/167.
5- جامع المقاصد: ج 4/304.
6- المكاسب: ج 5/154.
7- غاية المرام: ج 2/44.

ينافي مشروعيّة العقد غير لازم.

وفيه أوّلاً: إنّ مشروعيّته ليست لخصوص قطع المنازعة، ولذا يصحّ الصلح في غير مقام الدعوى .

وثانياً: إنّ مجرّد ذلك لا يصلح للمنع، لأنّه حِكمة لا علّة.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1) بقوله: (لما تقدّم من الشكّ في سببيّة الفسخ لرفع الإبراء، أو ما يفيد فائدته) انتهى .

وفيه: ما تقدّم من أنّ الشكّ في السببيّة لا يمنع من نفوذ الشرط.

الوجه الثالث: إنّه إيقاعٌ ، ولا يدخل شرط الخيار في الإيقاع.

وفيه أوّلاً: إنّه عقدٌ لا إيقاع، وإنْ كان الإبراء إيقاعاً.

وثانياً: إنّه قد تقدّم دخوله في الإيقاع.

وبالجملة: فالأظهر جريانه فيه مطلقاً.

الرابع: الضمان.

وقد استدلّ المحقّق النائيني رحمه الله(2) للمنع: من دخول شرط الخيار فيه: بأنّ لزومه حكميٌ كالنكاح، لأنّ من آثاره انتقال الدين إلى ذمّة الضامن، وبراءة المديون، فارجاعه إلى ما كان لا يمكن إلّابضمان آخر.

وفيه: ما تقدّم من أنّه لو لا الإجماع لكنّا ملتزمين بدخوله في النكاح فضلاً عن الضمان.7.

ص: 216


1- المكاسب: ج 5/154.
2- منية الطالب: ج 2/57.

الخامس: الرَّهن.

وقد استدلّ للمنع فيه: بأنّ الرهن وثيقة، والخيار ينافي الاستيثاق.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(1): بأنّ غاية الأمر كون وضعه على اللّزوم، فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين.

وفيه: إنّ المُدّعى منافاة الخيار والتزلزل لحقيقة الرهن لا لحُكمه، فيكون من قبيل الشرط المخالف لمقتضى العقد.

أقول: وبما ذكرناه في هذه الأبواب، يظهر الحكم في سائر الأبواب التي لم نتعرّض لها.

أمّا المعاطاة: ينبغي في المقام البحث عن أنّ هذا الخيار هل يجري في المعاطاة، أم لا، نظراً إلى أنّ الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي كما قاله العلّامة في محكي «التذكرة»(2) تبعاً للمبسوط(3).

أقول: إنّ للعقود والشروط مقامين:

أحدهما: مقام الثبوت والتحقّق، وهو مقام الالتزامات النفسانيّة.

ثانيهما: مقام إظهارها وإبرازها.

أمّا في المقام الأوّل: فلا دخل للّفظ ولا للفعل فيه.

وأمّا المقام الثاني: فلا مانع من أن يدلّ على الالتزام العقدي باللّفظ، وعلى الالتزام الشرطي بالفعل.2.

ص: 217


1- المكاسب: ج 5/154.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/522 (ط. ق).
3- المبسوط: ج 2/82.

وبعبارة أُخرى : إنّ ربط الالتزامين إنّما هو في المرتبة السابقة على الإبراز، واللّفظ أو الفعل كاشفان عن ذلك ودالّين عليه، وعليه فكما أنّ الفعل ربما يحتفّ بالكلام ويوجبُ صَرفه عن ظاهره، كذلك يمكن أنْ يدلّ على ربط ما انكشف به بما ينكشف باللّفظ، فلو قال مقارناً للفعل: (بشرط كذا) يكون قوله مرتبطاً بفعله.

أقول: وعن «التذكرة»(1) و «المبسوط»(2): دخول الخيار في الصداق.

ربما يقال: إنّ الصداق ليس عقداً كي يمكن حَلّه وفخسه.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ المهر حيث لا يكون ركناً لعقد النكاح، يكون من قبيل الالتزام الضمني، والفسخ يوجبُ رفعه، فكأنّه لم يقع على الصداق أصلاً، والظاهر عدم الخلاف في دخول الخيار فيه، وقد عرفت أنّه على القاعدة فلا حاجة إلى ما استدلّ به الشيخ.

***1.

ص: 218


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/522(522).
2- المبسوط: ج 2/81.

الرابع: خيار الغبن.

خيار الغبن

اشارة

الخيار (الرابع: خيار الغبن).

قيل: أصله الخديعة، ولكن الظاهر أنّ الغبن والخديعة يتصادقان على موردٍ أحياناً ولا اتّحاد بينهما مفهوماً، بل الظاهر أنّه (بسكون الوسط) نقصٌ في المعاملة والمقاسمة، كما صرّح بذلك أئمّة الفنّ ، وعليه فالتعبير عن يوم القيامة بيوم التغابن في الآية الشريفة: (ذلِكَ يَوْمُ اَلتَّغابُنِ ) (1) مستعارٌ من تغابن القوم في التجارة.

وفي الحديث(2): «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة والفراغ»، واستعمال الغبن فيه إنّما هو من جهة أنّ اشتغال المكلّف أيّام الصحّة والفراغة بالأُمور الدنيويّة الدنيّة، يوجبُ صيرورته مغبوناً، لأنّه قد باع أيّام الصحّة والفراغة بشيءٍ لا قيمة له.

والغبن بتحريك الوسط عبارةٌ عن نقص في العقل والرأي.

وفي «المجمع»(3): (وغبن رأيه غبناً من باب تعب، قلت: فطنته وذكاؤه، ومغابن البدن الارفاغ والآباط، الواحد المغبن كمسجد، ومنه حديث الميّت: «فامسح بالكافور جميع مغابنه»).

ص: 219


1- سورة التغابن: الآية 9.
2- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 526.
3- مجمع البحرين: ج 3/293.

وهو أن يبيع بدون ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه.

أقول: (و) بما ذكرناه يظهر أنّ ما أفاده الفقهاء رحمهم الله في تفسيره من أنّ الغبن (هو أن يبيع بدون ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه) ليس من جهة أنّ لهم اصطلاحاً خاصّاً، وإنّما يطلقونه بما له من المعنى اللّغوي.

وكيف كان، فإذا ثبت الغبن، ثبت للمغبون الخيار كما هو المشهور بين الأصحاب، وقد تكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع عليه، ولم ينقل الخلاف إلّاعن الاسكافي(1) والمحقّق(2).

وما أفاده الشيخ رحمه الله من أنّ (إنكاره في مجلس درسه، أعمٌّ من كون فتواه ذلك) كما ترى ، وسكوت جماعةٍ من القدماء عن التعرّض له لا يكون كاشفاً عن خلافهم، بعد دعوى غير واحدٍ الإجماع عليه.

وعلى أيّحال، لايكون حجّة بعدمعلوميّة المدرك، وعليه فالعمدة ملاحظة أدلّتهم.

أقول: قد استدلّ لثبوت هذا الخيار بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن «التذكرة»(3) من دلالة قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (4)، قال: (ومعلومٌ أنّ المغبون لو عرف الحال لم يرض).

وحيث أنّ ظاهر ذلك مانعيّة الكراهة التقديريّة مع الرّضا الفعلي، وجّهه9.

ص: 220


1- راجع المختلف: ج 1/346، وحكاه عنه الشهيد في الدروس: ج 3/275.
2- الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة: ج 3/275.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/522 (ط. ق).
4- سورة النساء: الآية 29.

الشيخ رحمه الله(1) بقوله: (وتوجيهه أنّ رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضاً... الخ).

وحاصله: إنّ الرضا الفعلي مفقودٌ، باعتبار أنّ الرضا متعلّقٌ بعنوان مفقود، وهو عدم نقصه عنه في الماليّة، وحيث إنّ العنوان المفقود وصفي في المبيع، فلا يوجب تخلّفه إلّاالخيار، كما في سائر موارد تخلّف الوصف، فالآية تدلّ على عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض غير المساوي، كان كالرضا السابق، فكما أنّ الرضا السابق بالفاقد للوصف مؤثّرٌ في اللّزوم، كذلك الرضا اللّاحق مؤثّرٌ فيه، فإن رضا المالك المتأخّر إذا كان مؤثّراً في الصحّة، وفي انعقاد البيع في الفضولي والمكرَه، كان رضاه المتأخّر أولى بالتأثير في لزومه بعد صحّته.

أقول: وبما ذكرناه في تقريب هذا الوجه، اندفع إيراد المحقّق السيّد الفقيه رحمه الله(1)عليه: (بأنّ مقتضى البيان المذكور بطلان البيع لا الخيار، كما هو مقتضى قوله: (فإذا حصل... الخ)، فإنّه أيضاً إنّما يناسب البطلان بدون الرضا، وإلّا فمع فرض الدلالة على عدم اللّزوم، لا حاجة إلى إجراء فحوى حكم الفضولي والمكره) انتهى .

وأجاب الشيخ رحمه الله(3) عنه بأجوبة:

الجواب الأوّل: إنّ الوصف المذكور من قبيل الدّاعي الذي لايوجب تخلّفه شيئاً.

وفيه: إنّ الدّاعي هو الغرض من الفعل، والعلّة الغائيّة له، ومن المعلوم أنّ عنوان ما يساوي بالثمن ليس علّة غائيّةً للفعل.

الجواب الثاني: إنّه قد لا يكون داعياً أيضاً، كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليّته، فقد يقدم على أخذ الشيء وإنْ كان ثمنه أضعاف قيمته، والتفت إلى احتمال ذلك.4.

ص: 221


1- حاشية المكاسب اليزدي: ج 2/34.

وفيه: إنّه في مثل هذا المورد لا يكون خيار الغبن ثابتاً لإقدامه عليه.

الجواب الثالث: إنْ أُخذ على وجه التقييد لا يوجب خياراً إذا لم يُذكر في متن العقد.

وفيه: إنّ هذا يصلح وجهاً لعدم ثبوت خيار تخلّف الشرط، لا لعدم ثبوت خيار الغبن الثابت بالتعبّد على الفرض.

فالأولى أن يورد عليه أوّلاً: بما تقدّم في مبحث المعاطاة(1) وبيع المكرَه، من أنّ الاستثناء في الآية الشريفة منقطعٌ غير مفرغ، فلا تدلّ على الحصر، ولا على عدم جواز الأكل بغير التجارة عن تراض.

وثانياً: إنّ العنوان المشار إليه لا يكون قيداً للمبيع، فضلاً عن كونه عنواناً له.

وثالثاً: إنّه لو سُلّم كونه عنواناً للمبيع، وقيداً في متعلّق الرضا على نحو وحدة المطلوب، لكن يلزم منه بطلان المعاملة، وإلّا لكان داخلاً في منطوقها. فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.

الوجه الثاني: قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (2).

أقول: وتقريب ما أفادوه(3) في تقريب الاستدلال هو:

إنّ البيع الغبني إذا وقع على وجه الخديعة، يكون الأكل به أكلاً بالباطل، وهو حرامٌ ، سواءٌ في ذلك قبل تبيّن الخديعة أو بعده، وسواء رَدّ المغبون أم لم يرد.

نعم، لو تبيّن ورضي المغبون، لا يكون أكلاً للمال بالباطل، وحرمة الأكل بعد الرَّد مساوقة لتأثيره وأنّ له ذلك، ومقتضى إطلاق الآية وإنْ كان حرمة الأكل8.

ص: 222


1- فقه الصادق: ج 22/300.
2- سورة النساء: الآية 29.
3- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/238.

حتّى قبل تبيّن الخديعة، إلّاأنّه خرج بالإجماع وبقي ما بعد اطّلاع المغبون وردّه للمعاملة.

وأجاب الشيخ(1) عنه قدس سره: بما حاصله: إنّ قوله تعالى: (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (2) بناءً على ما تقدّم من وجود الرضا الفعلي قبل تبيّن الخديعة، يدلّ على لزوم هذه التجارة، فيتعارضان، والمرجع هو أصالة اللّزوم.

ثمّ استدرك عن ذلك بما حاصله: إنّ مورد آية التجارة عن تراضٍ إنّما هو قبل تبيّن الخديعة وردّ المغبون، وتدلّ الآية على أنّه سبب صحيح، ومورد آية النهي عن الأكل(3) بعد التبيّن ورَدّ المعاملة، ولا تعارض بين كونها سبباً صحيحاً في نفسها إلّاأنّه من جهة تعنون التصرّف الواقع بعد هذا السبب بعنوان آخر - وهو كون الأكل بعد رَدّ المغبون يعدّ أكلاً بالباطل - يصير منهيّاً عنه.

وعلى هذا، فأداة النفي (لا) في قوله: (ولا يخرج) ليست زائدة كما توهّمه جمعٌ منهم المحقّق الايرواني رحمه الله(2).

وبالجملة: بعد فرض أنّ لكلّ منهما مورداً مختصّاً به، فلا تعارض بينهما.

ثمّ أورد عليه بوجهٍ آخر وحاصله: إنّ مورد كلّ منهما وإنْكان غير مورد الآخر، إلّا أنّه من جهة عدم القول بالفصل بين الموردين يتحقّق التعارض بالعرض.

ولكن يرد على الاستدلال بالآية: إنّ التجارة المفروضة بما أنّه يصدق عليها (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) لا تكون مشمولة لآية النهي، إمّا من جهة عدم تصادقهما على مورد واحد، أو من جهة الاستثناء.8.

ص: 223


1- المكاسب: ج 5/159-160. (2و3) سورة النساء: الآية 29.
2- حاشية المكاسب للإيرواني: ج 2/28.

وأمّا الأكل بعد رَدّ المغبون، فمضافاً إلى عدم كونه مشمولاً للآية، لأنّ نظرها إلى التصرّفات المعامليّة، بقرينة كلمة (بينكم) الظاهرة في إعطاء مال وأخذ مال، أنّه من جهة كونه بعد (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) لا يكون مشمولاً لها.

وبذلك ظهر عدم تماميّة الجواب الثاني الذي أفاده الشيخ رحمه الله(1).

الوجه الثالث: النبويّ الذي استدلّ به جماعة من الأصحاب، على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى أن يتلقّى الجلب، فإنْ تلقّاه إنسانٌ فابتاعه، فصاحب السَّلعة فيها بالخيار إذا ورد السّوق(1).

أقول: والكلام فيه يقع:

أوّلاً: في سنده.

وثانياً: في دلالته.

أمّا من حيث السند: فقد أورد عليه الشيخ(3) بعدم وجوده في الكتب المعروفة بين الإماميّة، فلا يقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

وفيه: إنّه مع تسليم العمل كما هو كذلك، فإنّ المحكيّ عن الشيخ رحمه الله في «الخلاف»(2) الاستناد إليه، وكذلك ابن زُهرة في «الغُنية»(3)، مع أنّه لا يعمل إلّا بالمقطوع به من الأخبار، والظاهر أنّه مشهورٌ عند قدماء الأصحاب، ولذا يعدّون غَبن الركبان من أحد أسباب الخيار، وظاهر «التذكرة»(4) الاستناد إليه.).

ص: 224


1- أخرجه مسلم في 21 كتاب البيوع حديث رقم 17. وأخرجه ابو داود في 22 كتاب البيوع باب في التلقّي حديث رقم 3437. ورواه الشيخ في الخلاف: ج 3/173 عن أبي هريرة.
2- الخلاف: ج 3/173.
3- غنية النزوع: ص 216.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/522 (ط. ق).

وعليه، فلا وجه لعدم البناء على الانجبار، إذ لا يشترط في الجبر وجود الرواية في الكتب المعروفة، مع أنّه موجودٌ في «الغُنية»(1).

وقد يقال: إنّ قول ابن زُهرة(2): «نهى النبيّ صلى الله عليه و آله... إلى آخر الحديث» يُشعر بإذعانه بمضمون الخبر، فهو توثيقٌ لجميع من في سند الخبر من الرواة غير المذكورين، فتشمله أدلّة حجيّة الخبر الواحد.

وفيه: إنّ غاية ما يثبت بذلك، إذعانه بمضمون الخبر، وحيث يحتمل أنْ يكون ذلك للقرائن الخارجيّة، فلا يكون توثيقاً للوسائط.

وعليه، فالعمدة ما ذكرناه.

وأمّا من حيث الدلالة: فيرد عليه أنّه لا يدلّ على أنّ ما أثبته من الخيار هو خيار الغبن، بل مقتضى إطلاقه بالنسبة إلى غير مورد الغبن عدمه، وقد أفتى الحِلّي رحمه الله بثبوت هذا الخيار مع عدم الغبن.

الوجه الرابع: حديث: «لا ضَرر ولا ضِرار في الإسلام»(1).

بتقريب: إنّ لزوم مثل هذا البيع، وعدم تسلّط المغبون على فسخه، ضررٌ عليه وإضرار به، فيكون منفيّاً.

وأُورد عليه بوجوه:

الإيراد الأوّل: ما عن الشيخ رحمه الله(2) من أنّ حديث لا ضرر لا يدلّ على ثبوت1.

ص: 225


1- وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب موانع الإرث والتذكرة المسألة الأُولى من خيار الغبن وهو مرويّ مع حذف كلمة في الإسلام باب 17 من أبواب الخيار وباب 12 و 7 من أبواب كتاب إحياء الموات وباب 5 من أبواب كتاب الشفعة وفي الكتب الاُخر، وأيضاً مرويّ مع إضافة كلمة على مؤمن في وسائل الشيعة: في جملة من الأبواب، وفي المستدرك وغيرهما. الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23074.
2- المكاسب: ج 5/161.

الخيار بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن، كما هو المُدّعى، لأنّه يمكن تدارك الضرر بأحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: الخيار.

الثاني: رَدّ مقدار ما تضرّر به من الثمن أو المثمن.

وظاهر صدر كلامه - بل صريحه - إرادة الرَّد من عين الثمن أو المثمن، ولذا أورد عليه ما ذكره العلّامة في مسألة محاباة المريض من منافاته لمقتضى المعاوضة، ولكن ظاهر عباراته المتأخّرة - منها قوله: (فالمبذور غرامة)، ومنها قوله: (إنّ المبذور ليس هبة، ولا جزء من أحد العوضين) - أراده رَدّ مقدار منه أو بدله غرامة.

الثالث: تخيير الغابن بين رَدّ الزائد غرامة، وفسخ المغبون، نظير ما احتمله في «القواعد» من أنّه إذا ظهر كذب البائع مرابحةً في إخباره برأس المال، وبذل المقدار الزائد مع ربحه، فلا خيار للمشتري.

أقول: والظاهر أنّ تدارك ضَرر المغبون بأحد الاحتمالين الأخيرين اللّذين حاصلهما عدم الخيار للمغبون، مع بذل الغابن للتفاوت، أولى من إثبات الخيار، لأنّ إلزام الغابن بالفسخ ضررٌ عليه، وهذا وإنْ كان لا يصلح لمعارضة ضرر المغبون، إلّا أنّه يصلح لترجيح أحد الاحتمالين المذكورين على ما هو المشهور من ثبوت الخيار، ولا يخفى أنّ الشيخ رحمه الله لا يدّعي أنّ بذل التفاوت تدارك للضرر، والحديث ينفى الضرر غير المتدارك، فإنّ ذلك خلاف مبناه، بل يدّعي أنّ اللّزوم عبارة عن عدم التسلّط على حَلّ العقد، بالإضافة إلى تمام الثمن، وبالإضافة إلى المقدار الزائد، وعدم التسلّط على حَلّه مع عدم بذل الغابن لما به التفاوت، وارتفاع هذا اللّزوم كما

ص: 226

يكون بثبوت السلطنة على الحَلّ في الجميع، كذلك بثبوتها على الحَلّ في المقدار الزايد، وبثبوتها على الحَلّ مع عدم بذلك ما به التفاوت، فلا يتعيّن ارتفاع اللّزوم الضرري بالنحو الأوّل. فتدبّر فإنّه دقيق.

ولكن يرد عليه: إنّ بذل مقدارٍ من أحد العوضين غير صحيح، لأنّه منافٍ لمقتضى المعاوضة، كما اعترف به في أثناء كلامه، كما أنّ بذل ما به التفاوت بعنوان الغرامة أيضاً لا وجه له، لأنّ الغرامة عبارة عن تدارك ما اشتغلت به الذّمة، ومجرّد كون الطرف غابناً لا يصير سبباً لضمانه، فلا محالة يكون هبةً ، وهي لا توجب انقلاب المعاملة عن كونها غبنيّة.

وبالجملة: إنّ اللّزوم لا معنى له سوى عدم السلطنة على حَلّ العقد في تمام الثمن، ونفي ذلك لا يقتضي سوى الجواز المشهور.

الإيراد الثاني: ما عن المحقّق النائيني رحمه الله(1) - بناءً على أنْ لا يكون اعتبار التساوي في الماليّة من قبيل الشرط الضمني - بأنّ مفاد حديث لا ضرر، هو أنّ الحكم الذي ينشأ منه الضرر، بحيث يكون الضرر عنواناً ثانويّاً له، فهو مرفوعٌ دون ضررٍ لا يكون عنواناً للحكم، بل يكون عنواناً لنفس فعل المكلّف، الصادر منه بإقدامه واختياره، ومنشأ الضرر في المقام ليس حكم الشارع؛ لأنّ العاقد قد أقدم على المعاملة من دون أنْ يكون ملزماً شرعاً، وعليه فلا معنى لرفعه.

وفيه: إنّ المعاملة الغبنيّة الواقعة - مع قطع النظر عن حكم الشارع بالصحّة واللّزوم - لا تكون ضرريّة، لفرض بقاء ماله على ملكه، ومع فرض حكمه بالصحّة0.

ص: 227


1- منية الطالب: ج 2/60.

دون اللّزوم، يكون حدوثاً ضرريّاً، وبقاءً غير ضرري، فاللّزوم لضرريّة المعاملة بقاءً ، فيكون مرفوعاً بحكم الحديث.

الإيراد الثالث: ما أفاده جمعٌ منهم المحقّق الايرواني رحمه الله(1)، من أنّ الضرر ينشأ من الحكم بالصحّة، ومن مِلْك اليسير في مقابل الكثير، لا من الحكم باللّزوم، وإنّما الفسخ علاج لما وقع فيه من الضرر، فكأنّ الحكم بالخيار معالجة لضرر، وليس مفاد دليل نفي الضرر تشريعُ ما يُعالَج به الضرر الواقع فيه المكلّف باختياره، وإنّما مفاده رفع ما يقتضي الضرر من الأحكام، فنتيجة دليل نفي الضرر، هو خروج المعاملة الغبنيّة عن أدلّة الصحّة والحكم بفسادها.

وفيه: ما تقدّم من أنّ الصحّة واللّزوم كلاهما ضرريّان، أمّا الأوّل فباعتبار حدوث المعاملة، والآخر باعتبار بقائها، نعم يبقى حينئذٍ سؤال عن الموجب للتفكيك والحكم بالصحّة دون اللّزوم ؟

والجواب: إنّ الصحّة لا تكون مشمولة له لوجهين:

أحدهما: الإجماع.

ثانيهما: إنّ حديث لا ضرر إنّما ينفي الحكم الذي في رفعه منّة، ورفع الصحّة لا امتنان فيه، بخلاف رفع اللّزوم.

هذا بناءً على كون المرفوع في الحديث، الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

وأمّا بناءً على مسلك المحقّق الخراساني رحمه الله(2) من أنّ مفاد الحديث نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، وأنّه إنّما ينفي الحكم الذي يكون موضوعه ضرريّاً، فالأمر1.

ص: 228


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/28.
2- كفاية الاُصول: ص 381.

واضح، حيث إنّ لسان الحديث حينئذٍ هو النفي لا الإثبات.

أقول: ما أفاده رحمه الله لا بأس به بناءً على شمول الحديث له، وأولى من ذلك المنع من شموله له، إذ ليس اللّزوم حكماً وجوديّاً مجعولاً، بل هو أمرٌ عدمي، وهو عدم السلطنة على الحلّ ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام العدميّة، لأنّ النفي إنّما يتعلّق بما هو وجودي، والعدم ليس شيئاً قابلاً لتعلّق النفي به إلّا بالعناية.

الوجه الخامس: من أدلّة هذا الخيار، النصوص الواردة في حكم الغبن:

منها: خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «غبن المسترسل سحتٌ »(1).

ومنها: خبر ميسر عنه عليه السلام: «غبن المؤمن حرامٌ »(2).

ومنها: الخبر المرسل: «لا يغبن المسترسل فإنّ غبنه لا يحِلّ »(3).

ومنها: خبر السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «غبن المسترسل ربا»(4).

ومنها: خبر «دعائم الإسلام» عن مولانا الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«وإنْ كان أمراً فاحشاً وغبناً بيِّناً - إلى أنْ قال - ثمّ قيل للمشتري: إنْ شئت خذها بمبلغ القيمة وإنْ شئت فدَع»(5).2.

ص: 229


1- الكافي: ج 5/153 ح 14، وسائل الشيعة: ج 18/31 ح 23071.
2- الكافي: ج 5/153 ح 15، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23072.
3- وسائل الشيعة: ج 17/385 ح 22804، نقله عن كتاب الاستخارات لابن طاووس.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3/272 ح 3983، وسائل الشيعة: ج 17/396 ح 22832.
5- دعائم الإسلام: ج 2/56 ح 150، مستدرك وسائل الشيعة: ج 13/307 ح 15442-2.

أقول: ولكن يرد على هذا الوجه من جهتين:

أمّا من جهة السند: فإنّ أكثر هذ الأخبار ضعيفة الإسناد، لأنّ في طريق الأوّل أبا جميلة، والثالث مرسل، وفي طريق الرابع أحمد بن علي بن إبراهيم، وهو لم يوثّق، والخامس مرسل.

وأمّا من حيث الدلالة: فالأخير صريحٌ فيما ذكر، والبقيّة لا تدلّ على ذلك، وأمّا الثاني والثالث فقد استظهر الشيخ رحمه الله(1) دلالتها على حرمة الخيانة في المشاورة، ثمّ قال: (فيحتمل كون الغبن بفتح الباء).

أقول: ولكن كونه يفتح الباء أو سكونها لا دخل لهما بما أفاده كما ستعرف، مع أنّ الظاهر كونه بسكون الباء، إذ هو بالفتح لازمٌ ، وقد استعمل في الخبر متعدّياً.

والحقّ أنْ يقال: إنّ النهي إمّا بملاحظة تضمّنه للمكر والخديعة، أو بملاحظة أنّ المعاملة المشتملة على الزيادة إذا صدرت عن علم وعمد حرامٌ ، وعلى أيّ تقدير غاية ما يثبت بهما، هي الحرمة دون الفساد أو الجواز:

وأمّا الخبر الأوّل: فالسُّحت وإنْ كان في نفسه ظاهراً فيما يتعلّق بالأموال، إلّا أنّه من جهة حمله على الغبن، الظاهر في المعنى المصدري، لابدَّ من التصرّف في أحدهما:

إمّا بإرادة المال المغبون فيه من الغبن، ثمّ تقييده بما بعد فسخ المغبون، للإجماع على عدم حرمته قبل ذلك.

أو بإرادة الحرام من لفط (السحت).5.

ص: 230


1- المكاسب: ج 5/165.

ولا ريب في أظهريّة الثاني.

أقول: وهذا الذي ذكرناه أولى ممّا أفاده الشيخ رحمه الله(1) من الحمل على أنّ الغابن بمنزلة آكل السحت، أو الحمل على إرادة كون المقدار الزائد عمّا يستحقّه بمنزلة السحت ومضمون عليه.

الوجه السادس: إنّ الغرض النوعي في المعاملات المعاوضيّة، الذي عليه بناء العقلاء في معاملاتهم، هو حفظ ماليّة أموالهم مع التبديل بإعطاء مالٍ وأخذ ما يقوّم ماقمه في الماليّة، وهذا شرطٌ ضمني ارتكازي في جميع المعاملات غير المبنيّة على التسامح، ومثل هذا الغرض النوعي العَقدي يكون العقد بما هو مبنيّاً عليه، ولا يعتبر ذكره صريحاً في متن العقد.

وبعبارة أُخرى : إنّ بناء العقلاء وإنْ كان على عدم ترتيب الآثار على الالتزامات النفسانيّة ما لم تُبرز ولم تُنشَأ، إلّاأنّ ذلك في غير الشروط المبنيّ عليها العقد، وفي تلك بنائهم على الترتيب، بل يرون ذلك بحكم الذكر، وعليه فتخلّفه موجبٌ للخيار من باب تخلّف الشرط.

فتحصّل: أنّ دليل ثبوت هذا الخيار هو الالتزام الضمني.

***5.

ص: 231


1- المكاسب: ج 5/165.

ولا يَعرف القيمة.

اعتبار عدم علم المغبون بالقيمة

أقول: عدَّ الفقهاء من مقوّمات تحقّق الغبن عدم علم المغبون بقيمة السلعة، (و) تمام الكلام عنه يتحقّق بالبحث في مواضع:

المقام الأوّل: إنّه يشترط في هذا الخيار أمران:

الأمر الأوّل: أن (لا يعرف) المغبون (القيمة)، فلو علم بها لا خيار له بلا خلافٍ ولا إشكال في ذلك، والوجه في ذلك:

أمّا بناءً على الوجه المختار - وهو الالتزام الضمني - واضحٌ ، فإنّه مع علمه بالقيمة لا بناء ولا شرط، ويكون إقدامه إسقاطاً للشرط المزبور.

وأمّا بناءً على كون المدرك حديث لا ضرر، فقد يقال - كما في «المكاسب»(1)وعن المحقّق النائيني رحمه الله(2) - إنّه أقدم على الضرر.

توضيحه: إنّ منشأ الضرر إذا كان حكم الشارع، يكون منفيّاً بالحديث، وإنْ كان فعل المكلّف، لا يكون حكمه مشمولاً له، ومع العلم بالضرر وإقدامه عليه، يكون منشأ الضرر فعل المكلّف نفسه، فلا يشمله الحديث.

وفيه: إنّه في صورة العلم بالضرر والإقدام، فإنّ الحكم ببقاء المعاملة ولزومها منشأ لبقاء الضرر، إذ لو كانت المعاملة جائزة، وتمكّن المكلّف من التخلّص عن

ص: 232


1- المكاسب: ج 5/166.
2- منية الطالب: ج 2/62.

الضرر بالفسخ، لا يكون الضرر باقياً، فحكم الشارع باللّزوم ضرريٌ يكون مشمولاً للحديث.

هذا بناء على تسليم المبنى، وأنّ حديث لا ضرر إنّما ينفي الحكم الذي يكون منشأً للضرر.

وأمّا بناءً على القول بشموله لما إذا كان موضوع الحكم ضرريّاً، ويرفع حكمه، فالأمر أوضح.

أقول: فالحقّ في وجه عدم الشمول أنْ يقال:

إنّ الحديث إنّما ينفي الحكم الذي في رفعه منّة، ومع العلم بالغبن والضرر والإقدام عليه لا يكون نفي اللّزوم امتنانيّاً، فلا ينفيه الحديث.

وينبغي التنبيه على أُمور:

التنبيه الأوّل: لا خلاف ولا كلام ولا إشكال في ما إذا كان غافلاً من مقدار القيمة، أو ملتفتاً مع كونه عالماً أو مطمئنّاً بالتساوي، أنّه في هذين الموردين يثبت الخيار، كما لا إشكال في عدم ثبوت الخيار مع علمه بعدم التساوي، إنّما الكلام فيما إذا كان شاكّاً أو ظانّاً بالظنّ غير المعتبر.

فإنْ كان مدرك هذا الخيار الحديث النافي للضرر، فقد يقال - كما في «المكاسب»(1) وتبعه غيره(2) - بأنّه يثبت الخيار، إذا الحديث يدلّ على النفي في غير مورد الإقدام، ولا يصدق الإقدام على الضرر مع رجاء عدم الضرر.

وفيه: إنّه مع الاحتمال إنْ كانت المعاملة معلّقة على المساواة بطلت، وإلّا فلا8.

ص: 233


1- المكاسب: ج 5/161.
2- قد يظهر ذلك من حاشية المكاسب للإيرواني: ج 2/28.

محالة يكون مقدماً على المعاملة كيفما كانت القيمة، فلا محالة يكون مقدماً على الضرر، ألا ترى إنّ من يحتمل أنْ يكون في طريقه سَبعٌ يفترسه، لو مشى من ذلك الطريق، يصدق أنّه أقدم على الدخول في الخطر وينسب الفعل إليه، فعلى هذا المسلك لابدَّ من البناء على سقوط الخيار.

وأمّا بناء على الالتزام الضمني، فالأظهر ثبوت الخيار، إذ لا اختصاص بالشرط سواءٌ أكان صريحاً أو ضمنيّا ثابتاً ببناء العقلاء بصورة العلم، بل الغالب هو الشرط في صورة الشكّ .

التنبيه الثاني: لو أقدم عالماً على غبنٍ فبان أزيد:

تارةً : يكون ما أقدم عليه ممّا يتسامح فيه.

وأُخرى : يكون ممّا لا يتسامح فيه.

وعلى كلّ تقدير: قد تكون الزيادة ممّا يتسامح فيه، وأُخرى ممّا لا يتسامح فيه.

فصور المسألة أربعة:

الصورة الأُولى : أن يُقدم على ما يتسامح فيه فبان أزيد ممّا يتسامح فيه منفرداً ولا يتسامح فيه منضمّاً، وقد اختار المحقّق النائيني رحمه الله(1) عدم سقوط الخيار فيها من جهة أنّ المجموع لم يكن مُقْدِماً عليه، والإقدام على القدر الذي يتسامح فيه لا أثر له، لكونه مقيّداً بهذا المقدار.

وفيه: إنّ المجموع مركّبٌ من المقدار الذي أقدم عليه، والمقدار الذي يتسامح فيه، وليس شيئاً ورائهما، وشيءٌ منهما لا يقتضي الخيار.3.

ص: 234


1- منية الطالب: ج 2/63.

وبالتالي فالأظهر عدم الخيار.

الصورة الثانية: الصورة الاُولى مع كون الزائد بنفسه ممّا لا يتسامح فيه، فالأظهر في هذه الصورة ثبوت الخيار.

الصورة الثالثة: أن يقدم على ما لا يتسامح فيه، فبان أزيد ممّا يتسامح فيه منفرداً.

والأظهر في هذه الصورة عدم الخيار، لأنّ ما يوجب الخيار أقدم عليه، وما لم يُقدِم عليه لا يوجب الخيار.

الصورة الرابعة: هذه الصورة مع كون الزائد ممّا لا يتسامح فيه، والأقوى في هذه الصورة الخيار.

لا يقال: إنّه مع الإقدام على ما لا يتسامح فيه، قد أسقط شرط التساوي، ومعه كيف يبنى على الخيار؟!

فإنّه يقال: إنّ المشروط ليس هو التساوي، بل عدم الزيادة، وللزيادة مراتب، فيمكن أن يسقط اشتراط بعض مراتبها دون بعض.

الخيار يدور مدار الغبن الموجود حال العقد

التنبيه الثالث: هل العبرة بالقيمة حال العقد، بحيث لو زادت بعده، ولو قبل اطلاع المغبون على النقصان حين العقد، لم ينفع كما هو المشهور؟

أم لا خيار له في الفرض كما عن «التذكرة»(1)؟

أقول: إنْ كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر، أمكن القول بسقوط الخيار

ص: 235


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/541 (ط. ق).

لو زادت قيمته السوقيّة قبل الرَّد مطلقاً، لأنّه بعد ازدياد القيمة لا يكون لزوم العقد بقاءً ضرريّاً، ومع عدم كونه ضرريّاً لا وجه لرفع اللّزوم، إذ الحكم وجوداً وعدماً يدور مدار ما أُخذ في موضوعه.

ولعلّ هذا مراد الشيخ رحمه الله(1) حيث قال: (ويحتمل عدم الخيار حينئذٍ، لأنّ التدارك حصل قبل الرَّد، فلا يثبت الرَّد المشروع لتدارك الضرر).

وما ذكره وجهاً للخيار، بأنّ الزيادة قد حصلت في ملكه، والمعاملة وقعت على الغبن، لا يفيد، لأنّه وإنْ حصلت الزيادة في ملكه، إلّاأنّها توجب ارتفاع الضرر من بقاء المعاملة.

وإنْ كان المدرك الالتزام الضمني، فالشرط الضمني ليس خصوص التساوي حين العقد، لأنّ المقصد الأصلي تسلّم شيء لا ينقص ماليّته عن ماليّة ما أعطاه، فالزيادة بعد العقد وقبل القبض توجبُ عدم الخيار قطعاً، وكذلك الزيادة بعد القبض وقبل الرَّد إنْ كان في زمانٍ قصير، وإلّا فيمكن أنْ يقال بسقوط الخيار أيضاً من جهة أنّ حدوث الخيار وبقائه تابعان لانتفاء الشرط، فإذا حصل الشرط ارتفع الخيار.

فتحصّل: أنّ الأقوى سقوط الخيار في موارد الزيادة بعد العقد وقبل الرَّد.

لا عبرة بعلم مجري الصيغة

التنبيه الرابع: هل العبرة بعلم الوكيل، أو الموكّل، أو هما معاً؟ وجوه:

وملخّص القول فيه: إنّه لا إشكال في أنّ الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة لا عبرة بعلمه ولا بجهله، ولا يثبت له الخيار.

ص: 236


1- المكاسب: ج 5/167.

وأمّا الوكيل المفوّض: فالكلام فيه في موردين:

الأوّل: في أنّه متى يثبت الخيار.

الثاني: في من يثبت له.

أمّا المورد الأوّل: فلا إشكال في ثبوته لو كان الوكيل والموكّل جاهلين، إنّما الكلام فيما إذا كان الوكيل عالماًبالغبن، والموكّل جاهلاً أو عالماً، وفيما إذا انعكس الأمر.

أمّا في الصورة الأُولى : فقد يقال إنّ التوكيل إمّا أن يشمل المعاملة الغبنيّة، أو يختصّ بغيرها، لا إشكال في اللّزوم في الفرض الأوّل، وعدم الصحّة في الثاني، فما معنى ثبوت الخيار حينئذٍ؟!

وفيه: إنّه يمكن أنْ يقال إنّه يشمل التوكيل المعاملة الغبنيّة، ولكن بما لها من الأحكام والخصوصيّات، ومنها ثبوت الخيار، وصريح الشيخ رحمه الله(1) وغيره عدم ثبوت الخيار، والوجه فيه أنّ طرف المعاملة إنّما هو الوكيل، وأمّا الموكّل فهو أجنبي عن المعاملة، فلا بناءمن الموكّل كي يوجب تخلّفه الخيار. ولا إقدام منه عليمعاملة ضرريّة.

وأمّا في الصورة الثانية: فظاهر الشيخ رحمه الله(2) عدم ثبوت الخيار، وصريح المحقّق النائيني رحمه الله(1) ثبوته، وهو الحقّ ، لأنّ طرف المعاملة هو الوكيل، فهو الملتزم بالمساواة، ويوقع المعاملة مبنيّة عليها، ولزوم المعاملة الضرريّة مستندٌ إلى الشارع دون المكلّف، ومجرّد علم الموكّل بالغبن لا يوجب عدم ثبوت الخيار.

وأمّا المورد الثاني: فإنْ كان مدرك الخيار حديث لا ضرر، كان الخيار ثابتاً للموكّل، كما أفاده الشيخ رحمه الله(4)، لأنّه الذي يتضرّر من المعاملة، وإنْ كان المدرك هو الالتزام الضمني، كان الخيار للوكيل، لأنّه طرف المعاملة والبناء منه.5.

ص: 237


1- منية الطالب: ج 2/65.

ما يثبت به الجهل

التنبيه الخامس: فيما يثبت به الجهل:

فقد يقال: - كما عن الشيخ الأعظم رحمه الله(1) - إنّه يثبت باعتراف الغابن، وبالبيّنة إنْ تحقّقت، وبقول مدّعيه مع اليمين، وظاهر ذلك جعل المغبون مدّعياً، واستدلّ له بأصالة عدم العلم، فيثبت قوله باعتراف الغابن له، أو بإقامة البيّنة عليه، أو بيمينه، فيما لو تعذّر عليه إقامة البيِّنة عليه.

أقول: وفي كلامه قدس سره موقعان للنظر:

الأوّل: أنّه إن جرى الأصل المزبور، لزم منه كون المغبون منكراً لموافقة قوله الأصل لا مدّعياً!

نعم، لو كان المدّعي مَنْ لو تَرك تُرِك صَحَّ جعل المغبون مدّعياً.

الثاني: المانع عن ثبوت الخيار إنّما هو إقدام المغبون على الضرر والغبن، وبه يسقط اشتراط التساوي، ولا يكون مشمولاً لحديث نفي الضرر، والعلم من حيث هو لا دخل له في ذلك، وإجراء أصالة عدم العلم لإثبات أثر عدم الإقدام من أوضح أشكال الأصل المثبت.

فالحقّ أنْ يقال: إنّ المنكر هو الغابن، لموافقة قوله للأصل، وهو أصالة اللّزوم، وعليه فإنْ أقام المغبون البيّنة على جهله فهو، وإلّا فيحلف الغابن، وإنْ رَدّ الحلف حلف المغبون.

ص: 238


1- المكاسب: ج 5/168.

أقول: ذكر صاحبا «المسالك»(1) و «الجامع»(2) أنّه إذا كان المغبون من أهل الخبرة لا يقبل قوله.

وأورد عليهما الشيخ(3): بأنّ غاية ما هناك موافقة قول الغابن للظاهر، فالمغبون يصير مدّعياً، والمدّعي إذا تعسّر عليه إقامة البيّنة - لأنّ ما يدّعيه لا يُعرف إلّامن قِبله - يُقبل قوله مع اليمين، والمقام من هذا القبيل.

وقد رَدّ رحمه الله ذلك بوجوه(4):

الوجه الأوّل: إنّ مقتضى تقديم الظاهر قبول قول موافقه باليمين، فتكون القاعدة المشار إليها - أي سماع قول المدّعي بيمنيه مع تعسّر البيّنة عليه - مختصّة بما إذا لم يكن قول المدّعي مخالفاً للظاهر.

الوجه الثاني: إنّ عموم تلك القاعدة محلّ تأمّل، إذ لا وجه له سوى أنّه يلزم من عدم تقديمه إيقاف الدعوى وضياع الحقوق، وهذا اللّازم مختصٌّ بما إذا لم يتمكّن المدّعى عليه من الحلف، وإلّا لكان الفصل ممكناً، وفي المقام يتمكّن المنكر من ذلك.

الوجه الثالث: إنّ المقام غير داخلٍ في تلك القاعدة، لأنّه ليس إقامة البيّنة متعسّرة عليه نوعاً.

أقول: وفي ما أفاده رحمه الله موقعان للنظر:

أحدهما: العَلَمين رحمهما الله إنّما حَكما بعدم قبول قول المغبون، لا من جهة كونه مدعياً، بل من جهة أنّ من شرط سماع الدعوى أنْ يكون ما يدّعيه محتملاً بالاحتمال9.

ص: 239


1- مسالك الأفهام: ج 3/204.
2- جامع المقاصد: ج 4/294. (3و4) المكاسب: ج 5/169.

العقلائي والعادي، وإلّا لا تُسمع الدعوى، ألا ترى أنّه إذا ادّعى الفقير على غنيّ فصّاً تسوى آلاف الدنانير لا تُسمع دعواه، والمقام من هذا القبيل، فإنّ الخبير إذا ادّعى الجهل بالقيمة لغير عارضٍ لا يحتمل عقلائيّاً صدقه.

ثانيهما: إنّ ما أفاده في الجواب الأوّل يرد عليه:

أنّه إذا ثبت كون من يكون قوله مخالفاً للظاهر مدّعياً، كيف لا تترتّب عليه جميع أحكام المدّعي، وما المخصّص للقاعدة المشار إليها؟!

التنبيه السادس: لو اختلفا في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده مع تعذّر الاستعلام:

قال الشيخ رحمه الله في «المكاسب»(1): (القولُ قول منكر سبب الغبن).

أقول: الظاهر أنّ مورد كلامه ما لو اتّفقا على القيمة الفعليّة، ومدّعي الغبن يدّعي تغيّر القيمة، وأنّها كانت حين العقد أزيد مثلاً.

وفي هذا المورد ادّعى الشيخ رحمه الله(2) أنّ أصالة عدم التغيّر تجري، ويثبت بها قول منكر الغبن.

وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله (1) : بأنّ هذا الاستصحاب من قبيل الاستصحاب القهقري، ولا نقول بحجيّته، مع أنّ الأثر لم يترتّب على هذا الأمر الانتزاعي، بل على منشأ انتزاعه وهو عدم التساوي.

أقول: ولكن الظاهر أنّ مراد الشيخ رحمه الله من أصالة عدم التغيّر، أصالة عدم وقوع العقد على الزائد، وعليه فليس هو من الاستصحاب القهقري، ولا مثبتاً، إذ7.

ص: 240


1- منية الطالب: ج 2/67.

ممّا لا يتغابن الناس فيه.

أنّ موضوع الخيار هو وقوع العقد على الزائد، وبه ينتفي موضوع الخيار، ولا تعارضه أصالة عدم وقوع العقد على المساوي، لعدم ترتّب الأثر عليه، إذا الأثر ترتّب على العقد الواقع على الزائد أو الناقص، وقد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في أواخر كتاب البيع من هذا الشرح. فراجع(1).

اشتراط كون التفاوت فاحشاً

الأمر الثاني: الذي له الدخل في ثبوت خيار الغبن، كون التفاوت فاحشاً، ذكره الأصحاب.

أقول: وتنقيح القول فيه يتحقّق بالبحث في موارد:

الأوّل: في اعتبار ذلك في الجملة.

الثاني: في ضابطه.

الثالث: في ما لو شكّ في أنّه ممّا يتسامح فيه أو لا.

أمّا المورد الأوّل: فلا ينبغي التوقّف في اعتباره، لأنّ مدرك هذا الخيار إنْ كان هو الشرط الضمني، فالشرط عدم التفاوت بمقدارٍ لا يتسامح فيه، وإنْ كان قاعدة لا ضرر، يكون المتعاملان مُقْدِمين على هذا المقدار من الضرر، وبنائهم على تحمّله.

وأمّا المورد الثاني: فأحسن ما قيل في المقام، ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله (ممّا لا يتغابن الناس فيه) أي لا يعدّونه غبناً، ولا يردّون المعاملة بمثل هذا التفاوت، من

ص: 241


1- فقه الصادق: ج 24/404.

غير فرق بين كون التفاوت في مقام العقد معتنى به أم لا، بل العبرة بعدم الاعتناء به في مقام فسخ العقد، وهذا يختلف بحسب اختلاف المقامات، مثلاً في المعاملات الحقيرة مع التفاوت بالنصف بل بالمساوي لا يقدمون على رَدّ المعاملة، كما إذا اشترى شيئاً بفلسين يسوى فلساً واحداً، وفي المعاملات الخطيرة ربما يقدمون على الرَّد مع كون التفاوت بالعُشر، كما إذا اشترى شيئاً بعشرة ملايين دينار وهو يسوى تسعة، فما أفاده الشيخ رحمه الله(1) في مقام الضابط كغيره لا يتمّ .

وأمّا المورد الثالث: فإنْ كان مدرك الخيار قاعدة الضرر، فلا يمكن التمسّك به، لأنّ مخصّص القاعدة في موارد الإقدام، وإنْ لم يكن لفظيّاً، إلّاأنّه القرينة المقارنة، وفي مثله لا يتمسّك بالعموم، فيتعيّن الرجوع إلى أصالة اللّزوم، وإنْ كان هو الشرط الضمني، فثبوته غير محرزٍ، فالمتعيّن الرجوع فيه إلى أصالة اللّزوم أيضاً.

أقول: بقي في المقام إشكالٌ ، ومحصّله:

إنّ المدار في الضرر في باب العبادات والمعاملات إنْ كان على الضرر المالي، فلم يجب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته، وإنْ كان على الضرر الحالي كما هو فتوى الأصحاب في باب الوضوء، تعيّن التفصيل في خيار الغبن بين ما يضرّ بحال المغبون وغيره.

وأجاب الشيخ قدس سره(2): عن ذلك بجوابين:

الجواب الأوّل: إنّ المدار على الضرر المالي، وإنّما لا يلتزم به في باب الوضوء للنص الخاص.

الجواب الثاني: إنّ المدار على الضرر المالي، وعدم الالتزام في باب الوضوء من1.

ص: 242


1- المكاسب: ج 5/169-170.
2- المكاسب: ج 5/171.

جهة أنّه لا يعدّ بذل المال في مقابل ماء الوضوء ضرراً بملاحظة ما بإزائه من الأجر والثواب الجزيل.

أقول: ثمّ إنّه رحمه الله تنبّه لإشكالٍ وهو: إنّه على هذين الجوابين، لابدَّ من البناء على وجوب الوضوء وإنْ كان مضرّاً بحاله.

فأجاب عنه: بأنّه إنّما نلتزم بعدم الوجوب لأدلّة نفي الحرج.

وفيه: في ما ذكره قدس سره موقعان للنظر:

الأوّل: تسليمه لكون بذل المال الكثير بإزاء ماء الوضوء ضرراً.

فإنّه يرد عليه: إنّ قيمة الماء إذا كانت في نفسها كثيرة، وأكثر من ثمنه المعتاد - كما لو كان الماء في محلّ يعتبرون العقلاء له هذا المقدار من الماليّة لقلّته وكثرة الحاجة إليه - لا يعدّ بذل الماء بإزائه ضرراً ماليّاً.

الثاني: ما أفاده من عدم كون بذل المال الكثير بإزاء ماء الوضوء ضرراً بملاحظة ما بإزائه من الأجر.

فإنّه يرد عليه: إنّ الأجر متوقّفٌ على ثبوت الأمر، وهو على عدم الضرر، مع أنّ الالتزام بذلك مستلزمٌ لعدم جريان قاعدة الضرر في باب العبادات.

فالمتحصل ممّا ذكرناه: أنّه في باب الوضوء المدار أيضاً على الضرر المالي لولا النَّص(1) المُخرج.

وأمّا ما أورده المحقّق الايرواني رحمه الله(2): على تمسّكه بقاعدة نفي الحرج(3) بأنّه5.

ص: 243


1- الكافي: ج 3/74 ح 17، وسائل الشيعة: ج 3/389 باب 26 باب وجوب شراء الماء للطهارة.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/32.
3- سورة المائدة: الآية 6، وسورة الحجّ : الآية 78، وسورة البقرة: الآية 185.

يأتي في الحرج ما تقدّم في الضرر، من اعتبار الحرج النوعي أو الشخصي.

فمندفعٌ : بأنّ الإشكال لم يكن مربوطاً بنوعيّته وشخصيّته. فراجع(1).

تصوير الغبن من الطرفين

قال الشهيد رحمه الله في «الروضة»(2): - في أقسام الغبن - (إنّ المغبون إمّا أنْ يكون هو البائع أو المشتري أو هما).

وقد أُشكل في تصوّر غبن كلّ من المتبايعين، بأنّه يلزم منه كون الثمن أقلّ من القيمة السوقيّة وأكثر، وهو محالٌ .

وقد ذكروا في تصويره وجوهاً، ذكر الشيخ رحمه الله(3) جملة منها، مع ما يرد عليها، وقد استحسن هو قدس سره الوجه الثالث في كلامه، ويرد عليه أيضاً ما أفاده من أنّ عبارات الأعلام لا توافقه.

أقول: ويمكن أنْ يتصوّر بوجهين آخرين:

أحدهما: ما لو فرضنا قيمة الشيء منضمّاً أزيد من قيمته منفرداً، كمصراعي الباب، بأن تكون قيمة كلّ مصراعٍ دينارين وقيمتهما معاستة دنانير، فباع من له مصراعان مصراعاً واحداً بتخيّل أنّه ليس له إلّاذلك بثلاثة دنانير، فإنّ المشتري حينئذٍ مغبونٌ بقدر دينار واحد، والبائع أيضاً كذلك من جهة زوال حيثيّة الانضمام الموجب لنقص ما عنده.

ثانيهما: أنْ يكون شيءٌ واحدٌ مختلف القيمة بالإضافة إلى شخصين، كما لو

ص: 244


1- صفحة 228 من هذا المجلّد.
2- الروضة البهيّة: ج 3/467.
3- المكاسب: ج 5/172.

فرض أنّ للشخص أمَة تسوى مائة دينار، ولها ولد يسوى مأة أيضاً، فباع الأمَة بمائة وخمسين، وفرض أنّ الولد يموت بالتفريق بينه وبين اُمّه، فالبائع مغبونٌ من جهة أنّ الأمَة تسوى بالإضافة إليه بأكثر من ما باعها به، والمشتري مغبونٌ لفرض أكثريّة ثمنها من قيمتها.

***

ص: 245

ظهور الغبن كاشفٌ عن ثبوت الخيار

المقام الثاني: ويدور البحث فيه عن أنّ ظهور الغبن شرطٌ شرعيّ لحدوث الخيار، أم أنّه كاشفٌ عقلي عن ثبوته حين العقد؟ وجهان.

والكلام في هذه المسألة يقع في جهات:

الأُولى : في أنّ مدرك هذا الخيار، هل يقتضي ثبوته من حين العقد، أم من حين ظهور الغبن ؟

الثانية: في أنّ الحقّ الخياري هل هو عين السلطنة الفعليّة أم غيرها؟

الثالثة: في أنّه هل تكون السلطنة الفعليّة من حين العقد، أو من حين ظهور الغبن ؟

الرابعة: في أنّ الآثار المجعولة للخيار، هل هي بأجمعها مترتّبة على الحقّ ، أو على السلطنة، أم هناك تفصيل ؟

أمّا الجهة الأُولى :

1 - فإنْ كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر، فهو يقتضي ثبوته من حين العقد، لأنّ لزوم العقد المشتمل على النقص المالي ضررٌ وإنْ لم يكن البائع ملتفتاً إليه، وكذلك إنْ كان المدرك الشرط الضمني، لأنّ الشرط هو التساوي بين المالين واقعاً لا في اعتقاد الشارط.

2 - وأمّا إنْ كان المدرك نصوص الغبن، فيمكن أنْ يقال إنّها تقتضي حدوث الخيار بعد ظهور الغبن، لأنّه علّق الخيار فيها على دخول السوق الذي هو كناية

ص: 246

عن ظهور الغبن.

اللَّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه يمكن أنْ يكون التعليق على دخول السوق لكونه طريق الضرر.

وأمّا الجهة الثانية: فالظاهر أنّ الحقّ الخياري غير السلطنة، من جهة أنّ الخيار حقّ ، وهو أمر اعتباري كالملكيّة والسلطنة التي هي عبارة عن جواز التصرّفات، ونفوذها غير ذلك الأمر الاعبتاري، بل ربما تفارقه كما في التصرّف في مال الصغير، فإنّ الحقّ والمِلْك للصغير، ومَنْ له السلطنة هو الوليّ .

وعليه، فما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1) من أنّه لا معنى للخيار إلّاالسلطنة، غير تامّ .

وأمّا الجهلة الثالثة: فالحقّ أنّ السلطنة الفعليّة التي هي أثر الخيار ثابتة من حين حدوثه، فكما أنّ المغبون له الخيار من حين العقد وإنْ لم يعلم به، كذلك له السلطنة وإنْ لم يلتفت إليها.

وبالجملة: فما أفاده الشيخ رحمه الله(2) في مقام الجمع بين كلمات القوم، من كون الحقّ ثابتاً من حين العقد، والسلطنة حادثة من حين ظهور الغبن، في غير محلّه.

وأمّا الجهة الرابعة: فعلى ما ذكرناه في الجهة الثالثة، لا فرق بين كون جميع الآثار آثار الحقّ أو السلطنة، أم يكون هناك تفصيلٌ ، وأمّا بناءً على المسلك الآخر فالظاهر أنّها بأجمعها آثار الحقّ ، كما هو لسان الأدلّة.

نعم، إنْ كان سقوط الخيار بالتصرّف بمناط كاشفيّته عن الرضا، الالتزام8.

ص: 247


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/32.
2- المكاسب: ج 5/177-178.

بالعقد، لا يكون التصرّف قبل ظهور الغبن مسقطاً، لأنّه لا يكون كاشفاً عن الرضا مع الجهل.

وأمّا التلف: فجماعة وهم الأكثرون إنّما أفتوا بكونه من المغبون قبل ظهور الغبن، من جهة التزامهم بأنّ قاعدة (التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له) مختصّة بغير هذا الخيار، وجماعة آخرون ممّن يرى عدم الاختصاص لعلّهم حكموا بأنّه من المغبون، من جهة أنّهم يرون ثبوت هذا الخيار من حين ظهور الغبن.

وأمّا التصرّفات الناقلة: التي تردّد الشيخ رحمه الله فيها بين الأمرين، فظاهر ما ذكر في وجه المنع من كونها تصرّفاً في متعلّق حقّ الغير، المنع عنها قبل ظهور الغبن، وحَكم بعضٌ من المنع من التصرّف في زمان الخيار بمضيّ التصرّف الناقل قبل ظهور الغبن، إمّا من جهة أنّه يرى حدوث الخيار من حين الظهور، أو يكون الإشكال وارداً عليه.

***

ص: 248

مسقطات خيار الغبن

المقام الثالث: ويدور البحث فيه عمّا يسقط خيار الغبن به، وهو عدّة اُمور:

المسقط الأوّل: إسقاطه بعد العقد.

أقول: اعتبر الشيخ رحمه الله(1) صحّة الإسقاط مفروغاً عنها، مع أنّها محلّ تأمّل وبحث، لأنّه إذا كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر، فقد مرَّ أنّ مقتضاه خصوص نفي اللّزوم، لا إثبات خيارٍ حقّي قابل للإسقاط والمصالحة، بل هو يلائم مع كونه جوازاً حكيماً، ومقتضى الاستصحاب عدم سقوطه بشيء من المسقطات.

نعم، إذا كان مدركه الشرط الضمني، كان الثابتُ خياراً كسائر الخيارات القابلة للإسقاط، كما أنّه كذلك لو كان المدرك نصوص الغبن أو الإجماع.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الإسقاط متعلّق بالحقّ ، ومن الإنشائات، ولا يكفي فيه الرضا النفساني، بل يحتاج إلى الإنشاء.

أقول: ثمّ إنّه بعد ذلك يقع الكلام فيما ذكره الشيخ رحمه الله(2) من أنّه لو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مائة، ففي السقوط وجهان، و الكلام فيه في موردين:

الأوّل: في الإسقاط بلا عوض.

الثاني: في الإسقاط مع العوض، بمعنى المصالحة عنه به.

أمّا المورد الأوّل: فقد بنى الشيخ المقام على تعدّد الحقّ ووحدته، وإنّه على الأوّل لايسقط لو أسقطه بتخيّل كون التفاوت عشرة فظهر مائة، وعلى الثاني يسقط.

ولكن هذا المقدار لا يكفي، إذ يمكن أنْ يقال إنّه على الوحدة أيضاً يمكن

ص: 249


1- المكاسب: ج 5/180.
2- المكاسب: ج 5/180.

إسقاطه على تقديرٍ دون آخر.

قال السيّد الفقيه رحمه الله(1): إنّ مبنى الوجهين أنّ اعتقاد مرتبةٍ من الغبن من قبيل الداعي أو التقييد، فعلى الأوّل يسقط دون الثاني.

ويرد عليه: أنّه ليس من قبيل الدّاعي، ولا من قبيل التقييد:

أمّا الأوّل: فلأنّ الدّاعي هو العلّة الغائبة المترتّبة على الفعل، ومن الواضح أنّ الاعتقاد المزبور ليس كذلك.

وأمّا الثاني: فلأنّ متعلّق الإسقاط - وهو الحقّ - جزئيٌّ خارجي، وهو غير قابل للتقييد.

وقد يقال: إنّ مبنى الوجهين كون الإسقاط معلّقاً على كونه مسبّبٌ من مرتبة يعتقدها، أو انه متعلّق به كائناً ما كان سببه، فعلى الأوّل لايسقط، وعلى الثاني يسقط.

وفيه: إنّه لو كان متعلّقاً بطل الإسقاط، ولو لم يكن الاعتقاد خطئاً، لأنّه من الإنشائيّات، مع أنّ الإسقاط بما أنّه من الإنشائيّات لا يُكتفى فيه ولا في قيده بالقصد المجرّد، بل يتوقّف على الإنشاء، فإذا أسقط الخيار غير معلّقٍ ، كان منشأ سقوط الخيار كائناً ما كان سببه واعتقاد كونه من سبب خاص من المقارنات.

وعليه، فالأظهر السقوط.

وأمّا المورد الثاني: فالكلام فيه من حيث الصحّة والبطلان ما تقدّم، وأمّا من حيث ثبوت الخيار، فقد أفاد الشيخ رحمه الله(2) في وجهه إنّه يحصل الغبن في المصالحة، من1.

ص: 250


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/41.
2- المكاسب: ج 5/181.

جهة أنّه لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليّته مع العلم بغبنه، وبين كونه للجهل بغبنه.

وأورد عليه المحقّق الايرواني رحمه الله(1): بأنّ بناء الصلح على المغابنة، فكيف يطرقه خيار الغبن ؟!

وفيه: إنّ الصلح المقصود به حقيقةً المعاوضة، إمّا لعدم إمكان البيع لعدم كون المعوّض عيناً، أو لعدم وجود شرائط البيع، لا يكون مبنيّاً على المغابنة، والمقام من هذا القبيل.

وربما يورد عليه: بأنّحقيقة الصلح هي التسالم، والغبن إنّما يدخل في المعاوضات.

وفيه: إنّه لا ينافي كونه عبارة عن التسالم، مع كونه تمليك شيء بعوض.

فالأولى أن يورد عليه: بأنّ الغبن في المقام أيضاً من جهه الجهل بمقدارالماليّة، لفرض أنّ التفاوت المحتمل كلّما كان أزيد، يبذل في مقابله أزيد ممّا يبذل في مقابله لو كان أقلّ ، ولعلّه إلى هذا أشار بقوله: (فتأمّل).

إسقاط الخيار قبل ظهور الغبن

أقول: هذا كلّه في إسقاطه بعد العلم بالغبن، وأمّا إسقاطه قبل ظهور الغبن، فالكلام فيه يقع:

أوّلاً: في الإسقاط.

وثانياً: في الصلح عليه.

ص: 251


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/33.

أمّا الأوّل: فقد أشكل على جوازه بوجوه أربعة، اثنان منها متوجّهان سواءٌ أكان الغبن شرطاً شرعيّاً أم كان كاشفاً عقليّاً، واثنان منها مختصّان بما إذا كان الغبن شرطاً شرعيّاً.

أمّا المحذوران المشتركان:

فأحدهما: إنّه لا جزم بالإسقاط، فلا يكون الإسقاط جدّياً، لعدم تعقّل الجِدّ إلى الشيء مع عدم الجزم به.

وثانيهما: التعليق.

أمّا الأوّل: فيمكن دفعه بأنّ الإنشاء بقصد حصول المُنشَأ على تقدير حصول قيده أمرٌ ممكن لا استحالة فيه.

وأمّا الثاني: فيندفع بأنّ التعليق لا دليل على مبطليّته سوى الإجماع، وهو على فرض شموله لجميع العقود والإيقاعات، المتيقّن منه التعليق على ما لا يتوقّف عليه الشيء، وإلّا كما في تعليق البيع على الملكيّة والطلاق الزوجيّة، فلا محذور فيه، والمقام من هذا القبيل.

وأمّا المحذوران المختصّان:

فأحدهما: ما ذكره الشيخ رحمه الله(1)، وهو أنّ إسقاط ما لم يجب كضمان ما لم يجب باطلٌ ، بل غير معقول.

وثانيهما: ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمه الله(2)، من أنّ إسقاط الخيار لا دليل على نفوذه شرعاً سوى قاعدة: (أنّ لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه)، والظاهر منها أنّ من3.

ص: 252


1- المكاسب: ج 5/182.
2- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/197 و 273.

كان له حقٌّ فعلاً، له إسقاطه فعلاً، ولا تشمل المقام.

أمّا المحذور الأوّل: فقد أجاب الشيخ رحمه الله(1) عنه بأنّه يكفي في ذلك تحقّق السبب المقتضي للخيار، وهو الغبن الواقعي، ثمّ ناقش فيه بإبراء المالك الودعي المفرّط عن الضمان، مع أنّ اشتغال ذمّته بالبدل إنّما يكون بعد التلف، وبالتبرّي من العيوب الموجب لسقوط خيار العيب، مع أنّ ظهور العيب شرط.

أقول: ويرد على جوابه ما تقدّم في خيار المجلس من أنّه لا ثبوت للشيء مع عدم تحقّق أجزاء علّته، وإنْ تحقّق مقتضيه، ولا سقوط حقيقةً قبل الثبوت، مع أنّ تمييز المقتضي عن الشرط في باب الأحكام الشرعيّة مشكلٌ ، بل لا تكون الموضوعات والأسباب والشرائط مقتضيات قطعاً. وتمام الكلام في محلّه.

وأمّا مسألة الودعي: فهي غير ثابتة، وعلى فرض الثبوت، فإنّ الودعي بمجرّد التفريط تنتقل العين إلى عهدته، ومن آثار العهدة رَدّ بدلها مع التلف، وهي أمرٌ ثابت لا مانع من إسقاطه.

وأمّا التبرّي من العيوب، فالكلام فيه هو الكلام في المقام.

وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(2) في مقام الجواب، من أنّه ليس إسقاطاً لما لم يجب، بل هو إسقاط لحقّ الشرط، بناءً على كون مدرك هذا الخيار الشرط الضمني، فقد تقدّم في إسقاط الخيار المشروط بردّ الثمن قبل الرَّد اندفاعه. فراجع(3).

فالحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّ إسقاط ما لم يجب معلّقاً على ثبوته، أي إسقاطه في زمان وجوده، لا دليل على المنع عنه، ولو سُلّم الإجماع عليه، فهو يختصّ بصورةد.

ص: 253


1- المكاسب: ج 5/182.
2- منية الطالب: ج 2/190.
3- صفحة 180 من هذا المجلّد.

عدم تحقّق السبب، فلا يشمل المقام.

وأمّا المحذور الثاني: فيمكن دفعه بأنّ القاعدة التي أشار إليها ليس مضمون رواية خاصّة، كي يستدلّ بظاهر تلك الجملة، بل هي مستفادة من دليل السلطنة بالتقريب المتقدّم في خيار المجلس، وهو غير مختصّ بالصورة المفروضة.

مع أنّه قد تقدّم في ذلك المبحث أنّ مدرك مشروعيّته فحوى ما دلَّ (1) على أنّ التصرّف إنّما يكون مسقطاً لكونه التزاماً بالعقد، وإسقاطاً للخيار. فراجع(2).

وأمّا الصلح عن الحقّ : فقد أشكل عليه بأنّه مع عدم الحقّ المعوّض عنه، كيف يمكن تحقيق المعاوضة الصلحيّة، ولذا ذهب الشيخ رحمه الله(3) إلى أنّه لابدَّ من ضمّ شيء إلى المصالح عنه.

أقول: وقد اُفيد في وجه صحّته، والجواب عن هذا الإشكال أُمور:

الأمر الأوّل: ما أفاده السيّد الفقيه قدس سره(4)، من أنّ المعوّض هو المحتمل بما هو محتمل لا الحقّ الواقعي.

وبعبارة أُخرى : إنّه احتمال الحقّ ، وهو ثابت محقّقٌ .

وفيه: إنّ الاحتمال والمحتمل غير قابلين للنقل والإسقاط.

الأمر الثاني: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله(5)، من أنّ المعوّض نفس الصلح، فيأخذ العوض بازائه لا الحقّ المجهول.8.

ص: 254


1- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.
2- صفحة 89 من هذا المجلّد.
3- المكاسب: ج 5/182.
4- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/42.
5- حاشية الآخوند: ص 188.

وفيه: إنّه حينئذٍ لا مصالح عنه، ولا يمكن تحقّق الصلح بدونه.

الأمر الثالث: ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1)، من أنّ المعوّض هو الرضا بالعقد ولزومه، وهو فعلي.

وفيه: إنّ الرضا بلزوم العقد إنّما يكون موجباً للّزوم من جهة أنّ مرجعه إلى إسقاط الخيار، كما تقدّم في خيار المجلس.

وعليه، فالأظهر تماميّة هذا الإيراد، فلا يصحّ الصلح عنه مع الالتزام بكون ظهور الغبن شرطاً شرعيّاً لحدوث الخيار، وأمّا بناء على ما اخترناه من كونه كاشفاً عقليّاً فالإشكال مندفعٌ من أصله.

***3.

ص: 255


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/33.

اشتراط سقوط الخيار في متن العقد

المسقط الثاني: اشتراط سقوط الخيار.

أقول: استدلّ الشهيد رحمه الله(1) على بطلان العقد الذي اشترط فيه سقوط خيار الغبن بلزوم الغرر.

ووجّهه الشيخ رحمه الله(2): بأنّ الجهل بصفات المبيع أو الثمن إنّما يوجب الغرر، لا لأجل الجهل بالصفات من حيث هي، وإلّا لزم بطلان البيع مع الجهل بالصفات غير الدخيلة في التموّل، بل إنّما هو لأجل ادائه إلى الجهل بالماليّة، ولازمه بطلان البيع في المقام.

وأجاب الشيخ رحمه الله(3) عنه بجوابين نقيضين:

أحدهما: إنّه لو كان الجهل بالقيمة موجباً للغرر، لزم بطلان البيع مع الشكّفيها.

ثانيهما: إنّ الخيار لا يرفع الغرر، وإلّا لزم صحّة كلّ بيعٍ غرري بشرط الخيار.

والحقّ في الجواب عنه أنْ يقال: إنّ هذا الوجه أساسه أمران:

الأوّل: كون الجهل بالقيمة موجباً للغرر.

الثاني: ارتفاع الغرر بالخيار.

ويندفع الأوّل: بأنّ الموجب للغرر الذي نُهي عنه، هو الجهل بذات المبيع أو صفاته الدخيلة في الماليّة، وذلك لأنّ غرريّة البيع إنّما هي من ناحية متعلّقه، وجهالة المبيع أو الثمن إنّما هي من ناحية ذاته أو صفاته، أمّا جهالة قيمته السوقيّة غير

ص: 256


1- الدروس: ج 3/276. (2و3) المكاسب: ج 5/183.

المربوطة به، فهي أجنبيّة عن البيع، ولا توجب الغرر.

وبالجملة: الموجب للغرر هو الجهل بذات المبيع أو الصفات الدخيلة في الماليّة، لا الصفات من حيث هي، ولا الماليّة المجرّدة.

وعليه، فالجهل بالقيمة لا يوجب الغرر.

ويندفع الثاني: بأنّ الخيار متوقّفٌ على صحّة العقد، فإذا كانت صحّته متوقّفة على الخيار لزوم الدور.

أقول: ويمكن أنْ يوجّه كلام الشهيد رحمه الله: بأنّ شرط سقوط الخيار - مع كونه ثبوته غير معلوم - غرريٌ ، للجهل بالمشروط، وهو يوجب بطلان العقد، لأنّ الشرط الفاسد مفسد.

والظاهر أنّه إلى هذا نظر الصيمري في «غاية المرام»(1) الملتزم بفساد العقد والشرط.

ولكن يرد عليه: إنّ الشرط الفاسد غير مفسد، مع أنّ شرط سقوط الخيار بما أنّه يؤول إلى شرط لزوم العقد الثابت المحقّق لا يكون غرريّاً.

وبالجملة: فالحقّ صحّة الشرط والعقد.

***).

ص: 257


1- غاية المرام: ج 1/288 (مخطوط).

تصرّف المغبون بعد العلم بالغبن

المسقط الثالث: تصرّف المغبون بأحد التصرّفات المسقطة للخيارات المتقدّمة بعد علمه بالغبن، ذكره بعضهم، والمشهور بين الأصحاب عدم سقوط الخيار به.

وفي «الحدائق»(1): (وظاهرهم أنّه سواء كان المتصرّف الغابن في مال المغبون أو بالعكس، خرج به عن الملك كالبيع، أم منع من الرَّد كالاستيلاد أم لا، ولهم في هذه المسألة تفاصيل وشقوق أنهاها شيخنا في «الروضة» و «المسالك» إلى ما يزيد على مائتي مسألة) انتهى .

أقول: يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في التصرّف غير المُخرِج عن الملك.

لا إشكال في مسقطيّة التصرّف الكاشف عن الرضا بلزوم العقد مع قصده ذلك، لأنّه حينئذٍ إسقاطٌ فعلي، كما لا إشكال في عدم مسقطيّة التصرّف لا بعنوان الالتزام بالبيع، إذا كان الاطّلاع، بل الظاهر إجماعهم عليه.

وأمّا التصرّف بعد العلم بالغبن، مع عدم كونه إجازة فعليّة، فقد استدلّ على مسقطيّته بطريقين:

الأوّل: من ناحية المانع.

ثانيهما: من ناحية عدم المقتضى.

أمّا الأوّل: فهو إطلاق بعض معاقد الإجماعات، وعموم العلّة في خبر الحيوان،

ص: 258


1- الحدائق الناضرة: ج 19/43.

وقد تقدّم الكلام عليهما في خيار المجلس، وعرفت عدم تماميّتهما.

وأمّا الثاني: فتقريبه: أنّ مدرك خيار الغبن إمّا حديث نفي الضرر، وإمّا الإجماع، والأوّل لا يشمل المقام، لأنّه كما لا يشمل المعاملة الغبنيّة التي أقدم عليها، كذلك لا يشمل المعاملة الضرريّة التي رضي المغبون بها بقاء، فإنّه لا يكون اللّزوم بقاء ضرريّاً، بل الضرر ناش من اختيار المغبون حقيقة.

وأورد الشيخ رحمه الله(1) عليه: بأنّ الشكّ في الرفع لا الدفع، فيستصحب الخيار، ثم ّ أمرَ بالتأمّل.

وقد قيل في وجه التأمّل أُمور:

منها: ما أفاده السيّد الفقيه رحمه الله(2)، من أنّ الشكّ في بقاء الخيار من قبيل الشكّ في المقتضى، لعدم إحراز مقدار استعداد المستصحب مع التصرّف، فلا يجري فيه الاستصحاب.

ومنها: أنّ المورد ممّا يجبُ فيه الاستدلال بعموم العام لااستصحاب حكم المخصّص.

ومنها: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(3)، من أنّ الشكّ شكّ في الموضوع، لأنّ موضوع من له الخيار ليس ذات المغبون، ولا العقد الغبني، بل يُحتمل أنْ يكون لوصف عدم الرضا ولو نوعاً دخلٌ في الموضوع، فلا يجري الاستصحاب.

أقول: وبعض هذه الوجوه لا يخلو عن النظر، ولكن في بعضها الآخر - بضميمة أنّ المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام - كفاية، ولكن مع ذلك كلّه يرد2.

ص: 259


1- المكاسب: ج 5/185.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/42، بتصرّف.
3- منية الطالب: ج 2/72.

على أصل الاستدلال بأنّ مفروض البحث هو التصرّف غير الكاشف عن الالتزام بالعقد، وعليه فلا مانع من إجراء قاعدة لا ضرر.

التصرّف المُخرِج عن الملك

المورد الثاني: في التصرّف المخرج عن الملك، وقد ذكره الشيخ رحمه الله(1) رابع المسقطات، وفي بعض الكلمات بعد تسليم مسقطيّته: أنّ الأولى تبديل عنوان التصرّف بالتلف، لأنّ عنوان هذا المسقط ليس هو التصرّف بما هو تصرّف - لأنّه المسقط السابق - بل بما هو إتلاف.

وكيف كان، فالتلف قد يكون حقيقيّاً وقد يكون حكميّاً، ومجموع ما ذكر في وجه المسقطيّة وجوه أربعة، ثلاثة منها جارية في كلا التلفين، وواحدٌ منها مختصٌّ بالتلف الحكمي، ولا يجري في التلف الحقيقي، وهي على قسمين:

الأوّل: من طريق عدم المقتضى للخيار بعد التلف.

الثاني: من طريق المانع.

أمّا القسم الأوّل: فهو اثنان:

أحدهما: إنّ دليل هذا الخيار إمّا الإجماع، أو قاعدة نفي الضرر، والمتيقّن من الإجماع صورة بقاء العين، وقد أفتى المشهور بسقوط الخيار في صورة تلفها - يعني تلف ما في يد المغبون - وقاعدة نفي الضرر إنّما تنفي اللّزوم، وتُثبت الجواز، والمتيقّن من الجواز الثابت بها حقّ رَدّ العين، فإذا امتنع ردّها فلا دليل على جواز فسخ العقد.

ص: 260


1- المكاسب: ج 5/190.

وفيه أوّلاً: إنّ حديث نفي الضرر ينافي اللّزوم، فيثبت بديله، وبديل لزوم العقد جوازه، وترادّ العوضين غير مربوط بحديث نفي الضرر.

وثانياً: إنّه لو تمّ لاختصّ بتلف العين الحقيقي، ولا يجري في التلف الحكمي - أي الانتقال بالعقد اللّازم - فان حديث نفي الضرر لحكومته على جمع الأدلّة، يصلح لرفعه لزومه، وجواز حَلّ المغبون ذلك العقد أيضاً.

وثالثاً: إنّ مدرك هذا الخيار - كما عرفت - هو الشرط الضمني، دون حديث نفي الضرر.

ثانيهما: إنّ إتلاف المغبون العين، وإخراجها عن ملكه، التزامٌ بالضرر ولو جهلاً منه به، وتوطينٌ للنفس على الالتزام بالبيع، ولو كان مغبوناً فيه واقعاً، والإقدام بحسب الدوام كالإقدام ابتداءً في إسقاط الخيار.

وفيه: إنّ التصرّف قبل العلم بالغبن، لا يعدّ التزاماً بالعقد ورضاً ببقائه، وإلّا كان الإقدام على المعاملة مع الجهل إقداماً على الضرر، موجباً لعدم ثبوت الخيار رأساً، مع أنّ الرضا بالعقد ما لم يرجع إلى إسقاط الخيار لا يوجب سقوطه.

وأمّا القسم الثاني: فهو أيضاً اثنان:

أحدهما: ظهور الإجماع، قال الشهيد في محكي «الروضة»(1): (إنّ الحكم بعدم السقوط حَسنٌ ، إنْ لم يكن الحكم إجماعاً).

وفيه أوّلاً: ما أفاده الشيخ رحمه الله(2) من أنّ الظاهر عدمه.

وثانياً: إنّه ليس إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام.9.

ص: 261


1- حكاه في المكاسب: ج 5/189، وحكاه السيّد اليزدي في حاشيته: ج 2/42.
2- المكاسب: ج 5/189.

ثانيهما: إنّ دليل نفي الضرر في جانب المغبون مزاحمٌ به في جانب الغابن، لأنّ قبول البدل ضررٌ على الغابن، كما أنّ الالتزام بالبيع ضررٌ على المغبون، وبعد التساقط المرجع إلى أصالة اللّزوم.

وفيه: إنّ ضرر الغابن إنْ كان بلحاظ فوات خصوصيّة العين، فهو ضررٌ أقدم عليه بالبيع، وإنْ كان بلحاظ النقص في الماليّة، والمفروض أنّه ياخذ ماليّة ماله بأخذه القيمة.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم كونه مسقطاً.

فروع:

أقول: ذكر الشيخ رحمه الله(1) في المقام فروعاً، ولكن بناءً على ما اخترناه من عدم مسقطيّته التلف لهذا الخيار، لا كلام في هذه الفروع، وأمّا بناءً على ما هو المشهور من المسقطيّة، فيقع الكلام فيها، وهي فروع:

الفرع الأوّل: إنّ الناقل الجائز هل يمنع الرَّد أم لا؟

استدلّ الشيخ رحمه الله(2) للثاني بعموم نفي الضرر، وأنّ مجرّد الخروج عن الملك لا يُسقط تدارك ضرر الغبن.

وفيه: إنّ كان مدرك مسقطيّة التلف الإجماع، صَحَّ ما ذكر من عدم مسقطيّة الناقل الجائز، وإنْ كان غيره، فحكمه حكم اللّازم، لأنّه إذا لم يفسخ العقد الجائز - كما هو مفروض البحث - كان الرَّد غير ممكناً.

ولو قيل: إنّ دليل الخيار يقتضي فسخ العقد الجائز توطئةً لفسخ العقدالغبني.

قلنا: إنّه يقتضي إعادة العين إلى ملكه ولو بالشّراء أو الإقالة.

ص: 262


1- المكاسب: ج 5/190.
2- المكاسب: ج 5/190.

وإنْ قيل: إنّه يقتضي انفساخ العقد الجائز.

قلنا: إنّه يقتضي انفساخ اللّازم أيضاً.

وبالجملة: لا فرق بين الناقل اللّازم والجائز أصلاً.

الفرع الثاني: لو اتّفق زوال المانع، كموت اُمّ الولد، وفسخ العقد اللّازم لعيبٍ أو غبن، قال الشيخ رحمه الله في «المكاسب»(1): (ففي جواز الرَّد وجهان)، وقد ذكر في مبنى الوجهين أمرين:

أحدهما: إنّه متمكّنٌ من الرَّد فله ذلك، وأنّ البيع استقرّ وصار لازماً، فلا يعود حقّ الخيار.

الظاهر: الظاهر إنّ مدرك مسقطيّة التلف إنْ كان تزاحم فردين من الضرر، أو أنّ لا ضرر إنّما يثبت حقّ رَدّ العين لا حَلّ العقد، كان الأوجه هو الأوّل، لأنّ سقوط الخيار، ولزوم العقد إنّما هو المانع عن شمول لا ضرر، فمع ارتفاعه لا مانع من شموله.

وإنْ كان هو كون الناقل اللّازم التزاماً بالعقد، كان الأوجه هو الثاني كما لا يخفى .

ثانيهما: إنّ الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد.

أقول: الظاهر إنّ الزائل في المقام بما أنّه أمرٌ اعتباري وهي الملكيّة، فهي إنْ عادت بفسخ السبب كالتي لم تزل، لأنّ العائد وإن كان غير الزائل بالدقّة العقليّة، إلّا أنّه عينه اعتبارا وعرفاً.

وإنْ عادت بسببٍ آخر، فالظاهر أنّه غيره ولو اعتباراً.0.

ص: 263


1- المكاسب: ج 5/190.

لكن شيئاً من المبنيين ليس وجهاً لثبوت الخيار، وعود ذاك الحقّ وعدمه، لأنّه وإنْ كان العائد كالذي لم يزل، لكن يمكن أنْ يقال بعد سقوط هذا الحقّ عن السبب في رجوعه.

الفرع الثالث: وهل يلحق الإجارة بالبيع كما عن الصيمري(1)، أم لا كما عن ظاهر الأكثر؟

قولان، وقد استدلّ لعدم اللّحوق: بأنّ مورد الاستثناء هو التصرّف المُخرِج عن الملك.

ويرد عليه: إنّ مدرك سقوط الخيار في هذه المسألة لم يكن خصوص الإجماع، ولا رواية خاصّة متضمّنة لمسقطيّة التصرّف المُخرِج عن الملك، كي يستدلّ بظاهره، فلابدَّ من ملاحظة سائر الأدلّة.

أقول: الحقّ هو اللّحوق، لأنّ العين لا يمكن ردّها خارجاً، ولا مِلْكاً على ما هي عليه من المنفعة، فإنْ كان هذا الخيار هو جواز رَدّ العين، فلا محالة يسقط في الفرض.

الفرع الرابع: ما ذكره بقوله(2): (وفي لحوق الامتزاج مطلقاً أو في الجملة بالخروج عن الملك، وجوهٌ ، أقواها اللّحوق).

أقول: الامتزاج على أقسام:

تارةً : يوجب تلف المال من جهة الاستهلاك، كما لو امتزج ماء الورد بماء مطلق كثير موجبٌ لاستهلاكه فيه.1.

ص: 264


1- حكاه عنه صاحب مفتاح الكرامة: ج 4/575.
2- المكاسب: ج 5/191.

وأُخرى : يوجب الشركة على القول بذلك، كامتزاج دهن آخر.

وثالثة: لا يوجب شيئاً منهما.

مورد الكلام هو الوسط، أمّا الأوّل فهو ملحقٌ بالتلف قطعاً، وأمّا الأخير فهو لا يمنع من الرَّد كذلك، وإنّما الكلام في الموجب للشركة.

ثمّ إنّ الامتزاج قد يكون بملك الغابن، وقد يكون بملك المغبون، وقد يكون بملك شخصٍ ثالث.

فإنْ كان الامتزاج بملك الغابن بما هو من جنس المبيع، فإنّه لا أرى مانعاً من الرَّد، واحتمال اعتبار رَدّ العين متميّزة لا يعتنى به.

وأمّا في سائر صور الامتزاج، فالحقّ هو اللّحوق، لأنّ الملكيّة المشاعة غير الملكيّة غير المشاعة، وهي إمّا عبارة عن الملكيّة الناقصة كما هو المختار، وبيّناه في الأجزاء السابقة من هذا الشرح(1)، أو عبارة عن كون كلّ جزءٍ نصفه له ونصفه الآخر لشريكه.

وعلى التقدير الأوّل: تتبدّل الملكيّة التامّة المتعلّقة بالنصف مثلاً بالملكيّة الناقصة المتعلّقة بالمجموع.

وعلى التقديرالثاني: يوجبُ انتقال نصفه ماله إليشريكه بإزاءنصف مال شريكه.

الفرع الخامس: ما ذكره بقوله(2): (وكذا لو تغيّرت العين بالنقيصة، الأظهر فيه أيضاً اللّحوق، فإنّه مع التغيّر بالنقيصة لا يمكن رَدّ العين بعينها وبحدّها، وهو موجبٌ لسقوط الخيار كما تقدّم).1.

ص: 265


1- فقه الصادق: ج 23/352، مبحث (بيع نصف الدار).
2- المكاسب: ج 5/191.

الفرع السادس: ما ذكره بقوله(1): (ولو تغيّرت بالزيادة العينيّة أو الحُكميّة أو من الجهتين، فالأقوى الرَّد في الوسطى ).

أقول: الظاهر أنّ المراد من الحُكميّة ترقي القيمة السوقيّة، ومن العينيّة الزيادة غير المنفصلة، وعليه فالزيادة الحُكميّة لا تمنع من الرَّد إنْ لم تكن بمقدار الغبن، وإلّا فتمنع كما تقدّم عند بيان أنّ العبرة بالقيمة حال العقد أو بها بعده أيضاً.

وأمّا الزيادة العينيّة، فعلى القول بأنّ الشركة مانعة عن الرَّد كما تقدّم، فهي تمنع من الرَّد، لاستلزامه الشركة كما لا يخفى .

***1.

ص: 266


1- المكاسب: ج 5/191.

تصرّف الغابن المُخرِج عن الملك

الموضع الرابع: في تصرّف الغابن.

وتمام الكلام فيه من خلال البحث عن الفروع التالية:

الفرع الأوّل: اختار الشيخ رحمه الله(1) كغيره وتبعه غير واحدٍ في عدم سقوط الخيار بتصرّف الغابن المُخرِج عن الملك، وأنّه لا وجه لسقوطه.

أقول: وكلامه يتمّ لو كان مدرك سقوط الخيار بإتلاف المغبون، هو كونه التزاماً بالعقد، وتوطيناً للنفس على تحمّل الضرر.

وأمّا لو كان مدركه تعلّق حقّ الخيار بالرَّد لا العقد، وهو لا يمكن بعد خروجه عن ملكه، فلا فرق بين التصرفين، إذا الخيار لو كان هو السلطنة على الرَّد، ليس المراد بها السلطنة عليه خاصّة، بل عليه وعلى الاسترداد، بل قيل إنّه السلطنة على الاسترداد خاصّة، ومع عدم التمكّن من الاسترداد لا معنى للخيار حينئذٍ، ولكن قد عرفت أنّ الخيار لا يسقط بتصرّف المغبون، فضلاً عن تصرّف الغابن

الفرع الثاني: مع بقاء خيار المغبون إن فسخ العقد، ووجد العين خارجةً عن ملكه لزوماً بالبيع أو الوقف أو ما شاكل، ففي تسلّطه على إبطال ذلك من حينه، أو من أصله، أو رجوعه إلى البدل، أو بطلان تصرّف الغابن، وجوه.

أقول: محلّ البحث في الوجه الأخير إنّما هو مبحث أحكام الخيار، فالكلام في المقام يختصّ بالوجوه الثلاثة الأول التي ذكرها الشيخ رحمه الله:

ص: 267


1- المكاسب: ج 5/190.

الأوّل: تسلّطه على حَلّ العقد الثاني الذي أوقعه الغابن من حين الفسخ.

الثاني: تسلّطه على حَلّ إبطاله من أصله.

الثالث: رجوعه إلى البدل.

والظاهر أنّ مراده من (التسلّط على حَلّ العقد من حينه وإبطاله من أصله)، كون الفسخ موجباً لبطلانه من حينه أو من أصله، فلا يرد عليه ما أورده المحقّق الايرواني رحمه الله(1) من أنّه لا وجه لإبطاله، بل هي إمّا أن تنفسخ أو تبقى نافذة لا تنفسخ بفسخه.

وقد استدلّ للأوّل: بأنّه مقتضى الجمع بين دليل (تسلّط الناس على أموالهم)(2)المقتضى لنفوذ تصرّف الغابن لوقوعه في ملكه، وبين دليل الخيار المقتضي لاستحقاق العين بالفسخ.

وفيه: إنّ الخيار إنْ كان متعلّقاً بالعقد، لما اقتضى رجوع العين بعد خروجها عن ملكه، وإنْ كان متعلّقاً بالعين اقتضى توقّف نفوذ تصرّف الغابن على إذن المغبون وإجازته.

استدلال المحقّق الاصفهاني رحمه الله(3): فقد استدلّ له بوجهٍ آخر، وهو إنّ تصرّف الغابن بدليله صحيح، وفسخ المغبون يوجبُ حَلّ العقد من حينه، وحيث أنّ مقتضى الفسخ عود العين إلى ملك الفاسخ، فلا محالة يؤثّر في انحلال التصرّف المترتّب على المعاملة الغبنيّة.9.

ص: 268


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/35.
2- البحار: ج 2/272.
3- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/289.

ويردّه: ما ذكره رحمه الله من أنّ مقتضى الفسخ إنْ كان عودة العين، فعدم إمكانها يوجب امتناع الفسخ وسقوط الحقّ ، وليس مقتضاه ولاية ذي الخيار على حَلّ التصرّف المترتّب عليها، وإنْلم يكن مقتضياً لعودها حقيقةً ، فلاموجب لانحلال التصرّف.

وقد استدلّ للثاني: بأنّ دليل الخيار يقتضي استحقاق العين بالفسخ وتلقيها من الغابن، وحيث أنّ العقد الثاني الواقع بين الغابن والمشتري متزلزلٌ من رأسه، لكون المبيع متعلّقُ حقّ المغبون، فالفسخ يوجب حَلّه من الأساس.

وفيه: ما تقدّم من أنّ حقّ الخيار إنْ كان متعلّقاً بالعقد، اقتضى رجوع العين مع الإمكان، وبدلها مع التلف ولو تعبّداً، وإنْ كان متعلّقاً بالعين اقتضى توقّف تصرّف الغابن على إذن المغبون أو إجازته، مع أنّه لو تمّت المقدّمات اقتضى انفساخ المعاملة الثانية آناً مّا قبل فسخ الأُولى .

فتحصّل: أنّ المتعيّن هو الوجه الثالث.

قال الشيخ رحمه الله(1): (وكذا الحكم لو حَصَل مانعٌ من رَدّه كالاستيلاد، ويحتمل هنا تقديم حقّ الخيار...).

بيان ذلك: إنّ الوجوه الثلاثة المتقدّمة في بيع الغابن جارية في الاستيلاد بناءً على تأثيره مطلقاً، ويحتمل فيه زائداً على تلك بطلان الاستيلاد، وعدم تأثيره في المنع عن الاسترداد، من جهة أنّ الاستيلاد يوجبُ حدوث حقّ لاُمّ الولد مانع عن انتقالها، فتقع المزاحمة بين الحقّين: حقّ الاستيلاد، وحقّ خيار المغبون، الموجب لجواز الاسترداد، وحيث أنّ سبب الخيار مقدّمٌ على سبب حقّ الاستيلاد، لأنّه2.

ص: 269


1- المكاسب: ج 5/192.

العقد وهذا الاستيلاد، فيقدّم حقّ الخيار لسبق سببه، فلا يؤثّر الاستيلاد شيئاً، ولو فسخ المغبون يستردّها.

ويرد هذا الاحتمال: أنّ سبق السبب زماناً لا يوجبُ تقديم دليل السابق، فضلاً عن أنّه لا تزاحم بينهما، لأنّ حقّ الخيار متعلّقٌ بالعقد، وحقّ الاستيلاد متعلّق بالعين، فلا منافاة بينهما ولا تزاحم.

الفرع الثالث: لو فسخ العقد وقد خرج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز، فقد يقال - كما عن الشيخ(1) - إنّ الوجوه الثلاثة الجارية في العقد اللّازم جارية في العقد الجائز أيضاً، لأنّه بالنسبة إلى المغبون لازم، وجوازه بالإضافة إلى الغابن لا ربط له بفسخ المغبون.

ثمّ نقل عن الشهيد رحمه الله(1) قوله بضرورة إلزام الغابن بالفسخ، فإنْ امتنع فَسَخه الحاكم، وإنْ تعذّر فَسَخه المغبون.

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(3): بأنّه لا وجه لإلزام الغابن بالفسخ، إذ مقتضى الوجهين الأولين انفساخ معاملة الغابن، ودخول العين في ملك المغبون، فلا مورد لفسخه، ومقتضى الوجه الثالث دخول بدلها في ملكه، ومعه لا يستحقّ شيئاً على الغابن كي يوجبُ إلزامه بالفسخ.

ثمّ أورد على نفسه(4): بأنّه يمكن أنْ يقال إنّ البدل إنّما هو للحيلولة، فإذا أمكن رَدّ العين على الغابن وجب تحصيلها.

وأجاب عنه: بأنّ مورد بدل الحيلولة ما إذا كانت العين باقية في ملكه، وفي المقام تكون هي لمن انتقلت إليه من الغابن، وللمغبون البدل.1.

ص: 270


1- الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 3/471.

أقول: لكن هذا الإيراد على الشهيد رحمه الله يتمّ إذا كان مراده إلزام الغابن بالفسخ بعد فسخ المغبون المعاملة، وأمّا إنْ كان مراده إلزامه بالفسخ قبله توطئةً لفسخ المغبون، فلا يرد عليه هذا الإيراد.

وعليه، فالصحيح أن يورد عليه بأنّ إلزام الغابن بالفسخ ممّا لا وجه له.

الفرع الرابع: ولو اتّفق عود الملك إليه لفسخٍ ، فقد أفاد الشيخ رحمه الله(1) إنّه إذا فسخ الغابن معاملته، ثمّ فسخ المغبون المعاملة الغبنيّة، فالظاهر وجوب رَدّ العين، وأمّا إن تملّكها الغابن بعقدٍ جديد، ثمّ فسخ المغبون، فالظاهر عدم وجوب ردّها.

أقول: ومحصّل ما ذكره رحمه الله في مقام الفرق، هو:

إنّ الفسخ إنّما يرفع السبب الناقل، ويوجبُ صيرورته كالعدم، فتعود الملكيّة السابقة، وهذا بخلاف التملّك بسببٍ آخر، فإنّها غير الملكيّة السابقة، فإذا كان الغابن مالكاً بالملكيّة السابقة، والمفروض فسخ المغبون، والفسخ يُعدم السبب، ويوجب تملّك الفاسخ بالملكيّة السابقة، فلا محالة تعود هي إليه، وإنْ كان الغابن مالكاً بملكيّة جديدة، فالفسخ لا يوجبُ انتقالها إليه.

وفيه: إنّ للمغبون أن يُرجع العين إلى ملكه بمقتضى حديث لا ضرر أو غيره، وبحسب الدليل لا فرق بين كونها مِلْكاً للغابن بالملكيّة الجديدة أو السابقة، مع أنّ الملكيّة جديدة على أيّ تقدير، إذ المعدوم لا يعود. فتأمّل.

تصرّف الغابن الموجب للنقيصة

الفرع الخامس: فيما لو تصرّف الغابن تصرّفاً مغيّراً للعين.

أقول: يقع الكلام في هذا الفرع في مقامات:

ص: 271


1- المكاسب: ج 5/193.

الأوّل: في التصرّف الموجب للنقيصة.

الثاني: في التصرّف الموجب للزيادة.

الثالث: في الامتزاج.

أمّا المقام الأوّل: فقد قسّمه الشيخ رحمه الله(1) إلى قسمين:

أحدهما: ما يوجب النقيصة بالنقص الموجب للأرش.

ثانيهما: ما يوجب النقيصة بما لا توجبه.

ومراده من الأوّل نقص وصف الصحّة المساوق للعيب، وبالثاني نقص وصف الكمال، لا النقص المالي وغير المالي، لجعله العين المستأجرة من القسم الثاني.

أقول: وكيف كان، فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: في النقصان الموجب للأرش.

وقد استدلّ لضمان الغابن للنقص بوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المكاسب»(2)، وحاصله أنّ وصف الصحّة الفائت مضمونٌ بجزءٍ من العوض، فإذا رَدّ تمام العوض، وجبَ رَدّ مجموع المعوّض، فتدارك الفائت منه ببدله.

وفيه: إنّ الوصف - سواءٌ أكان من قبيل وصف الصحّة أو كان من قبيل وصف الكمال، وسواءٌ كان مقوّماً للمال وموجباً لازدياد الماليّة أم لم يكن - لا يقابل بجزءٍ من العوض، والشيخ رحمه الله أيضاً ملتزم بذلك، فلا وجه لعود بدله إنْ كان تالفاً.4.

ص: 272


1- المكاسب: ج 5/193-194.
2- المكاسب: ج 5/194.

الوجه الثاني: إنّ مقتضى قاعدة (التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له)(1) بناءً على شمولها لخيار الغبن ولتلف وصف الصحّة، هو ضمان الغابن للنقص.

وفيه: إنّ هذه القاعدة لا تشمل خيار الغبن، ولا الأوصاف.

الوجه الثالث: إنّ الفسخ يوجبُ رجوع العين على ما هي عليه حين البيع، ليكون العائد ما وقع عليه العقد، ولازم ذلك ضمان كلّ وصفٍ فائت، سيّما إذا كان الفوت بفعل الغابن كما هو المفروض.

أقول: الظاهر إنّه وجهٌ متين، وسيأتي تمام الكلام فيه في مسألة تلف أحد العوضين أو كليهما فانتظر.

المورد الثاني: في النقصان غير الموجب للأرش.

فإنْ كان وصفاً لا ماليّة له، ولا يوجبُ ازياد الماليّة، لا إشكال في عدم ضمان شيء، وإلّا فإنْ كان مدرك الضمان في المورد الأوّل الوجه الأوّل أو الثاني، لم يكن عليه شيءٌ في المقام، لأنّ وصف الكمال غير مقابلٍ بجزءٍ من الثمن قطعاً، كما أنّه غير مشمول لقاعدة التلف في زمان الخيار.

وإنْ كان هو الوجه الأخير، كان الأوجه الضمان في المقام، إذ لا فرق في اقتضاء الفسخ الذي حقيقته ما عرفت بين فوات وصف الصحّة، أو الكمال، فتفصيل الشيخ رحمه الله(2) بينهما في غير محلّه.

قيل: ومنه ما لو وجد العين مستأجرة.

أقول: والكلام فيه يقع في جهتين:4.

ص: 273


1- الكافي: ج 5/171 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/14 باب (إنّ الحيوان إذا تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة).
2- المكاسب: ج 5/194.

تارةً : في حكم الإجارة.

وأُخرى : في تدارك المنفعة المستوفاة بالإجارة.

أمّا الكلام من الجهة الأُولى : فقد استدلّ لانفساخ الإجارة بأنّ ملكيّة العين بما أنّها متزلزلة، فملكيّة المنافع أيضاً تكون كذلك، لأنّها تابعة لها.

وفيه: إنّ ملكيّة العين في زمانٍ تتبعها ملكيّة المنفعة إلى الأبد، فيصحّ لمالك العين استيفائها بالإجارة، فإذا صحّت الإجارة شملتها أدلّة لزومها، فلا وجه للانفساخ.

وأمّا الكلام من الجهة الثانية: فالحقّ أنّ الفسخ يوجبُ تدارك النقص المالي الوارد على العين بسبب استيفاء منافعها بالإجارة، لأنّ المنافع هي شؤون وحيثيّات قائمة بالعين موجبة للماليّة، فحيث أنّ المفسوخ عليه أتلفها باستيفائها بالإجارة، يكون ضامناً لها. ثمّ إنّه لا يهمّنا النزاع في أنّه هل يضمن اُجرة المثل للمنافع، أو النقص المالي الوارد على العين، إذا هما متطابقان دائماً.

تصرّف الغابن الموجب للزيادة

وأمّا المقام الثاني: فالكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: في الزيادة الحُكميّة، وهي ما ليس لها ما بحذاء في الخارج كقصارة الثوب، وملخّص القول فيه:

1 - إنّ الزيادة إنْ لم تكن موجبة لزياة القيمة، لا إشكال في عدم الشركة، ولا في عدم استحقاق اُجرة العمل.

أمّا الأوّل: فواضح.

ص: 274

وأمّا الثاني: فلأنّه عَمِل عملاً في مِلْكه.

2 - وإنْ كانت لها دخلٌ في زيادة القيمة:

ففي «المكاسب»: (الظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة ملك الزيادة، بأن يقوّم العين معها ولا معها ويؤخذ النسبة).

وأورد عليه المحقّق الايرواني(1): بأنّه لا وجه للشركة بعد عدم حصول امتزاج مالين من شخصين، فإنّ المال جميعاً لواحد، وأمّا الوصف فكذلك لا يقابل بالمال، بل يوجب زيادة قيمة الموصوف.

وفيه: إنّ منشأ الشركة هو إنّ الوصف الحادث الموجب لازدياد القيمة الباقي لا يدخل هو ولا ما هو معلوله وأثره - وهو زيادة القيمة - في ملك الفاسخ، بل يكون باقياً في ملك المفسوخ عليه، وحيث إنّ ذلك المقدار من الماليّة غير متميّزة واقعاً، فلا محالة تحصل الشركة.

المورد الثاني: في الزيادة العينيّة المحضة كالغرس.

والكلام فيها في جهات:

الجهة الأُولى : في أنّه هل للغابن سلطنة على الإبقاء، فلا يجوز للمغبون قلعه، ولا إجبار المالك بالقلع، أم لا؟

نُسب إلى المشهور الأوّل، وقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الغرص وقع من أهله في محلّه، فالغارس مالك الغرس بوصف الشجريّة.6.

ص: 275


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/36.

وبعبارة أُخرى : الغارس بغرسه الشجر قد استوفى منفعة الأرض ما دام غرسه باقياً، فيكون الغرس كالاستيفاء الاعتباري بالإجارة، فبالفسخ تنتقل العين بدون هذه المنفعة المستوفاة بالغرس إلى المغبون، فلا منفعة له حتّى تكون له السلطنة على المنع من استيفاء الغابن.

وفيه: إنّ استيفاء المنفعة: إمّا يكون حقيقيّاً أو اعتباريّاً، وشيءٌ منهما لا يكون في هذه المنفعة بعد الفسخ.

أمّا الأوّل: فلأنّ استيفاء هذه المنفعة إنّما يكون تدريجيّاً بانتفاع الشجرة من خلال عروقها من أعماق الأرض، ومن الضروري ان ما كان منعه بعد الفسخ لا يكون حاصلا بمجرّد الغرس.

وأمّا الثاني: فهو مفروض العدم، فمنفعة الأرض تعود إلى المغبون.

الوجه الثاني: ما في حاشية السيّد رحمه الله(1)، وحاصله:

إنّ مقتضى الجمع بين تسلّط مالك الأرض على ماله، وتسلّط مالك الشجر على غرسه بما هو غرس، الذي يكون عِرقه حقّاً، هو سلطنة مالك الغرس على الإبقاء، غاية الأمر مع الاُجرة.

وفيه: إنّ مالك الشجر مسلّطٌ على ماله وهو الشجر، لا على انتفاع الشجرة من خلال عروقها من أعماق الأرض، والإبقاء مستلزمٌ لذلك أيضاً.

الوجه الثالث: إنّ سلطنة المغبون على القلع ولو بمعنى المنع عن إبقاء الشجر، تستلزم تضرّر الغابن بصيرورته حطباً، وقاعدة نفي الضرر حاكمة على دليل6.

ص: 276


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/45-46.

السلطنة كسائر أدلّة الأحكام.

وفيه أوّلاً: إنّه يعارض ذلك بتضرّر المغبون ببقاء الغرس في ملكه، وبعد التساقط المرجع إلى القواعد الأوّليّة.

وثانياً: إنّه مع العلم بالغبن قد أقدم على ذلك، فلا تشمله قاعدة نفي الضرر.

وعليه، فالأظهر أنّ له السلطنة على المنع من البقاء.

الجهة الثانية: في أنّه على فرض السلطنة على عدم البقاء، هل يجوز للمغبون مباشرة القلع، أم له مطالبة المالك بالقلع، فإنْ امتنع أجبره الحاكم، أو يقلعه هو؟

وجوهٌ ، والأظهر هو الأخير، فإنّه وإنْ لم يكن له من ابتداء الأمر القلع لأنّه تصرّفٌ في مال الغير، وهو غير جائز، إلّاإنّه بعد امتناعه يجوز له قلعه، إمّا لأنّه أسقط حرمة ماله بالامتناع، أو لأنّ توقّف جواز القلع على الإذن ضرريٌ مرفوعٌ بالحديث.

وعلى أيّ حال، لا دليل على لزوم الرجوع إلى الحاكم، لأنّه المرجع في موردين:

الأوّل: فيما إذا كان لشخصٍ حقٌّ على الآخر وامتنع مَن عليه الحقّ من أداءه، فإنّه يرجع إليه لكونه وليّ الممتنع.

الثاني: فيما إذا كان لشخصٍ ولاية على تصرّف لازمٍ عليه.

والمقام ليس داخلاً في شيء من الموردين:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا حقّ للمغبون على الغابن.

وأمّا الثاني: فلأنّ الغابن لا ولاية له على التصرّف، بل إنّما يجبُ عليه القلع فقط.

وبالجملة: فالأظهر هو الرجوع إليه، فإنْ امتنع قَلَعه بنفسه.

ص: 277

الجهة الثالثة: في أنّه لو قلعه، هل يستحقّ الغابن أرش الغرس أم لا؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل: بما في «المكاسب»(1)، وحاصله:

إنّ الغابن مستحقّ لصفة منصوبيّة الغرس، فإذا زال هذا الوصف بقلع المغبون، غرم له تفاوت ما بين كون الغرس منصوباً وغير منصوب.

وفيه: إنّ الغابن في ابتداء الأمر غَرس بحقّ ، ولكن بعد ما فسخ المغبون المعاملة، وانتقلت العين بما لها من المنافع، يكون بقاء الغرس ومنصوبيّته في هذا المكان بقاء بغير حقّ ، فلا موجب للأرش، كيف و (ليس لعرق ظالمٍ حقّ )، فالحقّ أنّه لا يستحقّ الأرش.

التغيّر بالامتزاج

وأمّا المقام الثالث: - وهو التغيّر بالإمتزاج - فقبل الدخول في البحث لابدَّ من تقديم أمرين:

الأمر الأوّل: إنّ خلط مالٍ بمال يتصوّر على وجوه:

الوجه الأوّل: أنْ يكون بنحوٍ لا يتميّز أحدهما من الآخر حِسّاً كامتزاج الخَلّ بالعسل الموجب لحصول حقيقة ثالثة.

الوجه الثاني: أنْ يكون بنحوٍ يتميّز حٍسّاً، ويكون كلٍّ من المالين باقياً على ما هو عليه من الصورة.

الوجه الثالث: أنْ يكون بنحوٍ لا يتميّز حِسّاً ولا تحصل صورة ثالثة، ويعدّ

ص: 278


1- المكاسب: ج 5/196-197.

أحد الخليطين مستهلكاً في الآخر، وتالفاً كخلط ماء الورد بالنفط.

أقول: ومورد الشركة هو الوجه الأوّل، ودليله - مضافاً إلى الإجماع - أنّ الخصوصيّة الشخصيّة لكلّ من المالين زالت وتلفت، والتالف لا يتعلّق به تكليف أو وضع، فمالك المال قبل الامتزاج لا يمكن أنْ يكون مالكاً لشخص ماله بعد الامتزاج، فلا محالة يوجب التلف الإشاعة قهراً، ولا فرق في ذلك بين المتّحدين وصفاً والمختلفين.

وعليه، فما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1)، من أنّ دليل الشركة هو الإجماع المختصّ بالمتماثلين ذاتاً ووصفاً، غير تامّ .

الأمر الثاني: إنّ للشركة مراتب:

المرتبة الأُولى : الشركة في العين بنسبة المالين في المقدار، كما في مزج الجنس بالجنس مع تساويهما في الصفات، والوجه فيها أنّ التلف حاصل في خصوص الخصوصيّة الشخصيّة، لا في أصل المال و وصفه وماليّته.

المرتبة الثانية: الشركة في العين بمقدار الماليّة لا الوزن، كما في المزج بغير الجنس، كمزج الخَلّ بالعسل، إذ الفائت حينئذٍ غير الخصوصيّة الشخصيّة والصورة النوعيّة، فلا محالة يشتركان في قيمة الممزوج، ولكن من نفس الممتزج.

المرتبة الثالثة: الشركة في الثمن كما في قصارة الثوب.

أقول: إذا عرفت هذين الأمرين، فاعلم أنّ الامتزاج:

تارةً : يكون بغير جنسه.8.

ص: 279


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/38.

وأُخرى : يكون بجنسه.

أمّا المورد الأوّل: فإنْ كان على وجه الاستهلاك عرفاً، فهو في حكم التالف، ويرجع إلى قيمته كما في «المكاسب»(1).

وإنْ كان لا على وجه يعدّ تالفاً كالخَلّ الممتزج مع الأنجبين، فقد ذكر الشيخ رحمه الله(2) فيه وجهين:

أحدهما: تحقّق الشركة لحصول الاشتراك قهراً لو كانا لمالكين.

ثانيهما: كونه كالمعدوم لتغيّر حقيقته.

وأورد المحقّق الايرواني رحمه الله(3) على الوجه الثاني: بأنّه لو كان هذا كالتالف، كان الممتزج الآخر أيضاً كالتالف، لأنّ نسبة الصورة الحادثة بالامتزاج إلى كلٍّ من الممتزجين نسبة واحدة، ولازم ذلك أن لا يكون الممتزج مالاً لواحدٍ منهما، مع أنّ ذلك باطلٌ بالضرورة.

أقول: وتنقيح القول في المقام بنحوٍ يظهر ما هو الحقّ ، ويجاب عن إيراد المحقّق الايرواني رحمه الله، هو:

إنّ الشركة إنّما تكون في مالين لشخصين، وأمّا إذا حدثت الصورة الثالثة في حالٍ يكون المالين واحداً، فلا معنى لحصول الشركة.

وعليه، فلو مزج الغابن الخَلّ الذي اشتراه بالأنجبين، ثمّ فسخ المغبون المعاملة، لا معنى لرجوع الخَلّ بالفسخ إليصاحبه لعدم بقائه، والصورة الثالثة لم تُملك بالبيع كي8.

ص: 280


1- المكاسب: ج 5/199.
2- المكاسب: ج 5/199 هامش رقم 2 وكذلك راجع المكاسب: ج 2/395 (ط. ق).
3- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/38.

تعود بالفسخ، فلابدَّ من إجراء حكم التلف عليه، وهو رجوعه بماليّته إلى الفاسخ.

وأمّا ما في «المكاسب»(1) من أنّ حكمه ارتفاع الخيار، فالظاهر أنّ مراده ارتفاعه على وجه يوجب رجوع العين.

حكم الامتزاج بالجنس

وأمّا المورد الثاني: فالكلام فيه في مواضع:

الأوّل: في الامتزاج بالمساوي.

الثاني: في الامتزاج بالأردأ.

الثالث: في الامتزاج بالأجود.

أمّا في الموضع الأوّل: فقد حكم الشيخ رحمه الله(2) بالشركة.

وأورد عليه المحقّق الاصفهاني رحمه الله (1) : بما حاصله من أنّ المزج:

إنْ كان بمال الأجنبي، وحصلت الشركة بين الغابن والأجنبي، فلا مجال لعود العين، إذ يستحيل عود الملك الاستقلالي بعد زواله، والملك الإشاعي لم يكن بسبب البيع حتّى يوجب فسخه عوده إلى المغبون ليكون شريكا للمغبون.

وإنْ كان الامتزاج بمال الغابن، فلا شركة قبل الفسخ، إذ الإنسان لا يكون شريكاً لنفسه، وفسخ العقد إنْ أوجب رجوع العين إلى المغبون حقيقةً فلا شركة، وإنْ لم يوجب رجوع العين نظراً إلى أنّ الامتزاج يمنع عن اعتبار الملك الاستقلالي شرعاً فلا عود للعين.

ص: 281


1- حاشية الاصفهاني: ج 4/308 (ط. ج).

أقول: لكن يمكن أنْ يكون نظر الشيخ رحمه الله إلى أنّه وإنْ لم يمكن عود العين بالفسخ، فيعدّ بحكم التالف، إلّاأنّه حيث يمكن أنْ يرجع بعض العين ممتزجاً بما هو مثله، كان ذلك متعيّناً في مقام أداء التالف، فيتعيّن إرجاع ذلك، ولهذا يُحكم بالشركة.

وأمّا الموضع الثاني: فقد احتمل الشيخ رحمه الله(1) فيه وجوهاً:

أحدها: الشركة بنسبة المالين، ويكون الغابن ضامناً لأرش النقص.

ثانيها: الشركة في العين بمقدار الماليّة.

ثالثها: الشركة في قيمة العين.

أمّا المحقّق النائيني رحمه الله(2): فقد اختار الوجه الأوّل، وعلّله بأنّه إذا أمكن الشركة في العين بنسبة المالين، لا تصل النوبة إلى المرتبتين اللّاحقتين.

وفيه: إنّه لا وجه للشركة في العين، إذ العين كما عرفت في الموضع الأوّل بحكم التالف، وليس رَدّ بعضها ممتزجاً بالأداء أقرب إلى التالف.

أمّا المحقّق الاصفهاني رحمه الله(3): فقد اختار الوجه الثالث نظراً إلى أنّه وإنْ لم يكن وجهٌ للشركة في العين، إلّاأنّه حيث يمكن عود العين بماليّتها من الماليّة الشخصيّة، فهو المتعيّن، لأنّه أقرب من الماليّة المطلقة.

أقول: لكن هذا يتمّ إذا كال المال من القيميّات، والظاهر أنّه من المثليّات، فيتعيّن دفع المثل إنْ أمكن، وإلّا فما أفاده متين.).

ص: 282


1- المكاسب: ج 5/199.
2- منية الطالب: ج 2/82-83.
3- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/308 (ط. ج).

اللَّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الماليّة الخاصّة أقرب إلى التالف من المثل، ولا بُعد فيه، وعليه فيتعيّن ذلك.

وأمّا الموضع الثالث: فقد احتمل الشيخ رحمه الله(1) فيه احتمالين:

أحدهما: الشركة بنسبة الماليّة.

ثانيهما: الشركة في الثمن.

ثمّ رَدّ الأوّل بأنّه يستلزم الرّبا، ووجهه انتقال ثلث المجموع إلى المغبون بإزاء نصفه، فإنّه بالامتزاج يعطي النصف ويأخذ الثلث، ومع وجدان سائر الشرائط من كون المبيع من المكيل والموزون، وعموم حرمة الربا لكلّ معاوضة ولو كانت قهريّة، يتوجّه حكم الرّبا.

والجواب: إنّ هذا الوجه غير تامّ ، لعدم شمول دليل حرمة الرّباللمعاوضة القهريّة.

أقول: لكن بما ذكرناه في الموضعين الأولين، ظهر ضعف الاحتمال الأوّل، وعليه فالمتعيّن هو الثاني.

***9.

ص: 283


1- المكاسب: ج 5/199.

حكم تلف العوضين

قال الشيخ رحمه الله(1): (بقي الكلام في حكم تلف العوضين، وتفصيله أنّ التلف إمّا أنْ يكون فيما وصل إلى الغابن... الخ.

أقول: الظاهر أنّ حكم التلف لابدَّ وأن يُذكر في أحكام الخيار، وإنّما أشار إليه الشيخ رحمه الله(2) في المقام من جهة أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ تصرّف المغبون قبل العلم بالغبن المُخرِج للمال عن ملكه مسقطٌ لخياره، فتوهّم أنّ التلف أيضاً كذلك، بل هو أولى بأنْ يكون مسقطاً، فذكر حكم التلف في المقام لتنقيح ذلك.

ثمّ إنّه لا فرق بين تلف ما في يد المغبون، وتلف ما بيد الغابن في الأحكام، إلّا من جهتين نشير إليهما، فلا وجه للبسط والإطناب في بيان الأحكام لكلّ منهما مستقلّاً، فلنفرض خصوص تلف ما في يد المغبون وحكمه، وبه يظهر حال حكم تلف ما في يد الغابن.

أقول: وحقّ القول فيه يقتضي البحث في جهات:

الجهة الأُولى : في أنّه هل يوجب سقوط الخيار أم لا؟

ومحصّل القول فيها:

1 - إنْ قلنا بأنّ هذا الخيار متعلّق بالعوضين وحقيقته جواز الرَّد والاسترداد، تعيّن البناء على مسقطيّة التلف، بل هو أولى بأنْ يكون مسقطاً، لأنّه في التصرّف يمكن أنْ يقال بجواز الرَّد وانفساخ معاملته، وفي المقام لا سبيل إلى ذلك.

وبهذا يظهر أمران:

ص: 284


1- المكاسب: ج 5/199.
2- المكاسب: ج 5/199.

أحدهما: إنّ الشيخ رحمه الله(1) الملتزم بمسقطيّة التصرّف من جهة ما أفاده في تلك المسألة، ليس له البناء على العدم في المقام.

ثانيهما: إنّ ظاهر المتن أنّ التلف أولى من التصرّف في عدم صحّة الاستدلال، مع أنّ الأمر بالعكس.

2 - وأمّا إنْ قلنا بأنّ هذا الخيار كسائر الخيارات متعلّقٌ بالعقد، فحيث أنّ العقد باقٍ مع تلف العين أيضاً، فلا وجه لسقوط الخيار بالتلف.

والأظهر هو الثاني، نعم لو قلنا بشمول قاعدة (التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له)(1) لخيار الغبن، يكون التلف بآفة سماويّة موجباً لكون تلف ما عند المغبون من الغابن وانفساخ العقد، ولكن المبنى فاسدٌ كما سيأتي.

الجهة الثانية: إنّ قيمة التالف التي يرجع إليها:

1 - هل هي قيمة يوم التلف، كما احتمله المصنّف(3)، ولعلّه ظاهر الأكثر؟

2 - أم قيمة يوم الفسخ، كما ذهب إليه جماعة(2)؟

3 - أم قيمة يوم الأداء، كما عليه المحقّق الخراساني رحمه الله(3)؟ وجوه:

وجه الأوّل: إنّ القيمة في يوم التلف تقوم مقام العين في كونها متعلّقة لحقّ الخيار.

ووجه الثاني: ما أفاده السيّد الفقيه(4) من أنّ الانتقال إلى الغابن إنّما هو من حين الفسخ، فلابدَّ من اعتبار قيمته حينه لا حين التلف الذي كان للمغبون.

ووجه الثالث: إنّه في موارد الضمانات تكون العين ثابتة في الذّمة إلى حين7.

ص: 285


1- الكافي: ج 5/171 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/14 باب (إنّ الحيوان إذا تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة).
2- الدروس: ج 3/211، مسالك الأفهام: ج 3/257، الحدائق الناضرة: ج 19/189-190.
3- حاشية المكاسب للآخوند: ص 197.
4- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/47.

الأداء، ولذا بنينا على أنّ الضامن يدفع قيمة يوم الأداء.

أقول: وفي المقام وإنْ كان التالف حين تلفه للمغبون، فلا يكون ضامناً، إلّاأنّ البيع بما هو متزلزل ومتعلّق لحقّ الخيار، فتعتبر العين باقية في عهدة من هي عنده، والفسخ يقتضي عود العين التي تكون في العهدة إلى الفاسخ، وعليه فيتعيّن قيمة يوم الأداء. وبه يظهر ما في الوجهين الأولين.

الجهة الثالثة: أنّه لو أتلف الأجنبي المال، فهل الفسخ يقتضي الرجوع إلى الغابن أو إلى المتلف ؟

صريح الشيخ رحمه الله(1) في المقام الرجوع إلى الأجنبي، وفي تلف ما عند الغابن يذكر وجوهاً، وظاهره اختيار أنّ المغبون يرجع إلى الغابن، ويذكر له وجهين جاريين في المقام أيضاً.

وكيف كان، فقد استدلّ للرجوع إلى طرف المعاملة بوجهين:

أحدهما: إنّ العوض يرجعُ إلى الغابن، فيؤخذ منه المعوّض أو بدله.

وفيه: إنّه إذا أتلف الأجنبي المال، تثبت العين في عهدته، ومقتضى الفسخ رجوع العين إلى المغبون، وحيث إنّها في عهدة الأجنبي فيرجع إليه.

ثانيهما: إنّ الغابن يملك القيمة على الأجنبي، وليس لشيء واحدٍ إلّاقيمة واحدة، فلا يُعقل رجوع المغبون إلى الأجنبي.

وفيه: ما تقدّم من أنّ العين تثبت في عهدته، فالأظهر أنّه يرجع إلى الأجنبي، ولكن لا يتعيّن ذلك، بل له أن يرجع إليه، أو أن يرجع إلى المفسوخ عليه، لأنّ المال0.

ص: 286


1- المكاسب: ج 5/200.

كان في عهدته قبل وضع الأجنبي يده عليه.

الجهة الرابعة: أنّه لو أتلف الغابنُ ما في يد المغبون، ثمّ فَسخَ المغبون العقد، فقبل الفسخ كانت العين التالفة في عهدة الغابن، وبعده تثبت في عهدة المغبون، ونتيجة ذلك سقوط العهدة بالنسبة إلى كلّ منهما كما لا يخفى .

***

ص: 287

فيختار المغبون الفسخ.

ثبوت خيار الغبن في غير البيع

الموضع الخامس: في ثبوت خيار الغبن في سائر المعاوضات أقوالٌ :

القول الأوّل: ثبوته فيها، (ف) كما أنّه في البيع (يختار المغبون الفسخ) لو أراد كذلك له ذلك فيها، اختاره فخر الدِّين(1) وصاحبا «التنقيح»(1) و «إيضاح النافع»(3).

القول الثاني: عدم ثبوته فيها، ولعلّه الظاهر من إجارة «جامع المقاصد»(2).

القول الثالث: عدم جريانه في خصوص الصلح، حُكي عن «المهذّب البارع»(3).

القول الرابع: التفصيل بين كلّ عقدٍ وقع شخصه على وجه المسامحة وبين غيره.

أقول: فالكلام يقع في مقامين:

الأوّل: في شمول دليل هذا الخيار لغير البيع.

الثاني: في قابليّة الصلح في ذاته للخيار.

أمّا المقام الثاني: فقد تقدّم الكلام فيه في خيار الشرط. فراجع(4).

وأمّا المقام الأوّل: فإنْ كان مدرك هذا الخيار هو الإجماع، كان مختصّاًبالبيع، لأنّه المتيقّن من معقده، وإنْ كان غيره من الشرط الضمني، أو نفي الضرر(5)، أو آية

ص: 288


1- التنقيح الرائع: ج 2/47.
2- جامع المقاصد: ج 7/86.
3- المهذّب البارع: ج 2/538.
4- صفحة 215 من هذا المجلّد.
5- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

التجارة(1)، أو آية (لا تَأْكُلُوا) (2)، أو خبر تلقّي الركبان(1)، أو خبر «غبن المُسترسل سحت»(2)، لم يكن مختصّاً بالبيع، لعدم الفرق في هذه الأدلّة بين البيع وغيره من المعاوضات الماليّة المبنيّة على المداقة، وحيث أنّ المختار كون مدركه الشرطالضمني، فلا وجه لدعوى الاختصاص.

أقول: ثمّ إنّه بناءً على المختار:

إنْ كانت المعاملة مبنيّة على تساوي المالين نوعاً كالبيع والإجارة والصلح القائم مقامهما، جرى فيها خيار الغبن، إلّامع الإقدام على المعاوضة بالغاً ما بلغ، لأنّه حينئذٍ يكون مسقطاً لشرط التساوي.

وإنْ كانت بعكس تلك، وكان بنائها على التسالم والتجاوز عن الحقّ كائناً ما كان، كان الصلح الواقع في مقام رفع الخصومه لا يكون هذا الخيار ثابتاً فيها، لأنّه يسقط شرط التساوي.

وإنْ لم تكن مبنيّة لا على ذلك ولا على هذا كالجُعالة، فثبوت هذا الخيار فيها وعدمه يدوران مدار الاشتراط وعدمه.

***1.

ص: 289


1- وهو النبويّ المروي عن غير طرقنا المتقدّم.
2- الكافي: ج 5/153 ح 14، وسائل الشيعة: ج 18/31 ح 23071.

كون هذا الخيار على الفور أو التراخي

مسألة: اختلف أصحابنا في أنّ إعمال خيار الغبن يكون على الفور أو على التراخي على قولين.

أقول: لا يخفى أنّ هذا النزاع جارٍ في كلّ خيارٍ لم يكن لمدّة الخيار تحديد من الشرع، كخيار العيب ونحوه، وتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

الأوّل: في استصحاب الخيار الذي هو مدرك القول بالتراخي.

الثاني: في عموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) وأنّه هل يتمسّك به في زمان الشكّ أم لا، الذي هو مدرك القول بالفور؟

الثالث: في أنّه على فرض المناقشة في كليهما، هل هناك ما يرجع إليه لتعيين أحدهما أم لا؟

استصحاب الخيار

أمّا المورد الأوّل: فقد أُورد على التمسّك به بوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المكاسب»(2) وحاصله:

إذا كان دليل الحكم لفظيّاً مشخِّصاً للموضوع، وكان الشكّ في بقاء الحكم مع إحراز الموضوع، جرى الاستصحاب.

ص: 290


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- المكاسب: ج 5/207.

وأمّا إذا كان غير لفظي، أو لفظيّاً غير مشخِّص للموضوع، وكان يُحتمل كون الموضوع عنواناً غير باقٍ ، فلا يجري الاستصحاب للشكّ في بقاء الموضوع.

والمقام من قبيل الثاني، لأنّ دليل هذا الخيار إمّا الإجماع أو حديث لا ضرر، ولا يكون الموضوع مشخّصاً في شيء منهما، ولعلّه العاجز عن تدارك الضرر بالفسخ، لا المتضرّر بما هو متضرّر، فلا يكون الاستصحاب جارياً.

وفيه أوّلاً: إنّ الموضوع ليس هو العاجز قطعاً، لأنّه لا يبقى مع الخيار، ونفس الخيار واقع للعجز، فلا يُعقل أنْ يكون هو الموضوع له.

نعم، يمكن أنْ يقال بكونه علّة لثبوت الخيار، لكن ذلك كأجنبي عن دخله في الموضوع.

وثانياً: إنّ ما أفاده لو تمّ فإنّما هو لو قلنا بأنّ المعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع الدليلي، وأمّا إنْ قلنا بأنّ المعتبر بقاء الموضوع العرفي وإنْ لم يكن الموضوع الدليلي باقياً كما هو مبناه في الاُصول، فلا يتمّ ، لأنّ الميزان حينئذٍ بقاء الموضوع بنظر أهل العرف، الذي يرونه - بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع - موضوعاً.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1) من أنّ الشكّ في بقاء الخيار في المقام شكٌّ في المقتضي لا في الرافع، إذ لا يُشكّ في مسقطيّة شيء للخيار، بل الشكّ في بقاء الخيار وعدمه بحسب طبعه في عمود الزمان، من قطع النظر عن طروء زماني عليه، فلا يجري.

وفيه: إنّ الخيار إنّما يُشكّ في بقائه، لو تمكّن المكلّف من إعماله ولم يعمله، وأمّا3.

ص: 291


1- منية الطالب: ج 2/93.

مع قطع النظر عن ذلك، فله استعداد البقاء في عمود الزمان، فليس من قبيل الشكّ في المقتضى، مع أنّ الحقّ جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في المقتضى أيضاً.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1) أيضاً، من أنّ دليل هذا الخيار إنْ كان الحديث النافي للضرر، كان موضوعه عنوان المتضرّر، وحيث إنّه يحتمل أنْ يكون الموضوع هو الموصوف، فيكون باقياً، وأمّا إنْ كان الوصف فلا يكون باقياً، ممّا يقتضي حينئذٍ أن لا يكون بقاء الموضوع محرزاً، فلا يجري الاستصحاب.

وفيه أوّلاً: إنّ عنوان المتضرّر ووصفه يكون باقياً، ومجرّد تمكّنه من تداركه لا يرفعه.

وثانياً: إنّ المعتبر هو الموضوع عرفاً لا دليلاً كما تقدّم.

الوجه الرابع: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(2) أيضاً، من أنّ مدرك هذا الخيار إنْ كان حديث لا ضرر يكون الموضوع هو الحكم المعنون بالضرر، ويدلّ الحديث على رفعه، فلزوم العقد إنْ كان ضرريّاً يكون مرفوعاً، وإلّا فلا، ومن يتمكّن من إعمال الخيار ولو آناً مّا، لا يكون اللّزوم عليه ضرريّاً أصلاً، وبالتالي فالقضيّة المتيقّنة غير المشكوك فيها بأسرها موضوعاً ومحمولاً ونسبة.

وفيه: - بعد إصلاحه بإرادة كون اللّزوم بعد ذلك الآن ضرريّاً أقدم عليه، والحديث يرفع حكم ما لم يُقدم عليه - إنّ مدرك هذا الخيار عندنا وعنده هو الشرط الضمني، ولازمه ثبوت الخيار للشخص، فمع الشكّ في بقائه يجري الاستصحاب دون ما يمنع عنه، فالحقّ أنّ هذا الاستصحاب لا محذور فيه، سوى كونه من قبيل استصحاب الحكم، والمختار عدم جريانه لمحكوميّته لاستصحاب عدم الجعل على ما حقّقناه في محلّه.3.

ص: 292


1- منية الطالب: ج 2/93.
2- منية الطالب: ج 2/93.

التمسّك بآية الوفاء عند الشكّ

وأمّا المورد الثاني: فالكلام فيه في جهتين:

الأُولى : يدور البحث فيها عن أنّه إذا ورد عامٌ إفرادي يتضمّن العموم الأزماني، وخُصّص ذلك بخروج بعض أفراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة، ثمّ شُكّ في أنّ خروجه عنه في تمام الأزمنة أو في بعضها، فهل المرجع في زمان الشكّ إلى عموم العام أو لا؟

الثانية: في خصوص دلالة قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1).

أمّا الجهة الأُولى : فتفصيل الكلام فيها في الاُصول(2)، وإنّما نشير إلى ما هو الحقّ في المقام بنحو الإجمال، وحاصله:

التزم الشيخ رحمه الله بأنّ العام إنْ كان له عمومٌ أزماني، وكان كلّ زمانٍ موضوعاً مستقلّاً لحكمٍ مستقلّ ، لينحلّ العموم إلى أحكام عديدة بتعدّد الزمان، جاز التمسّك بعموم العام، لأنّه من عدم التمسّك به يلزم التخصيص الزائد.

وأمّا إذا لم يكن له عمومٌ أزماني بهذا المعنى، بل كان الزمان ظرفاً للحكم، وكان المجعول حكماً واحداً مستمرّاً لموضوعٍ واحد، فلا مجال للتمسّك بعموم العام، لأنّه ليس في خروجه عن تحت العام دائماً زيادة تخصيص في العام حتّى يقتصر عند الشكّ فيه على المتيقّن.

أقول: ويمكن الرّد عليه بجوابين:

ص: 293


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- زبدة الأُصول: ج 3/225 وما بعدها.

الجواب الأوّل: إنّه لابدَّ من التمسّك بالعام في المورد الثاني أيضاً، وذلك يبتني على بيان مقدّمات:

المقدّمة الاُولى: إنّ الإطلاق عبارةٌ عن رفض القيود، وعدم دخل شيء من الخصوصيّات لا دخل جميع القيود.

المقدّمة الثانية: إنّ العام الذي اُخذ الزمان ظرفاً لاستمرار حكمه، له حيثيّتان:

أحدهما: عمومه الإفرادي.

ثانيتهما: إطلاقه الزماني، بمعنى أنّ مقتضى إطلاقه استمرار الحكم الثابت لكلّ فردٍ في الزمان المستمرّ.

المقدّمة الثالثة: إنّ المطلق إذا خرج من تحته فردٌ، بقي الباقي بنفس الظهور الذي استقرّ فيه أوّلاً.

إذا عرفت هذه الأُمور، تعرف أنّه بعد مضيّ زمان التخصيص يجب التمسّك بعموم العام، لا بحيثيّة عمومه بل بحيثيّة إطلاقه، بلا فرقٍ بينه وبين سائر المطلقات.

لا يقال: إنّه إذا ثبت الحكم بعد ذلك الزمان، لا يكون الحكم الثابت استمراراً للحكم الأوّل، بل هو حكمٌ آخر، فيلزم تعدّد الواحد.

فإنّه يقال: إنّمعنى استمرار الحكم الثابت بالإطلاق المزبورليس استمراره خارجاً، بل جعل ظرفٍ واحد لهذا الحكم الوحداني، لا جعل حصّتين من طبيعي الظرف.

فإنْ قلت: إنّ المطلق له ظهورٌ واحدٌ في معنى واحد مستمرّ، فإذاً لا ظهور يتمسّك به.

قلت: إنّ التقييد إنّما يكون لقيام حجّة أقوى من الحجّة المزبورة، فلا يرفع اليد

ص: 294

عن ذلك الظهور الواحد. وتمام الكلام في محلّه.

الجواب الثاني: إنّه لو تمّ ما أفاده رحمه الله كان مختصّاً بما إذا كان التخصيص من الوسط، وأمّا إذا كان فرداً خارجاً عن العام من الأوّل، فمن عدم التمسّك بالعام بعد مضيّ زمان التخصيص، يلزم التخصيص في العموم الإفرادي أيضاً، فنفس عمومه من تلك الحيثيّة يكفي في الحكم بثبوت حكم العام والتمسّك به.

أقول: وفي المقام وجهان آخران، أحدهما للمحقّق اليزدي(1)، والآخر للمحقّق النائيني رحمه الله(2)، ومدلولهما عدم جواز التمسّك بالعام بعد مضيّ زمان التخصيص إذا لم يكن له عمومٌ زماني.

وقد أجبنا عنهما في مباحث الاُصول(3)، وليس المقام مقام ذكره.

وعليه، فالحقّ هو التمسّك بالعام مطلقاً.

وأمّا الجهة الثانية: فالحقّ إنّه لا عموم أزماني له بنحوٍ يكون العقد في كلّ زمانٍ موضوعاً مستقلّاً، ولكن له إطلاقاً زمانيّاً، بمقتضى مقدّمات الحكمة، وأنّه لو لم يكن حكماً ثابتاً في عمود الزمان لزم لغويّة جعله، إذ لا أثر للّزوم العقد في زمان واحد.

ثمّ إنّه بناءً على ما اخترناه من ثبوت الخيار من حيث العقد، يكون الخارج خارجاً من الأوّل، فيتمسّك بالعام حتّى على المسلك الآخر.

أصالة فساد فسخ المغبون

وأمّا المورد الثالث: فقد تمسّك الشيخ رحمه الله(4) للقول بالفور بأصالة فساد فسخ

ص: 295


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/48-49.
2- منية الطالب: ج 2/92-93.
3- زبدة الأُصول: ج 3/225 وما بعدها.
4- المكاسب: ج 5/212.

المغبون، مراده بها بحسب الظاهر استصحاب بقاء الملكيّة الثابتة قبل فسخ المغبون، وقد تقدّم في مبحث المعاطاة(1) أنّ هذا الأصل يجري، ولا يردّ عليه شيء ممّا أُورد عليه.

فتحصّل: أنّ مقتضى العمومات والاستصحاب هو القول بالفور، ولكن بما أنّ مدرك خيار الغبن هو الشرط الضمني، فما دام لم يُجيز العقد ولم يلتزم به، يكون الخيار باقياً.

ولا يرد عليه: بأنّ تجويز ذلك ضررٌ على من عليه الخيار، لأنّه لا ضرر عليه مع فرض أنّه غير ممنوعٍ عن التصرّف في زمان الخيار.

وعليه، فالأظهر أنّه على التراخي.

قال بعض المحقّقين(2): إنّ المسألة مبنيّة على ثبوت العموم الزماني وعدمه، وعلى الأوّل يُحكم بأنّه على الفور، وعلى الثاني يُحكم بأنّه على التراخي.

وكلامه رحمه الله دالٌّ على أنّه ممّن لا يفرّق في التمسّك بعموم العام بين أنْ يكون الزمان ظرفاً له أم قيداً، كما اخترناه.

وقد ذكر في وجه وجود العموم في المقام أمرين:

أحدهما: إنّ معنى الوفاء هو العمل بما يقتضيه العقد أبداً ولو من جهة أنّ مفاد العقد الدوام.

ثانيهما: القطع بأنّه ليس المراد بالآية الكريمة، هو الوفاء بالعقد آناً مّا، بل على على الدوام.0.

ص: 296


1- فقه الصادق: ج 22/317.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/50.

وأيضاً: ذكر في وجه عدمه: أنّ معنى قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ترتيب أثر الملكيّة منذ البداية، وعلى الثاني أنّه إنّما يُحكم ببقاء الملكيّة من جهة أنّ شأن الملكيّة المطلقة البقاء ما لم يرفعها رافع، وإنّما يحكم باللّزوم للاستصحاب.

وعليه، فعلى الأوّل بما أنّ العموم موجودٌ، فمع الشكّ في الخيار لابدّ من التمسّك به والحكم بعدم الخيار، وعلى الثاني مع الشكّ في الخيار، بما أنّ الخيار ثابتٌ قبل ذلك فستصحب بقائه، وهو حاكمٌ ومقدّم على بقاء أثر العقد.

أقول: اختار قدس سره الأوّل، ومحصّل ما ذكره في وجهه:

إنّ اللّزوم ووجوب الوفاء المستفاد من الآية الشريفة إنّما لا يحكم ببقائه لو زالت علّته، وأمّا مع بقائها - كما في الآية من جهة أنّ علّته المعاهدة على الملكيّة الدائمية وهي باقية - فإنّ اللّزوم تكون باقية أيضاً.

المراد من الفوريّة

أقول: بقي الكلام في المراد من الفوريّة، وتنقيح القول في ذلك:

إنّ الفوريّة قسمان:

1 - فوريّة حقيقيّة، وهي أوّل مراتب الإمكان بالدقّة.

2 - وفوريّة عرفيّة، ولها مراتب:

منها: ما لا يلزم من الاقتصار عليه حرجٌ على من له الخيار.

ومنها: ما هو أوسع من ذلك، كالأمثلة المذكورة في كلام المصنّف رحمه الله.

ومنها: ما هو أوسع من ذلك، وهو ما إذا لم يلزم منه ضررٌ على من عليه الخيار.

ص: 297

والتحقيق: إنّ هذا اللّفظ لم يرد في الدليل كي يقع النزاع في المراد منه، بل لابدَّ من الرجوع إلى دليل الفوريّة واستخراج الحكم، وقد عرفت أنّ دليل الخيار لا إطلاق له ليشكّ في الخيار بعد مضيّ زمانٍ يتمكّن فيه من إنشاء الفسخ، فيكون المرجع فيه عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

وعليه، فإذا كان الفسخ غير متوقّفٍ على شيء سوى قول (فسختُ ) فالمتعيّن هو البناء على الفوريّة العرفيّة بالمعنى الأوّل، كما لا يخفى .

فرع: هل يكون الجاهل بالخيار معذوراً في ترك المبادرة إلى الفسخ على القول بالفوريّة أم لا؟ وجهان:

أقول: الظاهر أنّ مدرك القول بعدم ثبوت الخيار مع العلم بالغبن وحكمه، إنّما هو أنّه مع ذلك لا يكون شارطاً بالشرط الضمني تساوي المالين، ويكون مُقْدِماً على الضرر، فالضرر إنّما يجيء من ناحية إقدامه، وحديث لا ضرر لا يرفع مثل ذلك، وعليه فلا وجه للتوقّف في معذورية الجاهل بالجهل المركّب، والغافل ولو كان جهله عن تقصير، فإنّه مع ذلك يكون شارطاً وغير مُقْدِمٍ على الضرر.

وتوهم: إنّ العالم بالخيار لا يبقى خياره، والمفروض أنّ الجاهل بالحكم غير معذورٍ، فيجري عليه حكم العالم.

فاسدٌ: لأنّ الحكم ببقاء الخيار مع الجهل ليس من جهة الجهل بعنوانه، بل من جهة كون الجاهل مشمولاً لدليل الخيار بالتقريب المتقدّم، مع أنّ هذا الحكم ليس لزوميّاً كي يكون مقصّراً غير معذورٍ في عدم تعلّمه، ليكون محكوماً بحكم العالم.

***

ص: 298

الخامس: مَنْ باع شيئاً ولم يقبض الثَّمن، ولا سَلّم السّلعة، ولم يشترط التأخير، لزم البيع ثلاثة أيّام، فإنْ جاء المشتري فهو أحقّ بالسّلعة، وإنْ مضت كان للبائع الفسخ.

خيار التأخير

اشارة

الخيار (الخامس): خيار التأخير.

قال المصنّف رحمه الله في المتن: (مَنْ باع شيئاً ولم يقبض الثمن، ولا سَلّم السّلعة، ولم يشترط التأخير، لزم البيع ثلاثة أيّام، فإنْ جاء المشتري فهو أحقّ بالسّلعة، وإنْ مضت كان للبائع الفسخ).

وقال في «التذكرة»(1): (من باع شيئاً ولم يسلّمه المشتري، ولا يقبض الثمن، ولا شرط تأخيره ولو ساعةً ، لزم البيع ثلاثة أيّام، فإنْ جاء المشتري بالثمن فهو أحقّ بالعين، وإنْ مضت الثلاثة، ولم يأتِ بالثمن، تخيَّر البائع بين فسخ العقد، والصبر و المطالبة بالثمن، عند علمائنا أجمع).

وعن ظاهر «المبسوط»(2)، والإسكافي(3)، وصريح «الكفاية»(4) و «الحدائق»(5)

ص: 299


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/523 (ط. ق).
2- المبسوط: ج 2/87.
3- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 5/70.
4- الكفاية: ص 92.
5- الحدائق الناضرة: ج 19/47.

بطلان البيع وانفساخه بعدالثلاثة، وتوقّف في الحكم جماعة منهم المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1).

أقول: استدلّ للمشهور - مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه غير واحدٍ - بوجوه:

الوجه الأوّل: حديث لا ضرر(2) باعتبار أنّ صبر البائع بعدم تصرّفه في المبيع، مع عدم أخذه الثمن، وكون ضمانه عليه وتلفه منه، لكونه من التلف قبل القبض، ووجوب حفظه المبيع للمشتري ضررٌ عليه، فينفى بالخبر.

وفيه أوّلاً: إنّ هذا لا ينطبق على ما بنوا عليه سعةً وضيقاً، نفياً وإثباتاً.

وثانياً: إنّه قد تقدّم في خيار الغبن أنّه لا يصحّ الاستدلال به على نفي اللّزوم وثبوت الخيار.

وثالثاً: إنّ هذه المعاملة قبل مضيّ الثلاثة محكومة باللّزوم، وخارجة عن تحت الحديث بالنّص والإجماع، فلا يصحّ التمسّك به بعدها بناءً على عدم جواز التمسّك بما لا عموم زماني له بعد مضيّ زمان التخصيص.

ورابعاً: إنّ الضرر من ناحية كون تلفه منه، لا يرتفع بالحديث لقاعدة: (كلّ مبيع تَلِف... الخ)، ومن الناحيتين الأخيرتين يمكن التخلّص منه بالالتزام بأنّ له أخذ المبيع مقاصّة عن الثمن.

الوجه الثاني: إنّ مقتضى إطلاق العقد تسليم المبيع وتسلّم الثمن على غير وجه المسامحة عرفاً، وحيث إنّه غير منضبط عرفاً، فقد حدّده الشارع الأقدس بثلاثة أيّام، فمرجعه إلى الشرط الضمني والخيار عند تخلّف الشرط.5.

ص: 300


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 8/405.
2- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

أقول: وهذا في الجملة وإنْ يعدّ متيناً، إلّاأنّه عاجزٌ عن إثبات ما أفتى به الأصحاب من اختصاص بالبائع وغير ذلك من القيود.

الوجه الثالث: النصوص الواردة:

منها: صحيح زرارة، عن مولانا الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يشتري من الرّجل المتاع، ثمّ يَدَعه عنده، فيقول: حتّى آتيك بثمنه ؟

قال عليه السلام: إنْ جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام، وإلّا فلا بيع له»(1).

ومنها: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرّجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه، ولا يقبض الثمن ؟

قال عليه السلام: فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإنْ قبض بيعه، وإلّا فلا بيع بينهما»(2).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح عليه السلام: «من اشترى بيعاً، فمضت ثلاثة أيّام ولم يجيء فلا بيع له»(3).

ونحوها غيرها.

وأمّا معتبر علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل اشترى جاريةً وقال: أجيئك بالثمن ؟ فقال: إنْ جاء فيها بينه وبين شهرٍ وإلّا فلا بيع له»(4)، فهو غير معمول به بين الأصحاب، ولا قائل به، وعلى فرض عدم وهنه بذلك فلمعارضته مع ما تقدّم، لابدَّ من طرحه، أو حمله على استحباب الصبر له وعدم الفسخ إلى 5.

ص: 301


1- الكافي: ج 5/170 ح 4، وسائل الشيعة: ج 18/21 ح 23050.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/22 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/22 ح 23052.
3- تهذيب الأحكام: ج 7/22 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/22 ح 23053.
4- تهذيب الأحكام: ج 7/80 ح 56، وسائل الشيعة: ج 18/23 ح 23055.

مضيّ المدّة المذكورة كما قيل، أو مخصوصٌ بالجارية كما عن الشيخ الطوسي رحمه الله(1).

أقول: وعلى أيّ حال، المعتمد هي النصوص المتقدّمة، وتحقيق القول فيها، إنّ محتملاتها ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: إنّه يشترط في صحّة البيع القبض في الثلاثة، فمع عدم القبض في الثلاثة لا يكون البيع صحيحاً من الأوّل، استظهره السيّد(2) من النصوص.

الاحتمال الثاني: صحّة البيع قبل مضيّ الثلاثة، وبطلانه بمضيّها مع عدم القبض أو انفساخ العقد بذلك.

الاحتمال الثالث: عدم لزوم العقد عند التأخير عن الثلاثة، وصيرورة اللّازم جائزاً.

والمشهور على الأخير، والآخرون على الثاني، والأوّل خلاف الظاهر، لأنّ ظاهر النصوص سؤالاً وجواباً تماميّة البيع قبل مضيّ الثلاثة، ونفي البيع من حين مضيّها، فيدور الأمر بين الأخيرين.

أمّا الشيخ رحمه الله(3): فإنّه بعد اعترافه بظهورها في نفسها في الأوّل منهما، ذهب إلى أنّ هناك قرينتين صارفتين عن هذا الظهور:

إحداهما: فهم الأصحاب، وحملهم الأخبار على نفي اللّزوم.

ثانيتهما: إنّ قوله عليه السلام في أكثر تلك الأخبار: «لا بيع له» ظاهرٌ في إرادة انتفاء البيع بالنسبة إلى المشتري خاصّة، وحيث إنّ نفي الصحّة لا يعقل من أحد الطرفين،ظ.

ص: 302


1- مختلف الشيعة: ج 5/70.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/52.
3- المكاسب: ج 5/119-220. مع اختلاف الألفاظ.

فلا محالة يكون المراد منها نفي اللّزوم.

ثمّ أورد على الثاني منهما: بأنّ الوارد في رواية ابن يقطين قوله عليه السلام: «فلا بيع بينهما» ولأجله تردّد في ظهورها في نفي اللّزوم، قال: (ولا أقلّ من الشكّ ، فيرجع إلى استصحاب الآثار المرتّبة على البيع).

أقول: أمّا ما ذكره من القرينة الأُولى ، فيردّه إنّ فهم الأصحاب من حيث هو لا يصلح صارفاً عن الظهور، ما لم يوجب الاطمئنان بوجود القرينة الصارفة، وحيث إنّه يحتمل أنْ يكون منشأه القرينة الثانية فلا يعتمد عليه، فالعمدة بيان حال الثانية.

قد يقال: إنّ ظاهر تلك الجملة نفي الصحّة من جهة كونها من قبيل نفي الحقيقة، نظير «لا صلاة إلّابطهور».

وفيه: إنّ نفي الحقيقة في المخترعات الشرعيّة كالصلاة صحيح، وأمّا في الأُمور الحقيقة الخارجيّة أو الاعتباريّة العقلائيّة، فلا يصحّ . فتأمّل.

والتحقيق: الحقّ أنّ هذه الجملة مسوقة لبيان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، وظاهر ذلك في نفسه و إنْ كان عدم ترتّب الحكم الشرعي على البيع، من غير فرقٍ بين الصحّة واللّزوم، لا ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1) من أنّ ظاهره نفي البيع المحكوم باللّزوم شرعاً وعرفاً دون مطلق البيع، إلّاأنّ قوله: «لا بيع له» بعد ملاحظة أنّ الصحّة غير قابلة للتبعيض، بخلاف اللّزوم، ظاهر في إرادة نفي اللّزوم.

وبعبارة أُخرى : إنّ المنفيّ هو البيع للمشتري، لا البيع مطلقاً، فمعنى هذه الجملة:

إنّه ليس للمشتري بيعٌ يستحقّ به قبض المبيع من البائع بخلاف البائع، فإنّ أمر البيع2.

ص: 303


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/42.

بيده، فله مطالبة المشتري بالثمن، وله ترك ذلك بحلّ البيع.

وأمّا قوله عليه السلام في خبر ابن يقطين: «فلا بيع بينهما» فلا ينافي ذلك، لصدق النسبة إليهما بلحاظ أحدهما.

لا يقال: إنّه يحتمل أنْ يكون المراد بالبيع المنفيّ ، هو المبيع كما هو المراد منه في قوله: (من اشترى بيعاً) فقوله عليه السلام: «لا بيع له» أيضاً ظاهرٌ في فساد البيع وانفساخه.

فإنّه يقال: إنّه خلاف الظاهر جدّاً، ومجرّد استعماله فيه في صدر الحديث لا يصلح قرينةً لذلك.

فتحصّل: أنّ الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب.

***

ص: 304

شرائط خيار التأخير

الشرط الأوّل: اعتبار عدم قبض المبيع.

ثمّ إنّه يشترط في هذا الخيار أُمور:

أحدها: عدم قبض المبيع، ولا خلاف في اشتراطه ظاهراً.

وقد استدلّ لاعتبار هذا الشرط، بقوله عليه السلام في خبر علي بن يقطين المتقدّم:

«فإنْ قبض بيعه»(1) بناءً على أنّ (البيع) هنا بمعنى المبيع.

وأُورد عليه: باحتمال قراءة (قبض) بالتخفيف و (بيّعه) بالتشديد، يعني قبض البائع الثمن.

وأجاب الشيخ رحمه الله(2) عنه بجوابين:

الجواب الأوّل: إنّ استعمال (البيّع) بالتشديد مفرداً نادرٌ، بل لم يوجد.

الجواب الثاني: إجراء أصالة عدم التشديد نظير أصالة عدم المَدّ في لفظ (البُكا) الوارد في قواطع الصلاة.

ولكن يرد على الأوّل: منعه.

وعلى الثاني: إنّ التشدّد والتخفيف من أنحاء وجود الكلمة كالجهر والإخفات، فأصالة عدم التشديد تعارض أصالة عدم التخفيف، هذا فضلاً عن أنّ المخفّف مبائنٌ بحسب الهيئة مع المشدّد، ولا يقاس ذلك بأصالة عدم المَدّ، لأنّ مقتضى المَدّ زيادة الهمزة، فيمكن إجراء أصالة عدم الزيادة بخلاف المقام.

ص: 305


1- تهذيب الأحكام: ج 7/22 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/22 ح 23052.
2- المكاسب: ج 5/221.

وبالجملة: فالإنصاف أنّ فيها احتمالات:

1 - يُحتمل قراءة (بيّعه) بالتشديد، وقراءة (قبض) بالتخفيف، فمفاد هذه الجملة اعتبار قبض البائع الثمن.

2 - ويُحتمل قراءة (قبض) بالتشديد، سواءٌ قرأ (بيعه) بالتشديد أو التخفيف، فيكون مفادها اعتبار إقباض المبيع.

3 - ويحتمل قراءة (بيعه) بالتشديد، مع قراءة (قبض) بالتخفيف، فمفادها أيضاً اعتبار إقباض المبيع.

ولا معيّن لأحد الأخيرين، فتكون مجملة لا يستفاد منها اعتبار إقباض المبيع، وعليه فالأظهر عدم اعتباره.

أقول: ثمّ إنّ ها هنا فروعاً متفرّعة على اعتبار هذا الشرط:

الفرع الأوّل: إنّه إذا بذل المشتري الثمن وامتنع البائع عن أخذه وإقباض المبيع، هل يثبت الخيار أم لا؟

الظاهر عدم الخيار، لا لما أفاده السيّد رحمه الله(1) بأنّ المدار في الأخبار على عدم مجيئه بالثمن، فمع بذله لا خيار، لأنّ هذا الوجه يتمّ بالإضافة إلى عدم قبض الثمن، لا بالإضافة إلى عدم إقباض المبيع، بل لما أفاده الشيخ رحمه الله(2) من أنّ ذلك كالقبض بملاحظة ملاك الخيار، وهو الإرفاق بالبائع، وحيث أنّ عدم إقباض البائع مع بذل المشتري الثمن بامتناعٍ منه، فلا موجب للإرفاق، فلا خيار لعدم الملاك.1.

ص: 306


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/52.
2- المكاسب: ج 5/221.

الفرع الثاني: إنّه لو قبضه المشتري على وجهٍ يكون للبائع استرداده، كما إذا كان بدون إذنه، مع عدم إقباض الثمن، ففيه وجوهٌ :

ثالثها التفصيل بين استرداده وعدمه، ورابعها ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض وعدمه.

وقد اختار الشيخ رحمه الله(1) الوجه الرابع، ومحصّل ما أفاده في وجهه:

إنّ ثبوت الخيار للبائع، إنّما يكون من جهة الضرر، وهو إنّما يكون من جهات:

الجهة الاُولى : من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه، وعدم جواز تصرّفه فيه.

الجهة الثانية: من جهة تأخير الثمن وعدم الانتفاع به مدّة.

الجهة الثالثة: من جهة أنّ ضمان المبيع وتلفه منه.

أقول: يمكن تدارك الضرر من الجهتين الأولتين، وذلك من خلال المقاصّة بأخذ المبيع، لكن من الجهة الأخيرة يندفع الضرر بالالتزام بعدم الضمان، فلو بنينا على ارتفاعه به لا يبقى محلّ للخيار، وإلّا فالخيار باق.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ مدرك هذا الخيار ليس هو حديث نفي الضرر، بل النصوص الخاصّة.

وثانياً: إنّ ذلك لو تمّ فإنّما هو في صورة إمكان الاسترداد، ومعه يرتفع الضرر من الناحية الثالثة، فإتلافه وإنْ كان منه إلّاأنّه لا من حيث تلف مال الغير، بل من حيث أنّه ماله.

وثالثاً: إنّه لا يجوز التقاص مع عدم إقباض الثمن مطلقاً، بل مع امتناعه عن1.

ص: 307


1- المكاسب: ج 5/221.

الإقباض كما لا يخفى .

واستدلّ للثالث: بأنّه مع عدم استرداده يكون إذناً في القبض بقاءً ، وهو يكفي.

وفيه: ظنّي أنّ صورة عدم الاسترداد مع التمكّن منه، خارجة عن مورد النفي والإثبات.

واستدلّ للأوّل: - أي كون هذا القبض كلّا قبض مطلقاً - بالانصراف، أي انصراف النصوص عن صورة تحقّق القبض على غير الوجه المأذون فيه.

أقول: ولكن مع ذلك الأوجه هو الثاني، من جهة أنّ مدرك اعتبار هذا الشرط قوله عليه السلام: «إن قبض بيعه» فلو كان كلّ منهما بالتخفيف، كان مفاده عدم الخيار مع قبض المشتري المبيع، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين إذن البائع وعدمه.

الفرع الثالث: لو مكّن البائعُ المشتريَ من القبض فلم يقبض، ففيه وجوه:

اختار الشيخ رحمه الله(1) سقوط الخيار على القول بارتفاع الضمان، وعدمه على القول بعدم الارتفاع.

والحقّ أنْ يقال: إنّه إنْ قلنا بأنّ التمكّن والتخلية بنفسه قبضٌ ، فلا إشكال في السقوط، وإلّا فمقتضى الجمود على ظواهر النصوص عدم سقوطه.

الفرع الرابع: إنّه لو قبض بعض المبيع، فهل هو كلّا قبض، أو كالقبض، أو يبعّض الخيار؟ وجوه:

أظهرها الأوّل، لظهور قوله عليه السلام: «فإن قبض بيعه» في صحيح علي بن يقطين(2)الذي هو المدرك لهذا الشرط في إرادة قبض المجموع لا البعض.2.

ص: 308


1- المكاسب: ج 5/221.
2- تهذيب الأحكام: ج 7/22 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/22 ح 23052.

اعتبار عدم قبض مجموع الثمن

الشرط الثاني: من شروطتحقّق خيار التأخير، هو عدم قبض البائع مجموع الثمن.

أقول: هذا الشرط ممّا اتّفقت على اعتباره كلمات الأصحاب، ونصوص الباب، إنّما الكلام في فروع:

الفرع الأوّل: إنّه لو قبض البعض، فهل يسقط الخيار أم لا؟ وجهان:

استدلّ المصنّف رحمه الله(1) للثاني بخبر ابن الحجّاج، قال:

«اشتريتُ محملاً، فأعطيتُ بعض ثمنه، وتركته عند صاحبه، ثمّ احتبست أيّاماً، ثمّ جئتُ إلى بائع المحمل لآخذه، فقال: قد بعته، فضحكتُ ثمّ قلت: لا واللّه لا أدَعك أو اُقاضيك.

فقال لي: ترضى بأبي بكر بن عيّاش ؟ قلت: نعم، فأتيته فقصصنا عليه قصّتنا، فقال: أبو بكر: بقول من تريد أن أقضي بينكما، أبقول صاحبكَ أو غيره ؟

قال: قلت: بقول صاحبي.

قال: سمعته يقول: من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام، وإلّا فلا بيع له»(2).

حيث إنّه يدلّ على أنّ قبض البعض كلّا قبض.

أقول: وتنظّر فيه الشيخ رحمه الله(3)، وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله(4): بأنّ ابن عيّاش

ص: 309


1- المكاسب: ج 5/218.
2- الكافي: ج 5/172 ح 16، وسائل الشيعة: ج 18/21 ح 23051.
3- المكاسب: ج 5/222.
4- منية الطالب: ج 2/95.

في هذا الخبر قد فهم من كلام الإمام عليه السلام اعتبار قبض المجموع، وعدم كفاية قبض البعض، والمتنازعان قد قنعا بما حكاه عن الإمام عليه السلام، فاستدلال المصنّف رحمه الله به في محلّه.

وفيه أوّلاً: إنّ الخبر ضعيف السند، لأنّ ابن عيّاش لم تثبت وثاقته، ولا كونه شيعيّاً، بل الظاهر كونه عاميّاً.

وثانياً: إنّ فهم ابن عيّاش والمتنازعين لا يكون حجّة علينا.

وثالثاً: إنّه ليس في الخبر ما يشهد بأنّ ابن عيّاش فهم من كلام الإمام عليه السلام عدم كفاية قبض البعض، كيف وهو غير متضمّن إلّالبيان نقل عبارة الإمام عليه السلام في مقام الحكم، ولا يتضمّن تمييز المحكوم له عن المحكوم عليه.

وبما ذكرناه ظهر؛ أنّه - مضافاً إلى عدم صحّة الاستدلال به - لا يكون الخبر معتضداً لما يستفاد من النصوص، وعليه فالمتعيّن الاستدلال له بظهور الأخبار، لأنّه يصدق أنّه لم يقبض الثمن.

الفرع الثاني: إنّه لو قبض البائع الثمن بدون إذن المشتري، فهل هو كلّا قبض مطلقاً، أو كالقبض المأذون فيه، أم يفصّل بين كونه بحقّ كما إذا عرض المبيع على المشتري فلم يقبضه فهو كالقبض المأذون فيه، وبين كونه بباطل، فلا يسقط الخيار، كما اختاره الشيخ رحمه الله(1)؟ وجوه:

استدلّ الشيخ رحمه الله(2) لما اختاره: بأنّ ظاهر الأخبار وإنْ كان اعتبار وقوعه3.

ص: 310


1- المكاسب: ج 5/222.
2- المكاسب: ج 5/222-223.

بالإذن، إلّاأنّه إذا كان القبض عن حقّ تكون الأخبار منصرفة عنه، ولا يتضرّر البائع، لا من جهة تأخير الثمن كما هو واضح، ولا من جهة ضمان المبيع، لأنّ له دفع الضرر عن نفسه بإقباض المبيع، فإذا لم يقبض كان هو المُقْدِم على الضرر، بخلاف ما إذا كان القبض عن غير حقّ ، فإنّه لا يتمكّن من دفع ضرر الضمان، إلّابالوقوع في ضرر التأخير.

وفيه أوّلاً: إنّ المتعيّن ملاحظة النصوص لا الضرر.

وثانياً: إذا كان القبض بغير إذن، فلو أقبض البائعُ المبيعَ ، حَلّ له التصرّف في الثمن، ممّا يعني أنّه متمكّنٌ عن دفع الضرر في الفرضين بإقباض المبيع من دون أن يقع في ضرر التأخير.

وثالثاً: لم يدلّ على عدم جواز تصرّفه في الثمن، حتّى مع عدم إقباض المبيع، دليل، ومجرّد أنّ له الامتناع عن إقباض الثمن لا يصلح شاهداً لعدم جواز تصرّفه فيه بعد كونه مِلْكاً له.

واستدلّ للأوّل: بأنّ المتبادر من الأخبار هو مجيء الثمن ولا يصدق ذلك في المفروض.

وفيه: إنّ هذا العنوان لا موضوعيّة له قطعاً، ولذا لو فرض كونه مقبوضاً له قبل ذلك، أو كان في ذمّته، لما احتاج إلى شيء آخر، بل هو طريق إلى وصول الثمن إلى البائع المتحقّق في الفرض.

وبالجملة: فالأظهر هو الثاني، ويؤيّده أنّ قبض الثمن ارتضاءٌ للبيع، فيكون مسقطاً للخيار من هذه الجهة، ولعلّ سرّ تعبير الأصحاب عن هذا الشرط بعدم

ص: 311

قبض الثمن هو ذلك.

الفرع الثالث: بناءً على اعتبار الإذن، لو قبض البائعُ الثمن قبل مضيّ الثلاثة، وأجاز المشتري بعد مضيّها، فهل هي كاشفة فالخيار ساقط، أم مثبتة فهو باق ؟

وجهان، اختار الشيخ رحمه الله(1) الثاني.

وأورد عليه المحقّق الايرواني رحمه الله(2) بقوله: (الظاهر أنّه لا ثمرة لهذا البحث، فإنّ الرضا المذكور إنْ كان كاشفاً أو كان مؤثّراً في كون القبض إذنيّاً من الحين، كان مقتضاه عدم الخيار.

أمّا على الأوّل: فواضح، وأمّا على الثاني: فلأنّ إجازة القبض السابق تدلّ على الرضا بالمعاملة وهو من مسقطات الخيار).

وفيه: إنّ الرضا بالمعاملة إنْ كان مسقطاً للخيار، فهو يعني رضا من له الخيار، ومن له الخيار في المقام هو البائع، والراضي هو المشتري.

أقول: وكيف كان، فالأظهر هو الثاني، لأنّ القول بالكشف إنّما يكون في تأثير العقد في المِلْكيّة التي هي أمر اعتباري، وأمّا في الأُمور الخارجيّة - كاتّصاف العقد بكونه مجازاً - فلا يعقل فيه الكشف، وإلّا لزم انقلاب الشيء عمّا وقع عليه.

وعليه، ففي المقام إذا كان المسقط للخيار هو القبض المأذون فيه في الثلاثة، فالإجازة بعدها لا توجب اتّصاف القبض في الثلاثة بكونه مأذوناً فيه، وبالتالي فالمتعيّن هو البناء على عدم الكشف.3.

ص: 312


1- المكاسب: ج 5/223.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/43.

عدم اشتراط تأخير التسليم

الشرط الثالث: من شروط تحقّق خيار التأخير، هو عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين.

أقول: هذا الشرط لا خلاف فيه، بل هو إجماعي في الجملة.

وقد استدلّ له: بأنّ المتبادر من النَّص غير ذلك:

توضيحه: إنّه لو اشترط تأخير الثمن، فحيث إنّ الشرط في ثبوت الخيار عدم مجيء المشتري بالثمن، وهذا إنّما هو فيما من شأنه أن يجيء به، ومع اشتراط التأخير ليس من شأنه ذلك، فيكون الفرض خارجاً عن مورد النَّص.

ولو اشترط تأخير المبيع، فحيث أنّ الشرط عدم إقباض البائع فيما وظيفته الإقباض، فلا يشمل ما إذا كانت وظيفته عدمه.

الشرط الرابع: أنْ يكون المبيع عيناً أو شبهه، كصاعٍ من صُبرة، وقد نصّ عليه شيخ الطائفة(1) في عبارةٍ ظاهرةٍ في كونه مفتى به عندهم، وصرّح به في «التحرير»(2) و «المهذّب البارع»(3)، و «جامع المقاصد»(4) وغيرها(5).

أقول: ملخَّص القول فيه بالبحث في موارد:

الأوّل: فيما يستفاد من كلمات الأصحاب.

ص: 313


1- المبسوط: ج 2/87.
2- تحرير الأحكام: ج 1/167.
3- المهذّب البارع: ج 2/382.
4- جامع المقاصد: ج 4/298.
5- غاية المرام: ج 2/38.

الثاني: فيما تقتضيه قاعدة نفي الضرر.

الثالث: في مقتضى النصوص الخاصّة.

أمّا المورد الأوّل: فقد أتعب الشيخ رحمه الله(1) نفسه الزكية لإثبات أنّ المشهور بين الأصحاب اعتباره.

ويرد عليه أوّلاً: إنّ غاية ما أثبته قدس سره هو سكوت الفقهاء عن بيان حكم غير المبيع الشخصي، وهذا لا يدلّ على الاختصاص.

وثانياً: إنّه معارضٌ بأنّ الشهيد رحمه الله(1) نسب الخلاف فيه إلى الشيخ فقط، ونسب التعميم إلى الأكثر، وعن «الاحتجاج» دعوى الإجماع عليه.

وثالثاً: إنّه غير بالغ حَدّ الإجماع.

ورابعاً: إنّه لو كان بالغاً حَدّه، لما كان حجّة بعد معلوميّة مدرك المجمعين والمفتين.

وأمّا المورد الثاني: فقد أفاد الشيخ رحمه الله(3) أنّ قاعدة نفي الضرر(2) تقتضي الاختصاص، إذ المبيع الشخصي مضمونٌ على البائع قبل القبض، فيتضرّر بضمانه وعدم جواز التصرّف فيه وعدم وصول بدله إليه، بخلاف الكلّي.

وأورد على السيّد الفقيه(3): بأنّه يكفي في لزوم الضرر، لو كان المبيع كليّاً، ضرر الصبر عن الثمن، وإنْ لم يكن ضمان.

وفيه: إنّ ضرريّة تأخير الثمن إنّما تكون من جهة عدم وصول ما انتقل إليه، وحرمانه من التصرّف فيما انتقل عنه، وإلّا فمجرّد حرمانه عن الانتفاع بالثمن لا يعد3.

ص: 314


1- الدروس: ج 3/273.
2- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.
3- حاشية المكاسب: ج 2/53.

ضرراً، بل هو عدم النفع، ومعلوم أنّ هذا يختصّ بالمبيع الشخصي.

أقول: ولكن الذي يسهّل الخَطب أنّ المدارك لهذا الخيار ليس هو حديث نفي الضرر.

وأمّا المورد الثالث: فالألفاظالواقعة في النصوص المأخوذة موضوعاً لهذا الخيار ثلاثة: البيّع، المتاع، الشيء، وقد ادّعى الشيخ رحمه الله(1) اختصاص الجميع بالشخصي:

أمّا الأوّل: فبدعوى أنّ المراد من (البيّع) هو المبيع، وهو قبل البيع يطلق على العين الشخصيّة، باعتبار معرضيّته للبيع، ولا مناسبة في إطلاقه على الكلّي.

وفيه أوّلاً: إنّ إطلاق المبيع ليس باعتبار المعرضيّة، إذا ليس هنا هذا العنوان، بل باعتبار المشارفة والأوْل، وعليه فكما يشمل الشخصي يشمل الكلّي أيضاً.

وثانياً: إنّ إطلاقه في خبر إسحاق بن عمّار إنّما يكون على نحو الحقيقة، لقوله:

«من اشترى بيعاً» إذ من المعلوم أنّ الاشتراء إنّما يكون بعد البيع، فهذا الإطلاق حقيقي ويصدق على الكلّي أيضاً.

وأمّا الثاني: فالإنصاف أنّه مختصٌّ بالشخصي، لأنّ المتاع اسمٌ لما يتمتّع به الإنسان وينتفع به، ومن المعلوم أنّ هذا شأن الشخصي دون الكلّي.

مضافاً إلى أنّ قوله: «يدعه» ظاهرٌ في الشخصي.

وما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(2) من أنّ المراد به عدم قبضه الشامل للكلّي، خلاف الإنصاف، إلّاأنّه لا مفهوم له كي يدلّ على عدم ثبوت الخيار فيما إذا كان المبيع كليّاً، فيعارض مع غيره ويقيّده.3.

ص: 315


1- المكاسب: ج 5/227.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/43.

وأمّا الثالث: فربما يُدّعى اختصاصه بالشخصي لوجهين:

الأوّل: إنّ الشيئيّة تساوق للوجود، فهو لا يصدق على الكلّي.

وفيه: إنّ هذا وإنْ كان تامّاً، إلّاأنّه لا اختصاص له بالوجود الخارجي، بل يشمل كلّ ما له نحو من الثبوت، ومن أنحائه الثبوت في الذّمة.

الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1)، وحاصله:

إنّ إرادة الشخصي منه على العموم ليست بحيث تحتاج إلى قرينة، فيمكن أن يُدّعى أنّه المراد ولا يمكن نفيه بأصالة عدم القرينة، كما في المجاز المشهور، والمطلق المنصرف إلى بعض أفراده انصرافاً، لا يجعل إرادة المطلق محتاجاً إلى القرينة.

وفيه: إنّ المقام ليس نظيراً للمجاز المشهور، فلو كان فهو من قبيل المطلق المنصرف، وهو ممنوعٌ ، لأنّ بيع الكلّي متداول، فلا ترجيح لأحد الثبوتين على الآخر حتّى يُدّعى الانصراف إلى أحدهما، مع أنّ المدار في حجيّة العموم ظهوره في العموم لا أصالة عدم القرينة.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم الاختصاص بالشخصي.

ما قيل باعتباره في خيار التأخير

أقول: هنا أُمورٌ قيل باعتبارها في هذا الخيار:

منها: عدم الخيار لأحدهما أو لهما.

وفيه أقوال أربعة:

ص: 316


1- المكاسب: ج 5/227.

القول الأوّل: ما عن المصنّف في «التحرير»(1) من اشتراط خيار التأخير بعدم الخيار للبائع والمشتري مطلقاً.

القول الثاني: ما عن ابن إدريس(2) من اعتبار أن لا يكون لهما خيار الشرط لا مطلق الخيار.

القول الثالث: ما مال إليه صاحبا «مفتاح الكرامة»(3) و «الجواهر»(4)، من اعتبار أن لا يكون للبائع خيار، وأمّا خيار المشتري فلا يعتبر عدمه.

القول الرابع: ما هو المشهور، من عدم اعتبار هذا الشرط مطلقاً.

قد استدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ من أحكام الخيار، عدم وجوب تسليم الثمن أو المثمن لمن له الخيار، وبالتبع لا يجبُ على الآخر تسليم ما انتقل عنه.

وقد تقدّم أنّ ظاهر الأخبار كون عدم مجيء المشتري بالثمن بغير حقّ التأخير، كما أنّ ظاهرها أيضاً كون عدم إقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحقٍّ له في عدم الإقباض.

وفيه: إنّ ما أفاده من أنّ من أحكام الخيار، عدم وجوب إقباض من له الخيار ما انتقل عنه، وإنْ اعترف به الشيخ رحمه الله(5) في باب القبض، إلّاأنّه غير تامّ ، إذ لاا.

ص: 317


1- تحرير الأحكام: ج 1/167.
2- السرائر: ج 2/277.
3- مفتاح الكرامة: ج 4/580.
4- جواهر الكلام: ج 23/55.
5- راجع المكاسب: ج 5/221 وفي غيرها.

مدرك له سوى ما أفاده المحقّق النائنيي رحمه الله(1)، ما خلاصته:

(إنّ القبض والإقباض من الشروط الضمنيّة، فإذا كان العقد خياريّاً، كان كذلك بجميع ما تضمّنه من الشروط، فكما لا يجبُ الوفاء بالعقد لا يجبُ الوفاء بما في ضمنه من الشروط، هذا بالنسبة إلى من له الخيار.

وأمّا الآخر: فلا يجبُ عليه التسليم، لأنّ التسليم والتسلّم التزامٌ من الطرفين، فإذا لم يفِ أحدهما به، لا يجب على الآخر ذلك، وهو غير تامّ ، لأنّ الخيار ليس إلّا السلطنة على حَلّ العقد.

وأمّا الشروط: فإنْ كان وجه توهم عدم وجوب الوفاء بها أنّها تابعة للعقد.

فيرد عليه: أنّ التبعيّة إنّما تكون في الوجود لا في دليل النفوذ واللّزوم، لأنّ دليل لزومها قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم».

وإنْ كان وجهه أنّه إذا كان العقد جائزاً، لا معنى لكون الشرط لازماً.

فيرد عليه: ما تقدّم في مبحث خيار المجلس والحيوان(2) من أنّ ذلك فاسد، وأنّه لا منافاة بين أنْ يكون له اعدام الموضوع، ولكن على فرض بقاء الموضوع يجبُ عليه الوفاء بالشرط.

وأمّا المقدّمة الثانية المذكورة في الاستدلال، فهي تامّة، وقد مرّ تقريبها في الشرط الثالث.

وبذلك يظهر أنّه لا مورد لقول الشيخ رحمه الله(3) وتسليم انصراف الأخبار إلى كون التأخير بغير حقّ الموهم لعدم التسليم).9.

ص: 318


1- منية الطالب: ج 2/98.
2- صفحة 74 و 145 من هذا المجلّد.
3- المكاسب: ج 5/229.

أقول: وأورد عليه الشيخ(1): - مضافاً إلى منع المقدّمتين - بوجهين آخرين:

أحدهما: إنّ لازمه كون مبدأ الثلاثة بعد التفرّق، مع أنّ ظاهر الأخبار كونه من حين العقد.

ثانيهما: إنّ لازمه عدم جريان خيار التأخير في بيع الحيوان، لثبوت خياره للمشتري، مع اتّفاقهم على ثبوته فيه.

ثمّ أجاب عن الثاني: بأنّه يمكن أنْ يكون مراد المستدلّ أنّ مبدأ الثلاثة في خيار التأخير بعد انقضاء ثلاثة الحيوان، من جهة أنّه مقتضى الجمع بين دليل خيار الحيوان، وما دلَّ على عدم استحقاق التسليم في زمان الخيار ودليل خيار التأخير.

أقول: وبهذا البيان ظهر اندفاع إيراد السيّد الفقيه(2) على الشيخ رحمه الله من عدم ارتباط هذا الجواب بما أورده على المستدلّ .

ولكن يرد عليه: إنّ هذا الجمع ليس جمعاً عرفيّاً، لأنّه إذا كانت المنافاة بين دليل خيار الحيوان ودليل خيار التأخير - من جهة أنّ خيار الحيوان يوجبُ فقد شرط خيار التأخير، حيث إنّه يكون عدم التسليم عن حقّ ، والشرط هو عدم التسليم عن غير حقّ - لا يصحّ الجمع بالنحو المذكور.

ومنها: إنّ الأخبار ظاهرةٌ في لزوم البيع في الثلاثة، وخياريّته بعدها، وحيث أنّ الخيار الثابت بعد الثلاثة هو الخيار المطلق، فالمنفيّ في الثلاثة هو الخيار المطلق، فيختصّ بغير صورة ثبوت الخيار في الثلاثة.4.

ص: 319


1- المكاسب: ج 5/229.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/54.

ودعوى: أنّ المثبت بعدها الخيار المقيّد بكونه عن سببٍ خاص.

مندفعة: باستحالة تقيد المسبّب بسببه، وإلّا لزم كون الشيء مقتضياً لنفسه ولاقتضائه وهو محال.

ودعوى: أنّ المنفيّ خصوص خيار التأخير، أي أنّ المراد بالأخبار اللّزوم من هذه الجهة.

مندفعة: بمنافاته لقرينة المقابلة.

أقول: وبهذا يندفع ما أجاب به الشيخ رحمه الله(1) عن هذا الوجه في آخر كلامه من أنّ عدم تقييد الحكم بالسبب، لا يمنعُ من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة الضرر بالتخيير.

ولكن يرد عليه: أنّ المثبت ليس هو الخيار المقيّد بالمسبّب، ولا المطلق، بل الحصّة الخاصّة من طبيعي الخيار، والمنفيّ في الثلاثة ذات تلك الحصّة لا مطلق الخيار. فتدبّر.

ومنها: انصراف النصوص إلى غير هذا الفرض.

وفيه: إنّه لا وجه لدعوى الانصراف.

وقد استدلّ للثاني: بأنّ مرجع شرط الخيار إلى شرط تأخير المبيع من البائع، وتأخير الثمن من المشتري، إذ مرجعه إلى أخذ زمام العقد بيده، فله السلطنة عليه بما له من المقتضيات التي منها التسليم، وقد تقدّم اعتبار أن لا يكون التأخير عن حقّ .

وفيه: إنّ لزوم التسليم من آثار العقد، أعمٌّ من اللّازم والجائز، وعليه فشرط0.

ص: 320


1- المكاسب: ج 5/230.

الخيار لا يعدّ شرطاً لكون زمان هذا الأثر بيده.

استدلّ للثالث: بأنّ هذا الخيار جُعل لاندفاع ضرر البائع، فإذا كان هذا الضرر مندفعاً من جهة ثبوت الخيار له من جهةٍ أُخرى ، فلا موجب لخيار التأخير.

وفيه: إنّ مدرك هذا الخيار هو النصوص، فلابدَّ من ملاحظتها دون رعاية حِكمة الجعل.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الرابع.

وأيضاً ممّا قيل باعتباره: تعدّد المتعاقدين، وقد استدلّ لاعتباره بوجهين:

أحدهما: إنّ النَّص مختصٌّ بصورة التعدّد، لأنّ مورده ذلك.

وفيه: إنّ القبض والإقباض من وظائف المالكين، أو من له الولاية أو الوكالة المفوّضة لا العاقدين بما هما عاقدان، وعليه فالعبرة بتعدّد المتبايعين لا المتعاقدين.

ثانيهما: إنّ هذا الخيار يثبت بعد خيار المجلس، وخيار المجلس باقٍ مع اتّحاد العاقد.

وفيه أوّلاً: ان خيار المجلس إنّما يثبت له إذا كان وليّاً أو وكيلاً مفوّضاً من الجانبين أو من جانبٍ ومالكاً من طرفٍ آخر، ولا يثبت للعاقد بما هو عاقد.

وثانياً: إنّه يمكن إسقاطه أو اشتراط عدمه.

وثالثاً: إنّه قد تقدّم أنّه لا يثبت بعد خيار المجلس.

وبالجملة: فالأظهر عدم اعتبار هذا الشرط أيضاً.

ومنها: أن لا يكون المبيع حيواناً أو خصوص الجارية.

أقول: قد استدلّ له بالخبر الذي رواه ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: «عن

ص: 321

رجل اشترى جارية، وقال: أجيئُك بالثمن ؟

فقال: إنْ جاء بالثمن فيما بينه وبين شهرٍ، وإلّا فلا بيع له»(1).

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(2): بأنّه غير ظاهر في إرادة صورة عدم إقباض الجارية، إذ:

يحتمل حمله على اشتراط المجيء بالثمن إلى شهر، فيثبت الخيار عند تخلّف الشرط.

ويحتمل الحمل على استحباب صبر البائع، وعدم فسخه إلى شهر.

وفيه: ما ذكره من عدم ظهوره في صورة عدم إقباض الجارية حقٌّ ، لكن قد عرفت عدم اعتبار إقباضه في هذا الخيار.

مع أنّه لو قلنا باعتباره، فإنّ عدم ظهور هذا الخبر في اعتباره لا يكون إشكالاً عليه، إذ لا يجب تعرّض الدليل لجميع الخصوصيّات، مضافاً إلى إمكان الالتزام بالفرق، وأنّه لا يعتبر ذلك في بيع الجارية.

وأمّا الحمل الأوّل: فيبعّده (فاء) التفريع المعتضد بعدم تعيين المدّة.

وأمّا الحمل الثاني: فهو أبعد، لأنّه لا يمكن حمل قوله: «فلا بيع له» على الاستحباب.

أقول: فالصحيح الجواب عنه بإعراض الأصحاب عنه، وعدم عملهم به.

قال الشيخ رحمه الله (3) : (ثمّ إنّ مبدأ الثلاثة من حين التفرّق، أو من حين العقد... الخ).

ظاهر كلامه رحمه الله ابتناء المسألة على أنّ المراد بالمجيء بالثمن في قوله عليه السلام: «إنْ جاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام» إمّا معناه الظاهر الملازم للافتراق، إذا لا يمكن المجيء مع الاجتماع، أو معناه الكنائي وهو عدم إقباض الثمن، وهو قدس سره قوّى الثاني بقرينة2.

ص: 322


1- تهذيب الأحكام: ج 7/80 ح 56، وسائل الشيعة: ج 18/23 ح 23055. (2و3) المكاسب: ج 5/231 و 232.

قوله عليه السلام في خبر ابن يقطين: «فإن قبض بيعه»(1).

ولكن يرد عليه: إنّ خبر ابن يقطين في المبيع وغيره في الثمن، فلا يكون أحدهما قرينة على الآخر، والظاهر لا يُرفع اليد عنه بواسطة احتمال إرادة المعنى الكنائي.

اللَّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ من المعلوم عدم اعتبار المجيء بهذا المعنى، وإنّه لو كان عنده الثمن فأقبضه لا يكون كافياً، فلا محالة يكون المراد به الإقباض.

وبالجملة: فالأقوى أنّ المبدأ من حين العقد.

***2.

ص: 323


1- تهذيب الأحكام: ج 7/22 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/22 ح 23052.

مسقطات خيار التأخير

أقول: بقى البحث في المقام عن عدّة مسائل:

المسألة الاُولى : عن مسقطات خيار التأخير أو ما قيل بكونه مسقطاً.

المسقط الأوّل: الإسقاط.

فقد اعتبر الأصحاب إسقاطه أحد المسقطات بلا خلاف بينهم.

ولكن مدرك هذا الخيار إنْ كان هو الإجماع صَحَّ ما أفاده، وإنْ كان هي الأخبار أو قاعدة نفي الضرر لا يصحّ ، أمّا إذا كان هي النصوص، فلأنّ مفادها نفي اللّزوم بعد الثلاثة، وبديل ذلك هو الجواز لا حقّ الخيار القابل للإسقاط.

كما أنّه إنْ كان المدرك هي قاعدة نفي الضرر لا يصحّ إسقاطه، لأنّ مقتضاها كما تقدّم نفي اللّزوم خاصّة، لا إثبات حقّ خياري قابل للإسقاط، بل هو يلائم مع كونه جوازاً حكميّاً غير قابل للإسقاط، ومقتضى الاستصحاب عدم سقوطه بشيء من المسقطات.

لا يقال: إنّه نلتزم بسقوطه بالإسقاط بواسطة الإجماع.

فإنّه يقال أوّلاً: إنّه غير ثابت.

وثانياً: إنّه ليس إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام.

أقول: ثمّ إنّه مع الإغماض عن ذلك، وتسليم سقوطه بالإسقاط، وأنّه حقّ يقع، الكلام في إسقاطه ومسقطاته، وفي سقوطه بالإسقاط في الثلاثة وجهان:

قد استدلّ على عدم سقوطه بالإسقاط في الثلاثة بوجهين:

ص: 324

الوجه الأوّل: أنّه إنّما يثبتُ بعد الثلاثة، وسببه الضّرر الحاصل بالتأخير غير المحقّق في الثلاثة، فإسقاطه إسقاطٌ لما يجب، فلا يصحّ .

وفيه: إنّ إسقاط ما لم يجب منجزاً غيرمعقول، وأمّا معلّقاً على ثبوته فهو معقولٌ ، ولا دليل عليمبطليّة التعليق سوى الإجماع غيرالشامل للمقام، من جهة أنّه تعليقٌ على ما يتوقّف عليه الشيء، بل مبطليّة التعليق مطلقاً في غيرالبيع غير مسلّمة.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمه الله(1)، من أنّ المراد بالإسقاط:

إنْ كان هو الإسقاط الفعلي المنجّز، فهو غير معقول.

وإنْ كان المراد الإسقاط معلّقاً على تقدير ثبوته، فهو معقولٌ ، إلّاأنّه لا دليل على نفوذه، إذ الدليل على جواز إسقاط الحقّ هي القاعدة المُجمع عليها من أنّه لكلّ ذي حقٍّ إسقاط حقّه، والظاهر منها أنّ من كان له حقّ فعلاً له إسقاطه فعلاً، ولا يشمل المقام.

وفيه: إنّ هذه القاعدة ليست مضمون رواية خاصّة كي يستدلّ بظاهرها، بل هي مستفادة من دليل السلطنة بالتقريب المتقدّم في خيار المجلس، وهو غير مختصّ بالصورة المفروضة، مع أنّه قدتقدّم في ذلك المبحث أنّمدرك مشروعيّته فحوى ما دلَّ على أنّ التصرّف إنّمايكون مسقطاً لأنّه يعدّ إسقاطاً للحقّ والتزاماً بالعقد. فراجع(2).

وقد استدلّ لجواز إسقاطه بوجوه:

الوجه الأوّل: ما أفاده الشيخ رحمه الله(3)، من أنّ العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في إسقاطه.3.

ص: 325


1- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/376.
2- صفحة 89 من هذا المجلّد.
3- المكاسب: ج 5/233.

وفيه: ما تقدّم في خيار المجلس مفصّلاً من أنّه لا ثبوت للشيء قبل تحقّق جميع أجزاء علّته، وإنْ تحقّق مقتضيه، ولا سقوط حقيقةً قبل الثبوت، مع أنّ تمييز المقتضيات عن الشروط في باب الأحكام الشرعيّة مشكلٌ ، بل لا تكون الموضوعات والأسباب والشرائط مقتضيات قطعاً. وتمام الكلام في محلّه.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(1) أيضاً، من الاستدلال بفحوى جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد.

وفيه: ما سيجيء منه قدس سره من أنّه يتمّ ذلك لو كان المدرك في الأصل الإجماع، وأمّا إنْ كان المدرك عموم أدلّة الشروط، فهو غير ثابتٍ في الأصل.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(2)، من أنّ مرجع إسقاطه قبل ثبوته إلى تنازله عن حقّه بمطالبة الثمن الثابت بالعقد.

وفيه: إنّ حقّ المطالبة لم يثبت كونه من الحقوق، ولعلّه من الأحكام غير القابلة للإسقاط.

وبالجملة: فالصحيح ما ذكرناه في وجه سقوطه بالإسقاط في ضمن الجواب عن أدلّة المانعين. فراجع.

***9.

ص: 326


1- المكاسب: ج 5/233.
2- منية الطالب: ج 2/99.

اشتراط السقوط ضمن العقد

المسقط الثاني: اشتراط السقوط في متن العقد.

أقول: وقد استدلّ لكونه مسقطاً بعموم أدلّة الشروط(1).

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(2): - بناءً على عدم جواز إسقاطه في الثلاثة - بأنّ الشرط إنّما يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط، ولا يوجبُ شرعيّة سقوط ما لا يُشرعُ إسقاطه بدون شرط.

وفيه أوّلاً: إنّ المشروط إذا كان سقوطه بعد ثبوته، لم يكن ذلك خلاف المشروع بل هو يعدّ مشروعاً.

وثانياً: إنّ المشروط إنْ كان هي النتيجة، تكفي أدلّة الشروط دليلاً لصحّة الشرط المذكور. وتمام الكلام في محلّه.

***

ص: 327


1- الكافي: ج 5/169 باب (الشرط والخيار في البيع)، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب (ثبوت خيار الشرط بحسب ما يشترطان).
2- المكاسب: ج 5/234.

بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة

المسقط الثالث: بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة.

أقول: يقع الكلام في المقام:

تارةً : بناءً على كون المدرك قاعدة نفي الضرر.

وأُخرى : بناءً على كونه الأخبار.

أمّا على الأوّل: فقد ادّعى الشيخ رحمه الله(1) أنّه مسقطٌ، وذلك لأنّه لا ضرر في حال البذل، فلا خسارة ولا ضرر ليتدارك بالخيار، والضرر السابق لا يتدارك به، وإنّما المتدارك به الضرر القادم، ولا سبيل إلى توهم كفاية حدوث الضرر لبقاء الخيار، لأنّ الحكم يدور مدار بقاء موضوعه.

وأورد عليه المحقّق الايرواني رحمه الله(2): بأنّ الخيار حكمٌ عدمي، وهو عنوانٌ لعدم حكم الشارع باللّزوم، وعدم حكم الشارع هذا يستصحب عند الشكّ ، وارتفاع المناط إنّما يضرّ باستصحاب الحكم الوجودي دون العدمي.

وفيه: إنّ الخيار أمرٌ وجودي قطعاً، وهو مِلْكُ فسخ العقد والسلطنة على حَلّه.

وربما يورد عليه: بأنّ مفاد حديث لا ضرر نفي الحكم عن الموضوع الضرري، ومع انتفاء الضرر، بما أنّ الموضوع يكون باقياً، وتبدّل الضرر يكون من قبيل تبدّل الحالة، فإنّه لا يكون الاستصحاب مضرّاً.

ص: 328


1- المكاسب: ج 5/234.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/45.

وفيه: المختار عنده وعندنا أنّ المنفيّ بالحديث النافي للضرر هو الحكم الضرري، فإذا لم يكن الحكم ضرريّاً لا يكون منفيّاً.

وأمّا على الثاني: فمقتضى إطلاق النصوص، وعدم استفصالها بين دفع المشتري للثمن بعد الثلاثة وعدمه، عدم كونه مسقطاً، ولكن الشيخ رحمه الله كأنّه لا يُسلّم ذلك، لأنّه بعد نقل الاستدلال على عدم السقوط بالاستصحاب، قال(1): (وهو حَسنٌ لو استند في الخيار إلى الأخبار)، ولعلّ منشأه أنّ قوله عليه السلام: «إنْ جاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام» لا إطلاق له ليشمل ما بعد الثلاثة، وحيث أنّ الشرطيّة الثانية تصريحٌ بمفهوم الأُولى ، والمفهوم تابعٌ للمنطوق سعةً وضيقاً، فلا يكون شاملاً للبذل بعد الثلاثة.

ولكن يردّه: أنّ خبر إسحاق بن عمّار متضمّنٌ لشرطيّة مستقلّة، لاحظ قوله عليه السلام: «من اشترى بيعه فمضت ثلاثة أيّام ولم يجيء، فلا بيع له» وكفى به مطلقاً.

وأمّا ما أفاده رحمه الله(2): من قُرب دعوى انصراف الأخبار إلى صورة التضرّر فعلاً بلزوم العقد.

فيرد عليه: أنّه من المحتمل أنْ يكون حكم الشارع بالجواز مجازاةً للضرر الذي أورده على البائع، وعليه فلا وجه لدعوى الانصراف، ثمّ على تقدير الانصراف لا وجه لدعوى عدم جريان الاستصحاب، لأنّ غاية ما يدّعي قصور نصوص الباب عن الشمول لما بعد بذل المشتري الثمن، وهذا لا يمنع من إجراء5.

ص: 329


1- المكاسب: ج 5/234.
2- المكاسب: ج 5/234-235.

الاستصحاب، نعم على المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة لا يجري في المقام.

فتحصّل: أنّ مقتضى إطلاق النصوص، عدم كونه مسقطاً. وعليه فيقع الكلام في الشرط.

***

ص: 330

أخذ الثمن من المشتري

المسقط الرابع: أخذ الثمن من المشتري، بناءً على عدم سقوطه بالبذل.

أقول: يقع الكلام في المقام في جهتين:

الأُولى : في أنّ أخذ الثمن هل يكون مسقطاً أم لا؟ وما الفرق بين هذا الخيار وسائر الخيارات، حيث لم يحتمل أحدٌ فيها سقوط الخيار بأخذ الثمن، وفي هذا الخيار مضافاً إلى احتماله ذهب إليه جمعٌ .

الثانية: في أنّه على فرض كونه مسقطاً من جهة كونه التزاماً فعليّاً، هل يعتبر العلم بكونه بقصد الالتزام، أم يعتبر الظنّ الشخصي، أم لا يعتبر الظنّ أيضاً؟.

أمّا الجهة الأُولى : فقد استدلّ على مسقطيّته بأنّه التزامٌ فعلي بالبيع، ورضا بلزومه، ولعلّ الفرق بينه وبين سائر الخيارات، هو إنّ هذا الخيار من ناحية تأخير الثمن وتضرّر البائع بعدم وصول ماله إليه، فيصحّ أنْ يقال إنّ أخذ الثمن التزامٌ بالبيع.

وفيه: الإنصاف أنّه ليس التزاماً بالبيع، بل هو تتميم للمعاملة، وجعل للمعاوضة العقديّة عمليّة، وهذا يلائم مع كون البائع بانياً على الفسخ.

وعليه، فالحقّ أنّه بنفسه ليس مسقطاً.

وأمّا الجهة الثانية: فقد استدلّ لعدم اعتبار العلم أو الظنّ ، بما تقدّم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاً نوعيّاً بالعقد، وهذا من أوضح أفراده.

وفيه: التصرّف إنّما يكون مسقطاً لخيار الحيوان للنّص الذي يختصّ به ولا يشمل غيره، فالميزان هو حصول العلم أو الظهور العرفي، ومع فقدهما لا مجال

ص: 331

للاكتفاء بالظنّ أيضاً.

فرع: هل يسقط الخيار بالمطالبة الثمن أم لا؟ وجهان.

الظاهر أنّ مطالبته ليست من المسقطات، لعدم كونها مسقطة في شيء من الخيارات، لا لعدم كونها تصرّفاً كما في «المكاسب»(1)، إذ لا يلزم أنْ يكون الدالّ على الإسقاط تصرّفاً، بل يكفي فيه كلّ ما يدلّ عليه من القول أو الفعل، بل لعدم كونها دالّة عليه.

وأمّا ما أفاده الشيخ رحمه الله (2) : - بناءً على كونها مسقطة لسائر الخيارات - بأنّه في سائر الخيارات يكون سبب الخيار العقد، ولو من جهة التضرّر بلزومه، وأمّا في هذا الخيار، فالسبب ليس هو العقد، ولا الضرر الماضي، بل الضرر المستقبل، لأنّه الذي يندفع بالخيار دون ما مضى، ومطالبة الثمن لا تكون التزاماً بالضرر المسقبل، بل هي التزامٌ بما مضى .

فيرد عليه: أنّ دليل الخيار هو النَّص، ولعلّ منشأه التضرّر بالتأخير في الثلاثة، ويكون الخيار مجازاةً له لا تداركاً.

***5.

ص: 332


1- المكاسب: ج 5/235.
2- المكاسب: ج 5/235.

فوريّة خيار التأخير وعدمها

المسألة الثانية: في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي ؟

أقول: الكلام في هذه المسألة يقع في موردين:

الأوّل: في بيان ما يستفاد من النَّص.

الثاني: فيما تقتضيه القواعد.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ الشيخ رحمه الله(1) على القول بالتراخي، بأنّ الأنسب بنفي الحقيقة بعد عدم أرادة نفي الصحّة، هو نفي لزومه رأساً، فقوله عليه السلام: «لا بيع له» ظاهرٌ في التراخي.

والجواب عنه: ما ذكره جُلّ المحشين(1) من أنّ هذا ينافي ما تقدّم منه آنفاً من انصراف الأخبار إليصورة التضرّر فعلاً بلزوم العقد، إذا عليه لايشمل إطلاق النَّص ما إذا كان التضرّر مستنداً إلى اختياره بعدم فسخ العقد في أوّل أزمنة الإمكان.

أقول: قد مرّ عدم تماميّة ما أفاده هناك، وعليه فإطلاق النَّص يقتضي البناء على التراخي، لأنّ نفي لزوم البيع بقول مطلق معناه ذلك.

وأمّا المورد الثاني: فقد استدلّ الشيخ رحمه الله(3) بالاستصحاب للقول بالتراخي، مع أنّه لم يُسلّم جريانه في خيار الغبن.

أقول: وما أفاده تامٌّ على مسلكه، فإنّه إنّما منع من جريانه هناك من جهة أنّ الموضوع غير مستفادٍ من النَّص بالتقريب المتقدّم، وفي المقام يكون مستفاداً منه.

ولكن قد عرفت أنّه لا مانع من جريانه هناك من هذه الناحية، لكن لا يجري

ص: 333


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/56، حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 383/4 (ط. ج)، منية الطالب: ج 2/100.

من جهة أُخرى ، وهي موجودة في المقام، وهي عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة(1). فتدبّر، مع أنّه قد تقدّم أنّ المرجع عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فراجع(2).

***د.

ص: 334


1- راجع: زبدة الأصول: ج 5/352.
2- صفحة 290 من هذا المجلّد.

ولو تلفت السّلعة، كانت من مال البائع.

في أنّ تلف المبيع بعد الثلاثة من البائع

المسألة الثالثة: (ولو تلفت السلعة):

1 - فإنْ كان التلف بعد الثلاثة، (كانت من مال البائع) إجماعاً.

ويشهد له: النبويّ المعمول به بين الأصحاب، غير المسطور في كتب روايات أصحابنا: «كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه، فهو من مال بائعه»(1).

وقد أُورد عليه: بأنّه يعارض مع قاعدتين اُخريين:

إحداهما: قاعدة التلازم بين النماء والدَرَك، المستفاد من النَّص: «الخراجُ بالضمان»(2)، والاستقراء.

ثانيهما: قاعدة (التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له)(3).

أمّا الاُولى : فهي أعمٌّ من النبويّ فتخصَّص به، بل يمكن أنْ يقال إنّه لا معارضة بينهما، لأنّ مفاد النبويّ - على ما هو المشهور - انتقال المبيع إلى البائع قبل التلف آناً مّا، فيكون التلف في مِلكه، وفي ذلك الآن وإنْ كان زماناً قصيراً يكون النماء للبائع.

وأمّا الثانية: فهي غير شاملة للمقام، لوجوه:

الأوّل: إنّها مختصّة بخيار الحيوان والشرط، ولا تشمل كلّ خيار.

ص: 335


1- عوالي اللآلئ: ج 3/212 ح 69، مستدرك وسائل الشيعة: ج 13/303 ح 15430-1.
2- صحيح الترمذي: ج 5/285، وسنن أبي داود: ج 2/255.
3- الكافي: ج 5/171 ح 9، وسائل الشيعة: ج 18/14 باب 5 (الحيوان إذا تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة).

على كلّ حال.

الثاني: إنّها مختصّة بما بعد القبض، ولا تشمل ما قبل القبض.

الثالث: إنّ موردها ما إذا تلف ما انتقل إلى ما له الخيار، كما في الحيوان المنتقل إلى المشتري.

وفي المقام التالف هو ما انتقل عن من له الخيار.

2 - وأمّا إنْ كان التلف في الثلاثة:

فالمشهور بين الأصحاب: كونه من مال البائع، وإليه نظر المصنّف رحمه الله حيث قال: (على كلّ حالٍ ) وهو مقتضى النبويّ .

وعن جماعةٍ من القدماء منهم المفيد(1) والسيّد(2): كونه من المشتري.

وقد استدلّ له: بقاعدة ضمان المالك لماله.

ولكنّها مع جريانها في الصورة السابقة، أخصّ من النبويّ فتخصّص به، وعليه فالتفصيل بين الصورتين في غير محلّه، مع أنّ خبر عقبة عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديث:

«فإذا أخرجه من بيته، فالمبتاع ضامنٌ لحقّه حتّى يردّ ماله إليه»(3)، يدلّ على أنّه من مال البائع، وهو من جهة أنّ مفروض السؤال حيث قال: «آتيك غداً، فسرق المتاع» هو التلف في الثلاثة لا بعدها، مختصٌّ بهذه الصورة. وبالتالي فاستدلال صاحب «الجواهر» رحمه الله(4) به في الصورة السابقة في غير محلّه.8.

ص: 336


1- المقنعة: ص 592.
2- الانتصار: ص 437.
3- الكافي: ج 5/171 ح 12، وسائل الشيعة: ج 18/23 ح 23056.
4- جواهر الكلام: ج 23/58.

فرع: ولو مكّنه من القبض، فلم يتسلّم، فتلفت السَّلعة:

فإنْ قلنا: بكفاية التخلية بين المال ومالكه وعرضه عليه في صدق القبض فلا كلام، وإلّا فقد بنى الشيخ رحمه الله(1) ضمان البائع وعدمه على ارتفاع الضمان بذلك وعدمه، وهو قدس سره قوّى الأوّل.

توضيحه: إنّ التمكين من المشتري يوجبُ ارتفاع ضمان البائع، ومعه يرتفع الخيار، ومع ارتفاعه لا يكون المورد مشمولاً لقاعدة (كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) للإنصراف.

وفيه: إنّ الانصراف ممنوعٌ ، والتلازم بين ارتفاع الخيار وارتفاع الضمان أيضاً كذلك، وعليه فالأظهر أنّه من مال بائعه على هذا المسلك.

قال في محكي «النهاية»(2): (وإنْ هلك بعد الثلاثة أيّام، كان من مال البائع على كلّ حال، لأنّ الخيار له بعدها).

أقول: ويمكن أنْ يكون وجه التعميم في هذه الصورة، إنّ هذا الخيار لا يسقط بالإقباض بعد الثلاثة عنده، وهو ممّن نُسب إليه أنّ انتقال المبيع إلى المشتري إنّما يكون بعد انقضاء الخيار، من غير فرقٍ بين الخيار المتّصل والمنفصل، فإنّه على هذا يكون التلف من البائع، لوقوعه في ملكه، فلا يتوجّه إيراد الشيخ رحمه الله(3) عليه بأنّ التعميم منافٍ لتعليل الحكم بأنّ الخيار له بعد الثلاثة، وإنّما لا يلتزم بذلك في الإقباض في الثلاثة، من جهة أنّ الإقباض قبلها رافعٌ لموضوع الخيار.

***0.

ص: 337


1- المكاسب: ج 5/24.
2- النهاية: ص 386.
3- المكاسب: ج 5/240.

وما لا بقاءَ له يثبتُ الخيار فيه يوماً.

شراء ما يفسد من يومه

المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب: أنّه لو اشترى ما يَفسدُ من يومه، كما في بعض الكلمات، (وما لا بقاء له) كما في آخر، (يثبت الخيار فيه يوماً)، فإنْ جاء بالثمن ما بينه وبين اللّيل، وإلّا فلا بيع له.

أقول: قد استدلّ لثبوت هذا الخيار بوجوه:

الوجه الأوّل: ما رواه الكليني، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي حمزة أو غيره، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن عليهما السلام: «في الرّجل يشتري الشيء الذي يَفسدُ من يومه ويتركه حتّى يأتيه بالثمن ؟

قال: إنْ جاء فيما بينه وبين اللّيل بالثمن و إلّافلا بيع له»(1).

والكلام فيه في موردين:

الأوّل: في سند الحديث.

الثاني: في فقهه.

أمّا المورد الأوّل: فالإشكال فيه من وجوه:

منها: إنّه مرسلٌ .

ص: 338


1- الكافي: ج 5/172 ح 15، وسائل الشيعة: ج 18/24 ح 23057.

ومنها: إنّ محمّد بن أبي حمزة مشتركٌ بين ابن الثمالي والتيملي الكوفي الذي لم يوثّق.

ومنها: إنّ من يروي عنه ابن يزيد لم يثبت كونه أبي حمزة، ولعلّه غيره.

وأمّا المورد الثاني: فقوله عليه السلام: «من يومه»:

إمّا أن يراد به في يومه بفرض (من) للظرفيّة، فيكون أوّل اللّيل الذي هو أوّل زمان الخيار، بعد تحقّق الفساد في النهار، وهذا الضرر لا يُتدارك بالخيار.

وإمّا أن يراد به معناه المعروف، وهو كونه للابتداء، فيكون أوّل اللّيل الذي هو أوّل زمان الخيار بعد تحقّق الفساد، من أوّل اليوم، وحاله حال السابق.

وعليه، فلابدَّ من التصرّف بأحد نحوين:

أحدهما: أمّا الالتزام بما في «المكاسب»(1) من أنّ المراد ب (اليوم) اليوم وليله، فالمعنى أنّه لا يبقى على صفة الصلاح أزيد من يومٍ بليلة.

ثانيهما: أو الالتزام بما أفاده بعض المحقّقين(2) من حمل (ما يفسد) على الإشراف على الفساد، فيكون من المجاز بالمشارفة، ويصحّ جعل الخيار من أوّل اللّيل، لئلّا يقع في الضرر الذي أشرف عليه.

وكلّ منهما صحيحٌ ، لا مرجّح لأحدهما على الآخر، وأمّا تقريب دلالته على الخيار لا الانفساخ، فهو ما تقدّم في نصوص خيار التأخير.

ومنها: ما أرسله الصدوق في «الفقيه»(3)، وفي آخر الخبر: «العهدة فيما يفسد من7.

ص: 339


1- المكاسب: ج 5/241.
2- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/387.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/203 ذيل الحديث 3767.

يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يومٌ إلى اللّيل»(1).

أقول: والكلام فيه من جهتين:

الجهة الأُولى : في سنده، وهو مضافاً إلى كونه مرسلاً، لم يثبت كونه تتمّة الرواية، بل من المحتمل كونه من كلام الصدوق رحمه الله(2)، بل في محكيّ «الجواهر»(3):

(لعلّه الظاهر).

الجهة الثانية: في دلالته، وقد يقال: إنّ مفاده جعل الخيار ونفي اللّزوم.

وفي حاشية السيّد(4): (ويحتمل أنْ يكون المراد، كون عُهدة تلفه على البائع يوماً إلى اللّيل، وبعده على المشتري، من جهة تقصيره في الأخذ).

أقول: ولكن إنْ كان المراد من (العهدة) عهدة المبيع، تعيّن إرادة ما احتمله السيّد، فإنّ أثرها حينئذٍ أنّ دركه عليه وأنّه في ضمانه.

وإنْ كان المراد بها عهدة البيع تعيّن إرادة الأوّل، فإنّ أثر عهدة البيع لزومه، وعدم انفكاكه عنه.

والظاهر هو الثاني، لأنّ عهدة المبيع لا تكون مغيّاة بزمان، بل بالقبض، بخلاف عهدة البيع.

ومنها: حديث لا ضرر(5) فإنّ البائع ضامنٌ للمبيع، وممنوعٌ من التصرّف فيه، ومحرومٌ عن الثمن.5.

ص: 340


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/203 ح 3767، وسائل الشيعة: ج 18/25 ح 23058.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3/203 ذيل الحديث 3767.
3- جواهر الكلام: ج 23/59.
4- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/57.
5- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

ترد عليه: الوجوه الأربعة التي أوردناها على الاستدلال به لخيار التأخير.

ومنها: ان مقتضى إطلاق العقد، تسليم المبيع وتسليم الثمن ما لم يفسد، ومرجع ذلك إلى الشرط الضمني والخيار عند تخلّف الشرط.

ويرد عليه: ما ذكرناه عند الاستدلال به لخيار التأخير.

وينبغي التنبيه على أُمور:

التنبيه الأوّل: إنّ ظاهر المتن، وكذا كلمات جمع من الأساطين، منهم أكثر المتأخّرين(1): كون اللّيل غاية للخيار، مع أنّه لا شبهة بحسب النَّص والفتوى أنّ مبدأ الخيار اللّيل:

أوّلَ المحقّق الأردبيلي رحمه الله(2) كلماتهم بجعل (إلى اللّيل) متعلّقاً بما يفسد لا بالخيار، ولكن ذلك يتمّ في كلمات جمعٍ منهم دون جميعهم، لاحظ ما في المتن وما عن «النهاية»(3) وعبارة «التذكرة»(4) حيث يقول: (فالخيار فيه إلى اللّيل).

وقد تؤوّل - كما احتمله المحقّق الاصفهاني رحمه الله(5) - بأنّ إطلاق الخيار باعتبار أوْل الأمر إليه بمضيّ اليوم وإقبال اللّيل، باعتبار وجود مقتضيه، وهو كون المبيع ممّا يؤول أمره إلى الفساد بإقبال اللّيل، والمقتضي له ثبوت بثبوت مقتضيه، وفعليّة مقتضاه بإقبال اللّيل.9.

ص: 341


1- الجامع للشرائع: ص 247، القواعد: ج 1/143، الإرشاد: ج 1/374.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 8/409.
3- نكت النهاية: ج 2/142.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/523 (ط. ق).
5- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/389.

ولكن هذا يتمّ في مثل عبارة «النهاية»(1)، ولا يتمّ في مثل عبارة «التذكرة»(2)المتضمّنة لكون الغاية اللّيل.

وبالجملة: فالمتعيّن حمل كلماتهم على ما أفاده الشيخ رحمه الله(3) من أنّ مرادهم بالخيار معنى غير الخيار المصطلح الثابت من أوّل اللّيل، وهو أنّ المشتري مختارٌ في القبض و الإقباض في اليوم، وأنّ له التأخير إلى اللّيل من دون أن يستتبعه شيء، ولازمه لزوم الصبر على البائع إلى اللّيل، ولزوم البيع عليه.

التنبيه الثاني: هل يعتبر في هذا الخيار شروط التأخير كما عن «الغُنية»(4)وغيرها(5) أم لا؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّه فردٌ من أفراد خيار التأخير.

2 - بوحدة لسان الدليلين.

أقول: ولكن الإنصاف أنّهما متغايران، إذ المدار في خيار التأخير المتقدّم، على تأخير قبض الثمن وهنا على تأخير قبض المثمن، والحكمة في ذلك الخيار دفع ضرر البائع من ناحية الصبر عن الثمن، وفي هذا الخيار دفع ضرره من ناحية الفساد الموجب لضمان المبيع، و مبدأ الخيار في المقام أوّل اللّيل، وفي الخيار السابق بعد مضيّ 4.

ص: 342


1- نكت النهاية: ج 2/142.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/523 (ط. ق).
3- المكاسب: ج 5/243.
4- غنية النزوع: ص 219.
5- شرائع الإسلام: ج 2/23، الإرشاد: ج 1/374.

ثلاثة أيّام.

وعليه، فالشروط المعتبرة في ذلك الفرد من التأخير، لا وجه للبناء على اعتبارها في هذا الفرد.

التنبيه الثالث: هل المراد بالفساد هو الفساد الحقيقي، أو ما يشمل تغيّر العين الحادث بسبب المبيت ؟ وجهان:

اختار الشيخ رحمه الله الثاني(1)، واستدلّ له: بأنّ مورد النَّص والفتوى الخُضروات والفواكه والبقول، وهذه لا تتلف بالمبيت ولا تهلك.

وأورد عليه المحقّق الايرواني رحمه الله(2): بأنّ المراد به الفساد الحقيقي، وهو خروج العين إلى حالةٍ لا تتموّل، من جهة عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الطبيعيّة عليها، مع اندراجها بذاتها تحت الطبيعة، وأمّا الذي يخرج عن الصورة النوعيّة، فذاك هو التلف دون الفساد، كما توهّمه الشيخ رحمه الله.

أقول: ولكن ما أفاده في الفرق بين الفساد والتلف وإنْ كان متيناً، إلّاأنّه مع ذلك ليس المراد الفساد الحقيقي، إذ مرور يومٍ على مثل البقول والفواكه لا يوجبُ خروجها عن الماليّة، بل يوجب تغيّر العين بزوال طراوتها وشبهها.

التنبيه الرابع: ولو لم يحدث في المبيع إلّافوات السوق، فلا إشكال ولا كلام في عدم شمول النَّص والفتوى له، لأنّه ليس من الفساد قطعاً، إنّما الكلام في أنّه إذا كان المدرك حديث لا ضرر هل يشمله أم لا؟6.

ص: 343


1- المكاسب: ج 5/244.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/46.

والشيخ رحمه الله(1) جعل إثبات الخيار ونفيه دائرين مدار كون نقص القيمة ضرراً أو فوات نفع، والحقّ أنّه ليس ضرراً ولا فوت نفع بالنسبة إلى البائع، بعد عدم كون نقص القيمة السوقيّة موجباً لضمان البائع، وهو ضررٌ بالنسبة إلى المشتري، ولا يكون ذلك موجباً لجعل الخيار على البائع.

وبذلك ظهر ما في «حاشية» السيّد(2) من أنّ الأقوى الإلحاق، لأنّه يصدق عليه الضرر عرفاً، وإنْ كانت العين باقية كما كانت، لأنّ المناط فيه فوات الماليّة، ولا فرق فيه بين نقص العين والقيمة، فالضرر صادقٌ خصوصاً في الأموال المعدّة للتجارة.

***7.

ص: 344


1- المكاسب: ج 5/244.
2- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/57.

السادس: خيار الرؤية: فمن اشترى موصوفاً غير مشاهدٍ، كان للمشتري خيار الفسخ إذا وجده دون الوصف.

خيار الرؤية

اشارة

الخيار (السادس: خيار الرؤية) والمراد به الخيار المسبّب عن رؤية المبيع على خلاف ما وصفه، قال المصنّف رحمه الله في تحديد هذا الخيار: (فمن اشترى موصوفاً غير مشاهدٍ، كان للمشتري خيار الفسخ إذا وجده دون الوصف).

أقول: وهذا التعبير أولى من تعبير الشيخ(1) حيث قال: (الخيار المسبّب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه)، لأنّ مورد هذا الخيار ليس خصوص ما لو رأى المبيع على خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان، ليكون من أفراد خيار الشرط، كما هو ظاهر «المكاسب»(2)، بل مورده ما إذا تخلّف الوصف الذي وقعت المعاملة عليه، سواءٌ أكان بالاشتراط أم باخبار البائع به والاعتماد عليه، من غير تعهّدٍ والتزام منه، أو برؤية بعض المبيع واعتقاد موافقة بعضه الآخر له.

وعليه، فالنسبة بين مورد هذا الخيار، ومورد خيار تخلّف الشرط عمومٌ من وجه، والمجمع ما كان التوصيف بعنوان الاشتراط، ومورد افتراق هذا الخيار ما أشرنا إليه، ومورد افتراق ذاك شرط الفعل.

الدليل: ثمّ إنّ دليل هذا الخيار أُمور:

الأمر الأوّل: الإجماع، وهو لمعلوميّة مدركه لا يُعتمد عليه.

ص: 345


1- المكاسب: ج 5/245.
2- المكاسب: ج 5/245.

الأمر الثاني: لا ضرر.

وفيه: ما تقدّم من أنّه لا يصلح أن يكون منشئاً لإثبات الخيار، مع أنّه إذا كان المبيع بماله من التخلّف يسوى بالذي دفع من الثمن لا يكون هناك ضررٌ إلّامن ناحية تخلّف الغرض الشخصي.

الأمر الثالث: صحيح جميل، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ اشترى ضيعة، وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلمّا أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّه لو قلب ونظر إلى تسع وتسعين قطعة، ثمّ بقى منها قطعة ولم يرها، لكان له في ذلك خيار الرؤية»(1).

تقريب الاستدلال به: الظاهر من الخبر أنّ المشتري برؤية عمدة الضيعة كان معتقداً أنّ ما لم يره يكون مثل ما رآه، فوقعت المعاملة صحيحة، ثمّ بعد المعاملة وملاحظة ما لم يره، وأنّه غير ما رآه ندم من المعاملة، فحكم عليه السلام بثبوت خيار الرؤية.

وفيه: لا يدلّ الخبر على تخلّف الوصف، وأنّ ما لم يره لم يكن مطابقاً لما رآه، لو لم يكن دالّاً على خلافه، وعليه فليس هو من الخيار المصطلح، بل الظاهر منه إرادة إبطال العقد.

إمّا في الجميع فيما لو التزمنا برجوع الضمير في قوله: «لكان له في ذلك خيار الرؤية» إلى الضيعة، أو في خصوص القطعة التي لم يرها، ولعلّ الأوّل أظهر، من جهة أنّ مورد السؤال هو الضيعة بتمامها.5.

ص: 346


1- تهذيب الأحكام: ج 7/26 ح 29، وسائل الشيعة: ج 18/28 ح 23065.

الأمر الرابع: صحيح زيد الشحّام، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ اشترى سهام القصّابين من قبل أن يخرج السهم ؟

فقال عليه السلام: لا تشتر شيئاً حتّى تعلم أين يخرج السهم، فإنْ اشترى شيئاً فهو بالخيار إذا خرج»(1).

وتقريب الاستدلال به: إنّه يدلّ على أنّ الحصّة المشاعة بوصف البائع إذا تبيّن بعد وقوع السهم أنّها ليست على ما وصفت، يثبت للمشتري خيار الرؤية.

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(2): بأنّ المبيع إنْ كان هو الحصّة المشاعة، فلا مورد لخيار الرؤية، وإنْ كان هو السهم المعيّن الذي يخرج، فهو شراء فرد غير معيّن، وهو باطل.

ثمّ مالَ الشيخ قدس سره(3) إلى اعتبار أنّ الخيار الذي يُثبته الخبر هو خيار الحيوان إذا خرج السهم.

أقول: والظاهر أنّ وجه نفي المورديّة لو كان المبيع الحصّة المشاعة ليس هو إشاعتها، حتّى يرد عليه ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(2) من أنّ خيار الرؤية يجري في البيع المشاع إذا بيع بوصف المجموع، فظهر الجميع على خلاف الوصف، بل وجهه أنّ التعيين المبني على عدم التعديل في القسمة لا يصلح وجهاً لثبوت الخيار في البيع بل في القسمة.

وأورد عليه السيّد الفقيه رحمه الله(3) بقوله: (يبعّده قوله عليه السلام: إذا خرج»، فإنّ خيار الحيوان غير معلّق على الخروج، بل يثبت بمجرّد العقد) انتهى .7.

ص: 347


1- الكافي: ج 5/223 ح 3، وسائل الشيعة: ج 18/29 ح 23066. (2و3) المكاسب: ج 5/246.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/47.
3- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/57.

وفيه: إنّ حكمة جعل خيار الحيوان، هي الاطّلاع على العيب، وهو لا يكون إلّا بعد التعيين.

ولكن يرد على الشيخ رحمه الله: أنّ الظاهر من الخبر كون المبيع ما يقع عليه السهم، وهو لغرريّته باطلٌ كما يشهد له قوله عليه السلام: «لا تشتر شيئاً... الخ» الظاهر في الإرشاد إلى الفساد، وعليه فقوله: (له الخيار) يكون المراد به أنّ له الخيار في إنشاء معاملة جديدة بعد تعيين المبيع، نظير ما ورد في نصوص بيع ما ليس عنده من قوله عليه السلام:

«وهذا عليك بالخيار إنْ شاء اشتراه منك بعدما تأتيه، وإنْ شاء رَدّه».

وقد يحتمل أنْيكون المراد بالخيار خيارالقسمة، لكونها غير معدلة، أو للحاجة في التعيين إلى التراضي، وعلى أيّ حالٍ فلا ربط له بخيار الرؤية.

الأمر الخامس: صحيح عبد الرحمان بن الحجّاج، عن منهال القصّاب، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: اشترى الغنم أو يشتري الغنم جماعة، ثمّ يدخل داراً ثمّ يقول رجل على الباب فيعدّ واحداً - إلى أنْ قال - ثمّ يخرج السهم ؟

عليه السلام: لا يصلح هذا، إنّما تصلح السهام إذا عدلت القسمة»(1).

وفيه: إنّه أجنبيٌ عن المقام بالمرّة، بل واردٌ في مقام بيان كيفيّة التقسيم، وأنّ التقسيم بلا تعديل السهام على النحو الذي بيّنه السائل باطل.

فتحصّل: أنّه لا دليل عليه، ولكن الظاهر تسالم القوم عليثبوته، وسيأتي رجوع ذلك إلى خيار الشرط، فيدلّ على مشروعيّة دليل ذلك الخيار، واللّه العالم.2.

ص: 348


1- الكافي: ج 5/223 ج 2، وسائل الشيعة: ج 17/356 ح 22742.

ولو لم يشاهد البائع وباعه بالوصف، فظهر أجود، كان الخيار للبائع.

أقول: (و) يتحقّق استقصاء القول في المقام بالتعرّض لأُمور:

الأمرالأوّل: هل يثبت هذا الخيار للبائع أيضاً، كما هو المتّفق عليه، ف (لو لم يشاهد البائع وباعه بالوصف، فظهر أجود، كان الخيار للبائع) أم يختصّ بالمشتري ؟ وجهان:

وحقّ القول في المقام: إنّ مدرك هذا الخيار:

إنْ كان الإجماع، أو حديث لا ضرر(1) أو ما دلَّ على ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط، لم يكن وجهٌ للاختصاص بالمشتري.

وأمّا إنْ كان المدرك هي النصوص الخاصّة، اختصّ به.

واحتمال أنْ يكون التفتيش من البائع، بأنْ يكون البائع باعه بوصف المشتري ليكون الجواب عامّاً.

بعيدٌ، لعدم تقدّم ذكر من البائع، ومرجع الضمائرالمستترة في السؤال هو المشتري، وعلى تقدير هذا الاحتمال يكون الخيار مختصّاً بالبائع، إذ لا عموم للجواب.

مورد خيار الرؤية

الأمر الثاني: المعروف بين الأصحاب أنّ مورد هذا الخيار بيع العين الشخصيّة الغائبة، وأنّه يشترط في صحّته ذكر أوصاف المبيع بماترتفع به الجهالة الموجبة للغرر.

وقد اختلفت تعابيرهم عن هذه الأوصاف، والمراد واحدٌ، ولذا دُعي الإجماع على كلّ واحدٍ منها.

ص: 349


1- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

وتنقيح القول فيه: إنّ المراد من العين الشخصيّة، هو ما يقابل الكلّي في الذّمة، الشامل للكسر المشاع الذي هو جزئيٌ بجزئيّة منشأ انتزاعه، والكلّي في المعيّن المتعيّن بإضافته إلى الجزئي الخارجي، لا ما يقابل غير المتعيّن بتمام أنحاء التعين.

وعليه، فلا يرد عليه ما أورده بعضهم(1) بعد اختصاص الخيار بذلك، وجريانه في الكلّي الخارجي، وفي الحصّة المشاعة لقاعدة الضرر وتخلّف الشرط، بل يمكن دعوى فهم التمثيل من صحيحة جميل.

كما أنّ مراده من (العين الغائبة) ليس هي الغيبة الخارجيّة لعدم العبرة بها، بل المراد الغيبة الذهنيّة، بمعنى عدم معرفته به ووقوفه عليه، فلا إيراد عليه.

الأمر الثالث: في الإشكالات التي في المقام، وهي أربعة:

الإشكال الأوّل: ذكر الأصحاب في المقام ضابطين للأوصاف اللّازم ذكرها حين البيع:

1 - اعتبار الأوصاف الدخيلة في ماليّة العوضين.

2 - واعتبار ما يعتبر في باب السَّلم.

وهما متنافيان، فإنّه يكتفي في باب السَّلم باقل من ذلك، ولا يعتبر الاستقصاء بذكر كلّ وصفٍ دخيل في الماليّة، لأنّه يؤدّي إلى عزّة الوجود، وهذا المانع مفقودٌ فيما نحن فيه.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(2): - بعد الإيراد على القوم، بأنّ تعذّر استقصاءالأوصاف في السَّلم موجبٌ لفساد السَّلم، لا الفتوى بعدم اعبتار ذكر الأوصاف فيه - بأنّه0.

ص: 350


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/58.
2- المكاسب: ج 5/250.

يمكن أنْ يكون مرادهم باعتبار ما يعتبر في باب السَّلم، ما يعتبر في ذلك الباب بطبيعته الأوّليّة لولا عروض المانع، فلا تنافي.

وفيه: إنّ الإيراد على القوم في غير محلّه، إذ لو حكمنا بفساد السَّلم في الفرض، لزم سدّ باب السَّلم، لما أشار إليه من عموم هذا العذر، والمعلوم من الشرع خلافه، مع أنّ حمل ما ذكروه في الضابط الثاني على ذلك لا شاهد له.

فالحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّ مرادهم من (الأوصاف الدخيلة في الماليّة) هي الأوصاف الدخيلة في الماليّة بلحاظ الآثار المترقّبة من ذلك الشيء عند نوع العقلاء، لا الأوصاف الدخيلة في الماليّة بحسب الغرض الشخصي، وعليه فيرتفع التنافي، إذ أنّ ما يتعذّر استقصائه في باب السَّلم هو من قبيل الثاني دون الأوّل.

الإشكال الثاني: إنّ الأوصاف التي يختلف الثمن من أجلها غير محصورة، خصوصاً في العبيد والإماء، والاكتفاء بذكر معظمها إحالةٌ على المجهول.

الإشكال الثالث: إنّ لازم كون التوصيف بمنزلة الرؤية، لزوم مشاهدة ما يجب التوصيف به، مع أنّه لا يعتبر بعد مشاهدة العين الاطّلاع على الخصوصيّات التي يجبُ ذكرها في العين الغائبة، فما الفرق بين المقامين، مع اتّحاد الدليل، وهو ما دلَّ على النهي عن بيع الغرر(1)؟

وأجاب عنهما الشيخ رحمه الله(2): بأنّ الميزان رفع الغرر العرفي الذي هو أخصّ من الشرعي، وهو يرتفع بمشاهدة العين وإنْ لم يطّلع على الخصوصيّات اللّازم ذكرها0.

ص: 351


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/45 ح 168، وسائل الشيعة: ج 17/448 ح 22965.
2- المكاسب: ج 5/250.

إذا كانت العين غائبة.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ الغرر لا حقيقة شرعيّة له، كي يقال إنّ الغرر العرفي أخصّ من الشرعي، وما يُرى من الحكم بالفساد مع عدم الغرر العرفي كشراء المجهول بخيار أو بالمتيقّن من قيمته، فإنّما هو لدليلٍ آخر. فتأمّل - أنّ الغرر العرفي أيضاً لا يرتفع بذلك في العين الحاضرة.

فالحقّفي الجواب: أنّ المعتبر في بيع العين المشاهدة، هوالاطّلاع على الخصوصيّات الدخيلة في الماليّة بلحاظ الأثر المترقّب من ذلك الشيء عند نوع العقلاء، وإلّا بطل البيع، كما أنّ اللّازم ذكره هذه الأوصاف في العين الغائبة.

الإشكال الراب: إنّ توصيف المبيع بالأوصاف المجهول وجودها، يوجب الجهل بوجود المبيع، إذ العبد المتّصف بتلك الصفات مثلاً لا يُعلم وجوده في الخارج، والغَرر فيه أعظم.

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(1): بأنّ التوصيف يرجع إلى الاشتراط لا التقييد.

وفيه: - مضافاً إلى التأمّل في صحّة اشتراط غير الفعل وغير النتيجة، على ما سيأتي في محلّه - إنّ التوصيف إذا لم يكن رافعاً للغرر، لم يكن الاشتراط أيضاً رافعاً له، وثبوت الخيار عند تخلّف الشرط لا يصلحُ رافعاً له، وإلّا ارتفع باشتراط الخيار في كلّ بيعٍ غرري في نفسه.

وعليه، فاللّازم هو الاطمئنان بوجود الوصف، أو إخبار من يكون خبره حجّة شرعيّة.2.

ص: 352


1- المكاسب: ج 5/252.

الخيار بين الرَّد والإمساك مجّاناً

الأمر الرابع: إنّ الخيار بين الرَّد والإمساك مجّاناً هو المشهور بين الأصحاب.

وعن «السرائر»(1): التخيير بين الرَّد والإمساك بالأرش.

وعن بعض(2): تعيّن أخذ الأرش.

وعن «المقنعة»(3)، و «النهاية»(4)، و «المراسم»(5): بطلان البيع.

أمّا الأوّل: فقد مرّ ما يمكن أنْ يستدلّ به له، وعرفت تماميّته.

وقد استدلّ للثاني: بأنّ الضرر يرتفع بكلٍّ من الرَّد والإمساك بالأرش، فمقتضى حديث لا ضرر(6) التخيير بينهما.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ حديث لا ضرر لايصحّ التمسّك به في المقام.

وثانياً: إنّه لو صَحَّ ذلك، اقتضى تعيّن أخذ الأرش، لأنّه مقتضى الجمع بين أدلّة اللّزوم والحديث كما لا يخفى .

واستدلّ للرابع: بوجهين:

الوجه الأوّل: وقوع العقد على ما يغاير الموجود، فالمعقود عليه غير موجود، والموجود غير معقودٍ عليه، ولا يكفي في الجواب ما قيل من أنّ محلّ الكلام

ص: 353


1- السرائر: ج 2/242.
2- حكاه في المكاسب: ج 5/253.
3- المقنعة: ص 495.
4- النهاية: ص 391.
5- المراسم العلويّة: ص 180.
6- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

الأوصاف التي لا توجب مغايرة الموصوف للموجود عرفاً، وذلك لأنّ التمليك من الاعتباريات، وهو متعلّقٌ على الفرض بالموصوف بما هو موصوفٌ ، وهو غير موجود لفقد الوصف.

فالحقّ في الجواب أنْ يقال:

إنّ الوصف إذا كان دخيلاً في حقيقة المبيع - بما أنّ العين بما هي موجودة لا تكون مورداً لاعتبار الملكيّة والماليّة حتّى تباع - فلا محالة يكون البيع متعلّقاً بالوصف والعنوان، فتخلّفه يوجبُ عدم البيع.

وإنْ كان غير دخيل فيها - الذي هو محلّ الكلام - يكون البيع بحسب بناء العرف والمتعاملين متعلّقاً بذات الموصوف، والوصف ليس عنواناً للمبيع، بل هو مطلوب آخر في المطلوب البيعي.

الوجه الثاني: إنّ المعقود عليه وإنْ كان هو عين الموجود في الخارج، إلّاأنّ العقد على الموجود وقع مبنيّاً على الوصف.

وبعبارة أُخرى : الرضا في المعاملة لم يتعلّق إلّابالمقيّد بالصفة، والفاقد لا رضا به، وهذا يوجبُ البطلان.

وأجاب عنه صاحب «الجواهر»(1): - على ما حكى عنه الشيخ رحمه الله(2) بما حاصله - إنّ الوصف المعيّن للكليّات يوجب تضييق دائرة المبيع، من غير فرقٍ بين الوصف الذّاتي والعرضي، فيكون الموجود غير معقود عليه، وأمّا الوصف المعيّن في الشخصيّات، فإنْ كان ذاتيّاً فكذلك للمغايرة الذاتيّة، وإنْ كان عرضيّاً، فالمورد وإنْ 5.

ص: 354


1- جواهر الكلام: ج 23/94.
2- المكاسب: ج 5/255.

كان هو الموصوف إلّا أنّه يصدق على الموجود إنّه موردللبيع، وعليفرض الإغماض عن ذلك في مورد العين الشخصيّة إذا كان الوصف غير دخيلٍ في الحقيقة، يكون المورد مع تلف الوصف من قبيل تعارض الوصف والإشارة، والإشارة أقوى .

ويرد على ما أفاده رحمه الله أوّلاً: إنّ ما ذكر يفيد في مقام بيان إثبات الاتّحاد، ولا يفيد في الجواب عن إشكال عدم الرضا كما لا يخفى .

ويرد على ما أفاده ثانياً: إنّ أقوائيّة كلٍّ من الإشارة والوصف إنّما تكون ضابطة صورة اشتباه المراد دون المقام، مع أنّ أقوائيّة الإشارة لو اعتمد عليها في المقام، لزم منها صحّة البيع ولزومه لا الخيار.

وأجاب الشيخ رحمه الله(1) عنه: بالاستقراء، وأنّ الشارع المقدّس - حسب ما يستفاد من النصوص والإجماعات في الموارد المتفرّقة - حكم بصحّة البيع مع الخيار بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقوّمة للمبيع.

وفيه: إنّ هذا المقدار لا يكفي في الجواب عن الوجه العقلي.

فالحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّ الظاهر من عبارات المشترطين للأوصاف غير الدخيلة في حقيقة الشيء، هو أخذها في المعاملة بنحو تعدّد المطلوب، وأنّ اتّصافه بها مطلوبٌ آخر في المطلوب، نظير اشتراط عمل خارجي كخياطة الثوب.

خيار الرؤية فوري

الأمر الخامس: الأكثر على أنّ الخيار عند الرؤية فوري.

أقول: قد تقدّم في مبحث خيار الغبن(2) من هذا الجزء تنقيح القول، فيما تقتضيه

ص: 355


1- المكاسب: ج 5/256.
2- صفحة 290 من هذا المجلّد.

القواعد من العمومات والاستصحاب وغيرهما، وأنّ كلّ خيارٍ ثبت ولم يكن لدليله إطلاقٌ ، فإنّ مقتضى القواعد أنّه فوري.

نعم، لو كان مدرك هذا الخيار النَّص الخاص، كان مقتضى إطلاقه كونه على التراخي، ولكن قد عرفت أنّه لا يكون مدركاً له، فالحقّ أنّه على الفور.

مسقطات خيار الرؤية

الأمر السادس: - قالوا إنّه يسقط هذا الخيار بعدد من المسقطات، وهي:

المسقط الأوّل: ترك المبادرة إلى الفسخ.

وقد مرّ الكلام فيه وعرفت أنّه صحيح لأنّ هذا الخيار على الفور.

المسقط الثاني: إسقاطه بعد الرؤية.

أقول: إسقاط هذا الخيار إنْ كان بعد الرؤية - التي لا شكّ في تحقّق الخيار عندها - كأنّ نفوذه من المسلّمات عندهم، لكنّه محلّ تأمّل لو كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر كما تقدّم في مبحث خيار الغبن(1).

نعم، لو كان المدرك النَّص أو الشرط الضمني تمّ ذلك، لأنّ الخيار حينئذٍ من الحقوق، ولكلّ ذي حقٍّ إسقاط حقّه.

وأمّا الإسقاط قبل الرؤية: فإنْ قلنا بأنّ الرؤية كاشفة عن حدوث الخيار من حين العقد - كما هو مقتضى حديث لا ضرر(2)، لأنّ الضرر إنّما يتوجّه من حين العقد وتخلّف الشرط، فإنّه من حيث العقد - والنَّص الخاص - لاحظ ظاهر

ص: 356


1- صفحة 225 من هذا المجلّد.
2- الكافي: ج 5/294 ح 8، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23075.

قوله عليه السلام في صحيح جميل: «كان له في ذلك خيار الرؤية»(1) - فلا إشكال أيضاً في ثبوته.

وإنْ قلنا بأنّها سببٌ أو شرط، ففيه إشكال، وقد تقدّم الكلام فيه مفصّلاً في مبحث خيار الغبن.

وبه يظهر أنّ الإسقاط منجزاً غير معقول، ومعلّقاً على حدوثه لا مانع منه لولا الإجماع، وأنّه لا فرق بين كونها سبباً أو شرطاً. فراجع(2).

المسقط الثالث: التصرّف بعد الرؤية.

وقد تقدّم الكلام أيضاً في مسقطيّة التصرّف، وعرفت أنّ دليله الخاص غير عام لجميع الخيارات، وأنّ فيما لا نص فيه كالمقام لو كان التصرّف كاشفاً عن الإسقاط ودالّاً عليه، سقط به الخيار، وإلّا فلا.

هذا في التصرّف بعد الرؤية.

وأمّا التصرّف قبل الرؤية: ففيه وجوه:

أحدها: مسقطيّته على القول بمسقطيّة الإسقاط قولاً قبل الرؤية، وعدمها على القول بالعدم.

ثانيها: مسقطيّته مطلقاً.

واستدلّ لهذا الوجه: بأنّ مسقطيّة التصرّف إنّما تكون من جهة أنّه رضا متجدّد بالبيع، كما هو ظاهر التعليل بقوله عليه السلام: «فذلك رضاً منه»، ويكون سقوط الحقّ لعدمد.

ص: 357


1- تهذيب الأحكام: ج 7/26 ح 29، وسائل الشيعة: ج 18/27 ح 23065.
2- صفحة 267 من هذا المجلّد.

الملاك لا لرفعه بعد ثبوته، وعليه فلا مانع من مسقطيّته قبل ثبوت الخيار.

وفيه: ماتقدّم في مبحث خيارالغبن، من أنّه لايكون مسقطاً لهذه الجهة. فراجع(1).

ثالثها: عدم مسقطيّته مطلقاً.

واستدلّ له: بأنّه لا يكون التصرّف كاشفاً عن الرضا بالعقد إنْ كان قبل الرؤية، كما في التصرّف قبل العلم بالغبن.

اشتراط سقوطه

المسقط الرابع: اشتراط سقوطه في ضمن العقد، ذكره الشيخ في «النهاية»(2)وبعض آخر(3).

وفيه قولان آخران:

القول الأوّل: ما عن المصنّف(4) وجماعة(5)، من فساد الشرط، وإفساده للعقد.

القول الثاني: ما عن جماعةٍ (6) من الفساد دون الإفساد.

أقول: قد استدلّ للثاني بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّه موجبٌ لكون البيع غرريّاً، وللقوم في بيان ذلك تقريبات:

التقريب الأوّل: ما عن المحقّق الثاني(7)، وحاصله: إنّ بيع مجهول الوصف إنّما

ص: 358


1- تقدّم الحديث عن خيار الغبن في الصفحة 267 من هذا المجلّد.
2- راجع نكت النهاية: ج 2/144.
3- المحدِّث الكاشاني في المفاتيح: ج 3/72.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/467 (ط. ق).
5- الدروس: ج 3/276، جامع المقاصد: ج 4/303، مستند الشيعة: ج 14/408.
6- راجع مفتاح الكرامة: ج 4/732، هامش المكاسب: ج 5/259.
7- جامع المقاصد: ج 4/303.

ترتفع غرريّته، من جهة تعهّد الواصف باعتبار أنّه موجبٌ لكون أمر العقد بيده عند تخلّف الشرط، فلا يذهب ماله هدراً، فلا غَرر، وإذا شَرط سقوط الخيار، لم يرتفع الغرر، لخروج زمام أمر العقد من يده، فيعود الغرر والخطر.

وفيه: إنّ الخيار حكمٌ شرعي لا يرفع الغرر، ولو كان مؤثّراً في رفع الغرر جاز بيع كلّ مجهولٍ مع شرط الخيار.

التقريب الثاني: ما عن الشيخ رحمه الله(1)، وحاصل ما أفاده يرجع إلى أمرين، بل لعلّ ظاهر صدر كلامه الأوّل، وظاهر ذيله الثاني:

الأوّل: إنّ ارتفاع الغرر عن هذه المعاملة وإنْ لم يكن لثبوت الخيار، إلّاأنّه من جهة سبب الخيار، وهو اشتراط تلك الأوصاف الذي مرجعه إلى ارتباط العقد بنفسه أو بمتعلّقه بنفس وجود الوصف، لأنّها إمّا شروط للبيع أو قيود للمبيع، واشتراط سقوط الخيار - الذي مرجعه إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك الصفات وعدمها - ينافي ذلك، فما هو الموجب لرفع الغرر ينافيه هذا الاشتراط.

الثاني: إنّ مرجع اشتراط سقوط الخيار إلى الالتزام بالبيع مع عدم الوصف، وهذا ينافي الالتزام بالبيع المرتبط بالالتزام بالوصف.

والفرق بين الوجهين: أنّ مرجع الأوّل إلى أنّ لازم الشرط قيديّة نفس الوصف وعدم قيديّته، ومرجع الثاني إلى الالتزام بالوصف وعدم الالتزام به.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ الموجب لرفع الغرر، ليس هو الالتزام بالوصف، بل الاطمئنان بوجوده، أو إخبار من يكون خَبره حجّة به، وفي غير ذلك لايرتفع الغرر.0.

ص: 359


1- المكاسب: ج 5/259-260.

وثانياً: إنّه لو سُلّم كون الرافع الالتزام بالوصف، إلّاأنّ اشتراط سقوط الخيار ليس مرجعه إلى الالتزام بعدم الوصف، ولا عدم الالتزام بالوصف كي ينافيه، لأنّ الخيار ليس أثراً لا ينفكّ للالتزام بالصفات حتّى يكون شرط سقوطه في قوّة عدم الالتزام بالوصف، بل هو حكمٌ شرعي ثبت في مورد الالتزام بالوصف، قابلاً لأن يسقط بالشرط مع بقاء الالتزام.

أقول: وبهذا البيان يندفع ما استفاده بعض مشايخنا(1) من كلام المحقّق الخراساني رحمه الله(2) في وجه ذلك الذي هو التقريب الثالث، من أنّ الخيار لازم اشتراط الوصف، وإبطال اللّازم ورفع اليد عنه إبطالٌ للملزوم لفرض الملازمة، وإذا ارتفع الملزوم عاد الغرر، لما عرفت من أنّه ليس لازماً لا ينفكّ .

الوجه الثاني: إنّه إسقاط لما لم يتحقّق، فاشتراط السقوط لغوٌ وفاسد، والشرط الفاسد مفسد للعقد.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ خيار الرؤية يثبت من حين العقد، فاشتراط سقوطه ليس إسقاطاً لما لم يتحقّق.

وثانياً: ما تقدّم في مبحث خيار الغبن(3) من أنّ سقاط ما لم يتحقّق على تقدير تحقّقه لا محذور فيه.

وثالثاً: إنّ الشرط الفاسد لا يفسد كما سيأتي تحقيقه.

وبالجملة: بماذكرناه ظهر مدرك القول الثالث وضعفه، فالأظهر هو القول الأوّل.د.

ص: 360


1- حاشية المكاسب للاصفهاني: ج 4/414.
2- حاشية الآخوند: ص 208.
3- صفحة 267 من هذا المجلّد.

حكم بذل التفاوت وإبدال العين

الأمر السابع: في أنّه هل يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت وبإبدال العين أم لا؟ وجهان:

استدلّ الشيخ رحمه الله(1): على عدم السقوط بأنّ تملك غير العين الشخصيّة الواقع عليها البيع يحتاج إلى معاملة جديدة.

وفيه: مجرّد ما ذكره رحمه الله لا يكفي لإثبات المدّعى، إذ تملّك ما به التفاوت ببذل صاحبه أمرٌ، وعدم سقوط الخيار بعد الملكيّة أمرٌ آخر، ومورد الكلام هو الثاني، والدليل دليلٌ للأوّل.

وعليه، فالأولى الاستدلال له: بأنّ إطلاق النَّص يقتضي ذلك، وبذل التفاوت أو إبدال العين لا يوجب عدم ضرريّة اللّزوم، من حيث الغرض المعاملي ولو بقاءً ؛ كي لا تكون المعاملة بقاءً مشمولة لحديث لا ضرر.

وأيضاً: لا يؤثّر في رفع ما أوجبه تخلّف الشرط من الخيار عند تخلّف الوصف.

هذا مع عدم الشرط.

وأمّا لو شرط في متن العقد أحدهما لو ظهر على خلاف الوصف:

فعن «الدروس»(1)، وفي «المكاسب»(3): فسادالشرط وإفساده للعقد في الأوّل.

وفي «الجواهر»(2): الحكم بالفساد في الثاني.

وعليه، فالكلام يقع في موردين:

ص: 361


1- الدروس: ج 3/276.
2- جواهر الكلام: ج 23/96.

الأوّل: في صحّة هذا الشرط وفساده.

الثاني: في سقوط الخيار به وعدمه.

أمّا المورد الأوّل: فغاية ما استدلّ به للفساد في قِبال عموم ما دلَّ على صحّة الشرط ونفوذه(1) وجوه:

الوجه الأوّل: إنّ مقدار التفاوت مجهولٌ ، فشرط بذله شرطُ أمرٍ مجهول، وهو غرريّ باطلٌ .

وفيه: - لو سُلّم بطلان الشرط الغَرري - إنّ محلّ الكلام صحّة شرط البذل وعدمها، فلابدَّ وأن يُفرض الصحّة من سائر الجهات، بأن يُفرض العلم بمقدار ما به تفاوت الواجد والفاقد.

الوجه الثاني: إنّه من قبيل التعليق في الشرط، وهو يبطل العقد والإيقاع.

وفيه: إنّ التعليق لا دليل على مبطليّته سوى الإجماع غير الشامل للشرط.

الوجه الثالث: إنّ شرط النتيجة غير نافذ.

وفيه أوّلاً: إنّ محلّ الكلام أعمٌّ من ذلك ومن شرط الفعل.

وثانياً: إنّ شرط النتيجة صحيحٌ في غير ما له سببٌ خاص كالطلاق.

وبالجملة: فالأظهر صحّة هذا الشرط ونفوذه.

وأمّا المورد الثاني: فإنْ كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر، أو الشرط سقط الخيار، وذلك لأنّه مع هذا الشرط وبذل التفاوت لا ضرر من حيث الماليّة، وهو واضح. ولا من حيث الغرض المعاملي، لأنّ المعاملة مع هذا الشرط كاشفٌ ).

ص: 362


1- الكافي: ج 5/169 باب الشرط والخيار في البيع، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب (ثبوت خيار الشرط بحسب ما يشترطان).

عن سعة دائرة الغرض المعاملي.

وإنْ كان المدرك هو النَّص، لم يسقط الخيار لإطلاق النَّص، اللَّهُمَّ إلّاأن يُدّعى انصرافه عن مثل الفرض، واللّه العالم.

وأمّا شرط الإبدال: فظاهر صدر عبارة الشيخ رحمه الله(1) شرط الفعل، وظاهر ذيلها شرط النتيجة، فالكلام فيه يقع في موضعين:

الموضع الأوّل: في شرط النتيجة، وهو قيدٌ يكون بجعل الواجد بدلاً عن الفاقد في قبال الثمن، وحيث إنّه لا يُعقل وقوع مال الشخص بدلاً عن ماله، فلا محالة يرجع هذا الشرط:

1 - إمّا إلى شرط انفساخ المعاملة وانعقادها بين الواجد وفاقد الثمن.

2 - وإمّا أن يكون بجعل الواجد بدلاً عن الفاقد بوقوع أحدهما في قبال الاخر:

أمّا الأوّل: فقد استدلّ لفساد الشرط بوجوه:

أحدها: إنّه من قبيل شرط النتيجة، وقد تقدّم ما فيه.

ثانيها: إنّ كلّاً من انفساخ المعاملة وانعقادها يتوقّف على سبب خاص، فشرط وقوعهما قهراً شرطٌ مخالف للمشروع.

وفيه: إنّ مقتضى عموم ما دلَّ على وجوب الوفاءبالعقد(2)، ونفوذ كلّ تجارةٍ عن تراض(3)، صحّة هذا الشرط، بل ولزومه، مضافاً إلى دليل نفوذ الشرط ولزومه(4).).

ص: 363


1- المكاسب: ج 5/265.
2- سورة المائدة: الآية 1.
3- سورة النساء: الآية 29.
4- الكافي: ج 5/169 باب الشرط والخيار في البيع، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب (ثبوت خيار الشرط بحسب ما يشترطان).

ثالثها: إنّ الشرط مبادلة تعليقيّة، والتعليق يُفسد المعاملة.

وفيه: ما تقدّم من عدم مفسديّة التعليق للشرط.

رابعها: إنّه مبادلة غرريّة، وهي باطلة.

وفيه: إنّ الغرر لو كان فهو من جهة الجهل بالوجود، وهو مندفعٌ بأنّ المعاوضة حيث لا تنعقد إلّاعند ظهور التخلّف، فهو عالمٌ بأنّه إمّا تنعقد معاوضة أو لا تنعقد، فلا غَرر.

وبالجملة: فالأظهر صحّة هذا الشرط.

فإنْ قلت: إنّهذا الشرط وإنْ صَحَّ ، إلّا أنّه بمجرّد انحلال البيع ينحلّ الشرط، إذا الشرط ما لم يكن في ضمن العقد لا يجبُ الوفاء به، فلا سبب للمعاوضة الجديدة.

قلت: إنّ انعقاد الشرط يتوقّف على كونه في ضمن العقد، وأمّا انحلاله بسبب انحلال العقد، فلا دليل عليه، إلّافيما إذا كان الشرط من قبيل الضميمة لأحد العوضين، ولا يتعقّل مثله في المقام، بل هو إنّما يكون للتحفّظ على الغرض الوسيع من المعاملة كما لا يخفى ، وأمّا سقوط الخيار به فهو لا إشكال فيه، لانتفاء موضوع الخيار بانفساخ المعاملة.

وأمّا الثاني: أي جعل الواجد بدلاً عن الفاقد، فمحذوره التعليق في الشرط الذي نتيجته نتيجة البيع والجهالة والغرريّة في المبدل، لأنّه لا يعلم أنّه واجدٌ للوصف أم فاقد له، وتعلّقه بالنتيجة، وقد تقدّم أنّ التعليق في الشرط لا دليل على مبطليّته، وأمّا الغَرر فمن حيث الجهل بالوجود يندفع بأنّه حين المعاوضة - وهو ظهور التخلّف - قاطعٌ بكونه واجداً أو فاقداً، ومن حيث الجهل بالوصف يرتفع

ص: 364

بتوصيفه بكونه غير واجد، وأمّا سقوط الخيار به فالكلام فيه ما تقدّم في شرط بذل التفاوت.

الموضع الثاني: في شرط الفعل، وهو أيضاً قد يكون:

1 - بجعل الواجد بدلاً عن الفاقد.

2 - وقد يكون بجعله بدلاً عن الثمن الذي مرجعه إلى شرط حَلّ العَقد الأوّل، ثمّ تبديل الواجد بالثمن.

أمّا المورد الأوّل: فمانع مشروعيّة هذا الشرط ليس إلّاجهالة المبدل، والتعليق في الشرط، وقد تقدّم ما فيهما.

وأمّا سقوط الخيار به، فهو أيضاً ظهر ممّا ذكرناه من أنّ هذا الشرط يوسّع دائرة الغرض المعاملي فلا ضرر.

وأمّا المورد الثاني: فمانع صحّة الشرط بعض ما تقدّم، وعرفت ما فيه، ويجري فيه ما ذكر من أنّه بانحلال العقد ينحلّ الشرط، وجوابه ما تقدّم.

وأمّا في مسقطيّته للخيار، فحال هذا المورد حال المورد المتقدّم، واللّه العالم.

قال الشيخ قدس سره(1): (وبذلك ظهر ضعف ما في «الحدائق» من الاعتراض على الشهيد.... الخ).

أقول: ومحصّل ما أفاده صاحب «الحدائق» رحمه الله(2) بعد حمل الحكم بالفساد من الشهيد رحمه الله على فساد البيع، هو إنّه على إطلاقه ممنوعٌ ، بل يتمّ في صورة ظهور الخلاف، ووجه بطلانه حينئذٍ أنّ الموجود غير المبيع.9.

ص: 365


1- المكاسب: ج 5/265.
2- الحدائق الناضرة: ج 19/59.

ودعوى: أنّ هذا الشرط يَجبر المخالفة، إذ معه كأنّه لم يكن المبيع هو الواجد، فلا مخالفة.

مندفعة: بأنّه شرطٌ فاسدٌ لإطلاق أخبار(1) الخيار، فلا يكون جابراً، وأمّا مع عدم ظهور الخلاف، فمقتضى عموم أخبار الخيار عند ظهور الخلاف، وأخبار(2)البطلان القاضيتين بالصحّة، مع عدم ظهور الخلاف، هو الحكم بالصحّة.

ثمّ وجّه كلام الشهيد رحمه الله: بأنّ مراده الحكم بفساد الشرط، و وجه فساده هو أنّه لا تأثير له مع الظهور وعدمه، إذ مع الظهور على الوصف لا تخلّف كي يجب الابدال، ومع عدمه والمخالفة يكون الشرط مخالفاً للسُنّة، وهي أخبار الخيار فلا أثر له على التقديرين.

أقول: وقد ظهر ممّا حقّقناه وجوه الضعف في كلامه، فلا حاجة إلى الإعادة.

ثبوت خيار الرؤية في كلّ عقد

الأمر الثامن: هل يثبتُ خيار الرؤية في سائرالعقود، أم أنّه مختصّ بالبيع ؟ وجهان:

فإنّ مدرك خيار الرؤية إنْ كان حديث لا ضرر، ثبت ذلك في كلّ عقدٍ، لأنّ نسبة الحديث إلى جميع المعاملات على حَدٍّ سَواء.

وإنْ كان مدركه تخلّف الشرط، فكذلك كما هو واضح.

ص: 366


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/270 باب (وجوب رَدّ المبيع بخيار الرؤية)، وسائل الشيعة: ج 18/28 باب 15 (ثبوت خيار الرؤية فيما لم يره).
2- الكافي: ج 5/169 باب الشرط والخيار في البيع، وسائل الشيعة: ج 18/16 باب (ثبوت خيار الشرط بحسب ما يشترطان).

وأمّا إنْ كان مدركه النَّص الخاص، فمورده خصوص البيع، فإنْ أمكن دعوى القطع بعدم خصوصيّة لموردها، يتعدّى إلى سائر المعاملات، وإلّا فلا.

كما أنّه كذلك لو كان المدرك الإستقراء، وتتبع الموارد الخاصّة.

وأمّا ما أفاده الشيخ رحمه الله(1) من المنفصلة ذات الأطراف الثلاثة، وهي: إنّ العقد لو تخلّف عن وصفه فلا يخلو:

إمّا أنْ يكون باطلاً، أو صحيحاً لازماً، أو صحيحاً جائزاً.

والأوّل: باطلٌ ، لأنّه خلاف طريقة الأصحاب في تخلّف الأوصاف.

والثاني: باطلٌ أيضاً، لأنّ دليل لزوم الوفاء بالعقد، وهو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2) لا يشمله، فإنّ عدم الالتزام بترتّب آثار العقد على العين الفاقد للوصف المشترط فيه، لا يكون نقضاً للعقد.

وعليه، فيتعيّن الثالث.

فيرد عليه: إنّ دليل اللّزوم لا ينحصر بما دلَّ على وجوب الوفاء بالعقد، وفي غيره كفاية، مع أنّ اللّزوم مقتضى الاستصحاب على ما تقدّم. وأضف إلى ذلك كلّه:

أنّ الوصف إنْ كان قيداً مقوّماً للمعقود عليه، لزم من تخلّفه بطلان العقد، وإلّا فإنْ قلنا بأنّ الالتزام بالشرط في قوّة جعل الخيار عند تخلّفه ثبت الخيار، وإلّا فحيث أنّ الشرط التزامٌ آخر في ضمن الالتزام المعاملي، فعدم إمكان العمل بالالتزام الشرطي لا يقتضي جواز نقض الالتزام الأوّل.2.

ص: 367


1- المكاسب: ج 5/266.
2- سورة المائدة: الآية 2.

اختلاف المتبايعين

الأمر التاسع: لو اختلفا فقال البائع: (لم يختلف صفة)، وقال المشتري: (قد اختلفت)، ففي «التذكرة»(1): قُدّم قول المشتري.

أقول: وقد استدلّ لتقديم قول المشتري بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن المصنّف رحمه الله من أنّ الأصل براءة ذمّته من الثمن، ومراده ما وجّهه الشيخ رحمه الله(2): (بأنّ المراد عدم وجوب دفعه إلى البائع، إذ أنّ اشتغال الذّمة بأصله ثابتٌ ، لفرض صحّة المعاملة، مع أنّ الثمن لم يفرض كليّاً، وعليه فلا يرد عليه ما أفاده في محكي «المختلف»(2) في نظير المسألة من أنّ إقراره بالشراء إقرارٌ منه بالاشتغال بالثمن).

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(4) بما حاصله: إنّ هذا الأصل محكومٌ بأصالة عدم التزام البائع على نفسه باتّصاف المبيع بوصفٍ مفقود، لأنّ الشكّ في وجوب التسليم مسبّبٌ عن الشكّ في الخيار، وهو مسبّبٌ عن الشكّ في التزام البائع بالوصف المفقود، فإذا جرى الأصل الحاكم، كان قول البائع موافقا للأصل.

والجواب عنه: - مضافاً إلى ذلك - أنّ كون حكم الخيار عدم وجوب التسليم محلّ نظر ومنع، بل هو واجب ما دام لم يفسخ العقد.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(3)، من أنّ اللّزوم من أحكام البيع المتعلّق

ص: 368


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/467 (ط. ق). (2و4) المكاسب: ج 5/267.
2- مختلف الشيعة: ج 5/297.
3- المكاسب: ج 5/268.

بالعين، الملحوظ فيها الوصف الموجود أو ما يعمّه، والأصل عدمه، ولا تجري أصالة عدم التزام البائع بالوصف المفقود التي ذكرها في رَدّ العلّامة، من جهة أنّ أخذ الوصف في المبيع في قوّة التقييد، وليس التزاماً مستقلّاً، فيكون الالتزام واحداً، وأمره دائراً بين تعلّقه بالموصوف أو الوجود، وحيث أنّ اللّزوم من أحكام تعلّق البيع بالموجود، فتجري أصالة عدمه، ولا تعارضها أصالة عدم تعلّقه بالموصوف بالوصف المفقود، لعدم ترتّب الأثر عليها، إلّاإذا ثبت بها وروده على الموجود.

وفيه: إنّ من الواضح عدم دخالة الوصف الموجود في اللّزوم، فإنّ الدخيل فيه عدم تخلّف الوصف وعدم فقده.

وبعبارة أُخرى : الخيار معلّقٌ على العقد على الموصوف بوصف مفقود، فأصالة عدم تعلّق العقد بالموصوف بوصفٍ مفقود تعبّدٌ بعدم الخيار المعدود بديلاً للّزوم.

الوجه الثالث: ما عن «التذكرة»(1) من أصالة عدم الرضا بهذا الموجود.

وفيه: إنّ الرضا به مفروضٌ ، وإلّا لزم منه البطلان لا الخيار.

أقول: وهناك وجوهٌ أُخر، لكن لأجل وضوح فسادها، أغمضنا عن ذكرها، فظهر أنّ الأصل مع البائع.

قال المحقّق الخراساني رحمه الله(2): - في مقام بيان أنّ الأصل مع البائع - لو كان الاختلاف في ذكر الوصف، أو في ظهور الخلاف، كان الأصل عدمهما.

وفيه: إنّ أصالة عدم ذكر الوصف، وإنْ هي تعدّ من الاُصول العقلائيّة، إلّاأنّها لاتجري في المقام، لتعيّن ذكره دفعاًللغرر، فالخلاف في أنّه الوصف المفقود أو الموجود،8.

ص: 369


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/467 (ط. ق).
2- حاشية الآخوند: ص 208.

ولا أصل عقلائي يعيّن أحدهما، وأصالة عدم ظهور الخلاف ليست من الاُصول العقلائيّة، ولا من التعبّديّة، إلّاإذا كان الخيار مترتّباً على ظهور تخلّف الوصف.

حكم نَسج بعض الثُّوب

الأمر العاشر: لو نَسَج بعض الثوب، فاشتراه على أن يَنسج الباقي كالأوّل، بطل كما عن «المبسوط»(1)، والقاضي(2)، وابن سعيد(3)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(4)، و «جامع المقاصد»(5).

وعن «المختلف»(6): صحّته.

أمّا الشيخ رحمه الله فقد تعرّض للمسألة في «المكاسب»(7) ونقل ما يمكن أنْ يستدلّ به فيها.

أقول: ولكن الظاهر أنّ مورد كلام الفقهاء غير ما ذكره الشيخ، وتنقيح القول فيها إنّ للمسألة صوراً:

الصورة الاُولى: ما هو ظاهر عنوان الأصحاب، وهو ما لو كان المبيع هو الثوب الشخصي الذي يكون بعضه موجوداً وبعضه معدوماً سيوجد، وقد استدلّ لبطلان

ص: 370


1- المبسوط: ج 2/77.
2- المهذّب: ج 1/352.
3- الجامع للشرائع: ص 256-257.
4- القواعد: ج 2/68، تذكرة الفقهاء: ج 1/524، تحرير الأحكام: ج 1/167 (ط. ق).
5- جامع المقاصد: ج 4/302.
6- مختلف الشيعة: ج 5/73.
7- المكاسب: ج 5/269.

البيع فيها بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الشيخ في «المبسوط»(1) وحاصله: إنّ البيع بالإضافة إلى المنسوج لازمٌ ، وبالإضافة إلى غيره موقوفٌ على خيار الرؤية، أي يكون خياريّاً على تقدير التخلّف، فيجتمع في شيء واحد خيار الرؤية وعدمه، وهما متنقضان، فهذا البيع المستلزم للمحال نفوذه، محالٌ نفوذه.

وفيه أوّلاً: إنّ تخلّف الوصف في البعض، يوجبُ الخيار في الجميع دون البعض.

وثانياً: إنّ العقد ينحلّ بتعدّد متعلّقه، فبعضه موضوع اللّزوم، وبعضه موضوع الخيار، فلا تناقض.

الوجه الثاني: ما عن المصنّف في «المختلف»(2) من أنّ الثابت في الشريعة:

إمّا بيعُ معدومٌ غير معيّن، و هو الكلّي في الذّمة.

وإمّا موجودٍ معيّن وهو الشخصي الموجود.

أمّا المعدوم المعيّن فلم يعهد وجوده.

وفيه: إنّه لو شمله عموم قوله تعالى : (أَحَلَّ اَللّهُ اَلْبَيْعَ ) لا يضرّ عدم المعهوديّة.

الوجه الثالث: ما عن المصنّف في «التذكرة»(3) من أنّ الباقي في الذّمة مجهولٌ .

وفيه: إنّ التوصيف يرفع الجهالة.

أقول: وعليه فالأولى أن يستدلّ له بأنّ اعتبار الملكيّة يحتاج إلى محلٍّ له تعيّنٌ مّا كالكلّي في الذّمة، والعين الموجودة في الخارج المضافة إلى البائع، وما سيوجد بعدُ).

ص: 371


1- المبسوط: ج 2/77.
2- مختلف الشيعة: ج 5/74.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/524 (ط. ق).

ليس في الذّمة، لعدم كونه كليّاً، ولا تعيّن خارجي له مضافاً إليه، فلا يصحّ بيعه.

وفيه: إنّ هذا الدليل موضع تأمّل، لأنّه يمكن أنْ يقال: كما أنّ الكلّي يكون في الذّمة، كذلك الشخصي الذي سيوجد يعتبره العقلاء في العهدة، ومعه لا مانع من بيعه، واللّه العالم.

الصورة الثانية: بيع المنسوج الموجود، مع مقدارٍ معيّن من الغزل الموجود على أن ينسجه كالموجود، فالمبيع بتمامه موجود، والشرط متعلّق بنسج بعضه، ولو نسجه بذلك المنوال فلا كلام، وإلّا ثبت له خيار تخلّف الشرط، وعلى التقديرين البيع صحيح.

الصورة الثالثة: ما إذا باع المنسوج الموجود، ومقداراً كليّاً من الغزل، بشرط أنْ ينسجه على منوال المنسوج الموجود، فإنّه لا محذور فيه، لا من حيث البيع، إذ ضمّ الكلّي إلى الشخصي في مقام البيع لا مانع منه، ولا من حيث الشرط، ولو لم ينسجه على ذلك المنوال، فقد حكم الشيخ رحمه الله(1) بثبوت خيار تخلّف الشرط.

ولكن يرد عليه: إنّ الكلّي بما أنّه لا يتعيّن في ما نسج، ولذا للبائع الأبدال، فلا يتعيّن للمشتري القبول، ولا خيار له، بل له الامتناع عنه.

الصورة الرابعة: ما لو باع المنسوج الموجود، وغَزَلاً كليّاً منسوجاً كالباقي، فصفة المنسوجيّة مقوّمة للبيع الكلّي لا أنّها شرطٌ فيه، ولا محذور فيه من حيث البيع، إلّاأنّه عند التخلّف يتعيّن الابدال.

الخيار (السابع، خيار العيب، وسيأتي) الكلام فيه مفصّلاً في الفصل اللّاحق في مبحث العيوب عند ذكر المصنّف له.

***0.

ص: 372


1- المكاسب: ج 5/270.

والخيار موروثٌ .

انتقال حقّ الخيار إلى الوارث

(و) يدور البحث في المقام عن أحكام الخيار: فقد تقدّم ذكر كثير منها في المباحث المتقدّمة، وبقي الكلام في مسائل، وهي:

المسألة الأُولى : صرّح الأصحاب(1) بأنّ (الخيار موروثٌ )، فإذا مات مَنْ له الخيار، انتقل خياره إلى الوارث، من أيّ أنواع الخيار كان، بل ظاهرهم الإجماع عليه(2).

وتنقيح القول فيه: إنّ إرث الخيار يتوقّف على ثبوت أمرين:

أحدهما: كون الخيار حقّاً لا حُكماً شرعيّاً.

الثاني: كونه باقياً بعد الموت، ولا يكون من الأُمور القائمة بشخص مخصوص.

أقول: الكلام يقع في مقامين:

أمّا المقام الأوّل: فقد استدلّ له:

1 - بالإجماع.

2 - وبالإجماع على سقوطه بالإسقاط، إذ الحكم لا يقبل الإسقاط.

3 - وبالتعليل في خبر خيار الحيوان، لانتفائه بالتصرّف لأنّه رضاً بالعقد(3).

ويرد على الأخير: ما تقدّم من أنّه تعبّدٌ بكون التصرّف رضاً بالعقد وإجازة

ص: 373


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/536، الحدائق الناضرة: ج 19/70، رياض المسائل: ج 8/202 (ط. ج).
2- غنية النزوع: ص 221.
3- الكافي: ج 5/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 18/13 ح 23032.

له، ولا كلام في أنّه في البيع الخياري كما لمن له الخيار فسخ العقد، كذلك له إجازته وإمضائه وجعله لازماً، وهذا غير كونه حقّاً.

اللَّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ إجازة العقد وإمضائه توجبُ اللّزوم من جهة كونها إسقاطاً للخيار كما تقدّم.

ويمكن أنْ يستدلّ له: بأنّ لزوم البيع حقّيٌ لا حكمي، ولذا يكون جعل الخيار فيه مشروعاً نصّاً وفتوى، فكذلك الخيار الذي يقابله، بل نفس مشروعيّة جعل الخيار دليل كونه حقّاً، لأنّ الحكم أمره بيده جاعله، وهو الشارع، ولا يُعقل التسبيب إليه بإيجاده.

هذا كلّه مضافاً إلى تسالم الأصحاب على ترتيب آثار الحقّ عليه.

وأمّا المقام الثاني: فحيث إنّ جملة من الحقوق لا تكون قابلة للانتقال أو الانتقال بالإرث من جهة كون الموضوع مقوّماً كحقّ التولية الملحوظ فيه شخص خاص، أو كون الموضوع عنواناً مأخوذاً على نحو الحيثيّة التقييديّة، كالحقّ المجعول لأعلم أهل البلد، أو كونه مغيّاً بغاية يستحيل عدم تحقّقها بعد الموت، كخيار المجلس المغيّا بالافتراق المتحقّق بالموت قهراً، فإنّ مثل هذه الحقوق لا تورث، فلابدَّ من إثبات أنّ حقّ الخيار ليس من قبيل هذه الحقوق، بل هو حقٌّ قابلٌ للانتقال بالإرث ويكون باقياً بعد الموت.

ودعوى: إنّ عمومات الإرث مثل قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) (1)، وقوله عزّ وجلّ : (وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) (2)، والنبويّ :2.

ص: 374


1- سورة النساء: الآية 11.
2- سورة النساء: الآية 12.

«ماتركه الميّت من مالٍ فلوارثه»(1)، تكفي لإثبات كونه قابلاً للانتقال، والاستصحاب يثبت بقائه بعد الموت، فبضمّ الاستصحاب بعمومات الإرث يثبت ذلك.

مندفعة: بأنّ ذاك الحقّ القائم المورّث زال قطعاً لتقوّمه به، والشكّ إنّما هو في حدوث حقّ للوارث، فالمشكوك غير المتيقّن.

وإنْ اُريد استصحاب كلّي الحقّ ، فمضافاً إلى أنّه من قبيل القسم الثالث من أقسام الكلّي، لا يجدي لإثبات الحقّ للوارث.

وإنْ أبيت ما ذكرناه، فلا أقلّ من الشكّ في الموضوع، لاحتمال كون المستحقّ مقوّماً للموضوع، أو يكون استحقاقه لأجل عنوانٍ منطبق عليه مفقود في الوارث، فلا يجري الاستصحاب.

وبالجملة: فالعمدة في إثبات كونه قابلاً للانتقال إلى الورّاث هو الإجماع، وبعد ذلك يدخل في عموم أدلّة الإرث.

وقد يقال - كما عن جمعٍ منهم المحقّق الايرواني رحمه الله(2) - إنّ الخيار غير قابل للإرث بوجه، لأنّ الخيار سلطنة من ذي الخيار على متعلّقه، وربطٌ خاص بينهما، كما أنّ الملك استيلاءٌ بين المالك والمملوك، وربطٌ خاصٌّ بينهما، وكلّ من الربطين غير2.

ص: 375


1- ذُكر هذا الحديث بلفظ (من ترك مالاً فلورثته، وفي بعضها (فلوارثه) راجع الكافي: ج 1/406 ح 6، مستدرك وسائل الشيعة: ج 13/398 ح 15718، وفي المسائل الناصريّات: ص 418 قال: وأيضاً ما رواه المقدام بن معدى يكرب، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: (من ترك كلاً فإليّ ، ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وإرثه)، ورواه مسند ابن حنبل: ج 4/133، وذكر كثيراً في الكتب الفقهيّة مع اختلاف يسير في الألفاظ.
2- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/72.

قابل للإرث، لأنّهما نسبتان قائمتان بنفس الشخص، وإذا مات انعدمت هذه النسبة ولم تبق حتّى يصدق عليها عنوان (ما ترك).

نعم، عين المال متروكٌ في الأموال، فيحكم بإرثه، يعني حدوث نسبة أُخرى للوارث شبيه تلك النسبة التي كانت للمورّث.

وأمّا في الحقوق: فعين الأموال المتعلّقة لها أموال الآخرين، لا يصدق أنّها ممّا تركه الميّت كي يحدث للورثة حقٌّ فيها يشبه ما كان لمورّثهم، ولذا لا يحكم بإرث الحقوق المستحبّة.

وفيه: إنّه كما يكون للملكيّة قسمان من المتعلّق: حقيقيٌ كالعين الخارجيّة، واعتباريٌ ككلّي الحنطة الباقية في الذّمة، كذلك يكون للحقّ قسمان من المتعلّق:

حقيقيٌ كالأرض المحجّرة بالنسبة إلى حقّ الأولويّة، واعتباري كالعقد الذي هو متعلّق حقّ الفسخ.

وعليه، فكما يقال في الملك إنّ الموروث هو المتعلّق لا الملكيّة، وإنّما تحدث الملكيّة بأدلّة الإرث، كذلك يقال في الحقّ إنّ الموروث هو المتعلّق، وبدليل الإرث يحدث الحقّ . فتدبّر فإنّه دقيق.

وأمّا عدم إرث الحقوق المستحبّة، فوجهه كون المستحقّ مقوّماً لا مورداً.

***

ص: 376

إرث الخيار ليس تابعاً لإرث المال

وينبغي التنبيه على أُمور:

التنبيه الأوّل: هل إرث الخيار تابعٌ لإرث المال، فلو فرض استغراق دين الميّت لتركته، منع انتقال الخيار إلى الوارث، ولو كان الوارث ممنوعاً لنقصانٍ فيه كالقتل للمورّث، أو كان حرمانه من المال لتعبّد شرعي كالزجة بالنسبة إلى العقار، لايرث، أم لا يكون تابعاً له، أم هناك تفصيلٌ؟ وجوه.

أقول: تعرّض الشيخ الأعظم قدس سره(1) لذكر ذلك مفصّلاً، وقسّم حقّ الخيار باعتبار مورده إلى أقسام، وبيَّن حكم كلّ قسمٍ ، ونحن نقتفي أثره:

القسم الأوّل: مورد استغراق الدين للتركة، وقد أرسل الشيخ رحمه الله(2) إرث الخيار فيه إرسال المسلّم.

وأورد عليه السيّد الفقيه رحمه الله (1) : بأنّ الإشكال الآتي في الزوجة بالنسبة العقار جارٍ فيه أيضاً.

ثمّ قال: (بل يمكن أنْ يقال بعدم الإرث في المقام، وإنْ قلنا به في الزوجة، من حيث أنّ ما دلَّ على ممنوعيّته من الإرث لأصل التركة، وهو قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها) (2) وغيره من الأخبار(3) يدلّ بإطلاقه أو فحواه على عدم

ص: 377


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/143.
2- سورة النساء: الآية 11.
3- الكافي: ج 7/23 باب (أنّه يبدأ بالكفن، ثمّ بالدَّين، ثمّ بالوصيّة)، وسائل الشيعة: ج 19/329 باب 28 (أنّه يجب الابتداء من التركة بعد الكفن بالدين ثمّ الوصيّة ثمّ الميراث).

الإرث للحقّ المتعلّق بها أيضاً، فإنّه مزاحمٌ للدين).

أمّا الإشكال الآتي في الزوجة وإجماله: أنّ حرمانها من المال المتروك يوهم حرمانها من الخيار المتعلّق به، كما سيأتي تفصيله، فهو لا يجري في الدين المستغرق:

أمّا بناءً على ما اختاره الشيخ رحمه الله(1) من انتقال التركة إلى الورثة فواضح.

وأمّا بناءً على عدم الانتقال، فلأنّ الاستغراق عن إرث ما يمكن وفاء الدَّين به وهو المال دون حقّ الخيار، وهو ليس مزاحماً للدين، فلو كان مزاحمٌ فهو اعماله.

ويمكن أنْ يقال: إنّه لا يزاحم، بل ينتقل المال من المفسوخ عليه إلى الورثة، وما تركه الميّت بما أنّه متعلّق حقّ الدّيان لا ينتقل إليه، بل هو في حكم التلف، وتشتغل ذمّة الميّت بالبدل، كما سيأتي إنشاء اللّه تعالى نظيره في المبحث الآتي.

الأمر الثاني: مورد وجود أحد موانع الإرث كالقتل والرِّق والكفر، وقد أرسل عدم الإرث فيه إرسال المسلّم، وهو كذلك، فإنّ نسبتها إلى جميع ما تركه الميّت مِلْكاً كان أو حقّاً على حَدٍّ سَواء.

الأمر الثالث: مورد المانع التعبّدي، ككون المتروك أرضاً بالإضافة إلى الزوجة، وهو الذي نقل فيه الأقوال.

وملخّص الكلام فيه: إنّ الوجوه والأقوال فيه أربعة أو خمسة:

ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلاً إلى الميّت أو عنه، فيرث في الأوّل دون الثاني.

رابعها: عدم الجواز فيما انتقل إلى الميّت، والإشكال فيما انتقل عنه.1.

ص: 378


1- المكاسب: ج 6/111.

خامسها: ما يظهر من «المستند»(1) وجود القائل به، وهو الفرق بين انحصار الوارث بها فلا ترث، وبين عدم الانحصار فترث.

وجه القول الأوّل: عموم دليل الإرث، وعدم المانع عن خصوص الخيار.

أقول: استدلّ لعدم الإرث مطلقاً بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ الخيار ملك كلا الالتزامين اللّذين هما مدلولان التزاميّان للبيع، حيث أنّه بمدلوله الالتزامي يدلّ على التزام كلّ من المتعاقدين بالمدلول المطابقي، وهو المبادلة بين المالين، وكلّ منهما مالكٌ لالتزام طرفه إذا لم يكن خياريّاً، والخيار عبارة عن ملك كلا الالتزامين، ولا يمكن أنْ تَملك الزوجة كليهما، إذ الأرض لو انتقلت عن الميّت، فهي ليست مالكة لالتزام نفسها، ولو انتقلت إليه فهي ليست مالكة لالتزام طرفها، لأنّ الأرض لغيرها من الورثة.

وفيه: إنّ معنى مِلْك الالتزامين، التسلّط على الفسخ والإمضاء الذي هو أمرٌ اعتباري عقلائي، كان ثابتاً للمورّث فيرثه وارثه، وليس تابعاً للملك، ولذا يصحّ جعله للأجنبي.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ رحمه الله(2)، من أنّ الخيار عبارة عن السلطنة على استرداد ما انتقل عن ذي الخيار، بعد الفراغ عن السلطنة على ما انتقل إليه، والزوجة إمّا لا سلطنة لها على الرَّد، لو كان المنتقل إلى الميّت أرضاً، وإمّا لا سلطنة لها على الاسترداد، لو كان المنتقل عن الميّت أرضاً.6.

ص: 379


1- مستند الشيعة: ج 14/415.
2- المكاسب: ج 6/116.

وفيه أوّلاً: إنّ الخيار عبارة عن السلطنة على حَلّ العقد، ويستلزم ذلك الرَّد والاسترداد.

وثانياً: إنّه لو كان عبارة عن السلطنة على الرَّد والاسترداد، فهو عبارة عن السلطنة على الرَّد والاسترداد إلى المالكين.

وبعبارة أُخرى : عبارة عن رَدّ المبيع مِلْكاً لا خارجاً، ويوجبُ إعادة الربط الملكي من دون أن يقيّد محلّه بشخصٍ خاص، وعليه:

فإنْ قلنا بأنّه بالفسخ يرجع المال إلى الميّت، ومنه إلى الورثة، كان لازمه إرث الزوجة لو كانت الأرض منتقلة إلى الميّت، لأنّه يعود الثمن إليه، والزوجة ترث منه، ولو كانت منتقلة عنه لم ترث منها.

ولو قلنا بأنّه بالفسخ يرجع المال إلى الورثة، يمكن أنْ يقال:

إنّ الزوجة وإنْ لم ترث من الأرض، إلّاأنّه لا مانع من كون فسخها سبباً لعود الأرض إلى سائر الورثة، واللّه العالم.

واستدلّ للثالث: - وهو فيما إذا كانت الأرض منتقلة إلى الميّت -:

1 - بأنّ العقد حيث يكون متزلزلاً لثبوت الخيار لسائر الورثة، فالثمن في معرض الانتقال إلى جميع الورثة، ومنهم الزوجة، فللزوجة حقٌّ في الثمن، فلها استيفائه بإعمال الخيار.

2 - وبأنّ الخيار هو السلطنة على الاسترداد خاصّة.

وأمّا إذا كانت الأرض منتقلة عنه، فحيثُ إنّه لا سلطنة لها على استردادها، لا لنفسها لحرمانها، ولا لمن نصبت من قبله، فلا ترث.

ص: 380

وفيه: - مضافاً إلى فساد الشقّ الثاني كما تقدّم - إنّه لو أُغمض عن ذلك، وسُلّم كونه عبارة عن السلطنة على الاسترداد، فليس هو السلطنة على الاسترداد خاصّة، بل عن السلطنة عليه وعلى الرَّد، فمع عدم إمكان أحدهما لا يثبت الخيار، ففيما إذا كانت الأرض منتقلة إلى الميّت - وإنْ كان لها السلطنة على الاسترداد - إلّا أنّه لا سلطنة لها على الرَّد، لعدم كون الأرض مِلْكاً لها، ولا هي منصوبة من قبل مالكها، فليس لها الرَّد، بل يمكن منع السلطنة على الاسترداد، لأنّ تزلزل العقد من ناحية خيار الورثة لا يوجب أيّ سلطنةٍ للّزوجة، وكون الثمن في معرض الانتقال، لا يوجبُ السلطنة الفعليّة، بل الثمن ملكٌ شأني للّزوجة على تقدير إعمال الخيار.

واستدلّ للرابع: - أي لعكس هذا التفصيل - بأنّ الثمن في صورة الانتقال إلى الميّت ملك للورثة، ومنهم الزوجة، فلها السلنطة على ردّه، والخيار وإن كان سلطنة على الاسترداد، إلّا أنّ السلطنة على الاسترداد إلى النفس أو إلى من كان منصوباً من قبله غير لازم، بل الفسخ يوجبُ الرجوع إلى الميّت، فلا مانع من الرَّد والاسترداد.

وهذا بخلاف صورة العكس، فإنّ الأرض ملك لسائر الورثة ما عدا الزوجة، ولا سلطنة لها على ما يستحقّه الغير.

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم - إنّه مع دلالة الدليل، أيُّ مانعٍ من الالتزام بأنّ لها السلطنة على ما يستحقّه الغير.

ويرد الوجه الخامس: إنّه لا يمكن انحصار الوارث فيها، إذا مع فرض عدم وجود أحدٍ، يكون الإمام وارثاً معها.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّها ترث مطلقاً، ومحصّل الوجه في ذلك، وجود المقتضي،

ص: 381

وعدم المانع:

أمّا وجود المقتضي: فهو عموم دليل الإرث.

وأمّا عدم المانع: فلأنّ المانع المتوهّم فيما إذا كانت الأرض منتقلة إلى الميّت.

1 - إمّا عدم سلطنتها على رَدّها، وقد عرفت أنّ الفسخ حَلّ العقد، مع أنّه لو كان عبارة عن الرَّد والاسترداد كان هو الرَّد المِلْكي لا الخارجي، فلا مانع من ردّها الأرض، وإنْ كانت مِلْكاً لغيرها.

2 - وإمّا عدم كونها مالكة لكلا الالتزامين، وقد عرفت دفعه.

وما يتوهّم مانعيّته فيما إذا كانت الأرض منتقلة عن الميّت:

1 - إمّا عدم سلطنتها على استردادها إلى نفسها.

2 - وإمّا عدم مالكيّتها لالتزامين، وقد عرفت دفعهما.

***

ص: 382

كيفية استحقاق الورثة للخيار

التنبيه الثاني: في كيفيّة استحقاق كلٍّ من الورثة للخيار، برغم أنّه شيءٌ واحد غير قابل للتجزئة والتقسيم، وجوه:

الوجه الأوّل: ما اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) من استحقاق كلّ منهم خياراً مستقلّاً كمورّثه، بحيث يكون له الفسخ في الجميع وإنْ أجاز الباقون.

واستدلّ له: بظاهر النبويّ المنجبر بالعمل: «ماترك ميّت من حقٍّ فهو لوارثه»(2)، بتقريب أنّ ظاهره ثبوت الحقّ لكلّ وارثٍ ، لتعقّل تعدّد من له الخيار، وإنّما لا يلتزم بذلك في المال من جهة عدم تعدّد الملّاك شرعاً لمالٍ واحد.

وأورد عليه الشيخ رحمه الله(3): بوجوه:

أحدها: إنّماكان للميّت وتركه للوارث حقٌّ واحدٌشخصي، وقيامه بالأشخاص المتعدّدين أوضح استحالةً وأظهر بطلاناً من تجزءته وانقسامه على الورثة.

وفيه: إنّ الحقّ لا يكون متروكاً لما تقدّم من انعدامه بموت المستحقّ ، بل المتروك ما هو مورد الحقّ ، ولا مانع من صيرورته طرفاً لإضافات متعدّدة بعدد الورثة، كما لا مانع من تعلّق الحقّ المستقلّ متعدّداً بعقدٍ واحد.

أقول: والأولى في تقريب هذا الوجه أنْ يقال:

ص: 383


1- جواهر الكلام: ج 23/76.
2- مفتاح الكرامة: ج 4/590 (ط. ق)، جواهر الكلام: ج 23/75، رياض المسائل: ج 1/527، وورد في مصادرالعامّة كسنن ابن ماجه: ج 2/914-2738، ومسند أحمد: ج 2/453، بتفاوت.
3- المكاسب: ج 6/119.

إنّ مورد هذا الحقّ هو حَلّ العقد، وحيث إنّ ما هو موردٌ بالإضافة إلى المورث هو الحَلّ الواحد غير المتعدّد، والواحد لا يتعدّد بالانتقال من طرفٍ إلى طرف، فلا يعقل فيه التعدّد.

ثانيها: إنّ مفاد دليل الإرث بالنسبة إلى المال المتروك والحقّ المتروك شيءٌ واحد، ولا يستفاد منه الاشتراك بالنسبة إلى المال، والتعدّد بالنسبة إلى الحقّ ، إلّامع استعمال الكلام في معنين.

وفيه: إنّ دليل إرث الحقّ غير دليل إرث المال، فلا محذور في تعدّد المعنى .

ثالثها: إنّ مقتضى ثبوت ما كان للميّت لكلٍّ من الورثة، أن يكونوا كالوكلاء المستقلّين، فيمضي السابق من إجازة أحدهما أو فسخه، ولا يؤثّر اللّاحق، فلا وجه لتقدّم الفسخ على الإجازة على ما ذكره.

وفيه: إنّه فرقٌ بين كون الحقّ واحداً وللمتعدّد إعماله، كما في مسألة الوكالة، وبين كون الحقّ متعدّداً في نفسه على ما فرضه صاحب «الجواهر»(1)، وما أفاده إنّما هو في الأوّل، ومورد كلام «الجواهر» هو الثاني، ولازم كون الحقّ متعدّداً، عدم مزاحمة إجازة المجيز لفسخ الفاسخ، لاستقلال كلّ شخصٍ بشخصٍ من الخيار.

رابعها: إنّ المراد بالوإرث في النبويّ وغيره ممّا اُفرد فيه لفظ الوارث، جنس الوارث، المتحقّق في ضمن الواحد والكثير، وقيام الخيار بالجنس يتأتّى على الوجوه الأربعة.

وفيه: إنّه لو كانت القضيّة مهملة، صَحَّ ما أفاده، وأمّا لو كانت مطلقة فحيث إنّ 6.

ص: 384


1- جواهر الكلام: ج 23/76.

الجنس ليس إلّاالطبيعة، فكونها تمام الموضوع لا يكون إلّاعلى الوجه الثاني في كلامه الذي سيأتي التعرّض له.

فتحصّل ممّا ذكرناه: - مضافاً إلى عدم استقامة شيء ممّا ذكره الشيخ رحمه الله(1) - عدم تماميّة ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) ثبوتاً وإثباتاً.

الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ رحمه الله(3) بقوله: (وهنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع، وهو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقّق الطبيعة في ضمنه، لا من حيث كونه مجموعاً، فيجوز لكلّ منهم الاستقلال بالفسخ، ما لم يجز الآخر لتحقّق الطبيعة في الواحد، وليس له الإجازة بعد ذلك، كما أنّه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده، لأنّ الخيار الواحد إذا قام بماهيّة الوارث - واحداً كان أو متعدّداً - كان إمضاء الواحد كفسخه ماضياً، فلا عبرة بما يقع متأخّراً عن الآخر) انتهى .

وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله(2): بأنّه مبنيٌّ على أنْ يكون إرث الخيار ثابتاً لصِرف الوجود من الوارث، لا لمطلق الوجود، وحيث أنّ صِرف الوجود قائمٌ بكلّ واحدٍ من الورثة، فكلّ مَن بادر إلى إعمال الحقّ ينفذ في حقّ الجميع، وهذا خلاف المبتادر من الأدلّة من كون الحكم شموليّاً.

وفيه: إنّ مراده بذلك ليس ثبوت الحقّ لصرف وجود الطبيعة في مقابل ثبوته لجميع الوجودات، بل مراده به ثبوته للطبيعي من حيث هو، بتقريب أنّه كما قد يكون المملوك كليّاً، كمنٍّ من الحنطة في الذّمة، وقد يكون المالك كليّاً ككلّي الفقير والسيّد في الخُمس والزّكاة، كذلك قد يكون مَنْ له الحقّ كليّاً ككلّي الوارث، وتعيّنه9.

ص: 385


1- جواهر الكلام: ج 23/76.
2- منية الطالب: ج 2/159.

وإنْ احتاج إلى معيّن، إلّاأنّه إنّما يكون في المقام بإقدام من هو مصداق الطبيعي القابل للانطباق عليه بالأخذ بالخيار.

وبهذا أظهر أنّه لا وجه لما أورده السيّد(1) عليه بأنّ الأولى عَدّ هذا الوجه معنى آخر، لقيام الخيار بكلّ واحدٍ مستقلّاً.

أقول: ولكن الذي يرد على هذا الوجه، هو أنّ سياق أدلّة الإرث في الحقّ والمال واحد، وبديهي أنّه ليس إرث الملك كذلك، فإرث الحقّ أيضاً ليس كذلك.

الوجه الثالث: ما اختاره الشيخ رحمه الله(2)، من استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، فيشتركون فيه، ولا يكون الحقّ متعدّداً ولا المستحقّ ، ولازمه عدم جواز الفسخ ولا الإجازة من البعض.

وقد استند في ذلك إلى أنّ الحقّ أمرٌ بسيطٌ غير قابل للتجزئة، فيشتركون فيه، وليس كالمال القابل لها.

وبعبارة أُخرى : إنّ مقتضى أدلّة الإرث ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة، إلّا أنّ التقسم في الأموال لما كان ممكناً، كان مرجع ذلك إلى اختصاص كلّ منهم بحصّة بخلاف الحقّ ، فإنّه يبقى على حاله من اشتراك مجموع الورثة فيه.

وفيه: إنّ الحقّ أمرٌ بسيط كالملكيّة، ولا يتجزّى، ولكن يتعدّد بتعدّد مورده، ومورده في المقام هو الحَلّ ، ومتعلّق الحَلّ هو العقد، والعقد بما أنّه على ملكيّة الدار مثلاً والدار قابلة للتبعض، وكذا ملكيّتها، كذلك العقد، ومع فرض قبول العقد له، يكون الحَلّ أيضاً قابلاً له، فيعقل تعدّد حقّ الحلّ والفسخ.8.

ص: 386


1- حاشية المكاسب لليزدي: ج 2/148.
2- المكاسب: ج 6/118.

وعليه، فإذا كانت الملكيّة بمقتضى أدلّة الإرث منتقلة إلى المتعدّد بنحو التعدّد، أي كلّ وارثٍ ملك لمقدارٍ من المال، لا محالة ينحلّ العقد إلى عقودٍ، كلّ منهم طرفٌ لما هو متعلّق بحصّته، فلا محالة يتعدّد حقّ الخيار.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو الوجه الرابع، وهو استحقاق كل منهم خياراً مستقلّاً في نصيبه، فله الفسخ فيه دون باقي الحصص.

ثمّ إنّه على الوجوه الثلاثة الأوّل لا إشكال في أنّه ليس لكلّ واحدٍ من الورثة أن يفسخ بمقدار حصّته، إذ الحقّ واحد وهو الخيار في الكلّ ، فلا يجوز له الفسخ في البعض.

وأمّا على المختار، فهل يجوز التفريق في الفسخ والإجازة، بأن يفسخ واحد منهم بالنسبة إلى حصّته من المال، أم لا يجوز ذلك ؟

ربما يقال بالثاني، واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله(1)، من أنّ مقتضى الشرط الضمني الذي التزم به الميّت، من عدم تبعّض الصفقة عليه، عدم نفوذ اعمال الخيار لكلّ واحدٍ مستقلّاً، بل لابدَّ من اتّفاقهم على الفسخ والإجازة، إلّاأن يرضى الطرف بالتبعّض.

وفيه: إنّ الشرط إنْ كان هو أنْ لا يفسخ في البعض، فغايته عدم جوازه تكليفاً لا وضعاً، لأنّ شرط الترك لا يوجبُ عدم نفوذ الفعل.

نعم، لو تخلّف، ثبت الخيار لمن عليه الخيار لتبعّض الصفقة.

الوجه الثاني: أنّه يلزم منه التشقيص، وهو ضررٌ على الطرف منفيّ بالحديث.

وفيه: إنّ ضرره يُجبر بالخيار في أصل البيع.8.

ص: 387


1- منية الطالب: ج 2/158.

وبالجملة: فالأظهر هو الأوّل.

أقول: ويترتّب على كون حقّ الخيار واحداً قائماً بالمجموع، عدم الانفساخ بفسخ أحدهم، وعدم سقوط الحقّ باسقاطه، بل لابدَّ من الاجتماع على الفسخ أو الإسقاط، وهذا جارٍ في كلّ حقّ ثبت لمتعدّدٍ لم يُعلم من الخارج كونه على خصوص واحد من الوجوه المذكورة، وقد ورد في الشرع ما يوهم خلاف ذلك، فإنّ الأصحاب أفتوا بأنّ أحد الورثة إذا عفي عن الشفعة، كان للآخر الأخذ بكلّ المبيع، والإشكال فيه من وجهين:

أحدهما: إنّه كيف ينفذ العفو من أحدهما، مع أنّ الحقّ واحدٌ قائمٌ بالمجموع ؟!

ثانيهما: إنّه كيف يجوزُ الاستيفاء من أحدهم، ولو لم يأذن به الآخر؟!

وأجاب عنه الشيخ رحمه الله(1): بأنّه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشريكين، تضرّر الآخر بالشركة.

وفيه أوّلاً: إنّه لو تمّ اقتضى بقاء حقّه بمقدار حصّته، فإنّ إرث حقّ الشفعة إنّما هو بمقدار الحصّة لقاعدة الميراث لا استيفاء الحقّ في الجميع.

وثانياً: إنّه لا يتمّ ، لأنّ حقّ الشفعة لا يكون ثبوته للضرر، فإنّ ضرر الشركة حاصلٌ قبلاً، وقد تبدّل شريكٌ بشريك، وربما يكون الثاني أحسن من الأوّل.

وثالثاً: إنّه إذا كان للجميع حقٌّ واحد فلا ضرر، لأنّ الملك الكذائي المتعلّق لحقٍّ قائمٍ بالمجموع قد انتقل إلى الورثة، ولا ضرر في ذلك.

أقول: والحقّ أنّه لا فرق بين حقّ الشفعة والمقام، وما ذكرناه يجري فيه.

***1.

ص: 388


1- المكاسب: ج 6/121.

لو اجتمع الورثة على الفسخ

التنبيه الثالث: إذا اجتمع الورثة على الفسخ، فهل يرجع المبيع إلى الميّت، أو إلى الورثة ؟

أقول: ويترتّب على هذا النزاع فوائد لا تخفى .

والشيخ قدس سره(1) بنى الحكم في هذا الفرع على أنّ الوارث؛ هل هو نائبٌ عن الميّت في الفسخ والإجازة، بمعنى أنّه يفسخ عن الميّت فينتقل المال إلى الميّت، ثمّ إلى الوارث، أم هو مستقلٌّ وقائمٌ مقامه، بمعنى أنّه يفسخ عن نفسه، لانتقال الحقّ الثابت للميّت إليه، فينتقل المال إلى الورثة ؟

ومختاره رحمه الله هو الثاني.

ويرد عليه: أنّ الوارث ليس نائباً عن الميّت في الفسخ، بل الحقّ ثابتٌ له، ولكن ليس معنى ذلك فسخ العقد عن نفسه ولنفسه، بل معناه حقّ حَلّ العقد وفسخه لا عن نفسه ولا عن غيره، لأنّ نسبته إلى الكلّ على حَدٍّ سَواء.

وبعبارة أُخرى : الفسخ حَلّ للعقد القائم بشخصين خاصّين، مع أنّه على تقدير الإغماض عمّا ذكرناه، وتسليم ما أفاده الشيخ رحمه الله لا وجه لتفصيله بين ما إذا كان للميّت مال، وبين ما لم يكن، فإنّ مقتضى ما أفاده انتقال العين إلى الورثة، واشتغال ذممهم بمقدار حصصهم للمفسوخ عليه، ومن غير فرقٍ بين أنْ يكون له مالٌ وأن لا يكون له مال.

ص: 389


1- المكاسب: ج 6/125.

والحقّ أنْ يقال: إنّ حقّ الخيار الموروث ليس من قبيل حقّ الشفعة، فإنّ حقيقة حقّ الشفعة تملّك حصّة الشريك من مشتريها بثمنها، ومعلومٌ أنّ تملّك حصّة الشريك ببذل الثمن لا يقتضي رجوع الحصّة إلى الميّت ولا ثمنها منه.

وبالجملة: الموروث ليس له حَقّ التملّك، بل له حَقّ حلّ العقد، وهو يقتضى رجوع الأمر إلى ما كان، ولازم ذلك عود الملك إلى الميّت، وعود بدله عليه، إذا المعاوضة كانت بينه وبين المفسوخ عليه.

أقول: وغاية ما يمكن أنْ يورد على هذا الوجه أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ انتقال المال إلى الميّت غير معقول لعدم قابليّته لذلك.

وفيه: إنّ الملكيّة من الاعتباريّات، وهي خفيفة المؤونة، ولا مانع من اعتبار شيء مِلْكاً له لو اقتضت المصلحة ذلك.

الأمر الثاني: إنّ الوارث حيث يكون قائماً مقام مورثه، فيكون عقده عقده، فكأنّ العقد واقعٌ على ماله. والحَلّ حَلٌّ لهذا العقد، ولازم ذلك تلقي الفاسخ من المفسوخ عليه من حين فسخه، لا التلقّي من الميّت لتشتغل ذمّته بالبدل.

وفيه: إنّ دليل الإرث يدلّ على أنّ ما كان للميّت من مِلْكٍ أو حقّ فهو لوارثه، ولا يدلّ على أنّ ما كان مضافاً إليه مضافٌ إلى وارثه كي يكون عقده عقده.

الأمر الثالث: إنّه جرت السيرة بأنّ ورثة البائع ببيع خيار رَدّ الثمن يردّون مثل الثمن من أموالهم، ويستردّون المبيع لأنفسهم، من دون أن يلزموا بأداء الدِّيون منه بعد الإخراج.

وفيه أوّلاً: إنّ وجه جريان السيرة غير معلوم، ولعلّه يكون رَدّهم مثل الثمن من

ص: 390

أموالهم من جهة أنّ الفسخ أوجب اشتغال ذمّة الميّت بالثمن، فهم يؤدّون دينه.

نعم، لو جرت السيرة بعدم أداء سائر ديون الميّت من المبيع، وعدم كونهم ملزمين بذلك، كَشَف ذلك عن عدم انتقال المبيع إلى الميّت، ولكن قيام السيرة على ذلك ممنوع.

وثانياً: إنّ غاية ما يثبت بذلك كون إرث الخيار المشروط بردّ مثل الثمن من قبيل حقّ الشفعة، ولا يثبت به أنّ جميع الخيارات كذلك.

الأمر الرابع: قياس حقّ الخيار بحقّ الشفعة، وقد عرفت الفرق بينهما.

أقول: وهناك وجوه اُخر يمكن دفعها بعد مراجعة ما ذكرناه.

وبالجملة: فالحقّ أنّه تنتقل العين إلى الميّت، فإنْ كان بدلها موجوداً فهو يعود إلى المفسوخ عليه.

لا يقال: إنّه قد انتقل إلى الوارث، فهو في حكم التلف.

فإنّه يقال: إنّه ملكٌ متزلزل فيستردّ منهم، وإلّا فتشتغل ذمّة الميّت بالبدل، سواءٌ أكان للميّت مالٌ أم لم يكن، فيكون سبيله سبيل سائر ديونه، وأمّا العين فإنْ لم يكن للميّت دينٌ تنقل إلى الورثة، وإلّا فإنْ كان الدين غير مستوعب، ينتقل الفاضل منه على الدين إليهم، وإنْ كان مستوعباً لا ينتقل شيء منها إليهم.

***

ص: 391

حكم الخيار المجعول للأجنبي

التنبيه الرابع: لو كان الخيار لأجنبي:

ففي انتقاله إلى وارثه كما عن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(1)، أو إلى المتعاقدين، أو سقوطه - كما عن غير واحدٍ(2) وربما يظهر من «القواعد»(3)؟ وجوه:

أقول: قد وقع الخلاف في الخيار المجعول للأجنبي، في أنّه هل هو من باب التمليك أو التوكيل أو التحكيم:

فقد يقال: كما عن المحقّق النائيني رحمه الله(4) بأنّه ليس من قبيل التمليك - لأنّه لو كان على نحو جَعْل الملك، كان لازمه إرث وارثه عنه، لأنّ ما تركه لوارثه - ولا من باب التوكيل، وإلّا أمكن عزله، بل هو متوسّط بين الملكيّة والوكالة نظير التولية على الوقف، وهذا هو المراد من التحكيم الذي ذكره الفقهاء.

وفيه: لكن يمكن أنْ يكون من قبيل التمليك، وجعل الحقّ له، وإنّما لا يرثه وارثه من جهة ضيق مقدار الجعل والمجعول، إذ المجعول هو حقّ الخيار للأجنبي بما أنّه ذو نظر ورأي يعتمد عليه في أمر العقد، فيكون المستحقّ مقوّماً. وقد مرّ أنّ مثل هذا الحقّ لا يورث ولا ينتقل إلى الغير.

ويمكن أنْ يكون من قبيل التوكيل، وإنّما لا يمكن عزله، لأنّه وإنْ كانت

ص: 392


1- تحرير الأحكام: ج 1/168.
2- مستند الشيعة: ج 14/413، مفتاح الكرامة: ج 4/592.
3- القواعد: ج 2/69.
4- منية الطالب: ج 2/42.

الوكالة جائزة في نفسها، إلّاأنّه إذا كانت شرطاً في ضمن عقد لازمٍ لا يجوز العزل.

والظاهر أنّ جعل الخيار من قبيل الأوّل.

أقول: قد ظهر ممّا ذكرناه أمران:

الأوّل: إنّه لا يرثه وارثه ولا ينتقل إلى غيره.

الثاني: عدم تماميّة ما أفاده المحقّق الايرواني رحمه الله(1) - معلّقاً على قول الشيخ رحمه الله(2)، من أنّ ظاهر الجعل أو محتمله، مدخليّة نفس الأجنبي - بقوله: (لم أفهم المراد من مدخليّة الأصيل وعدم مدخليّته، فإنْ أُريد كون الخيار مجعولاً لشخص الأصيل، فالكلام في مثل ذلك، ويسري إلى الوارث بأدلّة الإرث...

إلى أنْقال: وإنْ اُريد كون الخيار مجعولاً لشخص الأصيل بشرط أنْ لا يورث.

ففيه: إنّ هذا شرط خلاف الكتاب والسُنّة) انتهى .

أقول: قد عرفت أنّ الخيار إنّما يورث إذا لم يكن المستحقّ مقوّماً، بل كان مورداً، وفي جعل الخيار الظاهر كونه مقوّماً، وهذا هو مراد الشيخ رحمه الله(3) من مدخليّة نفس الأجنبي، فلا إيراد عليه.

قال الشيخ رحمه الله(4): (وفي «القواعد»(5) لو جَعل الخيار لعبدِ أحدهما فالخيار لمولاه... الخ).

أقول: هذه المسألة غير مربوطة بما نحن فيه، وحاصلها أنّ جعل الخيار للعبد هل هو جعلٌ لمولاه لأنّه عبدٌ لا يقدر على شيء، أو أنّه جعل له لنفسه، بعد عدم

ص: 393


1- حاشية المكاسب للايرواني: ج 2/73.
2- المكاسب: ج 6/127.
3- المكاسب: ج 6/127 و 128.
4- المكاسب: ج 6/127 و 128.
5- القواعد: ج 2/69.

مزاحمة إعماله لحقّ مولاه ؟

والحقّ أنّ جعل الحقّ له لا محذور فيه، فإنّ كونه عبداً لا يقدر على شيء ليس معناه خروجه عن قابليّة جعل مالٍ أو حقّ له، بل معناه أنّ الأفعال التسبيبيّة لا تنفذ منه، وإنّما يلتزم بعدم مالكيّته من التزم لدليلٍ آخر مفقود من الحقّ .

نعم، يمكن الفرق بين كون المستحقّ عبد أحد المتعاقدين، أو عبد الأجنبي، من ناحية أنّ الخيار إنْ جُعل لعبد أحدهما، كان لازمه سلطنة العبد على مولاه بحلّ العقد الواقع بينه وبين طرفه، بخلاف ما لو جُعل لعبدِ الأجنبي، فإنّ العقد حينئذٍ أجنبي عن مولاه، ولعلّه لذلك قال في «القواعد»(1): (إنّ الخيار لو جُعل لعبدِ أحدهما فالخيار لمولاه، ولو جُعل لعبدِ الأجنبي فالخيار له لا لمولاه).

ولكن مقتضى ما ذكرناه من الفرق عدم ثبوت الخيار للعبد، لا ثبوته لمولاه، والذي يُسهّل الخطب عدم المورد لهذه المسألة، فالإغماض عن إطالة الكلام أولى .

والحمد للّه ربّ العالمين.

***

ص: 394


1- القواعد: ج 2/69.

فهرس الموضوعات

كتابُ الخيارات... 7

معنى الخيار اصطلاحاً... 7

الأصل في البيع اللّزوم... 10

القواعد المستفادة من العمومات... 11

الاستدلال على اللّزوم بالاستصحاب... 21

أقسام الخيار... 28

خيار المجلس... 29

ثبوت الخيار للوكيل... 31

ثبوت الخيار للموكّل... 37

توقّف خيار الموكّل على حضوره مجلس العقد... 39

تقدّم الفسخ على الإجازة... 42

بيان حقيقة تفرّق الموكّلين... 44

تفويض الأمر إلى الوكيل... 46

ثبوت الخيار للفضولي... 49

إذا كان العاقد واحداً... 52

استثناء من ينعتق على أحد المتبايعين... 55

شراء المسلم العبد من الكافر... 60

شراء العبد نفسه... 62

اختصاص خيار المجلس بالبيع... 65

مبدأ خيار المجلس... 67

ص: 395

سقوط الخيار باشتراط سقوطه... 71

حكم الشرط غير المذكور في متن العقد... 83

المنذور عتقه... 86

الإسقاط بعد العقد... 89

لو قال أحدهما لصاحبه اختر... 93

افتراق المتبايعين... 96

الافتراق عن إكراه... 98

إكراه أحدهما على التفرّق... 102

حكم ما لو زال الإكراه قبل الرّد... 106

مسقطيّة التصرّف... 108

خيار الحيوان... 111

اختصاص الخيار بالمشتري... 114

مدّة الخيار ثلاثة أيّام... 125

ثبوت خيار المجلس لو كان المبيع حيواناً... 127

مبدأ هذا الخيار... 130

دخول اللّيلتين المتوسّطتين في ثلاثة الخيار... 136

التصرّف مسقط للخيار... 138

حكم تلف المبيع في زمان الخيار... 145

اختصاص هذا الحكم بخياري الحيوان والشرط... 147

اختصاص هذا الحكم بالمبيع الشخصي... 149

المستفاد من النصوص كون هذا الضمان ضمان المعاوضة... 150

حكم إتلاف المبيع في زمان الخيار... 154

خيار الشرط... 156

ص: 396

اشتراط ضبط مدّة الخيار المجعول... 158

مبدأ خيار الشرط... 164

جعل الخيار للأجنبي... 166

جواز اشتراط الاستئمار... 172

بيع الخيار... 175

الأنحاء التي يقع الشرط عليها... 178

الثمن المشروط رَدّه لفسخ البيع... 180

الفسخُ بالرَّد... 183

مسقطات خيار الشرط... 187

حكم تلف المبيع... 194

حكم تلف الثمن... 196

رَدّ المثل إلى الوكيل أو الولي... 198

الانفساخ بردّ بعض الثمن... 202

جريان خيار الشرط في العقود الجائزة... 205

جريان الخيار في الإيقاعات... 207

جريان الخيار في سائر العقود اللّازمة... 210

خيار الغبن... 219

اعتبار عدم علم المغبون بالقيمة... 232

الخيار يدور مدار الغبن الموجود حال العقد... 235

لا عبرة بعلم مجري الصيغة... 236

ما يثبت به الجهل... 238

اشتراط كون التفاوت فاحشاً... 241

تصوير الغبن من الطرفين... 244

ص: 397

ظهور الغبن كاشفٌ عن ثبوت الخيار... 246

مسقطات خيار الغبن... 249

إسقاط الخيار قبل ظهور الغبن... 251

اشتراط سقوط الخيار في متن العقد... 256

تصرّف المغبون بعد العلم بالغبن... 258

التصرّف المُخرِج عن الملك... 260

فروع... 262

تصرّف الغابن المُخرِج عن الملك... 267

تصرّف الغابن الموجب للنقيصة... 271

تصرّف الغابن الموجب للزيادة... 274

التغيّر بالامتزاج... 278

حكم الامتزاج بالجنس... 281

حكم تلف العوضين... 284

ثبوت خيار الغبن في غير البيع... 288

كون هذا الخيار على الفور أو التراخي... 290

التمسّك بآية الوفاء عند الشكّ ... 293

أصالة فساد فسخ المغبون... 295

المراد من الفوريّة... 297

خيار التأخير... 299

شرائط خيار التأخير... 305

اعتبار عدم قبض مجموع الثمن... 309

عدم اشتراط تأخير التسليم... 313

ما قيل باعتباره في خيار التأخير... 316

ص: 398

مسقطات خيار التأخير... 324

اشتراط السقوط ضمن العقد... 327

بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة... 328

أخذ الثمن من المشتري... 331

فوريّة خيار التأخير وعدمها... 333

في أنّ تلف المبيع بعد الثلاثة من البائع... 335

شراء ما يفسد من يومه... 338

خيار الرؤية... 345

مورد خيار الرؤية... 349

الخيار بين الرَّد والإمساك مجّاناً... 353

خيار الرؤية فوري... 355

مسقطات خيار الرؤية... 356

اشتراط سقوطه... 358

حكم بذل التفاوت وإبدال العين... 361

ثبوت خيار الرؤية في كلّ عقد... 366

اختلاف المتبايعين... 368

حكم نَسج بعض الثُّوب... 370

انتقال حقّ الخيار إلى الوارث... 373

إرث الخيار ليس تابعاً لإرث المال... 377

كيفية استحقاق الورثة للخيار... 383

لو اجتمع الورثة على الفسخ... 389

حكم الخيار المجعول للأجنبي... 392

فهرس الموضوعات... 395

ص: 399

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.